الكتاب: تاريخ الطبري
المؤلف: الطبري
الجزء: ٤
الوفاة: ٣١٠
المجموعة: مصادر التاريخ
تحقيق: مراجعة وتصحيح وضبط : نخبة من العلماء الأجلاء
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: قوبلت هذه الطبعة على النسخة المطبوعة بمطبعة "بريل" بمدينة لندن في سنة ١٨٧٩ م)

تاريخ الأمم والملوك
للامام أبى جعفر محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
[قوبلت هذه الطبعة على النسخة المطبوعة]
[بمطبعة " بريل " بمدينة ليدن في سنة 1879 م]
راجعه وصححه وضبطه
نخبة من العلماء الاجلاء
منشورات
مؤسسته الأعلمي للمطبوعات
بيروت - لبنان
ص. ب 7120
1

بسم الله الرحمن الرحيم
ثم دخلت سنة سبع وثلاثين
ذكر ما كان فيها من الاحداث وموادعة الحرب بين على ومعاوية
فكان في أول شهر منها وهو المحرم موادعة الحرب بين على ومعاوية قد توادعا
على ترك الحرب فيه إلى انقضائه طمعا في الصلح فذكر هشام بن محمد عن أبي مخنف
الأزدي قال حدثني سعد أبو المجاهد الطائي عن المحل بن خليفة الطائي قال لما
توادع على ومعاوية يوم صفين اختلف فيما بينهما الرسل رجاء الصلح فبعث على
عدى بن حاتم ويزيد بن قيس الأرحبي وشبث بن ربعي وزياد بن خصفة إلى
معاوية فلما دخلوا حمد الله عدى بن حاتم ثم قال أما بعد فإنا أتيناك ندعوك إلى
أمر يجمع الله عز وجل به كلمتنا وأمتنا ويحقن به الدماء ويأمن به السبل ويصلح به
ذات البين إن ابن عمك سيد المسلمين أفضلها سابقة وأحسنها في الاسلام أثرا وقد
استجمع له الناس وقد أرشدهم الله عز وجل بالذي رأوا فلم يبق أحد غيرك وغير من
من معك فانته يا معاوية لا يصبك الله وأصحابك بيوم مثل يوم الجمل فقال معاوية
كأنك إنما جئت متهددا لم تأت مصلحا هيهات يا عدى كلا والله إني لابن حرب
ما يقعقع لي بالشنان أما والله إنك لمن المجلبين على ابن عفان رضي الله عنه وإنك
لمن قتلته وإني لأرجو أن تكون ممن يقتل الله عز وجل به هيهات يا عدى بن
حاتم قد حلبت بالساعد الأشد فقال له شبث بن ربعي وزياد بن خصفة وتنازعا
جوابا واحدا أتيناك فيما يصلحنا وإياك فأقبلت تضرب لنا الأمثال دع مالا ينتفع
به من القول والفعل وأجبنا فيما يعمنا وإياك نفعه وتكلم يزيد بن قيس فقال إنا
لم نأتك إلا لنبلغك ما بعثنا به إليك ولنؤدي عنك ما سمعنا منك ونحن على ذلك لم
تدع أن ننصح لك وأن نذكر ما ظننا أن لنا عليك به حجة وأنك راجع به إلى
الألفة والجماعة إن صاحبنا من قد عرفت وعرف المسلمون فضله ولا أظنه يخفى
2

عليك إن أهل الدين والفضل لن يعدلوا بعلى ولن يميلوا بينك وبينه فاتق الله
يا معاوية ولا تخالف عليا فإنا والله ما رأينا رجلا قط أعمل بالتقوى ولا أزهد
في الدنيا ولا أجمع لخصال الخير كلها منه فحمد الله معاوية وأثنى عليه ثم قال أما
بعد فإنكم دعوتم إلى الطاعة والجماعة فأما الجماعة التي دعوتم إليها فمعنا هي وأما
الطاعة لصاحبكم فإنا لا نراها إن صاحبكم قتل خليفتنا وفرق جماعتنا وآوى ثأرنا
وقتلتنا وصاحبكم يزعم أنه لم يقتله فنحن لا نرد ذلك عليه أرأيتم قتلة صاحبنا ألستم
تعلمون أنهم أصحاب صاحبكم فليدفعهم إلينا فلنقتلهم به ثم نحن نجيبكم إلى
الطاعة والجماعة فقال له شبث أيسرك يا معاوية أنك أمكنت من عمار تقتله فقال
معاوية وما يمنعني من ذلك والله لو أمكنت من ابن سمية ما قتلته بعثمان رضي الله عنه
ولكن كنت قاتله بناتل مولى عثمان فقال له شبث وإله الأرض وإله السماء
أما عدلت معتدلا لا والذي لا إله إلا هو لا تصل إلى عمار حتى تندر الهام عن
كواهل الأقوام وتضيق الأرض الفضاء عليك برحبها فقال له معاوية إنه لو قد
كان ذلك كانت الأرض عليك أضيق وتفرق القوم عن معاوية فلما انصرفوا
بعث معاوية إلى زياد بن خصفة التيمي فخلا به فحمد الله وأثنى عليه وقال أما بعد
يا أخا ربيعة فإن عليا قطع أرحامنا وآوى قتلة صاحبنا وإني أسألك النصر عليه
بأسرتك وعشيرتك ثم لك عهد الله عز وجل وميثاقه أن أوليك إذا ظهرت
أي المصرين أحببت قال أبو مخنف فحدثني سعد أبو المجاهد عن المحل بن خليفة
قال سمعت زياد بن خصفة يحدث بهذا الحديث قال فلما قضى معاوية كلامه
حمدت الله عز وجل وأثنيت عليه ثم قلت أما بعد فإني على بينة من ربى
وبما أنعم على فلن أكون ظهيرا للمجرمين ثم قمت فقال معاوية لعمرو بن
العاص وكان إلى جنبه جالسا يكلم رجل منا رجلا منهم فيجيب إلى خير مالهم عضبهم
الله بشر ما قلوبهم إلا كقلب رجل واحد * قال أبو مخنف فحدثني سليمان بن راشد
الأزدي عن عبد الرحمن بن عبيد أبى الكنود أن معاوية بعث إلى علي حبيب بن
مسلمة الفهري وشرحبيل بن السمط ومعن بن يزيد بن الأخنس فدخلوا عليه وأنا
3

عنده فحمد الله حبيب وأثنى عليه ثم قال أما بعد فان عثمان بن عفان رضي الله عنه
كان خليفة مهديا يعمل بكتاب الله عز وجل وينيب إلى أمر الله تعالى فاستثقلتم
حياته واستبطأتم وفاته فعدوتم عليه فقتلتموه رضي الله عنه فادفع إلينا قتلة عثمان
إن زعمت أنك لم تقتله نقتلهم به ثم اعتزل أمر الناس فيكون أمرهم شورى
بينهم يولى الناس أمرهم من أجمع عليه رأيهم فقال له علي بن أبي طالب وما أنت
لا أم لك والعزل وهذا الامر اسكت فإنك لست هناك ولا بأهل له فقام وقال له
والله لتريني بحيث تكره فقال على وما أنت ولو أجلبت بخيلك ورجلك لا أبقى
الله عليك إن أبقيت على أحقره وسوءا اذهب فصوب وصعد ما بدالك وقال
شرحبيل بن السمط إني إن كلمتك فلعمري ما كلامي إلا مثل كلام صاحبي قبل
فهل عندك جواب غير الذي أجبته به فقال على نعم لك ولصاحبك جواب
غير الذي أجبته به فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإن الله جل ثناؤه بعث
محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق فأنقذ به من الضلالة وانتاش به من الهلكة وجمع به
من الفرقة ثم قبضه الله إليه وقد أدى ما عليه صلى الله عليه وسلم ثم استخلف الناس
أبا بكر رضي الله عنه واستخلف أبو بكر عمر رضي الله عنه فأحسنا السيرة وعدلا
في الأمة وقد وجدنا عليهما أن توليا علينا ونحن آل رسول الله صلى الله عليه
وسلم فغفرنا ذلك لهما وولى عثمان رضي الله عنه فعمل بأشياء عابها الناس عليه
فساروا إليه فقتلوه ثم أتاني الناس وأنا معتزل أمورهم فقالوا لي بايع فأبيت عليهم
فقالوا لي بايع فإن الأمة لا ترضى إلا بك وإنا نخاف إن لم تفعل أن يفترق الناس
فبايعتهم فلم يرعني إلا شقاق رجلين قد بايعاني وخلاف معاوية الذي لم يجعل الله
عز وجل له سابقة في الدين ولا سلف صدق في الاسلام طليق بن طليق حزب
من هذه الأحزاب لم يزل لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمسلمين
عدوا هو وأبوه حتى دخلا في الاسلام كارهين فلا غرو الا خلافكم معه وانقيادكم
له وتدعون آل نبيكم صلى الله عليه وسلم الذين لا ينبغي لكم شقاقهم ولا خلافهم
ولا أن تعدلوا بهم من الناس أحدا ألا إني أدعوكم إلى كتاب الله عز وجل
4

وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وإماتة الباطل واحياء معالم الدين أقول قولي
هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكل مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة فقال أتشهد
ان عثمان رضي الله عنه قتل مظلوما فقال لهما لا أقول إنه قتل مظلوما ولا انه قتل
ظالما قالا فمن لم يزعم أن عثمان قتل مظلوما فنحن منه برآء ثم قاما فانصرف فقال
على " انك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين وما أنت بهادي
العمى عن ضلالتهم إن تسمع الا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون " ثم أقبل
على على أصحابه فقال لا يكن هؤلاء أولى بالجد في ضلالهم منكم بالجد في
حقكم وطاعة ربكم * قال أبو مخنف حدثني جعفر بن حذيفة من آل عامر بن جوين
أن عائذ بن قيس الحزمري واثب عدى بن حاتم في الراية بصفين وكانت حزمر
أكثر من بنى عدى رهط حاتم فوثب عليهم عبد الله بن خليفة الطائي البولاني عند
على فقال يا بنى حزمر على عدى تتوثبون وهل فيكم مثل عدى أو في آبائكم مثل
أبى عدى أليس بحامي القربة ومانع الماء يوم روية أليس بابن ذي المرباع وابن جواد
العرب أليس بابن المنهب ماله ومانع جاره أليس من لم يغدر ولم يفجر ولم يجهل ولم
يبخل ولم يمنن ولم يجبن هاتوا في آبائكم مثل أبيه أو هاتوا فيكم مثله أوليس أفضلكم
في الاسلام أوليس وافدكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أليس برأسكم يوم
النخيلة ويوم القادسية ويوم المدائن ويوم جلولاء الوقيعة ويوم نهاوند ويوم
تستر فمالكم وله والله ما من قومكم أحد يطلب مثل الذي تطلبون فقال له علي بن أبي
طالب حسبك يا ابن خليفة هلم أيها القوم إلى وعلى بجماعة طيئ فأتوه جميعا
فقال على من كان رأسكم في هذه المواطن قالت له طيئ عدى فقال له ابن خليفة
فسلهم يا أمير المؤمنين أليسوا راضين مسلمين لعدى الرئاسة ففعل فقالوا نعم فقال
لهم عدى أحقكم بالراية فسلموها له فقال على وضجت بنو الحزمر إني أراه رأسكم
قبل اليوم ولا أرى قومه كلهم إلا مسلمين له غيركم فأتبع في ذلك الكثرة فأخذها
عدى فلما كان أزمان حجر بن عدي طلب عبد الله بن خليفة ليبعث به مع حجر
وكان من أصحابه فسير إلى الجبلين وكان عدى قدمناه أن يرده وأن يطلب فيه فطال
5

عليه ذلك فقال
وتنسونني يوم الشريعة والقنا * بصفين في أكتافهم قد تكسرا
جزى ربه عنى عدى بن حاتم * برفضي وخذلاني جزاء موفرا
أتنسى بلائي سادرا يا ابن حاتم * عشية ما أغنت عديك حزمرا
فدافعت عنك القوم حتى تخاذلوا * وكنت أنا الخصم الألد العذورا
فولوا وما قاموا مقامي كأنما * رأوني ليثا بالأباءة محدرا
نصرتك إذ خام القريب وأبعد ال‍ * بعيد وقد أفردت نصرا مؤزرا
فكان جزائي أن أجرد بينكم * سجينا وأن أولى الهوان وأوسرا
وكم عدة لي منك أنك راجعي * فلم تغن بالميعاد عنى حبترا
تكتيب الكتائب وتعبية الناس للقتال
قال ومكث الناس حتى إذا دنا انسلاخ المحرم أمر على مرثد بن الحارث الجشمي
فنادى أهل الشأم عند غروب الشمس ألا إن أمير المؤمنين يقول لكم إني قد
استدمتكم لتراجعوا الحق وتنيبوا إليه واحتججت عليكم بكتاب الله عز وجل فدعوتكم
إليه فلم تناهوا عن طغيان ولم تجيبوا إلى حق وإني قد نبذت إليكم على سواء إن الله
لا يحب الخائنين ففزع أهل الشأم إلى أمرائهم ورؤسائهم وخرج معاوية وعمرو
ابن العاص في الناس يكتبان الكتائب ويعبيان الناس وأوقدوا النيران وبات
على ليلته كلها يعبى الناس ويكتب الكتائب ويدور في الناس يحرضهم قال أبو مخنف
حدثني عبد الرحمن بن جندب الأزدي عن أبيه أن عليا كان يأمرنا في كل موطن
لقينا فيه معه عدوا فيقول لا تقاتلوا القوم حتى يبدؤكم فأنتم بحمد الله عز وجل
على حجة وترككم إياهم حتى يبدؤكم حجة أخرى لكم فإذا قاتلتموهم فهزمتموهم
فلا تقتلوا مدبرا ولا تجهزوا على جريح ولا تكشفوا عورة ولا تمثلوا بقتيل فإذا
وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتكوا سترا ولا تدخلوا دارا إلا بإذن ولا تأخذوا
شيئا من أموالهم إلا ما وجدتم في عسكرهم ولا تهيجوا امرأة بأذى وإن شتمن
أعراضكم وسببن أمراءكم وصلحاءكم فإنهن ضعاف القوى والأنفس قال أبو مخنف
6

وحدثني إسماعيل بن يزيد عن أبي صادق عن الحضرمي قال سمعت عليا يحرض
الناس في ثلاثة مواطن يحرض الناس يوم صفين ويوم الجمل ويوم النهر يقول
عباد الله اتقوا الله وغضوا الابصار واخفضوا الأصوات وأقلوا الكلام ووطنوا
أنفسكم على المنازلة والمجاولة والمبارزة والمناضلة والمبالدة والمعانقة والمكادمة
الملازمة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب
ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين اللهم ألهمهم الصبر وأنزل عليهم النصر وأعظم
لهم الاجر فأصبح على من الغد فبعث على الميمنة والميسرة والرجالة والخيل * قال
أبو مخنف فحدثني فضيل بن خديج الكندي أن عليا بعث على خيل أهل الكوفة
الأشتر وعلى خيل أهل البصرة سهل بن حنيف وعلى رجالة أهل الكوفة عمار
ابن ياسر وعلى رجالة أهل البصرة قيس بن سعد وهاشم بن عتبة ومعه رايته ومسعر
ابن فدكي التميمي على قراء أهل البصرة وصار أهل الكوفة إلى عبد الله بن بديل
وعمار بن ياسر * قال أبو مخنف وحدثني عبد الله بن يزيد بن جابر الأزدي عن
القاسم مولى يزيد بن معاوية أن معاوية بعث على ميمنته ابن ذي الكلاع الحميري
وعلى ميسرته حبيب بن مسلمة الفهري وعلى مقدمته يوم أقبل من دمشق أبا الأعور
السلمي وكان على خيل أهل دمشق وعمرو بن العاص على خيول أهل الشأم كلها
ومسلم بن عقبة المري على رجالة أهل دمشق والضحاك بن قيس على رجالة الناس
كلها وبايع رجال من أهل الشأم على الموت فعقلوا أنفسهم بالعمائم فكان
المعقلون خمسة صفوف وكانوا يخرجون ويصفون عشرة صفوف ويخرج أهل
العراق أحد عشر صفا فخرجوا أول يوم من صفين فاقتتلوا وعلى من خرج
يومئذ من أهل الكوفة الأشتر وعلى أهل الشأم حبيب بن مسلمة وذلك يوم
الأربعاء فاقتتلوا قتالا شديدا جل النهار ثم تراجعوا وقد انتصف بعضهم من بعض
ثم خرج هاشم بن عتبة في خيل ورجال حسن عددها وعدتها وخرج إليه أبو الأعور
فاقتتلوا يومهم ذلك يحمل الخيل على الخيل والرجال على الرجال ثم انصرفوا وقد
كان القوم صبر بعضهم لبعض وخرج اليوم الثالث عمار بن ياسر وخرج إليه
7

عمرو بن العاص فاقتتل الناس كأشد القتال وأخذ عمار يقول يا أهل العراق أتريدون
أن تنظروا إلى من عادى الله ورسوله وجاهدهما وبغى على المسلمين وظاهر
المشركين فلما رأى الله عز وجل يعز دينه ويظهر رسوله أتى النبي صلى الله عليه
وسلم فأسلم وهو فيما نرى راهب غير راغب ثم قبض الله عز وجل رسوله صلى الله
عليه وسلم فوالله ان زال بعده معروفا بعداوة المسلم وهوادة المجرم فاثبتوا له
وقاتلوه فإنه يطفئ نور الله ويظاهر أعداء الله عز وجل فكان مع عمار زياد بن النضر
على الخيل فأمره أن يحمل في الخيل فحمل وقاتله الناس وصبروا له وشد عمار في
الرجال فأزال عمرو بن العاص عن موقفه وبارز يومئذ زياد بن النضر أخا له
لامه يقال له عمرو بن معاوية بن المنتفق بن عامر بن عقيل وكانت أمهما امرأة
من بنى يزيد فلما التقيا تعارفا فتواقفا ثم انصرف كل واحد منهما عن صاحبه
وتراجع الناس فلما كان من الغد خرج محمد بن علي وعبيد الله بن عمر في جمعين
عظيمين فاقتتلوا كأشد القتال ثم إن عبيد الله بن عمر أرسل إلى ابن الحنفية أن
اخرج إلى فقال نعم ثم خرج يمشى فبصر به أمير المؤمنين فقال من هذان المتبارزان
فقيل ابن الحنفية وعبيد الله بن عمر فحرك دابته ثم نادى محمدا فوقف له فقال أمسك
دابتي فامسكها ثم مشى الله على فقال أبرز لك هلم إلى فقال ليست لي في مبارزتك
حاجة فقال بلى فقال لا فرجع ابن عمر فأخذ ابن الحنفية يقول لأبيه يا أبت لم منعتني
من مبارزته فوالله لو تركتني لرجوت أن أقتله فقال لو بارزته لرجوت أن تقتله
وما كنت آمن أن يقتلك فقال يا أبت أو تبرز لهذا الفاسق والله لو أبوه سألك
المبارزة لرغبت بك عنه فقال على يا بنى لا تقل في أبيه إلا خيرا ثم إن الناس تحاجزوا
وتراجعوا قال فلما كان اليوم الخامس خرج عبد الله بن عباس والوليد بن عقبة
فاقتتلوا قتالا شديدا ودنا ابن عباس من الوليد بن عقبة فأخذ الوليد يسب بنى
عبد المطلب وأخذ يقول يا ابن عباس قطعتم أرحامكم وقتلتم إمامكم فكيف رأيتم
الله صنع بكم لم تعطوا ما طلبتم ولم تدركوا ما أملتم والله إن شاء الله مهلككم وناصر
عليكم فأرسل إليه ابن عباس أن أبرز لي فأبى وقاتل ابن عباس يومئذ قتالا شديدا
8

وغشى الناس بنفسه ثم خرج قيس بن سعد الأنصاري وابن ذي الكلاع الحميري
فاقتلوا قتالا شديدا ثم انصرفا وذلك اليوم السادس ثم خرج الأشتر وعاد إليه
حبيب بن مسلمة اليوم السابع فاقتتلا قتالا شديدا ثم انصرفا عند الظهر وكل غير
غالب وذلك يوم الثلاثاء * قال أبو مخنف حدثني مالك بن أعين الجهني عن زيد
ابن وهب أن عليا قال حتى متى لا نناهض هؤلاء القوم بأجمعنا فقام في الناس عشية
الثلاثاء ليلة الأربعاء بعد العصر فقال الحمد لله الذي لا يبرم ما نقض وما أبرم لا ينقضه
الناقضون لو شاء ما اختلف اثنان من خلقه ولا تنازعت الأمة في شئ من أمره
ولا جحد المفضول ذا الفضل فضله وقد ساقتنا وهؤلاء القوم الاقدار فلفت بيننا
في هذا المكان فنحن من ربنا بمرأى ومسمع فلو شاء عجل النقمة وكان منه التغيير
حتى يكذب الله الظالم ويعلم الحق أين مصيره ولكنه جعل الدنيا دار الأعمال وجعل
الآخرة عنده هي دار القرار ليجزى الذين أساؤا بما عملوا ويجزى الذين
أحسنوا بالحسنى ألا إنكم لاقو القوم غدا فأطيلوا الليلة القيام وأكثروا تلاوة
القرآن وسلوا الله عز وجل النصر والصبر والقوهم بالجد والحزم وكونوا صادقين
ثم انصرف ووثب الناس إلى سيوفهم ورماحهم ونبالهم يصلحونها ومر بهم
كعب بن جعيل التغلبي وهو يقول:
أصبحت الأمة في أمر عجب * والملك مجموع غدا لمن غلب
فقلت قولا صادقا غير كذب * إن غدا تهلك أعلام العرب
قال فلما كان من الليل خرج على فعبى الناس ليلته كلها حتى إذا أصبح زحف
بالناس وخرج إليه معاوية في أهل الشام فأخذ على يقول من هذه القبيلة ومن
هذه القبيلة فنسبت له قبائل أهل الشأم حتى إذا عرفهم ورأى مراكزهم قال للأزد
اكفوني الأزد وقال لخثعم اكفوني خثعم وأمر كل قبيلة من أهل العراق أن تكفيه
أختها من أهل الشأم إلا أن تكون قبيلة ليس منها بالشام أحد فيصرفها إلى قبيلة
أخرى تكون بالشام ليس منهم بالعراق واحد مثل بجيلة لم يكن منهم بالشام
إلا عدد قليل فصرفهم إلى لخم ثم تناهض الناس يوم الأربعاء فاقتتلوا قتالا شديدا نهارهم
9

كله ثم انصرفوا عند المساء وكل غير غالب حتى إذا كان غداة الخميس صلى على بغلس *
قال أبو مخنف حدثني عبد الرحمن بن جندب الأزدي عن أبيه قال ما رأيت عليا غلس
بالصلاة أشد من تغليسه يومئذ ثم خرج بالناس إلى أهل الشأم فزحف إليهم فكان
يبدأهم فيسير إليهم فإذا رأوه قد زحف إليهم استقبلوه بوجوههم * قال أبو مخنف حدثني
مالك بن أعين عن زيد بن وهب الجهني أن عليا خرج إليهم غداة الأربعاء فاستقبلهم
فقال اللهم رب السقف المرفوع المحفوظ المكفوف الذي جعلته مغيضا لليل والنهار
وجعلت فيه مجرى الشمس والقمر ومنازل النجوم وجعلت سكانه سبطا من
الملائكة لا يسأمون العبادة ورب هذه الأرض التي جعلتها قرارا للأنام والهوام
والانعام وما لا يحصى مما لا يرى ومما يرى من خلقك العظيم ورب الفلك التي تجرى
في البحر يما ينفع الناس ورب السحاب المسخر بين السماء والأرض ورب البحر
المسجور المحيط بالعالم ورب الجبال الرواسي التي جعلتها للأرض أوتادا وللخلق
متاعا إن أظهرتنا على عدونا فجنبنا البغى وسددنا للحق وإن أظهرتهم علينا فارزقني
الشهادة واعصم بقية أصحابي من الفتنة قال وازدلف الناس يوم الأربعاء فاقتتلوا
كأشد القتال يومهم حتى الليل لا ينصرف بعضهم عن بعض إلا للصلاة وكثرت
القتلى بينهم وتحاجزوا عند الليل وكل غير غالب فأصبحوا من الغد فصلى بهم على
غداة الخميس فغلس بالصلاة أشد التغليس ثم بدأ أهل الشأم بالخروج فلما رأوه قد أقبل
إليهم خرجوا إليه بوجوههم وعلى ميمنته عبد الله بن بديل وعلى ميسرته عبد الله
ابن عباس وقراء أهل العراق مع ثلاثة نفر مع عمار بن ياسر ومع قيس بن سعد
ومع عبد الله بن بديل والناس على راياتهم ومراكزهم وعلى في القلب في أهل
المدينة بين أهل الكوفة وأهل البصرة وعظم من معه من أهل المدينة الأنصار
ومعه من خزاعة عدد حسن ومن كنانة وغيرهم من أهل المدينة ثم زحف إليهم
بالناس ورفع معاوية قبة عظيمة قد ألقى عليها الكرابيس وبايعه عظم الناس من
أهل الشأم على الموت وبعث خيل أهل دمشق فاحتاطت بقبته وزحف عبد الله
ابن بديل في الميمنة نحو حبيب بن مسلمة فلم يزل يحوزه ويكشف خيله من الميسرة
10

حتى اضطرهم إلى قبة معاوية عند الظهر * قال أبو مخنف حدثني مالك بن أعين عن
زيد بن وهب الجهني أن ابن بديل قام في أصحابه فقال ألا إن معاوية ادعى ما ليس
أهله ونازع هذا الامر من ليس مثله وجادل بالباطل ليدحض به الحق وصال
عليكم بالاعراب والأحزاب قد زين لهم الضلالة وزرع في قلوبهم حب الفتنة
ولبس عليهم الامر وزادهم رجسا إلى رجسهم وأنتم على نور من ربكم وبرهان
مبين فقاتلوا الطغاة الجفاة ولا تخشوهم فكيف تخشونهم وفى أيديكم كتاب الله
عز وجل طاهرا مبرورا (أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين
قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور
قوم مؤمنين) وقد قاتلناهم مع النبي صلى الله عليه وسلم مرة وهذه ثانية والله ما هم
في هذه بأتقى ولا أزكى ولا أرشد قوموا إلى عدوكم بارك الله عليكم فقاتل
قتالا شديدا هو وأصحابه * قال أبو مخنف حدثني عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري
عن أبيه ومولى له أن عليا حرض الناس يوم صفين فقال إن الله عز وجل قد
دلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تشفى بكم على الخير الايمان بالله عز وجل
وبرسوله صلى الله عليه وسلم والجهاد في سبيل الله تعالى ذكره وجعل ثوابه مغفرة
الذنب ومساكن طيبة في جنات عدن ثم أخبركم أنه يحب الذين يقاتلون في سبيله
صفا كأنهم بنيان مرصوص فسووا صفوفكم كالبنيان المرصوص وقدموا الدارع
وأخروا الحاسر وعضوا على الأضراس فإنه أنبى للسيوف عن الهام والتووا في
أطراف الرماح فإنه أصون للأسنة وغضوا الابصار فإنه أربط للجأش وأسكن
للقلوب وأميتوا الأصوات فإنه أطرد للفشل وأولى بالوقار راياتكم فلا تميلوها ولا
تزيلوها ولا تجعلوها إلا بأيدي شجعانكم فان المانع للذمار والصابر عند نزول الحقائق هم
أهل الحفاظ الذين يحفون براياتهم ويكنفونها يضربون حفافيها خلفها وامامها ولا
يضعونها أجزأ امرؤ وقذ قرنه رحكم الله وآسى أخاه بنفسه ولم يكل قرنه إلى أخيه فيكسب
بذلك لائمة ويأتي به دناءة وأنى لا يكون هذا هكذا وهذا يقاتل اثنين وهذا ممسك
بيده يدخل قرنه على أخيه هاربا منه أو قائما ينظر إليه من يفعل هذا يمقته الله عز وجل فلا
11

تعرضوا لمقت الله سبحانه فإنما مردكم إلى الله قال الله عز من قائل لقوم (لن ينفعكم
الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلا) وأيم الله
لئن سلمتم من سيف العاجلة لا تسلمون من سيف الآخرة استعينوا بالصدق والصبر
فان بعد الصبر ينزل الله النصر
الجد في الحرب القتال
قال أبو مخنف حدثني أبو روق الهمداني أن يزيد بن قيس الأرحبي حرض
الناس فقال إن المسلم السليم من سلم دينه ورأيه وإن هؤلاء القوم والله إن يقاتلوننا
على إقامة دين رأونا ضيعناه وإحياء حق رأونا أمتناه وإن يقاتلوننا إلا على هذه
الدنيا ليكونوا جبابرة فيها ملوكا فلو ظهروا عليكم لا أراهم الله ظهورا ولا سرورا
لزموكم بمثل سعيد والوليد وعبد الله بن عامر السفيه الضال يجيز أحدهم في مجلسه
بمثل ديته ودية أبيه وجده يقول هذا لي ولا إثم على كأنما أعطى تراثه عن أبيه
وأمه وإنما هو مال الله عز وجل أفاءه علينا بأسيافنا وأرماحنا فقاتلوا عباد الله القوم
الظالمين الحاكمين بغير ما أنزل الله ولا يأخذكم في جهادهم لوم لائم فإنهم إن يظهروا
عليكم يفسدوا عليكم دينكم ودنياكم وهم من قد عرفتم وخبرتم وأيم الله ما ازدادوا إلى
يومهم هذا إلا شرا وقاتلهم عبد الله بن بديل في الميمنة قتالا شديدا حتى انتهى إلى قبة معاوية
ثم إن الذين تبايعوا على الموت أقبلوا إلى معاوية فأمرهم أن يصمدوا لابن بديل في الميمنة
وبعث إلى حبيب بن مسلمة في الميسرة فحمل بهم وبمن كان معه على ميمنة الناس فهزمهم
وانكشف أهل العراق من قبل الميمنة حتى لم يبق منهم الا ابن بديل في مائتين
أو ثلثمائة من القراء قد أسند بعضهم ظهره إلى بعض وانجفل الناس فأمر على
سهل بن حنيف فاستقدم فيمن كان معه من أهل المدينة فاستقبلهم جموع لأهل
الشأم عظيمة فاحتملتهم حتى ألحقتهم بالميمنة وكان في الميمنة إلى موقف على في القلب
أهل اليمن فلما كشفوا انتهت الهزيمة إلى علي فانصرف يتمشى نحو الميسرة فانكشفت
عنه مضر من الميسرة وثبتت ربيعة قال أبو مخنف حدثني مالك بن أعين الجهني عن
زيد بن وهب الجهني قال مر على معه بنوه نحو الميسرة وانى لارى النبل يمر بين عاتقه
12

ومنكبه وما من بنيه أحد إلا يقيه بنفسه فيتقدم فيحول بين أهل الشأم وبينه فيأخذه
بيده إذا فعل ذلك فيلقيه بين يديه أو من ورائه فبصر به أحمر مولى أبي سفيان أو عثمان
أو بعض بنى أمية فقال ورب الكعبة قتلني الله أن لم أقتلك أو تقتلني فأقبل نحوه
فخرج إليه كيسان مولى على فاختلفا ضربتين فقتله مولى بنى أمية وينتهزه على فيقع
بيده في جيب درعه فيجبذه ثم حمله على عاتقه فكأني أنظر إلى رجيلتيه تختلفان على عنق
على ثم ضرب به الأرض فكسر منكبه وعضديه وشدا ابنا علي عليه حسين ومحمد
فضرباه بأسيافهما فكأني أنظر إلى علي قائما وإلى شبليه يضربان الرجل حتى إذا
قتلاه وأقبلا إلى أبيهما والحسن قائما قال له يا بنى ما منعك أن تفعل كما فعل أخواك قال
كفياني يا أمير المؤمنين ثم إن أهل الشأم دنوا منه ووالله ما يزيده قربهم منه سرعة
في مشيه فقال له الحسن ما ضرك لو سعيت حتى تنتهى إلى هؤلاء الذين قد صبروا
لعدوك من أصحابك فقال يا بنى إن لأبيك يوما لن يعدوه ولا يبطئ به عنه السعي
ولا يعجل به إليه المشي إن أباك والله ما يبالي أوقع على الموت أو وقع الموت عليه
قال أبو مخنف حدثني فضيل بن خديج السكندي عن مولى للأشتر قال لما انهزمت
ميمنة العراق وأقبل على نحو الميسرة مر به الأشتر يركض نحو الفزع قبل الميمنة
فقال له على مالك قال لبيك قال ائت هؤلاء القوم فقل لهم أين فراركم من الموت
الذي لن تعجزوه إلى الحياة التي لن تبقى لكم فمضى فاستقبل الناس منهزمين فقال
لهم هذه الكلمات التي قالها له على وقال إلى أيها الناس أنا مالك بن الحارث أنا مالك
ابن الحارث ثم ظن أنه بالأشتر أعرف في الناس فقال أنا الأشتر إلى أيها الناس
فأقبلت إليه طائفة وذهبت عنه طائفة فنادى أيها الناس عضضتم بهن آباءكم ما أقبح
ما قاتلتم منذ اليوم أيها الناس أخلصوا إلى مذحجا فأقبلت إليه مذحج فقال عضضتم
بصم الجندل ما أرضيتم ربكم ولا نصحتم له في عدوكم وكيف بذلك وأنتم أبناء
الحروب وأصحاب الغارات وفتيان الصباح وفرسان الطراد وحتوف الاقران
ومذحج الطعان الذين لم يكونوا يسبقون بثأرهم ولا تطل دماؤهم ولا يعرفون
في موطن بخسف وأنتم حد أهل مصركم وأعد حي في قومكم وما تفعلوا في هذا
13

اليوم فإنه مأثور بعد اليوم فاتقوا مأثور الأحاديث في غد واصدقوا عدوكم اللقاء
فان الله مع الصادقين والذي نفس مالك بيده ما من هؤلاء وأشار بيده إلى أهل الشام
رجل على مثال جناح بعوضة من محمد صلى الله عليه وسلم أنتم ما أحسنتم القراع اجلوا
سواد وجهي يرجع في وجهي دمى عليكم بهذا السواد الأعظم فان الله عز وجل
لوقد فضه تبعه من بجانبيه كما يتبع مؤخر السيل مقدمه قالوا خذ بنا حيث أحببت
وصمد نحو عظمهم فيما يلي الميمنة فأخذ يزحف إليهم ويردهم ويستقبله شباب من
همدان وكانوا ثمانمائة مقاتل يومئذ وقد انهزموا آخر الناس وكانوا قد صبروا في
الميمنة حتى أصيب منهم ثمانون ومائة رجل وقتل منهم أحد عشر رئيسا كلما قتل
منهم رجل أخد الراية آخر فكان الأول كريب بن شريح ثم شرحبيل بن شريح
ثم مرثد بن شريح ثم هبيرة بن شريح ثم يريم بن شريح ثم سمير بن شريح فقتل هؤلاء
الاخوة الستة جميعا ثم أخذ الراية سفيان بن زيد ثم عبد بن زيد ثم كريب بن زيد
فقتل هؤلاء الاخوة الثلاثة جميعا ثم أخذ الراية عمير بن بشير ثم الحارث بن بشير
فقتلا ثم أخذ الراية وهب بن كريب أخو القلوص فأراد أن يستقبل فقال له رجل من
قومه انصرف بهذه الراية رحمك الله فقد قتل أشراف قومك حولها فلا تقتل نفسك
ولا من بقى من قومك فانصرفوا وهم يقولون ليت لنا عدتنا من العرب يحالفوننا
على الموت ثم نستقدم نحن وهم فلا ننصرف حتى نقتل أو نظفر فمروا بالأشتر وهم
يقولون هذا القول فقال لهم الأشتر إلى أنا أحالفكم وأعاقدكم على أن لا نرجع
أبدا حتى نظفر أو نهلك فأتوه فوقفوا معه ففي هذا القول قال كعب بن جعيل التغلبي
وهمدان زرق تبتغى من تحالف
وزحف الأشتر نحو الميمنة وثاب إليه ناس تراجعوا من أهل الصبر والحياء والوفاء
فأخذ لا يصمد لكتيبة إلا كشفها ولا لجمع إلا حازه ورده فإنه لكذلك إذ مر بزياد
ابن النضر يحمل إلى العسكر فقال من هذا فقيل زياد بن النضر استلحم عبد الله
ابن بديل وأصحابه في الميمنة فتقدم زياد فرفع لأهل الميمنة رايته فصبروا وقاتل
حتى صرع ثم لم يمكثوا إلا كلا شئ حتى مر بيزيد بن قيس الأرحبي محمولا نحو
14

العسكر فقال الأشتر من هذا فقالوا يزيد بن قيس لما صرع زياد بن النضر رفع
لأهل الميمنة رايته فقاتل حتى صرع فقال الأشتر هذا والله الصبر الجميل والفعل
الكريم ألا يستحى الرجل أن ينصرف لا يقتل ولا يقتل أو يشفى به على القتل
قال أبو مخنف حدثني أبو جناب الكلبي عن الحر بن الصياح النخعي أن الأشتر
يومئذ كان يقاتل على فرس له في يده صفيحة يمانية إذا طأطأها خلت فيها
ماء منصبا وإذا رفعها كاد يغشى البصر شعاعها وجعل يضرب بسيفه ويقول
الغمرات ثم ينجلينا قال فبصر به الحارث بن جمهان الجعفي والأشتر متقنع
في الحديد فلم يعرفه فدنا منه فقال له جزاك الله خيرا منذ اليوم عن أمير المؤمنين
وجماعة المسلمين فعرفه الأشتر فقال ابن جمهان مثلك يتخلف عن مثل موطني
هذا الذي أنا فيه فنظر إليه ابن جمهان فعرفه فكان من أعظم الرجال
وأطوله وكان في لحيته حفها قليلا فقال جعلت فداك لا والله ما علمت
بمكانك إلا الساعة ولا أفارقك حتى أموت قال ورآه منقذ وحمير ابنا قيس
الناعطيان فقال منقذ لحمير ما في العرب مثل هذا إن كان من أرى من قتاله فقال له
حمير وهل النية إلا ما تراه يصنع قال إني أخاف أن يكون يحاول ملكا * قال
أبو مخنف حدثني فضيل بن خديج عن مولى للأشتر أنه لما اجتمع إليه عظم من كان
انهزم عن اليمنة حرضهم ثم قال عضوا على النواجذ من الأضراس واستقبلوا
القوم بهامكم وشدوا شدة قوم موتورين ثأرا بآبائهم وإخوانهم حناقا على عدوهم
قد وطنوا على الموت أنفسهم كيلا يسبقوا بوتر ولا يلحقوا في الدنيا عارا وأيم
الله ما وتر قوم قط بشئ أشد عليهم من أن يوتروا دينهم وإن هؤلاء القوم
لا يقاتلونكم إلا عن دينكم ليميتوا السنة ويحيوا البدعة ويعيدوكم في ضلالة قد
أخرجكم الله عز وجل منها بحسن البصيرة فطيبوا عباد الله أنفسا بدمائكم دون
دينكم فإن ثوابكم على الله والله عنده جنات النعيم وإن الفرار من الزحف
فيه السلب للعز والغلبة على الفئ وذل المحيا والممات وعار الدنيا والآخرة وحمل
عليهم حتى كشفهم فألحقهم بصفوف معاوية بين صلاة العصر والمغرب
15

وانتهى إلى عبد الله بن بديل وهو في عصبة من القراء بين المائتين والثلثمائة
وقد لصقوا بالأرض كأنهم جثا فكشف عنهم أهل الشأم فأبصروا إخوانهم قد
دنوا منهم فقالوا ما فعل أمير المؤمنين قالوا حي صالح في الميسرة يقاتل الناس
أمامه فقالوا الحمد لله قد كنا ظننا أن قد هلك وهلكتم وقال عبد الله بن بديل
لأصحابه استقدموا بنا فأرسل الأشتر إليه أن لا تفعل أثبت مع الناس فقاتل فإنه
خير لهم وأبقى لك ولأصحابك فأبى فمضى كما هو نحو معاوية وحوله كأمثال الجبال
وفى يده سيفان وقد خرج فهو أمام أصحابه فأخذ كلما دنا منه رجل ضربه فقتله
حتى قتل سبعة ودنا من معاوية فنهض إليه الناس من كل جانب وأحيط به وبطائفة
من أصحابه فقاتل حتى قتل وقتل ناس من أصحابه ورجعت طائفة قد خرجوا
منهزمين فبعث الأشتر بن جمهان الجعفي فحمل على أهل الشأم الذين يتبعون من
نجا من أصحاب ابن بديل حتى نفسوا عنهم وانتهوا إلى الأشتر فقال لهم ألم يكن
رأيي لكم خير من رأيكم لأنفسكم ألم آمركم أن تثبتوا مع الناس وكان معاوية قال
لابن بديل وهو يضرب قدما أترونه كبش القوم فلما قتل أرسل إليه فقال انظروا
من هو فنظر إليه ناس من أهل الشأم فقالوا لا نعرفه فأقبل إليه حتى وقف عليه
فقال بلى هذا عبد الله بن بديل والله لو استطاعت نساء خزاعة أن تقاتلنا فضلا
على رجالها لفعلت مدوه فمدوه فقال هذا والله كما قال الشاعر
أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها * وإن شمرت يوما به الحرب شمرا
والبيت لحاتم طيئ وأن الأشتر زحف إليهم فاستقبله معاوية بعك والأشعرين
فقال الأشتر لمذحج أكفونا عكا ووقف في همدان وقال لكندة اكفونا الأشعرين
فاقتتلوا قتالا شديدا وأخذ يخرج إلى قومه فيقول إنما هم عك فاحملوا عليهم فيجثون
على الركب ويرتجزون
يا ويل أم مذحج من عك * هاتيك أم مذحج تبكى
فقاتلوهم حتى المساء ثم إنه قاتلهم في همدان وناس من طوائف الناس فحمل
عليهم فأزالهم عن مواقفهم حتى ألحقهم بالصفوف الخمسة المعقلة بالعمائم حول
16

معاوية ثم شد عليهم شدة أخرى فصرع الصفوف الأربعة وكانوا معقلين بالعمائم
حتى انتهوا إلى الخامس الذي حول معاوية ودعا معاوية بفرس فركب وكان يقول
أردت أن أنهزم فذكرت قول ابن الإطنابة من الأنصار كان جاهليا والإطنابة
امرأة من بلقين
أبت لي عفتي وحياء نفسي * واقدامى على البطل المشيح
وإعطائي على المكروه مالي * وأخذي الحمد بالثمن الربيح
وقولي كلما جشأت وجاشت * مكانك تحمدي أو تستريحي
فمنعني هذا القول من الفرار * قال أبو مخنف حدثني مالك بن أعين الجهني
عن زيد بن وهب أن عليا لما رأى ميمنته قد عادت إلى مواقفها ومصافها وكشفت
من بإزائها من عدوها حتى ضاربوهم في مواقفهم ومراكزهم أقبل حتى انتهى
إليهم فقال إني قد رأيت جولتكم وانحيازكم عن صفوفكم يحوزكم الطغاة الجفاة
وأعراب أهل الشأم وأنتم لهاميم العرب والسنام الأعظم وعمار الليل بتلاوة
القرآن وأهل دعوة الحق إذ ضل الخاطئون فلولا إقبالكم بعد إدباركم وكركم بعد
انحيازكم وجب عليكم ما وجب على المولى يوم الزحف دبره وكنتم من الهالكين
ولكن هون وجدى وشفى بعض أحاح نفس أنى رأيتكم بأخرة حزتموهم كما
حازوكم وأزلتموهم عن مصافهم كما أزالوكم تحسونهم بالسيوف تركب أولاهم أخراهم
كالإبل المطردة فالآن فاصبروا نزلت عليكم السكينة وثبتكم الله عز وجل باليقين
ليعلم المنهزم أنه مسخط ربه وموبق نفسه إن في الفرار موجدة الله عز وجل عليه
والذل اللازم والعار الباقي واعتصار الفئ من يده وفساد العيش عليه وأن الفار
منه لا يزيد في عمره ولا يرضى ربه فموت المرء محقا قبل إتيان هذه الخصال خير
من الرضا بالتأنيس لها والاقرار عليها * قال أبو مخنف حدثنا عبد السلام بن عبد الله
ابن جابر الأحمسي أن راية بجيلة بصفين كانت في أحمس بن الغوث بن أنمار مع أبي
شداد وهو قيس بن مكشوح بن هلال بن الحارث بن عمرو بن جابر بن علي
ابن أسلم بن أحمس بن الغوث وقال له بجيلة خذ رايتا فقال غيري خير لكم منى
17

قالوا ما نريد غيرك قال والله لئن أعطيتمونيها لا انتهى بكم دون صاحب الترس
المذهب قالوا اصنع ما شئت فأخذها ثم زحف حتى انتهى بهم إلى صاحب الترس
المذهب وكان في جماعة عظيمة من أصحاب معاوية وذكروا أنه عبد الرحمن بن خالد
ابن الوليد المخزومي فاقتتل الناس هنالك قتالا شديدا فشد بسيفه نحو صاحب الترس
فتعرض له رومي مولى لمعاوية فيضرب قدم أبى شداد فيقطعها ويضربه أبو شداد
فيقتله وأشرعت إليه الأسنة فقتل وأخذ الراية عبد الله بن قلع الأحمسي وهو يقول
لا يبعد الله أبا شداد * حيث أجاب دعوة المنادى
وشد بالسيف على الأعادي * نعم الفتى كان لدا الطراد
وفى طعان الرجل والجلاد
فقاتل حتى قتل فأخذ الراية أخوه عبد الرحمن بن قلع فقاتل حتى قتل ثم
أخذها عفيف بن إياس فلم تزل في يده حتى تحاجز الناس وقتل حازم بن أبي حازم
الأحمسي أخو قيس بن أبي حازم يومئذ وقتل نعيم بن صهيب بن العلية البجلي يومئذ
فأتى ابن عمه وسميه نعيم بن الحارث ابن العلية معاوية وكان معه فقال إن هذا القتيل
ابن عمى فهبه لي أدفنه فقال لا تدفنه فليسوا لذلك أهلا والله ما قدرنا على دفن
ابن عفان رضي الله عنه إلا سرا قال والله لتأذنن في دفنه أو لألحقن بهم ولأدعنك
قال معاوية أترى أشياخ العرب قد أحالتهم أمورهم فأنت تسألني في دفن ابن عمك
ادفنه إن شئت أودع فدفنه * قال أبو محنف حدثني الحارث بن حصيرة
الأزدي عن أشياخ من النمر من الأزد أن مخنف بن سليم لما ندبت الأزد
للأزد حمد الله وأثنى عليه ثم قال إن من الخطأ الجليل والبلاء العظيم أنا صرفنا إلى
قومنا وصرفوا إلينا والله ما هي إلا أيدينا نقطعها بأيدينا وما هي إلا أجنحتنا نجدها
بأسيافنا فإن نحن لم نؤاس جماعتنا ولم نناصح صاحبنا كفرنا وإن نحن فعلنا فعزنا أبحنا
ونارنا أخمدنا فقال له جندب بن زهير والله لو كنا آباءهم وولدناهم أو كنا أبناءهم
وولدونا ثم خرجوا من جماعتنا وطعنوا على إمامنا وإذا هم الحاكمون بالجور على
أهل ملتنا وذمتنا ما افترقنا بعد أن اجتمعنا حتى يرجعوا عماهم عليه ويدخلوا فيما
18

ندعوهم إليه أو تكثر القتلى بيننا وبينهم فقال له مخنف وكان ابن خالته عز الله بك
النية أما والله ما علمت صغيرا وكبيرا إلا مشؤوما والله ما ميلنا الرأي قط أيهما نأتى
أو أيهما ندع في الجاهلية ولا بعد أن أسلمنا إلا اخترت أعسرهما وأنكدهما اللهم
إن تعافى أحب إلينا من أن تبتلى فأعط كل امرئ منا ما يسألك وقال أبو بريدة بن
عوف اللهم احكم بيننا بما هو أرضى لك يا قوم إنكم تبصرون بما يصنع الناس
وإن لنا الأسوة بما عليه الجماعة إن كنا على حق وإن يكونوا صادقين فان أسوة
في الشر والله ما علمنا ضرر في المحيا والممات وتقدم جندب بن زهير فبارز رأس
أزد الشأم فقتله الشامي وقتل من رهطه عجل وسعد ابنا عبد الله من بنى ثعلبة وقتل
مع مخنف من رهطه عبد الله وخالد ابنا ثاجد وعمرو وعامر ابنا عويف وعبد الله
ابن الحجاج وجندب بن زهير وأبو زينب بن عوف بن الحارث وخرج عبد الله
ابن أبي الحصين الأزدي في القراء الذين مع عمار بن ياسر فأصيب معه * قال
أبو مخنف وحدثني الحارث بن حصيرة عن أشياخ النمر أن عقبة بن حديد النمري
قال يوم صفين ألا إن مرعى الدنيا أصبح هشيما وأصبح شجرها خضيدا وجديدها
سملا وحلوها مر المذاق ألا وإني أنبئكم نبأ امرئ صادق إني قد سئمت الدنيا
وعزفت نفسي عنها وقد كنت أتمنى الشهادة وأتعرض لها في كل جيش وغارة فأبى
الله عز وجل إلا أن يبلغني هذا اليوم ألا وإني متعرض لها من ساعتي هذه قد طمعت
ألا أحرمها فما تنتظرون عباد الله بجهاد من عادى الله خوفا من الموت القادم
عليكم الذاهب بأنفسكم لا محالة أو من ضربة كف بالسيف تستبدلون الدنيا بالنظر
في وجه الله عز وجل وموافقة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين في دار
القرار ما هذا بالرأي السديد ثم مضى فقال يا إخوتي قد بعت هذه الدار بالتي أمامها
وهذا وجهي البها لا تبرح وجوهكم ولا يقطع الله عز وجل رجاءكم فتبعه إخوته
عبيد الله وعوف ومالك وقالوا لا نطلب رزق الدنيا بعدك فقبح الله العيش بعدك
اللهم إنا نحتسب أنفسنا عندك فاستقدموا فقاتلوا حتى قتلوا * قال أبو مخنف حدثني ملة
ابن زهير النهدي عن أبي مسلم بن عبد الله الضبابي قال شهد ت صفين مع الحي ومعنا
19

ثمر بن ذي الجوشن الضبابي فبارزه أدهم بن محرز الباهلي فضرب أدهم وجه شمر
بالسيف وضربه شمر ضربة لم تضرره فرجع شمر إلى رحله فشرب شربة وكان قد
ظمئ ثم أخذ الرمح فأقبل وهو يقول
إني زعيم لاخى باهله * بطعنة إن لم أصب عاجله
أو ضربة تحت القنا والوغى * شبيهة بالقتل أو قاتله
ثم حمل على أدهم فصرعه ثم قال هذه بتلك * قال أبو مخنف حدثني عمرو بن
عمرو بن عوف بن مالك الجشمي أن بشر بن عصمة المزني كان لحق بمعاوية فلما
اقتتل الناس بصفين بصر بشر بن عصمة بمالك بن العقدية وهو مالك بن الجلاح
الجشمي ولكن العقدية غلبت عليه فرآه بشر وهو يفرى في أهل الشأم فريا عجيبا
وكان رجلا مسلما شجاعا فغاظ بشر ما رأى منه فحمل عليه فطعنه فصرعه ثم انصرف
فندم لطعنته إياه جبارا فقال
وإني لأرجو من مليكي تجاوزا * ومن صاحب الموسوم في الصدر هاجس
دلفت له تحت الغبار بطعنة * على ساعة فيها الطعان تخالس
فبلغت مقالته ابن العقدية فقال
ألا أبلغا بشر بن عصمة أنني * شغلت وألهاني الذين أمارس
فصادفت منى غرة وأصبتها * كذلك والابطال ماض وخالس
ثم حمل عبد الله بن الطفيل البكائي على جمع لأهل الشأم فلما انصرف حمل عليه
رجل من بنى تميم يقال له قيس بن قرة ممن لحق بمعاوية من أهل العراق فيضع
الرمح بين كتفي عبد الله بن الطفيل ويعترضه يزيد بن معاوية ابن عم عبد الله بن
الطفيل فيضع الرمح بين كنفي التميمي فقال والله لئن طعنته لأطعننك فقال عليك عهد
الله وميثاقه لئن رفعت السنان عن ظهر صاحبك لترفعن سنانك عنى فقال له نعيم
لك بذلك عهد الله فرفع السنان عن ابن الطفيل ورفع يزيد السنان عن التميمي
فقال ممن أنت قال من بنى عامر فقال له جعلني الله فداكم أبتما إلفكم الفكم كراما
وإني لحادي عشر رجلا من أهل بيتي ورهطي قتلتموهم اليوم وأنا كنت آخرهم
20

فلما رجع الناس إلى الكوفة عتب على يزيد بن الطفيل في بعض ما يعتب فيه الرجل
على ابن عمه فقال له
ألم ترني حاميت عنك مناصحا * بصفين إذ خلاك كل حميم
ونهنهت عنك الحنظلي وقد أتى * على سابح ذي ميعة وهزيم
قال أبو مخنف حدثني فضيل بن خديج قال خرج رجل من أهل الشأم يدعو
إلى المبارزة فخرج إليه عبد الرحمن بن محرز الكندي ثم الطحمي فتجاولا ساعة
ثم إن عبد الرحمن حمل على الشأمى فطعنه في ثغرة نحره فصرعه ثم نزل إليه فسلبه
درعه وسلاحه فإذا هو حبشي فقال إنا لله لمن أخطرت نفسي لعبد أسود وخرج
رجل من عك يسأل المبارزة فخرج إليه قيس بن فهدان الكناني ثم البدني فحمل عليه
العكي فضربه واحتمله أصحابه فقال قيس بن فهدان
لقد علمت عك بصفين أننا * إذا التقت الخيلان نطعنها شزرا
ونحمل رايات الطعان بحقها * فنوردها بيضا ونصدرها حمرا
قال أبو مخنف وحدثني فضيل بن خديج أن قيس بن فهدان كان يحرض أصحابه
فيقول شدوا إذا شددتم جميعا وإذا انصرفتم فأقبلوا معا وغضوا الابصار وأقلوا
اللفظ واعتوروا الاقران ولا يؤتين من قبلكم العرب قال وقتل نهيك بن عزير
من بنى الحارث بن عدي وعمرو بن يزيد من بنى ذهل وسعيد بن عمرو وخرج
قيس بن يزيد وهو ممن فر إلى معاوية من على فدعا إلى المبارزة فخرج إليه أخوه
أبو العمرطة بن يزيد فتعارفا فتواقفا وانصرفا إلى الناس فأخبر كل واحد منهما
أنه لقى أخاه * قال أبو مخنف حدثني جعفر بن حذيفة من آل عامر بن جوين
الطائي أن طيئا يوم صفين قاتلت قتالا شديدا فعبيت لهم جموع كثيرة فجاءهم حمزة
ابن مالك الهمداني فقال ممن أنتم لله أنتم فقال عبد الله بن خليفة البولاني وكان
شيعيا شاعرا خطيبا نحن طيئ السهل وطيئ الرمل وطيئ الجبل الممنوع ذي النخل
نحن حماة الجبلين إلى ما بين العذيب والعين نحن طيئ الرماح وطيئ النطاح وفرسان
الصباح فقال حمزة بن مالك بخ بخ إنك لحسن الثناء على قومك فقال
21

إن كنت لم تشعر بنجدة معشر * فأقدم علينا ويب غيرك تشعر
ثم اقتتل الناس أشد القتال فأخذ يناديهم ويقول يا معشر طيئ فدى لكم طارفي
وتالدي قاتلوا على الأحساب وأخذ يقول
أنا الذي كنت إذا الداعي دعا * مصمما بالسيف ندبا أروعا
فأنزل المستلئم المقنعا * وأقتل المبالط السميدعا
وقال بشر بن العسوس الطائي ثم الملقطى
يا طيئ السهول والأجبال
ألا انهدوا بالبيض والعوالي؟ * وبالكماة منكم الابطال
فقارعوا أيمة الجهال * السالكين سبل الضلال
ففقئت يومئذ عين أبى العسوس فقال في ذلك
ألا ليت عيني هذه مثل هذه * فلم أمش في الآناس إلا بقائد
ويا ليتني لم أبق بعد مطرف * وسعد وبعد المستنيرين خالد
فوارس لم تغذ الحواضن مثلهم * إذا الحرب أبدت عن خدام الخرائد
ويا ليت رجلي ثم طنت بنصفها * ويا ليت كفى ثم طاحت بساعدي
قال أبو مخنف حدثني أبو الصلت التيمي قال حدثني أشياخ محارب أنه كان منهم
رجل يقال له خنثر بن عبيدة بن خالد وكان من أشجع الناس فلما اقتتل الناس
يوم صفين جعل يرى أصحابه منهزمين فأخذ ينادى يا معشر قيس أطاعة الشيطان
آثر عندكم من طاعة الرحمن الفرار فيه معصية الله سبحانه وسخطه والصبر فيه
طاعة الله عز وجل ورضوانه فتختارون سخط الله تعالى على رضوانه ومعصيته
على طاعته فإنما الراحة بعد الموت لمن مات محاسبا لنفسه وقال
لا وألت نفس امرئ ولى الدبر * أنا الذي لا ينثنى ولا يفر
ولا يرى مع المعازيل الغدر
فقاتل حتى ارتث ثم إنه خرج مع الخمسمائة الذين كانوا اعتزلوا مع فروة بن
نوفل الأشجعي فنزلوا بالدسكرة والبندنيجين فقاتلت النخع يومئذ قتالا شديدا
22

فأصيب منهم يومئذ بكر بن هوذة وحيان بن هوذة وشعيب بن نعيم من بنى بكر
النخع وربيعة بن مالك بن وهبيل وأبى بن قيس أخو علقمة بن قيس الفقيه وقطعت
رجل علقمة يومئذ فكان يقول ما أحب أن رجلي أصح ما كانت وإنها لمما أرجو
به حسن الثواب من ربي عز وجل وقال لقد كنت أحب أن أرى في نومي أخي
أو بعض إخواني فرأيت أخي في النوم فقلت يا أخي ماذا قدمتم عليه فقال لي إنا
التقينا نحن والقوم فاحتججنا عند الله عز وجل فحججناهم فما سررت منذ عقلت
سروري بتلك الرؤيا * قال أبو مخنف حدثني سويد بن حية الأسدي عن الحضين
ابن المنذر أن أناسا كانوا أتوا عليا قبل الوقعة فقالوا له إنا لا نرى خالد بن المعمر
الا قد كاتب معاوية وقد خشينا أن يتابعه فبعث إليه على والى رجال من أشرافنا
فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد يا معشر ربيعة فأنتم أنصاري ومجيبو دعوتي
ومن أوثق حي في العرب في نفسي وقد بلغني أن معاوية قد كاتب صاحبكم
خالد بن المعمر وقد أتيت به وجمعتكم لأشهدكم عليه ولتسمعوا أيضا ما أقوله ثم
أقبل عليه فقال يا خالد بن المعمر إن كان ما بلغني حقا فإني أشهد الله ومن حضرني
من المسلمين انك آمن حتى تلحق بأرض العراق أو الحجاز أو أرض لا سلطان
لمعاوية فيها وان كنت مكذوبا عليك فإن صدورنا تطمئن إليك فحلف بالله
ما فعل وقال رجال منا كثير لو كنا نعلم أنه فعل أمثلناه فقال شقيق بن ثور
السدوسي ما وفق خالد بن المعمر إن نصر معاوية وأهل الشأم على على وربيعة
فقال زياد بن خصفة التيمي يا أمير المؤمنين استوثق من ابن المعمر بالايمان
لا يغدرنك فاستوثق منه ثم انصرفنا فلما كان يوم الخميس انهزم الناس من قبل
الميمنة فجاءنا على حتى انتهى إلينا ومعه بنوه فنادى بصوت عال جهير كغير
المكترث لما فيه الناس لمن هذه الرايات قلنا رايات ربيعة فقال بل هي رايات الله
عز وجل عصم الله أهلها فصبرهم وثبت أقدامهم ثم قال لي يا فتى ألا تدنى رأيتك
هذه ذراعا قلت نعم والله وعشر أذرع فقمت بها فأدنيتها حتى قال إن حسبك مكانك
فثبت حيث أمرني واجتمع أصحابي * قال أبو مخنف حدثنا أبو الصلت التيمي قال
23

سمعت أشياخ الحي من تيم الله بن ثعلبة يقولون إن راية ربيعة أهل كوفتها وبصرتها
كانت مع خالد بن المعمر من أهل البصرة قال وسمعتهم يقولون إن خالد بن المعمر
وسفيان بن ثور اصطلحا على أن وليا راية بكر بن وائل من أهل البصرة الحضين
ابن المنذر الذهلي وتنافسا في الراية وقالا هذا فتى مناله حسب نجعلها له حتى نرى
من رأينا ثم إن عليا ولى خالد بن المعمر بعد راية ربيعة كلها قال وضرب معاوية
لحمير بسهمهم على ثلاث قبائل لم تكن لأهل العراق قبائل أكثر عددا منها يومئذ
على ربيعة وهمدان ومذحج فوقع سهم حمير على ربيعة فقال ذو الكلاع قبحك
الله من سهم كرهت الضراب فاقبل ذو الكلاع في حمير ومن تعلقها ومعهم عبيد الله
ابن عمر بن الخطاب في أربعة آلاف من قراء أهل الشأم وعلى ميمنتهم ذو الكلاع
فحملوا على ربيعة وهم ميسرة أهل العراق وفيهم ابن عباس وهو على الميسرة فحمل
عليهم ذو الكلاع وعبيد الله بن عمر حملة شديدة بخيلهم ورجلهم فتضعضعت
رايات ربيعة الا قليلا من الأخيار والابدال قال ثم إن أهل الشأم انصرفوا فلم
يمكثوا الا قليلا حتى كروا وعبيد الله بن عمر يقول يا أهل الشأم إن هذا الحي من
أهل العراق قتلة عثمان بن عفان رضي الله عنه وأنصار علي بن أبي طالب وإن هزمتم
هذه القبيلة أدركتم ثأركم في عثمان وهلك علي بن أبي طالب وأهل العراق فشدوا على
الناس شدة فثبتت لهم ربيعة وصبروا صبرا حسنا إلا قليلا من الضعفاء والفشلة وثبت
أهل الرايات وأهل الصبر منهم والحفاظ فلم يزولوا وقاتلوا قتالا شديدا لا فلما رأى خالد
بن المعمر ناسا من قومه انصرفوا انصرف فلما رأى أصحاب الرايات قد ثبتوا ورأى قومه
قد صبروا رجع وصاح بمن انهزم وأمرهم بالرجوع فقال من أراد من قومه أن يتهمه أراد
الانصراف فلما رآنا قد ثبتنا رجع إلينا وقال هو لما رأيت رجالا منا انهزموا رأيت أن
أستقبلهم وأردهم إليكم وأقبلت إليكم فيمن أطاعني منهم فجاء بأمر مشبه * قال أبو مخنف
حدثني رجل من بكر بن وائل عن محرز بن عبد الرحمن العجلي أن خالدا قال
يومئذ يا معشر ربيعة إن الله عز وجل قد أتى بكل رجل منكم من منبته ومسقط
رأسه فجمعكم في هذا المكان جمعا لم يجمعكم مثله منذ نشركم في الأرض فإن تمسكوا
24

بأيديكم وتنكلوا عن عدوكم وتزولوا عن مصافكم لا يرضى الله فعلكم ولا تقدموا
من الناس صغيرا أو كبيرا الا يقول فضحت ربيعة الذمار وحاصت عن القتال
وأتيت من قبلها العرب فإياكم ان تتشاءم بكم العرب والمسلمون اليوم وانكم ان
تمضوا مقبلين مقدمين وتصيروا محتسبين فإن الاقدام لكم عادة والصبر منكم
سجية واصبروا ونيتكم أن تؤجروا فإن ثواب من نوى ما عند الله شرف الدنيا وكرامة
الآخرة ولن يضيع الله أجر من أحسن عملا فقام رجل فقال ضاع والله أمر ربيعة
حين جعلت إليك أمورها تأمرنا ألا نزول ولا نحول حتى تقتل أنفسنا وتسفك
دماءنا ألا ترى الناس قد انصرف جلهم فقام إليه رجال من قومه فنهروه وتناولوه
بألسنتهم فقال لهم خالد أخرجوا هذا من بينكم فإن هذا إن بقى فيكم ضركم وإن
خرج منكم لم ينقصكم هذا الذي لا ينقص العدد ولا يملا البلد برحك الله من
خطيب قوم كرام كيف جنبت السداد واشتد قتال ربيعة وحمير وعبيد الله بن عمر
حتى كثرت بينهم القتلى فقتل سمير بن الريان بن الحارث العجلي وكان من أشد الناس
بأسا * قال أبو مخنف حدثني جعفر بن أبي القاسم العبدي عن يزيد بن علقمة عن
زيد بن بدر العبدي أن زياد بن خصفة أتى عبد القيس يوم صفين وقد عبيت قبائل
حمير مع ذي الكلاع وفيهم عبيد الله بن عمر بن الخطاب لبكر بن وائل فقوتلوا قتالا
شديدا خافوا فيه الهلاك فقال زياد بن خصفة يا عبد القيس لا بكر بعد اليوم فركبنا
الخيول ثم مضينا فواقفناهم فما لبثنا الا قليلا حتى أصيب ذو الكلاع وقتل
عبيد الله بن عمر رضي الله عنه فقالت همدان قتله هانئ بن خطاب الأرحبي وقالت
حضر موت قتله مالك بن عمرو التنعي وقالت بكر بن وائل قتله محرز بن الصحصح
من بنى عائش بن مالك بن تيم الله بن ثعلبة وأخذ سيفه ذا الوشاح فأخذ به معاوية
بالكوفة بكر بن وائل فقالوا إنما قتله رجل منا من أهل البصرة يقال له محرز بن
الصحصح فبعث إليه بالصرة فأخذ منه السيف وكان رأس النمر بن قاسط عبد الله
ابن عمرو من بنى تميم * قال هشام بن محمد الذي قتل عبيد الله بن عمر رضي الله عنه
محرز بن الصحصح وأخذ سيفه ذا الوشاح سيف عمرو في ذلك قول كعب
25

ابن جعيل التغلبي
ألا إنما تبكى العيون لفارس * بصفين أجلت خيله وهو واقف
يبدل من أسماء أسياف وائل * وكان فتى لو أخطأته المتالف
تركن عبيد الله بالقاع مسندا * تمج دم الخرق العروق الذوارف
وهى أكثر من هذا وقتل منهم يومئذ بشر بن مرة بن شرحبيل والحارث بن
شرحبيل وكانت أسماء ابنة عطارد بن حاجب التميمي تحت عبيد الله بن عمر ثم
خلف عليها الحسن بن علي قال أبو مخنف حدثني ابن أخي غياث بن لقيط البكري
أن عليا حيث انتهى إلى ربيعة تبارت ربيعة بينها فقالوا إن أصيب على فيكم وقد
لجأ إلى أرايتكم افتضحتم وقال لهم شقيق بن ثور يا معشر ربيعة لا عذر لكم في
العرب إن وصل إلى علي فيكم وفيكم رجل حي وإن منعتموه فمجد الحياة اكتسبتموه
فقاتلوا قتالا شديدا حين جاءهم على لم يكونوا قاتلوا مثله ففي ذلك قال على
لمن راية سوداء يخفق ظلها * إذا قيل قدمها حضين تقدما
يقدمها في الموت حتى يزيرها * حياض المنايا تقطر الموت والدما
أذقنا ابن حرب طعننا وضرابنا * بأسيافنا حتى تولى وأحجما
جزى الله قوما صابروا في لقائهم * لدا الموت قوما ما أعف وأكرما
وأطيب أحبارا وأكرم شيمة * إذا كان أصوات الرجال تغمغما
ربيعة أعنى أنهم أهل نجدة * وبأس إذا لاقوا جشيما عرمرما
مقتل عمار بن ياسر
قال أبو مخنف حدثني عبد الملك بن أبي حر الحنفي أن عمار بن ياسر خرج إلى
الناس فقال اللهم إنك تعلم أنى لو أعلم أن رضاك في أن أقذف بنفسي في هذا البحر
لفعلته اللهم إنك تعلم أنى لو أعلم أن رضاك في أن أضع ظبة سيفي في صدري ثم أنحني
عليها حتى تخرج من ظهري لفعلت وإني لا أعلم اليوم عملا هو أرضى لك من جهاد
هؤلاء الفاسقين ولو أعلم أن عملا من الأعمال هو أرضى لك منه لفعلته * قال
أبو مخنف حدثني الصقعب بن زهير الأزدي قال سمعت عمارا يقول والله إني لارى
26

قوما ليضربنكم ضربا يرتاب منه المبطلون وأيم الله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات
هجر لعلمنا أنا على الحق وأنهم على الباطل * حدثنا محمد بن عباد بن موسى قال حدثنا
محمد بن فضيل قال حدثنا مسلم الأعور عن حبة بن جوين العرني قال انطلقت أنا
وأبو مسعود إلى حذيفة بالمدائن فدخلنا عليه فقال مرحبا بكما ما خلفتما من قبائل
العرب أحدا أحب إلى منكما فأسندته إلى أبى مسعود فقلنا يا أبا عبد الله حدثنا فإنا
نخاف الفتن فقال عليكما بالفتنة التي فيها ابن سمية انى سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول تقتله الفئة الباغية الناكبة عن الطريق وان آخر رزقه ضياح من لبن
قال حبة فشهدته يوم صفين وهو يقول ائتوني بآخر رزق لي من الدنيا فأتى بضياح
من لبن في قدح أروح له حلقة حمراء فما أخطأ حذيفة مقياس شعرة فقال اليوم
ألقى الا حبه محمدا وحزبه والله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا انا على
الحق وأنهم على الباطل وجعل يقول الموت تحت الأسل والجنة تحت البارقة *
حدثني محمد عن خلف قال حدثنا منصور بن أبي نويرة عن أبي محنف وحدثت
عن هشام بن الكلبي عن أبي مخنف قال حدثني مالك بن أعين الجهني عن زيد
ابن وهب الجهني أن عمار بن ياسر رحمه الله قال يومئذ أين من يبتغى
رضوان الله عليه ولا يؤوب إلى مال ولا ولد فأتته عصابة من الناس فقال أيها
الناس اقصدوا بنا نحو هؤلاء الذين يبغون دم ابن عفان ويزعمون انه قتل
مظلوما والله ما طلبتهم بدمه ولكن القوم ذاقوا الدنيا فاستحبوها واستمرؤها
وعلموا أن الحق إذا لزمهم حال بينهم وبين ما يتمرغون فيه من دنياهم ولم يكن
للقوم سابقة في الاسلام يستحقون بها طاعة الناس والولاية عليهم فخدعوا أتباعهم
أن قالوا إمامنا قتل مظلوما ليكونوا بذلك جبابرة ملوكا وتلك مكيدة بلغوا بها ما ترون
ولولا هي ما تبعهم من الناس رجلان اللهم إن تنصرنا فطالما نصرت وإن تجعل
لهم الامر فادخر لهم بما أحدثوا في عبادك العذاب الأليم ثم مضى ومضت تلك
العصابة التي أجابته حتى دنا من عمرو فقال يا عمرو بعت دينك بمصر تبا لك تبا
طالما بغيت في الاسلام عوجا وقال لعبيد الله بن عمر بن الخطاب صرعك الله
27

بعت دينك من عدو الاسلام وابن عدوه قال لا ولكن أطلب بدم عثمان بن
عفان رضي الله عنه قال له أشهد على علمي فيك أنك لا تطلب بشئ من فعلك
وجه الله عز وجل وأنك إن لم تقتل اليوم تمت غدا فانظر إذا أعطى الناس على
قدر نياتهم ما نيتك * حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال أخبرنا عبيد بن
الصباح عن عطاء بن مسلم عن الأعمش عن أبي عبد الرحمن السلمي قال سمعت عمار
ابن ياسر بصفين وهو يقول لعمرو بن العاص لقد قاتلت صاحب هذه الراية ثلاثا
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه الرابعة ما هي بأبر ولا أتقى * حدثنا أحمد
ابن محمد قال حدثنا الوليد بن صالح قال حدثنا عطاء بن مسلم عن الأعمش قال قال
أبو عبد الرحمن السلمي كنا مع علي بصفين فكنا قد وكلنا بفرسه رجلين يحفظانه
ويمنعانه من أن يحمل فكان إذا حانت منهما غفلة يحمل فلا يرجع حتى يخضب
سيفه وإنه حمل ذات يوم فلم يرجع حتى انثنى سيفه فألقاه إليهم وقال لولا أنه انثنى
ما رجعت فقال الأعمش هذا والله ضرب غير مرتاب فقال أبو عبد الرحمن سمع
القوم شيئا فأدوه وما كانوا بكذابين قال ورأيت عمارا لا يأخذ واديا من
أودية صفين إلا تبعه من كان هناك من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورايته
جاء إلى المرقال هاشم بن عتبة وهو صاحب راية على فقال يا هاشم أعورا وجبنا
لاخير في أعور لا يغشى البأس فإذا رجل بين الصفين قال هذا والله ليخلفن إمامه
وليخذلن جنده وليصرن جهده اركب يا هاشم فركب ومضى هاشم يقول
أعور يبغي أهله محلا * قد عالج الحياة حتى ملا
لابد أن يفل أو يفلا
وعمار يقول تقدم يا هاشم الجنة تحت ظلال السيوف والموت في أطراف
الأسل وقد فتحت أبواب السماء وتزينت الحور العين اليوم ألقى الا حبه محمدا
وحزبه فلم يرجعا وقتلا قال يفيد لك عليهما من كان هناك من أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم أنهما كانا علما فلما كان الليل قلت لأدخلن إليهم حتى أعلم هل
بلغ منهم قتل عمار ما بلغ منا وكنا إذا توادعنا من القتال تحدثوا إلينا وتحدثنا إليهم
28

فركبت فرسى وقد هدأت الرجل ثم دخلت فإذا أنا بأربعة يتسايرون معاوية
وأبو الأعور السلمي وعمرو بن العاص وعبد الله بن عمر وهو خير الأربعة فأدخلت فرسى
بينهم مخافة أن يفوتني ما يقول أحد الشقين فقال عبد الله لأبيه يا أبت قتلتم هذا الرجل في
يومكم هذا وقد قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال قال وما قال قال ألم تكن معنا
ونحن نبني المسجد والناس ينقلون حجرا حجرا ولبنة لبنة وعمار ينقل حجرين
حجرين ولبنتين لبنتين فغشى عليه فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يمسح
التراب عن وجهه ويقول ويحك يا ابن سمية الناس ينقلون حجرا حجرا ولبنة لبنة
وأنت تنقل حجرين حجرين ولبنتين لبنتين رغبة منك في الاجر وأنت ويحك
مع ذلك تقتلك الفئة الباغية فدفع عمرو صدر فرسه ثم جذب معاوية إليه فقال
يا معاوية أما تسمع ما يقول عبد الله قال وما يقول فأخبره الخبر فقال معاوية إنك شيخ
أخرق ولا تزال تحدث بالحديث وأنت تدحض في بولك أو نحن قتلنا عمارا إنما قتل
عمارا من جاء به فخرج الناس من فساطيطهم وأخبيتهم يقولون إنما قتل عمارا من
جاء به فلا أدرى من كان أعجب هو أو هم (قال أبو جعفر) وقد ذكر أن عمارا لما قتل قال
على لربيعة وهمدان أنتم درعي ورمحي فانتدب له نحو من اثنى عشر ألفا وتقدمهم على
على بغلته فحمل وحملوا معه حملة رجل واحد فلم يبق لأهل الشأم صف إلا انتقض
وقتلوا كل من انتهوا إليه حتى بلغوا معاوية وعلى يقول
أضربهم ولا أرى معاوية * الجاحظ العين العظيم الحاويه
ثم نادى معاوية فقال على علام تقتل الناس بيننا هلم أحاكمك إلى الله فأينا قتل
صاحبه استقامت له الأمور فقال له عمرو أنصفك الرجل فقال معاوية ما أنصفت
وإنك لتعلم أنه لم يبارزه رجل قط إلا قتله قال له عمرو وما يجمل بك إلا مبارزته
فقال معاوية طمعت فيها بعدي قال هشام عن أبي مخنف قال حدثني عبد الله بن
عبد الرحمن بن أبي عمرة عن سليمان الحضرمي قال قلت لأبي عمرة ألا تراهم ما أحسن
هيئتهم يعنى أهل الشأم ولا ترانا ما أقبح رعيننا فقال عليك نفسك فأصلحها ودع
الناس فان فيهم ما فيهم
29

خبر هاشم بن عتبة المرقال وذكر ليلة الهرير
قال أبو مخنف وحدثني أبو سلمة أن هاشم بن عتبة الزهري دعا الناس عند المساء
ألا من كان يريد الله والدار الآخرة فإلى فأقبل إليه ناس كثير فشد في عصابة من
أصحابه على أهل الشأم مرارا فليس من وجه يحمل عليه إلا صبر له وقاتل فيه قتالا
شديدا فقال لأصحابه لا يهولنكم ما ترون من صبرهم فوالله ما ترون فيهم الا حمية
العرب وصبرها تحت راياتها وعتد مراكزها وإنهم لعلى الضلال وانكم لعلى الحق
يا قوم اصبروا وصابروا واجتمعوا وامشوا بنا إلى عدونا على تؤدة رويدا ثم
أثبتوا وتناصروا واذكروا الله ولا يسأل رجل أخاه ولا تكثروا الالتفات
واصمدوا صمدهم وجاهدوهم محتسبين حتى يحكم الله بيننا وبينهم وهو خير الحاكمين
ثم إنه مضى في عصابة معه من القراء فقاتل قتالا شديدا هو وأصحابه عند المساء حتى
رأوا بعض ما يسرون به قال فإنهم لكذلك إذ خرج عليهم فتى شاب وهو يقول
أنا ابن أرباب الملوك غسان * والدائن اليوم بدين عثمان
إني أتاني خبر فأشجان * أن عليا قتل ابن عفان
ثم يشد فلا ينثنى حتى يضرب بسيفه ثم يشتم ويلعن ويكثر الكلام فقال له هاشم
ابن عتبة يا عبد الله ان هذا الكلام بعده الخصام وإن هذا القتال بعده الحساب
فاتق الله فإنك راجع إلى الله فسائلك عن هذا الموقف وما أردت به قال فانى أقاتلكم
لان صاحبكم لا يصلى كما ذكر لي وأنتم لا تصلون أيضا وأقاتلكم أن صاحبكم قتل
خليفتنا وأنتم أردتموه على قتله فقال له هاشم وما أنت وابن عفان إنما قتله أصحاب
محمد وأبناء أصحابه وقراء الناس حين أحدث الاحداث وخالف حكم الكتاب
وهم أهل الدين وأولى بالنظر في أمور الناس منك ومن أصحابك وما أظن أمر
هذه الأمة وأمر هذا الدين أهمل طرفة عين فقال له أجل والله لا أكذب فان
الكذب يضر ولا ينفع قال فان أهل هذا الامر أعلم به فخله وأهل العلم به قال
ما أظنك والله إلا نصحت لي قال وأما قولك إن صاحبنا لا يصلى فهو أول من صلى
وأفقه خلق الله في دين الله وأولى بالرسول وأما كل من ترى معي فكلهم قارئ
30

لكتاب الله لينام الليل تهجدا فلا يغوينك عن دينك هؤلاء الأشقياء المغرورون
فقال الفتى يا عبد الله إني أظنك امرءا صالحا فتخبرني هل تجد لي من توبة فقال
نعم يا عبد الله تب إلى الله يتب عليك فإنه يقبل التوبة عن عباده ويهفو عن السيئات
ويحب المتطهرين قال فجشر والله الفتى الناس راجعا فقال له رجل من أهل الشأم
خدعك العراقي خدعك العراقي قال لا ولكن نصح لي وقاتل هاشم قتالا شديدا
هو وأصحابه وكان هاشم يدعى المرقال لأنه كان يرقل في الحرب فقاتل هو وأصحابه
حتى أبروا على من يليهم وحتى رأوا الظفر وأقبلت إليهم عند المغرب كتيبة لتنوخ
فشدوا على الناس فقاتلهم وهو يقول
أعور يبغي أهله محلا * قد عالج الحياة حتى ملا
يتلهم بذى الكعوب تلا
فزعموا أنه قتل يومئذ تسعة أو عشرة ويحمل عليه الحارث بن المنذر التنوخي
فطعنه فسقط وأرسل إليه على أن قدم لواءك فقال لرسوله انظر إلى بطني فإذا هو
قد شق فقال الأنصاري الحجاج بن غزية
فإن تفخروا بابن البديل وهاشم * فنحن قتلنا ذا الكلاع وخوشبا
ونحن تركنا بعد معترك اللقا * أخاكم عبيد الله لحما ملحبا
ونحن أحطنا بالبعير وأهله * ونحن سقيناكم سماما مقشبا
هشام عن أبي مخنف قال حدثني مالك بن أعين الجهني عن زيد بن وهب الجهني أن عليا مر
على جماعة من أهل الشأم فيها الوليد بن عقبة وهم يشتمونه فخبر بذلك فوقف فيمن يليهم من
أصحابه فقال انهدوا إليهم عليكم السكينة والوقار وقار الاسلام وسيما الصالحين فوالله
لأقرب قوم من الجهل قائدهم ومؤذنهم معاوية وابن النابغة وأبو الأعور السلمي وابن أبي
معيط شارب الخمر المجلود حدا في الاسلام وهم أولى من يقومون فينقصونني
ويجذبونني وقبل اليوم ما قاتلوني وأنا إذ ذاك أدعوهم إلى الاسلام وهم يدعونني
إلى عبادة الأصنام الحمد لله قديما عاداني الفاسقون فعبدهم الله ألم يفتحوا إن هذا
لهو الخطب الجليل أن فساقا كانوا غير مرضيين وعلى الاسلام وأهله متخوفين
31

خدعوا شطر هذه الأمة وأشربوا قلوبهم حب الفتنة واستمالوا أهواءهم بالإفك
والبهتان قد نصبوا لنا الحرب في إطفاء نور الله عز وجل اللهم فافضض خدمتهم
وشتت كلمتهم وأبسلهم بخطاياهم فإنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت * قال
أبو مخنف حدثني نمير بن وعلة عن الشعبي أن عليا مر بأهل راية فرآهم لا يزولون
عن موقفهم فحرض عليهم الناس وذكر أنهم غسان فقال إن هؤلاء لن يزولوا
عن موقفهم دون طعن دراك يخرج منهم النسم وضرب يفلق منه الهام ويطيح
العظام وتسقط منه المعاصم والأكف وحتى يصدع جباههم بعمد الحديد وتنتشر
حواجبهم على الصدور والأذقان أين أهل الصبر وطلاب الاجر فثاب إليه عصابة
من المسلمين فدعا ابنه محمدا فقال امش نحو أهل هذه الراية مشيا رويدا على هينتك
حتى إذا أشرعت في صدورهم الرماح فأمسك حتى يأتيك رأيي ففعل وأعد على
مثلهم فلما دنا منهم فأشرع بالرماح في صدورهم أمر على الذين أعد فشدوا عليهم
وأنهض محمدا بمن معه في وجوههم فزالوا عن مواقفهم وأصابوا منهم رجالا
ثم اقتتل الناس بعد المغرب قتالا شديدا فما صلى أكثر الناس إلا إيماء * قال
أبو مخنف حدثني أبو بكر الكندي أن عبد الله بن كعب المرادي قتل يوم صفين
فمر به الأسود بن قيس المرادي فقال يا أسود قال لبيك وعرفه بآخر رمق فقال
عز والله على بمصرعك أما والله لو شهدتك لآسيتك ولدافعت عنك ولو عرفت
الذي أشعرك لأحببت ألا يتزايل حتى أقتله أو ألحق بك ثم نزل إليه فقال أما والله
إن كان جارك ليأمن بوائقك وإن كنت من الذاكرين الله كثيرا أوصني رحمك
الله فقال أوصيك بتقوى الله عز وجل وأن تناصح أمير المؤمنين وتقاتل معه
المحلين حتى تظهر أو تلحق بالله قال وأبلغه عنى السلام وقل له قاتل عن المعركة
حتى تجعلها خلف ظهرك فإنه من أصبح غدا والمعركة خلف ظهره كان العالي ثم لم
يلبث أن مات فأقبل الأسود إلى علي فأخبره فقال رحمه الله جاهد فينا عدونا
في الحياة ونصح لنا في الوفاة * قال أبو مخنف حدثني محمد بن إسحاق مولى بني المطلب
أن عبد الرحمن بن حنبل الجمحي هو الذي أشار على على بهذا الرأي يوم صفين
32

قال هشام حدثني عوانة قال جعل ابن حنبل يقول يومئذ
إن تقتلوني فأنا ابن حنبل * أنا الذي قد قلت فيكم نعثل
رجع الحديث إلى حديث أبي مخنف
قال أبو مخنف فاقتتل الناس تلك الليلة كلها حتى الصباح وهى ليلة الهرير حتى
تقصفت الرماح ونفد النبل وصار الناس إلى السيوف وأخذ على يسير فيما بين
الميمنة والميسرة ويأمر كل كتيبة من القراء أن تقدم على التي تليها فلم يزل يفعل
ذلك بالناس ويقوم بهم حتى أصبح والمعركة كلها خلف ظهره والأشتر في ميمنة
الناس وابن عباس في الميسرة وعلى في القلب والناس يقتتلون من كل جانب وذلك
يوم الجمعة وأخذ الأشتر يزحف بالميمنة ويقاتل فيها وكان قد تولاها عشية الخميس
وليلة الجمعة إلى ارتفاع الضحى وأخذ يقول لأصحابه ازحفوا قيد هذا الرمح وهو
يزحف بهم نحو أهل الشام فإذا فعلوا قال ازحفوا فاد هذا القوس فإذا فعلوا سألهم
مثل ذلك حتى مل أكثر الناس الاقدام فلما رأى ذلك الأشتر قال أعيذكم بالله أن
ترضعوا الغنم سائر اليوم ثم دعا بفرسه وترك رايته مع حيان بن هوذة النخعي
وخرج يسير في الكتائب ويقول من يشترى نفسه من الله عز وجل ويقاتل مع
الأشتر حتى يظهر أو يلحق بالله فلا يزال رجل من الناس قد خرج إليه وحيان
ابن هوذة * قال أبو مخنف عن أبي جناب الكلبي عن عمارة بن ربيعة الجرمي قال
مر بي والله الأشتر فأقبلت معه واجتمع إليه ناس كثير فأقبل حتى رجع إلى المكان
الذي كان به الميمنة فقام بأصحابه فقال شدوا شدة فدى لكم عمى وخالي ترضون
بها الرب وتعزون بها الدين إذا شددت فشدوا ثم نزل فضرب وجه دابته ثم قال
لصاحب رايته قدم بها ثم شد على القوم وشد معه أصحابه فضرب أهل الشام حتى
انتهى بهم إلى عسكرهم ثم إنهم قاتلوه عند العسكر قتالا شديدا فقتل صاحب رايته
وأخذ على لما رأى من الظفر من قبله يمده بالرجال * حدثني عبد الله بن أحمد قال
حدثني أبي قال حدثني سليمان قال حدثني عبد الله عن جويرية قال قال عمرو بن
العاص يوم صفين لوردان تدرى ما مثلي ومثلك مثل الأشقر إن تقدم عقر وإن
33

تأخر نحر لئن تأخرت لأضربن عنقك ائتوني بقيد فوضعه في رجليه فقال أما والله
يا أبا عبد الله لأوردنك حياض الموت ضع يدك على عاتقي ثم جعل يتقدم وينظر
إليه أحيانا ويقول لأوردنك حياض الموت
رجع الحديث إلى حديث أبي مخنف
فلما رأى عمرو بن العاص أن أمر أهل العراق قد اشتد وخاف في ذلك الهلاك
قال لمعاوية هل لك في أمر أعرضه عليك لا يزيدنا إلا اجتماعا ولا يزيدهم إلا فرقة
قال نعم قال نرفع المصاحف ثم نقول ما فيها حكم بيننا وبينكم فإن أبى بعضهم أن
يقبلها وجدت فيهم من يقول بلى ينبغي أن نقبل فتكون فرقة تقع بينهم وإن قالوا
بلى نقبل ما فيها رفعنا هذا القتال عنا وهذه الحرب إلى أجل أو إلى حين فرفعوا
المصاحف بالرماح وقالوا هذا كتاب الله عز وجل بيننا وبينكم من لثغور أهل
الشام بعد أهل الشام ومن لثغور أهل العراق بعد أهل العراق فلما رأى الناس
المصاحف قد رفعت قالوا نجيب إلى كتاب الله عز وجل وننيب إليه
ما روى من رفعهم المصاحف ودعائهم إلى الحكومة
قال أبو مخنف حدثني عبد الرحمن بن جندب الأزدي عن أبيه أن عليا قال
عباد الله امضوا على حقكم وصدقكم قتال عدوكم فإن معاوية وعمرو بن العاص
وابن أبي معيط وحبيب بن مسلمة وابن أبي سرح والضحاك بن قيس ليسوا بأصحاب
دين ولا قرآن أنا أعرف بهم منكم قد صحبتهم أطفالا وصحبتهم رجالا فكانوا
شر أطفال وشر رجال ويحكم إنهم ما رفعوها ثم لا يرفعونها ولا يعلمون بما فيها
وما رفعوها لكم إلا خديعة ودهنا ومكيدة فقالوا له ما يسعنا أن ندعى إلى
كتاب الله عز وجل فنأبى أن نقبله فقال لهم فإني إنما قاتلتهم ليدينوا بحكم هذا
الكتاب فإنهم قد عصوا الله عز وجل فيما أمرهم ونسوا عهده ونبذوا كتابه فقال
له مسعر بن فدكي التميمي وزيد بن حصين الطائي ثم السنبسي في عصابة معهما من
القراء الذين صاروا خوارج بعد ذلك يا علي أجب إلى كتاب الله عز وجل إذ
دعيت إليه والا ندفعك برمتك إلى القوم أو نفعل كما فعلنا بابن عفان إنه علينا أن
34

نعمل بما في كتاب الله عز وجل فقبلناه والله لتفلنها أو لنفعلنها بك قال قال
فاحفظوا عنى نهيي إياكم واحفظوا مقالتكم لي أما أنا فان تطيعوني تقاتلوا وإن
تعصوني فاصنعوا ما بدا لكم قالوا له أما لا فابعث إلى الأشتر فليأتك * قال أبو مخنف
حدثني فضيل بن خديج الكندي عن رجل من النخع أنه رأى إبراهيم بن الأشتر
دخل على مصعب بن الزبير قال كنت عند على حين أكرهه الناس على الحكومة
وقالوا ابعث إلى الأشتر فليأتك قال فأرسل على إلى الأشتر يزيد بن هانئ السبيعي
أن ائتنى فأتاه فبلغه فقال قل له ليس هذه الساعة التي ينبغي لك أن تزيلني فيها عن
موقفي إني قد رجوت أن يفتح لي فلا تعجلني فرجع يزيد بن هانئ إلى علي فأخبره
فما هو إلا أن انتهى إلينا فارتفع الرهج وعلت الأصوات من قبل الأشتر فقال له
القوم والله ما نراك إلا أمرته أن يقاتل قال من أين ينبغي أن تروا ذلك رأيتموني
ساررته أليس إنما كلمته على رؤسكم علانية وأنتم تسمعوني قالوا فابعث إليه فليأتك
وإلا والله اعتزلناك قال له ويحك يا يزيد قل له أقبل إلى فان الفتنة قد وقعت فأبلغه
ذلك فقال له الرفع المصاحف قال نعم قال أما والله لقد ظننت حين رفعت أنها
ستوقع اختلافا وفرقة إنها مشورة ابن العاهرة ألا ترى ما صنع الله لنا أينبغي أن
أدع هؤلاء وأنصرف عنهم وقال يزيد بن هانئ فقلت له أتحب أنك ظفرت ههنا
وأن أمير المؤمنين بمكانه الذي هو به يفرج عنه أو يسلم قال لا والله سبحان الله قال
فإنهم قد قالوا لترسلن إلى الأشتر فليأتينك أو لنقتلنك كما قتلنا ابن عفان فأقبل حتى
انتهى إليهم فقال يا أهل العراق يا أهل الذل والوهن حين علوتم القوم ظهرا وظنوا
أنكم لهم قاهرون رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها وقد والله تركوا ما أمر
الله عز وجل به فيها وسنة من أنزلت عليه صلى الله عليه وسلم فلا تجيبوهم أمهلوني
عدو الفرس فانى قد طمعت في النصر قالوا إذا ندخل معك في خطيئتك قال
فحدثوني عنكم وقد قتل أماثلكم وبقى أراذلكم متى كنتم محقين أحين كنتم
تقاتلون وخياركم يقتلون فأنتم الآن إذا أمسكتم عن القتال مبطلون أم الآن أنتم
محقون فقتلا كم الذين لا تنكرون فضلهم فكانوا خيرا منكم في النار إذا قالوا دعنا
35

منك يا أشتر قاتلناهم في الله عز وجل وندع قتالهم لله سبحانه إنا لسنا مطيعيك
ولا صاحبك فاجتنبنا فقال خدعتم والله فانخدعتم ودعيتم إلى وضع الحرب فأجبتم
يا أصحاب الجباه السود كنا نظن صلواتكم زهادة في الدنيا وشوقا إلى لقاء الله
عز وجل فلا أرى فراركم الا إلى الدنيا من الموت ألا قبحا يا أشباه النيب الجلالة
وما أنتم برائين بعدها عزا أبدا فأبعدوا كما بعد القوم الظالمين فسبوه فسبهم فضربوا
وجه دابته بسياطهم وأقبل يضرب بسوطه وجوه دوابهم وصاح بهم على فكفوا وقال
للناس قد قبلنا أن تجعل القرآن بيننا وبينهم حكما فجاء الأشعث بن قيس إلى علي
فقال له ما أرى الناس إلا قد رضوا وسرهم أن يجيبوا القوم إلى ما دعوهم إليه من
حكم القرآن فان شئت أتيت معاوية فسألته ما يريد فنظرت ما يسأل قال ائته إن شئت
فسله فأتاه فقال يا معاوية لأي شئ رفعتم هذه المصاحف قال لنرجع نحن وأنتم إلى
ما أمر الله عز وجل به في كتابه تبعثون منكم رجلا ترضون به ونبعث منا رجلا
ثم نأخذ عليهما أن يعملا بما في كتاب الله لا يعدوانه ثم نتبع ما اتفقا عليه فقال له
الأشعث بن قيس هذا الحق فانصرف إلى علي فأخبره بالذي قال معاوية فقال
الناس فانا قد رضينا وقبلنا فقال أهل الشأم فإنا قد اخترنا عمرو بن العاص فقال
الأشعث وأولئك القوم الذين صاروا خوارج بعد فإنا قد رضينا بأبي موسى الأشعري
قال على فإنكم قد عصيتموني في أول الأمر فلا تعصوني الآن إني لا أرى أن
أولى أبا موسى فقال الأشعث وزيد بن حصين الطائي ومسعر بن فدكي لا نرضى
إلا به فإنه ما كان يحذرنا وقعنا فيه قال على فإنه ليس لي بثقة قد فارقني وخذل
الناس عنى ثم هرب منى حتى آمنته بعد أشهر ولكن هذا ابن عباس نوليه ذلك قالوا
ما نبالي أنت كنت أم ابن عباس لا نريد إلا رجلا هو منك ومن معاوية سواء ليس
إلى واحد منكم بأدنى منه إلى الآخر فقال على فانى أجعل الأشتر * قال أبو محنف
حدثني أبو جناب الكلبي أن الأشعث قال وهل سعر الأرض غير الأشتر * قال
أبو محنف عن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه أن الأشعث قال وهل نحن إلا في حكم
الأشتر قال على وما حكمه قال حكمه أن يضرب بعضنا بعضا بالسيوف حتى
36

يكون ما أردت وما أراد قال فقد أبيتم إلا أبا موسى قالوا نعم قال فاصنعوا ما أردتم
فبعثوا إليه وقد اعتزل القتال وهو يعرض فأتاه مولى له فقال إن الناس قد اصطلحوا
فقال الحمد لله رب العالمين قال قد جعلوك حكما قال إنا لله وإنا إليه راجعون وجاء
أبو موسى حتى دخل العسكر وجاء الأشتر حتى أتى عليا فقال الزنى بعمرو بن العاص
فوالله الذي لا إله الا هو لئن ملأت عيني منه لأقتلنه وجاء الأحنف فقال يا أمير
المؤمنين إنك قد رميت بحجر الأرض وبمن حارب الله ورسوله أنف الاسلام
وإني قد عجمت هذا الرجل وحلبت أشطره فوجدته كليل الشفرة قريب القعر
وإنه لا يصح لهؤلاء القوم إلا رجل يدنو منهم حتى يصير في أكفهم ويبعد
حتى يصير بمنزلة النجم منهم فان أبيت أن تجعلني حكما فاجعلني ثانيا أو ثالثا فإنه لن
يعقد عقدة إلا حللتها ولن يحل عقدة أعقدها إلا عقدت لك أخرى أحكم منها فأبى
الناس إلا أبا موسى والرضى بالكتاب فقال الأحنف فإن أبيتم إلا أبا موسى
فأدفئوا ظهره بالرجال فكتبوا بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما تقاضى عليه على
أمير المؤمنين فقال عمرو اكتب اسمه واسم أبيه هو أميركم فأما أميرنا فلا وقال له
الأحنف لا تمح اسم إمارة المؤمنين فإني أتخوف إن محوتها ألا ترجع إليك أبدا
لا تمحها وإن قتل الناس بعضهم بعضا فأبى ذلك على مليا من النهار ثم إن الأشعث
ابن قيس قال امح هذا الاسم برحه الله فمحى وقال على الله أكبر سنة بسنة ومثل
بمثل والله إني لكاتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية إذ
قالوا لست رسول الله ولا نشهد لك به ولكن اكتب اسمك واسم أبيك فكتبه
فقال عمرو بن العاص سبحان الله ومثل هذا أن نشبه بالكفار ونحن مؤمنون
فقال على يا ابن النابغة ومتى لم تكن للفاسقين وليا وللمسلمين عدوا وهل تشبه
إلا أمك التي وضعت بك فقام فقال لا يجمع بيني وبينك مجلس أبدا بعد هذا اليوم
فقال له على واني لأرجو أن يطهر الله عز وجل مجلسي منك ومن أشباهك وكتب
الكتاب * حدثني علي بن مسلم الطوسي قال حدثنا حبان قال حدثنا مبارك عن الحسن
قال أخبرني الأحنف أن معاوية كتب إلى علي أن امح هذا الاسم إن أردت أن
37

يكون صلح فاستشار وكانت له قبة يأذن لبنى هاشم فيها ويأذن لي معهم قال ما ترون
فيما كتب به معاوية أن امح هذا الاسم قال مبارك يعنى أمير المؤمنين قال برحه الله
فان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وادع أهل مكة كتب محمد رسول الله فأبوا
ذلك حتى كتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله فقلت له أيها الرجل مالك
ما لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإنا والله ما حابيناك ببيعتنا وإنا لو علمنا أحدا
من الناس أحق بهذا الامر منك لبايعناه ثم قاتلناك وإني أقسم بالله لئن محوت هذا
الاسم الذي بايعت عليه وقاتلنهم لا يعود إليك أبدا قال وكان والله كما قال قال قلما
وزن رأيه برأي رجل إلا رجح عليه (رجع الحديث إلى حديث أبي مخنف) وكتب
الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب ومعاوية
ابن أبي سفيان قاضى على على أهل الكوفة ومن معهم من شيعتهم من المؤمنين
والمسلمين وقاضي معاوية على أهل الشأم ومن كان معهم من المؤمنين والمسلمين
أنا ننزل عند حكم الله عز وجل وكتابه ولا يجمع بيننا غيره وأن كتاب الله عز وجل
بيننا من فاتحته إلى خاتمته نحيي ما أحيا ونميت ما أمات فما وجد الحكمان في كتاب
الله عز وجل وهما أبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس وعمرو بن العاص القرشي
عملا به وما لم يجدا في كتاب الله عز وجل فالسنة العادلة الجامعة غير المفرقة وأخذ
الحكمان من على ومعاوية ومن الجندين من العهود والميثاق والثقة من الناس أنهما
آمنان على أنفسهما وأهلهما والأمة لهما أنصار على الذي يتقاضيان عليه وعلى
المؤمنين والمسلمين من الطائفتين كلتيهما عهد الله وميثاقه أنا على ما في هذه الصحيفة
وأن قد وجبت قضيتهما على المؤمنين فان الامن والاستقامة ووضع السلاح بينهم
أينما ساروا على أنفسهم وأهليهم وأموالهم وشاهدهم وغائبهم وعلى عبد الله بن قيس
وعمرو بن العاص عهد الله وميثاقه أن يحكما بين هذه الأمة ولا يرداها في حرب
ولا فرقة حتى يعصيا وأجل القضاء إلى رمضان وإن أحبا أن يؤخرا ذلك أخراه
على تراض منهما وإن توفى أحد الحكمين فان أمير الشيعة يختار مكانه ولا يألو
من أهل المعدلة والقسط وإن مكان قضيتهما الذي يقضيان فيه مكان عدل بين أهل
38

الكوفة وأهل الشأم وإن رضيا وأحبا فلا يحضرهما فيه إلا من أرادا ويأخذ
الحكمان من أراد من الشهود ثم يكتبان شهادتهما على ما في هذه الصحيفة وهم
أنصار على من ترك ما في هذه الصحيفة وأراد فيه إلحادا وظلما اللهم إنا نستنصرك
على من ترك ما في هذه الصحيفة، شهد من أصحاب على الأشعث بن قيس الكندي
وعبد الله بن عباس وسعيد بن قيس الهمداني وورقاء بن سمى البجلي وعبد الله بن
محل العجلي وحجر بن عدي الكندي وعبد الله بن الطفيل العامري وعقبة بن
زياد الحضرمي ويزيد بن حجية التيمي ومالك بن كعب الهمداني ومن أصحاب معاوية
أبو الأعور السلمي عمرو بن سفيان وحبيب بن مسلمة الفهري والمخارق بن الحارث
الزبيدي وزمل بن عمرو العذري وحمزة بن مالك الهمداني وعبد الرحمن بن خالد
المخزومي وسبيع بن يزيد الأنصاري وعلقمة بن يزيد الأنصاري وعتبة بن أبي
سفيان ويزيد بن الحر العبسي * قال أبو مخنف حدثني أبو جناب الكلبي عن عمارة
ابن ربيعة الجرمي قال لما كتبت الصحيفة دعى لها الأشتر فقال لا صحبتني يميني
ولا نفعتني بعدها شمالي إن خط لي في هذه الصحيفة اسم على صلح ولا موادعة
أو لست على بينة من ربى من ضلال عدوى أو لستم قد رأيتم الظفر لو لم تجمعوا
على الجور فقال له الأشعث بن قيس إنك والله ما رأيت ظفرا ولا جورا هلم
إلينا فإنه لا رغبة بك عنا فقال بلى والله لرغبة بي عنك في الدنيا للدنيا والآخرة للآخرة
ولقد سفك الله عز وجل بسيفي هذا دماء رجال ما أنت عندي خير منهم ولا أحرم دما
قال عمارة فنظرت إلى ذلك الرجل وكأنما قصع على أنفه الحمم يعنى الأشعث * قال
أبو مخنف عن أبي جناب قال خرج الأشعث بذلك الكتاب يقرأه على الناس ويعرضه
عليهم فيقرؤنه حتى مر به على طائفة من بنى تميم فيهم عروة بن أدية وهو أخو أبى بلال فقرأه
عليهم فقال عروة بن أدية تحكمون في أمر الله عز وجل الرجال لا حكم الا لله ثم شد
بسيفه فضرب به عجز دابته ضربة خفيفة واندفعت الدابة وصاح به أصحابه أن أملك
يدك فرجع فغضب للأشعث قومه وناس كثير من أهل اليمن فمشى الأحنف بن قيس
السعدي ومعقل بن قيس الرياحي ومسعر بن فدكي وناس كثير من بنى تميم فتنصلوا
39

إليه واعتذروا فقبل وصفح * قال أبو مخنف حدثني أبو زيد عبد الله الأودي أن
رجلا من أو دكان يقال له عمرو بن أوس قاتل مع علي يوم صفين فأسره معاوية
في أسارى كثير فقال له عمرو بن العاص اقتلهم فقال له عمرو بن أوس إنك خالي فلا
تقتلني وقامت إليه بنو أود فقالوا هب لنا أخانا فقال دعوه لعمري لئن كان صادقا
فلنستغنين عن شفاعتكم ولئن كان كاذبا لتأتين شفاعتكم من ورائه فقال له من
أين أنا خالك فوالله ما كان بيننا وبين أود مصاهرة قال فان أخبرتك فعرفته فهو
أماني عندك قال نعم قال لست تعلم أن أم حبيبة ابنة أبي سفيان زوج النبي صلى الله
عليه وسلم قال بلى قال فإني ابنها وأنت أخوها فأنت خالي فقال معاوية لله أبوك
ما كان في هؤلاء واحد يفطن لها غيره ثم قال للأوديين أيستغنى عن شفاعتكم خل
سبيله * قال أبو مخنف حدثني نمير بن وعلة الهمداني عن الشعبي أن أسارى كان
أسرهم على يوم صفين كثير فخلى سبيلهم فأتوا معاوية وإن عمرا ليقول له وقد أسر
أيضا أسارى كثيرة اقتلهم فما شعروا إلا بأسرائهم قد خلى سبيلهم فقال معاوية
يا عمرو لو أطعناك في هؤلاء الاسرى وقعنا في قبيح من الامر ألا ترى قد خلى سبيل
أسارانا وأمر بتخلية سبيل من في يديه من الأسارى * قال أبو مخنف حدثني إسماعيل
ابن يزيد عن حميد بن مسلم عن جندب بن عبد الله أن عليا قال للناس يوم صفين لقد
فعلتم فعلة ضعضعت قوة وأسقطت منة وأوهنت وأورثت وهنا وذلة ولما كنتم
الأعلين وخاف عدوكم الاجتياح واستحر بهم القتل ووجدوا ألم الجراح رفعوا
المصاحف ودعوكم إلى ما فيها ليفتؤوكم عنهم ويقطعوا الحرب فيما بينكم وبينهم
ويتربصون ريب المنون خديعة ومكيدة فأعطيتموهم ما سألوا وأبيتم الا أن تدهنوا
وتجوزوا وأيم الله ما أظنكم بعدها توافقون رشدا ولا تصيبون باب حزم (قال
أبو جعفر) فكتب كتاب القضية بين على ومعاوية فيما قيل يوم الأربعاء لثلاث
عشرة خلت من صفر سنة 37 من الهجرة على أن يوافي على موضع الحكمين
بدومة الجندل في شهر رمضان ومعاوية مع كل واحد منهما أربعمائة من أصحابه
وأتباعه * فحدثني عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثني سليمان بن يونس
40

ابن يزيد عن الزهري قال قال صعصعة بن صوحان يوم صفين حين رأى
الناس يتبارون ألا اسمعوا واعقوا تعلمن والله لئن ظهر على ليكونن مثل أبى
بكر وعمر رضي الله عنهما وإن ظهر معاوية لا يقر لقائل بقول حق قال الزهري
فأصبح أهل الشأم قد نشروا مصاحفهم ودعوا إلى ما فيها فهاب أهل العراقين
فعند ذلك حكموا الحكمين فاختار أهل العراق أبا موسى الأشعري واختار أهل
الشأم عمرو بن العاص فتفرق أهل صفين حين حكم الحكمان فاشترطا أن يرفعا ما رفع
القرآن ويخفضا ما خفض القرآن وأن يختارا لامة محمد صلى الله عليه وسلم وأنهما
يجتمعان بدومة الجندل فإن لم يجتمعا لذلك اجتمعا من العام المقبل بأذرح فلما انصرف
على خالفت الحرورية وخرجت وكان ذلك أول ما ظهرت فأذنوه بالحرب وردوا
عليه إن حكم بني آدم في حكم الله عز وجل وقالوا لا حكم إلا لله سبحانه وقاتلوا
فلما اجتمع الحكمان بأذرح وافاهم المغيرة بن شعبة فيمن حضر من الناس فأرسل
الحكمان إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن الزبير في إقبالهم
في رجال كثير ووافى معاوية بأهل الشأم وأبى على وأهل العراق أن يوافوا
فقال المغيرة بن شعبة لرجال من ذوي الرأي من قريش أترون أحدا من الناس
برأي يبتدعه يستطيع أن يعلم أيجتمع الحكمان أم يتفرقان قالوا لا نرى أحدا
يعلم ذلك قال فوالله إني لأظن سأعلمه منهما حين أخلو بهما وأراجعهما فدخل
على عمرو بن العاص وبدأ به فقال يا أبا عبد الله أخبرني عما أسألك عنه كيف
ترانا معشر المعتزلة فانا قد شككنا في الامر الذي قد تبين لكم من هذا
القتال ورأينا أن نستأني ونتثبت حتى تجتمع الأمة قال أراكم معشر المعتزلة خلف
الأبرار وأمام الفجار فانصرف المغيرة ولم يسأله عن غير ذلك حتى دخل على أبى موسى
فقال له مثل ما قال لعمرو فقال أبو موسى أراكم أثبت الناس رأيا فيكم بقية المسلمين
فانصرف المغيرة ولم يسأله عن غير ذلك فلقى الذين قال لهم ما قال من ذوي الرأي
من قريش فقال لا يجتمع هذان على أمر واحد فلما اجتمع الحكمان وتكلما قال
عمرو بن العاص يا أبا موسى رأيت أول ما نقضي به من الحق أن نقضي لأهل الوفاء
بوفائهم وعلى أهل الغدر بغدرهم قال أبو موسى وما ذاك قال ألست تعلم أن معاوية
41

وأهل الشأم قد وفوا وقدموا للموعد الذي واعدناهم إياه قال بلى قال عمرو اكتبها
فكتبها أبو موسى قال عمرو يا أبا موسى أأنت على أن نسمى رجلا يلي أمر هذه
الأمة فسم لي فإن أقدر على أن أتابعك فلك على أن أتابعك وإلا فلا عليك أن
تتابعني قال أبو موسى أسمى لك عبد الله بن عمر وكان ابن عمر فيمن اعتزل قال عمرو
إني اسمى لك معاوية بن أبي سفيان فلم يبرحا مجلسهما حتى استبا ثم خرجا إلى الناس
فقال أبو موسى إني وجدت مثل عمرو مثل الذين قال الله عز وجل (واتل عليهم
نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها) فلما سكت أبو موسى تكلم عمرو
فقال أيها الناس إني وجدت مثل أبى موسى كمثل الذي قال الله عز وجل (مثل
الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا) وكتب
كل واحد منهما مثله الذي ضرب لصاحبه إلى الأمصار قال ابن شهاب فقام معاوية
عشية في الناس فأثنى على الله جل ثناؤه بما هو أهله ثم قال أما بعد فمن كان متكلما
في الامر فليطلع لنا قرنه قال ابن عمر فأطلقت حبوتي فأردت أن أقول يتكلم فيه رجال
قاتلوا أباك على الاسلام ثم خشيت أن أقول كلمة تفرق الجماعة أو يسفك فيها
دم أو أحمل فيها على غير رأى فكان ما وعد الله عز وجل في الجنان أحب إلى من
ذلك فلما انصرف إلى المنزل جاءني حبيب بن مسلمة فقال ما منعك أن تتكلم حين
سمعت الرجل يتكلم قلت أردت ذلك ثم خشيت أن أقول كلمة تفرق بين جميع
أو يسفك فيها دم أو أحمل فيها على غير رأى فكان ما وعد الله عز وجل من
الجنان أحب إلى من ذلك قال: قال حبيب فقد عصمت (رجع الحديث إلى حديث أبي
مخنف) قال أبو مخنف حدثني فضيل بن خديج الكندي قال قيل لعلى بعد
ما كتبت الصحيفة إن الأشتر لا يقر بما في الصحيفة ولا يرى إلا قتال القوم قال
على وأنا والله ما رضيت ولا أحببت أن ترضوا فإذا أبيتم إلا أن ترضوا فقد
رضيت فإذا رضيت فلا يصلح الرجوع بعد الرضا ولا التبديل بعد الاقرار إلا
أن يعصى الله عز وجل ويتعدى كتابه فقاتلوا من ترك أمر الله عز وجل وأما الذي
كرتم من تركه أمري وما أنا عليه فليس من أولئك ولست أخافه على ذلك يا ليت
42

فيكم مثله اثنين يا ليت فيكم مثله واحدا يرى في عدوى ما أرى إذا لخفت على مؤنتكم
ورجوت أن يستقيم لي بعض أودكم وقد نهيتكم عما أتيتم فعصيتموني وكنت أنا
وأنتم كما قال أخو هوازن
وهل أنا إلا من غزية إن غوت * غويت وإن ترشد غزية أرشد
فقالت طائفة ممن معه ونحن ما فعلنا يا أمير المؤمنين إلا ما فعلت قال نعم فلم
كانت إجابتكم إياهم إلى وضع الحرب عنا وأما القضية فقد استوثقنا لكم فيها وقد
طمعت ألا تضلوا إن شاء الله رب العالمين فكان الكتاب في صفر والأجل
رمضان إلى ثمانية أشهر إلى أن يلتقى الحكمان ثم إن الناس دفنوا قتلاهم وأمر على
الأعور فناد في الناس بالرحيل * قال أبو مخنف حدثني عبد الرحمن بن جندب عن أبيه
قال لما انصرفنا من صفين أخذنا غير طريقنا الذي أقبلنا فيه أخذنا على طريق البر
على شاطئ الفرات حتى انتهينا إلى هيت ثم أخذنا على صندوداء فخرج الأنصاريون
بنو سعد بن حرام فاستقبلوا عليا فعرضوا عليه النزول فبات فيهم ثم غدا
وأقبلنا معه حتى إذا جزنا النخيلة ورأينا بيوت الكوفة إذا نحن بشيخ جالس
في ظل بيت على وجهه أثر المرض فأقبل إليه على ونحن معه حتى سلم عليه وسلمنا
معه فرد ردا حسنا ظننا أن قد عرفه قال له على أرى وجهك منكفئا فمن مه أمن
مرض قال نعم قال فلعلك كرهته قال ما أحب أنه بغيري قال أليس احتسابا بالخير
فيما أصابك منه قال بلى قال فأبشر برحمة ربك وغفران ذنبك من أنت يا عبد الله
قال أنا صالح بن سليم قال ممن قال أما الأصل فمن سلامان طيئ وأما الجوار
والدعوة ففي بنى سليم بن منصور فقال سبحان الله ما أحسن اسمك واسم أبيك
واسم أدعيائك واسم من اعتزيت إليه هل شهدت معنا غزاتنا هذه قال لا
والله ما شهدتها ولقد أردتها ولكن ما ترى من أثر لحب الحمى خذلني عنها
فقال ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون
حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم، خبرني
ما تقول الناس فيما كان بيننا وبين أهل الشام قال فيهم المسرور فيما كان بينك وبينهم
43

وأولئك أغشاء الناس وفيهم المكبوت الآسف بما كان من ذلك وأولئك نصحاء
الناس لك فذهب لينصرف فقال قد صدقت جعل الله ما كان من شكواك حطا
لسيئاتك فان المرض لا أجر فيه ولكنه لا يدع على العبد ذنبا إلا حطه وإنما أجر
في القول باللسان والعمل باليد والرجل وإن الله جل ثناؤه ليدخل بصدق النية
والسريرة الصالحة عالما جما من عباده الجنة قال ثم مضى على غير بعيد فلقيه عبد الله
ابن وديعة الأنصاري فدنا منه وسلم عليه وسايره فقال له ما سمعت الناس يقولون
في أمرنا قال منهم المعجب به ومنهم الكاره له كما قال عز وجل ولا يزالون مختلفين
إلا من رحم ربك فقال له فما قول ذوي الرأي فيه قال أما قولهم فيه فيقولون إن عليا
كان له جمع عظيم ففرقه وكان له حصن حصين فهدمه فحتى متى يبنى ما هدم وحتى
متى يجمع ما فرق فلو أنه كان مضى بمن أطاعه إذ عصاه من عصاه فقاتل حتى يظفر
أو يهلك إذا كان ذلك الحزم فقال على أنا هدمت أم هم هدموا أنا فرقت أم هم فرقوا
أما قولهم إنه لو كان مضى بمن أطاعه إذ عصاه من عصاه فقاتل حتى يظفر أو يهلك
إذا كان ذلك الحزم فوالله ما غبي عن رأيي ذلك وإن كنت لسخيا بنفسي عن الدنيا
طيب النفس بالموت ولقد هممت بالاقدام على القوم فنظرت إلى هذين قد ابتدراني
يعنى الحسن والحسين ونظرت إلى هذين قد استقدماني يعنى عبد الله بن جعفر
ومحمد بن علي فعلمت أن هذين إن هلكا انقطع نسل محمد صلى الله عليه وسلم من
هذه الأمة فكرهت ذلك وأشفقت على هذين أن يهلكا وقد علمت أن لولا مكاني
لم يستقدما يعنى محمد بن علي وعبد الله بن جعفر وأيم الله لئن لقيتهم بعد يومى هذا
لألقينهم وليسوا معي في عسكر ولا دار ثم مضى حتى إذا جزنا بنى عوف إذا
نحن عن أيماننا بقبور سبعة أو ثمانية فقال على ما هذه القبور فقال قدامة بن العجلان
الأزدي يا أمير المؤمنين إن خباب بن الأرت توفى بعد مخرجك فأوصى بأن يدفن
في الظهر وكان الناس إنما يدفنون في دورهم وأفنيتهم فدفن بالظهر رحمه الله ودفن
الناس إلى جنبه فقال على رحم الله خبابا فقد أسلم راغبا وهاجر طائعا وعاش
مجاهدا وابتلى في جسمه أحوالا وان الله لا يضيع أجر من أحسن عملا ثم جاء
44

حتى وقف عليهم فقال السلام عليكم يا أهل الديار الموحشة والمحال المقفرة من
المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات أنتم لنا سلف فارط ونحن لكم تبع بكم عما
قليل لاحقون اللهم اغفر لنا ولهم وتجاوز بعفوك عنا وعنهم وقال الحمد لله الذي جعل
منها خلقكم وفيها معادكم منها يبعثكم وعليها يحشركم طوبى لمن ذكر المعاد وعمل
للحساب وقنع بالكفاف ورضى عن الله عز وجل ثم أقبل حتى حاذى سكة
الثوريين ثم قال خشوا ادخلوا بين هذه الأبيات * قال أبو مخنف حدثني عبد الله بن
عاصم الفائشي قال مر على بالثوريين فسمع البكاء فقال ما هذه الأصوات فقيل له
هذا البكاء على قتلى صفين فقال أما إني أشهد لمن قتل منهم صابرا محتسبا بالشهادة
ثم مر بالفائشيين فسمع الأصوات فقال مثل ذلك ثم مضى حتى مر بالشباميين
فسمع رجة شديدة فوقف فخرج إليه حرب بن شرحبيل الشبامي فقال على أيغلبكم
نساؤكم ألا تنهونهن عن هذا الرنين فقال يا أمير المؤمنين لو كانت دارا أو دارين
أو ثلاثا قدرنا على ذلك ولكن قتل من هذا الحي ثمانون ومائة قتيل فليس دار إلا
وفيها بكاء فأما نحن معشر الرجال فانا لا نبكى ولكن نفرح لهم ألا نفرح لهم بالشهادة
قال على رحم الله قتلاكم وموتاكم وأقبل يمشى معه وعلى راكب فقال له على ارجع
ووقف ثم قال له ارجع فإن مشى مثلك مع مثلي فتنة للوالي ومذلة للمؤمن ثم مضى
حتى مر بالناعطيين وكان جلهم عثمانية فسمع رجلا منهم يقال له عبد الرحمن بن
يزيد من بنى عبيد من الناعطيين يقول والله ما صنع على شيئا ذهب ثم انصرف في
غير شئ فلما نظروا إلى علي أبلسوا فقال وجوه قوم ما رأوا الشأم العام ثم قال لأصحابه
قوم فارقاهم آنفا خير من هؤلاء ثم أنشأ يقول
أخوك الذي إن أجرضتك ملمة * من الدهر لم يبرح لبثك واجما
وليس أخوك بالذي إن تشعبت * عليك الأمور ظل يلحاك لائما
ثم مضى فلم يزل يذكر الله عز وجل حتى دخل القصر * قال أبو مخنف حدثنا
أبو جناب الكلبي عن عمارة بن ربيعة قال خرجوا مع علي إلى صفين وهم متوادون
أحباء فرجعوا متباغضين أعداء ما برحوا من عسكرهم بصفين حتى فشا فيهم التحكيم
45

ولقد أقبلوا يتدافعون الطريق كله ويتشاتمون ويضطربون بالسياط يقول الخوارج
يا أعداء الله أدهنتم في أمر الله عز وجل وحكمتم وقال الآخرون فارقتم إمامنا وفرقتم
جماعتنا فلما دخل على الكوفة لم يدخلوا معه حتى أتوا حروراء فنزل بها منهم
اثنا عشر ألفا ونادى مناديهم إن أمير القتال شبت بن ربعي التميمي وأمير الصلاة
عبد الله بن الكواء اليشكري والامر شورى بعد الفتح والبعة؟ لله عز وجل والامر
بالمعروف والنهى عن المنكر
بعثة على جعدة بن هبيرة إلى خراسان
(وفى هذه السنة) بعث على جعدة بن هبيرة فيما قيل إلى خراسان
ذكر الخبر عن ذلك
ذكر علي بن محمد قال أخبرنا عبد الله بن ميمون عن عمرو بن شجيرة عن جابر
عن الشعبي قال بعث على بعد ما رجع من صفين جعدة بن هبيرة المخزومي إلى خراسان
فانتهى إلى أبر شهر وقد كفروا وامتنعوا فقدم على على فبعث خليد بن قرة اليربوعي
فحاصر أهل نيسابور حتى صالحوه وصالحه أهل مرو وأصاب جاريتين من
أبناء الملوك نزلتا بأمان فبعث بهما إلى علي فعرض عليهما الاسلام وأن يزوجهما
قالتا زوجنا ابنيك فأبى فقال له بعض الدهاقين ادفعهما إلى فإنه كرامة تكرمني
بها فدفعهما إليه فكانتا عنده يفرش لهما الديباج ويطعمهما في آنية الذهب ثم
رجعتا إلى خراسان
اعتزال الخوارج عليا وأصحابه ورجوعهم بعد ذلك
(وفى هذه السنة) اعتزل الخوارج عليا وأصحابه وحكموا ثم كلمهم على فرجعوا
ودخلوا الكوفة
ذكر الخبر عن اعتزالهم عليا
قال أبو مخنف في حديثه عن أبي جناب عن عمارة بن ربيعة قال ولما قدم على
الكوفة وفارقته الخوارج وثبت إليه الشيعة فقالوا في أعناقنا بيعة ثانية نحن أولياء
من واليت وأعداء من عاديت فقالت الخوارج استبقتم أنتم وأهل الشأم إلى الكفر
46

كفرسي رهان بايع أهل الشأم معاوية على ما أحبوا وكرهوا وبايعتم أنتم عليا على
أنكم أولياء من والى وأعداء من عادى فقال لهم زياد بن النضر والله ما بسط على
يده فبايعناه قط إلا على كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ولكنكم
لما خالفتموه جاءته شيعته فقالوا نحن أولياء من واليت وأعداء من عاديت ونحن
كذلك وهو على الحق والهدى ومن خالفه ضال مضل وبعث على ابن عباس إليهم فقال
لا تعجل إلى جوابهم وخصومتهم حتى آتيك فخرج إليهم حتى أتاهم فأقبلوا يكلمونه فلم
يصبر حتى راجعهم فقال ما نقمتم من الحكمين وقد قال الله عز وجل (إن يريدا إصلاحا
يوفق الله بينهما) فكيف بأمة محمد صلى الله عليه وسلم فقالت الخوارج قلنا أما
ما جعل حكمه إلى الناس وأمر بالنظر فيه والاصلاح له فهو إليهم كما أمر به وما حكم
فأمضاه فليس للعباد أن ينظروا فيه حكم في الزاني مائة جلدة وفى السارق بقطع يده فليس
للعباد أن ينظروا في هذا قال ابن عباس فإن الله عز وجل يقول (يحكم به ذوا عدل
منكم) فقالوا له أو تجعل الحكم في الصيد والحدث يكون بين المرأة وزوجها كالحكم في
دماء المسلمين وقالت الخوارج قلنا له فهذه الآية بيننا وبينك، أعدل عندك ابن العاص
وهو بالأمس يقاتلنا ويسفك دماءنا فإن كان عدلا فلسنا بعدول ونحن أهل حربه
وقد حكمتم في أمر الله الرجال وقد أمضى الله عز وجل حكمه في معاوية وحزبه
أن يقتلوا أو يرجعوا وقبل ذلك ما دعوناهم إلى كتاب الله عز وجل فأبوه ثم
كتبتم بينكم وبينه كتابا وجعلتم بينكم وبينه الموادعة والاستفاضة وقد قطع عز
وجل الاستفاضة والموادعة بين المسلمين وأهل الحرب منذ نزلت براءة إلا من
أقر بالجزية وبعث على زياد بن النضر إليهم فقال انظر بأي رؤسهم هم أشد إطاقة
فنظر فأخبره أنه لم يرهم عند رجل أكثر منهم عند يزيد بن قيس فخرج على في
الناس حتى دخل إليهم فأتى فسطاط يزيد بن قيس فدخله فتوضأ فيه وصلى
ركعتين وأمره على أصبهان والري ثم خرج حتى انتهى إليهم وهم يخاصمون ابن
عباس فقال انته عن كلامهم ألم أنهك رحمك الله ثم تكلم فحمد الله عز وجل وأثنى
عليه ثم قال اللهم إن هذا مقام من أفلح فيه كان أولى بالفلح يوم القيامة ومن نطق
47

فيه وأوعث فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا ثم قال لهم من زعيمكم قالوا ابن
الكواء قال على فما أخرجكم علينا قالوا حكومتكم يوم صفين قال أنشدكم بالله
أتعلمون أنهم حيث رفعوا المصاحف فقلتم نجيبهم إلى كتاب الله قلت لكم إني أعلم
بالقوم منكم إنهم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن إني صحبتهم وعرفتهم أطفالا
ورجالا فكانوا شر أطفال وشر رجال امضوا على حقكم وصدقكم فإنما رفع
القوم هذه المصاحف خديعة ودهنا ومكيدة فرددتم على رأيي وقلتم لا بل نقبل
منهم فقلت لكم اذكروا قولي لكم ومعصيتكم إياي فلما أبيتم إلا الكتاب
اشترطت على الحكمين أن يحييا ما أحيا القرآن وأن يميتا ما أمات القرآن فان
حكما بحكم القرآن فليس لنا أن نخالف حكما يحكم بما في القرآن وإن أبيا فنحن
من حكمهما برآء قالوا له فخبرنا أتراه عدلا تحكيم الرجال في الدماء فقال إنا لسنا
حكمنا الرجال إنما حكمنا القرآن وهذا القرآن انما هو خط مسطور بين دفتين
لا ينطق انما يتكلم به الرجال قالوا فخبرنا عن الاجل لم جعلته فيما بينك وبينهم قال
ليعلم الجاهل ويتثبت العالم ولعل الله عز وجل يصلح في هذه الهدنة هذه الأمة
أدخلوا مصركم رحمكم الله فدخلوا من عند آخرهم * قال أبو مخنف حدثني عبد الرحمن
ابن جندب الأزدي عن أبيه بمثل هذا وأما الخوارج فيقولون قلنا صدقت قد كنا
كما ذكرت وفعلنا ما وصفت ولكن ذلك كان منا كفرا فقد تبنا إلى الله عز وجل
منه فتب كما تبنا نبايعك وإلا فنحن مخالفون فبايعنا على وقال ادخلوا فلنمكث
ستة أشهر حتى يجبى المال ويسمن الكراع ثم نخرج إلى عدونا ولسنا نأخذ بقولهم
وقد كذبوا وقدم معن بن يزيد بن الأحنس السلمي في استبطاء إمضاء الحكومة
وقال لعلى إن معاوية قد وفى فف أنت لا يلفتنك عن رأيك أعاريب بكر وتميم
فأمر على بامضاء الحكومة وقد كانوا افترقوا من صفين على أن يقدم الحكمان
في أربعمائة أربعمائة إلى دومة الجندل * وزعم الواقدي أن سعدا قد شهد مع من شهد
الحكمين وأن ابنه عمر لم يدعه حتى أحضره أذرح فندم فأحرم من بيت المقدس بعمرة
48

اجتماع الحكمين بدومة الجندل
(وفى هذه السنة) كان اجتماع الحكمين
ذكره الخبر عن اجتماعهما
* قال أبو مخنف حدثني المجالد بن سعيد عن الشعبي عن زياد بن النضر الحارثي
أن عليا بعث أربعمائة رجل عليهم شريح بن هانئ الحارثي وبعث معهم عبد الله
ابن عباس وهو يصلى بهم ويلي أمورهم وأبو موسى الأشعري معهم وبعث معاوية
عمرو بن العاص في أربعمائة من أهل الشأم حتى توافوا بدومة الجندل بأذرح قال
فكان معاوية إذا كتب إلى عمرو جاء الرسول وذهب لا يدرى بما جاء به ولا بما
رجع به ولا يسأله أهل الشأم عن شئ وإذا جاء رسول على جاؤوا إلى ابن عباس
فسألوه ما كتب به إليك أمير المؤمنين فان كتم ظنوا به الظنون فقالوا ما نراه
كتب إلا بكذا وكذا فقال ابن عباس أما تعقلون أما ترون رسول معاوية يجئ
لا يعلم بما جاء به ويرجع لا يعلم ما رجع به ولا يسمع لهم صياح ولا لغط وأنتم عندي
كل يوم تظنون الظنون قال وشهد جماعتهم تلك عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير
وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي وعبد الرحمن بن عبد يغوث الزهري
وأبو جهم بن حذيفة العدوي والمغيرة بن شعبة الثقفي وخرج عمر بن سعد حتى أتى أباه
على ماء لبنى سليم بالبادية فقال يا أبت قد بلغك ما كان بين الناس بصفين وقد حكم
الناس أبا موسى الأشعري وعمرو بن العاص وقد شهدهم نفر من قريش فاشهدهم فإنك
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد الشورى ولم تدخل في شئ كرهته
هذه الأمة فاحضر فإنك أحق الناس بالخلافة فقال لا أفعل إني سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول إنه يكون فتنة خير الناس فيها الخفى التقى والله لا أشهد
شيئا من هذا الامر أبدا والتقى الحكمان فقال عمرو بن العاص يا أبا موسى ألست
تعلم أن عثمان رضي الله عنه قتل مظلوما قال أشهد ألست تعلم أن معاوية وآل معاوية
أولياؤه قال بلى قال فان الله عز وجل قال (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا
فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا) فما يمنعك من معاوية ولى عثمان يا أبا موسى
49

وبيته في قريش كما قد علمت فإن تخوفت أن يقول الناس ولى معاوية وليست له
سابقة فان لك بذلك حجة تقول إني ولى عثمان الخليفة المظلوم والطالب بدمه
الحسن السياسة الحسن التدبير وهو أخو أم حبيبة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم
وقد صحبه فهو أحد الصحابة ثم عرض له بالسلطان فقال إن ولى أكرمك كرامة
لم يكرمها خليفة فقال أبو موسى يا عمرو اتق الله عز وجل فأما ما ذكرت من
شرف معاوية فان هذا ليس على الشرف يولاه أهله ولو كان على الشرف
لكان هذا الامر لآل أبرهة بن الصباح إنما هو لأهل الدين والفضل مع أنى
لو كنت معطيه أفضل قريش شرفا أعطيته علي بن أبي طالب وأما قولك ان
معاوية ولى دم عثمان رضي الله عنه فوله هذا الامر فانى لم أكن لأوليه
معاوية وأدع المهاجرين الأولين وأما تعريضك لي بالسلطان فوالله لو خرج
لي من سلطانه كله ما وليته وما كنت لأرتشى في حكم الله عز وجل ولكنك
إن شئت أحيينا اسم عمر بن الخطاب رضي الله عنه * قال أبو مخنف حدثني
أبو جناب الكلبي أنه كان يقول قال أبو موسى أما والله لئن استطعت لأحيين اسم عمر
ابن الخطاب رضي الله عنه فقال له عمرو إن كنت تحب بيعة ابن عمر فما يمنعك من ابني
وأنت تعرف فضله وصلاحه فقال إن ابنك رجل صدق ولكنك قد غمسته في هذه
الفتنة * قال أبو مخنف حدثني محمد بن إسحاق عن نافع مولى ابن عمر قال قال عمرو بن
العاص إن هذا الامر لا يصلحه الا رجل له ضرس يأكل ويطعم وكانت في ابن
عمر غفلة فقال له عبد الله بن الزبير أفطن فانتبه فقال عبد الله بن عمر لا والله لا أرشو
عليها شيئا أبدا وقال يا ابن العاص إن العرب أسندت إليك أمرها بعدما تقارعت
بالسيوف وتناجزت بالرماح فلا تردنهم في فتنة * قال أبو مخنف حدثني النضر
ابن صالح العبسي قال كنت مع شريح بن هانئ في غزوة سجستان فحدثني أن عليا
أوصاه بكلمات إلى عمرو بن العاص قال قل له إذا أنت لقيته إن عليا يقول لك إن
أفضل الناس عند الله عز وجل من كان العمل بالحق أحب إليه وإن نقصه وكرثه
من الباطل وإن حن إليه وزاده يا عمرو والله إنك لتعلم أين موضع الحق فلم تجاهل
50

ان أوتيت طمعا يسيرا كنت به لله وأوليائه عدوا فكأن والله ما أوتيت قد زال
عنك ويحك فلا تكن للخائنين خصيما ولا للظالمين ظهيرا أما إني أعلم بيومك
الذي أنت فيه نادم وهو يوم وفاتك تمنى أنك لم تظهر لمسلم عداوة ولم تأخذ على
حكم رشوة قال فبلغته ذلك فتمعر وجهه ثم قال متى كنت أقبل مشورة على أو انتهى
إلى أمره أو أعتد برأيه فقلت له وما يمنعك يا ابن النابغة أن تقبل من مولاك وسيد
المسلمين بعد نبيهم مشورته فقد كان من هو خير منك أبو بكر وعمر رضي الله عنهما
يستشيرانه ويعملان برأيه فقال إن مثلي لا يكلم مثلك فقلت له وبأي أبويك ترغب
عنى أبأبيك الوشيظ أم بأمك النابغة قال فقام عن مكانه وقمت معه * قال أبو مخنف
حدثني أبو جناب الكلبي أن عمرا وأبا موسى حيث التقيا بدومة الجندل أخذ عمرو
يقدم أبا موسى في الكلام يقول إنك صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأنت أسن منى فتكلم وأتكلم فكان عمرو قد عود أبا موسى أن يقدمه في كل
شئ اغتزى بذلك كله أن يقدمه فيبدأ بخلع على قال فنظر في أمرهما وما اجتمعا
عليه فأراده عمرو على معاوية فأبى وأراده على ابنه فأبى وأراد أبو موسى عمرا
على عبد الله بن عمر فأبى عليه فقال له عمرو خبرني ما رأيك قال رأيي أن نخلع هذين
الرجلين ونجعل الامر شورى بين المسلمين فيختار المسلمون لأنفسهم من أحبوا فقال
له عمرو فان الرأي ما رأيت فأقبلا إلى الناس وهم يجتمعون فقال يا أبا موسى أعلمهم
بأن رأينا قد اجتمع واتفق فتكلم أبو موسى فقال إن رأيي ورأى عمر وقد اتفق
على أمر نرجو أن يصلح الله عز وجل به أمر هذه الأمة فقال عمرو صدق وبر
يا أبا موسى تقدم فتكلم فتقدم أبو موسى ليتكلم فقال له ابن عباس ويحك والله انى
لأظنه قد خدعك إن كنتما قد اتفقتما على أمر فقدمه فليتكلم بذلك الامر قبلك
ثم تكلم أنت بعده فان عمرا رجل غادر ولا آمن أن يكون قد أعطاك الرضا فيما
بينك وبينه فإذا قمت في الناس خالفك وكان أبو موسى مغفلا فقال له إنا قد اتفقنا
فتقدم أبو موسى فحمد الله عز وجل وأثنى عليه ثم قال يا أيها الناس إنا قد نظرنا في أمر
هذه الأمة فلم نر أصلح لأمرها ولا ألم لشعثها من أمر قد جمع رأيي ورأى عمرو
51

عليه وهو أن نخلع عليا ومعاوية وتستقبل هذه الأمة هذا الامر فيولوا منهم من
أحبوا عليهم وإني قد خلعت عليا ومعاوية فاستقبلوا أمركم وولوا عليكم من رأيتموه
لهذا الامر أهلا ثم تنحى وأقبل عمرو بن العاص فقام مقامه فحمد الله وأثنى عليه
وقال إن هذا قد قال ما سمعتم وخلع صاحبه وأنا أخلع صاحبه كما خلعه وأثبت
صاحبي معاوية فإنه ولى عثمان بن عفان رضي الله عنه والطالب بدمه وأحق الناس
بمقامه فقال أبو موسى مالك لا وفقك الله غدرت وفجرت انما مثلك كمثل الكلب
إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث قال عمرو انما مثلك كمثل الحمار يحمل أسفارا
وحمل شريح بن هانئ على عمرو فقنعه بالسوط وحمل على شريح ابن لعمرو فضربه
بالسوط وقام الناس فحجزوا بينهم وكان شريح بعد ذلك يقول ما ندمت على شئ
ندامتي على ضرب عمرو بالسوط ألا أكون ضربته بالسيف آتيا به الدهر ما أتى
والتمس أهل الشأم أبا موسى فركب راحلته ولحق بمكة قال ابن عباس قبح الله
رأى أبى موسى حذرته وأمرته بالرأي فما عقل فكان أبو موسى يقول حذرني
ابن عباس غدرة الفاسق ولكني اطمأننت إليه وظننت أنه لن يؤثر شيئا على نصيحة
الأمة ثم انصرف عمرو وأهل الشأم إلى معاوية وسلموا عليه بالخلافة ورجع
ابن عباس وشريح بن هانئ إلى علي وكان إذا صلى الغداة يقنت فيقول اللهم العن
معاوية وعمرا وأبا الأعور السلمي وحبيبا وعبد الرحمن بن خالد والضحاك بن
قيس والوليد فبلغ ذلك معاوية فكان إذا قنت لعن عليا وابن عباس والأشتر
وحسنا وحسينا (وزعم الواقدي) ان اجتماع الحكمين كان في شعبان سنة 38
من الهجرة
ذكر ما كان من خبر الخوارج عند توجيه على الحكم للحكومة وخبر يوم النهر
قال أبو مخنف عن أبي المغفل عن عون بن أبي جحيفة أن عليا لما أراد أن
يبعث أبا موسى للحكومة أتاه رجلان من الخوارج زرعة بن البرج الطائي وحرقوص
ابن زهير السعدي فدخلا عليه فقالا له لا حكم الا لله فقال على لا حكم إلا لله فقال
له حرقوص تب من خطيئتك وارجع عن قضيتك واخرج بنا إلى عدونا نقاتلهم
52

حتى نلقى ربنا فقال لهم على قد أردتكم على ذلك فعصيتموني وقد كتبنا بيننا وبينهم
كتابا وشرطنا شروطا وأعطينا عليها عهودنا ومواثيقنا وقد قال الله عز وجل
(وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها وقد
جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون) فقال له حرقوص ذلك
ذنب ينبغي أن تتوب منه فقال على ما هو ذنب ولكنه عجز من الرأي وضعف
من الفعل وقد تقدمت إليكم فيما كان منه ونهيتكم عنه فقال له زرعة بن البرج
أما والله يا علي لئن لم تدع تحكيم الرجال في كتاب الله عز وجل قاتلتك أطلب بذلك
وجه الله ورضوانه فقال له على بؤسا لك ما أشقاك كأني بك قتيلا تسفى عليك
الريح قال وددت أن قد كان ذلك فقال له على لو كنت محقا كان في الموت على الحق
تعزية عن الدنيا إن الشيطان قد استهواكم فاتقوا الله عز وجل إنه لا خير لكم في
دنيا تقاتلون عليها فخرجا من عنده يحكمان * قال أبو مخنف فحدثني عبد الملك بن أبي
حرة الحنفي أن عليا خرج ذات يوم يخطب فإنه لفى خطبته إذ حكمت المحكمة في
جوانب المسجد فقال على الله أكبر كلمة حق يراد بها باطل إن سكتوا عممناهم وإن
تكلموا حججناهم وإن خرجوا علينا قاتلناهم فوثب يزيد بن عاصم المحاربي فقال
الحمد لله غير مودع ربنا ولا مستغنى عنه اللهم إنا نعوذ بك من إعطاء الدنية في ديننا
فان إعطاء الدنية في الدين ادهان في أمر الله عز وجل وذل راجع بأهله إلى سخط
الله يا علي أبالقتل تخوفنا أما والله إني لأرجو أن نضربكم بها عما قليل غير
مصفحات ثم لتعلمن أينا أولى بها صليا ثم خرج بهم هو وإخوة له ثلاثة هو رابعهم
فأصيبوا مع الخوارج بالنهر وأصيب أحدهم بعد ذلك بالنخيلة * قال أبو مخنف
حدثني الأجلح بن عبد الله عن سلمة بن كهيل عن كثير بن بهز الحضرمي قال قام
على في الناس يخطبهم ذات يوم فقال رجل من جانب المسجد لا حكم إلا لله فقام
آخر فقال مثل ذلك ثم توالى عدة رجال يحكمون فقال على الله أكبر كلمة حق يلتمس
بها باطل أما إن لكم عندنا ثلاثا ما صحبتمونا لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها
اسمه ولا نمنعكم الفئ ما دامت أيديكم مع أيدينا ولا نقاتلكم حتى تبدأونا ثم رجع
53

إلى مكانه الذي كان فيه من خطبته * قال أبو مخنف وحدثنا عن القاسم بن الوليد أن
حكيم بن عبد الرحمن بن سعيد البكائي كان يرى رأى الخوارج فأتى عليا ذات يوم
وهو يخطب فقال " ولقد أوحى إليك والى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن
عملك ولتكونن من الخاسرين " فقال على " فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك
الذين لا يوقنون " * حدثنا أبو كريب قال حدثنا ابن إدريس قال سمعت إسماعيل
ابن سميع الحنفي عن أبي رزين قال لما وقع التحكيم ورجع على من صفين رجعوا
مباينين له فلما انتهوا إلى النهر أقاموا به فدخل على في الناس الكوفة ونزلوا بحروراء
فبعث إليهم عبد الله بن عباس فرجع ولم يصنع شيئا فخرج إليهم على فكلمهم حتى
وضع الرضا بينه وبينهم فدخلوا الكوفة فأتاه رجل فقال إن الناس قد تحدثوا
أنك رجعت لهم عن كفرك فخطب الناس في صلاة الظهر فذكر أمرهم فعابه
فوثبوا من نواحي المسجد يقولون لا حكم إلا لله واستقبله رجل منهم واضع أصبعه
في أذنيه فقال " ولقد أوحى إليك والى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك
ولتكونن من الخاسرين " فقال على " فاصبر ان وعد الله حق ولا يستخفنك الذين
لا يوقنون " * حدثنا أبو كريب قال حدثنا ابن إدريس قال سمعت ليث بن أبي سليم
يذكر عن أصحابه قال جعل على يقلب بيديه يقول بيديه هكذا وهو على المنبر فقال حكم
الله عز وجل ينتظر فيكم مرتين ان لكم عندنا ثلاثا لا نمنعكم صلاة في هذا المسجد ولا
نمنعكم نصيبكم من هذا الفئ ما كانت أيديكم مع أيدينا ولا نقاتلكم حتى تقاتلونا *
قال أبو مخنف عن عبد الملك بن أبي حرة أن عليا لما بعث أبا موسى لا نفاد الحكومة
لقيت الخوارج بعضها بعضا فاجتمعوا في منزل عبد الله بن وهب الراسبي فحمد الله عبد الله
ابن وهب وأثنى عليه ثم قال أما بعد فوالله ما ينبغي لقوم يؤمنون بالرحمن وينيبون إلى
حكم القرآن أن يكون هذه الدنيا التي الرضا بها والركون بها والايثار إياها عناء وتبار
آثر عندهم من الامر بالمعروف والنهى عن المنكر والقول بالحق وان من وضر
فإنه من يمن ويضر في هذه الدنيا فإن ثوابه يوم القيامة رضوان الله عز وجل
والخلود في جناته فاخرجوا بنا اخواننا من هذه القرية الظالم أهلها إلى بعض كور
54

الجبال أو إلى بعض هذه المدائن منكرين لهذه البدع المضلة فقال له حرقوص بن
زهير إن المتاع بهذه الدنيا قليل وإن الفراق لها وشيك فلا تدعونكم زينتها وبهحتها
إلى المقام بها ولا تلفتنكم عن طلب الحق وانكار الظلم فإن الله مع الذين اتقوا
والذين هم محسنون فقال حمزة بن سنان الأسدي يا قوم ان الرأي ما رأيتم فولوا أمركم
رجلا منكم فإنه لابد لكم من عماد وسناد وراية تحفون بها وترجعون إليها فعرضوها
على زيد بن حصين الطائي فأبى وعرضوها على حرقوص بن زهير فأبى وعلى حمزة
ابن سنان وشريح بن أوفى العبسي فأبيا وعرضوها على عبد الله بن وهب فقال
هاتوها أما والله لا اخذها رغبة في الدنيا ولا أدعها فرقا من الموت فبايعوها لعشر
خلون من شوال وكان يقال له ذو الثفنات ثم اجتمعوا في منزل شريح بن أوفى
العبسي فقال ابن وهب اشخصوا بنا إلى بلدة نجتمع فيها لا نفاد حكم الله فإنكم أهل
الحق قال شريح يخرج إلى المدائن فننزلها ونأخذ بأبوابها ونخرج منها سكانها ونبعث
إلى اخواننا من أهل البصرة فيقدمون علينا فقال زيد بن حصين انكم ان خرجتم
مجتمعين اتبعتم ولكن اخرجوا وحدانا مستخفين فأما المدائن فإن بها من يمنعكم ولكن
سيروا حتى تنزلوا جسر النهروان وتكاتبوا اخوانكم من أهل البصرة قالوا هذا
الرأي وكتب عبد الله بن وهب إلى من بالبصرة منهم يعلمهم ما اجتمعوا عليه
ويحثهم على اللحاق بهم وسير الكتاب إليهم فأجابوه أنهم على اللحاق به فلما عزموا
على المسير تعبدوا ليلتهم وكانت ليلة الجمعة ويوم الجمعة وساروا يوم السبت فخرج
شريح بن أوفى العبسي وهو يتلو قول الله تعالى (فخرج منها خائفا يترقب قال
رب نجنى من القوم الظالمين ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربى أن
يهدين سواء السبيل) وخرج معهم طرفة بن عدي بن حاتم الطائي فاتبعه أبوه
فلم يقدر عليه فانتهى إلى المدائن ثم رجع فلما بلغ ساباط لقيه عبد الله بن وهب
في نحو عشرين فارسا فأراد عبد الله قتله فمنعه عمرو بن مالك النبهاني وبشر بن
زيد البولاني وأرسل عدى إلى سعد بن مسعود عامل على على المدائن يحذره
أمرهم فحذر وأخذ أبواب المدائن وخرج في الخيل واستخلف بها ابن أخيه المختار
55

ابن أبي عبيد وسار في طلبهم فأخبر عبد الله بن وهب خبره فرابأ طريقه وسار
على بغداد ولحقهم سعد بن مسعود بالكرخ في خمسمائة فارس عند المساء فانصرف
إليهم عبد الله في ثلاثين فارسا فاقتتلوا ساعة وامتنع القوم منهم وقال أصحاب
سعد لسعد ما تريد من قتال هؤلاء ولم يأتك فيهم أمر خلهم فليذهبوا واكتب
إلى أمير المؤمنين فان أمرك باتباعهم اتبعتهم وان كفاكهم غيرك كان في ذلك
عافية لك فأبى عليهم فلما جن عليهم الليل خرج عبد الله بن وهب فعبر دجلة إلى
أرض جوخى وسار إلى النهروان فوصل إلى أصحابه وقد أيسوا منه وقالوا إن
كان هلك ولينا الامر زيد بن حصين أو حرقوص بن زهير وسار جماعة من أهل
الكوفة يريدون الخوارج ليكونوا معهم فردهم أهلوهم كرها منهم القعقاع بن قيس
الطائي عم الطرماح بن حكيم وعبد الله بن حكيم بن عبد الرحمن البكائي وبلغ
عليا أن سالم بن ربيعة العبسي يريد الخروج فأحضره عنده ونهاه فانتهى ولما خرجت
الخوارج من الكوفة أتى عليا أصحابه وشيعته فبايعوه وقالوا نحن أولياء من
واليت وأعداء من عاديت فشرط لهم فيه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه
ربيعة بن أبي شداد الخثعمي وكان شهد معه الجمل وصفين ومعه راية خثعم فقال
له بايع على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ربيعة على سنة أبى
بكر وعمر قال له على ويلك لو أن أبا بكر وعمر عملا بغير كتاب الله وسنة رسول الله
صلى الله عليه وسلم لم يكونا على شئ من الحق فبايعه فنظر إليه على وقال أما والله
لكأني بك وقد نفرت مع هذه الخوارج فقتلت وكأني بك وقد وطئتك الخيل
بحوافرها فقتل يوم النهر مع خوارج البصرة وأما خوارج البصرة فإنهم اجتمعوا
في خمسمائة رجل وجعلوا عليهم مسعر بن فدكي التميمي فعلم بهم ابن عباس فأتبعهم
أبا الأسود الدؤلي فلحقهم بالجسر الأكبر فتواقفوا حتى حجز بينهم الليل وأدلج
مسعر بأصحابه وأقبل يعترض الناس وعلى مقدمته الأشرس بن عوف الشيباني
وسار حتى لحق بعبد الله بن وهب بالنهر فلما خرجت الخوارج وهرب أبو موسى
إلى مكة ورد على ابن عباس إلى البصرة قام في الكوفة فخطبهم فقال الحمد لله وان
56

أتى الدهر بالخطب الفادح والحدثان الجليل وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا
رسول الله أما بعد فان المعصية تورث الحسرة وتعقب الندم وقد كنت أمرتكم
في هذين الرجلين وفى هذه الحكومة أمري ونحلتكم رأى لو كان لقصير أمر
ولكن أبيتم إلا ما أردتم فكنت أنا وأنتم كما قال أخو هوازن
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى * فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد
ألا إن هذين الرجلين اللذين اخترتموها حكمين قد نبذا حكم القرآن وراء
ظهورهما وأحييا ما أمات القرآن واتبع كل واحد منهما هواه بغير هدى من الله فحكما
بغير حجة بينة ولا سنة ماضية واختلفا في حكمهما وكلاهما لم يرشد فبرئ الله منهما
ورسوله وصالح المؤمنين استعدوا وتأهبوا للسير إلى الشأم وأصبحوا في معسكركم
إن شاء الله يوم الاثنين ثم نزل وكتب إلى الخوارج بالنهر بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد الله على أمير المؤمنين إلى زيد بن حصين وعبد الله بن وهب ومن معهما
من الناس أما بعد فان هذين الرجلين اللذين ارتضينا حكمهما قد خالفا كتاب الله
واتبعا أهواءهما بغير هدى من الله فلم يعملا بالسنة ولم ينفذا للقرآن حكما
فبرئ الله ورسوله منهما والمؤمنون فإذا بلغكم كتابي هذا فأقبلوا فانا سائرون
إلى عدونا وعدوكم ونحن على الأمر الأول الذي كنا عليه والسلام وكتبوا إليه أما
بعد فإنك لم تغضب لربك إنما غضبت لنفسك فان شهدت على نفسك بالكفر
واستقبلت التوبة نظرنا فيما بيننا وبينك وإلا فقد نابذناك على سواء ان الله لا يحب
الخائنين فلما قرأ كتابهم أيس منهم فرأى أن يدعهم ويمضى بالناس إلى أهل
الشأم حتى يلقاهم فيناجزهم * قال أبو مخنف عن المعلى بن كليب الهمداني
عن جبر بن نوف أبى الوداك الهمداني ان عليا لما نزل بالنخيلة وأيس من
الخوارج قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإنه من ترك الجهاد في الله
وادهن في أمره كان على شفا هلكة الا أن يتداركه الله بنعمة فاتقوا الله وقاتلوا
من حاد الله وحاول أن يطفئ نور الله قاتلوا الخاطئين الضالين القاسطين المجرمين
الذين ليسوا بقراء للقرآن ولا فقهاء في الدين ولا علماء في التأويل ولا لهذا الامر
57

بأهل في سابقة الاسلام والله لو ولوا عليكم لعملوا فيكم بأعمال كسرى وهرقل
تيسروا وتهيؤا للمسير إلى عدوكم من أهل المغرب وقد بعثنا إلى إخوانكم من أهل
البصرة ليقدموا عليكم فإذا قدموا فاجتمعتم شخصنا إن شاء الله ولا حول ولا قوة
إلا بالله وكتب على إلى عبد الله بن عباس مع عتبة بن الأخنس بن قيس من بنى سعد
ابن بكر أما بعد فانا قد خرجنا إلى معسكرنا بالنخيلة وقد أجمعنا على المسير إلى عدونا
من أهل المغرب فاشخص بالناس حتى يأتيك رسولي وأقم حتى يأتيك أمري والسلام
فلما قدم عليه الكتاب قرأه على الناس وأمرهم بالشخوص مع الأحنف بن قيس
فشخص معه منهم ألف وخمسمائة رجل فاستقلهم عبد الله بن عباس فقام في الناس فحمد
الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد يا أهل البصرة فإنه جاءني أمر أمير المؤمنين يأمرني بإشخاصكم
فأمرتكم بالنفير إليه مع الأحنف بن قيس ولم يشخص معه منكم الا ألف وخمسمائة
وأنتم ستون ألفا سوى أبنائكم وعبدانكم ومواليكم ألا انفروا مع جارية بن قدامة
السعدي ولا يجعلن رجل على نفسه سبيلا فإني موقع بكل من وجدته متخلفا عن مكتبه
عاصيا لامامه وقد أمرت أبا الأسود الدؤلي بحشركم فلا يلم رجل جعل السبيل
على نفسه إلا نفسه فخرج جارية فعسكر وخرج أبو الأسود فحشر الناس فاجتمع
إلى جارية ألف وسبعمائة ثم أقبل حتى وافاه علي بالنخيلة فلم يزل بالنخيلة حتى وافاه
هذان الجيشان من البصرة ثلاثة آلاف ومائتا رجل فجمع إليه رؤوس أهل الكوفة
ورؤوس الأسباع ورؤوس القبائل ووجوه الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال
يا أهل الكوفة أنتم إخواني وأنصاري وأعواني على الحق وصحابتي على جهاد عدوى
المحلين بكم أضرب المدبر وأرجو تمام طاعة المقبل وقد بعثت إلى أهل البصرة
فاستنفرتهم إليكم فلم يأتني منهم إلا ثلاثة آلاف ومائتا رجل فأعينوني بمناصحة جلية
خلية من الغش إنكم.. مخرجنا إلى صفين بل استجمعوا بأجمعكم وإني أسألكم
أن يكتب لي رئيس كل قوم ما في عشيرته من المقاتلة وأبناء المقاتلة الذين أدركوا
القتال وعبدان عشيرته ومواليهم ثم يرفع ذلك إلينا فقام سعيد بن قيس الهمداني
فقال يا أمير المؤمنين سمعا وطاعة وودا ونصيحة أنا أول الناس جاء بما سألت وبما
58

طلبت وقام معقل بن قيس الرياحي فقال له نحوا من ذلك وقام عدى بن حاتم
وزياد بن خصفة وحجر بن عدي وأشراف الناس والقبائل فقالوا مثل ذلك ثم
إن الرؤس كتبوا من فيهم ثم رفعوهم إليه وأمروا أبناءهم وعبيدهم ومواليهم أن
يخرجوا معهم وألا يتخلف منهم عنهم أحد فرفعوا إليه أربعين ألف مقاتل وسبعة
عشر ألفا من الأبناء ممن أدرك وثمانية آلاف من مواليهم وعبيدهم وقالوا يا أمير
المؤمنين أما من عندنا من المقاتلة وأبناء المقاتلة ممن قد بلغ الحلم وأطاق القتال فقد
رفعنا إليك منهم ذوي القوة والجلد وأمرناهم بالشخوص معنا ومنهم ضعفاء وهم
في ضياعنا وأشياء مما يصلحنا وكانت العرب سبعة وخمسين ألفا من أهل الكوفة
ومن مواليهم ومماليكهم ثمانية آلاف وكان جميع أهل الكوفة خمسة وستين ألفا
وثلاثة آلاف ومائتي رجل من أهل البصرة وكان جميع من معه ثمانية وستين ألفا
ومائتي رجل. قال أبو مخنف عن أبي الصلت التيمي إن عليا كتب إلى سعد بن
مسعود الثقفي وهو عامله على المدائن أما بعد فانى قد بعثت إليك زياد بن خصفة
فأشخص معه من قبلك من مقاتلة أهل الكوفة وعجل ذلك إن شاء الله ولا قوة إلا بالله
قال وبلغ عليا أن الناس يقولون لو سار بنا إلى هذه الحرورية فبدأنا بهم فإذا فرغنا
منهم وجهنا من وجهنا ذلك إلى المحلين فقام في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال
أما بعد فإنه قد بلغني قولكم لو أن أمير المؤمنين سار بنا إلى هذه الخارجة التي
خرجت عليه فبدأنا بهم فإذا فرغنا منهم وجهنا إلى المحلين وإن غير هذه الخارجة
أهم إلينا منهم فدعوا ذكرهم وسيروا إلى قوم يقاتلونكم كيما يكونوا جبارين
ملوكا ويتخذوا عباد الله خولا فتنادى الناس من كل جانب سر بنا يا أمير المؤمنين
حيث أحببت قال فقام إليه صيفي بن فسيل الشيباني فقال يا أمير المؤمنين نحن
حزبك وأنصارك نعادي من عاديت ونشايع من أناب إلى طاعتك فسر بنا إلى
عدوك من كانوا وأينما كانوا فإنك إن شاء الله لن تؤتى من قلة عدد ولا ضعف نية
أتباع وقام إليه محرز بن شهاب التميمي من بنى سعد فقال يا أمير المؤمنين شيعتك
كقلب رجل واحد في الاجماع على نصرتك والجد في جهاد عدوك فأبشر بالنصر
59

وسر بنا إلى أي الفريقين أحببت فإنا شيعتك الذين نرجو في طاعتك وجهاد من
خالفك صالح الثواب ونخاف في خذلانك والتخلف عنك شدة الوبال * حدثني
يعقوب قال حدثني إسماعيل قال أخبرنا أيوب عن حميد بن هلال عن رجل من
عبد القيس كان من الخوارج ثم فارقهم قال دخلوا قرية فخرج عبد الله بن خباب
صاحب رسول الله ذعرا يجر رداءه فقالوا لم ترع فقال والله لقد ذعرتموني قالوا
أأنت عبد الله بن خباب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم قالوا فهل
سمعت من أبيك حديثا يحدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذكر
فتنة القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير
من الساعي قال فإن أدركتم ذلك فكن يا عبد الله المقتول قال أيوب ولا أعلمه
إلا قال ولا تكن يا عبد الله القاتل قال نعم قال فقدموه على ضفة النهر فضربوا
عنقه فسال دمه كأنه شراك نعل وبقروا بطن أم ولده عما في بطنها * قال أبو مخنف
عن عطاء عن عجلان عن حميد بن هلال أن الخارجة التي أقبلت من البصرة جاءت
حتى دنت من إخوانها بالنهر فخرجت عصابة منهم فإذا هم برجل يسوق بامرأة على
حمار فعبروا إليه فدعوه فتهددوه وأفزعوه وقالوا له من أنت قال أنا عبد الله
ابن خباب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أهوى إلى ثوبه يتناوله من
الأرض وكان سقط عنه لما أفزعوه فقالوا له أفزعناك قال نعم قالوا له لا روع
عليك فحدثنا عن أبيك بحديث سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم لعل الله ينفعنا
به قال حدثني أبي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن فتنة تكون يموت فيها
قلب الرجل كما يموت فيها بدنه يمسى فيها مؤمنا ويصبح فيها كافرا ويصبح فيها كافرا
ويمسى فيها مؤمنا فقالوا لهذا الحديث سألناك فما تقول في أبى بكر وعمر فأثنى
عليهما خيرا قالوا ما تقول في عثمان في أول خلافته وفى آخرها قال إنه كان محقا
في أولها وفى آخرها قالوا فما تقول في علي قبل التحكيم وبعده قال إنه أعلم بالله
منكم وأشد توقيا على دينه وأنفذ بصيرة فقالوا إنك تتبع الهوى وتوالى الرجال
على أسمائها لا على أفعالها والله لنقتلنك قتله ما قتلناها أحدا فأخذوه فكتفوه ثم
60

أقبلوا به وبامرأته وهى حبلى متم حتى نزلوا تحت نخل مواقر فسقطت منه رطبة
فأخذها أحدهم فقذف بها في فمه فقال أحدهم بغير حلها وبغير ثمن فلفظها وألقاها من فمه
ثم أخذ سيفه فأخذ يمينه فمر به خنزير لأهل الذمة فضربه بسيفه فقالوا هذا فساد في الأرض
فأتى صاحب الخنزير فأرضاه من خنزيره فلما رأى ذلك منهم ابن خباب قال لئن كنتم
صادقين فيما أرى فما على سنكم بأس إني لمسلم ما أحدثت في الاسلام حدثا ولقد آمنتموني
قلم لاروع عليك فجاءوا به فأضجعوه فذبحوه وسال دمه في الماء وأقبلوا إلى
المرأة فقالت إني إنما أنا امرأة ألا تتقون الله فبقروا بطنها وقتلوا ثلاث نسوة من طيئ
وقتلوا أم سنان الصيداوية فبلغ ذلك عليا ومن معه من المسلمين من قتلهم عبد الله
ابن خباب واعتراضهم الناس فبعث إليهم الحارث بن مرة العبدي ليأتيهم فينظر
فيما بلغه عنهم ويكتب به إليه على وجهه ولا يكتمه فخرج حتى انتهى إلى النهر
ليسائلهم فخرج القوم إليه فقتلوه وأتى الخبر أمير المؤمنين والناس فقام إليه الناس فقالوا
يا أمير المؤمنين علام تدع هؤلاء وراءنا يخلفوننا في أموالنا وعيالنا سر بنا إلى القوم
فإذا فرغنا مما بيننا وبينهم سرنا إلى عدونا من أهل الشأم وقام إليه الأشعث بن
قيس الكندي فكلمه بمثل ذلك كان الناس يرون أن الأشعث يرى رأيهم لأنه
كان يقول يوم صفين أنصفنا قوم يدعون إلى كتاب الله فلما أمر على بالمسير إليهم
علم الناس أنه لم يكن يرى رأيهم فأجمع على ذلك فنادى بالرحيل وخرج فعبر الجسر
فصلى ركعتين بالقنطرة ثم نزل دير عبد الرحمن ثم دير أبى موسى ثم أخذ على قرية
شاهي ثم على دباها ثم على شاطئ الفرات فلقيه في مسيره ذلك منجم أشار عليه
بسير وقت من النهار وقال له إن سرت في غير ذلك الوقت لقيت أنت وأصحابك
ضرا شديدا فخالفه وسار في الوقت الذي نهاه عن السير فيه فلما فرغ من النهر حمد الله
وأثنى عليه ثم قال لو سرنا في الساعة التي أمرنا بها المنجم لقال الجهال الذين لا يعلمون
سار في الساعة التي أمره بها المنجم فظفر * قال أبو مخنف حدثني يوسف بن يزيد
عن عبد الله بن عوف قال لما أراد على المسير إلى أهل النهر من الأنبار قدم قيس
ابن سعد بن عبادة وأمره أن يأتي المدائن فينزلها حتى يأمره بأمره ثم جاء مقبلا
61

إليهم ووافاه قيس وسعد بن مسعود الثقفي بالنهر وبعث إلى أهل النهر ادفعوا إلينا
قتلة إخواننا منكم نقتلهم بهم ثم أنا تارككم وكاف عنكم حتى ألقى أهل الشأم فلعل
الله يقلب قلوبكم ويردكم إلى خير مما أنتم عليه من أمركم فبعثوا إليه فقالوا كلنا
قتلتهم وكلنا نستحل دماءهم ودماءكم * قال أبو مخنف فحدثني الحارث بن حصيرة
عن عبد الرحمن بن أبي الكنود أن قيس بن سعد بن عبادة قال لهم عباد الله أخرجوا
إلينا طلبتنا منكم وادخلوا في هذا الامر الذي منه خرجتم وعودوا بنا إلى قتال عدونا
وعدوكم فإنكم ركبتم عظيما من الامر تشهدون علينا بالشرك والشرك ظلم عظيم
وتسفكون دماء المسلمين وتعدونهم مشركين فقال عبد الله بن شجرة السلمي أن الحق
قد أضاء لنا فلسنا نتابعكم أو تأتونا بمثل عمر فقال ما نعلمه فينا غير صاحبنا فهل تعلمونه
فيكم وقال نشدتكم بالله في أنفسكم أن تهلكوها فإني لارى الفتنة قد غلبت عليكم
وخطبهم أبو أيوب خالد بن زيد الأنصاري فقال عباد الله إنا وإياكم على الحال
الأولى التي كنا عليها ليست بيننا وبينكم فرقة فعلام تقاتلوننا فقالوا إنا لو بايعناكم
اليوم حكمتم غدا قال فإني أنشدكم الله أن تعجلوا فتنة العام مخافة ما يأتي في قابل * قال
أبو مخنف حدثني مالك بن أعين عن زيد بن وهب أن عليا أتى أهل النهر فوقف عليهم
فقال أيتها العصابة التي أخرجها عداوة المراء واللجاجة وصدها عن الحق الهوى وطمح
بها النزق وأصبحت في اللبس والخطب العظيم إني نذير لكم أن تصبحوا تلفيكم الأمة
غدا صرعى بأثناء هذا النهر وبأهضام هذا الغائط بغير بينة من ربكم ولا برهان
بين ألم تعلموا أنى نهيتكم عن الحكومة وأخبرتكم أن طلب القوم إياها منكم دهن
ومكيدة لكم ونبأتكم أن القوم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن وأنى أعرف بهم
منكم عرفتهم أطفالا ورجالا فهم أهل المكر والغدر وأنكم إن فارقتم رأيي
جانبتم الحزم فعصيتموني حتى إذا أقررت بأن حكمت فلما فعلت شرطت واستوثقت
فأخذت على الحكمين أن يحييا ما أحيا القرآن وأن يميتا ما أمات القرآن
فاختلفا وخالفا حكم الكتاب والسنة فنبذنا أمرهما ونحن على أمرنا الأول فما
الذي بكم ومن أين أتيتم قالوا إنا حكمنا فلما حكمنا أثمنا وكنا بذلك كافرين وقد تبنا
62

فإن تبت كما تبنا فنحن منك ومعك وإن أبيت فاعتزلنا فإنا منابذوك على سواء
إن الله لا يحب الخائنين فقال على أصابكم حاصب ولا بقى منكم وابر أبعد
إيماني برسول الله صلى الله عليه وسلم وهجرتي معه وجهادي في سبيل الله أشهد
على نفسي بالكفر لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين ثم انصرف عنهم * قال
أبو مخنف حدثني أبو سلمة الزهري وكانت أمه بنت أنس بن مالك أن عليا قال لأهل
النهر يا هؤلاء إن أنفسكم قد سولت لكم فراق هذه الحكومة التي أنتم ابتدأتموها
وسألتموها وأنا لها كاره وأنبأتكم أن القوم سألوكموها مكيدة ودهنا فأبيتم على
إباء المخالفين وعدلتم عنى عدول النكداء العاصين حتى صرفت رأيي إلى رأيكم
وأنتم والله معاشر أخفاء الهام سفهاء الأحلام فلم آت لا أبا لكم حراما والله
ما خبلتكم عن أموركم ولا أخفيت شيئا من هذا الامر عنكم ولا أوطأتكم
عشوة ولا دنيت لكم الضراء وإن كان أمرنا لأمر المسلمين ظاهرا فاجمع رأى
ملئكم على أن اختاروا رجلين فأخذنا عليهما أن يحكما بما في القرآن ولا يعدواه
فتاها وتركا الحق وهما يبصرانه وكان الجور هواهما وقد سبق استيثاقنا عليهما في
الحكم بالعدل والصد للحق بسوء رأيهما وجور حكمهما والثقة في أبدينا لأنفسنا
حين خالفا سبيل الحق وأتيا بما لا يعرف فبينوا لنا بماذا تستحلون قتالنا والخروج
من جماعتنا ان ختار الناس رجلين أن تضعوا أسيافكم على عواتقكم ثم
تستعرضوا الناس تضربون رقابهم وتسفكون دماءهم ان هذا لهو الخسران
المبين والله لو قتلتم على هذا دجاجة لعظم عند الله قتلها فكيف بالنفس التي قتلها
عند الله حرام فتنادوا لا تخاطبوهم ولا تكلموهم وتهيؤا للقاء الرب الرواح
الرواح إلى الجنة فخرج على فعبأ الناس فجعل على ميمنته حجر بن عدي وعلى ميسرته
شبث بن ربعي أو معقل بن قيس الرياحي وعلى الخيل أبا أيوب الأنصاري وعلى
الرجالة أبا قتادة الأنصاري وعلى أهل المدينة وهم سبعمائة أو ثمانمائة رجل قيس
ابن سعد بن عبادة قال وعبأت الخوارج فجعلوا على ميمنتهم زيد بن حصين
الطائي وعلى الميسرة شريح بن أوفى العبسي وعلى خيلهم حمزة بن سنان الأسدي
63

وعلى الرجالة حرقوص بن زهير السعدي قال وبعث على الأسود بن يزيد
المرادي في ألفى فارس حتى أتى حمزة بن سنان وهو في ثلثمائة فارس من خيلهم ورفع
على راية أمان مع أبي أيوب فناداهم أبو أيوب من جاء هذه الراية منكم ممن لم يقتل
ولم يستعرض فهو آمن ومن انصرف منكم إلى الكوفة أو إلى المدائن وخرج من
هذه الجماعة فهو آمن إنه لا حاجة لنا بعد أن نصيب قتلة إخواننا منكم في سفك
دمائكم فقال فروة بن نوفل الأشجعي والله ما أدرى على أي شئ نقاتل عليا لا أرى
إلا أن أنصرف حتى تنفذ لي بصيرتي في قتاله أو اتباعه وانصرف في خمسمائة فارس
حتى نزل البندنيجين والدسكرة وخرجت طائفة أخرى متفرقين فنزلت الكوفة
وخرج إلى علي منهم نحو من مائة وكانوا أربعة آلاف فكان الذين بقوا مع عبد الله
ابن وهب منهم ألفين وثمانمائة وزحفوا إلى علي وقدم على الخيل دون الرجال
وصف الناس وراء الخيل صفين وصف المرامية أمام الصف الأول وقال لأصحابه
كفوا عنهم حتى يبدأوكم فإنهم لو قد شدوا عليكم وجلهم رجال لم ينتهوا إليكم إلا
لاغبين وأنتم رادون حامون وأقبلت الخوارج فلما أن دنوا من الناس نادوا يزيد
ابن قيس فكان يزيد بن قيس على أصبهان فقالوا يا يزيد بن قيس لا حكم إلا لله وإن
كرهت إصبهان فناداهم عباس بن شريك وقبيصة بن ضبيعة العبسيان يا أعداء الله
أليس فيكم شريح بن أوفى المسرف على نفسه هل أنتم إلا أشباهه قالوا وما حجتكم
على رجل كانت فيه فتنة وفينا توبة ثم تنادوا الرواح الرواح إلى الجنة فشدوا على
الناس والخيل أمام الرجال فلم تثبت خيل المسلمين لشدتهم وافترقت الخيل فرقتين
فرقة نحو الميمنة وأخرى نحو الميسرة وأقبلوا نحو الرجال فاستقبلت المرامية وجوههم
بالنبل وعطفت عليهم الخيل من الميمنة والميسرة ونهض إليهم الرجال بالرماح
والسيوف فوالله ما لبثوهم أن أناموهم ثم إن حمزة بن سنان صاحب خيلهم لما رأى
الهلاك نادى أصحابه أن أنزلوا فذهبوا لينزلوا فلم يتقاروا حتى حمل عليهم الأسود
ابن قيس المرادي وجاءتهم الخيل من نحو على فأهمدوا في الساعة * قال أبو مخنف
فحدثني عبد الملك بن مسلم بن سلام بن ثمامة الحنفي عن حكيم بن سعد قال ما هو إلا
64

أن لقينا أهل البصرة فما لبثناهم فكأنما قيل لهم موتوا فماتوا قبل أن تشتد شوكتهم
وتعظم نكايتهم * قال أبو مخنف فحدثني أبو جناب إن أيوب أتى عليا فقال يا أمير
المؤمنين قتلت زيد بن حصين قال فما قلت له وما قال لك قال طعنته بالرمح في صدره
حتى نجم من ظهره قال وقلت له أبشر يا عدو الله بالنار قال ستعلم أينا أولى بها صليا
فسكت على عليها * قال أبو مخنف عن أبي جناب إن عليا قال له هو أولى لها
صليا قال وجاء عائذ بن حملة التميمي فقال يا أمير المؤمنين قتلت كلابا قال أحسنت
أنت محق قتلت مبطلا وجاء هانئ بن خطاب الأرحبي وزياد بن خصفة يحتجان
في قتل عبد الله بن وهب الراسبي فقال لهما كيف صنعتما فقالا يا أمير المؤمنين لما
رأيناه عرفناه وابتدرناه فطعناه برمحينا فقال على لا تختلفا كلا كما قاتل وشد
جيش بن ربيعة أبو المعتمر الكناني على حرقوص بن زهير فقتله وشد عبد الله
ابن زحر الخولاني على عبد الله بن شجرة السلمي فقتله ووقع شريح بن أوفى
إلى جانب جدار فقاتل على ثلمة فيه طويلا من نهار وكان قتل ثلاثة من همدان
فأخذ يرتجز ويقول
قد علمت جارية عبسية * ناعمة في أهلها مكفيه
أنى سأحمى ثلمتي العشيه
فشد عليه قيس بن معاوية الدهني فقطع رجله فجعل يقاتلهم ويقول
القرم يحمى شوله معقولا
ثم شد عليه قيس بن معاوية فقتله فقال الناس
اقتتلت همدان يوما ورجل * اقتتلوا من غدوة حتى الأصل
ففتح الله لهمدان الرجل
وقال شريح
أضربهم ولو أرى أبا حسن * ضربته بالسيف حتى يطمئن
وقال: أضربهم ولو أرى عليا * ألبسته أبيض مشرفيا
قال أبو مخنف حدثني عبد الملك بن أبي حرة أن عليا خرج في طلب ذي الثدية
65

ومعه سليمان بن ثمامة الحنفي أبو جبرة والريان بن صبرة بن هوذة فوجده الريان
ابن صبرة بن هوذة في حفرة على شاطئ النهر في أربعين أو خمسين قتيلا قال فلما
استخرج نظر إلى عضده فإذا لحم مجتمع على منكبه كثدي المرأة له حلمة عليها شعرات
سود فإذا مدت امتدت حتى تحاذى طول يده الأخرى ثم تترك فتعود إلى منكبه كثدي
المرأة فلما استخرج قال على الله أكبر والله ما كذبت ولا كذبت أما والله لولا
أن تنكلوا عن العمل لأخبرتكم بما قضى الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم
لمن قاتلهم مستبصرا في قتالهم عارفا للحق الذي نحن عليه قال ثم مر وهم صرعى
فقال بؤسا لكم لقد ضركم من غركم فقالوا يا أمير المؤمنين من غرهم قال الشيطان
وأ نفس بالسوء أمارة غرتهم بالآماني وزينت لهم المعاصي ونبأتهم انهم ظاهرون
قال وطلب من به رمق منهم فوجدناهم أربعمائة رجل فأمر بهم على فدفعوا إلى
عشائرهم وقال احملوهم معكم فداووهم فإذا برؤا فوافوا بهم الكوفة وخذوا ما في
عسكرهم من شئ قال وأما السلاح والدواب وما شهدوا به عليه الحرب فقسمه
بين المسلمين وأما المتاع والعبيد والإماء فإنه حين قدم رده على أهله وطلب
عدى بن حاتم ابنه طرفة فوجده فدفنه ثم قال الحمد لله الذي ابتلاني بيومك على
حاجتي إليك ودفن رجال من الناس قتلاهم فقال أمير المؤمنين حين بلغه ذلك
ارتحلوا إذا أتقتلونهم ثم تدفنونهم فارتحل الناس * قال أبو مخنف عن مجاهد عن
المحل بن خليفة أن رجلا منهم من بنى سيدوس يقال له العيرار بن الأخنس كان
يرى رأى الخوارج إليهم فاستقبل وراء المدائن عدى بن حاتم ومعه الأسود بن
قيس والأسود بن يزيد المراديان فقال له العيزار حين استقبله أسالم غانم أم ظالم
آثم فقال عدى لا بل سالم غانم فقال له المراديان ما قلت هذا إلا لشر في نفسك
وإنك لنعرفك يا عيزار برأي القوم فلا تفارقنا حتى نذهب بك إلى أمير المؤمنين
فنخبره خبرك فلم يكن بأوشك أن جاء على فأخبراه خبره وقالا يا أمير المؤمنين
إنه يرى رأى القوم قد عرفناه بذلك فقال ما يحل لنادمه ولكنا نحبسه فقال عدى
ابن حاتم يا أمير المؤمنين ادفعه إلى وأنا أضمن أن لا يأتيك من قبله مكروه
66

فدفعه إليه * قال أبو مخنف حدثني عمران بن حدير عن أبي مجلز عن عبد الرحمن
ابن جندب بن عبد الله إنه لم يقتل من أصحاب على إلا سبعة * قال أبو مخنف عن
نمير بن وعلة الساعي عن أبي درداء قال كان على لما فرغ من أهل النهروان حمد الله
وأثنى عليه ثم قال إن الله قد أحسن بكم وأعز نصركم فتوجهوا من فوركم هذا
إلى عدوكم قالوا يا أمير المؤمنين نفدت نبالنا وكلت سيوفنا ونصلت أسنة رماحنا
وعاد أكثرها قصدا فارجع إلى مصرنا فلنستعد بأحسن عدتنا ولعل أمير المؤمنين
يزيد في عدتنا عدة من هلك منا فإنه أوفى لنا على عدونا وكان الذي تولى ذلك
الكلام الأشعث بن قيس فأقبل حتى نزل النخيلة فأمر الناس أن يلزموا عسكرهم
ويوطنوا على الجهاد أنفسهم وأن يقلوا زيارة نسائهم وأبنائهم حتى يسيروا إلى
عدوهم فأقاموا فيه أياما ثم تسللوا من معسكرهم فدخلوا الا رجالا من وجوه
الناس قليلا وترك العسكر خاليا فلما رأى ذلك دخل الكوفة وانكسر عليه رأيه
في المسير * قال أبو مخنف عمن ذكره عن زيد بن وهب أن عليا قال للناس وهو
أول كلام قال لهم بعد النهر أيها الناس استعدوا للمسير إلى عدو في جهاده القربة
إلى الله ودرك الوسيلة عنده حيارى في الحق جفاة عن الكتاب نكب عن الدين
يعمهون في الطغيان ويعكسون في غمرة الكلال فأعدوا لهم ما استطعتم من قوة
ومن رباط الخيل وتوكلوا على الله وكفى بالله وكيلا وكفى بالله نصيرا قال فلاهم
نفروا ولا تيسروا فتركهم أياما حتى إذا أيس من أن يفللوا دعا رؤساءهم
ووجوههم فسألهم عن رأيهم وما الذي ينظرهم فمنهم المعتل ومنهم المكره وأقلهم
من نشط فقام فيهم خطيبا فقال عباد الله ما لكم إذا أمرتكم أن تنفروا اثاقلتم إلى
الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة وبالذل والهوان من العز أو كلما ندبتكم
إلى الجهاد دارت أعينكم كأنكم من الموت في سكرة وكأن قلوبكم مألوسة فأنتم
لا تعقلون وكأن أبصاركم كمه فأنتم لا تبصرون لله أنتم ما أنتم إلا أسود الشرى في
الدعة وثعالب رواغة حين تدعون إلى البأس ما أنتم لي بثقة سجيس الليالي ما أنتم
يركب يصال بكم ولاذي عز يعتصم إليه لعمر الله لبئس حشاش الحرب أنتم انكم
67

تكادون ولا تكيدون ويتنقص أطرافكم ولا تتحاشون ولا ينام عنكم
وأنتم في غفلة ساهون ان أخا الحرب اليقظان ذو عقل وبات لذل من وادع وغلب
المتجادلون والمغلوب مقهور ومسلوب ثم قال أما بعد فان لي عليكم حقا وان لكم
على حقا فأما حقكم على فالنصيحة لكم ما صحبتكم وتوفير فيئكم عليكم وتعليمكم
كيما لا تجهلوا وتأديبكم كي تعلموا وأما حقي عليكم فالوفاء بالبيعة والنصح لي في
الغيب والمشهد والاجابة حين أدعوكم والطاعة حين آمركم فان يرد الله بكم خيرا
انتزعوا عما أكره وتراجعوا إلى ما أحب تنالوا ما تطلبون وتدركوا ما تأملون *
وكان غير أبى مخنف يقول كانت الوقعة بين على وأهل النهر سنة 38 وهذا القول
عليه أكثر أهل السير * ومما يصححه أيضا ما حدثني به عمارة الأسدي قال حدثنا
عبيد الله بن موسى قال أخبرنا نعيم قال حدثني أبو مريم أن شبث بن ربعي وابن
الكواء خرجا من الكوفة إلى حروراء فأمر على الناس أن يخرجوا بسلاحهم
فخرجوا إلى المسجد حتى امتلا بهم فأرسل إليهم بئس ما صنعتم حين تدخلون
المسجد بسلاحكم اذهبوا إلى جبانة مراد حتى يأتيكم أمري قال أبو مريم
فانطلقنا إلى جبانة مراد فكنا بها ساعة من نهار ثم بلغنا أن القوم قد رجعوا وهم
زاحفون قال فقلت أنطلق أنا حتى أنظر إليهم فانطلقت حتى أتخلل صفوفهم حتى
انتهيت إلى شبث بن ربعي وابن الكواء وهما واقفان متوركان على دابتيهما وعندهما
رسل على وهم يناشدونهما الله لما رجعا بالناس ويقولون لهم نعيذكم بالله أن تعجلوا
بفتنة العام خشية عام قابل فقام رجل إلى بعض رسل على فعقر دابته فنزل الرجل
وهو يسترجع فحمل سرجه فانطلق به وهم يقولون ما طلبنا إلا منابذتهم وهم
يناشدونهم الله فمكنا ساعة ثم انصرفوا إلى الكوفة كأنه يوم فطر أو أضحى قال
وكان على يحدثنا قبل ذلك أن قوما يخرجون من الاسلام يمرقون من الدين كما
يمرق السهم من الرمية علامتهم رجل محدج اليد قال وسمعت ذلك منه مرارا كثيرة
قال وسمعه نافع المخدج أيضا حتى رأيته يتكره طعامه من كثرة ما سمعه يقول وكان
نافع معنا يصلى في المسجد بالنهار ويبيت فيه بالليل وقد كنت كسوته برنسا فلقيته
68

من الغد فسألته هل كان خرج مع الناس الذين خرجوا إلى حروراء فقال خرجت
أريدهم حتى إذا بلغت إلى بنى سعد لقيني صبيان فنزعوا سلاحي وتلعبوا بي فرجعت
حتى إذا كان الحول أو نحوه خرج أهل النهر وسار على إليهم فلم أخرج معه وخرج
أخي أبو عبد الله قال فأخبرني أبو عبد الله أن عليا سار إليهم حتى إذا كان حذاءهم
على شط النهروان أرسل إليهم يناشدهم الله ويأمرهم أن يرجعوا فلم تزل رسله
تختلف إليهم حتى قتلوا رسوله فلما رأى ذلك نهض إليهم فقاتلهم حتى فرغ منهم
ثم أمر أصحابه أن يلتمسوا المخدج فالتمسوه فقال بعضهم ما نجده حتى قال بعضهم
لا ما هو فيهم ثم إنه جاء رجل فبشره وقال يا أمير المؤمنين قد وجدناه تحت قتيلين
في ساقية فقال اقطعوا يده المخدجة وأتوني بها فلما أتى بها أخذها ثم رفعها وقال
والله ما كذبت ولا كذبت (قال أبو جعفر) فقد أنبأ أبو مريم بقوله فرجعت حتى إذا
كان الحول أو نحوه خرج أهل النهر أن الحرب التي كانت بين على وأهل حروراء كانت
في السنة التي بعد السنة التي كان فيها إنكار أهل حروراء على على التحكيم وكان
ابتداء ذلك في سنة 37 على ما قد ثبت قبل وإذا كان كذلك وكان الامر على ما روينا
من الخبر عن أبي مريم كان معلوما أن الوقعة كانت بينه وبينهم في سنة 38 وذكر
علي بن محمد عن عبد الله بن ميمون عن عمرو بن شجيرة عن جابر عن الشعبي قال
بعث على بعد ما رجع من صفين جعدة بن هبيرة المخزومي وأم جعدة أم هانئ
بنت أبي طالب إلى خراسان فانتهى إلى أبرشهر وقد كفروا وامتنعوا فقدم على على
فبعث خليد بن قرة اليربوعي فحاصر أهل نيسابور حتى صالحوه وصالحه أهل مرو
(وحج) بالناس في هذه السنة أعنى سنة 37 عبد الله بن عباس وكان عامل على
على اليمن ومحاليفها وكان على مكة والطائف قثم بن العباس وعلى المدينة سهل بن
حنيف الأنصاري وقيل كان عليها تمام بن العباس وكان على البصرة عبد الله بن
العباس وعلى قضائها أبو الأسود الدؤلي وعلى مصر محمد بن أبي بكر وعلى خراسان
خليد بن قرة اليربوعي وقيل أن عليا لما شخص إلى صفين استخلف على الكوفة
أبا مسعود الأنصاري * حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي قال حدثنا عبد الله بن
69

إدريس قال سمعت ليثا ذكر عن عبد العزيز بن رفيع أنه لما خرج على إلى صفين
استخلف على الكوفة أبا مسعود الأنصاري عقبة بن عمرو وأما الشام فكان بها
معاوية بن أبي سفيان
ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين
ذكر ما كان فيها من الاحداث
فما كان فيها مقتل محمد بن أبي بكر بمصر وهو عامل عليها وقد ذكرنا سبب تولية
على إياه مصر وعزل قيس بن سعد عنها ونذكر الآن سبب قتله وأين قتل وكيف
كان أمره ونبدأ بذكر من تتمة حديث الزهري الذي قد ذكرنا أوله قبل وذلك
ما حدثنا عبد الله عن يونس عن الزهري قال لما حدث قيس بن سعد بمجئ محمد
ابن أبي بكر وأنه قادم عليه أميرا تلقاه وخلا به وناجاه فقال إنك جئت من عند امرئ
لا رأى له وليس عزلكم إياي بمانعي أن أنصح لكم وأنا من أمركم هذا على بصيرة
وإني في ذلك على الذي كنت أكايد به معاوية وعمرا وأهل الشام خربتا فكايدهم
به فإنك إن تكايدهم بغيره تهلك ووصف قيس بن سعد المكايدة التي كان يكايدهم
بها واغتشه محمد بن أبي بكر وخالف كل شئ أمره به فلما قدم محمد بن أبي بكر وخرج
قيس قبل المدينة بعث محمد أهل مصر إلى خربتا فاقتتلوا فهزم محمد بن أبي بكر فبلغ ذلك
معاوية وعمرا فسارا بأهل الشام حتى افتتحا مصر وقتلا محمد بن أبي بكر ولم تزل
في حيز معاوية حتى ظهر وقدم قيس بن سعد المدينة فأخافه مروان والاوسود بن أبي
البختري حتى إذا خاف أن يؤخذ أو يقتل ركب راحلته وظهر إلى علي فكتب معاوية
إلى مروان والأسود يتغيظ عليهما ويقول أمددتما عليا بقيس بن سعد ورأيه ومكايدته
فوالله لو أنكما أمددتماه بمائة ألف مقاتل ما كان بأغيظ إلى من إخراجكما قيس
ابن سعد إلى علي فقدم قيس بن سعد على على فلما باثه الحديث وجاءهم قتل محمد بن أبي
بكر عرف أن قيس بن سعد كان يوازى أمورا عظاما من المكايدة وأن من
كان يشير عليه بعزل قيس بن سعد لم ينصح له * وأما ما قال في ابتداء أمر محمد
70

ابن أبي بكر في مصيره إلى مصر وولايته إياها أبو مخنف فقد تقدم ذكرنا له
ونذكر الآن بقية خبره في روايته ما روى من ذلك عن يزيد بن ظبيان الهمداني
قال ولما قتل أهل خربتا ابن مضاهم الكلبي الذي وجهه إليهم محمد بن أبي بكر
خرج معاوية بن حديج الكندي ثم السكوني فدعا إلى الطلب بدم عثمان فأجابه
ناس آخرون وفسدت مصر على محمد بن أبي بكر فبلغ عليا وثوب أهل مصر على
محمد بن أبي بكر واعتمادهم إياه فقال ما لمصر الا أحد الرجلين صاحبنا الذي عزلناه
عنها يعنى قيسا أو مالك بن الحارث يعنى الأشتر قال وكان على حين انصرف من
صفين رد الأشتر على عمله بالجزيرة وقد كان قال لقيس بن سعد أقم معي على شرطتي
حتى نفرغ من أمر هذه الحكومة ثم اخراج إلى آذربيجان فان قيسا مقيم مع علي
على شرطته فلما انقضى أمر الحكومة كتب على إلى مالك بن الحارث الأشتر وهو
يومئذ بنصيبين أما بعد فإنك ممن استظهرته على إقامة الدين وأقمع به نخوة الأثيم
وأشد به الثغر المخوف وكنت وليت محمد بن أبي بكر مصر فخرجت عليه بها خوارج
وهو غلام حدث ليس بذى تجربة للحرب ولا بمجرب للأشياء فاقدم على للنظر
في ذلك فيما ينبغي واستخلف على عملك أهل الثقة والنصيحة من أصحابك والسلام
فأقبل مالك إلى علي حتى دخل عليه فحدثه حديث أهل مصر وخبره خبر أهلها
وقال ليس لها غيرك اخرج رحمك الله فانى إن لم أوصك اكتفيت برأيك
واستعن بالله على ما أهمك فاخلط الشدة باللبن وارفق ما كان الرفق أبلغ واعتزم
بالشدة حين لا يغنى عنك إلا الشدة قال فخرج الأشتر من عند على فأتى رحله
فتهيأ للخروج إلى مصر وأتت معاوية عيونه فأخبروه بولاية على الأشتر فعظم
ذلك عليه وقد كان طمع في مصر فعلم أن الأشتر إن قدمها كان أشد عليه من محمد
ابن أبي بكر فبعث معاوية إلى الجايستار رجل من أهل الخراج فقال له ان الأشتر
قد ولى مصر فان أنت كفيتنيه لم آخذ منك خراجا ما بقيت فاحتل له بما قدرت
عليه فخرج الجايستار حتى أتى القلزم وأقام به وخرج الأشتر من العراق إلى مصر
فلما انتهى إلى القلزم استقبله الجايستار فقال هذا منزل وهذا طعام وعلف
71

وأنا رجل من أهل الخراج فنزل به الأشتر فأتاه الدهقان بعلف وطعام حتى إذا
طعم أتاه بشربة من عسل قد جعل فيها سما فسقاه إياه فلما شربها مات وأقبل
معاوية يقول لأهل الشأم ان عليا وجه الأشتر إلى مصرفا فادعوا الله أن يكفيكموه
قال فكانوا كل يوم يدعون الله على الأشتر وأقبل الذي سقاه إلى معاوية فأخبره بمهلك
الأشتر فقام معاوية في الناس خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وقال أما بعد فإنه كانت لعلى
ابن أبي طالب يدان يمينان قطعت إحداهما يوم صفين يعنى عمار بن ياسر وقطعت
الأخرى اليوم يعنى الأشتر * قال أبو مخنف حدثني فضيل بن خديج عن مولى للأشتر
قال لما هلك الأشتر وجدنا في ثقله رسالة على إلى أهل مصر بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد الله على أمير المؤمنين إلى أمة المسلمين الذين غضبوا لله حين عصى في الأرض
وضرب الجور بأرواقه على البر والفاجر فلا حق يستراح إليه ولا منكر يتناهى
عنه سلام عليكم فإني أحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو أما بعد فقد بعثت إليكم
عبدا من عبيد الله لا ينام أيام الخوف ولا ينكل عن الأعادي حذار الدوائر أشد
على الكفار من حريق النار وهو مالك بن الحارث أخو مذحج فاسمعوا له وأطيعوا
فإنه سيف من سيوف الله لا نابى الضريبة ولا كليل الحد فإن أمركم أن تقدموا
فأقدموا وان أمركم أن تنفروا فانفرو افانه لا يقدم ولا يحجم الا بأمري وقد آثرتكم
به على نفسي لنصحه لكم وشدة شكيمته على عدوكم عصمكم الله بالهدى وثبتكم
على اليقين والسلام. قال ولما بلغ محمد بن أبي بكر أن عليا قد بعث الأشتر شق عليه
فكتب على إلى محمد بن أبي بكر عند مهلك الأشتر وذلك حين بلغه موجدة محمد
ابن أبي بكر لقدوم الأشتر عليه بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله على أمير المؤمنين
إلى محمد بن أبي بكر سلام عليك أما بعد فقد بلغني موجدتك من تسريحي الأشتر
إلى عملك وإني لم أفعل ذلك استبطاء لك في الجهاد ولا ازديادا منى لك في الجد ولو
نزعت ما تحت يدك من سلطانك لوليتك ما هو أيسر عليك في المؤنة وأعجب إليك
ولاية منه إن الرجل الذي كنت وليته مصر كان لنا نصيحا وعلى عدونا شديدا
وقد استكمل أيامه ولاقى حمامه ونحن عنه راضون فرضى الله عنه وضاعف له
72

الثواب وأحسن له المآب اصبر لعدوك وشمر للحرب وادع إلى سبيل ربك
بالحكمة والموعظة الحسنة وأكثر ذكر الله والاستعانة به والخوف منه يكفك
ما أهمك ويعنك على ما ولاك أعاننا الله وإياك على ما لا ينال الا برحمته والسلام
عليك فكتب إليه محمد بن أبي بكر جواب كتابه بسم الله الرحمن الرحيم لعبد الله على
أمير المؤمنين من محمد بن أبي بكر سلام عليك فإني أحمد الله إليك الذي لا إله غيره أما
بعد فإني قد انتهى إلى كتاب أمير المؤمنين ففهمته وعرفت ما فيه وليس أحد من
الناس بأرضى منى برأي أمير المؤمنين ولا أجهد على عدوه ولا أرأف بوليه منى وقد
خرجت فعسكرت وآمنت الناس إلا من نصب لنا حربا وأظهر لنا خلافا وأنا متبع أمر
أمير المؤمنين وحافظه وملتجي إليه وقائم به والله المستعان على كل حال والسلام عليك *
قال أبو مخنف حدثني أبو جهضم الأزدي رجل من أهل الشأم عن عبد الله بن حوالة
الأزدي أن أهل الشأم لما انصرفوا من صفين كانوا ينتظرون ما يأتي به الحكمان فلما
انصرفا وتفرقا بايع أهل الشأم معاوية بالخلافة ولم يزدد الا قوة واختلف الناس بالعراق
على على فما كان لمعاوية هم إلا مصر وكان لأهلها هائبا خائفا لقربهم منه وشدتهم على من
كان على رأى عثمان وقد كان على ذلك علم أن بها قوما قد ساءهم قتل عثمان وخالفوا
عليا وكان معاوية يرجو أن يكون إذا ظهر عليها ظهر على حرب على لعظم خراجها
قال فدعا معاوية من كان معه من قريش عمرو بن العاص وحبيب بن مسلمة
وبسر بن أبي أرطاة والضحاك بن قيس وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد ومن
غيرهم أبا الأعور عمرو بن سفيان السلمي وحمزة بن مالك الهمداني وشرحبيل
ابن السمط الكندي فقال لهم أتدرون لم دعوتكم انى قد دعوتكم لأمر مهم أحب
أن يكون الله قد أعان عليه فقال القوم كلهم أو من قال منهم ان الله لم يطلع على
الغيب أحدا وما يدرينا ما تريد فقال عمرو بن العاص أرى والله أمر هذه البلاد
الكثير خراجها والكثير عددها وعدد أهلها أهمك أمرها فدعوتنا إذا لتسألنا
عن رأينا في ذلك فان كنت لذلك دعوتنا وله جمعتنا فاعزم وأقدم ونعم الرأي
رأيت ففي افتتاحها عزك وعز أصحابك وكبت عدوك وذل أهل الخلاف عليك
73

قال له معاوية مجيبا أهمك يا ابن العاص ما أهمك وذلك لان عمرو بن العاص
كان صالح معاوية حين بايعه على قتال علي بن أبي طالب على أن له مصر طعمة
ما بقى فأقبل معاوية على أصحابه فقال إن هذا يعنى عمرا قد ظن ثم حقق ظنه
قالوا له لكنا لا ندري قال معاوية فان أبا عبد الله قد أصاب قال عمرو وأنا
أبو عبد الله قال إن أفضل الظنون ما أشبه اليقين ثم إن معاوية حمد الله
وأثنى عليه ثم قال أما بعد فقد رأيتم كيف صنع الله بكم في حربكم عدوكم
جاؤكم وهم لا يرون الا انهم سيقيضون بيضتكم ويخربون بلادكم ما كانوا
يرون ألا أنكم في أيديهم فردهم الله بغيظهم لم ينالوا خيرا مما أحبوا وحاكمناهم
إلى الله فحكم لنا عليهم ثم جمع لنا كلمتنا وأصلح ذات بيننا وجعلهم أعداء متفرقين
يشهد بعضهم على بعض بالكفر ويسفك بعضهم دم بعض والله انى لأرجو ان يتم لنا
هذا الامر وقد رأيت أن تحاول أهل مصر فكيف ترون ارتئاء نالها فقال عمرو
قد أخبرتك عما سألتني عنه وقد أشرت عليك بما سمعت فقال معاوية إن عمرا
قد عزم وصرم ولم يفسر فكيف لي أن أصنع قال له عمرو فإني أشير عليك كيف
تصنع أرى أن تبعث جيشا كثيفا عليهم رجل حازم صارم تأمنه وتثق به فيأتي
مصر حتى يدخلها فإنه سيأتيه من كان من أهلها على رأينا فيظاهره على من بها من
عدونا فإذا اجتمع بها جندك ومن بها من شيعتك على من بها من أهل حربك رجوت
أن يعين الله بنصرك ويظهر فلجك قال له معاوية هل عندك شئ دون هذا يعمل
به فيما بيننا وبينهم قال ما أعلمه قال بلى فإن غير هذا عندي أرى أن نكاتب من بها من
شيعتنا ومن بها من أهل عدونا فأما شيعتنا فأمرهم بالثبات على أمرهم ثم أمنيهم قدومنا
عليهم وأما من بها من عدونا فندعوهم إلى صلحنا ونمنيهم شكرنا ونخوفهم حربنا فان
صلح لنا ما قبلهم بغير قتال فذاك ما أحببنا وإلا كان حربهم من وراء ذلك كله انك
يا ابن العاص امرؤ بورك لك في العجلة وأنا امرؤ بورك لي في التؤدة قال فاعمل بما
أراك الله فوالله ما أرى أمرك وأمرهم يصير إلا إلى الحرب العوان قال فكتب
معاوية عند ذلك إلى مسلمة بن مخلد الأنصاري والى معاوية بن خديج الكندي
74

وكانا قد خالفا عليا بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإن الله قد ابتعثكما لأمر عظيم
أعظم به أجركما ورفع به ذكركما وزينكما به في المسلمين طلبكما بدم الخليفة المظلوم
وغضبكما لله إذ ترك حكم الكتاب وجاهدتما أهل البغى والعدوان فأبشروا
برضوان الله وعاجل نصر أولياء الله والمواساة لكما في الدنيا وسلطاننا حتى ينتهى
في ذلك ما يرضيكما ونؤدي به حقكما إلى ما يصير أمركما إليه فاصبروا وصابروا
عدوكما وادعوا المدبر إلى هداكما وحفظكما فإن الجيش قد أضل عليكما فانقشع
كل ما تكرهان وكان كل ما تهويان والسلام عليكما وكتب هذا الكتاب وبعث به
مع مولى له يقال له سبيع فخرج الرسول بكتابه حتى قدم عليهما مصر ومحمد بن أبي
بكر أميرها وقد ناصب هؤلاء الحرب بها وهو غير متخون بها يوم الاقدام
عليه فدفع كتابه إلى مسلمة بن مخلد وكتاب معاوية بن حديج فقال مسلمة امض
بكتاب معاوية إليه حتى يقرأه ثم القنى به حتى أجيبه عنى وعنه فانطلق الرسول
بكتاب معاوية بن خديج إليه فأقرأه إياه فلما قرأه قال إن مسلمة بن مخلد قد أمرني
أن أرد إليه الكتاب إذا قرأته لكي يجيب معاوية عنك وعنه قال قل له فليفعل
ودفع إليه الكتاب فأتاه ثم كتب مسلمة عن نفسه وعن معاوية بن خديج أما بعد
فإن هذا الامر الذي بذلنا له أنفسنا واتبعنا أمر الله فيه أمر نرجو به ثواب ربنا
والنصر ممن خالفنا وتعجيل النقمة لمن سعى على امامنا وطأطأ الركض في جهادنا
ونحن بهذا الحيز من الأرض قد نفينا من كان به من أهل البغى وأنهضنا من كان
به من أهل القسط والعدل وقد ذكرت المواساة في سلطانك ودنياك وبالله إن
ذلك لأمر ماله نهضنا ولا إياه أردنا فإن يجمع الله لنا ما نطلب ويؤتنا ما تمنينا فإن
الدنيا والآخرة لله رب العالمين وقد يؤتيهما الله معا عالما من خلقه كما قال في كتابه
ولا خلف لموعوده قال (فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب
المحسنين) عجل علينا خيلك ورجلك فإن عدونا قد كان علينا حربا وكنا فيهم قليلا
فقد أصبحوا لنا هائبين وأصبحنا لهم مقرنين فإن يأتنا الله بمدد من قبلك يفتح
الله عليكم ولا حول ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله ونعم الوكيل والسلام عليك
75

قال فجاءه هذا الكتاب وهو يومئذ بفلسطين فدعا النفر الذين سماهم في الكتاب
فقال ماذا ترون قالوا الرأي أن تبعث جندا من قبلك فإنك تفتتحها بإذن الله
قال معاوية فتجهز يا أبا عبد الله إليها يعنى عمرو بن العاص قال فبعثه في ستة آلاف
رجل وخرج معاوية وودعه وقال له عند وداعه إياه أوصيك يا عمرو بتقوى الله
والرفق فإنه يمن وبالمهل والتؤدة فإن العجلة من الشيطان وبأن تقبل ممن أقبل
وأن تعفو عمن أدبر فإن قبل فنها ونعمت وإن أبى فإن السطوة بعد المعذرة أبلغ
في الحجة وأحسن في العاقبة وادع الناس إلى الصلح والجماعة فإذا أنت ظهرت
فليكن أنصارك آثر الناس عندك وكل الناس فأول حسنا قال فخرج عمرو يسير
حتى نزل أداني أرض مصر فاجتمعت العثمانية إليه فأقام بهم وكتب إلى محمد بن أبي
بكر أما بعد فتنح عنى بدمك يا ابن أبي بكر فإني لا أحب أن يصيبك منى ظفر
إن الناس بهذه البلاد قد اجتمعوا على خلافك ورفض أمرك وندموا على اتباعك
فهم مسلموك لو قد التقت حلقتا البطان فاخرج منها فإني لك من الناصحين والسلام
وبعث إليه عمرو أيضا بكتاب معاوية إليه أما بعد فإن غب البغى والظلم عظيم
الوبال وإن سفك الدم الحرام لا يسلم صاحبه من النقمة في الدنيا ومن التبعة
الموبقة في الآخرة وإنا لا نعلم أحدا كان أعظم على عثمان بغيا ولا أسوأ له عيبا
ولا أشد عليه خلافا منك سعيت عليه في الساعين وسفكت دمه في السافكين
ثم أنت تظن أنى عنك نائم أو ناس لك حتى تأتى فتأمر على بلاد أنت فيها جارى
وجل أهلها أنصاري يرون رأيي ويرقبون قولي ويستصرخوني عليك وقد بعثت
إليك قوما حناقا عليك يستسقون دمك ويتقربون إلى الله بجهادك وقد أعطوا
الله عهدا ليمثلن بك ولو لم يكن منهم إليك ما عدا قتلك ما حذرتك ولا أنذرتك
ولأحببت أن يقتلوك بظلمك وقطيعتك وعدوك على عثمان يوم يطعن بمشاقصك
بين خششائه وأوداجه ولكن أكره أن أمثل بقرشي ولن يسلمك الله من القصاص
أبدا؟ أينما كنت والسلام قال فطوى محمد كتابيهما وبعث بهما إلى علي وكتب معهما
أما بعد فإن ابن العاص قد نزل أداني أرض مصر واجتمع إليه أهل البلد جلهم
76

ممن كان يرى رأيهم وقد جاء في جيش لجب خراب وقد رأيت ممن قبلي بعض
الفشل فإن كان لك في أرض مصر حاجة فأمدني بالرجال والأموال والسلام
عليك فكتب إليه على أما بعد فقد جاءني كتابك تذكر ان بن العاص قد نزل
بأداني أرض مصر في لجب من جيشه خراب وأن من كان بها على مثل رأيه قد
خرج إليه وخروج من يرى رأيه إليه خير لك من إقامتهم عندك وذكرت أنك
قد رأيت في بعض ممن قبلك فشلا فلا تفشل وإن فشلوا حصن قريتك واضمم إليك
شيعتك واندب إلى القوم كنانة بن بشر المعروف بالنصيحة والنجدة والبأس
فإني نادب إليك النابغي على الصعب والذلول فاصبر لعدوك وامض على بصيرتك
وقاتلهم على نيتك وجاهدهم صابرا محتسبا وإن كانت فئتك أقل الفئتين فإن الله قد يعز
القليل ويخذل الكثير وقد قرأت كتاب الفاجر بن الفاجر معاوية والفاجر بن الكافر
م مرو والمتحابين في عمل المعصية والمتوافقين المرتفين في الحكومة المنكرين في الدنيا
قد استمتعوا بخلاقهم كما استمتع الذين من قبلهم بخلاقهم فلا يهلك ارعادهما وابراقهما
وأجبهما إن كنت لم تجبهما بما هما أهله فإنك تجد مقالا ما شئت والسلام
قال أبو مخنف فحدثني محمد بن يوسف بن ثابت الأنصاري عن شيخ من أهل المدينة
قال كتب محمد بن أبي بكر إلى معاوية بن أبي سفيان جواب كتابه أما بعد فقد أتاني
كتابك تذكرني من أمر عثمان أمرا لا أعتذر إليك منه وتأمرني بالتنحي عنك
كأنك لي ناصح وتخوفني المثلة كأنك شفيق وأنا أرجو أن تكون لي الداثرة
عليكم فأجتاحكم في الوقعة وإن تؤتوا النصر ويكن لكم الامر في الدنيا فكم
لعمري من ظالم قد نصرتم وكم من مؤمن قد قتلتم ومثلتم به وإلى الله مصيركم ومصيرهم
وإلى الله مرد الأمور وهو أرحم الراحمين والله المستعان على ما تصفون والسلام
وكتب محمد إلى عمرو بن العاص أما بعد فقد فهمت ما ذكرت في كتابك يا ابن العاص
زعمت أنك تكره أن يصيبني منك ظفر وأشهد أنك من المبطلين وتزعم أنك لي
نصيح وأقسم أنك عندي ظنين وتزعم أن أهل البلد قد رفضوا رأيي وأمري
وندموا على اتباعي فأولئك لك وللشيطان الرجيم أولياء فحسبنا الله رب العالمين
77

وتوكلنا على الله رب العرش العظيم والسلام * قال أقبل عمرو بن العاص حتى قصد
مصر فقام محمد بن أبي بكر في الناس فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله ثم قال
أما بعد معاشر المسلمين والمؤمنين فان القوم الذين كانوا ينتهكون الحرمة وينعشون
الضلال ويشبون نار الفتنة ويتسلطون بالجبرية قد نصبوا لكم العداوة وساروا
إليكم بالجنود عباد الله فمن أراد الجنة والمغفرة فليخرج إلى هؤلاء القوم فليجاهدهم
في الله انتدبوا إلى هؤلاء القوم رحمكم الله مع كنانة بن بشر قال فانتدب معه نحو
من ألفى رجل وخرج محمد في ألفى رجل واستقبل عمرو بن العاص كنانة وهو على
مقدمة محمد فأقبل عمرو نحو كنانة فلما دنا من كنانة سرح الكتائب كتيبة بعد كتيبة
فجعل كنانة لا تأتيه كتيبة من كتائب أهل الشام إلا شد عليها بمن معه فيضربها حتى
يقربها بعمرو بن العاص ففعل ذلك مرارا فلما رأى ذلك عمرو بعث إلى معاوية
ابن خديج السكوني فأتاه في مثل الدهم فأحاط بكنانة وأصحابه واجتمع أهل الشأم
عليهم من كل جانب فلما رأى ذلك كنانة بن بشر نزل عن فرسه ونزل أصحابه وكنانة
يقول وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا
نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين فضاربهم بسيفه
حتى استشهد رحمه الله وأقبل عمرو بن العاص نحو محمد بن أبي بكر وقد تفرق عنه
أصحابه لما بلغهم قتل كنانة حتى بقى وما معه أحد من أصحابه فلما رأى ذلك محمد
خرج يمشى في الطريق حتى انتهى إلى خربة في ناحية الطريق فأوى إليها وجاء
عمرو بن العاص حتى دخل الفسطاط وخرج معاوية بن حديج في طلب محمد حتى
انتهى إلى علوج في قارعة الطريق فسألهم هل مر بكم أحد تنكرونه فقال أحدهم
لا والله إلا أنى دخلت تلك الخربة فإذا أنا برجل فيها جالس فقال ابن خديج هو
هو ورب الكعبة فانطلقوا يركضون حتى دخلوا عليه فاستخرجوه وقد كاد يموت
عطشا فأقبلوا به نحو فسطاط مصر قال ووثب أخوه عبد الرحمن بن أبي بكر إلى
عمرو بن العاص وكان في جنده فقال أتقتل أخي صبرا ابعث إلى معاوية بن خديج
فانهه فبعث إليه عمرو بن العاص يأمره أن يأتيه بمحمد بن أبي بكر فقال معاوية
78

أكذاك قتلتم كنانة بن بشر وأخلى أنا عن محمد بن أبي بكر هيهات أكفاركم خير
من أولئكم أم لكم براءة في الزبر فقال لهم محمد أسقوني من الماء قال له معاوية بن
حديج لا سقاه الله إن سقاك قطرة أبدا إنكم منعتم عثمان أن يشرب الماء حتى
قتلتموه صانما محرما فتلقاه الله بالرحيق المختوم والله لأقتلنك يا ابن أبي بكر فيسقيك
الله الحميم والغساق قال له محمد يا ابن اليهودية النساجة ليس ذلك إليك وإلى من
ذكرت إنما ذلك إلى الله عز وجل يسقى أولياءه ويظمئ أعداءه أنت وضرباؤك
ومن تولاه أما والله لو كان سيفي في يدي ما بلغتم منى هذا قال له معاوية أتدري
ما أصنع بك أدخلك في جوف حمار ثم أحرقه عليك بالنار فقال له محمد إن فعلتم بي
ذلك فطال ما فعل ذلك بأولياء الله وانى لأجو هذه النار التي تحرقني بها أن يجعلها
الله على بردا وسلاما كما جعلها على خليله إبراهيم وأن يجعلها عليك وعلى أوليائك
كما جعلها على نمرود وأوليائه ان الله يحرقك ومن ذكرته قبل وإمامك يعنى معاوية
وهذا وأشار إلى عمرو بن العاص بنار تلظى عليكم كلما خبت زادها الله سعيرا قال له
معاوية انى انما أقتلك بعثمان قال له محمد وما أنت وعثمان إن عثمان عمل بالجور
ونبذ حكم القرآن وقد قال الله تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك
هم الفاسقون) فنقمنا ذلك عليه فقتلناه وحسنت أنت له ذلك ونظراؤك فقد برأنا
الله إن شاء الله من ذنبه وأنت شريكه في إثمه وعظم ذنبه وجاعلك على مثاله قال
فغضب معاوية فقدمه فقتله ثم ألقاه في جيفة حمار ثم أحرقه بالنار فلما بلغ ذلك
عائشة جزعت عليه جزعا شديدا وقنتت عليه في دبر الصلاة تدعو على معاوية
وعمرو ثم قبضت عيال محمد إليها فكان القاسم بن محمد بن أبي بكر في عيالها
(وأما الواقدي) فإنه ذكر لي أن سويد بن عبد العزيز حدثه عن ثابت بن عجلان
عن القاسم بن عبد الرحمن أن عمرو بن العاص خرج في أربعة آلاف فيهم معاوية
ابن حديج وأبو الأعور السلمي فالتقوا بالمسناة فاقتتلوا قتالا شديدا حتى قتل
كنانة بن بشر بن عتاب التجيبي ولم يجد محمد بن أبي بكر مقاتلا فانهزم فاختبأ عند
جبلة بن مسروق فدل عليه معاوية بن حديج فأحاط به فخرج محمد فقاتل حتى قتل
79

(قال الواقدي) وكانت المسناة في صفر سنة 38 وأذرح في شعبان منها في عام واحد
(رجع الحديث إلى حديث أبي مخنف) وكتب عمرو بن العاص إلى معاوية عند
قتله محمد بن أبي بكر وكنانة بن بشر أما يعد فإنا لقينا محمد بن أبي بكر وكنانة بن
بشر في جموع جمة من أهل مصر فدعوناهم إلى الهدى والسنة وحكم الكتاب
فرفضوا الحق وتوركوا في الضلال فجاهدناهم واستنصرنا الله عليهم فضرب الله
وجوههم وأدبارهم ومنحونا أكتافهم فقتل الله محمد بن أبي بكر وكنانة بن بشر
وأماثل القوم والحمد لله رب العالمين والسلام عليك (وفيها) قتل محمد بن أبي
حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس
ذكر الخبر عن مقتله
اختلف أهل السير في وقت مقتله فقال الواقدي قتل في سنة 36 قال وكان
سبب قتله أن معاوية وعمرا سارا إليه وهو بمصر قد ضبطها فنزلا بعين شمس فعالجا
الدخول فلم يقدرا عليه فخدعا محمد بن أبي حذيفة على أن يخرج في ألف رجل إلى
العريش فخرج وخلف الحكم بن الصلت على مصر فلما خرج محمد بن أبي حذيفة
إلى العريش تحصن وجاء عمرو فنصب المجانيق حتى نزل في ثلاثين من أصحابه فأخذوا
فقتلوا قال وذاك قبل أن يبعث على إلى مصر قيس بن سعد * وأما هشام بن محمد
الكلبي فإنه ذكر أن محمد بن أبي حذيفة إنما أخذ بعد أن قتل محمد بن أبي بكر
ودخل عمرو بن العاص مصر وغلب عليها وزعم أن عمرا لما دخل هو وأصحابه مصر
أصابوا محمد بن أبي حذيفة فبعثوا به إلى معاوية وهو بفلسطين فحبسه في سجن له
فمكث فيه غير كثير ثم إنه هرب من السجن وكان ابن خال معاوية فأرى معاوية
الناس أنه قد كره انفلاته فقال لأهل الشأم من يطلبه قال وقد كان معاوية يحب
فيما يرون أن ينجو فقال رجل من خثعم يقال له عبد الله بن عمرو بن ظلام وكان
رجلا شجاعا وكان عثمانيا أنا أطلبه فخرج في حاله حتى لحقه بأرض البلقاء بحوران
وقد دخل في غار هناك فجاءت حمر تدخله وقد أصابها المطر فلما رأت الحمر الرجل
في الغار فزعت فنفرت فقال حصادون كانوا قريبا من الغار والله إن لنفر هذه الحمر
80

من الغار لشأنا فذهبوا لينظروا فإذا هم به فخرجوا ويوافقهم عبد الله بن عمرو بن
ظلام الخثعمي فسألهم عنه ووصفه لهم فقالوا له ها هوذا في الغار قال فجاء حتى
استخرجه وكره أن يرجعه إلى معاوية فيخلى سبيله فضرب عنقه * قال هشام عن أبي
مخنف قال وحدثني الحارث بن كعب بن فقيم عن جندب عن عبد الله بن فقيم
عن الحارث بن كعب. يستصرخ من قبل محمد بن أبي بكر إلى علي ومحمد يومئذ
أميرهم فقام على في الناس وقد أمر فنودي الصلاة جامعة فاجتمع الناس فحمد
الله وأثنى عليه وصلى على محمد صلى الله عليه وسلم ثم قال أما بعد فان هذا صريخ
محمد بن أبي بكر وإخوانكم من أهل مصر قد سار إليهم ابن النابغة عدو الله وولى
من عادى الله فلا يكونن أهل الضلال إلى باطلهم والركون إلى سبيل الطاغوت
أشد اجتماعا منكم على حقكم هذا فإنهم قد بدأوكم وإخوانكم بالغزو فاعجلوا
إليهم بالمؤاساة والنصر عباد الله إن مصر أعظم من الفأم أكثر خيرا وخير
أهلا فلا تغلبوا على مصر فان بقاء مصر في أيديكم عز لكم وكبت لعدوكم
اخرجوا إلى الجرعة بين الحيرة والكوفة فوافوني بها هناك غدا إن شاء الله
قال فلما كان من الغد خرج يمشى فنزلها بكرة فأقام بها حتى انتصف النهار يومه
ذلك فلم يوافه منهم رجل واحد فرجع فلما كان من العشى بعث إلى أشراف الناس
فدخلوا عليه القصر وهو حزين كئيب فقال الحمد لله على ما قضى من أمري
وقدر من فعلى وابتلاني بكم أيتها الفرقة ممن لا يطيع إذا أمرت ولا يجيب
إذا دعوت لا أبا لغيركم ما تنتظرون بصبركم والجهاد على حقكم الموت والذل لكم
في هذه الدنيا على غير الحق فوالله لئن جاء الموت وليأتين ليفرقن بيني وبينكم
وأنا لصحبتكم قال وبكم غير ضنين لله أنتم لا دين يجمعكم ولا حمية تحميكم إذا
أنتم سمعتم بعدوكم يرد بلادكم ويشن الغارة عليكم أوليس عجبا أن معاوية يدعو
الجفاة الطغام فيتبعونه على غير عطاء ولا معونة ويجيبونه في السنة المرتين والثلاث
إلى أي وجه شاء وأنا أدعوكم وأنتم أولو النهى وبقية الناس على المعونة وطائفة
منكم على العطاء فتقومون عنى وتعصونني وتختلفون على فقام إليه مالك بن كعب
81

الهمداني ثم الأرحبي فقال يا أمير المؤمنين اندب الناس فإنه لا عطر بعد عروس
لمثل هذا اليوم كنت أدخر نفسي والاجر لا يأتي إلا بالكرة اتقوا الله وأجيبوا
إمامكم وانصروا دعوته وقاتلوا عدوه أنا أسير إليها يا أمير المؤمنين قال فأمر
على مناديه سعدا فنادى في الناس ألا انتدبوا إلى مصر مع مالك بن كعب ثم إنه
خرج وخرج معه على فنظر فإذا جميع من خرج نحو ألفى رجل فقال سر فوالله
ما إخالك تدرك القوم حتى ينقضى أمرهم قال فخرج بهم فسار خمسا ثم إن الحجاج
ابن غزية الأنصاري ثم النجاري قدم على على من مصر وقدم عبد الرحمن بن
شبيب الفزاري فأما الفزاري فكان عينه بالشام وإما الأنصاري فكان
مع محمد بن أبي بكر فحدثه الأنصاري بما رأى وعاين وبهلاك محمد وحدثه
الفزاري أنه لم يخرج من الشأم حتى قدمت البشراء من قبل عمرو بن العاص تترى
يتبع بعضها بعضا بفتح مصر وقتل محمد بن أبي بكر وحتى أذن بقتله على المنبر وقال
يا أمير المؤمنين قلما رأيت قوما قط أسر ولا سرورا قط أظهر من سرور رأيته
بالشام حين أتاهم هلاك محمد بن أبي بكر فقال على أما إن حزننا عليه على قدر
سرور هم به لا بل يزيد أضعافا قال وسرح على عبد الرحمن بن شريح اليامي إلى
مالك بن كعب فرده من الطريق قال وحزن على على محمد بن أبي بكر حتى رؤى
ذلك في وجهه وتبين فيه وقام في الناس خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وصلى على
رسوله صلى الله عليه وسلم وقال ألا إن مصر قد افتتحها الفجرة أولو الجور
والظلم الذين صدوا عن سبيل الله وبغوا الاسلام عوجا ألا وان محمد بن أبي بكر
قد استشهد رحمه الله فعند الله نحتسبه أما والله إن كان ما علمت لممن ينتظر القضاء
ويعمل للجزاء ويبغض شكل الفاجر ويحب هدى المؤمن إني والله ما ألوم نفسي
على التقصير وإني لمقاساة الحرب نجد خبير وإني لأقدم على الامر وأعرف
وجه الحزم وأقوم فيكم بالرأي المصيب فأستصرخكم معلنا وأناديكم
نداء المستغيث معربا فلا تسمعون لي قولا ولا تطيعون لي أمرا حتى تصير
بي الأمور إلى عواقب المساءة فأنتم القوم لا يدرك بكم الثأر ولا ينقض بكم الأوتار
82

دعوتكم إلى غياث إخوانكم منذ بضع وخمسين ليلة فتجرجرتم جرجرة الجمل
الأشدق وتثاقلتم إلى الأرض تثاقل من ليس له نية في جهاد العدو ولا اكتساب
الاجر ثم خرج إلى منكم جنيد متذانب كثيرة يساقون إلى الموت وهم ينظرون
فأف لكم ثم نزل وكتب إلى عبد الله بن عباس وهو بالبصرة بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد الله على أمير المؤمنين إلى عبد الله بن عباس سلام عليك فانى أحمد الله إليك
الذي لا إله إلا هو أما بعد فان مصر قد افتتحت ومحمد بن أبي بكر قد استشهد فعند
الله نحتسبه وندخره وقد كنت قمت في الناس في بدئه وأمرتهم بغيائه قبل الوقعة
ودعوتهم سرا وجهرا وعودا وبدأ فمنهم من أتى كارها ومنهم من اعتل كاذبا ومنهم
القاعد حالا أسأل الله أن يجعل لي منهم فرجا ومخرجا وأن يريحني منهم عاجلا والله
لولا طمعي عند لقاء عدوى في الشهادة لأحببت أن لا أبقى مع هؤلاء يوما واحدا
عزم الله لنا ولك على الرشد وعلى تقواه وهداه إنه على كل شئ قدير والسلام
فكتب إليه ابن عباس بسم الله الرحمن الرحيم لعبد الله علي بن أبي طالب أمير المؤمنين
من عيد الله بن عباس سلام عثيك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته أما بعد فقد
بلغني كتابك تذكر فيه افتتاح مصر وهلاك محمد بن أبي بكر فالله المستعان على كل
حال ورحم الله محمد بن أبي بكر وأجرك يا أمير المؤمنين وقد سألت الله أن يجعل
لك من رعيتك التي أب ليت بها فرجا ومخرجا وأن يعزك بالملائكة عاجلا بالنصرة
فان الله صانع لك ذلك ومعزك ومجيب دعوتك وكابت عدوك أخبرك يا أمير
المؤمنين ان الناس ربما تثاقلوا ثم ينشطون فارفق بهم يا أمير المؤمنين وداجنهم
ومنهم واستعن بالله عليهم كفاك الله ألمهم والسلام * قال أبو مخنف حدثني فضيل
ابن خديج عن مالك بن الحور أن عليا قال رحم الله محمدا كان غلاما حدثا أما والله
لقد كنت على أن أولى المرقال هاشم بن عتبة مصر أما والله لو أنه وليها ما خلى لعمرو
ابن العاص وأعوانه الفجرة العرصة ولما قتل إلا وسيفه في يده لا بلا دم كمحمد
فرحم الله محمدا فقد اجتهد نفسه وقضى ما عليه (وفى هذه السنة) وجه معاوية بعد
مقتل محمد بن أبي بكر عبد الله بن عمرو بن الحضرمي إلى البصرة للدعاء إلى الاقرار
83

بحكم عمرو بن العاص فيه وفيها قتل أعين بن ضبيعة المجاشعي وكان على وجهه لاخراج
ابن الحضرمي من البصرة
ذكر الخبر عن أمر ابن الحضرمي وزياد وأعين وسبب قتل من قتل منهم
* حدثني عمر بن شبة قال حدثني علي بن محمد قال حدثنا أبو الذيال عن أبي نعامة
قال لما قتل محمد بن أبي بكر بمصر خرج ابن عباس من البصرة إلى علي بالكوفة
واستخلف زيادا وقدم ابن الحضرمي من قبل معاوية فنزل في بنى تميم فأرسل
زياد إلى حصين بن المنذر ومالك بن مسمع فقال أنتم يا معشر بكر بن وائل من
أنصار أمير المؤمنين وثقاته وقد نزل ابن الحضرمي حيث ترون وأتاه من أتاه فامنعوني
حتى يأتيني رأى أمير المؤمنين فقال حضين نعم وقال مالك وكان رأيه مائلا إلى
بنى أمية وكان مروان لجأ إليه يوم الجمل هذا أمر لي فيه شركاء أستشير وأنظر
فلما رأى زياد تثاقل مالك خاف أن تختلف ربيعة فأرسل إلى نافع أن أشر على
فأشار عليه نافع بصبرة بن شيمان الحداني فأرسل إليه زياد فقال ألا تجيرني وبيت
مال المسلمين فإنه فيأكم وأنا أمين أمير المؤمنين قال بلى إن حملته إلى ونزلت
داري قال فإني حامله فحمله وخرج زياد حتى أتى الحدان ونزل في دار صبرة بن
شيمان وحول بيت المال والمنبر فوضعه في مسجد الحدان وتحول مع زياد خمسون
رجلا منهم أبو أبى حاضر وكان زياد يصلى الجمعة في من غجد الحدان ويطعم الطعام
فقال زياد لجابر بن وهب الراسبي يا أبا محمد إني لا أرى ابن الحضرمي يكف ولا أراه
الا سيقاتلكم ولا أدرى ما عند أصحابك فأمرهم وانظر ما عندهم فلما قلى زياد جلس
في المسجد واجتمع الناس إليه فقال جابر يا ملشر الأزد تميم تزعم أنهم هم الناس
وأنهم أصبر منكم عند البأس وقد بلغني أنهم يريدون أن يسيروا إليكم حتى يأخذوا
جاركم ويخرجوه من المصر قسرا فكيف أنتم إذا فعلوا ذلك وقد أجرتموه وبيت مال
المسلمين فقال صبرة بن شيمان وكان مفخما إن جاء الأحنف جئت وإن جاء الحتات
جئت وان جاء شبان ففينا شبان فكان زياد يقول انني استضحكت ونهضت وما
كدت مكيدة قط كنت إلى الفضيحة بها أقرب منى للفضيحة يومئذ لما غلبني من الضحك
84

قال ثم كتب زياد إلى علي ان ابن الحضرمي أقبل من الشأم فنزل في دار بنى تميم
ونعى عثمان ودعا إلى الحرب وبايعته تميم وجل أهل البصرة ولم يبق معي من أمتنع
به فاستجرت لنفسي ولبيت المال صبرة بن شيمان وتحولت فنزلت معهم فشيعة عثمان
يختلفون إلى ابن الحضرمي فوجه على أعين بن ضبيعة المجاشعي ليفرق قومه عن
ابن الحضرمي فانظر ما يكون منه فان فرق جمع ابن الحضرمي فذلك ما تريد وان ترقت
بهم الأمور إلى التمادي في العصيان فانهض إليهم فجاهدهم فان رأيت ممن قبلك تثاقلا
وخففت أن لا تبلغ ما تريد فدارهم وطاولهم ثم تسمع وأبصر فكأن جنود الله قد أظلتك
تقتل الظالمين فقدم أعين فأتى زيادا فنزل عنده ثم أتى قومه وجمع رجالا ونهض
إلى ابن الحضرمي فدعاهم فشتموه وناوشوه فانصرف عنهم ودخل عليه قوم
فقتلوه فلما قتل أعين بن ضبيعة أراد زياد قتالهم فأرسلت بنو تميم إلى الأزد انا لم
نعرض لجاركم ولا لاحد من أصحابه فماذا تريدون إلى جارنا وحربنا فكرهت الأزد
القتال وقالوا ان عرضوا لجارنا منعناهم وان يكفوا عن جارنا كففنا عن جارهم
فأمسكوا وكتب زياد إلى علي ان أعين بن ضبيعة قدم فجمع من أطاعه من
عشيرته ثم نهض بهم بجد وصدق نية إلى ابن الحضرمي فحثهم على الطاعة ودعاهم إلى
الكف والرجوع عن شقاقهم ووافقتهم عامة قوم فهالهم ذلك وتصدع عنهم كثير
ممن كان معهم يمنيهم نصرته وكانت بينهم مناوشة ثم انصرف إلى أهله فدخلوا عليه
فاغتالوه فأصيب رحم الله أعين فأردت قتالهم عند ذلك فلم يخف معي من أقوى به
م ليهم وتراسل الحيان فأمسك بعضهم عن بعض فلما قرأ على كتابه دعا جارية بن
قدامة السعدي فوجهه في خمسين رجلا من بنى تميم وبعث معه شريك بن الأعور
ويقال بعث جارية في خمسمائة رجل وكتب إلى زياد كتاب يصوب رأيه فيما صنع
وأمره بمعونة جارية بن قدامة والإشارة عليه فقدم جارية البصرة فأتى زيادا فقال
له احتفز واحذر أن يصيبك ما أصاب صاحبك ولا تثقن بأحد من القوم فسار
جارية إلى قومه فقرأ عليهم كتاب على ووعدهم فأجابه أكثرهم فسار إلى ابن الحضرمي
فحصره في دار سنبيل ثم أحرق عليه الدار وعلى من معه وكان معه سبعون رجلا
ويقال أربعون وتفرق الناس ورجع زياد إلى دار الامارة وكتب إلى علي مع ظبيان
85

ابن عمارة وكان ممن قدم مع جارية.. وأن جارية قدم علينا فسار إلى ابن
الحضرمي فتلتله حتى اضطره إلى دار من دور بنى تميم في عدة رجال من أصحابه بعد
الاعذار والانذار والدعاء إلى الطاعة فلم ينيبوا ولم يرجعوا فاضرم عليهم الدار
فأحرقهم فيها وهدمت عليهم فبعدا لمن طغى وعصى فقال عمرو بن العرندس العودي
رددنا زيادا إلى داره * وجار تميم دخانا ذهب
لحى الله قوما شووا جارهم * وللشاء بالدرهمين الشصب
ينادى الخناق وخمانها * وقد سمطوا رأسه باللهب
ونحن أناس لنا عادة * نحامي عن الجار أن يغتصب
حميناه إذ حل أبياتنا * ولا يمنع الجار إلا الحسب
ولم يعرفوا حرمة للجوار * إذ أعظم الجار قوم نجب
كفعلهم قبلنا بالزبير * عشية إذ بزه يستلب
وقال جرير بن عطية بن الخطفى
غدرتم بالزبير فما وفيم * وفاء الأزد إذ منعوا زيادا
فأصبح جارهم بنجاة عز * وجار مجاشع أمسى رمادا
فلو عاقدت حبل أبي سعيد * لذاد القوم ما حمل النجادا
وأدنى الخيل من رهج المنايا * وأغشاها الأسنة والصعادا
ومما كان في هذه السنة أعنى سنة 38
إظهار الخريت بن راشد في بنى ناجية الخلاف على على وفراقه إياه
كالذي ذكر هشام بن محمد عن أبي مخنف عن الحارث الأزدي عن عمه عبد الله
ابن فقبم قال جاء الخريت بن راشد إلى علي وكان مع الخريت ثلثمائة رجل من بنى
ناجية مقيمين مع علي بالكوفة قدموا معه من البصرة وكانوا قد خرجوا إليه يوم
الجمل وشهدوا معه صفين والنهروان فجاء إلى علي في ثلاثين راكبا من أصحابه
يسير بينهم حتى قام بين يدي على فقال له والله يا علي لا أطيع أمرك ولا أصلى
خلفك وإني غدا لمفارقك وذلك بعد تحكيم الحكمين فقال له على ثكلتك أمك
86

إذا تعصى ربك وتنكث عهدك ولا تضر إلا نفسك خبرني لم تفعل ذلك قال لأنك
حكمت في الكتاب وضعفت عن الحق إذ جد الجد وركنت إلى القوم الذي ظلموا
أنفسهم فأنا عليك زار وعليهم ناقم ولكم جميعا مباين فقال له على هم أدارسك
الكتاب وأناظرك في السنن وأفاتحك أمورا من الحق أنا أعلم بها منك فلعلك تعرف
ما أنت له الآن منكر وتستبصر ما أنت عنه الآن جاهل قال فانى عائد إليك قال
لا يستهوينك الشيطان ولا يستخفنك الجهل ووالله لئن استرشدتني واستنصحتني
وقبلت منى لأهدينك سبيل الرشاد فخرج من عنده منصرفا إلى أهله فعجلت في
أثره مسرعا وكان لي من بنى عمه صديق فأردت أن ألقى ابن عمه ذلك فأعلمه بشأنه
ويأمره بطاعة أمير المؤمنين ومناصحته ويخبره أن ذلك خير له في عاجل الدنيا
وآجل الآخرة فخرجت حتى انتهيت إلى منزله وقد سبقني فقمت عند باب داره
وفى داره رجال من أصحابه لم يكونوا شهدوا معه دخوله على على قال فوالله ما جزم
شيئا مما قال ومما رد عليه ثم قال لهم يا هؤلاء إني قد رأيت أن أفارق هذا الرجل
وقد فارقته على أن أرجع إليه من غد ولا أراني إلا مفارقه من غد فقال له أكثر
أصحابه لا تفعل حتى تأتيه فان أتاك بأمر تعرفه قبلت منه وإن كانت الأخرى فما
أقدرك على فراقه فقال لهم فنعم ما رأيتم قال ثم إني استأذنت عليه فأذنوا لي فدخلت
فقلت أنشدك الله أن تفارق أمير المؤمنين وجماعة المسلمين وأن تجعل على نفسك
سبيلا وأن تقتل من أرى من عشيرتك ان عليا لعلى الحق قال فأنا أغدو إليه فأسمع
منه حجته وأنظر ما يعرض على به ويذكر فان رأيت حقا ورشدا قبلت
وإن رأيت غيا وجورا تركت قال فخلوت بابن عمه ذلك قال وكان أحد نفره
الأدنين وهو مدرك بن الريان وكان من رجال العرب فقلت له إن لك على حقا
لإخائك وودك ذلك على بعد حق المسلم على المسلم إن ابن عمك كان منه ما قد ذكر
لك فأجدبه فاردد عليه رأيه وعظم عليه ما أتى فانى خائف ان فارق أمير المؤمنين
أن يقتله نفسه وعشيرته فقال جزاك الله خيرا من أخ فقد نصحت وأشفقت ان
أراد صاحي فراق أمير المؤمنين فارقته وخالفته وكنت أشد الناس عليه وأنا بعد فانى
87

خال به ومفير عليه بطاعة أمير المؤمنين ومناصحته والإقامة معه وفى ذلك حظه
ورشده فقمت من عنده وأردت الرجوع إلى أمير المؤمنين لأعلمه بالذي كان ثم
اطمأننت إلى قول صاحبي فرجعت إلى منزلي فبت به ثم أصبحت فلما ارتفع الضحى
أتيت أمير المؤمنين فجلست عنده ساعة وأنا أريد أن أحدثه بالذي كان من قوله
لي على خلوة فأطلت الجلوس فلم يزدد الناس إلا كثرة قد نوت منه فجلست وراءه
فأصغى إلى بأذنيه فخبرته بما سمعت من الخريت بن راشد وبما قلت له وبما رد على
وبما كان من مقالتي لابن عمه وبما رد على فقال دعه فان عرف الحق وأقبل إليه
عرفنا ذلك وقبلنا منه وإن أبى طلبناه فقلت يا أمير المؤمنين ولم لا تأخذه الآن
وتستوثق منه وتحبسه فقال إنا لو فعلنا هذا بكل من نتهمه من الناس ملانا سجننا منهم
ولا أراه يعنى الوثوب على الناس والحبس والعقوبة حتى يظهروا لنا الخلاف قال
فسكت عنه وتنحيت فجلست مع القوم ثم مكث ما شاء الله ثم أنه قال ادن منى
فدنوت منه فقال لي مسرا اذهب إلى منزل الرجل فاعلم لي ما فعل فإنه كل يوم لم
يكن يأتيني فيه إلا قبل هذه الساعة فأتيت منزله فإذا ليس في منزله منهم ديار
فدعوت على أبواب دور أخرى كان فيها طائفة من أصحابه فإذا ليس فيها داع
ولا مجيب فرجعت فقال لي حين رآني وطنوا فأمنوا أم جنبوا فظعنوا فقلت بل
ظعنوا فأعلنوا فقال قد فعلوها بعدا لهم كما بعدت ثمود أما لو قد أشرعت لهم الأسنة
وصببت على هامهم السيوف لقد ندموا أن الشيطان اليوم قد استهواهم وأضلهم
وهو غدا متبرئ منهم ومخل عنهم فقام إليه زياد بن خصفة فقال يا أمير المؤمنين
إنه لو لم يكن من مضرة هؤلاء إلا فراقهم إيانا لم يعظم فقدهم فنأسى عليهم فإنهم
قلما يزيدون في عددنا لو أقاموا معنا وقلما ينقصون من عددنا بخروجهم عنا ولكنا
نخاف أن يفسدوا علينا جماعة كثيرة ممن يقدمون عليه من أهل طاعتك
فأذن لي في اتباعهم حتى أردهم عليك إن شاء الله فقال له على وهل تدرى أين
توجه القوم فقال لا ولكني أخرج فأسأل وأتبع الأثر فقال له اخرج رحمك الله
حتى تنزل دير أبى موسى ثم لا تتوجه حتى يأتيك أمري فإنهم إن كانوا خرجوا
88

ظاهرين للناس في جماعة فإن عمالي ستكتب إلى بذلك وإن كانوا متفرقين مستخفين
فذلك أخفى لهم وسأكتب إلى عمالي فيهم فكتب نسخة واحدة فأخرجها إلى
العمال أما بعد فإن رجالا خرجوا هرابا ونظنهم وجهوا نحو بلاد البصرة فسل
عنهم أهل بلادك واجعل عليهم العيون في كل ناحية من أرضك واكتب إلى بما
ينتهى إليك عنهم والسلام فخرج زياد بن خصفة حتى أتى داره وجمع أصحابه فحمد الله
وأثنى عليه ثم قال أما بعد يا معشر بكر بن وائل فإن أمير المؤمنين ندبني لأمر
من أمره مهم له وأمرني بالانكماش فيه وأنتم شيعته وأنصاره وأوثق حي من
الاحياء في نفسه فانتدبوا معي الساعة واعجلوا قال فوالله ما كان إلا ساعة حتى
اجتمع له منهم مائة وعشرون رجلا أو ثلاثون فقال اكتفينا لا نزيد أكثر من هذا
فخرجوا حتى قطعوا الجسر ثم دير أبى موسى فنزله فأقام فيه بقية يومه ذلك ينتظر
أمر أمير المؤمنين * قال أبو مخنف فحدثني أبو الصلت الأعور التيمي عن أبي سعيد
العقيلي عن عبد الله بن وأل التيمي قال والله إني لعند أمير المؤمنين إذ جاءه فيج
كتاب بيديه من قبل قرظة بن كعب الأنصاري بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد
فإني أخبر أمير المؤمنين أن خيلا مرت بنا من قبل الكوفة متوجهة نحو نفر وإن
رجلا من دهاقين أسفل الفرات قد صلى يقال له زاذان فروخ أقبل من قبل أخواله
بناحية نفر فعرضوا له فقالوا أمسلم أنت أم كافر فقال بل أنا مسلم قالوا فما قولك في علي
قال أقول فيه خيرا أقول إنه أمير المؤمنين وسيد البشر فقالوا له كفرت يا عدو الله
ثم حملت عليه عصابة منهم فقطعوه ووجدوا معه رجلا من أهل الذمة فقالوا
ما أنت قال رجل من أهل الذمة قالوا أما هذا فلا سبيل عليه فأقبل إلينا ذلك
الذمي فأخبرنا هذا الخبر وقد سألت عنهم فلم يخبرني أحد عنهم بشئ فليكتب
إلى أمير المؤمنين برأيه فيهم أنته إليه والسلام فكتب إليه أما بعد فقد فهمت
ما ذكرت من العصابة التي مرت بك فقتلت البر المسلم وأمن عندهم المخالف الكافر وإن
أولئك قوم استهواهم الشيطان فضلوا وكانوا كالذين حسبوا أن لا تكون فتنة
فعموا وصموا فأسمع بهم وأبصر يوم تخبر أعمالهم والزم عملك وأقبل على خراجك
89

فإنك كما ذكرت في طاعتك ونصيحتك والسلام * قال أبو مخنف وحدثني
أبو الصلت الأعور التيمي عن أبي سعيد العقيلي عن عبد الله بن وأل قال كتب
علي عليه السلام معي كتابا إلى زياد بن خصفة وأنا يومئذ شاب حدث أما بعد
فإني كنت أمرتك أن تنزل دير أبى موسى حتى يأتيك أمري وذلك لانى لم أكن
علمت إلى أي وجه توجه القوم وقد بلغني أنهم أخذوا نحو قرية يقال لها نفر فاتبع
آثارهم وسل عنهم فإنهم قد قتلوا رجلا من أهل السواد مصليا فإذا أنت لحقتهم
فارددهم إلى فإن أبوا فناجزهم واستعن بالله عليهم فإنهم قد فارقوا الحق وسفكوا
الدم الحرام وأخافوا السبيل والسلام قال فأخذت الكتاب منه فمضيت به غير
بعيد ثم رجعت به فقلت يا أمير المؤمنين ألا أمضى مع زياد بن خصفة إذا دفعت
إليه كتابك إلى عدوك فقال يا ابن أخي افعل فوالله إني أرجو أن تكون من
أعواني على الحق وأنصاري على القوم الظالمين فقلت له أنا والله يا أمير المؤمنين
كذلك ومن أولئك وأنا حيث تحب قال ابن وأل فوالله ما أحب أن لي بمقالة على
تلك حمر النعم قال ثم مضيت إلى زياد بن خصفة بكتاب على وأنا على فرس لي
رائع كريم وعلى السلاح فقال لي زياد يا بن أخي والله مالي عنك من غناء وإني
لأحب أن تكون معي في وجهي هذا فقلت له قد استأذنت في ذلك أمير المؤمنين
فأذن لي فسر بذلك قال ثم خرجنا حتى أتينا نفر فسألنا عنهم فقيل لنا قد ارتفعوا
نحو جرجرايا فاتبعناهم فقيل لنا قد أخذوا نحو المذار فلحقناهم وهم نزول بالمذار
وقد أقاموا به يوما وليلة وقد استراحوا وأعلفوا وهم جامون فأتيناهم وقد تقطعنا
ولغبنا وشقينا ونصبنا فلما رأونا وثبوا على خيولهم فاستووا عليها وجئنا حتى انتهينا
إليهم فواقفناهم ونادانا صاحبهم الخريت بن راشد يا عميان القلوب والابصار
أمع الله أنتم وكتابه وسنة نبيه أم مع الظالمين فقال له زياد بن خصفة بل نحن
مع الله ومن الله وكتابه ورسوله آثر عنده ثوابا من الدنيا منذ خلقت إلى يوم
تفنى أيها العمى الابصار الصم القلوب والاسماع فقال لنا أخبروني ما تريدون فقال
له زياد وكان مجربا رفيقا قد ترى ما بنا من اللغوب والسغوب والذي جئنا له
90

لا يصلحه الكلام علانية على رؤس أصحابي وأصحابك ولكن أنزل وتنزل ثم نخلو جميعا
فنتذاكر أمرنا هذا جميعا وننظر فإن رأيت ما جئناك فيه حظا لنفسك قبلته وإن
رأيت فيما أسمعه منك أمرا أرجو فيه العافية لنا ولك لم أردده عليك قال فأنزل
بنا قال فأقبل إلينا زياد فقال أنزلوا بنا على هذا الماء قال فأقبلنا حتى إذا انتهينا
إلى الماء نزلناه فما هو الا أن نزلنا فتفرقنا ثم تحلقنا من عشرة وتسعة وثمانية
وسبعة يضعون طعامهم بين أيديهم فيأكلون ثم يقومون إلى ذلك الماء فيشربون
وقال لنا زياد علقوا على خيولكم فعلقنا عليها مخاليها ووقف زياد بيننا وبين القوم
وانطلق القوم فتنحوا ناحية ثم نزلوا وأقبل إلينا زياد فلما رأى تفرقنا وتحلقنا قال
سبحان الله أنتم أهل حرب والله لو أن هؤلاء جاؤكم الساعة على هذه الحال ما أرادوا
من غيركم أفضل من حالكم التي أنتم عليها أعجلوا قوموا إلى خيلكم فأسرعتا فتحشحشنا
فمنا من يتنفض ثم يتوضأ ومنا من يشرب ومنا من يسقى فرسه حتى إذا فرغنا
من ذلك كله أتانا زياد وفى يده عرق ينهشه فنهش منه نهشتين أو ثلاثا وأتى بأداوة
فيها ماء فشرب منه ثم ألقى العرق من يده ثم قال يا هؤلاء إنا قد لقينا القوم ووالله
أن عدتكم كعدتهم ولقد حزرتكم وإياهم فما أظن أحد الفريقين يزيد على الآخر
بخمسة نفر واني والله ما أرى أمرهم وأمركم الا يرجع إلى القتال فإن كان إلى ذلك
ما يصير بكم وبهم الأمور فلا تكونوا أعجز الفريقين ثم قال لنا ليأخذ كل امرئ
منكم بعنان فرسه حتى أدنو منهم وأدعوا إلى صاحبهم فأكلمه فان بايعني على ما أريد
والا فإذا دعوتكم فاستووا على متون الخيل ثم أقبلوا إلى معا غير متفرقين قال
فاستقدم أمامنا وأنا معه فأسمع رجلا من القوم يقول جاءكم القوم وهم كالون
معيون وأنتم جامعون مستريحون فتركتموهم حتى نزلوا وأكلوا وشربوا
واستراحوا هذا والله سوء الرأي والله لا يرجع الامر بكم وبهم الا إلى القتال
فسكتوا وانتهينا إليهم فدعا زياد بن خصفة صاحبهم فقال اعتزل بنا فلننظر في أمرنا
هذا فوالله لقد أقبل إلى زياد في خمسة فقلت لزياد ادع ثلاثة من أصحابنا حتى نلقاهم
في عدتهم فقال لي ادع من أحببت منهم فدعوت من أصحابنا ثلاثا فكنا خمسة وخمسة
91

فقال له زياد ما الذي نقمت على أمير المؤمنين وعلينا إذ فارقتنا فقال لم أرض صاحبكم
إماما ولم أرض سيرتكم سيرة فرأيت أن أعتزل وأكون مع من يدعو إلى الشورى
من الناس فإذا اجتمع الناس على رجل لجميع الأمة رضى كنت مع الناس فقال له
غ ياد ويحك وهل يجتمع الناس على رجل منهم يداني صاحبك الذي فارقته علما
بالله وبسنن الله وكتابه مع قرابته من الرسول صلى الله عليه وسلم وسابقته في
الاسلام فقال له ذلك ما أقول لك فقال له زياد ففيم قتلت ذلك الرجل المسلم قال
ما أنا قتلته إنما قتلته طائفة من أصحابي قال فادفعهم إلينا قال ما إلى ذلك سبيل قال
كذلك أنت فاعل قال هو ما تسمع قال فدعونا أصحابنا ودعا أصحابه ثم أقبلنا فوالله
ما رأينا قتالا مثله منذ خلقني ربى قال أطعنا والله بالرماح حتى لم يبق في أيدينا رمح ثم
اضطربنا بالسيوف حتى انحنت وعقر عامة خيلنا وخيلهم وكثرت الجراح فيما بيننا
وبينهم وقتل منا رجلان مولى زياد كانت معه رايته يدعى سويدا ورجلا من الأبناء
يدعى وافد بن بكر وصرعنا منهم خمسة وجاء الليل يحجز بيننا وبينهم وقد والله
كرهونا وكرهناهم وقد جرح زياد وجرحت قال ثم إن القوم تنحوا وبتنا في جانب
فمكثوا ساعة من الليل ثم إنهم ذهبوا وتبعناهم حتى أتينا البصرة وبلغنا أنهم أتوا
الأهواز فنزلوا بجانب منها وتلاحق بهم أناس من أصحابهم نحو من مائتين كانوا
معهم بالكوفة ولم يكن لهم من القوة ما ينهضم معهم حتى نهضوا فأتبعوهم فلحقوهم
بأرض الأهواز فأقاموا معهم وكتب زياد بن خصفة إلى علي أما بعد فإنا لقينا
عدو الله الناجي بالمذار فدعوناهم إلى الهدى والحق وإلى كلمة السواء فلم ينزلوا
على الحق وأخذتهم العزة بالاثم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل
فقصدوا لنا وصمدنا صمدهم فاقتتلنا قتالا شديدا ما بين قائم الظهيرة إلى دلوك
الشمس فاستشهد منا رجلان صالحان وأصيب منهم خمسة نفر وخلوا لنا المعركة
وقد فشت فينا وفيهم الجراح ثم إن القوم لما لبسهم الليل خرجوا من تحته متنكبين
إلى أرض الأهواز فبلغنا أنهم نزلوا منها جانبا ونحن بالبصرة نداوى جراحنا
وننتظر أمرك رحمك الله والسلام عليك فلما أتيته بكتابه قرأه على الناس فقام
92

إليه معقل بن قيس فقال أصلحك الله يا أمير المؤمنين إنما كان ينبغي إن يكون
مع من يطلب هؤلاء مكان كل رجل منهم عشرة من المسلمين فإذا لحقوهم استأصلوهم
وقطعوا دابرهم فأما أن يلقاهم أعدادهم فلعمري ليصبرن لهم هم قوم م رب
والعدة تصبر للعدة وتنتصف منها فقال تجهز يا معقل بن قيس إليهم وندب معه
ألفين من أهل الكوفة منهم يزيد بن المغفل الأزدي وكتب إلى ابن عباس أما
بعد فابعث رجلا من قبلك صليبا فجاعا معروفا بالصلاح في ألفى رجل فليتبع
معقلا فإذا مر ببلاد البصرة فهو أمير أصحابه حتى يلقى معقلا فإذا لقى معقلا فمعقل
أمير الفريقين وليسمع من معقل وليطعه ولا يخالفه ومر زياد بن خصفة فليقبل
فنعم المرء زياد ونعم القتيل قتيله * قال أبو مخنف وحدثني أبو الصلت الأعور
عن أبي سعيد العقلي قال كتب على إلى زياد بن خصفة أما بعد فقد بلغني كتابك
وفهمت ما ذكرت من أمر الناجي وإخوانه الذين طبع الله على قلوبهم
وزين لهم الشيطان أعمالهم فهم يعمهون ويحسبون أنهم يحسنون صنعا ووصفت
ما بلغ بك وبهم الامر فأما أنت وأصحابك فلله سعيكم وعلى الله تعالى جزاؤكم
فأبشر بثواب الله خير من الدنيا التي يقتل الجهال أنفسهم عليها فإن ما عندكم
ينفد وما عند الله باق ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون
وأما عدوكم الذين لقيتموهم فحسبهم بخروجهم من الهدى إلى الضلال وارتكابهم
فيه وردهم الحق ولجاجهم في الفتنة فذرهم وما يفترون ودعهم في طغيانهم
يعمهون فتسمع وتبصر كأنك بهم عن قليل بين أسير وقتيل أقبل إلينا أنت
وأصحابك مأجورين فقد أطعتم وسمعتم وأحسنتم البلاء والسلام ونزل الناجي
جانبا من الأهواز واجتمع إليه علوج من أهلها كثير أردوا كسر الخراج
ولصوص كثيرة وطائفة أخرى من العرب ترى رأيه * حدثني عمر بن
شبة قال حدثنا أبو الحسن عن علي بن مجاهد قال قال الشعبي لما قتل علي عليه السلام
أهل النهروان خالفه قوم كثير وانتقضت عليه أطرافه وخالفه بنو ناجية وقدم
ابن الحضرمي البصرة وانتقض أهل الأهواز وطمع أهل الخراج في كسره ثم
93

أخرجوا سهل بن حنيف من فارس وكان عامل على عليها فقال ابن عباس لعلى
أكفيك فارس بزياد فأمره على أن يوجهه إليها فقدم ابن عباس البصرة ووجهه
إلى فارس في جمع كثير فوطئ بهم أهل فارس فأدوا الخراج (رجع الحديث إلى
حديث أبي مخنف) وحدثني الحارث بن كعب عن عبد الله بن فقيم الأزدي قال كنت
أنا وأخي كعب في ذلك الجيش مع معقل بن قيس فلما أراد الخروج أقبل إلى علي
فودعه فقال يا معقل اتق الله ما استطعت فإنها وصية الله للمؤمنين لا تبغ
على أهل القبلة ولا تظلم أهل الذمة ولا تتكبر فإن الله لا يحب المتكبرين فقال الله
المستعان فقال له على خير من مستعان قال فخرج وخرجنا معه حتى نزلنا الأهواز
فأقمنا ننتظر أهل البصرة وقد أبطؤوا علينا فقام فينا معقل بن قيس فقال يا أيها الناس
إنا قد انتظرنا أهل البصرة وقد أبطؤوا علينا وليس بحمد الله بنا قلة ولا وحشة
إلى الناس فسيروا بنا إلى هذا العدو القليل الذليل فانى أرجو أن ينصركم الله وأن
يهلكهم قال فقام إليه أخي كعب بن فقيم فقال أصبت أرشدك الله رأيك فوالله إني
لأرجو أن ينصرنا الله عليهم وإن كانت الأخرى فان في الموت على الحق تعزية
عن الدنيا فقال سيروا على بركة الله قال فسرنا ووالله ما زال معقل لي مكرما وادا
ما يعدل بي من الجند أحدا قال ولا يزال يقول وكيف قلت إن في الموت على
الحق تعزية عن الدنيا صدقت والله وأحسنت ووفقت فوالله ما سرنا يوما حتى
أدركنا فيج يشتد بصحيفة في يده من عند عبد الله بن عباس أما بعد فان أدركك
رسولي بالمكان الذي كنت فيه مقيما أو أدركك وقد شخصت منه فلا تبرح المكان
الذي ينتهى فيه إليك رسولي وأثبت فيه حتى يقدم عليك بعثنا الذي وجهناه إليك
فانى قد بعثت إليك خالد بن معدان الطائي وهو من أهل الاصلاح والدين والبأس
والنجدة فاسمع منه واعرف ذلك له والسلام فقرأ معقل الكتاب على الناس
وحمد الله وقد كان ذلك الوجه هالهم قال فأقمنا حتى قدم الطائي علينا وجاء حتى
دخل على صاحبنا فسلم عليه بالامرة واجتمعا جميعا في عسكر واحد قال ثم إنا
خرجنا فسرنا إليهم فأخذوا يرتفعون نحو جبال رامهرمز يريدون قلعة بها حصينة
94

وجاءنا أهل البلد فأخبرونا بذلك فخرجنا في آثارهم نتبعهم فلحقناهم وقد دنوا من
الجبل فصففنا لهم ثم أقبلنا إليهم فجعل معقل على ميمنته يزيد بن المغفل وعلى ميسرته
منجاب بن راشد الضبي من أهل البصرة وصف الخريت بن راشد الناجي من معه من
العرب فكانوا ميمنة وجعل أهل البلد والعلوج ومن أراد كسر الخراج وأتباعهم
من الأكراد ميسرة قال وسار فينا معقل بن قيس يحرضنا ويقول لنا م باد الله
لا تعدلوا القوم بأبصاركم غضوا الابصار وأقلوا الكلام ووطنوا أنفسكم على
الطعن والضرب وأبشروا في قتالهم بالاجر العظيم إنما تقال لون مارقة مرقت
من الدين وعلوجا منعوا الخراج وأكرادا انظروني فإذا حملت فشدوا شدة رجل
واحد فمر في الصف كله يقول لهم هذه المقالة حتى إذا مر بالناس كلهم أقبل حتى
وقف وسط الصف في القلب ونظرنا إليه ما يصنع فحرك رايته تحريكتين فوالله
ما صبروا لنا ساعة حتى ولوا وشدخنا منهم سبعين عربيا من بنى ناجية ومن
بعض من اتبعهم من العرب وقتلنا نحوا من ثلثمائة من العلوج والأكراد قال
كعب بن فقيم ونظرت فيمن قتل من العرب فإذا أنا بصديقي مدرك بن الريان
قتيلا وخرج الخريت بن راشد وهو منهزم حتى لحق بأسياف البحر وبها جماعة
من قومه كثير فما زال بهم يسير فيهم ويدعوهم إلى خلاف على ويبين لهم فراقه
ويخبرهم أن الهدى في حربه حتى اتبعه منهم ناس كثير وأقام معقل بن قيس
بأرض الأهواز وكتب إلى علي معي بالفتح وكنت أنا الذي قدمت عليه فكتب
إليه بسم الله الرحمن الرحيم لعبد الله على أمير المؤمنين من معقل بن قيس سلام
عليك فأنى أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فانا لقينا المارقين وقد
استظهروا علينا بالمشركين فقتلناهم قتل عاد وإرم مع أنا لم نعد فيهم سيرتك ولم
نقتل من المارقين مدبرا ولا أسيرا ولم ندفف منهم على جريح وقد نصرك الله
والمسلمين والحمد لله رب العالمين قال فقدمت عليه بهذا الكتاب فقرأه على أصحابه
واستشارهم في الرأي فاجتمع رأى عامتهم على قول واحد فقالوا له نرى أن تكتب
إلى معقل بن قيس فيتبع أثر الفاسق فلا يزال في طلبه حتى يقتله أو ينفيه فانا
95

لا نأمن أن يفسد عليك الناس قال فردني إليه وكتب معي أما بعد فالحمد لله على
تأييد أوليائه وخذلان أعدائه جزاك الله والمسلمين خيرا فقد أحسنتم البلاء
وقضيتم ما عليكم وسل عن أخي بنى ناجية فان بلغك أنه قد استقر ببلد من البلدان
فسر إليه حتى تقتله أو تنفيه فإنه لن يزال للمسلمين عدوا وللقاسطين وليا ما بقى
والسلام عليك فسأل معقل عن مستقره والمكان الذي انتهى إليه فنبئ بمكانه
بالأسياف وإنه قد رد قومه عن طاعة على وأفسد من قبله من عبد القيس ومن
والاهم من سائر العرب وكان قومه قد منعوا الصدقة عام صفين ومنعوها في ذلك
العام أيضا فكان عليهم عقالان فسار إليهم معقل بن قيس في ذلك الجيش من أهل
الكوفة وأهل البصرة فأخذ على فارس حتى انتهى إلى أسياف البحر فلما سمع الخريت
ابن راشد بمسيره إليه أقبل على من كان معه من أصحابه ممن يرى رأى الخوارج
فأسر لهم إني أرى رأيكم فان عليا لن ينبغي له أن يحكم الرجال في أمر الله وقال
للآخرين منددا لهم إن عليا حكم حكما ورضى به فخلعه حكمه الذي ارتضاه لنفسه
فقد ركيت أنا من قضائه وحكمه ما ارتضاه لنفسه وهذا كان الرأي الذي خرج
عليه من الكوفة وقال سرا لمن يرى رأى عثمان أنا والله على رأيكم قد والله قتل
عثمان مظلوما فأرضي كل صنف منهم وأراهم أنه معهم وقال لمن منع الصدقة شدوا
أيديكم على صدقاتكم وصلوا بها أرحامكم وعودوا بها إن شئتم على فقرائكم وقد
كان فيهم نصارى كثير قد أسلموا فلما اختلف الناس بينهم قالوا والله لديننا الذي
خرجنا منه خير وأهدى من دين هؤلاء الذي هم عليه ما ينهاهم دينهم عن سفك
الدماء وإخافة السبيل وأخذ الأموال فرجعوا إلى دينهم فلقى الخريت أولئك فقال
لهم ويحكم أتدرون حكم على فيمن أسلم من النصارى ثم رجع إلى نصرانيته لا والله
ما يسمع لهم قولا ولا يرى لهم عذرا ولا يقبل منهم توبة ولا يدعوهم إليها وإن
حكمه فيهم لضرب العنق ساعة يستمكن منهم فما زال حتى جمعهم وخدعهم وجاء
من كان من بنى ناجية ومن كان في تلك الناحية من غيرهم واجتمع إليهم ناس كثير
* فحدثني علي بن الحسن الأزدي قال حدثنا عبد الرحمن بن سليمان عن عبد الملك
96

ابن سعيد بن حاب عن الحر عن عمار الدهني قال حدثني أبو الطفيل قال كنت في
الجيش الذين بعثهم علي بن أبي طالب إلى بنى ناجية فقال فانتهينا إليهم فوجدناهم
على ثلاث فرق فقال أميرنا لفرقة منهم ما أنتم قالوا نحن قوم نصارى لم نر دينا أفضل
من ديننا فثبتنا عليه فقال لهم اعتزلوا وقال للفرقة الأخرى ما أنتم قالوا نحن كنا
نصارى فأسلمنا فثبتنا على إسلامنا فقال لهم اعتزلوا ثم قال للفرقة الأخرى الثالثة
ما أنتم قالوا نحن قوم كنا نصارى فأسلمنا فلم نر دينا هو أفضل من ديننا الأول
فقال لهم أسلموا فأبوا فقال لأصحابه إذا محت رأسي ثلاث مرات فشدوا عليهم
فاقتلوا المقاتلة واسبوا الذرية فجئ بالذرية إلى علي فجاء مصقلة بن هبيرة فاشتراهم
بمائتي ألف فجاء بمائة ألف فلم يقبلها على فانطلق بالدراهم وعمد إليهم مصقلة فأعتقهم
ولحق بمعاوية فقيل لعلى ألا تأخذ الذرية فقال لا فلم يعرض لهم (رجع الحديث
إلى حديث أبي مخنف) قال أبو مخنف وحدثني الحارث بن كعب قال لما رجع
إلينا معقل بن قيس قرأ علينا كتابا من على بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله على
أمير المؤمنين إلى من يقرأ عليه كتابي هذا من المؤمنين والمسلمين والنصارى
والمرتدين سلام عليكم وعلى من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وكتابه والبعث
بعد الموت وأوفى بعهد الله ولم يكن من الخائنين أما بعد فإني أدعوكم إلى كتاب
الله وسنة نبيه والعمل بالحق وبما أمر الله في الكتاب فمن رجع إلى أهله منكم وكف يده
واعتزل هذا الهالك الحارب الذي جاء يحارب الله ورسوله والمسلمين وسعى في الأرض
فسادا فله الأمان على ماله ودمه ومن تابعه على حربنا والخروج من طاعتنا استعنا بالله عليه
وجعلنا الله بيننا وبينه وكفى بالله نصيرا وأخرج معقل راية أمان فنصبها وقال من أتاها
من الناس فهو آمن إلا الخريت وأصحابه الذين حاربونا وبدأونا أول مرة فتفرق عن
الخريت جل من كان معه من غير قومه وعبأ معقل بن قيس أصحابه فجعل على ميمنته يزيد
بن المغفل الأزدي وعلى ميسرته المنجاب بن راشد الضبي ثم زحف بهم نحو الخريت
وحضر معه قومه مسلموهم ونصاراهم ومانعة الصدقة منهم * قال أبو مخنف وحدثني
الحارث بن كعب عن أبي الصديق الناجي أن الخريت يومئذ كان يقول لقومه
97

امنعوا حريمكم وقاتلوا عن نسائكم وأولادكم فوالله لئن ظهروا عليكم ليقتلنكم وليسبنكم
فقال له رجل من قومه هذا والله ما جنته علينا يداك ولسانك فقال قاتلوا لله أنتم
سبق السيف العذل إيها والله لقد أصابت قومي داهية * قال أبو مخنف وحدثني
الحارث بن كعب عن عبد الله بن فقيم قال سار فينا معقل فحرض الناس فيما بين
الميمنة والميسرة يقول أيها الناس المسلمون ما تزيدون أفضل مما سيق لكم في هذا
الموقف من الاجر العظيم إن الله ساقكم إلى قوم منعوا الصدقة وارتدوا عن الاسلام
ونكثوا البيعة ظلما وعدوانا فأشهد لمن قتل منكم بالجنة ومن عاش فان الله مقر
عينه بالفتح والغنيمة ففعل ذلك حتى مر بالناس كلهم ثم إنه جاء حتى وقف في
القلب برايته ثم إنه بعث إلى يزيد بن المغفل وهو في الميمنة أن احمل عليهم فحمل عليهم
فثبتوا وقاتلوا قتالا شديدا ثم إنه انصرف حتى وقف موقفه الذي كان به في الميمنة
ثم إنه بعث إلى منجاب بن راشد الضبي وهو في الميسرة ثم إن منجابا حمل عليهم
فثبتوا وقاتلوا قتالا شديدا طويلا ثم إنه رجع حتى وقف في الميسرة ثم إن معقلا
بعث إلى الميمنة والميسرة إذا حملت فاحملوا بأجمعكم فحرك رايته وهزها ثم إنه حمل
وحمل أصحابه جميعا فقبروا ساعة لهم ثم إن النعمان بن صهبان الراسبي من جرم
بصر بالخريت بن راشد فحمل عليه فطعنه فصرعه عن دابته ثم نزل وقد جرحه
فأثخنه فاختلفا ضربتين فقتله النعمان بن صهبان وقتل معه في المعركة سبعون ومائة
وذهبوا يمينا وشمالا وبعث معقل بن قيس الخيل إلى رحالهم فسبى من أدرك منهم فسبى
رجالا كثيرا ونساء وصبيانا ثم نظر فيهم فأما من كان مسلما فخلاه وأخذ بيعته وترك
له عياله وأما من كان ارتد فعرض عليهم الاسلام فرجعوا وخلى سبيلهم وسبيل عيالهم
إلا شيخا منهم نصرانيا يقال له الرماحس بن منصور قال والله ما زللت منذ عقلت إلا
في خروجي من ديني دين الصدق إلى دينكم دين السوء لا والله لا أدع ديني ولا أقرب
دينكم ما حييت فقدمه فضرب عنقه وجمع معقل الناس فقال أدوا ما عليكم في هذه
السنين من الصدقة فأخذ من المسلمين عقالين وعمد إلى النصارى وعيالهم فاحتملهم
مقبلا بهم وأقبل المسلمون معهم يشيعونهم فأمر معقل بردهم فلما انصرفوا تصافحوا
98

فبكوا وبكى الرجال والنساء بعضهم إلى بعض قال فأشهد أنى رحمتهم رحمة
ما رحمتها أحد قبلهم ولا بعدهم قال وكتب معقل بن قيس إلى علي أما بعد فانى
أخبر أمير المؤمنين عن جنده وعدوه إنا دفعنا إلى عدونا بالأسياف فوجدنا بها
قبائل ذات عدة وحدة وجد وقد جمعت لنا وتحزبت علينا فدعوناهم إلى الطاعة
والجماعة وإلى حكم الكتاب والسنة وقرأنا عليهم كتاب أمير المؤمنين
ورفعنا لهم راية أمان فمالت إلينا منهم طائفة وبقيت طائفة أخرى منابذة فقبلنا
من التي أقبلت وصمدنا صمدا للتي أدبرت فضرب الله وجوههم ونصرنا عليهم
فأما من كان مسلما فإنا مننا عليه وأخذنا بيعه لأمير المؤمنين وأخذنا منهم الصدقة
التي كانت عليهم وأما من ارتد فانا عرضنا عليه الرجوع إلى الاسلام وإلا قتلناه
فرجعوا غير رجل واحد فقتلناه وأما النصارى فإنا سبيناهم وقد أقبلنا بهم ليكونوا
نكالا لمن بعدهم من أهل الذمة لكيلا يمنعوا الجزية ولكيلا يجترؤا على قتال
أهل القبلة وهم أهل الصغار والذل رحمك الله يا أمير المؤمنين وأوجب لك جنات
النعيم والسلام عليك. ثم أقبل بهم حتى مر بهم على مصقلة بن هبيرة الشيباني وهو عامل
على على أردشير خره وهم خمسمائة إنسان فبكى النساء والصبيان وصاح الرجال
يا أبا الفضل يا حامى الرجال وفكاك العناة امنن علينا فاشترنا وأعتقنا فقال مصقلة
أقسم بالله لأتصدقن عليهم إن الله يجزى المتصدقين فبلغها عنه معقل فقال والله لو أعلم
أنه قاله توجعا لهم وإزراء عليكم لضربت عنقه ولو كان في ذلك تفانى تميم وبكر بن
وائل ثم إن مصقلة بعث ذهل بن الحارث الذهلي إلى معقل بن قيس فقال له بعني بنى
ناجية فقال نعم أبيعكم بألف ألف ودفعهم إليه وقال له عجل بالمال إلى أمير المؤمنين
فقال أنا باعث الآن بصدر ثم أبعث بصدر آخر كذلك حتى لا يبقى منه شئ إن شاء الله
تعالى وأقبل معقل بن قيس إلى أمير المؤمنين وأخبره بما كان منه في ذلك فقال له
أحسنت وأصبت وانتظر على مصقلة أن يبعث إليه بالمال وبلغ عليا أن مصقلة خلى
سبيل الأسارى ولم يسألهم أن يعينوه في فكاك أنفسهم بشئ فقال ما أظن مصقلة
إلا قد تحمل حمالة ألا أراكم سترونه عن قريب ملبدا ثم أنه كتب إليه أما بعد فان
99

من أعظم الخيانة خيانة الأمة وأعظم الغش على أهل المصر غش الامام وعندك
من حق المسلمين خمسمائة ألف فابعث بها إلى ساعة يأتيك رسولي والا فأقبل حين
تنظر في كتابي فإني قد تقدمت إلى رسولي إليك يدعك أن تقيم ساعة واحدة بعد
قدومه عليك إلا أن تبعث بالمال والسلام عليك وكان الرسول أبو جرة الحنفي
فقال له أبو جرة أن يبعث بالمال الساعة والا فاشخص إلى أمير المؤمنين فلما قرأ
كتابه أقبل حتى نزل البصرة فمكث بها أياما ثم إن ابن عباس سأله المال وكان
عمال البصرة يحملون من كور البصرة إلى ابن عباس ويكون ابن عباس هو الذي
يبعث به إلى علي فقال له نعم أنظرني أياما ثم أقبل حتى أتى عليا فأقره أياما ثم سأله
المال فأدى إليه مائتي ألف ثم إنه عجز فلم يقدر عليه * قال أبو مخنف وحدثني أبو الصلت
الأعور عن ذهل بن الحارث قال دعاني مصقلة إلى رحله فقدم عشاؤه فطعمنا منه ثم
قال والله ان أمير المؤمنين يسألني هذا المال ولا أقدر عليه فقلت والله لو شئت
ما مضت عليك جمعة حتى تجمع جميع المال فقال والله ما كنت لأحملها قومي ولا اطلب
فيها إلى أحد ثم قال أما والله لو أن ابن هند هو طالبني بها أو ابن عفان لتركها لي
ألم تر إلى ابن عفان حين أطعم الأشعث من خراج آذربيجان مائة ألف في كل
سنة فقلت له إن هذا لا يرى هذا الرأي لا والله ما هو بباذل شيئا كنت أخذته
فسكت ساعة وسكت عنه فلا والله ما مكث إلا ليلة واحدة بعد هذا الكلام حتى
لحق بمعاوية وبلغ ذلك عليا فقال ماله برحه الله فعل فعل السيد وفر فرار العبد
وخان خيانة الفاجر أما والله لو أنه أقام فعجز ما زدنا على حبسه فإن وجدنا له شيئا
أخذناه وإن لم نقدر على مال تركناه ثم سار إلى داره فنقضها وهدمها وكان أخوه
نعيم بن هبيرة شيعيا ولعلى مناصحا فكتب إليه مصقلة من الشؤم مع رجل من النصارى
من بنى تغلب يقال له حلوان أما بعد فإني كلمت معاوية فيك فوعدك الامارة
ومناك الكرامة فأقبل إلى ساعة يلقاك رسولي إن شاء الله والسلام فأخذه مالك
ابن كعب الأرحبي فسرح به إلى علي فأخذ كتابه فقرأه فقطع يد النصراني فمات
وكتب نعيم إلى أخيه مصقلة
100

لا ترمين هداك الله معترضا * بالظن منك فما بالى وحلوانا
ذاك الحريص على ما نال من طمع * وهو البعيد فلا يحزنك إذ خانا
ماذا أردت إلى إرساله سفها * ترجو سقاط امرئ لم يلف وسنانا
عرضته لعلى إنه أسد * يمشى العرضنة من آساد خفانا
قد كنت في منظر عن ذا ومستمع * تحمى العراق وتدعى خير شيبانا
حتى تقحمت أمرا كنت تكرهه * للراكبين له سرا وإعلانا
لو كنت أديت ما للقوم مصطبرا * للحق أحييت أحيانا وموتانا
لكن لحقت بأهل الشأم ملتمسا * فضل ابن هند وذاك الرأي أشجانا
فاليوم تقرع سن الغرم من ندم * ماذا تقول وقد كان الذي كانا
أصبحت تبغضك الاحياء قاطبة * لم يرفع الله بالبغضاء إنسانا
فلما وقع الكتاب إليه علم أن رسوله قد هلك ولم يلبث التغلبيون الا قليلا حتى
بلغهم هلاك صاحبهم حلوان فأتوا مصقلة فقالوا انك بعثت صاحبنا فأهلكته
فإما أن تحييه واما أن تديه فقال أما أن أحييه فلا أستطيع ولكني سأديه فوداه
قال أبو مخنف وحدثني عبد الرحمن بن جندب قال حدثني أبي قال لما بلغ عليا
مصاب بنى ناجية وقتل صاحبهم قال هوت أمه ما كان أنقض عقله وأجرأه على ربه
فإن جائيا جاءني مرة فقال لي في أصحابك رجال قد خشيت أن يفارقوك فما ترى
فيهم فقلت له إني لا آخذ على التهمة ولا أعاقب م لي الظن ولا أقاتل الا من خالفني
وناصبني وأظهر لي العداوة ولست مقاتله حتى أدعوه وأم ذر إليه فإن تاب ورجع
إلينا قبلنا منه وهو أخونا وان أبى الا الاعتزام على حربنا استعنا عليه الله وناجزناه
فكف عنى ما شاء الله ثم جاءني مرة أخرى فقال لي قد خشيت أن يفسد عليك عبد الله
ابن وهب الراسبي وزيد بن حصين إني سمعتهما يذكرانك بأشياء لو سمعتها لم تفارقهما
عليها حتى تقتلهما أتوبقهما فلا تفارقهما من حبسك أبدا فقلت إني مستشيرك فيهما
فماذا تأمرني به قال آمرك أن تدعو بهما فتضرب رقابهما فعلمت أنه لا ورع ولا
عاقل فقلت والله ما أظنك ورعا ولا عاقلا نافعا والله لقد كان ينبغي لك لو أردت
101

قتلهم أن تقول اتق الله لم تستحل قتلهم ولم يقتلوا أحدا ولم ينابذوك ولم يخرجوا
من طاعتك (وحج) بالناس في هذه السنة قثم بن العباس من قبل علي عليه السلام
حدثني بذلك أحمد بن ثابت عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر وكان قثم يومئذ عامل
على على مكة وكان على اليمن عبيد الله بن العباس وعلى البصرة عبد الله بن العباس
واختلف في عامله على خراسان فقيل كان خليد بن قرة اليربوعي وقيل كان ابن
أبزى وأما الشأم ومصر فإنه كان بهما معاوية وعماله
ثم دخلت سنة تسع وثلاثين
ذكر ما كان فيها من الاحداث
فمما كان فيها من الاحداث المذكورة
تفريق ابن معاوية جيوشه في أطراف على
فوجه النعمان بن بشير فيما ذكر علي بن محمد عن عوانة في ألفى رجل إلى عين
التمر وبها مالك بن كعب مسلحة لعلى في ألف رجل فأذن لهم فأتوا الكوفة وأتاه
النعمان ولم يبق معه إلا مائة رجل فكتب مالك إلى علي يخبره بأمر النعمان ومن
معه فخطب على الناس وأمرهم بالخروج فتثاقلوا وواقع مالك النعمان والنعمان في
ألفى رجل ومالك في مائة رجل وأمر مالك أصحابه أن يجعلوا جدر القرية في ظهورهم
واقتتلوا وكتب إلى مخنف بن سليم يسأله أن يمده وهو قريب منه فقاتلهم مالك
ابن كعب في العصابة التي معه كأشد القتال ووجه إليه مخنف ابنه عبد الرحمن في
خمسين رجلا فانتهوا إلى مالك وأصحابه وقد كسروا جفون سيوفهم فلما
رآهم أهل الشأم وذلك عند المساء ظنوا أن لهم مددا وانهزموا وتبعهم مالك فقتل
منهم ثلاثة نفر ومضوا على وجوههم * حدثني عبد الله بن أحمد بن شبويه المروزي
قال حدثنا أبي قال حدثني سليمان عن عبد الله قال حدثني عبد الله بن أبي معاوية
عن عمرو بن حسان عن شيخ من بنى فزارة قال بعث معاوية النعمان بن بشير
في ألفين فأتوا عين التمر فأغاروا عليها وبها عامل لعلى يقال له ابن فلان الأرحبي
في ثلثمائة فكتب إلى علي يستمده فأمر الناس أن ينهضوا إليه فتثاقلوا فصعد
102

المنبر فانتهيت إليه وقد سبقني بالتشهد وهو يقول يا أهل الكوفة كلما سمعتم
بمنسر من مناسر أهل الشأم أظلكم انجحر كل امرئ منكم في بيته وأغلق بابه
انجحار الضب في جحره والضبع في وجارها المغرور من غررتموه ولمن فاز بكم
فاز بالسهم الأخيب لا أحرار عند النداء ولا إخوان ثقة عند النجاء إنا لله وإنا
إليه راجعون ماذا منيت به منكم عمى لا تبصرون وبكم لا تنطقون وصم لا تستمعون
إنا لله وإنا إليه راجعون (رجع الحديث إلى حديث عوانة) قال ووجه معاوية
في هذه السنة سفيان بن عوف في ستة آلاف رجل وأمره أن يأتي هيت فيقطعها
وأن يغير عليها ثم يمضى حتى يأتي الأنبار والمدائن فيوقع بأهلها فسار حتى أتى
هيت فلم يجد بها أحدا ثم أتى الأنبار وبها مسلحة لعلى تكون خمسمائة رجل
وقد تفرقوا فلم يبق منهم إلا مائة رجل فقاتلهم فصبر لهم أصحاب على مع
قلتهم ثم حملت عليهم الخيل والرجالة فقتلوا صاحب المسلحة وهو أشرس
ابن حسان البكري في ثلاثين رجلا واحتملوا ما كان في الأنبار من الأموال
وأموال أهلها ورجعوا إلى معاوية وبلغ الخبر عليا فخرج حتى أتى النخيلة فقال له
الناس نحن نكفيك قال ما تكفونني ولا أنفسكم وسرح سعيد بن قيس في أثر القوم
فخرج في طلبهم حتى جاز هيت فلم يلحقهم فرجع (قال وفيها) وجه معاوية أيضا
عبد الله بن مسعدة الفزاري في ألف وسبعمائة رجل إلى تيماء وأمره أن يصدق
من مر به من أهل البوادي وأن يقتل من امتنع من عطائه صدقة ماله ثم
يأتي مكة والمدينة والحجاز يفعل ذلك واجتمع إليه بشر كثير من قومه فلما
بلغ ذلك عليا وجه المسيب بن نجبة الفزاري فسار حتى لحق ابن مسعدة بتيماء
فاق تلوا ذلك اليوم حتى زالت الشمس قتالا شديدا وحمل المسيب على ابن مسعدة فضربه
ثلاث ضربات كل ذلك لا يلتمس قتله ويقول له النجاء النجاء فدخل ابن مسعدة وعامة
من معه الحصن وهرب الباقون نحو الشأم وانتهب الاعراب إبل الصدقة التي
كانت مع ابن مسعدة وحصره ومن كان معه المسيب ثلاثة أيام ثم ألقى الحطب
على الباب وألقى النيران فيه حتى احترق فلما أحسوا بالهلاك أشرفوا على
103

المسيب فقالوا يا مسيب قومك فرق لهم وكره هلاكهم فأمر بالنار فأطفئت
وقال لأصحابه قد جاءتني عيون فأخبروني أن جندا قد أقبل إليكم من الشأم فانضموا
في مكان واحد فخرج ابن مسعدة في أصحابه ليلا حتى لحقوا بالشام فقال له
عبد الرحمن بن شبيب سر بنا في طلبهم فأبى ذلك عليه فقال له غششت أمير المؤمنين
وداهنت في أمرهم (وفيها) أيضا وجه معاوية الضحاك بن قيس وأمره أن يمر
بأسفل واقصة وأن يغير على كل من مر به ممن هو في طاعة على من الاعراب
ووجه معه ثلاثة آلاف رجل فسار فأخذ أموال الناس وقتل من لقى من
الاعراب ومر بالثعلبية فأغار على مسالح على وأخذ أمتعتهم ومضى حتى انتهى إلى
القطقطانة فأتى عمرو بن عميس بن مسعود وكان في خيل لعلى وأمامه أهله وهو يريد
الحج فأغار على ممن كان معه وحبسه عن المسير فلما بلغ ذلك عليا سرح حجر بن عدي
الكندي في أربعة آلاف وأعطاهم خمسين خمسين فلحق الضحاك بتدمر
فقتل منهم تسعة عشر رجلا وقتل من أصحابه رجلان وحال بينهم الليل فهرب
الضحاك وأصحابه ورجع حجر ومن معه (وفيها) سار معاوية بنفسه إلى دجلة
حتى شارفها ثم نكص راجعا ذكر ذلك ابن سعد عن محمد بن عمر قال حدثني ابن
جريج عن ابن أبي مليكة قال لما كانت سنة 39 أشرف عليه معاوية * وحدثني
أحمد بن ثابت عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر مثله واختلف فيمن
حج بالناس في هذه السنة فقال بعضهم حج بالناس فيها عبيد الله بن عباس من
قبل على وقال بعضهم حج بهم عبد الله بن عباس فحدثني أبو زيد عمر بن شبة قال
يقال إن عليا وجه ابن عباس ليشهد الموسم ويصلى بالناس في سنة 39 وبعث معاوية
يزيد بن شجرة الرهاوي قال وزعم أبو الحسن أن ذلك باطل وأن ابن عباس لم
يشهد الموسم في عمل حتى قتل علي عليه السلام قال والذي نازعه يزيد بن شجرة
قئم بن العباس حتى أنهما اصطلحا على شيبة بن عثمان فصلى بالناس سنة 39 وكالذي
حكيت عن أبي زيد عن أبي الحسن قال أبو معشر في ذلك حدثني بذلك أحمد بن
ثابت الرازي عمن حدثه عن إسحاق بن عيسى عنه وقال الواقدي بعث على على
104

الموسم في سنة 39 عبيد الله بن عباس وبعث معاوية يزيد بن شجرة الرهاوي ليقيم
للناس الحج فلما اجتمعا بمكة تنازعا وأبى كل واحد منهما أن يسلم لصاحبه
فاصطلحا على شيبة بن عثمان بن أبي طلحة وكانت عمال على في هذه السنة على
الأمصار الذين ذكرنا أنهم كانوا عماله في سنة 38 غير ابن عباس كان شخص في
هذه السنة عن عمله بالبصرة واستخلف زيادا الذي كان يقال له زياد بن أبيه على
الخراج وأبا الأسود الدؤلي على القضاء (وفى هذه السنة) وجه ابن عباس
زيادا عن أمر على إلى فارس وكرمان عند منصرفه من عند على من
الكوفة إلى البصرة
ذكر سبب توجيهه إياه إلى فارس
* حدثني عمر قال حدثنا على قال لما قتل ابن الحضرمي واختلف الناس على
على طمع أهل فارس وأهل كرمان في كسر الخراج فغلب أهل كل ناحية على
ما يليهم وأخرجوا عمالهم * حدثني عمر قال حدثنا أبو القاسم عن سلمة بن عثمان
عن علي بن كثير أن عليا استشار الناس في رجل يوليه فارس حين امتنعوا من
أداء الخراج فقال له جارية بن قدامة ألا أدلك يا أمير المؤمنين على رجل صليب
الرأي عالم بالسياسة كاف لما ولى قال من هو قال زياد قال هو لها فولاه فارس
وكرمان ووجهه في أربعة آلاف فدوخ تلك البلاد حتى استقاموا * حدثني عمر
قال حدثنا أبو الحسن عن علي بن مجاهد قال قال الشعبي لما انتقض أهل الجبال
وطمع أهل الخراج في كسره وأخرجوا سهل بن حنيف من فارس وكان عاملا
عليها لعلى قال ابن عباس لعلى أكفيك فارس فقدم ابن عباس البصرة ووجه
زيادا إلى فارس في جمع كثير فوطئ بهم أهل فارس فأدوا الخراج * حدثني عمر
قال حدثني أبو الحسن عن أيوب بن موسى قال حدثني شيخ من أهل إصطخر قال
سمعت أبي يقول أدركت زيادا وهو أمير على فارس وهى تضرم نارا فلم يزل
بالمداراة حتى عادوا إلى ما كانوا عليه من الطاعة والاستقامة لم يقف موقفا للحرب
وكان أهل فارس يقولون ما رأينا سيرة أشبه بسيرة كسرى أنوشروان من سيرة
105

هذا العربي في اللين والمداراة والعلم بما يأتي قال ولما قدم زياد فارس بعث إلى
رؤسائها فوعد من نصره ومناه وخوف قوما وتوعدهم وضرب بعضهم ببعض
ودل بعضهم على عورة بعض وهربت طائفة وأقامت طائفة فقتل بعضهم بعضا
وصفت له فارس فلم يلق فيها جمعا ولا حربا وفعل مثل ذلك بكرمان ثم رجع إلى
فارس فسار في كورها ومناهم فسكن الناس إلى ذلك فاستقامت له البلاد وأتى
إصطخر فنزلها وحصن قلعة بها ما بين بيضاء إصطخر واصطخر فكانت تسمى
قلعة زياد فحمل إليها الأموال ثم تحصن فيها بعد ذلك منصور اليشكري فهي اليوم
تسمى قلعة منصور
ثم دخلت سنة أربعين
ذكر ما كان فيها من الاحداث
فمما كان فيها من ذلك
توجيه معاوية بسر بن أبي أرطاة في ثلاثة آلاف من المقاتلة إلى الحجاز
فذكر عن زياد بن عبد الله البكائي عن عوانة قال أرسل معاوية بن أبي سفيان
بعد تحكيم الحكمين بسر بن أبي أرطاة وهو رجل من بنى عامر بن لؤي في جيش
فساروا من الشأم حتى قدموا المدينة وعامل على على المدينة يومئذ أبو أيوب
الأنصاري ففر منهم أبو أيوب فاتى بالكوفة ودخل بسر المدينة قال فصعد
منبرها ولم يقاتله بها أحد فنادى على المنبر يا دينار ويا نجار ويا زريق شيخي شيخي
عهدي به بالأمس فأين هو يعنى عثمان ثم قال يا أهل المدينة والله لولا ما عهد إلى
معاوية ما تركت بها محتلما إلا قتلته ثم بايع أهل المدينة وأرسل إلى بنى سلمة فقال
والله ما لكم عندي من أمان ولا مبايعة حتى تأتوني بجابر بن عبد الله فانطلق جابر
إلى أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها ماذا ترين إني قد خشيت أن
أقتل وهذه بيعة ضلالة قالت أرى أن تبايع فإني قد أمرت ابني عمر بن أبي سلمة
أن يبايع وأمرت ختني عبد الله بن زمعة وكانت ابنتها زينب ابنة أبى سلمة عند
106

عبد الله بن زمعة فأتاه جابر فبايعه وهدم بسر دورا بالمدينة ثم مضى حتى أتى
مكة فخافه أبو موسى أن يقتله فقال له بسر ما كنت لافعل بصاحب رسول الله
صلى الله عليه وسلم ذلك فخلى عنه وكتب أبو موسى قبل ذلك إلى اليمن أن خيلا
مبعوثة من عند معاوية تقتل الناس تقتل من أبى أن يقر بالحكومة ثم مضى أسر
إلى اليمن وكان عليها عبيد الله بن عباس عاملا لعلى فلما بلغه مسيره فر إلى الكوفة حتى
أتى عليا واستخلف عبد الله بن عبد المدان الحارثي على اليمن فأتاه بسر فقتله وقتل
ابنه ولقى بسر ثقل عبيد الله بن عباس وفيه ابنان له صغيران فذبحهما وقد قال بعض
الناس إنه وجد ابني عبيد الله بن عباس عند رجل من بنى كنانة من أهل البادية
فلما أراد قتلهما قال الكناني علام تقتل هذين ولا ذنب لهما فإن كنت قاتلهما
فاقتلني قال أفعل فبدأ بالكناني فقتله ثم قتلهما ثم رجع بسر إلى الشأم وقد قيل
إن الكناني قاتل عن الطفلين حتى قتل وكان اسم أحد الطفلين اللذين قتلهما بسر
عبد الرحمن والآخر قثم وقتل بسر في مسيره ذلك جماعة كثيرة من شيعة على باليمن
وبلغ عليا خبر بسر فوجه جارية بن قدامة في ألفين ووهب بن مسعود في ألفين
فسار جارية حتى أتى نجران فحرق بها وأخذ ناسا من شيعة عثمان فقتلهم وهرب
بسر وأصحابه منه واتبعهم حتى بلغ مكة فقال لهم جارية بايعونا فقالوا قد هلك
أمير المؤمنين فلمن نبايع قال لمن بايع له أصحاب على فتثاقلوا ثم بايعوا ثم سار حتى
أتى المدينة وأبو هريرة يصلى بهم فهرب منه فقال جارية والله لو أخذت أبا سنور
لضربت عنقه ثم قال لأهل المدينة بايعوا الحسن بن علي فبايعوه وأقام يومه ثم
خرج منصرفا إلى الكوفة وعاد أبو هريرة فصلى بهم (وفى هذه السنة) فيما ذكر
جرت بين على وبين معاوية المهادنة بعد مكاتبات جرت بينهما يطول بذكرها
الكتاب على وضع الحرب بينهما ويكون لعلى العراق ولمعاوية الشأم فلا يدخل
أحدهما على صاحبه في عمله بجيش ولا غارة ولا غزو قال زياد بن عبد الله عن أبي
إسحاق لما لم يعط أحد الفريقين صاحبه الطاعة كتب معاوية إلى علي أما إذا
شئت فلك العراق ولى الشأم وتكف السيف عن هذه الأمة ولا تهريق دماء المسلمين
107

ففعل ذلك وتراضيا على ذلك فأقام معاوية بالشام بجنوده يجبيها وما حولها وعلى
بالعراق يجبيها ويقسمها بين جنوده (وفيها) خرج عبد الله بن العباس من البصرة
ولحق مكة في قول عامة أهل السير وقد أنكر ذلك بعضهم وزعم أنه لم يزل بالبصرة
عاملا عليها من قبل أمير المؤمنين علي عليه السلام حتى قتل وبعد مقتل على حتى
صالح الحسن معاوية ثم خرج حينئذ إلى مكة
ذكر الخبر عن سبب شخوصه إلى مكة وتركه العراق
* حدثني عمر بن شبة قال حدثني جماعة عن أبي مخنف عن سليمان بن راشد
عن عبد الرحمن بن عبيد أبى الكنود قال مر عبد الله بن عباس على أبى الأسود
الدؤلي فقال لو كنت من البهائم كنت جملا ولو كنت راعيا ما بلغت من المرعى
ولا أحسنت مهنته في المشي قال فكتب أبو الأسود إلى علي أما بعد فإن الله جل
وعلا جعلك واليا مؤتمنا وراعيا مستوليا وقد بلوناك فوجدناك عظيم الأمانة
ناصحا للرعية توفر لهم فيأهم وتظلف نفسك عن دنياهم فلا تأكل أموالهم ولا ترتشي
في أحكامهم وان ابن عمك قد أكل ما تحت يديه بغير علمك فلم يسعني كتمانك
وذلك فانظر رحمك الله فيما هناك واكتب إلى برأيك فيما أحببت أنته إليك والسلام
فكتب إليه على أما بعد فمثلك نصح الامام والأمة وأدى الأمانة ودل على الحق
وقد كتبت إلى صاحبك فيما كتب إلى فيه من أمره ولم أعلمه أنك كتبت فلا تدع
إعلامي بما يكون بحضرتك مما النظر فيه للأمة صلاح فإنك بذلك جدير وهو حق
واجب عليك والسلام وكتبت إلى ابن عباس في ذلك فكتب إليه ابن عباس أما بعد
فان الذي بلغك باطل وإني لما تحت يدي ضابط قائم له وله حافظ فلا تصدق
الظنون والسلام قال فكتب إليه على أما بعد فأعلمني ما أخذت من الجزية ومن
أين أخذت وفيم وضعت قال فكتب إليه ابن عباس أما بعد فقد فهمت تعظيمك
مرزأة ما بلغك أنى رزأته من مال أهل هذا البلد فابعث إلى عملك من أحببت فانى
ظاعن عنه والسلام ثم دعا ابن عباس أخواله بنى هلال بن عامر فجاءه الضحاك
ابن عبد الله وعبد الله بن رزين بن أبي عمر والهلاليان ثم اجتمعت معه قيس كلها
108

فحمل مالا قال أبو زيد قال أبو عبيدة كانت أرزاقا قد اجتمعت فحمل معه مقدار
ما اجتمع له فبعث الأخماس كلها فلحقوه بالطف فتواقفوا يريدون أخذ المال
فقال قيس والله لا يوصل إلى ذلك وفينا عين تطرف وقال صبرة بن شيمان
الحداني يا معشر الأزد والله إن قيسا لاخواننا في الاسلام وجيراننا في الدار
وأعواننا على العدو وإن الذي يصيبكم من هذا المال لو رد عليكم لقيل وهم غدا
خير لكم من المال قالوا فما ترى قال انقرفوا عنهم ودعوهم فأطاعوه فانصرفوا
فقال بكر وعبد القيس نعم الرأي رأى صبرة لقومه فاعتزلوا أيضا فقالت بنو تميم
والله لا نفارقهم نقاتلهم عليه فقال الأحنف قد ترك قتالهم من هو أبعد منكم
رحما فقالوا والله لنقاتلنهم فقال إذا لا أساعدكم عليهم فاعتزلهم قال فرأسوا عليهم
ابن المجاعة من بنى تميم فقاتلوهم وحمل الضحاك على ابن المجاعة فطعنه واعتنقه عبد الله
ابن رزين فسقطا إلى الأرض يعتركان وكثر الجراح فيهم ولم يكن بينهم قتيل
فقالت الأخماس ما صنعنا شيئا اعتزلناهم وتركناهم يتحاربون فضربوا وجوه
بعضهم عن بعض وقالوا لبنى تميم فنحن أسخى منكم أنفسا حين تركنا هذا المال
لبنى عمكم وأنتم تقاتلونهم عليه إن القوم قد حملوا وحموا فخلوهم وإن أحببتم
فانصرفوا ومضى ابن عباس ومعه نحو من عشرين رجلا حتى قدم مكة * وحدثني
أبو زيد قال زعم أبو عبيدة ولم أسمعه منه أن ابن عباس لم يبرح من البصرة حتى
قتل علي عليه السلام فشخص إلى الحسن فشهد الصلح بينه وبين معاوية ثم رجع
إلى البصرة وثقله بها فحمله ومالا من بيت المال قليلا وقال هي أرزاقي قال
أبو زيد ذكرت ذلك لأبي الحسن فأنكره وزعم أن عليا قتل وابن عباس
بمكة وأن الذي شهد الصلح بين الحسن ومعاوية عبيد الله بن عباس (وفى هذه
السنة) قتل علي بن أبي طالب عليه السلام واختلف في وقت قتله فقال أبو معشر
ما حدثني به أحمد بن ثابت قال حدثت عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر قال
قتل على في شهر رمضان يوم الجمعة لسبع عشرة خلت منه سنة 40 وكذلك
قال الواقدي حدثني بذلك الحارث عن ابن سعد عنه وأما أبو زيد فحدثني
109

عن علي بن محمد أنه قال قتل علي بن أبي طالب بالكوفة يوم الجمعة لاحدى عشرة
قال ويقال لثلاث عشرة بقيت من شهر رمضان سنة 40 قال وقد قيل في شهر
ربيع الآخر سنة 40
ذكر الخبر عن سبب قتله ومقتله
* حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال حدثنا عبد الرحمن الحراني
أبو عبد الرحمن قال أخبرنا إسماعيل بن راشد قال من حديث ابن ملجم وأصحابه أن ابن
ملجم والبرك بن عبد الله وعمرو بن بكر التميمي اجتمعوا فتذاكروا أمر الناس وعابوا
على ولاتهم ثم ذكروا أهل النهر فترحموا عليهم وقالوا ما نصنع بالبقاء بعدهم شيئا
إخواننا الذين كانوا دعاة الناس لعبادة ربهم والذين كانوا لا يخافون في الله لومة لائم
فلو شرينا أنفسنا فأتينا أئمة الضلالة فالتمسنا قتلهم فأرحنا منهم البلاد وثأرنا بهم
إخواننا فقال ابن ملجم أنا أكفيكم علي بن أبي طالب وكان من أهل مصر وقال
البرك بن عبد الله أنا أكفيكم معاوية بن أبي سفيان وقال عمرو بن بكر أنا أكفيكم
عمرو بن العاص فتعاهدوا وتواثقوا بالله لا ينكص رجل منا عن صاحبه الذي
توجه إليه حتى يقتله أو يموت دونه فأخذوا أسيافهم فسموها واتعدوا لسبع
عشرة تخلو من رمضان أن يثب كل واحد منهم على صاحبه الذي توجه إليه وأقبل
كل رجل منهم إلى المصر الذي فيه صاحبه الذي يطلب فأما ابن ملجم المرادي
فكان عداده في كندة فخرج فلقى أصحابه بالكوفة وكاتمهم أمره كراهة أن يظهروا
شيئا من أمره فإنه رأى ذات يوم أصحابا من تيم الرباب وكان على قتل منهم
يوم النهر عشرة فذكروا قتلاهم ولقى من يومه ذلك امرأة من تيم الرباب يقال
لها قطام ابنة الشجنة وقد قتل أباها وأخاها يوم النهر وكانت فائقة الجمال فلما رآها
التبست بعقله ونسى حاجته التي جاء لها ثم خطبها فقالت لا أتزوجك حتى تشفى لي قال
وما يشفيك قالت ثلاثة آلاف وعبد وقينة وقتل علي بن أبي طالب قال هو مهر لك
فأما قتل على فلا أراك ذكرته لي وأنت تريديني قالت بلى التمس غرته فإن أصبت
شفيت نفسك ونفسي ويهنئك العيش معي وإن قتلت فما عند الله خير من الدنيا
110

وزينتها وزينة أهلها قال فوالله ما جاء بي إلى هذا المصر الا قتل على فلك ما سألت
قالت إني أطلب لك من يسند ظهرك ويساعدك على أمرك فبعثت إلى رجل من
قومها من تيم الرباب يقال له وردان فكلمته فأجابها وأتى ابن ملجم رجلا من
أشجع يقال له شبيب بن بجرة فقال له هل لك في شرف الدنيا والآخرة قال وما ذاك
قال قتل علي بن أبي طالب قال ثكلتك أمك لقد جئت شيئا إدا كيف تقدر على على
قال أكمن له في المسجد فإذا خرج لصلاة الغداة شددنا عليه فقتلناه فإن نجونا شفينا أنفسنا
وأدركنا ثأرنا وإن قتلنا فما عند الله خير من الدنيا وما فيها قال ويحك لو كان غير على
لكان أهون على قد عرفت بلاءه في الاسلام وسابقته مع النبي صلى الله عليه وسلم
وما أجدني أنشرح لقتله قال أما تعلم أنه قتل أهل النهر العباد الصالحين قال بلى قال
فنقتله بمن قتل من إخواننا فأجابه فجاؤوا قطام وهى في المسجد الأعظم معتكفة
فقالوا لها قد أجمع رأينا على قتل على قالت فإذا أردتم ذلك فأتوني ثم عاد إليها
ابن ملجم في ليلة الجمعة التي قتل في صبيحتها على سنة 40 فقال هذه الليلة التي
واعدت فيها صاحبي أن يقتل كل واحد منا صاحبه فدعت لهم بالحرير فعصبتهم
به وأخذوا أسيافهم وجلسوا مقابل السدة التي يخرج منها على فلما خرج ضربه
شبيب بالسيف فوقع سيفه بعضادة الباب أو الطاق وضربه ابن ملجم في قرنه
بالسيف وهرب وردان حتى دخل منزله فدخل عليه رجل من بنى أبيه وهو ينزع
الحرير عن صدره فقال ما هذا الحرير والسيف فأخبره بما كان فجاء بسيفه فعلا به وردان
حتى قتله وخرج شبيب نحو أبواب كندة في الغلس وصاح الناس فلحقه رجل
من حضرموت يقال له عويمر وفى يد شبيب السيف فأخذه وجثم عليه الحضرمي
فلما رأى الناس قد أقبلوا في طلبه وسيف شبيب في يده خشى على نفسه فتركه
ونجا شبيب في غمار الناس فشدوا على ابن ملجم فأخذوه إلا أن رجلا من همدان
يكنى أبا ادماء أخذ سيفه فضرب رجله فصرعه وتأخر على ورفع في ظهره جعدة
ابن هبيرة بن أبي وهب فصلى بالناس الغداة ثم قال على على بالرجل فأدخل
عليه ثم قال أي عدو الله ألم أحسن إليك قال بلى قال فما حملك على هذا قال شحذته
111

أربعين صباحا وسألت الله أن يقتل به شر خلقه فقال عليه السلام لا أراك إلا
مقتولا به ولا أراك إلا من شر خلقه * وذكروا أن ابن ملجم قال قبل أن يضرب
عليا وكان جالسا في بنى بكر بن وائل إذ مر عليه بجنازة أبجر بن جابر العجلي
أبى حجار وكان نصرانيا والنصارى حوله وأناس مع حجار لمنزلته فيهم يمشون
في جانب وفيهم شقيق بن ثور فقال ابن ملجم ما هؤلاء فأخبر الخبر فأنشأ يقول
لئن كان حجار بن أبجر مسلما * لقد بوعدت منه جنازة أبجر
وإن كان حجار بن أبجر كافرا * فما مثل هذا من كفور بمنكر
أترضون هذا أن قيسا ومسلما * جميعا لدى نعش فيا قبح منظر
فلولا الذي أنوى لفرقت جمعهم * بأبيض مصقول الدياس مشهر
ولكنني أنوى بذاك وسيلة * إلى الله أو هذا فخذ ذاك أو ذر
وذكر أن محمد بن الحنيفة قال كنت والله إني لاصلى تلك الليلة التي ضرب
فيها على في المسجد الأعظم في رجال كثير من أهل المصر يصلون قريبا من السدة
ما هم إلا قيام وركوع وسجود وما يسأمون من أول الليل إلى آخره إذ خرج على
لصلاة الغداة فجعل ينادى أيها الناس الصلاة الصلاة فما أدرى أخرج من السدة
فتكلم بهذه الكلمات أم لا فنظرت إلى بريق وسمعت الحكم لله يا علي لا لك ولا
لأصحابك فرأيت سيفا ثم رأيت ثانيا ثم سمعت عليا يقول لا يفوتنكم الرجل وشد
الناس عليه من كل جانب قال فلم أبرح حتى أخذ ابن ملجم وأدخل على على فدخلت
فيمن دخل من الناس فسمعت عليا يقول النفس بالنفس إن أنا مت فاقتلوه كما
قتلني وإن بقيت رأيت فيه رأيي * وذكر أن الناس دخلوا على الحسن فزعين لما
حدث من أمر على فبينما هم عنده وابن ملجم مكتوف بين يديه إذ نادته أم كلثوم
بنت على وهى تبكى أي عدو الله لا بأس على أبى والله مخزيك قال فعلى من تبكين
والله لقد اشتريته بألف وسممته بألف ولو كانت هذه الضربة على جميع أهل المصر
ما بقى منهم أحد * وذكر أن جندب بن عبد الله دخل على على فسأله فقال يا أمير
المؤمنين ان فقدناك ولا نفقدك فنبايع الحسن فقال ما آمركم ولا أنهاكم أنتم
112

أبصر فرد عليه مثلها فدعا حسنا وحسينا فقال أوصيكما بتقوى الله وألا تبغيا
الدنيا وإن بغتكما ولا تبكيا على شئ زوى عنكما وقولا الحق وارحما اليتيم وأغيثا
الملهوف واصنعا للآخرة وكونا للظالم خصما وللمظلوم ناصرا واعملا بما في الكتاب
ولا تأخذكما في الله لومة لائم ثم نظر إلى محمد بن الحنفية فقال هل حفظت ما أوصيت
به أخويك قال نعم قال فإني أوصيك بمثله وأوصيك بتوقير أخويك العظيم
حقهما عليك فاتبع أمرهما ولا تقطع أمرا دونهما ثم قال أوصيكما به فإنه شقيقكما
وابن أبيكما وقد علمتما ان أباكما كان يحبه وقال للحسن أوصيك أي بنى بتقوى الله
وإقام الصلاة لوقتها وإيتاء الزكاة عند محلها وحسن الوضوء فإنه لا صلاة إلا بطهور
ولا تقبل صلاة من مانع زكاة وأوصيك بغفر الذنب وكظم الغيظ وصلة الرحم
والحلم عند الجهل والتفقه في الدين والتثبت في الامر والتعاهد للقرآن وحسن
الجوار والامر بالمعروف والنهى عن المنكر واجتناب الفواحش فلما
حضرته الوفاة أوصى فكانت وصيته (بسم الله الرحمن الرحيم) هذا ما أوصى به
علي بن أبي طالب أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا
عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون
ثم إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت
وأنا من المسلمين ثم أوصيك يا حسن وجميع ولدى وأهلي بتقوى الله وبكم
ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا فإني سمعت
أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول إن صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام
انظروا إلى ذوي أرحامكم فصلوهم يهون الله عليكم الحساب الله الله في الأيتام فلا تعنوا
أفواههم ولا يضيعن بحضرتكم والله الله في جيرانكم فإنهم وصية نبيكم صلى الله عليه
وسلم ما زال يوصى به حتى ظننا أنه سيورثه والله الله في القرآن فلا يسبقنكم إلى
العمل به غيركم والله الله في الصلاة فإنها عمود دينكم والله الله في بيت ربكم فلا
تخلوه ما بقيتم فإنه إن ترك لم يناظر والله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم
والله الله في الزكاة فإنها تطفئ غضب الرب والله الله في ذمة نبيكم فلا يظلمن بين
113

أظهركم والله الله في أصحاب نبيكم فان رسول الله أوصى بهم والله الله في الفقراء
والمساكين فأشركوهم في معايشكم والله الله فيما ملكت أيمانكم الصلاة الصلاة
لا تخافن في الله لومة لائم يكفيكم من أرادكم وبغى عليكم وقولوا للناس حسنا كما
أمركم الله ولا تتركوا الامر بالمعروف والنهى عن المنكر فيولى الامر شراركم
ثم تدعون فلا يستجاب لكم وعليكم بالتواصل والتباذل وإياكم والتدابر والتقاطع
والتفرق وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان واتقوا
الله إن الله شديد العقاب حفظكم الله من أهل بيت وحفظ فيكم نبيكم أستودعكم
الله وأقرأ عليكم السلام ورحمة الله ثم لم ينطق إلا بلا إله إلا الله حتى قبض رضي الله عنه
وذلك في شهر رمضان سنة 40 وغسله ابناه الحسن والحسين وعبد الله بن
جعفر وكفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص وكبر عليه الحسن تسع تكبيرات
ثم ولى الحسن ستة أشهر وقد كان على نهى الحسن عن المثلة وقال يا بنى عبد المطلب
لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين تقولون قتل أمير المؤمنين قتل أمير المؤمنين ألا
لا يقتلن إلا قاتلي انظر يا حسن إن أنا مت من ضربته هذه فاضربه ضربة بضربة
ولا تمثل بالرجل فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إياكم والمثلة ولو
أنها بالكلب العقور فلما قبض عليه السلام بعث الحسن إلى ابن ملجم فقال للحسن
هل لك في خصلة إني والله ما أعطيت الله عهدا إلا وفيت به إني كنت قد أعطيت
الله عهدا عند الحطيم أن أقتل عليا ومعاوية أو أموت دونهما فإن شئت خليت بيني
وبينه ولك الله على إن لم أقتله أو قتلته ثم بقيت أن آتيك حتى أضع يدي في يدك
فقال له الحسن أما والله حتى تعاين النار فلاثم قدمه فقتله ثم أخذه الناس فأدرجوه
في بواري ثم أحرقوه بالنار * وأما البرك بن عبد الله فإنه في تلك الليلة التي ضرب
فيها على قعد لمعاوية فلما خرج ليصلى الغداة شد عليه بسيفه فوقع السيف
في أليته فأخذ فقال إن عندي خبرا أسرك به فإن أخبرتك فنافعي ذلك عندك
قال نعم قال إن أخالى قتل عليا في مثل هذه الليلة قال فلعله لم يقدر على ذلك قال
بلى إن عليا يخرج ليس معه من يحرسه فأمر به معاوية فقتل وبعث معاوية إلى
114

الساعدي وكان طبيبا فلما نظر إليه قال اختر إحدى خصلتين إما أن أحمى حديدة
فأضعها موضع السيف وإما أن أسقيك شربة تقطع منك الولد وتبرأ منها فإن
ضربتك مسمومة فقال معاوية أما النار فلا صبر لي عليها وأما انقطاع الولد فان في
يزيد وعبد الله ما تقر به عيني فسقاه تلك الشربة فبرأ ولم يولد له بعدها وأمر معاوية
عند ذلك بالمقصورات وحرس الليل وقيام الشرط على رأسه إذا سجد * وأما عمرو
ابن بكر فجلس لعمرو بن العاص تلك الليلة فلم يخرج وكان اشتكى بطنه فأمر خارجة
ابن حذافة وكان صاحب شرطته وكان من بنى عامر بن لؤي فخرج ليصلى فشد عليه
وهو يرى أنه عمرو فضربه فقتله فأخذه الناس فانطلقوا به إلى عمرو يسلمون عليه
بالامرة فقال من هذا قالوا عمرو قال فمن قتلت قالوا خارجة بن حذافة قال أما
والله يا فاسق ما ظننته غيرك فقال عمرو أردتني وأراد الله خارجة فقدمه عمرو
فقتله فبلغ ذلك معاوية فكتب إليه:
وقتل وأسباب المنايا كثيرة * منية شيخ من لؤي بن غالب
فيا عمرو مهلا إنما أنت عمه * وصاحبه دون الرجال الأقارب
نجوت وقد بل المرادي سيفه * من ابن أبي شيخ الأباطح طالب
ويضربني بالسيف آخر مثله * فكانت علينا تلك ضربة لازب
وأنت تناغي كل يوم وليلة * بمصرك بيضا كالظباء السوارب
ولما انتهى إلى عائشة قتل علي رضي الله عنه قالت:
فألقت عصاها واستقرت بها النوى * كما قر عينا بالإياب المسافر
فمن قتله فقيل رجل من مراد فقالت:
فإن يك نائيا فلقد نعاه * غلام ليس في فيه التراب
فقالت زينب بنت أبي سلمة العلى تقولين هذا فقالت إني أنسى فإذا نسيت
فذكروني وكان الذي ذهب بنعيه سفيان بن عبد شمس بن أبي وقاص الزهري وقال
ابن أبي مياس المرادي في قتل على:
ونحن ضربنا يا لك الخير حيدرا * أبا حسن مأمومة فتفطرا
115

ونحن خلعنا ملكه من نظامه * بضربة سيف إذ علا وتجبرا
ونحن كرام في الصباح أعزة * إذا الموت بالموت ارتدى وتأزرا
وقال أيضا:
ولم أر مهرا ساقه ذو سماحة * كمهر قطام من فصيح وأعجم
ثلاثة آلاف وعبد وقينة * وضرب على بالحسام المصمم
فلا مهر أغلى من على وإن غلا * ولا قتل إلا دون قتل ابن ملجم
وقال أبو الأسود الدؤلي:
ألا أبلغ معاوية بن حرب * فلا قرت عيون الشامتينا
أفى شهر الصيام فجعتمونا * بخير الناس طرا أجمعينا
قتلتم خير من ركب المطايا * ورحلها ومن ركب السفينا
ومن لبس النعال ومن حذاها * ومن قرأ المثاني والمبينا
إذا استقبلت وجه أبى حسين * رأيت البدر راع الناظرينا
لقد علمت قريش حيث كانت * بأنك خيرها حسبا ودينا
(واختلف) في سنة يوم قتل فقال بعضهم قتل وهو ابن تسع وخمسين سنة
وحدثت عن مصعب بن عبد الله قال كان الحسن بن علي يقول قتل أبى وهو ابن
ثمان وخمسين سنة وحدثنا عن بعضهم قال قتل وهو ابن خمس وستين سنة
وحدثني أبو زيد قال حدثني أبو الحسن قال حدثني أيوب بن عمر بن أبي عمر عن
جعفر بن محمد قال قتل على وهو ابن ثلاث وستين سنة قال وذلك أصح ما قيل فيه
* حدثني عمر قال حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال حدثنا شريك عن أبي إسحاق
قال قتل علي عليه السلام وهو ابن ثلاث وستين سنة وقال هشام ولى على وهو
ابن ثمان وخمسين سنة وأشهر وكانت خلافته خمس سنين إلا ثلاثة أشهر ثم قتله
ابن ملجم واسمه عبد الرحمن بن عمرو في رمضان لسع عشرة مضت منه وكانت
ولايته أربع سنين وتسعة أشهر وقتل سنة 40 وهو ابن ثلاث وستين سنة
* وحدثني الحارث قال حدثني ابن سعد عن محمد بن عمر قال قتل علي عليه السلام
116

وهو ابن ثلاث وستين سنة صبيحة ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من شهر
رمضان سنة 40 ودفن عند مسجد الجماعة في قصر الامارة * حدثني الحارث
قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال ضرب علي عليه السلام ليلة
الجمعة فمكث يوم الجمعة وليلة السبت وتوفى ليلة الأحد لاحدى عشرة ليلة بقيت
من شهر رمضان سنة 40 وهو ابن ثلاث وستين سنة * وحدثني الحارث قال
حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثنا علي بن عمر وأبو بكر السبري
عن عبد الله بن محمد بن عقيل قال سمعت محمد بن الحنفية يقول سنة الجحاف دخلت
سنة 81 هذه ولى خمس وستون سنة قد جاوزت سن أبى قيل وكم كانت سنه
يوم قتل قال قتل وهو ابن ثلاث وستين سنة وقال الحارث قال ابن سعد قال محمد بن عمر
كذلك وهو الثبت عندنا
ذكر الخبر عن قدر مدة خلافته
* حدثني أحمد بن ثابت قال حدثت عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر
قال كانت خلافة على خمس سنين إلا ثلاثة أشهر * وحدثني الحارث قال
حدثني ابن سعد قال قال محمد بن عمر كانت خلافة على خمس سنين إلا ثلاثة
أشهر * حدثني أبو زيد قال قال أبو الحسن كانت ولاية على أربع سنين وتسعة
أشهر ويوما أو غير يوم
ذكر الخبر عن صفته
* حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثنا
أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة قال سألت
أبا جعفر محمد بن علي قلت ما كانت صفة علي عليه السلام قال رجل آدم شديد الأدمة
ثقيل العينين عظيمهما ذو بطن أصلع هو إلى القصر أقرب
ذكر نسبه عليه السلام
هو علي بن أبي طالب واسم أبى طالب عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن
عبد مناف وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم عبد مناف
117

ذكر الخبر عن أزواجه وأولاده
فأول زوجة تزوجها فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتزوج عليها
حتى توفيت عنده وكان لها منه من الولد الحسن والحسين ويذكر أنه كان لها منه
ابن آخر يسمى محسنا توفى صغيرا وزينب الكبرى وأم كلثوم الكبرى ثم تزوج
بعد أم البنين بنت حزام وهو أبو المجل بن خالد بن ربيعة بن الوحيد بن كعب
ابن عامر بن كلاب فولد لها منه العباس وجعفر وعبد الله وعثمان قتلوا مع الحسين
عليه السلام بكربلاء ولا بقية لهم غير العباس وتزوج ليلى ابنة مسعود بن خالد
ابن مالك بن ربعي بن سلمى بن جندل بن نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك
ابن زيد بن مناة تميم فولدت له عبيد الله وأبا بكر * فزعم هشام بن محمد أنهما
قتلا مع الحسين بالطف وأما محمد بن عمر فإنه زعم أن عبيد الله بن علي قتله المختار
ابن أبي عبيد بالمذار وزعم أنه لا بقية لعبيد الله ولا لأبي بكر ابني علي عليه السلام
وتزوج أسماء ابنة عميس الخثعمية فولدت له فيما حدثت عن هشام بن محمد يحيى
ومحمدا الأصغر وقال لا عقب لهما * وأما الواقدي فإنه قال فيما حدثني الحارث قال
حدثنا ابن سعد قال أخبرنا الواقدي أن أسماء ولدت لعلى يحيى وعونا ابني على ويقول
بعضهم محمد الأصغر لام ولد وكذلك قال الواقدي في ذلك وقال قتل محمد الأصغر
مع الحسين وله من الصهباء وهى أم حبيب بنت ربيعة بن بجير بن العبد بن علقمة
ابن الحارث بن عتبة بن سعد بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم
ابن تغلب بن وائل وهى أم ولد من السبى الذين أصابهم خالد بن الوليد حين أغار
على عين التمر على بنى تغلب بها عمر بن علي ورقية ابنة على فعمر عمر بن علي حتى
بلغ خمسا وثمانين سنة فحاز نصف ميراث علي عليه السلام ومات بينبع وتزوج
أمامة بنت أبي العاصي بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف وأمها
زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فولدت له محمدا الأوسط وله محمد بن علي
الأكبر الذي يقال له محمد بن الحنيفة أمه خولة ابنة جعفر بن قيس بن مسلمة
ابن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدول بن حنيفة بن لجيم بن صعب بن علي
118

ابن بكر بن وائل توفى بالطائف فصلى عليه ابن عباس وتزوج أم سعيد بنت عروة
ابن مسعود بن معتب بن مالك الثقفي فولدت له أم الحسن ورملة الكبرى وكان
له بنات من أمهات شتى لم يسم لنا أسماء أمهاتهن منهن أم هانئ وميمونة وزينب
الصغرى ورملة الصغرى وأم كلثوم الصغرى وفاطمة وأمامة وخديجة وأم الكرام
وأم سلمة وأم جعفر وحمانة ونفيسة بنات علي عليه السلام أمهاتهن أمهات أولاد
شتى وتزوج محياة ابنة امرئ القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم
من كلب فولدت له جارية هلكت وهى صغيرة (قال الواقدي) كانت تخرج إلى
المسجد وهى جارية فيقال لها من أخوالك فتقول وه وه تعنى كلبا فجميع ولد على
لصلبه أربعة عشر ذكرا وسبعة عشر امرأة * حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد
عن الواقدي قال كان النسل من ولد على لخمسة الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية
والعباس بن الكلابية وعمر بن التغلبية
ذكر ولاته
وكان واليه على البصرة في هذه السنة عبد الله بن العباس وقد ذكرنا اختلاف
المختلفين في ذلك واليه كانت الصدقات والجند والمعاون أيام ولايته كلها وكان
يستخلف بها إذا شخص عنها على ما قد ثبت قبل وكان على قضائها من قبل على
أبو الأسود الدؤلي وقد ذكرت ما كان من توليته زيادا عليها ثم إشخاصه إياه إلى فارس
لحربها وخراجها فقتل وهو بفارس وعلى ما كان وجهه عليه وكان عامله على البحرين
وما يليها واليمن ومحاليفها عبيد الله بن العباس حتى كان من أمره وأمر بسر بن أبي
أرطاة ما قد مضى ذكره وكان عامله على الطائف ومكة وما اتصل بذلك قثم بن
العباس وكان عامله على المدينة أبو أيوب الأنصاري وقيل سهل بن حنيف حتى كان
من أمره عند قدوم بسر ما قد ذكر قبل
ذكر بعض سيره عليه السلام
* حدثني يونس بن عبد الاعلى قال أخبرنا وهب قال أخبرني ابن أبي ذئب
عن عباس بن الفضل مولى بني هاشم عن أبيه عن جده ابن أبي رافع انه كان خازنا لعلى
119

عليه السلام على بيت المال قال فدخل يوما وقد زينت ابنته فرأى عليها لؤلؤة من بيت
المال قد كان عرفها فقال من أين لها هذه لله على أن أقطع يدها قال فلما رأيت جده
في ذلك قلت أنا والله يا أمير المؤمنين زينت بها ابنة أخي ومن أين كانت تقدر عليها
لو لم أعطها فسكت * حدثني إسماعيل بن موسى الفزاري قال حدثنا عبد السلام بن
حرب عن ناجية القرشي عن عمه يزيد بن عدي بن عثمان قال رأيت عليا عليه السلام
خارجا من همدان فرأى فئتين يقتتلان ففرق بينهما ثم مضى فسمع صوتا يا غوثا بالله
فخرج يحضر نحوه حتى سمعت خفق نعله وهو يقول أتاك الغوث فإذا رجل يلازم
رجلا فقال يا أمير المؤمنين بعت هذا ثوبا بتسعة دراهم وشرطت عليه أن لا يعطيني
مغموزا ولا مقطوعا وكان شرطهم يومئذ فأتيته بهذه الدراهم ليبد لها لي فأبى فلزمته
فلطمى فقال أبد له فقال بينتك على اللطمة فأتاه بالبينة فاقعده ثم قال دونك فاقتص
فقال إني قد عفوت يا أمير المؤمنين قال إنما أردت أن أحتاط في حقك ثم ضرب
الرجل تسع درات وقال هذا حق السلطان * حدثني محمد بن عمارة الأسدي قال
حدثنا عثمان بن عبد الرحمن الأصبهاني قال حدثنا المسعودي عن ناجية عن أبيه
قال كنا قياما على باب القصر إذ خرج على علينا فلما رأيناه تنحينا عن وجهه
هيبة له فلما جاز صرنا خلفه فبينا هو كذلك إذ نادى رجل يا غوثا بالله فإذا رجلان
يقتتلان فلكز صدر هذا وصدر هذا ثم قال لهما تنحيا فقال أحمدهما يا أمير المؤمنين ان
هذا اشترى منى شاة وقد شرطت عليه أن لا يعطيني مغموزا ولا محذفا فأعطاني درهما
مغموزا فرددته عليه فلطمني فقال للآخر ما تقول قال صدق يا أمير المؤمنين قال فأعطه
شرطه ثم قال للاطم اجلس وقال للملطوم اقتص قال أو أعفو يا أمير المؤمنين
قال ذاك إليك قال فلما جاز الرجل قال على يا معشر المسلمين خذوه قال فأخذوه
فحمل على ظهر رجل كما يحمل صبيان الكتاب ثم ضربه خمس عشرة درة ثم قال
هذا نكال لما انتهكت من حرمته * حدثني ابن سنان القزاز قال حدثنا
أبو عاصم قال حدثنا سكين بن عبد العزيز قال أخبرنا حفص بن خالد قال حدثني أبي
خالد بن جابر قال سمعت الحسن يقول لما قتل علي عليه السلام وقد قام خطيبا
120

فقال لقد قتلتم الليلة رجلا في ليلة فيها نزل القرآن وفيها رفع عيسى ابن مريم عليه
السلام وفيها قتل يوشع بن نون فتى موسى عليهما السلام والله ما سبقه أحد كان
قبله ولا يدركه أحد يكون بعده والله إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبعثه
في السرية وجبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره والله ما ترك صفراء ولا بيضاء
الا ثمانمائة أو سبعمائة أرصدها لخادمه
ذكر بيعة الحسن بن علي
(وفى هذه السنة) أعنى سنة 40 بويع للحسن بن علي عليه السلام بالخلافة
وقيل إن أول من بايعه قيس بن سعد قال له ابسط يدك أبايعك على كتاب الله
عز وجل وسنة نبيه وقتال المحلين فقال له الحسن رضي الله عنه على كتاب الله
وسنة نبيه فان ذلك يأتي من وراء كل شرط فبايعه وسكت وبايعه الناس
* وحدثني عبد الله بن أحمد بن متويه المروذي قال حدثنا أبي قال حدثنا سليمان
قال حدثنا عبد الله عن يونس عن الزهري قال جعل علي عليه السلام قيس
ابن سعد على مقدمته من أهل العراق إلى قبل آذربيجان وعلى أرضها وشرطة
الخميس التي ابتدعتها العرب وكانوا أربعين ألفا بايعوا عليا عليه السلام على الموت
ولم يزل قيس يدارئ ذلك البعث حتى قتل علي عليه السلام واستخلف أهل
العراق الحسن بن علي عليه السلام على الخلافة وكان الحسن لا يرى القتال
ولكنه يريد أن يأخذ لنفسه ما استطاع من معاوية ثم يدخل في الجماعة وعرف
الحسن أن قيس بن سعد لا يوافقه على رأيه فنزعه وأمر عبد الله بن عباس
فلما علم عبد الله بن عباس بالذي يريد الحسن عليه السلام أن يأخذه لنفسه
كتب إلى معاوية يسأله الأمان ويشترط لنفسه على الأموال التي أصابها فشرط ذلك
له معاوية * وحدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال حدثنا عثمان بن عبد الحميد
أو ابن عبد الرحمن المجازى الخزاعي أبو عبد الرحمن قال حدثنا إسماعيل بن راشد قال
بايع الناس الحسن بن علي عليه السلام بالخلافة ثم خرج بالناس حتى نزل
المدائن وبعث قيس بن سعد على مقدمته في اثنى عشر ألفا وأقبل معاوية في أهل
121

الشأم حتى نزل مسكن فبينا الحسن في المدائن إذ نادى مناد في العسكر ألا إن
قيس بن سعد قد قتل فانفروا فنفروا ونهبوا سرادق الحسن عليه السلام حتى
نازعوه بساطا كان تحته وخرج الحسن حتى نزل المقصورة البيضاء بالمدائن وكان عم
المختار بن أبي عبيد عاملا على المدائن وكان اسمه سعد بن مسعود فقال له المختار
وهو غلام شاب هل لك في الغنى والشرف قال وما ذاك قال توثق الحسن وتستأمن
به إلى معاوية فقال له سعد عليك لعنة الله أثب على ابن بنت رسول الله صلى الله
عليه وسلم فأوثقه بئس الرجل أنت فلما رأى الحسن عليه السلام تفرق الامر عنه
بعث إلى معاوية يطلب الصلح وبعث معاوية إليه عبد الله بن عامر وعبد الرحمن
ابن سمرة بن حبيب بن عبد شمس فقدما على الحسن بالمدائن فأعطياه ما أراد وصالحاه
على أن يأخذ من بيت مال الكوفة خمسة آلاف ألف في أشياء اشترطها ثم قام
الحسن في أهل العراق فقال يا أهل العراق إنه سخى بنفسي عنكم ثلاث قتلكم أبى
وطعنكم إياي وانتهابكم متاعي ودخل الناس في طاعة معاوية ودخل معاوية
الكوفة فبايعه الناس قال زياد بن عبد الله عن عوانة وذكر نحو حديث
المسروقي عن عثمان بن عبد الرحمن هذا وزاد فيه وكتب الحسن إلى معاوية في
الصلح وطلب الأمان وقال الحسن للحسين ولعبد الله بن جعفر إني قد كتبت إلى
معاوية في الصلح وطلب الأمان فقال له الحسين نشدتك الله أن تصدق أحدوثة
معاوية وتكذب أحدوثة على فقال له الحسن اسكت فأنا أعلم بالامر منك فلما
انتهى كتاب الحسن بن علي عليه السلام إلى معاوية أرسل معاوية عبد الله بن
عامر وعبد الرحمن بن سمرة فقدما المدائن وأعطيا الحسن ما أراد فكتب الحسن
إلى قيس بن سعد وهو على مقدمته في اثنى عشر ألفا يأمره بالدخول في طاعة
معاوية فقام قيس بن سعد في الناس فقال يا أيها الناس اختاروا الدخول في طاعة
إمام ضلالة أو القتال مع غير إمام قالوا لا بل نختار أن ندخل في طاعة إمام ضلالة
فبايعوا لمعاوية وانصرف عنهم قيس بن سعد وقد كان صالح الحسن معاوية على
أن جعل له ما في بيت ماله وخراج دار ابجرد على أن لا يشتم على وهو يسمع
122

فأخذ ما في بيت ماله بالكوفة وكان فيه خمسة آلاف ألف (وحج بالناس) في
هذه السنة المغيرة بن شعبة * حدثني موسى بن عبد الرحمن قال حدثنا عثمان
ابن عبد الرحمن الخزاعي أبو عبد الرحمن قال أخبرنا إسماعيل بن راشد قال لما
حضر الموسم يعنى في العام الذي قتل فيه علي عليه السلام كتب المغيرة بن شعبة
كتابا افتعله على لسان معاوية فأقام للناس الحج سنة 40 ويقال إنه عرف يوم
التروية ونحر يوم عرفة خوفا أن يفطن بمكانه وقد قيل إنه إنما فعل ذلك المغيرة لأنه
بلغه أن عتبة بن أبي سفيان مصبحه واليا على الموسم فعجل الحج من أجل ذلك (وفى
هذه السنة) بويع لمعاوية بالخلافة بإيلياء حدثني بذلك موسى بن عبد الرحمن قال
حدثنا عثمان بن عبد الرحمن قال أخبرنا إسماعيل بن راشد وكان قبل يدعى بالشام
أميرا وحدثت عن أبي مسهر عن سعيد بن عبد العزيز قال كان علي عليه السلام
يدعى بالعراق أمير المؤمنين وكان معاوية يدعى بالشام الأمير فلما قتل علي عليه
السلام دعى معاوية أمير المؤمنين
ثم دخلت سنة إحدى وأربعين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمما كان فيها من ذلك تسليم الحسن بن علي عليه السلام الامر إلى معاوية ودخول
معاوية الكوفة وبيعة أهل الكوفة معاوية بالخلافة
ذكر الخبر بذلك
* حدثني عبد الله بن أحمد المروذي قال أخبرني أبي قال حدثنا سليمان قال
حدثني عبد الله عن يونس عن الزهري قال بايع أهل العراق الحسن بن علي بالخلافة
فطفق يشترط عليهم الحسن إنكم سامعون مطيعون تسالمون من سالمت وتحاربون
من حاربت فارتاب أهل العراق في أمرهم حين اشترط عليهم هذا الشرط وقالوا
ما هذا لكم بصاحب وما يريد هذا القتال فلم يلبث الحسن عليه السلام بعدما بايعوه
إلا قليلا حتى طعن طعنة أشوته فازداد لهم بغضا وازداد منهم ذعرا فكاتب
123

معاوية وأرسل إليه بشروط قال إن أعطيتني هذا فأنا سامع مطيع وعليك أن تفي لي
به ووقعت صحيفة الحسن في يد معاوية وقد أرسل معاوية قبل هذا إلى الحسن بصحيفة
بيضاء مختوم على أسفلها وكتب إليه أن اشترط في هذه الصحيفة التي ختمت أسفلها
ما شئت فهو لك فلما أتت الحسن اشترط أضعاف الشروط التي سأل معاوية قبل
ذلك وأمسكها عنده وأمسك معاوية صحيفة الحسن عليه السلام التي كتب إليه يسأله
ما فيها فلما التقى معاوية والحسن عليه السلام سأله الحسن أن يعطيه الشروط التي
شرط في السجل الذي ختم معاوية في أسفله فأبى معاوية أن يعطيه ذلك فقال لك
ما كنت كتبت إلى أولا تسألني أن أعطيكه فانى قد أعطيتك حين جاءني كتابك
قال الحسن عليه السلام وأنا قد اشترطت حين جاءني كتابك وأعطيتني العهد على
الوفاء بما فيه فاختلفا في ذلك فلم ينفذ للحسن عليه السلام من الشروط شيئا
وكان عمرو بن العاص حين اجتمعوا بالكوفة قد كلم معاوية وأمره أن يأمر الحسن
أن يقوم ويخطب الناس فكره ذلك معاوية وقال ما تريد إلى أن أخطب
الناس فقال عمرو لكني أريد أن يبدو عيه للناس فلم يزل عمرو بمعاوية حتى أطاعه
فخرج معاوية فخطب الناس ثم أمر رجلا فنادى الحسن بن علي عليه السلام فقال قم
يا حسن فكلم الناس فتشهد في بديهة أمر لم يرو فيه ثم قال أما بعد يا أيها الناس فان
الله قد هداكم بأولنا وحقن دماءكم بآخرنا وإن لهذا الامر مدة والدنيا دول وإن
الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم " وإن أدرى لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين " فلما
قالها قال معاوية اجلس فلم يزل ضرما على عمرو وقال هذا من رأيك ولحق الحسن
عليه السلام بالمدينة * حدثني عمر قال حدثنا علي بن محمد قال سلم الحسن بن علي
عليه السلام إلى معاوية الكوفة ودخلها معاوية لخمس بقين من ربيع الأول ويقال
من جمادى الأولى سنة 41 (وفى هذه السنة) جرى الصلح بين معاوية وقيس بن
سعد بعد امتناع قيس من بيعته
ذكر الخبر بذلك
* حدثني عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثني سليمان بن الفضل
124

قال حدثني عبد الله عن يونس عن الزهري قال لما كتب عبد الله بن عباس حين
علم ما يريد الحسن من معاوية من طلب الأمان لنفسه إلى معاوية يسأله الأمان
ويشترط لنفسه على الأموال التي قد أصاب فشرط ذلك له معاوية وبعث إليه
معاوية بن عامر في خيل عظيمة فخرج إليهم عبد الله ليلا حتى لحق بهم ونزل
وترك جنسده الذي هو عليه لا أمير لهم فيهم قيس بن سعد واشترط الحسن عليه
السلام لنفسه ثم بايع معاوية وأمرت شرطة الخميس قيس بن سعد على أنفسهم
وتعاهدوا هو وهم على قتال معاوية حتى يشترط لشيعة علي عليه السلام ولمن كان
اتبعه على أموالهم ودمائهم وما أصابوا في الفتنة فخلص معاوية حين فرغ من
عبد الله بن عباس والحسن عليه السلام إلى مكايدة رجل هو أهم الناس عنده
مكايدة ومعه أربعون ألفا وقد نزل معاوية بهم وعمرو وأهل الشأم وأرسل
معاوية إلى قيس بن سعد يذكره الله ويقول على طاعة من تقاتل وقد بايعني الذي
أعطيته طاعتك فأبى قيس أن يلين له حتى أرسل إليه معاوية بسجل قد ختم عليه
في أسفله فقال اكتب في هذا السجل ما شئت فهو لك قال عمرو لمعاوية لا تعطه
هذا وقاتله فقال معاوية على رسلك فانا لا نخلص إلى قتل هؤلاء حتى يقتلوا أعدادهم
من أهل الشأم فما خير العيش بعد ذلك وإني والله لا أقاتله أبدا حتى لا أجد من
قتاله بدا فلما بعث إليه معاوية بذلك السجل اشترط قيس فيه له ولشيعة على
الأمان على ما أصابوا من الدماء والأموال ولم يسأل معاوية في سجله ذلك مالا
وأعطاه معاوية ما سأل فدخل قيس ومن معه في طاعته وكانوا يعدون دهاة الناس
حين ثارت الفتنة خمسة رهط فقالوا ذوو رأى العرب ومكيدتهم معاوية بن أبي سفيان
وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وقيس بن سعد ومن المهاجرين عبد الله بن بديل
الخزاعي وكان قيس وابن بديل مع علي عليه السلام وكان المغيرة بن شعبة وعمرو مع
معاوية إلا أن المغيرة كان معتزلا بالطائف حتى حكم الحكمان فاجتمعوا بأذرح *
وقيل إن الصلح تم بين الحسن عليه السلام ومعاوية في هذه السنة في شهر ربيع
الآخر ودخل معاوية الكوفة في غرة جمادى الأولى من هذه السنة وقيل دخلها في شهر
125

ربيع الآخر وهذا قول الواقدي (وفى هذه السنة) دخل الحسن والحسين ابنا علي عليه
السلام منصرفين من الكوفة إلى المدينة
ذكر الخبر بذلك
ولما وقع الصلح بين الحسن عليه السلام وبين معاوية بمسكن قام فيها حدثت
عن زياد البكائي عن عوانة خطيبا في الناس فقال يا أهل العراق إنه سخى بنفسي
عنكم ثلاث قتلكم أبى وطعنكم إياي وانتهابكم متاعي قال ثم إن الحسن والحسين
وعبد الله بن جعفر خرجوا بحشمهم وأثقالهم حتى أتوا الكوفة فلما قدمها الحسن
وبرأ من جراحته خرج إلى مسجد الكوفة فقال يا أهل الكوفة اتقوا الله في
جيرانكم وضيفانكم وفى أهل بيت نبيكم صلى الله عليه وسلم الذين أذهب الله
عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا فجعل الناس يبكون ثم تحملوا إلى المدينة قال وحال
أهل البصرة بينه وبين خراج درابجرد وقالوا فيؤنا فلما خرج إلى المدينة تلقاه
ناس بالقادسية فقالوا يا مذل العرب (وفيها) خرجت الخوارج التي اعتزلت
أيام علي عليه السلام بشهرزور على معاوية
ذكر خبرهم
* حدثت عن زياد عن عوانة قال قدم معاوية قبل أن يبرح الحسن من
الكوفة حتى نزل النخيلة فقالت الحرورية الخمسمائة التي كانت اعتزلت بشهرزور مع
فروة بن نوفل الأشجعي قد جاء الآن ما لا شك فيه فسيروا إلى معاوية فجاهدوه فأقبلوا
وعليهم فروة بن نوفل حتى دخلوا الكوفة فأرسل إليهم معاوية خيلا من خيل أهل
الشأم فكشفوا أهل الشأم فقال معاوية لأهل الكوفة لا أمان لكم والله عندي حتى
تكفوا بوائقكم فخرج أهل الكوفة إلى الخوارج فقاتلوهم فقالت لهم الخوارج ويلكم
ما تبغون منا أليس معاوية عدونا وعدوكم دعونا حتى نقاتله وإن أصبناه كنا قد
كفيناكم عدوكم وإن أصابنا كنتم قد كفيتمونا قالوا لا والله حتى نقاتلكم فقالوا رحم
الله إخواننا من أهل النهر هم كانوا أعلم بكم يا أهل الكوفة وأخذت أشجع صاحبهم
فروة بن نوفل وكان سيد القوم واستعملوا عليهم عبد الله بن أبي الحر رجلا من
126

طيئ فقاتلوهم فقتلوا واستعمل معاوية عبد الله بن عمرو بن العاص على الكوفة
فأتاه المغيرة بن شعبة وقال لمعاوية استعملت عبد الله بن عمرو على الكوفة وعمرا
على مصر فتكون أنت بين لحيى الأسد فعزله عنها واستعمل المغيرة بن شعبة على
الكوفة وبلغ عمرا ما قال المغيرة لمعاوية فدخل عمرو على معاوية فقال استعملت
المغيرة على الكوفة فقال نعم فقال أجعلته على الخراج فقال نعم قال تستعمل المغيرة
على الخراج فيغتال المال فيذهب فلا تستطيع أن تأخذ منه شيئا استعمل على
الخراج من يخافك ويهابك ويتقيك فعزل المغيرة عن الخراج واستعمله على الصلاة
فلقى المغيرة عمرا فقال أنت المشير على أمير المؤمنين بما أشرت به في عبد الله قال نعم
قال هذه بتلك ولم يكن عبد الله بن عمرو بن العاص مضى فيما بلغني إلى الكوفة
ولا أتاها (وفى هذه السنة) غلب حمران بن أبان على البصرة فوجه إليه معاوية
بسرا وأمره بقتل بنى زياد
ذكر الخبر عما كان من أمره في ذلك
* حدثني عمر بن شبة قال حدثني علي بن محمد قال لما صالح الحسن بن علي
عليه السلام معاوية أول سنة 41 وثب حمران بن أبان على البصرة فأخذها وغلب
عليها فأراد معاوية أن يبعث رجلا من بنى القين إليها فكلمه عبد الله بن عباس ألا
يفعل ويبعث غيره فبعث بسر بن أبي أرطاة وزعم أنه أمره بقتل بنى زياد
* فحدثني مسلمة بن محارب قال أخذ بعض بنى زياد فحبسه وزياد يومئذ بفارس
كان علي عليه السلام بعثه إليها إلى أكراد خرجوا بها فظفر بهم زياد وأقام بإصطخر
قال فركب أبو بكرة إلى معاوية وهو بالكوفة فاستأجل بسرا فأجله أسبوعا
ذاهبا وراجعا فسار سبعة أيام فقتل تحته دابتين فكلمه فكتب معاوية بالكف
عنهم قال وحدثني بعض علمائنا أن أبا بكرة أقبل في اليوم السابع وقد طلعت
الشمس وأخرج بسر بنى زياد ينتظر بهم غروب الشمس ليقتلهم إذا وجبت
فاجتمع الناس لذلك وأعينهم طامحة ينتظرون أبا بكرة إذ رفع لهم على نجيب أو برذون
يكده ويجهده فقام عليه فنزل عنه وألاح بثوبه وكبر وكبر الناس فأقبل يسعى
127

على رجليه حتى أدرك بسرا قبل أن يقتلهم فدفع إليه كتاب معاوية فأطلقهم
* حدثني عمر قال حدثنا علي بن محمد قال خطب بسر على منبر البصرة فشتم عليا
عليه السلام ثم قال نشدت الله رجلا علم أنى صادق إلا صدقني أو كاذب إلا كذبني
قال فقال أبو بكرة اللهم إنا لا نعلمك إلا كاذبا قال فأمر به فخنق قال فقام أبو لؤلؤة
الضبي فرمى بنفسه عليه فمنعه فأقطعه أبو بكرة بعد ذلك مائة جريب قال وقيل
لأبي بكرة ما أردت إلى ما صنعت قال أيناشدنا بالله ثم لا نصدقه قال فأقام بسر
بالبصرة ستة أشهر ثم شخص لا نعلمه ولى شرطته أحدا * حدثني أحمد بن زهير
قال حدثنا علي بن محمد قال أخبرني سليمان بن بلال عن الجارود بن أبي
سبرة قال صالح الحسن عليه السلام معاوية وشخص إلى المدينة فبعث معاوية
بسر بن أبي أرطاة إلى البصرة في رجب سنة 41 وزياد متحصن بفارس
فكتب معاوية إلى زياد إن في يديك مالا من مال الله وقد وليت ولاية
فأد ما عندك من المال فكتب إليه زياد إنه لم يبق عندي شئ من المال وقد
صرفت ما كان عندي في وجهه واستودعت بعضه قوما لنازلة إن نزلت وحملت
ما فضل إلى أمير المؤمنين رحمة الله عليه فكتب إليه معاوية أن أقبل
إلى ننظر فيما وليت وجرى على يديك فان استقام بنا أمر فهو ذاك وإلا رجعت
إلى مأمنك فلم يأته زياد فأخذ بسر بنى زياد الأكابر منهم فحبسهم عبد الرحمن
وعبيد الله وعبادا وكتب إلى زياد لتقدمن على أمير المؤمنين أو لأقتلن بنيك فكتب الله
زياد لست بارحا من مكاني الذي أنا به حتى يحكم الله بيني وبين صاحبك فان قتلت من في
يديك من ولدى فالمصير إلى الله سبحانه ومن ورائنا وورائكم الحساب وسيعلم
الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون فهم بقتلهم فأتاه أبو بكرة فقال أخذت ولدى
وولد أخي غلمانا بلا ذنب وقد صالح الحسن معاوية على أمان أصحاب على حيث
كانوا فليس على لك هؤلاء ولا على أبيهم سبيل قال إن على أخيك أموالا قد أخذها
فامتنع من أدائها قال ما عليه شئ فاكفف عن بنى أخي حتى آتيك بكتاب من
معاوية بتخليتهم فأجله أياما قال له إن أتيتني بكتاب معاوية بتخليتهم وإلا قتلتهم
128

أو يقبل زياد إلى أمير المؤمنين قال فأتى أبو بكرة معاوية فكلمه في زياد وبنيه
وكتب معاوية إلى بسر بالكف عنه وتخلية سبيلهم فخلاهم * حدثني أحمد بن علي
قال حدثنا على قال أخبرني شيخ من ثقيف عن بسر بن عبيد الله قال خرج أبو بكرة
إلى معاوية بالكوفة فقال له معاوية يا أبا بكرة أزائرا جئت أم دعتك إلينا حاجة
قال لا أقول باطلا ما أتيت إلا في حاجة قال تشفع يا أبا بكرة ونرى لك بذلك فضلا
وأنت لذلك أهل فما هو قال تؤمن أخي زيادا وتكتب إلى بسر بتخلية ولده
وبترك التعرض لهم فقال أما بنو زياد فكتب لك فيهم ما سألت وأما زياد ففي
يده مال للمسلمين فإذا أداه فلا سبيل لنا عليه قال يا أمير المؤمنين إن يكن عنده
شئ فليس يحبسه عنك إن شاء الله فكتب معاوية لأبي بكرة إلى بسر ألا يتعرض
لاحد من ولد زياد فقال معاوية لأبي بكرة أتعهد إلينا عهدا يا أبا بكرة قال نعم
أعهد إليك يا أمير المؤمنين أن تنظر لنفسك ورعيتك وتعمل صالحا فإنك قد تقلدت
عظيما خلافة الله في خلفه فاتق الله فإن لك غاية لا تعدوها ومن ورائك طالب
حثيث فأوشك أن تبلغ المدى فيلحق الطالب فتصير إلى من يسألك عما كنت فيه
وهو أعلم به منك وإنما هي محاسبة وتوقيف فلا تؤثرن على رضا الله عز وجل
شيئا * حدثني أحمد قال حدثنا على عن سلمة بن عثمان قال كتب بسر إلى زياد لئن
لم تقدم لأصلبن بنيك فكتب إليه إن تفعل فأهل ذاك أنت إنما بعث بك ابن
آكلة الأكباد فركب أبو بكرة إلى معاوية فقال يا معاوية إن الناس لم يعطوك
بيعتهم على قتل الأطفال قال وما ذاك يا أبا بكرة قال بسر يريد قتل أولاد زياد
فكتب معاوية إلى بسر أن خل من بيدك من ولد زياد وكان معاوية قد كتب إلى
زياد بعد قتل علي عليه السلام يتوعده * فحدثني عمر بن شبة قال حدثني على عن
حبان بن موسى عن المجالد عن الشعبي قال كتب معاوية حين قتل علي عليه
السلام إلى زياد يتهدده فقام خطيبا فقال العجب من ابن آكلة الأكباد وكهف
النفاق ورئيس الأحزاب كتب إلى يتهددني وبيني وبينه ابنا عم رسول الله صلى الله
عليه وسلم يعنى ابن عباس والحسن بن علي في تسعين ألفا واضعي سيوفهم على
129

عواتقهم لا ينثنون لئن خلص إلى الامر ليجدني أحمز ضرابا بالسيف فلم يزل
زياد بفارس واليا حتى صالح الحسن عليه السلام معاوية وقدم معاوية الكوفة
فتحصن زياد في القلعة التي يقال لها قلعة زياد (وفى هذه السنة) ولى معاوية
عبد الله بن عامر البصرة وحرب سجستان وخراسان
ذكر الخبر عن سبب ولايته ذلك وبعض الكائن في أيام عمله لمعاوية بها
* حدثني أبو زيد قال حدثنا على قال أراد معاوية توجيه عتبة بن أبي سفيان
على البصرة فكلمه ابن عامر وقال إن لي بها أموالا وودائع فإن لم توجهني عليها
ذهبت فولاه البصرة فقدمها في آخر سنة 41 واليه خراسان وسجستان فأراد زيد
ابن جبلة على ولاية شرطته فأبى فولى حبيب بن شهاب الشامي شرطته وقد قيل
قيس بن الهيثم السلمي واستقضى عميرة بن يثربي الضبي أخا عمرو بن يثربي الضبي
* حدثني أبو زيد قال حدثنا علي بن محمد قال خرج في ولاية ابن عامر لمعاوية
يزيد بن مالك الباهلي وهو الخطيم وإنما سمى الخطيم لضربة أصابته على وجهه فخرج
هو وسهم بن غالب الهجيمي فأصبحوا عند الجسر فوجدوا عبادة بن قرص الليثي
أحد بنى بجير وكانت له صحبة يصلى عند الجسر فأنكروه فقتلوه ثم سألوه الأمان
بعد ذلك فآمنهم ابن عامر وكتب إلى معاوية إني قد جعلت لهم ذمتك فكتب
إليه معاوية تلك ذمة لو أخفرتها لا سئلت عنها فلم يزالوا آمنين حتى عزل ابن عامر
(وفى هذه السنة) ولد علي بن عبد الله بن عباس وقيل ولد في سنة 40 قبل أن يقتل
علي عليه السلام وهذا قول الواقدي (وحج بالناس) في هذه السنة عتبة بن أبي
سفيان في قول أبى معشر حدثني بذلك أحمد بن ثابت عمن حدثه عن إسحاق بن عيسى
عنه وأما الواقدي فإنه ذكر عنه أنه كان يقول حج بالناس في هذه السنة أعنى
سنة 41 عنبسة بن أبي سفيان
ثم دخلت سنة اثنتين وأربعين
ذكر ما كان فيها من الاحداث
ففيها غزا المسلمون اللان وغزوا أيضا الروم فهزموهم هزيمة منكرة فيما ذكروا
130

وقتلوا جماعة من بطارقتهم (وقيل) في هذه السنة ولد الحجاج بن يوسف وولى
معاوية في هذه مروان بن الحكم المدينة فاستقضى مروان عبد الله بن الحارث بن نوفل
وعلى مكة خالد بن العاص بن هشام وكان على الكوفة من قبله المغيرة بن شعبة وعلى
القضاء شريح وعلى البصرة عبد الله بن عامر وعلى قضائها عمرو بن يثربي وعلى
خراسان قيس بن الهيثم من قبل عبد الله بن عامر وذكر علي بن محمد عن محمد بن
الفضل العبسي عن أبيه قال بعث عبد الله بن عامر قيس بن الهيثم على خراسان
حين ولاه معاوية البصرة وخراسان فأقام قيس بخراسان سنتين (وقد قيل)
في أمر ولاية قيس ما ذكره حمزة بن صالح السلمي عن زياد بن صالح قال بعث معاوية
حين استقامت له الأمور قيس بن الهيثم إلى خراسان ثم ضمها إلى ابن عامر فترك
قيسا عليها (وفى هذه السنة) تحركت الخوارج الذين انحازوا عمن قتل منهم
بالنهروان ومن كان ارتث من جرحاهم بالنهروان فبرؤا وعفا عنهم علي بن أبي
طالب رضي الله عنه
ذكر الخبر عما كان منهم في هذه السنة
ذكر هشام بن محمد عن أبي مخنف قال حدثني النضر بن صالح بن حبيب عن جرير بن
مالك بن زهير بن جذيمة العبسي عن أبي بن عمار العبسي أن حيان بن ظبيان السلمي كان يرى
رأى الخوارج وكان ممن ارتث يوم النهروان فعفا عنه علي عليه السلام في الأربعمائة
الذين كان عفا عنهم من المرتثين يوم النهر فكان في أهله وعشيرته فلبث شهرا
أو نحوه ثم إنه خرج إلى الري في رجال كانوا يرون ذلك الرأي فلم يزالوا مقيمين
بالري حتى بلغهم قتل علي كرم الله وجهه فدعا أصحابه أولئك وكانوا بضعة عشر
رجلا أحدهم سالم بن ربيعة العبسي فأتوه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الاخوان
من المسلمين إنه قد بلغني أن أخاكم ابن ملجم أخا مراد قعد لقتل علي بن أبي طالب
عند أغباش الصبح مقابل السدة التي في المسجد مسجد الجماعة فلم يبرح راكدا
ينتظر خروجه حتى خرج عليه حين أقام المقيم الصلاة صلاة الصبح فشد عليه
فضرب رأسه بالسيف فلم يبق إلا ليلتين حتى مات فقال سالم بن ربيعة العبسي
131

لا يقطع الله يمينا علت قذاله بالسيف قال فأخذ القوم يحمدون الله على قتله عليه
السلام ورضى الله عنه ولا رضى عنهم ولا رحمهم قال النضر بن صالح فسألت
بعد ذلك سالم بن ربيعة في إمارة مصعب بن الزبير عن قوله ذلك في علي عليه السلام
فأقر لي به وقال كنت أرى رأيهم حينا ولكن قد تركته قال فكان في أنفسنا انه
قد تركه قال فكان إذ ذكروا له ذلك يرمضه قال ثم إن حيان بن ظبيان قال
لأصحابه إنه والله ما يبقى على الدهر باق وما يلبث الليالي والأيام والسنون والشهور
على ابن آدم حتى يذيقه الموت فيفارق الاخوان الصالحين ويدع الدنيا التي لا يبكى
عليها إلا العجزة ولم تزل ضارة لمن كانت له هما وشجنا فانصرفوا بنا رحمكم الله إلى
مصرنا فلنأت إخواننا فلندعهم إلى الامر بالمعروف والنهى عن المنكر وإلى جهاد
الأحزاب فإنه لا عذر لنا في القعود وولاتنا ظلمة وسنة الهدى متروكة وثأرنا
الذين قتلوا إخواننا في المجالس آمنون فإن يظفرنا الله بهم نعمد بعد إلى التي هي
أهدى وأرضى وأقوم ويشفى الله بذلك صدور قوم مؤمنين وإن نقتل فإن في
مفارقة الظالمين راحة لنا ولنا بأسلافنا أسوة فقالوا له كلنا قائل ما ذكرت وحامد
رأيك الذي رأيت فرد بنا المصر فإنا معك راضون بهداك وأمرك فخرج وخرجوا
معه مقبلين إلى الكوفة فذلك حين يقول
خليلي ما بي من عزاء ولا صبر * ولا إربة بعد المصابين بالنهر
سوى نهضات في كتائب جمة * إلى الله ما تدعو وفى الله ما تفرى
إذا جاوزت قسطانة الري بغلتي * فلست بسار نحوها آخر الدهر
ولكنني سار وإن قل ناصري * قريبا فلا أخزيكما مع من يسرى
قال وأقبل حتى نزل الكوفة فلم يزل بها حتى قدم معاوية وبعث المغيرة بن شعبة
واليا على الكوفة فأحب العافية وأحسن في الناس السيرة ولم يفتش أهل الأهواء
عن أهوائهم وكان يؤتى فيقال له إن فلانا يرى رأى الشيعة وإن فلانا يرى
رأى الخوارج وكان يقول قضى الله ألا تزالون مختلفين وسيحكم الله بين عباده
فيما كانوا فيه يختلفون فأمنه الناس وكانت الخوارج يلقى بعضهم بعضا ويتذاكرون
132

مكان إخوانهم بالنهروان ويرون أن في الإقامة الغبن والوكف وأن في الجهاد
أهل القبلة الفضل والاجر * قال أبو مخنف فحدثني النضر بن صالح عن أبي بن
عمارة أن الخوارج في أيام المغيرة بن شعبة فزعوا إلى ثلاثة نفر منهم المستورد
ابن علفة فخرج في ثلاثة رجل مقبلا نحو جرجرايا على شاطئ دجلة * قال أبو مخنف
وحدثني جعفر بن حذيفة الطائي من آل عامر بن جوين عن المحل بن خليفة
أن الخوارج في أيام المغيرة بن شعبة فزعوا إلى ثلاثة نفر منهم المستورد بن علفة
التيمي من تيم الرباب وإلى حيان بن ظبيان السلمي وإلى معاذ بن جوين بن
حصين الطائي السنبسي وهو ابن عم زيد بن حصين وكان زيد ممن قتله علي عليه
السلام يوم النهروان وكان معاذ بن جوين هذا في الأربعمائة الذين
ارتثوا من قتلى الخوارج فعفا عنهم علي عليه السلام فاجتمعوا في منزل حيان
ابن ظبيان السلمي فتشاوروا فيمن يولون عليهم قال فقال لهم المستود يا أيها
المسلمون والمؤمنون أراكم الله ما تحبون وعزل عنكم ما تكرهون ولوا عليكم
من أحببتم فوالذي يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور ما أبالي من كان الوالي
على منكم وما شرف الدنيا نريد وما إلى البقاء فيها من سبيل وما نريد إلا الخلود
في دار الخلود فقال حيان بن ظبيان أما أنا فلا حاجة لي فيها وأنا بك وبكل
امرئ من إخواني راض فانظروا من شئتم منكم فسموه فأنا أول من يبايعه
فقال لهم معاذ بن جوين بن حصين إذا قلتما أنتما هذا وأنتما سيد المسلمين
وذوا أنسابهم في صلاحكما ودينكما وقدركما فمن يرأس المسلمين وليس كلكم يصلح
لهذا الامر وإنما ينبغي أن يلي على المسلمين إذا كانوا سواء في الفضل أبصرهم بالحرب
وأفقههم في الدين وأشدهم اضطلاعا بما حمل وأنتما بحمد الله ممن يرضى لهذا
الامر فليتوله أحدكما قالا فتوله أنت فقد رضيناك فأنت والحمد لله الكامل في
دينك ورأيك فقال لهما أنتما أسن منى فليتوله أحدكما فقال حينئذ جماعة من
حضرهما من الخوارج قد رضينا بكم أيها الثلاثة فولوا أيكم أحببتم فليس في
الثلاثة رجل الا قال لصاحبه تولها أنت فإني بك راض وإني فيها غير ذي رغبة
133

فلما كثر ذلك بينهم قال حيان بن ظبيان فإن معاذ بن جوين قال إني لا إلى عليكما
وأنتما أسن منى وأنا أقول لك مثل ما قال لي ولك لا إلى عليك وأنت أسن منى ابسط
يدك أبايعك فبسط يده فبايعه ثم بايعه معاذ بن جوين ثم بايعه القوم جميعا وذلك في
جمادى الآخرة فاتعد القوم أن يتجهزوا ويتيسروا ويستعدوا ثم يخرجوا في غرة
الهلال هلال شعبان سنة 43 فكانوا في جهازهم وعدتهم (وقيل) في هذه السنة
سار بسر بن أبي ارطاة العامري إلى المدينة ومكة واليمن وقتل من قتله في مسيره
ذلك من المسلمين * وذلك قول الواقدي وقد ذكرت من خالفه في وقت مسيره
هذا السير * وزعم الواقدي أن داود بن حيان حدثه عن عطاء بن أبي مروان
قال أقام بسر بن أبي ارطاة بالمدينة شهرا يستعرض الناس ليس أحد ممن يقال
هذا أعان على عثمان إلا قتله * وقال عطاء بن أبي مروان أخبرني حنظلة بن علي
الأسلمي قال وجد قوما من بنى كعب وغلمانهم على بئر لهم فألقاهم في البئر (وفى
هذه السنة) قدم زياد فيما حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن عن سليمان بن أبي
أرقم قدم على معاوية من فارس فصالحه على مال يحمله إليه وكان سبب قدومه
بعد امتناعه بقلعة من قلاع فارس ما حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن عن مسلمة
ابن محارب قال كان عبد الرحمن بن أبي بكرة يلي ما كان لزياد بالبصرة فبلغ معاوية
ان لزياد أموالا عند عبد الرحمن وخاف زياد على أشياء كانت في يد عبد الرحمن
لزياد فكتب إليه يأمره بإحرازها وبعث معاوية إلى المغيرة بن شعبة لينظر في
أموال زياد فقدم المغيرة فأخذ عبد الرحمن فقال لئن كان أساء إلى أبوك لقد
أحسن زياد وكتب إلى معاوية إني لم أصب في يد عبد الرحمن شيئا يحل لي أخذه
فكتب معاوية إلى المغيرة أن عذبه قال وقال بعض المشيخة انه عذب عبد الرحمن
ابن أبي بكرة إذ كتب إليه معاوية وأراد أن يعذر ويبلغ معاوية ذلك فقال احتفظ
بما أمرك به عمك فألقى على وجهه حريرة ونضحها بالماء فكانت تلتزق بوجهه
فغشى عليه ففعل ذلك ثلاث مرات ثم خلاه وكتب إلى معاوية إني عذبته فلم
أصب عنده شيئا فحفظ لزياد يده عنده * حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن عن
134

عبد الملك بن عبد الله الثقفي عن أشياخ من ثقيف قالوا دخل المغيرة ابن شعبة
على معاوية فقال معاوية حين نظر إليه
إنما موضع سر المرء إن * باح بالسر أخوه المنتصح
فإذا بحت بسر فإلى * ناصح يستره أولا تبح
فقال يا أمير المؤمنين إن تستودعني تستودع ناصحا شفيقا ورعا وثيقا فما ذاك
يا أمير المؤمنين قال ذكرت زيادا واعتصامه بأرض فارس وامتناعه بها فلم أنم
ليلتي فأراد المغيرة أن يطأطئ من زياد فقال ما زياد هناك يا أمير المؤمنين فقال
معاوية بئس الوطأ العجز داهية العرب معه الأموال متحصن بقلاع فارس يدبر
ويربص الحيل ما يؤمنني أن يبايع لرجل من أهل هذا البيت فإذا هو قد أعاد
على الحرب خدعة فقال المغيرة أتأذن لي يا أمير المؤمنين في إتيانه قال نعم فأته
وتلطف له فأتى المغيرة زيادا فقال زياد حين بلغه قدوم المغيرة ما قدم إلا لأمر
ثم أذن له فدخل عليه وهو في بهو له مستقبل الشمس فقال زياد أفلح رائد فقال
إليك ينتهى الخبر أبا المغيرة إن معاوية استخفه الوجل حتى بعثني إليك ولم يكن
يعلم أحدا يمد يده إلى هذا الامر غير الحسن وقد بايع معاوية فخذ لنفسك قبل
التوطين فيستغنى عنك معاوية قال أشر على وارم الغرض الأقصى ودع عنك
الفضول فإن المستشار مؤتمن فقال المغيرة في محض الرأي بشاعة ولا خير في المذيق
أرى أن تصل حبلك بحبله وتشخص إليه قال أرى ويقضى الله * حدثني عمر قال
حدثنا على عن مسلمة بن محارب قال أقام زياد في القلعة أكثر من سنة فكتب إليه
معاوية علام تهلك نفسك فأقبل إلى فأعلمني علم ما صار إليك ما اجتبيت من الأموال
وما خرج من يديك وما بقى عندك وأنت آمن فان أحببت المقام عندنا أقمت وإن
أحببت أن ترجع إلى مأمنك رجعت فخرج زياد من فارس وبلغ المغيرة بن شعبة
أن زيادا قد أجمع على إتيان معاوية فشخص المغيرة إلى معاوية قبل شخوص زياد
من فارس وأخذ زياد من إصطخر إلى أرجان فأتى ماه بهراذان ثم أخذ طريق
حلوان حتى قدم المدائن فخرج عبد الرحمن إلى معاوية يخبره بقدوم زياد ثم
135

قدم زياد الشأم وقدم المغيرة بعد شهر فقال له معاوية يا مغيرة زياد أبعد منك
بمسيرة شهر وخرجت قبله وسبقك فقال يا أمير المؤمنين ان الأريب
إذا كلم الأريب أفحمه قال خذ حذرك واطو عنى سرك فقال إن زيادا قدم يرجو
الزيادة وقدمت أتخوف النقصان فكان سيرنا على حسب ذلك قال فسأل معاوية
زيادا عما صار إليه من أموال فارس فأخبره بما حمل منها إلى علي رضي الله عنه
وما أنفق منها في الوجوه التي يحتاج فيها إلى النقة فصدقه معاوية على ما أنفق
وما بقى عنده وقبضه منه وقال قد كنت أمين حلفائنا * حدثني عمر قال حدثنا
على قال حدثنا أبو مخنف وأبو عبد الرحمن الأصبهاني وسلمة بن عثمان وشيخ
من بنى تميم وغيرهم ممن يوثق بهم قال كتب معاوية إلى زياد وهو بفارس يسأله
القدوم عليه فخرج زياد من فارس مع المنجاب بن راشد الضبي وحارثة بن بدر الغداني
وسرح عبد الله بن خازم في جماعة إلى فارس فقال لعلك تلقى زيادا في طريقك
فتأخذه نسار ابن خازم إلى فارس فقال بعضهم لقيه بسوق الأهواز وقال بعضهم
لقيه بأرجان فأخذ ابن خازم بعنان زياد فقال انزل يا زياد فصاح به المنجاب بن
راشد تنح يا ابن سوداء وإلا علقت يدك بالعنان قال ويقال انتهى إليهم ابن خازم
وزياد جالس فأغلظ له ابن خازم فشتم المنجاب ابن خازم فقال له زياد ما تريد
يا ابن خازم قال أريد أن تجئ إلى البصرة قال فإني آتيها فانصرف ابن خازم
استحياء من زياد * وقال بعضهم التقى زياد وابن خازم بأرجان فكانت بينهم
منازعة فقال زياد لابن خازم قد أتاني أمان معاوية فأنا أريده وهذا كتابه إلى قال فإن
كنت تريد أمير المؤمنين فلا سبيل عليك فمضى ابن خازم إلى سابور ومضى زياد إلى ماه
بهراذان وقدم على معاوية فسأله عن أموال فارس فقال دفعتها يا أمير المؤمنين في أرزاق
وأعطيات وحمالات وبقيت بقية أودعتها قوما فمكث بذلك يردده وكتب زياد كتبا إلى
قوم منهم شعبة بن القلعم قد علمتم مالي عندكم من الأمانة فتدبروا كتاب الله عز وجل
(إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال) الآية فاحتفظوا بما
قبلكم وسمى في الكتب بالمبلغ الذي أقر به لمعاوية ودس الكتب مع رسوله وأمره
136

أن يعرض لبعض من يبلغ ذلك معاوية فعرض رسوله حتى انتشر ذلك وأخذ
فأتى به معاوية فقال معاوية لزياد لئن لم تكن مكرت بي ان هذه الكتب من حاجتي
فقرأها فإذا هي بمثل ما أقر به فقال معاوية أخاف أن تكون قد مكرت بي فصالحني
على ما شئت فصالحه على شئ مما ذكره أنه عنده فحمله وقال زياد يا أمير المؤمنين قد
كان لي مال قبل الولاية فوددت أن ذلك المال بقى وذهب ما أخذت من الولاية
ثم سأل زياد معاوية أن يأذن له في نزول الكوفة فأذن له فشخص إلى الكوفة
فكان المغيرة يكرمه ويعظمه فكتب معاوية إلى المغيرة خذ زيادا وسليمان بن صرد
وحجر بن عدي وشبث بن ربعي وابن الكواء وعمرو بن الحمق بالصلاة في الجماعة
فكانوا يحضرون معه في الصلاة * حدثني عمر بن شبة قال حدثنا على عن سليمان
ابن أرقم قال بلغني أن زيادا قدم الكوفة فحضرت الصلاة فقال له المغيرة تقدم
فصل فقال لا أفعل أنت أحق منى بالصلاة في سلطانك قال ودخل عليه زياد وعند
المغيرة أم أيوب بنت عمارة بن عقبة بن أبي معيط فأجلسها بين يديه وقال لا تستري
من أبى المغيرة فلما مات المغيرة تزوجها زياد وهى حدثة فكان زياد يأمر بفيل كان
عنده فيوقف فتنظر إليه أم أيوب فسمى باب الفيل (وحج) بالناس في هذه
السنة عنبسة بن أبي سفيان كذلك حدثني أحمد بن ثابت عمن ذكره عن إسحاق بن
عيسى عن أبي معشر
ثم دخلت سنة ثلاث وأربعين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك غزوة بسر بن أبي أرطاة الروم ومشتاه بأرضهم حتى بلغ القسطنطينية
فيما زعم الواقدي وقد أنكر ذاك قوم من أهل الأخبار فقالوا لم يكن لبسر
بأرض الروم مشتى قط (وفيها) مات عمرو بن العاص بمصر يوم الفطر وقبل
كان عمل عليها لعمر بن الخطاب رضي الله عنه أربع سنين ولعثمان أربع سنين
إلا شهرين ولمعاوية سنتين إلا شهرا (وفيها) ولى معاوية عبد الله بن عمرو
137

ابن العاص مصر بعد موت أبيه فوليها فيما زعم له الواقدي نحوا من سنتين
(وفيها) مات محمد بن مسلمة في صفر بالمدينة وصلى عليه مروان بن الحكم
(وفيها) قتل المستورد بن علفة الخارجي فيما زعم هشام بن محمد وقد زعم بعضهم
أنه قتل في سنة 42
ذكر الخبر عن مقتله
قد ذكرنا ما كان من اجتماع بقايا الخوارج الذين كانوا ارتثوا يوم النهر ومن
كان منهم انحاز إلى الري وغيرهم إلى النفر الثلاثة الذين سميت قبل الذين أحدهم
المستورد بن علفة وذكرنا بيعتهم المستورد واجتماعهم على الخروج في غرة هلال
شعبان من سنة 43 * فذكر هشام عن أبي مخنف أن جعفر بن حذيفة الطائي حدثه
عن المحل بن خليفة أن قبيصة بن الدمون أتى المغيرة بن شعبة وكان على شرطته
فقال إن شمر بن جعونة الكلابي جاءني فخبرني أن الخوارج قد اجتمعوا في منزل
حيان بن ظبيان السلمي وقد اتعدوا أن يخرجوا إليك في غرة شعبان فقال المغيرة
ابن شعبة لقبيصة بن الدمون وهو حليف لثقيف وزعموا أن أصله كان من
حضرموت من الصدف سر بالشرطة حتى تحيط بدار حيان بن ظبيان فأتني به وهم
لا يرون إلا أنه أمير تلك الخوارج فسار قبيصة في الشرطة وفى كثير من الناس فلم
يشعر حيان بن ظبيان إلا والرجال معه في داره نصف النهار وإذا معه معاذ بن
جوين ونحو من عشرين رجلا من أصحابهما وثارت امرأته أم ولد له فأخذت سيوفا
كانت لهم فألقتها تحت الفراش وفزع بعض القوم إلى سيوفهم فلم يجدوها فاستسلموا
فانطلق بهم إلى المغيرة بن شعبة فقال لهم المغيرة ما حملكم على ما أردتم من شق عصا
المسلمين فقالوا ما أردنا من ذلك شيئا قال بلى قد بلغني ذلك عنكم ثم قد صدق ذلك
عندي جماعتكم قالوا له أما اجتماعنا في هذا المنزل فان حيان بن ظبيان أقرأنا القرآن
فنحن نجتمع عنده في منزله فنقرأ القرآن عليه فقال اذهبوا بهم إلى السجن فلم يزالوا
فيه نحوا من سنة وسمع اخوانهم فحذروا وخرج صاحبهم المستورد بن علفة فنزل
دارا بالحيرة إلى جنب قصر العدسيين من كلب فبعث إلى اخوانه وكانوا يختلفون إليه
138

ويتجهزون فلما كثر اختلاف أصحابه إليه قال لهم صاحبهم المستورد بن علفة التيمي
تحولوا بنا عن هذا المكان فانى لا آمن أن يطلع عليكم فإنهم في ذلك يقول بعضهم
لبعض نأتى مكان كذا وكذا ويقول بعضهم نأتى مكان كذا وكذا إذ أشرف عليهم
حجار بن أبجر من دار كان هو فيها وطائفة من أهله فاذاهم بفارسين قد أقبلا حتى دخلا
تلك الدار التي فيها القوم ثم لم يكن بأسرع من أن جاء آخران فدخلا ثم لم يكن إلا
قليل حتى جاء آخر فدخل ثم آخر فدخل وكان ذلك يعنيه وكان خروجهم قد اقترب
فقال حجار لصاحبة الدار التي كان فيها نازلا وهى ترضع صبيا لها ويحك ما هذه الخيل
التي أراها تدخل هذه الدار قالت والله ما أدرى ما هم إلا أن الرجال يختلفون إلى هذه
الدار رجالا وفرسانا لا ينقطعون ولقد أنكرنا ذلك منذ أيام ولا ندري من هم فركب
حجار فرسه وخرج معه غلام له فأقبل حتى انتهى إلى باب دارهم فإذا عليه رجل منهم
فكلما أتى انسان منهم إلى الباب دخل إلى صاحبه فأعلمه فأذن له فان جاءه رجل
من معروفيهم دخل ولم يستأذن فلما انتهى إليه حجار لم يعرفه الرجل فقال من أنت
رحمك الله وما تريد قال أردت لقاء صاحبي قال له وما اسمك قال له حجار بن أبجر قال
فكما أنت حتى أوذنهم بك ثم أخرج إليك فقال له حجار ادخل راشدا فدخل
الرجل واتبعه حجار مسرعا فانتهى إلى باب صفة عظيمة هم فيها وقد دخل إليهم
الرجل فقال هذا رجل يستأذن عليك أنكرته فقلت له من أنت فقال أنا حجار
ابن أبجر فسمعهم يتفزعون ويقولون حجار بن أبجر والله ما جاء حجار بن أبجر بخير
فلما سمع القول منهم أراد أن ينصرف ويكتفى بذلك من الاسترابة بأمرهم ثم أبت
نفسه أن ينصرف حتى يعاينهم فتقدم حتى قام بين سجفي باب الصفة وقال السلام
عليكم فنظر فإذا هو بجماعة كثيرة وإذا سلاح ظاهر ودروع فقال حجار اللهم اجمعهم
على خير من أنتم عافاكم الله فعرفه علي بن أبي شمر بن الحصين من تيم الرباب وكان أحد الثمانية
الذين انهزموا من الخوارج يوم النهر وكان من فرسان العرب ونساكهم وخيارهم
فقال له يا حجار بن أبجر إن كنت إنما جاء بك التماس الخبر فقد وجدته فان كنت إنما جاء بك
أمر غير ذلك فادخل وأخبرنا ما أتى بك فقال لا حاجة لي في الدخول فانصرف فقال
139

بعضهم لبعض أدركوا هذا فاحبسوه فإنه مؤذن بكم فخرجت منهم جماعة في أثره
وذلك عند تطفيل الشمس للاياب فانتهوا إليه وقد ركب فرسه فقالوا له أخبرنا
خبرك وما جاء بك قال لم آت لشئ يروعكم ولا يهولكم فقالوا له انتظر حتى
ندنو منك ونكلمك أو تدنو منا أخبرنا فنعلمك أمرنا ونذكر حاجتنا فقال لهم ما أنا
بدان منكم ولا أريد أن يدنو منى منكم أحد فقال له علي بن أبي شمر بن الحصين
أفمؤمننا أنت من الاذن بنا هذه الليلة وأنت محسن فان لنا قرابة وحقا قال نعم
أنتم آمنون من قبلي هذه الليلة وليالي الدهر كلها ثم انطلق حتى دخل الكوفة
وأدخل أهله معه وقال الآخرون بعضهم لبعض إنا لا نأمن أن يؤذن بنا هذا
فاخرجوا بنا من هذا الموضع ساعتنا هذه قال فصلوا المغرب ثم خرجوا من الحيرة
متفرقين فقال لهم صاحبهم الحقوا بي في دار سليم بن محدوج العبدي من بنى سلمة
فخرج من الحيرة فمضى حتى أتى عبد القيس فأتى بنى سلمة فبعث إلى سليم بن محدوج
وكان له صهرا فأتاه فأدخله وأصحابا له خمسة أو ستة ورجع حجار بن أبجر إلى رحله
فأخذوا ينتظرون منه أن يبلغهم منه ذكر لهم عند السلطان أو الناس فما ذكر هم عند
أحد منهم ولا بلغهم عنه في ذلك شئ يكرهونه فبلغ الخبر المغيرة بن شعبة أن الخوارج
خارجة عليه في أيامه تلك وأنهم قد اجتمعوا على رجل منهم فقام المغيرة بن شعبة
في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فقد علمتم أيها الناس أنى لم أزل أحب
لجماعتكم العافية وأكف عنكم الأزدي وإني والله لقد خشيت أن يكون ذلك أدب سوء
لسفهائكم فأما الحلماء الأتقياء فلا وأيم الله لقد خشيت أن لا أجد بدا من أن يعصب
الحليم التقى بذنب السفيه الجاهل فكفوا أيها الناس سفهاءكم قبل أن يشمل البلاء
عوامكم وقد ذكر لي أن رجالا منكم يريدون أن يظهروا في المصر بالشقاق
والخلاف وأيم الله لا يخرجون في حي من أحياء العرب في هذا المصر إلا أبدتهم
وجعلتهم نكالا لمن بعدهم فنظر قوم لأنفسهم قبل الندم فقد قمت هذا المقام إرادة الحجة
والاعذار فقام إليه معقل بن قيس الرياحي فقال أيها الأمير هل سمى لك أحد من
هؤلاء القوم فان كانوا سموا لك فأعلمنا من هم فان كانوا منا كفيناكهم وإن كانوا
140

من غيرنا أمرت أهل الطاعة من أهل مصرنا فأتتك كل قبيلة بسفهائها فقال ما سمى
لي أحد منهم ولكن قد قيل لي إن جماعة يريدون أن يخرجوا بالمصر فقال له
معقل أصلحك الله فانى أسير في قومي وأكفيك ما هم فيه فليكفك كل امرئ
من الرؤساء قومه فنزل المغيرة بن شعبة وبعث إلى رؤساء الناس فدعاهم ثم قال لهم
إنه قد كان من الامر ما قد علمتم وقد قلت ما قد سمعتم فليكفني كل امرئ من
الرؤساء قومه والا فوالذي لا إله غيره لأتحولن عما كنتم تعرفون إلى ما تنكرون
وعما تحبون إلى ما تكرهون فلا يلم لائم الا نفسه وقد أعذر من أنذر فخرجت
الرؤساء إلى عشائرهم فنا شدوهم الله والاسلام إلا دلوهم على من يرون أنه يريد أن
يهيج فتنة أو يفارق جماعة وجاء صعصعة بن صوحان فقام في عبد القيس * قال
هشام قال أبو مخنف فحدثني الأسود بن قيس العبدي عن مرة بن النعمان قال قام
فينا صعصعة بن صوحان وقد والله جاءه من الخبر بمنزل التميمي وأصحابه في
دار سليم بن محدوج ولكنه كره على فراقه إياهم وبغضه لرأيهم أن يؤخذوا في
عشيرته وكره مساءة أهل بيت من قومه فقال قولا حسنا ونحن يومئذ كثير أشرافنا
حسن عددنا قال فقام فينا بعد ما صلى العصر فقال يا معشر عباد الله أن الله وله الحمد
كثيرا لما قسم الفضل بين المسلمين خصكم منه بأحسن القسم فأجبتم إلى دين الله
الذي اختاره الله لنفسه وارتضاه لملائكته ورسله ثم أقمتم عليه حتى قبض الله
رسوله صلى الله عليه وسلم ثم اختلف الناس بعده فثبتت طائفة وارتدت طائفة
وأدهنت طائفة وتربصت طائفة فلزمتم دين الله إيمانا به وبرسوله وقاتلتم المرتدين
حتى قام الدين وأهلك الله الظالمين فلم يزل الله يزيدكم بذلك خيرا في كل شئ وعلى
كل حال حتى اختلفت الأمة بينها فقالت طائفة نريد طلحة والزبير وعائشة وقالت
طائفة نريد أهل المغرب وقالت طائفة نريد عبد الله بن وهب الراسبي راسب الأزد
وقلتم أنتم لا نريد الا أهل البيت الذين ابتدأنا الله من قبلهم بالكرامة تسديدا من
الله لكم وتوفيقا فلم تزالوا على الحق لازمين له آخذين به حتى أهلك الله بكم وبمن
كان على مثل هداكم ورأيكم الناكثين يوم الجمل والمارقين يوم النهر وسكت عن
141

ذكر أهل الشأم لان السلطان كان حينئذ سلطانهم ولا قوم أعدى لله ولكم ولأهل
بيت نبيكم ولجماعة المسلمين من هذه المارقة الخاطئة الذين فارقوا إمامنا
واستحلوا دماءنا وشهدوا علينا بالكفر فاياكم أن تؤوهم في دوركم أو تكتموا
عليهم فإنه ليس ينبغي لحى من أحياء العرب أن يكون أعدى لهذه المارقة
منكم وقد والله ذكر لي أن بعضهم في جانب من الحي وأنا باحث عن ذلك وسائل
فإن كان حكى لي ذلك حقا تقربت إلى الله تعالى بدمائهم فإن دماءهم حلال
ثم قال يا معشر عبد القيس إن ولاتنا هؤلاء هم أعرف شئ بكم وبرأيكم فلا
تجعلوا لهم عليكم سبيلا فإنهم أسرع شئ إليكم وإلى أمثالكم ثم تنحى فجلس فكل
قومه قال لعنهم الله وقال برئ الله منهم فلا نؤويهم ولئن علمنا بمكانهم
لنطلعنك عليهم غير سليم بن محدوج فإنه لم يقل شيئا فرجع إلى قومه كئيبا واجما
يكره أن يخرج أصحابه من منزله فيلوموه وقد كانت بينهم مصاهرة وكان لهم ثقة
ويكره أن يطلبوا في داره فيهلكوا ويهلك وجاء فدخل رحله وأقبل أصحاب
المستورد يأتونه فليس منهم رجل إلا يخبره بما قام به المغيرة بن شعبة في الناس
وبما جاءهم رؤساؤهم وقاموا فيهم وقالوا له اخرج بنا فوالله ما نأمن أن نؤخذ في
عشائرنا قال فقال لهم أما ترون رأس عبد القيس قام فيهم كما قامت رؤساء العشائر
في عشائرهم قالوا بلى والله نرى قال فإن صاحب منزلي لم يذكر لي شيئا قالوا نرى
والله أنه استحيا منك فدعاه فأتاه فقال يا ابن محدوج انه قد بلغني أن رؤساء العشائر
قاموا إليهم وتقدموا إليهم في وفى أصحابي فهل قام فيكم أحد يذكر لكم شيئا
من ذلك قال فقال نعم قد قام فينا صعصعة بن صوحان فتقدم إلينا في أن لا نؤى
أحدا من طلبتهم وقالوا أقاويل كثيرة كرهت أن أذكرها لكم فتحسبوا أنه
ثقل على شئ من أمركم فقال له المستورد قد أكرمت المثوى وأحسنت الفعل
ونحن إن شاء الله مرتحلون عنك ثم قال أما والله لو أرادوك في رحلي ما وصلوا
إليك ولا إلى أحد من أصحابك حتى أموت دونكم قال أعاذك الله من ذلك وبلغ
الذين في محبس المغيرة ما أجمع عليه أهل المصر من الرأي في نفى من كان بينهم من
142

الخوارج وأخذهم فقال معاذ بن جوين بن حصين في ذلك
ألا أيها الشارون قد حان لامرئ * شرى نفسه لله أن يترحلا
أقمتم بدار الخاطئين جهالة * وكل امرئ منكم يصاد ليقتلا
فشدوا على القوم العداة فإنها * أقامتكم للذبح رأيا مضللا
ألا فاقصدوا يا قوم للغاية التي * إذا ذكرت كانت أبر وأعدلا
فياليتني فيكم على ظهر سابح * شديد القصيري دارعا غير أعزلا
ويا ليتني فيكم أعادي عدوكم * فيسقيني كأس المنية أولا
يعز على أن تخافوا وتطردوا * ولما أجرد في المحلين منصلا
ولما يفرق جمعهم كل ماجد * إذا قلت قد ولى وأدبر أقبلا
مشيحا بنصل السيف في حمس الوغى * يرى الصبر في بعض المواطن أمثلا
وعز على أن تضاموا وتنقصوا * وأصبح ذا بث أسيرا مكبلا
ولو أنني فيكم وقد قصدوا لكم * أثرت إذا بين الفريقين قسطلا
فيارب جمع قد فللت وغارة * شهدت وقرن قد تركت مجدلا
فبعث المستورد إلى أصحابه فقال لهم اخرجوا من هذه القبيلة لا يصب امرءا
مسلما في سببنا بغير علم معرة وكان فيهم بعض من يرى رأيهم فاتعدو سورا فخرجوا
إليها متقطعين من أربعة وخمسة وعشرة فتتاموا بها ثلثمائة رجل ثم ساروا إلى
الصراة فباتوا بها ليلة ثم إن المغيرة بن شعبة أخبر خبرهم فدعا رؤساء الناس فقال
إن هؤلاء الأشقياء قد أخرجهم الحين وسوء الرأي فمن ترون أبعث إليهم قال
فقام إليه عدى بن حاتم فقال كلنا لهم عدو ولرأيهم مسفه وبطاعتك مستمسك
فأينا شئت سار إليهم فقام معقل بن قيس فقال إنك لا تبعث إليهم أحدا ممن ترى
حولك من أشراف المصر إلا وجدته سامعا مطيعا ولهم مفارقا ولهلاكهم محبا
ولا أرى أصلحك الله أن تبعث إليهم أحدا من الناس أعدى لهم ولا أشد عليهم
منى فابعثني إليهم فإني أكفيكهم بإذن الله فقال اخرج على اسم الله فجهز معه ثلاثة
آلاف رجل وقال المغيرة لقبيصة بن الدمون الصق لي بشيعة على فأخرجهم مع
143

معقل بن قيس فإنه كان من رؤس أصحابه فإذا بعثت بشيعته الذين كانوا يعرفون
فاجتمعوا جميعا استأنس بعضهم ببعض وتناصحوا وهم أشد استحلالا لدماء هذه
المارقة واجرأ عليهم من غيرهم وقد قاتلوا قبل هذه المرة * قال أبو مخنف فحدثني
الأسود بن قيس عن مرة بن منقذ بن النعمان قال كنت أنا فيمن ندب معه يومئذ
قال لقد كان صعصعة بن صوحان قام بعد معقل بن قيس وقال ابعثنى إليهم أيها الأمير
فأنا والله لدمائهم مستحل وبحملها مستقل فقال اجلس فإنما أنت خطيب فكان
أحفظه ذلك وإنما قال ذلك لأنه بلغه أنه يعيب عثمان بن عفان رضي الله عنه
ويكثر ذكر على ويفضله وقد كان دعاه فقال إياك أن يبلغني عنك أنك تعيب
عثمان عند أحد من الناس وإياك أن يبلغني عنك أنك تظهر شيئا من فضل على
علانية فإنك لست بذاكر من فضل على شيئا أجهله بل أنا أعلم بذلك ولكن
هذا السلطان قد ظهر وقد أخذنا بإظهار عيبه للناس فنحن ندع كثيرا مما أمرنا به
ونذكر الشئ الذي لا نجد منه بدا ندفع به هؤلاء القوم عن أنفسنا تقية فإن كنت
ذاكرا فضله فاذكره بينك وبين أصحابك وفى منازلكم سرا وأما علانية في المسجد
فان هذا لا يحتمله الخليفة لنا ولا يعذرنا فيه فكان يقول له نعم أفعل ثم يبلغه أنه قد
عاد إلى ما نهاه عنه فلما قام إليه وقال له ابعثنى إليهم وجد المغيرة قد حقد عليه خلافه
إياه فقال اجلس فإنما أنت خطيب فأحفظه فقال له أوما أنا إلا خطيب فقط أجل
والله إني للخطيب الصليب الرئيس أما والله لو شهدتني تحت راية عبد القيس يوم
الجمل حيث اختلفت القنا فشؤن تفرى وهامة تختلى لعلمت أنى أنا الليث
الهزبر فقال حسبك الآن لعمري لقد أوتيت لسانا فصيحا ولم يلبث قبيصة بن
الدمون أن أخرج الجيش مع معقل وهم ثلاثة آلاف نقاوة الشيعة وفرسانهم * قال
أبو مخنف فحدثني أبو النضر بن صالح عن سالم بن ربيعة قال إني جالس عند المغيرة بن شعبة
حين أتاه معقل بن قيس يسلم عليه ويودعه فقال له المغيرة يا معقل بن قيس إني قد بعثت
معك فرسان أهل المصر أمرت بهم فانتخبوا انتخابا فسر إلى هذه العصابة المارقة
الذين فارقوا جماعتنا وشهدوا علينا بالكفر فادعهم إلى التوبة وإلى الدخول
144

في الجماعة فان فعلوا فاقبل منهم واكفف عنهم وإن هم لم يفعلوا فناجزهم واستعن
بالله عليهم فقال معقل بن قيس سندعوهم ونعذر وأيم الله ما أرى أن يقبلوا ولئن
لم يقبلوا الحق لا نقبل منهم الباطل هل بلغك أصلحك الله أين منزل القوم قال نعم
كتب إلى سماك بن عبيد العبسي وكان عاملا له على المدائن يخبرني أنهم ارتحلوا
من الصراة فأقبلوا حتى نزلوا بهر سير وأنهم أرادوا أن يعبروا إلى المدينة العتيقة
التي بها منازل كسرى وأبيض المدائن فمنعهم سماك أن يجوزوا فنزلوا بمدينة بهر سير
مقيمين فاخرج إليهم وانكمش في آثارهم حتى تلحقهم ولا تدعهم والإقامة في بلد
ينتهى إليهم فيه أكثر من الساعة التي تدعوهم فيها فان قبلوا والا فناهضهم فإنهم لن
يقيموا ببلد يومين إلا أفسدوا كل من خالطهم فخرج من يومه فبات بسورا فأمر
المغيرة مولاه ورادا فخرج إلى الناس في مسجد الجماعة فقال أيها الناس إن معقل
ابن قيس قد سار إلى هذه المارقة وقد بات الليلة بسورا فلا يتخلفن عنه أحد من
أصحابه ألا وإن الأمير يخرج على كل رجل من المسلمين منهم ويعزم عليهم ألا
يبيتوا بالكوفة ألا وأيما رجل من هذا البعث وجدناه بعد يومنا بالكوفة فقد
أحل بنفسه * قال أبو
مخنف وحدثني عبد الرحمن بن حبيب عن عبد الله بن عقبة
الغنوي قال كنت فيمن خرج مع المستورد بن علفة وكنت أحدث رجل فيهم قال
فخرجنا حتى أتينا الصراة فأقمنا بها حتى تتامت جماعتنا ثم خرجنا حتى انتهينا إلى
بهر سير فدخلناها ونذر بنا سماك بن عبيد العبسي وكان في المدينة العتيقة فلما ذهبنا
لنعبر الجسر إليهم قاتلنا عليه ثم قطعه علينا فأقمنا ببهر سير قال فدعانا المستورد بن
علفة فقال أتكتب يا ابن أخي قلت نعم فدعا لي برق ودواة وقال اكتب من عبد الله
المستورد أمير المؤمنين إلى سماك بن عبيد أما بعد فقد نقمنا على قومنا الجور في
الاحكام وتعطيل الحدود والاستئثار بالفئ وإنا ندعوك إلى كتاب الله عز وجل
وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وولاية أبى بكر وعمر رضوان الله عليهما والبراءة
من عثمان وعلى لاحداثهما في الدين وتركهما حكم الكتاب فان تقبل فقد أدركت
رشدك وإلا تقبل فقد أبلغنا في الاعذار إليك وقد آذناك بحرب فنبذنا إليك على
145

سواء إن الله لا يحب الخائنين قال فقال المستورد انطلق إلى سماك بهذا الكتاب
فادفعه إليه واحفظ ما يقول لك والقنى قال وكنت فتى حدثا حين أدركت لم أجرب
الأمور ولا علم لي بكثير منها فقلت أصلحك الله لو أمرتني أن أستعرض دجلة
فألقى نفسي فيها ما عصيتك ولكن تأمن على سماكا أن يتعلق بي فيحبسني عنك فإذا
أنا قد فاتني ما أترجاه من الجهاد فتبسم وقال يا ابن أخي إنما أنت رسول والرسول
لا يعرض له ولو خشيت ذلك عليك لم أبعثك وما أنت على نفسك بأشفق منى عليك
قال فخرجت حتى عبرت إليهم في معبر فأتيت سماك بن عبيد وإذا الناس حوله
كثير قال فلما أقبلت نحو هم أبدوني أبصارهم فلما دنوت منهم ابتدرني نحو من عشرة
وظننت والله أن القوم يريدون أخذى وأن الامر عندهم ليس كما ذكر لي صاحبي
فانتضيت سيفي وقلت كلا والذي نفسي بيده لا تصلون إلى حتى أعذر إلى الله فيكم
قالوا لي يا عبد الله من أنت قلت أنا رسول أمير المؤمنين المستورد بن علفة قالوا
فلم انتضيت سيفك قلت لابتداركم إلى فخفت أن توثقوني وتغدروا بي قالوا فأنت
آمن وانما أتيناك لنقوم إلى جنبك ونمسك بقائم سيفك وننظر ما جئت له وما
تسأل قال لهم ألست آمنا حتى تردوني إلى أصحابي قالوا بلى فشمت سيفي ثم أتيت
حتى قمت على رأس سماك بن عبيد وأصحابه قد انتشبوا بي فمنهم ممسك بقائم سيفي
ومنهم ممسك بعضدي فدفعت إليه كتاب صاحبي فلما قرأه رفع رأسه إلى فقال
ما كان المستورد عندي خليقا لما كنت أرى من إخباته وتواضعه أن يخرج
على المسلمين بسيفه يعرض على المستورد البراءة من على وعثمان ويدعوني
إلى ولايته فبئس والله الشيخ أنا إذا قال ثم نظر إلى فقال يا بنى اذهب إلى
صاحبك فقل له اتق الله وارجع عن رأيك وادخل في جماعة المسلمين فإن
أردت ان أكتب لك في طلب الأمان إلى المغيرة فعلت فإنك ستجده سريعا
إلى الاصلاح محبا للعافية قال قلت له وإن لي فيهم يومئذ بصيرة هيهات
إنما طلبنا بهذا الامر الذي أخافنا فيكم في عاجل الدنيا الامن عند الله يوم
القيامة فقال لي بؤسا لك كيف أرحمك ثم قال لأصحابه إنهم خلوا بهذا * ثم
146

جعلوا يقرؤن عليه القرآن ويتخضعون ويتباكون فظن بهذا أنهم على شئ من
الحق إن هم إلا كالانعام بل هم أضل سبيلا والله ما رأيت قوما كانوا أظهر ضلالة
ولا أبين شؤما من هؤلاء الذين ترون قلت يا هذا انني ثم آتك لأشاتمك ولا
أسمع حديثك وحديث أصحابك حدثني أنت تجيبني إلى ما في هذا الكتاب أم لا
تفعل فأرجع إلى صاحبي فنظر إلى ثم قال لأصحابه ألا تعجبون إلى هذا الصبى
والله انى لأرانى أكبر من أبيه وهو يقول لي أتجيبني إلى ما في هذا الكتاب انطلق
يا بنى إلى صاحبك انما تندم لو قد اكتنفتكم الخيل وأشرعت في صدوركم الرماح
هناك تمنى لو كنت في بيت أمك قال فانصرفت من عنده فعبرت إلى أصحابي فلما
دنوت من صاحبي قال ما رد عليك قلت ما رد خيرا قلت له كذا وقال لي كذا
فقصصت عليه القصة قال فقال المستورد " إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم
أم لم تنذرهم لا يؤمنون ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة
ولهم عذاب عظيم " قال فلبثنا بمكاننا ذاك يومين أو ثلاثة أيام ثم استبان لنا مسير
معقل بن قيس إلينا قال فجمعنا المستورد فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فان
هذا الخرف معقل بن قيس قد وجه إليكم وهو من السبائية المفترين الكاذبين وهو
لله ولكم عدو فأشيروا على برأيكم قال فقال له بعضنا والله ما خرجنا نريد إلا الله وجهاد
من عادى الله وقد جاؤنا فأين نذهب عنهم بل نقيم حتى يحكم الله بيننا وبينهم وهو
خير الحاكمين وقالت طائفة أخرى بل نعتزل ونتنحى ندعو الناس ونحتج عليهم
بالدعاء فقال يا معشر المسلمين إني والله ما خرجت ألتمس الدنيا ولا ذكرها ولا
فخرها ولا البقاء وما أحب أنها لي بحذافيرها وأضعاف ما يتنافس فيه منها بقبال
نعلي وما خرجت إلى التماس الشهادة وأن يهديني الله إلى الكرامة بهوان بعض
أهل الضلالة وإني قد نظرت فيما استشرتكم فيه فرأيت أن لا أقيم لهم حتى يقدموا
على وهم حامون متوافرون ولكن رأيت أن أسير حتى أمعن فإنهم إذا بلغهم
ذلك خرجوا في طلبنا فتقطعوا وتبددوا فعلى تلك الحال ينبغي لنا قتالهم فاخرجوا
بنا على اسم الله عز وجل * قال فخرجنا فمضينا على شاطئ دجلة حتى انتهينا إلى
147

جرجرايا فعبرنا دجلة فمصينا كما نحن في أرض جوخى حتى بلغنا المذار فأقمنا فيها
وبلغ عبد الله بن عامر مكاننا الذي كنا فيه فسأل عن المغيرة بن شعبة كيف صنع
في الجيش الذي بعث إلى الخوارج وكم عدتهم فأخبر بعدتهم وقيل له إن المغيرة
نظر إلى رجل شريف رئيس قد كان قاتل الخوارج مع علي عليه السلام وكان
من أصحابه فبعثه وبعث معه شيعة على لعداوتهم لهم فقال أصاب الرأي فبعث إلى
شريك بن الأعور الحارثي وكان يرى رأي علي عليه السلام فقال له اخرج إلى
هذه المارقة فانتخب ثلاثة آلاف رجل من الناس ثم اتبعهم حتى تخرجهم من
أرض البصرة أو تقتلهم وقال له بينه وبينه اخرج إلى أعداء الله بمن يستحل قتالهم
من أهل البصرة فظن شريك به إنما يعنى شيعة علي عليه السلام ولكنه يكره
أن يسميهم فانتخب الناس وألح على فرسان ربيعة الذين كان رأيهم في الشيعة وكان
تجيبه العظماء منهم ثم إنه خرج فيهم مقبلا إلى المستورد بن علفة بالمذار * قال
أبو مخنف وحدثني حصيرة بن عبد الله بن الحارث عن أبيه عبد الله بن الحارث
قال كنت في الذين خرجوا مع معقل بن قيس فأقبلت معه فوالله ما فارقته ساعة من
نهار منذ خرجت فكان أول منزل نزلناه سورا * قال فمكثنا به يوما حتى اجتمع
إليه جل أصحابه ثم خرجنا مسرعين مبادرين لعدونا أن يفوتنا فبعثنا طليعة فارتحلنا
فنزلنا كوثى فأقمنا بها يوما حتى لحق بنا من تخلف ثم أدلج بنا من كوثى وقد مضى
من الليل هزيع فأقبلنا حتى دنونا من المدائن فاستقبلنا الناس فأخبرونا أنهم قد ارتحلوا
فشق علينا والله ذلك وأيقنا بالعناء وطول الطلب * قال وجاء معقل بن قيس حتى
نزل باب مدينة بهر سير ولم يدخلها فخرج إليه سماك بن عبيد فسلم عليه وأمر غلمانه
ومواليه فأتوه بالجزر والشعير وألقت فجاءوه من ذلك بكل ما كفاه وكفى الجند
الذين كانوا معه ثم إن معقل بن قيس بعد أن أقام بالمدائن ثلاثا جمع أصحابه فقال
إن هؤلاء المارقة الضلال إنما خرجوا فذهبوا على وجوههم إرادة أن تتعجلوا
في آثارهم فتتقطعوا وتتبددوا ولا تلحقوا بهم إلا وقد تعبتم ونصبتم وأنه ليس
شئ يدخل عليكم من ذلك إلا وقد يدخل عليهم مثله فخرج بنا من المدائن فقدم
148

بين يديه أبو الرواغ الشاكري في ثلثمائة فارس فاتبع آثارهم فخرج معقل في أثره
فأخذ أبو الرواغ يسأل عنهم ويركب الوجه الذي أخذوا فيه حتى عبروا جرجرايا
في آثارهم ثم سلك الوجه الذي أخذوا فيه فاتبعهم فلم يزل ذلك دأبه حتى لحقهم
بالمذار مقيمين فلما دنا منهم استشار أصحابه في لقائهم وقتالهم قبل قدوم معقل عليه
فقال له بعضهم أقدم بنا عليهم فلنقاتلهم وقال بعضهم والله ما نرى أن تعجل إلى
قتالهم حتى يأتينا أميرنا ونلقاهم بجماعتنا * قال أبو مخنف فحدثني تليد بن زيد بن
راشد الفائشي أن أباه كان معه يومئذ قال فقال لنا أبو الرواغ إن معقل بن قيس
حين سرحني أمامه أمرني أن أتبع آثارهم فإذا لحقتهم لم أعجل إلى قتالهم حتى يأتيني *
قال فقال له جميع أصحابه فالرأي الآن بين تنح بنا فلنكن قريبا منهم حتى يقدم
علينا صاحبنا فتنحينا وذلك عند المساء قال فبتنا ليلتنا كلها متحارسين حتى أصبحنا
فارتفع الضحى وخرجوا علينا قال فخرجنا إليهم وعدتهم ثلثمائة فلما اقتربوا شدوا
علينا فلا والله ما ثبت لهم منا إنسان قال فانهزمنا ساعة ثم إن أبا الرواغ صاح بنا
وقال يا فرسان السوء قبحكم الله سائر اليوم الكرة الكرة قال فحمل وحملنا معه
حتى إذا دنونا من القوم كر بنا فانصرفنا وكروا علينا وكشفونا طويلا ونحن على
خيل معلمة جياد ولم يصب منا أحد وقد كانت جراحات يسيرة فقال لنا أبو الرواغ
ثكلتكم أمهاتكم انصرفوا بنا فلنكر قريبا منهم لا نزايلهم حتى يقدم علينا أميرنا
فما أقبح بنا أن نرجع إلى الجيش وقد انهزمنا من عدونا ولم نصبر لهم حتى يشتد
القتال وتكر القتلى قال فقال رجل منا يجيبه إن الله لا يستحى من الحق قد والله
هزمونا قال أبو الرواغ لا أكثر الله فينا ضربك إنا ما لم ندع المعركة فلم نهزم وإنا
متى عطفنا عليهم وكنا قريبا منهم فنحن على حال حسنة حتى يقدم علينا الجيش ولم
ترجع عن وجهنا إنه والله لو كان يقال انهزم أبو حمران حمير بن بحير الهمداني
ما باليت إنما يقال انهزم أبو الرواغ فقفوا قريبا فإن أتوكم فعجزتم عن قتالهم
فانحازوا فإن حملوا عليكم فعجزتم عن قتالهم فتأخروا وانحازوا إلى حامية فإذا
رجعوا عنكم فاعطفوا عليهم وكونوا قريبا منهم فإن الجيش آتيكم إلى ساعة
149

قال فأخذت الخوارج كلما حملت عليهم انحازوا وهم كانوا حامية وإذا أخذوا
في الكرة عليهم فتفرق جماعتهم قرب أبو الرواغ وأصحابه على خيلهم في
آثارهم فلما رأوا أنهم لا يفارقونهم وقد طاردوهم هكذا من ارتفاع الضحى
إلى الأولى فلما حضرت صلاة الظهر نزل المستورد للصلاة واعتزل أبو الرواغ
وأصحابه على رأس ميل منهم أو ميلين ونزل أصحابه فصلوا الظهر وأقاموا رجلين
ربيئة وأقاموا مكانهم حتى صلوا العصر ثم إن فتى جاءهم بكتاب معقل بن قيس إلى
أبى الرواغ وكان أهل القرى وعابرو السبيل يمرون عليهم ويرونهم يقتتلون فمن مضى
منهم على الطريق نحو الوجه الذي يأتي من قبله معقل استقبل معقلا فأخبره بالتقاء
أصحابه والخوارج فيقول كيف رأيتموهم يصنعون فيقولون رأينا الحرورية تطرد
أصحابك فيقول أما رأيتم أصحابي يعطفون عليهم ويقاتلوهم فيقولون بلى يعطفون
عليهم وينهزمون فقال إن كان ظني بأبي الرواغ صادقا لا يقدم عليكم منهزما أبدا
ثم وقف عليهم فدعا محرز بن شهاب بن بجير بن سفيان بن خالد بن منقر التميمي
فقال له تخلف في ضعفة الناس ثم سر بهم على مهل حتى تقدم بهم على ثم نادى في
أهل القوة ليتعجل كل ذي قوة معي اعجلوا إلى إخوانكم فإنهم قد لاقوا عدوهم
وإني لأرجو أن يهلكهم الله قبل أن تصلوا إليهم * قال فاستجمع من أهل القوة
والشجاعة وأهل الخيل الجياد نحو من سبعمائة وسار فأسرع فلما دنا من أبى الرواغ
قال أبو الرواغ هذه غبرة الخيل تقدموا بنا إلى عدونا حتى يقدم علينا الجند ونحن
منهم قريب فلا يرون أننا تنحينا عنهم ولأهبناهم قال فاستقدم أبو الرواغ حتى وقف
مقابل المستورد وأصحابه وغشيهم معقل في أصحابه فلما دنا منهم غربت الشمس
فنزل فصلى بأصحابه ونزل أبو الرواغ فصلى بأصحابه في جانب آخر وصلى الخوارج
أيضا ثم إن معقل بن قيس أقبل بأصحابه حتى إذا دنا من أبى الرواغ دعاه فأتاه
فقال له أحسنت أبا الرواغ هكذا الظن بك الصبر والمحافظة فقال أصلحك الله إن
لهم شدات منكرات فلا تكن أنت تليها بنفسك ولكن قدم بين يديك من يقاتلهم
وكن أنت من وراء الناس ردءا لهم فقال نعم ما رأيت فوالله ما كان إلا ريثما قالها
150

حتى شدوا عليه وعلى أصحابه فلما غشوه انجفل عنه عامة أصحابه وثبت ونزل
وقال الأرض الأرض يا أهل الاسلام ونزل معه أبو الرواغ الشاكري وناس
كثير من الفرسان وأهل الحفاظ نحو من مائتي رجل فلما غشيهم المستورد وأصحابه
استقبلوهم بالرماح والسيوف وانجفلت خيل معقل عنه ساعة ثم ناداهم مسكين
ابن عامر بن أنيف بن شريح بن عمرو بن عدس وكان يومئذ من أشجع الناس وأشدهم
بأسا فقال يا أهل الاسلام أين الفرار وقد نزل أميركم ألا تستحيون إن الفرار
مخزاة وعار ولؤم ثم كر راجعا ورجعت معه خيل عظيمة فشدوا عليهم ومعقل
ابن قيس يضاربهم تحت رايته مع ناس نزلوا معه من أهل الصبر فضربوهم حتى
اضطروهم إلى البيوت ثم لم يلبثوا إلا قليلا حتى جاءهم محرز بن شهاب فيمن تخلف
من الناس فلما أتوهم أنزلهم ثم صف لهم وجعل ميمنة وميسرة فجعل أبا الرواغ على
ميمنته ومحرز بن بجير بن سفيان على ميسرته ومسكين بن عامر على الخيل ثم قال
لهم ألا تبرحوا مصافكم حتى تصبحوا فإذا أصبحتم ثرنا إليهم فناجزناهم فوقف الناس
مواقفهم على مصافهم * قال أبو مخنف وحدثني عبد الرحمن ابن جندب عن عبد الله
ابن عقبة الغنوي قال لما انتهى إلينا معقل بن قيس قال لنا المستورد لا تدعو معقلا
حتى يعبى لكم الخيل والرجل شدوا عليهم شدة صادقة لعل الله يصرعه فيها قال
فشددنا عليهم شدة صادقة فانكشفوا فانفضوا ثم انجفلوا ووثب معقل عن فرسه حين
رأى إدبار أصحابه عنه فرفع رايته ونزل معه ناس من أصحابه فقاتلوا طويلا فصبروا لنا
ثم إنهم تداعوا علينا فعطفوا علينا من كل جانب فانحزنا حتى جعلنا البيوت في ظهورنا
وقد قاتلناهم طويلا وكانت بيننا جراحة وقتل يسير. قال أبو مخنف حدثني حصيرة
ابن عبد الله عن أبيه أن عمير بن أبي أشاءة الأزدي قتل يومئذ وكان فيمن نزل
مع معقل بن قيس وكان رئيسا. قال وكنت أنا فيمن نزل معه فوالله ما أنسى
قول عمير بن أبي أشاءة ونحن نقتتل وهو يضاربهم بسيفه قدما
قد علمت أنى إذا ما أقشعوا * عنى والتاث اللئام الوضع
أحوس عند الروع ندب أروع
151

وقاتل قتالا شديدا ما رأيت أحدا قاتل مثله فجرح رجالا كثيرا وقتل وما
أدرى انه قتل ما عدا واحدا وقد علمت أنه اعتنقه فخر على صدره فذبحه فما حز
رأسه حتى حمل عليه رجل منهم فطعنه بالرمح في ثغرة نحره فخر عن صدره وانجدل
ميتا وشددنا عليهم وحزناهم إلى القرية ثم انصرفنا إلى معركتنا فأتيته وأنا أرجو
أين يكون به رمق فإذا هو قد فاظ فرجعت إلى أصحابي فوقفت فيهم. قال أبو مخنف
وحدثني عبد الرحمن بن جندب عن عبد الله بن عقبة الغنوي قال انا لمتواقفون
أول الليل إذ أتانا رجل كنا بعثناه أول الليل وكان بعض من يمر الطريق
قد أخبرنا أن جيشا قد أقبل إلينا من البصرة فلم نكترث وقلنا لرجل من أهل
الأرض وجعلنا له جعلا اذهب فاعلم هل أتانا من قبل البصرة جيش فجاء ونحن
مواقفو أهل الكوفة وقال لنا نعم قد جاءكم شريك بن الأعور وقد استقبلت
طائفة على رأس فرسخ عند الأولى ولا أرى القوم إلا نازلين بكم الليلة أو مصبحيكم
غدوة قال فأسقط في أيدينا وقال المستورد لأصحابه ماذا ترون قلنا نرى ما رأيت
قال فانى لا أرى أن أقيم لهؤلاء جميعا ولكن نرجع إلى الوجه الذي جئنا منه فان
أهل البصرة لا يتبعونا إلى أرض الكوفة ولا يتبعنا حينئذ الا أهل مصرنا فقلنا
له ولم ذاك فقال قتال أهل مصر واحد أهون علينا من قتال أهل المصرين قالوا
سر بنا حيث أحببت قال فانزلوا عن ظهور دوابكم فأريحوا ساعة واقضموها
ثم انظروا ما آمركم به قال فنزلنا عنها فأقضمناها قال وبيننا وبينهم حينئذ ساعة قد
ارتفعوا عن القرية مخافة أن نبيتهم قال فلما أرحناها وأقضمناها أمرنا فاستوينا
على متونها ثم قال ادخلوا القرية ثم اخرجوا من ورائها وانطلقوا معكم بعلج
يأخذ بكم من ورائها ثم يعود بكم حتى يردكم إلى الطريق الذي منه أقبلتم ودعوا
هؤلاء مكانهم فإنهم لم يشعروا بكم عامة الليل أو حتى تصبحوا قال فدخلنا القرية
وأخذنا علجا ثم خرجنا به أمامنا فقلنا خذ بنا من وراء هذا الصف حتى
نعود إلى الطريق الذي منه أقبلنا ففعل ذلك فجاء بنا حتى أقامنا على الطريق الذي
منه أقبلنا فلزمناه راجعين ثم أقبلنا حتى نزلنا جرجرايا * قال أبو مخنف حدثني
152

حصيرة بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن الحارث قال إني أول من فطن لذهابهم قال
فقلت أصلحك الله لقد رابني أمر هذا العدو منذ ساعة طويلة إنهم كانوا مواقفين
نرى سوادهم ثم لقد خفى على ذلك السواد منذ ساعة وإني لخائف أن يكونوا زالوا
من مكانهم ليكيدوا الناس فقال وما تخاف أن يكون من كيدهم قلت أخاف أن
يبيتوا الناس قال والله ما آمن ذلك قال فقلت له فاستعد لذلك قال كما أنت حتى أنظر
يا عتاب انطلق فيمن أحببت حتى تدنو من القرية فتنظر هل ترى منهم أحدا أو تسمع
لهم ذكرا وسل أهل القرية عنهم * فخرج في خمس الغزاة يركض حتى نظر القرية
فأخذ لا يرى أحدا يكلمه وصاح بأهل القرية فخرج إليه منهم ناس فسألهم عنهم
فقالوا خرجوا فلا ندري كيف ذهبوا فرجع إليه عتاب فأخبره الخبر فقال معقل
لا آمن البيات فأين مضر فجاءت مضر فقال قفوا ههنا * وقال أين ربيعة فجعل ربيعة
في وجه وتميما في وجه وهمدان في وجه وبقية أهل اليمن في وجه آخر وكان كل ربع
من هؤلاء في وجه وظهره مما يلي ظهر الربع الآخر وجال فيهم معقل حتى لم يدع
ربعا الا وقف عليه وقال أيها الناس لو أتوكم فبدوا بغيركم فقاتلوهم فلا تبرحوا
أنتم مكانكم أبدا حتى يأتيكم أمري * وليغن كل رجل منكم الوجه الذي هو فيه
حتى نصبح فنرى رأينا فمكثوا متحارسين يخافون بياتهم حتى أصبحوا فلما أصبحوا
نزلوا فصلوا وأتوا فأخبروا أن القوم قد رجعوا في الطريق الذي أقبلوا منه عودهم
على بدئهم وجاء شريك بن الأعور في جيش من أهل البصرة حتى نزلوا بمعقل
ابن قيس فلقيه فتساءلا ساعة ثم إن معقلا قال لشريك أنا متبع آثارهم حتى ألحقهم
لعل الله أن يهلكهم فإني لا آمن إن قصرت في طلبهم أن يكثروا فقام شريك
فجمع رجالا من وجوه أصحابه فيهم خالد بن معدان الطائي وبيهس بن صهيب الجرمي
فقال لهم يا هؤلاء هل لكم في خير هل لكم في أن تسيروا مع إخواننا من أهل
الكوفة في طلب هذا العدو الذي هو عدو لنا ولهم حتى يستأصلهم الله ثم نرجع فقال
خالد بن معدان وبيهس الجرمي لا والله لا نفعل إنما أقبلنا نحوهم لننفيهم عن أرضنا
ونمنعهم من دخولها فإن كفانا الله مؤنتهم فإنا منصرفون إلى مصرنا وفى أهل
153

الكوفة ما يمنعون به بلادهم من هؤلاء الاكلب فقال لهم ويحكم أطيعوني فيهم
فإنهم قوم سوء لكم في قتالهم أجر وحظوة عند السلطان فقال له بيهس الجرمي
نحن والله إذا كما قال أخو بنى كنانة كمرضعة أولاد أخرى وضيعت بنيها فلم ترقع بذلك
مرقعا أما بلغك ان الأكراد قد كفروا بجبال فارس قال قد بلغني قال فتأمرنا أن ننطلق
معك نحمى بلاد أهل الكوفة ونقاتل عدوهم ونترك بلادنا فقال له وما الأكراد إنما
يكفيهم طائفة منكم فقال له وهذا العدو الذي تندبنا إليه إنما يكفيه طائفة من أهل
الكوفة إنهم لعمري لو اضطروا إلى نصرتنا لكان علينا نصرتهم ولكنهم لم يحتاجوا
إلينا بعد وفى بلادنا فتق مثل الفتق الذي في بلادهم فليغنوا ما قبلهم وعلينا أن نغنى
ما قبلنا ولعمري لو أنا أطعناك في اتباعهم فاتبعتهم كنت قد اجترأت على أميرك
وفعلت ما كان ينبغي لك أن تطلع فيه راية ما كان ليحتملها لك فلما رأى ذلك
قال لأصحابه سيروا فارتحلوا وجاء حتى لقى معقلا وكانا متحابين على رأى الشيعة
متوادين عليه فقال أما والله لقد جهدت بمن معي أن يتبعوني حتى أسير معكم
إلى عدوكم فغلبوني فقال له معقل جزاك الله من أخ خيرا إنا لم نحتج إلى ذلك
أما والله إني أرجو أن لو قد جهدوا لا يفلت منهم مخبر * قال أبو مخنف حدثني
الصقعب بن زهير عن أبي أمامة عبيد الله بن جنادة عن شريك بن الأعور قال
حدثنا بهذا الحديث شريك بن الأعور قال فلما قال والله إني لأرجو أن لو جهدوا
لا يفلت منهم مخبر كرهتها والله له وأشفقت عليه وحسبت أن يكون شبه كلام
البغى قال وأيم الله ما كان من أهل البغى * قال أبو مخنف حدثني حصيرة
ابن عبد الله عن أبيه عبد الله بن الحارث الأزدي قال لما أتانا ان المستورد بن
علفة وأصحابه قد رجعوا عن طريقهم سررنا بذلك وقلنا نتبعهم ونستقبلهم بالمدائن
وإن دنوا من الكوفة كان أهلك لهم ودعا معقل بن قيس أبا الرواغ فقال له
اتبعه في أصحابك الذين كانوا معك حتى تحبسه على حتى ألحقك فقال له زدني منهم
فإنه أقوى لي عليهم إن هم أرادوا مناجزتي قبل قدومك فإنا كنا قد لقينا منهم برحا
فزاده ثلثمائة فاتبعهم في ستمائة واقبلوا سراعا حتى نزلوا جرجرايا واقبل أبو الرواغ
154

في أثرهم مسرعا حتى لحقهم بجرجريا وقد نزلوا فنزل بهم عند طلوع الشمس فلما
نظروا أذا هم بأبي الرواغ في المقدمة فقال بعضهم لبعض إن قتالكم هؤلاء أهون
من قتال من يأتي بعدهم * قال فخرجوا إلينا فأخذوا يخرجون لنا العشرة فرسان
منهم والعشرين فارسا فنخرج لهم مثلهم فتطارد الخيلان ساعة ينتصف بعضنا
من بعض فلما رأوا ذلك اجتمعوا فشدوا علينا شدة واحدة صدقوا فيها الحملة *
قال فصرفونا حتى تركنا لهم العرصة ثم إن أبا الرواغ نادى فيهم فقال يا فرسان
السوء يا حماة؟؟ بئس ما قاتلتم القوم إلى إلى * فعالج نحوا من مائة فارس
فعطف عليهم وهو يقول:
إن الفتى كل الفتى من لم يهل * إذا الجبان حاد عن وقع الأسل
قد علمت أنى إذا الباس نزل * أروع يوم الهيج مقدام بطل
ثم عطف عليهم فقاتلهم طويلا ثم عطف أصحابه من كل جانب فصدقوهم
القتال حتى ردوهم إلى مكانهم الذي كانوا فيه فلما رأى ذلك المستورد أصحابه
ظنوا أن معقلا إن جاءهم على تفيئة ذلك لم يكن دون قتله لهم شئ فمضى هو
وأصحابه حتى قطعوا دجلة ووقعوا في أرض بهر سير وقطع أبو الرواغ في آثارهم
فاتبعهم وجاء معقل بن قيس فاتبع أثر أبى الرواغ فقطع في إثره دجلة ومضى المستورد
نحو المدينة العتيقة وبلغ ذلك سماك بن عبيد فخرج حتى عبر إليها ثم خرج بأصحابه وبأهل
المدائن فصف على بابها وأجلس رجالا رماة على السور فبلغهم ذلك فانصرفوا
حتى نزلوا ساباط وأقبل أبو الرواغ في طلب القوم حتى مر بسماك بن عبيد بالمدائن
فحبره بوجههم الذي أخذوا فيه فاتبعهم حتى نزل بهم ساباط * قال أبو مخنف حدثني
عبد الرحمن بن حبيب عن عبد الله بن عقبة الغنوي قال لما نزل بنا أبو الرواغ دعا
المستورد أصحابه فقال إن هؤلاء الذين نزلوا بكم مع أبي الرواغ هم حر أصحاب
معقل لا والله ما قدم إليكم إلا حماته وفرسانه والله لو أنى أعلم إذا بادرت أصحابه
هؤلاء إليه أدركته قبل أن يقارفوه بساعة لبادرتهم إليه فليخرج منكم خارج
فيسأل عن معقل أين هو وأين بلغ قال فخرجت أنا فاستقبلت علوجا أقبلوا من
155

المدائن فقلت لهم ما بلغكم عن معقل بن قيس قالوا جاء فيج لسماك بن عبيد من قبله
كان سرحه ليستقبل معقلا فينظر أين انتهى وأين يريد أن ينزل فجاءه فقال تركته
نزل ديلمايا وهى قرية من قرى إستان بهر سير إلى جانب دجلة كانت لقدامة بن
العجلان الأزدي فقلت له كم بيننا وبينهم من هذا المكان قالوا ثلاثة فراسخ أو نحو
ذلك قال فرجعت إلى صاحبي فأخبرته الخبر فقال لأصحابه اركبوا فركبوا فأقبل
حتى انتهى بهم إلى جسر ساباط وهو جسر نهر الملك وهو من جانبه الذي يلي
الكوفة وأبو الرواغ وأصحابه مما يلي المدائن قال فجئنا حتى وقفنا على الجسر قال
ثم قال لنا لتنزل طائفة منكم قال فنزل منا نحو من خمسين رجلا فقال اقطعوا هذا
الجسر فنزلنا فقطعناه قال فلما رأونا وقوفا على الخيل ظنوا أنا نريد أن نعبر إليهم
قال فصفوا لنا وتعبوا واشتغلوا بذلك عنا في قطعنا الجسر ثم إنا أخذنا من أهل
ساباط دليلا فقلنا له أحضر بين أيدينا حتى ننتهي إلى ديلمايا فخرج بين أيدينا يسعى
وخرجنا تلمع بنا خيلنا فكان الخبب والوجيف فما كان إلا ساعة حتى أطلنا على
معقل وأصحابه وهم يتحملون فما هو إلا أن بصر بنا وقد تفرق أصحابه عنه ومقدمته
ليست عنده وأصحابه قد استقدم طائفة منهم وطائفة تزحل وهم غارون لا يشعرون
فلما رآنا نصب رايته ونزل ونادى يا عباد الله الأرض الأرض فنزل معه نحو
من مائتي رجل قال فأخذنا نحمل عليهم فيستقبلونا بأطراف الرماح جثاة على الركب
فلا نقدر عليهم فقال لنا المستورد دعوا هؤلاء إذ نزلوا وشدوا على خيلهم حتى
تحولوا بينها وبينهم فإنكم إن أصبتم خيلهم فإنهم لكم عن ساعة جزر قال فشددنا على
خيلهم فخلنا بينهم وبينها وقطعنا أعنتها وقد كانوا قرنوها فذهبت في كل جانب قال ثم
ملنا على الناس المتزحلين والمتقدمين فحملنا عليهم حتى فرقنا بينهم ثم أقبلنا إلى معقل
ابن قيس وأصحابه جثاة على الركب على حالهم التي كانوا عليها فحملنا عليهم فلم
يتحلحلوا ثم حملنا عليهم أخرى ففعلوا مثلها فقال لنا المستورد نازلوهم لينزل إليهم
نصفكم فنزل نصفنا وبقى نصفنا معه على الخيل وكنت في أصحاب الخيل قال فلما نزل إليهم
رجالتنا قاتلتهم وأخذنا نحمل عليهم بالخيل وطمعنا والله فيهم قال فوالله إنا
156

لنقاتلهم ونحن نرى أن قد علوناهم إذ طلعت علينا مقدمة أصحاب أبي الرواغ
وهم حر أصحابه وفرسانهم فلما دنوا منا حملوا علينا فعند ذلك نزلنا بأجمعنا فقاتلناهم
حتى أصيب صاحبنا وصاحبهم قال فما علمته نجا منهم يومئذ أحد غيري قال
وإني أحدثهم رجلا فيما أرى * قال أبو مخنف حدثني عبد الرحمن بن حبيب
عن عبد الله بن عقبة الغنوي قال وحدثنا بهذا الحديث مرتين من الزمن مرة في
إمارة مصعب بن الزبير بباجميرا ومرة ونحن مع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث
بدير الجماجم قال فقتل والله يومئذ يدير الجماجم بوم الهزيمة وإنه لمقبل عليهم يضاربهم
بسيفه وأنا أراه قال فقلت له بدير الجماجم إنك قد حدثتني بهذا الحديث بباجميرا
مع مصعب بن الزبير فلم أسألك كيف نجوت من بين أصحابك قال أحدثك والله
إن صاحبنا لما أصيب قتل أصحابه إلا خمسة نفر أو ستة قال فسددنا على جماعة
من أصحابه نحو من عشرين رجلا فانكشفوا * قال وانتهيت إلى فرس واقف
عليه سرجه ولجامه وما أدرى ما قصة صاحبه أقتل أم نزل عنه صاحبه يقاتل
وتركه قال فأقبلت حتى أخذت بلجامه وأضع رجلي في الركاب وأستوي عليه قال
وشدوالله أصحابه على فانتهوا إلى وغمزت في جنب الفرس فإذا هو والله أجود
ما سخر وركض منهم ناس في أثرى فلم يعلقوا بي فأقبلت أركض الفرس وذلك
عند المساء فلما علمت أنى قد فتهم وأمنت أخذت أسير عليه خببا وتقريبا ثم إني
سرت عليه بذلك سيره ولقيت علجا فقلت له اسع بين يدي حتى تخرجني الطريق
الأعظم طريق الكوفة ففعل فوالله ما كانت إلا ساعة حتى انتهيت إلى كوثى فجئت
حتى انتهيت إلى مكان من النهر واسع عريض فأقحمت الفرس فيه فعبرته ثم
أقبلت عليه حتى آتي دير كعب فنزلت فعلقت فرسى وأرحته وهومت تهويمة ثم
إني هببت سريعا فحلت في ظهر الفرس ثم سرت في قطع من الليل فاتخذت بقية
الليل جملا فصليت الغداة بالمزاحمية على رأس فرسخين من قبين ثم أقبلت حتى
أدخل الكوفة حين منع الضحى فأتي من ساعتي شريك بن نملة المحاربي فأخبرته
خبري وخبر أصحابه وسألته أن يلقى المغيرة بن شعبة فيأخذ لي منه أمانا فقال
157

لي قد أصبت الأمان إن شاء الله وقد جئت ببشارة والله لقد بت الليلة وإن
أمر الناس ليهمني قال فخرج شريك بن نملة المحاربي حتى أتى المغيرة مسرعا فاستأذن عليه
فأذن له فقال إن عندي بشرى ولى حاجة فاقض حاجتي أبشرك ببشارتي فقال له قضيت
حاجتك فهات بشراك قال تؤمن عبد الله بن عقبة الغنوي فإنه كان مع القوم قال قد
آمنته والله لوددت أنك أتيتني بهم كلهم فآمنتهم قال فأبشر فإن القوم كلهم قد قتلوا كان
صاحبي مع القوم ولم ينج منهم فيما حدثني غيره قال قما فعل معقل بن قيس قال أصلحك
الله ليس له بأصحابنا علم قال فما فرغ من منطقه حتى قدم عليه أبو الرواغ
ومسكين بن عامر بن أنيف مبشرين بالفتح فأخبروا أن معقل بن قيس والمستورد
ابن علفة مشى كل واحد منهما إلى صاحبه بيد المستورد الرمح وبيد معقل السيف
فالتقيا فأشرع المستورد الرمح في صدر معقل حتى خرج السنان من ظهره فضربه
معقل بالسيف على رأسه حتى خالط السيف أم الدماغ فخرا ميتين * قال أبو مخنف حصيرة بن عبد الله عن أبيه قال لما رأينا المستورد بن علفة وقد نزلنا به ساباط
أقبل إلى الجسر فقطعه كنا نظن أنه يريد أن يعبر إلينا قال فارتفعنا عن مظلم ساباط
إلى الصحراء التي بين المدائن وساباط فتعبأنا وتهيأنا فطال إلينا أن نراهم يخرجون
إلينا قال فقال أبو الرواغ ان لهؤلاء لشأنا ألا رجل يعلم لنا علم هؤلاء فقلت أنا
ووهيب بن أبي أشاءة الأزدي نحن نعلم لك علم ذلك ونأتيك بخبرهم فقربنا على
فرسينا إلى الجسر فوجدناه مقطوعا فظننا القوم لم يقطعوه إلا هيبة لنا ورعبا منا
فرجعنا نركض سراعا حتى انتهينا إلى صاحبنا فأخبرناه بما رأينا فقال ما ظنكم قال
فقلنا لم يقطعوا الجسر إلا لهيبتنا ولما أدخل الله في قلوبهم من الرعب منا قال لعمري
ما خرج القوم وهم يريدون الفرار ولكن القوم قد كادوكم أتسمعون والله ما أراهم
إلا قالوا إن معقلا لم يبعث إليكم أبا الرواغ إلا في حر أصحابه فإن استطعتم فاتركوا
هؤلاء بمكانهم هذا وجدوا السير نحو معقل وأصحابه فإنكم تجدونهم غارين آمنين
إن تأتوهم فقطعوا الجسر لكيما يشغلونكم به عن لحاقكم أياهم حتى يأتوا أميركم
على غرة النجاء النجاء في الطلب قال فوقع في أنفسنا إن الذي قال لنا كما قال قال
158

فصحنا بأهل القرية قال فجاؤنا سراعا فقلنا لهم عجلوا عقد الجسر واستحثثناهم فما لبثوا
أن فرغوا منه ثم عبرنا عليه فاتبعناهم سراعا ما نلوى على شئ فلزمنا آثارهم فوالله
ما زلنا نسأل عنه فيقال هم الآن أمامكم لحقتموهم ما أقربكم منهم فوالله ما زلنا في
طلبهم حرصا على لحاقهم حتى كان أول من استقبلنا من الناس فلهم وهم منهزمون
لا يلوى أحد على أحد فاستقبلهم أبو الرواغ ثم صاح بالناس إلى إلى فأقبل الناس
إليه فلاذوا به فقال ويلكم ما وراءكم فقالوا لا ندري لم يرعنا إلا والقوم معنا في
عسكرنا ونحن متفرقون فشدوا علينا ففرقوا بينا قال فما فعل الأمير فقائل يقول
نزل وهو يقاتل وقائل يقول ما نراه إلا قتل فقال لهم أيها الناس ارجعوا معي فإن
ندرك أميرنا حيا نقاتل معه وإن نجده قد هلك قاتلناهم فنحن فرسان أهل المصر
المنتخبون لهذا العدو فلا يفسد فيكم رأى أميركم بالمصر ولا رأى أهل المصر وأيم الله
لا ينبغي لكم إن عاينتموه وقد قتلوا معقلا أن تفارقوهم حتى تثئروهم أو تبار واسيروا
على بركة الله فساروا وسرنا فأخذ لا يستقبل أحدا من الناس إلا صاح به ورده ونادى
وجوه أصحابه وقال اضربوا وجوه الناس وردوهم قال فأقبلنا نرد الناس حتى انتهينا إلى
العسكر فإذا نحن براية معقل من قيس منصوبة فإذا معه مائتا رجل أو أكثر فرسان
الناس ووجوههم ليس فيهم إلا راجل وإذا هم يقتتلون أشد قتال سمع الناس به
فلما طلعنا عليهم إذا نحن بالخوارج قد كادوا يعلون أصحابنا وإذا أصحابنا على ذلك
صابرون يجالدونهم فلما رأونا كروا ثم شدوا على الخوارج فارتفعت الخوارج
عنهم غير بعيد وانتهينا إليهم فنظر أبو الرواغ إلى معقل فإذا هو مستقدم يذمر أصحابه
ويحرضهم فقال له أحي أنت فداك عمى وخالي قال نعم فشد القوم فنادى أبو الرواغ
أصحابه ألا ترون أميركم حيا شدوا على القوم قال فحمل وحملنا على القوم بأجمعنا
قال فصدمنا خيلهم صدمة منكرة وشد عليهم معقل وأصحابه فنزل المستورد وصاح
بأصحابه يا معشر الشراة الأرض الأرض فإنها والله الحنة والذي لا إليه غيره لمن
قتل صادق النية في جهاد هؤلاء الظلمة وجلاحهم فتنازلوا من عند آخرهم فنزلنا
من عند آخرنا ثم مضينا إليه مصلتين بالسيوف فاضطربنا بها طويلا من النهار كأشد
159

قتال اقتتله الناس قط غير أن المستورد نادى معقلا فقال يا معقل أبرز لي فخرج
إليه معقل * فقلنا له ننشدك أن تخرج إلى هذا الكلب الذي قد آيسه الله من نفسه
قال لا والله لا يدعوني رجل إلى مبارزة أبدا فأكون أنا الناكل فمشى إليه بالسيف
وخرج الآخر إليه بالرمح فناديناه أن القه برمح مثل رمحه فأبى وأقبل عليه المستورد
فطعنه حتى خرج سنان الرمح من ظهره وضربه معقل بالسيف حتى خالط سيفه أم
الدماغ فوقع ميتا وقتل معقل وقال لنا حين برز إليه ان هلكت فأميركم عمرو بن
محرز بن شهاب السعدي ثم المنقري قال فلما هلك معقل أخذ الراية عمرو بن محرز وقال
عمرو إن قتلت فعليكم أبو الرواغ فإن قتل أبو الرواغ فأميركم مسكين بن عامر بن أنيف
وإنه يومئذ لفتى حدث ثم شد برايته وأمر الناس أن يشدوا عليهم فما لبثوهم أن قتلوهم
ومما كان في السنة تولية عبد الله بن عامر عبد الله بن خازم بن ظبيان خراسان وانصراف
قيس بن الهيثم عنه وكان السبب في ذلك فيما ذكر أبو مخنف عن مقاتل بن حيان أن ابن
عامر استبطأ قيس بن الهيثم بالخراج فأراد أن يعزله فقال له ابن خازم ولني خراسان
فأكفيكها وأكفيك قيس بن الهيثم فكتب له عهده أو هم بذلك فبلغ قيسا أن ابن عامر
وجد عليه لاستخفافه به وإمساكه عن الهدية وأنه قد ولى ابن خازم فخاف ابن خازم
أن يشاغبه ويحاسبه فترك خراسان وأقبل فازداد عليه ابن عامر غضبا وقال ضيعت
الثغر فضربه وحبسه وبعث رجلا من بنى يشكر على خراسان * قال أبو مخنف
بعث ابن عامر أسلم بن زرعة الكلابي حين عزل قيس بن الهيثم قال علي بن محمد
أخبرنا أبو عبد الرحمن الثقفي عن أشياخه أن ابن عامر استعمل قيس بن الهيثم على
خراسان أيام معاوية فقال له ابن خازم إنك وجهت إلى خراسان رجلا ضعيفا وإني
أخاف إن لقى حربا أن ينهزم بالناس فتهلك خراسان وتفتضح أخوالك قال ابن عامر
فما الرأي قال تكتب لي عهدا إن هو انصرف عن عدوك قمت مقامه فكتب له
فجاشت جماعة من طخارسنان فشاور قيس بن الهيثم فأشار عليه ابن خازم أن
ينصرف حتى يجتمع إليه أطرافه فانصرف فلما سار من مكانه مرحلة أو مرحلتين
أخرج ابن خازم عهده وقام بأمر الناس ولقى العدو فهزمهم وبلغ الخبر المصريين
160

والشأم فغضب القيسية وقالوا خدع قيسا وابن عامر فأكثروا في ذلك شكوا
إلى معاوية فبعث إليه فقدم فاعتذر مما قيل فيه فقال له معاوية قم فاعتذر إلى
الناس غدا فرجع ابن خازم إلى أصحابه فقال إني قد أمرت بالخطبة ولست بصاحب
كلام فاجلسوا حول المنبر فإذا تكلمت فصدقوني فقام من الغد فحمد الله وأثنى
عليه ثم قال إنما يتكلف الخطبة إمام لا يجد منها بدا أو أحمق يهمر من رأسه لا يبان
ما خرج منه ولست بواحد منهما وقد علم من عرفني أنى بصير بالفرص وثاب
عليها وقاف عند المهالك أنفذ بالسرية وأقسم بالسوية أنشدكم بالله من كان يعرف
ذلك منى لما صدقني قال أصحابه حول المنبر صدقت فقال يا أمير المؤمنين إنك
ممن نشدت فقل بما تعلم قال صدقت * قال على أخبرنا شيخ من بنى تميم يقال
له معمر عن بعض أهل العلم أن قيس بن الهيثم قدم علي بن عامر من خراسان
مراغما لابن خازم قال فضربه ابن عامر مائة وحلقه وحبسه قال فطلبت إليه أمه
فأخرجه (وحج) بالناس في هذه السنة فيما قيل مروان بن الحكم وكان على
المدينة وكان على مكة خالد بن العاص بن هشام وعلى الكوفة المغيرة بن شعبة
وعلى قضائها شريح وعلى البصرة وفارس وسجستان وخراسان عبد الله بن عامر
وعلى قضائها عمير بن يثربي
ثم دخلت سنة أربع وأربعين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمما كان فيها من ذلك دخول المسلمين مع عبد الرحمن بن الوليد بلاد الروم
ومشتاهم بها وغزو بسر بن أبي أرطاة البحر (وفى هذه السنة) عزل معاوية عبد الله
أبن عامر عن البصرة
ذكر الخبر عن سبب عزله
كان سبب ذلك أن ابن عامر كان رجلا لينا كريما لا يأخذ على أيدي السفهاء
ففسدت البصرة بسبب ذلك أيام عمله بها لمعاوية * حدثني عمرو بن شبة قال
أخبرنا يزيد الباهلي قال شكا ابن عامر إلى زياد فساد الناس وظهور الخبث فقال
161

جرد فيهم السيف فقال إني أكره أن أصلحهم بفساد نفسي * حدثني عمر
قال قال أبو الحسن كان ابن عامر لينا سهلا سهل الولاية لا يعاقب في سلطانه
ولا يقطع لصا فقيل له في ذلك فقال أنا أتألف الناس فكيف أنظر إلى رجل قد
قطعت أباه وأخاه * حدثني عمر قال حدثنا على قال حدثنا مسلمة بن محارب قال
وفد ابن الكواء * واسم ابن الكواء عبد الله بن أوفى إلى معاوية فسأله عن الناس
فقال ابن الكواء أما أهل البصرة فقد غلب عليها سفهاؤها وعاملها ضعيف فبلغ
ابن عامر قول ابن الكواء فاستعمل طفيل بن عوف اليشكري على خراسان وكان
الذين بينه وبين ابن الكواء متباعدا فقال ابن الكواء إن ابن دجاجة لقليل العلم
في أظن أن ولاية طفيل خراسان تسؤوني لوددت أنه لم يبق في الأرض يشكري
إلا عاداني وأنه ولاهم فعزل معاوية ابن عامر وبعث الحارث بن عبد الله الأزدي
قال وقال القحذمي قال ابن عامر أي الناس أشد عداوة لابن الكواء قالوا عبد الله
ابن أبي شيخ فولاه خراسان فقال ابن الكواء ما قال * وذكر عن عمر عن أبي الحسن
عن شيخ من سقيف وأبى عبد الرحمن الأصبهاني أن ابن عامر أوفد إلى معاوية
وفدا فوافقوا عنده وفد أهل الكوفة وفيهم ابن الكواء اليشكري فسألهم معاوية
عن العراق وعن أهل البصرة خاصة فقال له ابن الكواء يا أمير المؤمنين إن أهل
البصرة أكلهم سفهاؤهم وضعف عنهم سلطانهم وعجز ابن عامر وضعفه فقال له
معاوية تكلم عن أهل البصرة وهم حضور فلما انصرف الوفد إلى البصرة بلغوا
ابن عامر ذلك فغضب فقال أي أهل العراق أشد عداوة لابن الكواء فقيل له
عبد الله بن أبي شيخ اليشكري فولاه خراسان وبلغ ابن الكواء ذلك فقال ما قال
* حدثني عمر قال حدثنا على قال لما ضعف ابن عامر عن عمله وانتشر الامر
بالبصرة عليه كتب إليه معاوية يستزيره قال عمر فحدثني أبو الحسن أن ذلك كان
في سنة 44 وأنه استخلف على البصرة قيس بن الهيثم فقدم على معاوية فرده على عمله
فلما ودعه قال له معاوية إني سائلك ثلاثا فقل هن لك قال هن لك وأنا ابن أم حكيم
قال ترد على عملي ولا تغضب قال قد فعلت قال وتهب لي مالك بعرفة قال قد فعلت
162

قال وتهب لي دورك بمكة قال قد فعلت قال وصلتك رحم قال فقال ابن عامر يا أمير
المؤمنين إني سائلك ثلاثا فقل هن لك قال هن لك وأنا ابن هند قال ترد على مالي بعرفة
قال قد فعلت قال ولا تحاسب لي عاملا ولا تتبع لي أثرا قال قد فعلت قال وتنكحني ابنتك
هندا قال قد فعلت * قال ويقال إن معاوية قال له اختر بين أن أتتبع أثرك وأحاسبك
بما صار إليك وأردك إلى عملك وبين أن أسوغك ما أصبت وتعتزل فاختار أن
يسوعه ذلك ويعتزل (وفى هذه السنة) استلحق معاوية نسب زياد بن سمية بأبيه
أبي سفيان فيما قيل * حدثني عمر بن شبة قال زعموا أن رجلا من عبد القيس كان
مع زياد لما وفد على معاوية فقال لزياد إن لابن عامر عندي يدا فان أذنت لي
أتيته قال على أن تحدثني ما يجرى بينك وبينه قال نعم فأذن له فأتاه فقال له ابن عامر
هيه هيه وابن سمية يقبح آثاري ويعرض بعمالي لقد هممت أن آتي بقسامة من
قريش يحلفون أن أبا سفيان لم ير سمية قال فلما رجع سأله زياد فأبى أن يخبره فلم
يدعه حتى أخبره فأخبر ذلك زياد معاوية فقال معاوية لحاجبه إذا جاء ابن عامر
فاضرب وجه دابته عن أقصى الأبواب ففعل ذلك به فأتى ابن عامر يزيد فشكا
إليه ذلك فقال له هل ذكرت زيادا قال نعم فركب معه يزيد حتى أدخله فلما نظر
إليه معاوية قام فدخل فقال يزيد لابن عامر اجلس فكم عسى أن تقعد في البيت
عن مجلسه فلما أطالا خرج معاوية وفى يده قضيب يضرب به الأبواب ويتمثل
لنا سياق ولكم سياق * قد علمت ذلكم الرفاق
ثم قعد فقال يا ابن عامر أنت القائل في زياد ما قلت أما والله لقد علمت العرب
أنى كنت أعزها في الجاهلية وإن الاسلام لم يزدني إلا عزا وإني لم أتكثر بزياد من
قلة ولم أتعزز به من ذلة ولكن عرفت حقا له فوضعته موضعه فقال يا أمير المؤمنين
نرجع إلى ما يحب ذياد قال إذا نرجع إلى ما تحب فخرج ابن عامر إلى زياد فترصناه
* حدثني أحمد بن زهير قال حدثنا عبد الرحمن بن صالح قال حدثنا عمرو بن هاشم
عن عمر بن بشير الهمداني عن أبي إسحاق أن زيادا لما قدم الكوفة قال قد جئتكم
في أمر ما طلبته إلا لكم قالوا ادعنا إلى ما شئت قال تلحقون نسبي بمعاوية قالوا أما
163

بشهادة الزور فلا فأتى البصرة فشهد له رجل (وحج) بالناس في هذه السنة
معاوية (وفيها) عمل مروان المقصورة وعملها أيضا فيما ذكر معاوية بالشام
وكانت العمال في الأمصار فيها العمال الذين ذكرنا قبل أنهم كانوا العمال في سنة 43
ثم دخلت سنة خمس وأربعين
ذكر الاحداث المذكورة التي كانت فيها
فمن ذلك استعمال معاوية الحارث بن عبد الله الأزدي فيها على البصرة * فحدثني
عمر قال حدثني علي بن محمد قال عزل معاوية ابن عامر وولى الحارث بن عبد الله
الأزدي البصرة في أول سنة 45 فأقام بالبصرة أربعة أشهر ثم عزله قال وقد قيل
هو الحارث بن عمرو وابن عبد وابن عمرو وكان من أهل الشأم وكان معاوية عزل
ابن عامر ليولى زيادا فولى الحارث كالفرس المحلل فولى الحارث شرطته عبد الله بن
عمرو ابن غيلان الثقفي ثم عزله معاوية وولاها زيادا
ذكر الخبر عن ولاية زياد البصرة
* حدثني عمر قال حدثنا على قال حدثنا بعض أهل العلم أن زيادا لما قدم
الكوفة ظن المغيرة أنه قدم واليا على الكوفة فأقام زياد في دار سلمان بن ربيعة
الباهلي فأرسل إليه المغيرة وائل بن حجر الجضرمي أبا هنيدة وقال له اعلم لي علمه
فأتاه فلم يقدر منه على شئ فخرج من عنده يريد المغيرة وكان زاجرا فرأى غرابا
ينعق فرجع إلى زياد فقال يا أبا المغيرة هذا الغراب يرحلك عن الكوفة ثم رجع
إلى المغيرة وقدم رسول معاوية على زياد من يومه أن سر إلى البصرة وأما
عبد الله بن أحمد المروزي فحدثني قال حدثني أبي قال حدثني سليمان قال حدثني
عبد الله عن إسحاق يعنى ابن يحيى عن معبد بن خالد الجدلي قال قدم علينا زياد الذي
يقال له ابن أبي سفيان من عند معاوية فنزل دار سلمان بن ربيعة الباهلي ينتظر
أمر معاوية قال فبلغ المغيرة بن شعبة وهو أمير على الكوفة أن زيادا ينتظر أن
تجئ إمارته على الكوفة فدعا قطن بن عبد الله الحارثي فقال هل فيك من خير
164

تكفيني الكوفة حتى آتيك من عند أمير المؤمنين قال ما أنا بصاحب ذا فدعا
عيينة بن النهاس العجلي فعرض عليه فقبل فخرج المغيرة إلى معاوية فلما قدم عليه
سأله أن يعزله وأن يقطع له منازل بقرقيسيا بين ظهري قيس فلما سمع بذلك معاوية
خاف بائقته وقال والله لترجعن إلى عملك يا أبا عبد الله فأبى عليه فلم يزده ذلك
إلا تهمة فرده إلى عمله فطرقنا ليلا وإني لفوق القصر أحرسه فلما قرع الباب
أنكرناه فلما خاف أن ندلي عليه حجرا تسمى لنا فنزلت إليه فرحبت له وسلمت فتمثل
بمثلي فافزعي يا أم عمرو * إذا ما هاجني السفر النعور
اذهب إلى ابن سمية فرحله حتى لا يصبح إلا من وراء الجسر فخرجنا فأتينا
زيادا فأخرجناه حتى طرحنا من وراء الجسر قبل أن يصبح * فحدثني عمر
قال حدثنا على قال حدثنا مسلمة والهذلي وغيرهما أن معاوية استعمل زيادا
على البصرة وخراسان وسجستان ثم جمع له الهند والبحرين وعمان وقدم البصرة
في آخر شهر الربيع الآخر أو غرة جمادى الأولى سنة 45 والفسق بالبصرة ظاهر
فاش فخطب خطبة بتراء لم يحمد الله فيها وقيل بل حمد الله فقال الحمد لله على
إفضاله وإحسانه ونسأله المزيد من نعمه اللهم كما رزقتنا نعما فألهمنا شكرا
على نعمتك علينا أما بعد فإن الجهالة الجهلاء والضلالة العمياء والفجر الموقد
لأهله النار الباقي عليهم سعيرها ما يأتي سفهاؤكم ويشتمل عليه حلماؤكم من الأمور
العظام ينبت فيها الصغير ولا يتحاشى منها الكبير كأن لم تسمعوا بآي الله
ولم تقرؤا كتاب الله ولم تسمعوا ما أعد الله من الثواب الكريم لأهل طاعته
والعذاب الأليم لأهل معصيته في الزمن السرمد الذي لا يزول أتكونون كمن
طرفت عينه الدنيا وسدت مسامعه الشهوات واختار الفانية على الباقية ولا
تذكرون أنكم أحدثتم في الاسلام الحدث الذي لم تسبقوا به من ترككم
هذه المواخير المنصوبة والضعيفة المسلوبة في النهار المبصر والعدد غير قليل
ألم تكن منكم نهاة تمنع الغواة عن دلج الليل وغارة النهار قربتم القرابة وباعدتم
الدين تعتذرون بغير العذر وتغطون على المختلس كل امرئ منكم يذب عن
165

سفيهه صنيع من لا يخاف عقابا ولا يرجو معادا ما أنتم بالحلماء ولقد اتبعتم
السفهاء ولم يزل بهم ما ترون من قيامكم دونهم حتى انتهكوا حرم الاسلام ثم
أطرقوا وراءكم كنوسا في مكانس الريب حرم على الطعام والشراب حتى أسويها
بالأرض هدما وإحراقا إني رأيت آخر هذا الامر لا يصلح إلا بما صلح أوله
لين في غير ضعف وشدة في غير جبرية وعنف وإني أقسم بالله لآخذن الولي
بالولي والمقيم بالظاعن والمقبل بالمدبر والصحيح منكم بالسقيم حتى يلقى الرجل
منكم أخاه فيقول انج سعد فقد هلك سعيد أو تستقيم لي قناتكم إن كذبة المنبر تبقى
مشهورة فإذا تعلقتم على بكذبة فقد حلت لكم معصيتي من بيت منكم فأنا ضامن لما
ذهب له إياي ودلج الليل فإني لا أوتى بمدلج إلا سفكت دمه وقد أجلتكم في ذلك
بقدر ما يأتي الخبر الكوفة ويرجع إلى وإياي ودعوى الجاهلية فانى لا أجد أحدا
دعا بها إلا قطعت لسانه وقد أحدثتم أحداثا لم تكن وقد أحدثنا لكل ذنب عقوبة
فمن غرق قوما غرقته ومن حرق على قوم حرقناه ومن نقب بيتا نقبت عن قلبه
ومن نبش قبرا دفنته حيا فكفوا عنى أيديكم وألسنتكم أكفف يدي وأذاي
لا يظهر من أحد منكم خلاف ما عليه عامتكم إلا ضربت عنقه وقد كانت بيني
وبين أقوام إحن فجعلت ذلك دبر أذني وتحت قدمي فمن كان منكم محسنا فليزدد
إحسانا ومن كان مسيئا فلينزع عن إساءته انى لو علمت أن أحدكم قد قتله السل من
بغضي لم أكشف له قناعا ولم أهتك له سترا حتى يبدي لي صفحته فإذا فعل لم أناظره
فاستأنفوا أموركم وأعينوا على أنفسكم فرب مبتئس بقدومنا سيسر ومسرور
بقدومنا سيبتئس أيها الناس إنا أصبحنا لكم ساسة وعنكم ذادة نسوسكم بسلطان
الله الذي أعطانا ونذود عنكم بفئ الله الذي خولنا فلنا عليكم السمع والطاعة
فيما أحببنا ولكم علينا العدل فيما ولينا فاستوجبوا عدلنا وفيأنا بمناصحتكم واعلموا
أنى مهما قصرت عنه فإني لا أقصر عن ثلاث لست محتججا عن طالب حاجة منكم
ولو أتاني طارقا بليل ولا حابسا رزقا ولا عطاء عن إبانه ولا مجمرا لكم بعثا فادعوا
الله بالصلاح لأئمتكم فإنهم ساستكم المؤدبون لكم وكهفكم الذي إليه تأوون
166

ومتى تصلحوا يصلحوا ولا تشربوا قلوبكم بغضهم فيشتد لذلك غيظكم ويطول
له حزنكم ولا تدركوا حاجتكم مع أنه لو استجيب لكم كان شرا لكم
أسأل الله أن يعين كلا على كل وإذا رأيتموني أنفذ فيكم الامر فأنفذوه على
إذلاله وأيم الله إن لي فيكم لصرعى كثيرة فليحذر كل امرئ منكم أن يكون
من صرعاي قال فقام عبد الله بن الأهتم فقال أشهد أيها الأمير أنك قد أوتيت
الحكمة وفصل الخطاب فقال كذبت ذاك نبي الله داود عليه السلام قال الأحنف
قد قلت فأحسنت أيها الأمير والثناء بعد البلاء والحمد بعد العطاء وإنا لن نثني حتى
نبتلى فقال زياد صدقت فقام أبو بلال مرداس بن أدية يهمس وهو يقول أنبأ الله
بغير ما قلت قال الله عز وجل (وإبراهيم الذي وفى ألا تزر وازرة وزر أخرى
وأن ليس للانسان إلا ما سعى) فأوعدنا الله خيرا مما واعدت يا زياد فقال زياد إنا
لا نجد إلى ما تريد أنت وأصحابك سبيلا حتى نخوض إليها الدماء * حدثني عمر قال
حدثنا خلاد بن يزيد قال سمعت من يخبر عن الشعبي قال ما سمعت متكلما قط تكلم
فأحسن إلا أحببت أن يسكت خوفا أن يسئ إلا زيادا فإنه كان كلما أكثر كان
أجود كلاما * حدثني عمر قال حدثنا على عن مسلمة قال استعمل زياد على شرطته
عبد الله بن حصن فأمهل الناس حتى بلغ الخبر الكوفة وعاد إليه وصول الخبر إلى
الكوفة وكان يؤخر العشاء حتى يكون آخر من يصلى ثم يصلى يأمر رجلا فيقرأ
سورة البقرة ومثلها يرتل القرآن فإذا فرغ أمهل بقدر ما يرى أن إنسانا يبلغ
الخريبة ثم يأمر صاحب شرطته بالخروج فيخرج ولا يرى إنسانا إلا قتله قال فأخذ
ليلة أعرابيا فأتى به زيادا فقال هل سمعت النداء قال لا والله قدمت بحلوبة لي وغشيني
الليل فاضطررتها إلى موضع فأقمت لا صبح ولا علم لي بما كان من الأمير قال أظنك
والله صادقا ولكن في قتلك صلاح هذه الأمة ثم أمر به فضربت عنقه وكان زياد
أول من شد أمر السلطان وأكد الملك لمعاوية وألزم الناس الطاعة وتقدم في
العقوبة وجرد السيف وأخذ بالظنة وعاقب على الشبهة وخافه الناس في سلطانه
خوفا شديدا حتى أمن الناس بعضهم بعضا حتى كان الشئ يسقط من الرجل
167

أو المرأة فلا يعرض له أحد حتى يأتيه صاحبه فيأخذه وتبيت المرأة فلا تغلق عليها
بابها وساس الناس سياسة لم ير مثلها وهابه الناس هيبة لم يهابوها أحدا قبله وأدر
العطاء وبنى مدينة الرزق قال وسمع زياد جرسا من دار عمير فقال ما هذا فقيل
محترس قال فليكف عن هذا أنا ضامن لما ذهب له ما أصاب من إصطخر قال
وجعل زياد الشرط أربعة آلاف عليهم عبد الله بن حصن أحد بنى عبيد بن ثعلبة
صاحب مقبرة ابن حصن والجعد بن قيس التميمي صاحب طاق الجعد وكانا جميعا
على شرطه فبينا زياد يوما يسير وهما بين يديه يسيران بحربتين تنازعا بين يديه
فقال زياد يا جعد ألق الحربة فألقاها وثبت ابن حصن على شرطه حتى مات زياد
وقيل إنه ولى الجعد أمر الفساق وكان يتتبعهم وقيل لزياد إن السبل مخوفة فقال
لا أعاني شيئا سوى المصر حتى أغلب على المصر وأصلحه فان غلبني المصر فغيره
أشد غلبة فلما ضبط المصر تكلف ما سوى ذلك فأحكمه وكان يقول لو ضاع حيل
بيني وبين خراسان علمت من أخذه وكتب خمسمائة من مشيخة أهل البصرة في
صحابته فرزقهم ما بين الثلثمائة إلى الخمسمائة فقال فيه حارثة بن بدر الغداني
ألا من مبلغ عنى زيادا * فنعم أخو الخليفة والأمير
فأنت إمام معدلة وقصد * وحزم حين يحضرك الأمور
أخوك خليفة الله ابن حرب * وأنت وزيره نعم الوزير
تصيب على الهوى منه ويأتي * محبك ما يجن لنا الضمير
بأمر الله منصور معان * إذا جار الرعية لا تجور
يدر على يديك لما أرادوا * من الدنيا لهم حلب غزير
وتقسم بالسواء فلا غنى * لضيم يشتكيك ولا فقير
وكنت حيا وجئت على زمان * خبيث ظاهر فيه شرور
تقاسمت الرجال به هواها * فما تخفى ضغائنها الصدور
وخاف الحاضرون وكل باد * يقيم على المخافة أو يسير
فلما قام سيف الله فيهم * زياد قام أبلج مستنير
168

قوى لا من الحدثان غر * ولا جزع ولا فان كبير
* حدثني عمر بن شبة قال حدثنا علي بن محمد قال استعان زياد بعدة من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمران بن الحصين الخزاعي ولاه قضاء البصرة
والحكم بن عمرو الغفاري ولاه خراسان وسمرة بن جندب وأنس بن مالك
وعبد الرحمن بن سمرة فاستعفاه عمران فأعفاه واستقضى عبد الله بن فضالة الليثي
ثم أخاه عاصم بن فضالة ثم زرارة بن أوفى الجرشى وكانت أخته لبابة عند زياد
وقيل إن زيادا أول من سير بين يديه بالحراب ومشى بين يديه بالعمد واتخذ
الحرس رابطة خمسمائة واستعمل عليهم شيبان صاحب مقبرة شيبان من بنى سعد
فكانوا لا يبرحون المسجد * حدثني عمر قال حدثنا على قال جعل زياد خراسان
أرباعا واستعمل على مرو أمير بن أحمر اليشكري وعلى أبر شهر خليد بن عبد الله
الحنفي وعلى مرو الروذ والفارياب والطالقان قيس بن الهيثم وعلى هراة وباذعيس
وقادس وبوشنج نافع بن خالد الطاحي * حدثني عمر قال حدثنا على قال حدثنا
مسلمة بن محارب وابن أبي عمرو شيخ من الأزد أن زيادا عتب على نافع بن خالد
الطاحي حبسه وكتب عليه كتابا بمائة ألف وقال بعضهم ثماني مائة ألف وكان سبب
موجدته عليه أنه بعث بخوان بازهر قوائمه منه فأخذ نافع قائمة جعل مكانه قائمة
من ذهب وبعث بالخوان إلى زياد مع غلام له يقال له زيد كان قيمه على أمره كله
فسعى زيد بنافع وقال لزياد إنه قد خانك وأخذ قائمة من قوائم الخوان وجعل مكانه
قائمة من ذهب قال فمشى رجال من وجوه الأزد إلى زياد فيهم سيف بن وهب
المعولي وكان شريفا وله يقول الشاعر
اعمد بسيف للسماحة والندى * واعمد بصبرة للفعال الأعظم
قال فدخلوا على زياد وهو يستاك فتمثل زياد حين رآهم
أذكر بنا موقف أفراسنا * بالحنو إذ أنت إلينا فقير
قال وأما الأزد فيقولون بل تمثل سيف بن وهب أبو طلحة المعولي بهذا البيت
حين دخل على زياد فقال نعم قال وإنما ذكره أيام أجاره صبرة فدعا زياد بالكتاب
169

فمحاه بسواكه وأخرجه نافعا * حدثني عمر بن شبة قال حدثنا على عن مسلمة أن
زيادا عزل نافع بن خالد الطاحي وخليد بن عبد الله الحنفي وأمير بن أحمر اليشكري
فاستعمل الحكم بن عمرو بن مجدع بن جذيم بن الحارث بن نعيلة بن مليك * ونعيلة
أخو غفار بن مليك ولكنهم قليل فصاروا إلى غفار * قال مسلمة أمر زياد حاجبه
فقال ادع إلى الحكم وهو يريد الحكم ابن أبي العاص الثقفي * فخرج الحاجب فرأى
الحكم بن عمرو الغفاري فأدخله فقال زياد رجل له شرف وله صحبة من رسول الله
صلى الله عليه وسلم فعقد له على خراسان ثم قال له ما أردتك ولكن الله عز وجل
أرادك * حدثني عمر قال حدثنا على قال أخبرنا أبو عبد الرحمن الثقفي ومحمد بن
الفضيل عن أبيه أن زيادا لما ولى العراق استعمل الحكم بن عمرو الغفاري على
خراسان وجعل معه رجالا على كور وأمرهم بطاعته فكانوا على جباية الخراج
وهم أسلم بن زرعة وخليد بن عبد الله الحنفي ونافع بن خالد الطاحي وربيعة بن
عسل اليربوعي وأمير بن أحمر اليشكري وحاتم بن النعمان الباهلي فمات الحكم بن
عمرو وكان قد غزا طخارستان فغنم غنائم كثيرة واستخلف أنس بن أبي أناس
ابن زنيم وكان كتب إلى زياد أنى قد رضيته لله وللمسلمين ولك فقال زياد اللهم إني
لا أرضاه لدينولا للمسلمين ولا لي وكتب زياد إلى خليد بن عبد الله الحنفي
بولاية خراسان ثم بعث الربيع بن زياد الحارثي إلى خراسان في خمسين ألفا من
البصرة خمسة وعشرين ألفا ومن الكوفة خمسة وعشرين ألفا على أهل البصرة
الربيع وعلى أهل الكوفة عبد الله بن أبي عقيل وعلى الجماعة الربيع بن زياد
(وقيل) حج بالناس في هذه السنة مروان بن الحكم وهو على المدينة وكانت
الولاة والعمال على الأمصار في هذه السنة من تقدم ذكره قبل المغيرة بن شعبة
على الكوفة وشريح على القضاء بها وزياد على البصرة والعمال من قد سميت قبل
(وفى هذه السنة) كان مشتى عبد الرحمن بن خالد بن الوليد بأرض الروم
170

ثم دخلت سنة ست وأربعين
ذكر ما كان فيها من الاحداث
فمما كان فيها من ذلك مشتى مالك بن عبيد الله بأرض الروم وقيل بل كان ذلك
عبد الرحمن بن خالد بن الوليد وقيل بل كان مالك بن هبيرة السكوني (وفيها)
انصرف عبد الرحمن بن خالد بن الوليد من بلاد الروم إلى حمص فدس ابن أثال
النصراني إليه شربة مسمومة فيما قيل فشربها فقتلته
ذكر الخبر عن سبب هلاكه
وكان السبب في ذلك ما حدثني عمر قال حدثنا على عن مسلمة بن محارب أن
عبد الرحمن بن خالد بن الوليد كان قد عظم شأنه بالشام ومال إليه أهلها لما كان
عندهم من آثار أبيه خالد بن الوليد ولغنائه عن المسلمين في أرض الروم وبأسه
حتى خافه معاوية وخشي على نفسه منه لميل الناس إليه فأمر ابن أثال
أن يحتال في قتله وضمن له إن هو فعل ذلك أن يضع عنه خراجه ما عاش
وأن يوليه جباية خراج حمص فلما قدم عبد الرحمن بن خالد حمص منصرفا
من بلاد الروم دس إليه ابن أثال شربة مسمومة مع بعض مماليكه فشربها
فمات بحمص فوفى له معاوية بما ضمن له وولاه خراج حمص ووضع عنه خراجه
قال وقدم خالد بن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد المدينة فجلس يوما إلى عروة بن
الزبير فسلم عليه فقال له عروة من أنت قال أنا خالد بن عبد الرحمن بن خالد بن
الوليد فقال له عروة ما فعل ابن أثال فقام خالد من عنده وشخص متوجها إلى حمص
ثم رصد بها ابن أثال فرآه يوما راكبا فاعترض له خالد بن عبد الرحمن فضربه
بالسيف فقتله فرفع إلى معاوية فحبسه أياما وأغرمه ديته ولم يقده منه ورجع
خالد إلى المدينة فلما رجع إليها أتى عروة فسلم عليه فقال له عروة ما فعل ابن أثال
فقال قد كفيتك ابن أثال ولكن ما فعل ابن جرموز فسكت عروة وقال خالد بن
عبد الرحمن حين ضرب ابن أثال
171

أنا ابن سيف الله فاعرفوني * لم يبق إلا حسبي وديني * وصارم صال به يميني
(وفيها) خرج الخطيم وسهم بن غالب الهجيمي فحكما وكان من أمرهما ما حدثني
به عمر قال حدثنا على قال لما ولى زياد خافه سهم بن غالب الهجيمي والخطيم وهو
يزيد ين مالك الباهلي فاما سهم فخرج إلى الأهواز فأحدث وحكم ثم رجع فاختفى
وطلب الأمان فلم يؤمنه زياد وطلبه حتى أخذه وقتله وصلبه على بابه وأما الخطيم
فان زيادا سيره إلى البحرين ثم أذن له فقدم فقال له الزم مصرك وقال لمسلم بن عمرو
اضمنه فأبى وقال إن بات عن بيته أعلمتك ثم أتاه مسلم فقال لم يبت الخطيم الليلة
في بيته فأمر به فقتل وألقى في باهلة (وحج) بالناس في هذه السنة عتبة بن أبي سفيان
وكان العمال والولاة فيها العمال والولاة في السنة التي قبلها
ثم دخلت سنة سبع وأربعين
ذكر الاحداث التي كانت فيها
ففيها كانت مشتى مالك بن هبيرة بأرض الروم ومشتي بن عبد الرحمن القيني
بأنطاكية (وفيها) عزل عبد الله بن عمرو بن العاص عن مصر ووليها معاوية بن
حديج وسار فيما ذكر الواقدي في المغرب وكان عثمانيا قال ومر به عبد الرحمن بن أبي
بكر وقد جاء من الإسكندرية فقال له يا معاوية قد لعمري أخذت من معاوية
جزاءك قتلت محمد بن أبي بكر لان تلى مصر فقد وليتها قال ما قتلت محمد بن أبي بكر
إلا بما صنع بعثمان فقال عبد الرحمن فلو كنت إنما تطلب بدم عثمان لم تشرك معاوية
فيما صنع حيث صنع عمرو بن العاص بالأشعري ما صنع فوثبت أول الناس
فبايعته (وقال) بعض أهل السير وفى هذه السنة وجه زياد الحكم بن عمرو
الغفاري إلى خراسان أميرا فغزا جبال الغور وفراونده فقهرهم بالسيف عنوة ففتحها
وأصاب فيها مغانم كثيرة وسبايا وسأذكر من خالف هذا القول بعد إن شاء الله
تعالى وذكر قائل هذا القول إن الحكم بن عمرو قفل من غزوته هذه فمات بمرو
واختلفوا فيمن حج بالناس في هذه السنة فقال الواقدي أقام الحج في هذه السنة عتبة
172

ابن أبي سفيان وقال غيره بل الذي حج في هذه السنة عنبسة بن أبي سفيان وكانت
الولاة والعمال على الأمصار الذين ذكرت أنهم كانوا العمال والولاة في السنة التي قبلها
ثم دخلت سنة ثمان وأربعين
ذكر الاحداث التي كانت فيها
وكان فيها مشتى أبى عبد الرحمن القيني أنطاكية وصائفة عبد الله بن قيس الفزاري
وغزوة مالك بن هبيرة السكوني البحر وغزوة عقبة بن عامر الهجني بأهل مصر
البحر وبأهل المدينة وعلى أهل المدينة المنذر بن الزهير وعلى جميعهم خالد بن
عبد الرحمن بن خالد بن الوليد وقال بعضهم فيها وجه زياد غالب بن فضالة الليثي
على خراسان وكانت له صحبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وحج بالناس في
هذه السنة مروان بن الحكم في قول عامة أهل السير وهو يتوقع العزل لموجدة كانت
من معاوية عليه وارتجاعه منه فدك وقد كان وهبها له وكانت ولاة الأمصار وعمالها
في هذه السنة الذين كانوا في السنة التي قبلها
ثم دخلت سنة تسع وأربعين
ذكر ما كان فيها من الاحداث
فكان فيها مشتى مالك بن هبيرة السكوني بأرض الروم وفيها كانت غزوة فضالة بن عبيد
جربة وشتا بجربة وفتحت على يديه وأصاب فيها سببا كثيرا وفيها كانت صائفة عبد الله
ابن كرز البجلي (وفيها) كانت غزوة يزيد بن شجرة الرهاوي في البحر فشتا بأهل الشأم
(وفيها) كانت عزوة عقبة بن نافع البحر فشتا بأهل مصر (وفيها) كانت غزوة يزيد
ابن معاوية الروم حتى بلغ قسطنطينية ومعه ابن عباس وابن عمر وابن الزبير
وأبو أيوب الأنصاري (وفيها) عزل معاوية مروان بن الحكم عن المدينة في شهر
ربيع الأول وأمر فيها سعيد بن العاص على المدينة في شهر ربيع الآخر وقيل في
شهر ربيع الأول وكانت ولاية مروان كلها بالمدينة لمعاوية ثمان سنين وشهرين
وكان على قضاء المدينة لمروان فيما زعم الواقدي حين عزل عبد الله بن الحارث بن
173

نوفل فلما ولى سعيد بن العاص عزله عن القضاء واستقضى أبا سلمة بن عبد الرحمن بن
عوف (وقيل) في هذه السنة وقع الطاعون بالكوفة فهرب المغيرة بن شعبة من
الطاعون فلما ارتفع الطاعون قيل له لو رجعت إلى الكوفة فقدمها فطعن فمات وقد قيل
مات المغيرة سنة 50 وضم معاوية الكوفة إلى زياد فكان أول من جمع له الكوفة
والبصرة (وحج) بالناس في هذه السنة سعيد بن العاص وكانت الولاة والعمال
في هذه السنة الذين كانوا في السنة التي قبلها إلا عامل الكوفة فإن في تاريخ هلاك
المغيرة اختلافا فقال بعض أهل السير كان هلاكه في سنة 49 وقال بعضهم في سنة 50
ثم دخلت سنة خمسين
ذكر ما كان فيها من الاحداث
ففيها كانت غزوة بسر بن أبي أرطاة وسفيان بن عوف الأزدي أرض الروم
وقيل كانت فيها غزوة فضالة بن عبيد الأنصاري البحر (وفيها) في قول الواقدي
والمدائني كانت وفاة المغيرة بن شعبة * قال محمد بن عمر حدثني محمد بن موسى الثقفي
عن أبيه قال كان المغيرة بن شعبة رجلا طوالا مصاب العين أصيب باليرموك
توفى في شعبان سنة 50 وهو ابن سبعين سنة وأما عوانة فإنه قال فيما حدثت عن
هشام بن عبيد هلك المغيرة سنة 51 وقال بعضهم بل هلك سنة 49 * حدثني
عمر بن شبة قال حدثني علي بن محمد قال كان زياد على البصرة وأعمالها إلى سنة 50
فمات المغيرة بن شعبة بالكوفة وهو أميرها فكتب معاوية إلى زياد بعهده على
الكوفة والبصرة فكان أول من جمع له الكوفة والبصرة فاستخلف على البصرة
سمرة بن جندب وشخص إلى الكوفة فكان زياد يقيم ستة أشهر بالكوفة وستة
أشهر بالبصرة * حدثني عمر قال حدثني على عن مسلمة بن محارب قال لما مات المغيرة
جمعت العراق لزياد فأتى الكوفة فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن هذا
الامر أتاني وأنا بالبصرة فأردت أن أشخص إليكم في ألفين من شرطة البصرة ثم
ذكرت أنكم أهل حق وان حقكم طال ما دفع الباطل فأتيتكم في أهل بيتي
174

فالحمد لله الذي رفع منى ما وضع الناس وحفظ منى ما ضيعوا حتى فرغ من الخطبة
فحصب على المنبر فجلس حتى أمسكوا ثم دعا قوما من خاصته وأمرهم فاخذوا أبواب
المسجد ثم قال ليأخذ كل رجل منكم جليسه ولا يقولن لا أدرى من جليسي ثم
أمر بكرسي فوضع له على باب المسجد فدعاهم أربعة أربعة يحلفون بالله ما منا من
حصبك فمن حلف خلاه ومن لم يحلف حبسه وعزله حتى صار إلى ثلاثين ويقال
بل كانوا ثمانين فقطع أيديهم على المكان قال الشعبي فوالله ما تعلقنا عليه بكذبة
وما وعدنا خيرا ولا شرا إلا أنفذه * حدثني عمر قال حدثنا على عن سلمة بن عثمان
قال بلغني عن الشعبي أنه قال أول رجل قتله زياد بالكوفة أوفى بن حصن بلغه
عنه شئ فطلبه فهرب فعرض الناس زياد فمر به فقال من هذا قالوا أوفى بن حصن
الطائي فقال زياد أتتك بحائن رجلاه فقال أوفى
إن زيادا أبا المغيرة لا * تعجل والناس فيهم عجله
خفتك والله فاعلمن حلفي * خوف الحفافيث صولة الاصله
فجئت إذ ضاقت البلاد فلم * يكن عليها لخائف. وآله
قال ما رأيك في عثمان قال ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنتيه ولم
أنكره ولى محصول رأى قال فما تقول في معاوية قال جواد حليم قال فما تقول في
قال بلغني أنك قلت بالبصرة والله لآخذن البرى بالسقيم والمقبل بالمدبر قال قد
قلت ذاك قال خطبتها عشواء قال زياد ليس النفاخ بشر الزمرة فقتله فقال عبد الله
ابن همام السلولي:
خيب الله سعى أوفى بن حصن * حين أضحى فروجة الرقاء
قاده الحين والشقاء إلى * ليث عرين وحية صماء
قال ولما قدم زياد الكوفة أتاه عمارة بن عقبة بن أبي معيط فقال إن عمرو
ابن الحمق يجتمع إليه من شيعة أبى تراب فقال له عمرو بن حريث ما يدعوك إلى
رفع ما لا تيقنه ولا تدرى ما عاقبته فقال زياد كلاكما لم يصب أنت حيث تكلمني في هذا
علانية وعمرو حين يردك عن كلامك قوما إلى عمرو بن الحمق فقولا له ما هذه الزرافات
175

التي تجتمع عندك من أرادك أو أردت كلامه ففي المسجد قال ويقال ان الذي رفع
على عمرو بن الحمق وقال له قد أنغل المصرين يزيد بن رويم فقال عمرو بن الحريث
ما كان قط أقبل على ما ينفعه منه اليوم فقال زياد ليزيد بن رويم فقال أما أنت
فقد أشطت بدمه وأما عمرو فقد حقن دمه ولو علمت أن مخ ساقه قد سال من بغضي
ما هجته حتى يخرج على واتخذ زياد المقصورة حين حصبه أهل الكوفة وولى
زياد حين شخص من البصرة إلى الكوفة سمرة بن جندب * فحدثني عمر
قال حدثني إسحاق بن إدريس قال حدثني محمد بن سليم قال سألت أنس بن سيرين
هل كان سمرة قتل أحدا قال وهل يحصى من قتل سمرة بن جندب استخلفه زياد
على البصرة وأتى الكوفة فجاء وقد قتل ثمانية آلاف من الناس فقال له هل
تخاف أن تكون قد قتلت أحدا بريئا قال لو قتلت إليهم مثلهم ما خشيت أو كما
قال * حدثني عمر قال حدثني موسى بن إسماعيل قال حدثنا نوح بن قيس
عن أشعث الحداني عن أبي سوار العدوي قال قتل سمرة من قومي في غداة سبعة
وأربعين رجلا قد جمع القرآن * حدثني عمر قال حدثني علي بن محمد عن جعفر
الصدفي عن عوف قال أقبل سمرة من المدينة فلما كان عند دور بنى أسد
خرج رجل من بعض أزقتهم ففجأ أوائل الخيل فحمل عليه رجل من القوم
فأوجره الحربة قال ثم مضت الخيل فأتى عليه سمرة بن جندب وهو متشحط
في دمه فقال ما هذا قيل أصابته أوائل خيل الأمير قال إذا سمعتم بنا قد
ركبنا فاتقوا أسنتنا * حدثني عمر قال حدثني زهير بن حرب قال حدثنا وهب
ابن جرير قال حدثنا غسان بن مضر عن سعيد بن زيد قال خرج قريب وزحاف
وزياد بالكوفة وسمرة بالبصرة فخرجنا ليلا فنزلنا بنى يشكر وهم سبعون رجلا
وذلك في رمضان فأتوا بنى ضبيعة وهم سبعون رجلا فمروا بشيخ منهم يقال له
حكاك فقال حين رآهم مرحبا بأبي الشعثاء فرآه ابن حصن فقتلوه وتفرقوا في مساجد
الأزد وأتت فرقة منهم رحبة بنى على وفرقة مسجد المعادل فخرج عليهم سيف
ابن وهب في أصحاب له فقتل من أتاه وخرج على قريب وزحاف شباب من بنى
176

على وشباب من بنى راسب فرموهم بالنبل قال قريب هل في القوم عبد الله بن أوس
الطاحي وكان يناضله قيل نعم قال فهلم إلى البراز فقتله عبد الله وجاء برأسه وأقبل
زياد من الكوفة فجعل يؤنبه ثم قال يا معشر طاحية لولا أنكم أصبتم في القوم
لنفيتكم إلى السجن قال وكان قريب من إياد وزحاف من طيئ وكانا ابني خالة
وكانا أول من خرج بعد أهل النهر قال غسان سمعت سعيدا يقول إن أبا بلال قال
قريب لا قربه الله وأيم الله لان أقع من السماء أحب إلى من أن أصنع ما صنع
يعنى الاستعراض * حدثني عمر قال حدثنا زهير قال حدثني وهب قال حدثني أبي
أن زيادا اشتد في أمر الحرورية بعد قريب وزحاف فقتلهم وأمر سمرة
بذلك وكان يستخلفه على البصرة إذا خرج إلى الكوفة فقتل سمرة منهم بشرا كثيرا
* حدثني عمر قال حدثنا أبو عبيدة قال قال زياد يومئذ على المنبر يا أهل البصرة
والله لتكفني هؤلاء أو لابد أن بكم والله لئن أفلت منهم رجل لا تأخذون العام من
عطائكم درهما قال فثار الناس بهم فقتلوهم قال محمد بن عمر وفى هذه السنة أمر
معاوية بمنبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحمل إلى الشأم فحرك فكسفت
الشمس حتى رئيت النجوم بادية يومئذ فأعظم الناس ذلك فقال لم أرد حمله إنما
خفت أن يكون قد أرض فنظرت إليه ثم كساه يومئذ * وذكر محمد بن عمر أنه
حدثه بذلك خالد بن القاسم عن شعيب بن عمرو الأموي * قال محمد بن عمر حدثني
يحيى بن سعيد بن دينار عن أبيه قال قال معاوية إني رأيت أن منبر رسول الله
صلى الله عليه وسلم وعصاه لا يتركان بالمدينة وهم قتلة أمير المؤمنين عثمان وأعداؤه
فلما قدم طلب العصا وهى عند سعد القرظ فجاءه أبو هريرة وجابر بن عبد الله فقالا
يا أمير المؤمنين نذكرك الله عز وجل أن تفعل هذا فإن هذا لا يصلح تخرج منبر
رسول الله صلى الله عليه وسلم من موضع وضعه وتخرج عصاه إلى الشأم
فانقل المسجد فأقصر وزاد فيه ست درجات فهو اليوم ثماني درجات فاعتذر إلى الناس
مما صنع * قال محمد بن عمرو حدثني سويد بن عبد العزيز عن إسحاق بن عبد الله بن أبي
فروة عن أبان بن صالح عن قبيصة بن ذؤيب قال كان عبد الملك قدهم بالمنبر
177

فقال له قبيصة بن ذؤيب أذكرك الله عز وجل أن تفعل هذا وأن تحوله إن أمير
المؤمنين معاوية حركه فكسفت الشمس وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حلف
على منبري آثما فليتبوأ مقعده من النار فتخرجه من المدينة وهو مقطع الحقوق بينهم
بالمدينة فأقصر عبد الملك عن ذلك وكف عن أن يذكره فلما كان الوليد وحج هم بذلك
وقال خبراني عنه وما أراني الا سأفعل فأرسل سعيد بن المسيب إلى عمر بن عبد العزيز
فقال كلم صاحبك يتق الله عز وجل ولا يتعرض لله سبحانه ولسخطه فكلمه عمر بن
عبد العزير فأقصر وكف عن ذكره فلما حج سليمان بن عبد الملك أخبره عمر
ابن عبد العزيز بما كان الوليد هم به وإرسال سعيد بن المسيب إليه فقال سليمان
ما كنت أحب أن يذكر هذا عن أمير المؤمنين عبد الملك ولا عن الوليد هذا
مكابرة وما لنا ولهذا أخذنا الدنيا فهي في أيدينا ونريد أن نعمد إلى علم من أعلام
الاسلام يوفد إليها فنحمله إلى ما قبلنا هذا ما لا يصلح (وفيها) عزل معاوية بن
خديج عن مصر وولى مسلمة بن مخلد مصر وإفريقية وكان معاوية بن أبي سفيان
قد بعث قبل أن يولى مسلمة مصر وإفريقية عقبة بن نافع الفهري إلى إفريقية
فافتتحها واختط قيروانها وكان موضعه غيضة فيما زعم محمد بن عمر لا يرام من
السباع والحيات وغير ذلك من الدواب فدعا الله عز وجل عليها فلم يبق منها
شئ إلا خرج هاربا حتى إن السباع كانت تحمل أولادها قال محمد بن عمر حدثني
موسى بن علي عن أبيه قال نادى عقبة بن نافع إنا نازلون فاظعنوا عزين فخرجن
من حجرتهن هوارب قال وحدثني المفضل بن فضالة عن زيد بن أبي حبيب عن
رجل من جند مصر قال قدمنا مع عقبة بن نافع وهو أول الناس اختطها وقطعها
للناس مساكن ودورا وبنى مسجدها فأقمنا معه حتى عزل وهو خير وال وخير
أمير ثم عزل معاوية في هذه السنة أعنى سنة 50 معاوية بن خديج مصر وعقبة
ابن نافع عن أفريقية وولى مسلمة بن مخلد مصر والمغرب كله فهو أول من جمع له
المغرب كله ومصر وبرقة وإفريقية وطرابلس فولى مسلمة بن مخلد مولى له يقال
له أبو المهاجر أفريقية وعزل عقبة بن نافع وكشفه عن أشياء فلم يزل واليا على
178

مصر والمغرب وأبو المهاجر على إفريقية من قبله حتى هلك معاوية بن أبي سفيان
(وفى هذه السنة) مات أبو موسى الأشعري وقد قيل كانت وفاة أبى موسى
سنة 52 (واختلف) فيمن حج بالناس في هذه السنة فقال بعضهم حج بهم
معاوية وقال بعضهم بل حج بهم ابنه يزيد وكان الوالي في هذه السنة على المدينة
سعيد بن العاص وعلى البصرة والكوفة والمشرق وسجستان وفاس والسند والهند
زياد (وفى هذه السنة) طلب زياد الفرزدق واستعدت عليه بنو نهشل وفقيم
فهرب منه إلى سعيد بن العاص وهو يومئذ والى المدينة من قبل معاوية مستجيرا
به فأجاره
ذكر الخبر عن ذلك
* حدثني عمر بن شبة قال حدثنا أبو عبيدة وأبو الحسن المدائني وغيرهما أن
الفرزدق لما هجا بنى نهشل وبنى فقيم ليزد أبو زيد في إسناد خبره على ما ذكرت
وأما محمد بن علي فإنه حدثني عن محمد بن سعد عن أبي عبيدة قال حدثني أعين بن
لبطة بن الفرزدق قال حدثني أبي عن أبيه قال لما هاجيت الأشهب بن رميلة
والبعيث فسقطا استعدت على بنو نهشل وبنو فقيم زياد بن أبي سفيان وزعم
غيره أن يزيد بن مسعود بن خالد بن مالك بن ربعي بن سلمى بن جندل بن نهشل
استعدى أيضا عليه فقال أعين فلم يرفه زياد حتى قيل له الغلام الأعرابي الذي أنهب
ورقه وألقى ثيابه فعرفه قال أبو عبيدة أخبرني أعين بن لبطة قال أخبرني أبي عن
أبيه قال بعثني أبى غالب في عير له وجلب أبيه وأمتار له وأشترى لأهله كسى فقدمت
البصرة فبعت الجلب فأخذت ثمنه فجعلته في ثوبي أزاوله إذ عرض لي رجل أراه
كأنه شيطان فقال لشد ما تستوثق منها فقلت وما يمنعني قال أما لو كان مكانك رجل
أعرفه ما صبر عليها فقلت ومن هو قال غالب بن صعصعة قال فدعوت أهل المربد
فقلت دونكموها ونثرتها عليهم فقال لي قائل ألق رداءك يا ابن غالب فألقيته وقال
آخر ألق قميصك فألقيته وقال آخر ألق عمامتك فألقيته حتى بقيت في إزار فقالوا
ألق إزارك فقلت لن ألقيه وأمشي مجردا إني لست بمجنون فبلغ الخبر زيادا فأرسل
179

خيلا إلى المربد ليأتوه بي فجاء رجل من بنى الهجيم على فرس قال أتيت فالنجاء
وأردفني خلفه وركض حتى تغيب وجاءت الخيل وقد سبقت فأخذ زياد عمين
لي ذهيلا والزحاف ابني صعصعة وكانا في الديوان على ألفين ألفين وكانا معه فحبسهما
فأرسلت إليها إن شئتما أتيتكما فبعثا إلى لا تقربنا إنه زياد وما عسى أن يصنع بنا
ولم نذنب ذنبا فمكثا أياما ثم كلم زياد فيهما فقالوا شيخان سامعان مطيعان ليس
لهما ذنب مما صنع غلام أعرابي من أهل البادية فخلى عنهما فقالا لي أخبرنا بجميع
ما أمرك أبوك من ميرة أو كسوة فخبرتهما به أجمع فاشترياه وانطلقت حتى لحقت
بغالب وحملت ذلك معي أجمع فأتيته وقد بلغه خبري فسألني كيف صنعت فأخبرته
بما كان قال وإنك لتحسن مثل هذا ومسح رأسي ولم يكن يومئذ يقول الشعر
وإنما قال الشعر بعد ذلك فكانت في نفس زياد عليه ثم وفد الأحنف بن قيس
وجارية بن قدامة من بنى ربيعة بن كعب بن سعد والجون بن قتادة العبشمي والحتات
ابن يزيد أبو منازل أحد بنى حوى بن سفيان بن مجاشع إلى معاوية بن أبي سفيان
فأعطى كل رحل منهم مائة ألف وأعطى الحتات سبعين ألفا فلما كانوا في الطريق
سأل بعضهم بعضا فأخبروه بجوائزهم فكان الحتات أخذ سبعين ألفا فرجع إلى
معاوية فقال ما ردك يا أبا منازل قال فضحتني في بنى تميم أما حسبي بصحيح أو لست
ذا سن أو لست مطاعا في عشيرتي فقال معاوية بلى قال فما بالك خسست بي دون
القوم فقال إني اشتريت من القوم دينهم ووكلتك إلى دينك ورأيك في عثمان
ابن عفان وكان عثمانيا فقال وأنا فاشتر منى ديني فأمر له بتمام جائزة القوم وطعن
في جائزته فحبسها معاوية فقال الفرزدق في ذلك
أبوك وعمى يا معاوى أورثا * تراثا فيحتاز التراث أقاربه
فما بال ميراث الحتات أخذته * وميراث حرب جامد لك ذائبه
فلولا كأن الامر في جاهلية * علمت من المرء القليل حلائبه
ولو كان في دين سوى ذا شنئتم * لنا حقنا أو غص بالماء شاربه
ولو كان إذ كنا وفى الكف بسطة * لصمم عضب فيك ماض مضاربه
180

وأنشد محمد بن علي وفى الكف مبسط
وقد رمت شيئا يا معاوى دونه * خياطف علود صعاب مراتبه
وما كنت أعطى النصف من غير قدرة * سواك ولو مالت على كتائبه
ألست أعز الناس قوما وأسرة * وأمنعهم جارا إذا ضيم جانبه
وما ولدت بعد النبي وآله * كمثلي حصان في الرجال يقاربه
أبى غالب والمرء ناجية الذي * إلى صعصع ينمى فمن ذا يناسبه
وبيتي إلى جنب الثريا فناؤه * ومن دونه البدر المضئ كواكبه
أنا ابن الجبال الصم في عدد الحصى * وعرق الثرى عرقي فمن ذا يحاسبه
أنا ابن الذي أحيى الوئيد وضامن * على الدهر إذ عزت لدهر مكاسبه
وكم من أب لي يا معاوى لم يزل * أغز يبارى الريح ما أزور جانبه
تمته فروع المالكين ولم يكن * أبوك الذي من عبد شمس يقاربه
تراه كنصل السيف يهتز للندى * كريما يلاقى المجد ماطر شاربه
طويل نجاد السيف مذ كان لم يكن * قصي وعبد الشمس ممن يخاطبه
فرد ثلاثين ألفا على أهله وكانت أيضا قد أغضبت زيادا عليه قال فلما استعدت
عليه نهشل وفقيم ازداد عليه غضبا فطلبه فهرب فأتى عيسى بن خصيلة بن معتب
بن نصر بن خالد البهزي ثم أحد بنى سليم والحجاج بن علاط بن خالد السلمي قال
ابن سعد قال أبو عبيدة فحدثني أبو موسى الفضل بن موسى بن خصيلة قال لما طرد
زياد الفرزدق جاء إلى عمى عيسى بن خصيلة ليلا فقال يا أبا خصيلة إن هذا الرجل
قد أخافني وإن صديقي وجميع من كنت أرجو قد لفظوني وإني قد أتيتك لتغيبني
عندك قال مرحبا بك فكان عنده ثلاث ليال ثم قال إنه قد بد إلى أن ألحق بالشام
فقال ما أحببت: إن أقمت معي ففي الرحب والسعة، وإن شخصت فهذه ناقة أرحبية
أمتعك بها قال فركب بعد ليل وبعث عيسى معه حتى جاوز البيوت فأصبح وقد
جاوز مسيرة ثلاث ليال فقال الفرزدق في ذلك
حباني بها البهزي حملان من أبى * من الناس والجاني تخاف جرائمه
181

ومن كان يا عيسى يؤنب ضيفه * فضيفك محبور هنى مطاعمه
وقال تعلم أنها أرحبية * وأن لها الليل الذي أنت جاشمه
فأصبحت والملقى ورائي وحنبل * وما صدرت حتى علا النجم عاتمه
تزاور عن أهل الحفير كأنها * ظليم تبارى جنح ليل نعائمه
رأت بين عينيها دوية وانجلى * لها الصبح عن صعل أسيل مخاطمه
كأن شراعا فيه مجرى زمامها * بدجلة إلا خطمه وملاغمه
إذا أنت جاوزت الغريين فاسلمي * وأعرض من فلج ورائي مخارمه
وقال أيضا
تداركني أسباب عيسى من الردى * ومن يك مولاه فليس بواحد
وهى قصيدة طويلة قال وبلغ زيادا أنه قد شخص فأرسل علي بن زهدم أحد
بنى نولة بن فقيم في طلبه قال أعين فطلبه في بيت نصرانية يقال لها ابنة مرار
من بنى قيس بن ثعلبة تنزل قصيمة كاظمة قال فسألته من كسر فلم بيتها يقدر
عليه فقال في ذلك الفرزدق
أتيت ابنة المرار أهبلت تبتغى * وما يبتغى تحت السوية أمثالي
ولكن بغائي لو أردت لقاءنا * فضاء الصحارى لا ابتغاء بأدغال
وقيل إنها ربيعة بنت المرار بن سلامة العجلي أم أبى النجم الراجز قال أبو عبيدة
قال مسمع بن عبد الملك فأتى الروحاء فنزل في بكر بن وائل فأمن فقال يمدحهم
وقد مثلث أين المسير فلم تجد * لفورتها كالحي بكر بن وائل
أعف وأوفى ذمة يعقدونها * إذا وازنت شم الذرى بالكواهل
وهى قصيدة طويلة ومدحهم بقصائد أخر غيرها قال فكان الفرزدق إذا نزل
زياد البصرة نزل الكوفة وإذا نزل زياد الكوفة نزل الفرزدق البصرة وكان
زياد ينزل البصرة ستة أشهر والكوفة ستة أشهر فبلغ زيادا ما صنع الفرزدق
فكتب إلى عامله على الكوفة عبد الرحمن بن عبيد إنما الفرزدق فحل الوحوش
رعى القفار فإذا ورد عليه الناس ذعر ففارقهم إلى أرض أخرى فرتع فاطلبه
182

حتى تظفر به قال الفرزدق فطلبت أشد طلب حتى جعل من كان يؤويني يخرجني
من عنده فضاقت على الأرض فبينا أنا ملفف رأسي في كسائي على ظهر الطريق
إذ مر بي الذي جاء في طلبي فلما كان الليل أتيت بعض أخوالي من بنى ضبة
وعندهم عرس ولم أكن طعمت قبل ذلك طعاما فقلت آتيهم فأصيب من الطعام
قال فبينا أنا قاعد إذ نظرت إلى هادي فرس وصدر رمح قد جاوز باب الدار
داخلا إلينا فقاموا إلى حائط قصب فرفعوه فخرجت منه وألقوا الحائط فعاد مكانه
ثم قالوا ما رأيناه وبحثوا ساعة ثم خرجوا فلما أصبحنا جاؤني فقالوا اخرج إلى الحجاز
عن جوار زياد لا يظفر بك فلو ظفر بك البارحة أهلكتنا وجمعوا ثمن راحلتين
وكلموا لي مقاعسا أحد بنى تيم الله بن ثعلبة وكان دليلا يسافر للتجار قال فخرجنا
إلى بانقيا حتى انتهينا إلى بعض القصور التي تنزل فلم يفتح لنا الباب فألقينا رحالنا
إلى جنب الحائط والليلة مقمرة فقلت يا مقاعس أرأيت إن بعث زياد بعد ما نصبح
إلى العتيق رجالا أيقدرون علينا قال نعم يرصدوننا ولم يكونوا جاوزوا العتيق
وهو خندق كان للعجم قال فقلت ما تقول العرب قال يقولون أمهله يوما وليلة
ثم خذه فارتحل فقال إني أخاف السباع فقلت السباع أهون من زياد فارتحلنا لا نرى شيئا
إلا خلفناه ولزمنا شخص لا يفارقنا فقلت يا مقاعس أترى هذا الشخص لم نمرر بشئ
إلا جاوزناه غيره فإنه يسايرنا منذ الليلة قال هذا السبع قال فكأنه فهم كلامنا
فتقدم حتى ربض على متن الطريق فلما رأينا ذلك نزلنا فشددنا أيدي ناقتينا بثنايين
وأخذت قوسي وقال مقاعس يا ثعلب أتدري ممن فررنا إليك من زياد فأحصب
بذنبه حتى غشينا غباره وغشى ناقتينا قال فقلت أرميه فقال لا تهجه فإنه إذا أصبح
ذهب قال فجعل يرعد ويبرق ويزئر ومقاعس يتوعده حتى انشق الصبح فلما رآه
ولى وأنشأ الفرزدق يقول
ما كنت أحسبني جبانا بعد ما * لا قيت ليلة جانب الأنهار
ليثا كأن على يديه رحالة * شثن البراثن مؤجد الأظفار
لما سمعت له زمازم أجهشت * نفسي إلى وقلت أين فراري
183

وربطت جروتها وقلت لها اصبري * وشددت في ضيق المقام إزاري
فلانت أهون من زياد جانبا * إذهب إليك محرم الاسفار
قال ابن سعد قال أبو عبيدة فحدثني أعين بن لبطة قال حدثني أبي عن شبث بن
ربعي الرياحي قال فأنشدت زيادا هذه الأبيات فكأنه رق له وقال لو أتاني لآمنته
وأعطيته فبلغ ذلك الفرزدق فقال
تذكر هذا القلب من شوقه ذكرا * تذكر شوقا ليس ناسيه عصرا
تذكر ظمياء التي ليس ناسيا * وإن كان أدنى عهدها حججا عشرا
وما مغزل بالغور غور تهامة * ترعى أراكا في منابته نضرا
من الأدم حواء المدامع ترعوى * إلى رشأ طفل تخال به فترا
أصابت بوادي الولولان حبالة * فما استمسكت حتى حسبن بها نفرا
بأحسن من ظمياء يوم تعرضت * ولا مزنة راحت غمامتها قصرا
وكم دونها من عاطف في صريمة * وأعداء قوم ينذرون دمى نذرا
إذا أوعدوني عند ظمياء ساءها * وعيدي وقالت لا تقولوا له هجرا
دعاني زياد؟ للعطاء ولم أكن * لآتيه ما ساق ذو حسب وفرا
وعند زياد لو يريد عطاءهم * رجال كثير قد يرى بهم فقرا
قعود لدى الأبواب طلاب حاجة * غوان من الحاجات أو حاجة بكرا
فلما خشيت أن يكون عطاؤه * أداهم سودا أو محدرجة سمرا
نميت إلى حرف أضر بنيها * سرى الليل واستعراضها البلد القفرا
تنفس في بهو من الجوف واسع * إذا مد حيزوما شراسيفها الضفرا
تراها إذا صام النهار كأنما تسامى فنيقا أو تخالسه خطرا
تخوض إذا صاح الصدى بعد هجعة * من الليل ملتجأ غياطله حضرا
فإن أعرضت زوراء أو شمرت بها * فلاة ترى منها مخارمها غبرا
تعادين عن صهب الحصى وكأنما * طحن به من كل رضراضة جمرا
وكم من عدو كاشح قد تجاوزت * مخافته حتى تكون لها جسرا
184

يؤم بها الموماة من لا يرى له * إلى ابن أبي سفيان جاها ولا عذرا
ولا تعجلاني صاحبي فربما * سبقت بورد الماء غادية كدرا
وحضنين من ظلماء ليل سريته * بأغيد قد كان النعاس له سكرا
رماه الكرى في الرأس حتى كأنه * أميم جلاميد تركن به وقرا
من السير والأدلاج تحسب أنما * سقاه الكرى في كل منزلة خمرا
جررنا وفديناه حتى كأنما * يرى بهوادي الصبح قنبلة شقرا
قال فمضينا وقدمنا المدينة وسعيد بن العاص بن أمية عليها فكان في جنازة
فتبعته فوجدته قاعدا والميت يدفن حتى قمت بين يديه فقلت هذا مقام العائذ من
رجل لم يصب دما ولا مالا فقال قد أجرت إن لم تكن أصبت دما ولا مالا وقال
من أنت قلت أنا همام بن غالب بن صعصعة وقد أثنيت على الأمير فإن رأى أن
يأذن لي فأسمعه فليفعل قال هات فأنشدته
وكوم تنعم الأضياف عينا * وتصبح في مباركها ثقالا
حتى أتيت إلى آخرها قال فقال مروان
قعودا ينظرون إلى سعيد
قلت والله إنك لقائم يا أبا عبد الملك قال وقال كعب بن جعيل هذه والله الرؤيا
التي رأيت البارحة قال سعيد وما رأيت قال رأيت كأني أمشى في سكة من سكك
المدينة فإذا أنا بابن قترة في حجر فكأنه أراد أن يتناولني فاتقيته قال فقام الحطيئة
فشق ما بين رجلين حتى تجاوز إلى فقال قل ما شئت فقد أدركت من مضى ولا يدركك
من بقى وقال لسعيد هذا والله الشعر لا يعلل به منذ اليوم قال فلم نزل بالمدينة مرة
وبمكة مرة وقال الفرزدق في ذلك
ألا من مبلغ عنى زيادا * مغلغلة يخب بها البريد
بأني قد فررت إلى سعيد * ولا يسطاع ما يحمى سعيد
فررت إليه من ليث هزبر * تعادى عن فريسته الأسود
فإن شئت انتسبت إلى النصارى * وإن شئت انتسبت إلى اليهود
185

ويروى * وناسبني وناسبت اليهود
وإن شئت انتسبت إلى فقيم * وناسبني وناسبت القرود
وأبغضهم إلى بنو فقيم * ولكن سوف آتي ما تريد
وقال أيضا
أتاني وعيد من زياد فلم أنم * وسيل اللوى دوني فهضب التهائم
فبت كأني مشعر خيبرية * سرت في عظامي أوسمام الأراقم
زياد بن حرب لن أظنك تاركي * وذا الضغن قد حشمته غير ظالم
قال وأنشدنيه عمرو * وبالضغن قد حشمتني غير ظالم
وقد كافحت منى العراق قصيدة * رجوم مع الماضي رسوم المخارم
خفيفة أفواه الرواة ثقيلة * على قرنها نزالة بالمواسم
وهى طويلة فلم نزل بين مكة والمدينة حتى هلك زياد (وفى هذه السنة) كانت
وفاة الحكم بن عمرو الغفاري بمرو منصرفه من غزوة أهل جبل الأشل
ذكر الخبر عن غزوة الحكم بن عمرو جبل الأشل وسبب هلاكه
* حدثني عمر بن شبة قال حدثني حاتم بن قبيصة قال حدثنا غالب بن سليمان عن
عبد الرحمن بن صبح قال كنت مع الحكم بن عمرو بخراسان فكتب زياد إلى عمرو
أن أهل جبل الأشل سلاحهم اللبود وآنيتهم الذهب فغزاهم حتى توسطوا فأخذوا
بالشعاب والطرق فأحدقوا به فعى بالامر فولى المهلب الحرب فلم يزل المهلب
يحتال حتى أخذ عظيما من عظمائهم فقال له اختر بين أن أقتلك وبين أن تخرجنا
من هذا المضيق فقال له أوقد النار حيال الطريق من هذه الطرق ومر بالائقال
فلتوجه نحوه حتى إذا ظن القوم أنكم قد دخلتم الطريق لتسلكوه فإنهم يستجمعون
لكم ويعرون ما سواه من الطرق فبادرهم إلى غيره فإنهم لا يدركونك حتى تخرج
منه ففعلوا ذلك فنجا وغنموا غنيمة عظيمة * حدثني عمر قال حدثنا علي بن محمد
قال لما قفل الحكم بن عمرو من غزوة جبل الأشل ولى المهلب ساقته فسلكوا
في شعاب ضيقة فعارضه الترك فأخذوا عليهم بالطرق فوجدوا في بعض تلك
186

الشعاب رجلا يتغنى من وراء حائط ببيتين
تعز بصبر لا وجدك لا ترى * سنام الحمى أخرى الليالي الغوابر
كأن فؤادي من تذكري الحمى * وأهل الحمى يهفو به ريش طائر
فأتى به الحكم فسأله عن أمره فقال غايرت ابن عم لي فخرجت ترفعني أرض
وتخفضني أخرى حتى هبطت هذه البلاد فحمله الحكم إلى زياد بالعراق قال
وتخلص الحكم من وجهه حتى أتى هراة ثم رجع إلى مرو * حدثنا عمر قال
حدثني حاتم بن قبيصة قال حدثنا غالب بن سليمان عن عبد الرحمن بن صبح قال
كتب إليه زياد والله لئن بقيت لك لاقطعن منك طابقا سحتا وذلك أن زيادا كتب
إليه لما ورد بالخبر عليه بما غنم أن أمير المؤمنين كتب إلى أن أصطفى له صفراء
وبيضاء والروائع فلا تحركن شيئا حتى تخرج ذلك فكتب إليه الحكم أما بعد فان
كتابك ورد تذكر أن أمير المؤمنين كتب إلى أن أصطفى له كل صفراء وبيضاء
والروائع ولا تحركن شيئا فان كتاب الله عز وجل قبل كتاب أمير المؤمنين وإنه
والله لو كانت السماوات والأرض رتقا على عبد اتقى الله عز وجل جعل الله
سبحانه وتعالى له مخرجا وقال للناس اغدوا على غنائمكم فغدا الناس وقد عزل
الخمس فقسم بينهم تلك الغنائم قال فقال الحكم اللهم إن كان لي عندك خير فاقبضني
فمات بخراسان بمرو قال عمر قال علي بن محمد لما حضرت الحكم الوفاة بمرو
استخلف أنس بن أبي أناس وذلك في سنة 50
ثم دخلت سنة إحدى وخمسين
ذكر ما كان فيها من الاحداث
فمما كان فيها مشتى فضالة بن عبيد بأرض الروم وغزوة بسر بن أبي أرطاة
الصائفة ومقتل حجر بن عدي وأصحابه
ذكر سبب مقتله
قال هشام بن محمد عن أبي مخنف عن المجالد بن سعيد والصقعب بن زهير وفضيل
ابن خديج والحسين بن عقبة المرادي قال كل قد حدثني بعض هذا الحديث فاجتمع
187

حديثهم فيما سقت من حديث حجر بن عدي الكندي وأصحابه أن معاوية بن أبي
سفيان لما ولى المغيرة بن شعبة الكوفة في جمادى سنة 41 دعاه فحمد الله وأثنى
عليه ثم قال أما بعد فإن لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا وقد قال المتلمس
لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا * وما علم الانسان إلا ليعلما
وقد يجزى عنك الحكيم بغير التعلم وقد أردت إيصاءك بأشياء كثيرة فأنا
تاركها اعتمادا على بصرك بما يرضيني ويسعد سلطاني ويصلح به رعيتي ولست
تاركا إيصاءك بخصلة لا تتحم عن شتم على وذمه والترحم على عثمان والاستغفار له
والعيب على أصحاب على والاقصاء لهم وترك الاستماع منهم وبإطراء شيعة عثمان
رضوان الله عليه والادناء لهم والاستماع منهم فقال المغيرة قد جربت وجربت
وعملت قبلك لغيرك فلم يذمم بي دفع ولا رفع ولا وضع فستبلو فتحمد أو تذم ثم قال
بل نحمد إن شاء الله قال أبو مخنف قال الصقعب بن زهير سمعت الشعبي يقول ما ولينا
وال بعده مثله وإن كان لاحقا بصالح من كان قبله من العمال وأقام المغيرة على الكوفة
عاملا لمعاوية سبع سنين وأشهرا وهو من أحسن شئ سيرة وأشده حبا للعافية
غير أنه لا يدع ذم على والوقوع فيه والعيب لقتلة عثمان واللعن لهم والدعاء لعثمان
بالرحمة والاستغفار له والتزكية لأصحابه فكان حجر بن عدي إذا سمع ذلك
قال بل إياكم فذمم الله ولعن ثم قام فقال إن الله عز وجل يقول (كونوا قوامين
بالقسط شهداء لله) وأنا أشهد أن من تذمون وتعيرون لاحق بالفضل وأن
من تزكون وتطرون أولى بالذم فيقول له المغيرة يا حجر لقد رمى بسهمك إذ كنت
أنا الوالي عليك يا حجر ويحك اتق السلطان اتق غضبه وسطوته فان غضبة السلطان
أحيانا مما يهلك أمثالك كثيرا ثم يكف عنه ويصفح فلم يزل حتى كان في آخر إمارته
قام المغيرة فقال في علي وعثمان كما كان يقول وكانت مقالته اللهم ارحم عثمان بن
عفان وتجاوز عنه واجزه بأحسن عمله فإنه عمل بكتابك واتبع سنة نبيك صلى الله
عليه وسلم جمع كلمتنا وحقن دماءنا وقتل مظلوما اللهم فارحم أنصاره وأولياءه
ومحبيه والطالبين بدمه ويدعو على قتلته فقام حجر بن عدي فنعر نعرة بالمغيرة سمعها
188

كل من كان في المسجد وخارجا منه وقال إنك لا تدرى بمن تولع من هرمك أيها
الانسان مر لنا بأرزاقنا وأعطياتنا فإنك قد حبستها عنا وليس ذلك لك ولم يكن
يطمع في ذلك من كان قبلك وقد أصبحت مولعا بذم أمير المؤمنين وتقريظ المجرمين
قال فقام معه أكثر من ثلثي الناس يقولون صدق والله حجر وبرمرلنا بأرزاقنا
وأعطياتنا فإنا لا ننتفع بقولك هذا ولا يجدى علينا شيئا وأكثروا في مثل هذا القول
ونحوه فنزل المغيرة فدخل واستأذن عليه قومه فأذن لهم فقالوا علام تترك هذا
الرجل يقول هذه المقالة ويجترئ عليك في سلطانك هذه الجرأة إنك تجمع على
نفسك بهذا خصلتين أما اولهما فتهوين سلطانك وأما الأخرى فإن ذلك إن بلغ
معاوية كان أسخط له عليه وكان أشدهم له قولا في أمر حجر والتعظيم عليه
عبد الله أبى عقيل الثقفي فقال لهم المغيرة إني قد قتلته إنه سيأتي أمير بعدي فيحسبه
مثلي فيصنع به شبيها بما ترونه يصنع بي فيأخذه عند أول وهلة فيقتله شر قتلة
إنه قد اقترب أجلى وضعف عملي ولا أحب أن أبتدئ أهل هذا المصر بقتل
خيارهم وسفك دمائهم فيسعدوا بذلك وأشقى ويعز في الدنيا معاوية ويذل يوم
القيامة المغيرة ولكني قابل من محسنهم وعاف عن مسيئهم وحامد حليمهم
وواعظ سفيههم حتى يفرق بيني وبينهم الموت وسيذكرونني لو قد جربوا العمال
بعدي قال أبو مخنف سمعت عثمان بن عقبة الكندي يقول سمعت شيخا للحي يذكر
هذا الحديث يقول قد والله جربناهم فوجدناه خيرهم أحمدهم للبرى وأغفرهم
للمسئ وأقبلهم للعذر قال هشام قال عوانة فولى المغيرة الكوفة سنة 41
في جمادى وهلك سنة 51 فجمعت الكوفة والبصرة لزياد بن أبي سفيان فأقبل
زياد حتى دخل القصر بالكوفة ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد
فإنا قد جربنا وجربنا وسسنا وساسنا السائسون فوجدنا هذا الامر لا يصلح آخره
إلا بما صلح أوله بالطاعة اللينة المشبه سرها بعلانيتها وغيب أهلها بشاهدهم وقلوبهم
بألسنتهم ووجدنا الناس لا يصلحهم إلا لين في غير ضعف وشدة في غير عنف وإني
والله لا أقوم فيكم بأمر إلا أمضيته على إذلاله وليس من كذبة الشاهد عليها من الله
189

والناس أكبر من كذبة إمام على المنبر ثم ذكر عثمان وأصحابه فقرظهم وذكر
قتلته ولعنهم فقام حجر ففعل مثل الذي كان يفعل بالمغيرة وقد كان زياد قد رجع
إلى البصرة وولى الكوفة عمرو بن الحريث ورجع إلى البصرة فبلغه أن حجرا
يجتمع إليه شيعة على ويظهرون لعن معاوية والبراءة منه وأنهم حصبوا عمرو بن
الحريث فشخص إلى الكوفة حتى دخلها فأتى القصر فدخله ثم خرج فصعد المنبر
وعليه قباء سندس ومطرف خز أخضر قد فرق شعره وحجر جالس في المسجد
حوله أصحابه أكثر ما كانوا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فان غب البغى والغى
وخيم إن هؤلاء جموا فأشروا وأمنوني فاجترؤا على وأيم الله لئن لم تستقيموا
لأداوينكم بدوائكم وقال ما أنا بشئ إن لم أمنع باحة الكوفة من حجر وأدعه
نكالا لمن بعده ويل أمك يا حجر سقط العشاء بك على سرحان ثم قال أبلغ نصيحة
أن راعى إبلها سقط العشاء به على سرحان وأما غير عوانة فإنه قال في سبب أمر
حجر ما حدثني علي بن حسن قال حدثنا مسلم الجرمي قال حدثنا مخلد بن الحسن عن
هشام عن محمد بن سيرين قال خطب زياد يوما في الجمعة فأطال الخطبة وأخر الصلاة
فقال له حجر بن عدي الصلاة فمضى في خطبته ثم قال الصلاة فمضى في خطبته فلما
خشى حجر فوت الصلاة ضرب بيده إلى كف من الحصا وثار إلى الصلاة وثار
الناس معه فلما رأى ذلك زياد نزل فصلى بالناس فلما فرغ من صلاته كتب إلى
معاوية في أمره وكثر عليه فكتب إليه معاوية أن شده في الحديد ثم أحمله إلى فلما
أن جاء كتاب معاوية أراد قوم حجر أن يمنعوه فقال لا ولكن سمع وطاعة فشد
في الحديد ثم حمل إلى معاوية فلما دخل عليه قال السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة
الله وبركاته فقال له معاوية أمير المؤمنين أما والله لا أقيلك ولا أستقيلك أخرجوه
فاضربوا عنقه فأخرج من عنده فقال حجر للذين يلون أمره دعوني حتى أصلى
ركعتين فقالوا صله فصلى ركعتين خفف فيهما ثم قال لولا أن تظنوا بي غير الذي
أنا عليه لأحببت أن تكونا أطول مما كانتا ولئن لم يكن فيما مضى من الصلاة
خير فما في هاتين خير ثم قال لمن حضره من أهله لا تطلقوا عنى حديدا ولا تغسلوا
190

عنى دما فإني ألاقي معاوية غدا على الجادة ثم قدم فضربت عنقه قال مخلد قال هشام
كان محمد إذا سئل عن الشهيد يغسل حدثهم حديث حجر قال محمد فلقيت عائشة
أم المؤمنين معاوية قال مخلد أظنه بمكة فقالت يا معاوية أين كان حلمك عن حجر
فقال لها يا أم المؤمنين لم يحضرني رشيد قال ابن سيرين فبلغنا أنه لما حضرته الوفاة
جعل يغرغر بالصوت ويقول يومى منك يا حجر يوم طويل قال هشام عن أبي مخنف
قال حدثني إسماعيل بن نعيم النمري عن حسين بن عبد الله الهمداني قال كنت في
شرط زياد فقال زياد لينطلق بعضكم إلى حجر فليدعه قال فقال لي أمير الشرطة
وهو شداد بن الهيثم الهلالي اذهب إليه فادعه قال فأتيته فقلت أجب الأمير فقال
أصحابه لا يأتيه ولا كرامة قال فرجعت إليه فأخبرته فأمر صاحب الشرطة أن
يبعث معي رجالا قال فبعث نفرا قال فأتيناه فقلنا أجب الأمير قال فسبونا وشتمونا
فرجعنا إليه فأخبرناه الخبر قال فوثب زياد بأشراف أهل الكوفة فقال يا أهل
الكوفة أتشجون بيد وتأسون بأخرى أبدانكم معي وأهواؤكم مع حجر هذا
الهجهاجة الأحمق المذبوب أنتم معي وإخوانكم وأبناؤكم وعشائركم مع حجر
هذا والله من دحسكم وغشكم والله لتظهرن لي برأتكم أو لآتينكم بقوم أقيم بهم أودكم
وصعركم فوثبوا إلى زياد فقالوا معاذ الله سبحانه أن يكون لنا فيما ههنا رأى
إلا طاعتك وطاعة أمير المؤمنين وكل ما ظننا أن فيه رضاك وما يستبين به طاعتنا
وخلافنا لحجر فمرنا به قال فليقم كل امرئ منكم إلى هذه الجماعة حول حجر
فليدع كل رجل منكم أخاه وابنه وذا قرابته ومن يطيعه من عشيرته حتى تقيموا
عنه كل من استطعتم أن تقيموه ففعلوا ذلك فأقاموا جل من كان مع حجر بن عدي
فلما رأى زياد أن جل من كان مع حجر أقيم عنه قال لشداد بن الهيثم الهلالي ويقال
هيثم بن شداد أمير شرطته انطلق إلى حجر فإن تبعك فأتني به وإلا فمر من معك
فلينتزعوا عمد السوق ثم يشدوا بها عليهم حتى يأتوني به ويضربوا من حال دونه
فأتاه الهلالي فقال أجب الأمير قال فقال أصحاب حجر لا ولا نعمة عين لا نجيبه فقال
لأصحابه شدوا على عمد السوق فاشتدوا إليها فأقبلوا بها قد انتزعوها فقال عمير بن
191

يزيد الكندي من بنى هند وهو أبو العمر طه إنه ليس معك رجل معه سيف غيري وما
يغنى عنك قال فما ترى قال قم من هذا المكان فالحق بأهلك يمنعك قومك فقام زياد ينظر
إليهم وهو على المنبر فغشوا بالعمد فضرب رجل من الحمراء يقال له بكر بن عبيد رأس
عمرو بن الحمق بعمود فوقع وأتاه أبو سفيان بن عويمر والعجلان بن ربيعة وهما رجلان
من الأزد فحملاه فأتيا به دار رجل من الأزد يقال له عبيد الله بن مالك فخبأه بها فلم
يزل بها متواريا حتى خرج منها قال أبو مخنف فحدثني يوسف بن يزيد عن عبد الله
ابن عوف بن الأحمر قال لما انصرفنا من غزوة باجميرا قبل مقتل مصعب بعام
فإذا أنا بأحمري يسايرني ووالله ما رأيته من ذلك اليوم الذي ضرب فيه عمرو
ابن الحمق وما كنت أرى لو رأيته أن أعرفه فلما رأيته ظننت أنه هو هو وذاك
حين نظرنا إلى أبيات الكوفة فكرهت أن أسأله أنت الضارب عمرو بن
الحمق فيكابرني فقلت له ما رأيتك من اليوم الذي ضربت فيه رأس عمرو بن الحمق
بالعمود في المسجد إلى يومى هذا ولقد عرفتك الآن حين رأيتك فقال لي لا تعدم
بصرك ما أثبت نظرك كان ذلك أمر الشيطان أما إنه قد بلغني أنه كان أمرءا صالحا ولقد
ندمت على تلك الضربة فأستغفر الله فقلت له ألا ترى والله لا أفترق أنا وأنت
حتى أضربك على رأسك مثل الضربة التي ضربتها عمرو بن الحمق أو أموت أو تموت
فناشدني الله وسألني الله فأبيت عليه ودعوت غلاما لي يدعى رشيدا من سبى
أصبهان معه قناة له صلبة فأخذتها منه ثم أحمل عليه بها فنزل عن دابته وألحقه حين
استوت قدماه بالأرض فأصفع بها هامته فخر لوجهه ومضيت وتركته فبرأ بعد
فلقيته مرتين من الدهر كل ذلك يقول الله بيني وبينك وأقول الله عز وجل بينك
وبين عمرو بن الحمق (ثم رجع) إلى أول الحديث قال فلما ضرب عمرا تلك الضربة
وحمله ذانك الرجلان انحاز أصحاب حجر إلى أبواب كندة ويضرب رجل من
جذام كان في الشرطة رجلا يقال له عبد الله بن خليفة الطائي بعمود فضربه ضربة
فصرعه فقال وهو يرتجز
قد علمت يوم الهياج خلتي * أنى إذا ما فئتى تولت
192

وكثرت عداتها أو قلت * أتى قتال غداة بلت
وضربت يد عائذ بن حملة التميمي وكسرت نابه فقال
إن تكسروا نابى وعظم ساعدي * فإن في سورة المناجد
وبعض شغب البطل المبالد
وينتزع عمودا من بعض الشرط فقاتل به وحمى حجرا وأصحابه حتى خرجوا
من تلقاء أبواب كندة وبغلة حجر موقوفة فأتى بها أبو العمرطة إليه ثم قال اركب
لا أب لغيرك فوالله ما أراك إلا قد قتلت نفسك وقتلتنا معك فوضع حجر رجله
في الركاب فلم يستطع أن ينهض فحمله أبو العمرطة على بغلته ووثب أبو العمرطة
على فرسه فما هو إلا أن استوى عليه حتى انتهى إليه يزيد بن طريف المسلى وكان
يغمز فضرب أبا العمرطة بالعمود على فخذه ويخترط أبو العمرطة سيفه فضرب
به رأس يزيد بن طريف فخر لوجهه ثم إنه برأ بعد فله يقول عبد الله بن همام السلولي
ألوم ابن لؤم ما عدا بك حاسرا * إلى بطل ذي جرأة وشكيم
معاود ضرب الدارعين بسيفه * على الهام عند الروع غير لئيم
إلى فارس الغارين يوم تلاقيا * بصفين قرم خير نجل قروم
حسبت ابن برصاء الحتار قتاله * قتالك زيدا يوم دار حكيم
وكان ذلك السيف أول سيف ضرب به في الكوفة في الاختلاف بين الناس
ومضى حجر وأبو العمرطة حتى انتهيا إلى دار حجر واجتمع إلى حجر ناس كثير
من أصحابه وخرج قيس بن قهدان الكندي على حمار له يسير في مجالس كندة يقول
يا قوم حجر دافعوا وصاولوا * وعن أخيكم ساعة فقاتلوا
لا يلفيا منكم لحجر خاذل * أليس فيكم رامح ونابل
وفارس مستلئم وراجل * وضارب بالسيف لا يزايل
فلم يأته من كندة كثير أحد وقال زياد وهو على المنبر ليقم همدان وتميم وهوازن
وأبناء أعصر ومذحج وأسد وغطفان فليأتوا جبانة كندة فليمضوا من ثم إلى
حجر فليأتوني به ثم إنه كره أن يسير طائفة من مضر مع طائفة من أهل اليمن فيقع
193

بينهم شغب واختلاف وتفسد ما بينهم الحمية فقال لتقم تميم وهوازن وأبناء أعصر
وأسد وغطفان ولتمض مذحج وهمدان إلى جبانة كندة ثم لينهضوا إلى حجر فليأتوني
به وليسر سائر أهل اليمن حتى ينزلوا جبانة الصائديين فليمضوا إلى صاحبهم فليأتوني
به فخرجت الأزد وبجيلة وخثعم والأنصار وخزاعة وقضاعة فنزلوا جبانة
الصائديين ولم تخرج حضرموت مع أهل اليمن لمكانهم من كندة وذلك أن دعوة
حضرموت مع كندة فكرهوا الخروج في طلب حجر قال أبو مخنف حدثني يحيى
ابن سعيد بن مخنف عن محمد بن مخنف قال إني لمع أهل اليمن في جبانة الصائديين
إذ اجتمع رؤوس أهل اليمن يتشاورون في أمر حجر فقال لهم عبد الرحمن بن
مخنف أنا مشير عليكم برأي إن قبلتموه رجوت أن تسلموا من اللائمة والاثم أرى
لكم أن تلبثوا قليلا فإن سرعان شباب همدان ومذحج يكفونكم ما تكرهون أن
تلوا من مساة قومكم في صاحبكم قال فأجمع رأيهم على ذلك قال فوالله ما كان إلا كلا ولا
حتى أتينا فقيل لنا إن مذحج وهمدان قد دخلوا فأخذوا كل من وجدوا من
بنى جبلة قال فمر أهل اليمن في نواحي دور كندة معذرين فبلغ ذلك زيادا فأثنى على
مذحج وهمدان وذم سائر أهل اليمن وإن حجرا لما انتهى إلى داره فنظر إلى قلة
من معه من قومه وبلغه أن مذحج وهمدان نزلوا جبانة كندة وسائر أهل اليمن
جبانة الصائديين قال لأصحابه انصرفوا فوالله ما لكم طاقة بمن قد اجتمع عليكم من
قومكم وما أحب أن أعرضكم للهلاك فذهبوا لينصرفوا فلحقتهم أوائل خيل مذحج
وهمدان فعطف عليهم عمير بن يزيد وقيس بن يزيد وعبيدة بن عمرو البدي
وعبد الرحمن بن محرز الطمحي وقيس بن شمر فتقاتلوا معهم فقاتلوا عنه ساعة
فحرحوا وأسر قيس بن يزيد وأفلت سائر القوم فقال لهم حجر لا أبا لكم تفرقوا
لا تقاتلوا فإني آخذ في بعض السكك ثم أخذ طريقا نحو بنى حرب فسار حتى انتهى
إلى دار رجل منهم يقال له سليم بن يزيد فدخل داره وجاء القوم في طلبه حتى
انتهوا إلى تلك الدار فأخذ سليم بن يزيد سيفه ثم ذهب ليخرج إليهم فبكت بناته
فقال له حجر ما تريد قال أريد والله أسألهم أن ينصرفوا عنك فإن فعلوا وإلا ضاربتهم
194

بسيفي هذا ما ثبت قائمه في يدي دونك فقال حجر لا أبا لغيرك بئس ما دخلت به
إذا على بناتك قال إني والله ما أمونهن ولا رزقهن إلا على الحي الذي لا يموت ولا
أشترى العار بشئ أبدا ولا تخرج من داري أسيرا أبدا وأنا حي أملك قائم سيفي فإن
قتلت دونك فاصنع ما بدا لك قال حجر أما في دارك هذه حائط أقتحمه أو خوخة أخرج
منها عسى أن يسلمني الله عز وجل منهم ويسلمك فإذا القوم لم يقدروا على عندك
لم يضروك قال بل هذه خوخة تخرجك إلى دور بنى العنبر وإلى غيرهم من قومك
فخرج حتى مر ببنى ذهل فقالوا له مر القوم آنفا في طلبك يقفون أثرك فقال
منهم أهرب قال فخرج ومعه فتية منهم يتقصون به الطريق ويسلكون به الأزقة
حتى أفضى إلى النخع فقال لهم عند ذلك انصرفوا رحمكم الله فانصرفوا عنه وأقبل
إلى دار عبد الله بن الحارث أخي الأشتر فدخلها فإنه لكذلك قد ألقى له الفرش
عبد الله وبسط له البسط وتلقاه ببسط الوجه وحسن البشر إذ أتى فقيل له إن
الشرط تسأل عنك في النخع وذلك إن أمة سوداء يقال لها أدماء لقيتهم فقالت
من تطلبون قالوا نطلب حجرا قالت ها هو ذا قد رأيته في النخع فانصرفوا نحو
النخع فخرج من عند عبد الله متنكرا وركب معه عبد الله بن الحارث ليلا حتى
أتى دار ربيعة بن ناجد الأزدي في الأزد فنزلها يوما وليلة فلما أعجزهم أن يقدروا
عليه دعا زياد بمحمد بن الأشعث فقال له يا أبا ميثاء أما والله لتأتيني بحجر أولا
لا أدع لك نخلة إلا قطعتها ولا دارا إلا هدمتها ثم لا تسلم منى حتى أقطعك إربا
إربا قال أمهلني حتى أطلبه قال قد أمهلتك ثلاثا فان جئت به وإلا عد نفسك مع
الهلكى وأخرج محمد نحو السجن منتقع اللون يتل تلا عنيفا فقال حجر بن يزيد
الكندي لزياد ضمنيه وخل سبيله يطلب صاحبه فإنه مخلى سربه أخرى أن يقدر
عليه منه إذا كان محبوسا فقال أتضمنه قال نعم قال أما والله لئن حاص عنك
لأزيرنك شعوب وان كنت الآن على كريما قال إنه لا يفعل فخلى سبيله ثم إن
حجر بن يزيد كلمه في قيس بن يزيد وقد أتى به أسيرا فقال لهم ما على قيس بأس
قد عرفنا رأيه في عثمان وبلاءه يوم صفين مع أمير المؤمنين ثم أرسل إليه
195

فأتى به فقال له انى قد علمت أنك لم تقاتل مع حجر أنك ترى رأيه ولكن قاتلت
معه حمية قد غفرتها لك لما أعلم من حسن رأيك وحسن بلائك ولكن لن أدعك
حتى تأتيني بأخيك عمير قال أجيئك به إن شاء الله قال فهات من يضمنه لي معك
قال هذا حجر بن يزيد يضمنه لك معي قال حجر بن يزيد نعم أضمنه لك على أن
تؤمنه على ماله ودمه قال ذلك لك فانطلقا فأتيا به وهو جريح فأمر به فأوقر حديدا
ثم أخذته الرجال ترفعه حتى إذا بلغ سورها ألقوه فوقع على الأرض ثم رفعوه
وألقوه ففعلوا به ذلك مرارا فقام إليه حجر بن يزيد فقال ألم تؤمنه على ماله
ودمه أصلحك الله قال بلى قد آمنته على ماله ودمه ولست أهريق له دما ولا
آخذ له مالا قال أصلحك الله يشفى به على الموت ودنا منه وقام من كان
عنده من أهل اليمن فدنوا منه وكلموه فقال أتضمنونه لي بنفسه فمتى ما أحدث حدثا
أتيتموني به قالوا نعم قال وتضمنون لي أرش ضربة المسلى قالوا ونضمنها فخلى سبيله
ومكث حجر بن عدي في منزل ربيعة بن ناجد الأزدي يوما وليلة ثم بعث حجر إلى
محمد بن الأشعث غلاما له يدعى رشيدا من أهل إصبهان أنه قد بلغني ما استقبلك
به هذا الجبار العنيد فلا يهولنك شئ من أمره فانى خارج إليك أجمع نفرا من قومك
ثم ادخل عليه فاسأله أن يؤمنني حتى يبعث بي إلى معاوية فيرى في رأيه فخرج ابن
الأشعث إلى حجر بن يزيد وإلى جرير بن عبد الله وإلى عبد الله بن الحارث أخي
الأشتر فأتاهم فدخلوا إلى زياد فكلموه وطلبوا إليه أن يؤمنه حتى يبعث به إلى معاوية
فيرى فيه رأيه ففعل فبعثوا إليه رسوله ذلك يعلمونه ان قد أخذنا الذي تسأل وأمروه
أن يأتي فأقبل حتى دخل على زياد فقال زياد مرحبا بك أبا عبد الرحمن حرب في
أيام الحرب وحرب وقد سالم الناس * على أهلها تجنى براقش * قال ما خالعت طاعة
ولا فارقت جماعة وإني لعلى بيعتي فقال هيهات هيهات يا حجر تشج بيد وتأسوا
بأخرى وتريد إذ أمكن الله منك أن نرضى كلا والله قال ألم تؤمني حتى آتي معاوية
فيرى في رأيه قال بلى قد فعلنا انطلقوا به إلى السجن فلما قفى به من عنده قال زياد
أما والله لولا أمانة ما برح أو يلفظ مهجة نفسه (قال هشام بن عروة) حدثني عوانة
196

قال قال زياد والله لأحرصن على قطع خيط رقبته قال هشام بن محمد عن أبي مخنف
وحدثني المجالد بن سعيد عن الشعبي وزكرياء بن أبي زائدة عن أبي إسحاق أن حجرا
لما قفى به من عند زياد نادى بأعلى صوته اللهم إن على بيعتي لا أقيلها ولا أستقيلها
سماع الله والناس وكان عليه برنس في غداة باردة فحبس عشر ليال وزياد ليس
له عمل إلا طلب رؤساء أصحاب حجر فخرج عمرو بن الحمقى ورفاعة بن شداد حتى
نزلا المدائن ثم ارتحلا حتى أتيا أرض الموصل فأتيا جبلا فكمنا فيه وبلغ عامل
ذلك الرستاق أن رجلين قد كمنا في جانب الجبل فاستنكر شأنهما وهو رجل
من همدان يقال له عبد الله بن أبي بلتعة فسار إليها في الخيل نحو الجبل ومعه أهل
البلد فلما انتهى إليهما خرجا فأما عمرو بن الحمق فكان مريضا وكان بطنه قد سقى فلم
يكن عنده امتناع وأما رفاعة بن شداد وكان شابا قويا فوثب على فرس له جواد فقال
له أقاتل عنك قال وما ينفعني أن تقاتل انج بنفسك إن استطعت فحمل عليهم فأفرجوا
له فخرج تنفر به فرسه وخرجت الخيل في طلبه وكان راميا فأخذ لا يلحقه فارس
إلا رماه فجرحه أو عقره فانصرفوا عنه وأخذ عمرو بن الحمق فسألوه من أنت
فقال من إن تركتموه كان أسلم لكم وإن قتلتموه كان أضر لكم فسألوه فأبى أن
يخبرهم فبعث به ابن أبي بلتعة إلى عامل الموصل وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن
عثمان الثقفي فلما رأى عمرو بن الحمق عرفه وكتب إلى معاوية بخبره فكتب إليه معاوية
انه زعم أنه طعن عثمان بن عفان تسع طعنات بمشاقص كانت معه وإنا لا نريد أن نعتدي
عليه فاطعنه تسع طعنات كما طعن عثمان فأخرج فطعن تسع طعنات فمات في الأولى
منهن أو الثانية (قال أبو مخنف) وحدثني المجالد عن الشعبي وزكرياء بن أبي زائدة عن
ابن إسحاق قال وجه زياد في طلب أصحاب حجر فأخذوا يهربون منه ويأخذ من
قدر عليه منهم فبعث إلى قبيصة بن ضبيعة بن حرملة العبسي صاحب الشرطة وهو
شداد بن الهيثم فدعا قبيصة في قومه وأخذ سيفه فأتاه ربعي بن حراش بن جحش
العبسي ورجال من قومه ليسوا بالكثير فأراد أن يقاتل فقال صاحب الشرطة
أنت آمن على دمك ومالك فلم تقتل نفسك فقال له أصحابه قد أو منت فعلام تقتل
197

نفسك وتقتلنا معك قال ويحكم إن هذا الدعي ابن العاهرة والله لئن وقعت في
يده لا أفلت منه أبدا أو يقتلني قالوا كلا فوضع يده في أيديهم فأقبلوا به إلى زياد
فلما دخلوا عليه قال زياد وحى عسى تعزوني على الدين أما والله لأجعلن لك
شاغلا عن تلقيح الفتن والتوثب على الامراء قال إني لم تك إلا على الأمان قال
انطلقوا به إلى السجن وجاء قيس بن عباد الشيباني إلى زياد فقال له إن امرءا منا
من بنى همام يقال له صيفي بن فسيل من رؤس أصحاب حجر وهو أشد الناس
عليك فبعث إليه زياد فأتى به فقال له زياد يا عدو الله ما تقول في أبى تراب قال
ما أعرف أبا تراب قال ما أعرفك به قال ما أعرفه قال أما تعرف علي بن أبي طالب
قال بلى قال فذاك أبو تراب قال كلا ذاك أبو الحسن والحسين عليه السلام فقال له
صاحب الشرطة يقول لك الأمير هو أبو تراب وتقول أنت لا قال وإن كذب
الأمير أتريد أن أكذب وأشهد له على باطل كما شهد قال له زياد وهذا أيضا مع
ذنبك على بالعصا فأتى بها فقال ما قولك قال أحسن قول أنا قائله في عبد من عباد
الله المؤمنين قال اضربوا عانقه بالعصا حتى يلصق بالأرض فضرب حتى لزم الأرض
ثم قال اقلعوا عنه إيه ما قولك في علي قال والله لو شرحتني بالمواسي والمدى ما قلت
إلا ما سمعت منى قال لتلعننه أو لأضربن عنقك قال إذا تضربها والله قبل ذلك فان
أبيت إلا أن تضربها رضيت بالله وشقيت أنت قال ادفعوا في رقبته ثم قال أوقروه
حديدا وألقوه في السجن ثم بعث إلى عبد الله بن خليفة الطائي وكان شهد مع حجر
وقاتلهم قتالا شديدا فبعث إليه زياد بكير بن حمران الأحمري وكان تبيع العمال
فبعثه في أناس من أصحابه فأقبلوا في طلبه فوجدوه في مسجد عدى بن حاتم
فأخرجوه فلما أرادوا أن يذهبوا به وكان عزيز النفس امتنع منهم فحاربهم وقاتلهم
فشجره ورموه بالحجارة حتى سقط فنادت ميثاء أخته يا معشر طيئ أتسلمون ابن
خليفة لسانكم وسنانكم فلما سمع الأحمري نداءها خشى أن تجتمع طيئ فيهلك
فهرب وخرج نسوة من طيئ فأدخلنه دارا وينطلق الأحمري حتى أن زيادا فقال
إن طيئا اجتمعت إلى فلم أطقهم أفأتيتك فبعث زياد إلى عدى وكان في
198

المسجد فحبسه وقال جئني به وقد أخبر عدى بخبر عبد الله فقال عدى كيف
آتيك برجل قد قتله القوم قال جئني حتى أرى أن قد قتلوه فاعتل له وقال
لا أدرى أين هو ولا ما فعل فحبسه فلم يبق رجل من أهل المصر من أهل اليمن وربيعة
ومصر إلا فزع لعدى فأتوا زيادا فكلموه فيه وأخرج عبد الله فتغيب في بحتر فأرسل
إلى عدى إن شئت أن أخرج حتى أضع يدي في يدك فعلت فبعث إليه عدى والله
لو كانت تحت قدمي ما رفعتهما عنك فدعا زياد عديا فقال له إني أخلى سبيلك على
أن تجعل لي لتنفيه من الكوفة والتسير به إلى الجبلين قال نعم فرجع وأرسل
إلى عبد الله بن خليفة اخرج فلو قد سكن غضبه لكلمته فيك حتى ترجع إن شاء الله
فخرج إلى الجبلين وأتى زياد بكريم بن عفيف الخثعمي فقال ما اسمك قال أنا كريم
ابن عفيف قال ويحك أو ويلك ما أحسن اسمك واسم أبيك وأسوأ عملك ورأيك
قال أما والله إن عهدك برأيي لمنذ قريب * ثم بعث زياد إلى أصحاب حجر حتى
جمع اثنى عشر رجلا في السجن ثم إنه دعا رؤوس الأرباع فقال اشهدوا على حجر
بما رأيتم منه وكان رؤس الأرباع يومئذ عمرو بن حريث على ربع أهل المدينة
وخالد بن عرفطة على ربع تميم وهمدان وقيس بن الوليد بن عبد شمس بن المغيرة
على ربع ربيعة وكندة وأبو بردة بن أبي موسى على مذحج وأسد فشهد هؤلاء
الأربعة ان حجرا جمع إليه الجموع وأظهر شتم الخليفة ودعا إلى حرب
أمير المؤمنين * وزعم أن هذا الامر لا يصلح إلا في آل أبي طالب ووئب بالمصر
وأخرج عامل أمير المؤمنين وأظهر عذر أبى تراب والترحم عليه والبراءة من
عدوه وأهل حربه وأن هؤلاء النفر الذين معه هم رؤوس أصحابه وعلى مثل رأيه
وأمره ثم أمر بهم ليخرجوا فأتاه قيس بن الوليد فقال إنه قد بلغني أن هؤلاء
إذا خرج بهم عرض لهم فبعث زياد إلى الكناسة فابتاع إبلا صعابا فشد عليها
المحامل ثم حملهم عليها في الرحبة أول النهار حتى إذا كان العشاء قال زياد من
شاء فليعرض فلم يتحرك من الناس أحد ونظر زياد في شهادة الشهود فقال
ما أظن هذه الشهادة قاطعة وإني لأحب أن تكون الشهود أكثر من أربعة *
199

قال أبو مخنف فحدثني الحارث بن حصيرة عن أبي الكنود وهو عبد الرحمن
ابن عبيد وأبو مخنف عن عبد الرحمن بن جندب وسليمان بن أبي راشد عن أبي
الكنود بأسماء هؤلاء الشهود (بسم الله الرحمن الرحيم) هذا ما شهد عليه
أبو بردة بن أبي موسى لله رب العالمين شهد أن حجر بن عدي خلع الطاعة
وفارق الجماعة ولعن الخليفة ودعا إلى الحرب والفتنة وجمع إليه الجموع يدعوهم
إلى نكث البيعة وخلع أمير المؤمنين معاوية وكفر بالله عز وجل كفرة صلعاء
فقال زياد على مثل هذه الشهادة فاشهدوا أما والله لأجهدن على قطع خيط عنق
الخائن الأحمق فشهد رؤوس الأرباع على مثل شهادته وكانوا أربعة ثم إن زيادا
دعا الناس فقال اشهدوا على مثل شهادة رؤوس الأرباع فقرأ عليهم الكتاب
فقام أول الناس عناق بن شرحبيل بن أبي دهم التيمي تيم الله بن ثعلبة فقال بينوا
اسمى فقال زياد ابدؤا بأسامي قريش ثم اكتبوا اسم عناق في الشهود ومن نعرفه
ويعرفه أمير المؤمنين بالنصيحة والاستقامة فشهد إسحاق بن طلحة بن عبيد الله
وموسى بن طلحة وإسماعيل بن طلحة بن عبيد الله والمنذر بن الزبير وعمارة
ابن عقبة بن أبي معيط وعبد الرحمن بن هناد وعمر بن سعد بن أبي وقاص وعامر بن
مسعود بن أمية بن خلف ومحرز بن جارية بن ربيعة بن عبد العزى بن عبد شمس
وعبيد الله بن مسلم بن شعبة الحضرمي وعناق بن شرحبيل بن أبي دهم ووائل
ابن حجر الحضرمي وكثير بن شهاب بن حصين الحارثي وقطن بن عبد الله بن
حصين والسري بن وقاص الحارثي وكتب شهادته وهو غائب في عمله والسائب
والأقرع الثقفي وشبيب بن ربعي وعبد الله بن أبي عقيل الثقفي ومصقلة بن هبيرة
الشيباني والقعقاع بن شور الذهلي وشداد بن المنذر بن الحارث بن وعلة الذهلي
وكان يدعى ابن بزيعة فقال ما لهذا أب ينسب إليه ألقوا هذا من الشهود فقيل له
انه أخو الحصين وهو ابن المنذر قال فانسبوه إلى أبيه فنسب إلى أبيه فبلغت شدادا
فقال ويلي على ابن الزانية أو ليست أمه أعرف من أبيه والله ما ينسب إلا إلى أمه
سمية وحجار بن أبجر العجلي فغضبت ربيعة على هؤلاء الشهود الذين شهدوا من
200

ربيعة وقالوا لهم شهدتم على أوليائنا وخلفائنا فقالوا ما نحن إلا من الناس وقد
شهد عليهم ناس من قومهم كثير وعمرو بن الحجاج الزبيدي ولبيد بن عطارد
التميمي ومحمد بن عمير بن عطارد التميمي وسويد بن عبد الرحمن التميمي من بنى
سعد وأسماء بن خارجة الفزاري كان يعتذر من أمره وشمر بن ذي الجوشن
العامري وشداد ومروان ابنا الهيثم الهلاليان ومحصن بن ثعلبة من عائذة قريش
والهيثم بن الأسود النخعي وكان يعتذر إليهم وعبد الرحمن بن قيس الأسدي
والحارث وشداد ابنا الأزمع الهمدانيان ثم الوادعيان وكريب بن سلمة بن يزيد
الجعفي وعبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي وزحر بن قيس الجعفي وقدامة بن
العجلان الأزدي وعزرة بن عزرة الأحمسي ودعا المختار بن أبي عبيد وعروة
ابن المغيرة بن شعبة ليشهدوا عليه فراغا وعمر بن قيس ذي اللحية وهانئ بن أبي
حية الوادعيان فشهد عليه سبعون رجلا فقال زياد ألقوهم إلا من قد عرف
بحسب وصلاح في دينه فألقوا حتى صيروا إلى هذه العدة وألقيت شهادة عبد الله
ابن الحجاج التغلبي وكتبت شهادة هؤلاء الشهود في صحيفة ثم دفعها إلى وائل بن
حجر الحضرمي وكثير بن شهاب الحارثي وبعثهما عليهم وأمرهما أن يخرجا بهم
وكتب في الشهود شريح بن الحارث القاضي وشريح بن هانئ الحارثي فأما شريح
فقال سألني عنه فأخبرته أنه كان صواما قواما وأما شريح بن هانئ الحارثي
فكان يقول ما شهدت ولقد بلغني أن قد كتبت شهادتي فأكذبته ولمته وجاء وائل
ابن حجر وكثير بن شهاب فأخرج القوم عشية وسار معهم صاحب الشرطة حتى
أخرجهم من الكوفة فلما انتهوا إلى جبانة عرزم نظر قبيصة بن ضبيعة العبسي إلى
داره وهى في جبانة عرزم فإذا بناته مشرفات فقال لوائل وكثير ائذنا لي فأوصى أهلي
فأذنا له فلما دنا منهن وهن يبكين سكت عنهن ساعة ثم قال اسكتن فسكتن فقال
اتقين الله عز وجل واصبرن فانى أرجو من ربى في وجهي هذا إحدى الحسنيين
إما الشهادة وهى السعادة وإما الانصراف إليكن في عافية وإن الذي كان
يرزقكن ويكفيني مؤنتكن هو الله تعالى وهو حي لا يموت أرجو أن لا يضيعكن
201

وأن يحفظني فيكن ثم انصرف فمر بقومه فجعل القوم يدعون الله له بالعافية فقال
إنه لمما يعدل عندي خطر ما أنا فيه هلاك قومي يقول حيث لا ينصرونني وكان رجا
أن يخلصوه. قال أبو مخنف فحدثني النضر بن صالح العبسي عن عبيد الله بن الحر
الجعفي قال والله إني لواقف عند باب السرى بن أبي وقاص حين مروا بحجر
وأصحابه قال فقلت ألا عشرة رهط أستنقذ بهم هؤلاء إلا خمسة قال فجعل يتلهف
قال فلم يجبني أحد من الناس قال فمضوا بهم حتى انتهوا بهم إلى الغريين فلحقهم
شريح بن هانئ معه كتاب فقال لكثير بلغ كتابي هذا إلى أمير المؤمنين قال ما فيه
قال لا تسألني فيه حاجتي فأبى كثير وقال ما أحب أن آتي أمير المؤمنين بكتاب
لا أدرى ما فيه وعسى أن لا يوافقه فأتى به وائل به حجر فقبله منه ثم مضوا بهم
حتى انتهوا بهم إلى مرج عذراء وبينها وبين دمشق اثنا عشر ميلا
تسمية الذين بعث بهم إلى معاوية
حجر بن عدي بن جبلة الكندي والأرقم بن عبد الله الكندي من بنى الأرقم
وشريك بن شداد الحضرمي وصيفي بن فسيل وقبيصة بن ضبيعة بن حرملة العبسي
وكريم بن عفيف الخثعمي من بنى عامر بن شهران ثم من قحافة وعاصم بن عوف
البجلي وورقاء بن سمى البجلي وكدام بن حيان وعبد الرحمن بن حسان العنزيان
من بنى هميم ومحرز بن شهاب التميمي من بنى منقر وعبد الله بن حوية السعدي من
بنى تميم فمضوا بهم حتى نزلوا مرج عذراء فحبسوا بها ثم إن زيادا أتبعهم برجلين
آخرين مع عامر بن الأسود العجلي بعتبة بن الأخنس من بنى سعد بن بكر بن هوازن
وسعد بن نمران الهمداني ثم الناعطي فتموا أربعة عشر رجلا فبعث معاوية إلى
وائل بن حجر وكثير بن شهاب فأدخلهما وفض كتابهما فقرأه على أهل الشام
فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم لعبد الله معاوية أمير المؤمنين من زياد بن أبي سفيان
أما بعد فان الله قد أحسن عند أمير المؤمنين البلاء فكاد له عدوه وكفاه مؤنة من
بغى عليه ان طواغيت من هذه الترابية السبائية رأسهم حجر بن عدي خالفوا أمير
المؤمنين وفارقوا جماعة المسلمين ونصبوا لنا الحرب فأظهرنا الله عليهم وأمكننا منهم
202

وقد دعوت خيار أهل المصر وأشرافهم وذوي السن والدين منهم؟ فشهدوا عليهم بما
رأوا وعملوا وقد بعثت بهم إلى أمير المؤمنين وكتبت شهادة صلحاء أهل المصر
وخيارهم في أسفل كتابي هذا فلما قرأ الكتاب وشهادة الشهود عليهم قال ماذا
ترون في هؤلاء النفر الذين شهد عليهم قومهم بما تستمعون فقال له يزيد بن أسد
البجلي أرى أن تفرقهم في قرى الشام فيكفيكهم طواغيتها ودفع وائل بن حجر
كتاب شريح بن هانئ إلى معاوية فقرأه فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم لعبد الله معاوية
أمير المؤمنين من شريح بن هانئ أما بعد فإنه بلغني أن زيادا كتب إليك بشهادتي
على حجر بن عدي وأن شهادتي على حجر أنه ممن يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويديم
الحج والعمرة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر حرام الدم والمال فإن شئت
فاقتله وإن شئت فدعه فقرأ كتابه على وائل بن حجر وكثير فقال ما أرى هذا
إلا قد أخرج نفسه من شهادتكم فحبس القوم بمرج عذراء وكتب معاوية إلى
زياد أما بعد فقد فهمت ما اقتصصت به من أمر حجر وأصحابه وشهادة من قبلك
عليهم فنظرت في ذلك فأحيانا أرى قتلهم أفضل من تركهم وأحيانا أرى العفو
عنهم أفضل من قتلهم والسلام فكتب إليه زياد مع يزيد بن حجية بن ربيعة التيمي
أما بعد فقد قرأت كتابك وفهمت رأيك في حجر وأصحابه فعجبت لاشتباه الامر
عليك فيهم وقد شهد عليهم بما قد سمعت من هو أعلم بهم فإن كانت لك حاجة
في هذا المصر فلا تردن حجرا وأصحابه إلى فأقبل يزيد بن حجية حتى مر بهم بعذراء
فقال يا هؤلاء أما والله ما أرى برأتكم ولقد جئت بكتاب فيه الذبح فمروني بما
أجبتم مما ترون أنه لكم نافع أعمل به لكم وأنطق به فقال حجر أبلغ معاوية
أنا على بيعتنا لا نستقيلها ولا نقيلها وأنه إنما شهد علينا الأعداء والأظناء فقدم
يزيد بالكتاب إلى معاوية فقرأه وبلغه يزيد مقالة حجر فقال معاوية زياد أصدق
عندنا من حجر فقال عبد الرحمن بن أم الحكم الثقفي ويقال عثمان بن عمير الثقفي
جذاذها جذاذها فقال له معاوية لا تعن أبرا فخرج أهل الشأم ولا يدرون ما قال معاوية
وعبد الرحمن فأتوا النعمان بن بشير فقالوا له مقالة ابن أم الحكم فقال النعمان
203

قتل القوم وأقبل عامر بن الأسود العجلي وهو بعذراء يريد معاوية ليعلمه علم
الرجلين اللذين بعث بهما زياد فلما ولى ليمضى قام إليه حجر بن عدي يرسف في
القيود فقال يا عامر اسمع منى أبلغ معاوية أن دماءنا عليه حرام وأخبره أنا قد
أومنا وصالحناه فليتق الله ولينظر في أمرنا فقال له نحوا من هذا الكلام فأعاد
عليه حجر مرارا فكان الآخر عرض فقال قد فهمت لك أكثرت فقال له حجر
إني ما سمعت بعيب وعلى أنه يلوم إنك والله تحبى وتعطى وإن حجرا يقدم ويقتل
فلا ألومك أن تستثقل كلامي اذهب عنك فكأنه استحيى فقال لا والله ما ذلك
بي ولأبلغن ولأجهدن وكأنه يزعم أنه قد فعل وأن الآخر أبى فدخل عامر على
معاوية فأخبره بأمر الرجلين قال وقام يزيد بن أسد البجلي فقال يا أمير المؤمنين
هب لي ابني عمى وقد كان جرير بن عبد الله كتب فيهما أن امرأين من قومي من
أهل الجماعة والرأي الحسن سعى بهما ساع ظنين إلى زياد فبعث بهما في النفر
الكوفيين الذين وجه بهم زياد إلى أمير المؤمنين وهما ممن لا يحدث حدثا في الاسلام
ولا بغيا على الخليفة فلينفعهما ذلك عند أمير المؤمنين فلما سألهما يزيد ذكر معاوية
كتاب جرير فقال قد كتب إلى ابن عمك فيهما جرير محسنا عليهما الثناء وهو أهل
أن يصدق قوله ويقبل نصيحته وقد سألتني ابني عمك فهما لك وطلب وائل بن
حجر في الأرقم فتركه له وطلب أبو الأعور السلمي في عتبة بن الأخنس فوهبه
له وطلب حمرة بن مالك الهمداني في سعد بن نمران الهمداني فوهبه له وكلمه حبيب
ابن مسلمة في ابن حوية فخلى سبيله وقام ملك بن هبيرة السكوني فقال لمعاوية
عمك يا أمير المؤمنين دع لي ابن عمى حجرا فقال إن ابن حجرا رأس القوم وأخاف
إن خليت سبيله أن يفسد على مصري فيضطرنا غدا إلى أن نشخصك وأصحابك
إليه بالعراق فقال له والله ما أنصفتني يا معاوية قاتلت معك ابن عمك فتلقاني منهم
يوم كيوم صفين حتى ظفرت كفك وعلا كعبك ولم تخف الدوائر ثم سألتك
ابن عمى فسطوت وبسطت من القول بما لا أنتفع به وتخوفت فيما زعمت عاقبة
الدوائر ثم انصرف فجلس في بيته فبعث معاوية هدبة بن فياض القضاعي من
204

بنى سلامان بن سعد والحصين بن عبد الله الكلابي وأبا شريف البدي فأتوهم عند
المساء فقال الخثعمي حين رأى الأعور مقبلا يقتل نصفنا وينجو نصفنا فقال سعد
ابن نمران اللهم اجعلني ممن ينجو وأنت عنى راض فقال عبد الرحمن بن حسان
العنزي اللهم اجعلني من؟ تكرم بهوانهم وأنت عنى راض فطالما عرضت نفسي
للقتل فأبى الله إلا ما أراد فجاء رسول معاوية إليهم بتخلية ستة وبقتل ثمانية فقال
لهم رسول معاوية إنا قد أمرنا أن نعرض عليكم البراءة من على واللعن له فإن
فعلتم تركناكم وإن أبيتم قتلناكم وإن أمير المؤمنين يزعم أن دماءكم قد حلت له بشهادة
أهل مصركم عليكم غير أنه قد عفى عن ذلك فابرؤا من هذا الرجل نخل سبيلكم
قالوا اللهم إنا لسنا فاعلي ذلك فأمر بقبورهم فحفرت وأدنيت أكفانهم وقاموا
الليل كله يصلون فلما أصبحوا قال أصحاب معاوية يا هؤلاء لقد رأيناكم البارحة
قد أطلتم الصلاة وأحسنتم الدعاء فأخبرونا ما قولكم في عثمان قالوا هو أول من
جار في الحكم وعمل بغير الحق فقال أصحاب معاوية أمير المؤمنين كان أعلم بكم
ثم قاموا إليهم فقالوا تبرؤن من هذا الرجل قالوا بل نتولاه ونتبرأ ممن تبرأ منه
فأخذ كل رجل منهم رجلا ليقتله ووقع قبيصة بن ضبيعة في يدي أبى شريف
البدي فقال له قبيصة إن الشر بين قومي وبين قومك أمن فليقتلني سواك فقال له
برتك رحم فأخذ الحضرمي فقتله وقتل القضاعي قبيصة بن ضبيعة قال ثم إن حجرا
قال لهم دعوني أتوضأ قالوا له توضأ فلما أن توضأ قال لهم دعوني أصل ركعتين
فأيمن الله ما توضأت قط إلا صليت ركعتين قالوا ليصل فصلى ثم انصرف فقال
والله ما صليت صلاة قط أقصر منها ولولا أن تروا أن ما بي جزع من الموت
لأحببت أن أستكثر منها ثم قال اللهم إنا نستعديك على أمتنا فإن
أهل الكوفة شهدوا علينا وإن أهل الشأم يقتلوننا أما والله لئن قتلتموني
بها إني لأول فارس من المسلمين هلك في واديها وأول رجل من المسلمين
نبحته كلابها فمشى إليه الأعور هدبة بن فياض بالسيف فأرعدت خصائله فقال كلا
زعمت أنك لا تجزع من الموت فأنا أدعك فأبرأ من صاحبك فقال مالي لا أجزع
205

وأنا أرى قبرا محفورا وكفنا منشورا وسيفا مشهورا وإني والله إن جزعت من القتل
لا أقول ما يسخط الرب فقتله وأقبلوا يقتلونهم واحدا واحدا حتى قتلوا ستة فقال
عبد الرحمن بن حسان العنزي وكريم بن عفيف الخثعمي ابعثوا بنا إلى أمير المؤمنين
فنحن نقول في هذا الرجل مثل مقالته فبعثوا إلى معاوية يخبرونه بمقالتهما فبعث
إليهم أن ائتوني بهما فلما دخلا عليه قال الخثعمي الله الله يا معاوية فإنك منقول من هذه
الدار الزائلة إلى الدار الآخرة الدائمة ثم مسؤول عما أردت بقتلنا وفيم سفكت
دماءنا فقال معاوية ما تقول في علي قال أقول فيه قولك قال أتبرأ من دين على
الذي كان يدين الله به فسكت وكره معاوية أن يجيبه وقال شمر بن عبد الله من بنى
قحافة فقال يا أمير المؤمنين هب لي ابن عمى قال هو لك غير أنى حابسه شهرا فكان
يرسل إليه بين كل يومين فيكلمه وقال له إني لا نفس بك على العراق أن يكون
فيهم مثلك ثم إن شمرا عاوده فيه الكلام فقاك نمرك على هبة ابن عمك فدعاه
فخلى سبيله على أن لا يدخل إلى الكوفة ما كان له سلطان فقال تخير أي بلاد العرب
أحب إليك أن أسيرك إليها فاختار الموصل فكان يقول لو قد مات معاوية قدمت
المصر فمات قبل معاوية بشهر ثم أقبل على عبد الرحمن العنزي فقال ابه يا أخا
ربيعة ما قولك في علي قال دعني ولا تسألني فإنه خير لك قال والله لا أدعك حتى
تخبرني عنه قال أشهد أنه كان من الذاكرين الله كثيرا ومن الآمرين بالحق
والقائمين بالقسط والعافين عن الناس قال فما قولك في عثمان قال هو أول من فتح
باب الظلم وأرتج أبواب الحق قال قتلت نفسك قال بل إياك قتلت ولا ربيعة
بالوادي يقول حين كلم شمر الخثعمي في كريم بن عفيف الخثعمي ولم يكن له أحد
من قومه يكلمه فيه فبعث به معاوية إلى زياد وكتب إليه أما بعد فإن هذا العنزي
شر من بعثت فعاقبه عقوبته التي هو أهلها واقتله شر قتلة فلما قدم به على زياد
بعث بن زياد إلى قس الناطف فدفن به حيا قال ولما حمل العنزي والخثعمي إلى
معاوية قال العنزي لحجر يا حجر لا يبعدنك الله فنعم أخو الإسلام كنت وقال
الخثعمي لا تبعد ولا تفقد فقد كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ثم ذهب
206

بهما وأتبعهما بصره وقال كفى بالموت قطاعا لحبل القرائن فذهب بعتبة بن الأخنس
وسعد بن نمران بعد حجر بأيام فخلى سبيلهما
تسمية من قتل من أصحاب حجر رحمه الله
حجر بن عدي وشريك بن شداد الحضرمي وصيفي بن فسيل الشيباني وقبيصة
ابن ضبيعة العبسي ومحرز بن شهاب السعدي ثم المنقري وكدام بن حيان العنزي
وعبد الرحمن بن حسان العنزي فبعث به إلى زياد فدفن حيا بقس الناطف فهم سبعة
قتلوا وكفنوا وصلى عليهم قال فزعموا أن الحسن لما بلغه قتل حجر وأصحابه
قال صلوا عليهم وكفنوهم وادفنوهم واستقبلوا بهم القبلة قالوا نعم قال حجوهم
ورب الكعبة
(تسمية من نجا منهم)
كريم بن عفيف الخثعمي وعبد الله بن حوية التميمي وعاصم بن عوف البجلي
وورقاء بن سمى البجلي والأرقم بن عبد الله الكندي وعتبة بن الأخنس من بنى
سعد بن بكر وسعد بن نمران الهمداني فهم سبعة * وقال مالك بن هبيرة السكوني
حين أبى معاوية أن يهب له حجرا وقد اجتمع إليه قومه من كندة والسكون
وناس من اليمن كثير فقال والله لنحن أغنى عن معاوية من معاوية عنا وإنا لنجد
في قومه منه بدلا ولا يجد منا في الناس حلفا سيروا إلى هذا الرجل فلنخله من
أيديهم فأقبلوا يسيرون ولم يشكوا أنهم بعذراء لم يقتلوا فاستقبلتهم قتلتهم وقد
خرجوا منها فلما رأوه في الناس ظنوا أنما جاء بهم ليخلص حجرا من أيديهم فقال
لهم ما وراءكم قال تاب القوم وجئنا لنخبر معاوية فسكت عنهم ومضى نحو عذراء
فاستقبله بعض من جاء منها فأخبره أن القوم قد قتلوا فقال على بالقوم وتبعتهم
الخيل وسبقوهم حتى دخلوا على معاوية فأخبروه خبر ما أتى له مالك بن هبيرة ومن
معه من الناس فقال لهم معاوية اسكنوا فإنما هي حرارة يجدها في نفسه وكأنها قد
طفئت ورجع مالك حتى نزل في منزله ولم يأت معاوية فأرسل إليه معاوية فأبى أن
يأتيه فلما كان الليل بعث إليه بمائة ألف درهم وقال له إن أمير المؤمنين لم يمنعه أن
207

يشفعك في ابن عمك إلا شفقة عليك وعلى أصحابك أن يعيدوا لكم حربا أخرى
وإن حجر بن عدي لو قد بقى خشيت أن يكلفك وأصحابك الشخوص إليه وأن
يكون ذلك من البلاء على المسلمين ما هو أعظم من قتل حجر فقبلها وطابت نفسه
وأقبل إليه من غده في جموع قومه حتى دخل عليه ورضى عنه * قال أبو مخنف
وحدثني عبد الملك بن نوفل بن مساحق أن عائشة رضي الله عنها بعثت عبد الرحمن
ابن الحارث بن هشام إلى معاوية في حجر وأصحابه فقدم عليه وقد قتلهم فقال له
عبد الرحمن أين غاب عنك حلم أبي سفيان قال غاب عنى حين غاب عنى مثلك من
حلماء قومي وحملني ابن سمية فاحتملت * قال أبو مخنف قال عبد الملك بن نوفل كانت
عائشة تقول لولا أنا لم نغير شيئا إلا آلت بنا الأمور إلى أشد مما كنا فيه لغيرنا قتل
حجر أما والله أن كان ما علمت لمسلما حجاجا معتمرا * قال أبو مخنف وحدثني عبد الملك
ابن نوفل عن أبي سعيد المقبري أن معاوية حين حج مر على عائشة رضوان الله
عليها فاستأذن عليها فأذنت له فلما قعد قالت له يا معاوية أأمنت أن أخبأ لك
من يقتلك قال بيت الامن دخلت قالت يا معاوية أما خشيت الله في قتل حجر
وأصحابه قال لست أنا قتلتهم إنما قتلهم من شهد عليهم * قال أبو مخنف حدثني
زكرياء بن أبي زائدة عن أبي إسحاق قال أدركت الناس وهم يقولون إن أول
ذل دخل الكوفة موت الحسن بن علي وقتل حجر بن عدي ودعوة زياد *
قال أبو مخنف وزعموا أن معاوية قال عند موته يوم لي من ابن الأدبر طويل ثلاث
مرات يعنى حجرا * قال أبو مخنف عن الصقعب بن زهير عن الحسن قال أربع خصال
كن في معاوية لو لم يكن فيه منهن إلا واحدة لكانت موبقة انتزاؤه على هذه الأمة
بالسفهاء حتى ابتزها أمرها بغير مشورة منهم وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة
واستخلافه ابنه بعده سكيرا خميرا يلبس الحرير ويضرب بالطنابير وادعاؤه زيادا
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر وقتله حجرا
ويلا له من حجر وأصحاب حجر مرتين * وقالت هند ابنة زيد بن مخرمة الأنصارية
وكانت تشيع ترثى حجرا
208

ترفع أيها القمر المنير * تبصر هل ترى حجرا يسير
يسير إلى معاوية بن حرب * ليقتله كما زعم الأمير
تخبرت الجبابر بعد حجر * وطاب لها الخورنق والسدير
وأصبحت البلاد لها محولا * كأن لم يحيها مزن مطير
ألا يا حجر حجر بنى عدى * تلقتك السلامة والسرور
أخاف عليك ما أردى عديا * وشيخا في دمشق له زئير
يرى قتل الخيار عليه حقا * له من شر أمته وزير
ألا يا ليت حجرا مات موتا * ولم ينحر كما نحر البعير
فإن يهلك فكل زعيم قوم * من الدنيا إلى هلك يصير
وقالت الكندية ترثى حجرا ويقال بل قائلها هذه الأنصارية
دموع عيني ديمة تقطر * تبكى على حجر وما تقتر
لو كانت القوس على أسره * ما حمل السيف له الأعور
وقال الشاعر يحرض بنى هند من بنى شيبان على قيس بن عباد حين سعى بصيفي بن فسيل
دعى ابن فسيل يا آل مرة دعوة * ولاقى ذباب السيف كفا ومعصما
فحرض بنى هند إذا ما لقيتهم * وقل لغياث وابنه يتكلما
لتبك بنى هند قتيلة مثل ما * بكت عرس صيفي وتبعث مأتما
غياث بن عمران بن مرة بن الحارث بن دب بن مرة بن ذهل بن شيبان وكان
شريفا وقتيلة أخت قيس بن عباد فعاش قيس بن عباد حتى قاتل مع ابن الأشعث
في مواطنه فقال حوشب للحجاج بن يوسف إن منا امرءا صاحب فتن ووثوب
على السلطان لم تكن فتنة في العراق قط إلا وثب فيها وهو ترابي يلعن عثمان وقد
خرج مع ابن الأشعث فشهد معه في مواطنه كلها يحرض الناس حتى إذا أهلكهم
الله جاء فجلس في بيته فبعث إليه الحجاج فضرب عتقه فقال بنو أبيه لآل حوشب
إنما سعيتم بنا سعيا فقالوا لهم وأنتم إنما سعيتم بصاحبنا سعيا فقال أبو مخنف وقد
كان عبد الله بن خليفة الطائي شهد مع حجر بن عدي فطلبه زياد فتوارى فبعث
209

إليه الشرط وهم أهل الحمراء يومئذ فأخذوه فخرجت أخته النوار فقالت يا معشر
طيئ أتسلمون سنانكم ولسانكم عبد الله بن خليفة فشد الطائيون على الشرط
فضربوهم وانتزعوا منهم عبد الله بن خليفة فرجعوا إلى زياد فأخبروه فوثب على
عدى بن حاتم وهو في المسجد فقال ائتنى بعبد الله بن خليفة قال وماله فأخبره قال
فهذا شئ كان في الحي لا علم لي به قال والله لتأتيني به قال لا والله لا آتيك به أبدا
أجيئك بابن عمى تقتله والله لو كان تحت قدمي ما رفعتهما عنه قال فأمر به إلى السجن
قال فلم يبق بالكوفة يماني ولا ربعي إلا أتاه وكلمه وقالوا تفعل هذا بعدي بن
حاتم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فانى أخرجه على شرط قالوا ما هو
قال يخرج ابن عمه عنى فلا يدخل الكوفة ما دام لي بها سلطان فأتى عدى فأخبر
بذلك فقال نعم فبعث عدى إلى عبد الله بن خليفة فقال يا ابن أخي إن هذا قد لج في
أمرك وقد أبى إلا اخراجك عن مصرك ما دام له سلطان فالحق بالجبلين فخرج فجعل
عبد الله بن خليفة يكتب إلى عدى وجعل عدى يمنيه فكتب إليه
تذكرت ليلى والشبيبة أعصرا * وذكر الصبى برح على من تذكرا
وولى الشباب فافتقدت غضونه * فيالك من وجد به حين أدبرا
فدع عنك تذكار الشباب وفقده * وآساره إذ بان منك فأقصرا
وبك على الخلان لما تخرموا * ولم يجدوا عن منهل الموت مصدرا
دعتهم مناياهم ومن حان يومه * من الناس فاعلم أنه لن يؤخرا
أولئك كانوا شيعة لي وموئلا * إذا اليوم ألفى ذا احتدام مذكرا
وما كانت أهوى بعدهم متعللا * بشئ من الدنيا ولا أن أعمرا
أقول ولا والله أنسى ادكارهم * سجيس الليالي أو أموت فأقبرا
على أهل عذراء السلام مضاعفا * من الله وليسق الغمام الكنهورا
ولاقى بها حجر من الله رحمة * فقد كان أرضى الله حجر وأعذرا
ولا زال تهطال ملث وديمة * على قبر حجر أو ينادى فيحشرا
فيا حجر من للخيل تدمى نحورها * وللملك المغزى إذا ما تغشمرا
210

ومن صادع بالحق بعدك ناطق * بتقوى ومن إن قيل بالجور غيرا
فنعم أخو الاسلام كنت وإنني * لأطمع أن تؤتى الخلود وتحبرا
وقد كنت تعطى السيف في الحرب حقه * وتعرف معروفا وتنكر منكرا
فيا أخوينا من هميم عصمتما * ويسرتما للصالحات فأبشرا
ويا أخوى الخندفيين أبشرا * فقد كنتما حييتما أن تبشرا
ويا إخوتا من حضرموت وغالب * وشيبان لقيتم حسابا ميسرا
سعدتم فلم اسمع بأصوب منكم * حجاجا لدى الموت الجليل وأصبرا
سأبكيكم ما لاح نجم وغرد ال‍ * حمام ببطن الواديين وقرقرا
فقلت ولم أظلم أغوث بن طيئ * متى كنت أخشى بينكم أن أسيرا
هبلتم ألا قاتلتم عن أخيكم * وقد ذب حتى مال ثم تجورا
ففرجتم عنى فغودرت مسلما * كأني غريب في إياد وأعصرا
فمن لكم مثلي لدى كل غارة * ومن لكم مثلي إذا البأس أصحرا
ومن لكم مثلي إذا الحرب قلصت * وأوضع فيها المستميت وشمرا
فها أنا ذا داري بأجبال طئ * طريدا ولو شاء الاله لغيرا
نفاني عدوى ظالما عن مهاجري * رضيت بما شاء الاله وقدرا
وأسلمني قومي لغير جناية * كأن لم يكونوا لي قبيلا ومعشرا
فإن ألف في دار بأجبال طئ * وكان معانا من عصير ومحضرا
فما كنت أخشى أن أرى متغربا * لحا الله من لاحى عليه وكثرا
لحا الله قتل الحضرميين وائلا * ولاقى الفناء من السنان الموفرا
ولاقى الردى القوم الذين تحزبوا * علينا وقالوا قول زور ومنكرا
فلا يدعنى قوم لغوث بن طئ * لان دهرهم أشقى بهم وتغيرا
فلم أغزهم في المعلمين ولم أثر * عليهم عجاجا بالكويفة أكدرا
فبلغ خليلي إن رحلت مشرقا * جديلة والحيين معنا وبحترا
ونبهان والأفناء من جذم طئ * ألم أك فيكم ذا الغناء العشتررا
211

ألم تذكروا يوم العذيب أليتي * أمامكم ألا أرى الدهر مدبرا
وكرى على مهران والجمع حاسر * وقتلى الهمام المستميت المسورا
ويوم جلولاء الوقيعة لم ألم * ويوم نهاوند الفتوح وتسترا
وتنسونني يوم الشريعة والقنا * بصفين في أكتافهم قد تكسرا
جزى ربه عنى عدى بن حاتم * برفضي وخذلاني جزاء موفرا
أتنسى بلائي سادرا يا ابن حاتم * عشية ما أغنت عديك حذمرا
فدافعت عنك القوم حتى تخاذلوا * وكنت أنا الخصم الألد العذورا
فولوا وما قاموا مقامي كأنما * رأوني ليثا بالأباءة مخدرا
نصرتكم إذخام القريب وأبعط ال‍ * بعيد وقد أفردت نصرا مؤزرا
فكان جزائي أن اجرد بينكم * سجينا وأن أولى الهوان وأوسرا
وكم عدة لي منك أنك راجعي * فلم تغن بالميعاد عنى حبترا
فأصبحت أرعى النيب طورا وتارة * أهرهر ان راعى الشويهات هرهرا
كأني لم أركب جوادا لغارة * ولم أترك القرن الكمي مقطرا
ولم أعترض بالسيف خيلا مغيرة * إذا النكس مشى القهقرى ثم جرجرا
ولم أستحث الركض في إثر عصبة * ميممة عليا سجاس وأبهرا
ولم أذعر الايلام منى بغارة * كورد القطا ثم انحدرت مظفرا
ولم أر في خيل تطاعن بالقنا * بقزوين أو شروين أو أغز كندرا
فذلك دهر زال عنى حميده * وأصبح لي معروفه قد تنكرا
فلا يبعدن قومي وإن كنت غائبا * وكنت المضاع فيهم والمكفرا
ولا خير في الدنيا ولا العيش بعدهم * وإن كنت عنهم نائي الدار محصرا
فمات بالجبلين قبل موت زياد وقال عبيدة الكندي ثم البدي وهو يعير محمد
ابن الأشعث بخذلانه حجرا
أسلمت عمك لم تقاتل دونه * فرقا ولولا أنت كان منيعا
وقتلت وافد آل بيت محمد * وسلبت أسيافا له ودروعا
212

لو كنت من أسد عرفت كرامتي * ورأيت لي بيت الحباب شفيعا
(وفى هذه السنة) وجه زياد الربيع بن زياد الحارثي أميرا على خراسان بعد
موت الحكم بن عمرو الغفاري وكان الحكم قد استخلف على عمله بعد موته أنس بن أبي
أياس وأنس هو الذي صلى على الحكم حين مات فدفن في دار خالد بن عبد الله
أخي خليد بن عبد الله الحنفي وكتب بذلك الحكم إلى زياد فعزل زياد أنسا وولى
مكانه خليد بن عبد الله الحنفي * فحدثني عمر قال حدثني علي بن محمد قال لما عزل
زياد أنسا وولى مكانه خليد بن عبد الله الحنفي قال أنس
ألا من مبلغ عنى زيادا * مغلغلة يخب بها البريد
أتعزلني وتطعمها خليدا * لقد لاقت حنيفة ما تريد
عليكم باليمامة فاحرثوها * فأولكم وآخركم عبيد
فولى خليدا شهرا ثم عزله وولى خراسان ربيع بن زياد الحارثي في أول
سنة 51 فنقل الناس عيالاتهم إلى خراسان ووطنوا بها ثم عزل الربيع * فحدثني عمر
قال حدثني على عن مسلمة بن محارب وعبد الرحمن بن أبان القرشي قالا قدم الربيع
خراسان ففتح بلخ صلحا وكانوا قد أغلقوها بعد ما صالحهم الأحنف بن قيس
وفتح قهستان عنوة وكانت بناحيتها أتراك فقتلهم وهزمهم وكان ممن بقى منهم
نيزك طرخان فقتله قتيبة بن مسلم في ولايته * حدثني عمر قال حدثنا على قال
غزا الربيع فقطع النهر ومعه غلامه فروخ وجاريته شريفة فغنم وسلم فأعتق
فروخا وكان قد قطع النهر قبله الحكم بن عمرو في ولايته ولم يفتح * فحدثني عمر
عن علي بن محمد قال كان أول المسلمين شرب من النهر مولى للحكم اغترف بترسه
فشرب ثم ناول الحكم فشرب وتوضأ وصلى من وراء النهر ركعتين وكان أول
الناس فعل ذلك ثم قفل (وحج) بالناس في هذه السنة يزيد بن معاوية حدثني
بذلك أحمد بن ثابت عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر وكذلك قال
الواقدي وكان العامل في هذه السنة على المدينة سعيد بن العاص وعلى الكوفة
والبصرة والمشرق كله زياد وعلى قضاء الكوفة شريح وعلى قضاء البصرة
عميرة بن يثربي
213

ثم دخلت سنة اثنتين وخمسين
فزعم الواقدي أن فيها كانت غزوة سفيان بن عوف الأزدي ومشتاه بأرض
الروم وأنه توفى بها واستخلف عبد الله بن مسعدة الفزاري وقال غيره بل الذي
شتا بأرض الروم في هذه السنة بالناس بسر بن أبي أرطاة ومعه سفيان بن عوف
الأزدي وغزا الصائفة في هذه السنة محمد بن عبد الله الثقفي (وحج) بالناس في هذه
السنة سعيد بن العاص في قول أبى معشر والواقدي وغيرهما وكانت عمال الأمصار
في هذه السنة هم العمال عليها كانوا في سنة 51
ثم دخلت سنة ثلاث وخمسين
ذكر ما كان فيها من الاحداث
فمما كان فيها من ذلك مشتى عبد الرحمن بن أم الحكم الثقفي بأرض الروم (وفيها)
فتحت رودس جزيرة في البحر ففتحها جنادة بن أبي أمية الأزدي فنزلها المسلمون
فيما ذكر محمد بن عمر وزرعوا واتخذوا بها أموالا ومواشي يرعونها حولها
فإذا أمسوا أدخلوها الحصن ولهم ناطور يحذرهم ما في البحر ممن يريدهم بكيد
فكانوا على حذر منهم وكانوا أشد شئ على الروم فيعتر ضونهم في البحر فيقطعون
سفنهم وكان معاوية يدر لهم الأرزاق والعطاء وكان العدو قد خافهم فلما مات
معاوية أقفلهم يزيد بن معاوية (وفيها) كانت وفاة زياد بن سمية * حدثني عمر
قال حدثنا زهير قال حدثنا وهيب قال حدثني أبي عن محمد بن إسحاق عن محمد
ابن الزبير عن فيل مولى زياد قال ملك زياد العراق خمس سنين ثم مات سنة 53
* حدثني عمر قال حدثنا علي بن محمد قال لما نزل زياد على العراق بقى إلى سنة 53
ثم مات بالكوفة في شهر رمضان وخليفته على البصرة سمرة بن جندب
ذكر سبب مهلك زياد بن سمية
* حدثني عبد الله بن أحمد المروزي قال حدثنا أبي قال حدثني سليمان قال حدثني
عبد الله بن المبارك قال أخبرني عبد الله بن شوذب عن كثير بن زياد أن زيادا كتب
214

إلى معاوية إني ضبطت العراق بشمالي ويميني فارغة فضم إليه معاوية العروض
وهى اليمامة وما يليها فدعا عليه ابن عمر فطعن ومات فقال ابن عمر حين بلغه الخبر
اذهب إليك ابن سمية فلا الدنيا بقيت لك ولا الآخرة أدركت * حدثني عمر قال
حدثني على قال كتب زياد إلى معاوية قد ضبطت لك العراق بشمالي ويميني فارغة
فاشغلها بالحجاز وبعث في ذلك الهيثم بن الأسود النخعي وكتب له عهده مع الهيثم
فلما بلغ ذلك أهل الحجاز أتى نفر منهم عبد الله بن عمر بن الخطاب فذكروا ذلك
له فقال أدعو الله عليه يكفيكموه فاستقبل القبلة واستقبلوها فدعوا ودعا فخرجت
طاعونة على أصبعه فأرسل إلى شريح وكان قاضيه فقال حدث بي ما ترى وقد
أمرت بقطعها فأشر على فقال له شريح إني أخشى أن يكون الجراح على
يدك والألم على قلبك وأن يكون الاجل قد دنا فتلقى الله عز وجل أجذم
وقد قطعت يدك كراهية للقائه أو أن يكون في الاجل تأخير وقد قطعت
يدك فتعيش أجذم وتعير ولدك فتركها وخرج شريح فسألوه فأخبرهم بما أشار به
فلاموه وقالوا هلا أشرت عليه بقطعها فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
المستشار مؤتمن * حدثني عبد الله بن أحمد المروزي قال حدثني أبي قال حدثني
سليمان قال قال عبد الله سمعت بعض من يحدث أنه أرسل إلى شريح يستشيره في
قطع يده فقال لا تفعل إنك إن عشت صرت أجذم وإن هلكت إياك جانيا على
نفسك قال أنام والطاعون في لحاف فعزم أن يفعل فلما نظر إلى النار والمكاوي
جزع وترك ذلك * حدثني عمر قال حدثنا عبد الملك بن قريب الأصمعي قال حدثني
ابن أبي زياد قال لما حضرت زيادا الوفاة قال له ابنه يا أبت قد هيأت لك ستين
ثوبا أكفنك فيها قال يا بنى قد دنا من أبيك لباس خير من لباسه هذا أو سلب سريع
فمات فدفن بالثوية إلى جانب الكوفة وقد توجه يزيد إلى الحجاز واليا عليها فقال
مسكين بن عامر بن شريح بن عمرو بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم
رأيت زيادة الاسلام ولت * جهارا حين ودعنا زياد
وقال الفرزدق لمسكين ولم يكن هجا زيادا حتى مات
215

أمسكين أبكى الله عينك إنما * جرى في ضلال دمعها فتحدرا
بكيت امرءا من آل ميسان كافرا * ككسرى على عدانه أو كقيصرا
أقول له لما أتاني نعيه * به لا بظبى بالصريمة أعفرا
فأجابه مسكين فقال
ألا أيها المرء الذي لست ناطقا * ولا قاعدا في القوم إلا انبرى ليا
فجئني بعم مثل عمى أو أب * كمثل أبى أو خال صدق كخاليا
كعمرو بن عمر أو زرارة والدا * أو البشر من كل فرعت الروابيا
وما زال بي مثل القناة وسابح * وخطارة غب السرى من عياليا
فهذا الأيام الحفاظ وهذه * لرحلي وهذا عدة لارتحاليا
وقال الفرزدق
أبلغ زيادا إذا لاقيت مصرعه * أن الحمامة قد طارت من الحرم
طارت فما زال ينميها قوادمها * حتى استغاثت إلى الأنهار والأجم
* حدثني عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي عن سليمان قال حدثني عبد الله بن
جرير بن حازم عن جرير بن يزيد قال رأيت زيادا فيه حمرة في عينه اليمنى انكسار
أبيض اللحية مخروطها عليه قميص مرقوع وهو على بغلة عليها لجامها قد أرسنها
(وفى هذه السنة) كانت وفاة الربيع بن زياد الحارثي وهو عامل زياد
على خراسان
ذكر الخبر عن سبب وفاته
* حدثني عمر قال حدثني علي بن محمد قال ولى الربيع بن زياد خراسان سنتين
وأشهرا ومات في العام الذي مات فيه واستخلف ابنه عبد الله بن الربيع فولى
شهرين ثم مات عبد الله قال فقدم عهده من قبل زياد على خراسان وهو يدفن
واستخلف عبد الله بن الربيع على خراسان خليد بن عبد الله الحنفي قال على وأخبرني
محمد بن الفضل عن أبيه قال بلغني أن الربيع بن زياد ذكر يوما بخراسان حجر بن عدي
فقال لا تزال العرب تقتل صبرا بعده ولو نفرت عند قتله لم يقتل رجل منهم
216

صبرا ولكنها أقرت فذلت فمكث بعد هذا الكلام جمعة ثم خرج في ثياب بياض
في يوم جمعة فقال أيها الناس إني قد مللت الحياة وإني داع بدعوة فأمنوا ثم رفع
يده بعد الصلاة وقال اللهم إن كان لي عندك خير فاقبضني إليك عاجلا وأمن الناس
فخرج فما توارت ثيابه حتى سقط فحمل إلى بيته واستخلف ابنه عبد الله ومات
من يومه ثم مات ابنه فاستخلف خليد بن عبد الله الحنفي فأقره زياد فمات زياد وخليد
على خراسان وهلك زياد وقد استخلف على عمله على الكوفة عبد الله بن خالد بن
أسيد وعلى البصرة سمرة بن جندب الفزاري * فحدثني عمر بن شبة قال حدثني على
قال مات زياد وعلى البصرة سمرة بن جندب خليفة له وعلى الكوفة عبد الله بن
خالد بن أسيد فأقر سمرة على البصرة ثمانية عشر شهرا قال عمر وبلغني عن جعفر
ابن سليمان الضبعي قال أقر معاوية سمرة بعد زياد ستة أشهر ثم عزله فقال سمرة
لعن الله معاوية والله لو أطعت الله كما أطعت معاوية ما عذبني أبدا * حدثني عمر
قال حدثني موسى بن إسماعيل قال حدثني سليمان بن مسلم العجلي قال سمعت أبي
يقول مررت لمسجد فجاء رجل إلى سمرة فأدى زكاة ماله ثم دخل فجعل يصلى
في المسجد فجاء رجل فضرب عنقه فإذا رأسه في المسجد وبدنه ناحية فمر أبو بكرة
فقال يقول الله سبحانه " قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى " قال أبى فشهدت
ذاك فما مات سمرة حتى أخذه الزمهرير فمات شر ميتة قال وشهدته وأتى بناس كثير
وأناس بين يديه فيقول المرجل ما دينك فيقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وإني برى من الحرورية فيقدم فيضرب عنقه
حتى مر بضعة وعشرون (وحج) بالناس في هذه السنة سعيد بن العاص في قول
أبى معشر والواقدي وغيرهما وكان العامل فيها على المدينة سعيد بن العاص وعلى
الكوفة بعد موت زياد عبد الله بن خالد بن أسيد وعلى البصرة بعد موت زياد
سمرة بن جندب وعلى خراسان خليد بن عبد الله الحنفي
217

ثم دخلت سنة أربع وخمسين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
ففيها كان مشتى محمد بن مالك أرض الروم وصائفة معن بن يزيد السلمي (وفيها)
فيما زعم الواقدي فتح جنادة بن أبي أمية جزيرة في البحر قريبة من قسطنطينية
يقال لها أرواد وذكر محمد بن عمر أن المسلمين أقاموا بها دهرا فيما يقال سبع سنين
وكان فيها مجاهد بن جبر قال وقال تبيع ابن امرأة كعب ترون هذه الدرجة إذا
انقلعت جاءت قفلتنا قال فهاجت ريح شديدة فقلعت الدرجة وجاء نعى معاوية
وكتاب يزيد بالقفل فقفلنا فلم تعمر بعد ذلك وخربت وأمن الروم (وفيها) عزل
معاوية سعيد بن العاص عن المدينة واستعمل عليها مروان بن الحكم
ذكر سبب عزل معاوية سعيدا أو استعمال مروان
* حدثني عمر قال حدثنا علي بن محمد عن جويرة بن أسماء عن أشياخه أن معاوية
كان يغرى بين مروان وسعيد بن العاص فكتب إلى سعد بن العاص وهو على
المدينة اهدم دار مروان فلم يهدمها فأعاد عليه الكتاب بهدمها فلم يفعل فعزله
وولى مروان * وأما محمد بن عمر فإنه ذكر أن معاوية كتب إلى سعيد بن العاص يأمره
بقبض أموال مروان كلها فيجعلها صافية ويقبض فدك منه وكان وهبها له فراجعه سعيد
ابن العاص في ذلك وقال قرابته قريبة فكتب إليه ثانية آمره باصطفاء أموال مروان فأبى
وأخذ سعيد بن العاص الكتابين فوضعهما عند حارية فلما عزل سعيد عن المدينة
فوليها مروان كتب معاوية إلى مروان بن الحكم يأمره بقبض أموال سعيد بن
العاص بالحجاز وأرسل إليه بالكتاب مع ابنه عبد الملك فخبره أنه لو كان شيئا غير
كتاب أمير المؤمنين لتجافيت فدعا سعيد بن العاص بالكتابين اللذين كتب بهما
معاوية إليه في أموال مروان يأمره فيهما بقبض أمواله فذهب بهما إلى مروان
فقال هو كان أوصل لنا مناله وكف عن قبض أموال سعيد وكتب سعيد بن العاص
إلى معاوية العجب مما صنع أمير المؤمنين بنا في قرابتنا أن يضغن بعضنا على بعض
218

فأمير المؤمنين في حلمه وصبره على ما يكره من الأخبثين وعفوه وإدخاله القطيعة
بيننا والشحناء وتوارث الأولاد ذلك فوالله لو لم نكن بنى أب واحد إلا لما
جمعنا الله عليه من نصر الخليفة المظلوم وباجتماع كلمتنا لكان حقا علينا أن نرعى
ذلك والذي أدركنا به خير فكتب إليه يتنصل من ذلك وأنه عائد إلى أحسن
ما يعهده (عاد الحديث إلى حديث عمر) عن علي بن محمد قال فلما ولى مروان
كتب إليه اهدم دار سعيد فأرسل الفعلة وركب ليهدمها فقال له سعيد يا أبا عبد الملك
أتهدم داري قال نعم كتب إلى أمير المؤمنين ولو كتب في هدم داري لفعلت قال
ما كنت لافعل قال بلى والله لو كتب إليك لهدمتها قال كلا أبا عبد الملك وقال
لغلامه انطلق فجئني بكتاب معاوية فجاء بكتاب معاوية إلى سعيد بن العاص في هدم دار
مروان بن الحكم قال مروان كتب إليك يا أبا عثمان في هدم داري فلم تهدم ولم تعلمني قال
ما كنت لأهدم دارك ولا أمن عليك وإنما أراد معاوية أن يحرض بيننا فقال
مروان فداك أبي وأمي أنت والله أكثر منا ريشا وعقبا ورجع مروان ولم يهدم
دار سعيد * حدثني عمر قال حدثنا على قال حدثنا أبو محمد بن ذكوان القرشي قال
قدم سعيد بن العاص على معاوية فقال له يا أبا عثمان كيف تركت أبا عبد الملك قال
تركته ضابطا لعملك منفذا لأمرك قال إنه كصاحب الخبزة كفى نضجها فأكلها
قال كلا والله يا أمير المؤمنين إنه لمع قوم لا يحمل بهم السوط ولا يحل لهم السيف
يتهادون كوقع النبل سهم لك وسهم عليك قال ما باعد بينك وبينه قال خافني
على شرفه وخفته على شرفي قال فما ذا له عندك قال أسره غائبا وأسره شاهدا قال
تركتنا يا أبا عثمان في هذه الهنات قال نعم يا أمير المؤمنين فتحملت الثقل وكفيت
الحزم وكنت قريبا لو دعوت أجبت ولو ذهبت رفعت (وفى هذه السنة) كان
عزل معاوية سمرة بن جندب عن البصرة واستعمل عليها عبد الله بن عمرو بن غيلان
* فحدثني عمر قال حدثني علي بن محمد قال عزل معاوية سمرة وولى عبد الله بن عمرو
ابن غيلان فأقره ستة أشهر فولى عبد الله بن عمرو شرطته عبد الله بن حصن (وفى
هذه السنة) ولى معاوية عبيد الله بن زياد خراسان
219

ذكر سبب ولاية ذلك
* حدثني عمر قال حدثني علي بن محمد قال حدثنا سلمة بن محارب ومحمد بن أبان
القرشي قالا لما مات زياد وفد عبيد الله إلى معاوية فقال له من استخلف أخي
على عمله بالكوفة قال عبد الله بن خالد بن أسيد قال فمن استعمل على البصرة قال
سمرة بن جندب الفزاري فقال له معاوية لو استعملك أبوك استعملتك فقال له
عبيد الله أنشدك الله ان يقولها إلى أحد بعدك لو ولاك أبوك وعمك لوليتك
قال وكان معاوية إذا أراد أن يولى رجلا من بنى حرب ولاه الطائف فإن رأى
منه خيرا وما يعجبه ولاه مكة معها فإن أحسن الولاية وقام بما ولى قياما حسنا
جمع له معهما المدينة فكان إذا ولى الطائف رجلا قيل هو في أبى جاد فإذا ولاه
مكة قيل هو في القرآن فإذا ولاه المدينة قيل هو قد حذق قال فلما قال عبيد الله
ما قال ولاه خراسان ثم قال له حين ولاه إني قد عهدت إليك مثل عهدي إلى عمالي
ثم أوصيك وصية القرابة لخاصتك عندي: لا تبيعن كثيرا بقليل وخذ لنفسك
من نفسك واكتف فيما بينك وبين عدوك بالوفاء تخف عليك المؤونة وعلينا
منك وافتح بابك للناس تكن في العلم منهم أنت وهم سواء وإذا عزمت على أمر فأخرجه
إلى الناس ولا يكن لاحد فيه مطمع ولا يرجعن عليك وأنت تستطيع وإذا لقيت
عدوك فغلبوك على ظهر الأرض فلا يغلبوك على بطنها وإن احتاج أصحابك إلى
أن تؤاسيهم بنفسك فأسهم * حدثني عمر قال حدثني على قال أخبرنا علي بن مجاهد
عن ابن إسحاق قال استعمل معاوية عبيد الله بن زياد وقال * استمسك الفسفاس
إن لم يقطع * وقال له اتق الله ولا تؤثرن على تقوى الله شيئا فإن في تقواه
عوضا وق عرضك من أن تدنسه وإذا أعطيت عهدا فف به ولا تبيعن كثيرا
بقليل ولا تخرجن منك أمرا حتى تبرمه فإذا خرج فلا يردن عليك وإذا لقيت
عدوك فكن أكثر من معك وقاسمهم على كتاب الله ولا تطعمن أحدا في غير
حقه ولا تؤيسن أحدا من حق له ثم ودعه * حدثني عمر قال حدثنا على قال
حدثنا مسلمة قال سار عبيد الله إلى خراسان في آخر سنة 53 وهو ابن 25 سنة من
220

الشأم وقدم إلى خراسان أسلم بن زرعة الكلابي فخرج فخرج معه من الشأم الجعد
ابن قيس النمري يرجز بين يديه بمرثية زياد يقول فيها * وحدثني عمر مرة أخرى
في كتابه الذي سماه كتاب أخبار أهل البصرة فقال حدثني أبو الحسن المدائني قال
لما عقد معاوية لعبيد الله بن زياد على خراسان خرج وعليه عمامة وكان وضيئا
والجعد بن قيس ينشده مرثية زياد
أبق على عاذلي من اللوم * فيما أزيلت نعمتي قبل اليوم
قد ذهب الكريم والظل الدوم * والنعم المؤثل الدثر الحوم
والماشيات مشية بعد النوم * ليت الجياد كلها مع القوم
سقين سم ساعة قبل اليوم * لأربع مضين من شهر الصوم
ومنها
يوم الثلاثاء الذي كان مضى * يوم قضى فيه المليك ما قضى
وفاة بر ماجد جلد القوى * حر به نوال جعد والتظى
كان زياد جبلا صعب الذرى * شهما إذا شئتم نقيصات أبى
لا يبعد الله زيادا إذ ثوى
وبكى عبيد الله يومئذ حتى سقطت عمامته عن رأسه قال وقدم عبيد الله خراسان
ثم قطع النهر إلى جبال بخارى على الإبل فكان هو أول من قطع إليهم جبال بخارى
في جند ففتح راميثن ونصف بيكند وهما من بخارى فمن ثم أصاب البخارية
قال على أخبرنا الحسن بن رشيد عن عمه قال لقى عبيد الله بن زياد الترك ببخارى
ومع ملكهم امرأته قبج خاتون فلما هزمهم الله أعجلوها عن لبس خفيها فلبست
إحداهما وبقى الآخر فأصابه المسلمون فقوم الجورب مائتي ألف درهم * قال
وحدثني محمد بن حفص عن عبيد الله بن زياد بن معمر عن عبادة بن حصن قال
ما رأيت أحدا أشد بأسا من عبيد الله بن زياد لقينا زحف من الترك بخراسان فرأيته
يقاتل فيحمل عليهم فيطعن فيهم ويغيب عنا ثم يرفع رايته تقطر دما قال على
وأخبرنا مسلمة أن البخارية الذين قدم بهم عبيد الله بن زياد البصرة ألفان كلهم
221

جيد الرمي بالنشاب قال مسلمة كان زحف الترك ببخارى أيام عبيد الله بن زياد
من زحوف خراسان التي تعد قال وأخبرنا الهذلي قال كانت زحوف خراسان
خمسة أربعة لقيها الأحنف بن قيس الذي لقيه بين قوهستان وأبر شهر والزحوف
الثلاثة التي لقيها بالمرغاب والزحف الخامس زحف قارن فضه عبد الله بن خازم
قال على قال مسلمة أقام عبيد الله بن زياد بخراسان سنتين (وحج) بالناس في
هذه السنة مروان بن الحكم كذلك حدثني أحمد بن ثابت عمن حدثه عن إسحاق بن
عيسى عن أبي معشر وكذلك قال الواقدي وغيره وكان في هذه السنة مروان بن
الحكم وعلى الكوفة عبد الله خالد بن أسيد وقال بعضهم كان عليها الضحاك بن
قيس وعلى البصرة عبد الله بن عمرو بن غيلان
ثم دخلت سنة خمس وخمسين
ذكر الخبر عن الكائن فيها من الاحداث
فمما كان فيها من ذلك مشتى سفيان بن عوف الأزدي بأرض الروم في قول
الواقدي وقال بعضهم بل الذي كان شتا بأرض الروم في هذه السنة عمرو
ابن محرز وقال بعضهم بل الذي شتا بها عبد الله بن قيس الفزاري وقال بعضهم
بل ذلك مالك بن عبد الله (وفيها) عزل معاوية عبد الله بن عمرو بن غيلان عن
البصرة وولاها عبيد الله بن زياد
ذكر الخبر عن سبب عزل معاوية عبد الله بن عمرو بن غيلان
وتوليته عبيد الله البصرة
* حدثني عمر قال حدثنا الوليد بن هشام وعلي بن محمد قال واختلفا
في بعض الحديث قالا خطب عبد الله بن عمرو بن غيلان على منبر البصرة فحصبه
رجل من بنى ضبة قال عمر قال أبو الحسن يدعى جبير بن الضحاك أحد بنى ضرار
فأمر به فقطعت يده فقال:
السمع والطاعة والتسليم * خير وأعفى لبنى تميم
222

فأتته بنو ضبة فقالوا إن صاحبنا جنى ما جنى على نفسه وقد بلغ الأمير في عقوبته
ونحن لا نأمن أن يبلغ خبره أمير المؤمنين فيأتي من قبله عقوبة تخص أو تعم فان
رأى الأمير أن يكتب لنا كتابا يخرج به أحدنا إلى أمير المؤمنين يخبره أنه قطعه
على شبهة وأمر لم يضح فكتب لهم بعد ذلك إلى معاوية فأمسكوا الكتاب حتى
بلغ رأس السنة وقال أبو الحسن لم يزد على ستة أشهر فوجه إلى معاوية ووافاه
الضبيون فقالوا يا أمير المؤمنين إنه قطع صاحبنا ظلما وهذا كتابه إليك وقرأ
الكتاب فقال أما القود من عمالي فلا يصح ولا سبيل إليه ولكن إن شئتم وديت
صاحبكم قالوا فده فوداه من بيت المال وعزل عبد الله وقال لهم اختاروا من
تحبون أن أولى بلدكم قالوا يتخير لنا أمير المؤمنين وقد علم رأى أهل البصرة
في ابن عامر فقال هل لكم في ابن عامر فهو من قد عرفتم في شرفه وعفافه وطهارته
قالوا أمير المؤمنين أعلم فجعل يردد ذلك عليهم ليسبرهم ثم قال قد وليت عليكم
ابن أخي عبيد الله بن زياد قال عمر حدثني علي بن محمد قال عزل معاوية عبد الله بن
عمرو وولى عبيد الله بن زياد البصرة في سنة 55 وولى عبيد الله أسلم بن زرعة خراسان
فلم يغز ولم يفتح بها شيئا وولى شرطه عبد الله بن حصن والقضاء زرارة بن أوفى
ثم عزله وولى القضاة ابن أذينة العبدي (وفى هذه السنة) عزل معاوية عبد الله
ابن خالد بن أسيد عن الكوفة وولاها الضحاك بن قيس الفهري (وحج) بالناس
في هذه السنة مروان بن الحكم حدثني بذلك أحمد بن ثابت عمن حدثه عن إسحاق
ابن عيسى عن أبي معشر
ثم دخلت سنة ست وخمسين
ذكر ما كان فيها من الاحداث
(ففيها) كان مشتى جنادة بن أبي أمية بأرض الروم وقيل عبد الرحمن بن
مسعود وقيل غزا فيها في البحر يزيد بن شجرة الرهاوي وفى البر عياض بن الحارث
(وحج) بالناس فيما حدثني أحمد بن ثابت عمن حدثه عن إسحاق بن عيسى عن
223

أبى معشر الوليد بن عتبة بن أبي سفيان (وفيها) اعتمر معاوية في رجب (وفيها)
دعا معاوية الناس إلى بيعة ابنه يزيد من بعده وجعله ولى العهد
ذكر السبب في ذلك
* حدثني الحارث قال حدثنا علي بن محمد قال حدثنا أبو إسماعيل الهمداني
وعلي بن مجاهد قالا قال الشعبي قدم المغيرة على معاوية واستعفاه وشكا إليه
الضعف فأعفاه وأراد أن يولى سعيد بن العاص وبلغ كاتب المغيرة ذلك فأتى
سعيد بن العاص فأخبره وعنده رجل من أهل الكوفة يقال له ربيعة أو الربيع
من خزاعة فأتى المغيرة فقال يا مغيرة ما أرى أمير المؤمنين إلا قد قلاك رأيت
ابن خنيس كاتبك عند سعيد بن العاص يخبره أن أمير المؤمنين يوليه الكوفة قال
المغيرة أفلا يقول كما قال
أم غاب ربك فاعترتك خصاصة * ولعل ربك أن يعود مؤيدا
رويدا ادخل على يزيد فدخل عليه فعرض له بالبيعة فأدى ذلك يزيد إلى أبيه
فرد معاوية المغيرة إلى الكوفة فأمره أن يعمل في بيعة يزيد فشخص المغيرة إلى
الكوفة فأتاه كاتبه ابن خنيس فقال والله ما غششتك ولا خنتك ولا كرهت
ولايتك ولكن سعيدا كانت له عندي يد وبلاء فشكرت ذلك له فرضى عنه
وأعاده إلى كتابته وعمل المغيرة في بيعة يزيد وأوفد في ذلك وافدا إلى معاوية
* حدثني الحارث قال حدثنا على عن مسلمة قال لما أراد معاوية أن يبايع ليزيد
كتب إلى زياد يستشيره فبعث زياد إلى عبيد بن كعب النميري فقال إن لكل
مستشير ثقة ولكل سر مستودع وإن الناس قد أبدعت بهم خصلتان إذاعة السر
وإخراج النصيحة إلى غير أهلها وليس موضع السر إلا أحد رجلين رجل آخرة
يرجو ثوابا ورجل دنيا له شرف في نفسه وعقل يصون حسبه وقد عجمتهما
منك فأحمدت الذي قبلك وقد دعوتك لأمر اتهمت عليه بطون الصحف إن
أمير المؤمنين كتب إلى يزعم أنه قد عزم على بيعة يزيد وهو يتخوف نفرة الناس
ويرجو مطابقتهم ويستشيرني وعلاقة أمر الاسلام وضمانه عظيم ويزيد صاحب
224

رسلة وتهاون مع ما قد أولع به من الصيد فالق أمير المؤمنين مؤديا عنى فأخبره
عن فعلات يزيد فقال له رويدك بالامر فأقمن أن يتم لك ما تريد ولا تعجل فإن
دركا في تأخير خير من تعجيل عاقبته الفوت فقال عبيد له أفلا غير هذا قال ما هو
قال لا تفسد على معاوية رأيه ولا تمقت إليه ابنه وألقى أنا يزيد سرا من معاوية
فأخبره عنك أن أمير المؤمنين كتب إليك يستشيرك في بيعته وإنك تخوف خلاف
الناس لهنات ينقمونها عليه وإنك ترى له ترك ما ينقم عليه فيستحكم لأمير المؤمنين
الحجة على الناس ويسهل لك ما تريد فتكون قد نصحت يزيد وأرضيت أمير المؤمنين
فسلمت مما تخاف من علاقة أمر الأمة فقال زياد لقد رميت الامر بحجره اشخص
على بركة الله فإن أصبت فما لا ينكر وإن يكن خطأ فغير مستغش وأبعد بك
إن شاء الله من الخطأ قال تقول بما ترى ويقضى الله بغيب ما يعلم فقدم على يزيد
فذاكره ذلك وكتب زياد إلى معاوية يأمره بالتؤدة وألا يعجل فقبل ذلك
معاوية وكف يزيد عن كثير مما كان يصنع ثم قدم عبيد على زياد فأقطعه قطيعة
* حدثني الحارث قال حدثنا على قال لما مات زياد دعا معاوية بكتاب فقرأه على
الناس باستخلاف يزيد إن حدث به حدث الموت فيزيد ولى عهد فاستوثق له
الناس على البيعة ليزيد غير خمسة نفر * فحدثني يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا
إسماعيل بن إبراهيم قال حدثنا ابن عون قال حدثني رجل بنخلة قال بايع الناس
ليزيد بن معاوية غير الحسين بن علي وابن عمر وابن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر
وابن عباس فلما قدم معاوية أرسل إلى الحسين بن علي فقال يا ابن أخي قد استوثق
الناس لهذا الامر غير خمسة نفر من قريش أنت تقودهم يا ابن أخي فما إربك
إلى الخلاف قال أنا أقودهم قال نعم أنت تقودهم قال فأرسل إليهم فإن بايعوا كنت
رجلا منهم وإلا لم تكن عجلت على بأمر قال وتفعل قال نعم قال فأخذ عليه ألا
يخبر بحديثهم أحدا قال فالتوى عليه ثم أعطاه ذلك فخرج وقد أقعد له ابن
الزبير رجلا بالطريق قال يقول لك أخوك ابن الزبير ما كان فلم يزل به حتى
استخرج منه شيئا ثم أرسل بعده إلى ابن الزبير فقال له قد استوثق الناس لهذا
225

الامر غير خمسة نفر من قريش أنت تقودهم يا ابن اخى فما إربك إلى الخلاف قال
أنا أقودهم قال نعم أنت تقودهم قال فأرسل إليهم فإن بايعوا كنت رجلا منهم
وإلا لم تكن عجلت على بأمر قال وتفعل قال نعم قال فأخذ عليه ألا يخبر بحديثهم
أحدا قال يا أمير المؤمنين نحن في حرم الله عز وجل وعهد الله سبحانه ثقيل
فأبى عليه وخرج ثم أرسل بعده إلى ابن عمر فكلمه بكلام هو ألين من كلام صاحبه
فقال إني أرهب أن أدع أمة محمد بعدي كالضأن لا راعى لها وقد استوثق الناس
لهذا الامر غير خمسة نفر من قريش أنت تقودهم فما إربك إلى الخلاف قال
هل لك في أمر يذهب الذم ويحقن الدم وتدرك به حاجتك قال وددت قال
تبرز سريرك ثم أجئ فأبايعك على أنى أدخل بعدك فيما يجتمع عليه الأمة
فوالله لو أن الأمة اجتمعت بعدك على عبد حبشي لدخلت فيما تدخل فيه الأمة
قال وتفعل قال نعم ثم خرج فأتى منزله فأطبق بابه وجعل الناس يجيئون فلا
يأذن لهم فأرسل إلى عبد الرحمن بن أبي بكر فقال يا ابن أبي بكر بأية يد أو رجل تقدم
على معصيتي قال أرجو أن يكون ذلك خيرا لي فقال والله لقد هممت أن أقتلك قال
لو فعلت لاتبعك الله به لعنة في الدنيا وأدخلك به في الآخرة النار قال ولم يذكر ابن
عباس * وكان العامل على المدينة في هذه السنة مروان بن الحكم وعلى الكوفة الضحاك
ابن قيس وعلى البصرة عبيد الله بن زياد وعلى خراسان سعيد بن عثمان * وكان
سبب ولايته خراسان ما حدثني عمر قال حدثني على قال أخبرني محمد بن حفص قال
سأل سعيد بن عثمان معاوية أن يستعمله على خراسان فقال إن بها عبيد الله بن زياد
فقال أما لقد اصطنعك أبى ورفاك حتى بلغت باصطناعه المدى الذي لا يجارى إليه
ولا يسامى فما شكرت بلاءه ولا جازيته بآلائه وقدمت على هذا يعنى يزيد بن معاوية
وبايعت له ووالله لأنا خير منه أبا وأما ونفسا قال فقال معاوية أما بلاء أبيك فقد
يحق على الجزاء به وقد كان من شكري لذلك أنى طلبت بدمه حتى تكشفت الأمور
ولست بلائم لنفسي في التشمير وأما فضل أبيك على أبيه فأبوك والله خير منى
وأقرب برسول الله صلى الله عليه وسلم وأما فضل أمك على أمه فما ينكر: امرأة
226

من قريش خير من امرأة من كلب وأما فضلك عليه فوالله ما أحب أن الغوطة
دحست ليزيد رجالا مثلك فقال له يزيد يا أمير المؤمنين ابن عمك وأنت أحق من نظر
في أمره وقد عتب عليك لي فأعتبه قال فولاه حرب خراسان وولى إسحاق بن طلحة
خراجها وكان إسحاق ابن خالة معاوية أمه أم أبان ابنة عتبة بن ربيعة فلما صار
بالري مات إسحاق بن طلحة فولى سعيد خراج خراسان وحربها * حدثني عمر قال
حدثني على قال أخبرنا مسلمة قال خرج سعيد إلى خراسان وخرج معه أوس بن
ثعلبة التيمي صاحب قصر أوس وطلحة بن عبد الله بن خلف الخزاعي والمهلب بن أبي
صفرة وربيعة بن عسل أحد بنى عمرو بن يربوع قال وكان قوم من الاعراب
يقطعون الطريق على الحاج ببطن فلج فقيل لسعيد إن ههنا قوما يقطعون الطريق
على الحاج ويخيفون السبيل فلو أخرجتهم معك قال فأخرج قوما من بنى تميم منهم
مالك بن الريب المازني في فتيان كانوا معه وفيهم يقول الراجز
الله أنجاك من القصيم * ومن أبى حردبة الأثيم
ومن غويث فاتح العكوم * ومالك وسيفه المسموم
قال على قال مسلمة قدم سعيد بن عثمان فقطع النهر إلى سمرقند فخرج إليه أهل الصغد
فتواقفوا يوما إلى الليل ثم انصرفوا من غير قتال فقال مالك بن الريب يذم سعيدا
ما زلت يوم الصغد ترعد واقفا * من الجبن حتى خفت أن تتنصرا
وما كان في عثمان شئ علمته * سوى نسله في رهطه حين أدبرا
ولولا بنو حرب لظلت دماؤكم * بطون العظايا من كسير وأعورا
قال فلما كان الغد خرج إليهم سعيد بن عثمان وناهضه الصغد فقاتلهم فهزمهم وحصرهم
في مدينتهم فصالحوه وأعطوه رهنا منهم خمسين غلاما يكونون في يده من أبناء عظمائهم
وعبر فأقام بالترمذ ولم يف لهم وجاء بالغلمان الرهن معه إلى المدينة قال وقدم سعيد
ابن عثمان خراسان وأسلم بن زرعة الكلابي بها من قبل عبيد الله بن زياد فلم يزل
أسلم بن زرعة بها مقيما حتى كتب إليه عبيد الله بن زياد بعهده على خراسان الثانية فلما
قدم كتاب عبيد الله على أسلم طرق سعيد بن عثمان ليلا فأسقطت جارية له غلاما
227

فكان سعيد يقول لأقتلن به رجلا من بنى حرب وقدم على معاوية فشكا أسلم إليه
وغضبت القيسية قال فدخل همام بن قبيصة النمري فنظر إليه معاوية محمر العينين
فقال يا همام إن عينيك لمحمرتان قال همام كانتا يوم صفين أشد حمرة فغم معاوية
ذلك فلما رأى ذلك سعيد كف عن أسلم فأقام أسلم بن زرعة على خراسان واليا
لعبيد الله بن زياد سنتين
ثم دخلت سنة سبع وخمسين
وكان فيها مشتى عبد الله بن قيس بأرض الروم وفيها صرف مروان عن المدينة
في ذي القعدة في قول الواقدي وقال غيره كان مروان إليه المدينة في هذه السنة
وقال الواقدي استعمل معاوية على المدينة حين صرف عنها مروان: الوليد بن عتبة
ابن أبي سفيان وكالذي قال الواقدي قال أبو معشر حدثني بذلك أحمد بن ثابت
الرازي عمن حدثه عن إسحاق بن عيسى عنه وكان العامل على الكوفة في هذه
السنة الضحاك بن قيس وعلى البصرة عبيد الله بن زياد وعلى خراسان سعيد بن
عثمان بن عفان
ثم دخلت سنة ثمان وخمسين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
ففيها نزع معاوية مروان عن المدينة في ذي القعدة في قول أبى معشر وأمر الوليد
ابن عتبة بن أبي سفيان عليها حدثني بذلك أحمد بن ثابت عمن ذكره عن إسحاق بن
عيسى عنه (وفيها) غزا مالك بن عبد الله الخثعمي أرض الروم (وفيها) قتل يزيد
ابن شجرة في البحر في السفن في قول الواقدي قال ويقال عمرو بن يزيد الجهني
وكان الذي شتا بأرض الروم وقد قيل إن الذي غزا في البحر في هذه السنة جنادة
ابن أبي أمية (وحج) بالناس في هذه السنة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان كذلك
حدثني أحمد بن ثابت عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر وكذلك قال
الواقدي وغيره وفى هذه السنة ولى معاوية الكوفة عبد الرحمن بن عبد الله بن
228

عثمان بن ربيعة الثقفي وهو ابن أم الحكم أخت معاوية بن أبي سفيان وعزل عنها
الضحاك بن قيس ففي عمله في هذه السنة خرجت الطائفة الذين كان المغيرة بن شعبة
حبسهم في السجن من الخوارج الذين كانوا بايعوا المستورد بن علفة فظفر بهم
فاستودعهم السجن فلما مات المغيرة خرجوا من السجن فذكر هشام بن محمد أن
أبا مخنف حدثه عن عبد الرحمن بن جندب عن عبد الله بن عقبة الغنوي أن حيان
ابن ظبيان السلمي جمع إليه أصحابه ثم إنه حمد الله وأثنى عليه ثم قال لهم أما بعد
فان الله عز وجل كتب علينا الجهاد فمنا من قضى نحبه ومنا من ينتظر
وأولئك الأبرار الفائزون بفضلهم ومن يكن منا من ينتظر فهو من سلفنا
القاضين نحبهم السابقين بإحسان فمن كان منكم يريد الله وثوابه فليسلك
سبيل أصحابه وإخوانه يؤته الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله مع
المحسنين قال معاذ بن جوين الطائي يا أهل الاسلام إنا والله لو علمنا أنا إذا تركنا
جهاد الظلمة وإنكار الجور كان لنا به عند الله عذر لكان تركه أيسر علينا وأخف
من ركوبه ولكنا قد علمنا واستيقنا أنه لا عذر لنا وقد جعل لنا القلوب والاسماع
حتى ننكر الظلم ونغير الجور ونجاهد الظالمين ثم قال ابسط يدك نبايعك فبايعه
وبايعه القوم فضربوا على يد حيان بن ظبيان فبايعوه وذلك في إمارة عبد الرحمن
ابن عبد الله بن عثمان الثقفي وهو ابن أم الحكم وكان على شرطته زائدة بن قدامة
الثقفي ثم إن القوم اجتمعوا بعد ذلك بأيام إلى منزل معاذ بن جوين بن حصين
الطائي فقال لهم حيان بن ظبيان عباد الله أشيروا برأيكم أين تأمروني أن أخرج
فقال له معاذ إني أرى أن تسير بنا إلى حلوان حتى ننزلها فإنها كورة بين السهل
والجبل وبين المصر والثغر يعنى بالثغر الري فمن كان يرى رأينا من أهل المصر
والثغر والجبال والسواد لحق بنا فقال له حيان عدوك معاجلك قبل اجتماع الناس
إليك لعمري لا يتركونكم حتى يجتمعوا إليكم ولكن قد رأيت أن أخرج معكم
في جانب الكوفة والسبخة أو زرارة والحيرة ثم نقاتلهم حتى نلحق بربنا فإني والله
لقد علمت أنكم لا تقدرون وأنتم دون المائة رجل أن تهزموا عدوكم ولا أن تشتد
229

نكايتكم فيهم ولكن متى علم الله أنكم قد أجهدتم أنفسكم في جهاد عدوه وعدوكم
كان لكم به العذر وخرجتم من الاثم قالوا رأينا رأيك فقال لهم عتريس بن عرقوب
أبو سليمان الشيباني ولكن لا أرى رأى جماعتكم فانظروا في رأى لكم إني
لا إخا لكم تجهلون معرفتي بالحرب وتجربتي بالأمور فقالوا له أجل أنت كما ذكرت
فما رأيك قال ما أرى أن تخرجوا على الناس بالمصر إنكم قليل في كثير والله
ما تزيدون على أن تحرزوهم أنفسكم وتقروا أعينهم بقتلكم وليس هكذا تكون
المكايدة إذ آثرتم أن تخرجوا على قومكم فكيدوا عدوكم ما يضرهم قالوا فما الرأي
قال تسيرون إلى الكورة التي أشار بنزولها معاذ بن جوين بن حصين يعنى حلوان
أو تسيرون بنا إلى عين التمر فنقيم بها فإذا سمع بنا إخواننا أتونا من كل جانب وأوب
فقال له حيان بن ظبيان إنك والله لو سرت بنا أنت وجميع أصحابك؟؟ أحد هذين
الوجهين ما اطمأننتم به حتى يلحق بكم خيول أهل المصر فأنى تشفون أنفسكم
فوالله ما عدتكم بالكثيرة التي ينبغي أن تطمعوا معها بالنصر في الدنيا على الظالمين
المعتدين فاخرجوا بجانب من مصركم هذا فقاتلوا عن أمر الله من خالف طاعة
الله ولا تربصوا ولا تنتظروا فإنكم إنما تبادرون بذلك إلى الجنة وتخرجون
أنفسكم بذلك من الفتنة قالوا أما إذا كان لا بد لنا فإنا لن نخالفك فاخرج حيث
أحببت فمكث حتى إذا كان آخر سنة من سنى ابن أم الحكم في أول السنة وهو
أول يوم من شهر ربيع الآخر فاجتمع أصحاب حيان بن ظبيان إليه فقال لهم
يا قوم إن الله قد جمعكم لخير وعلى خير والله الذي لا إله غيره ما سررت بشئ
قط في الدنيا بعد ما أسلمت سروري لمخرجي هذا على الظلمة الأثمة فوالله
ما أحب أن الدنيا بحذافيرها لي وأن الله حرمني في مخرجي هذا الشهادة وانى
قد رأيت أن نخرج حتى ننزل جانب دار جرير فإذا خرج إليكم الأحزاب ناجزتموهم
فقال عتريس بن عرقوب البكري أما إن نقاتلهم في جوف المصر فإنه يقاتلنا
الرجال وتصعد النساء والصبيان والإماء فيرموننا بالحجارة فقال لهم رجل
منهم أنزلوا بنا إذا من وراء المصر الجسر وهو موضع زرارة وإنما بنيت زرارة
230

بعد ذلك إلا أبياتا يسيرة كانت منها قبل ذلك فقال لهم معاذ بن جوين بن حصين
الطائي لا بل سيروا بنا فلننزل بانقيا فما أسرع ما يأتيكم عدوكم فإذا كان ذلك
استقبلنا القوم بوجوهنا وجعلنا البيوت في ظهورنا فقاتلناهم من وجه واحد
فخرجوا فبعث إليهم جيش فقتلوا جميعا ثم إن عبد الرحمن بن أم الحكم طرده
أهل الكوفة * فحدثت عن هشام بن محمد قال استعمل معاوية ابن أم الحكم
على الكوفة فأساء السيرة فيهم فطردوه فلحق بمعاوية وهو خاله فقال له أوليك
خيرا منها مصر قال فولاه فتوجه إليها وبلغ معاوية بن حديج السكوني الخبر فخرج
فاستقبله على مرحلتين من مصر فقال ارجع إلى خالك فلعمري لا تسير فينا سيرتك
في إخواننا من أهل الكوفة قال فرجع إلى معاوية وأقبل معاوية بن حديج وافدا
قال وكان إذا جاء قلست له الطريق يعنى ضربت له قباب الريحان قال فدخل على
معاوية وعنده أم الحكم فقالت من هذا يا أمير المؤمنين قال بخ هذا معاوية بن حديج
قالت لا مرحبا به تسمع بالمعيدي خير من أن تراه فقال على رسلك يا أم الحكم أما
والله لقد تزوجت فما أكرمت وولدت فما أنجبت أردت أن يلي ابنك الفاسق
علينا فيسير فينا كما سار في إخواننا من أهل الكوفة ما كان الله ليريه ذلك ولو فعل
ذلك لضربناه ضربا يطأطئ منه وإن كره ذلك الجالس فالتفت إليها معاوية فقال
كفى (وفى هذه السنة) اشتد عبيد الله بن زياد على الخوارج فقتل منهم صبرا
جماعة كثيرة وفى الحرب جماعة أخرى وممن قتل منهم صبرا عروة بن أدية أخو
أبى بلال مرداس بن أدية
ذكر سبب قتله إياهم
* حدثني عمر قال حدثني زهير بن حرب قال حدثنا وهب بن جرير قال
حدثني أبي قال حدثني عيسى بن عاصم الأسدي أن ابن زياد خرج في رهان له
فلما جلس ينتظر الخيل اجتمع الناس وفيهم عروة بن أدية أخو أبى بلال فأقبل
على ابن زياد فقال خمس كن في الأمم قبلنا فقد صرن فينا " أتبنون بكل ريع
آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين " وخصلتين
231

أخريين لم يحفظهما جرير فلما قال ذلك ظن ابن زياد أنه لم يجترئ على ذلك
إلا ومعه جماعة من أصحابه فقام وركب وترك رهانه فقيل لعروة ما صنعت
تعلمن والله ليقتلنك قال فتوارى فطلبه ابن زياد فأتى الكوفة فأخذ بها فقدم به
على ابن زياد فأمر به فقطعت يداه ورجلاه ثم دعا به فقال كيف ترى قال أرى أنك
أفسدت دنياي وأفسدت آخرتك فقتله وأرسل إلى ابنته فقتلها وأما مرداس بن
أدية فإنه خرج بالأهواز وقد كان ابن زياد قبل ذلك حبسه فيما حدثني عمر قال
حدثني خلاد بن يزيد الباهلي قال حبس ابن زياد فيمن حبس مرداس بن أدية
فكان السجان يرى عبادته واجتهاده وكان يأذن له في الليل فينصرف فإذا طلع
الفجر أتاه حتى يدخل السجن وكان صديق لمرداس يسامر ابن زياد فذكر ابن
زياد الخوارج ليلة فعزم على قتلهم إذا أصبح فانطلق صديق مرداس إلى منزل
مرداس فأخبرهم وقال أرسلوا إلى أبى بلال في السجن فليعهد فإنه مقتول فسمع
ذلك مرداس وبلغ الخبر صاحب السجن فبات بليلة سوء إشفاقا من أن يعلم الخبر
مرداس فلا يرجع فلما كان الوقت الذي كان يرجع فيه إذا به قد طلع فقال له السجان
هل بلغك ما عزم عليه الأمير قال نعم قال ثم غدوت قال نعم ولم يكن جزاؤك مع
إحسانك أن تعاقب بسببي وأصبح عبيد الله فجعل يقتل الخوارج ثم دعا بمرداس
فلما حضر وثب السجان وكان ظئرا لعبيد الله فأخذ بقدمه ثم قال هب لي هذا وقص
عليه قصته فوهبه له وأطلقه * حدثني عمر قال حدثنا زهير بن حرب قال حدثنا
وهب بن جرير قال حدثنا أبي قال حدثني يونس بن عبيد قال خرج مرداس أبو بلال
وهو من بنى ربيعة بن حنظلة في أربعين رجلا إلى الأهواز فبعث إليهم ابن زياد
جيشا عليهم ابن حصن التميمي فقتلوا في أصحابه وهزموه فقال رجل من بنى
تيم الله بن ثعلبة
أألفا مؤمن منكم زعمتم * ويقتلهم بآسك أربعونا
كذبتم ليس ذاك كما زعمتم * ولكن الخوارج مؤمنونا
هي الفئة القليلة قد علمتم * على الفئة الكثيرة ينصرونا
232

قال عمر: البيت الأخير ليس في الحديث أنشدنيه خلاد بن يزيد الباهلي (وقيل)
مات في هذه السنة عميرة بن يثربي قاضى البصرة واستقضى مكانه عليها هشام بن
هبيرة (وكان) على الكوفة في هذه السنة عبد الرحمن بن أم الحكم وقال بعضهم
كان عليها الضحاك بن قيس الفهري وعلى البصرة عبيد الله بن زياد وعلى قضاء الكوفة
شريح (وحج) بالناس الوليد بن عتبة في هذه السنة كذلك قال أبو معشر والواقدي
ثم دخلت سنة تسع وخمسين
ذكر ما كان فيها من الاحداث
(ففيها) كان مشتى عمرو بن مرة الجهني أرض الروم في البر قال الواقدي لم
يكن عامئذ غزو في البحر وقال غيره بل غزا في البحر جنادة بن أبي أمية (وفيها)
عزل عبد الرحمن بن أم الحكم عن الكوفة واستعمل عليها النعمان بن بشير الأنصاري
قد ذكرنا قبل سبب عزل ابن أم الحكم عن الكوفة (وفى هذه السنة) ولى معاوية
عبد الرحمن بن زياد بن سمية خراسان
ذكر سبب استعمال معاوية إياه على خراسان
* حدثني الحارث بن محمد قال حدثنا علي بن محمد قال حدثنا أبو عمرو قال
سمعت أشياخنا يقولون قدم عبد الرحمن بن زياد وافدا على معاوية فقال
يا أمير المؤمنين أما لنا حق قال بلى قال فماذا توليني قال بالكوفة النعمان رشيد وهو
رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وعبيد الله بن زياد على البصرة وخراسان
وعباد بن زياد على سجستان ولست أرى عملا يشبهك إلا أن أشركك في عمل أخيك
عبيد الله قال أشركني فإن عمله واسع يحتمل الشركة فولاه خراسان قال على وذكر
أبو حفص الأزدي قال حدثني عمر قال قدم علينا قيس بن الهيثم السلمي وقد وجهه
عبد الرحمن بن زياد فأخذ أسلم بن زرعة فحبسه ثم قدم عبد الرحمن فأغرم أسلم
ابن زرعة ثلثمائة ألف درهم قال وذكر مصعب بن حيان عن أخيه مقاتل بن حيان
قال قدم عبد الرحمن بن زياد خراسان فقدم رجل سخى حريص ضعيف لم
233

يغز غزوة واحدة وقد أقام بخراسان سنتين قال على قال عوانة قدم عبد الرحمن
ابن زياد على يزيد بن معاوية من خراسان بعد قتل الحسين عليه السلام واستخلف
على خراسان قيس بن الهيثم قال وحدثني مسلم بن محارب وأبو حفص قالا قال
يزيد لعبد الرحمن بن زياد كم قدمت به معك من المال من خراسان قال عشرين
ألف ألف درهم قال إن شئت حاسبناك وقبضناها منك ورددناك على عملك وإن
شئت سوغناك وعزلناك وتعطى عبد الله بن جعفر خمسمائة ألف درهم قال بل
تسوغني ما قلت ويستعمل عليها غيري وبعث عبد الرحمن بن زياد إلى عبد الله بن
جعفر بألف بألف درهم وقال خمسمائة ألف من قبل أمير المؤمنين وخمسمائة ألف
من قبلي (وفى هذه السنة) وفد عبيد الله بن زياد على معاوية في أشراف أهل
البصرة فعزله عن البصرة ثم رده عليها وجدد له الولاية
ذكر لك
* حدثني عمر قال حدثني على قال وفد عبيد الله بن زياد في أهل العراق إلى معاوية
فقال له ائذن لوفدك على منازلهم وشرفهم فأذن لهم ودخل الأحنف في آخرهم وكان
سيئ المنزلة من عبيد الله فلما نظر إليه معاوية رحب به وأجلسه معه على سريره ثم تكلم
القوم فأحسنوا الثناء على عبيد الله والأحنف ساكت فقال ما لك يا أبا بحر لا تتكلم قال
إن تكلمت خالفت القوم فقال انهضوا فقد عزلته عنكم واطلبوا واليا ترضونه فلم يبق في
القوم أحد إلا أتى رجلا من بنى أمية أو من أشراف أهل الشأم كلهم يطلب وقعد
الأحنف في منزله فلم يأت أحدا فلبثوا أياما ثم بعث إليهم معاوية فجمعهم فلما دخلوا
عليه قال من اخترتم فاختلفت كلمتهم وسمى كل فريق منهم رجلا والأحنف ساكت
فقال له معاوية مالك يا أبا بحر لا تتكلم قال إن وليت علينا أحدا من أهل بيتك لم نعدل
بعبيد الله أحدا وإن وليت من غيرهم فانظر في ذلك قال معاوية فإني قد أعدته عليكم ثم
أوصاه بالأحنف وقبح رأيه في مباعدته فلما هاجت الفتنة لم يف لعبيد الله غير
الأحنف (وفى هذه السنة) كان ما كان من أمر يزيد بن مفرغ الحميري وعباد
ابن زياد وهجاء يزيد بنى زياد
234

ذكر سبب ذلك
* حدثت عن أبي عبيدة معمر بن المثنى أن يزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميري
كان مع عباد بن زياد بسجستان فاشتغل عنه بحرب الترك فاستبطأه فأصاب الجند
مع عباد ضيق في إعلاف دوابهم فقال ابن مفرغ
ألا ليت اللحى عادت حشيشا * فنعلفها خيول المسلمينا
وكان عباد بن زياد عظيم اللحية فأنهى شعره إلى عباد وقيل ما أراد غيرك
فطلبه عباد فهرب منه وهجاه بقصائد كثيرة فكان مما هجاه به قوله
إذا أودى معاوية بن حرب * فبشر شعب قعبك بانصداع
فأشهد أن أمك لم تباشر * أبا سفيان واضعة القناع
ولكن كان أمرا فيه لبس * على وجل شديد وارتياع
وقوله
ألا أبلغ معاوية بن حرب * مغلغلة من الرجل اليماني
أتغضب أن يقال أبوك عف * وترضى أن يقال أبوك زاني
فأشهد أن رحمك من زياد * كرحم الفيل من ولد الأتان
* فحدثني أبو زيد قال لما هجا ابن المفرغ عبادا فارقه مقبلا إلى البصرة
وعبيد الله يومئذ وافد على معاوية فكتب عباد إلى عبيد الله ببعض ما هجاه به فلما
قرأ عبيد الله الشعر دخل على معاوية فأنشده إياه واستأذنه في قتل ابن مفرغ فأبى
عليه أن يقتله وقال أدبه ولا تبلغ به القتل وقدم ابن مفرغ البصرة فاستجار بالأحنف
ابن قيس فقال إنا لا نجير على ابن سمية فإن شئت كفيتك شعراء بنى تميم قال ذاك
ما لا أبالي ان أكفاه فأتى خالد بن عبد الله فوعده وأتى أمية فوعده ثم أتى عمر
ابن عبيد الله بن معمر فوعده ثم أتى المنذر بن الجارود فأجاره وأدخله داره
وكانت بحرية بنت المنذر عند عبيد الله فلما قدم عبيد الله البصرة أخبر بمكان ابن
مفرغ عند المنذر وأتى المنذر عبيد الله مسلما فأرسل عبيد الله الشرط إلى دار المنذر
فأخذوا ابن مفرغ فلم يشعر المنذر وهو عند عبيد الله إلا بابن مفرغ قد أقيم على
235

رأسه فقام إلى عبيد الله وقال أيها الأمير إني قد أجرته قال والله يا منذر ليمدحنك
وأباك ويهجوني أنا وأبى ثم تجيره على فأمر به فسقى دواء ثم حمل على حمار عليه
إكاف فجعل يطاف به وهو يسلح في ثيابه فيمر به في الأسواق فمر به فارسي فرآه
فسأل عنه فقال أين چيست ففهمها ابن مفرغ فقال ابست ونبيذاست وعصارات
زبيب است وسميه رو سبيست ثم هجا المنذر ابن الجارود
تركت قريشا أن أجاور فيهم * وجاورت عبد القيس أهل المشقر
أناس أجارونا فكان جوارهم * أعاصير من فسو العراق المبذر
فأصبح جارى من جذيمة نائما * ولا يمنع الجيران غير المشمر
وقال لعبيد الله
يغسل الماء ما صنعت وقولي * راسخ منك في العظام البوالى
ثم حمله عبيد الله إلى عباد بسجستان فكلمت اليمانية فيه بالشام معاوية فأرسل
رسولا إلى عباد فحمل ابن مفرغ من عنده حتى قدم على معاوية فقال في طريقه
عدس ما لعباد عليك إمارة * نجوت وهذا تحملين طليق
لعمري لقد نجاك من هوة الردى * إمام وحبل للأنام وثيق
سأشكر ما أوليت من حسن نعمة * ومثلي بشكر المنعمين حقيق
فلما دخل على معاوية بكى وقال ركب منى ما لم يركب من مسلم على غير
حدث ولا جريرة قال أو لست القائل:
ألا أبلغ معاوية بن حرب * مغلغلة من الرجل اليماني
القصيدة قال لا والذي عظم حق أمير المؤمنين ما قلت هذا قال أفلم تقل
فأشهد أن أمك لم تباشر * أبا سفيان واضعة القناع
في أشعار كثيرة هجوت بها ابن زياد اذهب فقد عفونا لك عن جرمك أما لو إيانا
تعامل لم يكن مما كان شئ فانطلق وفى أي أرض شئت فأنزل فنزل الموصل ثم إنه
ارتاح إلى البصرة فقدمها ودخل على عبيد الله فآمنه وأما أبو عبيدة فإنه قال في
نزول ابن مفرغ الموصل عن الذي أخبرني به أبو زيد قال ذكر أن معاوية لما
236

قال له ألست القائل
ألا أبلغ معاوية بن حرب * مغلغلة من الرجل اليماني
الأبيات حلف ابن مفرغ أنه لم يقله وأنه إنما قاله عبد الرحمن بن الحكم أخو مروان
واتخذني ذريعة إلى هجاء زياد وكان عتب عليه قبل ذلك فغضب معاوية على عبد الرحمن بن
الحكم وحرمه عطاءه حتى أضر به فكلم فيه فقال لا أرضى عنه حتى يرضى عبيد الله
فقدم العراق على عبيد الله فقال عبد الرحمن له
لانت زيادة في آل حرب * أحب إلى من إحدى بنانى
أراك أخا وعما وابن عم * ولا أدرى بغيب ما تراني
فقال أراك والله شاعر سوء فرضى عنه فقال معاوية لابن مفرغ ألست القائل
فأشهد أن أمك لم تباشر * أبا سفيان واضعة القناع
الأبيات لا تعودن إلى مثلها عفونا عنك فأقبل حتى نزل الموصل فتزوج امرأة فلما
كان في ليلة بنائها خرج حين أصبح إلى الصيد فلقى دهانا أو عطارا على حمار له
فقال له ابن مفرغ من أين أقبلت قال من الأهواز قال وما فعل ماء مسرفان قال
على حاله قال فخرج ابن مفرغ فتوجه قبل البصرة ولم يعلم أهله بمسيره ومضى حتى
قدم على عبيد الله بن زياد بالبصرة فدخل عليه فآمنه ومكث عنده حتى استأذنه
في الخروج إلى كرمان فأذن له في ذلك وكتب إلى عامله هنالك بالوصاة والاكرام له
فخرج إليها وكان عامل عبيد الله يومئذ على كرمان شريك بن الأعور الحارثي
(وحج) بالناس في هذه السنة عثمان بن محمد بن أبي سفيان حدثني بذلك أحمد بن ثابت
عمن حدثه عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر وكذلك قال الواقدي وغيره وكان
الوالي على المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وعلى الكوفة النعمان بن بشير وعلى
قضائها شريح وعلى البصرة عبيد الله بن زياد وعلى قضائها هشام بن هبيرة وعلى
خراسان عبد الرحمن بن زياد وعلى سجستان عباد بن زياد وعلى كرمان شريك
ابن الأعور من قبل عبيد الله بن زياد
237

ثم دخلت سنة ستين
ذكر ما كان فيها من الاحداث
ففي هذه السنة كانت غزوة مالك بن عبد الله سورية ودخول جنادة بن أبي أمية
رودس وهدمه مدينتها في قول الواقدي (وفيها) كان أخذ معاوية على الوفد
الذين وفدوا إليه مع عبيد الله بن زياد البيعة لابنه يزيد وعهد إلى ابنه يزيد حين
مرض فيها ما عهد إليه في النفر الذين امتنعوا من البيعة ليزيد حين دعاهم إلى البيعة
وكان عهده الذي عهد ما ذكر هشام بن محمد عن أبي مخنف قال حدثني عبد الملك
ابن نوفل بن مساحق بن عبد الله بن مخرمة أن معاوية لما مرض مرضته التي
هلك فيها دعا يزيد ابنه فقال يا بنى إني قد كفيتك الرحلة والترحال ووطأت لك
الأشياء وذللت لك الأعداء وأخضعت لك أعناق العرب وجمعت لك من جمع
واحد وإني لا أتخوف أن ينازعك هذا الامر الذي استتب لك إلا أربعة نفر من
قريش الحسين بن علي وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر
فأما عبد الله بن عمر فرجل قد وقذته العبادة وإذا لم يبق أحد غيره بايعك وأما
الحسين بن علي فإن أهل العراق لن يدعوه حتى يخرجوه فإن خرج عليك فظفرت
به فاصفح عنك فإن له رحما ماسة وحقا عظيما وأما ابن أبي بكر فرجل إن رأى
أصحابه صنعوا شيئا صنع مثلهم ليس له همة إلا في النساء واللهو وأما الذي يجثم لك
جثوم الأسد ويراوغك مراوغة الثعلب فإذا أمكنته فرصة وثب فذاك ابن الزبير
فإن هو فعلها بك فقدرت عليه فقطعه إربا إربا قال هشام قال عوانة قد سمعنا في
حديث آخر أن معاوية لما حضره الموت وذلك في سنة 60 وكان يزيد غائبا
فدعا بالضحاك بن قيس الفهري وكان صاحب شرطته ومسلم بن عقبة المري فأوصى
إليهما فقال بلغا يزيد وصيتي أنظر أهل الحجاز فإنهم أصلك فأكرم من قدم عليك
منهم وتعاهد من غاب وانظر أهل العراق فإن سألوك أن تعزل عنهم كل يوم
عاملا فافعل فإن عزل عامل أحب إلى من أن تشهر عليك مائة ألف سيف وانظر
238

أهل الشأم فليكونوا بطانتك وعيبتك فإن نابك شئ من عدوك فانتصر بهم فإذا
أصبتهم فاردد أهل الشأم إلى بلادهم فإنهم إن أقاموا بغير بلادهم أخذوا بغير
أخلاقهم وإني لست أخاف من قريش إلا ثلاثة حسين بن علي وعبد الله بن عمر
وعبد الله بن الزبير فأما ابن عمر فرجل قد وقذه الدين فليس ملتمسا شيئا قبلك
وأما الحسين بن علي فإنه رجل خفيف وأرجو أن يكفيكه الله بمن قتل أباه وخذل
أخاه وإن له رحما ماسة وحقا عظيما وقرابة من محمد صلى الله عليه وسلم ولا أظن
أهل العراق تاركيه حتى يخرجوه فإن قدرت عليه فاصفح عنه فإني لو أنى صاحبه
عفوت عنه وأما ابن الزبير فإنه خب ضب فإذا شخص لك فالبد له إلا أن يلتمس
منك صلحا فإن فعل فاقبل واحقن دماء قومك ما استطعت (وفى هذه السنة)
هلك معاوية بن أبي سفيان بدمشق فاختلف في وقت وفاته بعد إجماع جميعهم على
أن هلاكه كان في سنة 60 من الهجرة وفى رجب منها فقال هشام بن محمد مات
معاوية لهلال رجب من سنة 60 وقال الواقدي مات معاوية للنصف من رجب
وقال علي بن محمد مات معاوية بدمشق سنة 60 يوم الخميس لثمان بقين من
رجب حدثني بذلك الحارث عنه
ذكر الخبر عن مدة ملكه
* حدثني أحمد بن ثابت الرازي قال حدثني من سمع إسحاق بن عيسى يذكر
عن أبي معشر قال بويع لمعاوية بأذرح بايعه الحسن بن علي في جمادى الأولى
سنة 41 وتوفى معاوية في رجب سنة 60 وكانت خلافته تسع عشرة سنة
وثلاثة أشهر * وحدثني الحارث قال حدثنا محمد بن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر
قال حدثني يحيى بن سعيد بن دينار السعدي عن أبيه قالوا توفى معاوية ليلة
الخميس للنصف من رجب سنة 60 وكانت خلافته تسع عشرة سنة وثلاثة
أشهر وسبعة وعشرين يوما * وحدثني عمر قال حدثنا على قال بايع أهل
الشأم معاوية بالخلافة في سنة 37 في ذي القعدة حين تفرق الحكمان
وكانوا قبل بايعوه على الطلب بدم عثمان ثم صالحه الحسن بن علي وسلم له الامر
239

سنة 41 لخمس بقين من شهر ربيع الأول فبايع الناس جميعا معاوية فقيل عام الجماعة
ومات بدمشق سنة 60 يوم الخميس لثمان بقين من رجب وكانت ولايته تسع عشرة
سنة وثلاثة أشهر وسبعة وعشرين يوما قال ويقال كان بين موت علي عليه السلام
وموت معاوية تسع عشرة سنة وعشرة أشهر وثلاث ليال وقال هشام بن محمد
بويع لمعاوية بالخلافة في جمادى الأولى سنة 41 فولى تسع عشرة سنة وثلاثة أشهر
إلا أياما ثم مات لهلال رجب من سنة 60 * واختلفوا في مدة عمره وكم عاش فقال
بعضهم مات يوم مات وهو ابن خمس وسبعين سنة
ذكر من قال ذلك
* حدثني عمر قال حدثنا محمد بن يحيى قال أخبرني هشام بن الوليد قال قال ابن
شهاب الزهري سألني الوليد عن أعمار الخلفاء فأخبرته أن معاوية مات وهو ابن
خمس وسبعين سنة فقال بخ بخ إن هذا لعمر وقال آخرون مات وهو ابن ثلاث
وسبعين سنة
ذكر من قال ذلك
* حدثني عمر قال حدثني أحمد بن زهير قال قال علي بن محمد مات معاوية وهو
ابن ثلاث وسبعين قال ويقال ابن ثمانين سنة وقال آخرون توفى وهو ابن ثمان
وسبعين سنة
ذكر من قال ذلك
* حدثني الحارث قال حدثنا محمد بن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني
يحيى بن سعيد بن دينار عن أبيه قال توفى معاوية وهو ابن ثمان وسبعين سنة وقال
آخرون توفى وهو ابن خمس وثمانين سنة حدثت بذلك عن هشام بن محمد أنه كان
يقوله عن أبيه
ذكر العلة التي كانت فيها وفاته
* حدثني الحارث قال حدثنا محمد بن سعد قال حدثنا أبو عبيدة عن أبي يعقوب
الثقفي عن عبد الملك بن عمير قال لما ثقل معاوية وحدث الناس أنه الموت قال
240

لأهله احشوا عيني أثمدا وأوسعوا رأسي دهنا ففعلوا وبرقوا وجهه بالدهن ثم مهد
له فجلس وقال أسندوني ثم قال ائذنوا للناس فليسلموا قياما ولا يجلس أحد فجعل
الرجل يدخل فيسلم قائما فيراه مكتحلا مدهنا فيقول يقول الناس هو لمآبه
وهو أصح الناس فلما خرجوا من عنده قال معاوية
* وتجلدي للشامتين أريهم * أنى لريب الدهر لا أتضعضع
وإذا المنية أنشبت أظفارها * ألفيت كل تميمة لا تنفع
قال وكان به النفاثات فمات من يومه ذلك * حدثني أحمد بن زهير عن علي بن
محمد عن إسحاق بن أيوب عن عبد الملك بن ميناس الكلبي قال قال معاوية لابنتيه
في مرضه الذي مات فيه وهما تقلبانه تقلبان حولا قلبا جمع المال من شب إلى
إلى دب إن لم يدخل النار ثم تمثل:
لقد سعيت لكم من سعى ذي نصب * وقد كفيتكم التطواف والرحلا
ويقال من جمع ذي حسب * حدثني أحمد بن زهير عن علي عن سليمان بن
أيوب عن الأوزاعي وعلي بن مجاهد عن عبد الاعلى بن ميمون عن أبيه أن
معاوية قال في مرضه الذي مات فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كساني
قميصا فرفعته وقلم أظفاره يوما فأخذت قلامته فجعلتها في قارورة فإذا مت
فالبسوني ذلك القميص وقطعوا تلك القلامة واسحقوها وذروها في عيني وفى في
فعسى الله أن يرحمني ببركتها ثم قال متمثلا بشعر الأشهب بن رميلة النهشلي
يمدح به القباع:
إذا مت مات الجود وانقطع الندى * من الناس إلا من قليل مصرد
وردت أكف السائلين وأمسكوا * من الدين والدنيا بخلف مجدد
فقالت إحدى بناته أو غيرها كلا يا أمير المؤمنين بل يدفع الله عنك فقال متمثلا:
وإذا المنية أنشبت أظفارها * ألفيت كل تميمة لا تنفع
ثم أغمي عليه ثم أفاق فقال لمن حضره من أهله اتقوا الله عز وجل فان الله سبحانه
يقي من اتقاه ولا واقى لمن لا يتقى الله ثم قضى * حدثنا أحمد عن علي عن محمد بن
241

الحكم عمن حدثه إن معاوية لما حضر أوصى بنصف ماله أن يرد إلى بيت المال
كان أراد أن يطيب له الباقي لان عمر قاسم عماله
ذكر الخبر عمن صلى على معاوية حين مات
* حدثني أحمد بن زهير عن علي بن محمد قال صلى على معاوية الضحاك بن
قيس الفهري وكان يزيد غائبا حين مات معاوية * وحدثت عن هشام بن
محمد عن أبي مخنف قال حدثني عبد الملك بن نوفل بن مساحق بن عبد الله بن محرمة
قال لما مات معاوية خرج الضحاك بن قيس حتى صعد المنبر وأكفان معاوية
على يديه تلوح فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن معاوية كان عود العرب وحد العرب
قطع الله عز وجل به الفتنة وملكه على العباد وفتح به البلاد ألا إنه قد مات فهذه
أكفانه فنحن مدرجوه فيها ومدخلوه قبره ومخلون بينه وبين عمله ثم هو البرزخ
إلى يوم القيامة فمن كان منكم يريد أن يشهده فليحضر عند الأولى وبعث البريد إلى
يزيد بوجع معاوية فقال يزيد في ذلك:
جاء البريد بقرطاس يخب به * فأوجس القلب من قرطاسه فزعا
قلنا لك الويل ماذا في كتابكم * قالوا الخليفة أمسى مثبتا وجعا
فمادت الأرض أو كادت تميد بنا * كأن أغبر من أركانها انقطعا
من لا تزل نفسه توفى على شرف * توشك مقاليد تلك النفس أن تقعا
لما انتهينا وباب الدار منصفق * وصوت رملة ريع القلب فانصدعا
* حدثني عمر قال حدثنا على عن إسحاق بن خليد عن خليد بن عجلان مولى
عباد قال مات معاوية ويزيد بحوارين وكانوا كتبوا إليه حين مرض فأقبل وقد
دفن فأتى قبره فصلى عليه ودعا له ثم أتى منزله فقال جاء البريد بقرطاس الأبيات
ذكر الخبر عن نسبه وكنيته
أما نسبه فإنه ابن أبي سفيان واسم أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن
عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب وأمه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس
ابن عبد مناف بن قصي وكنيته أبو عبد الرحمن
242

ذكر نسائه وولده
من نسائه ميسون بنت بحدل بن أنيف بن ولجة بن قنافة بن عدي بن زهير بن حارثة
ابن جناب الكلبي ولدت له يزيد بن معاوية قال على ولدت ميسون لمعاوية مع
يزيد أمة رب المشارق فماتت صغيرة ولم يذكرها هشام في أولاد معاوية ومنهن
فاختة ابنة قرظة بن عبد عمرو بن نوفل بن عبد مناف ولدت له عبد الرحمن
وعبد الله بنى معاوية وكان عبد الله محمقا ضعيفا وكان يكنى أبا الخير * حدثني أحمد
على علي بن محمد قال مر عبد الله بن معاوية يوما بطحان قد شد بلغه في الرحى
للطحن وجعل في عنقه جلاجل فقال له لم جعلت في عنق بغلك هذه الجلاجل
فقال الطحان جعلتها في عنقه لاعلم أن قد قام فلم تدر الرحى فقال له أرأيت إن
هو قام وحرك رأسه كيف تعلم أنه لا يدير الرحى فقال له الطحان إن بغلي هذا
أصلح الله الأمير ليس له عقل مثل عقل الأمير وأما عبد الرحمن فإنه مات صغيرا
ومنهن نائلة بنت عمارة الكلبية تزوجها فحدثني أحمد عن علي قال لما تزوج معاوية
نائلة قال لميسون انطلقي فانظري إلى ابنة عمك فنظرت إليها فقال كيف رأيتها
فقالت جميلة كاملة ولكن رأيت تحت سرتها خالا ليوضعن رأس زوجها في حجرها
فطلقها معاوية فتزوجها حبيب بن مسلمة الفهري ثم خلف عليها بعد حبيب النعمان
ابن بشير الأنصاري فقتل ووضع رأسه في حجرها ومنهن كتوة بنت قرظة
أخت فاختة فغزا قبرس وهى معه فماتت هنالك
ذكر بعض ما حضرنا من ذكر أخباره وسيره
* حدثني أحمد بن زهير عن علي قال لما بويع لمعاوية بالخلافة صير على شرطته
قيس بن حمزة الهمداني ثم عزله واستعمل زميل بن عمرو العذري ويقال السكسكي
وكان كاتبه وصاحب أمره سرجون بن منصور الرومي وعلى حرسه رجل من
الموالى يقال له المختار وقيل رجل يقال له ملك ويكنى أبا المخارق مولى لحمير
وكان أول من اتخذ الحرس وكان على حجابه سعد مولاه وعلى القضاء فضالة
ابن عبيد الأنصاري فمات فاستقضى أبا إدريس عائذ الله بن عبد الله الخولاني إلى
243

ههنا حديث أحمد عن علي وقال غير على وكان على ديوان الخاتم عبد الله بن
محصن الحميري وكان أول من اتخذ ديوان الخاتم قال وكان سبب ذلك أن معاوية
أمر لعمرو بن الزبير في معونته وقضاء دينه بمائة ألف درهم وكتب بذلك إلى
زياد بن سمية وهو على العراق ففض عمرو الكتاب وصير المائة مائتين فلما رفع
زياد حسابه أنكرها معاوية فأخذ عمرا بردها وحبسه فأداها عنه أخوه عبد الله
ابن الزبير فأحدث معاوية عند ذلك ديوان الخاتم وحزم الكتب ولم تكن تحزم
* حدثني عبد الله بن أحمد بن شيويه قال حدثني أبي قال حدثني سليمان قال حدثني
عبد الله بن المبارك عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري قال قال عمر بن الخطاب
تذكرون كسرى وقيصر ودهاءهما وعندكم معاوية * حدثني عبد الله بن أحمد
قال حدثني أبي قال حدثني سليمان قال قرأت على عبد الله عن فليح قال أخبرت
أن عمرو بن العاص وفد إلى معاوية ومعه أهل مصر فقال لهم عمرو انظروا إذا
دخلتم على ابن هند فلا تسلموا عليه بالخلافة فإنه أعظم لكم في عينه وصغروه
ما استطعتم فلما قدموا عليه قال معاوية لحجابه إني كأني أعرف ابن النابغة وقد
صغر أمري عند القوم فانظروا إذا دخل الوفد فتعتعوهم أشد تعتعة تقدرون
عليها فلا يبلغني رجل منهم إلا وقد همته نفسه بالتلف فكان أول من دخل عليه
رجل من أهل مصر يقال له ابن الخياط فدخل وقد تعتع فقال السلام عليك
يا رسول الله فتتابع القوم على ذلك فلما خرجوا قال لهم عمرو لعنكم الله نهيتكم أن
تسلموا عليه بالامارة فسلمتم عليه بالنبوة قال ولبس معاوية يوما عمامته الحرقانية
واكتحل وكان من أجمل الناس إذا فعل ذلك شك عبد الله فيه سمعه أو لم يسمعه
* حدثني أحمد بن زهير عن علي بن محمد قال حدثنا أبو محمد الأموي قال خرج
عمر بن الخطاب إلى الشأم فرأى معاوية في موكب يتلقاه وراح إليه في موكب فقال له
عمر يا معاوية تروح في موكب وتغدو في مثله وبلغني أنك تصبح في منزلك وذوو
الحاجات ببابك قال يا أمير المؤمنين إن العدو بها قريب منا ولهم عيون وجواسيس
فأردت يا أمير المؤمنين أن يروا للاسلام عزا فقال له عمر إن هذا لكيد رجل لبيب
أو خدعة رجل أريب فقال معاوية يا أمير المؤمنين مرني بما شئت أصر إليه قال
244

ويحك ما ناظرتك في أمر أعيب عليك فيه إلا تركتني ما أدرى آمرك أم أنهاك
* حدثني عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثني سليمان قال حدثني عبد الله
عن معمر عن جعفر بن برقان أن المغيرة كتب إلى معاوية أما بعد فإني قد كبرت
سنى ودق عظمي وشنفت لي قريش فإن رأيت أن تعزلني فاعزلني فكتب إليه
معاوية جاءني كتابك تذكر فيه أنه كبرت سنك فلعمري ما أكل عمرك غيرك وتذكر
أن قريشا شنفت لك ولعمري ما أصبت خيرا إلا منهم وتسألني أن أعزلك فقد فعلت
فان تك صادقا فقد شفعتك وإن تك مخادعا فقد خدعتك * حدثني أحمد عن علي
ابن محمد عن علي بن مجاهد قال قال معاوية إذا لم يكن الأموي مصلحا لماله حليما لم يشبه من
هو منه وإذا لم يكن الهاشمي سخيا جوادا لم يشبه من هو منه ولا يقدمك من الهاشمي
اللسان والسخاء والشجاعة * حدثني أحمد عن علي عن عوانة وخلاد بن عبيدة قال
تغدى معاوية يوما وعنده عبيد الله بن أبي بكرة ومعه ابنه بشير ويقال غير بشير
فأكثر من الاكل فلحظه معاوية وفطن عبيد الله بن أبي بكرة فأراد أن يغمز ابنه
فلم يمكنه ولم يرفع رأسه حتى فرغ فلما خرج لامه على ما صنع ثم عاد إليه وليس معه
ابنه فقال معاوية ما فعل ابنك التلقامة قال اشتكى فقال قد علمت أن أكله سيورثه
داء * حدثني أحمد عن علي عن جويرية بن أسماء قال قدم أبو موسى على معاوية
فدخل عليه في برنس أسود فقال السلام عليك يا أمين الله قال وعليك السلام فلما
خرج قال معاوية قدم الشيخ لاوليه ولا والله لا أوليه * حدثني عبد الله بن أحمد
قال حدثني أبي قال حدثني أبو صالح سليمان بن صالح قال حدثني عبد الله بن المبارك
عن سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال عن أبي بردة قال دخلت على معاوية حيث
أصابته قرحته فقال هلم يا ابن أخي نحوي فانظر فنظرت فإذا هي قد سبرت فقلت
ليس عليك بأس يا أمير المؤمنين فدخل يزيد فقال معاوية إن وليت من أمر الناس
شيئا فاستوص بهذا فان أباه كان لي خليلا أو نحو ذلك من القول غير أنى رأيت
في القتال ما لم يره * حدثني أحمد عن علي عن شهاب بن عبيد الله عن يزيد بن سويد
قال أذن معاوية للأحنف وكان يبدأ بإذنه ثم دخل محمد بن الأشعث فجلس بين معاوية
245

والأحنف فقال معاوية إنا لم نأذن له قبلك فتكون دونه وقد فعلت فعال من أحس
من نفسه ذلا إنا كما نملك أموركم نملك اذنكم فأريدوا منا ما نريد منكم فإنه أبقى لكم * حدثني
أحمد عن علي عن سحيم بن حفص قال خطب ربيعة بن عسل اليربوعي إلى معاوية فقال
معاوية اسقوه سويقا وقال له معاوية يا ربيعة كيف الناس عندكم قال مختلفون على
كذا وكذا فرقة قال فمن أيهم أنت قال ما أنا على شئ من أمرهم فقال معاوية أراهم
أكثر مان قلت قال يا أمير المؤمنين أعنى في بناء داري باثني عشر ألف جذع قال
معاوية أين دارك قال بالبصرة وهى أكثر من فرسخين في فرسخين قال فدارك في
البصرة أو البصرة في دارك فدخل رجل من ولده على ابن هبيرة فقال أصلح الله
الأمير أنا ابن سيد قومه خطب أبى إلى معاوية فقال ابن هبيرة لسلم بن قتيبة ما يقول
هذا قال هذا ابن أحمق قرمه قال ابن هبيرة هل زوج أباك معاوية قال لا قال
فلا أرى أباك صنع شيئا * حدثني أحمد عن علي عن أبي محمد بن ذكوان القرشي
قال تنازع عتبة وعنبسة ابنا أبي سفيان وأم عتبة هند وأم عنبسة ابنة أبى أزيهر
الدوسي فأغلظ معاوية لعنبسة وقال عنبسة وأنت أيضا يا أمير المؤمنين فقال يا عنبسة
ان عتبة بن هند فقال عنبسة:
كنا بخير صالحا ذات بيننا * قديما فأمست فرقت بيننا هند
فإن تك هند لم تلدني فإنني * لبيضاء ينميها غطارفة مجد
أبوها أبو الأضياف في كل شتوة * ومأوى ضعاف لا تنوء من الجهد
جفناته ما تزال مقيمة * لمن خاف من غورى تهامة أو نجد
فقال معاوية لا أعيدها عليك أبدا * حدثني عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي
قال حدثني سليمان قال حدثني عبد الله عن حرملة بن عمران قال أتى معاوية
في ليلة أن قيصر قصد له في الناس وإن ناتل بن قيس الجذامي غلب فلسطين
وأخذ بيت مالها وأن المصريين الذين كان سجنهم هربوا وإن علي بن أبي طالب
قصد له في الناس فقال لمؤذنه أذن هذه الساعة وذلك نصف الليل فجاءه عمرو
ابن العاص فقال لم أرسلت إلى قال أنا ما أرسلت إليك قال ما أذن المؤذن
246

هذه الساعة إلا من أجلى قال رميت بالقسي الأربع قال عمرو أما هؤلاء
الذين خرجوا من سجنك فإنهم إن خرجوا من سجنك فهم في سجن الله
عز وجل وهم قوم شراة لا رحلة بهم فاجعل لمن أتاك برجل منهم أو برأسه ديته
فإنك ستؤتى بهم وانظر قيصر فوادعه وأعطه مالا وحللا من حلل مصر
فإنه سيرضى منك بذاك وانظر ناتل بن قيس فلعمري ما أغضبه الدين ولا أراد
إلا ما أصاب فاكتب إليه وهب له ذلك وهنئه إياه فإن كانت لك قدرة عليه وإن
لم تكن لك فلا تأس عليه واجعل حدك وحديدك لهذا الذي عنده دم ابن عمك
قال وكان القوم كلهم خرجوا من سجنه غير أبرهة بن الصباح فقال معاوية ما منعك
من أن تخرج مع أصحابك قال ما منعني منه بغض لعلى ولا حب لك ولكني
لم أقدر عليه فخلى سبيله * حدثني عبد الله قال حدثني أبي قال حدثني سليمان قال
حدثني عبد الله بن مسعدة عن جرير بن حازم قال سمعت محمد بن الزبير يحدث
قال حدثني عبد الله بن مسعدة بن حكمة الفزاري من بنى آل بدر قال انتقل
معاوية من بعض كور الشأم إلى بعض عمله فنزل منزلا بالشام فبسط له على
ظهر أجار مشرف على الطريق فأذن لي فقعدت معه فمرت القطرات والرحائل
والجواري والخيول فقال يا ابن مسعدة رحم الله أبا بكر لم يرد الدنيا ولم ترده الدنيا
وأما عمر أو قال ابن حنتمة فأرادته الدنيا ولم يردها وأما عثمان فأصاب من الدنيا
وأصابت منه وأما نحن فتمرغنا فيها ثم كأنه ندم فقال والله إنه لملك آتانا الله إياه
* حدثني أحمد عن علي بن محمد عن علي بن عبيد الله قال كتب عمرو بن العاص
إلى معاوية يسأله لابنه عبد الله بن عمرو ما كان أعطاء أباه من مصر فقال
معاوية أراد أبو عبد الله أن يكتب فهذر أشهدكم أنى إن بقيت بعده فقد
خلعت عهده قال وقال عمرو بن العاص ما رأيت معاوية متكئا قط واضعا
إحدى رجليه على الأخرى كاسرا عينه يقول لرجل تكلم إلا رحمته قال أحمد قال
علي بن محمد قال عمرو بن العاص: لمعاوية يا أمير المؤمنين ألست أنصح الناس لك قال
بذلك نلت ما نلت قال أحمد قال على عن جويرية بن أسماء أن بسر بن أبي أرطاة نال من
247

على عند معاوية وزيد بن عمر بن الخطاب جالس فعلاه بعصا فشجه فقال معاوية لزيد
عمدت إلى شيخ من قريش سيد أهل الشأم فضربته وأقبل على بسر فقال تشتم عليا وهو
جده وابن الفاروق على رؤوس الناس أو كنت ترى أنه يصبر على ذلك ثم أرضاهما
جميعا قال وقال معاوية إني لارفع نفسي من أن يكون ذنب أعظم من عفوي
وجهل أكثر من حلمي أو عورة لا أواريها بستري أو إساءة أكثر من إحساني
قال وقال معاوية زين الشريف العفاف قال وقال معاوية ما من شئ أحب إلى من
عين خرارة في أرض خوارة فقال عمرو بن العاص ما من شئ أحب إلى من أن
أبيت عروسا بعقيلة من عقائل العرب فقال وردان مولى عمرو بن العاص ما من
شئ أحب إلى من الافضال على الاخوان فقال معاوية أنا أحق بهذا منك قال
ما تحب فافعل * حدثني أحمد عن علي عن محمد بن إبراهيم عن أبيه قال كان عامل
معاوية على المدينة إذا أراد أن يبرد بريدا إلى معاوية أمر مناديه فنادى من له
حاجة يكتب إلى أمير المؤمنين فكتب زر بن حبيش أو أيمن بن خريم كتابا
لطيفا ورمى به في الكتب وفيه
إذا الرجال ولدت أولادها * واضطربت من كبر أعضادها
وجعلت أسقامها تعتادها * فهي زروع قد دنا حصادها
فلما وردت الكتب عليه فقرأ هذا الكتاب قال نعى إلى نفسي قال وقال
معاوية ما من شئ ألذ عندي من غيظ أتجرعه قال وقال معاوية لعبد الرحمن بن
الحكم بن أبي العاص يا ابن أخي إنك قد لهجت بالشعر فإياك والتشبيب بالنساء
فتعر الشريفة والهجاء فتعر كريما وتستثير لئيما والمدح فإنه طعمة الوقاح ولكن
أفخر بمفاخر قومك وقل من الأمثال ما تزيد به نفسك وتؤدب به غيرك * حدثني
أحمد عن علي قال قال أبو الحسن بن حماد نظر معاوية إلى الثمافى عباءة فازدراه
فقال يا أمير المؤمنين إن العباءة لا تكلمك وإنما يكلمك من فيها * حدثني أحمد
عن علي عن سليمان قال قال معاوية رجلان إن ماتا لم يموتا ورجل إن مات مات
أنا إن مت خلفني ابني وسعيد إن مات خلفه عمرو وعبد الله بن عامر إن مات
248

مات فبلغ مروان فقال أما ذكر ابني عبد الملك قالوا لا قال ما أحب أن لي بابنى
ابنيهما * حدثني أحمد عن علي قال حدثنا عبد الله بن صالح قال قال رجل لمعاوية
أي الناس أحب إليك قال أشدهم لي تحبيبا إلى الناس قال وقال معاوية العقل والحلم
أفضل ما أعطى العبد فإذا ذكر ذكر وإذا أعطى شكر وإذا ابتلى صبر وإذا
غضب كظم وإذا قدر غفر وإذا أساء استغفر وإذا وعد أنجز * حدثني أحمد عن
علي بن عبد الله وهشام بن سعيد عن عبد الملك بن عمير قال أغلظ رجل لمعاوية
فأكثر فقيل له أتحلم عن هذا فقال إني لا أحول بين الناس وألسنتهم ما لم يحولوا
بيننا وبين ملكنا * حدثني أحمد عن علي عن محمد بن عامر قال لام معاوية
عبد الله بن جعفر على الغناء فدخل يوما على معاوية ومعه بديح ومعاوية واضع
رجلا على رجل فقال عبد الله لبديح إيها يا بديح فتغنى فحرك معاوية رجله فقال
عبد الله مه يا أمير المؤمنين فقال معاوية إن الكريم طروب قال وقدم عبد الله بن
جعفر على معاوية ومعه سائب خاثر وكان مولى لبنى ليث وكان فاجرا فقال له
ارفع حوائجك ففعل ورفع فيها حاجة سائب خاثر فقال معاوية من هذا فخبره
فقال أدخله فلما قام على باب المجلس غنى:
إن الديار رسومها قفر * لعبت بها الأرواح والقطر
وخلالها من بعد ساكنها * حجج خلون ثمان أو عشر
والزعفران على ترائبها * شرقا به اللبات والنحر
فقال أحسنت وقضى حوائجه * حدثني عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال
حدثني سليمان قال حدثني عبد الله عن معمر عن همام بن منبه قال سمعت ابن
عباس يقول ما رأيت أحدا أحلق للملك من معاوية إن كان ليرد الناس منه
على أرجاء واد رحب ولم يكن كالضيق الحصص الحصر يعنى ابن الزبير
* حدثني عبد الله قال حدثني أبي قال حدثني سليمان قال حدثني عبد الله عن
سفيان بن عيينة عن مجالد عن الشعبي عن قبيصة بن جابر الأسدي قال ألا أخبركم
من صحبت صحبت عمر بن الخطاب فما رأيت رجلا أفقه فقها ولا أحسن مدارسة
249

منه ثم صحبت طلحة بن عبيد الله فما رأيت رجلا أعطى للجزيل من غير مسألة منه
ثم صحبت معاوية فما رأيت رجلا أحب رفيقا ولا أشبه سريرة بعلانية منه ولو
أن المغيرة جعل في مدينة لا يخرج من أبوابها كلها إلا بالغدر لخرج منها
خلافة يزيد بن معاوية
(وفى هذه السنة) بويع ليزيد بن معاوية بالخلافة بعد وفاة أبيه للنصف من رجب في
قول بعضهم وفى قول بعض لثمان بقين منه على ما ذكرنا قبل من وفاة والده معاوية فأقر
عبيد الله بن زياد على البصرة والنعمان بن بشير على الكوفة وقال هشام بن محمد عن أبي
مخنف ولى يزيد في هلال رجب سنة 60 وأمير المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان
وأمير الكوفة النعمان بن بشير الأنصاري وأمير البصرة عبيد الله بن زياد وأمير مكة
عمرو بن سعيد بن العاص ولم يكن ليزيد همة حين ولى إلا بيعة النفر الذين أبوا على
معاوية الإجابة إلى بيعة يزيد حين دعا الناس إلى بيعته وإنه ولى عهده بعده والفراغ
من أمرهم فكتب إلى الوليد بسم الله الرحمن الرحيم من يزيد أمير المؤمنين إلى
الوليد بن عتبة أما بعد فان معاوية كان عبدا من عباد الله أكرمه الله واستخلفه
وخوله ومكن له فعاش بقدر ومات بأجل فرحمه الله فقد عاش محمودا ومات برا
تقيا والسلام وكتب إليه في صحيفة كأنها أذن فأرة أما بعد فخذ حسينا وعبد الله
ابن عمر وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذا شديدا ليست فيه رخصة حتى يبايعوا
والسلام فلما أتاه نعى معاوية فظع به وكبر عليه فبعث إلى مروان بن الحكم
فدعاه إليه وكان الوليد يوم قدم المدينة قدمها مروان متكارها فلما رأى ذلك
الوليد منه شتمه عند جلسائه فبلغ ذلك مروان فجلس عنه وصرمه فلم يزل كذلك
حتى جاء نعى معاوية إلى الوليد فلما عظم على الوليد هلاك معاوية وما أمر به من
أخذ هؤلاء الرهط بالبيعة فزع عند ذلك إلى مروان ودعاه فلما قرأ عليه كتاب
يزيد استرجع وترحم عليه واستشاره الوليد في الامر وقال كيف ترى أن نصنع
قال فإني أرى أن تبعث الساعة إلى هؤلاء النفر فتدعوهم إلى البيعة والدخول في
الطاعة فإن فعلوا قبلت منهم وكففت عنهم وإن أبوا قدمتهم فضربت أعناقهم
250

قبل أن يعلموا بموت معاوية فإنهم إن علموا بموت معاوية وثب كل امرئ
منهم في جانب وأظهر الخلاف والمنابذة ودعا إلى نفسه لا أدرى أما ابن
عمر فإني لا أراه يرى القتال ولا يحب أنه يولى على الناس إلا أن يدفع إليه هذا
الامر عفوا فأرسل عبد الله بن عمرو بن عثمان وهو إذ ذاك غلام حدث إليهما
يدعوهما فوجدهما في المسجد وهما جالسان فأتاهما في ساعة لم يكن الوليد يجلس فيها
للناس ولا يأتيانه في مثلها فقال أجيبا الأمير يدعوكما فقال له انصرف الآن نأتيه ثم
أقبل أحدهما على الآخر فقال عبد الله بن الزبير للحسين ظن فيما تراه بعث إلينا في
هذه الساعة التي لم يكن يجلس فيها فقال حسين قد ظننت أرى طاغيتهم قد هلك فبعث
إلينا ليأخذنا بالبيعة قبل أن يفشو في الناس الخبر فقال وأنا ما أظن غيره قال فما
تريد أن تصنع قال أجمع فتياني الساعة ثم أمشى إليه فإذا بلغت الباب احتبستهم
عليه ثم دخلت عليه قال فإني أخافه عليه إذا دخلت قال لا آتيه الا وأنا على الامتناع
قادر فقام فجمع إليه مواليه وأهل بيته ثم أقبل يمشى حتى انتهى إلى باب الوليد
وقال لأصحابه إني داخل فان دعوتكم أو سمعتم صوته قد علا فاقتحموا على
بأجمعكم والا فلا تبرحوا حتى أخرج إليكم فدخل فسلم عليه بالامرة ومروان جالس
عنده فقال حسين كأنه لا يظن ما يظن من موت معاوية الصلة خير من القطيعة أصلح
الله ذات بينكما فلم يجيباه في هذا بشئ وجاء حتى جلس فأقرأه الوليد الكتاب ونعى له
معاوية ودعاه إلى البيعة فقال حسين إنا لله وإنا إليه راجعون ورحم الله معاوية وعظم
لك الاجر أماما سألتني من البيعة فإن مثلي لا يعطى بيعته سرا ولا أراك تجتزئ
بها منى سرا دون أن نظهرها على رؤس الناس علانية قال أجل قال فإذا
خرجت إلى الناس فدعوتهم إلى البيعة دعوتنا مع الناس فكان أمرا واحدا فقال
له الوليد وكان يحب العافية فانصرف على اسم الله حتى تأتينا مع جماعة الناس فقال
له مروان والله لئن فارقك الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبدا حتى تكثر
القتلى بينكم وبينه احبس الرجل ولا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه
فوثب عند ذلك الحسين فقال يا ابن الزرقاء أنت تقتلني أم هو كذبت والله وأثمت
251

ثم خرج فمر بأصحابه فخرجوا معه حتى أتى منزله فقال مروان للوليد عصيتني
لا والله لا يمكنك من مثلها من نفسه أبدا قال الوليد وبخ غيرك يا مروان إنك
اخترت لي التي فيها هلاك ديني والله ما أحب أن لي ما طلعت عليه الشمس وغربت
عنه من مال الدنيا وملكها وأنى قتلت حسينا سبحان الله أقتل حسينا إن قال
لا أبايع والله إني لا أظن امرءا يحاسب بدم حسين لخفيف الميزان عند الله
يوم القيامة فقال له مروان فإذا كان هذا رأيك فقد أصبت فيما صنعت يقول هذا
له وهو غير الحامد له على رأيه وأما ابن الزبير فقال الآن آتيكم ثم أتى داره فكمن
فيها فبعث الوليد إليه فوجده مجتمعا في أصحابه متحرزا فألح عليه بكثرة الرسل
والرجال في إثر الرجال فأما حسين فقال كف حتى تنظر وننظر وترى ونرى
وأما ابن الزبير فقال لا تعجلوني فانى آتيكم أمهلوني فألحوا عليهما عشيتهما تلك كلها
وأول ليلهما وكانوا على حسين أشد إبقاء وبعث الوليد إلى ابن الزبير موالى له
فشتموه وصاحوا به يا ابن الكاهلية والله لتأتين الأمير أو ليقتلنك فلبث بذلك
نهاره كله وأول ليلة يقول الآن أجئ فإذا استحثوه قال والله لقد استربت بكثرة
الارسال وتتابع هذه الرجال فلا تعجلوني حتى أبعث إلى الأمير من يأتيني برأيه
وأمره فبعث إليه أخاه جعفر بن الزبير فقال رحمك الله كف عن عبد الله فإنك قد أفزعته
وذعرته بكثرة رسلك وهو آتيك غدا إن شاء الله فمر رسلك فلينصرفوا عنا فبعث
إليهم فانصرفوا وخرج ابن الزبير من نحت الليل فأخذ طريق الفرع هو وأخوه جعفر
ليس معهما ثالث وتجنب الطريق الأعظم مخافة الطلب وتوجه نحو مكة فلما أصبح بعث
إليه الوليد فوجده قد خرج فقال مروان والله إن أخطأ مكة فسرح في أثره الرجال
فبعث راكبا من موالى بنى أمية في ثمانين راكبا فطلبوه فلم يقدروا عليه فرجعوا
فتشاغلوا عن حسين بطلب عبد الله يومهم ذلك حتى أمسوا ثم بعث الرجال إلى
حسين عند المساء فقال أصبحوا ثم ترون ونرى فكفوا عنه تلك الليلة ولم يلحوا
عليه فخرج حسين من تحت ليلته وهى ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب سنة 60
وكان مخرج ابن الزبير قبله بليلة خرج ليلة السبت فأخذ طريق الفرع فبينا عبد الله
252

ابن الزبير يساير أخاه جعفر إذا تمثل جعفر يقول صبرة الحنظلي
وكل بنى أم سيسمون ليلة * ولم يبق من أعقابهم غير واحد
فقال عبد الله سبحان الله ما أدرت إلى ما أسمع يا أخي قال والله يا أخي ما أردت
به شيئا مما تكره فقال فذاك والله أكره إلى أن يكون جاء على لسانك من غير
تعمد قال وكأنه تطير منه وأما الحسين فإنه خرج ببنيه وإخوته وبنى أخيه وجل
أهل بيته إلا محمد بن الحنفية فإنه قال له يا أخي أنت أحب الناس إلى وأعزهم
على ولست أدخر النصيحة لاحد من الخلق أحق بها منك تنح بتبعتك عن يزيد
ابن معاوية وعن الأمصار ما استطعت ثم ابعث رسلك إلى الناس فادعهم إلى نفسك
فان بايعوا لك حمدت الله على ذلك وإن أجمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك
دينك ولا عقلك ولا يذهب به مروءتك ولا فضلك إني أخاف أن تدخل مصرا من
هذه الأمصار وتأتى جماعة من الناس فيختلفون بينهم فمنهم طائفة معك وأخرى عليك
فيقتتلون فتكون لأول الأسنة فإذا خير هذه الأمة كلها نفسا وأبا وأما أضيعها
دما وأذلها أهلا قال له الحسين فانى ذاهب يا أخي قال فأنزل مكة فان اطمأنت بك
الدار فسبيل ذلك وإن نبت بك لحقت بالرمال وشعف الجبال وخرجت من بلد إلى
بلد حتى تنظر إلى ما يصير أمر الناس وتعرف عند ذلك الرأي فإنك أصوب ما يكون
رأيا وأحزمه عملا حتى تستقبل الأمور استقبالا ولا تكون الأمور عليك أبدا
أشكل منها حين تستدبرها استدبارا قال يا أخي قد نصحت فأشفقت فأرجو أن
يكون رأيك سديدا موفقا * قال أبو مخنف وحدثني عبد الملك بن نوفل بن مساحق
عن أبي سعد المقبري قال نظرت إلى الحسين داخلا مسجد المدينة وإنه ليمشى وهو
معتمد على رجلين يعتمد على هذا مرة وعلى هذا مرة وهو يتمثل بقول ابن مفرغ
لا ذعرت السوام في فلق الصبح * مغيرا ولا دعيت يزيدا
يوم أعطى من المهابة ضيما * والمنايا يرصدنني أن أحيدا
قال فقلت في نفسي والله ما تمثل بهذين البيتين إلا لشئ يريد قال فما مكث
إلا يومين حتى بلغني أنه سار إلى مكة ثم إن الوليد بعث إلى عبد الله بن عمر فقال
253

بايع ليزيد فقال إذا بايع الناس بايعت فقال رجل ما يمنعك أن تبايع إنما تريد أن
يختلفوا الناس بينهم فيقتتلوا ويتفانوا فإذا جهدهم ذلك قالوا عليكم بعبد الله بن
عمر لم يبق غيره بايعوه قال عبد الله ما أحب أن يقتتلوا ولا يختلفوا ولا يتفانوا
ولكن إذا بايع الناس ولم يبق غيري بايعت قال فتركوه وكانوا لا يتخوفونه قال
ومضى ابن الزبير حتى أتى مكة وعليها عمرو بن سعيد فلما دخل مكة قال إنما أن
عائذ ولم يكن يصلى بصلاتهم ولا يفيض بإفاضتهم كان يقف هو وأصحابه ناحية ثم
يفيض بهم وحده ويصلى بهم وحده قال فلما سار الحسين نحو مكة قال فخرج منها
خائفا يترقب قال رب نجنى من القوم الظالمين فلما دخل مكة قال فلما توجه تلقاء
مدين قال عسى ربى أبى يهديني سواء السبيل (وفى هذه السنة) عزل يزيد الوليد
ابن عتبة عن المدينة عزله في شهر رمضان فأقر عليها عمرو بن سعيد الأشدق
(وفيها) قدم عمرو بن سعيد بن العاص المدينة في رمضان فزعم الواقدي أن ابن
عمر لم يكن بالمدينة حين ورد نعى معاوية وبيعة يزيد على الوليد وأن ابن الزبير
والحسين لما دعيا إلى البيعة ليزيد أبيا وخرجا من ليلتهما إلى مكة فلقيهما ابن عباس
وابن عمر جاءيين من مكة فسألاهما ما وراءكما قالا موت معاوية والبيعة ليزيد
فقال لهما ابن عمر اتقيا الله ولا تفرقا جماعة المسلمين وأما ابن عمر فقدم فأقام أياما
فانتظر حتى جاءت البيعة من البلدان فتقدم إلى الوليد بن عتبة فبايعه وبايعه ابن
عباس (وفى هذه السنة) وجه عمرو بن سعيد عمرو بن الزبير إلى أخيه عبد الله
ابن الزبير لحربه
ذكر الخبر عن ذلك
ذكر محمد بن عمر أن عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق قدم المدينة في رمضان
سنة 60 فدخل عليه أهل المدينة فدخلوا على رجل عظيم الكبر مفوه قال محمد
ابن عمر حدثنا هشام بن سعد عن شيبة بن نصاح قال كانت الرسل تجرى بين يزيد
ابن معاوية وابن الزبير في البيعة فحلف يزيد أن لا يقبل منه حتى يؤتى به في جامعة
وكان الحارث بن خالد المخزومي على الصلاة فمنعه ابن الزبير فلما منعه كتب يزيد
254

إلى عمرو بن سعيد أن ابعث جيشا إلى ابن الزبير وكان عمرو بن سعيد لما قدم
المدينة ولى شرطته عمرو بن الزبير لما كان يعلم ما بينه وبين عبد الله بن الزبير من
البغضاء فأرسل إلى نفر من أهل المدينة فضربهم ضربا شديدا قال محمد بن عمر
حدثني شرحبيل بن أبي عون عن أبيه قال نظر إلى كل من كان يهوى هوى ابن
الزبير فضربه وكان ممن ضرب المنذر بن الزبير وابنه محمد بن المنذر وعبد الرحمن
ابن الأسود بن عبد يغوث وعثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام وخبيب بن
عبد الله بن الزبير ومحمد بن عمار بن ياسر فضربهم الأربعين إلى الخمسين إلى الستين
وفر منه عبد الرحمن بن عثمان وعبد الرحمن بن عمرو بن سهل في أناس إلى مكة فقال
عمرو بن سعيد لعمرو بن الزبير من رجل نوجه إلى أخيك قال لا توجه إليه رجلا
أبدا أنكأ له منى فاخرج لأهل الديوان عشرات وخرج من موالى أهل المدينة
ناس كثير وتوجه معه أنيس بن عمرو الأسلمي في سبعمائة فوجهه في مقدمته
فعسكر بالجرف فجاء مروان بن الحكم إلى عمرو بن سعيد فقال لا تغز مكة واتق
الله ولا تحل حرمة البيت وخلوا ابن الزبير فقد كبر هذا له بضع وستون سنة وهو
رجل لجوج والله لئن لم تقتلوه ليموتن فقال عمرو بن الزبير والله لنقاتلنه ولنغزونه
في جوف الكعبة على رغم أنف من رغم فقال مروان والله إن ذلك ليسوءني
فسار أنيس بن عمرو الأسلمي حتى نزل بذى طوى وسار عمرو بن الزبير حتى نزل
بالأبطح فأرسل عمرو بن الزبير إلى أخيه بريمين الخليفة واجعل في عنقك جامعة
من فضة لا ترى ولا يضرب الناس بعضهم بعضا واتق الله فإنك في بلد حرام قال
ابن الزبير موعدك المسجد فأرسل ابن الزبير عبد الله بن صفوان الجمحي إلى أنيس
ابن عمرو من قبل ذي طوى وكان قد ضوي إلى عبد الله بن صفوان قوم ممن نزل
حول مكة فقاتلوا أنيس بن عمرو فهزم أنيس بن عمرو وأقبح هزيمة وتعوق عن
عمرو جماعة أصحابه فدخل دار علقمة فأتاه عبيدة بن الزبير فأجاره ثم جاء إلى
عبد الله بن الزبير فقال إني قد أجرته فقال أتجير من حقوق الناس هذا ما لا يصلح
قال محمد بن عمر فحدثت هذا الحديث محمد بن عبيد بن عمير فقال أخبرني عمرو
255

ابن دينار قال كتب يزيد بن معاوية إلى عمرو بن سعيد أن استعمل عمرو
ابن الزبير على جيش وابعثه إلى ابن الزبير وابعث معه أنيس بن عمرو قال فسار
عمرو بن الزبير حتى نزل في داره عند الصفا ونزل أنيس بن عمرو بذى طوى فكان
عمرو بن الزبير يصلى بالناس ويصلى خلفه عبد الله بن الزبير فإذا انصرف شبك
أصابعه في أصابعه ولم يبق أحد من قريش إلا أتى عمرو بن الزبير وقعد عبد الله
ابن صفوان فقال مالي لا أرى عبد الله بن صفوان أما والله لئن سرت إليه ليعلمن
أن بنى جمح ومن ضوي إليه من غيرهم قليل فبلغ عبد الله بن صفوان كلمته هذه
فحركته فقال لعبد الله بن الزبير إني أراك كأنك تريد البقيا على أخيك فقال عبد الله
أنا أبقى عليه يا أبا صفوان والله لو قدرت على عون الذر عليه لاستعنت بها عليه فقال
ابن صفوان فأنا أكفيك أنيس بن عمرو فاكفني أخاك قال ابن الزبير نعم فسار
عبد الله بن صفوان إلى أنيس بن عمرو وهو بذى طوى فلاقاه في جمع كثير من
أهل مكة وغيرهم من الأعوان فهزم أنيس بن عمرو ومن معه وقتلوا مدبرهم
وأجازوا على جريحهم وسار مصعب بن عبد الرحمن إلى عمرو وتفرق عنه أصحابه
حتى تخلص إلى عمرو بن الزبير فقال عبيدة بن الزبير لعمرو تعال أنا أجيرك
فجاء عبد الله بن الزبير فقال قد أجرت عمرا فأجره لي فأبى عبد الله أن يجيره
وضربه بكل من كان ضرب بالمدينة وحبسه بسجن عارم قال الواقدي قد
اختلفوا علينا في حديث عمرو بن الزبير وكتبت إلى كل ذلك * حدثني خالد
بن إلياس عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي الجهم قال لما قدم عمرو بن سعيد المدينة
واليا قدم في ذي القعدة سنة 60 فولى عمرو بن الزبير شرطته وقال قد أقسم أمير
المؤمنين أن لا يقبل بيعة ابن الزبير إلا أن يؤتى به في جامعة فليبر يمين أمير المؤمنين
فإني أجعل جامعة خفيفة من ورق أو ذهب ويلبس عليها برنسا ولا ترى إلا
أن يسمع صوتها وقال
خذها فليست للعزيز بخطة * وفيها مقال لامرئ متذلل
أعامر إن القوم ساموك خطة * ومالك في الجيران عدل معذل
256

قال محمد وحدثني رياح بن مسلم عن أبيه قال بعث إلى عبد الله بن الزبير عمرو
ابن سعيد فقال له أبو شريح لا تغز مكة فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول إنما أذن الله لي في القتال بمكة ساعة من نهار ثم عادت كحرمتها فأبى عمرو أن
يسمع قوله وقال نحن أعلم بحرمتها منك أيها الشيخ فبعث عمرو جيشا مع عمرو
ومعه أنيس بن عمرو الأسلمي وزيد غلام محمد بن عبد الله بن الحارث بن هشام
وكانوا نحو ألفين فقاتلهم أهل مكة فقتل أنيس بن عمرو والمهاجر مولى القلمس
في ناس كثير وهزم جيش عمرو فجاء عبيدة بن الزبير فقال لأخيه عمرو أنت في
ذمتي وأنا لك جار فانطلق به إلى عبد الله فدخل على ابن الزبير فقال ما هذا الدم
الذي في وجهك يا خبيث فقال عمرو
لسنا على الأعقاب تدمى كلومنا * ولكن على أقدامنا يقطر الدما
فحبسه وأخفر عبيدة وقال أمرتك أن تجير هذا الفاسق المستحل لحرمات الله
ثم أقاد عمرا من كل من ضربه إلا المنذر وابنه فإنهما أبيا أن يستقيدا وماتا تحت
السياط قال وإنما سمى سجن عارم لعبد كان يقال له زيد عارم فسمى السجن به
وحبس ابن الزبير أخاه عمرا فيه قال الواقدي حدثنا عبد الله بن أبي يحيى عن أبيه
قال كان مع أنيس بن عمرو ألفان (وفى هذه السنة) وجه أهل الكوفة الرسل
إلى الحسين عليه السلام وهو بمكة يدعونه إلى القدوم عليهم فوجه إليهم ابن عمه
مسلم بن عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه
ذكر الخبر عن مراسلة الكوفيين الحسين عليه السلام للمصير إلى ما قبلهم
وأمر مسلم بن عقيل رضي الله عنه
* حدثني زكرياء بن يحيى الضرير قال حدثنا أحمد بن جناب المصيصي ويكنى
أبا الوليد قال حدثنا خالد بن يزيد بن أسد بن عبد الله القسري قال حدثنا
عمار الدهني قال قلت لأبي جعفر حدثني بمقتل الحسين حتى كأني حضرته قال
مات معاوية والوليد بن عتبة بن أبي سفيان على المدينة فأرسل إلى الحسين
ابن علي ليأخذ بيعته فقال له أخرني وارفق فأخره فخرج إلى مكة فأتاه أهل
257

الكوفة ورسلهم إنا قد حبسنا أنفسنا عليك ولسنا نحضر الجمعة مع الوالي
فاقدم علينا وكان النعمان بن بشير الأنصاري على الكوفة قال فبعث الحسين
إلى مسلم بن عقيل بن أبي طالب ابن عمه فقال له سر إلى الكوفة فانظر ما كتبوا به إلى
فإن كان حقا خرجنا إليهم فخرج مسلم حتى أتى المدينة فأخذ منها دليلين فمرا به
في البرية فأصابهم عطش فمات أحد الدليلين وكتب مسلم إلى الحسين يستعفيه
فكتب إليه الحسين أن امض إلى الكوفة فخرج حتى قدمها ونزل على رجل من
أهلها يقال له ابن عوسجة قال فلما تحدث أهل الكوفة بمقدمه دبوا إليه فبايعوه
فبايعه منهم اثنا عشر ألفا قال فقام رجل ممن يهوى يزيد بن معاوية إلى النعمان بن
بشير فقال له إنك ضعيف أو متضعف قد فسد البلاد فقال له النعمان أن أكون
ضعيفا وأنا في طاعة الله أحب إلى من أن أكون قويا في معصية الله وما كنت
لأهتك سترا ستره الله فكتب بقول النعمان إلى يزيد فدعا مولى له يقال له سرجون
وكان يستشيره فأخبره الخبر فقال له أكنت قابلا من معاوية لو كان حيا قال نعم
قال فاقبل منى فإنه ليس للكوفة إلا عبيد الله بن زياد فولها إياه وكان يزيد عليه ساخطا
وكان هم بعزله عن البصرة فكتب إليه برضائه وإنه قد ولاه الكوفة مع البصرة
وكتب إليه أن يطلب مسلم بن عقيل فيقتله إن وجده قال فأقبل عبيد الله
في وجوه أهل البصرة حتى قدم الكوفة متلثما ولا يمر على مجلس من مجالسهم
فيسلم إلا قالوا عليك السلام يا ابن بنت رسول الله وهم يظنون أنه الحسين بن علي
عليه السلام حتى نزل القصر فدعا مولى له فأعطاه ثلاثة آلاف وقال له اذهب حتى
تسأل عن الرجل الذي يبايع له أهل الكوفة فأعلمه أنك رجل من أهل حمص
جئت لهذا الامر وهذا مال تدفعه إليه ليتقوى فلم يزل يتلطف ويرفق به حتى دل على
شيخ من أهل الكوفة يلي البيعة فلقيه فأخبره فقال له الشيخ لقد سرنى لقاؤك إياي
وقد ساءني فأما ما سرنى من ذلك فما هداك الله له وأما ما ساءني فإن أمرنا لم يستحكم
بعد فأدخله إليه فأخذ منه المال وبايعه ورجع إلى عبيد الله فأخبره فتحول مسلم حين
قدم عبيد الله بن زياد من الدار التي كان فيها إلى منزل هانئ بن عروة المرادي وكتب
258

مسلم بن عقيل إلى الحسين بن علي عليه السلام يخبره ببيعته اثنى عشر ألفا من أهل الكوفة
ويأمره بالقدوم وقال عبيد الله لوجوه أهل الكوفة مالي أرى هانئ بن عروة لم
يأتني فيمن أتاني قال فخرج إليه محمد بن الأشعث في ناس من قومه وهو على باب داره
فقالوا إن الأمير قد ذكرك واستبطأك فانطلق إليه فلم يزالوا به حتى ركب وسار حتى
دخل على عبيد الله وعنده شريح القاضي فلما نظر إليه قال لشريح أتتك بحائن رجلاه
فلما سلم عليه قال يا هانئ أين مسلم قال ما أدرى فأمر عبيد الله مولاه صاحب الدراهم
فخرج إليه فلما رآه قطع به فقال أصلح الله الأمير والله ما دعوته إلى منزلي ولكنه جاء
فطرح نفسه على قال ائتنى به قال والله لو كان تحت قدمي ما رفعتهما عنه قال ادنوه إلى
فأدنى فضربه على حاجبه فشجه قال وأهوى هانئ إلى سيف شرطي ليسله فدفع عن
ذلك وقال قد أحل الله دمك فأمر به فحبس في جانب القصر وقال غير أبى جعفر
الذي جاء بهانئ بن عروة إلى عبيد الله بن زياد عمرو بن الحجاج الزبيدي
ذكر من قال ذلك
* حدثنا عمرو بن علي قال حدثنا أبو قتيبة قال حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن
العيزار بن حريث قال حدثنا عمارة بن عقبة بن أبي معيط فجلس في مجلس ابن زياد
فحدث قال طردت اليوم حمرا فأصبت منها حمارا فعقرته فقال له عمرو بن الحجاج
الزبيدي إن حمارا تعقره أنت لحمار حائن فقال ألا أخبرك بأحين من هذا كله رجل
جئ بأبيه كافرا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر به أن يضرب عنقه فقال
يا محمد فمن للصبية قال النار فأنت من الصبية وأنت في النار قال فضحك ابن زياد
رجع الحديث إلى حديث عمار الدهني عن أبي جعفر
قال فبينا هو كذلك إذ خرج الخير إلى مذحج فإذا على باب القصر جلبة سمعها عبيد الله
فقال ما هذا فقالوا مذحج فقال لشريح اخرج إليهم فأعلمهم أنى إنما حبسته لأسائله
وبعث عينا عليه من مواليه يسمع ما يقول فمر بهانئ بن عروة فقال له هانئ اتق الله
يا شريح فإنه قاتلي فخرج شريح حتى قام على باب القصر فقال لا بأس عليه إنما حبسه
الأمير ليسائله فقال صدق ليس على صاحبكم بأس فتفرقوا فأتى مسلما الخبر فنادى
259

بشعاره فاجتمع إليه أربعة آلاف من أهل الكوفة فقدم مقدمته وعبى ميمنته
وميسرته وسار في القلب إلى عبيد الله وبعث عبيد الله إلى وجوه أهل الكوفة
فجمعهم عنده في القصر فلما سار إليه مسلم فانتهى إلى باب القصر أشرفوا على عشائرهم
فجعلوا يكلمونهم ويردونهم فجعل أصحاب مسلم يتسللون حتى أمسى في خمسمائة فلما
اختلط الظلام ذهب أولئك أيضا فلما رأى مسلم أنه قد بقى وحده يتردد في الطرق
حتى أتى بابا فنزل عليه فخرجت إليه امرأة فقال لها اسقيني فسقته ثم دخلت فمكثت
ما شاء الله ثم خرجت فإذا هو على الباب قالت يا عبد الله إن مجلسك مجلس ريبة فقم
قال إني أنا مسلم بن عقيل فهل عندك مأوى قالت نعم ادخل وكان ابنها مولى لمحمد
ابن الأشعث فلما علم به الغلام انطلق إلى محمد فأخبره فانطلق محمد إلى عبيد الله فأخبره
فبعث عبيد الله عمرو بن حريث المخزومي وكان صاحب شرطه إليه ومعه عبد الرحمن
ابن محمد بن الأشعث فلم يعلم مسلم حتى أحيط بالدار فلما رأى ذلك مسلم خرج
إليهم بسيفه فقاتلهم فأعطاه عبد الرحمن الأمان فأمكن من يده فجاء به إلى عبيد الله
فأمر به فأصعد إلى أعلى القصر فضربت عنقه وألقى جثته إلى الناس وأمر بهانئ
فسحب إلى الكناسة فصلب هنالك وقال شاعرهم في ذلك
فإن كنت لا تدرين ما الموت فانظري * إلى هانئ في السوق وابن عقيل
أصابهما أمر الامام فأصبحا * أحاديث من يسعى بكل سبيل
أيركب أسماء الهماليج آمنا * وقد طلبته مذحج بذحول
وأما أبو مخنف فإنه ذكر من قصة مسلم بن عقيل وشخوصه إلى الكوفة ومقتله
قصة هي أشبع وأتم من خبر عمار الدهني عن أبي جعفر الذي ذكرناه ما حدثت
عن هشام بن محمد عنه قال حدثني عبد الرحمن بن جندب قال حدثني عقبة بن
سمعان مولى الرباب ابنة امرئ القيس الكلبية امرأة حسين وكانت مع سكينة
ابنة حسين وهو مولى لأبيها وهى إذ ذاك صغيرة قال خرجنا فلزمنا الطريق
الأعظم فقال للحسين أهل بيته لو تنكبت الطريق الأعظم كما فعل ابن الزبير
لا يلحقك الطلب قال لا والله لا أفارقه حتى يقضى الله ما هو أحب إليه قال فاستقبلنا
260

عبد الله بن مطيع فقال للحسين جعلت فداك أين تريد قال أما الآن فإني أريد
مكة وأما بعدها فإني أستخير الله قال خار الله لك وجعلنا فداك فإذا أنت أتيت
مكة فإياك أن تقرب الكوفة فإنها بلدة مشؤمة بها قتل أبوك وخذل أخوك
واغتيل بطعنة كادت تأتى على نفسه الزم الحرم فإنك سيد العرب لا يعدل بك
والله أهل الحجاز أحدا ويتداعى إليك الناس من كل جانب لا تفارق الحرم
فذاك عمى وخالي فوالله لئن هلكت لنسترقن بعدك فأقبل حتى نزل مكة فأقبل
أهلها يختلفون إليه ويأتونه ومن كان بها من المعتمرين وأهل الآفاق وابن الزبير
بها قد لزم الكعبة فهو قائم يصلى عندها عامة النهار ويطوف ويأتي حسينا فيمن
يأتيه فيأتيه اليومين المتواليين ويأتيه بين كل يومين مرة ولا يزال يشير عليه بالرأي
وهو أثقل خلق الله على ابن الزبير قد عرف أن أهل الحجاز لا يبايعونه ولا يتابعونه
أبدا ما دام حسين بالبلد وأن حسينا أعظم في أعينهم وأنفسهم منه وأطوع في الناس
منه فلما بلغ أهل الكوفة هلاك معاوية أرجف أهل العراق بيزيد وقالوا قد امتنع
حسين وابن الزبير ولحقا بمكة فكتب أهل الكوفة إلى حسين وعليهم النعمان
ابن بشير * قال أبو مخنف فحدثني الحجاج بن علي عن محمد بن بشر الهمداني قال اجتمعت
الشيعة في منزل سليمان بن صرد فذكرنا هلاك معاوية فحمدنا الله عليه فقال لنا
سليمان بن صرد إن معاوية قد هلك وإن حسينا قد تقبض على القوم ببيعته وقد
خرج إلى مكة وأنتم شيعته وشيعة أبيه فإن كنتم تعلمون أنكم ناصروه ومجاهدو
عدوه فاكتبوا إليه وإن خفتم الوهل والفشل فلا تغروا الرجل من نفسه قالوا
لا بل نقاتل عدوه ونقتل أنفسنا دونه قال فاكتبوا إليه فكتبوا إليه (بسم الله
الرحمن الرحيم) لحسين بن علي من سليمان بن صرد والمسيب بن نجبة ورفاعة
ابن شداد وحبيب بن مظاهر وشيعته من المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة
سلام عليك فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فالحمد لله الذي قصم عدوك
الجبار العنيد الذي انتزى على هذه الأمة فابتزها أمرها وغصبها فيأها وتأمر عليها
بغير رضى منها ثم قتل خيارها واستبقى شرارها وجعل مال الله دولة بين جبابرتها
261

وأغنيائها فبعدا له كما بعدت ثمود إنه ليس علينا إمام فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك
على الحق والنعمان بن بشير في قصر الامارة لسنا نجتمع معه في جمعة ولا نخرج
معه إلى عيد ولو قد بلغنا أنك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام إن شاء الله
والسلام ورحمة الله عليك قال ثم سرحنا بالكتاب مع عبد الله بن سبع الهمداني
وعبد الله بن وال وأمرناهما بالنجاء فخرج الرجلان مسرعين حتى قدما على حسين
لعشر مضين من شهر رمضان بمكة ثم لبثنا يومين ثم سرحنا إليه قيس بن مسهر الصيداوي
وعبد الرحمن بن عبد الله بن الكدن الأرحبي وعمارة بن عبيد السلولي فحملوا معهم
نحوا من ثلاثة وخمسين صحيفة من الرجل والاثنين والأربعة قال ثم لبثنا يومين
آخرين ثم سرحنا إليه هانئ بن هانئ السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي وكتبنا معهما
(بسم الله الرحمن الرحيم) لحسين بن علي من شيعته من المؤمنين والمسلمين أما بعد
فحيهلا فإن الناس ينتظرونك ولا رأى لهم في غيرك فالعجل العجل والسلام عليك
وكتب شبث بن ربعي وحجار بن أبجر ويزيد بن الحارث ويزيد بن رويم وعزرة
ابن قيس وعمرو بن الحجاج الزبيدي ومحمد بن عمير التميمي أما بعد فقد اخضر
الجناب وأينعت الثمار وطمت الجمام فإذا شئت فاقدم على جند لك مجند والسلام
عليك وتلاقت الرسل كلها عنده فقرأ الكتب وسأل الرسل عن أمر الناس ثم كتب
مع هانئ بن هانئ السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي وكان آخر الرسل (بسم الله الرحمن
الرحيم) من حسين بن علي إلى الملا من المؤمنين والمسلمين أما بعد فان هانئا وسعيدا
قدما على بكتبكم وكانا آخر من قدم على من رسلكم وقد فهمت كل الذي اقتصصتم
وذكرتم ومقالة جلكم إنه ليس علينا إمام فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الهدى
والحق وقد بعثت إليكم أخي وابن عمى وثقتي من أهل بيتي وأمرته أن يكتب
إلى بحالكم وأمركم ورأيكم فان كتب إلى أنه قد أجمع رأى ملئكم وذوي الفضل
والحجى منكم على مثل ما قدمت على به رسلكم وقرأت في كتبكم أقدم عليكم
وشيكا إن شاء الله فلعمري ما الامام إلا العامل بالكتاب والآخذ بالقسط
والدائن بالحق والحابس نفسه على ذات الله والسلام قال أبو مخنف وذكر أبو المخارق
262

الراسبي قال اجتمع ناس من الشيعة بالبصرة في منزل امرأة من عبد القيس يقال
لها مارية ابنة سعد أو منقذ أياما وكانت تشيع وكان منزلها لهم مألفا يتحدثون
فيه وقد بلغ ابن زياد إقبال الحسين فكتب إلى عامله بالبصرة ان يضع المناظر
ويأخذ بالطريق قال فأجمع يزيد بن نبيط الخروج وهو من عبد القيس إلى الحسين
وكان له بنون عشرة فقال أيكم يخرج معي فانتدب معه ابنان له عبد الله وعبيد الله
فقال لأصحابه في بيت تلك المرأة انى قد أزمعت على الخروج وأنا خارج فقالوا
له انا نخاف عليك أصحاب ابن زياد فقال إني والله لو قد استوت أخفافهما
بالجدد لهان على طلب من طلبني قال ثم خرج فقوى في الطريق حتى انتهى إلى حسين
عليه السلام فدخل في رحله بالأبطح وبلغ الحسين مجيئه فجعل يطلبه وجاء الرجل
إلى رحل الحسين فقيل له قد خرج إلى منزلك فأقبل في أثره ولما لم يجده الحسين
جلس في رحله ينتظره وجاء البصري فوجده في رحله جالسا فقال بفضل الله
وبرحمته فبذلك فليفرحوا قال فسلم عليه وجلس إليه فخبره الذي جاء له فدعا له
بخير ثم أقبل معه حتى أتى فقاتل معه فقتل معه هو وابناه ثم دعا مسلم بن عقيل
فسرحه مع قيس بن مسهر الصيداوي وعمارة بن عبيد السلولي وعبد الرحمن بن
عبد الله بن الكدن الأرحبي فأمره بتقوى الله وكتمان أمره واللطف فإن رأى
الناس مجتمعين مستوثقين عجل إليه بذلك فأقبل مسلم حتى أتى المدينة فصلى في
مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وودع من أحب من أهله ثم استأجر دليلين
من قيس فأقبلا به فضلا الطريق وجارا وأصابهم عطش شديد وقال الدليلان
هذا الطريق حتى ينتهى إلى الماء وقد كادوا أن يموتوا عطشا فكتب مسلم بن عقيل
مع قيس بن مسهر الصيداوي إلى حسين وذلك بالمضيق من بطن الخبيت أما بعد
فإني أقبلت من المدينة معي دليلان لي فجارا عن الطريق وضلا واشتد علينا العطش
فلم يلبثا أن ماتا وأقبلنا حتى انتهينا إلى الماء فلم ننج إلا بحشاشة أنفسنا وذلك الماء
بمكان يدعى المضيق من بطن الخبيت وقد تطيرت من وجهي هذا فان رأيت
أعفيتني منه وبعثت غيري والسلام فكتب إليه حسين أما بعد فقد خشيت ألا
263

يكون حملك على الكتاب إلى في الاستعفاء من الوجه الذي وجهتك له إلا
الجبن فامض لوجهك الذي وجهتك له والسلام عليك فقال مسلم لمن قرأ الكتاب
هذا ما لست أتخوفه على نفسي فأقبل كما هو حتى مر بماء لطئ فنزل بهم ثم
ارتحل منه فإذا رجل يرمى الصيد فنظر إليه قد رمى ظبيا حين أشرف له فصرعه
فقال مسلم يقتل عدونا إن شاء الله ثم أقبل مسلم حتى دخل الكوفة فنزل دار
المختار بن أبي عبيد وهى التي تدعى اليوم دار مسلم بن المسيب وأقبلت الشيعة
تختلف إليه فلما اجتمعت إليه جماعة منهم قرأ عليهم كتاب حسين فأخذوا يبكون
فقام عابس بن أبي شبيب الشاكري فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإني لا أخبرك
عن الناس ولا أعلم ما في أنفسهم وما أغرك منهم؟ والله أحدثك عما أنا موطن نفسي
عليه والله لأجيبنكم إذا دعوتم ولأقاتلن معكم عدوكم ولأضربن بسيفي دونكم حتى
ألقى الله لا أريد بذلك إلا ما عند الله فقام فقام حبيب بن مظاهر الفقعسي فقال
رحمك الله قد قضيت ما في نفسك بواجز من قولك ثم قال وأنا والله الذي لا إله
إلا هو على مثل ما هذا عليه ثم قال الحنفي مثل ذلك فقال الحجاج بن علي فقلت
لمحمد بن بشر فهل كان منك أنت قول فقال إن كنت لأحب أن يعز الله أصحابي
بالظفر وما كنت لأحب أن أقتل وكرهت أن أكذب واختلفت الشيعة إليه
حتى علم مكانه فبلغ ذلك النعمان بن بشير قال أبو مخنف حدثني نمر بن وعلة عن أبي
الوداك قال خرج إلينا النعمان بن بشير فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال
أما بعد فاتقوا الله عباد الله ولا تسارعوا إلى الفتنة والفرقة فان فيهما يهلك الرجال
وتسفك الدماء وتغصب الأموال وكان حليما ناسكا يحب العافية قال إني لم أقاتل
من لم يقاتلني ولا أثب على من لا يثب على ولا أشاتمكم ولا أتحرش بكم ولا آخذ
بالقرف ولا الظنة ولا التهمة ولكنكم إن أبديتم صفحتكم لي ونكثتم بيعتكم
وخالفتم إمامكم فوالله الذي لا إله غيره لأضربنكم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي ولو لم
يكن لي منكم ناصر أما إني أرجو أن يكون من يعرف الحق منكم أكثر ممن يرديه
الباطل قال فقام إليه عبد الله بن مسلم بن سعيد الحضرمي حليف بنى أمية فقال إنه
264

لا يصلح ما ترى إلى الغشم إن هذا الذي أنت عليه فيما بينك وبين عدوك رأى
المستضعفين فقال أن أكون من المستضعفين في طاعة الله أحب إلى من أن أكون
من الأعزين في معصية الله ثم نزل وخرج عبد الله بن مسلم وكتب إلى يزيد بن
معاوية أما بعد فان مسلم بن عقيل قد قدم الكوفة فبايعته الشيعة للحسين بن علي
فإن كان لك بالكوفة حاجة فابعث إليها رجلا قويا ينفذ أمرك ويعمل مثل عملك في
عدوك فان النعمان بن بشير رجل ضعيف أو هو يتضعف فكان أول من كتب إليه
ثم كتب إليه عمارة بن عقبة بنحو من كتابه ثم كتب إليه عمر بن سعد بن أبي وقاص
بمثل ذلك قال هشام قال عوانة فلما اجتمعت الكتب عند يزيد ليس بين كتبهم إلا يومان
دعا يزيد بن معاوية سرجون مولى معاوية فقال ما رأيك فان حسينا قد توجه نحو الكوفة
ومسلم بن عقيل بالكوفة يبايع للحسين وقد بلغني عن النعمان ضعف وقول سيئ
وأقرأه كتبهم فما ترى من أستعمل على الكوفة وكان يزيد عاتبا على عبيد الله بن زياد
فقال سرجون أرأيت معاوية لو نشر لك أكنت آخذا برأيه قال نعم فأخرج عهد
عبيد الله على الكوفة فقال هذا رأى معاوية ومات وقد أمر بهذا الكتاب فأخذ
برأيه وضم المصرين إلى عبيد الله وبعث إليه بعهده على الكوفة ثم دعا مسلم بن عمرو
الباهلي وكان عنده فبعثه إلى عبيد الله بعهده إلى البصرة وكتب إليه معه أما بعد
فإنه كتب إلى شيعتي من أهل الكوفة يخبرونني أن ابن عقيل بالكوفة يجمع
الجموع لشق عصا المسلمين فسر حين تقرأ كتابي هذا حتى تأتى أهل الكوفة فتطلب
ابن عقيل كطلب الخرزة حتى تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه والسلام فأقبل مسلم
ابن عمرو حتى قدم على عبيد الله بالبصرة فأمر عبيد الله بالجهاز والتهيئ والمسير
إلى الكوفة من الغد وقد كان حسين كتب إلى أهل البصرة كتابا قال هشام قال
أبو مخنف حدثني الصقعب بن زهير عن أبي عثمان النهدي قال كتب حسين مع
مولى لهم يقال له سليمان وكتب بنسخة إلى رؤس الأخماس بالبصرة وإلى الاشراف
فكتب إلى مالك بن مسمع البكري وإلى الأحنف بن قيس وإلى المنذر بن
الجارود وإلى مسعود بن عمرو وإلى قيس بن الهيثم وإلى عمرو بن عبيد الله بن
265

معمر فجاءت منه نسخة واحدة إلى جميع أشرافها أما بعد فان الله اصطفى محمدا صلى
الله عليه وسلم على خلقه وأكرمه بنبوته واختاره لرسالته ثم قبضه الله إليه وقد
نصح لعبادة وبلغ ما أرسل به صلى الله عليه وسلم وكنا أهله وأولياءه وأوصياءه
وورثته وأحق الناس بمقامه في الناس فاستأثر علينا قومنا بذلك فرضينا وكرهنا
الفرقة وأحببنا العافية ونحن نعلم أنا أحق بذلك الحق المستحق علينا ممن تولاه
وقد أحسنوا وأصلحوا وتحروا الحق فرحمهم الله وغفر لنا ولهم وقد بعثت رسولي
إليكم بهذا الكتاب وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فان
السنة قد أميتت وإن البدعة قد أحييت وأن تسمعوا قولي وتطيعوا أمري أهدكم
سبيل الرشاد والسلام عليكم ورحمة الله فكل من قرأ ذلك الكتاب من أشراف الناس
كتمه غير المنذر بن الجارود فإنه خشى بزعمه أن يكون دسيسا من قبل عبيد الله
فجاءه بالرسول من العشية التي يريد صبيحتها أن يسبق إلى الكوفة وأقرأه كتابه
فقدم الرسول فضرب عنقه وصعد عبيد الله منبر البصرة فحمد الله وأثنى عليه ثم
قال أما بعد فوالله ما تقرن بي الصعبة ولا يقعقع لي بالشنان وإني لنكل لمن عاداني
وسم لمن حاربني أنصف القارة من راماها يا أهل البصرة إن أمير المؤمنين
ولانى الكوفة وأنا غاد إليها الغداة وقد استخلفت عليكم عثمان بن زياد بن أبي
سفيان وإياكم والخلاف والارجاف فوالذي لا إله غيره لئن بلغني عن
رجل منكم خلاف لأقتلنه وعريفه ووليه ولآخذن الأدنى بالأقصى حتى تستمعوا
لي ولا يكون فيكم مخالف ولا مشاق أنا ابن زياد أشبهته من بين من وطئ
الحصى ولم ينتزعني شبه خال ولا ابن عم ثم خرج من البصرة واستخلف أخاه
عثمان بن زياد وأقبل إلى الكوفة ومعه مسلم بن عمرو الباهلي وشريك بن الأعور
الحارثي وحشمه وأهل بيته حتى دخل الكوفة وعليه عمامة سوداء وهو متلثم
والناس قد بلغهم إقبال حسين إليهم فهم ينتظرون قدومه فظنوا حين قدم عبيد الله
أنه الحسين فأخذ لا يمر على جماعة من الناس إلا سلموا عليه وقالوا مرحبا بك
يا ابن رسول الله قدمت خير مقدم فرأى من تباشيرهم بالحسين عليه السلام
266

ما ساءه فقال مسلم بن عمرو لما أكثروا تأخروا هذا الأمير عبيد الله بن زياد فأخذ
حين أقبل على الظهر وانما معه بضعة عشر رجلا فلما دخل القصر وعلم الناس أنه
عبيد الله بن زياد دخلهم من ذلك كآبة وحزن شديد وغاظ عبيد الله ما سمع منهم
وقال ألا أرى هؤلاء كما أرى * قال هشام قال أبو مخنف فحدثني المعلى بن كليب
عن أبي وداك قال لما نزل القصر نودي الصلاة جامعة قال فاجتمع الناس فخرج
إلينا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإن أمير المؤمنين أصلحه الله ولانى مصركم
وثغركم وأمرني بانصاف مظلومكم واعطاء محرومكم وبالاحسان إلى سامعكم ومطيعكم
وبالشدة على مريبكم وعاصيكم وأنا متبع فيكم أمره ومنفذ فيكم عهده فأنا لمحسنكم
ومطيعكم كالوالد البر وسوطي وسيفي على من ترك أمري وخالف عهدي فليبق
امرؤ على نفسه الصدق ينبي عنك لا الوعيد ثم نزل فأخذ العرفاء والناس أخذا
شديدا فقال اكتبوا إلى الغرباء ومن فيكم من طلبة أمير المؤمنين ومن فيكم من
الحرورية وأهل الريب الذين رأيهم الخلاف والشقاق فمن كتبهم لنا فبرئ ومن
لم يكتب لنا أحدا فيضمن لنا ما في عرافته ألا يخالفنا منهم مخالف ولا يبغي علينا
منهم باغ فمن لم يفعل برئت منه الذمة وحلال لنا ماله وسفك دمه وأيما عريف
وجد في عرافته من بغية أمير المؤمنين أحد لم يرفعه إلينا صلب على باب داره
وألغيت تلك العرافة من العطاء وسير إلى موضع بعمان الزارة * وأما عيسى بن
يزيد الكناني فإنه قال فيما ذكر عمر بن شبة عن هارون بن مسلم عن علي بن صالح
عنه قال لما جاء كتاب يزيد إلى عبيد الله بن زياد انتخب من أهل البصرة خمسمائة
فيهم عبد الله بن الحارث بن نوفل وشريك بن الأعور وكان شيعة لعلى فكان أول
من سقط بالناس شريك فيقال إنه تساقط غمرة ومعه ناس ثم سقط عبد الله بن
الحارث وسقط معه ناس ورجوا أن يلوى عليهم عبيد الله ويسبقه الحسين إلى
الكوفة فجعل لا يلتفت إلى من سقط ويمضى حتى ورد القادسية وسقط مهران
مولاه فقال أيا مهران على هذه الحال ان أمسكت عنك حتى تنظر إلى القصر فلك
مائة ألف قال لا والله ما أستطيع فنزل عبيد الله فأخرج ثيابا مقطعة من مقطعات
267

اليمن ثم اعتجر بمعجرة يمانية فركب بغلته ثم انحدر راجلا وحده فجعل يمر بالمحارس
فكلما نظروا إليه لم يشكوا أنه الحسين فيقولون مرحبا بك يا ابن رسول الله
وجعل لا يكلمهم وخرج إليه الناس من دورهم وبيوتهم وسمع بهم النعمان بن بشير
فغلق عليه وعلى خاصته وانتهى إليه عبيد الله وهو لا يشك انه الحسين ومعه الخلق
يضجون فكلمه النعمان فقال أنشدك الله إلا تنحيت عنى ما أنا بمسلم إليك أمانتي
وما في قتلك من أرب فجعل لا يكلمه ثم إنه دنا وتدلى الآخر بين شرفتين فجعل
يكلمه فقال افتح لأفتحت فقد طال ليلك فسمعها إنسان خلفه فتكفى إلى القوم
فقال أي قوم ابن مرجانة والذي لا إله غيره فقالوا ويحك إنما هو الحسين ففتح له
النعمان فدخل وضربوا الباب في وجوه الناس فانفضوا وأصبح فجلس على المنبر
فقال أيها الناس إني لاعلم أنه قد سار معي وأظهر الطاعة لي من هو عدو للحسين
حين ظن أن الحسين قد دخل البلد وغلب عليه والله ما عرفت منكم أحدا ثم نزل
وأخبر أن مسلم بن عقيل قدم قبله بليلة وأنه بناحية الكوفة فدعا مولى لبنى تميم
فأعطاه مالا وقال انتحل هذا الامر وأعنهم بالمال واقصد لهانئ ومسلم وانزل عليه
فجاء هانئا فأخبره أنه شيعة وأن معه مالا وقدم شريك بن الأعور شاكيا فقال
لهانئ مر مسلما يكون عندي فإن عبيد الله يعودني وقال شريك لمسلم أرأيتك إن
أمكنتك من عبيد الله أضاربه أنت بالسيف قال نعم والله وجاء عبيد الله شريكا
يعوده في منزل هانئ وقد قال شريك لمسلم إذا سمعتني أقول أسقوني ماء فاخرج
عليه فاضربه وجلس عبيد الله على فراش شريك وقام على رأسه مهران فقال
أسقوني ماء فخرجت جارية بقدح فرأت مسلما فزالت فقال شريك أسقوني ماء
ثم قال الثالثة ويلكم تحموني الماء أسقونيه ولو كانت فيه نفسي ففطن مهران فغمز
عبيد الله فوثب فقال شريك أيها الأمير إني أريد أن أوصى إليك قال أعود إليك
فجعل مهران يطرد به وقال أراد والله قتلك قال وكيف مع إكرامي شريكا وفى
بيت هانئ ويد أبى عنده يد فرجع فأرسل إلى أسماء بن خارجة ومحمد بن الأشعث
فقال ائتياني بهانئ فقالا له إنه لا يأتي إلا بالأمان قال وماله وللأمان وهل أحدث
268

حدثا انطلقا فإن لم يأت إلا بأمان فآمناه تأتياه فدعواه فقال إنه إن أخذني قتلني فلم
يزالا به حتى جاءا به وعبيد الله يخطب يوم الجمعة فجلس في المسجد وقد رجل
هاني غدير تيه فلما صلى عبيد الله قال يا هانئ فتبعه ودخل فسلم فقال عبيد الله
يا هانئ أما تعلم أن أبى قدم هذا البلد فلم يترك أحدا من هذه الشيعة إلا قتله غير
أبيك وغير حجر وكان من حجر ما قد علمت ثم لم يزل يحسن صحبتك ثم كتب إلى
أمير الكوفة ان حاجتي قبلك هانئ قال نعم قال فكان جزائي أن خبأت في بيتك
رجلا ليقتلني قال ما فعلت فأخرج التميمي الذي كان عينا عليهم فلما رآه هانئ علم
أن قد أخبره الخبر فقال أيها الأمير قد كان الذي بلغك ولن أضيع يدك عنى فأنت
آمن وأهلك فسر حيث شئت فكبا عبيد الله عندها ومهران قائم على رأسه
في يده معكزة فقال وا ذلاه هذا العبد الحائك يؤمنك في سلطانك فقال خذه
فطرح المعكزة وأخذ بضفيرتي هانئ ثم أقنع بوجهه ثم أخذ عبيد الله المعكزة
فضرب به وجه هانئ وندر الزج فارتز في الجدار ثم ضرب وجهه حتى كسر أنفه
وجبينه وسمع الناس الهيعة وبلغ الخبر مذحج فأقبلوا فأطافوا بالدار وأمر عبيد الله
بهانئ فألقى في بيت وصيح المذحجيون وأمر عبيد الله مهران أن يدخل عليه
شريحا فخرج فأدخله عليه ودخلت الشرط معه فقال يا شريح قد ترى ما يصنع
بي قال أراك حيا قال وحى أنا مع ما ترى أخبر قومي أنهم إن انصرفوا قتلني
فخرج إلى عبيد الله فقال قد رأيته حيا ورأيت أثرا سيئا قال وتنكر أن يعاقب
الوالي رعيته اخرج إلى هؤلاء فأخبرهم فخرج وأمر عبيد الله الرجل فحرج معه
فقال لهم شريح ما هذه الرعة السيئة الرجل حي وقد عاتبه سلطانه بضرب لم يبلغ
نفسه فانصرفوا ولا تحلوا بأنفسكم ولا بصاحبكم فانصرفوا وذكر هشام عن أبي
مخنف عن المعلى بن كليب عن أبي الوداك قال نزل شريك بن الأعور على هانئ
ابن عروة المرادي وكان شريك شيعيا وقد شهد صفين مع عمار وسمع مسلم بن
عقيل بمجئ عبيد الله ومقالته التي قالها وما أخذ به العرفاء والناس فخرج من دار
المختار وقد علم به حتى انتهى إلى دار هانئ بن عروة المرادي فدخل بابه وأرسل
269

إليه أن اخرج فخرج إليه هانئ فكره هانئ مكانه حين رآه فقال له مسلم أتيتك
لتجيرني وتضيفني فقال رحمك الله لقد كلفتني شططا ولولا دخولك داري وثقتك
لأحببت ولسألتك أن تخرج عنى غير أنه يأخذني من ذلك ذمام وليس مردود
مثلي على مثلك عن جهل أدخل فآواه وأخذت الشيعة تختلف إليه في دار هانئ
ابن عروة ودعا ابن زياد مولى يقال له معقل فقال له خذ ثلاثة آلاف درهم ثم
اطلب مسلم بن عقيل واطلب لنا أصحابه ثم أعطهم هذه الثلاثة آلاف فقال لهم
استعينوا بها على حرب عدوكم وأعلمهم أنك منهم فإنك لو قد أعطيتها إياهم اطمأنوا
إليك ووثقوا بك ولم يكتموك شيئا من أخبارهم ثم اغد عليهم ورح ففعل ذلك
فجاء حتى أتى إلى مسلم بن عوسجة الأسدي من بنى سعد بن ثعلبة في المسجد الأعظم
وهو يصلى وسمع الناس يقولون إن هذا يبايع للحسين فجاء فجلس حتى فرغ من
صلاته ثم قال يا عبد الله إني امرؤ من أهل الشأم مولى لذي الكلاع أنعم الله
على بحب أهل هذا البيت وحب من أحبهم فهذه ثلاثة آلاف درهم أردت بها لقاء رجل
منهم بلغني أنه قدم الكوفة يبايع لابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت
أريد لقاءه فلم أجد أحدا يدلني عليه ولا يعرف مكانه فانى لجالس آنفا في المسجد
إذ سمعت نفرا من المسلمين يقولون هذا رجل له علم بأهل هذا البيت وإني أتيتك
لتقبض هذا المال وتدخلني على صاحبك فأبايعه وإن شئت أخذت بيعتي له قبل
لقائه فقال احمد الله على لقائك إياي فقد سرنى ذلك لتنال ما تحب ولينصر الله بك
أهل بيت نبيه ولقد ساءني معرفتك إياي بهذا الامر من قبل أن ينمى مخافة هذا
الطاغية وسطوته فأخذ بيعته قبل أن يبرح وأخذ عليه المواثيق المغلظة ليناصحن
وليكتمن فأعطاه من ذلك ما رضى به ثم قال له اختلف إلى أياما في منزلي فأنا
طالب لك الاذن على صاحبك فأخذ يختلف مع الناس فطلب له الاذن فمرض
هانئ بن عروة فجاء عبيد الله عائدا له فقال له عمارة بن عبيد السلولي انما جماعتنا
وكيدنا قتل هذا الطاغية فقد أمكنك الله منه فاقتله قال هانئ ما أحب أن يقتل
في داري فخرج فما مكث إلا جمعة حتى مرضى شريك بن الأعور وكان كريما على
270

ابن زياد وعلى غيره من الامراء وكان شديد التشيع فأرسل إليه عبيد الله إني
رائح إليك العشية فقال لمسلم ان هذا الفاجر عائدي العشية فإذا جلس فاخرج إليه
فاقتله ثم اقعد في القصر ليس أحد يحول بينك وبينه فان برئت من وجعي هذا
أيامى هذه سرت إلى البصرة وكفيتك أمرها فلما كان من العشى أقبل عبيد الله
لعيادة شريك فقام مسلم بن عقيل ليدخل وقال له شريك لا يفوتنك إذا جلس
فقام هانئ بن عروة إليه فقال انى لا أحب أن يقتل في داري كأنه استقبح ذلك
فجاء عبيد الله بن زياد فدخل فجلس فسأل شريكا عن وجعه وقال ما الذي تجد
ومتى أشكيت فلما طال سؤاله إياه ورأى أن الآخر لا يخرج خشى أن يفوته فأخذ
يقول ما تنظرون بسلمى أن تحيوها أسقنيها وإن كانت فيها نفسي فقال ذلك مرتين
أو ثلاثا فقال عبيد الله ولا يفطن ما شأنه أترونه يهجر فقال له هانئ نعم أصلحك
الله ما زال هذا ديدنه قبيل عماية الصبح حتى ساعته هذه ثم إنه قام فانصرف فخرج
مسلم فقال له شريك ما منعك من قتله فقال خصلتان أما إحداهما فكراهة هانئ
ان يقتل في داره وأما الأخرى فحديث حدثه الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم
إن الايمان قيد الفتك ولا يفتك مؤمن فقال هانئ أما والله لو قتلته لقتلت فاسقا
فاجرا كافرا غادرا ولكن كرهت أن يقتل في داري ولبث شريك بن الأعور
بعد ذلك ثلاثا ثم مات فخرج ابن زياد فصلى عليه وبلغ عبيد الله بعد ما قتل مسلما
وهانئا أن ذلك الذي كنت سمعت من شريك في مرضه إنما كان يحرض مسلما
ويأمره بالخروج إليك ليقتلك فقال عبيد الله والله لا أصلى على جنازة رجل من
أهل العراق أبدا ووالله لولا أن قبر زياد فيهم لنبشت شريكا ثم أن معقلا مولى
ابن زياد الذي دسه بالمال إلى ابن عقيل وأصحابه اختلف إلى مسلم بن عوسجة أياما
ليدخله على ابن عقيل فأقبل به حتى أدخله عليه بعد موت شريك بن الأعور فأخبره
خبره كله فأخذ ابن عقيل بيعته وأمر أبا ثمامة الصائدي فقبض ماله الذي جاء به
وهو الذي كان يقبض أموالهم وما يعين به بعضهم بعضا يشترى لهم السلاح وكان به
بصيرا وكان من فرسان العرب ووجوه الشيعة وأقبل ذلك الرجل يختلف إليهم فهو
271

أول داخل وآخر خارج يسمع أخبارهم ويعلم أسرارهم ثم ينطلق بها حتى يقرها
في أذن ابن زياد قال وكان هانئ يغدو ويروح إلى عبيد الله فلما نزل به مسلم انقطع
من الاختلاف وتمارض فجعل لا يخرج فقال ابن زياد لجلسائه مالي لا أرى هانئا
فقالوا هو شاك فقال لو علمت بمرضه لعدته (قال أبو مخنف) فحدثني المجالد بن سعيد
قال دعا عبيد الله محمد بن الأشعث وأسماء بن خارجة (قال أبو مخنف) حدثني الحسن
ابن عقبة المرادي أنه بعث معهما عمرو بن الحجاج الزبيدي (قال أبو مخنف)
وحدثني نمر بن وعلة عن أبي الوداك قال كانت روعة أخت عمرو بن الحجاج
تحت هانئ بن عروة وهى أم يحيى بن هانئ فقال لهم ما يمنع هانئ بن عروة من
اتياننا قالوا ما ندري أصلحك الله وإنه ليتشكى قال قد بلغني أنه قد برأ وهو
يجلس على باب داره فالقوه فمروه ألا يدع ما عليه في ذلك من الحق فانى لا أحب
أن يفسد عندي مثله من أشراف العرب فأتوه حتى وقفوا عليه عشية وهو جالس
على بابه فقالوا ما يمنعك من لقاء الأمير فإنه قد ذكرك وقد قال لو أعلم انه شاك
لعدته فقال لهم الشكوى يمنعني فقالوا له يبلغه أنك تجلس كل عشية على باب دارك
وقد استبطأك والابطاء والجفاء لا يحتمله السلطان أقسمنا عليك لما ركبت
معنا فدعا بثيابه فلبسها ثم دعا ببغلة فركبها حتى إذا دنا من القصر كأن نفسه
أحست ببعض الذي كان فقال لحسان بن أسماء بن خارجة يا ابن أخي انى والله
لهذا الرجل لخائف فما ترى قال أي عم والله ما أتخوف عليك شيئا ولم تجعل
على نفسك سبيلا وأنت برئ وزعموا أن أسماء لم يعلم في أي شئ بعث إليه عبيد الله
فأما محمد فقد علم به فدخل القوم على ابن زياد ودخل معهم فلما طلع قال عبيد الله
أتتك بحائن رجلاه وقد عرس عبيد الله إذ ذاك بأم نافع ابنة عمارة بن عقبة فلما
دنا من ابن زياد وعنده شريح القاضي التفت نحوه فقال
أريد حباءه ويريد قتلى * عذيرك من خليلك من مراد
وقد كان له أول ما قدم مكرما ملطفا فقال له هانئ وما ذاك أيها الأمير قال
إيه يا هانئ بن عروة ما هذه الأمور التي تربص في دورك لأمير المؤمنين وعامة
272

المسلمين جئت بمسلم بن عقيل فأدخلته دارك وجمعت له السلاح والرجال في الدور
حولك وظننت أن ذلك يخفى على لك قال ما فعلت وما مسلم عندي قال بلى قد
فعلت قال ما فعلت قال بلى فلما كثر ذلك بينهما وأبى هانئ إلا مجاحدته ومناكرته
دعا ابن زياد معقلا ذلك العين فجاء حتى وقف بين يديه فقال أتعرف هذا قال
نعم وعلم هانئ عند ذلك أنه كان عينا عليهم وأنه قد أتاه بأخبارهم فسقط في خلده
ساعة ثم إن نفسه راجعته فقال له اسمع منى وصدق مقالتي فوالله لا أكذبك
والله الذي لا إله غيره ما دعوته إلى منزلي ولا علمت بشئ من أمره حتى رأيته
جالسا على بابى فسألني النزول على فاستحييت من رده ودخلني من ذلك ذمام
فأدخلته داري وضفته وآويته وقد كان من أمره الذي بلغك فان شئت أعطيت
الآن موثقا مغلظا وما تطمئن إليه ألا أبغيك سوءا وإن شئت أعطيتك رهينة
تكون في يدك حتى آتيك وأنطلق إليه فأمره أن يخرج من داري إلى حيث
شاء من الأرض فأخرج من ذمامه وجواره فقال لا والله لا تفارقني أبدا حتى
تأتيني به فقال لا والله لا أجيئك به أبدا أنا أجيئك بضيفي تقتله قال والله
لتأتيني به قال والله لا آتيك به فلما كثر الكلام بينهما قام مسلم بن عمرو الباهلي
وليس بالكوفة شأمى ولا بصرى غيره فقال أصلح الله الأمير خلنى وإياه حتى أكلمه
لما رأى لجاجته وتأبيه على ابن زياد أن يدفع إليه مسلما فقال لهانئ قم إلى ههنا
حتى أكلمك فقام فخلا به ناحية من ابن زياد وهما منه على ذلك قريب حيث يراهما
إذا رفعا أصواتهما سمع ما يقولان وإذا خفضا خفى عليه ما يقولان فقال له مسلم
يا هانئ إني أنشدك الله أن تقتل نفسك وتدخل البلاء على قومك وعشيرتك
فوالله إني لا نفس بك عن القتل وهو يرى أن عشيرته ستحرك في شأنه أن هذا
الرجل ابن عم القوم وليسوا قاتليه ولا ضائريه فادفعه إليه فإنه ليس عليك بذلك
مخزاة ولا منقصة إنما تدفعه إلى السلطان قال بلى والله أن على في ذلك للخزي
والعار أنا أدفع جارى وضيفي وأنا حي صحيح أسمع وأرى شديد الساعد كثير
الأعوان والله لو لم أكن إلا واحدا ليس لي ناصر لم أدفعه حتى أموت دونه فأخذ
273

يناشده وهو يقول والله لا أدفعه إليه أبدا فسمع ابن زياد ذلك فقال ادنوه منى
فأدنوه منه فقال والله لتأتيني به أو لأضربن عنقك قال إذا تكثر البارقة حول
دارك فقال وا لهفا عليك أبالبارقة تخوفني وهو يظن أن عشيرته سيمنعونه فقال ابن
زياد ادنوه منى فأدنى فاستعرض وجهه بالقضيب فلم يزل يضرب أنفه وجبينه وخده
حتى كسر أنفه وسيل الدماء على ثيابه ونثر لحم خديه وجبينه على لحيته حتى كسر القضيب
وضرب هانئ بيده إلى قائم سيف شرطي من تلك الرجال وجابذه الرجل ومنع فقال
عبيد الله أحرورى سائر اليوم أحللت بنفسك قد حل لنا قتلك خذوه فألقوه في بيت من
بيوت الدار وأغلقوا عليه بابه واجعلوا عليه حرسا ففعل ذلك به فقام إليه أسماء
ابن خارجة فقال أرسل غدر سائر اليوم أمرتنا أن نجيئك بالرجل حتى إذا جئناك
به وأدخلناه عليك هشمت وجهه وسيلت دمه على لحيته وزعمت أنك تقتله فقال
له عبيد الله وإنك لههنا فأمر به فلهز وتعتع به ثم ترك فحبس وأما محمد بن الأشعث
فقال قد رضينا بما رأى الأمير لنا كان أم علينا إنما الأمير مؤدب وبلغ عمرو بن
الحجاج أن هانئا قد قتل فأقبل في مذحج حتى أحاط بالقصر ومعه جمع عظيم ثم
نادى أنا عمرو بن الحجاج هذه فرسان مذحج ووجوهها لم نخلع طاعة ولم نفارق
جماعة وقد بلغهم أن صاحبهم يقتل فأعظموا ذلك فقيل لعبيد الله هذه مذحج
بالباب فقال لشريح القاضي ادخل على صاحبهم فانظر إليه ثم اخرج فأعلمهم
أنه حي لم يقتل وأنك قد رأيته فدخل إليه شريح فنظر إليه * قال أبو مخنف فحدثني
الصقعب بن زهير عن عبد الرحمن بن شريح قال سمعته يحدث إسماعيل بن طلحة
قال دخلت على هانئ فلما رآني قال يا الله يا للمسلمين أهلكت عشيرتي فأين أهل
الدين وأين أهل المصر تفاقدوا يخلوني وعدوهم وابن عدوهم والدماء تسيل على
لحيته إذ سمع الرجة على باب القصر وخرجت واتبعني فقال يا شريح إني لا أظنها
أصوات مذحج وشيعتي من المسلمين ان دخل على عشرة نفر انفذوني قال
فخرجت إليهم ومعي حميد بن بكر الأحمري أرسله معي ابن زياد وكان من شرطه
ممن يقوم على رأسه وأيم الله لولا مكانه معي لكنت أبلغت أصحابه ما أمرني
274

به فلما خرجت إليهم قلت إن الأمير لما بلغه مكانكم ومقالتكم في صاحبكم أمرني
بالدخول إليه فأتيته فنظرت إليه فأمرني أن ألقاكم وأن أعلمكم أنه حي وأن الذي
بلغكم من قتله كان باطلا فقال عمرو وأصحابه فأما إذ لم يقتل والحمد لله ثم انصرفوا
(قال أبو مخنف) حدثني الحجاج بن علي عن محمد بن بشير الهمداني قال لما
ضرب عبيد الله هانئا وحبسه خشى أن يثب الناس به فخرج فصعد المنبر ومعه
أشراف الناس وشرطه وحشمه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد أيها الناس
فاعتصموا بطاعة الله وطاعة أئمتكم ولا تختلفوا ولا تفرقوا فتهلكوا وتذلوا
وتقتلوا وتجفوا وتحرموا إن أخاك من صدقك وقد أعذر من أنذر قال ثم ذهب
لينزل فما نزل عن المنبر حتى دخلت النظارة المسجد من قبل التمارين يشتدون
ويقولون قد جاء ابن عقيل قد جاء ابن عقيل فدخل عبيد الله القصر مسرعا وأغلق أبوابه
(قال أبو مخنف) حدثني يوسف بن يزيد عن عبد الله بن حازم قال أنا والله رسول
ابن عقيل إلى القصر لأنظر إلى ما صار أمر هانئ قال فلما ضرب وحبس ركبت
فرسى وكنت أول أهل الدار دخل على مسلم بن عقيل بالخبر وإذا نسوة لمراد
مجتمعات ينادين يا عثرتاه يا ثكلاه فدخلت على مسلم بن عقيل بالخبر فأمرني أن
أنادى في أصحابه وقد ملا منهم الدور حوله وقد بايعه ثمانية عشر ألفا وفى الدور
أربعة آلاف رجل فقال لي ناد يا منصور أمت فناديت يا منصور أمت وتنادى
أهل الكوفة فاجتمعوا إليه فعقد مسلم لعبيد الله بن عمرو بن عزيز الكندي على
ربع كندة وربيعة وقال سر أمامي في الخيل ثم عقد لمسلم بن عوسجة الأسدي
على ربع مذحج وأسد وقال انزل في الرجال فأنت عليهم وعقد لابن ثمامة الصائد
على ربع تميم وهمدان وعقد لعباس بن جعدة الجدلي على ربع المدينة ثم أقبل نحو
القصر فلما بلغ ابن زياد إقباله تحرز في القصر وغلق الأبواب (قال أبو مخنف)
وحدثني يونس بن أبي إسحاق عن عباس الجدلي قال خرجنا مع ابن عقيل أربعة
آلاف فلما بلغنا القصر إلا ونحن ثلثمائة قال وأقبل مسلم يسير في الناس من مراد
حتى أحاط بالقصر ثم إن الناس تداعوا إلينا واجتمعوا فوالله ما لبثنا إلا قليلا
275

حتى امتلا المسجد من الناس والسوق وما زالوا يثوبون حتى المساء فضاق بعبيد الله
ذرعه وكان كبر أمره أن يتمسك بباب القصر وليس معه إلا ثلاثون رجلا من
الشرط وعشرون رجلا من أشراف الناس وأهل بيته ومواليه وأقبل أشراف
الناس يأتون ابن زياد من قبل الباب الذي يلي دار الروميين وجعل من بالقصر
مع ابن زياد يشرفون عليهم فينظرون إليهم فيتقون أن يرموهم بالحجارة وأن
يشتموهم وهم لا يفترون على عبيد الله وعلى أبيه ودعا عبيد الله كثير بن شهاب
ابن الحصين الحارثي فأمره أن يخرج فيمن أطاعه من مذحج فيسير بالكوفة ويخذل
الناس عن ابن عقيل ويخوفهم الحرب ويحذرهم عقوبة السلطان وأمر محمد بن
الأشعث أن يخرج فيمن أطاعه من كندة وحضرموت فيرفع راية أمان لمن جاءه
من الناس وقال مثل ذلك للقعقاع بن شور الذهلي وشبث بن ربعي التميمي وحجار
ابن أبجر العجلي وشمر بن ذي الجوشن العامري وحبس سائر وجوه الناس عنده
استيحاشا إليهم لقلة عدد من معه من الناس وخرج كثير بن شهاب يخذل الناس
عن ابن عقيل (قال أبو مخنف) فحدثني ابن جناب الكلبي أن كثيرا ألفى رجلا
من كلب يقال له عبد الاعلى بن يزيد قد لبس سلاحه يريد ابن عقيل في بنى فتيان
فأخذه حتى أدخله على ابن زياد فأخبره خبره فقال لابن زياد إنما أردتك قال
وكنت وعدتني ذلك من نفسك فأمر به فحبس وخرج محمد بن الأشعث حتى وقف
عند دور بنى عمارة وجاءه عمارة بن صلخب الأزدي وهو يريد ابن عقيل عليه
سلاحه فأخذه فبعث به إلى ابن زياد فحبسه فبعث ابن عقيل إلى محمد بن الأشعث
من المسجد عبد الرحمن بن شريح الشبامي فلما رأى محمد بن الأشعث كثرة من أتاه
أخذ يتنحى ويتأخر وأرسل القعقاع بن شور الذهلي إلى محمد الأشعث قد حلت
على ابن عقيل من العرار فتأخر عن موقفه فأقبل حتى دخل على ابن زياد من قبل
دار الروميين فلما اجتمع عند عبيد الله كثير بن شهاب ومحمد والقعقاع فيمن أطاعهم
من قومهم فقال له كثير وكانوا مناصحين لابن زياد أصلح الله الأمير معك في القصر
ناس كثير من أشراف الناس ومن شرطك وأهل بيتك ومواليك فاخرج بنا
276

إليهم فأبى عبيد الله وعقد لشبث بن ربعي لواء فأخرجه وأقام الناس مع ابن عقيل
يكبرون ويثوبون حتى المساء وأمرهم شديد فبعث عبيد الله إلى الاشراف فجمعهم
إليه ثم قال أشرفوا على الناس فمنوا أهل الطاعة الزيادة والكرامة وخوفوا
أهل المعصية الحرمان والعقوبة وأعلموهم فصول الجنود من الشأم إليهم (قال
أبو مخنف) حدثني سليمان بن أبي راشد عن عبد الله بن حازم الكبرى من الأزد
من بنى كبير قال أشرف علينا الاشراف فتكلم كثير بن شهاب أول الناس حتى
كادت الشمس أن تجب فقال أيها الناس الحقوا بأهاليكم ولا تعجلوا الشر ولا تعرضوا
أنفسكم للقتل فإن هذه جنود أمير المؤمنين يزيد قد أقبلت وقد أعطى الله الأمير عهدا
لئن أتممتم على حربه ولم تنصرفوا من عشيتكم أن يحرم ذريتكم العطاء ويفرق
مقاتلتكم في مغازي أهل الشأم على غير طمع وأن يأخذ البرئ بالسقيم والشاهد
بالغائب حتى لا يبقى له فيكم بقية من أهل المعصية إلا أذاقها وبال ما جرت أيديها
وتكلم الاشراف بنحو من كلام هذا فلما سمع مقالتهم الناس أخذوا يتفرقون
وأخذوا ينصرفون (قال أبو مخنف) فحدثني المجالد بن سعيد أن المرأة كانت تأتى
ابنها أو أخاها فتقول انصرف الناس يكفونك ويجئ الرجل إلى ابنه أو أخيه
فيقول غدا يأتيك أهل الشأم فما تصنع بالحرب والشر انصرف فيذهب به فما
زالوا يتفرقون ويتصدعون حتى أمسى ابن عقيل وما معه ثلاثون نفسا في المسجد
حتى صليت المغرب فما صلى مع ابن عقيل إلا ثلاثون نفسا فلما رأى أنه قد أمسى
وليس معه إلا أولئك النفر خرج متوجها نحو أبواب كندة فلما يلغ الأبواب
ومعه منهم عشرة ثم خرج من الباب وإذا ليس معه انسان والتفت فإذا هو لا يحس
أحدا يدله على الطريق ولا يدله على منزل ولا يواسيه بنفسه إن عرض له عدو
فمضى على وجهه يتلدد في أزقة الكوفة لا يدرى أين يذهب حتى خرج إلى دور
بنى جبلة من كندة فمشى حتى انتهى إلى باب امرأة يقال لها طوعة أم ولد كانت
للأشعث بن قيس فأعتقها فتزوجها أسيد الحضرمي فولدت له بلالا وكان بلال
قد خرج مع الناس وأمه قائمة تنتظره فسلم عليها ابن عقيل فردت عليه فقال لها يا أمة
277

الله اسقيني ماء فدخلت فسقته فجلس وأدخلت الاناء ثم خرجت فقالت يا عبد الله
ألم تشرب قال بلى قالت فاذهب إلى أهلك فسكت ثم عادت فقالت مثل ذلك فسكت
ثم قالت له فئ لله سبحان الله يا عبد الله فمر إلى أهلك عافاك الله فإنه لا يصلح لك الجلوس
على بابى ولا أحله لك فقام فقال يا أمة الله مالي في هذا المصر منزل ولا عشيرة فهل
لك إلى أجر ومعروف ولعلى مكافئك به بعد اليوم فقالت يا عبد الله وما ذاك قال
أنا مسلم بن عقيل كذبني هؤلاء القوم وغروني قالت أنت مسلم قال نعم قالت ادخل
فأدخلته بيتا في دارها غير البيت الذي تكون فيه وفرشت له وعرضت عليه العشاء
فلم يتعش ولم يكن بأسرع من أن جاء ابنها فرآها تكثر الدخول في البيت والخروج
منه فقال والله إنه ليريبني كثرة دخولك هذا البيت منذ الليلة وخروجك منه
إن لك لشأنا قالت يا بنى اله عن هذا قال لها والله لتخبرني قالت أقبل على شأنك
ولا تسألني عن شئ فألح عليها فقالت يا بنى لا تحدثن أحدا من الناس بما أخبرك به
وأخذت عليه الايمان فحلف لها فأخبرته فاضطجع وسكت وزعموا أنه قد كان شريدا
من الناس وقال بعضهم كان يشرب مع أصحاب له ولما طال على ابن زياد وأخذ لا يسمع
لأصحاب ابن عقيل صوتا كما كان يسمعه قبل ذلك قال لأصحابه أشرفوا فانظر وأهل
ترون منهم أحدا فأشرفوا فلم يروا أحدا قال فانظروا لعلهم تحت الظلال قد كمنوا
لكم ففرعوا بحابح المسجد وجعلوا يخفضون شعل النار في أيديهم ثم ينظرون هل
في الظلال أحد وكانت أحيانا تضئ لهم وأحيانا لا تضئ لهم كما يريدون فدولوا
القناديل وأنصاف الطنان تشد بالحبال ثم تجعل فيها النيران ثم تدلى حتى تنتهى إلى
الأرض ففعلوا ذلك في أقصى الظلال وأدناها وأوسطها حتى فعلوا ذلك بالظلة التي
فيها المنبر فلما لم يروا شيئا أعلموا ابن زياد ففتح باب السدة التي في المسجد ثم خرج
فصعد المنبر وخرج أصحابه معه فأمرهم فجلسوا حوله قبيل العتمة وأمر عمرو بن
نافع فنادى ألا برئت الذمة من رجل من الشرطة والعرفاء أو المناكب أو المقاتلة
صلى العتمة إلا في المسجد فلم يكن له إلا ساعة حتى امتلا المسجد من الناس ثم أمر
مناديه فأقام الصلاة فقال الحصين بن تميم إن شئت صليت بالناس أو يصلى بهم غيرك
278

ودخلت أنت فصليت في القصر فإني لا آمن أن يغتالك بعض أعدائك فقال مر
حرسي فليقوموا ورائي كما كانوا يقفون ودر فيهم فانى لست بداخل إذا فصلى بالناس
ثم قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فان ابن عقيل السفيه الجاهل قد أتى ما قد
رأيتم من الخلاف والشقاق فبرئت ذمة الله من رجل وجدناه في داره ومن جاء به فله
ديته اتقوا الله عباد الله والزموا طاعتكم وبيعتكم ولا تجعلوا على أنفسكم سبيلا يا حصين
ابن تميم ثكلتك أمك إن صاح باب سكة من سكك الكوفة أو خرج هذا الرجل
ولم تأتني به وقد سلطتك على دور أهل الكوفة فابعث مراصدة على أفواه السكك
وأصبح غدا واستبر الدور وجس خلالها حتى تأتيني بهذا الرجل وكان الحصين
على شرطه وهو من بنى تميم ثم نزل ابن زياد فدخل وقد عقد لعمرو بن حريث راية
وأمره على الناس فلما أصبح جلس مجلسه وأذن للناس فدخلوا عليه وأقبل محمد بن
الأشعث فقال مرحبا بمن لا يستغش ولا يتهم ثم أقعده إلى جنبه وأصبح ابن تلك
العجوز وهو بلال بن أسيد الذي آوت أمه ابن عقيل فغدا إلى عبد الرحمن بن محمد
ابن الأشعث فأخبره بمكان ابن عقيل عند أمه قال فأقبل عبد الرحمن حتى أتى أباه
وهو عند ابن زياد فساره فقال له ابن زياد ما قال لك قال أخبرني أن ابن عقيل في دار
من دونا فنخس بالقضيب في جنبه ثم قال قم فاتني به الساعة (قال أبو مخنف) فحدثني
قدامة بن سعيد بن زائدة بن قدامة الثقفي أن ابن الأشعث حين قام ليأتيه بابن عقيل
بعث إلى عمرو بن حريث وهو في المسجد خليفته على الناس أن أبعث مع ابن الأشعث
ستين أو سبعين رجلا كلهم من قيس وإنما كره ان يبعث معه قومه لأنه قد علم أن
كل قوم يكر هون أن يصادف فيهم مثل ابن عقيل فبعث معه عمرو بن عبيد الله بن
عباس السلمي في ستين أو سبعين من قيس حتى أتوا الدار التي فيها ابن عقيل فلما
سمع وقع حوافر الخيل وأصوات الرجال عرف أنه قد أتى فخرج إليهم بسيفه واقتحموا
عليه الدار فشد عليهم يضربهم بسيفه حتى أخرجهم من الدار ثم عادوا إليه فشد
عليهم كذلك فاختلف هو وبكيز بن حمران الأحمري ضربتين فضرب بكير فم
مسلم فقطع شفته العليا وأشرع السيف في السلفي ونصلت لها ثنيتاه فضربه مسلم
279

ضربة في رأسه منكرة وثنى بأخرى على حبل العاتق كادت تطلع على جوفه فلما رأوا
ذلك أشرفوا عليه من فوق ظهر البيت فأخذوا يرمونه بالحجارة ويلهبون النار في
أطنان القصب ثم يقلبونها عليه من فوق البيت فلما رأى ذلك خرج عليهم مصلتا
بسيفه في السكة فقاتلهم فأقبل عليه محمد بن الأشعث فقال يا فتى لك الأمان لا تقتل
نفسك فأقبل يقاتلهم وهو يقول
أقسمت لا أقتل إلا حرا * وإن رأيت الموت شيئا نكرا
كل امرئ يوما ملاق شرا * ويخلط البارد سخنا مرا
رد شعاع الشمس فاستقرا * أخاف أن أكذب أو أغرا
فقال له محمد بن الأشعث إنك لا تكذب ولا تخدع ولا تغر إن القوم بنو عمك
وليسوا بقاتليك ولا ضاربيك وقد أثخن بالحجارة وعجز عن القتال وانبهر فأسند
ظهره إلى جنب تلك الدار فدنا محمد بن الأشعث فقال لك الأمان فقال آمن أنا قال نعم
وقال القوم أنت آمن غير عمرو بن عبيد الله بن العباس السلمي فإنه قال لا ناقة لي في هذا
ولا جمل وتنحى * وقال ابن عقيل أما لو لم تؤمنوني ما وضعت يدي في أيديكم
وأتى ببلغة فحمل عليها واجتمعوا حوله وانتزعوا سيفه من عنقه فكأنه عند ذلك
آيس من نفسه فدمعت عيناه ثم قال هذا أول الغدر قال محمد بن الأشعث أرجو
ألا لا يكون عليك بأس قال ما هو إلا الرجاء أين أمانكم إنا لله وإنا إليه راجعون
وبكى فقال له عمرو بن عبيد الله بن عباس إن من يطلب مثل الذي تطلب إذا نزل به
مثل الذي نزل بك لم يبك قال إني والله ما لنفسي أبكى ولا لها من القتل أرثى وإن
كنت لم أحب لها طرفة عين تلفا ولكن أبكى لأهلي المقبلين إلى أبكى لحسين
وآل حسين ثم أقبل على محمد بن الأشعث فقال يا عبد الله إني أراك والله ستعجز
عن أماني فهل عندك خير تستطيع أن تبعث من عندك رجلا على لساني يبلغ حسينا
فإني لا أراه إلا قد خرج إليكم اليوم مقبلا أو هو خرج غدا هو وأهل بيته وإن
ما ترى من جزعي لذلك فيقول إن ابن عقيل بعثني إليك وهو في أيدي القوم أسير
لا يرى أن تمشى حتى تقتل وهو يقول ارجع بأهل بيتك ولا يغرك أهل الكوفة
280

فإنهم أصحاب أبيك الذي كان يتمنى فراقهم بالموت أو القتل إن أهل الكوفة قد
كذبوك وكذبوني وليس لمكذوب رأى فقال ابن الأشعث والله لأفعلن ولأعلمن
ابن زياد أنى قد أمنتك (قال أبو مخنف) فحدثني جعفر بن حذيفة الطائي وقد
عرف سعيد بن شيبان الحديث قال دعا محمد بن الأشعث إياس بن العثل الطائي
من بنى مالك بن عمرو بن ثمامة وكان شاعرا وكان لمحمد زوارا فقال له الق حسينا
فأبلغه هذا الكتاب وكتب فيه الذي أمره ابن عقيل وقال له هذا زادك وجهازك
ومتعة لعيالك فقال من أين لي براحلة فان راحلتي قد أنضيتها قال هذه راحلة
فاركبها برحلها ثم خرج فاستقبله بزبالة لأربع ليال فأخبره الخبر وبلغه الرسالة
فقال له حسين كل ماحم نازل وعند الله نحتسب أنفسنا وفساد أمتنا وقد كان مسلم
ابن عقيل حيث تحول إلى دار هانئ بن عروة وبايعه ثمانية عشر ألفا قدم كتابا
إلى حسين مع عابس بن أبي شيبب الشاكري * أما بعد فان الرائد لا يكذب أهله
وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفا فعجل الاقبال حين يأتيك كتابي فان
الناس كلهم معك ليس لهم في آل معاوية رأى ولا هوى والسلام وأقبل محمد بن
الأشعث بابن عقيل إلى باب القصر فاستأذن فأذن له فأخبر عبيد الله خبر ابن
عقيل وضرب بكير إياه فقال بعدا له فأخبره محمد بن الأشعث بما كان منه وما كان
من أمانه إياه فقال عبيد الله ما أنت والأمان كأنا أرسلناك تؤمنه إنما أرسلناك
تأتينا به فسكت وانتهى ابن عقيل إلى باب القصر وهو عطشان وعلى باب القصر
ناس جلوس ينتظرون الاذن منهم عمارة بن عقبة بن أبي معيط وعمرو بن حريث
ومسلم بن عمرو وكثير بن شهاب (قال أبو مخنف) فحدثني قدامة بن سعد أن
مسلم بن عقيل حين انتهى إلى باب القصر فإذا قلة باردة موضوعة على الباب فقال
ابن عقيل أسقوني من هذا الماء فقال له مسلم بن عمرو أتراها ما أبردها لا والله
لا تذوق منها قطرة أبدا حتى تذوق الحميم في نار جهنم قال له ابن عقيل ويحك من
أنت قال أنا ابن من عرف الحق إذا أنكرته ونصح لامامه إذ غششته وسمع
وأطاع إذ عصيته وخالفت أنا مسلم بن عمرو الباهلي فقال ابن عقيل لامك الثكل
281

ما أجفاك وما أفظك وأقسى قلبك وأغلظك أنت يا ابن باهلة أولى بالحميم والخلود
في نار جهنم منى ثم جلس متساندا إلى حائط (قال أبو مخنف) فحدثني قدامة بن
سعد أن عمرو بن حريث بعث غلاما له يدعى سليمان فجاءه بماء في قلة فسقاه (قال
أبو مخنف) وحدثني سعيد بن مدرك بن عمارة أن عمارة بن عقبة بعث غلاما له
يدعى قيسا فجاءه بقلة عليها منديل ومعه قدح فصب فيه ماء ثم سقاه فأخذ كلما
شرب امتلا القدح دما فلما ملا القدح المرة الثالثة ذهب ليشرب فسقطت ثنيتاه
فيه فقال الحمد لله لو كان لي من الرزق المقسوم شربته وأدخل مسلم على ابن
زياد فلم يسلم عليه بالامرة فقال له الحرسي ألا تسلم على الأمير فقال له إن كان
يريد قتلى فما سلامي عليه وإن كان لا يريد قتلى فلعمري ليكثرن سلامي عليه فقال
له ابن زياد لعمري لتقتلن قال كذلك قال نعم قال فدعني أوص إلى بعض قومي
فنظر إلى جلساء عبيد الله وفيهم عمر بن سعد فقال يا عمر إن بيني وبينك قرابة
ولى إليك حاجة وقد يجب لي عليك نجح حاجتي وهو سر فأبى أن يمكنه من ذكرها
فقال له عبيد الله لا تمتنع أن تنظر في حاجة ابن عمك فقام معه فجلس حيث ينظر
إليه ابن زياد فقال له إن على بالكوفة دينا استدنته منذ قدمت الكوفة سبعمائة
درهم فاقضها عنى وانظر جثتي فاستوهبها من ابن زياد فوارها وابعث إلى حسين
من يرده فإني قد كتبت إليه أعلمه أن الناس معه ولا أراه إلا مقبلا فقال عمر لابن
زياد أتدري ما قال لي إنه ذكر كذا وكذا قال له ابن زياد إنه لا يخونك الأمين ولكن
قد يؤتمن الخائن أما مالك فهو لك ولسنا نمنعك أن تصنع فيه ما أحببت وأما حسين
فإنه إن لم يردنا لم نرده وإن أرادنا لم نكف عنه وأما جثته فانا لن نشفعك فيها
إنه ليس بأهل منا لذلك قد جاهدنا وخالفنا وجهد على هلاكنا وزعموا أنه قال
أما جثته فانا لا نبالي إذا قتلناه ما صنع بها ثم إن ابن زياد قال إيه يا ابن عقيل
أتيت الناس وأمرهم جميع وكلمتهم واحدة لتشتتهم وتفرق كلمتهم وتحمل
بعضهم على بعض قال كلا لست أتيت ولكن أهل المصر زعموا أن أباك قتل
خيارهم وسفك دماءهم وعمل فيهم أعمال كسرى وقيصر فأتيناهم لنأمر بالعدل
282

وندعو إلى حكم الكتاب قال وما أنت وذاك يا فاسق أو لم نكن نعمل بذاك فيهم إذ أنت
بالمدينة تشرب الخمر قال أنا أشرب الخمر والله إن الله ليعلم إنك غير صادق وإنك
قلت بغير علم وإني لست كما ذكرت وإن أحق بشرب الخمر منى وأولى بها من
يلغ في دماء المسلمين ولغا فيقتل النفس التي حرم الله قتلها ويقتل النفس بغير
النفس ويسفك الدم الحرام ويقتل على الغضب والعداوة وسوء الظن وهو يلهو
ويلعب كأن لم يصنع شيئا فقال له ابن زياد يا فاسق إن نفسك تمنيك ما حال
الله دونه ولم يرك أهله قال فمن أهله يا ابن زياد قال أمير المؤمنين يزيد فقال الحمد
لله على كل حال رضينا بالله حكما بيننا وبينكم قال كأنك تظن أن لكم في الامر
شيئا قال والله ما هو بالظن ولكنه اليقين قال قتلني الله إن لم أقتلك قتله لم يقتلها
أحد في الاسلام قال أما إنك أحق من أحدث في الاسلام ما لم يكن فيه أما إنك
لا تدع سوء القتلة وقبح المثلة وخبث السيرة ولؤم الغلبة ولا أحد من الناس
أحق بها منك وأقبل ابن سمية يشتمه ويشتم حسينا وعليا وعقيلا وأخذ مسلم
لا يكلمه وزعم أهل العلم أن عبيد الله أمر له بماء فسقى بخزفة ثم قال له إنه لم
يمنعنا أن نسقيك فيها إلا كراهة أن تحرم بالشرب فيها ثم نقتلك ولذلك سقيناك
في هذا ثم قال اصعدوا به فوق القصر فاضربوا عنقه ثم اتبعوا جسده رأسه فقال
يا ابن الأشعث أما والله لولا أنك آمنتني ما استسلمت قم بسيفك دوني فقد أخفرت
ذمتك ثم قال يا ابن زياد أما والله لو كانت بيني وبينك قرابة ما قتلتني ثم قال ابن
زياد أين هذا الذي ضرب ابن عقيل رأسه بالسيف وعاتقه فدعى فقال اصعد
فكن أنت الذي تضرب عنقه فصعد به وهو يكبر ويستغفر ويصلى على ملائكة
الله ورسله وهو يقول اللهم احكم بيننا وبين قوم غرونا وكذبونا وأذلونا وأشرف
به على موضع الجزارين اليوم فضربت عنقه وأتبع جسده رأسه (قال أبو مخنف)
حدثني الصقعب بن زهير عن عوف بن أبي جحيفة قال نزل الأحمري بكير بن
حمران الذي قتل مسلما فقال له ابن زياد قتلته قال نعم قال فما كان يقول وأنتم
تصعدون به قال كان يكبر ويسبح ويستغفر فلما أدنيته لأقتله قال اللهم احكم
283

بيننا وبين قوم كذبونا وغرونا وخذلونا وقتلونا فقلت له ادن منى الحمد لله الذي
أقادني منك فضربته ضربة لم تغن شيئا فقال أما ترى في خدش تخدشنيه وفاء من
دمك أيها العبد فقال ابن زياد وفخرا عند الموت قال ثم ضربته الثانية فقتلته *
قال وقام محمد بن الأشعث إلى عبيد الله بن زياد فكلمه في هانئ بن عروة وقال
إنك قد عرفت منزلة هانئ بن عروة في المصر وبيته في العشيرة وقد علم قومه
أنى وصاحبي سقناه إليك فأنشدك الله لما وهبته لي فإني أكره عداوة قومه هم
أعز أهل المصر وعدد أهل اليمن * قال فوعده أن يفعل فلما كان من أمر مسلم
ابن عقيل ما كان بدا له فيه وأبى أن يفي له بما قال قال فأمر بهانئ بن عروة حين
قتل مسلم بن عقيل فقال أخرجوه إلى السوق فاضربوا عنقه قال فأخرج بهانئ
حتى انتهى إلى مكان من السوق كان يباع فيه الغنم وهو مكتوف فجعل يقول
وا مذحجاه ولا مذحج لي اليوم وا مذحجاه وأين منى مذحج فلما رأى أن
أحدا لا ينصره جذب يده فنزعها من الكتاف ثم قال أما من عصا أو سكين
أو حجر أو عظم يجاحش به رجل عن نفسه * قال ووثبوا إليه فشدوه وثاقا
ثم قيل له امدد عنقك فقال ما أنابها مجد سخى وما أنا بمعينكم على نفسي * قال
فضربه مولى لعبيد الله بن زياد تركي يقال له رشيد بالسيف فلم يصنع سيفه شيئا
فقال هانئ إلى الله المعاد اللهم إلى رحمتك ورضوانك ثم ضربه أخرى فقتله *
قال فبصر به عبد الرحمن بن الحصين المرادي بخازر وهو مع عبيد الله بن زياد
فقال الناس هذا قاتل هانئ بن عروة فقال ابن الحصين قتلني الله إن لم أقتله أو
أقتل دونه فحمل عليه بالرمح فطعنه فقتله ثم إن عبيد الله بن زياد لما قتل مسلم
ابن عقيل وهانئ بن عروة دعا بعبد الاعلى الكلبي الذي كان أخذه كثير بن شهاب
في بنى فتيان فأتى به فقال له أخبرني بأمرك فقال أصلحك الله خرجت لأنظر
ما يصنع الناس فأخذني كثير بن شهاب فقال له فعليك وعليك من الايمان المغلظة
إن كان أخرجك إلا ما زعمت فأبى أن يحلف فقال عبيد الله انطلقوا بهذا إلى
جبانة السبع فاضربوا عنقه بها قال فانطلق به فضربت عنقه قال وأخرج عمارة
284

ابن صلخب الأزدي وكان ممن يريد أن يأتي مسلم بن عقيل بالنصرة لينصره فأتى
به أيضا عبيد الله فقال له ممن أنت قال من الأزد قال انطلقوا به إلى قومه فضربت
عنقه فيهم فقال عبد الله بن الزبير الأسدي في قتلة مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة
المرادي ويقال قاله الفرزدق
إن كنت لا تدرين ما الموت فانظري * إلى هانئ في السوق وابن عقيل
إلى بطل قد هشم السيف وجهه * وآخر يهوى من طمار قتيل
أصابهما أمر الأمير فأصبحا * أحاديث من يسرى بكل سبيل
ترى جسدا قد غير الموت لونه * ونضح دم قد سال كل مسيل
فتى هو أحيى من فتاة حيية * وأقطع من ذي شفرتين صقيل
أيركب أسماء الهماليج آمنا * وقد طلبته مذحج يذحول
تطيف حواليه مراد وكلهم * على رقبة من سائل ومسول
فان أنتم لم تثأروا بأخيكم * فكونوا بغايا أرضيت بقليل
(قال أبو مخنف) عن أبي جناب يحيى بن أبي حية الكلبي قال ثم إن عبيد الله
ابن زياد لما قتل مسلما وهانئا بعث برؤوسهما مع هانئ بن أبي حية الوادعي والزبير
ابن الا روح التميمي إلى يزيد بن معاوية وأمر كاتبه عمرو بن نافع أن يكتب
إلى يزيد بن معاوية بما كان من مسلم وهانئ فكتب إليه كتابا أطال فيه
وكان أول من أطال في الكتب فلما نظر فيه عبيد الله بن زياد كرهه وقال ما هذا
التطويل وهذه الفضول اكتب أما بعد فالحمد لله الذي أخذ لأمير المؤمنين
بحقه وكفاه مؤنة عدوه أخبر أمير المؤمنين أكرمه الله أن مسلم بن عقيل لجأ
إلى دار هانئ بن عروة المرادي وإني جعلت عليهما العيون ودسست إليهما الرجال
وكدتهما حتى استخرجتهما وأمكن الله منهما فقدمتهما فضرب أعناقهما وقد
بعثت إليك برؤوسهما مع هانئ بن أبي حية الهمداني والزبير بن الا روح التميمي
وهما من أهل السمع والطاعة والنصيحة فليسألهما أمير المؤمنين عما أحب من أمر
فإن عندهما علما وصدقا وفهما وورعا والسلام فكتب إليه يزيد أما بعد فإنك
لم تعد أن كنت كما أحب عملت عمل الحازم وصلت صولة الشجاع الرابط الجأش
285

فقد أغنيت وكفيت وصدقت ظني بك ورأيي فيك وقد دعوت رسوليك
فسألتهما وناجيتهما فوجدتهما في رأيهما وفضلهما كما ذكرت فاستوص بهما
خيرا وإنه قد بلغني أن الحسين بن علي قد توجه نحو العراق فضع المناظر
والمسالح واحترس على الظن وخذ على التهمة غير ألا تقتل إلا من قاتلك واكتب
إلى في كل ما يحدث من الخبر والسلام عليك ورحمة الله (قال أبو مخنف) حدثني
الصقعب بن زهير عن عون بن أبي جحيفة قال كان مخرج مسلم بن عقيل بالكوفة
يوم الثلاثاء لثمان ليال مضين من ذي الحجة سنة 60 ويقال يوم الأربعاء لسبع
مضين سنة 60 من يوم عرفة بعد مخرج الحسين من مكة مقبلا إلى الكوفة بيوم
قال وكان مخرج الحسين من المدينة إلى مكة يوم الأحد لليلتين بقيتا من رجب
سنة 60 ودخل مكة ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان فأقام بمكة شعبان وشهر
رمضان وشوال وذا القعدة ثم خرج منها لثمان مضين من ذي الحجة يوم الثلاثاء
يوم التروية في اليوم الذي خرج فيه مسلم بن عقيل وذكر هارون بن مسلم عن
علي بن صالح عن عيسى بن يزيد أن المختار بن أبي عبيد وعبد الله بن الحارث بن نوفل
كانا خرجا مع مسلم خرج المختار براية خضراء وخرج عبد الله براية حمراء وعليه
ثياب حمر وجاء المختار برايته فركزها على باب عمرو بن حريث وقال إنما
خرجت لأمنع عمرا وأن الأشعث والقعقاع بن شور وشبث بن ربعي قاتلوا
مسلما وأصحابه عشية سار مسلم إلى قصر ابن زياد قتالا شديدا وأن شبثا جعل
يقول انتظروا بهم الليل يتفرقوا فقال له القعقاع إنك قد سددت على الناس وجه
مصيرهم فافرج لهم ينسربوا وأن عبيد الله أمر أن يطلب المختار وعبد الله بن الحارث
وجعل فيهما جعلا فأتى بهما فحبسا (وفى هذه السنة) كان خروج الحسين عليه
السلام من مكة متوجها إلى الكوفة
ذكر الخبر عن مسيره إليها وما كان من أمره في مسيره ذلك
قال هشام عن أبي مخنف حدثني الصقعب بن زهير عن عمر بن عبد الرحمن
ابن الحارث بن هشام المخزومي قال لما قدمت كتب أهل العراق إلى الحسين
286

وتهيأ للمسير إلى العراق أتيته فدخلت عليه وهو بمكة فحمدت الله وأثنيت عليه
ثم قلت أما بعد فإني أتيتك يا ابن عم لحاجة أريد ذكرها لك نصيحة فإن كنت
ترى أنك تستنصحني وإلا كففت عما أريد أن أقول فقال قل فوالله ما أظنك بسيئ
الرأي ولا هوى القبيح من الامر والفعل قال قلت له إنه قد بلغني أنك تريد المسير
إلى العراق وإني مشفق عليك من مسيرك إنك تأتى بلدا فيه عماله وأمراؤه ومعهم
بيوت الأموال وإنما الناس عبيد لهذا الدرهم والدينار ولا آمن عليك أن يقاتلك
من وعدك نصره ومن أنت أحب إليه ممن يقاتلك معه فقال الحسين جزاك الله
خيرا يا ابن عم فقد والله علمت أنك مشيت بنصح وتكلمت بعقل ومهما يقض
من أمر يكن أخذت برأيك أو تركته فأنت عندي أحمد مشير وأنصح ناصح
قال فانصرفت من عنده فدخلت على الحارث بن خالد بن العاص بن هشام فسألني
هل لقيت حسينا فقلت له نعم قال فما قال لك وما قلت له قال فقلت له قلت كذا
وكذا وقال كذا وكذا فقال نصحته ورب المروة الشهباء أما ورب البنية إن الرأي
لما رأيته قبله أو تركه ثم قال:
رب مستنصح يغش ويردى * وظنين بالغيب يلفي نصيحا
(قال أبو مخنف) وحدثني الحارث بن كعب الوالبي عن عتبة بن سمعان أن
حسينا لما أجمع المسير إلى الكوفة أتاه عبد الله بن عباس فقال يا ابن عم إنك قد
أرجف الناس أنك سائر إلى العراق فبين لي ما أنت صانع قال إني قد أجمعت المسير
في أحد يومى هذين إن شاء الله تعالى فقال له ابن عباس فإني أعيذك بالله من ذلك
أخبرني رحمك الله أتسير إلى قوم قد قتلوا أميرهم وضبطوا بلادهم ونفوا عدوهم
فإن كانوا قد فعلوا ذلك فسر إليهم وإن كانوا إنما دعوك إليهم وأميرهم عليهم
قاهر لهم وعماله تجبى بلادهم فإنهم إنما دعوك إلى الحرب والقتال ولا آمن عليك
أن يغروك ويكذبوك ويخالفوك ويخذلوك وأن يستنفروا إليك فيكونوا أشد
الناس عليك فقال له حسين وإني أستخير الله وأنظر ما يكون قال فخرج ابن عباس
من عنده وأتاه ابن الزبير فحدثه ساعة ثم قال ما أدرى ما تركنا هؤلاء القوم وكفنا
287

عنهم ونحن أبناء المهاجرين وولاة هذا الامر دونهم خبرني ما تريد أن تصنع فقال
الحسين والله لقد حدثت نفسي بإتيان الكوفة ولقد كتب إلى شيعتي بها وأشراف
أهلها وأستخير الله فقال له ابن الزبير أما لو كان لي بها مثل شيعتك ما عدلت بها
قال ثم إنه خشى أن يتهمه فقال أما إنك لو أقمت بالحجاز ثم أردت هذا الامر
ههنا ما خولف عليك إن شاء الله ثم قام فخرج من عنده فقال الحسين ها إن هذا
ليس شئ يؤتاه من الدنيا أحب إليه من أن أخرج من الحجاز إلى العراق وقد علم
أنه ليس له من الامر معي شئ وإن الناس لم يعدلوه بي فود أنى خرجت منها لتخلو له
قال فلما كان من العشى أو من الغد أتى الحسين عبد الله بن العباس فقال يا ابن عم إني أتصبر
ولا أصبر إني أتخوف عليك في هذا الوجه الهلاك والاستئصال إن أهل العراق قوم
غدر فلا تقربنهم أقم بهذا البلد فإنك سيد أهل الحجاز فإن كان أهل العراق يريدونك كما
زعموا فاكتب إليهم فلينفوا عدوهم ثم أقدم عليهم فإن أبيت الأن تخرج فسر
إلى اليمن فإن بها حصونا وشعبا وهى أرض عريضة طويلة ولأبيك بها شيعة
وأنت عن الناس في عزلة فتكتب إلى الناس وترسل وتبث دعاتك فإني أرجو
أن يأتيك عند ذلك الذي تحب في عافية فقال له الحسين يا ابن عم إني والله لاعلم
أنك ناصح مشفق ولكني قد أزمعت وأجمعت على المسير فقال له ابن عباس فإن
كنت سائرا فلا تسر بنسائك وصبيتك فوالله إني لخائف أن تقتل كما قتل عثمان
ونساؤه وولده ينظرون إليه ثم قال ابن عباس لقد أقررت عين ابن الزبير بتخليتك
إياه والحجاز والخروج منها وهو يوم لا ينظر إليه أحد معك والله الذي لا إله
إلا هو لو أعلم أنك إذا أخذت بشعرك وناصيتك حتى يجتمع على وعليك الناس
أطعتني لفعلت ذلك قال ثم خرج ابن عباس من عنده فمر بعبد الله بن الزبير فقال
قرت عينك يا ابن الزبير ثم قال
يا لك من قنبرة بمعمر خلالك الجو فبيضي واصفري * ونقري ما شئت أن تنقري
هذا حسين يخرج إلى العراق وعليك بالحجاز (قال أبو مخنف) قال أبو جناب
يحيى بن أبي حية عن عدى بن حرملة الأسدي عن عبد الله بن سليم والمذري بن
288

المشمعل الأسديين قالا خرجنا حاجين من الكوفة حتى قدمنا مكة فدخلنا يوم
التروية فإذا نحن بالحسين وعبد الله بن الزبير قائمين عند ارتفاع الضحى فيما بين
الحجر والباب قالا فتقر بنا منهما فسمعنا ابن الزبير وهو يقول للحسين إن شئت
أن تقيم أقمت فوليت هذا الامر فآزرناك وساعدناك ونصحنا لك وبايعناك فقال
له الحسين إن أبى حدثني أن بها كبشا يستحل حرمتها فما أحب أن أكون أنا
ذلك الكبش فقال له ابن الزبير فأقم إن شئت وتوليني أنا الامر فتطاع ولا تعصى
فقال وما أريد هذا أيضا قالا ثم إنهما أخفيا كلامهما دوننا فما زالا يتناجيان حتى
سمعنا دعاء الناس رائحين متوجهين إلى منى عند الظهر قالا فطاف الحسين بالبيت وبين
الصفا والمروة وقص من شعره وحل من عمرته ثم توجه نحو الكوفة وتوجهنا
نحو الناس إلى منى (قال أبو مخنف) عن أبي سعيد عقيصى عن بعض أصحابه قال
سمعت الحسين بن علي وهو بمكة وهو واقف مع عبد الله بن الزبير فقال له ابن
الزبير إلى يا ابن فاطمة فأصغى إليه فساره قال ثم التفت إلينا الحسين فقال أتدرون
ما يقول ابن الزبير فقلنا لا ندري جعلنا الله فداك فقال قال أقم في هذا المسجد أجمع
لك الناس ثم قال الحسين والله لان أقتل خارجا منها بشبر أحب إلى من أن أقتل
داخلا منها بشبر وأيم الله لو كنت في جحر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني
حتى يقضوا في حاجتهم ووالله ليعتدن على كما اعتدت اليهود في السبت (قال
أبو مخنف) حدثني الحارث بن كعب الوالبي عن عقبة بن سمعان قال لما خرج
الحسين من مكة اعترضه رسل عمرو بن سعيد بن العاص عليهم يحيى بن سعيد فقالوا
له انصرف أين تذهب فأبى عليهم ومضى وتدافع الفريقان فاضطربوا بالسياط
ثم إن الحسين وأصحابه امتنعوا منهم امتناعا قويا ومضى الحسين عليه السلام على
وجهه فنادوه يا حسين ألا تتقى الله تخرج من الجماعة وتفرق بين هذه الأمة فتأول
حسين قول الله عز وجل (لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا
برئ مما تعملون) قال ثم إن الحسين أقبل حتى مر بالتنعيم فلقى بها عيرا قد أقبل
بها من اليمن بعث بها بحير بن ريسان الحميري إلى يزيد بن معاوية وكان عامله على
289

اليمن وعلى العير الورس والحلل ينطلق بها إلى يزيد فأخذها الحسين فانطلق بهم
قال لأصحاب الإبل لا أكرهكم من أحب أن يمضى معنا إلى العراق أو فينا كراءه
وأحسنا صحبته ومن أحب أن يفارقنا من مكاننا هذا أعطيناه من الكراء على قدر
ما قطع من الأرض قال فمن فارقه منهم حوسب فأوفى حقه ومن مضى منهم معه
أعطاه كراءه وكساه (قال أبو مخنف) عن أبي جناب عن عدى بن حرملة عن
عبد الله بن سليم والمذري قالا أقبلنا حتى انتهينا إلى الصفاح فلقينا الفرزدق بن غالب
الشاعر فواقف حسينا فقال له أعطاك الله سؤلك وأملك فيما تحب فقال له الحسين
بين لنا نبأ الناس خلفك فقال له الفرزدق من الخبير سألت قلوب الناس معك
وسيوفهم مع بنى أمية والقضاء ينزل من السماء والله يفعل ما يشاء فقال له الحسين
صدقت لله الامر والله يفعل ما يشاء وكل يوم ربنا في شأن إن نزل القضاء بما
نحب فنحمد الله على نعمائه وهو المستعان على أداء الشكر وإن حال القضاء دون
الرجاء فلم يعتد من كان الحق نيته والتقوى سريرته ثم حرك الحسين راحلته فقال
السلام عليك ثم افترقا (قال هشام) عن عوانة بن الحكم عن لبطة بن الفرزدق
ابن غالب عن أبيه قال حججت بأمي فأنا أسوق بعيرها حين دخلت الحرم في أيام
الحج وذلك في سنة 60 إذ لقيت الحسين بن علي خارجا من مكة معه أسيافه وتراسه
فقلت لمن هذا القطار فقيل للحسين بن علي فأتيته فقلت بأبي وأمي يا ابن رسول الله
ما أعجلك عن الحج فقال لو لم أعجل لأخذت قال ثم سألني ممن أنت فقلت له امرؤ
من العراق قال فوالله ما فتشني عن أكثر من ذلك واكتفى بها منى فقال أخبرني
عن الناس خلفك قال فقلت له القلوب معك والسيوف مع بنى أمية والقضاء بيد الله
قال فقال لي صدقت قال فسألته عن أشياء فأخبرني بها من نذور ومناك قال وإذا
هو ثقيل اللسان من برسام أصابه بالعراق قال ثم مضيت فإذا بفسطاط مضروب في
الحرم وهيئته حسنة فأتيته فإذا هو لعبد الله بن عمرو بن العاص فسألني فأخبرته بلقاء
الحسين بن علي فقال لي ويلك فهلا اتبعته فوالله ليملكن ولا يجوز السلاح فيه ولا في أصحابه
قال فهممت والله أن ألحق به ووقع في قلبي مقالته ثم ذكرت الأنبياء وقتلهم فصدني لك
290

عن اللحاق بهم فقدمت على أهلي بعسفان قال فوالله إني لعندهم إذ أقبلت عير قد امتارت
من الكوفة فلما سمعت بهم خرجت في آثارهم حتى إذا أسمعتهم الصوت وعجلت
عن إتيانهم صرخت بهم ألا ما فعل الحسين بن علي قال فردوا على ألا قد قتل قال
فانصرفت وأنا ألعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال وكان أهل ذلك الزمان
يقولون ذلك الامر وينتظرونه في كل يوم وليلة قال وكان عبد الله بن عمرو
يقول لا تبلغ الشجرة ولا النخلة ولا الصغير حتى يظهر هذا الامر قال فقلت له
فما يمنعك أن تبيع الوهط قال فقال لي لعنة الله على فلان يعنى معاوية وعليك قال
فقلت لا بل عليك لعنة الله قال فزادني من اللعن ولم يكن عنده من حشمه أحد فألقى
منهم شرا قال فخرجت وهو لا يعرفني والوهط حائط لعبد الله بن عمرو بالطائف
قال وكان معاوية قد ساوم به عبد الله بن عمرو وأعطاه به مالا كثيرا فأبى أن
يبيعه بشئ قال وأقبل الحسين مغذا لا يلوى على شئ حتى نزل ذات عرق (قال
أبو مخنف) حدثني الحارث بن كعب الوالبي عن علي بن الحسين بن علي بن أبي
طالب قال لما خرجنا من مكة كتب عبد الله بن جعفر بن أبي طالب إلى الحسين
ابن علي مع ابنيه عون ومحمد أما بعد فانى أسألك بالله لما انصرفت حين تنظر في
كتابي فإني مشفق عليك من الوجه الذي توجه له أن يكون فيه هلاكك واستئصال
أهل بيتك إن هلكت اليوم طفئ نور الأرض فإنك علم المهتدين ورجاء المؤمنين
فلا تعجل بالسير فإني في أثر الكتاب والسلام قال وقام عبد الله بن جعفر إلى
عمرو بن سعيد بن العاص فكلمه وقال اكتب إلى الحسين كتابا تجعل له فيه الأمان
وتمنيه فيه البر والصلة وتوثق له في كتابك وتسأله الرجوع لعله يطمئن إلى ذلك
فيرجع فقال عمرو بن سعيد اكتب ما شئت وأتني به حتى أختمه فكتب عبد الله
ابن جعفر الكتاب ثم أتى به عمرو بن سعيد فقال له اختمه وابعث به مع أخيك
يحيى بن سعيد فإنه أحرى أن تطمئن نفسه إليه ويعلم أنه الجد منك ففعل وكان
عمرو بن سعيد عامل يزيد بن معاوية على مكة قال فلحقه يحيى وعبد الله بن جعفر
ثم انصرفا بعد أن أقرأه يحيى الكتاب فقالا أقرأناه الكتاب وجهدنا به وكان مما
291

اعتذر به إلينا أن قال إني رأيت رؤيا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمرت
فيها بأمر أنا ماض له على كان أولى فقالا له فما تلك الرؤيا قال ما حدثت أحدا
بها وما أنا محدث بها حتى ألقى ربى قال وكان كتاب عمرو بن سعيد إلى الحسين بن علي
بسم الله الرحمن الرحيم من عمرو بن سعيد إلى الحسين بن علي أما بعد فانى
أسأل الله أن يصرفك عما يوبقك وأن يهديك لما يرشدك بلغني أنك قد توجهت
إلى العراق وإني أعيذك بالله من الشقاق فإني أخاف عليك فيه الهلاك وقد بعثت
إليك عبد الله بن جعفر ويحيى بن سعيد فأقبل إلى معهما فإن لك عندي الأمان
والصلة والبر وحسن الجوار لك الله على بذلك شهيد وكفيل ومراع ووكيل
والسلام عليك قال وكتب إليه الحسين أما بعد فإنه لم يشاقق الله ورسوله من دعا
إلى الله عز وجل وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين وقد دعوت إلى الأمان
والبر والصلة فخير الأمان أمان الله ولن يؤمن الله يوم القيامة من لم يخفه في الدنيا
فنسأل الله مخافة في الدنيا توجب لنا أمانة يوم القيامة فان كتت نويت بالكتاب
صلتي وبرى فجزيت خيرا في الدنيا والآخرة والسلام
رجع الحديث إلى حديث عمار الدهني عن أبي جعفر
* حدثني زكرياء بن يحيى الضرير قال حدثنا أحمد بن جناب المصيصي قال
حدثنا خالد بن يزيد بن عبد الله القسري قال حدثنا عمار الدهني قال قلت
لأبي جعفر حدثني مقتل الحسين حتى كأني حضرته قال فأقبل حسين بن علي بكتاب
مسلم بن عقيل كان إليه حتى إذا كان بينه وبين القادسية ثلاثة أميال لقيه الحر بن
يزيد التميمي فقال له أين تريد قال أريد هذا المصر قال له ارجع فإني لم أدع لك
خلفي خيرا أرجوه فهم أن يرجع وكان معه إخوة مسلم بن عقيل فقالوا والله لا
نرجع حتى نصيب بثأرنا أو نقتل فقال لا خير في الحياة بعدكم فسار فلقيته أوائل
خيل عبيد الله فلما رأى ذلك عدل إلى كربلاء فأسند ظهره إلى قصباء وخلا
كيلا يقاتل إلا من وجه واحد فنزل وضرب أبنيته وكان أصحابه خمسة وأربعين فارسا
ومائة راجل وكان عمر بن سعد بن أبي وقاص قد ولاه عبيد الله بن زياد الري
292

وعهد إليه عهده فقال اكفني هذا الرجل قال اعفني فأبى أن يعفيه قال فأنظرني الليلة
فأخره فنظر في أمره فلما أصبح غدا عليه راضيا بما أمر به فتوجه إليه عمر بن سعد
فلما أتاه قال له الحسين اختر واحدة من ثلاث إما ان تدعوني فانصرف من حيث جئت
وإما أن تدعوني فأذهب إلى زيد وإما أن تدعوني فألحق بالثغور فقبل ذلك عمر فكتب
إليه عبيد الله لا ولا كرامة حتى يضع يده في يدي فقال له الحسين لا والله لا يكون ذلك
أبدا فقاتله فقتل أصحاب الحسين كلهم وفيهم بضعة عشر شابا من أهل بيته وجاء سهم
فأصاب ابنا له معه في حجره فجعل يمسح الدم عنه ويقول اللهم احكم بيننا وبين
قوم دعونا لينصرونا فقتلونا ثم أمر بحبرة فشققها ثم لبسها وخرج بسيفه فقاتل حتى
قتل صلوات الله عليه قتله رجل من مذحج وحز رأسه وانطلق به إلى عبيد الله وقال
أوقر ركابي فضة وذهبا * فقد قتلت الملك المحجبا
قتلت خير الناس أما وأبا * وخيرهم إذ ينسبون نسبا
وأوفده إلى يزيد بن معاوية ومعه الرأس فوضع رأسه بين يديه وعنده أبو برزة
الأسلمي فجعل ينكت بالقضيب على فيه ويقول
يفلقن هاما من رجال أعزة * علينا وهم كانوا أعق وأظلما
فقال له أبو برزة ارفع قضيبك فوالله لربما رأيت فان رسول الله صلى الله عليه وسلم
على فيه يلثمه وسرح عمر بن سعد بحرمه وعياله إلى عبيد الله ولم يكن بقى من أهل بيت
الحسين بن علي عليه السلام إلا غلام كان مريضا مع النساء فأمر به عبيد الله ليقتل
فطرحت زينب نفسها عليه وقالت والله لا يقتل حتى تقتلوني فرق لها فتركه
وكف عنه قال فجهزهم وحملهم إلى يزيد فلما قدموا عليه جمع من كان بحضرته من
أهل الشأم ثم أدخلوهم فهنؤه بالفتح قال رجل منهم أزرق أحمر ونظر إلى وصيفة
من بناتهم فقال يا أمير المؤمنين هب لي هذه فقالت زينب لا والله ولا كرامة لك
ولا له إلا أن يخرج من دين الله قال فأعادها الأزرق فقال له يزيد كف عن هذا
ثم أدخلهم على عياله فجهزهم وحملهم إلى المدينة فلما دخلوها خرجت امرأة من
بنى عبد المطلب ناشرة شعرها واضعة كمها على رأسها تلقاهم وهى تبكى وتقول
293

ماذا تقولون إن قال النبي لكم * ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم
بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي * منهم أسارى وقتلى ضرجوا بدم
ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم * أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي
* حدثني الحسين بن نصر قال حدثنا أبو ربيعة قال حدثنا أبو عوانة عن حصين
ابن عبد الرحمن قال بلغنا أن الحسين عليه السلام * وحدثنا محمد بن عمار الرازي
قال حدثنا سعيد بن سليمان قال حدثنا عباد بن العوام قال حدثنا حصين أن الحسين
ابن علي عليه السلام كتب إليه أهل الكوفة انه معك مائة ألف فبعث إليهم مسلم
ابن عقيل فقدم الكوفة فنزل دار هانئ بن عروة فاجتمع إليه الناس فأخبر ابن زياد
بذلك زاد الحسين بن نصر في حديثه فأرسل إلى هانئ فأتاه فقال ألم أوقرك ألم
أكرمك ألم أفعل بك قال بلى قال فما جزاء ذلك قال جزاؤه أن أمنعك قال تمنعني
قال فأخذ قضيبا مكانه فضربه به وأمر فكتف ثم ضرب عنقه فبلغ ذلك مسلم
ابن عقيل فخرج ومعه ناس كثير فبلغ ابن زياد ذلك فأمر بباب القصر فأغلق وأمر
مناديا فنادى يا خيل الله اركبي فلا أحد يحيبه فظن أنه في ملا من الناس قال
حصين فحدثني هلال بن يساف قال لقيتهم تلك الليلة في الطريق عند مسجد الأنصار
فلم يكونوا يمرون في طريق يمينا ولا شمالا إلا أن ذهبت منهم طائفة الثلاثون
والأربعون ونحو ذلك قال فلما بلغ السوق وهى ليلة مظلمة ودخلوا المسجد قيل
لابن زياد والله ما نرى كثير أحد ولا نسمع أصوات كثير أحد فأمر بسقف المسجد
فقلع ثم أمر بحرادي فيها النيران فجعلوا ينظرون فإذا قريب خمسين رجلا قال
فنزل فصعد المنبر وقال للناس تميزوا أرباعا أرباعا فانطلق كل قوم إلى رأس ربعهم
فنهض إليهم قوم يقاتلونهم فجرح مسلم جراحة ثقيلة وقتل ناس من أصحابه وانهزموا
فخرج مسلم فدخل دارا من دور كندة فجاء رجل إلى محمد بن الأشعث وهو جالس
إلى ابن زياد فساره فقال له إن مسلما في دار فلان فقال ابن زياد ما قال لك قال قال إن
مسلما في دار فلان قال ابن زياد لرجلين انطلقا فأتياني به فدخلا عليه وهو عند
امرأة قد أوقدت له النار فهو يغسل عنه الدماء فقالا له انطلق الأمير يدعوك فقال
294

اعقدا لي عقدا فقالا ما نملك ذاك فانطلق معهما حتى أتاه فأمر به فكتف ثم قال
هيه هيه يا ابن خلية قال الحسين في حديثه يا ابن كذا جئت لتنزع سلطاني ثم أمر به
فضربت عنقه قال حصين فحدثني هلال بن يساف أن ابن زياد أمر بأخذ ما بين
واقصة إلى طريق الشأم إلى طريق البصرة فلا يدعون أحدا يلج ولا أحدا يخرج
فأقبل الحسين ولا يشعر بشئ حتى لقى الاعراب فسألهم فقالوا لا والله ما ندري
غير أنا لا نستطيع أن نلج ولا نخرج قال فانطلق يسير نحو طريق الشأم نحو يزيد
فلقيته الخيول بكربلاء فنزل يناشدهم الله والاسلام قال وكان بعث إليه عمر بن سعد
وشمر بن ذي الجوشن وحصين بن نمير فناشدهم الحسين الله والاسلام أن يسيروه
إلى أمير المؤمنين فيضع يده في يد فقالوا لا إلا على حكم ابن زياد وكان فيمن بعث إليه
الحر بن يزيد الحنظلي ثم النهشلي على خيل فلما سمع ما يقول الحسين قال لهم ألا
تقبلون من هؤلاء ما يعرضون عليكم والله لو سألكم هذا الترك والديلم ما حل لكم
أن تردوه فأبوا إلا على حكم ابن زياد فصرف الحر وجه فرسه وانطلق إلى الحسين
وأصحابه فظنوا أنه إنما جاء ليقاتلهم فلما دنا منهم قلب ترسه وسلم عليهم ثم كر على
أصحاب ابن زياد فقاتلهم فقتل منهم رجلين ثم قتل رحمة الله عليه وذكر أن زهير
ابن القين البجلي لقى الحسين وكان حاجا فأقبل معه وخرج إليه ابن أبي بحرية المرادي
ورجلان آخران وعمرو بن الحجاج ومعن السلمي قال الحصين وقد رأيتهما قال
الحصين وحدثني سعد بن عبيدة قال إن أشياخا من أهل الكوفة لوقوف على التل
يبكون ويقولون اللهم أنزل نصرك قال قلت يا أعداء الله ألا تنزلون فتنصرونه
قال فأقبل الحسين يكلم من بعث إليه ابن زياد قال وإني لأنظر إليه وعليه جبة
من برود فلما كلمهم انصرف فرماه رجل من بنى تميم يقال له عمر الطهوي بسهم فإني
لأنظر إلى السهم بين كتفيه متعلقا في جبته فلما أبوا عليه رجع إلى مصافه وإني
لأنظر إليهم وانهم لقريب من مائة رجل فهم لصلب علي بن أبي طالب عليه السلام
خمسة ومن بني هاشم ستة عشر ورجل من بنى سليم حليف لهم ورجل من بنى كنانة
حليف لهم وابن عمر بن زياد قال وحدثني سعد بن عبيدة قال إنا لمستنقعون في
295

الماء مع عمر بن سعد إذ أتاه رجل فساره وقال له قد بعث إليك ابن زياد جويرية
ابن بدر التميمي وأمره إن لم تقاتل القوم أن يضرب عنقك قال فوثب إلى فرسه
فركبه ثم دعا سلاحه فلبسه وانه على فرسه فنهض بالناس إليهم فقاتلوهم فجئ برأس
الحسين إلى ابن زياد فوضع بين يديه فجعل يقول بقضيبه ويقول إن أبا عبد الله
قد كان شمط قال وجئ بنسائه وبناته وأهله وكان أحسن شئ صنعه ان أمر لهم
بمنزل في مكان معتزل وأجرى عليهم رزقا وأمر لهم بنفقة وكسوة قال فانطلق
غلامان منهم لعبد الله بن جعفر أو ابن ابن جعفر فأتيا رجلا من طيئ فلجأ إليه
فضرب أعناقهما وجاء برؤوسهما حتى وضعهما بين يدي ابن زياد قال فهم بضرب
عنقه وأمر بداره فهدمت قال وحدثني مولى لمعاوية بن أبي سفيان قال لما أتى
يزيد برأس الحسين فوضع بين يديه قال رأيته يبكى وقال لو كان بينه وبينه رحم
ما فعل هذا قال حصين فلما قتل الحسين لبثوا شهرين أو ثلاثة كأنما تلطخ الحوائط
بالدماء ساعة تطلع الشمس حتى ترتفع قال وحدثني العلاء بن أبي عاثة قال حدثني
رأس الجالوت عن أبيه قال ما مررت بكربلاء إلا وأنا أركض دابتي حتى أخلف
المكان قال قلت لم قال كنا نتحدث أن ولد نبي مقتول في ذلك المكان قال وكنت
أخاف أن أكون أنا فلما قتل الحسين قلنا هذا الذي نتحدث قال وكنت بعد ذلك إذا
مررت بذلك المكان أسير ولا أركض * حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال
حدثني علي بن محمد عن جعفر بن سليمان الضبعي قال قال الحسين والله لا يدعوني
حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي فإذا فعلوا سلط الله عليهم من يذلهم حتى
يكونوا أذل من فرم الأمة فقدم للعراق فقتل بنينوى يوم عاشوراء سنة 61 قال
الحارث قال ابن سعد أخبرنا محمد بن عمر قال قتل الحسين بن علي عليه السلام في
صفر سنة 61 وهو يومئذ ابن خمس وخمسين حدثني بذلك أفلح بن سعيد عن
ابن كعب القرظي قال الحارث حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر عن أبي
معشر قال قتل الحسين لعشر خلون من المحرم قال الواقدي هذا أثبت قال الحارث
قال ابن سعد أخبرنا محمد بن عمر قال أخبرنا عطاء بن مسلم عمن أخبره عن عاصم بن
296

أبى النجود عن زر بن حبيش قال أول رأس رفع على خشبة رأس الحسين رضى الله
عن الحسين وصلى الله على روحه (قال أبو مخنف) عن هشام بن الوليد عمن شهد
ذلك قال أقبل الحسين بن علي بأهله من مكة ومحمد بن الحنفية بالمدينة قال فبلغه
خبره وهو يتوضأ في طست قال فبكى حتى سمعت وكف دموعه في الطست
(قال أبو مخنف) حدثني يونس بن أبي إسحاق السبيعي قال ولما بلغ عبيد الله
إقبال الحسين بن مكة إلى الكوفة بعث الحصين بن نمير صاحب شرطه حتى نزل
القادسية ونظم الخيل ما بين القادسية إلى خفان وما بين القادسية إلى القطقطانة
وإلى لعلع وقال الناس هذا الحسين يريد العراق (قال أبو مخنف) وحدثني محمد
ابن قيس أن الحسين أقبل حتى إذا بلغ الحاجر من بطن الرمة بعث قيس بن مسهر
الصيداوي إلى أهل الكوفة وكتب معه إليهم بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين
ابن علي إلى إخوانه من المؤمنين والمسلمين سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي
لا إله إلا هو أما بعد فإن كتاب مسلم بن عقيل جاءني يخبرني فيه بحسن رأيكم
واجتماع ملئكم على نصرنا والطلب بحقنا فسألت الله أن يحسن لنا الصنع وأن
يثيبكم على ذلك أعظم الاجر وقد شخصت إليكم من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين
من ذي الحجة يوم التروية فإذا قدم عليكم رسولي فاكمشوا أمركم وجدوا فإني
قادم عليكم في أيامى هذه إن شاء الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وكان مسلم
ابن عقيل قد كان كتب إلى الحسين قبل أن يقتل لسبع وعشرين ليلة أما بعد فان
الرائد لا يكذب أهله إن جمع أهل الكوفة معك فأقبل حين تقرأ كتابي والسلام
عليك قال فأقبل الحسين بالصبيان والنساء معه لا يلوى على شئ وأقبل قيس بن مسهر
الصيداوي إلى الكوفة بكتاب الحسين حتى إذا انتهى إلى القادسية أخذه الحصين
ابن نمير فبعث به إلى عبيد الله بن زياد فقال له عبيد الله اصعد إلى القصر فسب
الكذاب ابن الكذاب فصعد ثم قال أيها الناس إن هذا الحسين بن علي خير خلق
الله ابن فاطمة بنت رسول الله وأنا رسوله إليكم وقد فارقته بالحاجر فأجيبوه ثم
لعن عبيد الله بن زياد وأباه واستغفر لعلي بن أبي طالب قال فأمر به عبيد الله
297

ابن زياد أن يرمى به من فوق القصر فرمى به فتقطع فمات ثم أقبل الحسين سيرا
إلى الكوفة فانتهى إلى ماء من مياه العرب فإذا عليه عبد الله بن مطيع العدوي وهو
نازل ههنا فلما رأى الحسين قام إليه فقال بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله ما أقدمك
واحتمله فأنزله فقال له الحسين كان من موت معاوية ما قد بلغك فكتب إلى أهل
العراق يدعونني إلى أنفسهم فقال له عبد الله بن مطيع أذكرك الله يا ابن رسول الله
وحرمة الاسلام أن تنتهك أنشدك الله في حرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنشدك الله في حرمة العرب فوالله لئن طلبت ما في أيدي بنى أمية ليقتلنك ولئن
قتلوك لا يهابون بعدك أحدا أبدا والله إنها لحرمة الاسلام تنتهك وحرمة قريش
وحرمة العرب فلا تفعل ولا تأت الكوفة ولا تعرض لبنى أمية قال فأبى إلا
أن يمضى قال فأقبل الحسين حتى إذا كان بالماء فوق زرود (قال أبو مخنف) فحدثني
السدى عن رجل من بنى فزارة قال لما كان زمن الحجاج بن يوسف كنا في دار
الحارث بن أبي ربيعة التي في التمارين التي أقطعت بعد زهير بن القين من بنى عمرو
ابن يشكر من بجيلة وكان أهل الشأم لا يدخلونها فكنا محتبين فيها قال فقلت للفزاري
حدثني عنكم حين أقبلتم مع الحسين بن علي قال كنا مع زهير بن القين البجلي حين
أقبلنا من مكة نساير الحسين فلم يكن شئ أبغض إلينا من أن نسايره في منزل فإذا
سار الحسين تخلف زهير بن القين وإذا نزل الحسين تقدم زهير حتى نزلنا يومئذ
في منزل لم نجد بدا من أن ننازله فيه فنزل الحسين في جانب ونزلنا في جانب فبينا
نحن جلوس نتغدى من طعام لنا إذا أقبل رسول الحسين حتى سلم ثم دخل فقال
يا زهير بن القين إن أبا عبد الله الحسين بن علي بعثني إليك لتأتيه قال فطرح كل انسان
ما في يده حتى كأننا على رؤوسنا الطير (قال أبو مخنف) فحدثتني دلهم بنت
عمرو امرأة زهير بن القين قالت فقلت له أيبعث إليك ابن رسول الله ثم لا تأتيه
سبحان الله لو أتيته فسمعت من كلامه ثم انصرفت قالت فأتاه زهير بن القين فما
لبث أن جاء مستبشرا قد أسفر وجهه قالت فأمر بفسطاطه وثقله ومتاعه فقدم
وحمل إلى الحسين ثم قال لامرأته أنت طالق الحقي بأهلك فانى لا أحب أن
298

يصيبك من سببي إلا خير ثم قال لأصحابه من أحب منكم أن يتبعني وإلا فإنه آخر
العهد إني سأحدثكم حديثا غزونا بلنجر ففتح الله علينا وأصبنا غنائم فقال لنا سلمان
الباهلي أفرحتم بما فتح الله عليكم وأصبتم من المغانم فقلنا نعم فقال لنا إذا أدركتم
شباب آل محمد فكونوا أشد فرحا بقتالكم معهم بما أصبتم من الغنائم فأما أنا فإني
أستودعكم الله قال ثم والله ما زال في أول القوم حتى قتل (قال أبو مخنف) حدثني
أبو جناب الكلبي عن عدى بن حرملة الأسدي عن عبد الله بن سليم والمذري بن
المشمل الأسديين قالا لما قضينا حجنا لم يكن لنا همة اللحاق بالحسين في الطريق
لننظر ما يكون من أمره وشأنه فأقبلنا ترقل بنا ناقتانا مسرعين حتى لحقناه بزرود
فلما دنونا منه إذا نحن برجل من أهل الكوفة قد عدل عن الطريق حين رأى الحسين
قالا فوقف الحسين كأنه يريده ثم تركه ومضى ومضينا نحوه فقال أحدنا
لصاحبه اذهب بنا إلى هذا فلنسأله فإن كان عنده خبر الكوفة علمناه فمضينا حتى
انتهينا إليه فقلنا السلام عليك قال وعليكم السلام ورحمة الله ثم قلنا فمن الرجل
قال أسدى فقلنا فنحن أسديان فمن أنت قال أنا بكير بن المثعبة فانتسبنا له ثم قلنا أخبرنا
عن الناس وراءك قال نعم لم أخرج من الكوفة حتى قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة
فرأيتهما يجران بأرجلهما في السوق قالا فأقبلنا حتى لحقنا بالحسين فسايرناه حتى
نزل الثعلبية ممسياه فجئناه حين نزل فسلمنا عليه فرد علينا فقلنا له يرحمك الله إن عندنا
خبرا فإن شئت حدثنا علانية وإن شئت سرا قال فنظر إلى أصحابه وقال ما دون
هؤلاء سر فقلنا له أرأيت الراكب الذي استقبلك عشاء أمس قال نعم وقد أردت
مسألته فقلنا قد استبرأنا لك خبره وكفيناك مسألته وهو ابن امرئ من أسد منا
ذو رأى وصدق وفضل وعقل إنه حدثنا أنه لم يخرج من الكوفة حتى قتل مسلم
ابن عقيل وهانئ بن عروة وحتى رآهما يجران في السوق بأرجلهما فقال إنا لله وإنا
إليه راجعون رحمة الله عليهما فردد ذلك مرارا فقلنا ننشدك الله في نفسك وأهل
بيتك إلا انصرفت من مكانك هذا فإنه ليس لك بالكوفة ناصر ولا شيعة بل
نتخوف أن تكون عليك قال فوثب عند ذلك بنو عقيل بن أبي طالب (قال
299

أبو مخنف) حدثني عمر بن خالد عن زيد بن علي بن حسين وعن داود بن علي
ابن عبد الله بن عباس أن بنى عقيل قالوا لا والله لا نبرح حتى ندرك ثأرنا أو نذوق
ما ذاق أخونا (قال أبو مخنف) عن أبي جناب الكلبي عن عدى بن حرملة عن
عبد الله بن سليم والمذري بن المشعل الأسديين قالا فنظر إلينا الحسين فقال لا خير
في العيش بعد هؤلاء قالا فعلمنا أنه قد عزم له رأيه على المسير قالا فقلنا خار الله
لك قالا فقال رحمكما الله قالا فقال له بعض أصحابه إنك والله ما أنت مثل مسلم بن
عقيل ولو قدمت الكوفة لكان الناس إليك أسرع قال الأسديان ثم انتظر حتى
إذا كان السحر قال لفتيانه وغلمانه أكثروا من الماء فاستقوا وأكثروا ثم ارتحلوا
وساروا حتى انتهوا إلى زبالة (قال أبو مخنف) حدثني أبو علي الأنصاري عن
بكر بن مصعب المزني قال كان الحسين لا يمر بأهل ماء إلا اتبعوه حتى انتهى إلى
زبالة سقط إليه مقتل أخيه من الرضاعة مقتل عبد الله بن بقطر وكان سرحه إلى
مسلم بن عقيل من الطريق وهو لا يدرى أنه قد أصيب فتلقاه خيل الحصين بن
نمير بالقادسية فسرح به إلى عبيد الله بن زياد فقال اصعد فوق القصر فالعن الكذاب
ابن الكذاب ثم انزل حتى أرى فيك رأيي قال فصعد فلما أشرف على الناس قال
أيها الناس إني رسول الحسين ابن فاطمة بن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
لتنصروه وتوازروه على ابن مرجانة ابن سمية الدعي فأمر به عبيد الله فألقى من
فوق القصر إلى الأرض فكسرت عظامه وبقى به رمق فأتاه رجل يقال له عبد الملك
ابن عمير اللخمي فذبحه فلما عيب ذلك عليه قال إنما أردت أن أريحه قال هشام
حدثنا أبو بكر بن عياش عمن أخبره قال والله ما هو عبد الملك بن عمير الذي قام
إليه فذبحه ولكنه قام إليه رجل جعد طوال يشبه عبد الملك بن عمير قال فأتى
ذلك الخبر حصينا وهو بزبالة فأخرج للناس كتابا فقرأ عليهم بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد فإنه قد أتانا خبر فظيع قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة وعبد الله بن
بقطر وقد خذلتنا شيعتنا فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف ليس عليه منا ذمام
قال فتفرق الناس عنه تفرقا فأخذوا يمينا وشمالا حتى بقى في أصحابه الذين جاءوا
300

معه من المدينة وإنما فعل ذلك لأنه ظن أنما اتبعه الاعراب لانهم ظنوا أنه يأتي
بلدا قد استقامت له طاعة أهله فكره أن يسيروا معه إلا وهم يعلمون علام يقدمون
وقد علم أنهم إذا بين لهم لم يصحبه إلا من يريد مواساته والموت معه قال فلما كان
من السحر أمر فتيانه فاستقوا الماء وأكثروا ثم سار حتى مر بطن العقبة فنزل بها
(قال أبو مخنف) فحدثني لوذان أحد بنى عكرمة أن أحد عمومته سأل الحسين
عليه السلام أين تريد فحدثه فقال له إني أنشدك الله لما انصرفت فوالله لا تقدم
إلا على الأسنة وحد السيوف فإن هؤلاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤنة
القتال ووطؤا لك الأشياء فقدمت عليهم كان ذلك رأيا فأما على هذه الحال التي
تذكرها فإني لا أرى لك أن تفعل قال فقال له يا عبد الله إنه ليس يخفى على الرأي
ما رأيت ولكن الله لا يغلب على أمره ثم ارتحل منها * ونزع يزيد بن معاوية في هذه
السنة الوليد بن عتبة عن مكة وولاها عمرو بن سعيد بن العاص وذلك في شهر
رمضان منها فحج بالناس عمرو بن سعيد في هذه السنة حدثني بذلك أحمد بن ثابت
عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر وكان عامله على مكة والمدينة في هذه
السنة بعد ما عزل الوليد بن عتبة عمرو بن سعيد وعلى الكوفة والبصرة وأعمالها
عبيد الله بن زياد وعلى قضاء الكوفة شريح بن الحارث وعلى قضاء البصرة
هشام بن هبيرة.
ثم دخلت سنة إحدى وستين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك مقتل الحسين رضوان الله عليه قتل فيها في المحرم لعشر خلون منه
كذلك حدثني أحمد بن ثابت قال حدثني محدث عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر
وكذلك قال الواقدي وهشام بن الكلبي وقد ذكرنا ابتداء أمر الحسين في مسيره
نحو العراق وما كان منه في سنة 60 ونذكر الآن ما كان من أمره في سنة 61
وكيف كان مقتله * حدثت عن هشام عن أبي مخنف قال حدثني أبو جناب عن
301

عدى بن حرملة عن عبد الله بن سليم والمذري بن المشمعل الأسديين قالا أقبل الحسين
عليه السلام حتى نزل شراف فلما كان في السحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء فأكثروا
ثم ساروا منها فرسموا صدر يومهم حتى انتصف النهار ثم إن رجلا قال الله أكبر
فقال الحسين الله أكبر ما كبرت قال رأيت النخل فقال له الأسديان إن هذا المكان
ما رأينا به نخلة قط قالا فقال لنا الحسين فما تريانه رأى قلنا نراه رأى هوادى الخيل
فقال وأنا والله أرى ذلك فقال الحسين أما لنا ملجأ نلجأ إليه نجعله في ظهورنا
ونستقبل القوم من وجه واحد فقلنا له بلى هذا ذو حسم إلى جنبك تميل إليه عن
يسارك فإن سبقت القوم إليه فهو كما تريد قال فأخذ إليه ذات اليسار قال وملنا معه
فما كان بأسرع من أن طلعت علينا هوادى الخيل فتبيناها وعدلنا فلما رأونا وقد
عدلنا عن الطريق عدلوا إلينا كأن أسنتهم اليعاسيب وكأن راياتهم أجنحة الطير
قال فاستبقنا إلى ذي حسم فسبقناهم إليه فنزل الحسين فأمر بأبنيته فضربت وجاء
القوم وهم ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي اليربوعي حتى وقف هو وخيله
مقابل الحسين في حر الظهيرة والحسين وأصحابه معتمون متقلد وأسيافهم فقال
الحسين لفتيانه اسقوا القوم وارووهم من الماء ورشفوا الخيل ترشيفا فقام فتيانه
فرشفوا الخيل ترشيفا فقام فتية وسقوا القوم من الماء حتى أرووهم وأقبلوا
يملؤون القصاع والاتوار والطساس من الماء ثم يدنونها من الفرس فإذا عب فيه
ثلاثا أو أربعا أو خمسا عزلت عنه وسقوا آخر حتى سقوا الخيل كلها * قال هشام
حدثني لقيط عن علي بن الطعان المحاربي كنت مع الحر بن يزيد فجئت في آخر
من جاء من أصحابه فلما رأى الحسين ما بي وبفرسي من العطش قال أنخ الراوية
والراوية عندي السقاء ثم قال ابن أخي أنخ الجمل فأنخته فقال اشرب فجعلت
كلما شربت سال الماء من السقاء فقال الحسين اخنث السقاء أي اعطفه قال فجعلت
لا أدرى كيف أفعل قال فقام الحسين فخنثه فشربت وسقيت فرسى قال وكان
مجئ الحر بن يزيد ومسيره إلى الحسين من القادسية وذلك أن عبيد الله بن زياد لما
بلغه إقبال الحسين بعث الحصين بن نمير التميمي وكان على شرطه فأمره أن ينزل
302

القادسية وأن يضع المسالح فينظم ما بين القطقطانة إلى خفان وقدم الحر بن يزيد
بين يديه في هذه الألف من القادسية فيستقبل حسينا قال فلم يزل موافقا حسينا حتى
حضرت الصلاة صلاة الظهر فأمر الحسين الحجاج بن مسروق الجعفي أن يؤذن فأذن
فلما حضرت الإقامة خرج الحسين في إزار ورداء ونعلين فحمد الله وأثنى عليه
ثم قال أيها الناس إنها معذرة إلى الله عز وجل وإليكم إني لم آتكم حتى أتتني كتبكم
وقدمت على رسلكم أن أقدم علينا فإنه ليس لنا إمام لعل الله يجمعنا بك على
الهدى فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم فإن تعطوني ما أطمئن إليه من عهودكم ومواثيقكم
أقدم مصركم وإن لم تفعلوا وكنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي
أقبلت منه إليكم قال فسكتوا عنه وقالوا للمؤذن أقم فأقام الصلاة فقال الحسين
عليه السلام للحر أتريد أن تصلى بأصحابك قال لا بل تصلى أنت ونصلي بصلاتك
قال فصلى بهم الحسين ثم إنه دخل واجتمع إليه أصحابه وانصرف الحر إلى مكانه
الذي كان به فدخل خيمة قد ضربت له فاجتمع إليه جماعة من أصحابه وعاد أصحابه
إلى صفهم الذي كانوا فيه فأعادوه ثم أخذ كل رجل منهم بعنان دابته وجلس
في ظلها فلما كان وقت العصر أمر الحسين أن يتهيؤا للرحيل ثم إنه خرج فأمر
مناديه فنادى بالعصر وأقام فاستقدم الحسين فصلى بالقوم ثم سلم وانصرف
إلى القوم بوجهه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد أيها الناس فإنكم إن تتقوا
وتعرفوا الحق لأهله يكن أرضى لله ونحن أهل البيت أولى بولايته هذا الامر
عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم والسائرين فيكم بالجور والعدوان وإن أنتم
كرهتمونا وجعلتم حقنا وكان رأيكم غير ما أتتني كتبكم وقدمت به على رسلكم
انصرفت عنكم فقال له الحر بن يزيد إنا والله ما ندري ما هذه الكتب التي تذكر
فقال الحسين يا عقبة بن سمعان أخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إلى فأخرج
خرجين مملوءين صحفا فنشرها بين أيديهم فقال الحر فإنا لسنا من هؤلاء الذين
كتبوا إليك وقد أمرنا إذا نحن لقيناك ألا نفارقك حتى نقدمك على عبيد الله
ابن زياد فقال له الحسين الموت أدنى إليك من ذلك ثم قال لأصحابه قوموا فاركبوا
303

فركبوا وانتظروا حتى ركبت نساؤهم فقال لأصحابه انصرفوا بنا فلما ذهبوا لينصرفوا
حال القوم بينهم وبين الانصراف فقال الحسين للحر ثكلتك أمك ما تريد قال
أما والله لو غيرك من العرب يقولها لي وهو على مثل الحال التي أنت عليها
ما تركت ذكر أمه بالثكل أن أقوله كائنا من كان ولكن والله مالي إلى ذكر أمك
من سبيل الا بأحسن ما يقدر عليه فقال له الحسين فما تريد قال الحر أريد والله
أن أنطلق بك إلى عبيد الله بن زياد قال له الحسين إذن والله لا أتبعك فقال له الحر إذن
والله لا أدعك فترادا القول ثلاث مرات ولما كثر الكلام بينهما قال له الحر
إني لم أومر بقتالك وإنما أمرت أن لا أفارقك حتى أقدمك الكوفة فإذا أبيت
فخذ طريقا لا تدخلك الكوفة ولا تردك إلى المدينة لتكون بيني وبينك نصفا حتى
أكتب إلى ابن زياد وتكتب أنت إلى يزيد بن معاوية إن أردت أن تكتب إليه
أو إلى عبيد الله بن زياد إن شئت فلعل الله إلى ذاك أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية
من أن أبتلى بشئ من أمرك قال فخذ ههنا فتياسر عن طريق العذيب والقادسية
وبينه وبين العذيب ثمانية وثلاثون ميلا ثم إن الحسين سار في أصحابه والحر
يسايره (قال أبو مخنف) عن عقبة بن أبي العيزار إن الحسين خطب أصحابه
وأصحاب الحر بالبيضة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ناكثا لعهد الله مخالفا
لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان فلم يغير
عليه بفعل ولا قول كان حقا على الله إن يدخله مدخله ألا وإن هؤلاء قد لزموا
طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا
بالفئ وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله وأنا أحق من غير وقد أتتني كتبكم
وقدمت على رسلكم ببيعتكم انكم لا تسلموني ولا تخذلوني فإن تممتم على بيعتكم
تصيبوا رشدكم فأنا الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
نفسي مع أنفسكم وأهلي مع أهليكم فلكم في أسوة وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدكم
وخلعتم بيعتي من أعناقكم فلعمري ما هي لكم بنكر لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن
304

عمى مسلم والمغرور من اغتر بكم فحظكم أخطأتم ونصيبكم ضيعتم ومن نكث فإنما
ينكث على نفسه وسيغنى الله عنك والسلام عليك ورحمة الله وبركاته (وقال
عقبة) بن أبي العيزاز قام حسين عليه السلام بذى حسم فحمد الله وأثنى عليه ثم
قال إنه قد نزل من الامر ما قد ترون وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها
واستمرت جدا فلم يبق منها إلا صبابة كصبابة الاناء وخسيس عيش كالمرعى
الوبيل ألا ترون أن الحق لا يعمل به وأن الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن
في لقاء الله محقا فانى لا أرى الموت إلا شهادة ولا الحياة مع الظالمين إلا برما قال
فقام زهير بن القين البجلي فقال لأصحابه تكلمون أم أتكلم قالوا لا بل تكلم فحمد الله فأثنى
عليه ثم قال قد سمعنا هداك الله يا ابن رسول الله مقالتك والله لو كانت الدنيا لنا باقية
وكنا فيها مخلدين إلا أن فراقها في نصرك ومواساتك لآثرنا الخروج معك على
الإقامة فيها قال فدعا له الحسين ثم قال له خيرا وأقبل الحر يسايره وهو يقول له
يا حسين إني أذكرك الله في نفسك فانى أشهد لئن قاتلت لتقتلن ولئن قوتلت
لتهلكن فيما أرى فقال له الحسين أفبالموت تخوفني وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني
ما أدرى ما أقول لك ولكن أقول كما قال أخو الأوس لابن عمه ولقيه وهو
يريد نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له أين تذهب فإنك مقتول فقال
سأمضي وما بالموت عار على الفتى * إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما
وآسى الرجال الصالحين بنفسه * وفارق مثبورا يغش ويرغما
قال فلما سمع ذلك منه الحر تنحى عنه وكان يسير بأصحابه في ناحية وحسين في
ناحية أخرى حتى انتهوا إلى عذيب الهجانات وكان بها هجائن النعمان ترعى هنالك
فإذا هم بأربعة نفر قد أقبلوا من الكوفة على رواحلهم يجنبون فرسا لنافع بن هلال
يقال له الكامل ومعهم دليلهم الطرماح بن عدي على فرسه وهو يقول
يا ناقتي لا تذعري من زجري * وشمري قبل طلوع الفجر
بخير ركبان وخير سفر * حتى تحلى بكريم النجر
الماجد الحر رحيب الصدر * أتى به الله لخير أمر
305

ثمت أبقاه بقاء الدهر
قال فلما انتهوا إلى الحسين أنشدوه هذه الأبيات فقال أما والله انى لأرجو أن
يكون خيرا ما أراد الله بنا قتلنا أم ظفرنا قال وأقبل إليهم الحر بن يزيد فقال
إن هؤلاء النفر الذين من أهل الكوفة ليسوا ممن أقبل معك وأنا حابسهم أو رادهم
فقال له الحسين لأمنعنهم مما أمنع منه نفسي إنما هؤلاء أنصاري وأعواني وقد كنت
أعطيتني ألا تعرض لي بشئ حتى يأتيك كتاب من ابن زياد فقال أجل لكن
لم يأتوا معك قال هم أصحابي وهم بمنزلة من جاء معي فان تممت على ما كان بيني
وبينك وإلا ناجزتك قال فكف عنهم الحر قال ثم قال لهم الحسين أخبروني
خبر الناس وراءكم فقال له مجمع بن عبد الله العائذي وهو أحد النفر الأربعة الذين
جاءوه أما أشراف الناس فقد أعظمت رشوتهم وملئت غرائرهم يستمال ودهم
ويستخلص به نصيحتهم فهم ألب واحد عليك وأما سائر الناس بعد فان أفئدتهم
تهوى إليك وسيوفهم غدا مشهورة عليك قال أخبرني فهل لكم برسولي إليكم قالوا
من هو قال قيس بن مسهر الصيداوي فقالوا نعم أخذه الحصين بن نمير فبعث
به إلى ابن زياد فأمره ابن زياد أن يلعنك ويلعن أباك فصلى عليك وعلى أبيك
ولعن ابن زياد وأباه ودعا إلى نصرتك وأخبرهم بقدومك فأمر به ابن زياد فألقى
من طمار القصر فترقرقت عينا حسين عليه السلام ولم يملك دمعه ثم قال منهم
من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا. اللهم اجعل لنا ولهم الجنة
نزلا واجمع بيننا وبينهم في مستقر من رحمتك ورغائب مذخور ثوابك (قال
أبو مخنف) حدثني جميل بن مرثد من بنى معن عن الطرماح بن عدي أنه دنا من
الحسين فقال له والله إني لأنظر فما أرى معك أحدا ولو لم يقاتلك إلا هؤلاء
الذين أراهم ملازميك لكان كفى بهم وقد رأيت قبل خروجي من الكوفة إليك
بيوم ظهر الكوفة وفيه من الناس ما لم تر عيناي في صعيد واحد جمعا أكثر منه
فسألت عنهم فقيل اجتمعوا ليعرضوا ثم يسرحون إلى الحسين فأنشدك الله ان
قدرت على ألا تقدم عليهم شبرا إلا فعلت فان أردت أن تنزل بلدا يمنعك
306

الله به حتى ترى من رأيك ويستبين لك ما أنت صانع فسر حتى أنزلك مناع جبلنا
الذي يدعى أجأ امتنعنا والله به من ملوك غسان وحمير ومن النعمان بن المنذر
ومن الأسود والأحمر والله إن دخل علينا ذل قط فأسير معك حتى أنزلك القرية
ثم نبعث إلى الرجال ممن بأجأ وسلمى من طيئ فوالله لا يأتي عليك عشرة أيام
حتى يأتيك طيئ رجالا وركبانا ثم أقم فينا ما بدا لك فإن هاجك هيج فأنا زعيم
لك بعشرين ألف طائي يضربون بين يديك بأسيافهم والله لا يوصل إليك أبدا
ومنهم عين تطرف فقال له جزاك الله وقومك خيرا إنه قد كان بيننا وبين هؤلاء
القوم قول لسنا نقدر معه على الانصراف ولا ندري علام تنصرف بنا وبهم
الأمور في عاقبه (قال أبو مخنف) فحدثني جميل بن مرثد قال حدثني الطرماح
ابن عدي قال فودعته وقلت له دفع الله عنك شر الجن والإنس إني قد امترت لأهلي
من الكوفة ميرة ومعي نفقة لهم فأتيهم فأضع ذلك فيهم ثم أقبل إليك إن شاء الله
فان ألحقك فوالله لأكونن من أنصارك قال فان كنت فاعلا فعجل رحمك الله
قال فعلمت أنه مستوحش إلى الرجال حتى يسألني التعجيل قال فلما بلغت أهلي
وضعت عندهم ما يصلحهم وأوصيت فأخذ أهلي يقولون إنك لتصنع مرتك هذه
شيئا ما كنت تصنعه قبل اليوم فأخبرتهم بما أريد وأقبلت في طريق بنى ثعل
حتى إذا دنوت من عذيب الهجانات استقبلني سماعة بن بدر فنعاه إلى فرجعت
قال ومضى الحسين عليه السلام حتى انتهى إلى قصر بنى مقاتل فنزل به فإذا هو بفسطاط
مضروب (قال أبو مخنف) حدثني المجالد بن سعيد عن عامر الشعبي أن الحسين
ابن علي رضي الله عنه قال لمن هذا الفسطاط فقيل لعبيد الله بن الحر الجعفي
قال ادعوه لي وبعث إليه فلما أتاه الرسول قال هذا الحسين بن علي يدعوك فقال
عبيد الله بن الحر إنا لله وإنا إليه راجعون والله ما خرجت من الكوفة إلا كراهة
أن يدخلها الحسين وأنا بها والله ما أريد أن أراه ولا يراني فأتاه الرسول فأخبره
فأخذ الحسين نعليه فانتعل ثم قام فجاءه حتى دخل عليه فسلم وجلس ثم دعاه
إلى الخروج معه فأعاد إليه ابن الحر تلك المقالة فقال فإلا تنصرنا فاتق الله أن
307

تكون ممن يقاتلنا فوالله لا يسمع واعيتنا أحد ثم لا ينصرنا إلا هلك قال أما هذا
فلا يكون أبدا إن شاء الله ثم قام الحسين عليه السلام من عنده حتى دخل رحله
(قال أبو مخنف) حدثني عبد الرحمن بن جندب عن عقبة بن سمعان قال لما
كان في آخر الليل أمر الحسين بالاستقاء من الماء ثم أمرنا بالرحيل ففعلنا
قال فلما ارتحلنا من قصر بنى مقاتل وسرنا سباعة خفق الحسين برأسه خفقة ثم
انتبه وهو يقول إنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله رب العالمين قال ففعل ذلك
مرتين أو ثلاثا قال فأقبل إليه ابنه علي بن الحسين على فرس له فقال إنا لله وانا إليه
راجعون والحمد لله رب العالمين يا أبت جعلت فداك مم حمدت الله واسترجعت
قال يا بنى إني خفقت برأسي خفقة فعن لي فارس على فرس فقال القوم يسيرون
والمنايا تسرى إليهم فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا قال له يا أبت لا أراك الله سوءا
ألسنا على الحق قال بلى والذي إليه مرجع العباد قال يا أبت إذا لا نبالي نموت
محقين فقال له جزاك الله من ولد خير ما جزى ولدا عن والده قال فلما أصبح
نزل فصلى الغداة ثم عجل الركوب فأخذ يتياسر بأصحابه يريد أن يفرقهم فيأتيه
الحر بن يزيد فيردهم فيرده فجعل إذا ردهم إلى الكوفة ردا شديدا امتنعوا عليه
فارتفعوا فلم يزالوا يتسايرون حتى انتهوا إلى نينوى المكان الذي نزل به الحسين
قال فإذا راكب على نجيب له وعليه السلاح متنكب قوسا مقبل من الكوفة فوقفوا
جميعا ينتظرونه فلما انتهى إليهم سلم على الحر بن يزيد وأصحابه ولم يسلم على الحسين
عليه السلام وأصحابه فدفع إلى الحر كتابا من عبيد الله بن زياد فإذا فيه * أما بعد
فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي فلا تنزله إلا بالعراء في غير
حصن وعلى غير ماء وقد أمرت رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتى يأتيني
بإنفاذك أمري والسلام قال فلما قرأ الكتاب قال لهم الحر هذا كتاب الأمير عبيد الله
ابن زياد يأمرني فيه أن أجعجع بكم في المكان الذي يأتيني فيه كتابه وهذا رسوله
وقد أمره أن لا يفارقني حتى أنفذ رأيه وأمره فنظر إلى رسول عبيد الله يزيد بن
زياد بن المهاصر أبو الشعثاء الكندي ثم النهدي فعن له فقال أمالك بن النسير
308

البدي قال نعم وكان أحد كنده فقال له يزيد بن زياد ثكلتك أمك ماذا جئت
فيه قال وما جئت فيه أطعت إمامي ووفيت ببيعتي فقال له أبو الشعثاء عصيت
ربك وأطعت إمامك في هلاك نفسك كسبت العار والنار قال الله عز وجل
(وجعلنا منهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون) فهو إمامك
قال وأخذ الحر بن يزيد القوم بالنزول في ذلك المكان على غير ماء ولا في قرية
فقالوا دعنا ننزل في هذه القرية يعنون نينوى أو هذه القرية يعنون الغاضرية أو هذه
الأخرى يعنون شفية فقال لا والله ما أستطيع ذلك هذا رجل قد بعث إلى عينا
فقال له زهير بن القين يا ابن رسول الله إن قتال هؤلاء أهون من قتال من يأتينا
من بعدهم فلعمري ليأتينا من بعد ترى ما لا قبل لنا به فقال له الحسين ما كنت
لأبدأهم بالقتال فقال له زهير بن القين سر بنا إلى هذه القرية حتى تنزلها فإنها حصينة
وهى على شاطئ الفرات فإن منعونا قاتلناهم فقتالهم أهون علينا من قتال من يجئ
من بعدهم فقال له الحسين وأية قرية هي قال هي العقر فقال الحسين اللهم إني
أعوذ بك من العقر ثم نزل وذلك يوم الخميس وهو اليوم الثاني من المحرم
سنة 61 فلما كان من الغد قدم عليهم عمر بن سعد بن أبي وقاص من الكوفة في أربعة
آلاف قال وكان سبب خروج ابن سعد إلى الحسين عليه السلام أن عبيد الله بن
زياد بعثه على أربعة آلاف من أهل الكوفة يسير بهم إلى دستبى وكانت الديلم
قد خرجوا إليها وغلبوا عليها فكتب إليه ابن زياد عهده على الري وأمره
بالخروج فخرج معسكرا بالناس بحمام أعين فلما كان من أمر الحسين ما كان
وأقبل إلى الكوفة دعا ابن زياد عمر بن سعد فقال سر إلى الحسين فإذا فرغنا
مما بيننا وبينه سرت إلى عملك فقال له عمر بن سعد إن رأيت رحمك الله أن تعفيني
فافعل فقال له عبيد الله نعم على أن ترد لنا عهدنا قال فلما قال له ذلك قال عمر بن
سعد أمهلني اليوم حتى أنظر قال فانصرف عمر يستشير نصحاءه فلم يكن يستشير
أحدا إلا نهاه قال وجاء حمزة بن المغيرة بن شعبة وهو ابن أخته فقال أنشدك
الله يا خال أن تسير إلى الحسين فتأثم بربك وتقطع رحمك فوالله لان تخرج من
309

دنياك ومالك وسلطان الأرض كلها لو كان لك خير لك من أن تلقى الله بدم
الحسين فقال له عمر بن سعد فانى أفعل إن شاء الله قال هشام حدثني عوانة بن الحكم
عن عمار بن عبد الله بن يسار الجهني عن أبيه قال دخلت على عمر بن سعد وقد أمر
بالمسير إلى الحسين فقال لي إن الأمير أمرني بالمسير إلى الحسين فأبيت ذلك عليه
فقلت له أصاب الله بك أرشدك الله أحل فلا تفعل ولا تسر إليه قال فخرجت من
عنده فأتاني آت وقال هذا عمر بن سعد يندب الناس إلى الحسين قال فأتيته فإذا هو
جالس فلما رآني أعرض بوجهه فعرفت أنه قد عزم على المسير إليه فخرجت من
عنده قال فأقبل عمر بن سعد إلى ابن زياد فقال أصلحك الله إنك وليتني هذا العمل
وكتبت لي العهد وسمع به الناس فان رأيت أن تنفذ لي ذلك فافعل وابعث إلى
الحسين في هذا الجيش من أشراف الكوفة من لست بأغنى ولا أجزأ عنك في
الحرب منه فسمى له أناسا فقال له ابن زياد لا تعلمني بأشراف أهل الكوفة ولست
أستأمرك فيمن أريد أن أبعث إن سرت بجندنا وإلا فابعث إلينا بعهدنا فلما
رآه قد لج قال فإني سائر قال فأقبل في أربعة آلاف حتى نزل بالحسين من الغد من يوم
نزل الحسين نينوى قال فبعث عمر بن سعد إلى الحسين عليه السلام عزرة بن قيس
الأحمسي فقال ائته فسله ما الذي جاء به وماذا يريد وكان عزرة ممن كتب إلى الحسين
فاستحيا منه أن يأتيه قال فعرض ذلك على الرؤساء الذين كاتبوه فكلهم أبى
وكرهه قال وقام إليه كثير به عبد الله الشعبي وكان فارسا شجاعا ليس يرد وجهه
شئ فقال أنا أذهب إليه والله لئن شئت لأفتكن به فقال له عمر بن سعد ما أريد
أن يفتك به ولكن ائته فسله ما الذي جاء به قال فأقبل إليه فلما رآه أبو ثمامة
الصائدي قال للحسين أصلحك الله أبا عبد الله قد جاءك شر أهل الأرض وأجرأه
على دم وأفتكه فقام إليه فقال ضع سيفك قال لا والله ولا كرامة إنما أنا رسول
فإن سمعتم منى أبلغتكم ما أرسلت به إليكم وإن أبيتم انصرفت عنكم فقال له فانى
آخذ بقائم سيفك ثم تكلم بحاجتك قال لا والله لا تمسه فقال له أخبرني ما جئت به
وأنا أبلغه عنك ولا أدعك تدنو منه فإنك فاجر قال فاستبا ثم انصرف إلى عمر
310

ابن سعد فأخيره الخبر قال فدعا عمر قرة بن قيس الحنظلي فقال له ويحك يا قرة
الق حسينا فسله ما جاء به وماذا يريد قال فأتاه قرة بن قيس فلما رآه الحسين مقبلا
قال أتعرفون هذا فقال حبيب بن مظاهر نعم هذا رجل من حنظلة تميمي وهو
ابن أختنا ولقد كنت أعرفه بحسن الرأي وما كنت أراه يشهد هذا المشهد قال
فجاء حتى سلم على الحسين وأبلغه رسالة عمر بن سعد إليه له فقال الحسين كتب إلى
أهل مصركم هذا إن أقدم فأما إذ كرهوني فأنا أنصرف عنهم قال ثم قال له حبيب
ابن مظاهر ويحك يا قرة بن قيس أنى ترجع إلى القوم الظالمين انصر هذا الرجل
الذي بآبائه أيدك الله بالكرامة وإيانا معك فقال له قرة أرجع إلى صاحبي
بجواب رسالته وأرى رأيي قال فانصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر فقال له
عمر بن سعد إني لأرجو أن يعافيني الله من حربه وقتاله (قال هشام) عن أبي
مخنف قال حدثني النضر بن صالح بن حبيب بن زهير العبسي عن حسان بن فائد
ابن بكر العبسي قال أشهد أن كتاب عمر بن سعد جاء إلى عبيد الله بن زياد وأنا عنده
فإذا فيه (بسم الله الرحمن الرحيم) أما بعد فانى حيث نزلت بالحسين بعثت إليه
رسولي فسألته عما أقدمه وماذا يطلب ويسأل فقال كتب إلى أهل هذه البلاد
وأتتني رسلهم فسألوني القدوم ففعلت فأما إذ كرهوني فبدا لهم غير ما أتتني به
رسلهم فأنا منصرف عنهم فلما قرئ الكتاب على ابن زياد قال
الآن إذ علقت مخالبنا به. يرجو النجاة ولات حين مناص
قال وكتب إلى عمر بن سعد (بسم الله الرحمن الرحيم) أما بعد فقد بلغني
كتابك وفهمت ما ذكرت فاعرض على الحسين أن يبايع ليزيد بن معاوية هو
وجميع أصحابه فإذا فعل ذلك رأينا رأينا والسلام قال فلما أتى عمر بن سعد الكتاب
قال قد حسبت ألا يقبل ابن زياد العافية (قال أبو مخنف) حدثني سليمان بن أبي
راشد عن حميد بن مسلم الأزدي قال جاء من عبيد الله بن زياد كتاب إلى
عمر بن سعد أما بعد فحل بين الحسين وأصحابه وبين الماء ولا يذوقوا منه قطرة
كما صنع بالتقى الزكي المظلوم أمير المؤمنين عثمان؟؟ عفان قال فبعث عمر بن سعد
311

عمرو بن الحجاج على خمسمائة فارس فنزلوا على الشريعة وحالوا بين حسين وأصحابه
وبين الماء أن يسقوا منه قطرة وذلك قبل قتل الحسين بثلاث قال ونازله عبد الله
ابن أبي حصين الأزدي وعداده في بجيلة فقال يا حسين ألا تنظر إلى الماء كأنه
كبد السماء والله لا تذوق منه قطرة حتى تموت عطشا فقال حسين اللهم اقتله
عطشا ولا تغفر له أبدا قال حميد بن مسلم والله لعدته بعد ذلك في مرضه فوالله
الذي لا إله إلا هو لقد رأيته يشرب حتى بغر ثم يقئ ثم يعود فيشرب حتى يبغر فما
يروى فما زال ذلك دأبه حتى لفظ غصته يعنى نفسه قال ولما اشتد على
الحسين وأصحابه العطش دعا العباس بن علي بن أبي طالب أخاه فبعثه في ثلاثين
فارسا وعشرين راجلا وبعث معهم بعشرين قربة فجاءوا حتى دنوا من الماء ليلا
واستقدم إمامهم باللواء نافع بن هلال الجملي فقال عمرو بن الحجاج الزبيدي من الرجل
فجئ ما جاء بك قال جئنا نشرب من هذا الماء الذي حلأتمونا عنه قال فاشرب هنيئا قال لا
والله لا أشرب منه قطرة وحسين عطشان ومن ترى من أصحابه فطلعوا عليه فقال
لا سبيل إلى سقى هؤلاء إنما وضعنا بهذا المكان لنمنعهم الماء فلما دنا منه أصحابه
قال لرجاله املؤا قربكم فشد الرجالة فملؤا قربهم وثار إليهم عمرو بن الحجاج وأصحابه
فحمل عليهم العباس ابن علي ونافع بن هلال فكفوهم ثم انصرفوا إلى رحالهم
فقالوا امضوا ووقفوا دونهم فعطف عليهم عمرو بن الحجاج وأصحابه واطردوا قليلا
ثم إن رجلا من صداء طعن من أصحاب عمرو بن الحجاج طعنه نافع بن هلال فظن
أنها ليست بشئ ثم إنها انتقضت بعد ذلك فمات منها وجاء أصحاب حسين بالقرب
فأدخلوها عليه (قال أبو مخنف) حدثني أبو جنا ب عن هانئ بن ثبيت الحضرمي
وكان قد شهد قتل الحسين قال بعث الحسين عليه السلام إلى عمر بن سعد عمرو بن
قرظة بن كعب الأنصاري أن ألقني الليل بين عسكري وعسكرك قال فخرج عمر بن
سعد في نحو من عشرين فارسا وأقبل حسين في مثل ذلك فلما التقوا أمر حسين
أصحابه أن يتنحوا عنه وأمر عمر بن سعد أصحابه بمثل ذلك قال فانكشفنا عنهما بحيث
لا نسمع أصواتهما ولا كلامهما فتكلما فأطالا حتى ذهب من الليل هزيع ثم انصرف
312

كل واحد منهما إلى عسكره بأصحابه وتحدث الناس فيما بينهما ظنا يظنونه أن حسينا
قال لعمر بن سعد اخرج معي إلى يزيد بن معاوية وندع العسكرين قال عمر إذن تهدم
داري قال أنا أبنيها لك قال إذن تؤخذ ضياعي قال إذن أعطيك خيرا منها من مالي بالحجاز
قال فتكره ذلك عمر قال فتحدث الناس بذلك وشاع فيهم من غير أن يكونوا سمعوا
من ذلك شيئا ولا علموه (قال أبو مخنف) وأما ما حدثنا به المجالد بن سعيد والصقعب
ابن زهير الأزدي وغيرهما من المحدثين فهو ما عليه جماعة المحدثين قالوا إنه قال اختاروا
منى خصالا ثلاثا إما أن أرجع إلى المكان الذي أقبلت منه وإما أن أضع يدي في يد يزيد
ابن معاوية فيرى فيما بيني وبينه رأيه وإما أن تسيروني إلى أي ثغر من ثغور المسلمين
شئتم فأكون رجلا من أهله لي ما لهم وعلى ما عليهم (قال أبو مخنف) فأما عبد الرحمن
ابن جندب فحدثني عن عقبة ابن سمعان قال صحبت حسينا فخرجت معه من المدينة
إلى مكة ومن مكة إلى العراق ولم أفارقه حتى قتل وليس من مخاطبته الناس كلمة
بالمدينة ولا بمكة ولا في الطريق ولا بالعراق ولا في عسكر إلى يوم مقتله إلا وقد
سمعتها ألا والله ما أعطاهم ما يتذاكر الناس وما يزعمون من أن يضع يده في يد
يزيد بن معاوية ولا أن يسيروه إلى ثغر من ثغور المسلمين ولكنه قال دعوني
فلا ذهب في هذه الأرض العريضة حتى ننظر ما يصير أمر الناس (قال أبو مخنف)
حدثني المجالد بن سعيد الهمداني والصقعب بن زهير أنهما كانا التقيا مرارا ثلاثا
أو أربعا حسين وعمر بن سعد قال فكتب عمر بن سعد إلى عبيد الله بن زياد أما
بعد فان الله قد أطفأ النائرة وجمع الكلمة وأصلح أمر الأمة هذا حسين قد أعطاني
أن يرجع إلى المكان الذي منه أتى أو أن نسيره إلى أي ثغر من ثغور المسلمين شئنا
فيكون رجلا من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم أو أن يأتي يزيد أمير المؤمنين
فيضع يده في يده فيرى فيما بينه وبينه رأيه وفى هذا لكم رضى وللأمة صلاح قال
فلما قرأ عبيد الله الكتاب قال هذا كتاب رجل ناصح لأميره مشفق على قومه نعم
قد قبلت قال فقام إليه شمر بن ذي الجوشن فقال أتقبل هذا منه وقد نزل بأرضك
إلى جنبك والله لئن رحل من بلدك ولم يضع يده في يدك ليكونن أولى بالقوة والعز
313

ولتكونن أولى بالضعف والعجز فلا تعطه هذه المنزلة فإنها من الوهن ولكن لينزل
على حكمك هو وأصحابه فإن عاقبت فأنت ولى العقوبة وإن غفرت كان ذلك لك
والله لقد بلغني أن حسينا وعمر بن سعد يجلسان بين العسكرين فيتحدثان عامة الليل
فقال له ابن زياد نعم ما رأيت الرأي رأيك (قال أبو مخنف) فحدثني سليمان بن أبي
راشد عن حميد بن مسلم قال ثم إن عبيد الله بن زياد دعا شمر بن ذي الجوشن
فقال له اخرج بهذا الكتاب إلى عمر بن سعد فليعرض على الحسين وأصحابه النزول
على حكمي فإن فعلوا فليبعث بهم إلى سلما وإن هم أبوا فليقاتلهم فإن فعل فاسمع له
وأطع وإن هو أبى فقاتلهم فأنت أمير الناس وثب عليه فاضرب عنقه وابعث
إلى برأسه (قال أبو مخنف) حدثني أبو جناب الكلبي قال ثم كتب عبيد الله بن
زياد إلى عمر بن سعد أما بعد فإني لم أبعثك إلى حسين لتكف عنه ولا لتطاوله
ولا لتمنيه السلامة والبقاء ولا لتقعد له عندي شافعا، انظر فإن نزل حسين وأصحابه
على الحكم واستسلموا فابعث بهم إلى سلما وإن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم وتمثل
بهم فإنهم لذلك مستحقون فان قتل حسين فأوط الخيل صدره وظهره فإنه عاق
مشاق قاطع ظلوم وليس دهري في هذا أن يضر بعد الموت شيئا ولكن على قول
لو قد قتلته فعلت هذا به إن أنت مضيت لامرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع
وإن أبيت فاعتزل عملنا وجندنا وخل بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر فانا قد
أمرناه بأمرنا والسلام (قال أبو مخنف) عن الحارث بن حصيرة عن عبد الله بن
شريك العامري قال لما قبض شمر بن ذي الجوش الكتاب قام هو وعبد الله بن أبي
المحل وكانت عمته أم البنين ابنة حزام عند علي بن أبي طالب عليه السلام فولدت
له العباس وعبد الله وجعفرا وعثمان فقال عبد الله بن أبي المحل بن حزام بن خالد بن
ربيعة بن الوحيد بن كعب بن عامر بن كلاب أصلح الله الأمير إن بنى أختنا مع الحسين
فان رأيت أن تكتب لهم أمانا فعلت قال نعم ونعمة عين فأمر كاتبه فكتب له أمانا فبعث
به عبد الله بن أبي المحل مع مولى له يقال له كزمان فلما قدم عليهم دعاهم فقال هذا أمان بعث
به خالكم فقال له الفتية أقرئ خالنا السلام وقل له أن لا حاجة لنا في أمانكم أمان الله خير
314

من أمان ابن سمية قال فأقبل شمر بن ذي الجوشن بكتاب عبيد الله بن زياد إلى عمر بن
سعد فلما قدم به عليه فقرأه قال له عمر مالك ويلك لا قرب الله دارك وقبح الله ما قدمت
به على والله إني لأظنك أنت ثنيته أن يقبل ما كتبت به إليه أفسدت علينا أمرا كنا
رجونا أن يصلح لا يستسلم والله حسين إن نفسا أبية لبين جنبيه فقال له شمر أخبرني
ما أنت صانع أتمضى لأمر أميرك وتقتل عدوه وإلا فخل بيني وبين الجند والعسكر
قال لا ولا كرامة لك وأنا أتولى ذلك قال فدونك وكن أنت على الرجال قال
فنهض إليه عشية الخميس لتسع مضين من المحرم قال وجاء شمر حتى وقف على
أصحاب الحسين فقال أين بنو أختنا فخرج إليه العباس وجعفر وعثمان بنو على
فقالوا له مالك وما تريد قال أنتم يا بنى أختي آمنون قال له الفتية لعنك الله ولعن
أمانك لئن كنت خالنا أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له قال ثم إن عمر بن سعد
نادى يا خيل الله اركبي وأبشري فركب في الناس ثم زحف نحوهم بعد صلاة العصر
وحسين جالس أمام بيته محتبيا بسيفه إذ خفق برأسه على ركبتيه وسمعت أخته
زينب الصيحة فدنت من أخيها فقالت يا أخي أما تسمع الأصوات قد اقتربت قال
فرفع الحسين رأسه فقال إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال
لي إنك تروح إلينا قال فلطمت أخته وجهها وقالت يا ويلتا فقال ليس لك الويل
يا أخيتي اسكني رحمك الرحمن وقال العباس بن علي يا أخي أتاك القوم قال فنهض
ثم قال يا عباس اركب بنفسي أنت يا أخي حتى تلقاهم فتقول لهم ما لكم وما بدا
لكم وتسألهم عما جاء بهم فأتاهم العباس فاستقبلهم في نحو من عشرين فارسا فيهم
زهير بن القين وحبيب بن مظاهر فقال لهم العباس ما بدا لكم وما تريدون قالوا
جاء أمر الأمير بأن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه أو ننازلكم قال فلا تعجلوا
حتى أرجع إلى أبى عبد الله فأعرض عليه ما ذكرتم قال فوقفوا ثم قالوا القه فأعلمه
ذلك ثم القنا بما يقول قال فانصرف العباس راجعا يركض إلى الحسين يخبره
بالخبر وقف أصحابه يخاطبون القوم فقال حبيب بن مظاهر لزهير بن القين كلم
القوم إن شئت وإن شئت كلمتهم فقال له زهير أنت بدأت بهذا فكن أنت
315

تكلمهم فقال له حبيب بن مظاهر أما والله لبئس القوم عند الله غدا قوم يقدمون
عليه قد قتلوا ذرية نبيه عليه السلام وعترته وأهل بيته صلى الله عليه وسلم وعباد
أهل هذا المصر المجتهدين بالاسحار والذاكرين الله كثيرا فقال له عزرة بن قيس
إنك لتزكى نفسك ما استطعت فقال له زهير يا عزرة إن الله قد زكاها وهداها
فاتق الله يا عزرة فإني لك من الناصحين أنشدك الله يا عزرة أن تكون ممن يعين
الضلال على قتل النفوس الزكية قال يا زهير ما كنت عندنا من شيعة أهل هذا
البيت إنما كنت عثمانيا قال أفلست تستدل بموقفي هذا أنى منهم أما والله
ما كتبت إليه كتابا قط ولا أرسلت إليه رسولا قط ولا وعدته نصرتي قط ولكن
الطريق جمعي بيني وبينه فلما رأيته ذكرت به رسول اله صلى الله عليه وسلم ومكانه
منه وعرفت ما يقدم عليه من عدوه وحزبكم فرأيت أن أنصره وأن أكون في
حزبه وأن أجعل نفسي دون نفسه حفظا لما ضيعتم من حق الله وحق رسوله
عليه السلام قال وأقبل العباس بن علي يركض حتى انتهى إليهم فقال يا هؤلاء إن
أبا عبد الله يسألكم أن تنصرفوا هذه العشية حتى ينظر في هذا الامر فإن هذا
أمر لم يحر بينكم وبينه فيه منطق فإذا أصبحنا التقينا إن شاء الله فإما رضيناه
فأتينا بالامر الذي تسألونه وتسومونه أو كرهنا فرددناه وإنما أراد بذلك أن
يردهم عنه تلك العشية حتى يأمر بأمره ويوصى أهله فلما أتاهم العباس بن علي بذلك
قال عمر بن سعد ما ترى يا شمر قال ما ترى أنت أنت الأمير والرأي رأيك قال قد
أردت ألا أكون ثم أقبل على الناس فقال ماذا ترون فقال عمرو بن الحجاج بن
سلمة الزبيدي سبحان الله والله لو كانوا من الديلم ثم سألوك هذه المنزلة لكان
ينبغي لك أن تجيبهم إليها وقال قيس بن الأشعث أجبهم إلى ما سألوك فلعمري
ليصبحنك بالقتال غدوة فقال والله لو أعلم أن يفعلوا ما أخرجتهم العشية قال وكان
العباس بن علي حين أتى حسينا بما عرض عليه عمر بن سعد قال ارجع إليهم
فان استطعت أن تؤخرهم إلى غدوة وتدفعهم عند العشية لعنا نصلى لربنا الليلة
وندعوه ونستغفره فهو يعلم أنى قد كنت أحب الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة
316

الدعاء والاستغفار (قال أبو مخنف) حدثني الحارث بن حصيرة عن عبد الله بن
شريك العامري عن علي بن الحسين قال أتانا رسول من قبل عمر بن سعد فقام
مثل حيث يسمع الصوت فقال إنا قد أجلناكم إلى غد فان استسلمتم سرحنا بكم
إلى أميرنا عبيد الله بن زياد وإن أبيتم فلسنا تاركيكم (قال أبو مخنف) وحدثني
عبد الله بن عاصم الفائشي عن الضحاك بن عبد الله المشرقي بطن من همدان أن
الحسين بن علي عليه السلام جمع أصحابه (قال أبو مخنف) وحدثني أيضا الحارث
ابن حصيرة عن عبد الله بن شريك العامري عن علي بن الحسين قالا جمع الحسين
أصحابه بعد ما رجع عمر بن سعد وذلك عند قرب المساء قال علي بن الحسين فدنوت
منه لاسمع وأنا مريض فسمعت أبي وهو يقول لأصحابه: أثنى على الله تبارك وتعالى
أحسن الثناء وأحمده على السراء والضراء اللهم إني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة
وعلمتنا القرآن وفقهتنا في الدين وجعلت لنا أسماعا وأبصارا وأفئدة ولم تجعلنا
من المشركين أما بعد فإني لا أعلم أصحابا أولى ولا خيرا من أصحابي ولا أهل بيت
أبر ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عنى جميعا خيرا ألا وإني أظن يومنا
من هؤلاء الأعداء غدا ألا وإني قد رأيت لكم فانطلقوا جميعا في حل ليس
عليكم منى ذمام هذا ليل قد غشيكم فاتخذوه جملا (قال أبو مخنف) حدثنا
عبد الله بن عاصم الفائشي بطن من همدان عن الضحاك بن عبد الله المشرقي قال
قدمت ومالك بن النضر الأرحبي على الحسين فسلمنا عليه ثم جلسنا إليه فرد علينا
ورحب بنا وسألنا عما جئنا له فقلنا جئنا لنسلم عليك وندعو الله لك بالعافية ونحدث
بك عهدا ونخبرك خبر الناس وإنا نحدثك أنهم قد جمعوا على حربك فر رأيك فقال
الحسين عليه السلام حسبي الله ونعم الوكيل قال فتذممنا وسلمنا عليه ودعونا الله له قال
فما يمنعكما من نصرتي فقال مالك بن النضر على دين ولى عيال فقلت له إن على دينا
وإن لي لعيالا ولكنك إن جعلتني في حل من الانصراف إذا لم أجد مقاتلا
قاتلت عنك ما كان لك نافعا وعنك دافعا قال قال فأنت في حل فأقمت معه فلما كان
الليل قال هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا ثم ليأخذ كل رجل منكم بيد رجل
317

من أهل بيتي ثم تفرقوا في سوادكم ومدائنكم حتى يفرج الله فإن القوم إنما يطلبوني
ولو قد أصابوني لهوا عن طلب غيري فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه وابنا عبد الله
ابن جعفر لم نفعل لنبقى بعدك لا أرانا الله ذلك أبدا بدأهم بهذا القول العباس
ابن علي ثم إنهم تكلموا بهذا ونحوه فقال الحسين عليه السلام يا بنى عقيل حسبكم
من القتل بمسلم اذهبوا قد أذنت لكم قالوا فما يقول الناس يقولون إنا تركنا شيخنا
وسيدنا وبنى عمومتنا خير الأعمام ولم نرم معهم بسهم ولم نطعن معهم برمح ولم
فضرب معهم بسيف ولا ندري ما صنعوا لا والله لا نفعل ولكن تفديك أنفسنا
وأموالنا وأهلونا ونقاتل معك حتى نرد موردك فقبح الله العيش بعدك (قال
أبو مخنف) حدثني عبد الله بن عاصم عن الضحاك بن عبد الله المشرقي قال فقام إليه
مسلم بن عوسجة الأسدي فقال أنحن نخلى عنك ولما نعذر إلى الله في أداء حقك
أما والله حتى أكسر في صدورهم رمحي وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي
ولا أفارقك ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة دونك حتى أموت
معك قال وقال سعد بن عبد الله الحنفي والله لا نخليك حتى يعلم الله أنا قد حفظنا
غيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيك والله لو علمت أنى أقتل ثم أحيا ثم أحرق
حيا ثم أذر يفعل ذلك بي سبعين مرة ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك فكيف
لا أفعل ذلك وإنما هي قتلة واحدة ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا قال
وقال زهير بن القين والله لوددت أنى قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى أقتل كذا ألف
قتله وأن الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك
قال وتكلم جماعة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضا في وجه واحد فقالوا والله لا نفارقك
ولكن أنفسنا لك الفداء نقيك بنحورنا وجباهنا وأيدينا فإذا نحن قتلنا كنا وفينا وقضينا
ما علينا (قال أبو مخنف) حدثني الحارث بن كعب وأبو الضحاك عن علي بن الحسين
ابن علي قال إني جالس في تلك العشية التي قتل أبى صبيحتها وعمتي زينب عندي
تمرضني إذ اعتزل أبى بأصحابه في خباء له وعنده حوى مولى أبي ذر الغفاري وهو
يعالج سيفه ويصلحه وأبى يقول:
318

يا دهر أف لك من خليل * كم لك بالاشراق والأصيل
من صاحب أو طالب قتيل * والدهر لا يقنع بالبديل
وإنما الامر إلى الجليل * وكل حي سالك السبيل
قال فأعادها مرتين أو ثلاثا حتى فهمتها فعرفت ما أراد فخنقتني عبرتي فرددت
دمعي ولزمت السكون فعلمت أن البلاء قد نزل فأما عمتي فإنها سمعت ما سمعت
وهى امرأة وفى النساء الرقة والجزع فلم تملك نفسها أن وثبت تجر ثوبها وإنها
لحاسرة حتى انتهت إليه فقالت وا ثكلاه ليت الموت أعدمني الحياة اليوم ماتت
فاطمة أمي وعلى أبى وحسن أخي يا خليفة الماضي وثمال الباقي قال فنظر إليها
الحسين عليه السلام فقال يا أخية لا يذهبن حلمك الشيطان قالت بأبي أنت وأمي
يا أبا عبد الله استقتلت نفسي فداك فرد غصته وترقرقت عيناه وقال لو ترك القطا
ليلا لنام قالت يا ويلتي أفتغصب نفسك اغتصابا فذلك أقرح لقلبي وأشد على
نفسي ولطمت وجهها وأهوت إلى جيبها وشقته وخرت مغشيا عليها فقام إليها
الحسين فصب على وجهها الماء وقال لها يا أخية اتقى الله وتعزى بعزاء الله واعلمي
أن أهل الأرض يموتون وأن أهل السماء لا يبقون وأن كل شئ هالك إلا وجه
الله الذي خلق الأرض بقدرته ويبعث الخلق فيعودون وهو فرد وحده أبى خير
منى وأمي خير منى وأخي خير منى ولى ولهم ولكل مسلم برسول الله أسوة قال
فعزاها بهذا ونحوه وقال لها يا أخية إني أقسم عليك فأبرى قسمي لا تشقى على
جيبا ولا تخمشي على وجها ولا تدعى على بالويل والثبور إذا أنا هلكت قال
ثم جاء بها حتى أجلسها عندي وخرج إلى أصحابه فأمرهم أن يقربوا بعض بيوتهم
من بعض وأن يدخلوا الاطناب بعضها في بعض وأن يكونوا هم بين البيوت إلا
الوجه الذي يأتيهم منه عدوهم (قال أبو مخنف) عن عبد الله بن عاصم عن الضحاك
ابن عبد الله المشرقي قال فلما أمسى حسين وأصحابه قاموا الليل كله يصلون ويستغفرون
ويدعون ويتضرعون قال فتمر بنا خيل لهم تحرسنا وإن حسينا ليقرأ ألا ليحسبن
الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين
319

ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب، فسمعها رجل
من تلك الخيل التي كانت تحرسنا فقال نحن ورب الكعبة الطيبون ميزنا منكم
قال فعرفته فقلت لبرير بن حضير تدرى من هذا قال لا قلت هذا أبو حرب
السبيعي عبد الله بن شهر وكان مضحاكا بطالا وكان شريفا شجاعا فاتكأ وكان سعيد
ابن قيس ربما حبسه في جناية فقال له برير بن حضير يا فاسق أنت يجعلك الله في
الطيبين فقال له من أنت قال أنا برير بن حضير قال إنا لله عز على هلكت والله
هلكت والله يا برير قال يا أبا حرب هل لك أن تتوب إلى الله من ذنوبك العظام
فوالله إنا لنحن الطيبون ولكنكم لأنتم الخبيثون قال وأنا على ذلك من الشاهدين قلت
ويحك أفلا ينفعك معرفتك قال جعلت فداك فمن ينادم يزيد بن عذرة العنزي من عنز بن
وائل قال ها هو ذا معي قال قبح الله رأيك على كل حال أنت سفيه قال ثم انصرف عنا
وكان الذي يحرسنا بالليل في الخيل عزرة بن قيس الأحمسي وكان على الخيل قال فلما
صلى عمر بن سعد الغداة يوم السبت وقد بلغنا أيضا أنه كان يوم الجمعة وكان ذلك اليوم
يوم عاشوراء خرج فيمن معه من الناس قال وعبأ الحسين أصحابه وصلى بهم
صلاة الغداة وكان معه اثنان وثلاثون فارسا وأربعون راجلا فجعل زهير بن
القين في ميمنة أصحابه وحبيب بن مظاهر في ميسرة أصحابه وأعطى رايته العباس
ابن علي أخاه وجعلوا البيوت في ظهورهم وأمر بحطب وقصب كان من وراء
البيوت تحرق بالنار مخافة أن يأتوهم من ورائهم قال وكان الحسين عليه السلام
أتى بقصب وحطب إلى مكان من ورائهم منخفض كأنه ساقية فحفروه في ساعة
من الليل فجعلوه كالخندق ثم ألقوا فيه ذلك الحطب والقصب وقالوا إذا عدوا
علينا فقاتلونا ألقينا فيه النار كيلا نؤتى من ورائنا وقاتلونا القوم من وجه واحد
ففعلوا وكان لهم نافعا (قال أبو مخنف) حدثني فضيل بن خديج الكندي عن محمد
ابن بشر عن عمرو الحضرمي قال لما خرج عمر بن سعد بالناس كان على ربع أهل
المدينة يومئذ عبد الله بن زهير بن سليم الأزدي وعلى ربع مذحج وأسد عبد الرحمن
ابن أبي سبرة الحنفي وعلى ربع ربيعة وكندة قيس بن الأشعث بن قيس وعلى
320

ربع تميم وهمدان الحر بن يزيد الرياحي فشهد هؤلاء كلهم مقتل الحسين إلا الحر
ابن يزيد فإنه عدل إلى الحسين وقتل معه وجعل عمر على ميمنته عمرو بن
الحجاج الزبيدي وعلى ميسرته شمر بن ذي الجوشن بن شرحبيل بن الأعور بن
عمر بن معاوية وهو الضباب بن كلاب وعلى الخيل عزرة بن قيس الأحمسي وعلى
الرجال شبث بن ربعي اليربوعي وأعطى الراية ذويدا مولاه (قال أبو مخنف)
حدثني عمرو بن مرة الجملي عن أبي صالح الحنفي عن غلام لعبد الرحمن بن عبد ربه
الأنصاري قال كنت مع مولاي فلما حضر الناس وأقبلوا إلى الحسين أمر الحسين
بفسطاط فضرب ثم أمر بمسك فميث في جفنة عظيمة أو صحفة قال ثم دخل
الحسين ذلك الفسطاط فتطلى بالنورة قال ومولاي عبد الرحمن بن عبد ربه وبرير
ابن حضير الهمداني على باب الفسطاط تحتك مناكبهما فازدحما أيهما يطل على أثره
فجعل برير يهازل عبد الرحمن فقال له عبد الرحمن دعنا فوالله ما هذه بساعة باطل
فقال له برير والله لقد علم قومي أنى ما أحببت الباطل شابا ولا كهلا ولكن والله
إني لمستبشر بما نحن لاقون والله إن بيننا وبين الحور العين إلا أن يميل هؤلاء
علينا بأسيافهم ولوددت أنهم قد مالوا علينا بأسيافهم قال فلما فرغ الحسين دخلنا
فأطلينا قال ثم إن الحسين ركب دابته ودعا بمصحف فوضعه أمامه قال فاقتتل
أصحابه بين يديه قتالا شديدا فلما رأيت القوم قد صرعوا أفلت وتركتهم (قال
أبو مخنف) عن بعض أصحابه عن أبي خالد الكاهلي قال لما صبحت الخيل الحسين
رفع الحسين يديه فقال اللهم أنت ثقتي في كل كرب ورجائي في كل شدة وأنت لي
في كل أمر نزل بي ثقة وعدة كم من هم يضعف فيه الفؤاد وتقل فيه الحيلة
ويخذل فيه الصديق ويشمت فيه العدو أنزلته بك وشكوته إليك رغبة منى إليك
عمن سواك ففرجته وكشفته فأنت ولى كل نعمة وصاحب كل حسنة ومنتهى كل
رغبة (قال أبو مخنف) فحدثني عبد الله بن عاصم قال حدثني الضحاك المشرقي قال
لما أقبلوا نحونا فنظروا إلى النار تضطرم في الحطب والقصب الذي كنا ألهبنا فيه
النار من ورائنا لئلا يأتونا من خلفنا إذ أقبل إلينا منهم رجل يركض على فرس
321

كامل الأداة فلم يكلمنا حتى مر على أبياتنا فنظر إلى أبياتنا فإذا هو لا يرى إلا حطبا
تلتهب النار فيه فرجع راجعا فنادى بأعلى صوته يا حسين استعجلت النار في الدنيا
قبل يوم القيامة فقال الحسين من هذا كأنه شمر بن ذي الجوشن فقالوا نعم أصلحك
الله هو هو فقال يا ابن راعية المعزى أنت أولى بها صليا فقال له مسلم بن عوسجة
يا ابن رسول الله جعلت فداك ألا أرميه بسهم فإنه قد أمكنني وليس يسقط سهم
فالفاسق من أعظم الجبارين فقال له الحسين لا ترمه فإني أكره أن أبدأهم وكان مع
الحسين فرس له يدعى لاحقا حمل عليه ابنه علي بن الحسين قال فلما دنا منه القوم
عاد براحلته فركبها ثم نادى بأعلى صوته بصوت عال دعاء يسمع جل الناس أيها الناس
اسمعوا قولي ولا تعجلوني حتى أعظكم بما لحق لكم على وحتى أعتذر إليكم من
مقدمي عليكم فإن قبلتم عذري وصدقتم قولي وأعطيتموني النصف كنتم بذلك
أسعد ولم يكن لكم على سبيل وإن لم تقبلوا منى العذر ولم تعطوا النصف من
أنفسكم فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلى ولا تنظرون
إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين قال فلما سمع أخواته كلامه
هذا صحن وبكين وبكى بناته فارتفعت أصواتهن فأرسل إليهن أخاه العباس بن علي
وعليا ابنه وقال لهما أسكتاهن فلعمري ليكثرن بكاؤهن قال فلما ذهبا
ليسكتاهن قال لا يبعد ابن عباس قال فظننا أنه إنما قالها حين سمع بكاؤهن لأنه
قد كان نهاه أن يخرج بهن فلما سكتن حمد الله وأثنى عليه وذكر الله بما هو أهله وصلى
على محمد صلى الله عليه وعلى ملائكته وأنبيائه فذكر من ذلك ما الله أعلم وما لا يحصى
ذكره قال فوالله ما سمعت متكلما قط قبله ولا بعده أبلغ في منطق منه ثم قال أما بعد
فانسبوني فانظروا من أنا ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها فانظروا هل يحل لكم
قتلى وانتهاك حرمتي ألست ابن بنت نبيكم صلى الله عليه وسلم وابن وصيه وابن
عمه وأول المؤمنين بالله والمصدق لرسوله بما جاء به من عند ربه أوليس حمزة
سيد الشهداء عم أبى أوليس جعفر الشهيد الطيار ذو الجناحين عمى أولم يبلغكم
قول مستفيض فيكم أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال لي ولأخي
322

هذان سيدا شباب أهل الجنة فإن صدقتموني بما أقول وهو الحق والله ما تعمدت
كذبا مذ علمت أن الله يمقت عليه أهله ويضر به من اختلقه وإن كذبتموني فان
فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري أو أبا سعيد
الخدري أو سهل بن سعد الساعدي أو زيد بن أرقم أو أنس بن مالك يخبروكم أنهم
سمعوا هذه المقالة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لي ولأخي أفما في هذا حاجز
لكم عن سفك دمى فقال له شمر بن ذي الجوشن هو يعبد الله على حرف إن كان
يدرى ما تقول فقال له حبيب بن مظاهر والله إني لأراك تعبد الله على سبعين حرفا
وأنا أشهد أنك صادق ما تدرى ما يقول قد طبع الله على قلبك ثم قال لهم الحسين
فإن كنتم في شك من هذا القول أفتشكون أثرا ما أنى ابن بنت نبيكم فوالله ما بين
المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري منكم ولا من غيركم أنا ابن بنت نبيكم خاصة
أخبروني أتطلبوني بقتيل منكم قتلته أو مال لكم استهلكته أو بقصاص من جراحة
قال فأخذوا لا يكلمونه قال فنادى يا شبث بن ربعي ويا حجار بن أبجر ويا قيس
ابن الأشعث ويا يزيد بن الحارث ألم تكتبوا إلى أن قد أينعت الثمار وأخضر
الجناب وطمت الجمام وإنما تقدم على جندك لك مجند فأقبل قالوا له لم نفعل فقال
سبحان الله بلى والله لقد فعلتم ثم قال أيها الناس إذ كرهتموني فدعوني أنصرف
عنكم إلى مأمني من الأرض فال فقال له قيس بن الأشعث أولا تنزل على حكم بنى
عمك فإنهم لن يروك إلا ما تحب ولن يصل إليك منهم مكروه فقال له الحسين
أنت أخو أخيك أتريد أن يطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل لا والله
لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر اقرار العبيد عباد الله إني عذت بربي وربكم
أن ترجمون أعوذ بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب قال ثم إنه أناخ
راحلته وأمر عقبة بن سمعان فعقلها وأقبلوا يزحفون نحوه (قال أبو مخنف) فحدثني
علي بن حنظلة بن أسعد الشامي عن رجل من قومه شهد مقتل الحسين حين قتل
يقال له كثير بن عبد الله الشعبي قال لما زحفنا قبل الحسين خرج إلينا زهير بن
القين على فرس له ذنوب شاك في السلاح فقال يا أهل الكوفة نذار لكم من عذاب
323

الله نذار إن حقا على المسلم نصيحة أخيه المسلم ونحن حتى الآن إخوة وعلى دين
واحد وملة واحدة ما لم يقع بيننا وبينكم السيف وأنتم للنصيحة منا أهل فإذا وقع
السيف انقطعت العصمة وكنا أمة وأنتم أمة إن الله قد ابتلانا وإياكم بذرية نبيه
محمد صلى الله عليه وسلم لينظر ما نحن وأنتم عاملون إنا ندعوكم إلى نصرهم وخذلان
الطاغية عبيد الله بن زياد فإنكم لا تدركون منهما إلا بسوء عمر سلطانهما كله
ليسملان أعينكم ويقطعان أيديكم وأرجلكم ويمثلان بكم ويرقعانكم على جذوع
النخل ويقتلان أماثلكم وقراءكم أمثال حجر بن عدي وأصحابه وهانئ بن عروة
وأشباهه قال فسبوه وأثنوا على عبيد الله بن زياد ودعوا له وقالوا والله لا نبرح
حتى نقتل صاحبك ومن معه أو نبعث به وبأصحابه إلى الأمير عبيد الله سلما فقال
لهم عباد الله إن ولد فاطمة رضوان الله عليها أحق بالود والنصر من ابن سمية فإن
لم تنصروهم فأعيذكم بالله أن تقتلوهم فحلوا بين هذا الرجل وبين ابن عمه يزيد بن معاوية
فلعمري ان يزيد ليرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين قال فرماه شمر بن ذي
الجوشن بسهم وقال اسكت أسكت الله نأمتك أبرمتنا بكثرة كلامك فقال له زهير
يا ابن البوال على عقبيه ما إياك أخاطب إنما أنت بهيمة والله ما أظنك تحكم من
كتاب الله آيتين فأبشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم فقال له شمر إن الله قاتلك
وصاحبك عن ساعة قال أفبالموت تخوفني فوالله للموت معه أحب إلى من الخلد
معكم قال ثم أقبل على الناس رافعا صوته فقال عباد الله لا يغرنكم من دينكم
هذا الجلف الخافي وأشباهه فوالله لا تنال شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم قوما
هراقوا دماء ذريته وأهل بيته وقتلوا من نصرهم وذب عن حريمهم قال فناداه رجل
فقال له إن أبا عبد الله يقول لك أقبل فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح
لقومه وأبلغ في الدعاء لقد نصحت لهؤلاء وأبلغت لو نفع النصح والابلاغ (قال
أبو مخنف) عن أبي جناب الكلبي عن عدى بن حرملة قال ثم إن الحر بن يزيد
لما زحف عمر بن سعد قال له أصلحك الله مقاتل أنت هذا الرجل قال أي والله
قتالا أيسره أن تسقط الرؤس وتطيح الأيدي قال أفما لكم في واحدة من الخصال
324

التي عرض عليكم رضى قال عمر بن سعد أما والله لو كان الامر إلى لفعلت ولكن
أميرك قد أبى ذلك قال فأقبل حتى وقف من الناس موقفا ومعه رجل من قومه
يقال له قرة بن قيس فقال يا قرة هل سقيت فرسك اليوم قال لا قال إنما تريد
أن تسقيه قال فظننت والله أنه يريد أن يتنحى فلا يشهد القتال وكره أن أراه حين
يصنع ذلك فيخاف أن أرفعه عليه فقلت له لم أسقه وأنا منطلق فساقيه قال
فاعتزلت ذلك المكان الذي كان فيه قال فوالله لو أنه أطلعني على الذي يريد لخرجت
معه إلى الحسين قال فأخذ يدنو من حسين قليلا قليلا فقال له رجل من قومه يقال
له المهاجر بن أوس ما تريد يا ابن تزيد أتريد أن تحمل فسكت وأخذه مثل العرواء
فقال له يا ابن يزيد والله إن أمرك لمريب والله ما رأيت منك في موقف قط مثل
شئ أراه الآن ولو قيل لي من أشجع أهل الكوفة رجلا ما عدوتك فما هذا الذي
أرى منك قال إني والله أخير نفسي بين الجنة والنار ووالله لا أختار على الجنة شيئا
ولو قطعت وحرقت ثم ضرب فرسه فلحق بحسين عليه السلام فقال له جعلني
الله فداك يا ابن رسول الله أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع وسايرتك
في الطريق وجعجعت بك في هذا المكان والله الذي لا إله إلا هو ما ظننت أن القوم
يردون عليك ما عرضت عليهم أبدا ولا يبلغون منك هذه المنزلة فقلت في نفسي لا أبالي
أن أضيع القوم في بعض أمرهم ولا يرون أنى خرجت من طاعتهم وأما هم فسيقبلون
من حسين هذه الخصال التي يعرض عليهم ووالله لو ظننت أنهم لا يقبلونها منك ما ركبتها
منك وإني قد جئتك تائبا مما كان منى إلى ربى ومواسيا لك بنفسي حتى أموت بين يديك
أفترى ذلك لي توبة قال نعم يتوب الله عليك ويغفر لك ما اسمك قال أنا الحر بن يزيد
قال أنت الحر كما سمتك أمك أنت الحر إن شاء الله في الدنيا والآخرة انزل
قال أنا لك فارسا خير منى راجلا أقاتلهم على فرس ساعة وإلى النزول ما يصير
آخر أمري قال الحسين فاصنع يرحمك الله ما بدا لك فاستقدم أمام أصحابه ثم قال أيها
القوم ألا تقبلون من حسين خصلة من هذه الخصال التي عرض عليكم فيعافيكم الله
من حربه وقتاله قالوا هذا الأمير عمر بن سعد فكلمه فكلمه بمثل ما كلمه به قبل وبمثل
325

ما كلم به أصحابه قال عمر قد حرصت لو وجدت إلى ذلك سبيلا فعلت فقال يا أهل
الكوفة لامكم الهبل والعبر إذ دعوتموه حتى إذا أتاكم أسلمتموه وزعمتم أنكم
قاتلوا أنفسكم دونه ثم عدوتم عليه لتقتلوه أمسكتم بنفسه وأخذتم بكظمه وأحطتم
به من كل جانب فمنعتموه التوجه في بلاد الله العريضة حتى يأمن ويأمن أهل بيته
وأصبح في أيدكم كالأسير لا يملك لنفسه نفعا ولا يدفع ضرا وخلأتموه ونساءه
واصيبيته وأصحابه عن ماء الفرات الجاري الذي يشربه اليهودي والمجوسي والنصراني
وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه وهاهم قد صرعهم العطش بئسما خلفتم محمدا في
ذريته لا أسقاكم الله يوم الظمأ ان لم تتوبوا وتنزعوا عما أنتم عليه من يومكم هذا في
ساعتكم هذه فحملت عليه رجالة لهم ترميه بالنبل فأقبل حتى وقف أمام الحسين (قال
أبو محنف) عن الصقعب بن زهير وسليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم قال وزحف
عمر بن سعد نحوهم ثم نادى يا زويد أدن رأيتك قال فأدناها ثم وضع سهمه في كبد
قوسه ثم رمى فقال اشهدوا أنى أول من رمى (قال أبو مخنف) حدثني أبو جناب قال
كان منا رجل يدعى عبد الله بن عمير من بنى عليم كان قد نزل الكوفة واتخذ عند بئر
الجعد من همدان دارا وكانت معه امرأة له من النمر بن قاسط يقال لها أم وهب بنت
عبد فرأى القوم بالنخيلة يعرضون ليسرحوا إلى الحسين قال فسأل عنهم فقيل له
يسرحون إلى حسين بن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال والله لو قد
كنت على جهاد أهل الشرك حريصا وإني لأرجو ألا يكون جهاد هؤلاء الذين
يغزون ابن بنت نبيهم أيسر ثوابا عند الله من ثوابه إياي في جهاد المشركين فدخل
إلى امرأته فأخبرها بما سمع وأعلمها بما يريد فقالت أصبت أصاب الله بك أرشد أمورك
افعل وأخرجني معك قال فخرج بها ليلا حتى أتى حسينا فأقام معه فلما دنا منه عمر بن
سعد ورمى بسهم ارتمى الناس فلما ارتموا خرج يسار مولى زياد بن أبي سفيان وسالم
مولى عبيد الله بن زياد فقالا من يبارز ليخرج إلينا بعضكم قال فوثب حبيب بن مظاهر
وبرير بن حضير فقال لهما حسين اجلسا فقام عبد الله بن عمير الكلبي فقال أبا عبد الله
رحمك الله ائذن لي فلأخرج إليهما فرأى حسين رجلا آدم طويلا شديد الساعدين
326

بعيد ما بين المنكبين فقال حسين إني لأحسبه للاقران قتالا اخرج إن شئت قال
فخرج إليهما فقالا له من أنت فانتسب لهما فقالا لا نعرفك ليخرج إلينا زهير بن القين
أو حبيب بن مظاهر أو برير بن خضير ويسار مستنتل أمام سالم فقال له الكلبي يا ابن
الزانية وبك رغبة عن مبارزة أحد من الناس ويخرج إليك أحد من الناس إلا وهو
خير منك ثم شد عليه فضربه بسيفه حتى برد فإنه لمشتغل به يضربه بسيفه إذ شد عليه
سالم فصاح به قد رهقك العبد قال فلم يأبه له حتى غشيه فبدره الصربة فاتقاه الكلبي
بيده اليسرى فأطار أصابع كفه اليسرى ثم مال عليه الكلبي فضربه حتى قتله وأقبل
الكلبي مرتجزا وهو يقول وقد قتلهما جميعا
إن تنكروني فأنا ابن كلب * حسبي ببيتي في عليم حسبي
إني امرؤ ذو مرة وعصب * ولست بالخوار عند النكب
إني زعيم لك أم وهب * بالطعن فيهم مقدما والضرب
ضرب غلام مؤمن بالرب
فأخذت أم وهب امرأته عمودا ثم أقبلت نحو زوجها تقول له فداك أبي وأمي
قاتل دون الطيبين ذرية محمد فأقبل إليها يردها نحو النساء فأخذت تجاذب ثوبه ثم
قالت إني لن أدعك دون أن أموت معك فناداها حسين فقال جزيتم من أهل بيت
خيرا ارجعي رحمك الله إلى النساء فاجلسي معهن فإنه ليس على النساء قتال فانصرفت
إليهن قال وحمل عمرو بن الحجاج وهو على ميمنة الناس في الميمنة فلما أن دنا
من حسين جثوا له على الركب وأشرعوا الرماح نحوهم فلم تقدم خيلهم على الرماح
فذهبت الخيل لترجع فرشقوهم بالنبل فصرعوا منهم رجالا وجرحوا منهم آخرين
(قال أبو مخنف) فحدثني حسين أبو جعفر قال ثم إن رجلا من بنى تميم يقال له
عبد الله بن حوزة جاء حتى وقف امام الحسين فقال يا حسين يا حسين فقال حسين
ما تشاء قال أبشر بالنار قال كلا إني أقدم على رب رحيم وشفيع مطاع من هذا قال
له أصحابه هذا ابن حوزة قال رب نحزه إلى النار قال فاضطرب به فرسه في جدول
فوقع فيه وتعلقت رجله بالركاب ووقع رأسه في الأرض ونفر الفرس فأخذه يمر به
327

فيضرب برأسه كل حجر وكل شجرة حتى مات (قال أبو مخنف) وأما سويد بن حية
فزعم لي أن عبد الله بن حوزة حين وقع فرسه بقيت رجله اليسرى في الركاب
وارتفعت اليمنى فطارت وعدا به فرسه يضرب رأسه كل حجر وأصل شجرة حتى
مات (قال أبو مخنف) عن عطاء بن السائب عن عبد الجبار بن وائل الحضرمي
عن أخيه مسروق بن وائل قال كنت في أوائل الخيل ممن سار إلى الحسين فقلت
أكون في أوائلها لعلى أصيب رأس الحسين فأصيب به منزلة عند عبيد الله بن
زياد قال فلما انتهينا إلى حسين تقدم رجل من القوم يقال له ابن حوزة فقال أفيكم
حسين قال فسكت حسين فقالها ثانية فأسكت حتى إذا كانت الثالثة قال قولوا له
نعم هذا حسين فما حاجتك قال يا حسين أبشر بالنار قال كذبت بل أقدم على رب
غفور وشفيع مطاع فمن أنت قال ابن حوزة قال فرفع الحسين يديه حتى رأينا
بياض إبطيه من فوق الثياب ثم قال اللهم حزه إلى النار قال فغضب ابن حوزة
فذهب ليقحم إليه الفرس وبينه وبينه نهر قال فعلقت قدمه بالركاب وجالت
به الفرس فسقط عنها قال فانقطعت قدمه وساقه وفخذه وبقى جانبه الآخر متعلقا
بالركاب قال فرجع مسروق وترك الخيل من ورائه قال فسألته فقال لقد رأيت
من أهل هذا البيت شيئا لا أقاتلهم أبدا قال ونشب القتال (قال أبو مخنف)
وحدثني يوسف بن يزيد عن عفيف بن زهير بن أبي الأخنس وكان قد شهد مقتل
الحسين قال وخرج يزيد بن معقل من بنى عميرة بن ربيعة وهو حليف لبنى سليمة
من عبد القيس فقال يا برير بن حضير كيف ترى الله صنع بك قال صنع الله والله
بي خيرا وصنع الله بك شرا قال كذبت وقبل اليوم ما كنت كذابا هل تذكر
وانا أماشيك في بنى لوذان وأنت تقول ان عثمان بن عفان كان على نفسه مسرفا
وان معاوية بن أبي سفيان ضال مضل وان امام الهدى والحق علي بن أبي طالب
فقال له برير اشهد أن هذا رأيي وقولي فقال له يزيد بن معقل فانى أشهد أنك من
الضالين فقال له برير بن حضير هل لك فلا بأهلك ولندع الله أن يلعن الكاذب
وأن يقتل المبطل ثم اخرج فلأبارزك قال فخرجا فرفعا أيديهما إلى الله يدعوانه
328

أن يلعن الكاذب وأن يقتل المحق المبطل ثم برز كل واحد منهما لصاحبه فاختلفا
ضربتين فضرب يزيد بن معقل برير بن حضير ضربة خفيفة لم تضره شيئا وضربه
برير بن حضير ضربة قدت المغفر وبلغت الدماغ فخر كأنما هوى من حالق وإن
سيف ابن حضير لثابت في رأسه فكأني أنظر إليه ينضنضه من رأسه وحمل عليه
رضى بن منقذ العبدي فاعتنق بريرا فاعتركا ساعة ثم إن بريرا قعد على صدره فقال
رضى أين أهل المصاع والدفاع قال فذهب كعب بن جابر بن عمرو الأزدي
ليحمل عليه فقلت إن هذا برير بن حضير القارئ الذي كان يقرئنا القرآن في المسجد
فحمل عليه بالرمح حتى وضعه في ظهره فلما وجد مس الرمح برك عليه فعض
بوجهه وقطع طرف أنفه فطعنه كعب بن جابر حتى ألقاه عنه وقد غيب السنان
في ظهره ثم أقبل عليه يضربه بسيفه حتى قتله قال عفيف كأني أنظر إلى العبدي
الصريع قام ينفض التراب عن قبائه ويقول أنعمت على يا أخا الأزد نعمة لن
أنساها أبدا قال فقلت رأيت هذا قال نعم رأى عيني وسمع أذني فلما رجع
كعب بن جابر قالت له امرأته أو أخته النوار بنت جابر أعنت على ابن فاطمة
وقتلت سيد القراء لقد أتيت عظيما من الامر والله لا أكلمك من رأسي كلمة
أبدا وقال كعب بن جابر:
سلى تخبري عنى وأنت ذميمة * غداة حسين والرماح شوارع
ألم آت أقصى ما كرهت ولم يخل * على غداة الروع ما أنا صانع
معي يزنى لم تخنه كعوبه * وأبيض مخشوب الغرارين قاطع
فجردته في عصبة ليس دينهم * بديني وإني بابن حرب لقانع
ولم تر عيني مثلهم في زمانهم * ولا قبلهم في الناس إذ أنا يافع
أشد قراعا بالسيوف لدى الوغا * ألا كل من يحمى الذمار مقارع
وقد صبروا للطعن والضرب حسرا * وقد نازلوا لو أن ذلك نافع
فأبلغ عبيد الله إما لقيته * بأني مطيع للخليفة سامع
قتلت بريرا ثم حملت نعمة * أبا منقذ لما دعا من يماصع
329

(قال أبو مخنف) حدثني عبد الرحمن بن جندب قال سمعته في إمارة مصعب
ابن الزبير وهو يقول يا رب إنا قد وفينا فلا تجعلنا يا رب كمن قد غدر فقال له أبى
صدق ولقد وفى وكرم وكسبت لنفسك سوءا قال كلا إني لم أكسب لنفسي شرا
ولكني كسبت لها خيرا قال وزعموا أن رضى بن منقد العبدي رد بعد على
كعب بن جابر جواب قوله فقال:
لو شاء ربى ما شهدت قتالهم * ولا جعل النعماء عندي ابن جابر
لقد كان ذاك اليوم عارا وسبة * يعيره الأبناء بعد المعاشر
فياليت أنى كنت من قبل قتله * ويوم حسين كنت في رمس قابر
قال وخرج عمرو بن فرظة الأنصاري يقاتل دون حسين وهو يقول:
قد علمت كتيبة الأنصار * أنى سأحمى حوزة الذمار
ضرب غلام غير نكس شارى * دون حسين مهجتي وداري
(قال أبو مخنف) عن ثابت بن هبيرة فقتل عمرو بن فرظة بن كعب وكان
مع الحسين وكان على أخوه مع عمر بن سعد فنادى علي بن قريظة يا حسين يا كذاب
ابن الكذاب أضللت أخي وغررته حتى قتلته قال إن الله لم يضل أخاك ولكنه
هدى أخاك وأضلك قال قتلني الله إن لم أقتلك أو أموت دونك فحمل عليه
فاعترضه نافع بن هلال المرادي فطعنه فصرعه فحمله أصحابه فاستنقذوه
فدووي بعد فبرأ (قال أبو مخنف) حدثني النضر بن صالح أبو زهير العبسي أن
الحر بن يزيد لما لحق بحسين قال رجل من بنى تميم من بنى شقرة وهم بنو الحارث
ابن تميم يقال له يزيد بن سفيان أما والله لو أنى رأيت الحر بن يزيد حين خرج
لاتبعته السنان قال فبينا الناس يتجاولون ويقتتلون والحر بن يزيد يحمل على القوم
مقدما ويتمثل قول عنترة:
ما زلت أرميهم بثغرة نحره * ولبانه حتى تسربل بالدم
قال وإن فرسه لمضروب على أذنيه وحاجبه وإن دماءه لتسيل فقال الحصين بن
تميم وكان على شرطة عبيد الله فبعثه إلى الحسين وكان مع عمر بن سعد فولاه عمر مع
330

الشرطة المجففة ليزيد بن سفيان هذا الحر بن يزيد الذي كنت تتمنى قال نعم فخرج إليه فقال
له هل لك يا حر بن يزيد في المبارزة قال نعم قد شئت فبرز له قال فأنا سمعت الحصين
ابن تميم يقول والله لبرز له فكأنما كانت نفسه في يده فما لبثه الحر حين خرج إليه
أن قتله (قال هشام) بن محمد عن أبي مخنف قال حدثني يحيى بن هانئ بن عروة أن نافع
ابن هلال كان يقاتل يومئذ وهو يقول
* أنا الجملي أنا على دين على * قال فخرج إليه رجل يقال له مزاحم
ابن حريث فقال أنا على دين عثمان فقال له أنت على دين شيطان ثم حمل عليه فقتله
فصاح عمرو بن الحجاج بالناس يا حمقى أتدرون من تقاتلون فرسان المصر قوما
مستميتين لا يبرزن لهم منكم أحد فإنهم قليل وقل ما يبقون والله لو لم ترموهم إلا
بالحجارة لقتلتموهم فقال عمر بن سعد صدقت الرأي ما رأيت وأرسل إلى الناس
يعزم عليهم ألا يبارز رجل منكم رجلا منهم (قال أبو مخنف) حدثني الحسين بن عقبة
المرادي قال الزبيدي إنه سمع عمرو بن الحجاج حين دنا من أصحاب الحسين يقول
يا أهل الكوفة الزموا طاعتكم وجماعتكم ولا ترتابوا في قتل من مرق من الدين
وخالف الامام فقال له الحسين يا عمرو بن الحجاج أعلى تحرض الناس أنحن مرقنا
وأنتم ثبتم عليه أما والله لتعلمن لو قد قبضت أرواحكم ومتم على أعمالكم أينا مرق
من الدين ومن هو أولى بصلي النار قال ثم إن عمرو بن الحجاج حمل على
الحسين في ميمنة عمر بن سعد من نحو الفرات فاضربوا ساعة فصرع مسلم بن عوسجة
الأسدي أول أصحاب الحسين ثم انصرف عمرو بن الحجاج وأصحابه وارتفعت
الغبرة فإذا هم به صريع فمشى إليه الحسين فإذا به رمق فقال رحمك ربك يا مسلم
ابن عوسجة منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ودنا منه حبيب
ابن مظاهر فقال عز على مصرعك يا مسلم أبشر بالجنة فقال له مسلم قولا ضعيفا
بشرك الله بخير فقال له حبيب لولا أنى أعلم أنى في أثرك لاحق بك من ساعتي هذه
لأحببت أن توصيني بكل ما أهمك حتى أحفظك في كل ذلك بما أنت أهل له في
القرابة والدين قال بل أنا أوصيك بهذا رحمك الله وأهوى بيده إلى الحسين أن
331

تموت دونه قال أفعل ورب الكعبة قال فما كان بأسرع من أن مات في أيديهم وصاحت
جارية له فقالت يا ابن عوسجتاه يا سيداه فتنادى أصحاب عمرو بن الحجاج قتلنا مسلم
ابن عوسجة الأسدي فقال شبث لبعض من حوله من أصحابه ثكلتكم أمهاتكم إنما
تقتلون أنفسكم بأيديكم وتذللون أنفسكم لغيركم تفرحون أن يقتل مثل مسلم بن عوسجة
أما والذي أسلمت له لرب موقف له قد رأيته في المسلمين كريم لقد رأيته يوم سلق
آذربيجان قتل سنة من المشركين قبل تتام خيول المسلمين أفيقتل منكم مثله وتفرحون
قال وكان الذي قتل مسلم بن عوسجة مسلم بن عبد الله الضبابي وعبد الرحمن
ابن أبي خشكارة البجلي قال وحمل شمر بن ذي الجوشن في المسيرة على أهل الميسرة
فثبتوا له فطاعنوه وأصحابه وحمل على حسين وأصحابه من كل جانب فقتل الكلبي
وقد قتل رجلين بعد الرجلين الأولين وقاتل قتالا شديدا فحمل عليه هانئ بن ثبيت
الحضرمي وبكير بن حي التيمي من تيم الله بن ثعلبة فقتلاه وكان القتيل الثاني
من أصحاب الحسين وقاتلهم أصحاب الحسين قتالا شديدا وأخذت خيلهم تحمل
وإنما هم اثنان وثلاثون فارسا وأخذت لا تحمل على جانب من خيل أهل الكوفة
إلا كشفته فلما رأى ذلك عزرة بن قيس وهو على خيل أهل الكوفة أن خيله
تنكشف من كل جانب بعث إلى عمر بن سعد عبد الرحمن بن حصن فقال أما ترى
ما تلقى خيلي مذ اليوم من هذه العدة اليسيرة ابعث إليهم الرجال والرماة فقال
لشبث بن ربعي ألا تقدم إليهم فقال سبحان الله أتعمد إلى شيخ مصر وأهل مصر
عامة تبعثه في الرماة لم تجد من تندب لهذا ويجزى عنك غيري قال وما زالوا
يرون من شبث الكراهة لقتاله قال وقال أبو زهير العبسي فأنا سمعته في إمارة
مصعب يقول لا يعطى الله أهل هذا المصر خيرا أبدا ولا يسددهم لرشد ألا تعجبون
أنا قاتلنا مع علي بن أبي طالب ومع ابنه من بعده آل أبي سفيان خمس سنين ثم عدونا
على ابنه وهو خير أهل الأرض نقاتله مع آل معاوية وابن سمية الزانية ضلال
يا لك من ضلال قال ودعا عمر بن الحصين بن تميم فبعث معه المجففة وخمسمائة من
المرامية فأقبلوا حتى إذا دنوا من الحسين وأصحابه رشقوهم بالنبل فلم يلبثوا
332

أن عقروا خيولهم وصاروا رجالة كلهم (قال أبو مخنف) حدثني نمير بن وعلة
أن أيوب بن مشرح الخيواني كان يقول أنا والله عقرت بالحر بن يزيد فرسه
حشأته سهما فما لبث أن أرعد الفرس واضطرب وكبا فوثب عنه الحر كأنه
ليث والسيف في يده وهو يقول
إن تعقروا بي فأنا ابن الحر * أشجع من ذي لبد هزبر
قال فما رأيت أحدا قط يفرى فريه قال فقال له أشياخ من الحي أنت قتلته
قال لا والله ما أنا قتلته ولكن قتله غيري وما أحب إني قتلته فقال له أبو الوداك
ولم قال أنه كان زعموا من الصالحين فوالله لئن كان ذلك إثما لان ألقى الله بإثم
الجراحة والموقف أحب إلى من أن ألقاه بإثم قتل أحد منهم فقال له أبو الوداك
ما أراك إلا ستلقى الله بإثم قتلهم أجمعين أرأيت لو أنك رميت ذا فعقرت ذا ورميت
آخر ووقفت موقفا وكررت عليهم وحرضت أصحابك وكثرت أصحابك وحمل
عليك فكرهت أن تفر وفعل آخر من أصحابك كفعلك وآخر وآخر كان هذا
وأصحابه يقتلون أنتم شركاء كلكم في دمائهم فقال له يا أبا الوداك إنك لتقنطنا من
رحمة الله إن كنت ولى حسابنا يوم القيامة فلا غفر الله لك إن غفرت لنا قال هو
ما أقول لك قال وقاتلوهم حتى انتصف النهار راشد قتال خلقه الله وأخذوا لا يقدرون
على أن يأتوهم إلا من وجه واحد لاجتماع أبنيتهم وتقارب بعضها من بعض
قال فلما رأى ذلك عمر بن سعد أرسل رجال يقوضونها عن أيمانهم وعن
شمائلهم ليحيطوا بهم قال فأخذ الثلاثة والأربعة من أصحاب الحسين يتخللون
البيوت فيشدون على الرجل وهو يقوض وينتهب فيقتلونه ويرمونه من قريب
ويعقرونه فأمر بها عمر بن سعد عند ذلك فقال احرقوها بالنار ولا تدخلوا بيتا
ولا تقوضوه فجاءوا بالنار فأخذوا يحرقون فقال حسين دعوهم فليحرقوها فإنهم لو قد
حرقوها لم يستطيعوا أن يجوزوا إليكم منها وكان ذلك كذلك وأخذوا لا يقاتلونهم
إلا من وجه واحد قال وخرجت امرأة الكلبي تمشى إلى زوجها حتى جلست
عند رأسه تمسح عنه التراب وتقول هنيئا لك الجنة فقال شمر بن ذي الجوشن
333

لغلام يسمى رستم اضرب رأسها بالعمود فضرب رأسها فشدخه فماتت مكانها قال
وحمل شمر بن ذي الجوشن حتى طعن فسطاط الحسين برمحه ونادى على بالنار حتى
أحرق هذا البيت على أهله قال فصاح النساء وخرجن من الفسطاط قال وصاح به
الحسين يا ابن ذي الجوشن أنت تدعو بالنار لتحرق بيتي على أهلي حرقك الله بالنار
(قال أبو مخنف) حدثني سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم قال قلت لشمر
ابن ذي الجوشن سبحان الله إن هذا لا يصلح لك أتريد أن تجمع على نفسك خصلتين
تعذب بعذاب الله وتقتل الولدان والنساء والله إن في قتلك الرجال لما ترضى به أميرك
قال فقال من أنت قال قلت لا أخبرك من أنا قال وخشيت والله أن لو عرفني أن
يضرني عند السلطان قال فجاءه رجل كان أطوع له منى شبث بن ربعي فقال ما رأيت
مقالا أسوأ من قولك ولا موقفا أقبح من موقفك أمرعبا للنساء صرت قال فأشهد
أنه استحيا فذهب لينصرف وحمل عليه زهير بن القين في رجال من أصحابه عشرة
فشد على شمر بن ذي الجوشن وأصحابه فكشفهم عن البيوت حتى ارتفعوا عنها
فصرعوا أبا عزة الضبابي فقتلوه فكان من أصحاب شمر وتعطف الناس عليهم
فكثروهم فلا يزال الرجل من أصحاب الحسين قد قتل فإذا قتل منهم الرجل والرجلان
تبين فيهم وأولئك كثير لا يتبين فيهم ما يقتل منهم قال فلما رأى ذلك أبو ثمامة عمرو
ابن عبد الله الصائدي قال للحسين يا أبا عبد الله نفسي لك الفداء إني أرى هؤلاء
قد اقتربوا منك ولا والله لا تقتل حتى أقتل دونك إن شاء الله وأحب ان ألقى
ربى وقد صليت هذه الصلاة التي قد دنا وقتها قال فرفع الحسين رأسه ثم قال
ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين الذاكرين نعم هذا أول وقتها ثم قال سلوهم
أن يكفوا عنا حتى نصلى فقال لهم الحصين بن تميم إنها لا تقبل فقال له حبيب بن
مظاهر لا تقبل زعمت الصلاة من آل رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقبل وتقبل
منك يا حمار قال فحمل عليهم حصين بن تميم وخرج إليه حبيب بن مظاهر فضرب
وجه فرسه بالسيف فشب ووقع عنه وحمله أصحابه فاستنقذوه وأخذ حبيب يقول
أقسم لو كنا لكم أعدادا * أو شطركم وليتم أكتادا
334

يا شر قوم حسبا وآدا
قال وجعل يقول يومئذ
أنا حبيب وأبى مظاهر * فارس هيجاء وحرب تسعر
أنتم أعد عدة وأكثر * ونحن أوفى منكم وأصبر
ونحن أعلى حجة وأظهر * حقا وأتقى منكم وأعذر
وقاتل قتالا شديدا فحمل عليه رجل من بنى تميم فضربه بالسيف على رأسه فقتله
وكان يقال له بديل بن صريم من بنى عقفان وحمل عليه آخر من بنى تميم فطعنه
فوقع فذهب ليقوم فضربه الحصين بن تميم على رأسه بالسيف فوقع ونزل إليه
التميمي فاحتز رأسه فقال له الحصين إني لشريكك في قتله فقال الآخر والله ما قتله غيري
فقال الحصين أعطنيه اعلقه في عنق فرسى كيما يرى الناس ويعلموا أنى شركت في
قتله ثم خذه أنت بعد فامض به إلى عبيد الله بن زياد فلا حاجة لي فيما تعطاه على
قتلك إياه قال فأبى عليه فأصلح قومه فيما بينهما على هذا فدفع إليه رأس حبيب بن
مظاهر فجال به في العسكر قد علقه في عنق فرسه ثم دفعه بعد ذلك إليه فلما رجعوا
إلى الكوفة أخذ الآخر رأس حبيب فعلقه في لبان فرسه ثم أقبل به إلى ابن زياد
في القصر فبصر به ابنه القاسم بن حبيب وهو يومئذ قد راهق فأقبل مع الفارس
لا يفارقه كلما دخل القصر دخل معه وإذا خرج خرج معه فارتاب به فقال مالك
يا بنى تتبعني قال لا شئ قال بلى يا بنى أخبرني قال له ان هذا الرأس الذي معك
رأس أبى أفتعطينيه حتى أدفنه قال يا بنى لا يرضى الأمير أن يدفن وأنا أريد أن
يثيبني الأمير على قتله ثوابا حسنا قال له الغلام لكن الله لا يثيبك على ذلك
إلا أسوأ الثواب أما والله لقد قتلته خيرا منك وبكى فمكث الغلام حتى إذا أدرك
لم يكن له همة إلا اتباع أثر قاتل أبيه ليجد منه غرة فيقتله بأبيه فلما كان زمان
مصعب بن الزبير وغزا مصعب باجمير ادخل عسكر مصعب فإذا قاتل أبيه في
فسطاطه فأقبل يختلف في طلبه والتماس غرته فدخل عليه وهو قائل نصف النهار
فضربه بسيفه حتى برد (قال أبو مخنف) حدثني محمد بن قيس قال لما قتل حبيب
335

ابن مظاهر هد ذلك حسينا وقال عند ذلك أحتسب نفسي وحماة أصحابي قال فأخذ
الحرير تجز ويقول
آليت لا أقتل حتى أقتلا * ولن أصاب اليوم إلا مقبلا
أضربهم بالسيف ضربا مقصلا * لا ناكلا عنهم ولا مهللا
وأخذ يقول أيضا
أضرب في أعراضهم بالسيف * عن خير من حل منى والخيف
فقاتل هو وزهير بن القين قتالا شديدا فكان إذا شد أحدهما فان استلحم
شد الآخر حتى يخلصه ففعلا ذلك ساعة ثم إن رجالة شدت على الحر بن يزيد
فقتل وقتل أبو ثمامة الصائدي ابن عم له كان عدوا له ثم صلوا الظهر صلى بهم الحسين
صلاة الخوف تم اقتتلوا بعد الظهر فاشتد قتالهم ووصل إلى الحسين فاستقدم
الحنفي إمامه فاستهدف لهم يرمونه بالنبل يمينا وشمالا قائما بين يديه فما زال يرمى
حتى سقط وقاتل زهير بن القين قتالا شديدا وأخذ يقول
أنا زهير وأنا ابن القين * أذودهم بالسيف عن حسين
قال وأخذ يضرب على منكب حسين ويقول
أقدم هديت هاديا مهديا * فاليوم تلقى جدك النبيا
وحسنا والمرتضى عليا * وذا الجناحين الفتى الكميا
وأسد الله الشهيد الحيا
قال فشد عليه كثير بن عبد الله الشعبي ومهاجر بن أوس فقتلاه قال وكان
نافع بن هلال الجملي قد كتب اسمه على أفواق نبله فجعل يرمى بها مسمومة وهو يقول
أنا الجملي أنا على دين على
فقتل اثنى عشر من أصحاب عمر بن سعد سوى من جرح قال فضرب حتى
كسرت عضداه وأخذ أسيرا قال فأخذه شمر بن ذي الجوشن ومعه أصحاب له
يسوقون نافعا حتى أوتى به عمر بن سعد فقال له عمر بن سعد ويحك يا نافع ما حملك
على ما صنعت بنفسك قال إن ربى يعلم ما أردت قال والدماء تسيل على لحيته
336

وهو يقول والله لقد قتلت منكم اثنى عشر سوى من جرحت وما ألوم نفسي
على الجهد ولو بقيت لي عضد وساعد ما أسرتموني فقال له شمر اقتله أصلحك الله
قال أنت جئت به فإن شئت فاقتله قال فانتضى شمر سيفه فقال له نافع أما والله
ان لو كنت من المسلمين لعظم عليك أن تلقى الله بدمائنا فالحمد لله الذي جعل منايانا
على يدي شرار خلقه فقتله قال ثم أقبل شمر يحمل عليهم وهو يقول
خلوا عداة الله خلوا عن شمر * يضربهم بسيفه ولا يفر
وهو لكم صاب وسم ومقر
قال فلما رأى أصحاب الحسين أنهم قد كثروا وأنهم لا يقدرون على أن
يمنعوا حسينا ولا أنفسهم تنافسوا في أن يقتلوا بين يديه فجاءه عبد الله وعبد الرحمن
ابنا عزرة الغفاريان فقالا يا أبا عبد الله عليك السلام حازنا العدو إليك فأحببنا
أن نقتل بين يديك نمنعك وندفع عنك قال مرحبا بكما ادنوا منى فدنوا منه فجعلا
يقاتلان قريبا منه وأحدهما يقول
قد علمت حقا بنو غفار * وخندف بعد بنى نزار
لنضربن معشر الفجار * بكل عضب صارم بتار
يا قوم ذودوا عن بنى الأحرار * بالمشرفي والقنا الخطار
قال وجاء الفتيان الجابريان سيف بن الحارث بن سريع ومالك بن عبد بن سريع
وهما ابنا عم وأخوان لام فأتيا حسينا فدنوا منه وهما يبكيان فقال أي ابني
أخي ما يبكيكما فوالله إني لأرجو أن تكونا عن ساعة قريري عين قالا جعلنا الله
فداك لا والله ما على أنفسنا نبكى ولكنا نبكى عليك نراك قد أحيط بك ولا
نقدر على أن نمنعك فقال جزاكما الله يا ابني أخي بوجدكما من ذلك ومواساتكما
إياي بأنفسكما أحسن جزاء المتقين قال وجاء حنظلة بن أسعد الشبامي فقام بين
يدي حسين فأخذ ينادى يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب مثل دأب
قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد ويا قوم إني أخاف
عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له
337

من هاد، يا قوم لا تقتلوا حسينا فيستحكم الله بعذاب وقذ خاب من افترى
فقال له حسين يا ابن أسعد رحمك الله إنهم قد استوجبوا العذاب حين ردوا عليك
ما دعوتهم إليه من الحق ونهضوا إليك ليستبيحوك وأصحابك فكيف بهم الآن
وقد قتلوا إخوانك الصالحين قال صدقت جعلت فداك أنت أفقه منى وأحق بذلك
أفلا نروح إلى الآخرة ونلحق بإخواننا فقال رح إلى خير من الدنيا وما فيها
وإلى ملك لا يبلى فقال السلام عليك أبا عبد الله صلى الله عليك وعلى أهل بيتك
وعرف بيننا وبينك في جنته فقال آمين آمين فاستقدم فقاتل حتى قتل قال ثم
استقدم الفتيان الجابريان يلتفتان إلى حسين ويقولان السلام عليك يا ابن رسول الله
فقال وعليكما السلام ورحمة الله فقاتلا حتى قتلا قال وجاء عابس بن أبي شبيب
الشاكري ومعه شوذب مولى شاكر فقال يا شوذب ما في نفسك أن تصنع قال
ما أصنع أقاتل معك دون ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقتل قال
ذلك الظن بك إمالا فتقدم بين يدي أبى عبد الله حتى يحتسبك كما احتسب غيرك
من أصحابه وحتى أحتسبك انا فإنه لو كان معي الساعة أحد أنا أولى به منى بك
لسرني أن يتقدم بين يدي حتى أحتسبه فإن هذا يوم ينبغي لنا أن نطلب الاجر
فيه بكل ما قدرنا عليه فإنه لا عمل بعد اليوم وإنما هو الحساب قال فتقدم فسلم
على الحسين ثم مضى فقاتل حتى قتل قال ثم قال عابس بن أبي شبيب يا أبا عبد الله
أما والله ما أمسى على ظهر الأرض قريب ولا بعيد أعز على ولا أحب إلى منك
ولو قدرت على أن أدفع عنك الضيم والقتل بشئ أعز على من نفسي ودمى لفعلته
السلام عليك يا أبا عبد الله أشهد الله أنى على هديك وهدى أبيك ثم مشى بالسيف
مصلتا نحوهم وبه ضربة على جبينه (قال أبو مخنف) حدثني نمير بن وعلة عن رجل
من بنى عبد من همدان يقال له ربيع بن تميم شهد ذلك اليوم قال لما رأيته مقبلا
عرفته وقد شاهدته في المغازي وكان أشجع الناس فقلت أيها الناس هذا الأسد
الأسود هذا ابن أبي شبيب لا يخرجن إليه أحد منكم فأخذ ينادى ألا رجل
لرجل فقال عمر بن سعد ارضخوه بالحجارة قال فرمى بالحجارة من كل جانب
338

فلما رأى ذلك ألقى درعه ومغفره ثم شد على الناس فوالله لرأيته يكرد أكثر
من مائتين من الناس ثم إنهم تعطفوا عليه من كل جانب فقتل قال فرأيت
رأسه في أيدي رجال ذوي عدة هذا يقول أنا قتلته وهذا يقول أنا قتلته فأتوا
عمر بن سعد فقال لا تختصموا هذا لم يقتله سنان واحد ففرق بينهم بهذا القول
(قال أبو مخنف) حدثني عبد الله بن عاصم عن الضحاك بن عبد الله المشرقي قال
لما رأيت أصحاب الحسين قد أصيبوا وقد خلص إليه وإلى أهل بيته ولم يبق معه
غير سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي وبشير بن عمرو الحضرمي قلت له يا ابن
رسول الله قد علمت ما كان بيني وبينك قلت لك أقاتل عنك ما رأيت مقاتلا فإذا
لم أر مقاتلا فأنا في حل من الانصراف فقلت لي نعم قال فقال صدقت وكيف لك
بالنجاء إن قدرت على ذلك فأنت في حل قال فأقبلت إلى فرسى وقد كنت حيث
رأيت خيل أصحابنا تعقر أقبلت بها حتى أدخلتها فسطاطا لأصحابنا بين البيوت
وأقبلت أقاتل معهم راجلا فقتلت يومئذ بين يدي الحسين رجلين وقطعت يد
آخر وقال لي الحسين يومئذ مرارا لا تشلل لا يقطع الله يدك جزاك الله خيرا
عن أهل بيت نبيك صلى الله عليه وسلم فلما أذن لي استخرجت الفرس من
الفسطاط ثم استويت على متنها ثم ضربتها حتى إذا قامت على السنابك رميت بها
عرض القوم فأفرجوا لي وأتبعني منهم خمسة عشر رجلا حتى انتهيت إلى شفية
قرية قريبة من شاطئ الفرات فلما لحقوني عطفت عليهم فعرفني كثير بن عبد الله
الشعبي وأيوب بن مشرح الخيواني وقيس بن عبد الله الصائدي فقالوا هذا
الضحاك بن عبد الله المشرقي هذا ابن عمنا ننشدكم الله لما كففتم عنه فقال ثلاثة نفر
من بنى تميم كانوا معهم بلى والله لنجيبن إخواننا وأهل دعوتنا إلى ما أحبوا من
الكف عن صاحبهم قال فلما تابع التميميون أصحابي كف الآخرون قال فنجاني
الله (قال أبو مخنف) حدثني فضيل بن خديج الكندي أن يزيد بن زياد وهو
أبو الشعثاء الكندي من بنى بهدلة جثى على ركبتيه بين يدي الحسين فرمى بمائة
سهم ما سقط منها خمسة أسهم وكان راميا فكان كلما رمى قال أنا ابن بهدله فرسان
339

العرجله ويقول حسين اللهم سدد رميته واجعل ثوابه الجنة فلما رمى بها قام
فقال ما سقط منها إلا خمسة أسهم ولقد تبين لي أنى قد قتلت خمسة نفر وكان في
أول من قتل وكان رجزه يومئذ
أنا يزيد وأبى مهاصر * أشجع من ليث بغيل خادر
يا رب إني للحسين ناصر * ولا بن سعد تارك وهاجر
وكان يزيد بن زياد بن المهاصر ممن خرج مع عمر بن سعد إلى الحسين فلما ردوا
الشروط على الحسين مال إليه فقاتل معه حتى قتل فأما الصيداوي عمرو بن خالد
وجابر بن الحارث السلماني وسعد مولى عمر بن خالد ومجمع بن عبد الله العائذي
فإنهم قاتلوا في أول القتال فشدوا مقدمين بأسيافهم على الناس فلما وغلوا عطف
عليهم الناس فأخذوا يحوزونهم وقطعوهم من أصحابهم غير بعيد فحمل عليهم لعباس بن علي
فاستنقذهم فجاؤوا قد جر حوا فلما دنا منهم عدوهم شدوا بأسيافهم فقاتلوا في
أول الأمر حتى قتلوا في مكان واحد (قال أبو مخنف) حدثني زهير بن عبد الرحمن
ابن زهير الخثعمي قال كان آخر من بقى مع الحسين من أصحابه سويد بن عمرو بن أبي
المطاع الخثعمي قال وكان أولى قتيل من بنى أبى طالب يومئذ على الأكبر
ابن الحسين بن علي وأمه ليلى ابنة أبى مرة بن عروة بن مسعود الثقفي وذلك أنه
أخذ يشد على الناس وهو يقول
أنا علي بن حسين بن علي * نحن ورب البيت أولى بالنبي
تالله لا يحكم فينا ابن الدعي
قال ففعل ذلك مرارا فبصر به مرة بن منقذ بن النعمان العبدي ثم الليثي فقال
على أثام العرب إن مر بي يفعل مثل ما كان يفعل إن لم أثكله أباه فمر يشد على
الناس بسيفه فاعترضه مرة بن منقذ فطعنه فصرع واحتوله الناس فقطعوه بأسيافهم
(قال أبو مخنف) حدثني سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم الأزدي قال
سماع أذني يومئذ من الحسين يقول قتل الله قوما قتلوك يا بنى ما أجرأهم على
الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول على الدنيا بعدك العفاء قال وكأني أنظر إلى
340

امرأة خرجت مسرعة كأنها الشمس الطالعة تنادى يا أخياه ويا ابن أخاه قال
فسألت عليها فقيل هذه زينب ابنة فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت
حتى أكبت عليه فجاءها الحسين فأخذ بيدها فردها إلى الفسطاط وأقبل الحسين
إلى ابنه وأقبل فتيانه إليه فقال احملوا أخاكم فحملوه من مصرعه حتى وضعوه
بين يدي الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه قال ثم إن عمرو بن صبيح الصدائي
رمى عبد الله بن مسلم بن عقيل بسهم فوضع كفه على جبهته فأخذ لا يستطيع
أن يحرك كفيه ثم انتحى له بسهم آخر ففلق قلبه فاعتورهم الناس من كل جانب
فحمل عبد الله بن قطبة الطائي ثم النبهاني على عون عبد الله بن جعفر بن أبي طالب
فقتله وحمل عامر بن نهشل التيمي على محمد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فقتله
قال وشد عثمان بن خالد بن أسير الجهني وبشر بن سوط الهمداني ثم القابضي على
عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب فقتلاه ورمى عبد الله بن عزرة الخثعمي جعفر
ابن عقيل بن أبي طالب قتله (قال أبو مخنف ف) حدثني سليمان بن أبي راشد عن
حميد بن مسلم قال خرج إلينا غلام كأن وجهه شقة قمر في يده السيف
عليه قميص وإزار ونعلان قد انقطع شسع أحدهما ما أنسى أنها اليسرى فقال
لي عمرو بن سعد بن نفيل الأزدي والله لأشدن عليه فقلت له سبحان الله وما
تريد إلى ذلك يكفيك قتل هؤلاء الذين تراهم قد احتولوهم قال فقال والله لأشدن
عليه فشد عليه فما ولى حتى ضرب رأسه بالسيف فوقع الغلام لوجهه فقال
يا عماه قال فجلى الحسين كما يجلى الصقر ثم شد شدة ليث أغضب فضرب
عمرا بالسيف فاتقاه بالساعد فأطنها من لدن المرفق فصاح ثم تنحى عنه
وحملت خيل لأهل الكوفة ليستنقذوا عمرا من حسين فاستقبلت عمرا بصدورها
فحركت حوافرها وجالت الخيل بفرسانها عليه فتوطأته حتى مات وانجلت الغبرة
فإذا أنا بالحسين قائم على رأس الغلام والغلام يفحص برجليه وحسين يقول
بعد القوم قتلوك ومن خصمهم يوم القيامة فيك جدك ثم قال عز والله على عمك
أن تدعوه فلا يجيبك أو يجيبك ثم لا ينفعك صوت والله كثر واتره وقل
341

ناصره ثم احتمله فكأني أنظر إلى رجلي الغلام يخطان في الأرض وقد وضع حسين
صدره على صدره قال فقلت في نفسي ما يصنع به فجاء به حتى ألقاه مع ابنه على
ابن الحسين وقتلى قد قتلت حوله من أهله بيته فسألت عن الغلام فقيل هو القاسم
ابن الحسن بن علي بن أبي طالب قال ومكث الحسين طويلا من النهار كلما انتهى
إليه رجل من الناس انصرف عنه وكره أن يتولى قتله وعظيم إثمه عليه قال وإن
رجلا من كندة يقال له مالك بن النسير من بنى بداء أتاه فضربه على رأسه بالسيف
وعليه برنس له فقطع البرنس وأصاب السيف رأسه فأدمى رأسه فامتلأ البرنس دما
فقال له الحسين لا أكلت بها ولا شربت وحشرك الله مع الظالمين قال فألقى ذلك
البرنس ثم دعا بقلنسوة فلبسها واعتم وقد أعيا وبلد وجاء الكندي حتى أخذ
البرنس وكان من خز فلما قدم به بعد ذلك على امرأته أم عبد الله ابنة الحر أخت
حسين بن الحر البدي أقبل يغسل البرنس من الدم فقالت له امرأته أسلب ابن
بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تدخل بيتي أخرجه عنى فذكر أصحابه أنه لم
يزل فقيرا بشر حتى مات قال ولما قعد الحسين أتى بصبى له فأجلسه في حجره
زعموا أنه عبد الله بن الحسين (قال أبو مخنف) قال عقبة بن بشير الأسدي قال
لي أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين إن لنا فيكم يا بنى أسد دما قال قلت فما ذنبي أنا
في ذلك رحمك الله يا أبا جعفر وما ذلك قال أتى الحسين بصبى له فهو في حجره إذ
رماه أحدكم يا بنى أسد بسهم فذبحه فتلقى الحسين دمه فلما ملا كفيه صبه في الأرض
ثم قال رب إن تك حبست عنا النصر من السماء فاجعل ذلك لما هو خير
وانتقم لنا من هؤلاء الظالمين قال ورمى عبد الله بن عقبة الغنوي أبا بكر بن الحسين
ابن علي بسهم فقتله فلذلك يقول الشاعر وهو ابن أبي عقب
وعند غنى قطرة من دمائنا * وفى أسد أخرى تعد وتذكر
قال وزعموا أن العباس بن علي قال لاخوته من أمه عبد الله وجعفر وعثمان
يا بنى أمي تقدموا حتى أرثكم فإنه لا ولد لكم ففعلوا فقتلوا وشد هانئ بن ثبيت
الحضرمي على عبد الله بن علي بن أبي طالب فقتله ثم شد على جعفر بن علي فقتله
342

وجاء برأسه ورمى خولي بن يزيد الأصبحي عثمان بن علي بن أبي طالب
بسهم ثم شد عليه رجل من بنى أبان بن دارم فقتله وجاء برأسه ورمى رجل
من بنى أبان بن دارم محمد بن علي بن أبي طالب فقتله وجاء برأسه * قال هشام
حدثني أبو الهذيل رجل من السكون عن هانئ بن ثبيت الحضرمي قال رأيته
جالسا في مجلس الحضرميين في زمان خالد بن عبد الله وهو شيخ كبير قال فسمعته
وهو يقول كنت ممن شهد قتل الحسين قال فوالله إني لواقف عاشر عشرة ليس منا
رجل إلا على فرس وقد جالت الخيل وتصعصعت إذ خرج غلام من آل الحسين
وهو ممسك بعود من تلك الأبنية عليه إزار وقميص وهو مذعور يتلفت يمينا
وشمالا فكأني أنظر إلى درتين في أذنيه تذبذبان كلما التفت إذ أقبل رجل يركض
حتى إذا دنا منه مال عن فرسه ثم اقتصد الغلام فقطعه بالسيف قال هشام قال
السكوني هانئ بن ثبيت هو صاحب الغلام فلما عتب عليه كنى عن نفسه قال هشام
حدثني عمرو بن شمر عن جابر الجعفي قال عطش الحسين حتى اشتد عليه العطش
فدنا ليشرب من الماء فرماه حصين بن تميم بسهم فوقع في فمه فجعل يتلقى الدم من
فمه ويرمى به إلى السماء ثم حمد الله وأثنى عليه ثم جمع يديه فقال اللهم أحصهم عددا
واقتلهم بددا ولا تذر على الأرض منهم أحدا * قال هشام عن أبيه محمد بن
السائب عن القاسم بن الأصبغ بن نباتة قال حدثني من شهد الحسين في عسكره
أن حسينا حين غلب على عسكره ركب المسناة يريد الفرات قال فقال رجل من
بنى أبان بن دارم ويلكم حولوا بينه وبين الماء لا تتام إليه شيعته قال وضرب
فرسه وأتبعه الناس حتى حالوا بينه وبين الفرات فقال الحسين اللهم أظمه قال
وينتزع الأبانى بسهم فأثبته في حنك الحسين قال فانتزع الحسين السهم ثم بسط
كفيه فامتلأتا دما ثم قال الحسين اللهم إني أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيك
قال فوالله إن مكث الرجل إلا يسيرا حتى صب الله عليه الظمأ فجعل لا يروى قال
القاسم بن الأصبغ لقد رأيتني فيمن يروح عنه والماء يبرد له فيه السكر وعساس
فيها اللبن وقلال فيها الماء وإنه ليقول ويلكم أسقوني قتلني الظمأ فيعطى القلة
343

أو العس كان مرويا أهل البيت فيشربه فإذا نزعه من فيه اضطجع الهنيهة ثم يقول
ويلكم أسقوني قتلني الظمأ قال فوالله ما لبث إلا يسيرا حتى انقد بطنه انقداد بطن
البعير (قال أبو مخنف) في حديثه ثم إن شمر بن ذي الجوشن أقبل في نفر نحو
من عشرة من رجالة أهل الكوفة قبل منزل الحسين الذي فيه ثقله وعياله فمشى
نحوه فحالوا بينه وبين رحله فقال الحسين ويلكم إن لم يكن لكم دين وكنتم
لا تخافون يوم المعاد فكونوا في أمر دنياكم أحرارا ذوي أحساب امنعوا
رحلي وأهلي من طغامكم وجهالكم فقال ابن ذي الجوشن ذلك لك يا ابن فاطمة
قال وأقدم عليه بالرجالة منهم أبو الجنوب واسمه عبد الرحمن الجعفي والقشعم
ابن عمرو بن يزيد الجعفي وصالح بن وهب اليزني وسنان بن أنس النخعي وخولي
ابن يزيد الأصبحي فجعل شمر بن ذي الجوشن يحرضهم فمر بأبي الجنوب وهو شاك
في السلاح فقال له أقدم عليه قال وما يمنعك أن تقدم عليه أنت فقال له شمر إلى
تقول ذا قال وأنت لي تقول ذا فاستبا فقال له أبو الجنوب وكان شجاعا والله لهممت
أن أخضخض السنان في عينك قال فانصرف عنه شمر وقال والله لئن قدرت على
أن أضرك لأضرنك قال ثم إن شمر بن ذي الجوشن أقبل في الرجالة نحو الحسين
فأخذ الحسين يشد عليهم فينكشفون عنه ثم إنهم أحاطوا به إحاطة وأقبل إلى
الحسين غلام من أهله فأخذته أخته زينب ابنة على لتحبسه فقال لها الحسين أحبسيه
فأبى الغلام وجاء يشتد إلى الحسين فقام إلى جنبه قال وقد أهوى بحر بن كعب
ابن عبيد الله من بنى تيم الله بن ثعلبة بن عكابة إلى الحسين بالسيف فقال الغلام
يا ابن الخبيثة أتقتل عمى فضربه بالسيف فاتقاه الغلام بيده فأطنها إلا الجلدة فإذا
يده معلقة فنادى الغلام يا أمتاه فأخذه الحسين فضمه إلى صدره وقال أيا ابن أخي
اصبر على ما نزل بك واحتسب في ذلك الخير فإن الله يلحقك بآبائك الصالحين
برسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب وحمزة وجعفر والحسن بن علي
صلى الله عليهم أجمعين (قال أبو مخنف) حدثني سليمان بن أبي راشد عن حميد بن
مسلم قال سمعت الحسين يومئذ وهو يقول اللهم أمسك عنهم قطر السماء وامنعهم
344

بركات الأرض اللهم فإن متعتهم إلى حين ففرقهم فرقا واجعلهم طرائق قددا
ولا ترض عنهم الولاة أبدا فإنهم دعونا لينصرونا فعدوا علينا فقتلونا قال وضارب
الرجالة حتى انكشفوا عنه قال ولما بقى الحسين في ثلاثة رهط أو أربعة دعا
بسراويل محققة يلمع فيها البصر يماني محقق ففزره ونكثه لكيلا يسلبه فقال له
بعض أصحابه لو لبست تحته تبانا قال ذلك ثوب مذلة ولا ينبغي لي أن ألبسه قال
فلما قتل أقبل بحر بن كعب فسلبه إياه فتركه مجردا (قال أبو مخنف) فحدثني عمرو
ابن شعيب عن محمد بن عبد الرحمن أي يدي بحر بن كعب كانتا في الشتاء ينضحان
الماء وفى الصيف ييبسان كأنهما عود (قال أبو مخنف) عن الحجاج بن عبد الله
ابن عمار بن عبد يغوث البارقي وعتب على عبد الله به عمار بعد ذلك مشهده قتل
الحسين فقال عبد الله بن عمار إن لي عند بني هاشم ليدا قلنا له وما يدك عندهم قال
حملت على حسين بالرمح فانتهيت إليه فوالله لو شئت لطعنته ثم انصرفت عنه غير
بعيد وقلت ما أصنع بأن أتولى قتله يقتله غيري قال فشد عليه رجالة ممن عن يمينه
وشماله فحمل على من عن يمينه حتى ابذعروا وعلى من عن شماله حتى ابذعروا
وعليه قميص له من خز وهو معتم قال فوالله ما رأيت مكسورا قط قد قتل ولده
وأهل بيته وأصحابه أربط جأشا ولا أمضى جنانا منه ولا أجرأ مقدما والله
ما رأيت قبله ولا بعده مثله إن كانت الرجالة لتنكشف من عن يمينه وشماله انكشاف
المعزى إذا شد فيها الذئب قال فوالله إنه لكذلك إذ خرجت زينب ابنة فاطمة
أخته وكأني أنظر إلى قرطها يجول بين أذنيها وعاتقها وهى تقول ليت السماء
تطابقت على الأرض وقد دنا عمر بن سعد من حسين فقالت يا عمر بن سعد
أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه قال فكأني أنظر إلى دموع عمر وهى تسيل
على خديه ولحيته قال وصرف بوجهه عنها (قال أبو مخنف) حدثني الصقعب
ابن زهير عن حميد بن مسلم قال كانت عليه جبة من خز وكان معتما وكان
مخضوبا بالوسمة قال وسمعته يقول قبل أن يقتل وهو يقاتل على رجليه قتال
الفارس الشجاع يتقى الرمية ويفترص العورة ويشد على الخيل وهو يقول
345

أعلى قتلى تحاثون أما والله لا تقتلون بعدي عبدا من عباد الله الله أسخط عليكم
لقتله منى وأيم الله إني لأرجو أن يكرمني الله بهوانكم ثم ينتقم لي منكم من
حيث لا تشعرون أما والله ان لو قد قتلتموني لقد ألقى الله بأسكم بينكم وسفك دماءكم
ثم لا يرضى لكم حتى يضاعف لكم العذاب الأليم قال ولقد مكث طويلا
من النهار ولو شاء الناس ان يقتلوه لفعلوا ولكنهم كان يتقى بعضهم ببعض ويحب
هؤلاء أن يكفيهم هؤلاء قال فنادى شمر في الناس ويحكم ماذا تنظرون بالرجل
اقتلوه ثكلتكم أمهاتكم قال فحمل عليه من كل جانب فضربت كفه اليسرى ضربة
ضربها زرعة بن شريك التميمي وضرب على عاتقه ثم انصرفوا وهو ينوء ويكبو قال
وحمل عليه في تلك الحال سنان بن أنس بن عمرو النخعي فطعنه بالرمح فوقع ثم قال
لخولي بن يزيد الأصبحي احتز رأسه فأراد أن يفعل فضعف فأرعد فقال له
سنان بن أنس فت الله عضديك وأبان يديك فنزل إليه فذبحه واحتز رأسه ثم
دفع إلى خولي بن يزيد وقد ضرب قبل ذلك بالسيوف (قال أبو مخنف) عن جعفر
ابن محمد بن علي قال وجد بالحسين عليه السلام حين قتل ثلاث وثلاثون طعنة
وأربع وثلاثون ضربة قال وجعل سنان بن أنس لا يدنو أحد من الحسين إلا شد
عليه مخافة أن يغلب على رأسه حتى أخذ رأس الحسين فدفعه إلى خولي قال
وسلب الحسين ما كان عليه فأخذ سراويله بحر بن كعب وأخذ قيس بن الأشعث
قطيفته وكانت من خز وكان يسمى بعد قيس قطيفة وأخذ نعليه رجل من بنى أود
يقال له الأسود وأخذ سيفه رجل من بنى نهشل بن دارم فوقع بعد ذلك إلى
أهل حبيب بن بديل قال ومال الناس على الورس والحلل والإبل وانتهبوها قال
ومال الناس على نساء الحسين وثقله ومتاعه فإن كانت المرأة لتنازع ثوبها
عن ظهرها حتى تغلب عليه فيذهب به منها (قال أبو مخنف) حدثني زهير بن
عبد الرحمن الخثعمي أن سويد بن عمرو بن أبي المطاع كان صرع فأثخن فوقع
بين القتلى مثخنا فسمعهم يقولون قتل الحسين فوجد فاقة فإذا معه سكين وقد
أخذ سيفه فقاتلهم بسكينه ساعة ثم إنه قتل قتله عروة بن بطار التغلبي وزيد
346

ابن رقاد الجنبي وكان آخر قتيل (قال أبو مخنف) حدثني سليمان بن أبي راشد
عن حميد بن مسلم قال انتهيت إلى علي بن الحسين بن علي الأصغر وهو
منبسط على فراش له وهو مريض وإذا شمر بن ذي الجوشن في رجالة معه
يقولون ألا نقتل هذا قال فقلت سبحان الله أنقتل الصبيان إنما هذا صبي قال فما زال
ذلك دأبي أدفع عنه كل من جاء حتى جاء عمر بن سعد فقال ألا لا يدخلن بيت هؤلاء
النسوة أحد ولا يعرضن لهذا الغلام المريض ومن أخذ من متاعهم شيئا فليرده عليهم
قال فوالله ما رد أحد شيئا قال فقال علي بن الحسين جزيت من رجل خيرا فوالله
لقد دفع الله عنى بمقالتك شرا قال فقال الناس لسنان بن أنس قتلت حسين بن علي وابن
فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلت أعظم العرب خطرا جاء إلى هؤلاء
يريد أن يزيلهم عن ملكهم فأت أمراءك فاطلب ثوابهم وإنهم لو أعطوك بيوت أموالهم
في قتل الحسين كان قليلا فأقبل على فرسه وكان شجاعا شاعرا وكانت به لوثة فأقبل حتى
وقف على باب فسطاط عمر بن سعد ثم نادى بأعلى صوته
أوقر ركابي فضة وذهبا * أنا قتلت الملك المحجبا
قتلت خير الناس أما وأبا * وخيرهم إذ ينسبون نسبا
فقال عمر بن سعد أشهد أنك لمجنون ما صحوت قط أدخلوه على فلما أدخل حذفه
بالقضيب ثم قال يا مجنون أتتكلم بهذا الكلام أما والله لو سمعك ابن زياد لضرب
عنقك قال وأخذ عمر بن سعد عقبة بن سمعان وكان مولى للرباب بنت امرئ القيس
الكلبية وهى أم سكينة بنت الحسين فقال له ما أنت قال أنا عبد مملوك فخلى سبيله فلم ينج
منهم أحد عيره إلا أن المرقع بن ثمامة الأسدي كان قد نثر نبله وجثا على ركبتيه فقاتل
فجاءه نفر من قومه فقالوا له أنت آمن اخرج إلينا فخرج إليهم فلما قدم بهم عمر بن سعد
على ابن زياد وأخبره خبره سيره إلى الزارة قال ثم إن عمر بن سعد نادى في أصحابه
من ينتدب للحسين ويوطئه فرسه فانتدب عشرة منهم إسحاق بن حياة الحضرمي
وهو الذي سلب قميص الحسين فبرص بعد وأحبش بن مرثد بن علقمة بن سلامة
الحضرمي فأتوا فداسوا الحسين بخيولهم حتى رضوا ظهره وصدره فبلغني أن أحبش
347

ابن مرثد بعد ذلك بزمان أتاه سهم غرب وهو واقف في قتال ففلق قلبه فمات قال
فقتل من أصحاب الحسين عليه السلام اثنان وسبعون رجلا ودفن الحسين وأصحابه
أهل الغاضرية من بنى أسد بعد ما قتلوا بيوم وقتل من أصحاب عمر بن سعد ثمانية
وثمانون رجلا سوى الجرحى فصلى عليهم عمر بن سعد ودفنهم قال وما هو إلا أن
قتل الحسين فسرح برأسه من يومه ذلك مع خولي بن يزيد وحميد بن مسلم الأزدي
إلى عبيد الله بن زياد فأقبل به خولي فأراد القصر فوجد باب القصر مغلقا فأتى منزله
فوضعه تحت إجانة في منزله وله امرأتان امرأة من بنى أسد والاخرى من الحضرميين
يقال لها النوار ابنة مالك بن عقرب وكانت تلك الليلة ليلة الحضرمية قال هشام فحدثني
أبى عن النوار بنت مالك قالت أقبل خولي برأس الحسين فوضعه تحت إجانة في الدار
ثم دخل البيت فأوى إلى فراشه فقلت له ما الخبر ما عندك قال جئتك بغنى الدهر
هذا رأس الحسين معك في الدار قالت فقلت ويلك جاء الناس بالذهب والفضة
وجئت برأس ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا والله لا يجمع رأسي ورأسك
بيت أبدا قالت فقمت من فراشي فخرجت إلى الدار فدعا الأسدية فأدخلها إليه
وجلست أنظر قالت فوالله ما زلت أنظر إلى نور يسطع مثل العمود من السماء إلى
الإجانة ورأيت طيرا بيضا ترفرف حولها قال فلما أصبح غدا بالرأس إلى عبيد الله
ابن زياد وأقام عمر بن سعد يومه ذلك والغد ثم أمر حميد بن بكير الأحمري فأذن
في الناس بالرحيل إلى الكوفة وحمل معه بنات الحسين وأخواته ومن كان معه من
الصبيان وعلي بن الحسين مريض (قال أبو مخنف) فحدثني أبو زهير العبسي عن
قرة بن قيس التميمي قال نظرت إلى تلك النسوة لما مررن بحسين وأهله وولده صحن
ولطمن وجوههن قال فاعترضتهن على فرس فما رأيت منظرا من نسوة قط كان
أحسن من منظر رأيته منهن ذلك والله لهن أحسن من مهى يبرين قال فما نسيت
من الأشياء لا أنسى قول زينب ابنة فاطمة حين مرت بأخيها الحسين صريعا وهى
تقول يا محمداه يا محمداه صلى عليك ملائكة السماء هذا الحسين بالعرا مرمل بالدما
مقطع الأعضا يا محمداه وبناتك سبايا وذريتك مقتلة تسفى عليها الصبا قال فأبكت
348

والله كل عدو وصديق قال وقطف رؤوس الباقين فسرح باثنين وسبعين رأسا
مع شمر بن ذي الجوشن وقيس بن الأشعث وعمر بن الحجاج وعزرة بن قيس فأقبلوا
حتى قدموا بها على عبيد الله بن زياد (قال أبو مخنف) حدثني سليمان بن أبي راشد
عن حميد بن مسلم قال دعاني عمر بن سعد فسرحني إلى أهله لأبشرهم بفتح الله عليه
وبعافيته فأقبلت حتى أتيت أهله فأعلمتهم ذلك ثم أقبلت حتى أدخل فأجد ابن زياد
قد جلس للناس وأجد الوفد قد قدموا عليه فأدخلهم وأذن للناس فدخلت فيمن
دخل فإذا رأس الحسين موضوع بين يديه وإذا هو ينكت بقضيب بين ثنيتيه ساعة
فلما رآه زيد بن أرقم لا ينجم عن نكته بالقضيب قال له أعل بهذا القضيب عن
هاتين الثنيتين فوالذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم
على هاتين الشفتين يقبلهما ثم انفضخ الشيخ يبكى فقال له ابن زياد أبكى الله عينيك
فوالله لولا أنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك قال فنهض فخرج
فلما خرج سمعت الناس يقولون والله لقد قال زيد بن أرقم قولا لو سمعه ابن زياد
لقتله قال فقلت ما قال قالوا مر بنا وهو يقول ملك عبد عبدا فاتخذهم تلدا أنتم
يا معشر العرب العبيد بعد اليوم قتلتم ابن فاطمة وأمرتم ابن مرجانة فهو يقتل
خياركم ويستعبد شراركم فرضيتم بالذل فبعدا لمن رضى بالذل قال فلما دخل
برأس حسين وصبيانه وأخواته ونسائه على عبيد الله بن زياد لبست زينب
ابنة فاطمة أرذل ثيابها وتنكرت وحف بها إماؤها فلما دخلت جلست فقال عبيد الله
ابن زياد من هذه الجالسة فلم تكلمه فقال ذلك ثلاثا كل ذلك لا تكلمه فقال بعض
إمائها هذه زينب ابنة فاطمة قال فقال لها عبيد الله الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم
وأكذب أحدوثتكم فقالت الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد صلى الله عليه وسلم
وطهرنا تطهيرا لا كما تقول أنت إنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر قال فكيف
رأيت صنع الله بأهل بيتك قالت كتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع
الله بينك وبينهم فتحاجون إليه وتخاصمون عنده قال فغضب ابن زياد واستشاط
قال فقال له عمرو بن حريث أصلح الله الأمير إنما هي امرأة وهل تؤاخذ المرأة
349

بشئ من منطقها انها لا تؤاخذ بقول ولا تلام على خطل فقال لها ابن زياد قد أشفى
الله نفسي من طاغيتك والعصاة المردة من أهل بيتك قال فبكت ثم قالت لعمري
لقد قتلت كهلي وأبرت أهلي وقطعت فرعى واجثثت أصلى فان يشفك هذا فقد
اشتفيت فقال لها عبيد الله هذه الشجاعة قد لعمري كان أبوك شاعرا شجاعا قالت
ما للمرأة والشجاعة إن لي عن الشجاعة لشغلا ولكني نفثى ما أقول (قال أبو مخنف)
عن المجالد بن سعيد إن عبيد الله بن زياد لما نظر إلى علي بن الحسين قال لشرطي
انظر هل أدرك هذا ما يدرك الرجال فكشط إزاره عنه فقال نعم قال انطلقوا به
فاضربوا عنقه فقال له على إن كان بينك وبين هؤلاء النسوة قرابة فابعث معهن
رجلا يحافظ عليهن فقال له ابن زياد تعال أنت فبعثه معهن (قال أبو مخنف)
وأما سليمان بن أبي راشد فحدثني عن حميد بن مسلم قال إني لقائم عند ابن زياد
حين عرض عليه علي بن الحسين فقال له ما اسمك قال أنا علي بن الحسين قال أولم
يقتل الله علي بن الحسين فسكت فقال له ابن زياد مالك لا تتكلم قال قد كان لي
أخ يقال له أيضا على فقتله الناس قال إن الله قد قتله قال فسكت على فقال له مالك
لا تتكلم قال الله يتوفى الأنفس حين موتها وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله
قال أنت والله منهم ويحك انظروا هل أدرك والله إني لأحسبه رجلا قال فكشف
عنه مري بن معاذ الأحمري فقال نعم قد أدرك فقال اقتله فقال علي بن الحسين
من توكل بهؤلاء النسوة وتعلقت به زينب عمته فقالت يا ابن زياد حسبك منا
أما رويت من دمائنا وهل أبقيت منا أحدا قال فاعتنقته فقالت أسألك بالله إن
كنت مؤمنا إن قتلته لما قتلتني معه قال وناداه على فقال يا ابن زياد إن كنت بينك
وبينهم قرابة فابعث معهن رجل تقيا يصحبهن بصحبة الاسلام قال فنظر إليها ساعة
ثم نظر إلى القوم فقال عجبا للرحم والله إني لأظنها ودت له أنى قتلته أنى قتلتها معه
دعوا الغلام انطلق مع نسائك قال حميد بن مسلم لما دخل عبيد الله القصر ودخل
الناس نودي الصلاة جامعة فاجتمع الناس في المسجد الأعظم فصعد المنبر ابن زياد
فقال الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله ونصر أمير المؤمنين يزيد بن معاوية وحزبه
350

وقتل الكذاب ابن الكذاب الحسين بن علي وشيعته فلم يفرغ ابن زياد من مقالته
حتى وثب إليه عبد الله بن عفيف الأزدي ثم الغامدي ثم أحد بنى والبة وكان من
شيعة علي كرم الله وجهه وكانت عينه اليسرى ذهبت يوم الجمل مع علي فلما كان
يوم صفين ضرب على رأسه صربة وأخرى على حاجبه فذهبت عينه الأخرى
فكان لا يكاد يفارق المسجد الأعظم يصلى فيه إلى الليل ثم ينصرف قال فلما سمع
مقالة ابن زياد قال يا ابن مرجانة إن الكذاب ابن الكذاب أنت وأبوك والذي
ولاك وأبوه يا ابن مرجانة أتقتلون أبناء النبيين وتكلمون بكلام الصديقين
فقال ابن زياد على به قال فوثبت عليه الجلاوزة فأخذوه قال فنادى بشعار
الأزد يا مبرور قال وعبد الرحمن بن مخنف الأزدي جالس فقال ويح غيرك أهلكت
نفسك وأهلكت قومك قال وحاضر الكوفة يومئذ من الأزد سبعمائة مقاتل
قال فوثب إليه فتية من الأزد فانتزعوه فأتوا به أهله فأرسل إليه من أتاه به فقتله
وأمر بصلبه في السبخة فصلب هنالك (قال أبو مخنف) ثم إن عبيد الله بن زياد
نصب رأس الحسين بالكوفة فجعل يدار به في الكوفة ثم دعا زحر بن قيس فسرح
معه برأس الحسين ورؤس أصحابه إلى يزيد بن معاوية وكان مع زحر أبو بردة بن
عوف الأزدي وطارق بن أبي ظبيان الأزدي فخرجوا حتى قدموا بها الشأم على
يزيد بن معاوية قال هشام فحدثني عبد الله بن يزيد بن روح بن زنباع الجذامي عن
أبيه عن الغاز بن ربيعة الجرشى من حمير قال والله إنا لعند يزيد بن معاوية بدمشق
إذ أقبل زحر بن قيس حتى دخل على يزيد بن معاوية فقال له يزيد ويلك ما وراءك
وما عندك فقال أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله ونصره ورد علينا الحسين بن علي
في ثمانية عشر من أهل بيته وستين من شيعته فسرنا إليهم فسألناهم أن يستسلموا
وينزلوا على حكم الأمير عبيد الله بن زياد أو القتال فاختاروا القتال على الاستسلام
فعدونا عليهم مع شروق الشمس فأحطنا بهم من كل ناحية حتى إذا أخذت السيوف
مأخذها من هام القوم يهربون إلى غير وزر ويلوذون منا بالآكام والحفر لواذا كما
لاذ الحمائم من صقر فوالله يا أمير المؤمنين ما كان إلا جزر جزور أو نومة قائل
351

حتى أتينا على آخرهم فهاتيك أجسادهم مجردة وثيابهم مرملة وخدودهم معفرة
تصهرهم الشمس وتسفي عليهم الريح زوارهم العقبان والرخم بقى سبسب قال
فدمعت عين يزيد وقال قد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين لعن الله ابن
سمية أما والله لو أنى صاحبه لعفوت عنه فرحم الله الحسين ولم يصله بشئ قال ثم
إن عبيد الله أمر بنساء الحسين وصبيانه فجهزن وأمر بعلى بن الحسين فغل بغل
إلى عنقه ثم سرح بهم مع محفز بن ثعلبة العائذي عائذة قريش ومع شمر بن
ذي الجوشن فانطلقا بهم حتى قدموا على يزيد فلم يكن علي بن الحسين يكلم أحدا منهما
في الطريق كلمة حتى بلغوا فلما انتهوا إلى باب يزيد رفع محفز بن ثعلبة صوته فقال
هذا محفز بن ثعلبة أتى أمير المؤمنين باللئام الفجرة قال فأجابه يزيد بن معاوية
ما ولدت أم محفز شر وألام (قال أبو مخنف) حدثني الصقعب بن زهير عن القاسم
ابن عبد الرحمن مولى يزيد بن معاوية قال لما وضعت الرؤوس بين يدي يزيد
رأس الحسين وأهل بيته وأصحابه قال يزيد
يفلقن هاما من رجال أعزة * علينا وهم كانوا أعق وأظلما
أما والله يا حسين لو أنا صاحبك ما قتلتك (قال أبو مخنف) حدثني أبو جعفر العبسي عن أبي
عمارة العبسي قال فقال يحيى بن الحكم أخو مروان بن الحكم
لهام بجنب الطف أدنى قرابة * من ابن زياد العبد ذي الحسب الوغل
سمية أمسى نسلها عدد الحصى * وليس لآل المصطفى اليوم من نسل
قال فضرب يزيد بن معاوية في صدر يحيى بن الحكم وقال اسكت قال ولما
جلس يزيد بن معاوية دعا أشراف أهل الشأم فأجلسهم حوله ثم دعا بعلى بن الحسين
وصبيان الحسين ونساءه فأدخلوا عليه والناس ينظرون فقال يزيد لعلى يا علي
أبوك الذي قطع رحمي وجهل حقي ونازعني سلطاني فصنع الله به ما قد رأيت قال
فقال على ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن
نبرأها فقال يزيد لابنه خالد أردد عليه قال فما درى خالد ما يرد عليه فقال له يزيد
قل ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ثم سكت عنه قال ثم
352

دعا بالنساء والصبيان فأجلسوا بين يديه فرأى هيئة قبيحة فقال قبح الله ابن مرجانة
لو كانت بينه وبينكم رحم أو قرابة ما فعل هذا بكم ولا بعث بكم هكذا (قال أبو
مخنف) عن الحارث بن كعب عن فاطمة بنت على قالت لما أجلسنا بين يدي يزيد
ابن معاوية رق لنا وأمر لنا بشئ وألطفنا قالت ثم إن رجلا من أهل الشأم أحمر
قام إلى يزيد فقال يا أمير المؤمنين هب لي هذه يعنيني وكنت جارية وضيئة فأرعدت
وفرقت وظننت أن ذلك جائز لهم وأخذت بثياب أختي زينب قالت وكانت أختي
زينب أكبر منى وأعقل وكانت تعلم أن ذلك لا يكون فقالت كذبت والله ولؤمت
ما ذلك لك وله فغضب يزيد فقال كذبت والله إن ذلك لي ولو شئت أن أفعله
لفعلت قالت كلا والله ما جعل الله ذلك لك إلا أن تخرج من ملتنا وتدين بغير ديننا
قالت فغضب يزيد واستطار ثم قال إياي تستقبلين بهذا إنما خرج من الدين أبوك
وأخوك فقالت زينب بدين الله ودين أبى ودين أخي وجدى اهتديت أنت وأبوك
وجدك قال كذبت يا عدوة الله قالت أنت أمير مسلط تشتم ظالما وتقهر بسلطانك قالت
فوالله لكأنه استحيا فسكت ثم عاد الشامي فقال يا أمير المؤمنين هب لي هذه الجارية
قال أعزب وهب الله لك حتفا قاضيا قالت ثم قال يزيد بن معاوية يا نعمان بن بشير
جهزهم بما يصلحهم وابعث معهم رجلا من أهل الشأم أمينا صالحا وابعث معه
خيلا وأعوانا فيسير بهم إلى المدينة ثم أمر بالنسوة أن ينزلن في دار على حدة معهن
ما يصلحهن وأخوهن معهن علي بن الحسين في الدار التي هن فيها قال فخرجن حتى
دخلن دار يزيد فلم تبق من آل معاوية امرأة الا استقبلتهن تبكى وتنوح على الحسين
فأقاموا عليه المناحة ثلاثا وكان يزيد لا يتغدى ولا يتعشى إلا دعا علي بن الحسين
إليه قال فدعاه ذات يوم ودعا عمرو بن الحسن بن علي وهو غلام صغير فقال
لعمرو بن الحسن أتقاتل هذا الفتى يعنى خالدا ابنه قال لا ولكن أعطني سكينا وأعطه
سكينا ثم أقاتله فقال له يزيد وأخذه فضمه إليه ثم قال شنشنة أعرفها من أخزم
هل تلد الحية إلا حية قال ولما أرادوا أن يخرجوا دعا يزيد علي بن الحسين ثم
قال لعن الله ابن مرجانة أما والله لو أنى صاحبه ما سألني خصلة أبدا الا أعطيتها
353

إياه ولدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت ولو بهلاك بعض ولدى ولكن الله
قضى ما رأيت كاتبني وأنه كل حاجة تكون لك قال وكساهم وأوصى بهم ذلك
الرسول قال فخرج بهم وكان يسايرهم بالليل فيكونون أمامه حيث لا يفوتون
طرفه فإذا نزلوا تنحى عنهم وتفرق هو وأصحابه حولهم كهيئة الحرس لهم وينزل
منهم بحيث إذا أراد إنسان منهم وضوءا أو قضاء حاجة لم يحتشم فلم يزل ينازلهم
في الطريق هكذا ويسألهم عن حوائجهم ويلطفهم حتى دخلوا المدينة وقال الحارث
ابن كعب فقالت لي فاطمة بنت على قلت لأختي زينب يا أخية لقد أحسن هذا
الرجل الشأمى إلينا في صحبتنا فهل لك أن نصله فقالت والله ما معنا شئ نصله به
إلا حلينا قالت لها فنعطيه حلينا قالت فأخذت سواري ودملجى وأخذت أختي
سوارها ودملجها فبعثنا بذلك إليه واعتذرنا إليه وقلنا له هذا جزاؤك بصحبتك
إيانا بالحسن من الفعل قال فقال لو كان الذي صنعت إنما هو للدنيا كان في حليكن
ما يرضيني ودونه ولكن والله ما فعلته إلا لله ولقرابتكم من رسول الله صلى الله
عليه وسلم (قال هشام) وأما عوانة بن الحكم الكلبي فإنه قال لما قتل الحسين
وجئ بالأثقال والأسارى حتى وردوا بهم الكوفة إلى عبيد الله فبينا القوم
محتبسون إذ وقع حجر في السجن معه كتاب مربوط وفى الكتاب خرج البريد
بأمركم في يوم كذا وكذا إلى يزيد بن معاوية وهو سائر كذا وكذا يوما وراجع
في كذا وكذا فان سمعتم التكبير فأيقنوا بالقتل وإن لم تسمعوا تكبيرا فهو
الأمان إن شاء الله قال فلما كان قبل قدوم البريد بيومين أو ثلاثة إذا حجر قد
ألقى في السجن ومعه كتاب مربوط وموسى وفى الكتاب أوصوا واعهدوا
فإنما ينتظر البريد يوم كذا وكذا فجاء البريد ولا يسمع التكبير وجاء كتاب بأن
سرح الأسارى إلى قال فدعا عبيد الله بن زياد محفز بن ثعلبة وشمر بن ذي الجوشن
فقال انطلقوا بالثقل والرأس إلى أمير المؤمنين يزيد بن معاوية قال فخرجوا حتى
قدموا على يزيد فقام محفز بن ثعلبة فنادى بأعلى صوته جئنا برأس أحمق الناس
وألامهم فقال يزيد ما ولدت أم محفر ألام وأحمق ولكنه قاطع ظالم قال فلما
354

نظر يزيد إلى رأس الحسين قال
يفلقن هاما من رجال أعزة * علينا وهم كانوا أعق وأظلما
ثم قال أتدرون من أين أتى هذا قال أبى على خير من أبيه وأمي فاطمة خير
من أمه وجدى رسول الله خير من جده وأنا خير منه وأحق بهذا الامر منه
فأما قوله أبوه خير من أبى فقد حاج أبى أباه وعلم الناس أيهما حكم له وأما قوله
أمي خير من أمه فلعمري فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم خير
من أمي وأما قوله جدي خير جده فلعمري ما أحد يؤمن بالله واليوم
الآخر يرى لرسول الله فينا عدلا ولا ندا ولكنه إنما أنى من قبل فقهه ولم
يقرأ (قل اللهم مالك الملك تؤت الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء
وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الحير إنك على كل شئ قدير)
ثم أدخل نساء الحسين على يزيد فصاح نساء آل يزيد وبنات معاوية وأهله وولولن
ثم إنهن أدخلن على يزيد فقالت فاطمة بنت الحسين وكانت أكبر من سكينة أبنات
رسول الله سبايا يا يزيد فقال يزيد يا ابنة أخي أنا لهذا كنت أكره قالت والله ما ترك
لنا خرص قال يا ابنة أخي ما آتي إليك أعظم مما أخذ منك ثم أخرجن فأدخلن
دار يزيد بن معاوية فلم تبق امرأة من آل يزيد إلا أتتهن وأقمن المأتم وأرسل يزيد
إلى كل امرأة ماذا أخذ لك وليس منهن امرأة تدعى شيئا بالغا ما بلغ إلا قد أضعفه
لها فكانت سكينة تقول ما رأيت رجلا كافرا بالله خيرا من يزيد بن معاوية ثم أدخل
الأسارى إليه وفيهم علي بن الحسين فقال له يزيد إيه يا علي فقال على ما أصاب
من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك
على الله يسير لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل
مختال فخور فقال يزيد ما أصاب من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير
ثم جهزه وأعطاه مالا وسرحه إلى المدينة (قال هشام) عن أبي مخنف قال حدثني
أبو حمزة الثمالي عن عبد الله الثمالي عن القاسم بن بخيت قال لما أقبل وفد أهل الكوفة
برأس الحسين دخلوا مسجد دمشق فقال لهم مروان بن الحكم كيف صنعتم قالوا
355

ورد علينا منهم ثمانية عشر رجلا فأتينا والله على آخرهم وهذه الرؤوس والسبايا
فوثب مروان فانصرف وأتاهم أخوه يحيى بن الحكم فقال ما صنعتم فأعادوا عليه
الكلام فقال حجبتم عن محمد يوم القيامة لن أجامعكم على أمر أبدا ثم قام فانصرف
ودخلوا على يزيد فوضعوا الرأس بين يديه وحدثوه الحديث قال فسمعت دور
الحديث هند بنت عبد الله بن عامر بن كريز وكانت تحت يزيد بن معاوية فتقنعت
بثوبها وخرجت فقالت يا أمير المؤمنين أرأس الحسين بن فاطمة بنت رسول الله
قال نعم فاعولي عليه وحدي على ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وصريحة
قريش عجل عليه ابن زياد فقتله قتله الله ثم أذن للناس فدخلوا والرأس بين يديه
ومع يزيد قضيب فهو ينكت به في ثغره ثم قال إن هذا وإيانا كما قال الحصين
ابن الحمام المري
يفلقن هاما من رجال أحبة * إلينا وهم كانوا أعق وأظلما
قال فقال رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له أبو برزة
الأسلمي أتنكت بقضيبك في ثغر الحسين أما لقد أخذ قضيبك من ثغره مأخذا
لربما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرشفه أما إنك يا يزيد تجئ يوم القيامة
وابن زياد شفيعك ويجئ هذا يوم القيامة ومحمد صلى الله عليه وسلم شفيعه ثم قام
فولى قال هشام حدثني عوانة بن الحكم قال لما قتل عبيد الله بن زياد الحسين بن علي
وجئ برأسه إليه دعا عبد الملك بن أبي الحارث السلمي فقال انطلق حتى تقدم
المدينة على عمرو بن سعيد بن العاص فبشره بقتل الحسين وكان عمرو بن سعيد
ابن العاص أمير المدينة يومئذ قال فذهب ليعتل له فزجره وكان عبيد الله لا يصطلي
بنارة فقال انطلق حتى تأتى المدينة ولا يسبقك الخبر وأعطاه دنانير وقال لا تعتل
وإن قامت بك راحلتك فاشتر راحلة قال عبد الملك فقدمت المدينة فلقيني رجل
من قريش فقال ما الخبر فقلت الخبر عند الأمير فقال إنا لله وإنا إليه راجعون
قتل الحسين بن علي قال فدخلت على عمرو بن سعيد فقال ما وراءك فقلت ما سر
الأمير قتل الحسين بن علي فقال نادى بقتله فناديت بقتله فلم أسمع والله واعية قط
356

مثل واعية نساء بني هاشم في دورهن على الحسين فقال عمرو بن سعيد وضحك
عجت نساء بنى زياد عجة * كعجيج نسوتنا غداة الأرنب
والأرنب وقعة كانت لبنى زبيد على بنى زياد من بنى الحارث بن كعب من رهط
عبد المدان وهذا البيت لعمرو بن معد يكرب ثم قال عمرو هذه واعية بواعية عثمان
ابن عفان ثم صعد المنبر فأعلم الناس قتله (قال هشام) عن أبي مخنف عن سليمان
ابن أبي راشد عن عبد الرحمن بن عبيد أبى الكنود قال لما بلغ عبد الله بن جعفر
ابن أبي طالب مقتل ابنيه مع الحسين دخل عليه بعض مواليه والناس يعزونه قال
ولا أظن مولاه ذلك إلا أبا اللسلاس فقال هذا ما لقينا ودخل علينا من الحسين
قال فخذفه عبد الله بن جعفر بنعله ثم قال يا ابن اللخناء أللحسين تقول هذا والله
لو شهدته لأحببت أنا لا أفارقه حتى أقتل معه والله إنما لمما يسخي بنفسي عنهما
ويهون على المصاب بهما إنهما أصيبا مع أخي وابن عمى مواسيين له صابرين معه
ثم أقبل على جلسائه فقال الحمد لله عز وجل على بمصرع الحسين أن لا يكن آست
حسينا يدي فقد آساه ولدى قال ولما أتى أهل المدينة مقتل الحسين خرجت ابنة
عقيل بن أبي طالب ومعها نساؤها وهى حاسرة تلوى بثوبها وهى تقول
ماذا تقولون إن قال النبي لكم * ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم
بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي * منهم أسارى ومنهم ضرجوا بدم
(قال هشام) عن عوانة قال قال عبيد الله بن زياد لعمر بن سعد بعد قتله الحسين
يا عمر أين الكتاب الذي كتبت به إليك في قتل الحسين قال مضيت لأمرك
وضاع الكتاب قال لتجيئن به قال ضاع قال والله لتجيئني به قال ترك والله
يقرأ على عجائز قريش اعتذارا إليهن بالمدينة أما والله لقد نصحتك في حسين
نصيحة لو نصحتها أبى سعد بن أبي وقاص كنت قد أديت حقه قال عثمان
ابن زياد أخو عبيد الله صدق والله لوددت أنه ليس من بنى زياد رجل الا
وفى أنفه خزامة إلى يوم القيامة وأن حسينا لم يقتل قال فوالله ما أنكر ذلك
عليه عبيد الله (قال هشام) حدثني بعض أصحابنا عن عمرو بن أبي المقدام
357

قال حدثني عمرو بن عكرمة قال أصبحنا صبيحة قتل الحسين بالمدينة فإذا مولى
لنا يحدثنا قال سمعت البارحة مناديا ينادى وهو يقول
أيها القائلون جهلا حسينا * أبشروا بالعذاب والتنكيل
كل أهل السماء يدعو عليكم * من نبي وملك وقبيل
قد لعنتم على لسان ابن داو * د وموسى وحامل الإنجيل
(قال هشام) حدثني عمر بن حيزوم الكلبي عن أبيه قال سمعت هذا الصوت
ذكر أسماء من قتل من بني هاشم مع الحسين عليه السلام
وعدد من قتل من كل قبيلة من القبائل التي قاتلته
(قال هشام) قال أبو مخنف ولما قتل الحسين بن علي عليه السلام جئ
برؤوس من قتله معه من أهل بيته وشيعته وأنصاره إلى عبيد الله بن زياد فجاءت
كندة بثلاثة عشر رأسا وصاحبهم قيس بن الأشعث وجاءت هوازن بعشرين
رأسا وصاحبهم شمر بن ذي الجوشن وجاءت تميم بسبعة عشر رأسا وجاءت
بنو أسد بستة أرؤس وجاءت مذحج بسبعة أرؤس وجاء سائر الجيش بسبعة
أرؤس فذلك سبعون رأسا قال وقتل الحسين وأمه فاطمة بنت رسول الله
صلى الله عليه وسلم قتله سنان بن أنس النخعي ثم الأصبحي وجاء برأسه خولي
ابن يزيد وقتل العباس بن علي بن أبي طالب وأمه أم البنين ابنة حزام بن خالد
ابن ربيعة بن الوحيد قتله زيد بن رقاد رقاد الجنبي وحكيم بن الطفيل السنسي
وقتل جعفر بن علي بن أبي طالب وامه أم البنين أيضا وقتل عبد الله بن علي بن أبي
طالب وأمه أم البنين أيضا وقتل عثمان بن علي بن أبي طالب وأمه أم البنين
أيضا رماه خولي بن يزيد بسهم فقتله وقتل محمد بن علي بن أبي طالب وأمه أم ولد
قتله رجل منى بنى أبان بن دارم وقتل أبو بكر بن علي بن أبي طالب وأمه ليلى
ابنة مسعود بن خالد بن مالك بن ربعي بن سلمى بن جندل بن نهشل بن دارم وقد
شك في قتله وقتل علي بن الحسين بن علي وأمه ليلى ابنة أبى مرة بن عروة بن
مسعود بن معتب الثقفي وأمها ميمونة ابنة أبي سفيان بن حرب قتله مرة بن منقذ
358

ابن النعمان العبدي وقتل عبد الله بن الحسين بن علي وأمه الرباب ابنة امرئ القيس
ابن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم من كلب قتله هانئ بن
ثبيت الحضرمي واستصغر علي بن الحسين بن علي فلم يقتل وقتل أبو بكر بن الحسن
ابن علي بن أبي طالب وأمه أم ولد قتله عبد الله بن عقبة الغنوي وقتل عبد الله
ابن الحسن ن علي بن أبي طالب وأمه أم ولد قتله حرملة بن الكاهن رماه بسهم
وقتل القاسم ابن الحسن بن علي وأمه أم ولد قتله سعد بن عمرو بن نفيل الأزدي
وقتل عون بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وأمه جمانة ابنة المسيب بن نجبة بن
ربيعة بن رياح من بنى فزارة قتله عبد الله بن قطبة الطائي ثم النبهاني وقتل محمد
ابن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب أمه الخوصاء ابنة خصفة بن ثقيف بن ربيعة
ابن عائذ بن الحارث بن تيم الله بن ثعلبة من بكر بن وائل قتله عامر بن نهشل التيمي
وقتل جعفر بن عقيل بن أبي طالب وأمه أم البنين ابنة الشقر بن الهضاب قتله
بشر بن حوط الهمداني وقتل عبد الرحمن بن عقيل وأمه أم ولد قتله عثمان بن
خالد بن أسير الجهني وقتل عبد الله بن عقيل بن أبي طالب وأمه أم ولد رماه عمرو
ابن صبيح الصدائي فقتله مسلم بن عقيل بن أبي طالب وأمه أم ولد ولد
بالكوفة وقتل عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب وأمه رقية ابنة علي بن أبي
طالب وأمها أم ولد قتله عمرو بن صبيح الصدائي وقيل قتله أسيد بن مالك
الحضرمي وقتل محمد بن أبي سعيد بن عقيل وأمه أم ولد قتله لقيط بن ياسر الجهني
واستصغر الحسن بن الحسن بن علي وأمه خولة ابنة منظور بن زيان بن سيار
الفزاري واستصغر عمرو بن الحسن بن علي فترك فلم يقتل وأمه أم ولد وقتل من
الموالى سليمان مولى الحسين بن علي قتله سليمان بن عوف الحضرمي وقتل منجح
مولى الحسين بن علي وقتل عبد الله بن بقطر رضيع الحسين بن علي (قال أبو مخنف)
حدثني عبد الرحمن بن جندب الأزدي أن عبيد الله بن زياد بعد قتل الحسين تفقد
أشراف أهل الكوفة فلم ير عبيد الله بن الحر ثم جاءه بعد أيام حتى دخل عليه
فقال أين كنت يا ابن الحر قال كنت مريضا قال مريض القلب أو مريض البدن
359

قال أما قلبي فلم يمرض وأما بدني فقد من الله على بالعافية فقال له ابن زياد كذبت
ولكنك كنت مع عدونا قال لو كنت مع عدوك لرئ مكاني وما كان مثل مكاني
يخفى قال وغفل عنه ابن زياد غفلة فخرج ابن الحر فقعد على فرسه فقال ابن زياد
أين ابن الحر قالوا خرج الساعة قال على به فأحضرت الشرط فقالوا له أجب
الأمير فدفع فرسه ثم قال أبلغوه أنى لا آتيه والله طائعا أبدا ثم خرج حتى أتى
منزل أحمر بن زياد الطائي فاجتمع إليه في منزله أصحابه ثم خرج حتى أتى كربلاء فنظر
إلى مصارع القوم فاستغفر لهم هو وأصحابه ثم مضى حتى نزل المدائن وقال في ذلك
يقول أمير غادر حق غادر * ألا كنت قاتلت الشهيد ابن فاطمة
فيا ندمي أن لا أكون نصرته * ألا كل نفس لا تسدد نادمه
وإني لانى لم أكن من حماته * لذو حسرة ما إن تفارق لازمه
سقى الله أرواح الذين تأزروا * على نصره سقيا من الغيث دائمه
وقفت على أجداثهم ومجالهم * فكاد الحشي ينفض والعين ساجمه
لعمري لقد كانوا مصاليت في الوغى * سراعا إلى الهيجا حماة خضارمه
تأسوا على نصر ابن بنت نبيهم * بأسيافهم آساد غيل ضراغمه
فإن يقتلوا فكل نفس تقية * على الأرض قد أضحت لذلك واجمه
وما إن رأى الراؤن أفضل منهم * لدى الموت سادات وزهرا قماقمه
أتقتلهم ظلما وترجو ودادنا * فدع خطة ليست لنا بملائمه
لعمري لقد راغمتمونا بقتلهم * فكم ناقم منا عليكم وناقمه
أهم مرارا أن أسير بجحفل * إلى فئة زاغت عن الحق ظالمه
فكفوا وإلا ذدتكم في كتائب * أشد عليكم من زحوف الديالمه
(وفى هذه السنة) قتل أبو بلال مرداس بن عمرو بن حدير من ربيعة بن حنظلة
ذكر سبب مقتله
قال أبو جعفر الطيري قد تقدم ذكر سبب خروجه وما كان من توجيه
عبيد الله بن زياد إليه أسلم بن زرعة الكلابي في ألفى رجل والتقائهم بآسك
360

وهزيمة أسلم وجيشه منه ومن أصحابه فيما مضى من كتابنا هذا ولما هزم مرداس
أبو بلال أسلم ابن زرعة وبلغ ذلك عبيد الله بن زياد سرح إليه فيما حدثت عن
هشام بن محمد عن أبي مخنف قال حدثني أبو المخارق الراسبي ثلاثة آلاف عليهم
عباد بن الأخضر التميمي فأتبعه عباد يطلبه حتى لحقه بتوج فصف له فحمل عليهم
أبو بلال وأصحابه فثبتوا وتعطف الناس عليهم فلم يكونوا شيئا وقال أبو بلال
لأصحابه من كان منكم إنما خرج للدنيا فليذهب ومن كان منكم إنما أراد الآخرة
ولقاء ربه فقد سبق ذلك إليه وقرأ من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه
ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وماله في الآخرة من نصيب فنزل ونزل
أصحابه معه لم يفارقه منهم إنسان فقتلوا من عند آخرهم ورجع عباد بن الأخضر
وذلك الجيش الذي كان معه إلى البصرة وأقبل عبيدة بن هلال معه ثلاثة نفر
هو رابعهم فرصد عباد بن الأخضر فأقبل يريد قصر الامارة وهو مردف ابنا
له غلاما صغيرا فقالوا يا عبد الله قف حتى نستفتيك فوقف فقالوا نحن إخوة
أربعة قتل أخونا فما ترى قال استعدوا الأمير قالوا قد استعديناه فلم يعدنا قال
فاقتلوه قتله الله فوثبوا عليه فحكموا وألقى ابنه فقتلوه (وفى هذه السنة) ولى
يزيد بن معاوية سلم بن زياد سجستان وخراسان
ذكر سبب توليته إياه
* حدثني عمر قال حدثني علي بن محمد قال حدثنا مسلمة بن محارب بن سلم
ابن زياد قال وفد سلم بن زياد على يزيد بن معاوية وهو ابن أربع وعشرين سنة
فقال له يزيد يا أبا حرب أوليك عمل أخويك عبد الرحمن وعباد فقال ما أحب
أمير المؤمنين فولاه خراسان وسجستان فوجه سلم الحارث بن معاوية الحارثي جد
عيسى بن شبيب من الشأم إلى خراسان وقد سلم البصرة فتجهز وسار إلى خراسان
فأخذ الحارث بن قيس بن الهيثم السلمي فحبسه وضرب ابنه شبيبا وأقامه في سراويل
ووجه أخاه يزيد بن زياد إلى سجستان فكتب عبيد الله بن زياد إلى عباد أخيه وكان
له صديقا يخبره بولاية سلم فقسم عباد ما في بيت المال في عبيده وفضل فضل فنادى
361

مناديه من أراد سلفا فليأخذ فأسلف كل من أتاه وخرج عباد عن سجستان فلما
كان بجيرفت بلغه مكان سلم وكان بينهما جبل فعدل عنه فذهب لعباد تلك الليلة ألف
مملوك أقل ما مع أحدهم عشرة آلاف قال فأخذ عباد على فارس ثم قدم على يزيد
فقال له يزيد أين المال قال كنت صاحب ثغر فقسمت ما أصبت بين الناس قال ولما
شخص سلم إلى خراسان شخص معه عمران بن الفصيل البرجمي وعبد الله بن خازم
السلمي وطلحة بن عبد الله بن خلف الخزاعي والمهلب بن أبي صفرة وحنظلة بن
عرادة وأبو حزابة الوليد بن نهيك أحد بنى ربيعة بن حنظلة ويحيى بن يعمر
العدواني حليف هذيل وخلق كثير من فرسان البصرة وأشرافهم فقدم سلم بن
زياد بكتاب يزيد بن معاوية إلى عبيد الله بن زياد بنخبة ألفى رجل ينتخبهم وقال
غيره بل نخبة ستة آلاف قال فكان سلم ينتخب الوجوه والفرسان ورغب قوم
في الجهاد فطلبوا إليه أن يخرجهم فكان أول من أخرجه سلم حنظلة بن عرادة فقال
له عبيد الله بن زياد دعه لي قال هو بيني وبينك فان اختارك فهو لك وإن اختارني
فهو لي قال فاختار سلمان وكان الناس يكلمون سلما ويطلبون إليه أن يكتبهم معه
وكان صلة بن أشيم العدوي يأتي الديوان فيقول له الكاتب يا أبا الصهباء ألا
أثبت اسمك فإنه وجه فيه جهاد وفضيل فيقول له أستخير الله وأنظر فلم يزل يدافع
حتى فرغ من أمر الناس فقالت له امرأته معاذة ابنة عبد الله العدوية ألا تكتب
نفسك قال حتى أنظر ثم صلى واستخار الله قال فرأى في منامه آتيا أتاه فقال له اخرج
فإنك تربح وتفلح وتنجح فأتى الكاتب فقال له أثبتني قال قد فرغنا ولن أدعك
فأثبته وابنه فخرج سلم فصيره سلم مع يزيد بن زياد فسار إلى سجستان * قال وخرج
سلم وأخرج معه أم محمد ابنة عبد الله بن عثمان بن أبي العاص الثقفي وهى أول
امرأة من العرب قطع بها النهر قال وذكر مسلمة بن محارب وأبو حفص الأزدي
عن عثمان بن حفص الكرماني أن عمال خراسان كانوا يغزون فإذا دخل الشتاء
قفلوا من مغازيهم إلى مرو الشاهجان فإذا انصرف المسلمون اجتمع ملوك
خراسان في مدينة من مدائن خراسان مما يلي خارزم فيتعاقدون أن لا يغزو
362

بعضهم بعضا ولا يهيج أحد أحدا ويتشاورون في أمورهم فكان المسلمون يطلبون
إلى أمرائهم في غزو تلك المدينة فيأبون عليهم فلما قدم سلم خراسان غزا فشبا في
بعض مغازيه قال فألح عليه المهلب وسأله أن يوجهه إلى تلك المدينة فوجهه في ستة
آلاف ويقال أربعة آلاف فحاصرهم فسألهم أن يذعنوا له بالطاعة فطلبوا إليه
أن يصالحهم على أن يفدوا أنفسهم فأجابهم إلى ذلك فصالحوه على نيف وعشرين
ألف ألف قال وكان في صلحهم أن يأخذ منهم عروضا فكان يأخذ الرأس بنصف
ثمنه والدابة بنصف ثمنها والكميخت بنصف ثمنه فبلغت قيمة ما أخذ منهم خمسين
ألف ألف فحظى بها المهلب عند سلم واصطفى سلم من ذلك ما أعجبه وبعث به إلى
يزيد مع مرزبان مرو وأوفد في ذلك وفدا * قال مسلمة وإسحاق بن أيوب غزا
سلم سمرقند بامرأته أم محمد ابنة عبد الله فولدت لسلم ابنا فسماه صغدى * قال على
ابن محمد ذكر الحسن بن رشيد الجوزجاني عن شيخ من خزاعة عن أبيه عن جده
قال غزوت مع سلم بن زياد خوارزم فصالحوه على مال كثير ثم عبر إلى سمرقند
فصالحه أهلها وكانت معه امرأته أم محمد فولدت له في غزاته تلك ابنا وأرسلت
إلى امرأة صاحب الصغد تستعير منها حليا فبعثت إليها بتاجها وقفلوا فذهبت
بالتاج (وفى هذه السنة) عزل يزيد عمرو بن سعيد عن المدينة وولاها الوليد بن
عتبة حدثني بذلك أحمد بن ثابت عمن حدثه عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر
قال نزع يزيد بن معاوية عمرو بن سعيد لهلال ذي الحجة وأمر الوليد بن عتبة على
المدينة فحج بالناس حجتين سنة 61 وسنة 62 وكان عامل يزيد بن معاوية في هذه
السنة على البصرة والكوفة عبيد الله بن زياد وعلى المدينة في آخرها الوليد بن
عتبة وعلى خراسان وسجستان سلم بن زياد وعلى قضاء البصرة هشام بن هبيرة
وعلى قضاء الكوفة شريح (وفيها) أظهر ابن الزبير الخلاف على يزيد وخلعه
(وفيها) بويع له
ذكر سبب عزل يزيد عمرو بن سعيد عن المدينة وتوليته عليها الوليد بن عتبة
وكان السبب في ذلك وسبب إظهار عبد الله بن الزبير الدعاء إلى نفسه فيما ذكر
363

هشام عن أبي مخنف عن عبد الملك بن نوفل قال حدثني أبي قال لما قتل الحسين
عليه السلام قام ابن الزبير في أهل مكة وعظم مقتله وعاب على أهل الكوفة خاصة
ولام أهل العراق عامة فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه وصلى على محمد صلى الله عليه
وسلم أن أهل العراق غدر فجر إلا قليلا وإن أهل الكوفة شرار أهل العراق
وأنهم دعوا حسينا لينصروه ويولوه عليهم فلما قدم عليهم ثاروا إليه فقالوا له
إما أن تضع يدك في أيدينا فنبعث بك إلى ابن زياد بن سمية سلما فيمضى فيك
حكمه وإما أن تحارب فرأى والله إنه هو وأصحابه قليل في كثير وإن كان الله عز
وجل لم يطلع على الغيب أحدا أنه مقتول ولكنه اختار الميتة الكريمة على الحياة
الذميمة فرحم الله حسينا وأخزى قاتل حسين لعمري لقد كان من خلافهم إياه
وعصيانهم ما كان في مثله واعظ وناه عنهم ولكنه ما حم نازل وإذا أراد الله
أمرا لن يدفع أفبعد الحسين نطمئن إلى هؤلاء القوم ونصدق قولهم ونقبل لهم
عهدا لا ولا نراهم لذلك أهلا أما والله لقد قتلوه طويلا بالليل قيامه كثيرا في النهار
صيامه أحق بما هم فيه منهم وأولى به في الدين والفضل أما والله ما كان يبدل
بالقران الغناء ولا بالبكاء من خشية الله الحداء ولا بالصيام شرب الحرام
ولا بالمجالس في حلق الذكر الركض في تطلاب الصيد يعرض بيزيد فسوف يلقون
غيا فثار إليه أصحابه فقالوا له أيها الرجل أظهر بيعتك فإنه لم يبق أحدا ذهلك حسين
ينازعك هذا الامر وقد كان يبايع الناس سرا ويظهر أنه عائذ بالبيت فقال لهم
لا تعجلوا وعمرو بن سعيد بن العاص يومئذ عامل مكة وقد كان أشد شئ عليه
وعلى أصحابه وكان مع شدته عليهم يدارى ويرفق فلما استقر عند يزيد بن معاوية
ما قد جمع ابن الزبير من الجموع بمكة أعطى الله عهدا ليوثقنه في سلسلة فبعث
بسلسلة من فضة فمر بها البريد على مروان بن الحكم بالمدينة فأخبر خبر ما قدم له
وبالسلسلة التي معه فقال مروان:
خذها فليست للعزيز بخطة * وفيها مقال لأمري متضعف
ثم مضى من عنده حتى قدم على ابن الزبير فأتى ابن الزبير فأخبره بممر البريد
364

على مروان وتمثل مروان بهذا البيت فقال ابن الزبير لا والله لا أكون أنا ذلك
المتضعف ورد ذلك البريد ردا رقيقا وعلا أمر ابن الزبير بمكة وكاتبه أهل المدينة
وقال الناس أما أذهلك الحسين عليه السلام فليس أحد ينازع ابن الزبير *
حدثنا نوح بن حبيب القومسي قال حدثنا هشام بن يوسف وحدثنا عبيد الله بن
عبد الكريم قال حدثنا عبد الله بن جعفر المديني قال حدثنا هشام بن يوسف
واللفظ لحديث عبيد الله قال أخبرني عبد الله بن مصعب قال أخبرني موسى بن عقبة
عن ابن شهاب قال أخبرني عبد العزيز بن مروان قال لما بعث يزيد بن معاوية
ابن عضاه الأشعري ومسعدة وأصحابهما إلى عبد الله بن الزبير بمكة ليؤتى به في
جامعة لتبر يمين يزيد بعث معهم بجامعة من ورق وبرنس خز فأرسلني أبى وأخي
معهم وقال إذا بلغته رسل يزيد الرسالة فتعرضا له ثم ليتمثل أحدكما:
فخذها فليست للعزيز بخطة * وفيها مقال لامرئ متذلل
أعامر إن القوم ساموك خطة * وذلك في الجيران غزل بمغزل
أراك إذا ما كنت للقوم ناصحا * يقال له بالدلو أدبر وأقبل
قال فلما بلغته الرسل الرسالة تعرضنا فقال لي أخي اكفنيها فسمعني فقال أي
ابني مروان قد سمعت ما قلتما وعلمت ما ستقولانه فأخبرا أباكما:
إني لمن نبعة صم مكاسرها * إذا تناوحت القصباء والعشر
فلا ألين لغير الحق أسأله * حتى يلين لضرس الماضغ الحجر
قال فما أردى أيهما كان أعجب زاد عبد الله في حديثه عن أبي على قال فذاكرت
بهذا الحديث مصعب بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير فقال
قد سمعته من أبى على نحو الذي ذكرت له ولم أحفظ إسناده قال هشام عن خالد
ابن سعيد عن أبيه سعيد بن عمرو بن سعيد أن عمرو بن سعيد لما رأى الناس
قد أشرأبوا إلى ابن الزبير ومدوا إليه أعناقهم ظن أن تلك الأمور تامة له
فبعث إلى عبد الله بن عمرو بن العاص وكانت له صحبة وكان مع أبيه بمصر وكان
قد قرأ كتب دنيال هنالك وكانت قريش إذ ذاك تعده عالما فقال له عمرو بن
365

سعيد أخبرني عن هذا الرجل أترى ما يطلب تاما له وأخبرني عن صاحبي إلى
ما ترى أمره صائرا إليه فقال لا أرى صاحبك إلا أحد الملوك الذين تتم لهم أمورهم
حتى يموتوا وهم ملوك فلم يزدد عند ذاك إلا شدة على الزبير وأصحابه مع الرفق بهم
والمداراة لهم ثم إن الوليد بن عقبة وناسا معه من بنى أمية قالوا ليزيد بن معاوية
لو شاء عمرو بن سعيد لاخذ ابن الزبير وبعث به إليك فسرح الوليد بن عتبة
على الحجاز أميرا وعزل عمرا وكان عزل يزيد عمرا عن الحجاز وتأميره عليه
الوليد بن عتبة في هذه السنة أعنى سنة 61 (قال أبو جعفر) حدثت عن محمد بن
عمر قال نزع يزيد عمرو بن سعيد بن العاص لهلال ذي الحجة سنة 61 وولى الوليد
ابن عتبة فأقام الحجة سن ة 61 بالناس وأعاد ابن ربيعة العامري على قضائه *
وحدثني أحمد بن ثابت قال حدثت عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر قال حج
بالناس في سنة 61 الوليد بن عتبة وهذا مما لا اختلاف فيه بين أهل السير وكان
الوالي في هذه السنة على الكوفة والبصرة عبد الله بن زياد وعلى قضاء الكوفة
شريح وعلى قضاء البصرة هشام بن هبيرة وعلى خراسان سلم بن زياد
ثم دخلت سنة اثنتين وستين
ذكر الخبر عما كان في هذه السنة من الاحداث
فمن ذلك مقدم وفد أهل المدينة على يزيد بن معاوية
ذكر الخبر عن سبب مقدمهم عليه
وكان السبب في ذلك فيما ذكر لوط بن يحيى عن عبد الملك بن نوفل بن مساحق
عن عبد الله بن عروة أن يزيد بن معاوية لما سرح الوليد بن عتبة على الحجاز أميرا
وعزل عمرو بن سعيد قدم الوليد المدينة فأخذ غلمانا كثيرا لعمرو وموالي له فحبسهم
فكلمه فيهم عمرو فأبى أن يخليهم وقال له لا تجزع يا عمرو فقال أخوه أبان بن سعيد
ابن العاص أعمرو يجزع والله لو قبضتم على الجمر وقبض عليه ما تركه حتى تتركوه
وخرج عمرو سائرا حتى نزل من المدينة على ليلتين وكتب إلى غلمانه ومواليه وهم
366

نحو من ثلثمائة رجل إني باعث إلى كل رجل منكم جملا وحقيبة وأداته وتناخ لكم
الإبل في السوق فإذا أتاكم رسولي فاكسروا باب السجن ثم ليقم كل رجل منكم
إلى جمله فليركبه ثم أقبلوا على حتى تأتوني فجاء رسوله حتى اشترى الإبل ثم جهزها
بما ينبغي لها ثم أناخها في السوق ثم أتاهم حتى أعلمهم ذلك فكسروا باب السجن
ثم خرجوا إلى الإبل فاستووا عليها ثم أقبلوا حتى انتهوا إلى عمرو بن سعيد فوجدوه
حين قدم على يزيد بن معاوية فلما دخل عليه رحب به وأدنى مجلسه ثم أنه عاتبه في
تقصيره في أشياء كان يأمره بها في ابن الزبير فلا ينفذ منها إلا ما أراد فقال يا أمير المؤمنين
الشاهد يرى ما لا يرى الغائب وأن جل أهل مكة وأهل المدينة قد كانوا مالوا إليه
وهووه وأعطوه الرضا ودعا بعضهم بعضا سرا ومن لانية ولم يكن معي جند أقوى
بهم عليه لو ناهضته وقد كان يحذرني ويتحرز منى وكنت أرفق به وأداريه لاستمكر
منه فأثب عليه مع أنى قد ضيقت عليه ومنعته من أشياء كثيرة لو تركته وإياها ما كانت له
إلا معونة وجعلت على مكة وطرقها وشعابها رجالا لا يدعون أحدا يدخلها حتى
يكتبوا إلى باسمه واسم أبيه ومن أي بلاد الله هو وما جاء به وما يريد فإن كان من
أصحابه أو ممن أرى أنه يريده رددته صاغرا وإن كان ممن لا أتهم خليت سبيله وقد
بعثت الوليد وسيأتيك من عمله وأثره ما لعلك تعرف به فضل مبالغتي في أمرك
ومناصحتي لك إن شاء الله والله يصنع لك ويكبت عدوك يا أمير المؤمنين فقال له
يزيد أنت أصدق ممن رقى هذه الأشياء عنك وحملني بها عليك وأنت ممن أثق به وأرجو
معونته وأدخره لرأب الصدع وكفاية المهم وكشف نوازل الأمور العظام فقال له
عمرو وما أرى يا أمير المؤمنين أن أحدا أولى بالقيام بتشديد سلطانك وتوهين
عدوك والشدة على من نابذك منى وأقام الوليد بن عتبة يريد ابن الزبير فلا يجده إلا
متحذرا متمنعا وثار نجدة بن عامر الحنفي باليمامة حين قتل الحسين وثار ابن الزبير
فكان الوليد يفيض من المعرف وتفيض معه عامة الناس وابن الزبير واقف
وأصحابه ونجدة واقف في أصحابه ثم يفيض ابن الزبير بأصحابه ونجدة بأصحابه لا يفيض
واحد منهم بإفاضة صاحبه وكان نجدة يلقى ابن الزبير فيكثر حتى ظن الناس أنه
367

سيبايعه ثم إن ابن الزبير عمل بالمكر في أمر الوليد بن عتبة فكتب إلى يزيد بن معاوية
إنك بعثت إلينا رجلا أخرق لا يتجه لأمر رشد ولا يرعوي لعظة الحكيم ولو بعثت
إلينا رجلا سهل الخلق لين الكتف رجوت أن يسهل من الأمور ما استوعر منها
وأن يجتمع ما تفرق فانظر في ذلك فإن فيه صلاح خواصنا وعوامنا إن شاء الله
والسلام فبعث يزيد بن معاوية إلى الوليد فعزله وبعث عثمان بن محمد بن أبي سفيان
فيما ذكر أبو مخنف عن عبد الملك بن نوفل بن مساحق عن حميد بن حمزة مولى لبنى أمية
قال فقدم فتى غر حدث غمر لم يجرب الأمور ولم يحنكه السن ولم تضرسه
التجارب وكان لا يكاد ينظر في شئ من سلطانه ولا عمله وبعث إلى يزيد وفدا
من أهل المدينة فيهم عبد الله بن حنظلة الغسيل الأنصاري وعبد الله بن أبي عمرو
ابن حفص بن المغيرة المخزومي والمنذر بن الزبير ورجالا كثيرا من أشراف أهل
المدينة فقدموا على يزيد بن معاوية فأكرمهم وأحسن إليهم وأعظم جوائزهم ثم
انصرفوا من عنده وقدموا المدينة كلهم إلا المنذر بن الزبير فإنه قدم على عبيد الله
ابن زياد بالبصرة وكان يزيد قد أجازه بمائة ألف درهم فلما قدم أولئك النفر الوفد
المدينة قاموا فيهم فأظهروا شتم يزيد وعتبه وقالوا إنا قدمنا من عند رجل ليس له
دين يشرب الخمر ويعزف بالطنابير ويضرب عنده القيان ويلعب بالكلاب ويسامر
الخراب والفتيان وإنا نشهدكم إنا قد خلعناه فتابعهم الناس (قال لوط) بن يحيى
فحدثني عبد الملك بن نوفل بن مساحق أن الناس أتوا عبد الله بن حنظلة الغسيل فبايعوه
وولوه عليهم قال لوط وحدثني أيضا محمد بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عوف
ورجع المنذر من عند يزيد بن معاوية فقدم على عبيد الله بن زياد البصرة فأكرمه
وأحسن ضيافته وكان لزياد صديقا إذ سقط إليه كتاب من يزيد بن معاوية حيث
بلغه أمر أصحابه بالمدينة أن أوثق منذر بن الزبير واحبسه عندك حتى يأتيك فيه
أمري فكره ذلك عبيد الله بن زياد لأنه ضيفه فدعاه فأخبره بالكتاب وأقرأه
إياه وقال له إنك كنت لزياد ودا وقد أصبحت لي ضيفا وقد آتيت إليك معروفا
فأنا أحب أن أسدى ذلك كله بإحسان فإذا اجتمع الناس عندي فقم فقل ائذن لي
368

فلأنصرف إلى بلادي فإذا قلت لا بل أقم عندي فإن لك الكرامة والمواساة والأثرة
فقل لي ضيعة وشغل لا أجد من الانصراف بدا فأذن لي فإني آذن لك عند ذلك
فالحق بأهلك فلما اجتمع الناس عند عبيد الله قام إليه فاستأذنه فقال لا بل أقم عندي
فإني مكرمك ومواسيك ومؤثرك فقال له إن لي ضيعة وشغلا ولا أجد من الانصراف
بدا فأذن لي فأذن له فانطلق حتى لحق بالحجاز فأتى أهل المدينة فكان فيمن يحرض
الناس على يزيد وكان من قوله يومئذ إن يزيد والله لقد أجازني بمائة ألف درهم
وإنه لا يمنعني ما صنع إلى أن أخبركم خبره وأصدقكم عنه والله إنه ليشرب الخمر وإنه
ليسكر حتى يدع الصلاة وعابه بمثل ما عابه به أصحابه الذين كانوا معه وأشد فكان
سعيد بن عمرو يحدث بالكوفة أن يزيد بن معاوية بلغه قوله فيه فقال اللهم إني
آثرته وأكرمته ففعل ما قد رأيت فاذكره بالكذب والقطيعة (قال أبو مخنف)
فحدثني سعيد بن زيد أبو المثلم أن يزيد بن معاوية بعث النعمان بن بشير الأنصاري
فقال له آت الناس وقومك فافثأهم عما يريدون فإنهم إن لم ينهضوا في هذا الامر لم
يجترئ الناس على خلافي وبها من عشيرتي من لا أحب أن ينهض في هذه الفتنة فيهلك
فأقبل النعمان بن بشير فأتى قومه ودعا الناس إليه عامة وأمرهم بالطاعة ولزوم
الجماعة وخوفهم الفتنة وقال لهم إنه لا طاقة لكم بأهل الشأم فقال عبد الله
ابن مطيع العدوي ما يحملك يا نعمان على تفريق جماعتنا وفساد ما أصلح الله من
أمرنا فقال النعمان أما والله لكأني بك لو قد نزلت تلك التي تدعو إليها وقامت
الرجال على الركب تضرب مفارق القوم وجباههم بالسيوف ودارت رحا الموت
بين الفريقين قد هربت على بغلتك تضرب جنبيها إلى مكة وقد خلفت هؤلاء
المساكين يعنى الأنصار يقتلون في سككهم ومساجدهم وعلى أبواب دورهم فعصاه
الناس فانصرف وكان والله كما قال وحج بالناس في هذه السنة الوليد بن عتبة وكانت
العمال في هذه السنة على العراق وخراسان العمال الذين ذكرت في سنة 61 وفى
هذه السنة ولد فيما ذكر محمد بن عبد الله بن العباس
369

ثم دخلت سنة ثلاث وستين
ذكر الخبر عن الاحداث التي كانت فيها
فمن ذلك ما كان من إخراج أهل المدينة عامل يزيد بن معاوية عثمان بن محمد
ابن أبي سفيان من المدينة وإظهارهم خلع يزيد بن معاوية وحصارهم من كان بها من
بنى أمية ذكر هشام بن محمد عن أبي مخنف عن عبد الملك بن نوفل بن مساحق عن
حبيب بن كرة أن أهل المدينة لما بايعوا عبد الله بن حنظلة الغسيل على خلع يزيد
ابن معاوية وثبوا على عثمان بن محمد بن أبي سفيان ومن بالمدينة من بنى أمية
ومواليهم ومن رأى رأيهم من قريش فكانوا نحوا من ألف رجل فخرجوا بجماعتهم
حتى نزلوا دار مروان بن الحكم فحاصرهم الناس فيها حصارا ضعيفا قال فدعت
بنو أمية حبيب بن كرة وكان الذي بعث إليه منهم مروان بن الحكم وعمرو بن عثمان
ابن عفان وكان مروان هو يدبر أمرهم فأما عثمان بن محمد بن أبي سفيان فإنما
كان غلاما حدثا لم يكن له رأى قال عبد الملك بن نوفل فحدثني حبيب بن كرة قال
كنت مع مروان فكتب معي هو وجماعة من بنى أمية كتابا إلى يزيد بن معاوية
فأخذ الكتاب عبد الملك بن مروان حتى خرج معي إلى ثنية الوداع فدفع إلى الكتاب
وقال قد أجلتك اثنتي عشرة ليلة ذاهبا واثنتي عشر ليلة مقبلا فوافني لأربع وعشرين
ليلة في هذا المكان تجدني إن شاء الله في هذه الساعة جالسا أنتظرك وكان الكتاب
(بسم الله الرحمن الرحيم) أما بعد فإنه قد حصرنا في دار مروان بن الحكم
ومنعنا العذاب ورمينا بالحبوب فيا غوثاه يا غوثاه قال فأخذت الكتاب ومضيت
به حتى قدمت على يزيد وهو جالس على كرسي واضع قدميه في ماء طست من
وجع كان يجده فيهما ويقال كان به النقرس فقرأه ثم قال فيما بلغنا متمثلا
لقد بدلوا الحلم الذي من سجيتي * فبدلت قومي غلظة بليان
ثم قال أما يكون بنو أمية ومواليهم ألف رجل بالمدينة قال قلت بلى والله
وأكثر قال فما استطاعوا أن يقاتلوا ساعة من نهار قال فقلت يا أمير المؤمنين أجمع
370

الناس كلهم عليهم فلم يكن لهم بجمع الناس طاقة فال فبعث إلى عمرو بن سعيد
فأقرأه الكتاب وأخبره الخبر وأمره أن يسير إليهم في الناس فقال له قد كنت
ضبطت لك البلاد وأحكمت لك الأمور فأما الآن إذ صارت إنما هي دماء قريش
تهراق بالصعيد فلا أحب أن أكون أنا أتولى ذلك يتولاها منهم من هو أبعد
منهم منى قال فبعثني بذلك الكتاب إلى مسلم بن عقبة المري وهو شيخ كبير ضعيف
مريض فدفعت إليه الكتاب فقرأه وسألني عن الخبر فأخبرته فقال لي مثل مقالة
يزيد أما يكون بنو أمية ومواليهم وأنصارهم بالمدينة ألف رجل قال قلت بلى
يكونون قال فما استطاعوا أن يقاتلوا ساعة من نهار ليس هؤلاء بأهل أن ينصروا
حتى يجهدوا أنفسهم في جهاد عدوهم وعز سلطانهم ثم جاء حتى دخل على يزيد
فقال يا أمير المؤمنين لا تنصر هؤلاء فإنهم الأذلاء أما استطاعوا أن يقاتلوا يوما
واحدا أو شطره أو ساعة منه دعهم يا أمير المؤمنين حتى يجهدوا أنفسهم في
جهاد عدوهم وعز سلطانهم ويستبين لك من يقاتل منهم على طاعتك ويصبر عليها
أو يستسلم قال ويحك إنه لا خير في العيش بعدهم فاخرج فأنبني نبأك وسر بالناس
فخرج مناديه فنادى أن سيروا إلى الحجاز على أخذ أعطياتكم كملا ومعونة مائة
دينار توضع في يد الرجل من ساعته فانتدب لذلك اثنا عشر ألف رجل
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا جرير عن مغيرة قال كتب يريد إلى ابن مرجانة أن
اغز ابن الزبير فقال لا أجمعهما للفاسق أبدا أقتل ابن بنت رسول الله صلى الله
عليه وسلم وأغزو البيت قال وكانت مرجانة امرأة صدق فقالت لعبيد الله حين
قتل الحسين عليه السلام ويلك ماذا صنعت وماذا ركبت (رجع الحديث إلى
حديث حبيب بن كرة) قال فأقبلت حتى أوافي عبد الملك بن مروان في ذلك
المكان في تلك الساعة أو بعيدها شيئا قال فوجدته جالسا متقنعا تحت شجرة فأخبرته
بالذي كان فسر به فانطلقنا حتى دخلنا دار مروان على جماعة بنى أمية فنبأتهم بالذي
قدمت به فحمدوا الله عز وجل قال عبد الملك بن نوفل حدثني حبيب أنه بلغه في
عشرة قال فلم أبرح حتى رأيت يزيد بن معاوية خرج إلى الخيل يتصفحها وينظر
371

إليها قال فسمعته وهو يقول وهو متقلد سيفا متنكب قوسا عربية
أبلغ أبا بكر إذا الليل سرى * وهبط القوم على وادى القرى
عشرون ألف بين كهل وفتى * أجمع سكران من القوم ترى
أم جمع يقظان نفى عنه الكرى * يا عجبا من ملحد يا عجبا
مخادع في الدين يقفو بالعرى
قال عبد الملك بن نوفل وفصل ذلك الجيش من عند يزيد وعليهم مسلم بن عقبة
وقال له إن حدث بك حدث فاستخلف على الجيش حصين بن نمير السكوني وقال
له ادع القوم ثلاثا فإن هم أجابوك وإلا فقاتلهم فإذا أظهرت عليهم فأبحها
ثلاثا فما فيها من مال أو رقة أو سلاح أو طعام فهو للجند فإذا مضت الثلاث فاكفف
عن الناس وانظر علي بن الحسين فاكفف عنه واستوص به خيرا وأدن مجلسه فإنه
لم يدخل في شئ مما دخلوا فيه وقد أتاني كتابه وعلى لا يعلم بشئ مما أوصى به يزيد
ابن معاوية مسلم بن عقبة وقد كان علي بن الحسين لما خرج بنو أمية نحو الشأم أوى
إليه ثقل مروان بن الحكم وامرأته عائشة بنت عثمان بن عفان وهى أم أبان بن
مروان وقد حدثت عن محمد بن سعد عن محمد بن عمر قال لما أخرج أهل المدينة عثمان
ابن محمد من المدينة كلم مروان بن الحكم بن عمر أن يغيب أهله عنده فأبى ابن عمر أن
يفعل وكلم علي بن الحسين وقال يا أبا الحسن إن لي رحما وحرمي تكون مع حرمك
فقال أفعل فبعث بحرمه إلى علي بن الحسين فخرج بحرمه وحرم مروان حتى وضعهم
ينبع وكان مروان شاكرا لعلي بن الحسين مع صداقة كانت بينهما قديمة (رجع
الحديث إلى حديث أبي مخنف) عن عبد الملك بن نوفل قال وأقبل مسلم بن عقبة
بالجيش حتى إذا بلغ أهل المدينة إقباله وثبوا على من معهم من بنى أمية فحصروهم
في دار مروان وقالوا والله لا نكف عنكم حتى نستنزلكم ونضرب أعناقكم أو
تعطونا عهد الله وميثاقه لا تبغونا غائلة ولا تدلوا لنا على عورة ولا تظاهروا علينا
عدوا فنكف عنكم ونخرجكم عنا فأعطوهم عهد الله وميثاقه لا نبغيكم غائلة ولا ندل
لكم على عورة فأخرجوهم من المدينة فخرجت بنو أمية بأثقالهم حتى لقوا مسلم بن
372

عقبة بوادي القرى وخرجت عائشة بنت عثمان بن عفان إلى الطائف فتمر بعلى
ابن حسين وهو بمال له إلى جنب المدينة قد اعتزلها كراهية أن يشهد شيئا من أمرهم
فقال لها احملي ابني عبد الله معك إلى الطائف فحملته إلى الطائف حتى نقضت أمور
أهل المدينة * ولما قدمت بنو أمية على مسلم بن عقبة بوادي القرى دعا بعمرو بن
عثمان بن عفان أول الناس فقال له أخبرني خبر ما وراءك وأشر على قال لا أستطيع
أن أخبرك أخذ علينا العهود والمواثيق ألا ندل على عورة ولا نظاهر عدوا فانتهره
ثم قال والله لولا أنك ابن عثمان لضربت عنقك وأيم الله لا أقيلها قرشيا بعدك
فخرج بما لقى من عنده إلى أصحابه فقال مروان بن الحكم لابنه عبد الملك ادخل قبلي
لعله يجتزئ بك عنى فدخل عليه عبد الملك فقال هات ما عندك أخبرني خبر الناس
وكيف ترى فقال له نعم أرى أن تسير بمن معك فتنكب هذا الطريق إلى المدينة
حتى إذا انتهيت إلى أدنى نخل بها نزلت فاستظل الناس في ظله وأكلوا من صقره
حتى إذا كان الليل اذكيت الحرس الليل كله عقبا بين أهل العسكر حتى إذا أصبحت
صليت بالناس الغداة ثم مضيت بهم وتركت المدينة ذات اليسار ثم أردت بالمدينة
حتى تأتيهم من قبل الحرة مشرقا ثم تستقبل القوم فإذا استقبلتهم وقد أشرقت عليهم
وطلعت الشمس طلعت بين أكتاف أصحابك فلا تؤذيهم وتقع في وجوههم فيوذيهم
حرها ويصيبهم أذاها ويرون ما دمتم مشرقين ائتلاف بيضكم وحرابكم وأسنة
رماحكم وسيوفكم ودروعكم وسواعدكم ما لا ترونه أنتم لشئ من سلاحهم ما داموا
مغربين ثم قاتلهم واستعن بالله عليهم فإن الله ناصرك إذ خالفوا الامام وخرجوا
من الجماعة فقال له مسلم لله أبوك أي امرئ ولد إذ ولدك لقد رأى بك خلفا ثم
إن مروان دخل عليه فقال له ايه قال أليس قد دخل عليك عبد الملك
قال بلى وأي رجل عبد ألما كلمت من رجال قريش رجلا به شبيها فقال
له مروان إذا لقيت عبد الملك فقد لقيتني قال أجل ثم ارتحل من مكانه ذلك
وارتحل الناس معه حتى نزل المنزل الذي أمره به عبد الملك فصنع فيه ما أمره به
ثم مضى في الحرة حتى نزلها فأتاهم من قبل المشرق ثم دعاهم مسلم بن عقبة فقال
373

يا أهل المدينة إن أمير المؤمنين يزيد بن معاوية يزعم أنكم الأصل وإني أكره هراقة
دمائكم وإني أؤجلكم ثلاثا فمن ارعوى وراجع الحق قبلنا منه وانصرفت عنكم وسرت
إلى هذا الملحد الذي بمكة وإن أبيتم كنا قد أعذرنا إليكم وذلك في ذي الحجة من
سنة 64 هكذا وجدته في كتابي وهو خطأ لان يزيد هلك في شهر ربيع الأول
سنة 64 وكانت وقعة الحرة في ذي الحجة من سنة 63 يوم الأربعاء لليلتين بقيتا منه
ولما مضت الأيام الثلاثة قال يا أهل المدينة قد مضت الأيام الثلاثة فما تصنعون
أتسالمون أم تحاربون فقالوا بل نحارب فقال لهم لا تفعلوا بل ادخلوا في الطاعة
ونجعل حدنا وشوكتنا على هذا الملحد الذي قد جمع إليه المراق والفساق من كل
أوب فقالوا لهم يا أعداء الله والله لو أردتم أن تجوزوا إليهم ما تركناكم حتى نقاتلكم
نحن ندعكم أن تأتوا بيت الله الحرام وتخيفوا أهله وتلحدوا فيه وتستحلوا حرمته؟ لا
والله لا نفعل وقد كان أهل المدينة اتخذوا خندقا في جانب المدينة ونزله جمع منهم عظيم
وكان عليهم عبد الرحمن بن زهير بن عبد عوف بن عم عبد الرحمن بن عوف الزهري
وكان عبد الله بن مطيع على ربع آخر في جانب المدينة وكان معقل بن سنان الأشجعي على
ربع آخر في جانب المدينة وكان أمير جماعتهم عبد الله بن حنظلة الغسيل الأنصاري في
أعظم تلك الأرباع وأكثره عددا (قال هشام) وأما عوانة بن الحكم الكلبي فذكر
أن عبد الله بن مطيع كان على قريش من أهل المدينة وعبد الله بن حنظلة الغسيل
على الأنصار ومعقل بن سنان على المهاجرين (قال هشام) عن أبي مخنف قال
عبد الملك بن نوفل وصمد مسلم بن عقبة بجميع من معه فأقبل من قبل الحرة حتى
ضرب فسطاطه على طريق الكوفة ثم وجه الخيل نحو ابن الغسيل فحمل ابن الغسيل
على الخيل في الرجال الذين معه حتى كشف الخيل حتى انتهوا إلى مسلم بن عقبة
فنهض في وجوههم بالرجال وصاح بهم فانصرفوا فقاتلوا قتالا شديدا ثم إن
الفضل بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب جاء إلى عبد الله بن حنظلة
الغسيل فقاتل في نحو من عشرين فارسا قتالا شديدا حسنا ثم قال لعبد الله مر
من معك فارسا فليأتني فليقف معي فإذا حملت فليحملوا فوالله لا انتهى حتى أبلغ
374

مسلما فإما أن أقتله وإما أن أفتل دونه فقال عبد الله بن حنظلة لعبد الله بن الضحاك
من بنى عبد الأشهل من الأنصار ناد في الخيل فلتقف مع الفضل بن العباس فنادى
فيهم الضحاك فجمعهم إلى الفضل فلما اجتمعت الخيل إليه حمل على أهل الشأم
فانكشفوا فقال لأصحابه ألا ترونهم كشفا لياما؟؟ أخرى جعلت فداكم فوالله
لئن عاينت أميرهم لأقتلنه أو لأقتلن دونه إن صبر ساعة معقب سرورا انه ليس
بعد لصبرنا إلا النصر ثم حمل وحمل أصحابه معه فانفرجت خيل أهل الشأم عن
مسلم بن عقبة في نحو من خمسمائة راجل جثاة على الركب مشرعي الأسنة نحو
القوم ومضى كما هو نحو رايته حتى يضرب رأس صاحب الراية وان عليه لمغفرا
فقط المغفر وفلق هامته فخر ميتا فقال خذها منى وأنا ابن عبد المطلب فظن أنه
قتل مسلما فقال قتلت طاغية القوم ورب الكعبة فقال مسلم أخطأت أستك
الحفرة وإنما كان ذلك غلاما له يقال له رومي وكان شجاعا فأخذ مسلم رايته ونادى
يا أهل الشأم هذا القتال قتال قوم يريدون أن يدفعوا به عن دينهم وأن يعزوا
أنه نصر إمامهم قبح الله قتالكم منذ اليوم ما أوجعه لقلبي وأغيظه لنفسي أما والله
ما جزاؤكم عليه إلا أن تحرموا العطاء وان تجمروا في أقاصي الثغور شدوا مع
هذه الراية ترح الله وجوهكم إن لم تعتبوا فمشى برايته وشدت تلك الرجال أمام
الراية فصرع الفضل بن عباس فقتل وما بينه وبين أطناب مسلم بن عقبة إلا نحو
من عشر أذرع وقتل معه زيد بن عبد الرحمن بن عوف وقتل معه إبراهيم بن نعيم
العدوي في رجال من أهل المدينة كثير (قال هشام) عن عوانة وقد بلغنا في
حديث آخر أن مسلم بن عقبة كان مريضا يوم القتال وأنه أمر بسرير وكرسي
فوضع بين الصفين ثم قال يا أهل الشأم قاتلوا عن أميركم أو دعوا ثم زحفوا
نحوهم فأخذوا لا يصمدون لربع من تلك الأرباع إلا هزموه ولا يقاتلون إلا
قليلا حتى تولوا ثم إنه أقبل إلى عبد الله بن حنظلة فقاتله أشد القتال واجتمع من
أراد القتال من تلك الأرباع إلى عبد الله بن حنظلة فاقتتلوا قتالا شديدا فحمل
الفضل بن العباس بن ربيعة في جماعة من وجوه الناس وفرسانهم؟ يريد مسلم
375

عقبة ومسلم على سريره مريض فقال احملوني فضعوني في الصف فوضعوه بعد
ما حملوه أمام فسطاطه في الصف وحمل الفضل بن العباس هو وأصحابه أولئك حتى
انتهى إلى السرير وكان الفضل أحمر فلما رفع السيف ليضربه صاح بأصحابه إن
العبد الأحمر قاتلي فأين أنتم يا بنى الحرائر اسجروه بالرماح فوثبوا إليه فطعنوه حتى
سقط (قال هشام) قال أبو مخنف ثم إن خيل مسلم ورجاله أقبلت نحو عبد الله
ابن حنظلة الغسيل ورجاله بعدة كما حدثني عبد الله بن منقذ حتى دنوا منه وركب
مسلم بن عقبة فرسا له فأخذ يسير في أهل الشأم ويحرضهم ويقول يا أهل الشأم
انكم لستم بأفضل العرب في أحسابهم ولا أنسابها ولا أكثرها عددا ولا أوسعها
بلدا ولم يخصصكم الله بالذي خصكم به من النصر على عدوكم وحسن المنزلة عند
أئمتكم إلا بطاعتكم واستقامتكم وإن هؤلاء القوم وأشباههم من العرب
غيروا فغير الله بهم فتموا على أحسن ما كنتم عليه من الطاعة يتمم الله لكم أحسن
ما ينيلكم من النصر والفلج ثم جاء حتى انتهى إلى مكانه الذي كان فيه وأمر الخيل
أن تقدم على ابن الغسيل وأصحابه فأخذت الخيل إذا أقدمت على الرجال فثاروا
في وجوهها بالرماح والسيوف نفرت وابذعرت وأحجمت فنادى فيهم مسلم
ابن عقبة يا أهل الشأم ما جعلهم الله أولى بالأرض منكم يا حصين بن نمير انزل
في جندك فنزل في أهل حمص فمشى إليهم فلما رآهم قد أقبلوا يمشوا تحت راياتهم
نحو ابن الغسيل قام في أصحابه فقال يا هؤلاء ان عدوكم قد أصابوا وجه القتال
الذي كان ينبغي أن تقاتلوهم به وأنى قد ظننت ألا تلبثوا إلا ساعة حتى يفصل الله
بينكم وبينهم إمالكم وإما عليكم أما أنكم أهل البصيرة ودار الهجرة والله
ما أظن ربكم أصبح عن أهل بلد من بلدان المسلمين بأرضى منه عنكم ولا على
أهل بلد من بلدان العرب بأسخط منه على هؤلاء القوم الذين يقاتلونكم إن لكل
امرئ منكم ميتة هو ميت بها والله ما من ميتة بأفضل من ميتة الشهادة وقد
ساقها الله إليكم فإغتنموها فوالله ما كل ما أردتموها وجدتموها ثم مشى برايته
غير بعيد ثم وقف وجاء ابن نمير برايته حتى أدناها وأمر مسلم بن عقبة عبد الله
376

ابن عضاه الأشعري فمشى في خمسمائة مرام حتى دنوا من ابن الغسيل وأصحابه
فأخذوا ينضحونهم بالنبل فقال ابن الغسيل علام تستهدفون لهم من أراد التعجل
إلى الجنة فليلزم هذه الراية فقام إليه كل مستميت فقال اتعدوا إلى ربكم فوالله
إني لأرجو أن تكونوا عن ساعة قريري عين فنهض القوم بعضهم إلى بعض
فاقتتلوا أشد قتال رؤى في ذلك الزمان ساعة من نهار وأخذ يقدم بنيه أمامه
واحدا واحدا حتى قتلوا بين يديه وابن الغسيل يضرب بسيفه ويقول
بعدا لمن رام الفساد وطغى * وجانب الحق وآيات الهدى
لا يبعد الرحمن إلا من عصى
فقتل وقتل معه أخوه لامه محمد بن ثابت بن قيس بن شماس استقدم فقاتل
حتى قتل وقال ما أحب أن الديلم قتلوني مكان هؤلاء القوم ثم قاتل حتى قتل
وقتل معه محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري فمر عليه مروان بن الحكم وكأنه
برطيل من فضة فقال رحمك الله فرب سارية قد رأيتك تطيل القيام في الصلاة
إلى جنبها (قال هشام) فحدثني عوانة قال فبلغنا أن مسلم بن عقبة كان يجلس
على كرسي ويحمله الرجال وهو يقاتل ابن الغسيل يوم الحرة وهو يقول
أحيا أباه هاشم بن حرمله * يوم الهباتين ويوم اليعمله
كل الملوك عنده مغربله * ورمحه للوالدات مثكله
لا يلبث القتيل حتى يجد له * يقتل ذا الذنب ومن لا ذنب له
(قال هشام) عن أبي مخنف وخرج محمد بن سعد بن أبي وقاص يومئذ
يقاتل فلما انهزم الناس مال عليهم يضربهم بسيفه حتى غلبته الهزيمة فذهب فيمن
ذهب من الناس وأباح مسلم المدينة ثلاثا يقتلون الناس ويأخذون الأموال فأفزع
ذلك من كان بها من الصحابة فخرج أبو سعيد الخدري حتى دخل في كهف في الجبل
فبصر به رجل من أهل الشأم فجاء حتى اقتحم عليه الغار (قال أبو مخنف) فحدثني
الحسن بن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال دخل إلى الشامي يمشى بسيفه قال
فانتضيت سيفي فمشيت إليه لأرعبه لعله ينصرف عنى فأبى إلا الاقدام على فلما
377

رأيت أن قد جد شمت سيفي ثم قلت له لئن بسطت إلى يدك لتقتلني ما أنا بباسط
يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين فقال لي من أنت لله وأبوك فقلت
أنا أبو سعيد الخدري قال صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت نعم فانصرف
عنى (قال هشام) حدثني عوانة قال دعا الناس مسلم بن عقبة بقبا إلى البيعة وطلب
الأمان لرجلين من قريش ليزيد بن عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد
ابن عبد العزى ومحمد بن أبي الجهم بن حذيفة العدوي ولمعقل بن سنان الأشجعي فأتى
بهم بعد الوقعة بيوم فقال بايعوا فقال القرشيان نبايعك على كتاب الله وسنة نبيه
فقال لا والله لا أقيلكم هذا أبدا فقدمهما فضرب أعناقهما فقال له مروان سبحان
الله أتقتل رجلين من قريش أتيا ليؤمنا فضربت أعناقهما فنخس بالقضيب في
خاصرته ثم قال وأنت والله لو قلت بمقالتهما ما رأيت السماء إلا برقة (قال
هشام) قال أبو مخنف وجاء معقل بن سنان فجلس مع القوم فدعا بشراب
ليسقى فقال له مسلم أبى الشراب أحب إليك قال العسل قال اسقوه فشرب حتى
ارتوى فقال له أقضيت ريك من شرابك قال نعم قال لا والله لا تشرب بعده
شرابا أبدا إلا الحميم نار جهنم أتذكر مقالتك لأمير المؤمنين سرت شهرا ورجعت
شهرا وأصبحت صفرا اللهم غير تعنى يزيد فقدمه فضرب عنقه (قال هشام)
وأما عوانة بن الحكم فذكر أن مسلم بن عقبة بعث عمرو بن محرز الأشجعي
فأتاه بمعقل بن سنان فقال له مسلم مرحبا بأبي محمد أراك عطشان قال أجل قال
شوبوا له عسلا بالثلج الذي حملتموه معنا وكان له صديقا قبل ذلك فشابوه له فلما
شرب معقل قال له سقاك الله من شراب الجنة فقال له مسلم أما والله لا تشرب بعدها
شرابا أبدا حتى تشرب من شراب الحميم قال أنشدك الله والرحم فقال له مسلم
أنت الذي لقيتني بطبرية ليلة خرجت من عند يزيد فقلت سرنا شهرا ورجعنا من
عند يزيد صفرا نرجع إلى المدينة فنخلع هذا الفاسق ونبايع لرجل من أبناء المهاجرين
قيم غطفان وأشجع من الخلع والخلافة إني آليت بيمين لا ألقاك في حرب أقدر
فيه على ضرب عنقك إلا فعلت ثم أمر به فقتل (قال هشام) قال عوانة وأتى
378

يزيد بن وهب بن زمعة فقال بايع قال أبايعك على سنة عمر قال اقتلوه قال أنا أبايع
قال لا والله لا أقيلك عثرتك فكلمه مروان بن الحكم لصهر كان بينهما فأمر بمروان
فوجئت عنقه ثم قال بايعوا على أنكم خول ليزيد بن معاوية ثم أمر به فقتل (قال
هشام) قال عوانة عن أبي مخنف قال قال عبد الملك بن نوفل بن مساحق ثم إن
مروان أتى بعلى بن الحسين وقد كان علي بن الحسين حين أخرجت بنو أمية منع
ثقل مروان وامرأته وآواها ثم خرجت إلى الطائف فهي أم أبان ابنة عثمان بن
عفان فبعت ابنه عبد الله معها فشكر ذلك له مروان وأقبل علي بن الحسين يمشى
بين مروان وعبد الملك يلتمس بهما عند مسلم الأمان فجاء حتى جلس عنده بينهما
فدعا مروان بشراب ليتحرم بذلك من مسلم فأتى له بشراب فشرب منه مروان
شيئا يسيرا ثم ناوله عليا فلما وقع في يده قال له مسلم لا تشرب من شرابنا فأرعدت
كفه ولم يأمنه على نفسه وأمسك القدح بكفه لا يشربه ولا يضعه فقال إنك إنما
جئت تمشى بين هؤلاء لتأمن عندي والله لو كان هذا الامر إليهما لقتلتك ولكن
أمير المؤمنين أوصاني بك وأخبرني أنك كاتبته فذلك نافعك عندي فإني شئت
فاشرب شرابك الذي في يدك وإن شئت دعونا بغيره فقال هذه التي في كفى أريد
قال اشربها فشربها ثم قال إلى ههنا فأجلسه معه (قال هشام) قال وقال عوانة بن
الحكم لما أتى بعلى بن الحسين إلى مسلم قال من هذا قالوا هذا علي بن الحسين
قال مرحبا وأهلا ثم أجلسه معه على السرير والطنفسة ثم قال إن أمير المؤمنين
أوصاني بك قبلا وهو يقول إن هؤلاء الخبثاء شغلوني عنك وعن وصلتك ثم قال لعلي
لعل أهلك فزعوا قال أي والله فأمر بدابته فأسرجت ثم حمله فرده عليها (قال
هشام) وذكر عوانة أن عمرو بن عثمان لم يكن فيمن خرج من بنى أمية وأنه أتى
به يومئذ إلى مسلم بن عقبة فقال يا أهل الشام تعرفون هذا قالوا لا قال هذا الخبيث
ابن الطيب هذا عمرو بن عثمان بن عفان أمير المؤمنين هي يا عمرو إذا ظهر أهل
المدينة قلت أنا رجل منكم وإن ظهر أهل الشام قلت أنا ابن أمير المؤمنين عثمان
ابن عفان فأمر به فنتفت لحيته ثم قال يا أهل الشام إن أم هذا كانت تدخل الجعل
379

في فيها تقول يا أمير المؤمنين حاجيتك ما في فمي وفى فمها ما ساءها وناءها فخلى
سبيله وكانت أمه من دوس (قال أبو جعفر الطبري) فحدثني أحمد بن ثابت عمن
حدثه عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر وحدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد
عن محمد بن عمر قالا كانت وقعة الحرة يوم الأربعاء لليلتين بقينا من ذي الحجة سنة
63 وقال بعضهم لثلاث ليال بقين منه (وحج بالناس في هذه السنة عبد الله بن الزبير)
* حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني عبد الله بن
جعفر عن ابن عوف قال حج ابن الزبير بالناس سنة 63 وكان يسمى يومئذ العائذ
ويرون الامر شورى قال فلما كانت ليلة هلال المحرم ونحن في منزلنا إذ قدم علينا سعيد
مولى المسور بن مخرمة فخبرنا بما أوقع مسلم بأهل المدينة وما نيل منهم فجاءهم
أمر عظيم فرأيت القوم شهروا وجدوا واعدوا وعرفوا انه نازل بهم وقد ذكر
من أمر وقعة الحرة ومقتل ابن الغسيل أمر غير الذي روى عن أبي مخنف
عن الذين روى وذلك عنهم وذلك ما حدثني أحمد بن زهير قال حدثنا أبي
قال حدثنا وهب بن جرير قال حدثنا جويرية بن أسماء قال سمعت أشياخ أهل
المدينة يحدثون أن معاوية لما حضرته الوفاة دعا يزيد فقال له إن لك من أهل
المدينة يوما فإن فعلوا فارمهم بمسلم بن عقبة فإنه رجل قد عرفت نصيحته فلما هلك
معاوية وفد إليه وفد من أهل المدينة وكان ممن وفد عليه عبد الله بن حنظلة بن أبي
عامر وكان شريفا فاضلا سيدا عابدا معه ثمانية بنين له فأعطاه مائة ألف درهم
وأعطى بنيه لكل واحد منهم عشرة آلاف سوى كسوتهم وحملانهم فلما قدم
المدينة عبد الله بن حنظلة أتاه الناس فقالوا ما وراءك قال جئتكم من عند رجل
والله لو لم أجد إلا بنى هؤلاء لجاهدته بهم قالوا قد بلغنا أنه أجداك وأعطاك
وأكرمك قال قد فعل وما قبلت منه إلا لا تقوى به وحضض الناس فبايعوه
فبلغ ذلك يزيد فبعث مسلم بن عقبة إليهم وقد بعث أهل المدينة إلى كل ماء بينهم
وبين الشأم فصبوا فيه زقا من قطران وعور فأرسل الله السماء عليهم فلم يستقوا
بدلو حتى وردوا المدينة فخرج إليهم أهل المدينة بجموع كثير وهيئة لم ير مثلها
380

فلما رآهم أهل الشأم هابوهم وكرهوا قتالهم ومسلم شديد الوجع فبينما الناس في
قتالهم إذ سمعوا التكبير من خلفهم في جوف المدينة وأقحم عليهم بنو حارثة أهل
الشأم وهم على الجد فانهزم الناس فكان من أصيب في الخندق أكثر ممن قتل
من الناس فدخلوا المدينة وهزم الناس وعبد الله بن حنظلة مستند إلى أحد بنيه
يغط نوما فنبهه ابنه فلما فتح عينيه فرأى ما صنع الناس أمر أكبر بنيه فتقدم حتى
قتل فدخل مسلم بن عقبة المدينة فدعا الناس للبيعة على أنهم خول ليزيد بن معاوية
يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم ما ساء
ثم دخلت سنة أربع وستين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
(قال أبو جعفر) فمن ذلك مسير أهل الشأم إلى مكة لحرب عبد الله بن الزبير
ومن كان على مثل رأيه في الامتناع على يزيد بن معاوية ولما فرغ مسلم بن عقبة
من قتال أهل المدينة وإنهاب جنده أموالهم ثلاثا شخص بمن معه من الجند متوجها
إلى مكة كالذي ذكر هشام بن محمد عن أبي مخنف قال حدثني عبد الملك بن نوفل
أن مسلما خرج بالناس إلى مكة يريد ابن الزبير وخلف على المدينة روح بن زنباع
الجذامي * وأما الواقدي فإنه قال خلف عليها عمرو بن محرز الأشجعي قال ويقال
خلف عليها روح بن زنباع الجذامي
ذكر موت مسلم بن عقبة ورمى الكعبة وإحراقها
(رجع الحديث إلى أبى مخنف) قال حتى إذا انتهى إلى المشلل ويقال إلى قفا
المشلل نزل به الموت وذلك في آخر المحرم من سنة 64 فدعا حصين بن نمير
السكوني فقال له يا ابن برذعة الحمار أما والله لو كان هذا الامر إلى ما وليتك هذا
الجند ولكن أمير المؤمنين ولاك بعدي وليس لأمر أمير المؤمنين مرد خذ عنى
أربعا أسرع السير وعجل الوقاع وعم الاخبار ولا تمكن قرشيا من أذنك ثم
إنه مات فدفن بقفا المشلل (قال هشام) بن محمد الكلبي وذكر عوانة أن مسلم
381

ابن عقبة شخص يريد ابن الزبير حتى إذا بلغ ثنية هرشا نزل به الموت فبعث إلى
رؤس الأجناد فقال إن أمير المؤمنين عهد إلى إن حدث بي حدث الموت أن
أستخلف عليكم حصين بن نمير السكوني والله لو كان الامر إلى ما فعلت ولكن
أكره معصية أمر أمير المؤمنين عند الموت ثم دعا به فقال انظر يا برذعة الحمار
فاحفظ ما أوصيك به عم الاخبار ولا ترع سمعك قريشا أبدا ولا تردن أهل
الشأم عن عدوهم ولا تقيمن إلا ثلاثا حتى تناجز ابن الزبير الفاسق ثم قال اللهم
إني لم أعمل عملا قط بعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله أحب
إلى من قتلى أهل المدينة ولا أرجى عندي في الآخرة ثم قال لبنى مرة زراعتي
التي بحوران صدقة على مرة وما أغلقت عليه فلانة بابها فهو لها يعنى أم ولده
ثم مات ولما مات خرج حصين بن نمير بالناس فقدم على ابن الزبير مكة وقد
بايعه أهلها وأهل الحجاز (قال هشام) قال عوانة قال مسلم قبل الوصية ان ابني
يزعم أن أم ولدى هذه سقتني ألستم وهو كاذب هذا داء يصيبنا في بطوننا أهل
البيت قال وقدم عليه يعنى ابن الزبير كل أهل المدينة وقد قدم عليه نجدة بن عامر
الحنفي في أناس من الخوارج يمنعون البيت فقال لأخيه المنذر ما لهذا الامر ولدفع
هؤلاء القوم غيري وغيرك وأخوه المنذر ممن شهد الحرة ثم لحق به فجرذ إليهم
أخاه في الناس فقاتلهم ساعة قتالا شديدا ثم إن رجلا من أهل الشأم دعا المنذر
إلى المبارزة قال والشامي على بغلة له فخرج إليه المنذر فضرب كل واحد منهما
صاحبه ضربة خر صاحبه لها ميتا فجثا عبد الله بن الزبير على ركبتيه وهو يقول
يا رب أبرها من أصلها ولا تشدها وهو يدعو على الذي بارز أخاه ثم إن أهل
الشأم شدوا عليهم شدة منكرة وانكشف أصحابه انكشافة وعثرت بغلته فقال
تعسا ثم نزل وصاح بأصحابه إلى فأقبل إليه المسور بن مخرمة بن نوفل بن أهيب
ابن عبد مناف بن زهرة ومصعب بن عبد الرحمن بن عوف الزهري فقاتلوا حتى
قتلوا جميعا وصابرهم ابن الزبير يجالدهم حتى الليل ثم انصرفوا عنه وهذا في الحصار
الأول ثم إنهم أقاموا عليه يقاتلونه بقية المحرم وصفر كله حتى إذا مضت ثلاثة
382

أيام من شهر ربيع الأول يوم السبت سنة 64 قذفوا البيت بالمجانيق وحرقوه
بالنار وأخذوا يرتجزون ويقولون
خطارة مثل الفنيق المزبد * نرمي بها أعواد هذا المسجد
(قال هشام) قال أبو عوانة جعل عمرو بن حوط السدوسي يقول
كيف ترى صنيع أم فروة * تأخذهم بين الصفا والمروة
يعنى بأم فروة المنجنيق (وقال الواقدي) سار الحصين بن نمير حين دفن مسلم
ابن عقبة بالمشلل لسبع بقين من المحرم وقدم مكة لأربع بقين من المحرم فحاصر
ابن الزبير أربعا وستين يوما حتى جاءهم نعى يزيد بن معاوية لهلال ربيع الآخر
(وفى هذه السنة) حرقت الكعبة
ذكر السبب في إحراقها
قال محمد بن عمر احترقت الكعبة يوم السبت لثلاث ليال خلون من شهر ربيع
الأول سنة 64 قبل أن يأتي نعى يزيد بن معاوية بتسعة وعشرين يوما وجاء نعيه
لهلال ربيع الآخر ليلة الثلاثاء * قال محمد بن عمر حدثنا رياح بن مسلم عن أبيه
قال كانوا يوقدون حول الكعبة فأقبلت شررة هبت بها الريح فاحترقت ثياب
الكعبة واحترق خشب البيت يوم السبت لثلاث ليال خلون من ربيع الأول *
قال محمد بن عمرو حدثني عبد اله بن زيد قال حدثني عروة بن أذينة قال قدمت مكة
مع أمي يوم احترقت الكعبة قد خلصت إليها النار ورأيتها مجردة من بالحرير ورأيكم
الركن قد اسود وانصدع في ثلاثة أمكنة فقلت ما أصاب الكعبة فأشاروا إلى
رجل من أصحاب عبد الله بن الزبير قالوا هذا احترقت بسببه أخذ قبسا في رأس رمح
له فطيرت الريح به فضرب أستار الكعبة ما بين الركن اليماني والأسود (وفيها)
هلك يزيد بن معاوية وكانت وفاته بقرية من قرى حمص يقال لها حوارين من أرض
الشأم لأربع عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة 64 وهو ابن ثمان وثلاثين
سنة في قول بعضهم * حدثني عمر بن شبة قال حدثنا محمد بن يحيى عن هشام بن الوليد
المخزومي أن الزهري كتب لجده أسنان الخلفاء فكان فيما كتب من ذلك ومات
383

يزيد بن معاوية وهو ابن تسع وثلاثين وكانت ولايته ثلاث سنين وستة أشهر
في قول بعضهم ويقال ثمانية أشهر * وحدثني أحمد بن ثابت عمن حدثه عن إسحاق
ابن عيسى عن أبي معشر أنه قال توفى يزيد بن معاوية يوم الثلاثاء لأربع عشرة
ليلة خلت من شهر ربيع الأول وكانت خلافته ثلاث سنين وثمانية أشهر إلا ثمان
ليال وصلى على يزيد ابنه معاوية بن يزيد (وأما هشام) بن محمد الكلبي فإنه قال
في سن يزيد خلاف الذي ذكره الزهري والذي قال هشام في ذلك فيما حدثنا عنه
استخلف أبو خالد يزيد بن معاوية بن أبي سفيان وهو ابن اثنين وثلاثين سنة وأشهر
في هلال رجب سنة 60 وولى سنتين وثمانية أشهر وتوفى لأربع عشرة ليلة خلت
من ربيع الأول سنة 63 وهو ابن خمس وثلاثين وأمه ميسون بنت بحدل بن أنيف
ابن ولجة بن قنافة بن عدي بن زهير بن حارثة الكلبي
ذكر عدد ولده
فمنهم معاوية بن يزيد بن معاوية يكنى أبا ليلى وهو الذي يقول فيه الشاعر
إني أرى فتنة قد حان أولها * والملك بعد أبي ليلى لمن غلبا
وخالد بن يزيد وكان يكنى أبا هاشم وكان يقال إنه أصاب عمل الكيمياء
وأبو سفيان وأمهما أم هاشم بنت أبي هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس تزوجها
بعد يزيد مروان وهى التي يقول لها الشاعر
إنعمي أم خالد * رب ساع لقاعد
وعبد الله بن يزيد قيل إنه من أرمى العرب في زمانه وأمه أم كلثوم بنت عبد الله بن
عامر وهو الأسوار وله يقول الشاعر
زعم الناس أن خير قريش * كلهم حين تذكر الأسوار
وعبد الله الأصغر وعمر وأبو بكر وعتبة وحرب وعبد الرحمن والربيع
ومحمد لأمهات أولاد شتى
384

ثم دخلت سنة خمس وستين
خلافة معاوية بن يزيد
(وفى هذه السنة) بويع لمعاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بالشام بالخلافة
ولعبد الله بن الزبير بالحجاز * ولما هلك يزيد بن معاوية مكث الحصين بن نمير
وأهل الشأم يقاتلون ابن الزبير وأصحابه بمكة فيما ذكر هشام عن عوانة أربعين
يوما قد حصروهم حصارا شديدا وضيقوا عليهم ثم بلغ موته ابن الزبير وأصحابه
ولم يبلغ الحصين بن نمير وأصحابه * فحدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل قال حدثنا عبد العزيز
ابن خالد بن رستم الصنعاني أبو محمد قال حدثنا زياد بن جبل قال بينا حصين بن نمير
يقاتل ابن الزبير إذ جاء موت يزيد فصاح بهم ابن الزبير فقال إن طاغيتكم قد هلك
فمن شاء منكم أن يدخل فيما دخل فيه الناس فليفعل فمن كره فليلحق بشأمه فغدوا
عليه يقاتلونه قال فقال ابن الزبير للحصين بن نمير أدن منى أحدثك فدنا منه فحدثه
فجعل فرس أحدهما يجفل والجفل الروث فجاء حمام الحرم يلتقط من الجفل فكف
الحصين فرسه عنهن فقال له ابن الزبير مالك قال أخاف أن يقتل فرسى حمام الحرم
فقال له ابن الزبير أتحرج من هذا وتريد أن تقتل المسلمين فقال له لا أقاتلك
فأذن لنا نطف بالبيت وننصرف عنك ففعل فانصرفوا * وأما عوانة بن الحكم
فإنه قال فيما ذكر هشام عنه قال لما بلغ ابن الزبير موت يزيد وأهل الشأم لا يعلمون
بذلك قد حصروه حصارا شديدا وضيقوا عليه أخذ يناديهم هو وأهل مكة علام
تقاتلون قد هلك طاغيتكم وأخذوا لا يصدقونه حتى قدم ثابت بن قيس بن المنفع
النخعي من أهل الكوفة في رؤوس أهل العراق فمر بالحصين بن نمير وكان له
صديقا وكان بينهما صهر وكان يراه عند معاوية فكان يعرف فضله وإسلامه وشرفه
فسأل عن الخبر فأخبر بهلاك يزيد فبعث الحصين بن نمير على عبد الله بن الزبير فقال
موعد ما بيننا وبينك الليلة الأبطح فالتقيا فقال له الحصين إن يك هذا الرجل
قد هلك فأنت أحق الناس بهذا الامر هلم فلنبايعك ثم اخرج معي إلى الشأم فإن
هذا الجند الذين معي هم وجوه أهل الشأم وفرسانهم فوالله لا يختلف عليك اثنان
385

وتؤمن الناس وتهدر هذه الدماء التي كانت بيننا وبينك والتي كانت بيننا وبين
أهل الحرة فكان سعيد بن عمرو يقول ما منعه أن يبايعهم ويخرج إلى الشأم إلا
تطير لان مكة التي منعه الله بها وكان ذلك من جند مروان وأن عبد الله والله
لو سار معهم حتى يدخل الشأم ما اختلف عليه منهم اثنان فزعم بعض قريش أنه
قال أنا أهدر تلك الدماء أما والله لا أرضى أن أقتل بكل رجل منهم عشرة
وأخذ الحصين يكلمه سرا وهو يجهر جهرا وأخذ يقول لا والله لا أفعل فقال
له الحصين بن نمير قبح الله من يعدك بعد هذه داهيا قط أو أديبا قد كنت أظن
أن لك رأيا ألا أراني أكلمك سرا وتكلمني جهرا وأدعوك إلى الخلافة وتعدني
القتل والهلكة ثم قام فخرج وصاح في الناس فأقبل فيهم نحو المدينة وندم ابن الزبير
على الذي صنع فأرسل إليه أما أن أسير إلى الشأم فلست فاعلا وأكره الخروج
من مكة ولكن بايعوا لي هنالك فإني مؤمنكم وعادل فيكم فقال له الحصين أرأيت
إن لم تقدم بنفسك ووجدت هنالك أناسا كثيرا من أهل هذا البيت يطلبونها
يجيبهم الناس ما أنا صانع فأقبل بأصحابه ومن معه نحو المدينة فاستقبله علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب ومعه قت وشعير وهو على راحلة له فسلم على
الحصين فلم يكد يلتفت إليه ومع الحصين بن نمير فرس له عتيق وقد فنى قته وشعيره
فهو غرض وهو يسب غلامه ويقول من أين نجد هنا لدابتنا علفا فقال له على
ابن الحسين هذا علف عندنا فاعلف منه دابتك فأقبل على على عند ذلك بوجهه
فأمر له بما كان عنده من علف واجترأ أهل المدينة وأهل الحجاز على أهل الشأم
فذلوا حتى كان لا ينفرد منهم رجل إلا أخذ بلجام دابته ثم نكس عنها فكانوا
يجتمعون في معسكرهم فلا يفترقون وقالت لهم بنو أمية لا تبرحوا حتى تحملونا
معكم إلى الشأم ففعلوا ومضى ذلك الجيش حتى دخل الشأم وقد أوصى يزيد بن
معاوية بالبيعة لابنه معاوية بن يزيد فلم يلبث إلا ثلاثة أشهر حتى مات * وقال عوانة
استخلف يزيد بن معاوية ابنه معاوية بن يزيد فلم يمكث إلا أربعين يوما حتى
مات * وحدثني عمر عن علي بن محمد قال لما استخلف معاوية بن يزيد وجمع
386

عمال أبيه وبويع له بدمشق هلك بها بعد أربعين يوما من ولايته ويكنى أبا عبد الرحمن
وهو أبو ليلى وأمه أم هاشم بنت أبي هاشم بن عتبة بن ربيعة وتوفى وهو ابن
ثلاث عشرة سنة وثمانية عشر يوما (وفى هذه السنة) بايع أهل البصرة عبيد الله
ابن زياد على أن يقوم لهم بأمرهم حتى يصطلح الناس على إمام يرتضونه لأنفسهم
ثم أرسل عبيد الله رسولا إلى الكوفة يدعوهم إلى مثل الذي فعل من ذلك
أهل البصرة فأبوا عليه وحصبوا الوالي الذي كان عليهم ثم خالفه أهل البصرة
أيضا فهاجت بالبصرة فتنة ولحق عبيد الله بن زياد بالشام
ذكر الخبر عما كان من أمر عبيد الله بن زياد
وأمر أهل البصرة معه بها بعد موت يزيد
* وحدثني عمر بن شبة قال حدثني موسى بن إسماعيل قال حدثنا حماد بن سلمة
عن علي بن زيد عن الحسن قال كتب الضحاك بن قيس إلى قيس بن الهيثم حين
مات يزيد بن معاوية سلام عليك أما بعد فإن يزيد بن معاوية قد مات وأنتم إخواننا
فلا تسبقونا بشئ حتى نختار لأنفسنا * حدثني عمر قال حدثنا زهير بن حرب
قال حدثنا وهب بن حماد قال حدثنا محمد بن أبي عيينة قال حدثني شهرك قال
شهدت عبيد الله بن زياد حين مات يزيد بن معاوية قام خطيبا فحمد الله وأثنى
عليه ثم قال يا أهل البصرة انسبوني فوالله لتجدني أهاجر والدي ومولدي فيكم
وداري ولقد وليتكم وما أحصى ديوان مقاتلتكم إلا سبعين ألف مقاتل ولقد
أحصى اليوم ديوان مقاتلتكم ثمانين ألفا وما أحصى ديوان عمالكم إلا تسعين
ألفا ولقد أحصى اليوم مائة وأربعين ألفا وما تركت لكم ذا ظنة أخافه عليكم
إلا وهو في سجنكم هذا وإن أمير المؤمنين يزيد بن معاوية قد توفى وقد اختلف
أهل الشأم وأنتم اليوم أكثر الناس عددا وأعرضه فناء وأغناه عن الناس وأوسعه
بلادا فاختاروا لأنفسكم رجلا ترضونه لدينكم وجماعتكم فأنا أول راض من
رضيتموه وتابع فإن اجتمع أهل الشام على رجل ترتضونه دخلتم فيما دخل فيه
المسلمون وإن كرهتم ذلك كنتم على جديلتكم حتى تعطوا حاجتكم فما بكم إلى
387

أحد من أهل البلدان حاجة وما يستغنى الناس عنكم فقامت خطباء أهل البصرة
فقالوا قد سمعنا مقالتك أيها الأمير وإنا والله ما نعلم أحدا أقوى عليها منك فهلم فلنبايعك
فقال لا حاجة لي في ذلك فاختاروا لأنفسكم فأبوا عليه وأبى عليهم حتى كرروا
ذلك عليه ثلاث مرات فلما أبوا بسط يده فبايعوه ثم انصرفوا بعد البيعة وهم يقولون
لا يظن ابن مرجانة أنا نستقاد له في الجماعة والفرقة كذب والله ثم وثبوا عليه
* حدثني عمر قال زهير قال حدثنا وهب قال وحدثنا الأسود بن شيبان عن خالد
ابن سمير أن شقيق بن ثور ومالك بن مسمع وحصين بن المنذر أتوا عبيد الله ليلا
وهو في دار الامارة فبلغ ذلك رجلا من الحي من بنى سدوس قال فانطلقت فلزمت
دار الامارة فلبثوا معه حتى مضى عليه الليل ثم خرجوا ومعهم بغل موقر مالا قال
فأتيت حصينا فقلت مر لي من هذا المال بشئ فقال عليك ببنى عمك فأتيت شقيقا
فقلت مر لي من هذا المال بشئ قال وعلى المال مولى له يقال له أيوب فقال يا أيوب أعطه
مائة درهم قلت أما مائة درهم والله لا أقبلها فسكت عنى ساعة وسار هنيهة فأقبلت عليه
فقلت مر لي من هذا المال بشئ فقال يا أيوب أعطه مائتي درهم قلت لا أقبل والله
مائتين ثم أمر لي بثلثمائة ثم أربعمائة فلما انتهينا إلى الطفاوة قلت مر لي بشئ قال
أرأيت إن لم أفعل ما أنت صانع قلت أنطلق والله حتى إذا توسطت دور الحي
وضعت إصبعي في أذني ثم صرخت بأعلى صوتي يا معشر بكر بن وائل هذا شقيق
ابن ثور وحصين بن المنذر ومالك بن المسمع قد انطلقوا إلى ابن زياد فاختلفوا
في دمائكم قال ماله فعل الله به وفعل ويلك أعطه خمسمائة درهم قال فأخذتها ثم
صبحت غاديا على مالك قال وهب فلم أحفظ ما أمر له به مالك قال ثم رأيت
حصينا فدخلت عليه فقال ما صنع ابن عمك فأخبرته وقلت أعطني من هذا المال
فقال إنا قد أخذنا هذا المال ونجونا به فلن نخشى من الناس شيئا فلم يعطني شيئا
(قال أبو جعفر) وحدثني أبو عبيدة معمر بن المثنى أن يونس بن حبيب الجرمي
حدثه قال لما قتل عبيد الله بن زياد الحسين بن علي عليه السلام وبنى أبيه بعث
برؤوسهم إلى يزيد بن معاوية فسر بقتلهم أولا وحسنت بذلك منزلة عبيد الله
388

عنده ثم لم يلبث إلا قليلا حتى ندم على قتل الحسين فكان يقول وما كان على
لو احتملت الأزدي وأنزلته معي في داري وحكمته فيما يريد وإن كان على في ذلك
وكف ووهن في سلطاني حفظا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورعاية لحقه
وقرابته لعن الله ابن مرجانة فإنه أخرجه واضطره وقد كان سأله أن يخلى سبيله
ويرجع فلم يفعل أو يضع يده في يدي أو يلحق بثغر من ثغور المسلمين يتوفاه الله
عز وجل فلم يفعل فأبى ذلك ورده عليه وقتله فبغضني بقتله إلى المسلمين وزرع لي
في قلوبهم العداوة فبغضني البر والفاجر لما استعظم الناس من قتلى حسينا مالي
ولابن مرجانة لعنه الله وغضب عليه ثم إن عبيد الله بعث مولى له يقال له أيوب
ابن حمران إلى الشأم ليأتيه بخبر يزيد فركب عبيد الله ذات يوم حتى إذا كان في
رحبة القصابين إذا هو بأيوب بن حمران قد قدم فلحقه فأسر إليه موت يزيد بن
معاوية فرجع عبيد الله من مسيره ذلك فأتى منزله وأمر عبد الله بن حصن أحد
بنى ثعلبة بن يربوع فنادى الصلاة جامعة (قال أبو عبيدة) وأما عمير بن معن
الكاتب فحدثني قال الذي بعثه عبيد الله بن حمران مولاه فعاد عبيد الله عبد الله
ابن نافع أخا زياد لامه ثم خرج عبيد الله ماشيا من خوخة كانت في دار نافع إلى
المسجد فلما كان في صحنه إذا هو بمولاه حمران أدنى ظلمة عند المساء وكان حمران
رسول عبيد الله بن زياد إلى معاوية حياته وإلى يزيد فلما رآه ولم يكن له أن يقدم
قال مهيم قال خير قال وما وراءك قال أدنو منك قال نعم وأسر إليه موت يزيد
واختلاف أمر الناس بالشام وكان يزيد مات يوم الخميس للنصف من شهر ربيع
الأول سنة 64 فأقبل عبيد الله من فوره فأمر مناديا فنادى الصلاة جامعة فلما
اجتمع الناس صعد المنبر فنعى يزيد وعرض بثلبه لفصد بزيد إياه قبل موته حتى
يخافه عبيد الله فقال الأحنف لعبيد الله إنه قد كانت ليزيد في أعناقنا بيعة وكان
يقال أعرض عن ذي فنن فأعرض عنه ثم قام عبيد الله يذكر اختلاف أهل
الشأم وقال إني قد وليتكم ثم ذكر نحو حديث عمر بن شبة عن زهير بن حرب
إلى فبايعوه عن رضى منهم ومشورة ثم قال فلما خرجوا من عنده جعلوا يمسحون
389

أكفهم بباب الدار وحيطانه ويقولون ظن ابن مرجانة أنا نوليه أمرنا في الفرقة
قال فأقام عبيد الله أميرا غير كثير حتى جعل سلطانه يضعف ويأمرنا بالامر
فلا يقضى ويرى الرأي فيرد عليه ويأمر بحبس المخطئ فيحال بين أعوانه وبينه
(قال أبو عبيدة) فسمعت غيلان بن محمد يحدث عن عثمان البتي قال حدثني
عبد الرحمن بن حوشب قال تبعت جنازة فلما كان في سوق الإبل إذا رجل على
فرس شهباء متقنع بسلاح وفى يده لواء وهو يقول أيها الناس هلموا إلى أدعكم إلى
ما لم يدعكم إليه أحد أدعوكم إلى العائذ بالحرم يعنى عبد الله بن الزبير * قال فتجمع
إليه نويس فجعلوا يصفقون على يديه ومضينا حتى صلينا على الجنازة فلما رجعنا
إذا هو قد انضم إليه أكثر من الأولين ثم أخذ بين دار قيس بن الهيثم بن أسماء
ابن الصلت السلمي ودار الحارثيين قبل بنى تميم في الطريق الذي يأخذ عليهم فقال
ألا من أرادني فأنا سلمة بن ذؤيب وهو سلمة بن ذؤيب بن عبد الله بن محكم بن
زيد بن رياح بن يربوع بن حنظلة قال فلقيني عبد الرحمن بن بكر عند الرحبة فأخبرته
بخبر سلمة بعد رجوعي فأتى عبد الرحمن عبيد الله فحدثه بالحديث عنى فبعث إلى
فأتيته فقال ما هذا الذي خبر به عنك أبو بحر قال فاقتصصت عليه القصة حتى
أتيت على آخرها فأمر فنودي على المكان الصلاة جامعة فتجمع الناس فأنشأ
عبيد الله يقص أول أمره وأمرهم وما قد كان دعاهم إلى من يرتضونه فيبايعه معهم
وإنكم أبيتم غيري وإنه بلغني أنكم مسحتم أكفكم بالحيطان وباب الدار وقلتم
ما قلتم وإني آمر بالامر فلا ينفذ ويرد على رأيي وتحول القبائل بين أعواني وطلبتي
ثم هذا سلمة بن ذؤيب يدعو إلى الخلاف عليكم إرادة أن يفرق جماعتكم ويضرب
بعضكم جباه بعض بالسيف فقال الأحنف صخر بن قيس بن معاوية بن حصين
ابن عبادة بن النزال بن مرة بن عبيد بن الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد
ابن زيد مناة بن تميم والناس جميعا نحن نأتيك بسلمة فأتوا سلمة فإذا جمعه قد كثف
وإذا الفتق قد اتسع على الراتق وامتنع عليهم فلما رأوا ذلك قعدوا عن عبيد الله
ابن زياد فلم يأتوه (قال أبو عبيدة) فحدثني غير واحد عن سبرة بن الجارود
390

الهذلي عن أبيه الجارود قال وقال عبيد الله في خطبته يا أهل البصرة والله لقد
لبسنا الخز واليمنة واللين من الثياب حتى لقد أجمنا ذلك وأجمته جلودنا فما بنا
إلى أن نعقبها الحديد يا أهل البصرة والله لو اجتمعتم على ذنب عير لتكسروه
ما كسرتموه (قال الجارود) فوالله ما رمى بجماح حتى هرب فتوارى عند
مسعود فلما قتل مسعود لحق بالشام (قال يونس) وكان في بيت مال عبيد الله
يوم خطب الناس قبل خروج سلمة ثمانية آلاف ألف أو أقل وقال على
ابن محمد تسعة عشرة ألف ألف فقال للناس إن هذا فيؤكم فخذوا
أعطياتكم وأرزاق ذراريكم منه وأمر الكتبة بتحصيل الناس وتخريج
الأسماء واستعجل الكتاب في ذلك حتى وكل بهم من يحبسهم بالليل في الديوان
وأسرجوا بالشمع * قال فلما صنعوا ما صنعوا وقعدوا عنه وكان من خلاف
سلمة عليه ما كان كف عن ذلك ونقلها حين هرب فهي إلى اليوم تردد في آل
زياد فيكون فيهم العرس أو المأتم فلا يرى في قريش مثلهم ولا في قريش أحسن
منهم في الغضارة والكسوة فدعا عبيد الله رؤساء خاصة السلطان فأرادهم أن
يقاتلوا معه فقالوا إن أمرنا قوادنا قاتلنا معك فقال إخوة عبيد الله لعبيد الله
والله ما من خليفة فتقاتل عنه فإن هزمت فئت إليه وإن استمددته أمدك وقد
علمت أن الحرب دول فلا ندري لعلها تدول عليك وقد اتخذنا بين أظهر هؤلاء
القوم أموالا فان ظفروا أهلكونا وهلكوها فلم تبق لك باقية وقال له أخوه
عبد الله لأبيه وأمه مرجانة والله لئن قاتلت القوم لأعتمدن على ظبة السيف
حتى يخرج من صلبي فلما رأى ذلك عبيد الله أرسل إلى حارث بن قيس بن صهبان
ابن عون بن علاج بن مازن بن أسود بن جهضم بن جذيمة بن مالك بن فهم فقال
له يا حار إن أبى كان أوصاني إن احتجت إلى الهرب يوما أن أختاركم وإن نفسي
تأبى غيركم فقال الحارث قد أبلوك في أبيك ما قد علمت وبلوه فلم يجدوا عنده
ولا عندك مكافأة ومالك مرد إذا اخترتنا وما أدرى كيف إبائي لك إن
أخرجتك نهارا إني أخاف ألا أصل بك إلى قومي حتى تقتل واقتل ولكني
391

أقيم معك حتى إذا وارى دمس دمسا وهدأت القدم ردفت خلفي لئلا تعرف
ثم أخذتك على أخوالي بنى ناجية قال عبيد الله نعم ما رأيت فأقام حتى إذا قلت
أخوك أم الذئب حمله خلفه وقد نقل تلك الأموال فأحرزها ثم انطلق به يمر به
على الناس وكانوا يتحارسون مخافة الحارورية فيسأل عبيد الله أين نحن فيخبره
فلما كانوا في بنى سليم قال عبيد الله أين نحن قال في بنى سليم قال سلمنا إن شاء الله
فلما أتى بنى ناجية قال أين نحن قال في بنى ناجية قال نجونا إن شاء الله فقال
بنو ناجية من أنت قال الحارث بن قيس قالوا ابن أخيكم وعرف رجل منهم
عبيد الله فقال ابن مرجانة فأرسل سهما فوقع في عمامته ومضى به الحارث حتى
ينزله دار نفسه في الجهاضم ثم مضى إلى مسعود بن عمرو بن عدي بن محارب
ابن صنيم بن مليح بن شرطان بن معن بن مالك بن فهم فقالت الأزد ومحمد بن أبي
عيينة فلما رآه مسعود قال يا حار قد كان يتعوذ من سوء طوارق الليل فنعوذ
بالله من شر ما طرقتنا به قال الحارث لم أطرقك إلا بخير وقد علمت أن قومك
قد أنجوا زيادا فوفوا له فصارت لهم مكرمة في العرب يفتخرون بها عليهم
وقد بايعتم عبيد الله بيعة الرضا رضى من مشورة وبيعة أخرى قد كانت في أعناقكم
قبل هذه البيعة يعنى بيعة الجماعة فقال له مسعود يا حار أترى لنا أن نعادي أهل
مصرنا في عبيد الله وقد أبلينا في أبيه ما أبلينا ثم لم نكافي عليه ولم نشكر ما كنت احسب
أن هذا من رأيك قال الحارث إنه لا يعاديك أحد على الوفاء ببيعتك حتى تبلغه مأمنه
(قال أبو جعفر) وأما عمر فحدثني قال حدثني زهير بن حرب قال حدثنا وهب
ابن جرير قال حدثنا أبي عن الزبير بن الخريت عن أبي لبيد الجهضمي عن الحارث
ابن قيس قال عرض نفسه يعنى عبيد الله بن زياد على فقال أما والله إني لأعرف
سوء رأى كان في قومك قال فرققت له فأردفته على بغلتي وذلك ليلا فأخذت
على بنى سليم فقال من هؤلاء قلت بنو سليم قال سلمنا إن شاء الله ثم مررنا ببنى
ناجية وهم جلوس ومعهم السلاح وكان الناس يتحارسون إذ ذاك في مجالسهم فقالوا
من هذا قلت الحارث بن قيس قالوا امض راشدا فلما مضينا قال رجل منهم هذا
392

والله ابن مرجانة خلفه فرماه بسهم فوضعه في كور عمامته فقال يا أبا محمد من هؤلاء
قال الذين كنت تزعم أنهم من قريش هؤلاء بنو ناجية قال نجونا إن شاء الله ثم
قال يا حارث إنك قد أحسنت وأجملت فهل أنت صانع ما أشير به عليك قد علمت
منزلة مسعود بن عمرو في قومه وشرفه وسنه وطاعة قومه له فهل لك أن تذهب
بي إليه فأكون في داره فهي وسط الأزد فإنك إن لم تفعل صدع عليك أمر قومك
قلت نعم فانطلقت به فما شعر مسعود بشئ حتى دخلنا عليه وهو جالس ليلتئذ يوقد
بقضيب على لبنة وهو يعالج خفيه قد خلع أحدهما وبقى الآخر فلما نظر في وجوهنا
عرفنا وقال إنه كان يتعرذ من طوارق السوء فقلت له أفتخرجه بعد ما دخل
عليك بيتك قال فأمره فدخل بيت عبد الغافر بن مسعود وامرأة عبد الغافر يومئذ
خيرة بنت خفاف بن عمرو قال ثم ركب مسعود من ليلته ومعه الحارث وجماعة
من قومه فطافوا في الأزد ومجالسهم فقالوا إن ابن زياد قد فقد وإنا لا نأمن أن
تلطخوا به فأصبحوا في السلاح وفقد الناس ابن زياد فقالوا أين توجه فقالوا
ما هو إلا في الأزد قال وهب فحدثنا أبو بكر بن الفضل عن قبيصة بن مروان أنهم
جعلوا يقولون أين ترونه توجه فقالت عجوز من بنى عقيل أين ترونه توجه اندحس
والله في أجمة أبيه وكانت وفاة يزيد حين جاءت ابن زياد وفى بيوت مال البصرة
ستة عشر ألف ألف ففرق ابن زياد طائفة منها في بنى أبيه وحمل الباقي معه وقد
كان دعا البخارية إلى القتال معه ودعا بنى زياد إلى ذلك فأبوا عليه * حدثني عمر
قال حدثني زهير بن حرب قال حدثنا الأسود بن شيبان عن عبد الله بن جرير
المازني قال بعث إلى شقيق بن ثور فقال لي إنه قد بلغني إن ابن منجوف هذا
وابن مسمع يدلجان بالليل إلى دار مسعود ليردا ابن زياد إلى الدار ليصلوا بين
هذين الغارين فيهريقوا دماءكم ويعزوا أنفسهم ولقد هممت أن أبعث إلى ابن
منجوف فأشده وثاقا وأخرجه عنى فاذهب إلى مسعود فاقرأ عليه السلام
منى وقل له إن ابن منجوف وابن مسمع يفعلان كذا وكذا فأخرج هذين
الرجلين عنك قال وكان معه عبيد الله وعبد الله ابنا زياد قال فدخلت على مسعود
393

وابنا زياد عنده أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله فقلت السلام عليك
أبا قيس قال وعليك السلام قلت بعثني إليك شقيق بن ثور يقرأ عليك السلام ويقول
لك إنه بلغني فرد الكلام بعينه إلى فأخرجهما عنك قال مسعود والله قلت ذاك فقال
عبيد الله كيف أبا ثور ونسى كنيته إنما كان يكنى أبا الفضل فقال أخوه عبد الله
إنا والله لا نخرج عنكم قد أجرتمونا وعقدتم لنا ذمتكم فلا نخرج حتى نقتل بين
أظهركم فيكون عارا عليكم إلى يوم القيامة قال وهب حدثنا الزبير بن الخريت عن أبي
لبيد أن أهل البصرة اجتمعوا فقلدوا أمرهم النعمان بن صهبان الراسبي ورجلا
من مضر ليختارا لهم رجلا فيولوه عليهم وقالوا من رضيتما لنا فقد رضيناه وقال
غير أبى لبيد الرجل المضري قيس بن الهيثم السلمي قال أبو لبيد ورأى المضري في
بنى أمية ورأى النعمان في بني هاشم فقال النعمان ما أرى أحدا أحق بهذا الامر من
فلان لرجل من بنى أمية قال وذلك رأيك قال نعم قال قد قلدتك أمري ورضيت
من رضيت ثم خرجا إلى الناس فقال المضري قد رضيت من رضى النعمان فمن
سمى لكم فأنا به راض فقالوا للنعمان ما تقول فقال ما أرى أحدا غير عبد الله بن الحارث
وهو بببة فقال المضري ما هذا الذي سميت لي قال بلى لعمري إنه لهو فرضى الناس
بعبد الله وبايعوه قال أصحابنا دعت مضر إلى العباس بن الأسود بن عوف الزهري
ابن أخي عبد الرحمن بن عوف ودعت اليمن إلى عبد الله بن الحارث بن نوفل فتراضى
الناس أن حكموا قيس بن الهيثم والنعمان بن صهبان الراسبي لينظر في أمر الرجلين
فاتفق رأيهما على أن يوليا المضري الهاشمي إلى أن يجتمع أمر الناس على إمام
فقيل في ذلك:
نزعنا وولينا وبكر بن وائل * تجر خصاها تبتغى من تحالف
فلما أمروا ببة على البصرة ولى شرطته هميان بن عدي السدوسي (قال أبو جعفر) وأما
أبو عبيدة فيما حدثني محمد بن علي عن أبي سعدان عنه قص من خبر مسعود وعبيد الله
ابن زياد وأخيه غير القصة التي قصها وهب بن جرير عمن روى عنهم خبرهم قال حدثني
مسلمة بن محارب بن سلم بن زياد وغيره من آل زياد عمن أدرك ذلك منهم ومن مواليهم
394

والقوم أعلم بحديثهم ان الحارث بن قيس لم يكلم مسعودا ولكنه آمن عبيد الله
فحمل معه مائة ألف درهم ثم أتى بها إلى أم بسطام امرأة مسعود وهى بنت عمه
ومعه عبيد الله وعبد الله ابنا زياد فاستأذن عليها فأذنت له فقال لها الحارث قد أتيتك
بأمر تسودين به نساءك وتتمين به شرف قومك وتعجلين غنى ودنيا لك خاصة هذه
مائة ألف درهم فاقبضها فهي لك وضمي عبيد الله قالت إني أخاف ألا يرضى مسعود
بذلك ولا يقبله فقال الحارث ألبسيه ثوبا من أثوابك وأدخليه بيتك وخلى بيننا
وبين مسعود فقبضت المال وفعلت فلما جاء مسعود أخبرته فأخذ برأسها فخرج
عبيد الله والحارث من حجلتها عليه فقال عبيد الله قد أجازتني ابنة عمك عليك
وهذا ثوبك على وطعامك في بطني وقد التفت على بيتك وشهد له على ذلك الحارث
وتلطفا له حتى رضى قال أبو عبيدة وأعطى عبيد الله الحارث نحوا من خمسين ألفا
فلم يزل عبيد الله في بيت مسعود حتى قتل مسعود قال أبو عبيدة فحدثني يزيد بن سمير
الجرمي عن سوار بن عبد الله بن سعيد الجرمي قال فلما هرب عبيد الله غير أهل
البصرة بغير أمير فاختلفوا فيمن يؤمرون عليهم ثم تراضوا برجلين يختاران لهم
خيرة فيرضون بها إذا اجتمعا عليها فتراضوا بقيس بن الهيثم السلمي وبنعمان بن
سفيان الراسبي راسب بن جرم بن رباب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة
أن يختارا من يرضيان لهم فذكرا عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن
عبد المطلب وأمه هند بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية وكان يلقب ببة وهو جد
سليمان بن عبد الله بن الحارث وذكرا عبد الله بن الأسود الزهري فلما أطبقا عليهما
اتعد المربد وواعد الناس أن يجتمع آراؤهم على أحد هذين قال فحضر الناس وحضرت
معهم قارعة المربد أي أعلاه فجاء قيس بن الهيثم ثم جاء النعمان بعد فتجاول قيس
والنعمان فأرى النعمان قيسا أن هواه في ابن الأسود ثم قال إنا لا نستطيع أن نتكلم
معا وأراده أن يجعل الكلام إليه ففعل قيس وقد أعتقد أحدهما على الآخر فأخذ
النعمان على الناس عهدا ليرضون بما يختار قال ثم أتى النعمان عبد الله بن الأسود
فأخذه بيده وجعل يشترط عليه شرائط حتى ظن الناس انه مبايعه ثم تركه وأخذ
395

بيد عبد الله بن الحارث فاشترط عليه مثل ذلك ثم حمد الله تعالى وأثنى عليه وذكر
النبي صلى الله عليه وسلم وحق أهل بيته وقرابته ثم قال يا أيها الناس ما تنقمون من
رجل من بنى عم نبيكم صلى الله عليه وسلم وأمه هند بنت أبي سفيان فإن كان فيهم
فهو ابن أختكم ثم صفق على يده وقال ألا إني قد رضيت لكم به فنادوا قد رضينا
فأقبلوا بعبد الله بن الحارث إلى دار الامارة حتى نزلها وذلك في أول جمادى الآخرة
سنة 64 واستعمل على شرطته هميان بن عدي السدوسي ونادى في الناس أن احضروا
البيعة فحضروا فبايعوه فقال الفرزدق حين بايعه:
وبايعت أقواما وفيت بعهدهم * وببة قد بايعته غير نادم
قال أبو عبيدة فحدثني زهير بن هنيدة عن عمرو بن عيسى قال كان منزل
مالك بن مسمع الجحدري في الباطنة عند باب عبد الله الأصبهاني في خط بنى
جحدر الذي عند مسجد الجامع فكان مالك يحضر المسجد فبينا هو قاعد فيه
وذلك بعد يسير من أمر ببة وافى الحلقة رجل من ولد عبد الله عامر بن
كريز القرشي يريد ببة ومعه رسالة من عبد الله بن خازم وبيعته بهراة فتنازعوا
فأغلظ القرشي لمالك فلطم رجل من بكر بن وائل القرشي فتهايج من ثم من
مضر وربيعة وكثرتهم ربيعة الذين في الحلقة فنادى رجل يأل تميم فسمعت
الدعوة عصبة من ضبة بن أد كانوا عند القاضي فأخذوا رماح حرس من المسجد
وترستهم ثم شدوا على الربعيين فهزموهم وبلغ ذلك شقيق بن ثور السدوسي
وهو يومئذ رئيس بكر بن وائل فأقبل إلى المسجد فقال لا تجدن مضريا إلا قتلتموه
فبلغ ذلك مالك بن مسمع فأقبل متفضلا يسكن الناس فكف بعضهم عن بعض
فمكث الناس شهرا أو أقل وكان رجل من بنى يشكر يجالس رجلا من بنى ضبة
في المسجد فتذاكرا لطمة البكري القرشي ففخر اليشكري قال ثم قال ذهبت
طلقا فأحفظ الصبى بذلك فوجأ عنقه فوقذه الناس في الجمعة فحمل إلى أهله ميتا
أعنى اليشكري فثارت بكر إلى رأسهم أشيم بن شقيق فقالوا سر بنا فقال بل
أبعث إليهم رسولا فإن سيبوا لنا حقنا وإلا سرنا إليهم فأبت ذلك بكر فأتوا مالك
396

ابن مسمع وقد كان قبل ذلك مملكا عليهم قبل أشيم فغلب أشيم على الرئاسة حين
شخص أشيم إلى يزيد بن معاوية فكتب له إلى عبيد الله بن زياد أن ردوا الرئاسة
إلى أشيم فأبت اللهازم وهم بنو قيس بن ثعلبة وحلفاؤهم عنزة وشيع اللات
وحلفاؤها عجل حتى توافواهم وآل ذهل بن شيبان وحلفاؤها يشكر وذهل بن
ثعلبة وحلفاؤها ضبيعة بن ربيعة بن نزار أربع قبائل وأربع قبائل وكان هذا
الحلف في أهل الوبر في الجاهلية فكانت حنيفة بقيت من قبائل بكر لم تكن دخلت
في الجاهلية في هذا الحلف لانهم أهل مدر فدخلوا في الاسلام مع أخيهم عجل
فصاروا لهزمة ثم تراضوا بحكم عمران بن عصام العنزي أحد بنى هميم وردها
إلى أشيم فلما كانت هذه الفتنة استخفت بكر مالك بن مسمع فخف وجمع وأعد
فطلب إلى الأزد أن يجددوا الحلف الذي كان بينهم قبل ذلك في الجماعة على يزيد
ابن معاوية فقال حارثة بن بدر في ذلك:
نزعنا وأمرنا وبكر بن وائل * تجر خصاها تبتغى من تحالف
وما بات بكري من الدهر ليلة * فيصبح إلى وهو للذل عارف
قال فبلغ عبيد الله الخبر وهو في رحل مسعود من تباعد ما بين بكر وتميم فقال
لمسعود الق مالكا فجدد الحلف الأول فلقيه فترادا ذلك وتأبى عليهما نفر من
هؤلاء وأولئك فبعث عبيد الله أخاه عبد الله مع مسعود فأعطاه جزيلا من المال
حتى أنفق في ذلك أكثر من مائتي ألف درهم على أن بايعوهما وقال عبيد الله
لأخيه استوثق من القوم لأهل اليمن فجددوا الحلف وكتبوا بينهم كتابا سوى
الكتابين اللذين كانا كتبا بينهما في الجماعة فوضعوا كتابا عند مسعود بن عمرو
قال أبو عبيدة فحدثني بعض ولد مسعود أن أول تسمية من فيه الصلت بن حريث
ابن جابر الحنفي ووضعوا كتابا عند الصلت بن حريث أول تسميته ابن رجاء
العوذي من عوذ بن سود وقد كان بينهم قبل هذا حلف قال أبو عبيدة وزعم محمد
ابن حفص ويونس بن حبيب وهبيرة بن جدير وزهير بن هنيد أن مضر كانت
تكثر ربيعة بالبصرة وكانت جماعة الأزد آخر من نزل بالبصرة كانوا حيث
397

مصرت البصرة فحول عمر بن الخطاب رحمه الله من تنوخ من المسلمين إلى البصرة
وأقامت جماعة الأزد لم يتحولوا ثم لحقوا بالبصرة بعد ذلك في آخر خلافة معاوية
وأول خلافة يزيد بن معاوية فلما قدموا قالت بنو تميم للأحنف بادر إلى هؤلاء
قبل أن تسبقنا إليهم ربيعة وقال الأحنف إن أتوكم فاقبلوهم وإلا لا تأتوهم فإنكم
إن أتيتموهم صرتم لهم أتباعا فأتاهم مالك بن مسمع ورئيس الأزد يومئذ مسعود
ابن عمرو المعنى فقال مالك جددوا حلفنا وحلف كندة في الجاهلية وحلف بنى ذهل
ابن ثعلبة في طيئ بن أدد من ثعل فقال الأحنف أما إذ أتوهم فلن يزالوا لهم أتباعا
أذنابا قال أبو عبيدة فحدثني هبيرة بن جدير عن إسحاق بن سويد قال فلما أن جرت
بكر إلى نصر الأزد على مضر وجددوا الحلف الأول وأرادوا أن يسيروا قالت
الأزد لا نسير معكم إلا أن يكون الرئيس منا فرأسوا مسعودا عليهم قال أبو عبيدة
فحدثني مسلمة بن محارب قال قال مسعود لعبيد الله سر معنا حتى نعيدك في الدار فقال
ما أقدر على ذلك امض أنت وأمر برواحله فشدوا عليها أدواتها وسوادها وتزمل
في أهبة السفر وألقوا له كرسيا على باب مسعود فقعد عليه وسار مسعود وبعث
عبيد الله غلمانا له على الخيل مع مسعود وقال لهم إني لا أدرى ما يحدث فأقول إذا
كان كذا فليأتني بعضكم بالخبر ولكن لا يحدثنا خير ولا شر إلا أتاني بعضكم به فجعل
مسعود لا يأتي على سكة ولا يتجاوز قبيلة إلا أتى بعض أولئك الغلمان بخبر ذلك
وقدم مسعود ربيعة وعليهم مالك بن مسمع فأخذوا جميعا سكة المربد فجاء مسعود
حتى دخل المسجد فصعد المنبر وعبد الله بن الحارث في دار الامارة فقيل له إن مسعودا
وأهل اليمن وربيعة قد ساروا وسيهيج بين الناس شر فلو أصلحت بينهم أو ركبت
في بنى تميم عليهم وقال أبعدهم الله لا والله لا أفسدت نفسي في إصلاحهم وجعل رجل
من أصحاب مسعود يقول:
لأنكحن ببه * جارية في قبه * تمشط رأس لعبه
فهذا قول الأزد وربيعة فأما مضر فيقولون إن أمه هند بنت أبي سفيان كانت
ترقصه وتقول هذا فلما لم يحل أحد بين مسعود وبين صعود المنبر خرج مالك بن
398

مسمع في كتيبته حتى علا الجبان من سكة المربد ثم جعل يمر بعداد دور بنى تميم
حتى دخل سكة بنى العدوية من قبل الجبان فجعل يحرق دورهم للشحناء التي
في صدورهم لقتل الضبي اليشكري ولاستعراض ابن خازم ربيعة بهراة قال فبينا
هو في ذلك إذ أتوه فقالوا قتلوا مسعودا وقالوا سارت بنو تميم إلى مسعود فأقبل
حتى إذا كان عند مسجد بنى قيس في سكة المربد وبلغه قتل مسعود وقف قال
أبو عبيدة فحدثني زهير بن هنيدة قال حدثنا الضحاك أو الوضاح بن خيثمة أحد
بنى عبد الله بن دارم قال حدثني مالك بن دينار قال ذهبت في الشباب الذين ذهبوا
إلى الأحنف ينظرون قال فأتيته وأتته بنو تميم فقالوا إن مسعودا قد دخل الدار
وأنت سيدنا فقال لست بسيدكم إنما سيدكم الشيطان وأما هبيرة بن جدير فحدثني
عن إسحاق بن سويد العدوي قال أوتيت منزل الأحنف في النظارة فأتوا الأحنف
فقالوا يا أبا بحر إن ربيعة والأزد قد دخلوا الرحبة فقال لستم بأحق بالمسجد منهم
ثم أتوه فقالوا قد دخلوا الدار فقال لستم بأحق بالدار منهم فتسرع سلمة بن ذؤيب
الرياحي فقال إلى يا معشر الفتيان فإنما هذا جيش لا خير لكم عنده فبدرت ذؤبان
بنى تميم فانتدب معه خمسمائة وهم مع ماه أفريذون فقال لهم سلمة أين تريدون قالوا
إياكم أردنا قال فتقدموا قال أبو عبيدة فحدثني زهير بن هنيدة عن أبي نعامة عن
ناشب بن الحسحاس وحميد بن هلال قالا أتينا منزل الأحنف بحضرة المسجد قالا
فكنا فيمن ينظر فأتته امرأة بمجمر فقالت مالك وللرئاسة تجمر فإنما أنت امرأة
فقال است المرأة أحق بالمجمر فأتوه فقالوا إن علية بنت ناجية الرياحي وهى أخت
مطر وقال آخرون عزة بنت الحر الرياحية قد سلبت خلاخيلها من ساقيها وكان
منزلها شارعا في رحبة بنى تميم على الميضاة وقالوا قتلوا الصباغ الذي على طريقك
وقتلوا المقعد الذي كان على باب المسجد وقالوا إن مالك بن مسمع قد دخل سكة
بنى العدوية من قبل الجبان فحرق دورا فقال الأحنف أقيموا البينة على هذا ففي
دون هذا ما يحل قتالهم فشهدوا عنده على ذلك فقال الأحنف أجاء عباد وهو عباد
ابن حصين بن يزيد بن عمرو بن أوس بن سيف بن عزم بن حلزة بن بيان بن سعد
399

ابن الحارث الحبطة بن عمرو بن تميم قالوا لا ثم مكث غير طويل فقال أجاء عباد
قالوا لا قال فهل ههنا عبس بن طلق بن ربيعة بن عامر بن بسطام بن الحكم بن ظالم
ابن صريم بن الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد فقالوا نعم فدعاه فانتزع معجرا في
رأسه ثم جثا على ركبتيه فعقده في رمح ثم دفعه إليه فقال سر قالا فلما ولى قال اللهم
لا تخزها اليوم فإنك لم تخزها فيما مضى وصالح الناس هاجت زيرا وزيرا أمة للأحنف
وإنما كنوا بها عنه قالا فلما سار عبس جاء عباد في ستين فارسا فسأل ما صنع الناس
فقالوا ساروا قال ومن عليهم قالوا عبس بن طلق الصريمي فقال عباد أنا أسير تحت
لواء عبس فرجع والفرسان إلى أهله فحدثني زهير قال حدثنا أبو ريحانة العريني قال
كنت يوم قتل مسعود تحت بطن فرس الزرد بن عبد الله السعدي أعدو حتى بلغنا
شريعة القديم قال إسحاق بن سويد فأقبلوا فلما بلغوا أفواه السكك وقفوا فقال لهم
ماه أفريذون بالفارسية ما لكم يا معشر الفتيان قالوا تلقونا بأسنة الرماح فقال لهم
بالفارسية صكوهم بالفنجقان أي بخمس نشابات في رمية بالفارسية والأساورة
أربعمائة فصكوهم بألفي نشابة في دفعة فأجلوا عن أبواب السكك وقاموا على باب
المسجد ودلفت التميمة إليهم فلما بلغوا الأبواب وقفوا فسألهم ماه أفريذون مالكم
قالوا أسندوا إلينا أطراف رماحهم قال ارموهم أيضا فرموهم بألفي نشابة فأجلوهم
عن الأبواب فدخلوا المسجد فأقبلوا ومسعود يخطب على المنبر ويحضض فجعل
غطفان بن أنيف بن يزيد بن فهدة أحد بنى كعب بن عمرو بن تميم وكان يزيد بن فهدة
فارسا في الجاهلية يقاتل ويحض قومه ويرتحز
يأل تميم إنها مذكوره * إن فات مسعود بها مشهوره
فاستمسكوا بجانب المقصورة
أي لا يهرب فيفوت قال إسحاق بن يزيد فأتوا مسعودا وهو على المنبر
يحض فاستنزلوه فقتلوه وذلك في أول شوال سنة 64 فلم يكن القوم شيئا فانهزموا
وبادر أشيم بن شقيق القوم باب المقصورة هاربا فطعنه أحدهم فنجا بها ففي
ذلك يقول الفرزدق
400

لو أن أشيم لم يسبق أسنتنا * وأخطأ الباب إذ نيراننا تقد
إذا لصاحب مسعودا وصاحبه * وقد تهافتت الأعفاج والكبد
قال أبو عبيدة فحدثني سلام بن أبي خيرة وسمعته أيضا من أبى الخنساء كسيب
العنبري يحدث في حلقة يونس قالا سمعنا الحسن بن أبي الحسن يقول في مجلسه في
مسجد الأمير فأقبل مسعود من ههنا وأشار بيده إلى منازل الأزد في أمثال الطير
معلما بقباء ديباج أصفر مغير بسواد يأمر الناس بالسنة وينهى عن الفتنة ألا إن
من السنة أن تأخذ فوق يديك وهم يقولون القمر القمر فوالله ما لبثوا إلا ساعة حتى
صار قمرهم قميرا فأتوه فاستنزلوه عن المنبر وهو عليه قد علم الله فقتلوه (قال
سلام في حديثه) قال الحسن وجاء الناس من ههنا وأشار بيده إلى دور بنى تميم
قال أبو عبيدة فحدثني سلمة بن محارب قال فأتوا عبيد الله فقالوا قد صعد مسعود
المنبر ولم يرم دون الدار بكتاب فبينا هم في ذلك يتهيأ ليجئ إلى الدار إذ جاؤوا فقالوا قد
قتل مسعود فأغترز في ركابه فلحق بالشام وذلك في شوال سنة 64 قال أبو عبيدة
فحدثني رواد الكعبي قال فأتى مالك بن مسمع أناس من مضر فحصروه في داره وحرقوا
ففي ذلك يقول غطفان بن أنيف الكعبي في أرجوزة
وأصبح ابن مسمع محصورا * يبغي قصورا دونه ودورا
حتى شببنا حوله السعيرا
ولما هرب عبيد الله بن زياد اتبعوه فأعجز الطلبة فانتهبوا ما وجدوا له ففي
ذلك يقول وافد بن خليفة بن أسماء أحد بنى صخر بن منقر بن عبيد بن الحارث
ابن عمرو بن كعب بن سعد
يا رب جبار شديد كلبه * قد صارفينا تاجه وسلبه
منهم عبيد الله حين نسلبه * جياده وبزه وننهبه
يوم التقى مقنبنا ومقنبه * لو لم ينج ابن زياد هربه
وقال جرهم بن عبد الله بن قيس أحد بنى العدوية في قتل مسعود في كلمة طويلة
ومسعود بن عمرو إذ أتانا * صبحنا حد مطرور سنينا
401

رجا التأمير مسعود فأضحى * صريعا قد أزرناه المنونا
(قال أبو جعفر) محمد بن جرير وأما عمر فإنه حدثني في أمر خروج عبيد الله
إلى الشأم قال حدثني زهير قال حدثنا وهب بن جرير بن حازم قال حدثنا الزبير
ابن الخريت قال بعث مسعود مع ابن زياد مائة من الأزد عليهم قرة بن عمرو بن
قيس حتى قدموا به الشأم * وحدثني عمر قال حدثنا أبو عاصم النبيل عن عمرو
بن الزبير وخلاد بن يزيد الباهلي والوليد بن هشام عن عمه عن أبيه عن
عمرو بن هبيرة عن يساف بن شريح اليشكري قال وحدثنيه علي بن محمد قال
قد اختلفوا فزاد بعضهم على بعض أن ابن زياد خرج من البصرة فقال ذات ليلة
إنه قد ثقل على ركوب الإبل فوطئوا لي على ذي حافر قال فألقيت له قطيفة على
حمار فركبه وإن رجليه لتكاد أن تخدان في الأرض قال اليشكري فإنه ليسير
أمامي إذ سكت سكتة فأطالها فقلت في نفسي هذا عبيد الله أمير العراق أمس
نائم الساعة على حمار لو قد سقط منه أعنته ثم قلت والله لئن كان نائما لأنغصن
عليه نومه فدنوت منه فقلت أنائم أنت قال لا قلت فما أسكتك قال كنت أحدث
نفسي قلت أفلا أحدثك ما كنت تحدث به نفسك قال هات فوالله ما أراك تكيس
ولا تصيب قال قلت كنت تقول ليتني لم أقتل الحسين قال وماذا قلت تقول ليتني
لم أكن قتلت من قتلت قال وماذا قلت كنت تقول ليتني لم أكن بنيت البيضاء
قال وماذا قلت تقول ليتني لم أكن استعملت الدهاقين قال وماذا قلت وتقول
ليتني كنت أسخى مما كنت قال فقال والله ما نطقت بصواب ولا سكت عن خطأ
أما الحسين فإنه سار إلى يريد قتلى فاخترت قتله على أن يقتلني وأما البيضاء فانى
اشتريتها من عبد الله بن عثمان الثقفي وأرسل يزيد بألف ألف فأنفقتها عليها فان
بقيت فلأهلي وإن هلكت لم آس عليها مما لم أعنف فيه وأما استعمال الدهاقين فان
عبد الرحمن بن أبي بكرة وزاذان فروخ وقعا في عند معاوية حتى ذكرا قشور
الأرز فبلغا بخراج العراق مائة ألف ألف فخيرني معاوية بين الضمان والعزل
فكرهت العزل فكنت إذا استعملت الرجل من العرب فكسر الخراج فتقدمت
402

إليه أو أغرمت صدور قومه أو أغرمت عشيرته أضررت بهم وإن تركته تركت
مال الله وأنا أعرف مكانه فوجدت الدهاقين أبصر بالجباية وأوفى بالأمانة
وأهون في المطالبة منكم مع أنى قد جعلتكم أمناء عليهم لئلا يظلموا أحدا وأما قولك
في السخاء فوالله ما كان لي مال فأجود به عليكم ولو شئت لأخذت بعض مالكم
فخصصت به بعضكم دون بعض فيقولون ما أسخاه ولكني عممتكم وكان عندي أنفع
لكم وأما قولك ليتني لم أكن قتلت من قتلت فما عملت بعد كلمة الاخلاص عملا هو
أقرب إلى الله عندي من قتلى من قتلت من الخوارج ولكني سأخبرك بما حدثت به
نفسي قلت ليتني كنت قاتلت أهل البصرة فإنهم بايعوني طائعين غير مكرهين وأيم الله
لقد حرصت على ذلك ولكن بنى زياد أتوني فقالوا انك إذا قاتلتهم فظهروا عليك
لم يبقوا منا أحدا وإن تركتهم يغيب الرجل منا عند أخواله وأصهاره فرفقت لهم
فلم أقاتل وكنت أقول ليتني كنت أخرجت أهل السجن فضربت أعناقهم فأما إذ
فاتت هاتان فليتني كنت أقدم الشأم ولم يبرموا أمرا قال بعضهم فقدم الشأم ولم
يبرموا أمرا فكأنما كانوا معه صبيانا وقال بعضهم قدم الشأم وقد أبرموا فنقض
ما أبرموا إلى رأيه (وفى هذه السنة) طرد أهل الكوفة عمرو بن حريث وعزلوه
عنهم واجتمعوا على عامر بن مسعود
ذكر الخبر عن عزلهم عمرو بن حريث وتأميرهم عامرا
(قال أبو جعفر) ذكر الهيثم بن عدي قال حدثنا ابن عياش قال كان أول من
جمع له المصران الكوفة والبصرة زيادا وابنه فقتلا من الخوارج ثلاثة عشر ألفا
وحبس عبيد الله منهم أربعة آلاف فلما هلك يزيد قام خطيبا فقال إن الذي كنا نقاتل
عن طاعته قد مات فإن أمرتموني جبيت فيئكم وقاتلت عدوكم وبعث بذلك
إلى أهل الكوفة مقاتل بن مسمع وسعيد بن قرحا أحد بنى مازن وخليفتا
على الكوفة عمرو بن حريث فقاما بذلك فقام يزيد بن الحارث بن رويم
الشيباني فقال الحمد لله الذي أراحنا من ابن سمية لا ولا كرامة فأمر به عمر فلبب
ومضى به إلى السجن فحالت بكر بينهم وبينه فانطلق يزيد إلى أهله خائفا فأرسل
403

إليه محمد بن الأشعث أنك على رأيك وتتابعت عليه الرسل بذلك وصعد عمرو
المنبر فحصبوه فدخل داره واجتمع الناس في المسجد فقالوا نؤمر رجلا إلى أن
يجتمع الناس على خليفة فأجمعوا على عمرو بن سعيد فجاءت نساء همدان يبكين
حسينا ورجالهم متقلدو السيوف فأطافوا المنبر فقال محمد بن الأشعث جاء أمر
غير ما كنا فيه وكانت كندة تقوم بأمر عمرو بن سعيد لانهم أخواله فاجتمعوا
على عامر بن مسعود وكتبوا بذلك إلى ابن الزبير فأقره وأما عوانة بن الحكم
فإنه قال فيما ذكر هشام بن محمد عنه لما بايع أهل البصرة عبيد الله بن زياد
بعث وافدين من قبله إلى الكوفة عمرو بن مسمع وسعد بن القرحا التميمي ليعلم
أهل الكوفة ما صنع أهل البصرة ويسألانهم البيعة لعبيد الله بن زياد حتى
يصطلح الناس فجمع الناس عمرو بن حريث فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن
هذين الرجلين قد أتياكم من قبل أميركم يدعوانكم إلى أمر يجمع الله به كلمتكم
ويصلح به ذات بينكم فاسمعوا منهما واقبلوا عنهما فإنهما برشد ما أتياكم فقام
عمرو بن مسمع فحمد الله وأثنى عليه وذكر أهل البصرة واجتماع رأيهم
على تأمير عبيد الله بن زياد حتى يرى الناس رأيهم فيمن يولون عليهم وقد جئناكم
لنجمع أمرنا وأمركم فيكون أميرنا وأميركم واحدا فإنما الكوفة من البصرة
والبصرة من الكوفة وقام ابن القرحا فتكلم نحوا من كلام صاحبه قال فقام يزيد
ابن الحارث بن يزيد الشيباني وهو ابن رويم فحصبهما أول الناس ثم حصبهما
الناس بعد ثم قال أنحن نبايع لابن مرجانة لا ولا كرامة فشرفت تلك الفعلة
يزيد في المصر ورفعته ورجع الوفد إلى البصرة فأعلم الناس الخبر فقالوا أهل
الكوفة يخلعونه وأنتم تولونه وتبايعونه فوثب به الناس وقال ما كان في ابن زياد
وصمة إلا استجارته بالأزد قال فلما نابذه الناس استجار بمسعود بن عمرو
الأزدي فأجاره ومنعه فمكث تسعين يوما بعد موت يزيد ثم خرج إلى الشأم
وبعث الأزد وبكر بن وائل رجالا منهم معه حتى أوردوه الشأم فاستخلف حين
توجه إلى الشأم مسعود بن عمرو على البصرة فقالت بنو تميم وقيس لا نرضى ولا
404

نجيز ولا نولي إلا رجلا ترضاه جماعتنا فقال مسعود فقد استخلفني فلا أدع ذلك
أبدا فخرج في قومه حتى انتهى إلى القصر فدخله واجتمعت تميم إلى الأحنف بن
قيس فقالوا له إن الأزد قد دخلوا المسجد قال ودخل المسجد فمه إنما هو لكم
ولهم وأنتم تدخلونه قالوا فإنه قد دخل القصر فصعد المنبر وكانت خوارج قد
خرجوا فنزلوا بنهر الأساورة حين خرج عبيد الله بن زياد إلى الشأم فزعم الناس
أن الأحنف بعث إليهم أن هذا الرجل الذي قد دخل القصر لنا ولكم عدو فما
يمنعكم من أن تبدؤا به فجاءت عصابة منهم حتى دخلوا المسجد ومسعود بن عمرو
على المنبر يبايع من أتاه فيرميه علج يقال له مسلم من أهل فارس دخل البصرة
فأسلم ثم دخل في الخوارج فأصاب قلبه فقتله وخرج وجال الناس بعضهم في
بعض فقالوا قتل مسعود بن عمرو قتلته الخوارج فخرجت الأزد إلى تلك الخوارج
فقتلوا منهم وجرحوا وطردوهم عن البصرة ودفنوا مسعودا فجاءهم الناس فقالوا
لهم تعلمون أن بنى تميم يزعمون أنهم قتلوا مسعود بن عمرو فبعثت الأزد تسأل
عن ذلك فإذا أناس منهم يقولونه فاجتمعت الأزد عند ذلك فرأسوا عليهم زياد
ابن عمرو العتكي ثم ازدلفوا إلى بنى تميم وخرجت مع بنى تميم قيس وخرج مع
الأزد مالك بن مسمع وبكر بن وائل فأقبلوا نحو بنى تميم وأقبلت تميم إلى الأحنف
يقولون قد جاء القوم اخرج وهو متمكث إذ جاءته امرأة من قومه بمجمر
فقالت يا أحنف اجلس على هذا أي إنما أنت امرأة فقال استك أحق بها فما سمع
منه بعد كلمة كانت أرفث منها وكان يعرف بالحلم ثم إنه دعا برايته فقال اللهم
انصرها ولا تذللها وإن نصرتها ألا يظهر بها ولا يظهر عليها اللهم احقن دماءنا
وأصلح ذات بيننا ثم سار وسار ابن أخيه إياس بن معاوية بين يديه فالتقى القوم
فاقتتلوا أشد القتال فقتل من الفريقين قتلى كثيرة فقالت لهم بنو تميم الله الله يا معشر
الأزد في دمائنا ودمائكم بيننا وبينكم القرآن ومن شئتم من أهل الاسلام فإن
كانت لكم علينا بينة أنا قتلنا صاحبكم فاختاروا أفضل رجل فينا فاقتلوه
بصاحبكم وإن لم تكن لكم بينة فإنا نحلف بالله ما قتلنا ولا أمرنا ولا نعلم
405

لصاحبكم قاتلا وإن لم تريدوا ذلك فنحن ندى صاحبكم بمائة ألف درهم
فاصطلحوا فأتاهم الأحنف بن قيس في وجوه مضر إلى زياد بن عمرو العتكي
فقال يا معشر الأزدي أنتم جيرتنا في الدار وإخوتنا عند القتال وقد آتيناكم في
رحالكم لاطفاء حشيشتكم وسل سخيمتكم ولكم الحكم مرسلا فقولوا على
أحلامنا وأموالنا فإنه لا يتعاظمنا ذهاب شئ من أموالنا كان فيه صلاح بيننا
فقالوا أتدون صاحبنا عشر ديات قال هي لكم فانصرف الناس واصطلحوا فقال
الهيثم بن الأسود
أعلى بمسعود الناعي فقلت له * نعم اليماني تجرأ على الناعي
أوفى ثمانين ما يسطيعه أحد * فتى دعاه لرأس العدة الداعي
أدى ابن حرب وقد سدت مذاهبه * فأوسع السرب منه أي إيساع
حتى توارث به أرض وعامرها * وكان ذا ناصر فيها وأشياع
وقال عبد الله بن الحر
ما زلت أجو الأزد حتى رأيتها * تقصر عن بنيانها المتطاول
أيقتل مسعود ولم يثأروا به * وصارت سيوف الأزد مثل المناجل
وما خير عقل أورث الأزد ذلة * تسب به أحياؤهم في المحافل
على أنهم شمط كأن لحاهم * ثعالب في أعناقها كالجلاجل
واجتمع أهل البصرة على أن يجعلوا عليهم منهم أميرا يصلى بهم حتى يجتمع
الناس على إمام فجعلوا عبد الملك بن عبد الله بن عامر شهرا ثم جعلوا ببة وهو
عبد الله بن الحارث بن عبد المطلب فصلى بهم شهرين ثم قدم عليهم عمر بن عبد الله
بن معمر بن قبل ابن الزبير فمكث شهرا ثم قدم الحارث بن عبد الله بن ربيعة
المخزومي بعزله فوليها الحارث وهو القباع (قال أبو جعفر) وأما عمر بن شبة
فإنه حدثني في أمر عبد الملك بن عبد الله بن عامر بن كريز وأمر ببة ومسعود
وقتله وأمر عمر بن عبد الله غير ما قال هشام عن عوانة والذي حدثني عمر بن
شبة في ذلك أنه قال حدثني علي بن محمد عن أبي مقرن عبيد الله الدهني قال لما
406

بايع الناس ببة ولى ببة شرطته هميان بن عدي وقدم على ببة بعض أهل المدينة
وأمر هميان بن عدي بإنزاله قريبا منه فأتى هميان دارا للفيل مولى زياد التي في
بنى سليم وهم بتفريغها لينزلها إياه وقد كان هرب وأقفل أبوابه فمنعت بنو سليم
هميان حتى قاتلوه واستصرخوا عبد الملك بن عبد الله بن عامر بن كريز فأرسل
بخاريته ومواليه في السلاح حتى طردوا هميان ومنعوه الدار وغدا عبد الملك
من الغد إلى دار الامارة ليسلم على ببة فلقيه على الباب رجل من بنى قيس بن ثعلبة
فقال أنت المعين علينا بالأمس فرفع يده فلطمه فضرب قوم من البخارية يد
القيسي فأطارها ويقال بل سلم القيسي وغضب ابن عامر فرجع وغضبت له
مضر فاجتمعت وأتت بكر بن وائل أشيم بن شقيق بن ثور فاستصرخوه
فأقبل ومعه مالك بن مسمع حتى صعد المنبر فقال أي مضري وجدتموه فاسلبوه
وزعم بنو مسمع أن مالكا جاء يومئذ متفضلا في غير سلاح ليرد أشيم عن رأيه
ثم انصرفت بكر وقد تحاجزوا هم والمضرية واغتنمت الأزد ذلك فحالفوا بكرا
وأقبلوا مع مسعود إلى المسجد الجامع وفزعت تميم إلى الأحنف فعقد عمامته على
قناة ودفعها إلى سلمة بن ذؤيب الرياحي فأقبل بين يديه الأساورة حتى دخل
المسجد ومسعود يخطب فاستنزلوه فقتلوه وزعمت الأزد أن الأزارقة قتلوه فكانت
الفتنة وسفر بينهم عمر بن عبيد الله بن معمر وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام
حتى رضيت الأزد من مسعود بعشر ديات ولزم عبد الله بن الحارث بينته وكان
يتدين وقال ما كنت لأصلح الناس بفساد نفسي قال عمر قال أبو الحسن فكتب
أهل البصرة إلى ابن الزبير فكتب إلى أنس بن مالك يأمره بالصلاة بالناس فصلى
بهم أربعين يوما * حدثني عمر قال حدثنا علي بن محمد قال كتب ابن الزبير إلى عمر
ابن عبيد الله بن معمر التيمي بعهده على البصرة ووجه به إليه فوافقه وهو متوجه
يريد العمرة فكتب إلى عبيد الله يأمره أن يصلى بالناس فصلى بهم حتى قدم عمر
* حدثني عمر قال حدثني زهير بن حرب قال حدثنا وهب بن جرير قال حدثني أبي
قال سمعت محمد بن الزبير قال كان الناس اصطلحوا على عبد الله بن الحارث
407

الهاشمي فولى أمرهم أربعة أشهر وخرج نافع بن الأزرق إلى الأهواز فقال الناس
لعبد الله إن الناس قد أكل بعضهم بعضا تؤخذ المرأة من الطريق فلا يمنعها أحد
حتى تفضح قال فتريدون ماذا قالوا تضع سيفك وتشد على الناس قال ما كنت
لأصلحهم بفساد نفسي يا غلام ناولني نعلي فانتعل ثم لحق بأهله وأمر الناس عليهم
عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي قال أبى عن الصعب بن زيد إن الجارف وقع وعبد الله
على البصرة فماتت أمه في الجارف فما وجدوا لها من يحملها حتى استأجروا لها
أربعة أعلاج فحملوها إلى حفرتها وهو الأمير يومئذ * حدثني عمر قال حدثني
علي بن محمد قال كان ببة قد تناول في عمله على البصرة أربعين ألفا من بيت المال
فاستودعها رجلا فلما قدم عمر بن عبيد الله أميرا أخذ عبد الله بن الحارث فحبسه
وعذب مولى له في ذلك المال حتى أغرمه إياه * حدثني عمر قال حدثني علي بن محمد
عن القافلاني عن يزيد بن عبد الله بن الشخير قال قلت لعبد الله بن الحارث بن نوفل
رأيتك زمان استملت علينا أصبت من المال واتقيت الدم فقال إن تبعة المال أهون
من تبعة الدم (وفى هذه السنة) ولى أهل الكوفة عامر بن مسعود أمرهم فذكر هشام
بن محمد الكلبي عن عوانة بن الحكم أنهم لما ردوا وافدي أهل البصرة اجتمع
أشراف أهل الكوفة فاصطلحوا على أن يصلى بهم عامر بن مسعود وهو عامر بن
مسعود بن خلف القرشي وهو دحرجة الجعل الذي يقول فيه عبد الله بن همام السلولي
أشدد يديك بزيد إن ظفرت به. * واشف الأرامل من دحروجة الجعل
وكان قصيرا حتى يرى الناس رأيهم فمكث ثلاثة أشهر من مهلك يزيد بن معاوية
ثم قدم عليهم عبد الله بن يزيد الأنصاري ثم الخطمي على الصلاة وإبراهيم بن محمد
ابن طلحة عبيد الله على الخراج فاجتمع لابن الزبير أهل الكوفة وأهل البصرة
ومن بالقبلة من العرب وأهل الشأم وأهل الجزيرة إلا أهل الأردن (وفى هذه
السنة) بويع لمروان بن الحكم بالخلافة بالشام
ذكر السبب في البيعة له
* حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال حدثنا محمد بن عمر قال لما بويع
408

عبد الله بن الزبير ولى المدينة عبيدة بن الزبير وعبد الرحمن بن جحدم الفهري مصر
وأخرج بنى أمية ومروان بن الحكم إلى الشأم وعبد الملك يومئذ ابن ثمان
وعشرين فلما قدم حصين بن نمير ومن معه إلى الشأم أخبر مروان بما خلف
عليه ابن الزبير وأنه دعاه إلى البيعة فأبى فقال له ولبنى أمية نحن نراكم في اختلاط
شديد فأقيموا أمركم قبل أن يدخل عليكم شأمكم فتكون فتنة عمياء صماء فكان
من رأى مروان أن يرحل فينطلق إلى ابن الزبير فيبايعه فقدم عبيد الله بن زياد
واجتمعت عنده بنو أمية وكان قد بلغ عبيد الله ما يريد مروان فقال له استحييت
لك مما تريد أنت كبير قريش وسيدها تصنع ما تصنعه فقال ما فات شئ بعد فقام
معه بنو أمية ومواليهم وتجمع إليه أهل اليمن فسار وهو يقول ما فات شئ بعد فقدم
دمشق ومن معه والضحاك بن قيس الفهري قد بايعه أهل دمشق على أن يصلى بهم
ويقيم لهم أمرهم حتى يجتمع أمر أمة محمد (وأما عوانة) فإنه قال فيما ذكر هشام
عنه أن يزيد بن معاوية لما مات وابنه معاوية من بعده وكان معاوية بن يزيد
ابن معاوية فيما بلغني أمر بعد ولايته فنودي بالشام الصلاة جامعة فحمد الله وأثنى
عليه ثم قال أما بعد فإني قد نظرت في أمركم فضعفت عنه فابتغيت لكم رجلا مثل
عمر بن الخطاب رحمة الله عليه حين فزع إليه أبو بكر فلم أجده فابتغيت لكم سنة
في الشورى مثل سنة عمر فلم أجدها فأنتم أولى بأمركم فاختاروا له من أحببتم
ثم دخل منزله ولم يخرج إلى الناس وتغيب حتى مات فقال بعض الناس دس إليه
فسقى سما وقال بعضهم طعن (رجع الحديث إلى حديث عوانة) ثم قدم
عبيد الله بن زياد دمشق وعليها الضحاك بن قيس الفهري فثار زفر بن عبد الله الكلابي
بقنسرين يبايع لعبد الله بن الزبير وبايع النعمان بن بشير الأنصاري بحمص لابن الزبير
وكان حسان بن مالك بن بحدل الكلبي بفلسطين عاملا لمعاوية بن أبي سفيان ثم ليزيد
أبن معاوية بعده وكان يهوى بنى أمية وكان سيد أهل فلسطين فدعا حسان بن مالك بن
بحدل الكلبي روح بن زنباع الجذامي فقال إني مستخلفك على فلسطين وأدخل
هذا الحي من لخم وجذام ولست بدون رجل إذ كنت عينهم قاتلت بمن معك
409

من قومك وخرج حسان بن مالك إلى الأردن واستخلف روح بن زنباع على
فلسطين فثار تاثل بن قيس بروح بن زنباع فأخرجه فاستولى على فلسطين وبايع
لابن الزبير وقد كان عبد الله ابن الزبير كتب إلى عامله بالمدينة أن ينفى بنى أمية
من المدينة فنفوا بعيالاتهم ونسائهم لي الشأم فقدمت بنو أمية دمشق وفيها مروان
ابن الحكم فكان الناس فريقين حسان بن مالك بالأردن يهوى هوى بنى أمية
ويدعو إليهم والضحاك بن قيس الفهري بدمشق يهوى هوى عبد الله بن الزبير
ويدعو إليه قال فقام حسان بن مالك بالأردن فقال يا أهل الأردن ما شهادتكم على
ابن الزبير وعلى قتلى أهل الحرة قالوا نشهد أن ابن الزبير منافق وأن قتلى أهل الحرة
في النار قال فما شهادتكم على يزيد بن معاوية وقتلاكم بالحرة قالوا نشهد أن يزيد
على الحق وأن قتلانا في الجنة قال وأنا أشهد لئن كان دين يزيد بن معاوية وهو
حي حقا يومئذ إنه اليوم وشيعته على حق وإن كان ابن الزبير يومئذ وشيعته
على باطل إنه اليوم على باطل وشيعته قالوا له قد صدقت نحن نبايعك على أن
نقاتل من خالفك من الناس وأطاع ابن الزبير على أن تجنبنا هذين الغلامين فإنا
نكره ذلك يعنون ابني يزيد بن معاوية عبد الله وخالدا فإنهما حديثه أسنانهما
ونحن نكره أن يأتينا الناس بشيخ ونأتيهم بصبى وقد كان الضحاك بن قيس
بدمشق يهوى هوى ابن الزبير وكان يمنعه من إظهار ذلك أن بنى أمية كانوا بحضرته
وكان يعمل في ذلك سرا فبلغ ذلك حسان بن مالك بن بحدل فكتب إلى الضحاك
كتابا يعظم فيه حق بنى أمية ويذكر الطاعة والجماعة وحسن بلاء بنى أمية عنده
وصنيعهم إليه ويدعوه إلى طاعتهم ويذكر ابن الزبير ويقع فيه ويشتمه ويذكر
أنه منافق قد خلع خليفتين وأمره أن يقرأ كتابه على الناس ودعا رجلا من كلب
يدعى ناغضة فسرح بالكتاب معه إلى الضحاك بن قيس وكتب حسان بن مالك
نسخة ذلك الكتاب ودفعه إلى ناغضة وقال إن قرأ الضحاك كتابي على الناس
وإلا فقم فاقرأ هذا الكتاب على الناس وكتب حسان إلى بنى أمية يأمرهم أن
يحضروا ذلك فقدم ناغضة بالكتاب على الضحاك فدفعه إليه ودفع كتاب بنى أمية
410

إليهم فلما كان يوم الجمعة صعد الضحاك المنبر فقام إليه ناغضة فقال أصلح الله
الأمير ادع بكتاب حسان فاقرأه على الناس فقال له الضحاك اجلس فجلس ثم قام
إليه الثانية فقال له اجلس ثم قام إليه الثالثة فقال له اجلس فلما رآه ناغضة لا يفعل
أخرج الكتاب الذي معه فقرأه على الناس فقام الوليد بن عتبة بن أبي سفيان
فصدق حسانا وكذب ابن الزبير وشتمه وقام يزيد بن أبي النمس الغساني فصدق
مقالة حسان وكتابه وشتم ابن الزبير وقام سفيان بن الأبرد الكلبي فصدق مقالة
حسان وكتابه وشتم ابن الزبير وقام عمرو بن يزيد الحكمي فشتم حسانا وأثنى
على ابن الزبير واضطرب الناس تبعا لهم ثم أمر الضحاك الوليد بن عتبة ويزيد
ابن أبي النمس وسفيان بن الأبرد الذين كانوا صدقوا مقالة حسان وشتموا ابن
الزبير فحبسوا وجال الناس بعضهم في بعض وثبت كلب على عمرو بن يزيد الحكمي
فضربوه وحرقوه بالنار وخرقوا ثيابه وقام خالد بن يزيد بن معاوية فصعد
مرقاتين من المنبر وهو يومئذ غلام والضحاك بن قيس على المنبر فتكلم خالد بن
يزيد بكلام أو جز فيه لم يسمع مثله وسكن الناس ونزل الضحاك فصلى بالناس
الجمعة ثم دخل فجاءت كلب فأخرجوا سفيان بن الأبرد وجاءت غسان فأخرجوا
يزيد بن أبي النمس فقال الوليد بن عتبة لو كنت من كلب أو غسان أخرجت
قال فجاء ابنا يزيد بن معاوية خالد وعبد الله معهما أخوالهما من كلب فأخرجوه
من السجن فكان ذلك اليوم يسميه أهل الشأم يوم جيرون الأول وأقام الناس
بدمشق وخرج الضحاك إلى مسجد دمشق فجلس فيه فذكر يزيد بن معاوية فوقع
فيه فقدم إليه شاب من كلب بعصا معه فضربه بها والناس جلوس في الحلق متقلدي
السيوف فقام بعضهم إلى بعض في المسجد فاقتتلوا قيس تدعو إلى ابن الزبير ونصرة
الضحاك وكلب تدعو إلى بنى أمية ثم إلى خالد بن يزيد ويتعصبون ليزيد ودخل
الضحاك دار الامارة وأصبح الناس فلم يخرج إلى صلاة الفجر وكان من الأجناد
ناس يهوون هوى بنى أمية وناس يهوون هوى ابن الزبير فبعث الضحاك إلى
بنى أمية فدخلوا عليه من الغد فاعتذر إليهم وذكر حسن بلائهم عند مواليه
وعنده وأنه ليس يريد شيئا يكرهونه قال فتكتبون إلى حسان ونكتب فيسير
411

من الأردن حتى ينزل الجابية ونسير نحن وأنتم حتى نوافيه بها فبايع لرجل منكم
فرضيت بذلك بنو أمية وكتبوا إلى حسان وكتب إليه الضحاك وخرج الناس
وخرجت بنو أمية واستقبلت الرايات وتوجهوا يريدون الجابية فجاء ثور بن
معن بن يزيد بن الأخنس السلمي إلى الضحاك فقال دعوتنا إلى طاعة ابن الزبير
فبايعناك على ذلك وأنت تسير إلى هذا الأعرابي من كلب تستخلف ابن أخيه
خالد بن يزيد فقال له الضحاك فما الرأي قال الرأي أن نظهر ما كنا نسر وندعوا إلى طاعة
ابن الزبير ونقاتل عليها فمال الضحاك بمن معه من الناس فعطفهم ثم أقبل يسير
حتى نزل بمرج راهط واختلف في الوقعة التي كانت بمرج راهط بين الضحاك
ابن قيس ومروان بن الحكم فقال محمد بن عمر الواقدي بويع مروان بن الحكم
في المحرم سنة 65 وكان مروان بالشام لا يحدث نفسه بهذا الامر حتى أطمعه فيه
عبيد الله بن زياد حين قدم عليه من العراق فقال له أنت كبير قريش ورئيسها
يلي عليك الضحاك بن قيس فذلك حين كان ما كان فخرج إلى الضحاك
في جيش فقتلهم مروان والضحاك يومئذ في طاعة ابن الزبير وقتلت قيس
بمرج راهط مقتلة لم يقتل مثلها في موطن قط قال محمد بن عمر حدثني ابن أبي
الزناد عن هشام بن عروة قال قتل الضحاك يوم مرج راهط على أن يدعو
إلى عبد الله بن الزبير وكتب به إلى عبد الله لنا وذكر من طاعته عنه وحسن رأيه
وقال غير واحد كانت الوقعة بمرج راهط بين الضحاك ومروان في سنة 64 وقد
حدثت عن ابن سعد عن محمد بن عمر قال حدثني موسى بن يعقوب عن بنى الحويرث
قال قال أهل الأردن وغيرهم لمروان أنت شيخ كبير وابن يزيد غلام وابن الزبير
كهل وإنما يقرع الحديد بعضه ببعض فلا تباره بهذا الغلام وارم بنحرك في نحره
ونحن نبايعك ابسط يدك فبسطها فبايعوه بالجابية يوم الأربعاء لثلاث خلون من
ذي القعدة سنة 64 قال محمد بن عمرو حدثني مصعب بن ثابت عن عامر بن عبد الله
أن الضحاك لما بلغه أن مروان قد بايعه من بايعه على الخلافة بايع من معه لابن الزبير
ثم سار كل واحد منهما إلى صاحبه فاقتتلوا قتالا شديدا فقتل الضحاك وأصحابه
412

قال محمد بن عمرو حدثني ابن أبي الزناد عن أبيه قال لما ولى المدينة عبد الرحمن بن
الضحاك كان فتى شابا فقال إن الضحاك بن قيس قد كان دعا قيسا وغيرها إلى البيعة
لنفسه فبايعهم يومئذ على الخلافة فقال له زفر بن عقيل الفهري هذا الذي كنا
نعرف ونسمع وإن بنى الزبير يقولون إنما كان بايع لعبد الله بن الزبير وخرج في
طاعته حتى قتل الباطل والله يقولون كان أول ذاك أن قريشا دعته إليها فأبى عليها
حتى دخل فيها كارها
ذكر الخبر عن الوقعة بمرج راهط بين الضحاك بن قيس ومروان بن الحكم
وتمام الخبر عن الكائن من جليل الاخبار والاحداث في سنة 64
(قال أبو جعفر) حدثنا نوح بن حبيب قال حدثنا هشام بن محمد عن عوانة بن
الحكم الكلبي قال مال الضحاك بن قيس بمن معه من الناس حين سار يريد الجابية
للقاء حسان بن مالك فعطفهم ثم أقبل يسير حتى نزل بمرج راهط وأظهر البيعة
لابن الزبير وخلع بنى أمية وبايعه على ذلك جل أهل دمشق من أهل اليمن وغيرهم
قال وسارت بنو أمية ومن تبعهم حتى وافوا حسان بالجابية فصلى بهم حسان أربعين
يوما والناس يتشاورون وكتب الضحاك إلى النعمان بن بشير وهو على حمص وإلى
زفر بن الحارث وهو على قنسرين وإلى ناتل بن قيس وهو على فلسطين يستمدهم
وكانوا على طاعة ابن الزبير فأمده النعمان بشرحبيل بن ذي الكلاع وأمده زفر
بأهل قنسرين وأمده ناتل بأهل فلسطين فاجتمعت الأجناد إلى الضحاك بالمرج
وكان الناس بالجابية لهم أهواء مختلفة فأما مالك بن هبيرة السكوني فكان يهوى
هوى بنى يزيد بن معاوية ويحب أن تكون الخلافة فيهم وأما الحصين بن نمير
السكوني فكان يهوى أن تكون الخلافة لمروان بن الحكم فقال مالك بن هبيرة
لحصين بن نمير هلم فلنبايع لهذا الغلام الذي نحن ولدنا أباه وهو ابن أختنا فقد
عرفت منزلتنا كانت من أبيه فإنه يحملنا على رقاب العرب غدا يعنى خالد بن يزيد
فقال الحصين لا لعمر الله لا تأتينا العرب بشيخ ونأتيهم بصبى فقال مالك هذا ولم
تردى تهامة ولما يبلغ الحزام الطبيين فقالوا مهلا يا أبا سليمان فقال له مالك والله لئن
413

استخلفت مروان وآل مروان ليحسدنك على سوطك وشراك نعلك وظل شجرة تستظل
بها إن مروان أبو عشيرة وأخو عشيرة وعم عشيرة فإن بايعتموه كنتم عبيدا لهم
ولكن عليكم بابن أختكم خالد فقال حصين إني رأيت في المنام قنديلا معلقا من السماء
وإن من يمد عنقه إلى الخلافة تناوله فلم ينله وتناوله مروان قناله والله لنستخلفنه
فقال له مالك ويحك يا حصين أتبايع لمروان وآل مروان وأنت تعلم أنهم أهل
بيت من قيس فلما اجتمع رأيهم للبيعة لمروان بن الحكم قام روح بن زنباع الجذامي
فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إنكم تذكرون عبد الله بن عمر بن الخطاب
وصحبته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدمه في الاسلام وهو كما تذكرون ولكن
ابن عمر رجل ضعيف وليس بصاحب أمة محمد الضعيف وأما ما يذكر الناس من
عبد الله بن الزبير ويدعون إليه من أمره فهو والله كما يذكرون بأنه لابن الزبير
حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن أسماء ابنة أبى بكر الصديق ذات
النطاقين وهو بغد كما تذكرون في قدمه وفضله ولكن ابن الزبير منافق قد خلع
خليفتين يزيد وابنه معاوية بن يزيد وسفك الدماء وشق عصا المسلمين وليس صاحب
أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم المنافق وأما مروان بن الحكم فوالله ما كان في الاسلام
صدع قط إلا كان مروان ممن يشعب ذلك الصدع وهو الذي قاتل عن أمير المؤمنين
عثمان بن عفان يوم الدار والذي قاتل علي بن أبي طالب يوم الجمل وإنا نرى للناس
أن يبايعوا الكبير ويستشبوا الصغير يعنى بالكبير مروان بن الحكم وبالصغير
خالد بن يزيد بن معاوية قال فأجمع رأى الناس على البيعة لمروان ثم لخالد بن يزيد
من بعده ثم لعمرو بن سعيد بن العاص من بعد خالد على أن إمارة دمشق لعمرو
ابن سعيد بن العاص وإمارة حمص لخالد بن يزيد بن معاوية قال فدعا حسان بن مالك
ابن بحدل خالد بن يزيد فقال أبنى أختي إن الناس قد أبوك لحداثة سنك وإني والله
ما أريد هذا الامر إلا لك ولأهل بيتك وما أبايع مروان إلا نظرا لكم فقال له خالد بن
يزيد بل عجزت عنا قال لا والله ما عجزت عنك ولكن الرأي لك ما رأيت ثم دعا حسان
بمروان فقال يا مروان إن الناس والله ما كلهم يرضى بك فقال له مروان إن يرد الله أن
414

يعطنيها لا يمنعني إياها أحد من خلقه وإن يرد أن يمنعنيها لا يعطنيها أحد من خلقه قال
فقال له حسان صدقت وصعد حسان المنبر يوم الاثنين فقال يا أيها الناس إنا نستخلف
يوم الخميس إن شاء الله فلما كان يوم الخميس بايع لمروان وبايع الناس له وسار مروان
إلى الجابية في الناس حتى نزل مرج راهط على الضحاك في أهل الأردن من كلب
وأتته السكاسك والسكون وغسان وربع حسان بن مالك بن بحدل إلى الأردن
قال وعلى ميمنته أعنى مروان عمرو بن سيد بن العاص وعلى ميسرته عبيد الله
ابن زياد وعلى ميمنة الضحاك زياد بن عمرو بن معاوية العقيلي وعلى ميسرته
رجل آخر لم أحفظ اسمه وكان يزيد بن أبي النمس الغساني لم يشهد الجابية
وكان مختبئا بدمشق فلما نزل مروان مرج راهط ثار يزيد بن أبي نمس بأهل دمشق
في عبيدها فغلب عليها وأخرج عامل الضحاك منها وغلب على الخزائن وبيت
المال وبايع لمروان وأمده بالأموال والرجال والسلاح فكان أول فتح فتح
على بنى أمية قال وقاتل مروان الضحاك عشرين ليلة كان ثم هزم أهل المرج وقتلوا وقتل
الضحاك وقتل يومئذ من أشراف الناس من أهل الشأم ممن كان مع الضحاك
ثمانون رجلا كلهم كان يأخذ القطيفة والذي كان يأخذ القطيفة يأخذ ألفين في العطاء
وقتل أهل الشأم يومئذ مقتلة عظيمة لم يقتلوا مثلها قط من القبائل كلها وقتل مع
الضحاك يومئذ رجل من كلب من بنى عليم يقال له مالك بن يزيد بن مالك بن
كعب وقتل يومئذ صاحب لواء قضاعة حيث دخلت قضاعة الشأم وهو جد مدلج
ابن المقدام بن زمل بن عمرو بن ربيعة بن عمرو الجرشى وقتل ثور بن معن بن يزيد
السلمي وهو الذي كان رد الضحاك رأيه قال وجاء برأس الضحاك رجل من
كلب وذكروا أن مروان حين أتى برأسه ساءه ذلك وقال الآن حين كبرت سنى
ودق عظمي وصرت في مثل ظم ء الحمار أقبلت بالكتائب أضرب بعضها ببعض
قال وذكروا أنه مر يومئذ برجل قتيل فقال
وما ضرهم غير حين النفوس * أي أميري قريش غلب
وقال مروان حين بويع له ودعا إلى نفسه
415

لما رأيت الامر أمرا نهبا * يسرت غسان لهم وكلبا
والسكسكيين رجالا غلبا * وطيئا تأباه إلا ضربا
والقين تمشى في الحديد نكبا * ومن تنوخ مشمخرا صعبا
لا يأخذون الملك إلا غصبا * وإن دنت قيس فقل لا قربا
(قال هشام بن محمد) حدثني أبو مخنف لوط بن يحيى قال حدثني رجل من
بنى عبد ود من أهل الشأم قال حدثني من شهد مقتل الضحاك بن قيس قال مر
بنا رجل من كلب يقال له زحنة بن عبد الله كأنما يرمى بالرجال الجداء ما يطعن
رجلا إلا صرعه ولا يضرب رجلا إلا قتله فجعلت أنظر إليه أتعجب من فعله ومن
قتله الرجال إذ حمل عليه رجل فصرعه زحنة وتركه فأتيته فنظرت إلى المقتول فإذا هو
الضحاك بن قيس فأخذت رأسه فأتيت به إلى مروان فقال أنت قتلته فقلت لا
ولكن قتله زحنة بن عبد الله الكلبي فأعجبه صدقي إياه وتركي ادعاءه فأمر لي بمعروف
وأحسن إلى زحنة (قال أبو مخنف) وحدثني عبد الملك بن نوفل بن مساحق عن
حبيب بن كرة وقال والله إن راية مروان يومئذ لمعي وإنه ليدفع بنعل سيفه
في ظهري وقال ادن برايتك لا أبالك إن هؤلاء لو قد وجدوا لهم حد السيوف
انفرجوا انفراج الرأس وانفراج الغنم عن راعيها قال وكان مروان في ستة آلاف
وكان على خيله عبيد الله بن زياد وكان على الرجال مالك بن هبيرة قال عبد الملك
ابن نوفل وذكروا أن بشر بن مروان كانت معه يومئذ راية يقاتل بها وهو يقول
إن على الرئيس حقا حقا * أن يخضب الصعدة أو تندقا
فال وصرع يومئذ عبد العزيز بن مروان قال ومر مروان يومئذ برجل من
محارب وهو نفر يسير تحت راية يقاتل عن مروان فقال مروان يرحمك الله لو أنك
انضممت بأصحابك فإني أراك في قلة فقال إني معنا يا أمير المؤمنين من الملائكة
مددا أضعاف من تأمرنا ننضم إليه قال فسر بذلك مروان وضحك وضم أناسا
إليه ممن كان حوله قال وخرج الناس منهزمين من المرج إلى أجنادهم فانتهى أهل
حمص إلى حمص والنعمان بن بشير عليها فلما بلغ النعمان الخبر خرج هاربا ليلا ومعه
416

امرأته نائلة بنت عمارة الكلبية ومعه ثقله وولده فتحير ليلته كلها وأصبح أهل
حمص فطلبوه وكان الذي طلبه رجل من الكلاعيين يقال له عمرو بن الخلى فقتله
وأقبل برأس النعمان بن بشير وبنائلة امرأته وولدها فألقى الرأس في حجر أم أبان
ابنة النعمان التي كانت تحت الحجاج بن يوسف بعد قال فقالت نائلة ألقوا الرأس
إلى فأنا أحق به منها فألقى الرأس في حجرها ثم أقبلوا بهم وبالرأس حتى انتهوا
بهم إلى حمص فجاءت كلب من أهل حمص فأخذوا نائلة وولدها قال وخرج زفر
ابن الحارث من قنسرين هاربا فلحق بقرقيسيا فلما انتهى إليها وعليها عياض الجرشى
وهو ابن أسلم بن كعب بن مالك بن لغز بن أسود بن كعب بن حدس بن أسلم
وكان يزيد بن معاوية ولاه قرقيسيا فحال عياض بين زفر وبين دخول قرقيسيا
فقال له زفر أوثق لك بالطلاق والعتاق إذا أنا دخلت حمامها أن أخرج منها فلما
انتهى إليها ودخلها لم يدخل حمامها وأقام بها وأخرج عياضا منها وتحصن زفر بها
وثابت إليه قيس قال وخرج ناتل بن قيس الجذامي صاحب فلسطين هاربا فلحق
بابن الزبير بمكة وأطبق أهل الشأم على مروان واستوثقوا له واستعمل عليها
عماله (قال أبو مخنف) حدثني رجل من بنى عبد ود من أهل الشأم يعنى الشرقي
قال وخرج مروان حتى أتى مصر بعد ما اجتمع له أمر الشأم فقدم مصر وعليها
عبد الرحمن بن جحدم القرشي يدعو إلى ابن الزبير فخرج إليه فيمن معه من بنى فهر
وبعث مروان عمرو بن سعيد الأشدق من ورائه حتى دخل مصر وقام على منبرها
يخطب الناس وقيل لهم قد دخل عمرو مصر فرجعوا وأمر الناس مروان وبايعوه ثم
أقبل راجعا نحو دمشق حتى إذا دنا منها بلغه أن ابن الزبير قد بعث أخاه مصعب بن
الزبير نحو فلسطين فسرح إليه مروان عمرو بن سعيد بن العاص في جيش واستقبله
قبل أن يدخل الشأم فقاتله فهزم أصحاب مصعب وكان معه رجل من بنى عذرة يقال
له محمد بن حريث بن سليم وهو خال بنى الأشدق فقال والله ما رأيت مثل مصعب
ابن الزبير رجلا قط أشد قتالا فارسا وراجلا ولقد رأيته في الطريق يترجل
فيطرد بأصحابه ويشد على رجليه حتى رأيتهما قد دميتا قال وانصرف مروان
حتى استقرت به دمشق ورجع إليه عمرو بن سعيد قال ويقال إنه لما قدم عبيد الله
417

ابن زياد من العراق فنزل الشأم أصاب بنى أمية بتدمر قد نفاهم ابن الزبير من
المدينة ومكة ومن الحجاز كله فنزلوا بتدمر وأصابوا الضحاك بن قيس أميرا
على الشأم لعبد الله بن الزبير فقدم ابن زياد حين قدم ومروان يريد أن يركب
إلى ابن الزبير فيبايعه بالخلافة فيأخذ منه الأمان لبنى أمية فقال له ابن زياد أنشدك
الله إن تفعل ليس هذا برأي أن تنطلق وأنت شيخ قريش إلى أبى خبيب بالخلافة
ولكن ادع أهل تدمر فبايعهم ثم سر بهم وبمن معك من بنى أمية إلى الضحاك
ابن قيس حتى تخرجه من الشأم فقال عمرو بن سعيد بن العاص صدق والله
عبيد الله بن زياد ثم أنت سيد قريش وفرعها وأنت أحق الناس بالقيام بهذا
الامر إنما ينظر الناس إلى هذا الغلام يعنى خالد بن يزيد بن معاوية فتزوج أمه
فيكون في حجرك قال ففعل مروان ذلك فتزوج أم خالد بن يزيد وهى فاختة
ابنة أبى هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ثم جمع بنى أمية فبايعوه بالامارة
عليهم وبايعه أهل تدمر ثم سار في جمع عظيم إلى الضحاك بن قيس وهو يومئذ
بدمشق فلما بلغ الضحاك ما صنع بنو أمية ومسيرتهم إليه خرج بمن تبعه من أهل
دمشق وغيرهم فيهم زفر بن الحارث فالتقوا بمرج راهط فاقتتلوا قتالا شديدا
فقتل الضحاك بن قيس الفهري وعامة أصحابه وانهزم بقيتهم فتفرقوا وأخذ زفر
ابن الحارث وجها من تلك الوجوه هو وشابان من بنى سليم فجاءت خيل مروان
تطلبهم فلما خاف السلميان أن تلحقهم خيل مروان قالا لزفر يا هذا انج بنفسك
فأما نحن فمقتولان فمضى زفر وتركهما حتى أتى قرقيسيا فاجتمعت إليه قيس
فرأسوه عليهم فذلك حيث يقول زفر بن الحارث
أريني سلاحي لا أبالك إنني * أرى الحرب لا تزداد إلا تماديا
أتاني عن مروان بالغيب أنه * مقيد دمى أو قاطع من لسانيا
ففي العيس منجاة وفى الأرض مهرب * إذا نحن رفعنا لهن المثانيا
فلا تحسبوني إن تغيبت غافلا * ولا تفرحوا إن جئتكم بلقائيا
فقد ينبت المرعى على دمن الثرى * وتبقى حزازات النفوس كما هيا
أتذهب كلب لم تنلها رماحنا * وتترك قتلى راهط هي ماهيا
418

لعمري لقد أبقت وقيعة راهط * لحسان صدعا بينا متنائيا
أبعد عمرو وابن معن تتابعا * ومقتل همام أمنى الأمانيا
فلم تر منى نبوة قبل هذه * فراري وتركي صاحبي ورائيا
عشية أعدوا بالقران فلا أرى * من الناس إلا من على ولا ليا
أيذهب يوم واحد إن أساته * بصالح أيامى وحسن بلائيا
فلا صلح حتى تنحط الخيل بالقنا * وتثأر من نسوان كلب نسائيا
ألا ليت شعري هل تصيبن غارتي * تنوخا وحيى طيئ من شفائيا
فأجابه جواس بن قعطل:
لعمري لقد أبقت وقيعة راهط * على زفر داء من الداء باقيا
مقيما ثوى بين الضلوع محله * وبين الحشا أعيا الطبيب المداويا
تبكى على قتلى سليم وعامر * وذبيان معذورا وتبكى البواكيا
دعا بسلاح ثم أحجم إذ رأى * سيوف جناب والطوال المذاكيا
عليها كأسد الغاب فتيان نجدة * إذا شرعو نحو الطعان العواليا
فأجابه عمر بن المخلاة الكلبي من تيم اللات بن رفيدة فقال:
بكى زفز القيسي من هلاك قومه * بعبرة عين ما يجف سجومها
يبكى على قتلى أصيبت براهط * تجاوبه هام القفار وبومها
أبحنا حمى للحي قيس براهط * وولت شلالا واستبيح حريمها
يبكيهم حران تجمري دموعه * يرجى نزارا أن تؤب حلومها
فمت كمدا أو عش ذليلا مهضما * بحسرة نفس لا تنام همومها
إذا خطرت حولي قضاعة بالقنا * تخبط فعل المصعبات قرومها
خبطت بهم من كادنى من قبيلة * فمن ذا إذا عز الخطوب يرومها
وقال زفر بن الحارث أيضا:
أفى الله أما بحدل وابن بحدل * فتحيى وأما ابن الزبير فيقتل
كذبتم وبيت الله لا تقتلونه * ولما يكن يوم أغر محجل
419

ولما يكن للمشرفية فوقكم * شعاع كقرن الشمس حين ترجل
فأجابه عبد الرحمن بن الحكم أخو مروان بن الحكم فقال:
أتذهب كلب قد حمتها رماحها * وتترك قتلى راهط ما أجنت
لحا الله قيسا قيس عيلان إنها * أضاعت ثغور المسلمين وولت
فباه بقيس في الرخاء ولا تكن * أخاها إذا ما المشرفية سلت
(قال أبو جعفر) ولما بايع حصين بن نمير مروان بن الحكم وعصا مالك بن
هبيرة فيما أشاربه عليه من بيعة خالد بن يزيد بن معاوية واستقر لمروان بن الحكم
الملك وقد كان الحصين بن نمير اشترط على مروان أن ينزل البلقاء من كان بالشام
من كندة وأن يجعلها لهم مأكلة فأعطاه ذلك وأن بنى الحكم لما استوثق الامر
لمروان وقد كانوا اشترطوا لخالد بن يزيد بن معاوية شروطا قال مروان ذات
يوم وهو جالس في مجلسه ومالك بن هبيرة جالس عنده أن قوما يدعون شروطا
منهم عطارة مكحلة يعني مالك بن هبيرة وكان رجل يتطيب ويكتحل فقال مالك
ابن هبيرة هذا ولما تردى تهامة ولما يبلغ الحزام الطبيين فقال مروان مهلا
يا أبا سليمان إنما داعبناك فقال مالك هو ذاك وقال عويج الطائي يمتدح كلبا
وحميد بن بحدل:
لقد علم الأقوام وقع ابن بحدل * وأخرى عليهم أن بقى سيعيدها
يقودون أولاد الوجيه ولاحق * من الريف شهرا ما ينى من يقودها
فهذا لهذا ثم إني لنافض * على الناس أقبالا؟ كثيرا حدودها
فلولا أمير المؤمنين لأصبحت * قضاعة أربابا وقيس عبيدها
(وفى هذه السنة) بايع جند خراسان لسلم بن زياد بعد موت يزيد بن معاوية على
أن يقوم بأمرهم حتى يجتمع الناس على خليفة (وفيها) كانت فتنة عبد الله بن
خازم بخراسان ذكر الخبر عن ذلك
* حدثني عمر بن شبة قال حدثنا علي بن محمد قال أخبرنا مسلمة بن محارب قال
بعث سلم بن زياد بما أصاب من هدايا سمرقند وخوارزم إلى يزيد بن معاوية مع
420

عبد الله بن خازم وأقام سلم واليا على خراسان حتى مات يزيد بن معاوية ومعاوية
ابن يزيد فبلغ سلما موته وأتاه مقتل يزيد بن زياد في سجستان وأسر أبى عبيدة بن زياد
وكتم الخبر سلم فقال ابن عرادة:
يا أيها الملك المغلق بابه * حدثت أمور شأنهن عظيم
فتلى بجنزة والذين بكابل * ويزيد أعلن شأنه المكتوم
أبنى أمية إن آخر ملككم * جسد بحوارين ثم مقيم
طرقت منيته وعند وساده * كوب وزق راعف مرثوم
ومرنة تبكى على نشوانه * بالصنج تقعد تارة وتقوم
(قال مسلمة) فلما ظهر شعر ابن عرادة أظهر سلم موت يزيد بن معاوية ومعاوية
ابن يزيد ودعا الناس إلى البيعة على الرضا حتى يستقيم أمر الناس على خليفة فبايعوه
ثم مكثوا بذلك شهرين ثم نكثوا به * قال علي بن محمد وحدثنا شيخ من أهل خراسان
قال لم يحب أهل خراسان أميرا قط حبهم سلم بن زياد فسمى في تلك السنين التي
كان بها سلم أكثر من عشرين ألف مولود بسلم من حبهم سلما قال وأخبرنا حفص
الأزدي عن عمه قال لما اختلف الناس بخراسان ونكثوا بيعة سلم خرج سلم
عن خراسان وخلف عليها المهلب بن أبي صفرة فلما كان بسرخس لقيه سليمان
ابن مرثد أحد بنى قيس بن ثعلبة فقال له من خلفت على خراسان قال المهلب
فقال ضاقت عليك نزار حتى وليت رجلا من أهل اليمن فولاه مرو الروذ
والفارياب والطالقان والجوزجان وولى أوس بن ثعلبة بن زفر وهو صاحب
قصر أوس بالبصرة هراة ومضى فلما سار بنيسابور لقيه عبد الله بن خازم
فقال من وليت خراسان فأخبره فقال أما وجدت في مضر رجلا تستعمله حتى
فرقت خراسان بين بكر بن وائل ومزون عمان وقال له اكتب لي عهدا على
خراسان قال أو إلى خراسان أنا قال اكتب لي عهدا وخلاك ذم قال
فكتب له عهدا على خرسان قال فأعني الآن بمائة ألف درهم فأمر له بها
وأقبل إلى مرو وبلغ الخبر المهلب بن أبي صفرة فأقبل واستخلف رجلا من بنى جشم
421

ابن سعد بن زيد مناة بن تميم قال وأخبرنا المفضل بن محمد الضبي عن أبيه قال لما
صار عبد الله بن خازم إلى مرو بعهد سلم بن زياد منعه الجشمي فكانت بينهما
مناوشة فأصابت الجشمي رمية بحجر في جبهته وتحاجزوا وخلى الجشمي بين مرو
الروذ وبينه فدخلها ابن خازم ومات الجشمي بعد ذلك بيومين * قال علي بن
محمد المدائني حدثنا الحسن بن رشيد الجوزجاني عن أبيه قال لما مات يزيد
ابن معاوية ومعاوية بن يزيد وثب أهل خراسان بعمالهم فأخرجوهم وغلب كل
قوم على ناحية ووقعت الفتنة وغلب ابن خازم على خراسان ووقعت الحرب
(قال أبو جعفر) وأخبرنا أبو الذيال زهير بن هنيد عن أبي نعامة قال أقبل
عبد الله بن خازم فغلب على مرو ثم سار إلى سليمان بن مرثد فلقيه بمرو الروذ
فقاتله أياما فقتل سليمان بن مرثد ثم سار عبد الله بن حاز إلى عمرو بن مرثد
وهو بالطالقان في سبعمائة وبلغ عمرا إقبال عبد الله إليه وقتله أخاه سليمان فأقبل
إليه فالتقوا على نهر قبل أن يتوافي إلى ابن خازم أصحابه فأمر عبد الله من كان
معه فنزلوا فنزل وسأل عن زهير بن ذؤيب العدوي فقالوا لم يجئ حتى أقبل
وهو على حاله فلما أقبل قيل له هذا زهير قد جاء فقال له عبد الله تقدم فالتقوا
فاقتتلوا طويلا فقتل عمرو بن مرثد وانهزم أصحابه فلحقوا بهراة بأوس بن ثعلبة
ورجع عبد الله بن خازم إلى مرو * قال وكان الذي ولى قتل عمرو بن مرثد
زهير بن حيان العدوي فيما يرون فقال الشاعر
أتذهب أيام الحروب ولم تبئ * زهير بن حيان بعمرو بن مرثد
قال وحدثنا أبو السرى الخراساني وكان من أهل هراة قال قتل عبد الله بن خازم
سليمان وعمرا ابني مرثد المرثديين من بنى قيس بن ثعلبة ثم رجع إلى مرو وهرب
من كان بمرو الروذ من بكر بن وائل إلى هراة وانضم إليها من كان بكور خراسان
من بكر بن وائل فكان لهم بها جمع كثير عليهم أوس بن ثعلبة قال فقالوا له نبايعك
على أن تسير إلى ابن خازم وتخرج مضر من خراسان كلها فقال لهم هذا بغى
أهل البغى مخذولون أقيموا مكانكم هذا فان ترككم ابن خازم وما أراه يفعل
422

فارضوا بهذه الناحية وخلوه وما هو فيه فقال بنو صهيب وهم موالى بنى جحدر
لا والله لا نرضى أن نكون نحن ومضر في بلد وقد قتلوا ابني مرثد فان أجبتنا
إلى هذا وإلا أمرنا علينا غيرك قال انما أنا رجل منكم فاصنعوا ما بدا لكم فبايعوه
وسار إليهم ابن خازم واستخلف ابنه موسى وأقبل حتى نزل على واد بين عسكره
وبين هراة قال فقال البكريون لأوس اخرج فخندق خندقا دون المدينة فقاتلهم
فيه وتكون المدينة من ورائنا فقال لهم أوس الزموا المدينة فإنها حصينة وخلوا
ابن خازم ومنزله الذي هو فيه فإنه إن طال مقامه ضجر فأعطاكم ما ترضون به
فان اضطررتم إلى القتال قاتلتم فأبوا وخرجوا من المدينة فخندقوا خندقا دونها
فقاتلهم ابن خازم نحوا من سنة * قال وزعم الأحنف بن الأشهب الضبي وأخبرنا
أبو الذيال زهير بن الهنيد سار ابن خازم إلى هراة وفيها جمع كثير لبكر بن وائل
قد خندقوا عليهم وتعاقدوا على إخراج مضر إن ظفروا بخراسان فنزل بهم ابن
خازم فقال له هلال الضبي أحد بنى ذهل ثم أحد بنى أوس إنما تقاتل إخوتك من
بنى أبيك والله إن نلت منهم ما تريد ما في العيش بعدهم من خير وقد قتلت بمرو
الروذ منهم من قتلت فلو أعطيتهم شيئا يرضون به أو أصلحت هذا الامر قال والله
لو خرجت لهم عن خراسان ما رضوا به ولو استطاعوا أن يخرجوكم من الدنيا
لأخرجوكم قال لا والله لا أرمى معك بسهم ولا رجل يطيعني من خندف حتى
تعذر إليهم قال فأنت رسولي إليهم فأرضهم فأتى هلال إلى أوس بن ثعلبة فناشده
الله والقرابة وقال أذكرك الله في نزار أن تسفك دماءها وتضرب بعضها ببعض
قال لقيت بنى صهيب قال لا والله قال فالقهم فخرج فلقى أرقم بن مطرف الحنفي
وضمضم بن يزيد أو عبد الله بن ضمضم بن يزيد وعاصم بن الصلت بن الحريث الحنفيين
وجماعة من بكر بن وائل وكلمهم بمثل ما كلم به أوسا فقالوا هل لقيت بنى صهيب
فقال لقد عظم الله أمر بنى صهيب عندكم لا ألم ألقهم قالوا ألقهم فأتى بنى صهيب
فكلمهم فقالوا لولا أنك رسول لقتلناك قال أفما يرضيكم شئ قالوا واحدة من
اثنتين إما أن تخرجوا عن خراسان ولا يدعو فيها لمضر داع وإما أن تقيموا
423

وتنزلوا لنا عن كل كراع وسلاح وذهب وفضة قال أفما شئ غير هاتين قالوا
لا قال حسبنا الله ونعم الوكيل فرجع إلى ابن خازم فقال ما عندك قال وجدت
إخوتنا قطعا للرحم قال قد أخبرتك أن ربيعة لم تزل غضابا على ربها منذ بعث الله
النبي صلى الله عليه وسلم من مضر (قال أبو جعفر) وأخبرنا سليمان بن مجالد
الضبي قال أغارت الترك على قصر اسفادو ابن خازم بهراة فحصروا أهله وفيه
ناس من الأزد هم أكثر من فيه فهزمتهم فبعثوا إلى من حولهم من الأزد فجاؤوا
لينصروهم فهزمتهم الترك فأرسلوا إلى ابن خازم فوجه إليهم زهير بن حيان في
بنى تميم وقال له إياك ومشاولة الترك إذا رأيتموهم فاحملوا عليهم فأقبل فوافاهم
في يوم بارد قال فلما التقوا شدوا عليهم فلم يثبتوا لهم وانهزمت الترك واتبعوهم
حتى مضى عامة الليل حتى انتهوا إلى قصر في المفازة فأقامت الجماعة ومضى زهير
في فوارس يتبعهم وكان عالما بالطريق ثم رجع في نصف من الليل وقد يبست
يده على رمحه من البرد فدعا غلامه كعبا فخرج إليه فأدخله وجعل يسخن له
الشحم فيضعه على يده ودهنوه وأوقدوا له نارا حتى لان ودفئ ثم رجع إلى هراة
فقال في ذلك كعب بن معدان الأشقري
أتاك أتاك الغوث في برق عارض * دروع وبيض حشوهن تميم
أبوا أن يضموا حشوما تجمع القرى * فضمهم يوم اللقاء صميم
ورزقهم من رائحات تزينها * ضروع عريضات الخواصر كوم
وقال ثابت قطنة
فدت نفسي فوارس من تميم * على ما كان من ضنك المقام
بقصر الباهلي وقد أراني * أحامي حين قل به المحامي
بسيفي بعد كسر الرمح فيهم * أذودهم بذى شطب حسام
أكر عليهم اليحموم كرا * ككر الشرب آنية المدام
فلولا الله ليس له شريك * وضربي قونس الملك الهمام
إذا فاظت نساء بنى دثار * أمام الترك بادية الخدام
424

(قال أبو جعفر) وحدثني أبو الحسن الخراساني عن أبي حماد السلمي قال
أقام ابن خازم بهراة يقاتل أوس بن ثعلبة أكثر من سنة فقال يوما لأصحابه قد
طال مقامنا على هؤلاء فنادوهم يا معشر ربيعة إنكم قد اعتصمتم بخندقكم أفرضيتم
من خراسان بهذا الخندق فاحفظهم ذلك فتنادى الناس للقتال فقال لهم أوس بن
ثعلبة الزموا خندقكم وقاتلوهم كما كنتم تقاتلونهم ولا تخرجوا إليهم بجماعتكم قال
فعصوه وخرجوا إليهم فالتقى الناس فقال ابن خازم لأصحابه اجعلوه يومكم فيكون
الملك لمن غلب فان قتلت فأميركم شماس بن دثار العطاردي فان قتل فأميركم بكير
ابن وشاح الثقفي * قال على وحدثنا أبو الذيال زهير بن هنيدة عن أبي نعامة
العدوي عن عبيد بن نقيد عن إياس بن زهير بن حيان لما كان اليوم الذي هرب
فيه أوس بن ثعلبة وظفر ابن خازم ببكر بن وائل قال ابن خازم لأصحابه حين
التقوا إني قلع فشدوني على السرجي واعلموا أن على من السلاح ما لا أقتل
قدر جزر جزورين فان قيل لكم انى قد قتلت فلا تصدقوني قال وكانت راية
بنى عدى مع أبي وأنا على فرس محزم وقد قال لنا ابن خازم إذا لقيتم الخيل فاطعنوها
في مناخرها فإنه لن يطعن فرس في نخرته إلا أدبر أو رمى بصاحبه فلما سمع فرسى
قعقعة السلاح وثب بي واديا كان بيني وبينهم قال فتلقاني رجل من بكر بن وائل
فطعنت فرسه في نخرته فصرعه وحمل أبى ببنى عدى وأتبعته بنو تميم من كل وجه
فاقتتلوا ساعة فانهزمت بكر بن وائل حتى انتهوا إلى خندقهم وأخذوا يمينا وشمالا
وسقط ناس في الخندق فقتلوا قتلا ذريعا وهرب أوس بن ثعلبة وبه جراحات
وحلف ابن خازم لا يؤتى بأسير إلا قتله حتى يغيب الشمس فكان آخر من أتى
به رجل من بنى حنيفة يقال له محمية فقالوا لأبي خازم قد غابت الشمس قال وفوا به
القتلى فقتل قال فأخبرني شيخ من بنى سعد بن زيد مناة أن أوس بن ثعلبة هرب
وبه جراحات إلى سجستان فلما صار بها أو قريبا منها مات وفى مقتل ابن مرثد وأمر
أوس بن ثعلبة يقول المغيرة بن حبناء أحد بنى ربيعة بن حنظلة
وفى الحرب كنتم في خراسان كلها * قتيلا ومسجونا بها ومسيرا
425

ويوم احتواكم في الحفير ابن خازم * فلم تجدوا إلا الخنادق مقبرا
ويوم تركتم في الغبار ابن مرثد * وأوسا تركتم حيث سار وعسكرا
قال وأخبرني أبو الذيال زهير بن هنيد عن جده أبى أمه قال قتل من بكر
ابن وائل يومئذ ثمانية آلاف * قال وحدثنا التميمي رجل من أهل خراسان عن
مولى لا بن خازم قال قاتل ابن خازم أوس بن ثعلبة وبكر بن وائل فظفر بهراة وهرب
أوس وغلبه ابن خازم على هراة واستعمل عليها ابنه محمدا وضم إليه شماس بن دثار
العطاردي وجعل بكير بن وشاح على شرطته وقال لهما ربياه فإنه ابن أختكما
فكانت أمه من بنى سعد يقال لها صفية وقال له لا تخالفهما ورجع ابن خازم
إلى مرو (قال أبو جعفر) وفى هذه السنة تحركت الشيعة بالكوفة واتعدوا
الاجتماع بالنخيلة في سنة 65 للمسير إلى أهل الشأم للطلب بدم الحسين بن علي
وتكاتبوا في ذلك
ذكر الخبر عن مبدأ أمرهم في ذلك
(قال هشام) بن محمد حدثنا أبو مخنف قال حدثني يوسف بن يزيد عن عبد الله
ابن عوف بن الأحمر الأزدي قال لما قتل الحسين بن علي ورجع ابن زياد من
معسكره بالنخيلة فدخل الكوفة تلاقت الشيعة بالتلاوم والتندم ورأت أنها قد
أخطأت خطأ كبيرا بدعائهم الحسين إلى النصرة وتركهم إجابته ومقتله إلى جانبهم
لم ينصروه ورأوا أنه لا يغسل عارهم والاثم عنهم في مقتله إلا بقتل من قتله أو القتل
فيه ففزعوا بالكوفة إلى خمسة نفر من رؤس الشيعة إلى سليمان بن صرد الخزاعي
وكانت له صحبة مع النبي صلى الله عليه وسلم وإلى المسيب بن نجبة الفزاري وكان
من أصحاب على وخيارهم وإلى عبد الله بن سعد بن نفيل الأزدي وإلى عبد الله بن وال
التيمي وإلى رفاعة بن شداد البجلي ثم إن هؤلاء النفر الحمسة اجتمعوا في منزل
سليمان بن صرد وكانوا من خيار أصحاب على ومعهم أناس من الشيعة وخيارهم
ووجوههم قال فلما اجتمعوا إلى منزل سليمان بن صرد بدأ المسيب بن نجبة القوم
بالكلام فتكلم فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم ثم قال
426

أما بعد فإنا قد ابتلينا بطول العمر والتعرض لأنواع الفتن فترغب إلى ربنا ألا تجعلنا
ممن يقول له غدا أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فان أمير المؤمنين
قال العمر الذي أعذر الله فيه إلى ابن آدم ستون سنة وليس فينا رجل الا وقد
بلغه وقد كنا مغرمين بتزكية أنفسنا وتقريظ شيعتنا حتى بلا الله أخيارنا فوجدنا
كاذبين في موطنين من مواطن ابن ابنة نبينا صلى الله عليه وسلم وقد بلغتنا قبل
ذلك كتبه وقدمت علينا رسله وأعذر إلينا يسألنا نصره عودا وبدءا وعلانية
وسرا فبخلنا عنه بأنفسنا حتى قتل إلى جانبنا لا تحن نصرناه بأيدينا ولا جادلنا عنه
بألسنتنا ولا قويناه بأموالنا ولا طلبنا له النصرة إلى عشائرنا فما عذرنا إلى ربنا
وعند لقاء نبينا صلى الله عليه وسلم وقد قتل فينا ولده وحبيبه وذريته ونسله لا والله
لا عذر دون أن تقتلوا قاتله والموالين عليه أو تقتلوا في طلب ذلك فعسى ربنا
أن يرضى عنا عند ذلك وما أنا بعد لقائه لعقوبته بآمن أيها القوم ولوا عليكم رجلا
منكم فإنه لابد لكم من أمير تفزعون إليه وراية تحفون بها أقول قولي هذا وأستغفر
الله لي ولكم قال فبدر القوم رفاعة بن شداد بعد المسيب الكلام فحمد الله وأثنى
عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال أما بعد فان الله قد هداك لأصوب
القول ودعوت إلى أرشد الأمور بدأت بحمد الله الثناء عليه والصلاة على نبيه
صلى الله عليه وسلم ودعوت إلى جهاد الفاسقين وإلى التوبة من الذنب العظيم
فمسموع منك مستجاب لك مقبول قولك قلت ولوا أمركم رجلا منكم تفزعون
إليه وتحفون برايته وذلك رأى قد رأينا مثل الذي رأيت فان تكن أنت ذلك
الرجل تكن عندنا مرضيا وفينا متنصحا في جماعتنا محبا وإن رأيت ورأى أصحابنا
ذلك ولينا هذا الامر شيخ الشيعة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وذا
السابقة والقدم سليمان بن صرد المحمود في بأسه ودينه والموثوق بحزمه أقول قولي
هذا وأستغفر الله لي ولكم قال ثم تكلم عبد الله بن وال وعبد الله بن سعد فحمدا
ربهما وأثنيا عليه وتكلما بنحو من كلام رفاعة بن شداد فذكرا المسيب بن نجبة
بفضله وذكرا سليمان بن صرد بسابقته ورضاهما بتوليته فقال المسيب بن نجبة
427

أصبتم ووفقتم وأنا أرى مثل الذي رأيتم فولوا أمركم سليمان بن صرد (قال أبو
مخنف) فحدثت سليمان بن أبي راشد بهذا الحديث فقال حدثني حميد بن مسلم قال
والله إني لشاهد بهذا اليوم يوم ولوا سليمان بن صرد وإنا يومئذ لأكثر من مائة
رجل من فرسان الشيعة ووجوههم في داره قال فتكلم سليمان بن صرد
فشدد وما زال يردد ذلك القول في كل جمعة حتى حفظته بدأ فقال أثنى على الله
خيرا وأحمد آلاءه وبلاءه وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسوله أما بعد
فإني والله لخائف ألا يكون آخرنا إلى هذا الدهر الذي نكدت فيه المعيشة وعظمت
قيه الرزية وشمل فيه الجور أولى الفضل من هذه الشيعة لما هو خير إنا كنا
نمد أعناقنا إلى قدوم آل نبينا ونمنيهم النصر ونحثهم على القدوم فلما قدموا ونينا
وعجزنا وادهنا وتربصنا وانتظرنا ما يكون حتى قتل فينا ولدينا ولد نبينا وسلالته
وعصارته وبضعة من لحمه ودمه إذ جعل يستصرخ ويسأل النصف فلا يعطاه
اتخذه الفاسقون غرضا لنبل ودرية للرماح حتى أقصدوه وعدوا عليه فسلبوه
ألا انهضوا فقد سخط ربكم ولا ترجعوا إلى الحلائل والأبناء حتى يرضى الله والله
ما أظنه رضيا دون أن تناجزوا من قتله أو تبيروا ألا لا تهابوا الموت فوالله ما هابه
امرؤ قط إلا ذل كونوا كالأولى من بني إسرائيل إذ قال لهم نبيهم إنكم ظلمتم
أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند
بارئكم فما فعل القوم جثوا على الركب والله ومدوا الأعناق ورضوا بالقضاء
حتى حين علموا أنه لا ينجيهم من عظيم الذنب إلا الصبر على القتل فكيف بكم
لوقد دعيتم إلى مثل ما دعى القوم إليه أشحذوا السيوف وركبوا الأسنة وأعدوا
لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل حتى تدعوا حين تدعوا وتستنفروا قال
فقام خالد بن سعد بن نفيل فقال أما أنا فوالله لو أعلم أن قتلى نفسي يخرجني من
ذنبي ويرضى عنى ربى لقتلتها ولكن هذا أمر به قوم كانوا قبلنا ونهينا عنه فأشهد
الله ومن حضر من المسلمين ان كلما أصبحت أملكه سوى سلاحي الذي أقاتل به
عدوى صدقة على المسلمين أقويهم به على قتال القاسطين وقام أبو المعتمر حنش بن
428

ربيعة الكناني فقال وأنا أشهدكم على مثل ذلك فقال سليمان بن صرد حسبكم من
أراد من هذا شيئا فليأت بماله عبد الله بن وال التيمي تيم بكر بن وائل فإذا
اجتمع عنده كلما تريدون إخراجه من أموالكم جهزنا به ذوي الخلة والمسكنة من
أشياعكم (قال أبو مخنف) لوط بن يحيى عن سليمان بن أبي راشد قال فحدثنا حميد
ابن مسلم الأزدي أن سليمان بن صرد قال لخالد بن سعد بن نفيل حين قال له والله
لو علمت أن قتلى نفسي يخرحنى من ذنبي ويرضى عنى ربى لقتلتها ولكن هذا أمر به
قوم غيرنا كانوا من قبلنا ونهينا عنه قال أخوكم هذا غدا فريس أول الأسنة قال
فلما تصدق بماله على المسلمين قال له أبشر بجزيل ثواب الله الذين لأنفسهم يمهدون
(قال أبو مخنف) حدثني الحصين بن يزيد بن عبد الله بن سعد بن نفيل قال أخذت
كتابا كان سليمان بن صرد كتب به إلى سعد بن حذيفة بن اليمان بالمدائن فقرأته زمان
ولى سليمان قال فلما قرأته أعجبني فتعلمته فما نسيته كتب إليه بسم الله الرحمن الرحيم
من سليمان بن صرد إلى سعد بن حذيفة ومن قبله من المؤمنين سلام عليكم أما بعد
فان الدنيا دار قد أدبر منها ما كان معروفا وأقبل منها ما كان منكرا وأصبحت
قد تشنأت إلى ذوي الألباب وأزمع بالترحال منها عباد الله الأخيار وباعوا قليلا
من الدنيا لا يبقى بجزيل مثوبة عند الله لا يفنى إن أولياء من إخوانكم وشيعة آل
نبيكم نظروا لأنفسهم فيما ابتلوا به من أمر ابن بنت نبيهم الذي دعى فأجاب ودعا فلم
يجب وأراد الرجعة فحبس وسأل الأمان فمنع وترك الناس فلم يتركوه وعدوا
عليه فقتلوه ثم سلبوه وجردوه ظلما وعدوانا وغرة بالله وجهلا وبعبر الله ما يعملون
وإلى الله ما يرجعون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون فلما نظروا إخوانكم
وتدبروا عواقب ما استقبلوا رأوا أن قد خطئوا بخذلان الزكي الطيب وإسلامه
وترك مواساته والنصر له خطأ كبيرا ليس لهم منه مخرج ولا توبة دون قتل قاتليه
أو قتلهم حتى تفنى على ذلك أرواحهم فقد جدوا إخوانكم فجدوا وأعدوا
واستعدوا وقد ضربنا لاخواننا أجلا يوافوننا إليه وموطنا يلقوننا فيه فأما الاجل
فغرة شهر ربيع الآخر سنة 65 وأما الموطن الذي يلقوننا فيه فالنخيلة أنتم الذين
429

لم تزالوا لنا شيعة وإخوانا وإلا وقد رأينا أن ندعوكم إلى هذا الامر الذي أراد
الله به إخوانكم فيما يزعمون ويظهرون لنا أنهم يتوبون وأنكم جدراء بتطلاب
الفضل والتماس الاجر والتوبة إلى ربكم من الذنب ولو كان في ذلك حز الرقاب
وقتل الأولاد واستيفاء الأموال وهلاك العشائر ما ضر أهل عذراء الذين قتلوا
ألا يكونوا اليوم أحياء وهم عند ربهم يرزقون شهداء قد لقوا الله صابرين محتسبين
فأثابهم ثواب الصابرين يعنى حجرا وأصحابه وما ضر إخوانكم المقتلين صبرا
المصلبين ظلما والممثول بهم المعتدى عليهم ألا يكونوا أحياء مبتلين بخطاياكم قد
خير لهم فلقوا ربهم ووافاهم الله إن شاء الله آجرهم فاصبروا رحمكم الله على البأساء
والضراء وحين البأس وتوبوا إلى الله عن قريب فوالله إنكم لأحرياء ألا
يكون أحد من إخوانكم صبر على شئ من البلاء إرادة ثوابه الا صبرتم
التماس الاجر فيه على مثله ولا يطلب رضاء الله طالب بشئ من الأشياء
ولو أنه القتل إلا طلبتم رضاء الله به ان التقوى أفضل الزاد في الدنيا وما سوى
ذلك يبور ويفنى فلتعزف عنها أنفسكم ولتكن رغبتكم في دار عافيتكم وجهاد
عدو الله وعدوكم وعدو أهل بيت نبيكم حتى تقدموا على الله تائبين راغبين
أحيانا الله وإياكم حياة طيبة وأجارنا وإياكم من النار وجعل منايانا قتلا
في سبيله على يدي أبغض خلقه الله وأشدهم عداوة له انه القدير على ما يشاء
والصانع لأوليائه في الأشياء والسلام عليكم قال وكتب ابن صرد الكتاب
وبعث به إلى سعد بن حذيفة بن اليمان مع عبد الله بن مالك الطائي فبعث به
سعد حين قرأ كتابه إلى من كان بالمدائن من الشيعة وكان بها أقوام من أهل
الكوفة قد أعجبتهم فأوطنوها وهم يقدمون الكوفة في كل حين عطاء ورزق
فيأخذون حقوقهم وينصرفون إلى أوطانهم فقرأ عليهم سعد كتاب سليمان بن
صرد ثم إنه حمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإنكم قد كنتم مجتمعين مزمعين
على نصر الحسين وقتال عدوه فلم يفجأكم أول من قتله والله مثيبكم على حسن النية
وما أجمعتم عليه من النصر أحسن المثوبة وقد بعث إليكم اخوانكم يستنجدونكم
430

ويستمدونكم ويدعونكم إلى الحق وإلى ما ترجون لكم به عند الله أفضل الاجر
والحظ فماذا ترون وماذا تقولون فقال القوم بأجمعهم نجيبهم ونقاتل معهم ورأينا
في ذلك مثل رأيهم فقام عبد الله بن الحنطل الطائي ثم الحزمري فحمد الله وأثنى
عليه ثم قال أما بعد فإنا قد أجبنا إخواننا إلى ما دعونا إليه وقد رأينا مثل الذي
قد رأوا فسرحني إليهم في الخيل فقال له رويدا لا تعجل استعدوا للعدو وأعدوا
له الحرب ثم نسير وتسيرون وكتب سعد بن حذيفة بن اليمان إلى سليمان بن صرد
مع عبد الله بن مالك الطائي بسم الله الرحمن الرحيم إلى سليمان بن صرد من سعد
ابن حذيفة ومن قبله من المؤمنين سلام عليكم أما بعد فقد قرأنا كتابك وفهمنا الذي
دعوتنا إليه من الامر الذي عليه رأى الملا من إخوانك فقد هديت لحظك
ويسرت لرشدك ونحن جادون مجدون معدون مسرجون ملجمون ننتظر الامر
ونستمع الداعي فإذا جاء الصريخ أقبلنا ولم نعرج إن شاء الله والسلام فلما قرأ
كتابه سليمان بن صرد قرأه على أصحابه فسروا بذلك قال وكتب إلى المثنى بن
محربة العبدي نسخة الكتاب الذي كان كتب به إلى سعد بن حذيفة بن اليمان
وبعث به مع ظبيان بن عمارة التميمي من بنى سعد فكتب إليه المثنى أما بعد فقد
قرأت كتابك وأقرأته إخوانك فحمدوا رأيك واستجابوا لك فنحن موافوك
إن شاء الله للأجل الذي ضربت وفى الموطن الذي ذكرت والسلام عليك
وكتب في أسفل كتابه
تبصر كأني قد أتيتك معلما * على أتلع الهادي أجش هزيم
طويل القرى نهد الشواء مقلص * ملح على فأس اللجام أزوم
بكل فتى لا يملا الروع نحره * محس لعض الحرب غير سؤوم
أخي ثقة ينوى الاله بسعيه * ضروب بنصل السيف غير أثيم
(قال أبو مخنف) لوط بن يحيى عن الحارث بن حصيرة عن عبد الله بن سعد
ابن نفيل قال كان أول ما ابتدعوا به من أمرهم سنة 61 وهى السنة التي قتل فيها
الحسين رضي الله عنه فلم يزل القوم في جمع آلة الحرب والاستعداد للقتال ودعاء
431

الناس في السر من الشيعة وغيرها إلى الطلب بدم الحسين فكان يجيبهم القوم
بعد القوم والنفر بعد النفر فلم يزالوا كذلك وفى ذلك حتى مات يزيد بن معاوية
يوم الخميس لأربع عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول سنة 64 وكان بين قتل
الحسين وهلاك يزيد بن معاوية ثلاث سنين وشهران وأربعة أيام وهلك يزيد
وأمير العراق عبيد الله بن زياد وهو بالبصرة وخليفته بالكوفة عمرو بن حريث
المخزومي فجاء إلى سليمان أصحابه من الشيعة فقالوا قد مات هذا الطاغية والآمر
الآن ضعيف فإن شئت وثبنا على عمرو بن حريث فأخرجناه من القصر ثم أظهرنا
الطلب بدم الحسن وتتبعنا قتلته ودعونا الناس إلى أهل هذا البيت المستأثر
عليهم المدفوعين عن حقهم فقالوا في ذلك فأكثروا فقال لهم سليمان بن صرد
رويدا لا تعجلوا إني قد نظرت فيما تذكرون فرأيت أن قتلة الحسين هم أشراف
أهل الكوفة وفرسان العرب وهم المطالبون بدمه ومتى علموا ما تريدون وعلموا
أنهم المطلوبون كانوا أشد عليكم ونظرت فيمن تبعني منكم فعلمت أنهم لو خرجوا
لم يدركوا ثأرهم ولم يشفوا أنفسهم ولم ينكوا في عدوهم وكانوا لهم جزرا ولكن
بثوا دعاتكم في المصر فادعوا إلى أمركم هذا شيعتكم وغير شيعتكم فإني أرجو أن
يكون الناس اليوم حيث هلك هذا الطاغية أسرع إلى أمركم استجابة منهم قبل
هلاكه ففعلوا وخرجت طائفة منهم دعاة يدعون الناس فاستجاب لهم ناس كثير
بعد هلاك يزيد بن معاوية أضعاف من كان استجاب لهم قبل ذلك (قال هشام)
قال أبو مخنف وحدثنا الحصين بن يزيد عن رجل من مزينة قال ما رأيت من هذه
الأمة أحدا كان أبلغ من عبيد الله بن عبد الله المري في منطق ولا عظة وكان من
دعاة أهل المصر زمان سليمان بن صرد وكان إذا اجتمعت إليه جماعة من الناس
فوعظهم بدأ بحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم يقول أما بعد فإن الله اصطفى محمدا صلى الله عليه وسلم على خلقه بنبوته وخصه
بالفضل كله وأعزكم باتباعه وأكرمكم بالايمان به فحقن به دماءكم المسفوكة وآمن
به سبلكم المخوفة وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم
432

آياته لعلكم تهتدون فهل خلق ربكم في الأولين والآخرين أعظم حقا على هذه
الأمة من نبيها وهل ذرية أحد من النبيين والمرسلين أو غيرهم أعظم حقا على هذه
الأمة من ذرية رسولها؟ لا والله ما كان ولا يكون لله أنتم ألم تروا ويبلغكم ما اجترم
إلى ابن بنت نبيكم أما رأيتم إلى انتهاك القوم حرمته واستضعافهم وحدته وترميلهم
إياه بالدم وتجرارهموه على الأرض لم يرقبوا فيه ربهم ولا قرابته من الرسول
صلى الله عليه وسلم اتخذوه للنبل غرضا وغادروه للضباع جزرا فلله عينا من رأى
مثله ولله حسين بن علي ماذا غادروا به ذا صدق وصبر وذا أمانة ونجدة وحزم
ابن أول المسلمين إسلاما وابن بنت رسول رب العالمين قلت حماته وكثرت عداته
حوله فقتله عدوه وخذله وليه فويل للقاتل وملامة للخاذل إن الله لم يجعل لقاتله
حجة ولا لخاذله معذرة إلا أن يناصح لله في التوبة فيجاهد القاتلين وينابذ القاسطين
فعسى الله عند ذلك أن يقبل التوبة ويقيل العثرة إنا ندعوكم إلى كتاب الله وسنة
نبيه والطلب بدماء أهل بيته وإلى جهاد المحلين والمارقين فإن قتلنا فما عند الله
خير للأبرار وإن ظهرنا رددنا هذا الامر إلى أهل بيت نبينا قال وكان يعيد هذا
الكلام علينا في كل يوم حتى حفظه عامتنا قال ووثب الناس على عمرو بن حريث عند
هلاك يزيد بن معاوية فأخرجوه من القصر واصطلحوا على عامر بن مسعود
ابن أمية بن خلف الجمحي وهو دحروجة الجعل الذي قال له ابن همام السلولي
أشدد يديك بزيد إن ظفرت به * واشف الأرامل من دحروجة الجعل
وكان كأنه إيهام قصرا وزيد مولاه وخازنه فكان يصلى بالناس وبايع
لابن الزبير ولم يزل أصحاب سليمان بن صرد يدعون شيعتهم وغيرهم من أهل مصرهم
حتى كثر تبعهم وكان الناس إلى اتباعهم بعد هلاك يزيد بن معاوية أسرع منهم
قبل ذلك فلما مضت ستة أشهر من هلاك يزيد بن معاوية قدم المختار بن أبي عبيد
الكوفة فقدم في النصف من شهر رمضان يوم الجمعة قال وقدم عبد الله بن يزيد
الأنصاري ثم الخطمي من قبل عبد الله بن الزبير أميرا على الكوفة على حربها
وثغرها وقدم معه من قبل ابن الزبير إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله الأعرج
433

أميرا على خراج الكوفة وكان قدوم عبد الله بن يزيد الأنصاري ثم الخطمي
يوم الجمعة لثمان بقين من شهر رمضان سنة 64 قال وقدم المختار قبل عبد الله بن
يزيد وإبراهيم بن محمد بثمانية أيام ودخل المختار الكوفة وقد اجتمعت رؤوس
الشيعة ووجوهها مع سليمان بن صرد فليس يعدلونه به فكان المختار إذا دعاهم إلى
نفسه وإلى الطلب بدم الحسين قالت له الشيعة هذا سليمان بن صرد شيخ الشيعة
قد انقادوا له واجتمعوا عليه فأخذ يقول للشيعة إني قد جئتكم من قبل المهدى
محمد بن علي بن الحنفية مؤتمنا مأمونا منتجبا ووزيرا فوالله ما زال بالشيعة حتى
انشعبت إليه طائفة تعظمه وتجيبه وتنتظر أمره وعظم الشيعة مع سليمان بن صرد
فسليمان أثقل خلق الله على المختار وكان المختار يقول لأصحابه أتدرون ما يريد هذا
يعنى سليمان بن صرد إنما يريد أن يخرج فيقتل نفسه ويقتلكم ليس له بصر بالحروب
ولا له علم بها قال وأتى يزيد بن الحارث بن يزيد بن رويم الشيباني عبد الله بن يزيد
الأنصاري فقال إن الناس يتحدثون أن هذه الشيعة خارجة عليك مع ابن صرد
ومنهم طائفة أخرى مع المختار وهى أقل الطائفتين عددا والمختار فيما يذكرون
الناس لا يريد أن يخرج حتى ينظر إلى ما يصير إليه أمر سليمان بن صرد وقد اجتمع
له أمره وهو خارج من أيامه هذه فان رأيت أن تجمع الشرط والمقاتلة ووجوه
الناس ثم تنهض إليهم وننهض معك فإذا دفعت إلى منزله دعوته فان أجابك حسبه
وإن قاتلك قاتلته وقد جمعت له وعبأت وهو مغتر فانى أخاف عليك إن هو بدأك
وأقررته حتى يخرج عليك أن تشتد شوكته وأن يتفاقم أمره فقال عبد الله بن
يزيد الله بيننا وبينهم إن هم قاتلونا قتلناهم وإن تركونا لم نطلبهم حدثني ما يريدون
الناس قال يذكر الناس أنهم يطلبون بدم الحسين بن علي قال فأنا قتلت الحسين
لعن الله قاتل الحسين قال وكان سليمان بن صرد وأصحابه يريدون أن يثبوا
بالكوفة فخرج عبد الله بن يزيد حتى صعد المنبر ثم قام في الناس فحمد الله وأثنى عليه
ثم قال أما بعد فقد بلغني أن طائفة من أهل هذا المصر أرادوا أن يخرجوا علينا
فسألت عن الذي دعاهم إلى ذلك ما هو فقيل لي زعموا أنهم يطلبون بدم الحسين
434

ابن علي فرحم الله هؤلاء القوم قد والله دللت على أماكنهم وأمرت بأخذهم وقيل
ابدأهم قبل أن يبدؤك فأبيت ذلك فقلت إن قاتلوني قاتلتهم وإن تركوني لم أطلبهم
وعلام يقاتلوني فوالله ما أنا قتلت حسينا ولا أنا ممن قاتله ولقد أصبت بمقتله
رحمة الله عليه فان هؤلاء القوم آمنون فليخرجوا ولينتشروا ظاهرين ليسيروا
إلى من قاتل الحسين فقد أقبل إليهم وأنالهم على قاتله ظهير هذا ابن زياد قاتل
الحسين وقاتل خياركم وأماثلكم قد توحه إليكم عهد العاهد به على مسيرة ليلة من
جسر منبج فقتاله والاستعداد له أولى وأرشد من أن تجعلوا بأسكم بينكم
فيقتل بعضكم بعضا ويسفك بعضكم دماء بعض فيلقاكم ذلك العدو غدا وقد
رققتم وتلك والله أمنية عدوكم وإنه قد أقبل إليكم أعدى خلق الله لكم من ولى
عليكم هو وأبوه سبع سنين لا يقلعان عن قتل أهل العفاف والدين هو الذي قتلكم
ومن قبله أوتيتم والذي قتل من تثأرون بدمه قد جاءكم فاستقبلوه بحدكم وشوكتكم
واجعلوها به ولا تجعلوها بأنفسكم إني لم الكم نصحا جمع الله لنا كلمتنا وأصلح
لنا أئمتنا قال فقال إبراهيم بن محمد بن طلحة أيها الناس لا يغرنكم من السيف والغشم
مقالة هذا المداهن الموادع والله لئن خرج علينا خارج لنقتلنه ولئن استيقنا أن
قوما يريدون الخروج علينا لنأخذن الوالد بولده والمولود بوالده ولنأخذن الحميم
بالحميم والعريف بما في عرافته حتى يدينوا للحق ويذلوا للطاعة فوثب إليه المسيب
ابن نجبة فقطع عليه منطقه ثم قال يا ابن الناكثين أنت تهددنا بسيفك وغشمك
أنت والله أذل من ذلك إنا لا نلومك على بغضنا وقد قتلنا أباك وجدك والله إني
لأرجو ألا يخرجك الله من بين ظهراني أهل هذا المصر حتى يثلثوا بك جدك
وأباك وأما أنت أيها الأمير فقد قلت قولا سديدا وإني والله لأظن من يريد هذا
الامر مستنصحا لك وقابلا قولك فقال إبراهيم بن محمد بن طلحة أي والله ليقتلن
وقد أدهن ثم أعلن فقام إليه عبد الله بن وال التيمي فقال ما اعتراضك يا أخا بنى تيم بن
مرة فيما بيننا وبين أميرنا فوالله ما أنت علينا بأمير ولا لك علينا سلطان إنما أنت
أمير الجزية فأقبل على خراجك فلعمر الله لئن كنت مفسدا ما أفسد أمر هذه الأمة
435

إلا والدك وجدك الناكثان فكانت بهما اليدان وكانت عليهما دائرة السوء قال ثم
أقبل مسيب بن نجبة وعبد الله بن وال على عبد الله بن يزيد فقالا أما رأيك أيها الأمير
فوالله إنا لا نرجو أن تكون به عند العامة محمودا وأن تكون عند الذي عنيت
واعتريت مقبولا فغضب أناس من عمال إبراهيم بن محمد بن طلحة وجماعة ممن كان
معه فتشاتموا دونه فشتمهم الناس وخصموهم * فلما سمع ذلك عبد الله بن يزيد
نزل ودخل وانطلق إبراهيم بن محمد وهو يقول قد داهن عبد الله بن يزيد
أهل الكوفة والله لاكتبن بذلك إلى عبد الله بن الزبير فأتى شبث بن ربعي التميمي
عبد الله بن يزيد فأخبره بذلك فركب به وبيزيد بن الحارث بن رويم حتى دخل
على إبراهيم بن محمد بن طلحة فحلف له بالله ما أردت بالقول الذي سمعت إلا العافية
وصلاح ذات البين إنما أتاني يزيد بن الحارث بكذا وكذا فرأيت أن أقوم
فيهم بما سمعت إرادة ألا تختلف الكلمة ولا تتفرق الألفة وألا تقع بأس
هؤلاء القوم بينهم فعذره وقبل منه قال ثم إن أصحاب سليمان بن صرد خرجوا
ينشرون السلاح ظاهرين ويتجهزون يجاهرون بجهازهم وما يصلحهم (وفى
هذه السنة) فارق عبد الله بن الزبير الخوارج الذين كانوا قدموا عليه مكة فقاتلوا
معه حصين بن نمير السكوني فصاروا إلى البصرة ثم افترقت كلمتهم فصاروا أحزابا
ذكر الخبر عن فراقهم ابن الزبير والسبب الذي من أجله فارقوه
والذي من أجله افترقت كلمتهم
* حدثت عن هشام بن محمد الكلبي عن أبي مخنف لوط بن يحيى قال
حدثني أبو المخارق الراسبي قال لما ركب ابن زياد من الخوارج بعد قتل أبى بلال
ما ركب وقد كان قبل ذلك لا يكف عنهم ولا يستبقيهم غير أنه بعد قتل أبى بلال
تجرد لاستئصالهم وهلاكهم واجتمعت الخوارج حين ثار ابن الزبير بمكة وسار
إليه أهل الشأم فتذاكروا ما أتى إليهم فقال لهم نافع بن الأزرق إن الله قد أنزل
عليكم الكتاب وفرض عليكم فيه الجهاد واحتج عليكم بالبيان وقد جرد فيكم
السيوف أهل الظلم وأولو العدى والغشم وهذا من قد ثار بمكة فاخرجوا بنا
436

نأت البيت ونلق هذا الرجل فإن يكن على رأينا جاهدنا معه العدو وإن يكن
على غير رأينا دافعنا عن البيت ما استطعنا ونظرنا بعد ذلك في أمورنا فخرجوا
حتى قدموا على عبد الله بن الزبير فسر بمقدمهم ونبأهم أنه على رأيهم وأعطاهم
الرضا من غير توقف ولا تفتيش فقاتلوا معه حتى مات يزيد بن معاوية وانصرف
أهل الشأم عن مكة ثم إن القوم لقى بعضهم بعضا فقالوا إن هذا الذي صنعتم
أمس بغير رأى ولا صواب من الامر تقاتلون مع رجل لا تدرون لعله
ليس على رأيكم إنما كان أمس يقاتلكم هو وأبوه ينادى يأل ثأرات عثمان فاتوه
وسلوه عن عثمان فإن برئ منه كان وليكم وإن أبى كان عدوكم فمشوا نحوه فقالوا
له أيها الانسان إنا قد قاتلنا معك ولم نفتشك عن رأيك حتى نعلم أمنا أنت أم
من عدونا خبرنا ما مقالتك في عثمان فنظر فإذا من حوله من أصحابه قليل فقال
لهم إنكم أتيتموني فصادفتموني حين أردت القيام ولكن روحوا إلى العشية
حتى أعلمكم من ذلك الذي تريدون فانصرفوا وبعث إلى أصحابه فقال البسوا
السلاح واحضروني بأجمعكم العشية ففعلوا وجاءت الخوارج وقد أقام أصحابه
حوله سماطين عليهم السلاح وقامت جماعة منهم عظيمة على رأسه بأيديهم الأعمدة
فقال ابن الأزرق لأصحابه خشى الرجل غائلتكم وقد أزمع بخلافكم واستعد لكم
ما ترون فدنا منه ابن الأزرق فقال له يا ابن الزبير اتق الله ربك وابغض الخائن
المستأثر وعاد أول من سن الضلالة وأحدث الاحداث وخالف حكم الكتاب فإنك ان
تفعل ذلك ترض ربك وتنج من العذاب الأليم نفسك وان تركت ذلك
فأنت من الذين استمتعوا بخلاقهم وأذهبوا في الحياة الدنيا طيباتهم يا عبيدة
ابن هلال صف لهذا الانسان ومن معه أمرنا الذي نحن عليه والذي ندعو الناس
إليه فتقدم عبيدة بن هلال (قال هشام) قال أبو مخنف وحدثني أبو علقمة
الخثعمي عن أبي قبيصة بن عبد الرحمن القحافي من خثعم قال أنا والله شاهد
عبيدة بن هلال إذ تقدم فتكلم فما سمعت ناطقا قط ينطق كان أبلغ ولا أصوب
قولا منه وكان يرى رأى الخوارج قال وإن كان ليجمع القول الكثير في المعنى
437

الخطير في اللفظ اليسير قال فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإن الله بعث
محمدا صلى الله عليه وسلم يدعو إلى عبادة الله وإخلاص الدين فدعا إلى ذلك فأجابه
المسلمون فعمل فيهم بكتاب الله وأمره حتى قبضه الله إليه صلى الله عليه واستخلف
الناس أبا بكر واستخلف أبو بكر عمر فكلاهما عملا بالكتاب وسنة رسول الله
فالحمد لله رب العالمين ثم إن الناس استخلفوا عثمان بن عفان فحمى الأحماء فآثر
القربى واستعمل الفتى ورفع الدرة ووضع السوط ومزق الكتاب وحقر المسلم
وضرب منكري الجور وآوى طريد الرسول صلى الله عليه وضرب السابقين
بالفضل وسيرهم وحرمهم ثم أخذ في الله الذي أفاءه عليهم فقسمه بن فساق
قريش ومجان العرب فسارت إليه طائفة من المسلمين أخذ الله ميثاقهم على طاعته
لا يبالون في الله لومة لائم فقتلوه فنحن لهم أولياء ومن ابن عفان وأوليائه برآء
فما تقول أنت يا ابن الزبير قال فحمد الله ابن الزبير وأثنى عليه ثم قال أما بعد فقد
فهمت الذي ذكرتم وذكرت به النبي صلى الله عليه وسلم فهو كما قلت صلى الله عليه
وفوق ما وصفته وفهمت ما ذكرت به أبا بكر وعمر وقد وفقت وأصبت وقد
فهمت الذي ذكرت به عثمان بن عفان رحمة الله عليه وإني لا أعلم مكان أحد من
خلق الله اليوم أعلم بابن عفان وأمره منى كنت معه حيث نقم القوم عليه واستعتبوه
فلم يدع شيئا استعتبه القوم فيه إلا أعتبهم منه ثم إنهم رجعوا إليه بكتاب له
يزعمون أنه كتبه فيهم يأمر فيه بقتلهم فقال لهم ما كتبته فإن شئتم فهاتوا بينتكم
فإن لم تكن حلفت لكم فوالله ما جاؤه ببينة ولا استحلفوه ولوثبوا عليه فقتلوه
وقد سمعت ما عبته به فليس كذلك بل هو لكل خير أهل وأنا أشهدكم ومن
حضر أنى ولى لابن عفان في الدنيا والآخرة وولى أوليائه وعدو أعدائه
قالوا فبرئ الله منك يا عدو الله قال فبرئ الله منكم يا أعداء الله وتفرق القوم
فأقبل نافع بن الأزرق الحنظلي وعبد الله بن صفار السعدي من بنى صريم بن مقاعس
وعبد الله بن أباض أيضا من بنى صريم وحنظلة بن بيهس وبنو الماحوز عبد الله
وعبيد الله والزبير من بنى سليط بن يربوع حتى أتوا البصرة وانطلق أبو طالوت من
438

بنى زمان بن مالك بن صعب بن علي بن مالك بن بكر بن وائل وعبد الله بن ثور
أبو فديك من بنى قيس بن ثعلبة وعطية بن الأسود اليشكري إلى اليمامة فوثبوا باليمامة
مع أبي طالوت ثم أجمعوا بعد ذلك على نجدة ابن عامر الحنفي فأما البصريون منهم
فإنهم قدموا البصرة وهم مجمعون على رأى أبى بلال (قال هشام) قال أبو مخنف
لوط بن يحيى فحدثني أبو المثنى عن رجل من إخوانه من أهل البصرة أنهم اجتمعوا
فقالت العامة منهم لو خرج منا خارجون في سبيل الله فقد كانت منا فترة منذ خرج
أصحابنا فيقوم علماؤنا في الأرض فيكونون مصابيح الناس يدعونهم إلى الدين
ويخرج أهل الورع والاجتهاد فيلحقون بالرب فيكونون شهداء مرزوقين
عند الله أحياء فانتدب لها نافع بن الأزرق فاعتقد على ثلاثمائة رجل فخرج وذلك
عند وثوب الناس بعبيد الله بن زياد وكسر الخوارج أبواب السجون وخروجهم
منها واشتغل الناس بقتال الأزدي وربيعة وبنى تميم وقيس في دم مسعود بن عمرو
فاغتنمت الخوارج اشتغال الناس بعضهم ببعض فتهيؤا واجتمعوا فلما خرج نافع
ابن الأزرق تبعوه واصطلح أهل البصرة على عبد الله بن الحارث بن نوفل بن
الحارث بن عبد المطلب يصلى بهم وخرج ابن زياد إلى الشأم واصطلحت الأزد
وبنو تميم فتجرد الناس للخوارج فأتبعوهم وأخافوهم حتى خرج من بقى منهم
بالبصرة فلحق بابن الأزرق إلا قليلا منهم ممن لم يكن أراد الخروج يومه ذلك
منهم عبد الله بن صفار وعبد الله بن أباض ورجال معهما على رأيهما ونظر نافع بن
الأزرق ورأى أن ولاية من تخلف عنه لا تنبغي وأن من تخلف عنه لا نجاة له
فقال لأصحابه إن الله قد أكرمكم بمخرجكم بصركم ما عمى عنه غيركم ألستم تعلمون
أنكم إنما خرجتم تطلبون شريعته وأمره فأمره لكم قائد والكتاب لكم
إمام وإنما تتبعون سننه وأثره فقالوا بلى فقال أليس حكمكم في وليكم
حكم النبي صلى الله عليه وسلم في وليه وحكمكم في عدوكم حكم النبي صلى الله
عليه وعلى آله وسلم في عدوه وعدوكم اليوم عدو الله وعدو النبي صلى الله تعالى
عليه وسلم كما أن عدو النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ هو عدو الله وعدوكم اليوم
فقالوا نعم قال فقد أنزل الله تبارك وتعالى (براءة من الله ورسوله إلى الذين
439

عاهدتم من المشركين) وقال (لا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) فقد حرم
الله ولايتهم والمقام بين أظهرهم وإجازة شهادتهم وأكل ذبائحهم وقبول علم الدين
عنهم ومناكحتهم ومواريثهم وقد احتج الله علينا بمعرفة هذا وحق علينا أن نعلم
هذا الدين الذين خرجنا من عندهم ولا نكتم ما أنزل الله والله عز وجل يقول
(إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه
للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) فاستجاب له إلى هذا
الرأي جميع أصحابه فكتب من عبيد الله نافع بن الأزرق إلى عبد الله بن صفار
وعبد الله بن أباض ومن قبلهما من الناس سلام على أهله طاعة الله من عباد الله
فإن من الامر كيت وكيت فقص هذه القصة ووصف هذه الصفة ثم بعث بالكتاب
إليهما فأتيا به فقرأه عبد الله بن صفار فأخذه فوضعه خلفه فلم يقرأه على الناس
خشية أن يتفرقوا ويختلفوا فقال له عبد الله بن أباض مالك لله أبوك أي
شئ أصبت أن قد أصيب إخواننا أو أسر بعضهم فدفع الكتاب إليه فقرأه
فقال قاتله الله أي رأى رأى صدق نافع بن الأزرق لو كان القوم مشركين
كان أصوب الناس رأيا وحكما فيما يشير به وكانت سيرته كسيرة النبي صلى الله
عليه وسلم في المشركين ولكنه قد كذب وكذبنا فيما يقول إن القوم كفار بالنعم
والاحكام وهم برآء من الشرك ولا يحل لنا إلا دماؤهم وما سوى ذلك من أموالهم
فهو علينا حرام فقال ابن صفار برئ الله منك فقد قصرت وبرئ الله من ابن
الأزرق فقد غلا برئ الله منكما جميعا وقال الآخر فبرئ الله منك ومنه وتفرق
القوم واشتدت شوكة ابن الأزرق وكثرت جموعه وأقبل نحو البصرة حتى دنا
من الجسر فبعث إليه عبد الله بن الحارث مسلم بن عبيس بن كريز بن ربيعة بن حبيب
ابن عبد الشمس بن عبد مناف في أهل البصرة (قال أبو جعفر) وفى النصف
من شهر رمضان من هذه السنة كان مقدم المختار بن أبي عبيد الكوفة
ذكر الخبر عن سبب مقدمه إليها
(قال هشام بن محمد الكلبي) قالوا أبو مخنف قال النضر بن صالح كانت الشيعة
440

تشتم المختار وتعتبه لما كان منه في أمر الحسن بن علي يوم طعن في مظلم ساباط
فحمل إلى أبيض المدائن حتى إذا كان زمن الحسين وبعث الحسين مسلم بن عقيل
إلى الكوفة نزل دار المختار وهى اليوم دار سلم بن المسيب فبايعه المختار بن أبي
عبيد فيمن بايعه من أهل الكوفة وناصحه ودعا إليه من أطاعه حتى خرج ابن
عقيل يوم خرج والمختار في قرية له بخطرنية تدعى لقفا فجاءه خبر ابن عقيل
عند الظهر أنه قد ظهر بالكوفة فلم يكن خروجه يوم خرج على ميعاد من أصحابه
إنما خرج حين قيل له إن هانئ بن عروة المرادي قد ضرب وحبس فأقبل المختار
في موال له حتى انتهى إلى باب الفيل بعد الغروب وقد عقد عبيد الله بن زياد لعمرو بن
حريث راية على جميع الناس وأمره أن يقعد لهم في المسجد فلما كان المختار فوقف على
باب الفيل مر به هانئ بن أبي حية الوادعي فقال للمختار ما وقوفك ههنا لا أنت مع
الناس ولا أنت في رحلك قال أصبح رأيي مرتجا لعظم خطيئتكم فقال له أظنك
والله قاتلا نفسك ثم دخل على عمرو بن حريث فأخبره بما قال للمختار وما رد عليه
المختار (قال أبو مخنف) فأخبرني النضر بن صالح عن عبد الرحمن بن أبي عمير الثقفي
قال كنت جالسا عند عمرو بن حريث حنى بلغه هانئ بن أبي حية عن المختار هذه المقالة
فقال لي قم إلى ابن عمك فأخبره أن صاحبه لا يدرى أين هو فلا يجعلن على نفسه سبيلا
فقمت لآتيه ووثب إليه زائدة بن قدامة بن مسعود فقال له يأتيك على أن آمن
فقال له عمرو بن حريث أما منى فهو آمن إن رقى إلى الأمير عبيد الله بن زياد شئ
من أمره أقمت له بمحضره الشهادة وشفعت له أحسن الشفاعة فقال له زائدة بن
قدامة ليكونن مع هذا إن شاء الله إلا خير * قال عبد الرحمن فخرجت وخرجت معي
زائدة إلى المختار فأخبرناه بمقالة ابن أبي حية وبمقالة عمرو بن حريث وناشدناه بالله
ألا يجعل على نفسه سبيلا فنزل إلى ابن حريث فسلم عليه وجلس تحت رايته حتى
أصبح وتذاكر الناس أمر المختار وفعله فمشى عمارة بن عقبة بن أبي معيط بذلك إلى
عبيد الله بن زياد فذكر له فلما ارتفع النهار فتح باب عبيد الله بن زياد وأذن للناس
فدخل المختار فيمن دخل فدعاه عبيد الله فقال له أنت المقبل في الجموع لتنصر ابن
441

عقيل فقال له لم أفعل ولكني أقبلت ونزلت تحت راية عمرو بن حريث وبت معه
وأصبحت فقال له عمرو صدق أصلحك الله قال فرفع القضيب فاعترض به وجه
المختار فحبط به عينه فشترها وقال أولى لك أما والله لولا شهادة عمرو لك لضربت
عنقك انطلقوا به إلى السجن فانطلقوا به إلى السجن فحبس فيه فلم يزل في السجن حتى
قتل الحسين ثم إن المختار بعث إلى زائدة بن قدامة فسأله أن يسير إلى عبد الله بن
عمر بالمدينة فيسأله أن يكتب له إلى يزيد بن معاوية فيكتب إلى عبيد الله بن زياد بتخلية
سبيله فركب زائدة إلى عبد الله بن عمر فقدم عليه فبلغه رسالة المختار وعلمت صفية
أخت المختار بمحبس أخيها وهى تحت عبد الله بن عمر فبكت وجزعت فلما رأى ذلك
عبد الله بن عمر كتب مع زائدة إلى يزيد بن معاوية أما بعد فإن عبيد الله بن زياد حبس
المختار وهو صهري وأنا أحب أن يعافى ويصلح من حاله فإن رأيت رحمنا الله وإياك
أن تكتب إلى ابن زياد فتأمره بتخليته فعلت والسلام عليك فمضى زائدة على رواحله
بالكتاب حتى قدم به على يزيد بالشام فلما قرأه ضحك ثم قال يشفع أبو عبد الرحمن
وأهل ذلك هو فكتب له إلى ابن زياد أما بعد فخل سبيل المختار بن أبي عبيد حين
تنظر في كتابي والسلام عليك فأقبل به زائدة حتى دفعه فدعا ابن زياد بالمختار فأخرجه
ثم قال له قد أجلتك ثلاثا فان أدركتك بالكوفة بعدها قد برئت منك الذمة فخرج
إلى رحله وقال ابن زياد والله لقد اجترأ على زائدة حين يرحل إلى أمير المؤمنين
حتى يأتيني بالكتاب في تخلية رجل قد كان من شأني أن أطيل حبسه على به فمر به
عمرو بن نافع أبو عثمان كاتب لابن زياد وهو يطلب وقال له النجاء بنفسك
واذكرها يدا لي عندك * قال فخرج زائدة فتوارى يومه ذلك ثم إنه خرج في أناس
من قومه حتى أتى القعقاع بن شور الذهلي ومسلم بن عمرو الباهلي فأخذا له من
ابن زياد الأمان (قال هشام) قال أبو مخنف ولما كان اليوم الثالث خرج المختار
إلى الحجاز قال فحدثني الصقعب بن زهير عن ابن العرق مولى لثقيف قال أقبلت
من الحجاز حتى إذا كنت بالبسيطة من وراء واقصة استقبلت المختار بن أبي عبيد
خارجا يريد الحجاز حين خلى سبيله ابن زياد فلما استقبلته رحبت به وعطفت إليه
442

فلما رأيت شتر عينه استرجعت له وقلت له بعد ما توجعت له ما بال عينك صرف
الله عنك السوء قال خبط عيني ابن الزانية بالقضيب خبطة صارت إلى ما ترى فقلت له
ماله شلت أنامله فقال المختار قتلني الله إن لم أقطع أنامله وأباجله وأعضاءه إربا إربا
قال فعجبت لمقالته فقلت له ما علمك بذلك رحمك الله فقال لي ما أقول لك فاحفظه
عنى حتى ترى مصداقه قال ثم طفق يسألني عن عبد الله بن الزبير فقلت له لجأ إلى
البيت فقال إنما أنا عائذ برب هذه البنية الناس يتحدثون أنه يبايع سرا ولا أراه
إلا لو قد اشتدت شوكته واستكثف من الرجال إلا سيظهر الخلاف قال أجل
لا شك في ذلك أما انه رجل العرب اليوم أما انه ان يخطط في أثرى ويسمع قولي
أكفه أمر الناس وإلا يفعل فوالله ما أنا بدون أحد من العرب يا ابن العرق ان الفتنة
قد أرعدت وأبرقت وكأن قد انبعثت فوطئت في خطامها فإذا رأيت ذلك وسمعت
به بمكان قد ظهرت فيه فقيل إن المختار في عصائبه من المسلمين يطلب بدم المظلوم
الشهيد المقتول بالطف سيد المسلمين وابن سيدها الحسين بن علي فوربك لأقتلن
بقتله عده القتلى التي قتلت على دم يحيى بن زكرياء عليه السلام قال فقلت له سبحان
الله وهذه أعجوبة مع الأحدوثة الأولى فقال هو ما أقول لك فاحفظه عنى حتى ترى
مصداقه ثم حرك راحلته فمضى ومضيت معه ساعة أدعو الله له بالسلامة وحسن
الصحابة قال ثم إنه وقف فأقسم على لما انصرفت فأخذت بيده فودعته وسلمت عليه
وانصرف عنه فقلت في نفسي هذا الذي يذكر لي هذا الانسان يعنى المختار مما يزعم أنه
كائن أشئ حدث به نفسه فوالله ما أطلع الله على الغيب أحدا وانما هو شئ يتمناه
فيرى أنه كائن فهو يوجب رأيه فهذا والله الرأي الشعاع فوالله ما كل ما يرى الانسان
انه كائن يكون قال فوالله ما مت حتى رأيت كل ما قاله قال فوالله لئن كان ذلك من
علم ألقى إليه لقد أثبت له ولئن كان ذلك رأيا رآه وشيئا تمناه لقد كان (قال أبو مخنف)
فحدثني الصقعب بن زهير عن ابن العرق قال فحدثت بهذا الحديث للحجاج بن يوسف
فضحك ثم قال لي انه كان يقول أيضا:
ودافعة ذيلها وداعية ويلها بدجلة أو حولها
443

فقلت له أترى هذا شيئا كان يخترعه وتخرصا يتخرصه أم هو من علم كان أوتيه
فقال والله ما أدرى ما هذا الذي تسألني عنه ولكن لله دره أي رجل دينا ومسعر
حرب ومقارع أعداء كان (قال أبو مخنف) فحدثني أبو يوسف الأنصاري من
بنى الخزرج عن عباس بن سهل بن سعد قال قدم المختار علينا مكة فجاء إلى عبد الله
ابن الزبير وأنا جالس عنده فسلم عليه فرد عليه ابن الزبير ورحب به وأوسع
له ثم قال حدثني عن حال الناس بالكوفة يا أبا إسحاق قال هم لسلطانهم في
العلانية أولياء وفى السر أعداء فقال له ابن الزبير هذه صفة عبيد السوء إذا
رأوا أربابهم خدموهم وأطاعوهم فإذا غابوا عنهم شتموهم ولعنوهم قال فجلس معنا
ساعة ثم إنه قال إلى ابن الزبير كأنه يساره فقال له ما تنتظر ابسط يدك أبايعك
وأعطنا ما يرضينا وثب على الحجاز فإن أهل الحجاز كلهم معك وقام المختار فخرج
فلم ير حولا ثم إني بينا أنا جالس مع ابن الزبير إذ قال لي ابن الزبير متى عهدك بالمختار
ابن أبي عبيد فقلت له مالي به عهد منذ رأيته عندك عاما أول فقال أين تراه ذهب
لو كان بمكة لقد رؤى بها بعد فقلت له إني انصرفت إلى المدينة بعد إذ رأيته عندك بشهر
أو شهرين فلبثت بالمدينة أشهرا ثم إني قدمت عليك فسمعت نفرا من أهل الطائف
جاءوا معتمرين يزعمون أنه قدم عليهم الطائف وهو يزعم أنه صاحب الغضب ومبير
الجبارين قال قاتله الله لقد انبعث كذابا متكهنا إن الله إن يهلك الجبارين يكن
المختار أحدهم فوالله ما كان إلا ريث فراغنا من منطقنا حتى عن لنا في جانب المسجد
فقال ابن الزبير أذكر غائبا تره أين تظنه يهوى فقلت أظنه يريد البيت فأتى البيت
فاستقبل الحجر ثم طاف بالبيت أسبوعا ثم صلى ركعتين عند الحجر ثم جلس فما
لبث أن مر به رجال من معارفه من أهل الطائف وغيرهم من أهل الحجاز فجلسوا
إليه واستبطأ ابن الزبير قيامه إليه فقال ما ترى شأنه لا يأتينا قلت لا أدرى وسأعلم
لك علمه وقال ما شئت وكان ذلك أعجبه قال فقمت فمررت به كأني أريد الخروج
من المسجد ثم التفت إليه فأقبلت نحوه ثم سلمت عليه ثم جلست إليه وأخذت
بيده فقلت له أين كنت وأين بلغت بعدي أبالطائف كنت فقال لي كنت بالطائف
444

وغير الطائف وعمس على أمره فملت إليه فناجيته فقلت له مثلك يغيب عن مثل
ما قد اجتمع عليه أهل الشرف وبيوتات العرب من قريش والأنصار وثقيف
لم يبق أهل بيت ولا قبيلة إلا وقد جاء زعيمهم وعميدهم فبايع هذا الرجل فعجبا لك
ولرأيك ألا تكون أتيته فبايعته وأخذت بحظك من هذا الامر وقال لي وما رأيتني
أتيته العام الماضي فأشرت عليه بالرأي فطوى أمره دوني وانى لما رأيته استغنى
عنى أحببت أن أريه أنى مستغن عنه إنه والله لهو أحوج إلى منى إليه فقلت له
إنك كلمته بالذي كلمته وهو ظاهر في المسجد وهذا الكلام لا ينبغي أن يكون إلا
والستور دونه مرخاة والأبواب دونه مغلقة القه الليلة إن شئت وأنا معك فقال
لي فإني فاعل إذا صلينا العتمة أتيناه واتعدنا الحجر قال فنهضت من عنده فخرجت
ثم رجعت إلى ابن الزبير فأخبرته بما كان من قولي وقوله فسر بذلك * فلما صلينا
العتمة التقينا بالحجر ثم خرجنا حتى أتينا منزل ابن الزبير فاستأذنا عليه فأذن لنا
فقلت أخليكما فقالا جميعا لا سر دونك فجلست فإذا ابن الزبير قد أخذ بيده فصافحه
ورحب به فسأله عن حاله وأهل بيته وسكتا جميعا غير طويل فقال له المختار
وأنا أسمع بعد أن تبدأ في أول منطقه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أنه لا خير في
الاكثار من المنطق ولا في التقصير عن الحاجة إني قد جئتك لأبايعك على ألا
تقضى الأمور دوني وعلى أن أكون في أول من تأذن له وإذا ظهرت استعنت بي
على أفضل عملك فقال له ابن الزبير أبايعك على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم
فقال وشر غلماني أنت مبايعه على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم مالي
في هذا الامر من الحظ ما ليس لأقصى الخلق منك لا والله لا أبايعك أبدا إلا على
هذه الخصال قال عباس بن سهل فالتقمت أذن ابن الزبير فقلت له اشتر منه دينه
حتى ترى من رأيك فقال له ابن الزبير فإن لك ما سألته فبسط يده فبايعه ومكث
معه حتى شاهد الحصار الأول حين قدم الحصين بن نمير السكوني مكة فقاتل في ذلك
اليوم فكان من أحسن الناس يومئذ بلاء وأعظمهم غناء * فلما قتل المنذر بن الزبير
والمسور بن مخرمة ومصعب بن عبد الرحمن بن عوف الزهري نادى المختار يا أهل
445

الاسلام إلى إلى أنا ابن أبي عبيد بن مسعود وأنا ابن الكرار لا الفرار أنا ابن
المقدمين غير المحجمين إلى يا أهل الحفاظ وحماة الأوتار فحمى الناس يومئذ وأبلى
وقاتل قتالا حسنا ثم أقام مع ابن الزبير في ذلك الحصار حتى كان يوم أحرق
البيت فإنه أحرق يوم السبت لثلاث مضين من شهر ربيع الأول سنة 64 فقاتل
المختار يومئذ في عصابة معه نحو من ثلثمائة أحسن قتال قاتله أحد من الناس إن
كان ليقاتل حتى يتبلد ثم يجلس ويحيط به أصحابه فإذا استراح نهض فقاتل فما كان
يتوجه نحو طائفة من أهل الشأم إلا ضاربهم حتى يكشفهم (قال أبو مخنف) فحدثني
أبو يوسف محمد بن ثابط عن عباس بن سهل بن سعد قال تولى قتال أهل الشأم
يوم تحريق الكعبة عبد الله بن مطيع وأنا والمختار قال فما كان فينا يومئذ رجل
أحسن بلاء من المختار قال وقاتل قبل أن يطلع أهل الشأم على موت يزيد بن معاوية
بيوم قتالا شديدا وذلك يوم الأحد لخمس عشرة ليلة مضت من ربيع الآخر
سنة 64 وكان أهل الشأم قد رجوا أن يظفروا بنا وأخذوا علينا سكك مكة قال
وخرج ابن الزبير فبايعه رجال كثير على الموت قال فخرجت في عصابة معي
أقاتل في جانب والمختار في عصابة أخرى يقاتل في جمعية من أهل اليمامة في جانب
وهم خوارج وإنما قاتلوا ليدفعوا عن البيت فهم في جانب وعبد الله بن المطيع في جانب
قال فشد أهل الشأم على فحازوني في أصحابي حتى اجتمعت أنا والمختار وأصحابه في
مكان واحدا فلم أكن أصنع شيئا إلا صنع مثله ولا يصنع شيئا إلا تكلفت أن
أصنع مثله فما رأيت أشد منه قط قال فإنا لنقاتل إذ شدت علينا رجال وخيل من خيل
أهل الشأم فاضطروني وإياه في نحو من سبعين رجلا من أهل الصبر إلى جانب دار
من دور أهل مكة فقاتلهم المختار يومئذ وأخذ يقول رجل لرجل ولا وألت نفس امرئ
يفر قال فخرج المختار وخرجت معه فقلت ليخرج منكم إلى رجل فخرج إلى رجل واليه
رجل آخر فمشيت إلى صاحبي فأقتله ومشى المختار إلى صاحبه فقتله ثم صحنا بأصحابنا
وشددنا عليهم فوالله لضربناهم حتى أخرجناهم من السكك كلها ثم رجعنا إلى صاحبينا
اللذين قتلنا قال فإذا الذي قتلت رجل أحمر شديد الحمرة كأنه رومي وإذا الذي قتل
446

المختار رجل أسود شديد السواد فقال لي المختار تعلم والله إني لأظن قتيلينا هذين
عبدين ولو أن هذين قتلانا لفجع بنا عشائرنا ومن يرجونا وما هذان وكلبان من
الكلاب عندي إلا سواء ولا أخرج بعد يومى هذا لرجل أبدا إلا لرجل أعرفه
فقلت له وأنا والله لا أخرج إلا لرجل أعرفه وأقام المختار مع ابن الزبير حتى
هلك يزيد بن معاوية وانقضى الحصار ورجع أهل الشأم إلى الشأم واصطلح أهل
الكوفة على عامر بن مسعود بعد ما هلك يزيد يصلى بهم حتى يجتمع الناس على إمام
يرضونه فلم يلبث عامر الا شهرا حتى بعث ببيعته وبيعة أهل الكوفة إلى ابن الزبير وأقام
المختار مع ابن الزبير خمسة أشهر بعد مهلك يزيد وأياما (قال أبو مخنف) فحدثني عبد الملك
بن نوفل بن مساحق عن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص قال والله إني لمع عبد الله
ابن الزبير ومع عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف ونحن نطوف بالبيت إذ نظر
ابن الزبير فإذا هو بالمختار فقال لابن صفوان انظر إليه فوالله لهو أحذر من ذئب
قد أطافت به السباع قال فمضى ومضينا معه فلما قضينا طوافنا وصلينا الركعتين
بعد الطواف لحقنا المختار فقال لابن صفوان ما الذي ذكرني به ابن الزبير قال
قال فكتمه وقال لم يذكرك إلا بخير قال بلى ورب هذه البنية إن كنت لمن شأنكما
أما والله ليخطن في أثرى أو لأقدنها عليه سعرا فأقام معه خمسة أشهر فلما رآه
لا يستعمله جعل لا يقدم عليه أحد من الكوفة إلا سأله عن حال الناس وهيئتهم
(قال أبو مخنف) فحدثني عطية بن الحارث أبو روق الهمداني أن هانئ بن أبي
حية الوادعي قدم مكة يريد عمرة رمضان فسأله المختار عن حاله وحال الناس
بالكوفة وهيئتهم فأخبره عنهم بصلاح واتساق على طاعة ابن الزبير إلا أن طائفة
من الناس إليهم عدد أهل مصر لو كان لهم رجل يجمعهم على رأبهم أكل بهم الأرض
إلى يوم ما فقال له المختار أنا أبو إسحاق أنا والله لهم أنا أجمعهم على مر الحق وأنفى بهم
ركبان الباطل وأقتل بهم كل جبار عنيد فقال له هانئ بن أبي حية ويحك يا ابن أبي
عبيد إن استطعت ألا توضع في الظلال ليكن صاحبهم غيرك فان صاحب
الفتنة أقرب شئ أجلا وأسوأ الناس عملا فقال له المختار أنى لا أدعو إلى الفتنة
447

إنما أدعو إلى الهدى والجماعة ثم وثب فخرج وركب رواحله فأقبل نحو الكوفة
حتى إذا كان بالقرعاء فلقيه سلمة بن مرثد أخو بنت مرثد القابضي من همدان وكان
من أشجع العرب وكان ناسكا فلما التقيا تصافحا وتساءلا لا فخبره المختار خبر الحجاز
ثم قال لسلمة بن مرثد حدثني عن الناس بالكوفة قال هم كغنم ضل راعيها فقال
المختار بن أبي عبيد أنا الذي أحسن رعايتها وأبلغ نهايتها فقال له سلمة اتق الله واعلم
أنك ميت ومبعوث ومحاسب ومجزى بعملك إن خيرا فخير وإن شرا فشر ثم افترقا
وأقبل المختار حتى انتهى إلى بحر الحيرة يوم الجمعة فنزل فاغتسل فيه وادهن دهنا
يسيرا ولبس ثيابه واعتم وتقلد سيفه ثم ركب راحلته فمر بمسجد السكون
وجبانة كندة لا يمر بمجلس إلا سلم على أهله وقال أبشروا بالنصر والفلج أتاكم
ما تحبون وأقبل حتى مر بمسجد بنى ذهل وبنى حجر فلم يجد ثم أحدا ووجد
الناس قد راحوا إلى الجمعة فأقبل حتى مر ببنى بداء فوجد عبيدة بن عمرو البدي
من كندة فسلم عليه ثم قال أبشر بالنصر واليسر والفلج إنك أبا عمرو على رأى
حسن لن يدع الله لك معه مأثما إلا غفره ولا ذنبا إلا ستره قال وكان عبيدة من
أشجع الناس وأشعرهم وأشدهم حبا لعلى رضي الله عنه وكان لا يصبر عن الشراب
فلما قال له المختار هذا القول قال له عبيدة بشرك الله بخير إنك قد بشرتنا فهل أنت
مفسر لنا قال نعم فالقني في الرحل الليلة ثم مضى (قال أبو مخنف) فحدثني فضيل
ابن حديج عن عبيدة بن عمرو قال قال لي المختار هذه المقالة ثم قال لي القنى في الرحل
وبلغ أهل مسجدكم هذا عنى أنهم قوم أخذ الله ميثاقهم على طاعته يقتلون
المحلين ويطلبون بدماء أولاد النبيين ويهديهم للنور المبين ثم مضى فقال لي كيف
الطريق إلى بنى هند فقلت له أنظرني أدلك فدعوت بفرسي وقد أسرج لي فركبته
قال ومضيت معه إلى بنى هند فقال دلنى على منزل إسماعيل بن كثير قال فمضيت به
إلى منزله فاستخرجته فحياه ورحب به وصافحه وبشره وقال له القنى أنت وأخوك
الليلة وأبو عمرو فإني قد أتيتكم بكل ما تحبون قال ثم مضى ومضينا معه حتى مر
بمسجد جهينة الباطنة ثم مضى إلى باب الفيل فأناخ راحلته ثم دخل المسجد
448

واستشرف له الناس وقالوا هذا المختار قد قدم فقام المختار إلى جنب سارية من
سواري المسجد فصلى عندها حتى أقيمت الصلاة فصلى مع الناس ثم ركد إلى سارية
أخرى فصلى ما بين الجمعة والعصر فلما صلى العصر مع الناس انصرف (قال أبو مخنف)
فحدثني المجالد بن سعيد عن عامر الشعبي أن المختار مر على حلقة همدان وعليه ثياب السفر
فقال أبشروا فإني قد قدمت عليكم بما يسركم ومضى حتى نزل داره وهى الدار التي تدعى
دار سلم بن المسيب وكانت الشيعة تختلف إليها واليه فيها (قال أبو مخنف) فحدثني
فضيل بن حديج عن عبيد بن عمرو وإسماعيل بن كثير من بنى هند قالا أتيناه من الليل كما
وعدنا فلما دخلنا عليه وجلسنا ساءلنا عن أمر الناس وعن حال الشيعة فقلنا له إن
الشيعة قد اجتمعت لسليمان بن صرد الخزاعي وإنه لن يلبث إلا يسيرا حتى يخرج
قال فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال أما بعد فإن
المهدى ابن الوصي محمد بن علي بعثني إليكم أمينا ووزيرا ومنتخبا وأميرا وأمرني
بقتال الملحدين والطلب بدماء أهل بيته والدفع عن الضعفاء (قال أبو مخنف)
قال فضيل بن حديج فحدثني عبيدة بن عمرو وإسماعيل بن كثير أنهما كانا أول خلق
الله إجابة وضربا على يده وبايعاه قال وأقبل المختار يبعث إلى الشيعة وقد اجتمعت
عند سليمان بن صرد فيقول لهم انى قد جئتكم من قبل ولى الامر ومعدن الفضل ووصى
الوصي والامام المهدى بأمر فيه الشفاء وكشف الغطاء وقتل الأعداء وتمام
النعماء إن سليمان ابن صرد يرحمنا الله وإياه إنما هو عشمة من العشم وحفش بال
ليس بذى تجربة للأمور ولا له علم بالحروب إنما يريد أن يخرجكم فيقتل نفسه
ويقتلكم انى إنما أعمل على مثال قد مثل لي وأمر قد بين لي فيه عز وليكم وقتل
عدوكم وشفاء صدوركم فاسمعوا منى قولي وأطيعوا أمري ثم أبشروا وتباشروا
فانى لكم بكل ما تأملون خير زعيم قال فوالله ما زال بهذا القول ونحوه حتى
اسمال طائفة من الشيعة وكانوا يختلفون إليه ويعظمونه وينظرون أمره وعظم
الشيعة يومئذ ورؤساؤهم مع سليمان بن صرد وهو شيخ الشيعة وأسنهم فليس
يعدلون به أحدا إلا أن المختار قد استمال منهم طائفة ليسوا بالكثير فسليمان بن
449

صرد أثقل خلق الله على المختار وقد اجتمع لابن صرد يومئذ أمره وهو يريد
الخروج والمختار لا يريد أن يتحرك ولا أن يهيج أمرا رجاء أن ينظر إلى ما يصير
إليه أمر سليمان رجاء أن يستجمع له أمر الشيعة فيكون أقوى له على درك ما يطلب
فلما خرج سليمان بن صرد ومضى نحو الجزيرة قال عمر بن سعد بن أبي وقاص
وشبث بن ربعي ويزيد بن الحارث بن رويم لعبد الله بن يزيد الخطمي وإبراهيم
ابن محمد بن طلحة بن عبيد الله إن المختار أشد عليكم من سليمان بن صرد إن سليمان
انما خرج يقاتل عدوكم ويذللهم لكم وقد خرج عن بلادكم وإن المختار انما يريد
أن يثب عليكم في مصركم فسيروا إليه فأوثقوه في الحديد وخلدوه في السجن حتى
يستقيم أمر الناس فخرجوا إليه في الناس فما شعر بشئ حتى أحاطوا به وبداره
فاستخرجوه فلما رأى جماعتهم قال ما بالكم فوالله بعد ما ظفرت أكفكم قال
فقال إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله لعبد الله بن يزيد شده كتافا ومشه
حافيا فقال له عبد الله بن يزيد سبحان الله ما كنت لأمشيه ولا لأحفيه ولا كنت
لافعل هذا برجل لم يظهر لنا عداوة ولا حربا وانما أخذناه على الظن فقال له
إبراهيم بن محمد ليس بعشك فادرجي ما أنت وما يبلغنا عنك يا ابن أبي عبيد فقال
له ما الذي بلغك عنى إلا باطل وأعوذ بالله من غش كغش أبيك وجدك قال
قال فضيل فوالله انى لأنظر إليه حين أخرج وأسمع هذا القول حين قال له غير
أنى لا أدرى أسمعه منه إبراهيم أم لم يسمعه فسكت حين تكلم به قال وأتى المختار
ببلغة دهماء يركبها فقال إبراهيم لعبد الله بن يزيد ألا تشد عليه القيود فقال كفى
له بالسجن قيدا (قال أبو مخنف) وأما يحيى بن أبي عيسى فحدثني أنه قال دخلت
إليه مع حميد بن مسلم الأزدي نزوره ونتعاهده فرأيته مقيدا قال فسمعته يقول
أما ورب البحار والنخيل والأشجار والمهامه والقفار والملائكة الأبرار والمصطفين
الأخيار لأقتلن كل جبار بكل لدن خطار ومهند بتار في جموع من الأنصار
ليسوا بميل أغمار ولا بعزل أشرار حتى إذا أقمت عمود الدين ورأيت شعب
صدع المسلمين وشفيت غليل صدور المؤمنين وأدركت بثأر النبيين لم يكبر على
450

زوال الدنيا ولم أحفل بالموت إذا أتى قال فكان إذا أتيناه وهو في السجن ردد
علينا هذا القول حتى خرج منه قال وكان يتشجع لأصحابه بعد ما خرج ابن صرد
(قال أبو جعفر) وفى هذه السنة هدم ابن الزبير الكعبة وكانت قد مال حيطانها
مما رميت به من حجارة المجانيق فذكر محمد بن عمر الواقدي أن إبراهيم بن موسى
حدثه عن عكرمة بن خالد قال هدم ابن الزبير البيت حتى سواه بالأرض وحفر
أساسه وأدخل الحجر فيه وكان الناس يطوفون من وراء الأساس ويصلون إلى
موضعه وجعل الركن الأسود عنده في تابوت في سرقة من حرير وجعل ما كان
من حلى البيت وما وجد فيه من ثياب أو طيب عند الحجبة في خزانة البيت حتى
أعاهدها لما أعاد بناءه * قال محمد بن عمرو حدثني معقل بن عبد الله عن عطاء
قال رأيت ابن الزبير هدم البيت كله حتى وضعه بالأرض (وحج) بالناس في
هذه السنة عبد الله بن الزبير وكان عامله على مدينة فيها أخوه عبيدة بن الزبير وعلى
الكوفة عبد الله بن زيد الخطمي وعلى قضائها سعد بن نمران وأبى شريح أن
يقضى فيها وقال فيما ذكر عنه أنا لا أقضى في الفتنة وعلى البصرة عمر بن عبيد الله
ابن معمر التيمي وعلى قضائها هشام بن هبيرة وعلى خراسان عبد الله بن خازم
ثم دخلت سنة خمس وستين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث الجليلة
فمن ذلك ما كان من أمر التوابين وشخوصهم للطلب بدم الحسين بن علي إلى
عبيد الله بن زياد (قال هشام) قال أبو مخنف حدثني أبو يوسف عن عبد الله
ابن عوف الأحمري قال بعث سليمان بن صرد إلى وجوه أصحابه حين أراد
الشخوص وذلك في سنة 65 فأتوه فلما استهل الهلال هلال شهر ربيع الآخر
خرج في وجوه أصحابه وقد كان واعدا أصحابه عامة للخروج في تلك الليلة للمعسكر
بالنخيلة فخرج حتى أتى عسكره فدار في الناس ووجوه أصحابه فلم يعجبه عدة
الناس فبعث حكيم بن منقذ الكندي في خيل وبعث الوليد بن غضين الكناني
451

في خيل وقال اذهبا حتى تدخلا الكوفة فناديا يا لثأرات الحسين وابلغا المسجد
الأعظم فناديا بذلك فخرجا وكانا أول خلق الله دعوا يا لثأرات الحسين قال فأقبل
حكيم بن منقذ الكندي في خيل والوليد بن غضين في خيل حتى مرا ببنى كثير
وإن رجلا من بنى كثير من الأزد يقال له عبد الله بن خازم مع امرأته سهلة بنت
سبرة بن عمرو من بنى كثير وكانت من أجمل الناس وأحبهم إليه سمع الصوت
يا لثارات الحسين وما هو ممن كان يأتيهم ولا استجاب لهم فوثب إلى ثيابه فلبسها
ودعا بسلاحه وأمر بإسراج فرسه فقالت له امرأته ويحك أجننت قال لا والله ولكني
سمعت داعى الله فأنا مجيبه أنا طالب بدم هذا الرجل حتى أموت أو يقضى الله من
أمري ما هو أحب إليه فقالت له إلى من تدع بنيك هذا قال إلى الله وحده لا شريك له
اللهم إني أستودعك أهلي وولدي اللهم احفظني فيهم وكان ابنه ذلك يدعى عزرة
فبقى حتى قتل بعد مع مصعب بن الزبير وخرج حتى لحق بهم فقعدت امرأته تبكيه
واجتمع إليها نساؤها ومضى مع القوم وطافت تلك الليلة الخيل بالكوفة حتى
جاء والمسجد بعد العتمة وفيه ناس كثير يصلون فنادوا يا لثأرات الحسين وفيهم
أبو عزة القابضي وكرب بن نمران يصلى فقال يا لثأرات الحسين أين جماعة القوم
قيل بالنخيلة فخرج حتى أتى أهله فأخذ سلاحه ودعا بفرسه ليركبه فجاءته ابنته الرواع
وكانت تحت ثبيت بن مرثد القابضي فقالت يا أبت مالي أراك قد تقلدت سيفك
ولبست سلاحك فقال لها يا بنية إن أباك يفر من ذنبه إلى ربه فأخذت تنتحب وتبكى
وجاءه أصهاره وبنو عمه فودعهم ثم خرج فلحق بالقوم قال فلم يصبح سليمان
ابن صرد حتى أتاه نحو ممن كان في عسكره حين دخله قال ثم دعا بديوانه لينظر
فيه إلى عدة من بايعه حين أصبح فوجدهم ستة عشر ألفا فقال سبحان الله ما وافانا
إلا أربعة آلاف من ستة عشر ألفا (قال أبو مخنف) عن عطية بن الحارث عن
حميد بن مسلم قال قلت لسليمان بن صرد إن المختار والله يثبط الناس عنك إني
كنت عنده أول ثلاث فسمعت نفرا من أصحابه يقولون قد كملنا ألفى رجل فقال
وهب أن ذلك كان فأقام عنا عشرة آلاف أما هؤلاء بمؤمنين أما يخافون الله أما
452

يذكرون الله وما أعطونا من أنفسهم من العهود والمواثيق ليجاهدن ولينصرن
فأقام بالنخيلة ثلاثا يبعث ثقاته من أصحابه إلى من تخلف عنه يذكرهم الله وما أعطوه
من أنفسهم فخرج إليه نحو من ألف رجل فقام المسيب بن نجبة إلى سليمان بن صرد
فقال رحمك الله إنه لا ينفعك الكاره ولا يقاتل معك إلا من أخرجته النية فلا
ننتظرن أحدا واكمش في أمرك قال فإنك والله لنعما رأيت فقام سليمان بن صرد
في الناس متوكئا على قوس له عربية فقال أيها الناس من كان إنما أخرجته إرادة
وجه الله وثواب الآخرة فذلك منا ونحن منه فرحمة الله عليه حيا وميتا ومن كان
إنما يريد الدنيا وحرثها فوالله ما نأتى فيئا نستفيئه ولا غنيمة نغنمها ما خلا رضوان
الله رب العالمين وما معنا من ذهب ولا فضة ولا خز ولا حرير وما هو إلا سيوفنا
في عواتقنا ورماحنا في أكفنا وزاد قدر البلغة إلى لقاء عدونا فمن كان غير هذا
ينوى فلا يصحبنا فقام صخير بن حذيفة بن هلال بن مالك المزني فقال أتاك الله رشدك
ولقاك حجتك والله الذي لا إله غيره مالنا خير في صحبة من الدنيا همته ونيته أيها
الناس إنما أخرجتنا التوبة من ذنبنا والطلب بدم ابن ابنة نبينا صلى الله عليه وسلم
ليس معنا دينار ولا درهم إنما نقدم على حد السيوف وأطراف الرماح فتنادى
الناس من كل جانب إنا لا نطلب الدنيا وليس لها خرجنا (قال أبو مخنف) عن
إسماعيل بن يزيد الأزدي عن السرى بن كعب الأزدي قال أتينا صاحبنا عبد الله
ابن سعد بن نفيل نودعه قال فقام فقمنا معه فدخل على سليمان ودخلنا معه وقد
أجمع سليمان بالمسير فأشار عليه عبد الله بن سعد بن نفيل أن يسير إلى عبيد الله بن
زياد فقال هو ورؤوس أصحابه الرأي ما أشار به عبد الله بن سعد بن نفيل أن نسير
إلى عبيد الله بن زياد قاتل صاحبنا ومن قبله أتينا فقال له عبد الله بن سعد وعنده
رؤوس أصحابه جلوس حوله إني قد رأيت رأيا إن يكن صوابا فالله وفق وإن يكن
ليس بصواب فمن قبلي فإني ما آلوكم ونفسي نصحا خطأ كان أم صوابا إنما خرجنا
نطلب بدم الحسين وقتلة الحسين كلهم بالكوفة منهم عمر بن سعد بن أبي وقاص
ورؤوس الأرباع وأشراف القبائل فأنى نذهب ههنا وندع الأقتال والأوتار فقال
453

سليمان بن صرد فماذا ترون فقالوا والله لقد جاء برأي وإن ما ذكر لكما ذكر والله
ما نلقى من قتلة الحسين إن نحن مضينا نحو الشام غير ابن زياد وما طلبتنا إلا ههنا
بالمصر فقال سليمان بن صرد لكن أنا ما أرى ذلك لكم إن الذي قتل صاحبكم وعبى
الجنود إليه وقال لا أمان له عندي دون أن يستسلم فأمضى فيه حكمي هذا الفاسق
ابن الفاسق ابن مرجانة عبيد الله بن زياد فسيروا إلى عدوكم على اسم الله فإن يظهركم
الله عليه رجونا أنا يكون من بعده أهون شوكة منه ورجونا أن يدين لكم من
وراءكم من أهل مصركم في عافية فتنظرون إلى كل من شرك في دم الحسين فتقاتلونه
ولا تغشموا وإن تستشهدوا فإنما قاتلتم المحلين وما عند الله خير للأبرار والصديقين
إني لأحب أن تجعلوا حدكم وشوكتكم بأول المحلين القاسطين والله لو قاتلتم غدا
أهل مصركم ما عدم رجل أن يرى رجلا قد قتل أخاه وأباه وحميمه أو رجلا لم يكن
يريد قتله فاستخيروا الله وسيروا فتهيأ الناس للشخوص قال وبلغ عبد الله بن يزيد
وإبراهيم بن محمد بن طلحة خروج ابن صرد وأصحابه فنظرا في أمرهما فرأيا أن يأتياهم
فيعرضا عليهم الإقامة وأن تكون أيديهم واحدة فإن أبوا إلا الشخوص سألوهم
النظرة حتى يعبوا معهم جيشا فيقاتلوا عدوهم بكثف وحد فبعث عبد الله بن يزيد
وإبراهيم بن محمد بن طلحة سويد بن عبد الرحمن إلى سليمان بن صرد فقال له إن
عبد الله وإبراهيم يقولان إنا نريد أن نجيئك الآن لأمر عسى الله أن يجعل لنا ولك
فيه صلاحا فقال قل لهما فليأتيانا وقال سليمان لرفاعة بن شداد البجلي قم أنت
فأحسن تعبية الناس فإن هذين الرجلين قد بعثا بكيت وكيت فدعا رؤس أصحابه
فجلسوا حوله فلم يمكثوا إلا ساعة حتى جاء عبد الله بن يزيد في أشراف أهل
الكوفة والشرط وكثير من المقاتلة وإبراهيم بن محمد بن طلحة في جماعة من
أصحابه فقال عبد الله بن يزيد لكل رجل معروف قد علم أنه قد شرك في دم
الحسين لا تصحبني إليهم مخافة أن ينظروا إليه فيعدوا عليه وكان عمر بن سعد
تلك الأيام التي كان سليمان معسكرا فيها بالنخيلة لا يبيت إلا في قصر الامارة مع
عبد الله بن يزيد مخافة أن يأتيه القوم في داره ويذمروا عليه بيته وهو غافل لا يعلم
454

فيقتل وقال عبد الله بن يزيد يا عمرو بن حريث إن أنا أبطأت عنك فصل بالناس
الظهر فلما انتهى عبد الله بن يزيد وإبراهيم بن محمد إلى سليمان بن صرد دخلا عليه
فحمد الله عبد الله بن يزيد وأثنى عليه ثم قال إن المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يغشه
وأنتم إخواننا وأهل بلدنا وأحب أهل مصر خلقه الله إلينا فلا تفجعونا بأنفسكم
ولا تستبدوا علينا برأيكم ولا تنقصوا عددنا بخروجكم من جماعتنا أقيموا معنا
حتى نتيسر ونتهيأ فإذا علمنا أن عدونا قد شارف بلدنا خرجنا إليهم بجماعتنا فقاتلناهم
وتكلم إبراهيم بن محمد بنحو من هذا الكلام قال فحمد الله سليمان بن صرد وأثنى
عليه ثم قال لهما إني قد علمت أنكما قد محضتما في النصيحة واجتهدتما في المشورة فنحن
بالله وله وقد خرجنا لأمر ونحن نسأل الله العزيمة على الرشد والتسديد لأصوبه
ولا ترانا إلا شاخصين إن شاء الله ذلك فقال عبد الله بن يزيد فأقيموا حتى نعبى
معكم جيشا كثيفا فتلقوا عدوكم بكثف وجمع وحد فقال له سليمان تنصرفون ونرى
فيما بيننا وسيأتيكم إن شاء الله رأى (قال أبو مخنف) عن عبد الجبار يعنى ابن عباس
الهمداني عن عون بن أبي جحيفة السوائي قال ثم إن عبد الله بن يزيد وإبراهيم
ابن محمد بن طلحة عرضا على سليمان أن يقيم معهما حتى يلقوا جموع أهل الشأم
على أن يخصاه وأصحابه بخراج جوخى خاصة لهم دون الناس فقال لهما سليمان إنا
ليس للدنيا خرجنا وإنما فعلا ذلك لما قد كان بلغهما من إقبال عبيد الله بن زياد
نحو العراق وانصرف إبراهيم بن محمد وعبد الله بن يزيد إلى الكوفة وأجمع القوم
على الشخوص واستقبال ابن زياد ونظروا فإذا شيعتهم من أهل البصرة لم يوافوهم
لميعادهم ولا أهل المدائن فأقبل ناس من أصحابه يلومونهم فقال سليمان لا تلوموهم
فانى لا أراهم إلا سيسرعون إليكم لو قد انتهى إليكم خبركم وحين مسيركم ولا أراهم
خلفهم ولا أقعدهم إلا قلة النفقة وسوء العدة فأقيموا ليتيسروا ويتجهزوا ويلحقوا
بكم وبهم قوة وما أسرع القوم في آثاركم قال ثم إن سليمان بن صرد قام في الناس
خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد أيها الناس فان الله قد علم ما تنوون
وما خرجتم تطلبون وان للدنيا تجارا وللآخرة تجارا فأما تاجر الآخرة فساع
455

إليها متنصب بتطلابها لا يشترى بها ثمنا لا يرى إلا قائما وقاعدا وراكعا وساجدا
لا يطلب ذهبا ولا فضة ولا دنيا ولا لذة وأما تاجر الدنيا فمكب عليها راتع
فيها لا يبتغى بها بدلا فعليكم يرحمكم الله في وجهكم هذا بطول الصلاة في جوف
الليل وبذكر الله كثيرا على كل حال وتقربوا إلى الله جل ذكره بكل خير قدرتم
عليه حتى تلقوا هذا العدو والمحل القاسط فتجاهدوه فإنكم لن تتوسلوا إلى ربكم
بشئ هو أعظم عنده ثوابا من الجهاد والصلاة فان الجهاد سنام العمل جعلنا الله
وإياكم من العباد الصالحين المجاهدين الصابرين على اللاواء وإنا مدلجون الليلة
من منزلنا هذا إن شاء الله فادلجوا فادلج عشية الجمعة لخمس مضين من شهر ربيع
الآخر سنة 65 للهجرة قال فلما خرج سليمان وأصحابه من النخيلة دعا سليمان بن
صرد حكيم بن منقذ فنادى في الناس ألا لا يبيتن رجل منكم دون دير الأعور
فبات الناس بدير الأعور وتخلف عنه ناس كثير ثم سار حتى نزل الأقساس
أقساس مالك على شاطئ الفرات فعرض الناس فسقط منهم نحو من ألف رجل
فقال ابن صرد ما أحب أن من تخلف عنكم معكم ولو خرجوا معكم ما زادوكم
إلا خبالا إن الله عز وجل كره انبعاثهم فثبطهم وخصكم بفضل ذلك فاحمدوا
ربكم ثم خرج من منزله ذلك دلجة فصبحوا قبر الحسين فاقاموا به ليلة ويوما يصلون
عليه ويستغفرون له قال فلما انتهى الناس إلى قبر الحسين صاحوا صيحة واحدة
وبكوا فما رئي يوم كان أكثر باكيا منه (قال أبو مخنف) وقد حدث عبد الرحمن
ابن جندب عن عبد الرحمن بن غزية قال لما انتهينا إلى قبر الحسين عليه السلام
بكى الناس بأجمعهم وسمعت جل الناس يتمنون أنهم كانوا أصيبوا معه فقال سليمان
اللهم ارحم حسينا الشهيد بن الشهيد المهدى بن المهدى الصديق بن الصديق اللهم
إنا نشهدك أنا على دينهم وسبيلهم وأعداء قاتليهم وأولياء محبيهم ثم انصرف ونزل
ونزل أصحابه (قال أبو مخنف) حدثنا الأعمش قال حدثنا سلمة بن كهيل عن أبي
صادق قال لما انتهى سليمان بن صرد وأصحابه إلى قبر الحسين نادوا صيحة
واحدة يا رب أنا قد خذلنا ابن بنت نبينا فاغفر لنا ما مضى منا وتب علينا إنك
456

أنت التواب الرحيم وارحم حسينا وأصحابه الشهداء الصديقين وإنا نشهدك يا رب
أنا على مثل ما قتلوا عليه فإن لم تغفره لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين قال فأقاموا
عنده يوما وليلة يصلون عليه ويبكون ويتضرعون فما انفك الناس من يومهم
دلك يترحمون عليه وعلى أصحابه حتى صلوا الغداة من الغد عند قبره وزادهم ذلك
حنقا ثم ركبوا فأمر سليمان الناس بالمسير فجعل الرجل لا يمضى حتى يأتي قبر الحسين
فيقوم عليه فيترحم عليه ويستغفر له قال فوالله لرأيتهم ازدحموا على قبره أكثر
من ازدحام الناس على الحجر الأسود قال ووقف سليمان عند قبره فكلما دعا له
قوم وترحموا عليه قال لهم المسيب بن نجبة وسليمان بن صرد الحقوا بإخوانكم
رحمكم الله فما زال كذلك حتى بقى نحو من ثلاثين من أصحابه فأحاط سليمان بالقبر
هو وأصحابه فقال سليمان الحمد لله الذي لو شاء أكرمنا بالشهادة مع الحسين اللهم
إذ حرمتناها معه فلا تحرمناها فيه بعده وقال عبد الله بن وال أما والله إني لأظن
حسينا وأباه وأخاه أفضل أمة محمد صلى الله عليه وسلم وسيلة عند الله يوم القيامة
أفما عجبتم لما ابتليت به هذه الأمة منهم أنهم قتلوا اثنين وأشفوا بالثالث على القتل
قال يقول المسيب بن نجبة فأنا من قتلتهم ومن كان على رأيهم برئ إياهم أعادي
وأقاتل قال فأحسن الرؤوس كلهم المنطق وكان المثنى بن نجزية صاحب أحد
الرؤوس والاشراف فساءني حيث لم أسمعه تكلم مع القوم بنحو ما تكلموا به
قال فوالله ما لبثت أن تكلم بكلمات ما كن بدون كلام أحد من القوم فقال إن الله جعل
هؤلاء الذين ذكرتم بمكانهم من نبيهم صلى الله عليه وسلم أفضل ممن هو دون
نبيهم وقد قتلهم قوم نحن لهم أعداء ومنهم برآء وقد خرجنا من الديار والاهلين
والأموال إرادة استئصال من قتلهم فوالله لو أن القتال فيهم بمغرب الشمس أو
بمنقطع التراب يحق علينا طلبه حتى نناله فإن ذلك هو الغنم وهى الشهادة التي ثوابها
الجنة فقلنا له صدقت وأصبت ووفقت قال ثم إن سليمان بن صرد سار من موضع
قبر الحسين وسرنا معه فأخذنا على الحصاصة ثم على الأنبار ثم على الصدود ثم
على القيارة (قال أبو مخنف) عن الحارث بن حصيرة وغيره أن سليمان بعث على
457

مقدمته كريب بن يزيد الحميري (قال أبو مخنف) حدثني الحصين بن يزيد عن السرى
ابن كعب قال خرجنا مع رجال الحي نشيعهم فلما انتهينا إلى قبر الحسين وانصرف
سليمان بن صرد وأصحابه عن القبر ولزموا الطريق استقدمهم عبد الله بن عوف
ابن الأحمر على فرس له مهلوب كميت مربوع يتأكل تأكلا وهو يزتجز ويقول
خرجن يلمعن بنا أرسالا * عوابسا يحملننا أبطالا
نريد أن نلقى به الأقتالا * القاسطين الغدر الضلالا
وقد رفضنا الأهل والأموالا * والخفرات البيض والحجالا
نرضى به ذا النعم المفضالا
(قال أبو مخنف) عن سعد بن مجاهد الطائي عن المحل بن خليفة الطائي أن
عبد الله بن يزيد كتب إلى سليمان بن صرد أحسبه قال بعثني به فلحقته بالقيارة
واستقدم أصحابه حتى ظن أن قد سبقهم قال فوقف وأشار إلى الناس فوقفوا عليه
ثم أقرأهم كتابه فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله بن يزيد إلى سليمان بن
صرد ومن معه من المسلمين سلام عليكم أما بعد فإن كتابي هذا إليكم كتاب ناصح
ذي إرعاء وكم من ناصح مستغش وكم من غاش مستنصح محب إنه بلغني أنكم
تريدون المسير بالعدد اليسير إلى الجمع الكثير وإنه من يرد أن ينقل الجبال عن
مراتبها تكل معاوله وينزع وهو مذموم العقل والفعل يا قومنا لا تطمعوا عدوكم
في أهل بلادكم فإنكم خيار كلمكم ومتى ما يصبكم عدوكم يعلموا أنكم أعلام مصركم
فيطمعهم ذلك فيمن وراءكم يا قومنا إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في
ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا يا قوم إن أيدينا وأيديكم اليوم واحدة وإن عدونا
وعدوكم واحد ومتى تجتمع كلمتنا نظهر على عدونا ومتى تختلف تهن شوكتنا على
من خالفنا يا قومنا لا تستغشوا نصحي ولا تخالفوا أمري وأقبلوا حين يقرأ عليكم
كتابي أقبل الله بكم إلى طاعته وأدبر بكم عن معصيته والسلام قال فلما قرئ الكتاب
على ابن صرد وأصحابه قال للناس ما ترون قالوا ماذا ترى قد أبينا هذا عليكم وعليهم
ونحن في مصرنا وأهلنا فالآن حين خرجنا ووطنا أنفسنا على الجهاد ودنونا من
458

أرض عدونا ما هذا برأي ثم نادوه أن أخبرنا برأيك قال رأيي والله إنكم لم تكونوا
قط أقرب من إحدى الحسنيين منكم يومكم هذا الشهادة والفتح ولا أرى أن
تنصرفوا عما جمعكم الله عليه من الحق وأردتم به من الفضل أنا وهؤلاء مختلفون
إن هؤلاء لو ظهروا دعونا إلى الجهاد مع ابن الزبير ولا أرى الجهاد مع ابن الزبير
إلا ضلالا وإنا إن نحن ظهرنا رددنا هذا الامر إلى أهله وإن أصبنا فعلى نياتنا
تائبين من ذنوبنا إن لنا شكلا وإن لابن الزبير شكلا إنا وإياهم كما قال أخو بنى كنانة
أرى لك شكلا غير شكلي فأقصرى * عن اللوم إذ بدلت واختلف الشكل
قال فانصرف الناس معه حتى نزل هيت فكتب سليمان: بسم الله الرحمن
الرحيم للأمير عبد الله بن يزيد من سليمان بن صرد ومن معه من المؤمنين سلام
عليك أما بعد فقد قرأنا كتابك وفهمنا ما نويت فنعم والله الوالي ونعم الأمير ونعم
أخو العشيرة أنت والله من نأمنه بالغيب ونستنصحه في المشورة ونحمده على كل حال
إنا سمعنا الله عز وجل يقول في كتابه " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم
بأن لهم الجنة - إلى قوله - وبشر المؤمنين " إن القوم قد استبشروا ببيعتهم التي بايعوا
إنهم قد تابوا من عظيم جرمهم وقد توجهوا إلى الله وتوكلوا عليه ورضوا بما
قضى الله ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير والسلام عليك فلما أتاه هذا
الكتاب قال استمات القوم أول خبر يأتيكم عنهم قتلهم وأيم الله ليقتلن كراما
مسلمين ولا والذي هو ربهم لا يقتلهم عدوهم حتى تشتد شوكتهم وتكثر القتلى
فيما بينهم (قال أبو مخنف) فحدثني يوسف بن يزيد عن عبد الله بن عوف بن الأحمر
وعبد الرحمن بن جندب عن عبد الرحمن بن غزية قال خرجنا من هيت حتى انتهينا
إلى قرقيسيا فلما دنونا منها وقف سليمان بن صرد فعبانا تعبية حسنة حتى مررنا
بجانب قرقيسبا فنزلنا قريبا منها وبها زفر بن الحارث الكلابي قد تحصن بها من
القوم ولم يخرج إليهم فبعث سليمان المسيب بن نجبة فقال ائت ابن عمك هذا فقل
له فليخرج إلينا سوقا فإنا لسنا إياه نريد إنما صمدنا لهؤلاء المحلين فخرج المسيب بن
نجبة حتى انتهى إلى باب قرقيسيا فقال افتحوا ممن تحصنون فقالوا من أنت قال أنا
459

المسيب بن نجبة فأتى الهذيل بن زفر أباه فقال هذا رجل حسن الهيئة يستأذن عليك
وسألناه من هو فقال المسيب بن نجبة قال وانا إذ ذاك لا علم لي بالناس ولا أعلم أي الناس
هو فقال لي أبى أما تدرى أي بنى من هذا هذا فارس مضر الحمراء كلها وإذا عد من
أشرافها عشرة كان أحدهم وهو بعد رجل ناسك له دين ائذن له فأذنت له فأجلسه أبى
إلى جانبه وساء له وألطفه في المسألة فقال المسيب بن نجبة ممن تحصن إنا والله ما إياكم
نريد وما اعتر بنا إلى شئ إلا أن تعيننا على هؤلاء القوم الظلمة المحلين فأخرج لنا
سوقا فإنا لا نقيم بساحتكم إلا يوما أو بعض يوم فقال له زفر بن الحارث إنا لم
نغلق أبواب هذه المدينة إلا لنعلم إيانا اعتريتم أم غيرنا والله ما بنا عجز من الناس
ما لم تدهمنا حيلة وما نحب أنا بلينا بقتالكم وقد بلغنا عنكم صلاح وسيرة حسنة
جميلة نم دعا ابنه فأمره أن يضع لهم سوقا وأمر للمسيب بألف درهم وفرس
فقال له المسيب أما المال فلا حاجة لي فيه والله ما له خرجنا ولا إياه طلبنا وأما الفرس
فإني أقبله لعلى أحتاج إليه إن ظلع فرسى أو غمز تحتي فخرج به حتى أتى أصحابه
وأخرجت لهم السوق فتسوقوا وبعث زفر بن الحارث إلى المسيب بن نجبة بعد
إخراج الأسواق والاعلاف والطعام الكثير بعشرين جزورا وبعث إلى سليمان
ابن صرد مثل ذلك وقد كان زفر أمر ابنه أن يسأل عن وجوه أهل العسكر فسمى له
عبد الله بن سعد بن نفيل وعبد الله بن وال ورفاعة بن شداد وسمى له أمراء الأرباع
فبعث إلى هؤلاء الرؤوس الثلاثة بعشر جزائر عشر جزائر وعلف كثير وطعام
وأخرج للعسكر عيرا عظيمة وشعيرا كثيرا فقال غلمان زفر هذه عير فاجتزروا
منها ما أحببتم وهذا شعير فاحتملوا منه ما أردتم وهذا دقيق فتزودوا منه ما أطقتم
فضل القوم يومهم ذلك مخصبين لم يحتاجوا إلى شراء شئ من هذه الأسواق التي
وضعت وقد كفوا اللحم والدقيق الشعير إلا أن يشترى الرجل ثوبا أو سوطا ثم ارتحلوا
من الغد وبعث إليهم زفر إني خارج إليكم فمشيعكم فأتاهم وقد خرجوا على تعبية حسنة
فسايرهم فقال زفر لسليمان إنه قد بعث خمسة أمراء قد فصلوا من الرقة فيهم الحصين بن
نمير السكوني وشرحبيل بن ذي الكلاع وأدهم بن مجرز الباهلي وأبو مالك بن أدهم
460

وربيعة بن المخارق الغنوي وجبلة بن عبد الله الخثعمي وقد جاءوكم في مثل الشوك
والشجر أتاكم عدد كثير وحد حديد وأيم الله لقل ما رأيت رجالا هم أحسن
هيئة ولا عدة ولا أخلق لكل خير من رجال أراهم معك ولكنه قد بلغني أنه
قد أقبلت إليكم عدة لا تحصى فقال ابن صرد على الله توكلنا وعليه فليتوكل المتوكلون *
ثم قال له زفر فهل لكم في أمر أعرضه عليكم لعل الله أن يجعل لنا ولكم فيه خيرا
إن شئتم فتحنا لكم مدينتنا فدخلتموها فكان أمرنا واحدا وأيدينا واحدة وإن
شئتم نزلتم على باب مدينتنا وخرجنا فعسكرنا إلى جانبكم فإذا جاءنا هذا العدو
قاتلناهم جميعا فقال سليمان لزفز قد أرادنا أهل مصرنا على مثل ما أردتنا عليه وذكروا
مثل الذي ذكرت وكتبوا إلينا به بعد ما فصلنا فلم يوافقنا ذلك فلسنا فاعلين فقال
زفر فانظروا ما أشير به عليكم فاقبلوه وخذوا به فإني للقوم عدو وأجب أن يجعل
الله عليهم الدائرة وأنا لكم واد أحب أن يحوطكم الله بالعافية إن القوم قد
فصلوا من الرقة فبادروهم إلى عين الوردة فاجعلوا المدينة في ظهوركم ويكون
الرستاق والماء والمادة في أيديكم وما بين مدينتنا ومدينتكم فأنتم له آمنون
والله لو أن خيولي كرجالي لأمددتكم أطووا المنازل الساعة إلى عين الوردة فان
القوم يسيرون سبر العساكر وأنتم على خيول والله لقل ما رأيت جماعة خيل قط أكرم
منها تأهبوا لها من يومكم هذا فإني أرجو أن تسبقوهم إليها وإن بدرتموهم إلى عين
الوردة فلا تقاتلوهم في فضاء ترامونهم وتطاعنونهم فإنهم أكثر منكم فلا آمن
أن يحيطوا بكم فلا تقفوا لهم ترامونهم وتطاعنونهم فإنه ليس لكم مثل عددهم
فإن استهدفتم لهم لم يلبثوكم أن يصرعوكم ولا تصفوا لهم حين تلقونهم فإني لا أرى
معكم رجالة ولا أراكم كلكم إلا فرسانا والقوم لاقوكم بالرجال والفرسان فالفرسان
يحمى رجالها والرجال يحمى فرسانها وأنتم ليس لكم رجال يحمى فرسانكم فالقوهم
في الكتائب والمقانب ثم بثوها ما بين ميمنتهم وميسرتهم واجعلوا مع كل كتيبة
كتيبة إلى جانبها فإن حمل على إحدى الكتيبتين ترجلت الأخرى فنفست عنها
الخيل والرجال ومتى ما شاءت كتيبة ارتفعت ومتى ما شاءت كتيبة انحطت ولو كنتم
461

في صف واحد فزحفت إليكم الرجال فدفعتم عن الصف انتقض وكانت الهزيمة
ثم وقف فودعهم وسأل الله أن يصحبهم وينصرهم فأثنى الناس عليه ودعوا له
فقال له سليمان بن صرد نعم المنزول به أنت أكرمت النزول وأحسنت الضيافة
ونصحت في المشورة ثم إن القوم جدوا في المسير فجعلوا يجعلون كل مرحلتين
مرحلة قال فمررنا بالمدن حتى بلغنا ساعا ثم إن سليمان بن صرد عبى الكتائب كما
أمره زفر ثم أقبل حتى انتهى إلى عين الوردة فنزل في غربيها وسبق القوم إليها
فعسكروا وأقام بها خمسا لا يبرح واستراحوا واطمأنوا وأراحوا خيلهم (قال
هشام) قال أبو مخنف عن عطية بن الحارث عن عبد الله بن غزية قال أقبل أهل
الشأم في عساكرهم حتى كانوا من عين الوردة على مسيرة يوم وليلة قال عبد الله
ابن غزية فقام فينا سليمان فحمد الله فأطال وأثنى عليه فأطنب ثم ذكر السماء
والأرض والجبال والبحار وما فيهن من الآيات وذكر آلاء الله ونعمه وذكر
الدنيا فزهد فيها وذكر الآخرة فرغب فيها فذكر من هذا ما لم أحصه ولم أقدر
على حفظه ثم قال أما بعد فقد أتاكم الله بعدوكم الذي دأبتم في المسير إليه آناء الليل
والنهار تريدون فيما تظهرون التوبة النصوح ولقاء الله معذرين فقد جاءوكم بل
جئتموهم أنتم في دارهم وحيزهم فإذا لقيتموهم فاصدقوهم واصبروا إن الله مع
الصابرين ولا يولينهم امرؤ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة لا تقتلوا
مدبرا ولا تجهزوا على جريح ولا تقتلوا أسيرا من أهل دعوتكم إلا أن يقاتلكم
بعد أن تأسروه أو يكون من قتلة إخواننا بالطف رحمة الله عليهم فإن هذه كانت
سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في أهل هذه الدعوة ثم قال سليمان إن أنا قتلت
فأمير الناس المسيب بن نجبة فإن أصيب المسيب فأمير الناس عبد الله بن سعد
ابن نفيل فإن قتل عبد الله بن سعد فأمير الناس عبد الله بن وال فان قتل عبد الله
ابن وال فأمير الناس رفاعة بن شداد رحم الله امرء صدق ما عاهد الله عليه ثم بعث
المسيب بن نجبة في أربعمائة فارس ثم قال سر حتى تلقى أول عسكر من عساكرهم
فشن فيهم الغارة فإذا رأيت ما تحبه وإلا انصرفت إلى في أصحابك وإياك أن تنزل
462

أو تدع أحدا من أصحابك أن ينزل أو يستقبل آخر ذلك حتى لا تجد منه بدا
(قال أبو مخنف) فحدثني أبى عن حميد بن مسلم أنه قال أشهد أنى في خيل المسيب
ابن نجبة تلك إذ أقبلنا نسير آخر يومنا وليلتنا حتى إذا كان في آخر السحر نزلنا
فعلقنا على دوابنا مخاليها ثم هومنا تهويمة بمقدار تكون مقدار قضمها ثم ركبناها
حتى إذا انبلج لنا الصبح نزلنا فصلينا ثم ركب فركبنا فبعث أبا الجويرية العبدي
ابن الأحمر في مائة من أصحابه وعبد الله بن عوف بن الأحمر في مائة وعشرين
وحنش بن ربيعة أبا المعتمر الكناني في مثلها وبقى هو في مائة ثم قال انظروا
أول من تلقون فأتوني به فكان أول من لقينا أعرابي يطرد أحمرة وهو يقول
يا مال لا تعجل إلى صحبي * واسرح فإنك آمن السرب
قال يقول عبد الله بن عوف بن الأحمر يا حميد بن مسلم أبشر بشرى ورب الكعبة
فقال له ابن عوف بن الأحمر ممن أنت يا أعرابي قال أنا من بنى تغلب قال غلبتم
ورب الكعبة إن شاء الله فانتهى إلينا المسيب بن نجبة فأخبرناه بالذي سمعنا من
الأعرابي وأتيناه به فقال المسيب بن نجبة أما لقد سررت بقولك أبشر وبقولك
يا حميد بن مسلم وإني لأرجو أن تبشروا بما يسركم وإنما سركم أن تحمدوا أمركم
وأن تسلموا من عدوكم وإن هذا الفأل هول الفأل الحسن وقد كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل ثم قال المسيب بن نجبة للاعرابي كم بيننا وبين أدنى
هؤلاء القوم منا قال أدنى عسكر من عساكرهم منك عسكر ابن ذي الكلاع وكان
بينه وبين الحصين اختلاف ادعى الحصين أنه على جماعة الناس وقال ابن ذي الكلاع
ما كنت لتولى على وقد تكاتبا إلى عبيد الله بن زياد فهما ينتظران أمره فهذا عسكر
ابن ذي الكلاع منكم على رأس ميل قال فتركنا الرجل فخرجنا نحوهم مسرعين
فوالله ما شعروا حتى أشرفنا عليهم وهم غارون فحملنا في جانب عسكرهم فوالله
ما قاتلوا كثير قتال حتى انهزموا فأصبنا منهم رجالا وجرحنا فيهم فأكثرنا الجراح
وأصبنا لهم دواب وخرجوا عن عسكرهم وخلوه لنا فأخذنا منه ما خف علينا فصاح
المسيب فينا الرجعة إنكم قد نصرتم وغنمتم وسلمتم فانصرفوا فانصرفنا حتى أتينا
463

سليمان قال فأتى الخبر عبيد الله بن زياد فسرح إلينا الحصين بن نمير مسرعا حتى
نزل في اثنى عشر ألفا فخرجنا إليهم يوم الأربعاء لثمان بقين من جمادى الأولى فجعل
سليمان بن صرد عبد الله بن سعد بن نفيل على ميمنته وعلى ميسرته المسيب بن نجبة
ووقف هو في القلب وجاء حصين بن نمير وقد عبأ لنا جنده فجعل على ميمنته جبلة
ابن عبد الله وعلى ميسرته ربيعة بن المخارق الغنوي ثم زحفوا إلينا فلما دنوا دعونا
إلى الجماعة على عبد الملك بن مروان وإلى الدخول في طاعته ودعوناهم إلى أن يدفعوا
إلينا عبيد الله بن زياد فنقتله ببعض من قتل من إخواننا وأن يخلعوا عبد الملك
ابن مروان وإلى أن يخرج من ببلادنا من آل ابن الزبير ثم نرد هذا الامر إلى أهل
بيت نبينا الذين آتانا الله من قبلهم بالنعمة والكرامة فأبى القوم وأبينا قال حميد
ابن مسلم فحملت ميمنتنا على ميسرتهم وهزمتهم وحملت ميسرتنا على ميمنتهم وحمل
سليمان في القلب على جماعتهم فهزمناهم حتى اضطررناهم إلى عسكرهم فما زال الظفر
لنا عليهم حتى حجز الليل بيننا وبينهم ثم انصرفنا عنهم وقد أحجزناهم في عسكرهم
فلما كان الغد صبحهم ابن ذي الكلاع في ثمانية آلاف أمدهم بهم عبيد الله بن
زياد وبعث إليه يشتمه ويقع فيه ويقول إنما عملت عمل الأغمار تضيع عسكرك
ومسالحك سر إلى الحصين بن نمير حتى توافيه وهو على الناس فجاءه فغدوا علينا
وغاديناهم فقاتلناهم قتالا لم ير الشيب والمرد مثله قط يومنا كله لا يحجز بيننا وبين
القتال إلا الصلاة حتى أمسينا فتحاجزنا وقد والله أكثروا فينا الجراح وأفشيناها
فيهم قال وكان فينا قصاص ثلاثة رفاعة بن شداد البجلي وصحير بن حذيفة بن هلال
ابن مالك المري وأبو الجويرية العبدي فكان رفاعة يقص ويحضض الناس
في الميمنة لا يبرحها وجرح أبو الجريرية اليوم الثاني في أول النهار فلزم الرحال وكان
صحير ليلته كلها يدور فينا ويقول أبشروا عباد الله بكرامة الله ورضوانه فحق والله
لمن ليس بينه وبين لقاء الأحبة ودخول الجنة والراحة من إبرام الدنيا وأذاها إلا
فراق هذه النفس الامارة بالسوء أن يكون بفراقها سخيا وبلقاء ربه مسرورا
فمكثنا كذلك حتى أصبحنا وأصبح ابن نمير وأدهم بن محرز الباهلي في نحو من
464

عشرة آلاف فخرجوا إلينا فاقتتلنا اليوم الثالث يوم الجمعة قتالا شديدا إلى ارتفاع
الضحى ثم إن أهل الشأم كثرونا وتعطفوا علينا من كل جانب ورأى سليمان
ابن صرد ما لقى أصحابه فنزل فنادى عباد الله من أراد البكور إلى ربه والتوبة
من ذنبه والوفاء بعهده فإلى ثم كسر جفن سيفه ونزل معه ناس كثير فكسروا
جفون سيوفهم ومشوا معه وانزوت خيلهم حتى اختلطت مع الرجال فقاتلوهم
حتى نزلت الرجال تشتد مصلتة بالسيوف وقد كسروا الجفون فحمل الفرسان على
الخيل ولا يثبتون فقاتلوهم وقتلوا من أهل الشأم مقتلة عظيمة وجرحوا فيهم فأكثروا
الجراح فلما رأى الحصين بن نمير صبر القوم وبأسهم بعث الرجال ترميهم
بالنبل واكتنفتهم الخيل والرجال فقتل سليمان بن صرد رحمه الله رماه يزيد
ابن الحصين بسهم فوفع ثم وثب ثم وقع قال فلما قتل سليمان بن صرد
أخذ الراية المسيب بن نجبة وقال لسليمان بن صرد رحمك الله يا أخي فقد صدقت
ووفيت بما عليك وبقى ما علينا ثم أخذ الراية فشد بها فقاتل ساعة ثم رجع
ثم شد بها فقاتل ثم رجع ففعل ذلك مرارا يشد ثم يرجع ثم قتل رحمه الله (قال
أبو مخنف) وحدثنا فروة بن لقيط عن مولى للمسيب بن نجبة الفزاري قال لقيته
بالمدائن وهو مع شبيب بن يزيد الخارجي فجرى الحديث حتى ذكرنا أهل عين
الوردة * قال هشام عن أبي مخنف قال حدثنا هذا الشيخ عن المسيب بن نجبة
قال والله ما رأيت أشجع منه إنسانا قط ولا من العصابة التي كان فيهم ولقد رأيته
يوم عين الوردة يقاتل قتالا شديدا ما ظننت أن رجلا واحدا يقدر أن يبلى مثل
ما أبلى ولا ينكأ في عدوه مثل ما نكأ لقد قتل رجالا قال وسمعته يقول قبل أن
يقتل وهو يقاتلهم
قد علمت ميالة الذوائب * واضحة اللبات والترائب
أنى غداة الروع والتغالب * أشجع من ذي لبد مواثب
قطاع أقران مخوف الجانب
قال أبو مخنف حدثني أبي وخالي عن حميد بن مسلم وعبد الله بن غزية قال
465

أبو مخنف وحدثني يوسف بن يزيد عن عبد الله بن عوف قال لما قتل المسيب بن
نجبة أخذ الراية عبد الله بن سعد بن نفيل ثم قال رحمه الله أخوى منهم من قضى
نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا وأقبل بمن كان معه من الأزد فحفوا برايته
فوالله إنا لكذلك إذ جاءنا فرسان ثلاثة عبد الله بن الخضل الطائي وكثير بن عمرو
المزني وسعر بن أبي سعر الحنفي كانوا خرجوا مع سعد بن حذيفة بن اليمان في
سبعين ومائة من أهل المدائن فسرحهم يوم خرج في آثارنا على خيول مقلمة
مقدحة فقال لهم اطووا المنازل حتى تلحقوا بإخواننا فتبشروهم بخروجنا إليهم
لتشتد بذلك ظهورهم وتخبروهم بمجئ أهل البصرة أيضا كان المثنى بن مخربة
العبدي أقبل في ثلاثمائة من أهل البصرة فجاء حتى نزل مدينة بهرسير بعد
خروج سعد بن حذيفة من المدائن لخمس ليال وكان خروجه من البصرة قبل ذلك
قد بلغ سعد بن حذيفة قبل أن يخرج من المدائن فلما انتهوا إلينا قالوا أبشروا فقد
جاءكم إخوانكم من أهل المدائن وأهل البصرة فقال عبد الله بن سعد بن نفيل
ذلك لو جاؤنا ونحن أحياء قال فنظروا إلينا فلما رأوا مصارع إخوانهم وما بنا من
الجراح بكى القوم وقالوا وقد بلغ منكم ما نرى إنا لله وإنا إليه راجعون قال
فنظروا والله إلى ما ساء أعينهم فقال لهم عبد الله بن نفيل إنا لهذا خرجنا ثم اقتتلنا
فما اضطربنا إلا ساعة حتى قتل المزني وطعن الحنفي فوقع بين القتلى ثم ارتث بعد
ذلك فنجا وطعن الطائي فجزم أنفه فقاتل قتالا شديدا وكان فارسا شاعرا فأخذ يقول
قد علمت ذات القوام الرود * أن لست بالوانى ولا الرعديد
يوما ولا بالفرق الحيود
قال فحمل علينا ربيعة بن المخارق حملة منكرة فاقتتلنا قتالا شديدا ثم إنه اختلف
هو وعبد الله بن سعد بن نفيل ضربتين فلم يصنع سيفاهما شيئا واعتنق كل واحد
منهما صاحبه فوقعا إلى الأرض ثم قاما فاضطربا ويحمل ابن أخي ربيعة بن
المخارق على عبد الله بن سعد فطعنه في ثغرة نحره فقتله ويحمل عبد الله بن عوف
ابن الأحمر على ربيعة بن المخارق فطعنه فصرعه فلم يصب مقتلا فقام فكر عليه
466

الثانية فطعنه أصحاب ربيعة فصرعوه ثم إن أصحابه استنقذوه وقال خالد بن سعد
ابن نفيل أروني قاتل أخي فأريناه ابن أخي ربيعة بن المخارق فحمل عليه فقنعه
بالسيف واعتنقه الآخر فخر إلى الأرض فحمل أصحابه وحملنا وكانوا أكثر منا
فاستنقذوا صاحبهم وقتلوا صاحبنا وبقيت الراية ليس عندها أحد قال فنادينا
عبد الله بن وال بعد قتلهم فرساننا فإذا هو قد استلحم في عصابة معه إلى جانبنا
فحمل عليه رفاعة بن شداد فكشفهم عنه ثم أقبل إلى رايته وقد أمسكها عبد الله
ابن خازم الكندي فقال لابن وال أمسك عنى رأيتك قال امسكها عنى رحمك
الله فإني بي مثل حالك فقال له أمسك عنى رأيتك فانى أريد أن أجاهد قال فان
هذا الذي أنت فيه جهاد وأجر قال فصحنا يا أبا عزة أطع أميرك يرحمك الله
قال فأمسكها قليلا ثم إن ابن وال أخذها منه (قال أبو مخنف) قال أبو الصلت
التيمي الأعور حدثني شيخ للحي كان معه يومئذ قال قال لنا ابن وال من أراد
الحياة التي ليس بعدها موت والراحة التي ليس بعدها نصب والسرور الذي ليس
بعده حزن فليتقرب إلى ربه بجهاد هؤلاء المحلين والرواح إلى الجنة رحمكم الله
وذلك عند العصر فشد عليهم وشددنا معه فأصبنا والله منهم رجالا وكشفناهم
طويلا ثم إنهم بعد ذلك تعطفوا علينا من كل جانب فحازونا حتى بلغوا بنا المكان
الذي كنا فيه وكنا بمكان لا يقدرون أن يأتونا فيه إلا من وجه واحد وولى
قتالنا عند المساء أدهم بن محرز الباهلي فشد علينا في خيله ورجاله فقتل عبد الله بن
وال التيمي (قال أبو مخنف) عن فروة بن لقيط قال سمعت أدهم بن محرز
الباهلي في إمارة الحجاج بن يوسف وهو يحدث ناسا من أهل الشأم قال دفعت
إلى أحد أمراء العراق رجل منهم يقولون له عبد الله بن وال وهو يقول لا تحسبن
الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين الآيات الثلاث
قال فغاظني فقلت في نفسي هؤلاء يعدوننا بمنزلة أهل الشرك يرون أن من قتلنا
منهم كان شهيدا فحملت عليه فأضرب يده اليسرى فأطننتها وتنحيت قريبا فقلت له
أما إني أراك وددت أنك في أهلك فقال بئسما رأيت أما والله ما أحب أنها يدك
467

الآن إلا أن يكون لي فيها من الاجر مثل ما في يدي قال فقلت له لم قال لكيما يجعل
الله عليك وزرها ويعظم لي أجرها قال فغاظني فجمعت خيلي ورجالي ثم حملنا عليه وعلى
أصحابه فدفعت إليه فطعنته فقتلته وانه لمقبل إلى ما يزول فزعموا بعد أنه كان من فقهاء أهل
العراق الذين كانوا يكثرون الصوم والصلاة ويفتون الناس (قال أبو مخنف) وحدثني
الثقة عن حميد بن مسلم وعبد الله بن غزية قال لما هلك عبد الله بن وال نظرنا فإذا عبد الله بن
خازم قتيلا إلى جنبه ونحن نرى أنه رفاعة بن شداد البجلي فقال رجل من بنى كنانة
يقال له الوليد بن غضين أمسك رأيتك قال لا أريدها فقلت له إنا لله مالك فقال ارجعوا
بنا لعل الله يجمعنا ليوم شر لهم فوثب عبد الله بن عوف بن الأحمر إليه فقال أهلكتنا
والله لئن انصرفت ليركبن أكتافنا فلا نبلغ فرسخا حتى نهلك من عند آخرنا فإن
نجا منا ناج أخذه الاعراب وأهل القرى فتقربوا إليهم به فيقتل صبرا أنشدك
الله أن تفعل هذه الشمس قد طفلت للمغيب وهذا الليل قد غشينا فنقاتلهم على
خيلنا هذه فإنا الآن ممتنعون فإذا غسق الليل ركبنا خيولنا أول الليل فرمينا بها
فكان ذلك الشأن حتى نصبح ونسير ونحن على مهل فيحمل الرجل منا جريحه
وينتظر صاحبه وتسير العشرة والعشرون معا ويعرف الناس الوجه الذي يأخذون
فيتبع فيه بعضهم بعضا ولو كان الذي ذكرت لم تقف أم على ولدها ولم يعرف رجل
وجهه ولا أين يسقط ولا أين يذهب ولم نصبح إلا ونحن بين مقتول ومأسور
فقال له رفاعة بن شداد فإنك نعم ما رأيت قال ثم أقبل رفاعة على الكناني فقال
له أتمسكها أم آخذها منك فقال له الكناني إني لا أريد ما تريد إني أريد لقاء
ربى واللحاق بإخواني والخروج من الدنيا إلى الآخرة وأنت تريد ورق الدنيا
وتهوى البقاء وتكره فراق الدنيا أما والله إني لا أحب لك أن ترشد ثم دفع إليه
الراية وذهب ليستقدم فقال له ابن أحمر قاتل معنا ساعة رحمك الله ولا تلق بيدك
إلى التهلكة فما زال به يناشده حتى احتبس عليه وأخذ أهل الشأم يتنادون أن
الله قد أهلكهم فاقدموا عليهم فافرغوا منهم قبل الليل فأخذوا يقدمون عليهم
فيقدمون على شوكة شديدة ويقاتلون فرسانا شجعانا ليس فيهم سقط رجل
468

وليسوا لهم بمضجرين فيتمكنوا منهم فقاتلوهم حتى العشاء قتالا شديدا وقتل الكناني
قبل المساء وخرج عبد الله بن عزيز الكندي ومعه ابنه محمد غلام صغير فقال
يا أهل الشأم هل فيكم أحد من كندة فخرج إليهم منهم رجال فقالوا نعم نحن هؤلاء
فقال لهم دونكم أخيكم فابعثوا به إلى قومكم بالكوفة فأنا عبد الله بن عزيز الكندي
فقالوا له أنت ابن عمنا فإنك آمن فقال لهم والله لا أرغب عن مصارع إخواني
الذين كانوا للبلاد نورا والأرض أوتادا وبمثلهم كان الله يذكر قال فأخذ ابنه
يبكى في أثر أبيه فقال يا بنى لو أن شيئا كان آثر عندي من طاعة ربى إذا لكنت
أنت وناشده قومه الشأميون لما رأوا من جزع ابنه وبكاءه في أثره وأروا
الشأميون له ولابنه رقة شديدة حتى جزعوا وبكوا ثم اعتزل الجانب الذي
خرج إليه منه قومه فشد على صفهم عند المساء فقاتل حتى قتل (قال أبو مخنف)
حدثني فضيل بن حديج قال حدثني مسلم بن زحر الخولاني أن كريب بن زيد
الحميري مشى إليهم عند المساء ومعه راية بلقاء في جماعة قلما تنقص من مائة رجل
إن نقصت وقد كانوا تحدثوا بما يريد رفاعة أن يصنع إذا أمسى فقال لهم الحميري
وجمع إليه رجالا من حمير وهمدان فقال عباد الله روحوا إلى ربكم والله ما في شئ
من الدنيا خلف من رضاء الله والتوبة إليه إنا قد بلغني أن طائفة منكم يريدون
أن يرجعوا إلى ما خرجوا منه إلى دنياهم وإن هم ركنوا إلى دنياهم رجعوا إلى
خطاياهم فأما أنا فوالله لا أولى هذا العدو ظهري حتى أرد موارد إخواني فأجابوه
وقالوا رأينا مثل رأيك ومضى برايته حتى دنا من القوم فقال ابن ذي الكلاع
والله إني لارى هذه الراية حميرية أو همدانية فدنا منهم فسألهم فأخبروه فقال
لهم إنكم آمنون فقال له صاحبهم إنا قد كنا آمنين في الدنيا وإنما خرجنا نطلب
أمان الآخرة فقاتلوا القوم حتى قتلوا ومشى صحير بن حذيفة بن هلال بن مالك
المزني في ثلاثين من مزينة فقال لهم لا تهابوا الموت في الله فإنه لاقيكم ولا ترجعوا
إلى الدنيا التي خرجتم منها إلى الله فإنها لا تبقى لكم ولا تزهدوا فيما رغبتم فيه من
ثواب الله فإن ما عند الله خير لكم ثم مضوا فقاتلوا حتى قتلوا فلما أمسى الناس
469

ورجع أهل الشأم إلى معسكرهم نظر رفاعة إلى كل رجل قد عقر به والى كل
جريح لا يعين على نفسه فدفعه إلى قومه ثم سار بالناس ليلته كلها حتى أصبح بالتنينير
فعبر الخابور وقطع المعابر ثم مضى لا يمر بمعبر إلا قطعه وأصبح الحصين بن نمير
فبعث فوجدهم قد ذهبوا فلم يبعث في آثارهم أحدا وسار بالناس فأسرع وخلف
رفاعة وراءهم أبا الجويرية العبدي في سبعين فارسا يسترون الناس فإذا مروا برجل
قد سقط حمله أو بمتاع قد سقط قبضه حتى يعرفه فان طلب أو ابتغى بعث إليه فأعلمه
فلم يزالوا كذلك حتى مروا بقرقيسيا من جانب البر فبعث إليهم زفر من الطعام
والعلف مثل ما كان بعث إليهم في المرة الأولى وأرسل إليهم الأطباء وقال أقيموا
عندنا ما أحببتم فإن لكم الكرامة والمواساة فأقاموا ثلاثا ثم زود كل امرئ
منهم ما أحب من الطعام والعلف قال وجاء سعد بن حذيفة بن اليمان حتى انتهى
إلى هيت فاستقبله الاعراب فأخبروه بما لقى الناس فانصرف فتلقى المثنى بن مخربة
العبدي بصندوداء فأخبروه فأقاموا حتى جاءهم الخبر أن رفاعة قد أظلكم فخرجوا
حين دنا من القرية فاستقبلوه فسلم الناس بعضهم على بعض وبكى بعضها لي بعض
وتناعوا إخوانهم فأقاموا بها يوما وليلة فانصرف أهل المدائن إلى المدائن وأهل
البصرة إلى البصرة وأقبل أهل الكوفة إلى الكوفة فإذا المختار محبوس (قال
هشام) قال أبو مخنف عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن أدهم بن محرز الباهلي
أنه أتى عبد الملك بن مروان ببشارة الفتح قال فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه
ثم قال أما بعد فإن الله قد أهلك من رؤوس أهل العراق ملقح فتنة ورأس ضلالة
سليمان بن صرد ألا وإن السيوف تركت رأس المسيب بن نجبة خذاريف ألا وقد قتل
الله من رؤسهم رأسين عظيمين ضالين مضلين عبد الله بن سعد أخا الأزد وعبد الله بن
وال أخا بكر بن وائل فلم يبق بعد هؤلاء أحد عنده دفاع ولا امتناع (قال هشام) عن أبي
مخنف وحدثت أن المختار مكث نحوا من خمس عشرة ليلة ثم قال لأصحابه عدوا
لغازيكم هذا أكثر من عشر ودون الشهر ثم يجيئكم نبأ هتر من طعن نتر وضرب هبر
وقتل جم وأمر رجم فمن لها أنا لها لا تكذبن أنا لها (قال أبو مخنف) حدثنا الحصين
470

ابن يزيد عن أبان بن الوليد قال كتب المختار وهو في السجن إلى رفاعة بن شداد حين
قدم من عين الوردة أما بعد فمرحبا بالعصب الذين عظم الله لهم الاجر حين انصرفوا
ورضى انصرافهم حين قفلوا أما ورب البنية التي بنا ما خطا خاط منكم خطوة
ولا رتا رتوة إلا كان ثواب الله له أعظم من ملك الدنيا إن سليمان قد قضى ما عليه
وتوفاه اله فجعل روحه مع أرواح الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين ولم يكن
بصاحبكم الذي به تنصرون إني أنا الأمير المأمور والأمين المأمون وأمير الجيش
وقاتل الجبارين والمنتقم من أعداء الدين والمقيد من الأوتار فأعدوا واستعدوا
وأبشروا واستبشروا أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وإلى الطلب
بدماء أهل البيت والدفع عن الضعفاء وجهاد المحلين والسلام (قال أبو مخنف)
وحدثني أبو زهير العبسي أن الناس تحدثوا بهذا من أمر المختار فبلغ ذلك عبد الله
ابن يزيد وإبراهيم بن محمد فخرجا في الناس حتى أتيا المختار فأخذاه (قال أبو مخنف)
فحدثني سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم قال لما تهيأنا للانصراف قال عبد الله بن
غزية ووقف على القتلى فقال يرحمكم الله فقد صدقتم وصبرتم وكذبنا وفررنا قال
فلما سرنا وأصبحنا إذا عبد الله بن غزية في نحو من عشرين قد أرادوا الرجوع إلى
العدو والاستقتال فجاء رفاعة وعبد الله بن عوف بن الأحمر وجماعة الناس فقالوا
لهم ننشدكم الله أن تزيدونا فلولا ونقصانا فإنا لا نزال بخير ما كان فينا مثلكم من ذوي
النيات فلم يزالوا بهم كذلك يناشدونهم حتى ردوهم غير رجل من مزينة يقال له
عبيدة بن سفيان رحل مع الناس حتى إذا غفل عنه انصرف حتى لقى أهل الشأم
فشد بسيفه يضاربهم حتى قتل (قال أبو مخنف) فحدثني الحصين بن يزيد الأزدي
عن حميد بن مسلم الأزدي قال كان ذلك المزني صديقا لي فلما ذهب لينصرف ناشدته
الله فقال أما انك لم تكن لتسألني شيئا من الدنيا إلا رأيت لك من الحق على ايتاءكه
وهذا الذي تسألني أريد الله به قال ففارقني حتى لقى القوم فقتل قال فوالله ما كان شئ
بأحب إلى من أن ألقى إنسانا يحدثني عنه كيف صنع حين لقى القوم قال فلقيت عبد الملك
ابن جزء بن الحدرجان الأزدي بمكة فجرى حديث بيننا جرى ذكر ذلك اليوم فقال
471

أعجب ما رأيت يوم عين الوردة بعد هلاك القوم أن رجلا أقبل حتى شد على بسيفه
فخرجنا نحوه قال فانتهى إليه وقد عقر به وهو يقول:
إني من الله إلى الله أفر * رضوانك اللهم أبدى وأسر
قال فقلنا له ممن أنت قال من بني آدم قال فقلنا ممن قال لا أحب أن أعرفكم ولا
أن تعرفوني يا مخربي البيت الحرام قال فنزل إليه سليمان بن عمرو بن محصن الأزدي
من بنى الخيار قال وهو يومئذ من أشد الناس قال فكلاهما أثخن صاحبه قال وشد
الناس عليه من كل جانب فقتلوه قال فوالله ما رأيت واحدا قط هو أشد منه قال فلما
ذكر لي وكنت أحب أن أعلم علمه دمعت عيناي فقال أبينك وبينه قرابة فقلت
له لا ذلك رجل من مضر كان لي ودا وأخا فقال لي لا أرقأ الله دمعك أتبكى على رجل
من مضر قتل على ضلالة قال قلت لا والله ما قتل على ضلالة ولكنه قتل على بينة من
ربه وهدى فقال لي أدخلك الله مدخله قلت آمين وأدخلك الله مدخل حصين بن
نمير ثم لا أرقا الله لك عليه دمعا ثم قمت وقام وكان مما قيل من الشعر في ذلك قول
أعشى همدان وهى إحدى المكتمات كن يكتمن في ذلك الزمان
ألم خيال منك يا أم غالب * فحبيت عنا من حبيب مجانب
وما زلت لي شجوا وما زلت مقصدا * لهم عراني من فراقك ناصب
فما أنس لا أنس انفتالك في الضحى * إلينا مع البيض الوسام الخراعب
تراءت لنا هيفاء مهضومة الحشا * لطيفة طي الكشح ريا الحقائب
مبتلة غراء رود شبابها * كشمس الضحى تنكل بين السحائب
فلما تغشاها السحاب وحوله * بدا حاجب منها وضنت بحاجب
فتلك الهوى وهى الجوى لي والمنى * فأحسب؟ بها من خلة لم تصاقب
ولا يبعد الله الشباب وذكره * وحب تصافى المعصرات الكواعب
ويزداد ما أحببته من عتابنا * لعابا وسقيا للخدين المقارب
فإني وإن لم أنسهن لذاكر * رزيئة مخبات كريم المناصب
توسل بالتقوى إلى الله صادقا * وتقوى الاله خير تكساب كاسب
472

وخلى عن الدنيا فلم يلتبس بها * وتاب إلى الله الرفيع المراتب
تخلى عن الدنيا وقال اطرحتها * فلست إليها ما حييت بآيب
وما أنا فيما يكبر الناس فقده * ويسعى له الساعون فيها براغب
فوجهه نحو الثوية سائرا * إلى ابن زياد في الجموع الكباكب
بقوم هم أهل التقية والنهى * مصاليت أنجاد سراة مناجب
مضوا تاركي رأى ابن طلحة حسبه * ولم يستجيبوا للأمير المخاطب
فساروا وهم من بين ملتمس التقى * وآخر مما جر بالأمس تائب
فلاقوا بعين الوردة الجيش فاصلا * إليهم فحسوهم ببيض قواضب
يمانية تذر الأكف وتارة * بخيل عتاق مقربات سلاهب
فجاءهم جمع من الشأم بعده * جموع كموج البحر من كل جانب
فما برحوا حتى أبيدت سراتهم * فلم ينج منهم ثم غير عصائب
وغودر أهل الصبر صرعى فأصبحوا * تعاورهم ريح الصبا والجنائب
وأضحى الخزاعي الرئيس مجدلا * كأن لم يقاتل مرة ويحارب
ورأس بنى شمخ وفارس قومه * شنوأة والتيمي هادي الكتائب
وعمرو بن بشر والوليد وخالد * وزيد بن بكر والحليس بن غالب
وضارب من همدان كل مشيع * إذا شد لم ينكل كريم المكاسب
ومن كل قوم قد أصيب زعيمهم * وذو حسب في ذروة المجد ثاقب
أبوا غير ضرب تفلق الهام وقعه * وطعن بأطراف الأسنة صائب
وإن سعيدا يوم يدمر عامرا * لأشجع من ليث بدرنا مواثب
فيا خير جيش للعراق وأهله * سقيتم روايا كل أسحم ساكب
فلا يبعدن فرساننا وحماتنا * إذا البيض أبدت عن خدام الكواعب
فإن يقتلوا فالقتل أكرم ميتة * وكل فتى يوما لاحدى الشواعب
وما قتلوا حتى أثاروا عصابة * محلين ثورا كالليوث الضوارب
وقتل سليمان بن صرد ومن قتل معه بعين الوردة من التوابين في شهر ربيع
473

الآخر (وفى هذه السنة) أمر مروان بن الحكم أهل الشأم بالبيعة من بعده
لابنيه عبد الملك وعبد العزيز وجعلهما وليي العهد
ذكر الخبر عن سبب عقد مروان ذلك لها
(قال هشام) عن عوانة قال لما هزم عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق
مصعب بن الزبير حين وجهه أخوه عبد الله إلى فلسطين وانصرف راجعا إلى مروان
ومروان يومئذ بدمشق قد غلب على الشأم كلها ومصر وبلغ مروان أن عمرا
يقول إن هذا الامر لي من بعد مروان ويدعى أنه قد كان وعده وعدا فدعا
مروان حسان بن مالك بن بحدل فأخبره أنه يريد أن يبايع لعبد الملك وعبد العزيز
ابنيه من بعده وأخبره بما بلغه عن عمرو بن سعيد فقال أنا أكفيك عمرا فلما
اجتمع الناس عند مروان عشيا قام ابن بحدل فقال إنه قد بلغنا أن رجالا يتمنون
أماني قوموا فبايعوا لعبد الملك ولعبد العزيز من بعده فقام الناس فبايعوا من
عند آخرهم (وفى هذه السنة) مات مروان بن الحكم بدمشق مستهل شهر رمضان
ذكر الخبر عن سبب هلاكه
* حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني
موسى بن يعقوب عن أبي الحويرث قال لما حضرت معاوية بن يزيد أبا ليلى
الوفاة أبى أن يستخلف أحدا وكان حسان بن مالك بن بحدل يريد أن يجعل الامر
بعد معاوية بن يزيد لأخيه خالد بن يزيد بن معاوية وكان صغيرا وهو خال أبيه
يزيد بن معاوية فبايع لمروان وهو يربد أن يجعل الامر بعده لخالد بن يزيد فلما
بايع لمروان وبايعه معه أهل الشأم قيل لمروان تزوج أم خالد وأمه أم خالد
ابنة أبى هشام بن عتبة حتى تصغر شأنه فلا يطلب الخلافة فتزوجها فدخل خالد
يوما على مروان وعنده جماعة كثيرة وهو يمشى بين الصفين فقال إنه والله
ما علمت لأحمق تعال يا ابن الرطبة الاست يقصر به ليسقطه من أعين أهل
الشأم فرجع إلى أمه فأخبرها فقالت له أمه لا يعرفن ذلك منك واسكت فإني
أكفيكه فدخل عليها مروان فقال لها هل قال لك خالد في شيئا فقالت وخالد
474

يقول فيك شيئا خالد أشد لك إعظاما من أن يقول فيك شيئا فصدقها ثم
مكث أياما ثم إن مروان نام عندها فغطته بالوسادة حتى قتلته (قال أبو جعفر)
وكان هلاك مروان في شهر رمضان بدمشق وهو ابن ثلاث وستين سنة في
قول الواقدي وأما هشام بن محمد الكلبي فإنه قال كان يوم هلك ابن إحدى وستين
سنة وقيل توفى وهو ابن إحدى وسبعين سنة وقيل ابن إحدى وثمانين سنة
وكان يكنى أبا عبد الملك وهو مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس
وأمه آمنة بنت علقمة بن صفوان بن أمية الكناني وعاش بعد أن بويع له بالخلافة تسعة
أشهر وقيل عاش بعد أن بويع له بالخلافة عشرة أشهر إلا ثلاث ليال وكان قبل
هلاكه قد بعث بعثين أحدهما إلى المدينة عليهم حبيش بن دلجة القيني والآخر
منهما إلى العراق عليهم عبيد الله بن زياد فأما عبيد الله بن زياد فسار حتى نزل
الجزيرة فأتاه الخبر بها بموت مروان وخرج إليه التوابون من أهل الكوفة
طالبين بدم الحسين فكان من أمرهم ما قد مضى ذكره وسنذكر إن شاء الله
باقي خبره إلى أن قتل (وفى هذه السنة) قتل حبيش بن دجلة وأما حبيش بن
دلجة فإنه سار حتى انتهى فيما ذكر عن هشام عن عوانة بن الحكم إلى المدينة وعليهم
جابر بن الأسود بن عوف ابن أخي عبد الرحمن بن عوف من قبل عبد الله
ابن الزبير فهرب جابر من حبيش ثم إن الحارث بن أبي ربيعة وهو أخو عمر
ابن عبد الله بن أبي ربيعة وجه جيشا من البصرة وكان عبد الله بن الزبير قد ولاه
البصرة عليهم الحنيف بن السجف التميمي لحرب حبيش بن دلجة فلما سمع حبيش
ابن دلجة بهم سار إليهم من المدينة وسرح عبد الله بن الزبير عياش بن سهل بن
سعد الأنصاري على المدينة وأمره أن يسير في طلب حبيش بن دلجة حتى يوافي
الجند من أهل البصرة الذين جاءوا ينصرون ابن الزبير عليهم الحنيف وأقبل
عياش في آثارهم مسرعا حتى لحقهم بالربذة وقد قال أصحاب ابن دلجة له دعهم
لا تعجل إلى قتالهم فقال لا أنزل حتى آكل من مقندهم يعنى السويق الذي فيه القند فجاءه
سهم غرب فقتله وقتل معه المنذر بن قيس الجذامي وأبو عقاب مولى أبي سفيان
475

وكان معه يومئذ يوسف بن الحكم والحجاج بن يوسف وما نجوا يومئذ إلا على
جمل واحد وتحرز منهم نحو من خمسمائة في عمود المدينة فقال لهم عياش أنزلوا على
حكمي فنزلوا على حكمه فضرب أعناقهم ورجل فل حبيش إلى الشام * حدثني
أحمد بن زهير عن علي بن محمد أنه قال الذي قتل حبيش بن دلجة يوم الربذة
يزيد بن سياه الأسواري رماه بنشابة فقتله فلما دخلوا المدينة وقف يزيد بن سياه
على برذون أشهب وعليه ثياب بياض فما لبث أن اسودت ثيابه ورأيته مما مسح
الناس به ومما صبوا عليه من الطيب (قال أبو جعفر) وفى هذه السنة وقع بالبصرة
الطاعون الذين يقال له الطاعون الجارف فهلك به خلق كثير من أهل البصرة
* حدثني عمر بن شبة قال حدثني زهير بن حرب قال حدثنا وهب بن جرير قال
حدثني أبي عن المصعب بن زيد ان الجارف وقع وعبيد الله بن عبيد الله بن معمر
على البصرة فماتت أمه في الجارف فما وجدوا لها من يحملها حتى استأجروا لها أربعة
علوج فحملوها إلى حفرتها وهو الأمير يومئذ (وفى هذه السنة) اشتدت شوكة
الخوارج بالبصرة وقتل فيها نافع ين الأزرق
ذكر الخبر عن مقتله
* حدثني عمر بن شبة قال حدثنا زهير بن حرب قال حدثنا وهب بن جرير
قال حدثنا أبي عن محمد بن الزبير أن عبيد الله بن عبيد الله بن معمر بعث أخاه
عثمان بن عبيد الله إلى نافع بن الأزرق في جيش فلقيهم بدولاب فقتل عثمان
وهزم جيشه * قال عمر قال زهير قال وهب وحدثنا محمد بن أبي عيينة عن سبرة
ابن نخف أن ابن معمر عبيد الله بعث أخاه عثمان إلى ابن الأزرق فهزم جنده
وقتل قال وهب فحدثنا أبى أن أهل البصرة بعثوا جيشا عليهم حارثة بن بدر
فلقيهم فقال لأصحابه
كرنبوا ودولبوا * وحيث شئتم فاذهبوا
حدثنا عمر قال حدثنا زهير قال حدثنا وهب قال حدثنا أبي ومحمد بن أبي عيينة
قالا حدثنا معاوية بن قرة قال خرجنا مع ابن عبيس فلقيناهم فقتل ابن الأزرق
476

وابنان أو ثلاثة للماحوز وقتل ابن عبيس (قال أبو جعفر) وأما هشام بن محمد
فإنه ذكر عن أبي مخنف عن أبي المخارق الراسبي من قصة ابن الأزرق وبنى
الماحوز قصة هي غير ما ذكره عمر عن زهير بن حرب عن وهب بن جرير والذي
ذكر من خبرهم أن نافع بن الأزرق اشتدت شوكته باشتغال أهل البصرة
بالاختلاف الذي كان بين الأزد وربيعة وتميم بسبب مسعود بن عمرو وكثرت
جموعه فأقبل نحو البصرة حتى دنا من الجسر فبعث إليه عبد الله بن الحارث مسلم
ابن عبيس بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف في أهل البصرة
فخرج إليه فأخذ يحوزه عن البصرة ويرفعه عن أرضها حتى بلغ مكانا من أرض
الأهواز يقال له دولاب فتهيأ الناس بعضهم لبعض وتزاحفوا فجعل مسلم بن عبيس
على ميمنته الحجاج بن باب الحميري وعلى ميسرته حارثة بن بدر التميمي ثم الغداني
وجعل ابن الأزرق على ميمنته عبيدة بن هلال اليشكري وعلى ميسرته الزبير
ابن الماحوز التميمي ثم التقوا فاضطربوا فاقتتل الناس قتالا لا ير قتال قط أشد منه
فقتل مسلم بن عبيس أمير أهل البصرة وقتل نافع بن الأزرق رأس الخوارج
وأمر أهل البصرة عليهم الحجاج بن باب الحميري وأمرت الأزارقة عليهم عبد الله
ابن الماحوز ثم عادوا فاقتتلوا أشد قتال فقتل الحجاج بن باب الحميري أمير أهل
البصرة وقتل عبد الله بن الماحوز أمير الأزارقة ثم إن أهل البصرة أمروا عليهم
ربيعة الأجذم التميمي وأمرت الخوارج عليهم عبيد الله بن الماحوز ثم عادوا
فاقتتلوا حتى أمسوا وقد كره بعضهم بعضا وملوا القتال فإنهم لمتواقفون متحاجزون
حتى جاءت الخوارج سرية لهم جامة لم تكن شهدت القتال فحملت على الناس
من قبل عبد القيس فانهزم الناس وقاتل أمير البصرة ربيعة الأجذام فقتل وأخذ
راية أهل البصرة حارثة بن بدر فقاتل ساعة وقد ذهب الناس عنه فقاتل من
وراء الناس في حماتهم وأهل الصبر منهم ثم أقبل بالناس حتى نزل بهم منزلا
بالأهواز ففي ذلك يقول الشاعر من الخوارج
يا كبدا من غير جوع ولا ظما * ويا كبدي من حب أم حكيم
477

ولو شهدتني يوم دولاب أبصرت * طعان امرئ في الحرب غير لئيم
غداة طفت في الماء بكر بن وائل * وعجنا صدور الخيل نحو تميم
وكان لعبد القيس أول حدنا * وذلت شيوخ الأزد وهى تعوم
وبلغ ذلك أهل البصرة فها لهم وأفزعهم وبعث ابن الزبير الحارث بن عبد الله
ابن أبي ربيعة القرشي على تلك الحزة فقدم وعزل عبد الله بن الحارث فأقبلت
الخوارج نحو البصرة وقدم المهلب بن أبي صفرة على تلك من حال الناس من
قبل عبد الله بن الزبير معه عهده على خراسان فقال الأحنف للحارث بن أبي ربيعة
وللناس عامة لا والله ما لهذا الامر إلا المهلب فخرج أشراف الناس فكلموه أن
يتولى قتال الخوارج فقال لا أفعل هذا عهد أمير المؤمنين معي على خراسان فلم
أكن لأدع عهده وأمره فدعاه ابن أبي ربيعة فكلمه في ذلك فقال له مثل ذلك
فاتفق رأى ابن أبي ربيعة ورأى أهل البصرة على أن كتبوا على لسان ابن الزبير
بسم الله الرحمن الرحمن من عبد الله بن الزبير إلى المهلب بن أبي صفرة سلام عليك
فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فان الحارث بن عبد الله كتب إلى
أن الأزارقة المارقة أصابوا جندا للمسلمين كان عددهم كثيرا وأشرافهم كثيرا
وذكر أنهم قد أقبلوا نحو البصرة وقد كنت وجهتك إلى خراسان وكتبت لك
عليها عهدا وقد رأيت حيث ذكر أمر هذه الخوارج أن تكون أنت تلى قتالهم
فقد رجوت أن يكون ميمونا طائرك مباركا على أهل مصرك والاجر في ذلك
أفضل من المسير إلى خراسان فسر إليهم راشدا فقاتل عدو الله وعدوك ودافع
عن حقك وحقوق أهل مصرك فإنه لن يفوتك من سلطاننا خراسان ولا غير
خراسان إن شاء الله والسلام عليكم ورحمة الله فأتى بذلك الكتاب فلما قرأه قال
فإني والله لا أسير إليهم إلا أن تجعلوا لي ما غلبت عليه وتعطوني من بيت المال
ما أقوى به من معي وأنتخب من فرسان الناس ووجوههم وذوي الشرف من
أحببت فقال جميع أهل البصرة ذلك لك قال فاكتبوا لي على الأخماس بذلك كتابا
ففعلوا إلا ما كان من مالك بن مسمع وطائفة من بكر بن وائل فاضطغنها عليهم
478

المهلب وقال الأحنف وعبيد الله بن زياد بن ظييان وأشراف أهل البصرة للمهلب
وما عليك ألا يكتب لك مالك بن مسمع ولا من تابعه من أصحابه إذا أعطاك الذي
أردت من ذلك جميع أهل البصرة ويستطيع مالك خلاف جماعة الناس أوله ذلك
انكمش أيها الرجل واعزم على أمرك وسر إلى عدوك ففعل ذلك المهلب وأمر
على الأخماس فأمر عبيد الله بن زياد بن ظبيان على خمس بكر بن وائل وأمر الحريش
ابن هلال السعدي على خمس بنى تميم أو جاءت الخوارج حتى انتهت إلى الجسر
الأصغر عليهم عبيد الله بن الماحوز فخرج إليهم في أشراف الناس وفرسانهم
ووجوههم فحازهم عن الجسر ودفعهم عنه فكان أول شئ دفعهم عنه أهل البصرة
ولم يكن بقى لهم إلا أن يدخلوا فارتفعوا إلى الجسر الأكبر ثم إنه عبى لهم فسار
إليهم في الخيل والرجال فلما أن رأوا أن قد أظل عليهم وانتهى إليهم ارتفعوا
فوق ذلك مرحلة أخرى فلم يزل يحوزهم ويرفعهم مرحلة بعد مرحلة ومنزلة بعد
منزلة حتى انتهوا إلى منزل من منازل الأهواز يقال له سلى وسلبرى فأقاموا به
ولما بلغ حارثة بن بدر الغداني أن المهلب قد أمر على قتال الأزارقة قال لمن
معه من الناس:
كرنبوا ودولبوا وحيث شئتم فاذهبوا قد أمر المهلب
فأقبل من كان معه نحو البصرة فصرفهم الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة
إلى المهلب ولما نزل المهلب بالقوم خندق عليه ووضع المسالح وأذكى العيون
وأقام الأحراس ولم يزل الجند على مصافهم والناس على راياتهم وأخماسهم
وأبواب الخنادق عليها رجال موكلون بها فكانت الخوارج إذا أرادوا بيات
المهلب وجدوا أمرا محكما فرجعوا فلم يقاتلهم إنسان قط كان أشد عليهم ولا أغيظ
لقلوبهم منه (قال أبو مخنف) فحدثني يوسف بن يزيد عن عبد الله بن عوف بن
الأحمر أن رجلا كان في تلك الخوارج حدثه أن الخوارج بعثت عبيدة بن هلال
والزبير بن الماحوز في خيلين عظيمين ليلا إلى عسكر المهلب فجاء الزبير من جانبه
الأيمن وجاء عبيدة من جانبه الأيسر ثم كبروا وصاحوا بالناس فوجدوهم على
479

تعبيتهم ومصافهم حذرين معدين فلم يصيبوا للقوم غرة ولم يظفروا منهم بشئ
فلما ذهبوا ليرجعوا ناداهم عبيد الله بن زياد بن ظبيان فقال:
وجدتمونا وقرا أنجادا * لا كشفا خورا ولا أوغادا
هيهات إنا إذا صيح بنا أبينا يا أهل النار ألا ابكروا إليها غدا فإنها مأواكم
ومثواكم قالوا يا فاسق وهل تذخر النار إلا لك ولاشباهك إنها أعدت للكافرين
وأنت منهم قال أتسمعون كل مملوك لي حر إن دخلتم أنتم الجنة إن بقى فيما بين
سفوان إلى أقصى حجر من أرض خراسان مجوسي ينكح أمه وابنته وأخته
إلا دخلها قال له عبيدة اسكت يا فاسق فإنما أنت عبد للجبار العنيد ووزير للظالم
الكفور قال يا فاسق وأنت عدو المؤمن التقى ووزير الشيطان الرجيم فقال الناس
لابن ظبيان وفقك الله يا ابن ظبيان فقد والله أجبت الفاسق بجوابه وصدقته فلما
أصبح الناس أخرجهم المهلب على تعبيتهم وأخماسهم ومواقفهم الأزد وتميم
ميمنة الناس وبكر بن وائل وعبد القيس ميسرة الناس وأهل العالية في القلب
وسط الناس وخرجت الخوارج على ميمنتهم عبيدة بن هلال اليشكري وعلى
ميسرتهم الزبير بن الماحوز وجاؤا وهم أحسن عدة وأكرم خيولا وأكثر سلاحا
من أهل البصرة وذلك لانهم مخروا الأرض وجردوها وأكلوا ما بين كرمان
إلى الأهواز فجاءوا عليهم مغافر تضرب إلى صدورهم وعليهم دروع يسحبونها
وسوق من زرد يشدونها بكلاليب الحديد إلى مناطقهم فالتقى الناس فاقتتلوا كأشد
القتال فصبر بعضهم لبعض عامة النهار ثم إن الخوارج شدت على الناس بأجمعها
شدة منكرة فأجفل الناس وانصاعوا منهزمين لاتلوى أم على ولد حتى بلغ البصرة
هزيمة الناس وخافوا السباء وأسرع المهلب حتى سبقهم إلى مكان يفاع في جانب
عن سنن المنهزمين ثم إنه نادى الناس إلى إلى عباد الله فثاب إليه جماعة من قومه
وثابت إليه سرية عمان فاجتمع إليه منهم نحو من ثلاثة آلاف فلما نظر إلى من قد
اجتمع رضى جماعتهم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإن الله ربما يكل الجمع
الكثير إلى أنفسهم فيهزمون وينزل النصر على الجمع اليسير فيظهرون ولعمري
480

ما بكم الآن من قلة إني لجماعتكم لراض وإنكم لأنتم أهل البصر وفرسان أهل المصر
وما أحب أن أحدا ممن انهزم معكم فإنهم لو كانوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا عزمت
على كل امرئ منكم لما أخذ عشرة أحجار معه ثم امشوا بنا نحو عسكرهم فإنهم
الآن آمنون وقد خرجت خيلهم في طلب اخوانكم فوالله إني لأرجو أن لا ترجع
إليهم خيلهم حتى تستبيحوا عسكرهم وتقتلوا أميرهم ففعلوا ثم أقبل بهم راجعا فلا
والله ما شعرت الخوارج إلا بالمهلب يضاربهم بالمسلمين في جانب عسكرهم ثم
استقبلوا عبيد الله بن الماحوز وأصحابه وعليهم الدروع والسلاح كاملا فأخذ الرجل
من أصحاب المهلب يستقبل الرجل منهم فيستعرض وجهه بالحجارة فيرميه حتى
يثخنه ثم يطعنه بعد ذلك برمحه أو يضربه بسيفه فلم يقاتلهم إلا ساعة حتى قتل عبيد الله
ابن الماحوز وضرب الله وجوه أصحابه وأخذ المهلب عسكر القوم وما فيه وقتل
الأزارقة قتلا ذريعا وأقبل من كان في طلب أهل البصرة منهم راجعا وقد وضع
لهم المهلب خيلا ورجالا في الطريق تختطفهم وتقتلهم فانكفؤا راجعين مفلولين
مقتولين محروبين مغلوبين فارتفعوا إلى كرمان وجانب أصفهان وأقام المهلب
بالأهواز ففي ذلك اليوم يقول الصلتان العبدي:
بسلى وسلبرى مصارع فتية * كرام وقتلى لم توسد خدودها
وانصرفت الخوارج حين انصرفت وإن أصحاب النيران الخمس والست ليجتمعون
على النار الواحدة من الفلول وقلة العدد حتى جاءتهم مادة لهم من قبل البحرين
فخرجوا نحو كرمان وإصبهان فأقام المهلب بالأهواز فلم يزل ذلك مكانه حتى جاء
مصعب البصرة وعزل الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة عنها ولما ظهر المهلب على
الأزارقة كتب بسم الله الرحمن الرحيم للأمير الحارث بن عبد الله من المهلب بن أبي
صفرة سلام عليك فانى أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فالحمد لله الذي
نصر أمير المؤمنين وهزم الفاسقين وأنزل بهم نقمته وقتلهم كل قتلة وشردهم كل مشرد
أخبر الأمير أصلحه الله أنا لقينا الأزارقة بأرض من أرض الأهواز يقال لها سلى
وسليرى فزحفنا إليهم ثم ناهضناهم فاقتتلنا كأشد القتال مليا من النهار ثم إن كتائب
481

الأزارقة اجتمع بعضها إلى بعض ثم حملوا على طائفة من المسلمين فهزموهم وكانت في
المسلمين جولة قد كنت أشفقت أن تكون هي الاصرى منهم فلما رأيت ذلك عمدت إلى
مكان يفاع فعلوته ثم دعوت إلى عشيرتي خاصة والمسلمين عامة فثاب إلى أقوام شروا
أنفسهم ابتغاء مرضاة الله من أهل الدين والصبر والصدق والوفاء فقصدت بهم إلى
عسكر القوم وفيه جماعتهم وحدهم وأميرهم قد أطاف به أولو فضلهم فيهم وذوو النيات
منهم فاقتتلنا ساعة رمينا بالنبل وطعنا بالرماح ثم خلص الفريقان إلى السيوف فكان
الجلاد بها ساعة من النهار مبالطة ومبالدة ثم إن الله عز وجل أنزل نصره على المؤمنين
وضرب وجوه الكافرين ونزل طاغيتهم في رجال كثير من حماتهم وذوي نياتهم
فقتلهم الله في المعركة ثم اتبعت الخيل شرادهم فقتلوا في الطريق والإخاذ والفرى
والحمد لله رب العالمين والسلام عليك ورحمة الله فلما أتى هذا الكتاب الحارث بن
عبد الله بن أبي ربيعة بعث به إلى الزبير فقرئ على الناس بمكة وكتب الحارث بن أبي
ربيعة إلى المهلب أما بعد فقد بلغني كتابك تذكر فيه نصر الله إياك وظفر المسلمين
فهنيئا لك يا أخا الأزد بشرف الدنيا وعزها وثواب الآخرة وفضلها والسلام عليك
ورحمة الله فلما قرأ المهلب كتابه ضحك ثم قال أما تظنونه يعرفني إلا بأخي الأزد
ما أهل مكة إلا أعراب (قال أبو مخنف) فحدثني أبو المخارق الراسبي أن أبا علقمة
اليحمدي قاتل يوم سلى وسلبرى قتالا لم يقاتله أحد من الناس وأنه أخذ ينادى
في شباب الأزد وفتيان اليحمد أعيرونا جماجمكم ساعة من نهار فأخذ فتيان منهم
يكرون فيقاتلون ثم يرجعون إليه يضحكون ويقولون يا أبا علقمة القدور تستعار
فلما ظهر المهلب ورأى من بلائه ما رأى وفاه مائة ألف * وقد قيل إن أهل البصرة
قد كانوا سألوا الأحنف قبل المهلب أن يقاتل الأزارقة وأشار عليهم بالمهلب وقال
هو أقوى على حربهم منى وأن المهلب إذ أجابهم إلى قتالهم شرط على أهل البصرة
أن ما غلب عليه من الأرض فهو له ولمن خف معه من قومه وغيرهم ثلاث سنين
وأنه ليس لمن تخلف عنه منه شئ فأجابوه إلى ذلك وكتب بذلك عليهم كتابا
وأوفدوا بذلك وفدا إلى ابن الزبير وأن ابن الزبير أمضى تلك الشروط كلها للمهلب
482

وأجازها له وأن المهلب لما أجيب إلى ما سأل وجه ابنه حبيبا في ستمائة فارس إلى
عمرو القنا وهو معسكر خلف الجسر الأصغر في ستمائة فارس فأمر المهلب بعقد
الجسر الأصغر فقطع حبيب الجسر إلى عمرو ومن معه فقاتلهم حتى نفاهم عما بين
الجسر وانهزموا حتى صاروا من ناحية الفرات وتجهز المهلب فيمن خف من قومه
معه وهم اثنا عشر ألف رجل ومن سائر الناس سبعون رجلا وسار المهلب حتى
نزل الجسر الأكبر وعمرو القنا بإزائه في ستمائة فبعث المغيرة بن المهلب في الخيل والرجالة فهزمتهم الرجالة بالنبل واتبعتهم الخيل وأمر المهلب بالجسر فعقد فعبر
هو وأصحابه فلحق عمرو القنا حينئذ بابن الماحوز وأصحابه وهو بالمفتح فأخبروهم
الخبر فساروا فعسكروا دون الأهواز بثمانية فراسخ وأقام المهلب بقية سنته فجبى
كور دجلة ورزق أصحابه وأتاه المدد من أهل البصرة لما بلغهم ذلك فأثبتهم في الديوان
وأعطاهم حتى صاروا ثلاثين ألفا (قال أبو جعفر) فعلى قول هؤلاء كانت الوقعة التي
كانت فيها هزيمة الأزارقة وارتحالهم عن نواحي البصرة والأهواز إلى ناحية أصبهان
وكرمان في سنة 66 وقيل إنهم ارتحلوا حين ارتحلوا عن الأهواز وهم ثلاثة آلاف
وإنه قتل منهم في الوقعة التي كانت بينهم وبين المهلب بسلى وسلبرى سبعة آلاف (قال
أبو جعفر) وفى هذه السنة وجه مروان بن الحكم قبل مهلكه ابنه محمدا إلى الجزيرة وذلك
قبل مسيره إلى مصر (وفى هذه السنة) عزل عبد الله بن الزبير عبد الله بن يزيد عن
الكوفة وولاها عبد الله بن مطيع ونزع عن المدينة أخاه عبيدة بن الزبير وولاها أخاه
مصعب بن الزبير وكان سبب عزله أخاه عبيدة عنهم أنه فيما ذكر الواقدي خطب الناس
فقال لهم قد رأيتم ما صنع بقوم في ناقة قيمتها خمسمائة درهم فسمى مقوم الناقة وبلغ ذلك
ابن الزبير فقال إن هذا لهو التكلف (وفى هذه السنة) بنى عبد الله بن الزبير البيت الحرام
فأدخل الحجر فيه * أخبرنا إسحاق بن أبي إسرائيل قال حدثني عبد العزيز بن خالد بن رستم
الصنعاني أبو محمد قال حدثني زياد بن جيل أنه كان بمكة يوم غلب ابن الزبير فسمعه يقول
إن أمي أسماء بنت أبي بكر حدثتني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة لولا
حداثة عهد قومك بالكفر رددت الكعبة على أساس إبراهيم فأزيد في الكعبة من الحجر
483

فأمر به ابن الزبير فحفر فوجدوا قلاعا أمثال الإبل فحركوا منها صخرة فبرقت بارقة
فقال أقروها على أساسها فبناها ابن الزبير وجعل لها بابين يدخل من أحدهما ويخرج
من الآخر (قال أبو جعفر) وحج بالناس في هذه السنة عبد الله بن الزبير وكان
على المدينة أخوه مصعب بن الزبير وعلى الكوفة في آخر السنة عبد الله بن
مطيع وعلى البصرة الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي وهو الذي يقال له
القباع وعلى قضائها هشام بن هبيرة وعلى خراسان عبد الله بن خازم (وفى هذه
السنة) خالف من كان بخراسان من بنى تميم عبد الله بن خازم حتى وقعت بينهم حروب
(ذكر الخبر عن سبب ذلك)
وكان السبب في ذلك فيما ذكر أن من كان بخراسان من بنى تميم أعانوا عبد الله
ابن خازم على من كان بها من ربيعة وعلى حرب أوس بن ثعلبة حتى قتل من قتل
منهم وظفر به وصفا له خراسان فلما صفا له ولم ينازعه به أحد جفاهم وكان قد ضم
هراة إلى ابنه محمد واستعمله عليها وجعل بكير بن وشاح على شرطته وضم إليه
شماس بن دثار العطاردي وكانت أم ابنه محمد امرأة من تميم تدعى صفية فلما جفا
ابن خازم بنى تميم أتوا ابنه محمدا بهراة فكتب ابن حازم إلى بكير وشماس يأمرهما
بمنع بنى تميم من دخول هراة فأما شماس بن دثار فأبى ذلك وخرج من هراة فصار
من بنى تميم وأما بكير فمنعهم من الدخول * فذكر علي بن محمد أن زهير بن الهنيد
حدثه عن أشياخ من قومه أن بكير بن وشاح لما منع بنى تميم من دخول هراة
أقاموا ببلاد هراة وخرج إليهم شماس بن دثار فأرسل بكير إلى شماس إني أعطيك
ثلاثين ألفا وأعطى كل رجل من بنى تميم ألفا على أن ينصرفوا فأبوا فدخلوا المدينة
وقتلوا محمد بن عبد الله بن خازم قال على فأخبرنا الحسن بن رشيد عن محمد بن
عزيز الكندي قال خرج محمد بن عبد الله بن خازم يتصيد بهراة وقد منع بنى تميم
من دخولها فرصدوه فأخذوه فشدوه وثاقا وشربوا ليلتهم وجعل كلما أراد رجل
منهم البول بال عليه فقال لهم شماس بن دثار أما إذ بلغتم هذا منه فاقتلوه بصاحبيكما
اللذين قتلهما بالسياط قال وقد كان أخذ قبيل ذلك رجلين من بنى تميم فضربهما
484

بالسياط حتى ماتا قال فقتلوه قال فزعم لنا عمن شهد قتله من شيوخهم أن جيهان
ابن مشجعة الضبي نهاهم عن قتله وألقى نفسه عليه فشكر له ابن خازم ذلك فلم بقتله
فيمن قتل يوم فرتنا قال فزعم عامر بن أبي عمر أنه سمع أشياخهم من بنى تميم
يزعمون أن الذي ولى قتل محمد بن عبد الله بن خازم رجلان من بنى مالك بن
سعد يقال لأحدهما عجلة وللآخر كسيب فقال ابن خازم بئس ما اكتسب كسيب
لقومه ولقد عجل عجلة لقومه شرا قال على وحدثنا أبو الذيال زهير بن هنيد العدوي
قال لما قتل بنو تميم محمد بن عبد الله بن خازم انصرفوا إلى مرو فطلبهم بكير
ابن وشاح فأدرك رجلا من بنى عطارد يقال له شميخ فقتله وأقبل شماس وأصحابه
إلى مرو فقالوا لبنى سعد قد أدركنا لكم بثأركم قتلنا محمد بن عبد الله بن خازم بالجشمي
الذي أصيب بمرو فأجمعوا على قتال ابن خازم وولوا عليهم الحريش بن هلال
القريعي قال فأخبرني أبو الفوارس عن طفيل بن مرداس قال أجمع أكثر بنى
تميم على قتال عبد الله بن خازم قال وكان مع الحريش فرسان لم يدرك مثلهم إنما
الرجل منهم كتيبة منهم شماس بن دثار وبحير بن ورقاء الصريمي وشعبة بن ظهير
النهشلي وورد بن الفلق العنبري والحجاج بن ناشب العدوي وكان من أرمى الناس
وعاصم بن حبيب العدوي فقاتل الحريش بن هلال عبد الله بن خازم سنتين
قال فلما طالت الحرب والشر بينهم ضجروا قال فخرج الحريش فنادى ابن خازم
فخرج إليه فقال قد طالت الحرب بيننا فعلام تقتل قومي وقومك أبرز لي فأينا قتل
صاحبه صارت الأرض له فقال ابن خازم وأبيك لقد أنصفتني فبرز له فتصاولا
تصاول الفحلين لا يقدر أحد منهما على ما يريد وتغفل ابن خازم غفلة وضربه
الحريش على رأسه فرمى بفروة رأسه على وجهه وانقطع ركابا الحريش وانتزع
السيف قال فلزم ابن خازم عنق فرسه راجعا إلى أصحابه وبه ضربة قد أخذت من
رأسه ثم غاداهم القتال فمكثوا بذلك بعد الضربة أياما ثم مل الفريقان فتفرقوا
ثلاث فرق فمضى بحير بن ورقاء إلى أبرشهر في جماعة وتوجه شماس بن دثار
العطاردي ناحية أخرى وقيل أتى سجستان وأخذ عثمان بن بشر بن المحتفز إلى
485

فرتنا فنزل قصرا بها ومضى الحريش إل ناحية مرو الروذ فاتبعه ابن خازم
فلحقه بقرية من قراها يقال لها قرية الملحمة أو قصر الملحمة والحريش بن هلال في
اثنى عشر رجلا وقد تفرق عنه أصحابه فهم في خربة وقد نصب رماحا كانت معه
وترسة قال وانتهى إليه ابن خازم فخرج إليه في أصحابه ومع ابن خازم مولى له
شديد البأس فحمل على الحريش فضربه فلم يصنع شيئا فقال رجل من بنى ضبة
للحريش أما ترى ما يصنع العبد فقال له الحريش عليه سلاح كثير وسيفي لا يعمل
في سلاحه ولكن انظر لي خشبة ثقيلة فقطع له عودا ثقيلا من عناب ويقال أصابه
في القصر فأعطاه إياه فحمل به على مولى ابن خازم فضربه فسقط وقيذا ثم أقبل
على ابن خازم فقال ما تريد إلى وقد خليتك والبلاد قال إنك تعود إليها قال فإني
لا أعود فصالحه على أن يخرج له من خراسان ولا يعود إلى قتاله فوصله ابن خازم
بأربعين ألفا قال وفتح له الحريش باب القصر فدخل ابن خازم فوصله وضمن
له قضاء دينه وتحدثا طويلا قال وطارت قطنة كانت على رأس ابن خازم ملصقة
على الضربة التي كان الحريش ضربه فقام الحريش فتناولها فوضعها على رأسه فقال
له ابن خازم مسك اليوم يا أبا قدامة ألين من مسك أمس قال معذرة إلى الله وإليك
أما والله لولا أن ركابي انقطعا لخالط السيف أضراسك فضحك ابن خازم وانصرف
عنه وتفرق جمع بنى تميم فقال بعض شعراء بنى تميم
لو كنتم مثل الحريش صبرتم * وكنتم بقصر الملح خير فوارس
إذا لسقيتم بالعوالي ابن خازم * سجال دم يورثن طول وساوس
قال وكان الأشعث بن ذؤيب أخو زهير بن ذؤيب العدوي قتل في تلك الحرب فقال له
أخوه زهير وبه رمق من قتلك قال لا أدرى طعنني رجل على برذون أصفر قال فكان
زهير لا يرى أحدا على برذون أصفر إلا حمل عليه فمنهم من يقتله ومنهم من يهرب
فتحامى أهل العسكر البراذين الصفر فكانت مخلاة في العسكر لا يركبها أحد وقال
الحريش في قتاله ابن خازم
أزال عظم يميني عن مركبه * حمل الردينى في الإدلاج والسحر
486

حولين ما اغتمضت عيني بمنزلة * إلا وكفى وساد لي على حجر
بزى الحديد وسربالى إذا هجعت * عنى العيون مجال القارح الذكر
ثم دخلت سنة ست وستين
ذكر الخبر عن الكائن كان فيها من الأمور الجليلة
فمما كان فيها من ذلك وثوب المختار بن أبي عبيد بالكوفة طالبا بدم الحسين
ابن علي بن أبي طالب وإخراجه منها عامل ابن الزبير عبد الله بن مطيع العدوي
ذكر الخبر عما كان من أمرهما في ذلك وظهور المختار
للدعوة إلى ما دعا إليه الشيعة بالكوفة
(ذكر هشام بن محمد) عن أبي مخنف أن فضيل بن خديج حدثه عن عبيدة
ابن عمرو وإسماعيل بن كثير من بنى هند أن أصحاب سليمان بن صرد لما قدموا
كتب إليهم المختار أما بعد فان الله أعظم لكم الاجر وحط عنكم الوزر بمفارقة
القاسطين وجهاد المحلين إنكم لم تنفقوا نفقة ولم تقطعوا عقبة ولم تخطوا خطوة
إلا رفع الله لكم بها درجة وكتب لكم بها حسنة إلى ما لا يحصيه إلا الله من التضعيف
فأبشروا فانى لو قد خرجت إليكم قد جردت فيما بين المشرق والمغرب في عدوكم
السيف بإذن الله فجعلتهم بإذن الله ركاما وقتلتهم فذا وتؤاما فرحب الله بمن قارب
منكم واهتدى ولا يبعد الله إلا من عصى وأبى والسلام يا أهل الهدى فجاءهم بهذا
الكتاب سيحان بن عمرو من بنى ليث من عبد القيس قد أدخله في قلنسوته فيما
بين الظهارة والبطانة فأتى بالكتاب رفاعة بن شداد والمثنى بن مخربية العبدي
وسعد بن حذيفة بن اليمان ويزيد بن أنس وأحمر بن شميط الأحمسي وعبد الله بن
شداد البجلي وعبد الله بن كامل فقرأ عليهم الكتاب فبعثوا إليه ابن كامل فقالوا
قل له قد قرأنا الكتاب ونحن حيث يسرك فان شئت أن نأتيك حتى نخرجك فعلنا
فأتاه فدخل عليه السجن فأخبر بما أرسل إليه به فسر باجتماع الشيعة له وقال لهم
487

لا تزيدوا هذا فإني أخرج في أيامى هذه قال وكان المختار قد بعث ما غلا يدعى
زربيا إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب وكتب إليه أما بعد فانى قد حبست مظلوما
وظن بن الولاة ظنونا كاذبة فاكتب في يرحمك الله إلى هذين الظالمين كتابا لطيفا
عسى الله أن يخلصني من أيديهما بلطفك وبركتك وبمنك والسلام عليك فكتب
إليهما عبد الله بن عمر أما بعد فقد علمتما الذي بيني وبين المختار بن أبي عبيد من الصهر
والذي بيني وبينكما من الود فأقسمت عليكما بحق ما بيني وبينكما لما خليتما سبيله
حين تنظران في كتابي هذا والسلام عليكما ورحمة الله فلما أتى عبد الله بن يزيد
وإبراهيم بن محمد بن طلحة كتاب عبد الله بن عمر دعوا للمختار بكفلاء يضمنونه
بنفسه فأتاه أناس من أصحابه كثير فقال يزيد بن الحارث بن يزيد بن رويم لعبد الله
ابن يزيد ما تصنع بضمان هؤلاء كلهم ضمنه عشرة منهم أشرافا معروفين ودع
سائرهم ففعل ذلك فلما ضمنوه ودعا به عبد الله بن يزيد وإبراهيم بن محمد بن طلحة
فحلفاه بالله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم لا يبغيهما غائلة
ولا يخرج عليهما ما كان لهما سلطان فإن هو فعل فعليه ألف بدنة ينحرها لدى رتاج
الكعبة وممالكية كلهم ذكرهم وأنثاهم أحرار فحلف لهما بذلك ثم خرج فجاء
داره فنزلها (قال أبو مخنف) فحدثني يحيى بن أبي عيسى عن حميد بن مسلم قال
سمعت المختار بعد ذلك يقول قاتلهم الله ما أحمقهم حين يرون أنى أفى لهم بأيمانهم
هذه أما حلفي لهم بالله فإنه ينبغي لي إذا حلفت على يمين فرأيت ما هو خير منها أن
أدع ما حلفت عليه وآتى الذي هو خير وأكفر يميني وخروجي عليهم خير من
كفى عنهم وأكفر يميني وأما هدى ألف بدنة فهو أهون على من بصقة وما ثمن
ألف بدنة فيهولني وأما عتق مماليكي فوالله لوددت أنه قد استتب لي أمري ثم لم
أملك مملوكا أبدا قال ولما نزل المختار داره عند خروجه من السجن اختلف إليه
الشيعة واجتمعت عليه واتفق رأيها على الرضى به وكان يبايع له الناس وهو في
السجن خمسة نفر السائب بن مالك الأشعري ويزيد بن أنس وأحمر بن شميط
ورفاعة بن شداد الفتياني وعبد الله بن شداد الجشمي قال فلم تزل أصحابه يكثرون
488

وأمره يقوى ويشتد حتى عزل ابن الزبير عبد الله بن يزيد وإبراهيم بن محمد بن
طلحة وبعث عبد الله بن مطيع على عملهما إلى الكوفة (قال أبو مخنف) فحدثني
الصقعب بن زهير عن عمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال دعا ابن الزبير
عبد الله بن مطيع أخا بنى عدى بن كعب والحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي
فبعث عبد الله بن مطيع على الكوفة وبعث الحارث بن عبد الله بن أبي
ربيعة على البصرة قال فبلغ ذلك بحير بن ريسان الحميري فلقيهما فقال لهما
يا هذان إن القمر الليلة بالناطح فلا تسيرا فأما ابن أبي ربيعة فأطاعه فأقام يسيرا
ثم شخص إلى عمله فسلم وأما عبد الله بن مطيع فقال له وهل نطلب إلا النطح
قال فلقى والله نطحا وبطحا قال يقول عمر والبلاء موكل بالقول قال عمر بن
عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بلغ عبد الملك بن مروان أن ابن الزبير بعث عمالا
على البلايا فقال من بعث على البصرة فقيل بعث عليها الحارث بن عبد الله بن أبي
ربيعة قال لا حر بوادي عوف بعث عوفا وجلس ثم قال من بعث على الكوفة قالوا
عبد الله بن مطيع قال حازم وكثيرا ما يسقط وشجاع وما يكره أن يفر قال من بعث على
المدينة قالوا بعث أخاه مصعب بن الزبير قال ذاك الليث النهد وهو رجل أهل
بيته (قال هشام) قال أبو مخنف وقدم عبد الله بن مطيع الكوفة في رمضان
سنة 65 يوم الخميس لخمس بقين من شهر رمضان فقال لعبد الله بن يزيد إن
أحببت أن تقيم معي أحسنت صحبتك وأكرمت مثواك وإن لحقت بأمير المؤمنين
عبد الله بن الزبير فبك عليه كرامة وعلى من قبله من المسلمين وقال لإبراهيم بن
محمد بن طلحة الحق بأمير المؤمنين فخرج إبراهيم حتى قدم المدينة وكسر على ابن
الزبير الخراج وقال إنما كانت فتنة فكف عنه ابن الزبير قال وأقام ابن مطيع
على الكوفة على الصلاة والخراج وبعث على شرطته إياس بن مضارب العجلي
وأمره أن يحسن السيرة والشدة على المريب (قال أبو مخنف) فحدثني حصيرة
ابن عبد الله بن الحارث بن دريد الأزدي وكان قد أدرك ذلك الزمان وشهد
قتل مصعب بن الزبير قال إني لشاهد المسجد حيث قدم عبد الله بن مطيع فصعد
489

المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال أما بعد فإن أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير
بعثني على مصركم وثغوركم وأمرني بجباية فيئكم وأن لا أحمل فضل فيئكم عنكم
إلا برضى منكم ووصية عمر بن الخطاب التي أوصى بها عند وفاته وبسيرة عثمان
ابن عفان التي سار بها في المسلمين فاتقوا الله واستقيموا ولا تختلفوا وخذوا
على أيدي سفهائكم وإلا تفعلوا فلوموا أنفسكم ولا تلوموني فوالله لأوقعن
بالسقيم العاصي ولأقيمن درأ إلا صعر المرتاب فقام إليه السائب بن مالك الأشعري
فقال أما أمر ابن الزبير إياك أن لا تحمل فضل فيئنا عنا إلا برضانا فإنا نشهدك
أنا لا نرضى أن تحمل فضل فيئنا عنا وأن لا يقسم إلا فينا وأن لا يسار فينا
إلا بسيرة علي بن أبي طالب التي سار بها في بلادنا هذه حتى هلك رحمة الله عليه
ولا حاجة لنا في سيرة عثمان في فيئنا ولا في أنفسنا فإنها إنما كانت أثرة وهوى
ولا في سيرة عمر بن الخطاب في فيئنا وإن كانت أهون السيرتين علينا ضرا وقد
كان لا يألو الناس خيرا فقال يزيد بن أنس صدق السائب بن مالك وبر رأينا
مثل رأيه وقولنا مثل قوله فقال ابن مطيع نسير فيكم بكل سيرة أحببتموها
وهويتموها ثم نزل فقال يزيد بن أنس الأسدي ذهبت بفضلها يا سائب لا يعدمك
المسلمون أما والله لقد قمت وإني لأريد أن أقوم فأقول له نحوا من مقالتك وما
أحب أن الله ولى الرد عليه رجلا من أهل المصر ليس من شيعتنا وجاء إياس بن
مضارب إلى ابن مطيع فقال له ان السائب بن مالك من رؤوس أصحاب المختار
ولست آمن المختار فابعث إليه فليأتك فإذا جاءك فاحبسه في سجنك حتى يستقيم
أمر الناس فإن عيوني قد أتتني فخبرتني أن أمره قد استجمع له وكأنه قد وثب
بالمصر قال فبعث إليه ابن مطيع زائدة بن قدامة وحسين بن عبد الله البرسمي
من همدان فدخل عليه فقالا أجب الأمير فدعا بثيابه وأمر بإسراج دابته وتخشخش
للذهاب معهما فلما رأى زائدة؟ بن قدامة ذلك قرأ قول الله تبارك وتعالى (وإذ
يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون
ويمكر الله والله خير الماكرين) ففهمها المختار فجلس ثم ألقى ثيابه عنه ثم
490

قال ألقوا على القطيفة ما أراني إلا قد وعكت انى لأجد قفقفة شديدة ثم تمثل
قول عبد العزى بن صهل الأزدي * إذا ما معشر تركوا نداهم * ولم يأتوا الكريهة لم يهابوا
ارجعا إلى ابن مطيع فأعلماه حالي التي أنا عليها فقال له زائدة بن قدامة أما أنا
ففاعل وأنت يا أخا همدان فاعذرني عنده فإنه خير لك (قال أبو مخنف) فحدثني
إسماعيل بن نعيم الهمداني عن حسين بن عبد الله قال قلت في نفسي والله إن أنا لم
أبلغ عن هذا ما يرضيه ما أنا بآمن من أن يظهر غدا فيهلكني قال فقلت له نعم أنا
أصنع عند ابن مطيع عذرك وأبلغه كل ما تحب فخرجنا من عنده فإذا أصحابه على
بابه وفى داره منهم جماعة كثيرة قال فأقبلنا نحو ابن مطيع فقلت لزائدة بن قدامة
أما انى قد فهمت قولك حين قرأت تلك الآية وعلمت ما أردت بها وقد علمت أنها
هي ثبطته عن الخروج معنا بعد ما كان قد لبس ثيابه وأسرج دابته وعلمت حين
تمثل البيت الذي تمثل إنما أراد يخبرك أنه قد فهم عنك ما أردت أن تفهمه وأنه
لن يأتيه قال فجاحدني أن يكون أراد شيئا من ذلك فقلت له لا تحلف فوالله
ما كنت لأبلغ عنك ولا عنه شيئا تكرهانه ولقد علمت أنك مشفق عليه تجد له
ما يجد المرء لابن عمه فأقبلنا إلى ابن مطيع فأخبرناه بعلته وشكواه فصدقنا ولهى عنه
قال وبعث المختار إلى أصحابه فأخذ يجمعهم في الدور حوله وأراد أن يثب بالكوفة
في المحرم فجاء رجل من أصحابه من شبام وكان عظيم الشرف يقال له عبد الرحمن
ابن شريح فلقى سعيد بن منقذ الثوري وسعر بن أبي سعر الحنفي والأسود بن
جراد الكندي وقدامة بن مالك الجشمي فاجتمعوا في منزل سعر الحنفي فحمد
الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فان المختار يريد أن يخرج بنا وقد بايعناه ولا ندري
أرسله إلينا ابن الحنفية أم لا فانهضوا بنا إلى ابن الحنفية فلنخبره بما قدم علينا به
وبما دعانا إليه فان رخص لنا في اتباعه اتبعناه وإن نهانا عنه اجتنبناه فوالله ما ينبغي
أن يكون شئ من أمر الدنيا آثر عندنا من سلامة ديننا فقالوا له أرشدك الله
فقد أصبت ووفقت أخرج بنا إذا شئت فاجمع رأيهم على أن يخرجوا من أيامهم
491

فخرجوا فلحقوا بابن الحنفية وكان أمامهم عبد الرحمن بن شريح فلما قدموا عليه
سألهم عن حال الناس فخبروه عن حالهم وما هم عليه (قال أبو مخنف) فحدثني
خليفة بن ورقاء عن الأسود بن جراد الكندي قال قلنا لابن الحنفية إن لنا
إليك حاجة قال فسر هي أم علانية قال قلنا لا بل سر قال فرويدا إذا قال
فمكث قليلا ثم تنحى جانبا فدعانا فقمنا إليه فبدأ عبد الرحمن بن شريح فتكلم
فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإنكم أهل بيت خصكم الله بالفضيلة وشرفكم
بالنبوة وعظم حقكم على هذه الأمة فلا يجهل حقكم إلا مغبون الرأي مخسوس
النصيب قد أصبتم بحسين رحمة الله عليه عظمت مصيبة ما قد خصكم بها فقد عم بها
المسلمون وقد قدم علينا المختار بن أبي عبيد يزعم لنا أنه قد جاءنا من تلقائكم وقد
دعانا إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والطلب بدماء أهل البيت والدفع
عن الضعفاء فبايعناه على ذلك ثم إنا رأينا أن نأتيك فنذكر لك ما دعانا إليه
وندبنا له فإن أمرتنا باتباعه اتبعناه وإن نهيتنا عنه اجتنبناه ثم تكلمنا واحدا
واحدا بنحو مما تكلم به صاحبنا وهو يسمع حتى إذا فرغنا حمدا لله وأثنى عليه
وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال أما بعد فأما ما ذكرتم مما خصصنا الله
به من فضل فإن الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم فلله الحمد وأما ما ذكرتم
من مصيبتنا بحسين فإن ذلك كان في الذكر الحكيم وهى ملحمة كتبت عليه
وكرامة أهداها الله له رفع بما كان منها درجات قوم عنده ووضع بها آخرين وكان
أمر الله مفعولا وكان أمر الله قدرا مقدورا وأما ما ذكرتم من دعاء من دعاكم
إلى الطلب بدمائنا فوالله لوددت أن الله انتصر لنا من عدونا بمن شاء من خلقه
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم قال فخرجنا من عنده ونحن نقول قد أذن
لنا قد قال لوددت أن الله انتصر لنا من عدونا بمن شاء من خلقه ولو كره لقال
لا تفعلوا قال فجئنا وأناس من الشيعة ينتظرون لقدومنا ممن كنا قد أعلمناه بمخرجنا
وأطلعناه على ذات أنفسنا ممن كان على رأينا من إخواننا وقد كان بلغ المختار مخرجنا
فشق ذلك عليه وخشي أن نأتيه بأمر يخذل الشيعة عنه فكان قد أرادهم على أن
492

ينهض بهم قبل قدومنا فلم يهيأ ذلك له فكان المختار يقول إن نفيرا منكم ارتابوا
وتخيروا وخابوا فإن هم أصابوا أقبلوا وأنابوا وإن هم كبوا وهابوا واعترضوا
وانجابوا فقد ثبروا وخابوا فلم يكن إلا شهرا وزيادة شئ حتى أقبل القوم على
رواحلهم حتى دخلوا على المختار قبل دخولهم إلى رحالهم فقال لهم ما وراءكم فقد
فتنتم وارتبتم فقالوا له قد أمرنا بنصرتك فقال الله أكبر أنا أبو إسحق اجمعوا إلى
الشيعة فجمع له منهم من كان منه قريبا فقال يا معشر الشيعة إن نفرا منكم أحبوا
أن يعلموا مصداق ما جئت به فرحلوا إلى إمام الهدى والنجيب المرتضى ابن خير
من طشى ومشى حاشا النبي المجتبى فسألوه عما قدمت به عليكم فنبأهم أنى وزيره
وظهيره ورسوله وخليله وأمركم باتباعي وطاعتي فيما دعوتكم إليه من قتال المحلين
والطلب بدماء أهل بيت نبيكم المصطفين فقام عبد الرحمن بن شريح فحمد الله وأثنى
عليه ثم قال أما بعد يا معشر الشيعة فانا قد كنا أحببنا أن نستثبت لأنفسنا خاصة
ولجميع إخواننا عامة فقدمنا على المهدى بن علي فسألناه عن حربنا هذه وعن ما دعانا
إليه المختار منها فأمرنا بمظاهرته وموازرته وإجابته إلى ما دعانا إليه فأقبلنا طيبة
أنفسنا منشرحة صدورنا قد أذهب الله منها الشك والغل والريب واستقامت لنا
بصيرتنا في قتال عدونا فليبلغ ذلك شاهدكم غائبكم واستعدوا وتأهبوا ثم جلس
وقمنا رجلا فرجلا فتكلمنا بنحو من كلامه فاستجمعت له الشيعة وحدبت عليه
(قال أبو مخنف) فحدثني نمير بن وعلة والمشرقي عن عامر الشعبي قال كنت أنا
وأبى أول من أجاب المختار قال فلما تهيأ أمره ودنا خروجه قال له أحمر بن شميط
ويزيد بن أنس وعبد الله بن كامل وعبد الله بن شداد إن أشراف أهل الكوفة
مجتمعون على قتالك مع ابن مطيع فان جامعنا على أمرنا إبراهيم بن الأشتر رجونا
بإذن الله القوة على عدونا وأن لا يضرنا خلاف من خالفنا فإنه فتى بئيس وابن
رجل شريف بعيد الصيت وله عشيرة ذات عز وعدد قال لهم المختار فالقوه
فادعوه وأعلموه الذي أمرنا به من الطلب بدم الحسين وأهل بيته قال الشعبي
فخرجوا إليه وأنا فيهم وأبى فتكلم يزيد بن أنس فقال له إنا قد أتيناك في أمر
493

نعرضه عليك وندعوك إليه فان قبلته كان خيرا لك وان تركته فقد أدينا إليك
فيه النصيحة ونحن نحب أن يكون عندك مستورا فقال لهم إبراهيم بن الأشتر
وان مثلي لا تخاف غائلته ولا سعايته ولا التقرب إلى سلطانه باغتياب الناس انما
أولئك الصغار الاخطار الدقاق همما فقال له انما ندعوك إلى أمر قد أجمع
عليه رأى الملا من الشيعة إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه والطلب بدماء
أهل البيت وقتال المحلين والدفع عن الضعفاء قال تكلم أحمر بن شميط فقال له انى
لك ناصح ولحظك محب وان أباك قد هلك وهو سيد وفيك منه ان رعيت حق
الله خلف قد دعوناك إلى أمر إن أجبتنا إليه عادت لك منزلة أبيك في الناس
وأحييت من ذلك أمرا قد مات انما يكفي مثلك اليسير حتى تبلغ الغاية التي
لا مذهب وراءها انه قد بنى لك أو لك فتحرى وأقبل القوم كلهم عليه يدعونه إلى
أمرهم ويرغبونه فيه فقال لهم إبراهيم بن الأشتر فانى قد أجبتكم إلى ما دعوتموني
إليه من الطلب بدم الحسين وأهل بيته على أن تولوني الامر فقالوا أنت لذلك أهل
ولكن ليس إلى ذلك سبيل هذا المختار قد جاءنا من قبل المهدى وهو الرسول
والمأمور بالقتال وقد أمرنا بطاعته فسكت عنهم ابن الأشتر ولم يجبهم فانصرفنا
من عنده إلى المختار فأخبرناه بما رد علينا قال فغبر ثلاثا ثم إن المختار دعا بضعة
عشر رجلا من وجوه أصحابه قال الشعبي أنا وأبى فيهم قال فسار بنا ومضى أمامنا
يقد بنا بيوت الكوفة قدا لا ندري أين يريد حتى وقف على باب إبراهيم بن
الأشتر فاستأذنا عليه فأذن لنا وألقيت لنا وسائد فجلسنا عليها وجلس المختار
معه على فراشه فقال المختار الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وصلى الله على
محمد والسلام عليه أما بعد فان هذا كتاب إليك من المهدى محمد ابن أمير المؤمنين
الوصي وهو خير أهل الأرض اليوم وابن خير أهل الأرض كلها قبل اليوم بعد
أنبياء الله ورسله وهو يسألك أن تنصرنا وتوازرنا فان فعلت اغتبطت وان لم
تفعل فهذا الكتاب حجة عليك وسيغنى الله المهدى محمدا وأولياءه عنك قال الشعبي
وكان المختار قد دفع الكتاب إلى حين خرج من منزله فلما قضى كلامه قال لي
494

ادفع الكتاب إليه فدفعته إليه فدعا بالمصباح وفض خاتمه وقرأه فإذا هو بسم الله
الرحمن الرحيم من محمد المهدى إلى إبراهيم بن مالك الأشتر سلام عليك فإني أحمد
إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإني قد بعثت إليكم بوزيري وأميني ونجيبي
الذي ارتضيته لنفسي وقد أمرته بقتال عدوى والطلب بدماء أهل بيتي فانهض
معك بنفسك وعشيرتك ومن أطاعك فإنك ان نصرتني وأجبت دعوتي وساعدت
وزيري كانت لك عندي بذلك فضيلة ولك بذلك أعنة الخيل وكل جيش غاز وكل
مصر ومنبر وثغر ظهرت عليه فيما بين الكوفة وأقصى بلاد أهل الشأم على الوفاء
بذلك على عهد الله فإن فعلت ذلك نلت به عند الله أفضل الكرامة وإن أبيت
هلكت هلاكا لا تستقيله أبدا والسلام عليك فلما قضى إبراهيم قراءة الكتاب
قال قد كتب إلى ابن الحنفية وقد كتبت إليه قبل اليوم فما كان يكتب إلى إلا باسمه
واسم أبيه قال له المختار إن ذلك زمان وهذا زمان قال إبراهيم فمن يعلم أن هذا
كتاب ابن الحنفية إلى فقال له يزيد بن أنس وأحمر بن شميط وعبد الله بن كامل
وجماعتهم قال الشعبي إلا أنا وأبى فقالوا نشهد أن هذا كتاب محمد بن علي إليك
فتأخر إبراهيم عند ذلك عن صدر الفراش فأجلس المختار عليه فقال أبسط يدك
أبايعك فبسط المختار يده فبايعه إبراهيم ودعا لنا بفاكهة فأصبنا منها ودعا لنا
بشراب من عسل فشربنا ثم نهضنا وخرج معنا ابن الأشتر فركب مع المختار حتى
دخل رحله فلما رجع إبراهيم منصرفا أخذ بيدي فقال انصرف بنا يا شعبي قال
فانصرفت معه ومضى بي حتى دخل بي رحله فقال يا شعبي إني قد حفظت انك
لم تشهد أنت ولا أبوك أفترى هؤلاء شهدوا على حق قال قلت له قد شهدوا على
ما رأيت وهم سادة القراء ومشيخة المصر وفرسان العرب ولا أرى مثل هؤلاء
يقولون إلا حقا قال فقلت له هذه المقالة وأنا والله لهم على شهادتهم متهم غير
أنى يعجبني الخروج وأنا أرى رأى القوم وأحب تمام ذلك الامر فلم أطلعه على
ما في نفسي من ذلك فقال لي ابن الأشتر اكتب لي أسماءهم فانى ليس كلهم أعرف
ودعا بصحيفة ودواة وكتب فيها بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما شهد عليه السائب
495

ابن مالك الأشعري ويزيد بن أنس الأسدي وأحمر بن شميط الأحمسي ومالك
ابن عمرو النهدي حتى أتى على أسماء القوم ثم كتب شهدوا أن محمد بن علي
كتب إلى إبراهيم بن الأشتر يأمره بموازرة المختار ومظاهرته على قتال المحلين والطلب
بدماء أهل البيت وشهد على هؤلاء النفر الذين شهدوا على هذه الشهادة شراحيل
ابن عبد وهو أبو عامر الشعبي الفقيه وعبد الرحمن بن عبد الله النخعي وعامر بن
شراحيل الشعبي فقلت له ما تصنع بهذا رحمك الله فقال دعه يكون قال ودعا إبراهيم
عشريته وإخوانه ومن أطاعه وأقبل يختلف إلى المختار (قال هشام بن محمد)
قال أبو مخنف حدثني يحيى بن أبي عيسى الأزدي قال كان حميد بن مسلم الأسدي
صديقا لإبراهيم بن الأشتر وكان يختلف إليه ويذهب به معه وكان إبراهيم يروح
في كل عشية عند المساء فيأتي المختار فيمكث عنده حتى تصوب النجوم ثم ينصرف
فمكثوا بذلك يدبرون أمورهم حتى اجتمع رأيهم على أن يخرجوا ليلة الخميس
لأربع عشرة من ربيع الأول سنة 66 ووطن على ذلك شيعتهم ومن أجابهم * فلما
كان عند غروب الشمس قام إبراهيم بن الأشتر فأذن ثم إنه استقدم فصلى بنا
المغرب ثم خرج بنا بعد المغرب حين قلت أخوك أو الذئب وهو يريد المختار
فأقبلنا علينا السلاح وقد أتى إياس بن مضارب عبد الله بن مطيع فقال إن
المختار خارج عليك إحدى الليلتين قال فخرج إياس في الشرط فبعث ابنه راشدا
إلى الكناسة وأقبل يسير حول السوق في الشرط ثم إن إياس بن مضارب
دخل على ابن مطيع فقال له انى قد بعثت ابني إلى الكناسة فلو بعثت في كل جبانة
بالكوفة عظيمة رجلا من أصحابك في جماعة من أهل الطاعة هاب المريب
الخروج عليك قال فبعث ابن مطيع عبد الرحمن بن سعيد بن قيس إلى جبانة
السبيع وقال اكفني قومك لا أوتين من قبلك واحكم أمر الجبانة التي وجهتك
إليها لا يحدثن بها حدث فأولئك العجز والوهن وبعث كعب بن أبي كعب الخثعمي
إلى جبانة بشر وبعث زحر بن قيس إلى جبانة كندة وبعث شمر بن ذي الحوشن
إلى جبانة سالم وبعث عبد الرحمن بن مخنف بن سليم إلى جبانة الصائديين وبعث
496

يزيد بن الحارث بن رؤيم أبا حوشب إلى جبانة مراد وأوصى كل رجل أن
يكفيه قومه وأن لا يؤتى من قبله وأن يحكم الوجه الذي وجهه فيه وبعث شبث
ابن ربعي إلى السبخة وقال إذا سمعت صوت القوم فوجه نحوهم فكان هؤلاء
قد خرجوا يوم الاثنين فنزلوا هذه الجبابين وخرج إبراهيم بن الأشتر من رحله
بعد المغرب يريد إتيان المختار وقد بلغه أن الجبابين قد حشيت رجالا وأن الشرط
قد أحاطت بالسوق والقصر (قال أبو مخنف) فحدثني يحيى بن أبي عيسى عن
حميد بن مسلم قال خرجت مع إبراهيم من منزله بعد المغرب ليلة الثلاثاء حتى
مررنا بدار عمر بن حريث ونحن مع ابن الأشتر كتيبة نحو من مائة علينا الدروع
قد كفرنا عليها بالأقبية ونحن متقلدو السيوف ليس معنا سلاح إلا السيوف
في عواتقنا والدروع قد سترناها بأقبيتنا فلما مررنا بدار سعيد بن قيس
فجزناها إلى دار أسامة قلنا مر بنا على دار خالد بن عرفطة ثم امض بنا إلى
بجيلة فلنمر في دورهم حتى نخرج إلى دار المختار وكان إبراهيم فتى حدثا شجاعا
فكان لا يكره أن يلقاهم فقال والله لامرن على دار عمرو بن حريث إلى جانب
القصر وسط السوق ولأرعبن به عدونا ولأرينهم هوانهم علينا قال
فأخذنا على باب الفيل على دار هبار ثم أخذ ذات اليمين على دار عمرو بن
حريث حتى إذا جاوزها ألفينا إياس بن مضارب في الشرط مظهرين السلاح
فقال لنا من أنتم ما أنتم فقال له إبراهيم أنا إبراهيم بن الأشتر فقال له ابن مضارب
ما هذا الجمع معك وما تريد والله إن أمرك لمريب وقد بلغني أنك تمر كل عشية ههنا
وما أنا بتاركك حتى آتي بك الأمير فيرى فيك رأيه فقال إبراهيم لا أبا لغيرك خل سبيلنا
فقال كلا والله لا أفعل ومع إياس بن مضارب رجل من همدان يقال له أبو قطن
كان يكون مع امرة الشرطة فهم يكرمونه ويؤثرونه وكان لابن الأشتر صديقا
فقال له ابن الأشتر يا أبا قطن ادن منى ومع أبى قطن رمح له طويل فدنا منه أبو قطن
ومعه الرمح وهو يرى أن ابن الأشتر يطلب إليه أن يشفع له إلى ابن مضارب ليخلى
سبيله فقال إبراهيم وتناول الرمح من يده إن رمحك هذا لطويل فحمل به إبراهيم
497

على ابن مضارب فطعنه في ثغرة نحره فصرعه وقال لرجل من قومه انزل فاحتز
رأسه فنزل إليه فاحتز رأسه وتفرق أصحابه ورجعوا إلى ابن مطيع فبعث ابن مطيع
ابنه راشد بن اياس مكان أبيه على الشرطة وبعث مكان راشد بن اياس إلى الكناسة
تلك الليلة سويد بن عبد الرحمن المنقري أبا القعقاع بن سويد وأقبل إبراهيم بن
الأشتر إلى المختار ليلة الأربعاء فدخل عليه فقال له إبراهيم إنا اتعدنا للخروج للقابلة
ليلة الخميس وقد حدث أمر لابد من الخروج الليلة قال المختار وما هو قال عرض
لي إياس بن مضارب في الطريق ليحبسني بزعمه فقتلته وهذا رأسه مع أصحابي
على الباب فقال المختار فبشرك الله بخير فهذا طير صالح وهذا أول الفتح إن شاء
الله فقال المختار قم يا سعيد بن منقذ فأشعل في الهرادي النيران ثم ارفعها للمسلمين
وقم أنت يا عبد الله بن شداد فناد يا منصور أمت وقم أنت يا سفيان بن ليل وأنت
يا قدامة بن مالك فناد يا لثأرات الحسين ثم قال المختار على بدرعي وسلاحي فأتى به
فأخذ يلبس سلاحه ويقول:
قد علمت بيضاء حسناء الطلل * واضحة الخدين عجزاء الكفل
أنى غداة الروع مقدام بطل
ثم إن إبراهيم قال للمختار إن هؤلاء الرؤوس الذين وضعهم ابن مطيع
في الجبابين يمنعون اخواننا أن يأتونا ويضيقون عليهم فلو أنى خرجت بمن معي
من أصحابي حتى آتي قومي فيأتيني كل من قد بايعني من قومي ثم سرت بهم في نواحي
الكوفة ودعوت بشعارنا فخرج إلى من أراد الخروج إلينا ومن قدر على إتيانك من
الناس فمن أتاك حبسته عندك إلى من معك ولم تفرقهم فإن عوجلت فأتيت كان
معك من تمتنع به وأنا لو قد فرغت من هذا الامر عجلت إليك في الخيل والرجال
قال له إمالا فاعجل وإياك أن تسير إلى أميرهم تقاتله ولا تقاتل أحدا وأنت تستطيع
أن لا تقاتل واحفظ ما أوصيتك به إلا أن يبدأك أحد بقتال فخرج إبراهيم بن
الأشتر من عنده في الكتيبة التي أقبل فيها حتى أتى قومه واجتمع إليه جل من كان
بايعه وأجابه ثم إنه سار بهم في سكك الكوفة طويلا من الليل وهو في ذلك يتجنب
498

السكك التي فيها الامراء فجاء إلى الذين معهم الجماعات الذين وضع ابن مطيع
في الجبابين وأفواه الطرق العظام حتى انتهى إلى مسجد السكون وعجلت إليه
خيل من خيل زحر بن قيس الجعفي ليس لهم قائد ولا عليهم أمير فشد عليهم إبراهيم
ابن الأشتر وأصحابه فكشفوهم حتى دخلوا جبانة كندة فقال إبراهيم من صاحب
الخيل في جبانة كندة فشد إبراهيم وأصحابه عليهم وهو يقول اللهم انك تعلم
انا غضبنا لأهل بيت نبيك وثرنا لهم فانصرنا عليهم وتمم لنا دعوتنا حتى انتهى
إليهم هو وأصحابه فخالطوهم وكشفوهم فقيل له زحر بن قيس فقال انصرفوا بنا
عنهم فركب بعضهم بعضا كلما لقيهم زقاق دخل منهم طائفة فانصرفوا يسيرون
ثم خرج إبراهيم يسير حتى انتهى إلى جبانة أثير فوقف فيها طويلا ونادى أصحابه
بشعارهم فبلغ سويد بن عبد الرحمن المنقري مكانهم في جبانة أثير فرجا أن يصيبهم
فيحظى بذلك عند ابن مطيع فلم يشعر ابن الأشتر الا وهم معه في الجبانة فلما رأى
ذلك ابن الأشتر قال لأصحابه يا شرطة الله أنزلوا فإنكم أولى بالنصر من الله من
هؤلاء الفساق الذين خاضوا دماء أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلوا
ثم شد عليهم إبراهيم فضربهم حتى أخرجهم من الصحراء وولوا منهزمين يركب
بعضهم بعضا وهم يتلاومون فقال قائل منهم إن هذا الامر يراد ما يلقون لنا جماعة
إلا هزموهم فلم يزل يهزمهم حتى أدخلهم الكناسة وقال أصحاب إبراهيم لإبراهيم
اتبعهم واغتنم ما قد دخلهم من الرعب فقد علم الله إلى من ندعو وما نطلب وإلى
من يدعون وما يطلبون قال لا ولكن سيروا بنا إلى صاحبنا حتى يؤمن الله بنا
وحشته ونكون من أمره على علم ويعلم هو أيضا ما كان من عنائنا فيزداد هو
وأصحابه قوة وبصيرة إلى قواهم بصيرتهم مع أنى لا آمن أن يكون قد أتى فأقبل
إبراهيم في أصحابه حتى مر بمسجد الأشعث فوقف به ساعة ثم مضى حتى أتى دار
المختار فوجد الأصوات عالية والقوم يقتتلون وقد جاء شبث بن ربعي من قبل
السبخة فعبى له المختار يزيد بن أنس وجاء حجار بن أبجر العجلي فجعل المختار في وجهه
أحمر بن شميط فالناس يقتتلون وجاء إبراهيم من قبل القصر فبلغ حجارا وأصحابه أن
499

إبراهيم قد جاءهم من ورائهم فتفرقوا قبل أن يأتيهم إبراهيم وذهبوا في الأزقة والسكك
وجاء قيس بن طهفة في قريب من مائة رجل من بنى نهد من أصحاب المختار فحمل على
شبث بن ربعي وهو يقاتل يزيد بن أنس فخلى لهم الطريق حتى اجتمعوا جميعا ثم إن شبث
ابن ربعي ترك لهم السكة وأقبل حتى لقى ابن مطيع فقال ابعث إلى أمراء الجبابين فمرهم
فليأتوك فاجمع إليك جميع الناس ثم انهد إلى هؤلاء القوم فقاتلهم وابعث إليهم من تثق
به فليكفك قتالهم فإن أمر القوم قد قوى وقد خرج المختار وظهر واجتمع له أمره
فلما بلغ ذلك المختار من مشورة شبث بن ربعي على ابن مطيع خرج المختار في جماعة
من أصحابه حتى نزل في ظهر دير هند مما يلي بستان زائدة في السبخة قال
وخرج أبو عثمان النهدي فنادى في شاكر وهم مجتمعون في دورهم يخافون أن يظهروا
في الميدان لقرب كعب بن أبي كعب الخثعمي منهم وكان كعب في جبانة بشر فلما بلغه
أن شاكر يخرج جاء يسير حتى نزل بالميدان وأخذ عليهم بأفواه سككهم وطرقهم
قال فلما أتاهم أبو عثمان النهدي في عصابة من أصحابه نادى يا لثأرات الحسين
يا منصور أمت يا أيها الحي المهتدون ألا إن أمير آل محمد ووزيرهم قد خرج فنزل
دير هند وبعثني إليكم داعيا ومبشرا فاخرجوا إليه رحمكم الله قال فخرجوا من الدور
يتداعون يا لثأرات الحسين ثم ضاربوا كعب بن أبي كعب حتى خلى لهم الطريق
فأقبلوا إلى المختار حتى نزلوا معه في عسكره وخرج عبد الله بن قراد الخثعمي في جماعة
من خثعم نحو المائتين حتى لحق بالمختار فنزلوا معه في عسكره وقد كان عرض له
كعب بن أبي كعب فصافه فلما عرفهم ورأى أنهم قومه خلى عنهم ولم يقاتلهم
وخرجت شبام من آخر ليلتهم فاجتمعوا إلى جبانة مراد فلما بلغ ذلك عبد الرحمن
ابن سعيد بن قيس بعث إليهم إن كنتم تريدون اللحاق بالمختار فلا تمروا على جبانة
السبيع فلحقوا بالمختار فتوافى إلى المختار ثلاثة آلاف وثمانمائة من اثنى عشر ألفا
كانوا بايعوه فاستجمعوا له قبل انفجار الفجر فأصبح قد فرغ من تعبيته (قال
أبو مخنف) فحدثني الوالبي قال خرجت أنا وحميد بن مسلم والنعمان بن أبي الجعد
إلى المختار ليلة خرج فأتيناه في داره وخرجنا معه إلى معسكره قال فوالله ما انفجر
500

الفجر حتى فرغ من تعبيته فلما أصبح استقدم فصلى بنا الغداة بغلس ثم قرأ والنازعات
وعبس وتولى قال فما سمعنا إماما أم قوما أفصح لهجة منه (قال أبو مخنف) حدثني
حصيرة بن عبد الله أن ابن مطيع بعث إلى أهل الجبابين فأمرهم أن ينضموا إلى
المسجد وقال لراشد بن إياس بن مضارب ناد في الناس فليأتوا المسجد فنادى
المنادى ألا برئت الذمة من رجل لم يحضر المسجد الليلة فتوافى الناس في المسجد فلما
اجتمعوا بعث ابن مطيع شبث بن ربعي في نحو من ثلاثة آلاف إلى المختار وبعث
راشد بن إياس في أربعة آلاف من الشرط (قال أبو مخنف) فحدثني أبو الصلت
التيمي عن أبي سعيد الصيقل قال لما صلى المختار الغداة ثم انصرف سمعنا أصواتا
مرتفعة فيما بين بنى سليم وسكة البريد فقال المختار من يعلم لنا علم هؤلاء ما هم فقلت
له أنا أصلحك الله فقال المختار إمالا فألق سلاحك وانطلق حتى تدخل فيهم كأنك
نظار ثم تأتيني بخبرهم قال ففعلت فلما دنوت منهم إذا مؤذنهم يقيم فجئت حتى دنوت
منهم فإذا شبث بن ربعي معه خيل عظيمة وعلى خيله شيبان بن حريث الضبي وهو
في الرجالة معه منهم كثرة فلما أقام مؤذنهم تقدم فصلى بأصحابه فقرأ إذا زلزلت
الأرض زلزالها فقلت في نفسي أما والله إني لأرجو أن يزلزل الله بكم وقرأ
والعاديات ضبحا فقال أناس من أصحابه لو كنت قرأت سورتين هما أطول من
هاتين شيئا فقال شبث ترون الديلم قد نزلت بساحتكم وأنتم تقولون لو قرأت سورة
البقرة وآل عمران قال وكانوا ثلاثة آلاف قال فأقبلت سريعا حتى أتيت المختار
فأخبرته بخبر شبث وأصحابه وأتاه معي ساعة أتيته سعر بن أبي سعر الحنفي يركض
من قبل مراد وكان ممن بايع المختار فلم يقدر على الخروج معه ليلة خرج مخافة الحرس
فلما أصبح أقبل على فرسه فمر بجبانة مراد وفيها راشد بن إياس فقالوا كما أنت ومن
أنت فراكضهم حتى جاء المختار فأخبره خبر راشد وأخبرته أنا خبر شبث قال
فسرح إبراهيم بن الأشتر قبل راشد بن إياس في تسعمائة ويقال ستمائة فارس وستمائة
راجل وبعث نعيم بن هبيرة أخا مصقلة بن هبيرة في ثلثمائة فارس وستمائة راجل
وقال لهما امضيا حتى تلقيا عدوكما فإذا لقيتماهم فانزلا في الرجال وعجلا الفراغ
501

وابدآهم بالاقدام ولا تستهدفا لهم فإنهم أكثر منكم ولا ترجعا إلى حتى تظهرا
أو تقتلا فتوجه إبراهيم إلى راشد وقدم المختار يزيد بن أنس في موضع مسجد شبث
في تسعمائة أمامه وتوجه نعيم بن هبيرة قبل شبث (قال أبو مخنف) قال أبو سعيد
الصيقل كنت أنا فيمن توجه مع نعيم بن هبيرة إلى شبث ومعي سعر بن أبي سعر
الحنفي فلما انتهينا إليه قاتلناه قتالا شديدا فجعل نعيم بن هبيرة سعر بن أبي سعر الحنفي
على الخيل ومشى هو في الرجال فقاتلهم حتى أشرقت الشمس وانبسطت فضربناهم
حتى أدخلناهم البيوت ثم إن شبث بن ربعي ناداهم يا حماة السوء بئس فرسان
الحقائق أنتم أمن عبيدكم تهربون قال فثابت إليه منهم جماعة فشد علينا وقد تفرقنا
فهزمنا وصبر نعيم بن هبيرة فقتل ونزل معه سعر فأسر وأسرت أنا وخليد مولى
حسان بن يخدج فقال شبث لخليد وكان وسيما جسيما من أنت فقال خليد مولى
حسان بن يخدج الذهلي فقال له شبث يا ابن المتكاء تركت بيع الصحناة بالكناسة
وكان جزاء من أعتقك أن تعدو عليه بسيفك تضرب رقابه اضربوا عنقه فقتل
ورأى سعرا الحنفي فعرفه فقال أخو بنى حنيفة فقال له نعم فقال ويحك ما أردت
إلى اتباع هذه السباية قبح الله رأيك دعوا ذا فقلت في نفسي قتل المولى وترك
العربي إن علم والله إني مولى قتلني فلما عرضت عليه قال من أنت فقلت من بنى تيم
الله قال أعرابي أنت أو مولى فقلت لا بل عربي أنا من آل زياد بن خصفة فقال
بخ بخ ذكرت الشريف المعروف الحق بأهلك قال فأقبلت حتى انتهيت إلى الحمراء
وكانت لي في قتال القوم بصيرة فجئت حتى انتهيت إلى المختار وقلت في نفسي والله
لآتين أصحابي فلأواسينهم بنفسي فقبح الله العيش بعدهم قال فأتيتهم وقد سبقني
إليهم سعر الحنفي وأقبلت إليه خيل شبث وجاءه قتل نعيم بن هبيرة فدخل من
ذلك أصحاب المختار أمر كبير قال فدنوت من المختار فأخبرته بالذي كان من أمري
فقال لي اسكت فليس هذا بمكان الحديث وجاء شبث حتى أحاط بالمختار
وبيزيد بن أنس وبعث ابن مطيع يزيد بن الحارث بن رؤيم في ألفين من قبل
سكة لحام جرير فوقفوا في أفواه تلك السكك وولى المختار يزيد بن أنس خيله وخرج
502

هو في الرجالة (قال أبو مخنف) فحدثني الحارث بن كعب الوالبي والبة الأزد قال
حملت علينا خيل شبث بن ربعي حملتين فما يزول منا رجل من مكانه فقال يزيد بن
أنس لنا يا معشر الشيعة قد كنتم تقتلون وتقطع أيديكم وأرجلكم وتسمل أعينكم
وترفعون على جذوع النخل في حب أهل بيت نبيكم وأنتم مقيمون في بيوتكم
وطاعة عدوكم فما ظنكم بهؤلاء القوم إن ظهروا عليكم اليوم إذا والله لا يدعون
منكم عينا تطرف وليقتلنكم صبرا ولترون منهم في أولادكم وأزواجكم وأموالكم
ما الموت خير منه والله لا ينجيكم منه إلا الصدق والصبر والطعن الصائب في أعينهم
والضرب الدراك على هامهم فتيسروا للشدة وتهيأوا للحملة فإذا حركت رايتي
مرتين فاحملوا قال الحارث فتهيأنا وتيسرنا وجثونا على الركب وانتظرنا أمره
(قال أبو مخنف) وحدثني فضيل بن خديج الكندي أن إبراهيم بن الأشتر كان
حين توجه إلى راشد بن إياس مضى حتى لقيه في مراد فإذا معه أربعة آلاف فقال
إبراهيم لأصحابه لا يهولنكم كثرة هؤلاء فوالله لرب رجل خير من عشرة ولرب
فئة قليلة قد غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين ثم قال يا خزيمة بن نصر
سر إليهم في الخيل ونزل هو يمشى في الرجال ورايته مع مزاحم بن طفيل فأخذ
إبراهيم يقول له ازدلف برايتك امض بها قدما قدما واقتتل الناس فاشتد قتالهم
وبصر خزيمة بن نصر العبسي براشد بن إياس فحمل عليه فطعنه فقتله ثم نادى قتلت
راشدا ورب الكعبة وانهزم أصحاب راشد وأقبل إبراهيم بن الأشتر وخزيمة بن
نصر ومن كان معهم بعد قتل راشد نحو المختار وبعث النعمان بن أبي الجعد يبشر
المختار بالفتح عليه وبقتل راشد فلما أن جاءهم البشير بذلك كبروا واشتدت أنفسهم
ودخل أصحاب ابن مطيع الفشل وسرح ابن مطيع حسان بن قائد بن بكير العبسي؟؟
جيش كثيف نحو من ألفين فاعترض إبراهيم بن الأشتر فويق الحمراء ليرده عن
من في السبخة من أصحاب ابن مطيع فقدم إبراهيم خزيمة بن نصر إلى حسان بن
فائد في الخيل ومشى إبراهيم نحوه في الرجال فقال والله ما أطعنا برمح ولا اضطربنا
بسيف حتى انهزموا وتخلف حسان بن فائد في أخريات الناس يحميهم وحمل
503

عليه خزيمة بن نصر فلما رآه عرفه فقال له يا حسان بن فائد أما والله لولا القرابة
لعرفت أنى سألتمس قتلك بجهدي ولكن النجاء فعثر بحسان فرسه فوقع فقال
تعسا لك أبا عبد الله وابتدره الناس فأحاطوا به فضاربهم ساعة بسيفه فناداه خزيمة
ابن نصر قال إنك آمن يا أبا عبد الله لا تقتل نفسك وجاء حتى وقف عليه ونهنه
الناس عنه ومر به إبراهيم فقال له خزيمة هذا ابن عمى وقد آمنته فقال له إبراهيم
أحسنت فأمر خزيمة بطلب فرسه حتى أتى به فحمله عليه وقال الحق بأهلك قال
وأقبل إبراهيم نحو المختار وشبث محيط بالمختار ويزيد بن أنس فلما رآه يزيد بن
الحارث وهو على أفواه سكك الكوفة التي تلى السبخة وإبراهيم مقبل نحو
شبث أقبل نحوه ليصده عن شبث وأصحابه فبعث إبراهيم طائفة من أصحابه مع
خزيمة بن نصر فقال اغن عنا يزيد بن الحارث وصمد هو في بقية أصحابه نحو
شبث بن ربعي (قال أبو مخنف) فحدثني الحارث بن كعب أن إبراهيم لما أقبل
نحونا رأينا شبثا وأصحابه ينكصون وراءهم رويدا رويدا فلما دنا إبراهيم من شبث
وأصحابه حمل عليهم وأمرنا يزيد بن أنس بالحملة عليهم فحملنا عليهم فانكشفوا حتى
انتهوا إلى أبيات الكوفة وحمل خزيمة بن نصر على يزيد بن الحارث بن رؤيم
فهزمه وازدحموا على أفواه السكك وقد كان يزيد بن الحارث وضع رامية على
أفواه السكك فوق البيوت وأقبل المختار في جماعة الناس إلى يزيد بن الحارث فلما؟
انتهى أصحاب المختار إلى أفواه السكك رمته تلك الرامية بالنبل فصدوهم عن دخول
الكوفة من ذلك الوجه ورجع الناس من السبخة منهزمين إلى ابن مطيع وجاءه
قتل راشد بن إياس فأسقط في يده (قال أبو مخنف) فحدثني يحيى بن هانئ قال
قال عمرو بن الحجاج الزبيدي لابن مطيع أيها الرجل لا يسقط في خلدك ولا تلق
بيدك اخرج إلى الناس فاندبهم إلى عدوك فاغزهم فان الناس كثير عددهم وركلهم
معك إلا هذه الطاغية التي خرجت على الناس والله مخزيها ومهلكها وأنا أول
منتدب فاندب معي طائفة ومع غيري طائفة قال فخرج ابن مطيع فقام في الناس
فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إن من أعجب العجب عجزكم عن عصبة منكم
504

قليل عددها خبيث دينها ضالة مضلة اخرجوا إليهم فامنعوا منهم حريمكم وقاتلوهم
عن مصركم وامنعوا منهم فيئكم وإلا والله ليشاركنكم في فيئكم من لا حق له فيه
والله لقد بلغني أن فيهم خمسمائة رجل من محرريكم عليهم أمير منهم وإنما ذهاب عزكم
وسلطانكم وتغير دينكم حين يكثرون ثم نزل قال ومنعهم يزيد بن الحارث أن
يدخلوا الكوفة قال ومضى المختار من السبخة حتى ظهر على الجبانة ثم ارتفع إلى
البيوت بيوت مزينة وأحمس وبارق فنزل عند مسجدهم وبيوتهم وبيوتهم شاذة
منفردة من بيوت أهل الكوفة فاستقبلوه بالماء فسقى أصحابه وأبى المختار أن يشرب
قال فظن أصحابه أنه صائم وقال أحمر بن هديج من همدان لابن كامل أترى الأمير
صائما فقال له نعم هو صائم فقال له فلو أنه كان في هذا اليوم مفطرا كان أقوى له فقال له إنه
معصوم وهو أعلم بما يصنع فقال له صدقت أستغفر الله وقال المختار نعم مكان المقاتل
هذا فقال له إبراهيم بن الأشتر قد هزمهم الله وفلهم وأدخل الرعب قلوبهم وتنزل
ههنا سربنا فوالله ما دون القصر أحد يمنع ولا يمتنع كبير امتناع فقال المختار ليقم ههنا
كل شيخ ضعيف وذي علة وضعوا ما كان لكم من ثقل ومتاع بهذا الموضع حتى
تسيروا إلى عدونا ففعلوا فاستخلف المختار عليهم أبا عثمان النهدي وقدم إبراهيم بن
الأشتر أمامه وعبى أصحابه على الحال التي كانوا عليها في السبخة قال وبعث عبد الله بن
مطيع عمرو بن الحجاج في ألفى رجل فخرج عليهم من سكة الثوريين فبعث المختار إلى
إبراهيم أن اطوه ولا تقم عليه فطواه إبراهيم ودعا المختار يزيد بن أنس فأمره أن
يصمد لعمرو بن الحجاج فمضى نحوه وذهب المختار في أثر إبراهيم فمضوا جميعا حتى إذا
انتهى المختار إلى موضع مصلى خالد بن عبد الله وقف وأمر إبراهيم أن يمضى على وجهه
حتى يدخل الكوفة من قبل الكناسة فمضى فخرج إليه من سكة ابن محرز وأقبل شمر بن ذي
الجوشن في ألفين فسرح المختار إليه سعيد بن منقذ الهمداني فواقعه وبعث إلى إبراهيم
أن اطوه وامض على وجهك فمضى حتى انتهى إلى سكة شبث وإذا نوفل بن مساحق
ابن عبد الله بن مخرمة في نحو من ألفين أو قال خمسة آلاف وهو الصحيح وقد أمر
ابن مطيع سويد بن عبد الرحمن فنادى في الناس أن الحقوا بابن مساحق قال واستخلف
505

شبث بن ربعي على القصر وخرج ابن مطيع حتى وقف بالكناسة (قال أبو مخنف)
حدثني حصيرة بن عبد الله قال إني لأنظر إلى ابن الأشتر حين أقبل في أصحابه حتى
إذا دنا منهم قال لهم أنزلوا فنزلوا فقال قربوا خيولكم بعضها إلى بعض ثم امشوا
إليهم مصلتين بالسيوف ولا يهولنكم أن يقال جاءكم شبث بن ربعي وآل عتيبة بن
النهاس وآل الأشعت وآل فلان وآل يزيد بن الحارث قال فسمى بيوتات من
بيوتات أهل الكوفة ثم قال إن هؤلاء لو قد وجدوا لهم حر السيوف قد انصفقوا
عن ابن مطيع انصفاق المعزى عن الذئب قال حصيرة فإني لأنظر إليه وإلى أصحابه حين
قربوا خيولهم وحين أخذ ابن الأشتر أسفل قبائه فرفعه فأدخله في منطقة له حمراء
من حواشي البرود وقد شد بها على القباء وقد كفر بالقباء على الدرع ثم قال لأصحابه
شدوا عليهم فدى لكم عمى وخالي قال فوالله ما لبثهم أن هزمهم فركب بعضهم بعضا
على فم السكة وازدحموا وانتهى ابن الأشتر إلى ابن مساحق فأخذ بلجام دابته ورفع
السيف عليه فقال له ابن مساحق يا ابن الأشتر أنشدك الله أتطلبني بثأر هل بيني وبينك
من إحنة فخلى ابن الأشتر سبيله وقال له اذكرها فكان بعد ذلك ابن مساحق يذكرها
لابن الأشتر وأقبلوا يسيرون حتى دخلوا الكناسة ثم أثار القوم حتى دخلوا السوق
والمسجد وحصروا ابن مطيع ثلاثا (قال أبو مخنف) وحدثني النضر بن صالح أن
ابن مطيع مكث ثلاثا يرزق أصحابه في القصر حيث حصر الدقيق ومعه أشراف
الناس إلا ما كان من عمرو بن حريث فإنه أتى داره ولم يلزم نفسه الحصار ثم خرج
حتى نزل البر وجاء المختار حتى نزل جانب السوق وولى حصار القصر إبراهيم بن
الأشتر ويزيد بن أنس وأحمر بن شميط فكان ابن الأشتر مما يلي المسجد وباب القصر
ويزيد بن أنس مما يلي بنى حذيفة وسكة دار الروميين وأحمر بن شميط مما يلي دار عمارة
ودار أبى موسى فلما اشتد الحصار على ابن مطيع وأصحابه كلمه الاشراف فقام إليه
شبث فقال أصلح الله الأمير انظر لن فسك ولمن معك فوالله ما عندهم غناء عنك
ولا عن أنفسهم قال ابن مطيع هاتوا أشيروا على برأيكم قال شبث الرأي أن تأخذ
لنفسك من هذا الرجل أمانا ولنا وتخرج ولا تهلك نفسك ومن معك قال ابن مطيع
506

والله إني لأكره أن آخذ منه أمانا والأمور مستقيمة لأمير المؤمنين بالحجاز كله
وبأرض البصرة قال فتخرج لا يشعر بك أحد حتى تنزل منزلا بالكوفة عند من
تستنصحه وتثق به ولا يعلم بمكانك حتى تخرج فتلحق بصاحبك فقال لأسماء بن
خارجة وعبد الرحمن بن مخنف وعبد الرحمن بن سعيد بن قيس وأشراف أهل
الكوفة ما ترون في هذا الرأي الذي أشار به على شبث فقالوا ما نرى الرأي إلا
ما أشار به عليك قال فرويدا حتى أمسى (قال أبو مخنف) فحدثني أبو المغلس الليثي
أن عبد الله بن عبد الله الليثي أشرف على أصحاب المختار من القصر من العشى يشتمهم
وينتحى له مالك بن عمر وأبو نمر النهدي بسهم فيمر بحلقه فقطع جلدة من حلقه فمال
فوقع قال ثم إنه قام وبرأ بعد وقال النهدي حين أصابه خذها من مالك من فاعل
كذا (قال أبو مخنف) وحدثني النضر بن صالح عن حسان بن فائد بن بكير قال لما
أمسينا في القصر في اليوم الثالث دعانا ابن مطيع فذكر الله بما هو أصله وصلى على
نبيه صلى الله عليه وسلم وقال أما بعد فقد علمت الذين صنعوا هذا منكم من هم وقد
علمت أنما هم أراذلكم وسفهاؤكم وطغامكم وأخساؤكم ما عدا الرجل أو الرجلين وإن
أشرافكم وأهل الفضل منكم لم يزالوا سامعين مطيعين مناصحين وأنا مبلغ ذلك صاحبي
ومعلمه طاعتكم وجهادكم عدوه حتى كان الله الغالب على أمره وقد كان من رأيكم
وما أشرتم به على ما قد علمتم وقد رأيت أن أخرج الساعة فقال له شبث جزاك الله
من أمير خيرا فقد والله عففت عن أموالنا وأكرمت أشرافنا ونصحت لصاحبك
وقضيت الذي عليك والله ما كنا لنفارقك أبدا إلا ونحن منك في إذن فقال
جزاكم الله خيرا أخذ امرؤ حيث أحب ثم خرج من نحو دروب الروميين حتى
أتى دار أبى موسى وخلى القصر وفتح أصحابه الباب فقالوا يا ابن الأشتر آمنون
نحن قال أنتم آمنون فخرجوا فبايعوا المختار (قال أبو مخنف) فحدثني موسى
ابن عامر العدوي من عدى جهينة وهو أبو الأشعر أن المختار جاء حتى دخل
القصر فبات به وأصبح أشراف الناس في المسجد وعلى باب القصر وخرج المختار
فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه فقال الحمد لله الذي وعد وليه النصر وعدوه الخسر
507

وجعله فيه إلى آخر الدهر وعدا مفعولا وقضاء مقضيا وقد خاب من افترى أيها
الناس إنه رفعت لنا راية ومدت لنا غاية فقيل لنا في الراية أن ارفعوها ولا تضعوها
وفى الغاية أن اجروا إليها ولا تعدوها فسمعنا دعوة الداعي ومقالة الواعي فكم من
ناع وناعيه لقتلى في الواعية وبعدا لمن طغى وأدبر وعصى وكذب وتولى ألا فأدخلوا
أيها الناس فبايعوا بيعة هدى فلا والذي جعل السماء سقفا مكفوفا والأرض فجاجا
سبلا ما بايعتم بعد بيعة علي بن أبي طالب وآل على أهدى منها ثم نزل فدخل ودخلنا
عليه وأشراف الناس فبسط يده وابتدره الناس فبايعوه وجعل يقول تبايعوني
على كتاب الله وسنة نبيه والطلب بدماء أهل البيت وجهاد المحلين والدفع عن الضعفاء
وقتال من قاتلنا وسلم من سالمنا والوفاء ببيعتنا لا نقيلكم ولا نستقيلكم فإذا قال
الرجل نعم بايعه قال فكأني والله أنظر إلى المنذر بن حسان بن ضرار الضبي إذ
أتاه حتى سلم عليه بالامرة ثم بايعه وانصرف عنه فلما خرج من القصر استقبل
سعيد بن منقذ الثوري في عصابة من الشيعة واقفا عند المصطبة فلما رأوه ومعه
ابنه حيان بن المنذر قال رجل من سفهائهم هذا والله من رؤوس الجبارين فشدوا
عليه وعلى ابنه فقتلوهما فصاح بهم سعيد بن منقذ لا تعجلوا لا تعجلوا حتى ننظر
ما رأى أميركم فيه قال وبلغ المختار ذلك فكرهه حتى رؤى ذلك في وجهه وأقبل
المختار يمنى الناس ويستجر مودتهم ومودة الاشراف ويحسن السيرة جهده
قال وجاءه ابن كامل فقال للمختار أعلمت أن ابن مطيع في دار أبى موسى فلم يجبه
بشئ فأعادها عليه ثلاث مرات فلم يجبه ثم أعادها فلم يجبه فظن ابن كامل أن ذلك
لا يوافقه وكان ابن مطيع قبل للمختار صديقا فلما أمسى بعث إلى ابن مطيع بمائة
ألف درهم فقال له تجهز بهذه واخرج فإني قد شعرت بمكانك وقد ظننت أنه لم
يمنعك من الخروج إلا أنه ليس في يديك ما يقويك على الخروج وأصاب المختار
تسعة آلاف ألف في بيت مال الكوفة فأعطى أصحابه الذين قاتل بهم حين حصر
ابن مطيع في القصر وهم ثلاثة آلاف وثمانمائة رجل كل رجل خمسمائة درهم
خمسمائة درهم وأعطى ستة آلاف من أصحابه أتوه بعد ما أحاط بالقصر فأقاموا معه
508

تلك الليلة وتلك الثلاثة الأيام حتى دخل القصر مائتين مائتين واستقبل الناس
بخير ومناهم العدل وحسن السيرة وأدنى الاشراف فكانوا جلساءه وحداثه
واستعمل على شرطته عبد الله بن كامل الشاكري وعلى حرسه كيسان أبا عمرة
مولى عرينة فقام ذات يوم على رأسه فرأى الاشراف يحدثونه ورآه قد أقبل بوجهه
وحديثه عليهم فقال لأبي عمرة بعض أصحابه من الموالى أما ترى أبا إسحاق قد أقبل
على العرب ما ينظر إلينا فدعاه المختار فقال له ما يقول لك أولئك الذين رأيتهم
يكلمونك فقال له وأسر إليه شق عليهم أصلحك الله صرفك وجهك عنهم إلى
العرب فقال له قل لهم لا يشقن ذلك عليكم فأنتم منى وأنا منكم ثم سكت طويلا
ثم قرأ (إنا من المجرمين منتقمون) قال فحدثني أبو الأشعر موسى بن عامر
قال ما هو إلا أن سمعها الموالى منه فقال بعضهم لبعض أبشروا كأنكم والله به
قد قتلهم (قال أبو مخنف) حدثني حصيرة بن عبد الله الأزدي وفضيل بن خديج
الكندي والنضر بن صالح العبسي قالوا أول رجل عقد له المختار راية عبد الله
ابن الحارث أخو الأشتر عقد له على أرمينية وبعث محمد بن عمير بن عطارد على
آذربيجان وبعث عبد الرحمن بن سعيد بن قيس على الموصل وبعث إسحاق بن
مسعود على المدائن وأرض جوخى وبعث قدامة بن أبي عيسى بن ربيعة النصري
وهو حليف لثقيف على بهقباذ الاعلى وبعث محمد بن كعب بن قرظة على
بهقاذ الأوسط وبعث حبيب بن منقذ الثوري على بهقباذ الأسفل
وبعث سعد بن حذيفة بن اليمان على حلوان وكان مع سعد بن حذيفة ألفا
فارس بحلوان قال ورزقه ألف درهم في كل شهر وأمره بقتال الأكراد وبإقامة
الطرق وكتب إلى عماله على الجبال يأمرهم أن يحملوا أموال كورهم إلى سعد
ابن حذيفة بحلوان وكان عبد الله بن الزبير قد بعث محمد بن الأشعث بن قيس على
الموصل وأمره بمكاتبة ابن مطيع وبالسمع له والطاعة غير أن ابن مطيع لا يقدر
على عزله إلا بأمر ابن الزبير وكان قبل ذلك في إمارة عبد الله بن يزيد وإبراهيم
ابن محمد منقطعا بإمارة الموصل لا يكاتب أحدا دون ابن الزبير * فلما قدم عليه
عبد الرحمن بن سعيد بن قيس من قبل المختار أميرا تنحى له عن الموصل وأقبل
509

حتى نزل تكريت وأقام بها مع أناس من أشراف قومه وغيرهم وهو معتزل ينظر
ما يصنع الناس وإلى ما يصير أمرهم ثم شخص إلى المختار فبايع له ودخل فيما دخل
فيه أهل بلده (قال أبو مخنف) وحدثني صلة بن زهير النهدي عن مسلم بن عبد الله
الضبابي قال لما ظهر المختار واستمكن ونفى ابن مطيع وبعث عماله أقبل يجلس
للناس غدوة وعشية فيقضى بين الخصمين ثم قال والله إن لي فيما أزاول وأحاول
لشغلا عن القضاء بين الناس قال فأجلس للناس شريحا وقضى بين الناس ثم إنه
خافهم فتمارض وكانوا يقولون إنه عثماني وإنه ممن شهد على حجر بن عدي وإنه
لم يبلغ عن هانئ بن عروة ما أرسله به وقد كان علي بن أبي طالب عزله عن القضاء
فلما أن سمع بذلك ورآهم يذمونه ويسندون إليه مثل هذا القول تمارض وجعل
المختار مكانه عبد الله بن عتبة بن مسعود ثم إن عبد الله مرض فجعل مكانه عبد الله
ابن مالك الطائي قاضيا قال مسلم بن عبد الله وكان عبد الله بن همام سمع أبا عمرة
يذكر الشيعة وينال من عثمان بن عفان فقنعه بالسوط فلما ظهر المختار كان معتزلا
حتى استأمن له عبد الله بن شداد فجاء إلى المختار ذات يوم فقال
ألا انتسأت بالود عنك وأدبرت * معالنة بالهجر أم سريع
وحملها واش سعى غير مؤتل * فأبت بهم في الفؤاد جميع
فخفض عليك الشأن لا يردك الهوى * فليس انتقال خلة ببديع
وفى ليلة المختار ما يذهل الفتى * ويلهيه عن رؤد الشباب شموع
دعا يا لثأرات الحسين فأقبلت * كتائب من همدان بعد هزيع
ومن مذحج جاء الرئيس ابن مالك * يقود جموعا عبيت بجموع
ومن أسد وافى يزيد لنصره * بكل فتى حامى الذمار منيع
وجاء نعبم خير شيبان كلها * بأمر لدى الهيجا أحد جميع
وما ابن شميط إذ يحرض قومه * هناك بمخذول ولا بمضيع
ولا قيس نهد لا ولا ابن هوازن * وكل أخو إخباتة وخشوع
وسار أبو النعمان لله سعيه * إلى ابن إياس مصحرا لوقوع
510

بخيل عليها يوم هيجا دروعها * وأخرى حسورا غير ذات دروع
فكر الخيول كرة ثقفتهم * وشد بأولاها على ابن مطيع
فولى بضرب يشدخ الهام وقعه * وطعن غداة السكتين وجيع
فحوصر في دار الامارة بائيا * بذل وارغا له وخضوع
فمن وزير ابن الوصي عليهم * وكان لهم في الناس خير شفيع
وآب الهدى حقا إلى مستقره * بخير إياب آبه ورجوع
إلى الهاشمي المهتدى المهتدى به * فنحن له من سامع ومطيع
قال فلما أنشدها المختار قال المختار لأصحابه قد أثنى عليكم كما تسمعون وقد أحسن
الثناء عليكم فأحسنوا له الجزاء ثم قام المختار فدخل وقال لأصحابه لا تبرحوا حتى
أخرج إليكم قال وقال عبد الله بن شداد الجشمي يا ابن همام إن لك عندي فرسا
ومطرفا وقال قيس بن طهفة النهدي وكانت عنده الرباب بنت الأشعث فإن لك
عندي فرسا ومطرفا واستحيا أن يعطيه صاحبه شيئا لا يعطى مثله فقال ليزيد بن
أنس فما تعطيه فقال يزيد إن كان ثواب الله أراد بقوله فما عند الله خير له وإن
كان إنما اعترى بهذا القول أموالنا فوالله ما في أموالنا ما يسعه قد كانت بقيت من
عطائي بقية فقويت بها إخواني فقال أحمر بن شميط مبادرا لهم قبل أن يكلموه
يا ابن همام إن كنت أردت بهذا القول وجه الله فاطلب ثوابك من الله وإن كنت
إنما اعتريت به رضى الناس وطلب أموالهم فاكدم الجندل فوالله من قال قولا
لغير الله وفى غير ذات الله بأهل أن ينحل ولا يوصل فقال له عضضت بأير أبيك
فرفع يزيد بن أنس السوط وقال لابن شميط تقول هذا القول يا فاسق وقال لابن
شميط اضربه السيف فرفع ابن شميط عليه السيف ووثب ووثب أصحابهما يتفلتون
على ابن همام وأخذ بيده إبراهيم بن الأشتر فألقاه وراءه وقال أنا له جار لم تأتون
إليه ما أرى فوالله إنه لواصل الولاية راض بما نحن عليه حسن الثناء فإن أنتم
لم تكافئوه بحسن ثنائه فلا تشتموا عرضه ولا تسفكوا دمه ووثبت مذحج فحالت
دونه وقالوا أجاره ابن الأشتر لا والله لا يوصل إليه قال وسمع لغطهم المختار
511

فخرج إليهم وأومأ بيده إليهم أن اجلسوا فجلسوا فقال لهم إذا قيل لكم خير
فاقبلوه وإن قدرتم على مكافأة فافعلوا وإن لم تقدروا على مكافأة فتنصلوا واتقوا
لسان الشاعر فإن شره حاضر وقوله فاجر وسعيه بائر وهو بكم غدا غادر فقالوا
أفلا نقتله قال لا إنا قد آمناه وأجرناه وقد أجاره أخوكم إبراهيم بن الأشتر فجلس
مع الناس قال إن إبراهيم قام فانصرف إلى منزله فأعطاه ألفا وفرسا ومطرفا
فرجع بها وقال لا والله لا جاورت هؤلاء أبدا وأقبلت هوازن وغضبت واجتمعت
في المسجد غضبا لا بن همام فبعث إليهم المختار فسألهم أن يصفحوا عما اجتمعوا له
ففعلوا وقال ابن همام لابن الأشتر يمدحه
أطفأ عن نار كلبين ألبا * على الكلاب ذو الفعال ابن مالك
فتى حين يلقى الخيل يفرق بينها * بطعن دراك أو بضرب مواشك
وقد غضبت لي من هوازن عصبة * طوال الذرى فيها عراض المبارك
إذا ابن شميط أو يزيد تعرضا * لها وقعا في مستحار المهالك
وثبتم علينا يا موالى طيئ * مع ابن شميط شر ماش وراتك
وأعظم ديار على الله فرية * وما مفتر طاغ كآخر ناسك
فيا عجبا من أحمس ابنة أحمس * توثب حولي بالقنا والنيازك
كأنكم في العز قيس وخثعم * وهل أنتم إلا لثام عوارك
وأقبل عبد الله بن شداد من الغد فجلس في المسجد يقول علينا توثب بنو أسد
وأحمس والله لا نرضى بهذا أبدا فبلغ ذلك المختار فبعث إليه فدعاه ودعا بيزيد بن
أنس وبابن شميط فحمد الله وأثنى عليه وقال يا ابن شداد إن الذي فعلت نزغة
من نزغات الشيطان فتب إلى الله قال قد تبت وقال إن هذين أخواك فأقبل
إليهما واقبل منهما وهب لي هذا الامر قال فهو لك وكان ابن همام قد قال قصيدة
أخرى في أمر المختار فقال
أضحت سليمى بعد طول عتاب * وتجرم ونفاد غرب شباب
512

قد أزمعت بصريمتي وتجنبي * وتهوك من ذاك في إعتاب
لما رأيت القصر أغلق بابه * وتوكلت همدان بالأسباب
ورأيت أصحاب الدقيق كأنهم * حول البيوت ثعالب الاسراب
ورأيت أبواب الأزقة حولنا * دربت بكل هراوة ودباب
أيقنت أن خيول شيعة راشد * لم يبق منها فيش أير ذباب
(قال أبو جعفر) وفى هذه السنة وثب المختار بمن كان بالكوفة من
قتلة الحسين والمشايعين على قتله فقتل من قدر عليه منهم وهرب من الكوفة
بعضهم فلم يقدر عليه
ذكر الخبر عن سبب وثوبه بهم وتسمية من قتل منهم ومن
هرب فلم يقدر عليه منهم
وكان سبب ذلك فيما ذكره هشام بن محمد عن عوانة بن الحكم أن مروان بن الحكم لما
استوثقت له الشأم بالطاعة بعث جيشين أحدهما إلى الحجاز عليه حبيش بن دلجة القيني
وقد ذكرنا أمره وخبر مهلكه قبل والآخر منهما إلى العراق عليهم عبيد الله بن زياد وقد
ذكرنا ما كان من أمره وأمر التوابين من الشيعة بعين الوردة وكان مروان جعل
لعبيد الله بن زياد إذ وجهه إلى العراق ما غلب عليه وأمره أن ينهب الكوفة
إذا هو ظفر بأهلها ثلاثا قال عوانة فمر بأرض الجزيرة فاحتبس بها وبها قيس
عيلان على طاعة ابن الزبير وقد كان مروان أصاب قيسا يوم مرج راهط وهم
مع الضحاك بن قيس مخالفين على مروان وعلى ابنه عبد الملك من بعده فلم يزل
عبيد الله مشتغلا بهم عن العراق نحوا من سنة ثم إنه أقبل إلى الموصل فكتب
عبد الرحمن بن سعيد بن قيس عامل المختار على الموصل إلى المختار أما بعد فإني أخبرك
أيها الأمير أن عبيد الله بن زياد قد دخل أرض الموصل وقد وجه قبلي خيله
ورجاله وإني انحزت إلى تكريت حتى يأتيني رأيك؟ وأمرك والسلام عليك
فكتب إليه المختار أما بعد فقد بلغني كتابك وفهمت كل ما ذكرت فيه فقد أصبت
بانحيازك إلى تكريت فلا تبرحن مكانك الذي أنت به حتى يأتيك أمري إن شاء الله
513

والسلام عليك (قال هشام) عن أبي مخنف حدثني موسى بن عامر أن كتاب
عبد الرحمن بن سعيد لما ورد على المختار بعث إلى يزيد بن أنس فدعاه فقال له
يا يزيد بن أنس إن العالم ليس كالجاهل وإن الحق ليس كالباطل وإني أخبرك خبر
من لم يكذب ولم يكذب ولم يخالف ولم يرتب وإنا المؤمنون الميامين الغالبون
المساليم وإنك صاحب الخيل التي تجر جعابها وتضفر أذنابها حتى توردها منابت
الزيتون غائرة عيونها لاحقة بطونها اخرج إلى الموصل حتى تنزل أدانيها فإني ممدك
بالرجال بعد الرجال فقال له يزيد بن أنس سرح معي ثلاثة آلاف فارس أنتخبهم
وخلني والفرج الذي توجهنا إليه فان احتجت إلى الرجال فسأكتب إليك قال له
المختار فاخرج فانتخب على اسم الله من أحببت فخرج فانتخب ثلاثة آلاف فارس
فجعل على ربع المدينة النعمان بن عوف بن أبي جابر الأزدي وعلى ربع تميم وهمدان
عاصم بن قيس بن حبيب الهمداني وعلى مذحج وأسد ورقاء بن عازب الأسدي
وعلى ربع ربيعة وكندة سعر بن أبي سعر الحنفي ثم إنه فصل من الكوفة فخرج
وخرج معه المختار والناس يشيعونه فلما بلغ دير أبى موسى ودعه المختار وانصرف
ثم قال له إذا لقيت عدوك فلا تناظرهم وإذا أمكنتك الفرصة فلا تؤخرها وليكن
خبرك في كل يوم عندي وإن احتجت إلى مدد فاكتب إلى مع أنى ممدك ولو لم
تستمدد فإنه أشد لعضدك وأعز لجندك وأرعب لعدوك فقال له يزيد بن أنس
لا تمدني إلا بدعائك فكفى به مددا وقال له الناس صحبك الله وأداك وأيدك
وودعوه فقال لهم يزيد سلوا الله لي الشهادة وأيم الله لئن لقيتهم ففاتني النصر
لا تفتني الشهادة إن شاء الله فكتب المختار إلى عبد الرحمن بن سعيد بن قيس
أما بعد فخل بين يزيد وبين البلاد إن شاء الله والسلام عليك فخرج يزيد بن أنس
بالناس حتى بات بسورا ثم غدا بهم سائرا حتى بات بالمدائن فشكا الناس إليه ما دخلهم
من شدة السير عليهم فأقام بها يوما وليلة ثم إنه اعترض بهم أرض جوخى حتى
خرج بهم في الراذانات حتى قطع بهم إلى أرض الموصل فنزل ببنات تلى وبلغ
مكانه ومنزله الذي نزل به عبيد الله بن زياد فسأل عن عدتهم فأخبرته عيونه أنه
514

خرج معه من الكوفة ثلاثة آلاف فارس فقال عبيد الله فأنا أبعث إلى كل ألف
ألفين ودعا ربيعة بن المخارق الغنوي وعبد الله بن حملة الخثعمي فبعثهما في ثلاثة
آلاف ثلاثة آلاف وبعث ربيعة بن المخارق أولا ثم مكث يوما ثم بعث خلفه
عبد الله بن حملة ثم كتب إليهما أيكما سبق فهو أمير على صاحبه وإن انتهيتما جميعا
فأكبر كما سنا أمير على صاحبه والجماعة قال فسبق ربيعة بن المخارق فنزل بيزيد
ابن أنس وهو ببنات تلى فخرج إليه يزيد بن أنس وهو مريض مضنى (قال أبو مخنف)
فحدثني أبو الصلت عن أبي سعيد الصيقل قال خرج علينا يزيد بن أنس وهو مريض
على حمار يمشى معه الرجال يمسكونه عن يمينه وعن شماله بفخذيه وعضديه وجنبيه
فجعل يقف على الأرباع ربع ربع ويقول يا شرطة الله اصبروا تؤجروا وصابروا
عدوكم تظفروا وقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا إن هلكت
فأميركم ورقاء بن عازب الأسدي فإن هلك فأميركم عبد الله بن ضمرة العذري فإن
هلك فأميركم سعر بن أبي سعر الحنفي قال وأنا والله فيمن يمشى معه ويمسك بعضده
ويده وإني لأعرف في وجهه أن الموت قد نزل به قال فجعل يزيد بن أنس عبد الله
ابن ضمرة العذري على ميمنته وسعر بن أبي سعر على ميسرته وجعل ورقاء بن عازب
الأسدي على الخيل ونزل هو فوضع بين الرجال على السرير ثم قال لهم ابرزوا لهم
بالعراء وقدموني في الرجال ثم إن شئتم فقاتلوا عن أميركم وإن شئتم ففروا عنه
قال فأخرجناه في ذي الحجة يوم عرفة سنة 66 فأخذنا نمسك أحيانا بظهره
فيقول اصنعوا كذا اصنعوا كذا وافعلوا كذا فيأمر بأمره ثم لا يكون بأسرع
من أن يغلبه الوجع فيوضع هنيهة ويقتتل الناس وذلك عند شفق الصبح قبل
شروق الشمس قال فحملت ميسرتهم على ميمنتنا فاشتد قتالهم وتحمل ميسرتنا
على ميمنتهم فتهزمها ويحمل ورقاء بن عازب الأسدي في الخيل فهزمهم فلم يرتفع
الضحى حتى هزمناهم وحوينا عسكرهم (قال أبو مخنف) وحدثني موسى بن عامر
العدوي قال انتهينا إلى ربيعة بن المخارق صاحبهم وقد انهزم عنه أصحابه وهو
نازل ينادى يا أولياء الحق ويا أهل السمع والطاعة إلى أنا ابن المخارق قال
515

موسى فأما أنا فكنت غلاما حدثا فهبته ووقفت ويحمل عليه عبد الله بن
ورقاء الأسدي وعبد الله بن ضمرة العذري فقتلاه (قال أبو مخنف) وحدثني
عمرو بن مالك أبو كبشة القيني قال كنت غلاما حين راهقت مع أحد عمومتي
في ذلك العسكر فلما نزلنا بعسكر الكوفيين عبانا ربيعة بن المخارق فأحسن
التعبية وجعل على ميمنته ابن أخيه وعلى ميسرته عبد ربه السلمي وخرج هو في
الخيل والرجال وقال يا أهل الشأم إنكم إنما تقاتلون العبيد الاباق وقوما قد تركوا
الاسلام وخرجوا منه ليست لهم تقية ولا ينطقون بالعربية قال فوالله إن كنت
لأحسب أن ذلك كذلك حتى قاتلناهم قال فوالله ما هو إلا أن اقتتل الناس إذا رجل
من أهل العراق يعترض الناس بسيفه وهو يقول
برئت من دين المحكمينا * وذاك فينا شر دين دينا
ثم إن قتالنا وقتالهم اشتد ساعة من النهار ثم إنهم هزمونا حين ارتفع الضحى
فقتلوا صاحبنا وحووا عسكرنا فخرجنا منهزمين حتى تلقانا عبد الله بن حملة على
مسيرة ساعة من تلك القرية التي يقال لها ببنات تلى فردنا فأقبلنا معه حتى نزل بيزيد
ابن أنس فبتنا متحارسين حتى أصبحنا فصلينا الغداة ثم خرجنا على تعبية حسنة فجعل على
ميمنته الزبير بن حريمة من خثعم وعلى ميسرته ابن أقيصر القحافي من خثعم وتقدم
في الخيل والرجال وذلك يوم الأضحى فاقتتلنا قتالا شديدا ثم إنهم هزمونا هزيمة
قبيحة وقتلونا قتلا ذريعا وحووا عسكرنا وأقبلنا حتى انتهينا إلى عبيد الله بن زياد
فحدثناه بما لقينا (قال أبو مخنف) وحدثني موسى بن عامر قال أقبل إلينا عبد الله بن
حملة الخثعمي فاستقبل فل ربيعة بن المخارق الغنوي فردهم ثم جاء حتى نزل ببنات
تلى فلما أصبح غادوا وغادينا فتطارت الخيلان من أول النهار ثم انصرفوا وانصرفنا
حتى إذا صلينا الظهر خرجنا فاقتتلنا ثم هزمناهم قال ونزل عبد الله بن حملة فأخذ
ينادى أصحابه الكرة بعد الفرة يا أهل السمع والطاعة فحمل عليه عبد الله بن قراد
الخثعمي فقتله وحوينا عسكرهم وما فيه وأتى يزيد بن أنس بثلثمائة أسير وهو في
السوق فأخذ يومئ بيده أن اضربوا أعناقهم فقتلوا من عند آخرهم وقال يزيد
516

ابن أنس إن هلكت فأميركم ورقاء بن عازب الأسدي فما أمسى حتى مات فصلى
عليه ورقاء بن عازب ودفنه فلما رأى ذلك أصحابه أسقط في أيديهم وكسر موته
قلوب أصحابه وأخذوا في دفنه فقال لهم ورقاء يا قوم ماذا ترون إنه قد بلغني أن
عبيد الله بن زياد قد أقبل إلينا في ثمانين ألفا من أهل الشأم فأخذوا يتسللون ويرجعون
ثم إن ورقاء دعا رؤوس الأرباع وفرسان أصحابه فقال لهم يا هؤلاء ماذا ترون فيما
أخبرتكم إنما أن رجل منكم ولست بأفضلكم رأيا فأشيروا على فان ابن زياد
قد جاءكم في جند أهل الشأم الأعظم وبجلتهم وفرسانهم وأشرافهم ولا أرى لنا
ولكم بهم طاقة على هذه الحال وقد هلك يزيد بن أنس أميرنا وتفرقت عنا طائفة
منا فلو انصرفنا اليوم من تلقاء أنفسنا قبل أن نلقاهم وقبل أن نبلغهم فيعلموا أنا
إنما ردنا عنهم هلاك صاحبنا فلا يزالوا لنا هائبين لقتلنا منهم أميرهم ولانا إنما
نعتل لانصرافنا يموت صاحبنا وأنا إن لقيناهم اليوم كنا مخاطرين فإن هزمنا
اليوم لم تنفعنا هزيمتنا إياهم من قبل اليوم قالوا فإنك نعما رأيت انصرف رحمك
الله فانصرف فبلغ منصرفهم ذلك المختار وأهل الكوفة فأوجف الناس ولم يعلموا
كيف كان الامر أن يزيد بن أنس هلك وأن الناس هزموا فبعث إلى المختار عامله
على المدائن عينا له من أنباط السواد فأخبره الخبر فدعا المختار إبراهيم بن الأشتر
فعقد له على سبعة آلاف رجل ثم قال له سر حتى إذا أنت لقيت جيش ابن أنس
فارددهم معك ثم سر حتى تلقى عدوك فتناجزهم فخرج إبراهيم فوضع عسكره بحمام
أعين (قال أبو مخنف) فحدثني أبو زهير النضر بن صالح قال لما ما ت يزيد بن أنس
التقى أشراف الناس بالكوفة فأرجفوا بالمختار وقالوا قتل يزيد بن أنس ولم
يصدقوا أنه مات وأخذوا يقولون والله لقد تأمر علينا هذا الرجل بغير رضى منا
ولقد أدنى موالينا فحملهم على الدواب وأعطاهم وأطعمهم فيئنا ولقد عصتنا عبيدنا
فحرب بذلك أيتامنا وأراملنا فاتعدوا منزل شبث بن ربعي وقالوا نجتمع في منزل
شيخنا وكان شبث جاهليا اسلاميا فاجتمعوا فأتوا منزله فصلى بأصحابه ثم تذاكروا
هذا النحو من الحديث قال ولم يكن فيما أحدث المختار عليهم شئ هو أعظم من
517

أن جعل للموالي من الفئ نصيبا فقال لهم شبث دعوني حتى ألقاه فذهب فلقيه فلم
يدع شيئا مما أنكره أصحاب إلا وقد ذاكره إياه فأخذ لا يذكر خصلة الا قال له
المختار أرضيهم في هذه الخصلة وآتى كل شئ أحبوا قال فذكر المماليك قال فأنا
أرد عليهم عبيدهم فذكر له الموالى فقال عمدت إلى موالينا وهم في أفاءه الله علينا
وهذه البلاد جميعا فأعتقنا رقابهم نأمل الاجر في ذلك والثواب والشكر فلم ترض
لهم بذلك حتى جعلتهم شركاءنا في فيئنا فقال لهم المختار إن أنا تركت لكم مواليكم
وجعلت فيأكم فيكم أتقاتلون معي بنى أمية وابن الزبير وتعطون على الوفاء بذلك
عهد الله وميثاقه وما أطمئن إليه من الايمان فقال شبث ما أدرى حتى أخرج إلى
أصحابي فأذاكرهم ذلك فخرج فلم يرجع إلى المختار قال وأجمع رأى أشراف أهل
الكوفة على قتال المختار (قال أبو مخنف) فحدثني قدامة بن حوشب قال جاء شبث
ابن ربعي وشمر بن ذي الجوشن ومحمد بن الأشعث وعبد الرحمن بن سعيد بن قيس
حتى دخلوا على كعب بن أبي كعب الخثعمي فتكلم شبث فحمد الله وأثنى عليه ثم
أخبره باجتماع رأيهم على قتال المختار وسأله أن يجيبهم إلى ذلك وقال فيما يعتب
المختار إنه تأمر علينا بغير رضى منا وزعم أن ابن الحنفية بعثه إلينا وقد علمنا
أن ابن الحنفية لم يفعل وأطعم موالينا فيئنا وأخذ عبيدنا فحرب بهم يتامانا وأراملنا
وأظهر هو وسبايته البراءة من أسلافنا الصالحين قال فرحب بهم كعب بن أبي
كعب وأجابهم إلى ما دعوه إليه (قال أبو مخنف) فحدثني أبى يحيى بن سعيد
أن أشراف أهل الكوفة قد كانوا دخلوا على عبد الرحمن بن مخنف فدعوه
إلى أن يجيبهم إلى قتال المختار فقال لهم يا هؤلاء إنكم إن أبيتم الا أن تخرجوا
لم أخذلكم وإن أنتم أطعتموني لم تخرجوا فقالوا لم قال لانى أخاف أن تتفرقوا وتختلفوا
وتتخاذلوا ومع الرجل والله شجعاؤكم وفرسانكم من أنفسكم أليس معه فلان
وفلان ثم معه عبدكم ومواليكم وكلمة هؤلاء واحدة وعبيدكم ومواليكم أشد حنقا
عليكم من عدوكم فهو مقاتلكم بشجاعة العرب وعداوة العجم وإن انتظرتموه
قليلا كفيتموه بقدوم أهل الشأم أو بمجئ أهل البصرة فتكونوا قد كفيتموه
518

بغيركم ولم تجعلوا بأسكم بينكم قالوا ننشدك الله أن تخالفنا وأن تفسد علينا
رأينا وما قد اجتمعت عليه جماعتنا قال فأنا رجل منكم فإذا شئتم فاخرجوا فسار
بعضهم إلى بعض وقالوا انتظروا حتى يذهب عنه إبراهيم بن الأشتر قال فأمهلوا
حتى إذا بلغ ابن الأشتر ساباط وثبوا بالمختار قال فخرج عبد الرحمن بن سعيد بن
قيس الهمداني في همدان في جبانة السبيع وخرج زحر بن قيس الجعفي وإسحاق
ابن محمد بن الأشعث في جبانة كندة (قال هشام) فحدثني سليمان بن محمد الحضرمي
قال خرج إليهما جبير الحضرمي فقال لهما اخرجا عن جبانتنا فإنا نكره أن
نعرى بشر فقال له إسحاق بن محمد وجبانتكم هي قال نعم فانصرفوا عنه وخرج
كعب بن أبي كعب الخثعمي في جبانة بشر وسار بشير بن جرير بن عبد الله إليهم
في بجيلة وخرج عبد الرحمن بن مخنف في جبانة مخنف وسار إسحاق بن محمد وزحر
ابن قيس إلى عبد الرحمن بن سعيد بن قيس بجبانة السبيع وسارت بجيلة وخثعم
إلى عبد الرحمن بن مخنف وهو بالأزد وبلغ الذين في جبانة السبيع أن المختار
قد عبى لهم خيلا ليسير إليهم فبعثوا الرسل يتلو بعضها بعضا إلى الأزد وبجيلة
وخثعم يسألونهم بالله والرحم لما عجلوا إليهم فساروا إليهم واجتمعوا جميعا في
جبانة السبيع ولما أن بلغ ذلك المختار سره اجتماعهم في مكان واحد وخرج
شمر بن ذي الجوشن حتى نزل بجبانة بنى سلول في قيس ونزل شبث بن ربعي
وحسان بن فائد العبسي وربيعة بن ثروان الضبي في مضر بالكناسة ونزل
حجار بن أبحر ويزيد بن الحارث بن رؤيم في ربيعة فيما بين التمارين والسبخة
ونزل عمرو بن الحجاج الزبيدي في جبانة مراد بمن تبعه من مذحج فبعث
إليهم أهل اليمن أن ائتنا فأبى أن يأتيهم وقال لهم جدوا فكأني قد أتيتكم قال وبعث
المختار رسولا من يومه يقال له عمرو بن توبة بالركض إلى إبراهيم بن الأشتر
وهو بساباط أن لا تضع كتابي من يدك حتى تقبل بجميع من معك إلى قال
وبعث إليهم المختار في ذلك اليوم أخبروني ما تريدون فإني صانع كل ما أحببتم
قالوا فإنا نريد أن تعتزلنا فإنك زعمت أن ابن الحنفية بعثك ولم يبعثك فأرسل
519

إليهم المختار أن ابعثوا إليه من قبلكم وفدا وأبعث إليه من قبلي وفدا ثم انظروا
في ذلك حتى تتبينوه وهو يريد أن يريثهم بهذه المقالة ليقدم عليه إبراهيم بن الأشتر
وقد أمر أصحابه فكفوا أيديهم وقد أخذ أهل الكوفة عليهم بأفواه السكك
فليس شئ يصل إلى المختار ولا إلى أصحابه من الماء إلا القيل الوتح يجيئهم إذا
غفلوا عنه قال وخرج عبد الله بن سبيع في الميدان فقاتله شاكر قتالا شديدا
فجاءه عقبة بن طارق الجشمي فقاتل معه ساعة حتى رد عاديتهم عنه ثم أقبلا على
حاميتهما يسيران حتى نزل عقبة بن طارق مع قيس في جبانة بنى سلول وجاء
عبد الله بن سييع حتى نزل مع أهل اليمن في جبانة السبيع (قال أبو مخنف)
حدثني يونس بن أبي إسحاق أن شمر بن ذي الجوشن أتى أهل اليمن فقال لهم إن
اجتمعتم في مكان نجعل فيه مجنبتين ونقاتل من وجه واحد فأنا صاحبكم وإلا فلا
والله لا أقاتل في مثل هذا المكان في سكك ضيقة ونقاتل من غير وجه
فانصرف إلى جماعة قومه في جبانة بنى سلول قال ولما خرج رسول المختار
إلى ابن الأشتر بلغه من يومه عشية فنادى في الناس أن ارجعوا إلى الكوفة
فسار بقية عشيته تلك ثم نزل حين أمسى فتعشى أصحابه وأراحوا الدواب شيئا
كلا شئ ثم نادى في الناس فسار ليلته كلها ثم صلى الغداة بسورا ثم سار من يومه
فصلى العصر على باب الجسر من الغد ثم إنه جاء حتى بات ليلة في المسجد ومعه
من أصحابه أهل القوة والجلد حتى إذا كان صبيحة اليوم الثالث من مخرجهم على
المختار خرج المختار إلى المنبر فصعده (قال أبو مخنف) فحدثني أبو جناب الكلبي
إن شبث بن ربعي بعث إليه ابنه عبد المؤمن فقال له انما نحن عشيرتك وكف
يمينك لا والله لا نقاتلك فثق بذلك منا وكان رأيه قتاله ولكنه كاده ولما أن اجتمع
أهل اليمن بجبانة السبيع حضرت الصلاة فكره كل رأس من رؤس أهل اليمن أن
يتقدمه صاحبه فقال لهم عبد الرحمن بن مخنف هذا أول الاختلاف قدموا الرضى
فيكم فان في عشيرتكم سيد قراء أهل المصر فليصل بكم رفاعة بن شداد الفتياني من
بجيلة ففعلوا فلم يزل يصلى بهم حتى كانت الوقعة (قال أبو مخنف) وحدثني وازع
520

ابن السرى أن أنس بن عمرو الأزدي انطلق فدخل في أهل اليمن وسمعهم وهم
يقولون إن سار المختار إلى اخواننا من مضر سرنا إليهم وإن سار إلينا ساروا
إلينا فسمعها منهم رجل وأقبل جوادا حتى صعد إلى المختار على المنبر فأخبره
بمقالتهم فقال أما هم فخلقاء لو سرت إلى مضر أن يسيروا إليهم وأما أهل اليمن فأشهد
لئن سرت إليهم لا تسير إليهم مضر فكان بعد ذلك يدعو ذلك الرجل ويكرمه
ثم إن المختار نزل فعبى أصحابه في السوق والسوق إذ ذاك ليس فيها هذا البناء
فقال لإبراهيم بن الأشتر إلى أي الفريقين أحب إليك أن تسير فقال إلى أي الفريقين
أحببت فنظر المختار وكان ذا رأى فكره أن يسير إلى قومه فلا يبالغ في قتالهم
فقال سر إلى مضر بالكناسة وعليهم شبث بن ربعي ومحمد بن عمير بن عطارد
وأنا أسير إلى أهل اليمن * قال ولم يزل المختار يعرف بشدة النفس وقلة البقيا على
أهل اليمن وغيرهم إذا ظفر فسار إبراهيم بن الأشتر إلى الكناسة وسار المختار
إلى جبانة السبيع فوقف المختار عند دار عمر بن سعد بن أبي وقاص وسرح بين يديه
أحمر بن شميط البجلي ثم الأحمسي وسرح عبد الله بن كامل الشاكري وقال لابن شميط
الزم هذه السكة حتى تخرج إلى أهل جبانة السبيع من بين دور قومك وقال لعبد الله
ابن كامل الزم هذه السكة حتى تخرج على جبانة السبيع من دار آل الأخنس بن
شريق ودعاهما فأسر إليهما أن شباما قد بعثت تخبرني أنهم قد أتوا القوم من
ورائهم فمضيا فسلكا الطريقين اللذين أمرهما بهما وبلغ أهل اليمن مسير هذين
الرجلين إليهم فاقتسموا تينك السكتين فأما السكة التي في دبر المسجد أحمس فإنه
وقف فيها عبد الرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني وإسحاق بن الأشعث وزحر بن
قيس وأما السكة التي تلى الفرات فإنه وقف فيها عبد الرحمن بن مخنف وبشير بن
جرير بن عبد الله وكعب بن أبي كعب ثم إن القوم اقتتلوا كأشد قتال اقتتله قوم
ثم إن أصحاب أحمر بن شميم انكشفوا وأصحاب عبد الله بن كامل أيضا فلم يرع
المختار إلا وقد جاءه الفل قد أقبل فقال ما وراءكم قالوا هزمنا قال فما فعل أحمر
ابن شميط قالوا تركناه قد نزل عند مسجد القصاص يعنون مسجد أبى داود في
521

وادعة وكان يعتاده رجال أهل ذلك الزمان يقصون فيه وقد نزل معه أناس من
أصحابه وقال أصحاب عبد الله ما ندري ما فعل ابن كامل فصاح بهم أن انصرفوا ثم
أقبل بهم حتى انتهى إلى دار أبى عبد الله الجدلي وبعث عبد الله بن قراد الخثعمي
وكان على أربعمائة رجل من أصحابه فقال سر في أصحابك إلى ابن كامل فان يك هلك
فأنت مكانه فقاتل القوم بأصحابك وأصحابه وإن تجده حيا صالحا فسر في مائة من
أصحابك كلهم فارس وادفع إليه بقية أصحابك ومر بالجد معه والمناصحة له فإنهم إنما
يناصحونني ومن ناصحني فليبشر ثم امض في المائة حتى تأتى أهل جبانة السبيع مما
يلي حمام قطن بن عبد الله فمضى فوجدا بن كامل واقفا عند حمام عمرو بن حريث
معه أناس من أصحابه قد صبروا وهو يقاتل القوم فدفع إليه ثلثمائة من أصحابه ثم
مضى حتى نزل إلى جبانة السبيع ثم أخذ في تلك السكك حتى انتهى إلى مسجد
عبد القيس فوقف عنده وقال لأصحابه ما ترون قالوا أمرنا لأمرك تبع وكل من
كان معه من حاشد من قومه وهم مائة فقال لهم والله إني لأحب أن يظهر المختار
ووالله إني لكاره أن يهلك أشراف عشيرتي اليوم ووالله لان أموت أحب إلى
من أن يحل بهم الهلاك على يدي ولكن قفوا قليلا فانى قد سمعت شباما يزعمون
أنهم سيأتونهم من ورائهم فلعل شباما تكون هي تفعل ذلك ونعافى نحن منه قال له
أصحابه فرأيك فثبت كما هو عند مسجد عبد القيس وبعث المختار مالك بن عمرو
النهدي في مائتي رجل وكان من أشد الناس بأسا وبعث عبد الله بن شريك
النهدي في مائتي فارس إلى أحمر بن شميط وثبت مكانه فانتهوا إليه وقد علاه القوم
وكثروه فاقتتلوا عند ذلك كأشد القتال ومضى ابن الأشتر حتى لقى شبث بن ربعي
وأناسا معه من مضر كثيرا وفيهم حسان بن فائد العبسي فقال لهم إبراهيم ويحكم
انصرفوا فوالله ما أحب أن يصاب أحد من مضر على يدي فلا تهلكوا أنفسكم
فأبوا فقاتلوه فهزمهم واحتمل حسان بن فائد إلى أهله فمات حين أدخل إليهم
وقد كان وهو على فراشه قبل موته أفاق إفاقة فقال أما والله ما كنت أحب أن
أعيش من جراحتي هذه وما كنت أحب أن تكون منيتي إلا بطعنة رمح أو بضربة
522

بالسيف فلم يتكلم بعدها كلمة حتى مات وجاءت البشرى إلى المختار من قبل
إبراهيم بهزيمة مضر فبعث المختار البشرى من قبله إلى أحمر بن شميط وإلى ابن
كامل فالناس على أحوالهم كل أهل سكة منهم قد أعنت ما يليها قال فاجتمعت شبام
وقد رأسوا عليهم أبا القلوص وقد أجمعوا واجتمعوا بأن يأتوا أهل اليمن من
ورائهم فقال بعضهم لبعض أما والله لو جعلتم جدكم هذا على من خالفكم من غيركم
لكان أصوب فسيروا إلى مضر أو إلى ربيعة فقاتلوهم وشيخهم أبو القلوص
ساكت لا يتكلم فقالوا يا أبا القلوص ما رأيك فقال قال الله جل ثناؤه (قاتلوا
الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة) قوموا فقاموا فمشى بهم
قيس رمحين أو ثلاثة ثم قال لهم اجلسوا فجلسوا ثم مشى بهم أنفس من ذلك شيئا
ثم قعد بعد ثم قال لهم قوموا ثم مشى بهم الثالثة أنفس من ذلك شيئا ثم قعد بهم
فقالوا له يا أبا القلوص والله إنك عندنا لأشجع العرب فما يحملك على الذي
تصنع قال إن المجرب ليس كمن لم يجرب إني أردت أن ترجع إليكم أفئدتكم وأن
توطنوا على القتال أنفسكم وكرهت أن أقحمكم على القتال وأنتم على حال دهش
قالوا أنت أبصر بما صنعت فلما خرجوا إلى جبانة السبيع استقبلهم على فم السكة
الأعسر الشاكري فحمل عليه الجندعي وأبو الزبير بن كريب فصرعاه ودخلا
الجبانة ودخل الناس الجبانة في آثارهم وهم ينادون يا لثأرات الحسين فأجابهم
أصحاب ابن شميط يا لثأرات الحسين فسمعها يزيد بن عمير بن ذي مران من همدان
فقال يا لثأرات عثمان فقال لهم رفاعة بن شداد مالنا ولعثمان لا أقاتل مع قوم
يبغون دم عثمان فقال له أناس من قومه جئت بنا وأطعناك حتى إذا رأينا قومنا
تأخذهم السيوف قلت انصرفوا ودعوهم فعطف عليهم وهو يقول
أنا ابن شداد على دين على * لست لعثمان بن أروى بولي
لأصلين اليوم فيمن يصطلى * بحر نار الحرب غير مؤتلى
فقاتل حتى قتل وقتل يزيد بن عمير بن ذي مران وقتل النعمان بن صهبان
الجرمي ثم الراسبي وكان ناسكا ورفاعة بن شداد بن عوسجة الفتياني عند حمام
523

المهبذان الذي بالسبخة وكان ناسكا وقتل الفرات بن زحر بن قيس الجعفي
وارتث زحر بن قيس وقتل عبد الرحمن بن سعيد بن قيس وقتل عمر بن مخنف
وقاتل عبد الرحمن بن مخنف حتى ارتث وحملته الرجال على أيديها وما يشعر وقاتل
حوله رجال من الأزد فقال حميد بن مسلم
لأضربن عن أبي حكيم * مفارق الأعبد والصميم
وقال سراقة بن مرداس البارقي
يا نفس إلا تصبري تلبمى * لا نتولى عن أبي حكيم
واستخرج من دور الوادعيين خمسمائة أسير فأتى بهم المختار مكتفين فأخذ رجل
من بنى نهد وهو من رؤساء أصحاب المختار يقال له عبد الله بن شريك لا يخلو
بعربي إلا خلى سبيله فرفع ذلك المختار درهم مولى لبنى نهد فقال له المختار اعرضوهم على
وانظروا كل من شهد منهم قتل الحسين فأعلموني به فأخذوا لا يمر عليه برجل قد شهد
قتل الحسين إلا قيل له هذا ممن شهد قتله فيقدمه فيضرب عنقه حتى قتل منهم قبل
أن يخرج مائتين وثمانية وأربعين قتيلا وأخذ أصحابه كلما رأوا رجلا قد كان يؤذيهم
أو يماريهم أو يضربهم خلوا به فقتلوه حتى قتل ناس كثير منهم وما يشعر بهم
المختار فأخبر بذلك المختار بعد فدعى بمن بقى من الأسارى فأعتقهم وأخذ عليهم
المواثيق أن لا يجامعوا عليه عدوا ولا يبغوه ولا أصحابه غائلة إلا سراقة بن مرداس
البارقي فإنه أمر به أن يساق معه إلى المسجد قال ونادى منادى المختار إنه من أغلق بابه
فهو آمن إلا رجلا شرك في دم آل محمد صلى الله عليه وسلم (قال أبو مخنف) حدثني
المجالد بن سعيد عن عامر الشعبي أن يزيد بن الحارث بن يزيد بن رؤيم وحجار بن أبجر
بعثار سلالهما فقالا لهم كونوا من أهل اليمن قريبا فإن رأيتموهم قد ظهروا فأيكم سبق
إلينا فليقل صرفان وإن كانوا هزموا فليقل جمزان فلما هزم أهل اليمن أتتهم رسلهم
فقال لهم أول من انتهى إليهم جمزان فقام الرجلان فقالا لقومهما انصرفوا إلى
بيوتكم فانصرفوا وخرج عمرو بن الحجاج الزبيدي وكان ممن شهد قتل الحسين
فركب راحلته ثم ذهب عليها فأخذ طريق شراف وواقصة فلم ير حتى الساعة
524

ولا يدرى أرض بخسته أم سماء حصبته وأما فرات به زحر بن قيس فإنه لما
قتل بعثت عائشة بنت خليفة بن عبد الله الجعفية وكانت امرأة الحسين بن علي إلى
المختار تسأله أن يأذن لها أن توارى جسده ففعل فدفنته وبعث المختار غلاما له
يدعى زربيا في طلب شمر بن ذي الجوشن (قال أبو مخنف) فحدثني يونس بن أبي
إسحاق عن مسلم بن عبد الله الضبابي قال تبعنا زربي غلام المختار فلحقنا وقد
خرجنا من الكوفة على خيول لنا ضمر فأقبل يتمطر به فرسه فلما دنا منا قال لنا
شمر اركضوا وتباعدوا عنى لعل العبد يطمع في قال فركضنا فأمعنا وطمع العبد
في شمر وأخذ شمر ما يستطرد له حتى إذا انقطع من أصحابه حمل عليه شمر فدق ظهره
وأتى المختار فأخبر بذلك فقال بؤسا لزربى أما لو يستشيرني ما أمرته أن يخرج
لأبي السابغة (قال أبو مخنف) حدثني أبو محمد الهمداني عن مسلم بن عبد الله الضبابي
قال لما خرج شمر بن ذي الجوشن وأنا معه حين هزمنا المختار وقتل أهل
اليمن بجبانة السبيع ووجه غلاما زربيا في طلب شمر وكان من قتل شمر إياه
ما كان مضى شمر حتى ينزل ساتيدما ثم مضى حتى ينزل إلى جانب قرية يقال لها
الكلتانية على شاطئ نهر إلى جانب تل ثم أرسل إلى تلك القرية فأخذ منها
علجا فضربه ثم قال النجاء بكتابي هذا إلى المصعب بن الزبير وكتب عنوانه
للأمير المصعب بن الزبير من شمر بن ذي الجوشن قال فمضى العلج حتى
يدخل قرية فيها بيوت وفيها أبو عمرة وقد كان المختار بعثه في تلك الأيام
إلى تلك القرية ليكون مسلحة فيما بينه وبين أهل البصرة فلقى ذلك العلج علجا من
تلك القرية فأقبل يشكو إليه ما لقى من شمر فإنه لقائم معه يكلمه إذ مر به رجل
من أصحاب أبي عمرة فرأى الكتاب مع العلج وعنوانه لمصعب من شمر فسألوا
العلج عن مكانه الذي هو به فأخبرهم فذا ليس بينهم وبينه إلا ثلاثة فراسخ قال
فأقبلوا يسيرون إليه (قال أبو مخنف) فحدثني مسلم ابن عبد الله قال وأنا والله مع
شمر تلك الليلة فقلنا لو أنك ارتحلت بنا من هذا المكان فانا نتخوف به فقال أو كل
هذا فرقا من الكذاب والله لا أتحول منه ثلاثة أيام ملا الله قلوبكم رعبا قال
525

وكان بذلك المكان الذي كنا فيه دبى كثير فوالله إني لبين اليقظان والنائم إذ سمعت
وقع حوافر الخيل فقلت في نفسي هذا صوت الدبى ثم إني سمعته أشد من ذلك
فانتهبت ومسحت عيني وقلت لا والله ما هذا بالدبى قال وذهبت لاقوم فإذا أنا
بهم قد أشرفوا علينا من التل فكبروا ثم أحاطوا بأبياتنا وخرجنا نشتد على
أرجلنا وتركنا خيلنا قال فأمر على شمر وإنه لمتزر ببرد محقق وكان أبرص فكأني
أنظر إلى بياض كشحيه من فوق البرد فإنه ليطاعنهم بالرمح قد أعجلوه أن يلبس
سلاحه وثيابه فمضينا وتركناه قال فما هو إلا أن أمعنت ساعة إذ سمعت الله أكبر
قتل الله الخبيث (قال أبو مخنف) حدثني المشرقي عن عبد الرحمن بن عبيد أبى
الكنود قال أنا والله صاحب الكتاب الذي رأيته مع العلج وأتيت به أبا عمرة
وأنا قتلت شمرا قال قلت هل سمعته يقول شيئا ليلتئذ قال نعم خرج علينا فطاعننا
برمحه ساعة ثم ألقى رمحه ثم دخل بيته فأخذ سيفه ثم خرج علينا وهو يقول
نبهتم ليث عرين باسلا * حهما محياه يدق الكاهلا
لم ير يوما عن عدو ناكلا * إلا كذا مقاتلا أو قاتلا
يبرحهم ضربا ويروى العاملا
(قال أبو مخنف) عن يونس بن أبي إسحاق ولما خرج المختار من جبانة
السبيع وأقبل إلى القصر أخذ سراقة بن مرداس يناديه بأعلى صوته
امنن على اليوم يا خير معد * وخير من حل بشحر والجند
وخير من حيى ولبى وسجد
فبعث به المختار إلى السجن فحبسه ليلة ثم أرسل إليه من الغد فأخرجه فدعا
سراقة فأقبل إلى المختار وهو يقول
ألا أبلغ أبا إسحاق أنا * نزونا نزوة كانت علينا
خرجنا لا نرى الضعفاء شيئا * وكان خروجنا بطرا وحينا
نراهم في مصافهم قليلا * وهم مثل الدبى حين التقينا
برزنا إذ رأيناهم فلما * رأينا القوم قد برزوا إلينا
526

لقينا منهم ضربا طلحفا * وطعنا صائبا حتى انثنينا
نصرت على عدوك كل يوم * بكل كتيبة تنعى حسينا
كنصر محمد في يوم بدر * ويوم الشعب إذ لاقي حنينا
فاسجح إذ ملكت فلو ملكنا * لجرنا في الحكومة واعتدينا
تقبل توبة منى فإني * سأشكر إن جعلت النقد دينا
قال فلما انتهى إلى المختار قال له أصلحك الله أيها الأمير سراقة بن مرداس
يحلف بالله الذي لا إله إلا هو لقد رأى الملائكة تقاتل على الخيول البلق بين
السماء والأرض فقال له المختار فاصعد المنبر فأعلم ذلك المسلمين فصعد فأخبرهم
بذلك ثم نزل فخلا به المختار فقال إني قد علمت أنك لم تر الملائكة وإنما أردت
ما قد عرفت أن لا أقتلك فاذهب عنى حيث أحببت لا تفسد على أصحابي (قال
أبو مخنف) فحدثني الحجاج بن علي البارقي عن سراقة بن مرداس قال ما كنت
في أيمان حلفت بها فط أشد اجتهادا ولا مبالغة في الكذب منى في أيماني هذه التي
حلفت لهم بها أنى قد رأيت الملائكة معهم تقاتل فخلوا سبيله فهرب فلحق
بعبد الرحمن بن مخنف عند المصعب بن الزبير بالبصرة وخرج أشراف أهل
الكوفة والوجوه فلحقوا بمصعب بن الزبير بالبصرة وخرج سراقة بن مرداس
من الكوفة وهو يقول
ألا أبلغ أبا إسحاق أنى * رأيت البلق دهما مصمتات
كفرت بوحيكم وجعلت نذرا * على قتالكم حتى الممات
أرى عيني ما لم تبصراه * كلانا عالم بالترهات
إذا قالوا أقول لهم كذبتم * وإن خرجوا لبست لهم أداتى
* حدثني أبو السائب سلم بن جنادة قال حدثنا محمد بن براد من ولد أبى موسى
الأشعري عن شيخ قال لما أسر سراقة البارقي قال وأنتم أسرتموني ما أسرني إلا
قوم على دواب بلق عليهم ثياب بيض قال فقال المختار أولئك الملائكة فأطلقه فقال
ألا أبلغ أبا إسحاق أنى * رأيت البلق دهما مصمتات
527

أرى عيني ما لم يرأياه * كلانا عالم بالترهات
(قال أبو مخنف) حدثني عمير بن زياد أن عبد الرحمن بن سعيد بن قيس
الهمداني قال يوم جبانة السبيع ويحكم من هؤلاء الذين أتونا من ورائنا قيل له
شبام فقال يا عجبا يقاتلني بقومي من لا قوم له (قال أبو مخنف) وحدثني أبو روق
أن شرحبيل بن ذي بقلان من الناعطيين قتل يومئذ وكان من بيوتات همدان
فقال يومئذ قبل أن يقتل يا لها قتلة ما أضل مقتولها قتال مع غير إمام وقتال على
غير نية وتعجيل فراق الأحبة ولو قتلناهم إذا لم نسلم منهم إنا لله وإنا إليه راجعون
أما والله ما خرجت إلا مواسيا لقومي بنفسي مخافة أن يضطهدوا وأيم الله ما نجوت
من ذلك ولا أنجوا ولا أغنيت عنهم ولا أغنوا قال ويرميه رجل من الفائشيين
من همدان يقال له أحمر بن هديج بسهم فيقتله قال واختصم في عبد الرحمن بن
سعيد بن قيس الهمداني نفر ثلاثة سعر بن أبي سعر الحنفي وأبو الزبير الشبامي
ورجل آخر فقال سعر طعنته طعنة وقال أبو الزبير لكن ضربته أنا عشر ضربات
أو أكثر وقال لي ابنه يا أبا الزبير أثقتل عبد الرحمن بن سعيد سيد قومك فقلت
لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو
كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم فقال المختار كلكم محسن وانجلت
الوقعة عن سبعمائة وثمانين قتيلا من قومه (قال أبو مخنف) حدثني النضر بن
صالح أن القتل إذ ذاك كان استحر في أهل اليمن وأن مضر أصيب منهم بالكناسة
بضعة عشر رجلا ثم مضوا حتى مروا بربيعة فرجع حجار بن أبجر ويزيد بن
الحارث بن رؤيم وشداد بن المنذر أخو حصين وعكرمة بن ربعي فانصرف جميع
هؤلاء إلى رحالهم وعطف عليهم عكرمة فقاتلهم قتالا شديدا ثم انصرف عنهم
وقد خرج فجاء حتى دخل منزله فقيل له قد مرت خيل في ناحية الحي فخرج فأراد
أن يثب من حائط داره إلى دار أخرى إلى جانبه فلم يستطع حتى حمله غلام له
وكانت وقعة جبانة السبيع يوم الأربعاء لست ليال بقين من ذي الحجة سنة 66
قال وخرج أشراف الناس فلحقوا بالبصرة وتجرد المختار لقتلة الحسين فقال
528

ما من ديننا ترك قوم قتلوا الحسين يمشون أحياء في الدنيا آمنين بئس ناصر آل محمد
أنا إذا الكذاب كما سموني فانى بالله أستعين عليهم الحمد لله الذي جعلني سيفا ضربهم
به ورمحا طعنهم به وطالب وترهم والقائم بحقهم انه كان حقا على الله أن يقتل
من قتلهم وأن يذل من جهل حقهم فسموهم لي ثم اتبعوهم حتى تفنوهم (قال
أبو مخنف) فحدثني موسى بن عامر أن المختار قال لهم اطلبوا لي قتلة الحسين فإنه
لا يسوغ لي الطعام والشراب حتى أطهر الأرض منهم وأنفى المصر منهم (قال
أبو مخنف) وحدثني مالك بن أعين الجهني أن عبد الله بن دباس وهو الذي قتل
محمد بن عمار بن ياسر الذي قال الشاعر
قتيل ابن دباس أصاب قذا له
هو الذي دل المختار على نفر ممن قتل الحسين منهم عبد الله بن أسيد بن
النزال الجهني من حرقة ومالك بن النسير البدي وحمل بن مالك المحاربي
فبعث إليهم المختار أبا نمر مالك بن عمرو النهدي وكان من رؤساء أصحاب
المختار فأتاهم وهم بالقادسية فأخذهم فأقبل بهم حتى أدخلهم عليه عشاء فقال لهم
المختار يا أعداء الله وأعداء كتابه وأعداء رسوله وآل رسوله أين الحسين ابن علي
أدوا إلى الحسين قتلتم من أمرتم بالصلاة عليه في الصلاة فقالوا رحمك الله بعثنا ونحن
كارهون فامنن علينا واستبقنا قال المختار فهلا مننتم على الحسين بن بنت نبيكم
واستبقيتموه وسقيتموه ثم قال المختار للبدى أنت صاحب برنسه فقال له عبد الله
ابن كامل نعم هو هو فقال المختار اقطعوا يدي هذا ورجليه ودعوه فليضطرب حتى
يموت ففعل ذلك به وترك فلم يزل ينزف الدم حتى مات وأمر بالآخرين فقدما فقتل
عبد الله بن كامل عبد الله الجهني وقتل سعر بن أبي سعر حمل بن مالك المحاربي (قال
أبو مخنف) وحدثني أبو الصلت التيمي قال حدثني أبو سعيد الصيقل أن المختار دل
على رجال من قتلة الحسين دله عليهم سعر الحنفي قال فبعث المختار عبد الله بن كامل
فخرجنا معه حتى مر ببنى ضبيعة فأخذ منهم رجلا يقال له زياد بن مالك قال ثم مضى
إلى عنزة فأخذ منهم رجلا يقال له عمران بن خالد قال ثم بعثني في رجال معه يقال
529

لهم الدبابة إلى دار في الحمراء فيها عبد الرحمن بن أبي خشكارة البجلي وعبد الله بن
قيس الخولاني فجئنا بهم حتى أدخلناهم عليه فقال لهم يا قتلة الصالحين وقتلة سيد شباب
أهل الجنة ألا ترون الله قد أقاد منكم اليوم لقد جاءكم الورس بيوم نحس وكانوا قد
أصابوا من الورس الذي كان مع الحسين أخرجوهم إلى السوق فضربوا رقابهم ففعل
ذلك بهم فهؤلاء أربعة نفر (قال أبو مخنف) وحدثني سليمان بن أبي راشد عن حميد
ابن مسلم قال جاءنا السائب بن مالك الأشعري في خيل المختار فخرجت نحو عبد القيس
وخرج عبد الله وعبد الرحمن ابنا صلخب في أثرى وشغلوا بالاحتباس عليهما عنى
فنجوت وأخذوهما ثم مضوا بهما حتى مروا على منزل رجل يقال له عبد الله بن وهب
ابن عمرو ابن عم أعشى همدان من بنى عبد فأخذوه فانتهوا بهم إلى المختار فأمر بهم
فقتلوا في السوق فهؤلاء ثلاثة فقال حميد بن مسلم في ذلك حيث نجا منهم
ألم ترني على دهش * نجوت ولم أكد أنجو
رجاء الله أنقذني * ولم أك غيره أرجو
(قال أبو مخنف) حدثني موسى بن عامر العدوي من جهينة وقد عرف ذلك
الحديث شهم بن عبد الرحمن الجهني قال بعث المختار عبد الله بن كامل إلى عثمان بن
خالد بن أسير الدهماني من جهينة وإلى أبى أسماء بشر بن سوط القابضي وكانا ممن
شهدا قتل الحسين وكانا اشتركا في دم عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب وفى سلبه
فأحاط عبد الله بن كامل عند العصر بمسجد بنى دهمان ثم قال على مثل خطايا بنى دهمان
منذ يوم خلقوا إلى يوم يبعثون إن لم أوت بعثمان بن خالد بن أسير إن لم أضرب
أعناقكم من عند آخركم فقلنا له أمهلنا نطلبه فخرجوا معه الخيل في طلبه فوجدوهما
جالسين في الجبانة وكانا يريدان أن يخرجا إلى الجزيرة فأتى بهما عبد الله بن كامل
فقال الحمد لله الذي كفى المؤمنين القتال لو لم يجدوا هذا مع هذا عنانا إلى منزله في
طلبه فالحمد لله الذي حينك حتى أمكن منك فخرج بهما حتى إذا كان في موضع بئر
الجعد ضرب أعناقهما ثم رجع فأخبر المختار خبرهما فأمره أن يرجع إليهما فيحرقهما
بالنار وقال لا يدفنان حتى يحرقا فهذان رجلان فقال أعشى همدان يرثى عثمان الجهني
530

يا عين بكى فتى الفتيان عثمانا * لا يبعدن الفتى من آل دهمانا
واذكر فتى ماجدا حلوا شمائله * ما مثله فارس في آل همدانا
قال موسى بن عامر وبعث معاذ بن هانئ بن عدي الكندي بن أخي حجر وبعث
أبا عمرة صاحب حرسه فساروا حتى أحاطوا بدار خولي بن يزيد الأصبحي
وهو صاحب رأس الحسين الذي جاء به فاختبى في مخرجه فأمر معاذ أبا عمرة أن
يطلبه في الدار فخرجت امرأته إليهم فقالوا لها أين زوجك فقالت لا أدرى أين هو
وأشارت بيدها إلى المخرج فدخلوا فوجدوه قد وضع على رأسه قوصرة فأخرجوه
وكان المختار يسير بالكوفة ثم إنه أقبل في أثر أصحابه وقد بعث أبو عمرة إليه رسولا
فاستقبل المختار الرسول عند دار أبى بلال ومعه ابن كامل فأخبره الخبر فأقبل
المختار نحوهم فاستقبل به فردده حتى قتله إلى جانب أهله ثم دعا بنار فحرقه ثم لم يبرح
حتى عاد رمادا ثم انصرف عنه وكانت امرأته من حضرت موت يقال لها العيوف بنت
مالك بن نهار بن عقرب وكانت نصبت له العداوة حين جاء برأس الحسين (قال
أبو مخنف) وحدثني موسى بن عامر أبو الأشعر أن المختار قال ذات يوم وهو يحدث
جلساءه لأقتلن غدا رجلا عظيم القدمين غائر العينين مشرف الحاجبين يسر مقتله
المؤمنين والملائكة المقربين قال وكان الهيثم بن الأسود النخعي عند المختار حين سمع هذه
المقالة فوقع في نفسه أن الذي يريد عمر بن سعد بن أبي وقاص فلما رجع إلى منزله دعا ابنه
العريان فقال الق ابن سعد الليلة فخبره بكذا وكذا وقل له خذ حذرك فإنه لا يريد غيرك
قال فأتاه فاستخلاه ثم حدثه الحديث فقال له عمر بن سعد جزى الله أباك والاخاء
خيرا كيف يريد هذا بي بعد الذي أعطاني من العهود والمواثيق وكان المختار أول ما ظهر
أحسن شئ سيرة وتألفا للناس وكان عبد الله بن جعدة بن هبيرة أكرم خلق الله على
المختار لقرابته بعلى فكلم عمر بن سعد عبد الله بن جعدة وقال له إني لا آمن هذا الرجل
يعنى المختار فخذ لي منه أمانا ففعل قال فأنا رأيت أمانه وقرأته بسم الله الرحمن الرحيم
هذا أمان من المختار بن أبي عبيد لعمر بن سعد بن أبي وقاص إنك آمن بأمان الله
على نفسك ومالك وأهلك وأهل بيتك وولدك لا تؤاخذ بحدث كان منك قديما
531

ما سمعت وأطعت ولزمت رحلك وأهلك ومصرك فمن لقى عمر بن سعد من شرطة
الله وشيعة آل محمد ومن غيرهم من الناس فلا يعرض له إلا بخير شهد السائب بن
مالك وأحمر بن شميط وعبد الله بن شداد وعبد الله بن كامل وجعل المختار على
نفسه عهد الله وميثاقه ليفين لعمر بن سعد بما أعطاه من الأمان إلا أن يحدث
حدثا وأشهد الله على نفسه وكفى بالله شهيدا قال فكان أبو جعفر محمد بن علي
يقول أما أمان المختار لعمر بن سعد إلا أن يحدث حدثا فإنه كان يريد به إذا دخل
الخلاء فأحدث قال فلما جاءه العريان بهذا خرج من تحت ليلته حتى أتى حمامه ثم قال
في نفسه أنزل داري فرجع فعبر الروحاء ثم أتى داره غدوة وقد أتى حمامه فأخبر
مولى له بما كان من أمانه وبما أريد به فقال له مولاه وأي حدث أعظم مما
صنعت إنك تركت رحلك وأهلك وأقبلت إلى ههنا ارجع إلى رحلك لا تجعلن
للرجل عليك سبيلا فرجع إلى منزله وأتى المختار بانطلاقه فقال كلا إن في عنقه
سلسلة سترده لو جهد أن ينطلق ما استطاع قال وأصبح المختار فبعث إليه أبا عمرة
وأمره أن يأتيه به فجاءه حتى دخل عليه فقال أجب الأمير فقام عمر فعثر في جبة
له ويضربه أبو عمرة بسيفه فقتله وجاء برأسه في أسفل قبائه حتى وضعه بين يدي
المختار فقال المختار لابنه حفص بن عمر بن سعد وهو جالس عنده أتعرف هذا
الرجل فاسترجع وقال نعم ولا خير في العيش بعده قال له المختار صدقت فإنك
لا تعيش بعده فأمر به فقتل وإذا رأسه مع رأس أبيه ثم إن المختار قال هذا بحسين
وهذا بعلى بن حسين ولا سواء والله لو قتلت به ثلاثة أرباع قريش ما وفوا
أنملة من أنامله فقالت حميدة بنت عمر بن سعد تبكى أباها
لو كان غير أخي قسى غره * أو غير ذي يمن وغير الأعجم
سخى بنفسي ذاك شيئا فاعلموا * عنه وما البطريق مثل الآلام
أعطى ابن سعد في الصحيفة وابنه * عهدا يلين له جناح الأرقم
فلما قتل المختار عمر بن سعد وابنه بعث برأسيهما مع مسافر بن سعيد بن نمران
الناعطي وظبيان بن عمارة التميمي حتى قدما بهما على محمد بن الحنفية وكتب إلى
532

ابن الحنفية في ذلك بكتاب (قال أبو مخنف) وحدثني موسى بن عامر قال إنما كان
هيج المختار على قتل عمر بن سعد أن يزيد بن شراحيل الأنصاري أتى محمد بن الحنفية
فسلم عليه فخري الحديث إلى أن تذاكروا المختار وخروجه وما يدعو إليه من
الطلب بدماء أهل البيت فقال محمد بن الحنفية على أهون رسله يزعم أنه لنا شعة وقتلة
الحسين جلساؤه على الكراسي يحدثونه قال فوعاها الآخر منه فلما قدم الكوفة
أتاه فسلم عليه فسأله المختار هل لقيت المهدى فقال له نعم فقال ما قال لك وما ذاكرك
قال فخبره الخبر قال فما لبث المختار عمر بن سعد وابنه أن قتلهما ثم بعث برؤوسهما
إلى ابن الحنفية مع الرسولين اللذين سمينا وكتب معهما إلى ابن الحنفية بسم الله
الرحمن الرحيم للمهدى محمد بن علي من المختار بن أبي عبيد سلام عليك يا أيها المهدى
فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فان الله بعثني نقمة على أعدائكم
فهم بين قتيل وأسير وطريد وشريد فالحمد لله الذي قتل قاتليكم ونصر مؤازريكم
وقد بعثت إليك برأس عمر بن سعد وابنه وقد قتلنا من شرك في دم الحسين وأهل
بيته رحمة الله عليهم كل من قدرنا عليه ولن يعجز الله من بقى ولست بمنجم عنهم
حتى لا يبلغني أن على أديم الأرض منهم أرميا فاكتب إلى أيها المهدى برأيك أتبعه
وأكون عليه والسلام عليك أيها المهدى ورحمة الله وبركاته ثم إن المختار بعث
عبد الله بن كامل إلى حكيم بن طفيل الطائي السنبسي وقد كان أصاب صلب العباس
ابن علي ورمى حسينا بسهم فكان يقول تعلق سهمي بسرباله وما ضره فأتاه
عبد الله بن كامل فأخذه ثم أقبل به وذهب أهله فاستغاثوا بعدي بن حاتم فلحقهم
في الطريق فكلم عبد الله بن كامل فيه فقال ما إلى من أمره شئ إنما ذلك إلى الأمير
المختار قال فإني آتيه قال فأته راشدا فمضى عدى نحو المختار وكان المختار قد شفعه
في نفر من قومه أصابهم يوم جبانة السبيع لم يكونوا نطقوا بشئ من أمر الحسين
ولا أهل بيته فقالت الشيعة لابن كامل إنا نخاف أن يشفع الأمير عدى بن حاتم
في هذا الخبيث وله من الذنب ما قد علمت فدعنا نقتله قال شأنكم به فلما انتهوا به
إلى دار العنزيين وهو مكتوف نصبوه غرضا ثم قالوا له سلبت ابن علي ثيابه والله
533

لنسلبن ثيابك وأنت حي تنظر فنزعوا ثيابه ثم قالوا له رميت حسينا واتخذته
غرضا لنبلك وقلت تعلق سهمي بسرباله ولم يضره وأيم الله لنرمينك كما رميته
بنبال ما تعلق بك منها أجزاك قال فرموه رشقا واحدا فوقعت به منهم نبال كثيرة
فخر ميتا (قال أبو مخنف) فحدثني أبو الجارود عمن رآه قتيلا كأنه قنفذ لما فيه
من كثرة النبل ودخل عدى بن حاتم على المختار فأجلسه معه على مجلسه فأخبره
عدى عما جاء له فقال له المختار أتستحل يا أبا طريف أن تطلب في قتلة الحسين
قال إنه مكذوب عليه أصلحك الله قال إذا ندعه لك قال فلم يكن بأسرع من أن
دخل ابن كامل فقال له المختار ما فعل الرجل قال قتلته الشيعة قال وما أعجلك إلى
قتله قبل أن تأتيني به وهو لا يسره أنه لم يقتله وهذا عدى قد جاء فيه وهو أهل
أن يشفع ويؤتى ما سره قال غلبتني والله الشيعة قال له عدى كذبت يا عدو
الله ولكن ظننت أن من هو خير منك سيشفعني فيه فبادرتني فقتلته ولم يكن خطر
يدفعك عما صنعت قال فاسحنفر إليه ابن كامل بالشتيمة فوضع المختار أصبعه على
فيه يأمر ابن كامل بالسكوت والكف عن عدى فقام عدى راضيا عن المختار
ساخطا على ابن كامل يشكوه عند من لقى من قومه وبعث المختار إلى قاتل على
ابن الحسين عبد الله بن كامل وهو رجل من عبد القيس يقال له مرة بن منقذ بن النعمان
العبدي وكان شجاعا فأتاه ابن كامل فأحاط بداره فخرج إليهم وبيده الرمخ وهو على
فرس جواد فطعن عبيد الله بن ناجية الشبامي فصرعه ولم يضره قال ويضربه ابن
كامل بالسيف فيتقيه بيده اليسرى فأسرع فيها السيف وتمطرت به الفرس فأفلت ولحق
بمصعب وشلت يده بعد ذلك قال وبعث المختار أيضا عبد الله الشاكري إلى رجل من
جنب يقال له زيد بن رقاد كان يقول لقد رميت فتى منهم بسهم وإنه لواضع كفه
على جبهته يتقى النبل فأثبت كفه في جبهته فما استطاع أن يزيل كفه عن جبهته (قال
أبو مخنف) فحدثني أبو عبد الاعلى الزبيدي أن ذلك الفتى عبد الله بن مسلم بن
عقيل وأنه قال حيث أثبت كفه في جبهته اللهم إنهم استقلونا واستذلونا اللهم
فاقتلهم كما قتلونا وأذلهم كما استذلونا ثم إنه رمى الغلام بسهم آخر فقتله فكان
534

يقول جئته ميتا فنزعت سهمي الذي قتله به من جوفه فلم أزل أنضنض السهم
من جبهته حتى نزعته وبقى النصل في جبهته مثبتا ما قدرت على نزعه قال فلما
أتى ابن كامل داره أحاط بها واقتحم الرجال عليه فخرج مصلتا بسيفه وكان شجاعا
فقال ابن كامل لا تضربوه بسيف ولا تطعنوه برمح ولكن ارموه بالنبل وارجموه
بالحجارة ففعلوا ذلك به فسقط فقال ابن كامل إن كان به رمق فأخرجوه فأخرجوه
وبه رمق فدعا بنار فحرقه بها وهو حي لم تخرج روحه وطلب المختار سنان بن أنس
الذي كان يدعى قتل الحسين فوجده قد هرب إلى البصرة فهدم داره وطلب المختار
عبد الله بن عقبة الغنوي فوجده قد هرب ولحق بالجزيرة فهدم داره وكان ذلك
الغنوي قد قتل منهم غلاما وقتل رجل آخر من بنى أسد يقال له حرملة بن كاهل
رجلا من آل الحسين ففيهما يقول ابن أبي عقب الليثي
وعند غنى قطرة من دمائنا * وفى أسد أخرى تعد وتذكر
وطلب رجلا من خثعم يقال له عبد الله بن عروة الخثعمي كان يقول رميت
فيهم باثني عشر سهما ضيعة ففاته ولحق بصعب فهدم داره وطلب رجلا من
صداء يقال له عمرو بن صبيح وكان يقول لقد طعنت بعضهم وجرجت فيهم وما
قتلت منهم أحدا فأتى ليلا وهو على سطحه وهو لا يشعر بعد ما هدأت العيون
وسيفه تحت رأسه فأخذوه أخذا وأخذوا سيفه فقال قبحك الله سيفا ما أقربك
وأبعدك فجئ به إلى المختار فحبسه معه في القصر فلما أن أصبح أذن لأصحابه وقيل
ليدخل من شاء أن يدخل ودخل الناس وجئ به مقيدا فقال أما والله يا معشر
الكفرة الفجرة أن لو بيدي سيفي لعلمتم أنى بنصل السيف غير رعش ولا رعديد
ما يسرني إذ كانت منيتي قتلا أنه قتلني من الخلق أحد غيركم لقد عملت أنكم شرار
خلق الله غير أنى وددت أن بيدي سيفا أضرب به فيكم ساعة ثم رفع يده فلطم
عين ابن كامل وهو إلى جنبه فضحك ابن كامل ثم أخذ بيده وأمسكها ثم قال إنه
يزعم أنه قد جرح في آل محمد وطعن فمرنا بأمرك فيه فقال المختار على بالرماح
فأتى بها فقال اطعنوه حتى يموت فطعن بالرماح حتى مات (قال أبو مخنف)
535

حدثني هشام بن عبد الرحمن وابنه الحكم بن هشام ان أصحاب المختار مروا بدار
بنى أبى زرعة بن مسعود فرموهم من فوقها فأقبلوا حتى دخلوا الدار فقتلوا الهبياط
ابن عثمان بن أبي زرعة الثقفي وعبد الرحمن بن عثمان بن أبي زرعة الثقفي وأفلتهم
عبد المالك بن أبي زرعة بضربة في رأسه فجاء يشتد حتى دخل على المختار فأمر
امرأته أم ثابت ابنة سمرة بن جندب فداوت شجته ثم دعاه فقال لا ذنب لي انكم
رميتم القوم فأغضبتموهم وكان محمد بن الأشعث بن قيس في قرية الأشعث إلى
جنب القادسية فبعث المختار إليه حوشبا سادن الكرسي في مائة فقال انطلق إليه
فإنك تجده لاهيا متصيدا أو قائما متلبدا أو خائفا متلددا أو كامنا متغمدا فإن
قدرت عليه فأتني برأسه فخرج حتى أتى قصره فأحاط به وخرج منه محمد بن الأشعث
فلحق بمصعب وأقاموا على القصر وهم يرون أنه فيه ثم إنهم دخلوا فعلموا أنه قد
فاتهم فانصرفوا إلى المختار فبعث إلى داره فهدمها وبنى بلبنها وطينها دار حجر بن عدي
الكندي وكان زياد بن سمية قد هدمها (قال أبو جعفر) وفى هذه السنة
دعى المثنى به مخربة العبدي إلى البيعة للمختار بالبصرة أهلها * فحدثني أحمد بن
زهير عن علي بن محمد عن عبد الله بن عطية الليثي وعامر بن الأسود أن المثنى بن
مخربة العبدي كان ممن شهد عين الوردة مع سليمان بن صرد ثم رجع مع من رجع
ممن بقى من التوابين إلى الكوفة والمختار محبوس فأقام حتى خرج المختار من السجن
فبايعه المثنى سرا وقال له المختار الحق ببلدك بالبصرة فارع الناس وأسر أمرك
فقدم البصرة فدعا فأجابه رجال من قومه وغيرهم فلما أخرج المختار ابن مطيع
من الكوفة ومنع عمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام من الكوفة خرج
المثنى بن مخربة فاتخذ مسجدا واجتمع إليه قومه ودعا إلى المختار ثم أتى مدينة
الرزق فعسكر عندها وجمعوا الطعام في المدينة ونحروا الجزر فوجه إليهم القباع
عباد بن حصين وهو على شرطته وقيس بن الهيثم في الشرط والمقاتلة فأخذوا
في سكة الموالى حتى خرجوا إلى السبخة فوقفوا ولزم الناس دورهم فلم يخرج أحد
فجعل عباد ينظر هل يرى أحدا يسأله فلم ير أحدا فقال أما ههنا رجل من بنى تميم
536

فقال خليفة الأعور مولى بنى عدى عدى الرباب هذه دار وراد مولى بنى عبد شمس
قال دق الباب فدقه فخرج إليه وراد فشتمه عباد وقال ويحك أنا واقف ههنا لم
تخرج إلى قال لم أدر ما يوافقك قال شد عليك سلاحك واركب ففعل ووقفوا
وأقبل أصحاب المثنى فواقفوهم فقال عباد لوراد قف مكانك مع قيس فوقف قيس بن
الهيثم ووراد ورجع عباد فأخذ في طريق الذباحين والناس وقوف في السبخة حتى أتى
الكلأ ولمدينة الرزق أربعة أبواب باب مما يلي البصرة وباب إلى الخلالين وباب إلى
المسجد وباب إلى مهب الشمال فأتى الباب الذي يلي النهر مما يلي أصحاب السقط وهو
باب صغير فوقف ودعا بسلم فوضعه مع حائط المدينة فصعد ثلاثون رجلا وقال لهم
الزموا السطح فإذا سمعتم التكبير فكبروا على السطوح ورجع عباد إلى قيس بن
الهيثم وقال لو راد حرش القوم نطاردهم وراد ثم؟؟ القتال فقتل أربعون رجلا
من أصحاب المثنى وقتل رجل من أصحاب عباد وسمع الذين على السطوح في دار الرزق
الضجة والتكبير فكبروا فهرب من كان في المدينة وسمع المثنى وأصحابه التكبير
من ورائهم فانهزموا وأمر عباد وقيس بن الهيثم الناس بالكف عن اتباعهم وأخذوا
مدينة الرزق وما كان فيها واتى المثنى وأصحابه عبد القيس ورجع عباد وقيس
ومن معهم إلى القباع فوجههما إلى عبد القيس فأخذ قيس بن الهيثم من ناحية
الجسر وأتاهم عباد من طريق المربد فالتقوا فأقبل زياد بن عمرو العتكي إلى
القباع وهو في المسجد جالس على المنبر فدخل زياد المسجد على فرسه فقال أيها
الرجل لتردن خيلك عن إخواننا أو لنقاتلنها فأرسل القباع الأحنف بن قيس
وعمر بن عبد الرحمن المخزومي ليصلحا أمر الناس فأتيا عبد القيس فقال الأحنف
لبكر والأزد وللعامة ألستم على بيعة ابن الزبير قالوا بلى ولكنا لا نسلم إخواننا
قال فمروهم فليخرجوا إلى أي بلاد أحبوا ولا يفسدوا هذا المصر على أهله وهم
آمنون فليخرجوا حيث شاؤوا؟ فمشى مالك بن مسمع وزياد بن عمرو ووجوه أصحابهم
لي المثنى فقالوا له ولأصحابه إنا والله ما نحن على رأيكم ولكنا كرهنا أن تضاموا
لحقوا بصاحبكم فان من أجابكم إلى رأيكم قليل وأنتم آمنون فقبل المثنى قولهما
537

وما أشارا به وانصرف ورجع الأحنف وقال ما غبنت رأيي إلا يومى هذا إني
أتيت هؤلاء القوم وخلفت بكرا والأزد ورائي ورجع عباد وقيس إلى القباع
وشخص المثنى إلى المختار بالكوفة في نفر يسير من أصحابه وأصيب في تلك الحرب
سويد بن رئاب الشنى وعقبة بن عشيرة الشنى قتله رجل من بنى تميم وقتل التميمي
فولغ أخوه عقبة بن عشيرة في دم التميمي وقال ثأري وأخبر المثنى المختار حين
قدم عليه بما كان من أمر مالك بن مسمع وزياد بن عمرو ومسيرهما إليه وذبهما
عنه حتى شخص عن البصرة فطمع المختار فيهما فكتب إليهما أما بعد فاسمعا وأطيعا
أوتكما من الدنيا ما شئتما وأضمن لكما الجنة فقال مالك لزياد يا أبا المغيرة قد أكثر
لنا أبو إسحاق إعطاءنا الدنيا والآخرة فقال زياد مازحا لمالك يا أبا غسان أما أنا
فلا أقاتل نسيئة من أعطانا الدراهم قاتلنا معه وكتب المختار إلى الأحنف بن قيس
من المختار إلى الأحنف ومن قبله فسلم أنتم أما بعد فويل أم ربيعة من مضر فإن
الأحنف مورد قومه سقر حيث لا يستطيع لهم الصدر وإني لا أملك ما خط في
القدر وقد بلغني أنكم تسمونني كذابا وقد كذب الأنبياء من قبلي ولست نجبر
من كثير منهم وكتب إلى الأحنف
إذا اشتريت فرسا من مالكا * ثم أخذت الجوب في شمالكا
فاجعل مصاعا حذما من بالكا
* حدثني أبو السائب سلم بن جنادة قال حدثنا الحسن بن حماد عن حيان بن علي
عن المجالد عن الشعبي قال دخلت البصرة فقعدت إلى حلقة فيها الأحنف بن
قيس فقال لي بعض القوم من أنت قلت رجل من أهل الكوفة قال أنتم موال
لنا قلت وكيف قال قد أنقذناكم من أيدي عبيدكم من أصحاب المختار قلت تدرى
ما قال شيخ همدان فينا وفيكم فقال الأحنف بن قيس وما قال قلت قال
أفخرتم إن قتلتم أعبدا * وهزمتم مرة آل عزل
وإذا فاخرتمونا فاذكروا * ما فعلنا بكم يوم الجمل
بين شيخ خاضب عثنونه * وفتى أبيض وضاح رفل
538

جاءنا يهدج في سابغة * فذبحناه ضحى ذبح الحمل
وعفونا فنسيتم عفونا * وكفرتم نعمة الله الاجل
وقتلتم خشبيين بهم * بدلا من قومكم شر بدل
فغضب الأحنف فقال يا غلام هات تلك الصحيفة فأتى بصحيفة فيها بسم الله
الرحمن الرحيم من المختار بن أبي عبيد إلى الأحنف بن قيس أما بعد فويل أم ربيعة
ومضر فإن الأحنف مورد قومه سقر حيث لا يقدرون على الصدر وقد بلغني
أنكم تكذبوني وإن كذبت فقد كذب رسول من قبلي ولست أنا خيرا منهم فقال
هذا منا أو منكم (وقال هشام) بن محمد عن أبي مخنف قال حدثني منيع بن العلاء
السعدي أن مسكين بن عامر بن أنيف بن شريح بن عمرو بن عدس كان فيمن
قاتل المختار فلما هزم الناس لحق بآذربيجان بمحمد بن عمير بن عطارد وقال
عجبت دختنوس لما رأتني * قد علاني من المشيب خمار
فأهلت بصوتها وأرنت * لا تهالى قد شاب منى العذار
إن تريني قد بان غرب شبابي * وأتى دون مولدي أعصار
فابن عامين وابن خمسين عاما * أي دهر إلا له أدهار
ليت سيفي لها وجوبتها لي * يوم قالت ألا كريم يغار
ليتنا قبل ذلك اليوم متنا * أو فعلنا ما تفعل الأحرار
فعل قوم تقاذف الخير عنهم * لم نقاتل وقاتل العيزار
وتوليت عنهم وأصيبوا * ونفاني عنهم شنار وعار
لهف نفسي على شهاب قريش * يوم يؤتى برأسه المختار
وقال المتوكل
قتلوا حسينا ثم هم ينعونه * إن الزمان بأهله أطوار
لا تبعدن بالطف قتلى ضيعت * وسقى مساكن هامها الأمطار
ما شرطة الدجال تحت لوائه * بأضل ممن غره المختار
أبنى قسى أوثقوا دجالكم * يجلى الغبار وأنتم أحرار
539

لو كان علم الغيب عند أخيكم * لتوطأت لكم به الأحبار
ولكان أمرا بينا فيما مضى * تأتى به الانباء والاخبار
إني لأرجو أن يكذب وحيكم * طعن يشق عصاكم وحصار
ويجيئكم قوم كأن سيوفهم * بأكفهم تحت العجاجة نار
لا ينثنون إذا هم لاقوكم * إلا وهام كماتكم أعشار
(قال أبو جعفر) وفى هذه السنة بعث المختار جيشا إلى المدينة للمكر بابن
الزبير وهو مظهر له أنه وجههم معونة له لحرب الجيش الذي كان عبد الملك بن
مروان وجهه إليه لحربه فنزلوا وادى القرى
ذكر الخبر عن السبب الداعي كان للمختار إلى توجيه ذلك الجيش
وإلى ما صار أمرهم
(قال هشام بن محمد) قال أبو مخنف حدثني موسى بن عامر قال لما أخرج
المختار ابن مطيع من الكوفة لحق بالبصرة وكره أن يقدم على ابن الزبير بمكة
وهو مهزوم مفلول فكان بالبصرة مقيما حتى قدم عليه عمر بن عبد الرحمن بن
هشام فصارا جميعا بالبصرة وكان سبب قدوم عمر البصرة أن المختار حين ظهر
بالكوفة واستجمع له الامر وهو عند الشيعة إنما يدعو إلى ابن الحنفية والطلب بدماء
أهل البيت أخذ يخادع ابن الزبير ويكتب إليه فكتب إليه أما بعد فقد عرفت
مناصحتي إياك وجهدي على أهلي عداوتك وما كنت أعطيتني إذا أنا فعلت ذلك
من نفسك فلما وفيت لك وقضيت الذي كان لك على خست بي ولم تف بما
عاهدتني عليه ورأيت منى ما قد رأيت فإن ترد مراجعتي أراجعك وإن ترد
مناصحتي أنصح لك وهو يريد بذلك كفه عنه حتى يستجمع له الامر وهو لا يطلع
الشيعة على شئ من هذا الامر وإذا بلغهم شئ منه أراهم أنه أبعد الناس عن ذلك
قال فأراد ابن الزبير أن يعلم أسلم هو أم حرب فدعا عمر بن عبد الرحمن بن الحارث
ابن هشام المخزومي فقال له تجهز إلى الكوفة فقد وليناكها فقال كيف وبها
المختار قال إنه يزعم إنه سامع مطيع قال فتجهز بما بين الثلاثين الألف درهم إلى
540

الأربعين ألفا ثم خرج مقبلا إلى الكوفة قال ويجئ عين المختار من مكة حتى
أخبره الخبر فقال له بكم تجهز قال بما بين الثلاثين ألفا إلى الأربعين ألفا قال فدعا
المختار زائدة بن قدامة وقال له احمل معك سبعين ألف درهم ضعف ما أنفق هذا
في مسيره إلينا وتلقه في المفاوز وأخرج معك بمسافر بن سعيد بن نمران الناعطي
في خمسمائة فارس دارع رامح عليهم البيض ثم قل له خذ هذه النفقة فإنها ضعف
نفقتك فإنه قد بلغنا أنك تجهزت وتكلفت قدر ذلك فكرهنا أن تغرم فخذها
وانصرف فان فعل وإلا فأره الخيل وقل له إن وراء هؤلاء مثلهم مائة كتيبة
قال فأخذ زائدة المال وأخرج معه الخيل وتلقاه بالمفاوز وعرض عليه المال
وأمره بالانصراف فقال له ان أمير المؤمنين قد ولانى الكوفة ولابد من إنفاذ
أمره فدعا زائدة بالخيل وقد أكمنها في جانب فلما رآها قد أقبلت قال هذا الآن
أعذر لي وأجمل بي هات المال فقال له زائدة أما انه لم يبعث به إليك إلا لما بينك
وبينه فدفعه إليه فأخذه ثم مضى راجعا نحو البصرة فاجتمع بها هو وابن مطيع في
إمارة الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة وذلك قبل وثوب المثنى بن مخربة العبدي
بالبصرة (قال أبو مخنف) فحدثني إسماعيل بن نعيم أن المختار أخبر أن أهل الشأم
قد أقبلوا نحو العراق فعرف أنه به يبدأ فخشى أن يأتيه أهل الشأم من قبل المغرب
ويأتيه مصعب بن الزبير من قبل البصرة فوادع ابن الزبير وداراه وكايده وكان
عبد الملك بن مروان قد بعث عبد الملك بن الحارث بن الحكم بن أبي العاص إلى
وادى القرى والمختار لابن الزبير مكايد موادع فكتب المختار إلى ابن الزبير
أما بعد فقد بلغني أن عبد الملك بن مروان قد بعث إليك جيشا فان أحببت أن أمدك
بمدد أمددتك فكتب إليه عبد الله بن الزبير أما بعد فان كنت على طاعتي فلست
أكره أن تبعث الجيش إلى بلادي وتبايع لي الناس قبلك فإذا أتتني بيعتك صدقت
مقالتك وكففت جنودي عن بلادك وعجل على بتسريح الجيش الذي أنت باعثه
ومرهم فليسيروا إلى من بوادي القرى من جند ابن مروان فليقاتلوهم والسلام
فدعا المختار شرحبيل بن ورس من همدان فسرحه في ثلاثة آلاف أكثرهم
541

الموالى ليس فيهم من العرب إلا سبعمائة رجل فقال له سر حتى تدخل المدينة فإذا
دخلتها فاكتب إلى بذلك حتى يأتيك أمري وهو يريد إذا دخلوا المدينة أن
يبعث عليهم أميرا من قبله ويأمر ابن ورس أن يمضى إلى مكة حتى يحاصر ابن
الزبير ويقاتله بمكة فخرج الآخر يسير قبل المدينة وخشي ابن الزبير أن يكون
المختار إنما يكيده فبعث من مكة إلى المدينة عباس بن سهل بن سعد في ألفين
وأمره أن يستنفر الاعراب وقال له ابن الزبير ان رأيت القوم في طاعتي فاقبل
منهم وإلا فكايدهم حتى تهلكهم ففعلوا وأقبل عباس بن سهل حتى لقى ابن ورس
بالرقيم وقد عبى ابن ورس أصحابه فجعل على ميمنته سلمان بن حمير الثوري من
همدان وعلى ميسرته عياش بن جعدة الجدلي وكانت خيله كلها في الميمنة والميسرة
فدنا فسلم عليه ونزل هو يمشى في الرجالة وجاء عباس في أصحابه وهم منقطعون
على غير تعبية فيجد ابن ورس على الماء قد عبى أصحابه تعبية القتال فدنا منهم
فسلم عليهم ثم قال أخل معي ههنا فخلا به فقال له رحمك الله ألست في طاعة ابن
الزبير فقال له ابن ورس بلى قال فسر بنا إلى عدوه هذا الذي بوادي القرى فان
ابن الزبير حدثني أنه إنما أشخصكم صاحبكم إليهم قال ابن ورس ما أمرت
بطاعتك إنما أمرت أن أسير حتى آتي المدينة فإذا نزلتها رأيت رأيي قال له عباس
ابن سهل فان كنت في طاعة ابن الزبير فقد أمرني أن أسير بك وبأصحابك إلى
عدونا الذين بوادي القرى فقال له ابن ورس ما أمرت بطاعتك وما أنا بمتبعك
دون أن أدخل المدينة ثم اكتب إلى صاحبي فيأمرني بأمره فلما رأى عباس بن
سهل لجاجته عرف خلافه فكره أن يعلمه أنه قد فطن له فقال فرأيك أفضل
اعمل بما بدا لك فأما أنا فإني سائر إلى وادى القرى ثم جاء عباس بن سهل فنزل
بالماء وبعث إلى ابن ورس بجزائر كانت معه فأهداها له وبعث إليه بدقيق وغنم
مسلخة وكان ابن ورس وأصحابه قد هلكوا جوعا فبعث عباس بن سهل إلى كل
عشرة منهم شاة فذبحوها واشتغلوا بها واختلطوا على الماء وترك القوم تعبيتهم
وأمن بعضهم بعضا فلما رأى عباس بن سهل ما هم فيه من الشغل جمع من أصحابه
542

نحوا من ألف رجل من ذوي البأس والنجدة ثم أقبل نحو فسطاط شرحبيل بن
ورس فلما رآهم ابن ورس مقبلين إليه نادى في أصحابه فلم يتواف إليه مائة رجل
حتى انتهى إليه عباس بن سهل وهو يقول يا شرطة الله إلى إلى قاتلوا المحلين أولياء
الشيطان الرجيم فإنكم على الحق والهدى وقد غدروا وفجروا (قال أبو مخنف)
فحدثني أبو يوسف أن عباسا انتهى إليهم وهو يقول:
أنا ابن سهل فارس غير وكل * أروع مقدام إذا الكبش نكل
وأعتلي رأس الطرماح البطل * بالسيف يوم الروع حتى ينخزل
قال فوالله ما اقتتلنا إلا شيئا ليس بشئ حتى قتل ابن ورس في سبعين من
أهل الحفاظ ورفع عباس بن سهل راية أمان لأصحاب ابن ورس فأتوها إلا نحوا
من ثلثمائة رجل انصرفوا مع سلمان بن حمير الهمداني وعياش بن جعدة الجدلي
فلما وقعوا في يد عباس بن سهل أمر بهم فقتلوا إلا نحوا من مائتي رجل كره ناس
من الناس ممن دفعوا إليهم قتلهم فخلوا سبيلهم فرجعوا فمات أكثرهم في الطريق
فلما بلغ المختار أمرهم ورجع من رجع منهم قام خطيبا فقال ألا إن الفجار الأشرار
قتلوا الأبرار الأخيار ألا إنه كان أمرا مأتيا وقضاء مقضيا وكتب المختار إلى ابن
الحنفية مع صالح بن مسعود الخثعمي (بسم الله الرحمن الرحيم) أما بعد فإني كنت
بعثت إليك جندا ليذلوا لك الأعداء وليحوزوا لك البلاد فساروا إليك حتى إذا
أظلوا على طيبة لقيهم جند الملحد فخدعوهم بالله وغروهم بعهد الله فلما اطمأنوا
إليهم ووثقوا بذلك منهم وثبوا عليهم فقتلوهم فإن رأيت أن أبعث إلى أهل المدينة
من قبلي جيشا كثيفا وتبعث إليهم من قبلك رسلا حتى يعلم أهل المدينة أنى
في طاعتك وإنما بعثت الجند إليهم عن أمرك فافعل فإنك ستجد عظمهم بحقكم
أعرف وبكم أهل البيت أرأف منهم بآل الزبير الظلمة الملخدين والسلام عليك
فكتب إليه ابن الحنفية أما بعد فإن كتابك لما بلغني قرأته وفهمت تعظيمك لحقي
وما تنوى به من سروري وإن أحب الأمور كلها إلى ما أطيع الله فيه فأطع الله
ما استطعت فيما أعلنت وأسررت واعلم أنى لو أردت القتال لوجدت الناس إلى
543

سراعا والأعوان لي كثيرا ولكني أعتزلهم وأصبر حتى يحكم الله لي وهو خير
الحاكمين فأقبل صالح بن مسعود إلى ابن الحنفية فودعه وسلم عليه وأعطاه الكتاب
وقال له قل للمختار فليتق الله وليكفف عن الدماء قال فقلت له أصلحك الله
أو لم تكتب بهذا إليه قال ابن الحنفية قد أمرته بطاعة الله وطاعة الله تجمع الخير
كله وتنهى عن الشر كله فلما قدم كتابه على المختار أظهر للناس أنى قد أمرت بأمر
يجمع البر واليسر ويضرح الكفر والغدر (قال أبو جعفر) وفى هذه السنة قدمت
الخشبية مكة ووافوا الحج وأميرهم أبو عبد الله الجدلي
ذكر الخبر عن سبب قدومهم مكة
وكان السبب في ذلك فيما ذكر هشام عن أبي مخنف وعلي بن محمد عن مسلمة
ابن محارب أن عبد الله بن الزبير حبس محمد بن الحنفية ومن معه من أهل بيته
وسبعة عشر رجلا من وجوه أهل الكوفة بزمزم وكرهوا البيعة لمن لم تجتمع
عليه الأمة وهربوا إلى الحرم وتوعدهم بالقتل والاحراق وأعطى الله عهدا إن لم
يبايعوا أن ينفذ فيهم ما توعدهم به وضرب لهم في ذلك أجلا فأشار بعض من
كان مع ابن الحنفية عليه أن يبعث إلى المختار وإلى من بالكوفة رسولا يعلمهم
حالهم وحال من معهم وما توعدهم به ابن الزبير فوجه ثلاثة نفر من أهل الكوفة
حين نام الحرس على باب زمزم وكتب معهم إلى المختار وأهل الكوفة يعلمهم
حاله وحال من معه وما توعدهم به ابن الزبير من القتل والتحريق بالنار ويسألهم
أن لا يخذلوه كما خذلوا الحسين وأهل بيته فقدموا على المختار فدفعوا إليه الكتاب
فنادى في الناس وقرأ عليهم الكتاب وقال هذا كتاب مهديكم وصريح أهل بيت
نبيكم وقد تركوا محظورا عليهم كما يحظر على الغنم ينتظرون القتل والتحريق
بالنار في آناء الليل وتارات النهار ولست أبا إسحاق ان لم أنصرهم نصرا مؤزرا
وان لم أسرب إليهم الخيل في أثرا لخيل كالسيل يتلوه السيل حتى يحل بابن الكاهلية
الويل ووجه أبا عبد الله الجدلي في سبعين راكبا من أهل القوة ووجه ظبيان
ابن عثمان أخا بنى تميم ومعه أربعمائة وأبا المعتمر في مائة وهانئ بن قيس في مائة
544

وعمير بن طارق في أربعين ويونس بن عمران في أربعين وكتب إلى محمد بن علي
مع الطفيل بن عامر ومحمد بن قيس بتوجيه الجنود إليه فخرج الناس بعضهم في أثر
بعض وجاء أبو عبد الله حتى نزل ذات عرق في سبعين راكبا ثم لحقه عمير بن
طارق في أربعين راكبا ويونس بن عمران في أربعين راكبا فتموا خمسين ومائة
فسار بهم حتى دخلوا المسجد الحرام ومعهم الكافر كوبات وهم ينادون يا لثأرات
الحسين حتى انتهوا إلى زمزم وقد أعد ابن الزبير الحطب ليحرقهم وكان قد بقى من
الاجل يومان فطردوا الحرس وكسروا أعواد زمزم ودخلوا على ابن الحنفية
فقالوا له خل بيننا وبين عدو الله ابن الزبير فقال لهم انى لا أستحل القتال في حرم
الله فقال ابن الزبير أتحسبون انى مخل سبيلهم دون أن يبايع ويبايعوا فقال
أبو عبد الله الجدلي أي ورب الركن والمقام ورب الحل والحرام لتخلين سبيله
أو لنجالدنك بأسيافنا جلادا يرتاب منه المبطلون فقال ابن الزبير والله ما هؤلاء إلا أكلة
رأس والله لو أذنت لأصحابي ما مضت ساعة حتى تقطف رؤوسهم فقال له قيس بن
مالك أما والله إني لأرجو إن رمت ذلك أن يوصل إليك قبل أن ترى فينا ما تحب
فكف ابن الحنفية أصحابه وحذرهم الفتنة ثم قدم أبو المعتمر في مائة وهانئ بن قيس في مائة
وظبيان بن عمارة في مائتين ومعه المال حتى دخلوا المسجد فكبروا يا لثأرات الحسين
فلما رآهم ابن الزبير خافهم فخرج محمد بن الحنفية ومن معه إلى شعب على وهم يسبون
ابن الزبير ويستأذنون ابن الحنفية فيه فيأبى عليهم فاجتمع مع محمد بن علي في الشعب
أربعة آلاف رجل فقسم بينهم ذلك المال (قال أبو جعفر) وفى هذه السنة كان
حصار عبد الله بن خازم من كان بخراسان من رجال بنى تميم بسبب قتل من
قتل منهم ابنه محمدا قال علي بن محمد حدثنا الحسين بن رشيد الجوزجاني عن الطفيل
ابن مرداس العمى قال لما تفرقت بنو تميم بخراسان أيام ابن خازم أتى قصر
فرتنا عدة من فرسانهم ما بين السبعين إلى الثمانين فولوا أمرهم عثمان بن بشر بن
المحتفز المزني ومعه شعبة بن ظهير النهشلي وورد بن الفلق العنبري وزهير بن
ذؤيب العدوي وجيهان بن مشجعة الضبي والحجاج بن ناشب العدوي ورقبة بن
545

الحر في فرسان بنى تميم قال فأتاهم ابن خازم فحصرهم وخندق خندقا حصينا قال
وكانوا يخرجون إليه فيقاتلونه ثم يرجعون إلى القصر قال فخرج ابن خازم يوما
على تعبية من خندقه في ستة آلاف وخرج أهل القصر إليه فقال لهم عثمان بن بشر بن
المحتفز انصرفوا اليوم عن ابن خازم فلا أظن لكم به طاقة فقال زهير بن ذؤيب
العدوي امرأته طالق إن رجع حتى ينقض صفوفهم إلى جنبهم نهر يدخله الماء
في الشتاء ولم يكن يومئذ فيه ماء فاستبطنه زهير فسار فيه فلم يشعر به أصحاب ابن
خازم حتى حمل عليهم فحطم أولهم على آخرهم واستداروا وكر راجعا وأتبعوه على
جنبتي النهر يصيحون به لا ينزل إليه أحد حتى انتهى إلى الموضع الذي انحدر فيه
فخرج فحمل عليهم فأفرجوا له حتى رجع قال فقال ابن خازم لأصحابه إذا طاعنتم
زهيرا فاجعلوا في رماحكم كلاليب فأعلقوها في أداته إن قدرتم عليه فخرج إليهم
يوما وفى رماحهم كلاليب قد هيؤوها له فطاعنوه فأعلقوا في درعه أربعة أرماح
فالتفت إليهم ليحمل عليهم فاضطربت أيديهم فخلوا رماحهم فجاء يجر أربعة أرماح
حتى دخل القصر قال فأرسل ابن خازم غزوان بن جزء العدوي إلى زهير فقال
قل له أرأيتك إن آمنتك وأعطيتك مائة ألف وجعلت لك باسان طعمة تناصحني
فقال زهير لغزوان ويحك كيف أناصح قوما قتلوا الأشعث بن ذؤيب فأسقط
بها غزوان عند موسى بن عبد الله بن خازم قال فلما طال عليهم الحصار أرسلوا
إلى ابن خازم أنا خلنا نخرج فنتفرق فقال لا إلا أن تنزلوا على حكمي قالوا فإنا
ننزل على حكمك فقال لهم زهير ثكلتكم أمهاتكم والله ليقتلنكم عن آخركم فإن
طبتم بالموت أنفسا فموتوا كراما اخرجوا بنا جميعا فإما أن تموتوا جميعا وإما أن
ينجو بعضكم ويهلك بعضكم وأيم الله لئن شددتم عليهم شدة صادقة ليفرجن لكم
عن مثل طريق المربد فان شئتم كنت أمامكم وإن شئتم كنت خلفكم قال فأبوا
عليه فقال أما إني سأريكم ثم خرج هو ورقبة بن الحر ومع رقبة غلام له تركي
وشعبة بن ظهير قال فحملوا على القوم حملة منكرة فأخرجوا لهم فمضوا فأما زهير
فرجع إلى أصحابه حتى دخل القصر فقال لأصحابه قد رأيتم فأطيعوني ومضى رقبة
546

وغلامه وشعبة قالوا إن فينا من يضعف عن هذا ويطمع في الحياة قال أبعدكم الله
أتخلون عن أصحابكم والله لا أكون أجزعكم عند الموت قال ففتحوا القصر
ونزلوا فأرسل إليهم فقيدهم ثم حملوا إليه رجلا رجلا فأراد أن يمن عليهم فأبى
ابنه موسى وقال والله لئن عفوت عنهم لأتكأن على سيفي حتى يخرج من ظهري
فقال له عبد الله أما والله إني لاعلم أن الغى فيما تأمرني به ثم قتلهم جميعا إلا ثلاثة
قال أحدهم الحجاج بن ناشب العدوي وكان رمى ابن خازم وهو محاصرهم فكسر
ضرسه فحلف لئن ظفر به ليقتلنه أو ليقطعن يده وكان حدثا فكلمه فيه رجال من بنى
تميم كانوا معتزلين من عمرو بن حنظلة فقال رجل منهم ابن عمى وهو غلام حدث
جاهل هبه لي قال فوهبه له وقال النجاء لا أرينك قال وجيهان بن مشجعة الضبي
الذي ألقى نفسه على ابنه محمد يوم قتل فقال ابن خازم خلوا عن هذا البغل الدارج
ورجل من بنى سعد وهو الذي قال يوم لحقوا ابن خازم انصرفوا عن فارس
مضر قال وجاءوا بزهير بن ذؤيب فأرادوا حمله وهو مقيد فأبى وأقبل يحجل حتى
جلس بين يديه فقال له ابن خازم كيف شكرك إن أطلقتك وجعلت لك باسان
طعمة قال لو لم تصنع بي إلا حقن دمى لشكرتك فقام ابنه موسى فقال تقتل الضبع
وتترك الذبح تقتل اللبوة وتترك الليث قال ويحك تقتل مثل زهير من لقتال
عدو المسلمين من لنساء العرب قال والله لو شركت في دم أخي أنت لقتلتك فقام
رجل من بنى سليم إلى ابن خازم فقال أذكرك الله في زهير فقال له موسى اتخذه
فحلا لبناتك فغضب ابن خازم فأمر بقتله فقال له زهير إن لي حاجة قال وما هي
قال تقتلني على حدة ولا تخلط دمى بدماء هؤلاء اللئام فقد نهيتهم عما صنعوا
وأمرتهم أن يموتوا كراما وأن يخرجوا عليكم مصلتين وأيم الله أن لو فعلوا
لذعروا بنيك هذا وشغلوه بنفسه عن طلب الثأر بأخيه فأبوا ولو فعلوا ما قتل
منهم رجل حتى يقتل رجالا فأمر به فنحى ناحية فقتل قال مسلمة بن محارب فكان
الأحنف بن قيس إذا ذكرهم قال قبح الله ابن خازم قتل رجالا من بنى تميم بابنه
صبي وغد أحمق لا يساوى علقا ولو قتل منهم رجلا به لكان وفى قال وزعمت
547

بنو عدى أنهم لما أرادوا حمل زهير بن ذؤيب أبى واعتمد على رمحه وجمع رجليه
فوثب الخندق فلما بلغ الحريش بن هلال قتلهم قال
أعاذل إني لم ألم في قتالهم * وقد عض سيفي كبشهم ثم صمما
أعاذل ما وليت حتى تبددت * رجال وحتى لم أجد متقدما
أعاذل أفناني السلاح ومن يطل * مقارعة الابطال يرجع مكلما
أعيني إن أنزفتما الدمع فاسكبا * دما لازما لي دون أن تسكبا الدما
أبعد زهير وابن بشر تتابعا * وورد أرجى في خراسان مغنما
أعاذل كم من يوم حرب شهدته * أكر إذا ما فارس السوء أحجما
يعنى بقوله أبعد زهير زهير بن ذؤيب وابن بشر عثمان بن بشر المحتفز
المازني وورد بن الفلق العنبري قتلوا يومئذ وقتل سليمان بن المحتفز أخو بشر
(قال أبو جعفر) وحج بالناس في هذه السنة عبد الله بن الزبير وكان على المدينة
مصعب بن الزبير من قبل أخيه عبد الله وعلى البصرة الحارث بن عبد الله بن أبي
ربيعة وعلى قضائها هشام بن هبيرة وكانت الكوفة بها المختار غالبا عليها وبخراسان
عبد الله بن خازم (وفى هذه السنة) شخص إبراهيم بن الأشتر متوجها إلى عبيد الله
ابن زياد لحربه وذلك لثمان بقين من ذي الحجة (قال هشام بن محمد) حدثني
أبو مخنف قال حدثني النضر بن صالح وكان قد أدرك ذلك قال حدثني فضيل بن
خديج وكان قد شهد ذلك وغيرهما قالوا ما هو إلا أن فرغ المختار من أهل السبيع
وأهل الكناسة فما نزل إبراهيم بن الأشتر إلا يومين حتى أشخصه إلى الوجه الذي
كان وجهه له لقتال أهل الشأم فخرج يوم السبت لثمان بقين من ذي الحجة سنة 66
وأخرج المختار معه من وجوه أصحابه وفرسانهم وذوي البصائر منهم ممن قد
شهد الحرب وجربها وخرج معه قيس بن طهفة النهدي على ربع أهل المدينة وأمر
عبد الله بن حية الأسدي على ربع مذحج وأسد وبعث الأسود بن جراد الكندي
على ربع كندة وربيعة وبعث حبيب بن منقذ الثوري من همدان على ربع تميم
وهمدان وخرج معه المختار يشيعه حتى إذا بلغ دير عبد الرحمن بن أم الحكم إذا
548

أصحاب المختار قد استقبلوه قد حملوا الكرسي على بغل أشهب كانوا يحملونه عليه
فوقفوا به على القنطرة وصاحب أمر الكرسي حوشب البرسمي وهو يقول يا رب
عمرنا في طاعتك وانصرنا على الأعداء واذكرنا ولا تنسنا واسترنا قال وأصحابه
يقولون آمين آمين قال فضيل فأنا سمعت ابن نوف الهمداني يقول قال المختار
أما ورب المرسلات عرفا * لنقتلن بعد صف صفا
وبعد ألف قاسطين ألفا
قال فلما انتهى إليهم المختار وابن الأشتر ازدحموا ازدحاما شديدا على القنطرة
ومضى المختار مع إبراهيم إلى قناطر رأس الجالوت وهى إلى جنب دير عبد الرحمن
فإذا أصحاب الكرسي قد وقفوا على قناطر رأس الجالوت يستنصرون فلما صار
المختار بين قنطرة دير عبد الرحمن وقناطر رأس الجالوت وقف وذلك حين أراد
أن ينصرف فقال لابن الأشتر خذ عنى ثلاثا خف الله في سر أمرك وعلانيته
وعجل السير وإذا لقيت عدوك فناجزهم ساعة تلقاهم وإن لقيتهم ليلا فاستطعت
أن لا تصبح حتى تناجزهم وإن لقيتهم نهارا فلا تنتظر بهم الليل حتى تحاكمهم إلى
الله ثم قال هل حفظت ما أوصيتك به قال نعم قال صحبك الله ثم انصرف وكان موضع
عسكر إبراهيم بموضع حمام أعين ومنه شخص بعسكره (قال أبو مخنف) فحدثني
فضيل بن خديج قال لما انصرف المختار مضى إبراهيم ومعه أصحابه حتى انتهى
إلى أصحاب الكرسي وقد عكفوا حوله وهم رافعوا أيديهم إلى السماء يستنصرون
فقال إبراهيم اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء ستة بني إسرائيل والذي نفسي بيده
إذ عكفوا على عجلهم فلما جاز القنطرة إبراهيم وأصحابه انصرف أصحاب الكرسي
ذكر الخبر عن سبب كرسي المختار الذي يستنصر به هو وأصحابه
(قال أبو جعفر) وكان بدء سببه ما حدثني به عبد الله بن أحمد بن شبويه
قال حدثني أبي قال حدثني سليمان قال حدثني عبد الله بن المبارك عن إسحاق بن
يحيى بن طلحة قال حدثني معبد بن خالد قال حدثني طفيل بن جعدة بن هبيرة
قال أعدمت مرة من الورق فإني لكذلك إذ خرجت يوما فإذا زيات جار لي له
549

كرسي قد ركبه وسخ شديد فخطر على بالى أن لو قلت للمختار في هذا فرجعت
فأرسلت إلى الزيات أرسل إلى بالكرسي فأرسل إلى به فأتيت المختار فقلت
إني كنت أكتمك شيئا لم أستحل ذلك فقد بدا لي أن أذكره لك قال وما هو قلت
كرسي كان جعدة بن هبيرة يجلس عليه كأنه يرى أن فيه أثرة من علم قال سبحان الله
فأخرت هذا إلى اليوم ابعث إليه قال وقد غسل وخرج عود نضار وقد تشرب الزيت
فخرج يبص فجئ به وقد غشى فأمر لي باثني عشر ألفا ثم دعا الصلاة جامعة
* فحدثني معبد بن خالد الجدلي قال انطلق بي وبإسماعيل بن طلحة بن عبيد الله
وشبث بن ربعي والناس يجرون إلى المسجد فقال المختار إنه لم يكن في الأمم
الخالية أمر إلا وهو كائن في هذه الأمة مثله وإنه كان في بني إسرائيل التابوت فيه
بقية مما ترك آل موسى وآل هارون وإن هذا فينا مثل التابوت اكشفوا عنه
فكشفوا عنه أثوابه وقامت السبائية فرفعوا أيديهم وكبروا ثلاثا فقام شبث بن
ربعي وقال يا معشر مضر لا تكفرن فنحوه فذبوه وصدوه وأخرجوه قال إسحاق
فوالله إني لأرجو أنها لشبث ثم لم يلبث أن قيل هذا عبيد الله بن زياد قد نزل بأهل
الشأم باجميرا فخرج بالكرسي على بغل وقد غشى يمسكه عن يمينه سبعة وعن
يساره سبعة فقتل أهل الشأم مقتلة لم يقتلوا مثلها فزادهم ذلك فتنة فارتفعوا فيه
حتى تعاطوا الكفر فقلت إنا لله وندمت على ما صنعت فتكلم الناس في ذلك
فغيب فلم أره بعد * حدثني عبد الله قال حدثني أبي قال قال أبو صالح فقال في ذلك
أعشى همدان كما حدثني غير عبد الله
شهدت عليكم أنكم سبائية * وإني بكم يا شرطة الشرك عارف
وأقسم ما كرسيكم بسكينة * وإن كان قد لفت عليه اللفائف
وأن ليس كالتابوت فينا وإن سعت * شبام حواليه ونهد وخارف
وإني امرؤ أحببت آل محمد * وتابعت وحيا ضمنته المصاحف
وتابعت عبد الله لما تتابعت * عليه قريش شمطها والغطارف
وقال المتوكل الليثي:
550

أبلغ أبا إسحاق إن جئته * إني بكرسيكم كافر
تنز وشبام حول أعواده * وتحمل الوحي له شاكر
محمرة أعينهم حوله * كأنهن الحمص الحادر
(فأما أبو مخنف) فإنه ذكر عن بعض شيوخه قصة هذا الكرسي غير الذي
ذكره عبد الله بن أحمد بالاسناد الذي حدثنا به عن طفيل بن جعدة والذي ذكر
من ذلك ما حدثنا به عن هشام بن محمد عنه قال حدثنا هشام بن عبد الرحمن وابنه
الحكم بن هشام أن المختار قال لآل جعدة بن هبيرة بن أبي وهب المخزومي وكانت
أم جعدة أم هانئ بنت أبي طالب أخت علي بن أبي طالب عليه السلام لأبيه وأمه
ائتوني بكرسي علي بن أبي طالب فقالوا لا والله ما هو عندنا وما ندري من أين نجئ
به قال لا تكونن حمقى اذهبوا فأتوني به قال فظن القوم عند ذلك أنهم لا يأتون
بكرسي فيقولون هو هذا إلا قبله منهم فجاؤوا بكرسي فقالوا هو هذا فقبله قال فخرجت
شبام وشاكرو رؤس أصحاب المختار وقد عصبوه بالحرير والديباج (قال أبو مخنف)
عن موسى بن عامر أبى الأشعر الجهني أن الكرسي لما بلغ ابن الزبير أمره قال أين
بعض جنادبة الأزد عنه (قال أبو الأشعر) لما جئ بالكرسي كان أول من سدنه
موسى بن أبي موسى الأشعري وكان يأتي المختار أول ما جاء ويحف به لان أمه
أم كلثوم بنت الفضل بن العباس بن عبد المطلب ثم إنه بعد ذلك عتب عليه فاستحيا
منه فدفعه إلى حوشب البرسمي فكان صاحبه حتى هلك المختار قال وكان أحد
عمومة الأعشى رجلا يكنى أبا أمامة يأتي مجلس أصحابه فيقول قد وضع لنا اليوم
وحى ما سمع الناس بمثله فيه نبأ ما يكون من شئ (قال أبو مخنف) حدثنا موسى
ابن عامر أنه إنما كان يصنع ذلك لهم عبد الله بن نوف ويقول المختار أمرني به
ويتبرأ المختار منه
ثم دخلت سنة سبع وستين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمما كان فيها من ذلك مقتل عبيد الله بن زياد ومن كان معه من أهل الشأم
551

ذكر الخبر عن صفة مقتله
ذكر هشام بن محمد عن أبي مخنف قال حدثني أبو الصلت عن أبي سعيد الصيقل
قال مضينا مع إبراهيم بن الأشتر ونحن نريد عبيد الله بن زياد ومن معه من أهل الشأم
فخرجنا مسرعين لا ننثني نريد أن نلقاه قبل أن يدخل أرض العراق قال فسبقناه إلى
تخوم أرض العراق سبقا بعيدا ووغلنا في أرض الموصل فتعجلنا إليه وأسرعنا
السير فنلقاه بخازر إلى جنب قرية يقال لها باربيثا بينها وبين مدينة الموصل خمسة
فراسخ وقد كان ابن الأشتر جعل على مقدمته الطفيل بن لقيط من وهبيل من النخع
رجلا من قومه وكان شجاعا بئيسا فلما أن دنا من ابن زياد ضم حميد بن حريث إليه
وأخذ ابن الأشتر لا يسير إلا على تعبية وضم أصحابه كلهم إليه بخيله ورجاله فأخذ
يسير بهم جميعا لا يفرقهم إلا أنه يبعث الطفيل بن لقيط في الطلائع حتى نزل تلك القرية
قال وجاء عبيد الله بن زياد حتى نزل قريبا منهم على شاطئ خازر وأرسل عمير بن
الحباب السلمي إلى ابن الأشتر إني معك وأنا أريد الليلة لقاءك فأرسل إليه ابن الأشتر
أن القنى إذا شئت وكانت قيس كلها بالجزيرة فهم أهل خلاف لمروان وآل مروان
وجند مروان يومئذ كلب وصاحبهم ابن بحدل فأتاه عمير ليلا فبايعوه وأخبره
أنه على ميسرة صاحبه وواعده أن ينهزم بالناس وقال ابن الأشتر ما رأيك أخندق
على وأتلوم يومين أو ثلاثة قال عمير بن الحباب لا تفعل إنا لله هل يريد القوم إلا
هذه إن طاولوك وما طلوك فهو خير لهم هم كثير أضعافكم وليس يطيق القليل
الكثير في المطاولة ولكن ناجز القوم فإنهم قد ملئوا منكم رعبا فأتهم فإنهم إن
شاموا أصحابك وقاتلوهم يوما بعد يوم ومرة بعد مرة أنسوا بهم واجترأوا عليهم
قال إبراهيم الآن علمت أنك لي مناصح صدقت الرأي ما رأيت أما إن صاحبي بهذا
أوصاني وبهذا الرأي أمرني قال عمير فلا تعدون رأيه فان الشيخ قد ضرسته الحروب
وقاسى منها ما لم نقاس أصبح فناهض الرجل ثم إن عميرا انصرف وأذكى ابن الأشتر
حرسه تلك الليلة الليل كله ولم يدخل عينه غمض حتى إذا كان في السحر الأول عبى
552

أصحابه وكتب كتائبه وأمر أمراءه فبعث سفيان بن يزيد بن المغفل الأزدي على
ميمنته وعلي بن مالك الجشمي على ميسرته وهو أخو أبى الأحوص وبعث عبد الرحمن
ابن عبد الله وهو أخو إبراهيم بن الأشتر لامه على الخيل وكانت خيله قليلة فضمها
إليه وكانت في الميمنة والقلب وجعل على رجالته الطفيل بن لقيط وكانت رايته مع
مزاحم بن مالك قال فلما انفجر الفجر صلى بهم الغداة بغاس ثم خرج بهم فصفهم
ووضع أمراء الأرباع في مواضعهم وألحق أمير الميمنة بالميمنة وأمير الميسرة بالميسرة
وأمير الرجالة بالرجالة وضم الخيل إليه وعليها أخوه لامه عبد الرحمن بن عبد الله
فكانت وسطا من الناس ونزل إبراهيم يمشى وقال للناس ازحفوا فزحف الناس معه
على رسلهم رويدا رويدا حتى أشرف على تل عظيم مشرف على القوم فجلس عليه
وإذا أولئك لم يتحرك منهم أحد بعد فسرح عبد الله بن زهير السلولي وهو على
فرس له يتأكل تأكلا فقال قرب على فرسك حتى تأتيني بخبر هؤلاء فانطلق فلم
يلبث إلا يسيرا حتى جاء فقال قد خرج القوم على دهش وفشل لقيني رجل منهم
فما كان له هجيرى إلا يا شيعة أبى تراب يا شيعة المختار الكذاب فقلت ما بيننا وبينكم
أجل من الشتم فقال لي يا عدو الله إلا م تدعونا أنتم تقاتلونا مع غير إمام فقلت له
بل يا لثأرات الحسين ابن رسول الله ادفعوا إلينا عبيد الله بن زياد فإنه قتل ابن
رسول الله وسيد شباب أهل الجنة حتى نقتله ببعض موالينا الذين قتلهم مع الحسين
فانا لا نراه لحسين ندا فنرضى أن يكون منه قودا وإذا دفعتموه إلينا فقتلناه
ببعض موالينا الذين قتلهم جعلنا بيننا وبينكم كتاب الله أو أي صالح من المسلمين
شئتم حكما فقال لي قد جربناكم مرة أخرى في مثل هذا يعنى الحكمين فغدرتم
فقلت له وما هو فقال قد جعلنا بيننا وبينكم حكمين فلم ترضوا بحكمهما فقلت له
ما جئت بحجة إنما كان صلحنا على أنهما إذا اجتمعا على رجل تبعنا حكمهما ورضينا به
وبايعناه فلم يجتمعا على واحد وتفرقا فكلاهما لم يوفقه الله لخير ولم يسدده فقال
من أنت فأخبرته فقلت له من أنت فقال عدس لبغلته يزجرها فقلت له ما أنصفتني
هذا أول غدرك قال ودعا ابن الأشتر بفرس له فركبه ثم مر بأصحاب الرايات
553

كلها فكلما مر على راية وقف عليها ثم قال يا أنصار الدين وشيعة الحق وشرطة
الله هذا عبيد الله بن مرجانة قاتل الحسين بن علي ابن فاطمة بنت رسول الله حال
بينه وبين بناته ونسائه وشيعته وبين ماء الفرات أن يشربوا منه وهم ينظرون
إليه ومنعه أن يأتي ابن عمه فيصالحه ومنعه أن ينصرف إلى رحله وأهله ومنعه
الذهاب في الأرض العريضة حتى قتله وقتل أهل بيته فوالله ما عمل فرعون بنجباء
بني إسرائيل ما عمل ابن مرجانة بأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين
أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قد جاءكم الله به وجاءه بكم فوالله إني لأرجو
أن لا يكون الله جمع بينكم في هذا الموطن وبينه إلا ليشفى صدوركم بسفك دمه
على أيديكم فقد علم الله أنكم خرجتم غضبا لأهل بيت نبيكم فسار فيما بين الميمنة
والميسرة وسار في الناس كلهم فرغبهم في الجهاد وحرضهم على القتال ثم رجع
حتى نزل تحت رايته وزحف القوم إليه وقد جعل ابن زياد على ميمنته الحصين
ابن نمير السكوني وعلى ميسرته عمير بن الحباب السلمي وشرحبيل بن ذي الكلاع
على الخيل وهو يمشى في الرجال فلما تدانى الصفان حمل الحصين بن نمير في ميمنة
أهل الشأم على ميسرة أهل الكوفة وعليها علي بن مالك الجشمي فثبت له هو بنفسه
فقتل ثم أخذ رايته قرة بن علي فقال أيضا في رجال من أهل الحفاظ قتلوا
وانهزمت الميسرة فأخذ راية علي بن مالك الجشمي عبد الله بن ورقاء بن جنادة
السلولي ابن أخي حبشي بن جنادة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبل
أهل الميسرة حين انهزموا فقال إلى يا شرطة الله فأقبل إليه جلهم فقال هذا أميركم
يقاتل سيروا بنا إليه فأقبل حتى أتاه وإذا هو كاشف عن رأسه ينادى يا شرطة
الله إلى أنا ابن الأشتر إن خير فراركم كراركم ليس مسيئا من أعتب فثاب إليه
أصحابه وأرسل إلى صاحب الميمنة احمل على ميسرتهم وهو يرجو حينئذ أن ينهزم
لهم عمير بن الحباب كما زعم فحمل عليهم صاحب الميمنة وهو سفيان بن يزيد
ابن المغفل فثبت له عمير بن الحباب وقاتله قتالا شديدا فلما رأى إبراهيم ذلك قال
لأصحابه أموا هذا السواد الأعظم فوالله لو قد فضضناه لا نجفل من ترون منهم يمنة
554

ويسرة انجفال طير ذعرته فطارت (قال أبو مخنف) فحدثني إبراهيم بن عبد الرحمن
الأنصاري عن ورقاء بن عازب قال مشينا إليهم حتى إذا دنونا منهم أطعنا بالرماح
قليلا ثم صرنا إلى السيوف والعمد فاضطربنا بها مليا من النهار فوالله ما شبهت
ما سمعت بيننا وبينهم من وقع الحديد على الحديد إلا مياجن قصارى دار الوليد
ابن عقبة بن أبي معيط قال فكان ذلك كذلك ثم إن الله هزمهم ومنحنا
أكتافهم (قال أبو مخنف) وحدثني الحارث بن حصيرة عن أبي صادق أن
إبراهيم بن الأشتر كان يقول لصاحب رايته انغمس برايتك فيهم فيقول له إنه
جعلت فداك ليس لي متقدم فيقول بلى فان أصحابك يقاتلون وإن هؤلاء لا يهربون
إن شاء الله فإذا تقدم صاحب رايته برايته شد إبراهيم بسيفه فلا يضرب به رجلا
إلا صرعه وكرد إبراهيم الرجال من بين يديه كأنهم الحملان وإذا حمل برايته شد
أصحابه شدة رجل واحد (قال أبو مخنف) حدثني المشرقي أنه كان مع عبيد الله
ابن زياد يومئذ حديدة لا تليق شيئا مرت به وأنه لما هزم أصحابه حمل عيينة
ابن أسماء أخته هند بنت أسماء وكانت امرأة عبيد الله بن زياد فذهب بها وأخذ
يرتجز ويقول
إن تصرمي حبالنا فربما * أرديت في الهيجا الكمي المعلما
(قال أبو مخنف) وحدثني فضيل بن خديج أن إبراهيم لما شد على ابن زياد
وأصحابه انهزموا بعد قتال شديد وقتلى كثيرة بين الفريقين وأن عمير بن الحباب لما
رأى أصحاب إبراهيم قد هزموا أصحاب عبيد الله بعث إليه أجيئك الآن فقال لا تأتيني
حتى تسكن فورة شرطة الله فانى أخاف عليك عاديتهم وقال ابن الأشتر قتلت
رجلا وجدت منه رائحة المسك شرقت يداه وغربت رجلاه تحت راية منفردة
على شاطئ نهر خازز فالتمسوه فإذا هو عبيد الله بن زياد قتيلا ضربه فقده بنصفين
فذهبت رجلاه في المشرق ويداه في المغرب وحمل شريك بن جدير التغلبي على
الحصين بن نمير السكوني وهو يحسبه عبيد الله بن زياد فاعتنق كل واحد منهما
صاحبه ونادى التغلبي اقتلوني وابن الزانية فقتل ابن نمير * حدثني عبد الله بن أحمد
555

قال حدثني أبي قال حدثني سليمان قال حدثني عبد الله بن المبارك قال حدثني
الحسن بن كثير قال كان شريك بن جدير التغلبي مع علي عليه السلام صيبت عينه
معه فلما انقضت حرب على لحق ببيت المقدس فكان به فلما جاءه قتل الحسين قال
أعاهد الله إن قدرت على كذا وكذا يطلب بدم الحسين لأقتلن ابن مرجانة أو
لأموتن دونه فلما بلغه أن المختار خرج يطلب بدم الحسين أقبل إليه قال فكان
وجهه مع إبراهيم بن الأشتر وجعل على خيل ربيعة فقال لأصحابه إني عاهدت الله
على كذا وكذا فبايعه ثلثمائة على الموت فلما التقوا حمل فجعل يهتكها صفا صفا مع
أصحابه حتى وصلوا إليه وثار الرهج فلا يسمع إلا وقع الحديد والسيوف فانفرجت
عن الناس وهما قتيلان ليس بينهما أحد التغلبي وعبيد الله بن زياد قال وهو الذي يقول
كل عيش قد أراه قذرا * غير ركز الرمح في ظل الفرس
(قال هشام) قال أبو مخنف حدثني فضيل بن خديج قال قتل شرحبيل بن
ذي الكلاع فادعى قتله ثلاثة سفيان بن يزيد بن المغفل الأزدي وورقاء بن عازب
الأسدي وعبيد الله بن زهير السلمي قال ولما هزم أصحاب عبيد الله تبعهم أصحاب
إبراهيم بن الأشتر فكان من غرق أكثر ممن قتل وأصابوا عسكرهم فيه من كل
شئ وبلغ المختار وهو يقول لأصحابه يأتيكم الفتح أحد اليومين إن شاء الله من قبل
إبراهيم بن الأشتر وأصحابه قد هزموا أصحاب عبيد الله بن مرجانة قال فخرج المختار
من الكوفة واستخلف عليها السائب من مالك الأشعري وخرج بالناس ونزل
ساباط (قال أبو مخنف) حدثني المشرقي عن الشعبي قال كنت أنا وأبى ممن خرج
معه قال فلما جزنا ساباط قال للناس أبشروا فإن شرطة الله قد حسوهم بالسيوف
يوما إلى الليل بنصيبين أو قريبا من نصيبين ودوين منازلهم إلا أن جلهم محصور
بنصيبين قال ودخلنا المدائن واجتمعنا إليه فصعد المنبر فوالله إنه ليخطبنا ويأمرنا
بالجد وحسن الرأي والاجتهاد والثبات على الطاعة والطلب بدماء أهل البيت عليهم
السلام إذ جاءته البشرى تترى يتبع بعضها بعضا بقتل عبيد الله بن زياد وهزيمة
أصحابه وأخذ عسكره وقتل أشراف أهل الشأم فقال المختار بأشرطة الله ألم أبشركم
556

بهذا قبل أن يكون قالوا بلى والله لقد قلت ذلك قال فيقول لي رجل من بعض
جيراننا من الهمدانيين أتؤمن الآن يا شعيى قال قلت بأي شئ أو من أو من بأن
المختار يعلم الغيب لا أو من بذلك أبدا قال أولم يقل لنا إنهم قد هزموا فقلت له إنما
زعم لنا أنهم هزموا بنصيبين من أرض الجزيرة وإنما هو بخازر من أرض الموصل
فقال والله لا تؤمن يا شعبى حتى ترى العذاب الأليم فقلت له من هذا الهمداني الذي
يقول لك هذا فقال رجل لعمري كان شجاعا قتل مع المختار بعد ذلك يوم حروراء
يقال له سلمان بن حمير من الثوريين من همدان قال وانصرف المختار إلى الكوفة
ومضى ابن الأشتر من عسكره إلى الموصل وبعث عماله عليها فبعث أخاه عبد الرحمن
ابن عبد الله على نصيبين وغلب على سنجار ودارا وما والاها من أرض الجزيرة
وخرج أهل الكوفة الذين كان المختار قاتلهم فهزمهم فلحقوا بمصعب بن الزبير
بالبصرة وكان فيمن قدم على مصعب شبث بن ربعي فقال سراقة بن مرداس البارقي
يمدح إبراهيم بن الأشتر وأصحابه في قتل عبيد الله بن زياد
أتاكم غلام من عرانين مذحج * جرى على الأعداء غير نكول
فيا ابن زياد بؤ بأعظم مالك * وذق حد ماضي الشفرتين صقيل
ضربناك بالعضب الحسام بحدة * إذا ما أبأنا قاتلا بقتيل
جزى الله خيرا شرطة الله إنهم * شفوا من عبيد الله أمس غليلي
(وفى هذه السنة) عزل عبد الله بن الزبير القباع عن البصرة وبعث عليها
أخاه مصعب بن الزبير * فحدثني عمر بن شبة قال حدثني علي بن محمد قال حدثنا
الشعبي قال حدثني وافد بن أبي ياسر قال كان عمرو بن سرح مولى الزبير يأتينا
فيحدثنا قال كنت والله في الرهط الذين قدموا مع المصعب بن الزبير من مكة إلى
البصرة قال فقدم متلثما حتى أناخ على باب المسجد ثم دخل فصعد المنبر فقال الناس
أمير أمير قال وجاء الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة وهو أميرها قبله فسفر المصعب
فعرفوه وقالوا مصعب بن الزبير قال للحارث أظهر أظهر فصعد حتى جلس تحته
من المنبر درجة قال ثم قام المصعب فحمد الله وأثنى عليه قال فوالله ما أكثر الكلام
557

ثم قال بسم الله الرحمن الرحيم (طسم تلك آيات الكتاب المبين نتلوا عليك
من نبأ موسى) إلى قوله (إنه كان من المفسدين) وأشار بيده نحو الشأم (ونريد
أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين)
وأشار بيده نحو الحجاز (ونرى فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا
يحذرون) وأشار بيده نحو الشأم * حدثني عمر بن شبة قال حدثني علي بن محمد
عن عوانة قال لما قدم مصعب البصرة خطبهم فقال يا أهل البصرة بلغني أنكم تلقبون
أمراءكم وقد سميت نفسي الجزار (وفى هذه السنة) سار مصعب بن الزبير
إلى المختار فقتله
ذكر الخبر عن سبب مسير مصعب إليه والخبر عن مقتل المختار
قال هشام بن محمد عن أبي مخنف حدثني حبيب بن بديل قال لما قدم شبث
على مصعب بن الزبير البصرة وتحته بغلة له قد قطع ذنبها وقطع طرف أذنها
وشق قباءه وهو ينادى يا غوثاه يا غوثاه فأتى مصعب فقيل له إن بالباب رجلا
ينادى يا غوثاه يا غوثاه مشقوق القباء من صفته كذا وكذا فقال لهم نعم هذا شبث
ابن ربعي لم يكن ليفعل هذا غيره فأدخلوه فأدخل عليه وجاءه أشراف الناس من
أهل الكوفة فدخلوا عليه فأخبروه بما اجتمعوا له وبما أصيبوا به ووثوب عبيدهم
ومواليهم عليهم وشكوا إليه وسألوه النصر لهم والمسير إلى المختار معهم وقدم عليهم محمد
ابن الأشعث بن قيس ولم يكن شهد وقعة الكوفة كان في قصر له مما يلي القادسية بطيزناباذا
فلما بلغه هزيمة الناس تهيأ للشخوص وسأل عنه المختار فأخبر بمكانه فسرح إليه عبد الله
ابن قراد الخثعمي في مائة فلما ساروا إليه وبلغه أن قد دنوا منه خرج في البرية
نحو المصعب حتى لحق به فلما قدم على المصعب استحثه بالخروج وأدناه مصعب
وأكرمه لشرفه قال وبعث المختار إلى دار محمد بن الأشعث فهدمها (قال
أبو مخنف) فحدثني أبو يوسف بن يزيد أن المصعب لما أراد المسير إلى الكوفة حين
أكثر الناس عليه قال لمحمد بن الأشعث إني لا أسير حين يأتيني المهلب بن أبي
صفرة فكتب المصعب إلى المهلب وهو عامله على فارس أن أقبل إلينا لتشهد
558

أمرنا فإنا نريد المسير إلى الكوفة فأبطأ عليه المهلب وأصحابه واعتل بشئ من
الخراج لكراهة الخروج فأمر مصعب محمد بن الأشعث في بعض ما يستحثه أن
يأتي المهلب فيقبل به وأعلمه أنه لا يشخص دون أن يأتي المهلب فذهب محمد بن
الأشعث بكتاب المصعب إلى المهلب فلما قرأه قال له مثلك يا محمد يأتي بريدا أما
وجد المصعب بريدا غيرك قال محمد إني والله ما أنا ببريد أحد غير أن نساءنا
وأبناءنا وحرمنا غلبنا عليهم عبداننا وموالينا فخرج المهلب وأقبل بجموع كثيرة
وأموال عظيمة معه في جموع وهيئة ليس بها أحد من أهل البصرة ولما دخل المهلب
البصرة أتى باب المصعب ليدخل عليه وقد أذن للناس فحجبه الحاجب وهو لا يعرفه
فرفع المهلب يده فكسر أنفه فدخل إلى المصعب وأنفه يسيل دما فقال له مالك
فقال ضربني رجل ما أعرفه ودخل المهلب فلما رآه الحاجب قال هوذا قال له المصعب
عد إلى مكانك وأمر المصعب الناس بالمعسكر عند الجسر الأكبر ودعا عبد الرحمن
ابن مخنف فقال له ائت الكوفة فأخرج إلى جميع من قدرت عليه أن تخرجه
وادعهم إلى بيعتي سرا وخذل أصحاب المختار فانسل من عنده حتى جلس في بيته
مستترا لا يظهر وخرج المصعب فقدم أمامه عباد بن الحصين الحبطي من بنى تميم
على مقدمته وبعث عمر بن عبيد الله بن معمر على ميمنته وبعث المهلب بن أبي
صفرة على ميسرته وجعل مالك بن مسمع على خمس بكر بن وائل ومالك بن المنذر
على خمس عبد القيس والأحنف بن قيس على خمس تميم وزياد بن عمرو الأزدي
على خمس الأزد وقيس بن الهيثم على خمس أهل العالية وبلغ ذلك المختار فقام
في أصحابه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا أهل الكوفة يا أهل الدين وأعوان الحق
وأنصار الضعيف وشيعة الرسول وآل الرسول إن فراركم الذين بغوا عليكم
أتوا أشباههم من الفاسقين فاستغووهم عليكم ليمصح الحق وينتعش الباطل ويقتل
أولياء الله والله لو تهلكون ما عبد الله في الأرض إلا بالفرى على الله واللعن
لأهل بيت نبيه انتدبوا مع أحمر بن شميط فإنكم لو قد لقيتموهم لقد قتلتموهم إن
شاء الله قتل عاد وإرم فخرج أحمر بن شميط فعسكر بحمام أعين ودعا المختار
559

رؤس الأرباع الذين كانوا مع ابن الأشتر فبعثهم مع أحمر بن شميط كما كانوا مع
ابن الأشتر فإنهم إنما فارقوا ابن الأشتر لانهم رأوه كالمتهاون بأمر المختار فانصرفوا
عنه وبعثهم المختار مع ابن شميط وبعث معه جيشا كثيفا فخرج ابن شميط فبعث
على مقدمته ابن كامل الشاكري وسار أحمر بن شميط حتى ورد المذار وجاء المصعب
حتى عسكر منه قريبا ثم إن كل واحد منهما عبى جنده ثم تزاحفا فجعل أحمر بن
شميط على ميمنته عبد الله بن كامل الشاكري وعلى ميسرته عبد الله بن وهب بن
نضلة الجشمي وعلى الخيل رزين عبد السلولي وعلى الرجالة كثير بن إسماعيل
الكندي وكان يوم خازر مع ابن الأشتر وجعل كيسان أبا عمرة وكان مولى
لعرينة على الموالى فجاء عبد الله بن وهب بن أنس الجشمي إلى ابن شميط وقد جعله
على ميسرته فقال له إن الموالى والعبيد آل خور عند المصدوقة وإن معهم رجالا
كثيرا على الخيل وأنت تمشى فمرهم فلينزلوا معك فإن لهم بك أسوة فإني أتخوف
إن طوردوا ساعة وطوعنوا وضوربوا أن يطيروا على متونها ويسلموك وإنك
إن أرجلتهم لم يجدوا من الصبر بدا وإنما كان هذا منه غشا للموالي والعبيد لما كانوا
لقوا منهم بالكوفة فأحب إن كانت عليهم الدبرة أن يكونوا رجالا لا ينجو منهم
أحد ولم يتهمه ابن شميط وظن أنه إنما أراد بذلك نصحه ليصبروا ويقاتلوا فقال
يا معشر الموالى أنزلوا معي فقاتلوا فنزلوا معه ثم مشوا بين يديه وبين يدي رايته
وجاء مصعب بن الزبير وقد جعل عباد بن الحصين على الخيل فجاء عباد حتى دنا من
ابن شميط وأصحابه فقال إنما ندعوكم إلى كتاب الله وسنة رسوله وإلى بيعة أمير
المؤمنين عبد الله بن الزبير وقال الآخرون إنا ندعوكم إلى كتاب الله وسنة رسوله
وإلى بيعة الأمير المختار وإلى أن نجعل هذا الامر شورى في آل الرسول فمن زعم
من الناس أن أحدا ينبغي له أن يتولى عليهم برئنا منه وجاهدناه فانصرف عباد إلى
المصعب فأخبره فقال له ارجع فاحمل عليهم فرجع فحمل على ابن شميط وأصحابه
فلم يزل منهم أحد ثم انصرف إلى موقفه وحمل المهلب على ابن كامل فجال أصحابه
بعضهم في بعض فنزل ابن كامل ثم انصرف عنه المهلب فقام مكانه فوقفوا ساعة
560

ثم قال المهلب لأصحابه كروا كرة صادقة فإن القوم قد أطمعوكم وذلك بجولتهم
التي جالوا فحمل عليهم حملة منكرة فولوا وصبر ابن كامل في رجال من همدان
فأخذ المهلب يسمع شعار القوم أنا الغلام الشاكري أنا الغلام الشبامي أنا الغلام
الثوري فما كان إلا ساعة حتى هزموا وحمل عمر بن عبيد الله بن معمر على عبد الله
ابن أنس فقاتل ساعة ثم انصرف وحمل الناس جميعا على ابن شميط فقاتل حتى
قتل وتنادوا يا معشر بجيلة وخثعم الصبر الصبر فناداهم المهلب الفرار الفرار
اليوم أنجى لكم علام تقتلون أنفسكم مع هذه العبدان أضل الله سعيكم ثم نظر إلى
أصحابه فقال والله ما أرى استحرار القتل اليوم إلا في قومي ومالت الخيل على
رجالة ابن شميط فافترقت فانهزمت وأخذت الصحراء فبعث المصعب عباد بن
الحصين على الخيل فقال أيما أسير أخذته فاضرب عنقه وسرح محمد بن الأشعث
في خيل عظيمة من خيل أهل الكوفة ممن كان المختار طردهم فقال دونكم ثأركم
فكانوا حيث انهزموا أشد عليهم من أهل البصرة لا يدركون منهزما إلا قتلوه
ولا يأخذون أسيرا فيعفون عنه قال فلم ينج من ذلك الجيش إلا طائفة من أصحاب
الخيل وأما رجالتهم فأبيدوا إلا قليلا (قال أبو مخنف) حدثني ابن عياش المنتوف
عن معاوية بن قرة المزني قال انتهيت إلى رجل منهم فأدخلت سنان الرمح في عينه
فأخذت أخضخض عينه بسنان رمحي فقلت له وفعلت به هذا قال نعم إنهم كانوا
أحل عندنا دماء من الترك والديلم وكان معاوية بن قرة قاضيا لأهل البصرة
ففي ذلك يقول الأعشى
ألا هل أتاك والأنباء تنمى * بما لاقت بحيلة بالمذار
أتيح لهم بها ضرب طلخف * وطعن صائب وجه النهار
كأن سحابة صعقت عليهم * فعمتهم هنالك بالدمار
فبشر شيعة المختار إما * مررت على الكويفة بالصغار
أقر العين صرعاهم وفل * لهم جم يقتل بالصحارى
وما إن سرنى إهلاك قومي * وإن كانوا وجدك في خيار
561

ولكني سررت بما يلاقى * أبو إسحاق من خزى وعار
وأقبل المصعب حتى قطع من تلقاء واسط القصب ولم تك واسط هذه بنيت
حينئذ بعد فأخذ في كسكر ثم حمل الرجال وأثقالهم وضعفاء الناس في السفن
فأخذوا في نهر يقال له نهر خرشاذ ثم خرجوا من ذلك النهر إلى نهر يقال له قوسان
ثم أخرجهم من ذلك النهر إلى الفرات (قال أبو مخنف) وحدثني فضيل بن خديج
الكندي أن أهل البصرة كانوا يخرجون فيجرون سفنهم ويقولون
عودنا المصعب جر القلس * والزنبريات الطوال القعس
قال فلما بلغ من مع المختار من تلك الأعاجم ما لقى إخوانهم مع ابن شميط قالوا
بالفارسية أين بار دروغ كفت يقولون هذه المرة كذب (قال أبو مخنف)
وحدثني هشام بن عبد الرحمن الثقفي عن عبد الرحمن بن أبي عمير الثقفي قال والله إني
لجالس عند المختار حين أتاه هزيمة القوم ومالقوا قال فأصغى إلى فقال قتلت والله
العبيد قتلة ما سمعت بمثلها قط ثم قال وقتل ابن شميط وابن كامل وفلان وفلان
فسمى رجالا من العرب أصيبوا كان الرجل منهم في الحرب خيرا من فئام من
الناس قال فقلت له فهذه والله مصيبة فقال لي ما من الموت بد وما من ميتة أموتها
أحب إلى من مثل ميتة ابن شميط حبذا مصارع الكرام قال فعلمت أن الرجل قد
حدث نفسه إن لم يصب حاجته أن يقاتل حتى يموت * ولما بلغ المختار أنهم قد
أقبلوا إليه في البحر وعلى الظهر سار حتى نزل بهم السيلحين ونظر إلى مجتمع الأنهار
نهر الحيرة ونهر السيلحين ونهر القادسية ونهر برسف فسكر الفرات على مجتمع
الأنهار فذهب ماء الفرات كله في هذه الأنهار وبقيت سفن أهل البصرة في الطين
فلما رأوا ذلك خرجوا من السفن يمشون وأقبلت خيلهم تركض أتوا ذلك
السكر فكسروه وصمدوا صمد الكوفة * فلما رأى ذلك المختار أقبل إليهم حتى نزل
حروراء وحال بينهم وبين الكوفة وقد كان حصن قصره والمسجد وأدخل في
قصره عدة الحصار وجاء المصعب يسير إليه وهو بحروراء وقد استعمل على
الكوفة عبد الله بن شداد وخرج إليه المختار وقد جعل على ميمنته سليم بن يزيد
562

الكندي وجعل على ميسرته سعيد بن منقذ الهمداني ثم الثوري وكان على شرطته
يومئذ عبد الله بن قراد الخثعمي وبعث على الخيل عمر بن عبد الله النهدي وعلى
الرجال مالك بن عمرو النهدي وجعل مصعب على ميمنته المهلب بن أبي صفرة
وعلى ميسرته عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي وعلى الخيل عباد بن الحصين الحبطي
وعلى الرجال مقاتل بن مسمع البكري ونزل هو يمشى متنكبا قوسا له قال وجعل
على أهل الكوفة محمد بن الأشعث فجاء محمد حتى نزل بين المصعب والمختار مغربا
ميامنا قال فلما رأى ذلك المختار بعث إلى كل خمس من أخماس أهل البصرة رجلا
من أصحابه فبعث إلى بكر بن وائل سعيد بن منقذ صاحب ميسرته وعليهم مالك
ابن مسمع البكري وبعث إلى عبد القيس وعليهم مالك بن المنذر عبد الله بن شريح
الشبامي وكان على بيت ماله وبعث إلى أهل العالية وعليهم قيس بن الهيثم السلمي
عبد الله بن جعدة القرشي ثم المخزومي وبعث إلى الأزد وعليهم زياد بن عمرو
العتكي: مسافر بن سعيد بن نمران الناعطي وبعث إلى بنى تميم وعليهم الأحنف
ابن قيس: سليم بن يزيد الكندي وكان صاحب ميمنته وبعث إلى محمد بن الأشعث
السائب بن مالك الأشعري ووقف في بقية أصحابه وتزاحف الناس ودنا بعضهم
من بعض ويحمل سعيد بن منقذ وعبد الله بن شريح على بكر بن وائل وعبد القيس
وهم في الميسرة وعليهم عمر بن عبيد الله بن معمر فقاتلتهم ربيعة قتالا شديدا وصبروا
لهم وأخذ سعيد بن منقذ وعبد الرحمن بن شريح لا يقلعان إذا حمل واحد فانصرف
حمل الآخر وربما حملا جميعا قال فبعث المصعب إلى المهلب ما تنتظر أن تحمل
على من بإزائك ألا ترى ما يلقى هذان الخمسان منذ اليوم احمل بأصحابك فقال أي
لعمري ما كنت لأجزر الأزد وتميما خشية أهل الكوفة حتى أرى فرصتي
قال وبعث المختار إلى عبد الله بن جعدة أن احمل على من بإزائك فحمل على أهل
العالية فكشفهم حتى انتهوا إلى المصعب فجثا المصعب على ركبتيه ولم يكن فرارا
فرمى بأسهمه ونزل الناس عنده فقاتلوا ساعة ثم تحاجزوا قال وبعث المصعب
إلى المهلب وهو في خمسين جامين كثيري العدد والفرسان لا أبالك ما تنتظر
563

أن تحمل على القوم فمكث غير بعيد ثم إنه قال لأصحابه قد قاتل الناس منذ اليوم
وأنتم وقوف وقد أحسنوا وقد بقى ما عليكم احملوا واستعينوا بالله واصبروا
فحمل على من يليه حملة منكرة فحطموا أصحاب المختار حطمة منكرة فكشفوهم وقال
عبد الله بن عمرو النهدي وكان من أصحاب صفين اللهم إني على ما كنت عليه ليلة
الخميس بصفين اللهم إني أبرأ إليك من فعل هؤلاء لأصحابه حين انهزموا وأبرأ
إليك من أنفس هؤلاء يعنى أصحاب المصعب ثم جالد بسيفه حتى قتل وأتى مالك
ابن عمرو أبو نمران النهدي وهو على الرجالة بفرسه فركبه وانقصف أصحاب
المختار انقصافة شديدة كأنهم أجمة فيها حريق فقال مالك حين ركب ما أصنع
بالركوب والله لان اقتل ههنا أحب إلى من أن أقتل في بيتي أين أهل البصائر
أين أهل الصبر فثاب إليه نحو من خمسين رجلا وذلك عند المساء فكر على أصحاب
محمد بن الأشعث فقتل محمد بن الأشعث إلى جانبه هو وعامة أصحابه فبعض الناس
يقول هو قتل محمد بن الأشعث ووجد أبو نمران قتيلا إلى جانبه وكندة تزعم أن
عبد الملك بن أشاءة الكندي هو الذي قتله فلما مر المختار في أصحابه على محمد بن
الأشعث قتيلا قال يا معشر الأنصار كروا على الثعالب الرواغة فحملوا عليهم
فقتل فخثعم تزعم أن عبد الله بن قراد هو الذي قتله (قال أبو مخنف) وسمعت
عوف بن عمرو الجشمي يزعم أن مولى لهم قتله فادعى قتله أربعة نفر كلهم يزعم
أنه قتله وانكشف أصحاب سعيد بن منقذ فقاتل في عصابة من قومه نحو من سبعين
رجلا فقتلوا وقاتل سليم بن يزيد الكندي في تسعين رجلا من قومه وغيرهم
ضارب حتى قتل وقاتل المختار على فم سكة شبث ونزل وهو يريد أن لا يبرح
فقاتل عامة ليلته حتى انصرف عنه القوم وقتل معه ليلتئذ رجال من أصحابه من
أهل الحفاظ منهم عاصم بن عبد الله الأزدي وعياش بن خازم الهمداني ثم
الثوري وأحمر بن هديج الهمداني ثم الفايشي (قال أبو مخنف) حدثنا أبو الزبير
أن همدان تنادوا ليلتئذ يا معشر همدان سيفوهم فقاتلوهم أشد القتال فلما أن
تفرقوا عن المختار قال له أصحابه أيها الأمير قد ذهب القوم فانصرف إلى
564

منزلك إلى القصر فقال المختار أما والله ما نزلت وأنا أريد أن آتي القصر فأما إذا انصرفوا
فاركبوها بنا على اسم الله فجاء حتى دخل القصر فقال الأعشى في قتل محمد بن الأشعث:
تأوب عينك عوارها * وعاد لنفسك تذكارها
وإحدى لياليك راجعتها * أرقت ونوم سمارها
وما ذاقت العين طعم الرقا * د حتى تبلج إسفارها
وقام نعاة أبى قاسم * فأسبل بالدمع تحدارها
فحق العيون على ابن الأشج * أن لا يفتر تقطارها
وألا تزال تبكى له * وتبتل بالدمع أشفارها
عليك محمد لما ثويت * تبكى البلاد وأشجارها
وما يذكرونك إلا بكوا * إذا ذمة خانها جارها
وعارية من ليالي الشتا * ء لا يتمنح أيسارها
ولا ينبح الكلب فيها العقور * إلا الهرير وتختارها
فأنت محمد في مثلها * مهين الجزائر نحارها
ولا ينفع الثوب فيها الفتى * ولا رية الخدر تخدارها
تظل جفانك موضوعة * تسيل من الشحم أصبارها
وما في سقائك مستنطق * إذا الشول روح أغبارها
فيا واهب الوصفاء الصبا * ح إن شبرت تم أشبارها
ويا واهب الجرد مثل القدا * ح قد يعجب الصف شوارها
ويا واهب البكرات الهجا * ن عوذا تجاوب أبكارها
وكنت كدجلة إذ ترتمي * فيقذف في البحر تيارها
وكنت جليدا وذا مرة * إذا يبتغى منك إمرارها
وكنت إذا بلدة أصفقت * وآذن بالحرب جبارها
بعثت عليها ذواكي العيون * حتى تواصل أخبارها
بإذن من الله والخيل قد * أعد لذلك مضمارها
565

وقد تطعم الخيل منك الوجيف * حتى تنبذ أمهارها
وقد تعلم البازل العيسجور * أنك بالخبت حسارها
فيا أسفى يوم لاقيتهم * وخانت رجالك فرارها
وأقبلت الخيل مهزومة * عثارا تضرب أدبارها
بشط حروراء واستجمعت * عليك الموالى وسحارها
فأخطرت نفسك من دونهم * فحاز الرزبئة أخطارها
فلا تبعدن أبا قاسم * فقد يبلغ النفس مقدارها
وأفنى الحوادث ساداتنا * ومر الليالي وتكرارها
(قال هشام) قال أبى كان السائب أتى مع مصعب بن الزبير فقتله ورقاء
النخعي من وهبيل فقال ورقاء:
من مبلغ عنى عبيدا بأنني * علوت أخاه بالحسام المهند
فإن كنت تبغى العلم عنه فإنه * صريع لدى الديرين غير موسد
وعمدا علوت الرأس منه بصارم * فأثكلته سفيان بعد محمد
(قال هشام) عن أبي مخنف قال حدثني حصيرة بن عبد الله أن هند بنت
المتكلفة الناعطية كان يجتمع إليها كل غال من الشيعة فيتحدث في بيتها وفى بيت ليلى
بنت قمامة المزنية وكان أخوها رفاعة بن قمامة من شيعة على وكان مقتصدا
فكانت لا تحبه فكان أبو عبد الله الجدلي ويزيد بن شراحيل قد أخبرا ابن الحنفية
خبر هاتين المرأتين وغلوهما وخبر أبي الأحراس المرادي والبطين الليثي
وأبى الحارث الكندي (قال هشام) عن أبي مخنف قال حدثني يحيى بن أبي عيسى
قال فكان ابن الحنفية قد كتب مع يزيد بن شراحيل إلى الشيعة بالكوفة تحذرهم
هؤلاء فكتب إليهم من محمد بن علي إلى من بالكوفة من شيعتنا أما بعد فاخرجوا
إلى المجالس والمساجد فاذكروا الله علانية وسرا ولا تتخذوا من دون المؤمنين
بطانة فإن خشيتم على أنفسكم فاحذروا على دينكم الكذابين وأكثروا الصلاة
والصيام والدعاء فإنه ليس أحد من الخلق يملك لاحد ضرا ولا نفعا إلا ما شاء
566

الله وكل نفس بما كسبت رهينة ولا تزر واررة وزر أخرى والله قائم
على كل نفس بما كسبت فاعلموا صالحا وقدموا لأنفسكم حسنا ولا تكونوا من
الغافلين والسلام عليكم (قال أبو مخنف) فحدثني حصيرة بن عبد الله أن عبد الله
ابن نوف خرج من بيت هند بنت المتكلفة حين خرج الناس إلى حروراء
وهو يقول يوم الأربعاء ترفعت السما ونزل القضا بهزيمة الأعداء فاخرجوا على
اسم الله إلى حرورا فخرج فلما التقى الناس للقتال ضرب على وجهه ضربة ورجع
الناس منهزمين ولقيه عبد الله بن شريك النهدي وقد سمع مقالته فقال له ألم تزعم
لنا يا ابن نوف أنا سنهزمهم قال أو ما قرأت في كتاب الله يمحو الله ما يشاء
ويثبت وعنده أم الكتاب قال فلما أصبح المصعب أقبل يسير بمن معه من
أهل البصرة ومن خرج إليه من أهل الكوفة فأخذ بهم نحو السبخة فمر بالمهلب
فقال له المهلب يا له فتحا ما أهناه لو لم يكن محمد بن الأشعث قتل قال صدقت فرحم
الله محمدا ثم سار غير بعيد ثم قال يا مهلب قال لبيك أيها الأمير قال هل علمت أن
عبيد الله بن علي بن أبي طالب قد قتل قال إنا لله وإنا إليه راجعون قال المصعب
أما إنه كان ممن أحب أن يرى هذا الفتح ثم لا نجعل أنفسنا أحق بشئ مما نحن
فيه منه أتدري من قتله قال لا قال إنما قتله من يزعم أنه لأبيه شيعة أما إنهم قد قتلوه
وهم يعرفونه قال ثم مضى حتى نزل السبخة فقطع عنهم الماء والمادة وبعث عبد الرحمن بن
محمد بن الأشعث فنزل الكناسة وبعث عبد الرحمن بن مخنف سليم إلى جبانة السبيع
وقد كان قال لعبد الرحمن بن مخنف ما كنت صنعت فيما كنت وكلتك به قال أصلحك
الله جدت الناس صنفين أما من كان له فيك هوى فخرج إليك وأما من كان يرى
رأى والمختار فلم يكن ليدعه ولا ليؤثر أحدا عليه فلم أبرح بيتي حتى قدمت قال صدقت
وبعث عباد بن الحصين إلى جبانة كندة فكل هؤلاء كان يقطع عن المختار وأصحابه الماء
والمادة وهم في قصر المختار وبعث زحر بن قيس إلى جبانة مراد وبعث عبيد الله بن
الحر إلى جبانة الصائديين (قال أبو مخنف) وحدثني فضيل بن خديج قال لقد رأيت
عبيد الله بن الحر وإنه ليطارد أصحاب خيل المختار يقاتلهم في جبانة الصائديين
567

ولربما رأيت خيلهم تطرد خيله وإنه لوراء خيله يحميها حتى ينتهى إلى دار
عكرمة ثم يكر راجعا هو وخيله فيطردهم حتى يلحقهم بجبانة الصائديين ولربما
رأيت خيل عبيد الله قد أخذت السقاء والسقاءين فيضربون وإنما كانوا يأتونهم
بالماء أنهم كانوا يعطونهم بالراوية الدينار والدينارين لما أصابهم من الجهد
وكان المختار ربما خرج هو وأصحابه فقاتلوا قتالا ضعيفا ولا نكاية لهم وكانت
لا تخرج له خيل إلا رميت بالحجارة من فوق البيوت ويصب عليهم الماء القذر
واجترأ عليهم الناس فكانت معايشهم أفضلها من نسائهم فكانت المرأة تخرج من
منزلها معها الطعام واللطف والماء قد التحفت عليه فتخرج كأنما تريد المسجد
الأعظم للصلاة وكأنها تأتى أهلها وتزور ذات قرابة لها فإذا دنت من القصر فتح
لها فدخلت على زوجها وحميمها بطعامه وشرابه ولطفه وإن ذلك بلغ المصعب
وأصحابه فقال له المهلب وكان مجربا اجعل عليهم دروبا حتى تمنع من يأتيهم من
أهليهم وأبنائهم وتدعهم في حصنهم حتى يموتوا فيه وكان القوم إذا اشتد عليهم
العطش في قصرهم استقوا من ماء البثر ثم أمر لهم المختار بعسل فصب فيه ليغير
طعمه فيشربوا منه فكان ذلك أيضا مما يروى أكثرهم ثم إن مصعبا أمر أصحابه
فاقتربوا من القصر فجاء عباد بن الحصين الحبطي حتى نزل عند مسجد جهينة
وكان ربما تقدم حتى ينتهى إلى مسجد بنى مخزوم وحتى يرمى أصحابه من أشرف
عليهم من أصحاب المختار من القصر وكان لا يلقى امرأة قريبا من القصر إلا قال لها
من أنت ومن أين جئت وما تريدين فأخذ في يوم ثلاث نسوة للشباميين وشاكر
أتين أزواجهن في القصر فبعث بهن إلى مصعب وان الطعام لمعهن فردهن مصعب
ولم يعرض لهن وبعث زحر بن قيس فنزل عند الحدادين حيث تكرى الدواب
وبعث عبيد الله بن الحر فكان موقفه عند دار بلال وبعث محمد بن عبد الرحمن بن
سعيد بن قيس فكان موقفه عند دار أبيه وبعث حوشب بن يزيد فوقف عند
زقاق البصريين عند فم سكة بنى جذيمة بن مالك من بنى أسد بن خزيمة وجاء المهلب
يسير حتى نزل جهارسوج خنيس وجاء عبد الرحمن بن مخنف من قبل دار السقاية
568

وابتدر السوق أناس من شباب أهل الكوفة وأهل البصرة أغمار ليس لهم
علم بالحرب فأخذوا يصيحون وليس لهم أمير يا ابن دومة يا ابن دومة فأشرف
عليهم المختار فقال أما والله لو أن الذي يعيرني بدومة كان من القريتين عظيما
ما عيرني بها وبصر بهم وبتفرقهم وهيئتهم وانتشارهم فطمع فيهم فقال لطائفة من أصحابه
اخرجوا معي فخرج معه منهم نحو من مائتي رجل فكر عليهم فشدخ نحوا من
مائة وهزمهم فركب بعضهم بعضا وأخذوا على دار فرات بن حيان العجلي ثم
إن رجلا من بنى ضبة من أهل البصرة يقال له يحيى بن ضمضم كانت رجلاه تكاد
أن تخطان الأرض إذا ركب من طوله وكان أقتل شئ للرجال وأهيبه عندهم
إذا رأوه فأخذ يحمل على أصحاب المختار فلا يثبت له رجل صمد صمده وبصر به
المختار فحمل عليه فضربه ضربة على جبهته فأطار جبهته وقحف رأسه وخر ميتا
ثم إن تلك الامراء وتلك الرؤوس أقبلوا من كل جانب فلم تكن لأصحابه بهم طاقة
فدخلوا القصر فكانوا فيه فاشتد عليهم الحصار فقال لهم المختار ويحكم إن الحصار
لا يزيدكم إلا ضعفا أنزلوا بنا فلنقاتل حتى نقتل كراما ان نحن قتلنا والله ما أنا
بآيس ان صدقتموهم أن ينصركم الله فضعفوا وعجزوا فقال لهم المختار أما أنا
فوالله لا أعطى بيدي ولا أحكمهم في نفسي ولما رأى عبد الله بن جعدة بن هبيرة
ابن أبي وهب ما يريد المختار تدلى من القصر بحبل فلحق بأناس من إخوانه فاختبى
عندهم ثم إن المختار أزمع بالخروج إلى القوم حين رأى من أصحابه الضعف
ورأى ما بأصحابه من الفشل فأرسل إلى امرأته أم ثابت بنت سمرة بن جندب
الفزاري فأرسلت إليه بطيب كثير فاغتسل وتحنط ثم وضع ذلك الطيب على
رأسه ولحيته ثم خرج في تسعة عشر رجلا فيهم السائب بن مالك الأشعري وكان
خليفته على الكوفة إذا خرج إلى المدائن وكانت تحته عمرة بنت أبي موسى
الأشعري فولدت له غلاما فسماه محمدا فكان مع أبيه في القصر فلما قتل أبوه
وأخذ من في القصر وجد صبيا فترك ولما خرج المختار من القصر قال للسائب ماذا
ترى قال الرأي لك فماذا ترى قال أنا أرى أم الله يرى قال بل الله يرى قال ويحك
569

أحمق أنت إنما أنا رجل من العرب رأيت ابن الزبير انتزى على الحجاز ورأيت
نجدة انتزى على اليمامة ومروان على الشأم فلم أكن دون أحد من رجال العرب
فأخذت هذه البلاد فكنت كأحدهم إلا أنى قد طلبت بثأر أهل بيت النبي صلى الله
عليه وسلم إذ نامت عنه العرب فقتلت من شرك في دمائهم وبالغت في ذلك إلى
يومى هذا فقاتل على حسبك إن لم تكن لك نية فقال إنا لله وإنا إليه راجعون
وما كنت أصنع أن أقاتل على حسبي فقال المختار عند ذلك يتمثل بقول غيلان
ابن سلمة بن معتب الثقفي
ولو يراني أبو غيلان إذ حسرت * عنى الهموم بأمر ماله طبق
لقال رهبا ورعبا يجمعان معا * غنم الحياة وهول النفس والشفق
إما تسف على مجد ومكرمة * أو إسوة لك فيمن تهلك الورق
فخرج في تسعة عشر رجلا فقال لهم أتؤمنوني وأخرج إليكم فقالوا لا إلا
على الحكم فقال لا أحكمكم في نفسي أبدا فضارب بسيفه حتى قتل وقد كان
قال لأصحابه حين أبوا أن يتابعوه على الخروج معه إذا أنا خرجت إليهم فقتلت
لم تزدادوا إلا ضعفا وذلا فان نزلتم على حكمهم وثب أعداؤكم الذين قد وترتموهم
فقال كل رجل منهم لبعضكم هذا عنده ثأري فيقتل وبعضكم ينظر إلى مصارع
بعض فتقولون يا ليتنا أطعنا المختار وعملنا برأيه ولو أنكم خرجتم معي كنتم إن
أخطأتم الظفر متم كراما وإن هرب منكم هارب فدخل في عشيرته اشتملت
عليه عشيرته أنتم غدا هذه الساعة أذل من على ظهر الأرض فكان كما قال وزعم
الناس أن المختار قتل عند موضع الزياتين اليوم قتله رجلان من بنى حنيفة اخوان
يدعى أحدهما طرفة والآخر طرافا ابنا عبد الله بن دجاجة من بنى حنيفة ولما كان
من الغد من قتل المختار قال بجير بن عبد الله المسلى يا قوم قد كان صاحبكم أمس
أشار عليكم بالرأي لو أطعتموه يا قوم انكم إن نزلتم على حكم القوم ذبحتم كما
تذبح الغنم اخرجوا بأسيافكم فقاتلوا حتى تموتوا كراما فعصوه وقالوا لقد
أمرنا بهذا من كان أطوع عندنا وأنصح لنا منك فعصيناه أفنحن نطيعك فأمكن
570

القوم من أنفسهم ونزلوا على الحكم فبعث إليهم مصعب عباد بن الحصين الحبطي
فكان هو يخرجهم مكتفين وأوصى عبد الله بن شداد الجشمي إلى عباد بن الحصين
وطلب عبد الله بن قراد عصا أو حديدة أو شيئا يقاتل به فلم يجده وذلك أن
الندامة أدركته بعد ما دخلوا عليه فأخذوا سيفه وأخرجوه مكتوفا فمر به
عبد الرحمن وهو يقول
ما كنت أخشى أن أرى أسيرا * إن الذين خالفوا الأميرا
قد رغموا وتبروا تتبيرا
فقال عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث على بذا قدموه إلى أضرب عنقه فقال له
أما إني على دين جدك الذي آمن ثم كفر ان لم أكن ضربت أباك بسيفي حتى فاظ
فنزل ثم قال أدنوه منى فأدنوه منه فقتله فغضب عباد فقال قتلته ولم تؤمر بقتله
ومر بعبد الله بن شداد الجشمي وكان شريفا فطلب عبد الرحمن إلى عباد أن يحبسه
حتى يكلم فيه الأمير فأتى مصعبا فقال إني أحب أن تدفع إلى عبد الله بن شداد
فأقتله فإنه من الثأر فأمر له به فلما جاءه أخذه فضرب عنقه فكان عباد يقول أما
والله لو علمت أنك إنما تريد قتله لدفعته إلى عيرك فقتله ولكني حسبت انك تكلمه
فيه فتخلى سبيله وأتى بابن عبد الله بن شداد وإذا اسمه شداد وهو رجل محتلم وقد
اطلى بنورة فقال اكشفوا عنه هل أدرك فقالوا لا إنما هو غلام فخلوا سبيله وكان
الأسود بن سعيد قد طلب إلى مصعب ان يعرض على أخيه الأمان فان نزل
تركه له فأتاه فعرض عليه الأمان فأبى أن ينزل وقال أموت مع أصحابي أحب
إلى من حياة معكم وكان يقال له قيس فأخرج فقتل فيمن قتل وقال بجير بن
عبد الله المسلى ويقال كان مولى لهم حين أتى به مصعب ومعه منهم ناس كثير
فقال له المسلى الحمد لله الذي ابتلانا بالإسار وابتلاك بأن تعفو عنا وهما منزلتان
إحداهما رضا الله والاخرى سخطه من عفا عفا الله عنه وزاده عزا ومن عاقب
لم يأمن القصاص يا ابن الزبير نحن أهل قبلتكم وعلى ملتكم ولسانا تركا ولا ديلما
فان خالفنا اخواننا من أهل مصرنا فإما أن نكون أصبنا وأخطأوا وإما أن
571

نكون أخطأنا وأصابوا فاقتتلنا كما اقتتل أهل الشأم بينهم فقد اختلفوا واقتتلوا
ثم اجتمعوا وكما اقتتل أهل البصرة بينهم فقد اختلفوا واقتتلوا ثم اصطلحوا
واجتمعوا وقد ملكتم فأسجحوا وقد قدرتم فاعفوا فما زال بهذا القول ونحوه
حتى رق لهم الناس ورق لهم مصعب وأراد أن يخلى سبيلهم فقام عبد الرحمن
ابن محمد بن الأشعث فقال تخلى سبيلهم اخترنا يا ابن الزبير أو اخترهم ووثب
محمد بن عبد الرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني فقال قتل أبى وخمسمائة من همدان
وأشراف العشيرة وأهل المصر ثم تخلى سبيلهم ودماؤنا ترقرق في أجوافهم اخترنا
أو اخترهم ووثب كل قوم وأهل بيت كان أصيب منهم رجل فقالوا نحوا من هذا
القول فلما رأى مصعب بن الزبير ذلك أمر بقتلهم فنادوه بأجمعهم يا ابن الزبير
لا تقتلنا اجعلنا مقدمتك إلى أهل الشأم غدا فوالله ما بك ولا بأصحابك عنا غدا
غنى إذا لقيتم عدوكم فان قتلنا لم نقتل نرقهم لكم وإن ظفرنا بهم كان ذلك لك
ولمن معك فأبى عليهم وتبع رضا العامة فقال بجير المسلى إن حاجتي إليك ألا
أقتل مع هؤلاء إني أمرتهم أن يخرجوا بأسيافهم فيقاتلوا حتى يموتوا كراما
فعصوني فقدم فقتل (قال أبو مخنف) وحدثني أبي قال حدثني أبو روق أن
مسافر بن سعيد بن نمران قال لمصعب بن الزبير يا ابن الزبير ما تقول لله إذا قدمت
عليه وقد قتلت أمة من المسلمين صبرا حكموك في دمائهم فكان الحق في دمائهم
أن لا تقتل نفسا مسلمة بغير نفس مسلمة فإن كان قتلنا عدة رجال منكم فاقتلوا
عدة من قتلنا منكم وخلوا سبيل بقيتنا وفينا الآن رجال كثير لم يشهدوا موطنا
من حربنا وحربكم يوما واحدا كانوا في الجبال والسواد يجبون الخراج ويؤمنون
السبيل فلم يستمع له فقال قبح الله قوما أمرتهم أن يخرجوا ليلا على حرس سكة
من هذه السكك فنطردهم ثم نلحق بعشائرنا فعصوني حتى حملوني على أن أعطيت
التي هي أنقص وأدنى وأوضع وأبوا أن يموتوا إلا ميتة العبيد فأنا أسألك ألا
تخلط دمى بدمائهم فقدم فقتل ناحية ثم إن المصعب أمر بكف المختار فقطعت
ثم سمرت بمسمار؟ حديد إلى جنب المسجد فلم يزل على ذلك حتى قدم الحجاج بن
572

يوسف فنظر إليها فقال ما هذه قالوا كف المختار فأمر بنزعها وبعث مصعب
عماله على الجبال والسواد ثم إنه كتب إلى ابن الأشتر يدعوه إلى طاعته ويقول
له ان أنت أجبتني ودخلت في طاعتي فلك الشأم وأعنة الخيل وما غلبت عليه من
أرض المغرب ما دام لآل الزبير سلطان وكتب عبد الملك بن مروان من الشأم
إليه يدعوه إلى طاعته ويقول إن أنت أجبتني ودخلت في طاعتي فلك العراق فدعا
إبراهيم أصحابه فقال ما ترون فقال بعضهم تدخل في طاعة عبد الملك وقال بعضهم
تدخل مع ابن الزبير في طاعته فقال ابن الأشتر ذاك لو لم أكن أصبت عبيد الله
ابن زياد ولا رؤساء أهل الشأم تبعت عبد الملك مع انى لا أحب أن أختار
على أهل مصري مصرا ولا على عشيرتي عشيرة فكتب إلى مصعب فكتب إليه مصعب
أن أقبل فأقبل إليه بالطاعة (قال أبو مخنف) حدثني أبو جناب الكلبي أن كتاب
مصعب قدم على ابن الأشتر وفيه أما بعد فان الله قد قتل المختار الكذاب وشيعته
الذين دانوا بالكفر وكادوا بالسحر وانا ندعوك إلى كتاب الله وسنة نبيه وإلى
بيعة أمير المؤمنين فان أجبت إلى ذلك فأقبل إلى فان لك أرض الجزيرة وأرض
المغرب كلها ما بقيت وبقى سلطان آل الزبير لك بذلك عهد الله وميثاقه وأشد
ما أخذ الله على النبيين من عهد أو عقد والسلام وكتب إليه عبد الملك بن مروان
أما بعد فان آل الزبير انتزوا على أئمة الهدى ونازعوا الامر أهله وألحدوا في
بيت الله الحرام والله ممكن منهم وجاعل دائرة السوء عليهم وانى أدعوك إلى الله
وإلى سنة نبيه فان قبلت وأجبت فلك سلطان العراق ما بقيت وبقيت لك على
بالوفاء بذلك عهد الله وميثاقه قال فدعا أصحابه فأقرأهم الكتاب واستشارهم في
الرأي فقائل يقول عبد الملك وقائل يقول ابن الزبير فقال لهم ورأيي اتباع أهل
الشأم كيف لي بذلك ولكن ليس قبيلة تسكن الشأم الا وقد وترتها ولست بتارك
عشيرتي وأهل مصري فأقبل إلى مصعب فلما بلغ مصعبا إقباله بعث المهلب إلى
عمله وهى السنة التي نزل فيها المهلب على الفرات (قال أبو مخنف) حدثني أبو علقمة
الخثعمي أن المصعب بعث إلى أم ثابت بنت سمرة بن جندب امرأة المختار والى
573

عمرة بنت النعمان بن بشير الأنصاري وهى امرأة المختار فقال لهما ما تقولان
في المختار فقالت أم ثابت ما عسينا أن نقول ما نقول فيه الا ما تقولون فيه أنتم
فقالوا لها اذهبي وأما عمرة فقالت رحمة الله عليه إن كان عبدا من عباد الله الصالحين
فرفعها مصعب إلى السجن وكتب فيها إلى عبد الله بن الزبير انها تزعم أنه نبي فكتب
إليه أن أخرجها فاقتلها فأخرجها بين الحيرة والكوفة بعد العتمة فضربها مطر
ثلاث ضربات بالسيف ومطر تابع لآل قفل من بنى تيم الله بن ثعلبة كان يكون
مع الشرط فقالت يا أبتاه يا أهلاه يا عشيرتاه فسمع بها بعض الأنصار وهو أبان
ابن النعمان بن بشير فأتاه فلطمه وقال له يا ابن الزانية قطعت نفسها قطع الله يمينك
فلزمه حتى رفعه إلى مصعب فقال إن أمي مسلمة وادعى شهادة بنى قفل فلم يشهد
له أحد فقال مصعب خلوا سبيل الفتى فإنه رأى أمرا فظيعا فقال عمر بن أبي ربيعة
القرشي في قتل مصعب عمرة بنت النعمان بن بشير
إن من أعجب العجائب عندي * قتل بيضاء حرة عطبول
قتلت هكذا على غير جرم * إن لله درها من قتيل
كتب القتل والقتال علينا * وعلى المحصنات جر الذيول
(قال أبو مخنف) وحدثني محمد بن يوسف ان مصعبا لقى عبد الله بن عمر فسلم
عليه وقال له أنا ابن أخيك مصعب فقال له ابن عمر نعم أنت القاتل سبعة آلاف
من أهل القبلة في غداة واحدة عش ما استطعت فقال مصعب انهم كانوا كفرة
سحرة فقال ابن عمر والله لو قتلت عدتهم غنما من تراث أبيك لكان ذلك سرفا
فقال سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت في ذلك
أتى راكب بالامر ذي النبأ العجب * بقتل ابنة النعمان ذي الدين والحسب
بقتل فتاة ذات دل ستيرة * مهذبة الأخلاق والخيم والنسب
مطهرة من نسل قوم أكارم * من المؤثرين الخير في سالف الحقب
خليل النبي المصطفى ونصيره * وصاحبه في الحرب والنكب والكرب
أتاني بأن الملحدين توافقوا * على قتلها لأجنبوا القتل والسلب
574

فلا هنات آل الزبير معيشة * وذاقوا لباس الذل والخوف والحرب
كأنهم إذ أبرزوها وقطعت * بأسيافهم فازوا بمملكة العرب
ألم تعجب الأقوام من قتل حرة * من المحصنات الدين محمودة الأدب
من الغافلات المؤمنات بريئة * من الذم والبهتان والشك والكذب
علينا كتاب القتل والبأس واجب * وهن العفاف في الحجال وفى الحجب
على دين أجداد لها وأبوة * كرام مضت لم تخز أهلا ولم ترب
من الخفرات لا خروج بذية * ملايمة تبغى على جارها الجنب
ولا الجار ذي القربى ولم تدر ما الخنا * ولم تزدلف يوما بسوء ولم تحب
عجبت لها إذ كفنت وهى حية * ألا إن هذا الخطب من أعجب العجب
* حدثت عن علي بن حرب الموصلي قال حدثني إبراهيم بن سليمان الحنفي بن
أخي أبى الأحوص قال حدثنا محمد بن أبان عن علقمة بن مرثد عن سويد بن غفلة
قال نينا أبا أسير بظهر النجف إذ لحقني رجل فطعنني بمخصره من خلفي فالتفت
إليه فقال ما قولك في الشيخ قلت أي الشيوخ قال علي بن أبي طالب قلت انى أشهد
انى أحبه بسمعي وبصرى وقلبي ولساني قال وأنا أشهدك انى أبغضه بسمعي وبصرى
وقلبي ولساني فسرنا حتى دخلنا الكوفة فافترقنا فمكث بعد ذلك سنين أو قال زمانا
قال ثم انى لفى المسجد الأعظم إذ دخل رجل معتم يتصفح وجوه الخلق فلم يزل
ينظر فلم ير لحى أحمق من لحى همدان فجلس إليهم فتحولت فجلست معهم فقالوا من
أين أقبلت قال من عند أهل بيت نبيكم قالوا فماذا جئتنا به قال ليس هذا موضع ذلك
فوعدهم من الغد موعدا فغدا وغدوت فإذا قد أخرج كتابا معه في أسفله طابع من
رصاص فدفعه إلى غلام فقال له يا غلام أقرأه وكان أميا لا يكتب فقال الغلام بسم
الله الرحمن الرحيم هذا كتاب للمختار بن أبي عبيد كتبه له وصى آل محمد أما بعد
فكذا وكذا فاستفرغ القوم البكاء فقال يا غلام ارفع كتابك حتى يفيق القوم قلت
معاشر همدان أنا أشهد بالله لقد أدركني هذا بظهر النجف فقصصت عليهم قصته
فقالوا أبيت والله إلا تثبيطا عن آل محمد وتزيينا لنعثل شقاق المصاحف قال قلت
575

معاشر همدان لا أحدثكم إلا ما سمعته أذناي ووعاه قلبي من علي بن أبي طالب عليه
السلام سمعته يقول لا تسموا عثمان شقاق المصاحف فوالله ما شققها إلا عن ملا
منا أصحاب محمد ولو وليتها لعملت فيها مثل الذي عمل قالوا آلله أنت سمعت هذا من
على قلت والله لأنا سمعته منه قال فتفرقوا عنه فعند ذلك مال إلى العبيد واستعان
بهم وصنع ما صنع (قال أبو جعفر) واقتص الواقدي من خبر المختار بن أبي عبيد
بعض ما ذكرنا فخالف فيه من ذكرنا خبره فزعم أن المختار إنما أظهرا لخلاف لابن
الزبير عند قدوم مصعب البصرة وأن مصعبا لما سار إليه فبلغه مسيره إليه بعث إليه
أحمر بن شميط البجلي وأمره أن يواقعه بالمذار وقال إن الفتح بالمذار قال وإنما
قال ذلك المختار لأنه قيل إن رجلا من ثقيف يفتح عليه بالمذار فتح عظيم فظن
أنه هو وإنما كان ذلك للحجاج بن يوسف في قتاله عبد الرحمن بن الأشعث وأمر
مصعب صاحب مقدمته عبادا الحبطي أن يسير إلى جمع المختار فتقدم وتقدم معه
عبيد الله بن علي بن أبي طالب ونزل مصعب نهر البصريين على شط الفرات وحفر هنالك
نهرا فسمى نهر البصريين من أجل ذلك قال وخرج المختار في عشرين ألفا حتى وقف
بإزائهم وزحف مصعب ومن معه فوافوه مع الليل على تعبية فأرسل إلى أصحابه حين
أمسى لا يبرحن أحد منكم موقفه حتى يسمع مناديا ينادى يا محمد فإذا سمعتموه فاحملوا فقال
رجل من القوم من أصحاب المختار هذا والله كذاب على الله وانحاز ومن معه إلى المصعب
فأمهل المختار حتى إذا طلع القمر أمر مناديا فنادى يا محمد ثم حملوا على مصعب وأصحابه
فهزموهم فأدخلوه عسكره فلم يزالوا يقاتلونهم حتى أصبحوا وأصبح المختار وليس عنده
أحد وإذا أصحابه قد وغلوا في أصحاب مصعب فانصرف المختار منهزما حتى دخل قصر
الكوفة فجاء أصحاب المختار حين أصبحوا فوقفوا مليا فلم يروا المختار فقالوا قد قتل
فهرب منهم من أطاق الهرب واختفوا في دور الكوفة وتوجه منهم نحو القصر ثمانية
آلاف لم يجدوا من يقاتل بهم ووجدوا المختار في القصر فدخلوا معه وكان أصحاب
المختار قتلوا في تلك الليلة من أصحاب مصعب بشرا كثيرا فيهم محمد بن الأشعث وأقبل
مصعب حين أصبح حتى أحاط بالقصر فأقام مصعب يحاصره أربعة أشهر يخرج إليهم
576

في كل يوم فيقاتلهم في سوق الكوفة من وجه واحد ولا يقدر عليه حتى قتل المختار فلما
قتل المختار بعث من في القصر يطلب الأمان فأبى مصعب حتى نزلوا على حكمه فلما
نزلوا على حكمه قتل من العرب سبعمائة أو نحو ذلك وسائرهم من العجم قال فلما
خرجوا أراد مصعب أن يقتل العجم ويترك العرب فكلمه من معه فقالوا أي
دين هذا وكيف ترجو النصر وأنت تقتل العجم وتترك العرب ودينهم واحد فقدمهم
فضرب أعناقهم (قال أبو جعفر) وحدثني عمر بن شبة قال حدثنا علي بن محمد قال
لما قتل المختار شاور مصعب أصحابه في المحصورين الذين نزلوا على حكمه فقال
عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ومحمد بن عبد الرحمن بن سعيد بن قيس وأشباههم
ممن وترهم المختار اقتلهم وضجت ضبة وقالوا دم منذر بن حسان فقال عبيد الله
ابن الحر أيها الأمير ادفع كل رجل في يديك إلى عشيرته تمن عليهم بهم فإنهم
إن كانوا قتلونا فقد قتلناهم ولا غنى بنا عنهم في ثغورنا وادفع عبيدنا الذين في يديك
إلى مواليهم فإنهم لأيتامنا وأراملنا وضعفائنا يردونهم إلى أعمالهم واقتل هؤلاء
الموالى فإنهم قد بدا كفرهم وعظم كبرهم وقل شكرهم فضحك مصعب وقال
للأحنف ما ترى يا أبا بحر قال قد أرادني زياد فعصيته يعرض بهم فأمر مصعب
بالقوم جميعا فقتلوا وكانوا ستة آلاف فقال عقبة الأسدي
قتلتم ستة الآلاف صبرا * مع العهد الموثق مكتفينا
جعلتم ذمة الحبطي جسرا * ذلولا ظهره للواطئينا
وما كاتوا غداة دعوا فغروا * بعهدهم بأول خائنينا
وكنت أمرتهم لو طاوعوني * بضرب في الأزقة مصلتينا
وقتل المختار فيما قيل وهو ابن سبع وستين سنة لأربع عشرة خلت من شهر
رمضان في سنة 67 فلما فرغ مصعب من أمر المختار وأصحابه وصار إليه إبراهيم
ابن الأشتر وجه المهلب بن أبي صفرة على الموصل والجزيرة وآذربيجان وأرمينية
وأقام بالكوفة (وفى هذه السنة) عزل عبد الله بن الزبير أخاه مصعب بن الزبير
عن البصرة وبعث بابنه حمزة بن عبد الله إليها فاختلف في سبب عزله إياه عنها
577

وكيف كان الامر في ذلك فقال بعضهم في ذلك ما حدثني به عمر * قال حدثني
علي بن محمد قال لم يزل المصعب على البصرة حتى سار منها إلى المختار واستخلف
على البصرة عبيد الله بن عبيد الله بن معمر فقتل المختار ثم وفد إلى عبد الله بن الزبير
فعزله وحبسه عنده واعتذر إليه من عزله وقال والله إني لاعلم أنك أحرى وأكفى
من حمزة ولكني رأيت فيه رأى عثمان في عبد الله بن عامر حين عزل أبا موسى
الأشعري وولاه * وحدثني عمر قال حدثني علي بن محمد قال قدم حمزة البصرة
واليا وكان جوادا سخيا مخلطا يجود أحيانا حتى لا يدع شيئا يملكه ويمنع أحيانا
ما لا يمنع مثله فظهرت منه بالبصرة خفة وضعف فيقال إنه ركب يوما إلى فيض
البصرة فلما رآه قال إن هذا الغدير إن رفقوا به ليكفينهم صيفهم فلما كان بعد
ذلك ركب إليه فوافقه جازرا فقال قد رأيت هذا ذات يوم وظننت أن لن يكفيهم
فقال له الأحنف إن هذا ماء يأتينا ثم يغيض عنا وشخص إلى الأهواز فلما رأى
جبلها قال هذا قعيقعان لموضع بمكة فسمى الجبل قعيقعان وبعث إلى مرادنشاه
فاستحثه بالخراج فأبطأ به فقام إليه بسيفه فضربه فقتله فقال الأحنف ما أحد
سيف الأمير * حدثني عمر قال حدثني علي بن محمد قال لما خلط حمزة بالبصرة
وظهر منه ما ظهر وهم بعبد العزيز بن بشر أن يضربه كتب الأحنف إلى ابن الزبير
بذلك وسأله أن يعيد مصعبا قال وحمزة الذي عقد لعبد الله بن عمير الليثي على قتال
النجدية بالبحرين * حدثني عمر قال حدثنا علي بن محمد قال لما عزل ابن الزبير
حمزة احتمل مالا كثيرا من مال البصرة فعرض له مالك بن مسمع فقال لا ندعك
تخرج بأعطياتنا فضمن له عبيد الله بن عبيد بن معمر العطاء فكف وشخص
حمزة بالمال فترك أباه وأتى المدينة فأودع ذلك المال رجالا فذهبوا به إلا يهوديا
كان أودعه فوفى له وعلم ابن الزبير بما صنع فقال أبعده الله أردت أن أباهى به بنى
مروان فنكص (وأما هشام) بن محمد فإنه ذكر عن أبي مخنف في أمر مصعب
وعزل أخيه إياه عن البصرة ورده إياه إليها غير هذه القصة والذي ذكر من ذلك
عنه في سياق خبر حدثت به عنه عن أبي المخارق الراسبي أن مصعبا لما ظهر على
578

الكوفة أقام بها سنة معزولا عن البصرة عزله عنها عبد الله وبعث ابنه حمزة فمكث
بذلك سنة ثم إنه وفد على أخيه عبد الله بمكة فرده على البصرة وقيل إن مصعبا لما
فرغ من أمر المختار انصرف إلى البصرة وولى الكوفة الحارث بن عبد الله بن أبي
ربيعة قال وقال محمد بن عمر لما قتل مصعب المختار ملك الكوفة والبصرة
(وحج) بالناس في هذه السنة عبد الله بن الزبير وكان عامله على الكوفة مصعب
وقد ذكرت اختلاف أهل السير في العامل على البصرة وكان على قضاء الكوفة
عبد الله بن عتبة بن مسعود وعلى قضاء البصرة هشام بن هبيرة وبالشأم عبد الملك
ابن مروان وكان على خراسان عبد الله بن حازم السلمي
ثم دخلت سنة ثمان وستين
ذكر الخبر عما كان فيها من الأمور الجليلة
فمن ذلك ما كان من رد عبد الله أخاه مصعبا إلى العراق أميرا وقد ذكرنا
السبب في رد عبد الله أخاه مصعبا إلى العراق أميرا بعد عزله إياه ولما رده عليها
أميرا بعث مصعب الحارث بن أبي ربيعة على الكوفة أميرا وذلك أنه بدأ بالبصرة
مرجعه إلى العراق أميرا بعد العزل فصار إليها (وفى هذه السنة) كان مرجع
الأزارقة من فارس إلى العراق حتى صاروا إلى قرب الكوفة ودخلوا المدائن
ذكر الخبر عن أمرهم ومسيرهم ومرجعهم إلى العراق
ذكر هشام عن أبي مخنف قال حدثني أبو المخارق الراسبي أن مصعبا وجه
عمر بن عبيد الله بن معمر على فارس أميرا وكانت الأزارقة لحقت بفارس
وكرمان ونواحي أصبهان بعد ما أوقع بهم المهلب بالأهواز فلما شخص المهلب
عن ذلك الوجه ووجه إلى الموصل ونواحيها عاملا عليها وعمر بن عبيد الله بن
معمر على فارس انحطت الأزارقة مع الزبير بن الماحوز على عمر بن عبيد الله بفارس
فلقيهم بسابور فقاتلهم قتالا شديدا ثم إنه ظفر بهم ظفرا بينا غير أنه لم يكن
بينهم كثير قتلى وذهبوا كأنهم على حامية وقد تركوا على ذلك المعركة (قال أبو
579

مخنف) فحدثني شيخ للحي بالبصرة قال إني لاسمع قراءة كتاب عمر بن عبيد الله
بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني أخبر الأمير أصلحه الله أنى لقيت الأزارقة
التي مرقت من الدين واتبعت أهواءها بغير هدى من الله فقاتلتهم بالمسلمين ساعة
من النهار أشد القتال ثم إن الله ضرب وجوههم وأدبارهم ومنحنا أكتافهم فقتل
الله منهم من خاب وخسر وكل إلى خسران فكتبت إلى الأمير كتابي هذا وأنا
على ظهر فرسى في طلب القوم أرجو أن يجذهم الله إن شاء الله والسلام ثم إنه
تبعهم ومضوا من فورهم ذلك حتى نزلوا إصطخر فسار إليهم حتى لقيهم على قنطرة
طمستان فقاتلهم قتالا شديدا وقتل ابنه ثم إنه ظفر بهم فقطعوا قنطرة طمستان
وارتفعوا إلى نحو من أصبهان وكرمان فأقاموا بها حتى اجتبروا وقووا واستعدوا
وكثروا ثم إنهم أقبلوا حتى مروا بفارس وبها عمر بن عبيد الله بن معمر فقطعوا
أرضه من غير الوجه الذي كان فيه أخذوا على سابور ثم خرجوا على أرجان فلما
رأى عمر بن عبيد الله أن قد قطعت الخوارج أرضه متوجهة إلى البصرة خشى ألا
يحتملها له مصعب بن الزبير فشمر في آثارهم مسرعا حتى أتى أرجان فوجدهم
حين خرجوا منها متوجهين قبل الأهواز وبلغ مصعبا إقبالهم فخرج فعسكر بالناس
بالجسر الأكبر وقال والله ما أدرى ما الذي أغنى عنى أن وضعت عمر بن عبيد الله
بفارس وجعلت معه جندا أجرى عليهم أرزاقهم في كل شهر وأوفيهم أعطياتهم
في كل سنة وآمر لهم من المعاون في كل سنة بمثل الأعطيات تقطع أرضه الخوارج
إلى وقد قطعت علته فأمددته بالرجال وقويتهم والله لو قاتلهم ثم فر كان أعذر له عندي
وإن كان الفار غير مقبول العذر ولا كريم الفعل وأقبلت الخوارج وعليهم الزبير
ابن الماحوز حتى نزلوا الأهواز فأتتهم عيونهم أن عمر بن عبيد الله في أثرهم وأن
مصعب بن الزبير قد خرج من البصرة إليهم فقام فيهم الزبير فحمد الله وأثنى عليه
ثم قال أما بعد فإن من سوء الرأي والحيرة وقوعكم فيما بين هاتين الشوكتين انهضوا
بنا إلى عدونا نلقهم من وجه واحد فسار بهم حتى قطع بهم أرض جوخى ثم أخذ
على النهروانات ثم لزم شاطئ دجلة حتى خرج على المدائن وبها كردم بن مرثد
580

ابن نجبة الفزاري فشنوا الغارة على أهل المدائن يقتلون الولدان والنساء والرجال
ويبقرون الحبالى وهرب كردم فأقبلوا إلى سابطا فوضعوا أسيافهم في الناس
فقتلوا أم ولد لربيعة بن ناجد وقتلوا بنانة ابنة أبى يزيد بن عاصم الأزدي وكانت
قد قرأت القرآن وكانت من أجمل الناس فلما غشوها بالسيوف قالت ويحكم هل
سمعتم بأن الرجال كانوا يقتلون النساء ويحكم تقتلون من لا يبسط إليكم يدا ولا يريد
بكم ضرا ولا يملك لنفسه نفعا أتقتلون من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين
فقال بعضهم اقتلوها وقال رجل منهم لو أنكم تركتموها فقال بعضهم أعجبك جمالها
يا عدو الله قد كفرت وافتتنت فانصرف الآخر عنهم وتركهم فظننا أنه فارقهم
وحملوا عليها فقتلوها فقالت ريطة بنت يزيد سبحان الله أترون الله يرضى بما تصنعون
تقتلون النساء والصبيان ومن لم يذنب إليكم ذنبا ثم انصرفت وحملوا عليها وبين
يديها الرواع بنت إياس بن شريح الهمداني وهى ابنة أخيها لامها فحملوا عليها
فضربوها على رأسها بالسيف ويصيب ذباب السيف رأس الرواع فسقطتا جميعا
إلى الأرض وقاتلهم إياس بن شريح ساعة ثم صرع فوقع بين القتلى فنزعوا عنه
وهم يرون أنهم قد قتلوه وصرع منهم رجل من بكر بن وائل يقال له رزين بن
المتوكل * فلما انصرفوا عنهم لم يمت غير بنانة بنت أبي يزيد وأم ولد ربيعة بن ناجذ
وأفاق سائرهم فسقى بعضهم بعضا من الماء وعصبوا جراحاتهم ثم استأجروا دواب
ثم أقبلوا نحو الكوفة (قال أبو مخنف) فحدثتني الرواع ابنة إياس قالت ما رأيت
رجلا قط كان أجبن من رجل كان معنا وكانت معه ابنته فلما غشينا ألقاها إلينا
وهرب عنها وعنا ولا رأينا رجلا قط كان أكرم من رجل كان معنا ما نعرفه ولا
يعرفنا لما غشينا قاتل دوننا حتى صرع بيننا وهو رزين بن المتوكل البكري وكان
بعد ذلك يزورنا ويواصلنا نم إنه هلك في إمارة الحجاج فكانت ورثته الاعراب
وكان من العباد الصالحين (قال هشام بن محمد) وذكره عن أبي مخنف قال حدثني أبي
عن عمه أن مصعب بن الزبير كان بعث أبا بكر بن مخنف على إسنان العال فلما
قدم الحارث بن أبي ربيعة أقصاه ثم أقره بعد ذلك على عمله السنة الثانية فلما قدمت
581

الخوارج المدائن سرحوا إليه عصابة منهم عليها صالح بن مخراق فلقيه بالكوخ
فقاتله ساعة ثم تنازلوا فنزل أبو بكر ونزلت الخوارج فقتل أبو بكر ويسار مولاه
وعبد الرحمن بن أبي جعال ورجل من قومه وانهزم سائر أصحابه فقال سراقة بن
مرداس البارقي في بطن من الأزد
ألا يا لقوم للهوم الطوارق * وللحدث الجائى بإحدى الصفائق
ومقتل غطريف كريم نجاره * من المقدمين الذائدين الاصادق
أتاني دوين الخيف قتل ابن مخنف * وقد غورت أولى النجوم الخوافق
فقلت تلقاك الاله برحمة * وصلى عليك الله رب المشارق
لحا الله قوما عردوا عنك بكرة * ولم يصبروا للامعات البوارق
تولوا فأجلوا بالضحى عن زعيمنا * وسيدنا في المارق المتضايق
فأنت متى ما جئتنا في بيوتنا * سمعت عويلا من عوان وعاتق
يبكين محمود الضريبة ماجدا * صبورا لدى الهيجاء عند الحقائق
فقد أصبحت نفسي لذاك حزينة * وشابت لما حملت منه مفارقي
(قال أبو مخنف) فحدثني حدرة بن عبد الله الأزدي والنضر بن صالح العبسي
وفضيل بن خديج كلهم أخبرنيه أن الحارث بن أبي ربيعة أتاه أهل الكوفة
فصاحوا إليه وقالوا له اخرج فإن هذا عدو لنا قد أظل علينا ليست له بقية فخرج
وهو يكد كدا حتى نزل النخيلة فأقام بها أياما فوثب إليه إبراهيم بن الأشتر فحمد
الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإنه سار إلينا عدو ليست له بقية يقتل الرجل
والمرأة والمولود ويخيف السبيل ويخرب البلاد فانهض بنا إليه فأمر بالرحيل
فخرج فنزل دير عبد الرحمن فأقام فيه حتى دخل إليه شبث بن ربعي فكلمه بنحو
مما كلمه به ابن الأشتر فارتحل ولم يكد فلما رأى الناس بطء سيره رجزوا به فقالوا
سار بنا القباع سيرا نكرا * يسير يوما ويقيم شهرا
فأشخصوه من ذلك المكان فكلما نزل بهم منزلا أقام بهم حتى يضج الناس به
من ذلك ويصيحوا به حول فسطاطه فلم يبلغ الصراة إلا في بعضه عشر يوما فأتى
582

الصراة وقد انتهى إليها طلائع العدو وأوائل الخيول فلما أتتهم العيون بأنه قد
أتاهم جماعة أهل المصر قطعوا الجسر بينهم وبين الناس وأخذ الناس يرتجزون
إن القباع سار سيرا ملسا * بين دبيرى ودباها خمسا
(قال أبو مخنف) وحدثني يونس بن أبي إسحاق عن أبيه أن رجلا من السبيع
كان به لمم وكان بقرية يقال لها جوبر عند الخرارة وكان يدعى سماك بن يزيد فأتت
الخوارج قريته فأخذوه وأخذوا ابنته فقدموا ابنته فقتلوها وزعم لي أبو الربيع
السلولي أن اسم ابنته أم يزيد وأنها كانت تقول لهم يا أهل الاسلام إن أبى مصاب
فلا تقتلوه وأما أنا فإنما أنا جارية والله ما أتيت فاحشة قط ولا آذيت جارة لي
ولا تطلعت ولا تشرفت قط فقدموها ليقتلوها فأخذت تنادى ما ذنبي ما ذنبي ثم
سقطت مغشيا عليها أو ميتة ثم قطعوها بأسيافهم قال أبو الربيع حدثتني بهذا
الحديث ظئر لها نصرانية من أهل الخورنق كانت معها حين قتلت (قال أبو مخنف)
حدثني يونس بن أبي إسحق عن أبيه أن الأزارقة جاءت بسماك بن يزيد معهم
حتى أشرفوا على الصراة قال فاستقبل عسكرنا فرأى جماعة الناس وكثرتهم فأخذ
ينادينا ويرفع صوته اعبروا إليهم فإنهم قليل خبيث فضربوا عند ذلك عنقه وصلبوه
ونحن ننظر إليه قال فلما كان الليل عبرت إليه وأنا رجل من الحي فأنزلناه فدفناه
(قال أبو مخنف) حدثني أبي أن إبراهيم بن الأشتر قال للحارث بن أبي ربيعة
اندب معي الناس حتى أعبر إلى هؤلاء الاكلب فأجيئك برؤوسهم الساعة فقال
شبث بن ربعي وأسماء بن خارجة ويزيد بن الحارث ومحمد بن الحارث ومحمد بن
عمير أصلح الله الأمير دعهم فليذهبوا لا تبدأهم قال وكأنهم حسدوا إبراهيم بن
الأشتر (قال أبو مخنف) وحدثني حصيرة بن عبدا لله وأبو زهير العبسي أن
الأزارقة لما انتهوا إلى جسر الصراة فرأوا أن جماعة أهل المصر قد خرجوا إليهم قطعوا
الجسر واغتنم ذلك الحارث فتحبس ثم إنه جلس للناس فحمد الله وأثنى عليه ثم
قال أما بعد فإن أول القتال الرميا بالنبل ثم اشراع الرماح ثم الطعن بها شزرا
ثم الشلة آخر ذلك كله قال فقام إليه رجل فقال قد أحسن الأمير أصلحه الله الصفة
583

ولكن حتى ما نصنع هذا وهذا البحر بيننا وبين عدونا مر بهذا الجسر فليعد كما
كان ثم أعبر بنا إليهم فإن الله سيريك فيهم ما تحبه فأمر بالجسر فأعيد ثم عبر الناس
إليهم فطاروا حتى انتهوا إلى المدائن وجاء المسلمون حتى انتهوا إلى المدائن وجاءت
خيل لهم فطاردت خيلا للمسلمين طردا ضعيفا عند الجسر ثم إنهم خرجوا منها
فأتبعهم الحارث بن أبي ربيعة عبد الرحمن بن مخنف في ستة آلاف ليخرجهم
من أرض الكوفة فإذا وقعوا في أرض البصرة خلاهم فأتبعهم حتى إذا خرجوا
من أرض الكوفة ووقعوا إلى أصبهان انصرف عنهم ولم يقاتلهم ولم يكن بينه
وبينهم قتال ومضوا حتى نزلوا بعتاب بن ورقاء بجى فأقاموا عليه وحاصروه
فخرج إليهم فقاتلهم فلم يطقهم وشدوا على أصحابه حتى دخلوا المدينة وكانت أصبهان
يومئذ طعمة لإسماعيل بن طلحة بن مصعب بن الزبير فبعث عليها عتابا فصبر لهم
عتاب وأخذ يخرج إليهم في كل أيام فيقاتلهم على باب المدينة ويرمون من السور
بالنبل والنشاب والحجارة وكان مع عتاب رجل من حضرموت يقال له أبو هريرة
ابن شريح فكان يخرج مع عتاب وكان شجاعا فكان يحمل عليهم ويقول
كيف ترون يا كلاب النار * شد أبي هريرة الهرار
يهركم بالليل والنهار * يا ابن أبي الماحوز والأشرار
كيف ترى جى على المضمار
فلما طال ذلك على الخوارج من قوله كمن له رجل من الخوارج يظنون أنه عبيدة بن
هلال فخرج ذات يوم فصنع كما كان يصنع ويقول كما كان يقول إذ حمل عليه عبيد بن هلال
فضربه بالسيف ضربة على حبل عاتقه فصرعه وحمل أصحابه عليه فاحتملوه فأدخلوه
وداووه وأخذت الأزارقة بعد ذلك تناديهم يقولون يا أعداء الله ما فعل أبو هريرة
الهرار فينا دونهم يا أعداء الله والله ما عليه من بأس ولم يلبث أبو هريرة أن برئ ثم
خوج عليهم بعد فأخذوا يقولون يا عدو الله أما والله لقد رجونا أن نكون قد
أزرناك أمك فقال لهم يا فساق ما ذكركم أمي فأخذوا يقولون إنه ليغضب
لامه وهو آتيها عاجلا فقال له أصحابه ويحك انما يعنون النار ففطن فقال
584

يا أعداء الله ما أعقكم بأمكم حين تنتفون منها إنما تلك أمكم واليها مصيركم ثم إن
الخوارج أقامت عليهم أشهرا حتى هلك كراعهم ونفدت أطعمتهم واشتد عليهم
الحصار وأصابهم الجهد الشديد فدعاهم عتاب بن ورقاء فحمد الله وأثنى عليه ثم قال
أما بعد أيها الناس فإنه قد أصابكم من الجهد ما قد ترون فوالله إن بقى إلا أن يموت أحدكم
على فراشه فيجئ أخوه فيدفنه إن استطاع وبالحرى أن يضعف عن ذلك ثم يموت
هو فلا يجد من يدفنه ولا يصلى عليه فاتقوا الله فوالله ما أنتم بالقليل الذين تهون
شوكتهم على عدوهم وإن فيكم لفرسان أهل المصر وإنكم لصلحاء من أنتم منه
أخرجوا بنا إلى هؤلاء القوم وبكم حياة وقوة قبل أن لا يستطيع رجل منكم أن
يمشى إلى عدوه من الجهد وقبل أن لا يستطيع رجل أن يمتنع من امرأة لو جاءته
فقاتل رجل عن نفسه وصبر وصدق فوالله إني لأرجو إن صدقتموه أن يظفركم
الله بهم وأن يظهركم عليهم فناداه الناس من كل جانب وفقت وأصبت اخرج بنا
إليهم فجمع إليه الناس من الليل فأمر لهم بعشاء كثير فعشى الناس عنده ثم إنه خرج
بهم حين أصبح على راياتهم فصبحهم في عسكرهم وهم آمنون من أن يؤتوا في
عسكرهم فشدوا عليهم في جانبه فضاربوهم فأخلوا عن وجه العسكر حتى انتهوا
إلى الزبير بن الماحوز فنزل في عصابة من أصحابه فقاتل حتى قتل وانحازت
الأزارقة إلى قطري فبايعوه وجاء عتاب حتى دخل مدينته وقد أصاب من
عسكرهم ما شاء وجاء قطري في أثره كأنه يريد أن يقاتله فجاء حتى نزل في عسكر
الزبير بن الماحوز فتزعم الخوارج أن عينا لقطري جاءه فقال سمعت عتابا يقول
إن هؤلاء القوم إن ركبوا بنات شحاج وقاذوا بنات صهال ونزلوا اليوم أرضا
وغدا أخرى فبالحري أن يبقوا فلما بلغ ذلك قطريا خرج فذهب وخلاهم (قال
أبو مخنف) قال أبو زهير العبسي وكان معهم خرجنا إلى قطري من الغد مشاة
مصلتين بالسيوف قال فارتحلوا والله فكان آخر العهد بهم قال ثم ذهب قطري
حتى أتى ناحية كرمان فأقام بها حتى اجتمعت إليه جموع كثيرة وأكل الأرض
واجتى المال وقوى ثم أقبل حتى أخذ في أرض أصبهان ثم إنه خرج من شعب
585

ناشط إلى أيذج فأقام بأرض الأهواز والحارث بن أبي ربيعة عامل لمصعب بن
الزبير على البصرة فكتب إلى مصعب يخبره أن الخوارج قد تحد رت إلى الأهواز
وأنه ليس لهم إلا المهلب فبعث إلى المهلب وهو على الموصل والجزيرة فأمره بقتال
الخوارج والمسير إليهم وبعث إلى عمله إبراهيم بن الأشتر وجاء المهلب حتى قدم
البصرة وانتخب الناس وسار بمن أحب ثم توجه نحو الخوارج وأقبلوا إليه حتى
التقوا بسولاف فاقتتلوا بها ثمانية أشهر أشد قتال رآه الناس لا ينقع بعضهم لبعض
من الطعن والضرب ما يصد بعضهم عن بعض (قال أبو جعفر) وفى هذه السنة
كان القحط الشديد بالشام حتى لم يقدروا من شدته على الغزو (وفيها) عسكر
عبد الملك بن مروان ببطنان حبيب من أرض قنسرين فمطروا بها فكثر الوحل
فسموها بطنان الطين وشتا بها عبد الملك ثم انصرف منها إلى دمشق (وفيها) قتل
عبيد الله بن الحر
ذكر الخبر عن مقتله والسبب الذي جر ذلك عليه
(روى) أحمد بن زهير عن علي بن محمد عن علي بن مجاهد أن عبيد الله
ابن الحر كان رجلا من خيار قومه صلاحا وفضلا وصلاة واجتهادا فلما قتل
عثمان وهاج الهيج بين على ومعاوية قال أما إن الله ليعلم أنى أحب عثمان ولأنصرنه
ميتا فخرج إلى الشأم فكان مع معاوية وخرج مالك بن مسمع إلى معاوية على مثل
ذلك الرأي في العثمانية فأقام عبيد الله عند معاوية وشهد معه صفين ولم يزل معه
حتى قتل علي عليه السلام * فلما قتل على قدم الكوفة فأتى إخوانه ومن قد
خف في الفتنة فقال لهم يا هؤلاء ما أرى أحدا ينفعه اعتزاله كنا بالشام فكان من
أمر معاوية كيت وكيت فقال له القوم وكان من أمر على كيت وكيت فقال
يا هؤلاء إن تمكننا الأشياء فاخلعوا عذركم واملكوا أمركم قالوا سنلتقي فكانوا
يلتقون على ذلك * فلما مات معاوية هاج ذلك الهيج في فتنة ابن الزبير قال ما أرى
قريشا تنصف أين أبناء الحرائر فأتاه خليع كل قبيلة فكان معه سبعمائة فارس فقالوا
مرنا بأمرك * فلما هرب عبيد الله بن زياد ومات يزيد بن معاوية قال عبيد الله
586

ابن الحر لفتيانه قد بين الصبح لذي عينين فإذا شئتم فخرج إلى المدائن فلم يدع مالا
قدم من الجبل للسلطان إلا أخذه فأخذ منه عطاءه وأعطية أصحابه ثم قال إن لكم
شركاء بالكوفة في هذا المال قد استوجبوه ولكن تعجلوا عطاء قابل سلفا ثم
كتب لصاحب المال براءة بما قبض من المال ثم جعل يتقصى الكور على مثل
ذلك قال قلت فهل كان يتناول أموال الناس والتجار قال لي إنك لغير عالم بأبي
الأشرس والله ما كان في الأرض عربي أغير عند حرة ولا أكف عن قبيح وعن
شراب منه ولكن إنما وضعه عند الناس شعره وهو من أشعر الفتيان فلم يزل
على ذلك من الامر حتى ظهر المختار وبلغه ما يصنع بالسواد فأمر بامرأته أم سلمة
الجعفية فحبست وقال والله لأقتلته أو لأقتلن أصحابه * فلما بلغ ذلك عبيد الله بن
الحر أقبل في فتيانه حتى دخل الكوفة ليلا فكسر باب السجن وأخرج امرأته
وكل امرأة ورجل كان فيه فبعث إليه المختار من يقاتله فقاتلهم حتى خرج من
المصر فقال حين أخرج امرأته من السجن
ألم تعلمي يا أم توبة أنني * أنا الفارس الحامي حقائق مذحج
وأنى صبحت السجن في سورة الضحى * بكل فتى حامى الذمار مدجج
فما إن برحن السجن حتى بدا لنا * جبين كقرن الشمس غير مشنج
وخد أسيل عن فتاة حبيبة * إلينا سقاها كل دان مثجج
فما العيش إلا أن أزورك آمنا * كعادتنا من قبل حربي ومخرجي
وما أنت إلا همة النفس والهوى * عليك السلام من خليط مسحج
وما زلت محبوسا لحبسك واجما * وإني بما تلقين من بعده شج
فبالله هل أبصرت مثلي فارسا * وقد ولجوا في السجن من كل مولج
ومثلى يحامى دون مثلك إنني * أشد إذا ما غمرة لم تفرج
أضاربهم بالسيف عنك لترجعي * إلى الامن والعيش الرفيع المخرفج
إذا ما أحاطوا بي كررت عليهم * ككر أبى شبلين في الخيس محرج
دعوت إلى الشاكري ابن كامل * فولى حثيثا ركضه لم يعرج
587

وإن هتفوا باسمي عطفت عليهم * خيول كرام الضرب أكثرها الوجى
فلا غرو إلا قول سلمى ظعينتي * أما أنت ابن الحر بالمتحرج
دع القوم لا تقتلهم وانج سالما * وشمر هداك الله بالخيل فاخرج
وإني لأرجو يا ابنة الخير أن أرى * على خير أحوال المؤمل فارتجي
ألا حبذا قولي لأحمر طيئ * ولابن خبيب قد دنا الصبح فادلج
وقولي لهذا سر وقولي لذا ارتحل * وقولي لذا من بعد ذلك أسرجي
وجعل يعبث بعمال المختار وأصحابه ووثبت همدان مع المختار فأحرقوا داره
وانتهبوا ضيعته بالجبة والبداة فلما بلغه ذلك سار إلى ماه إلى ضياع عبد الرحمن بن
سعيد بن قيس فأنهبها وأنهب ما كان لهمدان بها ثم أقبل إلى السواد فلم يدع مالا
لهمداني إلا أخذه ففي ذلك يقول
وما ترك الكذاب من جل مالنا * ولا الزرق من همدان غير شريد
أفى الحق أن ينهب ضياعي شاكر * وتأمن عندي ضيعة ابن سعيد
ألم تعلمي يا أم توبة أنني * على حدثان الدهر غير بليد
أشد حيازيمي لكل كريهة * وإني على ما ناب جد جليد
فإن لم أصبح شاكرا بكتيبة * فعالجت بالكفين غل حديدي
هم هدموا داري وقادوا حليلتي * إلى سجنهم والمسلمون شهودي
وهم أعجلوها أن تشد خمارها * فيا عجبا هل الزمان مقيدى
فما أنا بابن الحر إن لم أرعهم * بخيل تعادى بالكماة أسود
وما جبنت خيلي ولكن حملتها * على جحفل ذي عدة وعديد
وهى طويلة قال وكان يأتي المدائن فيمر بعمال جوخى فيأخذ ما معهم من الأموال
ثم يميل إلى الجبل فلم يزل على ذلك حتى قتل المختار فلما قتل المختار قال الناس
لمصعب في ولايته الثانية إن ابن الحرشاق ابن زياد والمختار ولا نأمنه أن يثب
بالسواد كما كان يفعل فحبسه مصعب فقال ابن الحر
من مبلغ الفتيان أن أخاهم * أتى دونه باب شديد وحاجبه
588

بمنزلة ما كان يرضى بمثلها * إذا قام غنته كبول تحاوبه
على الساق فوق الكعب أسود صامت * شديد يداني خطوة ويقاربه
وما كان ذا من عظم جرم جنيته * ولكن سعى الساعي بما هو كاذبه
وقد كان في الأرض العريضة مسلك * وأي امرئ ضاقت عليه مذاهبه
وفى الدهر والأيام للمرء عبرة * وفيما مضى إن ناب يوما نوائبه
فكلم عبيد الله قوما من مذحج أن يأتوا مصعبا في أمره وأرسل إلى وجوههم
فقال ائتوا مصعبا فكلموه في أمري في ذاته فإنه حبسني على غير جرم سعى بي
قوم كذبة وخوفوه ما لم أكن لأفعله وما لم يكن من شأني وأرسل إلى فتيان
من مذحج وقال البسوا السلاح وخذوا عدة القتال فقد أرسلت قوما إلى مصعب
يكلمونه في أمري فأقيموا بالباب فإن خرج القوم وقد شفعهم فلا تعرضوا
لاحد وليكن سلاحكم مكفرا بالثياب فجاء قوم من مذحج فدخلوا على مصعب
فكلموه فشفعهم فأطلقه وكان ابن الحر قال لأصحابه إن خرجوا ولم يشفعهم
فكابروا السجن فإني أعينكم من داخل فلما خرج ابن الحر قال لهم أظهروا السلاح
فأظهروه ومضى لم يعرض له أحد فأتى منزله وندم مصعب على إخراجه فأظهر
ابن الحر الخلاف وأتاه الناس يهنئونه فقال هذا الامر لا يصلح إلا لمثل خلفائكم
الماضين وما نرى لهم فينا ندا ولا شبيها فنلقى إليه أزمتنا ونمحضه نصيحتنا فإن كان
إنما هو من عز بز فعلام نعقد لهم في أعناقنا بيعة وليسوا بأشجع منا لقاء ولا
أعظم منا غنى وقد عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا طاعة لمخلوق في معصية
الخالق وما رأينا بعد الأربعة الماضين إماما صالحا ولا وزيرا تقيا كلهم عاص
مخالف قوى الدنيا ضعيف الآخرة فعلام تستحل حرمتنا ونحن أصحاب النخيلة
والقادسية وجلولاء ونهاوند نلقى الأسنة بنحورنا والسيوف بجباهنا ثم لا يعرف
لنا حقنا وفضلنا فقاتلوا عن حريمكم فأي الامر ما كان فلكم فيه الفضل وإني
قد قلبت ظهر المجن وأظهرت لهم العداوة ولا قوة إلا بالله وحاربهم فأغار فأرسل
إليه مصعب سيف بن هانئ المرادي فقال له إن مصعبا يعطيك خراج بادوريا
589

على أن تبايع وتدخل في طاعته قال أوليس لي خراج بادوريا وغيرها لست
قابلا شيئا ولا آمنهم على شئ ولكني أراك يا فتى - وسيف يومئذ حدث - حدثا
عاقلا فهل لك أن تتبعني وأمولك فأبى عليه فقال ابن الحر حين خرج من الحبس
لا كوفة أمي ولا بصرة أبى * ولا أنا يثنيني عن الرحلة الكسل
قال أبو الحسن يروى هذا البيت لسحيم بن وثيل الرياحي
فلا تحسبني ابن الزبير كناعس * إذا حل أغفى أو يقال له ارتحل
فإن لم أزرك الخيل تردى عوابسا * بفرسانها لا أدع بالحازم البطل
وإن لم تر الغارات من كل جانب * عليك فتندم عاجلا أيها الرجل
فلا وضعت عندي حصان قناعها * ولا عشت إلا بالآماني والعلل
وهى طويلة فبعث إليه مصعب الأبرد بن قرة الرياحي في نفر فقاتله فهزمه
ابن الحر وضربه ضربة على وجهه فبعث إليه مصعب حريث بن زيد أو يزيد فبارزه
فقتله عبيد الله بن الحر فبعث إليه مصعب الحجاج بن حارثة الخثعمي ومسلم بن
عمرو فلقياه بنهر صرصر فقاتلهم فهزمهم فأرسل مصعب قوما يدعونه إلى أن
يؤمنه ويصله ويوليه أي بلد شاء فلم يقبل وأتى نرسي ففر دهقانها ظيزجشنس
بمال الفلوجة فتبعه ابن الحر حتى مر بعين التمر وعليها بسطام بن مصقلة بن هبيرة
الشيباني فتعوذ بهم الدهقان فخرجوا إليه فقاتلوه وكانت خيل بسطام خمسين ومائة
فارس فقال يونس بن هاعان الهمداني من خيوان ودعاه ابن الحر إلى المبارزة
شر دهر آخره ما كنت أحسبني أعيش حتى يدعوني إنسان إلى المبارزة فبارزه فضربه
ابن الحر ضربة أثخنته ثم اعتنقا فخرا جميعا عن فرسيهما وأخذ ابن الحر عمامة
يونس وكتفه بها ثم ركب ووافاهم الحجاج بن حارثة الخثعمي فحمل عليه الحجاج
فأسره أيضا عبيد الله وبارز بسطام بن مصقلة المجشر فاضطربا حتى كره كل واحد
منهما صاحبه وعلاه بسطام فلما رأى ذلك ابن الحر حمل على بسطام واعتنقه
بسطام فسقطا إلى الأرض وسقط ابن الحر على صدر بسطام فأسره وأسر
يومئذ ناسا كثيرا فكان الرجل يقول أنا صاحبك يوم كذا ويقول الآخر أنا
590

نازل فيكم ويمت كل واحد منهم بما يرى أنه ينفعه فيخلى سبيله وبعث فوارس من أصحابه
عليهم دلهم المرادي يطلبون الدهقان فأصابوه فأخذوا المال قبل القتال فقال ابن الحر
لو أن لي مثل جرير أربعه * صبحت بيت المال حتى أجمعه
ولم يهلنى مصعب ومن معه * نعم الفتى ذلكم ابن مشجعه
ثم إن عبيد الله أتى تكريت فهرب عامل المهلب عن تكريت فأقام عبد الله
يجبى الخراج فوجه إليه مصعب الأبرد بن قرة الرياحي والجون بن كعب الهمداني
في ألف وأمدهما المهلب بيزيد بن المغفل في خمسمائة فقال رجل من جعفي
لعبيد الله قد أتاك عدد كثير فلا تقاتلهم فقال
يخوفني بالقتل قومي وإنما * أموت إذا جاء الكتاب المؤجل
لعل القنا تدنى بأطرافها الغنى * فنحيا كراما أو نكر فنقتل
فقال للمجشر ودفع إليه رايته وقدم معه دلهما المرادي فقاتلهم يومين وهو
في ثلاثمائة فجرح جرير بن كريب وقتل عمرو بن جندب الأزدي وفرسان كثير
من فرسانه وتحاجزوا عند المساء وخرج عبيد الله من تكريت فقال لأصحابه إني
سائر بكم إلى عبد الملك بن مروان فتهيأوا وقال إني أخاف أن أفارق الحياة ولم
أذعر مصعبا وأصحابه فارجعوا بنا إلى الكوفة قال فسار إلى كسكر فنفى عاملها
وأخذ بيت مالها ثم أتى الكوفة فنزل لحام جرير فبعث إليه مصعب عمر بن
عبيد الله بن معمر فقاتله فخرج إلى دير الأعور فبعث إليه مصعب حجار بن أبجر
فانهزم حجار فشتمه مصعب ورده وضم إليه الجون بن كعب الهمداني وعمر بن
عبيد الله بن معمر فقاتلوه بأجمعهم وكثرت الجراحات في أصحاب ابن الحر
وعقرت خيولهم وجرح المجشر وكان معه لواء ابن الحر فدفعه إلى أحمر طيئ
فانهزم حجار بن أبجر ثم كر فاقتتلوا قتالا شديدا حتى أمسوا فقال ابن الحر
لو أن لي مثل الفتى المجشر * ثلاثة بيتهم لا أمترى
ساعدني ليلة دير الأعور * بالطعن والضرب وعند المعبر
لطاح فيها عمر بن معمر
591

وخرج ابن الحر من الكوفة فكتب مصعب إلى يزيد بن الحارث بن رؤيم
الشيباني وهو بالمدائن يأمره بقتال ابن الحر فقدم ابنه حوشبا فلقيه بباجسرى
فهزمه عبيد الله وقتل فيهم وأقبل ابن الحر فدخل المدائن فتحصنوا فخرج عبيد الله
فوجه إليه الجون بن كعب الهمداني وبشر بن عبد الله الأسدي فنزل الجون
حولايا وقدم بشر إلى تأمرا فلقى ابن الحر فقتله ابن الحر وهزم أصحابه ثم لقى
الجون بن كعب بحولايا فخرج إليه عبد الرحمن بن عبد الله فحمل عليه ابن الحر
فطعنه فقتله وهزم أصحابه وتبعهم فخرج إليه بشير بن عبد الرحمن بن بشير العجلي
فالتقوا بسورا فاقتتلوا قتالا شديدا فانحاز بشير عنه فرجع إلى عمله وقال قد هزمت
ابن الحر فبلغ قوله مصعبا فقال هذا من الذين يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا
وأقام عبيد الله في السواد يغير ويجبى الخراج قال ابن الحر في ذلك
سلوا ابن رؤيم عن جلادي وموقفي * بإيوان كسرى لا أوليهم ظهري
أكر عليهم معلما وتراهم * كمعزى تحنى خشية الذئب بالصخر
وبيتهم في حصن كسرى بن هرمز * بمشحوذة بيض وخطية سمر
فأجديتهم طعنا وضربا تراهم * يلوذون منا موهنا بذرى القصر
يلوذون منى رهبة ومخافة * لواذا كما لاذ الحمائم من صقر
ثم إن عبيد الله بن الحر فيما ذكر لحق بعبد الملك بن مروان فلما صار إليه
وجهه في عشرة نفر نحو الكوفة وأمره بالمسير نحوها حتى تلحقه الجنود فسار
بهم فلما بلغ الأنبار وجه إلى الكوفة من يخبر أصحابه بقدومه ويسألهم أن
يخرجوا إليه فبلغ ذلك القيسية فأتوا الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة عامل ابن
الزبير على الكوفة فسألوه أن يبعث معهم جيشا فوجه معهم فلما لقوا عبيد الله
قاتلهم ساعة ثم غرقت فرسه وركب معبرا فوثب عليه رجل من الأنباط فأخذ
بعضديه وضربه الباقون بالمرادي وصاحوا إن هذا طلبة أمير المؤمنين فاعتنقا
فغرقا ثم استخرجوه فحزوا رأسه فبعثوا به إلى الكوفة ثم إلى البصرة (قال
592

أبو جعفر) وقد قيل في مقتله غير ذلك من القول قيل كان سبب مقتل عبيد الله
ابن الحر أنه كان يغشى بالكوفة مصعبا فرآه يقدم عليه أهل البصرة فكتب إلى
عبد الله بن الزبير فيما ذكر قصيدة يعاتب بها مصعبا ويخوفه مسيره إلى عبد الملك
ابن مروان يقول فيها
أبلغ أمير المؤمنين رسالة * فلست على رأى قبيح أو اربه
أفى الحق أن أجفى ويجعل مصعب * وزيريه من قد كنت فيه أحاربه
فكيف وقد أبليتكم حق بيعتي * وحقي يلوى عندكم وأطالبه
وأبليتكم مالا يضيع مثله * وآسيتكم والامر صعب مراتبه
فلما استنار الملك وانقادت العدى * وأدرك من مال العراق رغائبه
جفا مصعب عنى ولو كان غيره * لأصبح فيما بيننا لا أعاتبه
لقد رابني من مصعب أن مصعبا * أرى كل ذي غش لنا هو صاحبه
وما أنا إن حلاتمونى بوارد * على كدر قد حص بالصفو شاربه
وما لامرئ إلا الذي الله سائق * إليه وما قد حط في الزبر كاتبه
إذا قمت عند الباب أدخل مسلم * ويمنعني أن أدخل الباب حاجبه
وهى طويلة وقال لمصعب وهو في حبسه وكان قد حبس معه عطية بن عمرو
البكري فخرج عطية فقال عبيد الله
أقول له صبرا عطى فإنما * هو السجن حتى يجعل الله مخرجا
أرى الدهر لي يومين يوما مطردا * شريدا ويوما في الملوك متوجا
أتطعن في ديني غداة أتيتكم * وللدين تدنى الباهلي وحشرجا
ألم تر أن الملك قد شين وجهه * ونبع بلاد الله قد صار عوسجا
وهى طويلة وقال أيضا يعاتب مصعبا في ذلك ويذكر له تقريبه سويد بن
منجوف وكان سويد خفيف اللحية
بأي بلاء أم بأية نعمة * تقدم قبلي مسلم والمهلب
ويدعى ابن منجوف أمامي كأنه * خصى أتى للماء والعسير يسرب
593

وشيخ تميم كالثغامة رأسه * وعيلان عنا خائف مترقب
جعلت قصور الأزد ما بين منبج * إلى الغاف من وادى عمان تصوب
بلاد نفى عنها العدو سيوفنا * وصفرة عنها نازح الدار أجنب
وقال قصيدة يهجو فيها قيس عيلان يقول فيها
أنا ابن بنى قيس فإن كنت سائلا * بقيس تجدهم ذروة في القبائل
ألم تر قيسا قيس عيلان برقعت * لحاها وباعت نبلها بالمغازل
وما زلت أرجو الأزد حتى رأيتها * تقصر عن بنيانها المتطاول
فكتب زفر بن الحارث إلى مصعب قد كفيتك قتال ابن الزرقاء وابن الحر
يهجو قيسا ثم إن نفرا من بنى سليم أخذوا ابن الحر فأسروه فقال إني إنما قلت
ألم تر قيسا قيس عيلان أقبلت * إلينا وسارت بالقنا والقنابل
فقتله رجل منهم يقال له عياش بن زفر بن الحارث
لما رأيت الناس أولاد علة * وأغرق فينا نزغة كل قائل
تكلم عنا مشينا بسيوفنا * إلى الموت واستنشاط حبل المراكل
فلو يسأل ابن الحر أخبر أنها * يمانية لا تشترى بالمغازل
وأخبر أنا ذات علم سيوفنا * بأعناق ما بين الطلى والكواهل
وقال عبد الله بن همام
ترنمت يا ابن الحر وحدك خاليا * بقول امرئ نشوان أو قول ساقط
أتذكر قوما أوجعتك رماحهم * وذبوا عن الأحساب عند المآقط
وتبكى لما لاقت ربيعة منهم * وما أنت في أحساب بكر بواسط
فهلا بجعفي طلبت ذحولها * ورهطك دينا في السنين الفوارط
تركناهم يوم الثرى أذلة * يلوذون من أسيافنا بالعرافط
وخالطكم يوم النخيل بجمعه * عمير فما استبشرتم بالمخالط
ويوم شراحيل جدعنا أنوفكم * وليس علينا يوم ذاك بقاسط
ضربنا بحد السيف مفرق رأسه * وكان حديثا عهده بالمواشط
594

فإن رغمت من ذاك آنف مذحج * فرغما وسخطا للأنوف السواخط
(قال أبو جعفر) وفى هذه السنة وافت عرفات أربعة ألوية قال محمد بن عمر
حدثني شرحبيل بن أبي عون عن أبيه قال وقفت في سنة 68 بعرفات أربعة ألوية
ابن الحنفية في أصحابه في لواء قام عند جبل المشاة وابن الزبير في لواء فقام مقام
الامام اليوم ثم تقدم ابن الحنفية بأصحابه حتى وقفوا حذاء ابن الزبير ونجدة
الحروري خلفهما ولواء بنى أمية عن يسارهما فكان أول لواء انفض لواء محمد بن
الحنفية ثم تبعه نجدة ثم لواء بنى أمية ثم لواء ابن الزبير واتبعه الناس قال محمد حدثني ابن
نافع عن أبيه قال كان ابن عمر لم يدفع تلك العشية إلا بدفعة ابن الزبير فلما أبطأ
ابن الزبير وقد مضى ابن الحنفية ونجدة وبنو أمية قال ابن عمر ينتظر ابن الزبير
أمر الجاهلية ثم دفع فدفع ابن الزبير على أثره قال محمد حدثني هشام بن عمارة عن
سعيد بن محمد بن جبير عن أبيه قال خفت الفتنة فمشيت إليهم جميعا فجئت محمد بن علي
في الشعب فقلت يا أبا القاسم اتق الله فإنا في مشعر حرام وبلد حرام والناس
وفد الله إلى هذا البيت فلا تفسد عليهم حجهم فقال والله ما أريد ذلك وما أحول
بين أحد وبين هذا البيت ولا يؤتى أحد من الحاج من قبلي ولكني رجل أدفع
عن نفسي من ابن الزبير وما يروم منى وما أطلب هذا الامر إلا أن لا يختلف على فيه
اثنان ولكن ائت ابن الزبير فكلمه وعليك بنجدة قال محمد فجئت ابن الزبير فكلمته
بنحو ما كلمت به ابن الحنفية فقال أنا رجل قد اجتمع على الناس وبايعوني وهؤلاء
أهل خلاف فقلت أرى خيرا لك الكف قال أفعل ثم جئت نجدة الحروري
فأجده في أصحابه وأجد عكرمة غلام ابن عباس عنده فقلت له استأذن لي على
صاحبك قال فدخل فلم ينشب أن أذن لي فدخلت فعظمت عليه وكلمته كما كلمت
الرجلين فقال أما أن أبتدئ أحدا بقتال فلا ولكن من بدأ بقتال قاتلته قلت فانى
رأيت الرجلين لا يريدان قتالك ثم جئت شيعة بنى أمية فكلمتهم بنحو ما كلمت
به القوم فقالوا نحن على أن لا نقابل أحدا إلا أن يقاتلنا فلم أر في تلك الألوية
قوما أسكن ولا أسلم دفعة من ابن الحنفية (قال أبو جعفر) وكان العامل لابن
595

الزبير في هذه السنة على المدينة جابر بن الأسود بن عوف الزهري وعلى البصرة
والكوفة أخوه مصعب وعلى قضاء البصرة هشام بن هبيرة وعلى قضاء الكوفة
عبد الله بن عقبة بن مسعود وعلى خراسان عبد الله بن خازم السلمي وبالشأم
عبد الملك بن مروان
ثم دخلت سنة تسع وستين
(ففيها) كان خروج عبد الملك بن مروان فيما زعم الواقدي إلى عين وردة
واستخلف عمرو بن سعيد بن العاص على دمشق فتحصن بها فبلغ ذلك عبد الملك
فرجع إلى دمشق فحاصره قال ويقال خرج معه فلما كان ببطنان حبيب رجع إلى
دمشق فتحصن فيها ورجع عبد الملك إلى دمشق وأما عوانة بن الحكم فإنه قال فيما
ذكر هشام بن محمد عنه أن عبد الملك بن مروان لما رجع من بطنان حبيب إلى
دمشق مكث بدمشق ما شاء الله ثم سار يريد قرقيسياء وفيها زفر بن الحارث
الكلابي ومعه عمرو بن سعيد حتى إذا كان ببطنان حبيب فتك عمرو بن سعيد
فرجع ليلا ومعه حميد بن حريث بن بحدل الكلبي وزهير بن الأبرد الكلبي حتى
أتى دمشق وعليها عبد الرحمن بن أم الحكم الثقفي قد استخلفه عبد الملك فلما بلغه
رجوع عمرو بن سعيد هرب وترك عمله ودخلها عمرو فغلب عليها وعلى خزائنها
وقال غيرهما كانت هذه القصة في سنة 70 وقال كان مسير عبد الملك من دمشق
نحو العراق يريد مصعب بن الزبير فقال له عمرو بن سعيد بن العاص إنك تخرج
إلى العراق وقد كان أبوك وعدني هذا الامر من بعده وعلى ذلك جاهدت معه
وقد كان من بلائي معه ما لم يخف عليك فاجعل لي هذا الامر من بعدك فلم يجبه
عبد الملك إلى شئ فانصرف عنه عمرو راجعا إلى دمشق فرجع عبد الملك في أثره
حتى انتهى إلى دمشق (رجع الحديث) إلى حديث هشام عن عوانة قال ولما
غلب عمرو على دمشق طلب عبد الرحمن بن أم الحكم فلم يصبه فأمر بداره فهدمت
واجتمع الناس وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إنه لم يقم أحد
596

من قريش قبلي على هذا المنبر إلا زعم أن له جنة ونارا يدخل الجنة من أطاعه والنار
من عصاه وإني أخبركم أن الجنة والنار بيد الله وأنه ليس إلى من ذلك شئ غير
أن لكم على حسن المؤاساة والعطية ونزل وأصبح عبد الملك ففقد عمرو بن سعيد
فسأل عنه فأخبر خبره فرجع عبد الملك إلى دمشق فإذا عمرو قد جلل دمشق
المسوح فقاتله بها أياما وكان عمرو بن سعيد إذا أخرج حميد بن حريث الكلبي على
الخيل أخرج إليه عبد الملك سفيان بن الأبرد الكلبي وإذا أخرج عمرو بن سعيد زهير
ابن الأبرد الكلبي أخرج إليه عبد الملك حسان بن مالك بن بحدل الكلبي (قال هشام)
حدثني عوانة أن الخيلين تواقفتا ذات يوم وكان مع عمرو بن سعيد رجل من
كلب يقال له رجاء بن سراج فقال رجاء يا عبد الرحمن بن سليم أبرز وكان عبد الرحمن
مع عبد الملك فقال عبد الرحمن قد أنصف القارة من راماها وبرز له فاطعنا
وانقطع ركاب عبد الرحمن فنجا منه ابن سراج فقال عبد الرحمن والله لولا انقطاع
الركاب لرميت بما في بطنك من تبن وما اصطلح عمرو وعبد الملك أبدا فلما طال
قتالهم جاء نساء كلب وصبيانهم فبكين وقلن لسفيان بن الأبرد ولابن بحدل الكلبي
علام تقتلون أنفسكم لسلطان قريش فحلف كل واحد منهما أن لا يرجع حتى يرجع
صاحبه فلما أجمعوا على الرجوع نظروا فوجدوا سفيان أكبر من حريث فطلبوا
إلى حريث فرجع ثم إن عبد الملك وعمرا اصطلحا وكتبا بينهما كتابا وآمنه عبد الملك
وذلك عشية الخميس * قال هشام فحدثني عوانة أن عمرو بن سعيد خرج في الخيل متقلدا
قوسا سوداء فأقبل حتى أوطأ فرسه أطناب سرادق عبد الملك فانقطعت الاطناب
وسقط السرادق ونزل عمرو فجلس وعبد الملك مغضب فقال لعمرو يا أبا أمية كأنك
؟؟ بتقلدك هذه القوس بهذا الحي من قيس قال لا ولكني أتشبه بمن هو خير منهم
العاص بن أمية ثم قام مغضبا والخيل معه حتى دخل دمشق ودخل عبد الملك
دمشق يوم الخميس فبعث إلى عمرو أن أعط الناس أرزاقهم فأرسل إليه عمرو إن
هذا لك ليس ببلد فاشخص عنه فلما كان يوم الاثنين وذلك بعد دخول عبد الملك
دمشق بأربع بعث إلى عمرو أن ائتنى وهو عند امرأته الكلبية وقد كان عبد الملك
دعا كريب بن أبرهة بن الصباح الحميري فاستشاره في أمر عمرو بن سعيد
597

فقال له في هذا هلكت حمير لا أرى لك ذلك لا ناقتي في ذا ولا جملي فلما أتى
رسول عبد الملك عمرا يدعوه صادف الرسول عبد الله بن يزيد بن معاوية عند
عمرو فقال عبد الله لعمرو بن سعيد يا أبا أمية والله لانت أحب إلى من سمعي
ونصري وقد أرى هذا الرجل قد بعث إليك أن تأتيه وأنا أرى لك أن لا تفعل
فقال له عمرو ولم قال لان تبيع ابن امرأة كعب الأحبار قال إن عظيما من
عظماء ولد إسماعيل يرجع فيغلق أبواب دمشق ثم يخرج منها فلا يلبث أن يقتل
فقال له عمرو والله لو كنت نائما ما تخوفت أن ينتبهني ابن الزرقاء ولا كان ليجترئ
على ذلك منى مع أن عثمان بن عفان أتاني البارحة في المنام فألبسني قميصه وكان
عبد الله بن يزيد زوج أم موسى بنت عمرو بن سعيد فقال عمرو للرسول أبلغه
السلام وقل له أنا رائح إليك العشية إن شاء الله فلما كان العشى لبس عمرو درعا
حصينة بين قباء قوهي وقميص قوهي وتقلد سيفه وعنده امرأته الكلبية وحميد
ابن حريث بن بحدل الكلبي فلما نهض متوجها عثر بالبساط فقال له حميد أما والله
لئن أطعتني لم تأته وقالت له امرأته تلك المقالة فلم يلتفت إلى قولهم ومضى في مائة
رجل من مواليه وقد بعث عبد الملك إلى بنى مروان فاجتمعوا عنده فلما بلغ عبد
الملك انه بالباب أمر أن يحبس من كان معه وأذن له فدخل ولم تزل أصحابه يحبسون
عند كل باب حتى دخل عمرو قاعة الدار وما معه الا وصيف له فرمى عمرو
ببصره نحو عبد الملك فإذا حوله بنو مروان وفيهم حسان بن مالك بن بحدل
الكلبي وقبيصة بن ذؤيب الخزاعي فلما رأى جماعتهم أحس بالشر فالتفت إلى
وصيفه فقال انطلق ويحك إلى يحيى بن سعيد فقل له يأتيني فقال له الوصيف ولم يفهم ما
قال له لبيك فقال له اغرب عنى في حرق الله وناره وقال عبد الملك لحسان وقبيصة إذا
شئتما فقوما فالتقيا وعمرا في الدار فقال عبد الملك لهما كالمازح ليطمئن عمرو بن
سعيد أيكما أطول فقال حسان قبيصة يا أمير المؤمنين أطول منى بالامرة وكان
قبيصة على الخاتم ثم التفت عمرو إلى وصيفه فقال انطلق إلى يحيى فمره أن يأتيني
فقال له لبيك ولم يفهم عنه فقال له عمرو اغرب عنى فلما خرج حسان وقبيصة
598

أمر بالأبواب فغلفت ودخل عمرو فرحب به عبد الملك وقال ههنا يا أبا أمية
يرحمك الله فأجلسه معه على السرير وجعل يحدثه طويلا ثم قال يا غلام خذ السيف
عنه فقال عمرو إنا لله يا أمير المؤمنين فقال عبد الملك أو تطمع أن تجلس معي
متقلدا سيفك فأخذ السيف عنه ثم تحدثا ما شاء الله ثم قال له عبد الملك يا أبا أمية
قال لبيك يا أمير المؤمنين فقال إنك حيث خلعتني آليت بيمين ان أنا ملأت عيني
منك وأنا مالك لك أن أجمعك في جامعة فقال له بنو مروان ثم تطلقه يا أمير
المؤمنين قال ثم أطلقه وما عسيت أن أصنع بأبي أمية فقال بنو مروان أبر قسم
أمير المؤمنين فقال عمرو قد أبر الله قسمك يا أمير المؤمنين فاخرج من تحت
فراشه جامعة فطرحها إليه ثم قال يا غلام قم فاجمعه فيها فقام الغلام فجمعه فيها
فقال عمرو أذكرك الله يا أمير المؤمنين أن تخرجني فيها على رؤس الناس فقال
عبد الملك أمكرا أبا أمية عند الموت لاها لله إذا ما كنا لنخرجك في جامعة على
رؤوس الناس ولما نخرجها منك إلا صعدا ثم اجتبذه اجتباذة أصاب فمه السرير
فكسر ثنيته فقال عمرو أذكرك الله يا أمير المؤمنين ان يدعوك إلى كسر عظم
منى أن تركب ما هو أعظم من ذلك فقال له عبد الملك والله لو أعلم أنك تبقى على أن
أبقى عليك وتصلح قريش لأطلقتك ولكن ما اجتمع رجلان قط في بلدة على
مثل ما نحن عليه إلا أخرج أحدهما صاحبه فلما رأى عمرو أن ثنيته قد اندقت
وعرف الذي يريد عبد الملك قال أغدرا يا ابن الزرقاء وقيل إن عبد الملك لما
جذب عمرا فسقطت ثنيتة جعل عمرو يمسها فقال عبد الملك له أرى ثنيتك قد
وقعت منك موقعا لا تطيب نفسك لي بعدها فأمر به فضرب عنقه (رجع الحديث
إلى حديث عوانة) وأذن المؤذن العصر فخرج عبد الملك يصلى بالناس وأمر
عبد العزيز بن مروان أن يقتله فقام إليه عبد العزيز بالسيف فقال له عمرو أذكرك
الله والرحم أن تلى أنت قتلى وليتول ذلك من هو أبعد رحما منك فألقى عبد العزيز
السيف وجلس وصلى عبد الملك صلاة خفيفة ودخل وغلقت الأبواب ورأى
الناس عبد الملك حيث خرج وليس عمرو معه فذكروا ذلك ليحيى بن سعيد
599

فاقبل في الناس حتى حل بباب عبد الملك ومعه ألف عبد لعمرو وأناس بعد من
أصحابه كثير فجعل من كان معه يصيحون أسمعنا صوتك يا أبا أمية وأقبل مع يحيى بن
سعيد حميد بن حريث وزهير بن الأبرد فكسروا باب المقصورة وضربوا الناس
بالسيوف وضرب عبد لعمرو بن سعيد يقال له مصقلة الوليد بن عبد الملك ضربة
على رأسه واحتمله إبراهيم بن عربي صاحب الديوان فأدخله بيت القراطيس
ودخل عبد الملك حين صلى فوجد عمرا حيا فقال لعبد العزيز ما منعك من أن
تقتله قال منعني أنه ناشدني الله والرحم فرققت له فقال له عبد الملك أخزى الله
أمك البوالة على عقبيها فإنك لم تشبه غيرها وأم عبد الملك عائشة بنت معاوية بن المغيرة
ابن أبي العاص بن أمية وكانت أم عبد العزيز ليلى وذلك قول ابن الرقيات
ذاك ابن ليلى عبد العزيز بباب * اليون تغدو جفانه رذما
ثم إن عبد الملك قال يا غلام ائتنى بالحربة فأتاه بالحربة فهزها ثم طعنه بها فلم
تجز ثم ثنى فلم تجز فضرب بيده إلى عضد عمرو فوجد مس الضرع فضحك ثم
قال ودارع أيضا يا أبا أمية إن كنت لمعدا يا غلام ائتنى بالصمصامة فأتاه بسيفه
ثم أمر بعمرو فصرع وجلس على صدره فذبحه وهو يقول
يا عمرو إن لا تدعى شتمى ومنقصتي * أضربك حيث تقول الهامة أسقوني
وانتفض عبد الملك رعدة وكذلك الرجل زعموا يصيبه إذا قتل ذا قرابة له فحمل
عبد الملك عن صدره فوضع على سريره فقال ما رأيت مثل هذا قط قتله صاحب
دنيا ولا طالب آخرة ودخل يحيى بن سعيد ومن معه على بنى مروان الدار
فجرحوهم ومن كان معهم من مواليهم فقاتلوا يحيى وأصحابه وجاء عبد الرحمن بن
أم الحكم الثقفي فدفع إليه الرأس فألقاه إلى الناس وقام عبد العزيز بن مروان
فأخذ المال في البدور فجعل يلقيها إلى الناس فلما نظر الناس إلى الأموال ورأوا
الرأس انتهبوا الأموال وتفرقوا وقد قيل إن عبد الملك بن مروان لما خرج
إلى الصلاة أمر غلامه أبا الزعيزعة بقتل عمرو فقتله وألقى رأسه إلى الناس
وإلى أصحابه (قال هشام) قال عوانة فحدثت أن عبد الملك أمر بتلك الأموال
600

التي طرحت إلى الناس فجبيت حتى عادت كلها إلى بيت المال ورمى يحيى بن
سعيد يومئذ في رأسه بصخرة وأمر عبد الملك بسريره فأبرز إلى المسجد وخرج
فجلس عليه وفقد الوليد بن عبد الملك فجعل يقول ويحكم أين الوليد وأبيهم لئن
كانوا قتلوه لقد أدركوا ثأرهم فأتاه إبراهيم بن عربي الكناني فقال هذا الوليد
عندي قد أصابته جراحة وليس عليه بأس فأتى عبد الملك بيحيى بن سعيد فأمر
به أن يقتل فقام إليه عبد العزيز فقال جعلني الله فداك يا أمير المؤمنين أنراك
قاتلا بنى أمية في يوم واحد فأمر بيحيى فحبس ثم أتى بعنبسة بن سعيد فأمر به
أن يقتل فقام إليه عبد العزيز فقال أذكرك الله يا أمير المؤمنين في استئصال بنى أمية
وهلاكها فأمر بعنبسة فحبس ثم أتى بعامر بن الأسود الكلبي فضرب رأسه عبد الملك
بقضيب خيزران كان معه ثم قال أتقاتلني مع عمرو وتكون معه على ثم قال نعم
لان عمرا أكرمني وأهنتني وأدناني وأقصيتني وقربني وأبعدتني وأحسن إلى
وأسأت إلى فكنت معه عليك فأمر به عبد الملك أن يقتل فقام عبد العزيز فقال
أذكرك الله يا أمير المؤمنين في خالي فوهبه له وأمر ببنى سعيد فحبسوا ومكث
يحيى في الحبس شهرا أو أكثر ثم إن عبد الملك صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه
ثم استشار الناس في قتله فقام بعض خطباء الناس فقال يا أمير المؤمنين هل تلد
الحية إلا حية نرى والله أن تقتله فإنه منافق عدو ثم قام عبد الله بن مسعدة
الفزاري فقال يا أمير المؤمنين ان يحيى ابن عمك وقرابته ما قد علمت وقد صنعوا
ما صنعوا وصنعت بهم ما قد صنعت ولست لهم بآمن ولا أرى لك قتلهم ولكن
سيرهم إلى عدوك فإن هم قتلوا كنت قد كفيت أمرهم بيد غيرك وان هم سلموا
ورجعوا رأيت فيهم رأيك فأخذ برأيه وأخرج آل سعيد فألحقهم بمصعب بن
الزبير فلما قدموا عليه دخل عليه يحيى بن سعيد فقال له ابن الزبير انفلت وانحص
الذنب فقال ولله إن الذنب لبهلبه ثم إن عبد الملك بعث إلى امرأة عمر الكلبية ابعثي إلى
بالصلح الذي كنت كتبته لعمرو فقالت لرسوله ارجع إليه فأعلمه انى قد لففت
ذلك الصلح معه في أكفانه ليخاصمك به عند ربه وكان عمرو بن سعيد وعبد الملك
601

يلتقيان في النسب إلى أمية وكانت أم عمرو أم البنين ابنة الحكم بن أبي العاص عمة
عبد الملك (قال هشام) فحدثنا عوانة أن الذي كان بين عبد الملك وعمرو كان شرا
قديما وكان ابنا سعيد أمهما أم البنين وكان عبد الملك ومعاوية ابني مروان فكانوا
وهم غلمان لا يزالون يأتون أم مروان بن الحكم الكنانية يتحدثون عندها فكان
ينطلق مع عبد الملك ومعاوية غلام لهم أسود وكانت أم مروان إذا أتوها هيأت
لهم طعاما ثم تأتيهم به فتضع بين يدي كل رجل صحفة على حدة وكانت لا تزال
تؤرش بين معاوية بن مروان ومحمد بن سعيد وبين عبد الملك وعمرو بن سعيد
فيقتتلون ويتصارمون الحين لا يكلم بعضهم بعضا وكانت تقول إن لم يكن عند
هذين عقل فعند هذين فكان ذلك دأبها كلما أتوها حتى أثبتت الشحناء في صدورهم
وذكر أن عبد الله بن يزيد القسري أبا خالد كان مع يحيى بن سعيد حيث دخل
المسجد فكسر باب المقصورة فقاتل بنى مروان فلما قتل عمرو وأخرج رأسه إلى
الناس ركب عبد الله وأخوه خالد فلحقوا بالعراق فأقام مع ولد سعيد وهم مع
مصعب حتى اجتمعت الجماعة على عبد الملك وقد كانت عين عبد الله بن يزيد
فقئت يوم المرج وكان مع ابن الزبير يقاتل بنى أمية وأنه دخل على عبد الملك
بعد الجماعة فقال كيف أنتم آل يزيد فقال عبد الله حرباء حرباء فقال عبد الملك
بما قدمت أيديكم وما الله بظلام للعبيد (قال هشام) عن عوانة أن ولد عمرو بن
سعيد دخلوا على عبد الملك بعد الجماعة وهم أربعة أمية وسعيد وإسماعيل ومحمد
فلما نظر إليهم عبد الملك قال لهم إنكم أهل بيت لم تزالوا ترون لكم على جميع
قومكم فضلا لم يجعله الله لكم وان الذي كان بيني وبين أبيكم لم يكن حديثا بل
كان قديما في نفس أوليكم على أولينا في الجاهلية فأقطع بأمية بن عمرو وكان
أكبرهم فلم يقدر أن يتكلم وكان أنبلهم وأعقلهم فقام سعيد بن عمرو وكان الأوسط
فقال يا أمير المؤمنين ما تنعى علينا أمرا كان في الجاهلية وقد جاء الله بالاسلام
فهدم ذلك فوعد جنة وحذرنا نارا وأما الذي كان بينك وبين عمرو فإن عمرا
ابن عمك وأنت أعلم وما صنعت وقد وصل عمرو إلى الله وكفى بالله حسيبا ولعمري
602

لئن أخذتنا بما كان بينك وبينه لبطن الأرض خير لنا من ظهرها فرق لهم
عبد الملك رقة شديدة وقال إن أباكم حيرني بين أن يقتلني أو أقتله فاخترت قتله
على قتلى وأما أنتم فما أرغبني فيكم وأوصلني لقرابتكم وأرعاني لحقكم فأحسن
جائزتهم ووصلهم وقربهم * وذكر أن خالد بن يزيد بن معاوية قال لعبد الملك
ذات يوم عجب منك ومن عمرو بن سعيد كيف أصبت غرته فقتلته فقال عبد الملك
دانيته منى ليسكن روعه * فأصول صولة حازم مستمكن
غضبا ومحمية لديني إنه * ليس المسئ سبيله كالمحسن
قال عوانة لقى رجل سعيد بن عمرو بن سعيد بمكة فقال له ورب هذه البنية ما كان في القوم
مثل أبيك ولكنه نازع القوم ما في أيديهم فعطب * وكان الواقدي يقول إنما
كان في سنة 69 بين عبد الملك بن مروان وعمرو بن سعيد الحصار وذلك أن عمرو
ابن سعيد تحصن بدمشق فرجع عبد الملك إليه من بطنان حبيب فحاصره فيها
وأما قتله إياه فإنه كان في سنة 70 (وفى هذه السنة) حكم محكم من الخوارج
بالخيف من منى فقتل عند الجمرة ذكر محمد بن عمر أن يحيى بن سعيد بن دينار حدثه
عن أبيه قال رأيته عند الجمرة سل سيفه وكانوا جماعة فأمسك الله بأيديهم وبدر
هو من بينهم فحكم فمال الناس عليه فقتلوه * وأقام الحج للناس في هذه السنة
عبد الله بن الزبير وكان عامله فيها على المصرين الكوفة والبصرة أخوه مصعب
ابن الزبير وكان على قضاء الكوفة شريح وعلى قضاء البصرة هشام بن هبيرة
وعلى خراسان عبد الله بن خازم
(تم الجزء الرابع، ويليه الجزء الخامس وأوله " سنة سبعين ")
استدراك
وقع بهذا الجزء في رؤوس صفحات 4 و 6 و 8 و 10 و 12 و 14 و 16 لفظ " الجزء
الثالث " والصواب " الجزء الرابع "
603