الكتاب: فتوح البلدان
المؤلف: البلاذري
الجزء: ٣
الوفاة: ٢٧٩
المجموعة: مصادر التاريخ
تحقيق: نشر وإلحاق وفهرسة : الدكتور صلاح الدين المنجد
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة: مطبعة لجنة البيان العربي
الناشر: مكتبة النهضة المصرية - القاهرة
ردمك:
ملاحظات:

كتاب
فتوح البلدان
تأليف
أحمد بن يحيى بن جابر
المعروف بالبلاذري
القسم الثالث
نشره ووضع ملاحقه وفهارسه
الدكتور صلاح الدين المنجد
ملتزمة النشر والطبع
مكتبة النهضة المصرية
9 شارع عدلي باشا القاهرة
495

مطبعة لجنة البيان العربي
: شارع مصطفى كامل - بلاظوغلى ت 27079
496

فتوح البلدان
" لا نعلم في فتوح البلدان
أحسن منه ".
المسعودي
497

خراسان
982 - قالوا: وجه أبو موسى الأشعري عبد الله بن بديل بن ورقاء
الخزاعي غازيا، فأتى كرمان ومضى حتى بلغ الطبسين، وهما حصنان يقال لأحدهما
طبس وللآخر كرين. وهما حرم فيهما نخل، وهما بابا خراسان. فأصاب مغنما.
وأتى قوم من أهل الطبسين عمر بن الخطاب فصالحوه على ستين ألفا، ويقال
خمسة وسبعين ألفا، وكتب لهم كتابا.
ويقال بل توجه عبد الله بن بديل من إصبهان من تلقاء نفسه. فلما
استخلف عثمان بن عفان ولى عبد الله بن عامر بن كريز البصرة في سنة ثمان
وعشرين، ويقال في سنة تسع وعشرين، وهو ابن خمس وعشرين سنة، فافتتح من
أرض فارس ما افتتح، ثم غزا خراسان في سنة ثلاثين، واستخلف على البصرة زياد
ابن أبي سفيان، وبعث على مقدمته الأحنف بن قيس، ويقال عبد الله
ابن خازم بن أسماء بن الصلت بن حبيب السلمي فأقر صلح الطبسين.
وقدم ابن عامر الأحنف بن قيس إلى قوهستان. وذلك أنه سأل عن أقرب
مدينة إلى الطبسين فدل عليها. فلقيه الهياطلة - وهم أتراك، ويقال بل هم
قوم من أهل فارس كانوا يلوطون، فنفاهم فيروز إلى هراة، فصاروا مع الأتراك،
فكانوا معاونين لأهل قوهستان - فهزمهم وفتح قوهستان عنوة. ويقال بل
ألجأهم إلى حصنهم. ثم قدم عليه ابن عامر فطلبوا الصلح فصالحهم على ست مئة
ألف درهم.
983 - وقال معمر بن المثنى: كان المتوجه إلى قوهستان أمير بن أحمر
اليشكري. وهي بلاد بكر بن وائل إلى اليوم.
499

وبعث ابن عامر يزيد الجرشي أبا سالم بن يزيد إلى رستاق زام من نيسابور،
ففتحه عنوة. وفتح باخرز، وهو رستاق من نيسابور، وفتح (ص 403)
أيضا جوين، وسبى سبيا.
ووجه ابن عامر الأسود بن كلثوم العدوى عدى الرباب، وكان ناسكا،
إلى بيهق، وهو رستاق من نيسابور. فدخل بعض حيطان أهله من ثلمة كانت
فيه، ودخلت معه طائفة من المسلمين، وأخذ العدو عليهم تلك الثلمة. فقاتل
الأسود حتى قتل ومن معه. وقام بأمر الناس بعده أدهم بن كلثوم. فظفر
وفتح بيهق. وكان الأسود يدعو ربه أن يحشره من بطون السباع والطير فلم
يواره أخوه، ودفن من استشهد من أصحابه.
وفتح ابن عامر بشت من نيسابور، وأشبند، ورخ، وزاوة، وخواف،
واسبرائين، وأرغيان من نيسابور. ثم أتى أبرشهر، وهى مدينة نيسابور،
فحصر أهلها أشهرا. وكان على كل ربع منها رجل موكل به. وطلب صاحب
ربع من تلك الأرباع الأمان على أن يدخل المسلمين المدينة. فأعطيه. وأدخلهم
إياها ليلا. ففتحوا الباب وتحصن مرزبانها في القهندز، ومعه جماعة، فطلب
الأمان على أن يصالحه عن جميع نيسابور على وظيفة يؤديها. فصالحه على ألف ألف
درهم، ويقال سبع مئة ألف درهم.
وولى نيسابور حين فتحها قيس بن الهيثم السلمي.
ووجه ابن عامر عبد الله بن خازم السلمي إلى حمراندز من نسا، وهو
رستاق، ففتحه. وأتاه صاحب نسا فصالحه على ثلاث مئة ألف درهم، ويقال على
احتمال الأرض من الخراج، على أن لا يقتل أحدا ولا يسبيه.
وقدم بهمنة عظيم أبيورد على ابن عامر فصالحه على أربع مئة ألف، ويقال
وجه إليها ابن عامر عبد الله بن خازم فصالح أهلها على (ص 404) أربع مئة
ألف درهم.
500

ووجه عبد الله بن عامر عبد الله بن خازم إلى سرخس. فقاتلهم، ثم طلب
زاذويه مرزبانها الصلح على إيمان مئة رجل، وأن يدفع إليه النساء. فصارت
ابنته في سهم ابن خازم، واتخذها وسماها ميثاء.
وغلب ابن خازم على أرض سرخس. ويقال إنه صالحه على أن يؤمن
مئة نفس. فسمى له المئة ولم يسم نفسه، فقتله ودخل سرخس عنوة.
ووجه ابن خازم من سرخس يزيد بن سالم مولى شريك بن الأعور إلى
كيف وبينة ففتحهما. وأتي كعنازتك مرزبان طوس بان عامر فصالحه عن طوس
على ست مئة ألف درهم.
ووجه ابن عامر جيشا إلى هراة، عليه أوس بن ثعلبة بن رقى. ويقال
خليد بن عبد الله الحنفي، فبلغ عظيم هراة ذلك. فشخص إلى ابن عامر وصالحه
عن هراة، وبادغيس، وبوشنج، غير طاغون وباغون فإنهما فتحا عنوة.
وكتب له ابن عامر:
بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أمر به عبد الله بن عامر عظيم هراة
وبوشنج وبادغيس. أمره بتقوى الله، ومناصحة المسلمين، وإصلاح ما تحت
يديه من الأرضين. وصالحه عن هراة سهلها وجبلها، على أن يؤدى من الجزية
ما صالحه عليه، وأن يقسم ذلك على الأرضين عدلا بينهم. فمن منع ما عليه
فلا عهد ولا ذمة.
وكتب ربيع بن نهشل، وختم ابن عامر.
ويقال أيضا إن ابن عامر سار نفسه في الدهم إلى هراة. فقاتل أهلها، ثم
صالحه مرزبانها عن هراة وبوشنج وبادغيس على ألف ألف درهم.
وأرسل مرزبان مرو الشاهجان يسأل الصلح، فوجه ابن عامر إلى مرو
حاتم بن النعمان الباهلي فصالحه على ألفي ألف ومائتي ألف درهم.
501

وقال بعضهم: ألف ألف درهم، ومائتي ألف جريب من بر وشعير.
وقال بعضهم: ألف ألف ومئة ألف أوقية.
وكان في صلحهم أن يوسعوا للمسلمين في منازلهم، وأن عليهم قسمة المال،
وليس (ص 405) على المسلمين إلا قبض ذلك. وكانت مرو صلحا كلها
إلا قرية منها يقال لها السنج فإنها أخذت عنوة.
984 - وقال أبو عبيدة: صالحه على وصائف ووصفاء ودواب ومتاع.
ولم يكن عند القوم يومئذ عين. وكان الخراج كله على ذلك، حتى ولى يزيد
بن معاوية فصيره مالا.
ووجه عبد الله بن عامر الأحنف بن قيس نحو طخارستان. فأتى الموضع
الذي يقال له قصر الأحنف، وهو حصن من مرو الروذ، وله رستاق عظيم
يعرف برستاق الأحنف ويدعى بشق الجرذ. فحصر أهله فصالحوه على
ثلاث مئة ألف. فقال الأحنف: أصالحكم على أن يدخل رجل منا القصر
فيؤذن فيه ويقيم فيكم حتى أنصرف، فرضوا. وكان الصلح عن جميع الرستاق.
ومضى الأحنف إلى مرو الروذ فحصر أهلها، وقاتلوه قتالا شديدا، فهزمهم
المسلمون، فاضطروهم إلى حصنهم. وكان المرزبان من ولد باذام صاحب اليمن
أو ذا قرابة له. فكتب إلى الأحنف: إنه دعاني إلى الصلح اسلام باذام.
فصالحه على ستين ألفا.
985 - وقال المدائني: قال قوم ست مئة ألف.
وقد كانت للأحنف خيل سارت فأخذت رستاقا يقال له بغ، واستاقت
منه مواشي، فكان الصلح بعد ذلك.
502

986 - وقال أبو عبيدة: قاتل الأحنف أهل مرو الروذ مرات. ثم إنه
مر برجل يطبخ قدرا أو يعجن لأصحابه عجينا. فسمعه يقول: إنما ينبغي للأمير
أن يقاتلهم من وجه واحد من داخل الشعب. فقال في نفسه: الرأي ما قال
الرجل. فقاتلهم وجعل المرغاب عن يمينه والجبل عن يساره. والمرغاب نهر
يسيح پمرو الروذ ثم يغيض في رمل ثم يخرج مرو الشاهجان. فهزمهم ومن معهم
من الترك. ثم طلبوا الأمان فصالحهم.
987 - وقال غير أبى عبيدة: جمع أهل طخارستان للمسلمين. فاجتمع
أهل الجوزجان والطالقان والفارياب (ص 406) ومن حولهم، فبلغوا
ثلاثين ألفا، وجاءهم أهل الصغانيان، وهم في الجانب الشرقي من النهر، فرجع
الأحنف إلى قصره فوفى له أهله. وخرج ليلا فسمع أهل خباء يتحدثون ورجلا
يقول: الرأي للأمير أن يسير إليهم فيناجزهم حيث لقبهم. فقال رجل يوقد
تحت خزيره أو يعجن: ليس هذا برأي! ولكن الرأي أن ينزل بين المرغاب
والجبل، فيكون المرغاب عن يمينه والجبل عن يساره، فلا يلقى من عدوه وإن
كثروا إلا مثل عدة أصحابه. فرأى ذلك صوابا ففعله. وهو في خمسة آلاف
من المسلمين: أربعة آلاف من العرب وألف من مسلمي العجم.
فالتقوا، وهز رايته وحمل وحملوا، فقصد ملك الصغانيان للأحنف فأهوى
له بالرمح، فانتزع الأحنف الرمح من يده، وقاتل قتالا شديدا، فقتل ثلاثة
ممن معهم الطبول منهم. كان يقصد قصد صاحب الطبل فيقتله. ثم إن الله
ضرب وجوه الكفار، فقتلهم المسلمون قتالا ذريعا ووضعوا السلاح أ؟ ى شاؤوا
منهم. ورجع الأحنف إلى مرو الروذ.
ولحق بعض العدو بالجوزجان، فوجه إليهم الأحنف الأقرع بن حابس
503

التميمي في خيل. وقال: يا بنى تميم! تحابوا وتباذلوا تعتدل أموركم. وابدؤا
بجهاد بطونكم وفروجكم يصلح لكم دينكم. ولا تغلوا يسلم لكم جهادكم.
فسار الأقرع فلقي العدو بالجوزجان. فكانت في المسلمين جولة، ثم كروا
فهزموا الكفرة وفتحوا الجوزجان عنوة.
وقال ابن الغريزة النهشلي:
سقى صوب السحاب إذا استهلت * مصارع فتية بالجوزجان
إلى القصرين من رستاق حوف * أفادهم هناك الأقرعان
وفتح الأحنف الطالقان صلحا. وفتح الفارياب. ويقال بل فتحها أمير
(ص 407) ابن أحمر.
ثم سار الأحنف إلى بلخ، وهي مدينة طخارا. فصالحهم أهلها على
أربع مئة ألف، ويقال سبع مئة ألف، وذلك أثبت. فاستعمل على بلخ أسيد
بن المتشمس. ثم سار إلى خارزم، وهي من سقى النهر جميعا، ومدينتها شرقية،
فلم يقدر عليها، فانصرف إلى بلخ وقد جبى أسيد صلحها.
988 - وقال أبو عبيدة: فتح ابن عامر ما دون النهر. فلما بلغ أهل ما وراء
النهر أمره طلبوا إليه أن يصالحهم ففعل. فيقال إنه عبر النهر حتى أتى موضعا
موضعا. وقيل بل أتوه فصالحوه، وبعث من قبض ذلك. فأتته الدواب
والوصفاء والوصائف والحرير والثياب ثم أحرم شكرا لله. ولم يذكر غيره عبوره
النهر ومصالحته أهل الجانب الشرقي.
989 - وقالوا: إنه أهل بعمرة، وقدم على عثمان. واستخلف قيس
ابن الهيثم.
504

فسار قيس بعد شخوصه من أرض طخارستان، فلم يأت بلدا منها إلا صالحه
أهله فأذعنوا له، حتى أنى سمنجان، فامتنعوا عليه فحصرهم حتى فتحها عنوة.
وقد قيل إن ابن عامر جعل خراسان بين ثلاثة: الأحنف بن قيس، وحاتم
ابن النعمان الباهلي، وقيس بن الهيثم. والأول أثبت.
ثم إن ابن خازم افتعل عهدا على لسان ابن عامر وتولى خراسان. فاجتمعت
بها جموع الترك ففضهم. ثم قدم البصرة قبل قتل عثمان.
990 - وحدثني الحسين بن الأسود قال: حدثنا وكيع بن الجراح، عن ابن عون،
عن محمد بن سيرين أن عثمان بن عفان عقد لمن وراء النهر.
991 - قالوا: وقدم ماهويه مرزبان مرو على علي بن أبي طالب في
خلافته وهو بالكوفة. فكتب له إلى الدهاقين والأساورة والدهشلارين أن
يؤدوا إليه الجزية. فانتقضت عليهم خراسان. فبعث جعدة بن هبيرة
المخزومي (ص 408) - وأمه أم هانئ بنت أبي طالب - فلم يفتحها. ولم تزل
خراسان ملتاثة حتى قتل علي عليه السلام.
992 - قال أبو عبيدة: أول عمال على على خرسان عبد الرحمن بن أبزى
مولى خزاعة، ثم جعدة بن هبيرة بن وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم،
فلم يعرض لأهل النكث، وجبى أهل الصلح. فكان عليها سنة أو قريبا منها.
993 -: قالوا واستعمل معاوية بن أبي سفيان قيس بن الهيثم بن قيس بن
الصلت السلمي على خراسان، ثم عزله وولى خالد بن المعمر، فمات بقصر مقاتل أو بعين التمر.
ويقال إن معاوية ندم على توليته فبعث إليه بثوب مسموم.
ويقال بل دخلت في رجله زجاجة فنزف منها حتى مات.
ثم ضم معاوية إلى عبد الله بن عامر مع البصرة خراسان. فولى ابن عامر
قيس بن الهيثم السلمي خراسان.
505

وكان أهل بادغيس وهراة وبوشنج وبلخ على نكثهم. فسار إلى بلخ
فأخرب نوبهارها. وكان الذي تولى ذلك عطاء السائب مولى بنى الليث،
وهو الخشل. وإنما سمى عطاء الخشل. واتخذ قناطر على ثلاثة أنهار من بلخ على
فرسخ، فقيل قناطر عطاء. ثم إن أهل بلخ سألوا الصلح ومراجعة الطاعة
فصالحهم قيس، ثم قدم على ابن عامر فضربه مئة وحبسه.
واستعمل عبد الله بن خازم. فأرسل إليه أهل هراة وبوشنج وبادغيس
فطلبوا الأمان والصلح. فصالحهم وحمل إلى ابن عامر مالا.
وولى زياد بن أبي سفيان البصرة في سنة خمس وأربعين، فولى أمير بن أحمر
مرو. وخليد بن عبد الله الحنفي أبرشهر. وقيس بن الهيثم، والطالقان،
والفارياب. ونافع بن خالد الطاحي، من الأزد، هراة، وبادغيس، وبوشنج،
وقادس، من أنواران. فكان أمير أول من أسكن (ص 409) العرب مرو.
ثم ولى زياد الحكم بن عمرو الغفاري، وكان عفيفا وله صحبة. وإنما قال
لحاجبه فيل: ايتني بالحكم، وهو يريد الحكم بن أبي العاصي الثقفي. وكانت
أم عبد الله بنت عثمان بن أبي العاصي عنده، فأتاه بالحكم بن عمرو، فلما رآه تبرك
به وقال: رجل صالح من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فولاه خراسان،
فمات بها في سنة خمسين. وكان الحكم أول من صلى من وراء النهر.
994 - وحدثني أبو عبد الرحمن الجعفي قال:
سمعت عبد الله بن المبارك يقول لرجل من أهل الصغانيان، كان يطلب معنا
الحديث: أتدري من فتح بلادك؟
قال: لا.
قال: فتحها الحكم بن عمرو الغفاري.
506

ثم ولى زياد بن أبي سفيان الربيع بن زياد الحارثي سنة إحدى وخمسين
خراسان، وحول معه من أهل المصرين زهاء خمسين ألفا بعيالاتهم. وكان فيهم
بريدة بن الحصيب الأسلمي أبو عبد الله، وبمرو توفى في أيام يزيد بن معاوية.
وكان فيهم أيضا أبو برزة الأسلمي عبد الله بن نضلة وبهامات. وأسكنهم
دون النهر. والربيع أول من أمر الجند بالتناهد. ولما بلغه مقتل حجر بن عدي
الكندي غمه ذلك، فدعا بالموت فسقط من يومه، ومات سنة ثلاث وخمسين.
واستخلف عبد الله ابنه، فقاتل أهل آمل وهي آمويه وزم. ثم صالحهم ورجع
إلى مرو. فمكث بها شهرين ثم مات.
ومات زياد فاستعمل معاوية عبيد الله بن زياد على خراسان، وهو ابن خمس
وعشرين سنة. فقطع النهر في أربعة وعشرين ألفا، فأتى بيكند. وكانت
خاتون بمدينة بخارا، فأرسلت إلى الترك تستمدهم فجاءها منهم دهم، فلقيهم
المسلمون فهزموهم وحووا عسكرهم. وأقبل المسلمون يخربون ويحرقون، فبعثت إليهم
خاتون تطلب الصلح والأمان، فصالحها على ألف ألف، ودخل المدينة.
وفتح رامدين وبيكند، وبينهما فرسخان. ورامدين تنسب إلى بيكند.
ويقال أنه فتح الصغانيان. وقدم معه البصرة (ص 410) بخلق من أهل بخارا،
ففرض لهم.
ثم ولى معاوية سعيد بن عثمان بن عفان خراسان. فقطع النهر وكان. أول
من قطعه بجنده. فكان معه رفيق أبو العالية الرياحي، وهو مولى لامرأة من
بنى رياح. فقال: رفيع أبو العالية رفعة وعلو.
فلما بلغ خاتون عبوره النهر حملت إليه الصلح، وأقبل أهل السغد والترك
وأهل كش ونسف وهي نخشب إلى سعيد في مئة ألف وعشرين ألفا. فالتقوا
ببخارا، وقد ندمت خاتون على أدائها الإتاوة ونكثت العهد. فحضر عبد لبعض
أهل تلك الجموع فانصرف بمن معه، فانكسر الباقون. فلما رأت خاتون ذلك
أعطته الرهن وأعادت الصلح. ودخل سعيد مدينة بخارا.
507

ثم غزا سعيد بن عثمان سمرقند، فأعانته خاتون بأهل بخارا. فنزل على
باب سمرقند وحلف أن لا يبرح أو يفتحها ويرمى قهندزها. فقاتل أهلها ثلاثة أيام،
وكان أشد قتالهم في اليوم الثالث. ففقئت عينه وعين المهلب بن أبي صفرة.
ويقال إن عين المهلب فقئت بالطالقان. ثم لزم العدو المدينة، وقد فشت فيهم
الجراح. وأتاه رجل فدله على قصر فيه أبناء ملوكهم وعظمائهم. فسار إليهم وحصرهم.
فلما خاف أهل المدينة أن يفتح القصر عنوة ويقتل من فيه طلبوا الصلح. فصالحهم
على سبع مئة ألف درهم، وعلى أن يعطوه رهنا من أبناء عظمائهم، وعلى أن يدخل
المدينة، ومن شاء يخرج من الباب الآخر: فأعطوه خمسه عشر من أبناء ملوكهم،
ويقال أربعين، ويقال ثمانين. ورمى القهندز فثبت الحجر في كوته.
ثم انصرف.
فلما كان بالترمذ حملت إليه خاتون الصلح. وأقام على الترمذ حتى
فتحها صلحا.
ثم لما قتل عبد الله بن خازم السلمي أتى موسى ابنه ملك الترمذ فأجاره وألجأه
وقوما كانوا معه، فأخرجه عنها وغلب عليها (ص 411)، وهو مخالف.
فلما قتل صارت في أيدي الولاة. ثم انتقض أهلها ففتحها قتيبة بن مسلم.
وفى سعيد يقول مالك بن الريب:
هبت شمال خريق أسقطت ورقا * واصفر بالقاع بعد الخضرة الشيح
فارحل هديت ولا تجعل غنيمتنا * ثلجا يصفقه بالترمذ الريح
إن الشتاء عدو ما نقاتله * فأقفل هديت وثوب الدف ء مطروح
ويقال إن هذه الأبيات لنهار بن توسعة في قتيبة وأولها:
كانت خراسان أرضا إذ يزيد بها * فكل باب من الخيرات مفتوح
508

فاستبدلت قتبا جعدا أنامله * كأنما وجهه بالخل منضوخ
وكان قثم بن العباس بن عبد المطلب مع سعيد بن عثمان، فتوفى بسمرقند.
ويقال استشهد بها. فقال عبد الله بن العباس حين بلغته وفاته: شتان ما بين
مولده ومقبره. فأقبل يصلى. فقيل له: ما هذا؟ فقال: أما سمعتم الله يقول
* (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين) * (1).
995 - وحدثني عبد الله بن صالح قال: حدثنا شريك، عن جابر،
عن الشعبي قال: قدم قثم على سعيد بن عثمان بخراسان. فقال له سعيد:
أعطيك من المغنم ألف سهم. فقال: لا، ولكن أعطني سهما لي وسهما لفرسي.
قال: ومضى سعيد بالرهن الذين أخذهم من السغد حتى ورد بهم المدينة.
فدفع ثيابهم ومناطقهم إلى مواليه، وألبسهم جباب الصوف، وألزمهم السقى
والسواني والعمل. فدخلوا عليه مجلسه ففتكوا به، ثم قتلوا أنفسهم.
وفى سعيد يقول مالك بن الريب:
وما زلت يوم السغد ترعد واقفا * من الجبن حتى خفت أن تتنصرا
وقال خالد بن عقبة بن أبي معيط: (ص 412)
ألا إن خير الناس نفسا ووالدا * سعيد بن عثمان قتيل الأعاجم
فإن تكن الأيام أردت صروفها * سعيدا فمن هذا من الدهر سالم
وكان سعيد احتال لشريكه في خراج خراسان. فأخذ منه مالا، فوجه
معاوية من لقيه بحلوان، فأخذ المال منه. وكان شريكه أسلم بن زرعة، ويقال
إسحاق بن طلحة بن عبيد الله. وكان معاوية قد خاف سعيدا على خلعه ولذلك
عاجله بالعزل.

(1) سورة البقرة، الآية، 45
509

ثم ولى معاوية عبد الرحمن بن زياد خراسان. وكان شريفا. ومات معاوية
وهو عليها.
ثم ولى يزيد بن معاوية سلم بن زياد. فصالحه أهل خارزم على أربع
مئة ألف وحملوها إليه. وقطع النهر ومعه امرأته أم محمد بنت عبد الله بن عثمان بن أبي
العاصي الثقفي. وكانت أول عربية عبر بها النهر. وأتى سمرقند فأعطاه أهلها
ألف دية. وولد له ابن سماه السغدي. واستعارت امرأته من امرأة صاحب السغد
حليها فكسرته عليها وذهبت به.
ووجه سلم بن زياد وهو بالسغد جيشا إلى خجندة وفيهم أعشى همدان
فهزموا. فقال الأعشى:
ليت خيلي يوم الخجندة لم تهزم وغودرت في المكر سليبا
تحضر الطير مصرعي وتروحت إلى الله في الدماء خضيبا
ثم رجع سلم إلى مرو. ثم غزا منها فقطع النهر وقتل بندون السغدي.
وقد كان السغد جمعت له فقاتلها.
ولما مات يزيد بن معاوية التاث الناس على سلم وقالوا: بئس ما ظن
ابن سمية! إن ظن أنه يتأمر علينا في الجماعة والفتنة. كما قيل لأخيه عبيد الله
بالبصرة. فشخص عن خراسان وأتى عبد الله بن الزبير، فأغرمه أربعة آلاف
ألف درهم وحبسه.
وكان سلم يقول: ليتني أتيت الشام ولم آنف من خدمة أخي عبيد الله بن
زياد (ص 403) فكنت أغسل رجله، ولم آت ابن الزبير.
فلم يزل بمكة حتى حصر ابن الزبير الحجاج بن يوسف. فنقب السجن وصار
إلى الحجاج، ثم إلى عبد الملك. فقال له عبد الملك: أما والله لو أقمت بمكة ما كان لها
وال غيرك، ولا كان بها عليك أمير. وولاه خراسان. فلما قدم البصرة مات بها.
510

996 - قالوا: وقد كان عبد الله بن خازم السلمي تلقى سلم بن زياد منصرفه
من خراسان بنيسابور. فكتب له سلم عهدا عنى خراسان، وأعانه بمئة ألف درهم.
فاجتمع جمع كثير من بكر بن وائل وغيرهم فقالوا: على ما يأكل هؤلاء خراسان
دوننا؟ فأغاروا على ثقل ابن خازم فقاتلوهم عنه فكفوا.
وأرسل سليمان بن مرثد، أحد بنى سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس
ابن ثعلبة بن عكابة من المراثد بن ربيعة، إلى ابن خازم: إن العهد
الذي معك لو استطاع صاحبه أن يقيم بخراسان لم يخرج عنها ويوجهك. وأقبل
سليمان فنزل بمشرعة سليمان، وابن خازم بمرو، واتفقا على أن يكتبا إلى ابن الزبير
فأيهما أمره فهو الأمير. ففعلا، فولى ابن الزبير عبد الله بن خازم خراسان.
قدم إليه بعهده عروة بن قطبة بعد ستة أشهر. فأبى سليمان أن يقبل ذلك وقال:
ما ابن الزبير بخليفة، وإنما هو رجل عائذ بالبيت. فحاربه ابن خازم وهو في
ستة آلاف، وسليمان في خمسة عشر ألفا. فقتل سليمان، قتله قيس بن عاصم
السلمي واحتز رأسه. وأصيب من أصحاب ابن خازم رجال. وكان شعار
ابن خازم: حمر لا ينصرون. وشعار سليمان: يا نصر الله اقترب.
واجتمع فل سليمان إلى عمر بن مرثد بالطالقان. فسار إليه ابن خازم فقاتله
فقتله. واجتمعت ربيعة إلى أوس بن ثعلبة بهراة، فاستخلف ابن خازم موسى
ابنه، وسار إليه، وكانت بين أصحابهما وقائع، واغتنمت الترك ذلك فكانت
تغير حتى بلغت قرب نيسابور. ودس ابن خازم إلى (ص 414) أوس من سمه
فمرض. واجتمعوا للقتال، فحض ابن خازم أصحابه فقال: اجعلوه يومكم،
واطعنوا الخيل من مناخرها، فإنه لم يطعن فرس قط في منخره إلا أدبره فاقتتلوا
قتالا شديدا، وأصابت أوسا جراحة، وهو عليل، فمات منها بعد أيام. وولى ابن
خازم ابنه محمدا هراة، وجعل على شرطته بكير بن وشاح، وصفت له خراسان.
ثم إن بنى تميم هاجوا بهراة وقتلوا محمدا. فظفر أبوه عثمان بن بشر بن المحتفز
511

فقتله صبرا، وقتل رجلا من بنى تميم. فاجتمع بنو تميم فتناظروا وقالوا: ما نرى
هذا يقلع عنا، فيصير جماعة منا إلى طوس، فإذا خرج إليهم خلعه من بمرو منا.
فمضى بجير بن وفاء الصريمي من بنى تميمي إلى طوس في جماعة فدخلوا
الحصن، ثم تحولوا إلى أبرشهر وخلعوا ابن خازم. فوجه ابن خازم ثقله مع
ابنه موسى إلى الترمذ، ولم يأمن عليه من بمرو من بنى تميم.
وورد كتاب عبد الملك بن مروان على ابن خازم بولاية خراسان. فأطعم
رسوله الكتاب وقال: ما كنب لألقى الله وقد نكثت بيعه ابن حواري رسول
الله صلى الله عليه وسلم وبايعت ابن طريده.
فكتب عبد الملك إلى بكير بن وشاح بولايته خراسان. فخاف ابن خازم
أن يأتيه في أهل مرو، وقد كان بكير خلع ابن خازم وأخذ السلاح وبيت
المال ودعى أهل مرو إلى بيع عبد الملك فبايعوه.
فمضى ابن خازم بريد ابنه موسى وهو بالترمذ في عياله وثقله، فأتبعه بجير
فقاتله بقرب مرو، ودعا وكيع بن الدورقية القريعي - واسم أبيه عمية وأمه
من سبى دورق نسب إليها - بدرعه وسلاحه (ص 415) فلبسه وخرج،
فحمل على ابن خازم ومعه بجير بن وقاء فطعناه. وقعد وكيع على صدره وقال:
يا لثارات دويلة! ودويلة أخو وكيع لامه. وكان مولى لبني قريع، قتله ابن خازم
فتنخم ابن خازم في وجهه وقال: لعنك الله أتقتل كبش مضر بأخيك، علج
لا يساوى كفا من نوى.
وقال وكيع:
ذقى يا بن عجلى مثل ما قد أذقتني * ولا تحسبني كنت عن ذاك عاقلا
عجلى، أم ابن خازم، وكان يكنى أبا صالح. وكنية وكيع بن الدورقية
أبو ربيعة.
512

وقتل مع عبد الله بن خازم بناه عنبسة ويحيى. وطعن طهمان مولى
ابن خازم، وهو جد يعقوب بن داود كاتب أمير المؤمنين المهدى بعد أبي
عبيد الله.
وأتى بكير بن وشاح برأس ابن حازم فبعث به إلى عبد الملك بن مروان
فنصبه بدمشق. وقطعوا يده اليمنى وبعثوا بها إلى ولد عثمان بن بشر بن
المحتفز المزني.
وكان وكيع جافيا عظيم الخلقة. صلى يوما وبين يديه نبت فجعل يأكل
منه. فقيل له: أتأكل وأنت تصلى؟ فقال: ما كان الله أحرم بنتا أنبته بماء السماء
على طين الثرى. وكان يشرب الخمر، فعوتب عليها فقال: في الخمر تعاتبوني؟
وهي تجلو بولي حتى تصيرة كالفضة!.
997 - قالوا: وغضب قوم لابن خازم، ووقع الاختلاف، وصارت
طائفة مع بكير بن وشاح وطائفة مع بجير. فكتب وجوه أهل خراسان
وخيارهم إلى عبد الملك يعلمونه أنه لا تصلح خراسان بعد الفتنة إلا برجل من
قريش. فولى أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية
خراسان. فولى بكير بن وشاح طخارستان. ثم ولاه غزو ما وراء النهر.
ثم عزم أمية على غزو بخارا ثم إتيان موسى بن عبد الله بن خازم بالترمذ. فانصرف
بكير إلى مرو، وأخذ ابن أمية فحبسه، ودعا الناس إلى خلع أمية فأجابوه.
وبلغ ذلك أمية فصالح أهل بخارا على فدية قليلة، (ص 416) واتخذ السفن،
وقد كان بكير أحرقها، ورجع وترك موسى بن عبد الله. فقاتله بكير،
ثم صالحه على أن يوليه أي ناحية شاء. ثم بلغ أمية أنه يسعى في خلعه بعد ذلك،
513

فأمر إذا دخل داره أن يؤخذ، فدخلها فأخذ، وأمر بحبسه، فوثب به بجير
بن وفاء فقتله.
وغزا أمية الختل، وقد نقضوا بعد أن صالحهم سعيد بن عثمان فافتتحها.
ثم إن الحجاج بن يوسف ولى خراسان مع العراقين. فولى خراسان المهلب
بن أبي صفرة - واسمه ظالم بن سراق بن صبح بن العتيك من الأزد، ويكنى
أبا سعيد - سنة تسع وتسعين. فغزا مغازي كثيرة، وفتح الختل وقد انتقضت. وفتح
خجندة، فأدت إليه السغد الإتاوة. وغزا كش ونسف، ورجع فمات بزاغول
من مرو الروذ بالشوصة. وكان بدؤ علته الحزن على ابنه المغيرة بن المهلب.
واستخلف المهلب ابنه يزيد بن المهلب. فغزا مغازي كثيرة، وفتح البتم على
يد مخلد بن يزيد بن المهلب.
وولى الحجاج يزيد بن المهلب. وصار عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة
ابن الحارث بن عبد المطلب إلى هراة في فل ابن الأشعث وغيرهم، وكان خرج
مع ابن الأشعث. الرقاد العتكي، وجبى الخراج. فسار إليه يزيد فاقتتلوا،
فهزمهم يزيد وأمر بالكف عن اتباعهم، ولحق الهاشمي بالسند.
وغزا يزيد خارزم وأصب سبيا. فلبس الجند ثياب السبي فماتوا من البرد.
ثم ولى الحجاج المفضل بن المهلب بن أبي صفرة. ففتح بادغيس وقد
انتقضت، وشومان وأخرون، وأصاب غنائم قسمها بين الناس.
998 - قالوا: وكان موسى بن عبد الله بن خازم السلمي بالترمذ.
فأتى سمرقند فأكرمه ملكها طرخون. فوثب رجل من أصحابه على رجل
من السغد فقتله، فأخرجه ومن معه وأتى صاحب كش. ثم أتى الترمذ، وهو
حصن (ص 417) فنزل على دهقان الترمذ، وهيأ له طعاما. فلما أكل اضطجع
514

فقال له الدهقان: أخرج. فقال: لست أعرف منزلا مثل هذا. وقاتل أهل
الترمذ حتى غلب عليها. فخرج دهقانها وأهلها إلى الترك يستنصرونهم فلم
ينصروهم، وقالوا: لعنكم الله! فما ترجون بخير. أتاكم رجل في مئة وأخرجكم
عن مدينتكم وغلبكم عليها.
وقد تتام أصحاب موسى إليه ممن كان مع أبيه وغيرهم. ولم يزل صاحب
الترمذ وأهلها بالترك حتى أعانوهم وأطافوا جميعا بموسى ومن معه، فبيتهم موسى
وحوى عسكرهم. وأصيب من المسلمين ستة عشر رجلا. وكان ثابت وحريث
ابنا قطبة الخزاعيان مع موسى. فاستجاشا طرخون وأصحابه لموسى فأنجده
وأنهض إليه بشرا كثيرا. فعظمت دالتهما عليه، وكانا الآمرين والناهين في
عسكره. فقيل له: إنما لك الاسم وهذان صاحبا العسكر والامر.
وخرج إليه من أهل الترمذ خلق من الهياطلة والترك، واقتتلوا قتالا شديدا،
فغلبهم المسلمون ومن معهم. فبلغ ذلك الحجاج فقال: الحمد لله الذي نصر
المنافقين على المشركين.
وجعل موسى من رؤوس من قاتله جوسقين عظيمين. وقتل حريث
ابن قطبة بنشابة أصابته. فقال أصحاب موسى لموسى: قد أراحنا الله من حريث
فأرحنا من ثابت، فإنه لا يصفو عيش معه.
وبلغ ثابتا ما يخوضون فيه، فلما استثبته لحق بحشورا واستنجد طرخون
فأنجده. فنهض إليه موسى، فغلب على ربض المدينة. ثم كثرت أمداد السغد،
فرجع إلى الترمذ فتحصن بها، وأعانه أهل كش ونسف وبخارا. فحصر
ثابت موسى وهو في ثمانين ألفا.
فوجه موسى يزيد بن هزيل كالمعزي لزياد القصير الخزاعي، وقد أصيب
بمصيبة (ص 418) فالتمس الغرة من ثابت فضربه بالسيف على رأسه ضربة
515

عاش بعدها سبعة أيام ثم مات. وألقى يزيد نفسه في نهر الصغانيان فنجا. وقام
طرخون بأمر أصحابه. فبيتهم موسى، فرجعت الأعاجم إلى بلادها.
وكان أهل خراسان يقولون: ما رأينا مثل موسى، قاتل مع أبيه سنتين
لم يفل.
ثم أتى الترمذ فغلب عليها وهو في عدة يسيرة وأخرج ملكها عنها.
ثم قاتل الترك والعجم فهزمهم وأوقع بهم.
فلما عزل يزيد بن المهلب وتولى المفضل بن المهلب خراسان وجه عثمان بن مسعود.
فسار حتى نزل جزيرة بالترمذ تدعى اليوم جزيرة عثمان، وهو في خمسة عشر ألفا.
فضيق على موسى، وكتب إلى طرخون فقدم عليه.
فلما رأى موسى الذي ورد عليه خرج من المدينة وقال لأصحابه الذين خلفهم
فيها: إن قتلت فادفعوا المدينة إلى مدرك بن المهلب ولا تدفعوها إلى ابن مسعود.
وحال الترك والسغد بين موسى والحصن، وعثر به فرسه فسقط، فارتدف خلف
مولى له وجعل يقول: الموت كريه. فنظر إليه عثمان فقال: وثبة موسى ورب
الكعبة! وقصد له حتى سقط ومولاه، فانطووا عليه فقتلوه، وقتل أصحابه،
فلم ينج منهم إلا رقية بن الحر، فإنه دفعه إلى خالد بن أبي برزة الأسلمي.
وكان الذي أجهز على موسى بن عبد الله واصل بن طيسلة العنبري.
ودفعت المدينة إلى مدرك بن المهلب. وكان قتله في آخر سنة خمس وثمانين.
وضرب رجل ساق موسى وهو قتيل فلما ولى قتيبة قتله.
999 - قالوا: ثم ولى الحجاج قتيبة بن مسلم الباهلي خراسان. فخرج
يريد آخرون. فلما كان بالطالقان تلقاه دهاقين بلخ فعبروا معه النهر، فأتاه حين
عبر النهر ملك الصغانيان بهدايا ومفتاح من ذهب، وأعطاه الطاعة ودعاه إلى
516

نزول بلاده. وكان ملك أخرون وشومان قد ضيق على الصغانيان وغزاه، فلذلك
أعطى قتيبة ما أعطاه (ص 419) ودعاه إلى ما دعاه إليه.
وأتى قتيبة ملك كفيان بنحو ما أتاه به ملك الصغانيان، وسلما إليه بلديهما.
فانصرف قتيبة إلى مرو وخلف أخاه صالحا على ما وراء النهر.
ففتح صالح كاسان واورشت، وهي من فرغانة. وكان نصر بن سيار معه
في جيشه. وفتح بيعنخر (؟) وفتح خشكت من فرغانة، وهي مدينتها القديمة.
وكان آخر من فتح كاسان وأورشت وقد انتقض أهلها نوح بن أسد في خلافة
أمير المؤمنين المنتصر بالله رحمه الله.
1000 - قالوا: وأرسل ملك الجوزجان إلى قتيبة فصالحه على أن يأتيه.
فصار إليه ثم رجع فمات بالطالقان.
ثم غزا قتيبة بيكند سنة سبع وثمانين ومعه نيزك، فقطع النهر من زم إلى
بيكند وهي أدنى مدائن بخارا إلى النهر. فغدروا واستنصروا السغد فقاتلهم وأغار
عليهم وحصرهم. فطلبوا الصلح ففتحها عنوة.
وغزا قتيبة تومشكت وكرمينية سنة ثمان وثمانين. واستخلف على مرو بشار
ابن مسلم أخاه، فصالحهم وافتتح حصونا صغارا.
وغزا قتيبة بخارا ففتحها على صلح.
وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: أتى قتيبة بخارا فاحترسوا منه. فقال:
دعوني أدخلها فأصلي بها ركعتين. فأذنوا له في ذلك. فأكمن لهم قوما فلما
دخلوا كاثروا أهل الباب ودخلوا. فأصاب فيها مالا عظيما وغدر بأهلها.
قال: وأوقع قتيبة بالسغد، وقتل نيزك بطخارستان وصلبه، وافتتح كش
ونسف وهي نخشب صلحا.
517

1001 - قالوا. وكان ملك خارزم ضعيفا. وكان أخوه خرزاد قد ضاده
وقوى عليه. فبعث ملك خارزم إلى قتيبة: إني أعطيتك كذا وكذا وأدفع
إليك المفاتيح على أن تملكني على بلادي دون أخي. وخارزم ثلاث مدائن
يحاط بها فارقين (؟) ومعدينة الفيل أحصنها.
وقال على بن مجاهد: إنما مدينة الفيل سمرقند.
فنزل الملك أحصن المدائن، وبعث إلى قتيبة بالمال الذي صالحه عليه،
وبالمفاتيح. فوجه قتيبة أخاه عبد الرحمن بن مسلم إلى خرزاد فقاتله فقتله، وظفر
بأربعة آلاف أسير فقاتلهم. وملك ملك خارزم الأول على ما شرط له. فقال
له أهل مملكته: إنه ضعيف. ووثبوا عليه فقتلوه. فولى قتيبة أخاه عبيد الله
ابن مسلم خوارزم.
وغزا قتيبة سمرقند، وكانت ملوك السغد تنزلها قديما ثم نزلت اشتيخن.
فحصر قتيبة أهل سمرقند، والتقوا مرارا فاقتتلوا. وكتب ملك السغد إلى ملك
الشاش وهو مقيم بالطاربند فأتاه في خلق من مقاتلته. فلقيهم المسلمون فاقتتلوا
أشد قتال. ثم إن قتيبة أوقع بهم وكسرهم، فصالحه غوزك على ألفي ألف
ومائتي ألف درهما في كل عام، وعلى أن يصلى في المدينة. فدخلها وقد اتخذ له
غوزك طعاما، فأكل وصلى واتخذ مسجدا، وخلف بها جماعة من المسلمين فيهم
الضحاك بن مزاحم صاحب التفسير.
ويقال: إنه صالح قتيبة على سبع مئة ألف درهم، وضيافة المسلمين ثلاثة أيام.
وكان في صلحه بيوت الأصنام والنيران. فأخرجت الأصنام فسلبت حليتها
وأحرقت. وكانت الأعاجم تقول: إن فيها أصناما من استخف بها هلك. فلما
حرقها قتيبة بيده أسلم منهم خلق. فقال المختار بن كعب الجعفي في قتيبة:
518

دوخ السغد بالقبائل حتى * ترك السغد بالعراء قعودا
(ص 421)
وقال أبو عبيدة وغيره: لما استخلف عمر بن عبد العزيز وفد عليه قوم من
أهل سمرقند فرفعوا إليه أن قتيبة دخل مدينتهم وأسكنها المسلمين على غدر.
فكتب عمر إلى عامله يأمره أن ينصب لهم قاضيا ينظر فيما ذكروا. فإن قضى
بإخراج المسلمين أخرجوا. فنصب لهم جميع بن حاضر الناجي. فحكم باخراج
المسلمين على أن ينابذوهم على سواء. فكره أهل مدينة سمرقند الحرب وأقروا
المسلمين، فأقاموا بين أظهرهم.
وقال الهيثم بن عدي: حدثني ابن عياش الهمذاني قال: فتح قتيبة عامة
الشاش وبلغ أسبيجاب. وقيل: كان فتح حصن أسبيجاب قديما، ثم غلب عليه
الترك ومعهم قوم من أهل الشاش. ثم فتحة نوح بن أسد في خلافة أمير
المؤمنين المعتصم بالله، وبنى حوله سورا يحيط بكروم أهله ومزارعهم.
وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: فتح قتيبة خارزم، وفتح سمرقند عنوة.
وقد كان سعيد بن عثمان صالح أهلها، ففتحها قتيبة بعده. ولم يكونوا نقضوا
ولكنه استقل صلحهم.
قال: وفتح بيكند، وكش، ونسف، والشاش، وغزا فرغانة ففتح
بعضها، وغزا السغد، وأشرو سنة.
1002 - قالوا: وكان قتيبة مستوحشا من سليمان بن عبد الملك. وذلك
أنه سعى في بيعة عبد العزيز بن الوليد فأراد دفعها عن سليمان. فلما مات الوليد
وقام سليمان خطب الناس فقال: إنه قد وليكم هبنقة العائشي. وذلك أن
سليمان كان يعطى ويصطنع أهل النعم واليسار ويدع من سواهم. وكان هبنقة، وهو
519

يزيد بن ثروان، يؤثر سمان إبله بالعلف والمرعى ويقول: أنا لا أصلح ما أفسد
الله. ودعا الناس إلى خلعه. فلم يجبه أحد إلى ذلك. فشتم بنى تميم ونسبهم إلى
الغدر، وقال: لستم بنى تميم ولكنكم من بنى ذميم.
وذم بنى بكر بن وائل وقال: يا إخوة مسيلمة.
وذم الأزد (ص 422) فقال: بدلتم الرماح بالمرادي، وبالسفن أعنة الحصن.
وقال: يا أهل السافلة ولا أقول أهل العالية! لأضعنكم بحيث وضعكم الله.
قال: فكتب سليمان إلى قتيبة بالولاية وأمره بإطلاق كل من في حبسه،
وأن يعطى الناس أعطياتهم، ويأذن لمن أراد القفول في القفول. وكانوا متطلعين إلى
ذلك. وأمر رسوله باعلام الناس ما كتب به. فقال قتيبة: هذا من تدبيره على. وقام
فقال: أيها الناس! إن سليمان قدمنا كم مخ أعضاد البعوض، وانكم
ستدعون إلى بيعة أنور صبي لا تحل ذبيحته. وكانوا حنقين عليه لشتمه إياهم.
فاعتذر من ذلك وقال: إني غضبت فلم أدر ما قلت، وما أردت لكم إلا الخير
فتكلموا وقالوا: إن أذن لنا في القفول كان خيرا له، وإن لم يفعل فلا يلومن
إلا نفسه. وبلغه ذلك فخطب الناس فعدد احسانه إليهم، وذم قلة وفائهم له،
وخلافهم عليه، وخوفهم بالأعاجم الذين استظهر بهم عليهم. فأجمعوا على
حربه ولم يجيبوه بشئ. وطلبوا إلى الحضين بن المنذر أن يولوه أمرهم فأبى،
وأشار عليهم بوكيع بن حسان بن قيس بن أبي سود بن كلب بن عوف بن
مالك بن غدانة بن يربوع بن حنظلة التميمي، وقال: لا يقوى على هذا الامر
غيره، لأنه أعرابي جاف، تطيعه عشيرته وهو من بنى تميم، وقد قتل قتيبة بنى
الأهتم فهم يطلبونه بدمائهم.
فسعوا إلى وكيع فأعطاهم يده، فبايعوه. وكان السفير بينه وبينهم قبل ذلك
حيان مولى مصقلة، وبخراسان يومئذ من مقاتلة أهل البصرة أربعون ألفا،
ومن أهل الكوفة سبعة آلاف، ومن الموالى سبعة آلاف.
520

وإن وكيعا تمارض ولزم منزله. فكان قتيبة يبعث إليه وقد طلى رجليه
وساقه بمغرة فيقول: أنا عليل لا تمكنني الحركة.
وكان إذا أرسل إليه قوما يأتونه به تسللوا وأتوا وكيعا فأخبروه (ص 423)
فدعا وكيع بسلاحه وبرمح، وأخذ خمار أم ولده فعقده عليه. ولقيه
رجل يقال له إدريس فقال له: يا أبا مطرف! إنك تريد أمرا وتخاف ما قد
أمنك الرجل منه، فالله الله. فقال وكيع: هذا إدريس رسول إبليس! أقتيبة
يؤمنني؟ والله لا آتيه حتى أوتى برأسه.
ودلف نحو فسطاط قتيبة، وتلاحق به الناس، وقتيبة في أهل بيته وقوم
وفواله. فقال صالح أخوه لغلامه: هات قوسي. فقال له بعضم وهو يهزأ: أنه ليس
هذا يوم قوس. ورماه رجل من بنى ضبة فأصاب رهابته فصرع وأدخل الفسطاط
فقضى، وقتيبة عند رأسه. وكان قتيبة يقول لحيان، وهو على الأعاجم. احمل.
فيقول: لم يأن ذلك بعد.
وحملت العجم على العرب. فقال حيان: يا معشر العجم! لم تقتلون أنفسكم
لقتيبة؟ الحسن بلائه عندكم؟ فانحاز بهم إلى بنى تميم. وتهايج الناس وصبر مع
قتيبة اخوته، أهل بيته وقوم من أبناء ملوك السغد أنفوا من خذلانه. وقطعت
أطناب الفسطاط وأطناب الفازة فسقطت على قتيبة أو سقط عمود الفازة على
هامته فقتله. فاحتز رأسه عبد الله بن علوان.
وقال قوم منهم هشام بن الكلبي: بل دخلوا عليه، فسطاطه فقتله جهم بن
زحر الجعفي، وضربه سعد بن مجد، واحتز رأسه ابن علوان.
1003 - قالوا: وقتل معه جماعة من إخوته وأهل بيته وأم ولده الصماء.
ونجا ضرار بن مسلم، أمنه بنو تميم.
521

وأخذت الأزد رأس قتيبة وخاتمة. وأتى وكيع برأس قتيبة فبعث به إلى
سليمان مع سليط بن عطية الحنفي.
وأقبل الناس يسلبون باهلة فمنع من ذلك.
وكتب وكيع إلى أبى مجلز لاحق بن حميد بعهده على مرو فقبله، ورضى
الناس به.
وكان قتيبة يوم قتل ابن خمس وخمسين سنة.
ولما قبل وكيع بن أبي سود بصارم بخراسان (؟) وضبطها أراد سليمان
توليته إياها فقيل له: إن وكيعا ترفعه الفتنة (ص 424) وتضعه الجماعة، وفيه
جفاء وأعرابية.
وكان وكيع يدعو بطست فيبول والناس ينظرون إليه. فمكث تسعة
أشهر، حتى قدم عليه يزيد بن المهلب وكان بالعراق. فكتب إليه سليمان
أن يأتي خراسان، وبعث إليه بعهده. فقدم يزيد مخلدا ابنه فحاسب وكيعا
وحبسه وقال له: أد مال الله. فقال: أو خازنا لله كنت؟.
وغزا مخلد البتم ففتحها. ثم نقضوا بعده فتركهم ومال عنهم، فطمعوا
في انصرافه، ثم كر عليهم حتى دخلها. ودخلها جهم بن زحر وأصاب بها
مالا وأصناما من ذهب، فأهل البتم ينسبون إلى ولائه.
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: كانوا يرون أن عبد الله بن عبد الله بن الأهتم
أبا خاقان قد كتب إلى الحجاج يسعى بقتيبة، ويخبر بما صار إليه من المال،
وهو يومئذ خليفة قتيبة على مرو. وكان قتيبة إذا غزا استخلفه على مرو. فلما
كانت غزوة بخارا وما يليها واستخلفه، أتاه بشير، أحد بنى الأهتم، فقال له:
إنك قد انبسطت إلى عبد الله وهو ذو غوائل حسود، فلا نأمنه أن يعزلك
فيستفسدنا.
522

قال: إنما قلت هذا حسدا لابن عمك.
قال: فليكن عذري عندك، فإن كان ذلك عذرتني.
وغزا، فكتب بما كتب به إلى الحجاج. فطوى الحجاج كتابه في كتابه
إلى قتيبة. فجاء الرسول حتى نزل السكة بمرو وجاوزها ولم يأت عبد الله. فأحس
بالشر، فهرب فلحق بالشام، فمكث زمينا يبيع الخمر والكتانيات في رزمة
على عنقه يطوف بها. ثم إنه وضع خرقة وقطنة على إحدى عينيه ثم عصبها
واكتنى بأبي طينة. وكان يبيع الزيت. فلم يزل على هذه الحال حتى هلك
الوليد بن عبد الملك وقام سليمان، فألقى عنه ذاك الدنس والخرقة. وقام بخطبة تهنئة
لسليمان ووقوعا في الحجاج وقتيبة. وكانا قد بايعا لعبد العزيز بن الوليد وخلعا
سليمان. فتفرق الناس وهم يقولون: أبو طينة الزيات أبلغ الناس.
فلما انتهى إلى قتيبة كتاب ابن الأهتم إلى الحجاج وقد فاته، عكر على بنى
عمه وبنيه. وكان أحدهم شيبة أبو شبيب فقتل تسعة أناسي منهم أحدهم بشير.
فقال له بشير: أذكر عذري عندك فقال: قدمت رجلا وأخرت رجلا يا عدو الله!
فقتلهم جميعا.
وكان وكيع بن أبي سود قبل ذلك على بنى تميم بخراسان. فعزله عنهم قتيبة
واستعمل رجلا من بنى ضرار الضبي. فقال حين قتلهم: قتلني الله أنا أقتله.
وتفقدوه فلم يصل الظهر ولا العصر. فقالوا له: إنك لم تصل. فقال: وكيف
أصلى لرب قتل منا عامتهم صبيان ولم يغضب لهم.
وقال أبو عبيدة: غزا قتيبة مدينة فيل ففتحها. وقد كان أمية بن عبد الله
ابن خالد بن أسيد فتحها. ثم نكثوا، ورامهم يزيد بن المهلب فلم يقدر عليها:
فقال كعب الأشقري:
أعطتك فيل بأيديها وحق لها * ورامها قبلك الفجفاجة الصلف
523

يعنى يزيد بن المهلب.
1004 - قالوا: ولما استخلف عمر بن عبد العزيز كتب إلى ملوك
ما وراء النهر يدعوهم إلى الاسلام. فأسلم بعضهم وكان عامل عمر على
خراسان الجراح بن عبد الله الحكمي. فأخذ مخلد بن يزيد وعمال يزيد
فحبسهم. ووجه الجراح عبد الله بن معمر اليشكري إلى ما وراء النهر،
فأوغل في بلاد العود، وهم بدخول الصين، فأحاطت به الترك حتى
افتدى منهم وتخلص وصار إلى الشاش.
ورفع عمر الخراج على من أسلم بخراسان، وفرض لمن أسلم، وابتنى
الخانات.
ثم بلغ عمر عن الجراح عصبية، وكتب إليه إنه لا يصلح أهل خرسان
إلا السيف. فأنكر ذلك وعزله. وكان عليه دين (ص 426) فقضاه. وولى
عبد الرحمن بن نعيم الغامدي حرب خراسان، وعبد الرحمن بن عبد الله
القشيري خراجها.
قال: وكان الجراح بن عبد الله يتخذ نقرا من فضة وذهب ويصيرها
تحت بساط في مجلسه على أوزان مختلفة. فإذا دخل عليه الداخل من إخوته
والمعتزين به رمى إلى كل امرئ منهم مقدار ما يؤهل له.
ثم ولى يزيد بن عبد الملك، فولى مسلمة بن عبد الملك العراق وخراسان.
فولى مسلمة سعيد بن عبد العزيز بن الحارث بن الحكم بن أبي العاصي بن أمية
خراسان، وسعيد هذا يلقب حذيفة. وذلك أن بعض دهاقين ما وراء النهر
دخل عليه وعليه معصفر وقد رجل شعره. فقال: هذا خذينة. يعنى دهقانة.
وكان سعيد صهر مسلمة على ابنته. فقدم سعيد سورة بن الحر الحنظلي،
524

ثم ابنه، فتوجه إلى ما وراء النهر فنزل اشتيخن وقد صارت الترك إليها.
فحاربهم وهزمهم، ومنع الناس من طلبهم حينا.
ثم لقي الترك ثانية فهزموهم وأكثروا القتل في أصحابه. وولى سعيد نصر
ابن سيار. وفى سعيد يقول الشاعر:
فسرت إلى الأعداء تلهو بلعبة * فأيرك مشهور وسيفك مغمد
وشخص قوم من وجوه أهل خراسان إلى مسلمة يشكون سعيدا فعزله.
وولى سعيد بن عمرو الجرشي خراسان. فلما قدمها أمر كاتبه بقراءة عهده،
وكان لحانا. فقال سعيد: أيها الناس! إن الأمير برئ مما تسمعون من هذا
اللحن. ووجه إلى السغد يدعوهم إلى الفئة والمراجعة، وكف عن مهايجتهم حتى
أتته رسله بإقامتهم على خلافه. فزحف إليهم فانقطع عن عظيمهم زهاء عشرة
آلاف رجل، وفارقوهم مائلين إلى الطاعة، وافتتح الجرشي عامة حصون السغد
ونال من العدو نيلا شافيا.
وكان يزيد بن عبد الملك ولى عهده (ص 427) هشام بن عبد الملك
والوليد بن يزيد بعده، فلما مات يزيد بن عبد الملك قام هشام. فولى عمر
ابن هبيرة الفزاري العراق فعزل الجرشي واستعمل على خراسان مسلم بن سعيد.
فغزا أفشين، فصالحه على ستة آلاف رأس، ودفع إليه قلعته، ثم انصرف إلى
مرو. وولى طخارستان نصر بن سيار فخالفه خلق من العرب فأوقع بهم، ثم
سفرت بينهم السفراء فاصطلحوا.
واستعمل هشام خالد بن عبد الله القسري على العراق. فولى أسد بن
عبد الله أخاه خراسان. وبلغ ذلك مسلم بن سعيد فسار حتى أتى فرغانة، فأناخ
على مدينتها، فقطع الشجر، وأخرب العمارة، وانحدر عليه خاقان الترك في عسكره،
525

فارتحل عن فرغانة. وسار في يوم واحد ثلاث مراحل، حتى ماتت دوابه،
وتطرفت الترك عسكره. فقال بعض الشعراء:
غزوت بنا من خشية العزل عاصيا * فلم تنج من دنيا معن غرورها
وقدم أسد سمرقند. فاستعمل عليها الحسن بن أبي العمرطة. فكانت
الترك تطرق سمرقند وتغير. وكان الحسن ينفر كلما أغاروا فلا يلحقهم. فخطب
ذات يوم فدعا على الترك في خطبته فقال: اللهم اقطع آثارهم، وعجل أقدارهم،
وأنزل عليهم الصبر. فشتمه أهل سمرقند وقالوا: لا بل أنزل الله علينا الصبر
وزلزل أقدامهم.
وغزا أسد جبال نمرود. فصالحه نمرود وأسلم. وغزا الختل، فلما قدم بلخ أمر
ببناء مدينتها، ونقل الدواوين إليها. وصار إلى الختل فلم يقدر منها على شئ.
وأصاب الناس ضر وجوع: وبلغه عن نصر بن سيار كلام فضربه وبعث به
إلى خالد مع ثلاثة نفر اتهموا بالشغب. ثم شخص أسد عن خراسان وخلف
عليها الحكم بن عوانة الكلبي:
واستعمل هشام أشرس بن عبد الله السلمي على خراسان. وكان معه كاتب
نبطي (ص 428) يسمى عميرة، ويكنى أبا أمية. فزين له الشر. فزاد
أشرس في وظائف خراسان واستخف بالدهاقين، ودعا أهل ما وراء النهر إلى
الاسلام، وأمر بطرح الجزية عن من أسلم. فسارعوا إلى الاسلام وانكسر
الخراج. فلما رأى أشرس ذلك أخذ المسالمة. فأنكروا ذلك وألاحوا منه.
وغضب لهم ثابت قطنة الأزدي. وإنما قيل له قطنة لان عينه فقئت فكان
يضع عليها قطنة. فبعث إليهم أشرس من فرق جمعهم. وأخذنا ثابتا فحبسه ثم خلاه
بكفالة ووجهه في وجه، فخرجت عليه الترك فقتلته.
526

واستعمل هشام في سنة 112 الجنيد بن عبد الرحمن المري على خراسان.
فلقي الترك فحاربهم، ووجه طلائع له فظفروا بابن خاقان وهو سكران يتصيد.
فأخذوه فأتوا به الجنيد بن عبد الرحمن. فبعث به إلى هشام. ولم يزل يقاتل
الترك حتى دفعهم. فكتب إلى هشام يستمده فأمده بعمرو بن مسلم في عشرة
آلاف رجل من أهل البصرة، وبعبد الرحمن بن نعيم في عشرة آلاف من
أهل الكوفة، وحمل إليه ثلاثين ألف قناة وثلاثين ألف ترس. وأطلق يده
في الفريضة، ففرض لخمسة عشر ألف رجل. وكانت للجنيد مغاز، وانتشرت
دعاة بنى هاشم في ولايته وقوى أمرهم. وكانت وفاة الجنيد بمرو.
وولى هشام خراسان عاصم بن عبد الله بن يزيد الهلالي.
وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: التاثت نواح من طخارستان فتحها الجنيد
ابن عبد الرحمن وردها إلى صلحها ومقاطعتها.
قال: وكان نصر بن سيار غزا اشرو سنة أيام مروان بن محمد، فلم يقدر
على شئ منها. فلما استخلف أمير المؤمنين العباس رحمه الله ومن بعده من
الخلفاء كانوا يولون عمالهم فينقصون حدود أرض العدو وأطرافها، ويحاربون
من نكث البيعة ونقض العهد من أهل القبلة، ويعيدون (ص 429) مصالحة
من امتنع من الوفاء بصلحه بنصب الحرب له.
1005 - قالوا: ولما استخلف المأمون أمير المؤمنين أغزى السغد
وأشروسنة ومن انتقض عليه من أهل فرغانة الجند، وألح عليهم بالحروب
وبالغارات أيام مقامه بخراسان وبعد ذلك. وكان مع تسريبه الخيول إليهم
يكاتبهم بالدعاء إلى الاسلام والطاعة والترغيب فيهما.
ووجه إلى كابل شاه جيشا فأدت الإتاوة وأذعن بالطاعة. واتصل إليها
البريد حتى حمل إليه منا أهليلج وصل رطبا.
527

وكان كاوس ملك اشروسنة كتب إلى الفضل بن سهل، المعروف بذى
الرياستين، وهو وزير المأمون وكاتبه، يسأله الصلح على مال يؤديه على أن
لا يغزي المسلمين بلده. فأجيب إلى ذلك. فلما قدم المأمون رحمه الله إلى
مدينة السلام امتنع كاوس من الوفاء بالصلح. وكان له قهرمان أثير عنده قد
زوج ابنته من الفضل بن كاوس. فكان يقرظ الفضل عنده ويقربه من قلبه
ويذم حيدر بن كاوس المعروف بالأفشين ويشنعه. فوثب حيدر على القهرمان
فقتله على باب كنب مدينتهم، وهر إلى هاشم بن محور الختلي. وكان هاشم
ببلده مملكا عليه. فسأله أن يكتب إلى أبيه في الرضى عليه.
وكان كاوس قد زوج أم جنيد حين قتل قهرمانه طراديس، وهرب ببعض
دهاقينه. فلما بلغ حيدر ذلك أظهر الاسلام وشخص إلى مدينة السلام، فوصف
للمأمون سهولة الامر في أشر وسنة، وهون عليه ما يهوله الناس من خبرها،
ووصف له طريقا مختصرة إليها. فوجه المأمون أحمد بن أبي خالد الأحول
الكاتب لغزوها في جيش عظيم. فلما بلغ كاوس اقباله نحوه بعث الفضل
ابن كاوس إلى الترك يستنجدهم، فأنجده منهم الدهم. وقدم أحمد (ص 430)
ابن أبي خالد بلد اشروسنة، فأناخ على مدينتها قبل موافاة الفضل بالأتراك.
فكان تقدير كاوس فيه أن يسلك الطرق البعيدة، وأنه لا يعرف هذه الطريق
المختصرة، فسقط في يده ونخب قلبه فاستسلم، وخرج في الطاعة. وبلغ الفضل
خبره فانحاز بالأتراك إلى مفازة هناك، ثم فارقهم وسار جادا حتى أتى أباه
فدخل في أمانه. وهلك الأتراك عطشا. وورد كاوس مدينة السلام فأظهر
الاسلام وملكه المأمون على بلاده. ثم ملك حيدر ابنه وهو الأفشين بعده.
وكان المأمون رحمه الله يكتب إلى عماله على خراسان في غزو من لم يكن
على الطاعة والاسلام من أهل ما وراء النهر، ويوجه رسله فيفرضون لمن رغب
528

في الديوان وأراد الفريضة من أهل تلك النواحي وأبناء ملوكهم، ويستميلهم
بالرغبة، فإذا وردوا بابه شرفهم وأسنى صلاتهم وأرزاقهم.
ثم استخلف المعتصم بالله فكان على مثل ذلك، حتى صار جل شهود
عسكره من جند أهل ما وراء النهر من السغد والفراغنة والاشروسنة وأهل
الشاش وغيرهم. وحضر ملوكهم بابه، وغلب الاسلام على من هناك، وصار
أهل تلك البلاد يغزون من وراءهم من الترك. وأغزى عبد الله بن طاهر ابنه
طاهر بن عبد الله بلاد الغوزية ففتح مواضع لم يصل إليها أحد قبله.
1006 - وحدثني العمرى، عن الهيثم بن عدي،
عن ابن عياش أن قتيبة أسكن العرب ما وراء النهر حتى أسكنهم أرض
فرغانة والشاش.
529

فتوح السند
1007 - أخبرنا على بن محمد بن عبد الله بن أبي سيف قال: ولى عمر
ابن الخطاب رضي الله عنه عثمان بن أبي العاصي الثقفي البحرين وعمان سنة
خمس عشرة. فوجه أخاه (ص 431) الحكم إلى البحرين ومضى إلى عمان
فأقطع جيشا إلى تانه. فلما رجع الجيش كتب إلى عمر يعلمه ذلك. فكتب
إليه عمر: يا أخا ثقيف! حملت دودا على عود. وإني أحلف بالله إلو أصيبوا
لاخذت من قومك مثلهم.
ووجه الحكم أيضا إلى بروص. ووجه أخاه المغيرة بن أبي العاصي إلى
خور الديبل، فلقي العدو فظفر.
فلما ولى عثمان بن عفان رضي الله عنه وولى عبد الله بن عامر بن كريز
العراق كتب إليه يأمره أن يوجه إلى ثغر الهند من يعلم علمه وينصرف إليه
بخبره. فوجه حكيم بن جبلة العبدي. فلما رجع أوفده إلى عثمان، فسأله
عن حال البلاد فقال: يا أمير المؤمنين! قد عرفتها وتنحرتها.
قال: فصفها لي:
قال: ماؤها وشل، وثمرها دقل، ولصها بطل. إن قل الجيش فيها
ضاعوا، وإن كثروا جاعوا.
فقال له عثمان: أخابر أم ساجع؟
قال: بل خاير.
فلم يغزها أحدا.
530

فلما كان آخر سنة ثمان وثلاثين وأول سنة تسع وثلاثين في خلافة على
ابن أبي طالب رضي الله عنه توجه إلى ذلك الثغر الحارث بن مرة العبدي
متطوعا بإذن على. فظفر وأصاب مغنما وسبيا، وقسم في يوم واحد ألف رأس.
ثم إنه قتل ومن معه بأرض القيقان، إلا قليلا. وكان مقتله في سنة اثنتين
وأربعين. والقيقان من بلاد السند مما يلي خراسان.
ثم غزا ذلك الثغر المهلب بن أبي صفرة في أيام معاوية سنة أربع وأربعين.
فأتى بنة وألاهور، وهما بين الملتان وكابل. فلقيه العدو فقاتله ومن معه.
ولقي المهلب ببلاد القيقان ثمانية عشر فارسا من الترك على خيل محذوفة، فقاتلوه
فقتلوا جميعا، فقال المهلب: ما جعل هؤلاء الأعاجم أولى بالتمشير منا؟ فحذف
الخيل فكان أول من حذفها من المسلمين.
وفى بنة يقول الأزدي (ص 432):
ألم تر أن الأزد ليلة بيتوا * ببنة كانوا خير جيش المهلب
ثم ولى عبد الله بن عامر في زمن معاوية بن أبي سفيان عبد الله بن سوار
العبدي. ويقال ولاه معاوية من قبله ثغر الهند. فغزا القيقان فأصاب مغنما.
ثم وفد إلى معاوية وأهدى إليه خيلا قيقانية، وأقام عنده، ثم رجع إلى القيقان
فاستجاشوا الترك. فقتلوه، وفيه يقول الشاعر:
وابن سوار على علاته * موقد النار وقتال السغب
وكان سخيا لم يوقد أحد نارا غير ناره في عسكره. فرأى ذات ليلة نارا
فقال: ما هذه؟ فقالوا: امرأة نفساء يعمل لها خبيص. فأمر أن يطعم الناس
الخبيص ثلاثا.
وولى زياد بن أبي سفيان في أيام معاوية سنان بن سلمة بن المحبق الهذلي.
531

وكان فاضلا متألها. وهو أول من أحلف الجند بالطلاق. فأتى الثغر، ففتح
مكران عنوة ومصرها، وأقام بها، وضبط البلاد. وفيه يقول الشاعر:
رأيت هذيلا أحدثت في يمينها * طلاق نساء ما تسوق لها مهرا
لهان على حلفة ابن محبق * إذا رفعت أعناقها حلقا صفرا
وقال ابن الكلبي: كان الذي فتح مكران حكيم بن جبلة العبدي.
ثم استعمل زياد على الثغر راشد بن عمرو الجديدي من الأزد. فأتى
مكران، ثم غزا القيقان فظفر، ثم غزا الميد فقتل. وقام بأمر الناس سنان
ابن سلمة. فولاه زياد الثغر. فأقام به سنتين.
وقال أعشى همدان في مكران:
وأنت تسير إلى مكران * فقد شحط الورد والمصدر
ولم تك من حاجتي مكران * ولا الغزو فيها ولا المتجر
(ص 433) وحدثت عنها ولم آتها * فما زلت من ذكرها أوجر
بأن الكثير بها جائع * وأن القليل بها معور
وغزا عباد بن زياد ثغر الهند من سجستان. فأتى سناروذ. ثم أخذ على
حوى كهز إلى الروذبار من أرض سجستان إلى الهندمند. فنزل كش، وقطع
المفازة حتى أتى القندهار، فقاتل أهلها فهزمهم وفلهم، وفتحها بعد أن أصيب
رجال من المسلمين. ورأى قلانس أهلها طوالا. فعمل عليها. فسميت العبادية.
وقال ابن مفرغ:
كم بالجروم وأرض الهند من قدم * ومن سرابيل قتلى لا هم قبروا
بقندهار ومن تكتب منيته * بقندهار يرجم دونه الخبر
532

ثم ولى زياد المنذر بن الجارود العبدي، ويكنى أبي الأشعث، ثغر الهند.
فغزا البوقان والقيقان. فظفر المسلمون وغنموا. وبث السرايا في بلادهم، وفتح
قصدار وسبابها. وكان سنان قد فتحها إلا أن أهلها انتقضوا. وبها مات.
فقال الشام ر:
حل بقصدار فأضحى بها * في القبر لم يقفل مع القافلين
لله قصدار وأعنابها * أي فتى دنيا أجنت ودين
ثم ولى عبيد الله بن زياد بن حرى الباهلي. ففتح الله تلك البلاد على يده.
وقاتل بها قتالا شديدا فظفر وغنم.
وقال قوم إن عبيد الله بن زياد (ص 434) ولى سنان بن سلمة. وكان
حرى على سراياه. وفى حرى بن حرى يقول الشاعر:
لولا طعاني بالبوقان ما رجعت * منه سرايا ابن حرى بأسلاب
وأهل البوقان اليوم مسلمون. وقد بنى عمران بن موسى بن يحيى بن خالد
البرمكي بها مدينة سماها البيضاء، وذلك في خلافة المعتصم بالله.
ولما ولى الحجاج بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل الثقفي العراق ولى
سعيد بن أسلم بن زرعة الكلابي مكران وذلك الثغر. فخرج عليه معاوية
ومحمد ابنا الحارث العلافيان، فقتل. وغلب العلافيان على الثغر.
واسم علاف هو ربان بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة. وهو
أبو جرم.
فولى الحجاج مجاعة بن سعر التميمي ذلك الثغر. فغزا مجاعة فغنم، وفتح
طوائف قندابيل. ثم أتم فتحها محمد بن القاسم. ومات مجاعة بعد سنة
بمكران. قال الشاعر:
533

ما من مشاهدك التي شاهدتها * إلا يزينك ذكرها مجاعا
ثم استعمل الحجاج بعد مجاعة محمد بن هارون بن ذراع النمري. فأهدى
إلى الحجاج في ولايته ملك جزيرة الياقوت نسوة ولدن في بلاده مسلمات
ومات أباؤهن، وكانوا تجارا. فأراد التقرب بهن، فعرض للسفينة التي كن
فيها قوم من ميد الديبل في بوارج. فأخذوا السفينة بما فيها. فنادت امرأة
منهن، وكانت من بنى يربوع، يا حجاج! وبلغ الحجاج ذلك. فقال:
يا لبيك! فأرسل إلى داهر يسأله تخلية النسوة. فقال: إنما أخذهن لصوص
لا أقدر عليهم. فأغزى الحجاج عبيد الله بن نبهان الديبل، فقتل. فكتب
إلى بديل بن (ص 435) طهفة البجلي وهو بعمان يأمره أن يسير إلى الدبيل.
فلما لقيهم نفر به فرسه فأطاف به العدو فقتلوه. وقال بعضهم: قتله زط البدهة.
قال: وإنما سميت هذه الجزيرة جزيرة الياقوت لحسن وجوه نسائها.
ثم ولى الحجاج محمد بن القاسم بن محمد بن الحكم بن أبي عقيل في أيام
الوليد بن عبد الملك. فغزا السند. وكان محمد بفارس، وقد أمره أن يسير إلى
الري، وعلى مقدمته أبو الأسود جهم بن زحر الجعفي. فرده إليه وعقد له على
ثغر السند، وضم إليه ستة آلاف من جند أهل الشام، وخلقا من غيرهم، وجهزه
بكل ما احتاج إليه حتى الخيوط والمسال، وأمره أن يقيم بشيراز حتى يتتام
إليه أصحابه ويوافيه ما أعدله. وعمد الحجاج إلى القطن المحلوج فنقع في الخل
الخمر الحاذق ثم جفف في الظل. فقال: إذا صرتم إلى السند فإن الخل بها
ضيق، فأنقعوا هذا القطن في الماء ثم اطبخوا به واصطبغوا.
ويقال إن محمدا لما صار إلى الثغر كتب يشكو ضيق الخل عليهم.
فبعث إليه بالقطن المنقوع في الخل.
فسار محمد بن القسم إلى مكران فأقام بها أياما، ثم أتى قنزبور ففتحها،
534

ثم أتى أرمائيل ففتحها. وكان محمد بن هارون بن ذراع قد لقيه، فانضم إليه
وسار معه، فتوفى بالقرب منها، فدفن بقنبل.
ثم سار محمد بن القاسم من ارمائيل ومعه جهم بن زحر الجعفي فقدم
الديبل يوم جمعة، ووافته سفن كان حمل فيها الرجال والسلاح والأداة.
فخندق حين نزل الديبل، وركزت الرماح على الخندق، ونشرت الاعلام،
وأنزل (ص 436) الناس على راياتهم، ونصب منجنيقا تعرف بالعروس كان
يمد فيها خمس مئة رجل.
وكان بالديبل بد عظيم عليه دقل طويل، وعلى الدقل راية حمراء
إذا هبت الريح أطافت بالمدينة. وكانت تدور. والبد فيما ذكروا منارة عظيمة
يتخذ في بناء هلم فيه صنم لهم أو أصنام يشهر بها. وقد يكون الصنم في داخل
المنارة أيضا. وكل شئ أعظموه من طريق العبادة فهو عندهم بد. والصنم
بد أيضا.
وكانت كتب الحجاج ترد على محمد، وكتب محمد ترد عليه بصفة ما قبله
واستطلاع رأيه فيما يعمل به في كل ثلاثة أيام. فورد على محمد من الحجاج
كتاب ان انصب العروس وأقصر منها قائمة، ولتكن مما يلي المشرق، ثم ادع
صاحبها فمره أن يقصد برميته للدقل الذي وصفت لي. فرمى الدقل فكسر
فاشتدت طيرة الكفر من ذلك. ثم إن محمدا ناهضهم وقد خرجوا إليه، فهزمهم
حتى ردهم، وأمر بالسلاليم فوضعت، وصعد عليها الرجال. وكان أولهم صعودا
رجل من مراد من أهل الكوفة. ففتحت عنوة. ومكث محمد يقتل من فيها
ثلاثة أيام، وهرب عامل داهر عنها، وقتل سادنا بيت آلهتهم. واختط محمد
للمسلمين بها وبنى مسجدا وأنزلها أربعة آلاف.
535

1008 - قال أحمد بن يحيى: فحدثني منصور بن حاتم النحوي مولى آل
خالد بن أسيد أنه رأى الدقل الذي كان على منارة البد مكسورا، وأن عنبسة
ابن إسحاق الضبي العامل كان على السند في خلافة المعتصم بالله رحمه الله هدم
أعلى تلك المنارة وجعل فيها سجنا، وابتدأ في مرمة المدينة بما نقض من حجارة
تلك المنارة. فعزل قبل استتمام ذلك. وولى بعده هارون بن أبي خالد المروروذي
فقتل بها.
1009 - قالوا: وأني محمد بن القاسم البيرون. وكان أهلها بعثوا سمنيين
منهم إلى الحجاج فصالحوه. فأقاموا (ص 437) لمحمد العلوفة وأدخلوه مدينتهم،
ووفوا بالصلح. وجعل محمد لا يمر بمدينة إلا فتحها، حتى عبر نهرا دون مهران.
فأتاه سمنية سريبدس فصالحوه عن من خلفهم، ووظف عليهم الخراج، وسار
إلى سهبان ففتحها.
ثم سار إلى مهران فنزل في وسطه فبلغ ذلك داهر واستعد لمحاربته.
وبعث محمد بن القاسم محمد بن مصعب بن عبد الرحمن الثقفي إلى سدوسان
في خيل وحمارات، فطلب أهلها الأمان والصلح، وسفر بينه وبينهم السمنية
فأمنهم ووظف عليهم خرجا وأخذ منهم رهنا، وانصرف إلى محمد ومعه من
الزط أربعة آلاف، فصاروا مع محمد. وولى سدوسان رجلا.
ثم إن محمدا احتال لعبور مهران حتى عبره مما يلي بلاد راسل ملك قصة
من الهند، على جسر عقده. وداهر مستخف به لاه عنه. ولقيه محمد والمسلمون
وهو على فيل وحوله الفيلة وممه التكاكرة. فاقتتلوا قتالا شديدا لم يسمع
بمثله، وترجل داهر وقائل، فقتل عند المساء، وانهزم المشركون فقتلهم المسلمون
كيف شاؤوا. وكان الذي قتله في رواية المدائني رجلا من بنى كلاب وقال:
536

الخيل تشهد يوم داهر والقنا * ومحمد بن القاسم بن محمد
أنى فرجت الجمع غير معرد * حتى علوت عظيمهم بمهند
فتركته تحت العجاج مجدلا * متعفر الخدين غير مؤسد
1010 - فحدثني منصور بن حاتم قال: داهر والذي قتله مصوران
ببروص. وبديل بن طهفة مصور بقند، وقبره بالديبل.
1011 - وحدثني على بن محمد المدائني، عن أبي محمد الهندي،
عن أبي الفرج قال: لما قتل داهر غلب محمد بن القاسم على بلاد السند.
وقال ابن الكلبي: كان الذي قتل داهر القاسم (ص 438) بن ثعلبة بن عبد الله بن
حصن الطائي.
1012 - قالوا: وفتح محمد بن القاسم راور عنوة. وكانت بها امرأة لداهر،
فخافت أن تؤخذ فأحرقت نفسها وجواريها وجميع مالها.
ثم أتى محمد بن القاسم برهمناباذ العتيقة، وهي على رأس فرسخين من
المنصورة، ولم تكن المنصورة يومئذ، إنما كان موضعها غيضة. وكان فل داهر
ببرهمناباذ هذه فقاتلوه، ففتحها محمد عنوة، وقتل بها ثمانية آلاف، وقبل ستة
وعشرين ألفا وخلف فيها عامله وهي اليوم خراب.
وسار محمد يريد الرور وبغرور، فتلقاه أهل ساوندرى فسألوه الأمان،
إياه، واشترط عليهم ضيافة المسلمين ودلالتهم، وأهل ساوندرى اليوم
مسلمون.
ثم تقدم إلى بسمد، فصالح أهلها على مثل صلح ساوندرى.
537

وانتهى محمد إلى الرور، وهي من مدائن السند، وهي على جبل. فحصرهم
أشهرا ففتحها صلحا، على أن لا يقتلهم، ولا يعرض لبدهم وقال: ما البد
الا ككنائس النصارى واليهود وبيوت نيران المجوس. ووضع عليهم الخراج
بالرور. وبنى مسجدا.
وسار محمد إلى السكة، وهي مدينة دون بياس ففتحها. والسكة
اليوم خراب.
ثم قطع نهر بياس إلى الملتان. فقاتله أهل الملتان، فأبلى زائدة بن عمير
الطائي، وانهزم المشركون فدخلوا المدينة، وحصرهم محمد، ونفدت أزواد
المسلمين، فأكلوا الحمر. ثم أتاهم رجل مستأمن فدلهم على مدخل الماء الذي
منه شربهم، وهو ماء يجرى من نهر بسمد فيصير في مجتمع له مثل البركة في
المدينة، وهم يسمونه البلاح. فغوره، فلما (ص 439) عطشوا نزلوا على الحكم،
فقتل محمد المقاتلة، وسبى الذرية، وسبى سدنة البد وهم ستة آلاف. وأصابوا
ذهبا كثيرا. فجمعت تلك الأموال في بيت يكون عشرة أذرع في ثماني
أذرع يلقى ما أودعه في كوة مفتوحة في سطحه. فسميت الملتان فرج
بيت الذهب. والفرج الثغر.
وكان بد الملتان بدا تهدى إليه الأموال وتنذر له النذور، ويحج إليه السند
فيطوفون به ويحلقون رؤوسهم ولحاهم عنده، ويزعمون أن صنما فيه هو أيوب النبي
صلى الله عليه وسلم.
1013 - قالوا. ونظر الحجاج فإذا هو قد أنفق على محمد بن القاسم ستين
ألف ألف، ووجد ما حمل إليه عشرين ومائة ألف ألف. فقال: شفينا غيظنا وأدركنا
ثأرنا وازددنا ستين ألف ألف درهم ورأس داهر.
538

ومات الحجاج فأتت محمدا وفاته، فرجع عن الملتان إلى الرور وبغرور،
وكان قد فتحها فأعطى الناس، ووجه إلى البيلمان جيشا فلم يقاتلوا، وأعطوا
الطاعة.
وسالمه أهل سرست، وهي مغزى أهل البصرة اليوم، وأهلها الميد الذي
يقطعون في البحر.
ثم أتى محمد الكيرج فخرج إليه دوهر فقاتله، فانهزم العدو، وهرب
دوهر، ويقال قتل. ونزل أهل المدينة على حكم محمد فقتل وسبى. قال
الشاعر:
نحن قتلنا داهرا ودوهرا * والخيل تردى منسرا فمنسرا
ومات الوليد بن عبد الملك وولى سليمان بن عبد الملك. فاستعمل صالح
ابن عبد الرحمن على خراج العراق، وولى يزيد بن أبي كبشة السكسكي السند
فحمل محمد بن القاسم مقيدا مع معاوية بن المهلب. فقال محمد متمثلا:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا * ليوم كريهة وسداد ثغر
فبكى أهل الهند على محمد، وصوروه بالكيرج. فحبسه صالح بواسط
فقال: (ص 440)
فلئن ثويت بواسط وبأرضها * رهن الحديد مكبلا مغلولا
فلرب فتية فارس قد رعتها * ولرب قرن قد تركت قتيلا
وقال:
لو كنت أجمعت القرار لوطئت * إناث أعدت للوغى وذكور
وما دخلت خيل السكاسك أرضنا * ولا كان من عك على أمير
ولا كنت للعبد المزوني تابعا * فيا لك دهر بالكرام عثور
539

فعذبه صالح في رجال من آل أبي عقيل حتى قتله.
وكان الحجاج قتل آدم أخا صالح، وكان يرى رأى الخوارج.
وقال حمزة بن بيض الحنفي:
إن المروة والسماحة والندى * لمحمد بن القاسم بن محمد
ساس الجيوش لسبع عشرة حجة * يا قرب ذلك سؤددا من مولد
وقال آخر:
ساس الرجال لسبع عشرة حجة * ولداته عن ذاك في أشغال
ومات يزيد بن أبي كبشة بعد قدومه أرض السند بثمانية عشر يوما.
واستعمل سليمان بن عبد الملك حبيب بن المهلب على حرب السند. فقدمها
وقد رجع ملوك الهند إلى ممالكهم. فرجع حليشه (كذا) بن داهر إلى
برهمناباذ. ونزل حبيب على شاطئ مهران، فأعطاه أهل الرور الطاعة.
وحارب قوما فظفر بهم.
ثم مات سليمان بن عبد الملك، وكانت خلافة عمر بن عبد العزيز بعده.
فكتب إلى الملوك يدعوهم إلى الاسلام والطاعة، على أن يملكهم، ولهم
ما للمسلمين وعليهم ما عليهم. وقد كانت بلغتهم سيرته ومذهبه فأسلم حليشه
والملوك، وتسموا بأسماء العرب.
وكان عمرو بن مسلم (ص 441) الباهلي عامل عمر على ذلك الثغر فغزا
بعض الهند فظفر.
وهرب بنو المهلب إلى السند في أيام يزيد بن عبد الملك. فوجه إليهم
هلال بن أحوز التميمي، فلقيهم، فقتل مدرك بن المهلب بقندابيل. وقتل
المفضل وعبد الملك وزياد ومروان ومعاوية بنى المهلب، وقتل معاوية بن يزيد
في آخرين.
540

وولى الجنيد بن عبد الرحمن المرى من قبل عمر بن هبيرة الفزاري ثغر
السند ثم ولاه إياه هشام بن عبد الملك. فلما قدم خالد بن عبد الله القسري
العراق كتب هشام إلى الجنيد يأمره بمكاتبته.
فأتى الجنيد الديبل، ثم نزل شط مهران، فمنعه حليشه العبور، وأرسل إليه:
إني قد أسلمت وولاني الرجل الصالح بلادي، ولست آمنك.
فأعطاه رهنا وأخذ منه رهنا بما على بلاده من الخراج. ثم انهما ترادا
الرهن وكفر حليشه وحارب. وقيل إنه لم يحارب ولكن الجنيد تجنى عليه.
فأتى الهند فجع جموعا وأخذ السفن واستعد للحرب. فسار إليه الجنيد في السفن،
فالتقوا في بطيحة الشرقي، فأخذ حليشه أسيرا وقد جنحت سفينته. فقتله.
وهرب صصه بن داهر وهو يريد أن يمضى إلى العراق فيشكو غدر الجنيد،
فلم يزل الجنيد يؤنسه حتى وضع يده في يده فقتله.
وغزا الجنيد الكيرج، وكانوا قد نقضوا. فاتخذ كباشا نطاحة فصك بها
حائط المدينة حتى ثلمه، ودخلها عنوة فقتل وسبى وغنم.
ووجه العمال إلى مرمد والمندل ودهنج وبروص.
وكان الجنيد يقول: القتل في الجزع أكبر منه في الصبر.
ووجه الجنيد جيشا إلى أزين.
ووجه حبيب بن مرة في جيش إلى أرض المالية. فأغاروا على أزين، وغزوا
بهرمد فحرقوا ربضها.
وفتح الجنيد البيلمان والجزر، وحصل في منزله (ص 442) سوى ما أعطى
زواره أربعين ألف ألف وحمل مثلها. قال جرير:
أصبح زوار الجنيد وصحبه * يحيون صلت الوجه جما مواهبه
541

وقال أبو الجويرية.
لو كان يقعد فوق الشمس من كرم * قوم بإحسانهم أو مجدهم قعدوا
محسدون على ما كان من كرم * لا ينزع الله منهم ماله حسدوا
ثم ولى بعد الجنيد تميم بن زيد العتبى. فضعف ووهن، ومات قريبا من
الديبل بماء يقال له ماء الجواميس. وإنما سمى ماء الجواميس لأنه يهرب بها
إليه من ذباب زرق تكون بشاطئ مهران.
وكان تميم من أسخياء العرب. وجد في بيت المال بالسند ثمانية عشر ألف
ألف درهم طاطرية، فأسرع فيها.
وكان قد شخص معه في الجند فتى من بنى يربوع يقال له خنيس، وأمه
من طيئ إلى الهند فأتت الفرزدق فسألته أن يكتب إلى تميم في إقفاله،
وعاذت بقبر غالب أبيه. فكتب الفرزدق إلى تميم:
أتتني فعاذت يا تميم بغالب * وبالحفرة السافي عليها ترابها
فهب لي خنيسا واتخذ فيه منة * لحوبة أم ما يسوغ شرابها
تميم بن زيد لا تكونن حاجتي * بظهر ولا يجفى عليك جوابها
فلا تكثر الترداد فيها فإنني * ملول لحاجات بطي طلابها
فلم يدر ما اسم الفتى أهو حبيش أم خنيس، فأمر أن يقفل كل من كان
اسمه على مثل هذه الحروف.
وفى أيام تميم خرج المسلمون عن بلاد (ص 443) الهند ورفضوا مراكزهم
فلم يعودوا إليها إلى هذه الغاية.
ثم ولى الحكم بن عوانة الكلبي وقد كفر أهل الهند إلا أهل قصة.
فلم ير للمسلمين ملجأ يلجؤن إليه، فبنى من وراء البحيرة مما يلي الهند مدينة
سماها المحفوظة، وجعلها مأوى لهم ومعاذا، ومصرها. وقال لمشايخ كلب من أهل
542

الشام: ما ترون أن نسميها؟ فقال بعضهم: دمشق. وقال بعضهم: حمص. وقال رجل
منهم: سمها تدمر فقال: دمر الله عليك يا أحمق! ولكني أسميها المحفوظة. ونزلها.
وكان عمرو بن محمد بن القاسم مع الحكم، وكان يفوض إليه ويقلده
جسيم أموره وأعماله. فأغزاه من المحفوظة. فلما قدم عليه وقد ظفر، أمره
فبنى دون البحيرة مدينة وسماها المنصورة، فهي التي ينزلها العمال اليوم.
وتخلص الحكم ما كان في أيدي العدو مما غلبوا عليه، ورضى الناس
بولايته.
وكان خالد يقول: واعجبا! وليت فتى العرب فرفض. يعنى تميما. ووليت
أبخل الناس فرضي به. ثم قتل الحكم بها.
ثم كان العمال بعد يقاتلون العدو فيأخذون ما استطف لهم، ويفتحون الناحية
قد نكث أهلها.
فلما كان أول الدولة المباركة ولى أبو مسلم عبد الرحمن بن مسلم مغلسا العبدي
ثغر السند، وأخذ على طخارستان، وسار حتى صار إلى منصور بن جمهور
الكلبي وهو بالسند. فلقيه منصور فقتله وهزم جنده. فلما بلغ أبا مسلم ذلك
عقد لموسى بن كعب التميمي ثم وجهه إلى السند، فلما قدمها كان بينه وبين
منصور بن جمهور مهران، ثم التقيا فهزم منصورا وجيشه، وقتل منظورا أخاه،
وخرج منصور مفلولا هاربا حتى ورد الرمل فمات عطشا.
وولى موسى السند فرم المنصورة وزاد في مسجدها وغزا وافتتح.
وولى أمير المؤمنين المنصور رحمه الله هشام بن (ص 444) عمرو التغلبي
السند ففتح ما استغلق.
ووجه عمرو ابن جمل في بوارج إلى نارند. ووجه إلى ناحية الهند، فافتتح
قشمير، وأصاب سبايا ورقيقا كثيرا. وفتح الملتان. وكان بقندابيل متغلبة من
543

العرب فأجلاهم عنها. وأتى القندهار في السفن ففتحها. وهدم البد وبنى موضعه
مسجدا. فأخصبت البلاد في ولايته، فتبركوا به. ودوخ الثغر وأحكم أموره.
ثم ولى ثغر السند عمر بن حفص بن عثمان هزارمرد، ثم داود بن يزيد بن
حاتم، وكان معه أبو الصمة المتغلب اليوم وهو مولى لكندة.
ولم يزل أمر ذلك الثغر مستقيما حتى وليه بشر بن داود في خلافة المأمون،
فعصى وخالف. فوجه إليه غسان بن عباد، وهو رجل من أهل سواد الكوفة،
فخرج بشر إليه في الأمان وورد به مدينة السلام.
وخلف غسان على الثغر موسى بن يحيى بن خالد بن برمك. فقتل باله ملك
الشرقي، وقد بذل له خمس مئة ألف درهم على أن يستبقيه. وكان باله هذا التوى
على غسان وكتب إليه في حضور عسكره فيمن حضره من الملوك فأبى ذلك.
وأثر موسى أثرا حسنا. ومات سنة إحدى وعشرين، واستخلف ابنه عمران
ابن موسى. فكتب إليه أمير المؤمنين المعتصم بالله بولاية الثغر. فخرج
إلى القيقان، وهم زظ. فقاتلهم فغلبهم، وبنى مدينة سماها البيضاء وأسكنها الجند.
ثم أتى المنصورة وصار منها إلى قندابيل، وهي مدينة على جبل، وفيها
متغلب يقال له محمد بن الخليل. فقاتله وفتحها، وحمل رؤساءها إلى قصدار.
ثم غزا الميد، وقتل منهم ثلاثة آلاف، وسكر سكرا يعرف بسكر الميد.
وعسكر عمران على نهر الرور، ثم نادى بالزط الذين بحضرته فأتوه، فختم
أيديهم وأخذ (ص 445) الجزية منهم وأمرهم بأن يكون مع كل رجل منهم
إذا اعترض عليه كلب، فبلغ الكلب خمسين درهما.
ثم غزا الميد ومعه وجوه الزط، فحفر من البحر نهرا أجراه في بطيحتهم
حتى ملح ماؤهم، وشن الغارات عليهم.
544

ثم وقعت العصبية بين النزارية واليمانية، فمال عمران إلى اليمانية. فسار
إليه عمر بن عبد العزيز الهباري فقتله وهو غار.
وكان جد عمر هذا ممن قدم السند مع الحكم بن عوانة الكلبي.
1014 - وحدثني منصور بن حاتم قال:
كان الفضل بن ماهان مولى بنى سامة فتح سندان وغلب عليها. وبعث
إلى المأمون رحمه الله بفيل وكاتبه. ودعا له في مسجد جامع اتخذه بها. فلما
مات قام محمد بن الفضل بن ماهان مقامه. فسار في سبعين بارجة إلى ميد الهند،
فقتل منهم خلقا، وافتتح فإلى. ورجع إلى سندان وقد غلب عليها أخ له يقال له
ماهان بن الفضل، وكاتب أمير المؤمنين المعتصم بالله وأهدى إليه ساجا لم ير مثله
عظما وطولا. وكانت الهند في أمر أخيه فمالوا عليه فقتلوه وصلبوه. ثم إن الهند
بعد، غلبوا على سندان فتركوا مسجدها للمسلمين يجمعون فيه ويدعون للخليفة.
1015 - وحدثني أبو بكر مولى الكريزيين أن بلدا يدعى العسيفان،
بين قشمير والملتان وكابل، كان له ملك عاقل. وكان أهل ذلك البلد يعبدون صنما
قد بنى عليه بيت وأبدوه. فمرض ابن الملك فدعى سدنة ذلك البيت فقال لهم:
ادعوا الصنم أن يبرئ ابني. فغابوا عنه ساعة، ثم أتوه فقالوا: قد دعوناه وقد
أجابنا إلى ما سألناه. فلم يلبث الغلام أن مات. فوثب الملك على البيت فهدمه،
وعلى الصنم فكسره، وعلى السندنة فقتلهم. ثم دعا قوما من تجار المسلمين
فعرضوا عليه التوحيد. فوحد وأسلم. وكان ذلك في خلافة أمير المؤمنين المعتصم
بالله رحمه الله (ص 446).
545

في أحكام أراضي الخراج
1016 - قال بشر بن غياث: قال أبو يوسف: إيما أرض أخذت عنوة،
مثل السواد والشام وغيرهما، فإن قسمها الامام بين من غلب عليها فهي أرض
عشر، وأهلها رقيق. وإن لم يقسمها الامام وردها للمسلمين عامة - كما فعل
عمر بالسواد - فعلى رقاب أهلها الجزية، وعلى الأرض الخراج، وليسوا برقيق.
وهو قول أبي حنيفة.
وحكى الواقدي عن سفيان الثوري مثل ذلك.
وقال الواقدي: قال مالك بن أنس، وابن أبي ذئب: إذا أسلم كافر من أهل
العنوة أقرت أرضه في يده يعمرها ويؤدى الخراج عنها. ولا اختلاف في ذلك.
وقال مالك، وابن أبي ذئب، وسفيان الثوري، وابن أبي ليلى، عن الرجل
يسلم من أهل العنوة: الخراج في الأرض والزكاة من الزرع بعد الخراج.
وهو قول الأوزاعي.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا يجتمع الخراج والزكاة على رجل.
وقال مالك، وابن أبي ذئب، وسفيان، وأبو حنيفة: إذا زرع الرجل أرضه
الخراجية مرات في السنة لم يؤخذ منه إلا خراج واحد.
وقال ابن أبي ليلى: يؤخذ منه الخراج كلما أدركت له غلة. وهو قول
ابن أبي سبرة وأبى شمر.
وقال أبو الزناد، ومالك، وأبو حنيفة، وسفيان، ويعقوب، وابن أبي ليلى،
وابن أبي سبرة، وزفر، ومحمد بن الحسن، وبشر بن غياث: إذا عطل رجل
أرضه قيل له: ازرعها وأد خراجها وإلا فادفعها إلى غيرك يزرعها. فأما أرض
العشر فإنه لا يقال له فيها شئ، إن زرع أخذت منه الصدقة، وإن أبى فهو أعلم.
546

وقالوا: إذا عطل رجل أرضه سنتين. ثم عمرها أدى خراجا واحدا.
وقال أبو شمر: يؤدى الخراج للسنتين.
وقال أبو حنيفة، وسفيان، ومالك، وابن أبي ذئب، وأبو عمرو الأوزاعي: إذا
أصابت الغلات آفة، أو غرق، سقط الخراج عن (ص 447) صاحبها.
وإذا كانت أرض من أراضي الخراج لعبد أو مكاتب أو امرأة فإن
أبا حنيفة قال عليها الخراج فقط. وقال سفيان، وابن أبي ذئب، ومالك، عليها
الخراج وفيما بقى من الغلة العشر.
وقال أبو حنيفة: والثوري، في أرض الخراج بنى مسلم أو ذمي فيها بناء من
حوانيت أو غيرها، أنه لا شئ عليه. فإن جعلها بستانا ألزم الخراج.
وقال مالك، وابن أبي ذئب: نرى إلزامه الخراج، لان انتفاعه بالبناء
كانتفاعه بالزرع. فأما أرض العشر فهو أعلم ما اتخذ فيها.
وقال أبو يوسف: في أرض موات من أرض العنوة يحييها المسلم، أنها له،
وهي أرض خراج إن كانت تشرب من ماء الخراج. فإن استنبط لها عينا
أو سقاها من ماء السماء فهي أرض عشر.
وقال بشر: هي أرض عشر شربت من ماء الخراج أو غيره.
وقال أبو حنيفة، والثوري، وأصحابهما، ومالك، وابن أبي ذئب، والليث
ابن سعد، في أرض الخراج التي لا تنسب إلى أحد يقعد المسلمون فيها فيتبايعون
ويجعلونها سوقا: أنه لا خراج عليهم فيها.
وقال أبو يوسف: إذا كانت في البلاد سنة أعجمية قديمة لم يغيرها الاسلام
ولم يبطلها فشكاها قوم إلى الامام لما ينالهم من مضرتها فليس له أن يغيرها.
وقال مالك، والشافعي: يغيرها، وإن قدمت لان عليه نفى كل سنة جائرة
سنها أحد من المسلمين فضلا عن ما سن أهل الكفر.
547

ذكر العطاء في خلافة عمر بن الخطاب
رضي الله عنه
1017 - حدثنا عبد الله بن صالح بن مسلم العجلي قال: حدثنا إسماعيل بن (ص 448)
المجالد، عن أبيه مجالد بن سعيد،
عن الشعبي قال: لما افتتح عمر العراق والشام وجبى الخراج جمع أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني قد رأيت أن أفرض العطاء لأهله.
فقالوا: نعم رأيت الرأي يا أمير المؤمنين.
قال: فبمن أبدأ؟
قالوا: بنفسك.
قال: لا، ولكني أضع نفسي حيث وضعها الله، وأبدأ بآل رسول الله
صلى الله عليه وسلم.
ففعل، فكتب عائشة أم المؤمنين رحمها الله في اثنى عشر ألفا. وكتب
سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في عشرة آلاف. وفرض لعلي بن أبي طالب
في خمسة آلاف. وفرض مثل ذلك لمن شهد بدرا من بنى هاشم.
1018 - وحدثني عبد الاعلى بن حماد النرسي قال: ثنا حماد بن سلمة، عن الحجاج
ابن أرطاة،
عن حبيب بن أبي ثابت، أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن تتتابعن
إلى العطاء.
548

1019 - محمد بن سعد، عن الواقدي، عن عائذ بن يحيى، عن أبي الحويرث،
عن جبير بن الحويرث بن نقيذ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استشار
المسلمين في تدوين الديوان. فقال له علي بن أبي طالب: تقسم كل سنة ما اجتمع
إليك من مال، ولا تمسك منه شيئا.
وقال عثمان: أرى مالا كثيرا يسع الناس، وإن لم يحصوا حتى يعرف
من أخذ ممن لم يأخذ خشيت أن يشتبه الامر. فقال له الوليد بن هشام بن المغيرة:
قد جئت الشام فرأيت ملوكها قد دونوا ديوانا وجندوا جندا. فدون ديوانا
وجند جندا.
فأخذ بقوله. فدعا عقيل بن أبي طالب، ومخرمة بن نوفل، وجبير بن مطعم،
وكانوا من كتاب قريش فقال: اكتبوا الناس على منازلهم.
فبدؤا ببني هاشم، ثم أتبعوهم أبا بكر وقومه، ثم عمر وقومه على الخلافة.
فلما نظر إليه عمر قال: وددت والله أنه هكذا، ولكن ابدؤا بقرابة النبي
صلى الله عليه وسلم، الأقرب فالأقرب، حتى تضعوا عمر حيث وضعه الله تعالى.
1020 - محمد، عن الواقدي عن أسامة بن زيد بن أسلم، عن أبيه،
عن جده قال: جاءت بنو عدى إلى (ص 449) عمر فقالوا: أنت خليفة
رسول الله صلى الله عليه وسلم وخليفة أبى بكر، وأبو بكر خليفة رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فلو جعلت نفسك حيث جعلك هؤلاء القوم الذين كتبوا.
قال: بخ بخ بنى عدى! أردتم الاكل على ظهري، وأن أهب حسناتي لكم.
لا والله حتى تأتيكم الدعوة وأن يطبق عليكم الدفتر - يعنى ولو أن تكتبوا
آخر الناس - إن لي صاحبين سلكا طريقا فإن خالفتهما خولف بي. والله
ما أدركنا الفضل في الدنيا وما نرجو الثواب على عملنا إلا بمحمد صلى الله عليه وسلم
549

فهو شرفنا، وقومه أشرف العرب، ثم الأقرب فالأقرب. والله لئن جاءت
الأعاجم بعمل وجئنا بغير عمل لهم أولى بمحمد منا يوم القيامة، فإن من
قصر به عمله لم يسرع به نسبه.
1021 - محمد بن سعد، عن الواقدي، عن محمد بن عبد الله، عن الزهري، عن سعيد،
عن قوم آخرين سماهم الواقدي دخل حديث بعضهم في حديث بعض،
قالوا: لما أجمع عمر على تدوين الديوان، وذلك في المحرم سنة عشرين، بدأ
ببني هاشم في الدعوة، ثم الأقرب فالأقرب برسول الله صلى الله عليه وسلم.
فكان القوم إذا استووا في القرابة قدم أهل السابقة. ثم انتهى إلى الأنصار
فقالوا: بمن نبدأ؟ فقال أبدءوا برهط سعد بن معاذ الأشهلي من الأوس، ثم
الأقرب فالأقرب لسعد.
وفرض عمر لأهل الديوان، ففضل أهل السوابق والمشاهد في الفرائض.
وكان أبو بكر قد سوى بين الناس في القسم. فقيل لعمر في ذلك. فقال: لا أجعل
من قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم كمن قاتل معه. فبدأ بمن شهد بدرا من
المهاجرين والأنصار، لكل رجل منهم خمسه آلاف درهم في كل سنة،
حليفهم ومولاهم معهم بالسواء.
وفرض لمن كان له إسلام كإسلام أهل بدر، ومن مهاجرة الحبشة ممن شهد
أحدا، أربعة آلاف درهم، لكل رجل.
وفرض لأبناء البدريين ألفين ألفين، إلا حسنا وحسينا فإنه الحقهما بفريضة
أبيهما لقرابتهما برسول الله صلى الله عليه وسلم، (ص 450) ففرض لكل واحد
منهما خمسة آلاف.
550

وفرض للعباس بن عبد المطلب خمسة آلاف لقرابته برسول الله صلى الله
عليه وسلم.
وقال بعضهم: فرض له سبعة آلاف درهم.
وقال سائرهم: لم يفضل أحدا على أهل بدر إلا أزواج النبي صلى الله عليه
وسلم، فإنه فرض لهن اثنى عشر ألفا اثنى عشر ألفا. وألحق بهن جويرية بنت
الحارث وصفية بنت حيى بن أخطب.
وفرض لمن هاجر قبل الفتح لكل رجل منهم ثلاثة آلاف درهم.
وفرض لمسلمة الفتح لكل رجل منهم ألفين.
وفرض لغلمان أحداث من أبناء المهاجرين كفرائض مسلمة الفتح.
وفرض لعمر بن أبي سلمة أربعة آلاف. فقال محمد بن عبد الله
ابن جحش: لم تفضل عمر علينا؟ فقد هاجر آباؤنا وشهدوا بدرا. فقال عمر:
أفضله لمكانه من النبي صلى الله عليه وسلم. فليأت الذي يستغيث بأم مثل أم
سلمة أغثه.
وفرض لأسامة بن زيد أربعة آلاف. فقال عبد الله بن عمر: فرضت لي في ثلاثة
آلاف وفرضت لأسامة في أربعة آلاف. وقد شهدت ما لم يشهد أسامة. فقال
عمر: زدته لأنه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، وكان أبوه
أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك.
ثم فرض للناس على منازلهم وقراءتهم القرآن وجهادهم.
ثم جعل من بقى الناس بابا واحدا. فألحق من جاءه من المسلمين بالمدينة في
خمسة وعشرين دينارا لكل رجل.
وفرض لآخرين معهم.
551

وفرض لأهل اليمن وقيس بالشام والعراق لكل رجل ما بين ألفين إلى
ألف إلى تسع مئة إلى خمس مئة إلى ثلاث مئة، ولم ينقص أحدا عن ثلاث
مئة. وقال: لئن كثر المال لأفرضن لكل رجل أربعة آلاف درهم ألفا
لسفره، وألفا لسلاحه، وألفا يخلفه لأهله، وألفا لفرسه ونعله.
وفرض لنساء مهاجرات: فرض لصفية بنت عبد المطلب ستة آلاف درهم،
ولأسماء بنت عميس ألف درهم، ولام كلثوم بنت عقبة ألف درهم، ولام
عبد الله بن مسعود ألف درهم.
قال الواقدي: (ص 451) قد روى أنه فرض للنساء المهاجرات ثلاثة
آلاف درهم لكل واحدة.
قال الواقدي في إسناده: وأمر عمر فكتب له عمال أهل العوالي.
فكان يجرى عليهم القوت.
ثم كان عثمان فوسع عليهم في القوت والكسوة.
وكان عمر يفرض للمنفوس مئة درهم، فإذا ترعرع بلغ به مائتي درهم،
فإذا بلغ زاده.
وكان إذا أتى باللقيط فرض له في مئة، وفرض له رزقا يأخذه وليه كل شهر
بقدر ما يصلحه، ثم ينقله من سنة إلى سنة. وكان يوصى بهم خيرا ويجعل
رضاعهم ونفقتهم من بيت المال.
1022 - وحدثنا محمد بن سعد، عن الواقدي قال: حدثني حزام بن هشام الكعبي،
عن أبيه قال: رأيت عمر بن الخطاب يحمل ديوان خزاعة حتى ينزل قديد
فتأتيه النساء بقديد فلا يغيب عنه امرأة بكر ولا ثيب، فيعطيهن في أيديهن، ثم
552

يروح فينزل عسفان فيفعل ذلك أيضا حتى توفى.
1023 - محمد بن سعد، عن الواقدي، عن أبي بكر بن أبي سبرة،
عن محمد بن زيد قال: كان ديوان حمير على عهد عمر على حدة.
1024 - محمد بن سعد قال: ثنا الواقدي قال: حدثني عبد الله بن عمر العمرى،
عن جهم بن أبي جهم قال: قدم خالد بن عرفطة العذري على عمر، فسأله
عن ما وراءه، فقال: تركتهم يسألون الله لك أن يزيد في عمرك من أعمارهم.
ما وطئ أحد القادسية إلا وعطاؤه ألفان أو خمس عشرة مئة. وما من مولود
ذكرا كان أو أنثى إلا ألحق في مئة وجريبين في كل شهر.
قال عمر: إنما هو حقهم، وأنا أسعد بأدائه إليهم، لو كان من مال
الخطاب ما أعطيتهموه، ولكن قد علمت أن فيه فضلا، فلو أنه إذا خرج
عطاء أحد هؤلاء ابتاع منه غنما فجعلها بسوادهم، فإذا خرج عطاؤه ثانية ابتاع
الرأس والرأسين فجعله فيها، فإن بقى أحد من ولده كان لهم شئ قد اعتقدوه.
فإني لا أدرى ما يكون بعدي، وإني لأعم بنصيحتي من طوقني (ص 452)
الله أمره، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من مات غاشا لرعيته لم يرح
ريح الجنة.
1025 - وحدثني محمد بن سعد، عن الواقدي، عن محمد بن عمرو،
عن الحسن قال: كتب عمر إلى حذيفة أن أعط الناس أعطيتهم وأرزاقهم
فكتب إليه: إنا قد فعلنا، وبقى شئ كثير.
553

فكتب إليه: إنه فيئهم الذي أفاءه الله عليهم، ليس هو لعمر ولا لآل عمر
فاقسمه بينهم.
1026 - قال: وثنا وهب بن بقية ومحمد بن سعد قالا: ثنا يزيد بن هارون قال:
أنبأ محمد بن عمرو، عن أبي سلمة،
عن أبي هريرة أنه قدم على عمر من البحرين. قال: فلقيته في صلاة
العشاء الآخرة. فسلمت عليه، فسألني عن الناس: ثم قال لي: ما جئت به.
قلت: جئت بخمس مئة ألف.
قال: هل تدرى ما تقول؟
قلت: جئت بخمس مئة ألف.
قال: ماذا تقول؟
قلت: مئة ألف ومئة ألف ومئة ألف فعددت خمسا.
فقال: إنك ناعس، فارجع إلى أهلك فنم، فإذا أصبحت فأتني.
قال أبو هريرة: فغدوت إليه. فقال: ما جئت به؟
قلت: خمس مئة ألف.
قال: أطيب؟
قلت: نعم، لا أعلم إلا ذاك.
فقال للناس: إنه قدم علينا مال كثير. فإن شئتم أن نعده لكم عددا،
وإن شئتم أن نكيله لكم كيلا.
فقال له رجل: يا أمير المؤمنين! إني قد رأيت هؤلاء الأعاجم يدونون
ديوانا يعطون الناس عليه.
554

قال: فدون الديوان وفرض للمهاجرين الأولين في خمسة آلاف،
وللأنصار في أربعة آلاف، ولأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في اثنى عشر ألفا
1027 - قال يزيد: قال محمد: فحدثني ابن خصيفة، عن عبد الله بن رافع،
عن برزة بنت رافع قالت: لما خرج العطاء أرسل عمر إلى زينب بنت
جحش بالذي لها. فلما أدخل إليها قالت: غفر الله لعمر، غيري من أخواتي
كانت أقوى على قسم هذا منى.
قالوا: هذا كله لك.
قالت: سبحان الله، (ص 453) واستترت منه بثوب.
ثم قالت: صبوه واطرحوا عليه ثوبا. ثم قالت لي: ادخلي يديك واقبضي
منه قبضة فاذهبي بها إلى بنى فلان من ذوي رحمها وأيتام لها. فقسمته حتى
بقيت منه بقية تحت الثوب.
قالت برزة بنت رافع: فقلت غفر الله لك يا أم المؤمنين! والله لقد كان لنا
في هذا المال حق. قالت: فلكم ما تحت الثوب. فوجدنا تحته خمس مئة وثمانين
درهما. ثم رفعت يدها إلى السماء فقالت: اللهم لا يدركني عطاء لعمر بعد
عامي هذا.
قال: فماتت.
1028 - حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن صالح، عن الليث،
عن محمد بن عجلان قال: لما دون عمر الدواوين قال: بمن نبدأ؟
قالوا بنفسك.
قال: لا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إمامنا، فبرهطه نبدأ،
ثم بالأقرب فالأقرب.
555

1029 - حدثنا عمرو الناقد قال: حدثنا عبد الوهاب الثقفي، عن جعفر بن محمد،
عن أبيه أن عمر بن الخطاب ألحق الحسن والحسين بأبيهما ففرض لهما خمسة
آلاف درهم.
1030 - وحدثنا الحسين بن علي بن الأسود قال: ثنا وكيع، عن سفيان الثوري، عن جعفر بن محمد،
عن أبيه قال: لما وضع عمر الديوان استشار الناس بمن يبدأ فقالوا: ابدأ
بنفسك. قال لا: ولكني أبدا بالأقرب فالأقرب من رسول الله صلى الله
عليه وسلم فبدأ بهم.
1031 - حدثنا الحسين بن الأسود قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق،
عن مصعب بن سعد أن عمر فرض لأهل بدر في ستة آلاف ستة آلاف،
وفرض لأمهات المؤمنين في عشرة آلاف عشرة آلاف، وفضل عائشة بألفين
لحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها، وفرض لصفية، وجويرية، في ستة
آلاف ستة وآلاف، وفرض لنساء من المهاجرات في ألف ألف، منهن أم عبد
وهي أم عبد الله بن مسعود.
1032 - حدثنا الحسين، قال: ثنا وكيع، عن إسماعيل (ص 454) بن أبي خالد،
عن قيس بن أبي حازم قال: فرض عمر لأهل بدر عربهم ومواليهم في
خمسة آلاف خمسة آلاف. وقال: لأفضلنهم على من سواهم.
1033 - حدثنا الحسين، حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن جابر،
عن عامر قال: كان فيهم خمسة من العجم: منهم تميم الداري، وبلال.
قال وكيع: الدار من لخم، ولكن الشعبي قال هذا.
556

1034 - حدثنا الحسين قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن الأسود بن قيس،
عن شيخ لهم قال: سمعت عمر يقول: لئن بقيت إلى قابل لألحقن سفلة
المهاجرين في ألفين ألفين.
1035 - وحدثنا أبو عبيد قال: ثنا عبد الله بن صالح المصري، عن الليث بن سعد،
عن عبد الرحمن بن خالد الفهمي،
عن ابن شهاب أن عمر حين دون الدواوين فرض لأزواج النبي صلى
الله عليه وسلم اللاتي نكح نكاحا اثنى عشر ألف درهم اثنى عشر ألف درهم.
وفرض لجويرية وصفية بنت حيى بن أخطب ستة آلاف درهم، لأنهما
كانتا مما أفاء الله على رسوله.
وفرض للمهاجرين الذين شهدوا بدرا خمسة آلاف خمسة آلاف.
وفرض للأنصار الذين شهدوا بدرا أربعة آلاف أربعة آلاف.
وعم بفريضته كل صريح وحليف ومولى شهد بدرا فلم يفضل أحدا على أحد.
1036 - حدثنا عمرو الناقد وأبو عبيد قالا: ثنا أحمد بن يونس، عن أبي خيثمة
قال: حدثنا أبو إسحاق،
عن مصعب بن سعد أن عمر فرض لأهل بدر من المهاجرين والأنصار
ستة آلاف ستة آلاف.
وفرض لنساء النبي صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف عشر آلاف، وفضل
عليهن عائشة ففرض لها اثنى عشر ألف درهم.
وفرض لجويرية وصفية ستة آلاف ستة آلاف.
557

وفرض للمهاجرات الأول أسماء بنت عميس، وأسماء بنت أبي بكر،
وأم عبد الله بن مسعود ألفا ألفا.
1037 - حدثنا الحسين بن الأسود قال: ثنا (ص 455) وكيع، عن محمد بن قيس
الأسدي قال:
حدثني والدتي أم الحكم أن عليا ألحقها في مئة العطاء.
1038 - وحدثنا الحسين قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن الشيباني،
عن يسير بن عمرو أن سعدا فرض لمن قرأ القرآن في ألفين ألفين. قال:
فكتب إليه عمر: لا تعط على القرآن أحدا.
1039 - حدثنا أبو عبيد قال: ثنا سعيد بن أبي مريم، عن ابن لهيعة،
عن يزيد بن أبي حبيب أن عمر جعل عمرو بن العاصي في مائتين، لأنه أمير،
وعمير بن وهب الجمحي في مائتين لصبره على الضيق، وبسر بن أبي أرطاة
في مائتين لأنه صاحب فتح. وقال: رب فتح قد فتحه الله على يده.
فقال أبو عبيد: يعنى بهذا العدد من الدنانير.
1040 - وقال أبو عبيد: ثنا عبد الله بن صالح، عن الليث بن سعد،
عن يزيد بن أبي حبيب أن عمر كتب إلى عمرو بن العاص: أن افرض
لمن بايع تحت الجشرة في مائتين من العطاء - قال: يعنى مائتي دينار -، وأبلغ
ذلك لنفسك بإمارتك، وافرض لخارجة بن حذافة في شرف العطاء لشجاعته.
1041 - وحدثنا أبو عبيد قال: ثنا عبد الله بن صالح، عن الليث بن سعد،
عن محمد بن عجلان أن عمر فضل أسامة بن زيد على عبد الله بن عمر.
558

فلم يزل الناس بعبد الله حتى كلم عمر، فقال: أتفضل على من ليس بأفضل
منى؟ فرضت له في ألفين، ولى في ألف وخمس مئة درهم.
فقال عمر: فعلت ذلك لان زيد بن حارثة كان أحب إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم من عمر. وأن أسامة كان أحب إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم من عبد الله بن عمر.
1042 - وحدثني يحيى بن معين قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن خارجة بن مصعب،
عن عبيد الله بن عمر، عن نافع أو غيره،
عن ابن عمر أنه كلم أباه في تفضيل أسامة عليه في العطاء وقال: والله
ما سبقني إلى شئ. فقال عمر: إن أباه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم من أبيك، وإنه (ص 456) كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم منك.
1043 - حدثنا محمد بن الصباح البزاز، حدثنا هشيم، عن منصور،
عن الحسن قال: إن قوما قدموا على عامل لعمر بن الخطاب، فأعطى
العرب منهم وترك الموالى. فكتب إليه عمر: أما بعد فبحسب المرء من الشر
أن يحقر أخاه المسلم والسلام.
1044 - حدثنا أبو عبيد، ثنا خالد بن عمرو، عن إسرائيل، عن عمار الدهني،
عن سالم بن أبي الجعد أن عمر جعل عطاء عمار بن ياسر ستة آلاف دره.
1045 - حدثنا أبو عبيد قال: ثنا خالد، عن إسرائيل، عن إسماعيل بن سميع،
عن مسلم البطين أن عمر جعل عطاء سلمان أربعة آلاف درهم.
559

1046 - وحدثنا روح بن عبد المؤمن قال: حدثني يعقوب، عن حماد، عن حميد،
عن أنس قال: فرض عمر للهرمزان في ألفين من العطاء.
1047 - حدثني العمرى قال: حدثني أبو عبد الرحمن الطائي، عن المجالد،
عن الشعبي قال: لما هم عمر بن الخطاب في سنة عشرين بتدوين الدواوين
دعا بمخرمة بن نوفل وجبير بن مطعم فأمرهما أن يكتبا الناس على منازلهم.
فكتبوا بنى هاشم، ثم اتبعوهم أبا بكر وقومه، وعمر وقومه.
فلما نظر عمر في الكتاب قال: وددت أنى في القرابة برسول الله صلى الله
عليه وسلم كذا. أبدؤا بالأقرب فالأقرب. ثم ضعوا عمر بحيث وضعه الله.
فشكر العباس بن عبد المطلب رحمه الله على ذلك وقال: وصلتك رحم.
قال: فلما وضع عمر الديوان قال أبو سفيان بن حرب: أديوان مثل ديوان
بنى الأصفر؟ إنك إن فرضت للناس اتكلوا على الديوان وتركوا التجارة. فقال
عمر: لابد من هذا، فقد كثر فئ المسلمين.
قال: وفرض عمر لدهقان نهر الملك ولابن النخيرخان، ولخالد وجميل
ابني بصبهرى دهقان الفلاليج، ولبسطام بن نرسى دهقان بابل وخطرنية،
وللرفيل دهقان العال، وللهرمزان، ولجفينة العبادي في ألف (ص 457) ألف.
ويقال إنه فضل الهرمزان ففرض له ألفين.
1048 - وحدثنا أبو عبيد، عن إسماعيل بن عياش، عن أرطاة بن المنذر،
عن حكيم بن عمير أن عمر بن الخطاب كتب إلى أمراء الأجناد: ومن
أعتقتم من الحمراء فأسلموا فألحقوهم بمواليهم، لهم مالهم وعليهم ما عليهم، وإن
أحبوا أن يكونوا قبيلة وحدهم فاجعلوهم أسوتهم في العطاء.
560

1049 - حدثنا هشام بن عمار، عن بقية، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم،
عن أبيه،
عن أبي عبيدة أن رجالا من أهل البادية سألوه أن يرزقهم. فقال:
والله لا أرزقكم حتى أرزق أهل الحاضرة.
1050 - وحدثنا أبو عبيد قال: ثنا أبو اليمان قال:
حدثنا صفوان بن عمرو قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى يزيد بن حصين
أن مر للجند بالفريضة، وعليك بأهل الحاضرة.
1051 - حدثنا أبو عبيد قال: ثنا سعيد بن أبي مريم، عن عبيد الله بن عمر
العمرى، عن نافع،
عن ابن عمر أن عمر كان لا يعطى أهل مكة عطاء، ولا يضرب عليهم
بعثا ويقول هم كذا وكذا.
1052 - حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام، ثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن شعبة،
عن عدي بن ثابت، عن أبي حازم،
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ترك كلا
فإلينا، ومن ترك مالا فلورثته.
1053 - حدثني هشام بن عمار الدمشقي قال: ثنا الوليد بن مسلم، عن سليمان
ابن أبي العاتكة، وكلثوم بن زياد قالا:
حدثني سليمان بن حبيب أن عمر فرض لعيال المقاتلة وذريتهم العشرات.
561

قال: فأمضى عثمان ومن بعده من الولاة ذلك، وجعلوها موروثة يرثها ورثة
الميت ممن ليس في العطاء، حتى كان عمر بن عبد العزيز.
قال سليمان: فسألني عن ذلك فأخبرته بهذا. فأنكر الوراثة وقال:
اقطعها وأعم بالفريضة. فقلت: فإني أتخوف أن يستن بك من بعد في قطع
الوراثة ولا يستن (ص 458) بك في عموم الفريضة. قال: صدقت وتركهم.
1054 - حدثني بكر بن الهيثم، حدثنا عبد الله بن صالح، عن ابن لهيعة،
عن أبي قبيل قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يفرض للمولود إذا
ولد في عشرة، فإذا بلغ أن يفرض له ألحق بالفريضة. فلما كان معاوية فرض
ذلك للفطيم. فلما كان عبد الملك بن مروان قطع ذلك كله إلا عمن شاء.
1055 - حدثنا عفان: قال: حدثنا يزيد. قال: أنبأ يحيى بن المتوكل، عن عبد
الله بن نافع،
عن ابن عمر أن عمر كان لا يفرض للمولود حتى يفطم. ثم نادى مناديه:
لا تعجلوا أولادكم عن الفطام فإنا نفرض لكل مولود في الاسلام.
وحدثنا عمرو الناقد قال: حدثنا أحمد بن يونس، عن زهير بن معاوية،
عن أبي إسحاق أن جده مر على عثمان فقال له: كم معك من عيالك
يا شيخ؟ قال: معي كذا. قال: قد فرضنا لك وفرضنا لعيالك مئة مئة.
1056 - حدثنا أبو عبيد قال:
حدثنا مروان بن شجاع الجزري قال: أثبتني عمر بن عبد العزيز وأنا فطيم
في عشرة دنانير.
562

1057 - حدثنا إبراهيم بن محمد الشامي قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان،
الثوري، عن أبي الجحاف،
عن رجل من خثعم قال: ولد لي ولد فأتيت به عليا فأثبته في مئة.
1058 - حدثني عمرو الناقد قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن
عبد الله بن شريك،
عن بشر بن غالب قال: سئل الحسين بن علي - أو قال: الحسن
ابن علي شك عمر (ص 459) - متى يجب سهم المولود؟ قال: إذا
استهل.
1059 - حدثني عمرو الناقد قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار،
عن الحسن بن محمد أن ثلاثة مملوكين لبني عفان شهدوا بدرا. فكان
عمر يعطى كل إنسان منهم كل سنة ثلاثة آلاف درهم.
1060 - حدثنا أبو عبيد قال: ثنا ابن أبي عدى، عن سفيان، عن زهير
ابن ثابت، أو ابن أبي ذئب،
عن ذهل بن أوس أن عليا أتى بمنبوذ فأثبته في مئة.
1061 - وحدثني عمرو والقاسم بن سلام قالا: حدثنا أحمد بن يونس،
عن زهير،
وحدثني عبد الله بن صالح المقرى، عن زهير بن معاوية قال: ثنا أبو إسحاق،
563

عن حارثة بن المضرب أن عمر بن الخطاب أمر بجريب من طعام
فعجن، ثم خبز، ثم ثرد بزيت، ثم دعا بثلاثين رجلا فأكلوا منه غداءهم،
حتى أصدرهم. ثم فعل بالعشى مثل ذلك. فقال: يكفي الرجل جريبان كل
شهر. فكان يرزق الناس الرجل والمرأة والمملوك جريبين كل شهر.
قال عبد الله بن صالح: إن الرجل كان يدعو على صاحبه فيقول:
رفع الله جريبيك. أي قطعهما عنك بالموت. فبقى ذلك في ألسن الناس
إلى اليوم.
1062 - حدثنا أبو عبيد، قال: حدثني أبو اليمان، عن صفوان بن عمرو،
عن أبي الزاهرية أن أبا الدرداء قال. رب سنة راشدة مهدية قد سنها
عمر في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، منها: المديان والقسطان
1063 - حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا سعيد بن أبي مريم، عن ابن لهيعة،
عن قيس بن رافع، أنه سمع سفيان بن وهب يقول: قال عمر، وأخذ المدى
بيد والقسط بيد: إني قد فرضت لكل نفس مسلمة في كل شهر مديى
حنطة وقسطي خل. فقال رجل: والعبد؟ قال: نعم والعبد.
1064 - حدثني هشام بن عمار قال: ثنا يحيى بن حمزة قال: حدثني تميم
ابن عطية قال:
حدثني عبد الله بن قيس أن عمر بن الخطاب صعد المنبر فحمد الله وأثنى
(ص 460) عليه، ثم قال: إنا أجرينا عليكم أعطياتكم وأرزاقكم في كل
564

شهر، وفى يديه المدى والقسط. قال: فحركهما وقال: فمن انتقصهما فعل الله به
كذا وكذا. ودعا عليه.
1065 - حدثنا أبو عبيد قال: ثنا ابن أبي زائدة، عن معقل بن عبيد الله،
عن عمر بن عبد العزيز أنه كان إذا استوجب الرجل عطاءه ثم مات
أعطاه ورثته.
1066 - حدثنا عفان وخلف البزار ووهب بن بقية قالوا: أنبأ يزيد بن هارون
قال: أنبأ إسماعيل بن أبي خالد،
عن قيس بن أبي حازم قال: قال الزبير بن العوام لعثمان بن عفان رضي الله عنهما
بعد موت عبد الله بن مسعود: اعطني عطاء عبد الله، فعياله أحق به
من بيت المال. فأعطاه خمسه عشر ألفا.
قال يزيد قال إسماعيل: وكان الزبير وصى ابن مسعود.
1067 - وحدثني ابن أبي شيبة قال: ثنا عبيد الله بن موسى، عن علي بن صالح
ابن حي،
عن سماك بن حرب أن رجلا مات في الحي بعد ثمانية أشهر مضت من
السنة، فأعطاه عمر ثلثي عطائه.
565

أمر الخاتم
1068 - حدثنا عفان بن مسلم قال. ثنا شعبة قال: أنبأ قتادة،
قال: سمعت أنس بن مالك يقول: لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
يكتب إلى ملك الروم قيل له: إنهم لا يقرأون الكتاب إلا أن يكون مختوما.
قال: فاتخذ خاتما من فضة. فكأني أنظر إلى بياضه في يده. ونقش
عليه: محمد رسول الله.
1069 - حدثنا أبو الربيع سليمان بن داود الزهراني قال: ثنا حماد بن زيد
قال: أنبأ أيوب، عن نافع،
عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من فضة،
وجعل (ص 461) فصه من باطن كفه.
1070 - حدثني محمد بن حيان الحياني قال: ثنا زهير، عن حميد،
عن أنس بن مالك قال: كان خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضة
كله وفصه منه.
1071 - حدثنا عمرو الناقد قال: ثنا يزيد بن هارون، عن حميد،
عن الحسن قال: كان خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم من ورق،
وكان فصه حبشيا.
566

1072 - حدثنا هدبة بن خالد قال: ثنا همام بن يحيى، عن عبد العزيز
ابن صهيب،
عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قد صنعت خاتما
فلا ينقشن أحد على نقشه.
1073 - حدثنا بكر بن الهيثم قال: ثنا عبد الرزاق، عن معمر،
عن الزهري وقتادة قالا: اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما من
فضة، ونقش عليه محمد رسول الله. فكان أبو بكر يختم به، ثم عمر، ثم عثمان،
وكان في يده فسقط من يده في البئر، فنزفت فلم يقدر عليه، وذلك في النصف
من خلافته. فاتخذ خاتما ونقش عليه محمد رسول الله في ثلاثة أسطر.
قال قتادة: وحربه (كذا).
1074 - حدثنا هناد قال: ثنا الأسود بن شيبان قال:
أخبرنا خالد بن سمير قال: انتقش رجل يقال له معن بن زائدة على خاتم
الخلافة. فأصاب مالا من خراج الكوفة على عهد عمر، فبلغ ذلك عمر، فكتب
إلى المغيرة بن شعبة: إنه بلغني أن رجلا يقال له معن بن زائدة انتقش على
خاتم الخلافة، فأصاب به مالا من خراج الكوفة. فإذا أتاك كتابي هذا
فنفذ فيه أمري، وأطع رسولي.
فلما صلى المغيرة العصر وأخذ الناس مجالسهم خرج ومعه رسول عمر.
فاشرأب الناس ينظرون إليه حتى وقف على معن. ثم قال للرسول: إن أمير
المؤمنين أمرني أن أطيع أمرك فيه فمرني بما شئت. فقال للرسول: ادع لي بجامعة
567

أعلقها في عنقه. فأتى بجامعة (ص 462) فجعلها في عنقه وجبذها جبذا شديدا.
ثم قال للمغيرة: احبسه حتى يأتيك فيه أمر أمير المؤمنين. ففعل.
وكان السجن يومئذ من قصب، فتمحل معن للخروج، وبعث إلى أهله:
أن ابعثوا لي بناقتي وجاريتي وعباءتي القطوانية. ففعلوا. فخرج من الليل
وأردف جاريته، فسار حتى إذا رهب أن يفصحه الصبح أناخ ناقته وعقلها،
ثم كمن حتى كف عنه الطلب. فلما أمسى أعاد على ناقته العباءة وشد عليها
وأردف جاريته، ثم سار حتى قدم على عمر، وهو يوقظ المتهجدين لصلاة
الصبح، ومعه درته.
فجعل ناقته وجاريته ناحية ثم دنا من عمر فقال: السلام عليك يا أمير
المؤمنين ورحمة الله وبركاته. فقال: وعليك. من أنت؟ قال: معن بن زائدة
جئتك تائبا. قال: ائت فلا يحييك الله. فلما صلى صلاة الصبح قال للناس:
مكانكم.
فلما طلعت الشمس قال: هذا معن بن زائدة انتقش على خاتم الخلافة
فأصاب فيه مالا من خراج الكوفة، فما تقولون فيه؟ فقال قائل: اقطع يده.
وقال قائل: أصلبه. وعلى ساكت. فقال له عمر: ما تقول أبا الحسن. قال:
يا أمير المؤمنين رجل كذب كذبة عقوبته في بشره. فضربه عمر ضربا شديدا
- أو قال مبرحا - وحبسه. فكان في الحبس ما شاء الله.
ثم إنه أرسل إلى صديق له من قريش: أن كلم أمير المؤمنين في تخلية
سبيلي. فكلمه القرشي فقال: يا أمير المؤمنين معن بن زائدة قد أصبته من
العقوبة بما كان له أهلا، فإن رأيت أن تخلى سبيله. فقال عمر: ذكرتني
الطعن وكنت ناسيا. على بمعن. فضربه، ثم أمر به إلى السجن. فبعث معن
إلى كل صديق له: لا تذكروني لأمير المؤمنين. فلبث محبوسا ما شاء الله.
568

ثم إن عمر انتبه له، فقال: معن. فأتى به فقاسمه وخلى سبيله.
1075 - حدثني المفضل اليشكري وأبو الحسن المدائني، عن (ص 463)
ابن جابان،
عن ابن المقفع قال: كان ملك الفرس إذا أمر بأمر وقعه صاحب التوقيع
بين يديه، وله خادم يثبت ذكره عنده في تذكرة تجمع لكل شهر، فيختم
عليها الملك خاتمه، وتخزن، ثم ينفذ التوقيع إلى صاحب الزمام وإليه الختم،
فينفذه إلى صاحب العمل، فيكتب به كتابا من الملك، وينسخ في الأصل،
ثم ينفذ إلى صاحب الزمام فيعرضه على الملك، فيقابل به ما في التذكرة،
ثم يختم بحضرة الملك أو أوثق الناس عنده.
1076 - وحدثني المدائني،
عن مسلمة بن محارب قال: كان زياد بن أبي سفيان أول من اتخذ من
العرب ديوان زمام وخاتم امتثالا لما كانت الفرس تفعله.
1077 - حدثني مفضل اليشكري قال: حدثني ابن جابان،
عن ابن المقفع قال: كان لملك من ملوك فارس خاتم للسر، وخاتم للرسل،
وخاتم للتخليد، يختم به السجلات والاقطاعات وما أشبه ذلك من كتب
التشريف، وخاتم للخراج. فكان صاحب الزمام يليها. وربما أفرد بخاتم
السر والرسائل رجل من خاصة الملك.
1078 - وحدثني أبو الحسن المدائني، عن ابن جابان،
569

عن ابن المقفع قال: كانت الرسائل بحمل المال تقرأ على الملك، وهي
تكتب في صحف بيض. وكان صاحب الخراج يأتي الملك كل سنة بصحف
موصلة قد أثبت فيها مبلغ ما اجتبى من الخراج، وما أنفق في وجوه النفقات،
وما حصل في بيت المال، فيختمها ويجريها. فلما كان كسرى بن هرمز ابرويز
تأذى بروائح تلك الصحف وأمر أن لا يرفع إليه صاحب ديوان خراجه
ما يرفع إلا في صحف مصفرة بالزعفران وماء الورد، وأن لا تكتب الصحف
التي تعرض عليه بحمل المال وغير ذلك إلا مصفرة، ففعل ذلك.
فلما ولى صالح بن عبد الرحمن خراج العراق تقبل منه ابن المقفع بكور
دجلة، ويقال بالبهقباذ، فحمل مالا. فكتب رسالته في جلد (ص 464)
وصفرها. فضحك صالح وقال: أنكرت أن يأتي بها غيره.
يقول: لعلمه بأمور العجم.
1079 - قال أبو الحسن: وأخبرني مشايخ من الكتاب أن دواوين
الشام إنما كانت في قراطيس، وكذلك الكتب إلى ملوك بنى أمية في حمل
المال وغير ذلك. فلما ولى أمير المؤمنين المنصور أمر وزيره أبا أيوب المورياني
أن يكتب الرسائل بحمل الأموال في صحف، وأن تصفر الصحف. فجرى
الامر على ذلك.
570

أمر النقود
1080 - حدثنا الحسين بن الأسود قال: ثنا يحيى بن آدم قال:
حدثني الحسن بن صالح قال: كانت الدراهم من ضرب الأعاجم مختلفة
كبارا وصغارا. فكانوا يضربون منها مثقالا، وهو وزن عشرين قيراطا،
ويضربون منها وزن اثنى عشر قيراطا، ويضربون عشرة قراريط، وهي
أنصاف المثاقيل. فلما جاء الله بالاسلام واحتيج في أداء الزكاة إلى الامر الوسط
أخذوا عشرين قيراطا واثنى عشر قيراطا وعشرة قراريط. فوجدوا ذلك اثنين
وأربعين قيراطا. فضربوا على وزن الثلث من ذلك وهو أربعة عشر قيراطا،
فوزن الدرهم العربي أربعة عشر قيراطا من قراريط الدينار العزيز، فصار وزن
كل عشرة دراهم سبع مثاقيل. وذلك مئة وأربعون قيراطا وزن سبعة.
1081 - وقال غير الحسن بن صالح: كانت دراهم الأعاجم ما العشرة
منها وزن عشرة مثاقيل، وما العشرة منها وزن ستة مثاقيل، وما العشرة منها
وزن خمسة مثاقيل. فجمع ذلك فوجد إحدى وعشرين مثقالا. فأخذ ثلثه وهو
سبعة مثاقيل، فضربوا دراهم وزن العشرة منها سبعة مثاقيل.
القولان يرجعان إلى شئ (ص 465) واحد.
1082 - وحدثني محمد بن سعد قال: ثنا محمد بن عمر الأسلمي قال: ثنا عثمان
ابن عبد الله بن موهب عن أبيه،
عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير قال: كانت دنانير هرقل ترد على أهل
مكة في الجاهلية، وترد عليهم دراهم الفرس البغلية. فكانوا لا يتبايعون إلا
571

على أنها تبر. وكان المثقال عندهم معروف الوزن، وزنه اثنان وعشرون قيراطا
إلا كسرا، ووزن العشرة الدراهم سبعة مثاقيل. فكان الرطل اثنى عشر
أوقية، وكل أوقية أربعين درهما.
فأقر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وأقره أبو بكر وعمر
وعثمان وعلى.
فكان معاوية فأقر ذلك على حاله.
ثم ضرب مصعب بن الزبير في أيام عبد الله بن الزبير دراهم قليلة
كسرت بعد.
فلما ولى عبد الملك بن مروان سأل وفحص عن أمر الدراهم والدنانير.
فكتب إلى الحجاج بن يوسف أن يضرب الدراهم على خمسة عشر قيراطا من
قراريط الدنانير. وضرب هو الدنانير الدمشقية.
قال عثمان، قال أبي: فقدمت علينا المدينة وبها نفر من أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم من التابعين، فلم ينكروا ذلك.
قال محمد بن سعد: وزن الدرهم من دراهمنا هذه أربعة عشر قيراطا من
قراريط مثقالنا الذي جعل عشرين قيراطا. وهو وزن خمسة عشر قيراطا من
إحدى وعشرين قيراطا وثلاثة أسباع.
1083 - حدثني محمد بن سعد قال: ثنا محمد بن عمر قال: حدثني إسحاق
ابن حازم، عن المطلب بن السائب،
عن أبي وداعة السهمي أنه أراه وزن المثقال. قال: فوزنته فوجدته وزن
مثقال عبد الملك بن مروان.
572

قال: هذا كان عند أبي وداعة بن ضبيرة (ص 466) السهمي في الجاهلية.
1084 - وحدثني محمد بن سعد قال: ثنا الواقدي، عن سعيد بن مسلم
ابن بابك،
عن عبد الرحمن بن سابط الجمحي قال: كانت لقريش أوزان في الجاهلية.
فدخل الاسلام فأقرت على ما كانت عليه. كانت قريش تزن الفضة بوزن
تسميه درهما، وتزن الذهب بوزن تسميه دينارا. فكل عشرة من أوزان الدراهم
سبعة أوزان الدنانير.
وكان لهم وزن الشعيرة وهو واحد من الستين من وزن الدرهم.
وكانت لهم الأوقية وزن أربعين درهما.
والنش وزن عشرين درهما. وكانت لهم النواة وهي وزن خمسة دراهم.
فكانوا يتبايعون بالتبر على هذه الأوزان.
فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة أقرهم على ذلك.
1085 - محمد بن سعد، عن الواقدي قال: حدثني ربيعة بن عثمان،
عن وهب بن كيسان قال: رأيت الدنانير والدراهم قبل أن ينقشها
عبد الملك ممسوحة. وهي وزن الدنانير التي ضربها عبد الملك.
1086 - وحدثني محمد بن سعد، عن الواقدي، عن عثمان بن عبد الله
ابن موهب،
عن أبيه قال: قلت لسعيد بن المسيب: من أول من ضرب الدنانير
573

المنقوشة؟ فقال: عبد الملك بن مروان، وكانت الدنانير ترد رومية، والدراهم
كسروية وحميرية قليلة.
قال سعيد: فأنا بعثت بتبر إلى دمشق فضرب لي على وزن المثقال
في الجاهلية.
1087 - وحدثني محمد بن سعد، قال: ثنا سفيان بن عيينة،
عن أبيه أن أول من ضرب وزن سبعة الحارث بين عبد الله بن أبي ربيعة
المخزوى أيام ابن الزبير.
1088 - وحدثني محمد بن سعد، قال: حدثني محمد بن عمر، قال: ثنا ابن أبي الزناد،
عن أبيه أن عبد الملك أول من ضرب الذهب عام الجماعة سنة أربع وسبعين
قال أبو (ص 467) الحسن المدائني: ضرب الحجاج الدراهم آخر سنة خمس
وسبعين، ثم أمر بضربها في جميع النواحي سنة ست وسبعين.
1089 - وحدثني داود الناقد قال سمعت مشايخنا يتحدثون أن العباد
من أهل الحيرة، كانوا يتزوجون على مئة وزن ستة يريدون وزن ستين مثقالا
دراهم، وعلى مئة وزن ثمانية يريدون ثمانين مثقالا دراهم، وعلى مئة وزن خمسة
يريدون وزن خمسين مثقالا دراهم، وعلى مئة وزن مئة مثقال.
قال داود الناقد: رأيت درهما عليه ضرب هذه الدراهم بالكوفة سنة ثلاث
وسبعين فاجمع النقاد أنه معمول. وقال: رأيت درهما شاذا لم ير مثله، عليه
عبيد الله بن زياد، فأنكر أيضا.
574

1090 - حدثني محمد بن سعد قال: حدثني الواقدي، عن يحيى بن النعمان الغفاري،
عن أبيه قال: ضرب مصعب الدراهم بأمر عبد الله بن الزبير سنة سبعين
على ضرب الأكاسرة، وعليها بركة، وعليها الله. فلما كان الحجاج غيرها.
وروى عن هشام بن الكلبي أنه قال: ضرب مصعب مع الدراهم دنانير
أيضا.
1091 - حدثني داود الناقد قال: حدثني أبو الزبير الناقد قال: ضرب
عبد الملك شيئا من الدنانير في سنة أربع وسبعين، ثم ضربها سنة خمس وسبعين،
وأن الحجاج ضرب دراهم بغلية كتب عليها: بسم الله. الحجاج. ثم كتب عليها
بعد سنة. الله أحد الله الصمد. فكره ذلك الفقهاء، فسميت مكروهة.
قال: ويقال إن الأعاجم كرهوا نقصانها فسميت مكروهة.
قال: وسميت السميرية بأول من ضربها واسمه سمير.
1092 - حدثني عباس بن هشام الكلبي، عن أبيه قال: حدثني عوانة
ابن الحكم أن الحجاج سأل عن ما كانت الفرس تعمل به في ضرب الدراهم.
فاتخذ دار ضرب وجمع فيها الطباعين. فكان يضرب المال للسلطان مما يجتمع
له من التبر وخلاصة الزيوف والستوقة والبهرجة. ثم أذن للتجار وغيرهم في أن
تضرب لهم الأوراق، واستغلها من فضول ما كان يؤخذ من (ص 468) فضول
الأجرة للصناع والطباعين. وختم أيدي الطباعين.
فلما ولى عمر بن هبيرة العراق ليزيد بن عبد الملك خلص الفضة أبلغ من
تخليص من قبله، وجود الدراهم. فاشتد في العيار.
575

ثم ولى خالد بن عبد الله البجلي ثم القسري العراق لهشام بن عبد الملك،
فاشتد في النقود أكثر من شدة ابن هبيرة، حتى أحكم أمرها أبلغ من أحكامه.
ثم ولى يوسف بن عمر بعده فأفرط في الشدة على الطباعين وأصحاب الغيار،
وقطع الأيدي وضرب الأبشار. فكانت الهبيرية والخالدية واليوسفية أجود
نقود بنى أمية. ولم يكن المنصور يقبل في الخراج من نقود بنى أمية غيرها.
فسميت الدراهم الأولى المكروهة.
1093 - حدثني محمد بن سعد، عن الواقدي، عن ابن أبي الزناد،
عن أبيه أن عبد الملك بن مروان أول من ضرب الذهب والورق بعد
عام الجماعة.
قال: فقلت لأبي: أرأيت قول الناس إن ابن مسعود كان يأمر بكسر
الزيوف؟ قال: تلك زيوف ضربها الأعاجم فغشوا فيها.
1094 - حدثني عبد الاعلى بن حماد النرسي قال: حدثنا حماد بن سلمة قال: حدثنا
داود بن أبي هند، عن الشعبي،
عن علقمة بن قيس أن ابن مسعود كانت له بقاية في بيت المال، فباعها
بنقصان. فنهاه عمر بن الخطاب عن ذلك فكان يدينها بعد ذلك.
1095 - حدثني محمد بن سعد، عن الواقدي،
عن قدامة بن موسى أن عمرو وعثمان كانا إذا وجدا الزيوف في بيت المال
جعلاها فضة.
576

1096 - حدثني الوليد بن صالح، عن الواقدي، عن ابن أبي الزناد،
عن أبيه أن عمر بن عبد العزيز أتى برجل يضرب على غير سكة السلطان،
فعاقبه وسجنه، وأخذ حديده فطرحه في النار.
1097 - حدثني محمد بن سعد، عن الواقدي، عن كثير بن زيد،
عن المطلب بن عبد الله بن حنطب أن عبد الملك بن مروان أخذ رجلا
يضرب على غير سكة المسلمين فأراد (ص 469) قطع يده ثم ترك ذلك وعاقبه.
قال المطلب: فرأيت من بالمدينة من شيوخنا حسنوا ذلك من فعله وحمدوه.
قال الواقدي: وأصحابنا يرون فيمن نقش على خاتم الخلافة المبالغة في الأدب
والشهرة، وأن لا يرون عليه قطعا، وذلك رأى أبي حنيفة والثوري.
وقال مالك وابن أبي ذئب وأصحابهما: نكره قطع الدرهم إذا كانت على
الوفاء، وننهى عنه لأنه من الفساد.
وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه: لا بأس بقطعها إذا لم يضر ذلك
بالاسلام وأهله.
1098 - حدثني عمرو الناقد قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن ابن عون،
عن ابن سيرين أن مروان بن الحكم أخذ رجلا بقطع الدراهم. فقطع يده،
فبلغ ذلك زيد بن ثابت فقال: لقد عاقبه.
قال إسماعيل: يعنى دراهم فارس.
1099 - قال محمد بن سعد وقال الواقدي: عاقب أبان بن عثمان، وهو على
577

المدينة، من يقطع الدراهم. ضربه ثلاثين وطاف به. وهذا عندنا فيمن قطعها
ودس فيها المفرغة والزيوف.
1100 - وحدثني محمد، عن الواقدي، عن صالح بن جعفر،
عن ابن كعب في قوله * (أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء) * (1) قال:
قطع الدراهم.
1101 - حدثنا محمد بن خالد بن عبد الله قال: حدثنا يزيد بن هارون قال:
أنبأنا يحيى بن سعيد قال: ذكر لابن المسيب رجل يقطع الدراهم فقال
سعيد: هذا من الفساد في الأرض.
1102 - حدثنا عمرو الناقد قال: ثنا إسماعيل بن إبراهيم قال: ثنا يونس بن عبيد،
عن الحسن قال: كان الناس وهم أهل كفر قد عرفوا موضع هذا الدرهم
من الناس فجودوه وأخلصوه: فلما صار إليكم غششتموه وأفسدتموه. ولقد كان
عمر بن الخطاب قال: هممت أن أجعل الدراهم من جلود الإبل. فقيل له إذا
لا بعير. فأمسك (ص 470).

(1) سورة هود، 11، الآية 87.
578

أمر الخط
1103 - حدثني عباس بن هشام بن محمد بن السائب الكلبي، عن أبيه،
عن جده، وعن الشرقي بن القطامي قال: اجتمع ثلاثة نفر من طيئ ببقة
وهم مرامر بن مرة، وأسلم بن سدرة، وعامر بن جدرة فوضعوا الخط، وقاسوا
هجاء العربية على هجاء السريانية. فتعلمه منهم قوم من أهل الأنبار، ثم تعلمه
أهل الحيرة من أهل الأنبار. وكان بشر بن عبد الملك أخو أكيدر بن عبد
الملك بن عبد الجن الكندي ثم السكوني صاحب دومة الجندل يأتي الحيرة
فيقيم بها الحين، وكان نصرانيا. فتعلم بشر الخط العربي من أهل الحيرة.
ثم أتى مكة في بعض شأنه فرآه سفيان بن أمية بن عبد شمس، وأبو قيس
ابن عبد مناف بن زهرة بن كلاب يكتب، فسألاه أن يعلمهما الخط، فعلمها
الهجاء، ثم أراهما الخط فكتبا.
ثم إن بشرا وسفيان وأبا قيس أتوا الطائف في تجارة فصحبهم غيلان
ابن سلمة الثقفي فتعلم الخط منهم.
وفارقهم يشر ومضى إلى ديار مضر فتعلم الخط منة عمرو بن زرارة بن
عدس فسمى عمرو الكاتب.
ثم أتى بشر الشام فتعلم الخط منه ناس هناك.
وتعلم الخط من الثلاثة الطائيين أيضا رجل من طابخة كلب، فعلمه رجلا
من أهل وادى القرى، فأتى الوادي يتردد فأقام بها وعلم الخط قوما من أهلها.
579

1104 - وحدثني الوليد بن صالح ومحمد بن سعد قالا: حدثنا محمد بن عمر الواقدي،
عن خالد بن الياس،
عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي جهم العدوى قال: دخل الاسلام وفى
قريش سبعة عشر رجلا كلهم يكتب: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب،
وعثمان بن عفان، وأبو عبيدة بن الجراح، وطلحة، ويزيد بن أبي سفيان،
وأبو حذيفة بن عتبة (ص 471) بن ربيعة، وحاطب بن عمرو أخو سهيل بن
عمرو العامري من قريش، وأبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي، وأبان بن سعيد
ابن العاصي بن أمية، وخالد بن سعيد أخوه، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح
العامري، وحويطب بن عبد العزى العامري، وأبو سفيان بن حرب بن أمية،
ومعاوية بن أبي سفيان، وجهيم بن الصلت بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف.
ومن حلفاء قريش العلاء بن الحضرمي.
1105 - وحدثني بكر بن الهيثم قال: ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري،
عن عبيد الله بن عبد الله بن عقبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للشفاء
بنت عبد الله العدوية من رهط عمر بن الخطاب: ألا تعلمين حفصة رقنة النملة
كما علمتها الكتابة وكانت الشفاء كاتبة في الجاهلية.
1106 - وحدثني الوليد بن صالح، عن الواقدي، عن أسامة بن زيد،
عن عبد الرحمن بن سعد قال: كانت حفصة زوج النبي صلى الله
عليه وسلم تكتب.
580

1107 - وحدثني الوليد، عن الواقدي، عن ابن أبي سبرة، عن علقمة بن أبي
علقمة،
عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان أن أم كلثوم بنت عقبة كانت تكتب.
1108 - وحدثني الوليد، عن الواقدي، عن فروة،
عن عائشة بنت سعد أنها قالت: علمني أبى الكتاب.
1109 - وحدثني الوليد، عن الواقدي، عن موسى بن يعقوب، عن عمته،
عن أمها كريمة بنت المقداد أنها كانت تكتب.
1110 - حدثني الوليد، عن الواقدي، عن ابن أبي سبرة، عن ابن عون، عن
ابن مياح،
عن عائشة أنها كانت تقرأ المصحف ولا تكتب.
1111 - وحدثني الوليد، عن الواقدي، عن عبد الله بن يزيد الهذلي، عن سالم
سبلان،
عن أم سلمة أنها كانت تقرأ ولا تكتب.
1112 - وحدثني الوليد، ومحمد بن سعد، عن الواقدي،
عن أشياخه قالوا: أول من كتب لرسول (ص 472) الله صلى الله عليه وسلم
مقدمه المدينة أبي بن كعب الأنصاري. وهو أول من كتب في آخر الكتاب
وكتب فلان. فكان أبى إذا لم يحضر دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد
581

ابن ثابت الأنصاري فكتب له. فكان أبى وزيد يكتبان الوحي بين يديه
وكتبه إلى من يكاتب من الناس وما يقطع وغير ذلك.
قال الواقدي: وأول من كتب له من قريش عبد الله بن سعد بن أبي سرح،
ثم ارتد ورجع إلى مكة وقال لقريش. انا آتي بمثل ما يأتي به محمد. وكان
يمل عليه الظالمين فيكتب الكافرين. يمل عليه سميع عليم، فيكتب غفور رحيم.
وأشباه ذلك. فأنزل الله * (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحى إلى
ولم يوح إليه شئ، ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله) *. (1)
فلما كان يوم فتح مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله. فكلمه
فيه عثمان بن عفان وقال: أخي من الرضاع وقد أسلم. فأمر رسول الله صلى الله
عليه وسلم بتركه، وولاه عثمان مصر.
فكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان، وشرحبيل ابن
حسنة الطابخي من خندف حليف قريش. ويقال بل هو كندي. وكتب
له جهيم بن الصلت مخرمة، وخالد بن سعيد، وأبان بن سعيد بن العاصي،
والعلاء بن الحضرمي. فلما كان عام الفتح أسلم معاوية، وكتب له أيضا. ودعاه
يوما وهو يأكل فأبطأ فقال: لا أشبع الله بطنه. فكان يقول: لحقتني دعوة
رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان يأكل في اليوم سبع أكلات وأكثر وأقل.
1113 - وقال الواقدي وغيره: كتب حنظلة بن الربيع بن رباح
الأسيدي، من بنى تميم، بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة، فسمى
حنظلة الكاتب.

(1) سورة الأنعام، 6، الآية 93.
582

وقال الواقدي: كان الكتاب بالعربية في الأوس والخزرج قليلا. وكان
بعض اليهود قد علم كتاب العربية، وكان تعلمه الصبيان بالمدينة في الزمن
الأول. فجاء الاسلام وفى الأوس والخزرج عدة يكتبون. وهم: سعد بن عبادة
ابن دليم، والمنذر بن عمرو، وأبى بن (ص 473) كعب، وزيد بن ثابت.
فكان يكتب العربية والعبرانية، ورافع بن مالك، وأسيد بن حضير، ومعن
ابن عدي البلوى حليف الأنصار، وبشير بن سعد، وسعد بن الربيع، وأوس
ابن خولي، وعبد الله بن أبي المنافق.
قال: فكان الكملة منهم - والكامل من يجمع إلى الكتاب الرمي
والعوم - رافع بن مالك، وسعد بن عبادة، وأسيد بن حضير، وعبد الله
ابن أبي، وأوس بن خولي. وكان من جمع هذه الأشياء في الجاهلية من أهل
يثرب سويد بن الصامت، وحضير الكتائب.
قال الواقدي: وكان جفينة العبادي من أهل الحيرة نصرانيا ظئرا لسعد
ابن أبي وقاص. فاتهمه عبيد الله بن عمر بمشايعة أبى لؤلؤة على قتل أبيه، فقتله
وقتل ابنيه.
1115 - حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل قال: حدثنا عبد الرحمن ابن أبي الزناد،
عن أبيه،
عن خارجة بن زيد بن ثابت قال: أمرني رسول الله صلى الله
عليه وسلم أن أتعلم له كتاب يهود، وقال لي: إني لا آمن يهودا على
كتابي. فلم يمر بي نصف شهر حتى تعلمته. فكنت أكتب له إلى
يهود، وإذا كتبوا إليه قرأت كتابهم.
583

تم كتاب فتوح البلدان. والحمد لله الواحد الديان
وصلواته على سيدنا محمد النبي وآله وأصحابه وسلامه
584