الكتاب: فتوح البلدان
المؤلف: البلاذري
الجزء: ١
الوفاة: ٢٧٩
المجموعة: مصادر التاريخ
تحقيق: نشر وإلحاق وفهرسة : الدكتور صلاح الدين المنجد
الطبعة:
سنة الطبع: ١٩٥٦ م
المطبعة: مطبعة لجنة البيان العربي
الناشر: مكتبة النهضة المصرية - القاهرة
ردمك:
ملاحظات:

كتاب
فتوح البلدان
تأليف
أحمد بن يحيى بن جابر
المعروف بالبلاذري
القسم الأول
نشره ووضع ملاحقه وفهارسه
الدكتور صلاح الدين المنجد
ملتزمة النشر والطبع
مكتبة النهضة المصرية
9 شارع عدلي باشا - القاهرة
تعريف الكتاب 1

مطبعة لجنة البيان العربي
4 شارع مصطفى كامل بلانلموغلى ت 79 27
تعريف الكتاب 2

فتوح البلدان
" لا نعلم في فتوح البلدان
أحسن منه ".
المسعودي
تعريف الكتاب 3

اللوح رقم 1 فتوح البلدان
صفحة العنوان في مخطوطة مكتبة جامعة ليدن
الموجودة فيها حاليا. برقم Warn 430
مخطوطات الكتاب 5

اللوح رقم 2 فتوح البلدان
الصفحة الأولى في مخطوطة ليدن
السابقة الذكر
مخطوطات الكتاب 7

اللوح رقم 3 فتوح البلدان
الصفحة الأخيرة في مخطوطة ليدن
مخطوطات الكتاب 9

اللوح رقم 4 فتوح البلدان
في الأعلى قطعة من ترجمة البلاذري التي وجدت على ظهر مخطوطة ليدن، وهي بخط
السخاوي لا المقريزي كما ظن دخويه وكما يتبين من مقارنتها بالقطعة السفلى وهي إجازة من السخاوي
بخطه للقسطلاني في مخطوطة عمدة القارئ (دار الكتب 329، حديث)
مخطوطات الكتاب 11

المقدمة
(م 1 مقدمة)
مقدمة الناشر 1

مصادر ترجمة البلاذري
لابد، لدراسة البلاذري، مؤرخا، ونسابة، وراوية من الرجوع أولا
لي تواليفه التي وصلت إلينا وهي:
1 أنساب الأشراف.
2 فتوح البلدان.
ثم إلى المصادر القديمة التي ترجمت له أو ذكرت بعض أخباره. فقد ترجم
له كثيرون منذ القرن الرابع حتى القرن التاسع. ولكن بعض هذه الترجمات
الأساسية لم يصل إلينا.
ونكاد لا نجد له ترجمة في مصدر من مصادر القرن الثالث الذي عاش
فيه، وإنما نجد ذلك في مصادر القرن الرابع وما بعده.
فممن ترجم له أو ذكره:
1 الجهشياري (331 ه‍) في كتاب الوزراء والكتاب:
أورد بعض أخباره، وتكلم على جده. وفى معجم الأدباء (5: 9592)
نقول عن الجهشياري لا توجد في المطبوع.
2 الصولي (336 ه‍) في كتاب الوزراء:
لم يصل إلينا الكتاب. وفى معجم الأدباء (5: 100) نقول عنه
يتحدث بها عن ضائقته أيام المعتمد.
3 المرزباني (384 ه‍) في معجم الشعراء:
لم يصل إلينا القسم الذي فيه ترجمة البلاذري من المعجم. وفى تاريخ دمشق
(مخطوط) ومعجم الأدباء (5: 99) نقول عنه.
مقدمة الناشر 3

4 التنوخي (384 ه‍) في نشوار المحاضرة:
لم يصل إلينا القسم الذي يتحدث فيه التنوخي عن البلاذري. وفى بغية
الطلب لابن العديم (مخطوط) نقل عنه يتعلق بخبره مع المستعين.
5 ابن النديم (385 ه‍) في الفهرست:
ترجم له ترجمة طويلة. نقل عنها ياقوت ومن جاء بعده. لم نجد في المطبوع
منه إلا بعضها.
6 ابن عساكر (571 ه‍) في تاريخ مدينة دمشق:
(مخطوطة الظاهرية، الجزء الثاني. ورقة 135 ا 136 ب).
ذكر من سمع منهم بدمشق وحمص.
وبعد ابن عساكر نكاد لا نجد في التراجم أشياء أصيلة، وإنما حفظت
لنا ما ذكرته مصادر القرن الرابع.
7 ياقوت (626 ه‍) في معجم الأدباء:
ترجم له ترجمة جامعة طويلة.
8 ابن العديم (666) في بغية الطلب في تاريخ حلب:
(مخطوطة أحمد الثالث. الجزء الأول، ورقة 117 ا 119 ب).
حفظ لنا ما ذكر التنوخي عن صلة المستعين إياه.
9 ابن خلكان (682 ه‍) في وفيات الأعيان:
نقل دغويه عنه. ولكننا لم نجد في طبعة أو روبة ولا طبعة القاهرة منه
ترجمة البلاذري.
مقدمة الناشر 4

10 الذهبي (748 ه‍):
ترجمه له في الميزان (ميزان الاعتدال).
ذكر ذلك المقريزي (أنظر بعد) ولكننا لم نجد الترجمة في نسخة الميزان
المطبوعة.
وكذلك ترجم له في تاريخ الاسلام (مخطوطة دار الكتب المصرية
42 تاريخ).
وفى سير أعلام النبلاء (مخطوطة أحمد الثالث. المجلد 9، ورقة 71).
11 الصفدي (764 ه‍) في الوافي بالوفيات:
(مخطوطة أحمد الثالث. الجزء الثامن، ورقة 108 101).
ترجم له ترجمة جامعة فيها خلاصة ما ذكرته المصادر التي سبقته.
12 المقريزي (846 ه‍):
كتب ترجمة له بخطه على ظهر مخطوطة الفتوح المحفوظة بليدن.
ونشرها هماكر، ثم دخويه.
13 ابن حجر (852 ه‍) في لسان الميزان:
14 ابن تغرى بردى (874 ه‍) في النجوم الزاهرة:
جزم بأن وفاته كانت سنة 279 ه‍.
15 السخاوي (902 ه‍) في الاعلان بالتوبيخ:
ذكر أن له كتاب التاريخ والبلدان وأنساب الأشراف.
16 حاجي خليفة (1067 ه‍) في كشف الظنون:
ذكر كتبه في الأنساب وحدها.
مقدمة الناشر 5

2 المصادر الحديثة
(ا) المصادر العربية
نذكر من المصادر العربية في عصرنا:
1 جرجي زيدان (1914 م) في تاريخ الآداب العربية.
ترجم له ترجمة منقول بعضها عن بروكلمن في طبعته الأولى، وفيها أخطاء.
2 يوسف إليان سركيس (1932 م) في معجم المطبوعات العربية:
ترجم له، وذكر تواليفه المطبوعة.
(ب) المصادر الغربية
1 دخويه (1909 م) De Goeje. J. M:
ترجم له باللغة اللاتينية في مقدمة طبعته فتوح البلدان سنة 1866 م
2 بروكلمن (1956 م) K Brockelmann:
تكلم عليه بالألمانية في كتابه (تاريخ الآداب العربية GAL في الأصل والذيل
3 بيكر (بعد 1925 م) H Becker. K:
ترجم له في دائرة المعارف الاسلامية EI.
رجعنا إلى الطبعة الفرنسية.
4 سوفاچه (1949 م) Sauvaget. J:
تكلم على بعض كتبه في كتابه المدخل. أنظر كتابنا: رائد التراث
العربي ص.
وكذلك ترجم له في كتابه " المؤرخون العرب " Les Historiens Arabes
(أنظر بعد: ترجمات فتوح البلدان)
مقدمة الناشر 6

ترجمة جديدة للبلاذري
- 1 -
لا تسعف المصادر الباحث بشئ عن أسرة أحمد بن يحيى بن جابر بن داود
وأصله. كل ما نعرفه أن جده جابر كان يكتب للخصيب (1)، صاحب خراج
مصر أيام الرشيد. ولم تترجم المصادر لجده. ويذهب بيكر Becker (2) وسوفاجه
Sauvaget (3) إلى أن أصله من الفرس. وقد يكون ذلك صحيحا. لأننا لا نعرف
من نسبه شئ بعد اسم جده، ولو كان عربيان لا ثبت نسبه وفخر به، أو ذكره من
ترجم له، ثم كان أحد النقلة من الفارسية إلى العربية.
وقد اتفقت المصادر على أن اسمه أحمد. ولكنها اختلفت في كنيته (4) فجعلته
أبا جعفر وأبا بكر وأبا الحسن (5). ولا ندري إذا كان أوتى أولادا فكنى بأسمائهم،
فحياته الخاصة غامضة جدا.
ونرجح أنه ولد في بغداد، في أواخر القرن الثاني. وأول ما نعرفه عن حياته
العامة أنه مدح المأمون بمدائح (6). ولا ندري متى اتصل به. ومن المؤكد أن
ذلك كان قبيل وفاة المأمون سنة 218 ه‍، وقد تجاوز العشرين على أقل تقدير.
فما كان يتاح له أن يمدح الخليفة بمدائح إلا وقد كان له علم ونباهة.

(1) النديم، الفهرست، 113.
(2) مادة البلاذري. E I, dans, Becker. H. C
(3) 15. p, Les Historiens Arabes, Sauvaget
(4) لم يفرق دخويه بين الاسم والكنية فذكر أن الاختلاف في اسمه.
(5) ابن عساكر، تاريخ دمشق (مخطوط) ورقة 136 آ.
(6) ياقوت، معجم البلدان 5: 99، وابن عساكر، المصدر السابق.
مقدمة الناشر 7

نشأ أحمد بن يحيى إذن مع القرن الثالث من الهجرة. وكان هذا القرن
من أخصب عصور الخلافة العباسية في الثقافة والحضارة والسياسة. كان عصر
الترجمة من الفرس واليونان، التي أغنت التراث الاسلامي، وعصر الفن الذي تجلى في
قصور المعتصم والمتوكل، وعصر الترف الذي رف بما تدفق على بغداد من أموال
وخراج، وعصر الرواية والعلم الذي تجلى في كتب الواقدي والمدائني وابن سعد
والقاسم ابن سلام وابن الكلبي. كل ذلك أثر في صاحبنا وأثر في تكوينه
وثقافته وحياته.
ويختفي اسم صاحبنا بعد وفاة المأمون، فلا نكاد نجد له ذكرا أيام المعتصم
(227 ه‍) وأيام الواثق (232 ه‍)، حتى إذا كان أواخر أيام المتوكل
وجدناه يجالس الخليفة ويحضر مجالسه فينادمه ويحادثه. ونراه في الاعذار
العظيم الذي اقامه المتوكل لابنه المعتز متصدرا في بركوارا قصر الهناء، وهو
من أعظم قصور المتوكل مع البحتري، وعلي بن الجهم، والحسين بن الضحاك،
وعلي بن ربن الكاتب، ويعقوب بن السكيت، وأبناء حمدون النديم (1). وهذا
يدل على مكانته عند المتوكل وشأنه.
وقد وصلت إلينا طرف من مجالسه مع المتوكل (2)، فيما كان يجادل فيه
ويناقش، أو فيما كان يرويه عن المتوكل في كتابه فتوح البلدان.
لكن أيام المتوكل لم تطل، فقد قتل سنة 248 ه‍. ولعله بقى معه في العشر
السنوات الأخيرة من خلافته.
وخلف المتوكل ابنه المنتصر، فلم يلبث طويلا حتى قتل أيضا، سنة 248 ه‍،
وكانت خلافته ستة شهور. فخلفه المستعين، وإذا بصاحبنا يتصل به فيكون

(1) الأوحدي، الذخائر والتحف (مخطوط).
(2) أنظر ياقوت 5: 93، وفيه خبر تخطيئه إبراهيم بن العباس الصولي
في حضرة المتوكل.
مقدمة الناشر 8

أثيرا عنده، وإذا بأموال الخلافة تغمره فيدخر منها. وقصته مع المستعين ذات شأن
لأنها تنير طرفا من حياته. وقد حفظها لنا ابن النديم فيما نقله عن التنوخي. فقد
مدحه مدحا جميلا، فبعث إليه سبعة آلاف دينار وكتب إليه بخطه رقعة فيها:
" قد أنفذت إليك سبعة آلاف دينار. وأنا أعلم أنك ستجفى بعدي وتطرح،
وتجتدي فلا يجدى عليك. فاحفظ هذه الدنانير عندك، فإذا بلغت بك الحال إلى
هذا فأنفق منها ولا تتعرف لاحد ليبقى ماء وجهك عليك. ولك على أن لا تحتاج ظ
ما عشت إلى شئ في أمر دنياك كبير أو صغير على حسب حكمك وشهوتك " (1).
وتابع المستعين جراياته وأرزاقه عليه فكان ينفق ولا يحتاج أحدا. وبلغ
صاحبنا غاية ما يريد في كنف المستعين وعطفه وحدبه.
وانقضت خلافة المستعين بعد أربع سنوات، فقد أمر المعتز بقتله سنة 252 ه‍
وهو شاب قد تخطى الثلاثين.
وقد كان من المتوقع، وقد تولى المعتز الخلافة، أن يجفى صاحبنا ويطرح لصلته
بالمستعين. لكننا نجده قريبا منه يعهد إليه بتأديب ابنه عبد الله، وعمر عبد الله
خمس سنوات. ولعل ذلك لصلته القديمة بأبيه المتوكل. ولقد رأينا أن صاحبنا
كان في إعذار المعتز يوم أعذره أبوه.
ثم صار أمر المعتز إلى ما صار إليه المستعين من قبل. فأمر صالح بن وصيف
التركي، بعد أربع سنوات من توليه، أن يدخل في حمام ويسد عليه بابه. فمات
وهو في ريعان صباه لم يتجاوز الخامسة والعشرين. وخلف ابنه عبد الله وهو يحدر
نحو التاسعة.
ولا ندري إذا كان صاحبنا تابع تأديب ابن المعتز في خلافة المهتدى (قتل
سنة 526) والمعتمد (مات سنة 279 ه‍). فنحن لا نجد شيئا في المصادر يدلنا.

(1) ابن العديم، بغية الطلب. ورقة 118 آ، ب
مقدمة الناشر 9

على ذلك والغريب أن ابن المعتز لا يذكر أستاذه بشئ في تواليفه، حتى
في طبقات الشعراء، في حين أنه ذكر فيها شعراء أقل منه شأنا.
وبدأ مجد أحمد بن يحيى بالزوال، ونجمه بالأفول منذ توفى المعتز. فانعزل
وجفا القصور. وكان عهد المعتمد أشد عهود حياته سوءا وحاجة وفقرا. قضاه في
صراع عنيف وضيق، فقد نفد مال المستعين وأدركته الحاجة وركبته الديون، فلجأ
أول ما لجأ، إلى عبيد الله بن يحيى. وكان عبيد الله وزيرا للمعتمد سنة 256 ه‍، فسأله
العطاء. ويحدثنا عن ذلك فيقول:
" كانت بيني وبين عبيد الله بن يحيى بن خاقان حرمة منذ أيام المتوكل
وما كنت أكلفه حاجة لاستغنائي عنه. فنالتني في أيام المعتمد على الله إضاقة،
فدخلت إليه وهو جالس للمظالم. فشكوت إليه تأخر رزقي وثقل ديني وقلت:
إن عيبا على الوزير أعزه الله حاجة مثلي في أيامه وغض طرفه عنى.. "
فوقع لي ببعض ما أردت. (1) ولكن عبيد الله حجبه إذ جاء إلى بابه في مرة
ثانية (2).
ثم لجأ صاحبنا إلى إسماعيل بن بلبل، أبى الصقر. وكان تولى الوزارة للمعتمد
بعد عبيد الله سنة 265 ه‍، وبقى إلى سنة 277 ه‍. فمدحه رغبة أن يطلق له بعض
المال. وكتب إليه كتابا حسنا، فوعده ولم يفعل. فهجاه ونعته باللئيم، وسمى
من يلجأ إليه بالذليل (3). حتى إذا ما مضى أبو الصقر عن الوزارة، وتولاها أحمد
ابن صالح شيرزاد سنة 277، عاد فلجأ إليه. فتشاغل عنه. فهم أن يهجوه،
فخاف وقضى حاجته (4).

(1) ياقوت، معجم الأدباء 5: 95.
(2) المصدر السابق 5: 95.
(3) ياقوت، نقلا عن الصولي 5، 101 102.
(4) المصدر السابق 5: 96.
مقدمة الناشر 10

وهكذا كانت تقترب حياة أحمد بن نهايتها، وهو مبعد عن الخلفاء
صفر اليدين، يطلب الرزق من أبواب الوزراء فيعطى مرة ويجفى مرات، فلا يجد
ما ينفس به ألمه وعجزه ونقمته وأنفته إلا الهجاء.
وقد حفظ لنا ياقوت بعض أهاجي صاحبنا في هؤلاء الوزراء وغيرهم من
الكتاب. ولعل هذه الأهاجي هي التي جعلت المصادر تذكر أنه كان هجاء آخذا
في الاعراض.
ومات أحمد بن يحيى في آخر خلافة المعتمد سنة 279 ه‍ على الأرجح. وقد
تجاوز الثمانين من عمره، إذا افترضنا أنه ولد في أواخر القرن الثاني وأتيح له أن
يمدح المأمون الذي توفى سنة 218 ه‍، وهو في العشرين.
وقد كان لموته قصة ذكرها ابن النديم (1) وتابعته المصادر عليها. ذكر أنه
شرب في آخر عمره حب البلاذر فوسوس، وشد في المارسنان ومات فيه. وسمى
بعد موته بالبلاذري.
وهذه القصة تثير الشك. وقد شك بها ياقوت منذ القرن السابع. ذلك
أن الجهشياري ينعت جد أحمد بن يحيى، الذي كان كاتبا للخصيب، بالبلاذري.
قال ياقوت: " قال الجهشياري في كتاب الوزراء: جابر بن داود البلاذري.
كان يكتب للخصيب بمصر. هكذا ذكر. " ثم يعقب ياقوت فيقول:
ولا أدرى أيهما شرب البلاذر: أحمد بن يحيى أو جابر بن داود. إلا أن ما ذكره
الجهشياري يدل على أن الذي شرب البلاذر هو جده. لأنه قال: جابر بن داود،
ولعل ابن ابنه لم يكن حينئذ موجودا " (2).
ومن المؤسف أن طبعة كتاب الجهشياري التي بين أيدينا ناقصة

(1) ابن النديم، الفهرست، ص 113.
(2) ياقوت، معجم الأدباء 5: 92.
مقدمة الناشر 11

فقد رجعنا إليها لنرى نص الجهشياري الذي ذكره ياقوت فوجدنا خلطا عجيبا.
قال:
" وكان يكتب للخصيب أبو عبد الحميد بن داود البلاذري المؤلف لكتاب
البلدان. وغيره من الكتب " (1).
وهذه العبارة تخالف في تركيبها ما ذكره ياقوت، وتخالف الواقع أيضا.
فمؤلف كتاب البلدان ليس " أبا عبد الحميد بن داود البلاذري ".
ويذكر الذهبي في سير النبلاء (2) أن شربه البلاذر كان للحفظ. وهذا
ما يؤكد الشك في الرواية. فماذا يريد أن يحفظ من بلغ الثمانين أو تجاوزها،
وألحت عليه الحاجة، ولجأ إلى الناس؟ وإنما يبغي الحفظ من كان ناشئا
في بداءة الشباب، يطلب العلم ويجمعه.
ويذكر صاحب الفهرست أنه " شد " في المارستان، وعبارة الذهبي
" ربط ". والعادة أن يربط أو يشد من يخشى قوته وبطشه من المجانين. فهل
عند من جاوز الثمانين مثل ذلك؟
وكيف كان سبب موته، ورغم شكوكنا هذه، فإننا ما نزال نحتاج إلى
نصوص جديدة صحيحة لكتاب الجهشياري وغيره، لتبين لنا كيف مات،
وتبين لنا هل كان " البلاذري " لقبا له أم لجده.

(1) الجهشياري، كتاب الوزراء والكتاب، (طبعة السقا والأبياري وشلى)
ص 256.
(2) الذهبي، سير النبلاء (مخطوط) ورقة 71، المجلد التاسع.
مقدمة الناشر 12

تلك هي حياة أحمد بن يحيى العامة. أما حياته العلمية فقد كانت أخصب
وأكثر ثمارا. فقد نشأ في بغداد وأخذ عن علمائها في النصف الأول من القرن
الثالث. وحضر حلقاتهم في الحديث والأدب والسير. وكان أكثر من أخذ
عنهم الحسين بن علي الأسود (254 ه‍) والقاسم بن سلام (224 ه‍)
وعلي بن محمد المدائني (225 ه‍) ومحمد بن سعد كاتب الواقدي (230 ه‍) (1)
وقد ذكرت المصادر معرفته الفارسية (2). ولعلمه تعلمها، وكانت لغة أجداده
إذا ذهبنا إلى أن أصله من الفرس وكذلك يبدو أنه أحاط بطرف من ثقافة
الروم. فنحن نراه يجادل أمام المتوكل في كيفية التاريخ عندهم (3).
وبعد أن أخذ طرفا كبيرا من علم أهل العراق توجه إلى الشام. فسمع
في دمشق عالمها هشام بن عمار (246 ه‍) وأبا حفص الدمشقي (225 ه‍).
وطاف في بلاد الشام فزار حمص وسمع فيها من محمد بن مصفى (246 ه‍)
ثم حلب ومنبج، وأنطاكية، وثغور الروم، والجزيرة، والرقة (4) وتكريت.
لا ندري على الدقة متى كانت رحلته إلى الشام، فهو لم يذكر متى طاف
بهذه البلاد، ولكننا نرجح أن ذلك كان بعد وفاة المأمون سنة 218 ه‍، أي
في زمن المعتصم، فنحن لا نسمع شيئا عنه في هذه الفترة، يضاف إلى ذلك أن
أبا حفص الدمشقي الذي سمع منه بدمشق توفى سنة 225 ه‍. فلابد أنه سمع
منه قبل ذلك.

(1) انظر فهرس الرواة في آخر الكتاب.
(2) ابن النديم، الفهرس، ص 113.
(3) ياقوت، معجم الأدباء 5: 93 وما بعدها.
(4) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق (المصدر السابق) وابن العديم، بغية الطلب
(المصدر المذكور).
مقدمة الناشر 13

وهكذا جمع صاحبنا إلى علم أهل العراق علم أهل الشام. وقد كانت رحلته هذه
وسيلة لاكتسابه ثقافة جديدة أفادته في كتابه فتوح البلدان. فقد أخذ كثيرا
عن أهل دمشق وحمص ومنبج والرقة والثغور وأنطاكية أخبار فتوحهم وأثبتها
في كتابه إلى جانب أخبار أخرى.
وقد كان لأساتذته وثقافته ورحلاته وتردده على قصور الخلفاء أثر في إنتاجه
وفى نوع هذا الانتاج. فقد استفاد بطريق ابن سعد جميع روايات الواقدي في الفتوح.
واستفاد من المدائني نفسه رواياته في كتبه الكثيرة في الفتوح والبلدان. وأخذ
بطريق حفيد ابن الكلى ما رواه جده في الأنساب. وأخذ عن القاسم بن سلام
أمور العشر والخراج. فكان بعد ذلك مؤرخا للبلدان، وكان نسابة، وراوية
شاعرا. وهذه الاتجاهات هي التي ظهرت بعد في كتبه.
وثمة تأثير آخر لمعرفته الفارسية هو نقله آثار الفرس إلى العربية، حتى نعته
ابن النديم بأنه كان أحد النقلة إلى اللسان العربي.
هذه الثقافة الحضارية المطمة أهلته أن يكون عالما مؤلفا وأن يكون نديما
للخلفاء، وأن يأخذ عنه كثيرون.
وقبل أن نتكلم على إنتاجه بالتفصيل يجدر أن نذكر أن تلاميذ أحمد بن يحيى
كانوا كثرا. يكفي أن نذكر أنه أستاذ وكيع القاضي، وجعفر بن قدامة صاحب
الخراج. وقد ذهب دخويه (1) إلى أن صاحب الفهرست محمد بن إسحاق النديم
كان تلميذه. وهذا خطأ. ومصدره الترجمة التي كتبت بخط المقريزي في أول
فتوح البلدان. والصحيح أن الذي أخذ عنه هو يحيى بن النديم. فقد تصحفت
يحيى إلى محمد. والمعروف أن صاحب الفهرست لم يدرك البلاذري ومات بعده
بما يقرب من مئة سنة، فقد مات يقينا بعد سنة 375. ويحيى بن النديم هذا
هو يحيى بن المنجم، وكان من أسرة كانت ندامى للخلفاء (2).

(1) في مقدمة نشرته.
(2) ويذكره الذهبي باسم يحيى بن المنجم.
مقدمة الناشر 14

فأما ما نقله عن الفارسية فقد عرفنا منه " عهد اردشير " الذي نقله شعرا.
ولم يصل هذا الكتاب إلينا.
كانت ثمار ثقافة أحمد بن يحيى " كتبا جيادا " أو " حسنة " كما نعتتها
المصادر. وأشهر هذه الكتب كتاب أنساب الأشراف. وقد نقل ياقوت
والصفدي أن اسم الكتاب " جمل نسب الاشراف " وقال: هو كتابه المعروف
المشهور. لكن المطبوع من ابن النديم لا يذكر له هذا الكتاب، بل يذكر
كتابا باسم " كتاب الاخبار والأنساب " لم يذكره أحد ممن نقل عن ابن
النديم. والمطبوع من الفهرست ناقص لاشك. أما حاجي خليفة فيذكر للبلاذري
كتابين متقاربين الأول: أنساب الأشراف، ويذكر أنه في عشرين مجلدا ولم
يكمله. والثاني: الاستقصاء في الأنساب والاخبار في أربعين مجلدا ولم يكمله. وهو
لا يثبت مبتدأ الكتاب كعادته مما يدل على أنه لم يره. ولم يذكر أحد من المتقدمين
كتاب الاستقصاء بهذا الاسم. ويذكر الخاوي (1) أن له كتاب التاريخ وكتاب
أنساب الأشراف. وقد ظن دخويه (2) أن الأنساب والاخبار هو التاريخ الذي
ذكره السخاوي. وينعته الذهبي بأنه صاحب التاريخ الكبير. والمرجح أن
كتاب الأنساب والاخبار هو كتاب أنساب الأشراف، بدل اسمه، وأن
الأنساب هو التاريخ نفسه.
وقد بدأ البلاذري كتابه بسيرة النبي، وسير الصحابة. ثم أورد العباسيين
بعد العلويين، وبنى عبد شمس بعد بنى هاشم. وذكر الأمويين في بنى عبد شمس،
لكنه لم يفرد لهم مكانا خاصا. ثم تحدث عن بقية قريش وبطون أخرى من
مضر. وشغل الجزء الأخير من كتابه عن قيس، وخص بالذكر منهم ثقيف،
واستفاض في سيرة الحجاج (3).

(1) الاعلان بالتوبيخ ص 154.
(2) في مقدمة نشرته.
(3) بيكر، في دائرة المعارف الاسلامية.
مقدمة الناشر 15

وقد نشر الأستاذ الدكتور حميد الله قائمة بمواد الكتاب كلها عن النسخة
الوحيدة منه الموجودة في استامبول (1).
وألف أحمد بن يحيى كتاب البلدان الكبير وكتاب البلدان الصغير. أما
الكبير فلم يتم. ويظن بعض العلماء أن كتاب فتوح البلدان الذي بين أيدينا
هو كتاب البلدان الصغير. ولا يذكر حاجي خليفة كتاب فتوح البلدان. على
أن ابن النديم يذكر أن كتاب الفتوح إلى جانب كتابيه في البلدان. وقد
نقل هذا عنه ياقوت والصفدي. ولا يوجد اسم كتاب الفتوح في المطبوع من
ابن النديم. ونرجح أن يكون كتاب الفتوح هذا هو فتوح البلدان الذي وصل
إلينا والذي سنتكلم عليه بالتفصيل (2). ونعتقد أن كتابيه في البلدان هما على نمط
كتب البلدان التي ظهرت في القرن الثالث فكان منها كتاب البلدان لليعقوبي
وكتاب البلدان لابن الفقيه الهمداني.

(1) أنظر 1954, Institut Francais de Damas، Bulletin de l
(2) يؤكد اعتقادنا هذا أنه أثبت في آخر مخطوطة لندن ما يلي: " هذا تمام كتاب
الفتوح للبلاذري ".
مقدمة الناشر 16

كتاب فتوح البلدان
عنى المؤرخون المسلمون في القرن الثاني عناية كبرى بتدوين السير والمغازي. فقد
غلب عليهم تدوين أخبار الرسول وحياته وكان ذلك شغلهم الشاغل (1). أما في القرن
الثالث، فقد ظهرت العناية بتدوين الفتوح وكان أبرز من دونها، قبل أحمد بن
يحيى، أبو حذيفة إسحاق بن بشر (206)، والواقدي (207) وأبو عبيدة
معمر بن المثنى (- 210) وعلي بن محمد المدائني (- 225) وقد لحق هؤلاء
فيما بعد ابن عبد الحكم المتوفى سنة (257).
ألف أبو حذيفة في فتوح بيت المقدس (2). والواقدي في فتوح الشام وفتوح
العراق (3). ونسبت إليه كتب في فتوح إفريقية، ومنف، والإسكندرية،
والجزيرة، والعجم. أما المدائني فقد زاد على من سبقه وأربى. فألف في الفتوح
عددا كبيرا من الكتب. كفتوح الشام، والعراق، والبصرة، وخراسان،
وسجستان، وفارس، والأبلة، وأرمينية، وكرمان، وكابل، وعمان،
وطبرستان، ومصر، والري، والجزيرة، والأهواز، والبحرين، وبرقة،
ومكران، والحيرة.. أفرد لكل بلد كتابا (4). وألف ابن عبد الحكم فتوح
مصر والمغرب (5).
وهكذا كان بين يدي أحمد بن يحيى مادة خصبة في الفتوح وجدها قبل أن
يؤلف كتابه.

(1) أنظر للتفصيل: هورورفتس، المغازي الأولى ومؤلفوها، ترجمة الدكتور حسين نصار.
(2) أنظر كشف الظنون.
(3) ابن النديم، الفهرست 98.
(4) المصدر السابق، ص 103.
(5) أنظر كشف الظنون.
مقدمة الناشر 17

لا ندري متى ألف كتابه، فهو لا يذكر شيئا. على أن بعض الحوادث
المذكورة في الكتاب تدلنا على ذلك. فهو يذكر المعتز بالله، ولا يذكر بعده
أحدا ممن تولى الخلافة. مما يرجح أنه أتمه بعد سنة 255 ه‍ وهي السنة التي قتل
فيها المعتز.
ولنر الآن ما هي المصادر التي اعتمد عليها في تأليف كتابه.
لقد أحصينا الرواة التي روى أحمد بن يحيى عنهم كتابه فوجدنا أنه أخذ
معظم أخباره عن:
الحسين بن الأسود الكوفي نزيل بغداد.
والقاسم بن سلام.
ومحمد بن سعد كاتب الواقدي.
وعلي بن محمد المدائني.
وعمرو بن محمد الناقد.
والعباس بن هشام الكلبي.
أما ما سواهم فقد أخذ عنهم أخبارا قليلة.
2 استفاد مباشرة أو عن طريق راوية من روايات الواقدي، وأبى
مخنف، وابن الكلبي، وأبى عبيدة معمر بن المثنى.
3 أخذ عن أهل كل بلد وذكر أسماء من أخذ عنه أحيانا. وأغفل
أسمائهم أحيانا. فكان يقول: أخبرني بعض أهل فارس أخبرني شيخ من
أهل حمص أخبرني بعض أهل الثغر حدثني بعض أهل منبج حدثني
عدة من أهل قزوين حدثني مشايخ من أهل أنطاكية حدثني عدة من
مشايخ قاليقلا.
مقدمة الناشر 18

ولا شك أنه كان يستمع إلى هؤلاء أثناء رحلته أو أثناء اجتماعه بهم في بغداد
4 أخذ عن مجهولين لم يذكر أسماءهم ولا عين بلادهم. فكان يقول:
حدثني جماعة من أهل العلم حدثني من أثق به.
5 استكتب علماء البلاد في شؤون بلادهم. فقد ذكر أنه كتب إليه
العطاف قاضي قاليقلا. ولم يكتب إليه العطاف في أمر فتح بلده إلا بعد أن
طلب منه ذلك.
6 إلى جانب العلماء والرواة كان يستقى أخباره من أشخاص رسميين
كالخلفاء أو الكتاب في ديوان الخليفة. فكان يقول: حدثني من أثق به
من الكتاب أن المتوكل..، أو أخبرني المتوكل..
7 كان يتصرف بأقوال الرواة يمزج بعضها ببعض ويختصرها ويرويها
رواية جديدة ويقول: قالوا. وقد افتتح كتابه بقوله: أخبرني جماعة من أهل العلم
بالحديث والسيرة وفتوح البلدان سقت حديثهم واختصرته ورددت في بعضه
على بعض ".
تلك هي مصادر أحمد بن يحيى في فتوحه. أما الفتوح نفسها فقد بدأ بالجزيرة
العربية، ثم بالشام، وقبرس، والجزيرة، والثغور، ثم أرمينية، ثم مصر والمغرب
وإفريقية، والأندلس، ثم جزائر البحر. وعاد إلى السواد والعراق. ثم تكلم
على فتوح فارس والجبال وسجستان وكرمان وكابل وخراسان والسند. فكأنه
تتبع الفتوح تتبعا تاريخيا قدر الامكان.
وقد امتاز الفتوح بأمور يجدر الإشارة إليها:
1 اختار أحمد بن يحيى من المواد الخصبة التي سمعها أو قرأها، فكان
في انتقائه جيدا. لا يخرج عن الموضوع الذي يتكلم عليه ولا يستطرد إلى غيره
فقد حافظ على وحدة الموضوع جزئيا وكليا.
مقدمة الناشر 19

2 لاحظ بيكر على حق أن سرده الحوادث تخلله إشارات ذات قيمة
في ناحية تاريخ الحضارة والنظم الاجتماعية. مثل كلامه على نقل الدواوين إلى
العربية، وأمر القراطيس، ونقل ديوان الفارسية، وأمر الخاتم، والنقود، والخلط.
3 عنى كذلك بتبيان أحكام الخراج، وأحكام العشر، في مختلف
مصادرها الحجازية أو العراقية.
4 تابع أمور البلاد المفتوحة في عصره، فوصف ما نالها أيام الخلفاء
العباسيين. والكتاب فيما يتعلق بالعصر العباسي على غاية من الفائدة.
5 تظهر شخصية المؤلف في كتابه بالملاحظات النقدية التي نجدها بين
حين وحين. فهو ليس راويا ينقل الاخبار، ولكنه بعد أن يرويها يفضل
بعضها على بعض ويرجح ما يراه جديرا بالترجيح. فيقول بعد سرد الاخبار:
والثبت كذا.
وهذا لا نجده عند الواقدي ولا في فتوح مصر لابن عبد الحكم.
6 إلى جانب الشمول من حيث الموضوع يمتاز الفتوح بالايجاز.
فأسلوب المؤلف موجز جدا، ولكنه واضح. على أنك لا تستطيع الاكتفاء به
وحده فقد نجد تفصيلا أكثر في مصادر ثانية.
7 وثمة ملاحظة أخيرة ذكرها دخويه هي أنه رغم صلته ببعض الخلفاء
العباسيين لم يغرق كتابه الفتوح بمدحهم. وإن كان تنقص من قدر الأمويين
فلم يسم أحدا منهم بالخليفة الا عمر بن عبد العزيز.
ولاحظ بيكر أيضا انه تكلم في أنساب الأشراف عن بنى أمية فلم يحلهم
محلا خاصا يليق بهم.
مقدمة الناشر 20

وهاتان الملاحظتان تفسران لنا شيئا من موقف المؤلف أمام الأمويين.
ونضيف أنه كان ينعت الخلافة العباسية " بالدولة المباركة " ولا يتكلم بشئ
عن الخلافة الأموية.
* * *
ولا نعرف مؤلفا في الفتوح بعد أحمد بن يحيى، فهو، كما قيل، خاتمة
مؤرخي الفتح. وإذا علمنا أن كتب الواقدي لم تثبت صحة الكثير منها،
وأن كتب المدائني لم تصل إلينا، رأينا أن كتاب البلاذري هذا هو أهم مصدر
من المصادر التاريخية، وأكثرها صحة، عن الفتوح العربية، حتى قال المسعودي
عنه في مقدمة مروج الذهب: " لا نعلم في فتوح البلدان أحسن منه. ".
وقد نقل منه ياقوت في معجم البلدان نقولا كثيرة واعتمد عليه وجعله
من مصادره.
مقدمة الناشر 21

نشرات فتوح البلدان
نشر فتوح البلدان، كله أو بعضه، عدة مرات:
1 فأول من نشره كاملا المستشرق الهولندي دغويه في ليدن، في ثلاثة
اقسام، من سنة 1863 إلى 1866 (1)، باسم:
. Liber expugnationis regionum
. Beladsori - Auctore Imamo Ahmad ibn Iahja ibn Djabir al
وألحق به فهرسا للاعلام، وآخر للرواة والفقهاء، وثالثا للأماكن، ومعجما
للألفاظ، ومستدركا.
2 ونشر أهلورد Ahlward الألماني الجزء الأول منه سنة 1883 م.
3 ثم نشرته شركة طبع الكتب العربية بالقاهرة سنة 1901 م عن
طبعة دخويه. وهي نشرة بلا شكل أو ضبط، وبلا فهارس. وقد ترجمت
في أولها أقسام من مقدمة دخويه ترجمة غير صحيحة وفيها تصرف.
4 ثم نشرته المكتبة التجارية بالقاهرة في سنة 1932 م، وعنى بالتعليق
عليه الأستاذ رضوان محمد رضوان. ولم يذكر أي نسخة اعتمد عليها في نشرته،
لكنه قال إنه قابله على نسخة الأستاذ الشنقيطي المحفوظة بدار الكتب.
وقد تبين لنا بعد دراسة هذه النشرة أن الأستاذ رضوان اعتمد على نشرة
شركة طبع الكتب العربية، وأثبتها كما هي، بحواشيها وأخطائها، دون أن يشير

(1) ذكر جرجي زيدان ومن قبله بروكلمن أنه طبع سنة 1870 وهو خطأ.
مقدمة الناشر 22

إلى ذلك. واستمد في مقدمته من الترجمة الجزئية لمقدمة دخويه التي أثبتت
في نشرة شركة طبع الكتب. وهذه النشرة بلا شكل أو ضبط للألفاظ
والأماكن والاعلام. ولا توجد في الصفحات تعليقة واحدة تدل على أن الكتاب
قوبل على نسخة مخطوطة. وكذلك لا فهارس لها.
وقد رجعنا إلى دار الكتب للبحث عن نسخة الشنقيطي فلم نجد مخطوطة له،
وإنما وجدنا في مكتبته نسخة مطبوعة في أو روية هي نشرة دخويه،
وعلى هوامشها تعليق لا شأن له. وهي برقم 35 تاريخ ش.
5 نشر رينو الفرنسي Reinaud قطعا منه في:
. 161181. Fragments arabes et persans p, Reinaud
6 نشر أمارى الإيطالي Amari (1879 م) قطعا منه في:
. 161. p, sicula - Biblioteca arabico, Amart
مقدمة الناشر 23

ترجمات فتوح البلدان
1 ترجم إلى الانكليزية، مع نقص:
, 80,. Vol 2, Theorigins of the islamic state, K Hitti. Ph
. 1916, york - New
2 ترجمه إلى الألمانية:, Rescher. O
. et 1923 1917, Leipzig, Vol 2
3 بدأ Hamaker، وكان أستاذ اللغات السامية بليدن، بترجمته إلى
اللاتينية، ولم يتمه.
ويقول دخويه إلى هذه الترجمة لم تفده قط عند نشره الكتاب لأنها أشبه
بالموجز. ويقول عن المترجم إنه لم يكن خبيرا في قراءة المخطوطات لذلك تحرفت
الأسماء في ترجمته.
4 ترجم سوفاجه قطعة صغيرة منه في كتابه عن المؤرخين العرب، مع
تعريف موجز به.
. (1946. Paris). 17 - 12. p, Les Historiens Arabes, Sauvaget
مقدمة الناشر 24

خطتنا في النشر
عندما عهدت إلينا إدارة الثقافة العامة نشر هذا الكتاب حاولنا أن نجد
مخطوطات جديدة له يمكن تحقيق النص بها. فلجأنا إلى بروكلمن، فلم نجده ذكر
شيئا. ثم علمنا أن في الخزانة التيمورية قطعة من الفتوح للبلاذري سجلت برقم
2627 تاريخ، فرجعنا إليها فوجدنا أوراقا مجموعة ناقصة من الأول والآخر، كما
أن في ثناياها أوراقا ناقصة بحيث لا يستقيم الكلام. وقد كتبت على الأغلب
في القرن السابع. ولكننا ما كدنا نفحصها حتى ظهر أنها ليست من فتوح
البلاذري كما أثبت في البطاقة الخاصة بها خطئا. وتبين لنا أن مؤلفها متأخر عن
البلاذري، فهو ينقل عن الطبري المتوفى سنة 310 ه‍.
وأمام فقدان نسخ مخطوطة جديدة فقد رجعنا إلى نشرة دخويه لأنها
النشرة الوحيدة التي اعتمد في نشرها على نسخ مخطوطة فهي نشرة علمية
نقدية. أما النشرتان اللتان ظهرتا في مصر فلم تعتمدا على أصول خطية كما رأينا
لان أولاهما صورة مشوهة عن نشرة العالم الهولندي، وثانيتهما صورة عن
النشرة الأولى. وإن كان ناشرها أراد أن يدلس بذكره أنه نشرها على نسخة
الشنقيطي; وما نسخة الشنقيطي غير نشرة دخويه نفسها.
ذكر دخويه في مقدمته اللاطينية أنه اعتمد في نشره فتوح البلدان على
ثلاث نسخ مخطوطة، نسرد وصفها فيما يلي:
فالأولى هي مخطوطة في مكتبة جامعة ليدن. ولا يذكر دخويه رقمها
وآخرها. كل ما يذكره أنها كتبت بخط جميل لا شكل ولا نقط فيه. وقد رمز
إليها بحرف A.
مقدمة الناشر 25

والثانية مخطوطة في مكتبة جامعة ليدن أيضا رقمها (warn 430) وهي نسخة
كتبت في أوائل القرن السابع الهجري، قليلة النقط، جميلة الخط.
أثبت على أول ورقة منها ما يلي:
كتاب فتوح البلدان
تأليف الامام أبى العباس أحمد بن يحيى بن جابر
البلاذري. رحمة الله عليه.
كما أثبت في آخرها ما يلي:
" فرغ من كتابته العبد الفقير إلى رحمة الله القدير
أحمد بن نعمة المقدسي سامحه الله وتجاوز عن سيئاته
في العشر الأوسط من شهر المحرم من سنة ثلاث وعشرين
وستماية، حامدا مصليا. وحسبي الله ونعم الوكيل "
وقد رمز إليها دخويه بحرف B.
وناسخ هذه النسخة عالم ومؤرخ معروف، وله تواليف (1)، ويمكن
الاطمئنان إلى نسخته هذه.
وقد كتبنا إلى حافظ المخطوطات في مكتبة جامعة ليدن الدكتور فورهوف
نسأله عن هاتين المخطوطتين ورجوناه أن يرسل إلينا الصفحات الأولى
والأخيرة منهما. فأعلمنا انه لا يوجد الآن في المكتبة إلا النسخة الثانية. ولعل
الأولى قد فقدت.
أما النسخة الثالثة التي اعتمد عليها دخويه فهي مخطوطة المتحف البريطاني
(Taylor 264. Mus 23. Br). وقد كتبت في القرن التاسع من الهجرة.
وقد أثبت في آخرها ما يلي:
" هذا تمام كتاب الفتوح للبلاذري. فرغ ناسخه من نسخه
له في آخر سنة إحدى وخمسين وثمان مئة.. "

(1) انظر كتابنا: المؤرخون الدمشقيون ص 35.
مقدمة الناشر 26

وبعد ذلك كتب بخط آخر:
" بلغ مقابلة من أوله إلى آخره على أصله المنقول منه، وهو أصل
قديم جدا في مجالس آخرها يوم الثلاثاء رابع عشر جمادى الآخرة سنة
اثنتين وخمسين وثمانماية. قال ذلك إبراهيم بن عمر البقاعي صاحبه ".
والبقاعي هذا هو المؤرخ المشهور (1) معاصر السخاري. وهذه النسخة قد
نقلت كما ذكر عن أصل قديم جدا، وقابلها البقاعي في مجالس عدة. لذلك
يمكن الاطمئنان إليها.
لهذا كله اطمأن قلبنا إلى الأصول التي اعتمد عليها دخويه، واتخذنا نشرته
أساسا لنشرتنا هذه.
ولابد أن نذكر أن دخويه قد بذل غاية جهده في التحقيق. وطلب يومئذ
من العلماء تنبيهه إلى ما أخطأ فيه، ولم يجد غضاضة في ذلك. فصحح له صديقاه
Noldeke, Fleischer بعض ما أخطأ فيه. وكتب له صديقاه Wustenfeld
و wrighte اختلاف الروايات بين نسخ ليدن ونسخة المتحف البريطاني، وما ورد
في معجم البلدان لياقوت. وأثبت هذا التصحيح كله في القسم الثالث من الكتاب
في ثمان وعشرين صفحة.
وبالإضافة إلى المقدمة التي قدم بها الكتاب باللغة اللاتينية فقد وضع في
آخر الكتاب معجما لبعض ألفاظه وسرد معناها ومواضع استعمالها. هذا
عدا الفهارس.
وقد صححنا نحن أولا طبعة دخويه حسب ما استدرك من تصحيح في آخر
الكتاب. ثم صححنا نحن ما بدا لنا فيها من الخطأ أو فاته التنبيه عليه. ولم نشر
إلى هذه الأخطاء، فعمل هذا المستشرق الجليل، الذي نشر عشرات من تراثنا

(1) انظر كتابنا: المؤرخون الدمشقيون ص 71.
مقدمة الناشر 27

العربي قبل قرن، أجل من أن يطعن عليه لأخطاء يتعرف لها كل عالم، وخاصة
في كتاب كفتوح البلدان كله أعلام وأسماء أماكن وبقاع.
وقد ضبطنا كثيرا من الكلمات التي لم يضبطها دخويه بالشكل.
وصححنا الرسم في الأسماء التي حذفت ألفها كإبراهيم واسحق.
وفصلنا المئات عن الاعداد، فكتبنا ثلاث مئة بدلا من ثلاثماية.
ورقمنا الأحاديث والاخبار.
وجعلنا الاسناد بحرف أدق من حرف المتن (1).
أما اختلاف النسخ التي أثبتها دخويه فلم نثبتها نحن، لأنه على الأغلب
روايات غير صحيحة لا فائدة منها، وما وجدناه فيها أصح مما أثبته صححناه.
ورأينا أن كتابا كهذا لا يتم الانتفاع به إلا إذا عرفت الأماكن المذكورة فيه
لذلك لم نشأ أن نجعل تعليقاتنا وشروحنا في أسافل الصفحات بل ألحقنا بالكتاب
معجما لأسماء الأماكن بينا يه مواضعها اليوم إذا أمكن، وذكرنا المصادر التي
تكلمت عليها. وقد آثرنا جعل ذلك في آخر الكتاب لئلا نثقل النص
بتعليقات طوال.
أما الفهارس فقد أفردنا واحد لشيوخ البلاذري الذين روى الكتاب عنهم،
وثانيا للاعلام الواردة في النص، وثالثا للألفاظ اللغوية، ثم ختمنا ذلك
بالمستدرك.
وصنعنا خريطة مجملة تبين البلدان التي فتحها العرب، ولم نثبت فيها كل المدن
والمواقع لتعذر ذلك.
ولعل عملنا هذا أن يكون إتماما لعلم ذلك العالم الهولندي الجليل، وقد
يكون هناك خطأ فاتنا لم ننتبه إليه، فالشكر سلفا لمن يصححه ويخبرنا به.
القاهرة. ديسمبر 1956 صلاح الدين المنجر

(1) أنظر رسالتنا: قواعد تحقيق النصوص.
مقدمة الناشر 28

استدراك على المقدمة
1 ذكرنا في مصادر ترجمة البلاذري أن ابن العديم صاحب بغية الطلب توفى سنة 666.
(ص 4) والصحيح أنه توفى سنة 660 ه‍.
2 وذكرنا أن ابن خلكان صاحب وفيات الأعيان توفى سنة 682 ه‍ (ص 4)
والصحيح أنه توفى سنة 681.
3 وذكرنا أن المقريزي كتب ترجمة البلاذري بخطه على ظهر مخطوطة ليدن. (ص 5)
واعتمدنا في ذلك على قول دخويه في مقدمته. ثم وصلت إلينا بعد طبع القسم الأول من
مقدمتنا، صورة هذه الترجمة، فتبين لنا أنها بخط السخاوي وليست بخط المقريزي كما
ظن دخويه. وقد جزمنا بذلك بعد أن عارضنا خط هذه الترجمة بخطوط السخاوي
المحفوظة لدينا في معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية.
4 الصفحة التي ورد فيها ذكر البلاذري في كتابنا: رائد التراث العربي هي صفحة 88
(انظر ص 6).
5 ذكرنا أننا لم نجد أصولا خطية للفتوح. وبعد طبع هذا القسم الأول من الكتاب
أخبرنا الأستاذ الدكتور جمال الدين الشيال أن أصلا قديما للكتاب، أفسدت
الرطوبة بعض صفحاته، في مكتبة جامعة ييل بالولايات المتحدة. فرجعنا إلى ما كتبه
الأستاذ كوركيس عواد عن المخطوطات العربية في دور الكتب الأميركية فوجدناه
يذكر في مخطوطات هذه المكتبة (ص 17) نسخة من فتوح البلدان، قديمة جدا.
بخط نسخي غير منقوط. وقال لعلها في مخطوطات المئة الخامسة أو السادسة.
تملكها بعضهم سنة 974 ه‍.
مقدمة الناشر 29

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه أستعين
1 - قال أحمد بن يحيى بن جابر: أخبرني جماعة من أهل العلم بالحديث والسيرة
وفتوح البلدان سقت حديثهم واختصرته ورددت من بعضه على بعض أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة من مكة نزل على كلثوم ابن
الهدم بن امرئ القيس بن الحارث بن زيد بن عبيد بن أمية بن زيد بن مالك
ابن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس بقباء، وكان يتحدث عنده
سعد بن خيثمة بن الحارث بن مالك أحد بنى السلم بن امرئ القيس بن مالك
ابن الأوس حتى ظن قوم أنه نزل عنده.
وكان المتقدمون في الهجرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن
نزلوا عليه من الأنصار بنوا بقباء مسجدا يصلون فيه، والصلاة بومئذ إلى بيت
المقدس، فلما ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء صلى بهم فيه. فأهل قباء
يقولون إنه المسجد الذي يقوم الله تعالى فيه * (لمسجد أسس على التقوى من
أول يوم أحق أن تقوم فيه) * (1) وروى أن المسجد الذي أسس على التقوى
مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2 - حدثنا عفان بن مسلم الصفار قال: حدثنا حماد بن سلمة قال: أخبرني هشام بن عروة،
عن عروة أنه قال في هذه الآية (ص 2) * (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا
وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل) * (2) قال: كان

(1) السورة 9، الآية 108
(2) " 9، الآية 107
1

سعد بن خيثمة بنى مسجد قباء، وكان موضعه للبة تربط فيه حمارها. فقال أهل
الشقاق: أنحن نسجد في موضع كان يربط فيه حمار لبة؟ لا، ولكنا نتخذ
مسجدا نصلي فيه حتى يجيئنا أبو عامر فيصلى بنا فيه. وكان أبو عامر قد فر من الله
ورسوله إلى أهل مكة ثم لحق بالشام فتنصر، فأنزل الله تعالى * (والذين اتخذوا
مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله
من قبل) *، يعنى أبا عامر.
3 - وحدثنا روح بن عبد المؤمن المقرى قال: حدثني بهز بن أسد قال: حدثنا حماد
بن زيد قال: أخبرنا أيوب،
عن سعيد بن جبير أن بنى عمرو بن عوف ابتنوا مسجدا فصلى بهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم فيه، فحسدهم اخوتهم بنو غنم بن عوف فقالوا: لو بنينا أيضا
مسجدا وبعثنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى فيه كما صلى في مسجد
أصحابنا، ولعل أبا عامر أن يمر بنا إذا أتى من الشام فيصلى بنا فيه. فبنوا مسجدا
وبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه أن يأتيه فيصلى فيه. فلما قام
رسول الله صلى الله عليه وسلم لينطلق إليهم أتاه الوحي فنزل عليه فيهم * (والذين
اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله
ورسوله) * قال: هو أبو عامر. * (لا تقم فيه أبدا. لمسجد أسس على التقوى من
أول يوم أحق أن تقوم فيه. فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين.
أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله (ص 3) ورضوان) * قال: هذا مسجد قباء.
4 - وحدثنا محمد بن حاتم بن ميمون قال: حدثنا يزيد بن هارون عن هشام،
عن الحسن قال: لما نزلت هذه الآية * (فيه رجال يحبون أن يتطهروا) *
2

أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مسجد قباء فقال: ما هذا الطهور
الذي ذكرتم به؟ قالوا: يا رسول الله! إنا نغسل أثر الغائط والبول.
5 - وحدثنا محمد بن حاتم قال: حدثنا وكيع عن ابن أبي ليلى،
عن عامر قال: كان ناس من أهل قباء يستنجون بالماء، فنزلت فيهم * (فيه
رجال يحبون أن يتطهروا) * الآية.
6 - حدثني عمرو بن محمد الناقد وأحمد بن هشام بن بهرام قالا: حدثنا وكيع بن الجراح قال:
أخبرنا ربيعة بن عثمان عن عمران بن أبي أنس،
عن سهل بن سعد قال: اختلف رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم في المسجد الذي أسس على التقوى. فقال أحدهما: هو مسجد الرسول. وقال
الآخر: هو مسجد قباء. فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فسألاه. فقال:
هو مسجدي هذا.
7 - حدثنا عمرو بن محمد ومحمد بن حاتم بن ميمون قالا: حدثنا وكيع عن ربيعة بن
عثمان التيمي عن عثمان بن عبيد الله بن أبي رافع،
عن ابن عمر قال: المسجد الذي أسس على التقوى مسجد الرسول صلى الله
عليه وسلم.
8 - حدثنا محمد بن حاتم قال: حدثنا أبو نعيم الفضل بن دگين قال: حدثنا عبد الله
بن عامر الأسلمي عن عمران بن أبي أنس عن سهل بن سعد،
عن أبي بن كعب قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن المسجد الذي
أسس على التقوى فقال: هو مسجدي هذا.
3

9 - حدثني هدبة بن خالد قال: حدثنا أبو هلال الراسبي قال: أخبرنا قتادة،
عن سعيد بن المسيب في قوله * (لمسجد أسس على التقوى) * قال: هو مسجد
(ص 4) النبي صلى الله عليه وسلم الأعظم.
10 - حدثنا على بن عبد الله المديني قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد،
عن خارجة بن زيد بن ثابت قال: المسجد الذي أسس على التقوى مسجد
الرسول عليه السلام.
11 - حدثنا عفان قال: حدثنا وهيب قال: حدثنا داود بن أبي هند،
عن سعيد بن المسيب قال: المسجد الذي أسس على التقوى مسجد المدينة الأعظم.
12 - حدثنا محمد بن حاتم بن ميمون السمين قال: حدثنا وكيع حدثنا أسامة بن زيد عن
عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري،
عن أبيه قال: هو مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، يعنى الذي أسس على التقوى.
14 - قالوا: وقد وسع مسجد قباء بعد وزيد فيه. وكان عبد الله بن عمر إذا
دخله صلى إلى الأصطوانة المخلقة، وكان ذلك مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
15 - قالوا: وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء يوم الاثنين والثلاثاء
والأربعاء والخميس، وركب منها يوم الجمعة يريد المدينة. فجمع في مسجد كان بنو
سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج بنوه، وكانت تلك أول جمعة جمع فيها.
ثم مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنازل الأنصار منزلا منزلا، وكلهم يسأله النزول
عليه، حتى إذا انتهى إلى موضع مسجده بالمدينة بركت ناقته فنزل عنها، وجاء أبو
أيوب خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار
4

ابن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج فأخذ رحله، فنزل صلى الله عليه وسلم عند أبي أيوب.
وأراده قوم من الخزرج على النزول عندهم فقال: المرء مع رحله. فكان مقامه
في منزل أبى أيوب سبعة أشهر. ونزل عليه تمام الصلاة بعد مقدمه بشهر،
ووهبت الأنصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل فضل كان في خططها، وقالوا:
يا نبي الله! (ص 5) إن شئت فخذ منازلنا. فقال لهم خيرا.
16 - قالوا: وكان أبو أمامة أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن
غنم بن مالك بن النجار نقيب النقباء يجمع بمن يليه من المسلمين في مسجد له،
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى فيه. ثم إنه سأل أسعد أن يبيعه
أرضا متصلة بذلك المسجد كانت في يده ليتيمين في حجره يقال لهما سهل وسهيل
ابنا رافعا بن أبي عمرو بن عائذ بن ثعلبة بن غنم، فعرض عليهم أن يأخذها
ويغرم عنه لليتيمين ثمنها، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك وابتاعها منه
بعشرة دنانير أداها من مال أبى بكر الصديق رضي الله عنه.
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر باتخاذ اللبن فاتخذ، وبنى به المسجد،
ورفع أساسه بالحجارة، وسقف بالجريد، وجعلت عمده جذوعا. فلما استخلف
أبو بكر رضي الله عنه لم يحدث فيه شيئا، واستخلف عمر رضي الله عنه فوسعه
وكلم العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه في بيع داره ليزيدها فيه، فوهبها
العباس لله والمسلمين فزادها عمر رضي الله عنه في المسجد.
ثم إن عثمان بن عفان رضي الله عنه بناه في خلافته بالحجارة والقصة، وجعل
عمده حجارة وسقفه بالساج، وزاد فيه، ونقل إليه الحصباء من العقيق. وكان
أول من اتخذ فيه المقصورة مروان بن الحكم بن أمية بناها بحجارة منقوشة،
ثم لم يحدث فيه شئ إلى أن ولى الوليد بن عبد الملك بن مروان بعد أبيه،
فكتب إلى عمر بن عبد العزيز، وهو عامله على المدينة، يأمره بهدم المسجد وبنائه،
5

(ص 6) وبعث إليه بمال وفسيفساء ورخام وثمانين صانعا من الروم والقبط من أهل
الشام ومصر. فبناه وزاد فيه، وولى القيام بأمره والنفقة عليه صالح بن كيسان مولى
سعدى مولاة آل معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي، وذلك في سنة سبع وثمانين،
ويقال في سنة ثمان وثمانين. ثم لم يحدث فيه أحد من الخلفاء شيئا حتى استخلف
المهدى أمير المؤمنين صلوات الله عليه.
17 - قال الواقدي: بعث المهدى عبد الملك بن شبيب الغساني ورجلا من
ولد عمر بن عبد العزيز إلى المدينة لبناء مسجدها والزيادة فيه، وعليها يومئذ
جعفر بن سليمان بن علي، فمكثا في عمله سنة، وزادا في مؤخره مئة ذراع، فصار
طوله ثلاث مئة ذراع وعرضه مائتي ذراع.
18 - وقال على بن محمد المدائني: ولى المهدى أمير المؤمنين جعفر بن سليمان مكة
والمدينة واليمامة، فزاد في مسجد مكة ومسجد المدينة، فتم بناء مسجد المدينة
في سنة اثنتين وستين ومئة، وكان المهدى أتى المدينة في سنة ستين قبل الحج، فأمر
بقلع المصقورة وتسويتها مع المسجد. ولما كانت سنة ست وأربعين ومائتين
أمر أمير المؤمنين جعفر المتوكل على الله رحمه الله بمرمة مسجد المدينة، فحمل
إليه فسيفساء كثير، وفرغ منه في سنة سبع وأربعين ومائتين.
19 - حدثني عمر بن حماد بن أبي حنيفة قال: حدثنا مالك بن أنس قال: حدثنا هشام
ابن عروة عن أبيه،
عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يفتح من مصر
أو مدينة عنوة، فإن المدينة فتحت بالقرآن.
20 - حدثنا شيبان بن أبي شيبة الأبلي قال: حدثنا أبو الأشهب قال:
أخبرنا الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن لكل نبي حرما وإني
6

حرمت المدينة كما حرم إبراهيم عليه السلام مكة ما بين (ص 7) حرتيها، لا يختلى
خلاها ولا يعضد شجرها ولا يحمل فيها السلاح لقتال. فمن أحدث حدثا أو آوى
محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل.
21 - وحدثني روح بن عبد المؤمن البصري المقرى قال: حدثنا أبو عوانه عن عمر بن أبي
سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه،
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إن إبراهيم
عبدك ورسولك وأنا عبدك ورسولك، وإني قد حرمت ما بين لابتيها كما حرم
إبراهيم مكة. فكان أبو هريرة يقول: والذي نفسي بيده لو أجد الظباء ببطحان
ما عانيتها.
22 - وحدثنا شيبان بن أبي شيبة قال: حدثنا القاسم بن الفضل الحداني عن محمد بن زياد،
عن جده، وكان مولى عثمان بن مظعون وكانت في يده أرض لآل مظعون
بالحرة، قال: كان عمر بن الخطاب ربما أتاني نصف النهار واضعا ثوبه على رأسه،
فيجلس إلى ويتحدث عندي، فأجيئه من القثاء والبقل. فقال لي يوما: لا تبرح،
فقد استعملتك على ما هاهنا، ولا تدعن أحدا يخبط شجرة ولا يعضدها، يعنى
من شجر المدينة، فإن وجدت أحدا يفعل ذلك فخذ حبله وفأسه. قال قلت:
آخذ ثوبه؟ قال: لا.
32 - وحدثني أبو مسعود بن القتات قال: حدثنا ابن أبي يحيى المدني عن جعفر بن محمد،
عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم من الشجر ما بين أحد
إلى عير، وأذن لصاحب الناضح في الغضا، وما يصلح به محارثه وعربه.
7

24 - حدثني بكر بن الهيثم: قال حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد عن هشام
ابن سعد عن زيد بن أسلم،
عن أبيه قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لرجل استعمله
على حمى الربذة نسى بكر اسمه (ص 8): أضمم جناحك عن كل مسلم، واتق دعوة
المظلوم فإنها مجابة، وأدخل رب الصريمة والغنيمة، ودعني من نعم ابن عفان
وابن عوف، فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعا إلى زرع، وإن هذا البائس إن تهلك
ماشيته يجئ فيصرخ يا أمير المؤمنين! يا أمير المؤمنين، فالكلاء أهون على
المسلمين من غرم المال ذهبه وورقه. والله إنها لأرضهم قاتلوا عليها في الجاهلية
وأسلموا عليها في الاسلام، وإنهم ليرون أنى أظلمهم، ولولا النعم التي تحمل
عليها في سبيل الله ما حميت عن الناس من بلادهم شيئا أبدا.
25 - حدثنا القاسم بن سلام أبو عبيد قال: حدثنا ابن أبي مريم عن العمرى عن نافع،
عن ابن عمر قال: حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم النقيع لخيل المسلمين.
قال لي أبو عبيد: بالنون. وقال: النقيع فيه قاع ذرق وهو الحندقوق.
26 - وحدثني مصعب بن عبد الله الزبيري عن أبيه عن ابن الدراوردي عن محمد بن
إبراهيم التيمي عن أبيه،
عن سعد بن أبي وقاص أنه وجد غلاما يقطع الحمى، فضربه وسلبه فأسه.
فدخلت مولاته أو امرأة من أهله على عمر رضي الله عنه فشكت إليه سعدا، فقال
عمر: رد الفأس والثياب أبا إسحاق رحمك الله. فأبى وقال: لا أعطى غنيمة
غنمنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. سمعته يقول: من وجدتموه يقطع الحمى
فاضربوه واسلبوه. فاتخذ من الفأس مسحاة فلم يزل يعمل بها في أرضه
حتى توفى.
8

27 - وحدثنا أبو الحسن المدائني،
عن ابن جعدبة وأبى معشر قالا: لما كان النبي صلى الله عليه وسلم بظريب -
التأويل مقدمه من غزوة ذي قرد - قالت له بنو حارثة من الأنصار: يا رسول الله!
ها هنا مسارح إبلنا ومرعى غنمنا ومخرج نسائنا، يعنون موضع الغابة. فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قطع شجرة فليغرس مكانها ودية.
فغرست الغابة.
28 - وحدثني عبد الاعلى بن حماد النرسي (ص 9) قال: حدثنا حماد بن سلمة قال:
أخبرنا محمد بن إسحاق عن أبي مالك بن ثعلبة،
عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في وادى مهزور أن يحبس
الماء في الأرض إلى الكعبين فإذا بلغ الكعبين أرسل إلى الأخرى، لا يمنع
الاعلى الأسفل.
29 - وحدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد.
عن عبد الرحمن بن الحارث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في سيل
مهزور أن الاعلى يمسك على من أسفل منه حتى يبلغ الكعبين ثم يرسله على من
أسفل منه.
30 - وحدثني عمر بن أبي حنيفة قال: حدثنا مالك بن أنس عن عبد الله بن أبي بكر بن
محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري،
عن أبيه قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سيل مهزور ومذينب
أن يحبس الماء حتى يبلغ الكعبين ثم يرسل الاعلى إلى الأسفل.
قال مالك: وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سيل بطحان بمثل ذلك.
9

31 - وحدثني الحسين بن الأسود العجلي قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا يزيد
ابن عبد العزيز عن محمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو مالك بن ثعلبة بن أبي مالك،
عن أبيه قال: اختصم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مهزور وادى
بني قريظة، فقضى أن الماء إلى الكعبين لا يحبسه الاعلى على الأسفل.
32 - وحدثني الحسين قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا حفص بن غياث عن جعفر
ابن محمد،
عن أبيه قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سيل مهزور أن لأهل
النخل إلى العقبين، ولأهل الزرع إلى الشراكين، ثم يرسلون الماء إلى من هو
أسفل منهم.
33 - وحدثني حفص بن عمر الدوري قال: حدثنا عباد بن عباد (ص 10) قال:
حدثنا هشام بن عروة،
عن عروة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بطحان على ترعة من
ترع الجنة.
34 - وحدثني على بن محمد المدائني أبو الحسن،
عن ابن جعدبة وغيره قالوا: أشرفت المدينة على الغرق في خلافة عثمان من
سيل مهزور حتى اتخذ له عثمان ردما.
35 - قال أبو الحسن: وجاء أيضا بماء مخوف عظيم في سنة ست وخمسين ومئة
فبعث إليه عبد الصمد بن علي بن عبد الله العباس، وهو الأمير يومئذ، عبيد الله بن
أبي سلمة العمرى، فخرج وخرج الناس بعد صلاة العصر وقد ملا السيل صدقات
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدلتهم عجوز من أهل العالية على موضع كانت تسمع
الناس يذكرونه، فحفروه فوجد الماء منسربا، فغاص منه إلى وادى بطحان.
قال: ومن مهزور إلى مذينب شعبة يصب فيها.
10

36 - حدثني محمد بن أبان الواسطي قال: حدثنا أبو هلال الراسبي قال:
حدثنا الحسن قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم للمدينة وأهلها وسماها
طيبة.
37 - وحدثني أبو عمر حفص بن عمر الدوري قال: حدثنا عباد بن عباد عن هشام بن
عروة عن أبيه،
عن عائشة أم المؤمنين قالت: لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
المدينة مرض المسلمون بها، فكان ممن اشتد به مرضه أبو بكر وبلال وعامر
ابن فهيرة فكان أبو بكر رضي الله عنه يقول في مرضه:
كل امرئ مصبح في أهله * والموت أدنى من شراك نعله
وكان بلال رضي الله عنه يقول:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة * بفخ وحولي أذخر وجليل
وهل أردن يوما مياه مجنة * وهل يبدون لي شامة وطفيل
وكان عامر بن فهيرة يقول: (ص 11)
لقد وجدت الموت قبل ذوقه * إن الجبان حتفه من فوقه
[كل امرئ مجاهد بطوقه] * كالثور يحمى جلده بروقه
قال: فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: اللهم طيب لنا المدينة كما
طيبت لنا مكة، وبارك لنا في مدها وصاعها.
38 - حدثنا الوليد بن صالح قال: حدثنا الواقدي عن محمد بن عبد الله عن الزهري،
عن عروة أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير بن العوام في أشراج الحرة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسق يا زبير ثم أرسل إلى جارك.
11

39 - وأخبرني على الأثرم،
عن أبي عبيدة قال: الأشراج مسايل الماء في الحرار، والحرة أرض مفروشة
بصخر. قال: وقال الأصمعي: مسايل من الحرار إلى السهولة.
40 - حدثني الحسين بن علي بن الأسود العجلي قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا يزيد
ابن عبد العزيز حدثنا هشام بن عروة.
عن أبيه قال: أقطع عمر رضي الله عنه العقيق حتى انتهى إلى أرض فقال:
ما أقطعت مثلها. قال خوات بن جبير: أقطعنيها. فأقطعه إياها.
41 - وحدثني الحسين قال: حدثنا يحيى بن آدم عن يزيد بن عبد العزيز عن هشام بن عروة،
عن أبيه قال: أقطع عمر العقيق ما بين أعلاه إلى أسفله.
42 - وحدثني الحسين قال: حدثنا حفص بن غياث،
عن هشام بن عروة قال: خرج عمر يقطع الناس وخرج معه الزبير، فجعل
عمر يقطع حتى مر بالعقيق فقال: أين المستقطعون؟ مذ اليوم ما مررت بقطعة
أجود منها. فقال الزبير: أقطعنيها. فأقطعه إياها.
43 - وحدثني الحسين قال: حدثني يحيى بن آدم قال: حدثنا أبو معاوية الضرير عن
هشام بن عروة،
عن أبيه قال: أقطع عمر العقيق كله حتى انتهى إلى قطيعة خوات بن جبير
الأنصاري فقال: أين المستقطعون؟ ما أقطعت اليوم أجود من هذه.
44 - وحدثنا خلف (ص 12) بن هشام البزار قال: حدثنا أبو بكر بن عياش قال:
حدثنا هشام بن عروة،
عن أبيه قال: أقطع عمر بن الخطاب خوات بن جبير الأنصاري أرضا مواتا
فاشتريناها منه.
12

45 - حدثني الحسين بن الأسود قال: حدثنا يحيى بن آدم عن أبي بكر بن عياش عن هشام
عن أبيه بمثله.
46 - وحدثني الحسين قال: حدثني يحيى بن آدم حدثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة،
عن عروة قال: أقطع أبو بكر الزبير ما بين الجرف إلى قناة.
47 - وأخبرني أبو الحسن المدائني قال: قناة واد يأتي من الطائف ويصب إلى
الأرحضية وقرقرة الكدر، ثم يأتي سد معونة، ثم يمر على طرف القدوم،
ويصب في أصل قبور الشهداء بأحد.
48 - وحدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام قال: حدثنا إسحاق بن عيسى عن مالك بن أنس
عن ربيعة،
عن قوم من علمائهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث
المزني معادن بناحية الفرع.
49 - وحدثني عمرو الناقد وابن سهم الأنطاكي قالا: حدثنا الهيثم بن جميل الأنطاكي قال:
حدثنا حماد بن سلمة عن أبي مكين،
عن أبي عكرمة مولى بلال بن الحارث المزني قال: أقطع رسول الله صلى
الله عليه وسلم بلالا أرضا فيها جبل ومعدن. فباع بنو بلال عمر بن عبد العزيز
أرضا منها، فظهر فيها معدن أو قال معدنان، فقالوا: إنما بعناك أرض حرث
ولم نبعك المعادن. وجاؤا بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم لهم في جريدة، فقبلها
عمر ومسح بها عينه وقال لقيمه: أنظر ما خرج منها وما أنفقت وقاصهم بالنفقة
ورد عليهم الفضل.
50 - وحدثنا أبو عبيد قال: حدثنا نعيم بن حماد عن عبد العزيز بن محمد عن ربيعة بن أبي
عبد الرحمن عن الحارث بن بلال بن الحارث المزني،
عن أبيه بلال بن الحارث أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطعه العقيق أجمع.
13

51 - وحدثني مصعب الزبيري قال:
قال مالك بن أنس: أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم بلال بن الحارث
معادن بناحية (ص 13) الفرع لا اختلاف في ذلك بين علمائنا، ولا أعلم بين أحد
من أصحابنا خلافا أن في المعدن الزكاة ربع العشر.
قال مصعب: وروى عن الزهري أنه كان يقول في المعادن الزكاة. وروى عنه
أيضا قال فيها الخمس مثل قول أهل العراق. وهم يأخذون اليوم من معادن الفرع
ونجران وذي المروة ووادي القرى وغيرها الخمس، على قول سفيان الثوري وأبي حنيفة
وأبى يوسف وأهل العراق.
52 - وحدثني الحسين بن الأسود قال: حدثنا وكيع بن الجراح قال: حدثنا الحسن بن
صالح بن حي،
عن جعفر بن محمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع عليا رضي الله عنه
أربع أرضين الفقيرين وبئر قيس والشجرة.
53 - وحدثني الحسين عن يحيى بن آدم عن الحسن بن صالح عن جعفر بن محمد مثله.
54 - وحدثني عمر بن محمد الناقد قال: حدثنا حفص بن غياث عن جعفر بن محمد،
عن أبيه أنه قال: أقطع عمر بن الخطاب عليا رضي الله عنهما ينبع فأضاف إليها غيرها.
55 - وحدثني الحسين عن يحيى بن آدم عن حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه بمثله.
56 - وحدثني من أثق به،
عن مصعب بن عبد الله الزبيري أنه قال: نسبت بئر عروة بن الزبير إلى
عروة بن الزبير.
ونسب حوض عمرو إلى عمرو بن الزبير.
ونسب خليج بنات نائلة إلى ولد نائلة بنت الفرافصة الكلبية امرأة عثمان
14

ابن عفان. وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه اتخذ هذا الخليج وساقه إلى أرض
استخرجها واعتملها بالعرصة.
وأرض أبي هريرة نسبت إلى أبي هريرة الدوسي.
والصهوة صدقة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في جبل جهينة.
وقصر نفيس ينسب فيما يقال إلى نفيس التاجر بن محمد بن زيد بن عبيد بن
المعلى بن لوذان بن حارثة بن زيد من الخزرج، وهم حلفاء بنى زريق بن عبد حارثة
من الخزرج، وهذا القصر بحرة واقم بالمدينة (ص 14) واستشهد عبيد بن المعلى يوم
أحد. قال: ويقال إنه نفيس بن محمد بن زيد بن عبيد بن مرة مولى المعلى، فإن عبيدا
هذا وأباه من سبى عين التمر، ومات عبيد بن مرة أيام الحرة، وكان يكنى أبا عبد الله.
قال: وبئر عائشة نسبت إلى عائشة بن نمير بن واقف، وعائشة رجل وهو
من الأوس.
وبئر المطلب على طريق العراق نسبت إلى المطلب بن عبد الله بن حنطب
بن الحارث بن عبيد بن عمر بن مخزوم. وبئر ابن المرتفع نسبت إلى محمد بن
المرتفع بن النضير العبدري.
57 - حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن عبد الله بن جعفر عن شريك بن عبد الله
عن أبي نمر الليثي،
عن عطاء بن يسار، مولى ميمونة بنت الحارث بن حزن بن بجير لهلالية،
قال: لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتخذ السوق بالمدينة قال: هذا
سوقكم لا خراج عليكم فيه.
58 - وحدثني العباس بن هشام الكلبي عن أبيه،
عن جده محمد بن السائب وشرقي بن القطامي الكلبي قالا: لما هدم
بختنصر بيت المقدس وأجلى من أجلى، وسبى من سبى من بني إسرائيل، لحق قوم
منهم بناحية الحجاز فنزلوا وادى القرى وتيماء ويثرب، وكان بيثرب قوم من
15

جرهم وبقية من العماليق قد اتخذوا النخل والزرع، فأقاموا معهم وخالطوهم، فلم
يزالوا يكثرون وتقل جرهم والعماليق حتى نفوهم عن يثرب واستولوا عليها وصارت
عمارتها ومراعيها لهم، فمكثوا على ذلك ما شاء الله، ثم إن من كان باليمن من
ولد سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بغوا وطغوا وكفروا نعمة ربهم فيما
آتاهم من الخصب ورفاغة العيش، فخلق الله جرذانا جعلت تنقب سدا كان لهم
بين جبلين فيه أنابيب يفتحونها إذا شاؤوا فيأتيهم الماء منها على قدر حاجتهم
وإرادتهم. والسد العرم، فلم تزل تلك الجرذان تعمل (ص 15) في ذلك العرم، حتى
خرقته. فأغرق الله تعالى جنانهم وذهب بأشجارهم وأبدلهم خمطا وإثلا وشيئا من سدر
قليلا. فلما رأى ذلك مزيقيا - وهو عمرو بن عامر بن حارثة بن ثعلبة بن امرئ القيس
ابن مازن بن الأزد بن غوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن
يشجب بن يعرب بن قحطان - باع كل شئ له من عقار وماشية وغير ذلك ودعا
الأزد حتى صاروا معه إلى بلاد عك فأقاموا بها. وقال عمرو: الانتجاع قبل العلم
عجز. فلما رأت عك غلبة الأزد على أجود مواضعهم غمها ذلك. فقالت للأزد:
انتقلوا عنا. فقام رجل من الأزد أعور أصم يقال له جذع فوثب بطائفة منهم
فقتلهم، ونشبت الحرب بين الأزد وعك، فانهزمت الأزد ثم كرت، فقال
جذع في ذلك:
نحن بنو مازن غير شك * غسان غسان وعك عك
سيعلمون أينا أرك
وكانت الأزد نزلت بماء يقال له غسان فسموا بذلك. ثم إن الأزد سارت
حتى انتهت إلى بلاد حكم بن سعد العشيرة بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب
ابن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان فقاتلوهم.
فظهرت الأزد على حكم، ثم إنه بدا لهم الانتقال عن بلادهم فانتقلوا، وبقيت
طائفة منهم معهم. ثم أتوا نجران فحاربهم أهلها فنصروا عليهم، فأقاموا بنجران
16

ثم رحلوا عنها إلا قوما منهم تخلفوا بها لأسباب دعتهم إلى ذلك، فأتوا مكة وأهلها
جرهم، فنزلوا بطن مر، وسأل ثعلبة بن عمرو مزيقيا جرهم أن يعطوهم سهل
مكة، فأبوا، فقاتلهم حتى غلب على السهل. ثم إنه والأزد استوبئوا مكانهم ورأوا
شدة العيش به فتفرقوا، فأتت طائفة منهم عمان، وطائفة السراة، وطائفة
الأنبار والحيرة، وطائفة (ص 16) الشام، وأقامت طائفة منهم بمكة. فقال جذع:
أكلما صرتم يا معاشر الأزد إلى ناحية انخزعت منكم جماعة؟ يوشك أن
تكونوا أذنابا في العرب. فسمى من أقام بمكة خزاعة. وأتى ثعلبة بن عمرو مزيقيا
وولده ومن تبعه يثرب وسكانها اليهود فأقاموا بها خارج المدينة، ثم إنهم غنوا
وكثروا وعزوا حتى أخرجوا اليهود منها ودخلوها. فنزلت اليهود خارجها،
فالأوس والخزرج ابنا حارثة بن ثعلبة بن عمرو مزيقيا بن عامر، وأمهما قيلة
بنت الأرقم بن عمرو، ويقال إنها غسانية من الأزد، ويقال إنها عذرية.
وكانت للأوس والخزرج قبل الاسلام وقائع وأيام تدربوا فيها بالحروب
واعتادوا اللقاء، حتى شهر بأسهم، وعرفت نجدتهم، وذكرت شجاعتهم،
وجل في قلوب العرب أمرهم، وهابوا حدهم، فامتنعت حوزتهم، وعز جارهم،
وذلك لما أراد الله من إعزاز نبيه صلى الله عليه وسلم وإكرامهم بنصرته.
59 - قالوا: ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة كتب بينه
وبين يهود يثرب كتابا وعاهدهم عهدا. وكان أول من نقض ونكث منهم
يهود بنى قينقاع، فأجلاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المدينة. وكان أول
أرضا افتتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم أرض بنى النضير.
17

أموال بنى النضير
60 - قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى النضير من يهود،
ومعه أبو بكر وعمر وأسيد بن حضير. فاستعانهم في دية رجلين من بنى كلاب
ابن ربيعة موادعين له كان عمرو بن أمية الضمري قتلهما. فهموا بأن يلقوا عليه
رحا، فانصرف (ص 17) عنهم وبعث إليهم يأمرهم بالجلاء عن بلده، إذ كان منهم
ما كان من الغدر والنكث. فأبوا ذلك وأذنوا بالمحاربة. فزحف إليهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم فحاصرهم خمس عشرة ليلة، ثم صالحوه على أن يخرجوا من
بلده ولهم ما حملت الإبل إلا الحلقة والآلة، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم
أرضهم ونخلهم والحلقة وسائر السلاح، والحلقة الدروع. فكانت أموال
بنى النضير خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يزرع تحت النخل
في أرضهم فيدخل من ذلك قوت أهله وأزواجه سنة، وما فضل جعله في الكراع
والسلاح. وأقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أرض بنى النضير أبا بكر
وعبد الرحمن بن عوف وأبا دجانة سماك بن خرشة الساعدي وغيرهم. وكان
أمر بنى النضير في سنة أربع من الهجرة.
61 - قال الواقدي: وكان مخيربق أحد بنى النضير حبرا عالما، فآمن
برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل ماله له، وهو سبعة حوائط. فجعلها
رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة. وهي الميثب والصافية والدلال وحسنى
وبرقة والأعواف ومشربة أم إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي
مارية القبطية.
62 - حدثنا القاسم بن سلام قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: أخبرنا الليث بن سعد
عن عقيل،
عن الزهري، أن وقيعة بنى النضير من يهود كانت على ستة أشهر من يوم
18

أحد، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على الجلاء وعلى أن لهم
ما أقلت الإبل من الأمتعة إلا الحلقة، فأنزل الله فيهم * (سبح لله ما في السماوات
وما في الأرض وهو العزيز الحكيم. هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل
الكتاب، إلى قوله: وليخزي الفاسقين (1)) *.
63 - وحدثنا الحسين بن الأسود قال: حدثنا يحيى بن آدم عن أبي زائدة،
عن محمد بن إسحاق في قوله * (وما أفاء الله على رسوله منهم (2)) * قال: من
بنى النضير * (فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب، ولكن الله يسلط رسله على
من يشاء) * (3) قال: أعلمهم أنها لرسول (ص 18) الله صلى الله عليه وسلم خالصة دون
الناس. فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين، إلا أن سهل بن حنيف
وأبا دجانة ذكرا فقرا فأعطاهما. قال: وأما قوله * (ما أفاء الله على رسوله من أهل
القرى فلله وللرسول) * (4) إلى آخر الآية قال: هذا قسم آخر بين المسلمين على
ما وصفه الله.
64 - وحدثني محمد بن حاتم السمين قال: حدثنا الحجاج بن محمد عن بن جريج عن موسى
ابن عقبة عن نافع،
عن ابن عمر قال: أحرق رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل بنى النضير
وقطع. وفى ذلك يقول حسان بن ثابت:
لهان على سراة بنى لؤي * حريق بالبويرة مستطير
قال ابن جريج: وفى ذلك نزلت * (ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة
على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين) * (5) اللينة النخلة.

(1) السورة 95، الآية 1 وما بعدها.
(2) السورة 59، الآية 6.
(3) السورة 59، تتمة الآية 6.
(4) السورة 59، الآية 7.
(5) السورة 59، الآية 5.
19

65 - وحدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج عن ابن جريح عن موسى عن نافع بن
عمر بمثله.
66 - وقال أبو عمرو الشيباني الراوية وغيره من الرواة: إن هذا الشعر لأبي
سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وإنما هو:
لعز على سراة بنى لؤي * حريق بالبويرة مستطير
ويروى بالبويلة. فأجابه حسان بن ثابت فقال:
أدام الله ذالكم حريقا * وضرم في طوائفها السعير
هم أوتوا الكتاب فضيعوه * فهم عمى عن التوراة بور
67 - وحدثني عمرو بن محمد الناقد قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن معمر عن
الزهري،
عن مالك بن أوس بن الحدثان قال: قال عمر بن الخطاب: كانت أموال
بنى النضير مما أفاء الله على رسوله، ولم يوجف المسلمون عليه (ص 19) بخيل
ولا ركاب، فكانت له خالصة، فكان ينفق منها على أهله نفقة سنة، وما بقى
جعله في الكراع عدة في سبيل الله.
68 - حدثنا هشام بن عمار الدمشقي قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل قال: حدثنا أسامة
ابن زيد عن ابن شهاب،
عن مالك بن أوس بن الحدثان أنه أخبره أن عمر بن الخطاب قال: كانت
لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث صفايا: مال بنى النضير وخيبر وفدك. فأما
أموال بنى النضير فكانت حبسا لنوائبه، وأما فدك فكانت لأبناء السبيل،
وأما خيبر فجزأها ثلاثة أجزاء: فقسم جزئين منها بين المسلمين، وحبس جزأ
لنفسه ونفقة أهله، فما فضل من نفقتهم رده إلى فقراء المهاجرين.
20

69 - وحدثنا الحسين بن الأسود قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا سفيان،
عن الزهري قال: كانت أموال بنى النضير مما أفاء الله على رسوله، ولم
يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب. فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم
خالصة فقسمها بين المهاجرين، ولم يعط أحدا من الأنصار منها شيئا إلا رجلين
كانا فقيرين: سماك بن خرشة أبا دجانة وسهل بن حنيف.
70 - وحدثنا الحسين قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا أبو بكر بن عياش،
عن الكلبي قال: لما ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أموال بنى
النضير، وكانوا أول من أجلى، قال الله تبارك وتعالى: * (هو الذي أخرج الذين
كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر) * (1) والحشر الجلاء، فكانت
مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
للأنصار: ليست لاخوانكم من المهاجرين أموال، فإن شئتم قسمت هذه
وأموالكم بينكم وبينهم جميعا، وإن شئتم أمسكتم أموالكم وقسمت هذه فيهم
خاصة. فقالوا: بل أقسم هذه فيهم وأقسم لهم من أموالنا ما شئت. فنزلت
* (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) * (2) فقال أبو بكر: جزاكم
الله يا معشر الأنصار خيرا، فوالله ما مثلنا ومثلكم إلا كما قال الغنوي: (ص 20)
جزى الله عنا جعفرا حين أزلقت * بنا نعلنا في الوطئتين فزلت
أبوا أن يملونا ولو أن أمنا * تلاقى الذي يلقون منا لملت
فذو المال موفور وكل معصب * إلى حجرات أدفأت وأظلت
71 - وحدثنا الحسين قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: أخبرنا قيس بن الربيع عن
هشام بن عروة،
عن أبيه قال: أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام أرضا
من أرض بنى النضير ذات نخل.

(1) السورة 59، الآية 2.
(2) السورة 59، الآية 9
21

72 - وحدثنا الحسين قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا يزيد بن عبد العزيز عن هشام
ابن عروة،
عن أبيه قال: أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أموال بنى النضير
وأقطع الزبير.
73 - وحدثني محمد بن سعد كاتب الواقدي قال: حدثنا أنس بن عياض وعبد الله
ابن نمير قالا: حدثنا هشام بن عروة،
عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع الزبير أرضا من أموال بنى النضير
فيها نخل، وأن أبا بكر أقطع الزبير الجرف. قال أنس في حديثه: أرضا مواتا.
وقال عبد الله بن نمير في حديثه: وإن عمر أقطع الزبير العقيق أجمع.
22

أموال بني قريظة
74 - قالوا: حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بني قريظة لليال من ذي
القعدة وليال من ذي الحجة سنة خمس، فكان حصارهم خمس عشرة ليلة.
وكانوا ممن أعان على رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق، وهي غزوة
الأحزاب، ثم إنهم نزلوا على حكمه فحكم فيهم سعد بن معاذ الأوسي، فحكم بقتل
من جرت عليه المواسي، وبسبي النساء والذرية، وأن يقسم ما لهم بين المسلمين.
فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وقال: لقد حكمت بحكم الله ورسوله.
75 - حدثني عبد الواحد بن غياث (ص 21) قال: حدثنا حماد بن سلمة عن
هشام بن عروة، عن أبيه،
عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ من الأحزاب
دخل مغتسلا ليغتسل، فجاءه جبريل فقال: يا محمد! قد وضعتم أسلحتكم وما وضعنا
أسلحتنا بعد. انهد إلى بني قريظة. فقالت عائشة: يا رسول الله! لقد رأيته
من خلل الباب وقد عصب التراب رأسه.
76 - حدثني عبد الواحد بن غياث قال: حدثنا حماد بن سلمة عن أبي جعفر الخطمي
عن عمارة بن خزيمة،
عن كثير بن السائب أن بني قريظة عرضوا على النبي صلى الله عليه وسلم،
فمن كان منهم محتلما أو قد نبتت عانته قتل، ومن لم يكن احتلم ولا نبتت
عانته ترك.
77 - وحدثني وهب بن بقية قال: حدثنا يزيد بن هارون عن هشام،
عن الحسن قال: عاهد حيى بن أخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم
على أن لا يظاهر عليه أحدا وجعل الله عليه كفيلا. فلما أتى به رسول الله
23

صلى الله عليه وسلم يوم قريظة وبابنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أوفى
الكفيل. ثم أمر به فضربت عنقه وعنق ابنه.
78 - حدثني بكر بن الهيثم قال: حدثنا عبد الرزاق،
عن معمر قال: سألت الزهري هل كانت لبني قريظة أرض؟ فقال سديدا:
قسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين على السهام.
79 - وحدثني الحسين بن الأسود قال: حدثنا يحيى بن آدم عن أبي بكر بن عياش
عن الكلبي عن أبي صالح،
عن ابن عباس قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أموال بني قريظة
وخيبر بين المسلمين.
80 - حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام قال: حدثنا عبد الله بن صالح كاتب الليث
عن الليث بن سعد عن عقيل،
عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر بني قريظة حتى نزلوا
على حكم سعد بن معاذ. فقضى بأن تقتل رجالهم وتسبى ذراريهم وتقسم أموالهم.
فقتل منهم يومئذ كذا وكذا رجلا. (ص 22)
24

خيبر
81 - قالوا: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر في سنة سبع، فطاوله
أهلها وماكثوه، وقاتلوا المسلمين، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قريبا
من شهر، ثم إنهم صالحوه على حقن دمائهم وترك الذرية على أن يجلوا ويخلوا
بين المسلمين وبين الأرض والصفراء والبيضاء والبزة، إلا ما كان منها على
الأجساد، وأن لا يكتموه شيئا. ثم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لنا
بالعمارة والقيام على النخل علما فأقرنا. فأقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وعاملهم على الشطر من الثمر والحب، وقال: أقركم ما أقركم الله. فلما كانت
خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ظهر فيهم الوباء وتعبثوا بالمسلمين، فأجلاهم
عمر، وقسم خيبر بين من كان له فيها سهم من المسلمين.
82 - حدثني الحسين بن الأسود قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا زياد بن عبد الله
ابن طفيل،
عن محمد بن إسحاق قال: سألت ابن شهاب عن خيبر فأخبرني أنه بلغه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتحها عنوة بعد القتال، وكانت مما أفاء الله
على رسوله صلى الله عليه وسلم، فخمسها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقسمها
بين المسلمين، ونزل من نزل من أهلها على الجلاء، فدعاهم رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلى المعاملة ففعلوا.
83 - وحدثني عبد الاعلى بن حماد النرسي قال: حدثنا حماد بن سلمة عن عبيد بن عمر
عن نافع،
عن ابن عمر قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر فقاتلهم
حتى ألجأهم إلى قصرهم وغلبهم على الأرض والنخل، وصالحهم على أن يحقن
25

دماءهم ويجلوا، ولهم ما حملت ركابهم ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الصفراء
والبيضاء والحلقة. واشترط عليهم أن لا يكتموا ولا يغيبوا شيئا، فإن فعلوا
فلا ذمة لهم ولا عهد. فغيبوا مسكا فيه مال وحلي لحيي بن أخطب، وكان
احتمله معه إلى خيبر حين (ص 23) أجليت بنو النضير. فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم لسعية بن عمرو: ما فعل مسك حيى الذي جاء به من قبل بنى النضير؟ قال:
أذهبته الحروب والنفقات. قال: العهد قريب والمال كثير. وقد كان حيى
قتل قبل ذلك. فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم سعية إلى الزبير فمسه
بعذاب. فقال: رأيت حييا يطوف في خربة هاهنا. فذهبوا إلى الخربة
ففتشوها فوجدوا المسك. فقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ابني أبى الحقيق،
وأحدهما زوج صفية بنت حيى بن أخطب، وسبى نساءهم وذراريهم، وقسم
أموالهم للنكث الذي نكثوا. فأراد أن يجليهم عنها فقالوا: دعنا نكن في هذه
الأرض نصلحها ونقوم عليها. ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه
غلمان يقومون بها، وكانوا لا يفرغون للقيام عليها بأنفسهم، فأعطاهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم خيبر، على أن لهم الشطر من كل زرع ونخل وشئ ما بدا
لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فكان عبد الله بن رواحة يأتيهم في كل عام
فيخرصها عليهم ثم يضمنهم الشطر. فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
شدة خرصه، وأرادوا أن يرشوه فقال: يا أعداء الله! أتطعمونني السحت؟ والله
لقد جئتكم من عند أحب الناس إلى وإنكم لأبغض إلى من عدتكم من
القرود والخنازير، ولن يحملني بغضي لكم وحبى إياه على أن لا أعدل عليكم.
فقالوا: بهذا قامت السماوات والأرض.
قال: ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعين صفية بنت حيى خضرة.
فقال: يا صفية! ما هذه الخضرة؟ فقالت: كان رأسي في حجر ابن أبي الحقيق
وأنا نائمة، فرأيت كأن قمرا وقع في حجري. فأخبرته بذلك فلطمني وقال: أتتمنين
26

ملك يثرب؟ قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبغض الناس إلى،
قتل زوجي وأبى وأخي. فما زال يعتذر ويقول: إن أباك ألب على العرب وفعل
وفعل حتى ذهب ذلك من نفسي.
قال: وكان (ص 24) رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطى كل امرأة من
نسائه ثمانين وسقا من تمر كل، عام وعشرين وسقا من شعير من خيبر.
قال نافع: فلما كان عمر بن الخطاب عاثوا في المسلمين وغشوهم، وألقوا
ابن عمر من فوق بيت وفدغوا يديه، فقسمها عمر رضي الله عنه بين المسلمين ممن كان
شهد خيبر من أهل الحديبية.
84 - وحدثنا الحسين بن الأسود حدثنا يحيى بن آدم عن زياد البكائي عن محمد
ابن إسحاق،
عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال: حصر رسول الله
صلى الله عليه وسلم أهل خيبر في حصنيهم الوطيح وسلالم، فلما أيقنوا بالهلكة
سألوه أن يسيرهم ويحقن دمائهم ففعل. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد
حاز الأموال كلها: الشق والنطاة والكتيبة، وجميع حصونهم إلا ما كان
في هذين الحصنين.
85 - حدثنا الحسين بن الأسود قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا عبد السلام
ابن حرب عن شعبة عن الحكم،
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى في قوله تعالى * (وأثابهم فتحا قريبا) * (1)
قال: خيبر، * (وأخرى لم تقدروا عليها) * (2) فارس الروم.

(1) السورة 48، الآية 18
(2) السورة 48، الآية 21
27

86 - حدثنا عمرو الناقد حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا يحيى بن سعيد،
عن بشير بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم خيبر على ستة وثلاثين
سهما، وجعل كل سهم مئة سهم، فعزل نصفها لنوائبه وما ينزل به، وقسم النصف
الباقي بين المسلمين. فكان سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قسم الشق
والنطاة وما حيز معهما. وكان فيما وقف الكتيبة وسلالم. فلما صارت الأموال
في يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له من العمال من يكفيه عمل
الأرض، فدفعها إلى اليهود يعملونها على نصف ما خرج منها، فلم تزل على ذلك
حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر، فلما كان عمر وكثر المال في أيدي
المسلمين وقووا على عمارة الأرض أجلى اليهود (ص 25) إلى الشام وقسم الأموال
بين المسلمين.
87 - حدثني بكر بن الهيثم قال: حدثنا عبد الرزاق عن معمر،
عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح خيبر كان سهم الخمس
منها الكتيبة، وكان الشق والنطاة وسلالم والوطيح للمسلمين، فأقرها في يد يهود
على الشطر، فكان ما أخرج الله منها للمسلمين يقسم بينهم، حتى كان عمر فقسم
رقبة الأرض بينهم على سهامهم.
88 - وحدثنا أبو عبيد قال: حدثنا على بن معبد عن أبي المليح،
عن ميمون بن مهران قال: حصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر
ما بين عشرين ليلة إلى ثلاثين ليلة.
28

89 - حدثنا الحسين بن الأسود قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: أخبرنا حماد بن سلمة
عن يحيى بن سعيد،
عن بشير بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم خيبر على ستة
وثلاثين سهما: لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر سهما لما ينوبه
من الحقوق وأمر الناس والوفود، وقسم ثمانية عشر سهما كل سهم لمئة رجل.
90 - وحدثنا الحسين قال: حدثنا يحيى بن آدم عن عبد السلام بن حرب،
عن يحيى بن سعيد قال: سمعت بشير بن يسار يقول: قسمت سهمان خيبر
على ستة وثلاثين سهما، جمع كل سهم مئة سهم. فكان من ذلك للمسلمين
ثمانية عشر سهما اقتسموها بينهم، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم مثل سهم
أحدهم، وثمانية عشر سهما لمن نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم من الناس
والوفود وما نابه.
91 - حدثنا عمرو الناقد والحسين بن الأسود قالا: حدثنا وكيع بن الجراح قال:
حدثني العمرى عن نافع،
عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث ابن رواحة إلى خيبر،
فخرص عليهم النخل، ثم خيرهم أن يأخذوا أو يردوا. فقالوا: هذا الحق وبه قامت
السماوات والأرض.
92 - وحدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل قال: حدثنا الحجاج بن محمد (ص 26) عن ابن جريج،
عن رجل من أهل المدينة أن النبي صلى الله عليه وسلم صالح بنى أبى الحقيق
على أن لا يكتموا كنزا. فكتموه فاستحل دماءهم.
93 - حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا على بن معبد عن أبي المليح،
عن ميمون بن مهران أن أهل خيبر أخذوا الأمان على أنفسهم وذراريهم
29

على أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل شئ في الحصن. قال: وكان في الحصن
أهل بيت فيهم شدة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال لهم قد عرفت
عداوتكم لله ولرسوله، ولم يمنعني ذلك من أن أعطيكم ما أعطيت أصحابكم،
وقد أعطيتموني انكم إن كتمتم شيئا حلت لي دماؤكم. ما فعلت آنيتكم؟
قالوا: استهلكناها في حربنا. قال: فأمر أصحابه فأتوا المكان الذي هي فيه
فاستثاروها ثم ضرب أعناقهم.
94 - حدثنا عمرو الناقد ومحمد بن الصباح قالا: حدثنا هشيم قال: أخبرنا ابن أبي
ليلى عن الحكم بن عتيبة عن مقسم،
عن ابن عباس قال: دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر بأرضها ونخلها
إلى أهلها مقاسمة على النصف.
95 - حدثنا محمد بن الصباح قال: حدثنا هشيم بن بشير قال: أخبرنا داود بن أبي
هند،
عن الشعبي قال: دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر إلى أهلها بالنصف،
وبعث عبد الله بن رواحة لخرص التمر أو قال النخل. فخرص عليهم وجعل
ذلك نصفين، فخيرهم أن يأخذوا أيهما شاؤوا. فقالوا: بهذا قامت السماوات
والأرض.
96 - وحدثنا بعض أصحاب أبي يوسف قال: حدثنا أبو يوسف عن مسلم الأعور،
عن أنس أن عبد الله بن رواحة قال لأهل خيبر: إن شئتم خرصت وخيرتكم،
وإن شئتم خرصتم وخيرتموني. فقالوا: بهذا قامت السماوات والأرض.
30

97 - وحدثنا القاسم بن سلام قال: حدثنا عبد الله بن صالح المصري عن ليث
ابن سعد عن يونس بن يزيد،
عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم فتح خيبر عنوة بعد قتال،
فخمسها وقسم أربعة أخماسها بين المسلمين.
98 - وحدثنا عبد (ص 27) الاعلى بن حماد النرسي قال: قرأت على مالك بن أنس،
عن ابن شهاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يجتمع دينان في جزيرة
العرب. ففحص عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن ذلك حتى أتاه الثلج واليقين
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يجتمع دينان في جزيرة العرب.
فأجلى يهود خيبر.
99 - حدثني الوليد بن صالح عن الواقدي،
عن أشياخه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعم من سهمه بخيبر طعما،
فجعل لكل امرأة من نساءه ثمانين وسقا من تمر وعشرين وسقا من شعير،
وأطعم عمه العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه مائتي وسق، وأطعم أبا بكر
وعمر والحسن والحسين وغيرهم، وأطعم بني المطلب ابن عبد مناف أوساقا معلومة
وكتب لهم بذلك كتابا ثابتا.
100 - وحدثني الوليد عن الواقدي عن أفلح بن حميد،
عن أبيه قال: ولاني عمر بن عبد العزيز الكتيبة، فكمنا نعطى ورثة
المطعمين، وكانوا محصين عندنا.
101 - وحدثنا محمد بن حاتم السمين قال: حدثنا جرير بن عبد الحميد عن ليث،
عن نافع قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر أهلها بالشطر،
31

فكانت في أيديهم حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وصدرا من خلافة
عمر، ثم إن عبد الله بن عمر أتاهم في حاجة فبيتوه، فأخرجهم منها وقسمها بين
من حضرها من المسلمين، وجعل لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم فيها نصيبا
وقال: أيتكن شاءت أخذت الثمرة وأيتكن شاءت أخذت الضيعة فكانت
لها ولورثتها.
102 - وحدثني الحسين بن الأسود قال: حدثنا أبو بكر بن عياش عن الكلبي
عن أبي صالح،
عن ابن عباس قال: قسمت خيبر على ألف وخمس مئة سهم وثمانين سهما،
وكانوا ألفا وخمس مئة وثمانين رجلا الذين شهدوا الحديبية منهم ألف وخمس مئة
وأربعون، والذين كانوا مع جعفر بن أبي طالب بأرض الحبشة أربعون رجلا.
103 - حدثنا الحسين بن الأسود قال: حدثني يحيى بن آدم قال: حدثنا أبو معاوية
عن هشام (ص 28) بن عروة،
عن أبيه قال: أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير أرضا بخيبر فيها
نخل وشجر.
32

فدك
104 - قالوا: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل فدك، منصرفه
من خيبر، محيصة بن مسعود الأنصاري يدعوهم إلى الاسلام، ورئيسهم رجل
منهم يقال له يوشع بن نون اليهودي. فصالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم
على نصف الأرض بتربتها. فقبل ذلك منهم. فكان نصف فدك خالصا لرسول
الله صلى الله عليه وسلم لأنه لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب. وكان يصرف
ما يأتيه منها إلى أبناء السبيل. ولم يزل أهلها بها إلى أن استخلف عمر بن الخطاب
رضي الله عنه وأجلى يهود الحجاز. فوجه أبا الهيثم مالك بن التيهان، ويقال
النيهان، وسهل بن أبي حيثمة وزيد بن ثابت الأنصاريين فقوموا نصف تربتها
بقيمة عدل، فدفعها إلى اليهود وأجلاهم إلى الشام.
105 - حدثنا سعيد بن سليمان عن الليث بن سعد،
عن يحيى بن سعيد أن أهل فدك صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم
على نصف أرضهم ونخلهم. فلما أجلاهم عمر بعث من أقام لهم حظهم من النخل
والأرض فأداه إليهم.
106 - حدثني بكر بن الهيثم قال: حدثنا عبد الرزاق عن معمر،
عن الزهري أن عمر بن الخطاب أعطى أهل فدك قيمة نصف أرضهم ونخلهم.
107 - حدثنا الحسين بن الأسود قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا ابن أبي زائدة
عن محمد بن إسحاق،
عن الزهري وعبد الله بن أبي بكر وبعض ولد محمد بن مسلمة قالوا: بقيت
33

بقية من أهل خيبر تحصنوا وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحقن دماءهم
ويسيرهم، فسمع بذلك أهل فدك فنزلوا على مثل ذلك، وكانت فدك لرسول الله
صلى الله عليه وسلم (ص 29) خاصة، لأنه لم يوجف المسلمون عليها بخيل ولا ركاب.
108 - وحدثنا الحسين عن يحيى بن آدم عن زياد البكائي عن محمد بن إسحاق،
عن عبد الله بن أبي بكر بنحوه، وزاد فيه: وكان في من مشى بينهم محيصة
ابن مسعود.
109 - حدثنا الحسين قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثني إبراهيم بن حميد
عن أسامة بن زيد عن ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان،
عن عمر رضي الله عنه قال: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث
صفايا. فكانت أرض بنى النضير حبسا وكانت لنوائبه، وجزأ خيبر على ثلاثة
أجزاء، وكانت فدك لأبناء السبيل.
110 - حدثنا عبد الله بن صالح العجلي قال: حدثنا صفوان بن عيسى عن أسامة
ابن زيد عن ابن شهاب،
عن عروة بن الزبير أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أرسلن عثمان بن عفان
إلى أبى بكر يسألنه مواريثهن من سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر
وفدك. فقالت لهن عائشة: أما تتقين الله! أما سمعتن رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: لا نورث. ما تركنا صدقة. إنما هذا المال لآل محمد لنائبتهم وضيفهم،
فإذا مت فهو إلى والي الأمر بعدي. قال: فأمسكن.
34

111 - حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي، حدثنا صفوان بن عيسى الزهري عن أسامة
عن ابن شهاب عن عروة بمثله.
112 - حدثني إبراهيم بن محمد عن عرعرة عن عبد الرزاق عن معمر،
عن الكلبي أن بنى أمية اصطفوا فدك، وغيروا سنة رسول الله صلى الله
عليه وسلم فيها، فلما ولى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ردها إلى ما كانت
عليه.
113 - وحدثنا عبد الله بن ميمون المكتب قال: أخبرنا الفضيل بن عياض عن مالك
ابن جعونه،
عن أبيه قال: قالت فاطمة لأبي بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
جعل لي فدك فاعطني إياها. وشهد لها علي بن أبي طالب. فسألها شاهدا آخر،
فشهدت لها أم أيمن. فقال: قد علمت يا (ص 30) بنت رسول الله أنه لا تجوز
إلا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين. فانصرفت.
114 - وحدثني روح الكرابيسي قال: حدثنا زيد بن الحباب قال: أخبرنا خالد
ابن طهمان،
عن رجل حسبه روح جعفر بن محمد أن فاطمة رضي الله عنها قالت لأبي بكر
الصديق رضي الله عنه: أعطني فدك، فقد جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم
لي. فسألها البينة. فجاءت بأم أيمن ورباح مولى النبي صلى الله عليه وسلم فشهدا
لها بذلك. فقال: إن هذا الامر لا تجوز فيه إلا شهادة رجل وامرأتين.
115 - حدثنا ابن عائشة التيمي قال: حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن السائب الكلبي
عن أبي صالح باذام،
عن أم هاني أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتت أبا بكر
35

الصديق رضي الله عنه فقالت له: من يرثك إذ مت؟ قال: ولدى وأهلي.
قالت: فما بالك ورثت رسول الله صلى الله عليه وسلم دوننا؟ فقال: يا بنت
رسول الله! والله ما ورثت أباك ذهبا ولا فضة ولا كذا ولا كذا. فقالت:
سهمنا بخيبر وصدقتنا فدك. فقال: يا بنت رسول! سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: إنما هي طعمة أطعمنيها الله حياتي، فإذا مت فهي
بين المسلمين.
116 - حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا جرير بن عبد الحميد،
عن مغيرة أن عمر بن عبد العزيز جمع بنى أمية فقال: إن فدك كانت للنبي
صلى الله عليه وسلم. فكان ينفق منها ويأكل ويعود على فقراء بنى هاشم
ويزوج أيمهم. وإن فاطمة سألته أن يهبها لها فأبى. فلما قبض عمل أبو بكر
فيها كعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ولى عمر فعمل فيها بمثل ذلك.
وإني أشهدكم أنى قد رددتها إلى ما كانت عليه.
117 - حدثنا سريج بن يونس قال: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب،
عن الزهري في قول الله تعالى * (فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب) * (1)
قال: هذه قرى عربية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدك وكذا وكذا.
118 - حدثنا أبو عبيد قال: (ص 31) حدثنا سعيد بن عفير،
عن مالك بن أنس - قال أبو عبيد: لا أدرى ذكره عن الزهري أم لا -
قال: أجلى عمر يهود خيبر، فخرجوا منها. فأما يهود فدك فكان لهم نصف
الثمرة ونصف الأرض، لان رسول الله صلى الله عليه وسلم صالحهم على

(1) السورة 59، الآية 6
36

ذلك. فأقام لهم عمر نصف الثمرة ونصف الأرض من ذهب وورق وأقتاب
ثم أجلاهم.
119 - وحدثني عمرو الناقد، قال حدثني الحجاج بن أبي منيع الرصافي عن أبيه،
عن أبي برقان أن عمر بن عبد العزيز لما ولى الخلافة خطب فقال: إن
فدك كانت مما أفاء الله على رسوله ولم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب.
فسألته إياها فاطمة رحمها الله تعالى فقال: ما كان لك أن تسأليني وما كان لي
أن أعطيك. فكان يضع ما يأتيه منها في أبناء السبيل. ثم ولى أبو بكر وعمر
وعثمان وعلى رضي الله عنهم، فوضعوا ذلك بحيث وضعه رسول الله صلى عليه
وسلم. ثم ولى معاوية فأقطعها مروان بن الحكم، فوهبها مروان لأبي ولعبد الملك
فصارت لي وللوليد وسليمان. فلما ولى الوليد سألته حصته منها فوهبها لي، وسألت
سليمان حصته منها فوهبها لي، فاستجمعتها. وما كان لي من مال أحب إلى منها،
فاشهدوا أنى قد رددتها إلى ما كانت عليه.
ولما كانت سنة عشر ومائتين أمر أمير المؤمنين المأمون عبد الله بن هارون
الرشيد فدفعها إلى ولد فاطمة، وكتب بذلك إلى قثم بن جعفر عامله على المدينة:
" أما بعد فإن أمير المؤمنين، بمكانه من دين الله وخلافة رسوله صلى الله
عليه وسلم والقرابة به، أولى من استن سنته ونفذ أمره وسلم لمن منحه منحة وتصدق
عليه بصدقة منحته وصدقته، وبالله توفيق أمير المؤمنين وعصمته، وإليه، في العمل
بما يقر به إليه، رغبته. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى فاطمة بنت
رسول الله صلى الله عليه وسلم فدك وتصدق بها عليها، وكان ذلك أمرا ظاهرا
معروفا لا (ص 32) اختلاف فيه بين آل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم تزل تدعى
منه ما هو أولى به من صدق عليه، فرأى أمير المؤمنين أن يردها إلى ورثتها
37

ويسلمها إليهم، تقربا إلى الله تعالى بإقامة حقه وعدله وإلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم بتنفيذ أمره وصدقته. فأمر بإثبات ذلك في دواوينه والكتاب به إلى
عماله. فلئن كان ينادى في كل موسم - بعد أن قبض الله نبيه صلى الله عليه وسلم -
أن يذكر كل من كانت له صدقة أو هبة أو عدة ذلك، فيقبل قوله وينفذ عدته،
إن فاطمة رضي الله عنها لأولى بأن يصدق قولها فيما جعل رسول الله صلى الله
عليه وسلم لها. وقد كتب أمير المؤمنين إلى المبارك الطبري مولى أمير المؤمنين
يأمره برد فدك على ورثة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بحدودها
وجميع حقوقها المنسوبة إليها، وما فيها من الرقيق والغلات وغير ذلك، وتسليمها
إلى محمد بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب،
ومحمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، لتولية
أمير المؤمنين إياهما القيام بها لأهلها. فأعلم ذلك من رأى أمير المؤمنين، وما ألهمه
الله من طاعته ووفقه له من التقرب إليه وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وأعلمه
من قبلك، وعامل محمد بن يحيى ومحمد عبد الله بما كنت تعامل به المبارك الطبري،
وأعنهما على ما فيه عمارتها ومصلحتها ووفور غلاتها إن شاء الله والسلام.
وكتب يوم الأربعاء لليلتين خلتا من ذي القعدة سنة عشر ومائتين.
فلما استخلف المتوكل على الله رحمه الله أمر بردها إلى ما كانت عليه قبل
المأمون رحمه الله.
38

أمر وادى القرى وتيماء
120 - قالوا: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، منصرفه من خيبر، وادى
القرى، فدعا أهلها (ص 33) إلى الاسلام فامتنعوا من ذلك وقاتلوا، ففتحها رسول
الله صلى الله عليه وسلم عنوة، وغنمه الله أموال أهلها، وأصاب المسلمون منهم أثاثا
ومتاعا، فخمس رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وترك النخل والأرض في أيدي
اليهود، وعاملهم على نحو ما عامل عليه أهل خيبر. فقيل إن عمر أجلى يهودها
وقسمها بين من قاتل عليها، وقيل إنه لم يجلهم لأنها خارجة من الحجاز. وهي
اليوم مضافة إلى عمل المدينة وأعراضها.
121 - وأخبرني عدة من أهل العلم أن رفاعة بن زيد الجذامي كان أهدى
لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما يقال له مدعمم، فلما كانت غزاة وادى
القرى أصابه سهم غرب، وهو يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقيل: يا رسول الله! هنيئا لغلامك أصابه سهم فاستشهد. فقال: كلا إن الشملة
التي أخذها من المغانم يوم خيبر لتشتعل عليه نارا.
122 - حدثنا شيبان بن فروخ قال: حدثنا أبو الأشهب،
عن الحسن أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: استشهد فتاك فلان.
فقال: إنه يجر إلى النار في عباءة غلها.
123 - وحدثني عبد الواحد بن غياث قال: حدثنا حماد بن سلمة عن الجريري عن
عبد الله بن سفيان قال: وحدثنا حبيب بن الشهيد،
عن الحسن أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هنيئا لك، استشهد
فتاك فلان. فقال: بل هو يجر إلى النار في عباءة غلها.
39

124 - قالوا: ولما بلغ أهل تيماء ما وطئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم
أهل وادى القرى صالحوه على الجزية، فأقاموا ببلادهم، وأرضوهم في أيديهم.
وولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن سعيد بن العاصي بن أمية وادى
القرى، وولى يزيد بن أبي سفيان بعد الفتح، وكان إسلامه يوم فتح تيماء.
125 - وحدثني عبد الاعلى بن حماد النرسي قال: حدثنا حماد بن سلمة عن يحيى بن
سعيد عن إسماعيل بن حكيم،
عن عمر بن عبد العزيز أن عمر بن الخطاب (ص 34) أجلى أهل فدك وتيماء
وخيبر. قال: وكان قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل وادى القرى في
جمادى الآخرة سنة سبع.
126 - حدثني العباس بن هشام الكلبي عن أبيه،
عن جده قال: أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة بن النعمان بن هوذة
العذري رمية سوطه من وادى القرى، وكان سيد بنى عذرة، وهو أول أهل
الحجاز قدم على النبي صلى الله عليه وسلم بصدقة بنى عذرة.
127 - وحدثني على بن محمد بن عبد الله، مولى قريش، عن العباس بن عامر،
عن عمه قال: أتى عبد الملك بن مروان يزيد بن معاوية فقال: يا أمير
المؤمنين! معاوية كان ابتاع من بعض اليهود أرضا بوادي القرى وأحيا إليها
أرضا، وليست لك بذلك المال عناية، فقد ضاع وقلت غلته، فأقطعنيه فإنه
لا خطر له. فقال يزيد: إنا لا نبخل بكبير ولا نخدع عن صغير. فقال: يا أمير
المؤمنين! غلته كذا. قال: هو لك. فلما ولى قال يزيد: هذا الذي يقال إنه
يلي بعدنا، فإن يكن ذلك حقا فقد صانعناه، وإن يكن باطلا فقد وصلناه.
40

مكة
128 - قالوا: لما قاضى رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا عام الحديبية
وكتب القضية على الهدنة، وأنه من أحب أن يدخل في عهد محمد صلى الله عليه
وسلم دخل ومن أحب أن يدخل في عهد قريش دخل، وأنه من أتى قريشا
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يردوه، ومن أتاه منهم ومن حلفائهم
رده، قام من كان من كنانة فقالوا: ندخل في عهد قريش ومدتها، وقامت
خزاعة فقالت: ندخل في عهد محمد وعقده. وقد كان بين عبد المطلب وخزاعة
حلف قديم، فلذلك قال عمرو بن سالم بن حصيرة الخزاعي (ص 35):
لا هم إني ناشد محمدا * حلف أبينا وأبيه الا تلدا
ثم إن رجلا من خزاعة سمع رجلا من كنانة ينشد هجاء في رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فوثب عليه فشجه، فهاج ذلك بينهم الشر والقتال، وأعانت
قريش بنى كنانة، وخرج منهم رجال معهم فبيتوا خزاعة، فكان ذلك
مما نقضوا به العهد والقضية. وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو
ابن سالم بن حصيرة الخزاعي يستنصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاه ذلك
إلى غزو مكة.
129 - وحدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام قال: حدثنا عثمان بن صالح عن ابن لهيعة
عن أبي الأسود،
عن عروة في حديث طويل قال: فهادنت قريش رسول الله صلى الله عليه
وسلم على أن يأمن بعضهم بعضا على الأغلال والأسلال، أو قال أرسال، فمن
قدم مكة حاجا أو معتمرا أو مجتازا إلى اليمن والطائف فهو آمن، ومن قدم المدينة
41

من المشركين عامدا إلى الشام والمشرق فهو آمن. قال: فأدخل رسول الله صلى
الله عليه وسلم في عهده بنى كعب، وأدخلت قريش في عهدها حلفاءها من
بنى كنانة.
130 - وحدثنا عبد الواحد بن غياث قال: حدثنا حماد بن سلمة قال: أخبرنا أيوب،
عن عكرمة أن بنى بكر من كنانة كانوا في صلح قريش، وكانت خزاعة
في صلح رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقتتلت بنو بكر وخزاعة بعرفة، (ص 36)
فأمدت قريش بنى بكر بالسلاح وسقوهم الماء وظللوهم. فقال بعضهم لبعض:
نكثتم العهد. فقالوا: ما نكثنا والله. ما قاتلنا، إنما مددناهم وسقيناهم وظللناهم.
فقالوا لأبي سفيان بن حرب: انطلق فأجد الحلف وأصلح بين الناس.
فقدم أبو سفيان المدينة فلقي أبا بكر، فقال له: يا أبا بكر! أجد الحلف وأصلح
بين الناس. فقال أبو بكر: الق عمر. فلقي عمر، فقال له: أجد الحلف وأصلح
بين الناس. فقال عمر: قطع الله منه ما كان متصلا وأبلى ما كان جديدا.
فقال أبو سفيان: تالله ما رأيت شاهد عشيرة شرا منك. فانطلق إلى فاطمة
فقالت: الق عليا. فلقيه فذكر له مثل ذلك، فقال على: أنت شيخ قريش
وسيدها فأجد الحلف وأصلح بين الناس. فضرب أبو سفيان يمينه على شماله
وقال: قد جددت الحلف وأصلحت بين الناس. ثم انطلق حتى أتى مكة،
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أبا سفيان قد أقبل، وسيرجع
راضيا بغير قضاء حاجة، فلما رجع إلى أهل مكة أخبرهم الخبر، فقالوا: تالله
ما رأينا أحمق منك. ما جئتنا بحرب فنحذر ولا بسلم فنأمن. وجاءت خزاعة
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكوا ما أصابهم، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: إني قد أمرت بإحدى القريتين مكة أو الطائف، وأمر رسول الله
صلى الله عليه وسلم بالمسير. فخرج في أصحابه وقال: اللهم اضرب على آذانهم
42

فلا يسمعوا حتى نبغتهم بغتة. وأغذ المسير حتى نزل مر الظهران. وقد كانت
قريش قالت لأبي سفيان: ارجع. فلما بلغ مر الظهران ورأى النيران والأخبية
قال: ما شأن الناس كأنهم أهل عشية عرفة؟ وغشيته خيول رسول الله صلى الله
عليه وسلم فأخذوه أسيرا. فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم، وجاء عمر فأراد قتله
فمنعه العباس، وأسلم فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما كان عند
صلاة الصبح تحشحش الناس وضوءا للصلاة. فقال أبو سفيان (ص 37) للعباس بن
عبد المطلب: ما شأنهم يريدون قتلى؟ قال: لا، ولكنهم قاموا إلى الصلاة.
فلما دخلوا في صلاتهم رآهم إذا ركع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعوا وإذا
سجد سجدوا. فقال: تالله ما رأيت كاليوم طواعية قوم جاؤوا من هاهنا وهاهنا،
ولا فارس الكرام ولا الروم ذات القرون. فقال العباس: يا رسول الله ابعثني
إلى أهل مكة ادعهم إلى الاسلام. فلما بعثه أرسل في اثره وقال: ردوا على عمى
لا يقتله المشركون. فأبى أن يرجع حتى أتى مكة. فقال: أي قوم! أسلموا
تسلموا، أتيتم أتيتم، واستبطنتم بأشهب بازل. هذا خالد بأسفل مكة وهذا الزبير
بأعلى مكة، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار وخزاعة.
فقالت قريش: وما خزاعة المجدعة الأنوف!
131 - حدثنا عبد الواحد بن غياث قال: حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي
سلمة بن عبد الرحمن،
عن أبي هريرة أن قائل خزاعة قال للنبي صلى الله عليه وسلم:
لا هم إني ناشد محمدا * حلف أبينا وأبيه الا تلدا
فانصر هداك الله نصرا أيدا * وادع عباد الله يأتوا مددا
43

132 - قال حماد: فحدثني على بن زيد،
عن عكرمة أن خزاعة نادوا للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل فقال:
لبيكم.
133 - وقال الواقدي وغيره: تسلح قوم من قريش يوم الفتح وقالوا:
لا يدخلها محمد إلا عنوة، فقاتلهم خالد بن الوليد. وكان أول من أمره
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدخول، فقتل أربعة وعشرين رجلا من قريش
وأربعة نفر من هذيل. ويقال قتل يومئذ ثلاثة وعشرين رجلا من قريش، (ص 38)
وانهزم الباقون فاعتصموا برؤوس الجبال وتوقلوا فيها. واستشهد من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ كرز بن جابر الفهري، وخالد الأشعر
الكعبي. وقال هشام بن الكلبي: هو حبيش الأشعر بن خالد الكعبي
من خزاعة.
134 - وحدثنا شيبان بن أبي شيبة الأبلي حدثنا سليمان بن المغيرة قال: حدثنا ثابت
البناني،
عن عبد الله بن رباح قال: وفدت وفود إلى معاوية، وذلك في شهر
رمضان، وكان بعضنا يصنع لبعض الطعام، وكان أبو هريرة مما يكثر أن يدعونا
إلى رحله. قال: فصنعت لهم طعاما ودعوتهم، فقال أبو هريرة: ألا أعللكم
بحديث من حديثكم معشر الأنصار؟ ثم ذكر فتح مكة فقال: أقبل رسول الله
صلى الله عليه وسلم حتى قدم مكة، فبعث الزبير على إحدى المجنبتين، وبعث
خالد بن الوليد على الأخرى، وبعث أبا عبيدة بن الجراح على الحسر. فأخذوا
بطن الوادي ورسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته، فرآني فقال: يا أبا هريرة!
قلت: لبيك يا رسول الله. قال: ناد الأنصار فلا يأت إلا أنصاري. قال:
فناديتهم، فأطافوا به، وجمعت قريش أوباشها وأتباعها وقالوا: نقدم هؤلاء،
44

فإن أصابوا ظفرا كنا معهم وإن أصيبوا أعطينا الذي يسأل. فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: أترون أوباش قريش؟ قالوا: نعم. فقال بإحدى يديه على
الأخرى يشير أن اقتلوهم. ثم قال: وافوني بالصفا. قال فانطلقنا، فما يشاء
أحد أن يقتل أحدا إلا قتله. فجاء أبو سفيان فقال: يا رسول الله! أبيدت
خضراء قريش، لا قريش بعد اليوم. فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: من
دخل دار أبي سفيان فهو (ص 39) آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن ألقى السلاح
فهو آمن. فقال بعض الأنصار لبعض: أما الرجل فأدركته رغبة في قرابته ورأفة
بعشيرته. وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي، وكان إذا جاءه لم يخف
علينا، فقال: يا معشر الأنصار قلتم كذا وكذا. قالوا: قد كان ذلك يا رسول
الله. قال: كلا إني عبد الله، ورسوله هاجرت إلى الله وإليكم، فالمحيا محياكم
والممات مماتكم. فجعلوا يبكون ويقولون: والله ما قلنا الذي قلنا إلا للضن برسول
الله صلى الله عليه وسلم.
قال: وأقبل الناس إلى دار أبى سفيان وأغلقوا أبوابها ووضعوا سلاحهم.
وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحجر فاستلمه، ثم طاف بالبيت، وأنى
على صنم كان إلى جنب الكعبة وفى يده قوس قد أخذ بسيتها فجعل يطعن
في عين الصنم ويقول: * (جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) * (1)
قال: فلما فرغ من طوافه أتى الصفا فعلاه، حتى نظر إلى البيت، ثم رفع يده
يحمد الله ويدعو.
135 - حدثنا محمد بن الصباح قال: أخبرنا هشيم عن حصين،
عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) السورة 17، من الآية 81
45

يوم فتح مكة: لا يجهزن على جريح، ولا يتبعن مدبر، ولا يقتلن أسير،
ومن أغلق بابه فهو آمن.
136 - قال الواقدي: كانت غزوة الفتح في شهر رمضان سنة ثمان، فأقام
رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة إلى الفطر، ثم توجه لغزوة حنين. وولى مكة
عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهدم
الأصنام ومحو الصور التي كانت في الكعبة، وقال: اقتلوا ابن خطل ولو كان
متعلقا بأستار الكعبة. (ص 40) فقتله أبو برزة الأسلمي.
قال أبو اليقظان: واسم ابن خطل قيس، وقتله أبو شرياب الأنصاري،
وكانت لابن خطل قينتان تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقتلت
إحداهما وبقيت الأخرى حتى كسرت لها ضلع أيام عثمان فماتت.
وقتل نميلة بن عبد الله الكناني مقيس بن ضبابة الكناني، وكان
رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر من وجده أن يقتله. وذلك لان أخاه هاشم
ابن ضبابة بن حزن أسلم وشهد غزوة المريسيع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فقتله رجل من الأنصار خطأ وهو يظنه مشركا. فقدم مقيس على رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقضى له بالدية على عاقلة القاتل فأخذها، وأسلم، ثم عدا
على قاتل أخيه فقتله وهرب مرتدا وقال:
شفى النفس أن قد بات بالقاع مسندا * يضرج ثوبيه دماء الأخادع
ثارت به قهرا وحملت عقله * سراة بنى النجار أرباب فارع
حللت به وترى وأدركت ثؤرتي * وكنت عن الاسلام أول راجع
وقتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه الحويرث بن نقيذ بن بجير بن عبد
ابن قصي، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يقتله من وجده.
46

137 - وحدثني بكر بن الهيثم عن عبد الرازق عن معمر،
عن الكلبي قال: جاءت قينة لهلال بن عبد الله، وهو ابن خطل الأدرمي
من بنى تيم، إلى النبي صلى الله عليه وسلم متنكرة، فأسلمت وبايعت وهو لا يعرفها،
فلم يعرض لها. وقتلت قينة له أخرى، وكانتا تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله
عليه وسلم.
قال: وأسلم ابن الزبعرى السهمي قبل أن يقدر (ص 41) عليه. ومدح
رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان قد أباح دمه يوم الفتح ولم يعرض له.
138 - حدثنا محمد بن الصباح البزاز قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا خالد الحذاء،
عن القاسم بن ربيعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوم مكة فقال:
الحمد لله الذي صدق وعده، ونصر جنده، وهزم الأحزاب وحده، ألا
إن كل مأثرة كانت في الجاهلية وكل دم ودعوى موضوعة تحت قدمي،
إلا سدانة البيت وساقية الحاج.
139 - وحدثنا خلف البزار حدثنا إسماعيل بن عياش عن عبد الله بن عبد الرحمن،
عن أشياخه قالوا: لما كان يوم فتح مكة قال النبي صلى الله عليه وسلم
لقريش: ما تظنون؟ قالوا: نظن خيرا ونقول خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم،
وقد قدرت. قال: فإني أقول كما قال أخي يوسف عليه السلام * (لا تثريب
عليكم اليوم، يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين) * (1) ألا كل دين ومال
ومأثرة كانت في الجاهلية فهي تحت قدمي، إلا سدانة البيت وسقاية الحاج.

(1) السورة 22، الآية 25
47

140 - حدثنا شيبان قال: حدثنا جرير بن حازم قال
حدثنا عبد الله بن عبيد بن عمير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
في خطبته: ألا إن مكة حرام ما بين أخشبيها، لم يحل لاحد قبلي ولا يحل
لاحد بعدي، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار. لا يختلى خلاها، ولا تعضد
عضاهها، ولا ينفر صيدها، ولا تلتقط لقطتها، إلا أن يعرف أو يعرف.
فقال العباس رحمه الله: إلا الإذخر، فإنه لصاغتنا وقيوننا وطهور بيوتنا،
فقال صلى الله عليه وسلم: إلا الإذخر.
141 - حدثنا يوسف بن موسى القطان قال: حدثنا جرير بن عبد الحميد عن منصور
عن مجاهد،
عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يختلى خلى مكة
ولا يعضد شجرها. فقال (ص 42) العباس: إلا الإذخر، فإنه للقيون وطهور
البيوت. فرخص في ذلك.
142 - حدثنا شيبان قال: حدثنا أبو هلال الراسبي،
عن الحسن قال: أراد عمر أن يأخذ كنز الكعبة فينفقه في سبيل الله.
فقال له أبي بن كعب الأنصاري: يا أمير المؤمنين! قد سبقك صاحباك،
ولو كان هذا فضلا لفعلاه.
143 - وحدثنا عمرو الناقد قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش،
عن مجاهد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مكة حرام، لا يحل
بيع رابعها ولا أجور بيوتها.
48

144 - حدثنا محمد بن حاتم المروزي قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن إسرائيل
عن إبراهيم بن مهاجر عن يوسف بن ماهك عن أبيه،
عن عائشة قالت: قلت يا رسول الله. ابن لك بناء يظلك من الشمس
بمكة فقال: إنما هي مناخ من سبق.
145 - حدثنا خلف بن هشام البزار، حدثنا إسماعيل،
عن ابن جريج قال: قرأت كتاب عمر بن عبد العزيز ينهى عن كراء
بيوت مكة.
146 - حدثنا أبو عبيد حدثنا إسماعيل بن جعفر عن إسرائيل عن ثوير عن مجاهد،
عن ابن عمر قال: الحرم كله مسجد.
147 - حدثنا عمرو الناقد قال: حدثنا إسحاق الأزرق،
عن عبد الملك بن أبي سليمان قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى أمير
مكة أن لا تدع أهل مكة يأخذون على بيوت مكة أجرا فإنه لا يحل لهم.
148 - حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا جرير عن يزيد بن أبي زياد،
عن عبد الرحمن بن سابط في قوله * (سواء العاكف فيه والباد) * (1) قال:
البادى من يخرج من الحجاج والمعتمرين، هم سواء في المنازل ينزلون حيث شاؤوا
غير أن لا يخرج أحد من بيته.

(1) السورة 22، الآية 25
49

149 - حدثنا عثمان قال: حدثنا جرير عن منصور،
عن مجاهد في هذه الآية قال: أهل مكة وغيرهم في المنازل (ص 43) سواء.
150 - وحدثنا عثمان وعمرو قالا: حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور،
عن مجاهد أن عمر بن الخطاب قال لأهل مكة: لا تتخذوا لدوركم أبوابا
لينزل البادى حيث شاء.
151 - وحدثنا عثمان بن أبي شيبة وبكر بن الهيثم قالا: حدثنا يحيى بن ضريس الرازي
عن سفيان،
عن أبي حصين قال: قلت لسعيد بن جبير وهو بمكة: إني أريد أن أعتكف.
فقال: أنت عاكف. ثم قرأ * (سواء العاكف فيه والباد) *.
152 - حدثنا عثمان قال: حدثنا حفص بن غياث عن عبد الله بن مسلم،
عن سعيد بن جبير في قوله * (سواء العاكف فيه والباد) * قال: خلق الله
فيه سواء: أهل مكة وغيرها.
153 - وحدثني محمد بن سعد،
عن الواقدي قال: كان يتخاصم إلى أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم
في أجور الدور بمكة، فيقضى بها على من اكتراها. وهو قول مالك وابن أبي
ذئب.
قال: وقال ربيعة وأبو الزناد: لا بأس بأكل كراء بيوت مكة
وبيع رباعها.
وقال الواقدي: رأيت ابن أبي ذئب يأتيه كراء داره بمكة بين الصفا والمروة.
50

وقال الليث بن سعد: ما كان من دار فأجزها طيب لصاحبها، فأما القاعات
والسكك والأفنية والخرابات، فمن سبق نزل ذلك بغير كراء.
وأخبرني أبو عبد الرحمن الأودي عن الشافعي بمثل ذلك.
وقال سفيان بن سعيد الثوري: كراء بيوت مكة حرام. وكان يشدد في ذلك.
وقال الأوزاعي وابن أبي ليلى وأبو حنيفة: إن كراها في ليالي الحج،
فالكراء باطل، وإن كان في غير ليالي الحج وكان المكترى مجاورا أو غير ذلك
فلا بأس.
وقال بعض أصحاب أبي يوسف: كراؤها حل طلق، وإنما يستوى العاكف
والبادي في الطواف بالبيت.
154 - حدثنا الحسين بن علي بن الأسود قال: حدثنا عبيد الله بن موسى عن الحسن
ابن صالح عن العلاء بن المسيب،
عن عبد الرحمن بن الأسود أنه كان لا يرى ببقل مكة، ولا بالزرع الذي
يزرع (ص 44) فيها، ولا بشئ مما أنبته الناس بها من شجر أو نخل، بأسا
أن تقطعه وتأكله وتصنع فيه ما شئت. قال: وإنما كره ما أنبتت الأرض بمكة
من شجر وغيره مما لم يعمله الناس إلا الإذخر.
قال الحسن بن صالح: وقد رخص في الشجر البالي الذي قد يبس
وتكسر.
155 - وقال محمد بن عمر الواقدي: قال مالك وابن أبي ذئب: في محرم
أو حلال قطع شجر من الحرم أنه قد أساء، فإن كان جاهلا علم ولا شئ عليه،
51

وإن كان عالما خالعا عوقب ولا قيمة عليه، ومن قطع من ذلك شيئا فلا بأس
أن ينتفع به.
قال: وقال سفيان الثوري وأبو يوسف: عليه في الشجرة لقطعها قيمة ولا ينتفع
بذلك. وهو قول أبي حنيفة.
وقال مالك بن أنس وابن أبي ذئب: لا بأس بالضغابيس وأطراف السنا
تؤخذ من الحرم للدواء والسواك.
وقال سفيان بن سعيد وأبو حنيفة وأبو يوسف: كل شئ أنبته الناس
في الحرم، أو كان مما ينبتون، فلا شئ على قاطعه. وكل شئ مما لا ينبته الناس
فعلى قاطعه قيمة.
وقال الواقدي: سألت الثوري وأبا يوسف عن رجل أنبت في الحرم
ما لا ينبته الناس فقام عليه حتى نبت له، أله أن يقطعه؟ قالا: نعم.
قلت: فإن نبتت في بستانه شجرة مما لا ينبت الناس من غير أن يكون أنبتها؟
قالا: يصنعه بها ما شاء.
156 - وحدثني محمد بن سعد،
عن الواقدي قال: روى لنا أن ابن عمر كان يأكل بمكة بقلا زرع في الحرم.
157 - وحدثني محمد بن سعد قال: حدثني الواقدي
عن معاذ بن محمد قال: رأيت على مائدة الزهري بقلا من الحرم.
قال أبو حنيفة: لا يرعى الرجل المحرم بعيره في الحرم، ولا يحتش له
وهو قول زفر.
52

وقال مالك وابن أبي ذئب وسفيان وأبو يوسف وابن أبي سبرة: لا بأس
بالرعي، ولا يحتش.
وقال ابن أبي ليلى: لا بأس بأن يحتش.
158 - وحدثني عفان والعباس بن الوليد (ص 45) النرسي قال: حدثنا عبد الواحد
ابن زياد قال:
حدثنا ليث قال: كان عطاء لا يرى بأسا ببقل الحرم وما زرع فيه،
وبالقضيب والسواك.
قال: وكان مجاهد يكرهه.
159 - قال: ولم يكن للمسجد الحرام على عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأبى بكر جدار يحيط به، فلما استخلف عمر بن الخطاب وكثر الناس وسع
المسجد، واشترى دورا فهدمها وزادها فيه. وهدم على قوم من جيران المسجد
أبوا أن يبيعوا ووضع لهم الأثمان حتى أخذوها بعد. واتخذ للمسجد جدارا قصيرا
دون القامة، فكانت المصابيح توضع عليه. فلما استخلف عثمان بن عفان ابتاع
منازل وسع المسجد بها، وأخذ منازل أقوام ووضع لهم الأثمان، فضجوا به عند
البيت فقال: إنما جرأكم على حلمي عنكم وليني لكم. لقد فعل بكم عمر مثل
هذا فأقررتم ورضيتم. ثم أمر بهم إلى الحبس، حتى كلمه فيهم عبد الله بن خالد
ابن أسيد بن أبي العيص فخلى سبيلهم.
ويقال إن عثمان أول من اتخذ للمسجد الأروقة واتخذها حين وسعه.
160 - قالوا: وكان باب الكعبة على عهد إبراهيم عليه السلام وجرهم والعماليق
بالأرض، حتى بنته قريش. فقال أبو حذيفة بن المغيرة: يا قوم! ارفعوا باب الكعبة
53

حتى لا يدخل إلا بسلم، فإنه لا يدخلها حينئذ إلا من أردتم، فإن جاء أحد ممن
تكرهون رميتم به فسقط فكان نكالا لمن ورائه. فعملت قريش بذلك.
161 - قال: ولما تحصن عبد الله بن الزبير بن العوام في المسجد الحرام
واستعاذ به، والحصين بن نمير السكوني إذ ذاك يقاتله في أهل الشام، أخذ
ذات يوم رجل من أصحابه نارا على ليفة في رأس رمح، وكانت الريح عاصفا،
فطارت شرره فتعلقت بأستار الكعبة فأحرقتها، فتصدعت حيطانها واسودت،
وذلك في سنة أربع وستين، حتى إذا مات يزيد بن معاوية وانصرف الحصين
ابن نمير إلى الشام أمر ابن الزبير بما في المسجد من الحجارة التي (ص 46) رمى بها
فأخرج، ثم هدم الكعبة وبناها على أساسها وأدخل الحجر فيها، وجعل لها بابين
موضوعين بالأرض شرقيا وغربيا، يدخل من واحد ويخرج من الآخر. وكان
قد وجد أساس الكعبة متصلا بالحجر. وإنما التمس إعادتها إلى بناء إبراهيم عليه
السلام على ما كانت عائشة أم المؤمنين أخبرته عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وجعل على بابها صفائح الذهب، وجعل مفاتيحها من ذهب. فلما حاربه الحجاج
ابن يوسف من قبل عبد الملك بن مروان وقتله، كتب إليه عبد الملك يأمره ببناء
الكعبة والمسجد الحرام. وقد كانت الحجارة حلحلت الكعبة، فهدمها الحجاج
وبناها، فردها إلى بناء قريش، وأخرج الحجر. فكان عبد الملك يقول بعد
ذلك: وددت أنى كنت حملت ابن الزبير من أمر الكعبة وبناءها ما تحمل.
162 - قالوا: وكانت كسوة الكعبة في الجاهلية الأنطاع والمغافر.
فكساها رسول الله صلى الله عليه وسلم الثياب اليمانية، ثم كساها عمر وعثمان
رضي الله عنهما القباطي، ثم كساها يزيد بن معاوية الديباج الخسرواني، وكساها
54

ابن الزبير والحجاج بعده الديباج، وكساها بنو أمية في بعض أيامهم الحلل التي
كان أهل نجران يؤدونها، وأخذوهم بتجويدها، وفوقها الديباج.
ثم إن الوليد بن عبد الملك وسع المسجد الحرام، وحمل إليه عمد الحجارة
والرخام والفسيفساء.
163 - قال الواقدي: فلما كانت خلافة أمير المؤمنين المنصور رحمه الله
زاد في المسجد وبناه، وذلك في سنة تسع وثلاثين ومئة.
164 - وقال على بن محمد بن عبد الله المدائني: ولى المهدى جعفر بن سليمان
ابن علي بن عبد الله بن العباس مكة والمدينة واليمامة. فوسع مسجدي مكة والمدينة
وبناهما. وقد جدد أمير المؤمنين المتوكل على الله جعفر بن أبي إسحاق المعتصم
بالله بن الرشيد هارون بن المهدى رضوان الله عليهم (ص 47) رخام الكعبة
وأزرها بفضة، وألبس سائر حيطانها وسقفها الذهب، ولم يفعل ذلك أحد قبله،
وكسا أساطينها الديباج.
55

ذكر حفائر مكة
165 - قالوا: كانت قريش قبل جمع قصي إياها وقبل دخولها مكة
تشرب من حياض ومصانع على رؤوس الجبال، ومن بئر حفرها لؤي بن غالب
خارج الحرم تدعى اليسيرة، ومن بئر حفرها مرة بن كعب تدعى الروى وهي
مما يلي عرفة. ثم حفر كلاب بن مرة خم ورم، والجفر بظاهر مكة. ثم إن
قصي بن كلاب حفر بئرا سماها العجول، واتخذ سقاية. وفيها يقول بعض
رجاز الحاج:
نروي على العجول ثم ننطلق * قبل صدور الحاج من كل أفق
إن قصيا قد وفى وقد صدق * بالشبع للناس ورى مغتبق
ثم إنه سقط في العجول بعد ممات قصي رجل من بنى نصر بن معاوية
فعطلت.
وحفر هاشم بن عبد مناف بذر، وهي عند الخندمة على فم شعب أبى طالب.
وحفر هاشم أيضا سجلة، فوهبها أسد بن هاشم لعدي بن نوفل بن عبد مناف
ابن المطعم، ويقال بل ابتاعها منه، ويقال إن عبد المطلب وهبها له حين حفر
زمزم وكثر الماء بمكة، فقالت خالدة بنت هاشم: (ص 48).
نحن وهبنا لعدى سجله * في تربة ذات عذاة سهله
تروى الحجيح زغلة فزغله
وقد دخلت سجلة في المسجد.
وحفر عبد شمس بن عبد مناف الطوى، وهي بأعلى مكة وحفر أيضا
لنفسه الجفر.
56

وحفر ميمون بن الحضرمي حليف بنى عبد شمس بن عبد مناف بئره. وهي
آخر بئر حفرت في الجاهلية بمكة، وعندها قبر أمير المؤمنين المنصور رحمه الله.
واسم الحضرمي عبد الله بن عماد.
واحتفر عبد شمس أيضا بئرين وسماهما خم ورم على ما سمى كلاب بن مرة
بئريه. فأما خم فهي عند الردم. وأما رم فعند دار خديجة بنت خويلد. وقال
عبد شمس:
حفرت خما وحفرت رما * حتى أرى المجد لنا قد تما
وقالت سبيعة بنت عبد شمس في الطوى:
إن الطوى إذا شربتم ماءها * صوب الغمام عذوبة وصفاء
وحفرت بنو أسد بن عبد العزى بن قصي شفية بئر بنى أسد. وقال
الحويرث بن أسد:
ماء شفية كماء المزن * وليس ماؤها بطرق أجن
وحفر بنو عبد الدار بن قصي أم أحراد، فقالت أميمة بنت عميلة بن
السباق بن عبد الدار:
نحن حفرنا البحر أم أحراد * ليست كبذر النزور الجماد
فأجابتها صفية بنت عبد المطلب: (ص 49).
نحن حفرنا بذر * تروى الحجيج الأكبر * من مقبل ومدبر
وأم أحراد شر * فيها الجراد والذر * وقذر لا يذكر
وحفر بنو جمح السنبلة، وهي بئر خلف بن وهب الجمحي. فقال قائلهم:
نحن حفرنا للحجيج سنبله * صوب سحاب ذو الجلال أنزله
57

وحفر بنو سهم الغمر، وهي بئر العاصي بن وائل. فقال بعضهم:
نحن حفرنا الغمر للحجيج * تثج ماء أيما ثجيج
قال ابن الكلبي: قالها ابن الربعي.
وحفرت بنو عدى الحفير، فقال شاعرهم:
نحن حفرنا بئرنا الحفيرا * بحرا يجيش ماؤه غزيرا
وحفرت بنو مخزوم السقيا، بئر هشام بن المغيرة بن عبد الله عمر بن مخزوم.
وحفرت بنو تيم الثريا، وهي بئر عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب
ابن سعد بن تيم.
وحفرت بنو عامر بن لؤي النقع.
166 - قالوا: وكانت لجبير بن مطعم بئر وهي بئر بنى نوفل، فأدخلت حديثا
في دار القوارير التي بناها حماد البربري في خلافة أمير المؤمنين هارون الرشيد.
وكان عقيل بن أبي طالب حفر في الجاهلية بئرا، وهي في دار ابن يوسف.
فكانت للأسود بن أبي البختري بن هاشم بن الحارث بن أسد بن عبد العزى
بئر على باب الأسود عند الحناطين فدخلت في المسجد.
بئر عكرمة، نسبت إلى عكرمة بن خالد بن العاصي بن هاشم بن المغيرة.
بئر عمرو نسبت إلى عمرو بن عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف الجمحي،
وكذلك شعب عمرو الطلوب أسفل مكة كانت لعبد الله بن صفوان.
بئر حويطب نسبت إلى حويطب بن عبد العزى بن أبي قيس من (ص 50)
بنى عامر بن لؤي، وهي بفناء داره ببطن الوادي.
بئر أبى موسى كانت لأبي موسى الأشعري بالمعلاة.
58

بئر شوذب نسبت إلى شوذب مولى معاوية، وقد دخلت في المسجد. ويقال
إن شوذبا كان مولى طارق بن علقمة بن عريج بن جذيمة الكناني، ويقال
كان مولى لنافع بن علقمة بن صفوان بن أمية بن محرث بن خمل بن شق
الكناني خال مروان بن الحكم بن أبي العاصي بن أمية.
وبئر بكار نسبت إلى رجل سكن مكة من أهل العراق وهي بذى طوى.
وبئر وردان نسبت إلى وردان مولى السائب بن أبي وداعة بن ضبيرة
السهمي.
وسقاية سراج بفخ كانت لسراج مولى بنى هاشم.
وبئر الأسود نسبت إلى الأسود بن سفيان بن عبد الأسد بن هلال بن
عبد الله بن عمر بن مخزوم، وهي بقرب بئر خالصة مولاة أمير المؤمنين المهدى.
والبرود بفخ لمخترش الكعبي من خزاعة.
167 - وقال ابن الكلبي: صاحب دار ابن علقمة بمكة طارق بن علقمة
ابن عريج بن جذيمة الكناني.
168 - وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى وعبد الملك بن قريب الأصمعي
وغيرهما: بستان ابن عامر لعمر بن عبيد الله بن معمر بن عثمان بن عمرو بن كعب
ابن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي، ولكن الناس غلطوا فيها فقالوا بستان ابن
عامر، وبستان بنى عامر. وإنما هو بستان ابن معمر. وقوم يقولون نسب
إلى ابن عامر الحضرمي، وآخرون يقولون نسب إلى ابن عامر بن كريز. وذلك
ظن وترجيم.
59

169 - حدثني مصعب بن عبد الله الزبيري قال: كانت في الجاهلية مكة
تدعى صلاح. قال أبو سفيان بن حرب الحضرمي: (ص 51)
أبا مطر هلم إلى صلاح * ليكفيك الندامى من قريش
وتنزل بلدة عزت قديما * وتأمن أن ينالك رب جيش
170 - وحدثني العباس بن هشام الكلبي قال: كتب بعض الكنديين
إلى أبى يسأله عن سجن ابن سباع بالمدينة إلى من نسب؟ وعن قصة دار الندوة
ودار العجلة ودار القوارير بمكة. فكتب إليه.
أما سجن ابن سباع فإنه كان دارا لعبد الله بن سباع بن عبد العزى بن نضلة
ابن عمرو بن غبشان الخزاعي. وكان سباع يكنى أبا نيار. وكانت أمه قابلة
بمكة. فبارزه حمزة بن عبد المطلب يوم أحد فقال له: هلم إلى يا ابن مقطعة
البظور! ثم قتله وأكب عليه ليأخذ درعه، فزرقه وحشي. وأم طريح بن إسماعيل
الثقفي الشاعر بنت عبد الله بن سباع وهو حليف بنى زهرة.
وأما دار الندوة فبناها قصي بن كلاب. فكانوا يجتمعون إليه فتقضى فيها
الأمور. ثم كانت قريش بعده تجتمع فيها فتتشاور في حروبها وأمورها، وتعقد
الألوية، وتزوج من أراد التزويج. وكانت أول دار بنيت بمكة من دور قريش.
ثم دار العجلة وهي دار سعيد بن سعد بن سهم. وبنو سهم يدعون أنها بنيت
قبل دار الندوة، وذلك باطل. فلم تزل دار الندوة لنبي عبد الدار بن قصي حتى
باعها عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي من معاوية
ابن أبي سفيان فجعلها دارا للامارة.
وأما دار القوارير فكانت لعتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف.
ثم صارت للعباس بن عتبة بن أبي لهب بن عبد المطلب، وقد صارت بعد لام
60

جعفر زبيدة بنت أبي الفضل بن المنصور أمير المؤمنين. واستعمل في بعض فرشها
وحيطانها شئ من قوارير، فقيل دار القوارير. وكان حماد (ص 52) البربري
بناها في خلافة الرشيد أمير المؤمنين رحمه الله.
171 - قال هشام بن محمد الكلبي: كان عمرو بن مضاض الجرهمي
حارب رجلا من جرهم يقال له السميدع. فخرج عمرو في السلاح يتقعقع،
فسمى الموضع الذي خرج منه قعيقعان. وخرج السميدع مقلدا خيله الأجراس
في أجيادها، فسمى الموضع الذي خرج منه أجياد. وقال ابن الكلبي: ويقال
إنه خرج بالجياد مسومة فسمى الموضع أجياد. وعامة أهل مكة يقولون جياد
الصغير وجياد الكبير.
172 - حدثنا الوليد بن صالح عن محمد بن عمر الأسلمي عن كثير بن عبد الله
عن أبيه،
عن جده قال: قدمنا مع عمر بن الخطاب في عمرته سنة سبع عشرة، فكلمه
أهل المياه في الطريق أن يبتنوا منازل فيما بين مكة والمدينة، ولم تكن قبل
ذلك. فأذن لهم واشترط عليهم أن ابن السبيل أحق بالماء والظل.
61

أمر السيول بمكة
173 - حدثنا العباس بن هشام عن أبيه هشام بن محمد،
عن ابن خربوز المكي وغيره قالوا: كانت السيول بمكة أربعة منها سيل
أم نهشل، وكان في زمن عمر بن الخطاب. أقبل السيل حتى دخل المسجد
من أعلى مكة، فعمل عمر الردمين جميعا. الاعلى بين دارببة - وهو عبد الله
ابن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف الذي ولى البصرة
في فتنة ابن الزبير اصطلح أهلها عليه - ودار أبان بن عثمان بن عفان. والأسفل
عند الحمارين، وهو الذي يعرف بردم آل أسيد. فتراد السيل عن المسجد الحرام.
قال: وأم نهشل بنت عبيدة بن سعيد بن العاصي بن أمية ذهب (ص 53)
بها السيل من أعلى مكة فنسب إليها.
ومنها سيل الجحاف والجراف في سنة ثمانين، في زمن عبد الملك بن مروان،
صبح الحاج يوم الاثنين فذهب بهم وبأمتعتهم وأحاط بالكعبة. فقال الشاعر:
لم تر غسان كيوم الاثنين * أكثر محزونا وأبكى للعين
إذ ذهب السيل بأهل المصرين * وخرج المخبآت يسعين
شواردا في الجبلين يرقين
فكتب عبد الملك إلى عبد الله بن سفيان المخزومي عامله على مكة -
ويقال بل كان عامله يومئذ الحارث بن خالد المخزومي الشاعر - يأمره بعمل
ضفائر الدور الشارعة على الوادي وضفائر المسجد، وعمل الردم على أفواه السكك
62

لتحصن دور الناس، وبعث لعمل ذلك رجلا نصرانيا فاتخذ الضفائر وردم الردم
الذي يعرف بردم بنى قراد، وهو يعرف ببني جمح، واتخذت ردوم بأسفل مكة.
قال الشاعر:
سأملك عبرة وأفيض أخرى * إذا جاوزت ردم بنى قراد
ومنها السيل الذي يدعى المخبل، أصاب الناس في أيامه مرض في أجسادهم
وخبل في ألسنتهم فسمى المخبل.
ومنها سيل أتى بعد ذلك في خلافة هشام بن عبد الملك في سنة عشرين ومئة
يعرف بسيل أبى شاكر، وهو مسلمة بن هشام، وكان على الموسم ذلك العام
فنسب إليه.
قال: وسيل وادى مكة يأتي من موضع يعرف بسدرة عتاب بن أسيد بن أبي
العيص.
قال عباس بن هشام: وقد كان في خلافة المأمون عبد الله بن الرشيد رحمه
الله سيل عظيم بلغ ماؤه قريبا من الحجر.
174 - فحدثني العباس قال: حدثني أبي عن أبيه محمد بن السائب الكلبي عن أبي
صالح،
عن عكرمة قال: درس شئ من معالم الحرم على عهد معاوية بن أبي سفيان.
فكتب إلى مروان (ص 54) بن الحكم وهو عامله على المدينة يأمره إن كان
كرز بن علقمة الخزاعي حيا أن يكلفه إقامة معالم الحرم لمعرفته بها. وكان
معمرا. فأقامهم عليها، فهي مواضع الأنصاب اليوم.
63

قال الكلبي: هذا كرز بن علقمة بن هلال بن جريبة بن عبدنهم
ابن حليل بن حبشية الخزاعي. وهو الذي قفا أثر النبي صلى الله عليه وسلم
حين انتهى إلى الغار الذي استخفى فيه وأبو بكر الصديق معه، حين أراد
الهجرة إلى المدينة، فرأى عليه نسج العنكبوت، ورأى دونه قدم رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فعرفها فقال: هذه قدم محمد صلى الله عليه وسلم وهاهنا
انقطع الأثر.
64

الطائف
175 - قال: لما هزمت هوازن يوم حنين وقتل دريد بن الصمة أتى
فلهم أوطاس. فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عامر الأشعري
فقتل. فقام بأمر الناس أبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري. وأقبل المسلمون
إلى أوطاس، فلما رأى ذلك مالك بن عوف بن سعد، أحد بنى دهمان بن نصر
ابن معاوية بن بكر بن هوازن - وكان رئيس هوازن يومئذ - هرب إلى
الطائف فوجد أهلها مستعدين للحصار، قد رموا حصنهم وجمعوا فيه الميرة. فأقام
بها، وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين حتى نزل الطائف، فرمتهم
ثقيف بالحجارة والنبل، ونصب رسول الله صلى الله عليه وسلم منجنيقا على
حصنهم، وكانت مع المسلمين دبابة من جلود البقر، فألقت عليها ثقيف سكك
الحديد المحماة فأحرقتها، فأصيب من تحتها من المسلمين، وكان حصار رسول الله
صلى الله عليه وسلم الطائف خمس عشرة ليلة. وكان غزوه إياها في شوال
سنة ثمان.
176 - قالوا: ونزل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رقيق من رقيق
أهل الطائف، منهم أبو بكرة بن مسروح مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم
(ص 55) واسمه نفيع، ومنهم الأزرق الذي نسبت الأزارقة إليه كان عبدا
روميا حدادا، وهو أبو نافع بن الأزرق الخارجي. فأعتقوا بنزولهم. ويقال إن
نافع بن الأزرق الخارجي من بنى حنيفة، وأن الأزرق الذي نزل من الطائف
غيره. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف إلى الجعرانة ليقسم سبى أهل
حنين وغنائمهم. فخافت ثقيف أن يعود إليهم. فبعثوا إليه وفدهم فصالحهم على
65

أن يسلموا ويقرهم على ما في أيديهم من أموالهم وركازهم، واشترط عليهم أن
لا يربوا ولا يشربوا الخمر، وكانوا أصحاب ربا. وكتب لهم كتابا.
قال: وكانت الطائف تسمى وج، فلما حصنت وبنى سورها سميت الطائف.
177 - حدثني المدائني عن أبي إسماعيل الطائفي عن أبيه،
عن أشياخ من أهل الطائف قال: كان بمخلاف الطائف قوم من اليهود
طردوا من اليمن ويثرب، فأقاموا بها للتجارة، فوضعت عليهم الجزية، ومن
بعضهم ابتاع معاوية أمواله بالطائف.
178 - - قالوا: وكانت للعباس بن عبد المطلب رحمه الله أرض بالطائف،
وكان الزبيب يحمل منها فينبذ في السقاية للحاج. وكانت لعامة قريش أموال
بالطائف يأتونها من مكة فيصلحونها، فلما فتحت مكة وأسلم أهلها طمعت ثقيف
فيها، حتى إذا فتحت الطائف أقرت في أيدي المكيين، وصارت أرض
الطائف مخلافا من مخاليف مكة.
179 - قالوا: وفى يوم الطائف أصيبت عين أبى سفيان بن حرب.
180 - حدثنا الوليد بن صالح قال: حدثنا الواقدي عن محمد بن عبد الله عن الزهري
عن ابن المسيب،
عن عتاب بن أسيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن تخرص
أعناب ثقيف كخرص النخل، ثم تؤخذ زكاتهم زبيبا كما تؤدى زكاة النخل.
قال الواقدي: قال أبو حنيفة لا يخرص، ولكنه إذا وضع بالأرض أخذت
66

الصدقة من قليله (ص 56) وكثيره. وقال يعقوب إذا وضع بالأرض فبلغت
مكيلته خمسة أوسق ففيه الزكاة، العشر أو نصف العشر. وهو قول سفيان بن سعيد
الثوري، والوسق ستون صاعا.
وقال مالك بن أنس وابن أبي ذئب: السنة أن تؤخذ منه الزكاة على
الخرص كما يؤخذ التمر من النخل.
181 - حدثنا شيبان بن أبي شيبة قال: حدثنا حماد بن سلمة قال: حدثنا يحيى
ابن سعيد،
عن عمرو بن شعيب أن عاملا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه على الطائف
كتب إليه: ان أصحاب العسل لا يرفعون إلينا ما كانوا يرفعون إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وهو من كل عشرة زقاق زق. فكتب إليه عمر: إن فعلوا
فاحموا لهم أوديتهم وإلا فلا تحموها.
182 - حدثنا عمرو بن محمد الناقد قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن عبد الرحمن
ابن إسحاق عن أبيه عن جده،
عن عمر أنه جعل في العسل العشر.
183 - حدثنا داود بن عبد الحميد قاضي الرقة عن مروان بن شجاع عن خصيف،
عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى عماله على مكة والطائف: إن في الخلايا
صدقة فخذوها منها. قال: والخلايا الكوائر.
184 - وقال الواقدي: وروى عن ابن عمر أنه قال: ليس في الخلايا
صدقة.
67

وقال مالك والثوري: لا زكاة في العسل وإن كثر، وهو قول الشافعي.
وقال أبو حنيفة: في قليل العسل وكثيره إذا كان في أرض العشر العشر،
وإذا كان في أرض الخراج فلا شئ عليه، لأنه لا يجتمع الزكاة والخراج
على رجل.
185 - وقال الواقدي: أخبرني القاسم بن معن ويعقوب،
عن أبي حنيفة أنه قال في العسل، يكون في أرض ذمي وهي من أرض
العشر، إنه لا عشر عليه، وعلى أرضه الخراج. وإذا كان في أرض تغلبي أخذ
منه الخمس. وقول زفر مثل قول أبي حنيفة.
وقال أبو يوسف: إذا كان العسل في أرض الخراج فلا شئ فيه وإذا كان
في أرض العشر ففي كل عشرة أرطال رطل.
وقال محمد بن الحسن: ليس فيما (ص 57) دون خمسة أفراق صدقة وهو قول
ابن أبي ذئب.
186 - وروى خالد بن عبد الله الطحان،
عن ابن أبي ليلى أنه قال: إذا كان في أرض الخراج أو العشر ففي كل
عشرة أرطال رطل. وهو قول الحسن بن صالح بن حي.
187 - وحدثني أبو عبيد قال: حدثنا محمد بن كثير عن الأوزاعي،
عن الزهري قال: في كل عشرة زقاق زق.
68

188 - وحدثنا الحسين بن علي بن الأسود قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا
عبد الرحمن بن حميد الرقاشي عن جعفر بن نجيح المديني،
عن بشر بن عاصم وعثمان بن عبد الله بن أوس أن سفيان بن عبد الله الثقفي
كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان عاملا له على الطائف، يذكر
أن قبله حيطانا فيها كروم وفيها من الفرسك والرمان وما هو أكثر غلة من
الكروم أضعافا، واستأمره في العشر. قال: فكتب إليه عمر: ليس عليها عشر.
قال يحيى بن آدم: وهو قول سفيان بن سعيد سمعته يقول: ليس
فيما أخرجت الأرض صدقة إلا أربعة أشياء: الحنطة والشعير والتمر والزبيب،
إذا بلغ كل واحد من ذلك خمسة أوسق.
قال: وقال أبو حنفية فيما أخرجت أرض العشر العشر ولو دستجة بقل.
وهو قول زفر.
وقال مالك وابن أبي ذئب ويعقوب: ليس في البقول وما أشبهها صدقة.
وقالوا: ليس فيما دون خمسة أوسق من الحنطة والشعير والذرة والسلت والزوان
والتمر والزبيب والأرز والسمسم والجلبان وأنواع الحبوب التي تكال وتدخر مع
العدس واللوبيا والحمص والماش والدخن صدقة، فإذا بلغت خمسة أوسق ففيها
صدقة. قال الواقدي: وهذا قول ربيعة بن أبي عبد الرحمن.
وقال الزهري: التوابل والقطاني كلها تزكى.
وقال مالك: لا شئ في الكمثرى، والفرسك وهو الخوخ، ولا في الرمان
وسائر أصناف الفواكه الرطبة من صدقة. وهو قول ابن أبي ليلى.
قال أبو يوسف: ليس الصدقة إلا فيما (ص 58) وقع عليه القفيز وجرى
عليه الكيل.
69

وقال أبو الزناد وابن أبي ذئب وابن أبي سبرة: لا شئ في الخضر والفواكه
من صدقة، ولكن الصدقة في أثمانها ساعة تباع.
189 - وحدثني عباس بن هشام عن أبيه،
عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل عثمان بن أبي العاصي
الثقفي على الطائف.
70

تبالة وجرش
190 - حدثني بكر بن الهيثم عن عبد الرزاق عن معمر،
عن الزهري قال: أسلم أهل تبالة وجرش عن غير قتال. فأقرهم رسول
الله صلى الله عليه وسلم على ما أسلموا عليه، وجعل على كل حالم ممن بهما من
أهل الكتاب دينارا، واشترط عليهم ضيافة المسلمين، وولى أبا سفيان بن حرب
جرش.
تبوك وأيلة وأذرح ومقنا والجرباء
191 - قالوا: توجه رسول الله صلى الله على وسلم إلى تبوك من أرض
الشام، لغزو من انتهى إليه أنه قد تجمع له من الروم وعاملة ولخم وجذام وغيرهم،
وذلك في سنة تسع من الهجرة، لم يلق كيدا. فأقام بتبوك أياما، فصالحه أهلها
على الجزية. وأتاه وهو بها يحنه بن رؤبة صاحب أيلة، فصالحه على أن جعل له
على كل حالم بأرضه في السنة دينارا. فبلغ ذلك ثلاث مئة دينار. واشترط عليهم
قرى من مر بهم من المسلمين، وكتب لهم كتابا بأن يحفظوا ويمنعوا.
192 - فحدثني محمد بن سعد قال: حدثنا الواقدي عن خالد بن ربيعة،
عن طلحة الأيلي أن عمر بن عبد العزيز كان لا يزداد من أهل أيلة على
ثلاث مئة دينار شيئا. وصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل أذرح على مئة
دينار في كل رجب. وصالح أهل الجرباء على الجزية وكتب لهم كتابا. وصالح
(ص 59) أهل منا على ربع عروكهم - والعروك خشب يصطاد عليه -
71

وربع كراعهم وحلقهم وعلى ربع ثمارهم، وكانوا يهودا. وأخبرني بعض أهل
مصر أنه رأى كتابهم بعينه في جلد أحمر دارس الخط، فنسخه وأملى على نسخته.
" بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الله إلى بنى حبيبة وأهل مقنا.
سلم أنتم. فإنه أنزل على أنكم راجعون إلى قريتكم، فإذا جاءكم كتابي
هذا فإنكم آمنون، ولكم ذمة الله وذمة رسوله. وإن رسول الله قد غفر لكم
ذنوبكم وكل دم أتبعتم به، لا شريك لكم في قريتكم إلا رسول الله
أو رسول رسول الله، وإنه لا ظلم عليكم ولا عدوان. وإن رسول الله صلى الله
عليه وسلم يجيركم مما يجير منه نفسه، فإن لرسول الله بزتكم ورقيقكم والكراع
والحلقة إلا ما عفا عنه رسول الله أو رسول رسول الله. وإن عليكم بعد ذلك ربع
ما أخرجت نخيلكم، وربع ما صادت عرككم، وربع ما اعتزلت نساؤكم.
وإنكم قد برئتم بعد ذلكم ورفعكم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل جزية
وسخرة. فإن سمعتم وأطعتم فعلى رسول الله أن يكرم كريمكم ويعفو عن مسيئكم،
ومن ائتمر في بنى حبيبة وأهل مقنا من المسلمين خيرا فهو خير له، ومن أطلعهم
بشر فهو شر له. وليس عليكم أمير إلا من أنفسكم أو من أهل بيت رسول الله
صلى الله على وسلم. وكتب على بن أبو طالب في سنة تسع (ص 60) (1).

(1) في هامش الأصل A ما يلي: يقول الراجي رحمة ربه محمد بن أحمد بن عساكر انه كذا
في الأصل مضبوط ما صورته في آخر الكتاب وكتب على بن أبو طالب في سنة تسع. وكذا
الحكاية عن جملة الكتب التي بيد يهود منسوبة إلى خط على كرم الله وجهه. وفى هذا نظر
لذي فهم يتأمله يبين له أن هذا الكتاب مفتعل والدليل عليه من وجهين: أحدهما أن عليا
كرم الله وجهه هو الذي اخترع الكلام في علم النحو خشية من أخلاط كلام العرب بكلام
النبط، فما كان عليه السلام ليخشى من شئ ويعتمد ما يؤدى إلى الالتباس. والثاني أن صلح
رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل مقنا انما كان في غزوة تبوك على ما هو مذكور في هذا
الكتاب، ولا خلاف أن عليا لم يكن مع النبي عليه السلام في غزوة تبوك فكيف ينسب هذا
الكتاب إليه؟ وفى هذا كفاية.
72

دومة الجندل
193 - قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد بن المغيرة
المخزومي إلى أگيدر بن عبد الملك الكندي ثم السكوني بدومة الجندل فأخذه
أسيرا، وقتل أخاه وسلبه قباء ديباج منسوجا بالذهب، وقدم بأگيدر على النبي
صلى الله عليه وسلم فأسلم، وكتب له ولأهل دومة كتابا نسخته:
" هذا كتاب من محمد رسول الله لأگيدر حين أجاب إلى الاسلام وخلع
الأنداد والأصنام ولأهل دومة. إن لنا الضاحية من الضحل، والبور، والمعامي،
وأغفال الأرض، والحلقة والسلاح، والحافر والحصن، ولكم الضامنة من النخل
والمعين من المعمور. لا تعدل سارحتكم، ولا تعد فاردتكم، ولا يحظر عليكم
النبات، تقيمون الصلاة لوقتها وتؤتون الزكاة بحقها. عليكم بذلك عهد الله والميثاق
ولكم به الصدق والوفاء. شهد الله ومن حضر من المسلمين. "
الضاحي البارز، والضحل الماء القليل، والبور الأرض التي لم تستخرج ولم
تعتمل، والمعامي الأرض المجهولة، والاغفال التي لا آثار فيها، والحلقة الدروع،
والحافر الخيل والبرازين والبغال والحمير، والحصن حصنهم، والضامنة النخيل
(ص 61) الذي معهم في الحصن، والمعين الماء الظاهر الدائم. وقوله: لا تعدل
ماشيتكم أي لا نصدقها إلا في مراعيها ومواضعها لا نحشرها، وقوله: لا تعد
فاردتكم يقول: لا تضم الفاردة إلى غيرها ثم يصدق الجميع فيجمع بين متفرق.
194 - وحدثني العباس بن هشام الكلبي عن أبيه.
عن جده قال: وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى
أگيدر، فقدم به عليه فأسلم، فكتب له كتابا. فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم
73

منع الصدقة ونقض العهد وخرج من دومة الجندل فلحق بالحيرة، وابتنى بها بناء
سماه دومة بدومة الجندل. وأسلم حريث بن عبد الملك أخوه على ما في يده فسلم
ذلك له. فقام سويد بن شبيب الكلبي:
لا يأمنن قوم عثار جدودهم * كما زال من خبت ظعائن أكدرا
قال: وتزوج يزيد بن معاوية ابنة حريث أخي أگيدر.
قال العباس: وأخبرني أبي عن عوانة بن الحكم أن أبا بكر كتب إلى خالد
ابن الوليد وهو بعين التمر يأمره أن يسير إلى أگيدر. فسار إليه فقتله وفتح دومة.
وكان قد خرج منها بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم عاد إليها، فلما
قتله خالد مضى إلى الشام.
195 - وقال الواقدي: لما شخص خالد من العراق يريد الشام مر
بدومة الجندل ففتحها وأصاب سبايا، فكان فيمن سبا منها ليلى بنت الجودي
الغساني. ويقال إنها أصيبت في حاضر من غسان (ص 62)، أصابتها خيل له.
وابنة الجودي هي التي كان عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق هويها وقال فيها:
تذكرت ليلى والسماوة بيننا * وما لابنة الجودي ليلى وماليا
فصارت له فتزوجها، وغلبت عليه حتى أعرض عن من سواها من نسائه.
ثم إنها اشتكت شكوى شديدة، فتغيرت فقلاها، فقيل له: متعها وردها إلى
أهلها. ففعل.
وقال الواقدي: كان النبي صلى الله عليه وسلم غزا دومة الجندل في سنة
خمس فلم يلق كيدا، ووجه خالد بن الوليد إلى أگيدر في شوال سنة تسع بعد
إسلام خالد بن الوليد بعشرين شهرا.
74

196 - وسمعت بعض أهل الحيرة يذكر أن أگيدر وإخوته كانوا
ينزلون دومة الحيرة. وكانوا يزورون أخوالهم من كلب فيتغربون عندهم. فإنهم
لمعهم وقد خرجوا للصيد إذ رفعت لهم مدينة متهدمة لم يبق إلا بعض حيطانها،
وكانت مبنية بالجندل. فأعادوا بناءها وغرسوا فيها الزيتون وغيره، وسموها دومة
الحيرة.
197 - وحدثني عمرو بن محمد الناقد عن عبد الله بن وهب المصري عن يونس الأيلي،
عن الزهري قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد بن
المغيرة إلى أهل دومة الجندل. وكانوا من عباد الكوفة. فأسر أگيدر رأسهم
فقاضاه على الجزية.
75

صلح نجران
198 - حدثني بكر بن الهيثم قال: حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث بن (ص 63)
سعد عن يونس بن يزيد الأيلي،
عن الزهري قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم السيد والعاقب وافدا
أهل نجران اليمن فسألاه الصلح. فصالحهما عن أهل نجران على ألفي حلة في صفر
وألف حلة في رجب، ثمن كل حلة أوقية، والأوقية وزن أربعين درهما. فإن
أدوا حلة بما فوق الأوقية حسب لهم فضل ذلك، وإن أدوها بما دون الأوقية
أخذ منهم النقصان، وعلى أن يؤخذ منهم ما أعطوا من سلاح أو خيل أو ركاب
أو عرض من العروض بقيمته قصاصا من الحلل، وعلى أن يضيفوا رسل رسول
الله صلى الله عليه وسلم شهرا فما دونه ولا يحبسوهم فوق شهر، وعلى أن عليهم
عارية ثلاثين درعا وثلاثين فرسا وثلاثين بعيرا إن كان باليمن كيد، وأن ما هلك
من تلك العارية فالرسل ضامنون له حتى يردوه، وجعل لهم ذمة الله وعهده،
وأن لا يفتنوا عن دينهم ومراتبهم فيه، ولا يحشروا ولا يعشروا. واشترط عليهم
أن لا يأكلوا الربا ولا يتعاملوا به.
199 - حدثني الحسين بن الأسود حدثنا وكيع قال: حدثنا مبارك بن فضالة،
عن الحسن قال: جاء راهبا نجران إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فعرض
عليهما الاسلام فقالا: إنا قد أسلمنا قبلك. فقال: كذبتما. يمنعكما من الاسلام
ثلاث: أكلكما الخنزير، وعبادتكما الصليب، وقولكما لله ولد. قالا: فمن
أبو عيسى؟ - قال الحسن: وكان صلى الله عليه وسلم لا يعجل حتى يأمره ربه -
فأنزل الله تعالى: * (ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم. إن مثل عيسى
76

عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون. - إلى قوله
الكاذبين (1) *. فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما، ثم دعاهما إلى المباهلة
وأخذ بيد فاطمة والحسن والحسين. فقال أحدهما لصاحبه: اصعد الجبل
ولا تباهله، فإنك إن باهلته بوءت باللعنة. قال: فما ترى؟ قال: أرى أن نعطيه
الخراج ولا نباهله.
200 - حدثني الحسين قال: حدثني يحيى بن آدم قال: أخذت نسخة
كتاب (ص 64) رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل نجران من كتاب رجل
عن الحسن بن صالح رحمه الله وهي:
" بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما كتب النبي رسول الله محمد لنجران
إذ كان له عليهم حكمة في كل ثمرة وصفراء وبيضاء وسوداء ورقيق، فأفضل
عليهم وترك ذلك ألفي حلة حلل الأواقي. في كل رجب ألف حلة وفى كل صفر
ألف حلة. كل حلة أوقية، وما زادت حلل الخراج أو نقصت عن الأواقي
فبالحساب، وما قضوا من درع أو خيل أو ركاب أو عرض أخذ منهم بالحساب،
وعلى نجران مثواة رسلي شهرا فدونه، ولا يحبس رسلي فوق شهر، وعليهم عارية
ثلاثين درعا وثلاثين فرسا وثلاثين بعيرا، إذا كان كيد باليمن ذو مغدرة -
أي إذا كان كيد بغدر منهم - وما هلك مما أعاروا رسلي من خيل أو ركاب
فهم ضمن حتى يردوه إليهم. ولنجران وحاشيتها جوار الله وذمة محمد النبي
رسول الله على أنفسهم، وملتهم، وأرضهم، وأموالهم، وغائبهم، وشاهدهم،
وغيرهم، وبعثهم، وأمثلتهم (2)، لا يغير ما كانوا عليه ولا يغير حق من حقوقهم
وأمثلتهم، لا يفتن أسقف من أسقفيته، ولا راهب من رهبانيته، ولا واقه

(1) السورة 3، الآية 58 وما بعدها.
(2) في هامش الأصل " أمثلتهم الصلبان والصور ".
77

من وقاهيته، على ما تحت أيديهم من قليل أو كثير، وليس عليهم رهق
ولا دم جاهلية، ولا يحشرون ولا يعشرون، ولا يطأ أرضهم جيش، من سأل
منهم حقا فبينهم النصف غير ظالمين ولا مظلومين بنجران، ومن أكل منهم
ربا من ذي قبل فذمتي منه بريئة، ولا يؤخذ منهم رجل بظلم آخر، ولهم
على ما في هذه الصحيفة جوار الله وذمة محمد النبي أبدا حتى يأتي أمر الله،
ما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم، غير مكلفين شيئا بظلم ". شهد أبو سفيان
ابن حرب وغيلان بن عمرو ومالك بن (ص 65) عوف من بنى نصر والأقرع
ابن حابس الحنظلي والمغيرة وكتب.
وقال يحيى بن آدم: وقد رأيت كتابا في أيدي النجرانيين كانت
نسخته شبيهة بهذه النسخة وفى أسفله " وكتب على بن أبو طالب " ولا أدرى
ما أقول فيه.
201 - قالوا: ولما استخلف أبو بكر الصديق رضي الله عنه حملهم على ذلك.
فكتب لهم كتابا على نحو كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما استخلف
عمر بن الخطاب رضي الله عنه أصابوا الربا وكثروا. فخافهم على الاسلام فأجلاهم
وكتب لهم:
" أما بعد فمن وقعوا به من أهل الشام والعراق فليوسعهم من حرث الأرض،
وما اعتملوا من شئ فهو لهم مكان أرضهم باليمن ".
فتفرقوا. فنزل بعضهم الشام، ونزل بعضهم النجرانية بناحية الكوفة، وبهم
سميت. ودخل يهود نجران مع النصارى في الصلح، وكانوا كالأتباع لهم. فلما استخلف
عثمان بن عفان كتب إلى الوليد بن عقبة بن أبي معيط وهو عامله على الكوفة:
" أما بعد فإن العاقب والأسقف وسراة نجران أتوني بكتاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأروني شرط عمر. وقد سألت عثمان بن حنيف عن ذلك
78

فأنبأني أنه كان بحث عن أمرهم فوجده ضارا للدهاقين لردعهم عن أرضهم.
وإني قد وضعت عنهم من جزيتهم مائتي حلة لوجه الله، وعقبى لهم من أرضهم.
وإني أوصيك بهم فإنهم قوم لهم ذمة ".
202 - وسمعت بعض العلماء يذكر أن عمر كتب لهم:
" أما بعد، فمن وقعوا به من أهل الشام والعراق فليوسعهم من حرث
الأرض. وسمعت بعضهم يقول: من جريب الأرض ".
203 - وحدثني عبد الاعلى بن حماد النرسي قال: حدثنا حماد بن سلمة عن يحيى بن
سعيد عن إسماعيل بن حكيم،
عن عمر بن عبد العزيز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه:
لا يبقين دينان في أرض العرب. فلما استخلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه
أجلى أهل نجران إلى النجرانية، واشترى عقاراتهم (ص 66) وأموالهم.
204 - وحدثني العباس بن هشام الكلبي عن أبيه،
عن جده قال: سميت نجران اليمن بنجران بن زيد بن سبأ بن يشجب
ابن يعرب بن قحطان.
205 - وحدثني الحسين بن الأسود قال: حدثنا وكيع بن الجراح قال: حدثنا الأعمش
عن سالم بن أبي الجعد قال: كان أهل نجران قد بلغوا أربعين ألفا،
فتحاسدوا بينهم، فأتوا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالوا: أجلنا. وكان عمر
قد خافهم على المسلمين، فاغتنمها فأجلاهم. فندموا بعد ذلك وأتوه فقالوا:
أقلنا. فأبى ذلك. فلما قام علي بن أبي طالب رضي الله عنه أتوه فقالوا: ننشدك
79

خطك بيمينك، وشفاعتك لنا عند نبيك، إلا أقلتنا. فقال: إن عمر كان
رشيد الامر وأنا أكره خلافه.
206 - وحدثني أبو مسعود الكوفي قال: حدثني محمد بن مروان والهيثم بن عدي،
عن الكلبي أن صاحب النجرانية بالكوفة كان يبعث رسله إلى جميع
من بالشام والنواحي من أهل نجران فيجبونهم مالا يقسمه عليهم لإقامة الحلل.
فلما ولى معاوية أو يزيد بن معاوية شكوا إليه تفرقهم وموت من مات
وإسلام من أسلم منهم، وأحضروه كتاب عثمان بن عفان بما حطهم من
الحلل، وقالوا: إنما ازددنا نقصانا وضعفا. فوضع عنهم مائتي حلة تتمة
أربع مئة حلة.
فلما ولى الحجاج بن يوسف العراق وخرج ابن الأشعث عليه اتهم الدهاقين
بموالاته واتهمهم معهم، فردهم إلى ألف وثمان مئة حلة، وأخذهم بحلل وشى.
فلما ولى عمر بن عبد العزيز شكوا إليه فناءهم ونقصانهم، وإلحاح الاعراب
بالغارة عليهم، وتحميلهم إياهم المؤن المجحفة بهم، وظلم الحجاج إياهم. فأمر
فأحصوا، فوجدوا على العشر من عدتهم الأولى، فقال: أرى هذا الصلح
جزية على رؤوسهم وليس هو بصلح عن أرضيهم، وجزية الميت والمسلم ساقطة.
فألزمهم مائتي حلة قيمتها ثمانية آلاف درهم.
فلما ولى يوسف بن عمر العراق في أيام الوليد بن يزيد (ص 67) ردهم
إلى أمرهم الأول عصبية للحجاج.
فلما استخلف أمير المؤمنين أبو العباس رحمه الله عمدوا إلى طريقه يوم ظهر
بالكوفة، فألقوا فيه الريحان ونثروا عليه وهو منصرف إلى منزله من المسجد.
فأعجبه ذلك من فعلهم، ثم إنهم رفعوا إليه في أمرهم وأعلموه قلتهم وما كان
80

من عمر بن عبد العزيز ويوسف بن عمر، وقالوا: إن لنا نسبا في أخوالك
بنى الحارث بن كعب، وتكلم فيهم عبد الله بن الربيع الحارثي، وصدقهم
الحجاج بن أرطاة فيما ادعوا، فردهم أبو العباس، صلوات الله عليه، إلى مائتي
حلة قيمتها ثمانية آلاف درهم.
قال أبو مسعود: فلما استخلف الرشيد هارون أمير المؤمنين وشخص
إلى الكوفة يريد الحج، رفعوا إليه في أمرهم، وشكوا تعنت العمال إياهم. فأمر
فكتب لهم كتاب بالمائتي حلة قد رأيته. وأمر أن يعفوا من معاملة العمال،
وأن يكون مؤداهم بيت المال بالحضرة.
207 - حدثنا عمرو الناقد قال: أخبرنا عبد الله بن وهب المصري عن يونس بن يزيد،
عن ابن شهاب الزهري قال: أنزلت في كفار قريش والعرب * (وقاتلوهم
حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله) * (1) وأنزلت في أهل الكتاب
* (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، ولا يحرمون ما حرم الله
ورسوله، ولا يدينون دين الحق، إلى قوله صاغرون) * (2) فكان أول من أعطى
الجزية من أهل الكتاب أهل نجران فيما علمنا، وكانوا نصارى، ثم أعطى أهل
أيلة وأذرح وأهل أذرعات الجزية في غزوة تبوك.

(1) السورة 2، الآية 193
(2) السورة 9، الآية 29
81

اليمن
208 - قالوا: لما بلغ أهل اليمن ظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم
وعلو حقه أتته وفودهم (ص 68). فكتب لهم كتابا بإقرارهم على ما أسلموا
عليه من أموالهم وأرضيهم وركازهم، فأسلموا. ووجه إليه رسله وعماله
لتعريفهم شرائع الاسلام وسننه وقبض صدقاتهم وجزى رؤوس من أقام
على النصرانية واليهودية والمجوسية منهم.
209 - حدثنا الحسين بن الأسود قال: حدثنا وكيع بن الجراح قال: حدثنا يزيد
ابن إبراهيم التستري،
عن الحسن قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن:
من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلكم المسلم، له ذمة الله وذمة
رسوله، ومن أبى فعليه الجزية.
210 - وحدثني هدبة قال: حدثنا يزيد بن إبراهيم عن الحسن بمثله.
211 - قال الواقدي: وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن سعيد
ابن العاص أميرا إلى صنعاء وأرضها.
قال: وقال بعضهم: ولى رسول الله صلى الله على وسلم المهاجر بن أبي أمية
ابن المغيرة المخزومي صنعاء، فقبض وهو عليها.
قال: وقال آخرون: إنما ولى المهاجر صنعاء أبو بكر الصديق رضي الله عنه،
وولى خالد بن سعيد مخاليف أعلى اليمن.
82

212 - وقال هشام بن الكلبي والهيثم بن عدي: ولى رسول الله صلى الله
عليه وسلم المهاجر كندة والصدف. فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم
كتب أبو بكر إلى زياد بن لبيد البياضي، من الأنصار، بولاية كندة والصدف
إلى ما كان يتولى من حضرموت. وولى المهاجر صنعاء، ثم كتب إليه بإنجاد
زياد بن لبيد، ولم يعزله عن صنعاء.
213 - وأجمعوا جميعا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولى زياد بن لبيد
حضرموت.
214 - قالوا: وولى النبي صلى الله عليه وسلم أبا موسى الأشعري زبيد
ورمع وعدن والساحل.
وولى معاذ بن جبل الجند، وصير إليه القضاء، وقبض جميع الصدقات
باليمن.
وولى نجران عمرو بن حزم الأنصاري، ويقال إنه ولى أبا سفيان بن حرب
نجران بعد عمرو بن حزم.
215 - وأخبرني عبد الله بن صالح المقرئ. قال: حدثني الثقة عن ابن لهيعة
عن أبي الأسود،
عن عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى (ص 69)
زرعة بن ذي يزن:
" أما بعد، فإذا أتاكم رسولي معاذ بن جبل وأصحابه فاجمعوا ما عندكم من
الصدقة والجزية فأبلغوه ذلك، فإن أمير رسلي معاذ، وهو من صالحي من
83

قبلي، وإن مالك بن مرارة الرهاوي حدثني أنك قد أسلمت أول حمير وفارقت
المشركين، فأبشر بخير. وأنا آمركم يا معشر حمير ألا تخونوا ولا تحادوا، فإن
رسول الله مولى غنيكم وفقيركم. وإن الصدقة لا تحل لمحمد، ولا لآله، إنما هي
زكاة تزكون بها هي لفقراء المسلمين والمؤمنين. وإن مالكا قد بلغ الخبر وحفظ
الغيب، وإن معاذا من صالحي أهلي وذوي دينهم، فآمركم به خيرا، فإنه منظور
إليه والسلام ".
216 - وحدثني الحسين بن الأسود قال: حدثني يحيى بن آدم قال: حدثنا يزيد
ابن عبد العزيز،
عن عمرو بن عثمان بن موهب قال: سمعت موسى بن طلحة يقول: بعث
رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل على صدقات اليمن، وأمره أن يأخذ
من النخل والحنطة والشعير والعنب، أو قال الزبيب، العشر ونصف العشر.
217 - وحدثني الحسين قال: حدثني يحيى بن آدم قال: حدثنا زياد،
عن محمد بن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب لعمرو بن حزم
حين بعثه إلى اليمن:
" بسم الله الرحمن الرحيم. هذا بيان من الله ورسوله * (يا أيها الذين آمنوا
أوفوا بالعقود) * (1). عهد من محمد النبي رسول الله لعمرو بن حزم حين بعثه إلى
اليمن: أمره بتقوى الله في أمره كله، وأن يأخذ من المغانم خمس الله، وما كتب
على المؤمنين من الصدقة من العقار عشر ما سقى البعل وسقت السماء، ونصف
العشر مما سقى الغرب ".

(1) السورة 5، الآية 1.
84

218 - وحدثني الحسين قال: حدثني يحيى بن آدم قال: حدثنا زياد بن عبد الله البكائي،
عن محمد بن إسحاق قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
ملوك حمير:
" بسم (ص 70) الله الرحمن الرحيم:
من محمد النبي رسول الله إلى الحارث بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال
وشرح بن عبد كلال وإلى النعمان قيل ذي رعين ومعافر وهمدان.
أما بعد، فإن الله قد هداكم بهدايته ان أصلحتم وأطعتم الله ورسوله،
وأقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة من المغانم خمس الله وسهم النبي وصفيه،
وما كتب الله على المؤمنين من الصدقة من العقار عشر ما سقت العين وسقت
السماء، وما سقى بالغرب نصف العشر ".
219 - وقال هشام بن محمد الكلبي: كان كتاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلى عريب والحارث ابني عبد كلال بن عريب بن ليشرح.
220 - وحدثنا يوسف بن موسى القطان قال: حدثنا جرير بن عبد الحميد قال:
حدثنا منصور،
عن الحكم قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معاذ بن جبل
وهو باليمن:
إن فيما سقت السماء أو سقى غيلا العشر، وفيما سقى بالغرب والدالية نصف
العشر، وإن على كل حالم دينارا أو عدل ذلك من المعافر، وأن لا يفتن يهودي
عن يهوديته.
85

قالوا: الغيل السيح، والغرب الدلو، يعنى ما سقى بالسواني والدوالي والدواليب
والغرافات، والبعل السيح أيضا، والمعافر ثياب لهم.
221 - حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا مروان بن معاوية عن الأعمش عن أبي وائل،
عن مسروق قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن وأمره
أن يأخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعا، ومن كل أربعين مسنة، ومن كل حالم
دينارا، أو عدل ذلك من المعافر.
222 - وحدثني الحسين بن الأسود قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثني شيبان
البرجمي عن عمرو،
عن الحسن قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية من مجوس
هجر، ومجوس أهل اليمن، وفرض على كل من بلغ الحلم من مجوس اليمن،
من رجل أو امرأة، دينارا أو قيمته من المعافر. (ص 71).
223 - حدثنا عمرو الناقد عن عبد الله بن وهب عن مسلمة بن علي عن المثنى
ابن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه،
عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض الجزية على كل محتلم من
أهل اليمن دينارا.
224 - حدثنا شيبان بن أبي شيبة الأبلي قال: حدثنا قزعة بن سويد الباهلي قال:
سمعت زكريا بن إسحاق يحدث عن يحيى بن صيفي أو أبى معبد،
عن ابن عباس قال: لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل
إلى اليمن قال: " أما إنك تأتى قوما من أهل الكتاب، فقل لهم: إن الله فرض
86

عليكم في اليوم والليلة خمس صلوات، فإن أطاعوك فقل: إن الله فرض عليكم
في السنة صوم رمضان، فإن أطاعوك فقل: إن الله فرض عليكم حج البيت من
استطاع إليه سبيلا، فإن أطاعوك فقل: إن الله قد فرض عليكم في أموالكم
صدقة تؤخذ من أغنيائكم فترد في فقرائكم، فإن أطاعوك فإياك وكرائم
أموالهم. وإياك ودعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ولا ستر ".
225 - حدثنا شيبان قال: حدثنا حماد بن سلمة قال: حدثنا الحجاج بن أرطاة،
عن عثمان بن عبد الله أن المغيرة بن عبد الله قال: قال الحجاج: صدقوا كل
خضراء. فقال أبو بردة بن أبي موسى: صدق. فقال موسى بن طلحة
لأبي بردة: هذا الآن يزعم أن أباه كان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى اليمن فأمره أن يأخذ الصدقة
من التمر والبر والشعير والزبيب.
226 - وحدثني عمرو الناقد قال: حدثنا وكيع عن عمرو بن عثمان،
عن موسى بن طلحة بن عبيد الله قال: قرأت كتاب معاذ بن جبل، حين
بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فكان فيه أن تؤخذ الصدقة من
الحنطة والشعير والتمر والزبيب والذرة.
227 - حدثنا على بن عبد (ص 72) الله المديني قال: حدثنا سفيان بن عيينة،
عن ابن أبي نجيح قال: سألت مجاهدا لم وضع عمر بن الخطاب رضي الله عنه
على أهل الشام من الجزية أكثر مما وضع على أهل اليمن؟ فقال: لليسار.
87

228 - حدثنا الحسين بن علي بن الأسود قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن إبراهيم
ابن ميسرة،
عن طاووس قال: لما أتى معاذ اليمن، أتى بأوقاص البقر والعسل، فقال:
لم أومر في هذا بشئ.
229 - وحدثنا الحسين بن الأسود قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا عبد الله
ابن المبارك عن معمر عن يحيى بن قيس المازني عن رجل،
عن أبيض بن حمال أنه استقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم الملح الذي
بمارب، فقال رجل: إنه كالماء العد. فأبى أن يقطعه إياه.
230 - وحدثني القاسم بن سلام وغيره عن إسماعيل بن عياش عن عمرو بن يحيى
ابن قيس المازني عن أبيه عن من حدثه عن أبيض بن حمال بمثله.
231 - وحدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي قال: حدثنا أبو داود الطيالسي قال:
حدثنا شعبة عن سماك عن علقمة بن وائل الحضرمي،
عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطعه أرضا بحضرموت.
232 - وحدثني على بن محمد بن عبد الله بن أبي سيف مولى قريش،
عن مسلمة بن محارب قال: لما ولى محمد بن يوسف، أخو الحجاج بن يوسف،
اليمن أساء السيرة وظلم الرعية وأخذ أراضي الناس بغير حقها. فكان مما اغتصبه
الحرجة. قال: وضرب على أهل اليمن خراجا جعله وظيفة عليهم. فلما ولى عمر
ابن عبد العزيز كتب إلى عامله يأمره بإلغاء تلك الوظيفة والاقتصار على العشر،
وقال: والله لان لا تأتيني من اليمن حفنة كتم أحب إلى من إقرار هذه الوظيفة.
فلما ولى يزيد بن عبد الملك أمر بردها.
88

233 - حدثني الحسن بن محمد الزعفراني عن الشافعي،
عن أبي عبد الرحمن (ص 73) هشام بن يوسف قاضي صنعاء أن أهل
خفاش أخرجوا كتابا من أبى بكر الصديق رضي الله عنه في قطعة أديم يأمرهم
فيه أن يؤدوا صدقة الورس.
وقال مالك، وابن أبي ذئب، وجميع أهل الحجاز من الفقهاء، وسفيان
الثوري، وأبو يوسف: لا زكاة في الورس والوسمة والقرط والكتم والحناء
والورد.
وقال أبو حنيفة: في قليل ذلك وكثيره الزكاة.
وقال مالك: في الزعفران إذا بلغ ثمنه مائتي درهم وبيع، خمسة دراهم. وهو
قول أبى الزناد.
وروى عنه أيضا أنه قال: لا شئ في الزعفران.
وقال أبو حنيفة وزفر: في قليله وكثيره الزكاة.
وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن: إذا بلغ ثمنه أدنى ثمن خمسة أوسق من تمر
أو حنطة أو شعير أو ذرة أو صنف من أصناف الحبوب ففيه الصدقة.
وقال ابن أبي ليلى: ليس في الخضر شئ. وهو قول الشعبي.
وقال عطاء وإبراهيم النخعي: فيما أخرجت أرض العشر من قليل وكثير
العشر أو نصف العشر.
234 - وحدثني الحسين بن الأسود قال: حدثنا يحيى بن آدم عن سعيد بن سالم عن
الصلت بن دينار،
عن أبي رجاء العطاردي قال: كان ابن عباس بالبصرة يأخذ صدقاتنا
حتى دساتج الكراث.
89

235 - وحدثنا الحسين قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا ابن المبارك عن معمر،
عن طاووس وعكرمة أنهما قالا: ليس في الورس والعطب، وهو القطن، زكاة.
وقال أبو حنيفة وبشر في الذمة يملكون الأرضين من أراضي العشر، مثل
اليمن التي أسلم عليها أهلها، والبصرة التي أحياها المسلمون، وما أقطعته الخلفاء
من القطائع التي لا حق فيها لمسلم ولا معاهد: إنهم يلزمون الجزية في رقابهم،
ويوضع الخراج على أرضهم بقدر احتمالها، ويكون مجرى ما يجتبى منهم مجرى
مال الخراج، فإن أسلم منهم مسلم وضعت عنه الجزية وألزم الخراج في أرضه
أبدا على قياس السواد. وهو قول ابن أبي ليلى.
وقال ابن شبرمة وأبو يوسف (ص 74): يوضع عليهم الجزية في رقابهم،
وعليهم الضعف مما على المسلمين في أرضهم، وهو الخمس أو العشر. وقاسا ذلك
على أمر نصارى بنى تغلب.
وقال أبو يوسف: ما أخذ منهم فسبيله سبيل الخراج، فإن أسلم الذمي
أو خرجت أرضه إلى مسلم صارت عشرية. قد روى ذلك عن عطاء والحسن.
وقال ابن أبي ذئب وابن أبي سبرة وشريك بن عبد الله النخعي والشافعي:
عليهم الجزية في رقابهم، ولا خراج ولا عشر في أرضهم، لأنهم ليسوا ممن
تجب عليه الزكاة، وليست أرضهم بأرض خراج. وهو قول الحسن بن صالح
ابن حي الهمداني.
وقال سفيان الثوري ومحمد بن الحسن: عليهم العشر غير مضعف، لان الحكم
حكم الأرض ولا ينظر إلى مالكها.
وقال الأوزاعي وشريك بن عبد الله: إن كانوا ذمة مثل يهود اليمن التي
أسلم أهلها وهم بها لم تأخذ منهم شيئا غير الجزية، ولا تدع الذمي يبتاع أرضا
من أراضي العشر ولا يدخل فيها، يعنى يملكها به.
90

وقال الواقدي: سألت مالكا عن اليهودي من يهود الحجاز يبتاع أرضا
بالجرف فيزرعها. قال: يؤخذ منه العشر. قلت: أو لست تزعم أنه لا عشر
على أرض ذمي إذا ملك أرض عشر؟ فقال: ذاك إذا أقاموا ببلادهم، فأما إذا
خرجوا من بلادهم فإنها تجارة.
وقال أبو الزناد ومالك بن أنس وابن أبي ذئب والثوري وأبو حنيفة ويعقوب
في التغلبي يزرع أرضا من أرض العشر: إنه يؤخذ منه ضعف العشر. وإذا
اكترى رجل مزرعة عشرية فإن مالكا والثوري وابن أبي ذئب ويعقوب
قالوا: العشر على صاحب الزرع.
وقال أبو حنيفة: هو على رب الأرض. وهو قول زفر.
وقال أبو حنيفة: إذ لم يؤد رجل عشر أرضه سنتين فإن السلطان يأخذ منه
العشر لما يستأنف، وكذلك أرض الخراج.
وقال أبو شمر: يأخذ ذلك منه لما مضى، لأنه حق وجب في ماله
(ص 75).
91

عمان
236 - قالوا: كان الأغلبين على عمان الأزد، وكان بها من غيرهم بشر
كثير في البوادي. فلما كانت سنة ثمان بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا زيد
الأنصاري أحد الخزرج، وهو أحد من جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله
عليه وسلم - واسمه فيما ذكر الكلبي قيس بن سكن بن زيد بن حرام، وقال
بعض البصريين: اسمه عمرو بن أخطب، جد عروة بن ثابت بن عمرو بن أخطب،
وقال سعيد بن أوس الأنصاري: اسمه ثابت بن زيد - وبعث عمرو بن العاصي
السهمي إلى عبد وجيفر ابني الجلندي بكتاب منه، يدعوهما فيه إلى الاسلام
وقال: إن أجاب القوم إلى شهادة الحق وأطاعوا الله ورسوله فعمرو الأمير وأبو زيد
على الصلاة وأخذ الاسلام على الناس وتعليمهم القرآن والسنن. فلما قدم أبو زيد
وعمرو عمان وجدا عبدا وجيفرا بصحار على ساحل البحر. فأوصلا كتاب النبي
صلى الله عليه وسلم إليهما، فأسلما ودعوا العرب هناك إلى الاسلام، فأجابوا إليه
ورغبوا فيه. فلم يزل عمرو وأبو زيد بعمان حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم.
ويقال إن أبا زيد قدم المدينة قبل ذلك.
237 - قالوا: ولما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت الأزد وعليها
لقيط بن مالك ذو التاج، وانحازت إلى دبا - وبعضهم يقول دما في دبا -
فوجه أبو بكر رضي الله عنه إليهم حذيفة بن محصن البارقي من الأزد وعكرمة
ابن أبي جهل بن هشام المخزومي فواقعا لقيطا ومن معه، فقتلاه وسبيا من أهل دبا
سبيا بعثا به إلى أبى بكر رحمه الله. ثم (ص 76) إن الأزد راجعت الاسلام،
92

وارتدت طوائف من أهل عمان ولحقوا بالشحر. فسار إليهم عكرمة، فظفر بهم
وأصاب منهم مغنما، وقتل بشرا. وجمع قوم من مهرة بن حيدان بن عمرو
ابن الحاف بن قضاعة جمعا، فأتاهم عكرمة فلم يقاتلوه وأدوا الصدقة. وولى
أبو بكر رضي الله عنه حذيفة بن محصن عمان، فمات أبو بكر وهو عليها،
وصرف عكرمة ووجه إلى اليمن.
ولم تزل عمان مستقيمة الامر يؤدى أهلها صدقات أموالها ويؤخذ ممن بها
من الذمة جزية رؤوسهم حتى كانت خلافة الرشيد صلوات الله عليه، فولاها عيسى
ابن جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس. فخرج إليها بأهل البصرة،
فجعلوا يفجرون بالنساء ويسلبونهم ويظهرون المعازف. فبلغ ذلك أهل عمان، وجلهم
شراة، فحاربوه ومنعوه من دخولها، ثم قدروا عليه فقتلوه وصلبوه، وامتنعوا على
السلطان فلم يعطوه طاعة، وولوا أمرهم رجلا منهم.
وقد قال قوم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وجه أبا زيد بكتابه إلى
عبد وجيفر ابني الجلندي الأزديين في سنة ست، ووجه عمرا في سنة ثمان، بعد
إسلامه بقليل. وكان إسلامه وإسلام خالد بن الوليد وعثمان بن طلحة العبدي في
صفر سنة ثمان، أقبل من الحبشة حتى أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي زيد: خذ الصدقة من المسلمين والجزية
من المجوس.
238 - حدثني أبو الحسن المدائني،
عن المبارك بن فضالة قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدى بن أرطاة
الفزاري عامله على البصرة:
93

" أما بعد فإني كنت كتبت إلى عمرو بن عبد الله أن يقسم ما وجد
بعمان من عشور التمر والحب في فقراء أهلها، ومن سقط إليها من أهل البادية،
ومن أضافته إليها الحاجة والمسكنة وانقطاع السبيل. فكتب إلى أنه سأل
عاملك قبله عن (ص 77) ذلك الطعام والتمر فذكر أنه قد باعه وحمل إليك
ثمنه، فاردد إلى عمرو ما كان حمل إليك عاملك على عمان من ثمن التمر والحب،
ليضعه في المواضع التي أمرته بها ويصرفه فيها إن شاء الله والسلام ".
94

البحرين
239 - قالوا: وكانت أرض البحرين من مملكة الفرس، وكان بها خلق
كثير من العرب من عبد القيس وبكر بن وائل وتميم مقيمين في بدايتها. وكان
على العرب بها من قبل الفرس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر
ابن ساوى أحد بنى عبد الله بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك بن حنظلة -
وعبد الله بن زيد هذا هو الأسبذي، نسب إلى قرية بهجر يقال لها الأسبذ،
ويقال إنه نسب إلى الأسبذيين، وهم قوم كانوا يعبدون الخيل بالبحرين -
فلما كانت سنة ثمان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم العلاء بن عبد الله بن عماد
الحضرمي، حليف بنى عبد شمس، إلى البحرين ليدعو أهلها إلى الاسلام أو الجزية،
وكتب معه إلى المنذر بن ساوى والى سيبخت مرزبان هجر يدعوهما إلى الاسلام
أو الجزية. فأسلما وأسلم معهما جميع العرب هناك وبعض العجم. فأما أهل
الأرض من المجوس واليهود والنصارى فإنهم صالحوا العلاء، وكتب بينه وبينهم
كتابا نسخته:
" بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما صالح عليه العلاء بن الحضرمي أهل البحرين:
صالحهم على أن يكفونا العمل ويقاسمونا التمر، فمن لم يف بهذا فعليه لعنة الله
والملائكة والناس أجمعين ".
وأما جزية الرؤوس فإنه أخذ لها من كل حالم (ص 78) دينارا.
240 - حدثني عباس بن هشام عن أبيه عن الكلبي عن أبي صالح،
عن ابن عباس قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل البحرين:
95

" أما بعد، فإنكم إذا أقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، ونصحتم الله ورسوله،
وآتيتم عشر النخل، ونصف عشر الحب، ولم تمجسوا أولادكم، فلكم ما أسلمتم
عليه، غير أن بيت النار لله ورسوله، وإن أبيتم فعليكم الجزية ".
فكره المجوس واليهود الاسلام وأحبوا أداء الجزية. فقال منافقو العرب:
زعم محمد لا يقبل الجزية إلا من أهل الكتاب وقد قبلها من مجوس هجر، وهم
غير أهل كتاب. فنزلت * (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من
ضل إذا اهتديتم) * (1). وقد قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه العلاء حين
وجه رسله إلى الملوك في سنة ست.
241 - وحدثني محمد بن مصفى الحمصي قال: حدثنا محمد بن المبارك قال: حدثنا
عتاب بن زياد قال: حدثني محمد بن ميمون عن مغيرة الأزدي عن محمد بن زيد بن حيان
الأعرج،
عن العلاء بن الحضرمي قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
البحرين، أو قال هجر، وكنت آتي الحائط بين الاخوة قد أسلم بعضهم فآخذ
من المسلم العشر ومن المشرك الخراج.
242 - وحدثنا القاسم بن سلام قال: حدثنا عثمان بن صالح عن عبد الله بن لهيعة
عن أبي الأسود،
عن عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل هجر:
بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد النبي إلى أهل هجر. سلم أنتم. فإني أحمد
إليكم الله الذي لا إله إلا هو.
أما بعد، فإني أوصيكم بالله وبأنفسكم ألا تضلوا بعد إذ هديتم، ولا تغووا

(1) السورة 5، الآية 105
96

بعد إذ رشدتم. أما بعد فإنه قد أتاني الذي صنعتم وأنه من يحسن منكم لا يحمل
عليه ذنب المسئ، فإذا جاءكم أمرائي فأطيعوهم وانصروهم (ص 79) وأعينوهم
على أمر الله وفى سبيله، فإنه من يعمل منكم عملا صالحا فلن يضل له عند الله
وعندي، وأما بعد فقد جاءني وفدكم فلم آت إليهم إلا ما سرهم، وإني لو جهدت
حقي فيكم كله أخرجتكم من هجر، فشفعت غائبكم وأفضلت على شاهدكم
* (فاذكروا نعمة الله عليكم) * (1).
243 - حدثني الحسين بن الأسود قال: حدثنا عبيد الله بن موسى عن شيبان النحوي،
عن قتادة قال: لم يكن بالبحرين في أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم
قتال، ولكن بعضهم أسلم وبعضهم صالح العلاء على أنصاف الحب والتمر.
244 - وحدثني الحسين قال: حدثني يحيى بن آدم قال: حدثنا الحسن بن صالح
عن أشعث،
عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر.
245 - وحدثني الحسين قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا قيس بن الربيع عن قيس
ابن مسلم،
عن الحسن بن محمد قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مجوس
هجر يدعوهم إلى الاسلام، فإن أسلموا فلهم ما لنا وعليهم ما علينا، ومن أبى
فعليه الجزية، في غير أكل لذبائحهم ولا نكاح لنسائهم.
246 - وحدثني الحسين قال: حدثنا يحيى بن آدم عن ابن المبارك عن يونس بن يزيد
الأيلي عن الزهري،
عن سعيد بن المسيب قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية

(1) اقتباس من الآية 231، السورة 2.
97

من مجوس هجر، وأخذها عمر من مجوس فارس، وأخذها عثمان من بربر.
247 - وحدثنا الحسين قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا عبد الله بن إدريس عن مالك
ابن أنس عن الزهري بمثله.
248 - وحدثنا عمرو الناقد قال: أخبرنا عبد الله بن وهب عن يحيى بن عبد الله
ابن سالم بن عبد الله بن عمر،
عن موسى بن عقبة أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى منذر
ابن ساوى:
" من محمد النبي إلى منذر بن ساوى. سلم أنت. فإني أحمد إليك الله
الذي لا إله إلا هو. أما بعد فإن كتابك جاءني وسمعت ما فيه، فمن (ص 80)
صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم، ومن أبى ذلك
فعليه الجزية ".
249 - وحدثني عباس بن هشام الكلبي عن أبيه عن جده عن أبي صالح،
عن ابن عباس قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المنذر بن ساوى
فأسلم ودعا أهل هجر، فكانوا بين راض وكاره. أما العرب فأسلموا،
وأما المجوس واليهود فرضوا بالجزية فأخذت منهم.
250 - وحدثنا شيبان بن فروخ حدثنا سليمان بن المغيرة قال:
حدثنا حميد بن هلال قال: بعث العلاء بن الحضرمي إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم مالا من البحرين يكون ثمانين ألفا ما أتاه أكثر منه قبله ولا بعده،
فأعطى منه العباس عمه.
98

251 - حدثني هشام بن عمار عن إسماعيل بن عياش،
عن عبد العزيز بن عبيد الله قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى وضائع كسرى بهجر فلم يسلموا. فوضع عليهم الجزية دينارا على كل
رجل منهم.
252 - قالوا: وعزل رغول الله صلى الله عليه وسلم العلاء ثم ولى البحرين
أبان بن سعيد بن العاصي بن أمية.
وقوم يقولون: إن العلاء كان على ناحية من البحرين منها القطيف وإن
أبان كان على ناحية أخرى فيها الخط، والأول أثبت.
253 - قالوا: ولما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرج أبان من
البحرين فأتى المدينة. فسأل أهل البحرين أبا بكر رضي الله عنه أن يرد العلاء
عليهم ففعل. فيقال إن العلاء لم يزل واليا حتى توفى بها سنة عشرين. فولى عمر
مكانه أبا هريرة الدوسي، ويقال أيضا إن عمر رضي الله عنه ولى أبو هريرة
قبل موت العلاء، فأتى العلاء توج من أرض فارس، وعزم على المقام بها.
قال: ثم رجع إلى البحرين فمات هناك. وكان أبو هريرة يقول: دفنا العلاء
ثم احتجنا إلى رفع لبنة فرفعناها فلم نجده في اللحد.
254 - وقال أبو مخنف: كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى العلاء
ابن الحضرمي، وهو عامله على البحرين، يأمره بالقدوم عليه، وولى عثمان
ابن أبي العاصي الثقفي البحرين وعمان. فلما قدم العلاء المدينة ولاه البصرة
(ص 81) مكان عتبة بن غزوان، فلم يصل إليها حتى مات، وذلك في سنة
99

أربع عشرة، أو في أول سنة خمس عشرة. ثم إن عمر ولى قدامة بن مظعون
الجمحي جباية البحرين وولى أبا هريرة الاحداث والصلاة، ثم عزل قدامة
وحده على شرب الخمر، وولى أبا هريرة الصلاة والاحداث، ثم عزله وقاسمه
ماله، ثم ولى عثمان بن أبي العاصي البحرين وعمان.
255 - حدثني العمرى،
عن الهيثم قال: كان قدامة بن مظعون على الجباية والاحداث، وأبو هريرة
على الصلاة والقضاء، فشهد على قدامة بما شهد به. ثم ولاه عمر البحرين بعد
قدامة، ثم عزله وقاسمه، وأمره بالرجوع فأبى، فولاها عثمان بن أبي العاصي.
فمات عمر وهو واليه عليها. وكان خليفته على عمان والبحرين وهو بفارس أخوه
مغيرة بن أبي العاصي، ويقال حفص بن أبي العاصي.
256 - حدثنا شيبان بن فروخ قال: حدثنا أبو هلال الراسبي قال: حدثنا محمد
ابن سيرين،
عن أبي هريرة قال: استعملني عمر بن الخطاب رضي الله عنه على البحرين،
فاجتمعت لي اثنا عشر ألفا. فلما قدمت على عمر قال لي: يا عدو الله وعدو
المسلمين! أو قال وعدو كتابه، سرقت مال الله؟ قال قلت: لست بعدو لله
ولا للمسلمين، أو قال لكتابه، ولكني عدو من عاداهما. ولكن خيلا تناتجت
وسهاما اجتمعت. قال: فأخذ منى اثنا عشر ألفا. فلما صليت الغداة قلت:
اللهم اغفر لعمر. قال: فكان يأخذ منهم ويعطيهم أفضل من ذلك، حتى
إذا كان بعد ذلك قال: ألا تعمل يا أبا هريرة؟ قلت: لا. قال: ولم؟
قد عمل من هو خير منك يوسف * (قال اجعلني على خزائن الأرض) * (1).

(1) السورة 12، الآية 55
100

فقلت: يوسف نبي ابن نبي، وأنا أبو هريرة بن أميمة. وأخاف منكم ثلاثا
واثنتين. قال: فهلا قلت خمسا! قلت: أخشى أن تضربوا ظهري وتشتموا
عرضي وتأخذوا مالي، وأكره أن أقول (ص 82) بغير حلم وأحكم بغير علم.
257 - حدثنا القاسم بن سلام وروح بن عبد المؤمن قالا: حدثنا يعقوب بن إسحاق
الحضرمي عن يزيد بن إبراهيم التستري عن ابن سيرين،
عن أبي هريرة أنه لما قدم من البحرين قال له عمر: يا عدو الله وعدو
كتابه! أسرقت مال الله؟ قال: لست عدو الله ولا عدو كتابه ولكني
عدو من عاداهما، ولم أسرق مال الله. قال: فمن أين اجتمعت لك عشرة آلاف
درهم؟ قال: خيل تناسلت وعطاء تلاحق وسهام اجتمعت، فقبضها منه،
وذكر من باقي الحديث نحو الذي روى أبو هلال.
258 - قالوا: ولما مات المنذر بن ساوى بعد وفاة النبي صلى الله عليه
وسلم بقليل ارتد من بالبحرين من ولد قيس بن ثعلبة بن عكابة مع الحطم -
وهو شريح بن ضبيعة بن عمرو بن مرثد أحد بنى قيس بن ثعلبة - وإنما سمى
الحطم بقوله:
قد لفها الليل بسواق حطم
وارتد سائر من بالبحرين من ربيعة خلا الجارود، وهو بشر بن عمرو
العبدي، ومن تابعه من قومه، وأمروا عليهم ابنا للنعمان بن المنذر يقال له المنذر،
فصار الحطم حتى لحق بربيعة، فانضم إليها بمن معه، وبلغ العلاء بن الحضرمي
الخبر فسار بالمسلمين حتى نزل جواثا، وهو حصن البحرين، فدلفت إليه ربيعة،
فخرج إليها بمن معه من العرب والعجم، فقاتلها قتالا شديدا. ثم إن المسلمين
101

لجأوا إلى الحصن فحصرهم فيه عدوهم. ففي ذلك يقول عبد الله بن حذف
الكلابي: (ص 83)
ألا أبلغ أبا بكر ألوكا * وفتيان المدينة أجمعينا
فهل لك في شباب منك أمسوا * أسارى في جواث محاصرينا
ثم إن العلاء خرج بالمسلمين ذات ليلة فبيت ربيعة، فقاتلوا قتالا شديدا
وقتل الحطم.
259 - وقال غير هشام بن الكلبي: أتى الحطم ربيعة وهو بجواثا، وقد
كفر أهلها جميعا وأمروا عليهم المنذر بن النعمان فأقام معهم. فحصرهم العلاء
حتى فتح جواثا وفض ذلك الجمع وقتل الحطم. والخبر الأول أثبت.
وفى قتل الحطم يقول مالك بن ثعلبة العبدي:
تركنا شريحا قد علته بصيرة * كحاشية البرد اليماني المحبر
البصيرة من الدم ما وقع في الأرض.
ونحن فجعنا أم غضبان بابنها * ونحن كسرنا الرمح في عين حبتر
ونحن تركنا مسمعا متجدلا * رهينة ضبع تعتريه وأنسر
260 - قالوا: وكان المنذر بن النعمان يسمى الغرور، فلما ظهر المسلمون
قال: لست بالغرور ولكني المغرور. ولحق هو وفل ربيعة بالخط، فأتاها العلاء
ففتحها، وقتل المنذر ومن معه. ويقال إن المنذر نجا فدخل إلى المشقر، وأرسل
الماء حوله فلم يوصل إليه، حتى صالح الغرور على أن يخلى المدينة، فخلاها.
ولحق بمسيلمة فقتل معه.
102

261 - وقال قوم: قتل المنذر يوم جواثا. وقوم يقولون إنه استأمن
ثم هرب فلحق فقتل.
وكان العلاء كتب إلى أبى بكر يستمده، فكتب إلى خالد بن الوليد
يأمره بالنهوض إليه من اليمامة وإنجاده، فقدم عليه وقد قتل الحطم، فحصر
معه الخط. ثم أتاه كتاب أبى بكر بالشخوص إلى العراق، فشخص إليه من
البحرين، وذلك في سنة اثنى عشر. وقال الواقدي: يقول أصحابنا إن خالدا
قدم المدينة ثم توجه منها إلى العراق.
واستشهد (ص 84) بجواثا عبد الله بن سهيل بن عمرو، أحد بنى عامر
ابن لؤي ويكنى أبا سهيل، وأمه فاختة بنت عامر بن نوفل بن عبد مناف.
وكان عبد الله أقبل مع المشركين يوم بدر ثم انحاز إلى المسلمين مسلما، وشهد بدرا
مع النبي صلى الله عليه وسلم. فلما بلغ أباه سهيل بن عمرو خبره قال: عند الله
أحتسبه. ولقيه أبو بكر وكان بمكة حاجا فعزاه به، فقال سهيل: إنه بلغني
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يشفع الشهيد في سبعين من أهله،
وإني لأرجو أن لا يبدأ ابني بأحد قبلي. وكان يوم استشهد ابن ثمان وثلاثين
سنة. واستشهد عبد الله بن عبد الله بن أبي يوم جواثا. وقال غير الواقدي:
استشهد يوم اليمامة.
262 - قالوا: وتحصن المكعبر الفارسي صاحب كسرى الذي كان
وجهه لقتل بنى تميم حين عرضوا لعيره - واسمه فيروز بن جشيش - بالزارة.
وانضم إليه مجوس كانوا تجمعوا بالقطيف، وامتنعوا من أداء الجزية. فأقام
العلاء على الزارة، فلم يفتحها في خلافة أبى بكر وفتحها في أول خلافة عمر.
وفتح العلاء السابون ودارين في خلافة عمر عنوة، وهناك موضع يعرف بخندق
العلاء.
103

263 - وقال معمر بن المثنى: غزا العلاء بعبد القيس قرى من السابون
في خلافة عمر بن الخطاب ففتحها، ثم غزا مدينة الغابة فقتل من بها من العجم،
ثم أتى الزارة وبها المكعبر فحصره. ثم إن مرزبان الزارة دعا إلى البراز
فبارزه البراء بن مالك فقتله، وأخذ سلبه، فبلغ أربعين ألفا. ثم خرج رجل من
الزارة مستأمنا على أن يدل على شرب القوم، فدله على العين الخارجة من الزارة،
فسدها العلاء فلما رأوا ذلك صالحوه على أن له ثلث المدينة (ص 85) وثلث
ما فيها من ذهب وفضة، وعلى أن يأخذ النصف مما كان لهم خارجها. وأتى
الأخنس العامري العلاء فقال له: إنهم لم يصالحوك على ذراريهم وهم بدارين.
ودله كراز النكري على المخاضة إليهم، فتقحم العلاء في جماعة من المسلمين
البحر، فلم يشعر أهل دارين إلا بالتكبير، فخرجوا فقاتلوهم من ثلاثة أوجه،
فقتلوا مقاتلتهم وحووا الذراري والسبي. ولما رأى المكعبر ذلك أسلم.
وقال كراز:
هاب العلاء حياض البحر مقتحما * فخضت قدما إلى كفار دارينا
264 - حدثنا خلف البزاز وعفان قالا: حدثنا هشيم قال: أخبرنا ابن عون ويونس،
عن محمد بن سيرين قال: بارز البراء بن مالك مرزبان الزارة فطعنه فوق
صلبه وصرعه، ثم نزل فقطع يديه وأخذ سواريه، ويلمقا كان عليه، ومنطقة.
فخمسه عمر لكثرته، وكان أول سلب خمس في الاسلام.
104

اليمامة
265 - قالوا: وكانت اليمامة تدعى جو، فصلبت امرأة من جديس
يقال لها اليمامة بنت مر على بابها، فسميت باسمها والله أعلم.
266 - وقالوا: ولما كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الآفاق
في أول سنة سبع، ويقال في سنة ست، كتب إلى هوذة بن علي الحنفي وأهل اليمامة
يدعوهم إلى الاسلام، وأنفذ كتابه بذلك مع سليط بن قيس بن عمرو الأنصاري
ثم الخزرجي. فبعثوا إلى (ص 86) رسول الله صلى الله عليه وسلم وفدهم. وكان
في الوفد مجاعة بن مرارة، فأقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضا مواتا سأله
إياها. وكان فيها أيضا الرجال بن عنفوة فأسلم وقرأ سورة البقرة وسورا من
القرآن، إلا أنه ارتد بعد. وكان فيهم مسيلمة الكذاب ثمامة بن كبير بن حبيب،
فقال مسيلمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شئت خلينا الامر وبايعناك على
أنه لنا بعدك. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، ولا نعمة عين. ولكن
الله قاتلك. وكان هوذة بن علي الحنفي قد كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم
يسأله أن يجعل الامر له من بعده، على أن يسلم ويصير إليه فينصره. فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، ولا كرامة. اللهم اكفنيه. فمات بعد قليل.
فلما انصرف وفد بنى حنيفة إلى اليمامة ادعى مسيلمة الكذاب النبوة، وشهد
له الرجال بن عنفوة بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشركه في الامر معه.
فاتبعه بنو حنيفة وغيرهم ممن باليمامة.
وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبادة بن الحارث، أحد بنى
عامر بن حنيفة - وهو ابن النواحة الذي قتله عبد الله بن مسعود بالكوفة وبلغه
أنه وجماعة معه يؤمنون بكذب مسيلمة -:
105

" من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله. أما بعد فإن لنا نصف الأرض
ولقريش نصفها، ولكن قريشا لا ينصفون. والسلام عليك " وكتب عمرو
ابن الجارود الحنفي.
فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد النبي إلى مسيلمة الكذاب.
أما بعد ف‍ * (إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين (1)) *
* (والسلام على من اتبع الهدى) * (2) وكتب أبي بن كعب.
فلما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم (ص 87) واستخلف أبو بكر
فأوقع بأهل الردة من أهل نجد وما والاه في أشهر يسيرة، بعث خالد بن الوليد
ابن المغيرة المخزومي إلى اليمامة وأمره بمحاربة الكذاب مسيلمة. فلما شارفها
ظفر بقوم من بنى حنيفة فيهم مجاعة بن مرارة بن سلمى، فقتلهم واستبقى مجاعة
وحمله معه موثقا. وعسكر خالد على ميل من اليمامة، فخرج إليه بنو حنيفة وفيهم
الرجال ومحكم بن الطفيل بن سبيع الذي يقال له محكم اليمامة. فرأى خالد
البارقة فيهم فقال: يا معشر المسلمين! قد كفاكم الله مؤنة عدوكم، ألا ترونهم
وقد شهر بعضهم السيوف على بعض، وأحسبهم قد اختلفوا ووقع بأسهم بينهم. فقال
مجاعة، وهو في حديده: كلا! ولكنها الهندوانية خشوا تحطمها فأبرزوها للشمس
لتلين متونها. ثم التقى الناس فكان أول من لقيهم الرجال بن عنفوة فقتله الله،
واستشهد وجوه الناس وقراء القرآن. ثم إن المسلمين فآءوا وثابوا، فأنزل الله
عليهم نصره وهزم أهل اليمامة فأتبعوهم يقتلونهم قتلا ذريعا، ورمى عبد الرحمن
ابن أبي بكر الصديق أخو عائشة لأبيها محكما بسهم فقتله، وألجأوا الكفرة

(1) السورة 7، الآية 128
(2) السورة 20، الآية 47
106

إلى الحديقة فسميت يومئذ حديقة الموت، وقتل الله مسيلمة في الحديقة، فبنو
عامر بن لؤي بن غالب يقولون: قتله خداش بن بشير بن الأصم، أحد بنى معيص
ابن عامر بن لؤي. وبعض الأنصار يقولون: قتله عبد الله بن زيد بن ثعلبة، أحد
بنى الحارث بن الخزرج، وهو الذي أرى الاذان. وبعضهم يقول: قتله أبو دجانة
سماك بن خرشة ثم استشهد. وقال بعضهم: بل قتله عبد الله بن زيد بن عاصم
أخو حبيب (ص 88) بن زيد من بنى مبذول من بنى النجار. وقد كان مسيلمة
قطع يدي حبيب ورجليه. وكان وحشي بن حرب الحبشي قاتل حمزة رضي الله عنه
يدعى قتله ويقول: قتلت خير الناس وشر الناس. وقال قوم: إن هؤلاء
جميعا شركوا في قتله. وكان معاوية بن أبي سفيان يدعى أنه قتله، ويدعى ذلك له
بنو أمية.
267 - حدثني أبو حفص الدمشقي قال: حدثنا الوليد بن مسلم عن خالد بن دهقان،
عن رجل حضر عبد الملك بن مروان سأل رجلا من بنى حنيفة ممن شهد
وقعة اليمامة عن قاتل مسيلمة فقال: قتله رجل من صفته كذا وكذا. فقال
عبد الملك: قضيت والله لمعاوية بقتله. قال: وجعل الكذاب يقول حين أخذ
منه بالمخنق: يا بنى حنيفة! قاتلوا عن أحسابكم. فلم يزل يعيدها حتى قتله الله.
268 - وحدثني عبد الواحد بن غياث قال: حدثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة،
عن أبيه قال: كفرت العرب. فبعث أبو بكر خالد بن الوليد فلقيهم.
ثم قال: والله لا انتهى حتى أناطح مسيلمة. فقالت الأنصار: هذا رأى تفردت
به لم يأمرك به أبو بكر، أرجع إلى المدينة حتى نريح كراعنا. فقال: والله لا انتهى
حتى أناطحه. فرجعت عنه الأنصار، ثم قالوا: ماذا صنعنا لئن ظهر أصحابنا لقد
خسسنا، ولئن هربوا لقد خذلناهم. فرجعوا ومضوا معه. فالتقى المسلمون
107

والمشركون، فولى المسلمون مدبرين حتى بلغوا الرحال. فقام السائب بن العوام
فال: أيها الناس! قد بلغتم الرحال فليس لامرئ مفر بعد رحله. فهزم الله
المشركين وقتل مسيلمة. وكان شعارهم يومئذ: يا أصحاب سورة البقرة.
269 - وحدثني بعض أهل اليمامة أن رجلا كان مجاورا في بنى حنيفة،
فلما قتل محكم أنشأ يقول: (ص 89).
فإن أنج منها أنج منها عظيمة * وإلا فإني شارب كأس محكم
270 - قالوا: وكانت الحرب قد نهكت المسلمين وبلغت منهم، فقال
مجاعة لخالد: إن أكثر أهل اليمامة لم يخرجوا لقتالكم، وإنما قتلتم منهم القليل
وقد بلغوا منكم ما أرى، وأنا مصالحكم عنهم. فصالحه على نصف السبي
ونصف الصفراء والبيضاء والحلقة والكراع. ثم إن خالدا توثق منه وبعثه
إليهم، فلما دخل اليمامة أمر الصبيان والنساء ومن باليمامة من المشايخ أن يلبسوا
السلاح ويقوموا على الحصون. ففعلوا ذلك. فلم يشك خالد والمسلمون حين نظروا
إليهم أنهم مقاتلة، فقالوا: لقد صدقنا مجاعة. ثم إن مجاعة خرج حتى أتى عسكر
المسلمين فقال: ان القوم لم يقبلوا ما صالحتك عليه عنهم واستعدوا لحربك،
وهذه حصون العرض مملوءة رجالا، ولم أزل بهم حتى رضوا بأن يصالحوا على
ربع السبي ونصف الصفراء والبيضاء والحلقة والكراع. فاستقر الصلح على
ذلك، ورضى خالد به وأمضاه، وأدخل مجاعة خالدا اليمامة. فلما رأى من بقى
بها قال: خدعتني يا مجاع. وأسلم أهل اليمامة فأخذت منهم الصدقة. وأتى خالدا
كتاب أبى بكر رضي الله عنه بإنجاد العلاء بن الحضرمي، فسار إلى البحرين
واستخلف على اليمامة سمرة بن عمرو العنبري. وكان فتح اليمامة سنة اثنى عشر.
108

271 - حدثني أبو رباح اليمامي قال: حدثني أشياخ من أهل اليمامة أن
مسيلمة الكذاب كان قصيرا، شديد الصفرة، أخنس الانف، أفطس، يكنى
أبا ثمامة.
272 - وقال غيره: كان يكنى أبا ثمالة. وكان له مؤذن يسمى حجيرا،
فكان إذا أذن يقول: أشهد أن مسيلمة يزعم أنه رسول الله. فقال: أفصح
حجير. فمضت مثلا. وكان ممن استشهد باليمامة أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة
ابن عبد شمس، واسمه هشيم ويقال مهشم. وسالم مولى أبى حذيفة، ويكنى
أبا عبد الله، وهو مولى ثبيتة (ص 90) بنت يعار الأنصارية، وبعض الرواة يقول:
نبيثة، وهي امرأة. وخالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية. وعبد الله، وهو
الحكم بن سعيد بن العاصي بن أمية. ويقال انه قتل يوم مؤتة. وشجاع بن وهب
الأسدي حليف بنى أمية يكنى أبا وهب. والطفيل بن عمرو الدوسي من الأزد
ويزيد بن رقيش الأسدي، حليف بنى أمية. ومخرمة بن شريح الحضرمي، حليف
بنى أمية. والسائب بن العوام أخو الزبير بن العوام. والوليد بن عبد شمس بن المغيرة
المخزومي. والسائب بن عثمان بن مظعون الجمحي. وزيد بن الخطاب بن نفيل،
أخو عمر بن الخطاب، يقال قتله أبو مريم الحنفي، واسمه صبيح بن محرش.
وقال ابن الكلبي: قتله لبيد بن برغث العجلي، فقدم بعد ذلك على عمر رضي الله عنه
فقال: أنت الجوالق، واللبيد هو الجوالق. وكان زيد يكنى أبا عبد الرحمن،
وكان أسن من عمر. قال بعضهم: اسم أبى مريم اياس بن صبيح. وهو أول
من قضى بالبصرة زمن عمر، وتوفى بسنبيل من الأهواز. وأبو قيس بن الحارث
ابن عدي بن سهم. وعبد الله بن الحارث بن قيس. وسليط بن عمرو، أخو سهيل
ابن عمرو، أحد بنى عامر بن لؤي. وإياس بن البكير الكناني.
109

ومن الأنصار: عباد بن الحارث بن عدي أحد بنى جحجبا من الأوس.
وعباد بن بشر بن وقش الأشهلي من الأوس، ويكنى أبا الربيع، ويقال إنه كان
يكنى أبا بشر. ومالك بن أوس بن عتيك الأشهلي. وأبو عقيل بن ثعلبة
بيحان البلوى، حليف بنى جحجبا - كان اسمه عبد العزى فسماه (ص 91)
النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن عدو الأوثان. وسراقة بن كعب بن عبد
العزى النجاري، من الخزرج. وعمارة بن حزم بن زيد بن لوذان النجاري -
ويقال انه مات زمن معاوية. وحبيب بن عمرو بن محصن النجاري.
ومعن بن عدي بن الجد بن العجلان البلوى، من قضاعة، حليف الأنصار.
وثابت بن قيس بن شماس بن أبي زهير، خطيب النبي صلى الله عليه وسلم، أحد
بنى الحارث بن الخزرج، ويكنى أبا محمد، وكان على الأنصار يومئذ. وأبو حنة
ابن غزية بن عمرو أحد بنى مازن بن النجار. والعاصي بن ثعلبة الدوسي من الأزد،
حليف الأنصار. وأبو دجانة سماك بن أوس بن خرشة بن لوذان الساعدي،
من الخزرج. وأبو أسيد مالك بن ربيعة الساعدي، ويقال إنه مات سنة ستين
بالمدينة. وعبد الله بن عبد الله بن أبي بن مالك، وكان اسمه الحباب، فسماه
رسول الله صلى الله عليه وسلم باسم أبيه، وكان أبوه منافقا، وهو الذي يقال له
ابن أبي بن سلول. وسلول أم أبى، وهي خزاعية نسب إليها، وأبوه مالك
ابن الحارث أحد بنى الخزرج. ويقال إنه استشهد يوم جواثا من البحرين.
وعقبة بن عامر بن نابئ، من بنى سلمة من الخزرج. والحارث بن كعب بن عمرو
أحد بنى النجار.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث حبيب بن زيد بن عاصم، أحد
بنى مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار، وعبد الله بن وهب الأسلمي
110

إلى مسيلمة، فلم يعرض لعبد الله، وقطع يدي حبيب ورجليه. وأم حبيب نسيبة
بنت كعب.
273 - وقال الواقدي: إنما أقبلا مع عمرو بن العاصي من عمان فكفتهما
مسيلمة، فنجا عمرو ومن معه غير هذين، فأخذا. وقاتلت نسيبة يوم اليمامة
فانصرفت وبها جراحات. وهي أم حبيب وعبد الله ابني زيد، وقد قاتلت يوم
أحد أيضا. وهي (ص 92) إحدى الامرأتين المبايعتين يوم العقبة. واستشهد
يوم اليمامة عائذ بن ماعص الزرقي من الخزرج، ويزيد بن ثابت الخزرجي،
أخو زيد بن ثابت صاحب الفرائض.
وقد اختلفوا في عدة من استشهد باليمامة، فأقل ما ذكروا من مبلغها
سبع مئة وأكثر ذلك ألف وسبع مئة.
وقال بعضهم: إن عدتهم ألف ومائتان.
274 - وحدثنا القاسم بن سلام قال: حدثنا الحارث بن مرة الحنفي،
عن هشام بن إسماعيل أن مجاعة اليمامي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فأقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتب له كتابا:
" بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب كتبه محمد رسول الله لمجاعة بن
مرارة بن سلمى. إني أقطعتك الغورة، وغرابة، والحبل، فمن حاجك فإلى "
الغورة قرية الغرابات تلت قارات.
قال: ثم وفد بعد ما قبض النبي صلى الله عليه وسلم على أبى بكر فأقطعه
الخضرمة. ثم قدم على عمر فأقطعه الريا. ثم قدم على عثمان فأقطعه قطيعة -
قال الحارث: - لا أحفظ اسمها.
111

275 - وحدثنا القاسم بن سلام قال: حدثنا أبو أيوب الدمشقي عن سعدان بن يحيى
عن صدقة بن أبي عمران عن أبي إسحاق الهمداني،
عن عدي بن حاتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع فرات بن حيان
العجلي أرضا باليمامة.
276 - حدثني محمد بن ثمال اليمامي عن أشياخهم قال: سميت الحديقة
حديقة الموت لكثرة من قتل بها. قال: وقد بنى إسحاق بن أبي خميصة،
مولى قيس، فيها أيام المأمون مسجدا جامعا، وكانت الحديقة تسمى أباض.
وقال محمد بن ثمال: قصر الورد نسب إلى الورد بن السمين بن عبيد الحنفي.
وقال غيره: سمى الحصن معتقا (ص 93) لحصانته. يريدون أن من لجأ
إليه عتق من عدوه.
وقال: الريا عين منها شرب الصعفوقة، وهي ضيعة نسبت إلى وكيل كان
عليها يقال له صعفوق، وشرب الخييبة والخضرمة منها.
112

خبر ردة العرب
في خلافة أبى بكر الصديق رضي الله عنه
277 - قالوا: لما استخلف أبو بكر رحمه الله ارتدت طوائف من العرب
ومنعت الصدقة. وقال قوم منهم: نقيم الصلاة ولا نؤدي الزكاة. فقال أبو بكر
رضي الله عنه: لو منعوني عقالا لقاتلتهم. وبعض الرواة يقول: لو منعوني عناقا
والعقل صدقة السنة.
278 - وحدثني عبد الله بن صالح العجلي عن يحيى بن آدم عن عوانة بن الحكم عن
جرير بن يزيد،
عن الشعبي قال قال عبد الله بن مسعود: لقد قمنا بعد رسول الله صلى الله
عليه وسلم مقاما كدنا نهلك فيه، لولا أن الله من علينا بأبي بكر. اجتمع رأينا
جميعا على أن لا نقاتل على بنت مخاض وابن لبون، وأن نأكل قرى عربية،
ونعبد الله حتى يأتينا اليقين. وعزم الله لأبي بكر رضي الله عنه على قتالهم، فوالله
ما رضى منهم الا بالخطة المخزية أو الحرب المجلية. فأما الخطة المخزية فأن
أقروا بأن من قتل منهم في النار، وأن ما أخذوا من أموالنا مردود علينا. وأما
الحرب المجلية فأن يخرجوا من ديارهم.
279 - حدثنا إبراهيم بن محمد عن عرعرة قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال:
أخبرنا سفيان الثوري عن قيس بن مسلم،
عن طارق بن شهاب قال: قدم وفد بزاخة (ص 94) على أبى بكر
فخيرهم بين الحرب المجلية والسلم المخزية. فقالوا: قد عرفنا الحرب المجلية، فما السلم
113

المخزية؟ قال: أن ننزع منكم الحلقة والكراع، ونغنم ما أصبنا منكم، وتردوا
إلينا ما أصبتم منا، وتدوا قتلانا، ويكون قتلاكم في النار.
280 - حدثنا شجاع بن مخلد الفلاس قال: حدثنا بشر بن المفضل مولى بنى رقاش
قال: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون عن عبد الواحد عن القاسم بن محمد
ابن أبي بكر،
عن عمته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: توفى رسول الله صلى
الله عليه وسلم، فنزل بأبي ما لو نزل بالجبال الراسيات لهاضها. اشرأب النفاق
بالمدينة وارتدت العرب، فوالله ما اختلفوا في واحدة إلا طار بحظها وغنائها
عن الاسلام.
281 - قالوا: فخرج أبو بكر رضي الله عنه إلى القصة من أرض محارب
لتوجيه الزحوف إلى أهل الردة، ومعه المسلمون. فصار إليهم خارجة بن حصن
ابن حذيفة بن بدر الفزاري ومنظور بن زبان بن سيار الفزاري أحد بنى العشراء
في غطفان، فقاتلوهم قتالا شديدا. فانهزم المشركون، واتبعهم طلحة بن عبيد الله
التيمي فلحقهم بأسفل ثنايا عوسجة، فقتل منهم رجلا، وفاته الباقون فأعجزوه هربا،
فجعل خارجة بن حصن يقول: ويل للعرب من ابن أبي قحافة. ثم عقد أبو بكر
وهو بالقصة لخالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي على الناس، وجعل على الأنصار
ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري، وهو أحد من استشهد يوم اليمامة،
إلا أنه كان من تحت يد خالد، وأمر خالدا أن يصمد لطليحة بن خويلد
الأسدي، وكان قد ادعى النبوة، وهو يومئذ ببزاخة، وبزاخة ماء لبني أسد
ابن خزيمة. فسار إليه خالد وقدم أمامه عكاشة بن (ص 95) محصن الأسدي
حليف بنى عبد شمس، وثابت بن أقرم البلوى حليف الأنصار. فلقيهما حبال
114

ابن خويلد فقتلاه، وخرج طليحة وسلمة أخوه، وقد بلغهما الخبر، فلقيا عكاشة
وثابتا فقتلاهما. فقال طليحة:
ذكرت أخي لما عرفت وجوههم * وأيقنت أنى ثائر بحبال
عشية غادرت ابن أقرم ثاويا * وعكاشة الغنمي عند مجال
ثم التقى المسلمون وعدوهم، واقتتلوا قتالا شديدا، وكان عيينة بن حصن
ابن حذيفة بن بدر مع طليحة في سبع مئة من بنى فزارة. فلما رأى سيوف
المسلمين قد استلحمت المشركين، أتاه فقال له: أما ترى ما يصنع جيش
أبى الفصيل؟ فهل جاءك جبريل بشئ؟ قال: نعم. جاءني فقال: إن لك رحا
كرحاه ويوما لا تنساه. فقال عيينة: أرى أن لك يوما لا تنساه. يا بنى فزارة!
هذا كذاب. وولى عن عسكره فانهزم الناس، وظهر المسلمون، وأسر عيينة
ابن حصن. فقدم به المدينة فحقن أبو بكر دمه، وخلى سبيله. وهرب طليحة
ابن خويلد فدخل خباء له فاغتسل، وخرج فركب فرسه وأهل بعمرة، ثم مضى
إلى مكة، ثم أتى المدينة مسلما. وقيل بل أتى الشام، فأخذه المسلمون ممن كان
غازيا وبعثوا به إلى أبى بكر بالمدينة فأسلم، وأبلى بعد في فتح العراق ونهاوند.
وقال له عمر: أقتلت العبد الصالح عكاشة بن محصن؟ فقال: إن عكاشة
ابن محصن سعد بي وشقيت به، وأنا استغفر الله.
282 - وأخبرني داود بن حبال الأسدي،
عن أشياخ من قومه (ص 96) أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال
لطليحة: أنت الكاذب على الله حين زعمت أنه أنزل عليك أن الله لا يصنع
بتعفير وجوهكم وقبح أدباركم شيئا. فاذكروا الله أعفة قياما، فإن الرغوة فوق
115

الصريح. فقال: يا أمير المؤمنين! ذلك من فتن الكفر الذي هدمه الاسلام
كله، فلا تعنيف على ببعضه. فأسكت عمر.
283 - قالوا: وأتى خالد بن الوليد رمان وأبانين، وهناك فل بزاخة،
فلم يقاتلوه، وبايعوه لأبي بكر. وبعث خالد بن الوليد هشام بن العاصي بن وائل
السهمي أخا عمرو بن العاصي، وكان قديم الاسلام وهو من مهاجرة الحبشة،
إلى بنى عامر بن صعصعة، فلم يقاتلوه وأظهروا الاسلام والاذان، فانصرف عنهم.
وكان قرة بن هبيرة القشيري امتنع من أداء الصدقة، وأمد طليحة،
فأخذه هشام بن العاصي وأتى به خالدا، فحمله إلى أبى بكر فقال: والله ما كفرت
مذ آمنت، ولقد مر بي عمرو بن العاصي منصرفا من عمان فأكرمته وبررته.
فسأل أبو بكر عمرا رضي الله عنهما عن ذلك فصدقه. فحقن أبو بكر دمه. ويقال:
إن خالدا كان سار إلى بلاد بنى عامر فأخذ قرة وبعث به إلى أبى بكر.
284 - قال: ثم سار خالد بن الوليد إلى الغمر، وهناك جماعة من بنى
أسد وغطفان وغيرهم، وعليهم خارجة بن حصن بن حذيفة. ويقال إنهم كانوا
متسايدين، قد جعل كل قوم عليهم رئيسا منهم، قاتلوا خالدا والمسلمين، فقتلوا
منهم جماعة وانهزم الباقون. وفى يوم الغمر يقول الحطيئة العبسي:
ألا كل أرماح قصار أذلة * فداء لا رماح الفوارس بالغمر
ثم أتي خالد جو قراقر، ويقال أتي النقرة، وكان هناك جمع لبني سليم،
(ص 97) عليهم أبو شجرة عمرو بن عبد العزى السلمي وأمه الخنساء، فقاتلوه.
فاستشهد رجل من المسلمين، ثم فض الله جمع المشركين. وجعل خالد
يومئذ يحرق المرتدين. فقيل لأبي بكر في ذلك. فقال: لا أشيم سيفا سله الله
116

على الكفار. وأسلم أبو شجرة فقدم على عمر وهو يعطى المساكين فاستعطاه،
فقال له: ألست القائل:
ورويت رمحي من كتيبة خالد * وإني لأرجو بعدها أن أعمرا
وعلاه بالدرة. فقال: قد محا الاسلام ذلك يا أمير المؤمنين.
285 - قالوا: وأتى الفجاءة، وهو بجير بن إياس بن عبد الله السلمي،
أبا بكر فقال: احملني وقوني أقاتل المرتدين. فحمله وأعطاه سلاحا. فخرج
يعترض الناس فيقتل المسلمين والمرتدين، وجمع جمعا. فكتب أبو بكر إلى
طريفة بن حاجزة أخي معن بن حاجزة يأمره بقتاله. فقاتله وأسره ابن حاجزة.
فبعث به إلى أبى بكر، فأمر أبو بكر بإحراقه في ناحية المصلى. ويقال: إن
أبا بكر كتب إلى معن في أمر الفجاءة، فوجه معن إليه طريفة أخاه فأسره.
ثم سار خالد إلى من بالبطاح والبعوضة من بنى تميم فقاتلوه، ففض جمعهم وقتل
مالك بن نويرة أخا متمم بن نويرة. وكان مالك عاملا للنبي صلى الله عليه
وسلم على صدقات بنى حنظلة. فلما قبض صلى الله عليه وسلم خلى ما كان في يده
من الفرائض وقال: شأنكم بأموالكم يا بنى حنظلة. وقد قيل إن خالدا لم يلق
بالبطاح والبعوضة أحدا، ولكنه بث السرايا في بنى تميم، وكان منها سرية
عليها ضرار بن الأزور الأسدي، فلقي ضرار مالكا فاقتتلوا وأسره وجماعة
معه، فأتى بهم فضربت أعناقهم، وتولى ضرار ضرب عنق مالك.
ويقال إن مالكا قال لخالد: إني والله ما ارتددت. وشهد أبو قتادة
الأنصاري أن بنى حنظلة وضعوا السلاح وأذنوا. (ص 98) فقال عمر بن الخطاب
لأبي بكر رضي الله عنهما: بعثت رجلا يقتل المسلمين ويعذب بالنار.
117

وقد روى أن متمم بن نويرة دخل على عمر بن الخطاب فقال له: ما بلغ
من وجدك على أخيك مالك؟ قال: بكيته حولا حتى أسعدت عيني الذاهبة
عيني الصحيحة، وما رأيت نارا إلا كدت أنقطع لها أسفا عليه، لأنه كان يوقد
ناره إلى الصبح مخافة أن يأتيه ضيف فلا يعرف مكانه. قال: فصفه لي. قال:
كان يركب الفرس الجرور، ويقود الجمل الثفال، وهو بين المزادتين النضوحين
في الليلة القرة، وعليه شملة فلوت، معتقلا رمحا خطلا، فيسري ليلته
ثم يصبح، وكان وجهه فلقة قمر. قال: فأنشدني بعض ما قلت فيه. فأنشده
مرثيته التي يقول فيها:
وكنا كندماني جذيمة حقبة * من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
فقال عمر: لو كنت أحسن قول الشعر لرثيت أخي زيدا. فقال: متمم:
ولا سواء يا أمير المؤمنين! لو كان أخي صرع مصرع أخيك ما بكيته. فقال
عمر: ما عزاني أحد بأحسن مما عزيتني.
286 - قالوا: وتنبأت أم صادر سجاح بنت أوس بن حق بن أسامة
ابن الغنيز بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، ويقال هي سجاح
بنت الحارث بن عقفان بن سويد بن خالد بن أسامة، وتكهنت. فاتبعها قوم
من بنى تميم وقوم من أخوالها بنى تغلب. ثم إنها سجعت ذات يوم فقالت:
إن رب السحاب، يأمركم أن تغزوا الرباب. فغزتهم فهزموها، ولم يقاتلها أحد
غيرهم، فأتت مسيلمة الكذاب وهو بحجر فتزوجته، وجعلت دينها ودينه
واحدا. فلما (ص 99) قتل صارت إلى إخوانها فماتت عندهم.
وقال ابن الكلبي: أسلمت سجاح وهاجرت إلى البصرة وحسن إسلامها.
118

وقال عبد الاعلى بن حماد النرسي: سمعت مشايخ من البصريين يقولون:
إن سمرة بن جندب الفزاري صلى عليها وهو يلي البصرة من قبل معاوية،
قبل قدوم عبيد الله بن زياد من خراسان وولايته البصرة. وقال ابن الكلبي:
كان مؤذين سجاح الجنبة بن طارق بن عمرو بن حوط الرياحي، وقوم يقولون:
إن شبث بن ربعي الرياحي كان يؤذن لها.
287 - قالوا: وارتدت خولان باليمن، فوجه أبو بكر إليهم يعلى بن منية
وهي أمه، وهي من بنى مازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان
ابن مضر، وأبوه أمية بن أبي عبيدة، من ولد مالك بن حنظلة بن مالك،
حليف بنى نوفل بن عبد مناف، فظفر بهم وأصاب منهم غنيمة وسبايا. ويقال
لم يلق حربا فرجع القوم إلى الاسلام.
119

ردة بنى وليعة والأشعث بن قيس بن معدى كرب
ابن معاوية الكندي
288 - قالوا: ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم زياد بن لبيد البياضي
من الأنصار حضرموت، ثم ضم إليه كندة. ويقال إن الذي ضم إليه كندة
أبو بكر الصديق رضي الله عنه. وكان زياد بن لبيد رجلا حازما صليبا، فأخذ
في الصدقة من بعض كندة قلوصا، فسأله الكندي ردها عليه وأخذ غيرها.
وكان قد وسمها بميسم الصدقة فأبى ذلك، وكلمه الأشعث بن قيس فيه فلم يجبه،
وقال: لست براد شيئا قد وقع الميسم عليه. فانتقضت عليه كندة كلها، إلا
السكون فإنهم كانوا معه، فقال شاعرهم: (ص 100).
ونحن نصرنا الدين إذ ضل قومنا * شقاء وشايعنا ابن أم زياد
ولم نبغ عن حق البياضي مزحلا * وكان تقى الرحمن أفضل زاد
وجمع له بنو عمرو بن معاوية بن الحارث الكندي، فبيتهم فيمن معه من
المسلمين فقتل منهم بشرا فيهم مخوس ومشرح وحمد وأبضعة بنو معدى كرب
ابن وليعة بن شرحبيل بن معاوية بن حجر القرد، والقرد الجواد في كلامهم،
ابن الحارث بن الولادة بن عمرو بن معاوية بن الحارث. وكانت لهؤلاء الاخوة
أودية يملكونها، فسموا الملوك الأربعة. وكانوا وفدوا على النبي صلى الله عليه
وسلم ثم ارتدوا، وقتلت أخت لهم يقال لها العمردة، وقاتلها يحسبها رجلا.
ثم إن زيادا أقبل بالسبي والأموال فمر على الأشعث بن قيس وقومه، فصرخ
النساء والصبيان وبكوا، فحمى الأشعث أنفا وخرج في جماعة من قومه فعرض
120

لزياد ومن معه. فأصيب ناس من المسلمين، ثم هزموهم. فاجتمعت عظماء كندة
إلى الأشعث بن قيس. فلما رأى زياد ذلك كتب إلى أبى بكر يستمده، وكتب
أبو بكر إلى المهاجر بن أبي أمية يأمره بإنجاده. فلقيا الأشعث بن قيس فيمن
معهما من المسلمين، ففضا جمعه وأوقعها بأصحابه، فقتلا منهم مقتلة عظيمة. ثم إنهم
لجأوا إلى النجير، وهو حصن لهم، فحصرهم المسلمون حتى جهدوا. فطلب الأشعث
الأمان لعدة منهم وأخرج نفسه من العدة. وذلك إن الجفشيش الكندي -
واسمه معدان بن الأسود بن معدى كرب - أخذ بحقوه وقال: اجعلني من
العدة. فأدخله وأخرج نفسه. ونزل إلى زياد بن لبيد والمهاجر فبعثا به إلى أبى
بكر الصديق، فمن عليه وزوجه أخته أم فروة بنت أبي قحافة. فولدت له محمدا
وإسحاق وقريبة (ص 101) وحبابة وجعدة. وبعضهم يقول: زوجه أخته
قريبة. ولما تزوجها أتى السوق فلم ير بها جزورا إلا كسف عرقوبيها وأعطى
ثمنها وأطعمها الناس. وأقام بالمدينة، ثم سار إلى الشام والعراق غازيا، ومات
بالكوفة وصلى عليه الحسن بن علي بن أبي طالب بعد صلحه معاوية. وكان
الأشعث يكنى أبا محمد ويلقب عرف النار.
286 - وقال بعض الرواة: ارتد بنو وليعة قبل وفاة النبي صلى الله عليه
وسلم. فلما بلغت زياد بن لبيد وفاته صلى الله عليه وسلم دعا الناس إلى بيعة أبى
بكر، فبايعوه خلا بنى وليعة، فبيتهم وقتلهم. وارتد الأشعث وتحصن في النجير،
فحاصره يزاد بن لبيد والمهاجر، اجتمعا عليه وأمدهما أبو بكر رضي الله عنه
بعكرمة بن أبي جهل بعد انصرافه من عمان. فقدم عليهما وقد فتح النجير.
فسأل أبو بكر المسلمين أن يشركوه في الغنيمة ففعلوا.
121

290 - قالوا: وكان بالنجير نسوة شمتن بوفاة رسول الله صلى الله عليه
وسلم. فكتب أبو بكر رضي الله عنه في قطع أيديهن وأرجلهن، منهن الثبجاء
الحضرمية، وهند بنت يامين اليهودية.
291 - وحدثني بكر بن الهيثم، قال: حدثني عبد الرزاق بن همام اليماني،
عن مشايخ حدثوه من أهل اليمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولى
خالد بن سعيد بن العاصي صنعاء، فأخرجه العنسي الكذاب عنها، وأنه ولى
المهاجر بن أبي أمية على كندة، وزياد بن لبيد الأنصاري على حضرموت
والصدف - وهم ولد مالك بن مرتع بن معاوية بن كندة - وإنما سمى صدفا
لان مرتعا تزوج حضرمية وشرط لها أن تكون عنده، فإذا ولدت ولدا لم يخرجها
من دار قومها. فولدت له مالكا. فقضى الحاكم عليه بأن يخرجها إلى أهلها.
فلما خرج مالك عنه معها قال: صدف عنى مالك. فسمى الصدف.
وقال عبد الرزاق: (ص 102) فأخبرني مشايخ من أهل اليمن قالوا:
كتب أبو بكر إلى زياد بن لبيد والمهاجر بن أبي أمية المخزومي، وهو يومئذ
على كندة، يأمرهما أن يجتمعا فتكون أيديهما يدا وأمرهما واحدا، فيأخذا له
البيعة ويقاتلا من امتنع من أداء الصدقة. وأن يستعينا بالمؤمنين على الكافرين
وبالمطيعين على المعاصين والمخالفين. فأخذا من رجل من كندة في الصدقة بكرة
من الإبل، فسألهما أخذ غيرها فسامحه المهاجر وأبى زياد إلا أخذها وقال:
ما كنت لأردها بعد أن وقع عليها ميسم الصدقة. فجمع بنو عمرو بن معاوية
جمعا. فقال زياد بن لبيد للمهاجر: قد ترى هذا الجمع، وليس الرأي أن نزول
جميعا عن مكاننا، ولكن أنفصل عن العسكر في جماعة فيكون ذلك أخفى للامر
وأستر. ثم أبيت هؤلاء الكفرة. وكان زياد حازما صليبا. فصار إلى بنى عمرو
122

وألفاهم في الليل فبيتهم فأتى على أكثرهم، وجعل بعضهم يقتل بعضا. ثم اجتمع
والمهاجر ومعهما السبي والأسارى، فعرض لهما الأشعث بن قيس ووجوه كندة
فقاتلاهم قتالا شديدا. ثم إن الكنديين تحصنوا بالنجير، فحاصراهم حتى
جهدهم الحصار، وأضربهم. ونزل الأشعث على الحكم.
292 - قالوا: وكانت حضرموت أتت كندة منجدة لها، فواقعهم زياد والمهاجر
فظفرا بهم وارتدت خولان، فوجه إليهم أبو بكر يعلى بن منية فقاتلهم حتى
أذعنوا وأقروا بالصدقة، ثم أتى المهاجر كتاب أبى بكر بتوليته صنعاء ومخاليفها،
وجمع عمله لزياد إلى ما كان في يده. فكانت اليمن بين ثلاثة: المهاجر وزياد
ويعلى. وولى أبو سفيان بن حرب ما بين آخر حد الحجاز وآخر حد نجران.
293 - وحدثني أبو التمار قال: حدثني شريك قال: أنبأنا إبراهيم بن مهاجر،
عن إبراهيم النخعي قال: ارتد الأشعث بن قيس الكندي في ناس من
(ص 103) كندة فحوصروا، فأخذ الأمان لسبعين منهم ولم يأخذه لنفسه،
فأتى به أبو بكر فقال: إنا قاتلوك، لأنه لا أمان لك إذ أخرجت نفسك من العدة.
فقال: بل تمن على يا خليفة رسول الله وتزوجني. ففعل وزوجه أخته.
294 - وحدثني القاسم بن سلام أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن صالح كاتب الليث
ابن سعد عن علوان بن صالح عن صالح بن كيسان عن حميد بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن عوف،
عن أبي بكر الصديق أنه قال: ثلاث تركتهن ووددت أنى لم أفعل.
وددت أنى يوم أتيت بالأشعث بن قيس ضربت عنقه، فإنه تخيل إلى أنه لا يرى
شرا إلا سعى فيه وأعان عليه. وودت أنى يوم أتيت بالفجاءة قتلته ولم أحرقه.
ووددت أنى حين وجهت خالدا إلى الشام وجهت عمر بن الخطاب إلى العراق،
فأكون قد بسطت يميني وشمالي جميعا في سبيل الله.
123

295 - أخبرني عبد الله بن صالح العجلي عن يحيى بن آدم عن الحسن بن صالح عن
فراس أو بنان،
عن الشعبي أن أبا بكر رد سبايا النجير بالفداء لكل رأس أربع مئة درهم،
وأن الأشعث بن قيس استسلف من تجار المدينة فداءهم ففداهم ثم رده لهم.
وقال الأشعث بن قيس يرثي بشر بن الأودح، وكان ممن وفد على رسول الله
صلى الله عليه وسلم ثم ارتد، ويزيد بن أماناة، ومن قتل يوم النجير:
لعمري وما عمري على بهين * لقد كنت بالقتلى أحق ضنين
فلا غرو ألا يوم يقسم سبيهم * وما الدهر عند بعدهم بأمين
وكنت كذات البو ريعت فأقبلت * على بوها إذ طربت بحنين
عن ابن أماناة الكريم وبعده * بشير الندى فليجر دمع عيون
(ص 104)
124

أمر الأسود العنسي ومن ارتد معه باليمن
296 - قالوا: كان الأسود بن كعب بن عوف العنسي قد تكهن
وادعى النبوة فاتبعه عنس، واسم عنس زيد بن مالك بن أدد بن يشجب
ابن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ، وعنس أخو مراد بن مالك وخالد
ابن مالك وسعد العشيرة بن مالك. واتبعه أيضا قوم من غير عنس، وسمى نفسه
رحمان اليمن كما تسمى مسيلمة رحمان اليمامة. وكان له حمار معلم يقول له: اسجد
لربك. فيسجد، ويقول له: ابرك، فيبرك. فسمى ذا الحمار. وقال بعضهم:
هو ذو الحمار لأنه كان متخمرا معتما أبدا.
297 - وأخبرني بعض أهل اليمن أنه كان أسود الوجه، فسمى الأسود للونه
وأن اسمه عيهلة.
298 - قالوا: فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جرير بن عبد الله
البجلي في السنة التي توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، وفيها كان إسلام
جرير، إلى الأسود يدعوه إلى الاسلام فلم يجبه، وبعض الرواة ينكر بعثة
النبي صلى الله عليه وسلم جريرا إلى اليمن.
299 - قالوا: وأتى الأسود صنعاء فغلب عليها وأخرج خالد بن سعيد بن
العاصي عنها، ويقال أنه إنما أخرج المهاجر بن أبي أمية وانحاز إلى ناحية زياد بن لبيد
البياضي، وكان عنده، حتى أتاه كتاب أبى بكر يأمره بمعاونة زياد فلما فرغ
من أمرهما ولاه صنعاء وأعمالها. وكان الأسود متجبرا، فاستذل الأبناء وهم أولاد
125

أهل فارس الذين وجههم كسرى إلى اليمن مع ابن ذي يزن وعليهم وهرز،
واستخدمهم فأضر بهم، وتزوج المرزبانة امرأة باذام ملكهم، وعامل أبرويز
عليهم. فوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قيس بن هبيرة المكشوح المرادي
لقتاله. وإنما سمى المكشوح لأنه كوى على كشحه من داء كان به، وأمره
باستمالة (ص 105) الأبناء. وبعث معه فروة بن مسيك المرادي. فلما صار
إلى اليمن بلغتهما وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأظهر قيس للأسود أنه على
رأيه حتى خلى بينه وبين دخول صنعاء، فدخلها في جماعة من مذحج وهمدان
وغيرهم. ثم استمال فيروز بن الديلمي أحد الأبناء. وكان فيروز قد أسلم. ثم أتيا
باذام رأس الأبناء، ويقال إن باذام قد كان مات ورأس الأبناء بعده خليفة له
يسمى داذويه، وذلك أثبت. فأسلم داذويه. ولقي قيس باب بن ذي الجرة
الحميري فاستماله، وبث داذويه دعاته في الأبناء فأسلموا، فتطابق هؤلاء جميعا
على قتل الأسود واغتياله، ودسوا إلى المرزبانة امرأته من أعلمها الذي هم عليه.
وكانت شانئة له. فدلتهم على جدول يدخل إليه منه. فدخلوا سحرا، ويقال
بل نقبوا جدار بيته بالخل نقبا، ثم دخلوا عليه في السحر، وهو سكران نائم،
فذبحه قيس ذبحا. فجعل يخور خوار الثور حتى أفزع ذلك حرسه فقالوا: ما شأن
رحمان اليمن؟ فبدرت امرأته فقالت: إن الوحي ينزل عليه. فسكنوا وأمسكوا.
واحتز قيس رأسه ثم علا سور المدينة حين أصبح فقال: الله أكبر! الله أكبر!.
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، وأن الأسود كذا عدو
الله. فاجتمع أصحاب الأسود فألقى إليهم رأسه فتفرقوا إلا قليلا، وخرج أصحاب
قيس ففتحوا الباب ووضعوا في بقية أصحاب العنسي السيف، فلم ينج إلا من
أسلم منهم.
وذكر بعض الرواة أن الذي قتل الأسود العنسي فيروز بن الديلمي، وأن
قيسا أجاز عليه واحتز رأسه.
126

وذكر بعض أهل العلم أن قتل الأسود كان قبل وفاة النبي صلى الله عليه
وسلم بخمسة أيام. فقال في مرضه: قد قتل الله الأسود العنسي. قتله الرجل
الصالح فيروز بن الديلمي، وأن الفتح ورد على أبى بكر بعد ما (ص 106)
استخلف بعشر ليال.
300 - وأخبرني بكر بن الهيثم قال: حدثني ابن أنس اليماني عمن أخبره،
عن النعمان بن برزج أحد الأبناء أن عامل النبي صلى الله عليه وسلم الذي
أخرجه الأسود عن صنعاء أبان بن سعيد بن العاصي، وأن الذي قتل الأسود
العنسي فيروز بن الديلمي، وأن قيسا وفيروز ادعيا قتله وهما بالمدينة. فقال عمر:
قتله هذا الأسد يعنى فيروز.
301 - قالوا: ثم إن قيسا اتهم بقتل داذويه، وبلغ أبا بكر أنه على إجلاء
الأبناء عن صنعاء، فأغضبه ذلك، وكتب إلى المهاجر بن أبي أمية حين دخل
صنعاء وهو عامله عليها يأمره بحمل قيس إلى ما قبله. فلما قدم به عليه أحلفه
خمسين يمينا عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ما قتل داذويه فحلف،
فخلى سبيله ووجهه إلى الشام مع من انتدب لغزو الروم من المسلمين.
127

فتوح الشام
302 - قالوا: لما فرغ أبو بكر رضي الله عنه من أمر أهل الردة رأى
توجيه الجيوش إلى الشام. فكتب إلى أهل مكة والطائف واليمن، وجميع
العرب بنجد والحجاز، يستنفرهم للجهاد ويرغبهم فيه وفى غنائم الروم. فسارع
الناس إليه من بين محتسب وطامع، وأتوا المدينة من كل أوب. فعقد ثلاثة
ألوية لثلاثة رجال: خالد بن سعيد بن العاصي بن أمية وشرحبيل بن حسنة
حليف بنى جمح، - وشرحبيل فيما ذكر الواقدي ابن عبد الله بن المطاع الكندي،
وحسنة أمه، وهي مولاة معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح، وقال
الكلبي: هو شرحبيل بن ربيعة بن الطاع من ولد صوفة، وهم الغوث بن مر
ابن أد بن طابخة - وعمرو بن العاص بن وائل السهمي (ص 107). وكان
عقده هذه الألوية يوم الخميس لمستهل صفر سنة ثلاث عشرة، وذلك بعد مقام
الجيوش معسكرين بالجرف المحرم كله وأبو عبيدة بن الجراح يصلى بهم، وكان
أبو بكر أراد أبا عبيدة أن يعقد له فاستعفاه من ذلك. وقد روى قوم أنه عقد له
وليس ذلك بثبت، ولكن عمر ولاه الشام كله حين استخلف.
303 - وذكر أبو مخنف أن أبا بكر قال للأمراء: إن اجتمعتم على قتال
فأميركم أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح الفهري، وإلا فيزيد بن أبي سفيان.
وذكر أن عمرو بن العاصي إنما كان مددا للمسلمين وأميرا على من ضم إليه.
قال: ولما عقد أبو بكر لخالد بن سعيد كره عمر ذلك. فكلم أبا بكر
في عزله، وقال: إنه رجل فخور يحمل أمره على المغالبة والتعصب. فعزله أبو بكر
ووجه أبا أروى الدوسي لاخذ لوائه، فلقيه بذى المروة فأخذ اللواء منه، وورد
128

به على أبى بكر، فدفعه أبو بكر رضي الله عنه إلى يزيد بن أبي سفيان. فسار به
ومعاوية أخوه يحمله بين يديه. ويقال بل سلم إليه اللواء بذى المروة، فمضى على
جيش خالد، وسار خالد بن سعيد محتسبا في جيش شرحبيل.
وأمر أبو بكر رضي الله عنه عمرو بن العاصي أن يسلك طريق أيلة عامدا
لفلسطين، وأمر يزيد أن يسلك طريق تبوك، وكتب إلى شرحبيل أن يسلك
أيضا طريق تبوك. وكان العقد لكل أمير في بدء الامر على ثلاثة آلاف رجل،
فلم يزل أبو بكر يتبعهم الامداد حتى صار مع كل أمير سبعة آلاف وخمس مئة،
ثم تتام جمعهم بعد ذلك أربعة وعشرين ألفا.
304 - وروى عن الواقدي أن أبا بكر ولى عمرا فلسطين، وشرحبيل
الأردن، ويزيد دمشق، وقال: إذا كان بكم قتال فأميركم الذي تكونون
في عمله.
وروى أيضا أنه أمر عمرا مشافهة أن يصلى بالناس إذا اجتمعوا، وإذا
(ص 108) تفرقوا صلى كل أمير بأصحابه. وأمر الامراء أن يعقدوا لكل
قبيلة لواء يكون فيهم.
305 - قالوا: فلما صار عمرو بن العاصي إلى أول عمل فلسطين كتب إلى
أبى بكر يعلمه كثرة عدد العدو وعدتهم وسعة أرضهم ونجدة مقاتلتهم. فكتب
أبو بكر إلى خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي وهو بالعراق يأمره بالمسير إلى الشام.
فيقال إنه جعله أميرا على الامراء في الحرب. وقال قوم: كان خالد أميرا على
أصحابه الذين شخصوا معه، وكان المسلمون إذا اجتمعوا لحرب أمره الامراء فيها
لبأسه وكيده ويمن نقيبته.
129

306 - قالوا: فأول وقعة كانت بين المسلمين وعدوهم بقرية من قرى
غزة يقال لها دائن، كانت بينهم وبين بطريق غزة. فاقتتلوا فيها قتالا شديدا.
ثم إن الله تعالى أظهر أولياءه وهزم أعداءه وفض جمعهم، وذلك قبل قدوم
خالد بن الوليد الشام. وتوجه يزيد بن أبي سفيان في طلب ذلك البطريق.
فبلغه أن بالعربة من أرض فلسطين جمعا للروم، فوجه إليهم أبا أمامة الصدى
ابن عجلان الباهلي فأوقع بهم وقتل عظيمهم ثم انصرف.
307 - وروى أبو مخنف في يوم العربة أن ستة قواد من قواد الروم
نزلوا العربة في ثلاثة آلاف، فسار إليهم أبو أمامة في كثف من المسلمين، فهزمهم
وقتل أحد القواد، ثم اتبعهم فصاروا إلى الدبية، وهي الدابية، فهزمهم وغنم
المسلمون غنما حسنا.
308 - وحدثني أبو حفص الشامي،
عن مشايخ من أهل الشام قالوا: كانت أول وقائع المسلمين وقعة العربة، ولم
يقاتلوا قبل ذلك مذ فصلوا من الحجاز. ولم يمروا بشئ من الأرض فيما بين الحجاز
وموضع هذه الوقعة إلا غلبوا عليه بغير حرب وصار في أيديهم. (ص 109).
130

ذكر شخوص خالد بن الوليد إلى الشام
وما فتح في طريقه
309 - قالوا: لما أتى خالد بن الوليد كتاب أبى بكر وهو بالحيرة خلف
المثنى بن حارثة الشيباني على ناحية الكوفة وسار في شهر ربيع الآخر سنة ثلاث
عشرة في ثمان مئة ويقال في ست مئة ويقال في خمس مئة. فأتى عين التمر. ففتحها
عنوة. ويقال إن كتاب أبى بكر وافاه وهو بعين التمر وقد فتحها، فسار خالد
من عين التمر فأتى صندودآء وبها قوم من كندة وإياد والعجم، فقاتله أهلها
فظفر، وخلف بها سعد بن حرام الأنصاري، فولده اليوم بها. وبلغ خالدا أن
جمعا لبني تغلب بن وائل بالمضبح والحصيد مرتدين، عليهم ربيعة بن بجير.
فأتاهم، فقاتلوه فهزمهم وسبى وغنم، وبعث بالسبي إلى أبى بكر. فكانت منهم
أم حبيب الصهباء بنت حبيب بن بجير، وهي أم عمر بن أبي طالب. ثم أغار
خالد على قراقر، وهو ماء لكلب، ثم فوز منه إلى سوى، وهو ماء لكلب
أيضا، ومعهم فيه قوم من بهراء. فقتل حرقوص بن النعمان البهراني من قضاعة
واكتسح أموالهم. وكان خالد لما ركب المفازة عمد إلى الرواحل فأرواها من الماء،
ثم قطع مشافرها وأجرها لئلا تجتر فتعطش، ثم استكثر من الماء وحمله معه،
فنفد في طريقه، فجعل ينحر تلك الرواحل راحلة راحلة ويشرب وأصحابه الماء
من أكراشها. وكان له دليل يقال له رافع بن عمير الطائي ففيه يقول الشاعر:
(ص 110).
لله در نافع أنى اهتدى * فوز من قراقر إلى سوى
ماء إذا ما رامه الجبس انثنى * ما جازها قبلك من إنس يرى
131

وكان المسلمون لما انتهوا إلى سوى وجدوا حرقوصا وجماعة معه يشربون
ويتغنون، وحرقوص يقول:
ألا عللاني قبل جيش أبى بكر * لعل منايانا قريب ولا ندري
فلما قتله المسلمون جعل دمه يسيل في الجفنة التي كان فيها شرابه. ويقال
إن رأسه سقط فيها أيضا. وقال بعض الرواة: إن المغنى بهذا البيت رجل ممن
كان أغار خالد عليه من بنى تغلب مع ربيعة بن بجير.
310 - وقال الواقدي: خرج خالد من سوى إلى الكواثل، ثم أتى
قرقيسيا، فخرج إليه صاحبها في خلق، فتركه وانحاز إلى البر ومضى لوجهه، وأتى
خالد أركة، وهي أرك، فأغار على أهلها وحاصرهم، ففتحها صلحا على شئ
أخذه منهم للمسلمين. وأتى دومة الجندل ففتحها. ثم أتى قصم فصالحه بنو مشجعة
ابن التيم بن النمر بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة
وكتب لهم أمانا. ثم أتى تدمر فامتنع أهلها وتحصنوا، ثم طلبوا الأمان فأمنهم
على أن يكونوا ذمة، وعلى أن قروا المسلمين ورضخوا (ص 111) لهم. ثم أتي
القريتين فقاتله أهلها، فظفر وغنم. ثم أتى حوارين من سنير فأغار على مواشي
أهلها فقاتلوه، وقد جاءهم مدد أهل بعلبك وأهل بصرى، وهي مدينة حوران،
فظفر بهم فسبى وقتل. ثم أتى مرج راهط فأغار على غسان في يوم فصحهم،
وهم نصارى، فسبى وقتل. ووجه خالد بسر بن أبي أرطاة العامري من قريش
وحبيب بن مسلمة الفهري إلى غوطة دمشق، فأغارا على قرى من قراها.
وصار خالد إلى الثنية التي تعرف بثنية العقاب بدمشق. فوقف عليها ساعة ناشرا
رايته، وهي راية كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء، فسميت ثنية
132

العقاب يومئذ. والعرب تسمى الراية عقابا، وقوم يقولون: إنها سميت بعقاب
من الطير كانت ساقطة عليها. والخبر الأول أصح. وسمعت من يقول: كان
هناك مثال عقاب من حجارة، وليس ذلك بشئ.
311 - قالوا: ونزل خالد بالباب الشرقي من دمشق، ويقال بل نزل
بباب الجابية، فأخرج إليه أسقف دمشق نزلا وخدمة فقال: احفظ لي هذا
العهد. فوعده بذلك. ثم سار خالد حتى انتهى إلى المسلمين وهم بقناة بصرى.
ويقال إنه أتى الجابية وبها أبو عبيدة في جماعة من المسلمين فالتقيا ومضيا جميعا
إلى بصرى.
133

فتح بصرى
312 - قالوا: لما قدم خالد بن الوليد على المسلمين بصرى اجتمعوا عليها
(ص 112) وأمروا خالدا في حربها، ثم ألصقوا بها وحاربوا بطريقها حتى
ألجأوه وكماة أصحابه إليها. ويقال بل كان يزيد بن أبي سفيان المتقلد لأمر الحرب
لان ولايتها وإمرتها كانت إليه لأنها من دمشق. ثم إن أهلها صالحوا على أن
يؤمنوا على دمائهم وأموالهم وأولادهم على أن يؤدوا الجزية.
313 - وذكر بعض الرواة أن أهل بصرى صالحوا على أن يؤدوا
عن كل حالم دينارا وجريب حنطة. وافتتح المسلمون جميع أرض كورة حوران
وغلبوا عليها.
قال: وتوجه أبو عبيدة بن الجراح في جماعة من المسلمين كثيفة من أصحاب
الامراء ضموا إليه، فأتى مآب من أرض البلقاء وبها جمع العدو، فافتتحها صلحا
على مثل صلح بصرى.
وقال بعضهم: إن فتح مآب قبل فتح بصرى.
وقال بعضهم: إن أبا عبيدة فتح مآب وهو أمير على جميع الشام
أيام عمر.
134

يوم أجنادين ويقال أجنادين
314 - ثم كانت وقعة أجنادين وشهدها من الروم زهاء مئة ألف سرب
هرقل أكثرهم، وتجمع باقوهم من النواحي، وهرقل يومئذ مقيم بحمص.
فقاتلهم المسلمون قتالا شديدا، وأبلى خالد بن الوليد يومئذ بلاء حسنا، ثم إن
الله هزم أعداءه ومزقهم كل ممزق، وقتل منهم خلق كثير. واستشهد يومئذ
عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب بن هاشم، وعمرو بن سعيد بن العاصي بن أمية،
وأخوه أبان بن سعيد، وذلك الثبت، ويقال بل توفى أبان في سنة تسع وعشرين.
وطليب بن عمير بن وهب بن عبد بن قصي، بارزه علج فضربه ضربة أبانت
يده اليمنى فسقط سيفه مع كفه، ثم غشيه (ص 113) الروم فقتلوه. وأمه أروى
بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يكنى أبا عدى.
وسلمة بن هشام بن المغيرة، ويقال إنه قتل بمرج الصفر. وعكرمة بن أبي جهل
ابن هشام المخزومي. وهبار بن سفيان بن عبد الأسد المخزومي، ويقال بل قتل
يوم مؤتة. ونعيم بن عبد الله النحام العدوى، ويقال قتل يوم اليرموك.
وهشام بن العاصي بن وائل السهمي، ويقال قتل يوم اليرموك. وعمر بن الطفيل
ابن عمرو الدوسي، ويقال قتل يوم اليرموك. وجندب بن عمرو الدوسي.
وسعيد بن الحارث. والحارث بن الحارث. والحجاج بن الحارث بن قيس بن عدي
السهمي.
315 - وقال هشام بن محمد الكلبي: قتل النحام يوم مؤتة، وقتل
سعيد بن الحارث بن قيس يوم اليرموك، وقتل تميم بن الحارث يوم أجنادين،
135

وقتل عبيد الله بن عبد الأسد أخوه يوم اليرموك. قال: وقتل الحارث بن هشام
ابن المغيرة يوم أجنادين.
316 - قالوا: ولما انتهى خبر هذه الوقعة إلى هرقل نخب قلبه وسقط
في يده وملئ رعبا، فهرب من حمص إلى أنطاكية. وقد ذكر بعضهم أن هربه
من حمص إلى أنطاكية كان عند قدوم المسلمين الشام. وكانت وقعة أجنادين
يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى، سنة ثلاث عشرة، ويقال
لليلتين خلتا من جمادى الآخرة، ويقال لليلتين بقيتا منه.
317 - قالوا: ثم جمعت الروم جمعا بالياقوصة، والياقوصة واد فمه الفوارة،
فلقيهم المسلمون هناك، فكشفوهم وهزموهم، وقتلوا كثيرا منهم، ولحق فلهم
بمدن الشام. وتوفى أبو بكر رضي الله عنه في جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة،
فأتى المسلمين نعيه وهم بالياقوصة (ص 114).
136

يوم فحل من الأردن
318 - قالوا: وكانت وقعة فحل من الأردن لليلتين بقيتا من ذي القعدة،
بعد خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بخمسة أشهر، وأمير الناس أبو عبيدة
ابن الجراح. وكان عمر قد كتب إليه بولايته الشام وإمرة الامراء مع عامر بن أبي
وقاص أخي سعد بن أبي وقاص.
319 - وقوم يقولون: إن ولاية أبى عبيدة الشام أتته والناس محاصرون
دمشق، فكتمها خالدا أياما، لان خالدا كان أمير الناس في الحرب. فقال له
خالد: ما دعاك رحمك الله إلى ما فعلت؟ قال: كرهت أن أكسرك وأوهن
أمرك وأنت بإزاء عدو.
وكان سبب هذه الوقعة أن هرقل لما صار إلى أنطاكية استنفر الروم وأهل
الجزيرة، وبعث رجلا من خاصته وثقاته في نفسه. فلقوا المسلمين بفحل من
الأردن، فقاتلوهم أشد قتال وأبرحه حتى أظهرهم الله عليهم. وقتل بطريقهم
وزهاء عشرة آلاف معه، وتفرق الباقون في مدن الشام، ولحق بعضهم بهرقل،
وتحصن أهل فحل فحصرهم المسلمون حتى سألوا الأمان على أداء الجزية عن
رؤوسهم والخراج عن أرضهم، فأمنوهم على أنفسهم وأموالهم، وأن لا تهدم
حيطانهم. وتولى عقد ذلك أبو عبيدة بن الجراح، ويقال: تولاه شرحبيل
ابن حسنة.
137

أمر الأردن
320 - حدثني حفص بن عمر العمرى،
عن الهيثم بن عدي قال: افتتح شرحبيل (ص 115) بن حسنة
الأردن عنوة، ما خلا طبرية فإن أهلها صالحوه على أنصاف منازلهم وكنائسهم.
321 - وحدثني أبو حفص الدمشقي عن سعيد بن عبد العزيز التنوحي،
عن عدة منهم أبو بشر مؤذن مسجد دمشق أن المسلمين لما قدموا الشام
كان كل أمير منهم يقصد لناحية ليغزوها ويبث غاراته فيها. فكان عمرو
ابن العاصي يقصد لفلسطين، وكان شرحبيل يقصد للأردن، وكان يزيد
ابن أبي سفيان يقصد لأرض دمشق. وكانوا إذا اجتمع لهم العدو اجتمعوا عليه،
وإذا احتاج أحدهم إلى معاضدة صاحبه وإنجاده سارع إلى ذلك. وكان أميرهم
عند الاجتماع في حربهم، أول أيام أبى بكر رضي الله عنه، عمرو بن العاصي،
حتى قدم خالد بن الوليد الشام فكان أمير المسلمين في كل حرب. ثم ولى
أبو عبيدة بن الجراح أمر الشام كله وإمرة الامراء في الحرب والسلم من قبل عمر
ابن الخطاب رضي الله عنه، وذلك أنه لما استخلف كتب إلى خالد بعزله وولى
أبا عبيدة.
ففتح شرحبيل بن حسنة طبرية صلحا بعد حصار أيام، على أن أمن
أهلها على أنفسهم وأموالهم وأولادهم وكنائسهم ومنازلهم إلا ما جلوا عنه وخلوه،
واستثنى لمسجد المسلمين موضعا. ثم إنهم نقضوا في خلافة عمر واجتمع إليهم
قوم من الروم وغيرهم، فأمر أبو عبيدة عمرو بن العاصي بغزوهم. فسار إليهم
138

في أربعة آلاف ففتحها على مثل صلح شرحبيل. ويقال بل فتحها شرحبيل
ثانية. وفتح شرحبيل جميع مدن الأردن وحصونها على هذا الصلح فتحا يسيرا
بغير قتال: ففتح بيسان، وفتح سوسية، وفتح أفيق، وجرش، وبيت رأس،
وقدس، والجولان، وغلب على سواد الأردن وجميع أرضها.
322 - قال أبو حفص: قال أبو محمد سعيد بن عبد العزيز،
وبلغني أن الوضين بن عطاء قال: فتح شرحبيل عكا، وصور،
وصفورية.
وقال أبو بشر المؤذن: إن أبا عبيدة وجه (ص 116) عمرو بن العاصي
إلى سواحل الأردن فكثر به الروم وجاءهم المدد من ناحية هرقل
وهو بالقسطنطينية. فكتب إلى أبى عبيدة يستمده. فوجه أبو عبيدة يزيد
ابن أبي سفيان. فسار يزيد وعلى مقدمته معاوية أخوه. ففتح يزيد وعمرو
سواحل الأردن، فكتب أبو عبيدة بفتحها لهما، وكان لمعاوية في ذلك بلاء
حسن وأثر جميل.
323 - وحدثني أبو اليسع الأنطاكي عن أبيه،
عن مشايخ أهل أنطاكية والأردن قالوا: نقل معاوية قوما من فرس
بعلبك وحمص وأنطاكية إلى سواحل الأردن: صور وعكا وغيرها سنة
اثنتين وأربعين. ونقل من أساورة البصرة والكوفة وفرس بعلبك وحمص
إلى أنطاكية في هذه السنة أو قبلها أو بعدها بسنة جماعة. فكان من قواد
الفرس مسلم بن عبد الله جد عبد الله بن حبيب بن النعمان بن مسلم الأنطاكي.
139

324 - وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي، وأخبرني هشام بن الليث الصوري،
عن مشايخ من أهل الشام قالوا: رم معاوية عكا عند ركوبه منها إلى قبرص،
ورم صور. ثم إن عبد الملك بن مروان جددهما وقد كانتا خربتا.
325 - وحدثني هشام بن الليث قال:
حدثني أشياخنا قالوا: نزلنا صور والسواحل وبها جند من العرب وخلق
من الروم. ثم نزع إلينا أهل بلدان شتى فنزلوها معنا، وكذلك جميع
سواحل الشام.
326 - وحدثني محمد بن سهم الأنطاكي،
عن مشايخ أدركهم قالوا: لما كانت سنة تسع وأربعين خرجت الروم
إلى السواحل، وكانت الصناعة بمصر فقط. فأمر معاوية بن أبي سفيان
بجمع الصناع النجارين، فجمعوا ورتبهم في السواحل. وكانت الصناعة
في الأردن بعكا.
قال: فذكر أبو الخطاب الأزدي أنه كانت لرجل من ولد أبى معيط بعكا
أرحاء ومستغلات. فأراده هشام بن عبد الملك على أن يبيعه إياها، فأبى المعيطي
ذلك عليه. فنقل هشام الصناعة إلى صور، واتخذ بصور (ص 117) فندقا
ومستغلا.
وقال الواقدي: لم تزل المراكب بعكا حتى ولى بنو مروان فنقلوها إلى صور،
فهي بصور إلى اليوم. وأمر أمير المؤمنين المتوكل على الله في سنة سبع وأربعين
ومائتين بترتيب المراكب بعكا وجميع السواحل وشحنها بالمقاتلة.
140

يوم مرج الصفر
327 - قالوا: ثم اجتمعت الروم جمعا عظيما وأمدهم هرقل بمدد. فلقيهم
المسلمون بمرج الصفر وهم متوجهون إلى دمشق، وذلك لهلال المحرم سنة أربع
عشرة. فاقتتلوا قتالا شديدا حتى جرت الدماء في الماء وطحنت بها الطاحونة،
وجرح من المسلمين زهاء أربعة آلاف. ثم ولى الكفرة منهزمين مفلولين
لا يلوون على شئ، حتى أتوا دمشق وبيت المقدس. واستشهد يومئذ خالد
ابن سعيد بن العاصي بن أمية، ويكنى أبا سعيد. وكان قد أعرس في الليلة التي
كانت الوقعة في صبيحتها بأم حكيم بنت الحارث بن هشام المخزومي امرأة
عكرمة بن أبي جهل. فلما بلغها مصابه انتزعت عمود الفسطاط فقاتلت به. فيقال
إنها قتلت يومئذ سبعة نفر وإن بها لردع الخلوق.
328 - وفى رواية أبى مخنف أن وقعة المرج بعد أجنادين بعشرين ليلة،
وأن فتح مدينة دمشق بعدها، ثم بعد فتح مدينة دمشق وقعة فحل. ورواية
الواقدي أثبت.
وفى يوم المرج يقول خالد بن سعيد بن العاصي:
من فارس كره الطعان يعيرني * رمحا إذا نزلوا بمرج الصفر
وقال عبد الله بن كامل بن حبيب بن عمير بن خفاف بن امرئ القيس
ابن بهثة بن سليم:
شهدت قبائل مالك وتغيبت * عنى عميرة يوم مرج الصفر
يعنى مالك بن خفاف. (ص 118).
141

329 - وقال هشام بن محمد الكلبي: استشهد خالد بن سعيد يوم المرج،
وفى عنقه الصمصامة سيفه. وكان النبي صلى الله عليه وسلم وجهه إلى اليمن عاملا،
فمر برهط عمرو بن معدى كرب الزبيدي من مذحج، فأغار عليهم، فسبا
امرأة عمرو وعدة من قومه، فعرض عليه عمرو أن يمن عليهم ويسلموا، ففعل
وفعلوا، فوهب له عمرو سيفه الصمصامة وقال:
خليل لم أهبه من قلاه * ولكن المواهب للكرام
خليل لم أخنه ولم يخنى * كذلك ما خلالي أو ندامى
حبوت به كريما من قريش * فسر به وصين عن الليام
قال: فأخذ معاوية السيف من عنق خالد يوم المرج حين استشهد فكان
عنده، ثم نازعه فيه سعيد بن العاصي بن سعيد بن العاصي بن أمية فقضى له به
عثمان، فلم يزل عنده. فلما كان يوم الدار وضرب مروان على قفاه وضرب سعيد
فسقط صريعا، أخذ الصمصامة منه رجل من جهينة فكان عنده. ثم إنه دفعه
إلى صيقل ليجلوه، فأنكر الصيقل أن يكون للجهني مثله، فأتى به مروان بن
الحكم وهو والى المدينة. فسأل الجهني عنه فحدثه حديثه فقال: أما والله لقد
سلبت سيفي يوم الدار، وسلب سعيد بن العاصي سيفه. فجاء سعيد فعرف السيف
فأخذه وختم عليه، وبعث به إلى عمرو بن سعيد الأشدق وهو على مكة. فهلك
سعيد فبقى السيف عند عمرو بن سعيد. ثم أصيب عمرو بن سعيد بدمشق
وانتهب متاعه، فأخذ السيف محمد بن سعيد أخو عمرو لأبيه. ثم صار إلى يحيى
ابن (ص 119) سعيد. ثم مات فصار إلى عنبسة بن سعيد بن العاصي. ثم إلى
سعيد بن عمرو بن سعيد. ثم هلك فصار إلى محمد بن عبد الله بن سعيد، وولده
ينزلون ببارق. ثم صار إلى أبان بن يحيى بن سعيد، فحلاه بحلية ذهب فكان
عند أم ولد له. ثم إن أيوب بن أبي أيوب بن سعيد بن عمرو بن سعيد باعه من
142

المهدى أمير المؤمنين بنيف وثمانين ألفا، فرد المهدى حليته عليه. ولما صار
الصمصامة إلى موسى الهادي أمير المؤمنين أعجب به وأمر الشاعر، وهو أبو الهول
أن ينعته فقال:
حاز صمصامة الزبيدي عمرو * خير هذا الأنام موسى الأمين
سيف عمرو وكان فيما علمنا * خير ما أطبقت عليه الجفون
أخضر اللون بين حديه برد * من ذعاف تميس فيه المنون
فإذا ما سللته بهر الشمس ضياء فلم تكد تستبين
ما يبالي إذا الضريبة حانت * أشمال سطت به أم يمين
نعم مخراق ذي الحفيظة في الهيجا يعصا به ونعم القرين
ثم إن أمير المؤمنين الواثق بالله دعى له بصيقل وأمره أن يسقنه، فلما فعل
ذلك تغير.
143

فتح مدينة دمشق وأرضها
330 - قالوا: لما فرغ المسلمون من قتال من اجتمع لهم بالمرج أقاموا
خمس عشرة ليلة، ثم رجعوا إلى مدينة دمشق لأربع عشرة ليلة بقيت من المحرم
سنة أربع عشرة، فأخذوا الغوطة وكنائسها عنوة. وتحصن أهل المدينة وأغلقوا
بابها. فنزل خالد بن الوليد على الباب الشرقي في زهاء خمسة آلاف (ص 120)
ضمهم إليه أبو عبيدة. وقوم يقولون إن خالدا كان أميرا، وإنما أتاه عزله وهم
محاصرون دمشق. وسمى الدير الذي نزل عنده خالد دير خالد. ونزل عمرو
ابن العاصي على باب توما. ونزل شرحبيل على باب الفراديس. ونزل أبو عبيدة
على باب الجابية. ونزل يزيد بن أبي سفيان على الباب الصغير إلى الباب الذي
يعرف بكيسان. وجعل أبو الدرداء عويمر بن عامر الخزرجي على مسلحة ببرزة.
وكان الأسقف الذي أقام لخالد النزل في بدأته ربما وقف على السور فدعى له خالد:
فإذا أتى سلم عليه وحادثه. فقال له ذات يوم: يا أبا سليمان! إن أمركم مقبل،
ولى عليك عدة، فصالحني عن هذه المدينة، فدعى خالد بدواة وقرطاس
فكتب:
" بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أعطى خالد بن الوليد أهل دمشق
إذا دخلها: أعطاهم أمانا على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم وسور مدينتهم لا يهدم
ولا يسكن شئ من دورهم. لهم بذلك عهد الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم
والخلفاء والمؤمنين لا يعرض لهم إلا بخير إذا أعطوا الجزية ".
ثم إن بعض أصحاب الأسقف أتى خالدا في ليلة من الليالي فأعلمه أنها ليلة
عيد لأهل المدينة، وأنهم في شغل، وأن الباب الشرقي قد ردم بالحجارة وترك
144

وأشار عليه أن يلتمس سلما. فأتاه قوم من أهل الدير الذي عند عسكره بسلمين
فرقى جماعة من المسلمين عليهما إلى أعلى السور ونزلوا إلى الباب وليس عليه
إلا رجل أو رجلان. فتعاونوا عليه وفتحوه، وذلك عند طلوع الشمس،
وقد كان أبو عبيدة بن الجراح عانى فتح باب الجابية وأصعد جماعة من المسلمين
على حائطه، فأنصب مقاتلة الروم إلى ناحيته فقاتلوا المسلمين قتالا شديدا، ثم
إنهم ولوا مدبرين، وفتح أبو عبيدة والمسلمون معه باب الجابية عنوة، ودخلوا
منه، فالتقى أبو عبيدة (ص 121) وخالد بن الوليد بالمقسلاط، وهو موضع
النحاسين بدمشق، وهو البريص الذي ذكره حسان بن ثابت في شعره
حين يقول:
يسقون من ورد البريص عليهم * بردى يصفق بالرحيق السلسل
330 - وقد روى أن الروم أخرجوا ميتا لهم من باب الجابية ليلا، وقد
أحاط بجنازته خلق من شجعانهم وكماتهم، وانصب سائرهم إلى الباب فوقفوا
عليه ليمنعوا المسلمين من فتحه ودخوله إلى رجوع أصحابهم من دفن الميت، وطمعوا
في غفلة المسلمين عنهم، وإن المسلمين بدروا بهم فقاتلوهم على الباب أشد قتال
وأبرحه حتى فتحوه في وقت طلوع الشمس. فلما رأى الأسقف أن أبا عبيدة
قد قارب دخول المدينة بدر إلى خالد فصالحه وفتح له الباب الشرقي. فدخل
والأسقف معه ناشرا كتابه الذي كتبه له. قال بعض المسلمين: والله ما خالد
بأمير فكيف يجوز صلحه؟ فقال أبو عبيدة: إنه يجيز على المسلمين أدناهم.
وأجاز صلحه وأمضاه، ولم يلتفت إلى ما فتح عنوة، فصارت دمشق صلحا
كلها. وكتب أبو عبيدة بذلك إلى عمر وأنفذه، وفتحت أبواب المدينة فالتقى
القوم جميعا.
145

331 - وفى رواية أبى مخنف وغيره أن خالدا دخل دمشق بقتال، وأن
أبا عبيدة دخلها بصلح، فالتقيا بالزياتين. (ص 122) والخبر الأول أثبت.
332 - وزعم الهيثم بن عدي أن أهل دمشق صولحوا على أنصاف
منازلهم وكنائسهم.
333 - وقال محمد بن سعد: قال أبو عبد الله الواقدي: قرأت كتاب
خالد بن الوليد لأهل دمشق فلم أر فيه أنصاف المنازل والكنائس. وقد روى
ذلك ولا أدرى من أين جاء به من رواه. ولكن دمشق لما فتحت لحق بشر
كثير من أهلها بهرقل وهو بأنطاكية، فكثرت فضول منازلها فنزلها المسلمون.
334 - وقد روى قوم أن أبا عبيدة كان بالباب الشرقي وأن خالدا كان
بباب الجابية. وهذا غلط (1).
335 - قال الواقدي: وكان فتح مدينة دمشق في رجب سنة أربع عشرة.
وتاريخ كتاب خالد بصلحها في شهر ربيع الآخر سنة خمس عشرة. وذلك أن

(1) في هامش نسخة A ما يلي: يقول محمد بن عساكر: قد اعتمد المؤلف على الرواية
في فتح دمشق من باب الجابية عنوة بيد أبى عبيده رضي الله عنه وأكد ذلك بقوله هنا والخبر
الأول أثبت وهو على الحقيقة أضعف الروايات في فتح دمشق. والصحيح الثابت بالاخبار والآثار
أن خالدا رضي الله عنه دخلها من الباب الشرقي قسرا ودخلها أبو عبيده سلما من باب الجابية
هذا من حيث صحة الاخبار وأما من حيث دلالة الآثار فان جامع دمشق لم يكن؟؟؟ المسلمين منه
قبل عمارته الا الجانب الشرقي بحكم السيف ودليلنا أن المقصورة التي تنسب إلى الصحابة والسبع
القراءة به أيضا، ولم تزل الكنيسة من غربة إلى أن هدمها الوليد بن عبد الملك لما عزم على
بنائه في خلافته. وفى رواية المؤلف أولا من أن خالدا أتى بمسلمين من الدير المجاور لعسكره
فرقى أصحابه فيهما إلى سور الباب الشرقي دليل يقوى ما ذكرناه ههنا والله أعلم بالصواب.
146

خالدا كتب الكتاب بغير تاريخ، فلما اجتمع المسلمون للنهوض إلى من تجمع
لهم باليرموك أتى الأسقف خالدا فسأله أن يجدد له كتابا ويشهد عليه أبا عبيدة
والمسلمين. ففعل وأثبت في الكتاب شهادة أبى عبيدة ويزيد بن أبي سفيان
وشرحبيل بن حسنة وغيرهم، فأرخه بالوقت الذي جدده.
336 - وحدثني القاسم بن سلام (ص 123) قال: حدثنا أبو مسهر،
عن سعيد بن عبد العزيز التنوخي قال: دخل يزيد دمشق من الباب
الشرقي صلحا فالتقيا بالمقسلاط، فأمضيت كلها على الصلح.
337 - وحدثني القاسم قال: حدثنا أبو مسهر عن يحيى بن حمزة عن أبي المهلب
الصنعاني،
عن أبي الأشعث الصنعاني أو أبى عثمان الصنعاني أن أبا عبيدة أقام بباب
الجابية محاصرا لهم أربعة أشهر.
338 - حدثني أبو عبيد قال: حدثنا نعيم بن حماد عن ضمرة بن ربيع؟،
عن رجاء بن أبي سلمة قال: خاصم حسان بن مالك عجم أهل دمشق إلى
عمر بن عبد العزيز في كنيسة كان رجل من الامراء أقطعه إياها. فقال عمر:
إن كانت من الخمس العشرة الكنيسة التي في عهدهم فلا سبيل لك عليها.
قال ضمرة عن علي بن أبي حملة: خاصمنا عجم أهل دمشق إلى عمر بن
عبد العزيز في كنيسة كان فلان قطعها لبني نصر بدمشق، فأخرجنا عمر عنها
وردها إلى النصارى. فلما ولى يزيد بن عبد الملك ردها إلى بنى نصر.
147

339 - حدثني أبو عبيد قال: حدثنا هشام بن عمار عن الوليد بن مسلم،
عن الأوزاعي أنه قال: كانت الجزية بالشام في بدئ الامر جريبا ودينارا
على كل جمجمة. ثم وضعها عمر بن الخطاب على أهل الذهب أربعة دنانير وعلى
أهل الورق أربعين درهما، وجعلهم طبقات لغنى الغنى وإقلال المقل وتوسط
المتوسط.
قال هشام: وسمعت مشايخنا يذكرون أن اليهود كانوا كالذمة للنصارى
يؤدون إليهم الخراج فدخلوا معهم في الصلح.
وقد ذكر بعض الرواة أن خالد بن الوليد صالح أهل دمشق فيما صالحهم
عليه على أن ألزم كل رجل من الجزية دينارا وجريب حنطة وخلا وزيتا لقوت
المسلمين.
340 - حدثنا عمرو الناقد حدثنا عبد الله بن وهب المصري عن عمر بن محمد عن
نافع (ص 124)
عن أسلم مولى عمر بن الخطاب أن عمر كتب إلى أمراء الأجناد يأمرهم
أن يضربوا الجزية على كل من جرت عليه الموسى، وأن يجعلوها على أهل الورق
على كل رجل أربعين درهما، وعلى أهل الذهب أربعة دنانير، وعليهم من
أرزاق المسلمين من الحنطة والزيت مديان حنطة وثلاثة أقساط زيتا، كل شهر
لكل إنسان بالشام والجزيرة، وجعل عليهم ودكا وعسلا لا أدرى كم هو،
وجعل لكل إنسان بمصر في كل شهر أردبا وكسوة وضيافة ثلاثة أيام.
341 - وحدثنا عمرو بن حاد بن أبي حنيفة قال حدثنا مالك بن أنس عن نافع،
عن أسلم أن عمر ضرب الجزية على أهل الذهب أربعة دنانير وعلى أهل
الورق أربعين درهما، مع ذلك أرزاق المسلمين وضيافة ثلاثة أيام.
148

342 - وحدثني مصعب عن أبيه عن مالك عن نافع عن أسلم بمثله.
343 - قالوا: ولما ولى معاوية بن أبي سفيان أراد أن يزيد كنيسة يوحنا
في المسجد بدمشق. فأبى النصارى ذلك، فأمسك. ثم طلبها عبد الملك بن مروان
في أيامه للزيادة في المسجد، وبذل لهم مالا فأبوا أن يسلموها إليه. ثم إن الوليد بن عبد
الملك جمعهم في أيامه وبذل لهم مالا عظيما على أن يعطوه إياها فأبوا. فقال: لئن
لم تفعلوا لأهدمنها. فقال بعضهم: يا أمير المؤمنين! إن من هدم كنيسة جن
وأصابته عاهة. فأحفظه قوله، ودعا بمعول وجعل يهدم بعض حيطانها بيده،
وعليه قباء خز أصغر. ثم جمع الفعلة والنقاضين فهدموها، وأدخلها في المسجد.
فلما استخلف عمر بن عبد العزيز شكا النصارى إليه ما فعل الوليد بهم
في كنيستهم. فكتب إلى عامله يأمره برد ما زاده في المسجد عليهم. فكره
أهل دمشق ذلك وقالوا: يهدم مسجدنا بعد أن أذنا فيه وصلينا ويرد بيعة؟.
وفيهم يومئذ سليمان بن حبيب المحاربي وغيره من الفقهاء. وأقبلوا على النصارى
فسألوهم أن يعطوا جميع كنائس الغوطة التي أخذت عنوة وصارت في أيدي
المسلمين، على أن يصفحوا عن كنيسة (ص 125) يوحنا ويمسكوا عن المطالبة
بها. فرضوا بذلك وأعجبهم. فكتب به إلى عمر فسره وأمضاه.
وبمسجد دمشق في الرواق القبلي مما يلي المئذنة كتاب في رخامة بقرب
السقف: " مما أمر ببنيانه أمير المؤمنين الوليد سنة ست وثمانين ".
344 - وسمعت هشام بن عمار يقول: لم يزل سور مدينة دمشق قائما حتى
هدمه عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس بعد انقضاء أمر مروان وبنى أمية.
149

345 - وحدثني أبو حفص الدمشقي عن سعيد بن عبد العزيز،
عن مؤذن مسجد دمشق وغيره قالوا: اجتمع المسلمون عند قدوم خالد على
بصرى ففتحوها صلحا، وانبثوا في أرض حوران جميعا فغلبوا عليها. وأتاهم
صاحب أذرعات فطلب الصلح على مثل ما صولح عليه أهل بصرى على أن
جميع أرض البثنية أرض خراج. فأجابوهم إلى ذلك. ومضى يزيد بن أبي سفيان
حتى دخلها، وعقد لأهلها. وكان المسلمون يتصرفون بكورتي حوران والبثنية.
ثم مضوا إلى فلسطين والأردن وغزوا ما لم يكن فتح. وسار يزيد إلى عمان
ففتحها فتحا يسيرا بصلح على مثل صلح بصرى، وغلب على أرض البلقاء.
وولى أبو عبيدة وقد فتح هذا كله، فكان أمير الناس حين فتحت دمشق، إلا أن
الصلح كان لخالد وأجاز صلحه. وتوجه يزيد بن أبي سفيان في ولاية أبى عبيدة
ففتح عرندل صلحا، وغلب على أرض الشراة وجبالها.
قال: وقال سعيد بن عبد العزيز أخبرني الوضين أن يزيد أتى بعد فتح
مدينة دمشق صيدا وعرقة وجبيل وبيروت وهي سواحل، وعلى مقدمته أخوه
معاوية، ففتحها فتحا يسيرا وجلا كثيرا من أهلها، وتولى فتح عرقة معاوية
نفسه في ولاية يزيد. ثم إن الروم (ص 126) غلبوا على بعض هذه السواحل
في آخر خلافة عمر بن الخطاب أو أول خلافة عثمان بن عفان، فقصد لهم معاوية
حتى فتحها، ثم رمها وشحنها بالمقاتلة وأعطاهم القطائع.
346 - قالوا: فلما استحلف عثمان وولى معاوية الشام وجه معاوية
سفيان بن مجيب الأزدي إلى أطرابلس، وهي ثلاث مدن مجتمعة، فبنى في مرج
على أميال منها حصنا سمى حصن سفيان، وقطع المادة عن أهلها من البحر وغيره
وحاصرهم، فلما اشتد عليهم الحصار اجتمعوا في أحد الحصون الثلاثة وكتبوا
150

إلى ملك الروم يسألونه أن يمدهم أو يبعث إليهم بمراكب يهربون فيها إلى
ما قبله. فوجه إليهم بمراكب كثيرة فركبوها ليلا وهربوا. فلما أصبح سفيان
- وكان يبيت كل ليلة في حصنه ويحصن المسلمين فيه، ثم يغدو على العدو - وجد
الحصن الذي كانوا فيه خاليا فدخله. وكتب بالفتح إلى معاوية، فأسكنه معاوية
جماعة كبيرة من اليهود. وهو الذي فيه المينا اليوم. ثم إن عبد الملك بناه
بعد وحصنه.
347 - قالوا: وكان معاوية يوجه في كل عام إلى أطرابلس جماعة كثيفة
من الجند يشحنها بهم ويوليها عاملا، فإذا انغلق البحر قفل وبقى العامل في جميعة
منهم يسيرة، فلم يزل الامر فيها جاريا على ذلك حتى ولى عبد الملك، فقدم
في أيامه بطريق من بطارقة الروم ومعه بشر منهم كثير، فسأل أن يعطى الأمان
على أن يقيم بها ويؤدى الخراج. فأجيب إلى مسئلته. فلم يلبث إلا سنتين
أو أكثر منهما بأشهر حتى تحين قفول الجند عن المدينة، ثم أغلق بابها وقتل
عاملها وأسر من معه من الجند وعدة من اليهود ولحق وأصحابه بأرض الروم.
فقدر المسلمون بعد ذلك عليه في البحر وهو متوجه إلى ساحل للمسلمين في مراكب
كثيرة فقتلوه، ويقال: بل أسروه وبعثوا به إلى عبد الملك فقتله وصلبه.
وسمعت من يذكر أن عبد الملك بعث إليه من حصره بأطرابلس (ص 127) ثم
أخذه سلما وحمله إليه فقتله وصلبه. وهرب من أصحابه جماعة فلحقوا ببلاد الروم.
وقال على بن محمد المدائني قال عتاب بن إبراهيم: فتح أطرابلس سفيان بن
مجيب، ثم نقض أهلها أيام عبد الملك، ففتحها الوليد بن عبد الملك في زمانه.
151

348 - وحدثني أبو حفص الشامي،
عن سعيد عن الوضين قال: كان يزيد بن أبي سفيان وجه معاوية إلى
سواحل دمشق، سوى أطرابلس فإنه لم يكن يطمع فيها. فكان يقيم على الحصن
اليومين والأيام اليسيرة، فربما قوتل قتالا غير شديد، وربما رمى ففتحها.
قال: وكان المسلمون كلما فتحوا مدينة ظاهرة أو عند ساحل رتبوا فيها قدر
من يحتاج لها إليه من المسلمين، فإن حدث في شئ منها حدث من قبل العدو،
سربوا إليها الامداد. فلما استخلف عثمان بن عفان رضي الله عنه كتب إلى
معاوية يأمره بتحصين السواحل وشحنتها وإقطاع من ينزله إياها القطائع ففعل.
349 - وحدثني أبو حفص،
عن سعيد بن عبد العزيز قال: أدركت الناس وهم يتحدثون أن معاوية
كتب إلى عمر بن الخطاب بعد موت أخيه يزيد يصف له حال السواحل، فكتب
إليه في مرمة حصونها، وترتيب المقاتلة فيها، وإقامة الحرس على مناظرها، واتخاذ
المواقيد لها. ولم يأذن له في غزو البحر. وأن معاوية لم يزل بعثمان حتى أذن له
في الغزو بحرا وأمره أن يعد في السواحل إذا غزا أو أغزى جيوشا سوى من
فيها من الرتب، وأن يقطع الرتب أرضين ويعطيهم ما جلا عنه أهله من المنازل،
ويبنى المساجد ويكبر ما كان ابتنى منها قبل خلافته. قال الوضين: ثم إن الناس
بعد انتقلوا إلى السواحل من كل ناحية.
350 - حدثني العباس بن هشام الكلبي عن أبيه،
عن جعفر بن كلاب الكلابي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولى علقمة
ابن عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب (ص 128) حوران، وجعل ولايته
152

من قبل معاوية. فمات بها. وله يقول الحطيئة العبسي - وخرج إليه فكان
موته قبل وصوله، وبلغه أنه في الطريق يريده، فأوصى له بمثل سهم من سهام
ولده: -
فما كان يبنى، لو لقيتك سالما، * وبين الغنى الا ليال قلائل
351 - وحدثني عدة من أهل العلم منهم جار لهشام بن عمار أنه كانت
لأبي سفيان بن حرب أيام تجارته إلى الشام في الجاهلية ضيعة بالبلقاء تدعى بقبش،
فصارت لمعاوية وولده. ثم قبضت في أول الدولة وصارت لبعض ولد أمير المؤمنين
المهدي رضي الله عنه. ثم صارت لقوم من الزياتين يعرفون ببني نعيم من أهل
الكوفة.
352 - وحدثني عباس بن هشام عن أبيه،
عن جده قال: وفد تميم بن أوس أحد بنى الدار بن حبيب من لخم، ويكنى
أبا رقية، على النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أخوه نعيم بن أوس، فأقطعهما
رسول الله صلى الله عليه وسلم حبرى وبيت عينون ومسجد إبراهيم عليه السلام،
فكتب بذلك كتابا. فلما افتتح الشام دفع ذلك إليهما. فكان سليمان بن
عبد الملك إذا مر بهذه القطعة لم يعرج وقال: أخاف أن تصيبني دعوة النبي
صلى الله عليه وسلم.
353 - وحدثني هشام بن عمار أنه سمع المشايخ يذكرون أن عمر بن الخطاب،
عند مقدمه الجابية من أرض دمشق، مر بقوم مجذمين من النصارى، فأمر أن يعطوا
من الصدقات، وأن يجرى عليهم القوت.
وقال هشام: سمعت الوليد بن مسلم يذكر أن خالد بن الوليد شرط لأهل
153

الدير الذي يعرف بدير خالد شرطا في خراجهم بالتخفيف عنهم حين أعطوه
سلما صعد عليه. فأنفذه لهم أبو عبيدة.
ولما فرغ أبو عبيدة من أمر مدينة (ص 129) دمشق سار إلى حمص فمر
ببعلبك، فطلب أهلها الأمان والصلح، فصالحهم على أن أمنهم على أنفسهم
وأموالهم وكنائسهم وكتب لهم:
" بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب أمان لفلان بن فلان وأهل بعلبك
رومها وفرسها وعربها على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم ودورهم، داخل المدينة
وخارجها، وعلى أرحائهم، وللروم أن يرعوا سرحهم ما بينهم وبين خمسة عشر ميلا،
ولا ينزلوا قرية عامرة. فإذا مضى شهر ربيع وجمادى الأولى ساروا إلى حيث
شاؤوا. ومن أسلم منهم فله ما لنا وعليه ما علينا، ولتجارهم أن يسافروا إلى حيث
أرادوا من البلاد التي صالحنا عليها، وعلى من أقام منهم الجزية والخراج. شهد
الله، وكفى بالله شهيدا ".
154

آمر حمص
354 - حدثني عباس بن هشام عن أبيه،
عن أبي مخنف أن أبا عبيدة بن الجراح لما فرغ من دمشق قدم أمامه
خالد بن الوليد وملحان بن زيار الطائي ثم اتبعهما. فلما توافوا بحمص قاتلهم
أهلها، ثم لجأوا إلى المدينة وطلبوا الأمان والصلح، فصالحوه على مئة ألف
وسبعين ألف دينار.
قال الواقدي وغيره: بينا المسلمون على أبواب مدينة دمشق إذ أقبلت خيل
للعدو كثيفة، فخرجت إليهم جماعة من المسلمين فلقوهم بين بيت لهيا والثنية،
فولوا منهزمين نحو حمص، على طريق قارا. واتبعوهم حتى وافوا حمص. فألفوهم
قد عدلوا عنها. ورآهم الحمصيون، وكانوا منخوبين لهرب هرقل عنهم وما كان
يبلغهم من قوة كيد المسلمين وبأسهم وظفرهم، فأعطوا بأيديهم (ص 130)
وهتفوا بطلب الأمان. فأمنهم المسلمون وكفوا أيديهم عنهم. فأخرجوا إليهم
العلف والطعام وأقاموا على الأرنط، - يريد الأرند، وهو النهر الذي يأتي أنطاكية
ثم يصب في البحر بساحلها -. وكان على المسلمين السمط بن الأسود الكندي،
فلما فرغ أبو عبيدة من أمر دمشق استخلف عليها يزيد بن أبي سفيان، ثم قدم
حمص على طريق بعلبك، فنزل بباب الرتسن. فصالحه أهل حمص على أن
أمنهم على أنفسهم وأموالهم وسور مدينتهم وكنائسهم وأرحائهم، واستثنى
عليهم ربع كنيسة يوحنا للمسجد، واشترط الخراج على من أقام منهم.
وذكر بعض الرواة أن السمط بن الأسود الكندي كان صالح أهل حمص
فلما قدم أبو عبيدة أمضى صلحه، وأن السمط قسم حمص خططا بين المسلمين
حتى نزلوها، وأسكنهم في كل مرفوض جلا أهله أو ساحة متروكة.
155

355 - وحدثني أبو حفص الدمشقي،
عن سعيد بن عبد العزيز قال: لما افتتح أبو عبيدة بن الجراح دمشق
استخلف يزيد بن أبي سفيان على دمشق وعمرو بن العاصي على فلسطين وشرحبيل
على الأردن. وأتى حمص فصالح أهلها على نحو صلح بعلبك. ثم خلف بحمص
عبادة بن الصامت الأنصاري ومضى نحو حماة، فتلقاه أهلها مذعنين، فصالحهم
على الجزية في رؤوسهم والخراج في أرضهم. فمضى شيزر فخرجوا يكفرون ومعهم
المقلسون، ورضوا بمثل ما رضى به أهل حماة. وبلغت خيله الزراعة والقسطل
ومر أبو عبيدة بمعرة حمص، وهي التي تنسب إلى النعمان بن بشير، فخرجوا
يقلسون بين يديه. ثم أتى فامية ففعل أهلها مثل ذلك، وأذعنوا بالجزية والخراج
واستتم أمر حمص، فكانت حمص وقنسرين شيئا واحدا.
وقد اختلفوا في تسمية الأجناد (ص 131) فقال بعضهم: سمى المسلمون
فلسطين جندا لأنه جمع كورا، وكذلك دمشق، وكذلك الأردن، وكذلك
حمص مع قنسرين. وقال بعضهم: سميت كل ناحية لها جند يقبضون أطماعهم
بها جندا. وذكروا أن الجزيرة كانت إلى قنسرين فجندها عبد الملك بن مروان،
أي أفردها، فصار جندها يأخذون أطماعهم بها من خراجها. وأن محمد بن مروان
كان سأل عبد الملك تجنيدها ففعل. ولم تزل قنسرين وكورها مضمومة إلى
حمص حتى كان يزيد بن معاوية فجعل قنسرين وأنطاكية ومنبج وذواتها جندا.
فلما استخلف أمير المؤمنين الرشيد هارون بن المهدى أفرد قنسرين بكورها
فصير ذلك جندا واحدا، وأفرد منبج، ودلوك، ورعبان، وقورس، وأنطاكية
وتيزين، وسماها العواصم. لان المسلمين يعتصمون بها فتعصمهم وتمنعهم إذا
انصرفوا من غزوهم وخرجوا من الثغر. وجعل مدينة العواصم منبج، فسكنها
عبد الملك بن صالح بن علي في سنة ثلاث وسبعين ومئة وبنى بها أبنية.
156

356 - وحدثني أبو حفص الدمشقي، عن سعيد بن عبد العزيز وحدثني موسى
ابن إبراهيم التنوخي عن أبيه،
عن مشايخ من أهل حمص قال: استخلف أبو عبيدة عبادة بن الصامت
الأنصاري على حمص. فأتى اللاذقية فقاتله أهلها. فكان بها باب عظيم لا يفتحه
إلا جماعة من الناس. فلما رأى صعوبة مرامها عسكر على بعد من المدينة. ثم
أمر أن تحفر حفائر كالأسراب يستتر الرجل وفرسه في الواحدة منها. فاجتهد
المسلمون في حفرها حتى فرغوا منها. ثم إنهم أظهروا القفول إلى حمص، فلما
جن عليهم الليل عادوا إلى معسكرهم وحفائرهم، وأهل اللاذقية غارون يرون
أنهم قد (ص 132) انصرفوا عنهم. فلما أصبحوا فتحوا بابهم وأخرجوا
سرحهم. فلم يرعهم إلا تصبيح المسلمين إياهم، ودخولهم من باب المدينة.
ففتحت عنوة ودخل عبادة الحصن، ثم علا حائطه فكبر عليه. وهرب قوم
من نصارى اللاذقية إلى اليسيد، ثم طلبوا الأمان على أن يتراجعوا إلى أرضهم.
فقوطعوا على خراج يؤدونه قلوا أو كثروا، وتركت لهم كنيستهم، وبنى المسلمون
باللاذقية مسجدا جامعا بأمر عبادة، ثم إنه وسع بعد.
وكانت الروم أغارت في البحر على ساحل اللاذقية فهدموا مدينتها وسبوا
أهلها، وذلك في خلافة عمر بن عبد العزيز سنة مئة، فأمر عمر ببنائها وتحصينها.
ووجه إلى الطاغية في فداء من أسر من المسلمين، فلم يتم ذلك، حتى توفى عمر
في سنة إحدى ومئة، فأتم المدينة وشحنها يزيد بن عبد الملك.
357 - وحدثني رجل من أهل اللاذقية قال: لم يمت عمر بن عبد العزيز
حتى حرز مدينة اللاذقية وفرغ منها، والذي أحدث يزيد بن عبد الملك فيها
مرمة وزيادة في الشحنة.
157

358 - وحدثني أبو حفص الدمشقي قال:
حدثني سعيد بن عبد العزيز وسعيد بن سليمان الحمصي قالا: ورد عبادة
والمسلمون السواحل، ففتحوا مدينة تعرف ببلدة على فرسخين من جبلة عنوة.
ثم إنها خربت وجلا عنها أهلها. فأنشأ معاوية بن أبي سفيان جبلة. وكانت
حصنا للروم جلوا عنه عند فتح المسلمين حمص وشحنها.
359 - وحدثني سفيان بن محمد البهراني،
عن أشياخه قالوا: بنى معاوية لجبلة حصنا خارجا من الحصن الرومي القديم.
وكان سكان الحصن الرومي رهبانا وقوما يتعبدون في دينهم.
360 - وحدثني سفيان بن محمد قال،
حدثني أبي وأشياخنا قالوا: فتح عبادة والمسلمون معه أنطرطوس، وكان
حصنا، ثم جلا عنه أهله. فبنى معاوية أنطرطوس ومصرها، وأقطع بها القطائع،
وكذلك فعل بمرقية وبلنياس.
361 - وحدثني (ص 133) أبو حفص الدمشقي،
عن أشياخه قالوا: افتتح أبو عبيدة اللاذقية وجبلة وأنطرطوس على يدي
عبادة بن الصامت. وكان يوكل بها حفظة إلى انغلاق البحر. فلما كانت شحنة
معاوية السواحل وتحصينه إياها شحنها وحصنها، وأمضى أمرها على ما أمضى عليه
أمر السواحل.
362 - وحدثني شيخ من أهل حمص قال: بقرب سلمية مدينة تدعى المؤتكفة
انقلبت بأهلها فلم يسلم منهم إلا مئة نفس، فبنوا مئة منزل وسكنوها، فسميت
158

حوزتهم التي بنوا فيها سلم مئة. ثم حرف الناس اسمها فقالوا: سلمية. ثم إن
صالح بن علي بن عبد الله بن عباس اتخذها وبنى وولده فيها ومصروها، ونزلها
قوم من ولده.
وقال ابن سهم الأنطاكي: سلمية اسم رومي قديم.
363 - وحدثني محمد بن مصفى الحمصي قال: هدم مروان بن محمد سور
حمص. وذلك أنهم كانوا خالفوا عليه، فلما مر بأهلها هاربا من أهل خراسان
اقتطعوا بعض ثقله وماله وخزائن سلاحه.
وكانت مدينة حمص مفروشة بالصخر، فلما كانت أيام أحمد بن محمد بن أبي
إسحاق المعتصم بالله شغبوا على عاملهم الفضل بن قارن الطبري، أخي مازيار
ابن قارن، فأمر بقلع ذلك الفرش فقلع. ثم إنهم أظهروا المعصية وأعادوا ذلك
الفرش وحاربوا الفضل بن قارن حتى قدروا عليه وأنهبوا ماله ونساءه، وأخذوه
فقتلوه وصلبوه، فوجه أحمد بن محمد إليهم موسى بن بغا الكبير مولى بأمير
المؤمنين المعتصم بالله، فحاربوه وفيهم خلق من نصارى المدينة ويهودها. فقتل
منهم مقتلة عظيمة، وهزم باقيهم حتى ألحقهم بالمدينة، ودخلها عنوة، وذلك
في سنة خمسين ومائتين.
وبحمص هري يرده قمح وزيت من السواحل وغيرها، مما قوطع أهله عليه
وأسجلت لهم السجلات بمقاطعتهم (ص 134).
159

يوم اليرموك
364 - قالوا: جمع هرقل جموعا كثيرة من الروم وأهل الشام وأهل
الجزيرة وأرمينية تكون زهاء مائتي ألف، وولى عليهم رجلا من خاصته،
وبعث على مقدمته جبلة بن الأيهم الغساني في مستعربة الشام من لخم وجذام
وغيرهم، وعزم على محاربة المسلمين، فإن ظهروا وإلا دخل بلاد الروم فأقام
بالقسطنطينية. واجتمع المسلمين فزحفوا إليهم، فاقتتلوا على اليرموك أشد قتال
وأبرحه. واليرموك نهر. وكان المسلمون يومئذ أربعة وعشرين ألفا. وتسلسلت
الروم واتباعها يومئذ لئلا يطمعوا أنفسهم في الهرب، فقتل الله منهم زهاء سبعين
ألفا، وهرب فلهم فلحقوا بفلسطين وأنطاكية وحلب والجزيرة وأرمينية.
وقاتل يوم اليرموك نساء من نساء المسلمين قتالا شديدا، وجعلت هند بنت عتبة
أم معاوية بن أبي سفيان تقول: عضدوا الغلفان بسيوفكم. وكان زوجها
أبو سفيان خرج إلى الشام تطوعا وأحب مع ذلك أن يرى ولده وحملها معه،
ثم إنه قدم المدينة فمات بها سنة إحدى وثلاثين، وهو ابن ثمان وثمانين سنة،
ويقال إنه مات بالشام. فلما أتى أمر حبيبة بنته نعيه دعت في اليوم الثالث بصفرة
فمسحت بها ذراعيها وعارضتها وقالت: لقد كنت عن هذا عنية لولا أنى سمعت
النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا تحد امرأة على ميت سوى زوجها أكثر من
ثلاث. ويقال: إنها فعلت هذا الفعل حين أتاها نعى أخيها يزيد. والله أعلم.
وكان أبو سفيان بن حرب أحد العوران، ذهبت عينه يوم الطائف.
365 - قالوا: وذهبت يوم اليرموك عين الأشعث بن قيس، وعين هاشم
ابن عتبة بن أبي وقاص الزهري، وهو (ص 135) المرقال، وعين قيس بن مكشوح.
160

واستشهد عامر بن أبي وقاص الزهري، وهو الذي كان قدم الشام بكتاب
عمر بن الخطاب إلى أبى عبيدة بولايته الشام. ويقال بل مات في الطاعون.
وقال بعض الرواة: استشهد يوم أجنادين. وليس ذلك بثبت.
قال: وعقد أبو عبيدة لحبيب بن مسلمة الفهري على خيل الطلب، فجعل
يقتل من أدرك. وانحاز جبلة بن الأيهم إلى الأنصار فقال: أنتم إخوتنا
وبنو أبينا. وأظهر الاسلام. فلما قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشام
سنة سبع عشرة لاحى جبلة رجلا من مزينة فلطم عينه، فأمره عمر بالاقتصاص
منه فقال: أو عينه مثل عيني؟ والله لا أقيم ببلد على به سلطان. فدخل بلاد
الروم مرتدا. وكان جبلة ملك غسان بعد الحارث بن أبي شمر.
وروى أيضا أن جبلة أتى عمر بن الخطاب وهو على نصرانيته. فعرض عمر
عليه الاسلام وأداء الصدقة فأبى ذلك وقال: أقيم على ديني وأؤدي الصدقة.
فقال عمر: إن أقمت على دينك فأد الجزية. فأنف منها. فقال عمر: ما عندنا
لك إلا واحدة من ثلاث: إما الاسلام، وإما أداء الجزية، وإما الذهاب إلى
حيث شئت. فدخل بلاد الروم في ثلاثين ألفا. فلما بلغ ذلك عمر ندم. وعاتبه
عبادة بن الصامت فقال: لو قبلت منه الصدقة ثم تألفته لأسلم. وإن عمر رضي الله عنه
وجه في سنة إحدى وعشرين عمير بن سعد الأنصاري إلى بلاد الروم
في جيش عظيم وولاه الصائفة. وهي أول صائفة كانت، وأمره أن يتلطف
لجبلة بن الأيهم ويستعطفه بالقرابة بينهما ويدعوه إلى الرجوع إلى بلاد الاسلام،
على أن يؤدى ما كان بذل من الصدقة ويقيم على دينه. فسار عمير حتى دخل
بلاد الروم، وعرض على جبلة ما أمره عمر بعرضه عليه، فأبى إلا المقام في بلاد
الروم. وانتهى عمير إلى موضع يعرف بالحمار، وهو (ص 136) واد، فأوقع
بأهله وأخربه. فقيل: أخرب من جوف حمار.
161

366 - قالوا: ولما بلغ هرقل خبر أهل اليرموك وإيقاع المسلمين بجنده
هرب من أنطاكية إلى قسطنطينية. فلما جاوز الدرب قال: عليك يا سورية
السلام! ونعم البلد هذا للعدو. يعنى أرض الشام لكثرة مراعيها.
وكانت وقعة اليرموك في رجب سنة خمس عشرة.
قال هشام بن الكلبي: شهد اليرموك حباش بن قيس القشيري، فقتل من
العلوج خلقا، وقطعت رجله وهو لا يشعر. ثم جعل ينشدها. فقال سوار
ابن أوفى:
ومنا ابن عتاب وناشد رجله * ومنا الذي أدى إلى الحي حاجبا
يعنى ذا الرقيبة.
367 - وحدثني أبو حفص الدمشقي قال:
حدثنا سعيد بن عبد العزيز قال: بلغني أنه لما جمع هرقل للمسلمين الجموع،
وبلغ المسلمين إقبالهم إليهم لوقعة اليرموك، ردوا على أهل حمص ما كانوا أخذوا
منهم من الخراج وقالوا: شغلنا عن نصرتكم والدفع عنكم فأنتم على أمركم. فقال
أهل حمص: لولايتكم وعدلكم أحب إلينا مما كنا فيه من الظلم والغشم،
ولندفعن جند هرقل عن المدينة مع عاملكم. ونهض اليهود فقالوا: والتوراة
لا يدخل عامل هرقل مدينة حمص إلا أن نغلب ونجهد. فأغلقوا الأبواب
وحرسوها. وكذلك فعل أهل المدن التي صولحت من النصارى واليهود، وقالوا:
إن ظهر الروم وأتباعهم على المسلمين صرنا إلى ما كنا عليه، وإلا فإنا على أمرنا
ما بقى للمسلمين عدد. فلما هزم الله الكفرة وأظهر المسلمين فتحوا مدنهم
وأخرجوا المقلسين فلعبوا وأدوا الخراج.
وسار أبو عبيدة إلى جند قنسرين وأنطاكية ففتحها.
162

368 - وحدثني العباس بن هشام الكلى عن أبيه،
عن جده قال: أبلى السمط بن الأسود الكندي بالشام وبحمص خالصة
وفى (ص 137) يوم اليرموك. وهو الذي قسم منازل حمص بين أهلها. وكان
ابنه شرحبيل بن السمط بالكوفة مقاوما للأشعث بن قيس الكندي في الرياسة.
فوفد السمط إلى عمر فقال له: يا أمير المؤمنين! إنك لا تفرق بين السبي، وقد
فرقت بيني وبين ولدى، فحوله إلى الشام أو حولني إلى الكوفة. فقال: بل
أحوله إلى الشام. فنزل حمص مع أبيه.
163

أمر فلسطين
369 - حدثني أبو حفص الدمشقي عن سعيد بن عبد العزيز عن أشياخه وعن بقية
ابن الوليد،
عن مشايخ من أهل العلم قالوا: كانت أول وقعة واقعها المسلمون الروم
في خلافة أبى بكر الصديق رضي الله عنه أرض فلسطين، وعلى الناس عمرو
ابن العاصي. ثم إن عمرو بن العاصي فتح غزة في خلافة أبى بكر رضي الله عنه،
ثم فتح بعد ذلك سبسطية ونابلس على أن أعطاهم الأمان على أنفسهم وأموالهم
ومنازلهم، وعلى أن الجزية على رقابهم والخراج على أرضهم، ثم فتح مدينة
لد وأرضها، ثم فتح يبنى وعمواس وبيت جبرين، واتخذ بها ضيعة تدعى
عجلان باسم مولى له، وفتح يافا، ويقال فتحها معاوية. وفتح عمرو رفح
على مثل ذلك.
وقدم عليه أبو عبيدة بعد أن فتح قنسرين ونواحيها، وذلك في سنة ست عشرة
وهو محاصر إيلياء، وإيلياء مدينة بيت المقدس. فيقال إنه وجهه إلى أنطاكية
من إيلياء وقد غدر أهلها، ففتحها ثم عاد، فأقام يومين أو ثلاثة. ثم طلب أهل
إيلياء من أبى عبيدة الأمان والصلح على مثل ما صولح عليه أهل مدن الشام
من (ص 138) أداء الجزية والخراج والدخول في ما دخل فيه نظراؤهم، على
أن يكون المتولي للعقد لهم عمر بن الخطاب نفسه. فكتب أبو عبيدة إلى عمر
بذلك. فقدم عمر فنزل الجابية من دمشق، ثم صار إلى إيلياء، فأنفذ صلح أهلها -
وكتب لهم به. وكان فتح إيلياء في سنة سبع عشرة.
وقد روى في فتح إيلياء وجه آخر.
164

370 - حدثني القاسم بن سلام قال: حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد،
عن يزيد بن أبي حبيب أن عمر بن الخطاب بعث خالد بن ثابت الفهمي
إلى بيت المقدس في جيش، وهو يومئذ بالجابية، فقاتلهم فأعطوه على ما أحاط به
حصنهم شيئا يؤدونه ويكون للمسلمين ما كان خارجا. فقدم عمر فأجاز ذلك
ثم رجع إلى المدينة.
371 - وحدثني هشام بن عمار عن الوليد،
عن الأوزاعي أن أبا عبيدة فتح قنسرين وكورها سنة ست عشرة. ثم أتى
فلسطين فنزل إيلياء فسألوه أن يصالحهم. فصالحهم في سنة سبع عشرة، على أن
يقدم عمر رحمه الله فينفذ ذلك ويكتب لهم به.
372 - حدثني هشام بن عمار قال: حدثني الوليد بن مسلم عن تميم بن عطية،
عن عبد الله بن قيس قال: كنت فيمن تلقى عمر مع أبي عبيدة مقدمه
الشام، فبينما عمر يسير إذ لقيه المقلسون من أهل أذرعات بالسيوف والريحان.
فقال عمر: مه؟ امنعوهم. فقال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين هذه سنتهم، أو كلمة
نحوها، وإنك إن منعتهم منها يروا أن في نفسك نقضا لعهدهم. فقال: دعوهم.
قال: فكان طاعون عمواس سنة ثمان عشرة، فتوفى فيه خلق من المسلمين
منهم أبو عبيدة بن الجراح. مات وله ثمان وخمسون سنة، وهو أمير. ومعاذ
ابن جبل أحد بنى سلمة من الخزرج، ويكنى أبا عبد الرحمن. توفى بناحية
الأقحوانة من الأردن وله ثمان وثلاثون سنة. وكان أبو عبيدة لما احتضر استخلفه،
ويقال استخلف عياض بن غنم الفهري، ويقال بل استخلف عمرو بن العاصي.
فاستخلف (ص 139) عمرو ابنه ومضى إلى مصر. والفضل بن العباس
165

ابن عبد المطلب، ويكنى أبا محمد، وقوم يقولون إنه استشهد بأجنادين، والثبت
أنه توفى في طاعون عمواس. وشرحبيل بن حسنة، ويكنى أبا عبد الله،
مات وهو ابن تسع وستين سنة. وسهيل بن عمرو أحد بنى عامر بن لؤي،
ويكنى أبا يزيد. والحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي، وقيل إنه استشهد
يوم أجنادين.
373 - قالوا: ولما أتت عمر بن الخطاب وفاة أبى عبيدة كتب إلى يزيد
ابن أبي سفيان بولاية الشام مكانه، وأمره أن يغزو قيسارية. وقال قوم: إن عمر
إنما ولى يزيد الأردن وفلسطين، وأنه ولى دمشق أبا الدرداء، وولى حمص
عبادة بن الصامت.
374 - وحدثني محمد بن سعد قال:
حدثني الواقدي قال: اختلف علينا في أمر قيسارية فقال قائلون: فتحها
معاوية، وقال آخرون: بل فتحها عياض بن غنم بعد وفاة أبى عبيدة وهو
خليفته، وقال قائلون: بل فتحها عمرو بن العاصي، وقال قائلون: خرج
عمرو بن العاصي إلى مصر وخلف ابنه عبد الله. فكان الثبت من ذلك والذي
اجتمع عليه العلماء أن أول الناس الذي حاصرها عمرو بن العاصي، نزل عليها
في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة. فكان يقيم عليها ما أقام، فإذا كان
للمسلمين اجتماع في أمر عدوهم سار إليهم. فشهد أجنادين وفحل والمرج
ودمشق واليرموك، ثم رجع إلى فلسطين فحاصرها بعد إيلياء، ثم خرج إلى مصر
من قيسارية. وولى يزيد بن أبي سفيان بعد أبي عبيدة، فوكل أخاه معاوية
بمحاصرتها، وتوجه إلى دمشق مطعونا فمات بها.
وقال غير الواقدي: ولى عمر يزيد بن أبي سفيان فلسطين مع ما ولاه
من أجناد الشام، وكتب إليه يأمره بغزو قيسارية، وقد كانت حوصرت قبل
166

ذلك، فنهض إليها في سبعة عشر ألفا، فقاتله (ص 140) أهلها ثم حصرهم.
ومرض في آخر سنة ثمان عشرة، فمضى إلى دمشق واستخلف على قيسارية أخاه
معاوية بن أبي سفيان ففتحها، وكتب إليه بفتحها، فكتب به يزيد إلى عمر.
ولما توفى يزيد بن أبي سفيان كتب عمر إلى معاوية بتوليته ما كان يتولاه،
فشكر أبو سفيان ذلك له وقال: وصلتك يا أمير المؤمنين رحم.
375 - وحدثني هشام بن عمار قال: حدثني الوليد بن مسلم،
عن تميم بن عطية قال: ولى عمر معاوية بن أبي سفيان الشام بعد يزيد،
وولى معه رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة والقضاء.
فولى أبا الدرداء قضاء دمشق والأردن وصلاتهما، وولى عبادة قضاء حمص
وقنسرين وصلاتهما.
376 - وحدثني محمد بن سعد،
عن الواقدي في إسناده قال: لما ولى عمر بن الخطاب معاوية الشام حاصر
قيسارية حتى فتحها، وقد كانت حوصرت نحوا من سبع سنين، وكان فتحها
في شوال سنة تسع عشرة.
377 - وحدثني محمد بن سعد عن محمد بن عمر،
عن عبد الله بن عامر في إسناده قال: حاصر معاوية قيسارية حتى يئس
من فتحها، وكان عمرو بن العاصي وابنه حاصراها، ففتحها معاوية قسرا،
فوجد بها من المرتزقة سبع مئة ألف، ومن السامرة ثلاثين ألفا، ومن اليهود
مائتي ألف، ووجد بها ثلاث مئة سوق قائمة كلها، وكان يحرسها في كل ليلة
على سورها مئة ألف.
167

وكان سبب فتحها أن يهوديا يقال له يوسف أتى المسلمين ليلا فدلهم على
طريق في سرب فيه الماء إلى حقو الرجل على أن أمنوه وأهله، وأنفذ معاوية
ذلك. ودخلها المسلمون في الليل وكبروا فيها، فأراد الروم أن يهربوا من
السرب فوجدوا المسلمين عليه. وفتح المسلمون الباب فدخل معاوية ومن معه.
وكان بها خلق من العرب، وكانت فيهم شقراء التي يقول فيها حسان بن ثابت:
تقول شقراء لو صحوت عن * الخمر لأصبحت مثري العدد (ص 141)
ويقال إن اسمها شعثاء.
378 - وحدثني محمد بن سعد،
عن الواقدي في إسناده أن سبى قيسارية بلغوا أربعة آلاف رأس. فلما
بعث به معاوية إلى عمر بن الخطاب أمر بهم فأنزلوا الجرف. ثم قسمهم على
يتامى الأنصار وجعل بعضهم في الكتاب والأعمال للمسلمين. وكان أبو بكر
الصديق رضي الله عنه أخدم بنات أبى أمامة أسعد بن زرارة خادمين من سبى
عين التمر فماتا، فأعطاهن عمر مكانهما من سبى قيسارية.
379 - قالوا: ووجه معاوية بالفتح مع رجلين من جذام، ثم خاف ضعفهما
عن المسير فوجه رجلا من خثعم، فكان الخثعمي يجهد نفسه في السير والسري
وهو يقول:
أرق عيني أخو جذام * أخي جشم وأخو حرام
كيف أنام وهما أمامي * إذ يرحلان والهجير طام
فسبقهما ودخل على عمر فكبر عمر.
168

380 - وحدثني هشام بن عمار في إسناد له لم أحفظه أن قيسارية فتحت
قسرا في سنة تسع عشرة. فلما بلغ عمر فتحها نادى إن قيسارية فتحت قسرا.
وكبر وكبر المسلمون. وكانت حوصرت سبع سنين وفتحها معاوية.
381 - قالوا: وكان موت يزيد بن أبي سفيان في آخر سنة ثمان عشرة
بدمشق. فمن قال إن معاوية فتح قيسارية في حياة أخيه قال إنما فتحت
في آخر سنة ثمان عشرة، ومن قال إنه فتحها في ولايته الشام قال فتحت في سنة
تسع عشرة، وذلك الثبت. وقال بعض الرواة: إنها فتحت في أول سنة عشرين.
382 - قالوا: وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى معاوية يأمره
بتتبع ما بقى من فلسطين. ففتح عسقلان صلحا بعد كيد. ويقال: إن عمرو بن
العاصي كان فتحها ثم نقض أهلها وأمدهم الروم، ففتحها معاوية وأسكنها
الروابط (ص 142) ووكل بها الحفظة.
383 - وحدثني بكر بن الهيثم قال: سمعت محمد بن يوسف الفاريابي يحدث،
عن مشايخ من أهل عسقلان أن الروم أخربت عسقلان وأجلت أهلها
عنها في أيام ابن الزبير. فلما ولى عبد الملك بن مروان بناها وحصنها ورم
أيضا قيسارية.
384 - وحدثني محمد بن مصفى قال: حدثني أبو سليمان الرملي،
عن أبيه أن الروم خرجت في أيام ابن الزبير إلى قيسارية فشعثتها
وهدمت مسجدها. فلما استقام لعبد الملك بن مروان الامر رم قيسارية وأعاد
169

مسجدها وأشحنها بالرجال، وبنى صور عكا الخارجة، وكانت سبيلهما مثل
سبيل قيسارية.
385 - وحدثني جماعة من أهل العلم بأمر الشام قالوا: ولى الوليد بن
عبد الملك سليمان بن عبد الملك جند فلسطين. فنزل لد. ثم أحدث مدينة
الرملة ومصرها. وكان أول ما بنى منها قصره والدار التي تعرف بدار الصباغين.
وجعل في الدار صهريجا متوسطا لها. ثم اختط للمسجد خطة وبناه، فولى
الخلافة قبل استتمامه. ثم بنى فيه بعد في خلافته. ثم أتمه عمر بن عبد العزيز
ونقص من الخطة، وقال: أهل الرملة يكتفون بهذا المقدار الذي اقتصرت
بهم عليه.
ولما بنى سليمان لنفسه أذن للناس في البناء فبنوا. واحتفر لأهل الرملة
قناتهم التي تدعى بردة، واحتفر آبارا، وولى النفقة على بنائها بالرملة ومسجد
الجماعة كاتبا له نصرانيا من أهل لد يقال له البطريق بن النكا، ولم تكن
مدينة الرملة قبل سليمان، وكان موضعها رملة.
386 - قالوا: وقد صارت دار الصباغين لورثة صالح بن علي بن عبد الله
ابن العباس لأنها قبضت مع أموال بنى أمية.
387 - قالوا: وكان بنو أمية ينفقون على آبار الرملة وقناتها بعد سليمان
ابن عبد الملك. فلما استخلف بنو العباس أنفقوا عليها. وكان الامر في تلك
(ص 143) النفقة يخرج في كل سنة من خليفة بعد خليفة، فلما استخلف
أمير المؤمنين أبو إسحاق المعتصم بالله أسجل بتلك النفقة سجلا فانقطع الاستئمار،
وصارت جارية يحتسب بها العمال فتحسب لهم.
170

388 - قالوا: وبفلسطين فروز بسجلات من الخلفاء مفردة من خراج
العامة، وبها التخفيف والردود. وذاك أن ضياعا رفضت في خلافة الرشيد
وتركها أهلها، فوجه أمير المؤمنين الرشيد هرثمة بن أعين لعمارتها. فدعا قوما من
مزارعيها وأكرتها إلى الرجوع إليها على أن يخفف عنهم من خراجهم ولين
معاملتهم، فرجعوا، فأولئك أصحاب التخافيف. وجاء قوم منهم بعد فردت
عليهم أرضوهم على مثل ما كانوا عليه، فهم أصحاب الردود.
389 - وحدثني بكر بن الهيثم قال: لقيت رجلا من العرب بعسقلان.
فأخبرني أن جده ممن أسكنه إياها عبد الملك وأقطعه بها قطيعة مع من أقطع من
المرابطة. قال: وأراني أرضا. فقال: هذه من قطائع عثمان بن عفان.
قال بكر: وسمعت محمد بن يوسف الفاريابي يقول: بعسقلان هاهنا قطائع
أقطعت بأمر عمر وعثمان لو دخل فيها رجل لم أجد بذلك بأسا.
171

أمر جند قنسرين والمدن التي تدعى العواصم
390 - قالوا: سار أبو عبيدة بن الجراح بعد فراغه من أرض اليرموك إلى
حمص فاستقراها. ثم أتى قنسرين، وعلى مقدمته خالد بن الوليد، فقاتله أهل
مدينة قنسرين، ثم لجأوا إلى حصنهم وطلبوا الصلح فصالحهم أبو عبيدة على مثل
صلح حمص. وغلب المسلمون على أرضها وقرارها. وكان حاضر قنسرين لتنوخ
مذ أول ما تنخوا بالشام نزلوه، وهم في خيم الشعر، ثم (ص 144) ابتنوا به
المنازل، فدعاهم أبو عبيدة إلى الاسلام فأسلم بعضهم، وأقام على النصرانية بنو سليح
ابن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة.
391 - فحدثني بعض ولد يزيد بن حنين الطائي الأنطاكي،
عن أشياخهم أن جماعة من أهل ذلك الحاضر أسلموا في خلافة أمير
المؤمنين المهدى، فكتب على أيديهم بالخضرة قنسرين. ثم سار أبو عبيدة
يريد حلب، فبلغه أن أهل قنسرين قد نقضوا وغدروا. فوجه إليهم السمط
ابن الأسود الكندي فحصرهم ثم فتحها.
392 - حدثني هشام بن عمار الدمشقي قال: حدثنا يحيى بن حمزة عن أبي عبد العزيز
عن عبادة بن نسى،
عن عبد الرحمن بن غنم قال: رابطنا مدينة قنسرين مع السمط -
أو قال شرحبيل بن السمط -. فلما فتحها أصاب فيها بقرا وغنما. فقسم فينا
طائفة منها وجعل بقيتها في المغنم. وكان حاضر طيئ قديما نزلوه بعد حرب الفساد
التي كانت بينهم حين نزل الجبلين من نزل منهم وتفرق باقوهم في البلاد. فلما
ورد أبو عبيدة عليهم أسلم بعضهم، وصالح كثير منهم على الجزية. ثم أسلموا بعد
ذلك بيسير إلا من شذ عن جماعتهم. وكان بقرب مدينة حلب حاضر يدعى
172

حاضر حلب يجمع أصنافا من العرب من تنوح وغيرهم. فصالحهم أبو عبيدة
على الجزية. ثم إنهم أسلموا بعد ذلك فكانوا مقيمين وأعقابهم به إلى بعيد
وفاة أمير المؤمنين الرشيد. ثم إن أهل ذلك الحاضر حاربوا أهل مدينة حلب
وأرادوا إخراجهم عنها، فكتب الهاشميون من أهلها إلى جميع من حولهم من
قبائل العرب يستنجدونهم. فكان أسبقهم إلى إنجادهم وإغاثتهم العباس بن زفر
ابن عاصم الهلالي بالخؤولة، لان أم عبد الله بن (ص 145) العباس لبابة
بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم الهلالية. فلم يكن لأهل ذلك الحاضر به
وبمن معه طاقة، فأجلوهم عن حاضرهم وأخربوه. وذلك في أيام فتنة محمد بن الرشيد.
فانتقلوا إلى قنسرين فتلقاهم أهلها بالأطعمة والكسى. فلما دخلوها أرادوا
التغلب عليها فأخرجوهم عنها فتفرقوا في البلاد، فمنهم قوم بتكريت قد رأيتهم،
ومنهم قوم بأرمينية وفى بلدان كثيرة متباينة.
393 - وأخبرني أمير المؤمنين المتوكل رحمه الله قال: سمعت شيخا من
مشايخ بنى صالح بن علي بن عبد الله بن عباس يحدث أمير المؤمنين المعتصم بالله
رحمه الله سنة غزا عمورية قال: لما ورد العباس بن زفر الهلالي حلب لإغاثة
الهاشميين ناداه نسوة منهم: يا خال! نحن بالله ثم بك. فقال: لا خوف عليكم
إن شاء الله، خذلني الله إن خذلتكم.
قال: وكان حيار بنى القعقاع بلدا معروفا قبل الاسلام، وبه كان مقيل
المنذر بن ماء السماء اللخمي ملك الحيرة. فنزله بنو القعقاع بن خليد بن جزء بن
زهير بن جذيمة بن رواحة بن ربيعة بن الحارث بن قطيعة بن عبس بن بغيض،
أوطنوه فنسب إليهم.
وكان عبد الملك بن مروان أقطع القعقاع به قطيعة، وأقطع عمه العباس
ابن جزء بن الحارث قطائع أوغرها له إلى اليمن فأوغرت بعده. وكانت
173

أو أكثرها مواتا. وكانت ولادة بنت العباس بن جزء عند عبد الملك، فولدت
له الوليد وسليمان.
394 - قالوا: ورحل أبو عبيدة إلى حلب وعلى مقدمته عياض بن غنم
الفهري. وكان أبوه يسمى عبد غنم، فلما أسلم عياض كره أن يقال عبد غنم
فقال: أنا عياض بن غنم. فوجد أهلها قد تحصنوا فنزل عليها. فلم يلبثوا أن طلبوا
الصلح والأمان (ص 146) على أنفسهم وأموالهم وسور مدينتهم وكنائسهم ومنازلهم
والحسن الذي بها. فأعطوا ذلك، فاستثنى عليهم موضع المسجد. وكان الذي
صالحهم عليه عياض، فأنفذ أبو عبيدة صلحه.
وزعم بعض الرواة أنهم صالحوا على حقن دمائهم وأن يقاسموا أنصاف
منازلهم وكنائسهم. وقال بعضهم: إن أبا عبيدة لم يصادف بحلب أحدا، وذلك
أن أهلها انتقلوا إلى أنطاكية، وأنهم إنما صالحوه عن مدينتهم وهم بأنطاكية،
راسلوه في ذلك فلما تم صلحهم رجعوا إلى حلب.
395 - قالوا: وسار أبو عبيدة من حلب إلى أنطاكية وقد تحصن بها خلق من
أهل جند قنسرين. فلما صار بمهروبة، وهي على قريب فرسخين من مدينة
أنطاكية، لقيه جمع للعدو. ففضهم وألجأهم إلى المدينة، وحاصر أهلها من جميع
أبوابها. وكان معظم الجيش على باب فارس والباب الذي يدعى باب البحر.
ثم إنهم صالحوه على الجزية والجلاء. فجلا بعضهم وأقام بعضهم. فأمنهم ووضع
على كل حالم منهم دينارا وجريبا. ثم نقضوا العهد فوجه إليهم أبو عبيدة عياض
ابن غنم وحبيب بن مسلمة ففتحاها على الصلح الأول. ويقال: بل نقضوا بعد
رجوعه إلى فلسطين، فوجه عمرو بن العاصي من إيلياء ففتحها، ثم رجع فمكث
يسيرا حتى طلب أهل إيلياء الأمان والصلح. والله أعلم.
174

396 - وحدثني محمد بن سهم الأنطاكي عن أبي صالح الفراء قال،
قال مخلد بن الحسين: سمعت مشايخ الثغر يقولون: كانت أنطاكية عظيمة
الذكر والامر عند عمر وعثمان. فلما فتحت كتب عمر إلى أبى عبيدة أن رتب
بأنطاكية جماعة من المسلمين أهل نبات وحسبة، وأجعلهم بها مرابطة، ولا تحبس
عنهم العطاء. ثم لما ولى معاوية (ص 147) كتب إليه بمثل ذلك. ثم إن عثمان
كتب إليه يأمره أن يلزمها قوما وأن يقطع قطائع ففعل.
قال ابن سهم: وكنت واقفا على جسر أنطاكية على الأرنط فسمعت شيخا
مسنا من أهل أنطاكية وأنا يومئذ غلام يقول: هذه الأرض قطيعة من عثمان
لقوم كانوا في بعض أبى عبيدة، أقطعهم إياها أيام ولاية عثمان معاوية الشام.
397 - قالوا: ونقل معاوية بن أبي سفيان إلى أنطاكية في سنة اثنتين
وأربعين جماعة من الفرس وأهل بعلبك وحمص ومن المصرين. فكان منهم
مسلم بن عبد الله جد عبد الله بن حبيب بن النعمان بن مسلم الأنطاكي. وكان
مسلم قتل على باب من أبواب أنطاكية يعرف اليوم بباب مسلم. وذلك أن
الروم خرجت من الساحل فأناخت على أنطاكية، فكان مسلم على السور، فرماه
علج بحجر فقتله.
398 - وحدثني جماعة من مشايخ أهل أنطاكية منهم ابن برد الفقيه
أن الوليد بن عبد الملك أقطع جندا بأنطاكية أرض سلوقية عند الساحل، وصير
الفلثر، وهو الجريب، بدينار ومدى قمح فعمروها، وجرى ذلك لهم، وبنى حصن
سلوقية.
175

399 - قالوا: وكانت أرض بغراس لمسلمة بن عبد الملك فوقفها في سبيل البر.
وكانت عين السلور وبحيرتها له أيضا. وكانت الإسكندرية له، ثم صارت
لرجاء مولى المهدى إقطاعا فورثه منصور وإبراهيم ابنا المهدى. ثم صارت
لإبراهيم بن سعيد الجوهري، ثم لأحمد بن أبي دؤاد الأيادي ابتياعا. ثم انتقل
ملكها إلى أمير المؤمنين المتوكل على الله رحمه الله.
400 - فحدثني ابن برد الأنطاكي،
وغيره قالوا: أقطع مسلمة بن عبد الملك قوما من ربيعة قطائع، فقبضت وصارت
بعد للمأمون، وجرى أمرها على يد صالح الخازن صالح الدار بأنطاكية. (ص 148)
401 - قالوا: وبلغ أبا عبيدة أن جمعا للروم بين معرة مصرين وحلب،
فلقيهم وقتل عدة بطارقة، وفض ذلك الجيش وسبى وغنم. وفتح معرة مصرين
على مثل صلح حلب. وجالت خيوله فبلغت بوقا، وفتحت قرى الجومة وسرمين
ومرتحوان وتيزين. وصالحوا أهل دير طيايا (كذا) ودير الفسيلة على أن يضيفوا من
مر بهم من المسلمين، وأتاه نصارى خناصرة فصالحهم. وفتح أبو عبيدة جميع
أرض قنسرين وأنطاكية.
402 - حدثني العباس بن هشام،
عن أبيه قال: خناصرة نسبت إلى خناصر بن عمرو بن الحارث الكلبي ثم
الكناني، وكان صاحبها. وبطنان حبيب نسب إلى حبيب بن مسلمة الفهري،
وذلك أن أبا عبيدة أو عياض بن غنم وجهه من حلب ففتح حصنا بها فنسب إليه.
403 - قالوا: وسار أبو عبيدة يريد قورس، وقدم أمامه عياضا. فتلقاه
راهب من رهبانها يسأل الصلح عن أهلها. فبعث به إلى أبى عبيدة وهو بين
176

جبرين وتل أعزاز فصالحه، ثم أتى قورس فعقد لأهلها عهدا وأعطاهم مثل
الذي أعطى أهل أنطاكية، وكتب للراهب كتابا في قرية له تدعى شرقينا،
وبث خيله فغلب على جميع أرض قورس إلى آخر حد نقابلس.
404 - قالوا: وكانت قورس كالمسلحة لأنطاكية يأتها في كل عام
طالعة من جند أنطاكية ومقاتلتها، ثم حول إليها ربع من أرباع أنطاكية وقطعت
الطوالع عنها. ويقال إن سلمان بن ربيعة الباهلي كان في جيش أبى عبيدة مع أبي أمامة
الصدى بن عجلان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فنزل حصنا بقورس فنسب إليه،
وهو يعرف بحصن سلمان. ثم قفل من الشام فيمن أمد به (ص 149) سعد بن أبي وقاص
وهو بالعراق. وقيل إن سلمان بن ربيعة كان غزا الروم بعد فتح العراق وقبل
شخوصه إلى أرمينية فعسكر عند هذا الحصن وقد خرج من ناحية مرعش
فنسب إليه. وسلمان وزياد من الصقالبة الذين رتبهم مروان بن محمد في الثغور.
وسمعت من يذكر أن سلمان هذا رجل من الصقالبة نسب إليه الحصن والله أعلم.
405 - قالوا: وأتى أبو عبيدة حلب الساجور وقدم عياضا إلى منبج،
ثم لحقه وقد صالح أهلها على مثل صلح أنطاكية، فأنفذ أبو عبيدة ذلك. وبعث
عياض بن غنم إلى ناحية دلوك ورعبان، فصالحه أهلها على مثل صلح منبج،
واشترط عليهم أن يبحثوا عن أخبار الروم ويكاتبوا بها المسلمين. وولى أبو عبيدة
كل كورة فتحها عاملا، وضم إليه جماعة من المسلمين، وشحن النواحي المخوفة.
406 - قالوا: ثم سار أبو عبيدة حتى نزل عراجين. وقدم مقدمته إلى
بالس. وبعث حيشا عليه حبيب بن مسلمة إلى قاصرين. وكانت بالس
وقاصرين لأخوين من أشراف الروم أقطعا القرى التي بالقرب منهما، وجعلا
177

حافظين لما بينهما من مدن الروم بالشام. فلما نزل المسلمون بها صالحهم على
الجزية والجلاء، فجلا أكثرهم إلى بلاد الروم وأرض الجزيرة وقرية جسر
منبج، ولم يكن يومئذ إنما اتخذ في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه للصوائف.
ويقال بل كان له رسم قديم.
407 - قالوا: رتب أبو عبيدة ببالس جماعة من المقاتلة وأسكنها قوما
من العرب الذين كانوا بالشام، فأسلموا بعد قدوم المسلمين الشام، وقوما لم يكونوا
من البعوث نزعوا من البوادي من قيس، وأسكن قاصرين قوما ثم رفضوها
أو أعقابهم. وبلغ أبو عبيدة الفرات ثم رجع إلى (ص 150) فلسطين. وكانت
بالس والقرى المنسوبة إليها في حدها الاعلى والأوسط والأسفل أعذاء عشرية.
فلما كان مسلمة بن عبد الملك بن مروان توجه غازيا للروم من نحو الثغور
الجزرية عسكر ببالس. فأتاه أهلها وأهل بويلس (كذا) وقاصرين وعابدين وصفين،
وهي قرى منسوبة إليها. فأتاه أهل الحد الاعلى فسألوه جميعا أن يحفر لهم نهرا
من الفرات يسقى أرضهم، على أن يجعلوا له الثلث من غلاتهم بعد عشر السلطان
الذي كان يأخذه، ففعل. فحفر النهر المعروف بنهر مسلمة، ووفوا له بالشرط، ورم
سور المدينة وأحكمه.
ويقال بل كان ابتداء العرض من مسلمة، وأنه دعاهم إلى هذه المعاملة.
فلما مات مسلمة صارت بالس وقراها لورثته. فلم تزل في أيديهم إلى أن جاءت
الدولة المباركة وقبض عبد الله بن علي أموال بنى أمية فدخلت فيها. فأقطعها أمير
المؤمنين أبو العباس سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس فصار لابنه محمد
ابن سليمان. وكان جعفر بن سليمان أخوه يسعى به إلى أمير المؤمنين الرشيد رحمه
الله ويكتب إليه فيعمله أنه لا مال له ولا ضيعة إلا وقد اجتاز إضعاف قيمته
178

وأنفقه فيما يرشح له نفسه وعلى من اتخذ من الخول، وان أمواله حل طلق لأمير
المؤمنين. وكان الرشيد يأمر بالاحتفاظ بكتبه. فلما توفى محمد بن سليمان أخرجت
كتبه إلى جعفر واحتج عليه بها. ولم يكن لمحمد أخ لأبيه وأمه غيره فأقر بها،
وصارت أمواله للرشيد. فأقطع بالس وقراها المأمون رحمه الله، فصارت لولده
من بعده.
408 - حدثني هشام بن عمار قال: حدثنا يحيى بن حمزة عن تميم بن عطية،
عن عبد الله بن قيس الهمداني قال: قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه
الجابية. فأراد قسمة الأرض بين المسلمين لأنها فتحت عنوة، فقال له معاذ بن جبل:
والله لئن قسمتها ليكونن ما نكره، ويصير الشئ الكثير في أيدي القوم ثم
يبيدون فيبقى (ص 151) ذلك لواحد، ثم يأتي من بعدهم قوم يسدون عن الاسلام
مسدا فلا يجدون شيئا. فانظر أمرا يسع أولهم وآخرهم. فصار إلى قول معاذ.
409 - حدثني الحسين بن علي بن الأسود العجلي عن يحيى بن آدم عن مشايخ من
الجزريين عن سليمان بن عطاء عن سلمة الجهني،
عن عمه أن صاحب بصرى ذكر أنه كان صالح المسلمين على طعام وزيت
وخل. فسأل عمر أن يكتب له بذلك، وكذبه أبو عبيدة وقال: إنما صالحناه على
شئ ينتفع به المسلمون لمشتاهم. ففرض عليهم الجزية على الطبقات والخراج
على الأرض.
410 - وحدثني الحسين قال: حدثنا محمد بن عبد الأحدب قال: أخبرنا عبد الله بن عمر
عن نافع،
عن أسلم مولى عمر أن عمر كتب إلى أمراء الجزية أن لا يضربوها إلا على من
179

جرت عليه الموسى. وجعلها على أهل الذهب أربعة دنانير، وجعل عليهم لأرزاق
المسلمين من الحنطة لكل رجل مديين، ومن الزيت ثلاثة أقساط بالشام والجزيرة،
مع إضافة من نزل بهم ثلاثا.
411 - وحدثني أبو حفص الشامي عن محمد بن راشد،
عن مكحول قال: كل عشري بالشام فهو مما جلا عنه أهله فأقطعه المسلمون
فأحيوه، وكان مواتا لا حق فيه لاحد فأحيوه بإذن الولاة.
180

أمر قبرس
412 - قال الواقدي وغيره: غزا معاوية بن أبي سفيان في البحر غزوة
قبرس الأولى، ولم يركب المسلمون بحر الروم قبلها. وكان معاوية استأذن عمر
في غزو البحر فلم يأذن له. فلما ولى عثمان بن عفان كتب إليه يستأذنه في غزوة
قبرس ويعلمه قربها وسهولة الامر فيها. فكتب إليه أن قد شهدت (ص 152)
ما رد عليك عمر رحمه الله حين استأمرته في غزو البحر. فلما دخلت سنة سبع وعشرين
كتب إليه يهون عليه ركوب الحبر إلى قبرس. فكتب إليه عثمان: فإن
ركبت ومعك امرأتك فاركبه مأذونا لك وإلا فلا. فركب البحر من عكا
ومعه مراكب كثيرة، وحمل امرأته فاختة بنت قرظة بن عبد عمرو بن نوفل
ابن عبد مناف بن قصي، وحمل عبادة بن الصامت امرأته أم حرام بنت ملحان
الأنصارية، وذلك في سنة ثمان وعشرين بعد انحسار الشتاء، ويقال في سنة
تسع وعشرين. فلما صار المسلمون إلى قبرس فأرقوا إلى ساحلها - وهي جزيرة
في البحر تكون فيما يقال ثمانين فرسخا في مثلها - بعث إليهم أركونها يطلب
الصلح وقد أذعن أهلها به. فصالحهم على سبعة آلاف ومائتي دينار يؤدونها
في كل عام، وصالحهم الروم على مثل ذلك فهم يؤدون خرجين. واشترطوا
أن لا يمنعهم المسلمون أداء الصلح إلى الروم. واشترط عليهم المسلمون أن لا يقاتلوا
عنهم من أرادهم من ورائهم، وأن يؤذنوا المسلمين بسير عدوهم من الروم.
فكان المسلمون إذا ركبوا البحر لم يعرضوا لهم ولم ينصرهم أهل قبرس، ولم
ينصروا عليهم.
فلما كانت سنة اثنتين وثلاثين أعانوا الروم على الغزاة في البحر بمراكب
أعطوهم إياها، فغزاهم معاوية سنة ثلاث وثلاثين في خمس مئة مركب، ففتح
181

قبرس عنوة، فقتل وسبى ثم أقرهم على صلحهم. وبعث إليها باثني عشر ألفا
كلهم أهل ديوان، فبنوا بها المساجد. ونقل إليها جماعة من بعلبك، وبنى بها
مدينة. وأقاموا يعطون الأعطية إلى أن توفى معاوية وولى بعده ابنه يزيد،
فأقفل ذلك البعث وأمر بهدم المدينة. وبعض الرواة يزعم أن غزوة معاوية
الثانية قبرس في سنة خمس وثلاثين.
413 - وحدثني محمد بن مصفى الحمصي،
عن الوليد قال: بلغنا أن يزيد بن معاوية رشى مالا عظيما (ص 153)
ذا قدر حتى أقفل جند قبرس، فلما قفلوا هدم أهل قبرس مدينتهم ومساجدهم.
414 - وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن عبد السلام بن موسى،
عن أبيه قال: لما غزيت قبرس الغزوة الأولى ركبت أم حرام بنت ملحان
مع زوجها عبادة بن الصامت. فلما انتهوا إلى قبرس خرجت من المركب وقدمت
إليها دابة لتركبها فعثرت بها فقتلتها، فقبرها بقبرس يدعى قبر المرأة الصالحة.
415 - قالوا: وغزا مع معاوية أبو أيوب خالد بن زيد بن كليب
الأنصاري، وأبو الدرداء، وأبو ذر الغفاري، وعبادة بن الصامت، وفضالة
ابن عبيد الأنصاري، وعمير بن سعد بن عبيد الأنصاري، وواثلة بن الأسقع
الكناني، وعبد الله بن بشر المازني، وشداد بن أوس بن ثابت، وهو ابن أخي
حسان بن ثابت، والمقداد، وكعب الحبر بن ماتع، وجبير بن نفير الحضرمي.
182

416 - حدثني هشام بن عمار الدمشقي قال: حدثنا الوليد بن مسلم،
عن صفوان بن عمرو أن معاوية بن أبي سفيان غزا قبرس بنفسه ومعه
امرأته. ففتحها الله فتحا عظيما وغنم المسلمين غنما حسنا. ثم لم يزل المسلمون
يغزونهم حتى صالحهم معاوية في أيامه صلحا دائما على سبعة آلاف دينار، وعلى
النصيحة للمسلمين وإنذارهم عدوهم من الروم. هذا أو نحوه.
417 - قالوا: وكان الوليد بن يزيد بن عبد الملك أجلى منهم خلقا إلى
الشام لأمر اتهمهم به. فأنكر الناس ذلك فردهم يزيد بن عبد الملك إلى
بلدهم. وكان حميد بن معيوف الهمداني غزاهم في خلافة الرشيد لحدث أحدثوه،
فأسر منهم بشرا، ثم إنهم استقاموا للمسلمين فأمر الرشيد برد من أسر
منهم فردوا.
418 - حدثني محمد بن سعد،
عن الواقدي في إسناده قال: لم يزل أهل قبرس على صلح معاوية حتى ولى
عبد الملك بن مروان، فزاد عليهم ألف دينار. فجرى ذلك إلى خلافة عمر بن
عبد العزيز فحطها (ص 154) عنهم. ثم لما ولى هشام بن عبد الملك ردها.
فجرى ذلك إلى خلافة أبى جعفر المنصور فقال: نحن أحق من أنصفهم ولم
نتكثر بظلمهم. فردهم إلى صلح معاوية.
419 - وحدثني بعض أهل العلم من الشاميين وأبو عبيد القاسم بن سلام
قالوا: أحدث أهل قبرس حدثا في ولاية عبد الملك بن صالح بن علي بن عبد الله
ابن عباس الثغور، فأراد نقض صلحهم والفقهاء متوافرون. فكتب إلى الليث
183

ابن سعد، ومالك بن أنس، وسفيان بن عيينة، وموسى بن أعين، وإسماعيل
ابن عياش، ويحيى بن حمزة، وأبى إسحاق الفزاري، ومخلد بن الحسين في أمرهم
فأجابوه. وكان فيما كتب به الليث بن سعد " إن أهل قبرس قوم لم نزل نتهمهم
بغش أهل الاسلام ومناصحة أعداء الله الروم، وقد قال الله تعالى * (وإما تخافن
من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء) * (1) ولم يقل لا تنبذ إليهم حتى تستيقن
خيانتهم. وإني أرى أن تنبذ إليهم، وينظروا سنة يأتمرون. فمن أحب اللحاق
ببلاد المسلمين على أن يكون ذمة يؤدى الخراج قبلت ذلك، ومن أراد أن
ينتحي إلى بلاد الروم فعل، ومن أراد المقام بقبرس على الحرب أقام، فكانوا
عدوا يقاتلون ويغزون، فإن في إنظار سنة قطعا لحجتهم ووفاء بعدهم. "
وكان فيما كتب به مالك بن أنس: " إن أمان أهل قبرس كان قديما
متظاهرا من الولاة لهم. وذلك لأنهم رأو أن إقرارهم على حالهم ذل وصغار
لهم وقوة للمسلمين عليهم بما يأخذون من جزيتهم ويصيبون به من الفرصة
في عدوهم. ولم أجد أحدا من الولاة نقض صلحهم ولا أخرجهم عن بلدهم.
وأنا أرى أن لا تعجل بنقض عهدهم ومنابذتهم حتى تتجه الحجة عليهم، فإن
الله يقول * (فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم) * (2) فإن هم لم يستقيموا بعد ذلك
(ص 155) ويدعوا غشهم ورأيت أن الغدر ثابت منهم أوقعت بهم،
فكان ذلك بعد الاعذار فرزقت النصر، وكان بهم الذل والخزي إن شاء الله تعالى "
وكتب سفيان بن عيينة: " إنا لا نعلم النبي صلى الله عليه وسلم عاهد قوما
فنقضوا العهد إلا استحل قتلهم غير أهل مكة، فإنه من عليهم، وكان نقضهم
أنهم نصروا حلفاءهم على حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من خزاعة. وكان

(1) السورة 8، الآية 58.
(2) السورة 9، الآية 4.
184

فيما أخذ على أهل نجران أن لا يأكلوا الربا، فحكم فيهم عمر رحمه الله حين
أكلوه بإجلائهم. فإجماع القوم أنه من نقض عهدا فلا ذمة له. "
وكتب موسى بن أعين: " قد كان يكون مثل هذا فيما خلا فيعمل الولاة
فيه النظرة. ولم أر أحدا ممن مضى نقض أهل قبرس ولا غيرها، ولعل عامتهم
وجماعتهم لم يمالئوا على ما كان من خاصتهم. وأنا أرى الوفاء لهم والتمام على
شرطهم، وإن كان منهم الذي كان. وقد سمعت الأوزاعي يقول في قوم
صالحوا المسلمين ثم أخبروا المشركين بعورتهم ودلوهم عليها: إنهم إن كانوا ذمة
فقد نقضوا عهدهم وخرجوا من ذمتهم، فإن شاء الوالي قتل وصلب، وإن كانوا
صلحا لم يدخلوا في ذمة المسلمين نبذ إليهم الوالي على سواء " إن الله لا يحب
كيد الخائنين " (1).
وكتب إسماعيل بن عياش: " أهل قبرس أذلاء مقهورون يغلبهم الروم
على أنفسهم ونسائهم، فقد يحق علينا أن نمنعهم ونحميهم. وقد كتب حبيب
ابن مسلمة لأهل تفليس في عهده أنه إن عرض للمسلمين شغل عنكم وقهركم
عدوكم، فإن ذلك غير ناقض عهدكم بعد أن تفوا للمسلمين. وأنا أرى أن يقروا
على عهدهم وذمتهم، فإن الوليد بن يزيد قد كان أجلاهم إلى الشام فاستفظع
ذلك المسلمون واستعظمه الفقهاء، فلما ولى يزيد بن الوليد بن عبد الملك ردهم
إلى قبرس، فاستحسن المسلمون ذلك من فعله ورأوه عدلا ".
وكتب يحيى بن حمزة: " إن أمر قبرس كأمر عربسوس (ص 156)
فإن فيها قدوة حسنة وسنة متبعة. وكان من أمرها أن عمير بن سعد قال لعمر
ابن الخطاب وقدم عليه: إن بيننا وبين الروم مدينة يقال لها عربسوس.
وإنهم يخبرون عدونا بعوراتنا ولا يظهرونا على عورات عدونا. فقال عمر: فإذا

(1) اقتباس من القرآن سورة 12، الآية 52.
185

قدمت فخيرهم أن تعطيهم مكان كل شاة شاتين، ومكان كل بقرة بقرتين.
ومكان كل شئ شيئين، فإذا رضوا بذلك فاعطهم إياه وأجلهم وأخربها. فإن
أبوا فانبذ إليهم وأجلهم سنة، ثم أخربها. فانتهى عمير إلى ذلك فأبوا. فأجلهم
سنة ثم أخربها. وكان لهم عهد كعهد أهل قبرس. وترك أهل قبرس على
صلحهم والاستعانة بما يؤذن على أمور المسلمين أفضل. وكل أهل عهد لا يقاتل
المسلمون من ورائهم ويجري عليهم أحكامهم في دارهم فليسوا بذمة، ولكنهم
أهل فدية يكف عنهم ما كفوا ويوفي لهم بعهدهم ما وفوا ورضوا، ويقبل
عفوهم ما أدوا.
وقد روى عن معاذ بن جبل أنه كره أن يصالح أحد من العدو على شئ
معلوم إلا أن يكون المسلمون مضطرين إلى صلحهم، لأنه لا يدرى لعل صلحهم
نفع وعز للمسلمين ".
وكتب أبو إسحاق الفزاري ومخلد بن الحسين " إنا لم نر شيئا أشبه
بأمر قبرس من أمر عربسوس، وما حكم به فيها عمر بمن الخطاب فإنه عرض عليهم
ضعف مالهم على أن يخرجوا منها أو نظرة سنة بعد نبذ عهدهم إليهم، فأبوا
الأولى فانظروا. ثم أخربت وقد كان الأوزاعي يحدث أن قبرس فتحت فتركوا
على حالهم وصولحوا على أربعة عشر ألف دينار: سبعة آلاف للمسلمين وسبعة
آلاف للروم، على أن لا يكتموا الروم أمر المسلمين. وكان يقول: ما وفى لنا
أهل قبرس قط، وإنا لنرى أنهم أهل عهد، وأن صلحهم وقع على شئ فيه
شرط لهم وشرط عليهم، ولا يستقيم نقضه إلا بأمر يعرف فيه غدرهم ونكثهم ".
186

أمر السامرة
420 - حدثني هشام بن عمار عن الوليد بن مسلم،
عن صفوان بن عمرو أن أبا عبيدة بن الجراح صالح السامرة بالأردن
وفلسطين، وكانوا عيونا وأدلاء للمسلمين، على جزية رؤوسهم وأطعمهم أرضهم.
فلما كان يزيد بن معاوية وضع الخراج على أرضهم.
421 - وأخبرني قوم من أهل المعرفة بأمر جندي الأردن وفلسطين
أن يزيد بن معاوية وضع الخراج على أراضي السامرة بالأردن، وجعل على رأس
كل امرئ منهم دينارين، ووضع الخراج أيضا على أرضيهم بفلسطين، وجعل
على رأس كل امرئ منهم خمسة دنانير. والسامرة يهود، وهم صنفان: صنف
يقال لهم الدستان، وصنف يقال لهم الكوشان.
422 - قالوا: وكان بفلسطين في أول خلافة أمير المؤمنين الرشيد رحمه الله
طاعون جارف ربما أتى على جميع أهل البيت. فخربت أرضوهم وتعطلت.
فوكل السلطان بها من عمرها، وتألف الأكرة والمزارعين إليها، فصارت ضياعا
للخلافة، وبها السامرة. فلما كانت سنة ست وأربعين ومائتين رفع أهل قرية
من تلك الضياع تدعى بيت ماما، من كورة نابلس، وهم سامرة، يشكون
ضعفهم وعجزهم عن أداء الخراج على خمسة دنانير. فأمر المتوكل على الله بردهم
إلى ثلاثة دنانير ثلاثة دنانير.
187

423 - حدثني هشام بن عمار قال: حدثنا الوليد بن مسلم،
عن صفوان بن عمرو (ص 158) وسعيد بن عبد العزيز أن الروم صالحت
معاوية على أن يؤدى إليهم مالا، وارتهن معاوية منهم رهناء فوضعهم ببعلبك.
ثم إن الروم غدرت، فلم يستحل معاوية والمسلمون قتل من في أيديهم من رهنهم،
وخلوا سبيلهم وقالوا: وفاء بغدر، خير من غدر بغدر.
قال هشام: وهو قول العلماء، الأوزاعي وغيره.
188

أمر الجراجمة
424 - حدثني مشايخ من أهل أنطاكية أن الجراجمة من مدينة على جبل
اللكام عند معدن الزاج، فيما بين بياس وبوقا، يقال لها الجرجومة. وأن أمرهم
كان في أيام استيلاء الروم على الشام وأنطاكية إلى بطريق أنطاكية وواليها.
فلما قدم أبو عبيدة أنطاكية وفتحها لزموا مدينتهم وهموا باللحاق بالروم إذا خافوا
على أنفسهم، فلم ينتبه المسلمون لهم ولم ينبهوا عليهم. ثم إن أهل أنطاكية
نقضوا وغدروا، فوجه إليهم أبو عبيدة من فتحها ثانية، وولاها بعد فتحها
حبيب بن مسلمة الفهري. فغزا الجرجومة فلم يقاتله أهلها، ولكنهم بدروا
بطلب الأمان والصلح. فصالحوه على أن يكونوا أعوانا للمسلمين وعيونا ومسالح
في جبل اللكام، وأن لا يؤخذوا بالجزية، وأن ينفلوا أسلاب من يقتلون
من عدو المسلمين إذا حضروا معهم حربا في مغازيهم. ودخل من كان
في مدينتهم من تاجر وأجير وتابع من الأنباط وغيرهم وأهل القرى في هذا
الصلح، فسموا الرواديف لأنهم تلوهم وليسوا منهم. ويقال إنهم جاؤوا بهم
إلى عسكر المسلمين وهم أرداف لهم فسموا رواديف. فكان الجراجمة يستقيمون
للولاة مرة ويعوجون أخرى فيكاتبون (ص 159) الروم ويمالئونهم.
فلما كانت أيام ابن الزبير وموت مروان بن الحكم وطلب عبد الملك
الخلافة بعده لتوليته إياه عهده واستعداده للشخوص إلى العراق لمحاربة المصعب
ابن الزبير، خرجت خيل للروم إلى جبل اللكام وعليها قائد من قوادهم،
ثم صارت إلى لبنان وقد ضوت إليها جماعة كثيرة من الجراجمة وأنباط وعبيد
أباق من عبيد المسلمين. فاضطر عبد الملك إلى أن صالحهم على ألف دينار في كل
جمعة، وصالح طاغية الروم على مال يؤديه إليه لشغله عن محاربته وتخوفه أن
189

يخرج إلى الشام فيغلب عليه. واقتدى في صلحه بمعاوية حين شغل بحرب أهل
العراق فإنه صالحهم على أن يؤدى إليهم مالا وارتهن منهم رهناء وضعهم
ببعلبك. ووافق ذلك أيضا طلب عمرو بن سعيد بن العاصي الخلافة وإغلاقه
أبواب دمشق حين خرج عبد الملك عنها فازداد شغلا، وذلك في سنة سبعين.
ثم إن عبد الملك وجه إلى الرومي سحيم بن المهاجر فتلطف حتى دخل
عليه متنكرا، فأظهر الممالاة له وتقرب إليهم بذم عبد الملك وشتمه وتوهين
أمره، حتى أمنه واغتر به. ثم إنه انكفأ عليه بقوم من موالي عبد الملك وجنده
كان أعدهم لمواقعته ورتبهم بمكان عرفه. فقتله ومن كان معه من الروم،
ونادى في سائر من ضوي إليه بالأمان.
فتفرق الجراجمة بقرى حمص ودمشق. ورجع أكثرهم إلى مدينتهم باللكام
وأتى الأنباط قراهم، فرجع العبيد إلى مواليهم.
وكان ميمون الجرجماني عبدا روميا لبني أم الحكم أخت معاوية بن أبي
سفيان وهم ثقفيون، وإنما نسب إلى الجراجمة لاختلاطه بهم وخروجه
(ص 160) بجبل لبنان معهم. فبلغ عبد الملك عنه بأس وشجاعة فسأل مواليه
أن يعتقوه ففعلوا. وقوده على جماعة من الجند وصيره بأنطاكية، فغزا مع
مسلمة بن عبد الملك الطوانة، وهو على ألف من أهل أنطاكية. فاستشهد بعد
بلاء حسن وموقف مشهود. فغم عبد الملك مصابه وأغزى الروم جيشا عظيما
طلبا بثأره.
425 - قالوا: ولما كانت سنة تسع وثمانين اجتمع الجراجمة إلى مدينتهم
وأتاهم قوم من الروم من قبل الاسكندرونة وروسس. فوجه الوليد بن عبد الملك
إليهم مسلمة بن عبد الملك فأناخ عليهم في خلق من الخلق، فافتتحها على أن
190

ينزلوا بحيث أحبوا من الشام، ويجرى على كل امرئ منهم ثمانية دنانير، وعلى
عيالاتهم القوت من القمح والزيت، وهو مديان من قمح وقسطان من زيت،
وعلى أن لا يكرهوا ولا أحد من أولادهم ونسائهم على ترك النصرانية، وعلى
أن يلبسوا لباس المسلمين، ولا يؤخذ منهم ولا من أولادهم ونسائهم جزية،
وعلى أن يغزوا مع المسلمين فينفلوا أسلاب من يقتلونه مبارزة، وعلى أن يؤخذ
من تجاراتهم وأموال موسريهم ما يؤخذ من أموال المسلمين. فأخرب
مدينتهم وأنزلهم فأسكنهم جبل الحوار وسنح اللولون (كذا) وعمق تيزين. وصار
بعضهم إلى حمص ونزل بطريق الجرجومة في جماعة معه أنطاكية، ثم هرب
إلى بلاد الروم.
وقد كان بعض العمال ألزم الجراجمة بأنطاكية جزية رؤوسهم، فرفعوا ذلك
إلى الواثق بالله رحمه الله وهو خليفة فأمر بإسقاطها عنهم.
426 - وحدثني بعض من أثق به من الكتاب أن المتوكل على الله
رحمه الله أمر بأخذ الجزية من هؤلاء الجراجمة، وأن تجرى عليهم الأرزاق،
إذ كانوا ممن يستعان به في المسالح وغير ذلك.
وزعم أبو الخطاب الأزدي أن أهل الجرجومة كانوا يغيرون في أيام
عبد الملك على (ص 161) قرى أنطاكية والعمق، وإذا غزت الصوائف
قطعوا على المتخلف واللاحق ومن قدروا عليه ممن في أواخر العسكر، وغالوا
في المسلمين. فأمر عبد الملك ففرض لقوم من أهل أنطاكية وأنباطها، وجعلوا
مسالح، وأردفت بها عساكر الصوائف ليؤدبوا الجراجمة عن أواخرها، فسموا
الرواديف. وأجرى على كل امرئ منهم ثمانية دنانير. والخبر الأول أثبت.
191

427 - وحدثني أبو حفص الشامي عن محمد بن راشد،
عن مكحول قال: نقل معاوية في سنة تسع وأربعين أو سنة خمسين إلى
السواحل قوما من زط البصرة والسيابجة وأنزل بعضهم أنطاكية. قال
أبو حفص: فبأنطاكية محلة تعرف بالزط. وببوقا من عمل أنطاكية قوم من
أولادهم يعرفون بالزط. وقد كان الوليد بن عبد الملك نقل إلى أنطاكية قوما
من الزط السند ممن حمله محمد بن القاسم إلى الحجاج. فبعث بهم الحجاج
إلى الشام.
428 - وحدثني محمد بن سعد،
عن الواقدي قال: خرج بجبل لبنان قوم شكوا عامل خراج بعلبك،
فوجه صالح بن علي بن عبد الله بن عباس من قتل مقاتلتهم وأقر من بقى منهم
على دينهم وردهم إلى قراهم، وأجلى قوما من أهل لبنان.
429 - فحدثني القاسم بن سلام أن محمد بن كثير حدثه،
أن الأوزاعي كتب إلى صالح رسالة طويلة حفظ منها: " وقد كان من
إجلاء أهل الذمة من جبل لبنان ممن لم يكن ممالئا لمن خرج على خروجه ممن
قتلت بعضهم ورددت باقيهم إلى قراهم ما قد علمت، فكيف تؤخذ عامة
بذنوب خاصة، حتى يخرجوا من ديارهم وأموالهم، وحكم الله تعالى أن لا تزر
وازرة وزر أخرى، وهو أحق ما وقف عنده واقتدى به، وأحق الوصايا
أن تحفظ وترعى وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه قال: من ظلم معاهدا
وكلفه فوق طاقته فأنا حجيجه. ثم ذكر كلاما.
192

430 - حدثني محمد بن سهم الأنطاكي قال: حدثني معاوية بن عمرو،
عن أبي إسحاق (ص 162) الفزاري قال كانت بنو أمية تغزو الروم
بأهل الشام والجزيرة صائفة وشاتية مما يلي ثغور الشام والجزيرة، وتقيم المراكب
للغزو، وترتب الحفظة في السواحل، ويكون الاغفال والتفريط خلال الحزم
والتيقظ. فلما ولى أبو جعفر المنصور تتبع حصون السواحل ومدنها فعمرها
وحصنها وبنى ما احتاج إلى البناء منها، وفعل مثل ذلك بمدن الثغور. ثم لما
استخلف المهدى استتم ما كان بقى من المدين والحصون وزاد في شحنها.
قال معاوية بن عمرو: وقد رأينا من اجتهاد أمير المؤمنين هارون في الغزو
ونفاذ بصيرته في الجهاد أمرا عظيما. أقام من الصناعة ما لم يقم قبله، وقسم
الأموال في الثغور والسواحل، وأشجى الروم وقمعهم. وأمر المتوكل على الله
بترتيب المراكب في جميع السواحل وأن تشحن بالمقاتلة، وذلك في سنة سبع
وأربعين ومائتين.
193

الثغور الشامية
431 - حدثني مشايخ من أهل أنطاكية وغيرهم قالوا: كانت ثغور المسلمين
الشامية أيام عمر وعثمان رضي الله عنهما وما بعد ذلك أنطاكية وغيرها من المدن
التي سماها الرشيد عواصم. فكان المسلمون يغزون ما وراءها كغزوهم اليوم
ما وراء طرسوس. وكان فيما بين الاسكندرونة وطرسوس حصون ومسالح
للروم كالحصون والمسالح التي يمر بها المسلمون اليوم. فربما أخلاها أهلها وهربوا
إلى بلاد الروم خوفا، وربما نقل إليها من مقاتلة الروم من تشحن به. وقد قيل
إن هرقل أدخل أهل هذه المدن معه عند انتقاله من أنطاكية لئلا يسير المسلمون
في عمارة ما بين أنطاكية وبلاد الروم. والله أعلم.
432 - وحدثني ابن طسون (؟) البغراسي عن أشياخهم أنهم قالوا:
الامر المتعالم (ص 163) عندنا أن هرقل نقل أهل هذه الحصون معه وشعثها.
فكان المسلمون إذا غزوا لم يجدوا بها أحدا، وربما كمن عندها القوم من الروم
فأصابوا غرة المتخلفين عن العسكر والمنقطعين عنها، فكان ولاة الشواتي
والصوائف إذا دخلوا بلاد الروم خلفوا بها جندا كثيفا إلى خروجهم.
وقد اختلفوا في أول من قطع الدرب، وهو درب بغراس، فقال بعضهم:
قطعه ميسرة بن مسروق العبسي، وجهه أبو عبيدة بن الجراح فلقي جمعا للروم
ومعهم متسعربة من غسان وتنوخ وإياد يريدن اللحاق بهرقل، فأوقع بهم
وقتل منهم مقتلة عظيمة. ثم لحق به مالك الأشتر النخعي مددا من قبل أبى
عبيدة وهو بأنطاكية. وقال بعضهم: أول من قطع الدرب عمير بن سعد
الأنصاري حين توجه في أمر جبلة بن الأيهم.
194

وقال أبو الخطاب الأزدي: بلغني أن أبا عبيدة نفسه غزا الصائفة فمر بالمصيصة
وطرسوس وقد جلا أهلها وأهل الحصون التي تليها، فأدرب، فبلغ في غزاته
زندة.
وقال غيره: إنما وجه ميسرة بن مسروق فبلغ زندة.
433 - حدثني أبو صالح الفراء عن رجل من أهل دمشق يقال له عبد الله بن الوليد
عن هشام بن الغاز،
عن عبادة بن نسى فيما يحسب أبو صالح قال: لما غزا معاوية غزوة عمورية
في سنة خمس وعشرين، وجد الحصون فيما بين أنطاكية وطرسوس خالية،
فوقف عندها جماعة من أهل الشام والجزيرة وقنسرين حتى انصرف من غزاته.
ثم أغزى بعد ذلك بسنة أو سنتين يزيد بن الحر العبسي الصائفة، وأمره ففعل
مثل ذلك، وكانت الولاة تفعله.
وقال هذا الرجل: ووجدت في كتاب مغازي معاوية: إنه غزا سنة إحدى
وثلاثين من ناحية المصيصة. فبلغ درولية، فلما خرج (ص 164) جعل لا يمر
يحصن فيما بينه وبين أنطاكية إلا هدمه.
434 - وحدثني محمد بن سعد،
عن الواقدي وغيره قال: لما كانت سنة أربع وثمانين غزا على الصائفة
عبد الله بن عبد الملك بن مروان، فدخل من درب أنطاكية وأتى المصيصة.
فبنى حصنها على أساسه القديم، ووضع بها سكانا من الجند فيهم ثلاث مئة رجل
انتخبهم من ذوي البأس والنجدة المعروفين، ولم يكن المسلمون سكنوها قبل ذلك،
وبنى فيها مسجدا فوق تل الحصن. ثم سار في جيشه حتى غزا حصن سنان ففتحه
ووجه يزيد بن حنين الطائي الأنطاكي فأغار ثم انصرف إليه.
195

وقال أبو الخطاب الأزدي: كان أول من ابتنى حصن المصيصة في الاسلام
عبد الملك بن مروان على يد ابنه عبد الله بن عبد الملك في سنة أربع وثمانين
على أساسها القديم. فتم بناؤها وشحنها في سنة خمس وثمانين. وكانت في الحصن
كنيسة جعلت هريا. وكانت الطوالع من أنطاكية تطلع عليها في كل عام
فتشتو بها ثم تنصرف، وعدة من كان يطلع إليها ألف وخمس مئة إلى الألفين.
وقال: وشخص عمر بن عبد العزيز حتى نزل هرى المصيصة وأراد هدمها
وهدم الحصون بينها وبين أنطاكية، وقال: أكره أن يحاصر الروم أهلها.
فأعلمه الناس أنها إنما عمرت ليدفع من بها من الروم عن أنطاكية، وأنه إن
أخرجها لم يكن للعدو ناهية دون أنطاكية. فأمسك وبنى لأهلها مسجدا جامعا
من ناحية گفربيا، واتخذ فيه صهريجا، وكان اسمه عليه مكتوبا. ثم إن
المسجد خرب في خلافة المعتصم بالله وهو يدعى مسجد الحصن.
قال: ثم بنى هشام بن عبد الملك الربض، ثم بنى مروان بن محمد الخصوص
في شرقي جيحان، وبنى عليها حائطا وأقام عليه باب خشب، وخندق خندقا.
فلما استخلف أبو العباس فرض بالمصيصة لأربع مئة رجل زيادة في شحنتها
وأقطعهم. ثم لما استخلف (ص 165) المنصور فرض بالمصيصة لأربع مئة
رجل. ثم لما دخلت سنة تسع وثلاثين ومئة، أمر بعمران مدينة المصيصة،
وكان حائطها متشعثا من الزلازل، وأهلها قليل في داخل المدينة. فبنى سور
المدينة وأسكنها أهلها سنة أربعين ومئة وسماها المعمورة، وبنى فيها مسجدا جامعا
في موضع هيكل كان بها، وجعله مثل مسجد عمر مرات. ثم زاد فيه المأمون
أيام ولاية عبد الله بن طاهر بن الحسين المغرب. وفرض المنصور فيها لألف رجل،
ثم نقل أهل الخصوص، وهم فرس وصقالبة وأنباط نصارى. وكان مروان
أسكنهم إياها وأعطاهم خططا في المدينة عوضا عن منازلهم على ذرعها، ونقض
196

منازلهم وأعانهم على البناء، وأقطع الفرض قطائع ومساكن. ولما استخلف
المهدي فرض بالمصيصة لألفي رجل ولم يقطعهم لأنها قد كانت شحنت من الجند
والمطوعة، ولم تزل الطوالع تأتيها من أنطاكية في كل عام حتى وليها سالم
البرلسي، وفرض موضعه لخمس مئة مقاتل على خاصة عشرة دنانير. فكثر من
بها وقووا. وذلك في خلافة المهدى.
435 - وحدثني محمد بن سهم،
عن مشايخ الثغر قالوا: ألحت الروم على أهل المصيصة في أول أيام الدولة
المباركة حتى جلوا عنها. فوجه صالح بن علي جبريل بن يحيى البجلي إليها فعمرها
وأسكنها الناس في سنة أربعين ومئة. وبنى الرشيد گفربيا، ويقال: بل كانت
ابتديت في خلافة المهدى ثم غير الرشيد بناءها وحصنها بخندق. ثم رفع إلى
المأمون في أمر غلة كانت على منازلها فأبطلها. وكانت منازلها كالخانات. وأمر
فجعل لها سور فرفع، فلم يستتم حتى توفى، فأمر المعتصم بالله بإتمامه وتشريفه.
436 - قالوا: وكان الذي حصن المثقب هشام بن عبد الملك على يد
حسان بن ماهويه الأنطاكي. ووجد في خندقه حين حفر عظم ساق مفرط
الطول (ص 166) فبعث به إلى هشام. وبنى هشام حصن قطرغاس على يدي
عبد العزيز بن حيان الأنطاكي، وبنى هشام حصن مورة على يدي رجل من
أهل أنطاكية. وكان سبب بنائه إياه أن الروم عرضوا لرسول له في درب
اللكام عند العقبة البيضاء، ورتب فيه أربعين رجلا وجماعة من الجراجمة، وأقام
ببغراس ملحة في خمسين رجلا، وابتنى لها حصنا. وبنى هشام حصن بوقا
من عمل أنطاكية، ثم جدد وأصلح حديثا.
197

وبنى محمد بن يوسف المروزي المعروف بأبي سعيد حصنا بساحل أنطاكية
بعد غارة الروم على ساحلها في خلافة المعتصم بالله رحمه الله.
437 - حدثني داود بن عبد الحميد قاضي الرقة عن أبيه،
عن جده أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أراد هدم المصيصة ونقل
أهلها عنها لما كانوا يلقون من الروم فتوفى قبل ذلك.
438 - وحدثني بعض أهل أنطاكية وبغراس أن مسلمة بن عبد الملك
لما غزا عمورية حمل معه نساءه، وحمل ناس ممن معه نساءهم. وكانت بنو أمية
تفعل ذلك إرادة الجد في القتال للغيرة على الحرم. فلما صار في عقبة بغراس عند
الطريق المستدقة التي تشرف على الوادي سقط محمل فيه امرأة إلى الحضيض.
فأمر مسلمة أن تمشى سائر النساء فمشين، فسميت تلك العقبة عقبة النساء. وقد
كان المعتصم بالله رحمه الله بنى على حد تلك الطريق حائطا قصيرا من حجارة.
وقال أبو النعمان الأنطاكي: كان الطريق فيما بين أنطاكية والمصيصة
مسبعة يعترض للناس فيها الأسد. فلما كان الوليد بن عبد الملك شكى إليه،
فوجه أربعة آلاف جاموسة وجاموس فنفع الله بها. وكان محمد بن القاسم الثقفي
عامل الحجاج على السند بعث منها بألوف جواميس، فبعث الحجاج إلى الوليد
منها بما بعث من (ص 167) الأربعة آلاف، وألقى باقيها في آجام كسكر.
ولما خلع يزيد بن المهلب فقتل وقبض يزيد بن عبد الملك أموال بنى المهلب
أصاب لهم أربعة آلاف جاموسة كانت بكور دجلة وكسكر، فوجه بها يزيد
ابن عبد الملك إلى المصيصة أيضا مع زطها، فكان أصل الجواميس بالمصيصة
ثمانية آلاف جاموسة. وكان أهل أنطاكية وقنسرين قد غلبوا على كثير منها
198

واختاروه لأنفسهم في أيام فتنة مروان بن محمد بن مروان، فلما استخلف المنصور
أمر بردها إلى المصيصة. وأما جواميس أنطاكية فكان أصلها ما قدم به الزط
معهم، وكذلك جواميس بوقا.
وقال أبو الخطاب: بنى الجسر الذي على طريق أذنة من المصيصة، وهو
على تسعة أميال من المصيصة، سنة خمس وعشرين ومئة. فهو يدعى جسر
الوليد، وهو الوليد بن يزيد بن عبد الملك المقتول.
وقال أبو النعمان الأنطاكي وغيره: بنيت أذنة في سنة إحدى وأربعين ومئة
أو اثنتين وأربعين ومئة، والجنود من أهل خراسان معسكرون عليها مع مسلمة
ابن يحيى البجلي، ومن أهل الشام مع مالك بن أدهم الباهلي، وجههما صالح
ابن علي.
439 - قالوا: ولما كانت سنة خمس وستين ومئة أغزى المهدى ابنه
هارون الرشيد بلاد الروم. فنزل على الخليج، ثم خرج فرم المصيصة ومسجدها
وزاد في شحنتها، وقوى أهلها، وبنى القصر الذي عند جسر أذنة على سيحان. وقد
كان المنصور أغزى صالح بن علي بلاد الروم فوجه هلال بن ضيغم في جماعة
من أهل دمشق والأردن وغيرهم فبنى ذلك القصر، ولم يكن بناؤه محكما فهدمه
الرشيد وبناه. ثم لما كانت سنة أربع وتسعين ومئة بنى أبو سليم فرج الخادم
أذنة فأحكم بناءها وحصنها، وندب إليها رجالا من أهل خراسان وغيرهم على
زيادة في العطاء، وذلك بأمر محمد بن الرشيد. فرم قصر سيحان. وكان الرشيد
توفى سنة ثلاث وتسعين ومئة وعامله على أعشار الثغور أبو سليم، فأقره محمد.
وأبو سليم هذا هو صاحب الدار بأنطاكية.
199

440 - وحدثني محمد بن سعد،
عن الواقدي قال: غزا الحسن بن قحطبة الطائي بلاد الروم سنة
اثنتين وستين ومئة في أهل خراسان وأهل الموصل والشام وأمداد اليمن ومطوعة
العراق والحجاز. خرج مما يلي طرسوس فأخبر المهدى بما في بنائها وتحصينها
وشحنتها بالمقاتلة من عظيم الغناء عن الاسلام والكبت للعدو والوقم له فيما يحاول
ويكيد. وكان الحسن قد أبلى في تلك الغزاة بلاء حسنا، ودوخ أرض الروم
حتى سموه الشيتن. وكان معه في غزاته مندل العنزي المحدث الكوفي
ومعتمر بن سليمان البصري.
441 - وحدثني محمد بن سعد قال:
حدثني بن الحسن قال: لما خرج الحسن من بلاد الروم نزل مرج
طرسوس فركب إلى مدينتها وهي خراب، فنظر إليها وأطاف بها من جميع
جهاتها، وحزر عدة من يسكنها فوجدهم مئة ألف. فلما قدم على المهدى وصف
له أمرها وما في بنائها وشحنتها من غيظ العدو وكبته وعز الاسلام وأهله،
وأخبره في الحدث أيضا بخبر رغبه في بناء مدينتها. فأمره ببناء طرسوس،
وأن يبدأ بمدينة الحدث، فبنيت. وأوصى المهدى ببناء طرسوس.
فلما كانت سنة إحدى وسبعين ومئة، بلغ الرشيد أن الروم ائتمروا بينهم
بالخروج إلى طرسوس لتحصينها وترتيب المقاتلة فيها. فأغزى الصائفة في سنة
إحدى وسبعين ومئة هرثمة بن أعين، وأمره بعمارة طرسوس وبنائها وتمصيرها
ففعل. وأجرى أمرها على يد فرج بن سليم الخادم بأمر الرشيد، فوكل فرج
ببنائها، وتوجه أبو سليم إلى مدينة السلام فأشخص الندبة الأولى من أهل
خراسان وهم ثلاثة آلاف رجل، فوردوا طرسوس. ثم أشخص الندبة الثانية
200

وهم ألفا رجل: ألف من أهل المصيصة وألف من أهل أنطاكية، على زيادة
عشرة دنانير لكل رجل في أصل عطائه (ص 169). فعسكروا مع الندبة
الأولى بالمدائن على باب الجهاد في مستهل المحرم سنة اثنتين وسبعين ومئة، إلى
أن استتم بناء طرسوس وتحصينها وبناء مسجدها. ومسح فرج ما بين النهر إلى
النهر فبلغ ذلك أربعة آلاف خطة، كل خطة عشرون ذراعا في مثلها. وأقطع
أهل طرسوس الخطط وسكنتها الندبتان في شهر بيع الآخر سنة اثنتين وسبعين ومئة.
442 - قالوا: وكان عبد الملك بن صالح قد استعمل يزيد بن مخلد الفزاري
على طرسوس فطرده من بها من أهل خراسان واستوحشوا منه للهبيرية.
فاستخلف أبا الفوارس فأقره عبد الملك بن صالح وذلك في سنة ثلاث وسبعين ومئة.
443 - قال محمد بن سعد: حدثني الواقدي قال: جلا أهل سيسية ولحقوا
بأعلى الروم في أربع وتسعين ومئة أو ثلاث وتسعين ومئة. وسيسية مدينة تل
عين زربة، وقد عمرت في خلافة المتوكل على يدي على بن يحيى الأرمني،
ثم أخربتها الروم.
444 - قالوا: فكان الذي أحرق أنطاكية المحترقة ببلاد الروم عباس
ابن الوليد بن عبد الملك.
445 - قالوا: وتل جبير نسبت إلى رجل من فرس أنطاكية كانت
له عنده وقعة وهو من طرسوس على أقل من عشرة أميال.
201

446 - قالوا: والحصن المعروف بذى الكلاع إنما هو الحصن ذو القلاع
لأنه على ثلاث قلاع. فحرف اسمه. وتفسير اسمه بالرومية الحصن الذي مع
الكواكب.
447 - وقالوا: سميت كنيسة الصلح لان الروم لما حملوا صلحهم إلى
الرشيد نزلوها.
ونسب مرج حسين إلى حسين بن مسلم الأنطاكي. وذلك أنه كانت له به
وقعة ونكاية في العدو.
448 - قالوا: وأغزى المهدى ابنه هارون الرشيد في سنة ثلاث وستين ومئة.
فحاصر أهل صمالو وهي التي تدعوها العامة سمالو. فسألوه الأمان لعشرة أهل
أبيات فيهم القومس فأجابهم إلى ذلك. وكان في شرطهم أن لا يفرق بينهم.
فأنزلوا ببغداد على باب الشماسية. فسموا موضعهم سمالو، فهو معروف. ويقال
بل نزلوا على حكم المهدى فاستحياهم وجمعهم بذلك الموضع، وأمر (ص 170)
أن يسمى سمالو. وأمر الرشيد فنودي على من بقى في الحصن فبيعوا. وأخذ
حبشي كان يشتم الرشيد والمسلمين فصلب على برج من أبراجه.
449 - وحدثني أحمد بن الحارث الواسطي عن محمد بن سعد،
عن الواقدي قال: لما كانت سنة ثمانين ومئة أمر الرشيد بابتناء مدينة
عين زربة وتحصينها، وندب إليها ندبة من أهل خراسان وغيرهم فأقطعهم بها
المنازل. ثم لما كانت سنة ثلاث وثمانين ومئة أمر ببناء الهارونية، فبنيت وشحنت
أيضا بالمقاتلة ومن نزح إليها من المطوعة ونسبت إليه. ويقال إنه بناها في خلافة
المهدى ثم أتمت في خلافته.
202

450 - قالوا: وكان الكنيسة السوداء من حجارة سود بناها الروم على
وجه الدهر، ولها حصن قديم أخرب. فأمر الرشيد ببناء مدينة الكنيسة
السوداء وتحصينها وندب إليها المقاتلة في زيادة العطاء.
451 - وأخبرني بعض أهل الثغر عزون بن سعد أن الروم أغارت عليها
والقاسم بن الرشيد مقيم بدابق. فاستاقوا مواشي أهلها وأسروا عدة منهم.
فنفر إليهم أهل المصيصة ومطوعتها فاستنقذوا جميع ما صار إليهم وقتلوا منهم
بشرا، ورجع الباقون منكوبين مفلولين. فوجه القاسم من حصن المدينة
ورمها وزاد في شحنتها. وقد كان المعتصم بالله نقل إلى عين زربة ونواحيها
بشرا من الزط الذين قد كانوا غلبوا على البطائح بين واسط والبصرة، فانتفع
أهلها بهم.
452 - حدثني أبو صالح الأنطاكي قال: كان أبو إسحاق الفزاري يكره
شرى أرض بالثغر ويقول: غلب عليه قوم في بدى الامر وأجلوا عنه، فلم
يقتسموه وصار إلى غيرهم، وقد دخلت في هذا الامر شبهة العاقل حقيق بتركها
وكانت بالثغر إيغارات قد تحيفت ما يرتفع من أعشاره حتى قصرت عن
نفقاته، فأمر المتوكل في سنة ثلاث وأربعين ومائتين بإبطال تلك الايغارات
فأبطلت (ص 171)
203

فتوح الجزيرة
453 - حدثني داود بن عبد الحميد قاضي الرقة عن أبيه عن جده،
عن ميمون بن مهران قال: الجزيرة كلها فتوح عياض بن غنم، بعد
وفاة أبى عبيدة، ولاه إياها عمر بن الخطاب، وكان أبو عبيدة استخلفه على الشام،
فولى عمر بن الخطاب يزيد بن أبي سفيان ثم معاوية من بعده الشام وأمر عياضا
بغزو الجزيرة.
454 - وحدثني الحسين بن الأسود قال: حدثنا يحيى بن آدم عن عدة من الجزريين،
عن سليمان بن عطاء القرشي قال: بعث أبو عبيدة عياض بن غنم إلى الجزيرة،
فمات أبو عبيدة وهو بها، فولاه عمر إياها بعد.
455 - وحدثني بكر بن الهيثم قال: حدثنا النفيلي عبد الله بن محمد قال: حدثنا،
سليمان بن عطاء قال: لما فتح عياض بن غنم الرها، وكان أبو عبيدة وجهه،
وقف على بابها على فرس له كميت. فصالحوه على أن لهم هيكلهم وما حوله،
وعلى أن لا يحدثوا كنيسة إلا ما كان لهم، وعلى معونة المسلمين على عدوهم،
فإن تركوا شيئا مما شرط عليهم فلا ذمة لهم. ودخل أهل الجزيرة فيما دخل فيه
أهل الرها.
456 - وقال محمد بن سعد:
قال الواقدي: أثبت ما سمعنا في أمر عياض أن أبا عبيدة مات في طاعون
عمواس سنة ثمان عشرة واستخلف عياضا. فورد عليه كتاب عمر بتوليته حمص
204

وقنسرين والجزيرة. فسار إلى الجزيرة يوم الخميس للنصف من شعبان سنة ثمان
عشرة في خمسة آلاف، وعلى مقدمته ميسرة بن مسروق العبسي، وعلى ميمنته
سعيد بن عامر بن حذيم الجمحي، وعلى ميسرته صفوان بن المعطل السلمي.
وكان خالد بن الوليد على ميسرته. ويقال إن خالدا لم يسر تحت لواء أحد بعد
(ص 172) أبى عبيدة ولزم حمص حتى توفى بها سنة إحدى وعشرين، وأوصى
إلى عمر. وبعضهم يزعم أنه مات بالمدينة، وموته بحمص أثبت.
457 - قالوا: فانتهت طليعة عياض إلى الرقة فأغاروا على حاضر كان
حولها للعرب وعلى قوم من الفلاحين فأصابوا مغنما، وهرب من نجا من أولئك
فدخلوا مدينة الرقة. وأقبل عياض في عسكره حتى نزل باب الرها، وهو أحد
أبوابها، في تعبئة. فرمى المسلمون ساعة حتى جرح بعضهم. ثم إنه تأخر عنهم
لئلا تبلغه حجارتهم وسهامهم، وركب فطاف حول المدينة ووضع على أبوابها
روابط، ثم رجع إلى عسكره وبث السرايا. فجعلوا يأتون بالأسرى من القرى
وبالأطعمة الكثيرة، وكانت الزروع مستحصدة. فلما مضت خمسة أيام أو ستة
وهم على ذلك أرسل بطريق المدينة إلى عياض يطلب الأمان. فصالحه عياض
على أن أمن جميع أهلها على أنفسهم وذراريهم وأموالهم ومدينتهم. وقال عياض:
الأرض لنا قد وطئناها وأحرزناها، فأقرها في أيديهم على الخراج ودفع منها ما لم
يرده أهل الذمة ورفضوه إلى المسلمين على العشر، ووضع الجزية على رقابهم
فألزم كل رجل منهم دينارا في كل سنة، وأخرج النساء والصبيان، ووظف عليهم
مع الدينار أقفزة من قمح وشيئا من زيت وخل وعسل، فلما ولى معاوية جعل
ذلك جزية عليها، ثم إنهم فتحوا أبواب المدينة وأقاموا للمسلمين سوقا على
باب الرها، فكتب لهم عياض:
205

" بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أعطى عياض بن غنم أهل الرقة يوم دخلها.
أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم لا تخرب ولا تسكن إذا أعطوا الجزية
التي عليهم ولم يحدثوا مغيلة، وعلى أن لا يحدثوا كنيسة ولا بيعة، ولا يظهروا
ناقوسا ولا باعوثا ولا صليبا. شهد الله وكفى بالله شهيدا " وختم عياض بخاتمه.
ويقال إن عياضا ألزم كل حالم من أهل الرقة أربعة دنانير. والثبت أن
عمر كتب (ص 173) بعد إلى عمير بن سعد وهو واليه: أن ألزم كل
امرئ منهم أربعة دنانير كما ألزم أهل الذهب.
458 - قالوا: ثم سار عياض إلى حران فنزل باجدى، وبعث مقدمته.
فأغلق أهل حران أبوابها دونهم، ثم أتبعهم. فلما نزل بها بعث إليه الحرنانية.
من أهلها يعلمونه أن في أيديهم طائفة من المدينة ويسألونه أن يصير إلى الرها،
فما صالحوه عليه من شئ قنعوا به وخلوا بينه وبين النصارى حتى يصيروا إليه.
وبلغ النصارى ذلك فأرسلوا إليه بالرضى بما عرض الحرنانية وبذلوا. فأتى الرها
وقد جمع له أهلها، فرموا المسلمين ساعة، ثم خرجت مقاتلتهم فهزمهم المسلمون
حتى ألجأوهم إلى المدينة، فلم ينشبوا أن طلبوا الصلح والأمان، فأجابهم عياض
إليه وكتب لهم كتابا نسخته:
" بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب من عياض بن غنم لأسقف الرها.
إنكم إن فتحتم لي باب المدينة على أن تؤدوا إلى عن كل رجل دينارا
ومديى قمح فأنتم آمنون على أنفسكم وأموالكم ومن تبعكم. وعليكم إرشاد
الضال، وإصلاح الجسور، والطرق، ونصيحة المسلمين. شهد الله، وكفى
بالله شهيدا ".
206

459 - وحدثني داود بن عبد الحميد عن أبيه،
عن جده أن كتاب عياض لأهل الرها:
" بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب من عياض بن غنم ومن معه من
المسلمين لأهل الرها.
إني أمنتهم على دمائهم وأموالهم وذراريهم ونسائهم ومدينتهم وطواحينهم
إذا أدوا الحق الذي عليهم، ولنا عليهم أن يصلحوا جسورنا ويهدوا ضالنا.
شهد الله وملائكته والمسلمون. "
قال: ثم أتى عياض حران ووجه صفوان بن المعطل وحبيب بن مسلمة
الفهري إلى سميساط. فصالح عياض أهل حران على مثل صلح الرها، وفتحوا
له أبوابها، وولاها رجلا. ثم سار إلى سميساط فوجد صفوان بن المعطل وحبيب
ابن مسلمة مقيمين عليها (ص 174) وقد غلبا على قرى وحصون من قراها
وحصونها. فصالحه أهلها على مثل صلح أهل الرها. وكان عياض يغزو من
الرها ثم يرجع إليها.
460 - وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن معمر،
عن الزهري قال: لم يبق بالجزيرة موضع قدم إلا فتح على عهد عمر
ابن الخطاب رضي الله عنه على يد عياض بن غنم: فتح حران والرها والرقة
وقرقيسيا ونصيبين وسنجار.
461 - وحدثني محمد عن الواقدي عن عبد الرحمن بن مسلمة عن فرات
ابن سلمان،
عن ثابت بن الحجاج قال: فتح عياض الرقة وحران والرها ونصيبين
وميافارقين وقرقيسيا وقرى الفرات ومدائنها صلحا وأرضها عنوة.
207

462 - وحدثني محمد عن الواقدي عن ثور بن يزيد،
عن راشد بن سعد أن عياضا افتتح الجزيرة ومدائنها صلحا وأرضها عنوة،
وقدى روى أن عياضا لما أتى حران من الرقة وجدها خالية قد انتقل
أهلها إلى الرها. فلما فتحت الرها صالحوا عن مدينتهم وهم بها. وكان صلحهم
مثل صلح الرها.
463 - وحدثني أبو أيوب الرقي المؤدب قال: حدثني الحجاج بن أبي منيع الرصافي
عن أبيه،
عن جده قال: فتح عياض الرقة ثم الرها ثم حران ثم سميساط على صلح
واحد. ثم أتى سروج وراسكيفا والأرض البيضاء فغلب على أرضها، وصالح
أهل حصونها على مثل الرها. ثم إن أهل سميساط كفروا، فلما بلغه ذلك رجع
إليها، فحاصرها حتى فتحها. وبلغه أن أهل الرها قد نقضوا، فلما أناخ عليهم
فتحوا له أبواب مدينتهم فدخلها وخلف بها عامله في جماعة. ثم أتي قريات
الفرات وهي جسر منبج وذواتها، ففتحها على ذلك. وأتى عين الوردة، وهي
رأس العين، فامتنعت عليه فتركها. وأتى تل (ص 175) موزن ففتحها على
مثل صلح الرها وذلك في سنة تسع عشرة. ووجه عياض إلى قرقيسيا حبيب
ابن مسلمة الفهري ففتحها صلحا مثل الرقة، وفتح عياض آمد بغير قتال على
مثل صلح الرها. وفتح ميافارقين على مثل ذلك. وفتح حصن گفرتوثا. وفتح
نصيبين بعد قتال على مثل صلح الرها. وفتح طور عبدين وحصن ماردين
ودارا على مثل ذلك. وفتح قردى وبازبدى على مثل صلح نصيبين. وأتاه
بطريق الزوزان فصالحه على أرضه على أتاوة، وكل ذلك في سنة تسع عشرة وأيام
من المحرم سنة عشرين. ثم سار إلى أرزن ففتحها على مثل صلح نصيبين. ودخل
208

الدرب فبلغ بدليس، وجازها إلى خلاط وصالح بطريقها، وانتهى إلى العين الحامضة
من أرمينية فلم يعدها. ثم عاد فضمن صاحب بدليس خراج خلاط وجماجمها،
وما على بطريقها. ثم إنه انصرف إلى الرقة ومضى إلى حمص، وقد كان عمر
ولاه إياها، فمات سنة عشرين.
وولى عمر سعيد بن عامر بن حذيم فلم يلبث إلا قليلا حتى مات. فولى
عمر عمير بن سعد الأنصاري، ففتح عين الوردة بعد قتال شديد.
464 - وقال الواقدي حدثني من سمع إسحاق بن أبي فروة يحدث
عن أبي وهب الجيشاني ديلم بن الموسع أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
كتب إلى عياض يأمره أن يوجه عمير بن سعد إلى عين الوردة، فوجهه
إليها. فقدم الطلائع أمامه، فأصابوا قوما من الفلاحين، وغنموا مواشي من
مواشي العدو. ثم إن أهل المدينة غلقوا أبوابها ونصبوا العرادات عليها، فقتل
من المسلمين بالحجارة والسهام بشر، وأطلع عليهم بطريق من بطارقتها فشتمهم
وقال: لسنا كمن لقيتم. ثم إنها فتحت بعد على صلح.
465 - حدثني عمرو بن محمد عن الحجاج بن أبي منيع عن أبيه،
عن جده قال: امتنعت رأس العين على عياض بن غنم ففتحها عمير بن
سعد، وهو والى عمر على الجزيرة، بعد أن قاتل (ص 176) أهلها المسلمين
قتالا شديدا. فدخلها المسلمون، عنوة ثم صالحوهم بعد ذلك على أن دفعت
الأرض إليهم ووضعت الجزية على رؤوسهم على كل رأس أربعة دنانير، ولم
تسب نساؤهم ولا أولادهم.
209

وقال الحجاج: وقد سمعت مشايخ من أهل رأس العين يذكرون أن عميرا
لما دخلها قال لهم: لا بأس لا بأس، إلى إلى. فكان ذلك أمانا لهم.
وزعم الهيثم بن عدي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعث أبا موسى
الأشعري إلى عين الوردة فغزاها بجند الجزيرة بعد وفاة عياض. والثبت أن
عميرا فتحها عنوة فلم تسب، وجعل عليهم الخراج والجزية، ولم يقل هذا أحد
غير الهيثم.
وقال الحجاج بن أبي منيع: جلا خلق من أهل رأس العين واعتمل
المسلمون أراضيهم وازدرعوها بإقطاع.
466 - وحدثني محمد بن المفضل الموصلي،
عن مشايخ من أهل سنجار قالوا: كانت سنجار في أيدي الروم. ثم إن
كسرى المعروف بأبرويز أراد قتل مئة رجل من الفرس كانوا حملوا إليه بسبب
خلاف ومعصية. فكلم فيهم فأمر أن يوجهوا إلى سنجار، وهو يومئذ يعاني
فتحها. فمات منهم رجلان، ووصل إليها ثمانية وتسعون رجلا، فصاروا مع
المقاتلة الذين كانوا بإزائها، ففتحوها دونهم وأقاموا بها وتناسلوا. فلما انصرف
عياض من خلاط وصار إلى الجزيرة بعث إلى سنجار ففتحها صلحا وأسكنها
قوما من العرب. وقد قال بعض الرواة: إن عياضا فتح حصنا من الموصل وليس
ذلك بثبت.
467 - قال ابن الكلبي: عمير بن سعد عامل عمر هو عمير بن سعد بن
شهيد بن عمرو أحد الأوس. وقال الواقدي: هو عمير بن سعد بن عبيد. وقتل
أبوه سعد يوم القادسية. وسعد هذا هو الذي يروى الكوفيون أنه أحد من
جمع القرآن على عهد رسول الله صلى عليه وسلم.
210

468 - قال الواقدي: وقد روى قوم أن خالد بن الوليد ولى لعمر بعض
الجزيرة، فاطلى في حمام بآمد (ص 177) أو غيرها بشئ فيه خمر، فعزله عمر.
وليس ذلك بثبت.
469 - وحدثني عمرو الناقد قال: حدثني الحجاج بن أبي منيع عن أبيه عن جده،
عن ميمون بن مهران قال: أخذ الزيت والخل والطعام لمرفق المسلمين
بالجزيرة مدة، ثم خفف عنهم واقتصر بهم على ثمانية وأربعين درهما وأربعة
وعشرين واثنا عشر نظرا من عمر للناس. وكان على كل إنسان مع جزيته مدا
قمح وقسطان من زيت وقسطان من خل.
470 - وحدثني عدة من أهل الرقة قالوا: لما مات عياض وولى الجزيرة
سعيد بن عامر بن حذيم بنى مسجد الرقة ومسجد الرها. ثم توفى فبنى المساجد
بديار مضر وديار بيعة عمير بن سعد.
ثم لما ولى معاوية الشام والجزيرة لعثمان بن عفان رضي الله عنه أمره أن
ينزل العرب بمواضع نائية عن المدن والقرى، ويأذن لهم في اعتمال الأرضين التي
لا حق فيها لاحد. فأنزل بنى تميم الرابية، وأنزل المازحين والمديبر أخلاطا من
قيس وأسد وغيرهم، وفعل ذلك في جميع نواحي ديار مضر، ورتب ربيعة
في ديارها على ذلك، وألزم المدن والقرى والمسالح من يقوم بحفظها ويذب عنها
من أهل العطاء، ثم جعلهم مع عماله.
471 - وحدثني أبو حفص الشامي،
عن حماد بن عمرو النصيبي قال: كتب عامل نصيبين إلى معاوية،
211

وهو عامل عثمان على الشام والجزيرة، يشكو إليه أن جماعة من المسلمين ممن
معه أصيبوا بالعقارب. فكتب إليه يأمره أن يوظف على أهل كل حيز من
المدينة عدة من العقارب مسماة في كل ليلة. ففعل، فكانوا يأتونه بها فيأمر بقتلها.
472 - وحدثني أبو أيوب المؤدب الرقي عن أبي عبد الله القرقساني،
عن أشياخه أن عمير بن سعد لما فتح رأس العين سلك الخابور وما يليه
حتى أتى قرقيسيا وقد نقض أهلها، فصالحهم على مثل (ص 178) صلحهم
الأول. ثم أتى حصون الفرات حصنا حصنا ففتحها على ما فتحت عليه قرقيسيا
ولم يلق في شئ منها كثير قتال. وكان بعض أهلها ربما رموا بالحجارة. فلما
فرغ من تلبس (كذا) وعانات أتى الناؤسة وآلوسة وهيت، فوجد عمار بن ياسر،
وهو يومئذ عامل عمر بن الخطاب على الكوفة، وقد بعث جيشا يستغزي ما فوق
الأنبار، عليه سعد بن عمرو بن حرام الأنصاري، وقد أتاه أهل هذه الحصون
فطلبوا الأمان. فأمنهم واستثنى على أهل هيت نصف كنيستهم. فانصرف عمير
إلى الرقة.
473 - وحدثني بعض أهل العلم قال: كان الذي توجه إلى هيت والحصون
التي بعدها من الكوفة مدلاج بن عمرو السلمي، حليف بنى عبد شمس وله صحبة،
فتولى فتحها. وهو بنى الحديثة التي على الفرات. وولده بهيت، وكان منهم
رجل يكنى أبا هارون باقي الذكر هناك. ويقال إن مدلاجا كان من قبل سعد
ابن عمرو بن حرام. والله أعلم.
212

474 - قالوا: وكان موضع نهر سعيد بن عبد الملك بن مروان - وهو
الذي يقال له سعيد الخير وكان يظهر نسكا - غيضة ذات سباع. فأقطعه إياها
الوليد. فحفر النهر وعمر ما هناك. وقال بعضهم: الذي أقطعه ذلك عمر بن
عبد العزيز.
475 - قالوا: ولم يكن للرافقة أثر قديم، إنما بناها أمير المؤمنين المنصور
رحمه الله سنة خمس وخمسين ومئة على بناء مدينته ببغداد، ورتب فيها جندا
من أهل خراسان. وجرت على يدي المهدى، وهو ولى عهد. ثم إن الرشيد
بنى قصورها فكان بين الرقة والرافقة فضاء مزارع. فلما قدم على بن سليمان
ابن علي واليا على الجزيرة نقل أسواق الرقة إلى تلك الأرض، فكان سوق الرقة
الأعظم فيما مضى يعرف بسوق هشام العتيق. ثم لما قدم الرشيد الرقة استزاد
في تلك الأسواق، فلم تزل تجبى مع الصوافي.
وأما رصافة (ص 179) هشام فإن هشام بن عبد الملك أحدثها، وكان
ينزل قبلها الزيتونة. وحفر الهني والمري، واستخرج الضيعة التي تعرف بالهني
والمري، وأحدث فيها واسط الرقة. ثم إن تلك الضيعة قبضت في أول الدولة.
ثم صارت لام جعفر زبيدة بنت جعفر بن المنصور، فابتنت فيها القطيعة التي
تنسب إليها وزادت في عمارتها.
ولم يكن للرحبة التي في أسفل قرقيسيا أثر قديم، إنما بناها وأحدثها مالك
ابن طوق بن عتاب التغلبي في خلافة المأمون.
وكانت أذرمة من ديار ربيعة قرية قديمة، فأخذها الحسن بن عمرو بن
الخطاب التغلبي من صاحبها وبنى بها قصرا وحصنها.
213

وكانت گفرتوثا حصنا قديما، فاتخذها ولد أبى رمثة منزلا فمدنوها وحصنوها
476 - حدثني معافى بن طاووس،
عن أبيه قال: سألت المشايخ عن أعشار بلد وديار ربيعة والبدية فقال:
هي أعشار ما أسلمت عليه العرب أو عمرته من الموات الذي ليس في يد أحد،
أو رفضه النصارى فمات وغلب عليها الدغل فأقطعه العرب.
477 - حدثني أبو عفان الرقي،
عن مشايخ من كتاب الرقة وغيرهم قالوا: كانت عين الرومية وماؤها للوليد
ابن عقبة بن أبي معيط، فأعطاها أبا زبيد الطائي. ثم صارت لأبي العباس أمير
المؤمنين فأقطعها ميمون بن حمزة مولى على بن عبد الله بن عباس. ثم ابتاعها
الرشيد من ورثته. وهي من أرض الرقة.
478 - قالوا: وكان ابن هبيرة أقطع غابة ابن هبيرة، فقبضت وأقطعها
بشر بن ميمون صاحب الطاقات ببغداد بناحية باب الشام. ثم ابتاعها الرشيد.
وهي من أرض سروج.
وكان هشام أقطع عائشة ابنته قطيعة برأس كيفا تعرف بها، فقبضت.
وكانت لعبد الملك وهشام قرية تدعى سلعوس ونصف قرية (ص 180)
تدعى گفرجدا من الرها.
وكان بحران للغمر بن يزيد تل عفراء، وأرض تل مذابا (كذا) وأرض
المصلى، وصوافي في ربض حران ومستغلاتها.
وكان مرج عبد الواحد حمى المسلمين قبل أن تبنى الحدث وزبطرة، فلما
214

بنيتا استغنى بهما فعمر، فضمه الحسين الخادم إلى الأحواز في خلافة الرشيد.
ثم توثب الناس على فغلبوا على مزارعه، حتى قدم عبد الله بن طاهر الشام فرده
إلى الضياع.
وقال أبو أيوب الرقي: سمعت أن عبد الواحد الذي نسب المرج
إليه عبد الواحد بن الحارث بن الحكم بن أبي العاصي، وهو ابن عم عبد الملك،
كان المرج له فجعله حمى للمسلمين. وهو الذي مدحه القطامي فقال:
أهل المدينة لا يحزنك شأنهم * إذا تخطأ عبد الواحد الاجل
215

أمر نصارى بنى تغلب بن وائل
479 - حدثنا شيبان بن فروخ قال: حدثنا أبو عوانة عن المغيرة،
عن السفاح الشيباني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد أن يأخذ الجزية
من نصارى بنى تغلب فانطلقوا هاربين، ولحقت طائفة منهم ببعد من الأرض.
فقال النعمان بن زرعة أو زرعة بن النعمان: أنشدك الله في بنى تغلب! فإنهم
قوم من العرب يأنفون من الجزية، وهم قوم شديدة نكايتهم فلا تعن عدوك
عليك بهم. فأرسل عمر في طلبهم فردهم وأضعف عليهم الصدقة.
480 - حدثنا شيبان قال: حدثنا عبد العزيز بن مسلم قال: حدثنا ليث عن رجل
عن سعيد بن جبير،
عن ابن عباس قال: لا تؤكل ذبائح نصارى بنى تغلب ولا تنكح
(ص 181) نساؤهم. ليسوا منا ولا من أهل الكتاب.
481 - حدثنا عباس بن هشام عن أبيه،
عن عوانة بن الحكم وأبى مخنف قالا: كتب عمير بن سعد إلى عمر
ابن الخطاب رضي الله عنه يعلمه أنه أتى شق الفرات الشامي، ففتح عانات
وسائر حصون الفرات، وأنه أراد من هناك من بنى تغلب على الاسلام فأبوه
وهموا باللحاق بأرض الروم. وقبلهم أراد من في الشق الشرقي على ذلك
فامتنعوا منه وسألوه أن يأذن لهم في الجلاء، واستطلع رأيه فيهم. فكتب إليه
عمر رضي الله عنه يأمره أن يضعف عليهم الصدقة التي تؤخذ من المسلمين
في كل سائمة وأرض، وإن أبوا ذلك حاربهم حتى تبيدهم أو يسلموا. فقبلوا
216

أن يؤخذ منهم ضعف الصدقة وقالوا: أما إذ لم تكن جزية كجزية الأعلاج
فإنا نرضى ونحفظ ديننا.
482 - حدثني عمرو الناقد قال: حدثني أبو معاوية عن الشيباني عن السفاح،
عن داود بن كردوس قال: صالح عمر بن الخطاب بنى تغلب، بعد ما قطعوا
الفرات وأرادوا اللحاق بأرض الروم، على أن لا يصبغوا صبيا ولا يكرهوه على
دينهم، وعلى أن عليهم الصدقة مضعفة.
قال: وكان داود بن كردوس يقول: ليست لهم ذمة لأنهم قد صبغوا
في دينهم، يعنى المعمودية.
483 - فحدثني الحسين بن الأسود قال: حدثنا يحيى بن آدم عن ابن المبارك عن يونس
ابن يزيد الآيلي،
عن الزهري قال: ليس في مواشي أهل الكتاب صدقة، إلا نصارى
بنى تغلب، أو قال نصارى العرب، الذين عامة أموالهم المواشي، فإن عليهم
ضعف ما على المسلمين.
484 - حدثنا سعيد بن سليمان سعدويه حدثنا هشيم عن مغيرة عن السفاح بن المثنى،
عن زرعة بن النعمان أنه كان كلم عمر في نصارى بنى تغلب وقال: قوم
عرب يأنفون من الجزية، وإنما هم أصحاب حروث ومواش. وكان عمر قد هم
أن يأخذ الجزية منهم فتفرقوا في البلاد. فصالحهم على أن أضعف عليهم
(ص 182) ما يؤخذ من المسلمين من صدقاتهم في الأرض والماشية، واشترط
عليهم أن لا ينصروا أولادهم.
217

قال مغيرة: فكان علي عليه السلام يقول: لئن تفرغت لبني تغلب ليكونن
لي فيهم رأى. لأقتلن مقاتلتهم ولأسبين ذريتهم، فقد نقضوا العهد وبرئت
منهم الذمة حين نصروا أولادهم.
485 - وحدثني أبو نصر التمار قال: حدثنا شريك بن عبد الله عن إبراهيم
ابن مهاجر،
عن زياد بن حدير الأسدي قال: بعثني عمر إلى نصارى بنى تغلب آخذ
منهم نصف عشر أموالهم، ونهاني أن أعشر مسلما أو ذميا يؤدى الخراج.
486 - حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن ابن أبي سبرة عن عبد الملك بن نوفل،
عن محمد بن إبراهيم بن الحارث أن عثمان أمر أن لا يقبل من بنى تغلب
في الجزية إلا دهيك الذهب والفضة. فجاءه الثبت أن عمر أخذ منهم ضعف
الصدقة. فرجع عن ذلك.
قال الواقدي: وقال سفيان الثوري، والأوزاعي، ومالك بن أنس،
وابن أبي ليلى، وابن أبي ذئب، وأبو حنيفة، وأبو يوسف: يؤخذ من التغلبي
ضعف ما يؤخذ من المسلم في أرضه وماشيته وماله. فأما الصبي والمعتوه منهم
فإن أهل العراق يرون أن يؤخذ ضعف الصدقة من أرضه ولا يأخذون من
ماشيته شيئا. قال أهل الحجاز: يؤخذ ذلك من ماشيته وأرضه. وقالوا جميعا:
إن سبيل ما يؤخذ من أموال بنى تغلب سبيل مال الخراج لأنه بدل من الجزية.
218

الثغور الجزرية
487 - قالوا: لما استخلف عثمان بن عفان رضي الله عنه كتب إلى معاوية
بولايته الشام. وولى عمير بن سعد الأنصاري الجزيرة ثم عزله. وجمع لمعاوية
الشام (ص 183) والجزيرة وثغورهما، وأمره أن يغزو شمشاط، وهي أرمينية
الرابعة، أو يغزيها. فوجه إليها حبيب بن مسلمة الفهري وصفوان بن معطل
السلمي ففتحاها بعد أيام من نزولهما عليها على مثل صلح الرها. وأقام صفوان
بها، وبها توفى في آخر خلافة معاوية. ويقال بل غزاها معاوية نفسه، وهذان
معه. فولاها صفوان فأوطنها وتوفى بها.
488 - قالوا: وقد كان قسطنطين الطاغية أناخ عليها بعد نزوله في ملطية
في سنة ثلاث وثلاثين ومئة، فلم يمكنه فيها شئ فأغار على ما حولها، ثم انصرف.
ولم تزل شمشاط خراجية حتى صيرها المتوكل على الله رحمه الله عشرية أسوة
غيرها من الثغور.
489 - وقالوا: غزا حبيب بن مسلمة حصن كمخ بعد فتح شمشاط،
فلم يقدر عليه. وغزاه صفوان فلم يمكنه فتحه. ثم غزاه في سنة تسع وخمسين،
وهي السنة التي مات فيها ومعه عمير بن الحباب السلمي. فعلا عمير سوره ولم يزل
يجالد عليه وحده حتى كشف الروم وصعد المسلمون، ففتحه لعمير بن الحباب،
وبذلك كان يفخر ويفخر له.
ثم إن الروم غلبوا عليه ففتحه مسلمة بن عبد الملك. ولم يزل يفتح وتغلب
الروم عليه. فلما كانت سنة تسع وأربعين ومئة شخص المنصور عن بغداد
219

حتى نزل حديثة الموصل، ثم أغزى منها الحسن بن قحطبة وبعده محمد
ابن الأشعث، وجعل عليهما العباس بن محمد وأمره أن يغزو بهم كمخ. فمات محمد
ابن الأشعث بآمد، وسار العباس والحسن حتى صارا إلى ملطية فحملا منها
الميرة ثم أناخا على كمخ، وأمر العباس بنصب المنجنيق عليه، فجعلوا على حصنهم
خشب العرعر لئلا تضربه حجارة المنجنيق، ورموا للمسلمين فقتلوا منهم بالحجارة
مائتي رجل، فاتخذ المسلمون الدبابات وقاتلوا قتالا (ص 184) شديدا حتى
فتحوه، وكان مع العباس بن محمد بن علي في غزاته هذه مطر الوراق. ثم إن الروم
أغلقوا كمخ. فلما كانت سنة سبع وسبعين ومئة غزا محمد بن عبد الله
ابن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري، وهو عامل عبد الملك بن صالح على
شمشاط، ففتحه ودخله لأربع عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الآخر من هذه
السنة. فلم يزل مفتوحا حتى كان هيج محمد بن الرشيد، فهرب أهله وغلبت عليه
الروم. ويقال إن عبيد الله بن الأقطع دفعه إليهم وتخلص ابنه، وكان أسيرا
عندهم. ثم إن عبد الله بن طاهر فتحه في خلافة المأمون فكان في أيدي
المسلمين، حتى لطف قوم من نصارى شمشاط وقاليقلا وبقراط بن أشوط
بطريق خلاط، في دفعه إلى الروم والتقرب إليهم بذلك بسبب ضياع لهم
في عمل شمشاط.
220

ملطية
490 - وقالوا: وجه عياض بن غنم حبيب بن مسلمة الفهري من
شمشاط إلى ملطية ففتحها، ثم أغلقت. فلما ولى معاوية الشام والجزيرة وجه
إليها حبيب بن مسلمة ففتحها عنوة، ورتب فيها رابطة من المسلمين مع عاملها.
وقدمها معاوية وهو يريد دخول الروم فشحنها بجماعة من أهل الشام والجزيرة
وغيرهما، فكانت طريق الصوائف. ثم إن أهلها انتقلوا عنها في أيام عبد الله
ابن الزبير، وخرجت الروم فشعثتها ثم تركتها. فنزلها قوم من النصارى من
الأرمن والنبط.
491 - وحدثني محمد بن سعد،
عن الواقدي في اسناده قال: كان المسلمون نزلوا طرندة بعد أن غزاها عبد الله بن
عبد الملك سنة ثلاث وثمانين، وبنوا بها مساكن. وهي من ملطية على ثلاث مراحل
واغلة في بلاد الروم. وملطية يومئذ خراب ليس بها إلا ناس من أهل الذمة من الأرمن
وغيرهم. فكانت تأتيهم طالعة من جند الجزيرة في الصيف، فيقيمون بها إلى أن ينزل
الشتاء وتسقط الثلوج، فإذا كان ذلك قفلوا. فلما (ص 185) ولى عمر بن عبد العزيز
رضي الله عنه رحل أهل طرندة عنها وهم كارهون، وذلك لاشفاقه عليهم من
العدو، واحتملوا فلم يدعوا لهم شيئا حتى كسروا خوابي الخل والزيت، ثم أنزلهم
ملطية وأخرب طرندة، وولى على ملطية جعونة بن الحارث أحد بنى عامر
ابن صعصعة.
492 - قالوا: وخرج عشرون ألفا من الروم في سنة ثلاث وعشرين ومئة
221

فنزلوا على ملطية. فأغلق أهلها أبوابها، وظهر النساء على السور عليهن العمائم
فقاتلن. وخرج رسول لأهل ملطية مستغيثا. فركب البريد وسار حتى لحق
بهشام بن عبد الملك وهو بالرصافة. فندب هشام الناس إلى ملطية. ثم أتاه الخبر
بأن الروم قد رحلت عنها، فدعا الرسول فأخبره وبعث معه خيلا ليرابط بها.
وغزا هشام نفسه، ثم نزل ملطية وعسكر عليها حتى بنيت، فكان ممره بالرقة،
دخلها متقلدا سيفا ولم يتقلده قبل ذلك في أيامه.
493 - قال الواقدي: لما كانت سنة ثلاث وثلاثين ومئة أقبل قسطنطين
الطاغية عامدا لملطية، وگمخ يومئذ في أيدي المسلمين وعليها رجل من بنى
سليم. فبعث أهل كمخ الصريخ إلى أهل ملطية. فخرج إلى الروم منهم
ثماني مئة فارس، فواقعتهم خيل الروم فهزمتهم. ومال الرومي فأناخ على ملطية
فحصر من فيها، والجزيرة يومئذ مفتونة، وعاملها موسى بن كعب بحران.
فوجهوا رسولا لهم إليه فلم يمكنه إغاثتهم. وبلغ ذلك قسطنطين فقال لهم:
يا أهل ملطية! إني لم آتكم إلا على علم بأمركم وتشاغل سلطانكم. انزلوا على
الأمان وأخلوا المدينة وأخربها وأمضى عنكم. فأبوا عليه، فوضع عليها المجانيق.
فلما جهدهم البلاء واشتد عليهم الحصار سألوه أن يوثق لهم ففعل. ثم استعدوا
للرحلة وحملوا ما استدق لهم، وألقوا كثيرا مما ثقل عليهم في الآبار والمخابي،
ثم خرجوا. وأقام لهم الروم صفين من باب المدينة إلى منقطع آخرهم مخترطي
السيوف، طرف سيف كل واحد منهم (ص 186) مع طرف سيف الذي يقابله
حتى كأنها عقد قنطرة، ثم شيعوهم حتى بلغوا مأمنهم وتوجهوا نحو الجزيرة
فتفرقوا فيها. وهدم الروم ملطية فلم يبقوا منها إلا هريا، فإنهم شعثوا منه
شيئا يسيرا، وهدموا حصن قلوذية.
222

فلما كانت سنة تسع وثلاثين ومئة كتب المنصور إلى صالح بن علي يأمره
ببناء ملطية وتحصينها. ثم رأى أن يوجه عبد الوهاب بن إبراهيم الامام واليا على
الجزيرة وثغورها، فتوجه في سنة أربعين ومئة ومعه الحسن قحطبة في جنود
أهل خراسان. فقطع البعوث على أهل الشام والجزيرة، فتوافى معه سبعون ألفا.
فعسكر على ملطية وقد جمع الفعلة من كل بلد فأخذ في بنائها. وكان الحسن بن
قحطبة ربما حمل الحجر حتى يناوله البناء. وجعل يغدي الناس ويعشيهم من
ماله مبرزا مطابخه. فغاظ ذلك عبد الوهاب فكتب إلى أبى جعفر يعلمه أنه
يطعم الناس. وأن الحسن يطعم أضعاف ذلك التماسا لان يطوله ويفسد ما يصنع
ويهجنه بالاسراف والرياء، وأن له منادين ينادون الناس إلى طعامه. فكتب
إليه أبو جعفر: يا صبي! يطعم الحسن من ماله، وتطعم من مالي. ما أتيت إلا من
صغر خطرك وقلة همتك وسفه رأيك. وكتب إلى الحسن: أطعم ولا تتخذ
مناديا. فكان الحسن يقول: من سبق إلى شرفة فله كذا. فجد الناس في العمل
حتى فرغوا من بناء ملطية ومسجدها في ستة أشهر، وبنى للجند الذين أسكنوها
لكل عرافة بيتان سفليان وعليتان فوقهما واصطبل، والعرافة عشرة نفر إلى
خمسة عشر رجلا. وبنى لها مسلحة على ثلاثين ميلا منها، ومسلحة على نهر
يدعى قباقب يدفع في الفرات. وأسكن المنصور ملطية أربعة آلاف مقاتل من
أهل الجزيرة لأنها من ثغورهم، على زيادة عشرة دنانير في عطاء كل رجل ومعونة
مئة دينار، سوى (ص 187) الجعل الذي يتجاعله القبائل بينها. ووضع فيها
شحنتها من السلاح، وأقطع الجند المزارع، وبنى حصن قلوذية. وأقبل قسطنطين
الطاغية في أكثر من مئة ألف فنزل جيحان، فبلغه كثرة العرب فأحجم عنها.
494 - وسمعت من يذكر أنه كان مع عبد الوهاب في هذه الغزاة نصر بن
مالك الخزاعي ونصر بن سعد الكاتب مولى الأنصار. فقال الشاعر:
223

تكنفك النصران نصر بن مالك * ونصر بن سعد عز نصرك من نصر
وفى سنة إحدى وأربعين ومئة أغزى محمد بن إبراهيم ملطية في جند من أهل
خراسان وعلى شرطته المسيب بن زهير. فرابط بها لئلا يطمع فيها العدو، فتراجع
إليها من كان باقيا من أهلها. وكانت الروم عرضت لملطية في خلافة الرشيد فلم
تقدر عليها، وغزاهم الرشيد رحمه الله فأشجاهم وقمعهم.
495 - وقالوا: وجه أبو عبيدة بن الجراح وهو بمنبج خالد بن الوليد إلى
ناحية مرعش، ففتح حصنها على أن جلا أهله ثم أخربه. وكان سفيان بن عوف
الغامدي لما غزا الروم في سنة ثلاثين رحل من قبل مرعش فساح في بلاد الروم.
وكان معاوية بنى مدينة مرعش وأسكنها جند، فلما كان موت يزيد بن معاوية
كثرت غارات الروم عليهم فانتقلوا عنها. وصالح عبد الملك الروم بعد موت أبيه
مروان بن الحكم وطلبه الخلافة على شئ كان يؤديه إليهم. فلما كانت سنة
أربع وسبعين غزا محمد بن مروان الروم وانتقض الصلح.
ولما كانت سنة خمس وسبعين غزا الصائفة أيضا محمد بن مروان. وخرجت
الروم في جمادى الأولى من قبل مرعش إلى الأعماق. فزحف إليهم المسلمون
وعليهم أبان بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط، ومعه دينار بن دينار مولى
عبد الملك بن مروان، وكان على قنسرين وكورها. فالتقوا بعمق مرعش،
فاقتتلوا قتالا شديدا، فهزمت الروم واتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون. وكان
دينار لقي في هذا العام (ص 188) جماعة من الروم بحسر يغرا، وهو من
شمشاط على نحو من عشرة أميال، فظفر بهم. ثم إن العباس بن الوليد بن
عبد الملك صار إلى مرعش فعمرها وحصنها ونقل الناس إليها، وبنى لها مسجدا
جامعا. وكان يقطع في كل عام على أهل قنسرين بعثا إليها.
224

فلما كانت أيام مروان بن محمد وشغل بمحاربة أهل حمص خرجت الروم
وحصرت مدينة مرعش حتى صالحهم أهلها على الجلاء، فخرجوا نحو الجزيرة
وجند قنسرين بعيالاتهم، ثم أخربوها. وكان عامل مروان عليها يومئذ
الكوثر بن زفر بن الحارث الكلابي. وكان الطاغية يومئذ قسطنطين بن اليون.
ثم لما فرغ مروان من أمر حمص وهدم سورها بعث جيشا لبناء مرعش فبنيت
ومدنت. فخرجت الروم في فتنته فأخربتها، فبناها صالح بن علي في خلافة أبى
جعفر المنصور وحصنها وندب الناس إليها على زيادة العطاء. واستخلف المهدى
فزاد في شحنتها وقوى أهلها.
496 - حدثني محمد بن سعد،
عن الواقدي قال: خرج ميخائيل من درب الحدث في ثمانين ألفا، فأتى عمق
مرعش، فقتل وأحرق وسبى من المسلمين خلقا، وصار إلى باب مدينة مرعش وبها
عيسى بن علي، وكان قد غزا في تلك السنة، فخرج إليه موالي عيسى وأهل المدينة
ومقاتلتهم فرشقوه بالنبل والسهام، فاستطرد لهم حتى إذا نحاهم عن المدينة كر عليهم
فقتل من موالي عيسى ثمانية نفر، واعتصم الباقون بالمدينة فأغلقوها فحاصرهم بها.
ثم انصرف حتى نزل جيحان. وبلغ الخبر ثمامة بن الوليد العبسي وهو بدابق، وكان
قد ولى الصائفة سنة إحدى وستين ومئة، فوجه إليه خيلا كثيفة فأصيبوا إلا من
نجا منهم، فأحفظ ذلك المهدى، واحتفل لاغزاء الحسن بن قحطبة في العام المقبل
وهو سنة اثنتين وستين ومئة.
497 - قالوا: وكان حصن الحدث مما فتح أيام عمر، فتحه حبيب بن
مسلمة من قبل عياض بن غنم. وكان معاوية يتعهده (ص 189) بعد ذلك
225

وكان بنو أمية يسمون درب الحدث السلامة للطيرة، لان المسلمين كانوا أصيبوا
به فكان ذلك الحدث فيما يقول بعض الناس.
وقال قوم: لقي المسلمين غلام حدث على الدرب فقاتلهم في أصحابه، فقيل
درب الحدث.
ولما كان زمن فتنة مروان بن محمد خرجت الروم فهدمت مدينة الحدث
وأجلت عنها أهلها كما فعلت بملطية. ثم لما كانت سنة إحدى وستين ومئة
خرج ميخائيل إلى عمق مرعش، ووجه المهدى الحسن بن قحطبة ساح في بلاد
الروم فثقلت وطأته على أهلها حتى صوروه في كنائسهم. وكان دخوله من
درب الحدث، فنظر إلى موضع مدينتها فأخبر أن ميخائيل خرج منه، فارتاد
الحسن موضع مدينته هناك، فلما انصرف كلم المهدى في بنائها وبناء طرسوس،
فأمر بتقديم بناء مدينة الحدث. وكان في غزاة الحسن هذه مندل العنزي
المحدث الكوفي، ومعتمر بن سليمان البصري، فأنشأها على بن سليمان بن علي
وهو على الجزيرة وقنسرين، وسميت المحمدية، وتوفى المهدى مع فراغهم من
من بنائها فهي المهدية والمحمدية. وكان بناؤها باللبن، وكانت وفاته سنة
تسع وستين ومئة. واستخلف موسى الهادي ابنه فعزل على بن سليمان وولى
الجزيرة وقنسرين محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي. وقد كان على بن سليمان
فرغ من بناء مدينة الحدث، وفرض محمد لها فرضا من أهل الشام والجزيرة
وخراسان في أربعين دينارا من العطاء، وأقطعهم المساكن، وأعطى كل امرئ
ثلاث مئة درهم. وكان الفراغ منها في سنة تسع وستين ومئة. وقال أبو الخطاب:
فرض على بن سليمان بمدينة الحدث لأربعة آلاف فأسكنهم إياها، ونقل إليها
من ملطية وشمشاط وكيسوم ودلوك ورعبان ألفي رجل.
226

498 - قال الواقدي: ولما بنيت مدينة الحدث هجم الشتاء والثلوج
وكثرت الأمطار، (ص 190) ولم يكن بناؤها بمستوثق منه ولا محتاط فيه،
فتثلمت المدينة وتشعثت ونزل بها الروم، فتفرق عنها من كان فيها من جندها
وغيرهم. وبلغ الخبر موسى فقطع بعثا مع المسيب بن زهير وبعثا مع روح بن حاتم
وبعثا مع حمزة بن مالك فمات قبل أن ينفذا. ثم ولى الرشيد الخلافة فامر ببنائها
وتحصينها وشحنتها وإقطاع مقاتلتها المساكن والقطائع.
499 - وقال غير الواقدي: أناخ بطريق من عظماء بطارقة الروم في جمع
كثيف على مدينة الحدث حين بنيت، وكان بناؤها بلبن قد حمل بعضه على
بعض، وأضرت به الثلوج. وهرب عاملها ومن فيها، ودخلها العدو فحرق
مسجدها وأخربها واحتمل أمتعة أهلها، فبناها الرشيد حين استخلف.
500 - وحدثني بعض أهل منبج قال: إن الرشيد كتب إلى محمد بن
إبراهيم بإقراره على عمله، فجرى أمر مدينة الحدث وعمارتها من قبل الرشيد على
يده ثم عزله.
501 - قالوا: وكان مالك بن عبد الخثعمي الذي يقال " مالك الصوائف "،
وهو من أهل فلسطين، غزا بلاد الروم سنة ست وأربعين وغنم غنائم كثيرة،
ثم قفل. فلما كان من درب الحدث على خمسة عشر ميلا بموضع يدعى الرهوة أقام
فيها ثلاثا. فباع الغنائم وقسم سهام الغنيمة، فسميت تلك الرهوة رهوة مالك.
502 - قالوا: وكان مرج عبد الواحد حمى لخيل المسلمين. فلما بنى الحدث
وزبطرة استغنى عنه فازدرع.
227

قالوا: وكانت زبطرة حصنا قديما روميا ففتح مع حصن الحدث القديم،
فتحه حبيب بن مسلمة الفهري، وكان قائما إلى أن أخربته الروم في أيام الوليد
ابن يزيد، فبنى بناء غير محكم. فأناخت الروم عليه في أيام فتنة مروان بن محمد
فهدمته، فبناه المنصور. ثم خرجت إليه فشعثته، فبناه الرشيد على يدي محمد بن
إبراهيم وشحنه. فلما كانت خلافة المأمون (ص 191) طرقه الروم فشعثوه
وأغاروا على سرح أهله فاستاقوا لهم مواشي، فأمر المأمون بمرمته وتحصينه. وقدم
وفد طاغية الروم في سنة عشر ومائتين يسأل الصلح فلم يجبه إليه، وكتب إلى
عمال الثغور فساحوا في بلاد الروم فأكثروا فيها القتل ودوخوها وظفروا ظفرا
حسنا، إلا أن يقظان بن عبد الاعلى بن أحمد بن يزيد بن أسيد السلمي أصيب.
ثم خرجت الروم إلى زبطرة في خلافة المعتصم بالله أبى إسحاق بن الرشيد فقتلوا
الرجال وسبوا النساء وأخربوها، فأحفظه ذلك وأغضبه فغزاهم حتى بلغ عمورية
وقد أخرب قبلها حصونا، فأناخ عليها حتى فتحها، فقتل المقاتلة وسبى النساء
والذرية ثم أخربها، وأمر ببناء زبطرة وحصنها وشحنها فرامها الروم بعد ذلك
فلم يقدروا عليها.
503 - وحدثني أبو عمرو الباهلي وغيره قالوا: نسب حصن منصور إلى
منصور بن جعونة بن الحارث العامري من قيس، وذلك أنه تولى بناءه ومرمته،
وكان مقيما به أيام مروان ليرد العدو ومعه جند كثيف من أهل الشام والجزيرة.
وكان منصور هذا على أهل الرها حين امتنعوا في أول الدولة، فحصرهم المنصور
وهو عامل أبى العباس على الجزيرة وأرمينية، فلما فتحها هرب منصور ثم أمن
فظهر، فلما خلع عبد الله بن علي أبا جعفر المنصور ولاه شرطته، فلما هرب عبد الله
228

إلى البصرة استخفى، فدل عليه في سنة إحدى وأربعين ومئة، فأتى المنصور به فقتله
بالرقة منصرفه من بيت المقدس. وقوم يقولون إنه أمن بعد هرب ابن علي، فظهر.
ثم وجدت له كتب إلى الروم بغش الاسلام. فلما قدم المنصور الرقة من بيت
المقدس سنة إحدى وأربعين ومئة وجه من أتاه به فضرب عنقه بالرقة،
ثم انصرف إلى الهاشمية بالكوفة. وكان الرشيد بنى حصن منصور وشحنه
في خلافة المهدى (ص 192).
229

نقل ديوان الرومية
504 - قالوا: ولم يزل ديوان الشام بالرومية حتى ولى عبد الملك بن مروان،
فلما كانت سنة إحدى وثمانين أمر بنقله. وذلك أن رجلا من كتاب الروم
احتاج أن يكتب شيئا فلم يجد ماء فبال في الدواة. فبلغ ذلك عبد الملك فأدبه،
وأمر سليمان بن سعد بنقل الديوان فسأله أن يعينه بخراج الأردن سنة، ففعل
ذلك وولاه الأردن فلم تنقض السنة حتى فرغ من نقله وأتى به عبد الملك. فدعا
بسرجون كاتبه فعرض ذلك عليه فغمه وخرج من عنده كئيبا، فلقيه قوم من
كتاب الروم فقال: اطلبوا المعيشة من غير هذه الصناعة فقد قطعها الله عنكم.
قال: وكانت وظيفة الأردن التي قطعها معونة مئة ألف وثمانين ألف دينار،
ووظيفة فلسطين ثلاث مئة ألف وخمسين ألف دينار، ووظيفة دمشق أربع مئة
ألف دينار، ووظيفة حمص مع قنسرين والكور التي تدعى اليوم العواصم ثمان
مئة ألف دينار، ويقال سبع مئة ألف دينار.
230

فتوح أرمينية
505 - حدثني محمد بن إسماعيل من ساكني برذعة وغيره عن أبي براء عنبسة بن
بحر الأرمني، وحدثني محمد بن بشر القالي عن أشياخه وبرمك بن عبد الله الدبيلي ومحمد بن
المخيس الخلاطي وغيرهم،
عن قوم من أهل العلم بأمور أرمينية سقت حديثهم ورددت من بعضه على
بعض قالوا: كانت شمشاط وقاليقلا وخلاط وأرجيش وباجنيس تدعى أرمينية
الرابعة (ص 193)، وكانت كورة البسفرجان ودبيل وسراج طير وبغروند
تدعى أرمينية الثالثة، وكانت جرزان تدعى أرمينية الثانية، وكانت السيسجان
وأران تدعى أرمينية الأولى.
ويقال: كانت شمشاط وحدها أرمينية الرابعة. وكانت قاليقلا وخلاط
وأرجيش وباجنيس تدعى أرمينية الثالثة، وسراج طير وبغروند ودبيل
والبسفرجان تدعى أرمينية الثانية، وسيسجان وأران وتفليس تدعى
أرمينية الأولى.
وكانت جرزان وأران في أيدي الخزر، وسائر أرمينية في أيدي الروم
يتولاها صاحب أرمنياقس. وكانت الخزر تخرج فتغير وربما بلغت الدينور.
فوجه قباذ بن فيروز الملك قائدا من عظماء قواده في اثنى عشر ألفا فوطئ بلاد
أران وفتح ما بين النهر الذي يعرف بالرس إلى شروان. ثم إن قباذ لحق به
فبنى بأران مدينة البيلقان، ومدينة برذعة، وهي مدينة الثغر كله، ومدينة
قبلة وهي الخزر. ثم بنى سد اللبن فيما بين أرض شروان وباب اللان، وبنى
على سد اللبن ثلاث مئة وستين مدينة خربت بعد بناء الباب والأبواب. ثم إنه
ملك بعد قباذ ابنه أنو شروان كسرى بن قباذ، فبنى مدينة الشابران ومدينة
231

مسقط، ثم بنى مدينة الباب والأبواب. وإنما سميت أبوابا لأنها بنيت على
طريق في الجبل. وأسكن ما بنى من هذه المواضع قوما سماهم السياسيجين.
وبنى بأرض أران أبواب شكن والقميبران وأبواب الدودانية، وهم أمة يزعمون
أنهم من بنى (ص 194) دودان بن أسد بن خزيمة، وبنى الدرذقية وهي
اثنا عشر بابا، كل باب منها قصر من حجارة، وبنى بأرض جرزان مدينة يقال
لها سغدبيل وأنزلها قوما من السغد وأبناء فارس، وجعلها مسلحة، وبنى مما يلي
الروم في بلاد جرزان قصرا يقال له باب فيروزقباذ، وقصرا يقال له باب لاذقة،
وقصرا يقال له باب بارقة، وهو على بحر طرابزندة، وبنى باب اللان وباب
سمسخى، وبنى قلعة الجردمان، وقلعة شمشلدى. وفتح أنوشروان جميع ما كان
في أيدي الروم من أرمينية، وعمر مدينة دبيل وحصنها، وبنى مدينة النشوي،
وهي مدينة كورة البسفرجان، وبنى حصن ويص، وقلاعا بأرض السيسجان منها
قلعة الكلاب، وساهيونس، وأسكن هذه الحصون والقلاع ذوي البأس
والنجدة من سياسيجية. ثم إن أنوشروان كتب إلى ملك الترك يسأله الموادعة
والصلح وأن يكون أمرهما واحدا، وخطب إليه ابنته ليؤنسه بذلك، وأظهر له
الرغبة في صهره، وبعث إليه بأمة كانت تبنتها امرأة من نسائه، وذكر أنها
ابنته. فهدى التركي ابنته إليه. ثم قدم عليه فالتقيا بالبرشلية وتنادما أياما وأنس
كل واحد منهما بصاحبه، وأظهر بره، وأمر أنوشروان جماعة من خاصته وثقاته
أن يبيتوا طرفا من عسكر التركي ويحرقوا فيه، ففعلوا. فلما أصبح شكا ذلك
إلى أنوشروان فأنكر أن يكون أمر به أو علم أن أحدا من أصحابه فعله. ولما مضت
لذلك ليال أمر أولئك القوم بمعاودة مثل الذي كان منهم، ففعلوا. فضج التركي
من فعلهم (ص 195) حتى رفق به أنوشروان واعتذر إليه فسكن. ثم إن
أنوشروان أمر فألقيت النار في ناحية من عسكره لم يكن بها إلا أكواخ قد
اتخذت من حشيش وعيدان، فلما أصبح ضج أنوشروان إلى التركي وقال: كاد
232

أصحابك يذهبون بعسكري، وقد كان فأتني بالظنة. فحلف أنه لم يعلم لشئ
مما كان سببا. فقال أنوشروان: يا أخي! جندنا وجندك قد كرهوا صلحنا
لانقطاع ما انقطع عنهم من النيل في الغارات والحروب التي كانت تكون بيننا
ولا آمن أن يحدثوا أحداثا تفسد قلوبنا بعد تصافينا وتخالصنا حتى نعود إلى
العداوة بعد الصهر والمودة، والرأي أن تأذن لي في بناء حائط يكون بيني وبينك
ونجعل عليه بابا فلا يدخل إليك من عندنا وإلينا من عندك إلا من أردت وأردنا.
فأجابه إلى ذلك. فانصرف إلى بلاده وأقام أنوشروان لبناء الحائط، فبناه وجعله
من قبل البحر بالصخر والرصاص، وجعل عرضه ثلاث مئة ذراع، وألحقه برؤوس
الجبال، وأمر أن تحمل الحجارة في السفن وبتغريقها في البحر حتى إذا ظهرت
على وجه الماء بنى عليها فقاد الحائط في البحر ثلاثة أميال. فلما فرغ من بنائه
علق على المدخل منه أبواب حديد ووكل به مائة فارس يحرسونه بعد أن كان
موضعه يحتاج إلى خمسين ألفا من الجند، وجعل عليه دبابة، فقيل لخاقان بعد
ذلك: إنه خدعك وزوجك غير ابنته وتحصن منك. فلم يقدر على حيلة.
وملك أنوشروان ملوكا رتبهم، وجعل لكل امرئ منهم شاهية ناحية. فمنهم
خاقان الجبل وهو صاحب السرير ويدعى وهرارزانشاه، ومنهم ملك فيلان
وهو فيلان شاه، ومنهم طبرسر انشاه، وملك اللكز ويدعى جرشانشاه، وملك
مسقط وقد بطلت مملكته، وملك ليران ويدعى ليرانشاه، وملك شروان ويدعى
شروانشاه (ص 166)، وملك صاحب بخ على بخ، وصاحب زريكران
عليها، وأقر ملوك جبل القبق على ممالكهم وصالحهم على الإتاوة. فلم تزل
أرمينية في أيدي الفرس حتى ظهر الاسلام، فرفض كثير من السياسيجين
حصونهم ومدائنهم حتى خربت، وغلب الخزر والروم على ما كان
في أيديهم بديا.
233

506 - قالوا: وقد كانت أمور الروم تشتتت في بعض الأزمنة وصاروا كملوك
الطوائف. فملك أرمنياقس رجل منهم، ثم مات فملكتها بعده امرأته، وكانت
تسمى قالى. فبنت مدينة قاليقلا وسمتها قاليقاله، ومعنى ذلك إحسان قالى.
قال: وصورت على باب من أبوابها، فأعربت العرب قاليقاله فقالوا: قاليقلا.
507 - قالوا: ولما استخلف عثمان بن عفان كتب إلى معاوية، وهو
عامله على الشام والجزيرة وثغورها، يأمره أن يوجه حبيب بن مسلمة الفهري
إلى أرمينية. وكان حبيب ذا أثر جميل في فتوح الشام وغزو الروم، قد علم ذلك
منه عمر ثم عثمان رضي الله عنهما ثم من بعده. ويقال بل كتب عثمان إلى حبيب
يأمره بغزو أرمينية، وذلك أثبت. فنهض إليها في ستة آلاف، ويقال في ثمانية آلاف
من أهل الشام والجزيرة. فأتى قاليقلا فأناخ عليها وخرج إليه أهلها فقاتلهم
ثم ألجأهم إلى المدينة، فطلبوا الأمان على الجلاء والجزية، فجلا كثير منهم فلحقوا
ببلاد الروم. وأقام حبيب بها فيمن معه أشهرا. ثم بلغه أن بطريق أرمنياقس
قد جمع للمسلمين جمعا عظيما وانضمت إليه أمداد أهل اللان وأفخاز وسمندر
من الخزر. فكتب إلى عثمان يسأله المدد، فكتب إلى معاوية يسأله أن
يشخص إليه من أهل الشام والجزيرة قوما ممن يرغب في الجهاد والغنيمة. فبعث
إليه معاوية ألفي رجل أسكنهم قاليقلا وأقطعهم (ص 197) بها القطائع وجعلهم
مرابطة بها. ولما ورد على عثمان كتاب حبيب كتب إلى سعيد بن العاصي بن سعيد
ابن العاصي بن أمية، وهو عامله على الكوفة، يأمره بإمداده بجيش عليه سلمان
ابن ربيعة الباهلي وهو سلمان الخيل. وكان خيرا فاضلا غزاء. فسار سلمان الخيل
إليه في ستة آلاف رجل من أهل الكوفة، وقد أقبلت الروم ومن معها فنزلوا
على الفرات، وقد أبطأ على حبيب المدد، فبيتهم المسلمون فاجتاحوهم وقتلوا عظيمهم.
234

وقالت أم عبد الله بنت يزيد الكلبية امرأة حبيب ليلتئذ له: أين موعدك؟
قال: سرادق الطاغية أو الجنة، فلما انتهى إلى السرادق وجدها عنده.
508 - قالوا: ثم إن سلمان ورد وقد فرغ المسلمون من عدوهم، فطلب
أهل الكوفة إليهم أن يشركوهم في الغنيمة فلم يفعلوا، حتى تغالظ حبيب وسلمان
في القول وتوعد بعض المسلمين سلمان بالقتل. قال الشاعر:
إن تقتلوا سلمان نقتل حبيبكم * وإن ترحلوا نحو ابن عفان نرحل
وكتب إلى عثمان بذلك فكتب: إن الغنيمة باردة لأهل الشام. وكتب
إلى سلمان يأمره بغزو أران.
وقد روى بعضهم أن سلمان بن ربيعة توجه إلى أرمينية في خلافة عثمان
فسبى وغنم وانصرف إلى الوليد بن عقبة وهو بحديثة الموصل سنة خمس وعشرين.
فأتاه كتاب عثمان يعلمه أن معاوية كتب يذكر أن الروم قد أجلبوا على المسلمين
بجموع عظيمة يسأل المدد ويأمره أن يبعث إليه ثمانية آلاف رجل، فوجه بهم
وعليهم سلمان بن ربيعة الباهلي، ووجه معاوية حبيب بن مسلمة الفهري معه
في مثل تلك العدة، فافتتحا حصونا وأصابا سبيا وتنازعا الامارة، وهم أهل
الشام بسلمان فقال الشاعر: إن تقتلوا، البيت.
والخبر الأول أثبت حدثني به عدة من مشايخ أهل قاليقلا، وكتب إلى به
العطاف بن سفيان أبو الأصبغ قاضيها.
509 - وحدثني (198) محمد بن سعد عن الواقدي عن عبد الحميد بن جعفر،
عن أبيه قال: حاصر حبيب بن مسلمة أهل دبيل فأقام عليها. فلقيه الموريان
الرومي، فبيته وقتله وغنم ما كان في عسكره، ثم قدم سلمان عليه. والثبت عندهم
أنه لقيه بقاليقلا.
235

510 - وحدثني محمد بن بشر وابن ورز العاليان،
عن مشايخ أهل قاليقلا قالوا: لم تزل مدينة قاليقلا منذ فتحت ممتنعة بمن
فيها من أهلها حتى خرج الطاغية في سنة ثلاث وثلاثين ومئة، فحصر أهل ملطية
وهدم حائطها وأجلى من بها من المسلمين إلى الجزيرة. ثم نزل مرج الحصى
فوجه كوسان الأرمني حتى أناخ على قاليقلا، فحصرها وأهلها يومئذ قليل
وعاملها أبو كريمة. فنقب اخوان من الأرمن من أهل مدينة قاليقلا ردما كان
في سورها وخرجا إلى كوسان فأدخلاه المدينة فغلب عليها. فقتل وسبى وهدمها
وساق ما حوى إلى الطاغية وفرق السبي على أصحابه.
511 - وقال الواقدي: لما كانت سنة تسع وثلاثين ومئة فادى المنصور
بمن كان حيا من أسارى أهل قاليقلا، وبنى قاليقلا وعمرها ورد من فادى به
إليها وندب إليها جندا من أهل الجزيرة وغيرهم. وقد كان طاغية الروم خرج
إلى قاليقلا في خلافة المعتصم بالله فرمى سورها حتى كاد يسقط، فأنفق المعتصم
عليها خمس مئة ألف درهم حتى حصنت.
512 - قالوا: ولما فتح حبيب مدينة قاليقلا سار حتى نزل مربالا، فأتاه
بطريق خلاط بكتاب عياض بن غنم. وكان عياض قد أمنه على نفسه وماله
وبلاده وقاطعه على إتاوة، فأنفذه حبيب له، ثم نزل منزلا بين الهرك ودشت
الورك، فأتاه بطريق خلاط بما عليه من المال، وأهدى له هدية لم يقبلها منه،
ونزل خلاط ثم سار منها إلى الصسا؟ ه (كذا) فلقيه بها صاحب مكس، وهي
ناحية من نواحي البسفرجان، فقاطعه على بلاده (ص 199) ووجه معه رجلا
وكتب له كتاب صلح وأمان ووجه إلى قرى أرجيش وباجنيس من غلب
236

عليها وجبى جزية رؤوس أهلها، وأتاه وجوههم فقاطعهم على خراجها، فأما
بحيرة الطريخ فلم يعرض لها ولم تزل مباحة حتى ولى محمد بن مروان بن الحكم
الجزيرة وأرمينية فحوى صيدها وباعه، فكان يستغلها. ثم صارت لمروان بن
محمد فقبضت عنه.
قال: ثم سار حبيب وأتى أزدساط، وهي قرية القرمز، وأجاز نهر
الأكراد ونزل مرج دبيل، فسرب الخيول إليها، ثم زحف حتى نزل على بابها
فتحصن أهلها ورموه، فوضع عليها منجنيقا ورماهم، حتى طلبوا الأمان والصلح
فأعطاهم إياه، وجالت خيوله فنزلت جرني وبلغت أشوش وذات اللجم والجبل
كو؟ تة (؟) ووادي الأحرار، وغلبت على جميع قرى دبيل، ووجه إلى سراج
طير وبغروند فأتاه بطريقها فصالحه عنها على إتاوة يؤديها، وعلس مناصحة
المسلمين وقراهم ومعاونتهم على أعدائهم. وكان كتاب صلح دبيل:
" بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب من حبيب بن مسلمة لنصارى أهل
دبيل ومجوسها ويهودها شاهدهم وغائبهم. إني أمنتكم على أنفسكم وأموالكم
وكنائسكم وبيعكم وسور مدينتكم فأنتم آمنون، وعلينا الوفاء لكم بالعهد
ما وفيتم وأديتم الجزية والخراج، شهد الله وكفى بالله شهيدا. وختم حبيب
ابن مسلمة ".
ثم أتى حبيب النشوي ففتحها على مثل صلح دبيل، وقدم عليه بطريق
البسفرجان فصالحه عن جميع بلاده، وأرضى هصايلته؟؟ (كذا) وافارستة
(كذا) على خرج يؤديه في كل سنة، ثم أتى السيسجان فحاربهم أهلها،
فهزمهم وغلب على ويص، وصالح (ص 200) أهل القلاع بالسيسجان على
خرج يؤدونه، ثم سار إلى جرزان.
237

513 - حدثني مشايخ من أهل دبيل منهم برمك بن عبد الله قالوا:
سار حبيب بن مسلمة بمن معه يريد جرزان. فلما انتهوا إلى ذات اللجم سرحوا
بعض دوابهم وجمعوا لجمها. فخرج عليهم قوم من العلوج فأعجلوهم عن الالجام
فقاتلوهم، فكشفهم العلوج وأخذوا تلك اللجم وما قدروا عليه من الدواب.
ثم إنهم كروا عليهم فقتلوهم وارتجعوا ما أخذوا منهم، فسمى الموضع ذات
اللجم. قالوا: وأتى حبيبا رسول بطريق جرزان وأهلها وهو يريدها، فأدى
إليه رسالتهم وسأله كتاب صلح وأمان لهم، فكتب حبيب إليهم:
" أما بعد فإن نقلي رسولكم قدم على وعلى الذين معي من المؤمنين فذكر
عنكم. إنا أمة أكرمنا الله وفضلنا، وكذلك فعل الله وله الحمد كثيرا وصلى
الله على محمد نبيه وخيرته من خلقه وعليه السلام. وذكرتم أنكم أجبتم سلمنا،
وقد قومت هديتكم وحسبتها من جزيتكم، وكتبت لكم أمانا واشترطت
فيه شرطا، فإن قبلتموه ووفيتم به وإلا فأذنوا بحرب من الله ورسوله والسلام على
من اتبع الهدى ".
ثم ورد تفليس وكتب لأهلها صلحا:
" بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب من حبيب بن مسلمة لأهل طفليس من منجليس من جرزان
القرمز بالأمان على أنفسهم وبيعهم وصوامعهم وصلواتهم ودينهم، على إقرار
بالصغار والجزية، على كل أهل بيت دينار، وليس لكم أن تجمعوا بين أهل
البيوتات تخفيفا للجزية ولا لنا أن نفرق بينهم استكثارا منها، ولنا نصيحتكم
وضلعكم على أعداء الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ما استطعتم، وقرى المسلم
المحتاج ليلة بالمعروف من حلال طعام أهل الكتاب لنا، وإن انقطع برجل من
238

المسلمين عندكم فعليكم أداؤه إلى أدنى فئة من (ص 201) المؤمنين إلا أن يحال
دونهم، وإن أنبتم وأقمتم الصلاة فإخواننا في الدين، وإلا فالجزية عليكم،
وإن عرض للمسلمين شغل عنكم فقهركم عدوكم فغير مأخوذين بذلك، ولا هو
ناقض عهدكم. هذا لكم وهذا عليكم. شهد الله وملائكته وكفى بالله
شهيدا ".
وكتب الجراح بن عبد الله الحكمي لأهل تفليس كتابا نسخته:
" بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا كتاب من الجراح بن عبد الله لأهل تفليس من رستاق منجليس
من كورة جرزان. انه أتوني بكتاب أمان لهم من حبيب بن مسلمة على الاقرار
بصغار الجزية، وأنه صالحهم عن أرضين لهم وكروم وأرحاء يقال لها أوارى
وسابينا من رستاق منجليس، وعن طعام، وديدونا من رستاق قحويط من
كورة جرزان، على أن يؤدوا عن هذه الارحاء والكروم في كل سنة مئة
درهم بلا ثانية. فأنفذت لهم أمانهم وصلحهم وأمرت ألا يزاد عليهم، فمن
قرئ عليه كتابي فلا يتعد ذلك فيهم إن شاء الله وكتب ".
514 - قالوا: وفتح حبيب حوارح وكسفر؟ س (كذا) وكسال وخنان
وسمسخى والجردمان وكستسجى وشوشت وبازليت، صلحا على حقن دماء
أهلها وإقرار مصلياتهم وحيطانهم، وعلى أن يؤدوا إتاوة عن أرضهم ورؤوسهم.
وصالح أهل قلرجيت وأهل (ص 202) ثرياليت وخاخيط وخوخيط وأرطهال
وباب اللال، وصالح الصنارية والدودانية على إتاوة.
239

515 - قالوا: وسار سلمان بن ربيعة الباهلي حين أمره عثمان بالمسير إلى
أران ففتح مدينة البيلقان صلحا على أن أمنهم على دمائهم وأموالهم وحيطان
مدينتهم، واشترط عليهم أداء الجزية والخراج. ثم أتى سلمان برذعة فعسكر
على الثرثور، وهو نهر منها على أقل من فرسخ، فأغلق أهلها دونه أبوابهم،
فعاناها أياما وشن الغارات في قراها، وكانت زروعها مستحصدة فصالحوه على
مثل صلح البيلقان، وفتحوا له أبوابها فدخلها وأقام بها. ووجه خيله ففتحت
شفشين والمسفوان وأوذ والمصريان (كذا) والهرحليان وتبار وهي رساتيق،
وفتح غيرها من أران، ودعا أكراد البلاسجان إلى الاسلام فقاتلوه، فظفر بهم
فأقر بعضهم بالجزية وأدى بعض الصدقة وهم قليل.
516 - وحدثني جماعة من أهل برذعة قالوا: كانت شمكور مدينة
قديمة، فوجه سلمان بن ربيعة الباهلي من فتحها. فلم تزل مسكونة معمورة حتى
أخربها الساوردية، وهم قوم تجمعوا في أيام انصرف يزيد بن أسيد عن أرمينية،
فغلظ أمرهم وكثرت نوائبهم. ثم إن بغا مولى المعتصم بالله رحمه الله عمرها في سنة
أربعين ومائتين وهو والى أرمينية وأذربيجان وشمشاط، وأسكنها قوما خرجوا
إليه من الخزر مستأمنين لرغبتهم في الاسلام، ونقل إليها التجار من برذعة
وسماها المتوكلية.
517 - قالوا: وسار سلمان إلى مجمع الرس والكر خلف برديج فعبر
الكر ففتح قبلة، وصالحه صاحب شكن والقميبران على إتاوة. وصالحه
(ص 203) أهل خيزان وملك شروان وسائر ملوك الجبال، وأهل مسقط
والشابران ومدينة الباب. ثم أغلقت بعده ولقيه خاقان في خيوله خلف نهر
240

البلنجر فقتل رحمه الله في أربعة آلاف من المسلمين، فكان يسمع في مأزقهم
التكبير. وكان سلمان بن ربيعة أول من استقضى بالكوفة، أقام أربعين يوما
لا يأتيه خصم، وقد روى عن عمر بن الخطاب. وفى سلمان وقتيبة بن مسلم
يقول ابن جمانة الباهلي:
وإن لنا قبرين قبر بلنجر * وقبر بصين استان يا لك من قبر
فذاك الذي بالصين عمت فتوحه * وهذا الذي يسقى به سبل القطر
وكان مع سلمان ببلنجر قرظة بن كعب الأنصاري، وهو جاء بنعيه
إلى عثمان.
518 - قالوا: ولما فتح حبيب ما فتح من أرض أرمينية كتب به إلى
عثمان بن عفان، فوافاه كتابه وقد نعى إليه سلمان، فهم أن يوليه جميع أرمينية،
ثم رأى أن يجعله غازيا بثغور الشام والجزيرة لغنائه فيما كان ينهض له من ذلك،
فولى ثغر أرمينية حذيفة بن اليمان العبسي. فشخص إلى برذعة ووجه عماله
على ما بينها وبين قاليقلا وإلى جيزان، فورد عليه كتاب عثمان يأمره بالانصراف
وتخليف صلة بن زفر العبسي، وكان معه. فخلفه وسار حبيب راجعا إلى الشام.
وكان يغزو الروم. ونزل حمص فنقله معاوية إلى دمشق فتوفى بها سنة اثنتين
وأربعين وهو ابن خمس وثلاثين سنة. وكان معاوية وجه حبيبا في جيش
لنصرة عثمان حين حوصر، فلما انتهى إلى وادى القرى (ص 204) بلغه مقتل
عثمان فرجع.
519 - قالوا: وولى عثمان المغيرة بن شعبة أذربيجان وأرمينية، ثم عزله
وولى القاسم بن ربيعة بن أمية بن أبي الصلت الثقفي أرمينية، ويقال ولاها
241

عمرو بن معاوية بن المنتفق العقيلي. وبعضهم يقول: وليها رجل من بنى كلاب
بعد المغيرة خمسة عشر سنة، ثم وليها العقيلي. وولى الأشعث بن قيس لعلي بن أبي
طالب رضي الله عنه أرمينية وأذربيجان، ثم وليها عبد الله بن حاتم بن
النعمان بن عمرو الباهلي من قبل معاوية فمات بها، فوليها عبد العزيز بن حاتم
ابن النعمان أخوه، فبنى مدينة دبيل وحصنها وكبر مسجدها، وبنى مدينة
النشوي، ورم مدينة برذعة، ويقال إنه جدد بناءها، وأحكم حفر الفارقين
حولها، وجدد بناء مدينة البيلقان، وكانت هذه المدن متشعثة مستهدمة.
ويقال إن الذي جدد بناء برذعة محمد بن مروان في أيام عبد الملك بن مروان،
وقال الواقدي: بنى عبد الملك مدينة برذعة على يد حاتم بن النعمان الباهلي
أو ابنه، وقد كان عبد الملك ولى عثمان بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط
أرمينية.
520 - قالوا: ولما كانت فتنة ابن الزبير انتقضت أرمينية وخالف
أحرارها وأتباعهم. فلما ولى محمد بن مروان من قبل أخيه عبد الملك أرمينية
حاربهم، فظفر بهم فقتل وسبى وغلب على البلاد. ثم وعد من بقى منهم أن
يعرض لهم في الشرف، فاجتمعوا لذلك في كنائس من عمل خلاط، فأغلقها
عليهم، ووكل بأبوابها ثم حرقهم. وفى تلك الغزاة سبيت أم يزيد بن أسيد
من السيسجان، وكانت بنت بطريقها.
521 - قالوا: وولى سليمان بن عبد الملك أرمينية عدى بن عميرة
الكندي. وكان عدى بن عميرة ممن نزل الرقة مفارقا لعلي بن أبي طالب،
ثم ولاه إياها عمر بن عبد العزيز، وهو صاحب نهر عدى بالبيلقان.
242

وروى بعضهم أن عامل عمر كان حاتم بن النعمان وليس (ص 205)
ذلك بثبت.
ثم ولى يزيد بن عبد الملك معلق بن صفار البهراني ثم عزله وولى
الحارث بن عمرو الطائي. فغزا أهل اللكز ففتح رستاق وحسمدان. وولى الجراح
ابن عبد الله الحكمي من مذحج أرمينية فنزل برذعة، فرفع إليه اختلاف
مكاييلها وموازينها، فأقامها على العدل والوفاء، واتخذ مكيالا يدعى الجراحي،
فأهلها يتعاملون به إلى اليوم. ثم إنه عبر الكر وسار حتى قطع النهر المعروف
بالسمور، وصار إلى الخزر فقتل منهم مقتلة عظيمة، وقاتل أهل بلاد حمزين،
ثم صالحهم على أن نقلهم إلى رستاق جيزان، وجعل لهم قريتين منه. وأوقع
بأهل غوميك، وسبى منهم، ثم قفل فنزل شكى وشتا جنده برذعة والبيلقان.
وجاشت الخزر وعبرت الرس، فحاربهم في صحراء ورثان، ثم انحازوا إلى ناحية
أردبيل فواقعهم على أربعة فراسخ مما يلي أرمينية، فاقتتلوا ثلاثة أيام، فاستشهد
ومن معه، فسمى ذلك النهر نهر الجراح ونسب جسر عليه إلى الجراح أيضا.
ثم إن هشام بن عبد الملك ولى مسلمة بن عبد الملك أرمينية، ووجه على مقدمته
سعيد بن عمرو بن أسود الجرشي ومعه إسحاق بن مسلم العقيلي وإخوته، وجعونة
ابن الحارث بن خالد أحد بنى عامر بن ربيعة بن صعصعة، وذفافة وخالد ابنا
عمير بن الحباب السلمي، والفرات بن سلمان الباهلي، والوليد بن القعقاع العبسي.
فواقع الخزر وقد حاصروا ورثان، فكشفهم عنها وهزمهم. فأتوا ميمذ من عمل
أذربيجان، فلما تهيأ لقتالهم أتاه كتاب مسلمة بن عبد الملك يلومه على قتاله الخزر
قبل قدومه، ويعلمه أن قد ولى أمر عسكره عبد الملك بن مسلم العقيلي. فلما سلم
العسكر أخذه رسول مسلمة فقيده وحمله إلى برذعة، فحبس في سجنها (ص 206).
وانصرف الخزر فاتبعهم مسلمة وكتب بذلك إلى هشام، فكتب إليه:
243

أتتركهم بميمذ قد تراهم * وتطلبهم بمنقطع التراب
وأمر باخراج الجرشي من السجن.
522 - قالوا: وصالح مسلمة أهل جيزان وأمر بحصنها فهدم، واتخذ
لنفسه به ضياعا، وهي اليوم تعرف بحوز جيزان. وسالمه ملوك الجبال فصار إليه
شروانشاه وليرانشاه وطبرسرانشاه وفيلانشاه وجرشانشاه، وصار إليه صاحب
مسقط. وصمد لمدينة الباب ففتحها، وكان في قلعتها ألف أهل بيت من الخزر،
فحاصرهم ورماهم بالحجارة ثم بحديد اتخذه على هيئة الحجارة فلم ينتفع بذلك.
فعمد إلى العين التي كان أنوشروان أجرى منها الماء إلى صهريجهم فذبح البقر
والغنم وألقى فيه الفرث والحلتيث فلم يمكث ماؤهم الا ليلة حتى دود وأنتن وفسد.
فلما جن عليهم الليل هربوا وأخلوا القلعة. وأسكن مسلمة بن عبد الملك مدينة
الباب والأبواب أربعة وعشرين ألفا من أهل الشام على العطاء، فأهل الباب اليوم
لا يدعون عاملا يدخل مدينتهم إلا ومعه مال يفرقه بينهم. وبنى هريا للطعام
وهريا للشعير، وخزانة للسلاح وأمر بكبس الصهريج ورم المدينة وشرفها. وكان
مروان بن محمد مع مسلمة، وواقع معه الخزر فأبلى وقاتل قتالا شديدا. ثم ولى
هشام بعد مسلمة سعيدا الجرشي فأقام بالثغر سنتين، ثم ولى الثغر مروان بن محمد
فنزل كسال، وهو بنى مدينتها وهي من برذعة على أربعين فرسخا، ومن تفليس
على عشرين فرسخا. ثم دخل أرض الخزر مما يلي باب اللان، وأدخلها أسيد
ابن زافر السلمي أبا يزيد، ومعه ملوك الجبال من ناحية الباب والأبواب. فأغار
مروان على (ص 207) صقالبة كانوا بأرض الخزر فسبى منهم عشرين ألف
أهل بيت، فأسكنهم خاخيط. ثم إنهم قتلوا أميرهم وهربوا فلحقهم وقتلهم.
244

523 - قالوا: ولما بلغ عظيم الخزر كثرة من وطئ به مروان بلاده من
الرجال، وما هم عليه من عدتهم وقوتهم نخب ذلك قلبه وملأه رعبا. فلما دنا منه
أرسل إليه رسولا يدعوه إلى الاسلام أو الحرب. فقال: قد قبلت الاسلام،
فأرسل إلى من يعرضه على. ففعل، فأظهر الاسلام ووادع مروان على أن أقره
في مملكته. وسار مروان معه بخلق من الخزر فأنزلهم ما بين السمور والشابران
في سهل أرض اللكز. ثم إن مروان دخل أرض السرير فأوقع بأهلها وفتح
قلاعا فيها، ودان له ملك السرير وأطاعه، فصالحه على ألف رأس: خمس مئة
غلام وخمس مئة جارية سود الشعور والحواجب وهدب الأشفار كل سنة،
وعلى مئة ألف مدى تصب في أهراء الباب، وأخذ منه الرهن. وصالح مروان
أهل تومان على مائة رأس: خمسين جارية وخمسين غلاما خماسيين سود الشعور
والحواجب وهدب الأشفار، وعشرين ألف مدى للأهراء في كل سنة.
ثم دخل أرض زريكران، فصالحه ملكها على خمسين رأسا وعشرة آلاف
مدى للأهراء في كل سنة. ثم أتى أرض حمزين، فأبى حمزين أن يصالحه،
فافتتح حصنهم بعد أن حاصرهم فيه شهرا، فاحرق وأخرب، وكان صلحه إياه
على خمس مئة رأس يؤدونها دفعة واحدة، ثم لا يكون عليه سبيل، وعلى
أن يحمل ثلاثين ألف مدى إلى أهراء الباب في كل سنة. ثم أتى سندان
فافتتحها صلحا على مئة رأس يعطيه إياها صاحبها دفعة، ثم لا يكون عليه سبيل
فيما يستقبل، وعلى أن يحمل في كل سنة إلى أهراء الباب خمسة آلاف مدى.
ووظف على أهل طبرسرانشاه عشرة آلاف مدى في كل سنة تحمل (ص 208)
إلى أهراء الباب. ولم يوظف على فيلانشاه شيئا، وذلك لحسن غنائه وجميل بلائه
وإحماده أمره. ثم نزل مروان على قلعة اللكز وقد امتنع من أداء شئ من
الوظيفة. وخرج يريد صاحب الخزر فقتله راع بسهم رماه به وهو لا يعرفه.
فصالح أهل اللكز على عشرين ألف مدى تحمل إلى الأهراء، وولى عليهم
245

خشرما السلمي. وسار مروان إلى قلعة صاحب شروان، وهي تدعى خرش،
وهي على البحر، فأذعن بالطاعة والانحدار إلى السهل. وألزمهم عشرة آلاف
مدى في كل سنة. وجعل على صاحب شروان أن يكون في المقدمة إذا بدأ المسلمون
بغزو الخزر، وفى الساقة إذا رجعوا، وعلى فيلانشاه أن يغزو معهم فقط، وعلى
طبرسرانشاه أن يكون في الساقة إذا بدأوا، وفى المقدمة إذا انصرفوا. وسار
مروان إلى الدودانية فأوقع بهم. ثم جاءه قتل الوليد بن يزيد، وخالف عليه
ثابت بن نعيم الجذامي، وأتى مسافر القصاب وهو ممن مكنه بالباب الضحاك
الخارجي فوافقه على رأيه وولاه أرمينية وأذربيجان. وأتى أردبيل مستخفيا
فخرج معه قوم من الشراة منها، وأتوا باجروان فوجدوا بها قوما يرون رأيهم
فانضموا إليهم، فأتوا ورثان فصحبهم من أهلها بشر كثير كانوا على مثل رأيهم،
وعبروا إلى البيلقان فصحبتهم منهم جماعة كثيرة كانوا على مثل رأيهم. ثم نزل
؟ ونان (كذا) وولى مروان بن محمد إسحاق بن مسلم أرمينية، فلم يزل يقاتل مسافرا
وكان في قلعة الكلاب بالسيسجان.
ثم لما جاءت الدولة المباركة وولى أبو جعفر المنصور الجزيرة وأرمينية
في خلافة السفاح أبى العباس رحمه الله وجه إلى مسافر وأصحابه قائدا من أهل
خراسان فقاتلهم حتى ظفر بهم وقتل مسافرا. وكان أهل البيلقان متحصنين
في قلعة الكلاب ورئيسهم قدد بن أصفر البيلقاني فاستنزلوا بأمان.
ولما استخلف المنصور رحمه الله وولى يزيد أسيد السلمي أرمينية. ففتح
باب (ص 209) اللان ورتب فيه رابطة من أهل الديوان، ودوخ الصنارية
حتى أدوا الخراج. فكتب إليه المنصور يأمره بمصاهرة ملك الخزر ففعل.
وولدت له ابنته منه ابنا فمات وماتت في نفاسها. وبعث يزيد إلى نفاطة أرض
شروان وملاحاتها فجباها، ووكل بها. وبنى يزيد أرجيل الصغرى ومدينة
أرجيل الكبرى وأنزلهما أهل فلسطين.
246

524 - حدثني محمد بن إسماعيل،
عن جماعة من مشايخ أهل برذعة قالوا. الشماخية التي في عمل شروان
نسبت إلى الشماخ بن شجاع، فكان ملك شروان في ولاية سعيد بن سالم
الباهلي أرمينية.
525 - وحدثني محمد بن إسماعيل،
عن المشيخة أن أهل أرمينية انتقضوا في ولاية الحسن بن قحطبة الطائي
بعد عزل ابن أسيد وبكار بن مسلم العقيلي. وكان رئيسهم موشائيل الأرمني.
فبعث إليه المنصور رحمه الله الامداد وعليهم عامر بن إسماعيل. فواقع الحسن
موشائيل فقتل وفضت جموعه واستقامت له الأمور. وهو الذي نسب إليه نهر
الحسن بالبيلقان، والباغ الذي يعرف بباغ الحسن ببرذعة، والضياع المعروفة
بالحسنية. وولى بعد الحسن بن قحطبة عثمان بن عمارة بن خريم، ثم روح
ابن حاتم المهلبي، ثم خزيمة بن خازم، ثم يزيد بن مزيد الشيباني، ثم عبيد الله
ابن المهدى، ثم الفضل بن يحيى، ثم سعيد بن سالم، ثم محمد بن يزيد بن مزيد،
وكان خزيمة أشدهم ولاية، وهو الذي سن المساحة بدبيل والنشوى، ولم يكن
قبل ذلك، ولم يزل بطارقة أرمينية مقيمين في بلادهم يحمى كل واحد منهم
ناحيته، فإذا قدم الثغر عامل من عماله داروه، فإن رأوا منه عفة وصرامة وكان
في قوة وعدة أدوا إليه الخراج وأذعنوا له بالطاعة، (ص 210) والا اغتمزوا
فيه واستخفوا بأمره، ووليهم خالد بن يزيد بن مزيد في خلافة المأمون فقبل
هداياهم وخلطهم بنفسه فأفسدهم ذلك من فعله وجرأهم على من بعده من عمال
المأمون.
ثم ولى المعتصم بالله الحسن بن علي الباذغيسي، المعروف بالمأموني، الثغر
247

فأهمل بطارقته وأحراره، ولان لهم حتى ازدادوا فسادا على السلطان وكلبا على
من يليهم من الرعية. وغلب إسحاق بن إسماعيل بن شعيب مولى بنى أمية على
جرزان، ووثب سهل بن سنباط البطريق على عامل حيدر بن كاوس الأفشين
على أرمينية فقتل كاتبه وأفلت بحشاشة نفسه. ثم ولى أرمينية عمال كانوا يقبلون
من أهلها العفو ويرضون من خراجها بالميسور.
ثم إن أمير المؤمنين المتوكل على الله ولى يوسف بن محمد بن يوسف المروزي
أرمينية لسنتين من خلافته. فلما صار بخلاط أخذ بطريقها بقراط بن أشوط
فحمله إلى سر من رأى، فأوحش البطارقة والأحرار والمنغلبة ذلك منه. ثم إنه
عمد عامل له يقال له العلاء بن أحمد إلى دير بالسيسجان يعرف بدير الاقداح
لم تزل نصارى أرمينية تعظمه وتهدى إليه فأخذ منه جميع ما كان فيه وعسف أهله،
فأكبرت البطارقة ذلك وأعظمته وتكاتبت فيه وحض بعضا على بعض على
الخلاف والنقض، ودسوا إلى الخويثية وهم علوج يعرفون بالأرطان، في الوثوب
بيوسف، وحرضوهم عليه لما كان من حمله بقراط بطريقهم، ووجه كل امرء
منهم ومن المتغلبة خيلا ورجالا ليؤيدوهم على ذلك، فوثبوا به؟ طرون، وقد
فرق أصحابه في القرى فقتلوه واحتووا على ما كان في عسكره، فولى أمير المؤمنين
المتوكل على الله بغا الكبير أرمينية فلما صار إلى بدليس أخذ (ص 211)
موسى بن زرارة، وكان ممن هوى قتل يوسف وأعان عليه غضبا لبقراط،
وحارب الخويثية فقتل منهم مقتلة عظيمة، وسبى سببا كثيرا، ثم حاصر أشوط
ابن حمزه (؟) بن جاجق بطريق البسفرجان وهو بالباق، فاستنزله من قلعته
وحمله إلى سر من رأى وسار إلى جرزان، فظفر بإسحاق بن إسماعيل فقتله
صبرا، وفتح جرزان وحمل من بأران وظاهر أرمينية ممن بالسيسجان من أهل
الخلاف والمعصية من النصارى وغيرهم، حتى صلح ذلك الثغر صلاحا لم يكن
على مثله، ثم قدم سر من رأى في سنة إحدى وأربعين ومائتين.
248

فتوح مصر والمغرب
526 - قالوا: وكان عمرو بن العاصي حاصر قيسارية بعد انصراف الناس
من حرب اليرموك، ثم استخلف عليها ابنه حين ولى يزيد بن أبي سفيان،
ومضى إلى مصر من تلقاء نفسه في ثلاثة آلاف وخمس مئة. فغضب عمر لذلك
وكتب إليه يوبخه ويعنفه على افتياته عليه برأيه، وأمره بالرجوع إلى موضعه
إن وافاه كتابه دون مصر. فورد الكتاب عليه وهو بالعريش.
وقيل أيضا إن عمر كتب إلى عمرو بن العاصي يأمره بالشخوص إلى مصر
فوافاه كتابه وهو محاصر قيسارية، وكان الذي أتاه شريك بن عبدة، فأعطاه
ألف دينار فأبى شريك قبولها، فسأله أن يستر ذلك ولا يخبر به عمر.
527 - قالوا: وكان مسير عمرو إلى مصر في سنة تسع عشرة. فنزل
العريش ثم أتى الفرماء وبها قوم مستعدون للقتال. فحاربهم فهزمهم وحوى
عسكرهم، ومضى قدما إلى الفسطاط (ص 212) فنزل جنان الريحان وقد
خندق أهل الفسطاط. وكان اسم المدينة اليونة فسماها المسلمون فسطاطا لأنهم
قالوا: هذا فسطاط القوم ومجمعهم. وقوم يقولون إن عمرا ضرب بها فسطاطا
فسميت بذلك.
528 - قالوا: ولم يلبث عمرو بن العاصي وهو محاصر أهل الفسطاط أن
ورد عليه الزبير بن العوام بن خويلد في عشرة آلاف، ويقال في اثنى عشر
ألفا، فيهم خارجة بن حذافة العدوى وعمير بن وهب الجمحي. وكان الزبير
249

قد هم بالغزو وأراد إتيان أنطاكية فقال له عمر يا أبا عبد الله هل لك في ولاية
مصر؟ فقال: لا حاجة لي فيها، ولكني أخرج مجاهدا وللمسلمين معاونا، فإن
وجدت عمرا قد فتحها لم أعرض لعمله وقصدت إلى بعض السواحل فرابطت به
وإن وجدته في جهاد كنت معه. فسار على ذلك.
529 - قالوا: وكان الزبير يقاتل من وجه وعمرو بن العاصي من وجه،
ثم إن الزبير أتى بسلم فصعد عليه حتى أوفى على الحصن، وهو مجرد سيفه،
فكبر وكبر المسلمون واتبعوه. ففتح الحصن عنوة واستباح المسلمون ما فيه،
وأقر عمرو أهله على أنهم ذمة، ووضع عليهم الجزية في رقابهم والخراج في أرضهم.
وكتب بذلك إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأجازه، واختط الزبير بمصر
وابتنى دارا معروفة، وإياها نزل عبد الله بن الزبير حين غزا إفريقية مع ابن أبي
سرح. وسلم الزبير باق في مصر.
530 - وحدثنا عفان بن مسلم قال حدثنا حماد بن سلمة،
عن هشام بن عروة أن الزبير بن العوام بعث إلى مصر. فقيل له: إن
بها الطعن والطاعون. فقال: إنما جئنا للطعن والطاعون. قال: فوضعوا
السلاليم فصعدوا عليها.
531 - وحدثني عمرو الناقد قال: حدثني عبد الله بن وهب المصري عن
ابن لهيعة،
عن يزيد بن أبي حبيب أن عمرو بن العاصي دخل مصر ومعه ثلاثة
آلاف وخمس مئة. وكان عمر بن الخطاب قد أشفق لما أخبر به من أمرها.
250

فأرسل الزبير (ص 213) بن العوام في اثنى عشر ألفا، فشهد الزبير فتح
مصر واختط بها.
532 - وحدثني عمرو الناقد عن عبد الله بن وهب المصري عن ابن لهيعة عن
يزيد بن أبي حبيب عن عبد الله بن المغيرة بن أبي بردة،
عن سفيان بن وهب الخولاني قال: لما فتحنا مصر بغير عهد قام الزبير
فقال: اقسمها يا عمرو. فأبى. فقال الزبير: والله لنقسمنها كما قسم رسول الله
صلى الله عليه وسلم خيبر، فكتب عمرو إلى عمر في ذلك. فكتب إليه عمر:
أقرها حتى يغزو منها حبل الحبلة.
قال: وقال عبد الله بن وهب وحدثني ابن لهيعة عن خالد بن ميمون عن عبد الله
ابن المغيرة عن سفيان بن وهب بنحوه.
533 - وحدثني القاسم بن سلام قال: حدثنا أبو الأسود عن ابن لهيعة،
عن يزيد بن أبي حبيب أن عمرو بن العاصي دخل مصر في ثلاثة آلاف
وخمس مئة. وكان عمر قد أشفق من ذلك، فأرسل الزبير بن العوام في اثنى
عشر ألف، فشهد معه فتح مصر. قال: فاختط الزبير بمصر والإسكندرية
خطتين.
534 - وحدثني إبراهيم بن مسلم الخوارزمي عن عبد الله بن المبارك عن ابن لهيعة
عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي فراس،
عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال: اشتبه على الناس أمر مصر، فقال
قوم: فتحت عنوة، وقال آخرون. فتحت صلحا، والثلج في أمرها أن أبى
قدمها، فقاتله أهل اليونة، ففتحها قهرا وأدخلها المسلمين، وكان الزبير أول من
251

علا حصنها. فقال صاحبها لأبي: إنه قد بلغنا فعلكم بالشام، ووضعكم الجزية
على النصارى واليهود، وإقراركم الأرض في أيدي أهلها يعمرونها ويؤدون
خراجها. فإن فعلتم بنا مثل ذلك كان أرد عليكم من قتلنا وسبينا وإجلائنا.
قال. فاستشار أبى المسلمين، فأشاروا عليه بأن يفعل ذلك، إلا نفرا منهم سألوا
أن يقسم الأرض بينهم، فوضع على كل حالم دينارين جزية، إلا أن يكون
فقيرا. وألزم كل ذي أرض مع (ص 214) الدينارين ثلاثة أرادب حنطة
وقسطي زيت وقسطي عسل وقسطي خل رزقا للمسلمين تجمع في دار الرزق
وتقسم فيهم. وأحصى المسلمون فألزم جميع أهل مصر لكل رجل منهم جبة
صوف وبرنسا أو عمامة وسراويل وخفين في كل عام، أو عدل الجبة الصوف
ثوبا قبطيا، وكتب عليهم بذلك كتابا، وشرط لهم إذا وفوا بذلك أن لا تباع
نساؤهم وأبناؤهم ولا يسبوا، وأن تقر أموالهم وكنوزهم في أيديهم. فكتب
بذلك إلى أمير المؤمنين عمر فأجازه، وصارت الأرض أرض خراج، إلا أنه
لما وقع هذا الشرط والكتاب ظن بعض الناس أنها فتحت صلحا.
قال: ولما فرغ ملك اليونة من أمر نفسه ومن معه في مدينته صالح عن جميع
أهل مصر على مثل صلح اليونة. فرضوا به وقالوا: هؤلاء الممتنعون قد رضوا
وقنعوا بهذا، فنحن به أقنع، لأننا فرش لا منعة لنا. ووضع الخراج على أرض
مصر، فجعل على كل جريب دينارا وثلاثة أرادب طعاما، وعلى رأس كل حالم
دينارين، وكتب بذلك إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
535 - وحدثني عمرو الناقد عن عبد الله بن وهب المصري عن الليث،
عن يزيد بن أبي حبيب أن المقوقس صالح عمرو بن العاصي على أن يسير
من الروم من أراد ويقر من أراد الإقامة من الروم على أمر سماه، وأن يفرض
252

على القبط دينارين، فبلغ ذلك ملك الروم فتسخطه وبعث الجيوش، فأغلقوا
باب الإسكندرية وآذنوا عمرا بالحرب، فخرج إليه لنقوقس فقال: أسألك
ثلاثا: أن لا تبذل للروم مثل الذي بذلت لي فإنهم قد استغشوني، وأن
لا تنقض بالقبط فإن النقض لم يأت من قبلهم، وإن مت فمر بدفني في كنيسة
بالإسكندرية ذكرها. فقال عمرو: هذه أهونهن على. وكانت قرى من مصر
قاتلت، فسبى منهم. والقرى: بلهيت والخيس وسلطيس. فوقع (ص 215)
سباؤهم بالمدينة، فردهم عمر بن الخطاب وصيرهم وجماعة القبط أهل ذمة. وكان
لهم عهد لم ينقضوه. وكتب عمرو بفتح الإسكندرية إلى عمر:
" أما بعد، فإن الله قد فتح علينا الإسكندرية عنوة قسرا بغير عهد
ولا عقد ".
وهي كلها صلح في قول يزيد بن أبي حبيب.
536 - حدثني أبو أيوب الرقي عن عبد النفار عن ابن لهيعة،
عن يزيد بن أبي حبيب قال: جبى عمرو خراج مصر وجزيتها ألفي ألف،
وجباها عبد الله بن سعد بن أبي سرح أربعة آلاف ألف، فقال عثمان لعمرو:
إن اللقاح بمصر بعدك قد درت ألبانها. قال: ذاك لأنكم أعجفتم أولادها.
قال: وكتب عمر بن الخطاب في سنة إحدى وعشرين إلى عمرو بن العاصي
يعلمه ما فيه أهل المدينة من الجهد ويأمره أن يحمل ما يفيض من الطعام
في الخراج إلى المدينة في البحر. فكان ذلك يحمل ويحمل معه الزيت. فإذا
ورد الجار تولى قبضه سعد الجار. ثم جعل في دار بالمدينة وقسم بين الناس بمكيال.
فانقطع ذلك في الفتنة الأولى، ثم حمل في أيام معاوية ويزيد، ثم انقطع إلى زمن
عبد الملك بن مروان، ثم لم يزل يحمل إلى خلافة أبى جعفر أو قبيلها.
253

537 - وحدثني بكر بن الهيثم قال: حدثني أبو صالح عبد الله بن صالح عن الليث
ابن سعد،
عن يزيد بن أبي حبيب أن أهل الجزية بمصر صولحوا في خلافة عمر
بعد الصلح الأول مكان الحنطة والزيت والعسل والخل على دينارين دينارين.
فألزم كل رجل أربعة دنانير، فرضوا بذلك وأحبوه.
538 - وحدثني أبو أيوب الرقي قال: حدثني عبد الغفار الحراني عن ابن لهيعة
عن يزيد بن أبي حبيب،
عن الجيشاني قال: سمعت جماعة ممن شهد فتح مصر يخبرون أن عمرو
ابن العاصي لما فتح الفسطاط وجه عبد الله بن حذافة السهمي إلى عين شمس،
فغلب على (ص 216) أرضها وصالح أهل قراها على مثل حكم الفسطاط.
ووجه حارجة بن حذافة العدوى إلى الفيوم والأشمونين، وإخميم،
والبشرودات، وقرى الصعيد، ففعل مثل ذلك. ووجه عمير بن وهب الجمحي
إلى تنيس، ودمياط، وتونة، ودميرة، وشطا، ودقهلة، وبنا، وبوصير،
ففعل مثل ذلك. ووجه عقبة بن عامر الجهني، ويقال وردان مولاه صاحب
سوق وردان بمصر، إلى سائر قرى أسفل الأرض، ففعل مثل ذلك. فاستجمع
عمرو بن العاصي فتح مصر، فصارت أرضها أرض خراج.
539 - وحدثنا القاسم بن سلام قال: حدثنا عبد الغفار الحراني عن ابن لهيعة عن
إبراهيم بن محمد عن أيوب بن أبي العالية،
عن أبيه قال: سمعت عمرو بن العاصي يقول على المنبر: لقد قعدت مقعدي
هذا وما لاحد من قبط مصر على عهد ولا عقد. إن شئت قتلت، وإن شئت
خمست، وإن شئت بعت، إلا أهل أنطابلس فإن لهم عهدا يوفى لهم به.
254

540 - وحدثني القاسم بن سلام قال: حدثني به عبد الله بن صالح عن موسى بن علي
ابن رباح اللخمي،
عن أبيه قال: المغرب كله عنوة.
541 - حدثنا أبو عبيد عن سعيد بن أبي مريم عن ابن لهيعة،
عن الصلت بن أبي عاصم كاتب حيان بن شريح أنه قرأ كتاب عمر بن
عبد العزيز إلى حيان، وكان عامله على مصر، أن مصر فتحت عنوة بغير
عهد ولا عقد.
542 - وحدثني أبو عبيد قال: حدثنا سعيد بن أبي مريم عن يحيى بن أيوب،
عن عبيد الله بن أبي جعفر قال: كتب معاوية إلى وردان مولى عمرو أن زد
على كل امرئ من القبط قيراطا. فكتب إليه: كيف أزيد عليهم وفى عهدهم
أن لا يزاد عليهم
543 - وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن عبد الحميد بن جعفر،
عن أبيه قال: سمعت عروة بن الزبير يقول: أقمت بمصر سبع سنين،
وتزوجت بها، فرأيت أهلها مجاهيد، قد حمل عليهم فوق طاقتهم، وإنما فتحها
عمرو بصلح وعهد (ص 217) وشئ مفروض عليهم
544 - وحدثني بكر بن الهيثم عن عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد عن
يزيد بن أبي علاقة،
عن عقبة بن عامر الجهني قال: كان لأهل مصر عهد وعقد. كتب لهم
عمرو أنهم آمنون على أموالهم ودمائهم ونسائهم وأولادهم لا يباع منهم أحد،
255

وفرض عليهم خراجا لا يزاد عليهم، وأن يدفع عنهم خوف عدوهم. قال عقبة:
وأنا شاهد على ذلك،
545 - وحدثني الحسين بن الأسود قال: حدثني يحيى بن آدم عن عبد الله بن المبارك
عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب،
عن من سمع عبد الله بن المغيرة بن أبي بردة قال: سمعت سفيان بن وهب
الخولاني يقول: لما افتتحنا مصر بلا عهد قام الزبير بن العوام فقال: يا عمرو!
اقسمها بيننا. فقال عمرو: لا والله، لا أقسمها حتى أكتب إلى عمر. فكتب
إلى عمر، فكتب إليه في جواب كتابه: أن أقرها حتى يغزو منها حبل الحبلة
أو قال يغدو.
546 - وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي محمد بن عمر عن أسامة بن زيد بن أسلم
عن أبيه،
عن جده قال: فتح عمرو بن العاصي مصر سنة عشرين، ومعه الزبير.
فلما فتحها صالحه أهل البلد على وظيفة وظفها عليهم، وهي ديناران على كل رجل،
وأخرج النساء والصبيان من ذلك. فبلغ خراج مصر في ولايته ألفي ألف دينار.
فكان بعد ذلك يبلغ أربعة آلاف ألف دينار.
547 - وحدثني أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث،
عن يزيد بن أبي حبيب أن المقوقس صاحب مصر صالح عمرو بن العاصي
على أن فرض على القبط دينارين دينارين. فبلغ ذلك هرقل صاحب الروم،
فسخط أشد السخط، وبعث الجيوش إلى الإسكندرية وأغلقها. ففتحها عمرو
ابن العاصي عنوة.
256

548 - وحدثني ابن القتات، وهو أبو مسعود، عن الهيثم عن المجالد،
عن الشعبي أن على بن الحسين أو الحسين نفسه كلم (ص 218) معاوية
في جزية أهل قرية أم إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمصر، فوضعها
عنهم. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يوصى بالقبط خيرا.
549 - وحدثني عمرو عن عبد الله بن وهب عن مالك والليث عن الزهري،
عن ابن لكعب بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا افتتحتم
مصر فاستوصوا بالقبط خيرا، فإن لهم ذمة ورحما. وقال الليث: كانت
أم إسماعيل منهم.
550 - أبو الحسن المدائني،
عن عبد الله بن المبارك قال: كان عمر بن الخطاب يكتب أموال عماله إذا
ولاهم، ثم يقاسمهم ما زاد على ذلك، وربما أخذه منهم. فكتب إلى عمرو
ابن العاصي: إنه قد فشت لك فاشية من متاع ورقيق وآنية وحيوان لم تكن
حين وليت مصر. فكتب إليه عمرو: إن أرضنا أرض مزدرع ومتجر، فنحن
نصيب فضلا عن ما نحتاج إليه لنفقتنا. فكتب إليه: إني قد خبرت من عمال
السوء ما كفى، وكتابك إلى كتاب من قد أقلقه الاخذ بالحق. وقد سؤت
بك ظنا، وقد وجهت إليك محمد بن مسلمة ليقاسمك مالك. فأطلعه طلعه،
وأخرج إليه ما يطالبك، واعفه من الغلظة عليك، فإنه برح الخفاء.
فقاسمه ماله.
257

551 - المدائني عن عيسى بن يزيد قال: لما قاسم محمد بن مسلمة عمرو
ابن العاصي قال عمرو: إن زمانا عاملنا فيه ابن حنتمة هذه المعاملة لزمان سوء.
لقد كان العاصي يلبس الخز بكفاف الديباج. فقال محمد: مه! لولا زمان
ابن حنتمة هذا الذي تكرهه ألفيت معتقلا عنزا بفناء بيتك يسرك غزرها
ويسوءك بكؤها. قال: أنشدك الله أن لا تخبر عمر بقولي، فإن المجالس بالأمانة.
فقال: لا أذكر شيئا مما جرى بيننا وعمر حي.
552 - وحدثني عمرو الناقد عن عبد الله بن وهب عن ابن لهيعة،
عن عبد الله بن هبيرة أن مصر فتحت عنوة.
553 - وحدثني عمرو عن ابن وهب عن ابن (ص 219) لهيعة عن ابن أنعم
عن أبيه،
عن جده، وكان ممن شهد فتح مصر، قال: فتحت مصر عنوة بغير
عهد ولا عقد.
258

فتح الإسكندرية
554 - قالوا: لما افتتح عمرو بن العاصي مصر أقام بها. ثم كتب إلى
عمر بن الخطاب يستأمره في الزحف إلى الإسكندرية. فكتب إليه يأمره
بذلك. فسار إليها في سنة إحدى وعشرين واستخلف على مصر خارجة بن
حذافة بن غانم بن عامر بن عبد الله بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب
ابن لؤي بن غالب. وكان من دون الإسكندرية من الروم والقبط قد تجمعوا
له، وقالوا: نغزوه بالفسطاط قبل أن يبلغنا ويروم الإسكندرية. فلقيهم
بالكريون فهزمهم وقتل منهم مقتلة عظيمة، وكان فيهم من أهل سخا،
ويلهيت، والخيس، وسلطيس، وغيرهم قوم رفدوهم وأعانوهم. ثم سار عمرو
حتى انتهى إلى الإسكندرية فوجد أهلها معدين لقتاله، إلا أن القبط في ذلك
يحبون الموادعة. فأرسل إليه المقوقس يسأله الصلح والمهادنة إلى مدة، فأبى
عمرو ذلك. فأمر المقوقس النساء أن يقمن على سور المدينة مقبلات وجوههن
إلى داخله، وأقام الرجال في السلاح مقبلين بوجوههم إلى المسلمين ليرهبهم
بذلك. فأرسل إليه عمرو: إنا قد رأينا ما صنعت، وما بالكثرة غلبنا من
غلبنا. فقد لقينا هرقل ملككم فكان من أمره ما كان. فقال المقوقس
لأصحابه: قد صدق هؤلاء القوم. أخرجوا ملكنا من دار مملكته حتى أدخلوه
القسطنطينية، فنحن أولى بالاذعان. فأغلظوا له القول وأبوا إلا المحاربة. فقاتلهم
المسلمون قتالا شديدا وحصروهم ثلاثة أشهر. ثم إن عمرا فتحها بالسيف،
وغنم ما (ص 220) فبها واستبقى أهلها، ولم يسب، وجعلهم ذمة كأهل اليونة.
فكتب إلى عمر بالفتح مع معاوية بن حديج الكندي ثم السكوني وبعث
إليه معه بالخمس.
259

ويقال إن المقوقس صالح عمرا على ثلاثة عشر ألف دينار، على أن يخرج
من الإسكندرية من أراد الخروج ويقيم بها من أحب المقام، وعلى أن يفرض
على كل حالم من القبط دينارين. فكتب لهم بذلك كتابا. ثم إن عمرو
ابن العاصي استخلف على الإسكندرية عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي
ابن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي في رابطة من
المسلمين وانصرف إلى الفسطاط. وكتب الروم إلى قسطنطين بن هرقل،
وهو كان الملك يومئذ، يخبرونه بقلة من عندهم من المسلمين، وبما هم فيه من
الذلة وأداء الجزية. فبعث رجلا من أصحابه يقال له منويل في ثلاث مئة مركب
مشحونة بالمقاتلة. فدخل الإسكندرية وقتل من بها من روابط المسلمين إلا من
لطف للهرب فنجا، وذلك في سنة خمس وعشرين. وبلغ عمرا الخبر فسار
إليهم في خمسة عشر ألفا، فوجد مقاتلتهم قد خرجوا يعيثون فيما يلي الإسكندرية
من قرى مصر. فلقيهم المسلمون فرشقوهم بالنشاب ساعة والمسلمون متترسون،
ثم صدقوهم الحملة فالتحمت بينهم الحرب، فاقتتلوا قتالا شديدا. ثم إن أولئك
الكفرة ولوا منهزمين، فلم يكن لهم ناهية ولا عرجة دون الإسكندرية.
فتحصنوا بها ونصبوا العرادات. فقاتلهم عمرو عليها أشد قتال، ونصب المجانيق
فأخرب جدرها، وألح بالحرب حتى دخلها بالسيف عنوة، فقتل المقاتلة وسبى
الذرية. وهرب بعض رومها إلى الروم، وقتل عدو الله منويل. وهدم عمرو
والمسلمون جدار الإسكندرية، وكان عمرو نذر لئن فتحها ليفعلن ذلك.
وقال بعض الرواة: إن هذه الغزاة كانت في سنة ثلاث وعشرين. وروى
بعضهم أنهم نقضوا في سنة ثلاث عشرين (ص 221) وسنة خمس وعشرين
والله أعلم.
260

555 - قالوا: ووضع عمرو على أرض الإسكندرية الخراج وعلى أهلها
الجزية. وروى أن المقوقس اعتزل أهل الإسكندرية حين نقضوا، فأقره عمرو
ومن معه على أمرهم الأول. وروى أيضا أنه كان مات قبل هذه الغزاة.
556 - حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن
حبان بن شريح،
عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه قال: لم نفتح قرية من المغرب على
صلح إلا ثلاثا: الإسكندرية وكفرطيس وسلطيس. فكان عمر يقول: من
أسلم من أهل هذه المواضع خلى سبيله وسبيل ماله.
557 - حدثني عمرو الناقد قال: حدثنا ابن وهب المصري عن ابن لهيعة،
عن يزيد بن أبي حبيب أنه قال: افتتح عمرو بن العاصي الإسكندرية
فسكنها المسلمون في رباطهم، ثم قفلوا، ثم غزوا وابتدروا إلى المنازل. فكان
الرجل يأتي المنزل الذي كان ينزله فيجد صاحبه قد نزله وبدر إليه. فقال عمرو:
إني أخاف أن تخرب المنازل إذا كنتم تتعاورونها. فلما غزا فصاروا عند الكريون
قال لهم: سيروا على بركة الله. فمن ركز منكم رمحا في دار فهي له ولبني أبيه.
فكان الرجل يدخل الدار فيركز رمحه في بعض بيوتها، ويأتي الآخر فيركز رمحه
كذلك أيضا. فكانت الدار بين النفسين والثلاثة، فكانوا يسكنونها، فإذا
قفلوا سكنها الروم. فكان يزيد بن أبي حبيب يقول: لا يحل لاحد شئ
من كرائها، ولا تباع ولا تورث، إنما كانت لهم سكنى أيام رباطهم. فلما كان
قتالها الآخر وقدمها منويل الرومي الخصي أغلقها أهلها ففتحها عمرو وأخرب
سورها.
261

558 - قالوا: ولما ولى عمرو وردان مولاه الإسكندرية ورجع إلى الفسطاط
فلم يلبث إلا قليلا حتى أتاه عزله. فولى عثمان بعده عبد الله بن سعد بن أبي
سرح بن الحارث أحد بنى عامر بن لؤي. وكان أخا عثمان من الرضاعة. وكانت
ولايته في سنة خمس وعشرين.
ويقال: (ص 222) إن عبد الله بن سعد كان على خراج مصر من قبل عثمان.
فجرى بينه وبين عمرو كلام. فكتب عبد الله يشكو عمرا، فعزله عثمان وجمع العملين
لعبد الله بن سعد. وكتب إليه يعلمه أن الإسكندرية فتحت مرة عنوة وانتقضت
مرتين، ويأمره أن يلزمها رابطة لا تفارقها، وأن يدر عليهم الأرزاق، ويعقب
بينهم في كل ستة أشهر.
559 - وحدثني محمد بن سعد،
عن الواقدي أن ابن هرمز الأعرج القارئ كان يقول: خير سواحلكم
رباطا الإسكندرية. فخرج إليها من المدينة مرابطا فمات بها سنة سبع عشرة ومئة
560 - وحدثني بكر بن الهيثم عن عبد الله بن صالح عن موسى بن علي،
عن أبيه قال: كانت جزية الإسكندرية ثمانية عشر ألف دينار. فلما كانت
ولاية هشام بن عبد الملك بلغت ستة وثلاثين ألف دينار.
561 - حدثني عمرو عن ابن وهب عن ابن لهيعة،
عن يزيد بن أبي حبيب قال: كان عثمان عزل عمرو بن العاصي عن مصر
وجعل عليها عبد الله بن سعد. فلما نزلت الروم الإسكندرية سأل أهل مصر
عثمان أن يقر عمرا حتى يفرغ من قتال الروم، لان له معرفة بالحرب وهيبة
262

في أنفس العدو. ففعل، حتى هزمهم. فأراد عثمان أن يجعل عمرا على الحرب
وعبد الله على الخراج. فأبى ذلك عمرو وقال: أنا كماسك قرني البقرة والأمير
يحلبها. فولى عثمان ابن سعد مصر. ثم أقامت الحبش من البيما بعد فتح مصر
يقاتلون سبع سنين ما يقدر عليهم لما يفجرون من المياه في الغياض.
قال عبد الله بن وهب: وأخبرني الليث بن سعد عن موسى بن علي عن
أبيه أن عمرا فتح الإسكندرية الفتح الآخر عنوة في خلافة عثمان بعد وفاة عمر
رحمه الله (ص 223).
263

فتح برقة وزويلة
562 - حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن شرحبيل بن أبي عون،
عن عبد الله بن هبيرة قال: لما فتح عمرو بن العاصي الإسكندرية سار
في جنده يريد المغرب، حتى قدم برقة، وهي مدينة أنطابلس. فصالح أهلها
على الجزية وهي ثلاثة عشر ألف دينار يبيعون فيها من أبنائهم من أحبوا بيعه.
563 - حدثني بكر بن الهيثم قال: حدثنا عبد الله بن صالح عن سهيل بن عقيل،
عن عبد الله بن هبيرة قال: صالح عمرو بن العاصي أهل أنطابلس ومدينتها
برقة، وهي بين مصر وإفريقية، بعد أن حاصرهم وقاتلهم على الجزية، على أن
يبيعوا من أبنائهم من أرادوا في جزيتهم. وكتب لهم بذلك كتابا.
564 - حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن مسلمة بن سعيد،
عن إسحاق بن عبد الله ابن أبي فروة قال: كان أهل برقة يبعثون بخراجهم
إلى والى مصر من غير أن يأتيهم حاث أو مستحث. فكانوا أخصب قوم
بالمغرب، ولم يدخلها فتنة.
قال الواقدي: وكان عبد الله بن عمرو بن العاصي يقول: لولا مالي بالحجاز
لنزلت برقة فما أعلم منزلا أسلم ولا أعزل منها.
565 - وحدثني بكر بن الهيثم قال: حدثنا عبد الله بن صالح،
عن معاوية بن صالح قال: كتب عمرو بن العاصي إلى عمر بن الخطاب
يعلمه أنه قد ولى عقبة بن نافع الفهري المغرب فبلغ زويلة، وأن من بين زويلة
264

وبرقة سلم كلهم حسنة طاعتهم، قد أدى مسلمهم الصدقة وأقرى معاهدهم بالجزية،
وأنه قد وضع على أهل زويلة ومن بينه وبينها ما رأى أنهم يطيقونه. وأمر
عماله جميعا (ص 224) أن يأخذوا الصدقة من الأغنياء فيردوها في الفقراء،
ويأخذوا الجزية من الذمة فتحمل إليه بمصر، وأن يؤخذ من أرض المسلمين العشر
ونصف العشر، ومن أهل الصلح صلحهم.
566 - وحدثني بكر بن الهيثم قال: سألت عبد الله بن صالح عن البربر
فقال: هم يزعمون أنهم ولد بر بن قيس، وما جعل الله لقيس ولدا يقال له بر،
وإنما هم من الجبارين الذين قاتلهم داود عليه السلام. وكان منازلهم على أيادي
الدهر فلسطين، وهم أهل، عمود فأتوا المغرب فتناسلوا به.
567 - حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام قال: حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث
ابن سعد،
عن يزيد بن أبي حبيب أن عمرو بن العاصي كتب في شرطه على أهل
لواتة من البربر من أهل برقة: إن عليكم أن تبيعوا أبناءكم ونساءكم فيما عليكم
من الجزية.
قال الليث: فلو كانوا عبيدا ما حل ذلك منهم.
568 - وحدثني بكر بن الهيثم قال: حدثنا عبد الله بن صالح عن ابن لهيعة،
عن يزيد بن أبي حبيب أن عمر بن عبد العزيز كتب في اللواتيات أن
من كانت عنده لواتية فليخطبها إلى أبيها أو فليرددها إلى أهلها. قال: ولواتة
قرية من البربر كان لهم عهد.
265

فتح أطرابلس
569 - فحدثني بكر بن الهيثم عن عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح،
عن علي بن أبي طلحة قال: سار عمرو بن العاصي حتى نزل أطرابلس
في سنة اثنتين وعشرين. فقوتل، ثم افتتحها عنوة وأصاب بها أحمال بزيون كثيرة
مع تجار من تجارها، فباعه وقسم ثمنه بين المسلمين. وكتب إلى عمر بن الخطاب:
إنا قد بلغنا أطرابلس وبينها وبين إفريقية تسعة أيام. فإن رأى أمير
المؤمنين (ص 225) أن يأذن لنا في غزوها فعل.
فكتب إليه ينهاه عنها ويقول: ما هي بإفريقية ولكنها مفرقة غادرة
مغدور بها. وذلك أن أهلها كانوا يؤدون إلى ملك الروم شيئا فكانوا يغدرون
به كثيرا، وكان ملك الأندلس صالحهم ثم غدر بهم. وكان خبرهم قد بلغ عمر.
570 - حدثني عمرو الناقد قال: حدثنا عبد الله بن وهب،
عن الليث بن سعد قال: حدثني مشيختنا أن أطرابلس فتحت بعهد من
عمرو بن العاصي.
266

فتح إفريقية
571 - قالوا: لما ولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح مصر والمغرب بعث
المسلمين في جرائد خيل، فأصابوا من أطراف إفريقية وغنموا. وكان عثمان بن
عفان رضي الله عنه متوقفا عن غزوها، ثم إنه عزم على ذلك بعد أن استشار فيه.
وكتب إلى عبد الله في سنة سبع وعشرين ويقال في سنة ثمان وعشرين ويقال
في سنة تسع وعشرين، يأمره بغزوها، وأمده بجيش عظيم فيه معبد بن العباس
ابن عبد المطلب، ومروان بن الحكم بن أبي العاصي بن أمية، والحارث بن الحكم
أخوه، وعبد الله بن الزبير بن العوام، والمسور بن مخرمة بن نوفل بن أهيب
ابن عبد مناف ابن زهرة بن كلاب، وعبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، وعبد
الله بن عمر بن الخطاب، وعاصم بن عمر، وعبيد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن أبي
بكر، وعبد الله بن عمرو بن العاصي، وبسر بن أرطاة بن عويمر العامري،
وأبو ذؤيب خويلد بن خالد الهذلي الشاعر وبها توفى، فقام بأمره ابن الزبير حتى
واراه في لحده. وخرج في هذه الغزاة ممن حول المدينة من العرب خلق كثير.
572 - حدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن أسامة بن زيد بن أسلم عن نافع مولى
آل الزبير،
عن عبد الله بن الزبير قال: (ص 226) أغزانا عثمان بن عفان إفريقية.
وكان بها بطريق سلطانه من أطرابلس إلى طنجة. فسار عبد الله بن سعد بن أبي
سرح حتى حل بعقوبة، فقاتله أياما فقتله الله، وكنت أنا الذي قتلته.
وهرب جيشه فتمزقوا. وبث ابن أبي سرح السرايا ففرقها في البلاد، فأصابوا
غنائم كثيرة واستاقوا من المواشي ما قدروا عليه. فلما رأى ذلك عظماء إفريقية
267

اجتمعوا فطلبوا إلى عبد الله بن سعد أن يأخذ منهم ثلاث مئة قنطار من ذهب،
على أن يكف عنهم ويخرج من بلادهم. فقبل ذلك.
573 - وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن أسامة بن زيد الليثي،
عن ابن كعب أن عبد الله بن سعد بن أبي سرح صالح بطريق إفريقية
على ألفي ألف دينار وخمس مئة ألف دينار.
574 - وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي عن موسى بن ضمرة المازني،
عن أبيه قال: لما صالح عبد الله بن سعد بطريق إفريقية رجع إلى مصر
ولم يول على إفريقية أحدا. ولم يكن لها يومئذ قيروان ولا مصر جامع.
قال: فلما قتل عثمان وولى أمر مصر محمد بن حذيفة بن عتبة بن ربيعة لم
يوجه إليها أحدا. فلما ولى معاوية بن أبي سفيان ولى معاوية بن حديج السكوني
مصر. فبعث في سنة خمسين عقبة بن نافع بن عبد قيس بن لقيط الفهري
فغزاها واختطها.
575 - قالوا: ووجه عقبة بسر بن أرطاة إلى قلعة من القيروان فافتتحها
وقتل وسبى، وهي اليوم تعرف بقلعة بسر، وهي بالقرب من مدينة تدعى مجانة
عند معدن الفضة.
576 - وقد سمعت من يذكر أن موسى بن نصير وجه بسرا، وبسر
ابن اثنين وثمانين سنة، إلى هذه القلعة فافتتحها. (ص 227) وكان مولد بسر قبل
268

وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين. وغير الواقدي يزعم أنه قد روى عن النبي
صلى الله عليه وسلم. والله أعلم.
577 - وقال الواقدي: ولم يزل عبد الله بن سعد واليا حتى غلب محمد بن أبي
حذيفة على مصر، وهو كان أنفلها على عثمان. ثم إن عليا رضي الله عنه ولى
قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري مصر، ثم عزله واستعمل عليها محمد بن أبي
بكر الصديق، ثم عزله وولى مالكا الأشتر، فاعتل بالقلزم. ثم ولى محمد بن أبي
بكر ثانية ورده عليها. فقتله معاوية بن حديج وأحرقه في جوف حمار.
وكان الوالي عمرو بن العاصي من قبل معاوية بن أبي سفيان. فمات عمرو بمصر
يوم الفطر سنة اثنتين وأربعين، ويقال سنة ثلاث وأربعين، وولى عبد الله بن عمرو
ابنه بعده. ثم عزله معاوية وولى معاوية بن حديج، فأقام بها أربع سنين، ثم غزا
فغنم. ثم قدم مصر فوجه عقبة بن نافع بن عبد قيس الفهري، ويقال بل ولاه
معاوية المغرب، فغزا إفريقية في عشرة آلاف من المسلمين. فافتتح إفريقية
واختط قيروانها. وكان موضع القيروان غيضة ذات طرفاء وشجر لا يرام من السباع
والحيات والعقارب القتالة. وكان ابن نافع رجلا صالحا مستجاب الدعوة. فدعا ربه
فأذهب ذلك كله، حتى إن كانت السباع لتحمل أولادها هاربة بها.
578 - وقال الواقدي: قلت لموسى بن علي: رأيت بناء إفريقية المتصل
المجتمع الذي نراه اليوم من بناه؟ فقال: أول من بناها عقبة بن نافع الفهري،
اختطها ثم بنى وبنى الناس معه الدور والمساكن، وبنى المسجد الجامع بها.
قال: وبإفريقية استشهد معبد بن العباس رحمه الله في غزاة ابن أبي سرح
في خلافة عثمان، ويقال بل مات في أيام القتال. واستشهاده أثبت.
269

579 - وقال الواقدي وغيره: عزل معاوية بن أبي سفيان معاوية بن حديج.
وولى مصر والمغرب مسلمة بن مخلد الأنصاري. فولى المغرب أبا المهاجر مولاه.
فلما ولى يزيد بن معاوية رد عقبة بن نافع على (ص 228) عمله. فغزا السوس
الأدنى وهو خلف طنجة، وجول فيما هناك لا يعرض له أحد ولا يقاتله،
فانصرف. ومات يزيد بن معاوية وبويع لابنه معاوية بن يزيد، وهو أبو ليلى.
فنادى: الصلاة جامعة. ثم تبرأ من الخلافة وجلس في بيته، ومات بعد شهرين.
ثم كانت ولاية مروان بن الحكم وفتنة ابن الزبير. ثم ولى عبد الملك بن مروان
فاستقام له الناس. فاستعمل أخاه عبد العزيز على مصر، فولى إفريقية زهير بن
قيس البلوى. ففتح تونس ثم انصرف إلى برقة. فبلغه أن جماعة من الروم
خرجوا من مراكب لهم فعاثوا، فتوجه إليهم في جريدة خيل فلقيهم فاستشهد
ومن معه، فقبره هناك. وقبورهم تدعى قبور الشهداء. ثم ولى حسان بن النعمان
الغساني، فغزا ملكة البربر الكاهنة فهزمته. فأتى قصورا في حيز برقة فنزلها.
وهي قصور يضمها قصر سقوفه ازاج، فسميت قصور حسان. ثم إن حسان غزاها
ثانية فقتلها وسبى سبيا من البربر، وبعث به إلى عبد العزيز. فكان أبو محجن
نصب الشاعر يقول: لقد حضرت عند عبد العزيز سبيا من البربر ما رأيت قط
وجوها أحسن من وجوههم.
580 - قال ابن الكلبي: ولى هشام كلثوم بن عياض بن وحوح
القشيري إفريقية، فانتقض أهلها عليه فقتل بها.
وقال ابن الكلبي: كان إفريقيس بن قيس بن صيفي الحميري غلب على
إفريقية في الجاهلية، فسميت به. وهو قتل جرجير ملكها. فقال للبرابرة:
ما أكثر بربرة هؤلاء! فسموا البرابرة.
270

581 - وحدثني جماعة من أهل إفريقية عن أشياخهم أن عقبة بن نافع
الفهري لما أراد تمصير القيروان فكر في موضع المسجد منه. فأرى في منامه كأن
رجلا أذن في الموضوع الذي جعل فيه مئذنته. فلما أصبح (ص 229) بنى المنائر
في موقف الرجل، ثم بنى المسجد.
582 - وحدثني محمد بن سعد،
عن الواقدي قال: ولى محمد بن الأشعث الخواعي إفريقية من قبل أبى
العباس أمير المؤمنين. فرم مدينة القيروان ومسجدها. ثم عزله المنصور وولى
عمر بن حفص هزار مرد مكانه.
271

فتح طنجة
583 - قال الواقدي: وجه عبد العزيز بن مروان موسى بن نصير مولى
بنى أمية - وأصله من عين التمر. ويقال بل هو من أراشة من بلي، ويقال
هو من لخم - واليا على إفريقية. ويقال بل وليها في زمن الوليد بن عبد الملك
سنة تسع وثمانين. ففتح طنجة ونزلها، وهو أول من نزلها واختط فيها للمسلمين.
وانتهت خيله إلى السوس الأدنى وبينه وبين السوس الأقصى نيف وعشرون
يوما، فوطئهم وسبى منهم، وأدوا إليه الطاعة، وقبض عامله منهم الصدقة.
ثم ولاها طارق بن زياد مولاه وانصرف إلى قيروان إفريقية.
272

فتح الأندلس
584 - قال الواقدي: غزا طارق بن زياد عامل موسى بن نصير الأندلس
وهو أول من غزاها، وذلك في سنة اثنتين وتسعين. فلقيه أليان وهو وال على
مجاز الأندلس فآمنه طارق على أن حمله وأصحابه إلى الأندلس في السفن. فلما
صار إليها حاربه أهلها ففتحها، وذلك في سنة اثنتين وتسعين. وكان ملكها فيما
يزعمون من الاشبان، وأصلهم من أصبهان. ثم إن موسى بن نصير كتب إلى
طارق كتابا غليظا (ص 230) لتغريره بالمسلمين وافتياته عليه بالرأي في غزوه،
وأمره أن لا يجاوز قرطبة. وسار موسى إلى قرطبة من الأندلس فترضاه طارق
فرضي عنه. فافتتح طارق مدينة طليطلة، وهي مدينة مملكة الأندلس، وهي مما
يلي فرنجة، وأصاب بها مائدة عظيمة أهداها موسى بن نصير إلى الوليد بن
عبد الملك بدمشق حين قفل سنة ست وتسعين، والوليد مريض. فلما ولى سليمان
ابن عبد الملك أخذ موسى بن نصير بمئة ألف دينار. فكلمه فيه يزيد بن المهلب
فأمسك عنه. ثم لما كانت خلافة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ولى المغرب
إسماعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر مولى بنى مخزوم. فسار أحسن سيرة، ودعا
البربر إلى الاسلام. وكتب إليهم عمر بن عبد العزيز كتبا يدعوهم بعد إلى
ذلك. فقرأها إسماعيل عليهم في النواحي فغلب الاسلام على المغرب.
585 - قالوا: ولما ولى يزيد بن عبد الملك ولى يزيد بن أبي مسلم مولى
الحجاج بن يوسف إفريقية والمغرب. فقدم إفريقية في سنة اثنتين ومئة. وكان
حرسه البربر، فوسم كل امرئ منهم على يده حرسي. فأنكروا ذلك وملوا
273

سيرته فدب بعضهم إلى بعض وتضافروا على قتله، فخرج ذات عشية لصلاة
المغرب فقتلوه في مصلاه.
فولى يزيد بشر بن صفوان الكلبي، فضرب عنق عبد الله بن موسى بن
نصير بيزيد. وذلك أنه اتهم بقتله وتأليب الناس عليه.
ثم ولى هشام بن عبد الملك بشر بن صفوان أيضا، فتوفى بالقيروان سنة
تسع ومئة. فولى مكانه عبيدة بن عبد الرحمن القيسي.
ثم استعمل بعده عبد الله بن الحبحاب مولى بنى سلول. فأغزا عبد الرحمن
ابن حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع الفهري السوس وأرض السودان.
فظفر ظفرا لم (ص 231) ير أحد مثله قط، وأصاب جاريتين من نساء
ما هناك ليس للمرأة منهن إلا ثدي واحد وهم يسمون تراجان.
ثم ولى بعد ابن الحبحاب كلثوم بن عياض القشيري، فقدم إفريقية في سنة
ثلاث وعشرين فقتل. ثم ولى بعده حنظلة بن صفوان الكلبي أخا بشر بن
صفوان فقاتل الخوارج وتوفى هناك وهو وال.
وقام الوليد بن يزيد بن عبد الملك فخالف عليه عبد الرحمن بن حبيب
الفهري، وكان محببا في ذلك الثغر، لما كان من أثار جده عقبة بن نافع فيه،
فغلب عليه وانصرف عنه حنظلة. فبقى عبد الرحمن عليه.
وولى يزيد بن الوليد الخلافة فلم يبعث إلى المغرب عاملا.
وقام مروان بن محمد فكاتبه عبد الرحمن بن حبيب وأظهر له الطاعة وبعث
إليه بالهدايا. وكان كاتبه خالد بن ربيعة الإفريقي، وكان بينه وبين عبد الحميد
ابن يحيى مودة ومكاتبة، فأقر مروان عبد الرحمن على الثغر.
274

ثم ولى بعده الياس بن حبيب، ثم حبيب بن عبد الرحمن، ثم غلب البربر
والأباضية من الخوارج.
ثم دخل محمد بن الأشعث الخزاعي إفريقية واليا عليها في آخر خلافة
أبى العباس في سبعين ألفا، ويقال في أربعين ألفا، فوليها أربع سنين، فرم مدينة
القيروان. ثم وثب عليه جند البلد وغيرهم.
وسمع من يحدث أن أهل البلد والجند المقيمين فيه وثبوا به فمكث يقاتلهم
أربعين يوما وهو في قصره، حتى اجتمع إليه أهل الطاعة ممن كان شخص معه
من أهل خراسان وغيرهم، وظفر بمن حاربه، وعرضهم على الأسماء: فمن كان
اسمه معاوية أو سفيان أو مروان أو اسما موافقا لأسماء بنى أمية قتله، ومن كان
اسمه خلاف ذلك استبقاه. فعزله المنصور، وولى عمر بن حفص بن عثمان بن
قبيصة بن أبي صفرة العتكي، وهو الذي سمى هزارمرد، وكان المنصور به
معجبا. فدخل إفريقية وغزا منها حتى بلغ أقصى بلاد البربر، (ص 232) وابتنى
هناك مدينة سماها العباسية. ثم إن أبا حاتم السدراتي الأباضي من أهل سدراتة،
وهو مولى لكندة، قاتله. فاستشهد وجماعة من أهل بيته، وانتقض الثغر
وهدمت تلك المدينة التي ابتناها. وولى بعد هزارمرد يزيد بن حاتم بن قبيصة
ابن المهلب. فخرج في خمسين ألفا، وشيعه أبو جعفر المنصور إلى بيت المقدس،
وأنفق عليه مالا عظيما، فسار يزيد حتى لقي أبا حاتم بأطرابلس، فقتله ودخل
إفريقية. فاستقامت له. ثم ولى بعد يزيد بن حاتم روح بن حاتم، ثم الفضل
ابن روح فوثب الجند عليه فذبحوه.
586 - وحدثني أحمد بن نقد مولى بنى الأغلب قال: كان الأغلب بن
سالم التميمي من أهل مرو الروذ في من قدم مع المسودة من خراسان، فولاه
275

موسى الهادي المغرب. فجمع له حريش، وهو رجل كان من جند الثغر من
تونس، جمعا وسار إليه وهو بقيروان إفريقية فحصره. ثم إن الأغلب خرج إليه
فقاتله، فأصابه في المعركة سهم فسقط ميتا وأصحابه لا يعلمون بمصابه. ولم يعلم
به أصحاب حريش. ثم إن حريشا انهزم وجيشه فاتبعهم أصحاب الأغلب ثلاثة
أيام فقتلوهم وقتلوا حريشا بموضع يعرف بسوق الأحد. فسمى الأغلب الشهيد.
قال: وكان إبراهيم بن الأغلب من وجوه جند مصر. فوثب واثنا عشر
رجلا معه فأخذوا من بيت المال مقدار أرزاقهم لم يزدادوا على ذلك شيئا وهربوا،
فلحقوا بموضع يقال له الزاب، وهو من القيروان على مسيرة أكثر من عشرة
أيام، وعامل الثغر يومئذ من قبل الرشيد هارون هرثمة بن أعين. واعتقد
إبراهيم بن الأغلب على من كان من تلك الناحية من الجند وغيرهم الرياسة، وأقبل
يهدى إلى هرثمة ويلاطفه ويكتب إليه يعلمه أنه لم يخرج يدا من طاعة
ولا اشتمل على معصية (ص 233) وأنه إنما دعاه إلى ما كان منه الأحواج
والضرورة. فولاه هرثمة ناحيته واستكفاه أمرها. فلما صرف هرثمة من الثغر
وليه بعده ابن العكي. فساء أثره فيه حتى انتقض عليه. فاستشار الرشيد هرثمة
في رجل يوليه إياه ويقلده أمره. فأشار عليه باستصلاح إبراهيم واصطناعه
وتوليته الثغر. فكتب إليه الرشيد يعلمه أنه قد صفح له عن جرمه وأقاله هفوته
ورأى توليته بلاد المغرب اصطناعا له، ليستقبل به الاحسان ويستقبل به النصيحة.
فولى إبراهيم ذلك الثغر وقام به وضبطه.
ثم إن رجلا من جند البلد يقال له عمران بن مجالد خالف ونقض. فانضم
إليه جند الثغر وطلبوا أرزاقهم وحاصروا إبراهيم بالقيروان. فلم يلبثوا أن أتاهم
العراض والمعطون ومعهم مال من خراج مصر. فلما أعطوا تفرقوا. فابتنى إبراهيم
القصر الأبيض الذي في قبلة القيروان على ميلين منها. وخط للناس حوله
276

فابتنوا، ومصر ما هناك، وبنى مسجدا جامعا بالجص والآجر وعمد الرخام،
وسقفه بالأرز، وجعله مئتي ذراع في نحو مئتي ذراع. وابتاع عبيدا أعتقهم فبلغوا
خمسة آلاف، وأسكنهم حوله. وسمى تلك المدينة العباسية، وهي اليوم
آهلة عامرة.
وكان محمد بن الأغلب بن إبراهيم بن الأغلب أحدث في سنة تسع وثلاثين
ومائتين مدينة بقرب تاهرت سماها العباسية أيضا، فأخر بها أفلح بن عبد الوهاب
الأباضي، وكتب إلى الأموي صاحب الأندلس يعلمه ذلك تقربا إليه به. فبعث
إليه الأموي مئة ألف درهم.
587 - وبالمغرب أرض تعرف بالأرض الكبيرة، وبينها وبين برقة
مسيرة خمسة عشر يوما أو أقل من ذلك قليلا وأكثر قليلا. وبها مدينة على
شاطئ البحر تدعى بارة، وكان أهلها نصارى وليسوا بروم. غزاها حبلة مولى
الأغلب فلم يقدر عليها. ثم غزاها خلفون البربري، ويقال إنه مولى لربيعة
(ص 234) ففتحها في أول خلافة المتوكل على الله. وقام بعده رجل يقال له
المفرج بن سلام ففتح أربعة وعشرين حصنا واستولى عليها، وكتب إلى صاحب
البريد بمصر يعلمه خبره وأنه لا يرى لنفسه ومن معه من المسلمين صلاة إلا بأن
يعقله الامام على ناحيته ويوليه إياها ليخرج من حد المتغلبين. وبنى مسجدا
جامعا. ثم إن أصحابه شغبوا عليه فقتلوه. وقام بعده سوران فوجه رسوله إلى
أمير المؤمنين المتوكل على الله يسأله عقدا وكتاب ولاية. فتوفى قبل أن ينصرف
رسوله إليه. وتوفى المنتصر بالله وكانت خلافته ستة أشهر. وقام المستعين بالله أحمد
بن محمد بن المعتصم بالله فأمر عامله على المغرب، وهو اوتامش مولى أمير المؤمنين،
بأن يعقد على ناحيته. فلم يشخص رسوله من سر من رأى حتى قتل اوتامش
وولى الناحية وصيف مولى أمير المؤمنين فعقد له وأنفذه.
277

فتح جزائر في البحر
588 - قالوا: غزا معاوية بن حديج الكندي أيام معاوية بن أبي سفيان
سقلية، وكان أول من غزاها. ولم تزل تغزى بعد ذلك. وقد فتح آل الأغلب
ابن سالم الإفريقي منها نيفا وعشرين مدينة، وهي في أيدي المسلمين. وفتح
أحمد بن محمد بن الأغلب منها في خلافة أمير المؤمنين المتوكل على الله قصريانة
وحصن غليانة.
589 - وقال الواقدي: سبى عبد الله بن قيس بن مخلد الدزقي سقلية
فأصاب أصنام ذهب وفضة مكللة بالجواهر. فبعث بها إلى معاوية، فوجه بها
معاوية إلى البصرة لتحمل إلى الهند فتباع هناك ليثمن بها.
590 - قالوا: وكان معاوية بن أبي سفيان يغزى برا وبحرا، فبعث
(ص 235) جنادة بن أبي أمية الأزدي إلى رودس - وجنادة أحد من
روى عنه الحديث، ولقي أبا بكر وعمر ومعاذ بن جبل، ومات في سنة ثمانين -
ففتحها عنوة. وكانت غيضة في البحر. وأمره معاوية فأنزلها قوما من المسلمين.
وكان ذلك في سنة اثنتين وخمسين.
591 - قالوا: ورودس من أخصب الجزائر، وهي نحو من ستين ميلا،
فيها الزيتون والكروم والثمار والمياه العذبة.
278

592 - وحدثني محمد بن سعد،
عن الواقدي وغيره قالوا: أقام المسلمون برودس سبع سنين في حصن اتخذ
لهم. فلما مات معاوية كتب يزيد إلى جنادة يأمره بهدم الحصن والقفل. وكان
معاوية يعاقب بين الناس فيها. وكان مجاهد بن جبر مقيما بها يقرئ الناس
القرآن.
وفتح جنادة بن أبي أمية في سنة أربع وخمسين أرواد، وأسكنها معاوية
المسلمين. وكان ممن فتحها مجاهد وتبيع ابن امرأة كعب الأحبار، وبها أقرأ
مجاهد تبيعا القرآن. ويقال إنه أقرأه القرآن برودس. وأرواد جزيرة بالقرب
من القسطنطينية.
وغزا جنادة إقريطش. فلما كان زمن الوليد فتح بعضها. ثم أغلق.
وغزاها حميد بن معيوف الهمداني في خلافة الرشيد، ففتح بعضها.
ثم غزاها في خلافة المأمون أبو حفص عمر بن عيسى الأندلسي المعروف
بالأقريطش. وافتح منها حصنا واحدا ونزله. ثم لم يزل يفتح شيئا بعد شئ
حتى لم يبق فيها من الروم أحد وأخرب حصونهم.
279

صلح النوبة
593 - حدثني محمد بن سعد قال: حدثني محمد بن عمر الواقدي عن الوليد بن كثير عن
يزيد بن أبي حبيب،
عن أبي الخير قال: لما فتح المسلمون مصر بعث عمرو بن العاصي إلى القرى
التي حولها الخيل ليطأهم. فبعث عقبة بن نافع الفهري، وكان نافع أخا العاصي
لامه. فدخلت خيولهم أرض (ص 236) النوبة كما تدخل صوائف الروم،
فلقي المسلمون بالنوبة قتالا شديدا. لقد لاقوهم فرشقوهم بالنبل حتى جرح عامتهم.
فانصرفوا بجراحات كثيرة وحدق مفقوءة، فسموا رماة الحدق. فلم يزالوا على
ذلك حتى ولى مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح. فسألوه الصلح والموادعة،
فأجابهم إلى ذلك على غير جزية، لكن على هدنة ثلاث مئة رأس، في كل سنة،
وعلى أن يهدى المسلمون إليهم طعاما بقدر ذلك.
594 - حدثني محمد بن سعد قال: حدثني الواقدي قال: حدثنا إبراهيم بن جعفر عن عمر
ابن الحارث عن أبي قبيل حيى بن هاني المعافري،
عن شيخ من حمير قال: شهدت النوبة مرتين في ولاية عمر بن الخطاب،
فلم أر قوما أحد في حرب منهم. لقد رأيت أحدهم يقول للمسلم: أين تحب
أن أضع سهمي منك؟ فربما عبث الفتى منا فقال: في مكان كذا. فلا يخطئه.
كانوا يكثرون الرمي بالنبل فما يكاد يرى من نبلهم في الأرض شئ. فخرجوا
إلينا ذات يوم فصافونا ونحن نريد أن نجعلها حملة واحدة بالسيوف، فما قدرنا
على معالجتهم. رمونا حتى ذهبت الأعين فعدت مئة وخمسون عينا مفقوءة.
فقلنا: ما لهؤلاء خير من الصلح، إن سلبهم لقليل وإن نكابتهم لشديدة.
280

فلم يصالحهم عمرو، ولم يزل يكالبهم حتى نزع وولى عبد الله بن سعد بن أبي
سرح فصالحهم.
قال الواقدي: وبالنوبة ذهبت عين معاوية بن حديج الكندي، وكان أعور.
595 - حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام قال: حدثنا عبد الله بن صالح عن ابن لهيعة،
عن يزيد بن أبي حبيب قال z ليس بيننا وبين الأساود عهد ولا ميثاق،
إنما هي هدنة بيننا وبينهم على أن نعطيهم شيئا من قمح وعدس ويعطونا رقيقا،
فلا بأس بشراء رقيقهم منهم أو من غيرهم.
596 - حدثنا أبو عبيد عن عبد الله بن صالح،
عن الليث بن سعد قال إنما الصلح بيننا وبين النوبة على (ص 237)
أن لا نقاتلهم ولا يقاتلونا، وأن يعطونا رقيقا ونعطيهم بقدر ذلك طعاما، فإن
باعوا نساءهم لم أر بذلك بأسا أن يشترى..
ومن رواية أبى البختري وغيره أن عبد الله بن سعد بن أبي سرح صالح
أهل النوبة على أن يهدوا في السنة أربع مئة رأس يخرجونها ويأخذون بها طعاما.
597 - وكان المهدى أمير المؤمنين أمر بإلزام النوبة في كل سنة ثلاث مئة
رأس وستين رأسا وزرافة، على أن يعطوا قمحا وخل خمر وثيابا وفرشا أو قيمته.
وقد ادعوا حديثا أنه ليس يجب عليهم البقط لكل سنة، وأنهم كانوا
طولبوا بذلك في خلافة المهدى فرفعوا إليه أن هذا البقط مما يأخذون من رقيق
أعدائهم، فإذا لم يجدوا منه شيئا عادوا على أولادهم فأعطوا منهم فيه بهذه العدة:
فأمر أن يحملوا في ذلك على أن يؤخذ منهم لكل ثلاث سنين بقط سنة. ولم
يوجد لهذه الدعوى ثبت في دواوين الحضرة، ووجد في الديوان بمصر.
281

وكان المتوكل على الله أمر بتوجيه رجل يقال له محمد بن عبد الله ويعرف
بالقمي إلى المعدن بمصر واليا عليه، وولاه القلزم وطريق الحجاز وبذرقة حاج
مصر. فلما وافى المعدن حمل الميرة في المراكب من القلزم إلى بلاد البجة ووافى
ساحلا يعرف بعيذاب. فوافته المراكب هناك. فاستعان بتلك الميرة وتقوتها
ومن معه حتى وصل إلى قلعة ملك البجة. فناهضه. وكان في عدة يسيرة فخرج
إليه البجوي في الدهم على إبل محزمة. فعمد القمي إلى الأجراس فقلدها
الخيل. فلما سمعت الإبل أصواتها تقطعت بالبجويين في الأودية والجبال. وقتل
صاحب البجة. ثم قام من بعده ابن أخته، وكان أبوه أحد ملوك البجويين
وطلب (ص 238) الهدنة. فأبى المتوكل على الله ذلك إلا أن يطأ بساطه.
فقدم سر من رأى فصولح في سنة إحدى وأربعين ومائتين على أداء الإتاوة
والبقط، ورد مع القمي. فأهل البجة على الهدنة يؤدون ولا يمنعون المسلمين من
العمل في معدن الذهب. وكان ذلك في الشرط على صاحبهم.
282

في أمر القراطيس
598 - قالوا: كانت القراطيس تدخل بلاد الروم من أرض مصر،
ويأتي العرب من قبل الروم الدنانير. فكان عبد الملك بن مروان أول من
أحدث الكتاب الذي يكتب في رؤوس الطوامير من: * (قل هو الله أحد) *،
وغيرها من ذكر الله. فكتب إليه ملك الروم:
" إنكم أحدثتم في قراطيسكم كتابا نكرهه، فإن تركتموه وإلا أتاكم
في الدنانير من ذكر نبيكم ما تكرهونه ".
قال: فكبر ذلك في صدر عبد الملك. فكره أن يدع سنة حسنة سنها.
فأرسل إلى خالد بن يزيد بن معاوية فقال له: يا أبا هاشم! إحدى بنات طبق.
وأخبره الخبر. فقال: أفرخ روعك يا أمير المؤمنين. حرم دنانيرهم فلا يتعامل
بها، واضرب للناس سلكا، ولا تعف هؤلاء، الكفرة مما كرهوا في الطوامير.
فقال عبد الملك: فرجتها عنى فرج الله عنك. وضرب الدنانير.
599 - قال عوانة بن الحكم: وكانت الأقباط تذكر المسيح في رؤوس
الطوامير وتنسبه إلى الربوبية، تعالى الله علوا كبيرا، وتجعل الصليب مكان
بسم الله الرحمن الرحيم. فلذلك كره ملك الروم ما كره، واشتد عليه تغيير
عبد الملك ما غيره.
283

600 - وقال المدائني:
قال مسلمة بن محارب: أشار خالد بن يزيد على عبد الملك بتحريم دنانيرهم
ومنع التعامل بها، وأن لا يدخل بلاد الروم شئ من القراطيس. فمكث حينا
لا يحمل إليهم.
284