الكتاب: تاريخ الطبري
المؤلف: الطبري
الجزء: ٨
الوفاة: ٣١٠
المجموعة: مصادر التاريخ
تحقيق: مراجعة وتصحيح وضبط : نخبة من العلماء الأجلاء
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: قوبلت هذه الطبعة على النسخة المطبوعة بمطبعة "بريل" بمدينة لندن في سنة ١٨٧٩ م)

تاريخ الأمم والملوك
للامام أبي جعفر محمد بن جرير الطبري
الجزء الثامن
[قوبلت هذه الطبعة على النسخة المطبوعة]
[بمطبعة " بريل " بمدينة ليدن في سنة 1879 م]
راجعه وصححه وضبطه
نخبة من العلماء الاجلاء
(تنبيه) تتميما للفائدة قد ذيلنا هذا الجزء بكتابين:
الأول: صلة تاريخ الطبري: لعريب بن سعد القرطبي
الثاني: المنتخب من كتاب ذيل المذيل: لأبي جعفر بن جرير الطبري
منشورات
مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
بيروت لبنان
ص. ب 7120
1

بسم الله الرحمن الرحيم
ثم دخلت سنه ثمان وخمسين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الأمور الجليلة
فمن ذلك ما كان من الموافاة بسعيد بن أحمد بن سعيد بن سلم الباهلي باب السلطان
وأمر السلطان بضربه بالسياط فضرب سبعمائة سوط فيما قيل في شهر ربيع الآخر
منها فمات فصلب (وفيها) ضرب عنق قاض لصاحب الزنج كان يقضى له لعبادان
وأعناق أربعة عشر رجلا من الزنج بباب العامة بسامرا كانوا أسروا من ناحية
البصرة (وفيها) أوقع مفلح باعراب بتكريت ذكر أنهم كانوا مايلوا الشاري
مساورا (وفيها) أوقع مسرور البلخي بالأكراد اليعقوبية فهزمهم وأصاب
فيهم (وفيها) دخل محمد بن واصل في طاعة السلطان وسلم الخراج والضياع
بفارس إلى محمد بن الحسين بن الفياض. وعقد المعتمد يوم الاثنين لعشر بقين
من شهر ربيع الأول لأبي أحمد أخيه على ديار مضر وقنسرين والعواصم وجلس
يوم الخميس مستهل شهر ربيع الآخر فخلع عليه وعلى مفلح فشخصا نحو البصرة
وركب ركوبا عاما وشيع أبا أحمد إلى بزكوار وانصرف (وفيها) قتل منصور
ابن جعفر بن دينار الخياط
ذكر الخبر عن سبب مقتله وكيف كان أمره
ذكر أن الخبيث لما فرغ أصحابه بن أمر البصرة أمر علي بن أبان المهلبي
بالمصير إلى جبى لحرب منصور بن جعفر وهو يومئذ بالأهواز فخرج إليه فأقام
بازائه شهرا وجعل منصور يأتي عسكر على وهو مقيم بالخيزرانية ومنصور إذ ذاك
في خف من الرجال فوجه الخبيث إلى علي بن أبان باثنتي عشرة شذاة مشحونة
يجلد أصحابه وولى أمرها المعروف بأبي الليث الأصبهاني وأمره بالسمع والطاعة
2

لعلي بن أبان فصار المعروف بأبي الليث إلى علي فأقام مخالفا له مستبدا بالرأي
عليه وجاء منصور كما كان يجئ للحرب ومعه شذوات فبدر إليه أبو الليث عن
غير مؤامرة منه لعلي بن أبان فظفر منصور بالشذوات التي كانت معه وقتل فيها
من البيضان والزنج خلقا كثيرا وأفلت أبو الليث فانصرف إلى الخبيث فانصرف
علي بن أبان وجميع من كان معه فأقاموا شهرا ثم رجع على لمحاربة منصور في
رجاله فلما استقر على وجه طلائع يأتونه بأخبار منصور وعساكره وكان لمنصور
وال مقيم بكرنبا فبيت علي بن أبان ذلك القائد فقتله وقتل عامة من كان معه وغنم
ما كان في عسكره وأصاب أفراسا وأحرق العسكر وانصرف من ليلته حتى صار
في ذنابة نهر جبى وبلغ الخبر منصورا فسار حتى انتهى إلى الخيزرانية فخرج إليه على
في نفير من أصحابه وكانت الحرب بينهما منذ ضحى ذلك اليوم إلى وقت الظهر ثم
انهزم منصور وتفرق عنه أصحابه وانقطع عنهم وأدركته طائفة من الزنج اتبعوا
أثره إلى نهر يعرف بعمر بن مهران فلم يزل يكر عليهم حتى تقصفت رماحه ونفدت
سهامه ولم يبق معه سلاح ثم حمل نفسه على النهر ليعبر فصاح بحصان كان تحته فوثب
وقصرت رجلاه فانغمس في الماء (قال شبل) كان سبب تقصير الفرس عن
عبور النهر بمنصور أن رجلا من الزنج كان ألقى نفسه لما رأى منصورا قاصدا
نحو النهر يريد عبوره فسبقه سباحة فلما وثب الفرس تلقاه الأسود فنكص به
فغاضا معا ثم أطلع منصور رأسه فنزل إليه غلام من السودان من عرفاء مصلح
يقال له أبرون فاحتز رأسه وأخذ سلبه وقتل ممن كان معه جماعة كثيرة وقتل مع
منصور أخوه خلف بن جعفر فولى يارجوخ ما كان إلى منصور من العمل اصغجون
(ولاثنتي عشرة) بقيت من جمادى الأولى منها قتل مفلح بسهم أصابه بغير نصل
في صدغه يوم الثلاثاء فأصبح ميتا يوم الأربعاء في غد ذلك اليوم وحملت جثته
إلى سامرا فدفن بها
ذكر الخبر عن سبب مقتله وكيف كان الوصول إليه
قد مضى ذكرى شخوص أبى أحمد بن المتوكل من سامرا إلى البصرة لحرب
3

اللعين لما تناهى إليه وإلى المعتمد ما كان من فظيع ما ركب من المسلمين بالبصرة
وما قرب منها من سائر أرض الاسلام فعاينت أنا الجيش الذي شخص فيه أبو
أحمد ومفلح ببغداد وقد اجتازوا بباب الطاق وأنا يومئذ نازل هنالك فسمعت
جماعة من مشايخ أهل بغداد يقولون قد رأينا جيوشا كثيرة من الخلفاء فما رأينا
مثل هذا الجيش أحسن عدة وأكمل سلاحا وعتادا وأكثر عددا وجمعا واتبع
ذلك الجيش من متسوقة أهل بغداد خلق كثير. وذكر عن محمد بن الحسن أن
يحيى بن محمد البحراني كان مقيما بنهر معقل قبل موافاة أبى أحمد موضع الخبيث
فاستأذنه في المصير إلى نهر العباس فكره ذلك وخاف أن يوافيه جيش السلطان
وأصحابه متفرقون فألح عليه يحيى حتى أذن له فخرج واتبعه أكثر أهل عسكر
الخبيث وكان علي بن أبان مقيما بجبى في جمع كثير من الزنج والبصرة قد صارت
مغنما لأهل عسكر الخبيث فهم يغادونها ويراوحونها لنقل ما نالته أيديهم منها فليس
بعسكر الخبيث يومئذ من أصحابه الا القليل فهو على ذلك من حاله حتى وافى أبو
أحمد في الجيش الذي كان معه فيه مفلح فوافى جيش عظيم هائل لم يرد على الخبيث
مثله فلما انتهى إلى نهر معقل هرب من كان هناك من جيش الخبيث فلحقوا به مرعوبين
فراع ذلك الخبيث فدعا برئيسين من رؤساء جيشه الذي كان هناك فسألهما عن
السبب الذي له تركا موضعهما فأخبراه بما عاينا من عظم أمر الجيش الوارد وكثرة عدد
أهله وإحكام عدتهم وأن الذي عاينا من ذلك لم يكن في قوتهما الوقوف له في العدة التي
كانا فيها فسألهما هل علما من يقود الجيش فقالا لا قد اجتهدنا في علم ذلك فلم نجد من
يصدقنا عنه فوجه الخبيث طلائعه في سميريات لتعرف الخبر فرجعت رسله إليه بتعظيم
أمر الجيش وتفخيمه ولم يقف أحد منهم على من يقوده ويرأسه فزاد ذلك في جزعه
وارتباطه فبادر بالارسال إلى علي بن أبان يعلمه خبر الجيش الوارد ويأمره بالمصير
إليه فيمن معه ووافى الجيش فأناخ بإزائه فلما كان اليوم الذي كانت فيه الوقعة
وهو يوم الأربعاء خرج الخبيث ليطوف في عسكره ماشيا ويتأمل الحال فيمن
هو مقيم معه من حزبه ومن هو مقيم بإزائه من أهل حربه وقد كانت السماء
4

مطرت في ذلك اليوم مطرا خفيفا والأرض ثرية تزل عنها الاقدام فطوف ساعة
من أول النهار ثم رجع فدعا بدواة وقرطاس لينفذ كتابا إلى علي بن أبان يعلمه
ما قد أطله من الجيش ويأمره بتقديم من قدر على تقديمه من الرجال فإنه لفى ذلك
إذ أتاه المكتنى أبا دلف وهو أحد قواد السودان فقال له إن القوم قد صعدوا
وانهزم عنهم الزنج وليس في وجوههم من يردهم حتى انتهوا إلى الحبل الرابع
فصاح به وانتهره وقال أغرب عنى فإنك كاذب فيما حكيت وإنما ذلك جزع
دخلك لكثرة ما رأيت من الجمع فانخلع قلبك ولست تدرى ما تقول فخرج أبو دلف
من بين يديه وأقبل على كاتبه وقد كان أمر جعفر بن إبراهيم السجان بالنداء في
الزنج وتحريكهم للخروج إلى موضع الحرب فأتاه السجان فأخبره أنه قد ندب
الزنج فخرجوا وأن أصحابه قد ظفروا بسميريتين فأمره بالرجوع لتحريك الرجالة
فرجع ولم يلبث بعد ذلك إلا يسيرا حتى أصيب مفلح بسهم غرب لا يعرف
الرامي به ووقعت الهزيمة وقوى الزنج على أهل حربهم فنالوهم بما نالوهم به من
القتل ووافى الخبيث زنجه بالرؤس قابضين عليها بأسنانهم حتى ألقوها بين يديه
فكثرت الرؤس يومئذ حتى ملأت كل شئ وجعل الزنج يقتسمون لحوم القتلى
ويتهادونها بينهم وأتى الخائن بأسير من أبناء الفراغنة فسأله عن رأس الجيش
فأعلمه؟؟ بمكان أبى أحمد ومفلح فارتاع لذكر أبى أحمد وكان إذا راعه أمر كذب
به فقال ليس في الجيش غير مفلح لانى لست أسمع الذكر إلا له ولو كان في
الجيش من ذكر هذا الأسير لكان صوته أبعد ولما كان مفلح إلا تابعا له
ومضافا إلى صحبته * وقد كان أهل عسكر الخبيث لما خرج عليهم أصحاب أبي أحمد
جزعوا جزعا شديدا وهربوا من منازلهم ولجأوا إلى النهر المعروف بنهر أبى الخصيب
ولا جسر يومئذ عليه فغرق فيه يومئذ خلق كثير من النساء والصبيان ولم يلبث
الخبيث بعد الوقعة إلا يسيرا حتى وافاه علي بن أبان في جمع من أصحابه فوافاه
وقد استغنى عنه ولم يلبث مفلح أن مات وتحيز أبو أحمد إلى الأبلة ليجمع ما فرقت
الهزيمة منه ويجدد الاستعداد ثم صار إلى نهر أبى الأسد فأقام به * قال محمد بن
5

الحسن فكان الخبيث لا يدرى كيف قتل مفلح فلما بلغه أنه أصيب بسهم ولم ير
أحدا ينتحل رميه ادعى أنه كان الرامي له * قال فسمعته يقول سقط بين يدي
سهم فأتاني به واح خادمي فدفعه إلى فرمت به فأصبت مفلحا * قال محمد وكذب
في ذلك لانى كنت حاضرا ذلك المشهد وما زال عن فرسه حتى أتاه المخبر بخبر
الهزيمة وأتى بالرؤس وانقضت الحرب (وفى هذه السنة) وقع الوباء في الناس
في كور دجلة فهلك فيها خلق كثير في مدينة السلام وسامرا وواسط وغيرها
(وفيها) قتل خرسخارس ببلاد الروم في جماعة من أصحابه (وفيها) أسر يحيى
ابن محمد البحراتي صاحب قائد الزنج وفيها قتل
ذكر الخبر عن أسره وقتله وكيف كان ذلك
ذكر عن محمد بن سمعان الكاتب أنه قال لما وافى يحيى بن محمد نهر العباس لقيه
بفوهة النهر ثلثمائة وسبعون فارسا من أصحاب أصغجون العامل كان عامل الأهواز
في ذلك الوقت كانوا مرتبين في تلك الناحية فلما بصر بهم يحيى استقلهم ورأى كثرة
من معه من الجمع مما لا خوف عليه معهم فلقيتهم أصحابه غير مستجنين بشئ يرد عنهم
عاديتهم ورشقتهم أصحاب أصغجون بالسهام فأكثروا الجراح فيهم فلما رأى ذلك
يحيى عبر إليهم عشرين ومائة فارس كانت معه وضم إليهم من الرجال جمعا كثيرا وانحاز
أصحاب أصغجون عنهم وولج البحراني ومن معه نهر العباس وذلك وقت قلة الماء
في النهر وسفن القيروانات جانحة على الطين فلما أبصر أصحاب تلك السفن بالزنج
تركوا سفنهم وحازها الزنج وغنموا ما كان فيها غنائم عظيمة جليلة ومضوا بها متوجهين
نحو البطيحة المعروفة ببطيحة الصحناة وتركوا الطريق النهج وذلك للتحاسد الذي
كان بين البحراني وعلي بن أبان المهلبي وان أصحاب يحيى أشاروا عليه ألا يسلك
الطريق الذي يمر فيها بعسكر على فأصغى إلى مشورتهم فشرعوا له الطريق المؤدى
إلى البطيحة التي ذكرنا فسلكها حتى ولج البطيحة وسرح الخيل التي كانت معه وجعل
معها أبا الليث الأصبهاني وأمره بالمصير بها إلى عسكر قائد الزنج وكان الخبيث وجه
إلى يحيى البحراني يعلمه ورود الجيش الذي ورد عليه ويأمره بالتحرز في منصرفه
6

من أن يلقاه أحد منهم فوجه البحراني الطلائع إلى دجلة فانصرفت طلائعه وجيش
أبى أحمد منصرف من الأبلة إلى نهر أبى الأسد وكان السبب في رجوع الجيش إلى
نهر أبى الأسد أن رافع بن بسطام وغيره من مجاوري نهر العباس وبطيحة الصحناة
كتبوا إلى أبى أحمد يعرفونه خبر البحراني وكثرة جمعه وأنه يقدر أن يخرج من نهر
العباس إلى دجلة فيسبح إلى نهر أبى الأسد ويعسكر به ويمنعه الميرة ويحول بينه
وبين ما يأتيه أو يصدر عنه فرجعت إليه طلائعه بخبره وعظم أمر الجيش عنده
وهيبته منه فرجع في الطريق الذي كان سلكه بمشقة شديدة نالته ونالت أصحابه
وأصابهم وباء من ترددهم في تلك البطيحة فكثر المرض فيهم فلما قربوا من نهر
العباس جعل يحيى بن محمد سليمان بن جامع على مقدمته فمضى يقود أوائل الزنج وهم
يجرون سفنهم يريدون الخروج من نهر العباس وفى النهر للسلطان شذوات وسميريات
تحمى فوهته من قبل أصغجون ومعها جمع من الفرسان والرجالة فراعه وأصحابه
ذلك فخلوا سفنهم وألقوا أنفسهم في غربي نهر العباس وأخذوا على طريق الزيدان
ماضين نحو عسكر الخبيث ويحيى غار بما أصابهم لم يأته علم شئ من خبرهم وهو
متوسط عسكره قد وقف على قنطرة قورج العباس في موضع ضيق يشتد فيه جرية الماء
فهو مشرف على أصحابه الزنج وهم في جر تلك السفن التي كانت معهم فمنها ما يغرق ومنها
ما يسلم قال محمد بن سمعان وأنا في تلك الحال معه واقف فأقبل على متعجبا من شدة جرية
الماء وشدة ما يلقى أصحابه من تلقيه بالسفن فقال لي أرأيت لو هجم علينا عدونا في
هذه الحال من كان أسوأ حالا منا فما انقضى كلامه حتى وافاه طاشتمر التركي في الجيش
الذي أنفذه إليهم أبو أحمد عند رجوعه من الأبلة إلى نهر أبى الأسد ووقعت الضجة
في عسكره * قال محمد فنهضت متشوفا؟؟ للنظر فإذا الاعلام الحمر قد أقبلت في الجانب
الغربي من نهر العباس ويحيى به فلما رآها الزنج ألقوا أنفسهم في الماء جملة فعبروا
إلى الجانب الشرقي وعرى الموضع الذي كان فيه يحيى فلم يبق معه إلا بضعة عشر
رجلا فنهض يحيى عن ذلك فأخذ درقته وسيفه واحتزم بمنديل وتلقى القوم الذين
أتوه في النفر الذين معه فرشقهم أصحاب طاشتمر بالسهام وأسرع فيهم الجراح
7

وجرح البحراني بأسهم ثلاث في عضديه وساقه اليسرى فلما رآه أصحابه جريحا
تفرقوا عنه فلم يعرف فيقصد له فرجع حتى دخل بعض تلك السفن وعبر به إلى
الجانب الشرقي من النهر وذلك وقت الضحى من ذلك اليوم وأثقلت يحيى الجراحات
التي أصابته فلما رأى الزنج ما نزل به اشتد جزعهم وضعفت قلوبهم فتركوا القتال
وكانت همتهم النجاة بأنفسهم وحاز أصحاب السلطان الغنائم التي كانت في السفن
بالجانب الغربي من النهر فلما حووها أقعدوا في بعض تلك السفن النفاطين وعبروهم
إلى شرق النهر فأحرقوا ما كان هناك من السفن التي كانت في أيدي الزنج وانفض
الزنج عن يحيى فجعلوا يتسللون بقية نهارهم يعد قتل فيهم ذريع وأسر كثير فلما أمسوا
وأسدف الليل طاروا على وجوههم فلما رأى يحيى تفرق أصحابه ركب سميرية
كانت لرجل من المقاتلة البيضان وأقعد معه فيها متطببا يقال له عباد يعرف بأبي
جيش وذلك لما كان به من الجراح وطمع في التخلص إلى عسكر الخبيث فسار
حتى قرب من فوهة النهر فبصروا ملاحو السميرية بالشذا والسميريات واعتراضها
في النهر فجزعوا من المرور بهم وأيقنوا أنهم مدركون فعبروا إلى الجانب الغربي
فألقوه ومن معه على الأرض في زرع كان هناك فخرج يمشى وهو مثقل حتى
ألقى نفسه فأقام بموضعه ليلته تلك فلما أصبح بموضعه ذلك نهض عباد المطبب
الذي كان معه فجعل يمشى متشوفا لان يرى إنسانا فرأى بعض أصحاب السلطان
فأشار إليهم فأخبرهم بمكان يحيى وأتاه بهم حتى سلمه إليهم وقد زعم قوم أن
قوما مروا به فرأوه فدلوا عليه فأخذ فانتهى خبره إلى الخبيث صاحب الزنج
فاشتد لذلك جزعه وعظم عليه توجعه * ثم حمل يحيى بن محمد الأزرق البحراني إلى
أبى أحمد فحمله أبو أحمد إلى المعتمد بسامرا فأمر ببناء دكة بالحير بحضرة مجرى
الحلبة فبنيت ثم رفع للناس حتى أبصروه فضرب بالسياط وذكر أنه دخل سامرا
يوم الأربعاء لتسع خلون من رجب على جمل وجلس المعتمد من غد ذلك اليوم
وذلك يوم الخميس فضرب بين يديه مائتي سوط بثمارها ثم قطعت يداه ورجلاه من
خلاف ثم خبط بالسيوف ثم ذبح ثم أحرق * قال محمد بن الحسن لما قتل يحيى البحراني
8

وانتهى خبره إلى صاحب الزنج قال عظم على قتله واشتد اهتمامي به فخوطبت فقيل لي قتله
خير لك إنه كان شرها ثم أقبل على جماعة كنت أنا فيهم قال ومن شرهه أنا غنمنا
غنيمة من بعض ما كنا نصيبه فكان فيه عقدان فوقعا في يد يحيى فأخفى عنى
أعظمهما خطرا وعرض على أخسهما واستوهبنيه فوهبته له فرفع لي العقد الذي
أخفاه فدعوته فقلت أحضرني العقد الذي أخفيته فأتاني بالعقد الذي وهبته له
وجحد أن يكون أخذ غيره فرفع لي العقد فجعلت أصفه وأنا أراه فبهت وذهب
فأتاني به واستوهبنيه فوهبته له وأمرته بالاستغفار وذكر عن محمد بن الحسن
أن محمد بن سمعان حدثه أن قائد الزنج قال لي في بعض أيامه لقد عرضت على
النبوة فأبيتها فقلت ولم ذاك قال لان لها أعباء خفت ألا أطيق حملها (وفى هذه
السنة) أنحاز أبو أحمد بن المتوكل من الموضع الذي كان به من قرب موضع قائد
الزنج إلى واسط.
ذكر الخبر عن سبب انحيازه ذلك إليها
ذكر أن السبب في ذلك كان أن أبا أحمد لما صار إلى نهر أبى الأسد فأقام به
كثر العلل فيمن معه من جنده وغيرهم وفشا فيهم الموت فلم يزل مقيما هنالك حتى
أبل من نجا منهم من الموت من علته ثم انصرف راجعا إلى باذاور فعسكر به
وأمر بتجديد الآلات وإعطاء من معه من الجند أرزاقهم وإصلاح الشذوات
والسميريات والمعابر وشحنها بالقواد من مواليه وغلمانه ونهض نحو عسكر الخبيث
وأمر جماعة من قواده بقصد مواضع سماها لهم من نهر أبى الخصيب وغيره وأمر
جماعة منهم بلزومه والمحاربة معه في الموضع الذي يكون فيه فمال أكثر القوم
حين وقعت الحرب والتقى الفريقان إلى نهر أبى الخصيب وبقى أبو أحمد في قلة
من أصحابه فلم يزل عن موضعه إشفاقا من أن يطمع فيه الزنج وفيمن يازائهم من
أصحابه وهم بسبخة نهر منكى وتأمل الزنج تفرق أصحاب أبي أحمد عنه وعرفوا
موضعه فكثروا عليه واستعرت الحرب وكثر القتل والجراح بين الفريقين
وأحرق أصحاب أبي أحمد قصورا ومنازل من منازل الزنج واستنقذوا من النساء
9

جمعا كثيرا وصرف الزنج جمعهم إلى الموضع الذي كان به أبو أحمد فظهر الموفق
على الشذا وتوسط محرضا أصحابه حتى أتاه من جمع الزنج ما علم أنه لا يقام بمثل
العدة اليسيرة التي كان فيها فرأى أن الحزم في محاجزتهم فأمر أصحابه عند ذلك
بالرجوع إلى سفنهم على تؤدة ومهل فصار أبو أحمد إلى الشذا التي كان فيها بعد
أن استقر أكثر الناس في سفنهم وبقيت طائفة من الناس ولجأوا إلى تلك الأدغال
والمضايق فانقطعوا عن أصحابهم فخرج عليهم كمناء الزنج فاقتطعوهم ووقعوا
بهم فحاموا عن أنفسهم وقاتلوا قتالا شديدا وقتلوا عددا كثيرا من الزنج
وأدركتهم المنايا فقتلوا وحملوا إلى قائد الزنج مائة رأس وعشرة أرؤس فزاد
ذلك في عتوه ثم انصرف أبو أحمد إلى الباذاورد في الجيش وأقام يعبى أصحابه
للرجوع إلى الزنج فوقعت نار في طرف من أطراف عسكره وذلك في أيام
عصوف الريح فاحترق العسكر ورحل أبو أحمد منصرفا وذلك في شعبان من
هذه السنة إلى واسط فلما صار إلى واسط تفرق عنه عامة من كان
معه من أصحابه (ولعشر خلون) من شعبان كانت هده صعبة هائلة
بالصيمرة ثم سمع من غد ذلك اليوم وذلك يوم الأحد هدة هي أعظم من التي
كانت في اليوم الأول فتهدم من ذلك أكثر المدينة وتساقطت الحيطان وهلك
من أهلها فيما قيل زهاء عشرين ألفا (وضرب) بباب العامة بسامرا رجل يعرف
بأبي فقعس قامت عليه البينة فيما قيل بشتم السلف ألف سوط وعشرين سوطا
فمات وذلك يوم الخميس لسبع خلون من شهر رمضان (ومات) يارجوخ يوم
الجمعة لثمان خلون من شهر رمضان فصلى عليه أبو عيسى بن المتوكل وحضر جعفر
ابن المعتمد (وفيها) كانت وقعة بين موسى بن بغا وأصحاب الحسن بن زيد فهزم
موسى أصحاب الحسن (وفيها) انصرف مسرور البلخي عن مساور الشاري إلى
سامرا ومعه أسراء من الشراة واستخلف على عسكره بالحديثة جعلان ثم شخص
أيضا مسرور البلخي إلى ناحية البوازيج فلقى مساورا بها فكانت بينهما وقعة بها
أسر مسرور من أصحابه جماعة ثم انصرف لليال بقيت من ذي الحجة (وفى هذه
10

السنة) حدث في الناس ببغداد داء كان أهلها يسمونه القفاع (وفيها) رجع
أكثر الحاج من القرعاء خوف العطش وسلم من سار منهم إلى مكة (وحج)
بالناس فيها الفضل بن إسحاق بن الحسن
ثم دخلت سنة تسع وخمسين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك منصرف أبى أحمد بن المتوكل من واسط وقدومه سامرا يوم
الجمعة لأربع بقين من شهر ربيع الأول واستخلافه على واسط وحرب الخبيث
بتلك الناحية محمدا المولد ومن ذلك مقتل كنجور
ذكر الخبر عن سبب مقتله
وكان سبب ذلك أنه كان والى الكوفة فانصرف عنها يريد سامرا بغير إذن
فأمر بالرجوع فأبى فحمل إليه فيما ذكر مال ليفرق في أصحابه أرزاقهم منه فلم
يقنع بذلك ومضى حتى ورد عكبراء في ربيع الأول فتوجه إليه من سامر اعدة
من القواد فيهم ساتكين وتكين وعبد الرحمن بن مفلح وموسى بن أتامش
وغيرهم فذبحوه ذبحا وحمل رأسه إلى سامرا لليلة بقيت من شهر ربيع الأول
وأصيب معه نيف وأربعون ألف دينار وألزم كاتب له نصراني مالا ثم ضرب
هذا الكاتب في شهر ربيع الآخر بباب العامة ألف سوط فمات (وفيها) غلب
شركب الجمال على مرو وناحيتها وأنهبها (وفيها) انصرف يعقوب بن الليث
عن بلخ فأقام بقهستان وولى عماله هراة وبوشنج وباذغيس وانصرف إلى
سجستان (وفيها) فارق عبد الله السجزي يعقوب بن الليث مخالفا له وحاصر
نيسابور فوجه محمد بن طاهر إليه الرسل والفقهاء فاختلفوا بينهما ثم ولاه الطبسين
وقهستان (ولست خلفون) من رجب منها دخل المهلبي ويحيى بن خلف النهر بطى
سوق الأهواز فقتلوا بها خلقا كثيرا وقتلوا صاحب المعونة بها
11

ذكر الخبر عن سبب هذه الوقعة
وكيف كان هلاك صاحب الحرب من قبل السلطان فيها
ذكر أن قائد الزنج خفى عليه أمر الحريق الذي كان في عسكر أبى أحمد
بالباذاورد فلم يعلم خبره إلا بعد ثلاثة ورد به عليه رجلان من أهل عبادان
فأخبراه فعاد للعيث وانقطعت عنه الميرة فأنهض علي بن أبان المهلبي وضم إليه
أكثر الجيش وسار معه سليمان بن جامع وقد ضم إليه الجيش الذي كان مع يحيى
ابن محمد البحراني وسليمان بن موسى الشعراني وقد ضمت إليه الخيل وسائر الناس
مع علي بن أبان المهلبي والمتولي للأهواز يومئذ رجل يقال له أصغجون ومعه
نيزك في جماعة من القواد فسار إليهم علي بن أبان في جمعه من الزنج ونذر بن
أضغجون فنهض نحوه في أصحابه فالتقى العسكران بصحراء تعرف بدستماران
فكانت الدبرة يومئذ على أصغجون فقتل نيزك في جمع كثير من أصحابه وغرق
أصغجون وأسر الحسن بن هرثمة المعروف بالشار يومئذ والحسن بن جعفر
المعروف بزاوشار * قال محمد بن الحسن فحدثني الحسن بن الشار قال خرجنا يومئذ
مع أصغجون للقاء الزنج فلم يثبت أصحابنا وانهزموا وقتل نيزك وفقد أصغجون
فلما رأيت ذلك نزلت عن فرس محذوف كان تحتي وقدرت أن أتناول بذنب
جنيبة كانت معي وأقحمها النهر فأنجو بها فسبقني إلى ذلك غلامي فنجا وتركني
فأتيت موسى بن جعفر لاتخلص معه فركب سفينة ومضى فيها ولم يقم على
وبصرت بزورق فأتيته فركبته فكثر الناس على وجعلوا يطلبون الركوب معي
فيتعلقون بالزروق حتى غرقوه فانقلب وعلوت ظهره وذهب الناس عنى وأدركني
الزنج فجعلوا يرموني بالنشاب فلما خفت التلف قلت أمسكوا عن رميى والقوا إلى
شيئا أتعلق به وأصير إليكم فمدوا إلى رمحا فتناولته بيدي وصرت إليهم وأما
الحسن بن جعفر فإن أخاه حمله على فرس وأعده ليسفر بينه وبين أمير الجيش
فلما وقعت الهزيمة بادر في طلب النجاة فعثر به فرسه فأخذ فكتب علي بن أبان
إلى الخبيث بأمر الوقعة وحمل إليه رؤسا وأعلاما كثيرة ووجه الحسن بن الشار
12

والحسن بن جعفر وأحمد بن روح فأمر بالأسرى إلى السجن ودخل علي بن أبان
الأهواز فأقام يعيث بها إلى أن ندب السلطان موسى بن بغا لحرب الخبيث (وفيها)
شخص موسى بن بغا عن سامرا لحربه وذلك لثلاث عشرة بقيت من ذي القعدة
وشيعه المعتمد إلى خلف الحائطين وخلع عليه هناك (وفيها) وافى عبد الرحمن
ابن مفلح الأهواز وإسحاق بن كنداج البصرة وإبراهيم بن سيما باذاورد لحرب
قائد الزنج من قبل موسى بن بغا
ذكر الخبر عما كان من أمر هؤلاء في النواحي التي ضمت إليهم
مع أصحاب قائد الزنج في هذه السنة
ذكر أن ابن مفلح لما وافى الأهواز أقام بقنطرة أربك عشرة أيام ثم مضى
إلى المهلبي فواقعه فهزمه المهلبي وانصرف واستعد ثم عاد لمحاربته فأوقع به وقعة
غليظة وقتل من الزنج قتلا ذريعا وأسر أسرى كثيرة وانهزم علي بن أبان وأفلت ومن
معه من الزنج حتى وافوا ببانا فأراد الخبيث ردهم فلم يرجعوا للذعر الذي خالط
قلوبهم فلما رأى ذلك أذن لهم في دخول عسكره فدخلوا جميعا فأقاموا بمدينته
ووافى عبد الرحمن حصن المهدى ليعسكر به فوجه إليه الخبيث علي بن أبان فواقعه
فلم يقدر عليه ومضى على يريد الموضع المعروف بالدكر وإبراهيم بن سيما يومئذ
بالباذاورد فواقعه إبراهيم فهزم علي بن أبان وعاوده فهزمه أيضا إبراهيم فمضى
في الليل وأخذ معه أدلاء فسلكوا به الآجام والأدغال حتى وافى نهر يحيى وانتهى
خبره إلى عبد الرحمن فوجه إليه طاشتمر في جمع من الموالى فلم يصل إلى علي ومن
معه لوعورة الموضع الذي نوا فيه وامتناعه بالقصب والحلافي فأضرمه عليهم
نارا فخرجوا منه هاربين فأسر منهم أسرى وانصرف إلى عبد الرحمن بن مفلح
بالأسرى والظفر ومضى علي بن أبان حتى وافى نسوخا فأقام هناك فيمن معه من
أصحابه وانتهى الخبر بذلك إلى عبد الرحمن بن مفلح فصرف وجهه نحو العمود
فوافاه وأقام به وصار على به أبان إلى نهر السدرة وكتب إلى الخبيث يستمده
ويسأله التوجيه إليه بالشذا فوجه إليه ثلاث عشرة شذاة فيها جمع كثير من أصحابه
13

فسار على ومعه الشذا حتى وافى عبد الرحمن وخرج إليه عبد الرحمن بمن معه فلم
يكن بينهما قتال وتواقف الجيشان يومهما ذلك فلما كان الليل انتخب علي بن
ابان من أصحابه جماعة يثق بجلدهم وصبرهم ومضى فيهم ومعه سليمان بن موسى
المعروف بالشعراني وترك سائر عسكره مكانه ليخفى أمره فصار من وراء عبد الرحمن
ثم بيته في عسكره فنال منه ومن أصحابه نيلا وانحاز عبد الرحمن عنه وخلى عن
أربع شذوات من شذواته فأخذها على وانصرف ومضى عبد الرحمن لوجهه حتى
وافى الدولاب فأقام به وأعد رجالا من رجاله وولى عليهم طاشتمر وأنفذهم
إلى علي بن أبان فوافوه بنواحي بياب آزر فأقعوا به وقعة انهزم منها إلى نهر
السدرة وكتب طاشتمر إلى عبد الرحمن بانهزام على عنه فأقبل عبد الرحمن بجيشه
حتى وافى العمود فأقام به واستعد أصحابه للحرب وهيأ شذواته وولى عليها
طاشتمر فسار إلى فوهة نهر السدرة فواقع علي بن أبان وقعة عظيمة انهزم منها
على وأخذ منه عشر شذوات ورجع على إلى الخبيث مفلولا مهزوما وسار
عبد الرحمن من فوره فعسكر ببيان فكان عبد الرحمن بن مفلح وإبراهيم بن
سيما يتناوبان المصير إلى عسكر الخبيث فيوقعان به ويخيفان من فيه وإسحاق
ابن كنداج يومئذ مقيم بالبصرة قد قطع الميرة عن عسكر الخبيث فكان الخبيث
يجمع أصحابه في اليوم الذي يخاف فيه موافاة عبد الرحمن من مفلح وإبراهيم
ابن سيما حتى ينقضى الحرب ثم يصرف فريقا منهم إلى ناحية البصرة فيواقع
بهم إسحاق بن كنداج فأقاموا في ذلك بضعة عشر شهرا إلى أن صرف موسى بن
بغا عن حرب الخبيث ووليها مسرور البلخي وانتهى الخبر بذلك إلى الخبيث (وفيها)
غلب الحسن بن زيد على قومس ودخلها أصحابه (وفيها) كانت وقعة بين محمد بن
الفضل بن سنان القزويني ووهسوذان بن جستان الديلمي فهزم محمد بن الفضل
وهسوذان (وفيها) ولى موسى بن بغا الصلابي الري حين وثب كيغلغ على
تكين فقتله فسار إليها (وفيها) غلب صاحب الروم على سميساط ثم نزل على
ملطية وحاصر أهلها فحاربه أهل ملطية فهزموه وقتل أحمد بن محمد القابوس نصرا
14

الاقريطشى بطريق البطارقة (وفيها) وجه من الأهواز جماعة من الزنج أسروا
إلى سامرا فوثبت العامة بهم بسامرا فقتلوا أكثرهم وسلبوهم (وفيها) دخل
يعقوب بن الليث نيسابور
ذكر الخبر عن الكائن الذي كان منه هناك
ذكر أن يعقوب بن الليث صار إلى هراة ثم قصد نيسابور فلما قرب منها
وأراد دخولها وجه محمد بن طاهر يستأذنه في تلقيه فلم يأذن له فبعث بعمومته
وأهل بيته فتلقوه ثم دخل نيسابور لأربع خلون من شوال بالعشى فنزل طرفا
من أطرافها يعرف بداود اباذ فركب إليه محمد بن طاهر فدخل عليه في مضربه
فساءله ثم أقبل على تأنيبه وتوبيخه على تفريطه في عمله ثم انصراف وأمر
عزيز بن السرى بالتوكيل به وصرف محمد بن طاهر وولى عزيرا نيسابور ثم حبس
محمد بن طاهر وأهل بيته وورد الخبر بذلك على السلطان فوجه إليه حاتم بن زيرك
ابن سلام ووردت كتب يعقوب على السلطان لعشر بقين من ذي القعدة فقعد
فيما ذكر جعفر بن المعتمد وأبو أحمد بن المتوكل في إيوان الجوسق وحضر
القواد وأذن لرسل يعقوب فذكر رسله ما تناهى إلى يعقوب من حال أهل
خراسان وأن الشراة والمخالفين قد غلبوا عليها وضعف محمد بن طاهر وذكروا
مكاتبة أهل خراسان يعقوب ومسألتهم إياه قدومه عليهم واستعانتهم وأنه
صار إليها فلما كان على عشرة فراسخ من نيسابور سار إليه أهلها فدفعوها إليه
فدخلها فتكلم أبو أحمد وعبيد الله بن يحيى وقالا للرسل إن أمير المؤمنين لايقار
يعقوب على ما فعل وأنه يأمره بالانصراف إلى العمل الذي ولاه إياه وانه لم يكن
له أن يفعل ذلك بغير أمره فليرجع فإنه إن فعل كان من الأولياء وإلا لم يكن
له الا ما للمخالفين وصرف إليه رسله بذلك ووصلوا وخلع على كل واحد منهم
خلعة فيها ثلاثة أثواب وكانوا أحضروا رأسا على قناة فيه وقعة فيها هذا رأس
عدو الله عبد الرحمن الخارجي بهراة ينتحل الخلافة منذ ثلاثين سنة قتله يعقوب
ابن الليث (وحج بالناس) في هذه السنة إبراهيم بن محمد بن إسماعيل بن جعفر
15

ابن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس المعروف ببريه
ثم دخلت سنة ستين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمما كان فيها من ذلك قتل رجل من أكراد مساور الشاري محمد بن هارون بن
المعمر وجده في زورق يريد سامرا فقتله وحمل رأسه إلى مساور فطلبت ربيعة بدمه
في جمادى الآخرة فندب مسرور البلخي وجماعة من القواد إلى أخذ الطريق على
مساور (وفيها) قتل قائد الزنج علي بن زيد العلوي صاحب الكوفة (وفيها)
واقع يعقوب بن الليث الحسن بن زيد الطالبي فهزمه ودخل طبرستان
ذكر الخبر عن هذه الوقعة وعن سبب مصير يعقوب إلى طبرستان.
(أخبرني) جماعة من أهل الخبرة بيعقوب أن عبد الله السجزي كان
يتنافس الرياسة بسجستان فقهره يعقوب فتخلص منه عبد الله فلحق بمحمد بن
طاهر بنيسابور فلما صار يعقوب إلى نيسابور هرب عبد الله فلحق بالحسن
ابن زيد فشخص يعقوب في أثره بعد ما كان من أمره وأمر محمد بن طاهر ما قد
ذكرت قبل فمر في طريقه إلى طبرستان باسفرائيم ونواحيها وبها رجل كنت
أعرفه يطلب الحديث يقال له بديل الكشي يظهر التطوع والامر بالمعروف
وقد استجاب له عامة أهل تلك الناحية فلما نزل يعقوب راسله وأخبره أنه مثله
في التطوع وأنه معه فلم يزل يرفق به حتى صار إليه بديل فلما تمكن منه قيده ومضى
به معه إلى طبرستان فلما صار إلى قرب سارية لقيه الحسن بن زيد (فقيل لي)
إن يعقوب بعث إلى الحسن بن زيد يسأله أن يبعث إليه بعبد الله السجزي حتى
ينصرف عنه فإنه إنما قصد طبرستان من أجله لا لحربه فأبى الحسن بن زيد تسليمه
إليه فآذنه يعقوب بالحرب فالتقى عسكرهما فلم تكن إلا كلا ولا حتى هزم الحسن
ابن زيد ومضى نحو الشرز وأرض الديلم ودخل يعقوب سارية ثم تقدم منها
إلى آمل فجبى أهلها خراج سنة ثم شخص من آمل نحو الشرز في طلب الحسن
16

ابن زيد حتى صار إلى بعض جبال طبرستان فأدركته فيه الأمطار وتتابعت
عليه فيما ذكر لي نحوا من أربعين يوما فلم يتخلص من موضعه ذلك بمشقة شديدة
وكان فيما قيل لي قد صعد جبلا لما رام النزول عنه لم يمكنه ذلك إلا محمولا على
ظهور الرجال وهلك عامة ما كان معه من الظهر ثم رام الدخول خلف الحسن
ابن زيد إلى الشرز * فحدثني بعض أهل تلك الناحية أنه انتهى إلى الطريق الذي
أراد سلوكه إليه فوقف عليه وأمر أصحابه بالوقوف ثم تقدم أمامهم يتأمل
الطريق ثم رجع إلى أصحابه فأمرهم بالانصراف وقال لهم إن لم يكن إليه طريق
غير هذا فلا طريق إليه (فأخبرني) الذي ذكر لي ذلك أن نساء أهل تلك
الناحية قلن لرجالهن دعوه يدخل هذا الطريق فإنه إن دخل كفيناكم أمره وعلينا
أخذه وأسره لكم فلما انصرف راجعا وشخص عن حدود طبرستان عرض
رجاله ففقد منهم قيل لي أربعين ألفا وانصرف عنها وقد ذهب عظم ما كان
معه من الخيل والإبل والأثقال * وذكر أنه كتب إلى السلطان كتابا يذكر فيه
مسيره إلى الحسن بن زيد وأنه سار من جرجان إلى طميس فافتتحها ثم سار إلى
سارية وقد أخرب الحسن بن زيد القناطر ورفع المعابر وعور الطريق وعسكر الحسن
ابن زيد على باب سارية متحصنا بأودية عظام وقد مالاه خرشاد بن جيلا وصاحب
الديلم فزحف باقتدار فيمن جمع إليه من الطبرية والديالمة والخراسانية والقمية
والجبلية والشأمية والجزرية فهزمته وقتلت عدة لم يبلغها بعهدي عدة وأسرت
سبعين من الطالبيين وذلك في رجب وسار الحسن بن زيد إلى الشرز ومعه الديلم
(وفى هذه السنة) اشتد الغلاء في عامة بلاد الاسلام فانجلى فيما ذكر عن مكة من
شدة الغلاء من كان بها مجاورا إلى المدينة وغيرها من البلدان ورحل عنها العامل
الذي كان بها مقيما وهو بريه وارتفع السعر ببغداد فبلغ الكر الشعير عشرين
ومائة دينار والحنطة خمسين ومائة ودام ذلك شهورا (وفيها) قتلت الاعراب
منجور والى حمص فاستعمل عليها بكتمر (وفيها) صار يعقوب بن الليث حين
انصرف عن طبرستان إلى ناحية الري وكان السبب في مصيره إليها فيما ذكر لي
17

مصير عبد الله السجزي إلى الصلابي مستجيرا به من يعقوب لما هزم يعقوب
الحسن بن زيد فلما صار يعقوب إلى جوار الري كتب إلى الصلابي يخيره بين
تسليم عبد الله السجزي إليه حتى ينصرف عنه ويرتحل عن عمله وبين أن يأذن بحربه
فاختار الصلابي فيما قيل لي تسليم عبد الله فسلمه إليه فقتله يعقوب وانصرف عن
عمل الصلابي (وفيها) قتل العلاء بن أحمد الأزدي
ذكر الخبر عن سبب مقتله
ذكر أن العلاء بن أحمد فلج وتعطل فكتب السلطان إلى أبى الردينى عمر بن
علي بن مر بولاية آذربيجان وكانت قبل إلى العلاء فصار أبو الردينى إليها ليتسلمها
من العلاء فخرج العلاء في قبة في شهر رمضان لحرب أبى الردينى ومع أبى الردينى
جماعة من الشراة وغيرهم فقتل العلاء * فذكر أنه وجه عدة من الرجال في حمل
ما خلف العلاء فحمل من قلعته ما بلغت قيمته ألفى ألف وسبعمائة ألف درهم
(وفيها) أخذت الروم لؤلؤة من المسلمين (وحج بالناس) فيها إبراهيم بن محمد
ابن إسماعيل بن جعفر بن سليمان بن علي المعروف ببريه
ثم دخلت سنة إحدى وستين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك ما كان من انصراف الحسن بن زيد من أرض الديلم إلى طبرستان
واحراقه شالوس لما كان من ممالاتهم يعقوب واقطاعه ضياعهم الديالمة ومن
ذلك ما كان من أمر السلطان عبيد الله بن عبد الله بن طاهر بجمع من كان ببغداد
من حاج خراسان والري وطبرستان وجرجان فجمعهم في صفر منها ثم قرئ
عليهم كتاب يعلمون فيه أن السلطان لم يول يعقوب بن الليث خراسان ويأمرهم
بالبراءة منه لانكاره دخوله خراسان وأسره محمد بن طاهر (وفى هذه السنة)
توفى عبد الله بن الواثق في عسكر الصفار يعقوب (وفيها) قتل مساور الشاري
يحيى بن حفص الذي كان يلي طريق خراسان بكرخ جدان في جمادى الآخرة
18

فشخص مسرور البلخي في طلبه ثم تبعه أبو أحمد بن المتوكل وتنحى مساور فلم
يلحق (وفى جمادى الأولى) منها هلك أبو هاشم داود بن سليمان الجعفري
(وفيها) كانت بين محمد بن واصل وعبد الرحمن بن مفلح وطاشتمر وقعة برامهرمز
فقتل ابن واصل طاشتمر وأسر بن مفلح
ذكر الخبر عن هذه الوقعة والسبب فيها
كان السبب في ذلك فيما ذكر لي أن ابن واصل قتل الحارث بن سيما وهو
عامل السلطان بفارس وتغلب عليها فضمت إلى موسى بن بغا فارس والأهواز
والبصرة والبحرين واليمامة مع ما كان إليه من عمل المشرق فوجه موسى بن بغا
عبد الرحمن بن مفلح إلى الأهواز وولاه إياها وفارس وضم إليه طاشتمر فاتصل
بابن واصل ذلك من فعل موسى وأن ابن مفلح قد توجه إلى فارس يريده وكان
قبل مقيما بالأهواز على حرب الخارجي بناحية البصرة فزحف إليه ابن واصل
فالتقيا برامهرمز وانضم أبو داود الصعلوك إلى ابن واصل معينا له على ابن مفلح
فظهر ابن واصل بابن مفلح فأسره وقتل طاشتمر واصطلم عسكر ابن مفلح ثم لم
يزل ابن مفلح في يده حتى قتله وقد كان السلطان وجه إسماعيل بن إسحاق إلى ابن
واصل في إطلاق ابن مفلح فلم يجبه إلى ذلك ابن واصل ولما فرغ ابن واصل من
ابن مفلح أقبل مظهرا أنه يريد واسط لحرب موسى بن بغا حتى انتهى إلى الأهواز
وبها إبراهيم بن سيما في جمع كثير فلما رأى موسى بن بغا شدة الامر وكثرة
المتغلبين على نواحي المشرق وأنه لاقوام له بهم سأل أن يعفى من أعمال المشرق
فأعفي منها وضم ذلك إلى أبى أحمد ووليه أبو أحمد بن المتوكل فانصرف موسى بن بغا
من واسط إلى باب السلطان مع عماله عن أعمال المشرق (وفيها) ولى أبو الساج
الأهواز وحرب قائد الزنج فصار إليها أبو الساج بعد شخوص عبد الرحمن بن مفلح
إلى ناحية فارس (وفيها) كانت بين عبد الرحمن صهر أبى الساج وعلي بن أبان
المهلبي وقعة بناحية الدولاب قتل فيها عبد الرحمن وانحاز أبو الساج إلى عسكر
مكرم ودخل الزنج الأهواز فقتلوا أهلها وسبوا وانتهبوا وأحرقوا دورها ثم
19

صرف أبو الساج عما كان إليه من عمل الأهواز وحرب الزنج وولى ذلك إبراهيم
ابن سيما فلم يزل مقيما في عمله ذلك حتى انصرف عنه بانصراف موسى بن بغا عما
كان إليه من عمل المشرق (وفيها) ولى محمد بن أوس البلخي طريق خراسان ولما
ضم عمل المشرق إلى أبى أحمد ولى مسرورا البلخي الأهواز والبصرة وكور دجلة
واليمامة والبحرين في شعبان من هذه السنة وحرب قائد الزنج (وفيها) ولى نصر
ابن أحمد بن أسد الساماني ما وراء نهر بلخ وذلك في شهر رمضان منها وكتب إليه
بولايته ذلك * وفى شوال منها زحف يعقوب بن الليث إلى فارس وابن واصل
مقيم بالأهواز فانصرف منها إلى فارس فالتقى هو ويعقوب بن الليث في ذي القعدة
فهزمه يعقوب وفل عسكره وبعث إلى خرمة إلى قلعة ابن واصل فأخذ ما كان فيها
فذكر أنه بلغت قيمة ما أخذ يعقوب منها أربعين ألف ألف درهم وأسر مرداسا
خال ابن واصل (وفيها) أوقع أصحاب يعقوب بن الليث بأهل زم موسى بن
الكردي لما كان من ممالاتهم محمد بن واصل فقتلوهم وانهزم موسى بن مهران
(وفيها) لاثنتي عشرة مضت من شوال منها جلس المعتمد في دار العامة فولى ابنه
جعفرا العهد وسماه المفوض إلى الله وولاه المغرب وضم إليه موسى بن بغا وولاه
إفريقية ومصر والشأم والجزيرة والموصل وأرمينية وطريق خراسان ومهر جانقذق
وحلوان وولى أخاه أبا أحمد العهد بعد جعفر وولاه المشرق وضم إليه
مسرورا البلخي وولاه بغداد والسواد والكوفة وطريق مكة والمدينة واليمن
وكسكر وكور دجلة والأهواز وفارس وأصبهان وقم والكرج والدينور
والري وزنجان وقزوين وخراسان وطبرستان وجرجان وكرمان وسجستان
والسند وعقد لكل واحد منهما لواءين أسود وأبيض وشرط إن حدث به حدث
الموت وجعفر لم يكمل للامر أن يكون الامر لأبي أحمد ثم لجعفر وأخذت البيعة على
الناس بذلك وفرقت نسخ الكتاب وبعث بنسخة مع الحسن بن محمد بن أبي
الشوارب ليعلقها في الكعبة فعقد جعفر المفوض لموسى بن بغا على المغرب في
شوال وبعث إليه بالعقد مع محمد المولد (وفيها) فارق محمد بن زيدويه يعقوب
20

ابن الليث فاعتزل عسكره في آلاف من أصحابه فصار إلى أبى الساج فقبله وأقام معه
بالأهواز وبعث إليه من سامرا بخلعة ثم سأل ابن زيدويه السلطان توجيه الحسين
ابن طاهر بن عبد الله معه إلى خراسان * وسار مسرور البلخي مقدمة لأبي أحمد
من سامرا لسبع خلون من ذي الحجة وخلع عليه وعلى أربعة وثلاثين من قواده
فيما ذكر وشيعه وليا العهد واتبعه الموفق شاخصا من سامرا لتسع بقين من ذي
الحجة (وحج) بالناس فيها الفضل بن إسحاق بن الحسن بن إسماعيل بن العباس بن
محمد بن علي بن عبد الله بن عباس * ومات الحسن بن محمد بن أبي الشوارب فيها
بمكة بعد ما حج
ثم دخلت سنة اثنتين وستين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمما كان فيها من ذلك موافاة يعقوب بن الليث رامهرمز في المحرم وتوجيه
السلطان إليه إسماعيل بن إسحاق بغراج وإخراج السلطان من كان محبوسا من
أسباب يعقوب بن الليث من السجن لأنه لما كان من أمره ما كان في أمر محمد
ابن طاهر حبس السلطان غلامه وصيفا ومن كان قبله من أسبابه فأطلق عنهم
بعد ما وافى يعقوب رامهرمز وذلك لخمس خلون من شهر ربيع الأول ثم قدم
إسماعيل بن إسحاق من عند يعقوب وخرج إلى سامرا برسالة من عنده فجلس
أبو أحمد ببغداد ودعا بجماعة من التجار وأعلمهم أن أمير المؤمنين أمر
بتولية يعقوب بن الليث خراسان وطبرستان وجرجان والري وفارس
والشرطة بمدينة السلام وذلك بمحضر من درهم بن نصر صاحب يعقوب وكان
المعتمد قد صرف درهما هذا من سامرا إلى يعقوب بجواب ما كان يعقوب أرسله
يسأله لنفسه فأرسل معه إليه عمر بن سيما ومحمد بن تركشه ووافى فيها رسل ابن
زيدويه بغداد في شهر ربيع الأول منها برسالة من عنده فخلع عليه أبو أحمد ثم
انصرف في هذه السنة الذين توجهوا إلى يعقوب بن الليث إلى السلطان فأعلموه
21

أنه يقول إنه لا يرضيه ما كتب إليه دون أن يصير إلى باب السلطان وارتحل
يعقوب من عسكر مكرم فصار أبو الساج إليه فقبله وأكرمه ووصله ولما رجعت
الرسل بما كان من جواب يعقوب عسكر المعتمد يوم السبت لثلاث خلون من
جمادى الآخرة بالقائم بسامرا واستخلف على سامرا ابنه جعفرا وضم إليه محمد
المولد ثم سار منهم يوم الثلاثاء لست خلون من جمادى الآخرة ووافى بغداد يوم
الأربعاء لأربع عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة فاشتقها حتى جازها وصار إلى
الزعفرانية فنزلها وقدم أخاه أبا أحمد من الزعفرانية فسار يعقوب بجيشه من عسكر
مكرم حتى صار من واسط على فرسخ فصادف هنالك بثقا قد بثقه مسرور البلخي
من دجلة لئلا يقدر على جوازه فأقام عليه حتى سده وعبره وذلك لست بقين من
جمادى الآخرة وصار إلى باذبين ثم وافى محمد بن كثير من قبل يعقوب عسكر
مسرور البلخي فصار بإزائه فصار مسرور بعسكره إلى النعمانية ووافى يعقوب
واسط فدخلها لست بقين من جمادى الآخرة وارتحل المعتمد من الزعفرانية
يوم الخميس لليلة بقيت من جمادى الآخرة حتى صار إلى سيب بنى كوما فوافاه
هنالك مسرور البلخي وكان مسير مسرور البلخي إليه في الجانب الغربي من دجلة
فعبر إلى الجانب الذي فيه العسكر فأقام المعتمد بسيب بنى كوما أياما حتى اجتمعت
إليه عساكره وزحف يعقوب من واسط إلى دير العاقول ثم زحف من دير
العاقول نحو عسكر السلطان فأقام المعتمد بالسيب ومعه عبيد الله بن يحيى وأنهض
أخاه أبا أحمد لحرب يعقوب فجعل أبو أحمد موسى بن بغا على ميمنته ومسرورا
البلخي على ميسرته وصار هو في خاصته ونخبة رجاله في القلب والتقى العسكران
يوم الأحد لليال خلون من رجب بموضع يقال له اضطربد بين سيب بنى كوما
وديرا العاقول فشدت ميسرة يعقوب على ميمنة أبى أحمد فهزمتها وقتلت منها جماعة
كثيرة منهم من قوادهم إبراهيم بن سيما التركي وطباغوا التركي ومحمد طغتا التركي
والمعروف بالمبرقع المغربي وغيرهم ثم ثاب المنهزمون وسائر عسكر أبى أحمد ثابت
فحملوا على يعقوب وأصحابه فثبتوا وحاربوا حربا شديدا وقتل من أصحاب يعقوب
22

جماعة من أهل البأس منهم الحسن الدرهمي ومحمد بن كثير وكان على
مقدمة يعقوب والمعروف بلبادة فأصابت يعقوب ثلاثة أسهم في حلقه ويديه
ولم تزل الحرب بين الفريقين فيما قيل إلى آخر وقت صلاة العصر ثم وافى أبا أحمد
الديراني ومحمد بن أوس واجتمع جميع من في عسكر أبى أحمد وقد ظهر من كثير
ممن مع يعقوب كراهة القتال معه إذ رأوا السلطان قد حضر لقتاله فحملوا على
يعقوب ومن قد ثبت معه للقتال فانهزم أصحاب يعقوب وثبت يعقوب في خاصة
أصحابه حتى مضوا وفارقوا موضع الحرب * فذكر أنه أخذ من عسكره من الدواب
والبغال أكثر من عشرة آلاف رأس ومن الدنانير والدراهم ما يكل عن حمله ومن
جرب المسك أمر عظيم وتخلص محمد بن طاهر بن عبد الله وكان مثقلا بالحديد
خلصه الذي كان موكلا به ثم أحضر محمد بن طاهر فخلع عليه على مرتبته وقرئ على
الناس كتاب فيه ولم يزل الملعون المارق المسمى يعقوب بن الليث الصفار ينتحل
الطاعة حتى أحدث الاحداث المنكرة من مصيره إلى صاحب خراسان وغلبته
إياه عليها وتقلده الصلاة والاحداث بها ومصيره إلى فارس مرة بعد مرة واستيلائه
على أموالها واقباله إلى باب أمير المؤمنين مظهر المسألة في أمور أجابه أمير المؤمنين
منها ما لم يكن يستحقه استصلاحا له ودفعا بالتي هي أحسن فولاه خراسان والري
وفارس وقزوين وزنجان والشرطة بمدينة السلام ومر بتكنيته في كتبه وأقطعه
الضياع النفيسة فما زاده ذلك إلا طغيانا وبغيا فأمره بالرجوع فأبى فنهض أمير
المؤمنين لدفع الملعون حين توسط الطريق بين مدينة السلام وواسط وأظهر
يعقوب أعلاما على بعضها الصلبان فقدم أمير المؤمنين أخاه أبا أحمد الموفق بالله
ولى عهد المسلمين في القلب ومعه أبو عمران موسى بن بغا في الميمنة وفى جناح الميمنة
إبراهيم بن سيما وفى الميسرة أبو هاشم مسرور البلخي وفى جناح الميسرة الديراني فتسرع
وأشياعه في المحاربة فحاربه حتى أثخن بالجراح وحتى انتزع أبو عبد الله محمد بن طاهر سالما
من أيديهم وولوا منهزمين مجروحين مسلوبين وسلم الملعون كل ما حواه ملكه كتابا
مؤرخا بيوم الثلاثاء لاحدى عشرة خلت من رجب * ثم رجع المعتمد إلى معسكره
23

وكتب إلى ابن واصل بتولية فارس وقد كان صار إليها وجمع جماعة ثم رجع
المعتمد إلى المدائن ومضى أبو أحمد ومعه مسرور وساتكين وجماعة من القواد
وقبض مالا لأبي الساج من الضياع والمنازل وأقطعها مسرور البلخي وقدم محمد
ابن طاهر بن عبد الله بغداد يوم الاثنين لأربع عشرة بقيت من رجب وقد رد
إليه العمل فخلع عليه في الرصافة فنزل دار عبد الله بن طاهر فلم يعزل أحدا ولم
يول وأمر له بخمسمائة ألف درهم وكانت الوقعة التي كانت بين السلطان والصفار
يوم الشعانين وقال محمد بن علي بن فيد الطائي يمدح أبا أحمد ويذكر أمر الصفار
نعب الغراب عدمته من ناعب * وصبا فؤادي لادكار حبائبى
نادى ببينهم فجادت مقلتي * لزيال أرحلهم بدمع ساكب
بانوا بأتراب أوانس كالدمى * مثل المها قب البطون كواعب
فأولئكن غرائر تيمننى * بسوالف وقوائم وحواجب
لولى عهد المسلمين مناسب * شرفت وأشرق نورها بمناصب
ومراتب في ذروة لا ترتقى * أكرم بها من ذروة ومراتب
ولقد أتى الصفار في عدد لها * حسن فوافتهن نكبة ناكب
جلب القضاء إليه حتفا عاجلا * سقيا ورعيا للقضاء الجالب
أغواه إبليس اللعين بكيده * واغتر منه بوعد كاذب
حتى إذا احتلفوا وظن بأنه * قد عز بين عساكر وكتائب
دلفت إليه عساكر ميمونة * يلقون زحفا باللواء الغالب
في جحفل لجب ترى أبطاله * من دارع أو رامح أو ناشب
وبدا الامام براية منضورة * لمحمد سيف الاله القاضب
وولى عهد المسلمين موفق * بالله أمضى من شهاب ثاقب
وكأنه في الناس بدر طالع * متهلل بالنور بين كواكب
لما التقوا بالمشرفية والقنا * ضربا وطعن محارب لمحارب
ثار العجاج وفوق ذاك غمامة * غراء تسكب وبل صوب صائب
24

فل الجموع بحزم رأى ثاقب * منه وأفرد صاحبا عن صاحب
لله در موفق ذي بهجة * ثبت المقام لدى الهياج مواثب
يا فارس العرب الذي ما مثله * في الناس يعرف آخر لنوائب
من فادح الزمن العضوض ومن لقى * جيش لذي غدر حرون غاصب
(وفيها) وجه قائد الزنج جيوشه إلى ناحية البطيحة ودستميسان
ذكر الخبر عن سبب توجيهه إياهم إليها
ذكر أن سبب ذلك كان أن المعتمد لما صرف موسى بن بغا عن أعمال المشرق
وما كان متصلا بها وضمها إلى أخيه أبى أحمد وضم أبو أحمد عمل كور دجلة إلى
مسرور البلخي وأقبل يعقوب بن الليث مريدا أبا أحمد وصار إلى واسط خلت
كور دجلة من أسباب السلطان خلا المدائن وما فوق ذلك وكان مسرور قد وجه
قبل ذلك إلى الباذاورد مكان موسى بن أتامش جعلان التركي وكان بإزاء موسى
ابن أتامش من قبل قائد الزنج سليمان بن جامع وقد كان سليمان قبل أن يصرف
ابن أتامش عن الباذاورد قد نال من عسكره فلما صرف ابن أتامش وجعل
موضعه جعلان وجه سليمان من قبله رجلا من البحرانيين يقال له ثعلب بن حفص
فأوقع به وأخذ منه خيلا ورجلا ووجه قائد الزنج من قبله رجلا من أهل جبى
يقال له أحمد بن مهدي في سميريات فيها رماة من أصحابه فأنفذه إلى نهر المرأة فجعل
الجبائي يوقع بالقرى التي بنواحي المذار فيما ذكر فيعيث فيها ويعود إلى نهر المرأة
فيقيم به فكتب هذا الجبائي إلى قائد الزنج يخبر بأن البطيحة خالية من رجال السلطان
لانصراف مسرور وعساكره عند ورود يعقوب بن الليث واسط فأمر قائد
الزنج سليمان بن جامع وجماعة من قواده بالمصير إلى الحوانيت وأمر رجلا من
الباهليين يقال له عمير بن عمار كان عالما بطرق البطيحة ومسالكها أن يسير مع
الجبائي حتى يستقر بالحوانيت. فذكر محمد بن الحسن أن محمد بن عثمان العباداني
قال لما عزم صاحب الزنج على توجيه الجيوش إلى ناحية البطيحة ودستميسان
أمر سليمان بن جامع أن يعسكر بالمطوعة وسليمان بن موسى أن يعسكر على فوهة
النهر المعروف باليهودي ففعلا ذلك وأقاما إلى أن أتاهما إذنه فنهضا فكان مسير
25

سليمان بن موسى إلى القرية المعروفة بالقادسية ومسير سليمان بن جامع إلى الحوانيت
والجبائي في السميريات أمام جيش سليمان بن جامع ووافى أبا التركي دجلة في
ثلاثين شذاة فانحدر يريد عسكر قائد الزنج فمر بالقرية التي كانت داخلة في سلم
الخبيث فنال منها وأحرق فكتب الخبيث إلى سليمان بن موسى في منعه الرجوع
وأخذ عليه سليمان الطريق فأقام شهرا يقاتل حتى تخلص فصار إلى البطيحة.
وذكر محمد بن عثمان ان جباشا الخادم زعم أن أبا التركي لم يكن صار إلى دجلة
في هذا الوقت وأن المقيم كان هناك نصير المعروف بأبي حمزة. وذكر أن سليمان
ابن جامع لما فصل متوجها إلى الحوانيت انتهى إلى موضع يعرف بنهر العتيق
وقد كان الجبائي سار في طريق الماديان فتلقاه رميس فواقعه الجبائي فهزمه وأخذ
منه أربعا وعشرين سميرية ونيفا وثلاثين صلغة وأفلت رميس فاعتصم بأجمة لجأ
إليها فأتاه قوم من الجوخانيين فأخرجوه منها فنجا ووافق المنهزمين من أصحاب
رميس خروج سليمان من النهر العتيق فتلقاهم فأوقع بهم ونال منهم نيلا ومضى
رميس حتى لحق بالموضع المعروف ببر مساور وانحاز إلى سليمان جماعة من
مذكوري البلاليين وأنجادهم في خمسين ومائة سميرية فاستخبرهم عما أمامه
فقالوا ليس بينك وبين واسط أحد من عمال السلطان وولاته فاغتر سليمان
بذلك وركن إليه فسار حتى انتهى إلى الموضع الذي يعرف بالجازرة فتلقاه رجل
يقال له أبو معاذ القرشي فواقعه فانهزم سليمان عنه وقتل أبو معاذ جماعة من أصحابه
وأسر قائدا من قواد الزنج يقال له رياح القندلي فانصرف سليمان إلى الموضع
الذي كان معسكرا به فأتاه رجلان من البلالية فقالا له ليس بواسط أحد
يدفع عنها غير أبى معاذ في الشذوات الخمس التي لقيك بها فاستعد سليمان وجمع
أصحابه وكتب إلى الخبيث كتابا مع البلالية الذين كانوا استأمنوا إليه وأنفذهم
الاجميعة يسيرة في عشر سميريات انتخبهم للمقام معه واحتبس الاثنين معه
اللذين أخبراه عن واسط بما أخبراه به وصار قاصدا لنهر أبان فاعترض له أبو معاذ
في طريقه وشبت الحرب بينهما وعصفت الربح فاضطربت شذا أبى معاذ وقوى عليه
26

سليمان وأصحابه فأدبر عنهم معردا ومضى سليمان حتى انتهى إلى نهر أبان فاقتحمه
وأحرق وأنهب وسبى النساء والصبيان فانتهى الخبر بذلك إلى وكلاء كانوا لأبي
أحمد في ضياع من ضياعه مقيمين بنهر سنداد فساروا إلى سليمان في جماعة فأوقعوا
به وقعة قتلوا فيها جمعا كثيرا من الزنج وانهزم سليمان وأحمد بن مهدي ومن
معهما إلى معسكرهما قال محمد بن الحسن قال محمد بن عثمان لما استقر سليمان
ابن جامع بالحوانيت ونزل بنهر يعرف بيعقوب بن النضر وجه رجلا ليعرف
خبر واسط ومن فيها من أصحاب السلطان وذلك بعد خروج مسرور البلخي
وأصحابه عنها لورود يعقوب إياها فرجع إليه فأخبره بمسير يعقوب نحو السلطان
وقد كان مسرور قبل شخوصه عن واسط إلى السيب وجه إلى سليمان رجلا يقال
له وصيف الرحال في شذوات فواقعه سليمان فقتله وأخذ منه سبع شذوات
وقتل من ظفر به وألقى القتلى بالحوانيت ليدخل الرهبة في قلوب المجتازين بهم
من أصحاب السلطان فلما ورد على سليمان خبر مسير مسرور عن واسط دعا
سليمان عمير بن عمار خليفته ورجلا من رؤساء الباهليين يقال له أحمد بن شريك
فشاورهما في التنحي عن الموضع الذي تصل إليه الخيل والشذوات وأن يلتمس
موضعا يتصل بطريق متى أراد الهرب منه إلى عسكر الخبيث سلكه فأشارا عليه
بالمصير إلى عقر ماور والتحصن بطهيثا والادغال التي فيها وكره الباهليون
خروج سليمان بن جامع من بين أظهرهم لغمسهم أيديهم معه وما خافوا من تعقب
السلطان إياهم فحمل سليمان بأصحابه ماضيا في نهر البرور إلى طهيثا وأنفذ الجبائي
إلى النهر المعروف بالعتيق في السميريات وأمره بالبدار إليه بما يعرف من خبر
الشذا ومن يأتي فيها من أصحاب السلطان وخلف جماعة من السودان لاشخاص
من تخلف من أصحابه وسار حتى وافى عقر ماور فنزل القرية المعروفة بقرية مروان
بالجانب الشرقي من نهر طهيثا في جزيرة هناك وجمع إليه رؤساء الباهليين وأهل
الطفوف وكتب إلى الخبيث يعلمه ما صنع فكتب إليه يصوب رأيه ويأمره بإنفاذ
ما قبله من ميرة ونعم وغنم فأنفذ ذلك إليه وسار مسرور إلى موضع معسكر سليمان
27

الأول فلم يجد هناك كثير شئ ووجد القوم قد سبقوه إلى نقل ما كان في معسكرهم
وانحدر أبا التركي إلى البطائح في طلب سليمان وهو يظن أنه قد ترك الناحية
وتوجه نحو مدينة الخبيث فمضى فلم يقف لسليمان على أثر وكر راجعا فوجد
سليمان قد أنفذ جيشا إلى الحوانيت ليطرق من شذ من عسكر مسرور فخالف
الطريق الذي خاف أن يؤديه إليهم ومضى في طريق آخر حتى انتهى إلى مسرور
فأخبره أنه لم يعرف لسليمان خبرا وانصرف جيش سليمان إليه بما امتاروا
وأقام سليمان فوجه الجبائي في السميريات للوقوف على مواضع الطعام والمير
والاحتيال في حملها فكان الجبائي لا ينتهى إلى ناحية فيجد فيها شيئا من الميرة
إلا أحرقه فساء ذلك سليمان فنهاه عنه فلم ينته وكان يقول إن هذه الميرة مادة
لعدونا فليس الرأي ترك شئ منها فكتب سليمان إلى الخبيث يشكو ما كان من
الجبائي في ذلك فورد كتاب الخبيث على الجبائي يأمره بالسمع والطاعة لسليمان
والائتمار له فيما يأمره به وورد على سليمان أن أغرتمش وخشيشا قد أقبلا
قاصدين إليه في الخيل والرجال والشذا والسميريات يريدان مواقعته فجزع جزعا
شديدا وأنفذ الجبائي ليعرف أخبارهما وأخذ في الاستعداد للقائهما فلم يلبث
أن عاد إليه الجبائي مهزوما فأخبره أنهما قد وافيا باب طنج وذلك على نصف
فرسخ من عسكر سليمان حينئذ فأمره بالرجوع والوقوف في وجه الجيش
وشغله عن المصير إلى العسكر إلى أن يلحق به فلما أنفذ الجبائي لما وجه له صعد
سليمان سطحا فأشرف منه فرأى الجيش مقبلا فنزل مسرعا فعبر نهر طهيثا
ومضى راجلا وتبعه جمع من قواد السودان وأصحابهم حتى وافوا باب طنج
فاستدبر اغرتمش وتركهم حتى جدوا في المسير إلى عسكره وقد كان أمر الذي
استخلفه على جيشه أن لا يدع أحدا من السودان يظهر لاحد من أهل جيش
اغرتمش وأن يخفوا أشخاصهم ما قدروا ويدعوا القوم حتى يتوغلوا النهر إلى أن
يسمعوا أصوات طبوله فإذا سمعوها خرجوا عليهم وقصدوا اغرتمش فجاء
اغرتمش بجيشه حتى لم يكن بينه وبين العسكر إلا نهر يأخذ من طهيثا يقال له
28

جارورة بنى مروان فانهزم الجبائي في السميريات حتى وافى طهيثا فخلف سميرياته
بها وعاد راجلا إلى جيش سليمان واشتد جزع أهل عسكر سليمان منه فتفرقوا
أيادي سبا ونهضت منهم شرذمة فيها قائد من قواد السودان يقال له أبو النداء
فتلقوهم فواقعوهم وشغلوهم عن دخول العسكر وشد سليمان من وراء القوم
وضرب الزنج بطبولهم وألقوا أنفسهم في الماء للعبور إليهم فانهزم أصحاب اغرتمش
وشد عليهم من كان بطيثا من السودان ووضعوا السيوف فيهم وأقبل خشيش
على أشهب كان تحته يريد الرجوع إلى عسكره فتلقاه السودان فصرعوه وأخذته
سيوفهم فقتل وحمل رأسه إلى سليمان وقد كان خشيش حين انتزعوا إليه
قال لهم أنا خشيش فلا تقتلوني وامضوا بي إلى صاحبكم فلم يسمعوا لقوله
وانهزم اغرتمش وكان في آخر أصحابه ومضى حتى ألقى نفسه إلى الأرض
فركب دابة ومضى وتبعهم الزنج حتى وصلوا إلى عسكرهم فنالوا حاجتهم منه
وظفروا بشذوات كانت مع خشيش وظفر الذين اتبعوا الجيش المولى بشذوات
كانت مع اغرتمش فيها مال فلما انتهى الخبر إلى اغرتمش كر راجعا حتى
انتزعها من أيديهم ورجع سليمان إلى عسكره وقد ظفر بأسلاب ودواب
وكتب بخبر الوقعة إلى قائد الزنج وما كان منه فيها وحمل إليه رأس خشيش
وخاتمه وأقر الشذوات التي أخذها في عسكره فلما وافى كتاب سليمان ورأس
خشيش أمر فطيف به في عسكره ونصب يوما ثم حمله إلى علي بن أبان وهو
يومئذ مقيم بنواحي الأهواز وأمر بنصبه هناك وخرج سليمان والجبائي معه
وجماعة من قواد السودان إلى ناحية الحوانيت مطرفين فتوافقوا هناك ثلاث
عشرة شذاة مع المعروف بأبي تميم أخي المعروف بأبي عون صاحب وصيف
التركي فأوقعوا به فقتل وغرق وظفروا من شذواته بإحدى عشرة شذاة قال محمد
ابن الحسن هذا خبر محمد بن عثمان العباداني فأما جباش فزعم أن الشذا التي كانت
مع أبي تميم كانت ثمانية فأفلت منها شذاتان كانتا متأخرتين فمضتا بمن فيهما وأصاب
سلاحا ونهبا وأتى على أكثر من كان في تلك الشذوات من الجيش ورجع سليمان
29

إلى عسكره وكتب إلى الخبيث بما كان منه من قتل المعروف بأبي تميم ومن كان
معه واحتبس الشذوات في عسكره (وفيها) كبس ابن زيدويه الطيب فأنهبها
(وفيها) ولى القضاء علي بن محمد بن أبي الشوارب (وفيها) خرج الحسين بن طاهر
ابن عبد الله بن طاهر من بغداد لليال بقين منه فصار إلى الجبل (وفيها) مات
الصلابي وولى الري كيغلغ * ومات صالح بن علي بن يعقوب بن المنصور في ربيع
الآخر منها وولى إسماعيل بن إسحاق قضاء الجانب الشرقي من بغداد فجمع له
قضاء الجانبين (وفيها) قتل محمد بن عتاب بن عتاب وكان ولى السيبين فصار
إليها فقتلته الاعراب (وللنصف) من شهر رمضان صار موسى بن بغا إلى الأنبار
متوجها إلى الرقة (وفيها) قتل أيضا القطان صاحب مفلح وكان عاملا بالموصل
على الخراج فانصرف منها فقتل في الطريق * وعقد فيها لكفتمر علي بن الحسين
ابن داود كاتب أحمد بن سهل اللطفي على طريق مكة في شهر رمضان (وفيها)
وقع بين الحناطين والجزارين بمكة قتال قبل يوم التروية بيوم حتى خاف الناس
أن يبطل الحج ثم تحاجزوا إلى أن يحج الناس وقد قتل منهم سبعة عشر رجلا
(وفيها) غلب يعقوب بن الليث على فارس وهرب ابن واصل (وفيها)
كانت وقعة بين الزنج وأحمد بن ليثويه فقتل منهم خلقا كثيرا وأسر أبا داود
الصعلوك وقد كان صار معهم
ذكر الخبر عن هذه الوقعة وسبب أسر الصعلوك
* ذكر أن مسرورا البلخي وجه أحمد بن ليثويه إلى ناحية كور الأهواز فلما
وصل إليها نزل السوس وكان الصفار قد قلد محمد بن عبيد الله بن ازار مرد الكردي
كور الأهواز فكتب محمد بن عبيد الله إلى قائد الزنج يطمعه في الميل إليه وقد
كانت العادة جرت بمكاتبة محمد إياه من أول مخرجه وأوهمه أنه يتولى له كور الأهواز
ويدارى الصفار حتى يستوى له الامر فيها فأجابه الخبيث إلى ذلك على أن يكون
علي بن أبان المتولي لها ويكون محمد بن عبيد الله يخلفه عليها فقبل محمد بن عبيد الله ذلك
فوجه علي بن أبان أخاه الخليل بن أبان في جمع كثير من السودان وغيرهم وأيدهم محمد بن
30

عبيد الله بأبي داود الصعلوك فمضوا نحو السوس فلم يصلوا إليها ودفعهم ابن
ليثويه ومن كان معه من أصحاب السلطان عنها فانصرفوا مفلولين وقد قتل منهم
مقتلة عظيمة وأسر منهم جماعة وسار أحمد بن ليثويه حتى نزل جندي سابور وسار
علي بن أبان من الأهواز منجدا محمد بن عبيد الله على أحمد بن ليثويه فتلقاه محمد
ابن عبيد الله في جمع من الأكراد والصعاليك فلما قرب منه محمد بن عبيد الله سارا
جميعا وجعلا بينهما المسرقان فكانا يسيران عن جانبيه ووجه محمد بن عبيد الله
رجلا من أصحابه في ثلثمائة فارس فانضم إلى علي بن أبان فسار علي بن أبان ومحمد
ابن عبيد الله إلى أن وافيا عسكر مكرم فصار محمد بن عبيد الله إلى علي بن أبان
وحده فالتقيا وتحادثا وانصرف محمد إلى عسكره ووجه إلى علي بن أبان القاسم
ابن علي ورجلا من رؤساء الأكراد يقال له حازم وشيخا من أصحاب الصفار
يعرف بالطلقاني وأتوا عليا فسلموا عليه ولم يزل محمد وعلى على ألفة إلى أن وافى
على قنطرة فارس ودخل محمد بن عبيد الله تستر وانتهى إلى أحمد بن ليثويه تضافر
علي بن أبان ومحمد بن عبيد الله على قتاله فخرج عن جندي سابور وصار إلى السوس
وكانت موافاة على قنطرة فارس في يوم الجمعة وقد وعده محمد بن عبيد الله
أن يخطب الخاطب يومئذ فيدعو لقائد الزنج وله على منبر تستر فأقام على منتظرا
ذلك ووجه بهبوذ بن عبد الوهاب لحضور الجمعة واتيانه بالخبر فلما حضرت الصلاة
قام الخطيب فدعا للمعتمد والصفار ومحمد بن عبيد الله فرجع بهبوذ إلى علي بالخبر
فنهض على من ساعته فركب دوابه وأمر أصحابه بالانصراف إلى الأهواز وقدمهم
أمامه وقدم معهم ابن أخيه محمد بن صالح ومحمد بن يحيى الكرماني خليفته وكاتبه
وأقام حتى لما جاوزوا كسر قنطرة كانت هناك لئلا يتبعه الخيل قال محمد بن الحسن
وكنت فيمن انصرف مع المتقدمين من أصحاب على ومر الجيش في ليلتهم تلك
مسرعين فانتهوا إلى عسكر مكرم في وقت طلوع الفجر وكانت داخلة في سلم
الخبيث فنكث أصحابه وأوقعوا بعسكر مكرم ونالوا نهبا ووافى علي بن أبان في
أثر أصحابه فوقف على ما أحدثوا فلم يقدر على تغييره فمضى حتى صار إلى الأهواز
31

ولما انتهى إلى أحمد بن ليثويه انصراف على كر راجعا حتى وافى تستر فأوقع بمحمد
ابن عبيد الله ومن معه فأفلت محمد ووقع في يده المعروف بأبي داود الصعلوك فحمله
إلى باب السلطان المعتمد وأقام أحمد بن ليثويه بتستر قال محمد بن الحسن فحدثني
الفضل بن عدي الدارمي وهو أحد من كان من أصحاب قائد الزنج انضم إلى
محمد بن أبان أخي علي بن أبان قال لما استقر أحمد بن ليثويه بتستر خرج إليه على
ابن أبان بجيشه فنزل قرية يقال لها بزنجان ووجه طلائع يأتونه بأخباره
فرجعوا إليه فأخبروه أن ابن ليثويه قد أقبل نحوه وأن أوائل خيله قد وافت
قرية تعرف بالباهليين فزحف علي بن أبان إليه وهو يبشر أصحابه ويعدهم الظفر
ويحكى لهم ذلك عن الخبيث فلما وافى الباهليين تلقاه ابن ليثويه في خيله وهى زهاء
أربعمائة فارس فلم يلبثوا أن أتاهم مدد خيل فكثرت خيل أصحاب السلطان
واستأمن جماعة من الاعراب الذين كانوا مع علي بن أبان إلى ابن ليثويه وانهزم
باقي خيل علي بن أبان وثبت جميعة من الرجالة وتفرق عنه أكثرهم واشتد القتال
بين الفريقين وترجل علي بن أبان وباشر القتال بنفسه راجلا وبين يديه غلام
من أصحابه يقال له فتح يعرف بغلام أبي الحديد فجعل يقاتل معه وبصر بعلى
أبو نصر سلهب وبدر الرومي المعروف بالشعراني فعرفاه فأنذرا الناس به فانصرف
هاربا حتى لجأ إلى المسرقان فألقى بنفسه فيه وتلاه فتح فألقى نفسه معه فغرق فتح
ولحق علي بن أبان نصر المعروف بالروهي فتخلصه من الماء فألقاه في سميرية
ورمى على بسهم وأصيب به في ساقه وانصرف مفلولا وقتل من أنجاد السودان
وأبطالهم جماعة كثيرة (وحج) بالناس فيها الفضل بن إسحاق بن الحسن بن
العباس بن محمد
ثم دخلت سنة ثلاث وستين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك ما كان من ظفر عزيز بن السرى صاحب يعقوب بن الليث بمحمد
32

ابن واصل وأخذه أسيرا (وفيها) كانت بين موسى دالجويه والاعراب بناحية
الأنبار وقعة فهزموه وفلوا فوجه أبو أحمد ابنه أحمد في جماعة من قواده في طلب
الاعراب الذين فلوا موسى دالجويه (وفيها) وثب الديراني بابن أوس فبيته
ليلا وفرق جمعه ونهب عسكره وأفلت ابن أوس ومضى نحو واسط (وفيها)
خرج في طريق الموصل رجل من الفراغنة فقطع الطريق فظفر به فقتل (وفيها)
أقبل يعقوب بن الليث من فارس فلما صار إلى النوبندجان انصرف أحمد بن ليثويه
عن تستر وصار فيها يعقوب إلى الأهواز وقد كان لابن ليثويه قبل ارتحاله عن
تستر وقعة مع أخي علي بن أبان ظفر فيها بجماعة كثيرة من زنوجه
ذكر الخبر عن هذه الوقعة
* ذكر عن علي بن أبان أن ابن ليثويه لما هزمه في الوقعة التي كانت بينهما
في الباهليين فأصابه ما أصابه فيها ووافى الأهواز لم يقم بها ومضى إلى عسكر
صاحبه قائد الزنج فعالج ما قد أصابه من الجراح حتى برأ ثم كر راجعا إلى الأهواز
ووجه أخاه الخليل بن أبان وابن أخيه محمد بن صالح المعروف بأبي سهل في
جيش كثيف إلى ابن ليثويه وهو يومئذ مقيم بعسكر مكرم فسارا فيمن معهما فلقيهما
ابن ليثويه على فرسخ من عسكر مكرم قاصدا إليهما فالتقى الجمعان وقد كمن ابن ليثويه
كمينا فلما استحر القتال تطارد ابن ليثويه فطمع الزنج فيه فتبعوه حتى جاوزوا
الكمين فخرج من ورائهم فانهزموا وتفرقوا وكر عليهم ابن ليثويه فنال حاجته
منهم ورجعوا مفلولين فانصرف ابن ليثويه بما أصاب من الرؤوس إلى تستر ووجه
علي بن أبان انكلويه مسلحة إلى المسرقان إلى أحمد بن ليثويه فوجه إليه ثلاثين فارسا
من جلد أصحابه وانتهى إلى الخليل بن أبان مسير أصحاب ابن ليثويه إلى المسلحة فكمن لهم
فيمن معه فلما وافوه خرج إليهم فلم يفلت منهم أحد وقتلوا عن آخرهم وحملت
رؤوسهم إلى علي بن أبان وهو بالأهواز فوجهها إلى الخبيث وحينئذ أتى الصفار
الأهواز وهرب عنها ابن ليثويه
33

ذكر الخبر عما كان من أمر الصفار هنالك في هذه السنة
ذكر أن يعقوب بن الليث لما صار إلى جندي سابور نزلها وارتحل عن
تلك الناحية كل من كان بها من قبل السلطان ووجه إلى الأهواز رجلا من قبله
يقال له الحصن بن العنبر فلما قاربها خرج عنها علي بن أبان صاحب قائد الزنج
فنزل نهر السدرة ودخل حصن الأهواز فأقام بها وجعل أصحابه وأصحاب على
ابن أبان يغير بعضهم على بعض فيصيب كل فريق منهم من صاحبه إلى أن استعد
علي بن أبان وسار إلى الأهواز فأوقع بالحصن ومن معه وقعة غليظة قتل فيها
من أصحاب يعقوب خلقا كثيرا وأصاب خيلا وغنم غنائم كثيرة وهرب الحصن
ومن معه إلى عسكر مكرم وأقام على بالأهواز حتى استباح ما كان فيها ثم رجع
عنها إلى نهر السدرة وكتب إلى بهبوذ يأمره بالايقاع برجل من الأكراد من
أصحاب الصفار كان مقيما بدورق فأوقع به بهبوذ فقتل رجاله وأسره فمن عليه
وأطلقه فكان على بعد ذلك يتوقع مسير يعقوب إليه فلم يسر وأمد الحصن بن
العنبر بأخيه الفضل بن العنبر وأمرهما بالكف عن قتال أصحاب الخبيث والاقتصار
على المقام بالأهواز وكتب إلى علي بن أبان يسأله المهادنة وأن يقر أصحابه
بالأهواز فأبى ذلك على دون نقل طعام كان هناك فتجافى له الصفار عن نقل
ذلك الطعام وتجافى على للصفار عن علف كان بالأهواز فنقل على الطعام وترك
العلف وتكاف الفريقان أصحاب على وأصحاب الصفار (وفيها) توفى مساور
ابن عبد الحميد الشاري (وفيها) مات عبيد الله بن يحيى بن خاقان سقط عن دابته
في الميدان من صدمة خادم له يقال له رشيق يوم الجمعة لعشر خلون من ذي القعدة
فسال من منخره وأذنه دم فمات بعد أن سقط بثلاث ساعات وصلى عليه
أبو أحمد بن المتوكل ومشى في جنازته واستوزر من الغد الحسن بن مخلد ثم قدم
موسى بن بغا سامرا لثلاث بقين من ذي القعدة فهرب الحسن بن مخلد إلى بغداد
واستوزر مكانه سليمان بن وهب لست ليال خلون من ذي الحجة ثم ولى عبيد الله
ابن سليمان كتبة المفوض والموفق إلى ما كان يلي من كتبة موسى بن بغا ودفعت
34

دار عبيد الله بن يحيى إلى كيغلغ (وفيها) أخرج أخو شركب الحسين بن طاهر
عن نيسابور وغلب عليها وأخذ أهلها بإعطائه ثلث أموالهم وصار الحسين إلى
مرو وبها أخو خوارزم شاه يدعو لمحمد بن طاهر (وفى هذه السنة) سلمت
الصقالبة لؤلؤة إلى الطاغية (وحج بالناس) فيها الفضل بن إسحاق بن
الحسن بن إسماعيل
ثم دخلت سنة أربع وستين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك توجيه يعقوب الصفار جيشا إلى الصيمرة فتقدمه إليها وأخذوا صيغون
ومضى به إليه أسيرا فمات عنده (ولاحدى عشرة) خلت من المحرم عسكر
أبو أحمد ومعه موسى بن بغا بالقائم وشيعهما المعتمد ثم شخصا من سامرا
لليلتين خلتا من صفر فلما صارا ببغداد مات بها موسى بن بغا وحمل إلى سامرا
فدفن بها (وفيها) في شهر ربيع الأول ماتت قبيحة أم المعتز (وفيها) صار
ابن الديراني إلى الدينور وتعاون ابن عياض ودلف بن عبد العزيز بن أبي دلف
عليه فهزماه وأخذا أمواله وضياعه ورجع إلى حلوان مفلولا أسرت (وفيها)
الروم عبد الله بن رشيد بن كاوس
ذكر الخبر عن سبب أسرهم إياه
* ذكر أن سبب ذلك كان أنه دخل أرض الروم في أربعة آلاف من أهل
الثغور الشأمية فصار إلى حصنين والمسكنين فغنم المسلمون وقفل فلما رحل عن
البدندون خرج عليه بطريق سلوقية وبطريق قذيذية وبطريق قرة وكوكب
وخرشنة فأحدقوا بهم فنزل المسلمون فعرقبوا دوابهم وقاتلوا فقتلوا إلا خمسمائة
أو ستمائة وضعوا السياط في خواصر دوابهم وخرجوا فقتل الروم من قتلوا
وأسر عبد الله بن رشيد بعد ضربات أصابته وحمل إلى لؤلؤة ثم حمل إلى الطاغية على
البريد (وفيها) ولى محمد المولد واسط فحاربه سليمان بن جامع وهو عامل على
35

ما يلي تلك الناحية من قبل قائد الزنج فهومه وأخرجه عن واسط فدخلها
ذكر الخبر عن هذه الوقعة وسببها
* ذكر أن السبب في ذلك كان أن سليمان بن جامع الموجه كان من قبل قائد
الزنج إلى ناحية الحوانيت والبطائح لما هزم جعلان التركي عامل السلطان وأوقع
بأغرتمش ففل عسكره وقتل خشيشا ونهب ما كان معهم كتب إلى صاحبه قائد
الزنج يستأذنه في المصير إليه ليحدث به عهدا ويصلح أمورا من أمور منزله فلما
أنفذ الكتاب بذلك أشار عليه أحمد بن مهدي الجبائي بتطرق عسكر البخاري
وهو يومئذ مقيم ببردودا فقبل ذلك وسار إلى بردودا فوافى موضعا يقال له
أكرمهر وذلك على خمسة فراسخ من عسكر تكين فلما وافى ذلك الموضع قال
الجبائي لسليمان إن الرأي أن تقيم أنت ههنا وأمضى أنا في السميريات فأجر القوم
إليك وأتعبهم فيأتوك وقد لغبوا فتنال حاجتك منهم ففعل سليمان ذلك فعبى
خيله ورجالته في موضعه ذلك ومضى أحمد بن مهدي في السميريات مسحرا
فوافى عسكر تكين فقاتله ساعة وأعد تكين خيله ورجاله وتطارد الجبائي له
وأنفذ غلاما إلى سليمان يعلمه أن أصحاب تكين واردون عليه بخيلهم فلقى الرسول
سليمان وقد أقبل يقفو أثر الجبائي لما أبطأ عليه خبره فرده إلى معسكره ووافى
رسول آخر للجبائي بمثل الخبر الأول فلما رجع سليمان إلى عسكره أنفذ ثعلب
ابن حفص البحراني وقائدا من قواد الزنج يقال له منينا في جماعة من الزنج
فجعلهما كمينا في الصحراء مما يلي ميسرة خيل تكين وأمرهما إذا جاوزهم خيل
تكين أن يخرجوا من ورائهم فلما علم الجبائي أن سليمان قد أحكم لهم خيله وأمر
الكمين رفع صوته ليسمع أصحاب تكين يقول لأصحابه غررتموني وأهلكتموني
وقد كنت أمرتكم أن لا تدخلوا هذا المدخل فأبيتم إلا القائي وأنفسكم هذا الملقى
الذي لا أرانا ننجوا منه فطمع أصحاب تكين لما سمعوا قوله وجدوا في طلبه
وجعلوا ينادون بلبل في قفص وسار الجبائي سيرا حثيثا وأتبعوه يرشقونه بالسهام
حتى جاوزوا موضع الكمين وقاربوا عسكر سليمان وهو كامن من وراء الجدر
36

في خيله وأصحابه فزحف سليمان فتلقى الجيش وخرج الكمين من وراء الخيل
وثنى الجبائي صدور سميرياته إلى من في النهر فاستحكمت الهزيمة عليهم من الوجوه
كلها وركبهم الزنج يقتلونهم ويسلبونهم حتى قطعوا نحوا من ثلاثة فراسخ ثم
وقف سليمان وقال للجبائي نرجع فقد غنمنا وسلمنا والسلامة أفضل من كل شئ
فقال الجبائي كلا قد نخبنا قلوبهم ونفذت حيلتنا فيهم والرأي أن نكسبهم في ليلتنا
هذه فلعلنا أن نزيلهم عن عسكرهم ونفض جمعهم فاتبع سليمان رأى الجبائي
وصار إلى عسكر تكين فوافاه في وقت المغرب فأوقع به ونهض تكين فيمن
معه فقاتل قتالا شديدا فانكشف عنه سليمان وأصحابه ثم وقف سليمان وعبأ
أصحابه فوجه شبلا في خيل من خيله وضم إليه جمعا من الرجالة إلى الصحراء
وأمر الجبائي فسار في السميريات في بطن النهر وسار هو فيمن معه من أصحابه
الخيالة والرجالة فتقدم أصحابه حتى وافى تكين فلم يقف له أحد وانكشفوا
جميعا وتركوا عسكرهم فغنم ما وجد فيه وأحرق العسكر وانصرف إلى معسكره
بما أصاب من الغنيمة ووافى عكسره فألفى كتاب الخبيث قد ورد بالاذن له في
المصير إلى منزله فاستخلف الجبائي وحمل الاعلام التي أصابها من عسكر تكين
والشذوات التي أخذها من المعروف بأبي تميم ومن خشيش ومن تكين وأقبل
حتى ورد عسكر الخبيث وذلك في جمادى الأولى من سنة 264.
ذكر الخبر عن السبب الذي من أجله تهيأ للزنج دخول واسط
وذكر الخبر عن الاحداث الجليلة في سنة أربع وستين ومائتين
* ذكر أن الجبائي يحيى بن خلف لما شخص سليمان بن جامع من معسكره
بعد الوقعة التي أوقعها بتكين إلى صاحب الزنج خرج في السميريات بالعسكر
الذي خلفه سليمان معه إلى مازروان لطلب الميرة ومعه جماعة من السودان
فاعترضه أصحاب جعلان فأخذوا سفنا كانت معه وهزموه فرجع مفلولا حتى وافى
طهيثا ووافته كتب أهل القرية يخبرونه أن منجور مولى أمير المؤمنين ومحمد
ابن علي بن حبيب اليشكري لما اتصل بهما خبر غيبة سليمان بن جامع
37

عن طهيثا اجتمعا وجمعا أصحابهما وقصدا القرية فقتلا فيها وأحرقا وانصرفا
وجلا من أفلت ممن كان فيها فصاروا إلى القرية المعروفة بالحجاجية فأقاموا بها
فكتب الجبائي إلى سليمان بخبر ما وردت به كتب أهل القرية مع ما ناله من أصحاب
جعلان فأنهض قائد الزنج سليمان إلى طهيثا معجلا فوافاها فأظهر أنه يقصد لقتال
جعلان وعبأ جيشه وقدم الجبائي أمامه في السميريات وجعل معه خيلا ورجلا
وأمره بموافاة مازوران والوقوف بإزاء عسكر جعلان وأن يظهر الخيل ويرعاها
بحيث يراها أصحاب جعلان ولا يوقع بهم وركب هو في جيشه أجمع إلا نفرا يسيرا
خلفهم في عسكره ومضى في الأهواز حتى خرج على الهورين المعروفين بالربة
والعمرقة؟ ثم مضى نحو محمد بن علي بن حبيب وهو يومئذ بموضع يقال له تلفخار
فوافاه فأوقع به وقعة غليظة قتل فيها قتلى كثيرة وأخذ خيلا كثيرة وحاز غنائم
جزيلة وقتل أخا لمحمد بن علي وأفلت محمد ورجع سليمان فلما صار في صحراء بين
البراق والقرية وافته خيل لبنى شيبان وقد كان فيمن أصاب سليمان بتلفخار سيد
من سادات بنى شيبان فقتله وأسر ابنا له صغيرا وأخذ حجرا كانت تحته فانتهى خبره
إلى عشيرته فعارضوا سليمان بهذه الصحراء في أربعمائة فارس وقد كان سليمان
وجه إلى عمير بن عمار خليفته بالطف حين توجه إلى ابن حبيب فصار إليه فجعله
دليلا لعلمه بتلك الطرق فلما رأى سليمان خيل بنى ش يبان قدم أصحابه أجمعين الا
عمير بن عمار فإنه انفرد فظفرت به بنو شيبان فقتلوه وحملوا رأسه وانصرفوا وانتهى
الخبر إلى الخبيث فعظم عليه قتل عمير وحمل سليمان إلى الخبيث ما كان أصاب من بلد
محمد بن علي بن حبيب وذلك في آخر رجب من هذه السنة فلما كان في شعبان نهض
سليمان في جمع من أصحابه حتى وافى قرية حسان وبها يومئذ قائد من قواد السلطان
يقال له جيش بن حمرتكين فأوقع به فأجفل عنه وظفر بالقرية فانتهبها وأحرق
فيها وأخذ خيلا وعاد إلى عسكره ثم خرج لعشر خلون من شعبان إلى الحوانيت
وأصعد الجبائي في السميريات إلى برمساور فوجد هنالك صلاغا فيها خيل من خيل
جعلان كان أراد أن يوافي بها نهر أبان وقد كان خرج إلى ما هناك متصيدا فأوقع
38

الجبائي بتلك الصلاغ فقتل من فيها واخذ الخيل وكانت اثنى عشر فرسا وعاد إلى
طهيثا ثم نهض سليمان إلى تل رمانا لثلاث بقين من شعبان فأوقع بها وجلا عنها
أهلها وحاز ما كان فيها ثم رجع إلى عسكره ونهض لعشر ليال خلون من شهر
رمضان إلى الموضع المعروف بالجازرة وأبا يومئذ هناك وجعلان بمازروان
وقد كان سليمان كتب إلى الخبيث في التوجيه إليه بالشذا فوجه إليه عشر شذوات
مع رجل من أهل عبادان يقال له الصقر بن الحسين فلما وافى سليمان الصقر بالشذا
أظهر أنه يريد جعلان وبادرت الاخبار إلى جعلان بأن سليمان يريد موافاته فكانت
همته ضبط عسكره فلما قرب سليمان من موضع أبا مال إليه فأوقع به وألفاه غارا
بمجيئه فنال حاجته وأصاب ست شذوات قال محمد بن الحسن قال جباش كانت
الشذوات ثمانية وجدها في عسكره وأحرق شذاتين كانتا على الشط وأصاب
خيلا وسلاحا وأسلابا وانصرف إلى عسكره ثم أظهر أنه يريد قصدتكين البخاري
وأعد مع الجبائي وجعفر بن أحمد خال ابن الخبيث الملعون المعروف بانكلاى
سفنا فلما وافت السفن عسكر جعلان نهض إليها فأوقع بها وحازها وأوقع.
سليمان من جهة البر فهزمه إلى الرصافة واسترجع سفنه وحاز سبعة وعشرين
فرسا ومهرين من خيل جعلان وثلاثة أبغل وأصاب نهبا كثيرا وسلاحا ورجع
إلى طهيثا قال محمد أنكر جباش أن يكون لتكين في هذا الموضع ذكر ولم يعرف
خبر العباداني في تكين وزعم أن القصد لم يكن الا إلى جعلان وقد كان خبره
خفى على أهل عسكره حتى أرجفوا بأنه قد قتل وقتل الجبائي معه فجزعوا أشد
الجزع ثم ظهر خبره وما كان منه من الايقاع بجعلان فسكنوا وقروا إلى أن
وافى سليمان وكتب بما كان منه إلى الخبيث وحمل أعلاما وسلاحا ثم صار سليمان
إلى الرصافة في ذي القعدة فأوقع بمطر بن جامع وهو يومئذ مقيم بها فغنم غنائم
كثيرة وأحرق الرصافة واستباحها وحمل أعلاما إلى الخبيث وانحدر لخمس ليال
خلون من ذي الحجة سنة 264 إلى مدينة الخبيث فأقام ليعيد هناك ويقيم في منزله
ووافى مطر بن جامع القرية المعروفة بالحجاجية فأوقع بها وأسر جماعة من أهلها
39

وكان القاضي بها من قبل سليمان رجلا من أهلها يقال له سعيد بن السيد العدوي
فأسر وحمل إلى واسط هو وثعلب بن حفص وأربعة قواد كانوا معه فصاروا
إلى الحرجلية على فرسخين ونصف من طهيثا ومضى الجبائي في الخيل والرجل
لمعارضة مطر فوافى الناحية وقد نال مطر ما نال منها فانصرف عنها وكتب إلى
سليمان بالخبر فوافى سليمان يوم الثلاثاء لليلتين بقيتا من ذي الحجة من هذه السنة
ثم صرف جعلان ووافى أحمد بن ليثويه فأقام بالشديدية ومضى سليمان إلى موضع
يقال له نهر أبان فوجد هناك قائدا من قواد ابن ليثويه يقال له طرناج فأوقع به وقتله
قال محمد قال جباش المقتول بهذا الموضع بينك فاما طرناج فإنه قتل بمازروان
ثم وافى الرصافة وبها يومئذ عسكر مطر بن جامع فأوقع به فاستباح عسكره وأخذ
منه سبع شذوات وأحرق شذاتين وذلك في شهر ربيع الآخر سنة 264 قال محمد
قال جباش كانت هذه الوقعة بالشديدية والذي أخذ يومئذ ست شذوات ثم مضى
سليمان في خمس شذوات ورتب فيها صناديد قواده وأصحابه فواقعه تكين البخاري
بالشديدية وقد كان ابن ليثويه حينئذ صار إلى ناحية الكوفة وجنبلاء فظهر تكين على
سليمان وأخذ منه الشذرات التي كانت معه بآلتها وسلاحها ومقاتلتها وقتل في هذه الوقعة
جلة قواد سليمان ثم زحف ابن ليثويه إلى الشديدية وضبط تلك النواحي إلى أن ولى أبو
أحمد محمدا المولد واسط قال محمد قال جباش لما وافى ابن ليثويه الشديدية سار إليه سليمان
فأقام يومين يقاتله ثم تطارد له سليمان في اليوم الثالث وتبعه ابن ليثويه فيمن تسرع
معه فرجع إليه سليمان فألقاه في فوهة بردودا فتخلص بعد أن أشفى على الغرق
وأصاب سليمان سبع عشرة دابة من دواب ابن ليثويه قال وكتب سليمان إلى
الخبيث يستمده فوجه إليه الخليل بن أبان في زهاء ألف وخمسمائة فارس ومعه
المذوب فقصد عند موافاة هذا المدد إياه لمحاربة محمد المولد فأوقع به فهرب المولد
ودخل الزنج واسط فقتل بها خلق كثير وانتهبت وأحرقت وكان بها إذ ذاك كنجور
البخاري فحامى يومه ذلك إلى وقت العصر تم قتل وكان الذي يقود الخيل يومئذ
في عسكر سليمان بن جامع الخليل بن أبان وعبد الله المعروف بالمذوب وكابن
40

الجبائي في السميريات وكان الزنجي بن مهربان في الشذوات وكان سليمان ابن
جامع في قواده من السودان ورجالته منهم وكان سليمان بن موسى الشعراني
وأخواه في خيله ورجله مع سليمان بن جامع فكان القوم جميعا يدا واحدة ثم
انصرف سليمان بن جامع عن واسط ومضى بجميع الجيش إلى جنبلاء ليعيث
ويخرب ووقع بينه وبين الخليل بن أبان اختلاف فكتب الخليل بذلك إلى أخيه
علي بن أبان فاستعفي له قائد الزنج من المقام مع سليمان وأذن للخيل بالرجوع إلى
مدينة الخبيث مع أصحاب علي بن أبان وغلمانه وتخلف المذوب في الاعراب مع
سليمان وأقام بمعسكره أياما ثم مضى إلى نهر الأمير فعسكر به ووجه الجبائي والمذوب
إلى جنبلاء فأقاما هنالك تسعين ليلة وسليمان معسكر بنهر الأمير قال محمد قال
جباش كان سليمان معسكر بالشديدية (وفى هذه السنة) خرج سليمان بن وهب
من بغداد إلى سامرا ومعه الحسن بن وهب وشيعه أحمد بن الموفق ومسرور
البلخي وعامة القواد فلما صار بسامرا غضب عليه المعتمد وحبسه وقيده وانتهب
داره وداري ابنيه وهب وإبراهيم واستوزر الحسن بن مخلد لثلاث بقين من ذي
القعدة فشخص الموفق من بغداد ومعه عبد الله بن سليمان فلما قرب أبو أحمد بن
سامرا تحول المعتمد إلى الجانب الغربي فعسكر به ونزل أبو أحمد ومن معه جزيرة
المؤيد واختلفت الرسل بينهما فلما كان بعد أيام خلون من ذي الحجة صار المعتمد
إلى حراقة في دجلة وصار إليه أخوه أبو أحمد في زلال فخلع على أبى أحمد وعلى
مسرور البلخي وكيغلغ وأحمد بن موسى بن بغا فلما كان يوم الثلاثاء لثمان خلون
من ذي الحجة يوم التروية عبر أهل عسكر أبى أحمد إلى عسكر المعتمد وأطلق
سليمان بن وهب ورجع المعتمد إلى الجوسق وهرب الحسن بن مخلد وأحمد بن
صالح بن شيرزاد وكتب في قبض أموالهما وأموال أسبابهما وحبس أحمد بن أبي
الأصبغ وهرب القواد المقيمون كانوا بسامرا إلى تكريت وتغيب أبو موسى بن
المتوكل ثم ظهر ثم شخص القواد الذين كانوا صاروا إلى تكريت إلى الموصل
ووضعوا أيديهم في الجباية؟؟ (وحج بالناس) في هذه السنة هارون بن محمد بن
41

إسحاق بن موسى بن عيسى الهاشمي الكوفي
ثم دخلت سنة خمس وستين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك ما كان من وقعة كانت بين أحمد بن ليثويه وسليمان بن جامع قائد
صاحب الزنج بناحية جنبلاء
ذكر الخبر عن هذه الوقعة وسببها
* ذكر أن سليمان بن جامع كتب إلى صاحب الزنج يخبره بحال نهر يعرف
بالزهيري ويسأله الاذن له في النفقة على إنفاذ كريه إلى سواد الكوفة والبرار
ويعلمه أن المسافة في ذلك قريبة وأنه متى أنفذه تهيأ له بذلك حمل كل ما بنواحي
جنبلاء وسواد الكوفة من الميرة فوجه الخبيث للقيام بذلك رجلا يقال له محمد بن
يزيد البصري وكتب إلى سليمان بإزاحة علله في المال والإقامة معه في جيشه إلى
وقت فراغه مما وجه له فمضى سليمان بجميع جيشه حتى أقام بالشريطية نحوا من
شهر وألقى الفعلة في النهر وخلال ذلك ما كان سليمان يتطرق ما حوله من أهل
خسر سابور وكانت الميرة تتصل به من ناحية الصين وما والاها إلى أن واقعه
ابن ليثويه عامل أبى أحمد على جنبلاء فقتل له أربعة عشر قائدا قال محمد بن الحسن
قتل سبعة وأربعين قائدا وخلقا من الخلق لا يحصى كثرة واستبيح عسكره وأحرقت
سفنه وكانت مقيمة في هذا النهر الذي كان مقيما على انفاذه فمضى مفلولا حتى
وافى طهيثا فأقام بها ووافى الجبائي في عقب ذلك ثم أصعد فأقام بالموضع المعروف
ببرتمرتا واستخلف على الشذوات الاشتيام الذي يقال له الزنجي به مهربان وقد
كان السلطان وجه نصيرا لتقييد شامرج وحمله إلى الباب وتقلد ما كان يتقلده
فوافى نصير الزنجي بن مهربان بعد حمله شامرج مقيدا بنهر برتمرتا وأخذ منه تسع
شذوات واسترد الزنجي منها ستا قال محمد بن الحسن أنكر جباش أن يكون الزنجي
ابن مهربان استرد من الشذوات شيئا وزعم أن نصيرا ذهب بالشذوات أجمع
42

وانصرف إلى طهيثا وبادر بالكتاب إلى سليمان ووافاه فأقام سليمان بطهيثا إلى
أن اتصل به خبر إقبال الموفق (وفيها) أوقع أحمد بن طولون بسيما الطويل
بأنطاكية فحصره بها وذلك في المحرم منها فلم يزل ابن طولون مقيما عليها حتى
افتتحها وقتل سيما (وفيها) وثب القاسم بن مماه بدلف بن عبد العزيز بن أبي
دلف بأصبهان فقتله ثم وثب جماعة من أصحاب دلف على القاسم فقتلوه ورأسوا
عليهم أحمد بن عبد العزيز (وفيها) لحق محمد المولد بيعقوب بن الليث فصار إليه
وذلك في المحرم منها فأمر السلطان بقبض أمواله وعقارلة (وفيها) قتلت
الاعراب جعلان المعروف بالعيار بدمما وكان خرج لبذرقة قافلة فقتلوه وذلك
في جمادى الأولى فوجه السلطان في طلب الذين قتلوه جماعة من الموالى فهرب
الاعراب وبلغ الذين شخصوا في طلبهم عين التمر ثم رجعوا إلى بغداد وقد
مات منهم من البرد جماعة وذلك أن البرد اشتد في تلك الأيام ودام أياما وسقط
الثلج ببغداد (وفيها) أمر أبو أحمد بحبس سليمان بن وهب وابنه عبد الله فحبسا وعدة
من أسبابهم في دار أبى أحمد وانتهبت دور عدة من أسبابه ووكل بحفظ داري
سليمان وابنه عبد الله وأمر بقبض ضياعهما وأموالهما وأموال أسبابهما ضياعهم
خلا أحمد بن سليمان ثم صولح سليمان وابنه عبد الله على تسعمائة ألف دينار
وصيرا في موضع يصل إليهما من أحبا (وفيها) عسكر موسى بن أتامش وإسحاق
ابن كنداجيق وينغجور بن أرخوز والفضل بن موسى بن بغا بباب الشماسية
ثم عبروا جسر بغداد فصاروا إلى السفينتين وتبعهم أحمد بن الموفق فلم يرجعوا
ونزلوا صرصر (وفيها) استكتب أبو أحمد صاعد بن مخلد وذلك لاثنتي عشرة
بقيت من جمادى الآخرة وخلع عليه فمضى صاعد إلى القواد بصرصر ثم
بعث أبو أحمد ابنه أحمد إليهم فناظرهم فانصرفوا معه فخلع عليهم (وفيها)
خرج فيما ذكر خمسة من بطارقة الروم في ثلاثين ألفا من الروم إلى أذنة فصاروا
إلى المصلى وأسروا أرخوز وكان والى الثغور ثم عزل فرابط هناك فأسر وأسر
معه نحو من أربعمائة رجل وقتلوا ممن نفر إليهم نحوا من ألف وأربعمائة رجل
43

وانصرفوا اليوم الرابع وذلك في جمادى الأولى منها (وفى رجب) منها عسكر
موسى بن أتامش وإسحاق بن كنداجيق وينغجور بن أرخوز بنهر ديالى (وفيها)
غلب أحمد بن عبد الله الخجستاني على نيسابور وصار الحسين بن طاهر عامل محمد
ابن طاهر إلى مرو فأقام بها وأخو شركب الجمال بين الحسين والخجستاني أحمد
ابن عبد الله (وفيها) أخربت طوس (وفيها) استوزر إسماعيل بن بلبل (وفيها)
مات يعقوب بن الليث بالأهواز وخلفه أخوه عمرو بن الليث وكتب عمرو إلى
سلطان بأنه سامع له ومطيع فوجه إليه أحمد بن أبي الأصبغ في ذي القعدة منها
(وفيها) قتلت جماعة من أعراب بنى أسد علي بن مسرور البلخي بطريق مكة قبل
مصيره إلى المغيثة وكان أبو أحمد ولى محمد بن مسرور البلخي طريق مكة فولاه
أخاه علي بن مسرور (وفيها) بعث ملك الروم بعبد الله بن رشيد بن كاوس
الذي كان عامل الثغور فأسر إلى أحمد بن طولون مع عدة من أسراء المسلمين
وعدة مصاحف هدية منه له (وفيها) صارت جماعة من الزنج في ثلاثين سميرية
إلى جبل فأخذوا أربع سفن فيها طعام ثم انصرفوا (وفيها) لحق العباس بن
أحمد بن طولون مع من تبعه ببرقة مخالفا لأبيه أحمد وكان أبوه أحمد استخلفه فيما
ذكر على عمله بمصر لما توجه إلى الشأم فلما انصرف أحمد عن الشأم راجعا إلى
مصر حمل العباس ما في بيت مال مصر من الأموال وما كان لأبيه هناك من الأثاث
وغير ذلك ثم مضى إلى برقة فوجه إليه أحمد جيشا فظفروا به وردوه إلى أبيه
أحمد فحبسه عنده وقتل لسبب ما كان منه جماعة كانوا شايعوا ابنه على ذلك
(وفيها) دخل الزنج النعمانية فأحرقوا سوقها وأكثر منازل أهلها وسبوا وصاروا
إلى جرجرايا ودخل أهل السواد بغداد (وفيها) ولى أبو أحمد عمرو بن الليث
خراسان وفارس وأصبهان وسجستان وكرمان والسند وأشهد له بذلك ووجه
بكتابه إليه بتوليته ذلك مع أحمد بن أبي الأصبغ ووجه إليه مع ذلك العهد والعقد
والخلع (وفى ذي الحجة) منها صار مسرور البلخي إلى النيل فتنحى عنها عبد الله
ابن ليثويه في أصحاب أخيه وقد أظهر الخلاف على السلطان فصار ومن معه إلى
44

أحمداباذ فتبعهم مسرور البلخي يريد محاربتهم فبدر عبد الله بن ليثويه ومن كان
معه فترجلوا لمسرور وانقادوا له بالسمع والطاعة وعبد الله بن ليثويه نازع سيفه
ومنطقته معلقهما في عنقه يعتذر إليه ويحلف أنه حمل على ما فعل فقبل منه وأمر
فخلع عليه وعلى عدة من القواد معه (وفيها) شخص تكين البخاري إلى الأهواز
مقدمة لمسرور البلخي
ذكر الخبر عما كان من أمر تكين بالأهواز حين صار إليها
* ذكر محمد بن الحسن أن تكين البخاري ولاه مسرور البلخي كور الأهواز
حين ولاه أبو أحمد عليها فتوجه تكين إليها فوافاها وقد صار إليها علي بن
أبان المهلبي فقصد تستر فأحاط بها في جمع كثير من أصحابه الزنج وغيرهم فراع
ذلك أهلها وكادوا أن يسلموها فوافاها تكين في تلك الحال فلم يضع عنه ثياب
السفر حتى واقع علي بن أبان وأصحابه فكانت الدبرة على الزنج فقتلوا وهزموا
وتفرقوا وانصرف على فيمن بقى معه مفلولا مدحورا وهذه وقعة باب
كودك المشهورة ورجع تكين البخاري فنزل تستر وانضم إليه جمع كثير من
الصعاليك وغيرهم ورحل إليه علي بن أبان في جمع كثير من أصحابه فنزل شرقي
المسرقان وجعل أخاه في الجانب الغربي في جماعة من الخيل وجعل رجالة الزنج
معه وقدم جماعة من قواد الزنج منهم انكلويه وحسين المعروف بالحمامي
وجماعة غيرهما فأمرهم بالمقام بقنطرة فارس وانتهى الخبر بما دبره علي بن أبان
إلى تكين وكان الذي نقل إليه الخبر غلاما يقال له وصيف الرومي وهرب إليه
من عسكر علي بن أبان فأخبره بمقام هؤلاء القوم بقنطرة فارس وأعلمه تشاغلهم
بشرب النبيذ وتفرق أصحابهم في جمع الطعام فسار إليهم تكين في الليل في جمع من
أصحابه فأوقع بهم فقتل من قواد الزنج انكلويه والحسين المعروف بالحمامي ومفرج
المكي أبا صالح واندرون وانهزم الباقون فلحقوا بالخليل بن أبان فأعلموه ما نزل
بهم وسار تكين على شرقي المسروقان حتى لقى علي بن أبان في جمعه فلم يقف له على
وانهزم عنه وأسر غلام لعلى من الخيالة يعرف بجعفرويه ورجع على والخليل
45

في جمعهما إلى الأهواز ورجع تكين إلى تستر وكتب علي بن أبان إلى تكين
يسأله الكف عن قتل جعفرويه فحبسه وجرت بين تكين وعلي بن أبان
مراسلات وملاطفات وانتهى الخبر بها إلى مسرور فأنكرها وانتهى إلى
مسرور أن تكين قد ساءت طاعته وركن إلى علي بن أبان ومايله قال محمد بن الحسن
فحدثني محمد بن دينار قال حدثني محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي المأموني الباذغيسي
وكان من أصحاب تكين البخاري قال لما انتهى إلى مسرور الخبر بالتياث تكين
عليه توقف حتى عرف صحة أمره ثم سار يريد كور الأهواز وهو مظهر الرضا
عن تكين والاحماد لامره فجعل طريقه على شابرزان ثم سار منها حتى وافى السوس
وتكين قد عرف ما انتهى إلى مسرور من خبره فهو مستوحش من ذلك ومن
جماعة كانت تبعته عند مسرور من قواده فجرت بين مسرور وتكين رسائل حتى
أمن تكين فصار مسرور إلى وادى تستر وبعث إلى تكين فعبر إليه مسلما فأمر
به فأخذ سيفه ووكل به فلما رأى ذلك جيش تكين انفضوا من ساعتهم ففرقة
منهم صارت إلى ناحية صاحب الزنج وفرقة صارت إلى محمد بن عبيد الله الكردي
وانتهى الخبر إلى مسرور فبسط الأمان لمن بقى من جيش تكين فلحقوا به قال محمد
ابن عبد الله بن الحسن المأموني فكنت أحد الصائرين إلى عسكر مسرور ودفع
مسرور تكين إلى إبراهيم بن جعلان فأقام في يده محبوسا حتى وافاه أجله فتوفى
وكان بعض أمر مسرور وتكين الذي ذكرناه في سنة 65 وبعضه في سنة 66
(وحج بالناس) في هذه السنة هارون بن محمد بن إسحاق بن موسى بن عيسى الهاشمي
(وفيها) كانت موافاة المعروف بأبي المغيرة بن عيسى بن محمد المخزومي متغلبا
بزنج معه على مكة
ثم دخلت سنة ست وستين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك ما كان من تولية عمرو بن الليث عبيد الله بن عبد الله بن طاهر خلافته
46

على الشرطة ببغداد وسامرا في صفر وخلع أبى أحمد عليه ثم مصير عبيد الله بن
عبد الله إلى منزله فخلع عليه فيه خلعة عمرو بن الليث وبعث إليه عمرو بعمود من
ذهب (وفى صفر) منها غلب اساتكين على الري وأخرج عنها طلمجور العامل
كان عليها ثم مضى هو وابنه اذكوتكين إلى قزوين وعليها ابرون أخو كيغلغ
فصالحاه ودخلا قزوين وأخذا محمد بن الفضل بن سنان العجلي فأخذا أمواله
وضياعه وقتله اساتكين ثم رجع إلى الري فقاتله أهلها فغلبهم ودخلها (وفيها)
وردت سرية من سرايا الروم تل بسمى من ديار ربيعة فقتلت من المسلمين وأسرت
نحوا من مائتين وخمسين إنسانا فنفر أهل نصيبين وأهل الموصل فرجعت الروم
(وفيها) مات أبو الساج بجنديسابور في شهر ربيع الآخر منصرفا عن عسكر
عمرو بن الليث إلى بغداد ومات قبله في المحرم منها سليمان بن عبد الله بن طاهر
وولى عمرو بن الليث فيها أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف أصبهان وولى فيها محمد
ابن أبي الساج الحرمين وطريق مكة (وفيها) ولى اغرتمش ما كان تكين البخاري
يليه من عمال الأهواز فسار اغرتمش إليها ودخلها في شهر رمضان * فذكر محمد
ابن الحسن أن مسرورا وجه اغرتمش وأبا ومطر بن جامع لقتال علي بن أبان
فساروا حتى انتهوا إلى تستر فأقاموا بها واستخرجوا من كان في حبس تكين
وكان فيه جعفرويه في جماعة من أصحاب قائد الزنج فقتلوا جميعا وكان مطر بن
جامع المتولي قتلهم ثم ساروا حتى وافوا عسكر مكرم ورحل إليهم علي بن أبان
وقدم أمامه إليهم الخليل أخاه فصار إليهم الخليل فواقفهم وتلاه على فلما كثر
عليهم جمع الزنج قطعوا الجسر وتحاجزوا وجنهم الليل فانصرف علي بن أبان في
جميع أصحابه فصار إلى الأهواز وأقام الخليل فيمن معه بالمسرقان وأتاه الخبر بأن
اغرتمش وأبا ومطر بن جامع قد أقبلوا نحوه ونزلوا الجانب الشرقي من قنطرة
أربك ليعبروا إليه فكتب الخليل بذلك إلى أخيه علي بن أبان فرحل على إليهم
حتى وافاهم بالقنطرة ووجه إلى الخليل يأمره بالمصير إليه فوافاه وارتاع من كان
بالأهواز من أصحاب على فقلعوا عسكره ومضوا إلى نهر السدرة ونشبت الحرب
47

بين علي بن أبان وقواد السلطان هناك وكان ذلك يومهم ثم تحاجزوا وانصرف
علي بن أبان إلى الأهواز فلم يجد بها أحدا ووجد أصحابه أجمعين قد لحقوا بنهر
السدرة فوجه إليهم من يردهم فعسر ذلك عليه فتبعهم فأقام بنهر السدرة ورجع
قواد السلطان حتى نزلوا عسكر مكرم وأخذ علي بن أبان في الاستعداد لقتالهم
وأرسل إلى بهبوذ بن عبد الوهاب فأتاه فيمن معه من أصحابه وبلغ اغرتمش
وأصحابه ما أجمع عليه من المسير إليهم على فساروا نحوه وقد جعل علي بن أبان
أخاه على مقدمته وضم إليه بهبوذ وأحمد بن الزرنجى فالتقى الفريقان بالدولاب
فأمر على الخليل بن أبان أن يجعل بهبوذ كمينا فجعله وسار الخليل حتى لقى القوم
ونشب القتال بينهم فكان أول نهار ذلك اليوم لأصحاب السلطان ثم جالوا جولة
وخرج عليهم الكمين وأكب الزنج إكبابة فهزموهم وأسر مطر بن جامع ضرع عن
فرس كان تحته فأخذه بهبوذ فأتى به عليا وقتل سيما المعروف بصغراج في جماعة من
القواد ولما وافى بهبوذ عليا بمطر سأله مطر استبقاءه فأبى ذلك على وقال لو كنت أبقيت
على جعفرويه لا بقينا عليك وأمر به فأدنى إليه فضرب عنقه بيده ودخل
علي بن أبان الأهواز وانصرف اغرتمش وأبا فيمن أفلت معهما حتى
وافيا تستر ووجه علي بن أبان بالرؤوس إلى الخبيث فأمر بنصبها على سور مدينته
قال وكان علي بن أبان بعد ذلك يأتي اغرتمش وأصحابه فتكون الحرب
بينهم سجالا عليه وله وصرف الخبيث أكثر جنوده إلى ناحية علي بن أبان
فكثروا على اغرتمش فركن إلى الموادعة وأحب علي بن أبان مثل ذلك
فتهادنا وجعل علي بن أبان يغير على النواحي فمن غاراته مصيره إلى القرية
المعروفة ببيروذ فظهر عليها ونال منها غنائم كثيرة فكتب بما كان
منه من ذلك إلى الخبيث ووجه بالغنائم التي أصابها وأقام (وفيها) فارق
إسحاق بن كنداجيق عسكر أحمد بن موسى بن بغا وذلك أن أحمد بن موسى
ابن بغا لما شخص إلى الجزيرة ولى موس بن أتامش ديار ربيعة فأنكر ذلك
إسحاق وفارق عسكره لسبب ذلك وصار إلى بلد فأوقع بالأكراد اليعقوبية
48

فهزمهم وأخذ أموالهم فقوى بذلك ثم لقى ابن مساور الشاري فقتله (وفى شوال)
منها قتل أهل حمص عاملهم عيسى الكرخي (وفيها) أسر لؤلؤ غلام أحمد بن
طولون موسى بن أتامش وذلك أن لؤلؤا كان مقيما برابية بنى تميم وكان موسى
ابن أتامش مقيما برأس العين فخرج ليلا سكران ليكبسهم فكمنوا له فأخذوه
أسيرا وبعثوا به إلى الرقة ثم لقى لؤلؤ أحمد بن موسى وقواده ومن معهم من
الاعراب في شوال فهزم لؤلؤ وقتل من أصحابه جماعة كثيرة ورجع ابن صفوان
العقيلي والاعراب إلى ثقل عسكر أحمد بن موسى لينتهبوه وأكب عليهم أصحاب
لؤلؤ فبلغت هزيمة المنفلت منهم قرقيسيا ثم صاروا إلى بغداد وسامرا فوافوها
في ذي القعدة وهرب ابن صفوان إلى البادية (وفيها) كانت بين أحمد بن عبد العزيز
ابن أبي دلف وبكتمر وقعة وذلك في شوال منها فهزم أحمد بن عبد العزيز بكتمر
فصار إلى بغداد (وفيها) أوقع الخجستاني بالحسن بن زيد بجرجان على غرة من
الحسن فهرب منه الحسن فلحق بآمل وغلب الخجستاني على جرجان وبعض
أطراف طبرستان وذلك في جمادى الآخرة منها ورجب (وفيها) دعا الحسن
ابن محمد بن جعفر بن عبد الله بن حسن الأصغر العقيقي أهل طبرستان إلى البيعة
له وذلك أن الحسن بن زيد عن شخوصه إلى جرجان كان استخلفه بسارية فلما
كان من أمر الخجستاني وأمر الحسن ما كان بجرجان وهرب الحسن منها أظهر
العقيقي بسارية أن الحسن قد أسر ودعا من قبله إلى بيعته فبايعه قوم ووافاه الحسن
ابن زيد فحاربه ثم احتال له الحسن حتى ظفر به فقتله (وفيها) نهب الخجستاني
أموال تجار أهل جرجان وأضرم النار في البلد (وفيها) كانت وقعة بين الخجستاني
وعمرو بن الليث علا فيها الخجستاني على عمرو وهزمه ودخل نيسابور فأخرج
عامل عمرو بن عنها وقتل جماعة ممن كان يميل إلى عمرو بها (وفيها) كانت فتنة
بالمدينة ونواحيها بين الجعفرية والعلوية
49

ذكر الخبر عن سبب ذلك
وكان سبب ذلك فيما ذكر أن القيم بأمر المدينة ووادي القرى ونواحيها كان
في هذه السنة إسحاق بن محمد بن يوسف الجعفري فولى وادى القرى عاملا من
قبله فوثب أهل وادى القرى على عامل إسحاق بن محمد فقتلوه وقتلوا أخوين
لإسحاق فخرج إسحاق إلى وادى القرى فمرض به ومات فقام بأمر المدينة أخوه
موسى بن محمد فخرج عليه الحسن بن موسى بن جعفر فأرضاه بثمانمائة دينار ثم
خرج عليه أبو القاسم أحمد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد ابن عم الحسن
ابن زيد صاحب طبرستان فقتل موسى وغلب على المدينة وقدمها أحمد بن محمد
ابن إسماعيل بن الحسن بن زيد فضبط المدينة وقد كان غلا بها السعر فوجه إلى
الجار وضمن للتجار أموالهم ورفع الجباية فرخص السعر وسكنت المدينة فولى
السلطان الحسنى المدينة إلى أن قدمها ابن أبي الساج (وفيها) وثبت الاعراب
على كسوة الكعبة فانتهبوها وصار بعضها إلى صاحب الزنج وأصاب الحاج فيها
شدة شديدة (وفيها) خرجت الروم إلى ديار ربيعة فاستنفر الناس فنفروا في
برد ووقت لا يمكن الناس فيه دخول الدرب (وفيها) غزا سيما خليفة أحمد
ابن طولون على الثغور الشامية في ثلثمائة رجل من أهل طرسوس فخرج عليهم
العدو في بلاد هرقلة وهم نحو من أربعة آلاف فاقتتلوا قتالا شديدا فقتل المسلمون
من العدو خلقا كثيرا وأصيب من المسلمين جماعة كثيرة (وفيها) كانت بين
إسحاق بن كنداجيق وإسحاق بن أيوب وقعة هزم فيها ابن كنداجيق إسحاق بن
أيوب فألحقه بنصيبين وأخذ ما في عسكره وقتل من أصحابه جماعة كثيرة وتبعه
ابن كنداجيق وصار إلى نصيبين فدخلها وهرب إسحاق بن أيوب منه واستنجد
عليه عيسى بن الشيخ وهو بآمد وأبا المغراء بن موسى بن زرارة وهو بأرزن
فتظاهروا على ابن كنداجيق وبعث السلطان إلى ابن كنداجيق بخلع ولواء على
الموصل وديار ربيعة وأرمينية مع يوسف بن يعقوب فخلع عليه فبعثوا يطلبون
الصلح ويبذلون له مالا على أن يقرهم على أعمالهم مائتي ألف دينار (وفيها)
50

وافى محمد بن أبي الساج مكة فحاربه ابن المخزومي فهزمه ابن أبي الساج واستباح
ماله وذلك يوم التروية من هذه السنة (وفيها) شخص كيغلغ إلى الجبل ورجع
بكتمر إلى الدينور (وفيها) دخل أصحاب قائد الزنج رامهرمز
ذكر الخبر عن سبب مصيرهم إليها
قد ذكرنا قبل ما كان من أمر محمد بن عبيد الله الكردي وعلي بن أبان
صاحب الخبيث حين تلاقيا على صلح منهما فذكر أن عليا كان قد احتجن على
محمد ضغنا في نفسه لما كان في سفره ذلك وكان يرصده بشر وقد عرف ذلك
منه محمد بن عبيد الله وكان يروم النجاة منه فكاتب ابن الخبيث المعروف بانكلاى
وسأله مسألة الخبيث ضم ناحيته إليه لتزول يد على منه وهاداه فزاد ذلك علي بن
أبان عليه غيظا وحنقا فكتب إلى الخبيث يعرفه به ويصحح عنده أنه مصر
على غدره ويستأذنه في الايقاع به وأن يجعل الذريعة إلى ذلك مسألته حمل
خراج ناحيته إليه فأذن له الخبيث في ذلك فكتب على إلى محمد بن عبيد الله
في حمل المال فلواه به ودافعه عنه فاستعد له على وسار إليه فأوقع برامهرمز
ومحمد بن عبيد الله يومئذ مقيم بها فلم يكن لمحمد منه امتناع فهرب
ودخل على رامهرمز فاستباحها ولحق محمد بن عبيد الله بأقصى معاقله من
أربق والبيلم وانصرف على غانما وراع ما كان من ذلك من على محمدا فكتب
يطلب المسالمة فأنهى ذلك على إلى الخبيث فكتب إليه يأمره بقبول ذلك وإرهاق
محمد بحمل المال فحمل محمد بن عبيد الله مائتي ألف درهم فأنفذها على إلى الخبيث
وأمسك عن محمد بن عبيد الله وعن أعماله (وفيها) كانت وقعة لأكراد الداريان
مع زنج الخبيث هزموا فيها وفلوا
ذكر الخبر عن سبب ذلك
ذكر عن محمد بن عبيد الله بن أزارمرد أنه كتب إلى علي بن أبان بعد حمله
إليه المال الذي ذكرنا مبلغه قبل وكف على عنه وعن أعماله يسأله المعونة على
جماعة من الأكراد كانوا بموضع يقال له الداريان على أن يجمع له ولأصحابه
51

غنائمهم فكتب على إلى الخبيث يسأله الاذن له في النهوض لذلك فكتب إليه
أن وجه الخليل بن أبان وبهبوذ بن عبد الوهاب وأقم أنت ولا تنفذ جيشك
حتى تتوثق من محمد بن عبيد الله برهائن تكون في يدك منه تأمن بها من غدره
فقد وترته وهو غير مأمون على الطلب بثأره فكاتب على محمد بن عبيد الله بما
أمره به الخبيث وسأله الرهائن فأعطاه محمد بن عبيد الله الايمان والعهود
ودافعه على الرهائن فدعا عليا الحرص على الغنائم التي أطمعه فيها محمد بن عبيد الله
إلى أن أنفذ الجيش فساروا ومعهم رجال محمد بن عبيد الله حتى وافوا الموضع
الذي قصدوا له فخرج إليهم أهله ونشبت الحرب فظهر الزنج في ابتداء الامر
على الأكراد ثم صدقهم الأكراد وخذلهم أصحاب محمد بن عبيد الله فتصدعوا
وانهزموا مفلولين مقهورين وقد كان محمد بن عبيد الله أعدلهم قوما أمرهم
بمعارضتهم إذا انهزموا فعارضوهم وأوقعوا بهم ونالوا منهم أسلابا وأرجلوا
طائفة منهم عن دوابهم فأخذوها فرجعوا بأسوإ حال فكتب المهلبي إلى الخبيث
بما نال أصحابه فكتب إليه يعنفه ويقول قد كنت تقدمت إليك ألا تركن إلى محمد
ابن عبيد الله وأن تجعل الوثيقة بينك وبين الرهائن فتركت أمرى واتبعت هواك
فذاك الذي أرداك وأردى جيشك وكتب الخبيث إلى محمد بن عبيد الله انه لم
يخف على تدبيرك على جيش علي بن أبان ولن تعدم الجزاء على ما كان منك
فارتاع محمد بن عبيد الله مما ورد به عليه كتاب الخبيث وكتب إليه بالتضرع
والخضوع ووجه بما كان أصحابه أصابوا من خليل أصحاب على حيث عورضوا
وهم منهزمون فقال إني صرت بجميع من معي إلى هؤلاء القوم الذين أوقعوا
بالخليل وبهبوذ فتوعدتهم وأخفتهم حتى ارتجعت هذه الخيل منهم ووجهت بها
فأظهر الخبيث غضبا وكتب إليه يتهدده بجيش كثيف يرميه به فأعاد محمد الكتاب
بالتضرع والاستكانة فأرسل إلى بهبوذ فضمن له مالا وضمن لمحمد بن يحيى
الكرماني مثل ذلك ومحمد بن يحيى يومئذ الغالب على علي بن أبان والمصرف له
برأيه فصار بهبوذ إلى علي بن أبان وظاهره محمد بن يحيى الكرماني على أمره
52

حتى أصلحا رأى على في محمد بن عبيد الله وسلاما في قلبه من الغيظ والحنق
عليه ثم مضيا إلى الخبيث ووافق ذلك ورود كتاب محمد بن عبيد الله عليه
فصوبا وصعدا حتى أظهر لهما الخبيث قبول قولهما والرجوع لمحمد بن عبيد الله
إلى ما أحب وقال لست قابلا منه بعد هذا إلا أن يخطب لي على منابر أعماله
فانصرف بهبوذ والكرماني بما فارقهما عليه الخبيث وكتابه إلى محمد بن عبيد الله
فأصدر جوابه إلى كل ما أراده الخبيث وجعل يراوغ عن الدعاء له على المنابر
وأقام على بعد هذا مدة ثم استعد لمتوث وسار إليها فرامها فلم يطقها لحصانتها
وكثرة من يدافع عنها من أهلها فرجع خائبا فاتخذ سلاليم وآلات ليرقى بها
السور وجمع أصحابه واستعد وقد كان مسرور البلخي عرف قصد على متوث وهو
يومئذ مقيم بكور الأهواز فلما عاود المسير إليها سار إليه مسرور فوافاه قبيل
غروب الشمس وهو مقيم عليها فلما عاين أصحاب على أوائل خيل مسرور
انهزموا أقبح هزيمة وتركوا جميع آلاتهم التي كانوا حملوها وقتل منهم جمع
كثير وانصرف علي بن أبان مدحورا ولم يلبث بعد ذلك إلا يسيرا حتى تتابعت
الاخبار بإقبال أبى أحمد ثم لم يكن لعلى بعد رجوعه من متوث وقعة حتى فتحت
سوق الخميس وطهيثا على أبى أحمد فانصرف بكتاب ورد عليه من الخبيث يحفزه
فيه حفزا شديدا بالمصير إلى عسكره (وحج بالناس) فيها هارون بن محمد بن
إسحاق بن موسى بن عيسى الهاشمي الكوفي
ثم دخلت سنة سبع وستين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمما كان فيها من ذلك حبس السلطان محمد بن طاهر بن عبد الله وعدة من
أهل بيته بعقب هزيمة أحمد بن عبد الله الخجستاني عمرو بن الليث وتهمة عمرو
ابن الليث محمد بن طاهر بمكاتبة الخجستاني والحسين بن طاهر ودعا الحسين
والخجستاني لمحمد بن طاهر على منابر خراسان (وفيها) غلب أبو العباس بن
53

الموفق على عامة ما كان سليمان بن جامع صاحب قائد الزنج غلب عليه من قرى
كور دجلة كعبدسى ونحوها
ذكر الخبر عن سبب غلبة أبى العباس على ذلك
وما كان من أمره وأمر الزنج في تلك الناحية
ذكر محمد بن الحسن أن محمد بن حماد حدثه أن الزنج لما دخلوا واسط
وكان منهم بها ما قد ذكرناه قبل واتصل الخبر بذلك إلى أبى أحمد بن المتوكل
ندب ابنه أبا العباس للشخوص إلى ناحية واسط لحرب الزنج فخف لذلك
أبو العباس فلما حضر خروج أبى العباس ركب أبو أحمد إلى بستان موسى
الهادي في شهر ربيع الآخر سنة 266 فعرض أصحاب أبي العباس ووقف
على عدتهم فكان جميع الفرسان والرجالة عشرة آلاف رجل في أحسن زي
وأجمل هيئة وأكمل عدة ومعهم الشذا والسميريات والمعابر للرجالة كل ذلك
قد أحكمت صنعته فنهض أبو العباس من بستان الهادي وركب أبو أحمد مشيعا له
حتى نزل الفرك ثم انصرف وأقام أبو العباس بالفرك أياما حتى تكاملت عدده
وتلاحق أصحابه ثم رحل إلى المدائن وأقام بها أيضا ثم رحل إلى دير العاقول قال
محمد بن حماد فحدثني أخي إسحاق بن حماد وإبراهيم بن محمد بن إسماعيل الهاشمي
المعروف ببريه ومحمد بن شعيب الاشتيام في جماعة كثيرة ممن صحب أبا العباس
في سفره دخل حديث بعضهم في حديث بعض قالوا لما نزل أبو العباس دير
العاقول ورد عليه كتاب نصير المعروف بأبي حمزة صاحب الشذا والسميريات
وقد كان أمضاه على مقدمته يعلمه فيه أن سليمان بن جامع قد وافى في خيل
ورجالة وشذوات وسميريات والجبائي يقدمه حتى نزل الجزيرة التي بحضرة
بردودا وأن سليمان بن موسى الشعراني قد وافى نهر أبان برجاله وفرسان
وسميريات فرحل أبو العباس حتى وافى جرجرايا ثم فم الصلح ثم ركب الظهر
فسار حتى وافى الصلح ووجه طلائعه ليعرف الخبر فأتاه منهم من أخبره بموافاة
القوم وجمعهم وجيشهم وأن أولهم بالصلح وآخرهم ببستان موسى بن بغا أسفل
54

واسط فلما عرف ذلك عدل عن سنن الطريق واعترض في مسيره ولقى أصحابه
أوائل القوم فتطاردوا لهم حتى طمعوا واغتروا فأمعنوا في اتباعهم وجعلوا
يقولون لهم اطلبوا أميرا للحرب فإن أميركم قد شغل نفسه بالصيد فلما قربوا من
أبى العباس بالصلح خرج عليهم فيمن معه من الخيل والرجل وأمر فصيح بنصير
إلى أين تتأخر عن هؤلاء الاكلب ارجع إليهم فرجع نصير إليهم وركب أبو العباس
سميرية ومعه محمد بن شعيب الاشتيام وحف بهم أصحابه من جميع جهاتهم فانهزموا
ومنح الله أبا العباس وأصحابه أكتافهم يقتلونهم ويطردونهم حتى وافوا قرية
عبد الله وهى على ستة فراسخ من الموضع الذي لقوهم فيه وأخذوا منهم خمس
شذوات وعدة سميريات واستأمن منهم قوم وأسر منهم أسرى وغرق ما أدرك
من سفنهم فكان ذلك أول الفتح على أبى العباس بن أبي أحمد ولما انقضت
الحرب في هذا اليوم أشار على أبى العباس قواده وأولياؤه أن يجعل معسكره
بالموضع الذي كان انتهى إليه من الصلح إشفاقا عليه من مقاربة القوم فأبى إلا
نزول واسط ولما انهزم سليمان بن جامع ومن معه وضرب الله وجوههم
انهزم سليمان بن موسى الشعراني عن نهر أبان حتى وافى سوق الخميس ولحق
سليمان بن جامع بنهر الأمير وقد كان القوم حين لقوا أبا العباس أجالوا الرأي
بينهم فقالوا هذا فتى حدث لم تطل ممارسته الحروب وتدربه بها فالرأي لنا أن
ترميه بحدنا كله ونجتهد في أول لقية نلقاه في إزالته فلعل ذلك أن يروعه
فيكون سببا لانصرافه عنا ففعلوا ذلك وحشدوا واجتهدوا فأوقع الله
بهم بأسه ونقمته وركب أبو العباس من غد يوم الوقعة حتى دخل واسط
في أحسن زي وكان ذلك يوم جمعة فأقام حتى صلى بها صلاة الجمعة واستأمن
إليه خلق كثير ثم انحدر إلى العمر وهو على فرسخ من واسط فقدر فيه عسكره
وقال اجعل معسكري أسفل واسط ليأمن من فوقه الزنج وقد كان نصير
المعروف بأبي حمزة والشاه بن ميكال أشارا عليه أن يجعل مقامه فوق واسط
فامتنع من ذلك وقال لهما لست نازلا إلا العمر فانزلا أنتما في فوهة بردودا وأعرض
55

أبو العباس عن مشاورة أصحابه واستماع شئ من آرائهم فنزل العمر وأخذ في بناء
الشذوات وجعل يراوح القوم القتال ويغاديهم وقد رتب خاصة غلمانه في سميريات
فجعل في كل سميرية اثنين منهم ثم إن سليمان استعد وحشد وجمع وفرق أصحابه
فجعلهم في ثلاثة أوجه فرقة أتت من نهر أبان وفرقة من برتمرتا وفرقة من بردودا
فلقيهم أبو العباس فلم يلبثوا أن انهزموا فخلفت طائفة منهم بسوق الخميس وطائفة
بما زروان وأخذ قوم منهم في برتمرتا وآخرون أخذوا الماديان وقوم منهم
اعتصموا للقوم الذين سلكوا الماديان فلم يرجع عنهم حتى وافى نهر برمساور ثم
انصرف فجعل يقف على القرى والمسالك ومعه الأدلاء حتى وافى عسكره فأقام
به مريحا نفسه وأصحابه ثم أتاه مخبر فأخبره أن الزنج قد جمعوا واستعدوا لكبس
عسكره وأنهم على اتيان عسكره من ثلاثة أوجه وأنهم قالوا إنه حدث غريغر
بنفسه وأجمع رأيهم على تكمين الكمناء والمصير إليه من الجهات الثلاث التي
ذكرنا فحذر لذلك واستعد له وأقبلوا إليه وقد كمنوا زهاء عشرة آلاف في برتمرتا
ونحوا من هذه العدة في قس هثا وقدموا عشرين سميرية إلى العسكر ليغتر بها أهله
ويجيزوا المواضع التي فيها كمناؤهم فمنع أبو العباس الناس من اتباعهم فلما علموا
أن كيدهم لم ينفذ خرج الجبائي وسليمان في الشذوات والسميريات وقد كان أبو العباس
أحسن تعبئة أصحابه فأمر نصيرا المعروف بأبي حمزة أن يبرز للقوم في شذواته ونزل
أبو العباس عن فرس كان ركبه ودعا بشذاة من شذواته قد كان سماها الغزال
وأمر اشتيامه محمد بن شعيب باختيار الجذافين لهذه الشذاة وركبها واختار من
خاصة أصحابه وغلمانه جماعة دفع إليهم الرماح وأمر أصحاب الخيل بالمسير بإزائه
على شاطئ النهر وقال لهم لا تدعوا المسير ما أمكنكم إلى أن تقطعكم الأنهار
وأمر بتعبير بعض الدواب التي كانت ببردودا ونشبت الحرب بين الفريقين فكانت
معركة القتال من حد قرية الرمل إلى الرصافة فكانت الهزيمة على الزنج وحاز
أصحاب أبي العباس أربع عشرة شذاة وأفلت سليمان والجبائي في ذلك اليوم بعد أن
أشفيا على الهلاك راجلين وأخذت دوابهما بحلاها وآلتها ومضى الجيش أجمع لا ينثنى
56

أحد منهم حتى وافوا طهيثا وأسلموا ما كان معهم من أثاث وآلة ورجع أبو العباس
وأقام بمعسكره في العمر وأمر بإصلاح ما أخذ منهم من الشذا والسميريات وترتيب
الرجال فيها وأقام الزنج بعد ذلك عشرين يوما لا يظهر منهم أحد وكان الجبائي يجئ
في الطلائع في كل ثلاثة أيام وينصرف وحفر آبارا فوق نهر سنداد وصير فيها سفافيد
حديد وغشاها بالبواري وأخفى مواضعها وجعلها على سنن مسير الخيل ليتهور فيها
المجتازون بها وكان يوافي طرف العسكر متعرضا لأهله فتخرج الخيل طالبة له فجاء في
بعض أيامه وطلبته الخيل كما كانت تطلبه فقطر فرس رجل من قواد الفراغنة في
بعض تلك الآبار فوقف أصحاب أبي العباس بما ناله من ذلك على ما دبر الجبائي
فحذروا ذلك وتنكبوا سلوك ذلك الطريق وألح الزنج في مغاداة العسكر في كل
يوم للحرب وعسكروا بنهر الأمير في جمع كثير فلما لم يجد ذلك عليهم أمسكوا عن
الحرب قدر شهر وكتب سليمان إلى صاحب الزنج يسأله إمداده بسميريات لكل
واحدة منهن أربعون مجذافا فوافاه من ذلك في مقدار عشرين يوما أربعون سميرية
في كل سميرية مقاتلان ومع ملاحيها السيوف والرماح والتراس وجعل الجبائي
موقفه حيال عسكر أبى العباس وعاودا التعرض للحرب في كل يوم فإذا خرج
إليهم أصحاب أبي العباس انهزموا عنهم ولم يثبتوا لهم وخلال ذلك ما تأتى طلائعهم
فتقطع القناطر وترمى ما ظهر لها من الخيل بالنشاب وتضرم ما وجدت في النوبة
مع المراكب التي مع نصير بالنار فكانوا كذلك قدر شهرين ثم رأى أبو العباس
أن يكمن لهم كمينا في قرية الرمل ففعل ذلك وقدم لهم سميريات أمام الجيش ليطمعوا
فيها وأمر أبو العباس فأعدت له سميرية ولزيرك سميرية وحمل جماعة من غلمانه
الذين اختارهم وعرفهم بالنجدة في السميريات فحمل بدرا ومؤنسا في سميرية
ورشيقا الحجاجي ويمنا في سميرية وخفيفا ويسرا في سميرية ونذيرا ووصيفا في
سميرية وأعد خمس عشرة سميرية وجعل في كل سميرية مقاتلين وجعلها امام
الجيش قال محمد بن شعيب الاشتيام وكنت فيمن تقدم يومئذ فأخذ الزنج
من السميريات المتقدمة عدة وأسروا أسرى فانطلقت مسرعا فناديت بصوت
57

عال قد أخذ القوم سميرياتنا فسمع أبو العباس صوتي وهو يتغدى فنهض إلى
سميريته التي كانت أعدت له وتقدم العسكر ولم ينتظر لحاق أصحابه فتبعه منهم من
خف لذلك قال فأدركنا الزنج فلما رأونا قذف الله الرعب في قلوبهم فألقوا أنفسهم
في الماء وانهزموا فتخلصنا أصحابنا وحوينا يومئذ إحدى وثلاثين سميرية من
سميريات الزنج وأفلت الجبائي في ثلاث سميريات ورمى أبو العباس يومئذ عن
قوس كانت في يده حتى دميت ابهامه فانصرف ولو أنا جددنا في طلب الجبائي
في ذلك اليوم ظننت أنا أدركناه فمنعنا من ذلك شدة اللغوب ورجع أبو العباس
وأكثر أصحابه بمواضعهم من فوهة بردودا لم يرم أحد منهم فلما وافى عسكره
أمر لمن كان صحبه بالاطواق والخلع والأسورة وأمر بإصلاح السميريات
المأخوذة من الزنج وأمر أبا حمزة أن يجعل مقامه بما معه من الشذا في دجلة بحذاء
خسر سابور ثم إن أبا العباس رأى أن يتوغل في مازروان حتى يصير إلى القرية
المعروفة بالحجاجية وينتهى إلى نهر الأمير ويقف على تلك المواضع ويتعرف الطرق
التي تجتاز فيها سميريات الزنج وأمر نصيرا فقدمه بما معه من الشذا والسميريات
فسار نصير لذلك فترك طريق مازروان وقصد ناحية نهر الأمير فدعا أبو العباس
سميريته فركبها ومعه محمد بن شعيب ودخل مازرون وهو يرى أن نصيرا
أمامه وقال لمحمد قدمني في النهر لأعرف خبر نصير وأمر الشذا والسميريات
بالمصير خلفه قال محمد بن شعيب فمضينا حتى قاربنا الحجاجية فعرضت لنا في النهر
صلغة فيها عشرة زنوج فأسرعنا إليها فألقى الزنوج أنفسهم في الماء وصارت
الصلغة في أيدينا فإذا هي مملوءة شعيرا وأدركنا فيها زنجيا فأخذناه فسألناه عن
خبر نصير وشذواته فقال ما دخل هذا النهر شئ من الشذا والسميريات فأصابتنا
حيرة وذهب الزنج الذين أفلتوا من أيدينا فأعلموا أصحابهم بمكاننا وعرض
للملاحين الذين كانوا معنا غنم فخرجوا لانتهابها قال محمد بن شعيب وبقيت مع أبي
العباس وحدي فلم نلبث أن وافانا قائد من قواد الزنج يقال له منتاب في جماعة
من الزنج من أحد جانبي النهر ووافانا من الجانب الآخر عشرة من الزنج فلما
58

رأينا ذلك خرج أبو العباس ومعه قوسه وأسهمه وخرجت برمح كان في يدي
وجعلت أحميه بالرمح وهو يرمى الزنج فجرح منهم زنجيين وجعلوا يثوبون
ويكثرون وأدركنا زيرك في الشذا ومعه الغلمان وقد كان أحاط بنا زهاء ألفى
زنجي من جانبي ما زروان وكفى الله أمرهم وردهم بذلة وصغار ورجع أبو العباس
إلى عسكره وقد غنم أصحابه من الغنم والبقر والجواميس شيئا كثيرا وأمر أبو العباس
بثلاثة من الملاحين الذين كانوا معه فتركوه لانتهاب الغنم فضربت أعناقهم وأمر
لمن بقى بالأرزاق لشهر وأمر بالنداء في الملاحين ألا يبرح أحد من السميريات
في وقت الحرب فمن فعل ذلك فقد حل دمه وانهزم الزنج أجمعون حتى لحقوا
بطهيثا وأقام أبو العباس بمعسكره في العمر وقد بث طلائعه في جميع النواحي
فمكث بذلك حينا وجمع سليمان بن جامع عسكره وأصحابه وتحصن بطهيثا وفعل
الشعراني مثل ذلك بسوق الخميس وكان بالصينية لهم جيش كثيف أيضا يقود
أهله رجل منهم يقال له نصر السندي وجعلوا يخربون كلما وجدوا إلى اخرابه
سبيلا ويحملون ما قدروا على حمله من الغلات ويعمرون مواضعهم التي هم
مقيمون بها فوجه أبو العباس جماعة من قواده منهم الشاه وكمشجور والفضل
ابن موسى بن بغا وأخوه محمد على الخيل إلى ناحية الصينية وركب أبو العباس
ومعه نصير وزيرك في الشذا والسميريات وأمر بخيل فعبر بها من برمساور إلى
طريق الظهر وسار الجيش حتى صار إلى الهرث فأمر أبو العباس بتعبير الدواب
إلى الهرث فعبرت فصارت إلى الجانب الغربي من دجلة وأمر بأن يسلك بها
طريق دير العمال فلما أبصر الزنج الخيل دخلتهم منها رهبة شديدة فلجأوا
إلى الماء والسفن ولم يلبثوا أن وافتهم الشذا والسميريات فلم يجدوا ملجأ
واستسلموا فقتل منهم فريق وأسر فريق وألقى بعضهم نفسه في الماء فأخذ
أصحاب أبي العباس سفنهم وهى مملوءة أرزا فصارت في أيديهم وأخذوا سميرية
رئيسهم المعروف بنصر السندي وانهزم الباقون فصارت طائفة منهم إلى طهيثا
وطائفة إلى سوق الخميس ورجع أبو العباس غانما إلى عسكره وقد فتح الصينية وأجلى
59

الزنج عنها قال محمد بن شعيب وبينا نحن في حرب الزنج بالصينية إذ عرض لأبي
العباس كركي طائر فرماه بسهم فشكه فسقط بين أيدي الزنج فأخذوه فلما رأوا
موضع السهم منه وعلموا أنه سهم أبى العباس زاد ذلك في رعبهم فكان سببا
لانهزامه يومئذ (وقد ذكر) عمن لا يتهم أن خبر السهم الذي رمى به أبو العباس
الكركي في غير هذا اليوم وانتهى إلى أبى العباس أن بعبدسى جيشا عظيما يرأسهم
ثابت بن أبي دلف ولؤلؤ الزنجيان فصار أبو العباس إلى عبدسى قاصدا للايقاع
بهما ومن معهما في خيل جريدة قد انتخبت من جلد غلمانه وحماة أصحابه فوافى
الموضع الذي فيه جمعهم في السحر فأوقع بهم وقعة غليظة قتل فيها من أبطالهم وجلد
رجالهم خلق كثير وانهزموا وظفر أبو العباس برئيسهم ثابت بن أبي دلف فمن
عليه واستبقاه وضمه إلى بعض قواده وأصاب المسمى لؤلؤا سهم فهلك منه واستنقذ
يومئذ من النساء اللواتي كن في أيدي الزنج خلق كثير فأمر أبو العباس باطلاقهن
وردهن إلى أهلهن وأخذ كل ما كان الزنج جمعوه ثم رجع أبو العباس إلى معسكره
فأمر أصحابه أن يريحوا أنفسهم ليسير بهم إلى سوق الخميس ودعا نصيرا فأمره
بتعبئة أصحابه للمسير إليها فقال له نصير إن نهر سوق الخميس ضيق فأم أنت
وائذن لي في المسير إليه حتى أعاينه فأبى أن يدعه حتى يعاينه ويقف على علم
ما يحتاج إليه منه قبل موافاة أبيه أبى أحمد وذلك عند ورود كتاب أبى أحمد عليه
بعزمه على الانحدار قال محمد بن شعيب فدعاني أبو العباس فقال لي إنه لابد لي
من دخول سوق الخميس فقلت إن كنت لابد فاعلا ما تذكر فلا تكثر عدد
من تحمل معك في الشذا ولا تزد على ثلاثة عشر غلاما عشرة رماة وثلاثة
في أيديهم الرماح فإني أكره الكثرة في الشذا مع ضيق النهر فاستعد أبو العباس
لذلك وسار إليه ونصير بين يديه حتى وافى فم بر مساور فقال له نصير قدمني أمامك
ففعل ذلك فدخل نصير في خمس عشرة شذاة واستأذنه رجل من قواد الموالى
يقال له موسى دالجويه في التقدم بين يديه فأذن له فسار وسار أبو العباس حتى
انتهى به مسيره إلى بسامي ثم إلى فوهة براطق ونهر الرق والنهر الذي ينفذ إلى
60

رواطا وعبدسي وهذه الأنهار الثلاثة تؤدى إلى ثلاث طرق مفترقة فأخذ نصير
في طريق نهر براطق وهو النهر المؤدى إلى مدينة سليمان بن موسى الشعراني التي
سماها المنيعة بسوق الخميس وأقام أبو العباس على فوهة هذا النهر وغاب عنه نصير
حتى خفى عنه خبره وخرج علينا في ذلك الموضع من الزنج خلق كثير فمنعونا من
دخول النهر وحالوا بيننا وبين الانتهاء إلى السور وبين هذا الموضع الذي انتهينا
إليه والسور المحيط بمدينة الشعراني مقدار فرسخين فأقاموا هناك يحاربوننا
واشتدت الحرب بيننا وبينهم وهم على الأرض ونحن في السفن من أول النهار إلى
وقت الظهر وخفى علينا خبر نصير وجعل الزنج يهتفون بنا قد أخذنا نصيرا فماذا
تصنعون ونحن تابعوكم حيثما ذهبتم فاغتم أبو العباس لما سمع منهم هذا القول فاستأذنه
محمد بن شعيب في المسير ليتعرف خبر نصير فأذن له فمضى في سميرية بعشرين جذافا حتى
وافى نصيرا أبا حمزة وقد قرب من سكر كان الفسقة سكروه ووجدوه قد أضرم
النار فيه وفى مدينتهم وحارب حربا شديدا ورزق الظفر بهم وكان الزنج ظفروا
ببعض شذوات أبى حمزة فقاتل حتى انتزع ما كانوا أخذوا من أيديهم فرجع محمد
ابن شعيب إلى أبى العباس فبشره بسلامة نصير ومن معه وأخبره خبره فسر بذلك
وأسر نصير يومئذ من الزنج جماعة كثيرة ورجع حتى وافى أبا العباس بالموضع
الذي كان واقفا به فلما رجع نصير قال أبو العباس لست زائلا عن موضعي هذا
حتى أراوحهم القتال في عشى هذا اليوم ففعل ذلك وأمر بإظهار شذاة واحدة
من الشذوات التي كانت معه لهم وأخفى باقيها عنهم فطمعوا في الشذاة التي رأوها
فتبعوها وجعل من كان فيها يسيرون سيرا ضعيفا حتى أدركوها فعلقوا بسكانها
وجعل الملاحون يسيرون حتى وافوا المكان الذي كانت فيه الشذوات المكمنة
وقد كان أبو العباس ركب سميرية وجعل الشذا خلفه فسار نحو الشذاة التي علق
بها الزنج لما أبصرها فأدركها والزنج ممسكون بسكانها يحيطون بها من جوانبها
يرمون بالنشاب والآجر وعلى أبى العباس كيز تحته درع قال محمد فنزعنا يومئذ
من كيز أبى العباس خمسا وعشرين نشابة ونزعت من لبادة كانت على أربعين
61

نشابة ومن لبابيد سائر الملاحين الخمس والعشرين والثلاثين وأظفر الله أبا العباس
بست سميريات من سميريات الزنج وتخلص الشذا من أيديهم وانهزموا ومال أبو
العباس وأصحابه نحو الشط وخرج على الزنج المقاتلة بالسيوف والتراس فانهزموا
لا يلوون على شئ للرهبة التي وصلت إلى قلوبهم ورجع أبو العباس سالما غانما فخلع
على الملاحين ووصلهم ثم صار إلى معسكره بالعمر فأقام به إلى أن وافى الموفق
(ولاحدى عشرة) ليلة خلت من صفر منها عسكر أبو أحمد بن المتوكل بالفرك وخرج
من مدينة السلام يريد الشخوص إلى صاحب الزنج لحربه وذلك أنه فيما ذكر كان اتصل
به أن صاحب الزنج كتب إلى صاحبه علي بن أبان المهلبي يأمره بالمصير بجميع من
معه إلى ناحية سليمان بن جامع ليجتمعا على حرب أبى العباس بن أبي أحمد وأقام
أبو أحمد بالفرك أياما حتى تلاحق به أصحابه ومن أراد النهوض به إليه وقد أعد
قبل ذلك الشذا والسميريات والمعابر والسفن ثم رحل من الفرك فيما ذكر يوم
الثلاثاء لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول في مواليه وغلمانه وفرسانه ورجالته فصار
إلى رومية المدائن ثم صار منها فنزل السيب ثم دير العاقول ثم جرجرايا ثم قنى
ثم نزل جبل ثم نزل الصلح ثم نزل على فرسخ من واسط فأقام هنالك يومه وليلته
فتلقاه ابنه أبو العباس به في جريدة خيل فيها وجوه قواده وجنده فسأله أبو أحمد
عن خبر أصحابه فوصف له بلاءهم ونصحهم فأمر أبو أحمد له ولهم بخلع فخلعت عليهم
وانصرف أبو العباس إلى معسكره بالعمر فأقام يومه فلما كانت صبيحة الغدر رحل
أبو أحمد منحدرا في الماء وتلقاه ابنه أبو العباس بجميع من معه من الجند في هيئة الحرب
والزي الذي كانوا يلقون به أصحاب الخائن فجعل يسير أمامه حتى وافى عسكره
بالنهر المعروف بشيرزاد فنزل به أبو أحمد ثم رحل منه يوم الخميس لليلتين بقيتا
من شهر ربيع الأول فنزل على النهر المعروف بسنداد بإزاء القرية المعروفة
بعبد الله وأمر ابنه أبا العباس فنزل شرقي دجلة بإزاء فوهة بردودا وولاه مقدمته
ووضع العطاء فأعطى الجيش ثم أمر ابنه بالمسير أمامه بما معه من آلة الحرب
إلى فوهة بر مساور فرحل أبو العباس في المختارين من قواده ورجاله منهم زيرك
62

التركي صاحب مقدمته ونصير المعروف بأبي حمزة صاحب الشذا والسميريات
ورحل أبو أحمد بعد ذلك في الفرسان والرجالة المنتخبين وخلف سواد عسكره
وكثيرا من الفرسان والرجالة بمعسكره فتلقاه ابنه أبو العباس بأسرى ورؤوس
وقتلى قتلهم من أصحاب الشعراني وذلك أنه وافى عسكره الشعراني في ذلك اليوم
قبل مجئ أبيه أبى أحمد فأوقع به وأصحابه فقتل منهم مقتلة عظيمة وأسر منهم
جماعة فأمر أبو أحمد بضرب أعناق الاسرى فضربت ونزل أبو أحمد فوهة
بر مساور وأقام به يومين ثم رحل يريد المدينة التي سماها صاحب الزنج المنيعة
من سوق الخميس في يوم الثلاثاء لثماني ليال خلون من شهر ربيع الآخر من هذه
السنة بمن معه من الجيش وما معه من آلة الحرب وسلك في السفن في بر مساور
وجعلت الخيل تسير بإزائه شرقي بر مساور حتى حاذى النهر المعروف ببراطق
الذي يوصل إلى مدينة الشعراني وانما بدأ أبو أحمد بحرب سليمان بن موسى الشعراني
قبل حرب سليمان بن جامع من أجل ان الشعراني كان وراءه فخاف إن بدأ
بابن جامع أن يأتيه الشعراني من ورائه ويشغله عمن هو أمامه فقصده من أجل
ذلك وأمر بتعبير الخيل وتصييرها على جانبي النهر المعروف ببراطق وأمر ابنه
أبا العباس بالتقدم في الشذا والسميريات وأتبعه أبو أحمد في الشذا بعامة الجيش
فلما بصر سليمان ومن معه من الزنج وغيرهم بقصد الخيل والرجالة سائرين على
جنبتي النهر ومسير الشذا والسميرات في النهر وقد لقيهم أبو العباس قبل ذلك
فحاربوه حربا ضعيفة انهزموا وتفرقوا وعلا أصحاب أبي العباس السور ووضعوا
السيوف فيمن لقيهم وتفرق الزنج وأتباعهم ودخل أصحاب أبي العباس المدينة
فقتلوا فيها خلقا كثيرا وأسروا بشرا كثيرا وحووا ما كان في المدينة وهرب
الشعراني ومن أفلت منهم معه واتبعهم أصحاب أبي أحمد حتى وافوا بهم البطائح
فغرق منهم خلق كثير ونجا الباقون إلى الآجام وأمر أبو أحمد أصحابه بالرجوع
إلى معسكرهم قبل غروب الشمس من يوم الثلاثاء وانصرف وقد استنقذ من
المسلمات زهاء خمسة آلاف امرأة سوى من ظفر به من الزنجيات اللواتي كن في
63

سوق الخميس فأمر أبو أحمد بحياطة النساء جميعا وحملهن إلى واسط ليدفعن إلى أوليائهن
وبات أبو أحمد بحيال النهر المعروف ببراطق ثم باكر المدينة من غد فأذن للناس
في حياطة ما فيها من أمتعة الزنج وأخذ ما كان فيها أجمع وأمر بهدم سورها وطم
خندقها وإحراق ما كان بقى فيها من السفن ورحل إلى معسكره ببر مساور بالظفر
بما بالرساتيق والقرى التي كانت في يد الشعراني وأصحابه من غلات الحنطة والشعير
والأرز فأمر ببيع ذلك وصرف ثمنه في أعطيات مواليه وغلمانه وجنده وأهل
عسكره وانهزم سليمان الشعراني وأخواه ومن أفلت وسلب الشهراني ولده وما
كان بيده من مال ولحق بالمذار فكتب إلى الخائن بخبره وما نزل به واعتصامه
بالمذار * فذكر محمد بن الحسن أن محمد بن هشام المعروف بأبي واثلة الكرماني
قال كنت بين يدي الخائن وهو يتحدث إذ ورد عليه كتاب سليمان الشعراني
بخبر الوقعة وما نزل به وانهزامه إلى المذار فما كان إلا أن فض الكتاب فوقعت
عينه على موضع الهزيمة حتى انحل وكاء بطنه ثم نهض لحاجته ثم عاد فلما استوى به
مجلسه أخذ الكتاب وعاد يقرؤه فلما انتهى إلى الموضع الذي أنهضه نهض حتى
فعل ذلك مرارا قال فلم أشك في عظم المصيبة وكرهت أن أسأله فلما طال الامر
تجاسرت فقلت أليس هذا كتاب سليمان بن موسى قال نعم ورد بقاصمة الظهران
الذين أناخوا عليه أوقعوا به وقعة لم تبق منه ولم تذر فكتب كتابه هذا وهو بالمذار
ولم يسلم بشئ غير نفسه قال فأكبرت ذلك والله يعلم ما أخفى من السرور الذي
وصل إلى قلبي وأمسك مبشرا بدنو الفرج وصبر الخائن على مكره ما وصل إليه
وجعل يظهر الجلد وكتب إلى سليمان بن جامع يحذره مثل الذي نزل بالشعراني
ويأمره بالتيقظ في أمره وحفظ ما قبله * وذكر محمد بن الحسن أن محمد بن حماد
قال أقام الموفق بعسكره ببر مساور يومين لتعرف أخبار الشعراني وسليمان بن
جامع والوقوف على مستقره فأتاه بعض من كان وجهه لذلك فأخبره أنه معسكر
بالقرية المعروفة بالحوانيت فأمر عند ذلك بتعبير الخيل إلى أرض كسكر
في غربي دجلة وسار على الظهر وأمر بالشذا وسفن الرجالة فحدرت إلى
64

الكثيثة وخلف سواد عسكره وجمعا كثيرا من الرجال والكراع بفوهة
بر مساور وأمر بغراج بالمقام هناك فوافى أبو أحمد الصينية وأمر أبا العباس
بالمصير في الشذا والسميريات إلى الحوانيت مخفا لتعرف حقيقة خبر سليمان بن
جامع في مقامه بها وإن وجد منه غرة أوقع به فسار أبو العباس في عشى ذلك
اليوم إلى الحوانيت فلم يلف سليمان هنالك وألفى من قواد السودان المشهورين
بالبأس والنجدة شبلا وأبا النداء وهما من قدماء أصحاب الفاسق الذين كان
استتبعهم في بدء مخرجه وكان سليمان بن جامع خلف هذين القائدين في موضعهما
لحفظ غلات كثيرة كانت هناك فحاربهما أبو العباس وأدخل الشذا موضعا
ضيقا من النهر فقتل من رجالهما وجرح بالسهام خلقا كثيرا وكانوا أجلد رجال
سليمان بن جامع ونخبتهم الذين يعتمد عليهم ودامت الحرب بينهم إلى أن حجز
الليل بين الفريقين قال وقال محمد بن حماد في هذا اليوم كان من أمر أبى العباس
في الكركي الذي ذكره محمد بن شعيب في يوم الصينية وقد مر به سانحا قال
واستأمن في هذا القوم رجل إلى أبى العباس فسأله عن الموضع الذي فيه سليمان
ابن جامع فأخبره أنه مقيم بطهيثا فانصرف أبو العباس حينئذ إلى أبيه بحقيقة مقام
سليمان بمدينته التي سماها المنصورة وهى في الموضع الذي يعرف بطهيثا وأن معه
هنالك جميع أصحابه غير شبل وأبى النداء فإنهما بموضعهما من الحوانيت لما أمروا
بحفظه فلما عرف ذلك أبو أحمد أمر بالرحيل إلى بردودا إذ كان المسلك إلى طهيثا
منه وتقدم أبو العباس في الشذا والسميريات وأمر من خلفه ببر مساور أن يصيروا
جميعا إلى بردودا ورحل أبو أحمد في غد ذلك اليوم الذي أمر أبا العباس فيه بما أمره
به إلى بردودا وسار إليها يرومين فوافاها يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة بقيت من
شهر ربيع الآخر سنة 267 فأقام بها يصلح ما يحتاج إلى اصلاحه من أمر عسكره
وأمر بوضع العطاء واصلاح سفن الجسور ليحدرها معه واستكثر من العمال
والآلات التي يسد بها الأنهار ويصلح بها الطرق للخيل وخلف ببردودا بغراج
التركي وقد كان لما عزم على الرجوع إلى بردودا أرسل إلى غلام له يقال له جعلان
65

وكان مخلفا مع بغراج في عسكره فأمر بقلع المضارب وتقديمها مع الدواب المخلفة
قبله والسلاح إلى بردودا فأظهر جعلان ما أمر به في ذلك في وقت العشاء الآخرة
ونادى في العسكر والناس غارون فألقى في قلوبهم أن ذلك لهزيمة كانت فخرجوا
على وجوههم وترك الناس أسواقهم وأمتعتهم ظنا منهم أن العدو قد أظلهم ولم
يلومنهم أحد على أحد وقصدوا قصد الرجوع إلى عسكرهم ببردودا وساروا في
سواد ليلتهم تلك ثم ظهر لهم بعد ذلك حقيقة الخبر فسكنوا واطمأنوا (وفى صفر)
من هذه السنة كان بين أصحاب كيغلغ التركي وأصحاب أحمد بن عبد العزيز بن أبي
دلف وقعة بناحية قرماسين فهزمهم كيغلغ وصار إلى همذان فوافاه أحمد بن
عبد العزيز فيمن قد اجتمع من أصحابه في صفر فحاربه فانهزم كيغلغ وانحاز إلى
الصيمرة (وفى هذه السنة) لثلاث بقين من شهر ربيع الآخر دخل أبو أحمد
وأصحابه طهيثا وأخرجوا منها سليمان بن جامع وقتل بها أحمد بن مهدي الجبائي
ذكر الخبر عن سبب دخول أبى أحمد وأصحابه طهيثا ومقتل الجبائي
ذكر محمد بن الحسن أن محمد بن حماد حدثه أن أبا أحمد لما أعطى أصحابه
ببردودا فأصلح ما أراد اصلاحه من عدة حرب من قصد لحربه في مخرجه سار
متوجها إلى طهيثا وذلك يوم الأحد لعشر بقين من شهر ربيع الآخر سنة 267
وكان مسيره على الظهر في خيله وحدرت السفن بما فيها من الرجالة والسلاح والآلات
وحدرت المعابر والشذوات والسميريات إلى أن وافى بها النهر المعروف بمهروذ
بحضرة القرية؟؟ المعروفة بقرية الجوزية فنزل أبو أحمد هناك وأمر بعقد الجسر على النهر
المعروف بمهروذ وأقام يومه وليلته ثم غدا فعبر الفرسان والأثقال بين يديه على الجسر
ثم عبر بعد ذلك وأمر القواد والناس بالمسير إلى طهيثا فصاروا إلى الموضع الذي
ارتضاه أبو أحمد لنفسه؟؟ منزلا على ميلين من مدينة سليمان بن جامع فأقام هنا لك
بإزاء أصحاب الخائن يوم الاثنين والثلاثاء لثمان بقين من شهر ربيع الآخر ومطر
السماء مطرا جودا واشتد البرد أيام مقامه هنالك فشغل بالمطر والبرد عن الحرب
فلم يحارب هذه الأيام وبقية الجمعة فلما كان عشية يوم الجمعة ركب أبو أحمد في
66

نفر من قواده ومواليه لارتياد موضع لمجال الخيل فانتهى إلى قريب من سور
سليمان بن جامع فتلقاه منهم جمع كثير وخرج عليه كمناء من مواضع شتى ونشبت
الحرب واشتدت فترجل جماعة من الفرسان ودافعوا حتى خرجوا عن المضايق
التي كانوا وغلوها وأسر من غلمان أبى أحمد وقواده غلام يقال له وصيف علمدار
وعدة من قواد زيرك ورمى أبو العباس أحمد بن مهدي الجبائي بسهم في إحدى
منخريه فخرق كل شئ وصل إليه حتى خالط دماغه فخر صريعا وحمل إلى عسكر
الخائن وهو لما به فعظمت المصيبة به عليه إذ كان أعظم أصحابه غنى عنه وأشدهم
بصيرة في طاعته فمكث الجبائي يعالج أياما ثم هلك فاشتد جزع الخائن عليه فصار
إليه فولى غسله وتكفينه والصلاة عليه والوقوف على قبره إلى أن دفن ثم أقبل
على أصحابه فوعظهم وذكر موت الجبائي وكانت وفاته في ليلة ذات رعود وبروق
وقال فيما ذكر علمت وقت قبض روحه قبل وصول الخبر إليه بما سمع من
زجل الملائكة بالدعاء له والترحم عليه قال محمد بن الحسن فانصرف إلى أبو واثلة
وكان فيمن شهده فجعل يعجبني مما سمع وجاءني محمد بن سمعان فأخبرني بمثل
خبر محمد بن هشام وانصرف الخائن من دفن الجبائي منكسرا عليه الكآبة قال
محمد بن الحسن وحدثني محمد بن حماد أن أبا أحمد انصرف من الوقعة التي كانت
عشية يوم الجمعة لأربع ليال بقين من شهر ربيع الآخر وكان خبره قد انتهى إلى
عسكره فنهض إليه عامة الجيش فتلقوه منصرفا فردهم إلى عسكره وذلك في وقت
المغرب فلما اجتمع أهل العسكر أمروا بالتحارس ليلتهم والتأهب للحرب فأصبحوا
يوم السبت لثلاث بقين من شهر ربيع الآخر فعبأ أبو أحمد أصحابه وجعلهم كتائب
يتلو بعضها بعضا فرسانا ورجالة وأمر بالشذا والسميريات أن يسار بها معه في
النهر الذي يشق مدينة طهيثا المعروف بنهر النذر وسار نحو الزنج حتى انتهى إلى
سور المدينة فرتب قواد غلمانه في المواضع التي يخاف خروج الزنج عليه منها
وقدم الرجالة أمام الفرسان ووكل بالمواضع التي يخاف خروج الكمناء منها
ونزل فصلى أربع ركعات وابتهل إلى الله عز وجل في النصر له وللمسلمين ثم دعا
67

بسلاحه فلبسه وأمر ابنه أبا العباس بالتقدم إلى السور وتحضيض الغلمان على الحرب
ففعل ذلك وقد كان سليمان بن جامع أعد أمام سور مدينته التي سماها المنصورة
خندقا فلما انتهى إليه الغلمان تهيبوا عبوره وأحجموا عنه فحرضهم قوادهم
وترجلوا معهم فاقتحموه متجاسرين عليه فعبروه وانتهوا إلى الزنج وهم مشرفون
من سور مدينتهم فوضعوا السلاح فيهم وعبرت شرذمة من الفرسان الخندق
خوضا فلما رأى الزنج خبر هؤلاء القوم الذين لقوهم وكرهم عليهم ولوا منهزمين
واتبعهم أصحاب أبي أحمد ودخلوا المدينة من جوانبها وكان الزنج قد حصنوها
بخمسة خنادق وجعلوا أمام كل خندق منها سورا يمتنعون به فجعلوا يقفون عند
كل سور وخندق إذا انتهوا إليه وجعل أصحاب أبي أحمد يكشفونهم في كل
موقف وقفوه ودخلت الشذا والسميريات مدينتهم من النهر المشقق لها بعد
انهزامهم فجعلت تغرق كلما مرت لهم به من شذاة وسميرية واتبعوا من بحافتي
النهر يقتلون ويؤسرون حتى أجلوا عن المدينة وعما اتصل بها وكان زهاء ذلك
فرسخا فحوى أبو أحمد ذلك كله وأفلت سليمان بن جامع في نفر من أصحابه فاستحر
القتل فيهم والأسر واستنقذ أبو أحمد من نساء أهل واسط وصبيانهم ومما
اتصل بذلك من القرى ونواحي الكوفة زهاء عشرة آلاف فأمر أبو أحمد
بحياطتهم والانفاق عليهم وحملوا إلى واسط ودفعوا إلى أهليهم واحتوى أبو أحمد
وأصحابه على كل ما كان في تلك المدينة من الذخائر والأموال والأطعمة والمواشي
وكان ذلك شيئا جليل القدر فأمر أبو أحمد ببيع ما أصاب من الغلات وغير ذلك
وحمله إلى بيت ماله وصرفه في أعطيات من في عسكره من مواليه وجنوده فحملوا
من ذلك ما تهيأ لهم حمله وأسر من نساء سليمان وأولاده عدة واستنقذ يومئذ
وصيف علمدار ومن كان أسر معه عشية يوم الجمعة فأخرجوا من الحبس وكان
الامر أعجل الزنج عن قتلهم ولجأ جمع كثير ممن أفلت إلى الآجام المحيطة بالمدينة
فأمر أبو أحمد فعقد جسر على هذا النهر المعروف بالمنذر فعبر الناس إلى
غربيه وأقام أبو أحمد بطهيثا سبعة عشر يوما وأمر بهدم سور المدينة وطم خنادقها
68

ففعل ذلك وأمر بتتبع من لجأ إلى الآجام وجعل لكل من أتاه برجل منهم جعلا
فتسارع الناس إلى طلبهم فكان إذا أتى بالواحد منهم عفا عنه وخلع عليه وضمه
إلى قواد غلمانه لما دبر من استمالتهم وصرفهم عن طاعة صاحبهم وندب
أبو أحمد نصيرا في الشذا والسميريات لطلب سليمان بن جامع والهراب معه من
الزنج وغيرهم وأمره بالجد في اتباعهم حتى يجاوز البطائح وحتى يلج دجلة المعروفة
بالعوراء وتقدم في فتح الكور التي كان الفاسق أحدثها ليقطع بها الشذا عن دجلة
فيما بينه وبين النهر المعروف بأبي الخصيب وتقدم إلى زيرك في المقام بطهيثا
ليتراجع إليها الذين كان الفاسق أجلاهم عنها من أهلها وأمره بتتبع من بقى في الآجام
من الزنج حتى يظفر بهم (وفى شهر) ربيع الآخر منها ماتت أم حبيب بنت
الرشيد ورحل أبو أحمد بعد إحكامه ما أراد إحكامه إلى معسكره ببردودا مزمعا على
التوجه نحو الأهواز ليصلحها وقد كان اضطرب عليه أمر المهلبي وإيقاعه بمن أوقع
عليه من الجيوش التي كانت بها وغلبته على أكثر كورها وقد كان أبو العباس تقدمه
في مسيره ذلك فما وافى بردودا أقام أياما وأمر بإعداد ما يحتاج إليه للمسير على
الظهر إلى كور الأهواز وقدم من يصلح الطريق والمنازل ويعد فيها المير للجيوش
التي معه ووافاه قبل أن ترحل عن واسط زيرك منصرفا عن طهيثا بعد أن تراجع
إلى النواحي التي كان بها الزنج أهلها وخلفهم آمنين فأمره أبو أحمد بالاستعداد
والانحدار في الشذا والسميريات في نخبة أصحابه وانجادهم ليصير بهم إلى دجلة
العوراء فتجتمع يده ويد أبى حمزة على نفض دجلة واتباع المنهزمين من الزنج
والإيقاع بكل من لقوا من أصحاب الفاسق إلى أن ينتهى بهم السير إلى مدينته بنهر
أبى الخصيب وإن رأوا موضع حرب حاربوه في مدينته وكتبوا بما كان منهم إلى
أبى أحمد ليرد عليهم من أمره ما يعملون بحسبه واستخلف أبو أحمد على من خلف
في عسكره بواسط ابنه هارون وأزمع على الشخوص فيمن خف من رجاله
وأصحابه ففعل ذلك بعد أن تقدم إلى ابنه هارون في أن يحدر الجيش الذي خلفه
معه في السفن إلى مستقره بدجلة إذا وافى كتابه بذلك (وفى يوم الجمعة) لليلة
69

خلت من جمادى الآخرة من هذه السنة وهى سنة 267 ارتحل أبو أحمد من واسط
شاخصا إلى الأهواز وكورها فنزل باذبين ثم جوخى ثم الطيب ثم قرقوب ثم
درستان ثم على وادى السوس وقد كان عقد له عليه جسر فأقام به من أول النهار
إلى آخر وقت الظهر حتى عبر أهل عسكره أجمع سار حتى وافى السوس فنزلها
وقد كان أمر مسرورا وهو عامله على الأهواز بالقدوم عليه فوافاه في جيشه وقواده
من غد اليوم الذي نزل فيه السوس فخلع عليه وعليهم وأقام السوس ثلاثا وكان
ممن أسر بطهيثا من أصحاب الفاسق أحمد بن موسى بن سعيد البصري المعروف
بالقلوص وكان أحد عدده وقدماء أصحابه أسر بعد أن أثخن جراحا كانت منها
منيته فلما هلك أمر أبو أحمد باحتزاز رأسه ونصبه على جسر واسط وكان ممن أسر
يومئذ عبد الله بن محمد بن هشام الكرماني وكان الخبيث اغتصبه أباه فوجهه إلى
طهيثا وولاه القضاء والصلاة بها وأسر من السودان جماعة كان يعتمد عليهم أهل
نجدة وبأس وجلد فلما اتصل به الخبر بما نال هؤلاء انتقض عليه تدبيره وضلت
حيله فحمله فرط الهلع على أن كتب إلى المهلبي وهو يومئذ مقيم بالأهواز في زهاء
ثلاثين ألفا مع رجل كان صحبه يأمره بترك كل ما قبله من المير والأثاث والاقبال
إليه فوصل الكتاب إلى المهليى؟؟ وقد أتاه الخبر باقبال أبى أحمد إلى الأهواز وكورها
فهو لذلك طائر العقل فترك جميع ما كان قبله واستخلف عليه محمد بن يحيى بن سعيد
الكرنبائي فدخل قلب الكرنبائي من الوجل فأخلى ما استخلف عليه وتبع المهلبي وبجبى
والأهواز ونواحيها يومئذ من أصناف الحبوب والتمر والمواشي شئ عظيم فخرجوا عن
ذلك كله وكتب أيضا الفاسق إلى بهبوذ بن عبد الوهاب واليه يومئذ عمل الفندم والباسيان
وما اتصل بهما من القرى التي بين الأهواز وفارس وهو مقيم بالفندم يأمره بالقدوم عليه
فترك بهبوذ ما كان قبله من الطعام والتمر وكان ذلك شيئا عظيما فحوى جميع ذلك
أبو أحمد فكان ذلك قوة له على الفاسق وضعفا للفاسق ولما فصل المهلبي عن
الأهواز تفرق أصحابه في القرى التي بينها وبين عسكر الخبيث فانتهبوها وأجلوا
عنها أهلها وكانوا في سلمهم وتخلف خلق كثير ممن كان مع المهلبي من الفرسان
70

والرجالة عن اللحاق به فأقاموا بنواحي الأهواز وكتبوا يسألون أبا أحمد الأمان
لما انتهى إليهم من عفوه عمن ظفر به من أصحاب الخبيث بطهيثا ولحق المهلبي
ومن اتبعه من أصحابه بنهر أبى الخصيب وكان الذي دعا الفاسق إلى أمر المهلبي
وبهبوذ بسرعة المصير إليه خوفه موافاة أبى أحمد وأصحابه إياه على الحال التي كانوا
عليها من الوجل وشدة الرعب مع انقطاع المهلبي وبهبوذ فيمن كان معهما عنه
ولم يكن الامر كما قدر وأقام أبو أحمد حتى أحرز ما كان المهلبي وبهبوذ خلفاه
وفتحت السكور التي كان الخبيث أحدثها في دجلة وأصلحت له طرقه ومسالكه
ورحل أبو أحمد عن السوس إلى جنديسابور فأقام بها ثلاثا وقد كانت الاعلاف
ضاقت على أهل العسكر فوجه في طلبها وحملها ورحل عن جنديسابور إلى
تستر وأمر بجباية الأموال من كور الأهواز وأنفذ إلى كل كورة قائدا ليروج
بذلك حمل الأموال ووجه أحمد بن أبي الأصبغ إلى محمد بن عبيد الله الكردي
وقد كان خائفا أن يأتيه صاحب الفاسق قبل موافاة أبى أحمد كور الأهواز وأمره
بإيناسه وإعلامه ما عليه رأيه من العفو عنه والتغمد لزلته وأن يتقدم إليه في تعجيل
حمل الأموال والمسير إلى سوق الأهواز وأمر مسرورا البلخي عامله بالأهواز
بإحضار من معه من الموالى والغلمان والجند ليعرضهم ويأمر بإعطائهم الأرزاق
وينهضهم معه لحرب الخبيث فأحضرهم وعرضوا رجلا رجلا وأعطوا ثم رحل
إلى عسكر مكرم فجعله منزلا اجتازه ورحل منه فوافى الأهواز وهو يرى أنه قد
تقدمه إليها من الميرة ما يحمل عساكره فغلظ الامر في ذلك اليوم واضطرب له
الناس اضطرابا شديدا وأقام ثلاثة أيام ينتظر ورود المير فلم ترد فساءت أحوال
الناس وكان ذلك يفرق جماعتهم فبحث أبو أحمد عن السبب المؤخر ورودها
فوجد الجند قد كانوا قطعوا قنطرة قديمة أعجمية كانت بين سوق الأهواز ورام هرمز
يقال لها قنطرة أربك فامتنع التجار ومن يحمل الميرة من تطرقه لقطع تلك
القنطرة فركب أبو أحمد إليها وهى على فرسخين من سوق الأهواز فجمع من كان
بقى في العسكر من السودان وأمرهم بنقل الحجارة والصخر لاصلاح هذه القنطرة
71

وبذل لهم الأموال الرغيبة فلم يرم حتى أصلحت في يومه ذلك وردت إلى ما كانت
عليه فسلكها الناس ووافت القوافل بالمير فحيى أهل العسكر وحسنت أحوالهم
وأمر أبو أحمد بجمع السفن لعقد الجسر على دجيل فجمعت من كور الأهواز
وأخذ في عقد الجسر وأقام بالأهواز أياما حتى أصلح أصحابه أمورهم وما احتاجوا
من آلاتهم وحسنت أحوال دوابهم وذهب عنها ما كان نالها من الضر بتخلف
الاعلاف ووافت كتب القوم الذين كانوا تخلفوا عن المهلبي وأقاموا بسوق
الأهواز يسألونه الأمان فآمنهم فأتاه نحو من ألف رجل فأحسن إليهم
وضمهم إلى قواد غلمانه وأجرى لهم الأرزاق وعقد الجسر على دجيل فرحل بعد
أن قدم جيوشه فعبر الجسر وعسكر بالجانب الغربي من دجيل في الموضع
المعروف بقصر المأمون فأقام هنالك ثلاثا وأصابت الناس في هذا الموضع من
الليل زلزلة هائلة وقى الله شرها وصرف مكروهها وقد كان أبو أحمد قبل عبور
الجسر المعقود على دجيل قدم أبا العباس ابنه إلى الموضع الذي كان عزم على نزوله
من دجلة العوراء وهو الموضع المعروف بنهر المبارك من فرات البصرة وكتب
إلى ابنه هارون بالانحدار في جميع الجيش المتخلف معه إلى نهر المبارك أيضا
لتجتمع العساكر هناك فرحل أبو أحمد عن قصر المأمون فنزل بقورج العباس
ووافاه أحمد بن أبي الأصبغ هنالك بما صالح عليه محمد بن عبيد الله وبهدايا أهداها
إليه من دواب وضوار وغير ذلك ثم رحل عن القورج فنزل بالجعفرية ولم يكن
بهذه القرية ماء إلا من آبار كان أبو أحمد تقدم بحفرها في عسكره وأنفذ لذلك
سعدا الأسود مولى عبيد الله بن محمد بن عمار من قورج العباس فحفرت فأقام
بهذا الموضع يوما وليلة وألفى هناك ميرا مجموعة واتسع الناس بها وتزودوا منها
ثم رحل إلى الموضع المعروف بالبشير وألفى فيه غديرا من المطر فأقام به يوما
وليلة ورحل في آخر الليل يريد نهر المبارك فوافاه بعد صلاة الظهر وكان منزلا
بعيد المسافة وتلقاه ابناه أبو العباس وهارون في طريقه فسلما عليه وسارا بسيره
حتى ورد نهر المبارك وذلك يوم السبت للنصف من رجب سنة 267 وكان لزيرك
72

ونصير في الذي كان أبو أحمد وجه فيه زيرك من تتبع فل الخبيث من طهيثا أثر فيما بين فصول أبى أحمد من واسط إلى حال مصيره إلى نهر المبارك وذلك ما ذكره
محمد بن الحسن عن محمد بن حماد قال لما اجتمع زيرك ونصير بدجلة العوراء
انحدرا حتى وافيا الأبلة فاستأمن إليهما رجل من أصحاب الخبيث فأعلمهما أن
الخبيث قد أنفذ عددا كثيرا من السميريات والزواريق والصلاغ مشحونة
بالزنج يرأسهم برجل من أصحابه يقال له محمد بن إبراهيم يكنى أبا عيسى ومحمد بن
إبراهيم هذا رجل من أهل البصرة كان جاء به رجل من الزنج عند خراب البصرة
يقال له يسار كان على شرطة الفاسق فكان يكتب ليسار على ما كان يلي حتى
مات وارتفعت حال أحمد بن مهدي الجبائي غند الخبيث فولاه أكثر أعماله وضم
محمد بن إبراهيم هذا إليه فكان كاتبه إلى أن هلك الجبائي فطمع محمد بن إبراهيم
هذا في مرتبته وأن يحله الخبيث محل الجبائي فنبذ الدواة والقلم ولبس آلة
الحرب وتجرد للقتال فأنهضه الخبيث في هذا الجيش وأمره بالاعتراض في دجلة
لمدافعة من يردها من الجيوش فكان في دجلة أحيانا وأحيانا يأتي بالجمع الذي
معه إلى النهر المعروف بنهر يزيد ومعه في ذلك الجيش شبل بن سالم وعمرو
المعروف بغلام بوذى وأجلاد من السودان وغيرهم فاستأمن رجل كان في ذلك
الجيش إلى زيرك ونصير وأخبرهما خبره وأعلمهما أن محمد بن إبراهيم على القصد
لسواد عسكر نصير ونصير يومئذ معسكر بنهر المرأة وأنهم على أن يسلكوا الأنهار
المعترضة على نهر معقل وبثق شيرين حتى يوافوا الموضع المعروف بالشرطة
ليخرجوا من وراء العسكر فيكبوا على طرفيه فرجع نصير عند وصول هذا الخبر
إليه من الأبلة مبادرا إلى معسكره وسارزيرك قاصدا لبثق شيرين حتى صار من
مؤخره في موضع يعرف بالميشان وذلك أنه قدر أن محمد بن إبراهيم ومن معه
يأتون عسكر نصير من ذلك الطريق فكان ذلك كما ظن ولقيهم في طريقهم فوهب
الله له العلو عليهم بعد صبر منهم له ومجاهدة شديدة فانهزموا ولجأوا إلى النهر الذي
كانوا وضعوا الكمين فيه وهو نهر يزيد فدل زيرك عليهم فتوغلت عليهم سميرياته
73

وشذواته فقتل منهم طائفة وأسر طائفة وكان ممن ظفر به منهم محمد بن إبراهيم
المكنى أبا عيسى وعمرو المعروف بغلام بوذى وأخذ ما كان معهم من السميريات
وذلك نحو من ثلاثين سميرية وأفلت شبل في الذين نجوا فلحق بعسكر الخبيث
وخرج زيرك من بثق شيرين ظافرا ومعه الأسارى ورؤوس من قتل مع ما حوى
من السميريات والزواريق وسائر السفن فانصرف زيرك من دجلة العوراء إلى
واسط وكتب إلى أبى أحمد بما كان من حربه والنصر والفتح وكان فيما كان من
زيرك في ذلك وصول الجزع إلى كل من كان بدجلة وكورها من أتباع الفاسق فاستأمن
إلى أبى حمزة وهو مقيم بنهر المرأة منهم زهاء ألفى رجل فيما قيل فكتب بخبرهم
إلى أبى أحمد فأمره بقبولهم وإقرارهم على الأمان وإجراء الأرزاق عليهم وخلطهم
بأصحابه ومناهضته العدو بهم وكان زيرك مقيما بواسط إلى حين ورود كتاب
أبى أحمد على ابنه هارون بالمصير بالجيش المتخلف معه إلى نهر المبارك فانحدر
زيرك مع هارون وكتب أبو أحمد إلى نصير وهو بنهر المرأة يأمره بالاقبال إليه
إلى نهر المبارك فوافاه هنالك وكان أبو العباس عند مصيره إلى نهر المبارك انحدر
إلى عسكر الفاسق في الشذا والسميريات فأوقع به في مدينته بنهر أبى الخصيب
وكانت الحرب بينه وبينهم من أول النهار إلى آخر وقت الظهر واستأمن إليه قائد
من قواد الخبيث المضمومين كانوا إلى سليمان بن جامع يقال له منتاب ومعه
جماعة من أصحابه فكان ذلك مما كسر الخبيث وأصحابه وانصرف أبو العباس بالظفر
وخلع على منتاب ووصله وحمله ولما لقى أبو العباس أباه أعلمه خبر منتاب وذكر له
خروجه إليه بالأمان فأمر أبو أحمد لمنتاب بخلعة وصلة وحملان وكان منتاب أول من
استأمن من قواد الزنج (ولما نزل) أبو أحمد نهر المبارك يوم السبت للنصف من
رجب سنة 267 كان أول ما عمل به في أمر الخبيث فيما ذكر محمد بن الحسن بن
سهل عن محمد بن حماد بن إسحاق بن حماد بن زيد أن كتب إليه كتابا يدعوه فيه إلى
التوبة والإنابة إلى الله تعالى مما ركب من سفك الدماء وانتهاك المحارم وإخراب
74

البلدان والامصار واستحلال الفروج والأموال وانتحال ما لم يجعله الله له أهلا
من النبوة والرسالة ويعلمه أن التوبة له مبسوطة والأمان له موجود فان هو نزع
عما هو عليه من الأمور التي يسخطها الله ودخل في جماعة المسلمين محا ذلك ما سلف
من عظيم جرائمه وكان له به الحظ الجزيل في دنياه وأنفذ ذلك مع رسوله إلى
الخبيث والتمس الرسول إيصاله فامتنع أصحاب الخبيث من إيصال الكتاب فألقاه
الرسول إليهم فأخذوه وأتوا به إلى الخبيث فقرأه فلم يزده ما كان فيه من الوعظ
إلا نفورا وإصرارا ولم يجب عن الكتاب بشئ وأقام على اغتراره ورجع الرسول
إلى أبى أحمد فأخبره بما فعل وترك الخبيث الإجابة عن الكتاب وأقام أبو أحمد
يوم السبت والاحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء متشاغلا بعرض الشذا
والسميريات وترتيب قواده ومواليه وغلمانه فيها وتخير الرماة وترتيبهم في الشذا
والسميريات فلما كان يوم الخميس سار أبو أحمد في أصحابه ومعه ابنه أبو العباس
إلى مدينة الخبيث التي سماها المختارة من نهر أبى الخصيب فأشرف عليها وتأملها
فرأى من منعتها وحصانتها بالصور والخنادق المحيطة بها وما عور من الطرق
المؤدية إليها وأعد من المجانيق والعرادات والقسي الناوكية وسائر الآلات على
سورها ما لم ير مثله ممن تقدم من منازعي السلطان ورأى من كثرة عدد مقاتلتهم
واجتماعهم ما استغلظ أمره فلما عاين أصحابه أبا أحمد ارتفعت أصواتهم بما ارتجت
له الأرض فأمر أبو أحمد عند ذلك ابنه أبا العباس بالتقدم إلى سور المدينة
ورشق من عليه بالسهام ففعل ذلك ودنا حتى ألصق شذواته بمسناة قصر الخائن
وانحازت الفسقة إلى الموضع الذي دنت منه الشذا وتحاشدوا وتتابعت سهامهم
وحجارة مجانيقهم وعراداتهم ومقاليعهم ورمى عوامهم بالحجارة عن أيديهم حتى
ما يقع طرف ناظر من الشذا على موضع إلا رأى فيه سهما أو حجرا وثبت
أبو العباس فرأى الخائن وأشياعه من جدهم واجتهادهم وصبرهم ما لا عهد لهم
بمثله من أحد حاربهم فأمر أبو أحمد أبا العباس ومن معه بالرجوع إلى مواقفهم
ليروحوا عن أنفسهم ويداووا جراحهم ففعلوا ذلك واستأمن إلى أبى أحمد في
75

تلك الحال مقاتلان من مقاتلة السميريات فاتوه بسميريتهما وما فيها من الآلات
والملاحين فأمر للمقاتلين بخلع ديباج ومناطق محلاة ووصلهما وأمر للملاحين
بخلع من خلع الحرير الأحمر والثياب البيض بما حسن موقعه منهم وعمهم جميعا
بصلاته وأمر بإدنائهم من الموضع الذي يراهم فيه نظراؤهم فكان ذلك من أبخع
المكايد التي كيد بها الفاسق فلما رأى الباقون ما صار إليه أصحابهم من العفو عنهم
والاحسان إليهم رغبوا في الأمان وتنافسوا فيه فابتدروه مسرعين نحوه راغبين فيما
شرع لهم منه فصار إلى أبى أحمد في ذلك اليوم عدد من أصحاب السميريات فأمر فيهم
بمثل ما أمر به في أصحابهم فلما رأى الخبيث ركون أصحاب السميريات إلى الأمان
واغتنامهم له أمر برد من كان منهم في دجلة إلى نهر أبى الخصيب ووكل بفوهة
النهر من يمنعهم من الخروج وأمر بإظهار شذواته وندب لهم بهبوذ بن عبد الوهاب
وهو من أشد حماته بأسا وأكثرهم عددا وعدة فانتدب بهبوذ لذلك في أصحابه وكان
ذلك في وقت إقبال المد وقوته وقد تفرقت شذوات أبى أحمد ولحق أبو حمزة
فيما معه منها بشرقي دجلة فأقام هنالك وهو يرى أن الحرب قد انقضت واستغنى
عنه لما ظهر بهبوذ فيما معه من الشذوات أمر أبو أحمد بتقديم شذواته وأمر
أبا العباس بالحمل على بهبوذ بما معه من الشذا وتقدم إلى قواده وغلمانه بالحمل
معه وكان الذي صلى بالحرب من للشذوات التي مع أبي العباس وزيرك من
الشذوات التي رتب فيها قواد الغلمان اثنتي عشرة شذاة فنشبت الحرب وطمع
أصحاب الفاسق في أبى العباس وأصحابه لقلة عدد شذواتهم فلما صدقوا انهزموا
ووجه أبو العباس ومن معه في طلب بهبوذ فألجأوه إلى فناء قصر الخبيث وإصابته
طعنتان وجرح بالسهام جراحات وأوهنت أعضاؤه بالحجارة وخلى ما كان عليه
مع أصاحبه فأولجوه نهر أبى الخصيب وقد أشفى على الموت وقتل يومئذ ممن كان
مع بهبوذ قائد من قواده ذو بأس ونجدة وتقدم في الحرب يقال له عميرة وظفر
أصحاب أبي العباس بشذاة من شذوات بهبوذ فقتل أهلها وغرقوا وأخذت
الشذاة وصار أبو العباس ومن معه بشذواتهم بعد أن أتاهم أمر أبى أحمد بذلك
76

وبالحاق الشذا بشرقي دجلة وصرف الجيش فلما رأى الفاسق جيش أبى أحمد منصرفا
أمر من كان انهزم في شذواته إلى نهر أبى الخصيب بالظهور ليسكن بذلك روعة
أصحابه وليكون صرفه إياهم إذا صرفهم عن غير هزيمة فأمر أبو أحمد جماعة من
غلمانه بأن يثبتوا صدور شذواتهم إليهم ويقصدوهم فلما رأوا ذلك ولوا منهزمين
مذعورين وتأخرت عنهم شذاة من شذواتهم فاستأمن أهلها إلى أبى أحمد
ونكسوا علما أبيض كان معهم فصاروا إليه في شذاتهم فأومنوا وحبوا
ووصلوا وكسوا فأمر الفاسق عند ذلك برد شذواتهم إلى النهر ومنعها من
الخروج وكان ذلك في آخر النهار وأمر أبو أحمد أصحابه بالرجوع إلى معسكرهم
بنهر المبارك واستأمن إلى أبى أحمد في هذا اليوم عند منصرفه خلق كثير من
الزنج وغيرهم فقبلهم وحملهم في الشذا والسميريات وأمر أن يخلع عليهم ويوصلوا
ويحبوا ويكتب أسماؤهم في المضمومين إلى أبى العباس وسار أبو أحمد فوافى
عسكره بعد العشاء الأخيرة فأقام به يوم الجمعة والسبت والاحد ثم عزم على
نقل عسكره إلى حيث يقرب منه عليه القصد لحرب الخبيث فركب الشذا في يوم
الاثنين لست ليال بقين من رجب سنة 267 ومعه أبو العباس والقواد من
مواليه وغلمانه فيهم زيرك ونصير حتى وافى النهر المعروف بنهر جطى في شرقي
دجلة وهو حيال النهر المعروف باليهودي فوقف عليه وقدر فيه ما أراد
وانصرف وخلف به أبا العباس وزيرك ونصيرا وعاد إلى معسكره فأمر فنودي
في الناس بالرحيل إلى الموضع الذي اختار من نهر جطى وتقدم في قود الدواب
بعد أن أصلحت لها الطرق وعقدت القناطر على الأنهار وغدا في يوم الثلاثاء
لخمس بقين من رجب في جميع عساكره حتى نزل نهر جطى فأقام به إلى يوم
السبت لأربع عشرة ليلة خلت من شعبان سنة 267 ولم يحارب في شئ من
هذه الأيام وركب في هذا اليوم في الخيل والرجالة ومعه جميع الفرسان وجعل
الرجالة والمطوعة في السفن والسميريات على كل رجل منهم لامته وزيه وسار
حتى وافى الفرات ووازى عسكر الفاسق وأبو أحمد يومئذ من أصحابه وأتباعه
77

في زهاء خمسين ألف رجل أو يزيدون والفاسق يومئذ في زهاء ثلثمائة ألف
انسان كلهم يقاتل أو يدافع فمن ضارب بسيف وطاعن برمح ورام بقوس
وقاذف بمقلاع ورام بعرادة أو منجنيق وأضعفهم أمر الرماة بالحجارة عن
أيديهم وهم النظارة المكثرون السواد والمعتنون بالنعير والصياح والنساء
يشركهم في ذلك فأقام أبو أحمد في هذا اليوم بإزاء عسكر الفاسق إلى أن
أضحى وأمر فنودي ان الأمان مبسوط للناس أسودهم وأحمرهم الا الخبيث
وأمر بسهام فعلقت فيها رقاع مكتوب فيها من الأمان مثل الذي نودي به ووعد
الناس فيها الاحسان ورمى بها إلى عسكر الخبيث فمالت إليه قلوب أصحاب
المارق بالرهبة والطمع فيما وعدهم من احسانه وعفوه فأتاه في ذلك اليوم جمع
كثير يحملهم الشذا إليه فوصلهم وحباهم ثم انصرف إلى معسكره بنهر جطى
ولم يكن في هذا اليوم حرب وقدم عليه قائدان من مواليه أحدهما بكتمر
والآخر جعفر بن يعلا عز في جمع من أصحابهما فكان ورودهما زائدا في قوة
من مع أبي أحمد ورحل أبو أحمد عن نهر جطى إلى معسكر قد كان تقدم في
اصلاحه وعقد القناطر على أنهاره وقطع النهر ليوسعه بفرات البصرة بإزاء
مدينة الفاسق فكان نزوله هذا المعسكر في يوم الأحد للنصف من شعبان سنة
267 وأوطن هذا المعسكر وأقام به ورتب قواده ورؤساء أصحابه مراتبهم
فيه فجعل نصيرا صاحب الشذا والسميريات في جيشه في أول العسكر آخره
بالموضع الموازى النهر المعروف بجوى كور وجعل زيرك التركي صاحب
مقدمة أبى العباس في أصحابه موازيا ما بين نهر أبى الخصيب وهو النهر
الموسوم بنهر الأتراك والنهر المعروف بالمغيرة ثم تلاه يعلى بن جهستار
حاجبه في جيشه وكانت مضارب أبى أحمد وابنيه حيال الموضع المعروف بدير
جابيل وأنزل راشدا مولاه في مواليه وغلمانه الأتراك والخزر والروم والديالمة
والطبرية والمغاربة والزنج على النهر المعروف بهطمة وجعل صاعد بن مخلد
وزيره في جيشه من الموالى والغلمان فويق عسكر راشد وأنزل مسرورا
78

البلخي في جيشه على النهر المعروف بسندادان وأنزل الفضل ومحمدا ابني موسى
ابن بغا في جيشهما على النهر المعروف بهالة وتلاهما موسى دالجويه في جيشه
وأصحابه وجعل بغراج التركي على ساقته نازلا على نهر جطى وأوطنوه وأقاموا به ورأى
أبو أحمد من حال الخبيث وحصانة موضعه وكثرة جمعه ما علم أنه لا بد له من الصبر
عليه ومحاصرته وتفريق أصحابه عنه ببذل الأمان لهم والاحسان إلى من أناب منهم
والغلظة على من أقام على غيه منهم واحتاج إلى الاستكثار من الشذا وما يحارب
به في الماء فأمر بإنفاذ الرسل في حمل المير في البر والبحر وإدرارها إلى معسكره
بالمدينة التي سماها الموفقية وكتب إلى عماله في النواحي في حمل الأموال إلى بيت
ماله في هذه المدينة وأنفذ رسولا إلى سيراف وجنابا في بناء الشذا والاستكثار منها
لما احتاج إليه من ترتيبها في المواضع التي يقطع بها المير عن الخائن وأشياعه
وأمر بالكتاب إلى عماله في النواحي بإنفاذ كل من يصلح للاثبات في الديوان
ويرغب في ذلك وأقام ينتظر ذلك شهرا أو نحوه فوردت المير متتابعة يتلو بعضها
بعضا وجهز التجار صنوف التجارات والأمتعة وحملوها إلى المدينة الموفقية
واتخذت بها الأسواق وكثر بها التجار والمتجهزون من كل بلد ووردتها مراكب
البحر وقد كانت انقطعت لقطع الفاسق وأصحابه سبلها قبل ذلك بأكثر من عشر
سنين وبنى أبو أحمد مسجد الجامع وأمر الناس بالصلاة فيه واتخذ دور الضرب
فضرب فيها الدنانير والدراهم فجمعت مدينة أبى أحمد جميع المرافق وسيق إليها
صنوب المنافع حتى كان ساكنوها لا يفقدون بها شيئا مما يوجد في الأمصار
العظيمة القديمة وحملت الأموال وأدر للناس العطاء في أوقاته فاتسعوا وحسنت
أحوالهم ورغب الناس جميعا في المصير إلى المدينة الموفقية والمقام فيها وكان
الخبيث بعد ليلتين من نزول أبى أحمد مدينته الموفقية أمر بهبوذ بن عبد الوهاب فعبر
والناس غارون في سميريات إلى طرف عسكر أبى حمزة فأوقع به وقتل جماعة من
أصحابه وأسر جماعة وأحرق كوخات كانت لهم قبل أن يبنى الناس هنالك فأمر
أبو أحمد نصيرا عند ذلك بجمع أصحابه وألا يطلق لاحد مفارقة عسكره وأن
79

يحرس أقطار عسكره بالشذا والسميريات والزواريق فيها الرجالة إلى آخر ميان
روذان والقندل وابرسان للايقاع بمن هنالك من أصحاب الفاسق وكان بميان روذان
من قواده أيضا إبراهيم بن جعفر الهمداني في أربعة آلاف من الزنج ومحمد بن
أبان المعروف بأبي الحسن أخو علي بن أبان بالقندل في ثلاثة آلاف والمعروف
بالدور في ابرسان في ألف وخمسمائة من الزنج والجبائين فبدأ أبو العباس بالهمداني
أوقع به وجرت بينهما حروب قتل فيها خلق كثير من أصحاب الهمداني وأسر
منهم جماعة وأفلت الهمداني في سميرية قد كان أعدها لنفسه فلحق فيها بأخي
المهلبي المكنى بأبي الحسن واحتوى أصحاب أبي العباس على ما كان في أيدي الزنج
وحملوه إلى عسكرهم وقد كان أبو أحمد تقدم إلى ابنه أبى العباس في بذل الأمان
لمن رغب فيه وأن يضمن لمن صار إليه الاحسان فصار إليه طائفة منهم في الأمان
فآمنهم فصار بهم إلى أبيه فأمر لكل واحد منهم من الخلع والصلات على أقدارهم
في أنفسهم وأن يوقفوا بإزاء نهر أبى الخصيب ليعاينهم أصحابهم وأقام أبو أحمد
يكايد الخائن ببذل الأمان لمن صار إليه من الزنج وغيرهم ومحاصرة الباقين
والتضييق عليهم وقطع المير والمنافع عنهم وكانت ميرة الأهواز وما يرد من
صنوف التجارات منها ومن كورها ونواحي أعمالها يسلك به النهر المعروف ببيان
فسرى بهبوذ في جلد رجاله ليلة من الليالي وقد نمى إليه خبر قيروان ورد بصنوف
من التجارات والمير وكمن في النخل فلما ورد القيروان خرج إلى أهله وهم
غارون فقتل منهم وأسر وأخذ ما أحب أن يأخذ من الأموال وقد كان أبو أحمد
أنفذ لبذرقة ذلك القيروان رجلا من أصحابه في جمع فلم يكن للموجه لذلك ببهبوذ
طاقة لكثرة عدد من معه وضيق الموضع على الفرسان وانه لم يكن بهم فيه غناء
فلما انتهى ذلك إلى أبى أحمد غلظ عليه ما نال الناس في أموالهم وأنفسهم وتجارتهم
وأمر بتعويضهم وأخلف عليهم مثل الذي ذهب لهم ورتب الشذا على فوهة بيان
وغيره من الأنهار التي لا يتهيأ للفرسان سلوكها في بنائها والاقبال بها إليه فورد
عليه منها عدد صالح فرتب فيها الرجال وقلد أمرها أبا العباس ابنه وأمره أن
80

يوكل بكل موضع يرد إلى الفسقة منه ميرة فانحدر أبو العباس لذلك إلى فوهة
البحر في الشذوات ورتب في جميع تلك المسالك القواد وأحكم الامر فيه غاية
الاحكام (وفى شهر رمضان) منها كانت وقعة بين إسحاق بن كنداج وإسحاق بن أيوب
وعيسى بن الشيخ وأبى المغراء وحمدان الشاري ومن تأشب إليهم من قبائل ربيعة وتغلب
وبكر واليمن فهزمهم ابن كنداج إلى نصيبين وتبعهم إلى قريب من آمد واحتوى على
أموالهم ونزلوا آمد فكانت بينه وبينهم وقعات (وفى شهر رمضان) منها قتل صندل
الزنجي وكان سبب قتله أن أصحاب الخبيث عبروا لليلتين خلتا من شهر رمضان من هذه
السنة فيما ذكر أعنى سنة 267 يريدون الايقاع بعسكر نصير وعسكر زيرك فنذر
بهم الناس فخرجوا إليهم فردوهم خائبين وظفروا بصندل هذا وكان فيما ذكروا
يكشف وجوه الحرائر المسلمات ورؤوسهن ويقلبهن تقليب الإماء فان امتنعت
منهن امرأة ضرب وجهها ودفعها إلى بعض علوج الزنج يبيعها بأوكس الثمن
فلما أتى به أبو أحمد أمر به فشد بين يديه ثم رمى بالسهام ثم أمر به فقتل (وفى
شهر رمضان) من هذه السنة استأمن إلى أبى أحمد خلق كثير من عند الزنج
ذكر سبب ذلك
وكان السبب في ذلك أنه كان فيما ذكر استأمن إلى أبى أحمد رجل من
مذكوري أصحاب الخبيث ورؤسائهم وشجعانهم يقال له مهذب فحمل في
الشذا إلى أبى أحمد فأتى به في وقت افطاره فأعلمه أنه جاء متنصحا راغبا في
الأمان وأن الزنج على العبور في ساعتهم تلك إلى عسكره للبيات وأن الذين
ندب الفاسق لذلك أنجادهم وأبطالهم فأمر أبو أحمد بتوجيه من يحاربهم إليهم ومن
يمنعهم من العبور وأن يعارضوا بالشذا فلما علم الزنج أن قد نذربهم انصرفوا منهزمين
فكثر المستأمنة من الزنج وغيرهم وتتابعوا فبلغ عدد من وافى عسكر أبى أحمد منهم
إلى آخر شهر رمضان سنة 267 خمسة آلاف رجل من بين أبيض وأسود (وفى
شوال) من هذه السنة ورد الخبر بدخول الخجستاني نيسابور وانهزام عمرو بن
الليث وأصحابه فأساء السيرة في أهلها وهدم دور آل معاذ بن مسلم وضرب من
81

قدر عليه منهم واقتطع ضياعهم وترك ذكر محمد بن طاهر ودعا له على منابر ما غلب
عليه من مدن خراسان وللمعتمد وترك الدعاء لغيرهما (وفى شوال) من هذه
السنة كانت لأبي العباس وقعة بالزنج قتل فيها منهم جمع كثير
ذكر سبب ذلك
وكان السبب في ذلك فيما بلغني أن الفاسق انتخب من كل قيادة من أصحابه
أهل الجلد والبأس منهم وأمر المهلبي بالعبور بهم ليبين عسكر أبى أحمد ففعل ذلك
وكانت عدة من عبر من الزنج وغيرهم زهاء خمسة آلاف رجل أكثرهم من الزنج
وفيهم نحو من مائتي قائد فعبروا إلى شرقي دجلة وعزموا على أن يصير القواد منهم
إلى آخر النخل مما يلي السبخة فيكونوا في ظهر عسكر أبى أحمد ويعبر جماعة
كثيرة منهم في الشذا والسميريات والمغابر قبالة عسكر أبى أحمد فإذا نشبت الحرب
بينهم انكب من كان عبر من قواد الخبيث فصار إلى السبخة على عسكر أبى أحمد
الموفق وهم غارون مشاغيل بحرب من بإزائهم وقدر ان يتهيأ له في ذلك ما أحبه
فأقام الجيش في الفرات ليلتهم ليغادوا الايقاع بالعسكر فاستأمن إلى أبى أحمد
غلام كان معهم من الملاحين فأنهى إليه خبرهم وما اجتمعت عليه آراؤهم فأمر
أبو أحمد أبا العباس والقواد والغلمان بالنهوض إليهم وقصد الناحية التي فيها
أصحاب الخبيث وأنفذ جماعة من قواد غلمانه في الخيل إلى السبخة التي في مؤخر
النخل بالفرات لتقطعهم عن الخروج إليها وأمر أصحاب الشذا والسميريات
فاعترضوا في دجلة وأمر الرجالة بالزحف إليهم من النخل فلما رأى الفجار ما أتاهم
من التدبير الذي لم يحتسبوه كروا راجعين في الطريق الذي أقبلوا منه طالبين
التخلص فكان قصدهم لجويث بارويه وانتهى خبر رجوعهم إلى الموفق فأمر
أبا العباس وزيرك بالانحدار في الشذوات يسبقونهم إلى النهر ليمنعوهم من عبوره
وأمر غلاما من غلمانه يقال له ثابت له قيادة على جمع كثير من غلمانه السودان
أن يحمل أصحابه في المعابر والزواريق وينحدر معهم إلى الموضع الذي فيه أعداء
الله للايقاع بهم حيث كانوا فأدركهم ثابت في أصحابه بجويث بارويه فخرج إليهم
82

فحاربهم محاربة طويلة وثبتوا له واستقبلوا جمعه وهو من أصحابه في زهاء خمسمائة
رجل لانهم لم يكونوا تكاملوا وطمعوا فيه ثم صدقهم وأكب عليهم فمنحه الله
أكتافهم فمن مقتول وأسير وغريق وملجج في الماء بقدر اقتداره على السباحة
التقطته الشذا والسميريات في دجلة والنهر فلم يفلت من ذلك الجيش الا أقله
وانصرف أبو العباس بالفتح ومعه ثابت وقد علقت الرؤوس في الشذوات
وصلب الأسارى فيها فاعترضوا بهم مدينتهم ليرهبوا بهم أشياعهم فلما رأوهم
أبلسوا وأيقنوا بالبوار وأدخل الأسارى والرؤوس إلى الموفقية وانتهى إلى أبى
احمد أن صاحب الزنج موه على أصحابه وأوهمهم ان الرؤس والمرفوعة مثل مثلت
لهم ليراعوا وان الأسارى من المستأمنة فأمر المرفق عند ذلك أبا العباس بجمع
الرؤس والمسير بها إلى ازاء قصر الفاسق والقذف بها في منجنيق منصوب في سفينة
إلى عسكره ففعل أبو العباس ذلك فلما سقطت الرؤس في مدينتهم عرف أولياء
القتلى رؤس أصحابهم فظهر بكاؤهم وتبين لهم كذب الفاجر وتمويهه (وفى شوال)
من هذه السنة كانت لأصحاب ابن أبي الساج وقعة بالهيصم العجلي قتلوا فيها مقدمته
وغلبوا على عسكره فاحتووه (وفى ذي القعدة) منها كانت لزيرك وقعة مع جيش
لصاحب الزنج بنهر ابن عمر قتل زيرك منها فيها خلقا كثيرا
ذكر الخبر عن سبب هذه الوقعة
* ذكر أن صاحب الزنج كان أمر باتخاذ شذوات فعملت له فضمها إلى ما
كان يحارب به وقسم شذواته ثلاثة أقسام بين بهبوذ ونصر الرومي وأحمد بن
الزرنجى وألزم كل واحد منهم غرم ما يضيع على يديه منها وكانت زهاء خمسين
شذاة ورتب فيها الرماة وأصحاب الرماح واجتهدوا في إكمال عدتهم وسلاحهم
وأمرهم بالمسير في دجلة والعبور إلى الجانب الشرقي والتعرض لحرب أصحاب
الموفق وعدة شذوات الموفق يومئذ قليلة لأنه لم يكن وافاه كل ما كان أمر باتخاذه
وما كان عنده منها فمتفرق في فوهة البحر وفوهة الأنهار التي يأتي الزنج منها المير
فغلظ أمر أعوان الفاجر وتهيأ له أخذ شذاة بعد شذاة من شذا الموفق وأحجم
83

نصير المعروف بأبي حمزة عن قتالهم والاقدام عليهم كما كان يفعل لقلة ما معه من
الشذا وأكثر شذوات الموفق يومئذ مع نصير وهو المتولي لأمرها فارتاع لذلك
أهل عسكر الموفق وخافوا أن يقدم على عسكرهم الزنج بما معهم من فضل الشذا
فورد عليهم في هذه الحال شذوات كان الموفق تقدم في بنائها بجنابا فأمر أبا العباس
بتلقيها فيما معه من الشذا حتى يورها العسكر اشفاقا من اعتراض الزنج
عليها في دجلة فسلمت وأتى بها حتى إذا وافت عسكر نصير فبصر بها الزنج طمعوا
فيها فأمر الخبيث بإخراج شذواته وأمر أصحابه بمعارضتها والاجتهاد في اقتطاعها
فنهضوا لذلك فتسرع غلام من غلمان أبى العباس شجاع يقال له وصيف يعرف
بالحجر أي في شذوات كن معه فشد على الزنج فانكشفوا وتبعهم حتى
وافى بهم نهر أبى الخصيب وانقطع عن أصحابه فكروا عليه شذواتهم
وانتهى إلى مضيق فعلقت مجاديف بعض شذواته بمجاديف بعض شذواتهم
فجنحت وتقصفت بالشط وأحاط به الآخرون واكتنفوه من جوانبه وانحدر
عليه الزنج من السور فحاربهم بمن كان معه حربا شديدا حتى قتلوا وأخذ الزنج
شذواتهم فأدخلوها نهر أبى الخصيب ووافى أبو العباس بالشذوات الجنابية
سالمة بما فيها من السلاح والرجال فأمر أبو أحمد أبا العباس بتقلد أمر الشذوات
كلها والمحاربة بها وقطع مواد المير عنهم من كل جهة ففعل ذلك فأصلحت الشذوات
ورتب فيها المختارون من الناشبة والرامحة حتى إذا أحكم أمرها أجمع ورتبها في
المواضع التي كانت تقصد إليها شذوات الخبيث وتعيث فيها أقبلت شذواته على
عادتها التي كانت قد جرت عليها فخرج إليهم أبو العباس في شذواته وأمر سائر
أصحاب الشذا أن يحملوا بحملته ففعلوا ذلك وخالطوهم وطفقوا يرشقونهم بالسهام
ويطعنونهم بالرماح ويقذفونهم بالحجارة وضرب الله وجوههم فولوا منهزمين
وتبعهم أبو العباس وأصحابه حتى أولجوهم نهر أبى الخصيب وغرق لهم ثلاث
شذوات وظفر بشذاتين من شذواتهم بما فيها من المقاتلة والملاحين فأمر أبو
العباس بضرب أعناق من ظفر به منهم فلما رأى الخبيث ما نزل بأصحابه امتنع من
إخراج الشذا عن فناء قصره ومنع أصحابه أن يجاوزوا بها الشط الا في الأوقات
84

التي يخلو دجلة فيها من شذوات الموفق فلما أوقع بهم أبو العباس هذه الوقعة اشتد
جزعهم وطلب وجوه أصحاب الخبيث الأمان فأومنوا فكان ممن استأمن
من وجوههم فيما ذكر محمد بن الحارث العمى وكان إليه حفظ عسكر منكى
والسور الذي يلي عسكر الموفق وكان خروجه ليلا مع عدة من أصحابه فوصله
الموفق بصلات كثيرة وخلع عليه وحمله على عدة دواب بحليتها وآلتها وأسنى له
الرزق وكان محمد بن الحارث حاول إخراج زوجته معه وهى إحدى بنات عمه
فعجزت المرأة عن اللحاق به فأخذها الزنج فردوها إلى الخبيث فحبسها مدة ثم
أمر بإخراجها والنداء عليها في السوق فبيعت ومنهم أحمد المعروف بالبرذعي
وكان فيما قيل من أشجع رجال الخبيث الذين كانوا في حيز المهلبي ومن قواده الزنج
مديد وابن انكلويه ومنينة فخلع عليهم جميعا ووصلوا بصلات كثيرة وحملوا على
الخيل وأحسن إلى جميع من جاؤوا به معهم من أصحابهم وانقطعت عن الخبيث مواد
الميرة وسدت عليه وعلى من أقام معه المذاهب وأمر شبلا وأبا النداء وهما من
رؤساء قواده وقدماء أصحابه الذين كان يعتمد عليهم ويثق بمناصحتهم بالخروج في
عشرة آلاف من الزنج وغيرهم والقصد لنهر الدير ونهر المرأة ونهر أبى الأسد
والخروج من هذه الأنهار إلى البطيحة للغارة على المسلمين وأخذ ما وجد من طعام
وميرة ليقطع عن عسكر الموفق ما يرده من الميرة وغيرها من مدينة السلام وواسط
ونواحيها فندب الموفق لقصدهم حين انتهى إليه خبر مسيرهم مولاه زيرك صاحب
مقدمة أبى العباس وأمره بالنهوض في أصحابه إليهم وضم إليه من اختار من الرجال
فمضى في الشذوات والسميريات وحمل الرجالة في الزواريق والسفن الخفاف
حثيثا حتى صار إلى نهر الدير فلم يعرف لهم هنالك خبرا فصار منه إلى بثق شيرين
ثم سلك في نهر عدى حتى خرج إلى نهر ابن عمر فالتقى به جيش الزنج في جمع راعته
كثرته فاستخار الله في مجاهدتهم وحمل عليهم في ذوي البصائر والثبات من أصحابه
فقذف الله الرعب في قلوبهم فانفضوا ووضع فيهم السلاح فقتل منهم مقتلة عظيمة
وغرق منهم مثل ذلك وأسر خلقا كثيرا وأخذ من سفنهم ما أمكنه أخذه وغرق
85

منها ما أمكن تغريقه فكان ما أخذ من سفنهم نحوا من أربعمائة سفينة وأقبل
بمن معه من الأسارى وبالرؤوس إلى عسكر الموفق (وفى ذي الحجة) لست بقين
منه عبر الموفق بنفسه إلى مدينة الفاسق وجيشه لحربه
ذكر السبب الذي من أجله كان عبوره إليها
وكان السبب في ذلك فيما ذكر أن الرؤساء من أصحاب الفاسق لما رأوا
ما قد حل بهم من البلاء من قتل من يظهر منهم وشدة الحصار على من لزم المدينة
فلم يظهر منهم أحد وحال من خرج منهم بالأمان من الاحسان إليه والصفح
عن جرمه مالوا إلى الأمان وجعلوا يهربون في كل وجه ويخرجون إلى أبى أحمد
في الأمان كلما وجدوا إليه السبيل فملئ الخبيث من ذلك رعبا وأيقن بالهلاك
فوكل بكل ناحية كان يرى أن فيها طريقا للهرب من عسكره احراسا وحفظة
وأمرهم بضبط تلك النواحي ووكل بفوهة الأنهار من يمنع السفن من الخروج
منها واجتهد في سد كل مسلك وطريق وثلمة لئلا يطمع في الخروج عن مدينته
وأرسل جماعة من قواد الفاجر صاحب الزنج إلى الموفق يسألونه الأمان وأن
يوجه لمحاربة الخبيث جيشا ليجدوا إلى المصير إليه سبيلا فأمر الموفق أبا العباس
بالمصير في جماعة من أصحابه إلى الموضع المعروف بنهر الغربي وعلي بن أبان
حينئذ يحوط ذلك النهر فنهض أبو العباس في المختارين من أصحابه ومعه الشذا
والسميريات والمعابر فقصد النهر الغربي وانتدب المهلبي وأصحابه لحربه فاستعرت
الحرب بين الفريقين وعلا أصحاب أبي العباس وقهروا الزنج وأمد الفاسق المهلبي
بسليمان بن جامع في جمع من الزنج كثير واتصلت الحرب يومئذ من أول النهار إلى
وقت العصر وكان الظفر في ذلك اليوم لأبي العباس وأصحابه وصار إليه القوم
الذين كانوا طلبوا الأمان من قواد الخبيث ومعهم جمع كثير من الفرسان وغيرهم
من الزنج فأمر أبو العباس عند ذلك أصحابه بالرجوع إلى الشذا والسفن وانصرف
فاجتاز في منصرفه بمدينة الخبيث حتى انتهى إلى الموضع المعروف بنهر الأتراك
فرأى أصحابه من قلة عدد الزنج في هذا الموضع من النهر ما طمعوا له فيمن كان
86

هناك فقصدوا نحوهم وقد انصرف أكثر أصحابهم إلى المدينة الموفقية فقربوا
إلى الأرض وصعدوا وأمعنوا في دخول تلك المسالك وعلت جماعة منهم السور وعليه
فريق من الزنج وأشياعهم فقتلوا من أصابوا منهم هنالك ونذر الفاسق بهم فاجتمعوا
لحربهم وأنجد بعضهم بعضا فلما رأى أبو العباس اجتماع الخبثاء وتحاشدهم وكثرة من
ثاب إلى ذلك الموضع منهم مع قلة عدد من هنالك من أصحابه كر راجعا إليهم فيمن كان معه
في الشذا وأرسل إلى الموفق يستمده فوافاه لمعونته من خف لذلك من الغلمان
في الشذا والسميريات فظهروا على الزنج وهزموهم وقد كان سليمان بن جامع
لما رأى ظهور أصحاب أبي العباس على الزنج وغل في النهر مصاعدا في جمع
كثير فانتهى إلى النهر المعروف بعبد الله واستدبر أصحاب أبي العباس وهم في
حربهم مقبلين على من بإزائهم ممن يحاربهم فيمنعون في طلب من انهزم عنهم من
الزنج فخرج عليهم من ورائهم وخفقت طبوله فانكشف أصحاب أبي العباس
ورجع عليهم من كان انهزم عنهم من الزنج فأصيبت جماعة من غلمان الموفق
وغيرهم من جنده وصار في أيدي الزنج عدة أعلام ومطارد وحامى أبو العباس
عن الباقين من أصحابه فسلم أكثرهم فانصرف بهم فأطمعت هذه الوقعة الزنج
وتباعهم وشدت قلوبهم فأجمع الموفق على العبور بجيشه أجمع لمحاربة الخبيث
وأمر أبا العباس وسائر القواد والغلمان بالتأهب للعبور وأمر بجمع السفن
والمعابر وتفريقها عليهم ووقف على يوم بعينه أراد العبور فيه فعصفت رياح
منعت من ذلك واتصل عصوفها أياما كثيرة فأمهل الموفق حتى انقضى هبوب
تلك الرياح ثم أخذ في الاستعداد للعبور ومناجزة الفاجر فلما تهيأ له ما أراد
من ذلك عبر يوم الأربعاء لست ليال بقين من ذي الحجة من سنة 267 في أكثف
جمع وأكمل عدة وأمر بحمل خيل كثيرة في السفن وتقدم إلى أبى العباس
في المسير في الخيل ومعه جميع قواده الفرسان ورجالتهم ليأتي الفجرة من ورائهم
من مؤخر النهر المعروف بمنكى وأمر مسرورا البلخي مولاه بالقصد إلى نهر
الغربي ليضطر الخبيث بذلك إلى تفريق أصحابه وتقدم إلى نصير المعروف بأبي
حمزة ورشيق غلام أبى العباس وهو من أصحابه وشذواته في مثل العدة فيها التي
87

نصير بالقصد لفوهة نهر أبى الخصيب والمحاربة لما يظهر من شذوات الخبيث
وقد كان استكثر منها وأعد فيها المقاتلة وانتخبهم وقصد أبو أحمد بجميع من معه
لركن من أركان مدينة الخبيث قد كان حصنه بابنه المعروف بانكلاى وكنفه
بعلى بن أبان وسليمان بن جامع وإبراهيم بن جعفر الهمداني وحفه بالمجانيق
والعرادات والقسي الناوكية وأعد فيه الناشبة وجمع فيه أكثر جيشه فلما التقى
الجمعان أمر الموفق غلمانه الناشبة والرامحة والسودان بالدنو من الركن الذي فيه
جمع الفسقة وبينه وبينهم النهر المعروف بنهر الأتراك وهو نهر عريض غزير
الماء فلما انتهوا إليه أحجموا عنه فصيح بهم وحرضوا على العبور فعبروا سباحة
والفسقة يرمونهم بالمجانيق والعرادات والمقاليع والحجارة عن الأيدي وبالسهام
عن القسي الناوكية وقسى الرجل وصنوف الآلات التي يرمى عنها فصبروا على
جميع ذلك حتى جاوزوا النهر وانتهوا إلى السور ولم يكن لحقهم من الفعلة من
كان أعد لهدمه فتولى الغلمان تشعيث السور بما كان معهم من سلاحهم ويسر
الله ذلك وسهلوا لأنفسهم السبيل إلى علوه وحضرهم بعض السلاليم التي كانت
أعدت لذلك فعلوا الركن ونصبوا هنالك علما من أعلام الموفق وأسلم الفسقة
سورهم وخلوا عنه بعد أن حوربوا عليه أشد حرب وقتل من الفريقين خلق
كثير وأصيب غلام من غلمان الموفق يقال له ثابت بسهم في بطنه فمات وكان
من قواد الغلمان وجلتهم ولما تمكن أصحاب الموفق من سور الفسقة أحرقوا
ما كان عليه من منجنيق وعراداة وقوس ناوكية وخلوا عن تلك الناحية وأسلموها
وقد كان أبو العباس قصد بأصحابه في الخيل النهر المعروف بمنكى فمضى علي بن أبان
المهلبي في أصحابه قاصدا لمعارضته ودفعه عما صمد له والتقيا فظهر أبو العباس عليه
وهزمه وقتل جمعا كثيرا من أصحابه وأفلت المهلبي راجعا وانتهى أبو العباس إلى
الموضع الذي قدر أن يصل منه إلى مدينة الفاسق من مؤخر نهر منكى وهو يرى
أن المدخل من ذلك الموضع سهل فدخل إلى الخندق فوجده عريضا ممتنعا فحمل
أصحابه على أن يعبروه بخيولهم وعبره الرجالة سباحة حتى وافوا السور فثلموا
88

فيه ثلما اتسع لهم منه الدخول فدخلوا فلقى أوائلهم سليمان بن جامع وقد أقبل
للمدافعة عن تلك الناحية لما انتهى إليه انهزام المهلبي عنها فحاربوه، وكان إمام
القوم عشرة من غلمان الموفق فدافعوا سليمان وأصحابه وهم خلق كثير وكشفوهم
مرارا كثيرة وحاموا عن سائر أصحابهم حتى رجعوا إلى مواضعهم وقال محمد
ابن حماد لما غلب أصحاب الموفق على الموضع الذي كان الفاسق حرسه بابنه
والمذكورين من أصحابه وقواده وشعثوا من السور الذي أفضوا إليه ما أمكنهم
تشعيثه وافاهم الذين كانوا أعدوا للهدم بمعاولهم وآلاتهم فثلموا في السور عدة
ثلم وقد كان الموفق أعد لخندق الفسقة جسرا يمد عليه فمد عليه وعبر جمهور
الناس فلما عاين الخبثة ذلك ارتاعوا فانهزموا عن سور لهم ثان قد كانوا اعتصموا
به ودخل أصحاب الموفق مدينة الخائن فولى الفاجر وأشياعه منهزمين وأصحاب
الموفق يتبعونهم ويقتلون من انتهوا إليه منهم حتى انتهوا إلى النهر المعروف بابن
سمعان وصارت دار ابن سمعان في أيدي أصحاب الموفق وأحرقوا ما كان فيها
وهدموها ووقف الفجرة على نهر ابن سمعان وقوفا طويلا ودافعوا مدافعة شديدة
وشد بعض غلمان الموفق على علي بن أبان المهلبي فأدبر عنه هاربا فقبض على مئزره
فخلى عن المئزر ونبذه إلى الغلام ونجا بعد أن أشفى على الهلكة وحمل أصحاب الموفق
على الزنج حملة صادقة فكشفوهم عن النهر المعروف بابن سمعان حتى وافوا بهم
طرف ميدان الفاسق وانتهى إليه خبر هزيمة أصحابه ودخول أصحاب الموفق مدينته
من أقطارها فركب في جمع من أصحابه فتلقاه أصحاب الموفق وهم يعرفونه
في طرف ميدانه فحملوا عليه فتفرق عنه أصحابه ومن كان معه وأفردوه وقرب
منه بعض الرجالة حتى ضرب وجه فرسه بترسه وكان ذلك مع مغيب الشمس
فأمر الموفق أصحابه بالرجوع إلى سفنهم فرجعوا سالمين قد حملوا من رؤس الخبثاء
شيئا كثيرا ونالوا كل الذي أحبوا منهم من قتل وجراح وتحريق منازل وأسواق وقد
كان استأمن إلى أبى العباس في أول النهار نفر من قواد الفاجر وفرسانه فاحتاج إلى التوقف
على حملهم في السفن وأظلم الليل وهبت ريح شمال عاصف وقوى الجزر فلصق
89

أكثر السفن بالطين وحرض الخبيث أشياعه واستنجدهم فبانت منهم جماعة
وشدوا على السفن المتخلفة فنالوا منها نيلا وقتلوا فيها نفرا وقد كان بهبوذ بإزاء
مسرور البلخي وأصحابه في هذا اليوم في نهر الغربي فأوقع بهم وقتل جماعة منهم
وأسر أسارى وصارت في يده دواب من دوابهم فكسر ذلك من نشاط أصحاب
الموفق وقد كان الخبيث أخرج في هذا اليوم جميع شذواته إلى دجلة محاربين فيها
رشيقا وضرب منها رشيق على عدة شذوات وغرق منها وحرق وانهزم الباقون
إلى نهر أبى الخصيب * وذكر أنه نزل في هذا اليوم بالفاسق وأصحابه ما دعاهم
إلى التفرق والهرب على وجوههم نحو نهر الأمير والقندل وإبرسان وعبادان
وسائر القرى وهرب يومئذ أخو سليمان بن موسى الشعراني محمد وعيسى فمضيا
يؤمان البادية حتى انتهى إليهما رجوع أصحاب الموفق فرجعا وهرب جماعة من
العرب الذين كانوا في عسكر الفاسق وصاروا إلى البصرة وبعثوا يطلبون الأمان
من أبى أحمد فآمنهم ووجه إليهم السفن فحملهم إلى الموفقية وأمر أن يخلع عليهم
ويوصلوا ويجرى عليهم الأرزاق والانزال ففعل ذلك بهم وكان فيمن رغب في
الأمان من جلة قواد الفاجر ريحان بن صالح المغربي وكانت له رياسة وقيادة
وكان يتولى حجبة ابن الخبيث المعروف بانكلاى فكتب ريحان يطلب الأمان
لنفسه ولجماعة من أصحابه فأجيب إلى ذلك وأنفذ إليه عدد كثير من الشذا
والسميريات والمعابر مع زيرك القائد صاحب مقدمة أبى العباس فسلك النهر
المعروف باليهودي حتى وافى الموضع المعروف بالمطوعة فألفى به ريحان ومن معه
من أصحابه وقد كان الموعد تقدم في موافاة ذلك الموضع زيرك ريحان ومن معه
فوافى بهم دار الموفق فأمر لريحان بخلع وحمل على عدة من أفراس بآلتها وأجيز
بجائزة سنية وخلع على أصحابه وأجيزوا على أقدارهم وضم إلى أبى العباس وأمر
بحمله وحمل أصحابه والمصير بهم إلى إزاء دار الخبيث فوقفوا هنالك في الشذا
فعرفوا خروج ريحان وأصحابه في الأمان وما صاروا إليه من الاحسان فاستأمن
في ساعتهم تلك من أصحاب ريحان الذين كانوا تخلفوا وغيرهم جماعة فألحقوا
90

في البر والاحسان بأصحابهم وكان خروج ريحان بعد الوقعة التي كانت يوم
الأربعاء في يوم الأحد لليلة بقيت من ذي الحجة سنة 267 (وفى هذه السنة)
أقبل أحمد بن عبد الله الخجستاني يريد العراق بزعمه حتى صار إلى سمنان وتحصن
منه أهل الري وحصنوا مدينتهم ثم انصرف من سمنان راجعا إلى خراسان
(وفيها) انصرف خلق كثير من طريق مكة في البدأة لشدة الحر ومضى خلق
كثير فمات ممن مضى خلق كثير من شدة الحر وكثير منهم من العطش وذلك
كله في البدأة وأوقعت فزارة فيها بالتجار فأخذوا فيما ذكر منهم سبعمائة حمل
بز (وفيها) اجتمع بالموسم عامل لأحمد بن طولون في خيله وعامل لعمرو بن
الليث في خيله فنازع كل واحد منهما صاحبه في ركن علمه على يمين المنبر في
مسجد إبراهيم خليل الرحمن وادعى كل واحد منهما أن الولاية لصاحبه وسلا
السيوف فخرج معظم الناس من المسجد وأعان موالى هارون بن محمد من الزنج
صاحب عمرو بن الليث فوقف حيث أراد وقصر هارون وكان عامل مكة الخطبة
وسلم الناس وكان المعروف بأبي المغيرة المخزومي حينئذ يحرس في جميعة
(وفيها) نفى الطباع عن سامرا وفيها ضرب الخجستاني لنفسه دنانير ودراهم
ووزن الدينار منها عشرة دوانيق ووزن الدرهم ثمانية دوانيق عليه الملك
والقدرة لله والحول والقوة بالله لا إله إلا الله محمد رسول الله وعلى جانب منه
المعتمد على الله باليمن والسعادة وعلى الجانب الآخر الوافي أحمد بن عبد الله
(وحج بالناس) فيها هارون بن محمد بن إسحاق بن موسى بن عيسى الهاشمي
ثم دخلت سنة ثمان وستين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك ما كان من استئمان جعفر بن إبراهيم المعروف بالسجان إلى أبى أحمد
الموفق في يوم الثلاثاء في غرة المحرم منها * وذكر أن السبب كان في ذلك الوقعة
التي كانت لأبي أحمد في آخر ذي الحجة من سنة 267 التي ذكرناها قبل وهرب
91

ريحان بن صالح المغربي من عسكر الفاجر وأصحابه ولحاقه بأبي أحمد فنخب
قلب الخبيث لذلك وذلك أن السجان كان فيما قيل أحد ثقاته فأمر أبو أحمد
للسجان هذا بخلع وجوائز وصلات وحملان وأرزاق وأقيمت له أنزال
وضصم إلى أبى العباس وأمره بحمله في الشذاة إلى إزاء قصر الفاسق حتى رآه
وأصحابه وكلمهم السجان وأخبرهم أنهم في غرور من الخبيث وأعلمهم ما قد وقف
عليه من كذبه وفجوره فاستأمن في هذا اليوم الذي حمل فيه السجان من عسكر
الخبيث خلق كثير من قواده الزنج وغيرهم وأحسن إليهم وتتابع الناس في
طلب الأمان والخروج من عند الخبيث ثم أقام أبو أحمد بعد الوقعة التي ذكرت
أنها كانت لليلة بقيت من ذي الحجة من سنة 67 لا يعبر إلى الخبيث لحرب يجم
بذلك أصحابه إلى شهر ربيع الآخر (وفى هذه السنة) صار عمرو بن الليث إلى
فارس لحرب عامله محمد بن الليث عليها فهزمه عمرو واستباح عسكره وأفلت
محمد بن الليث في نفر ودخل عمرو إصطخر فانتهبها أصحابه ووجه عمرو في طلب
محمد بن الليث فظفر به وأتى به أسيرا ثم صار عمرو إلى شيراز فأقام بها (وفى
شهر ربيع الأول) منها زلزلت بغداد لثمان خلون منه وكان بعد ذلك ثلاثة أيام
مطر شديد ووقعت بها أربع صواعق (وفيها) زحف العباس بن أحمد بن
طولون لحرب أبيه فخرج إليه أبوه أحمد إلى الإسكندرية فظفر به ورده إلى
مصر فرجع معه إليها (ولأربع عشرة ليلة) بقيت من ربيع الآخر منها
عبر أبو أحمد الموفق إلى مدينة الفاجر بعد أن أوهى قوته في مقامه بمدينة
الموفقية بالتضييق عليه والحصار ومنعه وصول المير إليه حتى استأمن إليه خلق
كثير من أصحابه فلما أراد العبور إليها أمر فيما ذكر ابنه أبا العباس بالقصد
للموضع الذي كان قصده من ركن مدينة الخبيث الذي يحوطه بابنه وجلة أصحابه
وقواده وقصد أبو أحمد موضعا من السور فيما بين النهر المعروف بمنكى والنهر
المعروف بابن سمعان وأمر صاعدا وزيره بالقصد لفوهة النهر المعروف
يجرى كور وتقدم إلى زيرك في مكانفته وأمر مسرور البلخي بالقصد لنهر الغربي
92

وضم إلى كل واحد منهم من الفعلة جماعة لهدم ما يليهم من السور وتقدم إلى
جميعهم ألا يزيدوا على هدم السور وألا يدخلوا مدينة الخبيث ووكل بكل
ناحية من النواحي التي وجه إليها القواد شذوات فيها الرماة وأمرهم أن يحموا
بالسهام من يهدم السور من الفعلة والرجالة الذين يخرجون للمدافعة عنهم فثلم
في السور ثلم كثيرة ودخل أصحاب أبي أحمد مدينة الفاجر من جميع تلك الثلم
وجاء أصحاب الخبيث يحاربونهم فهزمهم أصحاب أبي أحمد واتبعوهم حتى وغلوا
في طلبهم واختلفت بهم طرق المدينة وفرقت بينهم السكك والفجاج فانتهوا إلى
أبعد من الموضع الذي كانوا وصلوا إليه في المرة التي قبلها وحرقوا وقتلوا ثم تراجع
أصحاب الخبيث فشدوا على أصحاب أبي أحمد وخرج كمناؤهم من نواح يهتدون
لها ولا يعرفها الآخرون فتحير من كان داخل المدينة من أصحاب أبي أحمد
ودافعوا عن أنفسهم وتراجعوا نحو دجلة حتى وافاها أكثرهم فمنهم من دخل
السفينة ومنهم من قذف نفسه في الماء فأخذه أصحاب الشذا ومنهم من قتل وأصاب
أصحاب الخبيث أسلحة وأسلابا وثبت جماعة من غلمان أبى أحمد بحضرة دار
ابن سمعان ومعهم راشد وموسى بن أخت مفلح في جماعة من قواد الغلمان كانوا
آخر من ثبت من الناس ثم أحاط بهم الزنج وكثروهم وحالوا بينهم وبين الشذا
فدافعوا عن أنفسهم وأصحابهم حتى وصلوا إلى الشذا فركبوها وأقام نحو من
ثلاثين غلاما من الديالمة في وجوه الزنج وغيرهم يحمون الناس ويدفعون عنهم
حتى سلموا وقتل الثلاثون من الديالمة عن آخرهم بعد ما نالوا من الفجار ما أحبوا
وعظم على الناس ما نالهم في هذه الوقعة وانصرف أبو أحمد بمن معه إلى مدينته
الموفقية وأمر بجمعهم وعذلهم على ما كان منهم من مخالفة أمره والافتيات عليه
في رأيه وتدبيره وتوعدهم بأغلظ العقوبة إن عاد والخلاف أمره بعد ذلك وأمر
بإحصاء المفقودين من أصحابه فأحصوا له فأتى بأسمائهم وأقر ما كان جاريا لهم
على أولادهم وأهاليهم فحسن موقع ذلك منهم وزاد في صحة نياتهم لما رأوا من
حياطته خلف من أصيب في طاعته (وفيها) كانت لأبي العباس وقعة بقوم من
93

الاعراب الذين كانوا يميرون الفاسق اجتاحهم فيها
ذكر الخبر عن السبب الذي كانت من أجله هذه الوقعة
ذكر أن الفاسق لما خرب البصرة ولاها رجلا من قدماء أصحابه يقال له أحمد بن
موسى بن سعيد المعروف بالقلوص فكان يتولى أمرها وصارت فرصة للفاسق
يردها الاعراب والتجار ويأتونها بالمير وأنواع التجارات ويحمل ما يردها إلى
عسكر الخبيث حتى فتح أبو أحمد طهيثا وأسر القلوص فولى الخبيث ابن أخت
القلوص يقال له مالك بن بشران البصرة وما يليها فلما نزل أبو أحمد فرات البصرة
خاف الفاجر إيقاع أبى أحمد بمالك هذا وهو يومئذ نازل بسيحان على نهر يعرف
بنهر ابن عتبة فكتب إلى مالك يأمره بنقل عسكره إلى النهر المعروف بالديناري
وأن ينفذ جماعة ممن معه لصيد السمك وإدرار حمله إلى عسكره وأن يوجه قوما
إلى الطريق التي يأتي منها الاعراب من البادية ليعرف ورود من يرد منهم بالمير
فإذا وردت رفقة من الاعراب خرج إليها بأصحابه حتى يحمل ما تأتى به إلى الخبيث
ففعل ذلك مالك ابن أخت القلوص ووجه إلى البطيحة رجلين من أهل قرية
بسمى؟؟ يعرف أحدهما بالريان والآخر الخليل كانا مقيمين بعسكر الخبيث فنهض
الخليل والريان وجمعا جماعة من أهل الطف وأتيا قرية بسمى فأقاما بها يحملان
السمك من الطيحة أولا أولا إلى عسكر الخبيث في الزواريق الصغار التي تسلك
بها الأنهار الضيقة والارخنجان التي لا تسلكها الشذا والسميريات فكانت
مواد سمك البطيحة متصلة إلى عسكر الخبيث بمقام هذين الرجلين بحيث ذكرنا
واتصلت أيضا مير الاعراب وما كانوا يأتون به من البادية فاتسع أهل عسكره
ودام ذلك إلى أن استأمن إلى الموفق رجل من أصحاب الفاجر الذين كانوا
مضمومين إلى القلوص يقال له علي بن عمر ويعرف بالنقاب فأخبر بخبر مالك بن
بشران ومقامه بالنهر المعروف بالديناري وما يصل إلى عسكر الخبيث بمقامه
هناك من سمك البطيحة وجلب الاعراب فوجه الموفق زيرك مولاه في الشذا
والسميريات إلى الموضع الذي به ابن أخت القلوص فأوقع به وبأهل عسكره
94

فقتل منهم فريقا وأسر فريقا وتفرق أهل ذلك العسكر وانصرف مالك إلى
الخبيث مفلولا فرده الخبيث في جمع إلى مؤخر النهر المعروف باليهودي فعسكر
هنالك بموضع قريب من النهر المعروف بالفياض فكانت المير تتصل بعسكر
الخبيث مما يلي سبخة الفياض فانتهى خبر مالك ومقامه بمؤخر نهر اليهودي ووقع
المير من تلك الناحية إلى عسكر الفاجر إلى الموفق فأمر ابنه أبا العباس بالمصير إلى
نهر الأمير والنهر المعروف بالفياض لتعرف حقيقة ما انتهى إليه من ذلك فنفذ
الجيش فوافق جماعة من الاعراب يرأسهم رجل قد أورد من البادية إبلا وغنما
وطعاما فأوقع بهم أبو العباس فقتل منهم جماعة وأسر الباقين ولم يفلت من القوم
إلا رئيسهم فإنه سبق على حجر كانت تحته فأمعن هربا وأخذ كل ما كان أولئك
الاعراب أتوا به من الإبل والغنم والطعام وقطع أبو العباس يد أحد الاسرى وأطلقه
فصار إلى معسكر الخبيث فأخبرهم بما نزل به فريع مالك بن أخت القلوص بما كان
من إيقاع أبى العباس بهؤلاء الاعراب فاستأمن إلى أبى أحمد فأومن وحبى وكسى
وضم إلى أبى العباس وأجريت له الأرزاق وأقيمت له الانزال وأقام الخبيث
مقام مالك رجلا كان من أصحاب القلوص يقال له أحمد بن الجنيد وأمره أن يعسكر
بالموضع المعروف بالدهر شير ومؤخر نهر أبي الخصيب وأن يصير في أصحابه إلى
ما يقبل من سمك البطيحة فيحمله إلى عسكر الخبيث وتأدى إلى أبى أحمد خبر أحمد
ابن الجنيد فوجه قائدا من قواد الموالى يقال له الترمدان في جيش فعسكر بالجزيرة
المعروفة بالروحية فانقطع ما كان يأتي إلى عسكر الخبيث من سمك البطيحة ووجه
الموفق شهاب بن العلاء ومحمد بن الحسن العنبريين في خيل لمنع الاعراب من حمل
المير إلى عسكر الخبيث وأمر بإطلاق السوق لهم بالبصرة وحمل ما يريدون امتياره
من التمر إذ كان ذلك سبب مصيرهم إلى عسكر الخبيث فتقدم شهاب ومحمد لما أمرا
به فأقاما بالموضع المعروف بقصر عيسى فكان الاعراب يوردون إليهما ما يجلبونه
من البادية ويمتارون لتمر مما قبلهما ثم صرف أبو أحمد الترمدان عن البصرة ووجه
مكانه قائدا من قواد الفراغنة يقال له قيصر بن أرخوز إخشاذ فرغانة ووجه نصيرا
95

المعروف بأبي حمزة في الشذا والسميريات وأمره بالمقام بفيض البصرة ونهر
دبيس وأن يخترق نهر الأبلة ونهر معقل ونهر غربي ففعل ذلك * قال محمد بن الحسن
وحدثني محمد بن حماد قال لما انقطعت المير عن الخبيث وأشياعه بمقام نصير وقيصر
بالبصرة ومنعهم الميرة من البطيحة والبحر بالشذا صرفوا الحيلة إلى سلوك نهر
الأمير إلى القندل ثم سلوك المسيحي إلى الطرق المؤدية إلى البر والبحر فكانت
ميرهم من البر والبحر وامتيارهم سمك البحر من هذه الجهة فانتهى ذلك إلى الموفق
فأمر رشيقا غلام أبى العباس باتخاذ عسكر بجويث بارويه في الجانب الشرقي
من دجلة بإزاء نهر الأمير وأن يحفر له خندقا حصينا وامر أبا العباس أن يضم
إلى رشيق من خيار أصحابه خمسة آلاف رجل وثلاثين شذاة وتقدم إلى رشيق
في ترتيب هذه الشذا على فوهة نهر الأمير وأن يجعل على كل خمس عشرة شذاة
منها نوبة يلج فيها نهر الأمير حتى ينتهى إلى المعترض الذي كان الزنج يسلكونه
إلى دبا والقندل والنهر المعروف بالمسيحي فيكون هناك فان طلع عليهم من الخبثاء
طالع أوقعوا به فإذا انقضت نوبتهم انصرفوا وعاقبهم أصحابهم المقيمون على فوهة
النهر ففعلوا مثل ذلك هذا الفعل فعسكر رشيق في الموضع الذي أمر بترتيبه به
فانقطعت طرق الفجرة التي كانوا يسلكونها إلى دبا والقندل والمسبحي فلم يكن
لهم سبيل إلى بر ولا بحر فضاقت عليهم المذاهب واشتد عليهم الحصار (وفيها)
أوقع أخو شركب بالخجستاني وأخذ أمه (وفيها) وثب ابن شبث بن الحسن
فاخذ عمر بن سيما والى حلوان (وفيها) انصرف أحمد بن أبي الأصبغ من عند عمرو بن
الليث وكان عمرو قد وجهه إلى أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف فقدم معه بمال
فوجه عمرو ومما صودر عليه ثلثمائة ألف دينار ونيفا وهدية فيها خمسون منا مسك
وخمسون منا عنبر ومائتا منا عود وثلثمائة ثوب وشى وغيره وآنية ذهب وفضة ودواب
وغلمان بقيمة مائتي ألف دينار فكان ما حمل وأهدى بقيمة خمسمائة ألف دينار
(وفيها) ولى كيغلغ الخليل به ريمال حلوان فنالهم بالمكاره بسبب عمر بن سيما
وأخذهم بحريرة ابن شبث فضمنوا له خلاص ابن سيما واصلاح أمر ابن شبث
96

(وفيها) أوقع رشيق غلام أبى العباس بن الموفق بقوم من بنى تميم كانوا أعانوا
الزنج على دخول البصرة وإحراقها وكان السبب في ذلك أنه كان انتهى إليه أن
قوما من هؤلاء الاعراب قد جلبوا ميرة من البر إلى مدينة الخبيث طعاما وإبلا
وغنما وأنهم في مؤخر نهر الأمير ينتظرون سفنا تأتيهم من مؤخر عسكر الفاجر
تحملهم وما معهم فسرى إليهم رشيق في الشذا فوافى الموضع الذي كانوا حلوا به
وهو النهر المعروف بالإسحاقي فأوقع بهم وهم غارون فقتل أكثرهم وأسر جماعة
منهم وهم تجار كانوا خرجوا من عسكر الخبيث لجلب الميرة وحوى ما كان
معهم من أصناف المير والشاء والإبل والحمير التي كانوا حملوا عليها الميرة فحمل
الاسرى والرؤوس في الشذا وفى سفن كانت معه إلى الموفقية فأمر الموفق
فعلقت الرؤس في الشذا وصلب الأسارى هنالك وأظهر ما صار إلى رشيق
وأصحابه وطيف بذلك في أقطار العسكر ثم أمر بالرؤس والأسارى فاجتيز بهم
على عسكر الخبيث حتى عرفوا ما كان من رشيق من الايقاع بجالبي المير إليهم ففعل
ذلك وكان فيمن ظفر به رشيق رجل من الاعراب كان يسفر بين صاحب الزنج
والاعراب في جلب الميرة فأمر به الموفق فقطعت يده ورجله وألقى في عسكر الخبيث
ثم أمر بضرب أعناق الأسارى فضربت وسوغ أصحاب رشيق ما أصابوا من
أموالهم وأمر لرشيق بخلع وصلة ورده إلى عسكره فكثر المستأمنون إلى رشيق
فأمر أبو أحمد بضم من خرج منهم إلى رشيق إليه فكثروا حتى كان كأكثر
العساكر جمعا وانقطعت عن الخبيث وأصحابه المير من الوجوه كلها وانسد عليهم
كل مسلك كان لهم فأضربهم الحصار وأضعف أبدانهم فكان الأسير منهم يؤسر
والمستأمن يستأمل فيسئل عن عهده بالخبز فيعجب من ذلك ويذكر أن عهده بالخبز
مذ سنة وسنتين فلما صار أصحاب الخائن إلى هذه الحال رأى الموفق أن يتابع الايقاع
بهم ليزيدهم بذلك ضرا وجهدا فخرج إلى أبى أحمد في هذا الوقت في الأمان خلق كثير
واحتاج من كان مقيما في حيز الفاسق إلى الحيلة لقوته فتفرقوا في القرى والأنهار
النائية عن معسكرهم في طلب القوت فتأدى الخبر بذلك إلى أبى أحمد فأمر جماعة
97

من قواد غلمانه السودان وعرفائهم بأن يقصدوا المواضع التي يعتادها الزنج
وأن يستميلوهم ويستدعوا طاعتهم فمن أبى الدخول منهم في ذلك قتلوه وحملوا
رأسه وجعلي لهم جعلا فحرصوا وواظبوا على الغدو والرواح فكانوا لا يخلون في
يوم من الأيام من جماعة يجلبونهم ورؤس يأتون بها وأسارى يأسرونهم قال محمد
ابن الحسن قال محمد بن حماد ولما كثر أسارى الزنج عند الموفق أمر باعتراضهم فمن
كان منهم ذا قوة وجلد ونهوض بالسلاح من عليه وأحسن إليه وخلطه بغلمانه
السودان وعرفهم ما لهم عنده من البر والاحسان ومن كان منهم ضعيفا لا حراك
به أو شيخا فانيا لا يطيق حمل السلاح أو مجروحا جراحة قد أزمنته أمر بأن يكسى
ثوبين ويوصل بدراهم ويزود ويحمل إلى عسكر الخبيث فيلقى هناك بعد ما يؤمر
بوصف ما عاين من إحسان الموفق إلى كل من يصير إليه وان ذلك رأيه في جميع
من يأتيه مستأمنا ويأسره منهم فتهيأ له من ذلك ما أراد من استمالة أصحاب
صاحب الزنج حتى استشعروا الميل إلى ناحيته والدخول في سلمه وطاعته وجعل
الموفق وابنه أبو العباس يغاديان حرب الخبيث ومن معه ويراوحانها بأنفسهما
ومن معهما فيقتلان ويأسران ويجرحان وأصاب أبا العباس في بعض تلك
الوقعات سهم جرحه فبرأ منه (وفى رجب) من هذه السنة فتل بهبوذ صاحب الخبيث
ذكر الخبر عن سبب مقتله
* ذكر أن أكثر أصحاب الفاسق غارات وأرشدهم تعرضا لقطع السبيل
وأخذ الأموال كان بهبوذ بن عبد الوهاب وكان قد جمع من ذلك مالا جليلا
وكان كثير الخروج في السميريات الخفاف فيخترق الأنهار المؤدية إلى دجلة فإذا
صادف سفينة لأصحاب الموفق أخذها فأدخلها النهر الذي خرج منه فان تبعه
تابع حتى توغل في طلبه خرج عليه من النهر قوم من أصحابه قد أعدهم لذلك
فاقتطعوه وأوقعوا به فلما كثر ذلك وتحرز منه ركب شذاة وشبهها بشذوات
الموق ونصب عليها مثل اعلامه وسار بها في دجلة فإذا ظفر بغرة من أهل العسكر
أوقع بهم فقتل وأسر ويتجاوز إلى نهر الأبلة ونهر معقل وبثق شيرين ونهر الدير
98

فيقطع السبل ويعبث في أموال السابلة ودمائهم فرأى الموفق عندما انتهى إليه
من أفعال بهبوذ أن يسكر جميع الأنهار التي يخف سكرها ويرتب الشذا على فوهة
الأنهار العظام ليأمن عبث بهبوذ وأشياعه ويأمن سبل الناس ومسالكهم فلما
حرست هذه المسالك وسكر ما أمكن سكره من الأنهار وحيل بين بهبوذ وبين ما كان
يفعل أقام منتهزا فرصة في غفلة أصحاب الشذا الموكلين بفوهة نهر الأبلة حتى إذا
وجد ذلك اجتاز من مؤخر نهر أبى الخصيب في شذوات مثل أصحاب الموفق
وسميرياتهم ونصب عليها مثل أعلامهم وشحنها بجلد أصحابه وانجادهم وشجعانهم
واعترض بها في معترض يؤدى إلى النهر المعروف باليهود ثم سلك نهر نافذ
حتى خرج منه إلى نهر الأبلة وانتهى إلى الشذوات والسميريات المرتبة لحفظ
النهر وأهلها غارون غافلون فأوقع بهم وقتل جمعا وأسر أسرى وأخذ ست شذوات
وكر راجعا في نهر الأبلة وانتهى الخبر بما كان من بهبوذ إلى الموفق فأمر أبا العباس
بمعارضته في الشذا من النهر المعروف باليهودي ورجا أن يسبقه إلى المعترض
فيقطعه عن الطريق المؤدى إلى مأمنه فوافى أبو العباس الموضع المعروف بالمطوعة
وقد سبق بهبوذ فولج النهر المعروف بالسعيدي وهو نهر يؤدى إلى نهر أبى الخصيب
وبصر أبو العباس بشذوات بهبوذ وطمع في ادراكها فجد في طلبها فأدركها
ونشبت الحرب فقتل أبو العباس من أصحاب بهبوذ جمعا وأسر جمعا واستأمن
إليه فريق منهم وتلقى بهبوذ من أشياعه خلق كثير فعاونوه ودافعوا عنه دفعا
شديدا وقد كان الماء جزر فجرت شذواته في الطين في المواضع التي نضب الماء عنها
من تلك الأنهار والمعترضات فأفلت بهبوذ والباقون من أصحابه بجريعة الذقن
وأقام الموفق على حصار الخبيث ومن معه وسد المسالك التي كانت المير تأتيهم
منها وكثر المستأمنون منهم فأمر الموفق لهم بالخلع والجوائز وحملوا على الخيل
الجياد بسروجها ولجمها وآلتها وأجريت لهم الأرزاق وانتهى الخبر إلى الموفق
بعد ذلك أن الضر والبؤس قد أحوج جماعة من أصحاب الخبيث إلى التفرق
في القرى لطلب القوت من السمك والتمر فأمر ابنه أبا العباس بالمصير إلى تلك
99

القرى والنواحي والاسراع إليها في الشذا والسميريات وما خف من الزواريق
وأن يستصحب جلد أصحابه وشجعانهم وأبطالهم ليحول بين هؤلاء الرجال
والرجوع إلى مدينة صاحب الزنج فتوجه أبو العباس لذلك وعلم الخبيث بمسير
أبى العباس له فأمر بهبوذ أن يسير في أصحابه في المعترضات والأنهار الغامضة
ليخفى خبره إلى أن يوافي القندل وابراسان ونواحيها فنهض بهبوذ لما أمره به
الخبيث من ذلك فاعترضت له في طريقه سميرية من سميريات أبى العباس فيها
غلمان من غلمانه الناشبة في جماعة الزنج فقصد بهبوذ لهذه السميرية طامعا فيها
فحاربه أهلها فأصابته طعنة في بطنه من يد غلام من مقاتلة السميرية أسود فهوى
إلى الماء فابتدره أصحابه فحملوه وولوا منهزمين إلى عسكر الخبيث فلم يصلوا به
إليه حتى أراح الله منه فعظمت الفجيعة به على الفاسق وأوليائه واشتد عليه
جزعهم وكان قتله الخبيث من أعظم الفتوح وخفى هلاكه على أبى احمد حتى
استأمن رجل من الملاحين فأنهى إليه الخبر فسر بذلك وأمر بإحضار الغلام الذي
ولى قتله فأحضر فوصله وكساه وطوقه وزاد في أرزاقه وأمر لجميع من كان في
تلك السميرية بجوائز وخلع وصلات (وفى هذه السنة) كان أول شهر رمضان
منها يوم الأحد وكان الاحد الثاني منه الشعانين وفى الاحد الثالث الفصح وفى
الاحد الرابع النيروز وفى الاحد الخامس انسلاخ الشهر (وفيها) ظفر
أبو أحمد بالذوائبي وكان مما يلا لصاحب الزنج (وفيها) كانت وقعة بين
يدكوتكين بن اساتكين وأحمد بن عبد العزيز فهزمه يدكوتكين وغلبه
على قم (وفيها) وجه عمرو بن الليث قائدا بأمر أبى أحمد إلى محمد بن عبيد الله
ابن أزار مرد الكردي فأسره القائد وحمله إليه (وفى ذي القعدة) منها خرج
رجل من ولد عبد الملك بن صالح الهاشمي بالشام يقال له بكار بين سلمية وحلب
وحمص فدعا لأبي أحمد فحاربه ابن عباس الكلابي فانهزم الكلابي ووجه إليه لؤلؤ
صاحب ابن طولون قائدا يقال له بودن في عسكر وجيش كثيف فرجع وليس
معه كثير أحد (وفيها) أظهر لؤلؤ الخلاف على ابن طولون (وفيها) قتل
100

صاحب الزنج ابن ملك الزنج وكان بلغه أنه يريد اللحاق بأبي أحمد (وفيها) قتل
أحمد بن عبد الله الخجستاني قتله غلام له في ذي الحجة (وفيها) قتل أصحاب ابن أبي
الساج محمد بن علي بن حبيب اليشكري بالقرية ناحية واسط ونصب رأسه
ببغداد (وفيها) حارب محمد بن كمشجور علي بن الحسين كفتمر فأسر ابن كمشجور
كفتمر ثم أطلقه وذلك في ذي الحجة (وفيها) أسر العلوي الذي يعرف بالحرون
وذلك أنه اعترض الخريطة التي يوجه بها بخبر الموسم فأخذها فوجه خليفة ابن أبي
الساج على طريق مكة من أخذ الحرون ووجهه إلى الموفق (وفيها) كان مصير
أبى المغيرة المخزومي إلى مكة وعاملها هارون بن محمد بن إسحاق الهاشمي فجمع
هارون جمعا نحوا من ألفين فامتنع بهم منه فصار المخزومي إلى عين مشاش فعورها
وإلى جدة فنهب الطعام وحرق بيوت أهلها فصار الخبز بمكة أوقيتين بدرهم
(وفيها) خرج ابن الصقلبية طاغية الروم فأناخ على ملطية وأعانهم أهل مرعش
والحدث فانهزم الطاغية وتبعوه إلى السريع * وغزا الصائفة من ناحية الثغور
الشأمية خلف الفرغاني عامل ابن طولون فقتل من الروم بضعة عشر ألفا وغنم
الناس فبلغ السهم أربعين دينارا (وحج بالناس) فيها هارون بن محمد بن إسحاق
الهاشمي وابن أبي الساج على الاحداث والطريق
ثم دخلت سنة تسع وستين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك ما كان من ادخال العلوي المعروف بالحرون عسكر أبى أحمد في المحرم
على جمل وعليه قباء ديباج وقلنسوة طويلة ثم حمل في شذاة ومضى به حتى وقف
به حيث يراه صاحب الزنج ويسمع كلام الرسل (وفى المحرم) منها قطع الاعراب على
قافلة من الحاج بين توز وسميراء فسلبوهم واستاقوا نحوا من خمسة آلاف بعير بأحمالها
وأناس كثير (وفى المحرم) منها في ليلة أربع عشرة انخسف القمر وغاب منخسفا
وانكسفت الشمس يوم الجمعة لليلتين بقيتا من المحرم وقت المغيب وغابت منكسفة
101

فاجتمع في المحرم كسوف الشمس والقمر (وفى صفر) منها كان ببغداد وثوب
العامة بإبراهيم الخليجي فانتهبوا داره وكان السبب في ذلك أن غلاما له رمى
امرأة بسهم فقتلها فاستعدى السلطان عليه فبعث إليه في اخراج الغلام فامتنع ورمى
غلمانه الناس فقتلوا جماعة وجرحوا جماعة فمنهم من أعوان السلطان رجلان فهرب
وأخذ غلمانه ونهب منزله ودوابه فجمع محمد بن عبيد الله بن عبد الله بن طاهر وكان
على الجسر من قبل أبيه دواب إبراهيم وما قدر عليه مما نهب له وأمر عبيد الله
بتسليم ذلك إليه وأشهد عليه برده عليه (وفيها) وجه ابن أبي الساج بعد ما صار
إلى الطائف منصرفا من مكة إلى جدة جيشا فأخذوا للمخزومي مركبين فيهما مال
وسلاح (وفيها) أخذ رومي بن خشنج ثلاثة نفر من قواد الفراغنة يقال لأحدهم
صديق والآخر طخشى وللثالث طغان فقيدهم وجرح صديق جراحات وأفلت
(وفيها) كان وثوب خلف صاحب أحمد بن طولون في شهر ربيع الأول منها
بالثغور الشأمية وهو عامله عليها بيازمان الخادم مولى الفتح بن خاقان فحبسه فوثبت
جماعة من أهل الثغر بخلف وتخلصوا يا زمان وهرب خلف وتركوا الدعاء لابن
طولون ولعنوه على المنابر فبلغ ذلك ابن طولون فخرج من مصر حتى صار إلى
دمشق ثم صار إلى الثغور الشأمية فنزل أذنة وسد يا زمان وأهل طرسوس أبوابها
خلا باب الجهاد وباب البحر وبثقوا الماء فجرى إلى قرب أذنة وما حولها فتحصنوا
بها فأقام ابن طولون بأذنة ثم انصرف فرجع إلى أنطاكية ثم مضى إلى حمص ثم إلى
دمشق فأقام بها (وفيها) خالف لؤلؤ غلام ابن طولون مولاه وفى يده حين خالفه
حمص وحلب وقنسرين وديار مضر وسار لؤلؤ إلى بالس فنهبها وأسر سعيدا وأخاه
ابني العباس الكلابي ثم كاتب لؤلؤ أبا أحمد في المصير إليه ومفارقة ابن طولون ويشترط
لنفسه شروطا فأجابه أبو أحمد إلى ما سأله وكان مقيما بالرقة فشخص عنها وحمل
جماعة من أهل الرافقة وغيرهم معه وصار إلى قرقيسيا وبها ابن صفوان العقيلي فحاربه
فأخذ لؤلؤ قرقيسيا وسلمها إلى أحمد بن مالك بن طوق وهرب بن صفوان وأقبل
لؤلؤ يريد بغداد (وفيها) رمى أبو أحمد الموفق بسهم رماه غلام رومي يقال
102

له قرطاس للخبيث بعد ما دخل أبو أحمد مدينته التي كان بناها لهدم سورها وكان
السبب في ذلك فيما ذكر أن الخبيث بهبوذ لما هلك طمع صاحب الزنج فيما كان
بهبوذ قد جمع من الكنوز والأموال وكان قد صح عنده أن ملكه قد حوى مائتي ألف
دينار وجوهرا وذهبا وفضة لها قدر فطلب ذلك بكل حيلة وحرص عليه وحبس أولياءه
وقرابته وأصحابه وضربهم بالسياط وأثار دورا من دوره وهدم أبنية من أبنيته
طمعا في أن يجد في شئ منها دفينا فلم يجد من ذلك شيئا وكان فعله الذي فعله بأولياء بهبوذ
في طلب المال أحد ما أفسد قلوب أصحابه ودعاهم إلى الهرب منه والزهد في صحبته فأمر
الموفق بالنداء في أصحاب بهبوذ بالأمان فنودي بذلك فسارعوا إليه راغبين فيه
فالحقوا في الصلات والجوائز والخلع والأرزاق بنظرائهم ورأى أبو أحمد لما كان
يتعذر عليه من العبور إلى عسكر الفاجر في الأوقات التي تهب فيها الرياح
وتحرك فيها الأمواج في دجلة أن يوسع لنفسه وأصحابه موضعا في الجانب الغربي
من دجلة ليعسكر به فيما بين دير جابيل ونهر المغيرة وأمر بقطع النخيل واصلاح
موضع الخندق وأن يحف بالخنادق ويحصن بالسور ليأمن بيات الفجار واغتيالهم إياه
وجعل على قواده نوائب فكان لكل واحد منهم نوبة يغدو إليها برجاله ومعه العمال
في كل يوم لاحكام أمر العسكر الذي عزم على اتخاذه هنالك فقابل الفاسق ذلك
بأن جعل على علي بن أبان المهلبي وسليمان بن جامع وإبراهيم بن جعفر الهمداني
نوبا فكان لكل واحد منهم يوم ينوب فيه وكان ابن الخبيث المعروف بانكلاى
يحضر في كل يوم نوبة سليمان وربما حضر في نوبة إبراهيم ثم إقامة الخبيث
مقام إبراهيم بن جعفر وكان سليمان بن جامع يحضر معه في نوبته وضم إليه الخبيث
سليمان بن موسى الشعراني وأخويه وكانوا يحضرون بحضوره ويغيبون بغيبته
وعلم الخبيث أن الموفق إذا جاوره في محاربته وقرب على من يريد اللحاق به
المسافة فيما يحاول من الهرب إليه مع ما يدخل قلوب أصحابه من الرهبة بتقارب
العسكرين أن في ذلك انتقاض تدبيره وفساد جميع أموره فأمر أصحابه بمحاربة
من يعبر من القواد في كل يوم ومنعهم من إصلاح ما يحاولون إصلاحه من أمر
103

عسكرهم الذي يريدون الانتقال إليه وعصفت الرياح في بعض تلك الأيام
وبعض قواد الموفق في الجانب الغربي لما كان يعبر له فانتهز الفاسق الفرصة في انفراد
هذا القائد وانقطاعه عن أصحابه وامتناع دجلة بعصوف الريح من أن يرام
عبورها فرمى القائد المقيم في غربي دجلة بجميع جيشه وكاثره برجاله ولم تجد
الشذوات التي كانت تكون مع القائد الموجه سبيلا إلى الوقوف بحيث كانت
تقف لحمل الرياح إياها على الحجارة وما خاف أصحابها عليها من التكسر فقوى
الزنج على ذلك القائد وأصحابه فأزالوهم من موضعهم وأدركوا طائفة منهم
فثبتوا فقتلوا عن آخرهم ولجأت طائفة إلى الماء فتبعهم الزنج فأسروا منهم
أسارى وقتلوا منهم نفرا وأفلت أكثرهم وأدركوا سفنهم فألقوا أنفسهم فيها
وعبروا إلى المدينة الموفقية فاشتد جزع الناس لما تهيأ للفسقة وعظم بذلك اهتمامهم
وتأمل أبو أحمد فيما كان دبر من النزول في الجانب الغربي من دجلة أنه أكدى
وما لا يؤمن من حيلة الفاسق وأصابه في انتهاز فرصة فيوقع بالعسكر بياتا أو يجد
مساغا إلى شئ مما يكون له فيه متنفس لكثرة الأدغال في ذلك الموضع وصعوبة
المسالك وأن الزنج على التوغل إلى المواضع الوحشة أقدر وهو عليهم أسهل من
أصحابه فانصرف عن رأيه في نزول غربي دجلة وجعل قصده لهم سور الفاسق
وتوسعة الطرق والمسالك منها لأصحابه فأمر عند ذلك ان يبدأ بهدم السور مما
يلي النهر المعروف بمنكى فكان تدبير الخبيث في ذلك توجيه ابنه المعروف بانكلاى
وعلي بن ابان وسليمان بن جامع للمنع من ذلك كل واحد منهم في نوبته في ذلك
اليوم فإذا كثر عليهم أصحاب الموفق اجتمعوا جميعا لمدافعة من يأتيهم فلما رأى
الموفق تحاشد الخبثاء وتعاونهم على المنع من الهدم للسور أزمع على مباشرة ذلك
وحضوره ليستدعى به جد أصحابه واجتهادهم ويزيد في عنايتهم ومجاهدتهم ففعل ذلك
واتصلت الحرب وغلظت على الفريقين وكثر القتلى والجراح في الحزبين كليهما
فأقام الموفق أياما يغادى الفسقة ويراوحهم فكانوا لا يفترون من الحرب في يوم
من الأيام وكان أصحاب أبي أحمد لا يستطيعون الولوج على الخبثة لقنطرتين كانتا على نهر
104

منكى كان الزنج يسلكونهما في وقت استعار الحرب فينتهون منهما إلى طريق
يخرجهم في ظهور أصحاب أبي أحمد فينالون منهم ويحجزونهم عن استتمام
ما يحاولون من هدم السور فرأى الموفق إعمال الحيلة في هدم هاتين القنطرتين
ليمنع الفسقة عن الطريق الذي كانوا يصيرون منه إلى استدبار أصحابه في وقت
احتدام الحرب فأمر قوادا من قواد غلمانه بقصد هاتين القنطرتين وأن يختلوا
الزنج وينتهزوا الفرصة في غفلتهم عن حراستهما وتقدم إليهم في أن يعدوا لهما
من الفؤوس والمناشير والآلات التي يحتاج إليها لقطعهما ما يكون عونا لهم على
الاسراع فيما يقصدون له من ذلك فانتهى الغلمان إلى ما أمروا به وصاروا إلى
نهر منكى وقت نصف النهار فبرز لهم الزنج فبادروا وتسرعوا فكان ممن تسرع
إليهم أبو النداء في جماعة من أصحابه يزيدون على الخمسمائة ونشبت الحرب
بين أصحاب الموفق والزنج فاقتتلوا صدر النهار ثم ظهر غلمان أبى أحمد على
الفسقة فكشفوهم عن القنطرتين فأصاب المعروف بأبي النداء سهم في صدره
وصل إلى قلبه فصرعه وحامى أصابه على جيفته فاحتملوها وولوا منهزمين
وتمكن قواد غلمان الموافق من قطع القنطرتين فقطعوهما وأخرجوهما إلى
دجلة وحملوا خشبهما إلى أبى أحمد وانصرفوا على حال سلامة وأخبروا الموفق
بقتل أبى النداء وقطع القنطرتين فعظم سروره وسرور أهل العسكر بذلك
وأمر لرامي أبى النداء بصلة وافرة وألح أبو أحمد على الخبيث وأشياعه بالحرب
وهدم من السور ما أمكنهم به الولوج عليهم فشغلوهم بالحرب في مدينتهم
عن المدافعة عن سورهم فأسرع الهدم فيه وانتهى منه إلى داري بن سمعان
وسليمان بن جامع فصار ذلك أجمع في أيدي أصحاب الموفق لا يستطيع الفسقة
دفعهم عنه ولا منعهم من الوصول إليه وهدمت هاتان الداران وانتهب ما فيهما
وانتهى أصحاب الموفق إلى سوق لصاحب الزنج كان اتخذها مظلة على دجلة
سماها الميمونة فأمر الموفق زيرك صاحب مقدمة أبى العباس بالقصد لهذه السوق
فقصد بأصحابه لذلك وأكب عليها فهدمت تلك السوق وأخربت فقصد الموفق
105

الدار التي كان صاحب الزنج اتخذها للجبائي فهدمها وانتهب ما كان فيها وفى
خزائن الفاسق كانت متصلة بها وأمر أصحابه بالقصد إلى الموضع الذي كان
الخبيث اتخذ فيه بناء سماه مسجد الجامع فاشتدت محاماة الفسقة عن ذلك والذب
عنه بما كان الخبيث يحضهم عليه ويوهمهم أنه يجب عليهم من نصرة المسجد
وتعظيمه فيصدقون قوله في ذلك ويتبعون فيه رأيه وصعب على أصحاب
الموفق ما كانوا يرومون من ذلك وتطاولت الأيام بالحرب على ذلك الموضع
والذي حصل مع الفاسق يومئذ نخبة أصحابه وأبطالهم والموطنون أنفسهم
على الصبر معه فحاموا جهدهم حتى لقد كانوا يقفون الموقف فيصيب أحدهم
السهم أو الطعنة أو الضربة فيسقط فيجذبه الذي إلى جنبه ويقف موقفه إشفاقا
من أن يخلو موقف رجل منهم فيدخل الخلل على سائر أصحابه فلما رأى
أبو أحمد صبر هذه العصابة ومحاماتها وتطاول الأيام بمدافعتها أمر أبا العباس بالقصد
لركن البناء الذي سماها الخبيث مسجدا وأن يندب لذلك أنجاد أصحابه وغلمانه
وأضاف إليهم الفعلة الذين كانوا أعدوا للهدم فإذا تهيأ لهم هدم شئ أسرعوا فيه
وأمر بوضع السلاليم على السور فوضعوها وصعد الرماة فجعلوا يرشقون بالسهام
من وراء السور من الفسقة ونظم الرجال من حد الدار المعروفة بالجبائي إلى
الموضع الذي رتب فيه أبا العباس وبذل الموفق الأموال والأطوقة والأسورة
لمن سارع إلى هدم سور الفاسق وأسواقه ودور أصحابه فتسهل ما كان يصعب
بعد محاربة طويلة وشدة فهدم البناء الذي كان الخبيث سماه مسجدا ووصل إلى
منبره فاحتمل فأتى به الموفق وانصرف به إلى مدينته الموفقية جذلا مسرورا
ثم عاد الموفق لهدم السور فهدمه من حد الدار المعروفة بانكلاى إلى الدار
المعروفة بالجبائي وأفضى أصحاب الموفق إلى دواوين من دواوين الخبيث وخزائن
من خزائنه فانتهبت وأحرقت وكان ذلك في يوم ذي ضباب شديد قد ستر بعض
الناس عن بعض فما يكاد الرجل يبصره صاحبه فظهر في هذا اليوم للموفق تباشير
الفتح فإنهم لعلى ذلك حتى وصل سهم من سهام الفسقة إلى الموفق رماه به غلام
106

رومي كان مع الفاسق يقال له قرطاس فأصابه في صدره وذلك في يوم الاثنين
لخمس بقين من جمادى الأولى سنة 296 فستر الموفق ما ناله من ذلك السهم وانصرف
إلى المدينة مع الموفقية فعولج في ليلته تلك من جراحته وبات ثم عاد إلى الحرب
على ما به من ألم الجراح ليشد بذلك قلوب أوليائه من أن يدخلها وهم أو ضعف
فزاد ما حمل نفسه عليه من الحركة في قوة علته فغلظت وعظم أمرها حتى خيف
عليه واحتاج إلى علاجه بأعظم ما يعالج به الجراح واضطرب لذلك العسكر والجند
والرعية وخافوا قوة الفاسق عليهم حتى خرج عن مدينته جماعة ممن كان مقيما بها
لما وصل إلى قلوبهم من الرهبة وحدثت في حال صعوبة العلة عليه حادثة في سلطانه
فأشار عليه مشيرون من أصحابه وثقاته بالرحلة عن معسكره إلى مدينة السلام
ويخلف من يقوم مقامه فأبى ذلك وخاف أن يكون فيه ائتلاف ما قد تفرق من
شمل الخبيث فأقام على صعوبة علته عليه وغلظ الامر الحادث في سلطانه فمن الله
بعافيته وظهر لقواده وخاصته وقد كان أطال الاحتجاب عنهم فقويت بذلك
منتهم وأقام متماثلا مودعا نفسه إلى شعبان من هذه السنة فلما أبل وقوى على النهوض
لحرب الفاسق تيقظ لذلك وعاود ما كان مواظبا عليه من الحرب وجعل الخبيث
لما صح عنده الخبر عما أصاب أبا أحمد يعد أصحابه العدات ويمنيهم الأماني الكاذبة وجعل
يحلف على منبره بعد ما اتصل به الخبر بظهور أبى أحمد وركوبه الشذا أن ذلك باطل لا
أصل له وأن الذي رأوه في الشذا مثال موه لهم وشبه لهم (وفيها) في يوم السبت للنصف
من جمادى الأولى شخص المعتمد يريد اللحاق بمصر وأقام يتصيد بالكحيل وقدم صاعد
ابن مخلد من عند أبي أحمد ثم شخص إلى سامرا في جماعة من القواد في جمادى الآخرة وقدم
قائدان لابن طولون يقال لأحدهما أحمد بن جيغويه وللآخر محمد بن عباس الكلابي
الرقة فلما صار المعتمد إلى عمل إسحاق بن كنداج وكان العامل على الموصل
وعامة الجزيرة وثب ابن كنداج بمن شخص مع المعتمد من سامرا يريد مصر وهم
تينك وأحمد بن خاقان وخطارمش فقيدهم وأخذ أموالهم ودوابهم ورقيقهم
وكان قد كتب إليه بالقبض عليهم وعلى المعتمد وأقطع إسحاق بن كنداج
107

ضياعهم وضياع فارس بن بغا وكان سبب وصوله إلى القبض على من ذكرت
أن المعتمد لما صار إلى عمله وقد نفذت إليه الكتب من قبل صاعد بالقبض
عليهم أظهر أنه معهم وعلى مثل رأيهم في طاعة المعتمد إذ كان الخليفة وأنه غير
جائز له الخلاف عليه وقد كان من مع المعتمد من القواد حذروا المعتمد المرور به
وخوفوه وثوبه بهم فأبى إلا المرور به فيما ذكروا قال لهم إنما هو مولاي وغلامي
وأريد أن أتصيد فإن في الطريق إليه صيدا كثيرا فلما صاروا في عمله لقيهم وسار
معهم كي يرد المعتمد فيما ذكر منزلا قبل وصوله إلى عمل ابن طولون فلما أصبح
ارتحل التباع والغلمان الذين كانوا مع المعتمد ومن شخص معه من سامرا وخلا
ابن كنداج بالقواد الذين مع المعتمد فقال لهم إنكم قد قربتم من عمل ابن طولون
والمقيم بالرقة من قراده وأنتم إذا صرتم إلى ابن طولون فالامر أمره وأنتم من
تحت يده ومن جنده أفترضون بذلك وقد علمتم أنه انما هو كواحد منكم وجرت بينه
وبينهم في ذلك مناظرة حتى تعالى النهار ولم يرتحل المعتمد بعد لاشتغال القواد
بالمناظرة بينهم بين يديه ولم يجتمع رأيهم بعد على شئ فقال لهم ابن كنداج
قوموا بنا حتى نتناظر في هذا في غير هذا الموضع وأكرموا مجلس أمير المؤمنين
عن ارتفاع الصوت فيه فأخذ بأيديهم وأخرجهم من مضرب المعتمد فأدخلهم
مضرب نفسه لأنه لم يكن بقى مضرب إلا قد مضى به غير مضربه لما كان من
تقدمه إلى فراشيه وغلمانه وحاشيته وأصحابه في ذلك اليوم ألا تبرحوا إلا ببراحه
فلما صاروا إلى مضربه دخل عليه وعلى من معه من القواد جلة غلمانه وأصحابه
وأحضرت القيود وشد غلمانه على كل من كان شخص مع المعتمد من سامرا من
القواد فقيدوهم فلما قيدوا وفرغ من أمرهم مضى إلى المعتمد فعذله في شخوصه
عن دار ملكه وملك آبائه وفراقه أخاه على الحال التي هو بها من حرب
من يحاول قتله وقتل أهل بيته وزوال ملكهم ثم حمله والذين كانوا معه في
قيودهم حتى وافى بهم سامرا (وفيها) قام رافع به هرثمة بما كان الخجستاني
غلب عليه من كور خراسان وقراها وكان رافع بن هرثمة قد اجتبى عدة من
108

كور خراسان خراجها سلفا لبضع عشرة سنة فأفقر أهلها وخربها (وفيها)
كانت وقعة بين الحسينيين والحسنيين والجعفريين فقتل من الجعفريين
ثمانية نفر وعلا الجعفريون فتخلصوا الفضل بن العباس العباسي العامل على
المدينة * وفى جمادى الآخرة عقد هارون بن الموفق لابن أبي الساج على الأنبار
وطريق الفرات ورحبة طوق وولى أحمد بن محمد الطائي الكوفة وسوادها
المعاون والخراج فصير المعاون باسم علي بن الحسين المعروف بكفتمر فلقى أحمد
ابن محمد الهيصم العجلي فيها فانهزم الهيصم واستباح الطائي أمواله وضياعه
(ولأربع خلون) من شعبان منها رد إسحاق بن كنداج المعتمد إلى سامرا فنزل
الجوسق المطل على الحير (ولثمان خلون) من شعبان خلع على ابن كنداج وقلد
سيفين بحمائل أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره وسمى ذا السيفين وخلع عليه
بعد ذلك بيومين قباء ديباج ووشاحان وتوج بتاج وقلد سيفا كل ذلك مفصص
بالجوهر وشيعه إلى منزله هارون بن الموفق وصاعد بن مخلد والقواد وتغدوا
عنده (وفى شعبان) من هذه السنة أحرق أصحاب أبي أحمد قصر الفاسق
وانتهبوا ما فيه
ذكر الخبر عن سبب ذلك وسبب وصولهم إليه
ذكر محمد بن الحسن أن أبا أحمد لما برأ الجرح الذي كان أصابه عاد الذي
كان عليه من مغاداة الفاسق الحرب ومراوحته وكان الخبيث قد أعاد بناء
بعض الثلم التي ثلمت في السور فأمر الموفق بهدم ذلك وهدم ما يتصل به وركب
في عشية من العشايا في أول وقت العصر وقد كانت الحرب متصلة في ذلك اليوم
مما يلي نهر منكى والفسقة مجتمعون في تلك الناحية قد شغلوا أنفسهم بها وظنوا
أنهم لا يحاربون إلا فيها فوافى الموفق وقد أعد الفعلة وقرب على نهر منكى
وناوش الفسقة فيه حتى إذا استعرت الحرب أمر الجذافين والاشتيامين أن
يحثوا السير حتى ينتهوا إلى النهر المعروف بجوى كور وهو نهر يأخذ من دجلة
أسفل من النهر المعروف بنهر أبى الخصيب ففعلوا ذلك فوافى جوى كور وقد
109

خلا من المقاتلة والرجال فقرب وأخرج الفعلة فهدموا من السور ما كان يلي
ذلك النهر وصعد المقاتلة وولجوا النهر فقتلوا فيه مقتلة عظيمة وانتهوا إلى قصور
من قصور الفسقة فانتهبوا ما كان فيها وأحرقوها واستفذوا عددا من النساء
اللواتي كن فيها وأخذوا خيلا من خيل الفجرة فحملوها إلى غربي دجلة فانصرف
الموفق في وقت غروب الشمس بالظفر والسلامة وغاداهم الحرب والقصد لهدم
السور فأسرع فيه حتى اتصل الهدم بدار المعروف بانكلاى وكانت متصلة بدار
الخبيث فما أعيت الحيل الخبيث في المنع من هدم السور ودفع أصحاب الموفق
عن ولوج مدينته أسقط في يديه ولم يدر كيف يحتال لجسيم ذلك فأشار عليه
علي بن أبان المهلبي بإجراء الماء على السباخ التي يسلكها أصحاب الموفق
لئلا يجدوا إلى سلوكها سبيلا وأن يحفر خنادق في مواضع عدة يعوقهم بها عن
دخول المدينة فإن حملوا أنفسهم على اقتحامها فوقعت عليهم هزيمة لم يسهل عليهم
الرجوع إلى سفنهم ففعلوا ذلك في عدة مواضع من مدينتهم وفى الميدان الذي
كان الخبيث جعله طريقا حتى انتهت تلك الخنادق إلى قريب من داره فرأى
الموفق بعد ما هيأ الله له من هدم سور مدينة الفاسق ما هيأ أن جعل قصده لطم
الخنادق والأنهار والمواضع المعورة كي تصلح فيها مسالك الخيل والرجالة فرام
ذلك فحامى عنه الفسقة ودامت الحرب وطالت ووصل إلى الفريقين من القتل
والجراح أمر عظيم حتى لقد عد الجرحى في بعض تلك الأيام زهاء ألفى جريح
وذلك لتقارب الفريقين في وقت القتال ومنع الخنادق كل فريق منهم عن إزالة
من بإزائه عن موضعهم فلما رأى ذلك الموفق قصد لاحراق دار الخبيث والهجوم
عليها من دجلة وكان يعوق عن ذلك كثرة ما أعد الخبيث من المقاتلة والحماة
عن داره فكانت الشذا إذا قربت من قصره رموا من سوره ومن أعلى القصر
بالحجارة والنشاب والمقاليع والمجانيق والعرادات وأذيب الرصاص وأفرغ
عليهم فكان إحراق داره يتعذر عليهم لما وصفنا فأمر الموفق بإعداد ظلال
من خشب للشذا وإلباسها جلود الجواميس وتغطية ذلك بالخيش المطلى بصنوف
110

العقاقير والأدوية التي تمنع النار من الاحراق فعمل ذلك وطليت به عدة شذوات
ورتب فيها جميعا شجعاء غلمانه الرامحة والناشبة وجمعا من حذاق النفاطين
وأعدهم لاحراق دار الفاسق صاحب الزنج (فاستأمن) إلى الموفق محمد بن
سمعان كاتب الخبيث ووزيره في يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة بقيت من شعبان
سنة 269 وكان سبب استئمانه فيما ذكر محمد بن الحسن أنه كان ممن امتحن
بصحبته وهولها كاره على علم منه بضلالته قال وكنت له على ذلك مواصلا وكنا
جميعا ندبر الحيلة في التخلص فيتعذر علينا فلما نزل بالخبيث من الحصار ما نزل
وتفرق عنه أصحابه وضعف أمره شمر في الحيلة للخلاص وأطلعني على ذلك وقال
قد طبت نفسا بأن لا أستصحب ولدا ولا أهلا وأن أنجو وحيدا فهل لك في مثل
ما عزمت عليه فقلت له الرأي لك ما رأيت إذ كنت إنما تخلف ولدا صغيرا
لا سبيل للخائن عليه إلى أن يصول به أو أن يحدث عليك فيه حدثا يلزمك عاره
فأما أنا فإن معي نساء يلزمني عارهن ولا يسعى تعريضهن لسطوة الفاجر فامض
لشأنك فأخبر عنى بما علمت من نيتي في مخالفة الفاجر وكراهة صحبته وإن هيأ
الله لي الخلاص بولدي فأنا سريع اللحاق بك وإن جرت المقادير فينا بشئ كنا معا
وصبرنا فوجه محمد بن سمعان وكيلا له يعرف بالعراقي فأتى عسكر الموفق فأخذ
له ما أراد من الأمان وأعد له الشذا فوافته في السبخة في اليوم الذي ذكرنا فصار
إلى عسكر الموفق وأعاد الموفق محاربة الخبيث والقصد للاحراق من غد اليوم
الذي استأمن فيه محمد بن سمعان وهو يوم السبت لاحدى عشرة ليلة
بقيت من شعبان سنة 269 في أحسن زي وأكمل عدة ومعه الشذوات
المطلية بما وصفنا وسائر شذواته وسميرياته فيها مواليه وغلمانه والمعابر التي فيها
الرجالة فأمر الموفق ابنه أبا العباس بالقصد إلى دار محمد بن يحيى المعروف بالكرنبائي
وهى بإزاء دار الخائن في شرقي النهر المعروف بأبي الخصيب يشرع على النهر وعلى دجلة
وتقدم إليها في إحراقها وما يليها من منازل قواد الخائن وشغلهم بذلك عن انجاده
ومعاونته وأمر المرتبين في الشذا المظللة بالقصد لما كان مطلا على دجلة من
111

رواشين الخبيث وأبنيته ففعلوا ذلك وألصقوا شذواتهم بسور القصر وحاربوا
الفجرة أشد حرب ونضحوهم بالنيران وصبر الفسقة وقاتلوا فرزق الله النصر
عليهم فتزحزحوا عن تلك الرواشين والأبنية التي كانوا يحامون عليها وأحرقها
غلمان الموفق وسلم من كان في الشذا مما كان الخبثاء يكيدونهم به من النشاب
والحجارة وصب الرصاص المذاب وغير ذلك بالضلال التي كان اتخذها على الشذا
فكان ذلك سببا لتمكنها من دار الخبيث وأمر الموفق من كان في الشذا بالرجوع
فرجعوا فأخرج من كان فيها من الغلمان ورتب فيها آخرين وانتظر إقبال المد
وعلوه فلما تهيأ ذلك عادت الشذوات المظللة إلى قصر الخبيث فأمر الموفق من كان
فيها بإحراق بيوت كانت تشرع على دجلة من قصر الفاسق ففعلوا ذلك فاضطرمت
النار في هذه البيوت واتصلت بما يليها من الستارات التي كان الخبيث ظلل بها داره
وستوره كانت على أبوابه فقويت النار عند ذلك على الاحراق وأعجلت الخبيث
ومن كان معه عن التوقف على شئ مما كان في منزله من أمواله وذخائره وأثاثه
وسائر أمتعته فخرج هاربا وترك ذلك كله وعلا غلمان الموفق قصر الخبيث مع
أصحابهم فانتهبوا ما لم يأت النار عليه من الأمتعة الفاخرة والذهب والفضة والجوهر
والحلى وغير ذلك واستنقذوا جماعة من النساء اللواتي كان الخبيث استرقهن ودخل
غلمان الموفق سائر دور الخبيث ودور ابنه انكلاى فأضرموها نارا وعظم سرور
الناس بما هيأ الله لهم في هذا اليوم فأقام جماعة يحاربون الفسقة في مدينتهم وعلى
باب قصر الخبيث مما يلي الميدان فأثخنوا فيهم القتل والجراح والأسر وفعل
أبو العباس في دار المعروف بالكرنبائي وما يتصل بها من الاحراق والهدم والنهب
مثل ذلك وقطع أبو العباس يومئذ سلسلة حديد عظيمة وثيقة كان الخبيث قطع بها
نهر أبى الخصيب ليمنع الشذا من دخوله وحازها فحملت في بعض شذواته وانصرف
الموفق بالناس صلاة المغرب بأجمل ظفر وقد نال الفاسق في ذلك اليوم في نفسه
وماله وولده وما كان غلب عليه من نساء المسلمين مثل الذي أصاب المسلمين منه
من الذعر والجلاء وتشتيت الشمل والمصيبة في الأهل والولد وجرح ابنه
112

المعروف بانكلاى في هذا اليوم جراحة شديدة في بطنه أشفى منها على التلف
(وفى غد) هذا اليوم وهو يوم الأحد لعشر بقين من شعبان من هذه السنة
غرق نصير
ذكر سبب غرقه
ذكر محمد بن الحسن أنه لما كان غد هذا اليوم باكر الموفق محاربة الخبيث
وأمر نصيرا المعروف بأبي حمزة بالقصد لقنطرة كان الخائن عملها بالساج على
النهر المعروف بأبي الخصيب دون الجسرين اللذين كان اتخذهما عليه وأمر زيرك
باخراج أصحابه مما يلي دار الجبائي لمحاربة من هناك من الفجرة وإخراج جمعا من
قواده مما يلي دار انكلاى لمحاربتهم أيضا فتسرع نصير فدخل نهر أبى الخصيب في
أول المد في عدة من شذواته فحملها المد فألصقها بالقنطرة ودخلت عدة من شذوات
موالى الموفق وغلمانه ممن لم يكن أمر بالدخول فحملهم المد فألقاهم على شذوات
نصير فصكت الشذوات بعضها بعضا حتى لم يكن للاشتيامين والجذافين فيها حيلة
ولا عمل ورأى الزنج ذلك فاجتمعوا على الشذوات وأحاطوا بها من جانبي نهر
أبى الخصيب فألقى الجذافون أنفسهم في الماء ذعرا ووجلا ودخل الزنج الشذوات
فقتلوا بعض المقاتلة وغرق أكثرهم وحاربهم نصير في شذواته حتى خاف الأسر
فقذف نفسه في الماء فغرق وأقام الموفق في يومه يحارب الفسقة وينهب ويحرق
منازلهم ولم يزل باقي يومه مستعليا عليهم وكان ممن حامى على قصر الخائن يومئذ
وثبت في أصحابه سليمان بن جامع فلم تزل الحرب بين أصحاب الموفق وبينه وهو
مقيم بموضعه لم يزل عنه إلى أن خرج في ظهره كمين من غلان الموفق السودان
فانهزم لذلك واتبعه الغلمان يقتلون أصحابه ويأسرون منهم وأصابت سليمان في
هذا الوقت جراحة في ساقه فهوى لفيه في موضع قد كان الحريق ناله ببعض جمر
فيه فاحترق بعض جسده وحامى عليه جماعة من أصحابه فنجا بعد أن كاد الأسر
يحيط به وانصرف الموفق ظافرا سالما وضعفت الفسقة واشتد خوفهم لما رأوا
من إدبار أمرهم وعرضت لأبي أحمد علة من وجع المفاصل فأقام فيها بقية شعبان
113

وشهر رمضان وأياما من شوال ممسكا عن حرب الفاسق فلما استبل من علته
وتماثل أمر بإعداد ما يحتاج إليه للقاء الفسقة فتأهب لذلك جميع أصحابه (وفى
هذه السنة) كانت وفاة عيسى بن الشيخ بن السليل (وفيها) لعن ابن طولون
المعتمد في دار العامة وأمر بلعنه على المنابر وصار جعفر المفوض إلى مسجد
الجامع يوم الجمعة ولعن ابن طولون وعقد لإسحاق ابن كنداج على أعمال ابن طولون
وولى من باب الشماسية إلى أفريقية وولى شرطة الخاصة (وفى شهر) رمضان
منها كتب أحمد بن طولون إلى أهل الشأم يدعوهم إلى نصر الخليفة ووجد فيج
يريد ابن طولون معه كتب من خليفته جواب بأخبار فأخذ جواب فحبس وأخذ
له مال ورقيق ودواب (وفى شوال) منها كانت وقعة بين ابن أبي الساج والاعراب
فهزموه فيها ثم بيتهم فقتل منهم وأسروا ووجه بالرؤس والأسارى إلى بغداد فوصلت
في شوال منها (ولاحدى) عشرة ليلة بقيت من شوال منها عقد جعفر المفوض لصاعد
ابن مخلد على شهر زور دراباذ والصامغان وحلوان وماسبذان ومهرجانقذف وأعمال
الفرات وضم إليه قواد موسى بن بغا خلا أحمد بن موسى وكيغلغ وإسحاق بن كنداجيق
ما ساتكين فعقد صاعد للؤلؤ على ما عهد له عليه من ذلك المفوض يوم السبت لثمان بقين
من شوال وبعث إلى ابن أبي الساج بعقد من قبله على العمل الذي كان يتولاه
وكان يتولى الأنبار وطريق الفرات ورحبة طوق بن مالك بن قبل هارون بن
الموفق وكان شخص إليها في شهر رمضان فلما ضم ذلك إلى صاعد أقره صاعد
على ما كان إليه من ذلك (وفى آخر) شوال منها دخل ابن أبي الساج رحبة
طوق بن مالك بعد أن حاربه أهلها فغلبهم وهرب أحمد بن مالك بن طوق إلى
الشأم ثم صار ابن أبي الساج إلى قرقيسياء فدخلها وتنحى عنها ابن صفوان العقيلي
(وفى يوم الثلاثاء) لعشر خلون من شوال من هذه السنة كانت بين أبى أحمد
وبين الزنج وقعة في مدينة الفاسق أثر فيها آثارا وصل بها إلى مراده منها
ذكر السبب في هذه الواقعة وما كان منها
ذكر محمد بن الحسن أن الخبيث عدو الله كان في مدة اشتغال الموفق بعلته
114

أعاد القنطرة التي كانت شذوات نصير لحجت فيها وزاد فيها ما ظن أنه قد
أحكمها ونصب دونها إذ قال ساج وصل بعضها ببعض وألبسها الحديد وسكر
أمام ذلك سكرا بالحجارة ليضيق المدخل على الشذا وتحتد جرية الماء في النهر
المعروف بأبي الخصيب فيهاب الناس دخوله فندب الموفق قائدين من قواد غلمانه
في أربعة آلاف من الغلمان وأمرهما أن يأتيا نهر أبى الخصيب فيكون أحدهما
في شرقيه والآخر في غربيه حتى يوافيا القنطرة التي أصلحها الفاجر وما عمل
في وجهها من السكر فيحاربا أصحاب الخبيث حتى يجلياهم عن القنطرة وأعد معهما
النجارين والفعلة لقطع القنطرة والبدود التي كانت جعلت أمامها وأمر بإعداد
سفن محشوة بالقصب المصبوب عليه النفط لتدخل ذلك النهر المعروف بأبي
الخصيب وتضرم نارا لتحترق بها القنطرة في وقت المد فركب الموفق في هذا
اليوم في الجيش حتى وافى فوهة نهر أبى الخصيب وأمر باخراج المقاتلة في عدة
مواضع من أعلى عسكر الخبيث وأسفله ليشغلهم بذلك عن التعاون على المنع
عن القنطرة وتقدم القائدان في أصحابهما وتلقاهما أصحاب الخائن من الزنج
وغيرهم يقودهم ابنه انكلاى وعلي بن أبان المهلبي وسليمان بن جامع فاشتبكت
الحرب بين الفريقين ودامت وقاتل الفسقة أشد قتال محاماة عن القنطرة
وعلموا ما عليهم في قطعها من الضرر وأن الوصول إلى ما بعدها من الجسرين
العظيمين اللذين كان الخبيث اتخذهما على نهر أبى الخصيب سهل مرامه
فكثر القتل والجراح بين الفريقين واتصلت الحرب إلى وقت صلاة العصر
ثم إن غلمان الموفق أزالوا الفسقة عن القنطرة وجاوزوها فقطعها النجارون
والفعلة ونقضوها وما كان اتخذ من البدود التي ذكرناها وكان الفاسق
أحكم أمر هذه القنطرة والبدود إحكاما تعذر على الفعلة والنجارين الاسراع في
قطعها فأمر الموفق عند ذلك بادخال السفن التي فيها القصب والنفط وضربها بالنار
وإرسالها مع الماء ففعل ذلك فوافت السفن القنطرة فأحرقتها ووصل النجارون
إلى ما أرادوا من قطع البدود فقطعوها وأمكن أصحاب الشذا دخول النهر فدخلوه
115

وقوى نشاط الغلمان بدخول الشذا فكشفوا أصحاب الفاجر عن مواقفهم حتى
بلغوا بهم الجسر الأول الذي يتلو هذه القنطرة وقتل من الفجرة خلق كثير
واستأمن فريق منهم فأمر الموفق أن يخلع عليهم في ساعتهم تلك وأن يوقفوا
بحيث يراهم أصحابهم ليرغبوا في مثل ما صاروا إليه وانتهى الغلمان إلى الجسر الأول
وكان ذلك قبيل المغرب فكره الموفق أن يظلم الليل والجيش موغل في نهر أبى
الخصيب فيتهيأ للفجرة بذلك انتهاز فرصة فأمر الناس بالانصراف فانصرفوا
سالمين إلى المدينة الموفقية وأمر الموفق بالكتاب إلى النواحي بما هيأ الله له من
الفتح والظفر ليقرأ بذلك على المنابر وأمر بإثابة المحسنين من غلمانه على قدر غنائهم
وبلائهم وحسن طاعتهم ليزدادوا بذلك جدا واجتهادا في حرب عدوهم ففعل
ذلك وعبر الموفق في نفر من مواليه وغلمانه في الشذوات والسميريات وما خف
من الزواريق إلى فوهة نهر أبي الخصيب وقد كان الخبيث ضيقها ببرجين
عملهما بالحجارة ليضيق المدخل وتحتد الجرية فإذا دخلت الشذا النهر
لحجت فيه ولم يسهل السبيل إلى إخراجها منه فأمر الموفق بقطع ذينك البرجين
فعمل فيهما نهار ذلك اليوم ثم انصرف العمال وعادوا من غد لاستتمام قلع ما بقى
من ذلك فوجدوا الفجرة قد أعادوا ما فلع منهما في ليلتهم تلك فأمر بنصب عرادتين
قد كانتا أعدنا في سفينتين نصبتا حيال نهر أبى الخصيب وطرحت لهما الأناجر
حتى استقرتا ووكل بهما جماعة من أصحاب الشذا وأمر بقطع هذين البرجين
وتقدم إلى أصحاب العرادتين في رمى كل من دنا من أصحاب الفاسق لإعادة شئ
من ذلك في ليل أو نهار فتحامى الفجرة الدنو من الموضع وأحجموا عنه وألح
الموكلون بقلع هذه الحجارة بعد ذلك حتى استتموا ما أرادوا واتسع المسك للشذا
في دخول النهر والخروج منه (وفى هذه السنة) تحول الفاسق من غربي نهر أبى
الخصيب إلى شرقيه وانقطعت عنه الميرة من كل وجهة
116

ذكر الخبر عن حاله وحال أصحابه وما آل إليه أمرهم
عند انتقاله من الجانب الغربي
ذكر أن الموفق لما أخرب منازل صاحب الزنج وحرقها لجأ إلى التحصن
في المنازل الواغلة في نهر أبى الخصيب فنزل منزلا كان لأحمد بن موسى المعروف
بالقلوص وجمع عياله وولده حوله هناك ونقل أسواقه إلى السوق القريبة من
الموضع الذي اعتصم به وهى سوق كانت تعرف بسوق الحسين وضعف أمره
ضعفا شديدا وتبين للناس زوال أمره فتهيبوا جلب الميرة إليه فانقطعت عنه كل
مادة فبلغ عنده الرطل من خبز البر عشرة دراهم فأكلوا الشعير ثم أكلوا أصناف
الحبوب ثم لم يزل الامر بهم إلى أن كانوا يتبعون الناس فإذا خلا أحدهم بامرأة
أو صبي أو رجل ذبحه وأكله ثم صار قوى الزنج يعدو على ضعيفهم فكان إذا
خلا به ذبحه وأكل لحمه ثم أكلوا لحوم أولادهم ثم كانوا ينبشون الموتى فيبيعون
أكفانهم ويأكلون لحومهم وكان لا يعاقب الخبيث أحدا ممن فعل شيئا من ذلك
إلا بالحبس فإذا تطاول حبسه أطلقه * وذكر أن الفاسق لما هدمت داره
وأحرقت وانتهب ما فيها وأخرج طريدا سليبا من غربي نهر أبى الخصيب تحول
إلى شرقيه فرأى أبو أحمد أن يخرب عليه الجانب الشرقي لتصير حال الخبيث فيه
كحاله؟؟ في الغربي في الجلاء عنه فأمر ابنه أبا العباس بالوقوف في جمع من أصحابه
في الشذا في نهر أبى الخصيب وأن يختار من أصحابه وغلمانه جمعا يخرجهم في
الموضع الذي كانت فيه دار الكرنبائي من شرقي نهر أبى الخصيب ويخرج معهم
الفعلة لهدم كل ما يلقاهم من دور أصحاب الفاجر ومنازلهم ووقف الموفق على
قصر المعروف بالهمداني وكان الهمداني يتولى حياطة هذا الموضع وهو أحد قادة
جيوش الخبيث وقدماء أصحابه وأمر الموفق جماعة من قواده ومواليه فقصدوا
لدار الهمداني ومعهم الفعلة وقد كان هذا الموضع محصنا بجمع كثير من أصحاب
الخبيث من الزنج وغيرهم وعليه عرادات ومجانيق منصوبة وقسى ناوكية
فاشتبكت الحرب وكثر القتلى والجراح إلى أن كشف أصحاب الموفق الخبثاء
117

ووضعوا فيهم السلاح فقتل منهم مقتلة عظيمة وفعل أصحاب أبي العباس مثل
ذلك بمن مر بهم من الفسقة والتقى أصحاب الموفق وأصحاب أبي العباس فكانوا يدا
واحدة على الخبثاء فولوا منهزمين وانتهوا إلى دار الهمداني وقد حصنها ونصب
عليها العرادات وحفها بأعلام بيض من أعلام الفاجر مكتوب عليها اسمه فتعذر
على أصحاب الموفق تسور هذه الدار لعلو سورها وحصانتها فوضعوا عليها السلاليم
الطوال فلم تبلغ آخره فرمى بعض غلمان الموفق بكلاليب كانوا أعدوها وجعلوا
فيها الحبال لمثل هذا الموضع فأثبتوها في أعلام الفاسق وجذبوها فانقلبت الاعلام
منكوسة من أعلى السور حتى صارت في أيدي أصحاب الموفق فلم يشك
المحامون عن هذه الدار أن أصحاب أبي أحمد قد علوها فوجلوا فانهزموا وأسلموها
وما حولها وصعد النفاطون فأحرقوا ما كان عليها من المجانيق والعرادات وما كان
فيها للهمداني من متاع وأثاث وأحرقوا ما كان حولها من دور الفجرة واستنقذوا
في هذا اليوم من نساء المسلمين المأسورات عددا كثيرا فأمر الموفق بحملهن
في الشذا والسميريات والمعابر إلى الموفقية والاحسان إليهن ولم تزل الحرب
في هذا اليوم قائمة من أول النهار إلى بعد صلاة العصر واستأمن يومئذ
جماعة من أصحاب الفاسق وجماعة من خاصة غلمانه الذين كانوا في داره
يلون خدمته والوقوف على رأسه فآمنهم الموفق وأمر بالاحسان إليهم وأن
يخلع عليهم ويوصلوا ويجرى لهم الأرزاق وانصرف الموفق وأمر أن تنكس أعلام
الفاسق في صدور الشذوات ليراها أصحابه ودلت جماعة من المستأمنة الموفق على
سوق عظيمة كانت للخبيث في ظهر دار الهمداني متصلة بالجسر الأول المعقود
على نهر أبى الخصيب كان الخبيث سماها المباركة وأعلموه أنه إن تهيأ له إحراقها
لم يبق لهم سوق وخرج عنهم تجارهم الذين بهم فوامهم؟؟ واستوحشوا لذلك
واضطروا إلى الخروج في الأمان فعزم الموفق عند ذلك على قصد هذه السوق
وما يليها بالجيوش من ثلاثة أوجه فأمر أبا العباس بقصد جانب من هذه
السوق مما يلي الجسر الأول وأمر راشدا مولاه بقصدها مما يلي دار الهمداني
118

وأمر قوادا من قواد غلمانه السودان بالقصد لها من نهر أبى شاكر ففعل كل
فريق ما أمر به ونذر الزنج بمسير الجيوش إليهم فنهضوا في وجوههم واستعرت
الحرب وغلظت فأمد الفاجر أصحابه وكان المهلبي وانكلاى وسليمان بن جامع
في جميع أصحابهم بعد أن تكاملوا ووافتهم أمداد الخبيث بهذه السوق يحامون عنها
ويحاربون فيها أشد حرب وقد كان أصحاب الموفق في أول خروجهم إلى هذا
الموضع وصلوا إلى طرف من أطراف هذه السوق فأضرموه نارا فاحترق فاتصلت
النار بأكثر السوق فكان الفريقان يتحاربون والنار محيطة بهم ولقد كان ما علا
من ظلال يحترق فيقع على رؤوس المقاتلة فربما أحرق بعضهم وكانت هذه
حالهم إلى مغيب الشمس وإقبال الليل ثم تحاجزوا وانصرف الموفق وأصحابه إلى
سفنهم ورجع الفسقة إلى طاغيتهم بعد أن احترق السوق وجلا عنها أهلها ومن كان
فيها من تجار عسكر الخائن وسوقتهم فصاروا في أعلى مدينته بما تخلصوا به من
أموالهم وأمتعتهم وقد كانوا تقدموا في نقل جل تجارتهم وبضائعهم من هذه
السوق خوفا من مثل الذي نالهم في اليوم الذي أظفر الله فيه الموفق بدار الهمداني
وهيأ له إحراق ما أحرق حولها ثم إن الخبيث فعل في الجانب الشرقي من حفر
الخنادق وتعوير الطرق ما كان فعل في الجانب الغربي بعد هذه الوقعة واحتفر
خندقا عريضا من حد جوى كور إلى نهر الغربي وكان أكثر عنايته بتحصين
ما بين دار الكرنبائي إلى النهر المعروف بجوى كور لأنه كان في هذا الموضع
حل منازل أصحابه ومساكنهم وكان من حد جوى كور إلى نهر الغربي بساتين
ومواضع قد أخلوها والسور والخندق محيطان بها وكانت الحرب إذا وقعت في
هذا الموضع قصدوا من موضعهم إليه للمحاماة عنه والمنع منه فرأى الموفق عند
ذلك أن يخرب باقي السور إلى نهر الغربي ففعل ذلك بعد حرب طويلة في مدة
بعيدة وكان الفاسق في الجانب الشرقي من نهر الغربي في عسكر فيه جمع من الزنج
وغيرهم متحصنين بسور منيع وخنادق وهم أجلد أصحاب الخبيث وشجعانهم
فكانوا يحامون عما قرب من سور نهر الغربي وكانوا يخرجون في ظهور أصحاب
119

الموفق في وقت الحرب على جوى كور وما يليه فأمر الموفق بقصد هذا الموضع
ومحاربة من فيه وهدم سوره وإزالة المتحصنين به فتقدم عند ذلك إلى أبى العباس وعدة
من قواد غلمانه ومواليه في التأهب لذلك ففعلوا ما أمروا به وصار الموفق بمن أعده إلى
نهر الغربي وأمر بالشذا فنظمت من حد النهر المعروف بجوى كور إلى الموضع
المعروف بالدباسين وخرج المقاتلة على جنبتي نهر الغربي ووضعت السلاليم على
السور وقد كانت لهم عليه عدة عرادات ونشبت الحرب ودامت مذ أول النهار
إلى بعد الظهر وهدم من السور مواضع وأحرق ما كان عليه من العرادات وتحاجز
الفريقان وليس لأحدهما فضل على صاحبه إلا ما وصل إليه أصحاب الموفق من
هذه المواضع التي هدموها واحراق العرادات ونال الفريقين من ألم الجراح أمر
غليظ موجع فانصرف الموفق وجميع أصحابه إلى الموفقية فأمر بمداواة الجرحى
ووصل كل امرئ على قدر الجراح التي أصابته وعلى ذلك كان أجرى التدبير في
جميع وقائعه منذ أول محاربته الفاسق إلى أن قتله الله وأقام الموفق بعد هذه الوقعة
مدة ثم رأى معاودة هذا الموضع والتشاغل به دون المواضع لما رأى من حصانته
وشجاعة من فيه وصبرهم وأنه لا يتهيأ ما يقدر فيما بين نهر الغربي وجوى كور
إلا بعد إزالة هؤلاء فأعد ما يحتاج إليه من آلات الهدم واستكثر من الفعلة
وانتخب المقاتلة الناشبة والرامحة والسودان أصحاب السيوف وقصد هذا الموضع
على مثل قصده له المرة الأولى فأخرج الرجالة في المواضع التي رأى اخراجهم
فيها وأدخل عددا من الشذا النهر ونشبت الحرب ودامت وصبر الفسقة أشد صبر
وصبر لهم أصحاب الموفق واستمد الفسقة طاغيتهم فوافاهم المهلبي وسليمان بن جامع في
جيشهما فقويت قلوبهم عند ذلك وحملوا على أصحاب الموفق وخرج سليمان كمينا مما
يلي جوى كور فأزالوا أصحاب الموفق حتى انتهوا إلى سفنهم وقتلوا منهم جماعة
وانصرف الموفق ولم يبلغ كل الذي أراد وتبين أنه قد كان يجب أن يحارب الفسقة
من عدة مواضع ليفرق جمعهم فيخف وطأهم على من يقصد لهذا الموضع الصعب
وينال منه ما يحب فعزم على معاودتهم وتقدم إلى أبى العباس وغيره من قواده في
120

العبور واختيار انجاد رجالهم ووكل مسرورا مولاه بالنهر المعروف بمنكى وأمره
أن يخرج رجاله في ذلك الموضع وما يتصل به من الجبال والنخل لتشتغل قلوب
الفجرة وليروا أن عليهم تدبيرا من تلك الجهة وأمر أبا العباس بإخراج أصحابه
على جوى كور ونظم الشذا على هذه المواضع حتى انتهى إلى الموضع المعروف
بالدباسين وهو أسفل نهر الغربي وصار الموفق إلى نهر الغربي وأمر قواد غلمانه
أن يخرجوا في أصحابهم فيحاربوا الفسقة في حصنهم ومعقلهم وألا ينصرفوا عنهم
حتى يفتح الله لهم أو يبلغ ارادته منهم ووكل بالسور من يهدمه وتسرع الفسقة
كعادتهم وأطمعهم ما تقدم من الوقعتين اللتين ذكرناهما فثبت لهم غلمان
الموفق وصدقوهم اللقاء فأنزل الله عليهم نصره فأزالوا الفسقة عن مواقفهم
وقوى أصحاب الموفق فحملوا عليهم حملة كشفوهم بها فانهزموا وخلوا عن
حصنهم وصار في أيدي غلمان الموفق فهدموه وأحرقوا منازلهم وغنموا ما كان
فيها واتبعوا المنهزمين منهم فقتلوا منهم مقتلة عظيمة وأسروا واستنقذوا من
هذا الحصن من النساء المأسورات خلقا كثيرا فأمر الموفق بحملهن والاحسان
إليهن وأمر أصحابه بالرجوع إلى سفنهم ففعلوا وانصرف إلى عسكره بالموفقية
وقد بلغ ما حاول من هذا الموضع (وفيها) دخل الموفق مدينة الفاسق وأحرق
منازله من الجانب الشرقي من نهر أبى الخصيب
ذكر الخبر عن سبب وصوله إلى ذلك
ذكر أن أبا أحمد لما أراد ذلك بعد هدمه سور داره ذلك أقام يصلح المسالك
في جنبتي نهر أبى الخصيب وفى قصر الفاسق ليتسع على المقاتلة الطريق في الدخول
والخروج للحرب وأمر بقلع باب قصر الخبيث الذي كان انتزعه من حصن أروخ
بالبصرة فقلع وحمل إلى مدينة السلام ثم رأى القصد لقطع الجسر الأول الذي
كان على نهر أبى الخصيب لما في ذلك من منع معاونة بعضهم بعضا عند وقوع
الحرب في نواحي عسكرهم فأمر بإعداد سفينة كبيرة تملأ قصبا قد سقى النفط
وأن ينصب في وسط السفينة دقل طويل يمنعها من مجاوزة الجسر إذا ألصقت به
121

وانتهز الفرصة في غفلة الفسقة وتفرقهم فلما وجد ذلك في آخر النهار قدمت
السفينة فجرها الشذا حتى وردت النهر وأشعل فيها النيران وأرسلت وقد قوى
المد فوافت القنطرة ونذر الزنج بها وتجمعوا وكثروا حتى ستروا الجسر وما يليه
وجعلوا يقذفون السفينة بالحجارة والآجر ويهيلون عليها التراب ويصبون الماء
وغاص بعضهم فنقبها وقد كانت أحرقت من الجسر شيئا يسيرا فأطفأه الفسقة
وغرقوا السفينة وحازوها فصارت في أيديهم فلما رأى أبو أحمد فعلهم ذلك عزم
على مجاهدتهم على هذا الجسر حتى يقطعه فسمى لذلك قائدين من قواد غلمانه
وأمرهما بالعبور في جميع أصحابهما في السلاح الشاك واللامة الحصينة والآلات
المحكمة وإعداد النفاطين والآلات التي تقطع بها الجسور فأمر أحد القائدين أن
يقصد غربي النهر وجعل الآخر في شرقيه وركب الموفق في مواليه وخدامه
وغلمانه الشذوات والسميريات وقصد فوهة نهر أبى الخصيب وذلك في غداة يوم
السبت لأربع عشرة ليلة خلت من شوال سنة 269 فسبق إلى الجسر القائد الذي
كان أمر بالقصد له من غربي نهر أبى الخصيب فأوقع بمن كان موكلا به من أصحاب
الفاسق وقتلت منهم جماعة وضرب الجسر بالنار وطرح عليه القصب وما كان أعد
له من الأشياء المحرقة فانكشف من كان هناك من أعوان الخبيث ووافى بعد ذلك
من كان أمر بالقصد للجسر من الجانب الشرقي ففعلوا ما أمروا به من إحراقه
وقد كان الخبيث أمر ابنه أنكلاى وسليمان بن جامع بالمقام في جيشهما للمحاماة
عن الجسر والمنع من قطعه ففعلا ذلك فقصد إليهما من كان بإزائهما وحاربوهم حربا
غليظا حتى انكشفا وتمكنوا من إحراق الجسر فأحرقوه وتجاوزوه إلى الحظيرة
التي كان يعمل فيها شذوات الفاسق وسميرياته وجميع الآلات التي كان يحارب
بها فأحرق ذلك عن آخره الا شيئا يسيرا من الشذوات والسميريات كان في النهر
وانهزم انكلاى وسليمان بن جامع وانتهى غلمان الموفق إلى سجن كان للخبيث
في غربي نهر أبى الخصيب فحامى عنه الزنج ساعة من النهار حتى أخرجوا منه جماعة
وغلبهم عليه غلمان الموفق فتخلصوا من كان فيه من الرجال والنساء وتجاوز
122

من كان في الجانب الشرقي من غلمان الموفق بعد أن أحرقوا ما ولوا من الجسر
إلى الموضع المعروف بدار مصلح وهو من قدماء قواد الفاسق فدخلوا داره
وأنهبوها وسبوا ولده ونساءه وأحرقوا ما تهيأ لهم إحراقه في طريقهم وبقيت من
الجسر في وسط منه أد قال قد كان الخبيث أحكمها فأمر الموفق أبا العباس بتقديم
عدة من الشذا إلى ذلك الموضع ففعل ذلك فكان فيمن تقدم زيرك في عدد من
أصحابه فوافى هذه الادقال وأخرجوا إليها قوما كانوا أعدوهم لهما معهم الفؤوس
والمناشير فقطعوها وجذبت وأخرجت عن النهر وسقط ما بقى من القنطرة ودخلت
شذوات الموفق النهر وسار القائدان في جميع أصحابهما على حافتيه فهزم أصحاب
الفاجر في الجانبين وانصرف الموفق وجميع أصحابه سالمين واستنقذ خلق كثير وأتى
الموفق بعدد كثير من رؤوس الفسقة فأثاب من أتاه بها وأحسن إليه ووصله وكان
انصرافه في هذا اليوم على ثلاث ساعات من النهار بعد أن انحاز الفاسق وجميع
أصحابه من الزنج وغيرهم إلى الجانب الشرقي من نهر أبى الخصيب وأخلوا غربيه
واحتوى عليه أصحاب الموفق فهدموا ما كان يعوق عن محاربة الفجرة من قصور
الفاسق وقصور أصحابه ووسعوا مخترقات ضيقة كانت على نهر أبى الخصيب فكان
ذلك مما زاد في رعب أصحاب الخائن ومال جمع كثير من قواده وأصحابه الذين كان
لا يرى أنهم يفارقونه إلى طلب الأمان فبذل ذلك فخرجوا أرسالا فقبلوا وأحسن
إليهم وألحقوا بنظرائهم في الأرزاق والصلات والخلع ثم إن الموفق واظب على
ادخال الشذا النهر وتقحمه في غلمانه وأمر بإحراق ما على حافتيه من منازل الفجرة
وما في بطنه من السفن وأحب تمرين أصحابه على دخول النهر وتسهيل سلوكه لهم
لما كان يقدر من احراق الجسر الثاني والتوصل إلى أقصى مواضع الفجرة فبينا
الموفق في بعض أيامه التي ألح فيها على حرب الخبيث وولوج نهر أبى الخصيب واقف
في موضع من النهر وذلك في يوم جمعة إذا استأمن إليه رجل من أصحاب الفاجر
وأتاه بمنبر كان للخبيث في الجانب الغربي فأمره بنقله إليه ومعه قاض كان للخبيث
في مدينته فكان ذلك مما فت في أعضادهم وكان الخبيث جمع ما كان بقى له من السفن
123

البحرية وغيرها فجعلها عند الجسر الثاني وجمع قواده وأصحابه وأنجاد رجاله هنالك
فأمر الموفق بعض غلمانه بالدنو من الجسر واحراق ما تهيأ احراقه من المراكب البحرية
التي تليه وأخذ ما أمكن أخذه منها ففعل ذلك المأمورون به من الغلمان فزاد فعلهم
في تحرز الفاجر ومحاماته عن الجسر الثاني فألزم نفسه وجميع أصحابه حفظه
وحراسته خوفا من أن تهيأ حيلة فيخرج الجانب الغربي عن يده ويوطئه
أصحاب الموفق فيكون ذلك سببا لاستئصاله فأقام الموفق بعد احراق الجسر
الأول أياما يعبر بجمع بعد جمع من غلمانه إلى الجانب الغربي من نهر أبى الخصيب
فيحرقون ما بقى من منازل الفجرة ويقربون من الجسر الثاني فيحاربهم عليه
الزنج وقد كان تخلف منهم جمع في منازلهم في الجانب الغربي المقاربة للجسر
الثاني وكان غلمان الموفق يأتون هذا الموضع ويقفون على الطرق والمسالك
التي كانت تخفى عليهم من عسكر الخبيث فلما وقف الموفق على معرفة غلمانه
وأصحابه بهذه الطريق واهتدائهم لسلوكها عزم على القصد لاحراق الجسر الثاني
ليحوز الجانب الغربي من عسكر الخبيث وليتهيأ لأصحابه مساواتهم على أرض
واحدة لا يكون بينهما فيها حائل غير نهر أبى الخصيب فأمر الموفق عند ذلك
أبا العباس بقصد الجانب الغربي في أصحابه وغلمانه وذلك في يوم السبت لثمان بقين
من شوال سنة 269 وتقدم إليه أن يجعل خروجه بأصحابه في موضع البناء الذي
كان الفاجر سماه مسجد الجامع وأن يأخذ الشارع المؤدى إلى الموضع الذي كان
الخبيث اتخذه مصلى يحضره في أعياده فإذا انتهى إلى موضع المصلى عطف منه
إلى الجبل المعروف بجبل المكتنى بأبي عمر وأخي المهلبي وضم إليه من قواد
غلمانه الفرسان والرجالة زهاء عشرة آلاف وأمره أن يرتب زيرك صاحب
مقدمته في أصحابه في صحراء المصلى ليأمن خروج كمين إن كان للفسقة من
ذلك الموضع وأمر جماعة من قواد الغلمان أن يتفرقوا في الجبال التي فيها بين
الجبل المعروف بالمكتنى بأبي عمرو وبين الجبل المعروف بالمكتنى أبا مقاتل
الزنجي حتى توافوا جميعا من هذه الجبال موضع الجسر الثاني في نهر أبى الخصيب
124

وتقدم إلى جماعة من قواد الغلمان المضمومين إلى أبى العباس أن يخرجوا في
أصحابهم بين دار الفاسق ودار ابنه انكلاى فيكون مسيرهم على شاطئ نهر
أبى الخصيب وما قاربه ليتصلوا بأوائل الغلمان الذين يأتون على الجبال ويكون
قصد الجميع إلى الجسر وأمرهم بحمل الآلات من المعاول والفؤوس والمناشير
مع جمع من النفاطين لقطع ما يتهيأ قطعه واحراق ما يتهيأ إحراقه وأمر راشدا
مولاه بقصد الجانب الشرقي من نهر أبى الخصيب في مثل العدة التي كان مع أبي العباس
وقصد الجسر ومحاربة من يدافع عنه ودخل أبو أحمد نهر أبى الخصيب في الشذا وقد
أعد منها شذوات رتب فيها من انجاد غلمانه الناشبة والرامحة من ارتضاه وأعد معهم
من الآلات التي يقطع بها الجسر ما يحتاج إليه لذلك وقدمهم أمامه في نهر أبى الخصيب
واشتبكت الحرب في الجانبين جميعا بين الفريقين واشتد القتال وكان في الجانب
الغربي بإزاء أبى العباس ومن معه انكلاى ابن الفاسق في جيشه وسليمان بن جامع
في جيشه وفى الجانب الشرقي بإزاء راشد ومن معه الفاجر صاحب الزنج والمهلبي
في باقي جيشهم فكانت الحرب في ذلك اليوم إلى مقدار ثلاث ساعات من النهار ثم
انهزمت الفسقة لا يلوون على شئ وأخذت السيوف منهم مأخذها وأخذ من
رؤس الفسقة ما لم يقع عليه احصاء لكثرته فكان الموفق إذا أتى برأس من الرؤوس
أمر بالقائه في نهر أبى الخصيب ليدع المقاتلة الشغل بالرؤوس ويجدوا في اتباع
عدوهم وأمر أصحاب الشذا الذين رتبهم في نهر أبى الخصيب بالدنو من الجسر
وإحراقه ودفع من تحامى عنه من الزنج بالسهام ففعلوا ذلك وأضرموا الجسر
نارا ووافى انكلاى وسليمان في ذلك الوقت جريحين مهزومين يريدان العبور
إلى شرقي نهر أبى الخصيب فحالت النار بينهما وبين الجسر فألقوا أنفسهما ومن
كان معهما من حماتهم في نهر أبى الخصيب فغرق منهم خلق كثير وأفلت انكلاى
وسليمان بعد أن أشفيا على الهلاك واجتمع على الجسر من الجانبين خلق كثير فقطع
بعد أن ألقيت عليه سفينة مملوءة قصبا مضروما بالنار فأعانت على قطعه وإحراقه
وتفرق الجيش في نواحي مدينة الخبيث من الجانبين جميعا فأحرقوا من دورهم
125

وقصورهم وأسواقهم شيئا كثيرا واستنقذوا من النساء المأسورات والأطفال
ما لا يحصى عدده وأمر الموفق بحملهم المقاتلة في سفنهم والعبور بهم إلى الموفقية
وقد كان الفاجر سكن بعد إحراق قصره ومنازله الدار المعروفة بأحمد بن موسى
القلوص والدار المعروفة بمحمد بن إبراهيم أبى عيسى وأسكن ابنه انكلاى الدار
المعروفة بمسالك ابن أخت القلوص فقصد جماعة من غلمان الموفق المواضع التي
كان الخبيث يسكنها فدخلوها وأحرقوا منها مواضع وانتهبوا منها ما كان سلم للفاسق
من الحريق الأول وهرب الخبيث ولم يوقف في ذلك اليوم على مواضع أمواله
واستنقذ في هذا اليوم نسوة علويات كن محتبسات في موضع قريب من داره التي
كان يسكنها فأمر الموفق بحملهن إلى عسكره وأحسن إليهن ووصلهن وقصد جماعة
من غلمان الموفق ومن المستأمنة المضمومين إلى أبى العباس سجنا كان الفاسق
اتخذه في الجانب الشرقي من نهر أبى الخصيب ففتحوه وأخرجوا منه خلقا
كثيرا ممن كان أسر من العساكر التي كانت تحارب الفاسق وأصحابه ومن سائر الناس
غيرهم فأخرج جميعهم في قيودهم وأغلالهم حتى أتى بهم الموفق فأمر بفك الحديد عنهم
وحملهم إلى الموفقية وأخرج في ذلك اليوم كل ما كان بقى في نهر أبى الخصيب من
شذا ومراكب بحرية وسفن صغار وكبار وحراقات وزلالات وغير ذلك من
أصناف السفن من النهر إلى دجلة وأباحها الموفق أصحابه وغلمانه معه ما فيها من
السلب والنهب الذي حازوا في ذلك اليوم من عسكر الخبيث وكان لذلك قدر
جليل وخطر عظيم (وفيها) كان احدار المعتمد إلى واسط فصار إليها في
ذي القعدة وأنزل دار زيرك (وفيها) سأل انكلاى ابن الفاسق أبا أحمد الموفق
الأمان وأرسل إليه في ذلك رسولا وسأل أشياء فأجابه الموفق إلى كل ما سأله ورد
إليه رسوله وعرض للموفق بعقب ذلك ما شغله عن الحرب وعلم الفاسق أبو انكلاى
بما كان من ابنه فعذله فيما ذكر على ذلك حتى ثناه عن رأيه في طلب الأمان فعاد
للجد في قتال أصحاب الموفق ومباشرة الحرب بنفسه (وفيها) وجه أيضا سليمان
ابن موسى الشعراني وهو أحد رؤساء أصحاب الفاسق من يطلب الأمان له من
126

أبى أحمد فمنعه أبو أحمد ذلك لما كان سلف منه من العبث وسفك الدماء ثم اتصل
به أن جماعة من أصحاب الخبيث قد استوحشوا لمنعه ذلك الشعراني فأجابه أبو أحمد
إلى إعطائه الأمان استصلاحا بذلك غيره من أصحاب الفاسق وأمر بتوجيه
الشذا إلى الموضع إلى واعدهم الشعراني ففعل ذلك فخرج الشعراني وأخوه
وجماعة من قواده فحملهم في الشذا وقد كان الخبيث حرس به مؤخر نهر أبى الخصيب
فحمله أبو العباس إلى الموفق فمن عليه ووفى له بأمانه وأمر به فوصل ووصل
أصحابه وخلع عليهم وحمل على عدة أفراس بسروجها وآلتها ونزله وأصحابه أبزالا
سنية وضمه وإياهم إلى أبى العباس وجعله في جملة أصحابه وأمره بإظهاره في الشذا
لأصحاب الخائن ليزدادوا ثقة بأمانه فلم يبرح الشذا من موضعها من نهر أبى الخصيب
حتى استأمن جمع كثير من قواد الزنج وغيرهم فحملوا إلى أبى أحمد فوصلهم وألحقهم
في الخلع والجوائز بمن تقدمهم ولما استأمن الشعراني اختل ما كان الخبيث يضبط
به من مؤخر عسكره ووهى أمره وضعف فقلد الخبيث ما كان إلى الشعراني من
حفظ ذلك شبل بن سالم وأنزله مؤخر نهر أبى الخصيب فلم يمس الموفق من اليوم
الذي أظهر فيه الشعراني لأصحاب الخبيث حتى وافاه رسول شبل بن سالم بطلب
الأمان ويسأل أن يوقف شذوات عند دار ابن سمعان ليكون قصده فيمن يصحبه
من قواده ورجاله في الليل إليها فأعطى الأمان ورد إليه رسوله ووقفت له
الشذا في الموضع الذي سأل أن توقف له فوافاها في آخر الليل ومعه عياله وولده
وجماعة من قواده ورجاله وشهر أصحابه سلاحهم وتلقاهم قوم من الزنج قد كان
الخبيث وجههن لمنعه من المصير إلى الشذا وقد كان خبره انتهى إليه فحاربهم شبل
وأصحابه وقتلوا منهم نفرا فصاروا إلى الشذا سالمين فصيربهم إلى قصر الموفق
بالموفقية فوافاه وقد ابتلج الصبح فأمر الموفق أن يوصل شبل بصلة جزيلة وخلع
عليه خلعا كثيرة وحمله على عدة أفراس بسروجها ولجمها وكان شبل هذا من عدد
الخبيث وقدماء أصحابه وذوي الغناء والبلاء في نصرته ووصل أصحاب شبل
وخلع عليهم وأسنيت له ولهم الأرزاق والانزال وضموا جميعا إلى قائد من قواد
127

غلمان الموفق ووجه به وبأصحابه في الشذا فوقفوا بحيث يراهم الخبيث وأشياعه
فعظم ذلك على الفاسق وأوليائه لما رأوا من رغبة رؤسائهم في اغتنام الأمان
وتبين الموفق من مناصحة شبل وجودة فهمه ما دعاه إلى أن يستكفيه بعض
الأمور التي يكيد بها الخبيث فأمره بتبييت عسكر الخبيث في جمع أمر بضمهم
إليه من أبطال الزنج المستأمنة وأفراده وإياهم بما أمرهم به من البيات لعلمهم
بالمسالك في عسكر الخبيث فنفذ شبل لما أمر به فقصد موضعا كان عرفه فكبسه
في السحر فوافى به جمعا كثيفا من الزنج في عدة من قوادهم وحماتهم قد كان الخبيث
رتبهم في الدفع عن الدار المعروفة بأبي عيسى وهى منزل الخبيث حينئذ فأوقع بهم
وهم غارون فقتل منهم مقتلة عظيمة وأسر جمعا من قواد الزنج وأخذ لهم سلاحا
كثيرا وانصرف ومن كان معه سالمين فأتى بهم الموفق فأحسن جائزتهم وخلع
عليهم وسور جماعة منهم ولما أوقع أصحاب شبل بأصحاب الخائن هذه الوقعة
ذعرهم ذلك ذعرا شديدا وأخافهم ومنعهم النوم فكانوا يتحارسون في كل ليلة
ولا تزال النفرة تقع في عسكرهم لما استشعروا من الخوف ووصل إلى قلوبهم
من الوحشة حتى لقد كان ضجيجهم وتحارسهم يسمع بالموفقية * ثم أقام الموفق
بعد ذلك ينفذ السرايا إلى الخبثة ليلا ونهارا من جانبي نهر أبى الخصيب ويكدهم
بالحرب ويسهر ليلهم ويحول بينهم وبين طلب أقواتهم وأصحابه في ذلك يتعرفون
المسالك ويتدربون بالوغول في مدينة الخبيث وتقحمها ويصرون من ذلك على
ما كانت الهيبة تحول بينهم وبينه حتى إذا ظن الموفق أن قد بلغ أصحابه ما كانوا
يحتاجون إليه صح عزمه على العبور إلى محاربة الفاسق في الجانب الشرقي من
نهر أبى الخصيب فجلس مجلسا عاما وأمر بإحضار قواد المستأمنة ووجوه فرسانهم
ورجالتهم من الزنج والبيضان فأدخلوا إليه ووقفوا إليه ووقفوا بحيث يسمعون
كلامه ثم خاطبهم فعرفهم ما كانوا عليه من الضلالة والجهل وانتهاك المحارم
وما كان الفاسق دين لهم من معاصي الله وأن ذلك قد كان أباح له دماءهم وأنه
قد غفر الزلة وعفا عن الهفوة وبذل الأمان وعاد على من لجأ إليه بفضلة فأجزل
128

الصلات وأسنى الأرزاق وألحقهم بالأولياء وأهل الطاعة وأن ما كان منهم
من ذلك يوجب عليهم حقه وطاعته وأنهم لن يأتوا شيئا يتعرضون به لطاعة
ربهم والاستدعاء لرضاء سلطانهم أولى بهم من الجد والاجتهاد في مجاهدة عدو
الله الخائن وأصحابه وأنهم من الخبرة بمسالك عسكر الخبيث ومضايق طرق مدينته
والمعاقل التي أعدها للهرب إليها على ما ليس عليه غيرهم فهم أحرياء أن يمحضوه
نصيحتهم ويجتهدوا في الولوج على الخبيث والتوغل إليه في حصونه حتى يمكنهم
الله منه ومن أشياعه فإذا فعلوا ذلك فلهم الاحسان والمزيد وأن من قصر
منهم استدعى من سلطانه إسقاط حاله وتصغير منزلته ووضع مرتبته فارتفعت
أصواتهم جميعا بالدعاء للموفق والاقرار بإحسانه وبما هم عليه من صحة الضمائر في
السمع والطاعة والجد في مجاهدة عدوه وبذل دمائهم ومهجهم في كل ما يقربهم
منه وأن ما دعاهم إليه قد قوى نيتهم ودلهم على ثقته بهم وإحلاله إياهم محل أوليائه
وسألوه أن يفردهم بناحية يحاربون فيها فيظهر من حسن نياتهم ونكايتهم في
العدو ما يعرف به إخلاصهم وتورعهم عما كانوا عليه من جهلهم فأجابهم
الموفق إلى ما سألوا وعرفهم حسن موقع ما ظهر له من طاعتهم وخرجوا من
عنده مبتهجين بما أجيبوا به من حسن القول وجميل الوعد (وفى ذي القعدة)
من هذه السنة دخل الموفق مدينة الفاسق بالجانب الشرقي من نهر أبى الخصيب
فخرب داره وانتهب ما كان فيها
ذكر الخبر عن هذه الوقعة
ذكر أن أبا أحمد لما عزم على الهجوم على الفاسق في مدينته بالجانب الشرقي
من نهر أبى الخصيب أمر بجمع السفن والمعابر من دجلة والبطيحة ونواحيها
ليضيفها إلى ما في عسكره إذ كان ما في عسكره مقصرا عن الجيش لكثرته وأحصى
ما في الشذا والسميريات والرقيات التي كانت تعبر فيها الخيل فكانوا زهاء عشرة
آلاف ملاح ممن يجرى عليه الرزق من بيت المال مشاهرة سوى سفن أهل العسكر
التي يحمل فيها الميرة ويركبها الناس في حوائجهم وسوى ما كان لكل قائد ومن
129

يحضر من أصحابه من السميريات والجريبيات والزواريق التي فيها الملاحون
الراتبة فلما تكاملت له السفن والمعابر ورضى عددها تقدم إلى أبى العباس وإلى
قواد مواليه وغلمانه في التأهب والاستعداد للقاء عدوهم وأمر بتفرقة السفن
والمعابر إلى حمل الخيل والرجالة وتقدم إلى أبى العباس في أن يكون خروجه في
جيشه في الجانب الغربي من نهر أبى الخصيب وضم إليه قوادا من قواد غلمانه في
زهاء ثمانية آلاف من أصحابهم وأمره أن يعمد مؤخر عسكر الفاسق حتى يتجاوز
دار المعروف بالمهلبي وقد كان الخبيث حصنها وأسكن بقربها خلقا كثيرا من
أصحابه ليأمن على مؤخر عسكره وليصعب على من يقصده المسلك إلى هذا
الموضع فأمر أبو أحمد أبا العباس بالعبور بأصحابه إلى الجنب الغربي من نهر أبى
الخصيب وأن يأتي هذه الناحية من ورائها وأمر راشدا مولاه بالخروج في الجانب
الشرقي من نهر أبى الخصيب في عدد كثير من الفرسان والرجالة زهاء عشرين
ألفا وأمر بعضهم بالخروج في ركن دار المعروف بالكرنبائي كاتب المهلبي وهى
على قرنة نهر أبى الخصيب في الجانب الشرقي منه وأمرهم أن يجعلوا مسيرهم على
شاطئ النهر حتى يوافوا الدار التي نزلها الخبيث وهى الدار المعروفة بأبي عيسى
وأمر فريقا من غلمانه بالخروج على فوهة النهر المعروف بأبي شاكر وهو أسفل
من نهر أبى الخصيب وأمر آخرين منهم بالخروج في أصحابهم على فوهة النهر
المعروف بجوى كور وأوعز إلى الجميع في تقديم الرجالة أمام الفرسان وأن يزحفوا
بجميعهم نحو دار الخائن فان أظفرهم الله به وبمن فيها من أهله وولده وإلا قصدوا
دار المهلبي ليلقاهم هناك من أمر بالعبور مع أبي العباس فتكون أيديهم يدا واحدة
على الفسقة فعمل أبو العباس وراشد وسائر قواد الموالى والغلمان بما أمروا به
فظهروا جميعا وأبرزوا سفنهم في عشية يوم الاثنين لسبع ليال خلون من ذي القعدة
سنة 269 وسار الفرسان يتلو بعضهم بعضا ومشت الرجالة وسارت السفن
في دجلة منذ صلاة الظهر من يوم الاثنين إلى آخر وقت عشاء الآخرة من ليلة
الثلاثاء فانتهوا إلى موضع من أسفل العسكر وكان الموفق أمر باصلاحه وتنظيفه وتنقية
130

ما فيه من خراب ودغل وطم سواقيه وأنهاره حتى استوى واتسع وبعدت اقطاره
واتخذ فيه قصرا وميدانا لعرض الرجال والخيل بإزاء قصر الفاسق وكان غرضه في
ذلك إبطال ما كان الخبيث يعد به أصحابه من سرعة انتقاله عن موضعه فأراد
أن يعلم الفريقين أنه غير راحل حتى يحكم الله بينه وبين عدوه فبات الجيش ليلة
الثلاثاء في هذا الموضع بإزاء عسكر الفاسق وكان الجميع زهاء خمسين ألف رجل
من الفرسان وللرجالة في أحسن زي؟؟ وأكمل هيئة وجعلوا يكبرون ويهللون ويقرأون
القرآن ويصلون ويوقدون النار فرأى الخبيث من كثرة الجمع والعدة والعدد ما بهر
عقله وعقول أصحابه وركب الموفق في عشية يوم الاثنين الشذا وهى يومئذ مائة
وخمسون شذاة قد شحنها بأنجاد غلمانه ومواليه الناشبة والرامحة ونظمها من أول
عسكر الخائن إلى آخره لتكون حصنا للجيش من ورائه وطرحت أناجرها بحيث
تقرب من الشط وأفرد منها شذوات اختارها لنفسه ورتب فيها من خاصة قواد
غلمانه ليكونوا معه عند تقحمه نهر أبى الخصيب وانتخب من الفرسان والرجالة
عشرة آلاف وأمرهم أن يسيروا على جانبي نهر أبى الخصيب بمسيره ويقفوا
بوقوفه ويتصرفوا فيما رأى أن يصرفهم فيه في وقت الحرب وغدا الموفق يوم
الثلاثاء لقتال الفاسق صاحب الزنج وتوجه كل رئيس من رؤساء قواده نحو
الموضع الذي أمر بقصده وزحف الجيش نحو الفاسق وأصحابه فتلقاهم الخبيث
في جيشه واشتبكت الحرب وكثر القتل والجراح بين الفريقين وحامى الفسقة
عما كانوا اقتصروا عليه من مدينتهم أشد محاماة واستماتوا وصبر أصحاب الموفق
وصدقوا القتال فمن الله عليهم بالنصر وهزم الفسقة فقتلوا منهم مقتلة عظيمة وأسروا
من مقاتلتهم وأنجادهم جمعا كثيرا وأتى الموفق بالأسارى فأمر بهم فضربت
أعناقهم في المعركة وقصد بجمعه لدار الفاجر فوافاها وقد لجأ الخبيث إليها وجمع
أنجاد أصحابه للمدافعة عنها فلما لم يغنوا عنها شيئا أسلمها وتفرق أصحابه عنها ودخلها
غلمان الموفق وفيها بقايا ما كان سلم للخبيث من ماله وأثاثه فانتهبوا ذلك كله
وأخذوا حرمه وولده الذكور والإناث وكانوا أكثر من مائة بين امرأة وصبى
131

وتخلص الفاسق ومضى هاربا نحو دار المهلبي لا يلوى على أهل ولا مال وأحرقت
داره وما بقى فيها من متاع وأثاب وأتى الموفق بنساء الخبيث وأولاده فأمر بحملهم
إلى الموفقية والتوكيل بهم والاحسان إليهم وكان جماعة من قواد أبى العباس عبروا
نهر أبى الخصيب وقصدوا الموضع الذي أمروا بقصده من دار المهلبي ولم ينتظروا
إلحاق أصحابهم بهم فوافوا دار المهلبي وقد لجأ إليها أكثر الزنج بعد انكشافهم
عن دار الخبيث فدخل أصحاب أبي العباس الدار وتشاغلوا بالنهب وأخذ ما كان
غلب عليه المهلبي من حرم المسلمين وأولاده منهن وجعل كل من ظفر
بشئ انصرف به إلى سفينته في نهر أبى الخصيب وتبين الزنج قلة من بقى منهم
وتشاغلهم بالنهب فخرجوا عليهم من عدة مواضع قد كانوا كمنوا فيها فأزالوهم عن
مواضعهم فانكشفوا واتبعهم الزنج حتى وافوا بر؟؟ أبى الخصيب وقتلوا من فرسانهم
ورجالتهم جماعة يسيرة وارتجعوا بعض ما كانوا أخذوا من النساء والمتاع وكان
فريق من غلمان الموفق وأصحابه الذين قصدوا دار الخبيث في شرقي نهر أبى
الخصيب تشاغلوا بالنهب وحمل الغنائم إلى سفنهم فأطمع ذلك الزنج فيهم فأكبوا
عليهم فكشفوهم واتبعوا آثارهم إلى الموضع المعروف بسوق الغنم من عسكر
الزنج فثبتت جماعة من قواد الغلمان في أنجاد أصحابهم وشجعانهم فردوا وجوه
الزنج حتى ثاب الناس وتراجعوا إلى مواقفهم ودامت الحرب بينهم إلى وقت صلاة
العصر فأمر أبو أحمد عند ذلك غلمانه أن يحملوا على الفسقة بأجمعهم حملة صادقة
ففعلوا ذلك فانهزم الزنج وأخذتهم السيوف حتى انتهوا إلى دار الخبيث فرأى الموفق
عند ذلك أن يصرف غلمانه وأصحابه على إحسانهم فأمرهم بالرجوع فانصرفوا
على هدو وسكون فأقام الموفق في النهر ومن معه في الشذا يحميهم حتى دخلوا
سفنهم وأدخلوها خيلهم وأحجم الزنج عن اتباعهم لما نالهم في آخر الوقعة وانصرف
الموفق ومعه أبو العباس وسائر قواده وجميع جيشه قد غنموا أموال الفاسق
واستنقذوا جمعا من النساء اللواتي كان غلب عليهن من حرم المسلمين كثيرا جعلن
يخرجن في ذلك اليوم إرسالا إلى فوهة نهر أبى الخصيب فيحملن في السفن إلى
132

الموفقية إلى انقضاء الحرب وكان الموفق تقدم إلى أبى العباس في هذا اليوم أن ينفذ
قائدا من قواده في خمس شذوات إلى مؤخر عسكر الخبيث بنهر أبى الخصيب
لاحراق بيادر ثم جليل قدرها كان الخبيث يقوت أصحابه منها من الزنج وغيرهم
ففعل ذلك وأحرق أكثره وكان إحراق ذلك من أقوى الأشياء على ادخال الضعف
على الفاسق وأصحابه إذ لم يكن لهم معول في قوتهم غيره فأمر أبو أحمد بالكتاب
بما تهيأ له على الخبيث وأصحابه في هذا اليوم إلى الآفاق ليقرأ على الناس ففعل
ذلك (وفى يوم الأربعاء) لليلتين خلتا من ذي الحجة من هذه السنة وافى عسكر
أبى أحمد صاعد بن مخلد كاتبه منصرفا إليه من سامرا ووافى معه بجيش كيف
قيل إن عدد الفرسان والرجالة الذين قدموا كان زهاء عشرة آلاف فأمر الموفق
بإراحة أصحابه وتجديد أسلحتهم وإصلاح أمورهم وأمرهم بالتأهب لمحاربة الخبيث
فأقام أياما بعد قدومه لما أمر به فهم في ذلك من أمرهم إذ ورد كتاب لؤلؤ
صاحب ابن طولون مع بعض قواده يسأله فيه الاذن له في القدوم عليه ليشهد عليه
حرب الفاسق فأجابه إلى ذلك فأذن له في القدوم عليه وأخر ما كان عزم عليه
من مناجزة الفاجر انتظارا منه قدوم لؤلؤ وكان لؤلؤ مقيما بالرقة في جيش عظيم
من الفراغنة والأتراك والروم والبربر والسودان وغيرهم من نخبة أصحاب ابن
طولون فلما ورد على لؤلؤ كتاب أبى أحمد بالاذن له في القدوم عليه شخص من ديار
مضر حتى ورد مدينة السلام في جميع أصحابه وأقام بها مدة ثم شخص إلى أبى أحمد
فوافاه بعسكره يوم الخميس لليلتين خلتا من المحرم سنة 270 فجلس له أبو أحمد وحضر
ابنه أبو العباس وصاعد والقواعد على مراتبهم فأدخل عليه لؤلؤ في زي حسن فأمر
أبو العباس أن ينزل معسكرا كان أعد له بإزاء نهر أبى الخصيب فنزله في أصحابه
وتقدم إليه في مباكرة المصير إلى دار الموفق ومعه قواده وأصحابه للسلام عليه
فغدا لؤلؤ يوم الجمعة لثلاث خلون من المحرم وأصحابه معه في السواد فوصل
إلى الموفق وسلم عليه فقربه وأدناه ووعده وأصحابه خيرا وأمر أن يخلع عليه
وعلى خمسين ومائة قائد من قواده وحمله على خيل كثيرة بالسروج واللجم المحلاة
133

بالذهب والفضة وحمل بين يديه من أصناف الكسي والأموال في البدور ما يحمله
مائة غلام وأمر لقواده من الصلات والحملان والكسى على قدر محل كل
إنسان مهم عنده وأقطعه ضياعا جليلة القدر وصرفه إلى عسكره بإزاء نهر
أبى الخصيب بأجمل حال وأعدت له ولأصحابه الانزال والعلوفات وأمره
برفع جرائد لأصحابه بمبلغ أرزاقهم على مراتبهم فرفع ذلك فأمر لكل إنسان
منهم بالضعف مما كان يجرى له وضع لهم العطاء عند رفع الجرائد ووفوا ما رسم
لهم ثم تقدم إلى لؤلؤ في التأهب والاستعداد للعبور إلى غربي دجلة لمحاربة
الفاسق وأصحابه وكان الخبيث لما غلب على نهر أبى الخصيب وقطعت القناطر
والجسور التي كانت عليه أحدث سكرا في النهر من جانبيه وجعل في وسط
السكر بابا ضيقا ليحتد فيه جرية الماء فيمتنع الشذا من دخوله في الجزر ويتعذر
خروجها منه في المد فرأى أبو أحمد أن حربه لا يتهيأ له إلا بقلع هذا السكر
فحاول ذلك فاشتدت محاماة الفسقة عنه وجعلوا يزيدون فيه في كل يوم وليلة
وهو متوسط دورهم والمؤونة لذلك تسهل عليهم وتغلظ على من حاول قلعه
فرأى أبو أحمد أن يحارب بفريق بعد فريق من أصحاب لؤلؤ ليضروا لمحاربة
الزنج ويقفوا على المسالك والطرق في مدينتهم فأمر لؤلؤ أن يحضر في جماعة
من أصحابه للحرب على هذا السكر وأمر بإحضار الفعلة لقلعه ففعل فرأى الموفق
من نجدة لؤلؤ وإقدامه وشجاعة أصحابه وصبرهم على ألم الجراح وثبات العدة
اليسيرة منهم في وجوه الجمع الكثير من الزنج ما سره فأمر لؤلؤا بصرف أصحابه
إشفاقا عليهم وضنا بهم فوصلهم الموفق وأحسن إليهم وردهم إلى معسكرهم وألح
الموفق على هذا السكر فكان يحارب المحامين عنه من أصحاب الخبيث بأصحاب
لؤلؤ وغيرهم والفعلة يعملون في قلعه ويحارب الفاجر وأشياعه من عدة وجوه
فيحرق مساكنهم ويقتل مقاتلتهم ويستأمن إليه الجماعة بعد الجماعة من رؤسائهم
وكانت قد بقيت للخبيث وأصحابه أرضون من ناحية نهر الغربي كان لهم فيها مزارع
وخضر وقنطرتان على نهر الغربي يعبرون عليها إلى هذه الأرضين فوقف أبو العباس
134

على ذلك فقصد لتلك الناحية واستأذن الموفق في ذلك فأذن له وأمره
باختيار الرجال وأن يجعلهم شجعاء أصحابه وغلمانه ففعل أبو العباس ذلك وتوجه
نحو نهر الغربي وجعل زيرك كمينا في جمع من أصحابه في غربي النهر وأمر رشيقا
غلامه أن يقصد في جمع كثير من أنجاد رجاله ومختاريهم للنهر المعروف بنهر
العميسيين ليخرج في ظهور الزنج وهم غارون فيوقع بهم في هذه الأرضين وأمر
زيرك أن يخرج في وجوههم إذا أحس بانهزامهم من رشيق وأقام أبو العباس
في عدة شذوات قد انتخب مقاتلتها واختارهم في فوهة نهر الغربي ومعه من
غلمانه البيضان والسودان عدد قد رضيه فلما ظهر رشيق للفجرة في شرقي نهر
الغربي راعهم فأقبلوا يريدون العبور إلى غربيه ليهربوا إلى عسكرهم فلما عاينهم
أبو العباس اقتحم النهر بالشذوات وبث الرجالة على حافتيه فأدركوهم ووضعوا
السيف فيهم فقتل منهم في النهر وعلى ضفتيه خلق كثير وأسر منهم أسرى وأفلت
آخرون فتلقاهم زيرك في أصحابه فقتلوهم ولم يفلت منهم إلا الشريد وأخذ أصحاب أبي
العباس من أسلحتهم ما ثقل عليهم حمله حتى ألقوا أكثره وقطع أبو العباس
القنطرتين وأمر بإخراج ما كان فيهما من البدود والخشب إلى دجلة وانصرف
إلى الموفق بالأسارى والرؤوس فطيف بها في العسكر وانقطع عن الفسقة ما كانوا
يرتفقون به من المزارع التي كانت بنهر الغربي (وفى ذي الحجة) من هذه السنة
أعنى سنة 269 أدخل عيال صاحب الزنج وولده بغداد (وفيها) سمى صاعد
ذا الوزارتين (وفى ذي الحجة) منها كانت وقعة بين قائدين وجيش معهما لابن
طولون كان أحدهما يسمى محمد بن السراج والآخر منهما يعرف بالغنوي كان
ابن طولون وجههما فوافيا مكة يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من ذي القعدة في
أربعمائة وسبعين فارسا وألفى راجل فأعطوا الجزارين والحناطين دينارين دينارين
والرؤساء سبعة سبعة وهارون بن محمد عامل مكة إذ ذاك ببستان ابن عامر فوافى
مكة جعفر بن الباغمردي لثلاث خلون من ذي الحجة في نحو من مائتي فارس
وتلقاه هارون في مائة وعشرين فارسا ومائتي أسود وثلاثين فارسا من أصحاب
135

عمرو بن الليث ومائتي راجل ممن قدم من العراق فقوى بهم جعفر فالتقوا هم
وأصحاب ابن طولون وأعان جعفرا حاج أهل خراسان فقتل من أصحاب
ابن طولون ببطن مكة نحو من مائتي رجل وانهزم الباقون في الجبال وسلبوا
دوابهم وأموالهم ورفع جعفر السيف وحوى جعفر مضرب الغنوي وقيل إنه
كان فيه مائتا ألف دينار وآمن المصريين والحناطين والجزارين وقرئ كتاب في
المسجد الحرام بلعن ابن طولون وسلم الناس وأموال التجار (وحج بالناس)
في هذه السنة هارون بن محمد بن إسحاق الهاشمي ولم يبرح إسحاق بن كنداج وقد
ولى المغرب كله في هذه السنة سامرا حتى انقضت السنة
ثم دخلت سنة سبعين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث الجليلة
(ففي المحرم) منها كانت وقعة بين أبى أحمد وصاحب الزنج أضعفت أركان
صاحب الزنج (وفى صفر) منها قتل الفاجر وأسر سليمان بن جامع وإبراهيم بن
جعفر الهمداني واستريح من أسباب الفاسق
ذكر الخبر عن هاتين الوقعتين
قد ذكرنا قبل أمر السكر الذي كان الخبيث أحدثه وما كان من أمر أبى أحمد
وأصحابه في ذلك * ذكر أن أبا أحمد لم يزل ملحا على الحرب على ذلك السكر
حتى تهيأ لم فيه ما أحب وسهل المدخل للشذا في نهر أبى الخصيب في المد والجزر
وسهل لأبي أحمد في موضعه الذي كان مقيما فيه كلما أراده من رخص الأسعار
وتتابع المير وحمل الأموال إليه من البلدان ورغبة الناس في جهاد الخبيث ومن
معه من أشياعه فكان ممن صار إليه من المطوعة أحمد بن دينار عامل إيذج ونواحيها
من كور الأهواز في جمع كثير من الفرسان والرجالة فكان يباشر الحرب
بنفسه وأصحابه إلى أن قتل الخبيث ثم قدم بعده من أهل البحرين فيما ذكر
خلق كثير زهاء ألفى رجل يقودهم رجل من عبد القيس فجلس لهم أبو أحمد
136

ودخل إليه رئيسهم ووجوههم فأمر أن يخلع عليهم واعترض رجالهم أجمعين
وأمر باقامه الانزال لهم وورد بعدهم زهاء ألف رجل من كور فارس يرأسهم
شيخ من المطوعة يكنى أبا سلمة فجلس لهم الموفق فوصل إليه هذا الشيخ ووجوه
أصحابه فأمر لهم بالخلع وأقر لهم الانزال ثم تتابعت المطوعة من البلدان فلما
تيسر له ما أراد من السكر الذي ذكرنا عزم على لقاء الخبيث فأمر باعداد السفن
والمعابر وإصلاح آلة الحرب في الماء وعلى الظهر واختار من يثق ببأسه
ونجدته في الحرب فارسا وراجلا لضيق المواضع التي كان يحارب فيها وصعوبتها
وكثرة الخنادق والأنهار بها فكانت عدة من تخير من الفرسان زهاء ألفى فارس
ومن الرجالة خمسين ألفا أو يزيدون سوى من عبر من المطوعة وأهل
العسكر ممن لا ديوان له وخلف بالموفقية من لم يتسع السفن بحمله جما كثيرا
أكثرهم الفرسان وتقدم الموفق إلى أبى العباس في القصد للموضع الذي
كان صار إليه في يوم الثلاثاء لعشر خلون من ذي القعدة سنة 269 من الجانب
الشرقي بإزاء دار المهلبي في أصحابه وغلمانه ومن ضمهم إليه من الخيل والرجالة
والشذا وأمر صاعد بن مخلد بالخروج على النهر المعروف بأبي شاكر في الجانب
الشرقي أيضا ونظم القواد من مواليه وغلمانه من فوهة نهر أبى الخصيب إلى
نهر الغربي وكان فيمن خرج من حد دار الكرنبائي إلى نهر أبى شاكر راشد
ولؤلؤ مواليا الموفق في جمع من الفرسان والرجالة زهاء عشرين ألفا يتلو بعضهم
بعضا ومن نهر أبى شاكر إلى النهر المعروف بجوى كور جماعة من قواد الموالى
والغلمان ثم من نهر جوى كور إلى النهر الغربي مثل ذلك وأمر شبلا ان يقصد في
أصحابه ومن ضم إليه إلى نهر الغربي فيأتي منه مؤاذيا لظهر دار المهلبي
فيخرج من ورائها عند اشتباك الحرب وأمر الناس أن يزحفوا بجميعهم إلى
الفاسق لا يتقدم بعضهم بعضا وجعل لهم أمارة الزحف تحريك علم أسود
أمر بنصبه على دار الكرنبائي بفوهة نهر أبى الخصيب في موضع منها
مشيد عال وأن ينفخ لهم ببوق بعيد الصوت وكان عبوره يوم الاثنين لثلاث
137

ليال بقين من المحرم سنة 270 فجعل بعض من كان على النهر المعروف بجوى كور
يزحف قبل ظهور العلامة حتى قرب من دار المهلبي فلقيه وأصحابه الزنج فردوهم
إلى مواضعهم وقتلوا منهم جمعا ولم يشعر سائر الناس بما حدث على هؤلاء
المتسرعين للقتال لكثرتهم وبعد المسافة فيما بين بعضهم وبعض فلما خرج القواد
ورجالهم من المواضع التي أمروا بالخروج منها واستوى الفرسان والرجالة في
أماكنهم أمر الموافق بتحريك العلم والنفخ في البوق ودخل النهر في الشذا وزحف
الناس يتلو بعضهم بعضا فلقيهم الزنج قد حشدوا وجموا واجترأوا بما تهيأ لهم على
من كان تسرع إليهم فلقيهم الجيش بنيات صادقة وبصائر نافذة فأزالوهم عن
مواضعهم بعد كرات كانت بين الفريقين صرع فيها منهم جمع كثير وصبر أصحاب أبي
أحمد فمن الله عليهم بالنصر ومنحهم أكتاف الفسقة فولوا منهزمين
واتبعهم أصحاب الموفق يقتلون ويأسرون وأحاط أصحاب أبي أحمد بالفجرة
من كل موضع فقتل الله منهم في ذلك اليوم ما لا يحيط به الاحصاء وغرق
منهم في النهر المعروف بجوى كور مثل ذلك وحوى أصحاب الموفق مدينة الفاسق
بأسرها واستنقذوا من كان فيها من الاسرى من الرجال والنساء والصبيان
وظفروا بجميع عيال علي بن أبان المهلبي وأخويه الخليل ومحمد ابني أبان
وسليمان بن جامع وأولادهم وعبر بهم إلى المدينة الموفقية ومضى الفاسق في
أصحابه ومعه المهلبي وابنه انكلاى وسليمان بن جامع وقواد من الزنج وغيرهم
هرابا عامدين لموضع قد كان الخبيث رآه لنفسه ومن معه ملجأ إذا غلبوا على
مدينته وذلك على النهر المعروف بالسفياني وكان أصحاب أبي أحمد حين انهزم
الخبيث وظفروا بما ظفروا به أقاموا عند دار المهلبي الواغلة في نهر أبى الخصيب
وتشاغلوا بانتهاب ما كان في الدار وإحراقها وما يليها وتفرقوا في طلب النهب
وكان كلما بقى للفاسق وأصحابه مجموعا في تلك الدار وتقدم أبو أحمد في الشذا
قاصدا للنهر المعروف بالسفياني ومعه لؤلؤ في أصحابه الفرسان والرجالة فانقطع
عن باقي الجيش فظنوا أنه قد انصرف فانصرفوا إلى سفنهم بما حووا وانتهى
138

الموفق فيمن معه إلى معسكر الفاسق وأصحابه وهم منهزمون فاتبعهم لؤلؤ وأصحابه
حتى عبروا النهر المعروف بالسفياني فاقتحم لؤلؤ النهر بفرسه وعبر أصحابه خلفه
ومضى الفاسق حتى انتهى إلى النهر المعروف بالقريري فوصل إليه لؤلؤ
وأصحابه فأوقعوا به وبمن معه فكشفوهم فولوا هاربين وهم يتبعونهم حتى
عبروا النهر المعروف بالقريري وعبر لؤلؤ وأصحابه خلفهم وألجؤهم إلى النهر
المعروف بالمساوان فعبروه واعتصموا بحبل وراءه وكان لؤلؤ وأصحابه الذين
انفردوا بهذا الفعل دون سائر الجيش فانتهى بهم الجد في طلب الفاسق وأشياعه إلى هذا
الموضع الذي وصفنا في آخر النهار فأمره الموفق بالانصراف فانصرف محمود الفعل
فحمله الموفق معه في الشذا وجدد له من البر والكرامة ورفع المرتبة لما كان منه في
أمر الفسقة حسب ما كان مستحقا ورجع الموفق في الشذا في نهر أبى الخصيب
وأصحاب لؤلؤ يسايرونه فلما حاذى دار المهلبي لم ير بها أحدا من أصحابه فعلم أنهم
قد انصرفوا فاشتد غيظه عليهم وسار قاصدا لقصره وأمر لؤلؤا بالمضي بأصحابه
إلى عسكره وأيقن بالفتح لما رأى من أمارته واستبشر الناس جميعا بما هيأ الله
من هزيمة الفاسق وأصحابه وإخراجهم عن مدينتهم واستباحة كل ما كان لهم
من مال وذخيرة وسلاح واستنقاذ جميع من كان في أيديهم من الاسرى وكان
في نفس أبى أحمد على أصحابه من الغيظ لمخالفتهم أمره وتركهم الوقوف حيث
وقفهم فأمر بجمع قواد مواليه وغلمانه ووجوههم فجمعوا له فوبخهم على ما كان
منهم وعجزهم وأغلظ لهم فاعتذروا بما توهموا من انصرافه وأنهم لم يعلموا بمسيره
إلى الفاسق وانتهائه إلى حيث انتهى من عسكره وأنهم لو علموا ذلك لأسرعوا
نحوه ولم يبرحوا موضعهم حتى تحالفوا وتعاقدوا على أن لا ينصرف منهم أحد
إذا توجهوا نحو الخبيث حتى يظفرهم الله به فأن أعياهم ذلك أقاموا بمواضعهم
حتى يحكم الله بينهم وبينه وسألوا الموفق أن يأمر برد السفن التي يعبرون فيها
إلى الموفقية عند خروجهم منها للحرب لينقطع أطماع الذين يريدون الرجوع عن
حرب الفاسق من ذلك فجزاهم أبو أحمد الخير على تنصلهم من خطئهم ووعدهم
139

الاحسان وأمرهم بالتأهب للعبور وأن يعظوا أصحابهم بمثل الذي وعظوا به
وأقام الموفق بعد ذلك يوم الثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة لاصلاح ما يحتاج
إليه فلما كمل ذلك تقدم إلى من يثق إليه من خاصته وقواد غلمانه ومواليه بما
يكون عليه عملهم في وقت عبورهم وفى عشى يوم الجمعة تقدم إلى أبى العباس
وقواد غلمانه ومواليه بالنهوض إلى مواضع سماها لهم فأمر أبا العباس بالقصد
في أصحابه إلى الموضع المعروف بعسكر ريحان وهو بين النهر المعروف بالسفياني
والموضع الذي لجأ إليه وأن يكون سلوكه بجيشه في النهر المعروف بنهر المغيرة
حتى يخرج بهم في معترض نهر أبى الخصيب فيوافى بهم عسكر ريحان من ذلك
الوجه وأنفذ قائدا من قواد غلمانه السودان وأمره أن يصير إلى نهر الأمير فيعترض
في المنصف منه وأمر سائر قواده وغلمانه بالمبيت في الجانب الشرقي من دجلة بإزاء
عسكر الفاسق متأهبين للغدو على محاربته وجعل الموفق يطوف في الشذا على
القواد ورجالهم في عشى يوم الجمعة وليلة السبت ويفرقهم في مراكزهم والمواضع
التي رتبهم فيها من عسكر الفاسق ليباكروا المصير إليها على ما رسم لهم وغدا
الموفق يوم السبت لليلتين خلتا من صفر سنة 270 فوافى نهر أبى الخصيب في
الشذا فأقام بها حتى تكامل عبور الناس وخروجهم عن سفنهم وأخذ الفرسان
والرجالة مراكزهم وأمر بالسفن والمعابر فردت إلى الجانب الشرقي وأذن
للناس في الزحف إلى الفاسق وسار يقدمهم حتى وافى الموضع الذي قدر أن يثبت
الفسقة فيه لمدافعة الجيش عنهم وقد كان الخائن وأصحابه لخبثهم رجعوا إلى المدينة يوم
الاثنين بعد انصراف الجيش عنها وأقاموا بها وأملوا أن تتطاول بهم الأيام وتندفع
عنهم المناجزة فوجد الموفق المتسرعين من فرسان غلمانه ورجالتهم قد سبقوا أعظم
الجيش فأوقعوا بالفاجر وأصحابه وقعة أزالوهم بها عن مواقفهم فانهزموا وتفرقوا
لا يلوى بعضهم على بعض واتبعهم الجيش يقتلون ويأسرون من لحقوا منهم
وانقطع الفاسق في جماعة من حماته من قواد الجيش ورجالهم وفيهم المهلبي وفارقه
ابنه انكلاى وسليمان بن جامع فقصد لكل فريق ممن سمينا جمع كثيف من موالى
140

الموفق وغلمانه الفرسان والرجالة ولقى من كان رتبه الموفق من أصحاب أبي العباس
في الموضع المعروف بعسكر ريحان المنهزمين من أصحاب الفاجر فوضعوا فيهم
السلاح ووافى القائد المرتب في نهر الأمير فاعترض الفجرة فأوقع بهم وصادف
سليمان بن جامع فحاربه فقتل جماعة من حماته فظفر بسليمان فأسره فأتى به الموفق
بغير عهد ولا عقد فاستبشر الناس بأسر سليمان وكثر التكبير والضجيج وأيقنوا
بالفتح إذ كان أكثر أصحابه غناء عنه وأسر بعده إبراهيم بن جعفر الهمداني
وكان أحد أمراء جيوشه وأسر نادر الأسود المعروف بالحفار وهو أحد قدماء
أصحاب الفاجر فأمر الموفق بالاستيثاق منهم وتصييرهم في شذاة لأبي العباس
ففعل ذلك ثم إن الزنج الذين انفردوا مع الفاسق عطفوا على الناس عطفة أزالوهم
بها عن مواقفهم ففتروا لذلك وأحس الموفق بفتورهم فجد في طلب الخبيث
وأمعن في نهر أبى الخصيب فشد ذلك من قلوب مواليه وغلمانه وجدوا في الطلب
معه وانتهى الموفق إلى نهر أبى الخصيب فوافاه البشير بقتل الفاجر ولم يلبث أن
وافاه بشير آخر ومعه كف زعم أنها كفه فقوى الخبر عنده بعض القوة ثم أتاه
غلام من أصحاب لؤلؤ يركض على فرس ومعه رأس الخبيث فأدناه منه فعرضه
على جماعة ممن كان بحضرته من قواد المستأمنة فعرفوه فخر لله ساجدا على
ما أولاه وأبلاه وسجد أبو العباس وقواد موالى الموفق وغلمانه شكرا لله وأكثروا
حمد الله والثناء عليه وأمر الموفق برفع رأس الفاجر على قناة ونصبه بين يديه
فتأمله الناس وعرفوا صحة الخبر بقتله فارتفعت أصواتهم بالحمد لله * وذكر أن
أصحاب الموفق لما أحاطوا بالخبيث ولم يبق معه من رؤساء أصحابه إلا المهلبي
ولى عنه هاربا وأسلمه وقصد النهر المعروف بنهر الأمير فقذف نفسه فيه يريد
النجاة وقبل ذلك ما كان ابن الخبيث انكلاى فارق أباه ومضى يؤم النهر
المعروف بالديناري فأقام فيه متحصنا بالادغال والآجام وانصرف الموفق
ورأس الخبيث منصوب بين يديه على قناة في شذاة يخترق بها نهر أبى الخصيب
والناس في جنبتي النهر ينظرون إليه حتى وافى دجلة فخرج إليها فأمر برد السفن
141

التي كان عبر بهم في أول النهار إلى الجانب الشرقي من دجلة فردت ليعبر الناس
فيها ثم سار ورأس الخبيث بين يديه على القناة وسليمان بن جامع والهمداني
مصلوبان في الشذا حتى وافى قصره بالموفقية وأمر أبا العباس بركوب الشذا
وإقرار لرأس وسليمان والهمداني على حالهم والسير بهم إلى نهر جطى وهو
أول عسكر الموفق ليقع عليهم عيون الناس جميعا في العسكر ففعل ذلك وانصرف
إلى أبيه أبى أحمد فأمر بحبس سليمان والهمداني وإصلاح الرأس وتنقيته *
وذكر أنه تتابع مجئ الزنج الذين كانوا أقاموا مع الخبيث وآثروا صحبته فوافى
ذلك اليوم زهاء ألف منهم ورأى الموفق بذل الأمان لهم لما رأى من كثرتهم
وشجاعتهم لئلا تبقى منهم بقية تخاف معرتها على الاسلام وأهله فكان من
وافى من قواد الزنج ورجالهم في بقية يوم السبت وفى يوم الأحد والاثنين
زهاء خمسة آلاف زنجي وكان قد قتل في الوقعة وغرق وأسر منهم خلق كثير
لا يوقف على عددهم وانقطعت منهم قطعة زهاء ألف زنجي مالوا نحو البر فمات
أكثرهم عطشا فظفر الاعراب بمن سلم منهم واسترقوهم وانتهى إلى الموفق
خبر المهلبي وانكلاى ومقامهما بحيث أقاما مع من تبعهما من جلة قواد الزنج
ورجالهم فبث أنجاد غلمانه في طلبهم وأمرهم بالتضييق عليهم فلما أيقنوا بأن
لا ملجأ لهم أعطوا بأيديهم فظفر بهم الموفق وبمن معهم حتى لم يشذ أحد وقد
كانوا على نحو العدة التي خرجت إلى الموفق بعد قتل الفاجر في الأمان فأمر
الموفق بالاستيثاق من المهلبي وانكلاى وحبسهما ففعل وكان فيمن هرب من
عسكر الخبيث يوم السبت ولم يركن إلى الأمان قرطاس الذي كان رمى الموفق
بالسهم فانتهى به الهرب إلى رامهرمز فعرفه رجل قد كان رآه في عسكر الخبيث
فدل عليه عامل البلد فأخذه وحمله في وثاق فسأل أبو العباس أباه أن يوليه قتله
فدفعه إليه فقتله (وفيها) استأمن درمويه الزنجي إلى أبى أحمد وكان درمويه
هذا فيما ذكر من أنجاد الزنج وأبطالهم وكان الفاجر وجهه قبل هلاكه بمدة طويلة
إلى أواخر نهر الفهرج وهى من البصرة في غربي دجلة فأقام هنالك بموضع وعر
142

كثير النخل والدغل والآجام متصل بالبطيحة وكان درمويه ومن معه هنالك
يقطعون على السابلة في زواريق خفاف وسميريات اتخذوها لأنفسهم فإذا طلبهم
أصحاب الشذا ولجوا الأنهار الضيقة واعتصموا بمواضع الأدغال منها وإذا
تعذر عليهم مسلك نهر منها لضيقها خرجوا من سفنهم وحملوها على ظهورهم وخأوا
إلى هذه المواضع الممتنعة وفى خلال ذلك يغيرون على قرى البطيحة وما يليها
فيقتلون ويسلبون من ظفروا به فمكث درمويه ومن معه يفعلون هذه الأفعال
إلى أن قتل الفاجر وهم بموضعهم الذي وصفنا أمره لا يعلمون بشئ مما حدث
على صاحبهم فلما فتح بقتل الخبيث موضعه وأمن الناس وانتشروا في طلب
المكاسب وحمل التجارات وسلكت السابلة دجلة أوقع درمويه بهم فقتل وسلب
فأوحش الناس ذلك واشرأب لمثل ما فيه درمويه جماعة من شرار الناس
وفساقهم وحدثوا أنفسهم بالمصير إليه وبالمقام معه على مثل ما هو عليه فعزم
الموفق على تسريح جيش من غلمانه السودان ومن جرى مجراهم من أهل
البصر بالحرب في الأدغال ومضايق الأنهار وأعد لذلك صغار السفن وصنوف
السلاح فبينا هو في ذلك وافى رسول لدرمويه يسأل الأمان له على نفسه وأصحابه
فرأى الموفق أن يؤمنه ليقطع مادة الشر الذي كان فيه الناس من الفاجر وأشياعه
وذكر أن سبب طلب درمويه الأمان كان أنه كان فيمن أوقع به قوم ممن خرج
من عسكر الموفق للقصد إلى منازلهم بمدينة السلام فيهم نسوة فقتلهم وسلبهم وغلب
على النسوة اللاتي كن معهم فلما صرن في يده بحثهن عن الخبر فأخبرنه بقتل
الفاسق والظفر بالمهلبي وانكلاى وسليمان بن جامع وغيرهم من رؤساء أصحاب
الفاسق وقواده ومصير أكثرهم إلى الموفق في الأمان وقبوله إياهم واحسانه إليهم
فأسقط في يده ولم ير لنفسه ملجأ الا التعوذ بالأمان ومسألة الموفق الصفح عن
جرمه فوجه في ذلك فأجيب إليه فلما ورد عليه الأمان خرج وجميع من معه حتى
وافى عسكر الموفق فوافت منهم قطعة حسنة كثيرة العدد لم يصبها بؤس الحصار
وضره مثل ما أصاب سائر أصحاب الخبيث لما كان يصل إليهم من أموال الناس
143

وميرهم * فذكر أن درمويه لما أو من وأحسن إليه وإلى أصحابه أظهر كل ما كان
في يده وأيديهم من أموال الناس وأمتعتهم ورد كل شئ منه إلى أهله ردا ظاهرا
مكشوفا فوقف بذلك على انابته فخلع عليه وعلى وجوه أصحابه وقواده ووصلوا
فضمهم الموفق إلى قائد من قواد غلمانه وأمر الموفق أن يكتب إلى أمصار الاسلام
بالنداء في أهل البصرة والأبلة وكور دجلة وأهل الأهواز وكورها وأهل واسط
وما حولها مما دخله الزنج بقتل الفاسق وأن يؤمروا بالرجوع إلى أوطانهم ففعل
ذلك فسارع الناس إلى ما أمروا به وقدموا المدينة الموفقية من جميع النواحي
وأقام الموفق بعد ذلك بالموفقية ليزداد الناس بمقامه أمنا وايناسا وولى البصرة
والأبلة وكور دجلة رجلا من قواد مواليه قد كان حمد مذهبه ووقف على حسن
سيرته يقال له العباس بن تركس فأمره بالانتقال إلى البصرة والمقام بها وولى
قضاء البصرة والأبلة وكور دجلة وواسط محمد بن حماد وقدم ابنه أبا العباس
إلى مدينة السلام ومعه رأس الخبيث صاحب الزنج ليراه الناس فاستبشروا فنفذ
أبو العباس في جيشه حتى وافى مدينة السلام يوم السبت لاثنتي عشرة بقيت من
جمادى الأولى من هذه السنة فدخلها في أحسن زي وأمر برأس الخبيث فسير به
بين يديه على قناة واجتمع الناس لذلك * وكان خروج صاحب الزنج في يوم الأربعاء
لأربع بقين من شهر رمضان سنة 255 وقتل يوم السبت لليلتين خلتا من صفر
سنة 270 فكانت أيامه من لدن خرج إلى اليوم الذي قتل فيه أربع عشرة سنة
وأربعة أشهر وستة أيام وكان دخوله الأهواز لثلاث عشرة ليلة بقيت من شهر
رمضان سنة 256 وكان دخوله البصرة وقتله أهلها واحراقه لثلاث عشرة ليلة
بقيت من شوال 257 فقال فيما كان من أمر الموفق وأمر المخذول الشعراء
اشعارا كثيرة فمما قيل في ذلك قول يحيى بن محمد الأسلمي
أقول وقد جاء اليشير بوقعة * أعزت من الاسلام ما كان واهيا
جزى الله خير الناس للناس بعدما * أبيح حماهم خير ما كان جازيا
تفرد إذ لم ينصر الله ناصر * بتجديد دين كان أصبح باليا
144

وتشديد ملك قد وهى بعد عزه * وإدراك ثارات تبير الأعاديا
ورد عمارات أزيلت وأخربت * ليرجع فئ قد تخرم وافيا
ويرجع أمصار أبيحت وأحرقت * مرارا فقد أمست قواء عوافيا
ويشفى صدور المؤمنين بوقعة * تقربها منا العيون البواكيا
ويتلى كتاب الله في كل مسجد * ويلقى دعاء الطالبين خاسيا
فأعرض عن أحبابه ونعيمه * وعن لذة الدنيا وأقبل غازيا
في قصيدة طويلة ومن ذلك أيضا قوله:
أين نجوم الكاذب المارق * ما كان بالطب ولا الحاذق
صبحه بالنحس سعد يدا * لسيد في قوله صادق
فخر في مأزقه مسلما * إلى أسود الغاب في المأزق
وذاق من كأس الردى شربة * كريهة الطعم على الذائق
وقال فيه يحيى بن خالد
أبا ابن الخلائف من أرومة هاشم * والغامرين الناس بالافضال
والذائدين عن الحريم عدوهم * والمعلمين لكل يوم نزال
ملك أعاد الدين بعد دروسه * واستنقذ الاسرى من الأغلال
أنت المجير من الزمان إذا سطا * وإليك يقصد راغب بسؤال
أطفأت نيران النفاق وقد علت * يا ساهب الآمال والآجال
لله درك من سليل خلائف * ماضي العزيمة طاهر السربال
أفنيت جمع المارقين فأصبحوا * متلددين قد أيقنوا بزوال
أمطرتهم عزمات رأى حازم * ملأت قلوبهم من الأهوال
لما طغى الرجس اللعين قصدته * بالمشرفى وبالقنا الجوال
وتركته والطير يحجل حوله * متقطع الأوداج والأوصال
يهوى إلى حر الجحيم وقعرها * بسلاسل قد أوهنته ثقال
هذا بما كسبت يداه وما جنى * وبما أتى من سيئ الأعمال
145

أقررت عين الدين ممن كاده * وأدلته من قاتل الأطفال
صال الموفق بالعراق فأفزعت * من بالمغارب صولة الابطال
وفيه يقول أيضا يحيى بن خالد بن مروان
أبن لي جوابا أيها المنزل القفر * فلازال منهلا بساحاتك القطر
ابن لي عن الجيران أين تحملوا * وهل عادت الدنيا وهل رجع السفر
وكيف تجيب الدار بعد دروسها * ولم يبق من أعلام ساكنها سطر
منازل أبكاني مغاني أهلها * وضاقت بي الدنيا وأسلمني الصبر
كأنهم قوم رغا البكر فيهم * وكان على الأيام في هلكهم نذر
وعاثت صروف الدهر فيهم فأسرعت * وشر ذوي الاصعاد ما فعل الدهر
فقد طابت الدنيا وأينع نبتها * بيمن ولى العهد وانقلب الامر
وعاد إلى الأوطان من كان هاربا * ولم يبق للملعون في موضع أثر
بسيف ولى العهد طالت يد الهدى * وأشرق وجه الدين واصطلم؟؟ الكفر
وجاهدهم في الله حق جهاده * بنفس لها طول السلامة والنصر
وهى طويلة وقال يحيى بن محمد:
عنى اشتغالك إني عنك في شغل * لا تعذلي من به وقر عن العذل
لا تعذلي في ارتحالي إنني رجل * وقف على الشد والاسفار والرحل
فيم المقام إذا ما ضاق بي بلد * كأنني لحجال العين والكلل
ما استيقظت همة لم تلف صاحبها * يقظان قد جانبته لذة المقل
ولم يبت أمنا من لم يبت وجلا * من أن يبيت له جار على وجل
وهى أيضا طويلة (وفى هذه السنة) في شهر ربيع الأول منها ورد مدينة السلام الخبر أن
الروم نزلت بناحية باب قلمية على ستة أميال من طرسوس وهم زهاء مائة ألف يرأسهم
بطريق البطارقة اندرياس ومعه أربعة أخر من البطارقة فخرج إليهم يا زمان الخادم
ليلا فبيتهم فقتل بطريق البطارقة وبطريق القباذيق وبطريق الناطلق وأفلت بطريق
قرة وبه جراحات وأخذ لهم سبعة صلبان من ذهب وفضة فيها صليبهم الأعظم من ذهب
146

مكلل بالجوهر وأخذ خمسة عشر ألف دابة وبغل ومن السروج نحو من ذلك
وسيوف محلاة بذهب وفضة وآنية كثيرة ونحو من عشرة آلاف علم ديباج وديباج
كثير وبزيون ولحف سمور وكان النفير إلى اندرياس يوم الثلاثاء لسبع خلون من شهر
ربيع الأول فكبس ليلا وقتل من الروم خلق كثير فزعم بعضهم أنه قتل منهم
سبعون ألفا (وفيها) توفى هارون بن أبي أحمد الموفق بمدينة السلام يوم
الخميس لليلتين خلتا من جمادى الأولى (ولست خلون) من شعبان منها ورد
الخبر بموت أحمد بن طولون مدينة السلام فيما ذكر * وقال بعضهم كانت وفاته
يوم الاثنين لثمان عشرة مضت من ذي القعدة منها (وفيها) مات الحسن بن زيد
العلوي بطبرستان إما في رجب وإما في شعبان (وللنصف من شعبان) دخل
المعتمد بغداد وخرج من المدينة حتى نزل بحذاء قطربل في تعبية ومحمد بن طاهر
يسير بين يديه بالحربة ثم مضى إلى سامرا (وفيها) كان فداء أهل ساتيدما على
يدي يا زمان في سلخ رجب منها (وفى يوم الأحد) لتسع بقين من شعبان من
هذه السنة شغب أصحاب أبي العباس بن الموفق ببغداد على صاعد بن مخلد وهو
وزير الموفق فطلبوا الأرزاق فخرج إليهم أصحاب صاعد ليدفعوهم فصارت رجالة
أبى العباس إلى رحبة الجسر وأصحاب صاعد داخل الأبواب بسوق يحيى واقتتلوا
فقتل بينهم قتلى وجرحت جماعة ثم حجز بينهم الليل وبكروا من الغد فوضع لهم
العطاء واصطلحوا (وفى شوال) منها كانت وقعة بين إسحاق بن كنداج وابن
دعباش وكان ابن دعباش على الرقة وأعمالها وعلى الثغور والعواصم من قبل ابن
طولون وابن كنداج على الموصل من قبل السلطان (وفيها) انبثق ببغداد في
الجانب الغربي منها من نهر عيسى من الياسرية بثق فغرق الدباغين وأصحاب
الساج بالكرخ ذكر أنه دق سبعة آلاف دار ونحوها (وقتل) في هذه السنة
ملك الروم المعروف بابن الصقلبي (وحج بالناس) في هذه السنة هارون بن محمد
ابن إسحاق الهاشمي ابن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس
147

ثم دخلت سنة إحدى وسبعين ومائتين
وأولها يوم الاثنين للتاسع والعشرين من حزيران ولخمس وتسعين ومائة
وألف من عهد ذي القرنين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث الجليلة
فمن ذلك ما كان فيها من ورود الخبر في غرة صفر بدخول محمد وعلى ابني
الحسين بن جعفر بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن حسين المدينة وقتلهما
جماعة من أهلها ومطالبتهما أهلها بمال وأخذهما من قوم منهم مالا وان أهل
المدينة لم يصلوا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع جمع لا جمعة ولا
جماعة فقال أبو العباس بن الفضل العلوي
أخربت دار هجرة المصطفى البر * فأبكى اخرابها المسلمينا
عين فابكى مقام جبريل والقبر * فبكى والمنبر الميمونا
وعلى المسجد الذي أسه التقوى * خلاء اضحى من العابدينا
وعلى طيبة التي بارك الله * عليها بخاتم المرسلينا
قبح الله معشرا أخربوها * وأطاعوا متبرا معلونا
(وفيها) أدخل على المعتمد من كان حضر بغداد من حاج خراسان فأعلمهم انه قد
عزل عمرو بن الليث عما كان قلده ولعنه بحضرتهم وأخبرهم انه قد قلد خراسان
محمد بن طاهر وكان ذلك لأربع بقين من شوال وأمر أيضا بلعن عمرو بن الليث على المنابر
فلعن (ولثمان بقين) من شعبان من هذه السنة شخص صاعد بن مخلد بن معسكر أبى أحمد
بواسط إلى فارس لحرب عمرو بن الليث (ولعشر خلون) من شهر رمضان منها
عقد لا حمد بن محمد الطائي على المدينة وطريق مكة (وفيها) كانت بين أبى العباس
ابن الموفق وبين خمارويه بن أحمد بن طولون وقعة بالطواحين فهزم أبو العباس
خمارويه فركب خما رويه حمارا هاربا منه إلى مصر ووقع أصحاب أبي العباس في
النهب ونزل أبو العباس مضرب خمارويه ولا يرى أنه بقى له طالب فخرج عليه
148

كمين لخمارويه كان كمنه لهم خمارويه فيهم سعد الأعسر وجماعة من قواده وأصحابه
وأصحاب أبي العباس قد وضعوا السلاح ونزلوا فشد كمين خمارويه عليهم فانهزموا
وتفرق القوم ومضى أبو العباس إلى طرسوس فر نفر من أصحابه قليل وذهب
كل ما كان في العسكرين عسكر أبى العباس وعسكر خمارويه من السلاح والكراع
والأثاث والأموال وانتهب ذلك كله وكانت هذه الوقعة يوم السادس عشر
من شوال من هذه السنة فيما قيل (وفيها) وثب يوسف بن أبي الساج وكان والى
مكة على غلام للطائي يقال له بدر وخرج واليا على الحاج فقيده فحارب ابن أبي
الساج جماعة من الجند وأغاثهم الحاج حتى استنقذوا غلام الطائي وأسروا ابن أبي
الساج فقيد وحمل إلى مدينة السلام وكانت الحرب بينهم على أبواب المسجد
الحرام (وفيها) خربت العامة الدير العتيق الذي وارء نهر عيسى وانتهبوا كل
ما كان فيه من متاع وقلعوا الأبواب والخشب وغير ذلك وهدموا بعض حيطانه
وسقوفه فصار إليهم الحسين بن إسماعيل صاحب شرطة بغداد من قبل محمد بن
طاهر فمنعهم من هدم ما بقى منه وكان يتردد إليه أياما هو والعامة حتى كاد يكون
بين أصحاب السلطان وبينهم قتال ثم بنى ما كانت العامة هدمته بعد أيام وكانت
إعادة بنائه فيما ذكر بقوة عبدون بن مخلد أخي صاعد بن مخلد (وحج بالناس)
في هذه السنة هارون بن محمد بن إسحاق بن عيسى بن موسى العباسي
ثم دخلت سنة اثنتين وسبعين ومائتين
أولها يوم الجمعة للثامن عشر من حزيران سنة ست وتسعين ومائة وألف
لذي القرنين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمما كان فيها من ذلك إخراج أهل طرسوس أبا العباس بن الموفق من طرسوس
لخلاف كان وقع بينه وبين يا زمان فخرج عنها يريد بغداد للنصف من المحرم من
هذه السنة (وفيها) توفى سليمان بن وهب في حبس الموفق يوم الثلاثاء لاثنتي
149

عشرة بقيت من صفر (وفيها) تجمعت العامة فهدموا ما كان بنى من البيعة يوم
الخميس لثمان خلون من شهر ربيع الآخر (وفيها) حكم شار في طريق خراسان
وصار إلى دسكرة الملك فقتل وانتهب (وفيها) ورد الخبر مدينة السلام بدخول
حمدان بن حمدون وهارون الشاري مدينة الموصل وصلى الشاري بهم في مسجد
الجامع (وفيها) قدم أبو العباس بن الموفق بغداد منصرفا من وقعته مع
ابن طولون بالطواحين لتسع بقين من جمادى الآخرة (وفيها) نقب المطبق
من داخله وأخرجه الذوائبي العلوي ونفسان معه وكانوا قد أعدت لهم دواب
توقف في كل ليلة ليخرجوا فيركبوها هاربين فنذر بهم وغلقت أبواب مدينة
أبى جعفر المنصور فأخذ الذوائبي ومن خرج معه وركب محمد بن طاهر وكتب
بالخبر إلى الموفق وهو مقيم بواسط فأمر أن تقطع يد الذوائبي ورجله من
خلاف فقطع في مجلس الجسر بالجانب الغربي ومحمد بن طاهر واقف على دابته
وكوى يوم الاثنين لثلاث خلون من جمادى الآخرة (وفيها) قدم صاعد
ابن مخلد من فارس ودخل واسط في رجب فأمر الموفق جميع القواد أن يستقبلوه
فاستقبلوه وترجلوا له وقبلوا كفه (وفيها) قبض الموفق على صاعد بن مخلد
بواسط وعلى أسبابه وانتهت منازلهم يوم الاثنين لتسع خلون من رجب وقبض
على ابنيه أبى عيسى وأبى صالح ببغداد وعلى أخيه عبدون وأسبابه بسامرا وذلك
كله في يوم واحد وهو اليوم الذي قبض فيه على صاعد واستكتب الموفق إسماعيل
ابن بلبل واقتصر به على الكتابة دون غيرها (ووردت) الاخبار فيها أن مصر
زلزلت في جمادى الآخرة زلازل أخربت الدور والمسجد الجامع وأنه أحصى
في يوم واحد بها ألف جنازة (وفيها) غلا السعر ببغداد وذلك أن أهل سامرا
منعوا فيما ذكر سفن الدقيق من الانحدار إليها ومنع الطائي أرباب الضياع من
دياس الطعام وقسمه يتربص بذلك غلاء الأسعار فمنع أهل بغداد الزيت والصابون
والتمر وغير ذلك من حمله إلى سامرا وذلك في النصف من شهر رمضان (وفيها)
ضجت العامة بسبب غلاء السعر واجتمعت للوثوب بالطائي فانصرفوا من
150

مسجد الجامع للنصف من شوال إلى داره بين باب البصرة وباب الكوفة وجاؤه
من ناحية الكرخ فأصعد الطائي أصحابه على السطوح فرموهم بالنشاب وأقام
رجاله على بابه وفى فناء داره بالسيوف والرماح فقتل بعض العامة وجرحت
منهم جماعة ولم يزالوا يقاتلونهم إلى الليل فلما كان الليل انصرفوا وباكروه من
غد فركب محمد بن طاهر فسكن الناس وصرفهم عنه (وفيها) توفى إسماعيل
ابن بريه الهاشمي يوم الثلاثاء لاحدى عشرة ليلة بقيت من شوال منها ولثمان
بقين منها توفى عبيد الله بن عبد الله الهاشمي (وفيها) كانت للزنج بواسط حركة
فصاحوا انكلاى يا منصور وكان انكلا والمهلبي وسليمان بن جامع والشعراني
والهمداني وآخر معهم من قواد الزنج محتبسين في دار محمد بن عبد الله بن طاهر
بمدينة السلام في دار البطيخ في يد غلام من غلمان الموفق يقال له فتح السعيدي فكتب
الموفق إلى فتح أن يوجه برؤس هؤلاء الستة فدخل إليهم فجعل يخرج الأول فالأول
منهم فذبحهم غلام له وقلع رأس بالوعة في الدار وطرحت أجسادهم فيها وسد رأسها
ووجه رؤوسهم إلى الموفق (وفيها) ورد كتاب الموفق على محمد بن طاهر في جثت
هؤلاء الستة المقتولين فأمره بصلبها بحضرة الجسر فأخرجوا من البالوعة وقد
انتفخوا وتغيرت روائحهم وتقشر بعض جلودهم فحملوا في المحامل المحمل بين
رجلين وصلب ثلاثة منهم في الجانب الشرقي وثلاثة في الجانب الغربي وذلك
لسبع بقين من شوال من هذه السنة وركب محمد بن طاهر حتى صلبوا بحضرته
(وفيها) صلح أمر مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمرت وتراجع الناس إليها
(وفيها) غزا الصائفة يا زمان (وحج بالناس) فيها هارون بن محمد بن إسحاق بن
عيسى بن موسى الهاشمي
ثم دخلت سنة ثلاث وسبعين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
ففيها كانت وقعة بين أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف وعمرو بن الليث الصفار
151

يوم السادس عشر من شهر ربيع الأول (وفيها) كانت أيضا وقعة بين إسحاق
ابن كنداج ومحمد بن أبي الساج بالرقة فانهزم إسحاق وكان ذلك يوم الثلاثاء
لتسع خلون من جمادى الأولى (وفيها) قدمت رسل يا زمان من طرسوس
فذكروا أن ثلاثة بنين لطاغية الروم وثبوا عليه فقتلوه وملكوا أحدهم
عليهم (وفيها) قيد أبو أحمد لؤلؤا القادم عليه بالأمان من عند ابن طولون واستصفى
ماله لثمان بقين من ذي القعدة من هذه السنة وذكر أن الذي أخذ من ماله كان
أربعمائة ألف دينار * وذكروا عن لؤلؤ أنه قال ما عرفت لنفسي ذنبا استوجبت
به ما فعل بي إلا كثرة مالي (وفيها) كانت بين محمد بن أبي الساج وإسحاق بن
كنداج وقعة أخرى لأربع عشرة ليلة خلت من ذي الحجة وكانت الدبرة فيها على
ابن كنداج (وحج بالناس) فيها هارون بن محمد بن إسحاق بن عيسى بن موسى
ابن علي بن عبد الله بن عباس
ثم دخلت سنة أربع وسبعين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك شخوص أبى أحمد إلى كرمان لحرب عمرو بن الليث لاثنتي عشرة
بقيت من شهر ربيع الأول (وفيها) غزا يا زمان فبلغ المسكنين فأسر وغنم وسلم
والمسلمون وذلك في شهر رمضان منها (وفيها) دخل صديق الفرغاني دور
سامرا فأغار على أموال التجار وأكثر العيث في الناس وكان صديق هذا يخفر
أولا الطريق ثم تحول لصا حاربا يقطع الطريق (وحج بالناس) فيها هارون
ابن محمد الهاشمي
ثم دخلت سنة خمس وسبعين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك ما كان من توجيه الطائي جيشا إلى سامرا بسبب ما أحدث صديق بها
وإطلاقه أخاه من السجن وكان أسيرا عنده وذلك في المحرم من هذه السنة ثم
152

خرج الطائي إلى سامرا وراسل صديقا ووعده ومناه وأمنه فعزم على الدخول
إليه في الأمان فحذره ذلك غلام له يقال له هاشم وكان فيما ذكر شجاعا فلم يقبل
منه ودخل سامرا مع أصحابه وصار إلى الطائي فأخذه الطائي ومن دخل معه منهم
فقطع يد صديق ورجله ويد هاشم ورجله وأيدي جماعة من أصحابه وأرجلهم
وحبسهم ثم حملهم في محامل إلى مدينة السلام وقد أبرزت أيديهم وأرجلهم
المقطعة ليراها الناس ثم حبسوا (وفيها) غزا يا زمان في البحر فأخذ للروم أربعة
مراكب (وفيها) تصعلك فارس العبدي فعاث بناحية سامرا وصار إلى كرخها
فانتهب دور آل خشنج فشخص الطائي إليه فلحقه بالحديثة فاقتتلا فهزمه الطائي
وأخذ سواده وصار الطائي إلى دجلة فدخل طياره ليعبرها فأدركه أصحاب العبدي
فتعلقوا بكوثل الطيار فرمى الطائي بنفسه في دجلة فعبرها سباحة فلما خرج منها
نفض لحيته من الماء وقال إيش ظن العبدي أليس أنا أسبح من سمكة ثم نزل
الطائي الجانب الشرقي والعبدي بإزائه في الجانب الغربي وفى انصراف الطائي
قال علي بن محمد بن منصور بن نصر بن بسام
قد أقبل الطائي لا أقبلا * قبح في الافعال ما أجملا
كأنه من لين ألفاظه * صبية تمضغ جهد البلا
(وفيها) أمر أبو أحمد بتقييد الطائي وحبسه ففعل ذلك لأربع عشرة خلت
من شهر رمضان وختم على كل شئ له وكان يلي الكوفة وسوادها وطريق
خراسان وسامرا والشرطة ببغداد وخراج بادوريا وقطربل ومسكن وشيئا
من ضياع الخاصة (وفيها) حبس أبو أحمد ابنه أبا العباس فشغب أصحابه وحملوا
السلاح وركب غلمانه واضطربت بغداد لذلك فركب أبو أحمد لذلك حتى بلغ
باب الرصافة وقال لأصحاب أبى العباس وغلمانه فيما ذكر ما شأنكم أترونكم
أشفق على ابني منى هو ولدى واحتجت إلى تقويمه فانصرف الناس ووضعوا
السلاح وذلك يوم الثلاثاء لست خلون من شوال من هذه السنة (وحج بالناس)
فيها هارون بن محمد الهاشمي
153

ثم دخلت سنة ست وسبعين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك ضم الشرطة بمدينة السلام إلى عمرو بن الليث وكتب فيها على الاعلام
والمطارد والترسة التي تكون في مجلس الجسر اسمه وذلك في المحرم (ولأربع
عشرة) خلت من شهر ربيع الأول من هذه السنة شخص أبو أحمد من مدينة
السلام إلى الجبل وكان سبب شخوصه إليها فيما ذكر أن الماذرائي كاتب
اذكوتكين أخبره أن له هنالك مالا عظيما وأنه إن شخص صار ذلك إليه فشخص
إليه فلم يجد من المال الذي أخبره به شيئا فلما لم يجد ذلك شخص إلى الكرج ثم إلى أصبهان
يريد أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف فتنحى له أحمد بن عبد العزيز عن البلد بجيشه
وعياله وترك داره بفرشها لينزلها أبو أحمد إذا قدم * وقدم محمد بن أبي الساج على
أبى أحمد قبل شخوصه من مضربه بباب خراسان هاربا من ابن طولون بعد وقعات
كانت بينهما ضعف في آخر ذلك ابن أبي الساج عن مقاومته لقلة من معه وكثرة
من مع ابن طولون من الرجال فلحق بأبي أحمد فانضم إليه فخلع أبو أحمد عليه
وأخرجه معه إلى الجبل (وفيها) ولى عبيد الله بن عبد الله بن طاهر شرطة بغداد
من قبل عمرو بن الليث في شهر ربيع الآخر (وفيها) ورد الخبر بانفراج تل
بنهر الصلة ويعرف بتل بنى شقيق عن سبعة أقبر فيها سبعة أبدان صحيحة عليها
أكفان جدد لينة لها أهداب تفوح منها رائحة المسك أحدهم شاب له جمة وجبهته
وأذناه وخداه وأنفه وشفتاه وذقنه وأشفار عينيه صحيحة وعلى شفتيه بلل كأنه
قد شرب ماء وكأنه قد كحل وبه ضربة في خاصرته فردت عليه أكفانه وحدثني
بعض أصحابنا أنه جذب من شعر بعضهم فوجده قوى الأصل نحو قوة شعر الحي
وذكر أن التل انفرج عن هذه القبور عن شبه الحوض من حجر في لون المسن
عليه كتاب لا يدرى ما هو (وفيها) أمر بطرح المطارد والاعلام والترسة التي
كانت في مجالس الشرطة التي عليها اسم عمرو بن الليث وإسقاط ذكره وذلك
154

لاحدى عشرة خلت من شوال (وحج بالناس) في هذه السنة هارون بن محمد
ابن إسحاق الهاشمي وكان واليا على مكة والمدينة والطائف
ثم دخلت سنة سبع وسبعين ومائتين
ذكر الخبر عن الاحداث التي كانت فيها
فمن ذلك دعاء يا زمان بطرسوس لخمارويه بن أحمد بن طولون وكان سبب
ذلك فيما ذكر أن خمارويه وجه إليه بثلاثين ألف دينار وخمسمائة ثوب وخمسين
ومائة دابة وخمسين ومائة ممطر وسلاح فلما وصل ذلك إليه دعا له ثم وجه إليه
بخمسين ألف دينار وفى أول شهر ربيع الآخر كان بين وصيف خادم ابن أبي
الساج والبرابرة أصحاب أبي الصقر سر فاقتتلوا فقتل من غلمان الخادم أربعة
غلمان ومن البرابرة سبعة فكانت الحرب بينهم بباب الشأم إلى شارع باب الكوفة
فركب إليهم أبو الصقر فكلمهم فتفرقوا ثم عادوا للشر بعد يومين فركب إليهم
أبو الصقر فسكنهم (وفيها) ولى يوسف بن يعقوب المظالم فأمر أن ينادى من
كانت له مظلمة قبل الأمير الناصر لدين الله أو أحد من الناس فليحضر وتقدم إلى
صاحب الشرطة ألا يطلق أحدا من المحبسين إلا من رأى إطلاقه يوسف بعد
أن يعرض عليه قصصهم وفى أول يوم من شعبان قدم قائد من قواد ابن طولون
في جيش عظيم من الفرسان والرجالة بغداد (وحج بالناس) في هذه السنة
هارون بن محمد الهاشمي
ثم دخلت سنة ثمان وسبعين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك الحرب التي كانت بين أصحاب وصيف الخادم والبربر وأصحاب موسى
ابن أخت مفلح أربعة أيام تباعا ثم اصطلحوا وقد قتل بينهم بضعة عشر رجلا وذلك
في أول المحرم ثم وقع في الجانب الشرقي حرب بين النصريين وأصحاب يونس قتل
فيها رجل ثم افترقوا (وفيها) انحدر وصيف خادم ابن أبي الساج إلى واسط
155

بأمر أبى الصقر لتكون عدة له فيما ذكر وذلك أن اصطنعه وأصحابه وأجازه
بجوائز كبيرة وأدر على أصحابه أرزاقهم وكان قد بلغه قدوم أبى أحمد فخافه على
نفسه لما كان من إتلافه ما كان في بيوت أموال أبى أحمد حتى لم يبق فيها شئ
بالهبة التي كان يهب والجوائز التي كان يجيز والخلع التي كان يخلع على القواد وإنفاقه
على القواد فلما نفد ما في بيت المال من المال طالب أرباب الضياع بخراج سنة
مبهمة عن أرضيهم وحبس منهم بذلك جماعة وكان الذي يتولى له القيام بذلك
الزغل فعسف على الناس في ذلك وقدم أبو أحمد قبل أن يستوظف أداء ذلك
منهم فشغل عن مطالبة الناس بما كان يطالبهم به وكان انحدار وصيف في يوم
الجمعة لثلاث عشرة بقيت من المحرم (ولليلتين) بقيتا من المحرم منها طلع كوكب
ذو جمة ثم صارت الجمة ذؤابة (وفيها) انصرف أبو أحمد من الجبل إلى العراق
وقد اشتد به وجع النقرس حتى لم يقدر على الركوب فاتخذ له سرير عليه قبة
فكان يقعد عليه ومعه خادم يبرد رجله بالأشياء الباردة حتى بلغ من أمره أنه كان
يضع عليها الثلج ثم صارت علة رجله داء الفيل وكان يحمل سريره أربعون حمالا
يتناوب عليه عشرون عشرون وربما اشتد به أحيانا فيأمرهم أن يضعوه فذكر
أنه قال يوما للذين يحملونه قد ضجرتم بحملي بودى أنى أكون كواحد منكم
أحمل على رأسي وأكل وأنى في عافية وأنه قال في مرضه هذا أطبق دفتري على
مائة ألف مرتزق ما أصبح فيهم أسوء حالا منى * وفى يوم الاثنين لثلاث بقين
من المحرم منها وافى أبو أحمد النهروان فتلقاه أكثر الناس فركب الماء فسار في
النهروان ثم في نهر ديالى ثم في دجلة إلى الزعفرانية وصار ليلة الجمعة إلى الفرك
ودخل داره يوم الجمعة لليلتين خلتا من صفر ولما كان في يوم الخميس لثمان خلون
من صفر شاع موته بعد انصراف أبى الصقر من داره وقد كان تقدم في حفظ أبى
العباس فغلقت عليه أبواب دون أبواب وأخذ أبو الصقر ابن الفياض معه إلى
داره وكان يبقى بناحيته وأقام أبو الصقر في داره يومه ذلك وازداد الارجاف
بموت أبى أحمد وكانت اعترته غشية فوجه أبو الصقر يوم الجمعة إلى المدائن فحمل
156

منها المعتمد وولده فجئ بهم إلى داره وأقام أبو الصقر في داره ولم يصر إلى دار
أبى أحمد فلما رأى غلمان أبى أحمد المائلون إلى أبى العباس والرؤساء من غلمان
أبى العباس الذين كانوا حضورا ما قد نزل بأبي أحمد كسروا أقفال الأبواب
المغلقة على أبى العباس * فذكر عن الغلام الذي كان مع أبي العباس في الحجرة أنه
قال لما سمع أبو العباس صوت الاقفال تكسر قال ليس يريد هؤلاء إلا نفسي
وأخذ سيفا كان عنده فاستله وقعد مستوفزا والسيف في حجره وقال لي تنح
أنت والله لا وصلوا إلى وفى شئ من الروح قال فلما فتح الباب كان أول من
دخل عليه وصيف موشكير وهو غلام أبى العباس فلما رآه رمى السيف من يده
وعلم أنهم لم يقصدوا إلا الخير فأخرجوه حتى أقعدوه عند أبيه وهو بعقب غشيته
فلما فتح أبو أحمد عينيه وأفاق رآه فأدناه وقربه ووافى المعتمد ذلك اليوم الذي
وجه إليه في حمله وهو يوم الجمعة نصف النهار قبل صلاة الجمعة مدينة السلام
لتسع خلون من صفر ومعه ابنه جعفر المفوض إلى الله ولى العهد وعبد العزيز
ومحمد وإسحاق بنوه فنزل على أبى الصقر ثم بلغ أبا الصقر أن أبا أحمد لم يمت فوجه
إسماعيل بن إسحاق يتعرف له الخبر وذلك يوم السبت وجمع أبو الصقر القواد
والجند وشحن داره وما حولها بالرجال والسلاح ومن داره إلى الجسر كذلك
وقطع الجسرين ووقف قوم على الجسر في الجانب الشرقي يحاربون أصحاب أبي
الصقر فقتل بينهم قتلى وكانت بينهم جراحات وكان أبو طلحة أخو شركب مع
أصحابه مقيمين بباب البستان فرجع إسماعيل فأعلم أبا الصقر أن أبا أحمد جى فكان
أول من مضى إليه من القواد محمد بن أبي الساج عبر من نهر عيسى ثم جعل الناس
يتسللون منهم من يعبر إلى باب أبى أحمد ومنهم من يرجع إلى منزله ومنهم من
يخرج من بغداد فلما رأى أبو الصقر ذلك وصحت عنده حياة أبى أحمد انحدر هو
وابناه إلى دار أبى أحمد فماذا كره أبو أحمد شيئا مما جرى ولا ساء له عنه وأقام في
دار أبى أحمد فلما رأى المعتمد أنه قد بقى في الدار وحده نزل هو وبنوه وبكتمر
فركبوا زورقا ثم لقيهم طيار أبى ليلى بن عبد العزيز بن أبي دلف فحملهم في طياره
157

ومضى بهم إلى داره وهى دار علي بن جهشيار برأس الجسر فقال له المعتمد أريد
أن أمضى إلى أخي فاحدره ومن معه من بيته إلى دار أبى أحمد وانتهبت دار
أبى الصقر وكل ما حوته حتى خرج حرمه حفاة بغير إزار وانتهبت دار محمد بن
سليمان كاتبه ودار ابن الواثقي انتهبت وأحرقت وانتهبت دور أسبابه وكسرت
أبواب السجون ونقبت الحيظان وخرج كل من كان فيها وخرج كل من كافي المطبق
وانتهب مجلسا الجسر وأخذ كل ما كان فيهما وانتهبت المنازل التي تقرب من دار أبى
الصقر وخلع أبو أحمد على ابنه أبى العباس وعلى أبى الصقر فركبا جميعا والخلع عليهما
من سوق الثلاثاء إلى باب الطاق ومضى أبو الصقر مع أبي العباس إلى داره دار صاعد
ثم انحدر أبو الصقر في الماء إلى منزله وهو منتهب فأتوه من دار الشاه بحصير فقعد
عليه فولى أبو العباس غلامه بدرا الشرطة واستخلف محمد بن غانم بن الشاه على الجانب
الشرقي وعيسى النوشري على الجانب الغربي وذلك لأربع عشرة خلت من صفر منها
(وفيها) في يوم الأربعاء لثمان بقين من صفر كانت وفاة أبى أحمد الموفق
ودفن ليلة الخميس في الرصافة عند قبر والدته وجلس أبو العباس يوم الخميس
للناس للتعزية (وفيها) بايع القواد والغلمان لأبي العباس بولاية العهد بعد
المفوض ولقب بالمعتضد بالله في يوم الخميس وأخرج للجند العطاء وخطب يوم
الجمعة للمعتمد ثم للمفوض ثم لأبي العباس المعتضد وذلك لسبع ليال بقين من
صفر (وفيها) في يوم الاثنين لأربع بقين من صفر قبض على أبى الصقر وأسبابه
وانتهبت منازلهم وطلب بنو الفرات وكان إليهم ديوان السواد فاختفوا وخلع
على عبيد الله بن سليمان بن وهب يوم الثلاثاء لثلاث بقين من صفر منها وولى
الوزارة (وفيها) بعث محمد بن أبي الساج إلى واسط ليرد غلامه وصيفا إلى
مدينة السلام فمضى وصيف إلى الأهواز وأبى الانصراف إلى بغداد وأنهب
الطيب وعاث بالسوس (وفيها) ظفر بأبي أحمد بن محمد بن الفرات فحبس
وطولب بأموال وظفر معه بالزغل فحبس وظفر معه بمال (وفيها) وردت
الاخبار بقتل علي بن الليث أخي الصفار قتله رافع بن هرثمة كان لحق به وترك
158

أخاه (ووردت) الاخبار فيها عن مصر أن النيل غار ماؤه وغلت الأسعار عندهم
ذكر ابتداء أمر القرامطة
(وفيها) وردت الاخبار بحركة قوم يعرفون بالقرامطة بسواد الكوفة
فكان ابتداء أمرهم قدوم رجل من ناحية خوزستان إلى سواد الكوفة ومقامه
بموضع منه يقال له النهرين يظهر الزهد والتقشف ويسف الخوص ويأكل
من كسبه ويكثر الصلاة فأقام على ذلك مدة فكان إذا قعد إليه إنسان ذا كره
أمر الدين وزهده في الدنيا وأعلمه أن الصلاة المفترضة على الناس خمسون
صلاة في كل يوم وليلة حتى فشا ذلك عنه بموضعه ثم أعلمهم أنه يدعو إلى امام
من أهل بيت الرسول فلم يزل على ذلك يقعد إليه الجماعة فيخبرهم من ذلك بما
تعلق قلوبهم وكان يقعد إلى بقال في القرية وكان بالقرب من البقال نخل اشتراه
قوم من التجار واتخذوا حظيرة جمعوا فيها ما صرموا من حمل النخل وجاؤا
إلى البقال فسألوه أن يطلب لهم رجلا يحفظ عليهم ما صرموا من النخل فأومى
لهم إلى هذا الرجل وقال إن أجابكم إلى حفظ ثمرتكم فإنه بحيث تحبون فناظروه
على ذلك فأجابهم إلى حفظه بدراهم معلومة فكان يحفظ لهم ويصلى أكثر نهاره
ويصوم ويأخذ عند افطاره من البقال رطل تمر فيفطر عليه ويجمع نوى ذلك
التمر فلما حمل التجار ما لهم من التمر صاروا إلى البقال فحاسبوا أجيرهم هذا على
أجرته فدفعوها إليه فحاسب الأجير البقال على ما أخذ منه من التمر وحط من
ذلك ثمن النوى الذي كان دفعه إلى البقال فسمع التجار ما جرى بينه وبين البقال
في حق النوى فوثبوا عليه فضربوه وقالوا ألم ترض أن أكلت تمرنا حتى بعت
النوى فقال لهم البقال لا تفعلوا فإنه لم يمس تمركم وقص عليهم قصته فندموا على
ضربهم إياه وسألوه أن يجعلهم في حل ففعل وازداد بذلك نبلا عند أهل
القرية لما وقفوا عليه من زهده ثم مرض فمكث مطروحا على الطريق وكان
في القرية رجل يحمل على أثوار له أحمر العينين شديدة حمرتهما وكان أهل القرية
يسمونه كر ميته لحمرة عينيه وهو بالنبطية أحمر العينين فكلم البقال كرميته هذا
159

في أن يحمل هذا العليل إلى منزله ويوصى أهله بالاشراف عليه والعناية به ففعل
وأقام عنده حتى برأ ثم كان يأوى إلى منزله ودعا أهل القرية إلى أمره ووصف
لهم مذهبه فأجابه أهل تلك الناحية وكان يأخذ من الرجل إذا دخل في دينه
دينارا ويزعم أنه يأخذ ذلك للامام فمكث بذلك يدعو أهل تلك القرى فيجيبونه
واتخذ منهم اثنى عشر نقيبا أمرهم أن يدعو الناس إلى دينهم وقال لهم أنتم كحواري
عيسى ابن مريم فاشتغل اكرة تلك الناحية عن أعمالهم بما رسم لهم من الخمسين
الصلاة التي ذكر أنها مفترضة عليهم وكان للهيصم في تلك الناحية ضياع فوقف
على تقصيرا كرته في العمارة فسأل عن ذلك فأخبر أن إنسانا طرأ عليهم فأظهر
لهم مدهبا من الدين وأعلمهم أن الذي افترضه الله عليهم خمسون صلاة في اليوم
والليلة فقد شغلوا بها عن أعمالهم فوجه في طلبه فأخذ وجئ به إليه فسأله عن
أمره فأخبره بقصته فحلف أنه يقتله فأمر به فحبس في بيت وأقفل عليه الباب
ووضع المفتاح تحت وسادته وتشاغل بالشرب وسمع بعض من في داره من
الجواري بقصته فرقت له فلما نام الهيصم أخذت المفتاح من تحت وسادته
وفتحت الباب وأخرجته وأقفلت الباب وردت المفتاح إلى موضعه فلما أصبح
الهيصم دعا بالمفتاح ففتح الباب فلم يجده وشاع بذلك الخبر ففتن به أهل تلك
الناحية وقالوا رفع ثم ظهر في موضع آخر ولقى جماعة من أصحابه وغيرهم فسألوه
عن قصته فقال ليس يمكن أحدا أن يبدأني بسوء ولا يقدر على ذلك منى فعظم
في أعينهم ثم خاف على نفسه فخرج إلى ناحية الشأم فلم يعرف له خبر وسمى باسم
الرجل الذي كان في منزله صاحب الأثوار كرميته ثم خفف فقالوا قرمط ذكر
هذه القصة بعض أصحابنا عمن حدثه أنه حضر محمد بن داود بن الجراح وقد دعا
بقوم من القرامطة من الحبس فسألهم عن زكرويه وذلك بعد ما قتله وعن قرمط
وقصته وانهم أوموا له إلى شيخ منهم وقالوا له هذا سلف زكرويه وهو أخبر
الناس بقصته فسله عما تريد فسأله فأخبره بهذه القصة * وذكر عن محمد بن داود
أنه قال قرمط رجل من سواد الكوفة كان يحمل غلات السواد على أثوار
160

له يسمى حمدان ويلقب بقرمط ثم فشا أمر القرامطة ومذهبهم وكثروا بسواد
الكوفة ووقف الطائي أحمد بن محمد على أمرهم فوظف على كل رجل منهم
في كل سنة دينارا وكان يجبى من ذلك مالا جليلا فقدم قوم من الكوفة
فرفعوا إلى السلطان أمر القرامطة وأنهم قد أحدثوا دينا غير الاسلام وأنهم يرون
السيف على أمة محمد الا من بايعهم على دينهم وأن الطائي يخفى أمرهم على السلطان
فلم يلتفت إليهم ولم يسمع منهم فانصرفوا وأقام رجل منهم مدة طويلة بمدينة
السلام يرفع ويزعم أنه لا يمكنه الرجوع إلى بلده خوفا من الطائي وكان فيما حكوا
عن هؤلاء القرامطة من مذهبهم أن جاءوا بكتاب فيه (بسم الله الرحمن الرحيم)
يقول الفرج بن عثمان وهو من قرية يقال لها نصرانية داعية إلى المسيح وهو عيسى
وهو الكلمة وهو المهدى وهو أحمد بن محمد بن الحنفية وهو جبريل وذكر أن
المسيح تصور له في جسم إنسان وقال له إنك الداعية وإنك لحجة وإنك الناقة
وإنك الدابة وإنك روح القدس وإنك يحيى بن زكرياء وعرفه أن الصلاة أربع
ركعات ركعتان قبل طلوع الشمس وركعتان قبل غروبها وأن الاذان في كل
صلاة أن يقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله مرتين
أشهد أن آدم رسول الله أشهد أن نوحا رسول الله أشهد أن إبراهيم رسول الله
أشهد أن موسى رسول الله وأشهد أن عيسى رسول الله وأشهد أن محمدا رسول الله
وأشهد أن أحمد بن محمد بن الحنفية رسول الله وأن يقرأ في كل ركعة الاستفتاح
وهى من المنزل على أحمد بن محمد بن الحنفية والقبلة إلى بيت المقدس والحج إلى
بيت المقدس ويوم الجمعة يوم الاثنين لا يعمل فيه شئ والسورة الحمد لله بكلمته
وتعالى باسمه المتخذ لأوليائه بأوليائه قل إن الأهلة مواقيت للناس ظاهرها ليعلم
عدد السنين والحساب والشهور والأيام وباطنها أوليائي الذين عرفوا عبادي
سبيلي اتقون يا أولى الألباب وأنا الذي لا أسأل عما أفعل وأنا العليم الحكيم وأنا
الذي أبلو عبادي وأمتحن خلقي فمن صبر على بلائي ومحنتي واختباري ألقيته في
جنتي وأخلدته في نعمتي ومن زال عن أمرى وكذب رسلي أخلدته مهانا في عذابي
161

وأتممت أجلى وأظهرت أمرى على ألسنة رسلي وأنا الذي لم يعل على جبار إلا
وضعته ولا عزيز إلا أذللته وليس الذي أصر على أمره وداوم على جهالته وقالوا
لن نبرح عليه عاكفين وبه مؤمنين أولئك هم الكافرون ثم يركع ويقول في ركوعه
سبحان ربى رب العزة وتعالى عما يصف الظالمون يقولها مرتين فإذا سجد قال
الله أعلى الله أعلى الله أعظم الله أعظم ومن شرائعه ان الصوم يومان في السنة وهما
المهرجان والنوروز وأن النبيذ حرام والخمر حلال ولا غسل من جنابة إلا الوضوء
كوضوء الصلاة وأن من حاربه وجب قتله ومن لم يحاربه ممن خالفه أخذت منه
الجزية ولا يؤكل كل ذي ناب ولا كل ذي مخلب وكان مصير قرمط إلى سواد
الكوفة قبل قتل صاحب الزنج وذلك أن بعض أصحابنا ذكر عن سلف زكرويه
أنه قال قال لي قرمط صرت إلى صاحب الزنج ووصلت إليه وقلت له إني على
مذهب وورائي مائة ألف سيف فناظرني فإن اتفقنا على المذهب ملت بمن معي
إليك وإن تكن الأخرى انصرفت عنك وقلت له تعطيني الأمان ففعل قال
فناظرته إلى الظهر فتبين لي في آخر مناظرتي إياه أنه على خلاف أمرى وقام إلى
الصلاة فانسللت فمضيت خارجا من مدينته وصرت إلى سواد الكوفة (ولخمس
بقين) من جمادى الآخرة من هذه السنة دخل أحمد العجيفي مدينة طرسوس
وغزا مع يا زمان غزاة الصائفة فبلغ سلندو * وفى هذه الغزاة مات يا زمان وكان
سبب موته أن شظية من حجر منجنيق أصاب أضلاعه وهو مقيم على حصن
سلندو فارتحل العسكر وقد كانوا أشرفوا على فتحه فتوفى في الطريق من يوم
الجمعة لأربع عشرة ليلة خلت من رجب وحمل إلى طرسوس على أكتاف الرجال
فدفن هناك (وحج بالناس) في هذه السنة هارون بن محمد الهاشمي
ثم دخلت سنة تسع وسبعين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك ما كان من أمر السلطان بالنداء بمدينة السلام أن لا يقعد على الطريق
162

ولا في مسجد الجامع قاص ولا صاحب نجوم ولا زاجر وحلف الوراقون ألا
يبيعوا كتب الكلام والجدل والفلسفة (وفيها) خلع جعفر المفوض من العهد
لثمان بقين من المحرم وفى ذلك اليوم بويع للمعتضد بأنه ولى العهد من بعد المعتمد
وأنشئت الكتب بلخع جعفر وتولية المعتضد ونفدت إلى البلدان وخطب يوم
الجمعة للمعتضد بولاية العهد وأنشئت عن المعتضد كتب إلى العمال والولاة بأن أمير
المؤمنين قد ولاه العهد وجعل إليه ما كان الموفق يليه من الامر والنهى والولاية
والعزل (وفيها) قبض على جرادة كاتب أبى الصقر لخمس خلون من شهر ربيع
الأول وكان الموفق وجهه إلى رافع بن هرثمة فقدم مدينة السلام قبل أن يقبض
عليه بأيام (وفيها) انصرف أبو طلحة منصور بن مسلم من شهرزور لست بقين
من جمادى الأولى وكانت ضمت إليه فقبض عليه وعلى كاتبه عقامة وأودعا السجن
وذلك لأربع بقين من جمادى الأولى (وفيها) كانت الملحمة بطرسوس بين محمد
ابن موسى ومكنون غلام راغب مولى الموفق في يوم السبت لتسع بقين من جمادى
الأولى وكان سبب ذلك فيما ذكر أن طغج بن جف لقى راغبا بحلب فأعلمه أن
خمارويه بن أحدم يحب لقاءه ووعده عنه بما يحب فخرج راغب من حلب ماضيا إلى
مصر في خمسة غلمان له وأنفذ خادمه مكنونا مع الجيش الذي كان معه وأمواله
وسلاحه إلى طرسوس فكتب طغج إلى محمد بن موسى الأعرج يعلمه أنه قد
أنفذ راغبا وأنه كل ما معه من مال وسلاح وغلمان مع غلامه مكنون وقد صار إلى
طرسوس وأنه ينبغي له أن يقبض عليه ساعة يدخل وعلى ما معه فلما دخل مكنون
طرسوس وثب به الأعرج فقبض عليه ووكل بما معه فوثب أهل طرسوس على
الأعرج فحالوا بينه وبين مكنون وقبضوا على الأعرج فحبسوه في يد مكنون
وعلموا أن الحيلة قد وقعت براغب فكتبوا إلى خمارويه بن أحمد يعلمونه
بما فعل الأعرج وأنهم قد وكلوا به وقالوا أطلق راغبا لينفذ إلينا حتى
نطلق الأعرج فأطلق خمارويه راغبا وأنفذه إلى طرسوس وأنفذ معه
أحمد بن طغان واليا على الثغور وعزل عنهم الأعرج فلما وصل راغب إلى
163

طرسوس أطلق محمد بن موسى الأعرج ودخل طرسوس أحمد بن طغان واليا
عليها وعلى الثغور ومعه راغب يوم الثلاثاء لثلاث عشرة خلت من شعبان
وفيها توفى المعتمد ليلة الاثنين لاحدى عشرة ليلة بقيت من رجب وكان شرب
على الشط في الحسنى يوم الأحد شرابا كثيرا وتعشى فأكثر فمات ليلا فكانت
خلافته ثلاثا وعشرين سنة وستة أيام فيما ذكر
خلافة المعتضد
وفى صبيحة هذه الليلة بويع لأبي العباس المعتضد بالله بالخلافة فولى غلامه بدرا
الشرطة وعبيد الله بن سليمان بن وهب الوزارة ومحمد بن الشاه بن ميكال الرس
وحجبة الخاصة والعامة صالحا المعروف بالأمين فاستخلف صالح خفيفا السمرقندي
(ولليلتين خلتا) من شعبان فيها قدم على المعتضد رسول عمرو بن الليث
الصفار بهدايا وسأل ولاية خراسان فوجه المعتضد عيسى النوشري معه الرسول
ومعه خلع ولواء عقده له على خراسان فوصلوا إليه في شهر رمضان من هذه
السنة وخلع عليه ونصب اللواء في صحن داره ثلاثة أيام (وفيها) ورد الخبر
بموت نصر بن أحمد وقام بما كان إليه من العمل وراء نهر بلخ أخوه إسماعيل بن
أحمد (وفيها) قدم الحسين بن عبد الله المعروف بابن الجصاص من مصر
رسولا لخمارويه بن أحمد بن طولون ومعه هدايا من العين عشرون حملا على بغال
وعشرة من الخدم وصندوقان فيهما طراز وعشرون رجلا على عشرين نجيبا
بسروج محلاة بحلية فضة كثيرة ومعهم حراب فضة وعليهم أقبية الديباج
والمناطق المحلاة وسيع عشرة دابة بسروج ولجم منها خمسة بذهب والباقي بفضة
وسبع وثلاثون دابة بجلال مشهرة وخمسة أبغل بسروج ولجم وزرافة يوم الاثنين
لثلاث خلون من شوال فوصل إلى المعتضد فخلع عليه وعلى سبعة نفر معه وسفر ابن
الجصاص في تزويج ابنة خمارويه من علي بن المعتضد فقال المعتضد أنا أتزوجها فتزوجها
(وفيها) ورد الخبر بأخذ أحمد بن عيسى الشيخ فلعة ماردين من محمد بن
إسحاق بن كنداج (وفيها) مات إبراهيم بن محمد بن المدبر وكان يلي ديوان الضياع
164

فولى مكانه محمد بن عبد الحميد وكان موته يوم الأربعاء لثلاث أو أربع عشرة
بقيت من شوال (وفيها) عقد لراشد مولى الموفق على الدينور وخلع عليه
يوم السبت لسبع بقين من شوال ثم خرج راشد إلى عمله يوم الخميس لعشر
خلون من ذي القعدة (وفى يوم النحر) منها ركب المعتضد إلى المصلى الذي
اتخذه بالقرب من الحسنى وركب معه القواد والجيش فصلى بالناس فذكر عنه
أنه كبر في الركعة الأولى ست تكبيرات وفى الركعة الثانية تكبيرة واحدة ثم
صعد المنبر فلم تسمع خطبته وعطل المصلى العتيق فلم يصل فيه (وفيها) كتب
إلى أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف بمحاربة رافع بن هرثمة ورافع بالري
فزحف إليه أحمد فالتقوا يوم الخميس لسبع بقين من ذي القعدة فانهزم رافع بن
هرثمة وخرج عن الري ودخلها ابن عبد العزيز (وحج بالناس) في هذه السنة
هارون بن محمد الهاشمي وهى آخر حجة حجها وحج بالناس ست عشرة سنة
من سنة 64 إلى هذه السنة
ثم دخلت سنة ثمانين ومائتين
ذكر الخبر عن الاحداث التي كانت فيها
فمن ذلك ما كان من أخذ المعتضد عبد الله بن المهتدى ومحمد بن سهل المعروف
بشيلمة وكان شيلمة هذا مع صاحب الزنج إلى آخر أيامه ثم لحق بالموفق في الأمان
فآمنه وكان سبب أخذه إياهما ان بعض المستأمنة سعى به إلى المعتضد وأعلمه
أن يدعو إلى رجل لم يوقف على اسمه وانه قد استفسد جماعة من الجند وغيرهم
وأخذ معه رجل صيدناني وابن أخ له من المدينة فقرره المعتضد فلم يقر بشئ
وسأله عن الرجل الذي يدعو إليه فلم يقر بشئ وقال لو كان تحت قدمي ما رفعتهما
عنه ولو عملتني كردناك لما أخبرتك به فأمر بنار فأوقدت ثم شد على خشبة من
خشب الخيم وأدير على النار حتى تقطع جلده ثم ضربت عنقه وصلب عند الجسر
الأسفل في الجانب الغربي وحبس ابن المهتدى إلى أن وقف على براءته فأطلق
وكان صلبه لسبع خلون من المحرم * فذكر أن المعتضد قال لشيلمة قد بلغني انك
165

تدعو إلى ابن المهتدى فقال المأثور عنى غير هذا وإني أتولى آل ابن أبي طالب وقد
كان قرر ابن أخيه فأقر فقال له قد أقر ابن أخيك فقال له هذا غلام حدث تكلم
بهذا خوفا من القتل ولا يقبل قوله ثم أطلق ابن أخيه والصيدناني بعد مدة طويلة
(ولليلة خلت) من صفر يوم الأحد شخص المعتضد من بغداد يريد بنى شيبان
فنزل بستان بشر بن هارون ثم سار يوم الأربعاء منه واستخلف على داره وبغداد
صالحا الأمين حاجبه فقصد الموضع الذي كانت شيبان تتخذه معقلا من أرض
الجزيرة فلما بلغهم قصده إياهم ضموا إليهم أموالهم وعيالاتهم ثم ورد كتاب المعتضد
أنه أسرى إلى الاعراب من السن فأوقع بهم فقتل منهم مقتلة عظيمة وغرق منهم
خلق كثير في الزابين وأخذ النساء والذراري وغنم أهل العسكر من أموالهم ما أعجزهم
حمله وأخذ من غنمهم وإبلهم ما كثر في أيدي الناس حتى بيعت الشاة بدرهم والجمل
بخمسة دراهم وأمر بالنساء والذراري أن يحفظوا حتى يحدروا إلى بغداد ثم مضى
المعتضد إلى الموصل ثم إلى بلد ثم رجع إلى بغداد فلقيه بنو شيبان يسألونه الصفح
عنهم وبذلوا له الرهائن فأخذ منهم خمسمائة رجل فيما قيل ورجع المعتضد يريد مدينة
السلام فوافاه أحمد بن أبي الأصبغ بما فارق عليه أحمد بن عيسى بن الشيخ من
المال الذي أخذه من مال إسحاق بن كنداج وبهدايا ودواب وبغال في يوم
الأربعاء لسبع خلون من شهر ربيع الأول (وفى شهر) ربيع الأول ورد الخبر
بأن محمد بن أبي الساج افتتح المراغة بعد حصار شديد وحرب غليظة كانت بينهم وأنه
أخذ عبد الله بن الحسين بعد أن آمنه وأصحابه فقيده وحبسه وقرره بجميع أمواله
ثم قتله بعد (وفى شهر) ربيع الآخر ورد الخبر بوفاة أحمد بن عبد العزيز بن أبي
دلف وكانت وفاته في آخر شهر ربيع الأول فطلب الجند أرزاقهم وانتهبوا منزل
إسماعيل بن محمد المنشى وتنازع الرئاسة عمرو بكر ابنا عبد العزيز ثم قام بالامر
عمرو لم يكتب إليه المعتضد بالولاية (وفيها) افتتح محمد بن ثور عمان وبعث برؤس
جماعة من أهلها * وذكر أن جعفر بن المعتمد توفى في يوم الأحد لاثنتي عشرة
خلت من شهر ربيع الآخر منها وأنه كان مقامه في دار المعتضد لا يخرج ولا يظهر
166

وقد كان المعتضد نادمه مرارا (وفيها) انصرف المعتضد إلى بغداد من خرجته
إلى الاعراب (وفيها) في جمادى الآخرة ورد الخبر بدخول عمرو بن الليث
نيسابور في جمادى الأولى منها (وفيها) وجه يوسف بن أبي الساج اثنين وثلاثين
نفسا من الخوارج من طريق الموصل فضربت أعناق خمسة وعشرين رجلا منهم
وصلبوا وحبس سبعة منهم في الحبس الجديد (وفيها) دخل أحمد بن أبا طرسوس
لغزاة الصائفة لخمس خلون من رجب من قبل خمارويه ودخل بعده بدر الحمامي
فغزوا جميعا مع العجيفي أمير طرسوس حتى بلغوا البلقسور (وفيها) ورد الخبر
بغزو إسماعيل بن أحمد بلاد الترك وافتتاحه فيما ذكر مدينة ملكهم وأسره إياه
وامرأته خاتون ونحوا من عشرة آلاف وقتل منهم خلقا كثيرا وغنم من الدواب
دواب كثيرة لا يوقف على عددها وأنه أصاب الفارس من المسلمين من الغنيمة
في المقسم ألف درهم (ولليلتين بقيتا) من شهر رمضان منها توفى راشد مولى الموفق
بالدينور وحمل في تابوت إلى بغداد (ولثلاث عشرة) خلت من شوال منها
مات مسرور البلخي (وفيها) فيما ذكر في ذي الحجة ورد كتاب من دبيل بانكساف
القمر في شوال لأربع عشرة خلت منها ثم تجلى في آخر الليل فأصبحوا صبيحة
تلك الليلة والدنيا مظلمة ودامت الظلمة عليهم فلما كان عند العصر هبت ريح
سوداء شديدة فدامت إلى ثلث الليل فلما كان ثلث الليل زلزلوا فأصبحوا وقد ذهبت
المدينة فلم ينج من منازلها الا اليسير قدر مائة دار وأنهم دفنوا إلى حين كتب
الكتاب ثلاثين ألف نفس يخرجون من تحت الهدم ويدفنون وأنهم زلزلوا بعد
الهدم خمس مرات * وذكر عن بعضهم أن جملة من أخرج من تحت الهدم
خمسون ومائة ألف ميت (وحج بالناس) في هذه السنة أبو بكر محمد بن هارون
المعروف بابن ترنجة
ثم دخلت سنة إحدى وثمانين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك ما كان من موافاة ترك بن العباس عامل السلطان على ديار مضر مدينة
167

السلام لتسع خلون من المحرم بنيف وأربعين نفسا من أصحاب أبي الأغر صاحب
سميساط على جمال عليهم برانس ودراريع حرير فمضى بهم إلى دار المعتضد ثم ردوا
إلى الحبس الجديد فحبسوا به وخلع على ترك وانصرف إلى منزله (وفيها) ورد
الخبر بوقعة كانت لوصيف خادم ابن أبي الساج بعمر بن عبد العزيز بن أبي دلف
وهزيمته إياه ثم صار وصيف إلى مولاه محمد بن أبي الساج في شهر ربيع الآخر
منها (وفيها) دخل طفج بن جف طرسوس لغزاة الصائفة من قبل خمارويه
يوم الخميس للنصف من جمادى الآخرة فيما قيل وغزا فبلغ طرايون وفتح ملورية
(ولخمس ليال) بقين من جمادى مات أحمد بن محمد الطائي بالكوفة ودفن بها في
موضع يقال له مسجد السهلة (وفيها) غارت المياه بالري وطبرستان (ولليلتين
خلتا) من رجب منها شخص المعتضد إلى الجبل فقصد ناحية الدينور وقلد أبا محمد
علي بن المعتضد الري وقزوين وزنجان وأبهر وقم وهمذان والدينور وقلد كتبته
أحمد بن أبي الأصبغ ونفقات عسكره والضياع بالري الحسين بن عمرو النصراني
وقلد عمر بن عبد العزيز بن أبي دلف أصبهان ونهاوند والكرج وتعجل للانصراف
من أجل غلاء السعر وقلة الميرة فوافى بغداد يوم الأربعاء لثلاث خلون من
شهر رمضان (وفيها) استأمن الحسن بن علي كوره عامل رافع على الري إلى
علي بن المعتضد في زهاء ألف رجل فوجهه إلى أبيه المعتضد (وفيها) دخل
الاعراب سامرا فأسروا ابن سيما أنف في ذي القعدة منها وانتهبوا (ولست ليال)
بقين من ذي القعدة خرج المعتضد الخرجة الثانية إلى الموصل عامدا لحمدان بن حمدون
وذلك أنه بلغه أنه مايل هارون الشاري الوازقي ودعا له فورد كتاب المعتضد
من كرخ جدان على نجاح الحرمي الخادم بالوقعة بينه وبين الاعراب والأكراد
وكانت يوم الجمعة سلخ ذي القعدة (بسم الله الرحمن الرحيم) كتابي هذا وقت
العتمة ليلة الجمعة وقد نصر الله وله الحمد على الأكراد والاعراب وأظفرنا بعالم
منهم وبعيالاتهم ولقد رأيتنا ونحن نسوق البقر والغنم كما كنا نسوقها عاما أولا
ولم تزل الأسنة والسيوف تأخذهم وحال بيننا وبينهم الليل وأوقدت النيران
168

على رؤس الجبال ومن غد يومنا فيقع الاستقصاء وعسكري يتبعني إلى الكرخ
وكان وقاعنا بهم وقتلنا إياهم خمسين ميلا فلم يبق منهم مخبر والحمد لله كثيرا فقد وجب
الشكر لله علينا والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد نبيه وآله وسلم كثيرا
وكانت الاعراب والأكراد لما بلغهم خروج المعتضد تحالفوا أنهم يقتلون
على دم واحد واجتمعوا وعبوا عسكرهم ثلاثة كراديس كردوسا دون كردوس
وجعلوا عيالاتهم وأولادهم في آخر كردوس وتقدم المعتضد عسكره في خيل جريدة
فأوقع بهم وقتل منهم وغرق في الزاب منهم خلق كثير ثم خرج المعتضد إلى الموصل
عامدا لقلعة ماردين وكانت في يد حمدان بن حمدون فلما بلغه مجئ المعتضد هرب وخلف
ابنه بها فنزل عسكر المعتضد على القلعة فحاربهم من كان فيها يومهم ذلك فلما كان من
الغد ركب المعتضد فصعد القلعة حتى وصل إلى الباب ثم صاح يا ابن حمدون فأجابه
لبيك فقال له افتح الباب ويلك ففتحه فقعد المعتضد في الباب وأمر من دخل فنقل
ما في القلعة من المال والأثاث ثم أمر بهدمها فهدمت ثم وجه خلف حمدان بن
حمدون فطلب أشد الطلب وأخذت أموال كانت له مودعة وجئ بالمال إلى
المعتضد ثم ظفر به بعد ثم مضى المعتضد إلى مدينة يقال لها الحسنية وفيها رجل
يقال له شداد في جيش كثيف ذكر أنهم عشرة آلاف رجل وكان له قلعة
في المدينة فظفر به المعتضد فأخذه فهدم قلعته (وفيها) ورد الخبر من طريق مكة
أنه أصاب الناس في المصعد برد شديد ومطرجود وبرد أصيب فيه أكثر من
خمسمائة إنسان (وفى شوال) منها غزا المسلمون الروم فكانت بينهم الحرب اثنى
عشر يوما فظفر المسلمون وغنموا غنيمة كثيرة وانصرفوا
ثم دخلت سنة اثنين وثمانين ومائتين
ذكر الاحداث التي كانت فيها
فمن ذلك ما كان من أمر المعتضد في المحرم منها بإنشاء الكتب إلى جميع
العمال في النواحي والامصار بترك افتتاح الخراج في النيروز الذي هو نيروز
169

العجم وتأخير ذلك إلى اليوم الحادي عشر من حزيران وسمى ذلك النيروز
المعتضدي فأنشئت الكتب بذلك من الموصل والمعتضد بها وورد كتاب بذلك
على يوسف بن يعقوب يعلمه أنه أراد بذلك الترفيه على الناس والرفق بهم وأمر
أن يقرأ كتابه على الناس ففعل (وفيها) قدم ابن الجصاص من مصر بابنة
أبى الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون التي تزوجها المعتضد ومعها أحد عمومتها
فكان دخولهم بغداد يوم الأحد لليلتين خلتا من المحرم وأدخلت للحرم ليلة الأحد
ونزلت في دار صاعد بن مخلد وكان المعتضد غائبا بالموصل (وفيها) منع
الناس من عمل ما كانوا يعملون في نيروز العجم من صب الماء ورفع النيران
وغير ذلك (وفيها) كتب المعتضد من الموصل إلى إسحاق بن أيوب وحمدان
ابن حمدون بالمصير إليه فأما إسحاق بن أيوب فسارعوا إلى ذلك وأما حمدان بن
حمدون فتحصن في قلاعه وغيب أمواله وحرمه فوجه إليه المعتضد الجيوش مع
وصيف موشكير ونصر القشوري وغيرهما فصادفوا الحسن بن علي كوره
وأصحابه منيخين على قلعة لحمدان بموضع يعرف يدير الزعفران من أرض
الموصل وفيها الحسين بن حمدان فلما رأى الحسين أوائل العسكر مقبلين طلب
الأمان فأومن وصار الحين إلى المعتضد وسلم القلعة فأمر بهدمها وأغذ وصيف
موشكير السير في طلب حمدان وكان قد صار بموضع يعرف بباسورين بين دجلة
ونهر عظيم وكان الماء زائدا فعبر أصحاب وصيف إليه ونذر بهم فركب وأصحابه
ودافعوا عن أنفسهم حتى قتل أكثرهم فألقى حمدان نفسه في زورق كان معدا له
في دجلة ومعه كاتب له نصراني يسمى زكرياء بن يحيى وحمل معه مالا وعبر إلى
الجانب الغربي من دجلة من أرض ديار ربيعة وقدر اللحاق بالاعراب لما حيل
بينه وبين أكراده الذين في الجانب الشرقي وعبر في أثره نفر يسير من الجند
فاقتصوا أثره حتى أشرفوا على دير كان قد نزله فلما بصر بهم خرج من الدير هاربا
ومعه كاتبه فألقيا أنفسهما في زورق وخلفا المال في الدير فحمل إلى المعتضد وانحدر
أصحاب السلطان في طلبه على الظهر وفى الماء فلحقوه فخرج على الزورق خاسرا
170

إلى ضيعة له بشرقي دجلة فركب دابة لوكيله وسار ليله أجمع إلى أن وافى مضرب
إسحاق بن أيوب في عسكر المعتضد مستجيرا به فأحضره إسحاق مضرب المعتضد
وأمر بالاحتفاظ به وبث الخيل في طلب أسبابه فظفر بكاتبه وعدة من قراباته
وغلمانه وتتابع رؤساء الأكراد وغيرهم في الدخول في الأمان وذلك في آخر
المحرم من هذه السنة (وفى شهر) ربيع الأول منها قبض على بكتمر بن طاشتمر
وقيد وحبس وقبض ماله وضياعه ودوره (وفيها) نقلت ابنة خمارويه بن أحمد
إلى المعتضد لأربع خلون من شهر ريع الآخر ونودي في جانبي بغداد ألا يعبر
أحد في دجلة يوم الأحد وغلقت أبواب الدروب التي تلى الشط ومد على الشوارع
النافذة إلى دجلة شراع ووكل بحافتي دجلة من يمنع أن يظهروا في دورهم على
الشط فلما صليت العتمة وافت الشذا من دار المعتضد وفيها خدم معهم الشمع
فوقفوا بإزاء دار صاعد وكانت أعدت أربع حراقات شدت مع دار صاعد
فلما جاءت الشذا أحدرت الحرافات وصارت الشذا بين أيديهم وأقامت الحرة
يوم الاثنين في دار المعتضد وجليت عليه يوم الثلاثاء لخمس خلون من شهر ربيع
الأول (وفيها) شخص المعتضد إلى الجبل فبلغ الكرج وأخذ أموالا لابن أبي دلف
وكتب إلى عمر بن عبد العزيز بن أبي دلف يطلب منه جوهرا كان عنده فوجه به
إليه وتنحى من بين يديه (وفيها) أطلق لؤلؤ غلام ابن طولون بعد خروج
المعتضد وحمل على دواب وبغال (وفيها) وجه يوسف بن أبي الساج
إلى الصيمرة مددا لفتح القلانسي فهرب يوسف بن أبي الساج بمن أطاعه إلى أخيه
محمد بالمراغة ولقى مالا للسلطان في طريقه فأخذه فقال في ذلك عبيد الله بن
عبد الله بن طاهر
إمام الهدى أنصاركم آل طاهر * بلا سبب يجفون والدهر يذهب
وقد خلطوا صبرا بشكر ورابطوا * وغيرهم يعطى ويحبى ويهرب
(وفيها) وجه المعتضد الوزير عبيد الله بن سليمان إلى الري إلى أبى محمد ابنه
(وفيها) وجه محمد بن زيد العلوي من طبرستان إلى محمد بن ورد العطار باثنين
171

وثلاثين ألف دينار ليفرقها على أهله ببغداد والكوفة ومكة والمدينة فسعى به
فأحضر دار بدر وسئل عن ذلك فذكر أن يوجه إليه في كل سنة بمثل هذا المال
فيفرقه على من يأمره بالتفرقة عليه من أهله فأعلم بدر المعتضد ذلك وأعلمه أن
الرجل في يديه والمال واستطلع رأيه وما يأمر به * فذكر عن أبي عبد الله
الحسنى أن المعتضد قال لبدريا بدر أما تذكر الرؤيا التي خبرتك بها فقال لا يا أمير
المؤمنين فقال ألا تذكر أنى حدثتك أن الناصر دعاني فقال لي اعلم أن هذا الامر
سيصير إليك فانظر كيف تكون مع آل علي بن أبي طالب ثم قال رأيت في
النوم كأني خارج من بغداد أريد ناحية النهروان في جيشي وقد تشوف الناس
إلى إذ مررت برجل واقف على تل يصلى لا يلتفت إلى فعجبت منه ومن قلة
اكتراثه بعسكري مع تشوف الناس إلى العسكر فأقبلت إليه حتى وقفت بين
يديه فلما فرغ من صلاته قال لي أقبل فأقلبت إليه فقال أتعرفني قلت لا قال أنا على
ابن أبي طالب خذ هذه المسحاة فاضرب بها الأرض لمسحاة بين يديه فأخذتها
فضربت بها ضربات فقال لي إنه سيلي من ولدك هذا الامر بقدر ما ضربت بها
فأوصهم بولدي خيرا قال بدر فقلت بلى يا أمير المؤمنين قد ذكرت قال فاطلق
المال وأطلق الرجل وتقدم إليه أن يكتب إلى صاحبه بطبرستان أن يوجه
ما يوجه به إليه ظاهرا وأن يفرق محمد بن ورد ما يفرقه ظاهرا وتقدم بمعونة محمد
على ما يريد من ذلك (وفى شعبان) لاحدى عشرة بقيت منها توفى أبو طلحة
منصور بن مسلم في حبس المعتضد (وفيها) لثمان خلون من شهر رمضان منها
وافى عبيد الله بن سليمان الوزير بغداد قادما من الري فخلع عليه المعتضد (ولثمان
بقين) من شهر رمضان منها ولدت ناعم جارية أم القاسم بنت محمد بن عبد الله
للمعتضد ابنا سماه جعفرا فسمى المعتضد هذه الجارية شغب (وفيها) قدم إبراهيم
ابن أحمد الماذرائي لاثنتي عشرة بقيت من ذي الحجة من دمشق على طريق البر
فوافى بغداد في أحد عشر يوما فأخبر المعتضد أن خمارويه بن أحمد ذبح على فراشه
ذبحه بعض خدمه من الخاصة وقيل إن قتله كان لثلاث خلون من ذي الحجة وقيل
172

إن إبراهيم وافى بغداد من دمشق في سبعة أيام وقتل من خدمه الذين اتهموا
بقتله نيف وعشرون خادما وكان المعتضد بعث مع ابن الجصاص إلى خمارويه
بهدايا وأودعه إليه رسالة فشخص ابن الجصاص لما وجه له فلما بلغ سامرا بلغ
المعتضد مهلك خمارويه فكتب إليه يأمره بالرجوع إليه فرجع ودخل بغداد
لسبع بقين من ذي الحجة
ثم دخلت سنة ثلاث وثمانين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك ما كان من شخوص المعتضد لثلاث عشرة بقيت من المحرم منها
بسبب الشاري هارون إلى ناحية الموصل فظفر به وورد كتاب المعتضد بظفره
به إلى مدينة السلام يوم الثلاثاء لتسع خلون من شهر ربيع الأول وكان سبب
ظفره به أنه وجه الحسين بن حمدان بن حمدون في جماعة من الفرسان والرجالة
من أهل بيته وغيرهم من أصحابه إليه وذكر أن الحسين بن حمدان قال للمعتضد
إن أنا جئت به إلى أمير المؤمنين فلى ثلاث حوائج إلى أمير المؤمنين فقال اذكرها
قال أولها إطلاق أبى وحاجتان أسأله إياهما بعد مجيئي به إليه فقال له المعتضد لك
ذلك فامض فقال الحسين أحتاج إلى ثلثمائة فارس أنتخبهم فوجه المعتضد معه
ثلثمائة فارس مع موشكين فقال أريد أن يأمره أمير المؤمنين أن لا يخالفني فيما
آمره به فأمر المعتضد موشكير بذلك فمضى الحسين حتى انتهى إلى مخاضة دجلة
فتقدم إلى وصيف ومن معه بالوقوف على المخاضة وقال له ليس لهارون طريق
إن هرب غير هذا فلا تبرحن من هذا الموضع حتى يمر بك هارون فتمنعه العبور
وأجيئك أنا أو يبلغك أنى قد قتلت ومضى حسين في طلب هارون فلقيه وواقعه
وكانت بينهما قتلى وانهزم الشاري هارون وأقام وصيف على المخاضة ثلاثة أيام
فقال له أصحابه قد طال مقامنا بهذا المكان القفر وقد أضر ذلك بنا ولسنا نأمن
أن يأخذ حسين الشاري فيكون الفتح له دوننا والصواب أن تمضى في آثارهم
فأطاعهم ومضى وجاء هارون الشاري منهزما إلى موضع المخاضة فعبر وجاء
173

حسين في أثره فلم ير وصيفا وأصحابه بالموضع الذي تركهم فيه ولا عرف لهارون
خبرا ولا رأى له أثرا وجعل يسأل عن خبر هارون حتى وقف على عبوره فعبر
في أثره وجاء إلى حي من أحياء العرب فسألهم عنه فكتموه أمره فأراد أن يوقع
بهم وأعلمهم أن المعتضد في أثره فأعلموه أنه اجتاز بهم فأخذ بعض دوابهم وترك
دوابه عندهم وكانت قد كلت وأعيت واتبع أثره فلحقه بعد أيام الشاري في نحو
من مائة فناشده الشاري وتوعده فأبى إلا محاربته فحاربه فذكر أن حسين بن حمدان
رمى بنفسه عليه فابتدره أصحاب حسين فأخذوه وجاء به إلى المعتضد سلما بغير
عقد ولا عهد فأمر المعتضد بحل قيود حمدان بن حمدون والتوسعة عليه والاحسان
إليه أن يقدم فيطلقه ويخلع عليه فلما أسر الشاري وصار في يد المعتضد انصرف
راجعا إلى مدينة السلام فوافاها لثمان بقين من شهر ربيع الأول فنزل باب
الشماسية وعبا الجيش هنالك وخلع المعتضد على الحسين بن حمدان وطوقه بطوق
من ذهب وخلع على جماعة من رؤساء أهله وزين الفيل بثياب الديباج واتخذ
للشاري على الفيل كالمحفة وأقعد فيها وألبس دراعة ديباج وجعل على رأسه
برنس حرير طويل (ولعشر بقين) من جمادى الأولى منها أمر المعتضد
بالكتاب إلى جميع النواحي برد الفاضل من سهام المواريث على ذوي
الأرحام وإبطال ديوان المواريث وصرف عمالها فنفذت الكتب بذلك
وقرئت على المنابر (وفيها) خرج عمرو بن الليث الصفار من نيسابور
فخالفه رافع بن هرثمة إليها فدخلها وخطب بها لمحمد بن زيد الطالبي وأبيه فقال
اللهم أصلح الداعي إلى الحق فرجع عمرو إلى نيسابور فعسكر خارج المدينة
وخندق على عسكره لعشر خلون من شهر ربيع الآخر فأقام محاصرا أهل
نيسابور (وفى يوم الاثنين) لأربع خلون من جمادى الآخرة منها وافى بغداد
محمد بن إسحاق بن كنداجيق وخاقان المفلحي ومحمد بن كمشجور المعروف
ببندقة وبدر بن جف أخو طغج وابن خشنج في جماعة من القواد من
مصر في الأمان * وذكر أن سبب مجيئهم إلى المعتضد في الأمان كان أنهم
174

أرادوا أن يفتكوا بجيش ابن خمارويه بن أحمد بن طولون فسعى بهم إليه وكان
راكبا وكانوا في موكبه وعلموا أنه قد وقف على أمرهم فخرجوا من يومهم
وسلكوا البرية وتركوا أموالهم وأهاليهم فتاهوا أياما ومات منهم جماعة من
العطش وخرجوا على طريق مكة فوق الكوفة بمرحلتين أو ثلاثة ووجه السلطان
محمد بن سليمان صاحب الجيش إلى الكوفة حتى كتب أسماءهم وأقيمت لهم
الوظائف من الكوفة فلما قربوا من بغداد خرجت إليهم الوظائف والخيم
والطعام ووصلوا إلى المعتضد يوم دخلوا فخلع عليهم وحمل كل قائد منهم على
دابة بسرجه ولجامه وخلع على الباقين وكان عددهم ستين رجلا (وفى يوم
السبت) لأربع عشرة بقيت منها شخص الوزير عبيد الله بن سليمان إلى الجبل
لحرب ابن أبي دلف بأصبهان (وفيها) فيما ذكر ورد كتاب من طرسوس أن
الصقالبة غزت الروم في خلق كثير فقتلوا منهم وخربوا لهم قرى كثيرة حتى
وصلوا إلى قسطنطينية وألجأوا الروم إليها وأغلقت أبواب مدينتهم ثم وجه
طاغية الروم إلى ملك الصقالبة أن ديننا ودينكم واحد فعلام نقتل الرجال بيننا
فأجابه ملك الصقالبة ان هذا ملك آبائي ولست منصرفا عنك إلا بغلبة أحدنا
صاحبه فلما لم يجد ملك الروم خلاصا من صاحب الصقالبة جمع من عنده من
المسلمين فأعطاهم السلاح وسألهم معونته على الصقالبة ففعلوا وكشفوا الصقالبة
فلما رأى ذلك ملك الروم خافهم على نفسه فبعث إليهم فردهم وأخذ منهم
السلاح وفرقهم في البلدان حذرا من أن يجنوا عليه (وللنصف) من رجب
من هذه السنة ورد الخبر من مصر أن الجند من المغاربة والبربر وثبوا على
جيش ابن خمارويه وقالوا لا نرضى بك أميرا علينا فتنح عنا حتى نولي عمك
فكلمهم كاتبه علي بن أحمد الماذرائي وسألهم أن ينصرفوا عنه يومهم ذلك
فانصرفوا وعادوا من غد فعدا جيش على عمه الذي ذكروا أنهم يؤمرونه فضرب
عنقه وعنق عم له آخر ورمى بأرؤسهما إليهم فهجم الجند على جيش ابن خمارويه
فقتلوه وقتلوا أمه وانتهبوا داره وانتهبوا مصر وأحرقوها وأقعدوا هارون
175

ابن خمارويه مكان أخيه (وفى رجب) منها أمر المعتضد بكري دجيل والاستقصاء
عليه وقلع صخر في فوهته كان يمنع الماء فجبى لذلك من أرباب الضياع والاقطاعات
أربعة آلاف دينار وكسر فيما ذكر وأنفق عليه وولى ذلك كاتب زيرك وخادم
من خدم المعتضد (وفى شعبان) منها كان الفداء بين المسلمين والروم على
يدي أحمد بن طغان وذكر أن الكتاب الوارد بذلك من طرسوس كان فيه
(بسم الله الرحمن الرحيم) أعلمك أن أحمد بن طغان نادى في الناس يحضرون
الفداء يوم الخميس لأربع خلون من شعبان سنة 283 وأنه قد خرج إلى لامس
وهو معسكر المسلمين يوم الجمعة لخمس خلون من شعبان وأمر الناس بالخروج
معه في هذا اليوم فصلى الجمعة وركب من مسجد الجامع ومعه راغب ومواليه
وخرج معه وجوه البلد والموالي والقواد والمطوعة بأحسن زي فلم يزل الناس
خارجين إلى الأمس إلى يوم الاثنين لثمان خلون من شعبان فجرى الفداء بين
الفريقين اثنى عشر يوما وكانت جملة من فودى به من المسلمين من الرجال والنساء
والصبيان ألفين وخمسمائة وأربعة أنفس وأطلق المسلمون يوم الثلاثاء لسبع
بقين من شعبان سميون رسول ملك الروم وأطلق الروم فيه يحيى بن عبد الباقي
رسول المسلمين المتوجه في الفداء وانصرف الأمير ومن معه وخرج فيما ذكر
أحمد بن طغان بعد انصرافه من هذا الفداء في هذا الشهر في البحر وخلف دميانة
على عمله على طرسوس ثم وجه بعده يوسف بن الباغمردى على طرسوس ولم
يرجع هو إليها (وفى يوم) الجمعة لعشر خلون من شهر رمضان من هذه السنة
قرئ كتاب على المنبر بمدينة السلام في مسجد جامعها بأن عمر بن عبد العزيز
ابن أبي دلف صار إلى بدر وعبيد الله بن سليمان في الأمان يوم السبت لثلاث
بقين من شعبان سامعا مطيعا منقادا لأمير المؤمنين مذعنا بالطاعة والمصير معهما
إلى بابه وأن عبيد الله بن سليمان خرج إليه فتلقاه وصار به إلى مضرب بدر
فأخذ عليه وعلى أهل بيته وأصحابه البيعة لأمير المؤمنين وخلع عليه بدر وعلى
الرؤساء من أهل بيته وانصرفوا إلى مضرب قد أعدلهم وكان قبل ذلك قد دخل
176

بكر بن عبد العزيز في الأمان على بدر وعبيد الله بن سليمان فولياه عمل أخيه
عمر على أن يخرج إليه ويحاربه فلما دخل عمر في الأمان قالا لبكر إن أخاك قد
دخل في طاعة السلطان وإنما كنا وليناك عمله على أنه عاص والآن فأمير المؤمنين
أعلى عينا فيما يرى من أمركما فامضيا إلى بابه وولى عيسى النوشري أصبهان
وأظهر أنه من قبل عمر بن عبد العزيز فهرب بكر بن عبد العزيز في أصحابه فكتب
بذلك إلى المعتضد فكتب إلى بدر يأمره بالمقام بموضعه إلى أن يعرف خبر بكر
وما إليه يصير أمره فأقام وخرج الوزير عبيد الله بن سليمان إلى أبى محمد على
ابن المعتضد بالري ولحق بكر بن عبد العزيز بن أبي دلف بالأهواز فوجه المعتضد
في طلبه وصيفا موشكير فخرج من بغداد في طلبه حتى بلغ حدود فارس وقد كان
لحقه فيما ذكر ولم يواقعه وباتا كل واحد منهما قريب من صاحبه فارتحل
بكر بالليل فلم يتبعه وصيف ومضى بكر إلى أصبهان ورجع وصيف إلى بغداد
فكتب المعتضد إلى بدر يأمره بطلب بكر وعربه فتقدم بدر إلى عيسى النوشري
بذلك فقال بكر بن عبد العزيز
عنى ملامك ليس حين ملام * هيهات أحدث زائدا للوام
طارت عنايات الصبى عن مفرقي * ومضى أوان شراستي وعرامى
ألقى الأحبة بالعراق عصيهم * وبقيت نصب حوادث الأيام
وتقاذفت بأخي النوى ورمت به * مرمى البعيد قطيعة الأرحام
وتشعب العرب الذين تصدعوا * فذببت عن أحسابهم بحسامي
فيه تماسك ما وهى من أمرهم * والسمر عند تصادم الأقوام
فلأقرعن صفاة دهر نابهم * قرعا يهد رواسي الاعلام
ولأضربن الهام دون حريمهم * ضرب القدار نقيعة القدام
ولا تركن الواردين حياضهم * بقرارة لمواطئ الاقدام
يا بدر إنك لو شهدت مواقفي * والموت يلحظ والصفاح دوامى
لذممت رأيك في إضاعة حرمتي * ولضاق ذرعك في اطراح ذمامى
177

حركتني بعد السكون وإنما * حركت من حصني جبال تهامى
وعجمتنى فعجمت منى مرجما * خشن المناكب كل يوم زحام
قل للأمير أبى محمد الذي * يجلو بغرته دجى الاظلام
أسكنتني ظل العلا فسكنته * في عيشة رغد وعز نامى
حتى إذا حلئت عنه نابنى * ما نابنى وتنكرت أيامي
فلأشكرن جميل ما أوليتني * ما غردت في الأيك ورق حمام
هذا أبو حفص يدي وذخيرتي * للنائبات وعدتي وسنامي
ناديته فأجابني وهززته * وهززت حد الصارم الصمصام
من رام أن يغضي الجفون على القذى * أو يستكين يروم غير مرام
ويخيم حين يرى الأسنة شرعا * والبيض مصلتة لضرب الهام
وقال بكر بن عبد العزيز يذكر هرب النوشري من بين يديه ويعير وصيفا
بالأحجام عنه ويتهدد بدرا
قالت البيض قد تغير بكر * وبدا بعد وصفه منه هجر
ليس كالسيف مؤنس حين يعرو * حادث معضل ويفدح أمر
أوقدوا الحرب بيننا فاصطلوها * ثم حاصوا فأين منها المفر
وبغوا شرنا فهذا أوان * قد بدا شره ويتلوه شر
قد رأى النوشري لما التقينا * من إذا أشرع الرماح يفر
جاء في قسطل لهام فصلنا * صولة دونها الكماة تهر
ولواء الموشجير أفضى إلينا * رويت عند ذاك بيض وسمر
غر بدرا حلمي وفضل أناى * واحتمالي وذاك مما يغر
سوف يأتينه شواذب قب * لا حقات البطون جون وشقر
يتبارين كالسعالى عليها * من بنى وائل أسود تكر
لست بكرا إن لم أدعهم حديثا * ما سرى كوكب وما كر دهر
(وفى يوم الجمعة) لسبع خلون من شوال من هذه السنة مات علي بن محمد
178

ابن أبي الشوارب فحمل إلى سامرا من يومه في تابوت وكانت ولايته للقضاء على
مدينة أبى جعفر ستة أشهر * وفى يوم الاثنين لأربع بقين من شوال منها دخل
بغداد عمر بن عبد العزيز بن أبي دلف قادما من أصبهان فأمر المعتضد فيما ذكر
القواد باستقباله فاستقبله القاسم بن عبيد الله والقواد وقعد له المعتضد فوصل إليه
وخلع عليه وحمله على دابة بسرج ولجام محلى بذهب وخلع معه على ابنين له وعلى
ابن أخيه أحمد بن عبد العزيز وعلى نفسين من قواده وأنزل في الدار التي كانت
لعبيد الله بن عبد الله عند رأس الجسر وكانت قد فرشت له (وفى هذه السنة)
قرئ على القواد في دار المعتضد كتاب ورد من عمرو بن الليث الصفار بأنه
واقع رافع بن هرثمة وهزمه وانه مر هاربا وانه على أن يتبعه وكانت الوقعة لخمس
بقين من شهر رمضان وقرئ الكتاب يوم الثلاثاء لاثنتي عشرة خلت من
ذي القعدة * وفى يوم الأحد لثلاث عشرة بقيت من ذي القعدة وردت خريطة
فيما ذكر من عمرو بن الليث على المعتضد وهو في الحلبة فانصرف إلى دار العامة
وقرئ الكتاب على القواد من عمرو بن الليث يخبر فيه أنه وجه في أثر رافع بعد
الهزيمة محمد بن عمرو البلخي مع قائد آخر من قواده وقد كان رافع صار إلى طوس
فواقعوه فانهزم واتبعوا أثره فلحق بخوارزم فقتل بخوارزم فأرسل بخاتمه مع
الكتاب وذكر أنه قد حمل الرسول في أمر الرأس ما يخبر به السلطان * وفى
يوم الجمعة لثمان بقين من ذي القعدة منها قرئت الكتب على المنابر بقتل رافع بن هرثمة
ثم دخلت سنة أربع وثمانين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث الجليلة
فمن ذلك ما كان من قدوم رسول عمرو بن الليث الصفار برأس رافع بن هرثمة
في يوم الخميس لأربع خلون من المحرم على المعتضد فأمر بنصبه في المجلس بالجانب
الشرقي إلى الظهر ثم تحويله إلى الجانب الغربي ونصبه هنالك إلى الليل ثم رده
إلى دار السلطان وخلع على الرسول وقت وصوله إلى المعتضد بالرأس * وفى يوم
179

الخميس لسبع خلون من صفر كانت ملحمة بين راغب ودميانة بطرسوس وكان
سبب ذلك فيما ذكر أن راغبا مولى الموفق ترك الدعاء لخمارويه بن أحمد ودعا لبدر
مولى المعتضد فوقع بينه وبين أحمد بن طغان الخلاف فلما انصرف ابن طغان
من الفداء الذي كان في سنة 283 ركب البحر ولم يدخل طرسوس ومضى
وخلف دميانة للقيام بأمر طرسوس فلما كان في صفر من هذه السنة وجه يوسف
ابن الباغمردى ليخلفه على طرسوس فلما دخلها وقوى به دميانة كرهوا ما يفعله
راغب من الدعاء لبدر فوقعت بينهم الفتنة وظفر بهم راغب فحمل دميانة وابن
الباغمردى وابن اليتيم مقيدين إلى المعتضد (ولعشر بقين) من صفر في يوم الاثنين
من هذه السنة وردت خريطة من الجبل بأن عيسى النوشري أوقع ببكر بن عبد العزيز
ابن أبي دلف في حدود أصبهان فقتل رجاله واستباح عسكره وأفلت في نفر يسير *
وفى يوم الخميس لأربع عشرة خلت من شهر ربيع الأول منها خلع على أبى عمر
يوسف بن يعقوب وقلد قضاء مدينة أبى جعفر المنصور مكان علي بن محمد بن أبي
الشوارب وقضاء قطرتل ومسكن وبزر جسابور والرذاذين وقعد للخصوم في هذا
اليوم في المسجد الجامع ومكثت مدينة أبى جعفر من لدن مات ابن أبي الشوارب
إلى أن وليها أبو عمر بغير قاض وذلك خمسة أشهر وأربعة أيام * وفى يوم الأربعاء
لثلاث عشرة خلت منه في هذه السنة أخذ خادم نصراني لغالب النصراني متطبب
السلطان يقال له وصيف فرفع إلى الحبس وشهد عليه أنه شتم النبي صلى الله عليه
وسلم فحبس ثم اجتمع من غد هذا اليوم ناس من العامة بسبب هذا الخادم فصاحوا
بالقاسم بن عبيد الله وطالبوه بإقامة الحد عليه بسبب ما شهد عليه فلما كان يوم الأحد
لثلاث عشرة بقيت منه اجتمع أهل باب الطاق إلى قنطرة البردان وما يليها
من الأسواق وتداعوا ومضوا إلى باب السلطان فلقيهم أبو الحسين بن الوزير
فصاحوا به فأعلمهم أنه قد أنهى خبره إلى المعتضد فكذبوه وأسمعوه ما كره
ووثبوا بأعوانه ورجاله حتى هربوا منهم ومضوا إلى دار المعتضد بالثريا فدخلوا
من الباب الأول والثاني فمنعوا من الدخول فوثبوا على من منعهم فخرج إليهم
180

من سألهم عن خبرهم فأخبره فكتب به إلى المعتضد فأدخل إليه منهم جماعة وسألهم
عن الخبر فذكروه له فأرسل معهم خفيفا السمرقندي إلى يوسف القاضي وتقدم
إلى خفيف أن يأمر يوسف بالنظر في أمر الخادم وأن ينهى إليه ما يقف عليه
من أمره فمضى معهم خفيف إلى يوسف فكادوا يقتلونه ويقتلون يوسف لما
دخلوا عليه مما ازدحموا حتى أفلت يوسف منهم ودخل بابا وأغلقه دونهم ولم يكن
بعد ذلك للخادم ذكر ولا كان للعامة في أمره اجتماع (وفى) هذا الشهر من هذه
السنة قدم فيما ذكر قوم من أهل طرسوس على السلطان يسألونه أن يولى عليهم
وال ويذكرون أن بلدهم بغير وال وكانت طرسوس قبل في يدي ابن طولون
فأساء إليهم فأخرجوا عامله عن البلد وراسلهم في ذلك ووعدهم الاحسان فأبوا
أن يتركوا له غلاما يدخل بلدهم وقالوا من جاءنا من قبلك حاربناه فكف عنهم (وفى)
يوم الخميس لثلاث بقين من شهر ربيع الآخر من هذه السنة فيما ذكر ظهرت ظلمة بمصر
وحمرة في السماء شديدة حتى كان الرجل ينظر إلى وجه الآخر فيراه أحمر وكذلك
الحيطان وغير ذلك ومكثوا كذلك من العصر إلى العشاء الآخرة وخرج الناس
من منازلهم يدعون الله ويتضرعون إليه (وفى) يوم الأربعاء لثلاث خلون من
جمادى الأولى ولاحدى عشرة ليلة خلت من حزيران نودي في الأرباع والأسواق
ببغداد بالنهي عن وقود النيران ليلة النيروز وعن صب الماء في يومه ونودي
بمثل ذلك في يوم الخميس فلما كان عشية يوم الجمعة نودي على باب سعيد بن يسكين
صاحب الشرطة بالجانب الشرقي من مدينة السلام بأن أمير المؤمنين قد أطلق
للناس في وقود النيران وصب الماء ففعلت العامة من ذلك ما جاوز الحد حتى
صبوا الماء على أصحاب الشرطة في مجلس الجسر فيما ذكر (وفيها) أغربت العامة
بالصياح بمن رأوا من الخدم السود يا عقيق فكانوا يغضبون من ذلك فوجه المعتضد
خادما أسود عشية الجمعة برقعة إلى ابن حمدون النديم فلما بلغ الخادم رأس الجسر
من الجانب الشرقي صاح به صائح من العامة يا عقيق فشتم الخادم الصائح وقنعه
فاجتمعت جماعة من العامة على الخادم فنكسوه وضربوه وضاعت الرقعة التي
181

كانت معه فرجع إلى السلطان فأخبره بما صنع به فأمر المعتضد طريفا المخلدي
الخادم بالركوب والقبض على كل من تولع بالخدم وضربه بالسياط فركب طريف
يوم السبت لثلاث عشرة خلت من جمادى الأولى في جماعة من الفرسان والرجالة
وقدم بين يديه خادما أسود فصار إلى باب الطاق لما أمر به من القبض على من
صاح بالخادم يا عقيق فقبض فيما ذكر بباب الطابق على سبعة أنفس ذكر أن بعضهم
كان بزيا فضربوا بالسياط في مجلس الشرطة بالجانب الشرقي وعبر طريف فمضى
إلى الكرخ ففعل مثل ذلك وأخذ خمسة أنفس فضربهم في مجلس الشرطة بالشرقية
وحمل الجميع على جمال ونودي عليهم هذا جزاء من أولع بخدم السلطان وصاح
بهم يا عقيق وحبسوا يومهم وأطلقوا بالليل (وفى) هذه السنة عزم المعتضد بالله
على لعن معاوية بن أبي سفيان على المنابر وأمر بإنشاء كتاب بذلك يقرأ على الناس
فخوفه عبيد الله بن سليمان بن وهب اضطراب العامة وأنه لا يأمن أن تكون
فتنة فلم يلتفت إلى ذلك من قوله وذكر أن أول شئ بدأ به المعتضد حين أراد
ذلك الامر بالتقدم إلى العامة بلزوم أعمالهم وترك الاجتماع والقضية
والشهادات عند السلطان إلا أن يسئلوا عن شهادة إن كانت عندهم وبمنع القصاص
من القعود على الطرقات وعملت بذلك نسخ قرئت بالجانبين بمدينة السلام
في الأرباع والمحال والأسواق فقرئت يوم الأربعاء لست بقين من جمادى
الأولى من هذه السنة ثم منع يوم الجمعة لأربع بقين منها القصاص من القعود
في الجامعين ومنع أهل الحلق في الفتيا أو غيرهم من القعود في المسجدين ومنع
الباعة من القعود في رحابهما وفى جمادى الآخرة نودي في المسجد الجامع بنهي
الناس عن الاجتماع على قاص أو غيره ومنع القصاص وأهل الحلق من القعود وفى
يوم الحادي عشر وذلك يوم الجمعة نودي في الجامعين بأن الذمة برية ممن اجتمع من الناس
على مناظرة أو جدل وأن من فعل ذلك أحل بنفسه الضرب وتقدم إلى الشراب
والذين يسقون الماء في الجامعين ألا يترحموا على معاوية ولا يذكروه بخير
وتحدث الناس أن الكتاب الذي أمر المعتضد إنشائه بلعن معاوية يقرأ بعد صلاة
182

الجمعة على المنبر فلما صلى الناس الجمعة بادروا إلى المقصورة ليسمعوا قراءة الكتاب
فلم يقرأ * فذكر أن المعتضد أمر بإخراج الكتاب الذي كان المأمون أمر بإنشائه
بلعن معاوية فأخرج له من الديوان فأخذ من جوامعه نسخة هذا الكتاب وذكر
أنها نسخة الكتاب الذي أنشئ للمعتضد بالله (بسم الله الرحمن الرحيم) الحمد لله
العلي العظيم الحليم الحكيم العزيز الرحيم المنفرد بالوحدانية الباهر بقدرته الخالق
بمشيئته وحكمته الذي يعلم سوابق الصدور وضمائر القلوب لا يخفى عليه خافية ولا
يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات العلى ولا في الأرضين السفلى قد أحاط بكل
شئ علما وأحصى كل شئ عددا وضرب لكل شئ أمدا وهو العليم الخبير والحمد
لله الذي برأ خلقه لعبادته وخلق عباده لمعرفته على سابق علمه في طاعة مطيعهم
وماضي أمره في عصيان عاصيهم فبين لهم ما يأتون وما يتقون ونهج لهم سبل النجاة
وحذرهم مسالك الهلكة وظاهر عليهم الحجة وقدم إليهم المعذرة واختار لهم دينه
الذي ارتضى لهم وأكرمهم به وجعل المعتصمين بحبله والمتمسكين بعروته أولياءه
وأهل طاعته والعاندين عنه والمخالفين له أعداءه وأهل معصيته ليهلك من هلك
عن بينة ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم والحمد لله الذي اصطفى محمدا
رسوله من جميع بريته واختاره لرسالته وابتعثه بالهدى والدين المرتضى إلى عباده
أجمعين وأنزل عليه الكتاب المبين المستبين وتأذن له بالنصر والتمكين وأيده
بالعز والبرهان المتين فاهتدى به من اهتدى واستنقذ به من استجاب له من العمى
وأضل من أدبر وتولى حتى أظهر الله أمره وأعز نصره وقهر من خالفه وأنجز له
وعده وختم به رسله وقبضه مؤديا لامره مبلغا لرسالته ناصحا لامته مرضيا مهتديا
إلى أكرم مآب المنقلبين وأعلى منازل أنبيائه المرسلين وعباده الفائزين فصلى الله
عليه أفضل صلاة وأتمها وأجلها وأعظمها وأزكاها وأطهرها وعلى آله الطيبين
والحمد لله الذي جعل أمير المؤمنين وسلفه الراشدين المهتدين ورثة خاتم النبيين
وسيد المرسلين والقائمين بالدين والمقومين لعباده المؤمنين والمستحفظين ودائع
الحكمة ومواريث النبوة والمستخلفين في الأمة والمنصورين بالعز والمنعة والتأييد
183

والغلبة حتى يظهر الله دينه على الدين كله ولو كره المشركون * وقد انتهى إلى
أمير المؤمنين ما عليه جماعة من العامة من شبهة قد دخلتهم في أديانهم وفساد قد
لحقهم في معتقدهم وعصبية قد غلبت عليها أهواؤهم ونطقت بها ألسنتهم على غير
معرفة ولا روية وقلدوا فيها قادة الضلالة بلا بينة ولا بصيرة وخالفوا السنن
المتبعة إلى الأهواء المبتدعة قال الله عز وجل (ومن أضل ممن اتبع هواه بغير
هدى من الله إن الله لا يهدى القوم الظالمين) خروجا عن الجماعة ومسارعة
إلى الفتنة وإيثارا للفرقة وتشتيتا للكلمة وإظهارا لموالاة من قطع الله عنه الموالاة
وبتر منه العصمة وأخرجه من الملة وأوجب عليه اللعنة وتعظيما لمن صغر الله حقه
وأوهن أمره وأضعف ركنه من بنى أمية الشجرة الملعونة ومخالفة لمن استنقذهم
الله به من الهلكة وأسبغ عليهم به النعمة من أهل بيت البركة والرحمة قال الله
عز وجل (يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم) فأعظم أمير
المؤمنين ما انتهى إليه من ذلك ورأى في ترك إنكاره حرجا عليه في الدين وفسادا
لمن قلده الله أمره من المسلمين وإهمالا لمن أوجبه الله عليه من تقويم المخالفين
وتبصير الجاهلين وإقامة الحجة على الشاكين وبسط اليد على العاندين وأمير
المؤمنين يرجع إليكم معشر الناس بأن الله عز وجل لما ابتعث محمدا بدينه وأمره أن
يصدع بأمره بدأ بأهله وعشيرته فدعاهم إلى ربه وأنذرهم وبشرهم ونصح لهم وأرشدهم
فكان من استجاب له وصدق قوله واتبع أمره نفر يسير من بنى أبيه من بين
مؤمن بما أتى به من ربه وبين ناصر له وإن لم يتبع دينه إعزازا له وإشفاقا عليه
لماضي علم الله فيمن اختار منهم ونفذت مشيئته فيما يستودعه إياه من خلافته
وإرث نبيه فمؤمنهم مجاهد بنصرته وحميته يدفعون من نابذه وينهرون من عاره
وعانده ويتوثقون له ممن كانفه وعاضده ويبايعون له من سمح بنصرته
ويتجسسون له أخبار أعدائه ويكيدون له بظهر الغيب كما يكيدون له برأي العين
حتى بلغ المدى وحان وقت الاهتداء فدخلوا في دين الله وطاعته وتصديق رسوله
والايمان به بأثبت بصيرة وأحسن هدى ورغبة فجعلهم الله أهل بيت الرحمة وأهل
184

بيت الدين أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ومعدن الحكمة وورثة النبوة
وموضع الخلافة وأوجب لهم الفضيلة وألزم العباد لهم الطاعة وكان ممن عانده
ونابذه وكذبه وحاربه من عشيرته العدد الأكثر والسواد الأعظم يتلقونه
بالتكذيب والتثريب ويقصدونه بالأذية والتخويف ويبارزونه بالعداوة
وينصبون له المحاربة ويصدون عنه من قصده وينالون بالتعذيب من اتبعه وأشدهم
في ذلك عداوة وأعظمهم له مخالفة وأولهم في كل حرب ومناصبة لا يرفع على
الاسلام راية إلا كان صاحبها وقائدها ورئيسها في كل مواطن الحرب من بدر
وأحد والخندق والفتح أبو سفيان بن حرب وأشياعه من بنى أمية الملعونين في
كتاب الله ثم الملعونين على لسان رسول الله في عدة مواطن وعدة مواضع لماضي
علم الله فيهم وفى أمرهم ونفاقهم وكفر أحلامهم فحارب مجاهدا ودافع مكابدا
وأقام منابذا حتى قهره السيف وعلا أمر الله وهم كارهون فتقول بالاسلام غير
منطو عليه وأسر الكفر غير مقلع عنه فعرفه بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم
والمسلمون وميزله المؤلفة قلوبهم فقبله وولده على علم منه فمما لعنهم الله به على لسان نبيه
صلى الله عليه وسلم وأنزل به كتابا قوله (والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم
فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا) ولا اختلاف بين أحد أنه أراد بها بنى أمية ومنه قول
الرسول عليه السلام وقد رآه مقبلا على حمار ومعاوية يقود به ويزيد ابنه يسوق
به لعن الله القائد والراكب والسائق ومنه ما يرويه الرواة من قوله يا بنى عبد مناف
تلقفوها تلقف الكرة فما هناك جنة ولا نار وهذا كفر صراح يلحقه به اللعنة من
الله كما لحقت الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم
ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ومنه ما يروون من وقوفه على ثنية أحد بعد ذهاب
بصره وقوله لقائده ههنا ذببنا محمدا وأصحابه ومنه الرؤيا التي رآها النبي صلى الله
عليه وسلم فوجم لها فما رؤى ضاحكا بعدها فأنزل الله " وما جعلنا الرؤيا التي أريناك
إلا فتنة للناس " فذكروا أنه رأى نفرا من بنى أمية ينزون على منبره ومنه طرد
رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم بن أبي العاص لحكايته إياه وألحقه الله بدعوة
185

رسوله آية باقية حين رآه يتخلج فقال له كن كما أنت فبقى على ذلك سائر عمره إلى
ما كان من مروان في افتتاحه أول فتنة كانت في الاسلام واحتقابه لكل دم حرام
سفك فيها أو أريق بعدها ومنه ما أنزل الله على نبيه في سورة القدر " ليلة القدر
خير من ألف شهر " من ملك بنى أمية ومنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا
بمعاوية ليكتب بأمره بين يديه فدافع بأمره واعتل بطعامه فقال النبي لا أشبع الله
بطنه فبقى لا يشبع ويقول والله ما أنزل الطعام شبعا ولكن أعيا ومنه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال يطلع من هذا الفج رجل من أمتي يحشر على غير ملتي فطلع
معاوية ومنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا رأيتم معاوية على منبري
فاقتلوه ومنه الحديث المرفوع المشهور أنه قال إن معاوية في تابوت من نار في
أسفل درك منها ينادى يا حنان يا منان الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين
ومنه انبراؤه بالمحاربة لا فضل المسلمين في الاسلام مكانا وأقدمهم إليه سبقا
وأحسنهم فيه أثرا وذكرا علي بن أبي طالب ينازعه حقه بباطله ويجاهد أنصاره
بضلاله وغواته ويحاول ما لم يزل هو وأبوه يحاولانه من إطفاء نور الله وجحود
دينه ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون يستهوى أهل الغباوة ويموه
على أهل الجهالة بمكره وبغيه الذين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر عنهما
فقال لعمار يقتلك الفيئة الباغية تدعوهم إلى الجنة ويدعونك إلى النار مؤثرا للعاجلة
كافرا بالآجلة خارجا من ربقة الاسلام مستحلا للدم الحرام حتى سفك في فتنته
وعلى سبيل ضلالته ما لا يحصى عدده من خيار المسلمين الذابين عن دين الله
والناصرين لحقه مجاهدا لله مجتهدا في أن يعصى الله فلا يطاع وتبطل أحكامه فلا
تقام ويخالف دينه فلا يدان وأن تعلو كلمة الضلالة وترتفع دعوة الباطل وكلمة
الله هي العليا ودينه المنصور وحكمه المتبع النافذ وأمره الغالب وكيد من حاده
المغلوب الداحض حتى احتمل أوزار تلك الحروب وما اتبعها وتطوق تلك
الدماء وما سفك بعدها وسن سنن الفساد التي عليه إثمها وإثم من عمل بها إلى
يوم القيامة وأباح المحارم لمن ارتكبها ومنع الحقوق أهلها واغتره الاملاء
186

واستدرجه الامهال والله له بالمرصاد ثم مما أوجب الله له به اللعنة قتله من قتل
صبرا من خيار الصحابة والتابعين وأهل الفضل والديانة مثل عمرو بن الحمق
وحجر بن عدي فمن قتل أمثالهم في أن يكون له العزة والملك والغلبة ولله العزة
والملك والقدرة والله عز وجل يقول (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم
خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما) ومما استحق به اللعنة
من الله ورسوله ادعاؤه زياد بن سمية جرأة على الله والله يقول " ادعوهم لآبائهم
هو أقسط عند الله " ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ملعون من ادعى إلى غير
أبيه وانتمى إلى غير مواليه ويقول الولد للفراش والعاهر الحجر فخالف حكم الله
عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم جهارا وجعل الولد لغير الفراش والعاهر
لا يضره عهره فأدخل بهذه الدعوة من محارم الله ومحارم رسوله في أم حبيبة
زوجة النبي صلى الله عليه وسلم وفى غيرها من سفور وجوه ما قد حرمه الله وأثبت
بها قربى قد باعدها الله وأباح بها ما قد حظره الله مما لم يدخل على الاسلام خلل
مثله ولم ينل الدين تبديل شبهه ومنه ايثاره بدين الله ودعاؤه عباد الله إلى ابنه
يزيد المتكبر الخمير صاحب الديوك والفهود والقرود وأخذه البيعة له على خيار
المسلمين بالقهر والسطوة والتوعيد والإخافة والتهدد والرهبة وهو يعلم سفهه
ويطلع على خبثه ورهقه ويعاين سكرانه وفجوره وكفره فلما تمكن منه ما مكنه
منه ووطأه له وعصى الله ورسوله فيه طلب بثأرات المشركين وطوائلهم عند
المسلمين فأوقع بأهل الحرة الوقيعة التي لم يكن في الاسلام أشنع منها ولا أفحش
مما ارتكب من الصالحين فيها وشفى بذلك عبد نفسه وغليله وظن أن قد انتقم
من أولياء الله وبلغ النوى لأعداء الله فقال مجاهرا بكفره ومظهرا لشركه
ليت أشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الأسل
قد قتلنا القرم من ساداتكم * وعدلنا ميل بدر فاعتدل
فأهلوا واستهلوا فرحا * ثم قالوا يا يزيد لا تسل
لست من خندف إن لم أنتقم * من بنى أحمد ما كان فعل
187

لعبت هاشم بالملك فلا * خبر جاء ولا وحى نزل
هذا هو المروق من الدين وقول من لا يرجع إلى الله ولا إلى دينه ولا إلى كتابه
ولا إلى رسوله ولا يؤمن بالله ولا بما جاء من عند الله ثم من أغلظ ما انتهك
وأعظم ما اخترم سفكه دم الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه
وسلم مع موقعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكانه منه ومنزلته من الدين
والفضل وشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم له ولأخيه بسيادة شباب أهل الجنة
اجتراء على الله وكفرا بدينه وعداوة لرسوله ومجاهدة لعترته واستهانة بحرمته فكأنما
يقتل به وبأهل بيته قوما من كفار أهل الترك والديلم لا يخاف من الله نقمة ولا يرقب
منه سطوة فبتر الله عمره واجتث أصله وفرعه وسلبه ما تحت يده وأعد له من عذابه
وعقوبته ما استحقه من الله بمعصيته هذا إلى ما كان من بنى مروان من تبديل
كتاب الله وتعطيل أحكامه واتخاذ مال الله دولا بينهم وهدم بيته واستحلال
حرامه ونصبهم المجانيق عليه ورميهم إياه بالنيران لا يألون له إحراقا واخرابا
ولما حرم الله منه استباحة وانتهاكا ولمن لجأ إليه قتلا وتنكيلا ولمن أمنه الله
به إخافة وترشيدا حتى إذا حقت عليهم كلمة العذاب واستحقوا من الله الانتقام
وملؤا الأرض بالجور والعدوان وعموا عباد الله بالظلم والاقتسار وحلت عليهم
السخطة ونزلت بهم من الله السطوة أتاح الله لهم من عترة نبيه وأهل وراثته
من استخلصهم منهم بخلافته مثل ما أتاح الله من أسلافهم المؤمنين وآبائهم
المجاهدين لأوائلهم الكافرين فسفك الله بهم دماءهم مرتدين كما سفك بآبائهم
دماء آباء الكفرة المشركين وقطع الله دابر القوم الظالمين والحمد لله رب العالمين
ومكن الله المستضعفين ورد الله الحق إلى أهله المستحقين كما قال جل شأنه " ونريد
أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين " واعلموا
أيها الناس أن الله عز وجل انما أمر ليطاع ومثل ليتمثل وحكم ليقبل وألزم
الاخذ بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ليتبع وإن كثيرا ممن ضل فالتوى وانتقل
من أهل الجهالة والسفاه ممن اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله وقد
188

قال الله عز وجل " قاتلوا أئمة الكفر " فانتهوا معاشر الناس عما يسخط الله عليكم
وراجعوا ما يرضيه عنكم وارضوا من الله بما اختار لكم والزموا ما أمركم به
وجانبوا ما نهاكم عنه واتبعوا الصراط المستقيم والحجة البينة والسبل الواضحة
وأهل بيت الرحمة الذين هداكم الله بهم بديئا واستنقذكم بهم من الجور والعدوان
أخيرا وأصاركم إلى الخفض والامن والعز بدولتهم وشملكم الصلاح في أديانكم
ومعايشكم في أيامهم والعنوا من لعنه الله ورسوله وفارقوا من لا تنالون القربة من
الله إلا بمفارقته اللهم العن أبا سفيان بن حرب ومعاوية ابنه ويزيد بن معاوية
ومروان بن الحكم وولده اللهم العن أئمة الكفر وقادة الضلالة وأعداء الدين
ومجاهدي الرسول ومغيري الاحكام ومبدلي الكتاب وسفاكي الدم الحرام
اللهم إنا نتبرأ إليك من موالاة أعدائك ومن الإغماض لأهل معصيتك كما قلت
" لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله " يا أيها الناس
اعرفوا الحق تعرفوا أهله وتأملوا سبل الضلالة تعرفوا سابلها فإنه انما يبين عن
الناس أعمالهم ويلحقهم بالضلال والصلاح آباؤهم فلا يأخذكم في الله لومة لائم
ولا يميلن بكم عن دين الله استهواء من يستهويكم وكيد من يكيدكم وطاعة من
تخرجكم طاعته إلى معصية ربكم أيها الناس بنا هداكم الله ونحن المستحفظون فيكم
أمر الله ونحن ورثة رسول الله والقائمون بدين الله فقفوا عندما نقفكم عليه وأنفذوا
لما نأمركم به فإنكم ما أطعتم خلفاء الله وأئمة الهدى على سبيل الايمان والتقوى
أمير المؤمنين يستعصم الله لكم ويسأله توفيقكم ويرغب إلى الله في هدايتكم
لرشدكم وفى حفظ دينه عليكم حتى تلقوه به مستحقين طاعته مستحقين لرحمته والله
حسب أمير المؤمنين فيكم وعليه توكله وبالله على ما قلده من أموركم استعانته ولا حول
لأمير المؤمنين ولا قوة الا بالله والسلام عليكم وكتب أبو القاسم عبيد الله بن
سليمان في سنة 284 (وذكر) أن عبيد الله بن سليمان أحضر يوسف بن يعقوب
القاضي وأمره أن يعمل الحيلة في إبطال ما عزم عليه المعتضد فمضى يوسف بن
يعقوب فكلم المعتضد في ذلك وقال له يا أمير المؤمنين إن أخاف أن تضطرب
189

العامة ويكون منها عند سماعها هذا الكتاب حركة فقال إن تحركت العامة أو نطقت
وضعت سيفي فيها فقال يا أمير المؤمنين فما تصنع بالطالبين الذين هم في كل ناحية
يخرجون ويميل إليهم كثير من الناس لقرابتهم من الرسول ومآثرهم وفى هذا الكتاب
اطراؤهم أو كما قال وإذا سمع الناس هذا كانوا إليهم أميل وكانوا في أبسط ألسنة
وأثبت حجة منهم اليوم فأمسك المعتضد فلم يرد عليه جوابا ولم يأمر في الكتاب
بعده بشئ (وفى) يوم الجمعة لأربع عشرة بقيت من رجب منها شخص جعفر
ابن بغلا غزا إلى عمرو بن الليث الصفار وهو بنيسابور بخلع ولواء لولايته على
الري وهدايا من قبل المعتضد (وفى هذه السنة) لحق بكر بن عبد العزيز بن أبي
دلف بمحمد بن زيد العلوي بطبرستان فأقام بدر وعبيد الله بن سليمان ينتظران
أمر بكر إلى ما يؤول وعلى إصلاح الجبل (وفيها) فيما ذكر فتحت من بلاد الروم
قرة على يد راغب مولى الموفق وابن كلوب وذلك في يوم الجمعة من رجب (وفى)
ليلة الأربعاء لاثنتي عشرة خلت من شعبان أو ليلة الخميس فيما ذكر ظهر شخص
انسان في يده سيف في دار المعتضد بالثريا فمضى إليه بعض الخدم لينظر ما هو
فضربه الشخص بالسيف ضربة قطع بها منطقته ووصل السيف إلى بدن الخادم
ورجع الخادم منصرفا عنه هاربا ودخل الشخص في زرع في البستان فتوارى فيه
فطلب باقي ليلته ومن غد فلم يوقف له على أثر فاستوحش المعتضد لذلك وكثر
الناس في أمره رجما بالظنون حتى قالوا إنه من الجن ثم عاد هذا الشخص للظهور
بعد ذلك مرارا كثيرة حتى وكل المعتضد بسور داره وأحكم السور ورأسه وجعل
عليه كالبرابخ لئلا يقع عليه الكلاب إن رمى به وجئ باللصوص من الحبس
ونوظروا في ذلك وهل يمكن أحد الدخول إليه بنقب أو تسلق * وفى يوم السبت
لثمان بقين من شعبان من هذه السنة وجه كرامة بن مر من الكوفة بقوم مقيدين
ذكر أنهم من القرامطة فأقروا على أبى هاشم بن صدقة الكاتب أنه كان يكاتبهم
وأنه أحد رؤسائهم فقبض على أبى هاشم وقيد وحبس في المطامير * وفى يوم السبت لسبع
خلون من شهر رمضان من هذه السنة جمع المجانين والمعزمون بهم إلى دار المعتضد
190

في الثريا بسبب الشخص الذي كان يظهر له فأدخلوا الدار وصعد المعتضد علية له فأشرف
عليهم فلما رآهم صرعت امرأة كانت معهم من المجانين واضطربت وتكشفت فضجر
وانصرف عنهم ووهب لكل واحد منهم خمسة دراهم فيما ذكر وصرفوا وقد كان
وجه إلى المعزمين قبل أن يشرف عليهم من يسألهم عن خبر الشخص الذي
ظهر له هل يمكنهم أن يعلموا علمه فذكر قوم منهم أنهم يعزمون على بعض المجانين
فإذا سقط سأل الجنى عن خبر ذلك الشخص وما هو فلما رأى المرأة التي صرعت
أمر بصرفهم * وفى ذي العقدة منها ورد الخبر من أصبهان بوثوب الحارث
ابن عبد العزيز بن أبي دلف المعروف بأبي ليلى بشفيع الخادم الموكل كان به
فقتله وكان أخوه عمر بن عبد العزيز بن أبي دلف أخذه فقيده وحمله إلى قلعة
لآل أبى دلف بالدز فحبسه فيها وكان كل ما لآل أبى دلف من مال ومتاع نفيس
وجوهر في القلعة وشفيع مولاهم موكل بحفظ ذلك وحفظ القلعة ومعه جماعة
من غلمان عمر وخاصته فلما استأمن عمر إلى السلطان وهرب بكر عاصيا للسلطان
بقيت القلعة بما فيها من يد شفيع فكلمه أبو ليلى في إطلاقه فأبى وقال لا أفعل
فيك وفيما في يدي إلا بما يأمرني به عمر * فذكر عن جارية لأبي ليلى أنها قالت
كان مع أبي ليلى في الحبس غلام صغير يخدمه وآخر يخرج في حوائجه ولا يبيت
عنده ويبيت عنده الغلام الصغير فقال أبو ليلى لغلامه الذي يخرج في حوائجه
احتل لي في مبرد تدخله إلى ففعل وأدخله في شئ من طعامه وكان شفيع الخادم
يجئ في كل ليلة إذا أراد أن ينام إلى البيت الذي فيه أبو ليلى حتى يراه ثم يقفل
عليه باب البيت هو بيده ويمضى فينام وتحت فراشه سيف مسلول وكان أبو ليلى
قد سأل أن تدخل إليه جارية فأدخلت إليه جارية حدثة السن. فذكر عن
دلفاء جارية أبى ليلى عن هذه الجارية أنها قالت برد أبو ليلى المسمار الذي في
القيد حتى كان يخرجه من رجله إذا شاء قالت وجاء شفيع الخادم عشية من
العشايا إلى أبى ليلى فقعد معه يحدثه فسأله أبو ليلى أن يشرب معه أقداحا ففعل
ثم قام الخادم لحاجته قالت فأمرني أبو ليلى ففرشت فراشه فجعل عليه ثيابا في
191

موضع الانسان من الفراش وغطى على الثياب باللحاف وأمرني أن أقعد عند
رجل الفراش وقال لي إذا جاء شفيع لينظر إلى ويقفل الباب فسألك عنى فقولي
هو نائم وخرج أبو ليلى من البيت فاختفى في جوف فرش ومتاع في صفة فيها
باب هذا البيت وجاء شفيع فنظر إلى الفراش وسأل الجارية فأخبرته أنه قد نام
فأقفل الباب فلما نام الخادم ومن معه في الدار التي في القلعة خرج أبو ليلى فأخذ
السيف من تحت فراش شفيع وشد عليه فقتله فوثب الغلمان الذين كانوا ينامون
حوله فزعين فاعتزلهم أبو ليلى والسيف في يده وقال لهم أنا أبو ليلى قد قتلت
شفيعا ولئن تقدم إلى منكم أحد لأقتلنه وأنتم آمنون فأخرجوا من الدار حتى
أكلمكم بما أريد ففتحوا باب القلعة وخرجوا وجاء حتى قعد على باب القلعة
واجتمع الناس ممن كان في القلعة فكلمهم ووعدهم الاحسان وأخذ عليهم الايمان
فلما أصبح نزل من القلعة ووجه إلى الأكراد وأهل الزموم فجمعهم وأعطاهم
وخرج مخالفا على السلطان وقيل إن قتله الخادم كان في ليلة السبت لاثنتي عشرة
بقيت من ذي القعدة من هذه السنة وقيل إنه ذبح الخادم ذبحا بسكين كان أدخلها
إليه غلامه ثم أخذ السيف من تحت فراش الخادم وقام به إلى الغلمان (وفى
هذه السنة) وهى سنة 284 كان المنجمون يوعدون الناس بغرق أكثر الأقاليم
وأن إقليم بابل لا يسلم منه إلا اليسير وأن ذلك يكون بكثرة الأمطار وزيادة
المياه في الأنهار والعيون والآبار فقحط الناس فيها فلم يروا فيها من المطر إلا
اليسير وغارت المياه في الأنهار والعيون والآبار حتى احتاج الناس إلا الاستسقاء
فاستسقوا ببغداد مرات (ولليلة) بقيت من ذي الحجة من هذه السنة كانت فيما
ذكر وقعة بين عيسى النوشري وبين أبى ليلى بن عبد العزيز بن أبي دلف وذلك
يوم الخميس دون أصبهان بفرسخين فأصاب أبا ليلى سهم في حلقه فيا ذكر فنحره
فسقط عن دابته وانهزم أصحابه وأخذ رأسه فحمل إلى أصبهان (وحج بالناس)
في هذه السنة محمد بن عبد الله بن داود الهاشمي المعروف بأترجة
192

ثم دخلت سنة خمس وثمانين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك ما كان من قطع صالح بن مدرك الطائي في جماعة من طئ على الحاج
بالاجفر يوم الأربعاء لاثنتي عشرة بقيت من المحرم فحاربه الحي الكبير وهو
أمير القافلة فظفر الاعراب بالقافلة فأخذوا ما كان فيها من الأموال والتجارات
وأخذوا جماعة من النساء الحرائر والممالك وقيل إن الذي أخذوا من الناس
بقيمة ألفى ألف دينار (ولسبع) بقين من المحرم منها قرئ على جماعة من حاج
خراسان في دار المعتضد بتولية عمرو بن الليث الصفار ما وراء نهر بلخ وعزل
إسماعيل بن أحمد عنه (ولخمس) خلون من صفر منها ورد مدينة السلام وصيف
كأمه مع جماعة من القواد من قبل بدر مولى المعتضد وعبيد الله بن سليمان من
الجبل معهم رأس الحارث بن عبد العزيز بن أبي دلف المعروف بأبي ليلى فمضوا
به إلى دار المعتضد بالثريا فاستوهبه أخوه فوهبه له واستأذنه في دفنه فأذن
له وخلع على عمر بن عبد العزيز في هذا اليوم وعلى جماعة من القواد القادمين
(وفيها) فيما ذكر كتب صاحب البريد من الكوفة يذكر أن ريحا صفراء
ارتفعت بنواحي الكوفة في ليلة الأحد لعشر بقين من شهر ربيع الأول فلم تزل
إلى وقت صلاة المغرب ثم استحالت سوداء فلم يزل الناس في تضرع إلى الله
وان السماء مطرت بعقب ذلك مطرا شديدا برعود هائلة وبروق متصلة ثم سقط
بعد ساعة بقرية تعرف بأحمداباذ ونواحيها حجارة بيض وسود مختلفة الألوان
في أوساطها ضغطة شبه أفهار العطارين فأنفذ منها حجرا فأخرج إلى
الدواوين والناس حتى رأوه (ولتسع) بقين منه شخص ابن الاخشاد
أميرا على طرسوس من بغداد مع النفر الذين كانوا قدموا منها يسألون
أن يولى عليهم وال وخرج أيضا في هذا اليوم من بغداد فاتك
مولى المعتضد للنظر في أمور العمال بالموصل وديار ربيعة وديار مضر
193

والثغور الشأمية والجزرية وإصلاح الأمور بها إلى ما كان يتقلده من أعمال البريد
بهذه النواحي (وفى هذه السنة) ورد الخبر فيما ذكر من البصرة أن ريحا ارتفعت
بها بعد صلاة الجمعة لخمس بقين من شهر ربيع الأول صفراء ثم استحالت خضراء
ثم سوداء ثم تتابعت الأمطار بما لم يروا مثلها ثم وقع برد كبار كان وزن البردة الواحدة
مائة وخمسين درهما فيما قيل وأن الريح أقلعت من نهر الحسين خمسمائة نخلة وأكثر من نهر
معقل مائة نخلة عددا (وفيها) كانت وفاة الخليل بن ريمال بحلوان (ولخمس) خلون
من جمادى الآخرة ورد الخبر على السلطان أن بكر بن عبد العزيز بن أبي دلف توفى
بطبرستان من علة أصابته ودفن هنالك فأعطى الذي جاء بالخبر فيما ذكر ألف
دينار (وفيها) ولى المعتضد محمد بن أبي الساج أعمال آذربيجان وأرمينية وكان
قد تغلب عليها وخالف وبعث إليه بخلع وحملان (وفيها) ورد الخبر لثلاث
خلون من شعبان أن راغبا الخادم مولى الموفق غزا في البحر فأظفره الله بمراكب
كثيرة وبجميع من فيها من الروم فضرب أعناق ثلاثة آلاف من الروم الذين
كانوا في المراكب وأحرق المراكب وفتح حصونا كثيرة من حصون الروم
وانصرفوا سالمين (وفى ذي الحجة) منها ورد الخبر بوفاة أحمد بن عيسى بن شيخ
وقيام ابنه محمد بن أحمد بن عيسى بما كان في يد أبيه بآمد وما يليها على سبيل
التغلب * ولاحدى عشرة بقيت من ذي الحجة منها خرج المعتضد من بغداد
قاصدا إلى آمد وخرج معه ابنه أبو محمد والقواد والغلمان واستخلف ببغداد
صالحا الأمين الحاجب وقلده النظر في المظالم وأمر الجسرين وغير ذلك (وفيها)
وجه هارون بن خمارويه بن أحمد بن طولون ومن معه من قواد المصريين إلى
المعتضد وصيف قاطر ميز يسألونه مقاطعتهم عما في أيديهم من مصر والشأم
وأجرى هارون على ما كان يجرى عليه أبوه فقدم وصيف بغداد فرده المعتضد
ووجه معه عبد الله بن الفتح ليشافههم برسائل ويشترط عليهم شروطا فخرجا
لذلك في آخر هذه السنة (وفيها) غزا ابن الاخشاد بأهل طرسوس وغيرهم في
ذي الحجة وبلغ سلند فتح عليه وكان انصرافه إلى طرسوس في سنة 286
194

(وحج بالناس) في هذه السنة محمد بن عبد الله بن داود الهاشمي
ثم دخلت سنة ست وثمانين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث الجليلة
فمن ذلك ما كان من توجيه محمد بن أبي الساج ابنه المعروف بأبي المسافر إلى
بغداد رهينة بما ضمن للسلطان من الطاعة والمناصحة فقدم فيما ذكر يوم الثلاثاء
لسبع خلون من المحرم منها معه هدايا من الدواب والمتاع وغير ذلك والمعتضد
يومئذ غائب عن بغداد * وفى شهر ربيع الآخر منها ورد الخبر أن المعتضد
بالله وصل إلى آمد فأناخ بجنده عليها وأغلق محمد بن أحمد بن عيسى بن شيخ عليه
أبواب مدينة آمد وعلى من فيها من أشياعه ففرق المعتضد جيوشه حولها
وحاصرهم وذلك لأيام بقيت من شهر ربيع الأول ثم جرت بينهم حروب ونصب
عليهم المجانيق ونصب أهل آمد على سورهم المجانيق وتراموا بها * وفى يوم
السبت لاحدى عشرة بقيت من جمادى الأولى وجه محمد بن أحمد بن عيسى إلى
المعتضد يطلب لنفسه ولأهله ولأهل آمد الأمان فأجابه إلى ذلك فخرج محمد بن
أحمد بن عيسى في هذا اليوم ومن معه من أصحابه وأوليائه فوصلوا إلى المعتضد
فخلع عليه وعلى رؤساء أصحابه وانصرفوا إلى مضرب قد أعد لهم وتحول المعتضد
من عسكره إلى منازل ابن عيسى بن شيخ ودوره وكتب بذلك كتابا إلى مدينة
السلام مؤرخا بيوم الاحد لعشر بقين من جمادى الأولى ولخمس بقين من جمادى
الأولى منها ورد الكتاب من المعتضد بفتحه آمد إلى مدينة السلام وقرئ
على المنبر بالجامع (وفيها) انصرف عبد الله بن الفتح إلى المعتضد وهو مقيم بآمد
من مصر بأجوبة كتبه إلى هارون بن خمارويه وأعلمه أن هارون قد بذل أن يسلم
اعمال قنسرين والعواصم ويحمل إلى بيت المال ببغداد في كل سنة أربعمائة ألف
وخمسين ألف دينار وأنه يسأل أن يجدد له ولاية على مصر والشأم وأن يوجه
المعتضد بخادم من خدمه إليه بذلك فأجابه إلى ما سأل وأنفذ إليه بدر القدامى
195

وعبد الله بن الفتح بالولاية والخلع فخرجا من آمد إلى مصر بذلك وتسلم عمال
المعتضد أعمال قنسرين والعواصم من أصحاب هارون في جمادى الأولى وأقام
المعتضد بآمد بقية جمادى الأولى وثلاثة وعشرين يوما من جمادى الآخرة ثم
ارتحل منها يوم السبت لسبع بقين منها نحو الرقة وخلف ابنه عاليا بآمد مع جيوش
ضمهم إليه لضبط الناحية وأعمال قنسرين والعواصم وديار ربيعة وديار مضر
وكان كاتب علي بن المعتضد يومئذ الحسين بن عمرو النصراني وقلد الحسين بن
عمرو النظر في أمور هذه النواحي ومكاتبة العمال بها وأمر المعتضد بهدم سور
آمد فهدم (وفيها) وافت هدية عمرو بن الليث الصفار من نيسابور إلى بغداد
فكان مبلغ المال الذي وجهه أربعة آلاف ألف درهم وعشرين من الدواب
بسروج ولجم محلاة مغرفة ومائة وخمسين دابة بجلال مشهرة وكسوة وطيب
وبزاة وذلك في يوم الخميس لثمان بقين من جمادى الآخرة (وفى هذه السنة) ظهر رجل
من القرامطة يعرف بأبي سعيد الجنابي بالبحرين فاجتمع إليه جماعة من الاعراب
والقرامطة وكان خروجه فيما ذكر في أول هذه السنة أكثر أصحابه في جمادى الآخرة
وقوى أمره فقتل من حوله من أهل القرى ثم صار إلى موضع يقال له القطيف بينه
وبين البصرة مراحل فقتل من بها وذكر أنه يريد البصرة فكتب أحمد بن محمد بن
يحيى الواثقي وكان يتقلد معاون البصرة وكور دجلة في ذلك الوقت إلى السلطان بما
اتصل به من عزم هؤلاء القرامطة فكتب إليه وإلى محمد بن هشام المتولي أعمال
الصدقات والخراج والضياع بها في عمل سور على البصرة فقدرت النفقة على ذلك
أربعة عشر ألف دينار فأمر بالانفاق عليه فبنى * وفى رجب من هذه السنة صار إلى
الأنبار جماعة من اعراب بنى شيبان فأغاروا على القرى وقتلوا من لحقوا من الناس
واستاقوا المواشي فخرج إليهم أحمد بن محمد بن كمشحور المتولي المعاون بها فلم يطقهم فكتب
إلى السلطان يخبره بأمورهم فوجه من مدينة السلام نفيسا المولدي بن محمد الزرنجي
والمظفر بن حاج مددا له في زهاء ألف رجل فصاروا إلى موضع الاعراب فواقعوهم
بموضع يعرف بالمنقبة من الأنبار فهزمهم الاعراب وقتلوا أصحابهم وغرق أكثرهم
196

في الفرات وتفرقوا فورد كتاب ابن حاج يوم الاثنين لست بقين من رجب
يخبر هذه الوقعة وهزيمة الاعراب إياهم فأقام الاعراب يعيثون في الناحية
ويتخفرون القرى فكتب إلى المعتضد بخبرهم فوجه إليهم لقتالهم من الرقة العباس
ابن عمرو الغنوي وخفيفا الاذكوتكينى وجماعة من القواد فصار هؤلاء القواد
إلى هيت في آخر شعبان من هذه السنة وبلغ الاعراب خبرهم فارتحلوا عن موضعهم
من سواد الأنبار وتوجهوا نحو عين التمر فنزلوها ودخل القواد الأنبار فأقاموا
بها وعاث الاعراب بعين التمر ونواحي الكوفة مثل عيثهم بنواحي الأنبار وذلك
بقية شعبان وشهر رمضان (وفيها) وجه المعتضد إلى راغب مولى أبى أحمد وهو
بطرسوس يأمره بالمصير إليه بالرقة فصار إليه وهو بها فلما وصل إليه تركه في
عسكره يوما ثم أخذه من الغد فحبسه وأخذ جميع ما كان معه وورد الخبر بذلك
مدينة السلام يوم الاثنين لتسع خلون من شعبان ثم مات راغب بعد أيام وقبض
على مكنون غلام راغب وعلى أصحابه وأخذ ماله بطرسوس يوم الثلاثاء لست
بقين من رجب وكان المتولي أخذهم ابن الاخشاد (ولعشر) بقين من شهر رمضان
منها وجه المعتضد مونسا الخازن إلى الاعراب بنواحي الكوفة وعين التمر وضم
إليه العباس بن عمرو وخفيفا الاذكوتكينى وغيرهما من القواد فسار مونس
ومن معه حتى بلغ الموضع المعروف بنينوى فوجد الاعراب قد ارتحلوا عن
موضعهم ودخل بعضهم إلى برية طريق مكة وبعضهم إلى برية الشأم فأقام بموضعه
أياما ثم شخص إلى مدينة السلام (وفى شوال) منها قلد المعتضد وعبيد الله بن
سليمان ديوان المشرق محمد بن داود بن الجراح وعزل عنه أحمد بن محمد بن الفرات
وقلد ديوان المغرب علي بن عيسى بن داود بن الجراح وعزل عنه ابن الفرات
ثم دخلت سنة سبع وثمانين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك ما كان من قبض المعتضد على محمد بن أحمد بن عيسى بن شيخ وعلى
197

جماعة من أهله وتقييده إياهم وحبسه لهم في دار ابن طاهر وذلك أنه صار بعض
أقربائه فيما ذكر إلى عبيد الله بن سليمان فأعلمه أن محمدا على الهرب في جماعة من
أصحابه وأهله فكتب بذلك عبيد الله إلى المعتضد فكتب إليه المعتضد يأمره بالقبض
عليه ففعل ذلك يوم الأربعاء لأربع خلون من المحرم منها * وفى هذا الشهر من
هذه السنة ورد كتاب أبى الأغر على السلطان أن طيئا تجمعت له وحشدوا
واستعانوا بمن قدروا عليه من الاعراب واعترضوا قافلة الحاج فواقعوهم لما
جاوزوا المعدن منصرفين إلى مدينة السلام من مكة ببضعة عشر ميلا وأقبل إليهم
فرسان الاعراب ورجالتهم ومعهم بيوتهم وحرمهم وإبلهم وكانت رجالتهم
أكثر من ثلاثة آلاف فالتحمت الحرب بينهم ولم تزل الحرب بينهم يومهم أجمع
وهو يوم الخميس لثلاث بقين من ذي الحجة فلما جنهم الليل باينوهم فلما أصبحوا
غادوهم الحرب غداة يوم الجمعة إلى حين انتصاف النهار ثم أنزل الله النصر على
أوليائه وولى الاعراب منهزمين فما اجتمعوا بعد تفرقهم وأنه سار هو وجميع
الحاج سالمين وأنفذ كتابه مع سعيد بن الأصفر بن عبد الاعلى وهو أحد وجوه
بنى عمه والمتولي كان للقبض على صالح بن مدرك * وفى يوم السبت لثلاث بقين
من المحرم وافى أبو الأغر مدينة السلام وبين يديه رأس صالح بن مدرك ورأس
جحنش ورأس غلام لصالح أسود وأربعة أسارى من بنى عم صالح فمضى إلى دار
المعتضد فخلع عليه وطوق بطوق من ذهب ونصبت الرؤس على رأس الجسر
الاعلى بالجانب الشرقي وأدخل الاسرى المطامير (ولأربع) ليال بقين من صفر منها
دخل المعتضد من منتزهة ببراز الروز إلى بغداد وأمر ببناء قصر في موضع
اختاره من براز الروز فحمل إليه الآلات وابتدأ في عمله * وفى شهر ربيع الأول
منها غلظ أمر القرامطة بالبحرين فأغاروا على نواحي هجر وقرب بعضهم من
نواحي البصرة فكتب أحمد بن محمد بن يحيى الواثقي يسأل المدد فوجه إليه في آخر
هذا الشهر بثماني شذوات فيها ثلثمائة رجل وأمر المعتضد باختيار جيش لينفذه
إلى البصرة * وفى يوم الأحد لعشر خلون من شهر ربيع الآخر قعد بدر مولى
198

المعتضد في داره ونظر في أمور الخاصة والعامة من الناس والخراج والضياع
والمعاون * وفى يوم الاثنين لاحدى عشرة خلت من شهر ربيع الآخر مات محمد
ابن عبد الحميد الكاتب المتولي ديوان زمام المشرق والمغرب وفى يوم الأربعاء
لثلاث عشرة خلت منه ولى جعفر بن محمد بن حفص هذا الديوان فصار من
يومه إلى الديوان وقعد فيه * وفى شهر ربيع الآخر منها ولى المعتضد عباس بن
عمرو الغنوي اليمامة والبحرين ومحاربة أبي سعيد الجنابي ومن معه من
القرامطة وضم إليه زهاء ألفى رجل فعسكر العباس بالفرك أياما حتى اجتمع
إليه أصحابه ثم مضى إلى البصرة ثم شخص منها إلى البحرين واليمامة
(وفيها) فيما ذكر وافى العدو باب قلمية من طرسوس فنفر أبو ثابت وهو
أمير طرسوس بعد موت ابن الاخشاد وكان استخلفه على البلد حين غزا فمات
وهو على ذلك فبلغ في نفيره إلى نهر الريحان في طلب العدو فأسر أبو ثابت وأصيب
الناس معه فكان ابن كلوب غازيا في درب السلامة فلما قفل من غزاته جمع المشايخ
من أهل الثغر ليتراضوا بأمير يلي أمورهم فاتفق رأيهم على علي بن الأعرابي
فولوه أمرهم بعد اختلاف من ابن أبي ثابت وذكر أن أباه استخلفه وجمع جمعا
لمحاربة أهل البلد حتى توسط الامر ابن كلوب فرضى ابن ثابت وذلك في شهر ربيع
الآخر وكان النغيل حينئذ غازيا ببلاد الروم فانصرف إلى طرسوس وجاء الخبر
أن أبا ثابت حمل إلى القسطنطينية من حصن قونية ومعه جماعة من المسلمين
وفى شهر ربيع الآخر مات إسحاق بن أيوب الذي كان إليه المعاون بديار ربيعة
فقلد ما كان إليه عبد الله بن الهيثم بن عبد الله بن المعتمر * وفى يوم الأربعاء لخمس
بقين من جمادى الأولى ورد كتاب فيما ذكر على السلطان بأن إسماعيل بن أحمد
أسر عمرا الصفار واستباح عسكره وكان من خبر عمرو وإسماعيل أن عمرا
سأل السلطان أن يوليه ما وراء النهر فولاه ذلك ووجه إليه وهو مقيم بنيسابور
بالخلع واللواء على ما وراء النهر فخرج لمحاربة إسماعيل بن أحمد فكتب إليه إسماعيل
ابن أحمد انك قد وليت دنيا عريضة وانما في يدي ما وراء النهر وأنا في ثغر فاقنع
199

بما في يدك واتركني مقيما بهذا الثغر فأبى اجابته إلى ذلك فذكر له أمر نهر بلخ
وشدة عبوره فقال لو أشاء أن أسكره ببدر الأموال وأعبره لفعلت فلما أيس
إسماعيل من انصرافه عنه جمع من معه والتناء والدهاقين وعبر النهر إلى الجانب
الغربي وجاء عمرو فنزل بلخ وأخذ إسماعيل عليه النواحي فصار كالمحاصر وندم
على ما فعل وطلب المحاجزة فيما ذكر فأبى إسماعيل عليه ذلك فلم يكن بينهما كثير
قتال حتى هزم عمرو فولى هاربا ومر بأجمة في طريقه قيل له إنها أقرب فقال لعامة
من معه امضوا في الطريق الواضح ومضى في نفر يسير فدخل الأجمة فوحلت
دابته فوقعت ولم يكن له في نفسه حيلة ومضى من معه ولم يلووا عليه وجاء
أصحاب إسماعيل فأخذوه أسيرا ولما وصل الخبر إلى المعتضد بما كان من أمر عمرو
وإسماعيل مدح إسماعيل فيما ذكر وذم عمرا (ولليلة) بقيت من جمادى الأولى
من هذه السنة ورد الخبر على السلطان أن وصيفا خادم ابن أبي الساج هرب من
برزعة ومضى إلى ملطية مراغما لمحمد بن أبي الساج في أصحابه وكتب إلى المعتضد
يسأله أن يوليه الثغور ليقوم بها فكتب إليه المعتضد يأمره بالمصير إليه ووجه
إليه رشيقا الحرمي (ولسبع) خلون من رجب من هذه السنة توفيت ابنة
خمارويه بن أحمد بن طولون زوجة المعتضد ودفنت داخل قصر الرصافة
(ولعشر) خلون من رجب وفد على السلطان ثلاثة أنفس وجهم وصيف
خادم ابن أبي الساج إلى المعتضد يسأله أن يوليه الثغور ويوجه إليه الخلع فذكر
أن المعتضد أمر بتقرير الرسل بالسبب الذي من أجله فارق وصيف صاحبه
ابن أبي الساج وقصد الثغور فقرروا بالضرب فذكروا أنه فارقه
على مواطأة بينه وبين صاحبه على أنه متى صار إلى الموضع الذي هو به لحق به
صاحبه فصارا جميعا إلى مضر وتغلبا عليها وشاع ذلك في الناس وتحدثوا به
(ولاحدى عشرة) خلت من رجب من هذه السنة ولى حامد بن العباس
الخراج والضياع بفارس وكانت في يد عمرو بن الليث الصفار ودفعت
كتبه بالولاية إلى أخيه أحمد بن العباس وكان حامد مقيما بواسط لأنه
200

كان يليها وكور دجلة وكتب إلى عيسى النوشري وهو بأصبهان بالمصير إلى
فارس واليا على معونتها * وفى هذه السنة كان خروج العباس بن عمرو الغنوي
فيما ذكر من البصرة بمن ضم إليه من الجند مع من خف معه من مطوعة
البصرة نحو أبي سعيد الجنابي ومن انضوى إليه من القرامطة فلقيهم طلائع
لأبي سعيد فخلف العباس سواده وسار نحوهم فلقى أبا سعيد ومن معه مساء فتناوشوا
القنال ثم حجز بينهم الليل فانصرف كل فريق منهما إلى موضعهم فلما كان الليل
انصرف من كان مع العباس من أعراب بنى ضبة وكانوا زهاء ثلثمائة إلى
البصرة ثم تبعهم مطوعة البصرة فلما أصبح العباس غادى القرامطة الحرب
فاقتتلوا قتالا شديدا ثم إن صاحب ميسرة العباس وهو نجاح غلام أحمد بن
عيسى بن شيخ حمل في جماعة من أصحابه زهاء مائة رجل على ميمنة أبي سعيد فوغلوا
فيهم فقتل وجميع من معه وحمل الجنابي وأصحابه على أصحاب العباس فانهزموا فاستأسر
العباس وأسر من أصحابه زهاء سبعمائة رجل واحتوى الجنابي على ما كان في عسكر
العباس فلما كان من غد يوم الوقعة أحضر الجنابي من كان أسر من أصحاب
العباس فقتلهم جميعا ثم أمر بحطب فطرح عليهم وأحرقهم وكانت هذه الوقعة
فيما ذكر في آخر رجب وورد خبرها بغداد لأربع خلون من شعبان (وفيها)
فيما ذكر صار الجنابي إلى هجر فدخلها وآمن أهلها وذلك بعد منصرفه من وقعة
العباس وانصرف فل أصحاب العباس بن عمرو يريدون البصرة ولم يكن أفلت
منهم إلا القليل بغير أزواد ولا كسى فخرج إليهم من البصرة جماعة بنحو من
أربعمائة راحلة عليها الأطعمة والكسى والماء فخرج عليهم فيما ذكر بنو أسد
فأخذوا تلك الرواحل بما عليها وقتلوا جماعة ممن كان مع تلك الرواحل ومن
أفلت من أصحاب العباس وذلك في شهر رمضان فاضطربت البصرة لذلك اضطرابا
شديدا وهموا بالانتقال عنها فمنعهم أحمد بن محمد الواثقي المتولي لمعاونها من ذلك
وتخوفوا هجوم القرامطة عليهم (ولثمان) خلون من شهر رمضان منها فيما ذكر
وردت خريطة على السلطان من الأبلة بموافاة العباس بن عمرو في مركب
201

من مراكب البحر وأن أبا سعيد الجنابي أطلقه وخادما له (ولاحدى) عشرة
خلت من شهر رمضان وافى العباس بن عمرو مدينة السلام وصار إلى دار المعتضد
بالثريا فذكر أنه بقى عند الجنابي أياما بعد الوقعة ثم دعا به فقال له أتحب أن أطلقك
قال نعم قال امض وعرف الذي وجه بك إلى ما رأيت وحمله على رواحل وضم إليه
رجالا من أصحابه وحملهم ما يحتاجون إليه من الزاد والماء وأمر الرجال الذن؟؟
وجههم معه أن يؤدوه إلى مأمنه فساروا به حتى وصل إلى بعض السواحل فصادف
به مركبا فحمله فصار إلى الأبلة فخلع عليه المعتضد وصرفه إلى منزله (وفى) يوم
الخميس لاحدى عشرة خلت من شوال ارتحل المعتضد من مضربه بباب الشماسية
في طلب وصيف خادم ابن أبي الساج وكتم ذلك وأظهر أنه يريد ناحية ديار مضر
(وفى) يوم الجمعة لاثنتي عشرة خلت منه ورد الخبر فيما ذكر على السلطان أن
القرامطة بالسواد من أهل جنبلاء وثبوا بواليهم بدر غلام الطائي فقتلوا من
المسلمين جمعا فيهم النساء والصبيان وأحرقوا المنازل (ولأربع عشرة) خلت
من ذي القعدة نزل المعتضد كنيسة السوداء في طلب وصيف الخادم فأقام بها
يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء حتى تلاحق به الناس وأراد الرحيل في طريق
المصيصة فأتته العيون أن الخادم يريد عين زربة فأحضر الركاضة الثغريين وأهل
الخبرة فسألهم عن أقصد الطريق إلى عين زربة فقطعوا بن جيحان غداة الخميس
لسبع عشرة خلت من ذي القعدة فقدم ابنه عليا ومعه الحسن بن علي كوره وأتبعه
بجعفر بن سعر ثم اتبع جعفرا محمد بن كمشجور ثم اتبعه خاقان المفلحي ثم مونس
الخادم ثم مونس الخازن ثم مضى في آثارهم مع غلمان الحجر ومربعين زربة
وضرب له بها مضرب وخلف بها خفيفا السمرقندي مع سواده وسار هو قاصدا
للخادم في أثر القواد فلما كان بعد صلاة العصر جاءته البشارات بأخذ الخادم
ووافوا به المعتضد فسلمه إلى مونس الخادم وهو يومئذ صاحب شرطة العسكر
وأمر ببذل الأمان لأصحاب الخادم والنداء في العسكر ببراءة الذمة ممن وجد
في رحله شئ من نهب عسكر الخادم ولم يرده على أصحابه فرد الناس على كثير منهم
202

ما انتهبوا من عسكرهم وكانت الوقعة وأسر وصيف الخادم فيما قيل يوم الخميس
لثلاث عشرة بقيت من ذي القعدة وكان من اليوم الذي ارتحل المعتضد فيه من
مضربه بباب الشماسية إلى أن قبض على الخادم ستة وثلاثون يوما ولما قبض
المعتضد على الخادم انصرف فيما ذكر إلى عين زربة فأقام بها يومين فلما كان في
صبيحة الثالث اجتمع إليه أهل عين زربة وسألوه أن يرحل عنهم لضيق الميرة ببلدهم
فرحل عنها في اليوم الثالث فنزل المصيصة بجميع عساكره إلا أبا الأغر خليفة ابن
المبارك فإنه كان وجهه ليأخذ على الخادم الطريق لئلا يصير إلى مرعش وناحية ملطية
وكان الخادم قد أنفذ عياله وعيال أصحابه إلى مرعش وبلغ أصحاب الخادم الذين
كانوا قد هربوا ما بذل لهم المعتضد من الأمان وما أمر برده عليهم من أمتعتهم فلحقوا
بعسكر المعتضد داخلين في أمانه وكان نزول المعتضد بالمصيصة فيما قيل يوم الأحد
لعشر بقين من ذي القعدة فأقام بها إلى الاحد الآخر وكتب إلى وجوه أهل
طرسوس في المصير إليه فأقبلوا إليهم منهم النغيل وكان من رؤساء الثغر وابن له ورجل
يقال له ابن المهندس وجماعة معهم فحبس هؤلاء مع آخرين وأطلق أكثرهم
فحمل الذين حبسهم معه إلى بغداد وكان قد وجد عليهم لانهم فيما ذكر كانوا كاتبوا
وصيفا الخادم وأمر المعتضد بإحراق جميع المراكب البحرية التي كان المسلمون
يغزون فيها وجميع آلاتها وذكر أن دميانة غلام يا زمان هو الذي أشار عليه
لشئ كان في نفسه على أهل طرسوس فأحرق ذلك كله وكان في المراكب نحو من
خمسين مركبا قديما قد أنفق عليها أموال جليلة لا يعمل مثلها في هذا الوقت
فأحرقت فأضر ذلك بالمسلمين وكسر ذلك في أعضادهم وقوى به الروم وأمنوا
أن يغزوا في البحر وقلد المعتضد الحسن بن علي كوره الثغور الشأمية بمسألة من
أهل الثغور واجتماع كلمتهم عليه ورحل المعتضد فيما قيل من المصيصة فنزل فندق
الحسين ثم الإسكندرية ثم بغراس ثم أنطاكية لليلتين خلتا من ذي الحجة فأقام بها
إلى أن نحر وبكر في ثاني النحر بالرحيل فنزل أرتاح ثم الأثارب
بها يومين ثم رحل إلى الناعورة ثم إلى خساف وصفين هناك في الجانب الجزري
203

وبيت مال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الجانب الآخر ثم إلى
بالس ثم إلى دوسر ثم إلى بطن دامان ثم إلى الرقة فدخلها لثمان بقين من ذي الحجة
فأقام بها إلى أن بقى ليلتان منه (ولخمس) بقين من شوال ورد الخبر على السلطان
بأن محمد بن زيد العلوي قتل
ذكر الخبر عن سبب مقتله
ذكر أن محمد بن زيد خرج لما اتصل به الخبر عن أسر إسماعيل بن أحمد
عمرو بن الليث في جيش كثيف نحو خراسان طامعا فيها ظنا منه أن إسماعيل بن
أحمد لا يتجاوز عمله الذي كان يتولاه أيام ولاية عمرو بن الليث الصفار خراسان
وأنه لا دافع له عن خراسان إذ كان عمرو قد أسر ولا عامل للسلطان به فلما صار
إلى جرجان واستقر به كتب إليه يسأله الرجوع إلى طبرستان وترك جرجان له
فأبى ذلك عليه ابن زيد فندب إسماعيل فيما ذكر لي خليفة كان لرافع بن هرثمة أيام
ولاية رافع خراسان يدعى محمد بن هارون لحرب محمد بن زيد فانتدب له فضم
إليه جمعا كثيرا من رجاله وجنده ووجهه إلى ابن زيد لحربه فشخص محمد بن هارون
نحو ابن زيد فالتقيا على باب جرجان فاقتتلوا قتالا شديدا فانهزم عسكر محمد بن
هارون ثم إن محمد بن هارون رجع وقد انتقضت صفوف العلوي فانهزم عسكر
محمد بن زيد وولوا هاربين وقتل منهم فيما ذكر بشر كثير وأصابت ابن زيد
ضربات وأسر ابنه زيد وحوى محمد بن هارون عسكره وما كان فيه ثم مات محمد
ابن زيد بعد هذه الوقعة بأيام من الضربات التي كانت فيه فدفن على باب جرجان وحمل
ابنه زيد إلى إسماعيل بن أحمد وشخص محمد بن هارون إلى طبرستان (وفى) يوم
السبت لاثنتي عشرة خلت من ذي القعدة أوقع بدر غلام الطائي بالقرامطة على
غرة منهم بنواحي رودميسان وغيرها فقتل منهم فيما ذكر مقتلة عظيمة ثم تركهم
خوفا على السواد أن يخرب إذ كانوا فلاحيه وعماله وطلب رؤساءهم في أماكنهم فقتل
من ظفر به منهم وكان السلطان قد قوى بدرا بجماعة من جنده وغلمانه بسببهم
للحدث الذي كان منهم (وحج بالناس) في هذه السنة محمد بن عبد الله بن داود
204

ثم دخلت سنة ثمان وثمانين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك ما كان من ورود الخبر على السلطان فيما ذكر بوقوع الوباء بآذربيجان
فمات منه خلق كثير إلى أن فقد الناس ما يكفنون به الموتى فكفنوا في الأكسية
واللبود ثم صاروا إلى أن لم يجدوا من يدفن الموتى فكانوا يتركونهم مطروحين
في الطرق (وفيها) دخل أصحاب طاهر بن محمد بن عمرو بن الليث فارس وأخرجوا
منها عمال السلطان وذلك لاثنتي عشرة بقيت من صفر منها (وفيها) توفى محمد
ابن أبي الساج الملقب بأفشين بآذربيجان فاجتمع غلمانه وجماعة من أصحابه فأمروا
عليهم ديوداد بن محمد واعتزلهم يوسف بن أبي الساج على الخلاف لهم (ولليلتين)
بقيتا من شهر ربيع الآخر ورد كتاب صاحب البريد بالأهواز يذكر فيه أن
أصحاب طاهر بن محمد بن عمرو بن الليث صاروا إلى سنبيل يريدون الأهواز (وفى)
أول جمادى الأولى أدخل عمرو بن الليث عبد الله بن الفتح الموجه كان إلى إسماعيل
ابن أحمد بغداد واشناس غلام إسماعيل بن أحمد وذكر لي أن إسماعيل بن أحمد
خيره بين المقام عنده أسيرا وبين توجيهه إلى باب أمير المؤمنين فاختار توجيهه
فوجهه (ولليلتين) خلتا من جمادى الآخرة ورد فيما ذكر كتاب صاحب يريد الأهواز
منها يذكر أن كتاب إسماعيل بن أحمد ورد على طاهر بن محمد بن عمرو يعلمه أن
السلطان ولاه سجستان وأمره بالخروج إليها وأنه خارج إليه إلى فارس ليوقع به ثم
ينصرف إلى سجستان وأن طاهرا خرج لذلك وكتب إلى ابن عمه وكان مقيما بأرجان
في عسكره يأمره بالانصراف إليه إلى فارس بمن معه (وفيها) ولى المعتضد مولاه بدرا
فارس وأمره بالشخوص إليها لما بلغه من تغلب طاهر بن محمد عليها وخلع عليه لتسع
خلون من جمادى الآخرة وضم إليه جماعة من القواد فشخص في جيش عظيم
من الجند والغلمان (ولعشر) خلون من جمادى الآخرة منها خرج عبد الله بن الفتح
واشناس غلام إسماعيل إلى إسماعيل بن أحمد بن سامان بخلع من المعتضد حملها
205

إليه وببدنة وتاج وسيف من ذهب مركب على جميع ذلك جوهر وبهدايا
وثلاثة آلاف ألف درهم يفرقها في جيش من جيوش خراسان يوجه إلى
سجستان لحرب من بها من أصحاب طاهر بن محمد بن عمرو * وقد قيل إن المال
الذي وجهه إليه المعتضد كان عشرة آلاف ألف درهم وجه ببعض ذلك من
بغداد وكتب بباقيه على عمال الجبل وأمروا أن يدفعوه إلى الرسل (وفى) رجب
منها وصل بدر مولى المعتضد إلى ما قرب من أرض فارس فتنحى عنها من كان بها من
أسباب طاهر بن محمد بن عمرو فدخلها أصحاب بدر وجبى عماله الخراج بها (ولليلتين)
خلتا من شهر رمضان منها ذكر أن كتاب عج بن حاج عامل مكة ورد يذكر
فيه أن بنى يعفر أوقعوا برجل كان تغلب على صنعاء وذكر أنه علوي وأنهم
هزموه فلجأ إلى مدينة تحصن بها فصاروا إليه فأوقعوا به فهزموه أيضا وأسروا
ابنا له وأفلت هو في نحو من خمسين نفسا ودخل بنو يعفر صنعاء وخطبوا بها
للمعتضد (وفيها) أوقع يوسف بن أبي الساج وهو في نفر يسير بابن أخيه
ديوداد بن محمد ومعه جيش أبيه محمد بن أبي الساج فهرب عسكره فبقى ديوداد
في جماعة قليلة فعرض عليه يوسف المقام معه فأبى وأخذ طريق الموصل فوافى
بغداد يوم الخميس لسبع بقين من شهر رمضان من هذه السنة فكانت الوقعة
بينهما بناحية آذربيجان (وفيها) غزا نزار بن محمد عامل الحسن بن علي كورة
الصائفة ففتح حصونا كثيرة للروم وأدخل طرسوس مائة علج ونيفا وستين
علجا من القوامسة والشمامسة وصلبانا كثيرا وأعلاما لهم فوجهها كوره إلى بغداد
(ولاثنتي عشرة) خلت من ذي الحجة وردت كتب التجار من الرقة أن
الروم وافت في مراكب كثيرة وجاء قوم منهم على الظهر إلى ناحية كيسون
فاستاقوا من المسلمين أكثر من خمسة عشر ألف انسان ما بين رجل وامرأة
وصبى فمضوا بهم وأخذوا فيهم قوما من أهل الذمة (وفيها) قرب أصحاب أبي
سعيد الجنابي من البصرة واشتد جزع أهل البصرة منهم حتى هموا بالهرب
منها والنقلة عنها فمنعهم من ذلك واليهم (وفى) آخر ذي الحجة منها قتل وصيف
206

خادم ابن أبي الساج فحملت جثته فصلبت بالجانب الشرقي وقيل إنه مات ولم
يقتل فلما مات احتز رأسه (وحج بالناس) فيها هارون بن محمد المكنى أبا بكر
ثم دخلت سنة تسع وثمانين ومائتين
ذكر الخبر عن الكائن فيها من الأمور
فمن ذلك ما كان من انتشار القرامطة بسواد الكوفة فوجه إليهم شبل غلام
أحمد بن محمد الطائي وتقدم إليه في طلبهم وأخذ من ظفر به منهم وحملهم إلى
باب السلطان وظفر برئيس لهم يعرف بابن أبى فوارس فوجه. معهم فدعا به
المعتضد لثمان بقين من المحرم فساءله ثم أمر به فقلعت أضراسه ثم خلع بمد
إحدى يديه فيما ذكر ببكرة وعلق في الأخرى صخرة وترك على حاله تلك من
نصف النهار إلى المغرب ثم قطعت يداه ورجلاه من غد ذلك اليوم وضربت
عنقه وصلب بالجانب الشرقي ثم حملت جثته بعد أيام إلى الياسرية فصلب مع من
صلب هنالك من القرامطة (ولليلتين) خلتا من شهر ربيع الأول أخرج
من كانت له دار وحانوت بباب الشماسية عن داره وحانوته وقيل لهم خذوا
أقفاصكم وأخرجوا وذلك أن المعتضد كان قد قدر أن يبنى لنفسه دارا يسكنها
فخط موضع السور وحفر بعضه وابتدأ في بناء دكة على دجلة كان المعتضد أمر
ببنائها لينتقل فيقيم فيها إلى أن يفرغ من بناء الدار والقصر (وفى) ربيع
الآخر منها في ليلة الاثنين توفى المعتضد فلما كان في صبيحتها أحضر دار السلطان
يوسف بن يعقوب وأبو حازم عبد الحميد بن عبد العزيز وأبو عمر محمد بن يوسف
ابن يعقوب وحضر الصلاة عليه الوزير القاسم بن عبيد الله بن سليمان وأبو حازم
وأبو عمرو الحرم والخاصة وكان أوصى أن يدفن في دار محمد بن عبد الله بن
طاهر فحفر له فيها فحمل من قصره المعروف بالحسنى ليلا فدفن في قبره هناك
(ولسبع) بقين من شهر ربيع الآخر من هذه السنة وهى سنة 289 جلس القاسم
ابن عبيد الله بن سليمان في دار السلطان في الحسنى وأذن للناس فعزوه بالمعتضد
207

وهنأوه بما جدد له من أمر المكتفى وتقدم إلى الكتاب والقواد في تجديد البيعة
للمكتفى بالله فقبلوا
خلافة المكتفى بالله
ولما توفى المعتضد كتب القاسم بن عبيد الله بالخبر إلى المكتفى كتبا وأنفذها
من ساعته وكان المكتفى مقيما بالرقة فلما وصل الخبر إليه أمر الحسين بن عمرو
النصراني كاتبه يومئذ بأخذ البيعة على من في عسكره ووضع العطاء لهم ففعل ذلك
الحسين ثم خرج شاخصا من الرقة إلى بغداد ووجه إلى النواحي بديار ربيعة
وديار مضر ونواحي المغرب من يضبطها (وفى) يوم الثلاثاء لثمان خلون من
جمادى الأولى دخل المكتفى إلى داره بالحسنى فلما صار إلى منزله أمر بهدم
المطامير التي كان أبوه اتخذها لأهل الجرائم * وفى هذا اليوم كنى المكتفى بلسانه
القاسم بن عبيد الله وخلع عليه * وفى هذا اليوم مات عمرو بن الليث الصفار
ودفن في غد هذا اليوم بالقرب من القصر الحسنى وقد كان المعتضد فيما ذكر
عند موته بعد ما امتنع من الكلام أمر صافيا الحرمي بقتل عمرو بالايماء
والإشارة ووضع يده على رقبته وعلى عينه أراد ذبح الأعور فلم يفعل ذلك
صافي لعلمه بحال المعتضد وقرب وفاته وكره قتل عمرو فلما دخل المكتفى بغداد
سأل فيما قيل القاسم بن عبيد الله عن عمر وحى هو قال نعم فسر بحياته وذكر
أنه يريد أن يحسن إليه وكان عمرو يهدى إلى المكتفى ويبره برا كثيرا أيام مقامه
بالري فأراد مكافأته فذكروا أن القاسم بن عبيد الله كره ذلك ودس إلى عمرو
من قتله * وفى رجب منها ورد الخبر لأربع بقين منه أن جماعة من أهل الري
كاتبوا محمد بن هارون الذي كان إسماعيل بن أحمد صاحب خراسان استعمله
على طبرستان بعد قتله محمد بن زيد العلوي فخلع محمد بن هارون وبيض فسألوه
المصير إلى الري ليدخلوه إليها وذلك أن أوكرتمش التركي المولى عليهم كان فيما
ذكر قد أساء السيرة فيهم فحاربه فهزمه محمد بن هارون وقتله وقتل ابنين له وقائدا
208

من قواد السلطان يقال له ابرون أخو كيغلغ ودخل محمد بن هارون الري واستولى
عليها * وفى رجب من هذه السنة زلزلت بغداد ودامت الزلزلة فيها أياما وليالي
كثيرة (وفى هذه السنة) كان مقتل بدر غلام المعتضد
ذكر سبب قتله
ذكر أن سبب ذلك كان أن القاسم بن عبيد الله كان هم بتصيير الخلافة
من بعد المعتضد في غير ولد المعتضد وأنه كان ناظر بدرا في ذلك فامتنع بدر عليه
وقال ما كنت لأصرفها عن ولد مولاي الذي نعمتي فلما رأى القاسم ذلك وعلم
أنه لا سبيل إلى مخالفة بدر إذ كان بدر صاحب جيش المعتضد والمستولى على أمره
والمطاع في خدمه وغلمانه اضطغنها على بدر وحدث بالمعتضد حدث الموت وبدر
بفارس فعقد القاسم للمكتفى عقد الخلافة وبايع له وهو بالرقة لما كان بين
المكتفى وبين بدر من التباعد في حياة والده وكتب القاسم إلى المكتفى لما بايع
غلمان أبيه له بالخلافة وأخذ عليهم البيعة بما فعل من ذلك فقدم بغداد المكتفى
وبدر بعد بفارس فلما قدمها عمل القاسم في هلاك بدر حذرا على نفسه فيما ذكر
من بدر أن يقدم على المكتفى فيطلعه على ما كان القاسم هم به وعزم عليه في
حياة المعتضد من صرف الخلافة عن ولد المعتضد إذا مات فوجه المكتفى فيما
ذكر محمد بن كمشجور وجماعة من القواد برسائل وكتب إلى القواد الذين مع بدر
يأمرهم بالمصير إلى ما قبله ومفارقة بدر وتركه فأوصلت الكتب إلى القواد في
سر ووجه إليه يأنس خادم الموفق ومعه عشرة آلاف ألف درهم ليصرفها في
عطاء أصحابه لبيعة المكتفى فخرج بها يأنس فذكر أنه لما صار بالأهواز وجه إليه
بدر من قبض المال منه فرجع يأنس إلى مدينة السلام فلما وصلت كتب المكتفى
إلى القواد المضمومين إلى بدر فارق بدرا جماعة منهم وانصرفوا عنه إلى مدينة
السلام منهم العباس بن عمرو الغنوي وخاقان المفلحي ومحمد بن إسحاق بن كنداج
وخفيف الاذكوتكينى وجماعة غيرهم فلما صاروا إلى مدينة السلام دخلوا على
المكتفى فخلع فيما ذكر على نيف وثلاثين رجلا منهم وأجاز جماعة من رؤسائهم
209

كل رجل منهم بمائة ألف درهم وأجاز آخرين بدون ذلك وخلع على بعضهم ولم
يجزه بشئ وانصرف بدر في رجب عامدا المصير إلى واسط واتصل بالمكتفى اقبال
بدر إلى واسط فوكل بدار بدر وقبض على جماعة من غلمانه وقواده فحبسوا
منهم نحرير الكبير وعريب الجبلي ومنصور ابن أخت عيسى النوشري وأدخل
المكتفى على نفسه القواد وقال لهم لست أومر عليكم أحدا ومن كانت له منكم
حاجة فليلق الوزير فقد تقدمت إليه بقضاء حوائجكم وأمر بمحو اسم بدر من
التراس والاعلام وكان عليها أبو النجم مولى المعتضد بالله وكتب بدر إلى المكتفى
كتابا دفعه إلى زيد ان السعيدي وحمله على الجمازات فلما وصل الكتاب إلى المكتفى
أخذه ووكل بزيدان هذا وأشخص الحسن بن علي كوره في جيش إلى ناحية
واسط وذكر أنه قدمه المكتفى على مقدمته ثم أحدر محمد بن يوسف مع المغرب
لليلة بقيت من شعبان من هذه السنة برسالة إلى بدر وكان المكتفى أرسل إلى بدر
حين فصل من عمل فارس يعرض عليه ولاية أي النواحي شاء ان شاء أصبهان
وإن شاء الري وإن شاء الجبال ويأمره بالمصير إلى حيث أحب من هذه النواحي
مع من أحب من الفرسان والرجالة يقيم بها معهم واليا عليها فأبى ذلك بدر وقال
لابد لي من المصير إلى باب مولاي فوجد القاسم بن عبيد الله مساغا للقول فيه وقال
للمكتفى يا أمير المؤمنين قد عرضنا عليه أن نقلده أي النواحي شاء أن يمضى إليها
فأبى الا المجئ إلى بابك وخوفه غائلته وحرض المكتفى على لقائه ومحاربته
واتصل الخبر ببدر أنه قد وكل بداره وحبس غلمانه وأسبابه فأيقن بالشر ووجه
من يحتال في تخليص ابنه هلال واحداره إليه فوقف القاسم بن عبيد الله على ذلك
فأمر بالحفظ به ودعا أبا حازم القاضي على الشرقية وأمره بالمضي إلى بدر ولقائه
وتطييب نفسه وإعطائه الأمان من أمير المؤمنين على نفسه وماله وولده فذكر أن
أبا حازم قال له أحتاج إلى سماع ذلك من أمير المؤمنين حتى أؤديه إليه عنه فقال
له انصرف حتى أستأذن لك في ذلك أمير المؤمنين ثم دعا بأبي عمر محمد بن يوسف
فأمره بمثل الذي أمر به أبا حازم فسارع إلى اجابته إلى ما أمره به ودفع القاسم
210

ابن عبيد الله إلى أبى عمر كتاب أمان عن المكتفى فمضى به نحو بدر فلما فصل بدر
عن واسط ارفض عنه أصحابه وأكثر غلمانه مثل عيسى النوشري وختنه يأنس
المستأمن وأحمد بن سمعان ونحرير الصغير وصاروا إلى مضرب المكتفى في الأمان
فلما كان بعد مضى ليلتين من شهر رمضان من هذه السنة خرج المكتفى من بغداد
إلى مضربه بنهر ديالى وخرج معه جميع جيشه فعسكر هنالك وخلع على من صار
إلى مضربه من الجماعة الذين سميت وعلى جماعة من القواد والجند ووكل بجماعة
منهم ثم قيد تسعة منهم وأمر بحملهم مقيدين إلى السجن الجديد ولقى فيما ذكر
أبو عمر محمد بن يوسف بدرا بالقرب من واسط ودفع إليه الأمان وخبره عن
المكتفى بما قال له القاسم بن عبيد الله فصاعد معه في حراقة بدر وكان قد سيره
في الجانب الشرقي وغلمانه الذين بقوا معه في جماعة من الجند وخلق كثير من
الأكراد وأهل الجبل يسيرون معه بمسيره على شط دجلة فاستقر الامر بين
بدر وأبى عمر على أن يدخل بدر بغداد سامعا مطيعا وعبر بدر دجلة فصار إلى
النعمانية وأمر غلمانه وأصحابه الذين بقوا معه أن ينزعوا سلاحهم وأن لا يحاربوا
أحدا وأعلمهم ما ورد به عليه أبو عمر من الأمان فبينا هو يسير إذ وافاه محمد بن
إسحاق بن كنداج في شذا ومعه جماعة من الغلمان فتحول إلى الحراقة وسأله بدر
عن الخبر فطيب نفسه وقال له قولا جميلا وهم في كل ذلك يؤمرونه وكان القاسم
ابن عبيد الله وجهه وقال له إذا اجتمعت مع بدر وصرت معه في موضع واحد
فأعلمني فوجه إلى القاسم وأعلمه فدعا القاسم بن عبيد الله لؤلؤا أحد غلمان
السلطان فقال له قد ندبتك لأمر فقال سمعا وطاعة فقال له امض وتسلم بدرا
من ابن كنداجيق وجئني برأسه فمضى في طيار حتى استقبل بدرا ومن معه بين
سبب بنى كوما وبين اضطربد فتحول من الطيار إلى الحراقة وقال لبدر قم فقال
وما الخبر قال لا بأس عليك فحوله إلى طياره ومضى به حتى صار به إلى جزيرة
بالصافية فأخرجه إلى الجزيرة وخرج معه ودعا بسيف كان معه فاستله فلما أيقن
بدر بالقتل سأله أن يمهله حتى يصلى ركعتين فأمهله فصلاهما ثم قدمه فضرب
211

عنقه وذلك في يوم الجمعة قبل الزوال لست خلون من شهر رمضان ثم أخذ رأسه
ورجع إلى طياره واقبل راجعا إلى معسكر المكتفى بنهر ديالى ورأس بدر معه
وتركت جثته مكانها فبقيت هنالك ثم وجه عياله من أخذ جثته سرا فجعلها في تابوت
وأخفوها عندهم فلما كان أيام الموسم حملوها إلى مكة فدفنوها بها فيما قيل وكان
أوصى بذلك وأعتق قبل أن يقتل مماليكه كلهم وتسلم السلطان ضياع بدر ومستغلاته
ودوره وجميع ماله بعد قتل وورد الخبر على المكتفى بما كان من قتل بدر لسبع
خلون من شهر رمضان من هذه السنة فرحل منصرفا إلى مدينة السلام ورحل
معه من كان معه من الجند وجئ برأس بدر إليه فوصل إليه قبل ارتحاله من موضع
معسكره فأمر به فنظف ورفع في الخزانة ورجع أبو عمر القاضي إلى داره يوم الاثنين
كئيبا حزينا لما كان منه في ذلك وتكلم الناس فيه وقالوا هو كان السبب في قتل
بدر وقالوا فيه أشعارا فمما قيل فيه منها
قل لقاضي مدينة المنصور * بم أحللت أخذ رأس الأمير
بعد إعطائه المواثيق والعهد * وعقد الايمان في منشور
أين أيمانك التي شهد الله * على أنها يمين فجور
أن كفيك لا تفارق كفيه * إلى أن ترى مليك السرير
يا قليل الحياء يا أكذب الأمة * يا شاهدا شهادة زور
ليس هذا فعل القضاة ولا يحسن * أمثاله ولاة الجسور
أي أمر ركبت في الزهراء * من شهر خير خير الشهور
قد مضى من قتلت في رمضان * صائما بعد سجدة التعفير
يا بنى يوسف بن يعقوب أضحى * أهل بغداد منكم في غرور
بدد الله شملكم وأراني * ذلكم في حياة هذا الوزير
فأعد الجواب للحكم العادل * من بعد منكر ونكير
أنتم كلكم فدا لأبي حازم * المستقيم كل الأمور
(ولسبع) خلون من شهر رمضان حمل زيدان السعيدي الذي كان قدم
212

رسولا من قبل بدر إلى المكتفى مع التسعة الأنفس الذين قيدوا من قواد بدر
وسبعة أنفس أخر من أصحاب بدر قبض عليهم بعدهم في سفينة مطبقة عليهم
وأحدروا مقيدين إلى البصرة فحبسوا في سجنها * وذكر أن لؤلؤا الذي ولى قتل
بدر كان غلاما من غلمان محمد بن هارون الذي قتل محمد بن زيد بطبرستان
وأكرتمش بالري قدم مع جماعة من غلمان محمد بن هارون على السلطان في الأمان
(وفى) ليلة الاثنين لأربع عشرة بقيت من شهر رمضان منها قتل عبد الواحد
ابن أبي أحمد الموفق فيما ذكر وكانت والدته فيما قيل وجهت معه إلى دار مونس
لما قبض عليه داية له ففرق بينه وبين الداية فمكثت يومين أو ثلاثة ثم صرفت
إلى منزل مولاتها فكانت والدة عبد الواحد إذا سألت عن خبره قيل لها إنه في
دار المكتفى وهو في عافية وكانت طامعة في حياته فلما مات المكتفى أيست منه
وأقامت عليه مأتما
ذكر باقي الكائن من الأمور الجليلة في سنة 289
فما كان من ذلك فيها لتسع بقين من شعبان منها ورد كتاب من إسماعيل بن
أحمد صاحب خراسان على السلطان بخبر وقعة كانت بين أصحابه وبين ابن جستان
الديلمي بطبرستان وأن أصحابه هزموه وقرئ بذلك كتابه بمسجدي الجامع ببغداد
(وفيها) لحق رجل يقال له إسحاق الفرغاني من أصحاب بدر لما قتل بدر إلى ناحية
البادية في جماعة من أصحابه على الخلاف على السلطان فكانت بينه هنالك وبين
أبى الأغر وقعة هزم فيها أبو الأغر وقتل من أصحابه ومن قواده عدة ثم أشخص
مونس الخازن في جمع كثيف إلى الكوفة لحرب إسحاق الفرغاني (ولسلخ)
ذي القعدة خلع على خاقان المفلحي وولى معونة الري وضم إليه خمسة آلاف
رجل (وفيها) ظهر بالشام رجل جمع جموعا كثيرة من الاعراب وغيرهم فأتى
بهم دمشق وبها طغج بن جف من قبل هارون بن خمارويه بن أحمد بن طولون
على المعونة وذلك في آخر هذه السنة فكانت بين طغج وبينه وقعات كثيرة قتل
فيها فيما ذكر خلق كثير
213

ذكر خبر هذا الرجل الذي ظهر بالشام وما كان سبب ظهوره بها
ذكر أن زكرويه بن مهرويه الذي ذكرنا أنه كان داعية قرمط لما تتابع من
المعتضد توجيه الجيوش إلى من بسواد الكوفة من القرامطة وألح في طلبهم وأثخن
فيهم القتلى ورأى أنه لا مدفع عن أنفسهم عند أهل السواد ولا غناء سعى في استغواء
من قرب من الكوفة من أعراب أسد وطيئ؟؟ وتميم وغيرهم من قبائل الاعراب
ودعاهم إلى رأيه وزعم لهم أن من بالسواد من القرامطة يطابقونهم على أمره
إن استجابوا له فلم يستجيبوا له وكانت جماعة من كلب تخفر الطريق على البر
بالسماوة فيما بين الكوفة ودمشق على طريق تدمر وغيرها وتحمل الرسل وأمتعة
التجار على ابلها فأرسل زكرويه أولاده إليهم فبايعوهم وخالطوهم وانتموا إلى
علي بن أبي طالب وإلى محمد بن إسماعيل بن جعفر وذكروا أنهم خائفون من
السلطان وأنهم ملجؤن إليهم فقبلوهم على ذلك ثم دبوا فيهم بالدعاء إلى رأى القرمطة
فلم يقبل ذلك أحد منهم أعنى من الكلبيين الا الفخذ المعروفة ببنى العليص بن
ضمضم بن عدي بن جناب ومواليهم خاصة فبايعوا في آخر سنة 289 بناحية السماوة
ابن زكريا المسمى بيحيى والمكنى أبا القاسم ولقبوه الشيخ على أمر احتال فيهم
ولقب به نفسه وزعم لهم أنه أبو عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد وقد
قيل إنه زعم أنه محمد بن عبد الله بن يحيى وقيل إنه زعم أنه محمد بن عبد الله
ابن محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب
وقيل إنه لم يكن لمحمد بن إسماعيل ابن يسمى عبد الله وزعم لهم أن أباه
المعروف بأبي محمود داعية له وأن له بالسواد والمشرق والمغرب مائة ألف
تابع وأن ناقته التي يركبها مأمورة وأنهم إذا اتبعوها في مسيرها ظفروا وتكهن
لهم وأظهر عضدا له ناقصة وذكر أنها آية وانحازت إليه جماعة من
بنى الأصبغ وأخلصوا له وتسموا بالفاطميين ودانوا بدينه فقصدهم سبك
الديلمي مولى المعتضد بالله بناحية الرصافة في غربي الفرات من ديار مضر
فاغتروه وقتلوه وحرقوا مسجد الرصافة واعترضوا كل قرية اجتازوا بها حتى
214

أصعدوا إلى أعمال الشأم التي كان هارون بن خمارويه قوطع عليها وأسند أمرها
هارون إلى طغج بن جف فأناخ عليها وهزم كل عسكر لقيه لطغج حتى حصره في مدينة
دمشق فأنفذ المصريون إليه بدرا الكبير غلام ابن طولون فاجتمع مع طغج على
محاربته فواقعهم قريبا من دمشق فقتل الله عدو الله يحيى بن زكرويه وكان سبب قتله
فيما ذكر أن بعض البرابرة زرقه بمزراق واتبعه نفاط فزرقه بالنار فأحرقه وذلك
في كبد الحرب وشدتها ثم دارت على المصريين الحرب فانحازوا فاجتمعت موالى
بنى العليص إلى بنى العليص ومن معهم من الأصبغيين وغيرهم على نصب الحسين
ابن زكرويه أخي الملقب بالشيخ فنصبوا أخاه وزعم لهم أنه أحمد بن عبد الله بن
محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد وهو ابن نيف وعشرين سنة وقد كان الملقب
بالشيخ حمل موالى بنى العليص على صريحهم فقتلوا جماعة منهم واستذلوهم فبايعوا
الحسين بن زكرويه المسمى بأحمد بن عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن جعفر بعد
أخيه فأظهر شامة في وجهه ذكر أنها آيته وطرأ إليه ابن عمه عيسى بن مهرويه
المسمى عبد الله وزعم أنه عبد الله بن أحمد بن محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد
فلقبه المدثر وعهد إليه وذكر أنه المعنى في السورة التي يذكر فيها المدثر ولقب غلاما
من أهله المطوق وقلده قتل أسرى المسلمين وظهر على المصريين وعلى جند حمص
وغيرها من أهل الشأم ويمسى بإمرة المؤمنين على منابرها وكان ذلك كله في سنة 89 وفى
سنة 90. وفى اليوم التاسع من ذي الحجة من هذه السنة صلى الناس العصر في قمص
الصيف ببغداد فهبت ريح الشمال عند العصر فبرد الهواء حتى احتاج الناس بها من شدة
البرد إلى الوقود والاصطلاء بالنار ولبس المحشو والجباب وجعل البرد يزداد حتى
جمد الماء (وفيها) كانت وقعة بين إسماعيل بن أحمد بالري ومحمد بن هارون وابن
هارون فيما قيل حينئذ في نحو من ثمانية آلاف فانهزم محمد بن هارون وتقدم..
أصحابه وتبعه من أصحابه نحو من ألف ومضوا نحو الديلم فدخلها مستجيرا بها ودخل
إسماعيل بن أحمد الري وصار زهاء ألف رجل فيما ذكر ممن انهزم من أصحابه
إلى باب السلطان (وفى جمادى) الآخرة منها لأربع خلون منها ولى القاسم بن
215

سيما غزو الصائفة بالثغور الجزرية وأطلق له من المال اثنان وثلاثون ألف دينار
(وحج بالناس) في هذه السنة الفضل بن عبد الملك الهاشمي
ثم دخلت سنة تسعين ومائتين
ذكر الخبر عن الاحداث التي كانت فيها
فمما كان فيها من ذلك توجيه المكتفى رسولا إلى إسماعيل بن أحمد لليلتين خلتا
من المحرم منها بخلع وعقد ولاية له على الري وبهدايا مع عبد الله بن الفتح (ولخمس)
بقين من المحرم منها ورد فيما ذكر كتاب علي بن عيسى من الرقة يذكر فيه أن
القرمطي بن زكرويه المعروف بالشيخ وافى الرقة في جمع كثير فخرج إليه جماعة
عن أصحاب السلطان ورئيسهم سبك غلام المكتفى فواقعوه فقتل سبك وانهزم
أصحاب السلطان * ولست خلون من شهر ربيع الآخر ورد الخبر بأن طغج ابن
جف أخرج من دمشق جيشا إلى القرمطي عليهم غلام له يقال له بشير فواقعهم
القرمطي فهزم الجيش وقتل بشيرا (ولثلاث) عشرة بقيت من شهر ربيع الآخر
خلع على أبى الأغر ووجه به لحرب القرمطي بناحية الشأم فمضى إلى حلب في عشرة
آلاف رجل (ولاحدى عشرة) بقيت من شهر ربيع الآخر خلع على أبى العشائر
أحمد بن نصر وولى طرسوس وعزل عنها مظفر بن حاج لشكاية أهل الثغور إياه
(وللنصف) من جمادى الأولى من هذه السنة وردت كتب التجار إلى بغداد من دمشق
مؤرخة لسبع بقين من ربيع الآخر يخبرون فيها أن القرمطي الملقب بالشيخ قد هزم
طغج غير مرة وقتل أصحابه إلا القليل وأنه قد بقى في قلة وامتنع من الخروج وإنما تجتمع
العامة ثم تخرج للقتال وأنهم قد أشرفوا على الهلكة فاجتمعت جماعة من تجار بغداد في
هذا اليوم فمضوا إلى يوسف بن يعقوب فأقرؤه كتبهم وسألوه المضي إلى الوزير
ليخبره خبر أهل دمشق فوعدهم ذلك (لسبع) بقين من جمادى الأولى أحضر دار
السلطان أبو حازم ويوسف وابنه محمد وأحضر صاحب طاهر بن محمد بن عمرو بن الليث
فقوطع على مال فارس ثم عقد المكتفى لطاهر على أعمال فارس وخلع على صاحبه وحملت
216

إليه خلع مع العقد * وفى جمادى الأولى هرب من مدينة السلام القائد المستأمن المعروف
بأبي سعيد الخوارزمي وأخذ نحو طريق الموصل فكتب إلى عبد الله المعروف
بغلام نون وكان يتقلد المعاون بتكريت والأعمال المتصلة بها إلى حد سامرا
وإلى الموصل في معارضته وأخذه فزعموا أن عبد الله عارضه فاختدعه أبو سعيد
حتى اجتمعا جميعا على غير حرب ففتك به أبو سعيد فقتله ومضى أبو سعيد نحو
شهرزور فاجتمع هو وابن أبي الربيع الكردي وصاهره واجتمعا على عصيان
السلطان ثم إن أبا سعيد قتل بعد ذلك وتفرق من كان اجتمع إليه (ولعشر)
خلون من جمادى الآخرة شخص أبو العشائر إلى عمله بطرسوس وخرج معه
جماعة من المطوعة للغزو ومعه هدايا من المكتفى إلى ملك الروم (ولعشر) بقين
من جمادى الآخرة خرج المكتفى بعد العصر عامدا سامرا مريدا البناء بها للانتقال
إليها فدخلها يوم الخميس لخمس بقين من جمادى الآخرة ثم انصرف إلى مضارب
قد ضربت له بالجوسق فدعا القاسم بن عبيد الله والقوام بالبناء فقدروا له البناء
وما يحتاج إليه من المال للنفقة عليه فكثروا عليه في ذلك وطولوا مدة الفراغ
مما أراد بناءه وجعل القاسم يصرفه عن رأيه في ذلك ويعظم أمر النفقة في ذلك
وقدر مبلغ المال فثناه عن عزمه ودعا بالغداء فتغدى ثم نام فلما هب من نومه
ركب إلى الشط وقعد في الطيار وأمر القاسم بن عبيد الله بالانحدار ورجع
أكثر الناس من الطريق قبل أن يصلوا إلى سامرا حين تلقاهم الناس راجعين
(ولسبع) خلون من رجب خلع على ابني القاسم بن عبيد الله فولى
الأكبر منهما ضياع الولد والحرم والنفقات والأصغر منهما كتبة أبى أحمد بن
المكتفى وكانت هذه الأعمال إلى الحسين بن عمرو النصراني فعزل بهما وكان القاسم
ابن عبيد الله اتهم الحسين بن عمرو أنه قد سعى به إلى المكتفى ثم إن الحسين بن
عمرو كاشف القاسم بن عبيد الله بحضرة المكتفى فلم يزل القاسم يدبر عليه ويغلظ
قلب المكتفى عليه حتى وصل إلى ما أراد من أمره * وفى يوم الجمعة لأربع عشرة
بقيت من شعبان قرئ كتابان في الجامعين بمدينة السلام بقتل يحيى بن زكرويه
217

الملقب بالشيخ قتله المصريون على باب دمشق وقد كانت الحرب اتصلت بينه
وبين من حاربه من أهل دمشق وجندها ومددهم من أهل مصر وكسر لهم جيوشا
وقتل منهم خلقا كثيرا وكان يحيى بن زكرويه هذا يركب جملا برحاله ويلبس
ثيابا واسعة ويعتم عمة أعرابيه ويتلثم ولم يركب دابة من لدن ظهر إلى أن قتل
وأمر أصحابه؟؟ ألا يحاربوا أحدا وإن أتى عليهم حتى يبتعث الجمل من قبل
نفسه وقال لهم إذا فعلتم ذلك لم تهزموا * وذكر أنه كان إذا أشار بيده
إلى ناحية من النواحي التي فيها محاربوه انهزم أهل تلك الناحية فاستغوى
بذلك الاعراب ولما كان في اليوم الذي قتل فيه يحيى بن زكرويه الملقب
بالشيخ وانحازوا إلى أخيه الحسين بن زكرويه فطلب أخاه الشيخ في القتلى
فوجده فوراه وعقد الحسين بن زكرويه لنفسه ويسمى بأحمد بن عبد الله وتكنى
بأبي العباس وعلم أصحاب بدر بعد ذلك بقتل الشيخ فطلبوه في القتلى فلم يجدوه
ودعا الحسين بن زكرويه إلى مثل ما دعا إليه أخوه فأجابه أكثر أهل البوادي
وغيرهم من سائر الناس واشتدت شوكته وظهر وصار إلى دمشق فذكر أن أهلها
صالحوه على خراج دفعوه إليه ثم انصرف عنهم ثم سار إلى أطراف حمص فتغلب
عليها وخطب له على منابرها وتسمى بالمهدي ثم سار إلى مدينة حمص فأطاعه أهلها
وفتحوا له بابها خوفا منه على أنفسهم فدخلها ثم سار منها إلى حماة ومعرة النعمان
وغيرهما فقتل أهلها وقتل النساء والأطفال ثم سار إلى بعلبك فقتل عامة أهلها حتى
لم يبق منهم فيما قيل إلا اليسير ثم سار إلى سلمية فحاربه أهلها ومنعوه الدخول ثم
وادعهم وأعطاهم الأمان ففتحوا له بابها فدخلها فبدأ بمن فيها من بني هاشم وكان
بها منهم جماعة فقتلهم ثم ثنى بأهل سلمية فقتلهم أجمعين ثم قتل البهائم ثم قتل صبيان
الكتاتيب ثم خرج منها وليس بها عين تطرف فيما قيل وسائر فيما حوالي ذلك من
القرى يقتل ويسبي ويحرق ويخيف السبيل * فذكر عن متطبب بباب المحول
يدعى أبا الحسن أنه قال جاءتني امرأة بعدما أدخل القرمطي صاحب الشامة
وأصحابه بغداد فقالت لي إني أريد أن تعالج شيئا في كتفي قلت وما هو قالت جرح
218

قلت أنا كحال وههنا امرأة تعالج النساء وتعالج الجراحات فانتظري مجيئها فقعدت
ورأيتها مكروبة كئيبة باكية فسألتها عن حالها وقلت ما سبب جراحتك فقالت
قصتي تطول فقلت حدثيني بها وصادقيني وقد خلا من كان عندي فقالت كان لي
ابن غاب عنى وطالت غيبته وخلف على أخوات له فضقت واحتجت واشتقت
إليه وكان شخص إلى ناحية الرقة فخرجت إلى الموصل وإلى بلد والى الرقة كل ذلك
أطلبه وأسأل عنه فلم أدل عليه فخرجت عن الرقة في طلبه فوقعت في عسكر
القرمطي فجعلت أطوف وأطلبه فبينا أنا كذلك إذ رأيته فتعلقت به فقلت ابني فقال
أمي فقلت نعم قال ما فعل أخواتي قلت بخير وشكوت ما نالنا بعده من الضيق فمضى
بي إلى منزله وجلس بين يدي وجعل يسائلني عن أخبارنا فخبرته ثم قال دعيني من
هذا وأخبريني ما دينك فقلت يا بنى أما تعرفني فقال وكيف لا أعرفك فقلت
ولم تسألني من ديني وأنت تعرفني وتعرف ديني فقال كل ما كنا فيه باطل والدين
ما نحن فيه الآن فأعظمت ذلك وعجبت منه فلما رآني كذلك خرج وتركني ثم
وجه إلى بخبز ولحم وما يصلحني وقال اطبخيه فتركته ولم أمسه ثم عاد فطبخه
وأصلح أمر منزله فدق الباب داق فخرج إليه فإذا رجل يسأله ويقول له هذه القادمة
عليك تحسن أن تصلح من أمر النساء شيئا فسألني فقلت نعم امضى معي فمضيت
فأدخلني دارا وإذا امرأة تطلق فقعدت بين يديها وجعلت أكملها فلا تكلمني فقال
لي الرجل الذي جاء بي إليها ما عليك من كلامها أصلحي أمر هذه ودعى كلامها
فأقمت حتى ولدت غلاما وأصلحت من شأنه وجعلت أكلمها وأتلطف بها وأقول
لها يا هذه لا تحتشميني فقد وجب حقي عليك أخبريني خبرك وقصتك ومن والد
هذا الصبى فقالت تسأليني عن أبيه لتطالبيه بشئ يهبه لك فقلت لا ولكن أحب
أن أعلم خبرك فقالت لي إني امرأة هاشمية ورفعت رأسها فرأيت أحسن الناس
وجها وان هؤلاء القوم أتونا فذبحوا أبى وأمي واخوتي وأهلي جميعا ثم أخذني
رئيسهم فأقمت عنده خمسة أيام ثم أخرجني فدفعني إلى أصحابه فقال طهروها فأرادوا
قتلى فبكيت وكان بين يديه رجل من قواده فقال هبها لي فقال خذها فأخذني وكان
219

بحضرته ثلاثة أنفس قيام من أصحابه فسلوا سيوفهم وقالوا لا نسلمها إليك إما أن
تدفعها إلينا وإلا قتلناها وأرادوا قتلى وضجوا فدعاهم رئيسهم القرمطي وسألهم
عن خبرهم فخبروه فقال تكون لكم أربعتكم فأخذوني فأنا مقيمة معهم أربعتهم
والله ما أدرى ممن هو هذا الولد منهم قالت فجاء بعد المساء رجل فقالت لي هنيه
فهنأته بالمولود فأعطاني سبيكة فضة وجاء آخر وآخر أهنئ كل واحد منهم فيعطيني
سبيكة فضة فلما كان في السحر جاء جماعة مع رجل وبين يديه شمع وعليه ثياب
خزتفوح منه رائحة المسك فقالت لي هنيه فقمت إليه فقلت بيض الله وجهك
والحمد لله الذي رزقك هذا الابن ودعوت له فأعطاني سبيكة فيها ألف درهم وبات
الرجل في بيت وبت مع المرأة في بيت فلما أصبحت قلت للمرأة يا هذه قد وجب
عليك حقي فالله الله في خلصيني قالت مم أخلصك فخبرتها خبر ابني وقلت لها إني
جئت راغبة إليه وانه قال لي كيت وكيت وليس في يدي منه شئ ولى بنات
ضعاف خلفتهن بأسوإ حال فخلصيني من ههنا لأصل إلى بناتي فقالت عليك بالرجل
الذي جاء آخر القوم فسليه ذلك فإنه يخلصك فأقمت يومى إلى أن أمسيت فلما
انصرف تقدمت إليه وقبلت يده ورجله وقلت يا سيدي قد وجب حقي عليك وقد
أغناني الله على يديك بما أعطيتني ولى بنات ضعاف فقراء فان أذنت لي أن أمضى
فأجيئك ببناتي حتى يخدمنك ويكن بين يديك فقال وتفعلين قلت نعم فدعا قوما
من غلمانه فقال امضوا معها حتى تبلغوا بها موضع كذا وكذا ثم اتركوها وارجعوا
فحملوني على دابة ومضوا بي قالت فبينما نحن نسير وإذا أنا بابني يركض وقد كنا
سرنا عشرة فراسخ فيما خبرني به القوم الذين معي فلحقني وقال يا فاعلة زعمت
أنك تمضين وتجيئين ببناتك وسل سيفه ليضربني فمنعه القوم فلحقني طرف السيف
فوقع في كتفي وسل القوم سيوفهم فأرادوه فتنحى عنى وساروا بي حتى بلغوا بي
الموضع الذي سماه لهم صاحبهم فتركوني ومضوا فتقدمت إلى ههنا وقد طفت لعلاج
جرحى فوصف لي هذا الموضع فجئت إلى ههنا قالت ولما قدم أمير المؤمنين بالقرمطي
وبالأسارى من أصحابه خرجت لأنظر إليهم فرأيت ابني فيهم على جمل عليه برنس
220

وهو يبكى وهو فتى شاب فقلت له لا خفف الله عنك ولا خلصك قال المتطبب
فقمت معها إلى المتطببة لما جاءت وأوصيتها بها فعالجت جرحها وأعطتها
مرهما فسألت المتطببة عنها بعد منصرفها فقالت قد وضعت يدي على
الجرح وقلت انفحي فنفحت فخرجت الريح من الجرح من تحت يدي
وما أراها تبرأ منه ومضت فلم تعد إلينا (ولاحدى عشرة) بقيت من شوال
من هذه السنة قبض القاسم بن عبيد الله على الحسين بن عمرو النصراني وحبسه
وذلك أنه لم يزل يسعى في أمره إلى المكتفى ويقدح فيه عنده حتى أمره بالقبض
عليه وهرب كاتب الحسين بن عمرو حين قبض على الحسين المعروف بالشيرازي
فطلب وكبست منازل جيرانه ونودي من وجده فله كذا وكذا فلم يوجد
(ولسبع) بقين منه صرف الحسين بن عمرو إلى منزله على أن يخرج من بغداد
وفى الجمعة التي بعدها خرج الحسين بن عمرو وحدر إلى ناحية واسط على وجه
النفي ووجد الشيرازي كاتبه لثلاث خلون من ذي القعدة (ولليلتين) خلتا
من شهر رمضان من هذه السنة أمر المكتفى بإعطاء الجند أرزاقهم والتأهب
للشخوص لحرب القرمطي بناحية الشأم فأطلق للجند في دفعة واحدة مائة ألف
دينار وذلك أن أهل مصر كتبوا إلى المكتفى يشكون ما لقوا من ابن زكرويه
المعروف بصاحب الشامة وأنه قد أخرب البلاد وقتل الناس وما لقوا من أخيه
قبله وقتلهما رجالهم وأنه لم يبق منهم إلا العدد اليسير * ولخمس خلون خلون؟؟ من
شهر رمضان أخرجت مضارب المكتفى فضربت بباب الشماسية * ولسبع خلون
منه خرج المكتفى في السحر إلى مضربه باب الشماسية ومعه قواده وغلمانه
وجيوشه ولاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان رحل المكتفى من مضربه
بباب الشماسية في السحر وسلك طريق الموصل وللنصف من شهر رمضان منها
مضى أبو الأغر إلى حلب فنزل وادى بطنان قريبا من حلب ونزل معه جميع
أصحابه فنزع فيما ذكر جماعة من أصحابه ثيابهم ودخلوا الوادي يتبردون بمائة
وكان يوما شديد الحر فبينا هم كذلك إذ وافى جيش القرمطي المعروف بصاحب
221

الشامة وقد بدرهم المعروف بالمطوق فكبسهم على تلك الحال فقتل منهم خلقا كثيرا
وانتهب العسكر وأفلت أبو الأغر في جماعة من أصحابه فدخل حلب وأفلت معه مقدار
ألف رجل وكان في عشرة آلاف بين فارس وراجل وكان قد ضم إليه جماعة
ممن كان على باب السلطان من قواد الفراغنة ورجالهم فلم يفلت منهم إلا اليسير ثم
صار أصحاب القرمطي إلى باب حلب فحاربهم أبو الأغر ومن بقى معه من أصحابه
وأهل البلد فانصرفوا عنه بما أخذوا من عسكره من الكراع والسلاح والأموال
والأمتعة بعد حرب كانت بينهم ومضى المكتفى بمن معه من الجيش حتى انتهى إلى
الرقعة فنزلها وسرح الجيوش إلى القرمطي جيشا بعد جيش (ولليلتين) خلتا من
من شوال ورد مدينة السلام كتاب من القاسم بن عبيد الله يخبر فيه أن كتابا ورد
عليه من دمشق من بدر الحمامي صاحب ابن طولون يخبر فيه أنه واقع القرمطي
صاحب الشامة فهزمه ووضع في أصحابه السيف ومضى من أفلت منهم نحو البادية
وأن أمير المؤمنين وجه في أثره الحسين بن حمدان بن حمدون وغيره من القواد
(وورد) أيضا في هذه الأيام فيما ذكر كتاب من البحرين من أميرها ابن بانوا
يذكر فيه أنه كبس حصنا للقرامطة فظفر بمن فيه (ولثلاث عشرة) خلت من
ذي القعدة منها فيما ذكر ورد كتاب آخر من ابن بانوا من البحرين يذكر فيه
أنه واقع قرابة لأبي سعيد الجنابي وولى عهده من بعده على أهل طاعته فهزمه
وكان مقام هذا المهزوم بالقطيف فوجد بعد ما انهزم أصحابه قتيلا بين القتلى فاحتز
رأسه وأنه دخل القطيف فافتتحها * ومن كتب صاحب الشامة إلى بعض عماله
(بسم الله الرحمن الرحيم) من عبد الله أحمد بن عبد الله المهدى المنصور بالله
الناصر لدين الله القائم بأمر الله الحاكم بحكم الله الداعي إلى كتاب الله الذاب
عن حرم الله المختار من ولد رسول الله أمير المؤمنين وامام المسلمين ومذل
المنافقين خليفة الله على العالمين وحاصد الظالمين وقاصم المعتدين ومبيد الملحدين
وقاتل القاسطين ومهلك المفسدين وسراج المبصرين وضياء المستضيئين ومشتت
222

المخالفين والقيم بسنة سيد المرسلين وولد خير الوصيين صلى الله عليه وعلى أهل
بيته الطيبين وسلم كثيرا إلى جعفر بن حميد الكردي سلام عليك فانى أحمد إليك
الله الذي لا إله إلا هو وأسأله أن يصلى على جدي محمد رسول الله صلى الله عليه
وسلم أما بعد فقد أنهى إلينا ما حدث قبلك من أخبار أعداء الله الكفرة وما
فعلوه بناحيتك وأظهروه من الظلم والعيث والفساد في الأرض فأعظمنا ذلك
ورأينا أن ننفذ إلى ما هناك من جيوشنا من ينقم الله به من أعدائه الظالمين الذين
يسعون في الأرض فسادا وأنفذنا عطيرا داعيتنا وجماعة من المؤمنين إلى مدينة
حمص وأمددناهم بالعساكر ونحن في أثرهم وقد أوعزنا إليهم في المصير إلى ناحيتك
لطلب أعداء الله حيث كانوا ونحن نرجو أن يجرينا الله فيهم على أحسن عوائده
عندنا في أمثالهم فينبغي أن تشد قلبك وقلوب من معك من أوليائنا وتثق بالله
وبنصره الذي لم يزل يعودناه في كل من مرق عن الطاعة وانحرف عن الايمان
وتبادر إلينا بأخبار الناحية وما يتجدد فيها ولا تخف عن شيئا من أمرها إن شاء لله
سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين
وصلى الله على جدي محمد رسول الله وعلى أهل بيته وسلم كثيرا (نسخة) كتاب
عامل له إليه (بسم الله الرحمن الرحيم) لعبد الله أحمد الامام المهدى المنصور
بالله ثم الصدر كله على مثال نسخة صدر كتابه إلى عامله الذي حكينا في الكتاب
الذي قبل هذا الكتاب إلى ولد خير الوصيين صلى الله عليه وعلى أهل بيته الطيبين
وسلم كثيرا ثم بعد ذلك من عامر بن عيسى العنقائي سلام على أمير المؤمنين
ورحمة الله وبركاته أما بعد أطال الله بقاء أمير المؤمنين وأدام الله عزه
وتأييده ونصره وسلامته وكرامته ونعمته وسعادته وأسبغ نعمه عليه وزاد
في إحسانه إليه وفضله لديه فقد كان وصل كتاب سيدي أمير المؤمنين أطال الله
بقاءه يعلمه فيه ما كان من نفوذ بعض الجيوش المنصورة مع قائد من قواده إلى ناحيتنا
لمجاهدة أعداء الله بنى الفصيص والخائن بن دحيم وطلبهم حيث كانوا والإيقاع بهم
وبأسبابهم وضياعهم ويأمرني أدام الله عزه عند نظري في كتابه بالنهوض في كل من
223

قدرت عليه من أصحابي وعشائري للقائهم ومكانفة الجيش ومعاضدتهم والمسير
بسيرهم والعمد كل ما يومون إليه ويأمرون به وفهمته ولم يصل إلى هذا الكتاب
أعز الله أمير المؤمنين حتى وافت الجيوش المنصورة فنالت طرفا من ناحية ابن دحيم
وانصرفوا بالكتاب الوارد عليهم من مسرور بن أحمد الداعية ليلقوه بمدينة أفامية
ثم ورد على كتاب مسرور بن أحمد في درجة الكتاب الذي اقتصصت ما فيه في صدر
كتابي هذا يأمرني فيه بجمع من تهيأ من أصحابي وعشيرتي والنهوض إلى ما قبله
ويحذرني التخلف عنه وكان ورود كتابه على وقت صح عندنا نزول المارق سبك
عبد مفلح مدينة عرقة في زهاء ألف رجل ما بين فارس وراجل وقد شارف بلدنا
وأطل على ناحيتنا وقد وجه أحمد بن الوليد عبد أمير المؤمنين أطال الله بقاءه إلى جميع
أصحابه ووجهت إلى جميع أصحابي فجمعناهم إلينا ووجهنا العيون إلى ناحية عرقة
لنعرف أخبار هذا الخائن وأين يريد فيكون قصدنا ذلك الوجه ونرجو أن يظفر
الله به ويمكن منه بمنه وقدرته ولولا هذا الحادث ونزول هذا المارق في هذه الناحية
وإشرافه على بلدنا لما تأخرت في جماعة أصحابي عن النهوض إلى مدينة أفامية
لتكون يدي مع أيدي القواد المقيمين بها لمجاهدة من بتلك الناحية حتى يحكم الله
بيننا وهو خير الحاكمين وأعلمت سيدي أمير المؤمنين أطال الله بقاءه السبب في
تخلفي عن مسرور بن أحمد ليكون على علم منه ثم إن أمرني أدام الله عزه بالنفوذ إلى
أفامية كان نفوذي برأيه وامتثلت ما يأمرني به إن شاء الله أتم الله على أمير المؤمنين نعمه
وأدام عزه وسلامته وهنأه كرامته وألبسه عفوه وعافيته والسلام على أمير المؤمنين
ورحمة الله وبركاته والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد النبي وعلى أهل بيته
الطاهرين الأخيار (وفيها) وجه القاسم بن عبيد الله الجيوش إلى صاحب الشامة
وولى حربه محمد بن سليمان الكاتب الذي كان إليه ديوان الجيش وضم جميع القواد
إليه وأمرهم بالسمع له والطاعة فنفذ من الرقة في جيش كثيف وكتب إلى من تقدمه من
القواد بالسمع له والطاعة (وفيها) ورد رسولا صاحب الروم أحدهما خادم
والآخر فحل؟؟ يسأله الفداء بمن في يده من المسلمين أسير ومعهما هدايا من صاحب
224

الروم وأسارى من المسلمين بعث بهم إليه فأجبنا إلى ما سألا وخلع عليهما (وحج
بالناس) في هذه السنة الفضل بن عبد الملك بن عبد الله بن العباس بن محمد
ثم دخلت سنة إحدى وتسعين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الأمور الجليلة
فمن ذلك ما كان من أمر الوقعة بين أصحاب السلطان وصاحب الشامة
ذكر الخبر عن هذه الوقعة
(قال أبو جعفر) قد مضى ذكرى شخوص المكتفى من مدينة السلام نحو صاحب
الشامة لحربه ومصيره إلى الرقة وبثه جيوشه فيما بين حلب وحمص وتوليته حرب
صاحب الشامة محمد بن سليمان الكاتب وتصييره أمر جيشه وقواده إليه فلما دخلت
هذه السنة كتب رزيره؟ القاسم بن عبيد الله إلى محمد بن سليمان وقواد السلطان
يأمره واياهم بمناهضة ذي الشامة وأصحابه فساروا إليه حتى صاروا إلى موضع بينهم
وبين حماة فيما قيل اثنا عشر ميلا فلقوا به أصحاب القرمطي في يوم الثلاثاء لست
خلون من المحرم وكان القرمطي قدم أصحابه وتخلف هو في جماعة من أصحابه ومعه
مال قد كان جمعه وجعل السواد وراءه فالتحمت الحرب بين أصحاب السلطان وأصحاب
القرمطي واشتدت فهزم أصحاب القرمطي وقتلوا وأسر من رجالهم بشر كثير وتفرق
الباقون في البوادي وتبعهم أصحاب السلطان ليلة الأربعاء لسبع خلون من المحرم
فلما رأى القرمطي ما نزل بأصحابه من الفلول والهزيمة حمل فيما قيل أخاله يكنى
أبا الفضل مالا وتقدم إليه أن يلحق بالبوادي إلى أن يظهر في موضع فيصير إليه
وركب هو وابن عمه المسمى المدثر والمطوق صاحبه وغلام له رومي وأخذ دليلا
وسار يريد الكوفة عرضا في البرية حتى انتهى إلى موضع يعرف بالدالية من أعمال
طريق الفرات فنفد ما كان معهم من الزاد واللف فوجه بعض ما كان معه ليأخذ
له ما يحتاجون إليه فدخل الدالية المعروفة بدالية ابن طوق لشراء حاجه فأنكروا زيه
وسئل عن أمر فمجمج فأعلم المتولي مسلحة هذه الناحية بخبره وهو رجل يعرف
225

بأبي خبزة خليفة أحمد بن محمد بن كشمرد عامل أمير المؤمنين المكتفى على المعاون صاحب
بالرحبة وطريق الفرات فركب في جماعة وسأل هذا الرجل عن خبره فأخبره أن
الشامة خلف رابية هنالك في ثلاثة نفر فمضى إليهم فأخذهم وصار بهم إلى صاحبه
فتوجه بهم ابن كشمرد وأبو خبزة إلى المكتفى بالرقة ورجعت الجيوش من الطلب
بعد أن قتلوا وأسروا جميع ما قدروا عليه من أولياء القرمطي وأشياعه وكتب
محمد بن سليمان إلى الوزير بالفتح (بسم الله الرحمن الرحيم) قد تقدمت كتيى إلى
الوزير أعزه الله في خبر القرمطي اللعين وأشياعه بما أرجو أن يكون قد وصل
إن شاء الله ولما كان في يوم الثلاثاء لست ليال خلون من المحرم رحلت من الموضع
المعروف بالقروانة نحو موضع يعرف بالعليانة في جميع العسكر من الأولياء وزحفنا
بهم على مراتبهم في القلب والميمنة والميسرة وغير ذلك فلم أبعد أن وافاني الخبر بأن
الكافر القرمطي أنفذ النعمان ابن أخي إسماعيل بن النعمان أحد دعاته في ثلاثة آلاف
فارس وخلق من الرجالة وانه نزل بموضع يعرف بتمنع بينه وبين حماة اثنا عشر
ميلا فاجتمع إليه جميع ما كان بمعرة النعمان وبناحية الفصيصي وسائر النواحي
من الفرسان والرجالة فأسررت ذلك عن القواد والناس جميعا ولم أظهره وسألت
الدليل الذي كان معي عن هذا الموضع وكم بيننا وبينه فذكر أنه ستة أميال فتوكلت
على الله عز وجل وتقدمت إليه في المسير نحوه فمال بالناس جميعا وسرنا حتى
وافيت الكفرة فوجدتهم على تعبية ورأينا طلائعهم فلما نظروا إلينا مقبلين
زحفوا نحونا وسرنا إليهم فافترقوا ستة كراديس وجعلوا على ميسرتهم على ما أخبرني
من ظفرت به من رؤسائهم مسرورا العليصي وأبا الحمل وغلام هارون العليصي
وأبا العذاب ورجاء وصافى وأبا يعلى العلوي في ألف وخمسمائة فارس وكمنوا
كمينا في أربعمائة فارس خلف ميسرتهم بإزاء ميمنتنا وجعلوا في القلب النعمان
العليصي والمعروف بأبي الحطي والحماري وجماعة من بطلانهم في ألف وأربعمائة
فارس وثلاثة آلاف راجل وفى ميمنتهم كليبا العليصي والمعروف بالسديد
العليصي والحسين بن العليصي وأبا الجراح العليصي وحميد العليصى وجماعة من
226

نظرائهم في ألف وأربعمائة فارس وكمنوا مائتي فارس فلم يزالوا زفا إلينا ونحن
نسير نحوهم غير متفرقين متوكلين على الله عز وجل وقد استحثثت الأولياء
والغلمان وسائر الناس غيرهم ووعدتهم فلما رأى بعضنا بعضا حمل الكردوس
الذي كان في ميسرتهم ضربا بالسياط فقصد الحسين بن حمدان وهو في جناح
الميمنة فاستقبلهم الحسين بارك الله عليه وأحسن جزاءه بوجهه وبموضعه من
سائر أصحابه برماحهم فكسروها في صدورهم فانفلوا عنهم وعاود القرامطة الحمل
عليهم فأخذوا السيوف واعترضوا ضربا للوجوه فصرع من الكفار الفجرة
ستمائة فارس في أول وقعة وأخذ أصحاب الحسين خمسمائة فرس وأربعمائة طوق
فضة وولوا مدبرين مفلولين واتبعهم الحسين فرجعوا عليه فلم يزالوا حملة وحملة
وفى خلال ذلك يصرع منهم الجماعة بعد الجماعة حتى أفناهم الله عز وجل فلم يفلت
منهم إلا أقل من مائتي رجل وحمل الكردوس الذي كان في ميمنتهم على القاسم
ابن سيما ويمن الخادم ومن كان معهما من بنى شيبان وبنى تميم فاستقبلوهم
بالرماح حتى كسروها فيهم واعتنق بعضهم بعضا فقتل من الفجرة جماعة كثيرة
وحمل عليهم في وقت حملتهم خليفة بن المبارك ولؤلؤ وكنت قد جعلته جناحا لخليفة
في ثلثمائة فارس وجميع أصحاب خليفة وهم يعاركون بنى شيبان وتميم فقتل من
الكفرة مقتلة عظيمة واتبعوهم فأخذ بنو شيبان منهم ثلثمائة فرس ومائة طوق
وأخذ أصحاب خليفة مثل ذلك وزحف النعمان ومن معه في القلب إلينا فحملت ومن
معي وكنت بين القلب والميمنة وحمل خاقان ونصر القشوري ومحمد بن كمشجور
ومن كان معهم في الميمنة ووصيف موشكير ومحمد بن إسحاق بن كنداجيق وابنا
كيغلغ والمبارك القمي وربيعة بن محمد ومهاجر بن طليق والمظفر بن حاج وعبد الله
ابن حمدان وحى الكبير ووصيف البكتمرى وبشر البكتمرى ومحمد بن
قراطغان وكان في جناح الميمنة جميع من حمل على من في القلب ومن انقطع ممن
كان حمل على الحسين بن حمدان فلم يزالوا يقتلون الكفار فرسانهم ورجالتهم حتى
قتلوا أكثر من خمسة أميال ولما أن تجاوزت المصاف بنصف ميل خفت أن
227

يكون من الكفار مكيدة في الاحتيال عل الرجالة والسواد فوقفت إلى أن
لحقوني وجمعتهم وجمعت الناس إلى وبين يدي المطرد المبارك مطرد أمير المؤمنين
وقد حملت في الوقت الأول وحمل الناس ولم يزل عيسى النوشري ضابطا للسواد
من مصاف خلفهم مع فرسانه ورجالته على ما رسمته له لم يزل من موضعه إلى أن
رجع الناس جميعا إلى من كل موضع وضربت مضربي في الموضع الذي وقفت
فيه حتى نزل الناس جميعا ولم أزل واقفا إلى أن صليت المغرب حتى استقر العسكر
بأهله ووجهت في الطلائع ثم نزلت وأكثرت حمدا لله ما هنأنا به من النصر
ولم يبق أحد من قواد أمير المؤمنين وغلمانه ولا العجم وغيرهم غاية في نصر هذه
الدولة المباركة في المناصحة لها إلا بلغوها بارك الله عليهم جميعا ولما استراح الناس
خرجت والقواد جميعا لنقيم خارج العسكر إلى أن يصبح الناس خوفا من حيلة
تقع وأسأل الله تمام النعمة وايزاع الشكر وأنا أعز الله سيدنا الوزير راحل إلى
حماة ثم أشخص إلى سلمية بمن الله تعالى وعونه فمن بقى من هؤلاء الكفار مع الكافر
فهم بسلمية فإنه قد صار إليها منذ ثلاثة أيام وأحتاج إلى أن يتقدم الوزير بالكتاب
إلى جميع القواد وسائر بطون العرب من بنى شيبان وتغلب وبنى تميم بجزيهم جميعا
الخير على ما كان في هذه الوقعة فما بقى أحد منهم صغير ولا كبير غاية والحمد لله
على ما تفضل به وإياه أسأل تمام النعمة ولما تقدمت في جمع الرؤس وجد رأس
أبى الحمل ورأس أبى العذاب وأبى البغل وقيل إن النعمان قد قتل وقد تقدمت في
طلبه وأخذ رأسه وحمله مع الرؤوس إلى حضرة أمير المؤمنين إن شاء الله * وفى
يوم الاثنين لأربع بقين من المحرم أدخل صاحب الشامة إلى الرقة ظاهرا
للناس على فالج عليه برنس حرير ودراعة ديباج وبين يديه المدثر والمطوق
على جملين ثم إن المكتفى خلف عساكره مع محمد بن سليمان وشخص في خاصته
وغلمانه وخدمه وشخص معه القاسم بن عبيد الله من الرقة إلى بغداد وحمل
معه القرمطي والمدثر والمطوق وجماعة من أسارى الوقعة وذلك في أول
صفر من هذه السنة فلما صار إلى بغداد عزم فيما ذكر على أن يدخل
228

القرمطي مدينة السلام مصلوبا على دقل والدقل على ظهر فيل فأمر بهدم
طاقات الأبواب التي يجتاز بها الفيل إذ كانت أقصر من الدقل وذلك مثل
باب الطاق وباب الرصافة وغيرهما ثم استسمج المكتفى فيما ذكر فعل ما كان
عزم عليه من ذاك فعمل له دميانة غلام يا زمان كرسيا وركب الكرسي على
ظهر الفيل وكان ارتفاعه عن ظهر الفيل ذراعين ونصف ذراع فيما قيل ودخل
المكتفى مدينة السلام بغداد صبيحة يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول
وقدم الاسرى بين يديه على جمال مقيدين عليهم دراريع حرير وبرانس حرير
والمطوق في وسطهم غلام ما خرجت لحيته قد جعل في فيه خشبة مخروطة وشدت
إلى قفاه كهيئة اللجام وذلك أنه لما أدخل الرقة كان يشتم الناس إذا دعوا عليه
ويبزق عليهم ففعل ذلك به لئلا يشتم إنسانا ثم أمر المكتفى ببناء دكة في المصلى
العتيق من الجانب الشرقي تكسيرها عشرون ذراعا في عشرين ذراعا وارتفاعها
نحو من عشرة أذرع وبنى لها درج يصعد منها إليها وكان المكتفى خلف مع محمد
ابن سليمان عساكره بالرقة عند منصرفه إلى مدينة السلام فتلقط محمد بن سليمان
من كان في تلك الناحية من قواد القرمطي وقضاته وأصحاب شرطه فأخذهم
وقيدهم وانحدر والقواد الذين تخلفوا معه إلى مدينة السلام على طريق الفرات
فوافى باب الأنبار ليلة الخميس لاثنتي عشرة خلت من شهر ربيع الأول ومعه
جماعة من القواد منهم خاقان المفلحي ومحمد بن إسحاق بن كنداجيق وغيرهما
فأمر القواد الذين ببغداد بتلقي محمد بن سليمان والدخول معه فدخل بغداد وبين
يديه نيف وسبعون أسيرا حتى صار إلى الثريا فخلع عليه وطوق بطوق من ذهب
وسور بسوارين من ذهب وخلع على جميع القواد القادمين معه وطوقوا وسوروا
وصرفوا إلى منازلهم وأمر بالأسرى إلى السجن * وذكر عن صاحب الشامة أنه
أخذ وهو في حبس المكتفى سكرجة من المائدة التي تدخل إليه فكسرها وأخذ
شظية منها فقطع بها بعض عروق نفسه فخرج منه دم كثير ثم شد يده فلما وقف
المولى خدمته على ذلك سأله لم فعل ذلك فقال هاج بي الدم فأخرجته فترك حتى
229

صلح ورجعت إليه قوته ولما كان يوم الاثنين لسبع بقين من شهر ربيع الأول
أمر المكتفى القواد والغلمان بحضور الدكة التي أمر ببنائها وخرج من الناس
خلق كثير لحضورها فحضروها وحضر أحمد بن محمد الواثقي وهو يومئذ يلي
الشرطة بمدينة السلام ومحمد بن سليمان كاتب الجيش الدكة فقعدا عليها وحمل
الاسرى الذين جاء بهم المكتفى معه من الرقة والذين جاء بهم محمد بن سليمان ومن كان
في السجن من القرامطة الذين جمعوا من الكوفة وقوم من أهل بغداد كانوا
على رأى القرامطة وقوم من الرفوغ من سائر البلدان من غير القرامطة وكانوا
قليلا فجئ بهم على جمال وأحضروا الدكة ووقفوا على جمالهم ووكل بكل رجل
منهم عونان فقيل إنهم كانوا ثلثمائة ونيفا وعشرين وقيل ثلثمائة وستين وجئ
بالقرمطي الحسين بن زكرويه المعروف بصاحب الشامة ومعه ابن عمه المعروف
بالمدثر على بغل في عمارية وقد أسبل عليهما الغشاء ومعهما جماعة من الفرسان والرجالة
فصعد بهما إلى الدكة وأقعدا وقدم أربعة وثلاثون إنسانا من هؤلاء الأسارى فقطعت
أيديهم وأرجلهم وضربت أعناقهم واحد بعد واحد كان يؤخذ الرجل فيبطح على
وجهه فيقطع يمنى يديه ويحلق بها إلى أسفل ليراها الناس ثم يقطع رجله اليسرى ثم يسرى
يديه ثم يمنى رجليه ويرمى بما قطع منه إلى أسفل ثم يقعد فيمد رأسه فيضرب عنقه
ويرمى برأسه وجثته إلى أسفل وكانت جماعة من هؤلاء الاسرى قليلة يضجون
ويستغيثون ويحلفون أنهم ليسوا من القرامطة فلما فرغ من قتل هؤلاء الأربعة
والثلاثين النفس وكانوا من وجوه أصحاب القرمطي فيما ذكر وكبرائهم قدم
المدثر فقطعت يداه ورجلاه وضربت عنقه ثم قدم القرمطي فضرب مائتي سوط
ثم قطعت يداه ورجلاه وكوى فغشى عليه ثم أخذ خشب فأضرمت فيه النار
ووضع في خواصره وبطنه فجعل يفتح عينيه ثم يغمضهما فلما خافوا أن يموت
ضربت عنقه ورفع رأسه على خشبة وكبر من على الدكة وكبر سائر الناس فلما
قتل انصرف القواد ومن كان حضر ذلك الموضع للنظر إلى ما يفعل بالقرمطي
وأقام الواثقي في جماعة من أصحابه في ذلك الموضع إلى وقت العشاء الآخرة حتى
230

ضرب أعناق باقي الاسرى الذين أحضروا الدكة ثم انصرف فلما كان من غد هذا
اليوم حملت رؤس القتلى من المصلى إلى الجسر وصلب بدن القرمطي في طرف
الجسر الاعلى ببغداد وحفرت لأجساد القتلى في يوم الأربعاء آبار إلى جانب
الدكة وطرحت فيها وطمت ثم أمر بعد أيام بهدم الدكة ففعل * ولأربع عشرة
خلت من شهر ربيع الآخر وافى بغداد القاسم بن سيما منصرفا عن عمله بطريق
الفرات ومعه رجل من بنى العليص من أصحاب القرمطي صاحب الشامة دخل
إليه بأمان وكان أحد دعاة القرمطي يكنى أبا محمد وكان سبب دخوله في الأمان
أن السلطان راسله ووعده الاحسان إن هو دخل في الأمان وذلك أنه لم يكن بقى
من رؤساء القرامطة بنواحي الشأم غيره وكان من موالى بنى العليص فروقت الوقعة
إلى بعض النواحي الغامضة فأفلت ثم رغب في الدخول في الأمان والطاعة خوفا
على نفسه فوافى هو ومن معه مدينة السلام وهم نيف وستون رجلا فأومنوا
وأحسن إليهم ووصلوا بمال حمل إليهم وأخرج هو ومن معه إلى رحبة مالك بن
طوق مع القاسم بن سيما وأجريت لهم الأرزاق فلما وصل القاسم بن سيما إلى عمله
وهم معه أقاموا معه مدة ثم أجمعوا على الغدر بالقاسم بن سيما وائتمروا به ووقف
على ذلك من عزمهم فبادرهم ووضع السيف فيهم فأبادهم وأسر جماعة منهم فارتدع
من بقى من بنى العليص ومواليهم وذلوا ولزموا أرض السماوة وناحيتها مدة حتى
راسلهم الخبيث زكرويه وأعلمهم أن مما أوحى إليه أن المعروف بالشيخ وأخاه
يقتلان وأن إمامه الذي يوحى إليه يظهر بعدهما ويظفر. وفى يوم الخميس لتسع
خلون من جمادى الأولى زوج المكتفى ابنه محمدا ويكنى أبا أحمد بابنة أبى الحسين
القاسم بن عبيد الله على صداق مائة ألف دينار. وفى آخر جمادى الأولى من هذه
السنة ورد فيما ذكر كتاب من ناحية جبى يذكر فيه أن جبى وما يليها جاءها سيل في
واد من الجبل فغرق نحوا من ثلاثين فرسخا غرق في ذلك خلق كثير وغرقت المواشي
والغلات وخربت المنازل والقرى وأخرج من الغرقى ألف ومائتا نفس سوى من لم يلحق
منهم * وفى يوم الأحد غرة رجب خلع المكتفى على محمد بن سليمان كاتب
231

الجيش وعلى جماعة من وجوه القواد منهم محمد بن إسحاق بن كنداجيق وخليفة
ابن المبارك المعروف بأبي الأغر وابنا كيغلغ وبندقة بن كمشجور وغيرهم من
القواد وأمرهم بالسمع والطاعة لمحمد بن سليمان وخرج محمد بن سليمان والخلع
عليه حتى نزل مضربه بباب الشماسية وعسكر هنالك وعسكر معه جماعة القواد
الذين أخرجوا وبرزوا وكان خروجهم ذلك قاصدين لدمشق ومصر لقبض
الأعمال من هارون بن خمارويه لما تبين للسلطان من ضعفه وضعف من معه
وذهاب رجاله بقتل من قتل منهم القرمطي ثم رحل لست خلون من رجب محمد
ابن سليمان من باب الشماسية ومن ضم إليه من الرجال وهم زهاء عشرة آلاف
رجل وأمر بالجد في المسير * ولثلاث بقين من رجب قرئ في الجامعين بمدينة
السلام كتاب ورد من إسماعيل بن أحمد بن خراسان يذكر فيه أن الترك قصدوا
المسلمين في جيش عظيم وخلق كثير وأنه كان في عسكرهم سبعمائة قبة تركية ولا
يكون ذلك الا للرؤساء منهم فوجه إليه برجل من قواده في جيش ضمه إليه ونودي
في الناس بالنفير فخرج من المطوعة ناس كثير ومضى صاحب العسكر نحو الترك
بمن معه فوافاهم المسلمون وهم غارون فكبسوهم مع الصبح فقتل منهم خلق كثير
وانهزم الباقون واستبيح عسكرهم وانصرف المسلمون إلى موضعهم سالمين
غانمين * وفى شعبان منها ورد الخبر أن صاحب الروم وجه عشرة صلبان معها
مائة ألف رجل إلى الثغور وأن جماعة منهم قصدت نحو الحدث فأغاروا وسبوا
من قدروا عليه من المسلمين وأحرقوا وفى شهر رمضان منها ورد كتاب من
القاسم بن سيما من الرحبة على السلطان يذكر فيه أن الاعراب الذين استأمنوا
إلى السلطان واليه من بنى العليص ومواليهم ممن كان مع القرمطي نكثوا وغدروا
وأنهم عزموا على أن يكبسوا الرحبة في يوم الفطر عند اشتغال الناس بصلاة
العيد فيقتلوا من يلحقون وأن يحرقوا وينهبوا وإني أوقعت عليهم الحيلة حتى
قتلت منهم وأسرت خمسين ومائة نفس سوى من غرق منهم في الفرات وإني قادم
بالأسرى وفيهم جماعة من رؤسائهم وبرؤوس من قتل منهم وفى آخر شهر رمضان
232

من هذه السنة ورد كتاب من أبى معدان من الرقة فيما قيل باتصال الاخبار به
من طرسوس أن الله أظهر المعروف بغلام ظرافة في غزاة غزاها الروم في هذا
الوقت بمدينة تدعى أنطاكية وزعموا أنها تعادل قسطنطينية وهذه المدينة على
ساحل البحر وأن غلام زرافة فتحها بالسيف عنوة وقتل فيما قيل خمسة آلاف
رجل وأسر شبيها بعدتهم وأستنقذ من الأسارى أربعة آلاف انسان وأنه أخذ
للروم ستين مركبا فحملها ما غنم من الفضة والذهب والمتاع والرقيق وأنه قدر
نصيب كل رجل حضر هذه الغزاة فكان ألف دينار فاستبشر المسلمون بذلك
وبادرت بكتابي هذا ليقف الوزير على ذلك وكتب يوم الخميس لعشر خلون
من شهر رمضان (وأقام الحج) للناس في هذه السنة الفضل بن عبد الملك بن
عبد الله بن العباس بن محمد
ثم دخلت سنة اثنتين وتسعين ومائتين
ذكر ما كان فيها من الاحداث الجليلة فمن ذلك ما كان من توجيه نزار بن محمد من البصرة إلى السلطان ببغداد
رجلا ذكر أنه أراد الخروج على السلطان وصار إلى واسط وأن نزارا وجه في
طلبه من قبض عليه بواسط وأحدره إلى البصرة وأنه أخذ بالبصرة قوما ذكر
أنهم بايعوه فوجه نزار جميعهم في سفينة إلى بغداد فوقفوا في فرضة البصريين
ووجه جماعة من القواد إلى فرضة البصريين فحمل هذا الرجل على الفالج وبين
يديه ابن له صبي على جمل ومعه تسعة وثلاثون إنسانا على جمال وعلى جماعتهم
برانس الحرير ودراريع الحرير وأكثرهم يستغيث ويبكى ويحلف أنه برئ وأنه
لا يعرف مما ادعى عليه شيثا وجازوا بهم في التمارين وباب الكرخ والخلد حتى
وصلوا إلى دار المكتفى فأمر بردهم وحبسهم في السجن المعروف بالجديد *
وفى المحرم منها أغار أندر ونقس الرومي على مرعش ونواحيها فنفر أهل المصيصة
وأهل طرسوس فأصيب أبو الرجال بن أبن بكار في جماعة من المسلمين * وفى
233

المحرم منها صار محمد بن سليمان إلى حدود مصر لحرب هارون بن خمارويه
ووجه المكتفى دميانة غلام يا زمان من بغداد وأمره بركوب البحر والمضي
إلى مصر ودخول النيل وقطع المواد عمن بمصر من الجند فمضى ودخل النيل حتى
وصل إلى الجسر فأقام به وضيق عليهم وزحف إليهم محمد بن سليمان في الجيوش
على الظهر حتى دنا من الفسطاط وكاتب القواد الذين بها فكان أول من خرج
إليه بدر الحمامي وكان رئيس القوم فكسرهم ذلك ثم تتابع من يستأمن إليه من
قواد المصريين وغيرهم فلما رأى ذلك هارون وبقية من معه زحفوا إلى محمد بن سليمان
فكانت بينهم وقعات فيما ذكر ثم وقع بين أصحاب هارون في بعض الأيام عصبية
فاقتتلوا فخرج هارون ليسكنهم فرماه بعض المغاربة بزانة فقتله وبلغ محمد بن سليمان
الخبر فدخل هو ومن معه الفسطاط واحتوى على دور آل طولون وأسبابهم
وأخذهم جميعا وهم بضعة عشر رجلا فقيدهم وحبسهم واستصفى أموالهم وكتب
بالفتح وكانت الوقعة في صفر من هذه السنة وكتب إلى محمد بن سليمان في إشخاص
جميع آل طولون وأسبابهم من القواد وأن لا يترك أحدا منهم بمصر ولا بالشام
وأن يبعث بهم إلى بغداد ففعل ذلك. ولثلاث خلون من شهر ربيع الأول منها
سقط الحائط الذي على رأس الجسر الأول من الجانب الشرقي من الدار التي كانت
لعبيد الله بن عبد الله بن طاهر على الحسين بن زكرويه القرمطي وهو مصلوب بقرب
ذلك الحائط فطحنه فلم يوجد بعد منه شئ. وفى شهر رمضان منها ورد الخبر
على السلطان بأن قائدا من قواد المصريين يعرف بالخليجي يسمى إبراهيم تخلف
عن محمد بن سليمان في آخر حدود مصر مع جماعة استمالهم من الجند وغيرهم ومضى
إلى مصر مخالفا للسلطان وصار معه في طريقه جماعة تحب الفتنة حتى كثر جمعه فلما
صار إلى مصر أراد عيسى النوشري محاربته وكان عيسى النوشري العامل على المعونة
بها يومئذ فعجز عن ذلك لكثرة من مع الخليجي فانحاز عنه إلى الإسكندرية وأخلى
مصر فدخلها الخليجي (وفيها) ندب السلطان لمحاربة الخليجي واصلاح أمر
المغرب فاتكا مولى المعتضد وضم إليه بدرا الحمامي وجعله مشيرا عليه فيما يعمل به
234

وضم إليه جماعة من القواد وجندا كثيرا * ولسبع خلون من شوال منها خلع على
فاتك وبدر الحمامي لما ندبا إليه من الخروج إلى مصر وأمرا بسرعة الخروج ثم
شخص فاتك وبدر الحمامي لاثنتي عشرة خلت من شوال (وللنصف) من شوال
منها دخل مدينة طرسوس رستم بن بردوا واليا عليها وعلى الثغور الشأمية (وفيها)
كان الفداء بين المسلمين والروم وأول يوم من ذلك كان لست بقين من ذي القعدة
منها فكان جملة من فودى به من المسلمين فيما قيل ألفا ونحوا من مائتي نفس ثم
غدر الروم فانصرفوا ورجع المسلمون بمن بقى معهم من أسارى الروم فكان عهد
الفداء والهدنة من أبى العشائر والقاضي ابن مكرم فلما كان من أمر أندر ونقس
ما كان من غارته على أهل مرعش وقتله أبا الرجال وغيره عزل أبو العشائر وولى
رستم فكان الفداء على يديه وكان المتولي أمر الفداء من قبل الروم رجل يدعى
اسطانه (وحج بالناس) في هذه السنة الفضل بن عبد الملك بن عبد الله
ابن العباس بن محمد
ثم دخلت سنة ثلاث وتسعين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك ما كان من ورود الخبر لخمس بقين من صفر بأن الخليجي المتغلب على
مصر واقع أحمد بن كيغلغ وجماعة من القواد بالقرب من العريش فهزمهم أقبح
هزيمة فندب للخروج إليه جماعة من القواد المقيمين بمدينة السلام فيهم إبراهيم
ابن كيغلغ فخرجوا * ولسبع خلون من شهر ربيع الأول منها وافى مدينة السلام
قائد من قواد طاهر بن محمد بن عمرو بن الليث الصفار مستأمنا يعرف بأبي قابوس
مفارقا عسكر السجزية وذلك أن طاهر بن محمد فيما ذكر تشاغل باللهو والصيد
ومضى إلى سجستان للصيد والنزهة فغلب على الامر بفارس الليث بن علي بن الليث
وسبكرى مولى عمرو بن الليث ودبر الامر في عمل طاهر والاسم له فوقع بينهم
وبين أبى قابوس تباعد ففارقهم وصار إلى باب السلطان فقبله السلطان وخلع
235

عليه وعلى جماعة معه وحباه وأكرمه فكتب طاهر بن محمد بن عمرو بن الليث
إلى السلطان يسأله رد أبى قابوس إليه ويذكر انه كان استكفاه بعض
أعمال فارس وانه جبى المال وخرج به معه ويسأل إن لم يرد إليه أن يحسب
له ما ذهب به من مال فارس مما صودر عليه فلم يجبه السلطان إلى شئ من ذلك *
وفى هذا الشهر من هذه السنة ورد الخبر أن أخا للحسين بن زكرويه المعروف بصاحب
الشامة ظهر بالدالية من طريق الفرات في نفر وانه اجتمع إليه نفر من
الاعراب والمتلصصة فسار بهم نحو دمشق على طريق التبرعات بتلك الناحية
وحارب أهلها فندب للخروج إليه الحسين بن حمدان بن حمدون فخرج في جماعة
كثيرة من الجند وكان مصير هذا القرمطي إلى دمشق في جمادى الأولى من هذه
السنة ثم ورد الخبر أن هذا القرمطي صار إلى طبرية فامتنعوا من إدخاله فحاربهم
حتى دخلها فقتل عامة من بها من الرجال والنساء ونهبها وانصرف إلى ناحية البادية
وفى شهر ربيع الآخر ورد الخبر بأن الداعية الذي بنواحي اليمن صار إلى مدينة
صنعاء فحاربه أهلها فظفر بهم فقتل أهلها فلم ينفلت منهم إلا القليل وتغلب على
سائر مدن اليمن
عاد الخبر إلى ما كان من أمر أخي ابن زكرويه
فذكر عن محمد بن داود بن الجراح أنه قال انفذ زكرويه بن مهرويه بعد
ما قتل ابنه صاحب الشامة رجلا كان يعلم الصبيان بقرية تدعى الزابوقة من عمل
الفلوجة يسمى عبد الله بن سعيد ويكنى أبا غانم فتسمى نصرا ليعمى أمره فدار
على أحياء كلب يدعوهم إلى رأيه فلم يقبله منهم أحد سوى رجل من بنى زياد يسمى
مقدام بن الكيال فإنه استغوى له طوائف من الأصبغيين المنتمين إلى الفواطم
وسواقط من العليصيين وصعاليك من سائر بطون كلب وقصد ناحية الشأم وعامل
السلطان على دمشق والأردن أحمد بن كيغلغ وهو مقيم بمصر على حرب ابن
خليج الذي كان خالف محمد بن سليمان ورجع إلى مصر فغلب عليها فاغتنم ذلك
عبد الله بن سعيد هذا وسار إلى مدينتي بصرى وأذرعات من كورتي حوران
236

والبثنية فحارب أهلها ثم آمنهم فلما استسلموا قتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم واستصفى
أموالهم ثم سار يؤم دمشق فخرج إليه جماعة ممن كان مرسوما بتشحينها من
المصريين كان خلفهم أحمد بن كيغلغ مع صالح بن الفضل فظهروا عليهم وأثخنوا
فيهم ثم اغتروهم ببذل الأمان لهم فقتلوا صالحا وفضوا عسكره ولم يطمعوا في
مدينة دمشق وكانوا قد صاروا إليها فدافعهم أهلها عنها فقصدوا نحو طبرية مدينة
جند الأردن ولحق بهم جماعة افتتنت من الجند بدمشق فواقعهم يوسف بن إبراهيم
ابن بغامردى عامل أحمد بن كيغلغ على الأردن فكسروه وبذلوا الأمان له ثم
غدروا به فقتلوه ونهبوا مدينة الأردن وسبوا النساء وقتلوا طائفة من أهلها
فأنفذ السلطان الحسين بن حمدان لطلبهم ووجوها من القواد فورد
دمشق وقد دخل أعداء الله طبرية فلما اتصل خبره بهم عطفوا نحو
السماوة وتبعهم الحسين يطلبهم في برية السماوة وهم ينتقلون من ماء إلى
ماء ويعورونه حتى لجؤا إلى الماءين المعروفين بالدمعانة والحالة وانقطع
الحسين من اتباعهم لعدمه الماء فعاد إلى الرحبة وأسرى القرامطة مع غاويهم
المسمى نصرا إلى قرية هيت فصبحوها وأهلها غارون لتسع بقين من شعبان مع طلوع
الشمس فنهب ربضها وقتل من قدر عليه من أهلها وأحرق المنازل وانتهب
السفن التي في الفرات في غرضتها وقتل من أهل البلد فيما قيل زهاء مائتي نفس
ما بين رجل وامرأة وصبى وأخذ ما قدر عليه من الأموال والمتاع وأوقر فيما
قيل ثلاثة آلاف راحلة كانت معه زهاء مائتي كر حنطنة بالمعدل ومن البر
والعطر والسقط جميع ما احتاج إليه وأقام بها بقية اليوم الذي دخلها والدي بعده
ثم رحل عنها بعد المغرب إلى البرية وإنما أصاب ذلك من ربضها وتحصن منه
أهل المدينة بسورها فشخص محمد بن إسحاق بن كنداجيق إلى هيت في جماعة من
القواد في جيش كثيف بسبب هذا القرمطي ثم تبعه بعد أيام مونس الخازن *
وذكر عن محمد بن داود أنه قال إن القرامطة صبحوا هيت وأهلها غارون
فحماهم الله منه بسورها ثم عجل السلطان محمد بن إسحاق بن كنداجيق نحوهم فلم
237

يقيموا بها إلا ثلاثا حتى قرب محمد بن إسحاق منهم فهربوا منه نحو الماءين فنهض
محمد نحوهم فوجدهم قد عوروا اليماه بينه وبينهم فأنفذت إليه من الحضرة الإبل
والروايا والزاد وكتب إلى الحسين بن حمدان بالنفوذ من جهة الرحبة إليهم
ليجتمع هو ومحمد بن إسحاق على الايقاع بهم فلما أحس الكلبيون باشراف
الجند عليهم ائتمروا بعدو الله المسمى نصرا فوثبوا عليه وفتكوا به وتفرد بقتله
رجل منهم يقال له الذئب بن القائم وشخص إلى الباب متقربا بما كان منه ومستأمنا
لبقيتهم فأسنيت له الجائزة وعرف له ما أتاه وكف عن طلب قومه فمكث أياما ثم
هرب وظفرت بطلائع محمد بن إسحاق برأس المسمى بنصر فاحتزوه وأدخلوه
مدينة السلام واقتتلت القرامطة بعده حتى وقعت بينهما الدماء فصار مقدام
ابن الكيال إلى ناحية طيئ مفلتا بما احتوى عليه من الحطام وصارت فرقة
منهم كرهت أمورهم إلى بنى أسد المقيمين بنواحي عين التمر فجاوروهم وأرسلوا
إلى السلطان وفدا يعتذرون مما كان منهم ويسألون إقرارهم في جوار بنى أسد
فأجيبوا إلى ذلك وحصلت على الماءين بقية الفسقة المستبصرة في دين القرامطة
وكتب السلطان إلى حسين بن حمدان في معاودتهم باجتثاث أصولهم فأنفذ
زكرويه إليهم داعية له من أكرة أهل السواد يسمى القاسم بن أحمد بن علي ويعرف
بأبي محمد من رستاق نهر تلحانا فأعلمهم أن فعل الذئب بن القائم قد أنفره عنهم وثقل
قلبه عليهم وأنهم قد ارتدوا عن الدين وأن وقت ظهورهم قد حضر وقد بايع
له بالكوفة أربعون الف رجل وفى سوادها أربعمائة ألف رجل وأن يوم
موعدهم الذي ذكره الله في كتابه في شأن موسى كليمه صلى الله عليه وسلم وعدو *
فرعون إذ يقول " موعدكم يوم الزينة وأن يشحر الناس ضحى " وأن زكرويه
يأمرهم أن يخفوا أمرهم ويظهروا الانقلاع نحو الشأم ويسيروا نحو الكوفة
حتى يصبحوها غداة يوم النحر وهو يوم الخميس لعشر تخلو من ذي الحجة سنة 293
فإنهم لا يمنعون منها وانه يظهر لهم وينجز لهم وعده الذي كانت رسله تأتيهم به وأن
يحملوا القاسم بن أحمد معهم فامتثلوا أمره ووافوا باب الكوفة وقد انصرف الناس عن
238

مصلاهم مع إسحاق بن عمران عامل السلطان بها وكان الذين وافوا باب الكوفة
في هذا اليوم فيما ذكر ثمانمائة فارس أو نحوها رأسهم الذبلاني بن مهروبه من
أهل الصوأر وقيل إنه من أهل جنبلاء عليهم الدروع والجواشن والآلة الحسنة
ومعهم جماعة من الرجالة على الرواحل فأوقعوا بمن لحقوه من العوام وسلبوا
جماعة وقتلوا نحوا من عشرين نفسا وبادر الناس إلى الكوفة فدخلوها وتنادوا
السلاح فنهض إسحاق بن عمران في أصحابه ودخل مدينة الكوفة من القرامطة زهاء
مائة فارس من الباب المعروف بباب كندة فاجتمعت العوام وجماعة من أصحاب
السلطان فرموهم بالحجارة وحاربوهم وألقوا عليهم الستر فقتل منهم زهاء عشرين
نفسا وأخرجوهم من المدينة وخرج إسحاق بن عمران ومن معه من الجند فصافوا
القرامطة الحرب وأمر إسحاق بن عمران أهل الكوفة بالتحارس لئلا يجد
القرامطة غرة منهم فيدخلوا المدينة فلم يزل الحرب بينهم إلى وقت العصر يوم النحر
ثم انهزمت القرامطة نحو القادسية وأصلح أهل الكوفة سورهم وخندقهم وقاموا
مع أصحاب السلطان يحرسون مدينتهم ليلا ونهارا وكتب إسحاق بن عمران إلى
السلطان يستمده فندب للخروج إليه جماعة من قواده منهم طاهر بن علي بن وزير
ووصيف بن صوارتكين التركي والفضل بن موسى بن بغا وبشر الخادم الأفشيني
وجنى الصفواني ورائق الخزري وضم إليه جماعة من غلمان الحجر وغيرهم
فشخص أولهم يوم الثلاثاء للنصف من ذي الحجة ولم يرأس واحد منهم كل واحد منهم
رئيس على أصحابه وأمر القاسم بن سيما وغيره من رؤساء الاعراب بجمع الاعراب
من البوادي بديار مضر وطريق الفرات ودقوقاء وخانيجار وغيرها من النواحي
لينهضوا إلى هؤلاء القرامطة إذ كان أصحاب السلطان متفرقين في نواحي الشأم
ومصر فمضت الرسائل بذلك إليهم فحضروا ثم ورد الخبر فيها بأن الذين شخصوا
مددا لإسحاق بن عمران خرجوا إلى زكرويه في رجالهم وخلفوا إسحاق بن عمران
بالكوفة مع من معه من رجاله ليضبطها وصاروا إلى موضع بينه وبين القادسية
أربعة أميال يعرف بالصوأر وهى في البرية في العرض فلقيهم زكرويه هنالك
239

فصافوه يوم الاثنين لتسع بقين من ذي الحجة وقد قيل كانت الوقعة يوم الأحد
لعشر بقين منه وجعل أصحاب السلطان بينهم وبين سوادهم نحوا من ميل ولم
يخلفوا أحدا من المقاتلة عنده واشتدت الحرب بينهم وكانت الدبرة أول هذا
اليوم على القرمطي وأصحابه حتى كادوا أن يظفروا بهم وكان زكرويه قد
كمن عليهم كمينا من خلفهم ولم يشعروا به فلما انتصف النهار خرج الكمين على
السواد فانتهبه ورأى أصحاب السلطان السيف من ورائهم فانهزموا أقبح هزيمة
ووضع القرمطي وأصحابه السيف في أصحاب السلطان فقتلوهم كيف شاءوا وصبر
جماعة من غلمان الحجر من الخزر وغيرهم وهم زهاء مائة غلام وقاتلوا حتى قتلوا
جميعا بعد نكاية شديدة نكوها في القرامطة واحتوت القرامطة على سواد أصحاب
السلطان فحازوه ولم يفلت من أصحاب السلطان إلا من كان في دابته فضل فنجابه
أو من أثخن بالجراح فطرح نفسه في القتلى فتحامل بعد انقضاء الوقعة حتى دخل
الكوفة وأخذ للسلطان في هذا السواد مما كان وجه به مع رجاله من الجمازات
عليها السلاح والآلة زهاء ثلثمائة جمازة ومن البغال خمسمائة بغل وذكر أن مبلغ
من قتل من أصحاب السلطان في هذه الوقعة سوى غلمانهم والحمالين ومن كان في
السواد ألف وخمسمائة رجل فقوى القرمطي وأصحابه بما أخذوا في هذه الوقعة
وتطرف بيادر كانت إلى جانبه فأخذ منها طعاما وشعيرا وحمله على بغال السلطان
إلى عسكره وارتحل من موضع الوقعة نحوا من خمسة أميال في العرض إلى موضع
بقرب من الموضع المعروف بنهر المثنية وذلك أن روائح القتلى آذتهم * وذكر
عن محمد بن داود بن الجراح أنه قال وافى باب الكوفة الاعراب الذين كان زكرويه
راسلهم وقد انصرف المسلمون عن مصلاهم معه إسحاق بن عمران فتفرقوا من
جهتين ودخلوا أبيات الكوفة وقد ضربوا على القاسم بن أحمد داعية زكرويه
قبة وقالوا هذا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوا يأل ثارات الحسين
يعنون الحسين بن زكرويه المصلوب بباب جسر مدينة السلام وشعارهم يا أحمد
يا محمد يعنون ابني زكرويه المقتولين وأظهروا الاعلام البيض وقدروا أن يستغووا
240

رعاع الكوفيين بذلك القول فأسرع إسحاق بن عمران ومن معه المبادرة نحوهم
ودفعهم وقتل من ثبت له منهم وحضر جماعة من آل أبي طالب فحاربوا مع إسحاق
ابن عمران وحضر جماعة من العامة فحاربوا فانصرف القرامطة خاسئين وصاروا
إلى قرية تدعى العشيرة من آخر عمل طسوج السالحين ونهر يوسف مما يلي البر
من يومهم وأنفذوا إلى عدو الله زكرويه بن مهرويه من استخرجه من نقير في
الأرض كان متطمرا فيه سنين كثيرة بقرية الدرية وأهل قرية الصوأر يتلقونه
على أيديهم وسمونه ولى الله فسجدوا له لما رأوه وحضر معه جماعة من دعاته
وخاصته وأعلمهم أن القاسم بن أحمد أعظم الناس عليهم منة وأنه ردهم إلى الدين بعد
خروجهم منه وأنهم إذا امتثلوا أمره أنجز مواعيدهم وبلغهم آمالهم ورمز لهم رموزا
وذكر فيها آيات من القرآن نقلها عن الوجه الذي أنزلت فيه واعترف لزكرويه
جميع من رسخ حب الكفر في قلبه من عربي ومولى ونبطي وغيرهم أنه رئيسهم
المقدم وكهفهم وملاذهم وأيقنوا بالنصر وبلوغ الأمل وسار بهم وهو محجوب
عنهم يدعونه السيد ولا يبرزونه لمن في عسكرهم والقاسم يتولى الأمور دونه ويمضيها
على رأيه إلى مؤاخر سقى الفرات من عمل الكوفة وأعلمهم أن أهل السواد قاطبة
خارجون إليه فأقام هنالك نيفا وعشرين يوما يبث رسله في السواديين مستلحقين
فلم يلحق بهم من السواديين إلا من لحقته الشقوة وهم زهاء خمسمائة رجل بنسائهم
وأولادهم وسرب إليه السلطان الجنود وكتب إلى كل من كان نفذ نحو الأنبار
وهيت لضبطها خوفا من معاودة المقيمين كانوا بالماءين إليها بالانصراف نحو
الكوفة فجعل إليهم جماعة من القواد منهم بشر الأفشيني وجنى الصفواني ونحرير
العمرى ورائق فتى أمير المؤمنين والغلمان الصغار المعروفين بالحجرية فأوقعوا
بأعداء الله بقرب قرية الصوأر فقتلوا رجالتهم وجماعة من فرسانهم وأسلموا
بيوتهم في أيديهم فدخلوها وتشاغلوا بها فعطفت القرامطة عليهم فهزموهم وذكر
عن بعض من ذكر أنه حضر مجلس محمد بن داود بن الجراح وقد أدخل إليه قوم
من القرامطة منهم سلف زكرويه فكان مما حدثه أن قال كان زكرويه مختفيا في
241

منزلي في سرداب في داري عليه باب حديد وكان لنا تنور ننقله فإذا جاءنا الطلب
وضعنا التنور على باب السرداب وقامت امرأة تسجره فمكث كذلك أربع سنين
وذلك في أيام المعتضد وكان يقول لا أخرج والمعتضد في الاحياء ثم انتقل من
منزلي إلى دار قد جعل فيها بيت وراء باب الدار إذا فتح باب الدار انطبق على باب
البيت فيدخل الداخل فلا يرى باب البيت الذي هو فيه فلم يزل هذه حاله حتى
مات المعتضد فحينئذ أنفذ الدعاة وعمل في الخروج ولما ورد خبر الوقعة التي كانت
بين القرمطي وأصحاب السلطان بالصوأر على السلطان والناس أعظموه وندب للخروج
إلى الكوفة من ذكرت من القواد وجعلت الرئاسة لمحمد بن إسحاق بن كنداج
وضم إليه جماعة من أعراب بنى شيبان والنمر زهاء ألفى رجل وأعطوا الأرزاق
ولاثنتي عشرة بقيت من جمادى الأولى قدم بغداد من مكة جماعة نحو العشرة
فصاروا إلى باب السلطان وسألوه توجيه جيش إلى بلدهم لانهم على خوف من
الخارج بناحية اليمن أن يطأ بلدهم إذ كان قد قرب منها بزعمهم * وفى يوم الجمعة
لاثنتي عشرة ليلة خلت من رجب قرئ على المنبر ببغداد كتاب ورد على السلطان
أن أهل صنعاء وغيرهم من مدن اليمن اجتمعوا على الخارجي الذي كان تغلب
عليها فحاربوه وهزموه وفلوا جموعه فانحاز إلى موضع من نواحي اليمن ثم خلع
السلطان لثلاث خلون من شوال على مظفر بن حاج وعقد له على اليمن فخرج ابن
حاج لخمس خلون من ذي القعدة ومضى إلى عمله باليمن فأقام بها حتى مات * ولسبع
بقين من رجب من هذه السنة أخرج مضرب المكتفى فضرب بباب الشماسية على
أن يخرج إلى الشأم بسبب ابن الخليج فوردت خريطة لست بقين منه مصر من
قبل فاتك يذكر أنه والقواد زحفوا إلى الخليجي وكانت بينهم حروب كثيرة وأن
آخر حرب جرت بينهم وبينه قتل فيها أكثر أصحابه ثم انهزم الباقون فظفروا بهم
واحتووا على معسكرهم فهرب الخليجي حتى دخل الفسطاط فاستتر بها عند رجل من
أهل البلد ودخل الأولياء الفسطاط فلما استقروا بها دل على الخليجي وعلى من كان استتر
معه ممن شايعه فقبض عليهم وحبسهم قبله فكتب إلى فاتك في حمل الخليجي ومن أخذ معه
242

إلى مدينة السلام فردت مضارب المكتفى التي أخرجت إلى باب الشماسية ووجه في رد
خزائنه فردت وقد كانت جاوزت تكريت ثم وجه فاتك بالخليجي من مصر وجماعة
ممن أسر معه مع بشر مولى محمد بن أبي الساج إلى مدينة السلام فلما كان في يوم
الخميس للنصف من شهر رمضان من هذه السنة أدخل مدينة السلام من باب
الشماسية وقدم بين يديه إحدى وعشرون رجلا على جمال وعليهم برانس ودراريع
حرير منهم ابنا بينك فيما قيل وابن أشكال الذي كان صار إلى السلطان من عسكر
عمرو الصفار في الأمان وصندل المزاحمي الخادم الأسود فلما وصل الخليجي
إلى المكتفى فنظر إليه أمر بحبسه في الدار وأمر بحبس الآخرين في الجديد فرجه
بهم إلى ابن عمرويه وكانت إليه الشرطة ببغداد ثم خلع المكتفى على وزيره العباس
ابن الحسن خلعا لحسن تدبيره في هذا الفتح وخلع على بشر الأفشيني * ولخمس
خلون من شوال أدخل بغداد رأس القرمطي المسمى نصرا الذي كان انتهب هيت
منصوبا على قناة * ولسبع خلون من شوال ورد الخبر مدينة السلام أن الروم
أغاروا على قورس فقاتلهم أهلها فهزموهم وقتلوا أكثرهم وقتلوا رؤساء بنى تميم
ودخلوا المدينة وأحرقوا مسجدها واستاقوا من بقى من أهلها (وحج بالناس
في هذه السنة) الفضل بن عبد الملك الهاشمي
ثم دخلت سنة أربع وتسعين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث الجليلة
فمما كان فيها مر ذلك دخول ابن كيغلغ طرسوس غازيا في أول المحرم وخرج
معه رستم وهى غزاة ستم الثانية فبلغوا سلندوا ففتح الله عليهم وصاروا إلى آلس فحصل
في أيديهم نحو من خمسة آلاف رأس وقتلوا من الروم مقتلة عظيمة وانصرفوا
سالمين * ولاثنتي عشرة خلت من المحرم ورد الخبر مدينة السلام أن زكرويه
ابن مهرويه القرمطي ارتحل من الموضع المعروف بنهر المثنية يريد الحاج وأنه
وافى موضعا بينه وبين واقصة أربعة أميال وذكر عن محمد بن داود أنهم مضوا في
243

البر من جهة المشرق حتى صاروا بالماء المسمى سلمان وصار ما بينهم وبين السواد
مفازة فأقام بموضعه يريد الحاج ينتظر القافلة الأولى ووافت القافلة واقصة لست
أو سبع خلون من المحرم فأنذرهم أهل المنزل وأخبروهم أن بينهم وبينهم أربعة أميال
فارتحلوا ولم يقيموا فنجوا وكان في هذه القافلة الحسن بن موسى الربعي وسيما
الإبراهيمي فلما أمعنت القافلة في السير صار القرمطي إلى واقصة فسألهم عن القافلة
فأخبروه أنها لم تقم بواقصة فاتهمهم بانذارهم إياهم فقتل من العلافين بها جماعة
وأحرق العلف وتحصن أهلها في حصنهم فأقام بها أياما ثم ارتحل عنها نحو زبالة *
وذكر عن محمد بن داود أنه قال إن العساكر سارت في طلب زكرويه نحو
عيون الطف ثم انصرفت عنه لما علمت بمكانه بسلمان ونفذ علان بن كشمرد
مع قطعة من فرسان الجيش متجردة على طريق جادة مكة نحو زكرويه حتى
نزلوا السبال فمضى نحو واقصة حتى نزلها بعد أن جازت القافلة الأولى ومر زكرويه
في طريقه بطوائف من بنى أسد فأخذها من بيوتها معه وقصد الحاج المنصرفين
عن مكة وقصد الجادة نحوهم ووافى خبر الطير من الكوفة لأربع عشرة بقيت
من المحرم من هذه السنة بأن زكرويه اعترض قافلة الخراسانية يوم الأحد
لاحدى عشرة خلت من المحرم بالعقبة من طريق مكة فحاربوه حربا شديدا
فساءلهم وقال أفيكم السلطان قال ليس معنا سلطان ونحن الحاج فقال لهم فامضوا
فلست أريدكم فلما سارت القافلة تبعها فأوقع بها وجعل أصحابه ينخسون الجمال
بالرماح ويبعجونها بالسيوف فنفرت واختلطت القافلة وأكب أصحاب الخبيث
على الحاج يقتلونهم كيف شاؤوا فقتلوا الرجال والنساء وسبوا من النساء من
أرادوا واحتووا على ما كان في القافلة وقد كان لقى بعض من أفلت من هذه
القافلة علان بن كشمرد فسأله عن الخبر فأعلمه ما نزل بالقافلة الخراسانية وقال
له ما بينك وبين القوم إلا قليل والليلة أو في غد توافي القافلة الثانية فأن رأوا
علما للسلطان قويت أنفسهم والله الله فيهم فرجع علان من ساعته وأمر من
معه بالرجوع وقال لا أعرض أصحاب السلطان للقتل ثم أصعد زكرويه ووافته
244

القافلة الثانية وقد كان السلطان كتب إلى رؤساء القافلتين الثانية والثالثة ومن
كان فيهما من القواد والكتاب مع جماعة من الرسل الذين تنكبوا طريق الجادة
بخبر الفاسق وفعله بالحاج ويأمرهم بالتحرز منه والعدول عن الجادة نحو واسط
والبصرة أو الرجوع إلى فيد أو إلى المدينة إلى أن يلحق بهم الجيوش ووصلت
الكتب إليهم فلم يسمعوا ولم يقيموا ولم يلبثوا وتقدم أهل القافلة الثانية وفيها
المبارك القمي وأحمد بن نصر العقيلي وأحمد بن علي بن الحسين الهمذاني فوافوا
الفجرة وقد رحلوا عن واقصة وعوروا مياهها وملؤا بركها وبئارها بجيف
الإبل والدواب التي كانت معهم مشققة بطونها ووردوا منزل العقبة في يوم
الاثنين لاثنتي عشرة خلت من المحرم فحاربهم أصحاب القافلة الثانية وكان
أبو العشائر مع أصحابه في أول القافلة ومبارك القمي فيمن معه في ساقتها
فجرت بينهم حرب شديدة حتى كشفوهم وأشرفوا على الظفر بهم فوجد الفجرة
من ساقتهم غرة فركبوهم من جهتها ووضعوا رماحهم في جنوب إبلهم وبطونها
فطحنتهم الإبل وتمكنوا منهم فوضعوا السيف فيهم فقتلوهم عن آخرهم
إلا من استعبدوه ثم أنفذوا إلى ما دون العقبة بأميال فوارس لحقوا المفلتة من
السيف فأعطوهم الأمان فرجعوا فقتلوهم أجمعين وسبوا من النساء ما أحبوا
واكتسحوا الأموال والأمتعة وقتل المبارك القمي والمظفر ابنه وأسر أبو العشائر
وجمع القتلى فوضع بعضهم على بعض حتى صاروا كالتل العظيم ثم قطعت يدا
أبى العشائر ورجلاه وضربت عنقه وأطلق من النساء من لم يرغبوا فيه وأفلت من
الجرحى قوم وقعوا بين القتلى فتحاملوا في الليل ومضوا فمنهم من مات ومنهم
من نجا وهم قليل وكان نساء القرامطة يطفن مع صبيانهم في القتلى يعرضون
عليهم الماء فمن كلمهم أجازوا عليه وقيل إنه كان في القافلة من الحاج زها
عشرين ألف رجل قتل جميعهم غير نفر يسير ممن قوى على العدو فنجا بغير زاد ومن
وقع في القتل وهو مجروح وأفلت بعد أو من استعبدوه لخدمتهم. وذكر أن الذي
أخذوا من المال والأمتعة الفاخرة في هذه القافلة قيمة ألفى ألف دينار. وذكر
245

عن بعض الضرابين أنه قال وردت علينا كتب الضرابين بمصر أنكم في هذه السنة
تستغنون قد وجه آل ابن طولون والقواد المصريون الذين أشخصوا إلى مدينة
السلام ومن كان في مثل حالهم في حمل مالهم بمصر إلى مدينة السلام وقد سبكوا
انية الذهب والفضة والحلى نقارا وحمل إلى مكة ليوافوا به مدينة السلام مع الحاج
فحمل في القوافل الشاخصة إلى مدينة السلام فذهب ذلك كله * وذكر أن القرامطة
بيناهم يقتلون وينهبون هذه القافلة يوم الاثنين إذ أقبلت قافلة الخراسانية فخرج
إليهم جماعة من القرامطة فواقعوهم فكان سبيلهم سبيل هذه فلما فرغ زكرويه من
أهل القافلة الثانية من الحاج وأحد أموالهم واستباح حريمهم رحل من وقته من
العقبة بعد أن ملا البرك والآبار بها بالجيف من الناس والدواب وكان ورد خبر
قطعه على القافلة الثانية من قوافل السلطان مدينة السلام في عشية يوم الجمعة لأربع
عشرة بقيت من المحرم فعظم ذلك على الناس جميعا وعلى السلطان وندب الوزير
العباس بن الحسن بن أيوب محمد بن داود بن الجراح الكاتب المتولي دواوين
الخراج والضياع بالمشرق وديوان الجيش للخروج إلى الكوفة والمقام بها لانقاذ
الجيوش إلى القرمطي فخرج من بغداد لاحدى عشرة بقيت من المحرم وحمل معه
أموالا كثيرة لاعطاء الجند ثم سار زكرويه إلى زبالة فنزلها وبث الطلائع أمامه
ووراءه خوفا من أصحاب السلطان المقيمين بالقادسية أن يلحقوه ومتوقعا ورود
القافلة الثالثة التي فيها الأموال والتجار ثم سار إلى الثعلبية ثم إلى الشقوق وأقام
بها بين الشقوق والبطان في طرف الرمل في موضع يعرف بالطليح ينتظر القافلة
الثالثة وفيها من القواد نفيس المولدي وصالح الأسود ومعه الشمسة والخزانة
وكانت الشمسة جعل فيها المعتضد جوهرا نفيسا وفى هذه القافلة كان إبراهيم بن أبي
الأشعث وإليه كان قضاء مكة والمدينة وأمر طريق مكة والنفقة فيه لمصالحه
وميمون بن إبراهيم الكاتب وكان إليه أمر ديوان زمام الخراج والضياع وأحمد
ابن محمد بن أحمد المعروف بابن الهزلج والفرات بن أحمد بن محمد بن الفرات والحسن
ابن إسماعيل قرابة العباس بن الحسن وكان يتولى بريد الحرمين وعلي بن العباس
246

النهيكي فلما صار أهل هذه القافلة إلى فيد بلغهم خبر الخبيث زكرويه وأصحابه
وأقاموا بفيد أياما ينتظرون تقوية لهم من قبل السلطان وقد كان ابن كشمرد
رجع من الطريق إلى القادسية في الجيوش التي أنفذها السلطان معه وقبله وبعد
ثم سار زكرويه إلى فيد وبها عامل السلطان يقال له حامد بن فيروز فالتجأ منه
حامد إلى أحد حصنيها في نحو من مائة رجل كانوا معه في المسجد وشحن الحصن
الآخر بالرجال فجعل زكرويه يراسل أهل فيد ويسألهم أن يسلموا إليه عاملهم
ومن فيها من الجند وأنهم إن فعلوا ذلك آمنهم فلم يجيبوه إلى ما سأل ولما لم يجيبوه
حاربهم فلم يظفر منهم بشئ قال فلما رأى أنه لا طاقة له بأهلها تنحى فصار إلى
النباج ثم إلى حفير أبى موسى الأشعري * وفى أول شهر ربيع الأول أنهض
المكتفى وصيف بن صوارتكين ومعه من القواد جماعة فنفذوا من القادسية على
طريق خفان فلقيه وصيف يوم السبت لثمان بقين من شهر ربيع الأول فاقتتلوا
يومهم ثم حجز بينهم الليل فباتوا يتحارسون ثم عاودهم الحرب فقتل جيش
السلطان منهم مقتلة عظيمة وخلصوا إلى عدو الله زكرويه فضربه بعض الجند
بالسيف على قفاه وهو مول ضربة اتصلت بدماغه فأخذ أسيرا وخليفته وجماعة
من خاصته وأقربائه فيهم ابنه وكاتبه وزوجته واحتوى الجند على ما في عسكره
وعاش زكرويه خمسة أيام ثم مات فشق بطنه ثم حمل بهيئته وانصرف بمن كان بقى
حيا في يديه من أسرى الحاج (وفيها) غزا ابن كيغلغ من طرسوس فأصاب من
العدو أربعة آلاف رأس سبى ودواب ومواشي كثيرة ومتاعا ودخل
بطريق من البطارقة إليه في الأمان وأسلم وكان شخوصه من طرسوس لهذه الغزاة
في أول المحرم من هذه السنة (وفيها) كاتب أندر ونقس البطريق السلطان
يطلب الأمان وكان على حرب أهل الثغور من قبل صاحب الروم فأعطى ذلك فخرج
وأخرج نحوا من مائتي نفس من المسلمين كانوا أسرى في حصنه وكان صاحب
الروم قد وجه إليه من يقبض عليه فأعطى المسلمين الذين كانوا في حصنه
أسرى السلاح وأخرج معهم بعض بنيه فكبسوا البطريق الموجه إليه
247

للقبض عليه ليلا فقتلوا ممن معه خلقا كثيرا وغنموا ما في عسكره وكان رستم
قد خرج في أهل الثغور في جمادى الأولى قاصدا أندر ونقس ليتخلصه فوافى
رستم قونية بعقب الوقعة وعلى البطارقة بمسير المسلمين إليهم فانصرفوا ووجه
أندر ونقس ابنه إلى رستم ووجه رستم كاتبه وجماعة من البحريين فباتوا في الحصن
فلما أصبحوا خرج أندر ونقس وجميع من معه من أسارى المسلمين ومن صار
إليهم منهم ومن وافقه على رأيه من النصارى وأخرج ماله ومتاعه إلى معسكر
المسلمين وخرب المسلمون قونية ثم قفلوا إلى طرسوس وأندر ونقس وأسارى
المسلمين ومن كان مع أندر ونقس من النصارى * وفى جمادى الآخرة منها كانت
بين أصحاب حسين بن حمدان بن حمدون وجماعة من أصحاب زكرويه كانوا
هربوا من الوقعة التي أصابه فيها ما أصابه وأخذوا طريق الفرات يريدون
الشأم فأوقع بهم وقعة فقتل جماعة منهم وأسر جماعة من نسائهم وصبيانهم (وفيها)
وافى رسل ملك الروم أحدهم خال ولده اليون وبسيل الخادم ومعهم جماعة
باب الشماسية بكتاب منه إلى المكتفى يسأله الفداء بمن في بلاده من المسلمين
من في بلاد الاسلام من الروم وأن يوجه المكتفى رسولا إلى بلاد الروم ليجمع
الاسرى من المسلمين الذين في بلاده وليجتمع هو معه على أمر يتفقان
عليه ويتخلف بسيل الخادم بطرسوس ليجتمع إليه الاسرى من الروم في الثغور
ليصيرهم مع صاحب السلطان إلى موضع الفداء فأقاموا بباب الشماسية أياما ثم
وأدخلوا بغداد ومعهم هدية من صاحب الروم عشرة من أسارى المسلمين فقبلت
منهم وأجيب صاحب الروم إلى ما سأل (وفيها) أخذ رجل بالشام زعم أنه السفياني
فحمل هو وجماعة معه من الشأم إلى باب السلطان فقيل إنه موسوس (وفيها)
أخذ الاعراب بطريق مكة رجلين يعرف أحدهما بالحداد والآخر بالمنتقم
وذكر أن المعروف بالمنتقم منهما أخو امرأة زكرويه فدفعوهما إلى نزار بالكوفة
فوجههما نزار إلى السلطان فذكر عن الاعراب أنهما كانا صارا إليهما يدعوانهم
إلى الخروج على السلطان (وفيها) وجه الحسين بن حمدان من طريق الشأم
248

رجلا يعرف بالكيال مع ستين رجلا من أصحابه إلى السلطان كانوا استأمنوا
إليه من أصحاب زكرويه (وفيها) وصل إلى بغداد أندر ونقس البطريق
(وفيها) كانت وقعة بين الحسين بن حمدان وأعراب كليب والنمر وأسد وغيرهم
اجتمعوا عليه في شهر رمضان منها فهزموه حتى بلغوا به باب حلب (وفيها)
حاصر أعراب طيئ وصيف بن صوارتكين بفيد وكان وجه أميرا على الموسم
فحوصر ثلاثة أيام ثم خرج إليهم فواقعهم فقتل منهم قتلى ثم انهزمت الاعراب
ورحل وصيف من فيد بمن معه من الحاج (وحج بالناس) الفضل بن
عبد الملك الهاشمي
ثم دخلت سنة خمس وتسعين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك ما كان من خروج عبد الله بن إبراهيم المسمعي عن مدينة أصبهان
إلى قرية من قراها على فراسخ منها وانضمام نحو من عشرة آلاف من الأكراد
وغيرهم فيما ذكر إليه مظهرا الخلاف على السلطان فأمر بدر الحمامي بالشخوص إليه
وضم إليه جماعة من القواد ونحو من خمسة آلاف من الجند (وفيها) كانت
وقعة للحسين بن موسى على أعراب طيئ الذين كانوا حاربوا وصيف بن صوارتكين
على غرة منهم فقتل من رجالهم فيما قيل سبعين وأسر من فرسانهم جماعة
(وفيها) توفى أبو إبراهيم إسماعيل بن أحمد عامل خراسان وما وراء النهر في
صفر منها لأربع عشرة خلت منه وقام ابنه أحمد بن إسماعيل بن أحمد في عمل
أبيه مقامه وولى أعمال أبيه وذكر أن المكتفى لأربع ليال خلون من شهر ربيع
الآخر قعد فعقد بيده لواء ودفعه إلى طاهر بن علي بن وزير وخلع عليه وأمره
بالخروج باللواء إلى أحمد بن إسماعيل (وفيها) وجه منصور بن عبد الله بن منصور
الكاتب إلى عبد الله بن إبراهيم المسمعي وكتب إليه يخوفه عاقبة الخلاف إليه
فتوجه إليه فلما صار إليه ناظره فرجع إلى طاعة السلطان وشخص في نفر من
249

غلمانه واستخلف على عمله بأصبهان خليفة ومعه منصور بن عبد الله حتى صار
إلى باب السلطان فرضى عنه المكتفى ووصله وخلع عليه وعلى ابنه (وفيها)
أوقع الحسين بن موسى بالكردي المتغلب كان على نواحي الموصل فظفر بأصحابه
واستباح عسكره وأمواله وأفلت الكردي فتعلق بالجبال فلم يدرك (وفيها) فتح
المظفر بن حاج بعض ما كان غلب عليه بعض الخوارج باليمن وأخذ رئيسا من
رؤسائهم يعرف بالحكيمي (وفيها) لثلاث عشرة ليلة بقيت من جمادى الآخرة
أمر خاقان المفلحي بالشخوص إلى آذربيجان لحرب يوسف بن أبي الساج وضم
إليه نحو من أربعة آلاف رجل من الجند (ولثلاث عشرة) بقيت من شهر
رمضان دخل بغداد رسول أبى مضر زيادة الله بن الأغلف ومعه فتح الأعجمي
ومعه هدايا وجه بها إلى المكتفى (وفيها) تم الفداء بين المسلمين والروم في
ذي القعدة وكانت عدة من فودى به من الرجال والنساء ثلاثة آلاف نفس *
وفى ذي القعدة لاثنتي عشرة ليلة خلت منها توفى المكتفى بالله وكانت خلافته ست
سنين وستة أشهر وتسعة عشر يوما وكان يوم توفى ابن اثنين وثلاثين سنة يومئذ
وكان ولد سنة 264 ويكنى أبا محمد وأمه أم ولد تركية تسمى جيجك وكان ربعة
جميلا رقيق اللون حسن الشعر وافر الجمة وافر اللحية
خلافة المقتدر بالله
ثم بويع جعفر بن المعتضد بالله ولما بويع جعفر ابن المعتضد لقب المقتدر بالله
وهو يومئذ ابن ثلاث عشرة سنة وشهر واحد وأحد وعشرين يوما وكان
مولده ليلة الجمعة لثمان بقين من شهر رمضان من سنة 282 وكنيته أبو الفضل
وأمه أم ولد يقال لها شغب فذكر كان في بيت المال يوم بويع خمسة عشر ألف
ألف دينار ولما بويع المقتدر غسل المكتفى وصلى عليه ودفن في موضع من دار
محمد بن عبد الله بن طاهر (وفيها) كانت بين عج بن حاج والجند وقعة في اليوم
الثاني من أيام منى قتل فيها جماعه وجرح منهم بسبب طلبهم جائزة بيعة المقتدر
250

وهرب الناس الذين كانوا بمنى إلى بستان ابن ما مر وانتهب الجند مضرب أبى
عدنان ربيعة بن محمد بمنى وكان أحد أمراء القوافل وأصاب المنصرفين من مكة
في منصرفهم في الطريق من القطع والعطش أمر غليظ مات من العطش فيما قيل
منهم جماعة وسمعت بعض من يحكى أن الرجل كان يبول في كفه ثم يشربه
(وحج) بالناس فيها الفضل بن عبد الملك الهاشمي
ثم دخلت سنة ست وتسعين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك ما كان من اجتماع جماعة من القواد والكتاب والقضاة على خلع
المقتدر وتناظرهم فيمن يجعل في موصعه فاجتمع رأيهم على عبد الله بن المعتز وناظروه
في ذلك فأجابهم إلى ذلك على أن لا يكون في ذلك سفك دم ولا حرب فأخبروه
أن الامر يسلم إليه عفوا وأن جميع من وراءهم من الجند والقواد والكتاب قد
رضوا به فبايعهم على ذلك وكان الرأس في ذلك محمد بن داود بن الجراح وأبو المثنى
أحمد بن يعقوب القاضي وواطأ محمد بن داود بن الجراح جماعة من القواد على
الفتك بالمقتدر والبيعة لعبد الله بن المعتز وكان العباس بن الحسن على مثل رأيهم
فلما رأى العباس أمره مستوثقا له مع المقتدر بدا له فيما كان عزم عليه من ذلك
فحينئذ وثب به الآخرون فقتلوه وكان الذي تولى قتله بدر الأعجمي والحسين
ابن حمدان ووصيف بن صوارتكين وذلك يوم السبت لاحدى عشرة ليلة
بقيت من شهر ربيع الأول ولما كان من غد هذا اليوم وذلك يوم الأحد خلع
المقتدر القواد والكتاب وقضاة بغداد وبايعوا عبد الله بن المعتز ولقبوه الراضي
بالله وكان الذي أخذ له البيعة على القواد وتولى استحلافهم والدعاء بأسمائهم
محمد بن سعيد الأزرق كاتب الجيش * وفى هذا اليوم كانت بين الحسين بن حمدان
وبين غلمان الدار حرب شديدة من غدوه إلى انتصاف النهار (وفيه) انفضت
الجموع التي كان محمد بن داود جمعها لبيعة ابن المعتز عنه وذلك أن الخادم الذي
يدعى مونسا حمل غلمانا من غلمان الدار في شذوات فصاعد بها وهم فيها في دجلة
251

فلما حاذوا الدار التي فيها ابن المعتز ومحمد بن داود صاحوا بهم ورشقوهم بالنشاب
فتفرقوا وهرب من في الدار من الجند والقواد والكتاب وهرب ابن المعتز
ولحق بعض الذين بايعوا ابن المعتز بالمقتدر فاعتذروا بأنه منع من المصير إليه
واختفى بعضهم فأخذوا وقتلوا وانتهب العامة دور ابن داود والعباس بن الحسن
وأخذ ابن المعتز فيمن أخذه * وفى يوم السبت لأربع بقين من شهر ربيع الأول
منها سقط الثلج ببغداد من غدوة إلى قدر صلاة العصر حتى صار في الدور
والسطوح منه نحو من أربعة أصابع وذكر أنه لم ير ببغداد مثل ذلك قط * وفى
يوم الاثنين لليلتين بقيتا من شهر ربيع الأول منها سلم محمد بن يوسف القاضي
ومحمد بن عمرويه وأبو المثنى وابن الجصاص والأزرق كاتب الجيش في جماعة
غيرهم إلى مونس الخازن فترك أبا المثنى في دار السلطان ونقل الآخرين إلى منزله
فافتدى بعضهم نفسه وقتل بعضهم وشفع في بعض فأطلق (وفيها) كانت
وقعة بين طاهر بن محمد بن عمرو بن الليث وسبكرى غلام عمرو بن الليث فأسر
سبكرى طاهرا ووجهه مع أخيه يعقوب بن محمد إلى السلطان (وفيها) وجه
القاسم بن سيما مع جماعة من القواد والجند في طلب حسين بن حمدان بن حمدون
فشخص لذلك حتى صار إلى قرقيسيا والرحبة والدالية وكتب إلى أخي الحسين
عبد الله بن حمدان بن حمدون بطلب أخيه فالتقى هو وأخوه بموضع يعرف بالأعمى
بين تكريت والسودقانية بالجانب الغربي من دجلة فانهزم عبد الله وبعث
الحسين يطلب الأمان فأعطى ذلك * ولسبع بقين من جمادى الآخرة منها وافى
الحسين بن حمدان بغداد فنزل باب حرب ثم صار إلى دار السلطان من غد ذلك
اليوم فخلع عليه وعقد له على قم وقاشان * ولست بقين من جمادى الآخرة خلع
على ابن دليل النصراني كاتب يوسف بن أبي الساج ورسوله وعقد ليوسف بن أبي
الساج على المراغة وآذربيجان وحملت إليه الخلع وأمر بالشخوص إلى عمله *
وللنصف من شعبان منها خلع على مونس الخادم وأمر بالشخوص إلى طرسوس
لغزو الصائفة فنفذ لذلك وخرج في عسكر كثيف وجماعة من القواد وغلمان
252

الحجر (وحج بالناس) فيها الفضل بن عبد الملك الهاشمي
ثم دخلت سنة سبع وتسعين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك ما كان من غزو مونس الخادم الصائفة بلاد الروم من ثغر ملطية في
جيش كثيف ومعه أبو الأغر السلمي وظفر بالروم وأسر أعلاجا في آخر سنة
296 وورد الخبر بذلك على السلطان لست خلون من المحرم (وفيها) صار الليث
ابن علي بن الليث الصفار إلى فارس في جيش فتغلب عليها وطرد عنها سبكرى
وذلك بعد ما ولى السلطان سبكرى بعد ما بعث سبكرى طاهر بن محمد إلى السلطان
أسيرا فأمر المقتدر مونسا الخادم بالشخوص إلى فارس لحرب الليث بن علي فشخص
إليها في شهر رمضان منها (وفيها) وجه أيضا المقتدر القاسم بن سيما لغزوة الصائفة
ببلاد الروم في جمع كثير من الجند في شوال منها (وفيها) كانت بين مونس الخادم
والليث بن علي بن الليث وقعة هزم فيها الليث ثم أسر وقتل من أصحابه جماعة كثيرة
واستأمن منهم إلى مونس جماعة كثيرة ودخل أصحاب السلطان النوبندجان
وكان الليث قد تغلب عليها (وأقام الحج) فيها للناس الفضل بن عبد الملك بن
عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن محمد
ثم دخلت سنة ثمان وتسعين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك ما كان فيها من غزو القاسم بن سيما أرض الروم الصائفة (وفيها)
وجه المقتدر وصيف كأمه الديلمي في جيش وجماعة من القواد لحرب سبكرى
غلام عمرو بن الليث (وفيها) كانت بين سبكرى ووصيف كأمه وقعة هزمه فيها
وصيف وأخرجه من عمل فارس ودخل وصيف كأمه ومن معه فارس واستأمن
إليه من أصحاب سبكرى جماعة كثيرة فأسر رئيس عسكره المعروف بالقتال ومضى
سبكرى هاربا إلى أحمد بن إسماعيل بن أحمد بما معه من الأموال والذخائر فأخذ
253

ما معه إسماعيل بن أحمد وقبض عليه فحبسه (وفيها) كانت بين أحمد بن إسماعيل
ابن احمد ومحمد بن علي بن الليث وقعة بناحية بست والرخج أسره فيها أحمد
ابن إسماعيل (وحج بالناس) فيها الفضل بن عبد الملك
ثم دخلت سنة تسع وتسعين ومائتين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك ما كان من غزو رستم بن بردوا الصائفة من ناحية طرسوس وهو
والى الثغور من قبل بنى نفيس ومعه دميانة فحاصر حصن مليح الأرمني ثم رحل
عنه وأحرق أرباض ذي الكلاع (وفيها) ورد رسول أحمد بن إسماعيل بن أحمد
بكتاب منه إلى السلطان يخبر فيه أنه فتح سجستان وأن أصحابه دخلوها وأخرجوا
من كان بها من أصحاب الصفار وأن المعدل بن علي بن الليث صار إليه بمن معه
من أصحابه في الأمان وكان المعدل يومئذ مقيما بزرنج فصار إلى أحمد بن إسماعيل
وهو مقيم ببست والرخج فوجه به ابن إسماعيل وبعياله ومن معه إلى هراة وبين
سجستان وبست والرخج ستون فرسخا فوردت الخريطة بذلك على السلطان يوم
الاثنين لعشر خلون من صفر (وفيها) وافى بغداد العطير صاحب زكرويه ومعه
الأغر وهو أيضا أحد قواد زكرويه مستأمنا * وفى ذي الحجة منها غضب على
علي بن محمد بن الفرات لأربع خلون منه وحبس ووكل بدوره ودور أهله وأخذ
كل ما وجد له ولهم وانتهبت دوره ودور بنى اخوته وأهلهم واستوزر محمد بن
عبيد الله بن يحيى بن خاقان (وحج بالناس) فيها الفضل بن عبد الملك
ثم دخلت سنة ثلثمائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك ما كان من ورود بغداد رسول من العامل على برقة وهى من عمل
مصر إلى ما خلفها بأربع فراسخ ثم ما بعد ذلك من عمل المغرب بخبر خارجي خرج
عليه وأنه ظفر بعسكره وقتل خلقا من أصحابه ومعه آذان وأنوف من قتله في خيوط
254

وأعلام من أعلام الخارجي (وفى هذه السنة) كثرت الأمراض والعلل ببغداد
في الناس وذكر أن الكلاب والذئاب كلبت فيها بالبادية فكانت تطلب الناس
والدواب والبهائم فإذا عضت انسانا أهلكته (وحج بالناس) فيها الفضل
ابن عبد الملك الهاشمي
ثم دخلت سنة إحدى وثلثمائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك عزل المقتدر محمد بن عبيد الله عن الوزارة وحبسه إياه مع ابنيه
عبيد الله وعبد الواحد وتصييره علي بن عيسى بن داود بن الجراح له وزيرا (وفيها)
كثر أيضا الوباء ببغداد فكان بها منه نوع سموه حنينا ومنه نوع سموه الماسرا فأما
الحنين فكانت سليمة وأما الماسرا فكانت طاعونا قتالة (وفيها) أحضر دار الوزير
علي بن عيسى رجل ذكر أنه يعرف بالحلاج ويكنى أبا محمد مشعوذ ومعه صاحب
له سمعت جماعة من الناس يزعمون أنه يدعى الربوبية فصلب هو وصاحبه ثلاثة
أيام كل يوم من ذلك من أوله إلى انتصافه ثم ينزل بهما فيؤمر بهما إلى الحبس فحبس
مدة طويلة فافتتن به جماعة منهم نصر القشوري وغيره إلى أن ضج الناس ودعوا على
من يعيبه وفحش أمره وأخرج من الحبس فقطعت يداه ورجلاه ثم ضربت
عنقه ثم أحرق بالنار (وفيها) غزا الصائفة الحسين بن حمدان بن حمدون فورد
كتاب من طرسوس يذكر فيه أنه فتح حصونا كثيرة وقتل من الروم خلقا
كثيرا (وفيها) قتل أحمد بن إسماعيل بن أحمد صاحب خراسان وما وراء النهر
قتله غلام له تركي أخص غلمانه به ذبحا هو وغلامان معه دخلوا عليه في قبته
ثم هربوا فلم يدركوا (وفيها) وقع الاختلاف بين نصر بن أحمد بن إسماعيل
ابن أحمد وعم أبيه إسحاق بن أحمد فكان مع نصر بن أحمد غلمان أبيه وكتابه
وجماعة من قواده والأموال والكراع والسلاح وانحاز بعد قتل أبيه إلى بخارى
وإسحاق بن أحمد بسمرقند وهو عليل من نقرس به فدعا الناس بسمرقند إلى
255

مبايعته على الرئاسة عليهم وبعث كل واحد منهما إلى السلطان كتبه خاطبا على
نفسه عمل إسماعيل بن أحمد وأنفذ إسحاق كتبه فيما ذكر إلى عمران المرزباني
لايصالها إلى السلطان ففعل ذلك وأنفذ نصر بن أحمد بن إسماعيل كتبه إلى حماد
ابن أحمد ليتولى ايصالها إلى السلطان ففعل (وفيها) كانت وقعة بين نصر بن
أحمد بن إسماعيل وأصحابه من أهل بخارى وإسحاق بن أحمد عم أبيه وأصحابه
من أهل سمرقند لأربع عشرة بقيت من شعبان منها هزم فيها نصر وأصحابه
إسحاق وأهل سمرقند ومن كان قد انضم إليه من أهل تلك النواحي وتفرقوا
عنه هاربين وكانت هذه الوقعة بينهم على باب بخارى (وفيها) زحف أهل
بخارى إلى أهل سمرقند بعد ما هزموا إسحاق بن أحمد ومن معه فكانت بينهم
وقعة أخرى ظفر فيها أيضا أهل بخارى بأهل سمرقند فهزموهم وقتلوا منهم
مقتلة عظيمة ودخلوا سمرقند قسرا وأخذوا إسحاق بن أحمد أسيرا وولوا
ما كان إليه من عمل ابنا لعمرو بن نصر بن أحمد (وفيها) دخل أصحاب ابن
البصري من أهل المغرب برقة وطرد عنها عامل السلطان * وولى أبو بكر
محمد بن علي بن أحمد بن أبي زنبور المازرائي أعمال مصر وخراجها (وفيها)
قتل أبو سعيد الجنابي الخارج كان بناحية البحرين وهجر قتله فيما قيل خادم له
(وفيها) كثرت الأمراض والعلل ببغداد وفشا الموت في أهلها وكان أكثر
ذلك فيما قيل في الحربية وأهل الأرباض (وفيها) وافى قائد من قواد ابن
البصري في البرابرة والمغاربة الإسكندرية (وفيها) ورد كتاب تكين عامل
السلطان من مصر يسأله المدد (وحج بالناس) فيها الفضل بن عبد الملك
ثم دخلت سنة اثنتين وثلثمائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك ما كان من إشخاص الوزير علي بن عيسى.. بن عبد الباقي في
ألفى فارس فيها لغزو الصائفة معونه لبشر خادم ابن أبي الساج وهو والى طرسوس
256

من قبل السلطان إلى طرسوس فلم يتيسر لهم غزو الصائفة فغزوها شاتية في
برد شديد وثلج (وفيها) تنحى الحسن بن علي العلوي الأطروش بعد غلبته على
طبرستان عن آمل وصار إلى سالوس فأقام بها ووجه صعلوك صاحب الري إليه
جيشا فلم يكن لجيشه بها ثبات وعاد الحسن بن علي إليها ولم ير الناس مثل عدل الأطروش
وحسن سيرته وإقامته الحق (وفيها) دخل حباسة صاحب ابن البصري
الإسكندرية وغلب عليها وذكر أنه وردها في مائتي مركب في البحر (وفيها)
وافى حباسة صاحب ابن البصري موضعا من فسطاط مصر على مرحلة يقال لها
سفط ثم رجع منه إلى وراء ذلك فنزل منزلا بين الفسطاط والإسكندرية (وفيها)
شخص مونس الخادم إلى مصر لحرب حباسة وقوى بالرجال والسلاح والمال
(وفيها) لسبع بقين من جمادى الأولى قبض على الحسين بن عبد الله المعروف
بابن الجصاص وعلى ابنيه واستصفى كل شئ له ثم حبس وقيد (وفيها) كانت
وقعة بمصر بين أصحاب السلطان وحباسة وأصحابه لست بقين من جمادى الأولى
منها فقتل من الفريقين جماعة وجرحت منهم جماعة ثم أخرى بعد ذلك بيوم نحو
التي كانت في هذه ثم ثالثة بعد ذلك في جمادى الآخرة منها ولأربع عشرة بقيت
من جمادى الآخرة منها ورد كتاب بوقعة كانت بينهم هزم أصحاب السلطان فيها
المغاربة (وفيها) ورد كتاب من بشر عامل السلطان على طرسوس على السلطان
يذكر فيه غزوه أرض الروم وما فتح فيها من الحصون وما غنم وسبى وأنه أسر
من البطارقة مائة وخمسين وأن مبلغ السبى نحو من ألفى رأس * ولاحدى عشرة
بقيت من رجب ورد الخبر من مصر أن أصحاب السلطان لقوا حباسة وأهل المغرب
يقاتلونهم فكانت الهزيمة على المغاربة فقتلوا منهم وأسروا سبعة آلاف رجل
وهرب الباقون مفلولين وكانت الوقعة يوم الخميس بسلخ جمادى الآخرة (وفيها)
انصرف حباسة ومن معه من المغاربة عن الإسكندرية راجعين إلى المغرب بعد
ما ناظر فيما ذكر حباسة عامل السلطان بمصر على الدخول إليه بالأمان وجرت
بينهما في ذلك كتب وكان انصرافه فيما ذكر لاختلاف حدث بين أصحابه في الموضع
257

الذي شخص منه (وفيها) أوقع يأنس الخادم بناحية وادى الذئاب وما قرب من
ذلك الموضع بمن هنالك من الاعراب فقتل منهم مقتلة عظيمة ذكر أنه قتل منهم
سبعة آلاف رجل ونهب بيوتهم وأصاب في بيوتهم من أموال التجار وأمتعتهم
التي كانوا أخذوها بقطع الطريق عليهم ما لا يحصى كثرته * ولست خلون من
ذي الحجة هلكت بدعة مولاة المأمون (وحج بالناس) فيها الفضل بن عبد الملك
وفى اليوم الثاني والعشرين من ذي الحجة منها خرج أعراب من الحاجر على ثلاثة
فراسخ مما يلي البر على المنصرفين من مكة فقطعوا عليهم الطريق وأخذوا ما معهم
من العين واستاقوا من جمالهم ما أرادوا وأخذوا فيما قيل مائتين وثمانين امرأة
حرائر سوى من أخذوا من المماليك والإماء
تم الجزء الثامن وبه تم الكتاب وهو آخر تاريخ ابن جرير الطبري بحمد الله وعونه
قال أبو جعفر قد ضمنا هذا الكتاب أبوابا من أوله إلى آخره إلى حيث انتهينا
إليه من يومنا هذا فما كان متأخرا ذكرناه برواية وسماع إن أخر الله في الاجل
ويلي هذا التاريخ كتابان: الأول " صلة تاريخ الطبري " لعريب بن سعد القرطبي
والثاني " المنتخب من ذيل المذيل " في تاريخ الصحابة والتابعين
لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري
258