الكتاب: تاريخ الطبري
المؤلف: الطبري
الجزء: ٦
الوفاة: ٣١٠
المجموعة: مصادر التاريخ
تحقيق: مراجعة وتصحيح وضبط : نخبة من العلماء الأجلاء
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: قوبلت هذه الطبعة على النسخة المطبوعة بمطبعة "بريل" بمدينة لندن في سنة ١٨٧٩ م)

تاريخ الأمم والملوك
للامام أبى جعفر محمد بن جرير الطبري
الجزء السادس
[قوبلت هذه الطبعة على النسخة المطبوعة]
[بمطبعة " بريل " بمدينة ليدن في سنة 1879 م]
راجعه وصححه وضبطه
نخبة من العلماء الاجلاء
منشورات
مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
بيروت - لبنان
ص. ب 7120
1

بسم الله الرحمن الرحيم
ثم دخلت سنة ثمان وعشرين ومائة
فمما كان فيها من الاحداث قتل الحارث بن سريج بخراسان
ذكر الخبر عن مقتله وسبب ذلك
قد مضى ذكر كتاب يزيد بن الوليد للحارث بأمانه وخروج الحارث من
بلاد الترك إلى خراسان ومصيره إلى نصر بن سيار وما كان من نصر إليه واجتماع
من اجتمع إلى الحارث مستجيبين له * فذكر علي بن محمد عن شيوخه أن ابن
هبيرة لما ولى العراق كتب إلى نصر بعهده فبايع لمروان فقال الحارث إنما آمنني
يزيد بن الوليد ومروان لا يجيز أمان يزيد فلا آمنه فدعا إلى البيعة فشتم أبو السليل
مروان فلما دعا الحارث إلى البيعة أتاه سلم بن أحوز وخالد بن هريم وقطن بن
محمد وعباد بن الأبرد بن قرة وحماد بن عامر وكلموه وقالوا له لم يصير نصر سلطانه
وولايته في أيدي قومك ألم يخرجك من أرض الترك ومن حكم خاقان وإنما أتى بك
لئلا يجترئ عليك عدوك فخالفته وفارقت أمر عشيرتك فأطعمت فيهم عدوهم
فنذكرك الله أن تفرق جماعتنا فقال الحارث إني لا أرى في يدي الكرماني ولاية والامر
في يد نصر فلم يجبهم بما أرادوا وخرج إلى حائط لحمزة بن أبي صالح السلمي بإزاء قصر
بخار اخذاه فعسكر وأرسل إلى نصر فقال له اجعل الامر شورى فأبى نصر فخرج
الحارث فأتى منازل يعقوب بن داود وأمر جهم بن صفوان مولى بنى راسب فقرأ
كتابا سير فيه سيرة الحارث على الناس فانصرفوا يكبرون وأرسل الحارث إلى
نصر اعزل سلم بن أحوز عن شرطك واستعمل بشر بن بسطام البرجمي فوقع
بينه وبين مغلس بن زياد كلام فقرت قيس وتميم فعزله واستعمل إبراهيم بن
عبد الرحمن فاختاروا رجالا يسمون لهم قوما يعملون بكتاب الله فاختار نصر
مقاتل بن سليمان ومقاتل بن حيان واختار الحارث المغيرة بن شعبة الجهضمي
2

ومعاذ بن جبلة وأمر نصر كاتبه أن يكتب ما يرضون من السنن وما يختارونه من
العمال فيوليهم الثغرين ثغر سمرقند وطخارستان ويكتب إلى من عليهما ما يرضونه
من السير والسنن فاستأذن سلم بن أحوز نصرا في الفتك بالحارث فأبى وولى
إبراهيم الصائغ وكان يوجه ابنه إسحاق بالفيروزج إلى مرو وكان الحارث يظهر
أنه صاحب الرايات السود فأرسل إليه نصر إن كنت كما تزعم وأنكم تهدمون
سور دمشق وتزيلون أمر بنى أمية فخذ منى خمسمائة رأس ومائتي بعير واحمل
من الأموال ما شئت وآلة الحرب وسر فلعمري لئن كنت صاحب ما ذكرت
إني لفى يدك وإن كنت لست ذلك فقد أهلكت عشيرتك فقال الحارث قد علمت
أن هذا حق ولكن لا يبايعني عليه من صحبني فقال نصر فقد استبان أنهم ليسوا
على رأيك ولا لهم مثل بصيرتك وانهم هم فساق ورعاع فاذكر الله في عشرين
ألفا من ربيعة واليمن سيهلكون فيما بينكم وعرض نصر على الحارث أن يوليه
ما وراء النهر ويعطيه ثلثمائة ألف فلم يقبل فقال له نصر فإن شئت فابدأ بالكرماني
فإن قتلته فأنا في طاعتك إن شئت فخل بيني وبينه فان ظفرت به رأيت رأيك
وإن شئت فسر بأصحابي فإذا جزت الري فأنا في طاعتك قال ثم تناظر الحارث
ونصر فتراضيا أن يحكم بينهم مقاتل بن حيان وجهم بن صفوان فحكما بأن يعتزل
نصر ويكون الامر شورى قلم يقبل نصر وكان جهم يقص في بيته في عسكر
الحارث وخالف الحارث نصرا ففرض نصر لقومه من بنى سلمة وغيرهم وصير
سلما في المدينة في منزل ابن سوار وضم إليه الرابطة وإلى هدبة بن عامر الشعراوي
فرسنا وصيره في المدينة واستعمل على المدينة عبد السلام بن يزيد بن حيان
السلمي وحول السلاح والدواوين إلى القهندز واتهم قوما من أصحابه أنهم كاتبوا
الحارث فأجلس عن يساره من اتهم ممن لا بلاء له عنده وأجلس الذين ولاهم
واصطنعهم عن يمينه ثم تكلم وذكر بنى مروان ومن خرج عليهم كيف أظفر الله
به ثم قال احمد الله وأذم من على يسارى وليت خراسان فكنت يا يونس بن
عبد ربه ممن أراد الهرب منه كلف مؤونات مرو وأنت وأهل بيتك ممن أراد
3

أسد بن عبد الله أن يختم أعناقهم ويجعلهم في الرجالة فوليتكم إذ وليتكم
وأصنعتكم وأمرتكم أن ترفعوا ما أصبتم إذا أردت المسير إلى الوليد فمنكم
من رفع ألف ألف وأكثر وأقل ثم ملأتم الحارث على فهلا نظر تم إلى هؤلاء
الأحرار الذين لزموني مؤاسين على غير بلاء وأشار إلى هؤلاء الذين عن يمينه
فاعتذر القوم إليه فقبل عذرهم وقدم على نصر من كور خراسان حين بلغهم
ما صار إليه من الفتنة جماعة منهم عاصم بن عمير الصريمي وأبو الذيال الناجي وعمرو
والقاوسان السغدي البخاري وحسان بن خالد الأسدي من طخارستان في
فرارس وعقيل بن معقل الليثي ومسلم بن عبد الرحمن بن مسلم وسعيد الصغير
في فرسان وكتب الحارث بن سريج سيرته فكانت تقرأ في طريق مرو والمساجد
فأجابه قوم كثير فقرأ رجل كتابه على باب نصر بما جان فضربه غلمان نصر
فنابذه الحارث فأتى نصرا هبيرة بن شراحيل ويزيد أبو خالد فأعلماه فدعا الحسن
ابن سعد مولى قريش فأمره فنادى ان الحارث بن سريج عدو الله قد نابذ
وحارب فاستعينوا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله وأرسل من ليلته عاصم بن
عمير إلى الحارث وقال لخالد بن عبد الرحمن ما نفعل شعارنا غدا فقال مقاتل بن
سليمان إن الله بعث نبيا فقاتل عدوا له فكان شعاره حم لا ينصرون فكان
شعارهم حم لا ينصرون وعلامتهم على الرماح الصوف وكان سلم بن أحوز
وعاصم بن عمير وقطن وعقيل بن معقل ومسلم بن عبد الرحمن وسعيد الصغير
وعامر بن مالك والجماعة في طرف الطخارية ويحيى بن حضين وربيعة في البخاريين
ودل رجل من أهل مدينة مرو الحارث على نقب في الحائط فمضى الحارث
فنقب الحائط فدخلوا المدينة من ناحية باب بالين وهم خمسون ونادوا يا منصور
بشعار الحارث وأتوا باب نيق فقاتلهم جهم بن مسعود الناجي فحمل رجل
على جهم فطعنه في فيه فقتله ثم خرجوا من باب نيق حتى أتوا قبة سلم بن أحوز
فقاتلهم عصمة بن عبد الله الأسدي وخضر بن خالد والأبرد بن داود من آل
الأبرد بن قرة وعلى باب بالين حازم بن حاتم فقتلوا كل من كان يحرسه وانتهبوا
4

منزل ابن أحوز ومنزل قديد بن منيع ونهاهم الحارث أن ينتهبوا منزل ابن أحوز
ومنزل قديد بن منيع ومنزل إبراهيم وعيسى ابني عبد الله السلمي الا الدواب
والسلاح وذلك ليلة الاثنين لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة قال وأنى نصرا
رسول سلم يخبره دنو الحارث منه وأرسل إليه أخره حتى نصبح ثم بعث إليه أيضا
محمد بن قطن بن عمران الأسدي انه قد خرج عليه عامة أصحابه فأرسل إليه لا تبدأهم
وكان الذي أهاج القتال أن غلاما للنضر بن محمد الفقيه يقال له عطية صار إلى
أصحاب سلم فقال أصحاب الحارث ردوه إلينا فأبوا فاقتتلوا فرمى غلام لعاصم
في عينه فمات فقاتلهم ومعه عقيل بن معقل فهزمهم فانتهوا إلى الحارث
وهو يصلى الغداة في مسجد أبى بكرة مولى بنى تميم فلما قضى الصلاة دنا منهم
فرجعوا حتى صاروا إلى طرف الطخارية ودنا منه رجلان فناداهما عاصم عرقبا
برذونه فضرب الحارث أحدهما بعموده فقتله ورجع الحارث إلى سكة السغد
فرأى أعين مولى حيان فنهاه عن القتال فقاتل فقتل وعدل في سكة أبى عصمة فأتبعه
حماد بن عامر الحماني ومحمد بن زرعة فكسر رمحيهما وحمل على مرزوق مولى سلم
فلما دنا منه رمى به فرسه فدخل حانوتا وضرب برذونه على مؤخره فنفق قال
وركب سلم حين نفق إلى باب نيق فأمرهم بالخندق فخندقوا وأمر مناديا فنادى
من جاء برأس فله ثلثمائة فلم تطلع الشمس حتى انهزم الحارث وقاتلهم الليل كله فلما
أصبحنا أخذ أصحاب نصر على الرزيق فأدركوا عبد الله بن مجاعة بن سعد فقتلوه
وانتهى سلم إلى عسكر الحارث وانصرف إلى نصر فنهاه نصر فقال لست منتهيا
حتى أدخل المدينة على هذا الدبوسي فمضى معه محمد بن قطن وعبيد الله بن بسام إلى
باب درسنكان وهو القهندز فوجده مردوما فصعد عبد الله بن مزيد الأسدي
السور ومعه ثلاثة ففتحوا الباب ودخل بن أحوز ووكل بالباب أبا مطهر حرب
ابن سليمان فقتل سلم يومئذ كاتب الحارث بن سريج واسمه يزيد بن داود أمر عبد ربه
ابن سيسن فقتله ومضى سلم إلى باب نيق ففتحه وقتل رجلا من الجزارين كان
دل الحارث على النقب فقال المنذر الرقاشي ابن عم يحيى بن حضين يذكر
5

صبر القاسم الشيباني
ما فاتل القوم منكم غير صاحبنا * في عصبة قاتلوا صبرا فما ذعروا
هم قاتلوا عند باب الحصن ما وهنوا * حتى أتاهم غياث الله فانتصروا
فقاسم بعد أمر الله أحرزها * وأنت في معزل عن ذاك مقتصر
ويقال لما غلظ أمر الكرماني والحارث أرسل نصر إلى الكرماني فأتاه على
عهد وحضرهم محمد بن ثابت القاضي ومقدام بن نعيم أخو عبد الرحمن بن نعيم
الغامدي وسلم بن أحوز فدعا نصر إلى الجماعة فقال للكرماني أنت أسعد الناس
بذلك فوقع بين سلم بن أحوز والمقدام كلام فأغلظ له سلم فأعانه عليه أخوه وغضب
لهما السغدي بن عبد الرحمن الحزمي فقال سلم لقد هممت أن أضرب أنفك
بالسيف فقال السغدي لو مسست السيف لم ترجع إليك يدك فخاف الكرماني أن
يكون مكرا من نصر فقام وتعلقوا به فلم يجلس وعاد إلى باب المقصورة قال فقتلوه
بفرسه فركب في المسجد وقال نصر أراد الغدر بي وأرسل الحارث إلى نصر انا
لا نرضى بك إماما فأرسل إليه نصر كيف يكون لك عقل وقد أفنيت عمرك في
أرض الشرك وغزوت المسلمين بالمشركين أتراني أتضرع إليك أكثر مما
تضرعت قال فأسر يومئذ جهم بن صفوان صاحب الجهمية فقال لسلم إن لي وليا
من ابنك حارث قال ما كان ينبغي له أن يفعل ولو فعل ما آمنتك ولو ملأت
هذه الملاءة كواكب وأبرأك إلى عيسى ابن مريم ما نجوت والله لو كنت في
بطني لشققت بطني حتى أقتلك والله لا يقوم علينا مع اليمانية أكثر مما قمت وأمر
عبد ربه بن سيسن فقتله فقال الناس قتل أبو محرز وكان جهم يكنى أبا محرز وأسر
يومئذ هبيرة بن شراحيل وعبد الله بن مجاعة فقال لا أبقى الله من استبقا كما وان
كنتما من تميم ويقال بن قتل هبيرة لحقته الخيل عند دار قديد بن منيع فقتل قال
ولما هزم نصر الحارث بعث الحارث ابنه حاتما إلى الكرماني فقال له محمد بن المثنى
هما عدواك دعهما يضطربان فبعث الكرماني السغدي بن عبد الرحمن الحزمي
معه فدخل السغدي المدينة من ناحية باب ميخان فأتاه الحارث فدخل فازة
6

الكرماني ومع الكرماني داود بن شعيب الحداني ومحمد بن المثنى فأقيمت الصلاة
فصلى بهم الكرماني ثم ركب الحارث فسار معه جماعة بن محمد بن عزيز أبو خلف
فلما كان الغد سار الكرماني إلى باب ميدان يزيد فقاتل أصحاب نصر فقتل سعد
ابن سلم المراغي وأخذوا علم عثمان بن الكرماني فأول من أتى الكرماني بهزيمة
الحارث وهو معسكر بباب ما سرجسان على فرسخ من المدينة النضر بن غلاق
السغدي وعبد الواحد بن المنخل ثم أتاه سوادة بن سريج وأول من بايع الكرماني
يحيى بن نعيم بن هبيرة الشيباني فوجه الكرماني إلى الحارث بن سريج سورة
ابن محمد الكندي.... والسغدي بن عبد الرحمن أبا طعمة وصعبا أو صعيبا
وصباحا فدخلوا المدينة من باب ميخان حتى أتوا باب ركك وأقبل الكرماني
إلى باب حرب بن عامر ووجه أصحابه إلى نصر يوم الأربعاء فتراموا ثم تحاجزوا
ولم يكن بينهم يوم الخميس قتال قال والتقوا يوم الجمعة فانهزمت الأزد حتى وصلوا
إلى الكرماني فاخذ اللواء بيده فقاتل به وحمل الخضر بن تميم وعليه تجفاف فرموه
بالنشاب وحمل عليه حبيش مولى نصر فطعنه في حلقه فأخذ الخضر السنان بشماله
من حلقه فشب به فرسه وحمل فطعن حبيشا فأذراه عن برذونه فقتله رجالة
الكرماني بالعصى قال وانهزم أصحاب نصر وأخذوا لهم ثمانين فرسا وصرع تميم
ابن نصر فأخذوا له برذونين أخذ أحدهما السغدي ابن عبد الرحمن وأخذ الآخر
الخضر ولحق الخضر بسلم بن أحوز فتناول من ابن أخيه عمودا فضربه فصرعه
فحمل عليه رجلان من بنى تميم فهرب فرمى سلم بنفسه تحت القناطر وبه بضع عشر
ضربة على بيضته فسقط فحمله محمد بن الحداد إلى عسكر نصر وانصرفوا فلما كان في
بعض الليالي خرج نصر من مرو وقتل عصمة بن عبد الله الأسدي وكان يحمى
أصحاب نصر فأدركه صالح بن القعقاع الأزدي فقال له عصمة تقدم يا مزوني
فقال صالح أثبت يا حصى وكان عقيما فعطف فرسه فشب فسقط فطعنه صالح فقتله
وقاتل ابن الديليمري وهو يرتجز فقتل إلى جنب عصمة وقتل عبيد الله بن حوتمة
السلمي رمى مروان البهراني بجرزه فقتل فأتى الكرماني برأسه فاسترجع وكان له
7

صديقا وأخذ رجل يماني بعنان فرس مسلم بن عبد الرحمن بن مسلم فعرفه فتركه
واقتتلوا ثلاثة أيام فهزمت آخر يوم المضرية اليمن فنادى الخليل بن غزوان
يا معشر ربيعة واليمن قد دخل الحارث السوق وقتل ابن الاقطع ففت في
أعضاد المضرية وكان أول من انهزم إبراهيم بن بسام الليثي وترجل تميم بن
نصر فأخذ برذونه عبد الرحمن بن جامع الكندي وقتلوا هياجا الكبى
ولقيط بن أخضر قتله غلام لهانئ البزار قال ويقال لما كان يوم الجمعة تأهبوا
للقتال وهدموا الحيطان ليتسع لهم الموضع فبعث نصر محمد بن قطن إلى الكرماني
إنك لست مثل هذا الدبوسي فاتق الله لا تشرع في الفتنة قال وبعث تميم بن نصر
شاكريته وهم في دار الجنوب بنت القعقاع فرماهم أصحاب الكرماني من السطوح
ونذروا بهم فقال عقيل بن معقل لمحمد بن المثنى علام نقتل أنفسنا لنصر والكرماني
هلم نرجع إلى بلد نا بطخارستان فقال محمد ان نصرا لم يف لنا فلسنا ندع حربه
وكان أصحاب الحارث والكرماني يرمون نصرا وأصحابه بعرادة فضرب سرادقه
وهو فيه فلم يحوله فوجه إليهم سلم بن أحوز فقاتلهم فكان أول الظفر لنصر
فلما رأى الكرماني ذلك أخذ لواءه من محمد بن محمد بن عميرة فقاتل به حتى كسره
وأخذ محمد بن المثنى والزاغ وحطان في كارابكل حتى خرجوا على الرزيق وتميم
ابن نصر على قنطرة النهر فقال محمد بن المئني لتميم حين انتهى إليه تنح يا صبي وحمل
محمد والزاغ معه راية صفراء فصرعوا أعين مولى نصر وقتلوه وكان صاحب دواة
نصر وقتلوا نفرا من شاكريته وحمل الخضر بن تميم على سلم بن أحوز فطعنه فمال
السنان فضربه بجرز على صدره وأخرى على منكبه وضربه على رأسه فسقط
وحمى نصر أصحابه في ثمانية فمنعهم من دخول السوق قال ولما هزمت اليمانية مضرا
أرسل الحارث إلى نصر إن اليمانية يعيرونني بانهزامكم وأنا كاف فاجعل حماة
أصحابك بإزاء الكرماني فبعث إليه نصر يزيد النحوي وخالدا يتوثق منه أن
يفي له بما أعطاه من الكف ويقال إنما كف الحارث عن قتال نصر أن عمران
ابن الفضل الأزدي وأهل بيته وعبد الجبار العدوي وخالد بن عبيد الله بن حية
8

العدوي وعامة أصحابه نقموا على الكرماني فعله بأهل التبوشكان وذلك أن أسدا
وجهه فنزلوا على حكم أسد فبقر بطون خمسين رجلا وألقاهم في نهر بلخ وقطع
أيدي ثلثمائة منهم وأرجلهم وصلب ثلاثا وباع أثقالهم فيمن يزيد فنقموا على
الحارث عونه الكرماني وقتاله نصرا فقال نصر لأصحابه حين تغير الامر بينه وبين
الحارث إن مضرا لا تجتمع لي ما كان الحارث مع الكرماني لا يتفقان على أمر
فالرأي تركهما فإنهما يختلفان وخرج إلى جلفر فيجد عبد الجبار الأحول العدوي
وعمر بن أبي الهيثم الصغدي فقال لهما أيسعكما المقام مع الكرماني فقال عبد الجبار
وأنت فلا عدمت آسيا ما أحلك هذا المحل فلما رجع نصر إلى مر وأمر به فضرب
أربعمائة سوط ومضى نصر إلى خرق فأقام أربعة أيام بها ومعه مسلم بن عبد الرحمن
ابن مسلم وسلم بن أحوز وسنان الأعرابي فقال نصر لنسائه إن الحارث سيخلفني
فيكن ويحميكن فلما قرب من نيسابور أرسلوا إليه ما أقدمك وقد أظهرت من
العصبية أمرا قد كان الله أطفأه وكان عامل نصر على نيسابور ضرار بن عيسى
العامري فأرسل إليهم نصر بن سيار سنانا الأعرابي ومسلم بن عبد الرحمن وسلم
ابن أحوز فكلموهم فخرجوا فتلقوا نصرا بالمواكب والجواري والهدايا فقال
سلم جعلني الله فداك هذا الحي من قيس فإنما كانت عاتبة فقال نصر
أنا ابن خندف تنميني قبائلها * للصالحات وعمى قيس عيلانا
وأقام عند نصر حين خرج من مرو يونس بن عبد ربه ومحمد بن قطن وخالد
ابن عبد الرحمن في نظرائهم قال وتقدم عباد بن عمر الأزدي وعبد الحكيم بن
سعيد العوذي وأبو جعفر عيسى بن جرز على نصر من مكة بأبرشهر فقال نصر
لعبد الحكيم أما ترى ما صنع سفهاء قومك فقال عبد الحكيم بل سفهاء قومك
طالت ولايتها في ولايتك وصيرت الولاية لقومك دون ربيعة واليمن فبطروا
وفى ربيعة واليمن علماء وسفهاء فغلب السفهاء العلماء فقال عباد أتستقبل الأمير
بهذا الكلام قال دعه فقد صدق فقال أبو جعفر عيسى بن جرز وهو من أهل
قرية على نهر مرو أيها الأمير حسبك من هذه الأمور والولاية فإنه قد أطل أمر
9

عظيم سيقوم رجل مجهول النسب يظهر السواد ويدعوا لي دولة تكون فيغلب على
الامر وأنتم تنظرون وتضطربون فقال نصر ما أشبه أن يكون لقلة الوفاء واستجراح
الناس وسوء ذات البين وجهت إلى الحارث وهو بأرض الترك فعرضت عليه
الولاية والأموال فأبى وشعث وظاهر على فقال أبو جعفر عيسى إن الحارث
مقتول مصلوب وما الكرماني من ذلك ببعيد فوصله نصر قال، وكان سلم بن أحوز
يقول ما رأيت قوما أكرم إجابة ولا أبذل لدمائهم من قيس قال فلما خرج نصر
من مرو غلب عليها الكرماني وقال للحارث إنما أريد كتاب الله فقال قحطبة لو كان
صادقا لأمددته ألف عنان فقال مقاتل بن حيان أفى كتاب الله هدم الدور وانتهاب
الأموال فحبسه الكرماني في خيمة في العسكر فكلمه معمر بن مقاتل بن حيان
أو معمر بن حيان فخلاه فأتى الكرماني المسجد ووقف الحارث فخطب الكرماني
الناس وآمنهم غير محمد بن الزبير ورجل آخر فاستأمن لابن الزبير داود بن أبي
داود بن يعقوب ودخل الكاتب فآمنه ومضى الحارث إلى باب دوران وسرخس
وعسكر الكرماني في مصل أسد وبعث إلى الحارث فأتاه فأنكر الحارث هدم
الدور وانتهاب الأموال فهم الكرماني به ثم كف عنه فأقام أياما وخرج بشر
ابن جدموز الضبي بخرقان فدعا إلى الكتاب والسنة وقال للحارث إنما قاتلت
معك طلب العدل فأما إذا كنت مع الكرماني فقد علمت أنك إنما تقاتل
ليقال غلب الحارث وهؤلاء يقاتلون عصبية فلست مقاتلا معك واعتزل في
خمسة آلاف وخمسمائة ويقال في أربعة آلاف وقال نحن الفئة العادلة ندعوا
إلى الحق ولا نقاتل إلا من يقاتلنا وأتى الحارث مسجد عياض فأرسل إلى الكرماني
يدعوه إلى أن يكون الامر شورى فأبى الكرماني وبعث الحارث ابنه محمدا نقله
من دار تميم بن نصر فكتب نصر إلى عشيرته ومضر أن الزموا الحارث مناصحة فأتوه
فقال الحارث إنكم أصل العرب وفرعها وأنتم قريب عهدكم بالهزيمة فاخرجوا
إلى بالأثقال فقالوا لم نكن نرضى بشئ دون لقائه وكان من مد برى عسكر الكرماني
مقاتل بن سليمان فأتاه رجل من البخاريين فقال أعطني أجر المنجنيق التي نصبتها
10

فقال أقم البينة أنك نصبتها من منفعة المسلمين فشهد له شيبة بن شيخ الأزدي فأمر
مقاتل فصك له إلى بيت المال قال فكتب أصحاب الحارث إلى الكرماني نوصيكم
بتقوى الله وطاعته وايثار أئمة الهدى وتحريم ما حرم الله من دمائكم فان الله جعل
اجتماعنا كان إلى الحارث ابتغاء الوسيلة إلى الله ونصيحة في عباده فعرضنا أنفسنا
للحرب ودماءنا للسفك وأموالنا للتلف فصغر ذلك كله عندنا في جنب ما نرجو من
ثواب الله ونحن وأنتم إخوان في الدين وأنصار على العدو فاتقوا الله وراجعوا
الحق فإنا لا نريد سفك الدماء بغير حلها فأقاموا أياما فأتى الحارث بن سريج الحائط
فثلم فيه ثلمة ناحية نوبان عند دار هشام بن أبي الهيثم فتفرق عن الحارث أهل
البصائر وقالوا غدرت فأقام القاسم الشيباني وربيع التيمي في جماعة ودخل الكرماني
من باب سرخمس فحاذى الحارث ومر المنخل بن عمرو الأزدي فقتله السميدع
أحد بنى العدوية ونادى يا لثأرات لقيط واقتتلوا وجعل الكرماني على ميمنته
داود بن شعيب واخوته خالدا ومزيدا والمهلب وعلى ميسرته سورة بن محمد
ابن عزيز الكندي في كندة وربيعة فاشتد الامر بينهم فانهزم أصحاب الحارث
وقتلوا ما بين الثلمة وعسكر الحارث والحارث على بغل فنزل عنه وركب فرسا
فضربه فجرى وانهزم أصحابه فبقى في أصحابه فقتل عند شجرة وقتل أخوه سوادة
وبشر بن جرموز وقطن بن المغيرة بن عجرد وكف الكرماني وقتل مع الحارث
مائة وقتل من أصحاب الكرماني مائة وصلب الحارث عند مدينة مرو بغير رأس
وكان قتل بعد خروج نصر من مرو بثلاثين يوما قتل يوم الأحد لست بقين
من رجب وكان يقال إن الحارث يقتل تحت زيتونة أو شجرة غبيراء فقتل كذلك
سنة 128 وأصاب الكرماني صفائح ذهب للحارث فأخذها وحبس أم ولده
ثم خلى عنها وكانت عند حاجب بن عمرو بن سلمة بن سكن بن جون بن دبيب قال
وأخذ أموال من خرج مع نصر واصطفى متاع عاصم بن عمير فقال إبراهيم بم
تستحل ماله فقال صالح من آل الوضاح أسقني دمه فحال بينه وبينه مقاتل
ابن سليمان فأتى به منزله قال على قال زهير بن الهنيد خرج الكرماني إلى بشر
11

ابن جرموز وعسكر خارجا من المدينة ومرو وبشر في أربعة آلاف فعسكر
الحارث مع الكرماني فأقام الكرماني أياما بينه وبين عسكر بشر فرسخان ثم
تقدم حتى قرب من عسكر بشر وهو يريد أن يقاتله فقال للحارث تقدم وندم
الحارث على اتباع الكرماني فقال لا تعجل إلى قتالهم فانى أردهم إليك فخرج من
العسكر في عشرة فوارس حتى أتى عسكر بشر في قرية الدرزيجان فأقام معهم
وقال ما كنت لا قاتلكم مع اليمانية وجعل المضريون ينسلون من عسكر الكرماني
إلى الحارث حتى لم يبق مع الكرماني مضري غير سلمة بن أبي عبد الله مولى بنى
سليم فإنه قال والله لا أتبع الحارث أبدا فإني لم أره الا غادرا والمهلب بن إياس
وقال لا أتبعه فإني لم أرده قط الا في خيل تطرد فقاتلهم الكرماني مرارا يقتتلون
ثم يرجعون إلى خنادقهم فمرة لهؤلاء ومرة لهؤلاء فالتقوا يوما من أيامهم وقد شرب
مرثد بن عبد الله المجاشعي فخرج سكران على برذون للحارث فطعن فصرع وحماه
فوارس من بنى تميم حتى تخلص وعار البرذون فلما رجع لامه الحارث وقال كدت
تقتل نفسك فقال للحارث إنما تقول ذلك لمكان برذونك امرأته طالق إن لم آته
ببرذون أفره من له أفره برذون في عسكرهم قالوا عبد الله بن ديسم العنزي
وأشاروا إلى موقفه حتى وصل إليه فلما غشيه رمى ابن ديسم نفسه عن برذونه
وعلق مرثد عنان فرسه في رمحه وقاده حتى أتى به الحارث فقال هذا مكان برذونك
فلقى مخلد بن الحسن مرثدا فقال له يمازحه ما أهيأ برذون ابن ديسم تحتك فنزل
عنه وقال خذه قال أردت أن تفضحني أخذته منا في الحرب وآخذه في السلم ومكثوا
بذلك أياما ثم ارتحل الحارث ليلا فأتى حائط مرو فنقب بابا ودخل الحائط فدخل
الكرماني وأترحل فقالت المضرية للحارث قد تركنا الخنادق فهو يومنا وقد
فررت غير مرة فترجل فقال أنا لكم فارسا خير منى لكم راجلا قالوا لا نرضى الا
أن نترجل فترجل وهو بين حائط مرو والمدينة فقتل الحارث وأخوه وبشر بن
جرموز وعدة من فرسان تميم وانهزم الباقون وصلب الحارث وصفت مرو
لليمن فهدموا دور المضرية فقال نصر بن سيار للحارث حين قتل
12

يا مدخل الذل على قومه * بعدا وسحقا لك من هالك
شؤمك أردى مضرا كلها * وغض من قومك بالحارك
ما كانت الأزد وأشياعها * تطمع في عمرو ولا مالك
ولا بنى سعد إذا الجموا * كل طمر لونه حالك
ويقال بل قال هذه الأبيات نصر لعثمان بن صدقة المازني وقالت أم كثير الضبية
لا بارك الله في أنثى وعذبها * تزوجت مضريا آخر الدهر
أبلغ رجال تميم قول موجعة * أحللتموها بدار الذل والفقر
إن أنتم لم تكروا بعد جولتكم * حتى تعيدوا رجال الأزد في الظهر
إني استحيت لكم من بذل طاعتكم * هذا المزوني يجبيكم على قهر
وقال عباد بن الحارث
ألا يا نصر قد برح الخفاء * وقد طال التمني والرجاء
وأصبحت المزون بأرض مرو * تقضى في الحكومة ما تشاء
يجوز قضاؤها في كل حكم * على مضر وإن جار القضاء
وحمير في مجالسها قعود * ترقرق في رقابهم الدماء
فإن مضر بذا رضيت وذلت * فطال لها المذلة والشقاء
وإن هي أعتبت فيها وإلا * فحل على عساكرها العفاء
وقال
ألا يا أيها المرء ال‍ * - ذي قد شقه الطرب
أفق ودع الذي قد كنت * تطلبه ونطلب
فقد حدثت بحضرتنا * أمور شانها عجب
الأزد رأيتها عزت * بمرو وذلت العرب
فجاز الصفر لما كان * ذاك وبهرج الذهب
وقال أبو بكر بن إبراهيم لعلى وعثمان ابني الكرماني
إني لمرتحل أريد بمدحتي * أخوين فوق ذرى الأنام ذراهما
13

سبقا الجياد فلم يزالا نجعة * لا يعدم الضيف الغريب قراهما
يستعليان ويجريان إلى العلى * ويعيش في كنفيهما حياهما
أعنى عليا إنه ووزيره * عثمان ليس يذل من والاهما
جريا لكيما يحلقا بأبيهما * جرى الجياد من البعيد مداهما
فلئن هما لحقا به لمنصب * يستعليان ويلحقان أباهما
ولئن أبر عليهما فلطال ما * جريا فبذهما وبذ سواهما
فلا مدحنهما بما قد عاينت * عيني وإن لم أخص كل نداهما
فهما التقيان المشار إليهما * الحاملان الكاملان كلاهما
وهما أزالا عن عريكة ملكه * نصرا ولا في الذل إذ عاداهما
نفيا ابن أقطع بعد قتل حماته * وتقسمت أسلابه خيلاهما
والحارث بن سريج إذ قصدوا له * حتى تعاور رأسه سيفاهما
أخذا بعفو أبيهما في قدره * إذ عز قومهما ومن والاهما
(وفى هذه السنة) وجه إبراهيم بن محمد أبا مسلم إلى خراسان وكتب إلى
أصحابه إني قد أمرته بأمري فاسمعوا منه واقبلوا قوله فإني قد أمرته على خراسان
وما غلب عليه بعد ذلك فأتاهم فلم يقبلوا قوله وخرجوا من قابل فالتقوا بمكة عند
إبراهيم فأعلمه أبو مسلم أنه لم ينفذوا كتابه وأمره فقال إبراهيم إني قد عرضت
هذا الامر على غير واحد فأبوه على وذلك أنه كان عرض ذلك قبل أن يوجه
أبا مسلم على سليمان بن كثير فقال لا إلى اثنين أبدا ثم عرضه على إبراهيم بن
سلمة فأبى فأعلمهم أنه أجمع رأيه على أبى مسلم فأمرهم بالسمع والطاعة ثم قال
يا عبد الرحمن إنك رجل منا أهل البيت فاحتفظ وصيتي وانظر هذا الحي من
اليمن فأكرمهم وحل بين أظهرهم فإن الله لا يتم هذا الامر إلا بهم وانظر هذا
الحي من ربيعة فاتهمهم في أمرهم وانظر هذا الحي من مضر فإنهم العدو القريب
الدار فاقتل من شككت في أمره ومن كان في أمره شبهة ومن وقع في نفسك
منه شئ وإن استطعت أن لا تدع بخراسان لسانا عربيا فافعل فأيما غلام بلغ
14

خمسة أشبار تتهمه فاقتله ولا تخالف هذا الشيخ يعنى سليمان بن كثير ولا تعصه
وإذا أشكل عليك أمر فاكتف به منى (وفى هذه السنة) قتل الضحاك بن قيس
الخارجي فيما قال أبو مخنف ذكر ذلك هشام بن محمد عنه
ذكر الخبر عن مقتله وسبب ذلك
ذكر أن الضحاك لما حاصر عبد الله بن عمر بن عبد العزيز بواسط وبايعه
منصور بن جمهور ورأى عبد بن عمر أنه لا طاقة له به أرسل إليه ان مقامكم على
ليس بشئ هذا مروان فسر إليه فإن قاتلته فانا معك فصالحه على ما قد ذكرت من
اختلاف المختلفين فيه فذكر هشام عن أبي مخنف أن الضحاك ارتحل عن ابن
عمر حتى لقى مروان بكفر توثا من أرض الجزيرة فقتل الضحاك يوم التقوا
وأبو هاشم مخلد بن محمد بن صالح قال فيما حدثني أحمد بن زهير قال حدثنا عبد الوهاب
ابن إبراهيم عنه أن الضحاك لما قتل عطية التغلبي صاحبه وعامله على الكوفة
ملحان بقنطرة السيلحين وبلغه خبر قتل ملحان وهو محاصر عبد الله بن عمر بواسط
وجه مكانه من أصحابه رجلا يقال له مطاعن واصطلح عبد الله بن عمر والضحاك
عن أن يدخل في طاعته فدخل وصلى خلفه وانصرف إلى الكوفة وأقام ابن عمر
فيمن معه بواسط ودخل الضحاك الكوفة وكاتبه أهل الموصل ودعوه إلى أن
يقدم عليهم فيمكنوه منها فسار في جماعة جنوده بعد عشرين شهرا حتى انتهى
إليها وعليها يومئذ عامل لمروان وهو رجل من بنى شيبان من أهل الجزيرة يقال
له القطران بن أكمة ففتح أهل الموصل المدينة للضحاك وقاتلهم القطران في عدة
يسيرة من قومه وأهل بيته حتى قتلوا واستولى الضحاك على الموصل وكورها
وبلغ مروان خبره وهو محاصر حمص مشتغل بقتال أهلها فكتب إلى ابنه عبد الله
وهو خليفته بالجزيرة يأمره أن يسير فيمن معه من روابطه إلى مدينة نصيبين
يشغل الضحاك عن توسط الجزيرة فشخص عبد الله إلى نصيبين في جماعة روابطه
وهو في نحو من سبعة آلاف أو ثمانية وخلف بحران قائدا في ألف أو نحو
ذلك وسار الضحاك من الموصل إلى عبد الله بنصيبين فقاتله فلم يكن له قوة لكثرة
15

من مع الضحاك فهو فيما بلغنا عشرون ومائة ألف يرزق الفارس عشرين ومائة
والرجل والبغال المائة والثمانين في كل شهر وأقام الضحاك على نصيبين محاصرا
لها ووجه قائدين من قواده يقال لهما عبد الملك بن بشر التغلبي وبدر الذكواني
مولى سليمان بن هشام في أربعة آلاف أو خمسة آلاف حتى وردا الرقة فقاتلهم
من بها من خيل مروان وهم نحو من خمسمائة فارس ووجه مروان حين بلغه
نزولهم الرقة خيلا من روابطه فلما دنوا منها انقشع أصحاب الضحاك منصرفين
إليه فاتبعتهم خيله فاستسقطوا من ساقتهم نيفا وثلاثين رجلا فقطعهم مروان حين
قدم الرقة ومضى صامدا إلى الضحاك وجموعه حتى التقيا بموضع يقال له الغز
من أرض كفرتوثا فقاتله يومه ذلك فلما كان عند المساء ترجل الضحاك وترجل
معه من ذوي الثبات من أصحابه نحو من ستة آلاف وأهل عسكره أكثرهم لا يعلمون
بما كان منه وأحدقت بهم خيول مروان فألحوا عليهم حتى قتلوهم عند العتمة
وانصرف من بقى من أصحاب الضحاك إلى عسكرهم ولم يعلم مروان ولا أصحاب
الضحاك أن الضحاك قد قتل فيمن قتل حتى فقدوه في وسط الليل وجاءهم بعض
من عاينه حين ترجل فأخبرهم بخبره ومقتله فبكوه وناحوا عليه وخرج عبد الملك
ابن بشر التغلبي القائد الذي كان وجهه في عسكرهم إلى الرقة حتى دخل عسكر
مروان ودخل عليه فأعلمه أن الضحاك قتل فأرسل معه رسلا من حرسه معهم
النيران والشمع إلى موضع المعركة فقلبا القتلى حتى استخرجوه فاحتملوه حتى أتوا
به مروان وفى وجهه أكثر من عشرين ضربة فكبر أهل عسكر مروان فعرف
أهل عسكر الضحاك أنهم قد علموا بذلك وبعث مروان برأسه من ليلته إلى
مدائن الجزيرة فطيف به فيها وقبل ان الخيبري والضحاك انما قتلا في سنة 129
(وفى هذه السنة) كان أيضا في قول أبى مخنف قتل الخيبري الخارجي كذلك
ذكر هشام عنه
ذكر الخبر عن مقتله
* حدثني أحمد بن زهير قال حدثنا عبد الوهاب بن إبراهيم قال حدثني أبو هاشم
مخلد بن محمد بن صالح قال لما قتل الضحاك أصبح أهل عسكره بايعوا الخيبري
16

وأقاموا يومئذ وغادوه من بعد الغد وصافوه وصافهم وسليمان بن هشام يومئذ
في مواليه وأهل بيته مع الخيبري وقد كان قدم على الضحاك وهو بنصببين وهم
في أكثر من ثلاثة آلاف من أهل بيته ومواليه فتزوج فيهم أخت شيبان الحروري
الذي بايعوه بعد قتل الخيبري فحمل الخيبري على مروان في نحو من أربعمائة
فارس من الشراة فهزم مروان وهو في القلب وخرج مروان من المعسكر هاربا
ودخل الخيبري فيمن معه عسكره فجعلوا ينادون بشعارهم ينادون يا خيبري
يا خيبري ويقتلون من أدركوا حتى انتهوا إلى حجرة مروان فقطعوا أطنابها
وجلس الخيبري على فرشه وميمنة مروان عليها ابنه عبد الله ثابتة على حالها وميسرته
ثابتة عليها إسحاق بن مسلم العقيلي فلما رأى أهل عسكر مروان قلة من مع الخيبري
ثار إليه عبيد من أهل العسكر بعمد الخيام فقتلوا الخيبري وأصحابه جميعا في حجرة
مروان وحولها وبلغ مروان الخبر وقد جاز العسكر بخمسة أميال أو ستة منهزما
فانصرف إلى عسكره ورد خيوله عن مواضعها ومواقفها وباب ليلته تلك في
عسكره فانصرف أهل عسكر الخيبري قولوا عليهم شيبان وبايعوه فقاتلهم مروان
بعد ذلك بالكراديس وأبطل الصف منذ يومئذ وكان مروان يوم الخيبري بعث
محمد بن سعيد وكان من ثقاته وكتابه إلى الخيبري فبلغه أنه مالأهم وانحاز إليهم
يومئذ فأتى به مروان أسيرا فقطع يده ورجله ولسانه (وفى هذه السنة) وجه
مروان يزيد بن عمر بن هبيرة إلى العراق لحرب من بها من الخوارج (وحج)
بالناس في هذه السنة عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز كذلك قال أبو معشر فيما
حدثني أحمد بن ثابت عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عنه وكذلك قال الواقدي
وغيره وقال الواقدي وافتتح مروان حمص وهدم سورها وأخذ نعيم بن ثابت
الجزامي فقتله في شوال سنة 8 وقد ذكرنا من خالفه في ذلك قبل وكان العامل على
المدينة ومكة والطائف فيما ذكر في هذه السنة عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز
وبالعراق عمال الضحاك وعبد الله بن عمر وعلى قضاء البصرة ثمامة بن عبد الله
وبخراسان نصر بن سيار وخراسان مفتونة (وفى هذه السنة) لقى أبو حمزة
17

الخارجي عبد الله بن يحيى طالب الحق فدعاه إلى مذهبه
ذكر الخبر عن ذلك
* حدثني العباس بن عيسى العقيلي قال حدثنا هارون بن موسى الغزوي قال
حدثني موسى بن كثير مولى الساعديين قال كان أول أمر أبى حمزة وهو المختار بن
عوف الأزدي السليمي من البصرة قال موسى كان أول أمر أبى حمزة أنه كان
يوافي كل سنة مكة يدعو الناس إلى خلاف مروان بن محمد والى خلاف آل مروان
قال فلم يزل يختلف في كل سنة حتى وافى عبد الله بن يحيى في آخر سنة 128 فقال
له يا رجل أسمع كلاما حسنا أراك تدعو إلى حق فانطلق معي فانى رجل مطاع
في قومي فخرج حتى ورد حضرموت فبايعه أبو حمزة على الخلافة ودعا إلى خلاف
مروان وآل مروان * وقد حدثني محمد بن حسن أن أبا حمزة مر بمعدن بنى سليم
وكثير بن عبد الله عامل على المعدن فسمع بعض كلامه فأمر به فجلد سبعين سوطا
ثم مضى إلى مكة فلما قدم أبو حمزة المدينة حين افتتحها تغيب كثير حتى كان
من أمرهم ما كان
ثم دخلت سنة تسع وعشرين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك ما كان من هلاك شيبان بن عبد العزيز اليشكري أبى الدلفاء
ذكر الخبر عن سبب مهلكه
وكان سبب ذلك أن الخوارج الذين كانوا بإزاء مروان بن محمد يحاربونه
لما قتل الضحاك بن قيس الشيباني رئيس الخوارج والخيبري بعده ولوا عليهم
شيبان وبايعوه فقاتلهم مروان فذكر هشام بن محمد والهيثم بن عدي أن الخيبري
لما قتل قال سليمان بن هشام بن عبد الملك للخوارج وكان معهم في عسكرهم إن
الذي تفعلون ليس برأي وإن أخذتم برأيي وإلا انصرفت عنكم قالوا فما الرأي
قال إن أحدكم يظفر ثم يستقل فيقتل فإني أرى أن ننصرف على حاميتنا حتى
18

ننزل الموصل فنخندق ففعل وأتبعه مروان والخوارج في شرقي دجلة ومروان
بإزائهم فاقتتلوا تسعة أشهر ويزيد بن عمر بن هبيرة بقرقيسيا في جند كثيف من
أهل الشأم وأهل الجزيرة فأمره مروان أن يسير إلى الكوفة وعليها يومئذ المثنى
ابن عمران من عائذة قريش من الخوارج * وحدثني أحمد بن زهير قال حدثنا
عبد الوهاب بن إبراهيم قال حدثني أبو هاشم مخلد بن محمد قال كان مروان بن
محمد يقاتل الخوارج بالصف فلما قتل الخيبري وبويع شيبان قاتلهم مروان بعد
ذلك بالكراديس وأبطل الصف منذ يومئذ وجعل الآخرون يكردسون
بكراديس مروان كراديس تكافئهم وتقاتلهم وتفرق كثير من أصحاب الطمع
عنهم وخذلوهم وحصلوا في نحو من أربعين ألفا فأشار عليهم سليمان بن هشام أن
ينصرفوا إلى مدينة الموصل فيصيروها ظهرا وملجأ وميرة لهم فقبلوا رأيه وارتحلوا
ليلا وأصبح مروان فأتبعهم ليس يرحلون عن منزل إلا نزله حتى انتهوا إلى مدينة
الموصل فعسكروا على شاطئ دجلة وخندقوا على أنفسهم وعقدوا جسورا على
دجلة من عسكرهم إلى المدينة فكانت ميرتهم ومرافقهم منها وخندق مروان بإزائهم
فأقام ستة أشهر يقاتلهم بكرة وعشية قال وأتى مروان بابن أخ لسليمان بن هشام
يقال له أمية بن معاوية بن هشام وكان مع عمه سليمان بن هشام في عسكر شيبان
بالموصل فهو مبارز رجلا من فرسان مروان فأسره الرجل فأتى به أسيرا فقال
له أنشدك الله والرحم يا عم فقال ما بيني وبينك اليوم من رحم فأمر به وعمه سليمان
وإخوته ينظرون فقطعت يداه وضربت عنقه قال وكتب مروان إلى يزيد بن
عمر بن هبيرة يأمره بالمسير من قرقيسيا بجميع من معه إلى عبيدة بن سوار خليفة
الضحاك بالعراق فلقى خيوله بعين التمر فقاتلهم فهزمهم وعليهم يومئذ المثنى بن
عمران من عائذة قريش والحسن بن يزيد ثم تجمعوا له بالكوفة بالنخيلة فهزمهم ثم
اجتمعوا بالصراة ومعهم عبيدة فقاتلهم فقتل عبيدة وهزم أصحابه واستباح ابن
هبيرة عسكرهم فلم يكن لهم بقية بالعراق واستولى ابن هبيرة عليها وكتب إليه
مروان بن محمد بن الخنادق يأمره أن يمده بعامر بن ضبارة المري فوجهه في نحو
19

من ستة آلاف أو ثمانية وبلغ شيبان خبرهم ومن معه من الحرورية فوجهوا إليه
قائدين في أربعة آلاف يقال لهما ابن غوث والجون فلقوا ابن ضبارة بالسن دون
الموصل فقاتلوه قتالا سديدا فهزمهم ابن ضبارة فلما قدم فلهم أشار عليهم سليمان
بالارتحال عن الموصل وأعلمهم أنه لا مقام لهم إذ جاءهم ابن ضبارة من خلفهم
وركبهم مروان من بين أيديهم فارتحلوا فأخذوا على حلوان إلى الأهواز وفارس
ووجه مروان إلى ابن ضبارة ثلاثة نفر من قواده في ثلاثين ألفا من روابطه
أحدهم مصعب بن الصحصح الأسدي وشقيق وعطيف وشقيق الذي يقول
فيه الخوارج
قد علمت أختاك يا شقيق * أنك من سكرك ما تفيق
وكتب إليه يأمره أن يتعبهم ولا يقلع عنهم حتى يبيرهم ويستأصلهم فلم يزل
يتبعهم حتى وردوا فارس وخرجوا منها وهو في ذلك يستسقط من لحق من
أخرياتهم فتفرقوا وأخذ شيبان في فرقته إلى ناحية البحرين فقتل بها وركب
سليمان فيمن معه من مواليه وأهل بيته السفن إلى السند وانصرف مروان إلى
منزله من حران فأقام بها حتى شخص إلى الزاب (وأما أبو مخنف) فإنه قال فيما
ذكر هشام بن محمد عنه قال أمر مروان يزيد بن عمر بن هبيرة وكان في جنود
كثيرة من الشأم وأهل الجزيرة بقرقيسيا أن يسير إلى الكوفة وعلى الكوفة يومئذ
رجل من الخوارج يقال له المثنى بن عمران العائذي عائذة قريش فسار إليه ابن
هببرة على الفرات حتى انتهى إلى عين التمر ثم سار فلقى المثنى بالروحاء فوافى
الكوفة في شهر رمضان من سنة 129 فهزم الخوارج ودخل ابن هبيرة الكوفة
ثم سار إلى الصراة وبعث شيبان عبيدة بن سوار في خيل كثيرة فعسكر في شرقي
الصراة وابن هبيرة في غربيها فالتقوا فقتل عبيدة وعدة من أصحابه وكان منصور
ابن جمهور معهم في دور الصراة فمضى حتى غلب على الماهين وعلى الجبل أجمع
وسار ابن هبيرة إلى واسط فأخذ ابن عمر فحبسه ووجه نباتة بن حنظلة إلى سليمان
ابن حبيب وهو على كور الأهواز وبعث إليه سليمان داود بن حاتم فالتقوا بالمريان
20

على شاطئ دجيل فانهزم الناس وقتل داود بن حاتم وفى ذلك يقول خلف بن خليفة
نفسي الفدا لداود والحمى * إذ أسلم الجيش أبا حاتم
مهلبى مشرق وجهه * ليس على المعروف بالنادم
سألت من يعلم لي علمه * حقا وما الجل‍.......
قالوا عهدناه على مرقب * يحمل كالضرغامة الصارم
ثم انثنى منجدلا في دم * يسفح فوق البدن الناعم
وأقبل القبط على رأسه * واختصموا في السيف والخاتم
وسار سليمان حتى لحق بابن معاوية الجعفري بفارس وأقام ابن هبيرة شهرا
ثم وجه عامر بن ضبارة في أهل الشأم إلى الموصل فسار حتى انتهى إلى السن
فلقيه بها الجون بن كلاب الخارجي فهزم عامر بن ضبارة حتى أدخله السن
فتحصن فيها وجعل مروان يمده بالجنود يأخذون طريق البر حتى انتهوا إلى
دجلة فقطعوها إلى ابن ضبارة حتى كثروا وكان منصور بن جمهور يمد شيبان
بالأموال من كور الجبل فلما كثر من يتبع ابن ضبارة من الجنود نهض إلى
الجون بن كلاب فقتل الجون ومصى ابن ضبارة مصعدا إلى الموصل فلما انتهى
خبر الجون وقتله إلى شيبان ومسير عامر بن ضبارة نحوه كره أن يقيم بين العسكرين
فارتحل بمن معه و فرسان أهل الشأم من اليمانية وقدم عامر بن ضبارة بمن معه
على مروان بالموصل فضم إليه جنودا من جنوده كثيرة وأمره أن يسير إلى شيبان
فان أقام أقام وإن سار سار وأن لا يبدأه بقتال فان قاتله شيبان قاتله وإن
أمسك أمسك عنه وإن ارتحل اتبعه فكان على ذلك حتى مر على الجبل وخرج
على بيضاء إصطخر وبها عبد الله بن معاوية في جموع كثيرة فلم يتهيأ الامر بينه
وبين ابن معاوية فسار حتى نزل جيرفت من كرمان وأقبل عامر بن ضبارة حتى
نزل بإزاء ابن معاوية أياما ثم ناهضه القتال فانهزم ابن معاوية فلحق بهراة وسار
ابن ضبارة بمن معه فلقى شيبان بجيرفت من كرمان فاقتتلوا قتالا شديدا
وانهزمت الخوارج واستبيح عسكرهم ومضى شيبان إلى سجستان فهلك بها
21

وذلك في سنة 130 وأما أبو عبيدة فإنه قال لما قتل الخيبري قام بأمر الخوارج
شيبان بن عبد العزيز اليشكري فحارب مروان وطالت الحرب بينهما وابن هبيرة
بواسط قد قتل عبيدة بن سوار ونفى الخوارج ومعه رؤس قواد أهل الشأم
وأهل الجزيرة فوجه عامر بن ضبارة في أربعة آلاف مددا لمروان فأخذ على
المدائن وبلغ مسيرة شيبان فخاف أن يأتيهم مروان فوجه إليه الجون بن كلاب
الشيباني ليشغله فالتقيا بالسن فحصر الجون عامرا أياما قال أبو عبيدة قال أبو سعيد
فأخرجناهم والله واضطررناهم إلى قتالنا وقد كانوا خافونا وأرادوا الهرب منا
فلم ندع لهم مسلكا فقال لهم عامر أنتم ميتون لا محالة فموتوا كراما فصدمونا
صدمة لم يقم لها شئ وقتلوا رئيسنا الجون بن كلاب وانكشفنا حتى لحقنا بشيبان
وابن ضبارة في آثارنا حتى نزل منا قريبا وكنا نقاتل من وجهين نزل ابن ضبارة
من ورائنا مما يلي العراق ومروان أمامنا مما يلي الشأم فقطع عنا المادة والميرة
فغلت أسعارنا حتى بلغ الرغيف درهما ثم ذهب الرغيف فلا شئ يشترى بغال
ولا رخيص فقال حبيب بن جدرة لشيبان يا أمير المؤمنين إنك في ضيق من
المعاش فلو انتقلت إلى غير هذا الموضع ففعل ومضى إلى شهر زور من أرض
الموصل فعاب ذلك عليه أصحابه فاختلفت كلمتهم وقال بعضهم لما ولى شيبان أمر
الخوارج..... إلى الموصل فاتبعه مروان ينزل معه حيث نزل......... شيبان
حتى لحق بأرض فارس فوجه مروان في أثره عامر بن ضبارة.... - ع إلى جزيرة
ابن كاوان ومضى شيبان بمن معه حتى صار إلى عمان فقتله جلندى بن مسعود بن
جيفر بن جلندى الأزدي (وفى هذه السنة) أمر إبراهيم بن محمد بن علي بن
عبد الله بن العباس أبا مسلم وقد شخص من خراسان يريده حتى بلغ قومس بالانصراف
إلى شيعته بخراسان وأمرهم باظهار الدعوة والتسويد
ذكر الخبر عن ذلك وكيف كان الامر فيه
قال علي بن محمد عن شيوخه لم يزل أبو مسلم يختلف إلى خراسان حتى وقعت
العصبية بها فلما اضطرب الحبل كتب سليمان بن كثير إلى أبى سلمة الخلال يسأله
22

أن يكتب إلى إبراهيم يسأله أن يوجه رجلا من أهل بيته فكتب أبو سلمة إلى
إبراهيم فبعث أبا مسلم فلما كان في سنة 129 كتب إبراهيم إلى أبى مسلم يأمره بالقدوم
عليه ليسأله عن أخبار الناس فخرج في النصف من جمادى الآخرة مع سبعين نفسا
من النقباء فلما صار بالدندانقان من أرض خراسان عرض له كامل أو أبو كامل
قال أين تريدون قالوا الحج ثم خلا به أبو مسلم فدعاه فأجابهم وكف عنهم ومضى
أبو مسلم إلى بيورد فأقام بها أياما ثم سار إلى نسا وكان بها عاصم بن قيس
السلمي عاملا لنصر بن سيار الليثي فلما قرب منها أرسل الفضل بن سليمان الطوسي
إلى أسيد بن عبد الله الخزاعي ليعلمه قدومه فمضى الفضل فدخل قرية من قرى
نسا فلقى رجلا من الشيعة يعرفه فسأله عن أسيد فانتهره فقال يا عبد الله ما أنكرت
من مسألتي عن منزل رجل قال إنه كان في هذه القرية شرسعى برجلين قدما إلى
العامل وقيل إنهما داعيان فأخذهما وأخذ الا حجم بن عبد الله وغيلان بن فضالة
وغالب بن سعيد والمهاجر بن عثمان فانصرف الفضل إلى أبى مسلم وأخبره فتنكب
الطريق وأخذ في أسفل القرى وأرسل طرخان الجمال إلى أسيد فقال ادعه لي
ومن قدرت عليه من الشيعة وإياك ان تكلم أحدا لم تعرفه فأتى طرخان أسيدا
فدعاه واعلمه بمكان أبى مسلم فأتاه فسأله عن الاخبار قال نعم قدم الأزهر بن شعيب
وعبد الملك بن سعد بكتب من الامام إليك فخلفا الكتب عندي وخرجا فأخذا
فلا أدرى من سعى بهما فبعث بهما العامل إلى عاصم بن قيس فضرب المهاجرين
عثمان وناسا من الشيعة قال فأين الكتب قال عندي قال فأتني بها قال ثم سار
حتى أتى قومس وعليها بيهس بن بديل العجلي فأتاهم بيهس فقال أين تريدون
قالوا الحج قال أفمعكم فضل برذون تبيعونه قال أبو مسلم أما بيعا فلا ولكن خذ
أي دوابنا شئت قال اعرضوها على فعرضوها فأعجبه برذون منها سمند فقال
أبو مسلم هو لك قال لا أقبله إلا بثمن قال احتكم قال سبعمائة قال هو لك فأتاه وهو
بقومس كتاب من الامام إليه وكتاب إلى سليمان بن كثير وكان في كتاب أبى مسلم إني
قد بعثت إليك براية النصر فارجع من حيث ألفاك كتابي ووجه إلى قحطبة بما معك
23

يوافني به في الموسم فانصرف أبو مسلم إلى خراسان ووجه قحطبة إلى الامام فلما
كانوا بن سالم عرض لهم صاحب مسلحه في قرية من قرى نسا فقال لهم من أنتم
قالوا أردنا الحج فبلغنا عن الطريق شئ خفناه فأوصلهم إلى عاصم بن قيس
السلمي فسألهم فأخبروه فقال..... للمفضل بن الشرقي السلمي وكان
على شرطته أزعجهم فخلا به أبو مسلم وعرض عليه أمرهم فأجابه وقال ارتحلوا
على مهل ولا تعجلوا وأقام عندهم حتى ارتحلوا فقدم أبو مسلم مرو في أول
يوم من شهر رمضان سنة 129 ودفع كتاب الامام إلى سليمان بن كثير
وكان فيه أن أظهر دعوتك ولا تربص فقد آن ذلك فنصبوا أبا مسلم وقالوا رجل
من أهل البيت ودعوا إلى طاعة بنى العباس وأرسلوا إلى من قرب منهم أو بعد ممن أجابهم فأمروه بإظهار أمرهم والدعاء إليهم ونزل أبو مسلم قرية من قرى
خزاعة يقال لها سفيذنج وشيبان والكرماني يقاتلان نصر بن سيار فبث أبو مسلم
دعاته في الناس وظهر أمره وقال الناس قدم رجل من بني هاشم فأتوه من كل
وجه فظهر يوم الفطر في قرية خالد بن إبراهيم فصلى بالناس يوم الفطر القاسم
ابن مجاشع المرائي ثم ارتحل فنزل بالين ويقال قرية اللين لخزاعة فوافاه في يوم
واحد أهل ستين قرية فأقام اثنين وأربعين يوما فكان أول فتح أبى مسلم من قبل
موسى بن كعب في بيورد وتشاغل لقتل عاصم بن قيس ثم جاء فتح من قبل
مروروذ (قال أبو جعفر) وأما أبو الخطاب فإنه قال كان مقدم أبى مسلم أرض
مرو منصرفا من قومس وقد أنفذ من قومس فحطبة بن شبيب بالأموال التي
كانت معه والعروض إلى الامام إبراهيم بن محمد، وانصرف إلى مرو فقدمها في
شعبان سنة 129 لتسع خلون منه يوم الثلاثاء فنزل قرية تدعى فنين على أبى الحكم
عيسى بن أعين النقيب وهى قرية أبى داود النقيب فوجه منها أبا داود ومعه عمرو
ابن أعين إلى طخارستان فما دون بلخ بإظهار الدعوة في شهر رمضان من عامهم
ووجه النضر بن صبيح التميمي ومعه شريك بن غضى التميمي إلى مرو الروذ بإظهار
الدعوة في شهر رمضان ووجه أبا عاصم عبد الرحمن بن سليم إلى الطالقان ووجه
24

أبا الجهم بن عطية إلى العلاء بن حريث بخوارزم بإظهار الدعوة في شهر رمضان
لخمس بقين من الشهر فإن أعجلهم عدوهم دون الوقت فعرض لهم بالأذى والمكروه
فقد حل لهم أن يدفعوا عن أنفسهم وان يظهروا السيوف ويجردوها من أغمادها
ويجاهدوا أعداء الله ومن شغلهم عدوهم عن الوقت فلا حرج عليهم أن يظهروا
بعد الوقت ثم تحول أبو مسلم عن منزل أبى الحكم عيسى بن أعين فنزل على سليمان
ابن كثير الخزاعي في قريته التي تدعى سفيذنج من ربع خرقان لليلتين خلتا من
شهر رمضان من سنة 129 فلما كانت ليلة الخميس لخمس بقين من شهر
رمضان سنة 129 عقدوا اللواء الذي بعث به الامام إليه الذي يدعى الظل
على رمح طوله أربعة عشر ذراعا وعقد الراية الذي بعث بها الامام التي تدعى
السحاب على رمح طوله ثلاثة عشر ذراعا وهو يتلو أذن للذين يقاتلون بأنهم
ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير ولبسوا السواد هو وسليمان بن كثير وإخوة
سليمان ومواليه ومن كان أجاب الدعوة من أهل سفيذنج منهم غيلان بن عبد الله
الخزاعي وكان صهر سليمان على أخته أم عمرو بنت كثير ومنهم حميد بن رزين
وأخوه عثمان بن رزين فأوقد النيران ليلته أجمع للشيعة من سكان ربع خرقان
وكانت العلامة بين الشيعة فتجمعوا له حين أصبحوا مغذين وتأول هذين الاسمين
الظل والسحاب أن السحان يطبق الأرض وكذلك دعوة بنى العباس وتأويل
الظل أن الأرض لا تخلو من الظل أبدا وكذلك لا تخلو من خليفة عباسي أبد الدهر
وقدم على أبى مسلم الدعاة من أهل مرو بمن أجاب الدعوة وكان أول من قدم
عليه أهل السقادم مع أبي الوضاح الهرمزفرى عيسى بن شبيل في تسعمائة رجل
وأربعة فرسان ومن أهل هرمز فره سليمان بن حسان وأخوه يزدان بن حسان
والهيثم بن يزيد بن كيسان وبويع مولى نصر بن معاوية وأبو خالد الحسن وجردي
ومحمد بن علوان وقدم أهل السقادم مع أبي القاسم محرز بن إبراهيم الجوباني في
ألف وثلثمائة راجل وستة عشر فارسا ومنهم من الدعاة أبو العباس المروزي
وخذام بن عمار وحمزة بن زنيم فجعل أهل السقادم يكبرون من ناحيتهم وأهل
السقادم مع محرز بن إبراهيم يجيبونهم بالتكبير فلم يزالوا كذلك حتى دخلوا
25

عسكر أبى مسلم بسفيذنج وذلك يوم السبت من بعد ظهور أبى مسلم بيومين
وأمر أبو مسلم أن يرم حصن سفيذنج ويحصن ويدرب فلما حضر العيد يوم
الفطر بسفيذنج أمر أبو مسلم سليمان بن كثير أن يصلى به وبالشيعة ونصب له
منبرا في العسكر وأمره أن يبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة وكانت
بنو أمية تبدأ بالخطبة والاذان ثم الصلاة بالإقامة على صلاة يوم الجمعة فيخطبون
على المنار جلوسا في الجمعة والأعياد وأمر أبو مسلم سليمان بن كثير أن يكبر ست
تكبيرات تباعا ثم يقرأ ويركع بالسابعة ويكبر في الركعة الثانية خمس تكبيرات
تباعا ثم يقرأ ويركع بالسادسة ويفتتح الخطبة بالتكبير ويختمها بالقرآن وكانت
بنو أمية تكبر في الركعة الأولى أربع تكبيرات يوم العيد وفى الثانية ثلاث
تكبيرات فلما قضى سليمان بن كثير الصلاة والخطبة انصرف أبو مسلم والشيعة
إلى طعام قد أعده لهم أبو مسلم الخراساني فطعموا مستبشرين وكان أبو مسلم وهو
في الخندق إذا كتب إلى نصر بن سيار يكتب للأمير نصر فلما قوى أبو مسلم بمن
اجتمع إليه في خندقه من الشيعة بدأ بنفسه فكتب إلى نصر أما بعد فان الله تبارك
أسماؤه وتعالى ذكره عير أقواما في القرآن فقال (وأقسموا بالله جهد
أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم
نذير ما زادهم إلا نفورا استكبارا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق
المكر السيئ إلا بأهله فهل ينظرون إلى سنة الأولين فلن تجد لسنة
الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا) فتعاظم نصر الكتاب وانه
بدأ بنفسه وكسر له إحدى عينيه وقال هذا كتاب له جواب فلما استقر بأبي
مسلم معسكره بالماخوان أمر محرز بن إبراهيم أن يخندق خندقا بجيرنج ويجتمع
إليه أصحابه ومن نزع إليه من الشيعة فيقطع مادة نصر بن سيار من مروروذ
وبلخ وكور طخارستان ففعل ذلك محرز بن إبراهيم واجتمع في خندقه نحو
من ألف رجل فأمر أبو مسلم أبا صالح كامل بن مظفر أن يوجه رجلا إلى
خندق محرز بن إبراهيم لعرض من فيه وإحصائهم في دفتر بأسمائهم وأسماء آبائهم
26

وقراهم فوجه أبو صالح حميدا الأزرق لذلك وكان كاتبا فأحصى في خندق محرز
ثمانمائة رجل وأربعة رجال من أهل الكف وكان فيهم من القواد المعروفين
زياد بن سيار الأزدي من قرية تدعى اسبوادق من ربع خرقان وخذام بن عمار
الكندي من ربع السقادم ومن قرية تدعى بالاوايق وحنيفة بن قيس من ربع
السقادم ومن قرية تدعى الشنج وعبدويه الجردامذ بن عبد الكريم من أهل
هراة وكان يجلب الغنم إلى مرو وحمزة بن زنيم الباهلي من ربع خرقان من قرية
تدعى هتلا دجور وأبو هاشم خليفة بن مهران من ربع السقادم من قرية تدعى
جوبان وأبر خديجة جيلان بن السغدي وأبو نعيم موسى بن صبيح فلم يزل محرز
ابن إبراهيم مقيما في خندقه حتى دخل أبو مسلم حائط مرر وعطل الخندق
بماخوان والى أن عسكر بما سرجس يريد نيسابور فضم إليه محرز بن إبراهيم
أصحابه وكان من الاحداث وأبو مسلم بسفيذنج أن نصر بن سيار وجه مولى له
يقال له يزيد في خيل عظيمة لمحاربة أبى مسلم بعد ثمانية عشر شهرا من ظهوره
فوجه إليه أبو مسلم مالك بن الهيثم الخزاعي ومعه مصعب بن قيس فالتقوا بقرية
تدعى آلين فدعاهم مالك إلى الرضا من آل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستكبروا
عن ذلك فصافهم مالك وهو في نحو من مائتين من أول النهار إلى وقت العصر
وقدم على أبى مسلم صالح بن سليمان الضبي وإبراهيم بن يزيد وزياد بن عيسى
فوجههم إلى مالك بن الهيثم فقدموا عليه مع العصر فقوى بهم أبو نصر فقال
يزيد مولى نصر بن سيار لأصحابه إن تركنا هؤلاء الليلة أتتهم الامداد فاحملوا على
القوم ففعلوا وترجل أبو نصر وحض أصحابه وقال إني لأرجو أن يقطع الله من
الكافرين طرفا فاجتلدوا جلادا صادقا وصبر الفريقان فقتل من شيعة بنى مروان
أربعة وثلاثون رجلا وأسر منهم ثمانية نفر وحمل عبد الله الطائي على يزيد
مولى نصر عميد القوم فأسره وانهزم أصحابه فوجه أبو نصر عبد الله الطائي بأسيره
في رجال من الشيعة ومعهم من الاسرى والرؤوس وأقام أبو نصر في معسكره
بسفيذنج وفى الوفد أبو حماد المروزي وأبو عمرو الأعجمي فأمر أبو مسلم
27

بالرؤوس فنصبت على باب الحائط الذي في معسكره ودفع يزيد الأسلمي إلى
أبي إسحاق خالد بن عثمان وأمره أن يعالج يزيد مولى نصر من جراحات كانت
به ويحسن تعاهده وكتب إلى أبى نصر بالقدوم عليه فلما اندمل يزيد مولى نصر
من جراحاته دعاه أبو مسلم فقال إن شئت أن تقيم معنا وتدخل في دعوتنا فقد
أرشدك الله وإن كرهت فارجع إلى مولاك سالما وأعطنا عهد الله أن لا تحاربنا
ولا تكذب علينا وأن تقول فينا ما رأيت فاختار الرجوع إلى مولاه فخلى له
الطريق وقال أبو مسلم إن هذا سيرد عنكم أهل الورع والصلاح فانا ما عندهم
على الاسلام وقدم يزيد على نصر بن سيار فقال لا مرحبا بك والله ما ظننت
استبقاك القوم إلا ليتخذوك حجة علينا فقال يزيد فهو والله ما ظننت وقد
استحلفوني ألا أكذب عليهم وأنا أقول إنهم يصلون الصلوات لمواقيتها
بأذان وإقامة ويتلون الكتاب ويذكرون الله كثيرا ويدعون إلى ولاية
رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أحسب أمرهم إلا سيعلو ولولا أنك مولاي
أعتقتني من الرق ما رجعت إليك ولا قمت معهم فهذه أول حرب كانت بين
الشيعة وشيعة بنى مروان (وفى هذه السنة) غلب حازم بن خزيمة على
مروروذ وقتل عامل نصر بن سيار الذي كان عليها وكتب بالفتح إلى أبى مسلم
مع خزيمة بن خازم
ذكر الخبر عن ذلك
ذكر علي بن محمد أن أبا الحسن الحسمي وزهير بن هنيد والحسن بن رشيد
أخبروه أن خازم بن خزيمة لما أراد الخروج بمروروذ أراد ناس من تميم
أن يمنعوه فقال إنما أنا رجل منكم أريد مرو لعلى أن أغلب عليها فإن ظفرت
فهي لكم وإن قتلت فقد كفيتكم أمرى فكفوا عنه فخرج فعسكر في قرية يقال
لها كنج رستاه وقدم عليهم من قبل أبى مسلم النضر بن صبيح وبسام بن
إبراهيم فلما أمسى خازم بيت أهل مروروذ فقتل بشر بن جعفر السعدي وكان
عاملا لنصر بن سيار على مروروذ في أول ذي القعدة وبعث بالفتح إلى أبى مسلم
28

مع خزيمة بن خازم وعبد الله بن سعيد وشبيب بن واج (قال أبو جعفر)
وقال غير الذين ذكرنا قولهم في أمر أبى مسلم وإظهاره الدعوة ومصيره إلى
خراسان وشخوصه عنها وعوده إليها بعد الشخوص قولا خلاف قولهم والذي
قال في ذلك إن إبراهيم الامام زوج أبا مسلم لما توجه إلى خراسان ابنة
أبى النجم وساق عنه صداقها وكتب بذلك إلى النقباء وأمرهم بالسمع والطاعة
لأبي مسلم وكان أبو مسلم فيما زعم من أهل خطرنية من سواد الكوفة وكان
قهرمانا لإدريس بن معقل العجلي فآل أمره ومنتهى ولائه لمحمد بن علي ثم
لإبراهيم بن محمد ثم للأئمة من أولاد محمد بن علي فقدم خراسان وهو حديث
السن فلم يقبله سليمان بن كثير وتخوف أن لا يقوى على أمرهم وخاف على
نفسه وأصحابه فردوه وأبو داود خالد بن إبراهيم غائب خلف نهر بلخ فلما
انصرف أبو داود وقدم مرو أقرأه كتاب الامام إبراهيم فسأل عن الرجل الذي
وجهه فأخبروه أن سليمان بن كثير رده فأرسل إلى جميع النقباء فاجتمعوا في منزل
عمران بن إسماعيل فقال لهم أبو داود أتاكم كتاب الامام فيمن وجهه إليكم وأنا غائب
فرددتموه فما حجتكم في رده فقال سليمان بن كثير لحداثة سنه وتخوفا أن لا يقدر على
القيام بهذا الامر فأشفقنا على من دعونا إليه وعلى أنفسنا وعلى المجيبين لنا فقال
هل فيكم أحد ينكر أن الله تبارك وتعالى اختار محمدا صلى الله عليه وآله
وانتخبه واصطفاه وبعثه برسالته إلى جميع خلقه فهل فيكم أحد ينكر ذلك قالوا لا
قال أفتشكون أن الله تعالى نزل عليه كتابه فأتاه جبريل عليه السلام الروح الأمين
أحل فيه حلاله وحرم فيه حرامه وشرع فيه شرائعه وسن فيه سننه وأنبأه فيه
بما كان قبله وما هو كائن بعده إلى يوم القيامة قالوا لا قال أفتشكون أن الله عز وجل
قبضه إليه بعد ما أدى ما عليه من رسالة ربه قالوا لا قال أفتظنون أن ذلك العلم
الذي أنزل عليه رفع معه أو خلفه قالوا بل خلفه قال أفتظنونه خلفه عند غير عترته
وأهل بيته الأقرب فالأقرب قالوا لا قال فهل أحد منكم إذا رأى من هذا الامر
إقبالا ورأى الناس له محبين بدا له أن يصرف ذلك إلى نفسه قالوا اللهم لا وكيف
29

يكون ذلك قال لست أقول لكم فعلتم ولكن الشيطان ربما نزغ النزغة فيما يكون
وفيما لا يكون قال فهم فيكم أحد بدا له أن يصرف هذا الامر عن أهل البيت
إلى غيرهم من عترة النبي صلى الله عليه وسلم قالوا لا قال أفتشكون أنهم معدن
العلم وأصحاب ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا لا قال فأراكم شككتم
في أمرهم ورددتم علمهم ولو لم يعلموا أن هذا الرجل الذي ينبغي له أن يقوم بأمرهم لم
بعثوه إليكم وهو لا يتهم في موالاتهم ونصرتهم والقيام بحقهم فبعثوا إلى أبى مسلم فردوه
من قومس بقول أبى داود وولوه أمرهم وسمعوا له وأطاعوا ولم تزل في نفس أبى
مسلم على سليمان بن كثير ولم يزل يعرفها لأبي داود وسمعت الشيعة من النقباء
وغيرهم لأبي مسلم وأطاعوه وتنازعوا وقبلوا ما جاء به وبث الدعاة في أقطار
خراسان فدخل الناس أفواجا وكثروا وفشت الدعاة بخراسان كلها وكتب إليه
إبراهيم الامام يأمره أن يوافيه بالموسم في هذه السنة وهى سنة 129 ليأمره بأمره
في إظهار دعوته وأن يقدم معه بقحطبة بن شبيب ويحمل إليه ما اجتمع عنده من
الأموال وقد كان اجتمع عنده ثلثمائة ألف وستون ألف درهم فاشترى بعامتها
عروضا من متاع التجار من القوهي والمروى والحرير والفرند وصير بقيته
سبائك ذهب وفضة وصيرها في الأقبية المحشوة واشترى البغال وخرج في النصف
من جمادى الآخرة ومعه من النقباء قحطبة بن شبيب والقاسم بن مجاشع وطلحة
ابن رزيق ومن الشيعة واحد وأربعون رجلا وتحمل من قرى خزاعة وحمل
أثقاله على واحد وعشرين بغلا وحمل على كل بغل رجلا من الشيعة بسلاحه
وأخذ المفازة وعدا عن مسلحة نصر بن سيار حتى انتهوا إلى بيورد فكتب
أبو مسلم إلى عثمان بن نهيك وأصحابه يأمرهم بالقدوم عليه وبينه وبينهم خمسة
فراسخ فقدم عليه منهم خمسون رجلا ثم ارتحلوا من أبيورد حتى انتهوا إلى قرية
يقال لها فاقس من قرى نسا فبعث الفضل بن سليمان إلى اندومان قرية أسيد فلقى بها
رجلا من الشيعة فسأله عن أسيد فقال له الرجل وما سؤالك عنه فقد كان اليوم
شر طويل من العامل أخذ فأخذ معه الا حجم بن عبد الله وغيلان بن فضالة
30

وغالب بن سعيد والمهاجر بن عثمان فحملوا إلى العامل عاصم بن قيس بن الحروري
فحبسهم وارتحل أبو مسلم وأصحابه حتى انتهوا إلى اندومان فأتاه أبو مالك والشيعة
من أهل نسا أخبره أبو مالك أن الكتاب الذي كان مع رسول الامام عنده فأمره
أن يأتيه به فأتاه بالكتاب وبلواء وراية فإذا في الكتاب إليه يأمره بالانصراف
حيثما يلقاه كتابه وأن يظهر الدعوة فعقد اللواء الذي أتاه من الامام على رمح
وعقد الراية واجتمع إليه شيعة أهل نسا والدعاة والرؤس ومعه أهل أبيورد
الذين قدموا معه وبلغ ذلك عاصم بن قيس الحروري فبعث إلى أبى مسلم يسأله
عن حاله فأخبره أنه من الحاج الذين يريدون بيت الله ومعه عدة من أصحابه من
التجار وسأله أن يخلى سبيل من احتبس من أصحابه حتى يخرج من بلاده فسألوا
أبا مسلم أن يكتب لهم شرطا على نفسه أن يصرف ما معه من العبيد وما معه من
الدواب والسلاح على أن يخلوا سبيل أصحابه الذين قدموا من بلاد الامام وغيرهم
فأجابهم أبو مسلم إلى ذلك وخلى سبيل أصحابه فأمر أبو مسلم الشيعة من أصحابه أن
ينصرفوا وقرأ عليهم كتاب الامام وأمرهم باظهار الدعوة فانصرف منهم طائفة
وسار معه أبو مالك أسيد بن عبد الله الخزاعي وزريق بن شوذب ومن قدم عليه
من أبيورد وأمر من انصرف بالاستعداد ثم سار فيمن في من أصحابه صحبة قحطبة
ابن شبيب حتى نزلوا تخوم جرجان وبعث إلى خالد بن برمك وأبى عون يأمرهما
بالقدوم عليه بما قبلهما من مال الشيعة فقدما عليه فأقام أياما حتى اجتمعت
القوافل وجهز قحطبة بن شبيب ودفع إليه المال الذي كان معه والاحمال بما فيها
ثم وجهه إلى إبراهيم بن محمد وسار أبو مسلم بمن معه حتى انتهى إلى نسا ثم ارتحل
منها إلى أبيورد حتى قدمها ثم سار حتى أتى مرو متنكرا فنزل قرية تدع فنين من
قرى خزاعة لسبع ليال بقين من شهر رمضان وقد كان واعد أصحابه أن يوافوه
بمرو يوم الفطر ووجه أبا داود وعمرو بن أعين إلى طخارستان والنضر بن صبيح
إلى آمل وبخاري ومعه شريك بن عيسى وموسى بن كعب إلى أبيورد ونسا وخازم
ابن خزيمة إلى مرو رود وقدموا عليه فصلى بهم القاسم بن مجاشع التميمي يوم العيد
31

في مصلى آل قنبر في قرية أبى داود خالد بن إبراهيم (وفى هذه السنة) تحالفت
وتعاقدت عامة من كان بخراسان من قبائل العرب على قتال أبى مسلم وذلك حين
كثر ابتاع أبى مسلم وقوى أمره (وفيها) تحول أبو مسلم من معسكره باسفيذنج
إلى الماخوان
ذكر الخبر عن ذلك والسبب فيه
قال على أخبرنا الصباح مولى جبريل عن مسلمة بن يحيى قال لما ظهر أبو مسلم تسارع
إليه الناس وجعل أهل مرو يأتونه لا يعرض لهم نصر ولا يمنعهم وكان
الكرماني وشيبان لا يكرهان أمر أبى مسلم لأنه دعا إلى خلع مروان بن محمد
وأبو مسلم في قرية يقال لها بالين في خباء ليس له حرس ولا حجاب وعظم أمره
عند الناس وقالوا ظهر رجل من بني هاشم له حلم ووقار وسكينة فانطلق فتية من
أهل مرو نساك كانوا يطلبون الفقه فأتوا أبا مسلم في معسكره فسألوه عن نسبه
فقال خبري خير لكم من نسبي وسألوه عن أشياء من الفقه فقال أمركم بالمعروف
ونهيكم عن المنكر خير لكم من هذا ونحن في شغل ونحن إلى عونكم أحوج منا إلى
مسئلتكم فاعفونا قالوا والله ما نعرف لك نسبا ولا نظنك تبقى إلا قليلا حتى تقتل
وما بينك وبين ذلك إلا أن يتفرغ أحد هذين قال أبو مسلم بل أنا أقتلهما إن
شاء الله فرجع الفتية فأتوا نصر بن سيار فحدثوه فقال جزاكم الله خيرا مثلكم تفقد
هذا وعرفه وأتوا شيبان فأعلموه فأرسل إنا قد أشجى بعضنا بعضا فأرسل إليه نصر
إن شئت فكف عنى حتى أقاتله وإن شئت فجامعني على حربه حتى أقتله أو أنفيه
ثم نعود إلى أمرنا الذي نحن عليه فهم شيبان إن يفعل فظهر ذلك في العسكر فأتت
عيون أبى مسلم فأخبروه فقال سليمان ما هذا الامر الذي بلغهم تكلمت عند أحد
بشئ فأخبره خبر الفتية الذين أتوه فقال هذا لذاك إذا فكتبوا إلى علي بن الكرماني
إنك موتور قتل أبوك ونحن نعلم أنك لست على رأى شيبان وإنما تقاتل لثأرك
فامنع شيبان من صلح نصر فدخل على شيبان فكلمه فثناه عن رأيه فأرسل نصر
إلى شيبان إنك لمغرور وأيم الله ليتفاقمن هذا الامر حتى تستصغرني في جنبه فبينا
32

هم في أمرهم إذ بعث أبو مسلم النضر بن نعيم الضبي إلى هراة وعليها عيسى بن عقيل
الليثي فطرده عن هراة فقدم عيسى على نصر منهزما وغلب النضر على هراة قال فقال
يحيى بن نعيم بن هبيرة اختاروا إما أن تهلكوا أنتم قبل مضر أو مضر قبلكم قالوا
وكيف ذاك قال إن هذا الرجل إنما ظهر أمره منذ شهر وقد صار في عسكره مثل
عسكركم قالوا فما الرأي قال صالحوا نصرا فإنكم إن صالحتموه قاتلوا نصرا وتركوكم
لان الامر في مضر وإن لم تصالحوا نصرا صالحوه وقاتلوكم ثم عادوا عليكم قالوا
فما الرأي قال قدموهم قبلكم ولو ساعة فتقرأ عينكم بقتلهم فأرسل شيبان إلى نصر
يدعوه إلى الموادعة فأجابه فأرسل إلى سلم بن أحوز فكتب بينهم كتابا فأتى شيبان
وعن يمينه ابن الكرماني وعن يساره يحيى بن نعيم فقال سلم لابن الكرماني يا أعور
ما أخلقك أن تكون الأعور الذي بلغنا أن يكون هلاك مضر على يديه
ثم توا دعوا سنة وكتبوا بينهم كتابا فبلغ أبا مسلم فأرسل إلى شيبان إنا نوادعك
أشهرا فتوادعنا ثلاثة أشهر فقال ابن الكرماني فإني ما صالحت نصرا وإنما صالحه
شيبان وأنا لذلك كاره وأنا موتور ولا أدع قتاله فعاود القتال وأبى شيبان أن يعينه
وقال لا يحل الغدر فأرسل ابن الكرماني إلى أبى مسلم يستنصره على نصر بن سيار
فأقبل أبو مسلم حتى أتى الماخوان وأرسل إلى ابن الكرماني شبل بن طهمان إني
معك على نصر فقال ابن الكرماني إني أحب أن يلقاني أبو مسلم فأبلغه ذلك شبل
فأقام أبو مسلم أربعة عشر يوما ثم سار إلى ابن الكرماني وخلف عسكره
بالماخوان فتلقاه عثمان بن الكرماني في خيل وسار معه حتى دخل العسكر وأتى
لحجرة على فوقف فأنزله فدخل فسلم على على بالامرة وقد اتخذ له على قصرا في
قصره لمخلد بن الحسن الأزدي فأقام يومين ثم انصرف إلى عسكره بالماخوان
وذلك لخمس خلون من المحرم من سنة 130 وأما أبو الخطاب فإنه قال لما كثرت
الشيعة في عسكر أبى مسلم ضاقت به سفيذنج فارتاد معسكرا فسيحا فأصاب حاجته
بالماخوان وهى قرية العلاء بن حريث وأبي إسحاق خالد بن عثمان وفيها أبو الجهم
ابن عطية وإخوته وكان مقامه بسفيذنج اثنين وأربعين يوما وارتحل من سفيذنج
33

إلى الماخوان فنزل منزل أبي إسحاق خالد بن عثمان يوم الأربعاء لتسع ليال خلون
من ذي القعدة من سنة 129 فاحتفر بها خندقا وجعل للخندق بابين فعسكر فيه
والشيعة ووكل بأحد بابى الخندق مصعب بن قيس الحنفي وبهدل بن إياس الضبي
ووكل بالباب الآخر أبا شراحيل وأبا عمرو الأعجمي واستعمل على الشرط أبا نصر
مالك بن الهيثم وعلى الحرس أبا إسحاق خالد بن عثمان وعلى ديوان الجند كامل
ابن مظفر أبا صالح وعلى الرسائل أسلم بن صبيح والقاسم بن مجاشع النقيب التميمي
على القضاء وضم أبا الوضاح وعدة من أهل السقادم إلى مالك بن الهيثم وجعل
أهل نوشان وهم ثلاثة وثمانون رجلا إلى أبي إسحاق في الحرس وكان القاسم بن
مجاشع يصلى بأبي مسلم الصلوات في الخندق ويقص القصص بعد العصر فيذكر
فضل بني هاشم ومعايب بنى أمية فنزل أبو مسلم خندق الماخوان وهو كرجل
من الشيعة في هيئته حتى أتاه عبد الله بن بسطام فأتاه بالأروقة والفساطيط والمطابخ
والمعالف للدواب وحياض الأدم للماء فأول عامل استعمله أبو مسلم على شئ من
العمل داود بن كراز فرد أبو مسلم العبيد على أن يضاموا في خندقه واحتفر لهم
خندقا في قرية شوال وولى الخندق داود بن كراز فلما اجتمعت العبيد جماعة وجههم
إلى موسى بن كعب بأبيورد وأمر أبو مسلم كامل بن مظفر أن يعرض أهل الخندق
بأسمائهم وأسماء آبائهم فينسبهم إلى القرى ويجعل ذلك في دفتر ففعل ذلك كامل
أبو صالح فبلغت عدتهم سبعة آلاف رجل فأعطاهم ثلاثة دراهم لكل رجل ثم
أعطاهم أربعة أربعة على يدي أبى صالح كامل ثم إن أهل القبائل من مضر وربيعة
وقحطان توادعوا على وضع الحرب وعلى أن تجتمع كلمتهم على محاربة أبى مسلم فإذا نفوه
عن مرو ونظروا في أمر أنفسهم وعلى ما يجتمعون عليه فكتبوا على أنفسهم بذلك كتابا
وثيقا وبلغ أبا مسلم الخبر فأقطعه ذلك وأعظمه فنظر أبو مسلم في أمره فإذا ماخوان سافلة
الماء فتخوف أن يقطع عنه نصر بن سيار الماء فتحول إلى آلين قرية أبى منصور طلحة
ابن رزيق النقيب وذلك بعد مقامه أربعة أشهر بخندق الماخوان فنزل آلين في
ذي الحجة من سنة 129 يوم الخميس لست خلون من ذي الحجة فخندق بآلين
34

خندقا أمام القرية فيما بينهما وبين بلاش جرد فصارت القرية من خلف الخندق
وجعل وجه دار المحتفز بن عثمان بن بشر المزني في الخندق وشرب أهل آلين من
نهر يدعى الخرقان لا يمكن نصر بن سيار قطع الشرب عن آلين وحضر العيد يوم
النحر وأمر القاسم بن مجاشع التميمي فصلى بأبي مسلم والشيعة في مصلى آلين وعسكر
نصر بن سيار على نهر عياض ووضع عاصم بن عمرو ببلاش جزد ووضع أبا الذيال
بطوسان ووضع بشر بن أنيف اليربوعي بجلفر ووضع حاتم بن الحارث ين سريج
بخرق وهو يلتمس مواقعة أبى مسلم فأما أبو الذيال فأنزل جنده على أهلها مع أبي
مسلم في الخندق فآذوا أهل طوسان وعسفوهم وذبحوا الدجاج والبقر والحمام
وكلفوهم الطعام والعلف فشكت الشيعة ذلك إلى أبى مسلم فوجهه معهم خيلا
فلقوا أبا الذيال فهزموه وأسروا من أصحابه ميمونا الأعسر الخوارزمي في نحو
من ثلاثين رجلا فكساهم أبو مسلم وداوى جراحاتهم وخلى لهم الطريق (وفى
هذه السنة) قتل جديع بن علي الكرماني وصلب
ذكر الخبر عن مقتله
قد مضى قبل ذكرنا مقتل الحارث بن سريج وأن الكرماني هو الذي قتله
ولما قتل الكرماني الحارث خلصت له مرو بقتله إياه وتنحى نصر بن سيار عنها
إلى أبر شهر وقوى أمر الكرماني فوجهه نصر إليه فيما قيل سلم بن أحوز فسار
في رابطة نصر وفرسانه حتى لقى أصحاب الكرماني فوجد يحيى بن نعيم أبا الميلاء
واقفا في ألف رجل من ربيعة ومحمد بن المثنى في سبعمائة من فرسان الأزد وابن
الحسن ابن الشيخ الأزدي في ألف من فتيانهم والحزمي السغدي في ألف رجل
من أبناء اليمن فلما تواقفوا قال سلم بن أحوز لمحمد بن المثنى يا محمد بن المثنى مر هذا
الملاح بالخروج إلينا فقال محمد لسلم يا ابن الفاعلة لأبي على تقول هذا ودلف القوم
بعضهم إلى بعض فاجتلدوا بالسيوف فانهزم سلم بن أحوز وقتل من أصحابه زيادة
على مائة وقتل من أصحاب محمد زيادة على عشرين وقدم أصحاب نصر عليه فلولا
فقال له عقيل بن معقل يا نصر شأمت العرب فاما إذ صنعت ما صنعت فجد وشمر
35

عن ساق فوجه عصمة بن عبد الله الأسدي فوقف موقف سلم بن أحوز فنادى
يا محمد لتعلمن أن السمك لا يغلب اللحم فقال له محمد يا ابن الفاعلة قف لنا إذا وأمر
محمد السغدي فخرج إليه في أهل اليمن فاقتتلوا قتالا شديدا فانهزم عصمة حتى أتى
نصر بن سيار وقد قتل من أصحابه أربعمائة ثم أرسل نصر بن سيار مالك بن عمرو
التميمي فأقبل في أصحابه ثم نادى يا ابن المثنى أبرز لي إن كنت رجلا فبرز له فضربه
التميمي على حبل العاتق فلم يصنع شيئا وضربه محمد بن المثنى بعمود فشدخ رأسه
فالتحم القتال فاقتتلوا قتالا شديدا كأعظم ما يكون من القتال فانهزم أصحاب نصر
وقد قتل منهم سبعمائة رجل وقتل من أصحاب الكرماني ثلثمائة رجل ولم يزل الشر
بينهم حتى خرجوا جميعا إلى الخندقين فاقتتلوا قتالا شديدا فلما استيقن أبو مسلم
أن كلا الفريقين قد أثخن صاحبه وأنه لا مدد لهم جعل يكتب الكتب إلى شيبان
ثم يقول للرسول اجعل طريقك على المضرية فإنهم سيعرضون لك ويأخذون
كتبك فكانوا يأخذونها فيقرأون فيها إني رأيت أهل اليمن لا وفاء لهم ولا خير
فيهم فلا تثقن بهم ولا تطمئن إليهم فانى أرجو أن يريك الله ما تحب ولئن بقيت
لا أدع لهم شعرا ولا ظفرا ويرسل رسولا آخر في طريق أخر بكتاب فيه ذكر
المضرية وأطراء اليمن بمثل ذلك حتى صار هوى الفريقين جميعا معه وجعل يكتب
إلى نصر بن سيار وإلى الكرماني أن الامام قد أوصاني بكم ولست أعدو رأيه
فيكم وكتب إلى الكور بإظهار الامر فكان أول من سود فيما ذكر أسيد بن عبد الله
بن سالم ونادى يا محمد يا منصور وسود معه مقاتل بن حكيم وابن غزوان وسود أهل
أبيورد وأهل مرو الروذوقرى مر وأقبل أبو مسلم حتى نزل بين خندق نصر
ابن سيار وخندق جديع الكرماني وهابه الفريقان وكثر أصحابه فكتب نصر بن
سيار إلى مروان بن محمد يعلمه حال أبى مسلم وخروجه وكثرة من معه ومن تبعه
وأنه يدعو إلى إبراهيم بن محمد وكتب بأبيات شعر
أرى بين الرماد وميض جمر * فأحج بأن يكون له ضرام
فإن النار بالعودين تذكى * وإن الحرب مبدؤها الكلام
36

فقلت من التعجب ليت شعري * أأيقاظ أمية أم نيام
فكتب إليه الشاهد يرى ما لا يرى الغائب فأحسم الثؤلول قبلك فقال نصر أما
صاحبكم فقد أعلمكم ألا نصر عنده فكتب إلى يزيد بن عمر بن هبيرة يستمده
وكتب إليه بأبيات شعر
أبلغ يزيد وخير القول أصدقه * وقد تبينت ألا خير في الكذب
إن خراسان أرض قد رأيت بها * بيضا لو افرخ قد حدثت بالعجب
فراخ عامين إلا أنها كبرت * لما يطرن وقد سربلن بالزغب
فإن يطرن ولم يحتل لهن بها * يلهبن نيران حرب أيما لهب
فقال يزيد لا غلبة إلا بكثرة وليس عندي رجل وكتب نصر إلى مروان يخبره
خبر أبي مسلم وظهوره وقوته وإنه يدعو إلى إبراهيم بن محمد فألفى الكتاب مروان
وقد أتاه رسول لأبي مسلم إلى إبراهيم كان قد عاد من عند إبراهيم ومعه كتاب
إبراهيم إلى أبى مسلم جواب كتابه يلعن فيه أبا مسلم ويسبه حيث لم ينتهز الفرصة
من نصر والكرماني إذ أمكناه ويأمره أن لا يدع بخراسان عربيا إلا قتله فدفع
الرسول الكتاب إلى مروان فكتب مروان إلى الوليد بن معاوية بن عبد الملك وهو
على دمشق يأمره أن يكتب إلى عامل البلقاء فيسير إلى كرار الحميمة فليأخذ إبراهيم بن
محمد ويشده وثاقا وليبعث به إليه في خيل فوجه الوليد إلى عامل البلقاء فأتى إبراهيم
وهو في مسجد القرية فأخذه وكتفه وحمله إلى الوليد فحمله إلى مروان فحبسه مروان
في السجن (رجع الحديث إلى حديث نصر والكرماني) وبعث أبو مسلم
حين عظم الامر بين الكرماني ونصر إلى الكرماني انى معك فقبل ذلك الكرماني
وانضم إليه أبو مسلم فاشتد ذلك على نصر فأرسل إلى الكرماني ويلك لا تغترر
فوالله انى لخائف عليك وعلى أصحابك منه ولكن هلم إلى الموادعة فندخل مرو
فنكتب بيننا كتابا بصلح وهو يريد أن يفرق بينه وبين أبى مسلم فدخل الكرماني
منزله وأقام أبو مسلم في المعسكر وخرج الكرماني حتى وقف في الرحبة في مائة
فارس وعليه قرطق خشكشونة ثم أرسل إلى نصرا خرج لنكتب بيننا ذلك
37

الكتاب فأبصر نصر منه غرة فوجه إليه ابن الحارث بن سريج في نحو من ثلثمائة
فارس فالتقوا في الرحبة فاقتتلوا بها طويلا ثم إن الكرماني طعن في خاصرته فخر
عن دابته وحماه أصحابه حتى جاءهم مالا قبل لهم به فقتل نصر الكرماني وصلبه ومعه
سمكة فأقبل ابنه على وقد كان صار إلى أبى مسلم وقد جمع جمعا كثيرا فسار بهم
إلى نصر بن سيار فقاتله حتى أخرجه من دار الامارة فمال إلى بعض دور مرو
وأقبل أبو مسلم حتى دخل مرو فأتاه علي بن جديع الكرماني فسلم عليه بالامرة
وأعلمه أنه معه على مساعدته وقال مرني بأمرك فقال أقم على ما أنت عليه حتى
آمرك بأمري (وفى هذه السنة) غلب عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر
ابن أبي طالب على فارس
ذكر الخبر عن ذلك وعن السبب الذي وصل به إلى الغلبة عليها
ذكر علي بن محمد ان عاصم بن حفص التميمي وغيره حدثوه ان عبد الله بن
معاوية لما هزم بالكوفة شخص إلى المدائن فبايعه أهل المدائن فأتاه قوم من أهل
الكوفة فخرج إلى الجبال فغلب عليها وعلى حلوان وقومس وأصبهان والري
وخرج إليه عبيد أهل الكوفة فلما غلب على ذلك أقام بأصبهان وقد كان محارب
ابن موسى مولى بنى يشكر عظيم القدر بفارس فجاء يمشى في نعلين إلى دار الامارة
بإصطخر فطرد العامل عامل ابن عمر عنها وقال لرجل يقال له عمارة بايع الناس
فقال له أهل إصطخر علام تبايع قال على ما أحببتم وكرهتم فبايعوه لابن معاوية
وخرج محارب إلى كرمان فأغار عليهم وأصاب في غارته إبلا لثعلبة بن حسان
المازني فاستاقها ورجع فخرج ثعلبة يطلب ابله في قرية له تدعى أشهر قال ومع
ثعلبة مولى له فقال له مولاه هل لك أن تفتك بمحارب فإن شئت ضربته وكفيتني
الناس وإن شئت ضربته وكفيتك الناس قال ويحك أردت أن تفتك......
... الرجل ثم دخل على محارب فرحب به ثم قال حاجتك قال إبلي.......
.... وما أعرفها وقد عرفتها فدونك إبلك فاخذها وقال لولا...... قال
ذاك لو أخذناها أشفى وانضم إلى محارب القواد والامراء من أهل الشأم فسار إلى
38

مسلم بن المسيب وهو بشيراز عامل لابن عمر فقتله في سنة 128 ثم خرج محارب
إلى أصبهان فحول عبد الله بن معاوية إلى إصطخر واستعمل أخاه عبد الله أخاه
الحسن على الجبال فأقبل فنزل في دير على ميل من إصطخر واستعمل أخاه يزيد على
فارس فأقام فأتاه الناس بنو هاشم وغيرهم وجبى المال وبعث العمال وكان معه منصور بن
جمهور وسليمان بن هشام بن عبد الملك وشيبان بن الحلس بن عبد العزيز الشيباني
الخارجي وأتاه أبو جعفر عبد الله وعبد الله وعيسى ابنا على وقدم يزيد بن عمر
ابن هبيرة على العراق فأرسل نباتة بن حنظلة الكلابي إلى عبد الله بن معاوية
وبلغ سليمان بن حبيب أن ابن هبيرة ولى نباتة الأهواز فسرح داود بن حاتم فأقام
بكربج دينار ليمنع نباتة من الأهواز فقدم نباتة فقاتله فقتل داود وهرب سليمان
إلى سابور وفيها الأكراد قد غلبوا عليها وأخرجوا المسيح بن الحوارى فقاتلهم
سليمان فطرد الأكراد عن سابور وكتب إلى عبد الله بن معاوية بالبيعة فقال
عبد الرحمن بن يزيد بن المهلب لا يفي لك وانما أراد أن يدفعك عنه ويأكل سابور
فاكتب إليه فليقدم عليك إن كان صادقا فكتب إليه فقدم وقال لأصحابه ادخلوا
معي فان منعكم أحد فقاتلوه فدخلوا فقال لابن معاوية أنا أطوع الناس لك قال
ارجع إلى عملك فرجع ثم إن محارب بن موسى نافر ابن معاوية وجمع جمعا فأتى
سابور وكان ابنه مخلد بن محارب محبوسا بسابور أخذه يزيد بن معاوية فحبسه فقال
لمحارب ابنك في يديه وتحاربه أما تخاف ان يقتل ابنك قال أبعده الله فقاتله يزيد
فانهزم محارب فأتى كرمان فأقام بها حتى قدم محمد بن الأشعث فصار معه ثم نافر
ابن الأشعث فقتله وأربعة وعشرين ابنا له ولم يزل عبد الله بن معاوية بإصطخر
حتى أتاه ابن ضبارة مع داود بن يزيد بن عمر بن هبيرة فأمر ابن معاوية فكسروا
قنطرة الكوفة فوجه ابن هبيرة معن بن زائدة من وجه آخر فقال سليمان لابان
ابن معاوية بن هشام قد أتاك القوم قال لم أومر بقتالهم قال ولا تؤمر والله بهم
أبدا وأتاهم فقاتلهم عند مرو الشاذان ومعن يرتجز
ليس أمير القوم بالخب الخدع * فر من الموت وفى الموت وقع
39

قال ابن المقفع وغيره فر من الموت وفيه قد وقع قال عمدا قلت قد عملت
فانهزم ابن معاوية وكف معن عنهم فقتل في المعركة رجل من آل أبي لهب وكان
يقال يقتل رجل من بني هاشم بمرو الشاذان وأسروا أسراء كثيرة فقتل ابن ضبارة
عدة كثيرة فيقال كان فيمن قتل يومئذ حكيم الفرد أبو المجد ويقال قتل بالأهواز
قتله نباتة ولما انهزم ابن معاوية هرب شيبان إلى جزيرة ابن كاوان ومنصور بن
جمهور إلى السند وعبد الرحمن بن يزيد إلى عمان وعمرو بن سهل بن عبد العزيز
إلى مصر وبعث ببقية الاسراء إلى ابن هبيرة قال حميد الطويل أطلق أولئك
الاسراء فلم يقتل منهم غير حصين بن وعلة السدوسي ولما أمر بقتله قال أقتل من
بين الاسراء قال نعم أنت مشرك أنت الذي تقول * لو آمر الشمس لم تشرق
ومضى ابن معاوية من وجهه إلى سجستان ثم أتى خراسان ومنصور بن
جمهور إلى السند فسار في طلبه معن بن زائدة وعطية الثعلبي وغيره من بنى ثعلبة
فلم يدركوه فرجعوا وكان حصين بن وعلة السدوسي مع يزيد بن معاوية فتركه
............... مورع السلمي رآه دخل غيضة فأخذه فأتى به.........
فبعث به معن إلى ابن ضبارة فبعث به ابن ضبارة إلى واسط وسار ابن ضبارة
إلى عبد الله بن معاوية بأصطخر فنزل بازائه على نهر إصطخر فعبر ابن الصحصح
في ألف فلقيه من أصحاب عبد الله بن معاوية أبان بن معاوية بن هشام فيمن كان
معه من أهل الشأم ممن كان مع سليمان بن هشام فاقتتلوا فمال ابن نباتة إلى القنطرة
فلقيهم من كان مع ابن معاوية من الخوارج فانهزم أبان والخوارج فأسر منهم ألفا
فأتوا بهم ابن ضبارة فخلى عنهم وأخذ يومئذ عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس
في الاسراء فنسبه ابن ضبارة فقال ما جاء بك إلى ابن معاوية وقد عرفت خلافة
أمير المؤمنين قال كان على دين فأديته فقام إليه حرب بن قطن الكناني فقال
ابن أختنا فرهبه له وقال ما كنت لأقدم على رجل من قريش وقال له ابن ضبارة
إن الذي قد كنت معه قد عيب بأشياء فعندك منها علم قال نعم وعابه ورمى أصحابه
باللواط فأتوا ابن ضبارة بغلمان عليهم أقبية قوهية مصبغة ألوانا فأقامهم للناس
40

وهم أكثر من مائة غلام لينظروا إليهم وحمل ابن ضبارة عبد الله بن علي على
البريد إلى ابن هبيرة ليخبره أخباره فحمله ابن هبيرة إلى مروان في أجناد أهل
الشأم وكان يعيبه وابن ضبارة يومئذ في مفازة كرمان في طلب عبد الله بن معاوية
وقد أتى ابن هبيرة مقتل نباتة فوجه ابن هبيرة كرب بن مصقلة والحكم بن أبي
الأبيض العبسي وابن محمد السكوني كلهم خطيب فتكلموا في تفريط ابن
ضبارة فكتب إليه أن سر بالناس إلى فارس ثم جاءه كتاب ابن هبيرة سر إلى
أصبهان (وفى هذه السنة) وافى الموسم أبو حمزة الخارجي من قبل عبد الله
ابن يحيى طالب الحق محكما مظهرا للخلاف على مروان بن محمد
ذكر الخبر عن ذلك من أمره
* حدثني العباس بن عيسى العقيلي قال حدثنا هارون بن موسى الفروي
قال حدثنا موسى بن كثير مولى الساعديين قال لما كان تمام سنة 129 لم يدر
الناس بعرفة إلا وقد طلعت أعلام عمائم سود حرقانية في رؤس الرماح وهم
في سبعمائة ففزع الناس حين رأوهم وقالوا مالكم وما حالكم فأخبروهم بخلافهم
مروان وآل مروان والتبرئ منه فراسلهم عبد الواحد بن سليمان وهو يومئذ
على المدينة ومكة فراسلهم في الهدنة فقالوا نحن بحجنا أضن ونحن عليه أشح
وصالحهم على أنهم جميعا آمنون بعضهم من بعض حتى ينفر الناس النفر الأخير
ويصبحوا من الغد فوقفوا على حدة بعرفة ودفع بالناس عبد الواحد بن سليمان
ابن عبد الملك بن مروان فلما كانوا بمنى ندموا عبد الواحد وقالوا قد أخطأت
فيهم ولو حملت الحاج عليهم ما كانوا إلا أكلة رأس فنزل أبو حمزة بقرين الثعالب
فنزل عبد الواحد منزل السلطان فبعث عبد الواحد إلى أبى حمزة عبد الله بن
الحسن بن الحسن بن علي ومحمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان وعبد الرحمن بن
القاسم بن محمد بن أبي بكر وعبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب
وربيعة بن أبي عبد الرحمن في رجال أمثالهم فدخلوا على أبى حمزة وعليه إزار
قطن غليظ فتقدمهم إليه عبد الله بن الحسن ومحمد بن عبد الله فنسبهما فانتسبا له
41

فعبس في وجوههما وأظهر الكراهة لهما ثم سأل عبد الرحمن بن القاسم وعبيد
الله بن عمر فانتسبا له فهش إليهما وتبسم في وجوههما وقال والله ما خرجنا إلا
لنسير بسيرة أبويكما فقال له عبد الله بن حسن والله ما جئنا لتفضل بين آبائنا
ولكنا بعثنا إليك الأمير برسالة وهذا ربيعة يخبركها فلما ذكر ربيعة نقض
العهد قال بلج وأبرهة وكانا قائدين له الساعة الساعة فأقبل عليهم أبو حمزة فقال
معاذ الله أن ننقض العهد أو نحبس والله لا أفعل ولو قطعت رقبتي هذه ولكن
تنقضي الهدنة بيننا وبينكم فلما أبى عليهم خرجوا فأبلغوا عبد الواحد فلما كان
النفر نفر عبد الواحد في النفر الأول وخلى مكة لأبي حمزة فدخلها بغير قتال قال
العباس قال هارون فأنشدني يعقوب بن طلحة الليثي أبياتا هجى بها عبد الواحد قال
وهى لبعض الشعراء لم أحفظ اسمه
زار الحجيج عصابة قد خالفوا * دين الاله ففر عبد الواحد
ترك الحلائل والامارة هاربا * ومضى يخط كالبعير الشارد
لو كان والده تنصل عرقه * لصفت مضاربه بعرق الوالد
ثم مضى عبد الواحد حتى دخل المدينة فدعا بالديوان فضرب على الناس
البعث وزادهم في العطاء عشرة عشرة قال العباس قال هارون أخبرني بذلك
أبو ضمرة أنس بن عياض قال كنت فيمن اكتتب ثم محوت اسمى قال العباس
قال هارون وحدثني غير واحد من أصحابنا أن عبد الواحد استعمل عبد العزيز
ابن عبد الله بن عمرو بن عثمان على الناس فخرجوا فلما كانوا بالحرة لقيتهم جزر
منحورة فمضوا (وحج) بالناس في هذه السنة عبد الواحد بن سليمان بن
عبد الملك بن مروان حدثني بذلك أحمد بن ثابت عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى
عن أبي معشر وكذلك قال محمد بن عمر وغيره وكان العامل على مكة والمدينة
عبد الواحد بن سليمان وعلى العراق يزيد بن عمر بن هبيرة وعلى قضاء الكوفة
الحجاج بن عاصم المحاربي فيما ذكر وعلى قضاء البصرة عباد بن منصور وعلى
خراسان نصر بن سيار والفتنة بها
42

ثم دخلت سنة ثلاثين ومائة
ذكر الاحداث التي كانت فيما
فمما كان فيها من ذلك دخول أبى مسلم حائط مرو ونزوله دار الامارة بها
ومطابقة علي بن جديع الكرماني إياه على حرب نصر بن سيار
ذكر الخبر عن ذلك وسببه
ذكر أبو الخطاب أن دخول أبى مسلم حائط مرو ونزوله دار الامارة التي
ينزلها عمال خراسان كان في سنة 130 لتسع خلون من جمادى الآخرة يوم الخميس
وأن السبب في مسير علي بن جديع مع أبي مسلم كان أن سليمان بن كثير كان بإزاء
علي بن الكرماني حين تعاقد هو ونصر على حرب أبى مسلم فقال سليمان بن كثير
لعلي بن الكرماني يقول لك أبو مسلم أما تأنف من مصالحة نصر بن سيار وقد
قتل بالأمس أباك وصلبه ما كنت أحسبك تجامع نصر بن سيار في مسجد تصليان
فيه فأدرك علي بن الكرماني الحفيظة فرجع عن رأيه وانتقض صلح العرب قال
ولما انتقض صلحهم بعث نصر بن سيار إلى أبى مسلم يلتمس منه أن يدخل مع
مضر وبعثت ربيعة وقحطان إلى أبى مسلم بمثل ذلك فتراسلوا بذلك أياما فأمرهم
أبو مسلم أن يقدم عليه وفد الفريقين حتى يختار أحدهما ففعلوا وأمر أبو مسلم
الشيعة أن يختاروا ربيعة وقحطان فان السلطان في مضروهم عمال مروان الجعدي
وهم قتلة يحيى بن زيد فقدم الوفدان فكان وفد مضر عقيل بن معقل بن حسان
الليثي وعبيد الله بن عبد ربه الليثي والخطاب بن محمد السلمي في رجال منهم وكان
وفد قحطان عثمان بن الكرماني ومحمد بن المثنى وسورة بن محمد بن عزيز الكندي
في رجال منهم فأمر أبو مسلم عثمان بن الكرماني وأصحابه فدخلوا بستان المحتفز
وقد بسط لهم فيه فقعدوا وجلس أبو مسلم في بيت في دار المحتفز وأذن لعقيل بن
معقل وأصحابه من وفد مضر فدخلوا إليه ومع أبى مسلم في البيت سبعون رجلا
من الشيعة فقرأ على الشيعة كتابا كتبه أبو مسلم ليختاروا أحد الفريقين فلما
43

فرغ من قراءة الكتاب قام سليمان بن كثير فتكلم وكان خطيبا مفوها فاختار على
ابن الكرماني وأصحابه وقام أبو منصور طلحة بن رزيق النقيب فيهم وكان فصيحا
متكلما فقال كمقالة سليمان بن كثير ثم قام مزيد بن شفيق السلمي فقال مضر قتلة
آل النبي صلى الله عليه وسلم وأعوان بنى أمية وشيعة مروان الجعدي ودماؤنا
في أعناقهم وأموالنا في أيديهم والتباعات قبلهم ونصر بن سيار عامل مروان على
خراسان ينفذ أموره ويدعو له على منبره ويسميه أمير المؤمنين ونحن من ذلك
إلى الله برآء وأن يكون مروان أمير المؤمنين وأن يكون نصر على هدى وصواب
وقد اخترنا علي بن الكرماني وأصحابه من قحطان وربيعة فقال السبعون الذين
جمعوا في البيت بقول مزيد بن شقيق فنهض وفد مضر عليهم الذلة والكآبة ووجه
معهم أبو مسلم القاسم بن مجاشع في خيل حتى بلغوا مأمنهم ورجع وفد علي بن
الكرماني مسرورين منصورين وكان مقام أبى مسلم بآلين تسعة وعشرين يوما
فرحل عن آلين راجعا إلى خندقه بالماخوان وأمر أبو مسلم الشيعة أن يبتنوا
المساكن ويستعدوا للشتاء فقد أعفاهم الله من اجتماع كلمة العرب وصيرهم بنا إلى
افتراق الكلمة وكان ذلك قدرا من الله مقدورا وكان دخول أبى مسلم الماخوان
منصرفا عن آلين سنة 130 للنصف من صفر يوم الخميس فأقام أبو مسلم في خندقة
بالماخوان ثلاثة أشهر تسعين يوما ثم دخل حائط مرو يوم الخميس لتسع خلون
من جمادى الأولى سنة 130 قال وكان حائط مرو إذ ذاك في يد نصرى بن سيار
لأنه عامل خراسان فأرسل علي بن الكرماني إلى أبى مسلم أن أدخل الحائط من
قبلك وأدخل أنا وعشيرتي من قبلي فنغلب على الحائط فأرسل إليه أبو مسلم أن
لست آمن أن يجتمع يدك ويد نصر على محاربتي ولكن ادخل أنت فانشب الحرب
بينك وبينه وبين أصحابه فدخل علي بن الكرماني فأنشب الحرب وبعث أبو مسلم
أبا على شبل بن طهمان النقيب في جند فدخلوا الحائط فنزل في قصر بخارا خذاه
فبعثوا إلى أبى مسلم أن ادخل فدخل أبو مسلم من خندق الماخوان وعلى مقدمته
أسيد بن عبد الله الخزاعي وعلى ميمنته مالك بن الهيثم الخزاعي وعلى ميسرته
44

القاسم بن مجاشع التميمي حتى دخل الحائط والفريقان يقتتلان فأمرهما بالكف
وهو يتلو من كتاب الله ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلان
يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه ومضى أبو مسلم حتى نزل قصر الامارة
بمرو الذي كان ينزله عمال خراسان وكان ذلك لتسع خلون من جمادى الأولى
سنة 130 يوم الخميس وهرب نصر بن سيار عن مرو الغد من يوم الجمعة لعشر
خلون من جمادى الأولى سنة 130 وصفت مرو لأبي مسلم فلما دخل أبو مسلم
حائط مرو أمر أبا منصور طلحة بن رزيق بأخذ البيعة على الجند من الهاشمية
خاصة وكان أبو منور رجلا فصيحا نبيلا مفوها عالما بحجج الهاشمية وغوامض أمورهم
وهو أحد النقباء الاثني عشر والنقباء الاثني عشرهم الذين اختارهم محمد بن علي من
السبعين الذين كانوا استجابوا له حين بعث رسوله إلى خراسان سنة 103 أو 104
وأمره أن يدعو إلى الرضا ولا يسمى أحدا ومثل له مثالا ووصف من العدل صفة
فقدمها فدعا سرا فأجابه ناس فلما صاروا سبعين أخذ منهم اثنى عشر نقيبا (أسماء
النقباء) منهم من خزاعة سليمان بن كثير ومالك بن الهيثم وزياد بن صالح وطلحة بن
رزيق وعمرو بن أعين ومن طيئ قحطبة واسمه زياد بن شبيب بن خالد بن معدان
ومن تميم موسى بن كعب أبو عيينة ولاهز بن قريظ والقاسم بن مجاشع كلهم من
بنى امرئ القيس وأسلم بن سلام أبو سلام ومن بكر بن وائل أبو داود خالد بن
إبراهيم من بنى عمرو بن شيبان أخي سدوس وأبو علي الهروي ويقال شبل بن طهمان
مكان عمرو بن أعين وعيسى بن كعب وأبو النجم عمران بن إسماعيل مكان أبى على
الهروي وهو ختن أبى مسلم ولم يكن في النقباء أحد والده حي غير أبى منصور
طلحة بن رزيق بن أسعد وهو أبو زينب الخزاعي وقد كان شهد حرب عبد الرحمن
ابن محمد بن الأشعث وصحب المهلب بن أبي صفرة وغزا معه فكان أبو مسلم
يشاوره في الأمور ويسأله عما شهد من الحروب والمغازي ويسأله عن الكنية
بأبي منصور يا أبا منصور ما تقول وما رأيك قال أبو الخطاب فأخبرنا من شهد
أبا منصور يأخذ البيعة على الهاشمية أبا يعكم على كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى
45

الله عليه وسلم والطاعة للرضا من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم
بذلك عهد الله وميثاقه والطلاق والعتاق والمشي إلى بيت الله وعلى أن لا تسألوا
رزقا ولا طمعا حتى يبدأكم به ولا تكم وإن كان عدو أحدكم تحت قدمه فلا تهيجوه
إلا بأمر ولا تكم فلما حبس أبو مسلم سلم بن أحوز ويونس بن عبد ربه وعقيل
ابن معقل ومنصور بن أبي الخرقاء وأصحابه شاور أبا منصور فقال اجعل سوطك
السيف وسبحنك القبر فأقدمهم أبو مسلم فقتلهم وكانت عدتهم أربعة وعشرين رجلا
وأما علي بن محمد فإنه ذكر أن الصباح مولى جبريل أخبره عن مسلمة بن يحيى
أن أبا مسلم جعل على حرسه خالد بن عثمان وعلى شرطه مالك بن الهيثم وعلى
القضاء القاسم بن مجاشع وعلى الديوان كامل بن مظفر فرزق كل رجل أربعة آلاف
وأنه أقام في عسكره بالماخوان ثلاثة أشهر ثم سار من الماخوان ليلا في جمع كبير
يريد عسكر ابن الكرماني وعلى ميمنته لاهز بن قريظ وعلى ميسرته القاسم بن
مجاشع وعلى مقدمته أبو نصر مالك بن الهيثم وخلف على خندقه أبا عبد الرحمن
الماخواني فأصبح في عسكر شيبان فخاف نصر أن يجتمع أبو مسلم وابن الكرماني
على قتاله فأرسل إلى أبى مسلم يعرض عليه أن يدخل مدينة مرو ويوادعه فأجابه
فوادع أبا مسلم نصر فراسل نصر بن أحوز يومه ذلك كله وأبو مسلم في عسكر
شيبان فأصبح نصر وابن الكرماني فغدوا إلى القتال وأقبل أبو مسلم ليدخل
مدينة مرو فرد خيل نصر وخيل ابن الكرماني ودخل المدينة لسبع أو لتسع خلون من
شهر ربيع الآخر سنة 130 وهو يتلو " ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها
رجلين يقتتلان هذا من شيعته " إلى آخر الآية قال على وأخبرنا أبو الذيال والمفضل
الضبي قالا لما دخل أبو مسلم مدينة مرو قال نصر لأصحابه أرى هذا الرجل قد
قوى أمره وقد سارع إليه الناس وقد وادعته وسيتم له ما يريد فاخرجوا بنا عن هذه
البلدة وخلوه فاختلفوا عليه فقال بعضهم نعم وقال بعضهم لا فقال أما إنكم ستذكرون
قولي وقال لخاصته من مضر انطلقوا إلى أبى مسلم فالقوه وخذوا بحظكم منه وأرسل
أبو مسلم إلى نصر لاهز بن قريظ يدعوه فقال لا هز " إن الملا يأتمرون بك ليقتلوك
46

وقرأ قبلها آيات ففطن نصر فقال لغلامه ضع لي وضوءا فقام كأنه يريد الوضوء
فدخل بستان وخرج منه فركب وهرب قال على وأخبرنا أبو الذيال قال أخبرني
إياس بن طلحة بن طلحة قال كنت مع أبي وقد ذهب عمى إلى أبى مسلم يبايعه
فأبطأ حتى صليت العصر والنهار قصير فنحن ننتظره وقد هيأنا له الغداء فإني لقاعد
مع أبي إذ مر نصر على برذون لا أعلم في داره برذونا أسرى منه ومعه حاجبه
والحكم بن نميلة النميري قال أبى إنه لهارب ليس معه أحد وليس بين يديه حربة
ولا راية فمر بنا فسلم تسليما خفيا فلما جاوزنا ضرب برذونه ونادى الحكم بن نميلة
غلمانه فركبوا واتبعوه قال على قال أبو الذيال قال إياس كان بين منزلنا وبين مرو
أربع فراسخ فمر بنا نصر بعد العتمة فضج أهل القرية وهربوا فقال لي أهلي وإخوانى
اخرج لا تقتل وبكوا فخرجت أنا وعمى المهلب بن إياس فلحقنا نصرا بعد هدئ
الليل وهو في أربعين قد قام برذونه فنزل عنه فحمله بشر بن بسطام بن عمران بن
الفضل البرجمي على برذونه فقال نصر إني لا آمن الطلب فمن يسوق بنا قال عبد الله
ابن عرعرة الضبي أنا أسوق بكم قال أنت لها فطرد بنا ليلته حتى أصبحنا في بئر في
المفازة على عشرين فرسخا أو أقل ونحن ستمائة فسرنا يومنا فنزلنا العصر ونحن
ننظر إلى أبيات سرخس وقصورها ونحن ألف وخمسمائة فانطلقت أنا وعمى
إلى صديق لنا من بنى حنيفة يقال له مسكين فبتنا تحن عنده لم نطعم شيئا فأصبحنا
فجاءنا بثريدة فأكلنا منها ونحن جياع لم نأكل يومنا وليلتنا واجتمع الناس فصاروا
ثلاثة آلاف وأقمنا بسرخس يومين فلما لم يأتنا أحد صار نصر إلى طوس فأخبرهم
خبر أبي مسلم وأقام خمسة عشر يوما ثم سار وسرنا إلى نيسابور فأقام بها ونزل
أبو مسلم حين هرب نصر دار الامارة وأقبل ابن الكرماني فدخل مرو مع أبي
مسلم فقال أبو مسلم حين هرب نصر يزعم نصر أنى ساحر هو والله ساحر وقال
غير ما ذكرت قوله في أمر نصر وابن الكرماني وشيبان الحروري انتهى أبو مسلم في
سنة 130 من معسكره بقرية سليمان بن كثير إلى قرية تدعى الماخوان فنزلها وأجمع
على الاستظهار بعلى بن جديع ومن معه من اليمن وعلى دعاء نصر بن سيار ومن معه
47

إلى معاونته فأرسل إلى الفريقين جميعا وعرض على كل فريق منهم المسالمة واجتماع
الكلمة والدخول في الطاعة فقبل ذلك علي بن جديع وتابعه على رأيه فعاقده
عليه فلما وثق أبو مسلم بمبايعة علي بن جديع إياه كتب إلى نصر بن سيار أن يبعث
إليه وفدا يحضرون مقالته ومقالة أصحابه فيما كان وعده أن يميل معه وأرسل إلى علي
بمثل ما أرسل به إلى نصر ثم وصف من خبر اختيار قواد الشيعة اليمانية على
المضرية نحوا مما وصف من قد ذكرنا الرواية عنه قبل في كتابنا هذا وذكر أن أبا مسلم
إذ وجه شبل بن طهمان فيمن وجهه إلى مدينة مرو وأنزله قصر بخار اخذاه إنما وجهه
مددا لعلي بن الكرماني قال وسار أبو مسلم من خندقه بالماخوان بجميع من معه إلى علي
ابن جديع ومع علي عثمان أخوه وأشراف اليمن معهم وخلفاؤهم من ربيعة فلما حاذى
أبو مسلم مدينة مرو استقبله عثمان بن جديع في خيل عظيمة ومعه أشراف اليمن
ومن معه من ربيعة حتى دخل عسكر علي بن الكرماني وشيبان بن سلمة الحروري
ومن معه من النقباء ووقف على حجرة علي بن جديع فدخل عليه وأعطاه الرضا
وآمنه على نفسه وأصحابه وخرجا إلى حجرة سيبان وهو يسلم عليه يومئذ بالخلافة
فأمر أبو مسلم عليا بالجلوس إلى جنب شيبان وأعلمه أنه لا يحل له التسليم عليه
وأراد أبو مسلم أن يسلم على على بالامرة فيظن شيبان أنه يسلم عليه ففعل ذلك
على ودخل عليه أبو مسلم فسلم عليه بالامارة وألطف لشيبان وعظمه ثم خرج
من عنده فنزل قصر محمد بن الحسن الأزدي فأقام به ليلتين ثم انصرف إلى خندقه
بالماخوان فأقام به ثلاثة أشهر ثم ارتحل من خندقه بالماخوان إلى مرو لسبع
خلون من ربيع الآخر وخلف على جنده أبا عبد الكريم الماخواني وجعل
أبو مسلم على ميمنته لاهز بن قريظ وعلى ميسرته القاسم بن مجاشع وعلى مقدمته
مالك بن الهيثم وكان مسيره ليلا فأصبح على باب مدينة مرو وبعث إلى علي بن
جديع أن يبعث خيله حتى وقف على باب قصر الامارة فوجد الفريقين يقتتلان
أشد القتال في حائط مرو فأرسل إلى الفريقين أن كفوا وليتفرق كل قوم إلى
معسكرهم ففعلوا وأرسل أبو مسلم لاهز بن قريظ وقريش بن شقيق وعبد الله
48

ابن البختري وداود بن كراز إلى نصر يدعوه إلى كتاب الله والطاعة للرضا من
آل محمد صلى الله عليه وسلم فلما رأى نصر ما جاءه من اليمانية والربعية والعجم
وأنه لا طاقة له بهم ولابد أن.... أظهر قبول ما بعث به إليه على أن يأتيه
فيبايعه وجعل يرشيهم لما هم به من الغدر والهرب إلى أن أمسى فأمر أصحابه أن
يخرجوا ليلتهم إلى ما يأمنون فيه فما تيسر لأصحاب نصر الخروج في تلك الليلة
وقال له سلم بن أحوز إنه لا يتيسر لنا الخروج الليلة ولكنا نخرج القابلة فلما كان
صبح تلك الليلة عبأ أبو مسلم كتائبه فلم يزل في تعبيتها إلى بعد الظهر وأرسل إلى
نصر لاهز بن قريظ وقريش بن شقيق وعبد الله بن البختري وداود بن كراز
وعدة من أعاجم الشيعة فدخلوا على نصر فقال لهم لشر ما عدتم فقال له لاهز
لا بدلك من ذلك فقال نصر أما إذ كان لابد منه فإني أتوضأ وأخرج إليه وأرسل
إلى أبى مسلم فإن كان هذا رأيه وأمره أتيته ونعما لعينه وأتهيأ إلى أن يجئ رسولي
وقام نصر فلما قام قرأ لاهز هذه الآية " إن الملا يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني
لك من الناصحين " فدخل نصر منزله وأعلمهم أنه ينتظر انصراف رسوله من عند أبي
مسلم فلما جنه الليل خرج من خلف حجرته ومعه تميم ابنه والحكم بن نميلة
النميري وحاجبه وامرأته فانطلقوا هرابا فلما استبطأه لاهز وأصحابه دخلوا منزله
فوجدوه قد هرب فلما بلغ ذلك أبا مسلم سار إلى معسكر نصر وأخذ ثقات أصحابه
وصناديدهم فكتفهم وكان فيهم سلم بن أحوز صاحب شرطة نصر والبختري
كاتبه وابنان له ويونس بن عبد ربه ومحمد بن قطن ومجاهد بن يحيى بن حضين وغيرهم
فاستوثق منهم بالحديد وكانوا في الحبس عنده....... أمر بقتلهم جميعا ونزل
نصر سرخس فيمن اتبعه من المضرية وكانوا ثلاثة آلاف ومضى أبو مسلم وعلي بن
جديع في طلبه فطلباه ليلتهما حتى أصبحا في قرية تدعى نصرانية فوجدا نصرا قد
خلف امرأته المرز بانة فيها ونجا بنفسه ورجع أبو مسلم وعلي بن جديع إلى مرو
فقال أبو مسلم لمن كان وجه إلى نصر ما الذي ارتاب به منكم قالوا لا ندري قال
فهل تكلم أحد منكم قالوا لا هز تلا هذه الآية " إن الملا يأتمرون بك ليقتلوك " قال
49

هذا الذي دعاه إلى الهرب ثم قال يا لا هز أتدغل في الدين فضرب عنقه (وفى هذه
السنة) قتل شيبان بن سلمة الحروري
ذكر الخبر عن مقتله وسببه
وكان سبب مقتله فيما ذكر أن علي بن جديع وشيبان كانا مجتمعين على قتال
نصر بن سيار لمخالفة شيبان نصرا لأنه من عمال مروان بن محمد وأن شيبان يرى
رأى الخوارج ومخالفة علي بن جديع نصرا لأنه يماني ونصر مضري وأن نصرا
قتل أباه وصلبه ولما بين الفريقين من العصبية التي كانت بين اليمانية والمضرية
فلما صالح علي بن الكرماني أبا مسلم وفارق شيبان تنحى شيبان عن مرو إذ علم أنه
لا طاقة له بحرب أبى مسلم وعلي بن جديع....... خلافه وقد هرب نصر
من مرو........ أخبره والحس‍........... - لما انقضت....
..... أرسل أبو مسلم إلى شيبان يدعوه إلى البيعة فقال شيبان أنا أدعوك إلى
بيعتي فأرسل إليه أبو مسلم ان لم تدخل في أمرنا فارتحل عن منزلك الذي أنت فيه
فأرسل شيبان إلى ابن الكرماني يستنصره فأبى فسار شيبان إلى سرخس واجتمع
إليه جمع كثير من بكر بن وائل فبعث إليه أبو مسلم تسعة من الأزد فيهم المنتجع
ابن الزبير يدعوه ويسأله أن يكف فأرسل شيبان فأخذ رسل أبى مسلم فسجنهم
فكتب أبو مسلم إلى بسام بن إبراهيم مولى بنى ليث ببيورد يأمره أن يسير إلى
شيبان فيقاتله ففعل فهزمه بسام واتبعه حتى دخل المدينة فقتل شيبان وعدة من
بكر بن وائل فقيل لأبي مسلم إن بساما ثائر بأبيه وهو يقتل البرى والسقيم فكتب
إليه أبو مسلم يأمره بالقدوم عليه فقدم واستخلف على عسكره رجلا قال على
أخبرنا المفضل قال لما قتل شيبان مر رجل من بكر بن وائل يقال له خفاف
برسل أبى مسلم الذين كان أرسلهم إلى شيبان وهم في بيت فأخرجهم وقتلهم وقيل
إن أبا مسلم وجه إلى شيبان عسكرا من قبله عليهم خزيمة من خازم وبسام بن
إبراهيم (وفى هذه السنة) قتل أبو مسلم عليا وعثمان ابني جديع الكرماني
50

ذكر سبب قتل أبى مسلم إياهما
وكان السبب في ذلك فيما قيل أن أبا مسلم كان وجه موسى بن كعب إلى أبيورد فافتتحها
وكتب إلى أبى مسلم بذلك ووجه أبا داود إلى بلخ وبها زياد بن عبد الرحمن القشيري
فلما بلغه قصد أبى داود بلخ خرج في أهل بلخ والترمذ وغيرهما من كور طخارستان إلى
الجوزجان فلما دنا أبو داود منهم انصرفوا منهزمين إلى الترمذ ودخل أبو داود مدينة
بلخ فكتب إليه أبو مسلم يأمره بالقدوم عليه ووجه مكانه يحيى بن نعيم أبا الميلاء
.... أبو داود فلقيه كتاب من أبى مسلم يأمره بالانصراف فانصرف وقدم عليه
أبو الميلاء فكاتب زياد بن عبد الرحمن يحيى بن نعيم أبو الميلاء أن يصير أيديهم
واحدة فأجابه فرجع زياد بن عبد الرحمن القشيري ومسلم بن عبد الرحمن بن
مسلم الباهلي وعيسى بن زرعة السلمي وأهل بلخ والترمذ وملوك طخارستان
وما خلف النهر وما دونه فنزل زياد وأصحابه على فرسخ من مدينة بلخ وخرج
إليه يحيى بن نعيم بمن معه حتى اجتمعوا فصارت كلمتهم واحدة مضريهم ويمانيهم
وربعيهم ومن معهم من الأعاجم على قتال المسودة وجعلوا الولاية عليهم لمقاتل
ابن حيان النبطي كراهة أن يكون من الفرق الثلاثة وأمر أبو مسلم أبا داود بالعود
فأقبل أبو داود بمن معه حتى اجتمعوا على نهر السرجنان وكان زياد بن عبد الرحمن
وأصحابه قد وجهوا أبا سعيد القرشي مسلحة فيما بين العود وبين قرية يقال لها
أمديان لئلا يأتيهم أصحاب أبي داود من خلفهم وكانت أعلام أبي سعيد وراياته
سودا فلما اجتمع أبو داود وزياد وأصحابهما واصطفوا للقتال أمر أبو سعيد القرشي
أصحابه أن يأتوا زيادا وأصحابه من خلفهم فرجع وخرج عليهم من سكة العود
وراياته سود فظن أصحاب زياد أنهم كمين لأبي داود وقد نشب القتال بين الفريقين
فانهزم زياد ومن معه وتبعهم أبو داود فوقع عامة أصحاب زياد في نهر السرجنان
وقتل عامة رجالهم المخلفين ونزل أبو داود عسكرهم وحوى ما فيه ولم يتبع زيادا
ولا..... في خيل أبى داود إلى مدينة..... ومضى زياد ويحيى ومن
معهما إلى الترمذ وأقام أبو داود يومه............ واستصفى
51

أموال من قتل بالسرجنان ومن هرب من العرب وغيرهم واستقامت بلخ لأبي
داود ثم كتب إليه أبو مسلم يأمره بالقدوم عليه ووجه النضر بن صبيح المري
على بلخ وقدم أبو داود واجتمع رأى أبى داود وأبى مسلم على أن يفرقا بين على
وعثمان ابني الكرماني فبعث أبو مسلم عثمان عاملا على بلخ فلما قدمها استخلف
الفرافصة بن ظهير العبسي على مدينة بلخ وأقبلت المضرية من ترمذ عليهم مسلم
ابن عبد الرحمن الباهلي فالتقوا وأصحاب عثمان بن جديع بقرية بين البروقان وبين
الدستجرد فاقتتلوا قتالا شديدا فانهزم أصحاب عثمان بن جديع وغلب المضرية
ومسلم بن عبد الرحمن على مدينة بلخ وأخرجوا الفرافصة منها وبلغ عثمان بن
جديع الخبر والنضر بن صبيح وهما بمرو الروذ فأقبلا نحوهم وبلغ صحاب زياد
ابن عبد الرحمن فهربوا من تحت ليلتهم وعتب النضر في طلبهم رجاء أن يفوتوا
ولقيهم أصحاب عثمان بن جديع فاقتتلوا قتالا شديدا فانهزم أصحاب عثمان بن
جديع وأكثروا فيهم القتل ومضت المضرية إلى أصحابها ورجع أبو داود من مرو
إلى بلخ وسار أبو مسلم ومعه علي بن جديع إلى نيسابور واتفق رأى أبى مسلم
ورأى أبى داود على أن يقتل أبو مسلم عليا ويقتل أبو داود عثمان في يوم واحد
فلما قدم أبو داود بلخ بعث عثمان عاملا على الختل فيمن معه من يماني أهل مرو وأهل
بلخ وربعيهم فلما خرج من بلخ خرج أبو داود.......... من أرض
الختل فوثب أبو داود على عثمان وأصحابه فحبسهم جميعا ثم ضرب أعناقهم صبرا
وقتل أبو مسلم في ذلك اليوم علي بن الكرماني وقد كان أبو مسلم أمره أن يسمى
له خاصته ليوليهم ويأمر لهم بجوائز وكسى فسماهم له فقتلهم جميعا (وفى هذه
السنة) قدم قحطبة بن شبيب على أبى مسلم خراسان منصرفا من عند إبراهيم بن
محمد بن علي ومعه لواؤه الذي عقد له إبراهيم فوجهه أبو مسلم حين قدم عليه على
مقدمته وضم إليه الجيوش وجعل له العزل والاستعمال وكتب إلى الجنود بالسمع
والطاعة له (وفيها) وجه قحطبة إلى نيسابور للقاء نصر فذكر علي بن محمد أن
أبا الذيال والحسن بن رشيد وأبا الحسن الجشمي أخبروه أن شيبان بن سلمة
52

الحروري لما قتل لحق أصحابه بنصر وهو بنيسابور وكتب إليه النابي بن سويد
العجلي يستغيث فوجه إليه نصر ابنه تميم بن نصر في ألفين وتهيأ نصر على أن
يسير إلى طوس ووجه أبو مسلم قحطبة بن شبيب في قواد منهم القاسم بن مجاشع
وجهور بن مرار فأخذ القاسم من قبل سرخس وأخذ جهور من قبل أبيورد
فوجه تميم عاصم بن عمير السغدي إلى جهور وكان أدناهم منه فهزمه عاصم بن عمير
فتحصن في كبادقان وأظل قحطبة والقاسم على النابي فأرسل تميم إلى عاصم أن ارحل
عن جهور وأقبل فتركه وأقبل فقاتلهم قحطبة (قال أبو جعفر) فأما غير الذين
روى عنهم علي بن محمد ما ذكرنا في أمر قحطبة وتوجيه أبى مسلم إياه إلى نصر
وأصحابه فإنه ذكر أن أبا مسلم لما قتل شيبان الخارجي وابنى الكرماني ونفى
نصرا عن مرو وغلب على خراسان وجه عماله على بلادها فاستعمل سباع بن
النعمان الأزدي على سمرقند وأبا دواد خالد بن إبراهيم على طخارستان ووجه محمد
ابن الأشعث إلى الطبسين وفارس وجعل مالك بن الهيثم على شرطته ووجه قحطبة
إلى طوس ومعه عدة من القواد منهم أبو عون عبد الملك بن يزيد ومقاتل بن حكيم
العكي وخالد بن برمك وخازم بن خزيمة والمنذر بن عبد الرحمن وعثمان بن نهيك
وجهور بن مرار العجلي وأبو العباس الطوسي وعبد الله بن عثمان الطائي وسلمة بن محمد
وأبو غانم عبد الحميد بن ربعي وأبو حميد وأبو الجهم وجعله أبو مسلم كاتبا لقحطبة على
الجند وعامر بن إسماعيل ومحرز بن إبراهيم في عدة من القواد فلقى من بطوس فانهزموا
وكان من مات منهم في الزحام أكثر ممن قتل فبلغ عدة القتلى يومئذ بضعة عشر ألفا
ووجه أبو مسلم القاسم بن مجاشع إلى نيسابور على طريق المحجة وكتب إلى قحطبة
يأمره بقتال تميم بن نصر بن سيار والنابي بن سويد ومن لجأ إليهما من أهل
خراسان وأن يصرف إليه موسى بن كعب عن أبيورد فلما قدم قحطبة أبيورد
صرف موسى بن كعب إلى أبى مسلم وكتب مقاتل بن حكيم يأمره أن يوجه رجلا إلى
نيسابور ويصرف منها القاسم بن مجاشع فوجه أبو مسلم علي بن معقل في عشرة
آلاف إلى تميم بن نصر وأمره........ قحطبة طوس أن يستقبله بمن معه وينضم
53

إليه فسار علي بن معقل حتى نزل قرية يقال لها حلوان وبلغ قحطبة مسير على
........ نزل فعجل السير إلى السوذقان ومعه معسكر تميم بن نصر والنابي بن
سويد ووجه على مقدمته أسيد بن عبد الله الخزاعي في........ أهل نسا وأبيورد
فسار حتى نزل قرية يقال........ لقتاله فكتب أسيد إلى قحطبة يعلمه ما أخبر
........ لم يعجل القدوم عليه حاكمهم إلى الله عز وجل وأخبره أنهما في ثلاثين
ألفا من صناديد أهل خراسان وفرسانهم فوجه قحطبة مقاتل بن حكيم العكي في
ألف وخالد بن برمك في ألف فقدما على أسيد وبلغ ذلك تميما والنابي فكسر هما ثم
قدم عليهم قحطبة بمن معه وتعبأ لقتال تميم وجعل على ميمنته مقاتل بن حكيم وأبا عون
عبد الملك بن يزيد وخالد بن برمك وعلى ميسرته أسيد بن عبد الله الخزاعي والحسن
ابن قحطبة والمسيب بن زهير وعبد الجبار بن عبد الرحمن وصار هو في القلب ثم
زحف البهم فدعاهم إلى كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وإلى الرضا
من آل محمد صلى الله عليه وسلم فلم يجيبوه فأمر الميمنة والميسرة أن يحملوا فاقتتلوا
قتالا شديدا أشد ما يكون من القتال فقتل تميم بن نصر في المعركة وقتل معه منهم
مقتلة عظيمة واستبيح عسكرهم وأفلت النابي في عدة فتحصنوا في المدينة وأحاطت
بهم الجنود فنقبوا الحائط ودخلوا إلى المدينة فقتلوا النابي ومن كان معه وهرب
عاصم بن عمير السمرقندي وسالم بن راوية السعيدي إلى نصر بن سيار بنيسابور
فأخبراه بمقتل تميم والنابي ومن كان معهما فلما غلب قحطبة على عسكرهم بما فيه
صير إلى خالد بن برمك قبض ذلك ووجه مقاتل بن حكيم العكي على مقدمته إلى
نيسابور فبلغ ذلك نصر بن سيار فارتحل هاربا في أثر أهل أبرشهر حتى نزل قومس
وتفرق عنه أصحابه فسار إلى نباتة بن حنظلة بجرجان وقدم قحطبة نيسابور بجنوده
(وفى هذه السنة) قتل نباتة بن حنظلة عامل زيد بن عمر بن هبيرة على جرجان
ذكر الخبر عن مقتله
ذكر علي بن محمد أن زهير بن هنيد وأبا الحسن الجشمي وجبلة بن فروخ
وأبا عبد الرحمن الأصبهاني أخبروه أن يزيد بن عمر بن هبيرة بعث نباتة بن حنظلة
54

الكلابي إلى نصر فأتى فارس وأصبهان ثم سار إلى الري ومضى إلى جرجان ولم
يضم إلى نصر بن سيار فقالت القيسية لنصر لا تحملنا قومس فتحولوا إلى جرجان
وخندق نباتة فكان إذا وقع الخندق في دار قوم رشوه فأخره فكان خندقه نحوا
من فرسخ وأقبل قحطبة إلى جرجان في ذي القعدة من سنة 130 ومعه أسيد بن
عبد الله الخزاعي وخالد بن برمك وأبو عون عبد الملك بن يزيد وموسى بن كعب
المراى والمسيب بن زهير وعبد الجبار بن عبد الرحمن الأزدي وعلى ميمنته موسى
ابن كعب وعلى ميسرته أسيد بن عبد الله وعلى مقدمته الحسن بن قحطبة فقال
قحطبة يا أهل خراسان أتدرون إلى من تسيرون ومن تقاتلون إنما تقاتلون بقية قوم
حرقوا بيت الله عز وجل وأقبل الحسن حتى نزل تخوم خراسان ووجه الحسن
عثمان بن رفيع ونافعا المروزي وأبا خالد المروروزي ومسعدة الطائي إلى مسلحة
نباتة وعليها رجل يقال له ذؤيب فبيتوه فقتلوا ذؤيبا وسبعين رجلا من أصحابه ثم
رجعوا إلى عسكر الحسن وقدم قحطبة فنزلوا بإزاء نباتة وأهل الشأم في عدة لم ير
الناس مثلها فلما رآهم أهل خراسان هابوهم حتى تكلموا بذلك وأظهروه وبلغ قحطبة
فقام فيهم خطيبا فقال يا أهل خراسان هذه البلاد كانت لآبائكم الأولين وكانوا
ينصرون على عدوهم لعدلهم وحسن سيرتهم حتى بدلوا وظلموا فسخط الله عز وجل
عليهم فانتزع سلطانهم وسلط عليهم أذل أمة كانت في الأرض عندهم فغلبوهم على
بلادهم واستنكحوا نساءهم واسترقوا أولادهم فكانوا بذلك يحكمون بالعدل ويوفون
بالعهد وينصرون المظلوم ثم بدلوا وغيروا وجاروا في الحكم وأخافوا أهل البر
والتقوى من عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلطكم عليهم لينتقم منهم بكم ليكونوا
أشد عقوبة لأنكم طلبتموهم بالثار وقد عهد إلى الأمم أنكم تلقونهم في مثل
هذه العدة فينصركم الله عز وجل عليهم فتهزمونهم وتقتلونهم وقد قرئ على قحطبة
كتاب أبى مسلم من أبى مسلم إلى قحطبة بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فناهض
عدوك فإن الله عز وجل ناصرك فإذا ظهرت عليهم فأثخن في القتل فالتقوا في
مستهل ذي الحجة سنة 130 في يوم الجمعة فقال قحطبة يا أهل خراسان إن هذا يوم
55

قد فضله الله تبارك وتعالى على سائر الأيام والعمل فيه مضاعف وهذا شهر عظيم
فيه عيد أعظم أعيادكم عند الله عز وجل وقد أخبرنا الامام أنكم تنصرون في هذا
اليوم من هذا الشهر على عدوكم فالقوه بجد وصبر واحتساب فإن الله مع الصابرين
ثم ناهضهم وعلى ميمنته الحسن بن قحطبة وعلى ميسرته خالد بن برمك ومقاتل بن
حكيم العكي فاقتتلوا وصبر بعضهم لبعض فقتل نباتة وانهزم أهل الشأم فقتل منهم
عشرة آلاف وبعث قحطبة إلى أبى مسلم يرأس نباتة وابنه حية قال وأخبرنا شيخ
من بنى عدى عن أبيه قال كان سالم بن راوية التميمي ممن هرب من أبى مسلم وخرج
مع نصر ثم صار مع نباتة فقاتل قحطبة بجرجان فانهزم الناس وبقى يقاتل وحده
فحمل عليه عبد الله الطائي وكان من فرسان قحطبة فضربه سالم بن راوية على وجهه
فأندر عينه وقاتلهم حتى اضطر من المسجد فدخله ودخلوا عليه فكان لا يشد من
ناحية إلا كشفهم فجعل ينادى شربة فوالله لأنقعن لهم شرا يومى هذا وحرقوا
عليه سقف المسجد فرموه بالحجارة حتى قتلوه وجاءوا برأسه إلى قحطبة وليس في
رأسه ولا وجهه مصح فقال قحطبة ما رأيت مثل هذا قط (وفى هذه السنة) كانت
الوقعة التي كانت بقديد بين أبى حمزة الخارجي وأهل المدينة
ذكر الخبر عن ذلك
* حدثني العباس بن عيسى العقيلي قال حدثنا هارون بن موسى الفروي قال
حدثني غير واحد من أصحابنا أن عبد الواحد بن سليمان استعمل عبد العزيز
ابن عبد الله بن عمرو بن عثمان على الناس فخرجوا فلما كان بالحرة لقيتهم جزر
منحورة فمضوا فلما كان بالعقيق تعلق لواؤهم بمسرة فانكسر الرمح فتشاءم الناس
بالخروج ثم ساروا حتى نزلوا قديد فنزلوها ليلا وكانت قرية قديد من ناحية القصر
المبنى اليوم وكانت الحياض هنالك فنزل قوم مغترون ليسوا بأصحاب حرب فلم
يرعهم الا القوم قد خرجوا عليهم من الفضل وقد زعم بعض الناس أن خزاعة
دلت أبا حمزة على عورتهم وأدخلوهم عليهم فقتلوهم وكانت المقتلة على قريش هم
كانوا أكثر الناس وبهم كانت الشوكة وأصيب منهم عدد كثير قال العباس قال
56

هارون وأخبرني بعض أصحابنا أن رجلا من قريش نظر إلى زجل من أهل اليمن
وهو يقول الحمد لله الذي أقر عيني بمقتل قريش فقال لابنه يا بنى ابدأ به وقد كان
من أهل المدينة قال فدنا منه ابنه فضرب عنقه ثم قال لابنه أي بنى تقدم فقاتلا
حتى قتلا ثم ورد فلال الناس المدينة وبكى الناس قتلاهم فكانت المرأة تقيم
على حميمها النواح فما تبرح النساء حتى تأتيهن الاخبار عن رجالهن فتخرج
النساء امرأة امرأة كل امرأة تذهب إلى حميمها حتى ما تبقى عندها امرأة قال
وأنشدني أبو ضمرة هذه الأبيات في قتلى قديد الذين أصيبوا من قومه رثاهم
بعض أصحابهم فقال
يا لهف نفسي ولهفي غير كاذبة * على فوارس بالبطحاء أنجاد
عمرو وعمر وعبد الله بينهما * وابناهما خامس والحارث السادي
(وفى هذه السنة) دخل أبو حمزة الخارجي مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهرب عبد الواجد بن سليمان بن عبد الملك إلى الشأم
ذكر الخبر عن دخول أبى حمزة المدينة وما كان منه فيها
* حدثني العباس بن عيسى قال حدثنا هارون بن موسى الفروي قال حدثني
موسى بن كثير قال دخل أبو حمزة المدينة سنة 130 ومضى عبد الواحد بن سليمان
ابن عبد الملك إلى الشأم فرقى المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال يا أهل المدينة سألتكم
عن ولاتكم هؤلاء فأسأتم لعمر الله فيهم القول وسألنا كم هل يقتلون بالظن
فقلتم لنا نعم وسألناكم هل يستحلون المال الحرام والفرج الحرام فقلتم لنا نعم
فقلنا لكم تعالوا نحن وأنتم نناشدهم الله إلا تنحوا عنا وعنكم فقلتم لا يفعلون فقلنا
لكم تعالوا نحن وأنتم نقاتلهم فان نظهر نحن وأنتم.... بمن يقيم فينا فيكم كتاب
الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فقلتم لا نقوى فقلناكم فخلوا بيننا وبينهم
فان نظفر نعدل في أحكامكم ونحملكم على سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم فيئكم بينكم
فأبيتم وقاتلتمونا دونهم فقلنا كم فأبعدكم الله وأسحقكم (قال محمد بن عمر) حدثني
حزام بن هشام قال كانت الحرورية أربعمائة وعلى طائفة من الحروية الحارث
57

وعلى طائفة بكار بن محمد العدوي عدى قريش وعلى طائفة أبو حمزة فالتقوا وقد
تهيأ الناس بعد الاعذار من الخوارج إليهم وقالوا لهم إنا والله مالنا حاجة بقتالكم
دعونا نمض إلى عدونا فأبى أهل المدينة فالتقوا لسبع ليال خلون من صفر
يوم الخميس سنة 130 فقتل أهل المدينة لم يفلت منهم الا الشريد وقتل أمير هم
عبد العزيز بن عبد الله واتهمت قريش خزاعة أن يكونوا داهنوا الحرورية فقال
لي حزام والله لقد آويت رجالا من قريش منهم حتى آمن الناس فكان يلج على
مقدمتهم وقدمت الحرورية المدينة لتسع عشرة ليلة خلت من صفر * حدثني
العباس بن عيسى قال قال هارون بن موسى أخبرني بعض أشياخنا أن أبا حمزة لما
دخل المدينة قام فخطب فقال في خطبته يا أهل المدينة مررت في زمن الأحول هشام
ابن عبد الملك وقد أصابتكم عاهة بثماركم وكتبتم إليه تسألونه أن يضع أخراصكم
عنكم فكتب إليكم يضعها عنكم فزاد الغنى غنا وزاد الفقير فقلتم جزاك
الله خيرا فلا جزاكم الله خيرا ولا جزاه خيرا قال العباس قال هارون وأخبرني
يحيى بن زكرياء أن أبا حمزة خطب بهذه الخطبة قال رقى المنبر فحمد الله وأثنى
عليه ثم قال تعلمون يا أهل المدينة أنا لم نخرج من ديارنا وأموالنا أشرا ولا بطرا
ولا عبثا ولا لدولة ملك نريد أن نخوض فيه ولا لثأر قديم نيل منا ولكنا لما رأينا
مصابيح الحق قد عطات وعفت لقائل بالحق قتل القائم بالقسط قاضت علينا
الأرض بما رجبت وسمعنا داعيا يدعو إلى طاعة الرحمن وحكم القرآن فأجبنا
داعى الله " ومن لا يجب داعى الله فليس بمعجز في الأرض " أقبلنا من قبائل شتى النفر
منا على بعير واحد عليه زادهم وأنفسهم يتعاورون لحافا واحدا قليلون مستضعفون
في الأرض فآوانا وأيدنا في نصره فأصبحنا والله جميعا بنعمته اخوانا ثم لقينا
رجالكم بقديد فدعوناهم إلى طاعة الرحمن وحكم القرآن ودعونا إلى طاعة الشيطان
وحكم آل مروان فشتان لعمر الله ما بين الرشد والغى ثم أقبلوا يهرعون يزفون قد
ضرب الشيطان فيهم بجرانه وغلت بدمائهم مراجله وصدق عليهم ظنه
وأقبل أنصار الله عز وجل عصائب وكتائب بكل مهند ذي رونق فدارت رحانا
58

واستدارت رحاهم بضرب يرتاب منه المبطلون وأنتم يا أهل المدينة إن تنصروا
مروان وآل مروان يسحتكم الله عز وجل بعذاب من عنده أو بأيدينا ويشف
صدور قوم مؤمنين يا أهل المدينة أولكم خير أول وآخركم شر آخر يا أهل
المدينة الناس منا ونحن منهم إلا مشركا عابد وثن أو مشرك أهل الكتاب أو إماما
جائرا يا أهل المدينة من زعم أن الله عز وجل كلف نفسا فوق طاقتها أو سألها
ما لم يؤتها فهو الله عز وجل عدو ولنا حرب يا أهل المدينة أخبروني عن ثمانية
أسهم فرضها الله عز وجل في كتابه على القوى والضعيف فجاء تاسع ليس له منها
ولا سهم واحد فأخذها لنفسه مكابرا محاربا لربه يا أهل المدينة بلغني أنكم تنتقصون
أصحابي قلتم شباب أحداث وأعراب حفاة ويلكم يا أهل المدينة وهل كان أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا شبابا أحداثا شباب والله مكتهلون في شبابهم
غضية عن الشراء عينهم ثقيلة عن الباطل أقدامهم قد باعوا الله عز وجل أنفسا تموت
بأنفس لا تموت قد حالطوا كلالهم بكلالهم وقيام ليلهم بصيام نهارهم منحنية أصلابهم
على أجزاء القرآن كلما مروا بآية شوق شهقوا شوقا إلى الجنة فلما نظروا إلى السيوف
قد انتضت والرماح قد شرعت وإلى السهام قد فوقت وأرعدت الكتيبة بصواعق
الموت استخفوا وعيد الكتيبة لو عيد الله عز وجل ولم يستخفوا وعيد الله لو عيد
الكتيبة فطوبى لهم وحسن مآب فكم من عين في منقار طائر طالما فاضت في
جوف الليل من خوف الله عز وجل وكم من يد زالت عن مفصلها طالما اعتمد
بها صاحبها أقول قولي هذا وأستغفر الله من تقصيرنا وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت
وإليه أنيب * حدثني العباس قال قال هارون حدثني جدي أبو علقمة قال سمعت
أبا حمزة على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من زنى فهو كافر ومن شك
فهو كافر ومن سرق فهو كافر ومن شك أنه كافر فهو كافر قال العباس قال هارون
وسمعت جدي يقول كان قد أحسن السيرة في أهل المدينة حتى استمال حتى سمعوا
كلامه في قوله من زنى فهو كافر قال العباس قال هارون وحدثني بعض أصحابنا
لما رقى المنبر قال برح الخفاء أين ما بك يذهب من زنى فهو كافر ومن سرق فهو
59

كافر قال العباس قال هارون وأنشدني بعضهم في قديد
ما لقيد وماليه * أفنت قديد رجاليه
فلأبكين سريرة * ولأبكين علانيه
ولأبكين إذا شحنت * مع الكلاب العاويه
فكان دخول أبى حمزة وأصحابه المدينة لثلاث عشرة بقيت من صفر واختلفوا
في قدر مدتهم في مقامهم فقال الواقدي كان مقامهم بها ثلاثة أشهر وقال غيره
أقاموا بها بقية صفر وشهري ربيع وطائفة من جمادى الأولى وكانت عدة من قتل
من أهل المدينة بقديد فيما ذكر الواقدي سبعمائة وكان أبو حمزة فيما ذكر قد قدم
طائفة من أصحابه عليهم أبو بكر بن محمد بن عبد الله بن عمر القرشي ثم أحد بنى عدى
ابن كعب وبلج بن عيينة بن الهيصم الأسدي من أهل البصرة فبعث مروان بن محمد
من الشأم عبد الملك بن محمد بن عطية أحد بنى سعد في جول الشأم * فحدثني العباس
ابن عيسى قال حدثني هارون بن موسى عن موسى بن كثير قال خرج أبو حمزة
من المدينة وخلف بعض أصحابه فسار حتى نزل الوادي قال العباس قال هارون
حدثني بعض أصحابنا ممن أخبرني عنه أبو يحيى الزهري أن مروان انتخب من عسكره
أربعة آلاف واستعمل عليهم ابن عطية وأمره بالجد في السير وأعطى كل رجل
منهم مائة دينار وفرسا عربية وبغلا لثقله وأمره أن يمضى فيقاتلهم فإن هو ظفر مضى
حتى بلغ اليمن ويقاتل عبد الله بن يحيى ومن معه فخرج حتى نزل بالعلا وكان رجل
من أهل المدينة يقال له العلاء بن أفلح مولى أبى الغيث يقول لقيني وأنا غلام ذلك
اليوم رجل من أصحاب ابن عطية فسألني ما اسمك يا غلام قال فقلت العلاء قال
ابن من قلت ابن أفلح قال مولى من قلت مولى أبى الغيث قال فأين نحن قلت بالعلا
قال فأين نحن غدا قال بغالب قال فما كلمني حتى أردفني وراءه ومضى بي حتى أدخلني
على ابن عطية فقال سل هذا الغلام ما اسمه فسألني فرددت عليه القول الذي قلت
قال فسر بذلك ووهب لي دراهم قال العباس قال هارون وأخبرني عبد الملك بن
الماجشون قال لما ألقى أبو حمزة وابن عطية قال أبو حمزة لا تقاتلوهم حتى تخبروهم
60

قال فصاحوا بهم ما تقولون في القرآن والعمل به قال فصاح ابن عطية نضعه في
جوف الجوالق قال فما تقولون في مال اليتيم قال نأكل ماله ونفجر بأمه في أشياء
بلغني أنهم سألوهم عنها قال فلما سمعوا كلامهم قاتلوهم حتى أمسوا فصاحوا ويحك
يا ابن عطية إن الله عز وجل قد جعل الليل سكنا فاسكن نسكن قال فأبى فقاتلهم
حتى قتلهم قال العباس قال هارون وكان أبو حمزة حين خرج ودع أهل المدينة
وقال إنا خارجون إلى مروان فإن نظفر نعدل في أحكامكم ونحملكم على سنة
نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم ونقسم فيئكم بينكم وإن يكن ما يمنون فسيعلم الذين
ظلموا أي منقلب ينقلبون قال العباس قال هارون وأخبرني بعض أصحابنا أن الناس
وثبوا على أصحابه حين جاءهم قتله فقتلوهم قال محمد بن عمر سار أبو حمزة وأصحابه
إلى مروان فلقيهم خيل مروان بوادي القرى عليها ابن عطية السعدي من قيس
فأوقعوا بهم فرجعوا منهزمين منهم إلى المدينة فلقيهم أهل المدينة فقرهم قال وكان
الذي قاد جيش مروان عبد الملك بن محمد بن عطية السعدي سعد هوازن قدم المدينة
في أربعة آلاف فارس عربي مع كل واحد منهم بغل ومنهم من عليه درعان أو
درع وتنور وتجافيف وعدة لم ير مثلها في ذلك الزمان فمضوا إلى مكة وقال بعضهم
أقام ابن عطية بالمدينة حين دخلها شهرا ثم مضى إلى مكة واستخلف على المدينة
الوليد بن عروة بن محمد بن عطية ثم مضى إلى مكة وإلى اليمن فاستخلف على مكة
ابن ما عز رجلا من أهل الشأم ولما مضى ابن عطية بلغ عبد الله بن يحيى وهو
بصنعاء مسيره إليه فأقبل إليه بمن معه فالتقى هو وابن عطية فقتل ابن عطية عبد الله
ابن يحيى وبعث ابنه بشير إلى مروان ومصى ابن عطية فدخل صنعاء وبعث برأس
عبد الله بن يحيى إلى مروان ثم كتب مروان إلى ابن عطية يأمره أن يغذ السير ويحج
بالناس فخرج في نفر من أصحابه فيما حدثني العباس بن عيسى عن هارون حتى
نزل الجرف هكذا قال العباس ففطن له بعض أهل القرية فقالوا منهزم والله
فشدوا عليه فقال ويحكم عامل الحج والله كتب إلى أمير المؤمنين (قال أبو
جعفر) وأما محمد بن عمر فإنه ذكر أن أبا الزبير بن عبد الرحمن حدثه قال خرجت
61

مع ابن عطية السعدي ونحن اثنا عشر رجلا بعهد مروان على الحج ومعه أربعون
ألف دينار في خرجه حتى نزل الجرف يريد الحج وقد خلف عسكره وخيله وراءه
بصنعاء فوالله إنا آمنون مطمئنون إذ سمعت كلمة من امرأة قاتل الله ابني جمانة
ما أشمتهما فقمت كأني أهريق الماء وأشرفت على نشز من الأرض فإذا الدهم من
الرجال والسلاح والخيل والقذافات فإذا ابنا جمانة المراديان واقفان علينا قد
أحدقوا بنا من كل ناحية فقلنا ما تريدون فقالوا أنتم لصوص فأخرج ابن عطية
كتابه وقال هذا كتاب أمير المؤمنين وعهده على الحج وأنا ابن عطية فقالوا هذا
باطل ولكنكم لصوص فرأينا الشر فركب الصفر بن حبيب فرسه فقاتل وأحسن
حتى قتل ثم ركب ابن عطية فقاتل حتى قتل ثم قتل من معنا وبقيت فقالوا من أنت
فقلت رجل من همدان قالوا من أي همدان أنت فاعتزيت إلى بطن منهم وكنت
عالما ببطون همدان فتركوني وقالوا أنت آمن وكل مالك في هذا الرحل فخذه
فلو ادعيت المال كله لأعطوني ثم بعثوا معي فرسانا حتى بلغوا بي صعدة وأمنت
ومضيت حتى قدمت مكة (وفى هذه السنة) غزا الصائفة فيما ذكر الوليد بن
هشام فنزل العمق وبنى حصن مرعش (وفيها) وقع الطاعون بالبصرة (وفى
هذه السنة) قتل قحطبة بن شبيب من أهل جرجان من قتل من أهلها قيل إنه قتل
منهم زهاء ثلاثين ألفا وذلك أنه بلغه فيما ذكر عن أهل جرجان أنه كان أجمع رأيهم
بعد مقتل نباتة بن حنظلة على الخروج على قحطبة فدخل قحطبة لما بلغه ذلك من
أمرهم واستعرضهم فقتل منهم من ذكرت ولما بلغ نصر بن سيار قتل قحطبة
نباتة ومن قتل من أهل جرجان وهو بقومس ارتحل حتى نزل خوار الري
وكان سبب نزول نصر قومس فيما ذكر علي بن محمد أن أبا الذيال حدثه والحسن
ابن رشيد وأبا الحسن الجشمي أن أبا مسلم كتب مع المنهال بن فتان إلى زياد بن
زرارة القشيري بعهده على نيسابور بعد ما قتل تميم بن نصر والنابي بن سويد
العجلي وكتب إلى قحطبة يأمره أن يتبع نصرا فوجه قحطبة العكي على مقدمته
وسار قحطبة حتى نزل نيسابور فأقام بها شهرين شهري رمضان وشوال من سنة
62

130 ونصر نازل في قرية من قرى قومس يقال لها بذش ونزل من كان معه من
قيس في قرية يقال لها الميدان وكتب نصر إلى ابن هبيرة يستمده وهو بواسط مع
ناس من وجوه أهل خراسان يعظم الامر عليه فحبس ابن هبيرة رسله فكتب
نصر إلى مروان إني وجهت إلى ابن هبيرة قوما من وجوه أهل خراسان ليعلموه
أمر الناس من قبلنا وسألته المدد فاحتبس رسلي ولم يمدني بأحد وإنما أنا بمنزلة من
أخرج من بيته إلى حجرته ثم أخرج من حجرته إلى داره ثم أخرج من داره إلى فناء داره
فإن أدركه من يعينه فعسى أن يعود إلى داره وتبقى له وإن أخرج من داره إلى الطريق
فلا دار له ولا فناء فكتب مروان إلى ابن هبيرة يأمره أن يمد نصرا وكتب إلى نصر
يعلمه ذلك وكتب إلى ابن هبيرة مع خالد مولى بنى ليث يسأله أن يعجل إليه الجند فإن أهل
خراسان قد كذبتهم حتى ما رجل منهم يصدق لي قولا فأمدني بعشرة آلاف قبل
أن تمدني بمائة ألف ثم لا تغنى شيئا (وحج) في هذه السنة بالناس محمد بن عبد الملك
ابن مروان كذلك حدثني أحمد بن ثابت عمن ذكره حدثه عن إسحاق بن عيسى عن أبي
معشر وكانت إليه مكة والمدينة والطائف وكان فيها العراق إلى يزيد بن عمر
ابن هبيرة وكان على قضاء الكوفة الحجاج بن عاصم المحاربي وكان على قضاء البصرة
عباد بن منصور وعلى خراسان نصر بن سيار والامر بخراسان على ما ذكرت
ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين ومائة
ذكر ما كان فيها من الاحداث
فمما كان فيها من ذلك توجيه قحطبة ابنه الحسن إلى نصر وهو بقومس فذكر
علي بن محمد أن زهير بن هنيد والحسن بن رشيد وجبلة بن فروخ التاجي قالوا
لما قتل نباتة ارتحل نصر بن سيار من بذش ودخل خوار وأميرها أبو بكر العقيلي
ووجه قحطبة ابنه الحسن إلى قومس في المحرم سنة 131 ثم وجه قحطبة أبا كامل
وأبا القاسم محرز بن إبراهيم وأبا العباس المروزي إلى الحسن في سبعمائة فلما كانوا
قريبا منه انحاز أبو كامل وترك عسكره وأتى نصرا فصار معه وأعلمه مكان القائد
63

الذي خلف فوجه إليهم نصر جندا فأتوهم وهم في حائط فحصروهم فنقب جميل بن
مهران الحائط وهرب هو وأصحابه وخلفوا شيئا من متاعهم فأخذه أصحاب نصر
فبعث به نصر إلى ابن هبيرة فعرض له عطيف بالري فأخذ الكتاب من رسول نصر
والمتاع وبعث به إلى ابن هبيرة فعتب نصر وقال انى شغب ابن هبيرة أيشغب على
بضغابيس قيس أما والله لادعنه فليعرفن أنه ليس بشئ ولا ابنه الذي تربص له
الأشياء وسار حتى نزل الري وعلى الري حبيب بن بديل النهشلي فخرج عطيف
من الري حين قدمها نصر إلى همذان وفيها مالك بن أدهم بن محرز الباهلي على
الصحصحية فلما رأى مالكا في همذان وعدل منها إلى أصبهان إلى عامر بن ضبارة
وكان عطيف في ثلاثة آلاف وجهه ابن هبيرة إلى نصر فنزل الري ولم يأت نصرا
وأقام نصر بالري يومين ثم مرض فكان يحمل حملا حتى إذا كان بساوة قريبا من
همذان مات بها فلما مات دخل أصحابه همذان وكانت وفاة نصر فيما قيل لمضى اثنتي
عشرة ليلة من شهر ربيع الأول وهو ابن خمس وثمانين سنة وقيل إن نصرا لما شخص
من خوار متوجها نحو الري لم يدخل الري ولكنه أخذ المفازة التي بين الري وهمذان
فمات بها (رجع الحديث إلى حديث على عن شيوخه) قال ولما مات نصر بن سيار
بعث الحسن خازم بن خزيمة إلى قرية يقال لها سمنان وأقبل قحطبة من جرجان
وقدم أمامه زياد بن زرارة القشيري وكان زياد قد ندم على اتباع أبى مسلم فانخزل
عن قحطبة وأخذ طريق أصبهان يريد أن يأتي عامر بن ضبارة فوجه قحطبة المسيب
ابن زهير الضبي فلحقه من غد بعد العصر فقاتله فانهزم زياد وقتل عامة من معه
ورجع المسيب بن زهير إلى قحطبة ثم سار قحطبة إلى قومس وبها ابنه الحسن
فقدم خازم من الوجه الذي كان وجهه فيه الحسن فقدم قحطبة ابنه إلى الري وبلغ
حبيب بن بديل النهشلي ومن معه من أهل الشأم مسير الحسن فخرجوا عن الري
ودخلها الحسن فأقام حتى قدم أبوه وكتب قحطبة حين قدم الري إلى أبى مسلم
يعلمه نزوله الري (وفى هذه السنة) تحول أبو مسلم من مرو إلى نيسابور فنزلها
64

ذكر الخبر عما كان من أمر أبى مسلم هنالك
ومن قحطبة بعد نزوله الري
ولما كتب قحطبة إلى أبى مسلم بنزوله الري ارتحل أبو مسلم فيما ذكر من مرو
فنزل نيسابور وخندق بها ووجه قحطبة ابنه الحسن بعد نزوله الري بثلاث إلى
همذان فذكر على عن شيوخه وغيرهم أن الحسن بن قحطبة لما توجه إلى همذان
خرج منها مالك بن أدهم ومن كان بها من أهل الشأم وأهل خراسان إلى نهاوند
فدعاهم مالك إلى أرزاقهم وقال من كان له ديوان فليأخذ رزقه فترك قوم كثير
دواوينهم ومضوا فأقام مالك ومن بقى معه من أهل الشأم وأهل خراسان ممن كان
مع نصر فسار الحسن من همذان إلى نهاوند فنزل على أربعة فراسخ من المدينة وأمده
قحطبة بأبي الجهم بن عطية مولى باهلة في سبعمائة حتى أطاف بالمدينة وحصرها
(وفى هذه السنة) قتل عامر بن ضبارة
ذكر الخبر عن مقتله وعن سبب ذلك
وكان سبب مقتله أن عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر لما هزمه ابن
ضبارة مضى هاربا نحو خراسان وسلك إليها طريق كرمان ومضى عامر بن ضبارة
في أثره لطلبه وورد على يزيد بن عمر مقتل نباتة بن حنظلة بجرجان فذكر علي بن
محمد أن أبا السرى المروزي وأبا الحسن الجشمي والحسن بن رشيد وجبلة بن
فروخ وحفص بن شبيب وأخبروه قال لما قتل نباتة كتب ابن هبيرة إلى عامر بن
ضبارة والى ابنه داود بن يزيد بن عمر أن يسيرا إلى قحطبة وكانا بكرمان فسارا في
خمسين ألفا حتى نزلوا أصبهان بمدينة جى وكان يقال لعسكر بن ضبارة عسكر
العساكر فبعث قحطبة إليهم مقاتل وأبا حفص المهلبي وأبا حماد المروزي مولى بنى
سليم وموسى بن عقيل وأسلم بن حسان وذؤيب بن الأشعث وكلثوم بن شبيب
ومالك بن طريف والمخارق بن عقال والهيثم بن زياد وعليهم جميعا العكي فسار حتى
نزل قم وبلغ ابن ضبارة نزول الحسن بأهل نهاوند فأراد أن يأتيهم معينا لهم وبلغ الخبر
العكي فبعث إلى قحطبة يعلمه فوجه زهير بن محمد إلى قاشان خرج العكي من قم
65

وخلف بها طريف بن غيلان فكتب إليه قحطبة يأمره أن يقيم حتى يقدم عليه وأن
يرجع إلى قم وأقبل قحطبة من الري وبلغه طلائع العسكرين فلما لحق قحطبة
بمقاتل بن حكيم العكي ضم عسكر العكي إلى عسكره وسار عامر بن ضبارة إليهم
وبينه وبين عسكر قحطبة فرسخ فأقام أياما ثم سار قحطبة إليهم فالتقوا وعلى
ميمنة قحطبة العكي ومعه خالد بن برمك وعلى ميسرته عبد الحميد بن ربعي ومعه
مالك بن طريف وقحطبة في عشرين ألفا وابن ضبارة في مائة ألف وقيل في خمسين
ومائة ألف فأمر قحطبة بمصحف فنصب على رمح ثم نادى يا أهل الشأم انا ندعوكم
إلى ما في هذا المصحف فشتموه وأفحشوا في القول فأرسل إليهم قحطبة احملوا
عليهم فحمل عليهم العكي وتهايج الناس فلم يكن بينهم كثير قتال حتى انهزم أهل
الشأم وقتلوا قتلا ذريعا وحووا عسكرهم فأصابوا شيئا لا يدرى عدده من
السلاح والمتاع والرقيق وبعث بالفتح إلى ابنه الحسن مع شريح بن عبد الله قال
على وأخبرنا أبو الذيال قال لقى قحطبة عامر بن ضبارة ومع ابن ضبارة ناس
من أهل خراسان منهم صالح بن الحجاج النميري وبشر بن بسطام بن عمران بن
الفضل البرجمي وعبد العزيز بن شماس المازني وابن ضبارة في خيل ليست معه
رجالة وقحطبة معه خيل ورجالة فرموا الخيل بالنشاب فانهزم ابن ضبارة حتى
دخل عسكره واتبعه قحطبة فترك ابن ضبارة العسكر ونادى إلى فانهزم الناس
وقتل قال على وأخبرنا المفضل بن محمد الضبي قال لما لقى قحطبة ابن ضبارة انهزم
داود بن يزيد بن عمر فسأل عنه عامر فقيل انهزم فقال لعن الله شرنا منقلبا وقاتل
حتى قتل قال على وأخبرنا حفص بن شبيب قال حدثني من شهد قحطبة وكان
معه قال ما رأيت عسكرا قط جمع ما جمع أهل الشأم بإصبهان من الخيل والسلاح
والرقيق كأنا افتتحنا مدينة وأصبنا معهم ما لا يحصى من البرابط والطنابير والمزامير
ولقل بيت أو خباء ندخله إلا أصبنا فيه زكرة أوزقا من الخمر فقال بعض الشعراء
قرضبهم قحطبة القرضب * يدعون مروان كدعوى الرب
(وفى هذه السنة) كانت وقعة قحطبة بنهاوند بمن كان لجئ إليها من جنود
66

مروان بن محمد قيل وكانت الوقعة بجابلق من أرض أصبهان يوم السبت لسبع
بقين من رجب
ذكر الخبر عن هذه الوقعة
ذكر علي بن محمد أن الحسن بن رشيد وزهير بن الهنيد أخبراه أن ابن
ضبارة لما قتل كتب بذلك قحطبة إلى ابنه الحسن فلما أتاه الكتاب كبر وكبر جنده
ونادوا بقتله فقال عاصم بن عمير السغدي ما صاح هؤلاء بقتل ابن ضبارة إلا وهو حق
فاخرجوا إلى الحسن بن قحطبة وأصحابه فإنكم لا تقومون لهم فتذهبون حيث شئتم
قبل أن يأتيه أبوه أو مدده فقالت الرجالة تخرجون وأنتم فرسان على خيول فتذهبون
وتتركوننا فقال لهم مالك بن أدهم الباهلي كتب إلى ابن هبيرة ولا أبرح حتى يقدم على
فأقاموا وأقام قحطبة بأصبهان عشرين يوما ثم سار حتى قدم على الحسن نهاوند
فحصرهم أشهرا ودعاهم إلى الأمان فأبوا فوضع عليهم المجانيق فلما رأى ذلك مالك
طلب الأمان لنفسه ولأهل الشأم وأهل خراسان لا يعلمون فأعطاه الأمان فوفى
له قحطبة ولم يقتل منهم أحدا وقتل من كان بنهاوند من أهل خراسان إلا الحكم
ابن ثابت بن أبي مسعر الحنفي وقتل من أهل خراسان أبا كامل وحاتم بن الحارث
ابن شريح وابن نصر بن سيار وعاصم بن عمير وعلي بن عقيل وبيهس بن بديل
من بنى سليم من أهل الجزيرة ورجلا من قريش يقال له البختري من أولاد عمر
ابن الخطاب رضي الله عنه وزعموا أن آل الخطاب لا يعرفونه وقطن بن حرب
الهلالي قال على وحدثنا يحيى بن الحكم الهمداني قال حدثني مولى لنا قال لما صالح
مالك بن أدهم قحطبة قال بيهس بن بديل إن ابن أدهم ليصالح علينا والله لأفتكن
به فوجد أهل خراسان أن قد فتح لهم الأبواب ودخلوا وأدخل قحطبة من كان
معه من أهل خراسان حائطا وقال غير على أرسل قحطبة إلى أهل خراسان
الذين في مدينة نهاوند يدعوهم إلى الخروج إليه وأعطاهم الأمان فأبوا ذلك ثم
أرسل إلى أهل الشأم بمثل ذلك فقبلوا ودخلوا في الأمان بعد أن حوصروا ثلاثة أشهر
شعبان ورمضان وشوال وبعث أهل الشأم إلى قحطبة يسألونه أن يشغل
67

أهل المدينة حتى يفتحوا الباب وهم لا يشعرون ففعل ذلك قحطبة وشغل أهل المدينة
بالقتال ففتح أهل الشأم الباب الذي كانوا عليه فلما رأى أهل خراسان الذين في
المدينة خروج أهل الشأم سألوهم عن خروجهم فقالوا أخذنا الأمان لنا ولكم فخرج
رؤساء أهل خراسان فدفع قحطبة كل رجل منهم إلى رجل من قواد أهل خراسان
ثم أمر فنادى مناديه من كان في يده أسير ممن خرج إلينا من أهل المدينة فليضرب
عنقه وليأتنا برأسه ففعلوا ذلك فلم يبق أحد ممن كان قد هرب من أبى مسلم وصاروا
إلى الحصن إلا قتل ما خلا أهل الشأم فإنه خلى سبيلهم وأخذ عليهم ألا يمالؤا عليه
عدوا (رجع الحديث إلى حديث على) عن شيوخه الذين ذكرت ولما أدخل
قحطبة الذين كانوا بنهاوند من أهل خراسان مع أهل الشأم الحائط قال لهم ابن
عمير ويلكم لا تدخلوا الحائط وخرج عاصم قد لبس درعه ولبس سوادا كان
معه فلقيه شاكري كان له بخراسان فعرفه فقال أبو الأسود قال نعم فأدخله في سرب
وقال لغلام له احتفظ به ولا تطلعن على مكانه أحدا وأمر قحطبة من كان عنده
أسيرا فليأتنا به فقال الغلام الذي كان وكل بعاصم إن عندي أسيرا أخاف أن
أغلب عليه فسمعه رجل من أهل اليمن فقال أرنيه فأراه إياه فعرفه فأتى قحطبة
فأخبره وقال رأس من رؤس الجبابرة فأرسل إليه فقتله ووفى لأهل الشأم فلم
يقتل منهم أحد قال على وأخبرنا أبو الحسن الخراساني وجبلة بن فروخ قالا لما
قدم قحطبة نهاوند والحسن محاصرهم أقام قحطبة عليهم ووجه الحسن إلى مرج
القلعة فقدم الحسن خازم بن خزيمة إلى حلوان وعليها عبد الله بن العلاء الكندي
فهرب من حلوان وخلاها قال على وأخبرنا محرز بن إبراهيم قال لما فتح قحطبة
نهاوند أرادوا أن يكتبوا إلى مروان باسم قحطبة فقالوا هذا اسم شنيع اقلبوه
فجاء هبط حق فقالوا الأول مع شنعته أيسر من هذا فردوه (وفى هذه السنة)
كانت وقعة أبى عون بشهرزور
ذكر الخبر عنها وعما كان فيها
ذكر على أن أبا الحسن وجبلة بن فروخ حدثاه قال وجه قحطبة أبا عون
68

عبد الملك بن يزيد الخراساني ومالك بن طريف الخراساني في أربعة آلاف إلى
شهر زور وبها عثمان بن سفيان على مقدمة عبد الله بن مروان فقدم أبو عون ومالك
فنزلا على فرسخين من شهرزور فأقاما به يوما وليلة ثم ناهضا عثمان بن سفيان
في العشرين من ذي الحجة سنة 131 فقتل عثمان بن سفيان وبعث أبو عون
بالبشارة مع إسماعيل بن المتوكل وأقام أبو عون في بلاد الموصل وقال بعضهم لم
يقتل عثمان بن سفيان ولكنه هرب إلى عبد الله بن مروان واستباح أبو عون
عسكره وقتل من أصحابه مقتلة عظيمة بعد قتال شديد وقال كان قحطبة وجه أبا عون
إلى شهر زور في ثلاثين ألفا بأمر أبى مسلم إياه بذلك قال ولما بلغ خبر أبي عون
مروان وهو بحران ارتحل منها ومعه جنود الشأم والجزيرة والموصل وحشرت
بنو أمية معه أبناءهم مقبلا إلى أبى عون حتى انتهى إلى الموصل ثم أخذ في
حفر الخنادق من خندق إلى خندق حتى نزل الزاب الأكبر وأقام أبو عون بشهرزور
بقية ذي الحجة والمحرم من سنة 132 وفرض فيها لخمسة آلاف رجل (وفى هذه
السنة) سار قحطبة نحو ابن هبيرة ذكر علي بن محمد أن أبا الحسن أخبره وزهير
ابن هنيد وإسماعيل بن أبي إسماعيل وجبلة بن فروخ قالوا لما قدم على ابن هبيرة
ابنه منهزما من حلوان خرج يزيد بن عمر بن هبيرة فقاتل قحطبة في عدد كثير
لا يحصى مع حوثرة بن سهيل الباهلي وكان مروان أمد ابن هبيرة به وجعل على
الساقة زياد بن سهل الغطفاني فسار يزيد بن عمر بن هبيرة حتى نزل جلولاء
الوقيعة وخندق فاحتفر الخندق الذي كانت العجم احتفرته أيام وقعة جلولاء
وأقبل قحطبة حتى نزل قرماسين ثم سار إلى حلوان ثم تقدم من حلوان فنزل
خانقين فارتحل قحطبة من خانقين وارتحل ابن هبيرة راجعا إلى الدسكرة
وقال هشام عن أبي مخنف قال أقبل قحطبة وابن هبيرة مخندق بجلولاء فارتفع إلى
عكيراء وجاز قحطبة دجلة ومضى حتى نزل دممادون الأنبار وارتحل ابن هبيرة
بمن معه منصرفا مبادرا إلى الكوفة لقحطبة حتى نزل في الفرات في شرقيه وقدم
حوثرة في خمسة عشر ألفا إلى الكوفة وقطع قحطبة الفرات من دمما حتى صار من
69

غربيه ثم سار يريد الكوفة حتى انتهى إلى الموضع الذي فيه ابن هبيرة (وفى هذه
السنة) حج بالناس الوليد بن عروة بن محمد بن عطية السعدي سعد هوازن وهو
ابن أخي عبد الملك بن محمد بن عطية الذي قتل أبا حمزة الخارجي وكان والى المدينة
من قبل عمه حدثني بذلك أحمد بن ثابت عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر
وكذلك قال الواقدي وغيره وقد ذكر أن الوليد بن عروة إنما كان خرج خارجا
من المدينة وكان مروان قد كتب إلى عمه عبد الملك بن محمد بن عطية يأمره أن بحج
بالناس وهو باليمن فكان من أمره ما قد ذكرت قبل فلما أبطأ عليه عمه عبد الملك
افتعل كتابا من عمه يأمره بالحج بالناس فحج بهم وذكر أن الوليد بن عروة بلغه
قتل عمه عبد الملك فمضى الذين قتلوه فقتل منهم مقتلة عظيمة وبقربطون نسائهم
وقتل الصبيان وحرق بالنيران من قدر عليه منهم وكان عامل مكة والمدينة والطائف
في هذه السنة الوليد بن عروة السعدي من قبل عمه عبد الملك بن محمد وعامل العراق
يزيد بن عمر بن هبيرة وعلى قضاء الكوفة الحجاج بن عاصم المحاربي وعلى قضاء
البصرة عباد بن منصور الناجي
ثم دخلت سنة اثنتين وثلاثين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمما كان فيها هلاك قحطبة بن شبيب
ذكر الخبر عن مهلكه وسبب ذلك
فكان السبب في ذلك أن قحطبة لما نزل خانقين مقبلا إلى ابن هبيرة وابن هبيرة
بجلولاء ارتحل ابن هبيرة من جلولاء إلى الدسكرة فبعث فيما ذكر قحطبة ابنه
الحسن طليعة ليعلم له خبر ابن هبيرة وكان ابن هبيرة راجعا إلى خندقه بجلولاء فوجد
الحسن بن هبيرة في خندقه فرجع إلى أبيه فأخبره بمكان ابن هبيرة فذكر علي بن
محمد عن زهير بن هنيد وجبلة بن فروخ وإسماعيل بن أبي إسماعيل والحسن بن رشيد
أن قحطبة قال لأصحابه لما رجع ابنه الحسن إليه وأخبره بما أخبره به من أمر ابن هبيرة
هل تعلمون طريقا يخرجنا إلى الكوفة لا نمر بابن هبيرة فقال خلف بن المورع
70

الهمذاني أحد بنى تميم نعم أنا أدلك فعبر به تامرا من روستقباذ ولزم الجادة حتى
نزل بزرج سابور وأتى عكبراء فعير دجلة إلى أوانا قال على وحدثنا إبراهيم بن
يزيد الخراساني قال نزل قحطبة بخانقين وابن هبيرة بجلولاء بينهما خمسة فراسخ
وأرسل طلائعه إلى ابن هبيرة ليعلم علمه فرجعوا إليه فأعلموه أنه مقيم فبعث قحطبة
خازم بن خزيمة وأمره أن يعبر دجلة فعبر وسار بين دجلة ودجيل حتى نزل كوثبا
ثم كتب إليه قحطبة يأمره بالمسير إلى الأنبار وأن يحدر إليه ما فيها من السفن
وما قدر عليه يعبرها ويوافيه بها بدمما فعل ذلك خازم ووافاه قحطبة بدمما ثم عبر
قحطبة الفرات في المحرم من سنة 132 ووجه الأثقال في البرية وصارت الفرسان
معه على شاطئ الفرات وابن هبيرة معسكر على فم الفرات من أرض الفلوجة
العليا على رأس ثلاثة وعشرين فرسخا من الكوفة وقد اجتمع إليه فل ابن ضبارة
وأمده مروان بحوثرة بن سهيل الباهلي في عشرين ألفا من أهل الشأم وذكر على
أن الحسن بن رشيد وجبلة بن فروخ أخبراه أن قحطبة لما ترك ابن هبيرة ومضى
يريد الكوفة قال حوثرة بن سهيل الباهلي وناس من وجوه أهل الشأم لابن هبيرة
قد مضى قحطبة إلى الكوفة فاقصد أنت خراسان ودعه ومروان فإنك تكسره
فبالحري أن يتبعك فقال ما هذا برأي ما كان ليتبعني ويدع الكوفة ولكن الرأي
أن أبادره إلى الكوفة ولما عبر قحطبة الفرات وسار على شاطئ الفرات ارتحل
ابن هبيرة من معسكره بأرض الفلوجة فاستعمل على مقدمته حوثرة به سهيل وأمره
بالمسير إلى الكوفة والفريقان يسيران على شاطئ الفرات ابن هبيرة بين الفرات
وسورا وقحطبة في عربية مما يلي البر ووقف قحطبة فعبر إليه رجل أعرابي في زورق
فسلم على قحطبة فقال ممن أنت قال من طيئ فقال الأعرابي لقحطبة اشرب من
هذا واسقني سؤرك فغرف قحطبة في قصعة فشرب وسقاه فقال الحمد الله الذي نسأ
أجلى حتى رأيت هذا الجيش يشرب من هذا الماء قال قحطبة أتتك الرواية قال
نعم قال ممن أنت قال من طيئ ثم أحد بنى نبهان فقال قحطبة صدقني امامى أخبرني
أن لي وقعة على هذا النهر لي فيها النصر يا أخا بنى نبهان هل ههنا مخاضة قال نعم
71

ولا أعرفها وأدلك على من يعرفها السندي بن عصم فأرسل إليه قحطبة فجاء
وأبو السندي وعون فدعوه على المخاضة وأمسى ووافته مقدمة ابن هبيرة في عشرين
ألفا عليهم حوثرة فذكر على عن ابن شهاب العبدي قال نزل قحطبة الحائرة فقال صدقني
الامام أخبرني أن النصر بهذا المكان وأعطى الجند أرزاقهم فرد عليه كاتبه ستة عشر
ألف درهم فضل الدرهم والدرهمين وأكثر وأقل فقال لا تزالون بخير ما كنتم على هذا
ووافته خيول الشأم وقد دلوه على مخاضة فقال إنما أنتظر شهر حرام وليلة عاشوراء وذلك
سنة 132 وأما هشام بن محمد فإنه ذكر عن أبي مخنف أن قحطبة انتهى إلى موضع مخاضة
ذكرت له وذلك عند غروب الشمس ليلة الأربعاء لثمان خلون من المحرم سنة 132
فلما انتهى قحطبة إلى المخاضة اقتحم في عدة من أصحابه حتى حمل على ابن هبيرة وولى
أصحابه منهزمين ثم نزلوا فم النيل ومضى حوثرة حتى نزل قصر ابن هبيرة وأصبح أهل
خراسان وقد فقدوا أميرهم فألقوا بأيدهم وعلى الناس الحسن بن قحطبة (رجع
الحديث إلى حديث على) عن ابن شهاب العبدي فأما صاحب علم قحطبة
خيران أو يسار مولاه قال له أعبر وقال لصاحب رايته مسعود بن علاج رجل
من بكر بن وائل أعبر وقال لصاحب شرطته عبد الحميد بن ربعي أبى غانم أحد بنى
نبهان من طيئ أعبر يا أبا غانم وأبشر بالغنيمة وعبر جماعة حتى عبر أربعمائة فقاتلوا
صحاب حوثرة حتى نحوهم عن الشريعة ولقوا محمد بن نباتة فقاتلوه ورفعوا النيران
وانهزم أهل الشأم وفقدوا قحطبة فبايعوا حميد بن قحطبة على كره منه وجعلوا
على الأثقال رجلا يقال له أبو نصر في مائتين وسار حميد حتى نزل كربلاء ثم دير
الأعور ثم العباسية قال على أخبرنا خالد بن بن الأصفح وأبو الذيال قالوا وجد
قحطبة فدفنه أبو الجهم فقال رجل من عرض الناس من كان عنده عهد من قحطبة
فليخبرنا به فقال مقاتل بن مالك العكي سمعت قحطبة يقول إن حدث لي حدث
فالحسن أمير الناس فبايع الناس حميدا للحسن وأرسلوا إلى الحسن فلحقه الرسول دون
قرية شاهي فرجع الحسن فأعطاه أبو الجهم خاتم قحطبة وبايعوه فقال الحسن إن كان
قحطبة مات فأنا ابن قحطبة وقتل في هذه الليلة ابن نبهان السدوسي وحرب بن
72

سلم بن أحوز وعيسى بن إياس العدوي ورجل من الأساورة يقال له مصعب
وادعى قتل قحطبة معن بن زائدة ويحيى بن حصن قال على قال أبو الذيال وجدوا
قحطبة قتيلا في جدول وحرب بن سلم بن أحوز قتيل إلى جنبه فظنوا أن كل واحد
منهما قتل صاحبه قال على وذكر عبد الله بن بدر قال كنت مع ابن هبيرة ليلة
قحطبة فعبروا إلينا فقاتلونا على مسناة عليها خمسة فوارس فبعث ابن هبيرة محمد بن
نباتة فتلقاهم فدفعناهم دفعا وضرب معن بن زائدة قحطبة على حبل عاتقه فأسرع
فيه السيف فسقط قحطبة في الماء فأخرجوه فقال شدوا يدي فشدوها بعمامة فقال
إن مت فألقوني في الماء لا يعلم أحد بقتلى وكر عليهم أهل خراسان فانكشف
ابن نباتة وأهل الشأم فاتبعونا وقد أخذ طائفة في وجه ولحقنا قوم من أهل خراسان
فقاتلناهم طويلا فما نجونا إلا برجلين من أهل الشأم قاتلوا عنا قتالا شديدا فقال
بعض الخراسانية دعوا هؤلاء الكلاب بالفارسية فانصرفوا عنا ومات قحطبة
وقال قبل موته إذا قدمتم الكوفة فوزير الإمام أبو سلمة فسلموا هذا الامر إليه
ورجع ابن هبيرة إلى واسط (وقد قيل) في هلاك قحطبة قول غير الذي قاله من
ذكرنا قوله من شيوخ علي بن محمد والذي قيل من ذلك أن قحطبة لما صار بحذاء
ابن هبيرة من الجانب الغربي من الفرات وبينهما الفرات قدم الحسن ابنه على
مقدمته ثم أمر عبد الله الطائي ومسعود بن علاج وأسد بن المرزبان وأصحابهم
بالعبور على خيولهم في الفرات فعبروا بعد العصر فطعن أول فارس لقيهم من
أصحاب ابن هبيرة فولوا منهزمين حتى بلغت هزيمتهم جسر سوار حتى اعترضهم
سويد صاحب شرطة ابن هبيرة فضرب وجوههم ووجوه دوابهم حتى ردهم إلى
موضعهم وذلك عند المغرب حتى انتهوا إلى مسعود بن علاج ومن معه فكثروهم
فأمر قحطبة المخارق بن غفار وعبد الله بسام وسلمة بن محمد وهم في جريدة خيل
أن يعبروا فيكونوا رداء المسعودين علاج فعبروا ولقيهم محمد بن نباتة فحصر
سلمة ومن معه بقرية على شاطئ الفرات وترجل سلمة ومن معه وحمى القتال فجعل
محمد بن نباتة يحمل على سلمة وأصحابه فيقتل العشرة والعشرين ويحمل سلمة وأصحابه
73

على محمد بن نباتة وأصحابه فيقتل منهم المائة والمائتين وبعث سلمة إلى قحطبة
يستمده فأمده بقواده جميعا ثم عبر قحطبة بفرسانه وأمر كل فارس أن يردف
رجلا وذلك ليلة الخميس لليال خلون من المحرم ثم واقع قحطبة محمد بن نباتة
ومن معه فاقتتلوا قتالا شديدا فهزمهم قحطبة حتى ألحقهم بابن هبيرة وانهزم
ابن هبيرة بهزيمة ابن نباتة وخلوا عسكرهم وما فيه من الأموال والسلاح والزينة
والآنية وغير ذلك ومضت بهم الهزيمة حتى قطعوا جسر الصراة وساروا ليلتهم
حتى أصبحوا بفم النيل وأصبح أصحاب قحطبة وقد فقدوه فلم يزالوا في رجاء
منه إلى نصف النهار ثم يئسوا منه وعلموا بغرقه فأجمع القواد على الحسن بن قحطبة
فولوه الامر وبايعوه فقام بالامر وتولاه وأمر بإحصاء ما في عسكر ابن هبيرة
ووكل بذلك رجلا من أهل خراسان يكنى أبا النصر في مائتي فارس وأمر بحمل
الغنائم في السفن إلى الكوفة ثم ارتحل الحسن بالجنود حتى نزل كربلاء ثم ارتحل
فنزل سورا ثم نزل بعدها دير الأعور ثم سار منها فنزل العباسية وبلغ حوثرة
هزيمة ابن هبيرة فخرج بمن معه حتى لحق بابن هبيرة بواسط وكان سبب قتل
قحطبة فيما قال هؤلاء أن أحلم بن إبراهيم بن بسام مولى بنى ليث قال لما رأيت
قحطبة في الفرات وقد سبحت به دابته حتى كادت تعبر به من الجانب الذي كنت
فيه أنا وبسام بن إبراهيم أخي وكان بسام على مقدمة قحطبة فذكرت من قتل
من ولد نصر بن سيار وأشياء ذكرتها منه وقد أشفقت على أخي بسام بن إبراهيم
لشئ بلغه عنه فقلت لا طلبت بثار أبدا إن نجوت الليلة قال فأتلقاه وقد صعدت
به دابته لتخرج من الفرات وأنا على الشط فضربته بالسيف على جبينه فوثب
فرسه وأعجله الموت فذهب في الفرات بسلاحه ثم أخبر ابن حصين السعدي
بعد موت أحلم بن إبراهيم بمثل ذلك وقال لولا أنه أقر بذلك عند موته ما أخبرت
عنه بشئ (وفى هذه السنة) خرج محمد بن خالد بالكوفة وسود قبل ان يدخلها
الحسن بن قحطبة وخرج عنها عامل ابن هبيرة ثم دخلها الحسن
74

ذكر الخبر عما كان من أمر من ذكرت
ذكر هشام عن أبي مخنف قال خرج محمد بن خالد بالكوفة في ليلة عاشوراء
وعلى الكوفة زياد بن صالح الحارثي وعلى شرطه عبد الرحمن بن بشير العجلي
وسود محمد وسار إلى القصر فارتحل زياد بن صالح وعبد الرحمن بن بشير العجلي
ومن معهم من أهل الشأم وخلوا القصر فدخله محمد بن خالد فلما أصبح يوم الجمعة
وذلك صبيحة اليوم الثاني من مهلك قحطبة بلغه نزول حوثرة ومن معه مدينة ابن هبيرة
وانه تهيأ للمسير إلى محمد فتفرق عن محمد عامة من معه حيث بلغهم نزول حوثرة
مدينة ابن هبيرة ومسيره إلى محمد لقتاله الا فرسانا من فرسان أهل اليمن ممن كان هرب
من مروان ومواليه وأرسل إليه أبو سلمة الخلال ولم يظهر بعد يأمره بالخروج من
القصر واللحاق بأسفل الفرات فإنه يخاف عليه لقلة من معه وكثرة من مع
حوثرة ولم يبلغ أحدا من الفريقين هلاك قحطبة فأبى محمد بن خالد أن يفعل حتى
تعالى النهار فتهيأ حوثرة للمسير إلى محمد بن خالد حيث بلغه قلة من معه وخذلان
العامة له فبينا محمد في القصر إذ أتاه بعض طلائعه فقال له خيل قد جاءت من أهل
الشأم فوجه إليهم عدة من مواليه فأقاموا بباب دار عمر بن سعد إذ طلعت الرايات
لأهل الشأم فتهيؤا لقتالهم فنادى الشأميون نحن بجيلة وفينا مليح بن خالد البجلي
جئنا لندخل في طاعة الأمير فدخلوا ثم جاءت خيل أعظم منها مع رجل من آل
بحدل فلما رأى ذلك حوثرة من صنيع أصحابه ارتحل نحو واسط بمن معه وكتب
محمد بن خالد من ليلته إلى قحطبة وهو لا يعلم بهلكه يعلمه أنه قد ظفر بالكوفة
وعجل به مع فارس فقدم على الحسن بن قحطبة فلما دفع إليه كتاب محمد بن خالد
قرأه على الناس ثم ارتحل نحو الكوفة فأقام محمد بالكوفة يوم الجمعة والسبت
والاحد وصبحه الحسن يوم الاثنين فأتوا أبا سلمة وهو في بنى سلمة فاستخرجوه
فعسكر بالنخيلة يومين ثم ارتحل إلى حمام أعين ووجه الحسن بن قحطبة إلى واسط
لقتال ابن هبيرة وأما علي بن محمد فإنه ذكر أن عمارة مولى جبرائيل بن يحيى أخبره
قال بايع أهل خراسان الحسن بعد قحطبة فأقبل إلى الكوفة وعليها يومئذ عبد الرحمن
75

ابن بشير العجلي فأتاه رجل من بنى ضبة فقال إن الحسن داخل اليوم أو غدا قال
كأنك جئت ترهبني وضربه ثلثمائة سوط ثم هرب فسود محمد بن خالد بن عبد الله
القسري فخرج في أحد عشر رجلا ودعا الناس إلى البيعة وضبط الكوفة فدخل
الحسن من الغد فكانوا يسألون في الطريق أين منزل أبى سلمة وزير آل محمد فدلوهم
عليه فجاءوا حتى وقفوا على بابه فخرج إليهم فقدموا له دابة من دواب قحطبة فركبها
وجاء حتى وقف في جبانة السبيع وبايع أهل خراسان فمكث أبو سلمة حفص
ابن سليمان مولى السبيع يقال له وزير آل محمد واستعمل محمد بن خالد بن عبد الله
القسري على الكوفة وكان يقال له الأمير حتى ظهر أبو العباس وقال على أخبرنا
جبلة بن فروخ وأبو صالح المروزي وعمارة مولى جبرائيل وأبو السرى وغيرهم
ممن قد أدرك أول دعوة بنى العباس قالوا ثم وجه الحسن بن قحطبة إلى ابن هبيرة
بواسط وضم إليه قوادا منهم خازم بن خزيمة ومقاتل بن حكيم العكي وخفاف
ابن منصور وسعيد بن عمرو وزياد بن مشكان والفضل بن سليمان وعبد الكريم
ابن مسلم وعثمان بن نهيك وزهير بن محمد والهيثم بن زياد وأبو خالد المروزي
وغيرهم سنة عشر قائدا وعلى جميعهم الحسن بن قحطبة ووجه حميد بن قحطبة
إلى المدائن في قواد منهم عبد الرحمن بن نعيم ومسعود بن علاج كل قائد في أصحابه
وبعث المسيب بن زهير وخالد بن برمك إلى ديرقنى وبعث المهلبي وشراحيل في
أربعمائة إلى عين التمر وبسام بن إبراهيم بن بسام إلى الأهواز وبها عبد الواحد
ابن عمر بن هبيرة فلما أتى بسام الأهواز خرج عبد الواحد إلى البصرة وكتب
مع حفص بن السبيع إلى سفيان بن معاوية بعهده على البصرة فقال له الحارث
أبو غسان الحارثي وكان يتكهن وهو أحد بنى الديان لا ينفذ هذا العهد فقدم
الكتاب على سفيان فقاتله سلم بن قتيبة وبطل عهد سفيان وخرج أبو سلمة فعسكر
عند حمام أعين على نحو من ثلاثة فراسخ من الكوفة فأقام محمد بن خالد بن عبد الله
بالكوفة وكان سبب قتال سلم بن قتيبة سفيان بن معاوية بن يزيد بن المهلب فيما
ذكر أن أبا سلمة الخلال وجه إذ فرق العمال في البلدان بسام بن إبراهيم مولى بنى
76

ليث إلى عبد الواحد بن عمر بن هبيرة وهو بالأهواز فقاتله بسام حتى فضه فلحق
سلم بن قتيبة الباهلي بالبصرة وهو يومئذ عامل ليزيد بن عمر بن هبيرة وكتب
أبو سلمة إلى الحسن بن قحطبة أن يوجه إلى سلم من أحب من قواده وكتب
إلى سفيان بن معاوية بعهده على البصرة وأمره أن يظهر بها دعوة بنى العباس
ويدعو إلى القائم منهم وبقى سلم بن قتيبة فكتب سفيان إلى سلم يأمره بالتحول
عن دار الامارة ويخبره بما أتاه من رأى أبى سلمة فأبى سلم ذلك وامتنع منه
وحشد مع سفيان جميع اليمانية وحلفاءهم من ربيعة وغيرهم وجنح إليه قائد من
قواد ابن هبيرة كان بعثه مددا لسلم في ألفى رجل من كلب فأجمع السير إلى سلم
ابن قتيبة فاستعد له سلم وحشد معه من قدر عليه من قيس وأحياء مضر ومن كان
بالبصرة من بنى أمية ومواليهم وسارعت بنو أمية إلى نصره فقدم سفيان
يوم الخميس وذلك في صفر فأتى المربد سلم فوقف منه عند سوق الإبل ووجه الخيول
في سكة المربد وسائر سكك البصرة للقاء من وجه إليه سفيان ونادى من جاء برأس
فله خمسمائة ومن جاء بأسير فله ألف درهم ومضى معاوية بن سفيان بن معاوية
في ربيعة خاصة فلقيه رجل من تميم في السكة التي تأخذ لبنى عامر من سكة المربد
عند الدار التي صارت لعمر بن حبيب فطعن رجل منهم فرس معاوية فشب به
فصرعه ونزل إليه رجل من بنى ضبة يقال له عياض فقتله وحمل رأسه إلى سلم
ابن قتيبة فأعطاه ألف درهم فانكسر سفيان لقتل ابنه فانهزم ومن معه وخرج
من فوره هو وأهل بيته حتى أتى القصر الأبيض فنزلوه ثم ارتحلوا منه إلى كسكر
وقدم على سلم بعد غلبته على البصرة جابر بن توبة الكلابي والوليد بن عتبة
الفراسي من ولد عبد الرحمن بن سمرة في أربعة آلاف رجل كتب إليهم ابن هبيرة
أن يصيروا مددا لسلم وهو بالأهواز فغدا جابر بمن معه على دور المهلب وسائر
الأزد فأغاروا عليهم فقاتلهم من بقى من رجال الأزد قتالا شديدا حتى كثرت
القتلى فيهم فانهزموا فسبى جابر ومن معه من أصحابه النساء وهدموا الدور
وانتهبوا فكان ذلك من فعلهم ثلاثة أيام فلم يزل سلم مقيما بالبصرة حتى بلغه قتل
77

ابن هبيرة فشخص عنها فاجتمع من بالبصرة من ولد الحارث ابن عبد المطلب إلى
محمد بن جعفر فولوه أمرهم فوليهم أياما يسيرة حتى قدم البصرة أبو مالك عبد الله بن
أسيد الخزاعي من قبل أبى مسلم فوليها خمسة أيام فلما قام أبو العباس ولا هاسفيان بن
معاوية (وفى هذه السنة) بويع لأبي العباس عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله
ابن العباس بن عبد المطلب بن هاشم ليلة الجمعة لثلاث عشرة مضت من شهر ربيع
الآخر كذلك حدثني أحمد بن ثابت عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر
وكذلك قال هشام بن محمد وأما الواقدي فإنه قال بويع لأبي العباس بالمدينة بالخلافة
في جمادى الأولى في سنة 132 قال الواقدي وقال لي أبو معشر في شهر ربيع الأول
سنة 132 وهو الثبت
خلافة أبى العباس عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس
ذكر الخبر عن سبب خلافته
وكان بدء ذلك فيما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه أعلم عباس
ابن عبد المطلب أنه تؤول الخلافة إلى ولده فلم يزل ولده يتوقعون ذلك ويتحدثون
به بينهم وذكر علي بن محمد ان إسماعيل بن الحسن حدثه عن رشيد بن كريب ان
أبا هاشم خرج إلى الشأم فلقى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس فقال يا ابن عم إن
عندي علما أنبذه إليك فلا تطلعن عليه أحدا إن هذا الامر الذي ترتجيه الناس
فيكم قال قد علمت فلا يسمعنه منك أحد قال على فأخبرنا سليمان بن داود عن
خالد بن عجلان قال لما خلف ابن الأشعث وكتب الحجاج بن يوسف إلى عبد الملك
أرسل عبد الملك إلى خالد بن يزيد فأخبره فقال أما إذا كان الفتق من سجستان
فليس عليك بأس إنما كنا نتخوف لو كان من خراسان وقال على أخبرنا الحسن
ابن رشيد وجبلة بن فروخ التاجي ويحيى بن طفيل والنعمان بن سرى وأبو حفص
الأزدي وغيرهم أن الإمام محمد بن علي بن عبد الله بن عباس قال لنا ثلاث أوقات
موت الطاغية يزيد بن معاوية ورأس المائة وفتق إفريقية فعند ذلك يدعو لنا
78

دعاة ثم تقبل أنصارنا من المشرق حتى ترد خيولهم المغرب ويستخرجوا ما كنز
الجبارون فيها فلما قتل يزيد بن أبي مسلم بإفريقية ونقضت البربر بعث محمد بن علي
رجلا إلى خراسان وأمره أن يدعو إلى الرضى ولا يسمى أحدا وقد ذكرنا
قبل خبر محمد بن علي وخبر الدعاة الذي وجههم إلى خراسان ثم مات محمد
ابن علي وجعل وصيه من بعده ابنه إبراهيم فبعث إبراهيم بن محمد إلى خراسان
أبا سلمة حفص بن سليمان مولى السبيع وكتب معه إلى النقباء بخراسان فقبلوا كتبه
وقام فيهم ثم رجع إليه فرده ومعه أبو مسلم وقد ذكرنا أمر أبى مسلم قبل وخبره ثم
وقع في يد مروان بن محمد كتاب لإبراهيم بن محمد إلى أبى مسلم جواب كتاب
لأبي مسلم يأمره بقتل كل من يتكلم بالعربية بخراسان فكتب مروان إلى عامله
بدمشق يأمره بالكتاب إلى صاحبه بالبلقاء أن يسير إلى الحميمة ويأخذ إبراهيم
ابن محمد ويوجه به إليه فذكر أبو زيد عمر بن شبة أن عيسى بن عبد الله بن محمد بن
عمر بن علي بن أبي طالب حدثه عن عثمان بن عروة بن محمد ين عمار بن ياسر قال
إني مع أبي جعفر بالحميمة ومعه ابناه محمد وجعفر وأنا ارقصهما إذ قال لي ماذا
تصنع أما ترى إلى ما نحن فيه قال فنظرت فإذا رسل مروان تطلب إبراهيم بن محمد
قال فقلت دعني أخرج إليهم قال تخرج من بيتي وأنت ابن عمار بن ياسر قال فأخذوا
أبواب المسجد حين صلوا الصبح ثم قالوا ليستأمن الذين معهم أين إبراهيم بن محمد
فقالوا هو ذا فأخذوه وقد كان مروان أمرهم بأخذ إبراهيم ووصفه لهم صفة
أبى العباس التي كان يجدها في الكتب انه يقتلهم فلما أتوه بإبراهيم قال ليس هذه
الصفة التي وصفت لكم فقالوا قد رأينا الصفة التي وصفت فردهم في طلبه ونذروا
فخرجوا إلى العراق هرابا قال عمرو حدثني عبد الله بن كثير بن الحسن العبدي
قال أخبرني علي بن موسى عن أبيه قال بعث مروان بن محمد رسولا إلى الحميمة
يأتيه بإبراهيم بن محمد ووصف له صفته فقدم الرسول فوجد الصفة صفة
أبى العباس عبد الله بن محمد فلما ظهر إبراهيم بن محمد وأمن قيل للرسول انما أمرت
بإبراهيم وهذا عبد الله فلما تظاهر ذلك عنده ترك أبا العباس وأخذ إبراهيم وانطلق
79

به قال فشخصت معه أنا وأناس من بنى العباس ومواليهم فانطلق بإبراهيم ومعه
أم ولد له كان بها معجبا فقلنا له انما أتاك رجل فهلم فلنقتله ثم ننكفئ إلى
الكوفة فهم لنا شيعة فقال ذلك لكم قلنا فأمهل حتى نصير إلى الطريق التي تخرجنا
إلى العراق قال فسرنا حتى صرنا إلى طريق تتشعب إلى العراق وأخرى إلى الجزيرة
فنزلنا منزلا وكان إذا أراد التعريس اعتزل لمكان أم ولده فأتيناه للامر الذي
اجتمعنا عليه فصرخنا به فقام ليخرج فتعلقت به أم ولده وقالت هذا وقت لم تكن
تخرج فيه فما هاجك فالتوى عليها فأبت حتى أخبرها فقالت أنشدك الله ان تقتله
فتشئم أهلك والله لئن قتلته لا يبقى مروان من آل العباس أحدا بالحميمة إلا قتله ولم
تفارقه حتى حلف لها ألا يفعل ثم خرج إلينا وأخبرنا فقلنا أنت أعلم قال عبد الله
فحدثني ابن لعبد الحميد بن يحيى كاتب مروان عن أبيه قال قلت لمروان بن محمد أتتهمني
قال لا قلت أفيحطك صهره قال لا قلت فانى أرى أمره ينبغ عليك فأنكحه
وأنكح إليه فان ظهر كنت قد أعلقت بينك وبينه سببا لا ترتبك معه وان كفيته
لم يشنك صهره قال ويحك والله لو علمته صاحب ذاك لسبقت إليه ولكن ليس
بصاحب ذلك وذكران إبراهيم بن محمد حين أخذ للمضي به إلى مروان نعى
إلى أهل بيته حين شيعوه نفسه وأمرهم بالمسير إلى الكوفة مع أخيه أبى العباس
عبد الله بن محمد وبالسمع له وبالطاعة وأوصى إلى أبى العباس وجعله الخليفة بعده
فشخص أبو العباس عند ذلك ومن معه من أهل بيته منهم عبد الله بن محمد
وداود وعيسى وصالح وإسماعيل وعبد الله وعبد الصمد بنو على ويحيى بن
محمد وعيسى بن موسى بن محمد بن علي وعبد الوهاب ومحمد ابنا إبراهيم
وموسى بن داود ويحيى بن جعفر بن تمام حتى قدموا الكوفة في صفر فأنزلهم
أبو سلمة دار الوليد بن سعد مولى بني هاشم في بنى أود وكتم أمرهم نحوا من أربعين
ليلة من جميع القواد والشيعة وأراد فيما ذكر أبو سلمة تحويل الامر إلى آل أبي طالب
لما بلغه الخبر عن موت إبراهيم بن محمد فذكر علي بن محمد أن جبلة بن فروخ
وأبا السرى وغيرهما قالا قدم الامام الكوفة في ناس من أهل بيته فاختفوا فقال
80

أبو الجهم لأبي سلمة ما فعل الإمام قال لم يقدم بعد فألح عليه يسأله قال قد أكثرت
السؤال وليس هذا وقت خروج حتى لقى أبو حميد خادما لأبي العباس يقال له
سابق الخوارزمي فسأله عن أصحابه فأخبره أنهم بالكوفة وأن أبا سلمة يأمرهم
أن يختفوا فجاء به إلى أبى الجهم فأخبره خبرهم فسرح أبو الجهم أبا حميد مع سابق
حتى عرف منزلهم بالكوفة ثم رجع وجاء معه إبراهيم بن سلمة رجل كان معهم
فأخبر أبا الجهم عن منزلهم ونزول الامام بنى أود وأنه أرسل حين قدموا إلى أبى
سلمة يسأله مائة دينار فلم يفعل فمشى أبو الجهم وأبو حميد وإبراهيم إلى موسى بن
كعب وقصوا عليه القصة وبعثوا إلى الامام بمائتي دينار ومضى أبو الجهم إلى
أبى سلمة فسأله عن الامام فقال ليس هذا وقت خروج لان واسطا لم تفتح
بعد فرجع أبو الجهم إلى موسى بن كعب فأخبره فأجمعوا على أن يلقوا الامام
فمضى موسى بن كعب وأبو الجهم وعبد الحميد بن ربعي وسلمة بن محمد
وإبراهيم بن سلمة وعبد الله الطائي وإسحاق بن إبراهيم وشراحيل وعبد الله بن
بسام وأبو حميد محمد بن إبراهيم وسليمان بن الأسود ومحمد بن الحصين إلى الامام
فبلغ أبا سلمة فسأل عنهم فقيل ركبوا إلى الكوفة في حاجة لهم وأتى القوم أبا العباس
فدخلوا عليه فقالوا أيكم عبد الله بن محمد بن الحارثية فقالوا هذا فسلموا عليه
بالخلافة فرجع موسى بن كعب وأبو الجهم وأمر أبو الجهم الآخرين فتخلفوا
عند الامام فأرسل أبو سلمة إلى أبى الجهم أين كنت قال ركبت إلى إمامي فركب
أبو سلمة إليهم فأرسل أبو الجهم إلى أبى حميد أن أبا سلمة قد أتاكم فلا يدخلن على
الامام إلا وحده فلما انتهى إليهم أبو سلمة منعوه أن يدخل معه أحد فدخل وحده
فسلم بالخلافة على أبى العباس وخرج أبو العباس على برذون أبلق يوم الجمعة
فصلى بالناس فأخبرنا عمار مولى جبرئيل وأبو عبد الله السلمي أن أبا سلمة لما سلم
على أبى العباس بالخلافة قال له أبو حميد على رغم أنفك يا ماص بظر أمه فقال له
أبو العباس مه وذكر أن أبا العباس لما صعد المنبر حين بويع له بالخلافة قام في
أعلاه وصعد داود بن علي فقام دونه فتكلم أبو العباس فقال الحمد لله الذي اصطفى
81

الاسلام لنفسه تكرمة وشرفه وعظمه واختاره لنا وأيده بنا وجعلنا أهله وكهفه
وحصنه والقوام به والذابين عنه والناصرين له وألزمنا كلمة التقوى وجعلنا
أحق بها وأهلها وخصنا برحم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابته وأنشأنا من
آبائه وأنبتنا من شجرته واشتقنا من نبعته جعله من أنفسنا عزيزا عليه ما عنتنا
حريصا علينا بالمؤمنين رؤفا رحيما ووضعنا من الاسلام وأهله بالموضع الرفيع
وأنزل بذلك على أهل الاسلام كتابا يتلى عليهم فقال عز من قائل فيما أنزل من محكم
القرآن (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم
تطهيرا) وقال: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) وقال:
(وأنذر عشيرتك الأقربين) وقال: (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى
فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى) وقال: (واعلموا أنما غنمتم من شئ
فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى) فأعلمهم جل ثناؤه فضلنا وأوجب
عليهم حقنا ومودتنا وأجزل من الفئ والغنيمة نصيبنا تكرمة لنا وفضلا علينا
والله ذو الفضل العظيم وزعمت السبائية الضلال أن غير نا أحق بالرئاسة والسياسة
والخلافة منا فشاهت وجوههم بم ولم أيها الناس وبنا هدى الله الناس بعد ضلالتهم
وبصرهم بعد جهالتهم وأنقذهم بعد هلكتهم وأظهر بنا الحق وأدحض بنا الباطل
وأصلح بنا منهم ما كان فاسدا ورفع بنا الخسيسة وتم بنا النقيصة وجمع الفرقة
حتى عاد الناس بعد العداوة أهل تعاطف وبر ومواساة في دينهم ودنياهم وإخوانا
على سرر متقابلين في آخرتهم فتح الله ذلك منة ومنحة لمحمد صلى الله عليه وسلم
فلما قبضه الله إليه قام بذلك الامر من بعده أصحابه وأمرهم شورى بينهم فحووا
مواريث الأمم فعدلوا فيها ووضعوها مواضعها وأعطوها أهلها وخرجوا خماصا
منها ثم وثب بنو حرب ومروان فابتزوها وتداولوها بينهم فجاروا فيها واستأثروا
بها وظلموا أهلها فأملى الله لهم حينا حتى آسفوه فلما آسفوه انتقم منهم بأيدينا ورد
علينا حقنا وتدارك بنا أمتنا وولى نصرنا والقيام بأمرنا ليمن بنا على الذين
استضعفوا في الأرض وختم بنا كما افتتح بنا وإني لأرجو أن لا يأتيكم الجور من
82

حيث أتاكم الخير ولا الفساد من حيث جاءكم الصلاح وما توفيقنا أهل البيت
إلا بالله يا أهل الكوفة أنتم محل محبتنا ومنزل مودتنا أنتم الذين لم تتغيروا عن
ذلك ولم يثنكم عن ذلك تحامل أهل الجور عليكم حتى أدركتم زماننا وأتاكم الله بدولتنا
فأنتم أسعد الناس بنا وأكرمهم علينا وقد زدتكم في أعطياتكم مائة درهم فاستعدوا
فأنا السفاح المبيح والثائر المبير وكان موعوكا فاشتد به الوعك فجلس على المنبر
وصعد داود بن علي فقام دونه على مراقي المنبر فقال الحمد لله شكرا شكرا شكرا الذي
أهلك عدونا وأصار إلينا ميراثنا من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أيها الناس الآن
أقشعت حنادس الدنيا وانكشف غطاؤها وأشرقت أرضها وسماؤها وطلعت
الشمس من مطلعها وبزغ القمر من مبزغه وأخذ القوس باريها وعاد السهم إلى
منزعه ورجع الحق ونصابه في أهل بيت نبيكم أهل الرأفة والرحمة بكم والعطف
عليكم أيها الناس إنا والله ما خرجنا في طلب هذا الامر لنكثر لجينا ولا عقيانا
ولا نحفر نهرا ولا نبني قصرا وإنما أخرجنا الانفة من ابتزازهم حقنا
والغضب لبنى عمنا وما كرثنا من أموركم وبهظنا من شؤونكم ولقد كانت
أموركم ترمضنا ونحن على فرشنا ويشتد علينا سوء سيرة بنى أمية فيكم
وخرقهم بكم واستذلالهم لكم واستئثارهم وبفيئكم وصدقاتكم ومغانمكم عليكم
لكم ذمة الله تبارك وتعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وآله وذمة العباس
رحمه الله أن نحكم فيكم بما أنزل الله ونعمل فيكم بكتاب الله ونسير في العامة
منكم والخاصة بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم تبا تبا لبني حرب بن أمية
وبنى مروان آثروا في مدتهم وعصرهم العاجلة على الآجلة والدار الفانية على
الدار الباقية فركبوا الآثام وظلموا الأنام وانتهكوا المحارم وغشوا الجرائم
وجاروا في سيرتهم في العباد وسنتهم في البلاد التي بها استلذوا تسربل الأوزار
وتجلبب الآصار ومرحوا في أعنة المعاصي وركضوا في ميادين الغى جهلا باستدراج
الله وأمنا لمكر الله فأتاهم بأس الله بياتا وهم نائمون فأصبحوا أحاديث ومزقوا
كل ممزق فبعدا للقوم الظالمين وأدالنا الله من مروان وقد غره بالله الغرور أرسل
83

لعدو الله في عنانه حتى عثر في فضل خطامه فظن عدو الله أن لن نقدر عليه فنادى
حزبه وجمع مكايده ورمى بكتائبه فوجد أمامه ووراءه وعن يمينه وشماله من مكر
الله وبأسه ونقمته ما أمات باطله ومحق ضلاله وجعل دائرة السوء به وأحيا
شرفنا وعزنا ورد إلينا حقنا وإرثنا أيها الناس إن أمير المؤمنين نصره الله نصرا
عزيزا إنما غاد إلى المنبر بعد الصلاة انه كره أن يخلط بكلام الجمعة غيره وانما قطعه
عن استتمام الكلام بعد أن اسحنفر فيه شدة الوعك وادعوا الله لأمير المؤمنين
بالعافية فقد أبدلكم الله بمروان عدو الرحمن وخليفة الشيطان المتبع للسفلة الذين
أفسدوا في الأرض بعد صلاحها بإبدال الدين وانتهاك حريم المسلمين الشاب
المتكهل المتمهل المقتدى بسلفه الأبرار الأخيار الذين أصلحوا الأرض بعد
فسادها بمعالم الهدى ومناهج التقوى فعج الناس له بالدعاء ثم قال يا أهل الكوفة
إنا والله ما زلنا مظلومين مقهورين على حقنا حتى أتاح الله لنا شيعتنا أهل خراسان
فأحيا بهم حقنا وأفلج بهم حجتنا وأظهر بهم دولتنا وأراكم الله ما كنتم به تنتظرون
وإليه تتشوفون فأظهر فيكم الخليفة من هاشم وبيض به وجوهكم وأدالكم على
أهل الشأم ونقل إليكم السلطان وعز الاسلام ومن عليكم بإمام منحه العدالة
وأعطاه حسن الأيالة فخذوا ما آتاكم الله بشكر والزموا طاعتنا ولا تخدعوا عن
أنفسكم فان الامر أمركم فان لكل أهل بيت مصرا وإنكم مصرنا ألا وإنه
ما صعد منبركم هذا خليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الا أمير المؤمنين على
ابن أبي طالب وأمير المؤمنين عبد الله بن محمد وأشار بيده إلى أبى العباس فاعلموا
أن هذا الامر فينا ليس بخارج منا حتى نسلمه إلى عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم
والحمد لله رب العالمين على ما أبلانا وأولانا ثم نزل أبو العباس وداود بن علي
أمامه حتى دخل القصر وأجلس أبا جعفر ليأخذ البيعة على الناس في المسجد فلم يزل
يأخذها عليهم حتى صلى بهم العصر ثم صلى بهم المغرب وجنهم الليل فدخل وذكر
أن داود بن علي وابنه موسى كانا بالعراق أو بغيرها فخرجا يريدان الشراة فلقيهما
أبو العباس يريد الكوفة معه أخوه أبو جعفر عبد الله بن محمد وعبد الله بن علي
84

وعيسى بن موسى ويحيى بن جعفر بن تمام بن العباس ونفر عن مواليهم بدومة
الجندل فقال لهم داود أين تريدون وما قصتكم فقص عليه أبو العباس قصتهم
وأنهم يريدون الكوفة ليظهروا بها ويظهروا أمرهم فقال له داود يا أبا العباس
تأتى الكوفة وشيخ بنى مروان مروان بن محمد بحران مطل على العراق في أهل
الشأم والجزيرة وشيخ العرب يزيد بن عمر بن هبيرة بالعراق في حلبة العرب
فقال أبو الغنائم من أحب الحياة ذل ثم تمثل بقول الأعشى
فما ميتة أن متها غير عاجز * بعار إذا ما غالت النفس غولها
فالتفت داود إلى ابنه موسى فقال صدق والله ابن عمك فارجع بنا معه نعش
أعزاء أو نمت كراما فرجعوا جميعا فكان عيسى بن موسى يقول إذا ذكر خروجهم
من الحميمة يريدون الكوفة ان نفرا أربعة عشر رجلا خرجوا من دارهم وأهليهم
يطلبون مطالبنا لعظيم همهم كبيرة أنفسهم شديدة قلوبهم
ذكر بقية الخبر عما كان من الاحداث في سنة اثنتين وثلاثين ومائة
تمام الخبر عن سبب البيعة لأبي العباس عبد الله بن محمد بن علي وما كان من أمره
(قال أبو جعفر) قد ذكرنا من أمر أبى العباس عبد الله بن محمد بن علي ما
حضرنا ذكره قبل عمن ذكرنا ذلك عنه وقد ذكرنا من أمره وأمر أبى سلمة
وسبب عقد الخلافة لأبي العباس أيضا ما أنا ذاكره وهو أنه لما بلغ أبا سلمة قتل
مروان بن محمد إبراهيم الذي كان يقال له الامام بدا له في الدعاء إلى أولاد العباس
وأضمر الدعاء لغيرهم وكان أبو سلمة قد أنزل أبا العباس حين قدم الكوفة مع من
قدم معه من أهل بيته في دار الوليد بن سعد في بنى أود فكان أبو سلمة إذا سئل
عن الامام يقول لا تعجلوا فلم يزل ذلك من أمره وهو في معسكره بحمام أعين
حتى خرج أبو حميد وهو يريد الكناسة فلقى خادما لإبراهيم يقال له سابق الخوارزمي
فعرفه وكان يأتيهم بالشام فقال له ما فعل الامام إبراهيم فأخبره أن مروان قتله
غيلة وأن إبراهيم أوصى إلى أخيه أبى العباس واستخلفه من بعده وأنه قدم الكوفة
ومعه عامة أهل بيته فسأله أبو حميد أن ينطلق به إليهم فقال له سابق الموعد بيني
85

وبينك غدا في هذا الموضع وكره سابق أن يدل عليهم إلا بإذنهم فرجع أبو حميد
من الغد إلى الموضع الذي وعد فيه سابقا فلقيه فانطلق به إلى أبى العباس وأهل
بيته فلما دخل عليهم سأل أبو حميد من الخليفة منهم فقال داود بن علي هذا امامكم
وخليفتكم وأشار إلى أبى العباس فسلم عليه بالخلافة وقبل يديه ورجليه وقال
مرنا بأمرك وعزاه بالامام إبراهيم وقد كان إبراهيم بن سلمة دخل عسكر أبى سلمة
متنكرا فأتى أبا الجهم فاستأمنه فأخبره أنه رسول أبى العباس وأهل بيته وأخبره بمن
معه وبموضعهم وأن أبا العباس كان سرحه إلى أبى سلمة يسأله مائة دينار يعطيها الجمال
كراء الجمال التي قدم بهم عليها فلم يبعث بها إليهم ورجع أبو حميد إلى أبى الجهم فأخبره بحالهم
فمشى أبو الجهم وأبو حميد ومعهما إبراهيم بن سلمة حتى دخلوا على موسى بن كعب فقص
عليه أبو الجهم الخبر وما أخبره إبراهيم بن سلمة فقال موسى بن كعب عجل البعثة
إليه بالدنانير وسرحه فانصرف أبو الجهم ودفع الدنانير إلى إبراهيم بن سلمة
وحمله على بغل وسرح معه رجلين حتى دخلا الكوفة ثم قال أبو الجهم لأبي سلمة
وقد شاع في العسكر أن مروان بن محمد قد قتل الامام فإن كان قد قتل كان أخوه
العباس الخليفة والامام من بعده فرد عليهم أبو سلمة يا أبا الجهم اكفف أبا حميد
عن دخول الكوفة فإنهم أصحاب أرجاف وفساد فلما كانت الليلة الثانية أتى إبراهيم
ابن سلمة أبا الجهم وموسى بن كعب فبلغهما رسالة من أبى العباس من أهل بيته
ومشى في القواد والشيعة تلك الليلة فاجتمعوا في منزل موسى بن كعب منهم
عبد الحميد بن ربعي وسلمة بن محمد وعبد الله الطائي وإسحق بن إبراهيم وشراحيل
وعبد الله بن بسام وغيرهم من القواد فائتمروا في الدخول إلى أبى العباس وأهل بيته
ثم تسللوا من الغد حتى دخلوا الكوفة وزعيمهم موسى بن كعب وأبو الجهم
وأبو حميد الحميري وهو محمد بن إبراهيم فانتهوا إلى دار الوليد بن سعد فدخلوا
عليهم فقال موسى بن كعب وأبو الجهم أيكم أبو العباس فأشاروا إليه فسلموا
عليه وعزوه بالامام إبراهيم وانصرفوا إلى العسكر وخلفوا عنده أبا حميد وأبا مقاتل
وسليمان بن الأسود ومحمد بن الحسين ومحمد بن الحارث ونهار بن حصين ويوسف
86

ابن محمد وأبا هريرة محمد بن فروخ فبعث أبو سلمة إلى أبى الجهم فدعاه وكان خبره
بدخوله الكوفة فقال أين كنت يا أبا الجهم قال كنت عند إمامي وخرج أبو الجهم
فدعا حاجب بن صدان فبعثه إلى الكوفة وقال له ادخل فسلم على أبى العباس
بالخلافة وبعث إلى أبى حميد وأصحابه إن أتاكم أبو سلمة فلا يدخل إلا وحده
فان دخل وبايع فسبيله ذلك وإلا فاضربوا عنقه فلم يلبثوا أن أتاهم أبو سلمة
فدخل وحده فسلم على أبى العباس بالخلافة فأمره أبو العباس بالانصراف إلى
عسكره فانصرف من ليلته فأصبح الناس قد لبسوا سلاحهم واصطفوا لخروج
أبى العباس وأتوه بالدواب فركب ومن معه من أهل بيته حتى دخلوا قصر
الامارة بالكوفة يوم الجمعة لا اثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الآخر ثم دخل
المسجد من دار الامارة فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وذكر عظمة الرب
تبارك وتعالى وفضل النبي صلى الله عليه وسلم وقاد الولاية والوارثة حتى انتهيا
إليه ووعد الناس خيرا ثم سكت وتكلم داود بن علي وهو على المنبر أسفل من
أبى العباس بثلاث درجات فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه
وسلم وقال أيها الناس إنه والله ما كان بينكم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم
خليفة إلا علي بن أبي طالب وأمير المؤمنين هذا الذي خلفي ثم نزلا وخرج
أبو العباس فعسكر بحمام أعين في عسكر أبى سلمة ونزل معه في حجرته بينهما ستر
وحاجب أبى العباس يومئذ عبد الله بن بسام واستخلف على الكوفة وأرضها عمه
داود بن علي وبعث عمه عبد الله بن علي إلا أبى عون بن يزيد وبعث ابن أخيه
عيسى بن موسى إلى الحسن بن قحطبة وهو يومئذ بواسط محاصر ابن هبيرة
وبعث يحيى بن جعفر بن تمام بن عباس إلى حميد بن قحطبة بالمدائن وبعث
أبا اليقظان عثمان بن عروة بن محمد بن عمار بن ياسر إلى بسام بن إبراهيم بن بسام بالأهواز
وبعث سلمة بن عمرو بن عثمان إلى مالك بن طريف وأقام أبو العباس في العسكر
أشهرا ثم ارتحل فنزل المدينة الهاشمية في قصر الكوفة وقد كان تنكر لأبي سلمة
قبل تحوله حتى عرف ذلك (وفى هذه السنة) هزم مروان بن محمد بالزاب
87

ذكر الخبر عن هذه الوقعة وما كان سببها وكيف كان ذلك
ذكر علي بن محمد أن أبا السرى وجبلة بن فروخ والحسن بن رشيد وأبا صالح
المروزي وغيرهم أخبروه أن أبا عون عبد الملك بن يزيد الأزدي وجهه قحطبة
إلى شهرزور من نهاوند فقتل عثمان بن سفيان وأقام بناحية الموصل وبلغ مروان
أن عثمان قد قتل فأقبل من حران فنزل منزلا في طريقه فقال ما اسم هذا المنزل
قالوا بلوى قال بل علوي وبشرى ثم أتى رأس العين ثم أتى الموصل فنزل على
دجلة وحفر خندقا فسار إليه أبو عون فنزل الزاب فوجه أبو سلمة إلى أبى عون
عيينة بن موسى والمنهال بن فتان وإسحاق بن طلحة كل واحد في ثلاثة آلاف فلما
ظهر أبو العباس بعث سلمة بن محمد في ألفين وعبد الله الطائي في ألف وخمسمائة
وعبد الحميد بن ربعي الطائي في ألفين ووداس بن نضلة في خمسمائة إلى أبى عون
ثم قال من يسير إلى مروان من أهل بيتي فقال عبد الله بن علي أنا فقال سر على
بركة الله فسار عبد الله بن علي فقدم على أبى عون فتحول له أبو عون عن سرادقه
وخلاه وما فيه وصير عبد الله بن علي على شرطته حياش بن حبيب الطائي
وعلى حرسه نصير بن المحتفر ووجه أبو العباس موسى بن كعب في ثلاثين رجلا
على البريد إلى عبد الله بن علي فلما كان لليلتين خلتا من جمادى الآخرة سنة 132
سأل عبد الله بن علي عن مخاضة فدل عليها بالزاب فأمر عيينة بن موسى
فعبر في خمسة آلاف فانتهى إلى عسكر مروان فقاتلهم حتى أمسوا ورفعت
لهم النيران فتحاجزوا ورجع عيينة فعبر المخاضة إلى عسكر عبد الله بن علي
فأصبح مروان فعقد الجسر وسرح ابنه عبد الله يحفر خندقا أسفل من
عسكر عبد الله بن علي فبعث عبد الله بن علي المخارق بن غفار في أربعة آلاف
فأقبل حتى نزل على خمسة أميال من عسكر عبد الله بن علي فسرح عبد الله
ابن مروان إليه الوليد بن معاوية فلقى المخارق فانهزم أصحابه وأسروا وقتل منهم
يومئذ عدة فبعث بهم إلى عبد الله وبعث بهم عبد الله إلى مروان مع الرؤس فقال مروان
أدخلوا على رجلا من الأسارى فأتوه بالمخارق وكان نحيفا فقال أنت المخارق
88

فقال لا أنا عبد من عبيد أهل العسكر قال فتعرف المخارق قال نعم قال فانظر في هذه
الرؤس هل تراه فنظر إلى رأس منها فقال هو هذا فخلى سبيله فقال رجل مع مروان
حين نظر إلى المخارق وهو لا يعرفه لعن الله أبا مسلم حين جاءنا بهؤلاء يقاتلنا قال
على حدثنا شيخ من أهل خراسان قال قال مروان تعرف المخارق إن رأيته فإنهم
زعموا أنه في هذه الرؤس التي أتينا بها قال نعم قال اعرضوا عليه تلك الرؤس فنظر
فقال ما أرى رأسه في هذه الرؤس ولا أراه إلا وقد ذهب فخلى سبيله وبلغ عبد الله
ابن علي انهزام المخارق فقال له موسى بن كعب اخرج إلى مروان قبل أن يصل
الفل إلى العسكر فيظهر ما لقى المخارق فدعا عبد الله بن علي محمد بن صول فاستخلفه
على العسكر وسار على ميمنته أبو عون وعلى ميسرة مروان الوليد بن معاوية ومع
مروان ثلاثة آلاف من المحمرة ومعه الدوكانية والصحصحية والراشدية فقال
مروان لما التقى العسكران لعبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز إن زالت الشمس اليوم
ولم يقاتلونا كنا الذين ندفعها إلى عيسى ابن مريم وإن قاتلونا قبل الزوال فانا لله وإنا
إليه ارجعون وأرسل مروان إلى عبد الله بن علي يسأله الموادعة فقال عبد الله
كذب ابن رزيق لا تزول الشمس حتى أوطئه الخيل إن شاء الله فقال مروان لأهل
الشأم قفوا لا تبدؤهم بقتال فجعل ينظر إلى الشمس فحمل الوليد بن معاوية بن مروان
وهو ختن مروان على ابنته فغضب وشتمه وقاتل ابن معاوية أهل الميمنة فانحاز
أبو عون إلى عبد الله بن علي فقال موسى بن كعب لعبد الله مر الناس فلينزلوا
فنودي الأرض فنزل الناس فأشرعوا الرماح وجثوا على الركب فقاتلوهم فجعل
أهل الشأم يتأخرون كأنهم يدفعون ومشى عبد الله قدما وهو يقول يا رب حتى
متى نقتل فيك ونادى يا أهل خراسان يا لثأرات إبراهيم يا محمد يا منصور واشتد
بينهم القتال وقال مروان لقضاعة أنزلوا فقالوا قل لبنى سليم فلينزلوا فأرسل إلى
السكاسك أن احملوا فقالوا قل لبنى عامر فليحملوا فأرسل إلى السكون أن احملوا
فقالوا قل لغطفان فليحملوا فقال لصاحب شرطه انزل قال لا والله ما كنت لاجعل
نفسي غرضا قال أما والله لأسوأنك قال وددت والله أنك قدرت على ذلك ثم
89

انهزم أهل الشأم وانهزم مروان وقطع الجسر فكان من غرق يومئذ أكثر ممن قتل
فكان فيمن غرق يومئذ إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك وأمر عبد الله بن علي فعقد
الجسر على الزاب واستخرجوا الغرقى فكان فيمن أخرجوا إبراهيم بن الوليد بن
عبد الملك فقال عبد الله بن علي " وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون
وأنتم تنظرون " وأقام عبد الله بن علي في عسكره سبعة أيام فقال رجل من ولد سعيد
ابن العاصي يعير مروان
لج الفرار بمروان فقلت له * عاد الظلوم ظليما همه الهرب
أين الفرار وترك الملك إذ ذهبت * عنك الهوينا فلا دين ولا حسب
فراشه الحلم فرعون العقاب وإن * تطلب نداه فكلب دونه كلب
وكتب عبد الله بن علي إلى أمير المؤمنين أبى العباس بالفتح وهرب مروان
وحوى عسكر مروان بما فيه فوجد فيه سلاحا كثيرا وأموالا ولم يجدوا فيه امرأة
إلا جارية كانت لعبد الله بن مروان فلما أتى أبا العباس كتاب عبد الله بن علي
صلى ركعتين ثم قال " فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر - إلى قوله -
وعلمه مما يشاء " وأمر لمن شهد الوقعة بخمسمائة خمسمائة ورفع أرزاقهم إلى ثمانين
* حدثنا أحمد بن زهير عن علي بن محمد قال قال عبد الرحمن بن أمية كان مروان لما
لقيه أهل خراسان لا يدبر شيئا إلا كان فيه الخلل والفساد قال بلغني أنه كان يوم
انهزم واقفا والناس يقتتلون إذ أمر بأموال فأخرجت فقال للناس اصبروا وقاتلوا
فهذه الأموال لكم فجعل ناس من الناس يصيبون من ذلك المال فأرسلوا إليه إن
الناس قد مالوا على هذا المال ولا نأمنهم أن يذهبوا به فأرسل إلى ابنه عبد الله أن
سر في أصحابك إلى مؤخر عسكرك فاقتل من أخذ من ذلك المال وامنعهم فمال
عبد الله برايته وأصحابه فقال الناس الهزيمة فانهزموا * حدثنا أحمد بن علي عن أبي
الجارود السلمي قال حدثني رجل من أهل خراسان قال لقينا مروان على الزاب
فحمل علينا أهل الشأم كأنهم جبال حديد فجثونا وأشرعنا الرماح فمالوا عنا كأنهم
سحابة ومنحنا الله أكتافهم وانقطع الجسر مما يليهم حين عبروا فبقى عليه رجل من
90

أهل الشأم فخرج عليه رجل منا فقتله الشأمى ثم خرج آخر فقتله حتى والى بين ثلاثة
فقال رجل منا اطلبوا لي سيفا قاطعا وترسا صلبا فأعطيناه فمشى إليه فضربه الشأمى
فاتقاه بالترس وضرب رجله فقطعها فقتله ورجع وحملناه وكبرنا فإذا هو عبيد الله
الكابلي وكانت هزيمة مروان بالزاب فيما ذكر صبيحة يوم السبت لاحدى عشرة
ليلة خلت من جمادى الآخرة (وفى هذه السنة) قتل إبراهيم بن محمد بن علي بن
عبد الله بن عباس
ذكر الخبر عن سبب مقتله
اختلف أهل السير في أمر إبراهيم بن محمد فقال بعضهم لم يقتل ولكنه مات في
سجن مروان بن محمد بالطاعون
ذكر من قال ذلك
* حدثني أحمد بن زهير قال حدثنا عبد الوهاب بن إبراهيم بن خالد قال
حدثنا أبو هاشم مخلد بن محمد بن صالح قال قدم مروان بن محمد الرقة حين
قدمها متوجها إلى الضحاك بسعيد بن هشام بن عبد الملك وابنيه عثمان
ومروان وهم في وثاقهم معه فسرح بهم إلى خليفته بحران فحبسهم في حبسها
ومعهم إبراهيم بن علي بن عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر بن عبد العزيز
والعباس بن الوليد وأبو محمد السفياني وكان يقال له البيطار فهلك في سجن حران
منهم في وباء وقع بحران العباس بن الوليد وإبراهيم بن محمد وعبد الله بن عمر
قال فلما كان قبل هزيمة مروان من الزاب يوم هزمه عبد الله بن علي بجمعة خرج
سعيد بن هشام ومن معه من المحبس فقتلوا صاحب السجن وخرج فيمن معه
وتخلف أبو محمد السفياني في الحبس فلم يخرج فيمن خرج ومعه عيره لم يستحلوا
الخروج من الحبس فقتل أهل حران ومن كان فيها من الغوغاء سعيد بن هشام
وشراحيل بن مسلمة بن عبد الملك وعبد الملك بن بشر التغلبي وبطريق أرمينية
الرابعة وكان اسمه كوشان بالحجارة ولم يلبث مروان بعد قتلهم إلا نحوا من
خمس عشرة ليلة حتى قدم حران منهزما من الزاب فخلى عن أبي محمد ومن كان
91

في حبسه من المحبسين * وذكر عمر أن عبد الله بن كثير العبدي حدثه عن علي
ابن موسى عن أبيه قال هدم مروان على إبراهيم بن محمد بيتا فقتله * قال عمرو
حدثني محمد بن معروف بن سويد قال حدثني أبي عن المهلهل بن صفوان قال
عمر ثم حدثني المفضل بن جعفر بن سليمان بعده قال حدثني المهلهل بن صفوان
قال كنت مع إبراهيم بن محمد في الحبس حبس عبد الله بن عمر بن عبد العزيز
وشراحيل بن مسلمة بن عبد الملك فكانوا يتزاورون وخص الذي بين إبراهيم
وشراحيل فأتاه رسوله يوما بلبن فقال يقول لك أخوك إني شربت من هذا
اللبن فاستطبته فأحببت أن تشرب منه فتناوله فشرب فتوصب من ساعته
وتكسر جسده وكان يوما يأتي فيه شراحيل فأبطأ عليه فأرسل إليه جعلت
فداك قد أبطأت فما حبسك فأرسل إليه إني لما شربت اللبن الذي أرسلته
إلى أخلفني فأتاه شراحيل مذعورا وقال لا والله الذي لا إله إلا هو ما شربت
اليوم لبنا ولا أرسلت به إليك فإنا لله وإنا إليه راجعون احتيل لك والله قال
فوالله ما بات إلا ليلته وأصبح ميتا من غد فقال إبراهيم بن علي بن سلمة بن عامر
ابن هرمة بن هذيل بن الربيع بن عامر بن صبيح بن عدي بن قيس وقيس هو ابن
الحارث بن فهر يرثيه:
قد كنت أحسبني جلدا فضعضعني * قير بحران فيه عصمة الدين
فيه الامام وخير الناس كلهم * بين الصفائح والأحجار والطين
فيه الامام الذي عمت مصيبته * وعيلت كل ذي مال ومسكين
فلا عفا الله عن مروان مظلمة * لكن عفا الله عمن قال آمين
(وفى هذه السنة) قتل مروان بن محمد بن مروان بن الحكم
ذكر الخبر عن مقتله وقتاله من فاتكة من أهل الشأم في طريقه
وهو هارب من الطلب
* حدثني أحمد بن زهير قال حدثنا عبد الوهاب بن إبراهيم قال حدثني
أبو هاشم مخلد بن محمد قال لما انهزم مروان من الزاب كنت في عسكره قال
92

كان لمروان في عسكره بالزاب عشرون ومائة ألف كان في عسكره ستون ألفا
وكان في عسكر ابنه عبد الله مثل ذلك والزاب بينهم فلقيه عبد الله بن علي فيمن
معه وأبى عون وجماعة قواد منهم حميد بن قحطبة فلما هزموا سار إلى حران
وبها أبان بن يزيد بن محمد بن مروان بن أخيه عامله عليها فأقام بها نيفا وعشرين
يوما فلما دنا منه عبد الله بن علي حمل أهله وولده وعياله ومضى منهزما وخلف
بمدينة حران أبان بن يزيد وتحته ابنة لمروان يقال لها أم عثمان وقدم عبد الله
ابن علي فتلقاه أبان مسودا مبايعا له فبايعه ودخل في طاعته فآمنه ومن كان
بحران والجزيرة ومضى مروان حتى مر بقنسرين وعبد الله متبع له ثم مضى من
قنسرين إلى حمص فتلقاه أهلها بالأسواق والسمع والطاعة فأقام بها يومين
أو ثلاثة ثم شخص منها فلما رأوا قلة من معه طمعوا فيه وقالوا مرعوب منهزم
فاتبعوه بعد ما رحل عنهم فلحقوه على أميال فلما رأى غبرة خيلهم أكمن لهم
في واديين قائدان من مواليه يقال لأحدهما يزيد والآخر مخلد فلما دنوا منه
وجازوا الكمينين ومضى الذراري صافهم فيمن معه وناشدهم فأبوا إلا مكاثرته
وقتاله فنشب القتال بينهم وأثار الكمينين من خلفهم فهزمهم وقتلتهم خيله
حتى انتهوا إلى قريب من المدينة قال ومضى مروان حتى مر بدمش وعليها الوليد
ابن معاوية بن مروان وهو ختن لمروان متزوج بابنة له يقال لها أم الوليد
فمضى وخلفه بها حتى قدم عبد الله بن علي عليه فحاصره أياما ثم فتحت المدينة ودخلها
عنوة معترضا أهلها وقتل الوليد بن معاوية فيمن قتل وهدم عبد الله بن علي
حائط مدينتها ومر مروان بالأردن فشخص معه ثعلبة بن سلامة العاملي وكان
عامله عليها وتركها ليس عليها وال حتى قدم عبد الله بن علي فولى عليها ثم قدم فلسطين
وعليها من قبله الرماحس بن عبد العزيز فشخص به معه ومضى حتى قدم مصر
ثم خرج منها حتى نزل منزلا منها يقال له بوصير فبيته عامر بن إسماعيل وشعبة
ومعهما خيل الموصل فقتلوه بها وهرب عبد الله وعبيد الله ابنا مروان ليلة
بيت مروان إلى أرض الحبشة فلقوا من الحبشة بلاء قاتلتهم الحبشة فقتلوا
93

عبد الله وأفلت عبيد الله في عدة ممن معه وكان فيهم بكر بن معاوية الباهلي فسلم
حتى كان في خلافة المهدى فأخذه نصر بن محمد بن الأشعث عامل فلسطين فبعث
به إلى المهدى (وأما علي بن محمد) فإنه ذكر أن بشر بن عيسى والنعمان أبا السرى
ومحرز بن إبراهيم وأبا صالح المروزي وعمار مولى جبرئيل أخبروه أن مروان
لقى عبد الله بن علي في عشرين ومائة ألف وعبد الله في عشرين ألفا وقد خولف
هؤلاء في عدد من كان مع عبد الله بن علي يومئذ * فذكر مسلم بن
المعرة عن معصب بن الربيع الخثعمي وهو أبو موسى بن مصعب وكان كاتبا
لمروان قال لما انهزم مروان وظهر عبد الله بن علي على الشأم طلبت الأمان
فآمنني فانى يوما جالس عنده وهو متكئ إذ ذكروا مروان وانهزامه قال أشهدت
القتال قلت نعم أصلح الله الأمير فقال حدثني عنه قال قلت لما كان ذلك اليوم
قال لي أحرز القوم فقلت إنما أنا صاحب قلم ولست صاحب حرب فأخذ يمنة
ويسرة ونظر فقال لي هم اثنا عشر ألفا فجلس عبد الله وقال ماله قاتله الله ما أحصى
الديوان يومئذ فضلا على اثنى عشر ألف رجل (رجع الحديث) إلى حديث
علي بن محمد عن أشياخه فانهزم مروان حتى أتى مدينة الموصل وعليها هشام
ابن عمرو التغلبي وبشر بن خزيمة الأسدي وقطعوا الجسر فناداهم أهل الشأم
هذا مروان قالوا كذبتم أمير المؤمنين لا يفر فسار إلى بلد فعبر دجلة فأتى حران
ثم أتى دمشق وخلف بها الوليد بن معاوية وقال قاتلهم حتى يجتمع أهل الشأم
ومضى مروان حتى أتى فلسطين فنزل نهر أبى فطرس وقد غلب على فلسطين
الحكم بن ضبعان الجذامي فأرسل مروان إلى عبد الله بن يزيد بن روح بن
زنباع فأجازه وكان بيت المال في يد الحكم وكتب أبو العباس إلى عبد الله بن علي
يأمره باتباع مروان فسار عبد الله إلى الموصل فتلقاه هشام بن عمرو
التغلبي وبشر بن خزيمة وقد سودا في أهل الموصل ففتحوا له المدينة ثم سار
إلى حران وولى الموصل محمد بن صول فهدم الدار التي حبس فيها إبراهيم بن
محمد ثم سار من حران إلى منبج وقد سودوا فنزل منبج وولاها أبا حميد المروروذي
94

وبعث إليه أهل قنسرين ببيعتهم إياه بما أتاه به عنهم أبو أمية التغلبي
وقدم عليه عبد الصمد بن علي أمده به أبو العباس في أربعة آلاف فأقام يومين
بعد قدوم عبد الصمد ثم سار إلى قنسرين فأتاها وقد سود أهلها فأقام يومين
ثم سار حتى نزل حمص فأقام بها أياما وبايع أهلها ثم سار إلى بعلبك وأقام
يومين ثم ارتحل فنزل بعين الحر فأقام يومين ثم ارتحل فنزل مزة قرية من
قرى دمشق فأقام وقدم عليه صالح بن علي مددا فنزل مرج عذراء في ثمانية
آلاف معه بسام بن إبراهيم وخفاف وشعبة والهيثم بن بسام ثم سار عبد الله
ابن علي فنزل على باب شرقي ونزل صالح بن علي على باب الجابية وأبو عون
على باب كيسان وبسام على باب الصغير وحميد بن قحطبة على باب توما
وعبد الصمد ويحيى بن صفوان والعباس بن يزيد على باب الفراديس وفى دمشق
الوليد بن معاوية فحصروا أهل دمشق والبلقاء وتعصب الناس بالمدينة فقتل
بعضهم بعضا وقتلوا الوليد ففتحوا الأبواب يوم الأربعاء لعشر مضين من
رمضان سنة 132 فكان أول من صعد سور المدينة من باب شرقي عبد الله الطائي
ومن قبل باب الصغير بسام بن إبراهيم فقتل بها على ثلاث ساعات وأقام
عبد الله بن علي بدمشق خمسة عشر يوما ثم سار يريد فلسطين فنزل نهر الكسوة
فوجه منها يحيى بن جعفر الهاشمي إلى المدينة ثم ارتحل إلى الأردن فأتوه وقد
سودوا ثم نزل بيسان ثم سار إلى مرج الروم ثم أتى نهر أبى فطرس وقد هرب
مروان فأقام بفلسطين وجاءه كتاب أبى العباس أن وجه صالح بن علي في
طلب مروان فسار صالح بن علي من نهر أبى فطرس في ذي القعدة سنة 132
ومعه ابن فتان وعامر بن إسماعيل وأبو عون فقدم صالح بن علي أبا عون على
مقدمته وعامر بن إسماعيل الحارثي وسار فنزل الرملة ثم سار فنزلوا ساحل البحر
وجمع صالح بن علي السفن وتجهز يريد مروان وهو بالفرماء فسار على الساحل
والسفن حذاءه في البحر حتى نزل العريش وبلغ مروان فأحرق ما كان حوله من
علف وطعام وهرب ومضى صالح بن علي فنزل النيل ثم سار حتى نزل الصعيد
95

وبلغه أن خيلا لمروان بالساحل يحرقون الاعلاف فوجه إليهم قوادا فأخذوا
رجالا فقدموا بهم على صالح وهو بالفسطاط فعبر مروان النيل وقطع الجسر وحرق
ما حوله ومضى صالح يتبعه فالتقى هو وخيل لمروان على النيل فاقتتلوا فهزمهم صالح
ثم مضى إلى خليج فصادف عليه خيلا لمروان فأصاب منهم طرفا وهزمهم ثم سار
إلى خليج آخر فعبروا ورأوا رهجا فظنوه مروان فبعث طليعة عليها الفضل بن دينار
ومالك بن قادم فلم يلقوا أحدا ينكرونه فرجعوا إلى صالح فارتحل فنزل موضعا
يقال له ذات الساحل ونزل فقدم أبو عون عامر بن إسماعيل الحارثي ومعه
شعبة بن كثير المازني فلقوا خيلا لمروان فهزموهم وأسروا منهم رجالا فقتلوا
بعضهم واستحيوا بعضا فسألوا عن مروان فأخبروهم بمكانه على أن يؤمنوهم
وساروا فوجدوه نازلا في كنيسة في بوصير فوفوهم في آخر الليل فهرب الجند
وخرج إليهم مروان في نفر يسير فأحاطوا به فقتلوه * قال على وأخبرني إسماعيل
ابن الحسن عن عامر بن إسماعيل قال لقينا مروان ببوصير ونحن في جماعة يسيرة
فشدوا علينا فانضوينا إلى نخل ولو يعلموا بقتلتنا لأهلكونا فقلت لمن معي من
أصحابي فإن أصبحنا فرأوا قلتنا وعددنا لم ينج منا أحد وذكرت قول بكير بن
ما هان أنت والله تقتل مروان كأني أسمعك تقول دهيد يا جوانكثان فكسرت
جفن سيفي وكسر أصحابي جفون سيوفهم وقلت دهيد يا جوانكثان فكأنها نار
صبت عليهم فانهزموا وحمل رجل على مروان فضربه بسيفه فقتله وركب عامر
ابن إسماعيل إلى صالح بن علي فكتب صالح بن علي إلى أمير المؤمنين أبى العباس انا
اتبعنا عدو الله الجعدي حتى ألجأناه إلى أرض عدو الله شبيهه فرعون فقتلته بأرضه
قال على حدثنا أبو طالب الأنصاري قال طعن مروان رجل من أهل البصرة
يقال له المغود وهو لا يعرفه فصرعه فصاح صائح صرع أمير المؤمنين وابتدروه
فسبق إليه رجل من أهل الكوفة كان يبيع الرمان فاحتز رأسه فبعث عامر بن
إسماعيل برأس مروان إلى أبى عون فبعث بها أبو عون إلى صالح بن علي وبعث
صالح برأسه مع يزيد بن هانئ وكان على شرطه إلى أبى العباس يوم الأحد لثلاث
96

بقين من ذي الحجة سنة 132 ورجع صالح إلى الفسطاط ثم انصرف إلى
الشأم فدفع الغنائم إلى أبى عون والسلاح والأموال والرقيق إلى الفضل بن دينار
وخلف أبا عون على مصر قال على وأخبرنا أبو الحسن الخراساني قال حدثنا
شيخ من بكر بن وائل قال إني بدير قنى مع بكير بن ماهان ونحن نتحدث إذ مر فتى
معه قربتان حتى انتهى إلى دجلة فاستقى ماء ثم رجع فدعاه بكير فقال ما اسمك يا فتى
قال عامر قال ابن من قال ابن إسماعيل من بلحارث قال وأنا من بلحارث قال
فكن من بنى مسلية قال فأنا منهم قال فأنت والله تقتل مروان لكأني والله
أسمعك تقول يا جوانكتان دهيد * قال على حدثنا الكناني قال سمعت أشياخنا
بالكوفة يقولون مسلية قتلة مروان وقتل مروان يوم قتل وهو ابن اثنتين وستين
سنة في قول بعضهم وفى قول آخرين وهو ابن تسع وستين وفى قول آخرين وهو
ابن ثمان وخمسين وقتل يوم الأحد لثلاث بقين من ذي الحجة وكانت ولايته
من حين بويع إلى أن قتل خمس سنين وعشرة أشهر وستة عشر يوما وكان يكنى
أبا عبد الملك وزعم هشام بن محمد أن أمه كانت أم ولد كردية * وقد حدثني
أحمد بن زهير عن علي بن محمد عن علي بن مجاهد وأبى سنان الجهني قالا كان يقال
إن أم مروان بن محمد كانت لإبراهيم بن الأشتر أصابها محمد بن مروان بن الحكم
يوم قتل ابن الأشتر فأخذها من ثقله وهى تتنيق فولدت مروان على فراشه
فلما قام أبو العباس دخل عليه عبد الله بن عياش المنتوف فقال الحمد لله الذي
أبدلنا بحمار الجزيرة وابن أمة النخع ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن
عبد المطلب (وفى هذه السنة) قتل عبد الله بن علي من قتل بنهر أبى فطرس
من بنى أمية وكانوا اثنين وسبعين رجلا (وفيها) خلع أبو الورد أبا العباس بقنسرين
فبيض وبيضوا معه
ذكر الخبر عن تبيض أبى الورد وما آل إليه أمره وأمر من بيض معه
وكان سبب ذلك فيما حدثني أحمد بن زهير قال حدثني عبد الوهاب بن إبراهيم
قال حدثني أبو هاشم مخلد بن محمد بن صالح قال كان أبو الورد واسمه مجزاة بن الكوثر
97

ابن زفر بن الحارث الكلابي من أصحاب مروان وقواده وفرسانه فلما هزم مروان
وأبو الورد بقنسرين قدمها عبد الله بن علي فبايعه ودخل فيما دخل فيه جنده
من الطاعة وكان ولد مسلمة بن عبد الملك مجاورين له ببالس والناعورة فقدم
بالس قائد من قواد عبد الله بن علي من الازار مردين في مائة وخمسين فارسا فبعث
بولد مسلمة بن عبد الملك ونسائهم فشكا بعضهم ذلك إلى أبى الورد فخرج من مزرعة
يقال لها زراعة بنى زفر ويقال لها خساف في عدة من أهل بيته حتى هجم على ذلك
القائد وهو نازل في حصن مسلمة فقاتله حتى قتله ومن معه وأظهر التبييض والخلع
لعبد الله بن علي ودعا أهل قنسرين إلى ذلك فبيضوا فأجمعهم وأبو العباس يومئذ
بالحيرة وعبد الله بن علي يومئذ مشتغل بحرب حبيب بن مرة المري فقاتله بأرض
البلقاء والبثنية وحوران وكان قد لقيه عبد الله بن علي في جموعه فقاتلهم وكان بينه
وبينهم وقعات وكان من قواد مروان وفرسانه وكان سبب تبييضه الخوف على
نفسه وعلى قومه فبايعته قيس وغيرهم ممن يليهم من أهل تلك الكور البثنية وحوران
فلما بلغ عبد الله بن علي تبييضهم دعا حبيب بن مرة إلى الصلح فصالحه وآمنه ومن
معه وخرج متوجها نحو قنسرين للقاء أبى الورد فمر بدمشق فخلف فيها أبا غانم
عبد الحميد بن ربعي الطائي في أربعة آلاف رجل من جنده وكان بدمشق يومئذ
امرأة عبد الله بن علي أم البنين بنت محمد بن عبد المطلب النوفلية أخت عمرو بن محمد
وأمهات أولاد لعبد الله وثقل له فلما قدم حمص في وجهه ذلك انتقض عليه بعده
أهل دمشق فبيضوا ونهضوا مع عثمان بن عبد الاعلى بن سراقة الأزدي قال فلقوا
أبا غانم ومن معه فهزموه وقتلوا من أصحابه مقتلة عظيمة وانتهبوا ما كان عبد الله
ابن علي خلف من ثقله ومتاعه ولم يعرضوا لأهله وبيض أهل دمشق واستجمعوا
على الخلاف ومضى عبد الله بن علي وقد كان تجمع مع أبي الورد جماعة أهل
قنسرين وكاتبوا من يليهم من أهل حمص وتدمر وقدمهم ألوف عليهم أبو محمد
ابن عبد الله بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان فرأسوا عليهم أبا محمد ودعوا إليه
وقالوا هو السفياني الذي كان يذكروهم في نحو من أربعين ألفا فلما دنا منهم
98

عبد الله بن علي وأبو محمد معسكر في جماعته بمرج يقال له مرج الأخرم وأبو الورد
المتولي لأمر العسكر والمدبر له وصاحب القتال والوقائع وجه عبد الله أخاه عبد الصمد
ابن علي في عشرة آلاف من فرسان من معه فناهضهم أبو الورد ولقيهم فيما بين
العسكرين واشتجر القتل فيما بين الفريقين وثبت القوم وانكشف عبد الصمد ومن
معه وقتل منهم يومئذ ألوف وأقبل عبد الله حيث أتاه عبد الصمد ومعه حميد بن قحطبة
وجماعة من معه من القواد فالتقوا ثانية بمرج الأخرم فاقتتلوا قتالا شديدا وانكشف
جماعة ممن كان مع عبد الله ثم ثابوا وثبت لهم عبد الله وحميد بن قحطبة فهزموهم
وثبت أبو الورد في نحو من خمسمائة من أهل بيته وقومه فقتلوا جميعا وهرب أبو محمد
ومن معه من الكلبية حتى لحقوا بتدمر وآمن عبد الله أهل قنسرين وسودوا
وبايعوا ودخلوا في طاعته ثم انصرف راجعا إلى أهل دمشق لما كان من تبييضهم
عليه وهزيمتهم أبا غانم فلما دنا من دمشق هرب الناس وتفرقوا ولم يكن بينهم وقعة
وآمن عبد الله أهلها وبايعوه ولم يأخذهم بما كان منهم قال ولم يزل أبو محمد
متغيبا هاربا ولحق بأرض الحجاز وبلغ زياد بن عبيد الله الحارثي عامل أبى جعفر
مكانه الذي تغيب فيه فوجه إليه خيلا فقاتلوه حتى قتل وأخذا بنين له أسيرين
فبعث زياد برأس أبى محمد وابنيه إلى أبى جعفر أمير المؤمنين فأمر بتخلية سبيلهما
وآمنهما (وأما علي بن محمد) فإنه ذكر أن النعمان أبا السرى حدثه وجبلة
ابن فروخ وسليمان بن داود وأبو صالح المروزي قالوا خلع أبو الورد بقنسرين
فكتب أبو العباس إلى عبد الله بن علي وهو بفطرس أن يقاتل أبا الورد ثم
وجه عبد الصمد إلى قنسرين في سبعة آلاف وعلى حرسه مخارق بن غفار وعلى
شرطه كلثوم بن شبيب ثم وجه بعده ذؤيب بن الأشعث في خمسة آلاف ثم
جعل يوجه الجنود فلقى عبد الصمد أبا الورد في جمع كثير فانهزم الناس عن
عبد الصمد حتى أتوا حمص فبعث عبد الله بن علي العباس بن يزيد بن زياد ومروان
الجرجاني وأبا المتوكل الجرجاني كل رجل في أصحابه إلى حمص وأقبل عبد الله
ابن علي بنفسه فنزل على أربعة أميال من حمص وعبد الصمد بن علي بحمص وكتب
99

عبد الله إلى حميد بن قحطبة فقدم عليه من الأردن وبايع أهل قنسرين لأبي محمد
السفياني زياد بن عبد الله بن يزيد بن معاوية وأبو الورد بن... وبايعه الناس
وأقام أربعين يوما وأتاهم عبد الله بن علي ومعه عبد الصمد وحميد بن قحطبة فالتقوا
فاقتتلوا أشد القتال بينهم واضطرهم أبو محمد إلى شعب ضيق فجعل الناس يتفرقون
فقال حميد بن قحطبة لعبد الله بن علي علام نقيم هم يزيدون وأصحابنا ينقصون ناجزهم
فاقتتلوا يوم الثلاثاء في آخر يوم من ذي الحجة سنة 133 وعلى ميمنة أبى محمد
أبو الورد وعلى ميسرته الأصبغ بن ذؤالة فجرح أبو الورد فحمل إلى أهله فمات
ولجأ قوم من أصحاب أبي الورد إلى أجمة فأحرقها عليهم وقد كان أهل حمص
نقضوا وأرادوا إيثار أبى محمد فلما بلغهم هزيمته أقاموا (وفى هذه السنة) خلع
حبيب بن مرة المري وبيض هو ومن معه من أهل الشأم
ذكر الخبر عن ذلك
ذكر على عن شيوخه قال بيض حبيب بن مرة المري وأهل البثنية وحوران
وعبد الله بن علي في عسكر أبى الورد الذي قتل فيه * وقد حدثني أحمد بن زهير
قال حدثنا عبد الوهاب بن إبراهيم قال حدثنا أبو هاشم مخلد بن محمد قال كان تبييض
حبيب بن مرة وقتاله عبد الله بن علي قبل تبييض أبى الورد وإنما بيض أبو الورد
وعبد الله مشتغل بحرب حبيب بن مرة المري بأرض البلقاء أو البثنية وحوران
وكان قد لقيه عبد الله بن علي في جموعه فقاتله وكان بينه وبينه وقعات وكان من
قواد مروان وفرسانه وكان سبب تبييضه الخوف على نفسه وقومه فبايعه قيس
وغيرهم ممن يليهم من أهل تلك الكور البثنية وحوران فلما بلغ عبد الله بن علي
تبييض أهل قنسرين دعا حبيب بن مرة إلى الصلح فصالحه وآمنه ومن معه وخرج
متوجها إلى قنسرين للقاء أبى الورد (وفى هذه السنة) بيض أيضا أهل الجزيرة
وخلعوا أبا العباس
ذكر الخبر عن أمرهم وما آل إليه حالهم فيه
* حدثني أحمد بن زهير قال حدثنا عبد الوهاب بن إبراهيم قال حدثنا أبو هاشم
100

مخلد بن محمد قال كان أهل الجزيرة بيضوا ونقضوا حيث بلغهم خروج أبى الورد
وانتقاض أهل قنسرين وساروا إلى حران وبحران يومئذ موسى بن كعب في
ثلاثة آلاف من الجند فتشبث بمدينتها وساروا إليه مبيضين من كل وجه وحاصروه
ومن معه وأمرهم مشتت ليس عليهم رأس يجمعهم وقدم على تفيئة ذلك إسحاق
ابن مسلم من أرمينية وكان شخص عنها حين بلغه هزيمة مروان فرأسه أهل الجزيرة
عليهم وحاصر موسى بن كعب نحوا من شهرين ووجه أبو العباس أبا جعفر فيمن
كان معه من الجنود التي كانت بواسط محاصرة ابن هبيرة فمضى حتى مر بقرقيسيا
وأهلها مبيضون وقد غلقوا أبوابها دونهم ثم قدم مدينة الرقة وهم على ذلك وبها
بكار بن مسلم فمضى نحو حران ورحل إسحاق بن مسلم إلى الرهاء وذلك في
سنة 133 وخرج موسى بن كعب فيمن معه من مدينة حران فلقوا أبا جعفر
وقدم بكار على أخيه إسحاق بن مسلم فوجهه إلى جماعة ربيعة بدار أو ماردين
ورئيس ربيعة يومئذ رجل من الحرورية يقال له بريكة فصمد إليه أبو جعفر فلقيهم
فقاتلوه بها قتالا شديدا وقتل بريكة في المعركة وانصرف بكار إلى أخيه إسحاق بالرهاء
فخلفه إسحاق بها ومضى في عظم العسكر إلى سميساط فخندق على عسكره وأقبل
أبو جعفر في جموعه حتى قابله بكار بالرهاء وكانت بينهما وقعات وكتب أبو العباس
إلى عبد الله بن علي في المسير بجنوده إلى إسحاق بسميساط فأقبل من الشأم حتى
نزل بإزاء إسحاق بسميساط وهم في ستين ألفا أهل الجزيرة جميعا وبينهما الفرات
وأقبل أبو جعفر من الرهاء فكاتبهم إسحاق وطلب إليهم الأمان فأجابوا إلى ذلك
وكتبوا إلى أبى العباس فأمرهم أن يؤمنوه ومن معه فكتبوا بينهم كتابا ووثقوا له فيه
فخرج إسحاق إلى أبى جعفر وتم الصلح بينهما وكان معه من آثرا أصحابه عنده فاستقام
أهل الجزيرة وأهل الشأم وولى أبو العباس أبا جعفر الجزيرة وأرمينية وأذربيجان
فلم يزل على ذلك حتى استخلف وقد ذكر أن إسحاق بن مسلم العقيلي هذا أقام
بسميساط سبعة أشهر وأبو جعفر محاصره وكان يقول في عنقي بيعة فأنا لا أدعها
حتى أعلم أن صاحبها قد مات أو قتل فأرسل إليه أبو جعفر أن مروان قد قتل فقال
101

حتى أتيقن ثم طلب الصلح وقال قد علمت أن مروان قد قتل فآمنه أبو جعفر وصار
معه وكان عظيم المنزلة عنده (وقد قيل) إن عبد الله بن علي هو الذي آمنه (وفى
هذه السنة) شخص أبو جعفر إلى أبى مسلم بخراسان الاستطلاع رأيه في قتل أبى
سلمة حفص بن سليمان
ذكر الخبر عن سبب مسير أبى جعفر في ذلك وما كان من أمره
وأمر أبى مسلم في ذلك
قد مضى ذكرى قبل أمر أبى سلمة وما كان من فعله في أمر أبى العباس ومن
كان معه من بني هاشم عند قدومهم الكوفة الذي صار به عندهم متهما فذكر على
ابن محمد أن جبلة بن فروخ قال وقال يزيد بن أسيد قال أبو جعفر لما ظهر
أبو العباس أمير المؤمنين سمرنا ذات ليلة فذكرنا ما صنع أبو سلمة فقال رجل
منا ما يدريكم لعل ما صنع أبو سلمة كان عن رأى أبى مسلم فلم ينطق منا أحد
فقال أمير المؤمنين أبو العباس لئن كان هذا عن رأى أبى مسلم إنا لبعرض
بلاء إلا أن يدفعه الله عنا وتفرقنا فأرسل إلى أبو العباس فقال ما ترى
فقلت الرأي رأيك فقال ليس منا أحد أخص بأبي مسلم منك فاخرج إليه حتى
تعلم ما رأيه فليس يخفى عليك فلو قد لقيته فإن كان عن رأيه أخذنا لأنفسنا وإن
لم يكن عن رأيه طابت أنفسنا فخرجت على وجل فلما انتهينا إلى الري إذا صاحب
الري قد أتاه كتاب أبى مسلم إنه بلغني أن عبد الله بن محمد توجه إليك فإذا قدم
فأشخصه ساعة قدومه عليك فلما قدمت أتاني عامل الري فأخبرني بكتاب أبى مسلم
وأمرني بالرحيل فازددت وجلا وخرجت من الري وأنا حذر خائف فسرت فلما
كنت بنيسابور إذا عاملها قد أتاني بكتاب أبى مسلم إذا قدم عليك عبد الله بن محمد
فأشخصه ولا تدعه فان أرضك أرض خوارج ولا آمن عليه فطابت نفسي وقلت
أراه يعنى بأمري فسرت فلما كنت من مرو على فرسخين تلقاني أبو مسلم في الناس
فلما دنا أبو مسلم منى أقبل يمشى إلى حتى قبل يدي فقلت اركب فركب فدخل مرو
فنزلت دارا فمكثت ثلاثة أيام لا يسألني عن شئ ثم قال لي في اليوم الرابع ما أقدمك
102

فأخبرته فقال فعلها أبو سلمة أكفيكموه فدعا مرار بن أنس الضبي فقال انطلق إلى
الكوفة فاقتل أبا سلمة حيث لقيته وانته في ذلك إلى رأى الامام فقد مرار
الكوفة فكان أبو سلمة يسمر عند أبي العباس فقعد في طريقه فلما خرج قتله
وقالوا قتله الخوارج قال على فحدثني شيخ من بنى سليم عن سالم قال صحبت أبا جعفر
من الري إلى خراسان وكنت حاجبه فكان أبو مسلم يأتيه فينزل على باب الدار
ويجلس في الدهليز ويقول استأذن لي فغضب أبو جعفر على وقال ويلك إذا
رأيته فافتح له الباب وقل له يدخل على دابته ففعلت وقلت لأبي مسلم إنه قال كذا
وكذا قال نعم أعلم واستأذن لي عليه وقد قيل إن أبا العباس قد كان تنكر
لأبي سلمة قبل ارتحاله من عسكره بالنخيلة ثم تحول عنه إلى المدينة الهاشمية فنزل
قصر الامارة بها وهو متنكر له قد عرف ذلك منه وكتب إلى أبى مسلم يعلمه
رأيه وما كان هم به من الغش وما يتخوف منه فكتب أبو مسلم إلى أمير المؤمنين
إن كان اطلع على ذلك منه فليقتله فقال داود بن علي لأبي العباس لا تفعل يا أمير المؤمنين
فيحتج عليك بها أبو مسلم وأهل خراسان الذين معك وحاله فيهم حاله ولكن
اكتب إلى أبى مسلم فليبعث إليه من يقتله فكتب إلى أبى مسلم بذلك فبعث لذلك
أبو مسلم مرار بن أنس الضبي فقدم على أبى العباس في المدينة الهاشمية وأعلمه
سبب قدومه فأمر أبو العباس مناديا فنادى إن أمير المؤمنين قد رضى عن أبي سلمة
ودعاه وكساه ثم دخل عليه بعد ذلك ليلة فلم يزل عنده حتى ذهب عامة الليل ثم
خرج منصرفا إلى منزله يمشى وحده حتى دخل الطاقات فعرض له مرار بن أنس
ومن كان معه من أعوانه فقتلوه وأغلقت أبواب المدينة وقالوا قتل الخوارج
أبا سلمة ثم أخرج من الغد فصلى عليه يحيى بن محمد بن علي ودفن في المدينة
الهاشمية فقال سليمان بن المهاجر البجلي
إن الوزير وزير آل محمد * أودى فمن يشناك كان وزيرا
وكان يقال لأبي سلمة وزير آل محمد ولأبي مسلم أمين آل محمد فلما قتل أبو سلمة
وجه أبو العباس أخاه أبا جعفر في ثلاثين رجلا إلى أبى مسلم فيهم الحجاج بن
103

أرطاة وإسحق بن الفضل الهاشمي ولما قدم أبو جعفر على أبى مسلم سايره عبيد الله
ابن الحسين الأعرج وسليمان بن كثير معه فقال سليمان بن كثير للأعرج يا هذا
إنا كنا نرجو أن يتم أمركم فإذا شئتم فادعونا إلى ما تريدون فظن عبيد الله أنه دسيس
من أبى مسلم فخاف ذلك وبلغ أبا مسلم مسايرة سليمان بن كثير إياه وأتى عبيد الله
أبا مسلم فذكر له ما قال سليمان وظن أنه إن لم يفعل ذلك اغتاله فقتله فبعث
أبو مسلم إلى سليمان بن كثير فقال له أتحفظ قول الإمام لي من اتهمته فاقتله قال نعم
قال فانى قد اتهمتك فقال أنشدك الله قال لا تناشدني الله وأنت منطو على غش
الامام فأمر بضرب عنقه ولم ير أحدا ممن كان يضرب عنقه أبو مسلم غيره فانصرف
أبو جعفر من عند أبي مسلم فقال لأبي العباس لست خليفة ولا أمرك بشئ إن
تركت أبا مسلم ولم تقتله قال وكيف قال والله ما يصنع إلا ما أراد قال أبو العباس
اسكت فاكتمها (وفى هذه السنة) وجه أبو العباس أخاه أبا جعفر إلى واسط
لحرب يزيد بن عمر بن هبيرة وقد ذكرنا ما كان من أمر الجيش الذين لقوه من
أهل خراسان مع قحطبة ثم مع ابنه الحسن بن قحطبة وانهزامه ولحاقه بمن معه
من جنود الشأم بواسط متحصنا بها فذكر علي بن محمد عن أبي عبد الله السلمي
عن عبد الله بن بدر وزهير بن هنيد وبشر بن عيسى وأبى السرى أن ابن هبيرة
لما انهزم تفرق الناس عنه وخلف على الأثقال قوما فذهبوا بتلك الأموال فقال
له حوثرة أين تذهب وقد قتل صاحبهم امض إلى الكوفة ومعك جند كثير فقاتلهم
حتى تقتل أو تظفر قال بل نأتى واسطا فننظر قال ما تزيد على أن تمكنه من نفسك
وتقتل فقال له يحيى بن حضين إنك لا تأتى مروان بشئ أحب إليه من هذه
الجنود فالزم الفرات حتى تقدم عليه وإياك وواسط فتصير في حصار وليس
بعد الحصار إلا القتل فأبى وكان يخاف مروان لأنه كان يكتب إليه في الامر
فيخالفه فخافه إن قدم عليه أن يقتله فأتى واسط فدخلها وتحصن بها وسرح أبو سلمة
الحسن بن قحطبة فخندق الحسن وأصحابه ونزلوا فيما بين الزاب ودجلة وضرب
الحسن سرادقه حيال باب المضمار فأول وقعة كانت بينهم يوم الأربعاء فقال
104

أهل الشأم لابن هبيرة ائذن لنا في قتالهم فأذن لهم فخرجوا وخرج ابن هبيرة
وعلى ميمنته ابنه داود ومعه محمد بن نباتة في ناس من أهل خراسان فيهم
أبو العود الخراساني فالتقوا وعلى ميمنته الحسن خازم بن خزيمة وابن هبيرة
قبالة باب المضمار فحمل خازم على ابن هبيرة فهزموا أهل الشأم حتى ألجؤوهم إلى
الخنادق وبادر الناس باب المدينة حتى غص باب المضمار ورمى أصحاب العرادات
بالعرادات والحسن واقف وأقبل يسير في الخيل فيما بين النهر والخندق ورجع أهل الشأم
فكر عليهم الحسن فحالوا بينه وبين المدينة واضطروهم إلى دجلة فغرق منهم ناس كثير
فتلقوهم بالسفن فحملوهم وألقى ابن نباتة يومئذ سلاحه واقتحم فتبعوه بسفينة
فركب وتحاجزوا فمكثوا سبعة أيام ثم خرجوا إليهم يوم الثلاثاء فاقتتلوا فحمل
رجل من أهل الشأم على أبى حفص هزار مرد فضربه وانتمى أنا الغلام السلمي
وضربه أبو حفص وانتمى أنا الغلام العتكي فصرعه وانهزم أهل الشأم هزيمة
قبيحة فدخلوا المدينة فمكثوا ما شاء الله لا يقتتلون إلا رميا من وراء الفصيل
وبلغ ابن هبيرة وهو في الحصار أن أبا أمية التغلبي قد سود فأرسل أبا عثمان إلى
منزله فدخل على أبى أمية في قبته فقال إن الأمير أرسلني إليك لأفتش قبتك فإن كان
فيها سواد علقته في عنقك وحبلا ومضيت بك إليه وإن لم يكن في بيتك
سواد فهذه خمسون ألفا صلة لك فأبى أن يدعه أن يفتش قبتة فذهب به إلى ابن
هبيرة فحبسه فتكلم في ذلك معن بن زائدة وناس من ربيعة وأخذوا ثلاثة من بنى
فزارة فحبسوهم وشتموا ابن هبيرة فجاءهم يحيى بن حضين فكلمهم فقالوا لا نخلى
عنهم حتى يخلى عن صاحبنا فأبى ابن هبيرة فقال له ما تفسد إلا على نفسك وأنت
محصور خل سبيل هذا الرجل قال لا ولا كرامة فرجع ابن حضين إليهم فأخبرهم
فاعتزل معن وعبد الرحمن بن بشير العجلي فقال ابن حضين لابن هبيرة هؤلاء
فرسانك قد أفسدتهم وإن تماديت في ذلك كانوا أشد عليك ممن حصرك فدعا
أبا أمية فكساه وخلى سبيله فاصطلحوا وعادوا إلى ما كانوا عليه وقدم أبو نصر
مالك بن الهيثم من ناحية سجستان فأوفد الحسن بن قحطبة وفدا إلى أبى العباس
105

بقدوم أبى نصر عليه وجعل على الوفد غيلان بن عبد الله الخزاعي وكان غيلان
واجدا على الحسن لأنه سرحه إلى روح بن حاتم مددا له فلما قدم على أبى العباس
قال أشهد أنك أمير المؤمنين وأنك حبل الله المتين وأنك إمام المتقين قال حاجتك
يا غيلان قال أستغفرك قال غفر الله لك فقال داود بن علي وفقك الله يا أبا فضالة
فقال له غيلان يا أمير المؤمنين من علينا برجل من أهل بيتك قال أوليس عليكم
رجل من أهل بيتي الحسن بن قحطبة قال يا أمير المؤمنين من علينا برجل من أهل
بيتك فقال أبو العباس مثل قوله الأول فقال يا أمير المؤمنين من علينا برجل من أهل
بيتك ننظر إلى وجهه وتقرأ عيننا به قال نعم يا غيلان فبعث أبا جعفر فجعل غيلان
على شرطه فقدم واسطا فقال أبو نصر لغيلان ما أردت إلا ما صنعت قال به بود
فمكث أياما على الشرط ثم قال لأبي جعفر لا أقوى على الشرط ولكني أدلك
على من هو أجلد منى قال من هو قال جهور بن مرار قال لا أقدر على عزلك
لان أمير المؤمنين استعملك قال اكتب إليه فأعلمه فكتب إليه فكتب إليه
أبو العباس أن اعمل برأي غيلان فولى شرطه جهورا وقال أبو جعفر للحسن ابغنى
رجلا أجعله على حرسي قال من قد رضيته لنفسي عثمان بن نهيك فولى الحرس قال
بشر بن عيسى ولما قدم أبو جعفر واسطا تحول له الحسن عن حجرته فقاتلهم وقاتلوه
فقاتلهم أبو نصر يوما فانهزم أهل الشأم إلى خنادقهم وقد كمن لهم معن وأبو يحيى
الجذامي فلما جاوزهم أهل خراسان خرجوا عليهم فقاتلوهم حتى أمسوا وترجل لهم
أبو نصر فاقتتلوا عند الخنادق ورفعت لهم النيران وابن هبيرة على برج باب الخلالين
فاقتتلوا ما شاء الله من الليل وسرح ابن هبيرة إلى معن أن ينصرف فانصرف ومكثوا
أياما وخرج أهل الشأم أيضا مع محمد بن نباتة ومعن بن زائدة وزياد بن صالح وفرسان
من فرسان أهل الشأم فقاتلهم أهل خراسان فهزموهم إلى دجلة فجعلوا يتساقطون في
دجلة فقال أبو نصر يا أهل خراسان مردمان خانئه بيابان هستيد وبرخيزيد فرجعوا
وقد صرع ابنه فحماه روح بن حاتم فمر به أبوه فقال له بالفارسية قد قتلوك يا بنى لعن الله
الدنيا بعدك وحملوا على أهل الشأم فهزموهم حتى أدخلوهم مدينة واسط فقال بعضهم
106

لبعض لا والله لا تفلح بعد عشيتنا أبدا خرجنا عليهم ونحن فرسان أهل الشأم فهزمونا
حتى دخلنا المدينة وقتل تلك العشية من أهل خراسان بكار الأنصاري ورجل من
أهل خراسان كانا من فرسان أهل خراسان وكان أبو نصر في حصار ابن هبيرة يملا
السفن حطبا ثم يضرمها بالنار لتحرق ما مرت به فكان ابن هبيرة يهيئ حراقات كان
فيها كلاليب تجر تلك السفن فمكثوا بذلك أحد عشر شهرا فلما طال ذلك عليهم طلبوا
الصلح ولم يطلبوه حتى جاءهم خبر قتل مروان أتاهم به إسماعيل بن عبد الله القسري
وقال لهم علام تقتلون أنفسكم وقد قتل مروان وقد قيل إن أبا العباس وجه أبا جعفر
عند مقدمه من خراسان منصرفا من عند أبي مسلم إلى ابن هبيرة لحربه فشخص
جعفر حتى قدم على الحسن بن قحطبة وهو محاصر ابن هبيرة بواسط فتحول له
الحسن عن منزله فنزله أبو جعفر فلما طال الحصار على ابن هبيرة وأصحابه تجنى عليه
أصحابه فقالت اليمانية لا نعين مروان وآثاره فينا آثاره وقالت النزارية لا نقاتل
حتى تقاتل معنا اليمانية وكان انما يقاتل معه الصعاليك والفتيان وهم ابن هبيرة أن
يدعو إلى محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن فكتب إليه فأبطأ جوابه وكاتب أبو العباس
اليمانية من أصحاب ابن هبيرة وأطمعهم فخرج إليه زياد بن صالح وزياد بن عبيد الله
الحارثيان ووعدا ابن هبيرة ان يصلحا له ناحية أبى العباس فلم يفعلا وجرت
السفراء بين أبى جعفر وبين ابن هبيرة حتى جعل له أمانا وكتب به كتابا مكث
يشاور فيه العلماء أربعين يوما حتى رضيه ابن هبيرة ثم أنفذه إلى أبى جعفر فأنفذه
أبو جعفر إلى أبى العباس فأمره بامضائه وكان رأى أبى جعفر الوفاء له بما أعطاه
وكان أبو العباس لا يقطع أمرا دون أبى مسلم وكان أبو الجهم عينا لأبي مسلم على
أبى العباس فكتب إليه بأخباره كلها فكتب أبو مسلم إلى أبى العباس إن الطريق
السهل إذا ألقيت فيه الحجارة فسد لا والله لا يصلح طريق فيه ابن هبيرة
ولما تم الكتاب خرج ابن هبيرة إلى أبى جعفر في ألف وثلثمائة من البخارية
فأراد أن يدخل الحجرة على دابته فقام إليه الحاجب سلام بن سليم فقال
مرحبا بك أبا خالد انزل راشدا وقد أطاف بالحجرة نحو من عشرة آلاف من أهل
107

خراسان فنزل ودعا له بوسادة ليجلس عليها ثم دعا بالقواد فدخلوا ثم قال سلام
ادخل أبا خالد فقال له أنا ومن معي فقال إنما استأذنت لك وحدك فقام فدخل
ووضعت له وسادة فجلس عليها فحادثه ساعة ثم قام وأتبعه أبو جعفر بصره حتى
غاب عنه ثم مكث يقيم عنه يوما ويأتيه يوما في خمسمائة فارس وثلثمائة راجل
فقال يزيد بن حاتم لأبي جعفر أيها الأمير إن ابن هبيرة ليأتي فيتضعضع له العسكر
وما نقص من سلطانه شئ فإذا كان يسير في هذه الفرسان والرجالة فما يقول
عبد الجبار وجهور فقال أبو جعفر لسلام قل لا بن هبيرة يدع الجماعة ويأتينا
في حاشيته فقال له سلام ذلك فتغير وجهه وجاء في حاشيته نحوا من ثلاثين
فقال له سلام كأنك تأتى مباهيا فقال إن أمرتم أن نمشي إليكم مشينا فقال
ما أردنا بك استخفافا ولا أمر الأمير بما أمر به إلا نظرا لك فكان بعد ذلك
يأتي في ثلاثة وذكر أبو زيد أن محمد بن كثير حدثه قال كلم ابن هبيرة يوما
أبا جعفر فقال يا هناه أو يا أيها المرء ثم رجع فقال أيها الأمير إن عهدي بكلام
الناس بمثل ما خاطبتك به حديث فسبقني لساني إلى ما لم أرده وألح أبو العباس على
أبى جعفر يأمره بقتله وهو يراجعه حتى كتب إليه والله لتقتلنه أو لأرسلن إليه من
يخرجه من حجرتك ثم يتولى قتله فأزمع على قتله فبعث خازم بن خزيمة والهيثم
ابن شعبة بن ظهير وأمرهما بختم بيوت الأموال ثم بعث إلى وجوه من معه من
القيسية والمضرية فأقبل محمد بن نباتة وحوثرة بن سهيل وطارق بن قدامة وزياد
ابن سويد وأبو بكر بن كعب العقيلي وأبان وبشر ابنا عبد الملك بن بشر في
اثنين وعشرين رجلا من قيس وجعفر بن حنظلة وهزان بن سعد قال فخرج
سلام بن سليم فقال أبو حوثرة ومحمد بن نباتة فقاما فدخلا وقد أجلس عثمان بن
نهيك والفضل بن سليمان وموسى بن عقيل في مائة في حجرة دون حجرته فنزعت
سيوفهما وكتفا ثم دخل بشر وأبان ابنا عبد الملك بن بشر ففعل بهما ذلك ثم
دخل أبو بكر بن كعب وطارق بن قدامة فقام جعفر بن حنظلة فقال نحن رؤساء
الأجناد ولم يكون هؤلاء يقدمون علينا فقال ممن أنت قال من بهراء فقال وراءك
108

أوسع لك ثم قام هزان فتكلم فأخر فقال روح بن حاتم يا أبا يعقوب نزعت
سيوف القوم فخرج عليهم موسى بن عقيل فقالوا له أعطيتمونا عهد الله ثم خستم
به إنا لنرجو أن يدرككم الله وجعل ابن نباتة يضرب في لحية نفسه فقال له حوثرة
إن هذا لا يغنى عنك شيئا فقال كأني كنت أنظر إلى هذا فقتلوا وأخذت خواتيمهم
وانطلق خازم والهيثم بن شعبة والأغلب بن سالم في نحو من مائة فأرسلوا إلى ابن
هبيرة إنا نريد حمل المال فقال ابن هبيرة لحاجبه يا أبا عثمان انطلق فدلهم عليه
فأقاموا عند كل بيت نفرا ثم جعلوا ينظرون في نواحي الدار ومع ابن هبيرة ابنه
داود وكاتبه عمرو بن أيوب وحاجبه وعدة من مواليه وبنى له صغير في حجره
فجعل ينكر نظرهم فقال أقسم بالله إن في وجوه القوم لشرا فأقبلوا نحوه فقام
حاجبه في وجوههم فقال ما وراءكم فضربه الهيثم بن شعبة على حبل عاتقه فصرعه
وقاتل ابنه داود فقتل وقتل مواليه ونحى الصبى من حجره وقال دونكم هذا الصبى
وخر ساجدا فقتل وهو ساجد ومضوا برؤوسهم إلى أبى جعفر فنادى بالأمان
للناس إلا للحكم بن عبد الملك بن بشر وخالد بن سلمة المخزومي وعمر بن ذر فاستأمن
زياد بن عبيد الله لابن ذر فآمنه أبو العباس وهرب الحكم وآمن أبو جعفر خالدا
فقتله أبو العباس ولم يجز أمان أبى جعفر وهرب أبو علاقة وهشام بن هشيم بن
صفوان بن مزيد الفزاريان فلحقهما حجر بن سعيد الطائي فقتلهما على الزاب
فقال أبو عطاء السندي يرثيه:
ألا إن عينا لم تجد يوم واسط * عليك بجاري دمعها لجمود
عشية قام النائحات وشققت * جيوب بأيدي مأتم وخدود
فإن تمس مهجور الفناء فربما * أقام به بعد الوفود وفود
فإنك لم تبعد على متعهد * بلى كل من تحت التراب بعيد
وقال منقذ بن عبد الرحمن الهلالي يرثيه
منع العزاء حرارة الصدر * والحزن عقد عزيمة الصبر
لما سمعت بوقعة شملت * بالشيب لون مفارق الشعر
109

أفنى الحماة الغر أن عرضت * دون الوفاء حبائل الغدر
مالت حبائل أمرهم بفتى * مثل النجوم حففن بالبدر
عالي نعيهم فقلت له * هلا أتيت بصيحة الحشر
لله درك من زعمت لنا * أن قد حوته حوادث الدهر
من للمنابر بعد مهلكهم * أو من يسد مكارم الفخر
فإذا ذكرتهم شكا ألما * قلبي لفقد فوارس زهر
قتلى بدجلة ما يغمهم * إلا عباب زواخر البحر
فلتبك نسوتنا فوارسها * خير الحماة ليالي الذعر
وذكر أبو زيد أن أبا بكر الباهلي حدثه قال حدثني شيخ من أهل خراسان قال كان
هشام بن عبد الملك خطب إلى يزيد بن عمر بن هبيرة ابنته على ابنه معاوية فأبى
أن يزوجه فجرى بعد ذلك بين يزيد بن عمر وبين الوليد بن القعقاع كلام فبعث به
هشام إلى الوليد بن القعقاع فضربه وحبسه فقال ابن طيسلة:
يا قل خير رجال لا عقول لهم * من يعدلون إلى المحبوس في حلب
إلى امرئ لم تصبه الدهر معضلة * إلا استقل بها مسترخى اللبب
وقيل إن أبا العباس لما وجه أبا جعفر إلى واسط لقتال ابن هبيرة كتب إلى
لحسن بن قحطبة إن العسكر عسكرك والقواد قوادك ولكن أحببت أن يكون
أخي حاضرا فاسمع له وأطع وأحسن موازرته وكتب إلى أبى نصر مالك بن الهيثم
بمثل ذلك فكان الحسن المدبر لذلك العسكر بأمر المنصور (وفى هذه السنة)
وجه أبو مسلم محمد بن الأشعث على فارس وأمره أن يأخذ عمال أبى سلمة فيضرب
أعناقهم ففعل ذلك (وفى هذه السنة) وجه أبو العباس عمه عيسى بن علي على
فارس وعليها محمد بن الأشعث فهم به فقيل له إن هذا لا يسوغ لك فقال بلى أمرني
أبو مسلم ألا يقدم على أحد يدعى الولاية من غيره إلا ضربت عنقه ثم ارتدع
عن ذلك لما تخوف من عاقبته فاستخلف عيسى بالايمان المحرجة أن لا يعلو
متبرا ولا يتقلد سيفا إلا في جهاد فلم يل عيسى بعد ذلك عملا ولا تقلد سيفا
110

إلا في غزو ثم وجه أبو العباس بعد ذلك إسماعيل بن علي واليا على فارس (وفى
هذه السنة) وجه أبو العباس أخاه أبا جعفر واليا على الجزيرة وأذربيجان
وأرمينية ووجه أخاه يحيى بن محمد بن علي واليا على الموصل (وفيها) عزل عمه
داود بن علي عن الكوفة وسوادها وولاه المدينة ومكة واليمن واليمامة وولى
موضعه وما كان إليه من عمل الكوفة وسوادها عيسى بن موسى (وفيها) عزل
مروان وهو بالجزيرة عن المدينة الوليد بن عروة وولاها أخاه يوسف بن عروة
فذكر الواقدي أنه قدم المدينة لأربع خلون من شهر ربيع الأول (وفيها)
استقضى عيسى بن موسى على الكوفة ابن أبي ليلى * وكان العامل على البصرة
في هذه السنة سفيان بن معاوية المهلبي وعلى قضائها الحجاج بن أرطاة وعلى
فارس محمد بن الأشعث وعلى السند منصور بن جمهور وعلى الجزيرة وأرمينية
وأذربيجان عبد الله بن محمد وعلى الموصل يحيى بن محمد وعلى كور الشأم عبد الله
ابن علي وعلى مصر أبو عون عبد الملك بن يزيد وعلى خراسان والحبال أبو مسلم
وعلى ديوان الخراج خالد بن برمك (وحج) بالناس في هذه السنة داود بن علي
ابن عبد الله بن العباس
ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين ومائة
ذكر ما كان في هذه السنة من الاحداث
(فمن ذلك) ما كان من توجيه أبى العباس عمه سليمان بن علي واليا على
البصرة وأعمالها وكور دجلة والبحرين وعمان مهرجا نفذق وتوجيهه أيضا
عمه إسماعيل بن علي على كور الأهواز (وفيها) قتل داود بن علي من كان
أخذ من بنى أمية بمكة والمدينة (وفيها) مات داود بن علي بالمدينة في شهر
ربيع الأول وكانت ولايته فيما ذكر محمد بن عمر ثلاثة أشهر واستخلف
داود بن علي حين حضرته الوفاة على عمله ابنه موسى ولما بلغت أبا العباس وفاته
وجه على المدينة ومكة والطائف واليمامة خالد زياد بن عبيد الله بن عبد الله بن
111

عبد المدان الحارئى ووجه محمد بن يزيد بن عبد الله بن عبد المدان على اليمن فقدم
اليمن في جمادى الأولى فأقام زياد بالمدينة ومضى محمد إلى اليمن ثم وجه زياد بن
عبيد الله من المدينة إبراهيم بن حسان السلمي وهو أبو حماد الأبرص إلى المثنى
ابن يزيد بن عمر بن هبيرة وهو باليمامة فقتله وقتل أصحابه (وفيها) كتب أبو العباس
إلى أبى عون باقراره على مصر واليا عليها وإلى عبد الله وصالح ابني على على
أجناد الشأم (وفيها) توجه محمد بن الأشعث إلى إفريقية فقاتلهم قتالا شديدا
حتى فتحها (وفيها) خرج شريك بن شيخ المهري بخراسان على أبى مسلم ببخارى
ونقم عليه وقال ما على هذا اتبعنا آل محمد على أن نسفك الدماء ونعمل بغير الحق
وتبعه على رأيه أكثر من ثلاثين ألفا فوجه إليه أبو مسلم زياد بن صالح الخزاعي
فقاتله فقتله (وفيها) توجه أبو داود خالد بن إبراهيم من الوخش إلى الختل
فدخلها ولم يمتنع عليه حنش بن السبل ملكها وأتاه ناس من دهاقين الختل
فتحصنوا معه وامتنع بعضهم في الدروب والشعاب والقلاع فلما ألح أبو داود
على حنش خرج من الحصن ليلا ومعه دهاقينه وشاكريته حتى انتهوا إلى أرض
فرغانة ثم خرج منها في أرض الترك حتى وقع إلى ملك الصين وأخذ أبو داود
من ظفر به منهم فجاوز بهم إلى بلخ ثم بعث بهم إلى أبى مسلم (وفيها) قتل
عبد الرحمن بن يزيد بن المهلب قتله سليمان الذي يقال له الأسود بأمان كتبه له
(وفيها) وجه صالح بن علي سعيد بن عبد الله لغزو الصائفة وراء الدروب
(وفيها) عزل يحيى بن محمد عن الموصل واستعمل مكانه إسماعيل بن علي (وحج)
بالناس في هذه السنة زياد بن عبيد الله الحارثي كذلك حدثني أحمد بن ثابت عمن
حدثه عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر وكذلك قال الواقدي وغيره * وكان
على الكوفة وأرضها عيسى بن موسى وعلى قضائها ابن أبي ليلى وعلى البصرة
وأعمالها وكور دجلة والبحرين وعمان والعرض ومهرجا نقذق سليمان بن علي
وعلى قضائها عباد بن منصور وعلى الأهواز إسماعيل بن علي وعلى فارس محمد
ابن الأشعث وعلى السند منصور بن جمهور وعلى خراسان والجبال أبو مسلم وعلى
112

قنسرين وحمص وكور دمشق والأردن عبد الله بن علي وعلى فلسطين صالح بن علي
وعلى مصر عبد الملك بن يزيد أبو عون وعلى الجزيرة عبد الله بن محمد المنصور وعلى
الموصل إسماعيل بن علي وعلى أرمينية صالح بن صبيح وعلى أذربيجان مجاشع بن
يزيد وعلى ديوان الخراج خالد بن برمك
ثم دخلت سنة أربع وثلاثين ومائة
ذكر ما كان فيها من الاحداث
(ففيها) خالف بسام بن إبراهيم بن بسام وخلع وكان من فرسان أهل خراسان
وشخص فيما ذكر من عسكر أبى العباس أمير المؤمنين مع جماعة ممن شايعه على ذلك
من رأيه مسبشرين بخروجهم ففحص عن أمرهم وإلى أين صاروا حتى وقف
على مكانهم بالمدائن فوجه إليهم أبو العباس خازم بن خزيمة فلما لقى بساما ناجزه
القتال فانهزم بسام وأصحابه وقتل أكثرهم واستبيح عسكره ومضى خازم وأصحابه
في طلبهم في أرض جوخا إلى أن بلغ ماه وقتل كل من لحقه منهزما أو ناصبه القتال
ثم انصرف من وجهه ذلك فمر بذات المطامير أو بقرية شبيهة بها وبها من بنى
الحارث بن كعب من بنى عبد المدان وهم أخوال أبى العباس ذنبة فمر بهم وهم
في مجلس لهم وكانوا خمسة وثلاثين رجلا منهم ومن غيرهم ثمانية عشر رجلا ومن
مواليهم سبعة عشر رجلا فلم يسلم عليهم فلما جاز شتموه وكان في قلبه عليهم ما كان
لما بلغه عنهم من حال المغيرة بن الفزع وإنه لجأ إليهم وكان من أصحاب بسام
ابن إبراهيم فكر راجعا فسألهم عما بلغه من نزول المغيرة بهم فقالوا مر بنا رجل
مجتاز لا نعرفه فأقام في قريتنا ليلة ثم خرج عنها فقال لهم أنتم أخوال أمير المؤمنين
يأتيكم عدوه فيأمن في قريتكم فهلا اجتمعتم فأخذ تموه فأغلظوا له الجواب فأمر
بهم فضربت أعناقهم جميعا وهدمت دورهم وانتهبت أموالهم ثم انصرف إلى
أبى العباس وبلغ ما كان من فعل خازم اليمانية فأعظموا ذلك واجتمعت كلمتهم
فدخل زياد بن عبيد الله الحارثي على أبى العباس مع عبد الله بن الربيع الحارثي
113

وعثمان بن نهيك وعبد الجبار بن عبد الرحمن وهو يومئذ على شرطة أبى العباس
فقالوا يا أمير المؤمنين إن خادما اجترأ عليك بأمر لم يكن أحد من أقرب ولد
أبيك ليجترئ عليك به من استخفافه بحقك وقتل أخوالك الذين قطعوا البلاد
وأتوك معتزين بك طالبين معروفك حتى إذا صاروا إلى دارك وجوارك وثب
عليهم خازم فضرب أعناقهم وهدم دورهم وأنهب أموالهم وأخرب ضياعهم
بلا حدث أحدثوه فهم بقتل خازم فبلغ ذلك موسى بن كعب وأبا الجهم بن عطية
فدخل على أبى العباس فقالا بلغنا يا أمير المؤمنين ما كان من تحميل هؤلاء القوم
إياك على خازم وإشارتهم عليك بقتله وما هممت به من ذلك وإنا نعيذك بالله من
ذلك فان له طاعة وسابقة وهو يحتمل له ما صنع فان شيعتكم من أهل خراسان
قد آثروكم على الأقارب من الأولاد والآباء والاخوان وقتلوا من خالفكم وأنت
أحق من تغمد إساءة مسيئهم فان كنت لابد مجمعا على قتله فلا تتول ذلك بنفسك
وعرضه من المباعث لما أن قتل فيه كنت قد بلغت الذي أردت وإن ظفر كان
ظفره لك وأشاروا عليه بتوجيهه إلى من بعمان من الخوارج إلى الجلندي وأصحابه
وإلى الخوارج الذين بجزيرة ابن كاوان مع شيبان بن عبد العزيز اليشكري فأمر
أبو العباس بتوجيهه مع سبعمائة رجل وكتب إلى سليمان بن علي وهو على البصرة
بخملهم في السفن إلى جزيرة ابن كاوان وعمان فشخص (وفى هذه السنة) شخص
خازم بن خزيمة إلى عمان فأوقع بمن فيها من الخوارج وغلب عليها وعلى ما قرب
منها من البلدان وقتل شيبان الخارجي
ذكر الخبر عما كان منه هنالك
ذكر أن خازم بن خزيمة شخص في السبعمائة الذين ضمهم إليه أبو العباس
وانتخب من أهل بيته وبنى عمه ومواليه ورجال من أهل مرو الروذ قد عرفهم
ووثق بهم فسار إلى البصرة فحملهم سليمان بن علي وانضم إلى خازم بالبصرة عدة
من بنى تميم فساروا حتى أرسوا بجزيرة ابن كاوان فوجه خازم نضلة بن نعيم النهشلي
في خمسمائة رجل من أصحابه إلى شيبان فالتقوا فاقتتلوا قتالا شديدا فركب شيبان
114

وأصحابه السفن فقطعوا إلى عمان وهم صفرية فلما صاروا إلى عمان نصب لهم
الجلندي وأصحابه وهم إباضية فاقتتلوا قتالا شديدا فقتل شيبان ومن معه ثم سار
خازم في البحر بمن معه حتى أرسوا إلى ساحل عمان فخرجوا إلى صحراء فلقيهم
الجلندي وأصحابه فاقتتلوا قتالا شديدا وكثر القتل يومئذ في أصحاب خازم وهم
يومئذ على ضفة البحر وقتل فيمن قتل أخ لخازم لامه يقال له إسماعيل في تسعين
رجلا من أهر مروالروذ ثم تلاقوا في اليوم الثاني فاقتتلوا قتالا شديدا وعلى
ميمنته رجل من أهل مرو الروذ يقال له حميد الورتكاني وعلى ميسرته رجل من
أهل مرو الروذ يقال له مسلم الأرغدي وعلى طلائعه نضلة بن نعيم النهشلي فقتل
يومئذ من الخوارج تسعمائة رجل وأحرقوا منهم نحوا من تسعين رجلا ثم التقوا
بعد سبعة أيام من مقدم خازم على رأى أشار به عليه رجل من أهل الصغد وقع
بتلك البلاد فأشار عليه أن يأمر أصحابه فيجعلوا على أطراف أسنتهم المشاقة
ويرووها بالنقط ويشعلوا فيها النيران ثم يمشوا بها حتى يضرموها في بيوت
أصحاب الجلندي وكانت من خشب وخلاف فلما فعل ذلك وأضرمت بيوتهم
بالنيران وشغلوا بها وبمن فيها من أولادهم وأهاليهم شد عليهم خازم وأصحابه
فوضعوا فيهم السيوف وهم غير ممتنعين منهم وقتل الجلندي فيمن قتل وبلغ عدة
من قتل عشر آلاف وبعث خازم برؤوسهم إلى البصرة فمكث بالبصرة أياما ثم
بعث بها إلى أبى العباس وأقام خازم بعد ذلك أشهرا حتى أتاه كتاب أبى العباس
فإقفاله فقفلوا (وفى هذه السنة) غزا أبو داود خالد بن إبراهيم أهل كش فقتل
الاخريد ملكها وهو سامع مطيع قدم عليه قبل ذلك بلخ ثم تلقاه بكندك مما يلي
كش وأخذ أبو داود من الاخريد وأصحابه حين قتلهم من الأواني الصينية
المنقوشة المذهبة التي لم ير مثلها ومن السروج الصينية ومتاع الصين كله من
الديباج وغيره ومن طرف الصين شيئا كثيرا فحمله أبو داود أجمع إلى أبى
مسلم وهو بسمرقند وقتل أبو داود دهقان كش في عدة من دهاقينها
واستحيا طاران أخا الاخريد وملكه على كش وأخذ ابن النجاح ورده إلى
115

أرضه وانصرف أبو مسلم إلى مرو بعد أن قتل في أهل الصغد وأهل بخارى وأمر
ببناء حائط سمرقند واستخلف زياد بن صالح على الصغد وأهل بخارى ثم رجع
أبو داود إلى بلخ (وفى هذه السنة) وجه أبو العباس موسى بن كعب إلى الهند
لقتال منصور بن جمهور وفرض لثلاثة آلاف رجل من العرب والموالي بالبصرة
ولألف من بنى تميم خاصة فشخص واستخلف مكانه على شرطة أبى العباس
المسيب بن زهير حتى ورد السند ولقى منصور بن جمهور في اثنى عشر ألفا
فهزمه ومن معه ومضى فمات عطشا في الرمال (وقد قيل) أصابه بطن وبلغ
خليفة منصور وهو بالمنصورة هزيمة منصور فرحل بعيال منصور وثقله وخرج
بهم في عدة من ثقاته فدخل بهم بلاد الخزر (وفيها) توفى محمد بن يزيد
ابن عبد الله وهو على اليمن فكتب أبو العباس إلى علي بن الربيع بن عبيد الله
الحارثي وهو عامل لزياد بن عبيد الله على مكة بولايته على اليمن فسار إليها
(وفى هذه السنة) تحول أبو العباس من الحيرة إلى الأنبار وذلك فيما قال
الواقدي وغيره في ذي الحجة (وفيها) عزل صالح بن صبيح عن أرمينية وجعل
مكانه يزيد بن أسيد (وفيها) عزل مجاشع بن يزيد عن أذربيجان واستعمل
عليها محمد بن صول (وفيها) ضرب المنار من الكوفة إلى مكة والأميال
وحج بالناس في هذه السنة عيسى بن موسى وهو على الكوفة وأرضها وكان على
قضاء الكوفة ابن أبي ليلى وعلى المدينة ومكة والطائف واليمامة زياد بن عبيد الله
وعلى اليمن علي بن الربيع الحارثي وعلى البصرة وأعمالها وكور دجلة والبحرين
وعمان والعرض ومهرجا نقذق سليمان بن علي وعلى قضائها عباد بن منصور
وعلى السند موسى بن كعب وعلى خراسان والجبال أبو مسلم وعلى فلسطين
صالح بن علي وعلى مصر أبو عون وعلى موصل إسماعيل بن علي وعلى أرمينية
يزيد بن أسيد وعلى أذربيجان محمد بن صول وعلى ديوان الخراج خالد بن برمك
وعلى الجزيرة عبد الله بن محمد أبو جعفر وعلى قنسرين وحمص وكور دمشق
والأردن عبد الله بن علي
116

ثم دخلت سنة خمس وثلاثين ومائة
ذكر ما كان فيها من الاحداث
فمما كان فيها من ذلك خروج زياد بن صالح وراء نهر بلخ فشخص أبو مسلم
من مرو مستعدا للقائه وبعث أبو داود خالد بن إبراهيم نصر بن راشد إلى الترمذ
وأمره أن ينزل مدينتها مخافة أن يبعث زياد بن صالح إلى الحصن والسفن فيأخذها
ففعل ذلك نصر وأقام بها أياما فخرج عليه ناس من الراوندية من أهل الطالقان
مع رجل يكنى أبا إسحاق فقتلوا نصرا فلما بلغ ذلك أبا داود بعث عيسى بن ماهان
في تتبع قتلة نصر فتتبعهم فقتلهم فمضى أبو مسلم مسرعا حتى انتهى إلى آمل ومعه
سباع بن النعمان الأزدي وهو الذي كان قدم بعهد زياد بن صالح من قبل أبى
العباس وأمره إن رأى فرصة أن يثب على أبى مسلم فيقتله فأخبر أبو مسلم بذلك
فدفع سباع بن النعمان إلى الحسن بن الجنيد عامله على آمل وأمره بحبسه عنده وعبر
أبو مسلم إلى بخارى فلما نزلها أتاه أبو شاكر وأبو سعد الشروى في قواد قد خلعوا
زيادا فسألهم أبو مسلم عن أمر زياد ومن أفسده قالوا سباع بن النعمان فكتب إلى
عامله على آمل أن يضرب سباعا مائة سوط ثم يضرب عنقه ففعل ولم أسلم زيادا
قواده ولحقوا بأبي مسلم لجأ إلى دهقان باركث فوثب عليه الدهقان فضرب عنقه
وجاء برأسه إلى أبى مسلم فأبطأ أبو داود على أبى مسلم لحال الراوندية الذين كانوا
خرجوا فكتب إليه أبو مسلم أما بعد فليفرج روعك ويأمن سربك فقد قتل الله
زيادا فاقدم فقدم أبو داود كش وبعث عيسى بن ماهان إلى بسام وبعث ابن النجاح
إلى الاصبهبذ إلى شاوغر فحاصر الحصن فأما أهل شاوغر فسألوا الصلح فأجيبوا
إلى ذلك فأما بسام فلم يصل عيسى بن ماهان إلى شئ منه حتى ظهر أبو مسلم بستة
عشر كتابا وجدها من عيسى بن ماهان إلى كامل بن مظفر صاحب أبى مسلم يعيب
فيها أبا داود وينسبه فيها إلى العصبية وإيثاره العرب وقومه على غيرهم من أهل
هذه الدعوة وإن في عسكره ستة وثلاثون سرادقا للمستأمنة فبعث بها أبو مسلم
117

إلى أبى داود وكتب إليه أن هذه كتب العلج الذي صيرته عدل نفسك فشأنك
به فكتب أبو داود إلى عيسى بن ماهان يأمره بالانصراف إليه عن بسام فلما قدم
عليه حبسه ودفعه إلى عمر النغم وكان في يده محبوسا ثم دعا به بعد يومين أو ثلاثة
فذكره صنيعته به وإيثاره إياه على ولده فأقر بذلك فقال أبو داود فكان جزاء
ما صنعت بك أن سعيت بي وأردت قتلى فأنكر ذلك فأخرج كتبه فعرفها فضربه
أبو داود يومئذ حدين أحدهما للحسن بن حمدان ثم قال أبو داود أما انى قد تركت
ذنبك لك ولكن الجند أعلم فاخرج في القيود فلما أخرج من السرادق وثب عليه
حرب بن زياد وحفص بن دينار مولى يحيى بن حضين فضرباه بعمود وطبرزين
فوقع إلى الأرض وعدا عليه أهل الطالقان وغيرهم فأدخلوه في جوالق وضربوه
بالأعمدة حتى مات ورجع أبو مسلم إلى مرو (وحج) بالناس في هذه السنة
سليمان بن علي وهو على البصرة وأعمالها وعلى قضائها عباد بن منصور وكان على
مكة العباس بن عبد الله بن معبد بن عباس وعلى المدينة زياد بن عبيد الله الحارثي
وعلى الكوفة وأرضها عيسى بن موسى وعلى قضائها ابن أبي ليلى وعلى الجزيرة
أبو جعفر المنصور وعلى مصر أبو عون وعلى حمص وقنسرين وبعلبك والغوطة
وحوران والجولان والأردن عبد الله بن علي وعلى البلقاء وفلسطين صالح بن علي
وعلى الموصل إسماعيل بن علي وعلى أرمينية يزيد بن أسيد وعلى أذربيجان
محمد بن صول وعلى ديوان الخراج خالد بن برمك
ثم دخلت سنة ست وثلاثين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
(ففي هذه السنة) قدم أبو مسلم العراق من خراسان على أبى العباس
أمير المؤمنين
ذكر الخبر عن قدومه عليه وما كان من أمره في ذلك
* فذكر علي بن محمد أن الهيثم بن عدي أخبره والوليد بن هشام عن أبيه قال لم
يزل أبو مسلم مقيما بخراسان حتى كتب إلى أبى العباس يستأذنه في القدوم عليه
118

فأجابه إلى ذلك فقدم على أبى العباس في جماعة من أهل خراسان عظيمة ومن
تبعه من غيرهم الأنبار فأمر أبو العباس الناس يتلقونه فتلقاه الناس وأقبل إلى أبى
العباس فدخل عليه فأعظمه وأكرمه ثم استأذن أبا العباس في الحج فقال لولا أن
أبا جعفر يحج لاستعملتك على الموسم وأنزله قريبا منه فكان يأتيه في كل يوم يسلم
عليه فكان ما بين أبى جعفر وأبى مسلم متباعدا لان أبا العباس كان بعث أبا جعفر
إلى أبى مسلم وهو بنيسابور بعد ما صفت له الأمور بعهده على خراسان وبالبيعة
لأبي العباس ولأبي جعفر من بعده فبايع له أبو مسلم وأهل خراسان وأقام أبو جعفر
أياما حتى فرغ من البيعة ثم انصرف وكان أبو مسلم قد استخف بأبي جعفر في
مقدمه ذلك فلما قدم على أبى العباس أخبره بما كان من استخافه به * قال على قال
الوليد عن أبيه لما قدم أبو مسلم على أبى العباس قال أبو جعفر لأبي العباس
يا أمير المؤمنين أطعني واقتل أبا مسلم فوالله إن في رأسه لغدرة فقال يا أخي قد
عرفت بلاءه وما كان منه فقال أبو جعفر يا أمير المؤمنين إنما كان بدولتنا والله
لو بعثت سنورا لقام مقامه وبلغ ما بلغ في هذه الدولة فقال له أبو العباس فكيف
نقتله قال إذا دخل عليك وحادثته وأقبل عليك دخلت فتغفلته فضربته من خلفه
ضربة أتيت بها على نفسه فقال أبو العباس فكيف بأصحابه الذين يؤثرونه على دينهم
ودنياهم قال يؤل ذلك كله إلى ما تريد ولو علموا أنه قد قتل تفرقوا وذلوا قال عزمت
عليك الا كففت عن هذا قال أخاف والله إن لم تتغده اليوم أن يتعشاك غدا قال
فدونكه أنت أعلم قال فخرج أبو جعفر من عنده عازما على ذلك فندم أبو العباس
وأرسل إلى أبى جعفر لا تفعل ذلك الامر * وقيل إن أبا العباس لما أذن لأبي
جعفر في قتل أبى مسلم دخل أبو مسلم على أبى العباس فبعث أبو العباس خصيا له
فقال اذهب فانظر ما يصنع أبو جعفر فأتاه فوجده محتبيا بسيفه فقال للخصي
أجالس أمير المؤمنين فقال له قد تهيأ للجلوس ثم رجع الخصي إلى أبى العباس فأخبره
بما رأى منه فرده إلى أبى جعفر وقال له قل له الامر الذي عزمت عليه لا تنفذه
فكف أبو جعفر (وفى هذه السنة) حج أبو جعفر المنصور وحج معه أبو مسلم
119

ذكر الخبر عن مسيرهما وعن صفة مقدمها على أبى العباس
أما أبو مسلم فإنه فيما ذكر لما أراد القدوم على أبى العباس كتب يستأذنه
في القدوم للحج فأذن له وكتب إليه أن أقدم في خمسمائة من الجند فكتب إليه
أبو مسلم إني قد وترت الناس ولست آمن على نفسي فكتب إليه أن أقبل في ألف
فإنما أنت في سلطان أهلك ودولتك وطريق مكة لا يحتمل العسكر فشخص
في ثمانية آلاف فرقهم فيما بين نيسابور والري وقدم بالأموال والخزائن فخلفها
بالري وجمع أيضا أموال الجبل وشخص منها في ألف وأقبل فلما أراد الدخول
تلقاه القواد وسائر الناس ثم استأذن أبا العباس في الحج فأذن له وقال لولا أن
أبا جعفر حاج لوليتك الموسم * وأما أبو جعفر فإنه كان أميرا على الجزيرة وكان
الواقدي يقول كان إليه مع الجزيرة أرمينية وأذربيجان فاستخلف على عمله مقاتل
ابن حكيم العكي وقدم على أبى العباس فاستأذنه في الحج * فذكر علي بن محمد
عن الوليد بن هشام عن أبيه أن أبا جعفر سار إلى مكة حاجا وحج معه أبو مسلم
سنة 136 فلما انقضى الموسم أقبل أبو جعفر وأبو مسلم فلما كان بين البستان وذات
عرق أتى أبا جعفر كتاب بموت أبى العباس وكان أبو جعفر قد تقدم أبا مسلم
بمرحلة فكتب إلى أبى مسلم أنه قد حدث أمر فالعجل العجل فأتاه الرسول فأخبره
فأقبل حتى لحق أبا جعفر وأقبلا إلى الكوفة (وفى هذه السنة) عقد أبو العباس
عبد الله بن محمد بن علي لأخيه أبى جعفر الخلافة من بعده وجعله ولى عهد المسلمين
ومن بعد أبي جعفر عيسى بن موسى بن محمد بن علي وكتب العهد بذلك وصيره
في ثوب وختم عليه بخاتمه وخواتيم أهل بيته ودفعه إلى عيسى بن موسى (وفيها)
توفى أبو العباس أمير المؤمنين بالأنبار يوم الأحد لثلاث عشرة خلت من ذي
الحجة وكانت وفاته فيما قيل بالجدري وقام هشام بن محمد توفى لاثنتي عشرة ليلة
مضت من ذي الحجة واختلف في مبلغ سنه يوم وفاته فقال بعضهم كان له يوم توفى
ثلاث وثلاثون سنة وقال هشام بن محمد كان يوم توفى ابن ست وثلاثين سنة
وقال بعضهم كان له ثمان وعشرون سنة وكانت ولايته من لدن قتل مروان
120

ابن محمد إلى أن توفى أربع سنين ومن لدن بويع له بالخلافة إلى أن مات أربع
سنين وثمانية أشهر وقال بعضهم وتسعة أشهر وقال الواقدي أربع سنين وثمانية
أشهر منها ثمانية أشهر وأربعة أيام يقاتل مروان وملك بعد مروان أربع سنين
وكان فيما ذكر ذا شعرة جعدة وكان طويلا أبيض أقنى الانف حسن الوجه
واللحية وأمه ريطة بنت عبيد الله بن عبد الله بن عبد المدان بن الديان الحارثي وكان
وزيره أبو الجهم بن عطية وصلى عليه عمه عيسى بن علي ودفنه بالأنبار العتيقة في
قصره وكان فيما ذكر خلف تسع جباب وأربعة أقمصة وخمسة سراويلات وأربعة
طيالسة وثلاثة مطاريف خز
خلافة أبى جعفر المنصور وهو عبد الله بن محمد
(وفى هذه السنة) بويع لأبي جعفر المنصور بالخلافة وذلك في اليوم الذي
توفى فيه أخوه أبو العباس وأبو جعفر يومئذ بمكة وكان الذي أخذ البيعة بالعراق
لأبي جعفر بعد موت أبى العباس عيسى بن موسى وكتب إليه عيسى يعلمه
بموت أخيه أبى العباس وبالبيعة له * وذكر علي بن محمد عن الهيثم عن
عبد الله بن عياش قال لما حضرت أبا العباس الوفاة أمر الناس بالبيعة لعبد الله بن
محمد أبى جعفر فبايع الناس له بالأنبار في اليوم الذي مات فيه أبو العباس
قام بأمر الناس عيسى بن موسى وأرسل عيسى بن موسى إلى أبى جعفر وهو بمكة
محمد بن الحصين العبدي بموت أبى العباس وبالبيعة له فلقيه بمكان من الطريق يقال
له زكية فلما جاءه الكتاب دعا الناس فبايعوه وبايعه أبو مسلم فقال أبو جعفر
أين موضعنا هذا قالوا زكية فقال أمر يزكى لنا إن شاء الله تعالى وقال بعضهم
ورد على أبى جعفر البيعة له بعد ما صدر من الحج في منزل من منازل طريق مكة
يقال له صفية فتفاءل باسمه وقال صفت لنا إن شاء الله تعالى (رجع الحديث) إلى
حديث علي بن محمد فقال على حدثني الوليد عن أبيه قال لما أتى الخبر أبا جعفر
كتب إلى أبى مسلم وهو نازل بالماء وقد تقدمه أبو جعفر فأقبل أبو مسلم حتى
121

قدم عليه وقيل إن أبا مسلم كان هو الذي تقدم أبا جعفر فعرف الخبر قبله فكتب
إلى أبى جعفر بسم الله الرحمن الرحيم عافاك الله وأمتع بك إنه أتاني أمر أفظعني
وبلغ من مبلغا لم يبلغه شئ قط لقيني محمد بن الحصين بكتاب من عيسى بن موسى
إليك بوفاة أبى العباس أمير المؤمنين رحمه الله فنسأل الله أن يعظم أجرك ويحسن
الخلافة عليك ويبارك لك فيما أنت فيه إنه ليس من أهلك أحد أشد تعظيما لحقك
وأصفى نصيحة لك وحرصا على ما يسرك منى وأنفذ الكتاب إليه ثم مكث أبو مسلم
يومه ومن الغد ثم بعث إلى أبى جعفر بالبيعة وإنما أراد ترهيب أبى جعفر بتأخيرها
(رجع الحديث) إلى حديث علي بن محمد فلما جلس أبو مسلم ألقى إليه الكتاب
فقرأه وبكى واسترجع قال ونظر أبو مسلم إلى أبى جعفر وقد جزع جزعا شديدا
فقال ما هذا الجزع وقد أتتك الخلافة فقال أتخوف شر عبد الله بن علي وشيعة
على فقال لا تخفه فأنا أكفيك أمره إن شاء الله إنما عامة جنده ومن معه أهل
خراسان وهم لا يعصونني فسرى عن أبي جعفر ما كان فيه وبايع له أبو مسلم وبايع
الناس وأقبلا حتى قدما الكوفة ورد أبو جعفر زياد بن عبيد الله إلى مكة وكان
قبل ذلك واليا عليها وعلى المدينة لأبي العباس وقيل إن أبا العباس كان قد عزل
قبل موته زياد بن عبيد الله الحارثي عن مكة وولاها العباس بن عبد الله بن معبد بن
العباس (وفى هذه السنة) قدم عبد الله ابن علي على أبى العباس الأنبار فعقد له أبو العباس
على الصائفة في أهل خراسان وأهل الشأم والجزيرة والموصل فسار فبلغ دلوك
ولم يدرب حتى أتته وفاة أبى العباس (وفى هذه السنة) بعث عيسى بن موسى
وأبو الجهم يزيد بن زياد أبا غسان إلى عبد الله بن علي ببيعة المنصور فانصرف
عبد الله بن علي بمن معه من الجيوش قد بالع لنفسه حتى قدم حران وأقام الحج
للناس في هذه السنة أبو جعفر المنصور وقد ذكرنا ما كان إليه من العمل في
هذه السنة ومن استخلف عليه حين شخص حاجا وكان على الكوفة عيسى بن موسى
وعلى قضائها ابن أبي ليلى وعلى البصرة وعملها سليمان بن علي وعلى قضائها عباد
ابن منصور وعلى المدينة زياد بن عبيد الله الحارثي وعلى مكة العباس بن عبد الله
ابن معبد وعلى مصر صالح بن علي
122

ثم دخلت سنة سبع وثلاثين ومائة
ذكر الخبر عما كان في هذه السنة من الاحداث
فمما كان فيها من ذلك قدوم المنصور أبى جعفر من مكة ونزوله الحيرة فوجد
عيسى بن موسى قد شخص إلى الأنبار واستخلف على الكوفة طلحة بن إسحاق بن
محمد بن الأشعث فدخل أبو جعفر الكوفة فصلى بأهلها الجمعة يوم الجمعة وخطبهم
وأعلمهم أنه راحل عنهم ووافاه أبو مسلم بالحيرة ثم شخص أبو جعفر إلى الأنبار
وأقام بها وجمع إليه أطرافه وذكر علي بن محمد عن الوليد عن أبيه أن عيسى بن
موسى كان قد أحرز بيوت الأموال والخزائن والدواوين حتى قدم عليه أبو جعفر
الأنبار فبايع الناس له بالخلافة ثم لعيسى بن موسى من بعده فسلم عيسى بن موسى
إلى أبى جعفر الامر وقد كان عيسى بن موسى بعث أبا غسان واسمه يزيد بن زياد
وهو حاجب أبى العباس إلى عبد الله بن علي ببيعة أبى جعفر وذلك بأمر أبى العباس
قبل أن يموت حين أمر الناس بالبيعة لأبي جعفر من بعده فقدم أبو غسان على
عبد الله بن علي بأفواه الدروب متوجها يريد الروم فلما قدم عليه أبو غسان بوفاة
أبى العباس وهو نازل بموضع يقال له دلوك أمر مناديا فنادى الصلاة جامعة
فاجتمع إليه القواد والجند فقرأ عليهم الكتاب بوفاة أبى العباس ودعا الناس
إلى نفسه وأخبرهم أن أبا العباس حين أراد أن يوجه الجنود إلى مروان بن محمد
دعا بنى أبيه فأرادهم على المسير إلى مروان بن محمد وقال من انتدب منكم فسار
إليه فهو ولى عهدي فلم ينتدب له غيري فعلى هذا خرجت من عنده وقتلت من
قتلت فقام أبو غانم الطائي وخفاف المروروذي في عدة من قواد أهل خراسان
فشهدوا له بذلك فبايعه أبو غانم وخفاف وأبو الأصبغ وجميع من كان معه من
أولئك القواد فيهم حميد بن قحطبة وخفاف الجرجاني وحياش بن حبيب ومخارق
ابن غفار وتزار خدا وغيرهم من أهل خراسان والشأم والجزيرة وقد نزل تل
محمد فلما فرغ من البيعة ارتحل فنزل حران وبها مقاتل العكي وكان أبو جعفر
123

استخلفه لما قدم على أبى العباس فأراد مقاتلا على البيعة فلم يجبه وتحصن منه فأقام
عليه وحصره حتى استنزله من حصنه فقتله وسرح أبو جعفر لقتال عبد الله بن علي
أبا مسلم فلما بلغ عبد الله إقبال أبى مسلم أقام بحران وقال أبو جعفر لأبي
مسلم إنما هو أنا أو أنت فسار أبو مسلم نحن عبد الله بحران وقد جمع إليه الجنود
والسلاح وخندق وجمع إليه الطعام والعلوفة وما يصلحه ومضى أبو مسلم
سائرا من الأنبار ولم يتخلف منه من القواد أحد وبعث على مقدمته مالك
ابن الهيثم الخزاعي وكان معه الحسن وحميد ابنا قحطبة وكان حميد قد فارق
عبد الله بن علي وكان عبد الله أراد قتله وخرج معه أبو إسحاق وأخوه وأبو حميد
وأخوه وجماعة من أهل خراسان وكان أبو مسلم استخلف على خراسان حيث
شخص خالد بن إبراهيم أبا داود * قال الهيثم كان حصار عبد الله بن علي مقاتلا
العكي أربعين ليلة فلما بلغه مسير أبى مسلم إليه وأنه لم يظهر بمقاتل وخشي أن يهجم
عليه أبو مسلم أعطى العكي أمانا فخرج إليه فيمن كان معه وأقام معه أياما يسيرة ثم
وجهه إلى عثمان بن عبد الاعلى بن سراقة الأزدي إلى الرقة ومعه ابناه وكتب إليه
كتابا دفعه إلى العكي فلما قدموا على عثمان قتل العكي وحبس ابنيه فلما بلغه هزيمة
عبد الله بن علي وأهل الشأم بنصيبين أخرجهما فضرب أعناقهما وكان عبد الله بن علي
خشى ألا يناصحه أهل خراسان فقتل منهم نحوا من سبعة عشر ألفا أمر صاحب
شرطه فقتلهم وكتب لحميد بن قحطبة كتابا ووجهه إلى حلب وعليها زفر بن عاصم
وفى الكتاب إذا قدم عليك حميد بن قحطبة فاضرب عنقه فسار حميد حتى إذا كان
ببعض الطريق فكر في كتابه وقال إن ذهابي بكتاب ولا أعلم ما فيه لغرر ففك
الطومار فقرأه فلما رأى ما فيه دعا أناسا من خاصته فأخبرهم الخبر وأفشى إليهم أمره
وشاورهم وقال من أراد منكم أن ينجو ويهرب فليسر معي فانى أريد أن آخذ
طريق العراق وأخبرهم ما كتب به عبد الله بن علي في أمره وقال لهم من لم يرد
منكم أن يحمل نفسه على السير فلا يفشين سرى وليذهب حيث أحب قال فاتبعه
على ذلك ناس من أصحابه فأمر حميد بدوابه فأنعلت وأنعل أصحابه دوابهم وتأهموا
124

للمسير معه ثم فوز بهم وبهرج الطريق فأخذ على ناحية من الرصافة رصافة هشام
بالشام وبالرصافة يومئذ مولى لعبد الله بن علي يقال له سعيد البربري فبلغه أن
حميد بن قحطبة قد خالف عبد الله بن علي وأخذ في المفازة فسار في طلبه فيمن
معه من فرسانه فلحقه ببعض الطريق فلما بصر به حميد ثنى فرسه نحوه حتى لقيه
فقال له ويحك أما تعرفني والله مالك في قتالي من خير فارجع فلا تقتل أصحابي
وأصحابك فهو خير لك فلما سمع كلامه عرف ما قال له فرجع إلى موضعه بالرصافة
ومضى حميد ومن كان معه فقال له صاحب حرسه موسى بن ميمون إن لي بالرصافة
جارية فان رأيت أن تأذن لي فآتيها فأوصيها ببعض ما أريد ثم ألحقك فأذن له
فأتاها فأقام عندها ثم خرج من الرصافة يريد حميدا فلقيه سعيد البربري مولى عبد الله
ابن علي فأخذه فقتله وأقبل عبد الله بن علي حتى نزل نصيبين وخندق عليه وأقبل
أبو مسلم وكتب أبو جعفر إلى الحسن بن قحطبة وكان خليفته بأرمينية أن يوافي
أبا مسلم فقدم الحسن بن قحطبة على أبى مسلم وهو بالموصل وأقبل أبو مسلم فنزل
ناحية لم يعرض له وأخذ طريق الشأم وكتب إلى عبد الله إني لم أومر بقتالك ولم
أوجه له ولكن أمير المؤمنين ولانى الشأم وإنما أريدها فقال من كان مع عبد الله
من أهل الشأم لعبد الله كيف نقيم معك وهذا يأتي بلادنا وفيها حرمنا فيقتل من
قدر عليه من رجالنا ويسبي ذرارينا ولكنا نخرج إلى بلادنا فنمنعه حرمنا وذرارينا
ونقاتله إن قاتلنا فقال لهم عبد الله بن علي إنه والله ما يريد الشأم وما وجه إلا لقتالكم
ولئن أقمتم ليأتينكم قال فلم تطب أنفسهم وأبوا إلا المسير إلى الشأم قال وأقبل
أبو مسلم فعسكر قريبا منهم وارتحل عبد الله بن علي من عسكره متوجها نحو الشأم
وتحول أبو مسلم حتى نزل في معسكر عبد الله بن علي في موضعه وعور ما كان حوله
من المياه وألقى فيها الجيف وبلغ عبد الله بن علي نزول أبى مسلم معسكره فقال لأصحابه
من أهل الشأم ألم أقل لكم وأقبل فوجد أبا مسلم قد سبقه إلى معسكره فنزل في
موضع عسكر أبى مسلم الذي كان فيه فاقتتلوا أشهرا خمسة أو ستة وأهل الشأم
أكثر فرسانا وأكمل عدة وعلى ميمنة عبد الله بكار بن مسلم العقيلي وعلى ميسرته
125

حبيب بن سويد الأسدي وعلى الخيل عبد الصمد بن علي وعلى ميمنة أبى مسلم
الحسن بن قحطبة وعلى الميسرة أبو نصر خازم بن خزيمة فقاتلوه أشهرا قال على
قال هشام بن عمرو التغلبي كنت في عسكر أبى مسلم فتحدث الناس يوما فقيل أي
الناس أشد فقال قولوا حتى أسمع فقال رجل أهل خراسان وقال آخر أهل الشأم
فقال أبو مسلم كل قوم في دولتهم أشد الناس قال ثم التقينا فحمل علينا أصحاب
عبد الله بن علي فصدمونا صدمة أزالونا بها عن مواضعنا ثم انصرفوا وشد علينا
عبد الصمد في خيل مجردة فقتل منا ثمانية عشرة رجلا ثم رجع في أصحابه ثم تجمعوا
فرموا بأنفسهم فأزالوا صفنا وجلنا جولة فقلت لأبي مسلم لو حركت دابتي حتى
أشرف هذا التل فأصبح بالناس فقد انهزموا فقال افعل قال قلت وأنت أيضا
فتحرك دابتك فقال إن أهل الحجى لا يعطفون دوابهم على هذه الحال ناد يا أهل
خراسان ارجعوا فإن العاقبة لمن اتقى قال ففعلت فتراجع الناس وارتجز
أبو مسلم يومئذ فقال:
من كان ينوى أهله فلا رجع * فر من الموت وفى الموت وقع
* قال وكان قد عمل لأبي مسلم عريش فكان يجلس عليه إذا التقى الناس فينظر
إلى القتال فان رأى خللا في الميمنة أو في الميسرة أرسل إلى صاحبها ان في ناحيتك
انتشارا فاتق ألا تؤتى من قبلك فافعل كذا قدم خيلك كذا أو تأخر كذا إلى موضع
كذا فإنما رسله تختلف إليهم برأيه حتى ينصرف بعضهم عن بعض قال فلما كان يوم
الثلاثاء أو الأربعاء لسبع خلون من جمادى الآخرة سنة 136 أو 137 التقوا فاقتتلوا
قتالا شديدا فلما رأى ذلك أبو مسلم مكر بهم فأرسل إلى الحسن بن قحطبة وكان
على ميمنته أن أعر الميمنة وضم أكثرها إلى الميسرة وليكن في الميمنة حماة
أصحابك وأشداؤهم فلما رأى ذلك أهل الشأم أعروا ميسرتهم وانضموا
إلى ميمنتهم بإزاء ميسرة أبى مسلم ثم أرسل أبو مسلم إلى الحسن أن مر أهل
القلب فليحملوا مع من بقى في الميمنة على ميسرة أهل الشأم فحملوا عليهم
فحطموهم وجال أهل القلب والميمنة قال وركبهم أهل خراسان فكانت الهزيمة
126

فقال عبد الله بن علي لابن سراقة الأزدي وكان معه يا ابن سراقة ما ترى قال أرى
والله أن تصبر وتقاتل حتى تموت فان الفرار قبيح بمثلك وقبل عبته على مروان
فقلت قبح الله مروان جزع من الموت ففر قال فانى آتي العراق قال فأنا معك
فانهزموا وتركوا عسكرهم فاحتواه أبو مسلم وكتب بذلك إلى أبى جعفر فأرسل
أبو جعفر أبا الخصيب مولاه يحصى ما أصابوا في عسكر عبد الله بن علي فغضب
من ذلك أبو مسلم ومضى عبد الله بن علي وعبد الصمد بن علي فأما عبد الصمد فقدم
الكوفة فاستأمن له عيسى بن موسى فآمنه أبو جعفر وأما عبد الله بن علي فأتى
سليمان بن علي بالبصرة فأقام عنده وآمن أبو مسلم الناس فلم يقتل أحدا وأمر
بالكف عنهم ويقال بل استأمن لعبد الصمد بن علي إسماعيل بن علي * وقد قيل إن
عبد الله بن علي لما انهزم مضى هو وعبد الصمد أخوه إلى رصافة هشام فأقام
عبد الصمد بها حتى قدمت عليه خيول المنصور وعليها جمهور بن مرار العجلي فأخذه
فبعث به إلى المنصور مع أبي الخصيب مولاه موثقا فلما قدم عليه أمر بصرفه إلى عيسى
ابن موسى فآمنه عيسى وأطلقه وأكرمه وحباه وكساه وأما عبد الله بن علي فلم
يلبث بالرصافة إلا ليلة ثم أدلج في قواده ومواليه حتى قدم البصرة على سليمان بن علي
وهو عاملها يومئذ فآواهم سليمان وأكرمهم وأقاموا عنده زمانا متوارين
(وفى هذه السنة) قتل أبو مسلم
ذكر الخبر عن مقتله وعن سبب ذلك
* حدثني أحمد بن زهير قال حدثنا علي بن محمد قال حدثنا سلمة بن محارب ومسلم
ابن المغيرة وسعيد بن أوس وأبو حفص الأزدي والنعمان أبو السرى ومحرز
ابن إبراهيم وغيرهم ان أبا مسلم كتب إلى أبى العباس يستأذنه في الحج وذلك في
سنة 136 وإنما أراد أن يصلى بالناس فأذن له وكتب أبو العباس إلى أبى جعفر
وهو على الجزيرة وأرمينية وأذربيجان أن أبا مسلم كتب إلى يستأذن في الحج
وقد أذنت له وقد ظننت أنه إذا قدم يريد أن يسألني أن أوليه إقامة الحج للناس
فاكتب إلى تستأذنني في الحج فإنك إذا كنت بمكة لم يطمع أن يتقدمك فكتب
127

أبو جعفر إلى أبى العباس يستأذنه في الحج فأذن له فوافى الأنبار فقال أبو مسلم
أما وجد أبو جعفر عاما يحج فيه غير هذا واضطغنها عليه * قال على قام مسلم بن
المغيرة استخلف أبو جعفر على أرمينية فتلك السنة الحسن بن قحطبة * وقال
غيره استعمل رضيعه يحيى بن مسلم بن عروة وكان أسود مولى لهم فخرجا إلى مكة
فكان أبو مسلم يصلح العقاب ويكسو الاعراب في كل منزل ويصل من سأله
وكسا الاعراب البتوت والملاحف وحفر الآبار وسهل الطرق فكان الصوت
له فكان الاعراب يقولون هذا المكذوب عليه حتى قدم مكة فنظر إلى اليمانية
فقال لنيزك وضرب جنبه يا نيزك أي جند هؤلاء لو لقيهم رجل ظريف اللسان
سريع الدمعة (ثم رجع الحديث) إلى حديث الأولين * قالوا لما صدر الناس عن
الموسم نفر أبو مسلم قبل أبى جعفر فتقدمه فأتاه كتاب بموت أبى العباس واستخلاف
أبى جعفر فكتب أبو مسلم إلى أبى جعفر يعزيه بأمير المؤمنين ولم يهنئه بالخلافة
ولم يقم حتى يلحقه ولم يرجع فغضب أبو جعفر فقال لأبي أيوب اكتب إليه كتابا
غليظا فلما أتاه كتاب أبى جعفر كتب إليه يهنئه بالخلافة فقال يزيد بن أسيد السلمي
لأبي جعفر انى أكره أن تجامعه في الطريق والناس جنده وهم له أطوع وله أهيب
وليس معك أحد فأخذ برأيه فكان يتأخر ويتقدم أبو مسلم وأمر أبو جعفر
أصحابه فقدموا فاجتمعوا جميعا وجمع سلاحهم فما كان في عسكره إلا ستة أذرع
فمضى أبو مسلم إلى الأنبار ودعا عيسى بن موسى إلى أن يبايع له فأتى عيسى فقدم
أبو جعفر فنزل الكوفة وأتاه أن عبد الله بن علي قد خلع فرجع إلى الأنبار فدعا
أبا مسلم فعقد له وقال له سر إلى ابن علي فقال له أبو مسلم ان عبد الجبار بن
عبد الرحمن وصالح بن الهيثم يعيبانني فاحبسهما فقال أبو جعفر عبد الجبار على شرطي
وكان قبل على شرط أبى العباس وصالح بن الهيثم أخو أمير المؤمنين من الرضاعة
فلم أكن لأحبسهما لظنك بهما قال أراهما آثر عندك منى فغضب أبو جعفر فقال
أبو مسلم لم أرد كل هذا * قال على قال مسلم بن المغيرة كنت مع الحسن بن قحطبة
بأرمينية فلما وجه أبو مسلم إلى الشأم كتب أبو جعفر إلى الحسن أن يوافيه ويسير
128

معه فقدمنا على أبى مسلم وهو بالموصل فأقام أياما فلما أراد ان يسير قلت للحسن
أنتم تسيرون إلى والقتال وليس بك إلى حاجة فلو أذنت لي فأتيت العراق فأقمت
حتى تقدموا إن شاء الله قال نعم لكن أعلمني إذا أردت الخروج قلت نعم فلما
فرغت وتهيأت أعلمته وقلت أتيتك أودعك قال قف لي بالباب حتى أخرج
إليك فخرجت فوقفت وخرج فقال إني أريد أن ألقى إليك شيئا لتبلغه أبا أيوب
ولولا ثقتي بك لم أخبرك ولولا مكانك من أبى أيوب لم أخبرك فأبلغ أبا أيوب
إني قد أرتبت بأبي مسلم منذ قدمت عليه أنه يأتيه الكتاب من أمير المؤمنين
فيقرأه ثم يلوى شدقه ويرمى بالكتاب إلى أبى نصر فيقرأه ويضحكان استهزاء
قلت نعم قد فهمت فلقيت أبا أيوب وأنا أرى ان قد أتيته بشئ فضحك وقال
نحن لأبي مسلم أشد تهمة منا لعبد الله بن علي إلا انا نرجو واحدة نعلم أن أهل
خراسان لا يحبون عبد الله بن علي وقد قتل منهم من قتل وكان عبد الله بن علي حين
خلع خاف أهل خراسان فقتل منهم سبعة عشر ألفا أمر صاحب شرطته حياش
ابن حبيب فقتلهم * قال على فذكر أبو حفص الأزدي ان أبا مسلم قاتل
عبد الله بن علي فهزمه وجمع ما كان في عسكره من الأموال فصيره في حظيرة
وأصاب عينا ومتاعا وجوهرا كثيرا فكان منثورا في تلك الحظيرة ووكل
بها وبحفظها قائدا من قواده فكنت في أصحابه فجعلها نوائب بيننا فكان إذا خرج
رجل من الحظيرة فتشه فخرج أصحابي يوما من الحظيرة وتخلفت فقال لهم الأمير
ما فعل أبو حفص فقالوا هو في الحظيرة قال فجاء فاطلع من الباب وفطنت له
فنزعت خفى وهو ينظر فنفضتهما وهو ينظر ونفضت سراويلي وكمي ثم لبست
خفى وهو ينظر ثم قام فقعد في مجلسه وخرجت فقال ما حبسك قلت خير فخلاني
فقال قد رأيت ما صنعت فلم صنعت هذا قلت إن في الحظيرة لؤلؤا منثورا
ودراهم منثورة ونحن نتقلب عليها فخفت أن يكون قد دخل في خفى منها شئ
فنزعت خفى وجوربي فأعجبه ذلك وقال انطلق فكنت أدخل الحظيرة مع من
يحفظ فآخذ من الدراهم ومن تلك الثياب الناعمة فأجعل بعضها في خفى وأشد
129

بعضها على بطني ويخرج أصحابي فيفتشون ولا أقتش حتى جمعت مالا قال وأما
اللؤلؤ فانى لم أكن أمسه (ثم رجع الحديث) إلى حديث الذين ذكر على عنهم
قصة أبى مسلم في أول الخبر قالوا ولما انهزم عبد الله بن علي بعث أبو جعفر
أبا الخصيب إلى أبى مسلم ليكتب له ما أصاب من الأمول فافترى أبو مسلم على أبى الخصيب وهم بقتله فكلم فيه وقيل إنما هو رسول فخل سبيله فرجع إلى
أبى جعفر وجاء القواد إلى أبى مسلم فقالوا نحن ولينا أمر هذا الرجل وغنمنا
عسكره فلم يسئل عما في أيدينا إنما لأمير المؤمنين من هذا الخمس فلما قدم
أبو الخصيب على أبى جعفر أخبره أن أبا مسلم هم بقتله فخاف أن يمضى أبو مسلم
إلى خراسان فكتب إليه كتابا مع يقطين أن قد وليتك مصر والشأم فهي خير
لك من خراسان فوجه إلى مصر من أحببت وأقم بالشام فتكون بقرب
أمير المؤمنين فان أحب لقاءك أتيته من قريب فلما أتاه الكتاب غضب وقال هو
يوليني الشأم ومصر وخراسان لي وأعتزم بالمضي إلى خراسان فكتب يقطين
إلى أبى جعفر بذلك وقال غير من ذكرت خبره لما ظفر أبو مسلم بعسكر عبد الله
ابن علي بعث المنصور يقطين بن موسى وأمره أن يحصى ما في العسكر وكان
أبو مسلم يسميه يك دين فقال أبو مسلم يا يقطين أمين على الدماء خائن في الأموال
وشتم أبا جعفر فأبلغه يقطين ذلك وأقبل أبو مسلم من الجزيرة مجمعا على الخلاف
وخرج من وجهه معارضا يريد خراسان وخرج أبو جعفر من الأنبار إلى
المدائن وكتب إلى أبى مسلم في المصير إليه فكتب أبو مسلم وقد نزل الزاب وهو
على الرواح إلى طريق حلوان أنه لم يبق لأمير المؤمنين أكرمه الله عدو إلا أمكنه
الله منه وقد كنا نروي عن ملوك آل ساسان أن أخوف ما يكون الوزراء إذا
سكنت الدهماء فنحن نافرون من قربك حريصون على الوفاء بعهدك ما وفيت
حريون بالسمع والطاعة غير أنها من بعيد حيث تقارنها السلامة فإن أرضاك
ذاك فأنا كأحسن عبيدك فان أبيت إلا أن تعطى نفسك إرادتها أنقضت ما أبرمت
من عهدك ضننا بنفسي فلما وصل الكتاب إلى المنصور كتب إلى أبى مسلم قد
130

فهمت كتابك وليست صفتك صفة أولئك الوزراء الغششة ملوكهم الذين يتمنون
اضطراب حبل الدولة لكثرة جرائمهم فإنما راحتهم في انتشار نظام الجماعة
فلم سويت نفسك بهم فأنت في طاعتك ومناصحتك واضطلاعك بما حملت من
أعباء هذا الامر على ما أنت به وليس مع الشريطة التي أو جبت منك سماع ولا طاعة
وحمل إليك أمير المؤمنين عيسى بن موسى رسالة لتسكن إليها إن أصغيت إليها
وأسأل الله أن يحول بين الشيطان ونزغاته وبينك فإنه لم يجد بابا يفسد به نيتك
أو كد عنده وأقرب من طبه من الباب الذي فتحه عليك ووجه إليه جرير بن يزيد
ابن جرير بن عبد الله البجلي وكان واحد أهل زمانه فخدعه ورده وكان أبو مسلم
يقول والله لأقتلن بالروم وكان المنجمون يقولون ذلك فأقبل والمنصور في الرومية
في مضارب وتلقاه الناس وأنزله وأكرمه أياما وأما على فإنه ذكر عن شيوخه
الذين تقدم ذكرنا لهم أنهم قالوا كتب أبو مسلم إلى أبى جعفر أما بعد فانى اتخذت
رجلا إماما ودليلا على ما افترض الله على خلقه وكان في محلة العلم نازلا وفى قرابته
من رسول الله صلى الله عليه وسلم قريبا فاستجهلني بالقرآن فحرفه عن مواضعه
طمعا في قليل قد تعافاه الله إلى خلقه فكان كالذي دلى بغرور وأمرني أن أجرد
السيف وأرفع الرحمة ولا أقبل المعذرة ولا أقيل العثرة ففعلت توطيدا لسلطانكم
حتى عرفكم الله من كان جهلكم ثم استنقذني الله بالتوبة فان يعف عنى فقدما عرف
به ونسب إليه وإن يعاقبني فبما قدمت يداي وما الله بظلام للعبيد وخرج أبو مسلم
يريد خراسان مراغما مشاقا فلما دخل أرض العراق ارتحل المنصور من الأنبار
فأقبل حتى نزل المدائن وأخذ أبو مسلم طريق حلوان فقال رب أمر لله دون
حلوان وقال أبو جعفر لعيسى بن علي وعيسى بن موسى ومن حضره من بني هاشم
اكتبوا إلى أبى مسلم فكتبوا إليه يعظمون أمره ويشكرون ما كان منه ويسألونه
أن يتم على ما كان منه وعليه من الطاعة ويحذرونه عاقبة الغدر ويأمرونه بالرجوع
إلى أمير المؤمنين وأن يلتمس رضاه وبعث بالكتاب أبو جعفر مع أبي حميد
المروروذي وقال له كلم أبا مسلم بألين ما تكلم به أحدا ومنه وأعلمه أنى رافعه
131

وصانع به ما لم يصنعه أحد إن هو صلح وراجع ما أحب فان أبى أن يرجع فقل
له يقول لك أمير المؤمنين لست للعباس وأنا برئ من محمد إن مضيت مشاقا
ولم تأتني إن وكلت امرك إلى أحد سواي وإن لم أل طلبك وقتالك بنفسي
ولو خضت البحر لخضته ولو اقتحمت النار لاقتحمتها حتى أقتلك أو أموت
قبل ذلك ولا تقولن له هذا الكلام حتى تأيس من رجوعه ولا تطمع منه في
خير فسار أبو حميد في ناس من أصحابه ممن يثق بهم حتى قدموا على أبى مسلم بحلوان
فدخل أبو حميد وأبو مالك وغيرهما فدفع إليه الكتاب وقال له إن الناس يبلغونك
عن أمير المؤمنين ما لم يقله وخلاف ما عليه رأيه فيك حسدا وبغيا يريدون إزالة
النعمة وتغييرها فلا تفسد ما كان منك وكلمه وقال يا أبا مسلم إنك لم تزل أمين آل محمد
يعرفك بذلك الناس وما ذخر الله لك من الاجر عنده في ذلك أعظم مما أنت فيه من
دنياك فلا تحبط أجرك ولا يستهوينك الشيطان فقال له أبو مسلم متى كنت تكلمني
بهذا الكلام قال إنك دعوتنا إلى هذا وإلى طاعة أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم
بنى العباس وأمرتنا بقتال من خالف ذلك فدعوتنا من أرضين متفرقة وأسباب مختلفة
فجمعنا الله على طاعتهم وألف بين قلوبنا بمحبتهم وأعزنا بنشر نا لهم ولم نلق منهم
رجلا إلا بما قذف الله في قلوبنا حتى أتيناهم في بلادهم ببصائرنا فذة وطاعة
خالصة أفتريد حين بلغنا غاية منانا ومنتهى أملنا أن تفسد أمرنا وتفرق كلمتنا
وقد قلت لنا من خالفكم فاقتلوه وإن خالفتكم فاقتلوني فأقبل على أبى نصر فقال
يا مالك أما تسمع ما يقول لي هذا ما هذا بكلامه يا مالك قال لا تسمع كلامه
ولا يهولنك هذا منه فلعمري لقد صدقت ما هذا كلامه ولما بعد هذا أشد منه
فامض لأمرك ولا ترجع فوالله لئن أتيته ليقتلنك ولقد وقع في نفسه منك شئ
لا يأمنك أبدا فقال قوموا فنهضوا فأرسل أبو مسلم إلى نيزك وقال يا نيزك إني
والله ما رأيت طويلا أعقل منك فما ترى فقد جاءت هذه الكتب وقد قال القوم
ما قالوا قال لا أرى أن تأتيه وأرى أن تأتى الري فتقيم بها فيصير ما بين خراسان
والري لك وهم جندك ما يخالفك أحد فإن استقام لك استقمت له وإن أبى
132

كنت في جندك وكانت خراسان من ورائك ورأيت رأيك فدعا أبا حميد فقال
ارجع إلى صاحبك فليس من رأيي أن آتيه قال قد عزمت على خلافه قال نعم
قال لا تفعل قال ما أريد أن ألقاه فلما آيسه من الرجوع قال له ما أمره به أبو جعفر
فوجم طويلا ثم قال قم فكسره ذلك القول ورعبه وكان أبو جعفر قد كتب
إلى أبى داود وهو خليفة أبى مسلم بخراسان حين اتهم أبا مسلم ان لك إمرة
خراسان ما بقيت فكتب أبو داود إلى أبى مسلم إنا لم نخرج لمعصية خلفاء الله
وأهل بيت نبيه صلى الله عليه وسلم فلا تخالفن إمامك ولا ترجعن إلا بإذنه فوافاه
كتابه على تلك الحال فزاده رعبا وهما فأرسل إلى أبى حميد وأبى مالك فقال لهما
إني قد كنت معتزما على المضي إلى خراسان ثم رأيت أن أوجه أبا إسحاق إلى
أمير المؤمنين فيأتيني برأيه فإنه ممن أثق به فوجهه فلما قدم تلقاه بنو هاشم بكل
ما يحب وقال له أبو جعفر اصرفه عن وجهه ولك ولاية خراسان وأجازه فرجع
أبو إسحاق إلى أبى مسلم فقال له ما أنكرت شيئا رأيتهم معظمين لحقك يرون
لك ما يرون لأنفسهم وأشار عليه أن يرجع إلى أمير المؤمنين فيعتذر إليه مما كان
منه فأجمع على ذلك فقال له نيزك قد أجمعت على الرجوع قال نعم وتمثل
ما للرجال مع القضاء محالة * ذهب القضاء بحيلة الأقوام
فقال إذا عزمت على هذا فخار الله لك احفظ عنى واحدة إذا دخلت عليه
فاقتله ثم بايع لمن شئت فان الناس لا يخالفونك وكتب أبو مسلم إلى أبى جعفر
يخبره أنه منصرف إليه قالوا قال أبو أيوب فدخلت يوما على أبى جعفر وهو
في خباء شعر بالرومية جالس على مصلى بعد العصر وبين يديه كتاب أبى مسلم
فرمى به إلى فقرأته ثم قال والله لئن ملأت عيني منه لأقتلنه فقلت في نفسي إنا لله
وانا إليه راجعون طلبت الكتابة حتى إذا بلغت غايتها فصرت كاتبا للخليفة وقع
هذا بين الناس والله ما أرى إنا إن قتل يرضى أصحابه بقتله ولا يدعون هذا حيا
ولا أحدا ممن هو بسبيل منه وامتنع منى النوم ثم قلت لعل الرجل يقدم وهو آمن
فإن كان آمنا فعسى أن ينال ما يريد وإن قدم وهو حذر لم يقدر عليه إلا في شر فلو
133

التمست حيلة فأرسلت إلى سلمة بن سعيد بن جابر فقلت له هل عندك شكر فقال نعم
فقلت إن وليتك ولاية تصيب منها مثل ما يصيب صاحب العراق تدخل معك
حاتم بن أبي سليمان أخي قال نعم فقلت وأردت أن يطمع ولا ينكر وتجعل له
النصف قال نعم قلت إن كسكر كالت عام أول كذا وكذا ومنها الطعام أضعاف
ما كان عام أول فإن دفعتها إليك بقبالتها عاما أول أو بالأمانة أصبت ما تضيق به
ذرعا قال فكيف لي بهذا المال قلت تأتى أبا مسلم فتلقاه وتكلمه غدا وتسأله
أن يجعل هذا فيما يرفع من حوائجه أن نتولاها أنت بما كانت في العام الأول
فإن أمير المؤمنين يريد أن يوليه إذا قدم ما وراء بابه ويستريح ويريح نفسه قال
فكف لي أن يأذن أمير المؤمنين في لقائه قلت أنا أستأذن لك ودخلت إلى أبى جعفر
فحدثته الحديث كله قال فادع سلمة فدعوته فقال إن أبا أيوب استأذن لك أفتحب
أن تلقى أبا مسلم قال نعم قال فقد أذنت لك فأقرئه السلام وأعلمه بشوقنا إليه
فخرج سلمة فلقيه فقال أمير المؤمنين أحسن الناس فيك رأيا فطابت نفسه وكان
قبل ذلك كئيبا فلما قدم عليه سلمة سره ما أخبره به وصدقة ولم يزل مسرورا حتى
قدم قال أبو أيوب فلما دنا أبو مسلم في المدائن أمر أمير المؤمنين الناس فتلقوه
فلما كان عشية قدم دخلت على أمير المؤمنين وهو في خباء على مصلى فقلت هذا
الرجل يدخل العشية فما تريد أن تصنع قال أريد ان أقتله حين أنظر إليه قلت أنشدك
الله إنه يدخل معه الناس وقد علموا ما صنع فإن دخل عليك ولم يخرج لم آمن البلاء
ولكن إذا دخل عليك فأذن له أن ينصرف فإذا غدا عليك رأيت رأيك وما
أردت بذلك الا دفعه بها وما ذاك الا من خوفي عليه وعلينا جميعا من أصحاب أبي مسلم
فدخل عليه من عشيته وسلم وقام قائما بين يديه فقال انصرف يا عبد الرحمن فأرح
نفسك وادخل الحمام فإن للسفر قشفا ثم اغد على فانصرف أبو مسلم وانصرف
الناس قال فافترى على أمير المؤمنين حين خرج أبو مسلم وقال متى أقدر على مثل هذه
الحال منه التي رأيته قائما على رجليه ولا أدرى ما يحدث في ليلتي فانصرفت وأصبحت
غاديا عليه فلما رآني قال يا ابن اللخناء لا مر حبا بك أنت منعتني منه أمس والله
134

ما غمضت الليلة ثم شتمني حتى خفت ان يأمر بقتلى ثم قال ادع لي عثمان بن نهيك
فدعوته فقال يا عثمان كيف بلاء أمير المؤمنين عندك قال يا أمير المؤمنين انما انا عبدك
والله لو أمرتني ان اتكئ على سيفي حتى يخرج من ظهري لفعلت قال كيف أنت ان
أمرتك بقتل أبى مسلم فوجم ساعة لا يتكلم فقلت مالك لا تتكلم فقال قولة
ضعيفة أقتله قال انطلق فجئ بأربعة من وجوه الحرس جلد فمضى فلما كان عند
الرواق ناداه يا عثمان يا عثمان إرجع فرجع قال اجلس وأرسل إلى من تثق به من
الحرس فأحضر منهم أربعة فقال لو صيف له انطلق فادع شبيب بن واج وادع
أبا حنيفة ورجلين آخرين فدخلوا فقال لهم أمير المؤمنين نحوا مما قال لعثمان فقالوا
نقتله فقال كونوا خلف الرواق فإذا صفقت فاخرجوا فاقتلوه وأرسل إلى أبى
مسلم رسلا بعضهم على أثر بعض فقالوا قد ركب وأتاه وصيف فقال أتى عيسى
ابن موسى فقلت يا أمير المؤمنين الا أخرج فأطوف في العسكر فأنظر ما يقول الناس
هل ظن أحد ظنا أو تكلم أحد بشئ قال بلى فخرجت وتلقاني أبو مسلم داخلا
فتبسم وسلمت عليه ودخل فرجعت فإذا هو منبطح لم ينتظر به رجوعي وجاء
أبو الجهم فلما رآه مقتولا قال إنا لله وإنا إليه راجعون فأقبلت على أبى الجهم فقلت
له أمرته بقتله حين خالف حتى إذا قتل قلت هذه المقالة فنبهت به رجلا غافلا
فتكلم بكلام أصلح ما جاء منه ثم قال يا أمير المؤمنين ألا أرد الناس قال بلى قال
فمر بمتاع يحول إلى رواق آخر من أرواقك هذه فأمر بفرش فأخرجت كأنه
يريد أن يهيئ له رواقا آخر وخرج أبو الجهم فقال انصرفوا فإن الأمير يريد أن
يقبل عند أمير المؤمنين ورأوا المتاع ينقل فظنوه صادقا فانصرفوا ثم راحوا فأمر
لهم أبو جعفر بجوائزهم وأعطى أبا إسحاق مائة ألف قال أبو أيوب قال لي أمير المؤمنين
دخل على أبو مسلم فعاتبته ثم شتمته فضربه عثمان فلم يصنع شيئا وخرج شبيب
ابن واج وأصحابه فضربوه فسقط فقال وهم يضربونه العفو فقلت يا ابن اللخناء العفو
والسيوف قد اعتورتك وقلت اذبحوه فذبحوه قال على عن أبي حفص الأزدي
قال كنت مع أبي مسلم فقدم عليه أبو إسحاق من عند أبي جعفر بكتب من بنى
135

هاشم وقال رأيت القوم على غير ما ترى كل القوم يرون لك ما يرون للخليفة ويعرفون
ما أبلاهم الله بك فسار إلى المدائن وخلف أبا نصر في ثقله وقال أقم حتى يأتيك
كتابي قال فاجعل بيني وبينك آية أعرف بها كتابك قال إن أتاك كتابي مختوما
بنصف خاتم فانا كتبته وإن أتاك بالخاتم كله فلم أكتبه ولم أختمه فلما دنا من المدائن
تلقاه رجل من قواده فسلم عليه فقال له أطعني وارجع فإنه إن عاينك قتلك قال قد
قربت من القوم فأكره أن أرجع فقدم المدائن في ثلاثة آلاف وخلف الناس بحلوان
فدخل على أبى جعفر فأمره بالانصراف في يومه وأصبح يريده فتلقاه أبو الخصيب
فقال أمير المؤمنين مشغول فاصبر ساعة حتى تدخل خاليا فأتى منزل عيسى بن موسى
وكان يحب عيسى فدعا له بالغداء وقال أمير المؤمنين للربيع وهو يومئذ وصيف
يخدم أبا الخصيب انطلق إلى أبى مسلم ولا يعلم أحد فقل له قال لك مرزوق إن
أردت أمير المؤمنين خاليا فالعجل فقام فركب وقال له عيسى ولا تعجل بالدخول
حتى أحضر أدخل معك فأبطأ عيسى بالوضوء ومضى أبو مسلم فدخل فقتل قبل أن
يجئ عيسى وجاء عيسى وهو مدرج في عباءة فقال أين أبو مسلم قال مدرج في الكساء
قال إنا لله قال اسكت فما تم سلطانك وأمرك الا اليوم ثم رمى به في دجلة قال
على قال أبو حفص دعا أمير المؤمنين عثمان بن نهيك وأربعة من الحرس فقال لهم
إذا ضربت بيدي إحداهما على الأخرى فاضربوا عدو الله فدخل عليه أبو مسلم
فقال له أخبرني عن نصلين أصبتهما في متاع عبد الله بن علي قال هذا أحدهما الذي
على قال أرنيه فانتضاه فناوله فهزه أبو جعفر ثم وضعه تحت فراشه وأقبل عليه
يعابته فقال أخبرني عن كتابك إلى أبى العباس تنهاه عن الموات أردت أن تعلمنا
الدين قال ظننت أخذه لا يحل فكتب إلى فلما أتاني كتابه علمت أن أمير المؤمنين
وأهل بيته معدن العلم قال فأخبرني عن تقدمك إياي في الطريق قال كرهت
اجتماعنا على الماء فيضر ذلك بالناس فتقدمتك التماس المرفق قال فقولك حين
أتاك الخبر بموت أبى العباس لمن أشار عليك أن تنصرف إلى نقدم فبرى من
رأينا ومضيت فلا أنت أقمت حتى نلحقك ولا أنت رجعت إلى قال منعني من
136

ذلك ما أخبرتك من طلب المرفق بالناس وقلت نقدم الكوفة فليس عليه منى خلاف
قال فجارية عبد الله بن علي أردت أن تتخذها قال لا ولكني خفت أن تضيع فحملتها
في قبة ووكلت بها من يحفظها قال فمراغمتك وخروجك إلى خراسان قال خفت
أن يكون قد دخلك منى شئ فقلت آتي خراسان فأكتب إليك بعذري وإلى ذاك
ما قد ذهب ما في نفسك على قال تا لله ما رأيت كاليوم قط والله ما زدتني إلا غضبا
وضرب بيده فخرجوا عليه فضربه عثمان وأصحابه حتى قتلوه قال على قال يزيد
ابن أسيد قال أمير المؤمنين عاتبت عبد الرحمن فقلت المال الذي جمعته بحران
قال أنفقته وأعطيته الجند تقوية لهم واستصلاحا قلت فرجوعك إلى خراسان
مراغما قال دع هذا فما أصبحت أخاف أحدا الا الله فغضبت فشتمته فخرجوا
فقتلوه وقال غير من ذكرت في أمر أبى مسلم أنه لما أرسل إليه يوم قتل أتى عيسى
ابن موسى فسأله أن يركب معه فقال له تقدم وأنت في ذمتي فدخل مضرب أبى
جعفر وقد أمر عثمان بن نهيك صاحب الحرس فأعد له شبيب بن واج المروروذي
رجلا من الحرس وأبا حنيفة حرب بن قيس وقال لهم إذا صفقت بيدي فشأنكم
وأذن لأبي مسلم فقال لمحمد البواب النجاري ما الخبر قال خير يعطيني الأمير سيفه
فقال ما كان يصنع بي هذا قال وما عليك فشكا ذلك إلى أبى جعفر قال ومن فعل
بك هذا قبحه الله ثم أقبل يعاتبه ألست الكاتب إلى تبدأ بنفسك والكاتب
إلى تخطب أمينة بنت على وتزعم أنك ابن سليط بن عبد الله بن عباس ما دعاك إلى
قتل سليمان بن كثير مع أثره في دعوتنا وهو أحد نقبائنا قبل أن ندخلك في شئ
من هذا الامر قال أراد الخلاف وعصاني فقتلته فقال المنصور وحاله عند حاله
فقتلته وتعصيني وأنت مخالف على قتلني الله إن لم أقتلك فضربه بعمود وخرج
شبيب وحرب فقتلاه وذلك لخمس ليال بقين من شعبان من سنة 137 فقال المنصور
زعمت أن الدين لا يقتضى * فاستوف بالكيل أبا مجرم
سقيت كأسا كنت تسقى بها * أمر في الحلق من العلقم
قال وكان أبو مسلم قد قتل في دولته وحروبه ستمائة ألف صبرا وقيل أن
137

أبا جعفر لما عاتب أبا مسلم قال له فعلت وفعلت قال له أبو مسلم ليس يقال هذا
لي بعد بلائي وما كان منى فقال يا ابن الخبيثة والله لو كانت أمة مكانك لأجزت
ناحيتها إنما عملت ما عملت في دولتنا وبريحنا ولو كان ذلك إليك ما قطعت قتيلا
ألست الكاتب إلى تبدأ بنفسك والكاتب إلى تخطب أمينة بنت على وتزعم أنك
ابن سليط بن عبد الله بن عباس لقد ارتقيت لا أم لك مرتقى صعبا فأخذ أبو مسلم
بيده يعركها ويقبلها ويعتذر إليه وقيل أن عثمان بن نهيك ضرب أبا مسلم أول
ما ضرب ضربة خفيفة بالسيف فلم يزد على أن قطع حمائل سيفه فاعتقل بها أبو مسلم
وضربه شبيب بن واج فقطع رجله واعتوره بقية أصحابه حتى قتلوه والمنصور
يصيح بهم اضربوا قطع الله أيديكم وقد كان أبو مسلم قال فيما قيل عند أول ضربة
أصابته يا أمير المؤمنين استبقني لعدوك قال لا أبقاني الله إذا وأي عدو لي أعدى
منك وقيل إن عيسى بن موسى دخل بعد ما قتل أبو مسلم فقال يا أمير المؤمنين أين
أبو مسلم فقال قد كان ههنا آنفا فقال عيسى يا أمير المؤمنين قد عرفت طاعته
ونصيحته ورأى الامام إبراهيم كان فيه فقال يا أنوك والله ما أعلم في الأرض
عدوا أعدى لك منه ها هو ذاك في البساط فقال عيسى إنا لله وإنا إليه راجعون
وكان لعيسى رأى في أبى مسلم فقال له المنصور خلع الله قلبك وهل كان لكم ملك
أو سلطان أو أمر أو نهى مع أبي مسلم ثم دعا أبو جعفر بجعفر بن حنظلة فدخل
عليه فقال ما تقول في أبى مسلم فقال يا أمير المؤمنين إن كنت أخذت شعرة من رأسه
فاقتل ثم اقتل ثم اقتل فقال المنصور وفقك الله ثم أمره بالقيام والنظر إلى أبى مسلم
مقتولا فقال يا أمير المؤمنين عد من هذا اليوم لخلافتك ثم استؤذن لإسماعيل
ابن علي فدخل فقال يا أمير المؤمنين إني رأيت في ليلتي هذه كأنك ذبحت كبشا
وأتى توطأته برجلي فقال نامت عينك يا أبا الحسن قم فصدق رؤياك قد قتل الله
الفاسق فقام إسماعيل إلى الموضع الذي فيه أبو مسلم فتوطأه ثم إن المنصور هم
بقتل أبي إسحاق صاحب حرس أبى مسلم وقتل أبى نصر مالك وكان على شرط أبى مسلم
فكلمه أبو الجهم فقال يا أمير المؤمنين جنده جندك امرتهم بطاعته فأطاعوه ودعا
138

المنصور بأبي إسحاق فلما دخل عليه ولم ير أبا مسلم قال أبو جعفر أنت المتابع
لعدو الله أبى مسلم على ما كان أجمع فكف وجعل يلتفت يمينا وشمالا تخوفا من
أبى مسلم فقال له المنصور تكلم بما أردت فقد قتل الله الفاسق وأمر بإخراجه
إليه مقطعا فلما رآه أبو إسحاق خر ساجدا فأطال السجود فقال له المنصور إرفع
رأسك وتكلم فرفع رأسه وهو يقول الحمد الله الذي آمنني بك اليوم والله ما أمنته
يوما واحدا منذ صحبته وما جئته يوما قط إلا وقد أوصيت وتكفنت وتحنطت
ثم رفع ثيابه الظاهرة فإذا تحتها ثياب كتان جدد وقد تحنطت فلما رأى أبو جعفر
حاله رحمه ثم قال استقبل طاعة خليفتك واحمد الله الذي أراحك من الفاسق ثم
قال له أبو جعفر فرق عنى هذه الجماعة ثم دعا بمالك بن الهيثم فحدثه بمثل ذلك فاعتذر
إليه بأنه أمره بطاعته وإنما خدمه وخف له الناس بمرضاته وأنه قد كان في طاعتهم
قبل أن يعرف أبا مسلم فقبل منه وأمره بمثل ما أمر به أبا إسحاق من تفريق
جند أبى مسلم وبعث أبو جعفر إلى عدة من قواد أبى مسلم بجوائز سنية وأعطى
جميع جنده حتى رضوا ورجع أصحابه وهم يقولون بعنا مولانا بالدراهم ثم دعا أبو جعفر
بعد ذلك أبا إسحاق فقال أقسم بالله لئن قطعوا طنبا من أطنابي لا ضربن عنقك
ثم لأجاهدنهم فخرج إليهم أبو إسحاق فقال يا كلاب انصرفوا قال على قال أبو حفص
الأزدي لما قتل أبو مسلم كتب أبو جعفر إلى أبى نصر كتابا عن لسان أبى مسلم
يأمره بحمل ثقله وما خلف عنده وأن يقدم وختم الكتاب بخاتم أبى مسلم فلما
رأى أبو نصر نقش الخاتم تاما علم أن أبا مسلم لم يكتب الكتاب فقال أفعلتموها
وانحدر إلى همذان وهو يريد خراسان فكتب أبو جعفر لأبي نصر عهده على
شرزور ووجه رسولا إليه بالعهد فأتاه حين مضى الرسول بالعهد أنه قد توجه
إلى خراسان فكتب إلى زهير بن التركي وهو على همذان إن مربك أبو نصر
فاحبسه فسبق الكتاب إلى زهير وأبو نصر بهمذان فأخذه فحبسه في القصر وكان
زهير مولى لخزاعة فأشرف أبو نصر على إبراهيم بن عريف وهو ابن أخي أبى نصر
لامه فقال يا إبراهيم تقتل عمك قال لا والله أبدا فأشرف زهير فقال لإبراهيم
139

إني مأمور والله إنه لمن أعز الخلق على ولكني لا أستطيع رد أمر أمير المؤمنين
ووالله لئن رمى أحدكم بسهم لأرمين إليكم برأسه ثم كتب أبو جعفر كتابا آخر
إلى زهير إن كنت أخذت أبا نصر فاقتله وقدم صاحب العهد على أبى نصر بعهده
فخلى زهير سبيله لهواه فيه فخرج ثم جاء بعد يوم الكتاب إلى زهير بقتله فقال
جاءني كتاب بعهده فخليت سبيله وقدم أبو نصر على أبى جعفر فقال أشرت على
أبى مسلم بالمضي إلى خراسان فقال نعم يا أمير المؤمنين كانت له عندي أياد وصنائع
فاستشارني فنصحت له وأنت يا أمير المؤمنين إن اصطنعتني نصحت لك وشكرت
فعفا عنه فلما كان يوم الراوندية قام أبو نصر على باب القصر وقال أنا اليوم البواب
لا يدخل أحد القصر وأنا حي فقال أبو جعفر أين مالك بن الهيثم فأخبروه عنه فرأى
أنه قد نصح له وقيل إن أبا نصر مالك بن الهيثم لما مضى إلى همذان كتب أبو جعفر
إلى زهير بن التركي ان لله دمك ان فاتك مالك فأتى زهير مالكا فقال له انى قد
صنعت لك طعاما فلو أكرمتني بدخول منزلي فقال نعم وهيأ زهير أربعين رجلا
تخيرهم فجعلهم في بيتين يفضيان إلى المجلس الذي هيأه فلما دخل مالك قال
يا أدهم عجل طعامك فخرج أولئك الأربعون إلى مالك فشدوه وثاقا ووضع في
رجليه القيود وبعث به إلى المنصور فمن عليه وصفح عنه واستعمله على الموصل
(وفى هذه السنة) ولى أبو جعفر المنصور أبا داود خالد بن إبراهيم خراسان
وكتب إليه بعهده (وفيها) خرج سنباذ بخراسان يطلب بدم أبى مسلم
ذكر الخبر عن سنباذ
* ذكر أن سنباذ هذا كان مجوسيا من أهل قرية من قرى نيسابور يقال لها
أهن وانه كثر أتباعه لما ظهر وكان خروجه غضبا لقتل أبى مسلم فيما قيل وطلبا بثأره
وذلك أنه كان من صنائعه وغلب حين خرج على نيسابور وقومس والري ويسمى
فيروز اصبهبذ فلما صار بالري قبض خزائن أبى مسلم وكان أبو مسلم خلف بها
خزائنه حين شخص متوجها إلى أبى العباس وكان عامة أصحاب سنباذ أهل الجبال
فوجه إليهم أبو جعفر جهور بن مرار العجلي في عشرة آلاف فالتقوا بين همذان
140

والري على طرف المفازة فاقتتلوا فهزم سنباذ وقتل من أصحابه في الهزيمة نحوا من ستين
ألفا وسبى ذراريهم ونساءهم ثم قتل سنباذ بين طبرستان وقومس قتله لونان الطبري
قصير المنصور اصبهبذة طبرستان إلى ولدا هرمز بن الفرخان وتوجه وكان بين مخرج
سنباذ إلى قتله سبعون ليلة (وفى هذه السنة) خرج ملبد بن حرملة الشيباني فحكم
بناحية الجزيرة فسارت إليه روابط الجزيرة وهم يومئذ فيما قيل ألف فقاتلهم ملبد
فهزمهم وقتل من قتل منهم ثم سارت إليه روابط الموصل فهزمهم ثم سار إليه يزيد بن
حاتم المهلبي فهزمه ملبد بعد قتال شديد كان بينهما وأخذ ملبد جارية ليزيد كان يطأها
وقتل قائد من قواده ثم وجه إليه أبو جعفر مولاه المهلهل بن صفوان في ألفين
من نخبة الجند فهزمهم ملبد واستباح عسكرهم ثم وجه إليه نزارا قائدا من قواد
أهل خراسان فقتله ملبد وهزم أصحابه ثم وجه إليه زياد بن مشكان في جمع كثير
فلقيهم ملبد فهزمهم ثم وجه إليه صالح بن صبيح في جيش كثيف وخيل كثيرة
وعدة فهزمهم ثم سار إليه حميد بن قحطبة وهو يومئذ على الجزيرة فلقيه الملبد
فهزمه وتحصن منه حميد وأعطاه مائة ألف درهم على أن يكف عنه وأما الواقدي
فإنه زعم أن ظهور ملبد وتحكيمه كان في سنة 138 ولم يكن للناس في هذه السنة
صائفة لشغل السلطان بحرب سنباذ (وحج) بالناس في هذه السنة إسماعيل بن
علي بن عبد الله بن عباس كذلك قال الواقدي وغيره وهو على الموصل وكان على
المدينة زياد بن عبيد الله والعباس بن عبد الله بن معبد على مكة وماث العباس
عند انقضاء الموسم فضم إسماعيل عمله إلى زياد بن عبيد الله فأقره عليهم أبو جعفر
وكان على الكوفة في هذه السنة عيسى بن موسى وعلى البصرة وأعمالها سليمان
ابن علي وعلى قضائها عمر بن عامر السلمي وعلى خراسان أبو داود خالد بن إبراهيم
وعلى الجزيرة حميد بن قحطبة وعلى مصر صالح بن علي بن عبد الله بن عباس
141

ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين ومائة
ذكر ما كان فيها من الاحداث
فما كان فيها من ذلك دخول قسطنطين طاغية الروم ملطية عنوة وقهرا لأهلها
وهدمه سورها وعفوه عمن فيها من المقاتلة والذرية ومنها غزو العباس بن محمد
ابن علي بن عبد الله بن العباس في قول الواقدي الصائفة مع صالح بن علي بن عبد الله
فوصله صالح بأربعين ألف دينار وخرج معهم عيسى بن علي بن عبد الله فوصله
أيضا بأربعين ألف دينار فبنى صالح بن علي ما كان صاحب الروم هدمه من ملطية
وقد قيل إن خروج صالح والعباس إلى ملطية للغزو كان في سنة 139 (وفى هذه
السنة) بايع عبد الله بن علي لأبي جعفر وهو مقيم بالبصرة مع أخيه سليمان بن علي
(وفيها) خلع جهور بن مرار العجلي المنصور
ذكر سبب خلعه إياه
وكان سبب ذلك فيما ذكر أن جهورا لما هزم سنباذ حوى ما في عسكره وكان
فيه خزائن أبى مسلم التي كان خلفها بالري فلم يوجهها إلى أبى جعفر وخاف فخلع
فوجه إليه أبو جعفر محمد بن الأشعث الخزاعي في جيش عظيم فلقيه محمد فاقتتلوا
قتالا شديدا ومع جهور نخب فرسان العجم زياد ودلاستاخنج فهزم جهور وأصحابه
وقتل من أصحابه خلق كثير وأسر زياد ودلاستاخنج وهرب جهور فلحق بآذربيجان
فأخذ بعد ذلك باسباذرو فقتل (وفى هذه السنة) قتل الملبد الخارجي
ذكر الخبر عن مقلته
* ذكر أن أبا جعفر لما هزم الملبد حميد بن قحطبة وتحصن منه حميد وجه إليه
عبد العزيز بن عبد الرحمن أخا عبد الجبار بن عبد الرحمن وضم إليه زياد بن
مشكان فأكمن له الملبد مائة فارس فلما لقيه عبد العزيز خرج عليه الكمين فهزموه
وقتلوا عامة أصحابه فوجه أبو جعفر إليه خازم بن خزيمة في نحو من ثمانية آلاف
من المروروذية فسار خازم حتى نزل الموصل وبعث إلى الملبد بعض أصحابه وبعث
142

معهم الفعلة فسار إلى بلد فخندقوا وأقاموا له الأسواق وبلغ ذلك الملبد فخرج حتى
نزل ببلد في خندق خازم فلما بلغ ذلك خازما خرج إلى مكان من أطراف
الموصل حريز فعسكر به فلما بلغ ذلك الملبد عبر دجلة من بلد وتوجه إلى
خازم من ذلك الجانب يريد الموصل فلما بلغ خازما ذلك وبلغ إسماعيل بن علي
وهو على الموصل أمر إسماعيل خازما أن يرجع من معسكره حتى يعبر
من جسر الموصل فلم يفعل وعقد جسرا من موضع معسكره وعبر إلى
الملبد وعلى مقدمته وطلائعه نضلة بن نعيم بن خازم ابن عبد الله النهشلي وعلى
ميمنته زهير بن محمد العامري وعلى ميسرته أبو حماد الأبرص مولى بنى سليم
وسار خازم في القلب فلم يزل يساير الملبد وأصحابه حتى غشيهم الليل ثم توافقوا
ليلتهم وأصبحوا يوم الأربعاء فمضى الملبد وأصحابه متوجهين إلى كورة حزة
وخازم وأصحابه يسايرونهم حتى غشيهم الليل وأصبحوا يوم الخميس وسار الملبد
وأصحابه كأنه يريد الهرب من خازم فخرج خازم وأصحابه في أثرهم وتركوا خندقهم
وكان خازم تخندق عليه وعلى أصحابه بالحسك فلما خرجوا من خندقهم كر عليهم
الملبد وأصحابه فلما رأى ذلك خازم ألقى الحسك بين يدين وبين يدي أصحابه فحملوا
على ميمنة خازم وطووها ثم حملوا على الميسرة وطووها ثم انتهوا إلى القلب وفيه
خازم فلما رأى ذلك خازم نادى في أصحابه الأرض الأرض فنزلوا ونزل الملبد
وأصحابه وعقروا عامة دوابهم ثم اضطربوا بالسيوف حتى تقطعت وأمر خازم
نضلة بن نعيم ان إذا سطع الغبار ولم يبصر بعضنا بعضا فارجع إلى خيلك وخيل أصحابك
فاركبوها ثم ارموا بالنشاب ففعل ذلك وتراجع أصحاب خازم من الميمنة إلى
الميسرة ثم رشقوا الملبد وأصحابه بالنشاب فقتل الملبد في ثمانمائة رجل ممن ترجل
وقتل منهم قبل أن يترجلوا زهاء ثلثمائة وهرب الباقون وتبعهم نضلة فقتل منهم
مائة وخمسين رجلا (وحج) بالناس في هذه السنة الفضل بن صالح بن علي بن
عبد الله بن عباس كذلك قال الواقدي وغيره وذكر أنه كان خرج من عند أبيه
من الشأم حاجا فأدركته ولايته على الموسم والحج بالناس في الطريق فمر بالمدينة
143

فأحرم منها وزياد بن عبيد الله على المدينة ومكة والطائف وعلى الكوفة وسوادها
عيسى بن موسى وعلى البصرة وأعمالها سليمان بن علي وعلى قضائها سوار بن عبد الله
وأبو داود خالد بن إبراهيم على خراسان وعلى مصر صالح بن علي
ثم دخلت سنة تسع وثلاثين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك ما كان من إقامة صالح بن علي والعباس بن محمد بملطية حتى استتما
بناء ملطية ثم غزوا الصائفة من درب الحدث فوغلا في أرض الروم وغزا مع
صالح أختاه أم عيسى ولبابة ابنتا على وكانتا ندرتا إن زال ملك بنى أمية أن تجاهد
في سبيل الله وغزا من درب ملطية جعفر بن حنظلة البهراني (وفى هذه السنة)
كان الفداء الذي جرى بين المنصور وصاحب الروم فاستنقذ المنصور منهم أسراء
المسلمين ولم يكن بعد ذلك فيما قيل للمسلمين صائفة إلى سنة 146 لاشتغال أبى جعفر
بأمر ابني عبد الله بن الحسن إلا أن بعضهم ذكر أن الحسن بن قحطبة غزا الصائفة
مع عبد الوهاب بن إبراهيم الامام في سنة 140 وأقبل قسطنطين صاحب الروم في
مائة ألف فنزل جيحان فبلغه كثرة المسلمين فأحجم عنهم ثم لم يكن بعدها صائفة
إلى سنة 146 (وفى هذه السنة) سار عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك
ابن مروان إلى الأندلس فملكه أهلها أمرهم فولده ولاتها إلى اليوم (وفيها) وسع
أبو جعفر المسجد الحرام وقيل إنها كانت سنة خصبة فسميت سنة الخصب
(وفيها) عزل سليمان بن علي عن ولاية البصرة وعما كان إليه من أعمالها وقد
قيل إنه عزل عن ذلك في سنة 140 (وفيها) ولى المنصور ما كان إلى سليمان بن علي
من عمل البصرة سفيان بن معاوية وذلك فيما قيل يوم الأربعاء للنصف من
شهر رمضان فلما عزل سليمان وولى سفيان توارى عبد الله بن علي وأصحابه خوفا
على أنفسهم فبلغ ذلك أبو جعفر فبعث إلى سليمان وعيسى ابني على وكتب إليهما في
أشخاص عبد الله بن علي وعزم عليهما أن يفعلا ذلك ولا يؤخراه وأعطاهما
144

من الأمان لعبد الله بن علي ما رضياه له ووثقا به وكتب إلى سفيان بن معاوية يعلمه
ذلك ويأمره بإزعاجهما واستحثاثهما بالخروج بعبد الله ومن معه من خاصته
فخرج سليمان وعيسى بعبد الله وبعامة قواده وخواص أصحابه ومواليه حتى قدموا
على أبى جعفر يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة (وفيها) أمر
أبو جعفر بحبس عبد الله بن علي وبحبس من كان معه من أصحابه وبقتل بعضهم
ذكر الخبر عن ذلك
ولما قدم سليمان وعيسى ابنا على على أبى جعفر أذن لهما فدخلا عليه فأعلماه
حضور عبد الله بن علي وسألاه الاذن له فأنعم لهما بذلك وشغلهما بالحديث وقد
كان هيأ لعبد الله بن علي محبسا في قصره وأمر به أن يصرف إليه بعد دخول
عيسى وسليمان إليه ففعل ذلك به ونهض أبو جعفر من مجلسه فقال لسليمان وعيسى
سارعا بعبد الله فلما خرجا افتقدا عبد الله من المجلس الذي كان فيه فعلما أنه قد
حبس فانصرفا راجعين إلى أبى جعفر فحيل بينهما وبين الوصول إليه وأخذت
عند ذلك سيوف من حضر من أصحابه عبد الله بن علي من عواتقهم وحبسوا
وقد كان خفاف بن منصور حذرهم ذلك وندم على مجيئه وقال لهم إن أنتم أطعتموني
شددنا شدة واحدة على أبى جعفر فوالله لا يحول بيننا وبينه حائل حتى نأتى على
نفسه ونشد على هذه الأبواب مصلتين سيوفنا ولا يعرض لنا عارض إلا أفتنا
نفسه حتى نخرج وننجو بأنفسنا فعصوه فلما أخذت السيوف وأمر بحبسهم جعل
خفاف يضرط في لحيته ويتفل في وجوه أصحابه ثم أمر أبو جعفر بقتل بعضهم
بحضرته وبعث بالبقية إلى أبى داود خالد بن إبراهيم بخراسان فقتلهم بها * وقد
قيل إن حبس أبى جعفر عبد الله بن علي كان في سنة 140 (وحج) بالناس في
هذه السنة العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس * وكان على مكة والمدينة
والطائف زياد بن عبيد الله الحارثي وعلى الكوفة وأرضها عيسى بن موسى وعلى
البصرة وأعمالها سفيان بن معاوية وعلى قضائها سوار بن عبد الله وعلى خراسان
أبو داود خالد بن إبراهيم
145

ثم دخلت سنة أربعين ومائة
ذكر ما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك ما كان فيها من مهلك عامل خراسان
ذخر الخبر عن ذلك وسبب هلاكه
ذكر أن ناسا من الجند ثاروا بأبي داود خالد بن إبراهيم بخراسان وهو عامل
أبى جعفر المنصور عليها في هذه السنة ليلا وهو نازل بباب كشماهن من مدينة
مرو حتى وصلوا إلى المنزل الذي هو فيه فأشرف أبو داود من الحائط على حرف
آجرة خارجة وجعل ينادى أصحابه ليعرفوا صوته فانكسرت الآجرة عند الصبح
فوقع على سترة صفة كانت قدام السطح فانكسر ظهره فمات عند صلاة العصر فقام
عصام صاحب شرطة أبى داود بخلافة أبى داود حتى قدم عليه عبد الجبار بن
عبد الرحمن الأزدي (وفيها) ولى أبو جعفر عبد الجبار بن عبد الرحمن خراسان
فقدمها فأخذ بها ناسا من القواد ذكر أنه اتهمهم بالدعاء إلى ولد علي بن أبي طالب
منهم مجاشع بن حريث الأنصاري صاحب بخارى وأبو المغيرة مولى بنى تميم واسمه
خالد بن كثير وهو صاحب قوهستان والحريش بن محمد الذهلي ابن عم أبى داود
فقتلهم وحبس الجنيد بن خالد بن هريم التغلبي ومعبد بن الخليل المزني بعد ما ضربهما
ضربا مبرحا وحبس عدة من وجوه قواد أهل خراسان وألح على استخراج ما على
عمال أبى داود من بقايا الأموال (وفيها) خرج أبو جعفر المنصور حاجا فأحرم
من الحيرة ثم رجع بعد ما قضى حجه إلى المدينة فتوجه منها إلى بيت المقدس *
وكان عمال الأمصار في هذه السنة عمالها في السنة التي قبلها إلا خراسان فإن عاملها
كان عبد الجبار ولما قدم أبو جعفر بيت المقدس صلى في مسجدها ثم سلك الشأم
منصرفا حتى انتهى إلى الرقة فنزلها فأتى بمنصور بن جعونة بن الحارث العامري من
بنى عامر بن صعصعة فقتله ثم شخص منها فسلك الفرات حتى أتى الهاشمية شمية الكوفة
146

ثم دخلت سنه إحدى وأربعين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك خروج الراوندية (وقد قال) بعضهم كان أمر الراوندية وأمر
أبى جعفر الذي أنا ذاكره في سنة 137 أو 136
ذكر الخبر عن أمرهم وأمر أبى جعفر المنصور معهم
والراوندية قوم فيما ذكر عن علي بن محمد كانوا من أهل خراسان على رأى
أبى مسلم صاحب دعوة بني هاشم يقولون فيما زعم بتناسخ الأرواح ويزعمون أن
روح آدم في عثمان بن نهيك وأن ربهم الذي يطعمهم ويسقيهم هو أبو جعفر المنصور
وأن الهيثم بن معاوية جبرئيل قال وأتوا قصر المنصور فجعلوا يطوفون به ويقولون
هذا قصر ربنا فأرسل المنصور إلى رؤسائهم فحبس منهم مائتين فغضب أصحابهم
وقالوا علام حبسوا وأمر المنصور ألا يجتمعوا فأعدوا نعشا وحملوا السرير وليس في
النعش أحد ثم مروا في المدينة حتى صاروا على باب السجن فرموا بالنعش وشدوا على
الناس ودخلوا السجن فأخرجوا أصحابهم وقصدوا نحو المنصور وهم يومئذ ستمائة
رجل فتنادى الناس وغلقت أبواب المدينة فلم يدخل أحد فخرج المنصور من القصر
ماشيا ولم تكن في القصر دابة فجعل بعد ذلك اليوم يرتبط فرسا يكون في دار
الخلافة معه في قصره قال ولما خرج المنصور أتى بدابة فركبها وهو يريدهم وجاء
معن بن زائدة فانتهى إلى أبى جعفر فرمى بنفسه وترجل وأدخل خرقة قبائه في
منطقته وأخذ بلجام دابة المنصور وقال أنشدك الله يا أمير المؤمنين إلا رجعت فإنك
تكفى وجاء أبو نصر مالك بن الهيثم فوقف على باب القصر وقال أنا اليوم بواب
ونودي في أهل السوق فرموهم وقاتلوهم حتى أثخنوهم وفتح باب المدينة فدخل الناس
وجاء خازم بن خزيمة على فرس محذوف فقال يا أمير المؤمنين أقتلهم قال نعم فحمل عليهم
حتى ألجأهم إلى ظهر حائط ثم كروا على خازم فكشفوه وأصحابه ثم كرخازم
عليهم فاضطرهم إلى حائط المدينة وقال للهيثم بن شعبة إذا كروا علينا فاسبقهم إلى
147

الحائط فإذا رجعوا فاقتلهم فحملوا على خازم فاطرد لهم وصار الهيثم بن شعبة من
ورائهم فقتلوا جميعا وجاءهم يومئذ عثمان بن نهيك فكلمهم فرجع فرموه بنشابة
وقعت بين كتفيه فمرض أياما ومات منها فصلى عليه أبو جعفر وقام على قبره حتى دفن
وقال رحمك الله أبا يزيد وصير مكانه على حرسه عيسى بن نهيك فكان على الحرس
حتى مات فجعل على الحرس أبا العباس الطوسي وجاء يومئذ إسماعيل بن علي وقد
أغلقت الأبواب فقال للبواب افتح ولك ألف درهم فأبى وكان القعقاع بن ضرار
يومئذ بالمدينة وهو على شرط عيسى بن موسى فأبلى يومئذ وكان ذلك كله في المدينة
الهاشمية بالكوفة قال وجاء يومئذ الربيع ليأخذ بلجام المنصور فقال له معن ليس
هذا من أيامك فأبلى ابرويز من المصمغان ملك دنباوند وكان خالف أخاه فقدم
على أبى جعفر فأكرمه وأجرى عليه رزقا فلما كان يومئذ أتى المنصور فكفر
له وقال أقاتل هؤلاء قال له نعم فقاتلهم فكان إذا ضرب رجلا فصرعه تأخر
عنه فلما قتلوا وصلى المنصور الظهر دعا بالعشاء وقال أطلعوا معن بن
زائدة وأمسك عن الطعام حتى جاءه معن فقال لقثم تحول إلى هذا الموضع
واجلس معنا مكان قثم فلما فرغوا من العشاء قال لعيسى بن علي يا أبا العباس
أسمعت بأسد الرجال قال نعم قال لو رأيت اليوم معنا علمت أنه من تلك الآساد قال
معن والله يا أمير المؤمنين لقد أتيتك وإني لوجل القلب فلما رأيت ما عندك من
الاستهانة بهم وشدة الاقدام عليهم رأيت أمرا لم أره من خلق في حرب فشد
ذلك من قلبي وحملني على ما رأيت منى وقال ابن خزيمة يا أمير المؤمنين إن لهم بقية
قال فقد وليتك أمرهم فاقتلهم قال فاقتل رزاما فإنه منهم فعاذر رزام بن بجعفر بن أبي
جعفر فطلب فيه فآمنه قال على عن أبي بكر الهذلي قال إني لواقف بباب
أمير المؤمنين إذ طلع فقال رجل إلى جانبي هذا رب العزة هذا الذي يطعمنا ويسقينا
فلما رجع أمير المؤمنين ودخل عليه الناس دخلت وخلا وجهه فقلت له سمعت
اليوم عجبا وحدثته فنكت في الأرض وقال يا هذلي يدخلهم الله النار في طاعتنا
ويعتلهم أحب إلى من أن يدخلهم الجنة بمعصيتنا * وذكر عن جعفر بن عبد الله
148

قال حدثني الفضل بن الربيع قال حدثني أبي قال سمعت المنصور يقول أخطأت
ثلاث خطيات وقانى الله شرها قتلت أبا مسلم وأنا في في خرق ومن حولي يقدم
طاعته ويؤثرها ولو هتكت الخرق لذهبت ضياعا وخرجت يوم الراوندية
ولو أصابني سهم غرب لذهبت ضياعا وخرجت إلى الشأم ولو اختلف سيفان
بالعراق ذهبت الخلافة ضياعا وذكر أن معن بن زائدة كان مختفيا من أبى جعفر
لما كان منه من قتاله المسودة مع ابن هبيرة مرة بعد مرة وكان اختفاؤه عند
مرزوق أبى الخصيب وكان على أن يطلب له الأمان فلما خرج الراوندية أتى
الباب فقام عليه فسأل المنصور أبا الخصيب وكان يلي حجابة المنصور يومئذ من
بالباب فقال معن بن زائدة فقال المنصور رجل من العرب شديد النفس عالم بالحرب
كريم الحسب أدخله فلما دخل قال إيه يا معن ما الرأي قال الرأي أن تنادى في الناس
وتأمر لهم بالأموال قال وأين الناس والأموال ومن يقدم على أن يعرض نفسه
لهؤلاء العلوج لم تصنع شيئا يا معن الرأي أن أخرج فأقف فإن الناس إذا رأوني
قاتلوا وأبلوا وثابوا إلى تراجعوا وإن أقمت تخاذلوا وتهاونوا فأخذ معن بيده
وقال يا أمير المؤمنين إذا والله تقتل الساعة فأنشدك الله في نفسك فأتاه أبو الخصيب
فقال مثلها فاجتذب ثوبه منهما ثم دعا بدابته فركب ووثب عليها من غير ركاب
ثم سوى ثيابه وخرج ومعن آخذ بلجامه وأبو الخصيب مع ركابه فوقف وتوجه
إليه رجل فقال يا معن دونك العلج فشد عليه معن فقتله ثم والى بين أربعة وثاب
إليه الناس وتراجعوا ولم يكن إلا ساعة حتى أفنوهم وتغيب معن بعد ذلك فقال
أبو جعفر لأبي الخصيب ويلك أين معن قال والله ما أدرى أين هو من الأرض
فقال أيظن أن أمير المؤمنين لا يغفر ذنبه بعد ما كان من بلائه أعطه الأمان وأدخله
على فأدخله فأمر له بعشرة آلاف درهم وولاه اليمن فقال له أبو الخصيب قد فرق
صلته وما يقدر على شئ قال له لو أراد مثل ثمنك ألف مرة لقدر عليه (وفى هذه
السنة) وجه أبو جعفر المنصور ولده محمدا وهو يومئذ ولى عهد إلى خراسان
في الجنود وأمره بنزول الري ففعل ذلك محمد (وفيها) خلع عبد الجبار بن
149

عبد الرحمن عامل أبى جعفر على خراسان ذكر علي بن محمد عمن حدثه عن أبي
أيوب الخوزي أن المنصور لما بلغه أن عبد الجبار يقتل رؤساء أهل خراسان
وأتاه من بعضهم كتاب فيه قد نغل الأديم قال لأبي أيوب الخزاعي إن عبد الجبار
قد أفنى شيعتنا وما فعل هذا إلا وهو يريد أن يخلع فقال له ما أيسر حيلته اكتب
إليه أنك تريد غزو الروم فنوجه إليك الجنود من خراسان وعليهم فرسانهم
ووجوهم فإذا خرجوا منها فابعث إليهم من شئت فليس من امتناع فكتب بذلك
إليه فأجابه أن الترك قد جاشت وإن فرقت الجنود ذهبت خراسان فألقى الكتاب
إلى أبى أيوب وقال له ما ترى قال قد أمكنك من قياده اكتب إليه أن خراسان أهم
إلى من غيرها وأنا موجه إليك الجنود من قبلي ثم وجه إليه الجنود ليكونوا
بخراسان فان هم بخلع أخذوا بعنقه فلما ورد على عبد الجبار الكتاب كتب إليه
أن خراسان لم تكن قط أسوأ حالا منها في هذا العام وان دخلها الجنود هلكوا
لضيق ما هم فيه من غلاء السعر فلما أتاه الكتاب ألقاه إلى أبى أيوب فقال له قد
أبدى صفحته وقد خلع فلا تناظره فوجه إليه محمد بن المنصور وأمره بنزول الري
فسار إليها المهدى ووجه لحربه خازم بن خزيمة مقدمة له ثم شخص المهدى فنزل
نيسابور ولما توجه خازم بن خزيمة إلى عبد الجبار وبلغ ذلك أهل مرو الروذ
ساروا إلى عبد الجبار من ناحيتهم فناصبوه الحرب وقاتلوه قتالا شديدا حتى هزم
فانطلق هاربا حتى لجأ إلى مقطنة فتوارى فيها فعبر إليه المجشر بن مزاحم من أهل
مرو الروذ فأخذه أسيرا فلما قدم خازم أتاه به فألبسه خازم مدرعة صوف وحمله
على بعير وجعل وجهه من قبل عجز البعير حتى انتهى به إلى المنصور ومعه ولده
وأصحابه فبسط عليهم العذاب وضربوا بالسياط حتى استخرج منهم ما قدر عليه
من الأموال ثم أمر المسيب بن زهير بقطع يدي عبد الجبار ورجليه وضرب
عنقه ففعل ذلك المسيب وأمر المنصور بتسيير ولده إلى دهلك وهى جزيرة على
ضفة البحر بناحية اليمن فلم يزالوا بها حتى أغار عليهم الهند فسبوهم فيمن سبوا حتى
فودوا بعد ونجا منهم من نجا فكان ممن نجا منهم واكتتب في الديوان وصحب الخلفاء
150

عبد الرحمن بن عبد الجبار وبقى إلى أن توفى بمصر في خلافة هارون في سنة 170
(وفى هذه السنة) فرغ من بناء المصيصة على يدي جبرئيل بن يحيى الخراساني ورابط
محمد بن إبراهيم الامام بملطية (واختلفوا) في أمر عبد الجبار وخبره فقال الواقدي
كان ذلك في سنة 142 وقال غيره كان ذلك في سنة 141 وذكر عن علي بن محمد
أنه قال كان قدوم عبد الجبار خراسان لعشر خلون من ربيع الأول سنة 141 ويقال
لأربع عشرة ليلة وكانت هزيمته يوم السبت لست خلون من ربيع الأول سنة
142 وذكر عن أحمد بن الحارث أن خليفة بن خياط حدثه قال لما وجه المنصور
المهدى إلى الري وذلك قبل بناء بغداد وكان توجيهه إياه لقتال عبد الجبار بن
عبد الرحمن فكفى المهدى أمر عبد الجبار بمن حاربه وظفر به كره أبو جعفر أن تبطل
تلك النفقات التي أنفقت على المهدى فكتب إليه أن يغزو طبرستان وينزل الري
ويوجه أبا الخصيب وخازم بن خزيمة الجنود إلى الاصبهبذ وكان الاصبهبذ
يومئذ محاربا للمصهغان ملك دنباوند معسكرا بإزائه فبلغه أن الجنود دخلت
بلاده وأن أبا الخصيب دخل سارية فساء المصمغان ذلك وقال له متى صاروا
إليك صاروا إلى فاجتمعا على محاربة المسلمين فانصرف الاصبهبذ إلى بلاده فحارب
المسلمين وطالت تلك الحروب فوجه أبو جعفر عمر بن العلاء الذي يقول فيه بشار
فقل للخليفة إن جئته * نصيحا ولا خير في المتهم
إذا أيقظتك حروب العدى * فنبه لها عمرا ثم نم
فتى لا ينام على دمنة * ولا يشرب الماء إلا بدم
وكان توجيهه إياه بمشورة ابرويز أخي المصمغان فإنه قال له يا أمير المؤمنين
إن عمر أعلم الناس ببلاد طبرستان فوجهه وكان أبرويز قد عرف عمر أيام سنباذ
وأيام الراوندية فضم إليه أبو جعفر خازم بن خزيمة فدخل الرويان ففتحها أخذ
قلعة الطاق وما فيها وطالت الحرب فألح خازم على القتال ففتح طبرستان وقتل
منهم فأكثر وصار الاصبهبذ إلى قلعته وطلب الأمان على أن يسلم القلعة بما
فيها من ذخائره فكتب المهدى بذلك إلى أبى جعفر فوجه أبو جعفر بصالح
151

صاحب المصلى وعدة معه فأحصوا ما في الحصن وانصرفوا وبدا للاصبهبذ فدخل
بلاد جيلان من الديلم فمات بها وأخذت ابنته وهى أم إبراهيم بن العباس بن
محمد وصمدت الجنود للمصمغان فظفروا به وبالبحترية أم منصور بن المهدى
وبصيمر أم ولد علي بن ريطة بنت المصمغان فهذا فتح طبرستان الأول قال ولما
مات المصمغان تحوز أهل ذلك الجبل فصاروا حوزية لانهم توحشوا كما توحش
حمر الوحش (وفى هذه السنة) عزل زياد بن عبيد الله الحارثي عن المدينة ومكة
والطائف واستعمل على المدينة محمد بن خالد بن عبد الله القسري فقدمها في رجب
وعلى الطائف ومكة الهيثم بن معاوية العتكي من أهل خراسان (وفيها) توفى
موسى بن كعب وهو على شرط المنصور وعلى مصر والهند وخليفته على الهند
عيينة ابنه (وفيها) عزل موسى بن كعب عن مصر ووليها محمد بن الأشعث
ثم عزل عنها ووليها نوفل بن الفرات (وحج) بالناس في هذه السنة صالح
ابن علي بن عبد الله بن عباس وهو على قنسرين وحمص ودمشق وعلى المدينة محمد
ابن خالد بن عبد الله القسري وعلى مكة والطائف الهيثم بن معاوية وعلى الكوفة
وأرضها عيسى بن موسى وعلى البصرة وأعمالها سفيان بن معاوية وعلى قضائها
سوار بن عبد الله وعلى خراسان المهدى وخليفته عليها السرى بن عبد الله وعلى
مصر نوفل بن الفرات
ثم دخلت سنة اثنتين وأربعين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمما كان فيها خلع عيينة بن موسى بن كعب بالسند
ذكر الخبر عن سبب خلعه
ذكر أن سبب خلعه كان أن المسيب بن زهير كان خليفة موسى بن كعب
على الشرط فلما مات موسى أقام المسيب على ما كان يلي من الشرط وخاف المسيب
أن يكتب المنصور إلى عيبنة في القدوم عليه فيوليه مكانه وكتب إليه ببيت شعر
152

ولم ينسب الكتاب إلى نفسه
فأرضك أرضك إن تأتنا * تنم نومة ليس فيها حلم
وخرج أبو جعفر لما أتاه الخبر عن عيينة بخلعه حتى نزل بعسكره من البصرة
عند جسرها الأكبر ووجه عمر بن حفص بن أبي صفرة العتكي عاملا على
السند والهند محاربا لعيينة بن موسى فسار حتى ورد السند والهند وغلب عليها
(وفى هذه السنة) نقض اصبهبذ طبرستان العهد بينه وبين المسلمين وقتل من كان
ببلاده من المسلمين
ذكر الخبر عن أمره وأمر المسلمين
ذكر أن أبا جعفر لما انتهى إليه خبر الاصبهبذ وما فعل بالمسلمين وجه إليه
خازم بن خزيمة وروح بن حاتم ومعهم مرزوق أبو الخصيب مولى أبى جعفر
فأقاموا على حصنه محاصرين له ولمن معه في حصنه وهم يقاتلونهم حتى طال عليهم
المقام فاحتال أبو الخصيب في ذلك فقال لأصحابه اضربوني واحلقوا رأسي ولحيتي
ففعلوا ذلك به ولحق بالاصبهبذ صاحب الحصن فقال له إني ركب من أمر عظيم
ضربت وحلق رأسي ولحيتي وقال له إنما فعلوا ذلك بي تهمة منهم لي ان يكون هواي معك
وأخبره انه معه وانه دليل له على عورة عسكرهم فقبل منه ذلك الاصبهبذ وجعله
في خاصته وألطفه وكان باب مدينتهم من حجر يلقى القاء يرفعه الرجال وتضعه
عند فتحه واغلاقه وكان قد وكل به الاصبهبذ ثقات أصحابه وجعل ذلك نوبا بينهم
فقال له أبو الخصيب ما أراك وثقت بي ولا قبلت نصيحتي قال وكيف ظننت ذلك
قال لتركك الاستعانة بي فيما يعينك وتوكيلي فيما لا تثق به إلا بثقاتك فجعل
يستعين به بعد ذلك فيرى منه ما يحب إلى أن وثق به فجعله فيمن ينوب في فتح
باب مدينته وإغلاقه فتولى له ذلك حتى أنس به ثم كتب أبو الخصيب إلى روح
ابن حاتم وخازم بن خزيمة وصير الكتاب في نشابة ورماها إليهم وأعلمهم ان قد
ظفر بالحيلة ووعدهم ليلة وسماها لهم في فتح الباب فلما كان في تلك الليلة فتح لهم فقتلوا
من فيها من المقاتلة وسبوا الذراري وظفر بالبحترية وهى أم منصور بن المهدى
153

وأمها باكند بنت الاصبهبذ الأصم وليس بالاصبهبذ الملك ذاك أخو باكند وظفر
بشكلة أم إبراهيم بن المهدى وهى بنت خرنابان قهرمان المصمغان فمص الاصبهبذ
خاتما له فيه سم فقتل نفسه (وقد قيل) إن دخول روح بن حاتم وخازم بن
خزيمة طبرستان كان في سنة 143 (وفى هذه السنة) بنى المنصور لأهل البصرة
قبلتهم التي يصلون إليها في عيدهم بالحمان وولى بناءه سلمة بن سعيد بن جابر وهو
يومئذ على الفرات والأبلة من قبل أبى جعفر وصام أبو جعفر شهر رمضان
وصلى بها يوم الفطر (وفيها) توفى سليمان بن علي بن عبد الله بالبصرة ليلة السبت
لتسع بقين من جمادى الآخرة وهو ابن تسع وخمسين سنة وصلى عليه عبد الصمد
ابن علي (وفيها) عزل عن مصر نوفل بن الفرات ووليها محمد بن الأشعث ثم
عزل عنها محمد ووليها نوفل بن الفرات ثم عزل نوفل ووليها حميد بن قحطبة
(وحج) بالناس في هذه السنة إسماعيل بن علي بن عبد الله بن العباس وكان العامل
على المدينة محمد بن خالد بن عبد الله وعلى مكة والطائف الهيثم بن معاوية وعلى
الكوفة وأرضها عيسى بن موسى وعلى البصرة وأعمالها سفيان بن معاوية وعلى
قضائها سوار بن عبد الله وعلى مصر حميد بن قحطبة (وفيها) في قول الواقدي
ولى أبو جعفر أخاه العباس بن محمد الجزيرة والثغور وضم إليه عدة من القواد
فلم يزل بها حينا
ثم دخلت سنة ثلاث وأربعين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
(ففي هذه السنة) ندب المنصور الناس إلى غزو الديلم
ذكر الخبر عن ذلك
ذكر أن أبا جعفر اتصل به عن الديلم إيقاعهم بالمسلمين وقتلهم منهم مقتلة
عظيمة فوجه إلى البصرة حبيب بن عبد الله بن رغبان وعليها يومئذ إسماعيل بن علي
وأمره بإحصاء كل من له فيها عشرة آلاف درهم فصاعدا وأن يأخذ كل من
154

كان ذلك له بالشخوص بنفسه لجهاد الديلم ووجه آخر لمثل ذلك إلى الكوفة (وفيها)
عزل الهيثم بن معاوية عن مكة والطائف وولى ما كان إليه من ذلك السرى بن
عبد الله بن الحارث بن العباس بن عبد المطلب وأتى السرى عهده على ذلك وهو
باليمامة فسار إلى مكة ووجهه أبو جعفر إلى اليمامة قثم بن العباس (وفيها) عزل
حميد بن قحطبة عن مصر ووليها نوفل بن الفرات ثم عزل نوفل ووليها يزيد بن
حاتم (وحج) بالناس في هذه السنة عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس
وكان يومئذ إليه ولاية الكوفة وسوادها وكان والى مكة فيها السرى بن عبد الله
ابن الحارث ووالى البصرة وأعمالها سفيان بن معاوية وعلى قضائها سوار بن
عبد الله وعلى مصر يزيد بن حاتم
ثم دخلت سنة أربع وأربعين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمما كان فيها من ذلك غزو محمد بن أبي العباس بن عبد الله بن محمد بن علي ابن
أمير المؤمنين الديلم في أهل الكوفة والبصرة وواسط والموصل والجزيرة
(وفيها) انصرف محمد بن أبي جعفر المهدى عن خراسان إلى العراق وشخص
أبو جعفر إلى قرماسين فلقيه بها ابنه محمد منصرفا من خراسان فانصرفا جميعا إلى
الجزيرة (وفيها) بنى محمد بن أبي جعفر عند مقدمه من خراسان بابنة عمه
ريطة بنت أبي العباس (وفيها) حج بالناس أبو جعفر المنصور وخلف على عسكره
والميرة خازم بن خزيمة (وفيه هذه السنة) ولى أبو جعفر رياح بن عثمان المري
المدينة وعزل محمد بن خالد بن عبد الله القسري عنها
ذكر الخبر عن سبب عزله محمد بن خالد واستعماله رياح بن عثمان
وعزله زياد بن عبيد الله الحارثي من قبل محمد بن خالد
وكان سبب عزل زياد عن المدينة أن أبا جعفر همه أمر محمد وإبراهيم ابني
عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب وتخلفهما عن حضوره مع من
155

شهده من سائر بني هاشم عام حج في حياة أخيه أبى العباس ومعه أبو مسلم وقد
ذكر أن محمدا كان يذكر أن أبا جعفر ممن بايع له ليلة تشاور بنو هاشم بمكة فيمن
يعقدون له الخلافة حين اضطرب أمر بنى مروان مع سائر المعتزلة الذين كانوا معهم
هنالك فسأل عنهما فقال له زياد بن عبيد الله ما يهمك من أمرهما أنا آتيك بهما وكان
زياد يومئذ مع أبي جعفر عند مقدمه مكة سنة 136 فرد أبو جعفر زيادا إلى عمه وضمنه
محمدا وإبراهيم فذكر أبو زيد عمر بن شبة أن محمد بن إسماعيل حدثه قال حدثني عبد العزيز
ابن عمران قال حدثني عبد الله بن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال لما استخلف
أبو جعفر لم تكن له همة إلا طلب محمد والمسألة عنه وما يريد فدعا بني هاشم رجلا رجلا
كلهم يخليه فيسألهم عنه فيقولون يا أمير المؤمنين قد علم أنك قد عرفته يطلب هذا
الشأن قبل اليوم فهو يخافك على نفسه وهو لا يريد لك خلافا ولا يحب لك معصية
وما أشبه هذه المقالة إلا حسن بن زيد فإنه أخبره خبره وقال والله ما آمن وثوبه
عليك فإنه للذي لا ينام عنك فر رأيك قال ابن أبي عبيدة فأيقظ من لا ينام وقال
محمد سمعت جدي موسى بن عبد الله يقول اللهم اطلب حسن بن زيد بدمائنا
قال موسى وسمعت والله أبى يقول أشهد لعرفني أبو جعفر حديثا ما سمعه منى
إلا حسن بن زيد * حدثني محمد بن إسماعيل قال سمعت القاسم بن محمد بن عبد الله
ابن عمرو بن عثمان بن عفان قال أخبرني محمد بن وهب السلمي عن أبي قال عرفني
أبو جعفر حديثا ما سمعه منى إلا أخي عبد الله بن حسن وحسن بن زيد فاشهد ما أخبره به
عبد الله ولا كان يعلم الغيب قال محمد وسأل عنه عبد الله بن حسن عام حج فقال له
مقالة الهاشميين فأخبره أنه غير راض أو يأتيه به قال محمد وحدثتني أمي عن أبيها
قال قال أبى قلت لسليمان بن علي يا أخي صهري بك صهري ورحمي رحمي فما ترى
قال والله لكأني أنظر إلى عبد الله بن علي حين حال الستر بيننا وبينه وهو يشير
إلينا أن هذا الذي فعلتم بي فلو كان عافيا عفا عن عمه قال فقبل رأيه قال فكان
آل عبد الله يرونها صلة من سليمان لهم قال أبو زيد وحدثني سعيد بن هريم قال
أخبرني كلثوم المرائي قال سمعت يحيى بن خالد بن برمك يقول اشترى أبو جعفر
156

رقيقا من رقيق الاعراب ثم أعطى الرجل منهم البعيرين والرجل البعيرين والرجل
الذود وفرقهم في طلب محمد في ظهر المدينة فكان الرجل منهم يرد الماء كالمار
وكالضال فيفرون عنه ويتجسسون قال وحدثني محمد بن عباد بن حبيب المهلبي قال
قال لي السندي مولى أمير المؤمنين أتدري ما رفع عقبة بن سلم عند أمير المؤمنين
قلت لا قال أوفد عمى عمر بن حفص وفدا من السند فيهم عقبة فدخلوا على أبى
جعفر فلما قضوا حوائجهم نهضوا فاسترد عقبة فأجلسه ثم قال له من أنت قال
رجل من جند أمير المؤمنين وخدمه صحبت عمر بن حفص قال وما اسمك قال عقبة
ابن سلم بن نافع قال ممن أنت قال من الأزد ثم من بنى هناءة قال إني لارى لك
هيأة وموضعا وانى لأريدك لأمر أنا به معنى لم أزل أرتاد له رجلا عسى أن تكونه
إن كفيتنيه رفعتك فقال أرجو أن أصدق ظن أمير المؤمنين في قال فأخف شخصك
واستر أمرك وأتني في يوم كذا وكذا في وقت كذا وكذا فأتاه في ذلك الوقت
فقال له إن بنى عمنا هؤلاء قد أبوا الا كيدا لملكنا واغتيالا له ولهم شيعة بخراسان
بقرية كذا يكاتبونهم ويرسلون إليهم بصدقات أموالهم وألطاف من ألطاف بلادهم
فأخرج بكسى وألطاف وعين حتى تأتيهم متنكرا بكتاب تكتبه عن أهل هذه
القرية ثم تسير ناحيتهم فان كانوا قد نزعوا عن رأيهم فأحبب والله بهم وأقرب
وإن كانوا على رأيهم علمت ذلك وكنت على حذر واحتراس فاشخص حتى تلقى
عبد الله بن حسن متقشفا متخشعا فان جبهك وهو فاعل فاصبر وعاوده فان عاد
فاصبر حتى يأنس بك وتلين لك ناحيته فإذا ظهر لك ما في قلبه فأعجل على قال فشخص
حتى قدم على عبد الله فلقيه بالكتاب فأنكره ونهره وقال ما أعرف هؤلاء القوم
فلم يزل ينصرف ويعود إليه حتى قبل كتابه وألطافه وأنس به فسأله عقبة الجواب
فقال أما الكتاب فإني لا أكتب إلى أحد ولكن أنت كتابي إليهم فاقرأهم السلام
وأخبرهم أن ابني خارجان لوقت كذا وكذا قال فشخص عقبة حتى قدم على أبى
جعفر فأخبره الخبر * قال أبو زيد حدثني أيوب بن عمر قال حدثني موسى بن
عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف قال ولى أبو جعفر الفضل بن صالح بن
157

على الموسم في سنة 138 فقال له إن وقعت عيناك على محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن
حسن فلا يفارقانك وإن لم ترهما فلا تسأل عنهما فقدم المدينة فتلقاه أهلها جميعا
فيهم عبد الله بن حسن وسائر بنى حسن إلا محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن حسن
فسكت حتى صدر عن الحج وصار إلى السيالة فقال لعبد الله بن حسن ما منع ابنيك
أن يلقياني مع أهلهما قال والله ما منعهما من ذلك ريبة ولا سوء ولكنهما منهومان
بالصيد واتباعه لا يشهدان مع أهليهما خيرا ولا شرا فسكت الفضل عنه وجلس
على دكان قد بنى له بالسيالة فأمر عبد الله رعاته فسرحوا عليه ظهره فأمر أحدهم
فحلب لبنا على عسل في عس عظيم ثم رقى به الدكان فأومأ إليه عبد الله أن اسق
الفضل بن صالح فقصد قصده فلما دنا منه صاح به الفضل صيحة مغضبا إليك يا ماص
بظر أمه فأدبر الراعي فوثب عبد الله وكان من أرفق الناس فتناول القعب ثم أقبل
يمشى به إلى الفضل فلما رآه يمشى إليه استحيا منه فتناوله فشرب قال أبو زيد
وحدثني محمد بن يحيى قال حدثني أبي عن أبيه قال كان لزياد بن عبيد الله كاتب يقال
له حفص بن عمر من أهل الكوفة يتشيع وكان يثبط زيادا عن طلب محمد
فكتب فيه عبد العزيز بن سعد إلى أبى جعفر فحذره إليه فكتب فيه زياد إلى عيسى
ابن علي وعبد الله بن الربيع الحارثي فخلصاه حتى رجع إلى زياد قال علي بن محمد
قدم محمد البصرة مختفيا في أربعين فأتوا عبد الرحمن بن عثمان بن عبد الرحمن بن الحارث
ابن هشام فقال له عبد الرحمن أهلكتني وشهرتني فأنزل عندي وفرق أصحابك فأبى
فقال ليس لك عندي منزل فأنزل في بنى راسب فنزل في بنى راسب قال عمر حدثني
سليمان بن محمد الساري قال سمعت أبا هبار المزني يقول أقمنا مع محمد بن عبد الله
بالبصرة يدعو الناس إلى نفسه قال وحدثني عيسى بن عبد الله قال قال أبو جعفر
ما طمعت في بغية لي قط إذا ذكرت مكان بنى راسب بالبصرة قال وحدثني
أبو عاصم النبيل قال حدثني ابن جشيب اللهبي قال نزلت في بنى راسب في أيام ابن معاوية
فسألني فتى منهم يوما عن اسمى فلطمه شيخ منهم فقال وما أنت وذاك ثم نظر إلى
شيخ جالس بين يديه فقال أترى هذا الشيخ نزل فينا أبوه أيام الحجاج فأقام حتى
158

ولد له هذا الولد وبلغ هذا المبلغ وهذا السن ولا والله ما ندري ما اسمه ولا اسم أبيه ولا
ممن هو قال وحدثني محمد بن الهذيل قال سمعت الزعفراني يقول قدم محمد فنزل على عبد الله
ابن شيبان أحد بنى مرة بن عبيد فأقام ستة أيام ثم خرج فبلغ أبا جعفر مقدمه البصرة
فأقبل مغذا حتى نزل الجسر الأكبر فأرد نا عمرا على لقائه فأبى حتى غلبناه فلقيه فقال يا أبا
عثمان هل بالبصرة أحد نخافه على أمرنا قال لا قال فأقتصر على قولك وأنصرف قال
نعم فانصرف وكان محمد قد خرج قبل مقدم أبى جعفر قال علي بن محمد حدثني عامر
ابن أبي محمد قال قال أبو جعفر لعمرو بن عبيد أبايعت محمدا قال أنا والله لو قلدتني الأمة
أمورها ما عرفت لهما موضعا قال على وحدثني أيوب القزاز قال قلت لعمرو ما
تقول في رجل رضى بالصبر على ذهاب دينه قال أنا ذاك قلت وكيف ولو دعوت أجابك
ثلاثون ألفا قال والله ما أعرف موضع ثلاثة إذا قالوا وفوا ولو عرفتهم لكنت لهم رابعا
قال أبو زيد حدثني عبيد الله بن محمد بن حفص قال حدثني أبي قال وجل محمد وإبراهيم
من أبى جعفر فأتيا عدن ثم سارا إلى السند ثم إلى الكوفة ثم إلى المدينة قال عمرو
حدثني محمد بن يحيى قال حدثني الحارث بن إسحاق قال تكفل زياد لأمير المؤمنين
أبا بنى عبد الله ان يخرجهما له فأقره على المدينة فكان حسن بن زيد إذا علم من
أمرهما علما كف حتى يفارقا مكانهما ذلك ثم يخبر أبا جعفر فيجد الرسم الذي ذكر
فيصدقه بما رفع إليه حتى كانت سنة 140 فحج فقسم قسوما خص فيها آل أبي طالب
فلم يظهر له ابنا عبد الله فبعث إلى عبد الله فسأله عنهما فقال لا علم لي بهما حتى
تغالظا فأمصه أبو جعفر فقال يا أبا جعفر بأي أمهاتي تمصني أبفاطمة بنت رسول الله
صلى الله عليه وسلم أم بفاطمة بنت أسد أم بفاطمة بنت حسين أم أم إسحاق بنت
طلحة أم خديجة بنت خويلد قال لا بواحدة منهن ولكن بالجرباء بنت قسامة
ابن زهير وهى امرأة من طيئ قال فوثب المسيب بن زهير فقال دعني يا أمير المؤمنين
أضرب عنق ابن الفاعلة قال فقام زياد بن عبيد الله فألقى عليه رداءه وقال هبه
لي يا أمير المؤمنين فأنا أستخرج لك ابنيه فتخلصه منه قال عمرو حدثني الوليد بن
هشام بن قحذم قال قال الحزين الديلي لعبد الله بن الحسن ينعى عليه ولادة الجرباء
159

لعلك بالجرباء أو بحكاكة * تفاخر أم الفضل وابنة مشرح
وما منهما إلا حصان نجيبة * لها حسب في قومها مترجح
قال عمرو حدثني محمد بن عباد قال قال لي السندي مولى أمير المؤمنين لما
أخبر عقبة بن سلم أبا جعفر أنشأ الحج وقال لعقبة إذا صرت بمكان كذا وكذا
لقيني بنو حسن فيهم عبد الله فأنا مبجله ورافع مجلسه وداع بالغداء فإذا فرغنا من
طعامنا فلحظتك فامثل بين يديه قائما فإنه سيصرف بصره عنك فدر حتى تغمز ظهره
بإبهام رجلك حتى يملا عينه منك ثم حسبك وإياك أن يراك ما دام يأكل فخرج
حتى إذا تدفع في البلاد لقيه بنو حسن فأجلس عبد الله إلى جانبه ثم دعا بالطعام
فأصابوا منه ثم أمر به فرفع فأقبل على عبد الله فقال يا أبا محمد قد علمت ما أعطيتني
من العهود والمواثيق الا تبغيني سوءا ولا تكيد لي سلطانا قال فأنا على ذلك يا أمير
المؤمنين قال فلحظ أبو جعفر عقبة فاستدار حتى قام بين يديه فأعرض عنه فرفع
رأسه حتى قام من وراء ظهره فغمزه بأصبعه فرفع رأسه فملا عينه منه فوثب حتى
جثا بين يدي أبى جعفر فقال أقلني يا أمير المؤمنين أقالك الله قال لا أقالني الله إن
أقلتك ثم أمر بحبسه قال عمر وحدثني بكر بن عبد الله بن عاصم مولى قريبة بنت
عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قال حدثني علي بن رباح بن شبيب أخو إبراهيم
عن صالح صاحب المصلى قال إني لواقف على رأس أبى جعفر وهو يتغدى بأوطاس
وهو متوجه إلى مكة ومعه على مائدته عبد الله بن حسن وأبو الكرام وجماعة من
بنى العباس فأقبل على عبد الله فقال يا أبا محمد محمد وإبراهيم أراهما قد استوحشا
من ناحيتي وإني لأحب ان يأنساني وان يأتياني فأصلهما وأخلطهما بنفسي قال
وعبد الله مطرق طويلا ثم رفع رأسه فقال وحقك يا أمير المؤمنين فما لي
بهما ولا بموضعهما من البلاد على ولقد خرجا من يدي فيقول أبو جعفر لا تفعل
يا أبا محمد اكتب إليهما وإلى من يوصل كتابك إليهما قال فامتنع أبو جعفر ذلك
اليوم من عامة غدائه إقبالا على عبد الله وعبد الله يحلف ما يعرف موضعهما وأبو
جعفر يكرر عليه لا تفعل يا أبا محمد لا تفعل يا أبا محمد لا تفعل يا أبا محمد قال وكان
160

شدة هرب محمد من أبى جعفر أن أبا جعفر كان عقد له بمكة في أناس من المعتزلة
قال عمر حدثني أيوب بن عمر يعنى ابن أبي عمرو قال حدثني محمد بن خالد بن إسماعيل
ابن أيوب بن سلمة المخزومي قال أخبرني أبي قال أخبرني العباس بن محمد بن علي
ابن عبد الله بن عباس قال لما حج أبو جعفر في سنة 140 أتاه عبد الله وحسن
ابنا حسن فإنهما وإياي لعنده وهو مشغول بكتاب ينظر فيه إذ تكلم المهدى فلحن
فقال عبد الله يا أمير المؤمنين ألا تأمر بهذا من يعدل لسانه فإنه يغفل غفل الأمة
فلم يفهم وغمزت عبد الله فلم ينته وعاد لأبي جعفر فاحتفظ من ذلك وقال أين
ابنك فقال لا أدرى قال لتأتيني به قال لو كان تحت قدمي ما رفعتهما عنه قال يا ربيع
قم به إلى الحبس قال عمر حدثني موسى بن سعيد بن عبد الرحمن الجمحي قال لما
تمثل عبد الله بن حسن لأبي العباس
ألم تر حوشبا أمسى يبنى * بيوتا نفعها لبنى بقيله
لم تزل في نفس أبى جعفر عليه فلما أمر بحبسه قال ألست القائل لأبي العباس
ألم تر حوشبا أمسى يبنى * بيوتا نفعها لبنى بقيله
وهو آمن الناس عليك وأحسنهم إليك صنيعا قال عمر حدثنا محمد بن يحيى
قال حدثني الحارث بن إسحاق عن أبي حنين قال دخلت على عبد الله بن حسن
وهو محبوس فقال هل حدث اليوم من خبر قلت نعم قد أمر ببيع متاعك ورقيقك
ولا أرى أحدا يقدم على شرائه فقال ويحك يا أبا حنين والله لو خرج بي وببناتي
مسترقين لاشترينا قال عمرو حدثني محمد بن يحيى قال حدثنا الحارث بن إسحاق
قال شخص أبو جعفر وعبد الله بن حسن محبوس فأقام في الحبس ثلاث سنين قال
عمرو حدثني عبد الله بن إسحاق بن القاسم بن إسحاق بن عبد الله بن جعفر بن أبي
طالب قال حدثني أبو حرملة محمد بن عثمان مولى آل عمرو بن عثمان
قال حدثني أبو هبار المزني قال لما حج أبو جعفر سنة 140 حج تلك السنة
محمد وإبراهيم ابنا عبد الله وهما متغيبان فاجتمعوا بمكة فأرادوا اغتيال أبى
جعفر فقال لهم الأشتر عبد الله بن محمد بن عبد الله أنا أكفيكموه فقال محمد لا
161

والله لا أقتله أبدا غيلة حتى أدعوه قال فنقض أمرهم ذلك وما كانوا أجمعوا عليه
وقد كان دخل معهم في أمرهم قائد من قواد أبى جعفر من أهل خراسان
قال فاعترض لأبي جعفر إسماعيل بن جعفر بن محمد الأعرج فنمى إليه
أمرهم فأرسل في طلب القائد فلم يظفر به وظفر بجماعة من أصحابه وأفلت الرجل
وغلام له بمال زهاء ألفى دينار كانت مع الغلام فأتاه بها وهو مع محمد فقسمها
بين أصحابه قال أبو هبار فأمرني محمد فاشتريت للرجل أباعر وجهزته وحملته في
قبة وقطرته وخرجت أريد به المدينة حتى أوردته إياها وقدم محمد فضمه إلى
أبيه عبد الله ووجههما إلى ناحية من خراسان قال وجعل أبو جعفر يقتل أصحاب
ذلك القائد الذي كان من أمره ما ذكرت قال عمرو حدثني محمد بن يحيى بن محمد قال
حدثني أبي عن أبيه قال غدوت على زياد بن عبيد الله وأبو جعفر بالمدينة قال فقال
أخبركم عجبا مما لقيته الليلة طرقني رسل أمير المؤمنين نصف الليل وكان زياد قد
تحول لقدوم أمير المؤمنين إلى داره بالبلاط قال فدقت على رسله فخرجت ملتحفا
بإزاري ليس على ثوب غيره فنبهت غلمانا لي وخصيانا في سقيفة الدار فقلت لهم
إن هدموا الدار فلا يكلمنهم منكم أحد قال فدقوا طويلا ثم انصرفوا فأقاموا
ساعة ثم طلعوا بحرز شبيه أن يكون معهم مثلهم مرة أو مرتين فدقوا الباب
بحرزة الحديد وصيحوا فلم يكلمهم أحد فرجعوا فأقاموا ساعة ثم جاءوا بأمر
ليس عليه صبر فظننت والله أن قد هدموا الدار على فأمرت بفتحها وخرجت
إليهم فاستحثوني وهموا أن يحملوني وجعلت أسمع العزاء من بعضهم حتى أسلموني
إلى دار مروان فأخذ رجلان بعضدي فخرجاني على حال الزفيف على الأرض
أو نحوه حتى أتيا بي حجرة القبة العظمى فإذا الربيع واقف فقال ويحك يا زياد
ماذا فعلت بنا وبنفسك منذ الليلة ومضى بي حتى كشف ستر باب القبة فأدخلني
ووقف خلفي بين البابين فإذا الشمع في نواحي القبة فهي تزهر ووصيف قائم
في ناحيتها وأبو جعفر محتب بحمائل سيفه على بساط ليس تحته وسادة ولا مصلى
وإذا هو منكس رأسه ينقر بجرز في يده قال فأخبرني الربيع أنها حاله من حين
162

صلى العتمة إلى تلك الساعة قال فما زلت واقفا حتى إني لانتظر نداء الصبح وأجد
لذلك فرجا فما يكلمني بكلمة ثم رفع رأسه إلى فقال يا ابن الفاعلة أين محمد وإبراهيم
قال ثم نكس رأسه ونكت أطول مما مضى له ثم رفع رأسه الثانية فقال يا ابن الفاعلة
أين محمد وإبراهيم قتلني الله إن لم أقتلك قال قلت له اسمع منى ودعني أكلمك قال
قل قلت له أنت نفرتهما عنك بعثت رسولا بالمال الذي أمرت بقسمه على بني هاشم
فنزل القادسية ثم أخرج سكينا يحده وقال بعثني أمير المؤمنين لأذبح محمدا
وإبراهيم فجاءتهما بذلك الاخبار فهربا قال فصرفني فانصرفت قال عمرو حدثني
عبد الله بن راشد بن يزيد وكان يلقب الاكار من أهل فيد قال سمعت نصر بن قادم
مولى بنى محول الحناطين قال كان عبدويه وأصحاب له بمكة في سنة حجها أبو جعفر
قال فقال لأصحابه إني أريد أن أوجر أبا جعفر هذه الحربة بين الصفا والمروة قال
فبلغ ذلك عبد الله بن حسن فنهاه وقال أنت في موضع عظيم فما أرى أن تفعل
وكان قائد لأبي جعفر يدعى خالد بن حسان كان يدعى أبا العساكر على ألف
رجل وكان قدما لا عبدويه وأصحابه فقال له أبو جعفر أخبرني عنك وعن
عبدويه والعطاردي ما أردتم أن تصنعوا بمكة قال أردنا كذا وكذا قال فلما منعكم
قال عبد الله بن حسن قال فطمره فلم ير حتى الساعة قال عمر حدثني محمد بن يحيى
قال حدثنا الحارث بن إسحاق قال جد أبو جعفر حين حبس عبد الله في طلب ابنيه
فبعث عينا له وكتب معه كتابا على ألسن الشيعة إلى محمد يذكرون طاعتهم
ومسارعتهم وبعث معه بمال وألطاف فقدم الرجل المدينة فدخل على عبد الله
ابن حسن فسأله عن محمد فذكر له أنه في جبل جهينة وقال أمر ربعلى بن حسن
الرجل الصالح الذي يدعى الأغر وهو بذى الإبر فهو يرشدك فأتاه فأرشده وكان
لأبي جعفر كاتب على سره كان متشيعا فكتب إلى عبد الله بن حسن بأمر ذلك
العين وما بعث له فقدم الكتاب على عبد الله فارتاعوا وبعثوا أبا هبار إلى علي
ابن الحسن والى محمد فيحذرهم الرجل فخرج أبو هبار حتى نزل بعلى بن حسن فسأله
فأخبره أن قد أرشده إليه قال أبو هبار فجئت محمدا في موضعه الذي هو به فإذا
163

هو جالس في كهف معه عبد الله بن عامر الأسلمي وابنا شجاع وغيرهم والرجل
معهم أعلاهم صوتا وأشدهم انبساطا فلما رآني ظهر عليه بعض النكرة وجلست
مع القوم فتحدثت مليا ثم أصغيت إلى محمد فقلت إن لي حاجة فنهض ونهضت
معه فأخبرته بخبر الرجل فاسترجع وقال فما الرأي فقلت إحدى ثلاث أيها
شئت فافعل قال وما هي قلت تدعني فأقتل الرجل قال ما أنا بمقارف دما إلا مكرها
أو ما ذا قلت توقره حديدا وتنقله معك حيث انتقلت قال وهل بنا فراغ له مع
الخوف والإعجال أو ماذا قلت تشده وتوثقه وتودعه بعض أهل ثقتك من جهينة
قال هذه إذا فرجعنا وقد نذر الرجل فهرب فقلت أين الرجل قالوا قام بركوة
فاصطب ماء ثم توارى بهذا الظرب يتوضأ قال فجلنا بالجبل وما حوله فكأن
الأرض التأمت عليه قال وسعى على قدميه حتى شرع على الطريق فمر به أعراب
معهم حمولة إلى المدينة فقال لبعضهم فرغ هذه الغرارة وأدخلنيها أكن عدلا لصاحبتها
ولك كذا وكذا قال نعم ففرغها وحمله حتى أقدمه بالمدينة ثم قدم على أبى جعفر
فأخبره الخبر كله وعمى عن اسم أبى هبار وكنيته وعلق وبرا فكتب أبو جعفر في طلب
وبر المزني فحمل إليه رجل منهم يدعى وبرا فسأله عن قصة محمد وما حكى له العين
فخلف أنه ما يعرف من ذلك شيئا فأمر به فضرب سبعمائة سوط وحبس حتى
مات أبو جعفر قال عمر حدثني محمد بن يحيى قال حدثني الحارث بن إسحاق قال ألح
أبو جعفر في طلب محمد وكتب إلى زياد بن عبيد الله الحارثي يتنجزه ما كان ضمن
له فقدم محمد المدينة قدمة فبلغ ذلك زيادا فتلطف له وأعطاه الأمان على أن يظهر
وجهه للناس معه فوعده ذلك محمد فركب زياد مغلسا ووعد محمدا سوق الظهر
فالتقيا بها ومحمد معلن غير مخنف ووقف زياد إلى جنبه وقال يا أيها الناس هذا محمد بن
عبد الله بن حسن ثم أقبل عليه فقال الحق بأي بلاد الله شئت وتوارى محمد وتواترت
الاخبار بذلك على أبى جعفر قال عمر حدثني عيسى بن عبد الله قال حدثني من
أصدق قال دخل إبراهيم بن عبد الله على زياد وعليه درع حديد تحت ثوبه فلمسها
زياد ثم قال يا أبا إسحاق كأنك اتهمتني ذلك والله ما ينالك منى أبدا قال عمر حدثني
164

عيسى قال حدثني أبي قال ركب زياد بمحمد فأتى به السوق فتصايح أهل المدينة
المهدى المهدى فتوارى فلم يظهر حتى خرج قال عمر حدثني محمد بن يحيى قال حدثني
الحارث بن إسحاق قال لما أن تتابعت الاخبار على أبى جعفر بما فعل زياد بن
عبيد الله وجه أبا الأزهر رجلا من أهل خراسان إلى المدينة وكتب معه كتابا ودفع
إليه كتبا وأمره أن لا يقرأ كتابه إليه حتى ينزل الأعوص على بريد من المدينة فلما
أن نزله قرأه فإذا فيه تولية عبد العزيز بن المطلب بن عبد الله المدينة وكان قاضيا
لزياد بن عبيد الله وشد زياد في الحديد واصطفاء ماله وقبض جميع ما وجد له وأخذ
عماله واشخاصه وإياهم إلى أبى جعفر فقدم أبو الأزهر المدينة لسبع ليال بقين من
جمادى الآخرة سنة 141 فوجد زيادا في موكب له فقال أين الأمير فقيل ركب
وخرجت الرسل إلى زياد بقدومه فأقبل مسرعا حتى دخل دار مروان فدخل
عليه أبو الأزهر فدفع إليه كتابا من أبى جعفر في ثلث يأمره أن يسمع ويطيع فلما
قرأه قال سمعا وطاعة فمر يا أبا الأزهر بما أحببت قال ابعث إلى عبد العزيز بن المطلب
فبعث إليه فدفع إليه كتابا أن يسمع لأبي الأزهر فلما قرأه قال سمعا وطاعة ثم دفع
إلى زياد كتابا يأمره بتسليم العمل إلى ابن المطلب ودفع إلى ابن المطلب كتابا بتوليته
ثم قال لابن المطلب ابعث إلى أربعة كبول وحدادا فأتى بهما فقال اشدد أبا يحيى
فشد فيها وقبض ماله ووجد في بيت المال خمسة وثمانين ألف دينار وأخذ عماله فلم
يغادر منهم أحدا فشخص بهم وبزياد فلما كانوا في طرف المدينة وقف له عماله
يسلمون عليه فقال بأبي أنتم والله ما أبالي إذا رآكم أبو جعفر ما صنع بي أي من هيأتهم
ومروتهم قال عمرو حدثني محمد بن يحيى قال حدثني الحارث بن إسحاق عن خاله على
ابن عبد الحميد قال شيعنا زيادا فسرت تحت محمله ليلة فأقبل على فقال والله ما أعرف
لي عند أمير المؤمنين ذنبا غير أنى أحسبه وجد على في ابني عبد الله ووجد دماء
بنى فاطمة على عزيزة ثم مضوا حتى كانوا بالشقراء فأفلت منهم محمد بن عبد العزيز
فرجع إلى المدينة وحبس أبو جعفر الآخرين ثم خلى عنهم قال وحدثني عيسى بن
عبد الله قال حدثني من أصدق قال لما أن وجه أبو جعفر مبهوتا وابن أبي عاصية في
165

طلب محمد كان مبهوت الذي أخذ زيادا فقال زياد:
أكلف ذنب قوم لست منهم * وما جنت الشمال على اليمين
قال وحدثني عيسى بن عبد الله قال حدثني عبد الله بن عمران بن أبي فروة قال
كنت أنا والشعباني فائد كان لأبي جعفر مع زياد بن عبيد الله نختلف إلى أبى الأزهر
أيام بعثه أبو جعفر في طلب بنى حسن فانى لأسير مع أبي الأزهر يوما إذا أتاه
آت فلصق به فقال إن عندي نصيحة في محمد وإبراهيم قال اذهب عنا قال إنها نصيحة
لأمير المؤمنين قال اذهب عنا ويلك قد قتل الخلق قال فأبى أن ينصرف فتركه
أبو الأزهر حتى خلا الطريق ثم بعج بسيفه بطنه بعجة ألقاه ناحية ثم استعمل
أبو جعفر على المدينة محمد بن خالد بعد زياد * فذكر عمر أن محمد بن يحيى حدثه
قال حدثنا الحارث بن إسحاق قال استعمل أبو جعفر على المدينة محمد بن خالد بعد
زياد وأمره بالجد في طلب محمد وبسط يده في النفقة في طلبه فأغد السير حتى قدم
المدينة هلال رجب سنة 141 ولم يعلم به أهل المدينة حتى جاء رسوله من الشقرة
وهى بين الأعوص والطرف على ليلتين من المدينة فوجد في بيت المال سبعين
ألف دينار وألف ألف درهم فاستغرق ذلك المال ورفع في محاسبته أموالا كثيرة
أنفقها في طلب محمد فاستبطأه أبو جعفر واتهمه فكتب إليه أبو جعفر يأمره بكشف
المدينة وأعراضها فأمر محمد بن خالد أهل الديوان أن يتجاعلوا لمن يخرج فتجاعلوا
رباع الغاضري المضحك وكان يداين الناس بألف دينار فهلكت وتويت وخرجوا
إلى الاعراض لكشفها عن محمد وأمر القسري أهل المدينة فلزموا بيوتهم سبعة
أيام وطافت رسله والجند ببيوت الناس يكشفونها لا يحسون شيئا وكتب القسري
لأعوانه صكاكا يتعززون بها لئلا يعرض لهم أحد فلما استبطأه أبو جعفر
ورأى ما استغرق من الأموال عزله قال وحدثني عيسى بن عبد الله قال أخبرني
حسين بن يزيد عن ابن ضبة قال اشتد أمر محمد وإبراهيم على أبى جعفر فبعث
فدعا أبا السعلاء من قيس بن عيلان فقال ويلك أشر على في أمر هذين الرجلين
فقد غمني أمرهما قال أرى لك أن تستعمل رجلا من ولد الزبير أو طلحة فإنهم يطلبونهما
166

يذحل فأشهد لا يلبثونهما أو يخرجوهما إليك قال قاتلك الله ما أجود رأيا جئت به
والله ما غبي هذا على ولكني أعاهد الله أن لا أثئر من أهل بيتي بعدوى وعدوهم
ولكني أبعث عليهم صعليكا من العرب فيفعل ما قلت فبعث رياح بن عثمان بن
حيان قال وحدثني محمد بن يحيى قال حدثني عبد الله بن يحيى عن موسى بن عبد العزيز
قال لما أراد أبو جعفر عزل محمد بن خالد عن المدينة ركب ذات يوم فلما خرج
من بيته استقبله يزيد بن أسيد السلمي فدعاه فسايره ثم قال أما تدلني على فتى من قيس
مقل أغنيه وأشرفه وأمكنه من سيد اليمن يلعب به يعنى ابن القسري قال بلى قد
وجدته يا أمير المؤمنين قال من هو قال رياح بن عثمان بن حيان المري قال فلا تذكرن
هذا لاحد ثم انصرف فأمر بنجائب وكسوة ورحال فهيأت للمسير فلما انصرف
من صلاة العتمة دعا برياح فذكر له ما بلا من غش زياد وابن القسري في ابني عبد الله
وولاه المدينة وأمر بالمسير من ساعته قبل أن يصل إلى منزله وأمره بالجد في طلبهما
فخرج مسرعا حتى قدمها يوم الجمعة لسبع ليال بقين من شهر رمضان سنة 144
قال وحدثني محمد بن معروف قال أخبرني الفضل بن الربيع عن أبيه قال لما بلغ
أمر محمد وإبراهيم من أبى جعفر ما بلغ خرجت يوما من عنده أو من بيتي أريد
فإذا أنا برجل قد دنا منى فقال أنا رسول رياح بن عثمان إليك يقول لك قد بلغني
أمر محمد وإبراهيم وإدهان الولاة في أمرهما وإن ولانى أمير المؤمنين المدينة
ضمنت له أحدهما وألا أظهرهما قال فأبلغت ذلك أمير المؤمنين فكتب إليه بولايته
وليس بشاهد * ذكر عمر بن شبة عن محمد بن يحيى عن عبد الله بن يحيى عن موسى
ابن عبد العزيز قال لما دخل رياح دار مروان فصار في سقيفتها أقبل على
بعض من معه فقال هذه دار مروان قالوا نعم قال هذه المحلال المظعان ونحن
أول من يظعن منها قال عمر حدثني أيوب بن عمر قال حدثني الزبير بن المنذر مولى
عبد الرحمن بن العوام قال قدم رياح بن عثمان فقدم معه حاجب له يكنى أبا البختري
وكان لأبي صديقا زمان الوليد بن يزيد قال فكنت آتيه لصداقته لأبي فقال لي
يوما يا زبير إن رياحا لما دخل دار مروان قال لي هذه دار مروان أما والله إنها
167

لمحلال مظعان فلما تكشف الناس عنه وعبد الله محبوس في قبة الدار التي على
الطريق إلى المقصورة حبسه فيها زياد بن عبيد الله قال لي يا أبا البختري خذ بيدي
ندخل على هذا الشيخ فأقبل متكئا على حتى وقف على عبد الله بن حسن فقال
أيها الشيخ إن أمير المؤمنين والله ما استعملني لرحم قريبة ولا يد سلفت إليه والله
لا لعبت بي كما لعبت بزياد وابن القسري والله لأزهقن نفسك أو لتأتيني بابنيك
محمد وإبراهيم قال فرفع رأسه إليه وقال نعم أما والله إنك لأزيرق قيس المذبوح
فيها كما تذبح الشاة قال أبو البختري فانصرف رياح والله آخذا بيدي أجد برد يده
وإن رجليه ليخطآن مما كلمه قال قلت والله إن هذا ما اطلع على الغيب قال إيها
ويلك فوالله ما قال إلا ما سمع قال فذبح والله فيها ذبح الشاة قال وحدثني محمد بن
يحيى قال حدثنا الحارث بن إسحاق قال قدم رياح المدينة فدعا بالقسري فسأله عن
الأموال فقال هذا كاتبي هو أعلم بذلك منى قال أسألك ويحيلني على كاتبك فأمر به
فوجئت عنقه وقنع أسواطا ثم أخذ رزا ما كاتب محمد بن خالد القسري ومولاه
فبسط عليه العذاب وكان يضربه في كل غب خمسة عشر سوطا مغلولة يده إلى عنقه
من بكرة إلى الليل يتبع به أفناء المسجد والرحبة ودس إليه في الرفع على ابن خالد
فلم يجد عنده في ذلك مساغا فأخرجه عمر بن عبد الله الجذامي وكان خليفة
صاحب الشرط يوما من الأيام وهو يريد ضربه وما بين قدميه إلى قرنه قرحة
فقال له هذا يوم غبك فأين تحت أن نجلدك قال والله ما في بدني موضع
لضرب فان شئت فبطون كفى فأخرج كفيه فضرب في بطونهما خمسة عشر
سوطا قال فجعلت رسل رياح تختلف إليه تأمره أن يرفع على ابن خالد ويخلى
سبيله فأرسل إليه مر بالكف عنى حتى أكتب كتابا فأمر بالكف عنه ثم
ألح عليه وبعث إليه أن رح بالكتاب العشية على رؤس الناس فادفعه إلى
فلما كان العشى أرسل إليه فأتاه وعنده جماعة فقال أيها الناس إن الأمير أمرني أن
أكتب كتابا وأرفع على ابن خالد وقد كتبت كتابا أتنجى به وأنا أشهدكم أن
168

كل ما فيه باطل فأمر به رياح فضرب مائة سوط ورد إلى السجن قال عمر
حدثني عيسى بن عبد الله قال حدثني عمى عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي قال لما
أهبط الله آدم من الجنة رفعه على أبى قبيس فرفع له الأرض جميعا حتى رآها وقال
هذه كلها لك قال أي رب كيف أعلم ما فيها فجعل له النجوم فقال إذا رأيت نجم
كذا وكذا كان كذا وكذا وإذا رأيت نم كذا وكذا كان كذا وكذا فكان يعلم
ذلك بالنجوم ثم إن ذلك اشتد عليه فأنزل الله عز وجل مرآة من السماء يرى بها
ما في الأرض حتى إذا ما مات آدم عمد إليها شيطان يقال له فقطس فكسرها وبنى
عليها مدينة بالمشرق يقال لها جابرت فلما كان سليمان بن داود سأل عنها فقيل له
أخذها فقطس فدعاه فسأله عنها فقال هي تحت أواسى جابرت قال فأتني بها قال
ومن يهدمها فقالوا لسليمان قل له أنت فقال سليمان أنت فأتى بها سليمان فكان
يجبر بعضها إلى بعض ثم يشدها في أقطارها بسير ثم ينظر فيها حتى هلك سليمان
فوثبت عليها الشياطين فذهبت بها وبقيت منها بقية فتوارثتها بنو إسرائيل حتى
صارت إلى رأس الجالوت فأتى بها مروان بن محمد فكان يحكها ويجعلها على
مرآة أخرى فيرى فيها ما يكره فرمى بها وضرب عنق رأس الجالوت ودفعها
إلى جارية له فجعلتها في كرسفة ثم جعلتها في حجر فلما استخلف أبو جعفر سأل
عنها فقيل له هي عند فلانة فطلبها حتى وجدها فكانت عنده فكان يحكها
ويجعلها على مرآة أخرى فيرى فيها فكان يرى محمد بن عبد الله فكتب إلى رياح
ابن عثمان إن محمدا ببلاد فيها الأترج والأعناب فاطلبه بها وقد كتب إلى محمد
بعض أصحابه أبى جعفر لا تقيمن في موضع إلا بقدر مسير البريد من العراق إلى
المدينة فكان ينتقل فيراه بالبيضاء وهى من وراء الغابة على نحو من عشرين ميلا
وهى لا شجع فكتب إليه إنه ببلاد بها الجبال والقلات فيطلبه فلا يجده قال فكتب
إليه إنه بجبل به الحب الأخضر والقطران قال هذه رضوى فطلبه فلم يجده قال
أبو زيد حدثني أبو صفوان نصر بن قديد بن نصر بن سيار أنه بلغه أنه كان عند أبي
جعفر مرآة يرى فيها عدوه من صديقه قال وحدثني محمد بن يحيى قال حدثني
169

الحارث بن إسحاق قال جد رياح في طلب محمد فأخبر انه في شعب من شعاب
رضوى جبل جهينة وهى من عمل ينبع فاستعمل عليها عمرو بن عثمان بن مالك
الجهني أحد بنى جشم وأمره بطلب محمد فطلبه فذكر له انه بشعب من رضوى
فخرج إليه بالخيل والرجال ففزع منه محمد فاحضر شدا فأفلت وله ابن صغير ولد
في خوفه ذلك وكان مع جارية له فهوى من الجبل فتقطع وانصرف عمرو بن
عثمان قال وحدثني عبد الله بن محمد بن حكيم الطائي قال لما سقط ابن محمد
فمات ولقى محمد ما لقي قال
منخرق السربال يشكو الوجى * تنكبه أطراف مرو حداد
شرده الخوف فأزري به * كذاك من يكره حر الجلاد
قد كان في الموت له راحة * والموت حتم في رقاب العباد
قال وحدثني عيسى بن عبد الله قال حدثني عمى عبيد الله بن محمد قال قال محمد
ابن عبد الله بينا أنا في رضوى مع أمة لي أم ولد معها بنى لي ترضعه إذا ابن سنوطي
مولى لأهل المدينة قد هجم على في الجبل يطلبني فخرجت هاربا وهربت الجارية
فسقط الصبى منها فتقطع فقال عبيد الله فأتى بابن سنوطي إلى محمد بعد حين ظهر
فقال يا ابن سنوطي أتعرف حديث الصبى قال أي والله إني لأعرفه فأمر به
فحبس فلم يزل محبوسا حتى قتل محمد قال وحدثني عبد العزيز بن زياد قال حدثني أبي
قال قال محمد إني بالحرة مصعد ومنحدر إذا أنا برياح والخيل فعدلت إلى بئر
فوقفت بين قرنيها فجعلت أستقى فلقيني رياح صفحا فقال قاتله الله أعرابيا ما أحسن
ذراعه قال وحدثني ابن زبالة قال حدثني عثمان بن عبد الرحمن الجهني عن عثمان
ابن مالك قال أذلق رياح محمدا بالطلب فقال لي اغد بنا إلى مسجد الفتح ندع الله
فيه قال فصليت الصبح ثم انصرفت إليه فغدونا وعلى محمد قميص غليظ ورداء
قرقبى مفتول فخرجنا من موضع كان فيه حتى إذا كان قريبا التفت فإذا رياح في
جماعة من أصحابه ركبان فقلت له هذا رياح إنا لله وإنا إليه راجعون فقال غير
مكترث به امض فمضيت وما تنقلني رجلاي وتنحى هو عن الطريق فجلس وجعل
170

ظهره مما يلي الطريق وسدل هدب ردائه على وجهه وكان جسيما فلما حاذى به رياح
التفت إلى أصحابه فقال امرأة رأتنا فاستحيت قال ومضيت حتى طلعت الشمس
وجاء رياح فصعد وصلى ركعتين ثم انصرف من ناحية بطحان فأقبل محمد حتى
دخل المسجد فصلى ودعا ولم يزل محمد بن عبد الله ينتقل من موضع إلى موضع إلى
حين ظهر * ولما طال على المنصور أمره ولم يقدر عليه عبد الله بن حسن
محبوس قال عبد العزيز بن سعيد فيما ذكر عن عيسى بن عبد الله عن عبد الله بن
عمران بن أبي فروة قال لأبي جعفر يا أمير المؤمنين أتطمع أن يخرج لك محمد
وإبراهيم وبنو حسن مخلون والله للواحد منهم أهيب في صدور الناس من الأسد
قال فكان ذلك الذي هاجه على حبسهم قال ثم دعاه فقال من أشار عليك بهذا الرأي
قال فليح بن سليمان فلما مات عبد العزيز بن سعيد وكان عينا لأبي جعفر وواليا
على الصدقات وضع فليح بن سليمان في موضعه وأمر أبو جعفر بأخذ بنى حسن
قال عيسى حدثني عبد الله بن عمران بن أبي فروة قال أمر أبو جعفر رياحا بأخذ
بنى حسن ووجه في ذلك أبا الأزهر المهري قال وقد كان حبس عبد الله بن
حسن فلم يزل محبوسا ثلاث سنين فكان حسن بن حسن قد نصل خضابه تسليا
على عبد الله فكان أبو جعفر يقول ما فلعت الحادة قال فأخذ رياح حسنا وإبراهيم
ابني حسن بن حسن وحسن بن جعفر بن حسن بن حسن وسليمان وعبد الله ابني
داود بن حسن بن حسن ومحمد وإسماعيل وإسحاق بنى إبراهيم بن حسن بن حسن
وعباس بن حسن بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب أخذوه على بابه فقالت
أمه عائشة ابنة طلحة بن عمر بن عبيد الله بن معمر دعوني أشمه قالو الا والله ما كنت
حية في الدنيا وعلي بن حسن بن حسن بن حسن العابد قال وحدثني إسماعيل بن
جعفر بن إبراهيم قال حبس معهم أبو جعفر عبد الله بن حسن بن حسن أخا على
قال وحدثني محمد بن يحيى قال حدثنا الحارث بن إسحاق قال جهر رياح بشتم محمد
وإبراهيم ابني عبد الله وشتم أهل المدينة قال ثم قال يوما وهو على المنبر يذكرهما
الفاسقين الخالعين الحاربين قال ثم ذكر ابنة أبى عبيدة أمهما فأفحش لها فسبح
171

الناس وأعظموا ما قال فأقبل عليهم فقال إنكم لا كلنا عن شتمهما ألصق الله بوجوهكم
الذل والهوان أما والله لاكتبن إلى خليفتكم فلا علمنه غشكم وقلة نصحكم فقال
الناس لا تسمع منك يا ابن المحدود وبادروه بالحصى فبادر واقتحم دار مروان
وأغلق عليه الباب وخرج الناس حتى صفوا وجاهه فرموه وشتموه ثم تناهوا
وكفوا قال وحدثني محمد بن يحيى قال حدثني الثقة عندي قال حبس معهم موسى
ابن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي وعلي بن محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن
عند مقدمه من مصر قال وحدثني عبد الله بن عمر بن حبيب قال وجه محمد بن
عبد الله ابنه عليا إلى مصر فدل عليه عاملها وقد هم بالوثوب فشده وأرسل به
إلى أبى جعفر فاعترف له وسمى أصحاب أبيه فكان فيمن سمى عبد الرحمن بن أبي
الموالى وأبو حنين فأمر بهما أبو جعفر فحبسا وضرب أبو حنين مائة سوط قال
وحدثني عيسى قال مر حسن بن حسن بن حسن على إبراهيم بن حسن وهو يعلف
إبلا له فقال أتعلف إبلك وعبد الله محبوس أطلق عقلها يا غلام فأطلقها ثم صاح
في أدبارها فلم يوجد منه واحد قال وحدثني عيسى قال حدثني علي بن عبد الله
ابن محمد بن عمر بن علي قال حضرنا باب رياح في المقصورة فقال الآذان
من كان ههنا من بنى حسين فليدخل فقال لي عمى عمر بن محمد أنظر ما يصنع
القوم قال فدخلوا من باب المقصورة وخرجوا من باب مروان قال ثم
قال من ههنا من بنى حسن فليدخل فدخلوا من باب المقصورة ودخل
الحدادون من باب مروان فدعى بالقيود قال وحدثني عيسى قال حدثني أبي
قال كان رياح إذا صلى الصبح أرسل إلى وإلى قدامة بن موسى فيحدثنا
ساعة فانا لعنده يوما فلما أسفرنا إذا برجل متلفف في ساج له فقال له رياح مرحبا
بك وأهلا ما حاجتك قال جئت لتحبسني مع قومي فإذا هو علي بن حسن بن
حسن بن حسن فقال أما والله ليعرفنها لك أمير المؤمنين ثم حبسه معهم قال
حدثني يعقوب بن القاسم قال حدثني سعيد بن ناشرة مولى جعفر بن سليمان قال
بعث محمد ابنه عليا فأخذ بمصر فمات في سجن أبى جعفر قال وحدثني موسى بن
172

عبد الله بن موسى بن عبد الله بن حسن قال حدثني أبي عن أبيه موسى بن عبد الله
قال لما حبسنا ضاق الحبس بنا فسأل أبى رياح أن يأذن له فيشترى دارا فيجعل
حبسنا فيها ففعل فاشترى أبى دارا فنقلنا إليها فلما امتد بنا الحبس أتى محمد أمه هندا
فقال إني قد حملت أبى وعمومتي مالا طاقة لهم به ولقد هممت أن أضع يدي في
أيديهم فعسى أن يخلى عنهم قال فتنكرت ولبست اطمارا ثم جاءت السجن
كهيئة الرسول فأذن لها فلما رآها أبى أثبتها فنهض إليها فأخبرته عن محمد فقال كلا
بل نصبر فوالله إني لأرجو أن يفتح الله به خيرا قولي له فليدع إلى أمره وليجد فيه
فان فرجنا بيد الله قال فانصرفت وتم محمد على بغيته (وفى هذه السنة) حمل ولد
حسن بن حسن بن علي من المدينة إلى العراق
ذكر الخبر عن سبب حملهم إلى العراق وما كان من أمرهم إذ حملوا
* ذكر عمر قال حدثني موسى بن عبد الله قال حدثني أبي عن أبيه قال لما حج
أبو جعفر أرسل محمد بن عمران بن إبراهيم بن محمد بن طلحة ومالك بن أنس إلى
أصحابنا فسألهم أن يدفعوا إليه محمدا وإبراهيم ابني عبد الله قال فدخل علينا الرجلان
وأبى قائم يصلى فأبلغاهم رسالته فقال حسن بن حسن هذا عمل ابني المشومة أما والله
ما هذا برأينا ولا عن ملامنا ولا لنا فيه حيلة قال فأقبل عليه إبراهيم فقال علام تؤذى
أخاك في ابنيه وتؤذى ابن أخيك في أمه قال وانصرف أبى من صلاته فأبلغاه
فقال لا والله لا أرد عليكما حرفا إن أحب أن يأذن لي فألقاه فليفعل فانصرف
الرجلان فأبلغاه فقال أراد أن يسحرني لا والله لا ترى عينه عيني حتى يأتيني بابنيه
قال وحدثني ابن زبالة قال سمعت بعض علمائنا يقول ما سار عبد الله بن حسن
أحدا قط إلا قتله عن رأيه قال وحدثني موسى بن عبد الله عن أبيه عن جده قال
ثم سار أمير المؤمنين أبو جعفر لوجهه حاجا ثم رجع فلم يدخل المدينة ومضى إلى
الربذة حتى أتى ثنى رهوتها قال عمر وحدثني محمد بن يحيى قال حدثني الحارث بن
إسحاق قال لم يزل بنو حسن محبوسين عند رياح حتى حج أبو جعفر سنة 144
فتلقاه رياح بالربذة فرده إلى المدينة وأمره بإشخاص بنى حسن إليه وبإشخاص
173

محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان وهو أخو بنى حسن لامهم أمهم جميعا فاطمة
بنت حسين بن علي بن أبي طالب فأرسل إليه رياح وكان بماله ببدر فحدره إلى
المدينة ثم خرج رياح ببنى حسن ومحمد بن عبد الله بن عمرو إلى الربذة فلما صار
بقصر نفيس على ثلاثة أميال من المدينة دعا بالحدادين والقيود والأغلال فألقى
كل رجل منهم في كبل وغل فضاقت حلقتا قيد عبد الله بن حسن بن حسن فعضتاه
فتأوه فأقسم عليه أخوه علي بن حسن ليحولن حلقتيه عليه إن كانتا أوسع فحولتا عليه
فمضى بهم رياح إلى الربذة قال وحدثني إبراهيم بن خالد ابن أخت سعيد بن عامر
عن جويرة بن أسماء وهو خال أمه قال لما حمل بنو حسن إلى أبى جعفر أتى بأقياد
يقيدون بها وعلي بن حسن بن حسن قائم يصلى قال وكان في الأقياد قيد ثقيل فكلما
قرب إلى رجل منهم تفادى منه واستعفى قال فانفتل على من صلاته فقال لشد ما جزعتم
شرعه هذا ثم مد رجليه فقيد به قال وحدثني عيسى قال حدثني عبد الله بن عمران
قال الذي حدرهم إلى الربذة أبو الأزهر قال عمر حدثني ابن زبالة قال حدثني حسين
ابن زيد بن علي بن حسين قال غدوت إلى المسجد فرأيت بنى حسن يخرج بهم من
دار مروان مع أبي الأزهر يراد بهم الربذة فانصرفت فأرسل إلى جعفر بن محمد
فجئته فقال ما وراءك فقلت رأيت بنى حسن يخرج بهم في محامل قال اجلس فجلست
فدعا غلاما له ثم دعا ربه دعاء كثيرا ثم قال لغلامه اذهب فإذا حملوا فأت فأخبرني
فأتاه الرسول فقال قد أقبل بهم قال فقام جعفر بن محمد فوقف من وراء ستر شعر
يبصر من ورائه ولا يبصره أحد فطلع بعبد الله بن حسن في محمل معادله مسود
وجميع أهل بيته كذلك قال فلما نظر إليهم جعفر هملت عيناه حتى جرت دموعه
على لحيته ثم أقبل على فقال يا أبا عبد الله والله لا يحفظ لله حرمة بعد هؤلاء قال
وحدثني محمد بن الحسن بن زبالة قال حدثني مصعب بن عثمان قال لما ذهب ببنى
حسن لقيهم الحارث بن عامر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بالربذة فقال
الحمد لله الذي أخرجكم من بلادنا قال فاشرأب له حسن بن حسن فقال له عبد الله عزمت
عليك إلا سكت قال وحدثني عيسى قال حدثني ابن أبرود حاجب محمد بن عبد الله
174

قال لما حمل بنو حسن كان محمد وإبراهيم يأتيان معتمين كهيئة الاعراب فيسايران
أبا هما ويسائلانه ويستأذناه في الخروج فيقول لا تعجلا حتى يمكنكما ذلك ويقول إن
منعكما أبو جعفر أن تعيشا كريمين فلا يمنعكما أن تموتا كريمين قال عمرو حدثني
محمد بن يحيى قال حدثني الحارث بن إسحاق قال لما صار بنو حسن إلى الربذة
دخل محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان على أبى جعفر وعليه قميص وساج
وإزار رقيق تحت قميصه فلما وقف بين يديه قال إيها يا ديوث قال محمد سبحان
الله والله لقد عرفتني بغير ذلك صغيرا وكبيرا قال فمم حملت ابنتك وكانت تحت
إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن الحسن وقد أعطيتني الايمان بالطلاق والعتاق
ألا تغشني ولا تمالئ على عدوا ثم أنت تدخل على ابنتك متخضبة متعطرة ثم
تراها حاملا فلا يروعك حملها فأنت بين أن تكون حانثا أو ديوثا وأيم الله إني
لأهم برجمها فقال محمد أما إيماني فهي على إن كنت دخلت لك في أمر غش
علمته وأما ما رميت به هذه الجارية فإن الله قد أكرمها عن ذلك بولادة رسول الله
صلى الله عليه وسلم إياها ولكني قد ظننت حين ظهر حملها أن زوجها ألم بها على حين
غفلة منا فاحتفظ أبو جعفر من كلامه وأمر بشق ثيابه فشق قميصه عن إ أره فأشف
عن عورته ثم أمر به فضرب خمسين ومائة سوط فبلغت منه كل مبلغ وأبو جعفر
يفترى عليه ولا ينكى فأصاب سوط منها وجهه فقال له ويحك اكفف عن وجهي
فان له حرمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فأغرى أبو جعفر فقال للجلاد
الرأس الرأس قال فضرب على رأسه نحوا من ثلاثين سوطا ثم دعا بساجور من
خشب شبيه به في طوله وكان طويلا فشد في عنقه وشدت به يده ثم أخرج به
ملببا فلما طلع به من حجرة أبى جعفر وثب إليه مولى له فقال بأبي أنت وأمي ألا
ألوثك بردائي قال بلى جزيت خيرا فوالله لشفوف إزاري أشد على من الضرب
الذي نالني فألقى عليه المولى الثوب ومضى به إلى أصحابه المحبسين قال وحدثني
الوليد بن هشام قال حدثني عبد الله بن عثمان عن محمد بن هاشم ابن البريد مولى
معاوية قال كنت بالربذة فأتى ببنى حسن مغلولين معهم العثماني كأنه خلق من
175

فضة فأقعدوا فلم يلبثوا حتى خرج رجل من عند أبي جعفر فقال أين محمد بن عبد الله
العثماني فقام فدخل فلم نلبث أن سمعنا وقع السياط فقال أيوب بن سلمة المخزومي
لبنيه يا بنى إني لارى رجلا ليس لأحد عنده هوادة فانظروا لأنفسكم لا تسقطوا
بشئ قال فأخرج كأنه زنجي قد غيرت السياط لونه وأسالت دمه وأصاب سوط
منها إحدى عينيه فسالت فأقعد إلى جنب أخيه عبد الله بن حسن بن حسن فعطش
فاستسقى ماء فقال عبد الله بن حسن يا معشر الناس من يسقى ابن رسول الله شربة
ماء فتحاماه الناس فما سقوه حتى جاء خراساني بماء فسله إليه فشرب ثم لبثنا
هنيهة فخرج أبو جعفر في شق محمل معادله الربيع في شقه الأيمن على بغلة شقراء
فناداه عبد الله يا أبا جعفر والله ما هكذا فعلنا بأسرائكم يوم بدر قال فأخسأه
أبو جعفر وتفل عليه ومضى ولم يعرج وذكر أن أبا جعفر لما دخل عليه محمد بن
عبد الله العثماني سأله عن إبراهيم فقال مالي به علم فدق أبو جعفر وجهه بالجوز
وذكر عمر عن محمد بن أبي حرب قال لم يزل أبو جعفر جميل الرأي في محمد حتى
قال له رياح يا أمير المؤمنين أما أهل خراسان فشيعتك وأنصارك وأما أهل
العراق فشيعة آل أبي طالب وأما أهل الشأم فوالله ما على عندهم الا كافر وما
يعتدون بأحد من ولده ولكن أخاهم محمد بن عبد الله بن عمر ولو دعا أهل الشأم
ما تخلف عنه منهم رجل قال فوقعت في نفس أبى جعفر فلما حج دخل عليه محمد
فقال يا محمد أليس ابنتك تحت إبراهيم بن عبد الله بن حسن قال بلى ولا عهد لي
به إلا بمنى في سنة كذا وكذا قال فهل رأيت ابنتك تختضب وتمتشط قال نعم قال
فهي إذا زانية قال مه يا أمير المؤمنين أتقول هذا لابنة عمك قال يا ابن اللخناء
قال أي أمهاتي تلخن قال يا ابن الفاعلة ثم ضرب وجهه بالجرز وحدره وكانت
رقية ابنة محمد تحت إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن حسن ولها يقول
خليلي من قيس دعا اللوم أقعدا * يسركما ألا أنام وترقدا
أبيت كأني مسعر من تذكري * رقية جمرا من غضا متوقدا
قال وحدثني عيسى بن عبد الله بن محمد قال حدثني سليمان بن داود بن حسن
176

قال ما رأيت عبد الله بن حسن جزع من شئ مما ناله الا يوما واحدا فان بعير
محمد ابن عبد الله بن عمرو بن عثمان انبعث وهو غافل لم يتأهب له وفى رجليه
سلسلة وفى عنقه زمارة فهوى وعلقت الزمارة بالمحمل فرأيته منوطا بعنقه
يضطرب فرأيت عبد الله بن حسن قد بكى بكاء شديدا قال وحدثني موسى بن
عبد الله بن موسى قال حدثني أبي عن أبيه قال لما صرنا بالربذة أرسل أبو جعفر
إلى أبى ان أرسل إلى أحدكم واعلم أنه غير عائد إليك أبدا فابتدره بنو اخوته
يعرضون أنفسهم عليه فجزاهم خيرا وقال أنا أكره ان أفجعهم بكم ولكن
اذهب أنت يا موسى قال فذهبت وأنا يومئذ حديث السن فلما نظر إلى قال
لا أنعم الله بك عينا السياط يا غلام قال فضربت والله حتى غشى على فما أدرى
بالضرب فرفعت السياط عنى ودعاني فقربت منه واستقربني فقال أتدري ما هذا
هذا فيض فاض منى فأفرغت منه سجلا لم أستطع رده ومن ورائه الموت أو تفتدي
منه قال قلت يا أمير المؤمنين والله إن مالي ذنب وإني لبمعزل عن هذا الامر
قال فانطلق فأتني بأخويك قال فقلت يا أمير المؤمنين تبعثني إلى رياح بن عثمان
فيضع على العيون والرصد فلا أسلك طريقا إلا تبعني له رسول ويعلم ذلك
اخواي فيهربان منى قال فكتب إلى رياح لا سلطان لك على موسى قال وأرسل
معي حرسا أمرهم أن يكتبوا إليه بخبري قال فقدمت المدينة فنزلت دار ابن هشام
بالبلاط فأقمت بها أشهرا فكتب إليه رياح أن موسى مقيم بمنزله يتربص بأمير
المؤمنين الدوائر فكتب إليه إذا قرأت كتابي هذا فأحدره إلى فحدرني قال
وحدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني موسى قال أرسل أبى إلى أبى جعفر إني
كاتب إلى محمد وإبراهيم فأرسل موسى عسى أن يلقاهما وكتب إليهما أن يأتياه
وقال لي أبلغهما عنى فلا يأتياه أبدا قال وانما أراد أن يفلتني من يده وكان أرق
الناس على وكنت أصغر ولد هند وأرسل إليهما
يا ابني أمية إني عنكما غان * وما الغنى غير أنى مرعش فانى
يا ابني أمية إلا ترحما كبرى * فإنما أنتما والشكل مثلان
177

قال فأقمت بالمدينة مع رسل أبى جعفر إلى أن استبطأني رياح فكتب إلى
أبى جعفر بذلك فحد رنى إليه قال حدثني يعقوب ابن القاسم بن محمد قال أخبرني
عمران بن محرز من بنى البكاء قال خرج ببنى حسن إلى الربذة فيهم على
وعبد الله ابنا حسن بن حسن بن حسن وأمهما حبابة ابنة عامر بن عبد الله
ابن عامر بن بشر بن عامر ملاعب الأسنة فمات في السجن حسن بن حسن وعباس
ابن حسن وأمه عائشة بنت طلحة بن عمر بن عبيد الله وعبد الله بن حسن وإبراهيم بن
حسن قال عمر حدثني المدائني قال لما خرج ببنى حسن قال إبراهيم بن عبد الله بن
حسن قال عمرو قد أنشدني غير أبى الحسن هذا الشعر لغالب الهمداني
ما ذكرك الدمنة القفار وأهل * الدار إما نأوك أو قربوا
إلا سفاها وقد تفرعك ال‍ * - شيب بلون كأنه العطب
ومر خمسون من سنيك كما * عدلك الحاسبون إذ حسبوا
بعد ذكر الشباب لست له * ولا إليك الشباب منقلب
إني عرتنى الهموم فاحتضر ال‍ * - هم وسادى فالقلب منشعب
واستخرج الناس للشقاء وحلقت * قت لدهر بظهره حدب
أعوج يستعذب الليام به * ويحتويه الكرام إن سربوا
نفسي فدت شيبة هناك وظن * بوبا به من قيوده ندب
والسادة الفر من بنيه فما * روقب فيه الاله والنسب
يا حلق القيد ما تضمنت من * حلم وبر يشوبه حسب
وأمهات من العواتك أخلصنك * بيض عقائل عرب
كيف اعتذاري إلى الاله ولم * يشهرن فيك المأثورة القضب
ولم أقد غارة ململمة * فيها بنات الصريح تنتحب
والسابقات الجياد والأسل ال‍ * - ذبل فيها أسنة ذرب
حتى نوفي بنى نتيلة بال‍ * - قسط بكيل الصاع الذي احتلبوا
بالقتل قتلا وبالأسير الذي * في القد أسرى مصفودة سلب
178

أصبح آل الرسول أحمد في ال‍ * - ناس كذى عرة بن جرب
بؤسا لهم ما جنت أكفهم * وأي حبل من أمة قضبوا
وأي حبل خانوا المليك به * شد بميثاق عقده الكذب
وذكر عبد الله بن راشد بن يزيد قال سمعت الجراح بن عمر وخاقان بن زيد
وغيرهما من أصحابنا يقولون لما قدم بعبد الله بن حسن وأهله مقيدين فأشرف
بهم على النجف قال لأهله أما ترون في هذه القرية من يمنعنا من هذا الطاغية قال
فلقيه ابنا أخي الحسن وعلى مشتملين على سيفين فقالا له قد جئناك يا ابن رسول الله
فمرنا بالذي تريد قال قد قضيتما ما عليكما ولن تغنيا في هؤلاء شيئا فانصرفا قال
وحدثني عيسى قال حدثني عبد الله بن عمران بن أبي فروة قال أمر أبو جعفر أبا
الأزهر فحبس بنى حسن بالهاشمية قال وحدثني محمد بن الحسن قال حدثني محمد
ابن إبراهيم قال أتى بهم أبو جعفر فنظر إلى محمد بن إبراهيم بن حسن فقال أنت
الديباج الأصفر قال نعم قال أما والله لأقتلنك قتلة ما قتلتها أحدا من أهل بيتك
ثم أمر بأسطوانة مبنية ففرقت ثم أدخل فيها فبنى عليه وهو حي قال محمد بن الحسن
وحدثني الزبير بن بلال قال كان الناس يختلفون إلى محمد ينظرون إلى حسنه قال
عمرو حدثني عيسى قال حدثني عبد الله بن عمران قال أخبرني أبو الأزهر قال قال
لي عبد الله بن حسن أبغني حجاما فقد احتجت إليه فاستأذنت أمير المؤمنين فقال
آتيه بحجام مجيد قال وحدثني الفضل بن دكين أبو نعيم قال حبس من بنى حسن
ثلاثة عشر رجلا وحبس معهم العثماني وابنان له في قصر ابن هبيرة وكان
في شرقي الكوفة مما يلي بغداد فكان أول من مات منهم إبراهيم بن حسن ثم
عبد الله بن حسن فدفن قريبا من حيث مات والا يكن بالقبر الذي يزعم الناس
أنه قبره فهو قريب منه قال وحدثني محمد بن أبي حرب قال كان محمد بن عبد الله
ابن عمرو محبوسا عند أبي جعفر وهو يعلم براءته حتى كتب إليه أبو عون من خراسان
أخبر أمير المؤمنين أن أهل خراسان قد تقاعسوا عنى وطال عليهم أمر محمد
ابن عبد الله فأمر أبو جعفر عند ذلك بمحمد بن عبد الله بن عمرو فضربت عنقه
179

وأرسل برأسه إلى خراسان وأقسم لهم أنه رأس محمد بن عبد الله وأن أمه فاطمة
بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عمر فحدثني الوليد بن هشام قال حدثني أبي
قال لما صار أبو جعفر بالكوفة قال ما أشتفي من هذا الفاسق من أهل بيت
فسق فدعا به فقال أزوجت ابنتك ابن عبد الله قال لا قال أفليست بامرأته قال بلى
زوجها إياه عمها وأبوه عبد الله بن حسن فأجزت نكاحه قال فأين عهودك التي
أعطيتني قال هي على قال أفلم تعلم بخضاب ألم تجد ريح طيب قال لا علم لي قد علم القوم
مالك على من المواثيق فكتموني ذلك كله قال هل لك أن تستقيلني فأفيلك وتحدث لي
ايمانا مستقبلة قال ما حنثت بأيماني فتجددها على ولا أحدثت ما أستقيلك منه
فتقيلني فأمر به فضرب حتى مات ثم احتز رأسه فبعث به إلى خراسان فلما بلغ
ذلك عبد الله بن حسن قال إنا لله وإنا إليه راجعون والله إن كنا لنأمن به في
سلطانهم ثم قد قتل بنا في سلطاننا قال وحدثني عيسى بن عبد الله قال حدثني مسكين
ابن عمرو قال لما ظهر محمد بن عبد الله بن حسن أمر أبو جعفر بضرب عنق محمد
ابن عبد الله بن عمرو ثم بعث به إلى خراسان وبعث معه الرجال يحلفون بالله أنه
لمحمد بن عبد الله بن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عمر فسألت
محمد بن جعفر بن إبراهيم في أي سبب قتل محمد بن عبد الله بن عمرو قال احتيج إلى
رأسه قال عمرو حدثني محمد بن أبي حرب قال كان عون بن أبي عون خليفة أبيه بباب
أمير المؤمنين فلما قتل محمد بن عبد الله بن حسن وجه أبو جعفر برأسه إلى خراسان إلى
أبى عون مع محمد بن عبد الله بن أبي الكرام وعون بن أبي عون فلما قدم به ارتاب أهل
خراسان وقالوا أليس قد قتل مرة وأتينا برأسه قال ثم تكشف لهم الخبر حتى
علموا حقيقته فكانوا يقولون لم يطلع من أبى جعفر على كذبة غيرها قال وحدثني
عيسى بن عبد الله قال حدثني عبد الله بن عمران بن أبي فروة قال كنا نأتى أبا الأزهر
ونحن بالهاشمية أنا والشعباني فكان أبو جعفر يكتب إليه من عبد الله عبد الله
أمير المؤمنين إلى أبى الأزهر مولاه ويكتب أبو الأزهر إلى أبى جعفر من أبى
الأزهر مولاه وعبده فلما كان ذات يوم ونحن عنده وكان أبو جعفر قد ترك له
180

ثلاثة أيام لا ينوبها فكنا نخلو معه في تلك الأيام فأتاه كتاب من أبى جعفر فقرأه
ثم رمى به ودخل إلى بنى حسن وهم محبوسون قال فتناولت الكتاب وقرأته فإذا
فيه أنظر يا أبا الأزهر ما أمرتك به في مدله فعجله وأنفذه قال وقرأ الشعباني
الكتاب فقال تدرى من مدله قلت لا قال هو والله عبد الله بن حسن فانظر ما هو
صانع قال فلم نلبث أن جاء أبو الأزهر فجلس فقال قدو الله هلك عبد الله بن حسن
ثم لبث قليلا ثم دخل وخرج مكتئبا فقال أخبرني عن علي بن حسن أي رجل
هو قلت أمصدق أنا عندك قال نعم وفوق ذلك قال قلت هو والله خير من تقله
هذه وتظله هذه قال فقد والله ذهب قال وحدثني محمد بن إسماعيل قال سمعت جدي
موسى بن عبد الله يقول ما كنا نعرف وقوت الصلاة في الحبس إلا بأحزاب كان
يقرأها علي بن حسن قال عمر وحدثني ابن عائشة قال سمعت مولى لبنى دارم قال
قلت لبشير الرحال ما يسرعك إلى الخروج على هذا الرجل قال إنه أرسل إلى بعد
أخذه عبد الله بن حسن فأتيته فأمرني يوما بدخول بيت فدخلته فإذا بعبد الله بن
حسن مقتولا فسقطت مغشيا على فلما أفقت أعطيت الله عهدا ألا يختلف في أمره
سيفان إلا كنت مع الذي عليه منهما وقلت للرسول الذي معي من قبله لا تخبره بما
لقيت فإنه إن علم قتلني قال عمر فحدثت به هشام بن إبراهيم بن هشام بن راشد من
أهل همذان وهو العباسي أن أبا جعفر أمر بقتله فحلف بالله ما فعل ذلك ولكنه
دس إليه من أخبره أن محمدا قد ظهر فقتل فانصدع قلبه فمات قال وحدثني عيسى
ابن عبد الله قال قال من بقى منهم أنهم كانوا يسقون فماتوا جميعا إلا سليمان وعبد الله
ابني داود بن حسن بن حسن وإسحاق وإسماعيل ابني إبراهيم بن حسن بن حسن
وجعفر بن حسن وكان من قتل منهم إنما قتل بعد خروج محمد قال عيسى فنظرت
مولاة لآل حسن إلى جعفر بن حسن فقالت بنفسي أبو جعفر ما أبصره بالرجال
حيث يطلقك وقتل عبد الله بن حسن
ذكر بقية الخبر من الاحداث التي كانت في سنة أربع وأربعين ومائة
فمن ذلك ما كان من حمل أبى جعفر المنصور بنى حسن بن حسن بن علي من
181

المدينة إلى العراق
ذكر الخبر عن سبب حمله إياهم إلى العراق
* حدثني الحارث بن محمد قال حدثنا محمد بن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال
لما ولى أبو جعفر رياح بن عثمان بن حيان المري المدينة أمره بالجد في طلب محمد
وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن وقلة الغفلة عنهما قال محمد بن عمر فأخبرني عبد الرحمن
ابن أبي الموالى قال فجد رياح في طلبهما ولم يداهن واشتد في ذلك كل الشدة حتى
خافا وجعلا ينتقلان من موضع إلى موضع وأغنم أبو جعفر من تبغيهما وكتب
إلى رياح بن عثمان ألم يأخذ أباهما عبد الله بن حسن وإخوته حسن بن حسن
وداود بن حسن وإبراهيم بن حسن ومحمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان
وهو أخوهم لامهم فاطمة بنت حسين في عدة منهم ويشدهم وثاقا ويبعث بهم إليه
حتى يوافوه بالربذة وكان أبو جعفر قد حج تلك السنة وكتب إليه أن يأخذني معهم
فيبعث بي إليه أيضا قال فأدركت وقد أهللت بالحج فأخذت فطرحت في الحديد
وعورض بي الطريق حتى وافيتهم بالربذة قال محمد بن عمر أنا رأيت عبد الله بن
حسن وأهل بيته يخرجون من دار مروان بعد العصر وهم في الحديد فيحملون في
المحامل ليس تحتهم وطاء وأنا يومئذ قد راهقت الاحتلام أحفظ ما أرى قال
محمد بن عمر قال عبد الرحمن بن أبي الموالى وأخذ معهم نحو من أربعمائة من جهينة
ومزينة وغيرهم من القبائل فأراهم بالربذة مكتفين في الشمس قال وسجنت مع عبد الله
ابن حسن وأهل بيته ووافى أبو جعفر الربذة منصرفا من الحج فسأل عبد الله بن
حسن أبا جعفر أن يأذن له في الدخول عليه فأبى أبو جعفر فلم يره حتى فارق
الدنيا قال ثم دعاني أبو جعفر من بينهم فأقعدت حتى أدخلت وعنده عيسى بن علي
فلما رآني عيسى قال نعم هو هويا أمير المؤمنين وان أنت شددت عليه أخبرك
بمكانهم فسلمت فقال أبو جعفر لا سلم الله عليك أين الفاسقان ابنا الفاسق الكذابان
ابنا الكذاب قال قلت هل ينفعني الصدق يا أمير المؤمنين عندك قال وما ذاك قال
امرأته طالق وعلى وعلى إن كنت أعرف مكانهما قال فلم يقبل ذلك منى وقال
182

السياط وأقمت بين العقابين فضربني أربعمائة سوط فما عقلت بها حتى رفع عنى ثم
حملت إلى أصحابي على تلك الحال ثم بعث إلى الديباج محمد بن عبد الله بن عمرو بن
عثمان بن عفان وكانت ابنته تحت إبراهيم بن عبد الله بن حسن فلما أدخل عليه قال
أخبرني عن الكذابين ما فعلا وأين هما قال والله يا أمير المؤمنين مالي بهما علم
قال لتخبرني قال قد قلت لك وإني والله لصادق ولقد كنت أعلم علمهما قبل اليوم وأما
اليوم فمالي والله بهما علم قال جردوده فجرد فضربه مائة سوط وعليه جامعة حديد في
يده إلى عنقه فلما فرغ من ضربه أخرج فألبس قميصا له قوهيا على الضرب وأتى به
إلينا فوالله ما قدروا على نزع القميص من لصوقه بالدم حتى حلبوا عليه شاة ثم انتزع
القميص ثم داووه فقال أبو جعفر أحدروا بهم إلى العراق فقدم بنا إلى الهاشمية فحبسنا
بها فكان أول من مات في الحبس عبد الله بن حسن فجاء السجان فقال ليخرج أقربكم
به فليصل عليه فخرج أخوه حسن بن حسن بن حسن بن علي عليهم السلام فصلى
عليه ثم مات محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان فأخذ رأسه فبعث به مع جماعة من
الشيعة إلى خراسان فطافوا في كور خراسان وجعلوا يحلفون بالله أن هذا رأس
محمد بن عبد الله بن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه يوهمون الناس أنه رأس
محمد بن عبد الله بن حسن الذي كانوا يجدون خروجه على أبى جعفر في الرواية
وكان والى مكة في هذه السنة السرى بن عبد الله ووالى المدينة رياح بن عثمان
المري ووالى الكوفة عيسى بن موسى ووالى البصرة سفيان بن معاوية وعلى قضائها
سوار بن عبد الله وعلى مصر يزيد بن حاتم
ثم دخلت سنة خمس وأربعين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمما كان فيها من ذلك خروج محمد بن عبد الله بن حسن بالمدينة وخروج أخيه
إبراهيم بن عبد الله يعده بالبصرة ومقتلهما
183

ذكر الخبر عن مخرج محمد بن عبد الله ومقتله
ذكر عمر أن محمد بن يحيى حدثه قال حدثني الحارث بن إسحاق قال لما انحدر
أبو جعفر ببنى حسن رجع رياح إلى المدينة فألح في الطلب وأخرج محمدا حتى
عزم على الظهور قال عمر فحدثت إبراهيم بن محمد بن عبد الله الجعفري أن محمدا
أخرج فخرج قبل وقته الذي فارق عليه أخاه إبراهيم فأنكر ذلك وقال ما زال
محمد يطلب أشد الطلب حتى سقط ابنه فمات وحتى رهقه الطلب فتدلى في بعض
آبار المدينة يناول أصحابه الماء وقد انغمس فيه إلى رأسه وكان بدنه لا يخفى عظما
ولكن إبراهيم تأخر عن وقته بحدرى أصابه قال وحدثني محمد بن يحيى قال حدثني
الحارث بن إسحاق قال تحدث أهل المدينة بظهور محمد فأسرعنا في شراء الطعام
حتى باع بعضهم حلى نسائه وبلغ رياحا أن محمدا أتى المذاد فركب في جنده يريده
وقد خرج قبله محمد يريد المذاد ومعه جبير بن عبد الله السلمي وجبير بن عبد الله
ابن يعقوب بن عطاء وعبد الله بن عامر الأسلمي فسمعوا سقاءة تحدث صاحبتها أن
رياحا قد ركب يطلب محمدا بالمذاد وأنه قد سار إلى السوق فدخلوا دار الجهنية
وأجافوا بابها عليهم ومر رياح على الباب لا يعلم بهم ثم رجع إلى دار مروان
فلما حضرت العشاء الأخيرة صلى في الدار ولم يخرج (وقيل) إن الذي أعلم
رياحا بمحمد سليمان بن عبد الله بن بي سبرة من بنى عامر بن لؤي وذكر عن
الفضل بن دكين قال بلغني أن عبيد الله بن عمرو بن أبي ذؤيب وعبد الحميد بن
جعفر دخلوا على محمد قبل خروجه فقال له ما ننتظر بالخروج والله ما تجد في هذه
الأمة أحدا أشأم عليها منك ما يمنعك أن تخرج وحدك قال وحدثني عيسى قال
حدثني أبي قال بعث إلينا رياح فأتيته أنا وجعفر بن محمد بن علي بن حسين وحسين
ابن علي بن حسين بن علي وعلي بن عمر بن علي بن حسين بن علي وحسن بن علي
ابن حسين بن علي بن حسين بن علي ورجال من قريش منهم إسماعيل بن أيوب
ابن سلمة بن عبد الله بن الوليد بن المغيرة ومعه ابنه خالد فأنا لعنده في دار مروان
إذ سمعنا التكبير قد حال دون كل شئ فظنناه من عند الحرس وظن الحرس أنه
184

من الدار قال فوثب ابن مسلم بن عقبة وكان مع رياح فاتكأ على سيفه فقال أطعني
في هؤلاء فاضرب أعناقهم فقال علي بن عمر فكدنا والله تلك الليلة أن نطيح
حتى قام حسين بن علي فقال والله ما ذاك لك أنا على السمع والطاعة قال وقام
رياح ومحمد بن عبد العزيز فدخلا جنيدا في دار يزيد فاختفيا فيه وقمنا فخرجنا من
دار عبد العزيز بن مروان حتى تسورنا على ركبا كانت في زقاق عاصم بن عمرو
فقال إسماعيل بن أيوب لابنه خالد يا بنى والله ما تجيبني نفسي إلى الوثوب فارفعني
فرفعه * وحدثني محمد بن يحيى قال حدثني عبد العزيز بن عمران قال حدثني أبي
قال جاء الخبر إلى رياح وهو في دار مروان أن محمدا لخارج الليلة فأرسل إلى أخي
محمد بن عمران وإلى العباس بن عبد الله بن الحارث بن العباس والى غير واحد
قال فخرج أخي وخرجت معه حتى دخلنا عليه بعد العشاء الآخرة فسلمنا عليه فلم
يرد علينا فجلسنا فقال أخي كيف أمسى الأمير أصلحه الله قال بخير صوت ضعيف
قال ثم صمت طويلا ثم تنبه فقال أيها يا أهل المدينة أمير المؤمنين يطلب بغيته في
شرق الأرض وغربها وهو ينتفق بين أظهركم أقسم بالله لئن خرج لا أترك منكم
أحدا إلا ضربت عنقه فقال أخي أصلحك الله أنا عذبرك منه هذا والله الباطل
قال فأنت أكثر من ههنا عشيرة وأنت قاضى أمير المؤمنين فادع عشيرتك قال
فوثب أخي ليخرج فقال اجلس اذهب أنت يا ثابت فوثبت فأرسلت إلى بنى زهرة
ممن يسكن حش طلحة ودار سعد ودار بنى أزهر أن أحضروا سلاحكم قال
فجاء منهم بشر وجاء إبراهيم بن يعقوب بن سعد بن أبي وقاص منتكبا قوسا
وكان من أرمى الناس فلما رأيت كثرتهم دخلت على رياح فقلت هذه بنو زهرة
في السلاح يكونون معك ائذن لهم قال هيهات تريد أن تدخل على الرجال
طروقا في السلاح قل لهم فليجلسوا في الرحبة فان حدث شئ فليقاتلوا قال
قلت لهم قد أبى أن يأذن لكم لا والله ما ههنا شئ فاجلسوا بنا نتحدث قال
فمكثنا قليلا فخرج العباس بن عبد الله بن الحارث في خيل يعس حتى جاء
رأس الثنية ثم انصرف إلى منزله وأغلقه عليه فوالله إنا لعلى تلك الحال إذ
185

طلع فارسان من قبل الزوراء يركضان حتى وقفا بين دار عبد الله بن مطيع
ورحبة القضاء في موضع السقاية قال قلنا شر الامر والله جد قال ثم سمعنا صوتا بعيدا
فأقمنا ليلا طويلا فأقبل محمد بن عبد الله من المذاد ومعه مائتان وخمسون رجلا حتى
إذا شرع على بنى سلمة وبطحان قال اسلكوا بنى سلمة تسلموا إن شاء الله قال فسمعنا
تكبيرا ثم هدأ الصوت فأقبل حتى إذا خرج من زقاق ابن حبين استبطن السوق
حتى جاء على التمارين حتى دخل من أصحاب الأقفاص فأتى السجن وهو يومئذ في
دار ابن هشام فدقه وأخرج من كان فيه ثم أقبل حتى إذا كان بين دار يزيد ودار
أويس نظرنا إلى هول من الأهوال قال فنزل إبراهيم بن يعقوب ونكب كنانته
وقال ارمى فقلنا لا تفعل ودار محمد بالرحبة حتى جاء بيت عاتكة بنت يزيد فجلس
على بابها وتناوش الناس حتى قتل رجل سندي كان يستصبح في المسجد قتله رجل
من أصحاب محمد قال وحدثني سعيد بن عبد الحميد بن جعفر أخبرني جهم بن عثمان
قال خرج محمد بن المذاد على حمار ونحن معه فولى خوات بن بكير بن خوات بن
جبير الرجالة وولى عبد الحميد بن جعفر الحربة وقال أكفنيها فحملها ثم استعفاه
منها فأعفاه ووجهه مع ابنه حسن بن محمد قال وحدثني عيسى قال حدثني جعفر بن
عبد الله بن يزيد بن ركانة قال بعث إبراهيم بن عبد الله إلى أخيه بحملي سيوف فوضعها
بالمذاد فأرسل إلينا ليلة خرج وما نكون مائة رجل وهو على حمار اعرابي أسود
فافترق طريقان طريق بطحان وطريق بنى سلمة فقلنا له كيف نأخذ قال على
بنى سلمة يسلمكم الله قال فجئنا حتى صرنا بباب مروان قال وحدثني محمد بن عمرو
ابن رتبيل بن نهشل أحد بنى يربوع عن أبي عمر والمديني شيخ من قريش قال
أصابتنا السماء بالمدينة أياما فلما أقلعت خرجت في غبها متمطرا فانتسأت عن المدينة
فإني لفى رحلي إذ هبط على رجل لا أدرى من أين أتى حتى جلس إلى عليه اطمار
له درنة وعمامة رثة فقلت له من أين أقبلت قال من غنيمة لي أوصيت راعيها
بحاجة لي ثم أقبلت أريد أهلي قال فجعلت لا أسلك من العلم طريقا إلا سبقني إليه
وكثرني فيه فجعلت أعجب له ولما يأتي قلت ممن الرجل قال من المسلمين قلت
186

أجل فمن أيهم أنت قال لا عليك ألا تريد قلت بلى على ذلك فمن أنت قال فوثب وقال
* منخرق الحفين يشكو الوجى * الأبيات الثلاثة قال ثم أدبر فذهب فوالله ما فات
مدى بصرى حتى ندمت على تركه قبل معرفته فاتبعته لأسأله فكأن الأرض التأمت
عليه ثم رجعت إلى رحلي ثم أتيت المدينة فمات غبرت إلا يومى وليلتي حتى شهدت
صلاة الصبح بالمدينة فإذا رجل يصلى بنا لأعرف صوته فقرأ إنا فتحنا لك فتحا
مبينا فلما انصرف صعد المنبر فإذا صاحبي وإذا هو محمد بن عبد الله بن حسن قال
وحدثني إسماعيل بن إبراهيم بن هود مولى قريش قال سمعت إسماعيل بن الحكم بن
عوانة يخبر عن رجل قد سماه بشبيهة بهذه القصة قال إسماعيل فحدثت بها رجلا من
الأنبار يكنى أبا عبيد فذكر أن محمدا أو إبراهيم وجه رجلا من بنى ضبة فيما يحسب
إسماعيل بن إبراهيم بن هود ليعلم له بعض علم أبى جعفر فأتى الرجل المسيب وهو
يومئذ على الشرط فمت إليه برحمه فقال المسيب إنه لابد من رفعك إلى أمير المؤمنين
فأدخله على أبى جعفر فاعترف فقال ما سمعته يقول قال:
شرده الخوف فأزرى به * كذاك من يكره حر الجلاد
قال أبو جعفر فأبلغه أنا نقول:
وخطة ذل نجعل الموت دونها * نقول لها للموت أهلا ومرحبا
وقال انطلق فأبلغه قال عمر وحدثني أزهر بن سعيد بن نافع وقد شهد ذلك قال
خرج محمد في أول يوم من رجب سنة 145 فبات بالمذاد هو وأصحابه ثم أقبل في
الليل فدق السجن وبيت المال وأمر برياح وابن مسلم فحبسا معا في دار ابن هشام
قال وحدثني يعقوب بن القاسم قال حدثني علي بن أبي طالب قال خرج محمد لليلتين
بقيتا من جمادى الآخرة سنة 145 * وحدثني عمر بن راشد قال خرج لليلتين بقيتا
من جمادى الآخرة فرأيت عليه ليلة خرج قلنسوة صفراء مصرية وجبة صفراء
وعمامة قد شد بها حقويه وأخرى قد اعتم بها متوشحا سيفا فجعل يقول لأصحابه
لا تقتلوا لا تقتلوا فلما امتنعت منهم الدار قال ادخلوا من باب المقصورة قال فاقتحموا
وحرقوا باب الخوخة التي فيها فلم يستطع أحد أن يمر فوضع رزام مولى القسري
187

ترسه على النار ثم تخطى عليه فصنع الناس ما صنع ودخلوا من بابها وقد كان بعض
أصحاب رياح ما رسوا على الباب وخرج من كان مع رياح في الدار من دار عبد العزيز
من الحمام وتعلق رياح في مشربة في دار مروان فأمر بدرجها فهدمت فصعدوا
إليه فأنزلوه وحبسوه في دار مروان وحبسوا معه أخاه عباس بن عثمان وكان
محمد بن خالد وابن أخيه النذير بن يزيد ورزام في الحبس فأخرجهم محمد وأمر
النذير بالاستيثاق من رياح وأصحابه قال وحدثني عيسل قال حدثني أبي قال حبس
محمد رياحا وابن أخيه وابن مسلم بن عقبة في دار مروان قال وحدثني محمد بن
يحيى قال حدثني عبد العزيز بن أبي ثابت عن خاله راشد بن حفص قال قال رزام
للنذير دعني وإياه فقد رأيت عذابه إياي قال شأنك وإياه ثم قام ليخرج فقال له
رياح يا أبا قيس قد كنت أفعل بكم ما كنت أفعلت وأنا بسؤددكم عالم فقال له النذير
فعلت ما كنت أهله ونفعل ما نحن أهله وتناوله رزام فلم يزل به رياح يطلب إليه
حتى كف وقال والله إن كت لبطرا عند القدرة لئيما عند البلية قال وحدثني موسى
ابن سعيد الجمحي قال حبس رياح محمد بن مروان بن أبي سليط من الأنصار ثم
أحد بنى عمرو بن عوف فمدحه وهو محبوس فقال
وما نسى الذمام كريم قيس * ولا ملقى الرجال إلى الرجال
إذا ما الباب قعقعه سعيد * هدجنا نحوه هدج الرئال
دبيب الذر تصبح حين يمشى * قصا الخطو غير ذوي اختيال
قال حدثني محمد بن يحيى قال حدثني إسماعيل بن يعقوب التيمي قال صعد محمد
المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد أيها الناس فإنه كان من أمر هذا
الطاغية عدو الله أبى جعفر ما لم يخف عليكم من بنائه القبة الخضراء التي بناها معاندا
لله في ملكه وتصغيرا للكعبة الحرام وإنما أخذ الله فرعون حين قال أنا ربكم الاعلى
وأن أحق الناس بالقيام بهذا الدين أبناء المهاجرين الأولين والأنصار المواسين
اللهم إنهم قد أحلوا حرامك وحرموا حلالك وآمنوا من أخفت وأخافوا من
آمنت اللهم فأحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا أيها الناس إني
188

والله ما خرجت من بين أظهركم وأنتم عندي أهل قوة ولا شدة ولكني اخترتكم
لنفسي والله ما جئت هذه وفى الأرض مصر يعبد الله فيه إلا وقد أخذ لي فيه البيعة
قال وحدثني موسى بن عبد الله قال حدثني أبي عن أبيه قال لما وجهني رياح بلغ
محمدا فخرج من ليلته وقد كان رياح تقدم إلى الأجناد الذين معي أن أطلع عليهم
من ناحية المدينة رجل أن يضربوا عنقي فلما أتى محمد برياح قال أين موسى قال
لا سبيل إليه والله لقد حدرته إلى العراق قال فأرسل في أثره فرده قال قد عهدت
إلى الجند الذين معه أن رأوا أحدا مقبلا من المدينة أن يقتلوه قال فقال محمد
لأصحابه من لي بموسى فقال ابن خضير إنا لك به قال فانظر رجالا فانتخب رجالا
ثم أقبله قال فوالله ما راعنا إلا وهو بين أيدينا كأنما أقبل من العراق فلما نظر
إليه الجند قالوا رسل أمير المؤمنين فلما خالطونا شهروا السلاح فأخذني القائد
وأصحابه وأناخ بي وأطلقني من وثاقي وشخص بي حتى أقدمني على محمد قال عمر
حدثني علي بن الجعد قال كان أبو جعفر يكتب إلى محمد عن ألسن قواده يدعونه
إلى الظهور ويخبرونه أنهم معه فكان محمد يقول لو التقينا مال إلى القواد كلهم
قال وحدثني محمد بن يحيى قال حدثني الحارث بن إسحاق قال لما أخذ المدينة
استعمل عليها عثمان بن محمد بن خالد بن الزبير وعلى قضائها عبد العزيز بن المطلب
ابن عبد الله المخزومي وعلى الشرط أبا القلمس عثمان بن عبيد الله بن عبد الله بن
عمر بن الخطاب وعلى ديوان العطاء عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور
ابن مخرمة وبعث إلى محمد بن عبد العزيز أنى كنت لأظنك ستنصرنا وتقيم معنا
فاعتذر إليه وقال أفعل ثم انسل منه فأتى مكة قال وحدثني إسماعيل بن إبراهيم
ابن هود قال حدثني سعيد بن يحيى أبو سفيان الحميري قال حدثني عبد الحميد بن
جعفر قال كنت على شرط محمد بن عبد الله حتى وجهني وجها وولى شرطه
الزبيري قال وحدثني أزهر بن سعيد بن نافع قال لم يتخلف عن محمد أحد من
وجوه الناس إلا نفر منهم الضحاك بن عثمان بن عبد الله بن خالد بن حزام
وعبد الله بن المنذر بن المغيرة بن عبد الله بن خالد بن حزام أبو سلمة بن عبيد الله
189

ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب وخبيب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير قال
وحدثني يعقوب بن القاسم قال حدثتني جدتي كلثم بنت وهب قالت لما خرج محمد
تنحى أهل المدينة فكان فيمن خرج زوجي عبد الوهاب بن يحيى بن عباد بن عبد الله
ابن الزبير إلى البقيع فاختبأت عند أسماء بنت حسين بن عبد الله بن عبد الله بن
عباس قالت فكتب إلى عبد الوهاب بأبيات قالها فكتبت إليه
رحم الله شبابا * قاتلوا يوم الثنيه
قاتلوا عنه بنيا * - ت وأحساب نقيه
فر عنه الناس طرا * غير خيل أسديه
قالت فزاد الناس
قتل الرحمن عيسى * قاتل النفس الزكية
قال وحدثني سعيد بن عبد الحميد بن جعفر بن عبد الله بن الحكم بن سنان
الحكمي أخو الأنصار قال أخبرني غير واحد أن مالك بن أنس استفتى في الخروج
مع محمد وقيل له إن في أعناقنا بيعة لأبي جعفر فقال إنما بايعتم مكرهين وليس
على كل مكره يمين فأسرع الناس إلى محمد ولزم مالك بيته * وحدثني محمد بن إسماعيل
قال حدثني ابن أبي مليكة مولى عبد الله بن جعفر قال أرسل محمد إلى إسماعيل بن
عبد الله بن جعفر وقد كان بلغ عمرا فدعاه محمد حين خرج إلى البيعة فقال يا ابن
أخي أنت والله مقتول فكيف أبايعك فارتدع الناس عنه قليلا وكان بنو معاوية
قد أسرعوا إلى محمد فأتته حمادة بنت معاوية فقالت يا عم إن إخوتي قد أسرعوا
إلى ابن خالهم وانك ان قلت هذه المقالة ثبطت عنه الناس فيقتل ابن خالي وإخوتي
قال فأبى الشيخ الا النهى عنه فيقال أن حمادة عدت عليه فقتلته فأراد محمد الصلاة
عليه فوثب عليه عبد الله بن إسماعيل فقال تأمر بقتل أبى ثم تصلى عليه فنحاه
الحرس وصلى عليه محمد قال وحدثني عيسى قال حدثني أبي قال أتى محمد بعبيد الله
ابن الحسين بن علي بن الحسين بن علي مغمضا عينيه فقال إن على يمينا إن رأيته
لأقتلنه فقال عيسى بن زيد دعني أضرب عنقه فكفه عنه محمد قال وحدثني أيوب
190

ابن عمر قال حدثني محمد بن معن قال حدثني محمد بن خالد القسري قال لما ظهر
محمد وأنا في حبس ابن حيان أطلقني فلما سمعت دعوته التي دعا إليها على المنبر قلت
هذه دعوة حق والله لا بلين الله فيها بلاء حسنا فقلت يا أمير المؤمنين إنك قد
خرجت في هذا البلد والله لو وقف على نقب من أنقابه مات أهله جوعا
وعطشا فانهض معي فإنما هي عشر حتى أضربه بمائة ألف سيف فأبى على فإني
لعنده يوما إذ قال لي ما وجدنا من حر المتاع شيئا أجود من شئ وجدناه عند
ابن أبي فروة ختن أبى الخصيب وكان انتهبه قال فقلت ألا أراك قد أبصرت
حر المتاع فكتبت إلى أمير المؤمنين فأخبرته بقلة من معه فعطف على فحبسني
حتى أطلقني عيسى بن موسى بعد قتله إياه قال وحدثني سعيد بن عبد الحميد
ابن جعفر قال حدثتني أختي بريكة بنت عبد الحميد عن أبيها قال إني لعند محمد
يوما ورجله في حجري إذ دخل عليه خوات بن بكير بن خوات بن جبير فسلم
عليه فرد عليه سلاما ليس بالقوى ثم دخل عليه شاب من قريش فسلم عليه
فأحسن الرد عليه فقلت ما تدع عصبيتك بعد قال وما ذلك قلت دخل عليك
سيد الأنصار فسلم فرددت عليه ردا ضعيفا ودخل عليك صعلوك من صعاليك
قريش فسلم فاحتفلت في الرد عليه فقال ما فعلت ذاك ولكنك تفقدت منى مالا
يتفقد أحد من أحد قال وحدثني عبد الله بن إسحاق بن القاسم قال استعمل محمد
الحسن بن معاوية بن عبد الله بن جعفر على مكة ووجه معه القاسم بن إسحاق
واستعمله على اليمن قال وحدثني محمد بن إسماعيل عن أهله أن محمدا استعمل القاسم
ابن إسحاق على اليمن وموسى بن عبد الله على الشأم يدعوان إليه فقتل قبل أن يصلا
قال وحدثني أزهر بن سعيد قال استعمل محمد حين ظهر عبد العزيز بن الدراوردي
على السلاح قال وأخبرني محمد بن يحيى ومحمد بن الحسن بن زبالة وغيرهما قال
لما ظهر محمد قال ابن هرمة وقد أنشد بعضهم ما لم ينشد غيره لأبي جعفر
غلبت على الخلافة من تمنى * ومناه المضل بها الضلول
فأهلك نفسه سفها وجبنا * ولم يقسم له منها فتيل
191

ووازره ذوو طمع فكانوا * غثاء السيل يجمعه السيول
دعوا إبليس إذ كذبوا ورجاوا * فلم يصرخهم المغوى الخذول
وكانوا أهل طاعته فولى * وصار وراءه منهم قبيل
وهم لم يقصروا فيها بحق * على أثر المضل ولم يطيلوا
وما الناس احتبوك بها ولكن * حباك بذلك الملك الجليل
تراث محمد لكن وكنتم * أصول الحق إذ نفى الأصول
قال وحدثني محمود بن معمر بن أبي الشدائد الفزاري وموهوب بن رشيد بن
حيان الكلابي قال: قال أبو الشدائد لما ظهر محمد وتوجه إليه عيسى
أتتك النجائب والمقربات * بعيسى بن موسى فلا تعجل
قال وحدثني عيسى قال كان محمد آدم شديد الأدمة أدلم جسيما عظيما وكان
يلقب القارى من أدمته حتى كان أبو جعفر يدعوه محمما قال وحدثني عيسى
قال حدثني إبراهيم بن زياد بن عنبسة قال ما رأيت محمدا رقى المنبر قط إلا سمعت
بقعقعة من تحته وإني لبمكاني ذلك قال وحدثني عبد الله بن عمر بن حبيب قال
حدثني من حضر محمدا على المنبر يخطب فاعترض بلغم في حلقه فتنحنح فذهب
ثم عاد فتنحنح فذهب ثم عاد فتنحنح ثم عاد فتنحنح ثم نظر فلم ير موضعا فرمى
بنخامته سقف المسجد فالصقها به قال وحدثني عبد الله بن نافع قال حدثني إبراهيم
ابن علي من آل أبي رافع قال كان محمد تمتا ما فرأيته على المنبر يتلجلج الكلام في
صدره فيضرب بيده على صدره يستخرج الكلام قال وحدثني عيسى قال حدثني أبي
قال دخل عيسى بن موسى يوما على أبى جعفر فقال سرك الله يا أمير المؤمنين
قال فيم قال ابتعت وجه دار عبد الله بن جعفر من بنى معاوية حسن ويزيد
وصالح قال أتفرح أما والله ما باعوها إلا ليثبوا عليك بثمنها قال وحدثني محمد
ابن يحيى قال حدثني عبد العزيز بن عمران عن محمد بن عبد العزيز عن عبد الله
ابن الربيع بن عبيد الله بن عبد الله بن عبد المدان قال خرج محمد بالمدينة وقد خط
المنصور مدينته بغداد بالقصب فسار إلى الكوفة وسرت معه فصيح بي فلحقته
192

فصمت طويلا ثم قال يا ابن الربيع خرج محمد قلت أين قال بالمدينة قلت هلك
والله وأهلك خرج والله في غير عدد ولا رجال يا أمير المؤمنين ألا أحدثك
حديثا حدثنيه سعيد بن عمرو بن جعدة المخزومي قال كنت مع مروان يوم
الزاب واقفا فقال يا سعيد من هذا الذي يقاتلني في هذا الخيل قلت عبد الله
ابن علي بن عبد الله بن عباس قال أيهم هو أعرفه قلت نعم رجل أصفر حسن الوجه
رقيق الذراعين رجل دخل عليك يشتم عبد الله بن معاوية حين هزم قال قد
عرفته والله لوددت أن علي بن أبي طالب يقاتلني مكانه إن عليا وولده لاحظ
لهم في هذا الامر وهذا رجل من بني هاشم وابن عم رسول الله صلى الله عليه
وسلم وابن عباس معه ريح الشأم ونصر الشأم يا ابن جعدة تدرى ما حملني على
أن عقدت لعبد الله وعبيد الله ابني مروان وتركت عبد الملك وهو أكبر من
عبيد الله قلت لا قال وجدت الذي يلي هذا الامر عبد الله وكان عبيد الله أقرب
إلى عبد الله من عبد الملك فعقدت له فقال أنشدك الله أحدثك هذا ابن جعدة
قلت ابنة سفيان بن معاوية طالق البتة إن لم يكن حدثني ما حدثتك قال عمر
وحدثني محمد بن يحيى قال حدثني الحارث بن إسحاق قال خرج إلى أبى جعفر في الليلة
التي ظهر فيها محمد رجل من آل أويس بن أبي سرح من بنى عامر بن لؤي فسار تسعا
من المدينة فقدم ليلا فقام على أبواب المدينة فصاح حتى نذر به فأدخل فقال له الربيع
ما حاجتك هذه الساعة وأمير المؤمنين نائم قال لا بدلي منه قال أعلمنا نعلمه فأبى فدخل
الربيع عليه فأعلمه فقال سله عن حاجته ثم أعلمني قال قد أبى الرجل الا مشافهتك
فأذن له فدخل عليه فقال يا أمير المؤمنين خرج محمد بن عبد الله بالمدينة قال قتلته
والله ان كنت صادقا أخبرني من معه فسمى له من خرج معه من وجوه أهل المدينة
وأهل بيته قال أنت رأيته وعاينته قال أنا رأيته وعاينته وكلمته على منبر رسول
الله صلى الله عليه وسلم جالسا فأدخله أبو جعفر بيتا فلما أصبح جاءه رسول
لسعيد بن دينار غلام عيسى بن موسى كان يلي أموال عيسى بالمدينة فأخبره
بأمر محمد وتواترت عليه أخباره فأخرج الأويسي فقال لأوطئن الرجال عقبيك
193

ولأغنينك وأمر له بتسعة آلاف لكل ليلة سارها ألفا قال وحدثني ابن أبي
حرب قال لما بلغ أبا جعفر ظهوره أشفق منه فجعل الحارث المنجم يقول له
يا أمير المؤمنين ما يجزعك منه فوالله لو ملك الأرض ما لبث الا تسعين يوما قال
وحدثني سهيل بن عقيل بن إسماعيل عن أبيه قال لما بلغ أبا جعفر خبره بادر
إلى الكوفة وقال أنا أبو جعفر استخرجت الثعلب من جحره قال وحدثني عبد الملك
ابن سليمان عن حبيب بن مرزوق قال حدثني تسليم بن الحوارى قال لما ظهر
محمد وإبراهيم ابنا عبد الله أرسل أبو جعفر إلى عبد الله بن علي وهو محبوس عنده
ان هذا الرجل قد خرج فإن كان عندك رأى فأشربه علينا وكان ذا رأي عندهم فقال
إن المحبوس محبوس الرأي فأخرجني حتى يخرج رأيي فأرسل إليه أبو جعفر
لو جاءني حتى يضرب بابى ما أخرجتك وأنا خير لك منه وهو ملك أهل بيتك فأرسل
إليه عبد الله ارتحل الساعة حتى تأتى الكوفة فاجثم على أكبادهم فإنهم شيعة أهل
هذا البيت وأنصارهم ثم احففها بالمسالح فمن خرج منها إلى وجه من الوجوه أو أتاها
من وجه من الوجوه فاضرب عنقه وابعث إلى سلم بن قتيبة ينحدر عليك وكان
بالري واكتب إلى أهل الشأم فمرهم أن يحملوا إليك من أهل البأس والنجدة
ما يحمل البريد فأحسن جوائزهم ووجههم مع سلم ففعل قال وحدثني العباس بن سفيان
ابن يحيى بن زياد قال سمعت أشياخنا يقولون لما ظهر محمد ظهر وعبد الله بن علي
محبوس فقال أبو جعفر لاخوته إن هذا الأحمق لا يزال يطلع له الرأي الجيد
في الحرب فأدخلوا عليه فشاوروه ولا تعلموه أنى أمرتكم فدخلوا عليه فلما رآهم
قال لأمر ما جئتم ما جاء بكم جميعا وقد هجرتموني منذ دهر قالوا استأذنا أمير المؤمنين
فأذن لنا قال ليس هذا بشئ فما الخبر قالوا خرج ابن عبد الله قال فما ترون
ابن سلامة صانعا يعنى أبا جعفر قالوا لا ندري والله قال إن البخل قد قتله فمروه
فليخرج الأموال فليعط الأجناد فان غلب فما أوشك أن يعود إليه ماله وإن
غلب لم يقدم صاحبه على درهم واحد قال وحدثنا عبد الملك بن شيبان قال أخبرني
زيد مولى مسمع بن عبد الملك قال لما ظهر محمد دعا أبو جعفر عيسى بن موسى
194

فقال له قد ظهر محمد فسر إليه قال يا أمير المؤمنين هؤلاء عمومتك حولك فادعهم
فشاورهم قال فأين قول ابن هرمة
ترون امرءا لا يمحض القوم سره * ولا ينتجى الاذنين فيما يحاول
إذا ما أتى شيئا مضى كالذي أبى * وإن قال إني فاعل فهو فاعل
قال وحدثني محمد بن يحيى قال نسخت هذه الرسائل من محمد بن بشير وكان
بشير يصححها وحدثنيها أبو عبد الرحمن من كتاب أهل العراق والحكم بن صدقة
ابن نزار وسمعت ابن أبي حرب يصححها ويزعم أن رسالة محمد لما وردت على
أبى جعفر قال أبو أيوب دعني أجبه عليها فقال أبو جعفر لا بل أنا أجيبه عنها
إذ تقارعنا على الأحساب فدعني وإياه قالوا لما بلغ أبا جعفر المنصور ظهور محمد
ابن عبد الله بالمدينة كتب إليه (بسم الله الرحمن الرحيم) من عبد الله عبد الله
أمير المؤمنين إلى محمد بن عبد الله " إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون
في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف
أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزى في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم إلا الذين
تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم " ولك على عهد الله
وميثاقه وذمته وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم ان تبت ورجعت من قبل أن
أقدر عليك أن أؤمنك وجميع ولدك واخوتك وأهل بيتك ومن اتبعكم على دمائكم
وأموالكم وأسوغك ما أصبت من دم أو مال وأعطيك ألف ألف درهم وما سألت
من الحوائج وأنزلك من البلاد حيث شئت وأن أطلق من في حبسي من أهل بيتك
وأن أؤمن كل من جاءك وبايعك واتبعك أو دخل معك في شئ من أمرك ثم
لا أتبع أحدا منهم بشئ كان منه أبدا فان أردت أن تتوثق لنفسك فوجه إلى
من أحببت يأخذ لك من الأمان والعهد والميثاق وما تثق به وكتب على العنوان
من عبد الله عبد الله أمير المؤمنين إلى محمد بن عبد الله فكتب إليه محمد بن عبد الله
(بسم الله الرحمن الرحيم) من عبد الله المهدى محمد بن عبد الله إلى عبد الله بن محمد
(طسم تلك آيات الكتاب المبين نتلوا عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق لقوم
195

يؤمنون إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم
يذبح أبناءهم ويستحى نساءهم إنه كان من المفسدين ونريد أن نمن على الذين استضعفوا
في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونرى فرعون
وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون وأنا أعرض عليك من الأمان مثل الذي
عرضت على فإن الحق حقنا وإنما ادعيتم هذا الامر بنا وخرجتم له بشيعتنا
وحظيتم بفضلنا وإن أبانا عليا كان الوصي وكان الامام فكيف ورثتم ولايته
وولده أحياء ثم قد علمت أنه لم يطلب هذا الامر أحد له مثل نسبنا وشرفنا وحالنا
وشرف آبائنا لسنا من أبناء اللعناء ولا الطرداء ولا الطلقاء وليس يمت أحد من
بني هاشم بمثل الذي نمت به من القرابة والسابقة والفضل وإنا بنو أم رسول الله
صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت عمرو في الجاهلية وبنو بنته فاطمة في الاسلام
دونكم ان الله اختارنا واختار لنا فوالدنا من النبيين محمد صلى الله عليه وسلم
ومن السلف أو لهم إسلاما على ومن الأزواج أفضلهن خديجة الطاهرة وأول
من صلى القبلة ومن البنات خير هن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ومن المولودين
في الاسلام حسن وحسين سيدا شباب أهل الجنة وإن هاشما ولد عليا مرتين
وإن عبد المطلب ولد حسنا مرتين وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولدني مرتين
من قبل حسن وحسين وإني أوسط بني هاشم نسبا وأصرحهم أبا لم تعرق في
العجم ولم تنازع في أمهات الأولاد فما زال الله يختار لي الآباء والأمهات في
الجاهلية والاسلام حتى اختار لي في النار فأنا ابن أرفع الناس درجة في الجنة
وأهونهم عذابا في النار وأنا ابن خير الأخيار وابن خير الأشرار وابن خير أهل
الجنة وابن خير أهل النار ولك الله على إن دخلت في طاعتي وأجبت دعوتي أن
أؤمنك على نفسك ومالك وعلى كل أمر أحدثته إلا حدا من حدود الله أو حقا
لمسلم أو معاهد فقد علمت ما يلزمك من ذلك وأنا أولى بالامر منك وأوفى بالعهد
لأنك أعطيتني من العهد والأمان ما أعطيته رجالا قبلي فأي الأمانات تعطيني
أمان ابن هبيرة أم أمان عمك عبد الله بن علي أم أمان أبى مسلم فكتب إليه
196

أبو جعفر (بسم الله الرحمن الرحيم) أما بعد فقد بلغني كلامك وقرأت كتابك
فإذا جل فخرك بقرابة النساء لتضل به الجفاة والغوغاء ولم يجعل الله النساء
كالعمومة والآباء ولا كالعصبة والأولياء لان الله جعل العم أبا وبدأ به في كتابه
على الوالدة الدنيا ولو كان اختيار الله لهن على قدر قرابتهن كانت آمنة أقربهن
رحما وأعظمهن حقا وأول من يدخل الجنة غدا ولكن اختيار الله لخلقه على
علمه لما مضى منهم واصطفائه لهم وأما ما ذكرت من فاطمة أم أبى طالب وولادتها
فان الله لم يرزق أحدا من ولدها الاسلام لابنتا ولا ابنا ولو أن أحدا رزق
الاسلام بالقرابة رزقه عبد الله أولاهم بكل خير في الدنيا والآخرة ولكن
الامر لله يختار لدينه من يشاء قال الله عز وجل (إنك لا تهدى من أحببت
ولكن الله يهدى من يشاء وهو أعلم بالمهتدين) ولقد بعث الله محمدا
عليه السلام وله عمومة أربعة فأنزل الله عز وجل (وأنذر عشيرتك الأقربين)
فأنذرهم ودعاهم فأجاب اثنان أحدهما أبى وأبى اثنان أحدهما أبوك فقطع الله
ولايتهما منه ولم يجعل بينه وبينهما إلا ولا ذمة ولا ميراثا وزعمت أنك ابن أخف
أهل النار عذابا وابن خير الأشرار وليس في الكفر بالله صغير ولا في عذاب
الله خفيف ولا يسير وليس في الشر خيار ولا ينبغي لمؤمن يؤمن بالله أن يفخر
بالنار وسترد فتعلم (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) وأما ما
فخرت به من فاطمة أم على وان هاشما ولده مرتين ومن فاطمة أم حسن وان
عبد المطلب ولده مرتين وأن النبي صلى الله عليه وسلم ولدك مرتين فخير الأولين
والآخرين رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يلده هاشم الامرة ولا عبد المطلب
الامرة وزعمت أنك أوسط بني هاشم نسبا وأصرحهم أما وأبا وانه لم تلدك
العجم ولم تعرق فيك أمهات الأولاد فقد رأيتك فخرت على بني هاشم طرا
فانظر ويحك أين أنت من الله غدا فإنك قد تعديت طورك وفخرت على من
هو خير منك نفسا وأبا وأولا وآخرا إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وعلى والد ولده وما خيار بنى أبيك خاصة وأهل الفضل منهم الا بنو أمهات
197

أولاد وما ولد فيكم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من علي بن
حسين وهو لام ولد ولهو خير من جدك حسن بن حسن وما كان فيكم بعده
مثل ابنه محمد بن علي وجدته أم ولد ولهو خير من أبيك ولا مثل ابنه جعفر
وجدته أم ولد ولهو خير منك وأما قولك انكم بنو رسول الله صلى الله عليه وسلم
فان الله تعالى يقول في كتابه (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) ولكنكم بنو ابنته
وانها لقرابة قريبة ولكنها لا تحوز الميراث ولا ترث الولاية ولا تجوز لها الإمامة
فكيف تورث بها ولقد طلبها أبوك بكل وجه فاخرجها نهارا ومرضها سرا
ودفنها ليلا فأبى الناس إلا الشيخين وتفضيلهما ولقد جاءت السنة التي لا اختلاف
فيها بين المسلمين أن الجد أبا الام والخال والخالة لا يرثون وأماما فخرت به
من على وسابقته فقد حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم الوفاة فأمر غيره
بالصلاة ثم أخذ الناس رجلا بعد رجل فلم يأخذوه وكان في الستة فتركوه كلهم
دفعا له عنها ولم يروا له حقا فيها أما عبد الرحمن فقدم عليه عثمان وقتل عثمان وهو
له متهم وقاتله طلحة والزبير وأبى سعد بيعته وأغلق دونه بابه ثم بايع معاوية بعده
ثم طلبها بكل وجه وقاتل عليها وتفرق عنه أصحابه وشك فيه شيعته قبل الحكومة
ثم حكم حكمين رضى بهما وأعطاهما عهده وميثاقه فاجتمعا على خلعه ثم كان حسن
فباعها من معاوية بخرق ودراهم ولحق بالحجاز وأسلم شيعته بيد معاوية ودفع
الامر إلى غير أهله وأخذ مالا من غير ولائه ولا حله فإن كان لكم فيها شئ
فقد بعتموه وأخذ تم ثمنه ثم خرج عمك حسين بن علي على ابن مرجانة فكان
الناس معه عليه حتى قتلوه وأتوا برأسه إليه ثم خرجتم على بنى أمية فقتلوكم
وصلبوكم على جذوع النخل وأحرقوكم بالنيران ونفوكم من البلدان حتى قتل
يحيى بن زيد بخراسان وقتلوا رجالكم وأسروا الصبية والنساء وحملوهم بلا وطاء
في المحامل كالسبي المجلوب إلى الشأم حتى خرجنا عليهم فطلبنا بثأركم وأدركنا
بدمائكم وأورثناكم أرضهم وديارهم وسنينا سلفكم وفضلناه فاتخذت ذلك علينا
حجة وظننت انا انما ذكرنا أباك وفضلناه للتقدمة مناله على حمزة والعباس وجعفر
198

وليس ذلك كما ظننت ولكن خرج هؤلاء من الدنيا سالمين متسلما منهم مجتمعا
عليهم بالفضل وابتلى أبوك بالقتال والحرب وكانت بنو أمية تلعنه كما تلعن
الكفرة في الصلاة المكتوبة فاحتججنا له وذكرناهم فضله وعنفناهم وظلمناهم بما
نالوا منه ولقد علمت أن مكرمتنا في الجاهلية سقاية الحجيج الأعظم
وولاية زمزم فصارت للعباس من بين اخوته فنازعنا فيها أبوك فقضى لنا عليه
عمر فلم نزل نليها في الجاهلية والاسلام ولقد قحط أهل المدينة فلم يتوسل
عمر إلى ربه ولم يتقرب إليه الا بأبينا حتى نعشهم الله وسقاهم الغيث
وأبوك حاضر لم يتوسل به ولقد علمت أنه لم يبق أحد من بنى عبد المطلب
بعد النبي صلى الله عليه وسلم غيره فكان وراثه من عمومته ثم طلب هذا
الامر غير واحد من بني هاشم فلم ينله إلا ولده فالسقاية سقايته وميراث النبي
له والخلافة في ولده فلم يبق شرف ولا فضل في جاهلية ولا إسلام في دنيا
ولا آخرة إلا والعباس وارثه ومورثه وأما ما ذكرت من بدر فان الاسلام
جاء والعباس يمون أبا طالب وعياله وينفق عليهم للأزمة التي أصبابته ولولا أن
العباس أخرج إلى بدر كرها لمات طالب وعقيل جوعا وللحساجفان عتبة وشيبة
ولكنه كان من المطعمين فأذهب عنكم العار والسبة وكفاكم النفقة والمؤونة ثم
فدى عقيلا يوم بدر فكيف تفخر علينا وقد علناكم في الكفر وفديناكم من
الأسر وحزنا عليكم مكارم الآباء وورثنا دونكم خاتم الأنبياء وطلبنا بثأركم فأدركنا
منه ما عجزتم عنه ولم تدركوا لأنفسكم والسلام عليك ورحمة الله قال عمر بن شبة
حدثني محمد بن يحيى قال حدثني الحارث بن إسحاق قال أجمع ابن القسري على الغدر
بمحمد فقال له يا أمير المؤمنين ابعث موسى بن عبد الله ومعه رزاما مولاي إلى
الشأم يدعوان إليك فبعثهما فخرج رزام بموسى إلى الشأم وظهر محمد على أن
القسري كتب إلى أبى جعفر في أمره فحبسه في نفر ممن كان معه في دار ابن هشام
التي في قبلة مصلى الجنائز وهى اليوم لفرج الخصي وورد رزام بموسى الشأم ثم
انسل منه فذهب إلى أبى جعفر فكتب موسى إلى محمد إني أخبرك أنى لقيت الشأم وأهله
199

فكان أحسنهم قولا الذي قال والله لقد مللنا البلاء وضقنا به ذرعا حتى ما فينا لهذا
الامر موضع ولا لنا به حاجة ومنهم طائفة تحلف لئن أصبحنا من ليلتنا أو مسينا
من غد ليرفعن أمرنا وليدلن علينا فكتبت إليك وقد غيبت وجهي وخفت
على نفسي قال الحارث ويقال إن موسى ورزاما وعبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن
ابن المسور توجهوا إلى الشأم في جماعة فلما ساروا بتيماء تخلف رزام ليشترى لهم
زادا فركب إلى العراق ورجع موسى وأصحابه إلى المدينة قال وحدثني عيسى قال
حدثني موسى بن عبد الله ببغداد ورزام معا قال بعثني محمد ورزاما في رجال معنا
إلى الشأم لندعوا له فإنا لبدومة الجندل إذا أصابنا حر شديد فنزلنا عن رواحلنا
تغتسل في غدير فاستل رزام سيفه ثم وقف على رأسي وقال يا موسى أرأيت لو
ضربت عنقك ثم مضيت برأسك إلى أبى جعفر أيكون أحد عنده في منزلتي قال
قلت لا تدع هزلك يا أبا قيس شم سيفك غفر الله لك قال فشام سيفه فركبنا قال
عيسى فرجع موسى قبل أن يصل إلى الشأم فأتى البصرة هو وعثمان بن محمد فدل
عليهما فأخذا قال وحدثني عبد الله بن نافع بن ثابت بن عبد الله بن الزبير قال حدثني
أخي عبد الله بن نافع الأكبر قال لما ظهر محمد لم يأته أبى نافع بن ثابت فأرسل
إليه فأتاه وهو في دار مروان فقال يا أبا عبد الله لم أرك جئتنا قال ليس في
ما تريد فألح عليه محمد حتى قال ألبس السلاح يتأس بك غيرك فقال أيها الرجل
إني والله ما أراك في شئ خرجت في بلد ليس فيه مال ولا رجال ولا كراع
ولا سلاح وما أنا بمهلك نفسي معك ولا معين على دمى قال انصرف فلا شئ
فيك بعد هذا قال فمكث يختلف إلى المسجد إلى أن قتل محمد فلم يصل في مسجد
رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قتل إلا نافع وحده ووجه محمد بن عبد الله
لما ظهر فيما ذكر عمر عن أزهر بن سعيد بن نافع الحسن بن معاوية إلى مكة
عاملا عليها ومعه العباس بن القاسم رجل من آل أبي لهب فلم يشعر بهم السرى
ابن عبد الله حتى دنوا من مكة فخرج إليهم فقال له مولاه ما رأيك قد دنونا منهم
قال انهزموا على بركة الله وموعدكم بئر ميمون فانهزموا ودخلها الحسن بن معاوية
200

وخرج الحسين بن صخر رجل من آل أويس من ليلته فسار إلى أبى جعفر تسعا
فأخبره فقال (قد أنصف القارة من راماها) وأجازه بثلثمائة درهم قال وحدثني
أيوب بن عمر قال حدثني محمد بن صالح بن معاوية قال حدثني أبي قال كنت عند
محمد حين عقد للحسن بن معاوية على مكة فقال له الحسن أرأيت إن التحم القتال
بيننا وبينهم ما ترى في السرى قال يا حسن إن السرى لم يزل مجتنبا لما كرهنا كارها
للذي صنع أبو جعفر فإن ظفرت به فلا تقتله ولا تحركن له أهلا ولا تأخذن
له متاعا وإن تنحى فلا تطلبن له أثرا قال فقال له الحسن يا أمير المؤمنين ما كنت
أحسبك تقول هذا في أحد من آل العباس قال بلى إن السرى لم يزل ساخطا لما
صنع أبو جعفر قال وحدثني عمر بن راشد مولى عنج قال كنت بمكة فبعث إلينا
محمد حين ظهر الحسن بن معاوية والقاسم بن إسحاق ومحمد بن عبد الله بن عنبسة
يدي أبا جبرة أميرهم الحسن بن معاوية فبعث إليهم السرى بن عبد الله كاتبه مسكين
ابن هلال في ألف ومولى له يدعى مسكين بن نافع في ألف ورجلا من أهل مكة
يقال له ابن فرس كان شجاعا في سبعمائة وأعطاه خمسمائة دينار فالتقوا ببطن
أذاخر بين الثنيتين وهى الثنية التي تهبط على ذي طوى منها هبط النبي صلى الله
عليه وسلم وأصحابه إلى مكة وهى داخلة في الحرم فتراسلوا فأرسل حسن إلى
السرى أن خل بيننا وبين مكة ولا تهريقوا الدماء في حرم الله وحلف
الرسولان للسرى ما جئناك حتى مات أبو جعفر فقال لهما السرى وعلى
مثل ما حلفتما به إن كانت مضت لي أربعة منذ جاءني رسول من عند أمير
المؤمنين فانظروني أربع ليال فإن أنتظر رسولا لي آخر وعلى ما يصلحكم ويصلح
دوابكم فإن يكن ما تقولونه حقا سلمتها إليكم وإن يكن باطلا أجاهدكم حتى
تغلبوني أو أغلبكم فأبى الحسن وقال لا نبرح حتى نناجزك ومع الحسن سبعون رجلا
وسبعة من الخيل فلما دنوا منه قال لهم الحسن لا يقد من أحد منكم حتى ينفخ ونتوافى
البوق فإذا نفخ فلتكن حملتكم حملة رجل واحد فلما رهقناهم وخشي الحسن أن يغشاه
وأصحابه ناداه انفخ ويحك في البوق فنفخ وبتوا وحملوا علينا حملة رجل واحد
201

فانهزم أصحاب السرى وقتل منهم سبعة نفر قال واطلع عليهم بفرسان من أصحابه
وهم من وراء الثنية في نفر من قريش قد خرج بهم وأخذ عليهم لننصرنه فلما رآهم
القرشيون قالوا هؤلاء أصحابك قد انهزموا قال لا تعجلوا إلى أن طلعت الخيل
والرجال في الجبال فقيل له ما بقى فقال انهزموا على بركة الله فانهزموا حتى دخلوا
دار الامارة وطرحوا أداة الحرب وتسوروا على رجل من الجند يكنى أبا الرزام
فدخلوا بيته فكانوا فيه ودخل الحسن بن معاوية المسجد فخطب الناس ونعى إليهم
أبا جعفر ودعا لمحمد قال وحدثني يعقوب بن القاسم قال حدثني الغمر بن حمزة
ابن أبي رملة مولى العباس بن عبد المطلب قال لما أخذ الحسن بن معاوية مكة وفر
السرى بلغ الخبر أبا جعفر فقال لهفي على ابن أبي العضل قال وحدثني ابن أبي مساور بن
عبد الله بن مساور مولى بن نائلة من بنى عبد الله بن معيص قال كنت بمكة مع السرى بن
عبد الله فقدم عليه الحسن بن معاوية قبل مخرج محمد والسري يومئذ بالطائف
وخليفته بمكة ابن سراقة من بنى عدى بن كعب قال فاستدى عتبة بن أبي خداش
اللهبي على الحسن بن معاوية في دين عليه فحبسه فكتب له السرى إلى ابن أبي خداش
أما بعد فقد أخطأت حظك وساء نظرك لنفسك حين تحبس ابن معاوية وإنما
أصبت المال من أخيه وكتب إلى ابن سراقة يأمره بتخليته وكتب إلى ابن معاوية
يأمره بالمقام إلى أن يقدم فيقضى عنه قال فلم يلبث أن ظهر محمد فشخص إليه
الحسن بن معاوية عاملا على مكة فقيل للسرى هذا ابن معاوية قد أقبل إليك قال
كلاما يفعل وبلائي عنده فكيف يخرج إلى أهل المدينة فوالله ما بها دار إلا وقد
دخلها لي معروف فقيل له قد نزل فجاء قال فشخص إليه ابن جريج فقال له أيها
الرجل إنك والله ما أنت بواصل إلى مكة وقد اجتمع أهلها مع السرى أتراك
قاهرا قريشا وغاصبها على دارها قال يا ابن الحائك أبأهل مكة تخوفني و الله
ما أبيت إلا بها أو أموت دونها ثم وثب في أصحابه وأقبل إليه السرى فلقيه بفخ
فضرب رجل من أصحاب الحسن مسكين بن هلال كاتب السرى على رأسه فشجه
فانهزم السرى وأصحابه فدخلوا مكة والتف أبو الرزام رجل من بنى عبد الدار ثم
202

أحد آل شيبة على السرى فواراه في بيته ودخل الحسن مكة ثم إن الحسن أقام
بمكة يسيرا ثم ورد كتاب محمد عليه يأمره باللحاق به وذكر عمر عن عبد الله
ابن إسحاق بن القاسم قال سمعت من لا أحصى من أصحابنا يذكر أن الحسن
والقاسم لما أخذا مكة تجهزا وجمعا جمعا كثيرا ثم أقبلا يريد ان محمدا ونصرته على
عيسى بن موسى واستخلفا على مكة رجلا من الأنصار فلما كانا بقديد لقيهما قتل
محمد فتفرق الناس عنهما وأخذ الحسن على بسقة وهى حرة في الرمل تدعى بسقة
قديد فلحق بإبراهيم فلم يزل مقيما بالبصرة حتى قفل إبراهيم وخرج القاسم بن إسحاق
يريد إبراهيم فلما كان ببديع من أرض فدك لقيه قتل إبراهيم فرجع إلى المدينة فلم
يزل مختفيا حتى أخذت ابنة عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر زوجة
عيسى بن موسى له ولإخوته الأمان فصهره بنو معاوية وظهر القاسم قال وحدثني
عمر بن راشد مولى عنج قال لما ظهر الحسن بن معاوية على السرى أقام قليلا
حتى أتاه كتاب محمد يأمره بالشخوص إليه ويخبره أن عيسى قددنا من المدينة
ويستعجله بالقدوم قال فخرج من مكة يوم الاثنين في مطر شديد زعموا أنه اليوم
الذي قتل فيه محمد فتلقاه بريد لعيسى بن موسى بأمج وهو ماء لخزاعة بين عسفان
وقديد بقتل محمد فهرب وهرب أصحابه أصحابه قال عمرو حدثني محمد بن يحيى قال حدثني
عبد العزيز بن أبي ثابت عن أبي سيار قال كنت حاجب محمد بن عبد الله فجاءني
راكب من الليل قال قدمت من البصرة وقد خرج بها إبراهيم فأخذها قال فجئت
دار مروان ثم جئت المنزل الذي فيه محمد فدققت الباب فصاح بأعلى صوته من
هذا قلت أبو سيار قال لا حول ولا قوة إلا بالله اللهم إني أعوذ بك من شر طوارق الليل
إلا طارق يطرق منك بخير قال خير قلت خير قال ما وراءك قلت أخذ إبراهيم البصرة
وكان محمد إذا صلى المغرب والصبح صاح صائح ادعوا الله لاخوانكم من أهل
البصرة وللحسن بن معاوية واستنصروه على عدوكم قال وحدثني عيسى قال قدم
علينا رجل من أهل الشأم فنزل دارنا وكان يكنى أبا عمرو فكان أبى يقول له
كيف ترى هذا الرجل فيقول حتى ألقاه فأسبره ثم أخبرك قال عيسى فلقيه أبى
203

بعد فسأله فقال هو والله الرجل كل الرجل ولكن رأيت شحم ظهره ذراعا وليس
هكذا يكون صاحب الحرب قال ثم بايعه بعد وقاتل معه قال وحدثني عبد الله بن
محمد بن سلم يدعى ابن البواب مولى المنصور قال كتب أبو جعفر إلى الأعمش
كتابا على لسان محمد يدعوه إلى نصرته فلما قرأه قال قد خبرناكم يا بني هاشم
فإذا أنتم تحبون الثريد فلما رجع الرسول إلى أبى جعفر فأخبره قال أشهد
أن هذا كلام الأعمش * وحدثني الحارث قال حدثني ابن سعد عن محمد بن عمر
قال غلب محمد بن عبد الله على المدينة فبلغنا ذلك فخرجنا ونحن شباب أنا يومئذ
ابن خمس عشرة سنة فانتهينا إليه وهو قد اجتمع إليه الناس ينظرون إليه ليس يصد عنه
أحد فدنوت حتى رأيته وتأملته وهو على فرس وعليه قميص أبيض محشو
وعمامة بيضاء وكان رجلا احزم قد أثر الجدري في وجهه ثم وجه إلى مكة
فأخذت له وبيضوا ووجه أخاه إبراهيم بن عبد الله إلى البصرة فأخذها وغلبها
وبيضوا معه (رجع الحديث إلى حديث عمر) قال عمر وحدثني محمد بن يحيى
قال حدثني الحارث بن إسحاق قال ندب أمير المؤمنين أبو جعفر عيسى بن موسى
لقتال محمد وقال لا أبالى أيهما قتل صاحبه وضم إليه أربعة آلاف من الجند
وبعث معه محمد بن أبي العباس أمير المؤمنين قال وحدثني عبد الملك بن شيبان
عن زيد مولى مسمع قال لما أمر أبو جعفر عيسى بن موسى بالشخوص قال شاور
عمومتك فقال له امض أيها الرجل فوالله ما يراد غيري وغيرك وما هو إلا أن تشخص
أو أشخص قال فسار حتى قدم علينا ونحن بالمدينة قال وحدثني عبد الملك بن شيبان
قال دعا أبو جعفر جعفر بن حنظلة البهراني وكان أبرص طوالا أعلم الناس
بالحرب وقد شهد مع مروان حروبه فقال يا جعفر قد ظهر محمد فما عندك قال وأين
ظهر قال بالمدينة قال فاحمد الله ظهر حيث لا مال ولا رجال ولا سلاح ولا كراع
ابعث مولى لك تثق به فليسر حتى ينزل بوادي القرى فيمنعه ميرة الشأم فيموت
مكانه جوعا ففعل قال وحدثني عبد الله بن راشد بن يزيد قال سمعت أصحابنا إسماعيل
ابن موسى وعيسى بن النضر وغيرهما يذكرون أن أبا جعفر قدم كثير بن حصين
204

العبدي فعسكر بفيد وخندق عليه خندقا حتى قدم عليه عيسى بن موسى فخرج
به إلى المدينة قال عبد الله فأنا رأيت الخندق قائما دهرا طويلا ثم عفا ودرس
قال وحدثني يعقوب بن القاسم قال حدثني علي بن أبي طالب ولقيته بصنعاء قال
قال أبو جعفر لعيسى حين بعثه إلى محمد عليك بأبي العسكر مسمع بن محمد بن شيبان
ابن مالك بن مسمع فسر به معك فإني قد رأيته منع سعيد بن عمرو بن جعدة بن
هبيرة من أهل البصرة وهم محلبون عليه وهو يدعو إلى مروان وهو عند أبي العسكر
يأكل المخ بالطبرزد فخرج به عيسى فلما كان ببطن نخل تخلف هو والمسعودي بن
عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود حتى قتل محمد فبلغ
ذلك أبا جعفر فقال لعيسى بن موسى ألا ضربت عنقه * وحدثني عيسى بن عبد الله ابن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب قال أخبرني أبي قال قال أبو جعفر لعيسى
ابن موسى حين ودعه يا عيسى إني أبعثك إلى ما بين هذين وأشار إلى جنبيه فإن
ظفرت بالرجل فشم سيفك وابذل الأمان وإن تغيب فضمنهم إياه حتى يأتوك
به فإنهم يعرفون مذاهبه قال فلما دخلها عيسى فعل ذلك * فحدثني الحارث قال
حدثنا ابن سعد قال قال محمد بن عمر وجه أبو جعفر إلى محمد بن عبد الله بالمدينة
عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ووجه معه محمد بن أبي العباس
أمير المؤمنين وعدة من قواد أهل خراسان وجندهم وعلى مقدمة عيسى بن موسى
حميد بن قحطبة الطائي وجهزهم بالخيل والبغال والسلاح والميرة فلم ينزل ووجه
مع عيسى بن موسى بن أبي الكرام الجعفري وكان في صحابة أبى جعفر وكان مائلا
إلى بنى العباس فوثق به أبو جعفر فوجهه.... (رجع الحديث إلى حديث عمر
ابن شبة) قال عمر وحدثني عيسى عن أبيه قال كتب أبو جعفر إلى عيسى بن موسى
من لقيك من آل أبي طالب فاكتب إلى باسمه ومن لم يلقك فاقبض ماله قال فقبض
عين أبى زياد وكان جعفر بن محمد تغيب عنه فلما قدم أبو جعفر كلمه جعفر وقال
مالي قال قد قبضه مهديكم فال وحدئنى محمد بن يحيى قال حدثني الحارث بن إسحاق
قال لما صار عيسى بفيد كتب إلى رجال من أهل المدينة في خرق الحرير منهم
205

عبد العزيز بن المطلب المخزومي وعبيد الله بن محمد بن صفوان الجمحي فلما وردت
كتبه المدينة تفرق ناس كثير عن محمد منهم عبد العزيز بن المطلب فأخذ فرد فأقام
يسيرا ثم خرج فرد مرة أخرى وكان أخوه علي بن المطلب من أشد الناس مع محمد
فكلم محمدا في أخيه حتى كفه عنه قال وحدثني عيسى قال كتب عيسى بن موسى إلى
أبى في حريرة صفراء جاء بها أعرابي بين خصا في نعله قال عيسى فرأيت الأعرابي
قاعدا في دارنا وإني لصبي صغير فدفعها إلى أبى فإذا فيها ان محمدا تعاطى ما ليس
يعطيه الله وتناول ما لم يؤته الله قال الله عز وجل في كتابه (قل اللهم مالك
الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك من تشاء وتعز من تشاء
وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شئ قدير) فعجل التخلص وأقل
التربص وادع من أطاعك من قومك إلى الخروج معك قال فخرج وخرج معه
عمر بن محمد بن عمر وأبو عقيل محمد بن عبد الله بن محمد بن عقيل قال ودعوا
الأفطس حسن بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب إلى الخروج معهم فأبى
وثبت مع محمد وذكر خروجهم لمحمد فأرسل إلى ظهرهم فأحده فأتاه عمر بن محمد
فقال أنت تدعو إلى العدل ونفى الجور فما بال إبلي تؤخذ فإنما أعددتها لحج أو عمرة
قال فدفعها إليه فخرجوا من تحت ليلتهم فلقوا عيسى على أربع أو خمس من المدينة
قال وحدثني أيوب بن عمر بن أبي عمرو بن نعيم بن مهان قال كتب أبو جعفر
إلى رجال من قريش وغيرهم كتبا وأمر عيسى إذا دنا من المدينة أن يبعث بها
إليهم فلما دنا بعث بها إليهم فأخذ حرس محمد الرسول والكتب فوجد فيها كتابا
إلى إبراهيم بن طلحة بن عمر بن عبيد الله بن معمر وإلى جماعة من رؤساء قريش
فبعث محمد إلينا جميعا ما خلا ابن عمر وأبا بكر بن أبي سبرة فحبسنا في دار ابن هشام
التي في المصلى قال أبى وبعث إلى وإلى أخي فأتى بنا فضر بنا ثلثمائة ثلثمائة قال فقلت
له وهو يضربني ويقول أردت أن تقتلني تركتك وأنت تستتر بحجر وبيت شعر
حتى إذا صارت المدينة في يدك وغلظ أمرك قمت عليك فيمن أقوم أبطاقتي أم
بمالي أم بعشيرتي قال ثم أمر بنا إلى الحبس وقيدنا بكبول وسلاسل تبلغ ثمانين
206

رطلا قال فدخل عليه محمد بن عجلان فقال إني قد ضربت هذين الرجلين ضربا
فاحشا وقيدتهما بما منعهما من الصلاة قال فلم يزالا محبوسين حتى قدم عيسى قال
وحدثني محمد بن يحيى قال حدثني عبد العزيز بن أبي ثابت عن عبد الحميد بن جعفر
ابن عبد الله بن أبي الحكم قال إنا لعند محمد ليلة وذلك عند دنو عيسى من المدينة
إذ قال محمد أشيروا على في الخروج والمقام قال فاختلفوا فأقبل على فقال أشر على
يا أبا جعفر قلت ألست تعلم أنك أقل بلاد الله فرسا وطعاما وسلاحا وأضعفها
رجالا قال بلى قلت تعلم أنك تقاتل أشد بلاد الله رجلا وأكثرها مالا وسلاحا
قال بلى قلت فالرأي أن تسير بمن معك حتى تأتى مصرفوا لله لا يردك راد فتقاتل الرجل
بمثل سلاحه وكراعه ورجاله وماله فصاح حنين بن عبد الله أعوذ بالله أن تخرج من
المدينة وحدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال رأيتني في درع حصينة فأولتها المدينة قال
وحدثني محمد بن إسماعيل بن جعفر عن الثقة عنده قال أجاب محمدا لما ظهر أهل المدينة
وأعراضها وقبائل من العرب منهم جهينة ومزينة وسليم وبنو بكر وأسلم وغفار فكان
يقدم جهينة فغضبت من ذلك قبائل قيس * قال محمد فحدثني عبد الله بن معروف أحد
بنى رباح بن مالك بن عصية بن خفاف وقد شهد ذاك قال جاءت محمدا بنو سليم
على رؤسائها فقال متكلمهم جابر بن أنس الرياحي يا أمير المؤمنين نحن أخوالك
وجيرانك وفينا السلاح والكراع والله لقد جاء الاسلام والخيل في بنى سليم
أكثر منها بالحجاز لقد بقى فينا منها ما إن بقى مثله عند عربي تسكن إليه البادية
فلا تخندق الخندق فان رسول الله خندق خندقه لما الله أعلم به فإنك إن خندقته
لم يحسن القتال رجالة ولم يوجه لنا الخيل بين الأزقة وان الذين يخندق دونهم هم
الذين يقاتلون فيها وان الذين يخندق عليهم يحول الخندق دونهم فقال أحد بنى
شجاع خندق رسول الله فاقتد برأيه أو تريد أنت أن تدع رأى رسول الله صلى الله
عليه وسلم لرأيك قال إنه والله يا ابن شجاع ما شئ أثقل عليك وعلى أصحابك من
لقائهم ولا شئ أحب إلى وإلى أصحابي من مناجزتهم فقال محمد إنما اتبعنا في الخندق
أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يردني عنه أحد فلست بتاركه قال وحدثني
207

محمد بن يحيى عن الحارث بن إسحاق قال لما تيقن محمد أن عيسى قد أقبل حفر الخندق
خندق النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان حفره للأحزاب قال وحدثني سعيد
ابن عبد الحميد بن جعفر قال حدثني محمد بن عطية مولى المطلبيين قال لما حفر محمد
الخندق ركب إليه وعليه قباء أبيض ومنطقة وركب الناس معه فلما أتى الموضع
نزل فيه فبدأ هو فحفر بيده فأخرج لبنة من خندق النبي صلى الله عليه وسلم فكبر
وكبر الناس معه وقالوا أبشر بالنصر هذا خندق جدك رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال وحدثني محمد بن الحسن بن زبالة قال حدثني مصعب بن عثمان بن مصعب
ابن عروة بن الزبير قال لما نزل عيسى الأعوص رقى محمد المنبر فحمد الله وأثنى عليه
ثم قال إن عدو الله وعدوكم عيسى بن موسى قد نزل الأعوص وإن أحق الناس
بالقيام بهذا الذين أبناء المهاجرين الأولين والأنصار المواسين قال وحدثني إبراهيم
ابن أبي إسحاق العبسي شيخ من غطفان قال أخبرني أبو عمر ومؤدب محمد بن
عبد الرحمن بن سليمان قال سمعت الزبيري الذي قتله أبو جعفر يعنى عثمان بن محمد
ابن خالد قال اجتمع مع محمد جمع لم أر مثله ولا أكثر منه إني لأحسب أنا قد كنا
مائة ألف فلما قرب عيسى خطبنا فقال يا أيها الناس إن هذا الرجل قد قرب منكم
في عدد وعدة وقد حللتكم من بيعتي فمن أحب المقام فليقم ومن أحب الانصراف
فلينصرف فتسللوا حتى بقى في شرذمة ليس بالكثيرة قال وحدثني موهوب
ابن رشيد بن حيان بن أبي سليمان بن سمعان أحد بنى قريط بن عبد الله بن أبي بكر
ابن كلاب قال حدثني أبي قال لما ظهر محمد جمع الناس وحشرهم وأخذ عليهم
المناقب فلا يخرج أحد فلما سمع بعيسى وحميد بن قحطبة قد أقبلا صعد المنبر فقال
يا أيها الناس إنا قد جمعناكم للقتال وأخذنا عليكم المناقب وإن هذا العدو منكم
قريب وهو في عدد كثير والنصر من الله والامر بيده وإنه قد بدا لي أن آذن
لكم وأفرج عنكم المناقب فمن أحب أن يقيم أقام ومن أحب أن يظعن ظعن قال
أبى فخرج عالم من الناس كنت فيهم فلما كنا بالعريض وهو على ثلاثة أميال من
المدينة لقيتنا مقدمة عيسى بن موسى دون الرحبة فما شبهت رجالهم إلا رجلا من
208

جراد قال فمضينا وخالفونا إلى المدينة قال وحدثني محمد بن يحيى قال حدثني الحارث
ابن إسحاق قال خرج ناس كثير من أهل المدينة بذراريهم وأهليهم إلى الاعراض
والجبال فأمر محمد أبا القلمس فرد من قدر عليه منهم فأعجزه كثير منهم فتركهم
قال وحدثني عيسى قال حدثني الغاضري قال قال لي محمد أعطيك سلاحا وتقاتل
معي قلت نعم إن أعطيتني رمحا أطعنهم به وهم بالاعوص وسيفا أضربهم به وهم
بهسفا قال ثم مكث غير كثير ثم بعث إلى فقال ما تنتظر قلت ما أهون عليك أبقاك
الله أن أقتل وتمروا فيقال والله إن كان لباد يا قال ويحك قد بيض أهل الشأم
وأهل العراق وخراسان قال قلت اجعل الدنيا زبدة بيضاء وأنا في مثل صوته
الدواة ما ينفعني هذا وعيسى بالاعوص قال وحدثني عيسى عن أبيه عن جده
قال وجه أبو جعفر مع عيسى بن موسى بابن الأصم ينزله المنازل فلما قدموا نزلوا
على ميل من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ابن الأصم ألا إن الخيل
لا عمل لها مع الرجالة وإني أخاف إن كشفوكم كشفة أن يدخلوا عسكركم فرفعهم
إلى سقاية سليمان بن عبد الملك بالجرف وهى على أربعة أميال من المدينة وقال
لا يهرول الراجل أكثر من ميلين أو ثلاثة حتى تأخذه الخيل قال وحدثني عيسى
قال حدثني محمد بن أبي الكرام قال لما نزل عيسى طرف القدوم أرسل إلى نصف
الليل فوجدته جالسا والشمع والأموال بين يديه فقال جاءتني العيون تخبرني أن
هذا الرجل في ضعف وأنا أخاف أن ينكشف وقد ظننت ألا مسلك له الا إلى
مكة فأضمم إليك خمسمائة رجل فامض بها معاندا عن الطريق حتى تأتى الشجرة
فتقيم بها قال فأعطاهم على السمع فخرجت بهم حتى مررت بالبصرة بالبطحاء وهى
بطحاء ابن أزهر على ستة أميال من المدينة فخاف أهلها فقلت لا بأس عليكم أنا
محمد بن عبد الله هل من سويق قال فأخرجوا إلينا سويقا فشربنا وأقمنا بها حتى
قتل محمد قال وحدثني محمد بن إسماعيل عن الثقة عنده قال لما قرب عيسى أرسل
إلى محمد القاسم بن الحسن بن زيد يدعوه إلى الرجوع عما هو عليه ويخبره أن
أمير المؤمنين قد آمنه وأهل بيته فقال محمد للقاسم والله لولا أن الرسل لا تقتل
209

لضربت عنقك لانى لم أرك منذ كنت غلاما في فرقتين خير وشر الا كنت مع
الشر على الخير وأرسل محمد إلى عيسى يا هذا إن لك برسول الله قرابة قريبة
وإني أدعوك إلى كتاب الله وسنة نبيه والعمل بطاعته وأحذرك نقمته وعذابه
وانى والله ما أنا بمنصرف عن هذا الامر التي ألقى الله عليه فإياك أن يقتلك من
يدعوك إلى الله فتكون شر قتيل أو تقتله فيكون أعظم لوزرك وأكثر لمأثمك
فأرسل هذه الرسالة مع إبراهيم بن جعفر فبلغه فقال ارجع إلى صاحبك فقل له
ليس بيننا الا القتال قال وحدثني إبراهيم بن محمد بن أبي الكرام بن عبد الله بن علي
ابن عبد الله بن جعفر قال أخبرني أبي قال لما قرب عيسى من المدينة أرسلني إلى محمد بأمانه
فقال لي محمد علام تقاتلونني وتستحلون دمى وإنما أنا رجل فر من أن يقتل قال قلت إن
القوم يدعونك إلا الأمان فان أبيت إلا قتالهم قاتلوك على ما قاتل عليه خير
آبائك على طلحة والزبير على نكث بيعتهم وكيد ملكهم والسعي عليهم قال
فأخبرت بذلك أبا جعفر فقال والله ما سرنى أنك قلت له غير ذلك وإن لي كذا
وكذا قال وحدثني هشام بن محمد بن عروة بن هشام بن عروة قال أخبرني ماهان
ابن بخت مولى قحطبة قال لما صرنا بالمدينة أتانا إبراهيم بن جعفر بن مصعب
طليعة فطاف بعسكرنا حتى جسه كله ثم ولى ذاهبا قال فرعبنا منه والله رعبا
شديدا حتى جعل عيسى وحميد بن قحطبة يعجبان فيقولان فارس واحد طليعة
لأصحابه فلما ولى مدى أبصارنا نظرنا إليه مقيما بموضع واحد فقال حميد ويحكم
انظروا ما حال الرجل فانى أرى دابته واقفا لا تزول فوجه إليه حميد رجلين
من أصحابه فوجدا دابته قد عثر به فصرعه ففرس التنور عنقه فأخذا سلبه فأتينا
بتنور قيل إنه كان لمصعب بن الزبير مذهب لم ير مثله قط قال وحدثني محمد بن
يحيى قال حدثني الحارث بن إسحاق قال نزل عيسى بقصر سليمان بالجرف صبيحة
اثنتي عشرة من رمضان من سنة 145 يوم السبت فأقام يوم السبت ويوم الاحد
وغدا يوم الاثنين حتى استوى على سلع فنظر إلى المدينة والى من دخلها وخرج
منها وشحن وجوهها كلها بالخيل والرجال إلا ناحية مسجد أبى الجراح وهو
210

على بطحان فإنه تركه لخروج من هرب وبرز محمد في أهل المدينة قال وحدثني
عيسى قال حدثنا محمد بن زيد قال قدمنا مع عيسى فدعا محمدا ثلاثا الجمعة والسبت
والاحد قال وحدثني عبد الملك بن شيبان قال حدثني زيد مولى مسمع قال لما
عسكر عيسى أقبل على دابة يمشى حواليه نحو من خمسمائة وبين يديه راية يسار
بها معه فوقف على الثنية ونادى يا أهل المدينة إن الله قد حرم دماء بعضنا على
بعض فهلموا إلى الأمان فمن قام تحت رايتنا فهو آمن ومن دخل داره فهو آمن
ومن دخل المسجد فهو آمن ومن ألقى سلاحه فهو آمن ومن خرج من المدينة
فهو آمن خلوا بيننا وبين صاحبنا فاما لنا أوله قال فشتموه وأقذعوا له وقالوا
يا ابن الشاة يا ابن كذا يا ابن كذا فانصرف يومه ذلك وعاد من الغد ففعل مثل
ذلك فشتموه فلما كان اليوم الثالث أقبل بما لم أر مثله قط من الخيل والرجال
والسلاح فوالله ما لبثنا أن ظهر علينا ونادى بالأمان فانصرف إلى معسكره قال
وحدثني إبراهيم الغطفاني قال سمعت أبا عمرو مؤدب محمد بن عبد الرحمن
يحدث عن الزبيري يعنى عثمان بن محمد بن خالد قال لما التقينا نادى عيسى بنفسه
أيا محمد ان أمير المؤمنين أمرني أن لا أقاتلك حتى أعرض عليك الأمان فلك
على نفسك وأهلك وولدك وأصحابك وتعطى من المال كذا وكذا ويقضى
عنك دينك ويفعل بك ويفعل قال فصاح محمدا له عن هذا فوالله لو علمت أنه
لا يثنيني عنكم فزع ولا يقربني منكم طمع ما كان هذا قال ولج القتال وترجل
محمد فإني لا حسبه قتل بيده يومئذ سبعين رجلا قال وحدثني عيسى قال حدثني
محمد بن زيد قال لما كان يوم الاثنين وقف عيسى على ذباب ثم دعا مولى لعبد الله
ابن معاوية كان معه وكان على مجففته فقال خذ عشرة من أصحابك أصحاب
التجافيف فجاء بهم فقال لنا ليقم معه عشرة منكم يا آل أبي طالب قال فقنمامعه
ومعنا ابنا محمد بن عمر بن علي عبد الله وعمر ومحمد بن عبد الله بن عقيل والقاسم
ابن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي وعبد الله بن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر
في عشرة منا فقال انطلقوا إلى القوم فادعوهم واعطوهم أمانا وبقى أمان الله
211

قال فخرجنا حتى جئنا سوق الحطابين فدعوناهم فسبونا ورشقونا بالنبل وقالوا
هذا ابن رسول الله معنا ونحن معه فكلمهم القاسم بن الحسن بن زيد فقال وأنا
ابن رسول الله وأكثر من ترون بنو رسول الله ونحن ندعوكم إلى كتاب الله
وسنة نبيه وحقن دمائكم والأمان لكم فجعلوا يسبوننا ويرشقوننا بالنبل فقال
القاسم لغلامه القط هذا النبل فلقطها فأخذها قاسم بيده ثم دخل بها إلى عيسى
فقال ما تنتظر انظر ما صنعوا بنا فأرسل عيسى حميد بن قحطبة في مائة قال
حدثني أزهر بن سعيد بن نافع قال حدثني إخواني عثمان ومحمد ابنا سعيد وكانا
مع محمد قال وقف القاسم بن الحسن ورجل معه من آل أبي طالب على رأس
ثنية الوداع فدعوا محمدا إلى الأمان فسبهما فرجعا وأقبل عيسى وقد فرق القواد
فجعل هزار مرد عند حمام ابن أبي الصعبة وكثير بن حصين عند دار ابن أفلح
التي ببقيع الغرقد ومحمد بن أبي العباس على باب بنى سلمة وفرق سائر القواد على
أنقاب المدينة وصار عيسى في أصحابه على رأس الثنية فرموا بالنشاب والمقاليع
ساعة * وحدثني أزهر قال جعل محمد ستور المسجد دراريع لأصحابه قال وحدثني
عبد الله بن إسحاق بن القاسم قال حدثني عمر شيخ من الأنصار قال جعل محمد
ظلال المسجد خفانين لأصحابه فأتاه رجلان من جهينة فأعطى أحدهما خفتانا ولم
يعط الآخر فقاتل صاحب الخفتان ولم يقاتل الآخر معه فلما حضرت الحرب
أصابت صاحب الخفتان نشابة فقتلته فقال صاحبه
يا رب لا تجعلني كمن حان * وباع باقي عيشه بخفتان
قال وحدثني أيوب بن عمر قال حدثني إسماعيل بن أبي عمرو قال إنا
لوقوف على خندق بنى غفار إذ أقبل رجل على فرس ما يرى منه إلا عيناه فنادى
الأمان فأعطى الأمان فدنا حتى لصق بنا فقال أفيكم من يبلغ عنى محمدا قلت
نعم أنا قال فأبلغه عنى وحسر عن وجهه فإذا شيخ مخضوب فقال قل له يقول
لك فلان التميمي بآية إني وإياك جلسنا في ظل الصخرة في جبل جهينة في سنة
كذا اصبر إلى الليل فإن عامة الجند معك قال فأتيته قبل أن يغدو وذلك يوم الاثنين
212

في اليوم الذي قتل فيه فوجدت بين يديه قربة عسل أبيض قد شقت من وسطها
ورجل يتناول من العسل ملء كفه ثم يغمسه في الماء ثم يلقمه إياه ورجل
يحزم بطنه بعمامة فأبلغته الرسالة فقال قد أبلغت فقلت أخواي في يدك قال
مكانهما خير لهما قال وحدثني إبراهيم بن مصعب بن عمارة بن حمزة بن مصعب
ابن الزبير قال حدثني محمد بن عثمان بن محمد بن خالد بن الزبير قال كانت راية
محمد إلى أبى فكنت احملها عنه قال وحدثني عيسى عن أبيه قال كان مع الأفطس
حسن بن علي بن حسين علم أصفر فيه صورة حية ومع كل رجل من أصحابه
من آل علي بن أبي طالب علم وشعارهم أحد أحد قال وكذلك كان شعار النبي
صلى الله عليه وسلم يوم حنين قال وحدثني سعيد بن عبد الحميد بن جعفر بن
عبد الله بن أبي الحكم قال أخبرنا جهم بن عثمان مولى بنى سليم ثم أحد بنى بهز
قال قال لي عبد الحميد بن جعفر يوم لقينا أصحاب عيسى نحن اليوم على عدة أهل
بدر يوم لقوا المشركين قال وكنا ثلثمائة ونيفا قال وحدثني إبراهيم بن موسى بن
عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس قال سمعت أبي يقول ولد
عيسى بن موسى في سنة 103 وشهد حرب محمد وإبراهيم وهو ابن ثلاث وأربعين
سنة وعلى مقدمته حميد بن قحطبة وعلى ميمنته محمد بن أبي العباس أمير المؤمنين
وعلى ميسرته داود بن كراز من أهل خراسان وعلى ساقته الهيثم بن شعبة قال
وحدثني عيسى عن أبيه قال لقى أبو القلمس محمد بن عثمان أخا أسد بن المرزبان
بسوق الحطابين فاجتلدا بسيفهما حتى تقطعا ثم تراجعا إلى مواقفهما فأخذ أخو
أسيد سيفا وأخذ أبو القلمس بأثفية فوضعها على قربوس سرجه وسترها بدرعه
ثم تعاودا فلما تدانيا قام أبو القلمس في ركائبه ثم ضرب بها صدره فصرعه ونزل
فاحتز رأسه قال وحدثني محمد بن الحسن بن زبالة قال حدثني عبد الله بن عمر
ابن القاسم بن عبد الله العمرى قال كنا مع محمد فبرز رجل من أهل المدينة
مولى لآل الزبير يدعى القاسم بن وائل فدعا للبراز فبرز إليه رجل لم أر مثل كماله
وعدته فلما رآه ابن وائل انصرف قال فوجدنا من ذلك وجدا شديدا فانا لعلى
213

ذلك إذ سمعت خشف رجل ورائي فالتفت فإذا أبو القلمس فسمعته يقول لعن الله
أمير السفهاء أن ترك مثل هذا اجترأ علينا وإن خرج رجل خرج إلى أمر عسى
أن لا يكون من شأنه قال ثم برز له فقتله قال وحدثني أزهر بن سعيد بن نافع قال
خرج القاسم بن وائل يومئذ من الخندق ثم دعا للبراز فبرز له هزار مرد فلما رآه
القاسم هابه فرجع فبرز أبو القلمس فقال ما انتفع في مثل هذا اليوم بسيفه قط ثم
ضربه على حبل عاتقه فقال خذها وأنا ابن الفاروق فقال رجل من أصحاب عيسى
قتلت خيرا من ألف فاروق قال وحدثني على أبو الحسن الحذاء من أهل الكوفة
قال حدثني مسعود الرحال قال شهدت مقتل محمد بالمدينة فانى لأنظر إليهم عند
أحجار الزيت وأنا مشرف عليهم من الجبل يعنى سلعا إذ نظرت إلى رجل من
أصحاب عيسى قد أقبل مستلئما في الحديد لا ترى منه الا عيناه على فرس حتى فصل
من صف أصحابه فوقف بين الصفين فدعا للبراز فخرج إليه رجل من أصحاب محمد
عليه قباء أبيض وكمه بيضاء وهو راجل فكلمه مليا ظننت أنه استرجله لتستوى
حالاهما فنظرت إلى الفارس ثنى رجله فنزل ثم التقيا فضربه صاحب محمد ضربة
على خوذة حديد على رأسه فأقعده على استه وقيذ الاحراك به ثم انتزع الخوذة فضرب
رأسه فقتله ثم رجع فدخل في أصحابه فلم ينشب ان خرج من صف عيسى آخر
كأنه صاحبه فبرز له الرجل الأول فصنع به مثل ما صنع بصاحبه ثم عاد إلى صفه
وبرز ثالث فدعاه فبرز له فقتله فلما قتل الثالث ولى يريد أصحابه فاعتوره أصحاب
عيسى فرموه فأثبتوه وأسرع يريد أصحابه فلم يبلغهم حتى خر صريعا فقتلوه دونهم
* وحدثني عيسى قال أخبرني محمد بن زيد قال لما أخبرنا عيسى برميهم إيانا قال
لحميد بن قحطبة تقدم فتقدم في مائة كلهم راجل غيره معهم النشاب والترسة فلم
يلبثوا أن زحفوا إلى جدار دون الخندق عليه أناس من أصحاب محمد فكشفوهم
ووقفوا عند الجدار فأرسل حميد إلى عيسى بهدم الجدار قال فأرسل إلى فعلة
فهدموه وانتهوا إلى الخندق فأرسل إلى عيسى إنا قد انتهينا إلى الخندق فأرسل
إليه عيسى بأبواب بقدر الخندق فعبروا عليها حتى كانوا من ورائه ثم اقتتلوا أشد
214

القتال من بكرة حتى صار العصر * وحدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال قال
محمد بن عمر أقبل عيسى بن موسى بمن معه حتى أناخ على المدينة وخرج إليه محمد بن
عبد الله ومن معه فاقتتلوا أياما قتالا شديدا وصبر نفر من جهينة يقال لهم بنو شجاع
مع محمد بن عبد الله حتى قتلوا وكان لهم غناء (رجع الحديث) إلى حديث عمر
* حدثني أزهر قال أمرهم عيسى فطرحوا حقائب الإبل في الخندق فأمر ببابي دار
سعد بن مسعود التي في الثنية فطرحا على الخندق فجازت الخيل فالتقوا عند مفاتح
خشرم فاقتتلوا حتى كان العصر * حدثني محمد بن يحيى قال حدثنا عبد العزيز بن أبي
ثابت قال انصرف محمد يومئذ قبل الظهر حتى جاء دار مروان فاغتسل وتحنط ثم
خرج قال عبد العزيز بن أبي ثابت فحدثني عبد الله بن جعفر قال دنوت منه فقلت له
بأبي أنت إنه والله مالك بما رأيت طاقة وما معك أحد يصدق القتال فاخرج الساعة
حتى تلحق بالحسن بن معاوية بمكة فإن معه جلة أصحابك فقال يا أبا جعفر والله
لو خرجت لقتل أهل المدينة والله لا أرجع حتى أقتل أو أقتل وأنت منى في سعة
فاذهب حيث شئت فخرجت معه حتى إذا جاء دار ابن مسعود في سوق الظهر
ركضت فأخذت على الزياتين ومضى إلى الثنية وقتل من كان معه بالنشاب
وجاءت العصر فصلى * حدثني محمد بن الحسن بن زبالة قال حدثني إبراهيم بن محمد
قال رأيت محمدا بين داري بنى سعد عليه جبة ممشقة وهو على برذون وابن خضير
إلى جانبه يناشده الله إلا مضى إلى البصرة أو غيرها ومحمد يقول والله لا تبتلون بي
مرتين ولكن اذهب حيث شئت فأنت في حل قال ابن خضير وأين المذهب
عنك ثم مضى فأحرق الديوان وقتل رياحا ثم لحقه بالثنية فقاتل حتى قتل
* وحدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد عن محمد بن عمر قال خرج مع محمد
ابن عبد الله بن خضير رجل من ولد مصعب بن الزبير فلما كان اليوم الذي
قتل فيه محمد ورأى الخلل في أصحابه وأن السيف قد أفناهم استأذن محمدا في
دخول المدينة فأذن له ولا يعلم ما يريد فدخل على رياح بن عثمان بن حيان
المري وأخيه فذبحهما ثم رجع فأخبر محمدا ثم تقدم فقاتل حتى قتل من ساعته
215

(رجع الحديث) إلى حديث عمر * حدثني أزهر قال حدثني أخي قال لما
رجع ابن خضير قتل رياحا وابن مسلم بن عقبة * وحدثني محمد بن يحيى قال
حدثني الحارث بن إسحاق قال ذبح ابن خضير رياحا ولم يجهز عليه فجعل
يضرب برأسه الجدار حتى مات وقتل معه عباسا أخاه وكان مستقيم الطريقة فعاب
الناس ذلك عليه ثم مضى إلى ابن القسري وهو محبوس في دار ابن هشام فنذر به
فردم بابى الدار دونه فعالج البابين فاجتمع من في الحبس فسدوهما فلم يقدر عليهم
فرجع إلى محمد فقاتل بين يديه حتى قتل * حدثني مسكين بن حبيب بن محمد قال
لما جاءت العصر صلاها محمد في مسجد بنى الديل في الثنية فلما سلم استسقى فسقته
ربيحة بنت أبي شاكر القرشية ثم قالت له جعلت فداك انج بنفسك قال إذا
لا يبقى بها ديك يصرخ ثم مضى فلما كان ببطن مسيل سلع نزل فعرقب دابته وعرقب
بنو شجاع دوابهم ولم يبق أحد إلا كسر غمد سيفه قال مسكين فلقد رأيتني وأنا
غلام جمعت من حليها نحوا من ثلثمائة درهم ثم قال لهم قد بايعتموني ولست بارحا
حتى أقتل فمن أحب أن ينصرف فقد أذنت له ثم أقبل على ابن خضير فقال له قد
أحرقت الديوان قال نعم خفت أن يؤخذ الناس عليه قال أصبت * حدثني أزهر
قال حدثني أخواي قالا لقد هزمنا يومئذ أصحاب عيسى مرتين أو ثلاثا ولكنا
لم نكن نعرف الهزيمة ولقد سمعنا بيزيد بن معاوية بن عبد الله بن جعفر يقول
وقد هزمناهم ويل أمه فتحا لو كان له رجال * وحدثني عيسى قال كان ممن انهزم
يومئذ وفر عن محمد عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب فأرسل
محمد وراءه فأتى به فجعل الصبيان يصيحون وراءه ألا باقة بقبقبه فكان عبد العزيز
يقول بعد ذلك إن أشد ما أتى على لصياح الصبيان * وحدثني عيسى قال حدثنا
مولى لهشام بن عمارة بن الوليد بن عدي بن الخيار قال كنا مع محمد فتقدم هشام
ابن عمارة إليه وأنا معه فقال إني لا آمن أن يخذلك من ترى فأشهد أن غلامي
هذا حر لوجه الله إن رمت أبدأ أو تقتل أو أقتل أو نغلب فقلت فوالله إني لمعه
إذ وقعت بترسه نشابة ففلقته باثنتين ثم خسفت في درعه فالتفت إلى فقال فلان
216

قلت لبيك قال ويلك رأيت مثل هذا قط يا فلان أيما أحب إليك نفسي أم أنت
قلت لابل نفسك قال فأنت حر لوجه الله فانطلق هاربا * وحدثني متوكل بن أبي
الفحوة قال حدثني محمد بن عبد الواحد بن عبد الله بن أبي فروة قال إنا لعلى
ظهر سلع ننظر وعليه أعاريب جهينة إذ صعد إلينا رجل بيده رمح قد نصب عليه
رأس رجل متصلا بحلقومه وكبده وأعفاج بطنه قال فرأيت منه منظرا هائلا
وتطيرت منه الأعاريب وأجفلت هاربة حتى أسهلت وعلا الرجل الجبل ونادى
على الجبل رطانة لأصحابه بالفارسية كوهبان فصعد إليه أصحابه حتى علوا سلعا
فنصبوا عليه راية سوداء ثم انصبوا إلى المدينة فدخلوها وأمرت أسماء بنت حسن
ابن عبد الله بن عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب وكانت تحت عبد الله بن حسين
ابن عبد الله بن عبيد الله بن عباس بخمار أسود فنصب على منارة مسجد رسول الله
صلى الله عليه وسلم فلما رأى ذلك أصحاب محمد تنادوا دخلت المدينة وهربوا
قال وبلغ محمدا دخول الناس من سلع فقال لكل قوم جبل يعصمهم ولنا جبل
لا نؤتى إلا منه * وحدثني محمد بن إسماعيل عن الثقة عنده قال فتح بنو أبى عمرو
الغفاريون للمسودة طريقا في بنى غفار فدخلوا منه حتى جاؤوا وراء أصحاب
محمد * وحدثني محمد بن يحيى قال حدثني عبد العزيز بن عمران قال نادى محمد يومئذ
حميد بن قحطبة إن كنت فارسا وأنت تعتد ذاك على أهل خراسان فأبرز لي فأنا
محمد بن عبد الله قال قد عرفتك وأنت الكريم ابن الكريم الشريف ابن الشريف
لا والله يا أبا عبد الله لا أبرز لك وبين يدي من هؤلاء الأغمار إنسان واحد فإذا
فرغت منهم فسأبرز لك لعمري * وحدثني عثمان بن المنذر بن مصعب بن عروة
ابن الزبير قال حدثني رجل من بنى ثعلبة بن سعد قال كنت بالثنية يوم قتل محمد
ابن عبد الله بن حسن ومعه ابن خضير قال فجعل ابن قحطبة يدعو ابن خضير إلى
الأمان ويشح به عن الموت وهو يشد على الناس بسيفه مترجلا يتمثل
لا تسقه حمزرا ولا حليبا * إن لم تجده سابحا يعبوبا
ذا ميعة يلتهم الحبوبا * كالذئب يتلو طمعا قريبا
يبادر الآثار أن تؤوبا * وحاجب الجونة أن يغيبا
217

قال فخالط الناس فضربه ضارب على أليته فحلها فرجع إلى أصحابه فشق ثوبا
فعصبها إلى ظهره ثم عاد إلى القتال فضربه ضارب على حجاج عينه فأغمص السيف
في عينه وخر فابتدره القوم فحزوا رأسه فلما قتل ترجل محمد فقالت على جيفته
حتى قتل * وحدثني مخلد بن يحيى بن حاضر بن المهاجر الباهلي قال سمعت الفضل
ابن سليمان مولى بنى نمير يخبر عن أخيه وكان قد قتل له أخ مع محمد قال كان
الخراسانية إذا نظروا إلى ابن خضير تنادوا خضير آمد خضير آمد وتصعصعوا
لذلك * وحدثني هشام بن محمد بن عروة بن هشام بن عروة قال أخبرني ماهان
ابن بخت مولى قحطبة قال أتينا برأس ابن خضير فوالله ما جعلنا نستطيع حمله لما
كان به من الجراح والله لكأنه باذنجانة مفلقة وكنا نضم أعظمه ضما * وحدثني
أزهر بن سعيد قال لما نظر أصحاب محمد إلى العلم الأسود على منارة المسجد
فت ذلك في أعضادهم ودخل حميد بن قحطبة من زقاق أشجع على محمد فقتله
وهو لا يشعر وأخذ رأسه فأتى به عيسى وقتل معه بشرا كثيرا * وحدثني
أبو الحسن الحذاء قال أخبرني مسعود الرحال قال رأيت محمدا يومئذ باشر
القتال بنفسه فأنظر إليه حين ضربه رجل بسيف دون شحمة أذنه اليمنى فبرك
لركبتيه وتاوروا عليه وصاح حميد بن قحطبة لا تقتلوه فكفوا وجاء حميد
فاحتز رأسه * وحدثني محمد بن يحيى قال حدثني الحارث بن إسحاق قال برك
محمد يومئذ لركبتيه وجعل يذب عن نفسه ويقول ويحكم أنا ابن نبيكم مجرح
مظلوم * وحدثني محمد بن يحيى قال حدثني ابن أبي ثابت عن عبد الله بن
جعفر قال طعنه ابن قحطبة في صدره فصرعه ثم نزل فاحتز رأسه فأتى به عيسى
* وحدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني أبو الحجاج المنقري قال
رأيت محمدا يومئذ وان أشبه ما خلق الله به لما ذكر عن حمزة بن عبد المطلب
يهذ الناس بسيفه هذا ما يقاربه أحد إلا قتله ومعه سيف لا والله ما يليق شيثا
حتى رماه انسان بسهم كأني أنظر إليه أحمر أزرق ثم دهمتنا الخيل فوقف إلى
ناحية جدار فتحاماه الناس فوجد الموت فتحامل على سيفه فكسره قال فسمعت
218

جدي يقول كان معه سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ذو الفقار * وحدثني
هرمز أبو علي مولى باهلة قال حدثني عمرو بن المتوكل وكانت أمة تخدم فاطمة
بنت حسين قال كان مع محمد يوم قتل سيف النبي صلى الله عليه وسلم ذو الفقار فلما
أحس الموت أعطى سيفه رجلا من التجار كان معه وكان له عليه أربعمائة دينار
فقال له خذ هذا السيف فإنك لا تلقى به أحدا من آل أبي طالب إلا أخذه وأعطاك
حقك قال فكان السيف عنده حتى ولى جعفر بن سليمان المدينة فأخبر عنه فدعا
الرجل وأخذ السيف منه وأعطاه أربعمائة دينار فلم يزل عنده حتى قام المهدى
وولى جعفر المدينة وبلغه مكان السيف فأخذه ثم صار إلى موسى فجرب به على
كلب فانقطع السيف * وحدثني عبد الملك بن قريب الأصمعي قال رأيت الرشيد
أمير المؤمنين بطوس متقلدا سيفا فقال لي يا أصمعي ألا أريك ذا الفقار قلت
بلى جعلني الله فداك قال استل سيفي هذا فاستللته فرأيت فيه ثمان عشرة فقارة
* وحدثني أبو عاصم النبيل قال حدثني أخو الفضل بن سليمان النميري قال كنا مع
محمد فأطاف بنا أربعون ألفا كانوا حولنا كالحرة السوداء فقلت له لو حملت فيهم
لانفرجوا عنك فقال إن أمير المؤمنين لا يحمل انه حمل لم تكن له بقية قال
فجعلنا نعيد ذلك عليه فحمل فالتفوا عليه فقتلوه * وحدثني عبد الله بن محمد بن
عبد الله بن سلم ويدعى ابن البواب وكان خليفة الفضل بن الربيع يحجب هارون
من أدباء الناس وعلمائهم قال حدثني أبي عن الأسلمي يعنى عبد الله بن عامر قال
قال لي محمد ونحن نقاتل معه عيسى تغشانا سحابة فان أمطرتنا ظفرنا هان تجاوزتنا
إليهم فانظر إلى دمى على أحجار الزيت قال فوالله ما لبثنا ان أطلتنا سحابة فأحالت
حتى قلت تفعل ثم جاوزتنا فأصابت عيسى وأصحابه فما كان إلا كلا ولا حتى رأيته
قتيلا بين أحجار الزيت * وحدثني إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن أبي الكرام قال
قال عيسى لحميد بن قحطبة عند العصر أراك قد أبطأت في أمر هذا الرجل فول
حمزة بن مالك حربه فقال والله لو رمت أنت ذاك ما تركتك أحين قتلت الرجال
ووجدت ريح الفتح ثم جد في القتال حتى قتل محمد * وحدثني جواد بن غالب
219

ابن موسى مولى بنى عجل قال أخبرني حميد مولى محمد بن أبي العباس قال اتهم
عيسى حميد بن قحطبة يومئذ وكان على الخيل فقال يا حميد ما أراك تبالغ قال
أتتهمني فوالله لا ضربن محمدا حين أراه بالسيف أو أقتل دونه قال فمر به وهو
مقتول فضربه بالسيف ليبر يمينه * وحدثني يعقوب بن القاسم قال حدثني على
ابن أبي طالب قال قتل محمد بعد العصر يوم الاثنين لأربع عشرة ليلة خلت من
شهر رمضان * وحدثني أيوب بن عمر قال حدثني أبي قال بعث عيسى فدق
السجن فحملنا إليه والقتال دائب بينهم فلم نزل مطرحين بين يديه حتى أتى برأس
محمد فقلت لاخى يوسف انه سيدعونا إلى معرفته ولا نعرفه له فانا نخاف أن
نخطئ فلما أتى به قال أتعرفانه قلنا نعم قال انظرا أهو هذا قال أبى فبدرت يوسف
فقلت أرى دما كثيرا وأرى ضربا فوالله ما أثبته قال فأطلقنا من الحديد وبتنا
عنده ليلتنا كلها حتى أصبحنا قال ثم ولانى ما بين مكة والمدينة فلم أزل واليا عليه
حتى قدم جعفر بن سليمان فحدرني إليه الزمني نفسه * وحدثني علي بن إسماعيل
ابن صالح بن ميثم قال حدثني أبو كعب قال حضرت عيسى حين قتل محمدا فوضع
رأسه بين يديه فأقبل على أصحابه فقال ما تقولون في هذا فوقعوا فيه قال فأقبل عليهم
قائد له فقال كذبتم والله وقلتم باطلا لما على هذا قاتلناه ولكنه خالف أمير
المؤمنين وشق عصا المسلمين وإن كان لصواما قواما فسكت القوم * وحدثني ابن
البواب عبد الله بن محمد قال حدثني أبي عن الأسلمي قال قدم على أبى جعفر قادم
فقال هرب محمد فقال كذبت نحن أهل البيت لا نفر * وحدثني عبد الله بن راشد
ابن يزيد قال حدثني أبو الحجاج الجمال قال إني لقائم على رأس أبى جعفر وهو مسائلي
عن مخرج محمد إذ بلغه أن عيسى قد هزم وكان متكئا فجلس فضرب بقضيب معه
مصلاه وقال كلا فأين لعب صبياننا بها على المنابر ومشورة النساء ما انى لذلك بعد
قال وحدثني محمد بن الحسن قال حدثني بعض أصحابنا قال أصاب أبا القلمس نشابة
في ركبته فبقى نصلها فعالجه فأعياه فقيل له دعه حتى يقيح فيخرج فتركه فلما طلب
بعد الهزيمة لحق بالحرة وأبطأ به ما أصاب ركبته فلم يزل بالنصل حتى استخرجه
220

ثم جثا لركبتيه ونكب كنانته فرماهم فتصدعوا عنه فلحق بأصحابه فنجا * وحدثني
محمد بن الحسن قال حدثني عبد الله بن عمر بن القاسم قال لما انهزمنا يومئذ كنت في
جماعة فيهم أبو القلمس فالتفت إليه فإذا هو مستغرب ضحكا قال فقلت والله ما هذا
بموضع ضحك وخفضت بصرى فإذا برجل من المنهزمة قد تقطع قميصه فلم يبق منه
إلا جربانه وما يستر صدره إلى ثدييه وإذا عورته بادية وهو لا يشعر قال فجعلت
أضحك لضحك أبى القلمس * فحدثني عيسى قال حدثني أبي قال لم يزل
أبو القلمس مختفيا بالفرع وبقى زمانا ثم عدا عليه عبد له فشدخ رأسه بصخرة فقتله
ثم أتى أم ولد كانت له فقال انى قد قتلت سيدك فهلمي أتزوجك قالت رويدا
أتصنع لك فأمهلها فأتت السلطان فأخبرته فأخذ العبد فشدخ رأسه
* حدثني محمود بن معمر بن أبي الشدائد قال أخبرني أبي قال لما دخلت
خيل عيسى من شعب بنى فزارة فقتل محمد اقتحم نفر على أبى الشدائد فقتلوه
وأخذوا رأسه فنادت ابنته الناعمة بنت أبي الشدائد وا رجالاه فقال لها رجل من
الجند ومن رجالك قالت بنو فزارة قال والله لو علمت ما دخلت بيتك فلا بأس
عليك نا امرؤ من عشيرتك من باهلة وأعطاها قطعة من عمامته فعلقتها على بابها
قال وأتى عيسى برأسه وعنده ابن أبي السكرام ومحمد بن لوط بن المغيرة بن نوفل
ابن الحارث بن عبد المطلب فاسترجعا، وقالا والله ما بقى من أهل المدينة أحد هذا
رأس أبى الشدائد فالح بن معمر رجل من بنى فزارة مكفوف قال فأمر مناديا
فنادى من جاء برأس ضربنا رأسه * وحدثني علي بن زادان قال حدثني عبد الله
ابن برقى فال رأيت قائدا من قواد عيسى جاء في جماعة يسأل عن منزل ابن هرمز
فأرشدناه إليه قال فخرج وعليه قميص رياط قال فأنزلوا قائدهم وحملوه على برذونه
وخرجوا به يزفونه حتى أدخلوه على عيسى فما هاجه * حدثني قدامة بن محمد قال
خرج عبد الله بن يزيد بن هرمز ومحمد بن عجلان مع محمد فلما حضر القتال تقلد كل
واحد منهما قوسا فظننا أنهما أرادا أن يريا الناس أنهما قد صلحا لذلك * وحدثني
عيسى قال حدثني حسين بن يزيد قال أتى بابن هرمز إلى عيسى بعدما قتل محمد فقال
221

أيها الشيخ أما وزعك فقهك عن الخروج مع من خرج قال كانت فتنة شملت الناس
فشملتنا فيهم قال اذهب راشدا * وحدثني محمد بن الحسن بن زبالة قال سمعت مالك
ابن أنس يقول كنت آتي ابن هرمز فيأمر الجارية فتغلق الباب وترخى الستر
ثم يذكر أول هذه الأمة ثم يبكى حتى تخضل لحيته قال ثم خرج مع محمد فقيل
له والله ما فيك شئ قال قد علمت ولكن يراني جاهل فيقتدى بي * حدثني عيسى
قال حدثني محمد بن زيد قال لما قتل محمدا انخرقت السماء بالمطر بما لم أر مثله انخرق
قط منها فنادى منادى عيسى لا يبيتن بالمدينة أحد من الجند إلا كثير بن حصين
وجنده ولحق عيسى بعسكره بالجرف فكان به حتى أصبح ثم بعث بالبشارة مع
القاسم بن حسن بن زيد وبعث بالرأس مع ابن أبي الكرام * وحدثني محمد بن يحيى
قال حدثني الحارث بن إسحاق قال لما أصبح محمد في مصرعه أرسلت أخته
زينب بنت عبد الله وابنته فاطمة إلى عيسى إنكم قد قتلتم هذا الرجل وقضيتم منه
حاجتكم فلو أذنتم لنا فواريناه فأرسل إليهما أما ما ذكرتما يا بنتي عمل مما نيل منه
فوالله ما أمرت ولا علمت فوارياه راشدتين فبعثت إليه فاحتمل فقيل إنه حشي
في مقطع عنقه عديله قطنا ودفن بالبقيع وكان قبره وجاه زقاق دار علي بن أبي
طالب شارعا على الطريق أو قريبا من ذلك وبعث عيسى بألوية فوضع على باب أسماء
بنت حسن بن عبد الله واحد وعلى باب العباس بن عبد الله بن الحارث آخر وعلى
باب محمد بن عبد العزيز الزهري آخر وعلى باب عبيد الله بن محمد بن صفوان آخر
وعلى باب دار أبى عمرو الغفاري آخر وصاح مناديه من دخل تحت لواء منها
أو دخل دارا من هذه الدور فهو آمن ومطرت السماء مطرا جودا فأصبح الناس
هادئين في أسواقهم وجعل عيسى يختلف إلى المسجد من الجرف فأقام بالمدينة
أياما ثم شخص صبح تسع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان يريد مكة * حدثني
أزهر بن سعيد قال لما كان الغد من قتل محمد أذن عيسى في دفنه وأمر بأصحابه
فصلبوا ما بين ثنية الوداع إلى دار عمر بن عبد العزيز قال أزهر فرأيتهم صفين ووكل
بخشبة ابن خضير من يحرسها فاحتمله قوم في الليل فواروه ولم يقدر عليهم وأقام
222

الآخرون مصلبين ثلاثا ثم تأذى بهم الناس فأمر عيسى بهم فألقوا على المفرح من
سلع وهى مقبرة اليهود فلم يزالوا هنالك ثم ألقوا في خندق بأصل ذباب * حدثني
عيسى بن عبد الله قال حدثتني أمي أم حسين بنت عبد الله بن محمد بن علي بن حسين
قالت قلت لعمى جعفر بن محمد إني فديتك ما أمر محمد بن عبد الله قال فتنة يقتل
فيها محمد عند بيت رومي ويقتل أخوه لأبيه وأمه بالعراق وحوافر فرسه في
ماء * حدثني عيسى عن أبيه قال خرج مع محمد حمزة بن عبد الله بن محمد بن علي
وكان عمه جعفر ينهاه وكان من أشد الناس مع محمد قال فكان جعفر يقول له
هو والله مقتول قال فتنحى جعفر * حدثني عيسى قال حدثنا ابن أبي الكرام قال
بعثني عيسى برأس محمد وبعث معي مائة من الجند قال فجئنا حتى إذا أشرفنا على
النجف كبرنا قال وعامر بن إسماعيل يومئذ بواسط محاصر هارون بن سعد
العجلي فقال أبو جعفر للربيع ويحك ما هذا التكبير قال هذا ابن أبي الكرام جاء
برأس محمد بن عبد الله قال ائذن له ولعشرة ممن معه قال فأذن لي فوضعت الرأس
بين يديه في ترس فقال من قتل معه من أهل بيته قلت لا والله ولا إنسان قال سبحان
الله هو ذاك قال فرفع رأسه إلى الربيع فقال ما أخبرنا صاحبه الذي كان قبله قال
الربيع زعم أنه قتل منهم عدد كثير قلت لا والله ولا واحد * حدثني علي بن إسماعيل
ابن صالح بن ميثم قال لما قدم برأس محمد على أبى جعفر وهو بالكوفة أمر
به فطيف في طبق أبيض فرأيته آدم أرقط فلما أمسى من يومه بعث به إلى الآفاق
* وحدثني عبد الله بن عمر بن حبيب من أهل ينبع قال لما أتى أبو جعفر برؤوس
بنى شجاع قال هكذا فليكن الناس طلبت محمدا فاشتمل هؤلاء عليه ثم نقلوه وانتقلوا
معه ثم قاتلوا معه فصبروا حتى قتلوا قال عمر أنشدني عيسى بن إبراهيم وإبراهيم
ابن مصعب بن عمارة بن حمزة بن مصعب ومحمد بن يحيى ومحمد بن الحسن بن زبالة
وغيرهم لعبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير يرثى محمدا
تبكى مدله إن تقنص حبلهم * عيسى وأقصد صائبا عثمانا
هلا على المهدى وابنى مصعب * أذريت دمعك ساكبا تهتانا
223

ولفقد إبراهيم حين تصدعت * عنه الجموع فواجه الاقرانا
سالت دموعك ضلة قد هجت لي * برحاء وجد تبعث الاحزانا
والله ما ولد الحواضن مثلهم * أمضى وأرفع محتدا ومكانا
وأشد ناهضة وأقول للتي * تنفى مصادر عدلها البهتانا
فهناك لو فقأت غير مشوه * عينيك من جزع عذرت علانا
رزء لعمرك لو يصاب بمثله * مبطان صدع رزؤه مبطانا
وقال ابن مصعب
يا صاحبي دعا الملامة واعلما * أن لست في هذا بألوم منكما
وقفا بقبر ابن النبي فسلما * لا بأس أن تقفا به فتسلما
قبر تضمن خير أهل زمانه * حسبا وطيب سجية وتكرما
رجل نفى بالعدل جور بلادنا * وعفا عظيمات الأمور وأنعما
لم يجتنب قصد السبيل ولم يجر * عنه ولم يفتح بفاحشة فما
لو أعظم الحدثان شيئا قبله * بعد النبي به لكنت المعظما
أو كان أمتع بالسلامة قبله * أحدا لكان قصاره أن يسلما
ضحوا بإبراهيم خير ضحية * فتصرمت أيامه وتصرما
بطلا يخوض بنفسه غمراتها * لا طائشا رعشا ولا مستسلما
حتى مضت فيه السيوف وربما * كانت حترفهم السيوف وربما
أضحى بنو حسن أبيح حريمهم * فينا وأصبح نهبهم متقسما
ونساؤهم في دورهن نوائح * سجع الحمام إذا الحمام ترنما
يتوسلون بقتلهم ويرؤنه * شرفا لهم عند الامام ومغنما
والله لو شهد النبي محمد * صلى الاله على النبي وسلما
إشراع أمته الأسنة لابنه * حتى تقطر من ظباتهم دما
حقا لأيقن أنهم قد ضيعوا * تلك القرابة واستحلوا المحرما
* وحدثني إسماعيل بن جعفر بن إبراهيم قال حدثني موسى بن عبد الله بن حسن
224

قال خرجت من منازلنا بسويقة في الليل وذلك قبل مخرج محمد بن عبد الله
فإذا بنسوة كأنما خرجن من ديارنا فأخذتني عليهن غيرة فإني لأ تبعهن
أنظر أين يردن حتى إذا كن بطرف الحميراء من جانب الغرس التفتت إلى
إحداهن فقالت
سويقة بعد ساكنها يباب * لقد أمست أجدبها الخراب
فعرفت أنهن من ساكني الأرض فرجعت * وحدثني عيسى قال لما قتل عيسى
ابن موسى محمدا قبض أموال بنى حسن كلها فأجاز ذلك أبو جعفر * وحدثني
أيوب بن عمر قال لقى جعفر بن محمد أبا جعفر فقال يا أمير المؤمنين رد على قطيعتي
عين أبى زياد آكل من سعفها قال إياي تكلم بهذا الكلام والله لأزهقن نفسك
قال فلا تعجل على قد بلغت ثلاثا وستين وفيها مات أبى وجدى وعلي بن أبي طالب
وعلى كذا وكذا إن ربتك بشئ أبدا وإن بقيت بعدك إن ربت الذي يقوم
بعدك قال فرق له وأعفاه * وحدثني هشام بن إبراهيم بن هشام بن راشد قال
لم يرد أبو جعفر عين أبى زياد حتى مات فردها المهدى على ولده * وحدثني
هشام بن إبراهيم قال لما قتل محمد أمر أبو جعفر بالبحر فأقفل على أهل المدينة
فلم يحمل إليهم من ناحية الجار شئ حتى كان المهدى فأمر بالبحر ففتح لهم وأذن
في الحمل * حدثني محمد بن جعفر بن إبراهيم قال حدثتني أمي أم سلمة بنت محمد بن
طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر زوجة موسى بن عبد الله قالت خاصم
بنو المخزومية عيسى وسليمان وإدريس بنو عبد الله بن حسن بنى محمد بن عبد الله
ابن حسن في ميراث عبد الله وقالوا قتل أبو كم محمد فورثه عبد الله فتنازعوا إلى الحسن
ابن زيد فكتب بذلك إلى أمير المؤمنين أبى جعفر فكتب إليه أما بعد فإذا بلغك كتابي
هذا فورثهم من جدهم فإني قد رددت عليهم أموالهم صلة لأرحامهم وحفظا
لقرابتهم * وحدثني عيسى قال خرج مع محمد من بني هاشم الحسن ويزيد وصالح
بنو معاوية بن عبد الله بن أبي جعفر بن طالب وحسين و عيسى ابنا زيد بن علي بن
حسين بن علي بن أبي طالب قال فحدثني عيسى قال بلغني أن أبا جعفر كان يقول
225

واعجبا لخروج ابني زيد بن علي وقد قتلنا قاتل أبيهما كما قتله وصلبناه كما صلبه وأحرقناه
كما أحرقه وحمزة بن عبد الله بن محمد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب وعلى
وزيد ابنا حسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب قال عيسى قال أبو جعفر
للحسن بن زيد كأني أنظر إلى ابنيك واقفين على رأس محمد بسيفين عليهما قباء
أن قال يا أمير المؤمنين قد كنت أشكو إليك عقوقهما قبل اليوم قال أجل فهذا
من ذاك والقاسم بن إسحاق بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب والمرجى علي بن
جعفر بن إسحاق بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال عيسى قال
أبو جعفر لجعفر بن إسحاق من المرجى هذا فعل الله به وفعل قال يا أمير المؤمنين
ذاك ابني والله لئن شئت أن أنتفى منه لأفعلن ومن بنى عبد شمس محمد بن عبد الله
ابن عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس قال حدثني أبو عاصم النبيل قال حدثني
عباد بن كثير قال خرج ابن عجلان مع محمد وكان على بغلة فلما ولى جعفر بن سليمان
المدينة قيده فدخلت عليه فقلت كيف ترى رأى أهل البصرة في رجل قيد الحسن
قال سيئا والله قال قلت فإن ابن عجلان بهذه كالحسن ثم فتركه ومحمد بن عجلان
مولى فاطمة بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس * وحدثني سعيد بن عبد الحميد
ابن جعفر بن عبد الله ان عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم خرج معه فأتى
به أبو جعفر بعد قتل محمد فقال له أنت الخارج على مع محمد قال لم أجد إلا ذلك
أو الكفر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم قال عمر هذا وهم قال وحدثني
عبد العزيز بن أبي سلمة بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر قال كان عبيد الله قد أجاب
محمدا إلى الخروج معه فمات قبل أن يخرج وخرج معه أبو بكر بن عبد الله بن محمد
ابن أبي سبرة بن أبي رهم بن عبد العزى ابن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك
ابن حسل بن عامر بن لؤي وخرج معه عبد الواحد بن أبي عون مولى الأزد
وعبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة وعبد العزيز بن محمد
الدراوردي وعبد الحميد بن جعفر وعبد الله بن عطاء بن يعقوب مولى بنى سباع
وابن سباع من خزاعة حليف بنى زهرة وبنوه إبراهيم وإسحاق وربيعة وجعفر
226

وعبد الله وعطاء ويعقوب وعثمان وعبد العزيز بنو عبد الله بن عطاء * وحدثني
إبراهيم بن مصعب بن عمارة بن حمزة بن مصعب بن الزبير قال وحدثني الزبير بن
خبيب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير قال انا لبا لمر من بطن أضم وعندي زوجتي
أمينة بنت خضير إذ مر بنا رجل مصعد من المدينة فقالت له ما فعل محمد قال
قتل قالت فما فعل ابن خضير قال قتل فخرت ساجدة فقلت أتسجدين ان قتل
أخوك قالت نعم أليس لم يفر ولم يؤسر قال عيسى حدثني أبي قال قال أبو جعفر
لعيسى بن موسى من استنصر مع محمد قال آل الزبير قال ومن قال وآل عمر
قال أما والله لعن غير مودة بهما له ولا محبة له ولا لأهل بيته قال وكان أبو جعفر
يقول لو وجدت ألفا من آل الزبير كلهم محسن وفيهم مسئ واحد لقتلتهم جميعا
ولو وجدت ألفا من آل عمر كلهم مسئ وفيهم محسن واحد لأعفيتهم جميعا قال
عمر وحدثني إبراهيم بن مصعب بن عمارة بن حمزة بن مصعب قال حدثني محمد
ابن عثمان بن محمد بن خالد بن الزبر قال لما قتل محمد هرب أبى وموسى بن عبد الله
ابن حسن وأنا معهما وأبو هبار المزني فأتينا مكة ثم انحدرنا إلى البصرة فاكترينا
من رجل يدعى حكيما فلما وردنا البصرة وذلك بعد ثلث الليل وجدن الدروب
مغلقة فجلسنا عندها حتى طلع الفجر ثم دخلنا فنزلنا المربد فلما أصبحنا أرسلنا حكيما
يبتاع لنا طعاما فجاء به على رجل أسود في رجله حديدة فدخل به علينا فأعطاه
جعله فتسخط علينا فقلنا زده فتسخط فقلنا له ويلك أضعف له فأبى فاستراب بنا
وجعل يتصفح وجوهنا ثم خرج فلم ننشب أن أحاطت بمنزلنا الخيل فقلنا لربة
المنزل ما بال الخيل فقالت لا بأس فيها تطلب رجلا من بنى سعد يدعى نميلة بن مرة
كان خرج مع إبراهيم قال فوالله ما راعنا إلا بالأسود قد دخل به علينا قد غطى
رأسه ووجهه فلما دخل به كشف عنه ثم قيل أهؤلاء قال نعم هؤلاء هذا موسى
ابن عبد الله وهذا عثمان بن محمد وهذا ابنه ولا أعرف الرابع غير أنه من أصحابهم
قال فأخذنا جميعا فدخل بنا على محمد بن سليمان فلما نظر إلينا أقبل على موسى فقال
لا وصل الله رحمك أتركت البلاد جميعا وجئتني فإما أطلقتك فتعرضت لأمير
227

المؤمنين وإما أخذتك فقطعت رحمك ثم كتب إلى أمير المؤمنين وحددنا قال فجاء
الجواب أن أحملهم إلى فوجهنا إليه ومعنا جند فلما صرنا بالبطيحة وجدنا بها جندا
آخر ينتظروننا ثم لم نزل نأتى على المسالح من الجند في طريقنا كله حتى وردنا بغداد
فدخل بنا على أبى جعفر فلما نظر إلى أبى قال هيه أخرجت على مع محمد قال قد
كان ذاك فأغلظ له أبو جعفر فراجعه مليا ثم أمر به فضربت عنقه ثم أمر بموسى
فضرب بالسياط ثم أمر بي فقربت إليه فقال اذهبوا به فأقيموه على رأس أبيه
فإذا نظر إليه فاضربوا عنقه على جيفته قال فكلمه عيسى بن علي وقال والله ما
أحسبه بلغ فقلت يا أمير المؤمنين كنت غلاما حدثا غرا أمرني أبى فأطعته قال
فأمر بي فضربت خمسين سوطا ثم حبسني في المطبق وفيه يومئذ يعقوب بن داود
فكان خير رفيق أرافقه وأعطفه يطعمني من طعامه ويسقيني من شرابه فلم نزل
كذلك حتى توفى أبو جعفر وقام المهدى وأخرج يعقوب فكلمه في فأخرجني
قال وحدثني أيوب بن عمر قال حدثني محمد بن خالد قال أخبرني محمد بن عروة
ابن هشام بن عروة قال إني لعند أبى جعفر إذ أتى فقيل له هذا عثمان بن محمد بن خالد
قد دخل به فلما رآه أبو جعفر قال أين المال الذي عندك قال دفعته إلى أمير المؤمنين
رحمه الله قال ومن أمير المؤمنين قال محمد بن عبد الله قال أبايعته قال نعم كما بايعته قال يا ابن
اللخناء قال ذاك من قامت عنه الإماء قال اضرب عنقه قال فأخر فضربت عنقه قال
وحدثني سعيد بن عبد الحميد بن جعفر قال حدثني محمد بن عثمان بن خالد الزبيري
قال لما خرج محمد خرج معه رجل من آل كثير بن الصلت فلما قتل وهزم أصحابه
تغيبوا فكان أبى والكثيري فيمن تغيب فلبثوا بذلك حتى قدم جعفر بن سليمان
واليا على المدينة فاشتد في طلب أصحاب محمد فاكترى أبى من الكثيري إبلا كانت
له فخرجنا متوجهين نحو البصرة وبلغ الخبر جعفرا فكتب إلى أخيه محمد يعلمه
بتوجهنا إلى البصرة ويأمره بالترصد لنا والتيقظ لامرنا ومقدمنا فلما قدمنا علم
محمد بمقدمنا ومكاننا فأرسل إلينا فأخذنا فأتى بنا فأقبل عليه أبى فقال يا هذا
اتق الله في كرينا هذا فإنه اعرابي لا علم له بنا انما أكرانا ابتغاء الرزق ولو علم
228

بجريرتنا ما فعل وأنت معرضه لأبي جعفر وهو من قد علمت فأنت قاتله ومتحمل
مأثمه قال فوجم محمد طويلا ثم قال هو والله أبو جعفر والله ما أتعرض له ثم حملنا جميعا
فدخلنا على أبى جعفر وليس عنده أحد يعرف الكثيري غير الحسن بن زيد فأقبل
على الكثيري فقال يا عدو الله أتكرى عدو أمير المؤمنين ثم تنقله من بلد إلى
بل تواريه مرة وتظهره أخرى قال يا أمير المؤمنين وما علمي بخبره
وجريرته وعداوته إياك إنما أكريته جاهلا به ولا أحسبه إلا رجلا من المسلمين
برى الساحة سليم الناحية ولو علمت حاله لم أفعل قال واكب الحسن بن زيد
ينظر إلى الأرض لا يرفع رأسه قال فأوعد أبو جعفر الكثيري وتهدده ثم أمر
بإطلاقه فخرج فتغيب ثم أقبل على أبى فقال هيه يا عثمان أنت الخارج على
أمير المؤمنين والمعين عليه قال بايعت أنا وأنت رجلا بمكة فوفيت ببيعتي وغدرت
بيعتك قال فأمر به فضربت عنقه قال وحدثني عيسى قال حدثني أبي قال أتى
أبو جعفر بعبد العزيز بن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب فنظر إليه فقال
إذا قتلت مثل هذا من قريش فمن أستبقي ث أطلقه وأتى بعثمان بن محمد بن خالد
فقتله وأطلق ناسا من القرشيين فقال له عيسى بن موسى يا أمير المؤمنين ما أشقى
هذا بك من بينهم فقال إن هذا بيني قال وحدثني عيسى قال سمعت حسن بن زيد
يقول غدوت يوما على أبى جعفر فإذا هو قد أمر بعمل دكان ثم أقام عليه خالدا
وأتى بعلى بن المطلب بن عبد الله بن حنطب فأمر به فضرب خمسمائة سوط ثم أتى
بعبد العزيز بن إبراهيم بن عبد الله بن مطيع فأمر به فجلد خمسمائة سوط فما تحرك
واحد منهما فقال لي هل رأيت أصبر من هذين قط والله إنا لنؤتى بالذين قد
قاسوا غلظ المعيشة وكدها فما يصبرون هذا الصبر وهؤلاء أهل الخفض والكن
والنعمة قلت يا أمير المؤمنين هؤلاء قومك أهل الشرف والقدر قال فأعرض عنى
وقال أبيت إلا العصبية ثم أعاد عبد العزيز بن إبراهيم بعد ذلك ليضربه فقال
يا أمير المؤمنين الله الله فينا فوالله إني لمكب على وجهي منذ أربعين ليلة ما صليت
لله صلاة قال أنتم صنعتم ذلك بأنفسكم قال فأين العفو يا أمير المؤمنين قال فالعفو
229

والله إذا ثم خلى سبيله * حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد عن محمد بن عمر
قال كثروا محمدا وألحوا في القتال حتى قتل محمد في النصف من شهر رمضان سنة
145 وحمل رأسه إلى عيسى بن موسى فدعا ابن أبي الكرام فأراه إياه فعرفه فسجد
عيسى بن موسى ودخل المدينة وآمن الناس كلهم وكان مكث محمد بن عبد الله من
حين ظهر إلى أن قتل شهرين وسبعة عشر يوما (وفى هذه السنة) استخلف
عيسى بن موسى على المدينة كثير بن حصين حين شخص عنها بعد مقتل محمد بن
عبد الله بن حسن فمكث واليها عليها شهرا ثم قدم عبد الله بن الربيع الحارثي واليا
عليها من قبل أبى جعفر المنصور (وفى هذه السنة) ثارت السودان بالمدينة
بعبد الله بن الربيع فهرب منهم
ذكر الخبر عن وثوب السودان بالمدينة في هذه السنة والسبب الذي هيج ذلك
ذكر عمر بن شبة أن محمد بن يحيى حدثه قال حدثني الحارث بن إسحاق قال
كان رياح بن عثمان استعمل أبا بكر بن عبد الله بن أبي سبرة على صدقة أسد وطيئ
فلما خرج محمد أقبل إليه أبو بكر بما كان جبا وشمر معه فلما استخلف عيسى كثير
ابن حصين على المدينة أخذ أبا بكر فضربه سبعين سوطا وحدده وحبسه ثم قدم
عبد الله بن الربيع واليا من قبل أبى جعفر يوم السبت لخمس بقين من شوال سنة
145 فنازع جنده التجار في بعض ما يشترونه منهم فخرجت طائفة من التجار حتى
جاؤوا دار مروان وفيها ابن الربيع فشكوا ذلك إليه فنهرهم وشتمهم وطمع فيهم
الجند فتزايدوا في سوء الرأي قال وحدثني عمر بن راشد قال انتهب الجند شيئا
من متاع السوق وغدوا على رجل من الصرافين يدعى عثمان بن زيد فغالبوه على
كيسه فاستغاث فخلص ماله منهم فاجتمع رؤساء أهل المدينة فشكوا ذلك إلى
ابن الربيع فلم ينكره ولم يغيره ثم جاء رجل من الجند فاشترى من جزار لحما يوم
الجمعة فأبى أن يعطيه ثمنه وشهر عليه السيف فخرج عليه الجزار من تحت الوضم
بشفرة فطعن بها خاصرته فخر عن دابته واعتوروه الجزارون فقتلوه وتنادى
السودان عن الجند وهم يروحون إلى الجمعة فقتلوهم بالعمد في كل ناحية فلم يزالوا
230

على ذلك حتى أمسوا فلما كان الغد هرب ابن الربيع قال وحدثني محمد بن يحيى قال
حدثني الحارث بن إسحاق قال نفخ السودان في بوق لهم فذكر لي بعض من كان
في العالية وبعض من كان في السافلة أنه كان يرى الأسود من سكانهما في بعض
عمله يسمع نفخ البوق فيضعى له حتى يتيقنه ثم يوحش بما في يده ويأتم الصوت
حتى يأتيه قال وذلك يوم الجمعة لسبع بقين من ذي الحجة من سنة 145 ورؤساء
السودان ثلاثة نفر وثيق ويعقل ورمقة قال فغدوا على ابن الربيع والناس في
الجمعة فأعجلوهم عن الصلاة وخرج إليهم فاستطردوا له حتى أتى السوق فمر بمساكين
خمسة يسألون في طريق المسجد فحمل عليهم بمن معه حتى قتلوهم ثم مر بأصيبية
على طنف دار فظن أن القوم منهم فاستنزلهم واختدعهم وآمنهم فلما نزلوا ضرب
أعناقهم ثم مضى ووقف عند الحناطين وحمل عليه السودان فأجلى هاربا فاتبعوه
حتى صار إلى البقيع ورهقوه فنثر لهم دراهم فشغلهم بها ومضى على وجهه حتى
نزل ببطن نخل على ليلتين من المدينة قال وحدثني عيسى قال خرج السودان على
ابن الربيع ورؤساؤهم وثيق وحديا وعنقود وأبو قيس فقاتلهم فهزموه فخرج
حتى أتى بطن نخل فأقام بها قال وحدثني عمر بن راشد قال لما هرب ابن الربيع
وقع السودان في طعام لأبي جعفر من سويق ودقيق وزيت وقسب فانتهبوه
فكان حمل الدقيق بدرهمين وراوية زيت بأربعة دراهم * وحدثني محمد بن يحيى
قال حدثني الحارث بن إسحاق قال أغاروا على دار مروان ودار يزيد وفيهما طعام
كان حمل للجند في البحر فلم يدعوا فيهما شيئا قال وشخص سليمان بن فليح بن
سليمان في ذلك اليوم إلى أبى جعفر فقدم عليه فأخبره الخبر قال وحدثني محمد بن
يحيى قال حدثني الحارث بن إسحاق قال وقتل السودان نفرا من الجند فهابهم الجند
حتى أن كان الفارس ليلقى الأسود وما عليه إلا خرقتان على عورته ودراعة فيوليه
دبره احتقارا له ثم لم ينشب أن يشد عليه بعمود من عمد السوق فيقتله فكانوا
يقولون ما هؤلاء السودان إلا سحرة أو شياطين قال وحدثني عثامة بن عمرو السهمي
قال حدثني المسور بن عبد الملك قال لما حبس ابن الربيع أبا بكر بن أبي سبرة وكان
231

جاء بجباية طيئ وأسد فدفعها إلى محمد وأشفق القرشيون على ابن أبي سبرة فلما
خرج السودان على ابن الربيع خرج ابن أبي سبرة من السجن فخطب الناس ودعاهم
إلى الطاعة وصلى بالناس حتى رجع ابن الربيع قال وحدثني محمد بن يحيى قال
حدثني الحارث بن إسحاق قال خرج ابن أبي سبرة من السجن والحديد عليه حتى
أتى المسجد فأرسل إلى محمد بن عمران ومحمد بن عبد العزيز وغيرهما فاجتمعوا عنده
فقال أنشدكم الله وهذه البلية التي وقعت فوالله لئن تمت علينا عند أمير المؤمنين
بعد الفعلة الأولى أنه لاصطلام البلد وأهله والعبيد في السوق بأجمعهم فأنشدكم
الله إذا ذهبتم إليهم فكلمتموهم في الرجعة والفيئة إلى رأيكم فإنهم لا نظام لهم ولم
يقوموا بدعوة وإنما هم قوم أخرجتهم الحمية قال فذهبوا إلى العبيد فكلموهم
فقالوا مرحبا بكم يا موالينا والله ما قمنا الا أنفة لكم مما عمل بكم فأيدينا مع أيديكم
وأمرنا إليكم فأقبلوا بهم إلى المسجد * وحدثني محمد بن الحسن بن زبالة قال حدثني
الحسين ابن مصعب قال لما خرج السودان وهرب ابن الربيع جئتهم أنا وجماعة
معي وقد عسكروا في السوق فسألناهم أن يتفرقوا وأخبرناهم أنا وإياهم لا نقوى
على ما نصبوا له قال فقال لنا وثيق أن الامر قد وقع بما ترون وهو غير مبق لنا
ولا لكم فدعونا نشفكم ونشتف أنفسنا فأبينا ولم نزل بهم حتى تفرقوا * وحدثني
عمر بن راشد قال كان رئيسهم وثيق وخليفته يعقل الجزار قال فدخل عليه ابن
عمران قال إلى من تعهد يا وثيق قال إلى أربعة من بني هاشم وأربعة من قريش
وأربعة من الأنصار وأربعة من الموالى ثم الامر شورى بينهم قال أسأل الله إن
ولاك شيئا من أمرنا أن يرزقنا عدلك قال قد والله ولانيه الله قال وحدثني محمد
ابن يحيى قال حدثني الحارث بن إسحاق قال حضر السودان المسجد مع ابن أبي
سبرة فرقى المنبر في كبل حديد حتى استوى في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم
وتبعه محمد بن عمران فكان تحته وتبعهم محمد بن عبد العزيز فكان تحتهما وتبعهم
سليمان بن عبد الله بن أبي سبرة فكان تحتهم جميعا وجعل الناس يلغطون لغطا شديدا
وابن أبي سبرة جالس صامت فقال ابن عمران أنا ذاهب إلى السوق فانحدر وانحدر
232

من دونه وثبت ابن أبي سبرة فتكلم فحث على طاعة أمير المؤمنين وذكر أمر
محمد بن عبد الله فأبلغ ومضى ابن عمران إلى السوق فقام على بلاس من بلس الحنطة
فتكلم هناك فتراجع الناس ولم يصل بالناس يومئذ الا المؤذن فلما حضرت العشاء
الآخرة وقد ثاب الناس فاجتمع القرشيون في المقصورة وأقام الصلاة محمد بن عمار
المؤذن الذي يلقب كساكس فقال لقرشيين من يصلى بكم فلم يجبه أحد فقال ألا
تسمعون فلم يجيبوه فقال يا ابن عمران ويا ابن فلان فلم يجبه أحد فقام فقام الأصبغ
ابن سفيان بن عاصم بن عبد العزيز بن مروان فقال أنا أصلى فقام في المقام فقال للناس
استووا فلما استوت الصفوف أقبل عليهم بوجهه ونادى بأعلى صوته ألا تسمعون
أنا الأصبغ بن سفيان بن عاصم بن عبد العزيز بن مروان أصلى بالناس على طاعة
أبى جعفر فردد ذلك مرتين أو ثلاثا ثم كبر فصلى فلما أصبح الناس قال ابن أبي
سبرة أنه قد كان منكم بالأمس ما قد علمتم نهبتم ما في دار عاملكم وطعام جند
أمير المؤمنين فلا يبقين عند أحد منكم شئ إلا رده فقد أقعدت لكم الحكم بن عبد الله
ابن المغيرة بن موهب فرفع الناس إليه ما انتهبوا فقيل أنه أصاب قيمة ألف دينار
* وحدثني عثامة بن عمرو قال حدثني المسور بن عبد الملك قال ائتمر القرشيون
أن يدعوا ابن الربيع يخرج ثم يكلموه في استخلاف ابن أبي سبرة على المدينة
ليتحلل ما في نفس أمير المؤمنين عليه فلما أخرجه السودان قال له ابن عبد العزيز
أتخرج بغير وال استخلف ولها رجلا قال لمن قال قدامة بن مسوى قال فصيح بقدامة
فدخل فجلس بين ابن الربيع وبين ابن عبد العزيز فقال ارجع يا قدامة فقد وليتك
المدينة وأعمالها قال والله ما قال لك هذا من نصحك ولا نظر لمن وراءه ولا أراد
الا الفساد ولا حق بهذا منى ومنه من قام بأمر الناس وهو جالس في بيته يعنى
ابن أبي سبرة ارجع أيها الرجل فوالله ما لك عذر في الخروج فرجع ابن الربيع
* وحدثني محمد بن يحيى قال حدثني الحارث بن إسحاق قال ركب ابن عبد العزيز
في نفر من قريش إلى ابن الربيع فناشدوه وهو ببطن نخل إلا رجع إلى عمله فتأبى
قال فخلا به ابن عبد العزيز فلم يزل به حتى رجع وسكن الناس وهدؤا قال وحدثني
233

عمر بن راشد قال ركب إليه ابن عمران وغيره وقد نزل الأعوص فكلموه
فرجع فقطع يد وثيق وأبى النار ويعقل ومسعر (وفى هذه السنة) أسست مدينة
بغداد وهى التي تدعى مدينة المنصور
ذكر الخبر عن سبب بناء أبى جعفر إياها
وكان سبب ذلك أن أبا جعفر المنصور بنى فيما ذكر حين أفضى الامر إليه
الهاشمية قبالة مدينة ابن هبيرة بينهما عرض الطريق وكانت مدينة ابن هبيرة التي
بحيالها مدينة أبى جعفر الهاشمية إلى جانب الكوفة وبنى المنصور أيضا مدينة
بظهر الكوفة سماها الرصافة فلما ثارت الراوندوية بأبي جعفر في مدينته التي تسمى
الهاشمية وهى التي بحيال مدينة ابن هبيرة كره سكناها لاضطراب من اضطرب
أمره عليه من الراوندية مع قرب جواره من الكوفة ولم يأمن أهلها على نفسه
فأراد أن يبعد من جوارهم فذكر أنه خرج بنفسه يرتاد لها موضعا يتخذه مسكنا لنفسه
وجنده ويبتنى به مدينة فبدأ فانحدر إلى جرجرا يا ثم صار إلى بغداد ثم مضى إلى الموصل
ثم عاد إلى بغداد فقال هذا موضع معسكر صالح هذه دجلة ليس بيننا وبين الصين شئ يأتينا
فيها كل ما في البحر وتأتينا الميرة من الجزيرة وأرمينية وما حول ذلك وهذا الفرات يجئ
فيه كل شئ من الشأم والرقة وما حول ذلك فنزل وضرب عسكره على الصراة وخط
المدينة ووكل بكل ربع قائدا وذكر عمر بن شبة أن محمد بن معروف بن سويد حدثه
قال حدثني أبي قال حد ثنى سليمان بن مجالد قال أفسد أهل الكوفة جند أمير المؤمنين
المنصور عليه فخرج نحو الجبل يرتاد منزلا والطريق يومئذ على المدائن فخرجنا
على ساباط فتخلف بعض أصحابي لرمد أصابه فأقام يعالج عينيه فسأله الطبيب أين
يريد أمير المؤمنين قال يرتاد منزلا فال فإنا نجد في كتاب عندنا أن رجلا يدعى
مقلاصا يبنى مدينة بين دجلة والصراة وتدعى الزوراء فإذا أسسها وبنى عرقا منها
أتاه فتق من الحجار فقطع بناءها وأقبل إصلاح ذلك الفتق فإذا كاد يلتئم أتاه
فتق من البصرة هو أكبر عليه منه فلا يلبث للفتقان أن يلتئما ثم يعود إلى بنائها
فيتمه ثم يعمر عمرا طويلا ويبقى الملك في عقبه قال سليمان فان أمير المؤمنين
234

لبأطراف الجبال في ارتياد منزل إذ قدم على صاحبي فأخبرني الخبر فأخبرت به
أمير المؤمنين فدعا الرجل فحدثه الحديث فكر راجعا عوده على بدئه وقال أنا
والله ذاك لقد سميت مقلاصا وأنا صبي ثم انقطعت عنى وذكر عن الهيثم بن عدي
عن ابن عياش قال ما أراد أبو جعفر الانتقال من الهاشمية بعث روادا يرتادون له
موضعا ينزله واسطا رافقا بالعامة والجند فنعت له موضع قريب من بارما وذكر
له عند غذاء طيب فخرج إليه بنفسه حتى ينظر إليه وبات فيه وكرر نظره فيه
فرآه موضعا طيبا فقال لجماعة من أصحابه منهم سليمان بن مجالد وأبو أيوب الخوزي
وعبد الملك بن حميد الكاتب وغيرهم ما رأيكم في هذا الموضع قالوا ما رأينا مثله هو
طيب صالح موافق قال صدقتم هو هكذا ولكنه لا يحمل الجند والناس والجماعات
وإنما أريد موضعا يرتفق الناس به ويوافقهم مع موافقته لي ولا تغلو عليهم فيه
الأسعار ولا تشتد فيه المؤونة فانى إن أقمت في موضع لا يجلب إليه من البر والبحر
شئ غلت الأسعار وقلت المادة واشتدت المؤونة وشق ذلك على الناس وقد
وقد مررت في طريقي على موضع فيه مجتمعة هذه الخصال فأنا نازل فيه وبائت به
فإن اجتمع لي فيه ما أريد من طيب الليل والموافقة مع احتماله للجند والناس أبتنيه
قال الهيثم بن عدي فخبرت أنه أتى ناحية الجسر فعبر في موضع قصر السنلام ثم
صلى العصر وكان في صيف وكان في موضع القصر بيعة قس ثم بات ليلة حتى أصبح
فبات أطيب مبيت في الأرض وأرفقه وأقام يومه فلم ير إلا ما يحب فقال هذا
موضع أبنى فيه فإنه تأتيه المادة من الفرات ودجلة وجماعة من الأنهار ولا يحمل
الجند والعامة إلا مثله فخطها وقدر بناءها ووضع أول لبنة بيده وقال بسم الله
والحمد لله والأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ثم قال ابنوا على
بركة الله وذكر عن بشر بن ميمون الشروى وسليمان بن مجالد أن المنصور لما
رجع من ناحية الجبل سأل عن خبر القائد الذي حدثه عن الطبيب الذي أخبره
عما يجدون في كتبهم من خبر مقلاص ونزل الدير الذي هو حذاء قصره المعروف
بالخلد فدعا بصاحب الدير وأحضر البطريق صاحب رحا البطريق وصاحب بغداد
235

وصاحب المخرم وصاحب الدير المعروف ببستان القس وصاحب العتيقة فسألهم
عن مواضعهم وكيف هي في الحر والبرد والأمطار والوحول والبق والهوام
فأخبره كل واحد بما عنده من العلم فوجه رجالا من قبله وأمر كل واحد منهم
أن يببت في قرية منها فبات كل رجل منهم في قرية منها وأتاه بخبرها وشاور المنصور
الذين أحضرهم وتنحر أخبارهم فاجتمع اختيارهم على صاحب بغداد فأحضره
وشاوره وساءله فهو الدهقان الذي في قريته قائمة إلى اليوم في المربعة المعروفة
بأبي العباس الفضل بن سليمان الطوسي وقباب القرية قائم بناؤها إلى اليوم وداره
ثابتة على حالها فقال يا أمير المؤمنين سألتني عن هذه الأمكنة وطيبها وما يختار منها
فالذي أرى يا أمير المؤمنين أن تنزل أربعة طساسيج في الجانب الغربي طسوجين
وهما قطربل وبادريا وفى الجانب الشرقي طسوجين وهما نهر بوق وكلواذى
فأنت تكون بين نخل وقرب الماء فإن أجدب طسوج وتأخرت عمارته كان في
الطسوج الآخر العمارات وأنت يا أمير المؤمنين على الصراة تجيئك الميرة في السفن
من المغرب في الفرات وتجيئك طرائف مصر والشأم وتجيئك الميرة في السفن
من الصين والهند والبصرة وواسط في دجلة وتجيئك الميرة من أرمينية وما اتصل
بها في تأمرا حتى تصل إلى الزاب وتجيئك الميرة من الروم وآمد والجزيرة والموصل
في دجلة وأنت بين أنهار لا يصل إليك عدوك إلا على جسر أو قنطرة فإذا قطعت
الجسر وأخربت القناطر لم يصل إليك عدوك وأنت بين دجلة والفرات لا يجيئك
أحد من المشرق والمغرب إلا احتاج إلى العبور وأنت متوسط للبصرة وواسط
والكوفة والموصل والسواد كله وأنت قريب من البر والبحر والجبل فازداد
المنصور عزما على النزول في الموضع الذي اختاره وقال له يا أمير المؤمنين ومع
هذا فإن الله قد من على أمير المؤمنين بكثرة جيوشه وقواده وجنده فليس أحد
من أعدائه يطمع في الدنو منه والتدبير في المدن أن تتخذ لها الأسوار والخنادق
والحصون ودجلة والفرات خنادق لمدينة أمير المؤمنين وذكر عن إبراهيم بن
عيسى أن حماد التركي قال بعث المنصور رجالا في سنة 145 يطلبون له موضعا يبنى
236

فيه مدينته فطلبوا وارتادوا فلم يرض موضعا حتى جاء فنزل الدير الذي على الصراة
فقال هذا موضع أرضاه تأتيه الميرة من الفرات ودجلة ومن هذه الصراة وذكر
عن محمد بن صالح بن النطاح عن محمد بن جابر عن أبيه قال لما أراد أبو جعفر أن
يبنى مدينة ببغداد رأى راهبا فناداه فأجابه فقال تجدون في كتبكم أنه تبنى ههنا
مدينة قال الراهب نعم يبنيها مقلاص قال أبو جعفر أنا كنت أدعى مقلاصا في
حداثتي قال فأنت إذا صاحبها قال وكذلك لما أراد أن يبنى الرافقة بأرض الروم
امتنع أهل الرقة وأرادوا محاربته وقالوا تعطل علينا أسواقنا وتذهب بمعاشنا
وتضيق منازلنا فهم بمحاربتهم وبعث إلى راهب في الصومعة فقال هل عندك علم
أن يبنى ههنا مدينة فقال له بلغني أن رجلا يقال له مقلاص يبنيها قال أنا مقلاص
فبناها على بناء مدينة بغداد سوى السور وأبواب الحديد وخندق منفرد
وذكر عن السرى عن سليمان بن مجالد أن المنصور وجه في حشر الصناع والفعلة
من الشأم والموصل والجبل والكوفة وواسط والبصرة فأحضروا وأمر باختيار
قوم من ذوي الفضل والعدالة والفقه والأمانة والمعرفة بالهندسة فكان ممن
أحضر لذلك الحجاج بن أرطاة وأبو حنيفة النعمان بن ثابت وأمر بخط المدينة
وحفر الأساسات وضرب اللبن وطبخ الآجر فبدئ بذلك وكان أول ما ابتدئ
به في عملها سنة 145 وذكر أن المنصور لما عزم على بنائها أحب أن ينظر إليها
عيانا فأمر أن يخط بالرماد ثم أقبل يدخل من كل باب ويمر في فصلانها وطاقاتها
ورحابها وهى مخطوطة بالرماد ودار عليهم ينظر إليهم وإلى ما خط من خنادقها
فلما فعل ذلك أمر أن يجعل على تلك الخطوط حب القطن وينصب عليه النفط
فنظر إليها والنار تشتعل ففهمها وعرف رسمها وأمر أن يحفر أساس ذلك على
الرسم ثم ابتدئ في عملها وذكر عن حماد التركي أن المنصور بعث رجالا
يطلبون له موضعا يبنى فيه المدينة فطلبوا ذلك في سنة 144 قبل خروج محمد بن
عبد الله بسنة أو نحوها فوقع اختيارهم على موضع بغداد قرية على شاطئ الصراة
مما يلي الخلد وكان في موضع بناء الخلد دير وكان في قرن الصراة مما يلي الخلد
237

من الجانب الشرقي أيضا قرية ودير كبير كانت تسمى سوق البقر وكانت القرية
تسمى العتيقة وهى التي افتتحها المثنى بن حارثة الشيباني قال وجاء المنصور فنزل
الدير الذي في موضع الخلد على الصراة فوجده قليل البق فقال هذا موضع أرضاه
تأتيه الميرة من الفرات ودجلة ويصلح أن تبتنى فيه مدينة فقال للراهب الذي
في الدير يا راهب أريد أن أبنى ههنا مدينة فقال لا يكون إنما يبنى ههنا ملك
يقال له أبو الدوانيق فضحك المنصور في نفسه وقال أنا أبو الدوانيق وأمر
فخطت المدينة ووكل بها أربعة قواد كل قائد بربع وذكر عن سليمان بن مجالد أن
المنصور أراد أبا حنيفة النعمان بن ثابت على القضاء فامتنع من ذلك فحلف المنصور
أن يتولى له وحلف أبو حنيفة ألا يفعل فولاه القيام ببناء المدينة وضرب اللبن
وعده وأخذ الرجال بالعمل قال وإنما فعل المنصور ذلك ليخرج من يمينه قال
وكان أبو حنيفة المتولي لذلك حتى فرغ من استتمام بناء حائط المدينة مما يلي
الخندق وكان استتمامه في سنة 149 وذكر عن الهيثم بن عدي أن المنصور عرض
على أبي حنيفة القضاء والمظالم فامتنع فحلف ألا يقلع عنه حتى يعمل فأخبر بذلك
أبو حنيفة فدعا بقصبة فعد اللبن على رجل قد لبنه وكان أبو حنيفة أول من
عد اللبن بالقصب فأخرج أبا جعفر عن يمينه واعتل فمات ببغداد * وقيل إن
أبا جعفر لما أمر بحفر الخندق وانشاء البناء وإحكام الأساس أمر أن يجعل
عرض السور من أسفله خمسين ذراعا وقدر أعلاه عشرين ذراعا وجعل في البناء
جوائز قصب مكان الخشب في كل طرقة فلما بلغ الحائط مقدار قامة وذلك في
سنة 145 أتاه خبر خروج محمد فقطع البناء * وذكر عن أحمد بن حميد بن جبلة
قال حدثني أبي عن جدي جبلة قال كانت مدينة أبى جعفر قبل بنائها مزرعة
للبغداديين يقال لها المباركة وكانت لستين نفسا منهم فعوضهم منها وأرضاهم
فأخذ جدي قسمة منها * وذكر عن إبراهيم بن عيسى بن المنصور أن حمادا
التركي قال كان حول مدينة أبى جعفر قرى قبل بنائها فكان إلى جانب باب
الشأم قرية يقال لها الخطابية على باب درب النورة إلى درب الأقفاص وكان
238

بعض نخلها في شارع باب الشأم إلى أيام المخلوع في الطريق حتى قطع في أيام
الفتنة وكانت الخطابية هذه لقوم من الدهاقين يقال لهم بنو فروة وبنو قنورا منهم
إسماعيل بن دينار ويعقوب بن سليمان وأصحابهم * وذكر عن محمد بن موسى
ابن الفرات أن القرية التي في مربعة أبى العباس كانت قرية جده من قبل أمه
وأنهم من دهاقين يقال لهم بنو زرارى وكانت القرية تسمى الوردانية وقرية
أخرى قائمة إلى اليوم مما يلي مربعة أبى فروة * وذكر عن إبراهيم بن عيسى أن
المعروفة اليوم بدار سعيد الخطيب كانت قرية يقال لها شرفانية ولها نخيل قائم
إلى اليوم مما يلي قنطرة أبى الجون وأبو الجون من دهاقين بغداد من أهل هذه
القرية * وذكر أن قطيعة الربيع كانت مزارع للناس من قرية يقال لها بناورى
من رستاق الفروسيج من بادوريا * وذكر عن محمد بن موسى بن الفرات أنه
سمع أباه أو جده شك راوي ذلك عنه يقول دخل على رجل من دهاقين بادوريا
وهو مخرق الطيلسان فقلت له من خرق طيلسانك قال خرق والله في زحمة الناس
اليوم في موضع طالما طردت فيه الأرانب والظباء يريد باب الكرخ ويقال ان
قطيعة الربيع الخارجة انما هي اقطاع المهدى للربيع وأن المنصور انما كان
أقطعه الداخلة * وقيل إن نهر طابق كسروي وانه نهر بابك بن بهرام بن
بابك وان بابك هذا هو الذي اتخذ العقر الذي عليه قصر عيسى بن علي واحتفر
هذا النهر * وذكر أن فرصة جعفر اقطاع من أبى جعفر لابنه جعفر وان
القنطرة العتيقة من بناء الفرس * وذكر عن حماد التركي قال كان المنصور
نازلا بالدير الذي على شاطئ دجلة بالموضع المعروف بالخلد ونحن في يوم صائف
شديد الحر في سنة 145 وقد خرجت فجلست مع الربيع وأصحابه إذ جاء
رجل فجاوز الحرس إلى المقصورة فاستأذن فآذنا المنصور به وكان معه سلم بن أبي
سلم فآذن له فخبره بخروج محمد فقال المنصور نكتب الساعة إلى مصر أن
يقطع عن الحرمين المادة ثم قال انما هم في مثل حرجة إذا انقطعت عنهم
المادة والميرة من مصر قال وأمر بالكتاب إلى العباس بن محمد وكان على الجزيرة
239

يخبره بخبر محمد وقال انى راحل ساعة كتبت إلى الكوفة فأمدني في كل يوم
بما قدرت عليه من الرجال من أهل الجزيرة وكتب بمثل ذلك إلى أمراء الشأم
ولو أن يرد على في كل يوم رجل واحد أكثر به من معي من أهل خراسان فإنه
ان بلغ الخبر الكذاب انكسر قال ثم نادى بالرحيل من ساعته فخرجنا في حر
شديد حتى قدم الكوفة ثم لم يزل بها حتى انقضت الحرب بينه وبين محمد وإبراهيم
فلما فرغ منهما رجع إلى بغداد * وذكر عن أحمد بن ثابت قال سمعت شيخا من
قريش يحدث أن أبا جعفر لما فصل من بغداد متوجها نحو الكوفة وقد جاءه
البريد بمخرج محمد بن عبد الله بالمدينة نظر إليه عثمان بن عمارة بن حريم وإسحاق
ابن مسلم العقيلي وعبد الله بن الربيع المداني وكانوا من صحابته وهو يسير على
دابته وبنو أبيه حوله فقال عثمان أظن محمدا خائبا ومن معه من أهل بيته أن حشو
ثياب هذا العباسي لمكر ونكر ودهاء وإنه فيما نصب له محمد من الحرب لكما
قال ابن جذل الطعام
فكم من غارة ورعيل خيل * تداركها وقد حمى اللقاء
فرد مخيلها حتى ثناها * بأسمر ما يرى فيه التواء
قال فقال إسحاق بن مسلم قد والله سبرته ولمست عوده فوجدته خشنا وغمزته
فوجدته صليبا وذقته فوجدته مرا وأنه ومن حوله من بنى أبيه لكما قال ربيعة
ابن مكدم
سمالي فرسان كأن وجوههم * مصابيح تبدو في الظلام زواهر
يقودهم كبش أخو مصمئلة * عبوس السرى قد لوحته الهواجر
قال وقال عبد الله بن الربيع هو ليث خيس ضيغم شموس للاقران مفترس
وللأرواح مختلس وأنه فيما يهيج من الحرب كما قال أبو سفيان بن الحارث
وإن لنا شيخا إذا الحرب شمرت * بديهته الاقدام قبل النوافر
قال فمضى حتى سار إلى قصر ابن هبيرة فنزل الكوفة ووجه الجيوش فلما
انقضت الحرب رجع إلى بغداد فاستتم بناءها (وفى هذه السنة) ظهر إبراهيم
240

ابن عبد الله بن حسن أخو محمد بن عبد الله بن حسن بالبصرة فحارب أبا جعفر
المنصور وفيها قتل أيضا
ذكر الخبر عن سبب مخرجه وعن مقتله وكيف كان
* فذكر عن عبد الله بن محمد بن حفص قال حدثني أبي قال لما أخذ أبو جعفر
عبد الله بن حسن أشفق محمد وإبراهيم من ذلك فخرجا إلى عدن فخافا بها وركبا
البحر حتى صارا إلى السند فسعى بهما إلى عمر بن حفص فخرجا حتى قدما الكوفة
وبها أبو جعفر * وذكر عمر بن شبة أن سعيد بن نوح الضبعي ابن ابنة أبى الساج
الضبعي حدثه قال حدثتني آمنة بنت أبي المنهال قالت نزل إبراهيم في الحي من
بنى ضبيعة في دار الحارث بن عيسى وكان لا يرى بالنهار وكانت معه أم ولد له
فكنت أتحدث إليها ولا ندري من هم حتى ظهر فأتيتها فقلت إنك لصاحبتي فقالت
أنا هي لا والله ما أقرتنا الأرض منذ خمس سنين مرة بفارس ومرة بكرمان
ومرة بالحجاز ومرة باليمن قال عمر حدثني أبو نعيم الفضل بن دكين قال حدثني
مطهر بن الحارث قال أقبلنا مع إبراهيم من مكة نريد البصرة ونحن عشرة فصحبنا
أعرابي في بعض الطريق فقلنا له ما اسمك قال فلان بن أبي مصاد الكلبي فلم يفارقنا
حتى قربنا من البصرة فأقبل على يوما فقال أليس هذا إبراهيم بن عبد الله بن حسن
فقلت لا هذا رجل من أهل الشأم فلما كنا على ليلة من البصرة تقدم إبراهيم وتخلفنا
عنه ثم دخلنا من غد * قال عمر وحدثني أبو صفوان نصر بن قديد بن نصر بن
سيار قال كان مقدم إبراهيم البصرة في أول سنة 143 منصرف الناس من الحج
فكان الذي أقدمه وتولى كراءه وعادله في محمله يحيى بن زياد بن حسان النبطي
فأنزله في داره في بنى ليث واشترى له جارية أعجمية سندية فأولدها ولدا في دار
يحيى بن زياد * فحدثني ابن قديد بن نصر أنه شهد جنازة ذلك المولود وصلى
عليه يحيى بن زياد قال وحدثني محمد بن معروف قال حدثني أبي قال نزل إبراهيم
بالخيار من أرض الشأم على آل القعقاع بن خليد العبسي فكتب الفضل بن صالح بن علي
وكان على قنسرين إلى أبى جعفر في رقعة أدرجها في أسفل كتابه يخبره خبر
241

إبراهيم وأنه طلبه فوجده قد سبقه منحدرا إلى البصرة فورد الكتاب على أبى
جعفر فقرأ أوله فلم يجد إلا السلامة فألقى الكتاب إلى أبى أيوب المورياني فألقاه
في ديوانه فلما أرادوا أن يجيبوا الولاة عن كتبهم فتح أبان بن صدقة وهو يومئذ
كاتب أبى أيوب كتاب الفضل لينظر في تأريخه فأفضى إلى الرقعة فلما رأى أولها
أخبر أمير المؤمنين أعادها في الكتاب وقام إلى أبى جعفر فقرأ الكتاب فأمر
باذكاء العيون ووضع المراصد والمسالح قال وحدثني الفضل بن عبد الرحمن بن
الفضل قال أخبرني أبي قال سمعت إبراهيم يقول اضطرني الطلب بالموصل حتى
جلست غلى موائد أبى جعفر وذلك أنه قدمها يطلبني فتحيرت فلفظتني الأرض
فجعلت لا أجد مساغا ووضع الطلب والمراصد ودعا الناس إلى غدائه فدخلت
فيمن دخل وأكلت فيمن أكل ثم خرجت وقد كف الطلب قال وحدثني
أبو نعيم الفضل بن دكين قال قال رجل لمطهر بن الحارث مر إبراهيم بالكوفة
ولقيته قال لا والله ما دخلها قط ولقد كان بالموصل ثم مر بالأنبار ثم ببغداد ثم
بالمدائن والنيل وواسط قال وحدثني نصر بن قديد بن نصر قال كاتب إبراهيم
قوما من أهل العسكر كانوا يتشيعون فكتب يسألونه الخروج إليهم ووعده
الوثوب بأبي جعفر فخرج حتى قدم عسكر أبى جعفر وهو يومئذ نازل ببغداد في
في الدير وقد خط بغداد وأجمع على البناء وكانت لأبي جعفر مرآة ينظر فيها فيرى
عدوه من صديقه قال فزعم زاعم أنه نظر فيها فقال يا مسيب قد والله رأيت إبراهيم
في عسكري وما في الأرض عدو أعدى لي منه فانظر ما أنت صانع قال وحدثني
عبد الله بن محمد بن البواب قال أمر أبو جعفر ببناء قنطرة الصراة العتيقة
ثم خرج ينظر إليها فوقعت عينه على إبراهيم وخنس إبراهيم فذهب في الناس فأتى
فاميا فلجأ إليه فأصعده غرفة له وجد أبو جعفر في طلبه ووضع الرصد بكل مكان
فنشب إبراهيم بمكانه الذي هو به وطلبه أبو جعفر أشد الطلب وخفى عليه أمره قال
وحدثني محمد بن معروف قال حدثني أبي وحدثني نصر بن قديد قال حدثني أبي
قال وحدثني عبد الله بن محمد بن البواب وكثير بن النضر بن كثير وعمر وبن
242

إدريس وابن أبي سفيان العمى واتفقوا على جل الحديث واختلفوا في بعضه أن
إبراهيم لما نسب وخاف الرصد كان معه رجل من بنى العم قال عمر فقال لي
أبو صفوان يدعى روح بن ثقف وقال لي ابن البواب يكنى أبا عبد الله وقال لي
الآخرون يقال له سفيان بن حيان بن موسى قال عمرو هو جد العمى الذي حدثني
قال قلت لإبراهيم قد نزل ما ترى ولابد من التغرير والمخاطرة قال فأنت وذاك
فأقبل إلى الربيع فسأله الاذن قال ومن أنت قال أنا سفيان العمى فأدخله على
أبى جعفر فلما رآه شتمه فقال يا أمير المؤمنين أنا أهل لما تقول غير أنى أتيتك
نازعا تائبا ولك عندي كل ما تحب إن أعطيتني ما أسألك قال ومالي عندك قال آتيك
بإبراهيم بن عبد الله بن حسن إني قد بلوته وأهل بيته فلم أجد فيهم خيرا فمالي
عندك إن فعلت قال كل ما تسألك فأين إبراهيم قال قد دخل بغداد أو هو داخلها
عن قريب قال عمر وقال لي أبو صفوان قال هو بعبدسى تركته في منزل خالد بن
نهيك فاكتب لي جوازا ولغلام لي ولفرانق واحملني على البريد قال عمر وقال
بعضهم وجه معي جندا واكتب لي جوازا ولغلام لي آتيك به قال فكتب له
جوازا ودفع إليه جندا وقال هذه ألف دينار فاستعن بها قال لا حاجة لي فيها كلها
فأخذ ثلثمائة دينار وأقبل بها حتى أتى إبراهيم وهو في بيت عليه مدرعة صوف
وعمامة وقيل بل عليه قباء كأقبية العبيد فصاح به قم فوثب كالفزع فجعل يأمره
وينهاه حتى أتى المدائن فمنعه صاحب القنطرة بها فدفع إليه جوازه فقال أين غلامك
قال هذا فلما نظر في وجهه قال والله ما هذا غلامك وإنه لإبراهيم بن عبد الله
ابن حسن ولكن اذهب راشدا فأطلقهما وهرب قال عمر فقال بعضهم ركبا
البريد حتى سارا بعبدسى ثم ركبا السفينة حتى قدما البصرة فاختفيا بها قال وقد
قيل إنه خرج من عند أبي جعفر حتى قدم البصرة فجعل يأتي بهم الدار لها بابان
فيقعد العشرة منهم على أحد البابين ويقول لا تبرحوا حتى آتيكم فيخرج من الباب
الآخر ويتركهم حتى فرق الجند عن نفسه وبقى وحده فاختفى حتى بلغ الخبر سفيان
ابن معاوية فأرسل إليهم فجمعهم وطلب العمى فأعجزه قال عمر وحدثني ابن عائشة
243

قال حدثني أبي قال الذي احتال لإبراهيم حتى أنجاهما منه عمرو بن شداد قال
عمرو حدثني رجل من أهل المدائن عن الحسن بن عمرو بن شداد قال حدثني أبي
قال مربى إبراهيم بالمدائن مستخفيا فأنزلته دارا لي على شاطئ دجلة وسعى بي
إلى عامل المدائن فضربني مائة سوط فلم أقرر له فلما تركني أتيت إبراهيم فأخبرته
فانحدر قال وحدثني العباس بن سفيان بن يحيى بن زياد مولى الحجاج بن يوسف
وكان يحيى بن زياد ممن سبى من عسكر قطري بن الفجاءة قال لما ظهر إبراهيم
كنت غلاما ابن خمس سنين فسمعت أشياخنا يقولون إنه مر منحدرا يريد البصرة
من الشأم فخرج إليه عبد الرحيم بن صفوان من موالى الحجاج ممن سبى من عسكر
قطري قال فمشى معه حتى عبره المآصر قال فأقبل بعض من رآه فقال رأيت
عبد الرحيم مع رجل شاطر محتجز بإزار مورد في يده قوس جلاهق يرمى به فلما
رجع عبد الرحيم سئل عن ذلك فأنكره فكان إبراهيم يتنكر بذلك قال وحدثني
نصر بن قديد قال لما قدم إبراهيم منصرفه من بغداد نزل على أبى فروة في كندة
فاختفى وأرسل إلى الناس يندبهم للخروج قال عمر وحدثني علي بن إسماعيل بن
صالح بن ميثم الأهوازي قال حدثني عبد الله بن الحسن بن حبيب عن أبيه قال
كان إبراهيم مختفيا عندي على شاطئ دجيل في ناحية مدينة الأهواز وكان محمد
ابن حصين يطلبه فقال يوما إن أمير المؤمنين كتب إلى يخبرني أن المنجمين يخبرونه
أن إبراهيم بالأهواز نازل في جزيرة بين نهرين فقد طلبته في الجزيرة حتى وثقت
أنه ليس هناك يعنى بالجزيرة التي بين نهر الشاه جرد ودجيل فقد اعتزمت أن أطلبه
غدا في المدينة لعل أمير المؤمنين يعنى بين دجيل والمسرقان قال فأتيت إبراهيم
فقلت له أنت مطلوب غدا في هذه الناحية قال فأقمت معه بقية يومى فلما غشيني
الليل خرجت به حتى أنزلته في أداني دست أربك دون الكث فرجعت من
ليلتي فأقمت أنتظر محمدا أن يغدو لطلبه فلم يفعل حتى تصرم النهار وقربت الشمس
تغرب فخرجت حتى جئت إبراهيم فأقبلت به حتى وافينا المدينة مع العشاء الآخرة
ونحن على حمارين فلما دخلنا المدينة فصرنا عند الجبل المقطوع لقينا أوائل خيل
244

ابن حصين فرمى إبراهيم بنفسه عن حماره وتباعد وجلس يبول وطوتني الخيل
فلم يعرج على منهم أحد حتى صرت إلى ابن حصين فقال لي أبا محمد من أين في
مثل هذا الوقت فقلت تمسيت عند بعض أهلي قال ألا أرسل معك من يبايغك قلت
لا قد قربت من أهلي فمضى يطلب وتوجهت على سنني حتى انقطع آخر أصحابه ثم
كررت راجعا إلى إبراهيم فالتمست حماره حتى وجدته فركب وانطلقنا حتى بتنا
في أهلنا فقال إبراهيم تعلم والله لقد بلت البارحة دما فأرسل من ينظر فأتيت
الموضع الذي بال فيه فوجدته قد بال دما قال وحدثني الفضل بن عبد الرحيم بن
سليمان بن علي قال قال أبو جعفر غمص على أمر إبراهيم لما اشتملت عليه طفوف
البصرة قال وحدثني محمد بن مسعر بن العلاء قال لما قدم إبراهيم البصرة دعا
الناس فأجابه موسى بن عمر بن موسى بن عبد الله بن خازم ثم ذهب بإبراهيم إلى
النضر بن إسحاق بن عبد الله بن خازم مختفيا فقال للنضر بن إسحاق هذا رسول
إبراهيم فكلمه إبراهيم ودعاه إلى الخروج فقال له النضر يا هذا كيف أبايع صاحبك
وقد عند جدي عبد الله بن خازم عن جده علي بن أبي طالب وكان عليه فيمن
خالفه فقال له إبراهيم دع سيرة الآباء عنك ومذاهبهم فإنما هو الدين وأنا أدعوك إلى
حق قال إني والله ما ذكرت لك ما ذكرت إلا مازحا وما ذاك الذي يمنعني من
نصرة صاحبك ولكني لا أرى القتال ولا أدين به قال وانصرف إبراهيم وتخلف
موسى فقال هذا والله إبراهيم نفسه قال فبئس لعمر الله ما صنعت لو كنت أعلمتني
كلمته غير هذا الكلام قال وحدثني نصر بن قديد قال دعا إبراهيم الناس وهو في
دار أبى فروة فكان أول من بايعه نميلة بن مرة وعفو الله بن سفيان وعبد الواحد
ابن زياد وعمر بن سلمة الهجيمي وعبيد الله بن يحيى بن حصين الرقاشي وندبوا
الناس له فأجاب بعدهم فتيان من العرب منهم المغيرة بن الفزع وأشباه له حتى
ظنوا أنه قد أحصى ديوانه أربعة آلاف وشهر أمره فقالوا له لو تحولت إلى وسط
البصرة أتاك من أتاك وهو مريح فتحول ونزل دار أبى مروان مولى بنى سليم
رجل من أهل نيسابور قال وحدثني يونس بن نجدة قال كان إبراهيم نازلا في بنى
245

راسب على عبد الرحمن بن حرب فخرج من داره في جماعة من أصحابه منهم عفو الله
ابن سفيان وبرد بن لبيد أحد بنى يشكر والمضاء التغلبي والطهوي والمغيرة بن
الفزع ونميلة بن مرة ويحيى بن عمرو الهماني فمروا على جفرة بنى عقيل حتى
خرجوا على الطفاوة ثم مروا على دار كرزم ونافع إبليس.... حتى دخلوا دار أبى
مروان في مقبرة بنى يشكر قال وحدثني ابن عفو الله بن سفيان قال سمعت أبي
يقول أتيت إبراهيم يوما وهو مرعوب فأخبرني أن كتاب أخيه أتاه يخبره أنه
قد ظهر ويأمره بالخروج قال فوجم من ذلك واغتم له فجعلت أسهل عليه الامر
وأقول قد اجتمع لك أمرك معك المضاء الطهوي والمغيرة وأنا وجماعة فنخرج
إلى السجن في الليل فنفتحه فتصبح حين تصبح ومعك عالم من الناس فطابت
نفسه قال وحدثني سهل بن عقيل بن إسماعيل قال حدثني أبي قال لما ظهر محمد
أرسل أبو جعفر إلى جعفر بن حنظلة البهراني وكان ذا رأى فقال هات رأيك قد
ظهر محمد بالمدينة قال وجد الأجناد إلى البصرة قال انصرف حتى أرسل إليك
فلما صار إبراهيم إلى البصرة أرسل إليه فقال قد صار إبراهيم إلى البصرة فقال إياها
خفت بادره بالجنود قال وكيف خفت البصرة قال لان محمدا ظهر بالمدينة وليسوا
بأهل حرب بحبسهم أن يقيموا شأن أنفسهم وأهل الكوفة تحت قدمك وأهل
الشأم أعداء آل أبي طالب فلم يبق إلا البصرة فوجه أبو جعفر ابني عقيل قائدين
من أهل خراسان من طيئ فقدما وعلى البصرة سفيان بن معاوية فأنزلهما قال
وحدثني جواد بن غالب بن موسى مولى بنى عجل عن يحيى بن بديل بن يحيى بن بديل
قال لما ظهر محمد قال أبو جعفر لأبي أيوب وعبد الملك بن حميد هل من رجل ذي
رأى تعرفانه نجمع رأيه على رأينا قالا بالكوفة بديل بن يحيى وقد كان أبو العباس
يشاوره فأرسل إليه فأرسل إليه فقال إن محمدا قد ظهر بالمدينة قال فاشحن الأهواز
جندا قال قد فهمت ولكن الأهواز بابهم الذي يؤتون منه قال فقبل أبو جعفر
رأيه قال فلما صار إبراهيم إلى البصرة أرسل إلى بديل فقال قد صار إبراهيم إلى
البصرة قال فعاجله بالجند وأشغل الأهواز عليه * وحدثني محمد بن حفص
246

الدمشقي مولى قريش قال لما ظهر محمد شاور أبو جعفر شيخا من أهل الشأم ذا
رأى فقال وجه إلى البصرة أربعة آلاف من جند أهل الشأم فلها عنه وقال خرف
الشيخ ثم أرسل إليه فقال قد ظهر إبراهيم بالبصرة قال فوجد إليه جندا من أهل
الشام قال ويلك ومن لي بهم قال اكتب إلى عاملك عليها يحمل إليك في كل يوم
عشرة على البريد قال فكتب بذلك أبو جعفر إلى الشأم قال عمر بن حفص فانى
لاذكر أبى يعطى الجند حينئذ وأنا أمسك له المصباح وهو يعطيهم ليلا وأنا يومئذ
غلام شاب قال وحدثني سهل بن عقيل قال أخبرني سلم بن فرقد قال لما أشار
جعفر بن حنظلة على أبى جعفر بحدر جند الشأم إليه كانوا يقدمون أرسالا بعضهم
على أثر بعض وكان يريد أن يروع بهم أهل الكوفة فإذا جنهم الليل في عسكره
أمرهم فرجعوا منكبين عن الطريق فإذا أصبحوا دخلوا فلا يشك أهل الكوفة
أنهم جند آخرون سوى الأولين * حدثني عبد الحميد وكان من خدم أبى العباس
قال كان محمد بن يزيد من قواد أبى جعفر وكان له دابة شهري كميت فربما مر بنا
ونحن بالكوفة وهو راكبه قد ساوى رأسه رأسه فوجهه أبو جعفر إلى البصرة
فلم يزل بها حتى خرج إبراهيم فأخذه فحبسه * حدثني سعيد بن نوح بن مجالد
الضبعي قال وجه أبو جعفر مجالدا ومحمدا ابني يزيد بن عمران من أهل ابيورد
قائدين فقدم مجالد قبل محمد ثم قدم محمد في الليلة التي خرج فيها إبراهيم فثبطهما
سفيان وحبسهما عنده في دار الامارة حتى ظهر إبراهيم فأخذهما فقيدهما ووجه
أبو جعفر معهما قائدا من عبد القيس يدعى معمرا * حدثني يونس بن نجدة قال
قدم على سفيان مجالد بن يزيد الضبعي من قبل أبى جعفر في ألف وخمسمائة فارس
وخمسمائة راجل * حدثني سعيد بن الحسن بن تسنيم بن الحوارى بن زياد بن
عمرو بن الأشرف قال سمعت من لا أحصى من أصحابنا يذكرون أن أبا جعفر
شاور في أمر إبراهيم فقيل له إن أهل الكوفة له شيعة والكوفة قدر يفور أنت
طبقها فاخرج حتى تنزلها ففعل * حدثني مسلم الخصي مولى محمد بن سليمان قال كان
أمر إبراهيم وأنا ابن بضع عشرة سنة وأنا يومئذ لأبي جعفر فأنزلنا الهاشمية بالكوفة
247

ونزل هو بالرصافة في ظهر الكوفة وكان جميع جنده الذين في عسكره نحوا من ألف
وخمسمائة وكان المسيب بن زهير على حرسه فجزأ الجند ثلاثة أجزاء خمسمائة خمسمائة
فكان يطوف الكوفة كلها في كل ليلة وأمر مناديا فنادى من أخذناه بعد
عتمة فقد أحل بنفسه فكان إذا أخذ رجلا بعد عتمة لفه في عباءة وحمله فبيته
عنده فإذا أصبح سأل عنه فان علم براءته أطلقه وإلا حبسه قال وحدثني أبو الحسن
الحذاء قال أخذ أبو جعفر الناس بالسواد فكنت أراهم يصبغون ثيابهم بالمداد
* وحدثني علي بن الجعد قال رأيت أهل الكوفة أيامئذ أخذوا بلبس الثياب
السود حتى البقالين أن أحدهم ليصبغ الثوب بالأنقاس ثم يلبسه * وحدثني جواد
ابن غالب قال حدثني العباس بن سلم مولى قحطبة قال كان أمير المؤمنين أبو جعفر
إذا اتهم أحدا من أهل الكوفة بالميل إلى إبراهيم أمر أبى سلما بطلبه فكان يمهل
حتى إذا غسق الليل وهدأ الناس نصب سلما على منزل الرجل فطرقه في بيته حتى
يخرجه فيقتله ويأخذ خاتمه قال أبو سهل جواد فسمعت جميلا مولى محمد بن أبي
العباس يقول للعباس بن سلم والله لو لم يورثك أبوك إلا خواتيم من قتل من أهل
الكوفة كنت أيسر الأبناء * حدثني سهل بن عقيل قال حدثني سلم بن فرقد
حاجب سليمان بن مجالد قال كان لي بالكوفة صديق فأتاني فقال أيا هذا اعلم أن
أهل الكوفة معدون للوثوب بصاحبكم فان قدرت على أن تبوئ أهلك مكانا
حريزا فافعل قال فأتيت سليمان بن مجالد فأخبرته الخبر فأخبر أبا جعفر ولأبي
جعفر عين من أهل الكوفة من الصيارفة يدعى ابن مقرن قال فأرسل إليه فقال
ويحك قد تحرك أهل الكوفة فقال لا والله يا أمير المؤمنين أنا عذيرك منهم قال
فركن إلى قوله وأضرب عنهم * وحدثني يحيى بن ميمون من أهل القادسية قال
سمعت عدة من أهل القادسية يذكرون أن رجلا من أهل خراسان يكنى
أبا الفضل ويسمى فلان ابن معقل ولى القادسية ليمنع أهل الكوفة من اتيان إبراهيم
وكان الناس قدر صدوا في طريق البصرة فكانوا يأتون القادسية ثم العذيب ثم
وادى السباع ثم يعدلون ذات اليسار في البر حتى قدموا البصرة قال فخرج نفر
248

من الكوفة اثنا عشر رجلا حتى إذا كانوا بوادي السباع لقيهم رجل من موالى
بنى أسد يسمى بكرا من أهل شراف دون واقصة بميلين من أهل المسجد الذي
يدعى مسجد الموالى فأتى ابن معقل فأخبره فاتبعهم فأدركهم بخفان وهى على أربعة
فراسخ من القادسية فقتلهم أجمعين * حدثني إبراهيم بن سلم قال كان الفرافصة
العجلي قدهم بالوثوب بالكوفة فامتنع لمكان أبى جعفر ونزوله بها وكان ابن
ما عز الأسدي يبايع لإبراهيم فيها سرا * حدثني عبد الله بن راشد بن يزيد قال
سمعت إسماعيل بن موسى البجلي وعيسى بن النضر السمانين وغيرهما يخبرون أن
غزوان كان لآل القعقاع بن ضرار فاشتراه أبو جعفر فقال له يوما يا أمير المؤمنين
هذه سفن منحدرة من الموصل فيها مبيضة تريد إبراهيم بالبصرة قال فضم إليه
جندا فلقيهم بباحمشا بين بغداد والموصل فقتلهم أجمعين وكانوا تجارى فيهم جماعة
من العباد من أهل الخير وغيرهم وفيهم رجل يدعى أبا العرفان من آل شعيب
السمان فجعل يقول ويلك يا غزوان ألست تعرفني أنا أبو العرفان جارك إنما شخصت
برقيق لي فبعتهم فلم يقبل وقتلهم أجمعين وبعث برؤوسهم إلى الكوفة فنصبت ما بين
دار إسحاق الأزرق إلى جانب دار عيسى بن موسى إلى مدينة ابن هبيرة قال أبو
أحمد عبد الله بن راشد فأنا رأيتها منصوبة على كوم التراب قال وحدثنا أبو علي
القداح قال حدثني داود بن سليمان ونيبخت وجماعة من القداحين قالوا كنا
بالموصل وبها حرب الراوندي رابطة في ألفين لمكان الخوارج بالجزيرة فأتاه
كتاب أبى جعفر يأمره بالقفل إليه فشخص فلما كان بباحمشا اعترض له أهلها وقالوا
لا ندعك تجوزنا لتنصر أبا جعفر على إبراهيم فقال لهم ويحكم إني لا أريد بكم سوءا
انما أنا ما ردعوني قالوا لا والله لا تجوزنا أبدا فقاتلهم فأبارهم وحمل منهم خمسمائة
رأس فقدم بها على أبى جعفر وقض عليه قصتهم قال أبو جعفر هذا أول الفتح
* وحدثني خالد بن خداش بن عجلان مولى عمر بن حفص قال حدثني جماعة
من أشياخنا أنهم شهدوا دفيف بن راشد مولى بنى يزيد بن حاتم أتى سفيان بن معاوية
قبل خروج إبراهيم بليلة فقال ادفع إلى فوارس آتك بإبراهيم أو برأسه قال أو مالك
249

عمل اذهب إلى عملك قال فخرج دفيف من ليلته فلحق بيزيد بن حاتم وهو بمصر
* وحدثني خالد بن خداش قال سمعت عدة من الأزد يحدثون عن جابر بن حماد
وكان على شرطة سفيان أنه قال لسفيان قبل خروج إبراهيم بيوم إني مررت
في مقبرة بنى يشكر فصيحوا بي ورموني بالحجارة فقال له أكان لك طريق * وحدثني
أبو عمر الحوضي حفص بن عمر قال مر عاقب صاحب شرط سفيان يوم الأحد
قبل ظهور إبراهيم بيوم في مقبرة بنى يشكر فقيل له هذا إبراهيم يريد الخروج
فقال كذبتم ولم يعرج على ذلك قال أبو عمر الحوضي جعل أصحاب إبراهيم ينادون
سفيان وهو محصور أذكر بيعتك في دار المخزوميين قال أبو عمرو حدثني محارب
ابن نصر قال مر سفيان بعد قتل إبراهيم في سفينة وأبو جعفر مشرف من قصره
فقال إن هذا لسفيان قالوا نعم قال والله للعجب كيف يفلتني ابن الفاعلة قال
الحوضي قال سفيان لقائد من قواد إبراهيم أقم عند فليس كل أصحابك يعلم ما كان
بيني وبين إبراهيم قال وحدثني نصر بن فرقد قال كان كرزم السدوسي يغدو على
سفيان بخبر إبراهيم ويروح ويعلمه من يأتيه فلا يعرض له ولا يتبع له أثرا وذكر
أن سفيان بن معاوية كان عامل المنصور أيامئذ على البصرة وكان قد مالا إبراهيم
ابن عبد الله على أمره فلا ينصح لصاحبه * اختلف في وقت قدوم إبراهيم البصرة
فقال بعض كان قدومه إياها أول يوم من شهر رمضان في سنة 145
ذكر من قال ذلك
* حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال قال محمد بن عمر لما ظهر محمد
ابن عبد الله بن الحسن وغلب على المدينة ومكة وسلم عليه بالخلافة وجه أخاه إبراهيم
ابن عبد الله إلى البصرة فدخلها في أول يوم من شهر رمضان سنة 145 فغلب
عليها وبيض بها وبيض بها أهل البصرة معه وخرج معه عيسى بن يونس ومعاذ
ابن معاذ بن العوام وإسحاق بن يوسف الأزرق ومعاوية بن هشام وجماعة كثيرة
من الفقهاء وأهل العلم فلم يزل بالبصرة شهر رمضان وشوالا فلما بلغه قتل أخيه
محمد بن عبد الله تأهب واستعد وخرج يريد أبا جعفر بالكوفة وقد ذكرنا قول
250

من قال كان مقدم إبراهيم البصرة في أول سنة 143 غير أنه كان مقيما بها مختفيا
يدعو أهلها في السر إلى البيعة لأخيه محمد * فذكر سهل بن عقيل عن أبيه أن سفيان
كان يرسل إلى قائدين كانا قدما عليه من عند أبي جعفر مددا له قبل ظهور إبراهيم
فيكونان عنده فلما وعده إبراهيم بالخروج أرسل إليهما فاحتبسهما عنده تلك الليلة
حتى خرج فأحاط به وبهما فأخذهما * وحدثت عن محمد بن معروف بن سويد
قال حدثني أبي قال وجه أبو جعفر مجالدا ومحمدا ويزيد قوادا ثلاثة كانوا إخوة
قبل ظهور إبراهيم فقدموا جندهم فجعلوا يدخلون البصرة تترى بعضهم على أثر
بعض فأشفق إبراهيم أن يكثروا بها فظهر * وذكر نصر بن قديد أن إبراهيم خرج
ليلة الاثنين لغرة شهر رمضان من سنة 145 فصار إلى مقبرة بنى يشكر في بضعة
عشر رجلا فارسا فيهم عبيد الله بن يحيى بن حصين الرقاشي قال وقدم تلك الليلة
أبو حماد الأبرص مددا لسفيان في ألفى رجل فنزل الرحبة إلى أن ينزلوا فسار إبراهيم
فكان أول شئ أصاب دواب أولئك الجند وأسلحتهم وصلى بالناس الغداة في
المسجد الجامع وتحصن سفيان في الدار ومعه فيها جماعة من بنى أبيه وأقبل الناس إلى
إبراهيم من بين ناظر وناصر حتى كثروا فلما رأى ذلك سفيان طلب الأمان فأجيب
إليه فدس إلى إبراهيم مطهر بن جويرية السدوسي فأخذ لسفيان الأمان وفتح الباب
ودخل إبراهيم الدار فلما دخلها ألقى له حصير في مقدم الايوان فهبت ريح فقلبته
ظهرا لبطن فتطير الناس لذلك فقال إبراهيم إنا لا نتطير ثم جلس عليه مقلوبا
والكراهة ترى في وجهه فلما دخل إبراهيم الدار خلى عن كل من كان فيها فيما
ذكر غير سفيان بن معاوية فإنه حبسه في القصر وقيده قيدا خفيفا فأراد إبراهيم
فيما ذكر بذلك من فعله أن يرى أبا جعفر أنه عنده محبوس وبلغ جعفرا ومحمدا
ابني سليمان بن علي وكانا بالبصرة يومئذ مصير إبراهيم إلى دار الامارة وحبسه
سفيان فأقبلا فيما قيل في ستمائة من الرجالة والفرسان والناشبة يريدانه فوجه
إبراهيم إليهما المضاء بن القاسم الجزري في ثمانية عشر فارسا وثلاثين راجلا فهزمهم
المضاء ولحق محمدا رجل من أصحاب المضاء فطعنه في فخذه ونادى مناد لإبراهيم
251

ابن عبد الله النخعي وعلى ديوان خراجها ثابت بن موسى وعلى خراسان حميد
ابن قحطبة وعلى قضاء بغداد مع قضاء الكوفة شريك بن عبد الله وقيل كان القاضي
على بغداد يوم مات المنصور عبيد الله محمد بن صفوان الجمحي وشريك بن عبد الله
على قضاء الكوفة خاصة وقيل إن شريكا كان إليه قضاء الكوفة والصلاة بأهلها
وكان على الشرط ببغداد يوم مات المنصور فيما ذكر عمر بن عبد الرحمن أخو
عبد الجبار بن عبد الرحمن وقيل كان موسى بن كعب وعلى ديوان خراج البصرة
وأرضها عمارة بن حمزة وعلى قضائها والصلاة عبيد الله بن الحسن العنبري وعلى
أحداثها سعيد بن دعلج (وأصاب) الناس فيما ذكر محمد بن عمر في هذه
السنة وباء شديد
ثم دخلت سنة تسع وخمسين ومائة
ذكر ما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك غزوة العباس بن محمد الصائفة فيها حتى بلغ أنقرة وكان على مقدمة
العباس الحسن الوصيف في الموالى وكان المهدى ضم إليه جماعة من قواد أهل
خراسان وغيرهم وخرج المهدى فعسكر بالبردان وأقام فيه حتى أنفذ العباس بن
محمد ومن قطع عليه البعث معه ولم يجعل العباس على الحسن الوصيف ولاية في
عزل ولا غيره ففتح في غزاته هذه المدينة للروم ومطمورة معها وانصرفوا سالمين
لم يصب من المسلمين أحد (وهلك) في هذه السنة حميد بن قحطبة وهو عامل المهدى على
خراسان فولى المهدى مكانه أبا عون عبد الملك بن يزيد (وفيها) ولى حمزة بن مالك
سجستان وولى جبرئيل بن يحيى سمرقند (وفيها) بنى المهدى مسجد الرصافة (وفيها)
بنى حائطها وحفر خندقها (وفيها) عزل المهدى عبد الصمد بن علي عن المدينة
مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم عن موجدة واستعمل عليها مكانه محمد بن عبد الله
الكثيري ثم عزله واستعمل عليها مكانه عبيد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن صفوان
الجمحي (وفيها) وجه المهدى عبد الملك بن شهاب المسمعي في البحر إلى بلاد الهند
252

ابن الحارث بن هشام بن المغيرة فقالوا له أنت أولى من هذا الهجيمي فأخذها
حفص وخرج منها اليشكري وولى حفص شرطه أبا مقرن الهجيمي * وذكر عمر
ابن عبد الغفار بن عمرو الفقيمي ابن أخي الفضل بن عمرو الفقيمي قال كان إبراهيم
واجدا على هارون بن سعد لا يكلمه فلما ظهر إبراهيم قدم هارون بن سعد فأتى
سلم بن أبي واصل فقال له أخبرني عن صاحبك أما به إلينا حاجة في أمره هذا
قال بلى لعمر الله ثم قام فدخل على إبراهيم فقال هذا هارون بن سعد قد جاءك قال
لا حاجة لي به قال لا تفعل في هارون تزهد فلم يزل به حتى قبله وأذن له فدخل
عليه فقال له هارون استكفني أهم أمورك إليك فاستكفاه واسط واستعمله عليها
قال سليمان بن أبي شيخ حدثني أبو الصعدي قال أتانا هارون بن سعد العجلي
من أهل الكوفة وقد وجهه إبراهيم من البصرة وكان شيخا كبيرا وكان أشهر من
معه من أهل البصرة الطهوي وكان معه ممن يشبه الطهوي في نجدته من
أهل واسط عبد الرحيم الكلبي وكان شجاعا وكان من قدم به أو قدم عليه عبدويه
كردام الخراساني وكان من فرسانهم صدقة بن بكار وكان منصور بن جمهور يقول
إذا كان معي صدقة بن بكار فما أبالى من لقيت فوجه أبو جعفر إلى واسط لحرب
هارون بن سعد عامر بن إسماعيل المسلى في خمسة آلاف في قول بعضهم وقال
بعضهم في عشرين ألفا وكانت بينهم وقعات * وذكر عن ابن أبي الكرام أنه
قال قدمت على أبى جعفر برأس محمد وعامر بن إسماعيل بواسط محاصر عارون
ابن سعد وكانت الحرب بين أهل واسط وأصحاب أبي جعفر قبل شخوص إبراهيم
من البصرة * فذكر سليمان بن أبي شيخ قال عسكر عامر بن إسماعيل من وراء
النيل فكانت أول حرب جرت بينه وبين هارون فضربه عبد سقاء وجرحه
وصرعه وهو لا يعرفه فأرسل إليه أبو جعفر بظبية فيها صمغ عربي وقال داو بها
جراحتك فالتقوا غير مرة فقتل من أهل البصرة وأهل واسط خلق كثير وكان
هارون ينهاهم عن القتال ويقول لو لقى صاحبنا صاحبهم تبين لنا الامر فاستبقوا
أنفسكم فكانوا لا يفعلون فلما شخص إبراهيم إلى باخمرى كف الفريقان من أهل
253

واسط وعامر بن إسماعيل بعضهم عن بعض وتوادعوا على ترك الحرب إلى أن
يلتقى الفريقان ثم يكونوا تبعا للغالب فلما قتل إبراهيم أراد عامر بن إسماعيل
دخول واسط فمانعه أهلها الدخول قال سليمان لما جاء قتل إبراهيم هرب هارون
ابن سعد وصالح أهل واسط عامر بن إسماعيل على أن يؤمنهم فلم يثق كثير منهم
بأمانه فخرجوا منها ودخلها عامر بن إسماعيل وأقام بواسط فلم يهج أحدا * وكان
عامر فيما ذكر صالح أهل واسط على أن لا يقتل أحدا بواسط فكانوا يقتلون
كل من يجدونه من أهل واسط خارجا منها ولما وقع الصلح بين أهل واسط
وعامر بعد قتل إبراهيم هرب هارون بن سعد إلى البصرة فتوفى قبل أن يبلغها
فيما ذكر * وقيل إن هارون بن سعد اختفى فلم يزل مختفيا حتى ولى محمد بن سليمان
الكوفة فأعطاه الأمان واستدرجه حتى ظهر وأمره أن يفرض لمائتين من أهل
بيته فهم أن يفعل وركب إلى محمد فلقيه ابن عم له فقال له أنت مخدوع فرجع
فتوارى حتى مات وهدم محمد بن سليمان داره قال ولم يزل إبراهيم مقيما بالبصرة
بعد ظهوره بها يفرق العمال في النواحي ويوجه الجيوش إلى البلدان حتى أتاه
نعى أخيه محمد * فذكر نصر بن قديد قال فرض إبراهيم فروضا بالبصرة فلما كان
قبل الفطر بثلاثة أيام أتاه نعى أخيه محمد فخرج بالناس إلى العيد وهم يعرفون فيه
الانكسار وأخبر الناس بقتل محمد فازدادوا في قتال أبى جعفر بصيرة وأصبح
من الغد فعسكر واستخلف نميلة على البصرة وخلف ابنه حسنا معه قال سعيد بن
هريم حدثني أبي قال قال علي بن داود لقد نظرت إلى الموت في وجه إبراهيم حين
خطبنا يوم الفطر فانصرفت إلى أهلي فقلت قتل والله الرجل * وذكر محمد بن
معروف عن أبيه أن جعفرا ومحمدا ابني سليمان لما شخصا من البصرة أرسلاه إلى
أبى جعفر ليخبره خبر إبراهيم قال فأخبرته خبرهما فقال والله ما أدرى كيف
أصنع والله ما في عسكري إلا ألفا رجل فرقت جندي فمع المهدى بالري ثلاثون
ألفا ومع محمد بن الأشعث بإفريقية أربعون ألفا والباقون مع عيسى بن موسى
والله لئن سلمت من هذه لا يفارق عسكري ثلاثون ألفا وقال عبد الله بن راشد
254

ما كان في عسكر أبى جعفر كثيرا أحد ما هم إلا سودان وناس يسير وكان يأمر
بالحطب فيحزم ثم يوقد بالليل فيراه الرائي فيحسب أن هناك ناسا وما هي إلا نار
تضرم وليس عندها أحد قال محمد بن معروف بن سويد حدثني أبي قال لما ورد
الخبر على أبى جعفر كتب إلى عيسى بن موسى وهو بالمدينة إذا قرأت كتابي هذا
فأقبل ودع كل ما أنت فيه قال فلم ينشب أن قدم فوجهه على الناس وكتب إلى
سلم بن قتيبة فقدم عليه من الري فضمه إلى جعفر بن سليمان * فذكر عن يوسف
ابن قتيبة بن مسلم قال أخبرني أخي سلم بن قتيبة بن مسلم قال لما دخلت على أبى جعفر
قال لي اخرج فإنه قد خرج ابنا عبد الله فاعمد لإبراهيم ولا يروعنك جمعه فوالله
انهما جملا بني هاشم المقتولان جميعا فابسط يدك وثق بما أعلمتك وستذكر مقالتي
لك قال فوالله ما هو إلا أن قتل إبراهيم فجعلت أتذكر مقالته فأعجب قال سعيد
ابن سلم فاستعمله على ميسرة الناس وضم إليه بشار بن سلم العقيلي وأبا يحيى بن
حريم وأبا هراسة سنان بن مخيس القشيري وكتب سلم إلى البصرة فلحقت به
باهلة عربها ومواليها وكتب المنصور إلى المهدى وهو يومئذ بالري يأمره بتوجيه
خازم بن خزيمة إلى الأهواز فوجهه المهدى فيما ذكر في أربعة آلاف من الجند
فصار إليها وحارب بها المغيرة فانصرف إلى البصرة ودخل خازم الأهواز فأباحها
ثلاثا * وذكر عن الفضل بن العباس بن موسى وعمر بن ماهان أنهما سمعا السندي
يقول كنت وصيفا أيام حرب محمد أقوم على رأس المنصور بالمذبة فرأيته لما
كثف أمر إبراهيم وغلظ أقام على مصلى نيفا وخمسين ليلة ينام عليه ويجلس عليه
وعليه جبة ملونة قد اتسخ جيبها وما تحت لحيته منها فما غير الجبة ولا هجر المصلى
حتى فتح الله عليه إلا أنه كان إذا ظهر للناس علا الجبة بالسواد وقعد على فراشه
فإذا بطن عاد إلى هيئته قال فأتته ريسانة في تلك الأيام وقد أهديت له امرأتان
من المدينة إحداهما فاطمة بنت محمد بن عيسى بن طلحة بن عبيد الله والاخرى أم
الكريم بنت عبد الله من ولد خالد بن أسيد بن أبي العيص فلم ينظر إليهما فقالت
يا أمير المؤمنين إن هاتين المرأتين قد خبثت أنفسهما وساءت ظنونهما لما ظهر
255

من جفائك لهما فنهرها وقال ليست هذه الأيام من أيام النساء لا سبيل لي إليهما
حتى أعلم أرأس إبراهيم لي أم رأسي لإبراهيم وذكر أن محمدا وجعفرا
ابني سليمان كتبا إلى أبى جعفر يعلمانه بعد خروجهما من البصرة الخبر في
قطعة جراب ولم يقدرا على شئ يكتبان فيه غير ذلك فلما وصل الكتاب إليه
فرأى قطعة جراب بيد الرسول قال خلع والله أهل البصرة مع إبراهيم ثم قرأ
الكتاب ودعا بعبد الرحمن الختلي و بأبي يعقوب ختن مالك بن الهيثم فوجههما في
خيل كثيفة إليهما وأمرهما أن يحبساهما حيث لقياهما وأن يعسكرا معهما ويسمعا
ويطيعا لهما وكتب إليهما يعجزهما ويضعفهما ويوبخهما على طمع إبراهيم في
الخروج إلى مصر هما فيه واستتار خبره عنهما حتى ظهر وكتب في آخر كتابه
أبلغ بني هاشم عنى مغلغلة * فاستيقظوا إن هذا فعل نوام
تعدوا الذئاب على من لا كلاب له * وتتقى مربض المستنفر الحامي
وذكر عن جعفر بن ربيعة العامري عن الحجاج بن قتيبة بن مسلم قال
دخلت على المنصور أيام حرب محمد وإبراهيم وقد جاءه فتق البصرة والأهواز
وفارس وواسط والمدائن والسواد وهو ينكت الأرض بمخصرته ويتمثل
ونصبت نفسي للرماح درية * إن الرئيس لمثل ذاك فعول
قال فقلت يا أمير المؤمنين أدام الله اعزازك ونصرك على عدوك أنت كما
قال الأعشى
وإن حربهم أو قدت بينهم * فحرت لهم بعد إبرادها
وجدت صبورا على حرها * وكر الحروب وتردادها
فقال يا حجاج إن إبراهيم قد عرف وعورة جانبي وصعوبة ناحيتي وخشونة
قرني وإنما جرأه على المسير إلى من البصرة اجتماع هذه الكور المطلة على عسكر
أمير المؤمنين وأهل السواد معه على الخلاف والمعصية وقد رميت كل كورة
بحجرها وكل ناحية بسهمها ووجهت إليهم الشهم النجد الميمون المظفر عيسى
ابن موسى في كثرة من العدد والعدة واستعنت بالله عليه واستكفيته إياه فإنه
256

لا حول ولا قوة لأمير المؤمنين إلا به قال جعفر بن ربيعة قال الحجاج بن قتيبة
لقد دخلت على أمير المؤمنين المنصور في ذلك اليوم مسلما وما أظنه يقدر على
رد السلام لتتابع الفتوق والخروق عليه والعساكر المحيطة به ولمائة ألف سيف
كامنة له بالكوفة بإزاء عسكره ينتظرون به صيحة واحدة فيثبون فوجدته صقرا
أحوزيا مشمرا قد قام إلى ما نزل به من النوائب يعركها ويمرسها فقام بها ولم
تقعد به نفسه وإنه لكما قال الأول
نفس عصام سودت عصاما * وعلمته الكر والاقداما
وصيرته ملكا هماما
وذكر أبو عبيدة أنه كان عند يونس الجرمي وقد وجه محمد بن عبد الله
أخاه لحرب أبى جعفر فقال يونس قدم هذا يريد ان يزيل ملكا فألهته ابنة
عمر بن سلمة عما حاوله ولقد أهديت اليتيمة إلى أبى جعفر في تلك الأيام فتركها
يمزجر الكلب فما نظر إليها حتى انقضى أمر إبراهيم وكان إبراهيم تزوج بعد
مقدمه البصرة بهكنة بنت عمر بن سلمة فكانت تأتيه في مصغاتها وألوان ثيابها
فلما أراد إبراهيم الشخوص نحو أبى جعفر دخل فيما ذكر بشر بن سلم عليه
نميلة والطهوي وجماعة من قواده من أهل البصرة فقالوا له أصلحك الله إنك قد
ظهرت على البصرة والأهواز وفارس وواسط فأقم بمكانك ووجه الأجناد
فان هزم لك جند أمددتهم بجند وإن هزم لك قائد أمددته بقائد فخيف مكانك
واتقاك عدوك وجبيت الأموال وثبتت وطأتك ثم رأيك بعد فقال الكوفيون
أصلحك الله إن بالكوفة رجالا لو قد رأوك ما توا دونك وإلا يروك تقعد بهم
أسباب شتى فلا يأتونك فلم يزالوا به حتى شخص وذكر عن عبد الله بن جعفر
المديني قال خرجنا مع إبراهيم إلى باخمرى فلما عسكرنا أتانا ليلة من الليالي فقال
انطلق بنا نطف في عسكرنا قال فسمع أصوات طنابير وغناء فرجع ثم أتاني ليلة
أخرى فقال انطلق بنا فانطلقت معه فسمع مثل ذلك فرجع وقال ما أطمع في نصر
عسكر فيه مثل هذا وذكر عن عفان بن مسلم الصفار قال لما عسكر إبراهيم
257

افترض معه رجال من جيراننا فأتيت معسكره فحزرت أن معه أقل من عشرة
آلاف فأما داود بن جعفر بن سليمان فإنه قال أحصى في ديوان إبراهيم من أهل
البصرة مائة ألف ووجه أبو جعفر عيسى بن موسى فيما ذكر إبراهيم بن موسى
ابن عيسى في خمسة عشر ألفا وجعل على مقدمته حميد بن قحطبة على ثلاثة آلاف
فلما شخص عيسى بن موسى نحو إبراهيم سار معه فيما ذكر أبو جعفر حتى بلغ
نهر البصريين ثم رجع أبو جعفر وسار إبراهيم من معسكره بالماخور من خريبة
البصرة نحو الكوفة فذكر بعض بنى تيم الله عن أوس بن مهلهل القطعي قال مر
بنا إبراهيم في طريقه ذلك ومنزلنا بالقباب التي يدعى قباب أوس فخرجت
أتلقاه مع أبي وعمى فانتهينا إليه وهو على برذون له يرتاد منزلا من الأرض قال
فسمعته يتمثل أبياتا للقطامي
أمور لو يدبرها حليم * إذا النهى وهيب ما استطاعا
ومعصية الشقيق عليك مما * يزيدك مرة منه استماعا
وخير الامر ما استقبلت منه * وليس بأن تتبعه اتباعا
ولكن الأديم إذا تفرى * بلى وتعيبا غلب الصناعا
فقلت للذي معي انى لاسمع كلام رجل نادم على مسيره ثم سار فلما بلغ كرخثا
قال له فيما ذكر عن سليمان بن أبي شيخ عن عبد الواحد بن زياد بن لبيدان هذه
بلاد قومي وأنا أعلم بها فلا تقصد قصد عيسى بن موسى وهذه العساكر التي وجهت
إليك ولكني أسلك بك إن تركتني طريقا لا يشعر بك أبو جعفر إلا وأنت معه
بالكوفة فأبى عليه قال فإنا معشر ربيعة أصحاب بيات فدعني أبيت أصحاب عيسى بياتا
قال انى أكره البيات وذكر عن سعيد بن هريم ان أباه أخبره قال قلت لإبراهيم
إنك غير ظاهر على هذا الرجل حتى تأخذ الكوفة فإن صارت لك مع تحصنه
بها لم تقم له بعدها قائمة ولى بعدبها أهيل فدعني أسر إليها مختفيا في السر ثم أجهر
فإنهم إن سمعوا داعيا إليك أجاو. فان سمع أبو جعفر الهيعة بأرجاء الكوفة لم برد
وجهه شئ دون حلوان قال فأقبل على بشير الرجال فقال ما ترى يا أبا محمد قال إنا
258

لو وثقنا بالذي تصف لكان رأيا ولكنا لا نأمن أن تجيبك منهم طائفة فيرسل
إليهم أبو جعفر خيلا فيطأ البرئ والنطف والصغير والكبير فتكون قد
تعرضت لمأثم ذلك ولم تبلغ منه ما أملت فقلت لبشير أخرجت حين خرجت
لقتال أبى جعفر وأصحابه وأنت تتوقى قتل الضعيف والصغير والمرأة والرجل
أوليس قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجه السرية فيقاتل فيكون في ذلك
نحو ما كرهت فقال إن أولئك كانوا مشركين كلهم وهؤلاء أهل ملتنا ودعوتنا
وقبلتنا حكمهم غير حكم أولئك فاتبع إبراهيم رأيه ولم يأذن له وسار إبراهيم حتى
نزل باخمرى وذكر خالد بن أسيد الباهلي أنه لما نزلها أرسل إليه سلم بن قتيبة
حكيم بن عبد الكريم إنك قد أصحرت ومثلك أنفس به عن الموت فخندق على
نفسك حتى لا تؤتى إلا من مأتى واحد فان أنت لم تفعل فقد أعرى أبو جعفر
عسكره فتخفف في طائفة حتى تأتيه فتأخذ بقفاه قال فدعا إبراهيم أصحابه فعرض
ذلك عليهم فقالوا نختدق على أنفسنا ونحن ظاهرون عليهم لا والله لا نفعل قال
فنأتيه قالوا ولم وهو في أيدينا متى أردناه فقال إبراهيم لحكيم قد تسمع فارجع
راشدا فذكر إبراهيم بن سلم أن أخاه حدثه عن أيه قال لما التقينا صف لهم أصحابنا
فخرجت من صفهم فقلت لإبراهيم إن الصف إذا انهزم بعضه تداعى فلم يكن لهم
نظام فاجعلهم كراديس فإن انهزم كردوس ثبت كردوس فتنادوا لا إلا قتال
أهل الاسلام يريدون قوله تعالى " يقاتلون في سبيله صفا " وذكر يحيى بن شكر
مولى محمد بن سليمان قال قال المضاء لما نزلنا باخمرى أتيت إبراهيم فقلت له إن
هؤلاء القوم مصبحوك بما يسد عليك مغرب الشمس من السلاح والكراع وإنما
معك رجال عراة من أهل البصرة فدعني أبيته فوالله لأشتتن جموعه فقال إني أكره
القتل فقلت تريد الملك وتكره القتل * وحدثني الحارث قال حدثني ابن سعد
قال حدثنا محمد بن عمر قال لما بلغ إبراهيم قتل أخيه محمد بن عبد الله خرج يريد
أبا جعفر المنصور بالكوفة فكتب أبو جعفر إلى عيسى بن موسى يعلمه ذلك
ويأمره أن يقبل إليه فوافاه رسول أبى جعفر وكتابه وقد أحرم بعمرة فرفضها
259

وأقبل إلى أبى جعفر فوجهه في القواد والجند والسلاح إلى إبراهيم بن عبد الله
وأقبل إبراهيم ومعه جماعة كثيرة من أفناء الناس أكثر من جماعة عيسى بن موسى
فالتقوا بباخمرى وهى على ستة عشر فرسخا من الكوفة فاقتتلوا بها قتالا شديدا
وانهزم حميد بن قحطبة وكان على مقدمة عيسى بن موسى وانهزم الناس معه فعرض
لهم عيسى بن موسى يناشدهم الله والطاعة فلا يلوون عليه ومروا منهزمين وأقبل
حيمد بن قحطبة منهزما فقال له عيسى بن موسى يا حميد الله الله والطاعة فقال لا طاعة
في الهزيمة ومر الناس كلهم حتى لم يبق منهم أحد بين يدي عيسى بن موسى وعسكر
إبراهيم بن عبد الله فثبت عيسى بن موسى في مكانه الذي كان فيه لا يزول وهو في
مائة رجل من خاصته وحشمه فقيل له أصلح الله الأمير لو تنحيت عن هذا المكان
حتى يثوب إليك الناس فتكر بهم فقال لا أزول عن مكاني هذا أبدا حتى أقتل
أو يفتح الله على يدي ولا يقال انهزم وذكر عبد الرحيم بن جعفر بن سليمان بن علي
أن إسحاق بن عيسى بن علي حدثه أنه سمع عيسى بن موسى يحدث أباه أنه
قال لما أراد أمير المؤمنين توجيهي إلى إبراهيم قال إن هؤلاء الخبثاء يعنى المنجمين
يزعمون أنك لا في الرجل وأن لك جولة حين تلقاه ثم يفئ إليك أصحابك وتكون
العاقبة لك قال فوالله لكان كما قال ما هو إلا أن التقينا فهزمونا فلقد رأيتني وما معي
الا ثلاثة أو أربعة فأقبل على مولى لي كان ممسكا بلجام دابتي فقال جعلت فداك
علام تقيم وقد ذهب أصحابك فقلت لا والله لا ينظر أهل بيتي إلى وجهي أبدا وقد
انهزمت عن عدوهم قال فوالله لكان أكثر ما عندي أن جعلت أقول لمن مربى
ممن أعرف من المنهزمين أقرأوا أهل بيتي منى السلام وقولوا لهم إني لم أجد فداء
أفديكم به أعز على من نفسي وقد بذلتها دونكم قال فوالله انا لعلى ذلك والناس
منهزمين ما يلوى أحد على أحد وصمد ابنا سليمان جعفر ومحمد لإبراهيم فخرجا عليه
من ورائه ولا يشعر من بأعقابنا من أصحاب إبراهيم حتى نظر بعضهم إلى بعض
وإذا القتال من ورائهم فكروا نحوه وعقبنا في آثارهم راجعين فكانت إياها قال
فسمعت عيسى بن موسى يومئذ يقول لأبي فوالله يا أبا العباس لولا ابنا سليمان
260

يومئذ لافتضحنا وكان من صنع الله ان أصحابنا لما انهزموا يومئذ اعترض لهم
نهر ذو ثنيتين مرتفعتين فحالتا بينهم وبين الوثوب ولم يجدوا مخاضة فكروا راجعين
بأجمعهم فذكر عن محمد بن إسحاق بن مهران أنه قال كان بباخمرى ناس من آل
طلحة فمخروها على إبراهيم وأصحابه وبثقوا الماء فأصبح أهل عسكره مرتطمين
في الماء وقد زعم أن إبراهيم هو الذي مخر ليكون قتاله من وجه واحد فلما انهزموا
منعهم الماء من الفرار فلما انهزم أصحاب إبراهيم وثبت إبراهيم ثبت معه جماعة من
أصحابه يقاتلون دونه اختلف في مبلغ عددهم فقال بعضهم كانوا خمسمائة وقال بعضهم
كانوا أربعمائة وقال بعضهم بل كانوا سبعين * فحدثني الحارث قال حدثنا ابن
سعد قال قال محمد بن عمر لما انهزم أصحاب عيسى بن موسى وثبت عيسى مكانه
أقبل إبراهيم بن عبد الله في عسكره يدنو ويدنو غبار عسكره حتى يراه عيسى
ومن معه فبينا هم على ذلك إذا فارس قد أقبل وكر راجعا يجرى نحو إبراهيم
لا يعرج على شئ فإذا هو حميد بن قحطبة قد غير لامته وعصب رأسه بعصابة
صفراء فكر الناس يتبعونه حتى لم يبق أحد ممن كان انهزم إلا كر راجعا حتى خالطوا
القوم فقاتلوهم قتالا شديدا حتى قتل الفريقان بعضهم بعضا وجعل حميد بن قحطبة
يرسل بالرؤوس إلى عيسى بن موسى إلى أن أتى برأس ومعه جماعة كثيرة وضجة
وصياح فقالوا رأس إبراهيم بن عبد الله فدعا عيسى بن موسى ابن أبي الكرام
الجعفري فأراه إياه فقال ليس هذا وجعلوا يقتتلون يومهم ذلك إلى أن جاء سهم
عائر لا يدرى من رمى به فوقع في حلق إبراهيم بن عبد الله فنحره فتنحى عن موقفه
وقال أنزلوني فأنزلوه عن مركبه وهو يقول " وكان أمر الله قدرا مقدورا " أردنا
أمرا وأراد الله غيره فأنزل إلى الأرض وهو مثخن واجتمع عليه أصحابه وخاصته
يحمونه ويقاتلون دونه ورأى حميد بن قحطبة اجتماعهم فأنكرهم فقال لأصحابه
شدوا على تلك الجماعة حتى تزيلوهم عن موضعهم وتعلموا ما اجتمعوا عليه فشدوا
عليهم فقاتلوهم أشد القتال حتى أفرجوهم عن إبراهيم وخلصوا إليه فحزوا رأسه
فأتوا به عيسى بن موسى فأراه ابن أبي الكرام الجعفري فقال نعم هذا رأسه
261

فنزل عيسى إلى الأرض فسجد وبعث برأسه إلى أبى جعفر المنصور وكان قتله
يوم الاثنين لخمس ليال بقين من ذي القعدة سنة 145 وكان يوم قتل ابن ثمان
وأربعين سنة ومكث منذ خرج إلى أن قتل ثلاثة أشهر إلا خمسة أيام وذكر
عبد الحميد أنه سأل أبا صلابة كيف قتل إبراهيم قال إني لأنظر إليه واقفا على
دابة ينظر إلى أصحاب عيسى قد ولوا ومنحوه أكتافهم ونكص عيسى بدابته
القهقرى وأصحابه يقتلونهم وعليه قباء زرد فآذاه الحر فحل أزرار قبائه فشال
الزرد حتى سال عن ثدييه وحسر عن لبته فأتته نشابة عائرة فأصابته في لبته فرأيته
اعتنق فرسه وكر راجعا وأطافت به الزيدية وذكر إبراهيم بن محمد بن أبي الكرام
قال حدثني أبي قال لما انهزم أصحاب عيسى تبعتهم رايات إبراهيم في آثارهم
فنادى منادى إبراهيم ألا لا تتبعوا مدبرا فكرت الرايات راجعة ورآها أصحاب
عيسى فخالوهم انهزموا فكروا في آثارهم فكانت الهزيمة وذكر أن أبا جعفر لما
بلغته جولة أصحاب عيسى عزم على الرحيل إلى الري فذكر سلم بن فرقد حاجب
سليمان بن مجالد أنه قال لما التقوا هزم أصحاب عيسى هزيمة قبيحة حتى دخل
أوائلهم الكوفة فأتاني صديق لي كوفي فقال أيها الرجل تعمل والله لقد دخل أصحابك
الكوفة فهذا أخو أبي هريرة في دار فلان وهذا فلان في دار فلان فانظر لنفسك
وأهلك ومالك قال فأخبرت بذلك سليمان بن مجالد فأخبر به أبا جعفر فقال لا تكشفن
من هذا شيئا ولا تلتفتن إليه فانى لا آمن أن يهجم على ما أكره وأعدد على كل
باب من أبواب المدينة إبلا ودواب فان أتينا من ناحية صرنا إلى الناحية الأخرى
فقيل لسلم إلى أين أراد أبو جعفر يذهب إن دهمه أمر قال كان عزم على إتيان
الري فبلغني أن نيبخت المنجم دخل على أبى جعفر فقال يا أمير المؤمنين الظفر لك
وسيقتل إبراهيم فلم يقبل ذلك منه فقال له احبسني عندك فإن لم يكن الامر كما
قلت لك فاقتلني فبينا هو كذلك إذ جاءه الخبر بهزيمة إبراهيم فتمثل ببيت معقر بن
أوس بن حمار البارقي
فألقت عصاها واستقرت بها النوى * كما قر عينا بالإياب المسافر
262

فأفطع أبو جعفر نيبخت ألفى جريب بنهر جوبر فذكر أبو نعيم الفضل بن
دكين أن أبا جعفر لما أصبح من الليلة التي أتى فيها برأس إبراهيم وذلك ليلة
الثلاثاء لخمس بقين من ذي القعدة أمر برأسه فنصب رأسه في السوق وذكر أن
أبا جعفر لما أتى برأسه فوضع بين يديه بكى حتى قطرت دموعه على خد إبراهيم
تم قال أما والله إن كنت لهذا لكارها ولكنك ابتليت بي وابتليت بك وذكر
عن صالح مولى المنصور أن المنصور لما أتى برأس إبراهيم بن عبد الله وضعه بين
يديه وجلس مجلسا عاما وأذن للناس فكان للداخل يدخل فيسلم ويتناول إبراهيم
فيسئ القول فيه ويذكر منه القبيح التماسا لرضى أبى جعفر وأبو جعفر ممسك
متغير لونه حتى دخل جعفر بن حنظلة البهراني فوقف فسلم ثم قال عظم الله أجرك
يا أمير المؤمنين في ابن عمك وغفر له ما فرط فيه من حقك فاصفر لون أبى جعفر
وأقبل عليه فقال أبا خالد مرحبا وأهلا ههنا فعلم الناس أن ذلك قد وقع منه فدخلوا
فقالوا مثل ما قال جعفر بن حنظلة (وفى هذه السنة) خرجت الترك والخزر
بباب الأبواب فقتلوا من المسلمين بأرمينية جماعة كثيرة (وحج) بالناس في
هذه السنة السرى بن عبد الله بن الحارث بن العباس بن عبد المطلب وكان عامل
أبى جعفر على مكة وكان وإلى المدينة في هذه السنة عبد الله بن الربيع الحارثي
ووالى الكوفة وأرضيها عيسى بن موسى ووالى البصرة سلم بن قتيبة الباهلي وكان
على قضائها عباد بن منصور وعلى مصر يزيد بن حاتم
ثم دخلت سنة ست وأربعين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمما كان فيها من ذلك استتمام أبى جعفر مدينته بغداد ذكر محمد بن عمر أن
أبا جعفر تحول من مدينة ابن هبيرة إلى بغداد في صفر سنة 146 فنزلها
وبنى مدينتها
263

ذكر الخبر عن صفة بنائه إياها
قد ذكرنا قبل السبب الباعث لأبي جعفر على بنائها والسبب الذي من
أجله اختار البقعة التي بنى فيها مدينته ونذكر الآن صفة بنائه إياها: ذكر عن رشيد
أبى داود بن رشيد أن أبا جعفر شخص إلى الكوفة حين بلغه خروج محمد بن عبد الله
وقد هيأ لبناء مدينة بغداد ما يحتاج إليه من خشب وساج وغير ذلك واستخلف حين
شخص على إصلاح ما أعد لذلك مولى له يقال له أسلم فبلغ أسلم أن إبراهيم بن
عبد الله قد هزم عسكر أبى جعفر فأحرق ما كان خلفه عليه أبو جعفر وساج وخشب
خوفا أن يؤخذ منه ذلك إذا غلب مولاه فلما بلغ أبا جعفر ما فعل من ذلك مولاه أسلم
كتب إليه يلومه على ذلك فكتب إليه أسلم يخبر أنه خاف أن يظفر بهم إبراهيم فيأخذه
فلم يقل له شيئا وذكر عن إسحاق بن إبراهيم الموصلي عن أبيه قال لما أراد المنصور
بناء مدينة بغداد شاور أصحابه فيها وكان ممن شاوره فيها خالد بن برمك فأشار بها
فذكر عن علي بن عصمة أن خالد بن برمك خط مدينة أبى جعفر له وأشار بها عليه فلما
احتاج إلى الانقاض قال له ما ترى في نقض بناء مدينة إيوان كسرى بالمدائن
وحمل نقضه إلى مدينتي هذه قال لا أرى ذلك يا أمير المؤمنين قال ولم قال لأنه
علم من أعلام الاسلام يستدل به الناظر إليه على أنه لم يكن ليزال مثل أصحابه
عنه بأمر دنيا وانما هو على أمر دين ومع هذا يا أمير المؤمنين فان فيه مصلى على
ابن أبي طالب صلوات الله عليه قال هيهات يا خالد أبيت إلا الميل إلى أصحابك
العجم وأمر أن ينقض القصر الأبيض فنقضت ناحية منه وحمل نقضه فنظر في
مقدار ما يلزمهم للنقض والحمل فوجدوا ذلك أكثر من ثمن الجديد لو عمل فرفع
ذلك إلى المنصور فدعا بخالد بن برمك فأعلمه ما يلزمهم في نقضه وحمله وقال له ما
ترى قال يا أمير المؤمنين قذ كنت أرى قبل أن لا تفعل فاما إذا فعلت فانى أرى
أن تهدم الآن حتى تلحق بقواعده لئلا يقال إنك قد عجزت عن هدمه فأعرض
المنصور عن ذلك وأمر أن لا يهدم فقال موسى بن داود المهندس قال لي المأمون
وحدثني بهذا الحديث يا موسى إذا بنيت لي بناء فاجعله ما يعجز عن هدمه ليبقى
264

طلله ورسمه وذكر أن أبا جعفر احتاج إلى الأبواب للمدينة فزعم أبو عبد الرحمن
الهماني أن سليمان بن داود كان بنى مدينة بالقرب من موضع بناء الحجاج واسط
يقال لها الزندورد واتخذت له الشياطين لها خمسة أبواب من حديد لا يمكن الناس
اليوم عمل مثلها فنصبها عليها فلم تزل عليها إلى أن بنى الحجاج واسط وخربت
تلك المدينة فنقل الحجاج أبوابها فصيرها على مدينته بواسط فلما بنى أبو جعفر المدينة
أخذ تلك الأبواب فنصبها على المدينة فهي عليها إلى اليوم وللمدينة ثمانية أبواب
أربعة داخلة وأربعة خارجة فصار على الداخلة أربعة أبواب من هذه الخمسة وعلى
باب القصر الخارج الخامس منها وصير على باب خراسان الخارج بابا جئ به من
الشأم من عمل الفراعنة وصير على باب الكوفة الخارج بابا جئ به من الكوفة
كان عمله خالد بن عبد الله القسري وأمر باتخاذ باب لباب الشأم فعمل ببغداد فهو
أضعف الأبواب كلها وبنيت المدينة مدورة لئلا يكون الملك إذا نزل وسطها إلى
موضع منها أقرب منه إلى موضع وجعل أبوابها أربعة على تدبير العساكر في
الحروب وعمل لها سورين فالسور الداخل أطول من السور الخارج وبنى قصره
في وسطها والمسجد الجامع حول القصر وذكر ان الحجاج بن أرطاة هو الذي
خط مسجد جامعها بأمر أبى جعفر ووضع أساسه وقيل إن قبلتها على غير صواب
وإن المصلى فيه يحتاج أن ينحرف إلى باب البصرة قليلا وإن قبلة مسجد الرصافة أصوب
من قبلة مسجد المدينة لان مسجد المدينة بنى على القصر ومسجد الرصافة بنى قبل القصر
وبنى القصر عليه فلذلك صار كذلك وذكر يحيى بن عبد الخالق أن أباه حدثه ان أبا جعفر
ولى كل ربع من المدينة قائدا يتولى الاستحثاث على الفراغ من بناء ذلك الربع
وذكر هارون بن زياد بن خالد بن الصلت قال أخبرني أبي قال ولى المنصور خالد
ابن الصلت النفقة على ربع من أرباع المدينة وهى تبنى قال خالد فلما فرغت من
بناء ذلك الربع رفعت إليه جماعة النفقة عليه فحسبها بيده فبقى على خمسة عشر درهما
فحبسني بها في حبس الشرقية أياما حتى أديتها وكان اللبن الذي صنع لبناء المدينة
اللبنة منها ذراعا في ذراع وذكر عن بعضهم أنه هدم من السور الذي يلي باب
265

المحول قطعة فوجد فيها لبنة مكتوبا عليها بمغرة وزنها مائة وسبعة عشرة رطلا قال
فوزناها فوجدناها على ما كان مكتوبا عليها من الوزن وكانت مقاصير جماعة من
قواد أبى جعفر وكتابه تشرع أبوابها إلى رحبة المسجد وذكر عن يحيى بن الحسن
ابن عبد الخالق خال الفضل بن الربيع أن عيسى بن علي شكا إلى أبى جعفر فقال
يا أمير المؤمنين ان المشي يشق على من باب الرحبة إلى القصر وقد ضعفت قال
فتحمل في محفة قال إني أستحيي من الناس قال وهل بقى أحد يستحيا منه قال
يا أمير المؤمنين فأنزلني منزلة راوية من الراويا قال وهل يدخل المدينة راوية أو
راكب قال فأمر الناس بتحويل أبوابهم إلى فصلان الطاقات فكان لا يدخل
الرحبة أحد إلا ماشيا قال ولما أمر المنصور بسد الأبواب مما يلي الرحبة وفتحها
إلى الفصلان صيرت الأسواق في طاقات المدينة الأربع في كل واحد سوق فلم
تزل على ذلك مدة حتى قدم عليه بطريق من بطارقة الروم وافدا فأمر الربيع ان
يطوف به في المدينة وما حولها ليرى العمران والبناء فطاف به الربيع فلما انصرف
قال كيف رأيت مدينتي وقد كان أصعد إلى سور المدينة وقباب الأبواب قال
رأيت بناء حسناء إلا انى قد رأيت أعداءك معك في مدينتك قال ومن هم قال
السوقة قال فأضب عليها أبو جعفر فلما انصرف البطريق أمر بإخراج السوق
من المدينة وتقدم إلى إبراهيم بن حبيش الكوفي وضم إليه جواس بن المسيب
اليماني مولاه وأمرهما أن يبنيا الأسواق ناحية الكرخ ويجعلاها صفوفا وبيوتا
لكل صنف وأن يدفعاها إلى الناس فلما فعلا ذلك حول السوق من المدينة إليها
ووضع عليهم الغلة على قدر الذرع فلما كثر الناس بنوا في مواضع من الأسواق
لم يكن رغب في البناء فيها إبراهيم بن حبيش وجواس لأنها لم تكن على تقدير
الصفوف من أموالهم فألزموا من الغلة أقل مما ألزم الذين نزلوا في بناء السلطان
وذكر بعضهم أن السبب في نقل أبى جعفر التجار من المدينة إلى الكرخ وما
قرب منها مما هو خارج المدينة انه قيل لأبي جعفر إن الغرباء وغيرهم يبيتون فيها
ولا يؤمن أن يكون فيهم جواسيس ومن يتعرف الاخبار أو أن يفتح أبواب
266

المدينة ليلا لموضع السوق فأمر بإخراج السوق من المدينة وجعلها للشرط والحرس
وبنى للتجار بباب طاق الحراني وباب الشأم والكرخ وذكر عن الفضل بن
سليمان الهاشمي عن أبيه أن سبب نقله الأسواق من مدينة السلام ومدينة
الشرقية إلى باب الكرخ وباب الشعير وباب المحول أن رجلا كان يقال
له أبو زكرياء يحيى بن عبد الله ولا المنصور حسبة بغداد والأسواق سنة
157 والسوق في المدينة وكان المنصور يتبع من خرج مع محمد وإبراهيم ابني عبد الله
ابن حسن وقد كان لهذا المحتسب معهم سبب فجمع على المنصور جماعة
استغواهم من السفلة فشغبوا واجتمعوا فأرسل المنصور إليهم أبا العباس الطوسي
فسكنهم وأخذ أبا زكرياء فحبسه عنده فأمره أبو جعفر بقتله فقتله بيده حاجب
كان لأبي العباس الطوسي يقال له موسى على باب الذهب في الرحبة بأمر المنصور
وأمر أبو جعفر بهدم ما شخص من الدور في طريق المدينة ووضع الطريق على
مقدار أربعين ذراعا وهدم ما زاد على ذلك المقدار وأمر بنقل الأسواق إلى
الكرخ وذكر عن أبي جعفر أنه لما أمر بإخراج التجار من المدينة إلى الكرخ
كلمه أبان بن صدقة في بقال فأجابه إليه على أن لا يبيع إلا الخل والبقل وحده ثم
أمر أن يجعل في كل ربع بقال واحد على ذلك المثال وذكر عن علي بن محمد أن
الفضل بن الربيع حدثه أن المنصور لما فرغ من بناء قصره بالمدينة دخله فطاف
فيه واستحسنه واستنظفه وأعجبه ما رأى فيه غير أنه استكثره ما أنفق عليه قال
ونظر إلى موضع فيه استحسنه جدا فقال لي اخرج إلى الربيع فقل له اخرج إلى
المسيب فقل له يحضرني الساعة بناء فارها قال فخرجت إلى المسيب فأخبرته فبعث
إلى رئيس البنائين فدعاه فأدخله على أبى جعفر فلما وقف بين يديه قال له كيف
عملت لأصحابنا في هذا القصر وكم أخذت من الأجرة لكل ألف آجرة ولبنة فبقى
البناء لا يقدر على أن يرد عليه شيئا فخافه المسيب فقال له المنصور مالك لا تكلم
فقال لا علم لي يا أمير المؤمنين قال ويحك قل وأنت آمن من كل ما تخافه قال يا أمير
المؤمنين لا والله ما أقف عليه ولا أعلمه قال فأخذ بيده وقال له تعال لا علمك الله
267

خيرا وأدخله الحجرة التي استحسنها فأراه مجلسا كان فيها فقال له أنظر إلى هذا
المجلس وابن لي بإزائه طاقا يكون شبيها بالبيت لا تدخل فيه خشبا قال نعم يا أمير
المؤمنين قال فأقبل البناء وكل من معه يتعجبون من فهمه بالبناء والهندسة فقال
له البناء ما أحسن أن أجئ به على هذا ولا أقوم به على الذي تريد فقال له فأنا
أعينك عليه قال فأمر بالآجر والجص فجئ به ثم أقبل يحصى جميع ما دخل في بناء
الطاق من الآجر والجص ولم يزل كذلك حتى فرغ منه في يومه وبعض اليوم
الثاني فدعا بالمسيب فقال له ادفع إليه أجره على حسب ما عمل معك قال فحاسبه
المسيب فأصابه خمسة دراهم فاستكثر ذلك المنصور وقال لا أرضى بذلك فلم يزل
به حتى نقصه درهما ثم أخذ المقادير ونظر مقدار الطاق من الحجرة حتى عرفه ثم
أخذ الوكلاء والمسيب يحملان النفقات وأخذ معه الامناء من البنائين والمهندسين
حتى عرفوه قيمة ذلك فلم يزل يحسبه شيئا شيئا وحملهم على ما رفع في أجرة بناء
الطاق فخرج على المسيب مما في يده ستة آلاف درهم ونيف فأخذه بها واعتقله فما
برح من القصر حنى أداها إليه وذكر عن عيسى بن المنصور أنه قال وجدت في
خزائن أبى المنصور في الكتب أنه أنفق على مدينة السلام وجامعها وقصر الذهب
بها والأسواق والفصلان والخنادق وقبابها وأبوابها أربعة آلاف ألف وثمانمائة
وثلاثة وثلاثين درهما ومبلغها من الفلوس مائة ألف ألف فلس وثلاثة وعشرون
ألف فلس وذلك أن الأستاذ من البنائين كان يعمل يومه بقيراط فضة والروزكاري
بحبتين إلى ثلاث حبات (وفى هذه السنة) عزل المنصور عن البصرة سلم بن قتيبة
وولاها محمد بن سليمان بن علي
ذكر الخبر عن سبب عزله إياه
ذكر عبد الملك بن شيبان أن يعقوب بن الفضل بن عبد الرحمن الهاشمي قال
كتب أبو جعفر إلى سلم بن قتيبة لما ولاه البصرة أما بعد فاهدم دور من خرج
مع إبراهيم واعقر نخلهم فكتب إليه سلم بأي ذلك أبدأ أبا لدور أم بالنخل فكتب
إليه أبو جعفر أما بعد فقد كتبت إليك آمرك بإفساد تمرهم فكتبت تستأذنني في
268

أية تبدأ به بالبرني أم بالشهريز وعزله وولى محمد بن سليمان فقدم فعاث وذكر
عن يونس بن نجدة قال قدم علينا سلم بن قتيبة أميرا بعد الهزيمة على شرطه
أبو برقة يزيد بن سلم فأقام بها سلم أشهرا خمسة ثم عزل وولى علينا محمد بن سليمان
قال عبد الملك بن شيبان هدم محمد بن سليمان لما قدم دار يعقوب بن الفضل
ودار أبى مروان في بنى يشكر ودار عون بن مالك ودار عبد الواحد بن زياد
ودار الخليل بن الحصين في بنى عدى ودار عفو الله بن سفيان وعقر نخلهم وغزا
الصائفة في هذه السنة جعفر بن حنظلة البهراني (وفى هذه السنة) عزل عن المدينة
عبد الله بن الربيع وولى مكانه جعفر بن سليمان فقدمها في شهر ربيع الأول وعزل
أيضا في هذه السنة عن مكة السرى بن عبد الله ووليها عبد الصمد بن علي (وحج)
بالناس في هذه السنة عبد الوهاب بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس
كذلك قال محمد بن عمر وغيره
ثم دخلت سنة سبع وأربعين ومائة
ذكر الاخبار عن الاحداث التي كانت فيها
فمما كان فيها من ذلك إغارة استرخان الخوارزمي في جمع من الترك على المسلمين
بناحية أرمينية وسبيه من المسلمين وأهل الذمة خلقا كثيرا ودخولهم تفليس وقتلهم
حرب بن عبد الله الراوندي الذي تنسب إليه الحربية بغداد وكان حرب هذا فيما
ذكر مقيما بالموصل في ألفين من الجند لمكان الخوارج الذين بالجزيرة وكان أبو جعفر
حين بلغه تحزب الترك فيما هناك وجه إليهم لحربهم جبرئيل بن يحيى وكتب إلى
حرب يأمره بالمسير معه فسار معه حرب فقتل حرب وهزم جبرئيل وأصيب
من المسلمين من ذكرت (وفى هذه السنة) كان مهلك عبد الله بن علي بن عباس
(واختلفوا) في سبب هلاكه فقال بعضهم ما ذكره علي بن محمد النوفلي عن أبيه
أن أبا جعفر حج سنة 147 بعد تقدمته المهدى على عيسى بن موسى بأشهر وقد
كان عزل عيسى بن موسى عن الكوفة وأرضها وولى مكانه محمد بن سليمان
269

ابن علي وأوفده إلى مدينة السلام فدعا به فدفع إليه عبد الله بن علي سرا في
جوف الليل ثم قال له يا عيسى إن هذا أراد أن يزيل النعمة عنى وعنك وأنت ولى
عهدي بعد المهدى والخلافة صائرة إليك فخذه إليك فاضرب عنقه وإياك أن تخور
أو تضعف فتنقض على أمرى الذي دبرت ثم مضى لوجهه وكتب إليه من طريقه
ثلاث مرات يسأله ما فعل في الامر الذي أو عز إليه فيه فكتب إليه قد أنفذت
ما أمرت به فلم يشك أبو جعفر في أنه قد فعل ما أمره به وأنه قد قتل عبد الله بن علي
فكان عيسى حين دفعه إليه ستره ودعا كاتبه يونس بن فروة فقال له إن هذا
الرجل دفع إلى عمه وأمرني فيه بكذا وكذا فقال له أراد أن يقتلك ويقتله أمرك
بقتله سرا ثم يدعيه عليك علانية ثم يقيدك به قال فما الرأي قال الرأي أن تستره
في منزلك فلا تطلع على أمره أحدا فان طلبه منك علانية دفعته إليه علانية ولا تدفعه
إليه سرا أبدا فإنه وإن كان أسره إليك فان أمره سيظهر ففعل ذلك عيسى وقدم المنصور
ودس إلى عمومته من يحركهم على مسألته هبة عبد الله بن علي لهم ويطمعهم في أنه
سيفعل فجاؤوا إليه وكلموه ورققوه وذكروا له الرحم وأظهروا له رقة فقال نعم على
بعيسى بن موسى فأتاه فقال له يا عيسى قد علمت أنى دفعت إليك عمى وعمك عبد الله بن علي
قبل خروجي إلى الحج وأمرتك أن يكون في منزلك قال قد فعلت ذلك يا أمير المؤمنين
قال فقد كلمني عمومتك فيه فرأيت الصفح عنه وتخلية سبيله فأتنا به فقال يا أمير
المؤمنين ألم تأمرني بقتله فقتلته قال ما أمرتك بقتله إنما أمرتك بحبسه في منزلك
قال قد أمرتني بقتله قال له المنصور كذبت ما أمرتك بقتله ثم قال لعمومته إن هذا
قد أقر لكم بقتل أخيكم وادعى أنى أمرته بذلك وقد كذب قالوا فادفعه إلينا نقتله
به قال شأنكم به فأخرجوه إلى الرحبة واجتمع الناس وشهر الامر فقام أحدهم
فشهر سيفه وتقدم إلى عيسى ليضربه فقال له عيسى أفاعل أنت قال أي والله قال
لا تعجلوا ردوني إلى أمير المؤمنين فردوه إليه فقال انما أردت بقتله أن تقتلني
هذا عمك حي سوى إن أمرتني بدفعه إليك دفعته قال ائتنا به فأتاه به فقال له
عيسى دبرت على أمرا فخشيته فكان كما خشيت شأنك وعمك قال يدخل حتى
270

أرى رأيي ثم انصرفوا ثم أمر به فجعل في بيت أساسه ملح وأجرى في أساسه الماء
فسقط عليه فمات فكان من أمره ما كان وتوفى عبد الله بن علي في هذه السنة
ودفن في مقابر باب الشأم فكان أول من دفن فيها وذكر عن إبراهيم بن عيسى
ابن المنصور بن برية أنه قال كانت وفاة عبد الله بن علي في الحبس سنة 147 وهو
ابن اثنتين وخمسين سنة قال إبراهيم بن عيسى لما توفى عبد الله بن علي ركب
المنصور يوما ومعه عبد الله بن عياش فقال له وهو يجاريه أتعرف ثلاثة خلفاء
أسماؤهم على العين مبدؤها قتلوا ثلاثة خوارج مبدؤ أسمائهم العين قال لا أعرف
إلا ما تقول العامة إن عليا قتل عثمان وكذبوا وعبد الملك بن مروان قتل عبد الرحمن
ابن محمد بن الأشعث وعبد الله بن الزبير وعمرو بن سعيد وعبد الله بن علي سقط عليه
البيت فقال له المنصور فسقط على عبد الله بن علي البيت فأنا ما ذنبي قال ما قلت إن لك
ذنبا (وفى هذه السنة) خلع المنصور عيسى بن موسى وبايع لابنه المهدى وجعله
ولى عهد من بعده وقال بعضهم ثم من بعده عيسى بن موسى
ذكر الخبر عن سبب خلعه إياه وكيف كان الامر في ذلك
(اختلف) في الذي وصل به أبو جعفر إلى خلعه فقال بعضهم السبب الذي
وصل به أبو جعفر إلى ذلك هو أن أبا جعفر أقر عيسى بن موسى بعد وفاة أبى
العباس على ما كان أبو العباس ولاه من ولاية الكوفة وسوادها وكان له مكرما
مجلا وكان إذا دخل عليه أجلسه عن يمينه وأجلس المهدى عن يساره فكان ذلك
فعله به حتى عزم المنصور على تقديم المهدى في الخلافة عليه وكان أبو العباس
جعل الامر من بعده لأبي جعفر ثم من بعد أبي جعفر لعيسى بن موسى فلما
عزم المنصور على ذلك كلم عيسى بن موسى في تقديم ابنه عليه برفيق من الكلام
فقال عيسى يا أمير المؤمنين فكيف بالايمان والمواثيق التي على وعلى المسلمين لي
من العتق والطلاق وغير ذلك من مؤكد الايمان ليس إلى ذلك سبيل يا أمير
المؤمنين فلما رأى أبو جعفر امتناعه تغير لونه وباعده بعض المباعدة وأمر بالاذن
للمهدى قبله فكان يدخل فيجلس عن يمين المنصور في مجلس عيسى ثم يؤذن لعيسى
271

فيدخل فيجلس دون مجلس المهدى عن يمين المنصور أيضا ولا يجلس عن يساره
في المجلس الذي كان يجلس فيه المهدى فيغتلظ من ذلك المنصور ويبلغ منه فيأمر
بالاذن للمهدى ثم يأمر بعده بالاذن لعيسى بن علي فيلبث هنيهة ثم عبد الصمد
ابن علي ثم يلبث هنيهة ثم عيسى بن موسى فإذا كان بعد ذلك قدم في الاذن للمهدى
على كل حال ثم يخلط في الآخرين فيقدم بعض من أخر ويؤخر بعض من قدم
ويوهم عيسى بن موسى أنه انما يبدأ بهم لحاجة تعرض ولمذاكرتهم بالشئ من
أمره ثم يؤذن لعيسى بن موسى من بعدهم وهو في ذلك كله صامت لا يشكو منه
شيئا ولا يستعتب ثم صار إلى أغلظ من ذلك فكان يكون في المجلس معه بعض
ولده فيسمع الحفر في أصل الحائط فيخاف أن يخر عليه الحائط وينتثر عليه التراب
وينظر إلى الخشبة من سقف المجلس قد حفر عن أحد طرفيها لتقلع فيسقط التراب
على قلنسوته وثيابه فيأمر من معه من ولده بالتحويل ويقوم هو فيصلى ثم يأتيه
الاذن فيقوم فيدخل بهيئته والتراب عليه لا ينفضه فإذا رآه المنصور قال له يا عيسى
ما يدخل على أحد بمثل هيئتك من كثرة الغبار عليك والتراب أفكل هذا من
الشارع فيقول أحسب ذلك يا أمير المؤمنين وإنما يكلمه المنصور بذلك ليستطعمه أن
يشكو إليه شيئا فلا يشكو وكان المنصور قد أرسل إليه في الامر الذي أراده منه عيسى بن علي
فكان عيسى بن موسى لا يحمد منه مدخله فيه كأنه كان يغرى به فقيل إنه دس لعيسى
ابن موسى بع ما يتلفه فنهض من المجلس فقال له المنصور إلى أين يا أبا موسى قال أجد
غمزا يا أمير المؤمنين قال ففي الدار إذا قال الذي أجده أشد مما أقيم معه في الدار قال فإلى
أين قال إلى المنزل ونهض فصار إلى حراقته ونهض المنصور في أثره إلى الحراقة
متفزعا له فاستأذنه عيسى في المصير إلى الكوفة فقال بل تقيم فتعالج ههنا فأبى وألح
عليه فأذن له وكان الذي جرأه على ذلك طبيبه بختيشوع أبو جبرئيل وقال إني
والله ما أجترئ على معالجتك بالحضرة وما آمن على نفسي فأذن له المنصور وقال
له أنا على الحج في سنتي هذه فأنا مقيم عليك بالكوفة حتى تفيق إن شاء الله
وتقارب وقت الحج فشخص المنصور حتى صار بظهر الكوفة في موضع يدعى
272

الرصافة فأقام بها أيام فآجري هناك الخيل وعاد عيسى غير مرة ثم رجع إلى
مدينة السلام ولم يحج واعتل بقلة الماء في الطريق وبلغت العلة من عيسى بن موسى
كل مبلغ حتى تمعط شعره ثم أفاق من علته تلك فقال فيه يحيى بن زياد بن أبي
حزابة البرجمي أبو زياد
أفلت من شربة الطبيب كما * أفلت ظبى الصريم من فتره
من قانص ينفذ الفريص إذا * ركب سهم الحتوف في وتره
دافع عنك المليك صولة ليث * يريد الأسد في ذرى خمر
حتى أتانا وفيه داخلة * تعرف في سمعه وفى بصره
أزعر قد طار عن مفارقه * وحف أثيث النبات من شعره
وذكر أن عيسى بن علي كان يقول للمنصور إن عيسى بن موسى إنما يمتنع من
البيعة للمهدى لأنه يربص هذا الامر لابنه موسى فموسى الذي يمنعه فقال المنصور
لعيسى بن علي كلم موسى بن عيسى وخوفه على أبيه وعلى ابنه فكلم عيسى بن علي
موسى في ذلك فأيأسه فتهدده وحذره غضب المنصور فلما وجل موسى وأشفق
وخاف أن يقع به المكروه أتى العباس بن محمد فقال أي عم إني مكلمك بكلام
لا والله ما سمعه منى أحد قط ولا يسمعه أحدا أبدا وإنما أخرجه منى إليك
موضع الثقة بك والطمأنينة إليك وهو أمانة عندك فإنما هي نفسي أنثلها في يدك
قال قل يا ابن أخي فلك عندي ما تحبه قال أرى ما يسام أبى من إخراج هذا الامر
من عنقه وتصييره للمهدى فهو يؤذى بصنوف الأذى والمكروه فيتهدد مرة
ويؤخر أذنه مرة وتهدم عليه الحيطان مرة وتدس إليه الحتوف مرة فأبى لا يعطى
على هذا شيئا لا يكون ذلك أبدا ولكن ههنا وجها فلعله يعطى عليه إن أعطى
وإلا فلا قال فما هو يا ابن أخي فإنك قد أصبت ورققت قال يقبل عليه أمير المؤمنين
وأنا شاهد فيقول له يا عيسى انى أعلم أنك لست تضن بهذا الامر على المهدى لنفسك
لتعالى سنك وقرب أجلك فإنك تعلم أنه لا مدة لك تطول فيه وإنما تضن به
لمكان ابنك موسى أفتراني أدع ابنك يبقى بعدك ويبقى ابني معه فيلي عليه كلا والله
273

لا يكون ذلك أبدا ولأثبن على ابنك وأنت تنظر حتى تيأس منه وآمن أن يلي
على ابني أترى ابنك اثر عندي من ابني ثم يأمر بي فإما خنقت واما شهر على سيف
فان أجاب إلى شئ فعسى أن يفعل بهذا السبب فأما بغيره فلا فقال العباس جزاك
الله يا ابن أخي خيرا فقد فديت أباك بنفسك وآثرت بقاءه على حظك نعم الرأي
رأيت ونعم المسلك سلكت ثم أتى أبا جعفر فأخبره الخبر فجزى المنصور موسى
خيرا وقال قد أحسن وأجمل وسأفعل ما أشار به إن شاء الله فلما اجتمعوا وعيسى
ابن علي حاضر أقبل المنصور على عيسى بن موسى فقال يا عيسى انى لا أجهل مذهبك
الذي تضمره ولا مداك الذي تجرى إليه في الامر الذي سألتك انما تريد هذا
الامر لا بنك هذا المشؤم عليك وعلى نفسه فقال عيسى بن علي يا أمير المؤمنين
غمزني البول قال فندعو لك بإناء تبول فيه قال أفمجلسك يا أمير المؤمنين ذاك
ما لا يكون ولكن أقرب البلاليع من أدل عليها فآتيها فأمر من يدله فانطلق فقال
عيسى بن موسى لابنه موسى قم مع عمك فاجمع عليه ثيابه من ورائه وأعطه منديلا
إن كان معك يتنشف به فلما جلس عيسى يبول جمع موسى عليه ثيابه من ورائه
وهو لا يراه فقال من هذا فقال موسى بن عيسى فقال بأبي أنت وبأبي أب ولدك
والله إني لاعلم أنه لا خير في هذا الامر بعد كما إنكما لاحق به ولكن المرء مغرى
مما تعجل فقال موسى في نفسه أمكنني والله هذا من مقاتله وهو الذي يغرى
بأبي والله لأقتلنه بما قال لي ثم لا أبالى أن يقتلني أمير المؤمنين بعده بل يكون
في قتله عزاء لأبي وسلو عنى إن قتلت فما رجعا إلى موضعهما قال موسى
يا أمير المؤمنين أذكر لأبي أمرا فسرده ذلك وظن أنه يريد أن يذاكره بعض
أمرهم فقال قم فقام إليه فقال يا أبت إن عيسى بن علي قد قتلك وإياي قتلات
بما يبلغ عنا وقد أمكنني من مقاتله قال وكيف قال قال لي كيت وكيت فأخبر
أمير المؤمنين فيقتله فتكون قد شفيت نفسك وقتلته قبل أن يقتلك وإياي ثم
لا نبالي ما كان بعد فقال أف لهذا رأيا ومذهبا ائتمنك عمك على مقالة أراد أن
يسرك بها فجعلتها سببا لمكروهه وتلفه لا يسمعن هذا منك أحد وعد إلى مجلسك
274

فقام فعاد وانتظر أبو جعفر أن يرى لقيامه إلى أبيه وكلامه أثرا فلم يره فعاد إلى
وعيده الأول وتهدده فقال أما والله لأعجلن لك فيه ما يسوءك ويوئسك من بقائه
بعدك أيا ربيع قم إلى موسى فأحنقه بحمائله فقام الربيع فضم حمائله عليه فجعل يخنقه بها
خنقا رويدا وموسى يصيح الله الله يا أمير المؤمنين في وفى دمى فإني لبعيد مما تظن
بي وما يبالي عيسى أن تقتلني وله بضعة عشر نفرا ذكرا كلهم عنده مثلي أو يتقدمني
وهو يقول اشدد يا ربيع ائت على نفسه والربيع يوهم أنه يريد تلفه وهو يراخى خناقه
وموسى يصيح فلما رأى ذلك عيسى قال والله يا أمير المؤمنين ما ظننت أن الامر
يبلغ منك هذا كله فمر بالكف عنه فإني لم أكن لأرجع إلى أهلي وقد قتل بسبب
هذا الامر عبد من عبيدي فكيف أبا بنى فها أنا أشهدك أن نسائي طوالق ومماليكي أحرار
وما أملك في سبيل الله تصرف ذلك فيمن رأيت يا أمير المؤمنين وهذه يدي بالبيعة
للمهدى فأخذ بيعته له على ما أحب ثم قال يا أبا موسى إنك قد قضيت حاجتي هذه
كارها ولى حاجة أحب أن تقضيها طائعا فتغسل بها ما في نفسي من الحاجة الأولى
قال وما هي يا أمير المؤمنين قال تجعل هذا الامر من بعد المهدى لك قال ما كنت
لادخل فيها بعد إذ خرجت منها فلم يدعه هو ومن حضره من أهل بيته حتى قال
يا أمير المؤمنين أنت أعلم فقال بعض أهل الكوفة ومر عليه عيسى في موكبه
هذا الذي كان غدا فصار بعد غد وهذه القصة فيما قيل منسوبة إلى آل عيسى
انهم يقولونها * وأما الذي يحكى عن غيرهم في ذلك فهو أن المنصور أراد البيعة
للمهدى فكلم الجند في ذلك فكانوا إذا رأوا عيسى راكبا أسمعوه ما كره فشكا
ذلك إلى المنصور فقال للجند لا تؤذوا ابن أخي فإنه جلدة بين عيني ولو كنت
تقدمت إليكم لضربت أعناقكم فكانوا يكفون ثم يعودون فمكث بذلك زمانا
ثم كتب إلى عيسى بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عبد الله المنصور أمير
المؤمنين إلى عيسى بن موسى سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو
أما بعد فالحمد لله ذي المن القديم والفضل العظيم والبلاء الحسن الجميل الذي ابتدأ
الخلق بعلمه وأنفذ القضاء بأمره فلا يبلغ مخلوق كنه حقه ولا ينال في عظمته كنه
ذكره يدبر ما أراد من الأمور بقدرته ويصدرها عن مشيئته لا قاضى فيها غيره
275

ولا نفاذ لها إلا به يجريها على إذلالها يستأمر فيها وزيرا ولا يشاور فيها معينا
ولا يلتبس عليه شئ أراده يمضى قضاؤه فيما أحب العباد وكرهوا لا يستطيعون
منه امتناعا ولا عن أنفسهم دفاعا رب الأرض ومن عليها له الخلق والامر تبارك
الله رب العالمين ثم انك قد علمت الحال التي كنا عليها في ولاية الظلمة كيف
كانت قوتنا وحيلتنا لما اجترأ عليه أهل بيت اللعنة فيما أحببنا وكرهنا فصبرنا
أنفسنا على ما دعونا إليه من تسليم الأمور إلى من أسندوها إليه واجتمع رأيهم
عليه نسام الخسف ونوطأ بالعسف لا ندع ظلما ولا نمنع ضيما ولا نعطى حقا
ولا ننكر منكرا ولا نستطيع لها ولا لأنفسنا نفعا حتى إذا بلغ الكتاب أجله
وانتهى الامر إلى مدته وأذن الله في هلاك عدوه وارتاح بالرحمة لأهل بيت
نبيه صلى الله عليه وسلم فابتعث الله لهم أنصارا يطلبون بثأرهم ويجاهدون عدوهم
ويدعون إلى حبهم وينصرون دولتهم من أرضين متفرقة وأسباب مختلفة وأهواء
مؤتلفة فجمعهم الله على طاعتنا وألف بين قلوبهم بمودتنا على نصرتنا وأعزهم
بنصرنا لم نلق منهم رجلا ولم نشهر معهم سيفا إلا ما قذف الله في قلوبهم حتى
ابتعثهم لنا من بلادهم ببصائر نافذة وطاعة خالصة يلقون الظفر ويعودون بالنصر
وينصرون بالرعب لا يلقون أحدا إلا هزموه ولا واترا إلا قتلوه حتى بلغ الله
بنا بذلك أقصى مدانا وغاية منانا ومنتهى آمالنا وإظهار حقنا واهلاك عدونا كرامة
من الله جل وعزلنا وفضلا منه علينا بغير حول منا ولا قوة ثم لم نزل من ذلك في نعمة
الله وفضله علينا حتى نشأ هذا الغلام فقذف الله له في قلوب أنصار الدين الذين
ابتعثتهم لنا مثل ابتدائه لنا أول أمرنا واشرب قلوبهم مودته وقسم في صدورهم محبته
فصاروا لا يذكرون الا فضله ولا ينوهون الا باسمه ولا يعرفون الا حقه فلما
رأى أمير المؤمنين ما قذف الله في قلوبهم من مودته وأجرى على ألسنتهم من ذكره
ومعرفتهم إياه بعلاماته واسمه ودعاء العامة إلى طاعته أيقنت نفس أمير المؤمنين
أن ذلك أمر تولاه الله وصنعه لم يكن للعباد فيه أمر ولا قدرة ولا مؤامرة ولا
مذاكرة للذي رأى أمير المؤمنين من اجتماع الكلمة وتتابع العامة حتى ظن أمير
276

المؤمنين أنه لولا معرفة المهدى بحق الأبوة لأفضت الأمور إليه وكان أمير المؤمنين
لا يمنع مما اجتمعت عليه العامة ولا يجد مناصا عن خلاص ما دعوا إليه وكان أشد
الناس على أمير المؤمنين في ذلك الأقرب فالأقرب من خاصته وثقاته من حرسه
وشرطه فلم يجد أمير المؤمنين بدا من استصلاحهم ومتابعتهم وكان أمير المؤمنين
وأهل بيته أحق من سارع إلى ذلك وحرص عليه ورغب فيه وعرف فضله ورجا
بركته وصدق الرواية فيه وحمد الله إذ جعل في ذريته مثل ما سألت الأنبياء قبله إذ
قال العبد الصالح " رب هب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله
رب رضيا " فوهب الله لا مير المؤمنين وليا ثم جعله تقيا مباركا مهديا وللنبي صلى
الله عليه وسلم سميا وسلب من انتحل هذا الاسم ودعا إلى تلك الشبهة التي تحير فيها
أهل تلك النية وافتتن بها أهل تلك الشقوة فانتزع ذلك منهم وجعل دائرة السوء عليهم
وأقر الحق قراره من أعلن للمهدى مناره وللدين أنصار فأحب أمير المؤمنين أن يعلمك
الذي اجتمع عليه رأى رعيته وكنت في نفسه بمنزلة ولده يحب من سترك ورشدك
وزينك ما يحب لنفسه وولده ويرى لك إذا بلغك من حال ابن عمك ما ترى من
اجتماع الناس عليه أن يكون ابتداء ذلك من قبلك ليعلم أنصارنا من أهل خراسان
وغيرهم انك أسرع إلى ما أحبوا مما عليه رأيهم في صلاحهم منهم إلى ذلك من
أنفسهم وان ما كان عليه من فضل عرفوه للهدى أو أملوه فيه كنت أحظى الناس
بذلك وأسرهم به لمكانه وقرابته فاقبل نصح أمير المؤمنين لك تصلح وترشد
والسلام عليك ورحمة الله * فكتب إليه عيسى بن موسى جوابها (بسم الله الرحمن
الرحيم) لعبد الله عبد الله أمير المؤمنين من عيسى بن موسى سلام عليك يا أمير
المؤمنين ورحمة الله فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فقد بلغني كتابك
تذكر فيه ما أجمعت عليه من خلاف الحق وركوب الاثم في قطيعة الرحم ونقض
ما أخذ الله عليه من الميثاق من العامة بالوفاء للخلافة والعهد لي من بعدك لتقطع
بذلك ما وصل الله من حبله وتفرق بين ما ألف الله جمعه وتجمع بين ما فرق الله أمره مكابرة
لله في سمائه وحولا على الله في قضائه ومتابعة للشيطان في هواه ومن كابر الله صرعه ومن
277

نازعه قمعه ومن ما كره عن شئ خدعه ومن توكل على الله منعه ومن تواضع لله رفعه
ان الذي أسس عليه البناء وخط عليه الحذاء من الخليفة الماضي عهد لي من الله وأمر
نحن فيه سواء ليس لأحد من المسلمين فيه رخصة دون أحد فان وجب وفاء فيه فما
الأول بأحق به من الآخر وإن حل من الآخر شئ فما حرم ذلك من الأول
بل الأول الذي تلا خبره وعرف أثره وكشف عما ظن به وأمل فيه أسرع وكان
الحق أولى بالذي أراد أن يصنع أولا فلا يدعك إلى الامن من البلاء اغترار بالله
وترخيص للناس في ترك الوفاء فإن من أجابك إلى ترك شئ وجب لي واستحل
ذلك منى لم يخرج إذا أمكنته الفرصة وأفتنته بالرخصة أن يكون إلى مثل ذلك منك
أسرع ويكون بالذي أسست من ذلك أنجع فاقبل العاقبة وارض من الله بما صنع
وخذ ما أوتيت بقوة وكن من الشاكرين فإن الله عز وجل زائدا من شكره وعدا
منه حقا لأخلف فيه فمن راقب الله حفظه ومن أضمر خلافه خذله والله يعلم خائنة
الأعين وما تخفى الصدور ولسنا مع ذلك نأمن من حوادث الأمور وبغتات الموت
قبل ما ابتدأت به من قطيعتي فإن تعجل بي أمر كنت قد كفيت مؤونة ما اغتنمت
له وسترت قبح ما أردت إظهاره وإن بقيت بعدك لم تكن أو عرت صدري
وقطعت رحمي ولا أظهرت أعدائي في اتباع أثرك وقبول أدبك وعمل بمثالك
وذكرت أن الأمور كلها بيد الله هو مدبرها ومقدرها ومصدرها عن مشيئته
فقد صدقت ان الأمور بيد الله وقد حق على من عرف ذلك ووصفه العمل به
والانتهاء إليه واعلم أنا لسنا جررنا إلى أنفسنا نفعا ولا دفعنا عنها ضرا ولا نلنا
الذي عرفته بحولنا ولا قوتنا ولو وكلنا في ذلك إلى أنفسنا وأهوائنا لضعفت قوتنا
وعجزت قدرتنا في طلب ما بلغ الله بنا ولكن الله إذا أراد عزما لانقاذ أمره وإنجاز
وعده وإتمام عهده وتأكيد عقده أحكم إبرامه وأبرم أحكامه ونور إعلانه وثبت
أركانه حين أسس بنيانه فلا يستطيع العباد تأخير ما عجل ولا تعجيل ما أخر غير
أن الشيطان عدو مضل مبين قد حذر الله طاعته وبين عداوته ينزع بين ولاة
الحق وأهل طاعته ليفرق جمعهم ويشتت شملهم ويوقع العداوة والبغضاء بينهم
278

ويتبرأ منهم عند حقائق الأمور ومضايق البلايا وقد قال الله عز وجل في كتابه
(وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في
أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم
حكيم) ووصف الذين اتقوا فقال (إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا
فإذا هم مبصرون) فأعيذ أمير المؤمنين بالله من أن يكون نيته وضمير سريرته
خلاف ما زين الله به عز وجل من كان قبله فإنه قد سألتهم أبناؤهم ونازعتهم
أهواؤهم إلى مثل الذي هم به أمير المؤمنين فآثروا الحق على ما سواه وعرفوا أن
الله لا غالب لقضائه ولا مانع لعطائه ولم يعلموا يأمنوا مع ذلك تغيير النعم وتعجيل
النقم فآثروا الآجلة وقبلوا العاقبة وكرهوا التغيير وخافوا التبديل فأظهروا
الجميل فتمم الله لهم أمورهم وكفاهم ما أهمهم ومنع سلطانهم وأعز أنصارهم وكرم
أعوانهم وشرف بنيانهم فتمت النعم وتظاهرت المنن فاستوجبوا الشكر فثم أمر الله
وهم كارهون والسلام على أمير المؤمنين ورحمة الله فلما بلغ أبا جعفر المنصور كتابه
أمسك عنه وغضب غضبا شديدا وعاد الجند لاشد ما كانوا يصنعون منهم أسد
ابن المرزبان وعقبة بن سلم ونصر بن حرب بن عبد الله في جماعة فكانوا يأتون
باب عيسى فيمنعون من يدخل إليه فإذا ركب مشوا خلفه وقالوا أنت البقرة التي
قال الله فذبحوها وما كادوا يفعلون فعاد فشكاهم فقال له المنصور يا ابن أخي أنا
والله أخافهم عليك وعلى نفسي قد أشربوا حب هذا الفتى فلو قدمته بين يديك
فيكون بيني وبينك لكفوا فأجاب عيسى إلى أن يفعل * وذكر عن إسحاق
الموصلي عن الربيع أن المنصور لما رجع إليه من عند عيسى جواب كتابه الذي
ذكرنا وقع في كتابه أسل عنها تنل منها عوضا في الدنيا وتأمن تبعتها في الآخرة *
وقد ذكر في وجه خلع المنصور عيسى بن موسى قول غير هذين القولين وذلك
ما ذكره أبو محمد المعروف بالاسوارى بن عيسى الكاتب قال أراد أبو جعفر أن
يخلع عيسى بن موسى من ولاية العهد ويقدم المهدى عليه فأبى أن يجيبه إلى ذلك
وأعيا الامر أبا جعفر فيه فبعث إلى خالد بن برمك فقال له كلمه يا خالد فقد ترى
279

امتناعه من البيعة للمهدى وما قد تقدمنا به في أمره فهل عندك حيلة فيه فقد أعيتنا
وجوه الحيل وضل عنا الرأي فقال نعم يا أمير المؤمنين تضم إلى ثلاثين رجلا
من كبار الشيعة ممن تختاره قال فركب خالد بن برمك وركبوا معه فساروا إلى
عيسى بن موسى فأبلغوه رسالة أبى جعفر المنصور فقال ما كنت لأخلع نفسي وقد
جعل الله عز وجل الامر لي فأداره خالد بكل وجه من وجوه الحذر والطمع فأبى
عليه فخرج خالد عنه وخرجت الشيعة بعده فقال لهم خالد ما عندكم في أمره قالوا
نبلغ أمير المؤمنين رسالته ونخبره بما كان منا ومنه قال لا ولكنا نخبر أمير المؤمنين
أنه قد أجاب ونشهد عليه إن أنكره قالوا له افعل فإنا نفعل فقال لهم هذا هو
الصواب وأبلغ أمير المؤمنين فيما حاول وأراد قال فساروا إلى أبى جعفر وخالد
معهم فأعلموه أنه قد أجاب فأخرج التوقيع بالبيعة للمهدى وكتب بذلك إلى الآفاق
قال وأتى عيسى بن موسى لما بلغه الخبر أبا جعفر منكرا لما ادعى عليه من الإجابة
إلى تقديم المهدى على نفسه وذكره الله فيما قدهم به فدعاهم أبو جعفر فسألهم فقالوا
نشهد عليه أنه قد أجاب وليس له أن يرجع فأمضى أبو جعفر الامر وشكر لخالد
ما كان منه وكان المهدى يعرف ذلك له ويصف جزالة الرأي منه فيه * وذكر
عن علي بن محمد بن سليمان قال حدثني أبي عن عبد الله بن أبي سليم مولى عبد الله
ابن الحارث بن نوفل قال إني لأسير مع سليمان بن عبد الله بن الحارث بن نوفل
وقد عزم أبو جعفر على أن يقدم المهدى على عيسى بن موسى في البيعة فإذا نحن
بأبي بخيلة الشاعر ومعه ابناه وعبداه وكل واحد منهما يحمل شيئا من متاع فوقف
عليهم سليمان بن عبد الله فقال أبا بخيلة ما هذا الذي أرى وما هذه
الحال التي أنت فيها قال كنت نازلا على القعقاع وهو رجل من آل زرارة وكان
يتولى لعيسى بن موسى الشرطة فقال له اخرج عنى فان هذا الرجل قد اصطنعتي
وقد بلغني أنك قلت شعرا في هذه البيعة للمهدى فأخاف أن يبلغه ذلك أن يلزمني
لائمة لنزولك على فأزعجني حتى خرجت قال فقال لي يا عبد الله انطلق بأبي نخيلة
فبوئه في منزلي موضعا صالحا واستوص به وبمن معه خيرا ثم خبر سليمان بن عبد الله
280

أبا جعفر بشعر أبى نخيلة الذي يقول فيه
عيسى فزحلفها إلى محمد * حتى تؤدى من يد إلى يد
فيكم وتغنى وهى في تزيد * فقد رضينا بالغلام الأمرد
قال فلما كان في اليوم الذي بايع فيه أبو جعفر لابنه المهدى وقدمه على عيسى
دعا بأبي نخيلة فأمره فأنشد الشعر فكلمه سليمان بن عبد الله وأشار عليه في كلامه
أن يجزل له العطية وقال إنه شئ يبقى لك في الكتب ويتحدث الناس به على
الدهر ويخلد على الأيام ولم يزل به حتى أمر له بعشرة آلاف درهم * وذكر عن
حيان بن عبد الله بن حبران الحماني قال حدثني أبو نخيلة قال قدمت على أبى جعفر
فأقمت ببابه شهرا لا أصل إليه حتى قال لي ذات يوم عبد الله بن الربيع الحارثي
يا أبا نخيلة إن أمير المؤمنين يرشح ابنه للخلافة والعهد وهو على تقدمته بين يدي
عيسى بن موسى فلو قلت شيئا تحثه على ذلك وتذكر فضل المهدى كنت بالحرى
أن تصيب منه خيرا ومن ابنه فقلت
دونك عبد الله أهل ذاكا * خلافة الله التي أعطاكا
أصفاك أصفاك بها أصفاكا * فقد نظرنا زمنا أباكا
ثم نظرناك لها إياكا * ونحن فيهم والهوى هواكا
نعم فنستدري إلى ذراكا * أسند إلى محمد عصاكا
فابنك ما استرعيته كفاكا * فأحفظ الناس لها أدناكا
فقد جفلت الرجل والاوراكا * وحكت حتى لم أجد محاكا
ودرت في هذا وذا وذاكا * وكل قول قلت في سواكا
زور وقد كفر هذا ذاكا
وقلت أيضا كلمتي التي أقول فيها
إلى أمير المؤمنين فاعمندى * سيرى إلى بحر البحور المزبد
أنت الذي يا ابن سمى أحمد * ويا ابن بيت العرب المشيد
بل يا أمين الواحد المؤبد * إن الذي ولاك رب المسجد
281

أمسى ولى عهدها بالأسعد * عيسى فزحلفها إلى محمد
من قبل عيسى معهدا عن معهد * حتى تؤدى من يد إلى يد
فيكم وتغنى وهى في تزيد * فقد رضينا بالغلام الأمرد
بل قد فرغنا غير أن لم نشهد * وغير أن العقد لم يؤكد
فلو سمعنا لجة امدد امدد * كانت لنا كدعقة الورد الصدى
فبادر بالبيعة ورد الحشد * تبين من يومك هذا أو غد
فهو الذي تم فما من عند * وزاد ما شئت فزده يزدد
ورده منك رداء يرتد * فهو رداء السابق المقلد
قد كان يروى انها كأن قد * عادت ولو قد فعلت لم تردد
فهي ترامى فدفدا عن فدفد * حينا فلو قد حان ورد الورد
وحان تحويل الغوى المفسد * قال لها الله هلمى وارشدي
فأصبحت نازلة بالمعهد * والمحتد المحتد خير المحتد
لم يرم تزمار النفوس الحسد * بمثل قرم ثابت مؤيد
لما انتحوا قدحا بزند مصلد * بلوا بمشزور القوى المستحصد
يزداد إيقاظا على التهدد * فداولوا باللين والتعبد
صمصامة تأكل كل مبرد
قال فرويت وصارت في أفواه الخدم وبلغت أبا جعفر فسأل عن قائلها فأخبر
أنها لرجل من بنى سعد بن زيد مناة فأعجبه فدعاني فأدخلت عليه وإن عيسى بن موسى
لعن يمينه والناس عنده ورؤس القواد والجند فلما كنت بحيث يراني ناديت
يا أمير المؤمنين أدنني منك حتى أفهمك وتسمع مقالتي فأو مأبيده فأدنيت حتى
كنت قريبا منه فلما صرت بين يديه قلت ورفعت صوتي أنشده من هذا الموضع
ثم رجعت إلى أول الأرجوزة فأنشدتها من أولها إلى هذا الموضع أيضا فأعدت
عليه حتى أتيت على آخرها والناس منصتون وهو يتسار بما أنشده مستمعا له
فلما خرجنا من عنده إذ رجل واضع يده على منكبي فالتفت فإذا عقال بن
282

شبة يقول أما أنت فقد سررت أمير المؤمنين فان التأم الامر على ما تحب وقلت
فلعمري لتصيبن منه خيرا وان يك غير ذلك فاتبغ نفقا في الأرض أو سلما في السماء
قال فكتب له المنصور بصلة إلى الري فوجه عيسى في طلبه فلحق في طريقه فذبح
وسلخ وجهه * وقيل قتل بعد ما انصرف من الري وقد أخذ الجائزة * وذكر
عن الوليد بن محمد العنبري أن سبب إجابة عيسى أبا جعفر إلى تقديم المهدى
عليه كان أن سلم بن قتيبة قال له أيها الرجل بايع وقدمه على نفسك فإنك لن
تخرج من الامر قد جعل لك الامر من بعده وترضى أمير المؤمنين قال
أو ترى ذلك قال نعم قال فانى أفعل فأتى سلم المنصور فأعلمه إجابة عيسى فسر
بذلك وعظم قدر سلم عنده وبايع الناس للمهدى ولعيسى بن موسى من بعده
وخطب المنصور خطبته التي كان فيها تقديم المهدى على عيسى وخطب عيسى بعد ذلك
فقدم المهدى على نفسه ووفى له المنصور بما كان ضمن له (وقد ذكر) عن بعض
صحابة أبى جعفر أنه قال تذاكرنا أمر أبى جعفر المنصور وأمر عيسى بن موسى
في البيعة وخلعه إياها من عنقه وتقديمها المهدى فقال لي رجل من القواد سماه
والله الذي لا إله غيره ما كان خلعه إياها منه إلا برضى من عيسى وركون منه
إلى الدراهم وقلة علمه بقدر الخلافة وطلبا للخروج منها أتى يوم خرج للخلع فخلع
نفسه وإني لفى مقصورة مدينة السلام إذ خرج علينا أبو عبيدة كاتب المهدى في
جماعة من أهل خراسان فتكلم عيسى فقال إني قد سلمت ولاية العهد لمحمد بن
أمير المؤمنين وقدمته على نفسي فقال أبو عبيد الله ليس هكذا أعز الله الأمير
ولكن قل ذلك بقه وصدقه وأخبر بما رغبت فيه فأعطيت قال نعم قد بعت
نصيبي من تقدمة ولاية العهد من عبد الله أمير المؤمنين لابنه محمد المهدى بعشرة
آلاف ألف درهم وثلاثمائة ألف بين ولدى فلان وفلان وفلان سماهم وسبعمائة
ألف لفلانة امرأة من نسائه سماها بطيب نفس منى وحب لتصييرها إليه لأنه أولى
بها وأحق وأقوى عليها وعلى القيام بها وليس لي فيها حق لتقدمته قليل ولا كثير
فما ادعيته بعد يومى هذا فأنا فيه مبطل لا حق لي فيه ولا دعوى ولا طلبة قال
283

والله وهو في ذلك ربما نسى الشئ بعد الشئ فيوقفه عليه أبو عبيد الله حتى فرغ
حبا للاستيثاق منه وختم الكتاب وشهد عليه الشهود وأنا حاضر حتى وضع عليه
عيسى خطه وخاتمه والقوم جميعا ثم دخلوا من باب المقصورة إلى القصر قال
وكسا أمير المؤمنين عيسى وابنه موسى وغيره من ولده كسوة بقيمة ألف ألف
درهم ونيف ومائتي ألف درهم * وكانت ولاية عيسى بن موسى الكوفة وسوادها
وما حولها ثلاث عشرة سنة حتى عزله المنصور واستعمل محمد بن سليمان بن علي
حين امتنع من تقديم المهدى على نفسه * وقيل إن المنصور إنما ولى محمد بن
سليمان الكوفة حين ولاه إياها ليستخف بعيسى فلم يفعل ذلك محمد ولم يزل معظما
له مبجلا (وفى هذه السنة) ولى أبو جعفر محمد بن أبي العباس بن أخيه البصرة
فاستعفي منها فأعفاه فانصرف عنها إلى مدينة السلام فمات بها فصرخت امرأته
البغوم بنت علي بن الربيع وا قتيلاه فضربها رجل من الحرس بحلويز على عجيزتها
فتعاوره خدم لمحمد بن أبي العباس فقتلوه فطل دمه وكان محمد بن أبي العباس حين
شخص عن البصرة استخلف بها عقبة بن سلم فأقره عليها أبو جعفر إلى سنة 151
(وحج) بالناس في هذه السنة المنصور وكان عامله فيها على مكة والطائف عمه عبد الصمد
ابن علي وعلى المدينة جعفر بن سليمان وعلى الكوفة وأرضها محمد بن سليمان
وعلى البصرة عقبة بن سلم وعلى قضائها سوار بن عبد الله وعلى مصر يزيد بن حاتم
ثم دخلت سنة ثمان وأربعين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمما كان فيها من ذلك توجيهه المنصور حميد بن قحطبة إلى أرمينية لحرب الترك
الذين قتلوا حرب بن عبد الله وعاثوا بتفليس فسار حميد إلى أرمينية فوجدهم قد
ارتحلوا فانصرف ولم يلق منهم أحدا (وفى هذه السنة) عسكر صالح بن علي بدابق
فيما ذكر ولم يغز (وحج) بالناس فيها جعفر بن أبي جعفر المنصور وكانت ولاة
الأمصار في هذه السنة ولاتها في السنة التي قبلها
284

ثم دخلت سنة تسع وأربعين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمما كان فيها من ذلك غزوة العباس بن محمد الصائفة أرض الروم ومعه الحسن
ابن قحطبة ومحمد بن الأشعث فهلك محمد بن الأشعث في الطريق (وفى هذه
السنة) استتم المنصور بناء سور مدينة بغداد وفرغ من خندقها وجميع أمورها
(وفيها) شخص إلى حديثة الموصل ثم انصرف إلى مدينة السلام (وحج) في
هذه السنة بالناس محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس (وفى هذه
السنة) عزل عبد الصمد بن علي عن مكة ووليها محمد بن إبراهيم * وكانت عمال
الأمصار في هذه السنة العمال الذين كانوا عمالها في سنة 147 وسنة 148 غير
مكة والطائف فإن واليها كان في هذه السنة محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي
ابن عبد الله بن عباس
ثم دخلت سنة خمسين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمما كان فيها من ذلك خروج أستاذ سيس في أهل هراة وباذغيس وسجستان
وغيرها من كور خراسان وكان فيما ذكر في زهاء ثلثمائة ألف مقاتل فغلبوا
على عامة خراسان وساروا حتى التقوا هم وأهل مرو الروذ فخرج إليهم الأجثم
المروروذي في أهل مرو الروذ فقاتلوه قتالا شديدا حتى قتل الأجثم وكثر القتل
في أهل مرو الروذ وهزم عدة من القواد منهم معاذ بن مسلم بن معاذ وجبرئيل بن
يحيى وحماد بن عمرو وأبو النجم السجستاني وداود بن كراز فوجه المنصور وهو
بالبردان خازم بن خزيمة إلى المهدى فولاه المهدى محاربة أستاذ سيس وضم
القواد إليه * فذكر أن معاوية بن عبيد الله وزير المهدى كان يوهن أمر
خازم والمهدى يومئذ بنيسابور وكان معاوية يخرج الكتب إلى خازم بن خزيمة
وإلى غيره من القواد بالامر والنهى فاعتل خازم وهو في عسكره فشرب الدواء
285

ثم ركب البريد حتى قدم على المهدى بنيسابور فسلم عليه واستخلاه وبحضرته أبو عبيد
الله فقال المهدى لا عيق عليك من أبى عبيد الله فقل ما بدالك فأبى خازم أن يخبره
أو يكلمه حتى قام أبو عبيد الله فلما خلا به شكا إليه أمر معاوية بن عبيد الله وأخبره
بعصبيته وتحامله وما كان يرد من كتبه عليه وعلى من قبله من القواد وما صاروا
إليه بذلك من الفساد والتآمر في أنفسهم والاستبداد بآرائهم وقلة السمع والطاعة وأن
أمر الحرب لا يستقيم إلا برأس أن لا يكون في عسكره لواء يخفق على رأس أحد
إلا لواؤه أو لواء هو عقده وأعلمه أنه غير راجع إلى قتال أستاذ سيس ومن معه إلا
بتفويض الامر إليه وإعفائه من معاوية بن عبيد الله وأن يأذن له في حل ألوية
القواد الذين معه وأن يكتب إليهم بالسمع له والطاعة فأجابه المهدى إلى كل ما سأل
فانصرف خازم إلى عسكره فعمل برأيه وحل لواء من رأى حل لوائه من القواد
وعقد لواء لمن أراد وضم إليه من كان انهزم من الجنود فجعلهم حشوا يكثر بهم
من معه في أخريات الناس ولم يقدمهم لما في قلوب المغلوبين من روعة الهزيمة
وكان من ضم إليه من هذه الطبقة اثنين وعشرين ألفا ثم انتخب ستة آلاف رجل
من الجند فضمهم إلى اثنى عشر ألفا كانوا معه متخيرين وكان بكار بن مسلم العقيلي
فيمن انتخب ثم تعبأ للقتال وخندق واستعمل الهيثم بن شعبة بن ظهير على ميمنته
ونهار بن حصين السعدي على ميسرته وكان بكار بن مسلم العقيلي على مقدمته
وترار خدا على ساقته وكان من أبناء ملوك أعاجم خراسان وكان لواؤه مع الزبر قان
وعلمه مع مولاه بسام فمكر بهم وراوغهم في تنقله من موضع إلى موضع وخندق
إلى خندق حتى قطعهم وكان أكثرهم رجالة ثم سار خازم إلى موضع فنزله وخندق
عليه وأدخل خندقه جميع ما أراد وأدخل فيها جميع أصحابه وجعل له أربعة أبواب
وجعل على كل باب منها من أصحابه الذين انتخب وهم أربعة آلاف وجعل مع بكار
صاحب مقدمته ألفين تكملة الثمانية عشر ألفا وأقبل الآخرون ومعهم المرور
والفؤوس والزبل يريدون دفن الخندق ودخوله فأتوا الخندق من الباب الذي
كان عليه بكار بن مسلم فشدوا عليه شدة لم يكن لأصحاب بكار نهاية دون أن انهزموا
286

حتى دخلوا عليهم الخندق * فلما رأى ذلك بكار رمى بنفسه فترجل على باب الخندق
ثم نادى أصحابه يا بنى الفواجر من قبلي يؤتى المسلمون فترجل من معه من عشيرته
وأهله نحو من خمسين رجلا فمنعوا بابهم حتى أجلوا القوم عنه وأقبل إلى الباب
الذي كان عليه خازم رجل كان مع أستاذ سيس من أهل سجستان يقال له الحريش
وهو الذي كان يدبر أمرهم فلما رآه خازم مقبلا بعث إلى الهيثم بن شعبة وكان في
الميمنة أن اخرج من بابك الذي أنت عليه فخذ غير الطريق الذي يوصلك إلى
الباب الذي عليه بكار فان القوم قد شغلوا بالقتال وبالاقبال إلينا فإذا علوت
فجزت مبلغ أبصارهم فأتهم من خلفهم وقد كانوا في تلك الأيام يتوقعون قدوم
أبى عون وعمرو بن سلم بن قتيبة من طخارستان وبعث خازم إلى بكار بن مسلم
إذا رأيت رايات الهيثم بن شعبة قد جاءتك من خلفك فكبروا وقولوا قد جاء
أهل طخارستان ففعل ذلك أهل الهيثم وخرج خازم في القلب على الحريش
السجستاني فاجتلدوا بالسيوف جلادا شديدا وصبر بعضهم لبعض فبينا هم على
تلك الحال إذا نظروا إلى أعلام الهيثم وأصحابه فتنادوا فيما بينهم وجاء أهل
طخارستان فلما نظر أصحاب الحريش إلى تلك الاعلام ونظر من كان بإزاء بكار
ابن مسلم إليها شد عليهم أصحاب خازم فكشفوهم ولقيهم أصحاب الهيثم فطعنوهم
بالرماح ورموهم بالنشاب وخرج عليهم نهار بن حصين وأصحابه من ناحية الميسرة
وبكار بن مسلم وأصحابه من ناحيتهم فهزموهم ووضعوا فيهم السيوف فقتلهم
المسلمون وأكثروا فكان من قتل منهم في تلك المعركة نحوا من سبعين ألفا وأسروا
أربعة عشر ألفا ولجأ أستاذ سيس إلى جبل في عدة من أصحابه يسيرة فقدم خازم
الأربعة عشر ألف أسير فضرب أعناقهم وسار حتى نزل بأستاذ سيس في الجبل
الذي كان لجأ إليه ووافى خازما بذلك المكان أبو عون وعمرو بن سلم بن قتيبة في
أصحابهما فأنزلهم خازم ناحية وقال كونوا مكانكم حتى نحتاج إليكم فحصر خازم
أستاذ سيس وأصحابه حتى نزلوا على حكم أبى عون ولم يرضوا إلا بذلك فرضى
بذلك خازم فأمر أبا عون باعطائهم أن ينزلوا على حكمه ففعل فلما نزلوا على حكم
287

أبى عون حكم فيهم أن يوثق أستاذ سيس وبنوه وأهل بيته بالحديد وأن يعتق
الباقون وهم ثلاثون ألفا فأنفذ ذلك خازم من حكم أبى عون وكسا كل رجل
منهم ثوبين وكتب خازم بما فتح الله عليه وأهلك عدوه إلى المهدى فكتب بذلك
المهدى إلى أمير المؤمنين المنصور * وأما محمد بن عمر فإنه ذكر أن خروج
أستاذ سيس والحريش كان في سنة 150 وان أستاذ سيس هزم في سنة 151
(وفى هذه السنة) عزل المنصور جعفر بن سليمان عن المدينة وولاها الحسن
ابن يزيد بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه (وفيها) توفى
جعفر بن أبي جعفر المنصور الأكبر بمدينة السلام وصلى عليه أبوه المنصور
ودفن ليلا في مقابر وقريش ولم تكن للناس في هذه السنة صائفة قيل أن أبا جعفر
كان ولى الصائفة في هذه السنة أسيدا فلم يدخل بالناس أرض العدو ونزل مرج
دابق (وحج) بالناس في هذه السنة عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس
وكان العامل على مكة والطائف في هذه السنة عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن
عباس وقيل كان العامل على مكة والطائف في هذه السنة محمد بن إبراهيم بن محمد
وعلى المدينة الحسن بن زيد العلوي وعلى الكوفة محمد بن سليمان بن علي وعلى
البصرة عقبة بن سلم وعلى قضائها سوار وعلى مصر يزيد بن حاتم
ثم دخلت سنة إحدى وخمسين ومائة
ذكر الخبر عن الاحداث التي كانت فيها
فمن ذلك ما كان من إغارة الكرك فيها في البحر على جدة ذكر ذلك محمد بن
عمر (وفيها) ولى عمر بن حفص بن عثمان بن أبي صفرة أفريقية وعزل عن السند
وولى موضعه هشام بن عمرو التغلبي
ذكر الخبر عن سبب عزم المنصور عمر بن حفص عن السند وتوليته إياه
أفريقية واستعماله على السند هشام بن عمرو
وكان سبب ذلك فيما ذكر علي بن محمد بن سليمان بن علي العباسي عن أبيه
أن المنصور ولى عمر بن حفص الصفري الذي يقال له هزار مرد السند فأقام بها
288

حتى خرج محمد بن عبد الله بالمدينة وإبراهيم بالبصرة فوجه محمد بن عبد الله ابنه
عبد الله بن محمد الذي يقال له الأشتر في نفر من الزيدية إلى البصرة وأمرهم أن
يشتروا مهارة خيل عتاق بها ويمضوا بها معهم إلى السند ليكون سببا له إلى الوصول
إلى عمر بن حفص وإنما فعل ذلك به لأنه كان فيمن بايعه من قواد أبى جعفر وكان
له ميل إلى آل أبي طالب فقدموا البصرة على إبراهيم بن عبد الله فاشتروا منها
مهارة وليس في بلاد السند والهند شئ أنفق من الخيل العتاق ومضوا في البحر
حتى صاروا إلى السند ثم صاروا إلى عمر بن حفص فقال نحن قوم نخاسون ومعنا
خيل عتاق فأمرهم أن يعرضوا خيلهم فعرضوها عليه فلما صاروا إليه قال له بعضهم
أدنني منك أذكر لك شيئا فأدناه منه وقال له إنا جئناك بما هو خير لك من الخيل
ومالك فيه خير الدنيا والآخرة فأعطنا الأمان على خلتين إما أنك قبلت ما أتيناك
به وإما سترت وأمسكت عن أذانا حتى نخرج من بلادك راجعين فأعطاههم الأمان
فقالوا ما للخيل أتيناك ولكن هذا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن محمد
ابن عبد الله بن حسن بن حسن أرسله أبوه إليك وقد خرج بالمدينة ودعا لنفسه
بالخلافة وخرج أخوه إبراهيم بالبصرة وغلب عليها فقال بالرحب والسعة ثم بايعهم
له وأمر به فتوارى عنده ودعا أهل بيته وقواده وكبراء أهل البلد للبيعة فأجابوه
فقطع الاعلام البيض والأقبية البيض والقلانس البيض وهيأ لبسته من البياض
يصعد فيها إلى المنبر وتهيأ لذلك يوم خميس فلما كان يوم الأربعاء إذا حراقة قد
وافت من البصرة فيها رسول لخليدة بنت المعارك امرأة عمر بن حفص بكتاب
إليه تخبره بقتل محمد بن عبد الله فدخل على عبد الله فأخبره الخبر وعزاه ثم قال له
إني كنت بايعت لأبيك وقد جاء من الامر ما ترى فقال له إن أمرى قد شهر ومكاني
قد عرف ودمى عنقك فانظر لنفسك أو دع قال قد رأيت رأيا ههنا مالك من
ملوك السند عظيم المملكة كثير التبع وهو على شركة أشد الناس تعظيما لرسول الله
صلى الله عليه وسلم وهو رجل وفى فأرسل إليه فاعقد بينك وبينه عقدا وأوجهك
إليه تكون عنده فلست ترام معه قال افعل ما شئت ففعل ذلك فصار إليه فأظهر
289

إكرامه وبره برا كثيرا وتسللت إليه الزيدية حتى صار إليه منهم أربعمائة إنسان
من أهل البصائر فكان يركب فيهم فيصيد ويتنزه في هيئة الملوك وآلاتهم فلما قتل
محمد وإبراهيم انتهى خبر عبد الله الأشتر إلى المنصور فبلغ ذلك منه فكتب إلى عمر
ابن حفص يخبره بما بلغه فجمع عمر بن حفص قرابته فقرأ عليهم كتاب المنصور
يخبرهم أنه إن أقر بالقصة لم ينظره المبصور أن يعزله وإن صار إليه قتله وإن امتنع
حاربه فقال له رجل من أهل بيته ألق الذنب على واكتب إليه بخبري وخذني
الساعة فقيدني واحبسني فإنه سيكتب أحمله إلى فاحملني إليه فلم يكن ليقدم على
لموضعك في السند وحال أهل بيتك بالبصرة قال إني أخاف عليك خلاف ما تظن
قال إن قتلت أنا فنفسي فداؤك فإني سخى بها فداء لنفسك فإن حييت فمن الله فأمر
به فقيد وحبس وكتب إلى المنصور يخبره بذلك فكتب إليه المنصور يأمره بحمله
إليه فلما صار إليه قدمه فضرب عنقه ثم مكث يروى من يولى السند فأقبل يقول فلان
فلان ثم يعرض عنه فبينا هو يوما يسير ومعه هشام بن عمرو التغلبي والمنصور
ينظر إليه في موكبه إذا انصرف إلى منزله فلما ألقى ثوبه دخل الربيع فآذنه بهشام
فقال أو لم يكن معي آنفا قال ذكر أن له حاجة عرضت مهمة فدعا بكرسي فقعد
عليه ثم أذن له فلما مثل بين يديه قال يا أمير المؤمنين إني انصرفت إلى منزلي من
الموكب فلقيتني أختي فلانة بنت عمرو فرأيت من جمالها وعقلها ودينها ما رضيتها
لأمير المؤمنين فجئت لاعرضها عليه فأطرق المنصور وجعل ينكت الأرض
بخيزرانة في يده وقال اخرج يأتك أمرى فلما ولى قال يا ربيع لولا بيت قاله جرير
في بنى تغلب لتزوجت أخته وهو قوله
لا تطلبن خؤولة في تغلب * فالزنج أكرم منهم أخوالا
فأخاف أن تلد لي ولدا فيعير بهذا البيت ولكن اخرج إليه فقل له يقول
لك أمير المؤمنين لو كانت لي حاجة إلى لم أعدل عنها غير التزويج ولو كانت لي
حاجة إلى التزويج لقبلت ما أتيتني به فجزاك الله عما عمدت له خيرا وقد عوضتك
من ذلك ولاية السند وأمره أن يكاتب ذلك الملك فإن أطاعه وسلم إليه عبد الله
290

ابن محمد وإلا حاربه وكتب إلى عمر بن حفص بولايته أفريقية فخرج هشام بن عمرو
التغلبي إلى السند فوليها وأقبل عمر بن حفص يخوض البلاد حتى صار إلى أفريقية
فلما صار هشام بن عمرو إلى السند كره أخذ عبد الله وأقبل يرى الناس أنه يكاتب
الملك ويرفق به فاتصلت الاخبار بأبي جعفر بذلك فجعل يكتب إليه يستحثه فبينا
هو كذلك إذ خرجت خارجة ببعض بلاد السند فوجه إليهم أخاه سفنجا فخرج يجر
الجيش وطريقه بجنبات ذلك الملك فبينا هو يسير إذا هو برهج قد ارتفع من موكب فظن
أنه مقدمة للعدو الذي يقصد فوجه طلائعه فرجعت فقالت ليس هذا عدوك
الذي تريد ولكن هذا عبد الله بن محمد الأشتر العلوي ركب متنزها يسير على شاطئ
مهران فمضى يريده فقال له نصاحه هذا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد
علمت أن أخاك تركه متعمدا مخافة أن يبوء بدمه ولم يقصدك إنما خرج متنزها
وخرجت تريد غيره فأعرض عنه وقال ما كنت لأدع أحدا يجوزه ولا أدع
أحدا يحظى بالتقرب إلى المنصور يأخذه وقتله وكان في عشرة فقصد قصده وذمر
أصحابه فحمل عليه فقاتله عبد الله وقاتل أصحابه بين يديه حتى قتل وقتلوا جميعا فلم
يفلت منهم مخبر وسقط بين القتلى فلم يشعر به وقيل إن أصحابه قذفوه في مهران
لما قتل لئلا يؤخذ رأسه فكتب هشام بن عمرو بذلك كتاب فتح إلى المنصور
يخبره أنه قصده قصدا فكتب إليه المنصور يحمد أمره ويأمره بمحاربة الملك الذي
آواه وذلك أن عبد الله كان اتخذ جواري وهو بحضرة ذلك الملك فأولد منهن واحدة
محمد بن عبد الله وهو أبو الحسن محمد العلوي الذي يقال له ابن الأشتر فحاربه حتى
ظفر به وغلب على مملكته وقتله ووجه بأم ولد عبد الله وابنه إلى المنصور فكتب
المنصور إلى واليه بالمدينة يخبره بصحة نسب الغلام وبعث به إليه وأمره أن يجمع
آل أبي طالب وأن يقرأ عليهم كتابه بصحة نسب الغلام ويسلمه إلى أقربائه
(وفى هذه السنة) قدم على المنصور ابنه المهدى من خراسان وذلك في
شوال منها فوفد إليه للقائه وتهنئة المنصور بمقدمه عامة أهل بيته من كان منهم
بالشام والكوفة والبصرة وغيرها فأجازهم وكساهم وحملهم وفعل مثل ذلك بهم
291

المنصور وجعل لابنه المهدى صحابة منهم وأجرى لكل رجل منهم خمسمائة درهم
(وفى هذه السنة) ابتدأ المنصور ببناء الرصافة في الجانب الشرقي من مدينة السلام
لابنه محمد المهدى
ذكر الخبر عن سبب بنائه ذلك له
* ذكر عن أحمد بن محمد الشروى عن أبيه أن المهدى لما قدم من خراسان
أمره المنصور بالمقام بالجانب الشرقي وبنى له الرصافة وعمل لها سورا وخندقا
وميدانا وبستانا وأجرى له الماء فكان يجرى من نهر المهدى إلى الرصافة *
وأما خالد بن يزيد بن وهب بن جرير بن خازم فإنه ذكر أن محمد بن موسى بن محمد
ابن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس حدثه أن أباه حدثه أن الراوندية
لما شغبوا على أبى جعفر وحاربوه على باب الذهب دخل عليه قثم بن العباس
ابن عبيد الله بن العباس وهو يومئذ شيخ كبير مقدم عند القوم فقال له أبو جعفر
أما ترى ما نحن فيه من التياث الجند علينا قد خفت أن تجتمع كلمتهم فيخرج هذا
الامر من أيدينا فما ترى قال يا أمير المؤمنين عندي في هذا رأى إن أنا أظهرته
لك فسد وإن تركتني أمضيته صلحت لك خلافتك وهابك جندك فقال له أفتمضى
في خلافتي أمرا لا تعلمني ما هو فقال له إن كنت عندك متهما على دولتك فلا تشاورني
وإن كنت مأمونا عليها فدعني أمضى رأيي فقال له فأمضه قال فانصرف قثم إلى
منزله فدعا غلاما له فقال له إذا كان غدا فتقدمني فاجلس في دار أمير المؤمنين فإذا
رأيتني قد دخلت وتوسطت أصحاب المراتب فخذ بعنان بغلتي فاستوقفني واستحلفني
بحق رسول الله وحق العباس وحق أمير المؤمنين لما وقفت لك وسمعت مسألتك
وأجبتك عنها فإني سأنتهرك وأغلظ لك القول فلا يهولنك ذلك منى وعاودني
بالمسألة فانى سأشتمك فلا يرو عنك ذلك وعاودني بالقول والمسألة فانى سأضربك
بسوطي فلا يشق ذلك عليك فقل لي أي الحيين أشرف اليمن أم مضر فإذا
أجبتك فخل عنان بغلتي وأنت حر قال فغدا الغلام فجلس حيث أمره من دار الخليفة
فلما جاء الشيخ فعل الغلام ما أمره به مولاه وفعل المولى ما كان قاله له ثم قال له
292

قل فقال أي الحيين أشرف اليمن أم مضر قال فقال قثم مضر كان منها رسول الله
صلى الله عليه وسلم وفيها كتاب الله عز وجل وفيها بيت الله ومنها خليفة الله قال
فامتعضت اليمن إذ لم يذكر لها شئ من شرفها فقال له قائد من قواد اليمن ليس
الامر كذلك مطلقا بغير شرفة ولا فضيلة لليمن ثم قال لغلامه قم فخذ بعنان بغلة
الشيخ فاكبحها كبحا عنيفا تطأ من به منه قال ففعل الغلام ما أمره به مولاه
حتى كاد أن يقعيها على عراقيبها فامتعضت من ذلك مضر فقالت أيفعل هذا بشيخنا
فأمر رجل منهم غلامه فقال اقطع يد العبد فقام إلى غلام اليماني فقطع يده فنفر
الحيان وصرف قثم بغلته فدخل على أبى جعفر وافترق الجند فصارت مضر فرقة
واليمن فرقة والخراسانية فرقة وربيعة فرقة فقال قثم لأبي جعفر قد فرقت بين
جندك وجعلتهم أحزابا كل حزب منهم يخاف أن يحدث عليك حدثا فتضربه
بالحزب الآخر وقد بقى عليك في التدبير بقية قال ما هي قال أعبر بابنك فأنزله في
ذلك الجانب قصرا وحوله وحول من جيشك معه قوما فيصير ذلك بلدا وهذا
بلدا فان فسد عليك أهل هذا الجانب ضربتهم بأهل ذلك الجانب وإن فسد عليك
أهل ذلك الجانب ضربتهم بأهل هذا الجانب وان فسدت عليك مضر ضربتها
باليمن وربيعة والخراسانية وإن فسدت عليك اليمن ضربتها بمن أطاعك من
مضر وغيرها قال فقبل أمره ورأيه فاستوى له ملكه وكان ذلك سبب البناء
في الجانب الشرقي وفى الرصافة واقطاع القواد هناك قال وتولى صالح صاحب
المصلى القطائع في الجانب الشرقي ففعل كفعل أبى العباس الطوسي في فضول
القطائع في الجانب الغربي فله بباب الجسر وسوق يحيى ومسجد خصير وفى
الرصافة وطريق الزواريق على دجلة مواضع بناء بما استوهب من فضل الاقطاع عن
أهله وصالح رجل من أهل خراسان (وفى هذه السنة) جدد المنصور البيعة لنفسه
ولابنه محمد المهدى من بعده ولعيسى بن موسى من بعد المهدى على أهل بيته في
مجلسه في يوم جمعة وقد عمهم بالاذن فيه فكان كل من بايعه منهم يقبل يده ويد
المهدى ثم يمسح على يد عيسى بن موسى ولا يقبل يده * وغزا الصائفة في هذه
293

الستة عبد الوهاب بن إبراهيم بن محمد (وفيها) شخص عقبة بن سلم من البصرة
واستخلف عليها ابنه نافع بن عقبة إلى البحرين فقتل سليمان بن حكيم العبدي
وسبى أهل البحرين وبعث ببعض من سبى منهم وأسارى منهم إلى أبى جعفر
فقتل منهم عدة ووهب بقيتهم للمهدى فمن عليهم وأعتقهم وكسا كل إنسان
منهم ثوبين من ثياب مرو ثم عزل عقبة بن سلم عن البصرة * فذكر عن افريك
جارية أسد بن المرزبان أنها قالت بعث المنصور أسد بن المرزبان إلى عقبة بن
سلم إلى البحرين حين قتل منهم من قتل ينظر في أمره فما يله ولم يستقص عليه
وورى عنه فبلغ ذلك أبا جعفر وبلغه أنه أخذ منه مالا فبعث إليه أبا سويد
الخراساني وكان صديق أسد وأخاه فلما رآه مقبلا على البريد فرح وكان ناحية
من عسكر عقبة فتطاول له وقال صديقي فوقف عليه فوثب ليقوم إليه فقال له
أبو سويد بنشين بنشين فجلس فقال له أنت سامع مطيع قال نعم قال مد يدك فمد يده
فضربها فأطنها ثم مد رجله ثم مد يده ثم رجله حتى قطع الأربع ثم قال مد عنقك
فمد فضرب عنقه قالت افريك فأخذت رأسه فوضعته في حجري فأخذه منى
فحله إلى المنصور فما أكلت افريك لحما حتى ماتت وزعم الواقدي أن أبا جعفر
ولى معن بن زائدة في هذه السنة سجستان (وحج) بالناس في هذه السنة محمد
ابن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس وكان العامل على مكة والطائف
محمد بن إبراهيم وعلى المدينة الحسن بن زيد وعلى الكوفة محمد بن سليمان بن علي
وعلى البصرة جابر بن توبة الكلابي وعلى قضائها سوار بن عبد الله وعلى مصر
يزيد بن حاتم
ثم دخلت سنة اثنتين وخمسين ومائة
ذكر الخبر عن الاحداث التي كانت فيها
فمن ذلك ما كان من قتل الخوارج فيها معن بن زائدة الشيباني ببست سجستان
(وفيها) غزا حميد بن قحطبة كابل وكان المنصور ولاه خراسان في سنة 152
294

وغزا فيما ذكر الصائفة عبد الوهاب بن إبراهيم ولم يدرب وقيل إن الذي غزا
الصائفة في هذه السنة محمد بن إبراهيم (وفيها) عزل المنصور جابر بن توبة عن
البصرة وولاها يزيد بن منصور (وفيها) قتل أبو جعفر هاشم بن الاشتاخنج
وكان عصى وخالف في إفريقية فحمل إليه هو وابن خالد المروروذي فقتل ابن
الاشتاخنج بالقادسية وهو متوجه إلى مكة (وحج) بالناس في هذه السنة
المنصور فذكر أنه شخص من مدينة السلام في شهر رمضان ولا يعلم بشخوصه
محمد بن سليمان وهو عامله على الكوفة يومئذ ولا عيسى بن موسى ولا غيرهما
من أهل الكوفة حتى قرب منها (وفيها) عزل يزيد بن حاتم عن مصر ووليها
محمد بن سعيد وكان عمال الأمصار في هذه السنة هم العمال في السنة الخالية إلا البصرة
فان عاملها في هذه السنة كان يزيد بن منصور وإلا مصر فان عاملها كان في هذه
السنة محمد بن سعيد
ثم دخلت سنة ثلاث وخمسين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك تجهيز المنصور جيشا في البحر لحرب الكرك بعد مقدمه البصرة
منصرفا من مكة إليها بعد فراغه من حجه وكانت الكرك أغارت على جدة فلما
قدم المنصور البصرة في هذه السنة جهز منها جيشا لحربهم فنزل الجسر الأكبر
حين قدمها فيما ذكر وقدمته هذه البصرة القدمة الآخرة وقيل إنه إنما قدمها
القدمة الآخرة في سنة 155 وكانت قدمته الأولى في سنة 145 وأقام بها أربعين
يوما وبنى بها قصرا ثم انصرف منها إلى مدينة السلام (وفيها) غضب المنصور
على أبى أيوب المورياني فحبسه وأخاه وبنى أخيه سعيدا ومسعودا ومخلدا ومحمدا
وطالبهم وكانت منازلهم المناذر وكان سبب غضبه عليه فيما قيل سعى أبان بن
صدقة كاتب أبى أيوب إليه (وفى هذه السنة) قتل عمر بن حفص بن عثمان بن أبي
صفرة بإفريقية قتله أبو حاتم الأباضي وأبو عاد ومن كان معهما من البربر
295

وكانوا فيما ذكر ثلثمائة ألف وخمسين ألفا الخيل منها خمسة وثلاثون ألفا ومعهم
أبو قرة الصفري في أربعين ألفا وكان يسلم عليه قبل ذلك بالخلافة أربعين يوما
(وفيها) حمل عباد مولى المنصور وهرثمة بن أعين ويوسف بن علوان من
خراسان في سلاسل لتعصبهم لعيسى بن موسى (وفيها) أخذ المنصور الناس
بلبس القلانس الطوال المفرطة الطول وكانوا فيما ذكر يحتالون لها بالقصب من
داخل فقال أبو دلامة
وكنا نرجى من إمام زيادة * فزاد الامام المصطفى في القلانس
تراها على هام الرجال كأنها * دنان يهود جللت بالبرانس
(وفيها) توفى عبيد ابن بنت أبي ليلى قاضى الكوفة فاستقضى مكانه
شريك بن عبد الله النخعي (وفيها) غزا الصائفة معيوف بن يحيى الحجوري
فصار إلى حصن من حصون الروم ليلا وأهله نيام فسبى وأسر من كان فيه من
المقاتلة ثم صار إلى اللاذقية المحترقة ففتحها وأخرج منها ستة آلاف رأس من
السبى سوى الرجال البالغين (وفيها) ولى المنصور بكار بن مسلم العقيلي على
أرمينية (وحج) بالناس في هذه السنة محمد بن أبي جعفر المهدى * وكان على مكة
والطائف يومئذ محمد بن إبراهيم وعلى المدينة الحسن بن زيد بن الحسن وعلى
الكوفة محمد بن سليمان وعلى البصرة يزيد بن منصور وعلى قضائها سوار وعلى
مصر محمد بن سعيد وذكر الواقدي أن يزيد بن منصور كان في هذه السنة والى
اليمن من قبل أبى جعفر المنصور
ثم دخلت سنة أربع وخمسين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك خروج المنصور إلى الشأم ومصيره إلى بيت المقدس وتوجيهه يزيد
ابن حاتم إلى إفريقية في خمسين ألفا فيما ذكر لحرب الخوارج الذين كانوا بها
الذين قتلوا عامله عمر بن حفص * وذكر أنه أنفق على ذلك الجيش ثلاثة وستين
296

ألف ألف درهم (وفى هذه السنة) عزم المنصور فيما ذكر على بناء مدينة الرافقة
فذكر عن محمد بن جابر عن أبيه أن أبا جعفر لما أراد بناءها امتنع أهل الرقة وأرادوا
محاربته وقالوا تعطل علينا أسواقنا وتذهب بمعائشنا وتضيق منازلنا فهم بمحاربتهم
وبعث إلى راهب في الصومعة هنالك فقال له هل لك علم بأن إنسانا يبنى ههنا مدينة
فقال بلغني أن رجلا يقال له مقلاص يبنيها فقال أنا والله مقلاص * وذكر محمد بن عمر
أن صاعقة سقطت في هذه السنة في المسجد الحرام فقتلت خمسة نفر (وفيها) هلك
أبو أيوب المورياني وأخوه خالد وأمر المنصور موسى بن دينار حاجب أبى العباس
الطوسي بقطع أيدي بنى أخي أبى أيوب وأرجلهم وضرب أعناقهم وكتب بذلك
إلى المهدى ففعل ذلك موسى وأنفذ فيهم ما أمره به (وفيها) ولى عبد الملك بن
ظبيان النميري على البصرة * وغزا الصائفة في هذه السنة زفر بن عاصم الهلالي
فبلغ الفرات (وحج) بالناس في هذه السنة محمد بن إبراهيم وهو عامل أبى جعفر
على مكة والطائف وكان على المدينة الحسن بن زيد وعلى الكوفة محمد بن سليمان
وعلى البصرة عبد الملك بن أيوب بن ظبيان وعلى قضائها سوار بن عبد الله وعلى
السند هشام بن عمرو وعلى إفريقية يزيد بن حاتم وعلى مصر محمد بن سعيد
ثم دخلت سنة خمس وخمسين ومائة
ذكر الخبر عن الاحداث التي كانت فيها
فمن ذلك افتتاح يزيد بن حاتم إفريقية وقتله أبا عاد وأبا حاتم ومن كان معهما
واستقامت بلاد المغرب ودخل يزيد بن حاتم القيروان (وفيها) وجه المنصور
ابنه المهدى لبناء مدينة الرافقة فشخص إليها فبناها على بناء مدينته ببغداد في أبوابها
وفصولها ورحابها وشوارعها وسور سورها وخندقها ثم انصرف إلى مدينته
(وفيها) فيما ذكر محمد بن عمر خندق أبو جعفر على الكوفة والبصرة وضرب
عليهما سورا وجعل ما أنفق على سور ذلك وخندقه من أموال أهله * وعزل فيها
المنصور عبد الملك بن أيوب بن ظبيان عن البصرة واستعمل عليها الهيثم بن معاوية
297

العتكي وضم إليه سعيد بن دعلج وأمره ببناء سور لها يطيف بها وخندق عليها
من دون السور من أموال أهلها ففعل ذلك * وذكر أن المنصور لما أراد الامر
ببناء سور الكوفة وبحفر خندق لها أمر بقسمة خمسة دراهم خمسة دراهم على أهل
الكوفة وأراد بذلك علم عددهم فلما عرف عددهم أمر بجبايتهم أربعين درهما
أربعين درهما من كل إنسان فجبوا ثم أمر بإنفاق ذلك على سور الكوفة وحفر
الخنادق لها فقال شاعرهم
يالقومي ما لقينا * من أمير المؤمنينا * قسم الخمسة فينا * وجبانا الأربعينا
(وفيها) طلب صاحب الروم الصلح إلى المنصور على أن يؤدى إليه الجزية
وغزا الصائفة في هذه السنة يزيد بن أسيد السلمي (وفيها) عزل المنصور أخاه
العباس بن محمد عن الجزيرة وغرمه مالا وغضب عليه وحبسه * فذكر عن بعض
بني هاشم أنه قال كان المنصور ولى العباس بن محمد الجزيرة بعد يزيد بن أسيد ثم
غضب عليه فلم يزل ساخطا عليه حتى غضب على بعض عمومته من ولد علي بن
عبد الله بن عباس أما إسماعيل بن علي أو غيره فاعتوره أهله وعمومته ونساؤهم
يكلمونه فيه وضيقوا عليه فرضى عنه فقال عيسى بن موسى يا أمير المؤمنين إن
آل علي بن عبد الله وإن كانت نعمك عليهم سابغة فإنهم يرجعون إلى الحسد لنا
فمن ذلك أنك غضبت على إسماعيل بن علي منذ أيام فضيقوا عليك وأنت غضبان
على العباس بن محمد منذ كذا وكذا فما رأيت أحدا منهم كلمك فيه قال فدعا العباس
فرضى عنه قال وقد كان يزيد بن أسيد عند عزل العباس إياه عن الجزيرة شكا
إلى أبى جعفر العباس وقال يا أمير المؤمنين إن أخاك أساء عزلي وشتم عرضي
فقال له المنصور أجمع بين إحساني إليك وإساءة أخي يعتدلا فقال يزيد بن أسيد
يا أمير المؤمنين إذا كان إحسانكم جزاء بإساءتكم كانت طاعتنا تفضلا منا عليكم
(وفيها) استعمل المنصور على حرب الجزيرة وخراجها موسى بن كعب (وفى
هذه السنة) عزل المنصور عن الكوفة محمد بن سليمان بن علي في قول بعضهم
واستعمل مكانه عمرو بن زهير أخا المسيب بن زهير وأما عمر بن شبة فإنه زعم
298

أنه عزل محمد بن سليمان عن الكوفة في سنة 153 وولاها عمرو بن زهير الضبي
أخا المسيب بن زهير في هذه السنة قال وهو حفر الخندق بالكوفة
ذكر الخبر عن سبب عزل المنصور محمد بن سليمان بن علي
ذكر أن محمد بن سليمان أتى في عمله على الكوفة بعبد الكريم بن أبي العوجاء
وكان خال معن بن زائدة فأمر بحبسه قال أبو زيد فحدثني قثم بن جعفر والحسين
ابن أيوب وغيرهما أن شفعاءه كثروا بمدينة السلام ثم ألحوا على أبى جعفر فلم
يتكلم فيه إلا ظنين فأمر بالكتاب إلى محمد بالكف عنه إلى أن يأتيه رأيه فكلم
ابن أبي العوجاء أبا الجبار وكان منقطعا إلى أبى جعفر ومحمد ثم إلى أبنائهما بعد هما
فقال له ان أخرني الأمير ثلاثة أيام فله مائة ألف ولك أنت كذا وكذا فأعلم
أبو الجبار محمدا فقال أذكرتنيه والله قد كنت نسيته فإذا انصرفت من الجمعة
فأذكرنيه فلما انصرف أذكره فدعا به وأمر بضرب عنقه فلما أيقن أنه
مقتول قال أما والله لئن قتلتموني لقد وضعت أربعة آلاف حديث أحرم فيها
الحلال وأحل فيها الحرام والله لقد فطرتكم في يوم صومكم وصومتكم في يوم
فطركم فضربت عنقه وورد على محمد رسول أبى جعفر بكتابه إياك أن تحدث في
أمر ابن أبي العوجاء شيئا فإنك إن فعلت فعلت بك وفعلت يتهدده فقال محمد
للرسول هذا رأس ابن أبي العوجاء وهذا بدنه مصلوبا بالكناسة فأخبره أمير المؤمنين
بما أعلمتك فلما بلغ الرسول أبا جعفر رسالته تغيظ عليه وأمر بالكتاب بعزله
وقال والله لهممت أن أقيده به ثم أرسل إلى عيسى بن علي فأتاه فقال هذا عملك
أنت أشرب بتولية هذا الغلام فوليته غلاما جاهلا لا علم له بما يأتي يقدم على
رجل يقتله من غير أن يطلع رأيي فيه ولا ينتظر أمرى وقد كتبت بعزله وبالله
لا فعلن به ولا فعلن بتهدده فسكت عنه عيسى حتى سكن غضبه ثم قال يا أمير المؤمنين
إن محمدا إنما قتل هذا الرجل على الزندقة فإن كان قتله صوابا فهو لك وإن
كان خطأ فهو على محمد والله يا أمير المؤمنين لئن عزلته على تفية ما صنع ليذهبن
بالثناء والذكر ولترجعن القالة من العامة عليك فأمر بالكتب فمزقت وأقر على
299

عمله وقال بعضهم إنما عزل المنصور محمد بن سليمان عن الكوفة لأمور قبيحة بلغته
عنه اتهمه فيها وكان الذي أنهى ذلك إليه المساور بن سوار الجرمي صاحب
شرطه وفى مساور يقول حماد
لحسبك من عجيب الدهر أنى * أخاف وأتقى سلطان جرم
(وفى هذه السنة) أيضا عزل المنصور الحسن بن زيد عن المدينة واستعمل
عليها عبد الصمد بن علي وجعل معه فليح بن سليمان مشرفا عليه وكان على مكة
والطائف محمد بن إبراهيم بن محمد وعلى الكوفة عمرو بن زهير وعلى البصرة
الهيثم بن معاوية وعلى أفريقية يزيد بن حاتم وعلى مصر محمد بن سعيد
ثم دخلت سنة ست وخمسين ومائة
ذكر الخبر عن الاحداث التي كانت فيها
فمن ذلك ما كان من ظفر الهيثم بن معاوية عامل أبى جعفر على البصرة بعمرو
ابن شداد عامل إبراهيم بن عبد الله على فارس فقتل بالبصرة وصلب
ذكر الخبر عن سبب الظفر به
ذكر عمر أن محمد بن معروف حدثه قال أخبرني أبي قال ضرب عمرو بن
شداد خادما له فأتى عامل البصرة إما ابن دعلج وإما الهيثم بن معاوية فدله عليه
فأخذ فقتله وصلبه في المربد في موضع دار إسحاق بن سليمان وكان عمرو مولى
لبنى جمح فقال بعضهم ظفر به الهيثم بن معاوية وخرج يريد مدينة السلام فنزل
بقصر له على شاطئ نهر يعرف بنهر معقل فأقبل بريد من عند أبي جعفر ومعه
كتاب إلى الهيثم بن معاوية بدفع عمرو بن شداد إليه فدفعه الهيثم إليه فأقدمه البصرة
ثم أتى به ناحية الرحبة فخلا به يسائله فلم يظفر منه بشئ يحب علمه فقطلا يديه
رجليه وضرب عنه وصلبه في مربد البصرة (وفى هذه السنة) عزل المنصور الهيثم
ابن معاوية عن البصرة وأعمالها واستعمل سوار بن عبد الله القاضي على الصلاة
وجمع له القضاء والصلاة وولى المنصور سعيد بن دعلج شرط البصرة وأحداثها
300

(وفيها) توفى الهيثم بن معاوية بعد ما عزل عن البصرة فجاءة بمدينة السلام وهو
على بطن جارية له فصلى عليه المنصور ودفن في مقابر بني هاشم (وفى هذه السنة)
عزا الصائفة زفر بن عاصم الهلالي (وحج) بالناس في هذه السنة العباس بن
محمد بن علي وكان العامل على مكة محمد بن إبراهيم وكان مقيما بمدينة السلام وابنه
إبراهيم بن محمد خليفته بمكة وكان إليه مع مكة الطائف وعلى الكوفة عمرو بن
زهير وعلى الاحداث والجوالي والشرط وصدقات أرض العرب بالبصرة سعيد
ابن دعلج وعلى الصلاة بها والقضاء سوار بن عبد الله وعلى كور دجلة والأهواز
وفارس عمارة بن حمزة وعلى كرمان والسند هشام بن عمرو وعلى أفريقية يزيد
ابن حاتم وعلى مصر محمد بن سعيد
ثم دخلت سنة سبع وخمسين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمما كان فيها من ذلك ابتناء المنصور قصره الذي على شاطئ دجلة الذي يدعى
الخلد وقسم بناءه على مولاه الربيع وأبان بن صدقة (وفيها) قتل يحيى أبو زكرياء
المحتسب وقد ذكرنا قبل سبب قتله إياه (وفيها) حول المنصور الأسواق من
مدينة السلام إلى باب الكرخ وغيره من المواضع وقد مضى أيضا ذكرنا سبب ذلك
قبل (وفيها) ولى المنصور جعفر بن سليمان على البحرين فلم يتم ولايته ووجه
مكانه أميرا عليها سعيد بن دعلج فبعث سعيد ابنه تميما عليها (وفيها) عرض
المنصور جنده في السلاح والخيل على عينه في مجلس اتخذه على شط دجلة دون
قطربل وأمر أهل بيته وقرابته وصحابته يومئذ بلبس السلاح وخرج هو وهو
لابس درعا وقلنسوة تحت البيضة سوداء لاطئة مصرية (وفيها) توفى عامر
ابن إسماعيل المسلى بمدينة السلام فصلى عليه المنصور ودفن في مقابر بني هاشم
(وفيها) توفى سوار بن عبد الله وصلى عليه بن دعلج واستعمل المنصور
مكانه عبيد الله بن الحسن بن الحصين العنبري (وفيها) عقد المنصور الجسر عند
301

باب الشعير وجرى ذلك على يد حميد القاسم الصيرفي بأمر الربيع الحاجب (وفيها)
عزل محمد بن سعيد الكاتب عن مصر واستعمل عليه مطر مولى أبى جعفر المنصور
(وفيها) ولى معبد بن الخليل السند وعزل عنها هشام بن عمرو ومعبد يومئذ بخراسان
كتب إليه بولايته * وغزا الصائفة فيها يزيد بن أسيد السلمي ووجه سنانا مولى البطال
إلى بعض الحصون فسبى وغنم وقال محمد بن عمر الذي غزا الصائفة في هذه السنة زفر بن
عاصم (وحج) بالناس في هذه السنة إبراهيم بن يحيى بن محمد بن علي بن عبد الله
ابن عباس قال محمد بن عمر كان على المدينة يعنى إبراهيم هذا وقال غيره كان على
المدينة في هذه السنة عبد الصمد بن علي وكان على مكة والطائف محمد بن إبراهيم
وعلى الأهواز وفارس عمارة بن حمزة وعلى كرمان والسند معبد بن الخليل وعلى
مصر مطر مولى المنصور
ثم دخلت سنة ثمان وخمسين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمما كان فيها من ذلك توجيه المنصور ابنه المهدى إلى الرقة وأمره إياه بعزل
موسى بن كعب عن الموصل وتولية يحيى بن خالد بن برمك عليها وكان سبب
ذلك فيما ذكر الحسن بن وهب بن سعيد عن صالح بن عطية قال كان المنصور
قد ألزم خالد بن برمك ثلاثة آلاف ألف ونذر دمه فيها وأجله ثلاثة أيام بها
فقال خالد لابنه يحيى يا بنى إني قد أوذيت وطولبت بما ليس عندي وإنما يراد
بذلك دمى فانصرف إلى حرمتك وأهلك فما كنت فاعلا بهم بعد موتى فافعله
ثم قال له يا بنى لا يمنعنك ذلك من أن تلقى إخواننا وأن تمر بعمارة بن حمزة
وصالح صاحب المصلى ومبارك التركي فتعلمهم حالنا قال فذكر صالح بن عطية
أن يحيى حدثه قال أتيتهم فمنهم من تجهمني وبعث بالمال سرا إلى ومنهم من لم
يأذن لي وبعث بالمال في أثرى قال واستأذنت على عمارة بن حمزة فدخلت عليه
وهو في صحن داره مقابل بوجهه الحائط فما انصرف إلى بوجهه فسلمت عليه
302

فرد على ردا ضعيفا وقال يا بنى كيف أبوك قلت بخير يقرأ عليك السلام
ويعلمك ما قد لزمه من هذا الغرم ويستسلفك مائة ألف درهم قال فما رد على قليلا
ولا كثيرا قال فضاق بي موضعي ومادت بي الأرض قال ثم كلمته فيما أتيته له
قال فقال إن أمكنني شئ فسيأتيك قال يحيى فانصرفت وأنا أقول في نفسي
لعن الله كل شئ يأتي من تيهك وعجبك وكبرك وصرت إلى أبى فأخبرته الخبر
ثم قلت له وأراك تثق من عمارة بن حمزة بما لا يوثق به قال فوالله إني لكذلك
إذ طلع رسول عمارة بن حمزة بالمائة ألف قال فجمعنا في يومين ألفى ألف
وسبعمائة ألف وبقيت ثلثمائة ألف بوجودها يتم ما سعينا له وبتعذرها يبطل
قال فوالله إني لعلى الجسر ببغداد مارا مهموما مغموما إذ وثب إلى زاجر فقال
فرخ الطائر أخبرك قال فطويته مشغول القلب عنه فلحقني وتعلق بلجامي وقال
لي أنت والله مهموم ووالله ليفرجن الله همك ولتمرن غدا في هذا الموضع واللواء
بين يديك قال فأقبلت أعجب من قوله قال فقال لي إن كان ذلك فلى عليك
خمسة آلاف درهم قلت نعم ولو قال خمسون ألفا لقلت نعم لبعد ذلك عندي من
أن يكون قال ومضيت وورد على المنصور انتقاض الموصل وانتشار الأكراد
بها فقال من لها فقال له المسيب بن زهير وكان صديقا لخالد بن برمك عندي
يا أمير المؤمنين رأى أرى أنك لا تنتصحه وأنك ستلقاني بالرد له ولكني لا أدع
نصحك فيه والمشورة عليك به قال قل فلا استغشك قلت يا أمير المؤمنين ما رميتها
بمثل خالد قال ويحك فيصلح لنا بعدما أتينا إليه قال نعم يا أمير المؤمنين إنما
قومته بذلك وأنا الضامن عليه قال فهو لها والله فليحضرني غدا فأحضر فصفح
له عن الثلثمائة ألف الباقية وعقد له قال يحيى ثم مررت بالزاجر فلما رآني قال
أنا ههنا أنتظرك منذ غدوة قلت امض معي فمضى معي فدفعت إليه الخمسة آلاف
قال وقال لي أبى أي بنى إن عمارة تلزمه حقوق وتنوبه نوائب فأته فاقرأه
السلام وقل له إن الله قد وهب لنا رأى أمير المؤمنين وصفح لنا عما بقى علينا
وولاني الموصل وقد أمر برد ما استسلفت منك قال فأتيته فوجدته على مثل
303

الحال التي لقيته عليه فسلمت فما رد السلام على ولا زادني على أن قال كيف أبوك
قلت بخير يقول كذا وكذا قال فاستوى جالسا ثم قال لي ما كنت إلا قسطارا
لا بيك يأخذ منى إذا شاء ويرد إذا شاء قم عنى لا قمت قال فرجعت إلى أبى
فأعلمته فقال لي أبى يا بنى هو عمارة ومن لا يعترض عليه قال فلم يزل خالد على
الموصل إلى أن توفى المنصور ويحيى على أذربيجان فذكر عن أحمد بن محمد بن
سوار الموصلي أنه قال ما هبنا قط أميرا هيبتنا خالد بن برمك من غير أن تشتد
عقوبته ولا نرى منه جبرية ولكن هيبة كانت له في صدورنا وذكر أحمد بن
معاوية بن بكر الباهلي عن أبيه قال كان أبو جعفر غضب على موسى بن كعب
وكان عامله على الجزيرة والموصل فوجه المهدى إلى الرقة لبناء الرافقة وأظهر
أنه يريد بيت المقدس وأمر بالمرور والمضي على الموصل فإذا صار بالبلد أخذ
موسى بن كعب فقيده وولى خالد بن برمك الموصل مكانه ففعل المهدى ذلك وخلف
خالدا على الموصل وشخص معه أخوا خالد الحسن وسليمان ابنا برمك وقد كان
المنصور دعا قبل ذلك يحيى بن خالد فقال له قد أردتك لأمر مهم من الأمور واخترتك
لثغر من الثغور فكن على أهبة ولا يعلم بذلك أحد حتى أدعو بك فكتم أباه الخبر
وحضر الباب فيمن حضر فخرج الربيع فقال يحيى بن خالد فقام فأخذ بيده فأدخله
على المنصور فخرج على الناس وأبوه حاضر واللواء بين يديه على أذربيجان فأمر
الناس بالمضي معه فمضوا في موكبه وهنئوه وهنئوا أباه خالدا بولايته فاتصل
عملهما وقال أحمد بن معاوية كان المنصور معجبا بيحيى وكان يقول ولد الناس
ابنا وولد يحيى أبا (وفى هذه السنة) نزل المنصور قصره الذي يعرف بالخلد
(وفيها) سخط المنصور على المسيب بن زهير وعزله عن الشرطة وأمر
بحبسه وتقييده وكان سبب ذلك أنه قتل أبان بن بشير الكاتب بالسياط لأمر
كان وجد عليه فيما كان من شركته لأخيه عمرو بن زهير في ولاية الكوفة وخراجها
وولى مكان المسيب الحكم بن يوسف صاحب الحراب ثم كلم المهدى أباه في
المسيب فرضى عنه بعد حبسه إياه أياما وأعاد إليه ما كان يلي من شرطه (وفيها)
304

وجه المنصرر نصر بن حرب التميمي واليا على ثغر فارس (وفيها) سقط المنصور عن دابته
بجر جرايا فانشج ما بين حاجبيه وذلك أنه كان خرج لما وجه ابنه المهدى إلى الرقة
مشيعا له حتى بلغ موضعا يقال له جب سماقا ثم عدل إلى حولا يا ثم أخذ على النهروانات
فانتهى فيما قيل إلى ثبق من النهروانات يصب إلى نهر ديالى فأقام على سكره ثمانية عشر
يوما فأعياه فمضى إلى جرجرايا فخرج منها للنظر إلى ضيعة كانت لعيسى بن علي هناك
فصرع من يومه ذلك عن برذون له ديزج فشج في وجهه وقدم عليه وهو بجرجرايا
أسارى من ناحية عمان من الهند بعث بهم إليه تسنيم بن الحوارى مع ابنه محمد فهم
بضرب أعناقهم فساءلهم فأخبروه بما التبس به أمرهم عليه فأمسك عن قتلهم
وقسمهم بين قواده ونوابه (وفيها) انصرف المهدى إلى مدينة السلام من الرقة
فدخلها في شهر رمضان (وفيها) أمر المنصور بمرمة القصر الأبيض الذي كان
كسرى بناه وأمر أن يغرم كل من وجد في داره شيئا من الآجر الخسرواني مما
نقضه من بناء الأكاسرة وقال هذا فئ المسلمين فلم يتم ذلك ولا ما أمر به من مرمة
القصر (وفيها) غزا الصائفة معيوب بن يحيى من درب الحدث فلقى العدو فاقتتلوا
ثم تحاجزوا (وفى هذه السنة) حبس محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي وهو أمير مكة
فيما ذكر بأمر المنصور إياه بحبسهم ابن جريج وعباد بن كثير والثوري ثم أطلقهم
من الحبس بغير اذن أبى جعفر فغضب عليه أبو جعفر وذكر عمر بن شبة ان محمد
ابن عمران مولى محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس حدثه عن
أبيه قال كتب المنصور إلى محمد بن إبراهيم وهو أمير على مكة يأمره بحبس رجل
من آل علي بن أبي طالب كان بمكة وبحبس ابن جريج وعباد بن كثير والثوري
قال فحبسهم فكان له سمار يسامرونه بالليل فلما كان وقت سمره جلس وأكب على
الأرض ينظر إليها ولم ينطق بحرف حتى تفرقوا قال فدنوت منه فقلت له قد رأيت
ما بك فمالك قال عمدت إلى ذي رحم فحبسته وإلى عيون من عيون الناس فحبستهم
فيقدم أمير المؤمنين ولا أدرى ما يكون فلعله أن يأمر بهم فيقتلوا فيشتد سلطانه
وأهلك ديني قال فقلت له فتصنع ماذا قال أو ثر الله وأطلق القوم اذهب إلى إبلي
305

فخذ راحلة منها وخذ خمسين دينارا فأت بها الطالبي واقرأه السلام وقل له إن
ابن عمك يسألك ان تحلله من ترويعه إياك وتركب هذه الراحلة وتأخذ هذه النفقة
قال فلما أحس بي جعل يتعوذ بالله من شرى فلما أبلغته قال هو في حل ولا حاجة
لي إلى الراحلة ولا إلى النفقة قال قلت إن أطيب لنفسه أن تأخذ ففعل قال ثم جئت
إلى ابن جريج وإلى سفيان بن سعيد وعباد بن كثير فأبلغتهم ما قال قالوا هو في
حل قال فقلت لهم يقول لكم لا يظهرن أحد منكم ما دام المنصور مقيما قال فلما قرب
المنصور وجهني محمد بن إبراهيم بألطاف فلما أخبر المنصور أن رسول محمد بن
إبراهيم قدم أمر بالإبل فضربت وجوهها قال فلما صار إلى بئر ميمون لقيه محمد
ابن إبراهيم فلما أخبر بذلك أمر بدوابه فضربت وجوهها فعدل محمد فكان يسير
في ناحية قال وعدل بأبي جعفر عن الطريق في الشق الأيسر فأنيخ به ومحمد واقف
قبالته ومعه طبيب له فلما ركب أبو جعفر وسار وعديله الربيع أمر محمد الطبيب
فمضى إلى موضع مناخ أبى جعفر فرأى نجوه فقال لمحمد رأيت نجو رجل لا تطول
به الحياة فلما دخل مكة لم يلبث أن مات وسلم محمد (وفيها) شخص أبو جعفر من
مدينة السلام متوجها إلى مكة وذلك في شوال فنزل فيما ذكر عند قصر عبدويه
فانقض في مقامه هنالك كوكب لثلاث بقين من شوال بعد إضاءة الفجر فبقى أثره
بينا إلى طلوع الشمس ثم مضى إلى الكوفة فنزل الرصافة ثم أهل منها بالحج والعمرة
وساق معه الهدى وأشعره وقلده لأيام خلت من ذي القعدة فلما سار منازل من
الكوفة عرض له وجعه الذي توفى منه (واختلف) في سبب الوجع الذي كانت
منه وفاته فذكر عن علي بن محمد بن سليمان النوفلي عن أبيه أنه كان يقول كان
المنصور لا يستمرئ طعامه ويشكو ذلك إلى المتطببين ويسألهم أن يتخذوا له
الجوارشنات فكانوا يكرهون ذلك ويأمرونه أن يقل من الطعام ويخبرونه أن
الجوارشنات تهضم في الحال وتحدث من العلة ما هو أشد منه عليه حتى قدم عليه
طبيب من أطباء الهند فقال له كما قال له غيره فكان يتخذ له سفوفا جوارشنا يابسا
فيه الافاويه والأدوية الحارة فكان يأخذ فيهضم طعامه فأحمده قال فقال لي أبى قال
306

لي كثير من متطببي العراق لا يموت والله أبو جعفر أبدا إلا بالبطن قال قلت له
وما علمك قال هو يأخذ الجوارشن فيهضم طعامه ويخلق من زئبر معدته في كل يوم
شيئا وشحم مصارينه فيموت ببطنه وقال لي أضرب لذلك مثلا أرأيت لو أنك
وضعت جرا على مرفع ووضعت تحتها آجرة جديدة فقطرت أما كان قطرها
يثقب الآجرة على طول الدهر أو ما علمت أن لكل قطرة خدا قال فمات والله
أبو جعفر كما قال بالبطن وقال بعضهم كان بدء وجعه الذي مات فيه من حر أصابه
من ركوبه في الهواجر وكان رجلا محرورا على سنه يغلب عليه المرار الأحمر ثم
هاض بطنه فلم يزل كذلك حتى نزل بستان ابن عامر فاشتد به فرحل عنه فقصر عن
مكة ونزل بئر ابن المرتفع فأقام بها يوما وليلة ثم صار منها إلى بئر ميمون وهو يسأل
عن دخوله الحرم ويوصى الربيع بما يريد أن يوصيه وتوفى بها في السحر مع أو طلوع
الفجر ليلة السبت لست خلون من ذي الحجة ولم يحضره عند وفاته إلا خدمه والربيع
مولاه فكتم الربيع موته ومنع النساء وغير هن من البكاء عليه والصراخ ثم أصبح
فحضر أهل بيته كما كانوا يحضرون وجلسوا مجالسهم فكان أول من دعى به
عيسى بن علي فمكث ساعة ثم أذن لعيسى بن موسى وقد كان فيما خلا يقدم في
الاذن على عيسى بن علي فكان ذلك مما ارتيب به ثم أذن للأكابر وذوي الأسنان من
أهل البيت ثم لعامتهم فأخذ الربيع بيعتهم لأمير المؤمنين المهدى ولعيسى بن موسى
من بعده على يد موسى بن المهدى حتى فرغ من بيعة بني هاشم ثم دعا بالقواد فبايعوا
ولم ينكل منهم عن ذلك رجل إلا علي بن عيسى بن ماهان فإنه أبى عند ذكر عيسى
ابن موسى أن يبايع له فلطمه محمد بن سليمان وقال من هذا العلج وأمصه وهم
بضرب عنقه فبايع وتتابع الناس بالبيعة وكان المسيب بن زهير أول من استثنى
في البيعة وقال عيسى بن موسى إن كان كذلك فأمصوه وخرج موسى بن المهدى
إلى مجلس العامة فبايع من بقى من القواد والوجوه وتوجه العباس بن محمد ومحمد
ابن سليمان إلى مكة ليبايع أهلها بها وكان العباس يومئذ المتكلم فبايع الناس للمهدى
بين الركن والمقام وتفرق عدة من أهل بيت المهدى في نواحي مكة والعسكر
307

فبايعه الناس وأخذ في جهاز المنصور وغسله وكفنه وتولى ذلك من أهل بيته
العباس بن محمد والربيع والريان وعدة من خدمه ومواليه ففرغ من جهازه مع
صلاة العصر وغطى من وجهه وجميع جسده بأكفانه إلى قصاص شعره وأبدى
رأسه مكشوفا من أجل الاحرام وخرج به أهل بيته والأخص من مواليه وصلى
عليه فيما زعم الواقدي عيسى بن موسى في شعب الخوز وقيل إن الذي صلى عليه
إبراهيم بن يحيى بن محمد بن علي وقيل إن المنصور كان أوصى بذلك وذلك أنه كان
خليفته على الصلاة بمدينة السلام وذكر علي بن محمد النوفلي عن أبيه أن إبراهيم
ابن يحيى صلى عليه في المضارب قبل أن يحمل لان الربيع قال لا يصلى عليه أحد
يطمع في الخلافة فقدموا إبراهيم بن يحيى وهو يومئذ غلام حدث ودفن في المقبرة التي
عند ثنية المدنيين التي تسمى كذا وتسمى ثنية المعلاة لأنها بأعلى مكة ونزل في قبره عيسى
ابن علي والعباس بن محمد وعيسى بن موسى والربيع والريان مولياه ويقطين بن
موسى (واختلف) في مبلغ سنه يوم توفى فقال بعضهم كان يوم توفى ابن أربع
وستين سنة وقال بعضهم كان يومئذ ابن خمس وستين سنة وقال بعضهم كان يوم
توفى ابن ثلاث وستين سنة وقال هشام بن الكلبي هلك المنصور وهو ابن ثمان
وستين سنة وقال هشام ملك المنصور اثنتين وعشرين سنة إلا أربعة وعشرين
يوما (واختلف) عن أبي معشر في ذلك فحدثني أحمد بن ثابت الرازي عمن
ذكره عن إسحاق بن عيسى عنه أنه قال توفى أبو جعفر قبل يوم التروية بيوم
يوم السبت فكانت خلافته اثنتين وعشرين سنة إلا ثلاثة أيام وروى عن ابن
بكار عنه أنه قال إلا سبع ليال وقال الواقدي كانت ولاية أبى جعفر اثنتين وعشرين
سنة إلا ستة أيام وقال عمر بن شبة كانت خلافته اثنتين وعشرين سنة غير يومين
(وحج) بالناس في هذه السنة إبراهيم بن يحيى بن محمد بن علي (وفى هذه السنة)
هلك طاغية الروم
ذكر الخبر عن صفة أبى جعفر المنصور
ذكر أنه كان أسمر طويلا نحيفا خفيف العارضين وكان ولد بالحميمة
308

ذكر الخبر عن بعض سيره
ذكر عن صالح بن الوجيه عن أبيه قال بلغ المنصور أن عيسى بن موسى
قتل رجلا من ولد نصر بن سيار كان مستخفيا بالكوفة فدل عليه فضرب عنقه
فأنكر ذلك وأعظمه وهم في عيسى بأمر كان فيه هلاكه ثم قطعه عن ذلك جهل
عيسى بما فعل فكتب إليه أما بعد فإنه لولا نظر أمير المؤمنين واستبقاؤه لم يؤخرك
عقوبة قتل ابن نصر بن سيار واستبدادك به بما يقطع أطماع العمال في مثله فامسك
عمن ولاك أمير المؤمنين أمره من عربي وأعجمي وأحمر وأسود ولا تستبدن على
أمير المؤمنين بإمضاء عقوبة في أحد قبله تباعة فإنه لا يرى أن يأخذ أحدا بظنة
قد وضعها الله عنه بالتوبة ولا بحدث كان منه في حرب أعقبه الله منها سلما ستر
به عن ذي غلة وحجز به عن محنة ما في الصدور وليس ييأس أمير المؤمنين لاحد
ولا لنفسه من الله من إقبال مدبر كما أنه لا يأمن إدبار مقبل إن شاء الله والسلام
وذكر عن عباس بن الفضل قال حدثني يحيى بن سليم كاتب الفضل بن الربيع قال
لم ير في دار المنصور لهو قط ولا شئ يشبه اللهو واللعب والعبث الا يوما
واحدا فإنا رأينا ابنا له يقال له عبد العزيز أخا سليمان وعيسى ابني أبى جعفر من
الطلحية توفى وهو حدث قد خرج على الناس متنكبا قوسا متعمما بعمامة مترديا
ببرد في هيئة غلام أعرابي راكبا على قعود بين جو القين فيهما مقل ونعال ومساويك
وما يهديه الاعراب فعجب الناس من ذلك وأنكروه قال فمضى الغلام حتى عبر
الجسر وأتى المهدى بالرصافة فأهدى إليه ذلك فقبل المهدى ما في الجواليق وملاهما
دراهم فانصرف بين الجوالقين فعلم أنه ضرب من عبث الملوك وذكر عن حماد
التركي قال كنت واقفا على رأس المنصور فسمع جلبة في الدار فقال ما هذا يا حماد
انظر فذهبت فإذا خادم لم قد جلس بين الجواري وهو يضرب لهن بالطنبور
وهن يضحكن فجئت فأخبرته فقال وأي شئ الطنبور فقلت خشبة من حالها وأمرها
ووصفتها له فقال لي أصبت صفته فما يدريك أنت ما الطنبور قلت رأيته بخراسان
قال نعم هناك ثم قال هات نعلي فأتيته بها فقام يمشى رويدا حتى أشرف عليهم
309

فرآهم فلما بصروا به تفرقوا فقال خذوه فأخذ فقال اضرب به رأسه فلم أزل
أضرب به رأسه حتى كسرته ثم قال أخرجه من قصري واذهب به إلى حمران
بالكرخ وقل له يبيعه وذكر العباس بن الفضل عن سلام الأبرش قال كنت
وأنا وصيف وغلام آخر نخدم المنصور داخلا في منزله وكانت له حجرة فيها
بيت وفسطاط وفراش ولحاف يخلو فيه وكان من أحسن الناس خلقا ما لم
يخرج إلى الناس وأشد احتمالا لما يكون من عبث الصبيان فإذا لبس ثيابه
تغير لونه وتربد وجهه واحمرت عيناه فيخرج فيكون منه ما يكون فإذا قام من
مجلسه رجع بمثل ذلك فنستقبله في ممشاه فربما عاتبناه وقال لي يوما يا بنى إذا رأيتني قد
لبست ثيابي أو رجعت من مجلسي فلا يدنون منى أحد منكم مخافة أن أعره بشئ
وذكر أبو الهيثم خالد بن يزيد بن وهب بن جرير بن حازم قال حدثني عبد الله بن
محمد يلقب بمنقار من أهل خراسان وكان من عمال الرشيد قال حدثني معن بن
زائدة قال كنا في الصحابة سبعمائة رجل فكنا ندخل على المنصور في كل يوم قال
فقلت للربيع اجعلني في آخر من يدخل فقال لي لست بأشرفهم فتكون في أولهم
ولا بأخسهم نسبا فتكون في آخرهم وأن مرتبتك لتشبه نسبك قال فدخلت على
المنصور ذات يوم وعلى دراعة فضفاضة وسيف حنفي أقرع بنعله الأرض
عمامة قد سدلتها من خلفي وقدامي قال فسلمت عليه وخرجت فلما صرت عند
الستر صاح بي يا معن صيحة أنكرتها فقلت لبيك يا أمير المؤمنين قال إلى فدنوت
منه فإذا به قد نزل عن عرشه إلى الأرض وجثا على ركبتيه واستل عمودا من
بين فراشين واستحال لونه ودرت أوداجه فقال إنك لصاحبي يوم واسط لا نجوت
إن نجوت منى قال قلت يا أمير المؤمنين تلك نصرتي لباطلهم فكيف نصرتي لحقك
قال فقال لي كيف قلت فأعدت عليه القول فما زال يستعيدني حتى رد العمود في
مستقره واستوى متربعا واصفر لونه فقال يا معن إن لي باليمن هنات قلت يا أمير
المؤمنين ليس لمكتوم رأى قال فقال أنت صاحبي فاجلس فجلست وأمر الربيع بإخراج
كل من كان في القصر فخرج فقال لي إن صاحب اليمن قدهم بمعصيتي وإني أريد
310

أن آخذه أسيرا ولا يفوتني شئ من ماله فما ترى قال قلت يا أمير المؤمنين ولني اليمن
وأظهر أنك ضممتني إليه ومر الربيع يزيح علتي في كل ما أحتاج إليه ويخرجني من يومى
هذا لئلا ينتشر الخبر قال فاستل عهدا من بين فراشين فوقع فيه اسمى وناولنيه ثم
دعا الربيع فقال يا ربيع انا قد ضممنا معنا إلى صاحب اليمن فأزح علته فيما يحتاج إليه من
الكراع والسلاح ولا يمسى إلا وهو راجل ثم قال ودعني فودعته وخرجت إلى
الدهليز فلقيني أبو الوالي فقال يا معن أعزز على أن تضم إلى ابن أخيك قال فقلت
إنه لا غضاضة على الرجل أن يضمه سلطانه إلى ابن أخيه فخرجت إلى اليمن فأتيت
الرجل فأخذته أسيرا وقرأت عليه العهد وقعدت في مجلسه وذكر حماد بن أحمد
اليماني قال حدثني محمد بن عمر اليمامي أبو الردينى قال أراد معن بن زائدة أن يوفد
إلى المنصور قوما يسلون سخيمته ويستعطفون قلبه عليه وقال قد أفنيت عمري في
طاعته وأتعبت نفسي وأفنيت رجالي في حرب اليمن ثم يسخط على أن أنفقت
المال في طاعته فانتخب جماعة من عشيرته من أفناء ربيعة فكان فيمن اختار مجاعة
ابن الأزهر فجعل يدعو الرجال واحدا واحدا ويقول ماذا أنت قائل لأمير المؤمنين
إذا وجهتك إليه فيقول أقول وأقول حتى جاءه مجاعة بن الأزهر فقال أعز الله
الأمير تسألني عن مخاطبة رجل بالعراق وأنا باليمن أقصد لحاجتك حتى أتأتي لها
كما يمكن وينبغي فقال أنت صاحبي ثم التفت إلى عبد الرحمن بن عتيق المزني فقال
له شد على عضد ابن عمك وقدمه أمامك فان سها عن شئ فتلافه واختار من
أصحابه ثمانية نفر معهما حتى تموا عشرة وودعهم ومضوا حتى صاروا إلى أبى جعفر
فلما صاروا بين يديه تقدموا فابتدأ مجاعة بن الأزهر بحمد الله والثناء عليه والشكر
حتى ظن القوم أنه انما قصد لهذا ثم كر على ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وكيف
اختاره الله من بطون العرب ونشر من فضله حتى تعجب القوم ثم كر على ذكر
أمير المؤمنين المنصور وما شرفه الله به وما قلده ثم كر على حاجته في ذكر صاحبه
فلما انتهى كلامه قال المنصور أما ما وصفت من حمد الله فالله أجل وأكبر من
أن تبلغه الصفات وأما ما ذكرت من النبي صلى الله عليه وسلم فقد فضله الله
311

بأكثر مما قلت وأما ما وصفت به أمير المؤمنين فإنه فضله الله بذلك وهو معينه
على طاعته إن شاء الله وأما ما ذكرت من صاحبك فكذبت ولؤمت اخرج فلا
يقبل ما ذكرت قال صدق أمير المؤمنين ووالله ما كذبت في صاحبي فاخرجوا
فلما صاروا إلى آخر الايوان أمر برده مع أصحابه فقال ما ذكرت فكر عليه الكلام
حتى كأنه كان في صحيفة يقرأه فقال له مثل القول الأول فأخرجوا حتى برزوا
جميعا وأمر بهم فوقفوا ثم التفت إلى من حضر من مضر فقال هل تعرفون فيكم
مثل هذا والله لقد تكلم حتى حسدته وما منعني أن أتم على رده الا أن يقال
تعصب عليه لأنه ربعي وما رأيت كاليوم رجلا أربط جأشا ولا أظهر بيانا
رده يا غلام فلما صار بين يديه أعاد السلام وأعاد أصحابه فقال له المنصور اقصد
لحاجتك وحاجة صاحبك قال يا أمير المؤمنين معن بن زائدة عبدك وسيفك
وسهمك رميت به عدوك فضرب وطعن ورمى حتى سهل ما حزن وذل ما صعب
واستوى ما كان معوجا من اليمن فأصبحوا من خول أمير المؤمنين أطال الله بقاءه
فإن كان في نفس أمير المؤمنين هنة من ساع أو واش أو حاسد فأمير المؤمنين أولى
بالتفضل على عبده ومن أفنى عمره في طاعته فقبل وفادتهم وقبل العذر من معن
وأمر بصرفهم إليه فلما صاروا إلى معن وقرأ الكتاب بالرضى قبل ما بين عينيه
وشكر أصحابه وخلع عليهم وأجازهم على أقدارهم وأمرهم بالرحيل إلى منصور فقال مجاعة
آليت في مجلس من وائل قسما * ألا أبيعك يا معن بأطماع
يا معن إنك قد أوليتني نعما * عمت لجيما وخصت آل مجاع
فلا أزال إليك الدهر منقطعا * حتى يشيد بهلكى هتفه الناعي
قال وكانت نعم معن على مجاعة أته سأله ثلاث حوائج منها أنه كان يتعشق
امرأة من أهل بيته سيدة يقال لها زهراء لم يتزوجها أحد بعد وكانت إذا ذكر لها
قالت بأي شئ يتزوجني أبجبته الصوف أم بكسائه فلما رجع إلى معن كان أول شئ
سأله أن يزوجه بها وكان أبوها في جيش معن فقال أريد زهراء وأبوها في
عسكرك أيها الأمير فزوجه إياها على عشرة آلاف درهم وأمهرها من عنده
312

فقال له معن حاجتك الثانية قال الحائط الذي فيه منزلي بحجر وصاحبه في
عسكر الأمير فاشتراه منه وصيره له وقال حاجتك الثالثة قال تهب لي مالا قال
فأمر له بثلاثين ألف درهم تمام مائة ألف درهم وصرفه إلى منزله وذكر عن محمد
ابن سالم الخوارزمي وكان أبوه من قواد خراسان قال سمعت أبا الفرج خال
عبد الله بن جبلة الطالقاني يقول سمعت أبا جعفر يقال ما كان أحوجني إلى أن
يكون على بابى أربعة نفر لا يكون على بابى أعف منهم قيل له يا أمير المؤمنين
من هم قال هم أركان الملك ولا يصلح الملك إلا بهم كما أن السرير لا يصلح إلا بأربع
قوائم ان نقصت واحدة وهى أما أحدهم فقاض لا تأخذه في الله لومة لائم
والآخر صاحب شرطة ينصف الضعيف من القوى والثالث صاحب خراج
يستقصى ولا يظلم الرعية فانى عن ظلمها غنى والرابع ثم عض على أصبعه السبابة
ثلاث مرات يقول في كل مرة آه آه قيل له ومن هو يا أمير المؤمنين قال صاحب
بريد يكتب بخبر هؤلاء على الصحة وقيل إن المنصور دعا بعامل من عماله قد كسر
خراجه فقال له أدما عليك قال والله ما أملك شيئا ونادى المنادى أشهد أن لا إله
إلا الله فقال يا أمير المؤمنين هب ما على لله ولشهادة أن لا إله إلا الله فخلى سبيله
قال وولى المنصور رجلا من أهل الشأم شيئا من الخراج فأوصاه وتقدم إليه
فقال ما أعرفني بما في نفسك الساعة يا أخا أهل الشأم تخرج من عندي الساعة
فتقول الزم الصحة يلزمك العمل قال وولى رجلا من أهل العراق شيئا من خراج
السواد فأوصاه وتقدم إليه فقال ما أعرفني بما في نفسك تخرج الساعة فتقول من
عال بعدها فلا اجتبر اخرج عنى وامض إلى عملك فوالله لئن تعرضت لذلك
لا بلغن من عقوبتك ما تستحقه قال فوليا له جميعا وصححا وناصحا * ذكر الصباح
ابن عبد الملك الشيباني عن إسحاق بن موسى بن عيسى أن المنصور ولى رجلا من
العرب حضرموت فكتب إليه والى البريد أنه يكثر الخروج في طلب الصيد ببزاة
وكلاب قد أعدها فعزله وكتب إليه ثكلتك أمك وعدمتك عشيرتك ما هذه
العدة التي أعددتها للنكاية في الوحش انا إنما استكفيناك أمور المسلمين ولم
313

نستكفك أمور الوحش سلم ما كنت تلى من عملنا إلى فلان بن فلان والحق
بأهلك ملوما مدحورا * وذكر الربيع أنه قال أدخل على المنصور سهيل بن
سالم البصري وقد ولى عملا فعزل فأمر بحبسه واستئدائه فقال سهيل عبدك يا أمير
المؤمنين قال بئس العبد أنت قال لكنك يا أمير المؤمنين نعم المولى قال أمالك
فلا قال وذكر عن الفضل بن الربيع عن أبيه أنه قال بينا أنا قائم بين يدي المنصور
أو على رأسه إذ أتى بخارجي قد هزم له جيوشا فأقامه ليضرب عنقه ثم اقتحمته
عينه فقال يا ابن الفاعلة مثلك يهزم الجيوش فقال له الخارجي ويلك وسوءة لك
بيني وبينك أمس السيف والقتل واليوم القذف والسب وما كان يؤمنك أن أرد
عليك وقد يئست من الحياة فلا تستقيلها أبدا قال فاستحيى منه المنصور وأطلقه
فما رأى له وجها حولا * ذكر عبد الله بن عمرو الملحي أن هارون بن محمد بن
إسماعيل بن موسى الهادي قال حدثني عبد الله بن محمد بن أبي أيوب المكي عن
أبيه قال حدثني عمارة بن حمزة قال كنت عند المنصور فانصرفت من عنده في
وقت انتصاف النهار وبعد أن بايع الناس للمهدى فجاءني المهدى في وقت انصرافي
فقال لي قد بلغني أن أبى قد عزم أن يبايع لجعفر أخي وأعطى الله عهدا لئن فعل
لأقتلنه فمضيت من فورى إلى أمير المؤمنين فقلت هذا أمر لا يؤخر فقال الحاجب
الساعة خرجت قلت أمر حدث فأذن لي فدخلت إليه فقال لي هيه يا عمارة ما
جاء بك قلت أمر حدث يا أمير المؤمنين أريد أن أذكره قال فأنا أخبرك به
قبل أن تخبرني جاءك المهدى فقال كيت وكيت قلت والله يا أمير المؤمنين
لكأنك حاضر ثالثنا قال قل له نحن أشفق عليه من أن نعرضه لك * وذكر عن أحمد
بن يوسف بن القاسم قال سمعت إبراهيم بن صالح يقول كنا في مجلس ننتظر
الاذن فيه على المنصور فتذاكرنا الحجاج فمنا من حمده ومنا من ذمه فكان ممن
حمده معن بن زائدة وممن ذمه الحسن بن زيد ثم أذن لنا فدخلنا على المنصور
فانبرى الحسن بن زيد فقال يا أمير المؤمنين ما كنت أحسبني أبقى حتى يذكر
الحجاج في دارك وعلى بساطك فيثنى عليه فقال أبو جعفر وما استنكرت من
314

ذلك رجل استكفاه قوم فكفاهم والله لوددت أنى وجدت مثل الحجاج حتى
أستكفيه أمرى وأنزله أحد الحرمين قال فقال له معن يا أمير المؤمنين إن لك
مثل الحجاج عدة لو استكفيتهم كفوك قال ومن هم كأنك تريد نفسك قال وان
أردتها فلم أبعد من ذلك قال كلا لست كذاك إن الحجاج ائتمنه قوم فأدى إليهم
الأمانة وإنا ائتمناك فخنتنا * ذكر الهيثم بن عدي عن أبي بكر الهذلي قال سرت
مع أمير المؤمنين المنصور إلى مكة وسايرته يوما فعرض لنا رجل على ناقة حمراء
تذهب في الأرض وعليه جبة خز وعمامة عدنية وفى يده سوط يكاد يمس الأرض
سرى الهيئة فلما رآه أمرني فدعوته فجاء فسأله عن نسبه وبلاده وبادية قومه وعن
ولاة الصدقة فأحسن الجواب فأعجبه ما رأى منه فقال أنشدني فأنشده شعر الأوس
ابن حجر وغيره من الشعراء من بنى عمرو بن تميم وحدثه حتى أتى على شعر
لطريف بن تميم العنبري وهو قوله
إن قناتي لنبع لا يؤيسها * غمز الثقاف ولا دهن ولا نار
متى أجر خائفا تأمن مسارحه * وإن أخف آمنا تقلق به الدار
إن الأمور إذا أوردتها صدرت * إن الأمور لها ورد وإصدار
فقال ويحك وما كان طريف فيكم حيث قال هذا الشعر قال كان أثقل العرب
على عدوه وطأة وأدركهم بثأر وأيمنهم نقيبة وأعساهم قناة لمن رام هضمه وأقراهم
لضيفه وأحوطهم من وراء جاره اجتمعت العرب بعكاظ فكلهم أقر له بهذه الخلال
غير أن امرءا أراد أن يقصر به فقال والله ما أنت ببعيد النجعة ولا قاصد الرمية
فدعاه ذلك إلى أن جعل على نفسه ألا يأكل إلا لحم قنص يقتنصه ولا ينزع كل
عام عن غزوة يبعد فيها أثره قال يا أخا بنى تميم لقد أحسنت إذ وصفت صاحبك
ولكني أحق ببيتيه منه أنا الذي وصف لا هو * وذكر أحمد بن خالد الفقيمي
أن عدة من بني هاشم حدثوه أن المنصور كان شغله في صدر نهاره بالامر والنهى
والولايات والعزل وشحن الثغور والأطراف وأمن السبل والنظر في الخراج
والنفقات ومصلحة معاش الرعية لطرح عالتهم والتلطف لسكونهم وهدئهم فإذا
315

صلى العصر جلس لأهل بيته الا من أحب أن يسامره فإذا صلى العشاء الآخرة
نظر فيما ورد عليه من كتب الثغور والأطراف والآفاق وشاور سماره من ذلك
فيما أرب فإذا مضى ثلث الليل قام إلى فراشه وانصرف سماره فإذا مضى الثلث
الثاني قام من فراشه فأسبغ وضوءه وصف في محرابه حتى يطلع الفجر ثم يخرج
فيصلى بالناس ثم يدخل فيجلس في إيوانه قال إسحاق حدثت عن عبد الله بن الربيع
قال قال أبو جعفر لإسماعيل بن عبد الله صف لي الناس فقال أهل الحجاز مبتدأ
الاسلام وبقية العرب وأهل العراق ركن الاسلام ومقاتلة عن الدين وأهل الشأم
حصن الأمة وأسنة الأئمة وأهل خراسان فرسان الهيجاء وأعنة الرجال والترك
منابت الصخور وأبناء المغازي وأهل الهند حكماء استغنوا ببلادهم فاكتفوا بها
عما يليهم والروم أهل كتاب وتدين نخاهم الله من القرب إلى البعد والأنباط
كان ملكهم قديما فهم لكل قوم عبيد قال فأي الولاة أفضل قال الباذل للعطاء
والمعرض عن السيئة قال فأيهم أخرق قال أنهكهم للرعية وأتعبهم لها بالخرق
والعقوبة قال فالطاعة على الخوف أبلغ في حاجة الملك أم الطاعة على المحبة قال
يا أمير المؤمنين الطاعة عند الخوف تسر الغدر وتبالغ عند المعاينة والطاعة على
المحبة تضمر الاجتهاد وتبالغ عند الغفلة قال فأي الناس أولاهم بالطاعة قال أولاهم
بالمضرة والمنفعة قال ما علامة ذلك قال سرعة الإجابة وبذل النفس قال فمن ينبغي
للملك أن يتخذه وزيرا قال أسلمهم قلبا وأبعدهم من الهوى * وذكر عن أبي
عبيد الله الكاتب قال سمعت المنصور يقول للمهدى حين عهد له بولاية العهد
يا أبا عبد الله استدم النعمة بالشكر والقدرة بالعفو والطاعة بالتألف والنصر
بالتواضع ولا تنس مع نصيبك من الدنيا نصيبك من رحمة الله * وذكر الزبير
ابن بكار قال حدثني مبارك الطبري قال سمعت أبا عبيد الله يقول سمعت المنصور
يقول للمهدى لا تبرم أمرا حتى تفكر فيه فان فكر العاقل مرآته تريه حسنه
وسيئه * وذكر الزبير أيضا عن مصعب بن عبد الله عن أبيه قال سمعت أبا جعفر
المنصور يقول للمهدى يا أبا عبد الله لا يصلح السلطان إلا بالتقوى ولا تصلح رعيته
316

الا بالطاعة ولا تعمر البلاد بمثل العدل ولا تدوم نعمة السلطان وطاعته الا
بالمال ولا تقدم في الحياطة بمثل نقل الاخبار وأقدر الناس على العفو أقدرهم
على العقوبة وأعجز الناس من ظلم من هو دونه واعتبر عمل صاحبك وعلمه باختباره
وعن المبارك الطبري أنه سمع أبا عبيد الله يقول سمعت المنصور يقول للمهدى
يا أبا عبد الله لا تجلس مجلسا الا ومعك من أهل العلم من يحدثك فان محمد بن شهاب
الزهري قال الحديث ذكر ولا يحبه الا ذكور الرجال ولا يبغضه إلا مؤنثوهم
وصدق أخو زهرة * وذكر عن علي بن مجاهد بن محمد بن علي أن المنصور قال
للمهدى يا أبا عبد الله من أحب الحمد أحسن السيرة ومن أبغض الحمد أساءها وما
أبغض أحد الحمد الا استذم وما استذم إلا كره وقال المبارك الطبري سمعت
أبا عبيد الله يقول قال المنصور للمهدى يا أبا عبد الله ليس العاقل الذي يحتال للامر
الذي وقع فيه حتى يخرج منه ولكنه الذي يحتال للامر الذي غشيه حتى لا يقع
فيه وذكر الفقيمي عن عتبة بن هارون قال قال أبو جعفر يوما للمهدى كم راية
عندك قال لا أدرى قال هذا والله التضييع أنت لأمر الخلافة أشد تضييعا ولكن
قد جمعت لك مالا يضرك معه ما ضيعت فاتق الله فيما خولك * وذكر علي بن محمد
عن حفص بن عمر بن حماد عن خالصة قالت دخلت على المنصور فإذا هو يتشكى
وجع ضرسه فلما سمع حسي قال ادخلي فلما دخلت إذا هو واضع يده على صدغيه
فسكت ساعة ثم قال لي يا خالصة كم عندك من المال قلت ألف درهم قال ضعي يدك
على رأسي واحلفي قلت عندي عشرة آلاف دينار قال احمليها إلى فرجعت فدخلت
على المهدى والخيزران فأخبرتهما فركلني المهدى برجله وقال لي ما ذهب بك إليه
ما به من وجع ولكني سألته أمس مالا فتمارض احملي إليه ما قلت ففعلت فلما أتاه
المهدى قال يا أبا عبد الله تشكو الحاجة وهذا عند خالصة وقال علي بن محمد قال
واضح مولى أبى جعفر قال قال أبو جعفر يوما انظر ما عندك من الثياب الخلقان
فاجمعها فإذا علمت بمجئ أبى عبد الله فجئني بها قبل أن يدخل وليكن معها رقاع
ففعلت ودخل عليه المهدى وهو يقدر الرقاع فضحك وقال يا أمير المؤمنين من
317

ههنا يقول الناس نظروا في الدينار والدرهم وما دون ذلك ولم يقل دانق فقال
المنصور إنه لا جديد لمن لا يصلح خلقه هذا الشتاء قد حضر ونحتاج إلى كسوة
للعيال والولد قال فقال المهدى فعلى كسوة أمير المؤمنين وعياله وولده فقال له
دونك فافعل * وذكر علي بن مرثد أبو دعامة الشاعر أن أشجع بن عمرو السلمي
حدثه عن المؤمل بن أميل * وذكره أيضا عبد الله بن الحسن الخوارزمي أن
أبا قدامة حدثه أن المؤمل بن أميل حدثه قال قدمت على المهدى قال ابن
مرثد في خبره وهو ولى عهد وقال الخوارزمي قدمت عليه الري وهو ولى عهد
فأمر لي بعشرين ألف درهم لأبيات امتدحته بها فكتب بذلك صاحب البريد إلى
المنصور وهو بمدينة السلام يخبره أن المهدى أمر لشاعر بعشرين ألف درهم فكتب
إليه المنصور يعذله ويلومه ويقول له إنما كان ينبغي لك أن تعطى الشاعر
بعد أن يقيم ببابك سنة أربعة آلاف درهم قال أبو قدامة فكتب إلى كاتب
المهدى أن يوجه إليه بالشاعر فطلب فلم يقدر عليه فكتب إليه أنه قد توجه إلى
مدينة السلام فوجه المنصور قائدا من قواده فأجلسه على جسر النهروان وأمره
أن يتصفح الناس رجلا رجلا ممن يمر به حتى يظفر بالمؤمل فلما رآه قال له من أنت قال
أنا المؤمل بن أميل من زوار الأمير المهدى قال إياك طلبت قال المؤمل فكاد
قلبي ينصدع خوفا من أبى جعفر فقبض على ثم أتى بي باب المقصور وأسلمني إلى
الربيع فدخل إليه الربيع فقال هذا الشاعر قد ظفرنا به فقال أدخلوه على فأدخلت
عليه فسلمت فرد على السلام فقلت ليس ههنا إلا خير قال أنت المؤمل بن أميل
قلت نعم أصلح الله أمير المؤمنين قال هيه أتيت غلاما غرا فخدعته قال فقلت نعم
أصلح الله أمير المؤمنين أتيت غلاما غرا كريما فخدعته فانخدع قال فكان ذلك
أعجبه فقال أنشدني ما قلت فيه فأنشدته
هو المهدى إلا أن فيه * مشابه صورة القمر المنير
تشابه ذا وذا فهما إذا ما * أنارا مشكلان على البصير
فهذا في الظلام سراج ليل * وهذا في النهار سراج نور
318

ولكن فضل الرحمن هذا * على ذا بالمنابر والسرير
وبالملك العزيز فذا أمير * وماذا بالأمير ولا الوزير
ونقص الشهر يخمد ذا وهذا * منير عند نقصان الشهور
فيا ابن خليفة الله المصفى * به تعلو مفاخرة الفخور
لئن فت الملوك وقد توافوا * إليك من السهولة والوعور
لقد سبق الملوك أوك حتى * بقوا من بين كأب أو حسير
وجئت وراءه تجرى حثيثا * وما بك حين تجرى من فتور
فقال الناس ما هذان إلا * بمنزلة الخليق من الجدير
لئن سبق الكبير فأهل سبق * له فضل الكبير على الصغير
وإن بلغ الصغير مدى كبير * لقد خلق الصغير من الكبير
فقال والله لقد أحسنت ولكن هذا لا يساوى عشرين ألف درهم وقال لي
أين المال قلت ها هو ذا قال يا ربيع انزل معه فأعطه أربعة آلاف درهم وخذ
منه الباقي قال فخرج الربيع فحط ثقلي ووزن لي أربعة آلاف درهم وأخذ الباقي قال
فلما صارت الخلافة إلى المهدى ولى ابن ثوبان المظالم فكان يجلس للناس بالرصافة
فإذا ملا كساءه رقاعا رفعها إلى المهدى فرفعت إليه يوما رقعة أذكره قصتي فلما
دخل بها ابن ثوبان جعل المهدى ينظر في الرقاع حتى إذا نظر في رقعتي ضحك فقال
له ابن ثوبان أصلح الله أمير المؤمنين ما رأيتك ضحكت من شئ من هذا الرقاع
إلا من هذه الرقعة قال هذه رقعة أعرف سببها ردوا إليه العشرين الألف درهم
فردت إلى وانصرفت * وذكر واضح مولى المنصور قال إني لواقف على رأس
أبى جعفر يوما إذ دخل عليه المهدى وعليه قباء أسود جديد فسلم وجلس ثم قام
منصرفا وأتبعه أبو جعفر بصره لحبه له وإعجابا به فلما توسط الرواق عتر بسيفه
فتخرق سواده فقام ومضى لوجهه غير مكترث لذلك ولا حافل به فقال أبو جعفر
ردوا أبا عبد الله فرددناه إليه فقال يا أبا عبد الله استقلالا للمواهب أم بطرا
للنعمة أم قلة علم بموضع المصيبة كأنك جاهل بمالك وعليك وهذا الذي أنت
319

فيه عطاء من الله إن شكرته عليه زادك فإن عرفت موضع البلاء منه فيه عافاك
فقال المهدى لا أعدمنا الله بقاءك يا أمير المؤمنين وإرشادك والحمد لله على نممه
وأسأل الله الشكر على مواهبه والخلف الجميل برحمته ثم انصرف قال العباس بن
الوليد بن مزيد قال سمعت ناعم بن مزيد يذكر عن الوضين بن عطاء قال استزارني
أبو جعفر وكانت بيني وبينه خلالة قبل الخلافة فصرت إلى مدينة السلام فخلونا
يوما فقال لي يا أبا عبد الله ما مالك قلت الخير الذي يعرفه أمير المؤمنين قال وما عيالك
قلت ثلاث بنات والمرأة وخادم لهن قال فقال لي أربع في بيتك قلت نعم قال
فوالله لردد ذلك على حتى ظننت أنه سيمولنى قال ثم رفع رأسه إلى فقال أنت
أيسر العرب أربع مغازل يدرن في بيتك * رذكر بشر المنجم قال دعاني أبو جعفر
يوما عند المغرب فبعثني في بعض الامر فلما رجعت رفع ناحية مصلاه فإذا دينار
فقال لي خذ هذا واحتفظ به قال فهو عندي إلى الساعة * وذكر أبو الجهم بن
عطية قال حدثني أبو مقاتل الخراساني ورفع غلام له إلى أبى جعفر أن له عشرة
آلاف درهم فأخذها منه وقال هذا مالي قال ومن أين يكون مالك فوالله ما وليت
لك عملا قط ولا بيني وبينك رحم ولا قرابة قال بلى كنت تزوجت مولاة
لعيينة بن موسى بن كعب فورثتك مالا وكان ذلك قد عصى وأخذ مال وهو
وال على السند فهذا المال من ذلك المال * وذكر مصعب عن سلام عن أبي
حارثة النهدي صاحب بيت المال قال ولى أبو جعفر رجلا باروسما
فلما انصرف أراد أن يتعلل عليه لئلا يعطيه شيئا فقال له أشركتك في
أمانتي ووليتك فيئا من فئ المسلمين فخنته فقال أعيذك بالله يا أمير المؤمنين
ما صحبني من ذلك شئ إلا درهم منه مثقال صررته في كمي إذا خرجت من عندك
اكتريت به بغلا إلى عيالي فأدخل بيتي ليس معي شئ من مال الله ولا مالك فقال
ما أظنك إلا صادقا هلم درهمنا فأخذه منه فوضعه تحت لبده فقال ما مثلي ومثلك
الا مثل مجير أم عامر قال وما مجير أم عامر فذكر قصة الضبع ومجيرها قال وانما
غالظه أبو جعفر لئلا يعطيه شيئا * وذكر عن هشام بن محمد أن قثم بن العباس
320

دخل على أبى جعفر فكلمه في حاجة فقال له أبو جعفر دعني من حاجتك هذه
أخبرني لم سميت قثما قال لا والله يا أمير المؤمنين ما أدرى قال القثم الذي يأكل
ويزل أما سمعت قول الشاعر:
وللكبراء أكل كيف شاؤوا * وللصغراء أكل واقتثام
* وذكر عن إبراهيم بن عيسى أن المنصور وهب لمحمد بن سليمان عشرين ألف
درهم ولجعفر أخيه عشرة آلاف درهم فقال جعفر يا أمير المؤمنين تفضله على وأنا
أسن منه قال وأنت مثله! إنا لا نلتفت إلى ناحية إلا وجدنا من أثر محمد فيها شيئا
وفى منزلنا من هداياه بقية وأنت لم تفعل من هذا شيئا * وذكر عن سوادة بن
عمر والسلمي عن عبد الملك بن عطاء وكان في صحابة المنصور قال سمعت بن هبيرة
وهو يقول في مجلسه ما رأيت رجلا قط في حرب ولا سمعت به في سلم أمكر ولا أبدع
ولا أشد تيقظا من المنصور لقد حصرني في مدينتي تسعة أشهر ومعي فرسان العرب
فجهدنا كل الجهد أن ننال من عسكره شيئا نكسره به فما تهيأ ولقد حصرني وما في
رأسي بيضاء فخرجت إليه وما في رأسي سوداء وإنه لكما قال الأعشى:
يقوم على الرغم من قومه * فيعفو إذا شاء أو ينتقم
أخو الحرب لا ضرع واهن * ولم ينتعل بنعال خذم
* وذكر إبراهيم بن عبد الرحمن أن أبا جعفر كان نازلا على رجل يقال له أزهر
السمان وليس بالمحدث وذلك قبل خلافته فلما ولى الخلافة صار إليه إلى مدينة
السلام فأدخل عليه فقال حاجتك قال يا أمير المؤمنين على دين أربعة آلاف درهم
وداري مستهدمة وابنى محمد يريد البناء بأهله فأمر له باثني عشر ألف درهم ثم قال
يا أزهر لا تأتنا طالب حاجة قال أفعل فلما كان بعد قليل عاد فقال يا أزهر ما جاء
بك قال جئت مسلما يا أمير المؤمنين قال إنه ليقع في نفسي أشياء إنك أتينا لما
أتيتنا له في المرة الأولى فأمر له باثني عشر ألف درهم أخرى ثم قال يا أزهر لا تأتنا
طالب حاجة ولا مسلما قال نعم يا أمير المؤمنين ثم لم يلبث أن عاد فقال يا أزهر
ما جاء بك قال دعاء سمعته منك أحببت أن آخذه عنك قال لا ترده فإنه غير مستجاب
321

لانى قد دعوت الله به أن يريحني من خلقتك فلم يفعل وصرفه ولم يعطه شيئا وذكر
الهيثم بن عدي أن ابن عياش حدثه أن ابن هبيرة أرسل إلى المنصور وهو محصور
بواسط والمنصور بإزائه إني خارج يوم كذا وكذا وداعيك إلى المبارزة فقد
بلغني تجبينك إياي فكتب إليه يا ابن هبيرة إنك امرؤ متعد طورك جار في عنان
غيك يعدك الله ما هو مصدقه ويمنيك الشيطان ما هو مكذبه ويقرب ما الله مباعده
فرويدا يتم الكتاب أجله وقد ضربت مثلي ومثلك بلغني أن أسدا لقى خنزيرا فقال
له الخنزير قاتلني فقال الأسد إنما أنت خنزير ولست لي بكفء ولا نظير ومتى
فعلت الذي دعوتني إليه فقتلتك قيل لي قتلت خنزيرا فلم أعتقد بذلك فخرا ولا ذكرا
وإن نالني منك شئ كان سبة على فقال إن أنت لم تفعل رجعت إلى السباع فأعلمتها
أنك نكلت عنى وجبنت عن قتالي فقال الأسد احتمال عار كذبك أيسر على من
لطخ شاربي بدمك وذكر عن محمد بن رياح الجوهري قال ذكر لأبي جعفر تدبير
هشام بن عبد الملك في حرب كانت له فبعث إلى رجل كان معه ينزل الرصافة رصافة
هشام يسأله عن ذلك الحرب فقدم عليه فقال أنت صاحب هشام قال نعم يا أمير
المؤمنين قال فأخبرني كيف فعل في حرب دبرها في سنة كذا وكذا قال إنه فعل
فيها رحمه الله كذا وكذا ثم أتبع بأن قال فعل كذا رضي الله عنه فأحفظ ذلك المنصور
فقال قم عليك غضب الله تطأ بساطي وتترحم على عدوى فقام الشيخ وهو يقول
إن لعدوك قلادة في عنقي ومنة في رقبتي لا ينزعها عنى إلا غاسلي فأمر المنصور برده
وقال اقعد هيه كيف قلت فقلت إنه كفاني الطلب وصان وجهي عن السؤال فلم
أقف على باب عربي ولا أعجمي منذ رأيته أفلا يجب على أن أذكره بخير وأتبعه
بثنائي فقال بلى الله أم نهضت عنك وليلة أدتك أشهد أنك نهيض حرة وغراس كريم
ثم استمع منه وأمر له ببر فقال يا أمير المؤمنين ما آخذه لحاجة وما هو إلا أنى أتشرف
بحبائك وأتبجح بصلتك فأخذ الصلة وخرج فقال المنصور عند مثل هذا تحسن
الصنيعة ويوضع المعروف ويجاد بالمصون وأين في عسكرنا مثله * وذكر عن
حفص بن غياث عن ابن عياش قال كان أهل الكوفة لا تزال الجماعة منهم قد طعنوا
322

على عاملهم وتظلموا على أميرهم وتكلموا كلاما فيه طعن على سلطانهم فرفع ذلك
في الخبر فقال للربيع اخرج إلى من بالباب من أهل الكوفة فقل لهم إن أمير المؤمنين
يقول لكم لئن اجتمع اثنان منكم في موضع لأحلقن رؤسهما ولحاهما ولأضربن
ظهورهما فالزموا منازلكم واتقوا على أنفسكم فخرج إليهم الربيع بهذه الرسالة
فقال له ابن عياش يا شبه عيسى ابن مريم أبلغ أمير المؤمنين عنا كما أبلغتنا عنه
فقل له والله يا أمير المؤمنين مالنا بالضرب طاقة فأما حلق اللحى فإذا شئت وكان
ابن عياش منتوفا فأبلغه فضحك وقال قاتله الله ما أدهاه وأخبثه وقال موسى
ابن صالح حدثني محمد بن عقبة الصيداوي عن نصر بن حرب وكان في
حرس أبى جعفر قال رفع إلى رجل قد جئ به من بعض الآفاق قد سعى
في فساد الدولة فأدخلته على أبى جعفر فلما رآه قال أصبغ قال نعم يا أمير المؤمنين
قال ويلك ما أعتقتك وأحسنت إليك قال بلى قال فسعيت في نقض دولتي وإفساد
ملكي قال أخطأت وأمير المؤمنين أولى بالعفو قال فدعا أبو جعفر عمارة وكان
حاضرا فقال يا عمارة هذا أصبغ فجعل يثبت في وجهي وكان في عينيه سوء فقال نعم
يا أمير المؤمنين قال على بكيس عطائي فأنى بكيس فيه خمسمائة درهم فقال خذها
فإنها وضح ويلك وعليك بعملك وأشار بيده يحركها فقال عمارة فقلت لأصبغ
ما كان عنى أمير المؤمنين قال كنت وأنا غلام أعمل الحبال فكان يأكل من كسبى
قال نصر ثم أتى به ثانية فأدخلته كما أدخلته قبل فلما وقف بين يديه أحد النظر إليه
ثم قال أصبغ فقال نعم يا أمير المؤمنين قال فقص عليه ما فعل به وذكره إياه فأقر
به وقال الحمق يا أمير المؤمنين فقدمه فضرب عنقه * وذكر علي بن محمد بن سليمان
النوفلي قال حدثني أبي قال كان خضاب المنصور زعفرانيا وذلك أن شعره
كان لينا لا يقبل الخضاب وكانت لحيته رقيقة فكنت أراه على المنبر يخطب ويبكى
فيسرع الدمع على لحيته حتى تكف لقلة الشعر ولينه * وذكر إبراهيم بن عبد السلام
ابن أخي السندي بن شاهك السندي قال ظفر المنصور برجل من كبراء بنى أمية
فقال انى أسألك عن أشياء فاصدقني ولك الأمان قال نعم فقال له المنصور من أين
323

أتى بنو أمية حتى انتشر أمرهم قال من تضييع الاخبار قال فأي الأموال وجدوها
أنفع قال الجوهر قال فعند من وجدوا الوفاء قال عند مواليهم قال فأراد المنصور
أن يستعين في الاخبار بأهل بيته ثم قال أضع من أقدارهم فاستعان بمواليه * وذكر
علي بن محمد الهاشمي أن أباه محمد بن سليمان حدثه قال بلغني أن المنصور أخذ
الدواء في يوم شات شديد البرد فأتيته أسأله عن موافقة الدواء له فأدخلت مدخلا
من القصر لم أدخله قط ثم صرت إلى حجيرة صغيرة وفيها بيت واحد ورواق
بين يديه في عرض البيت وعرض الصحن على أسطوانة ساج وقد سدل على وجه
الرواق بواري كما يصنع بالمساجد فدخلت فإذا في البيت مسح ليس فيه شئ غيره
إلا فراشه ومرافقه ودثاره فقلت يا أمير المؤمنين هذا بيت أربابك عنه فقال يا عم
هذا بيت مبيتي قلت ليس هنا غير هذا الذي أرى قال ما هو إلا ما ترى قال وسمعته
يقول عمن حدثه عن جعفر بن محمد قال قيل إن أبا جعفر يعرف بلباس جبة هروية
مرقوعة وأنه يرقع قميصه فقال جعفر الحمد لله الذي لطف له حتى ابتلاه بفقر نفسه
أو قال بالفقر في ملكه قال وحدثني أبي قال كان المنصور لا يولى أحدا ثم يعزله
إلا ألقاه في دار خالد البطين وكان منزل خالد على شاطئ دجلة ملاصقا لدار صالح
المسكين فيستخرج من المعزول مالا فما أخذ من شئ أمر به فعزل وكتب عليه
اسم من أخذ منه وعزل في بيت مال وسماه بيت مال المظالم فكثر ما في ذلك البيت
من المال والمتاع ثم قال للمهدى إني قد هيأت لك شيئا ترضى به الخلق ولا تغرم
من مالك شيئا فإذا أنامت فادع هؤلاء الذين أخذت منهم هذه الأموال التي سميتها
المظالم فاردد عليهم كل ما أخذ منهم فإنك تستحمد إليهم وإلى العامة ففعل ذلك
المهدى لما ولى قال علي بن محمد فكان المنصور ولى محمد بن عبيد الله بن محمد بن سليمان
ابن محمد بن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث البلقاء ثم عزله وأمر أن يحمل إليه
مع مال وجد عنده فحمل إليه على البريد وألفى معه ألفا دينار فحملت مع ثقله على
البريد وكان مصلى سوسنجرد ومضربة ومرفقة ووسادتين وطستا وابريقا وأشناندانه
نحاس فوجد ذلك مجموعا كهيئته الا أن المتاع قد تأكل فأخذ الألفي دينار
324

واستحيا أن يخرج ذلك المتاع وقال لا أعرفه فتركه ثم ولاه المهدى بعد ذلك اليمن
وولى الرشيد ابنه الملقب ربرا المدينة * وذكر أحمد بن الهيثم بن جعفر بن سليمان
ابن علي قال حدثني صباح بن خاقان قال كنت عند المنصور حين أتى برأس إبراهيم
ابن عبد الله بن حسن فوضع بين يديه في ترس فأكب عليه بعض السيافة فبصق
في وجهه فنظر إليه أبو جعفر نظرا شديدا وقال لي دق أنفقه قال فضربت أنفه
بالعمود ضربة لو طلب له أنف بألف دينار ما وجد وأخذته أعمدة الحرس فما
زال يهشم بها حتى خمد ثم جر برجله قال الأصمعي حدثني جعفر بن سليمان قال
قدم أشعب أيام أبى جعفر بغداد فأطاف به فتيان بني هاشم فغناهم فإذا ألحانه طربة
وخلقه على حاله فقال له جعفر لمن هذا الشعر
لمن طلل بذات الجيش * أمسى دارسا خلقا
علون بظاهر البيدا * ء فالمحزون قد قلقا
فقال أخذت الغناء من معبد ولقد كنت آخذ عنه اللحن فإذا سئل عنه قال
عليكم بأشعب فإنه أحسن تأدية له منى قال الأصمعي وقال جعفر بن سليمان قال
أشعب لابنه عبيدة إني أراني سأخرجك من منزلي وأنتفي منك قال ولم يا أبه قال
لانى أكسب خلق الله لرغيف وأنت ابني قد بلغت هذا المبلغ من السن وأنت
في عيالي ما تكسب شيئا قال بلى والله انى لأكسب ولكن مثل الموزة لا تحمل
حتى تموت أمها * وذكر علي بن محمد بن سليمان الهاشمي أن أباه محمدا حدثه أن
الأكاسرة كان يطين لها في الصيف سقف بيت في كل يوم فتكون قائلة الملك فيه
وكان يؤتى بأطنان القصب والخلاف طوالا غلاظا فترصف حول البيت ويؤتى
بقطع الثلج العظام فتجعل ما بين أضعافها وكانت بنو أمية تفعل ذلك وكان أول من
اتخذ الخيش المنصور * وذكر بعضهم أن المنصور كان يطين له في أول خلافته
بيت في الصيف يقيل فيه فاتخذ له أبو أيوب الخوزي ثيابا كثيفة تبل وتوضع
على سبايك فيجد بردها فاستطابها وقال ما أحب هذه الثياب ان اتخذت أكثف
من هذه إلا حملت من الماء أكثر مما تحمل وكانت أبرد فاتخذ له الخيش فكان
325

ينصب على قبة ثم اتخذ الخلفاء بعده الشرائج واتخذها الناس وقال علي بن محمد
عن أبيه إن رجلا من الراوندية كان يقال له الأبلق وكان أبرص فتكلم
بالغلو ودعا بالراوندية إليه فزعم أن الروح التي كانت في عيسى ابن مريم صارت
في علي بن أبي طالب ثم في الأئمة في واحد بعد واحد إلى إبراهيم بن محمد وأنهم
آلهة واستحلوا الحرمات فكان الرجل منهم يدعو الجماعة منهم إلى منزله فيطعمهم
ويسقيهم ويحملهم على امرأته فبلغ ذلك أسد بن عبد الله فقتلهم وصلبهم فلم يزل
ذلك فيهم إلى اليوم فعبدوا أبا جعفر المنصور وصعدوا إلى الخضراء فألقوا
أنفسهم كأنهم يطيرون وخرج جماعتهم على الناس بالسلاح فأقبلوا يصيحون بأبي
جعفر أنت أنت قال فخرج إليهم بنفسه فقاتلهم فأقبلوا يقولون وهم يقاتلون أنت
أنت قال فحكى لنا عن بعض مشيختنا أنه نظر إلى جماعة الراوندية يرمون أنفسهم
من الخضراء كأنهم يطيرون فلا يبلغ أحدهم الأرض إلا وقد تفتت وخرجت
روحه قال أحمد بن ثابت مولى محمد بن سليمان بن علي عن أبيه أن عبد الله بن علي
لما توارى من المنصور بالبصرة عند سليمان بن علي أشرف يوما ومعه بعض
مواليه ومولى لسليمان بن علي فنظر إلى رجل له جمال وكمال يمشى التخاجى ويجر
أثوابه من الخيلاء فالتفت إلى مولى لسليمان بن علي فقال من هذا قال له فلان بن
فلان الأموي فاستشاط غضبا وصفق بيديه عجبا وقال إن في طريقنا لنبكا بعد يا فلان
لمولى له انزل فأتني برأسه وتمثل قول سديف
علام وفيم نترك عبد شمس * لها في كل راعية ثغاء
فما بالرمس في حران منها * ولو قتلت بأجمعها وفاء
وذكر علي بن محمد المدائني أنه قدم على أبى جعفر المنصور بعد انهزام عبد الله
ابن علي وظفر المنصور به وحبسه إياه ببغداد وفد من أهل الشأم فيهم الحارث
ابن عبد الرحمن فقام عدة منهم فتكلموا ثم قام الحارث بن عبد الرحمن فقال أصلح
الله أمير المؤمنين إنا لسنا وفد مباهاة ولكنا وفد توبة وإنا ابتلينا بفتنة استفزت
كريمنا واستخفت حليمنا فنحن بما قدمنا معترفون ومما سلف منا معتذرون فإن
326

تعاقبنا فبما أجرمنا وإن تعف عنا فبفضلك علينا فاصفح عنا إذ ملكت وامنن إذ
قدرت وأحسن إذ ظفرت فطالما أحسنت قال أبو جعفر قد فعلت * وذكر
عن الهيثم بن عدي عن زيد مولى عيسى بن نهيك قال دعاني المنصور بعد موت
مولاي فقال يا زيد قلت لبيك يا أمير المؤمنين قال كم خلف أبو زيد من المال
قلت ألف دينار أو نحوها قال فأين هي قلت أنفقتها الحرة في مأتمه قال فاستعظم
ذلك وقال أنفقت الحرة في مأتمه ألف دينار ما أعجب هذا ثم قال كم خلف من
البنات قلت ستا فأطرق مليا ثم رفع رأسه وقال اغد إلى باب المهدى فغدوت فقيل
لي أمعك بغال فقلت لم أو مر بذلك ولا بغيره ولا أدرى لم دعيت قال فأعطيت
ثمانين ومائة ألف دينار وأمرت أن أدفع إلى كل واحدة من بنات عيسى ثلاثين
ألف دينار ثم دعاني المنصور فقال أقبضت ما أمرنا به لبنات أبى زيد قلت نعم يا أمير
المؤمنين قال اغد على بأكفائهن حتى أزوجهن منهم قال فغدوت عليه بثلاثة من
ولد العكي وثلاثة من آل نهيك من بنى عمهن فزوج كل واحدة منهن على ثلاثين
ألف درهم وأمر أن تحمل إليهن صدقاتهن من ماله وأمرني أن أشترى بما أمر
به لهن ضياعا يكون معاشهن منها ففعلت ذلك وقال الهيثم فرق أبو جعفر على جماعة
من أهل بيته في يوم واحد عشرة آلاف درهم وأمر للرجل من أعمامه بألف
ألف ولا نعرف خليفة قبله ولا بعده وصل بها أحدا من الناس وقال العباس
ابن الفضل أمر المنصور لعمومته سليمان وعيسى وصالح وإسماعيل بنى علي بن عبد الله
ابن عباس لكل رجل منهم بأنف ألف معونة له من بيت المال وكان أول خليفة
أعطى ألف ألف من بيت المال فكانت تجرى في الدواوين * وذكر عن إسحاق
ابن إبراهيم الموصلي قال حدثني الفضل بن الربيع عن أبيه قال جلس أبو جعفر المنصور
للمدنيين مجلسا عاما ببغداد وكان وفد إليه منهم جماعة فقال لينتسب كل من دخل
على منكم فدخل عليه فيمن دخل شاب من ولد عمرو بن حزم فانتسب ثم قال يا أمير
المؤمنين قال الأحوص فينا شعرا أمنعنا أموالنا من أجله منذ ستين سنة فقال
أبو جعفر فأنشدني فأنشده
327

لا تأوين لحزمي رأيت به * فقرا وإن ألقى الحزمي في النار
الناخسين بمروان بذى خشب * والداخلين على عثمان في الدار
قال والشعر في المدح للوليد بن عبد الملك فأنشده القصيدة فلما بلغ هذا الموضع
قال الوليد أذكرتني ذنب آل حزم فأمر باستصفاء أموالهم فقال أبو جعفر أعد
على الشعر فأعاده ثلاثا فقال له أبو جعفر لا جرم انك تحتظى بهذا الشعر كما حرمت
به ثم قال لأبي أيوب هات عشرة آلاف درهم فادفعها إليه لغنائه إلينا ثم أمر أن
يكتب إلى عماله أن يرد ضياع آل حزم عليهم ويعطوا غلاتها في كل سنة من ضياع
بنى أمية وتقسم أموالهم بينهم على كتاب الله على التناسخ ومن مات منهم وقر على
ورثته قال فانصرف الفتى بما لم ينصرف به أحد من الناس * وحدثني جعفر بن
أحمد بن يحيى قال حدثني أحمد بن أسد قال أبطأ المنصور عن الخروج إلى الناس
والركوب فقال الناس هو عليل وكثروا فدخل عليه الربيع فقال يا أمير المؤمنين
لأمير المؤمنين طول البقاء والناس يقولون قال ما يقولون قال يقولون عليل
فأطرق قليلا ثم قال يا ربيع مالنا وللعامة إنما تحتاج العامة إلى ثلاث خلال فإذا فعل
ذلك بها فما حاجتهم إذا أقيم لهم من ينظر من أحكامهم فينصف بعضهم من بعض
ويؤمن سبلهم حتى لا يخافوا في ليلهم ولا نهارهم ويسد ثغورهم وأطرافهم حتى
لا يجيئهم عدوهم وقد فعلنا ذلك بهم ثم مكث أياما وقال يا ربيع اضرب الطبل
فركب حتى رآه العامة وذكر علي بن محمد قال حدثني أبي قال وجه أبو جعفر
مع محمد بن أبي العباس بالزنادقة والمجان فكان فيهم حماد عجرد فأقاموا معه بالبصرة
يظهر منهم المجون وإنما أراد بذلك أن يبغضه إلى الناس فأظهر محمد أنه يعشق
زينب بنت سليمان بن علي فكان يركب إلى المربد فيتصدى لها يطمع أن تكون في
بعض المناظر تنظر إليه فقال محمد لحماد قل لي فيها شعرا فقال فيها أبياتا يقول فيها
يا ساكن المربد قد هجت لي * شوقا فما أنفك بالمربد
قال فحدثني أبى قال كان المنصور نازلا على أبى سنتين فعرفت الخصيب
المتطيب لكثرة اتيانه إياه وكان الخصيب يظهر النصرانية وهو زنديق معطل
328

لا يبالي من قتل فأرسل إليه المنصور رسولا يأمره أن يتوخى قتل محمد بن أبي
العباس فاتخذ سما قاتلا ثم انتظر علة تحدث بمحمد فوجد حرارة فقال له
الخصيب خذ شربة دواء فقال هيئها لي فهيأها وجعل فيها ذلك السم ثم سقاه
إياها فمات منها فكتبت بذلك أم محمد بن أبي العباس إلى المنصور تعلمه أن الخصيب
قتل ابنها فكتب المنصور يأمر بحمله إليه فلما صار إليه ضربه ثلاثين سوطا ضربا
خفيفا وحبسه أياما ثم وهب له ثلثمائة درهم وخلاه قال وسمعت أبي يقول كان
المنصور شرط لام موسى الحميرية ألا يتزوج عليها ولا يتسرى وكتبت عليه
بذلك كتابا أكدته وأشهدت عليه شهودا فعزب بها عشرة سنين في سلطانه فكان
يكتب إلى الفقيه بعد الفقيه من أهل الحجاز يستفتيه ويحمل إليه الفقيه من أهل
الحجاز وأهل العراق فيعرض عليه الكتاب ليفتيه فيه برخصة فكانت أم موسى
إذا علمت مكانه بادرته فأرسلت إليه بمال جزيل فإذا عرض عليه أبو جعفر
الكتاب لم يفته فيه برخصة حتى ماتت بعد عشر سنين من سلطانه ببغداد فأتته
وفاتها بحلوان فأهديت له في تلك الليلة مائة بكر وكانت أم موسى ولدت له جعفرا
والمهدى وذكر عن علي بن الجعد أنه قال لما قدم بختيشوع الأكبر على المنصور
من السوس ودخل عليه في قصره بباب الذهب ببغداد أمر له بطعام يتغدى به
فلما وضعت المائدة بين يديه قال شراب فقيل له إن الشراب لا يشرب على مائدة
أمير المؤمنين فقال لا آكل طعاما ليس معه شراب فأخبر المنصور بذلك فقال
دعوه فلما حضر العشاء فعل به مثل ذلك فطلب الشراب فقيل له لا شرب على
مائدة أمير المؤمنين الشراب فتعشى وشرب ماء دجلة فلما كان من الغد نظر إلى
مائة فقال ما كنت أحسب شيئا يجزى من الشراب فهذا ماء دجلة يجزى من
الشراب وذكر عن يحيى بن الحسن أن أباه حدثه قال كتب المنصور إلى عامله
بالمدينة أن بع ثمار الضياع ولا تبعها إلا ممن نغلبه ولا يغلبنا فإنما يغلبنا المفلس الذي
لا مال له ولا رأى لنا في عذابه فيذهب بما لنا قبله ولو أعطاك جزيلا وبعها من الممكن
بدون ذلك ممن ينصفك ويوفيك وذكر أبو بكر الهذلي أن أبا جعفر كان يقول
329

ليس بانسان من أسدى إليه معروف فنسيه دون الموت وقال الفضل بن الربيع
سمعت المنصور يقول كانت العرب تقول الغوى الفادح خير من الري الفاضح
وذكر عن أبان بن يزيد العنبري أن الهيثم القارئ البصري قرأ عند المنصور
" ولا تبذر تبذيرا " إلى آخر الآية فقال له المنصور وجعل يدعو اللهم جنبني
وبنى التبذير فيما أنعمت به علينا من عطيتك قال وقرأ الهيثم عنده " الذين يبخلون
ويأمرون الناس بالبخل " فقال الناس لولا إن الأموال حصن السلطان ودعامة
للدين والدنيا وعزهما وزينهما ما بت ليلة وأنا أحرز منه دينارا ولا درهما لما
أجد لبذل المال من اللذاذة ولما أعلم في اعطائه من جزيل المثوبة ودخل على
المنصور رجل من أهل العلم فازدراه واقتحمته عينه فجعل لا يسأله عن شئ
إلا وجد عنده فقال له أنى لك هذا العلم قال لم أبخل بعلم علمته ولم أستح من
علم أتعلمه قال فمن هناك قال وكان المنصور كثيرا ما يقول من فعل بغير تدبير
وقال عن غير تقدير لم يعدم من الناس هازئا أو لا حيا وذكر عن قحطبة قال
سمعت المنصور يقول الملوك تحتمل كل شئ من أصحابها إلا ثلاثا افشاء السر
والتعرض للحرمة والقدح في الملك وذكر علي بن محمد أن المنصور كان يقول
سرك من دمك فانظر من تملكه وذكر الزبير بن بكار عن عمر قال لما حمل
عبد الجبار بن عبد الرحمن الأزدي إلى المنصور بعد خروجه عليه قال له يا أمير
المؤمنين قتلة كريمة قال تركتها وراءك يا ابن اللخناء وذكر عن عمر بن شبة أن
قحطبة بن غدانة الجشمي وكان من الصحابة قال سمعت أبا جعفر المنصور يخطب
بمدينة السلام سنة 152 فقال يا عباد الله لا تظالموا فإنها مظلمة يوم القيامة والله
لولا يد خاطئة وظلم ظالم لمشيت بين أظهركم في أسواقكم ولو علمت مكان
من هو أحق بهذا الامر منى لأتيته حتى أدفعه إليه وذكر إسحاق الموصلي عن النضر
ابن حديد قال حدثني بعض الصحابة أن المنصور كان يقول عقوبة الحليم التعريض
وعقوبة السفيه التصريح وذكر أحمد بن خالد قال حدثني يحيى بن أبي نصر القرشي
أن أبان القارئ قرأ عند المنصور " ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها
330

كل البسط " الآية فقال المنصور ما أحسن ما أدبنا ربنا قال وقال المنصور من
صنع مثل ما صنع إليه فقد كافأ ومن أضعف فقد شكر ومن شكر كان كريما
ومن علم أنه إنما صنع إلى نفسه لم يستبطئ الناس في شكرهم ولم يستزدهم
من مودتهم فلا تلتمس من غيرك شكر ما آتيته إلى نفسك ووقيت به عرضك
واعلم أن طالب الحاجة إليك لم يكرم وجهه عن وجهك فأكرم وجهك عن
رده وذكر عمر بن شبة أن محمد بن عبد الوهاب المهلبي حدثه قال سمعت إسحاق
ابن عيسى يقول لم يكن أحد من بنى العباس يتكلم فيبلغ حاجته على البديهة غير
أبى جعفر وداود بن علي والعباس بن محمد وذكر عن أحمد بن خالد قال
حدثني إسماعيل بن إبراهيم الفهري قال خطب المنصور ببغداد في يوم عرفة
وقال قوم بل خطب في أيام منى فقال في خطبته أيها الناس إنما أنا سلطان الله
في أرضه أسوسكم بتوفيقه وتسديده وأنا خازنه على فيئه أعمل بمشيئته وأقسمه
بإرادته وأعطيه باذنه قد جعلني الله عليه قفلا إذا شاء أن يفتحني لأعطياتكم
وقسم فيئكم وأرزاقكم فتحني وإذا شاء أن يقفلني أقفلني فارغبوا إلى الله أيها الناس
وسلوه في هذا اليوم الشريف الذي وهب لكم فيه من فضله ما أعلمكم به في كتابه
إذ يقول تبارك وتعالى " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت
لكم الاسلام دينا " أن يوفقني للصواب ويسددني للرشاد ويلهمني الرأفة بكم والاحسان
إليكم ويفتحني لأعطياتكم وقسم أرزاقكم بالعدل عليكم إنه سمع قريب وذكر عن
داود بن رشيد عن أبيه أن المنصور خطب فقال الحمد لله أحمده وأستعينه وأومن
به وأتوكل عليه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فاعترضه معترض عن
يمينه فقال أيها الانسان أذكرك من ذكرت به فقطع الخطبة ثم قال سمعا سمعا لمن
حفظ عن الله وذكر به وأعوذ بالله أن أكون جبارا عنيدا وأن تأخذني العزة
بالاثم لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين وأنت أيها القائل فوالله ما أردت بها وجه
الله ولكنك حاولت أن يقال قام فقال فعوقب فصبر وأهون بها ويلك لو هممت
فأهتبلها إذ غفرت وإياك وإياكم معشر الناس أختها فان الحكمة علينا نزلت ومن
331

عندنا فصلت فردوا الامر إلى أهله توردوه موارده وتصدروه مصادره ثم عاد
في خطبته فكأنه يقرؤها من كفه فقال وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وذكر
عن أبي توبة الربيع بن نافع عن ابن أبي الجوزاء أنه قال قمت إلى أبى جعفر وهو
يخطب ببغداد في مسجد المدينة على المنبر فقرأت " يا أيها الذين آمنوا لم تقولون
مالا تفعلون " فأخذت فأدخلت عليه فقال من أنت ويلك إنما أردت أن أقتلك
فاخرج عنى فلا أراك قال فخرجت من عنده سليما وقال عيسى بن عبد الله بن حميد
حدثني إبراهيم بن عيسى قال خطب أبو جعفر المنصور في هذا المسجد يعنى به
مسجد المدينة ببغداد فلما بلغ اتقوا الله حق تقاته قام إليه رجل فقال وأنت يا عبد الله
فاتق الله حق تقاته فقطع أبو جعفر الخطبة وقال سمعا سمعا لمن ذكر بالله هات
يا عبد الله فما تقى الله فانقطع الرجل فلم يقل شيئا فقال أبو جعفر الله الله أيها الناس
في أنفسكم لا تحملونا من أموركم مالا طاقة لكم به لا يقوم رجل هذا المقام إلا
أوجعت ظهره وأطلت حبسه ثم قال خذه إليك يا ربيع قال فوثقنا له بالنجاة
وكانت العلامة فيه إذا أراد بالرجل مكروها قال خذه إليك يا مسيب قال ثم رجع
في خطبته من الموضع الذي كان قطعه فاستحسن الناس ذلك منه فلما فرغ من
الصلاة دخل القصر وجعل عيسى بن موسى يمشى على هيئته خلفه فأحس به
أبو جعفر فقال أبو موسى فقال نعم يا أمير المؤمنين قال كأنك خفتني على هذا
الرجل قال والله لقد سبق إلى قلبي بعض ذلك إلا أن أمير المؤمنين أكثر علما
وأعلى نظرا من أن يأتي في أمره إلا الحق فقال لا تخفني عليه فلما جلس قال على
بالرجل فأتى به فقال يا هذا إنك لما رأيتني على المنبر قلت هذا الطاغية لا يسعني
إلا أن أكلمه ولو شغلت نفسك بغير هذا لكان أمثل لك فاشغلها بظماء الهواجر
وقيام الليل وتغبير قدميك في سبيل الله أعطه يا ربيع أربعمائة درهم واذهب فلا تعد
وذكر عن عبد الله بن صاعد مولى أمير المؤمنين أنه قال حج المنصور بعد بناء
بغداد فقام خطيبا بمكة فكان مما حفظ من كلامه " ولقد كتبنا في الزبور من بعد
الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون " أمر مبرم وقول عدل وقضاء فصل
332

والحمد لله الذي أفلج حجته وبعدا للقوم الظالمين الذين اتخذوا الكعبة غرضا
والفئ إرثا وجعلوا القرآن عضين لقد حاق بهم ما كانوا به يستهزئون فكم ترى
من بئر معطلة وقصر مشيد أهملهم الله حتى بدلوا السنة واضطهدوا العترة وعندوا
واعتدوا واستكبروا وخاب كل جبار عنيد ثم أخذهم فهل تحس منهم من أحد
أو تسمع لهم ركزا وذكر الهيثم بن عدي عن ابن عياش قال إن الاحداث
لما تتابعت على أبى جعفر تمثل
تفرقت الظباء على خداش * فما يدرى خداش ما يصيد
قال ثم أمر بإحضار القواد والموالي والصحابة وأهل بيته وأمر حمادا التركي
بإسراج الخيل وسليمان بن مجالد بالتقدم والمسيب بن زهير بأخذ الأبواب ثم خرج
في يوم من أيامه حتى علا المنبر قال فأزعم عليه طويلا لا ينطق قال رجل لشبيب
ابن شبة ما لأمير المؤمنين لا يتكلم فإنه والله ممن يهون عليه صعاب القول فلما باله
قال فافترع الخطبة ثم قال
مالي أكفكف عن سعد ويشتمني * ولو شتمت بنى سعد لقد سكنوا
جهلا على وجبنا عن عدوهم * لبئست الخلتان الجهل والجبن
ثم جلس وقال
فألقيت عن رأسي القناع ولم أكن * لا كشفه إلا لاحدى العظائم
والله لقد عجزوا عن أمر قمنا به فما شكروا الكافي ولقد مهدوا فاستوعروا
وغمطوا الحق وغمصوا فماذا حاولوا أشرب رنقا على غصص أم أقيم على ضيم
ومضض والله لا أكرم أحدا بإهانة نفسي والله لئن لم يقبلوا الحق ليطلبنه ثم
لا يجدونه عندي والسعيد من وعظ بغيره قدم يا غلام ثم ركب وذكر الفقيمي
أن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن مولى محمد بن علي حدثه أن المنصور لما أخذ
عبد الله بن حسن وإخوته والنفر الذين كانوا معه من أهل بيته صعد المنبر فحمد
الله وأثنى عليه ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال يا أهل خراسان أنتم
شيعتنا وأنصارنا وأهل دولتنا ولو بايعتم غيرنا لم تبايعوا من هو خير منا وإن أهل
333

بيتي هؤلاء من ولد علي بن أبي طالب تركناهم والله الذي لا إله إلا هو والخلافة
فلم نعرض لهم فيها بقليل ولا كثير فقام فيها علي بن أبي طالب فتلطخ وحكم عليه
الحكمين فافترقت عنه الأمة واختلفت عليه الكلمة ثم وثبت عليه شيعته وأنصاره
وأصحابه وبطانته وثقاته فقتلوه ثم قام من بعده الحسن بن علي فوالله ما كان فيها
برجل قد عرضت عليه الأموال فقبلها فدس إليه معاوية إني أجعلك ولى عهدي
من بعدي فخدعه فانسلخ له مما كان فيه وسلمه إليه فأقبل على النساء يتزوج في
كل يوم واحدة فيطلقها غد فلم يزل على ذلك حتى مات على فراشه ثم قام من
بعده الحسين بن علي فخدعه أهل العراق وأهل الكوفة أهل الشقاق والنفاق
والاغراق في الفتن أهل هذه المدرة السوداء وأشار إلى الكوفة فوالله ما هي
بحرب فأحاربها ولا سلم فأسالمها فرق الله بيني وبينها فخذلوه وأسلموه حتى قتل
ثم قام من بعده زيد بن علي فخدعه أهل الكوفة وغروه فلما أخرجوه وأظهروه
أسلموه وقد كان أتى محمد بن علي فناشده في الخروج وسأله أن لا يقبل أقاويل
أهل الكوفة وقال له انا نجد في بعض علمنا أن بعض أهل بيتنا يصلب بالكوفة
وأنا أخاف أن تكون ذلك المصلوب وناشده عمى داود بن علي وحذره غدر
أهل الكوفة فلم يقبل وأتم على خروجه فقتل وصلب بالكناسة ثم وثب علينا
بنو أمية فأماتوا شرفنا وأذهبوا عزنا والله ما كانت لهم عندنا ترة يطلبونها وما
كان ذلك كله الا فيهم وبسبب خروجهم عليهم فنفونا من البلاد فصرنا مرة
بالطائف ومرة بالشام ومرة بالشراة حنى ابتعثكم الله لنا شيعة وأنصارا فأحيا
شرفنا وعزنا بكم أهل خراسان ودمغ بحقكم أهل الباطل وأظهر حقنا
وأصار الينامير اثنا عن نبينا صلى الله عليه وسلم فقر الحق مقره وأظهر مناره وأعز
أنصاره وقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين فلما استقرت
الأمور فينا على قرارها من فضل الله فيها وحكمه العادل لنا وثبوا علينا ظلما
وحسدا منهم لنا وبغيا لما فضلنا الله به عليهم وأكرمنا به من خلافته وميراث
نبيه صلى الله عليه وسلم
334

جهلا على وجبنا عن عدوهم * لبئست الخلتان الجهل والجبن
فإني والله يا أهل خراسان ما أتيت من هذا الامر ما أتيت بجهالة بلغني عنهم
بعض السقم والتعرم وقد دسست لهم رجالا فقلت قم يا فلان قم يا فلان فخذ معك
من المال كذا وحذوت لهم مثالا يعملون عليه فخرجوا حتى أتوهم بالمدينة فدسوا
إليهم تلك الأموال فوالله ما بقى منهم شيخ ولا شاب ولا صغير ولا كبير إلا بايعهم
بيعة استحللت بها دماءهم وأموالهم وجلت لي عند ذلك بنقضهم بيعتي وطلبهم
الفتنة والتماسهم الخروج على فلا يرون أنى أتيت ذلك على غير يقين ثم نزل وهو
يتلو على درج المنبر هذه الآلية (وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم
من قبل انهم كانوا في شك مريب) قال وخطب المنصور بالمدائن عند قتل أبى مسلم
فقال أيها الناس لا تخرجوا من أنس الطاعة إلى وحشة المعصية ولا تسروا
غش الأئمة فإنه لم يسر أحد قط منكرة الا ظهرت في آثار يده أو فلتات لسانه
وأبداها الله لامامه بإعزاز دينه واعلاء حقه انا لن نبخسكم حقوقكم ولن نبخس
الدين حقه عليكم انه من نازعنا عروة هذا القميص أجزرناه خبى هذا الغمد
وإن أبا مسلم بايعنا وبايع الناس لنا على أنه من نكث بنا فقد أباح دمه ثم نكث
بنا فحكمنا عليه حكمه على غيره لنا ولم تمنعنا رعاية الحق له من إقامة الحق عليه
وذكر إسحاق بن إبراهيم الموصلي أن الفضل بن الربيع أخبره عن أبيه قال قال
المنصور قال أبى سمعت أبي علي بن عبد الله يقول سادة الدنيا الأسخياء وسادة الآخرة
الأنبياء وذكر عن إبراهيم بن عيسى أن المنصور غضب على محمد بن جميل الكاتب
وأصله من الربذة فأمر ببطحه فقام بحجته فأمر بإقامته ونظر إلى سراويله فإذا
هو كتان فأمر ببطحه وضربه خمس عشرة درة وقال لا تلبس سراويل كتان
فإنه من السرف وذكر محمد بن إسماعيل الهاشمي أن الحسن بن إبراهيم حدثه عن
أشياخه أبا جعفر لما قتل محمد بن عبد الله بالمدينة وأخاه إبراهيم بباخمرى
وخرج إبراهيم بن حسن بن حسن بمصر فحمل إليه كتب إلى بنى علي بن أبي طالب
بالمدينة كنابا يذكر لهم فيه إبراهيم بن الحسن بن الحسن وخروجه بمصر وأنه لم
335

يفعل ذلك إلا عن رأيهم وأنهم يدأبون في طلب السلطان ويلتمسون بذلك
القطيعة والعقوق وقد عجزوا عن عداوة بنى أمية لما نازعوهم السلطان وضعفوا
عن طلب ثأرهم حتى وثب بنو أبيه غضبا لهم على بنى أمية فطلبوا بثأرهم فأدركوا
بدمائهم وانتزعوا السلطان عن أيديهم وتمثل في الكتاب بشعر سبيع بن ربيعة بن
معاوية اليربوعي
فلولا دفاعي عنكم إذ عجزتم * وبالله أحمى عنكم وأدافع
لضاعت أمور منكم لا أرى لها * كفاة ومالا يحفظ الله ضائع
فسموا لنا من طحطح الناس عنكم * ومن ذا الذي تحنى عليه الأصابع
وما زال منا قد علمتم عليكم * على الدهر إفضال يرى ومنافع
وما زال منكم أهل غدر وجفوة * وبالله مغتر وللرحم قاطع
وإن نحن غبنا عنكم وشهدتم * وقائع منكم ثم فيها مقانع
وإتا لنزعاكم وترعون شأنكم * كذلك الأمور خافضات روافع
وهل تعلون أقدام قوم صدورهم * وهل تعلون فوق السنام الأكارع
ودب رجال للرئاسة منكم * كما درجت تحت الغدير الضفادع
وذكر عن يحيى بن الحسن بن عبد الخالق قال كان أرزاق الكتاب والعمال
أيام أبى جعفر ثلثمائة درهم فلما كانت كذلك لم تزل على حالها إلى أيام المأمون فكان
أول من سن زيادة الأرزاق الفضل بن سهل فأما في أيام بنى أمية وبنى العباس
فلم تزل الأرزاق من الثلثمائة إلى ما دونها كان الحجاج يجرى على يزيد بن أبي مسلم
ثلثمائة درهم في الشهر وذكر إبراهيم بن موسى بن عيسى بن موسى أن ولاة
البريد في الآفاق كلها كانوا يكتبون إلى المنصور أيام خلافته في كل يوم بسعر القمح
والحبوب والأدم وبسعر كل مأكول وبكل ما يقضى به القاضي في نواحيهم وبما يعمل
به الوالي وبما يرد بيت المال من المال وكل حدث وكانوا إذا صلوا المغرب يكتبون إليه
بما كان في كل ليلة إذا صلوا الغداة فإذا وردت كتبهم نظر فيها فإذا رأى الأسعار على
حالها أمسك وإن تغير شئ منها عن حاله كتب إلى الوالي والعامل هناك وسأل عن العلة
336

التي نقلت ذاك عن سعره فإذا ورد الجواب بالعلة تلطف لذلك برفقة حتى يعود
سعره ذلك إلى حاله وإن شك في شئ مما قضى به القاضي كتب إليه بذلك وسأل من
بحضرته عن عمله فإن أنكر شيئا عمل به كتب إليه يوبخه ويلومه وذكر إسحاق
الموصلي أن الصباح بن خاقان التميمي قال حدثني رجل من أهلي عن أبيه قال
ذكر الوليد عند المنصور أيام نزوله بغداد وفروغه من المدينة وفراغه من محمد
وإبراهيم ابني عبد الله فقالوا لعن الله الملحد الكافر قال وفى المجلس أبو بكر الهذلي
وابن عياش المنتوف والشرقي بن القطامي وكل هؤلاء من الصحابة فقال أبو بكر
الهذلي حدثني ابن عم للفرزدق عن الفرزدق قال حضرت الوليد بن يزيد وعنده
ندماؤه وقد اصطبح فقال لابن عائشة تغنى بشعر ابن الزبعرى
ليت أشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الأسل
وقتلنا الضعف من ساداتهم * وعدلنا ميل بدر فاعتدل
فقال ابن عائشة لا أغنى هذا يا أمير المؤمنين فقال غنه وإلا جدعت لهواتك
قال فغناه فقال أحسنت والله إنه لعلى دين ابن الزبعرى يوم قال هذا الشعر قال
فلعنه المنصور ولعنه جلساؤه وقال الحمد لله على نعمته وتوحيده وذكر عن أبي
بكر الهذلي قال كتب صاحب أرمينية إلى المنصور أن الجند قد شغبوا عليه وكسروا
أقفال بيت المال وأخذوا ما فيه فوقع في كتابه اعتزل عملنا مذموما فلو عقلت لم
يشغبوا ولو قويت لم ينتبهوا وقال إسحاق الموصلي عن أبيه خرج بعض أهل العبث
على أبى جعفر بفلسطين فكتب إلى عامل هناك دمه في دمك إلا توجهه إلى فجد
في طلبه فظفر به فأشخص فأمر بادخاله عليه فلما مثل بين يديه قال له أبو جعفر
أنت المتوثب على عمالي لأنثرن من لحمك أكثر مما يبقى منه على عظمك فقال له
وقد كان شيخا كبير السن بصوت ضعيف ضئيل غير مستعل
أتروض عرسك بعد ما هرمت * ومن العناء رياضة الهرم
فقال فلم تتبين للمنصور مقالته فقال يا ربيع ما يقول فقال يقول
العبد عبدكم والمال مالكم * فهل عذابك عنى اليوم منصرف
337

قال يا ربيع قد عفوت عنه فخل سبيله واحتفظ به وأحسن ولايته قال ورفع
رجل إلى المنصور يشكو عامله أنه أخذ حدا من ضيعته فأضأفه إلى ماله فوقع إلى
عامله في رقعة المتظلم إن آثرت العدل صحبتك السلامة فانصف هذا المتظلم من هذه
الظلامة قال ورفع رجل من العامة إليه رقعة في بناء مسجد في محلته فوقع في رقعته
من أشراط الساعة كثرة المساجد فزد في خطاك تزدد من الثواب قال وتظلم رجل
من أهل السواد من بعض العمال في رقعة رفعها إلى المنصور فوقع فيها ان كنت
صادقا فجئ به ملببا فقد أذنا لك في ذلك وذكر عمر بن شبة ان أبا الهذيل العلاف
حدثه أن أبا جعفر قال بلغني أن السيد بن محمد مات بالكرخ أو قال بواسط ولم
يدفنوه ولئن حق ذلك عندي لأحرقنها وقيل إن الصحيح انه مات في زمان
المهدى بكرخ بغداد وانهم تحاموا ان يدفنوه وأنه بعث بالربيع حتى ولى أمره
وأمره إن كانوا امتنعوا أن يحرق عليهم منازلهم فدفع ربيع عنهم وقال المدائني
لما فرغ المنصور من محمد وإبراهيم وعبد الله بن علي وعبد الجبار بن عبد الرحمن
وصار ببغداد واستقامت له الأمور كان يتمثل هذا البيت
تبيت من البلوى على حد مرهف * مرارا ويكفى الله ما أنت خائف
فال وأنشدني عبد الله بن الربيع قال أنشدني المنصور بعد قتل هؤلاء
ورب أمور لا تضيرك ضيرة * وللقلب من مخشاتهن وجيب
وقال الهيثم بن عدي لما بلغ المنصور تفرق ولد عبد الله بن حسن في البلاد
هربا من عقابه تمثل
إن قناتي لنبع لا يؤيسها * غمز الثقاف ولا دهن ولا نار
متى أجر خائفا تأمن مسارحه * وإن أخف آمنا تقلق به الدار
سيروا إلى وغضوا بعض أعينكم * إني لكل امرئ من جاره جار
وذكر علي بن محمد عن وضح مولى أبى جعفر قال أمرني أبو جعفر أن أشترى له
ثوبين لينين فاشتريتهما له بعشرين ومائة درهم فأتيته بهما فقال بكم فقلت بثمانين
درهما قال صالحان استحطه فان المتاع إذا أدخل علينا ثم رد على صاحبه كسره
338

ذلك فأخذت الثوبين من صاحبهما فلما كان من الغد حملتهما إليه معي فقال ما
صنعت قلت رددتهما عليه فحطني عشرين درهما قال أحسنت اقطع أحدهما قميصا
واجعل الآخر رداء لي ففلت فلبس القميص خمسة عشر يوما لم يلبس غيره
وذكر مولى لعبد الصمد بن علي قال سمعت عبد الصمد يقول إن المنصور كان
يأمر أهل بيته بحسن الهيئة واظهار النعمة وبلزوم الوشى والطيب فان رأى أحدا
منهم قد أخل بذلك أو أقل منه قال يا فلان ما أرى وبيص الغالية في لحيتك وإني
لأراها تلمع في لحية فلان فيشحذهم بذلك على الاكثار من الطيب ليتزين بهيئتهم
وطيب أزواجهم عند الرعية ويزينهم بذلك عندهم وإن رأى على أحد منهم وشبا
طاهرا عضه بلسانه وذكر عن أحمد بن خالد قال كان المنصور يسأل مالك بن أدهم
كثيرا عن حديث عجلان بن سهيل أخي حوثرة بن سهيل قال كنا جلوسا مع عجلان
إذ مر بنا هشام بن عبد الملك فقال رجل من القوم قد مر الأحول قال من تعنى قال
هشاما قال تسمى أمير المؤمنين بالنبز والله لولا رحمك لضربت عنقك فقال المنصور
هذا والله الذي ينفع مع مثله المحيا والممات وقال أحمد بن خالد قال إبراهيم بن
عيسى كان للمنصور خادم أصفر إلى الأدمة ماهر لا بأس به فقال له المنصور يوما
ما جنسك قال عربي يا أمير المؤمنين قال ومن أي العرب أنت قال من خولان
سبيت من اليمن فأخذني عدولنا فجبني فاسترققت فصرت إلى بعض بنى أمية ثم
صرت إليك قال أما إنك نعم الغلام ولكن لا يدخل قصري عربي يخدم حرمي
اخرج عافاك الله فاذهب حيث شئت وذكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن داود
ابن معاوية بن بكر وكان من الصحابة أن المنصور ضم رجلا من أهل الكوفة يقال
له الفضيل بن عمران إلى ابنه جعفر وجعله كاتبه وولاه أمره فكان منه بمنزلة
أبى عبيد الله من المهدى وقد كان أبو جعفر أراد أن يبايع لجعفر بعد المهدى فنصبت
أم عبيد الله حاضنة جعفر للفضيل بن عمران فسلت به إلى المنصور وأومأت إلى
أنه يعبث بجعفر قال فبعث المنصور الريان مولاه وهارون بن غزوان مولى عثمان
ابن نهيك إلى الفضيل وهو مع جعفر بحديثه الموصل وقال إذا رأيتما فضيلا فاقتلاه
339

حيث لقيتماه وكتب لهما كتابا منشورا وكتب إلى جلفر يعلمه ما أمرهما به وقال
لا تدفعا الكتبا إلى جعفر حتى تفرغا من ق له قال فخرجا حتى قدما على جعفر
وقعدا على بابه ينتظران الاذن فخرج عليهما فضيل فأخذاه وأخرجا كتاب المنصور
فلم يعرض لهما أحد فضربا عنقه مكانه ولم يعلم جعفر حتى فرغا منه وكان الفضيل
رجلا عفيفا دينا فقيل للمنصور أن الفضيل كان أبرأ الناس مما رمى به وقد عجلت
عليه فوجه رسولا وجعل له عشرة آلاف درهم أن أدركه قبل أن يقتل فقدم
الرسول قبل أن يجف دمه فذكر معاوية بن بكر عن سويد مولى جعفر أن جعفرا
أرسل إليه فقال ويلك ما يقول أمير المؤمنين في قتل رجل عفيف دين مسلم بلا جرم
ولا جناية فقال سويد فقلت هو أمير المؤمنين يفعل ما يشاء وهو أعلم بما يصنع
فقال يا ماص بظر أمه أكلمك بكلام الخاصة وتكلمني بكلام العامة خذوا برجله
فألقوه في دجلة قال فأخذت فقلت أكلمك فقال دعوه فقلت أبوك إنما يسأل عن
فضيل ومتى يسأل عنه وقد قتل عمه عبد الله بن عبد الله بن علي وقد قتل عبد الله بن
الحسن وغيره من أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم ظلما وقتل أهل الدنيا ممن
لا يحصى ولا يعد هو قبل أن يسأل عن فضيل جرذانة تجب خصى فرعون قال
فضحك وقال دعوه إلى لعنة الله وقال قعنب بن محرز أخبرنا محمد بن عائد مولى
عثمان بن عفان أن حفصا الأموي الشاعر كان يقال له حفص بن أبي جمعة مولى
عباد بن زياد وكان المنصور صيره مؤدبا للمهدى في مجالسه وكان مداحا لبنى أمية
في أيام بنى أمية وأيام المنصور فلم ينكر عليه ذلك المنصور ولم يزل مع المهدى أيام
ولايته العهد ومات قبل أن يلي المهدى الخلافة قال وكان مما مدح به بنى أمية قوله
أين روقا عبد شمس أينهم * أين أهل الباع منهم والحسب
لم تكن أيد لهم عندكم * ما فعلتم آل عبد المطلب
أيها السائل عنهم أولوا * جثث تلمع من فوق الخشب
تجذوا الأصل منهم سفها * يا لقوم للزمان المنقلب
فاحلبوا من ما شئتم في صحنكم * فستسقون صرى ذاك الحلب
340

وقيل إن حفصا الأموي دخل على المنصور فكلمه فاستخبره فقال له من أنت
فقال مولاك يا أمير المؤمنين قال مولى لي مثلك لا أعرفه قال مولى خادم لك عبد مناف
يا أمير المؤمنين فاستحسن ذلك منه وعلم أنه مولى لبنى أمية فضمه إلى المهدى وقال
له احتفظ به ومما رثى به قول سلم الخاسر
عجبا للذي نعى الناعيان * كيف فاهت بموته الشفتان
ملك إن غدا على الدهر يوما * أصبح الدهر ساقطا للجران
ليت كفا حثت عليه ترابا * لم تعد في يمينها ببنان
حين دانت له البلاد على العسف * ف وأغضى من خوفه الثقلان
أين رب الزوراء قد قلدته ال‍ * - ملك عشرون حجة واثنتان
إنما المرء كالزناد إذا ما * أخذته قوادح النيران
ليس يثنى هواه زجر ولا يقدح * في حبله ذووا الأذهان
قلدته أعنة الملك حتى * قاد أعداءه بغير عنان
يكسر الطرف دونه وترى الأيدي * من خوفه على الأذقان
ضم أطراف ملكه ثم أضحى * خلف أقصاهم ودون الداني
هاشمي التشمير لا يحمل الثقل * على غارب الشرود الهدان
ذو أناة ينسى لها الخائف الخو * ف وعزم يلوى بكل جنان
ذهبت دونه النفس حذارا * غير أن الأرواح في الأبدان
ذكر أسماء ولده ونسائه
فمن ولده المهدى واسمه محمد وجعفر الأكبر وأمهما أروى بنت منصور أخت
يزيد بن منصور الحميري وكانت تكنى أم موسى وهلك جعفر هذا قبل المنصور
وسليمان وعيسى ويعقوب وأمهم فاطمة بنت محمد من ولد طلحة بن عبيد الله
وجعفر الأصغر أمه أم ولد كردية كان المنصور اشتراها فتسراها وكان يقال لابنها
ابن الكردية وصالح المسكين أمه أم ولد رومية يقال لها قالى الفراشة والقاسم مات
قبل المنصور وهو ابن عشرة سنين وأمه أم ولد تعرف بأم القاسم ولها بباب الشأم
341

بستان يعرف إلى اليوم ببستان أم القاسم والعالية أمها امرأة من بنى أمية زوجها
المنصور من إسحاق بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس * وذكر عن إسحاق
ابن سليمان أنه قال قال لي أبى زوجتك يا بنى أشرف الناس العالية بنت أمير المؤمنين
قال فقلت يا أباه من أكفؤنا قال أعداؤنا من بنى أمية
ذكر الخبر عن وصاياه
* ذكر عن الهيثم بن عدي أن المنصور أوصى المهدى في هذه السنة لما شخص
متوجها إلى مكة في شوال وقد نزل قصر عبدويه وأقام بهذا القصر أياما والمهدى
معه يوصيه وكان انقض في مقامه بقصر عبدويه كوكب لثلاث بقين من شوال
بعد إضاءة الفجر وبقى أثره بينا إلى طلوع الشمس فأوصاه بالمال والسلطان يفعل
ذلك كل يوم من أيام مقامه بالغداة والعشي لا يفتر عن ذلك ولا يفترقان الا تحريكا
فلما كان اليوم الذي أراد أن يرتحل فيه دعا المهدى فقال له إني لم أدع شيئا الا قد
تقدمت إليك فيه وسأوصيك بخصال والله ما أظنك تفعل واحدة منها وكان له
سفط فيه دفاتر علمه وعليه قفل لا يأمن على فتحه ومفتاحه أحدا يصر مفتاحه
في كم قميصه قال وكان حماد التركي يقدم إليه ذلك السفط إذا دعا به فإذا غاب حماد
أو خرج كان الذي يليه سلمة الخادم فقال للمهدى انظر هذا السفط فاحتفظ به
فان فيه علم آبائك ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة فان أحزنك أمر فانظر في
الدفتر الأكبر فان أصبت فيه ما تريد والا فالثاني والثالث حتى بلغ سبعة فان
ثقل عليك فالكراسة الصغيرة فإنك واجد فيها ما تريد وما أظنك تفعل وانظر
هذه المدينة فإياك أن تستبدل بها فإنها بيتك وعزك قد جمعت لك فيها من الأموال
ما إن كسر عليك الخراج عشر سنين كان عندك كفاية لارزاق الجند والنفقات
وعطاء الذرية ومصلحة الثغور فاحتفظ بها فإنك لا تزال عزيزا ما دام بيت مالك
عامرا وما أظنك تفعل وأوصيك بأهل بيتك أن تظهر كرامتهم وتقدمهم وتكثر
الاحسان إليهم وتعظم أمرهم وتوطئ الناس أعقابهم وتوليهم المنابر فان عزك عزهم
وذكرهم لك وما أظنك تفعل وانظر مواليك فأحسن إليهم وقربهم واستكثر
342

منهم فإنهم مادتك لشدة إن نزلت بك وما أظنك تفعل وأوصيك بأهل خراسان
خيرا فإنهم أنصارك وشيعتك الذين بذلوا أموالهم في دولتك ودماءهم دونك ومن
لا تخرج محبتك من قلوبهم أن تحسن إليهم وتتجاوز عن مسيئهم وتكافئهم على
ما كان منهم وتخلف من مات منهم في أهله وولده وما أظنك تفعل وإياك أن
تبنى مدينة الشرقية فإنك لا تتم بناءها وما أظنك تفعل وإياك أن تستعين برجل
من بنى سليم وأظنك ستفعل وإياك أن تدخل النساء في شورتك في أمرك وأظنك
ستفعل وقال غير الهيثم أن المنصور دعا المهدى عند مسيره إلى مكة فقال يا أبا
عبد الله إني سائر وانى غير راجع فإنا لله وإنا إليه راجعون فاسئل الله بركة ما أقدم
عليه هذا كتاب وصيتي مختوما فإذا بلغك أنى قدمت وصار الامر إليك فانظر
فيه وعلى دين فأحب أن تقضيه وتضمنه قال هو على يا أمير المؤمنين قال فإنه ثلثمائة
ألف درهم ونيف ولست استحلها من بيت مال المسلمين فاضمنها عنى وما يفضى
إليك من الامر أعظم منها قال أفعل هو على قال وهذا القصر ليس هو لك هولي
وقصرى بنيته بمالي فأحب أن تصير نصيبك منه لاخوتك الأصاغر قال نعم
قال ورقيقي الخاصة هم لك فاجعلهم لهم فإنك تصير إلى ما يغنيك عنهم وبهم إلى ذلك
أعظم الحاجة قال أفعل قال أما الضياع فلست أكلفك فيها هذا ولو فعلت كان
أحب إلى قال أفعل قال سلم إليهم ما سألتك من هذا وأنت معهم في الضياع قال
والمتاع والثياب سلمه لهم قال أفعل قال أحسن الله عليك الخلافة ولك الصنع
اتق الله فيما خولك وفيما خلفتك عليه ومضى إلى الكوفة فنزل الرصافة ثم خرج
منها مهلا بالعمرة والحج قد ساق هديه من البدن وأشعر وقلد وذلك الأيام خلت
من ذي القعدة * وذكر أبو يعقوب بن سليمان قال حدثتني جمرة العطارة عطارة
أبى جعفر قالت لما عزم المنصور على الحج دعا ريطة بنت أبي العباس امرأة
المهدى وكان المهدى بالري قبل شخوص أبى جعفر فأوصاها بما أراد وعهد
إليها ودفع إليها مفاتيح الخزائن وتقدم إليها وأحلفها ووكد الايمان لا تفتح
بعض تلك الخزائن ولا تطلع عليها أحدا الا المهدى ولا هي الا أن يصح عندما
343

موته فإذا صح ذلك اجتمعت هي والمهدى وليس معهما ثالث حتى يفتحا الخزانة
فلما قدم المهدى من الري إلى مدينة السلام دفعت إليه المفاتيح وأخبرته عن
المنصور أنه تقدم إليها فيه ألا يفتحه ولا يطلع عليه أحدا حتى يصح عندها موته
فلما انتهى إلى المهدى موت المنصور وولى الخلافة فتح الباب ومعه ريطة فإذا
أزج كبير فيه جماعة من قتلاء الطالبيين وفى آذانهم رقاع فيها أنسابهم وإذا فيهم
أطفال ورجال شباب ومشايخ عدة كثيرة فلما رأى ذلك المهدى ارتاع لما رأى
وأمر فحفرت لهم حفيرة فدفنوا فيها وعمل عليهم دكان وذكر عن إسحاق
ابن عيسى بن علي عن أبيه قال سمعت المنصور وهو متوجه إلى مكة سنة 158 وهو
يقول للمهدى عند وداعه إياه يا أبا عبد الله انى ولدت في ذي الحجة ووليت في ذي
الحجة وقد هجس في نفسي أنى أموت في ذي الحجة من هذه السنة وانما حداني
على الحج ذلك فاتق الله فيما أعهد إليك من أمور المسلمين بعدي يجعل لك فيما كربك
وحزنك مخرجا أو قال فرجا ومخرجا ويرزقك السلامة وحسن العاقبة من حيث
لا تحتسب احفظ يا بنى محمدا صلى الله عليه وسلم في أمته يحفظ الله عليك أمورك
وإياك والدم الحرام فإنه حوب عند الله عظيم وعار في الدنيا لازم مقيم والزم
الحلال فان فيه ثوابك في الآجل وصلاحك في العاجل وأقم الحدود ولا تعتد فيها
فتبور فان الله لو علم أن شيئا أصلح لدينه وأزجر عن معاصيه من الحدود
الامر به في كتابه وأعلم أن من شدة غضب الله لسلطانه أمر في كتابه بتضعيف
العذاب والعقاب على من سعى في الأرض فسادا مع ما ذخر له عنده من
العذاب العظيم فقال إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض
فسادا الآية فالسلطان يا بنى حبل الله المتين وعروته الوثقى ودين الله القيم
فاحفظه وحطه وحصنه وذب عنه وأوقع بالملحدين فيه وأقمع المارقين منه
واقتل الخارجين عنه بالعقاب لهم والمثلات بهم ولا تجاوز ما أمر الله به في محكم
القرآن واحكم بالعدل ولا تشطط فان ذلك أقطع للشغب وأحسم للعدو وأنجع
في الدواء وعف عن الفئ فليس بك إليه حاجة مع ما أخلفه لك وافتتح عملك
344

بصلة الرحم وبر القرابة وإياك والأثر والتبذير لأموال الرعية واشحن الثغور
واضبط الأطراف وأمن السبل وخص الواسطة ووسع المعاش وسكن العامة
وأدخل المرافق عليهم واصرف المكاره عنهم وأعد الأموال واحزنها وإياك
والتبذير فإن النوائب غير مأمونة والحوادث غير مضمونة وهى من شيم الزمان
وأعد الرجال والكراع والجند ما استطعت وإياك وتأخير عمل اليوم إلى غد
فتتدارك عليك الأمور وتضيع جد في إحكام الأمور النازلات لأوقاتها
أولا فأولا واجتهد وشمر فهيا وأعدد رجالا بالليل لمعرفة ما يكون بالنهار ورجالا
بالنهار لمعرفة ما يكون بالليل وباشر الأمور بنفسك ولا تضجر ولا تكسل ولا
تفشل واستعمل حسن الظن بربك وأسئ الظن بعمالك وكتابك وخذ نفسك
بالتيقظ وتفقد من يبيت على بابك وسهل إذنك للناس وانظر في أمر النزاع
إليك ووكل بهم عينا غير نائمة ونفسا غير لاهية ولا تنم فان أباك لم ينم منذ ولي
الخلافة ولا دخل عينه غمض إلا وقلبه مستيقظ هذه وصيتي إليك والله خليفتي
عليك قال ثم ودعه وبكى كل واحد منهما إلى صاحبه * وذكر عمر بن شبة
عن سعيد بن هريم قال لما حج المنصور في السنة التي توفى فيها شيعه المهدى فقال
يا بنى إني قد جمعت لك من الأموال ما لم يجمعه خليفة قبلي وجمعت لك من الموالى
ما لم يجمعه خليفة قبلي وبنيت لك مدينة لم يكن في الاسلام مثلها ولست أخاف
عليك إلا أحد رجلين عيسى بن موسى وعيسى بن زيد فأما عيسى بن موسى فقد
أعطاني من العهود والمواثيق ما قبلته ووالله لو لم يكن إلا أن يقول قولا لما
خفته عليك فأخرجه من قلبك وأما عيسى بن زيد فأنفق هذه الأموال واقتل
هؤلاء الموالى واهدم هذه المدينة حتى تظفر به ثم لا ألومك * وذكر عيسى بن
محمد أن موسى بن هارون حدثه قال لما دخل المنصور آخر منزل نزله من طريق
مكة نظر في صدر البيت الذي نزل فيه فإذا فيه مكتوب (بسم الله الرحمن الرحيم)
أبا جعفر حانت وفاتك وانقضت * سنوك وأمر الله لا بد واقع
أبا جعفر هل كاهن أو منجم * لك اليوم من حر المنية مانع
345

قال فدعا بالمتولى لا صلاح المنازل فقال له ألم آمرك ألا يدخل المنزل
أحد من الدعار قال يا أمير المؤمنين والله ما دخلها أحد منذ فرغ منها فقال اقرأ
ما في صدر البيت مكتوبا قال ما أرى شيئا يا أمير المؤمنين قال فدعا برئيس
الحجبة فقال اقرأ ما على صدر البيت مكتوبا قال ما أرى على صدر البيت شيئا
فأملى البيتين فكتبا عنه فالتفت إلى حاجبه فقال اقرأ لي آية من كتاب الله جل
وعز تشوقني إلى الله عز وجل فتلا (بسم الله الرحمن الرحيم) وسيعلم الذين
ظلموا أي منقلب ينقلبون فأمر بفكيه فوجئا وقال ما وجدت شيئا تقرأه
غير هذه الآية فقال يا أمير المؤمنين محى القرآن من قلبي غير هذه الآية فأمر
بالرحيل عن ذلك المنزل تطيرا مما كان وركب فرسا فلما كان في الوادي الذي يقال
له سقر وكان آخر منزل بطريق مكة كبابه الفرس فدق ظهره ومات فدفن ببئر
ميمون وذكر عن محمد بن عبد الله مولى بني هاشم قال أخبرني رجل من العلماء
وأهل الأدب قال هتف بأبي جعفر هاتف من قصره بالمدينة فسمعه يقول:
أما ورب السكون والحرك * إن المنايا كثيرة الشرك
عليك يا نفس إن أسأت وإن * أحسنت بالقصد كل ذاك لك
ما اختلف الليل والنهار ولا * دارت نجوم السماء في الفلك
إلا بنقل السلطان عن ملك * إذا انقضى ملكه إلى ملك
حتى يصيرانه إلى ملك * ما عز سلطانه بمشترك
ذاك بديع السماء والأرض والمرسى * الجبال المسخر الفلك
فقال أبو جعفر هذا والله أو ان أجلى * وذكر عبد الله بن عبيد الله أن
عبد العزيز بن مسلم حدثه أنه قال دخلت على المنصور يوما أسلم عليه فإذا هو باهت
لا يحير جوابا فوثبت لما أرى منه أريد الانصراف عنه فقال لي بعد ساعة إني رأيت
فيما يرى النائم كأن رجلا ينشدني هذه الأبيات:
أأخي أخفض من مناكا * فكأن يومك قد أتاكا
ولقد أراك الدهر من * تصريفه ما قد أراكا
346

فإذا أردت الناقص ال‍ * - عبد الذليل فأنت ذاكا
* ملكت ما ملكته * والامر فيه إلى سواكا
فهذا الذي ترى من قلقي وغمي لما سمعت ورأيت فقلت خيرا رأيت يا أمير المؤمنين
فلم يلبث إلى أن خرج إلى الحج فمات لوجهه ذاك (وفى هذه السنة) بويع للمهدى
بالخلافة وهو محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بمكة صبيحة
الليلة التي توفى فيها أبو جعفر المنصور وذلك يوم السبت لست ليال خلون من ذي
الحجة سنة 158 كذلك قال هشام بن محمد ومحمد بن عمرو غيرهما (وقال الواقدي)
وبويع له ببغداد يوم الخميس لاحدى عشرة بقيت من ذي الحجة من هذه السنة
وأم المهدى أم موسى بنت منصور بن عبد الله بن يزيد بن شمر الحميري و
خلافة المهدى
محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس
ذكر الخبر عن صفة العقد الذي عقد للمهدى بالخلافة حين مات والده المنصور بمكة
ذكر علي بن محمد النوفلي أن أباه حدثه قال خرجت في السنة التي مات فيها
أبو جعفر من طريق البصرة وكان أبو جعفر خرج على طريق الكوفة فلقيته
بذات عرق ثم سرت معه فكان كلما ركب عرضت له فسلمت عليه وقد كان أدنف
وأشفى على الموت فلما صار ببئر ميمون نزل به ودخلنا مكة فقضيت عمرتي ثم
كنت أختلف إلى أبى جعفر إلى مضربه فأقيم فيه إلى قرب من الزوال ثم أنصرف
وكذلك كان يفعل الهاشميون وأقبلت علته تشتد وتزداد فلما كان في الليلة التي
مات فيها ولم نعلم فصليت الصبح في المسجد الحرام مع طلوع الفجر ثم ركبت
في ثوبي متقلدا السيف عليهما وأنا أساير محمد بن عون بن عبد الله بن الحارث وكان
من سادة بني هاشم ومشايخهم وكان في ذلك اليوم عليه ثوبان موردان قد أحرم
فيهما متقلدا السيف عليهما قال وكان مشايخ بني هاشم يحبون أن يحرموا في المورد
لحديث عمر بن الخطاب وعبد الله بن جعفر وقول علي بن أبي طالب فيه فلما
347

صرنا بالأبطح لقينا العباس بن محمد ومحمد بن سليمان في خيل ورجالا يدخلان
مكة فعدلنا إليهما فسلمنا عليهما ثم مضينا فقال لي محمد بن عون ما ترى حال هذين
ودخولهما مكة قلت أحسب الرجل قد مات فأرادا أن يحصنا مكة فكان ذلك
كذلك فبينا نحن نسير إذا رجل خفى الشخص في طمرين ونحن بعد في غلس قد
جاء فدخل بين أعناق دابتينا ثم أقبل علينا فقال مات والله الرجل ثم خفى عنا
فمضينا نحن حتى أتينا العسكر فدخلنا السرادق الذي كنا نجلس فيه في كل يوم فإذا
بموسى بن المهدى قد صدر عند عمود السرادق وإذا القاسم بن منصور في ناحية
السرادق وقد كان حين لقينا المنصور بذات عرق إذا ركب المنصور بعيره جاء
القاسم فسار بين يديه بينه وبين صاحب الشرطة ويؤمر الناس أن يرفعوا القصص
إليه قال فلما رأيته في ناحية السرادق ورأيت موسى مصدرا علمت أن المنصور
قد مات قال فبينا أنا جالس إذ أقبل الحسن بن زيد فجلس إلى جنبي فصارت فخذه
على فخذي وجاء الناس حتى ملؤا السرادق وفيهم ابن عياش المنتوف فبينا نحن
كذلك إذ سمعنا همسا من بكاء فقال لي الحسن أترى الرجل مات قلت لا أحسب
ذلك ولكن لعله ثقيل أو أصابته غشية فما راعنا إلا بأبي العنبر الخادم الأسود
خادم المنصور قد خرج علينا مشقوق الأقبية من بين يديه ومن خلفه وعلى رأسه
التراب فصاح وا أمير المؤمنيناه فما بقى في السرادق أحد إلا قام على رجليه ثم
أهووا نحو مضارب أبى جعفر يريدون الدخول فمنعهم الخدم ودفعوا في صدورهم
وقال ابن عياش المنتوف سبحان الله أما شهدتم موت خليفة قط اجلسوا رحمكم الله
فجلس الناس وقام القاسم فشق ثيابه ووضع التراب على رأسه وموسى جالس
على حاله وكان صبيا رطبا ما يتحلحل ثم خرج الربيع وفى يده قرطاس فألقى أسفله
على الأرض وتناول طرفه ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله المنصور
أمير المؤمنين إلى من خلف بعده من بني هاشم وشيعته من أهل خراسان وعامة
المسلمين ثم ألقى القرطاس من يده وبكى وبكى الناس فأخذ القرطاس وقال قد
أمكنكم البكاء ولكن هذا عهد عهده أمير المؤمنين لابد من أن نقرأه عليكم فأنصتوا
348

رحمكم الله فسكت الناس ثم رجع إلى القراءة أما بعد فإني كتبت كتابي هذا وأنا حي
في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة وأنا أقرأ عليكم السلام وأسأل الله
أن لا يفتنكم بعدي ولا يلبسكم شيعا ولا يذيق بعضكم بأس بعض يا بني هاشم
ويا أهل خراسان ثم أخذ في وصيتهم بالمهدي وأذكارهم البيعة له وحضهم على
القيام بدولته والوفاء بعهده إلى آخر الكتاب * قال النوفلي قال أبى وكان هذا شيئا
وضعه الربيع ثم نظر في وجوه الناس فدنا من الهاشميين فتناول يد الحسن بن زيد
فقال قم يا أبا محمد فبايع فقام معه الحسن فانتهى به الربيع إلى موسى فأجلسه بين يديه
فتناول الحسن يد موسى ثم التفت إلى الناس فقال يا أيها الناس إن أمير المؤمنين
المنصور كان ضربني واصطفى مالي فكلمه المهدى فرضى عنى وكلمه في رد مالي على
فأبى ذلك فأخلفه المهدى من ماله وأضعفه مكان كل علق علقين فمن أولى بأن
يبايع لأمير المؤمنين بصدر منشرح ونفس طيبة وقلب ناصح منى ثم بايع موسى
للمهدى ثم مسح على يده ثم جاء الربيع إلى محمد بن عون فقدمه للسن فبايع ثم جاء
الربيع إلى فأنهضني فكنت الثالث وبايع الناس فلما فرغ دخل المضارب فمكث
هنيهة ثم خرج إلينا معشر الهاشميين فقال انهضوا فنهضنا معه جميعا وكنا جماعة كثيرة
من أهل العراق وأهل مكة والمدينة ممن حضر الحج فدخلنا فإذا نحن بالمنصور على
سريره في أكفانه مكشوف الوجه فحملناه حتى آتينا به مكة ثلاثة أميال فكأني
أنظر إليه أدنو من قائمة سريره نحمله فتحرك الريح فتطير شعر صدغيه وذلك أنه
كان قد وقر شعره للحلق وقد نصل خضابه حتى أتينا به حفرته فدليناه فيها
قال وسمعت أبي يقول كان أول شئ ارتفع به علي بن عيسى بن ماهان أنه
لما كان الليلة التي مات فيها أبو جعفر أرادوا عيسى بن موسى على بيعة
مجددة للمهدى وكان القائم بذلك الربيع فأبى عيسى بن موسى فأقبل القواد الذين
حضروا يقربون ويتباعدون فنهض علي بن عيسى بن ماهان فاستل سيفه ثم
جاء إليه فقال والله ليبايعن أو لأضربن عنقك فلما رأى ذلك عيسى بايع
وبايع الناس بعده (وذكر) عيسى بن محمد أن موسى بن هارون حدثه أن
349

موسى بن المهدى والربيع مولى المنصور وجها منارة مولى المنصور بخبر وفاة
المنصور وبالبيعة للمهدى وبعثا بعد بقضيب النبي صلى الله عليه وسلم وبردته التي
يتوارثها الخلفاء مع الحسن الشروى وبعث أبو العباس الطوسي بخاتم الخلافة مع منارة
ثم خرجوا من مكة وسار عبد الله بن المسيب بن زهير بالحربة بين يدي صالح بن
المنصور على ما كان يسير بها بين يديه في حياة المنصور فكسرها القاسم بن نصر بن
مالك وهو يومئذ على شرطة موسى بن المهدى واندس علي بن عيسى بن ماهان
لما كان في نفسه من أذى عيسى بن موسى وما صنع به للراوندية فأظهر الطعن
والكلام في مسيرهم وكان من رؤسائهم أبو خالد المروروذي حتى كاد
الامر يعظم ويتفاقم حتى لبس السلاح وتحرك في ذلك محمد بن سليمان وقام فيه
وغيره من أهل بيته إلا أن محمدا كان أحسنهم قياما به حتى طفئ ذلك وسكن وكتب
به إلى المهدى فكتب بعزل علي بن عيسى عن حرس موسى بن المهدى وصير
مكانه أبا حنيفة حرب بن قيس وهدأ أمر العسكر وتقدم العباس بن محمد ومحمد
ابن سليمان إلى المهدى وسبق إليه العباس بن محمد وقدم منارة على المهدى يوم
الثلاثاء للنصف من ذي الحجة فسلم عليه بالخلافة وعزاه وأوصل الكتب إليه
وبايعه أهل مدينة السلام * وذكر الهيثم بن عدي عن الربيع أن المنصور رأى
في حجته التي مات فيها وهو بالعذيب أو غيره من منازل طريق مكة رؤيا وكان
الربيع عديله وفزع منها وقال يا ربيع ما أحسبني إلا ميتا في وجهي هذا وأنك
تؤكد البيعة لأبي عبد الله المهدى قال الربيع فقلت له بل يبقيك الله يا أمير المؤمنين
ويلغ أبو عبد الله محبتك في حياتك إن شاء الله قال وثقل عند ذلك وهو يقول
بادر بي إلى حرم ربى وأمنه هاربا من ذنوبي وإسرافي على نفسي فلم يزل كذلك
حتى بلغ بئر ميمون فقلت له هذه بئر ميمون وقد دخلت الحرم فقال الحمد لله وقضى
من يومه قال الربيع فأمرت بالخيم فضربت وبالفساطيط فهيأت وعمدت إلى
أمير المؤمنين فألبسته الطويلة والدراعة وسندته وألقيت في وجهه كلة رقيقة يرى
منها شخصه ولا يفهم أمره وأدنيت أهله من الكلة حيث لا يعلم بخبره ويرى شخصه
350

ثم دخلت فوقفت بالموضع الذي أوهمهم أنه يخاطبني ثم خرجت فقلت إن أمير
المؤمنين مفيق بمن الله وهو يقرأ عليكم السلام ويقول إني حب أن يؤكد الله
أمركم ويكبت عدوكم ويسر وليكم وقد أحببت أن تجددوا بيعة أبى عبد الله المهدى
لئلا يطمع فيكم عدو ولا باغ فقال القوم كلهم وفق الله أمير المؤمنين نحن إلى ذاك
أسرع قال فدخل فوقف ورجع إليهم فقال هلموا للبيعة فبايع القوم كلهم فلم يبق
أحد من خاصته والأولياء ورؤساء من حضره إلا بايع المهدى ثم دخل وخرج
باكيا مشقوق الجيب لا طما رأسه فقال بعض من حضر ويلي عليك يا ابن شاة
يريد الربيع وكانت أمه ماتت وهى ترضعه فأرضعته شاة قال وحفر للمنصور مائة
قبر ودفن في كلها لئلا يعرف موضع قبره الذي هو ظاهر للناس ودفن في غيرها
للخوف عليه قال وهكذا قبور خلفاء ولد العباس لا يعرف لاحد منهم قبر قال
فبلغ المهدى فلما قدم عليه الربيع قال يا عبد ألم تمنعك جلالة أمير المؤمنين إن فعلت
ما فعلت به وقال قوم إنه ضربه ولم يصح ذلك قال وذكر من حضر حجة المنصور
قال رأيت صالح بن المنصور وهو مع أبيه والناس معه وإن موسى بن المهدى لفى
تباعه ثم رجع الناس وهم خلف موسى وأن صالحا معه وذكر عن الأصمعي أنه
قال أول من نعى أبا جعفر المنصور بالبصرة خلف الأحمر وذلك أنا كنا في حلقة
يونس فمر بنا فسلم علينا فقال
* قد طرقت ببكرها أم طبق *
قال يونس وماذا قال
تنتجوها خير أضخم العنق * موت الامام فلقة من الفلق
(وحج) بالناس في هذه السنة إبراهيم بن يحيى بن محمد بن علي وكان المنصور
فيما ذكر أوصى بذلك (وكان) العامل في هذه السنة على مكة والطائف إبراهيم
ابن يحيى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس وعلى المدينة عبد الصمد بن علي وعلى
الكوفة عمرو بن زهير الضبي أخو المسيب بن زهير وقيل كان العامل عليها إسماعيل
ابن أبي إسماعيل الثقفي وقيل إنه مولى لبنى نصر من قيس وعلى قضائها شريك
351

ابن عبد الله النخعي وعلى ديوان خراجها ثابت بن موسى وعلى خراسان حميد
ابن قحطبة وعلى قضاء بغداد مع قضاء الكوفة شريك بن عبد الله وقيل كان القاضي
على بغداد يوم مات المنصور عبيد الله محمد بن صفوان الجمحي وشريك بن عبد الله
على قضاء الكوفة خاصة وقيل إن شريكا كان إليه قضاء الكوفة والصلاة بأهلها
وكان على الشرط ببغداد يوم مات المنصور فيما ذكر عمر بن عبد الرحمن أخو
عبد الجبار بن عبد الرحمن وقيل كان موسى بن كعب وعلى ديوان خراج البصرة
وأرضها عمارة بن حمزة وعلى قضائها والصلاة عبيد الله بن الحسن العنبري وعلى
أحداثها سعيد بن دعلج (وأصاب) الناس فيما ذكر محمد بن عمر في هذه
السنة وباء شديد
ثم دخلت سنة تسع وخمسين ومائة
ذكر ما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك غزوة العباس بن محمد الصائفة فيها حتى بلغ أنقرة وكان على مقدمة
العباس الحسن الوصيف في الموالى وكان المهدى ضم إليه جماعة من قواد أهل
خراسان وغيرهم وخرج المهدى فعسكر بالبردان وأقام فيه حتى أنفذ العباس بن
محمد ومن قطع عليه البعث معه ولم يجعل العباس على الحسن الوصيف ولاية في
عزل ولا غيره ففتح في غزاته هذه مدينة للروم ومطمورة معها وانصرفوا سالمين
لم يصب من المسلمين أحد (وهلك) في هذه السنة حميد بن قحطبة وهو عامل المهدى على
خراسان فولى المهدى مكانه أبا عون عبد الملك بن يزيد (وفيها) ولى حمزة بن مالك
سجستان وولى جبرئيل بن يحيى سمرقند (وفيها) بنى المهدى مسجد الرصافة (وفيها)
بنى حائطها وحفر خندقها (وفيها) عزل المهدى عبد الصمد بن علي عن المدينة
مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم عن موجدة واستعمل عليها مكانه محمد بن عبد الله
الكثيري ثم عزله واستعمل عليها مكانه عبيد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن صفوان
الجمحي (وفيها) وجه المهدى عبد الملك بن شهاب المسمعي في البحر إلى بلاد الهند
352

وفرض معه لألفين من أهل البصرة من جميع الأجناد وأشخصهم معه وأشخص
معه من المطوعة الذين كانوا يلزمون المرابطات ألفا وخمسمائة رجل ووجه معه
قائدا من أبناء أهل الشأم يقال له ابن الجباب المذحجي في سبعمائة من أهل الشأم
وخرج معه من مطوعة أهل البصرة بأموالهم ألف رجل فيهم فيما ذكر الربيع بن
صبيح ومن الأسواريين والسبابجة أربعة آلاف رجل فولى عبد الملك بن شهاب
المنذر بن محمد الجارودي الألف الرجل المطوعة من أهل البصرة وولى ابنه غسان بن
عبد الملك الألفي الرجل الذين من فرض البصرة وولى ابنه عبد الواحد بن عبد الملك
الألف والخمسمائة الرجل من مطوعة المرابطات وأفرد يزيد بن الحباب في أصحابه
فخرجوا وكان المهدى وجه لتجهيزهم حتى شخصوا أبا القاسم محرز بن إبراهيم
فمضوا لوجههم حتى أتوا مدينة باربد من بلاد الهند في سنة 160 (وفيها)
توفى معبد بن الخليل بالسند وهو عامل المهدى عليها فاستعمل مكانه روح بن حاتم
بمشورة أبى عبيد الله وزيره (وفيها) أمر المهدى باطلاق من كان في سجن المنصور
إلا من كان قبله تباعة من دم أو قتل ومن كان معروفا بالسعي في الأرض بالفساد
أو من كان لاحد قبله مظلمة أو حق فأطلقوا فكان ممن أطلق من المطبق يعقوب
ابن داود مولى بنى سليم وكان معه في ذلك الحبس محبوسا الحسن بن إبراهيم بن
عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (وفيها) حول المهدى الحسن
ابن إبراهيم من المطبق الذي كان فيه محبوسا إلى نصير الوصيف فحبسه عنده
ذكر الخبر عن سبب تحويل المهدى الحسن بن إبراهيم من المطبق إلى نصير
ذكر أن السبب في ذلك كان أن المهدى لما أمر باطلاق أهل السجون على
ما ذكرت وكان يعقوب بن داود محبوسا مع الحسن بن إبراهيم في موضع واحد
فأطلق يعقوب بن داود ولم يطلق الحسن بن إبراهيم ساء ظنه وخاف على نفسه
فالتمس مخرجا لنفسه وخلاصا فدس إلى بعض ثقاته فحفر له سربا من موضع
مسامت للموضع الذي هو فيه محبوس وكان يعقوب بن داود بعد أن أطلق يطيف
بابن علاثة وهو قاضى المهدى بمدينة السلام ويلزمه حتى أنس به وبلغ يعقوب
353

ما عزم عليه الحسن بن إبراهيم من الهرب فأتى ابن علاثة فأخبره أن عنده نصيحة
للمهدى وسأله إيصاله إلى أبى عبيد الله فسأله عن تلك النصيحة فأبى أن يخبره بها
وحذره فوتها فانطلق ابن علاثة إلى أبى عبيد الله فأخبره خبر يعقوب وما جاء
به فأمره بادخاله عليه فلما دخل عليه سأله إيصاله إلى المهدى ليعلمه النصيحة التي
له عنده فأدخله عليه فلما دخل على المهدى شكر له بلاءه عنده في اطلاقه إياه
ومنه عليه ثم أخبره أن له عنده نصيحة فسأله عنها بمحضر من أبى عبيد الله وابن
علاثة فاستخلاه منهما فأعلمه المهدى ثقته بهما فأبى أن يبوح له بشئ حتى يقوما
فأفامهما وأخلاه فأخبره خبر الحسن بن إبراهيم وما أجمع عليه وأن ذلك كائن من
ليلته المستقبلة فوجه المهدى من يثق به ليأتيه بخبره فأتاه بتحقيق ما أخبره به يعقوب
فأمر بتحويله إلى نصير فلم يزل في حبسه إلى أن احتال واحتيل له فخرج هاربا
وافتقد فشاع خبره فطلب فلم يظفر به وتذكر المهدى دلالة يعقوب إياه كانت
عليه فرجا عنده من الدلالة عليه مثل الذي كان منه في أمره فسأله أبا عبيد الله
عنه فأخبره أنه حاضر وقد كان لزم أبا عبيد الله فدعا به المهدى خاليا فذكر له
ما كان من فعله في الحسن بن إبراهيم أولا ونصحه له فيه وأخبره بما حدث من
أمره فأخبره يعقوب أنه لا علم له بمكانه وأنه إن أعطاه أمانا يثق به ضمن له أن
يأتيه به على أن يتم له على أمانه ويصله ويحسن إليه فأعطاه المهدى ذلك في مجلسه
وضمنه له فقال له يعقوب فاله يا أمير المؤمنين عن ذكره ودع طلبه فان ذلك يوحشه
ودعني وإياه حتى أحتال فأتيك به فأعطاه المهدى ذلك وقال يعقوب
يا أمير المؤمنين قد بسطت عدلك لرعيتك وأنصفتهم وعممتهم بخيرك وفضلك
فعظم رجؤهم وانفسحت آمالهم وقد بقيت أشياء لو ذكرتها لك لم تدع النظر فيها
بمثل ما فعلت في غيرها وأشياء مع ذلك خلف بابك يعمل بها لا تعلمها فان جعلت
لي السبيل إلى الدخول عليك وأذنت لي في رفعها إليك فعلت فأعطاه المهدى ذلك
وجعله إليه وصير سليمان الخادم الأسود خادم المنصور سببه في اعلام المهدى بمكانه
كلما أراد الدخول فكان يعقوب يدخل على المهدى ليلا ويرفع إليه النصائح في الأمور
354

الحسنة الجميلة من أمر الثغور وبناء الحصون وتقوية الغزاة وتزويج العزاب
وفكاك الأسارى والمحبسين والقضاء على الغارمين والصدقة على المتعففين فحظى
بذلك عنده وبما رجا أن ينال به من الظفر بالحسن بن إبراهيم واتخذه أخا في الله
وأخرج بذلك توقيعا وأثبت في الدواوين فتسبب مائة ألف درهم كانت أول صلة
وصله بها فلم تزل منزلته تنمى وتعلو صعدا إلى أن صير الحسن بن إبراهيم في يد
المهدى بعد ذلك وإلى أن سقطت منزلته وأمر المهدى بحبسه فقال علي بن
الخليل في ذلك
عجبا لتصريف الأمور * مسرة وكراهيه
والدهر يلعب بالرجال * لله دوائر جاريه
رثت بيعقوب بن داوود * حبال معاوية
وعدت على ابن علاثة ال‍ * - قاضى بوائق عافيه
قل للوزير أبى عبيد * الله هل لك باقيه
يعقوب ينظر في الأمور * وأنت تنظر ناحية
أدخلته فعلا عليك * كذاك شؤم الناصية
(وفى هذه السنة) عزل المهدى إسماعيل بن أبي إسماعيل عن الكوفة وأحداثها
واختلف في من ولى مكانه فقال بعضهم ولى مكانه إسحاق بن الصباح الكندي ثم
الأشعثي بمشورة شريك بن عبد الله قاضى الكوفة وقال عمر بن شبة ولى على
الكوفة المهدى عيسى بن لقمان بن محمد بن حاطب بن الحارث بن معمر بن حبيب
ابن وهب بن حذافة بن جمح فولى على شرطه ابن أخيه عثمان بن سعيد بن لقمان
ويقال إن شريك بن عبد الله كان على الصلاة والقضاء وعيسى على الاحداث ثم
أفرد شريك بالولاية فجعل على شرطه إسحاق بن الصباح الكندي فقال بعض الشعراء
لست تعدو بأن تكون ولو نلت * سهيلا صنيعة لشريك
قال ويزعمون أن إسحاق لم يشكر لشريك وأن شريكا قال له
صلى وصام لدنيا كان يأملها * فقد أصاب ولا صلى ولا صاما
355

(وذكر عمر) أن جعفر بن محمد قاضى الكوفة قال ضم المهدى إلى شريك
الصلاة مع القضاء وولى شرطه إسحاق بن الصباح ثم ولى إسحاق بن الصباح الصلاة
والاحداث بعد ثم ولى إسحاق بن الصباح بن عمران بن إسماعيل بن محمد بن الأشعث
الكوفة فولى شرطه النعمان بن جعفر الكندي فمات النعمان فولى على شرطه
أخاه يزيد بن جعفر (وفيها) عزل المهدى عن أحداث البصرة سعيد بن دعلج
وعزل عن الصلاة والقضاء من أهلها عبيد الله بن الحسن وولى مكانهما عبد الملك
ابن أيوب بن ظبيان النميري وكتب إلى عبد الملك يأمره بانصاف من تظلم من
أهل البصرة من سعيد بن دعلج ثم صرفت الاحداث في هذه السنة عن عبد الملك
ابن أيوب إلى عمارة بن حمزة فولاها عمارة رجلا من أهل البصرة يقال له المسور
ابن عبد الله بن مسلم الباهلي وأقر عبد الملك على الصلاة (وفيها) عزل قثم بن
العباس عن اليمامة عن سخطة فوصل كتاب عزله إلى اليمامة وقد توفى فاستعمل
مكانه بشر بن المنذر البجلي (وفيها) عزل يزيد بن منصور عن اليمن واستعمل
مكانه رجاء بن روح (وفيها) عزل الهيثم بن سعيد عن الجزيرة واستعمل عليها
الفضل بن صالح (وفيها) أعتق المهدى أم ولده الخيزران وتزوجها (وفيها)
تزوج المهدى أيضا أم عبد الله بنت صالح بن علي أخت الفضل وعبد الله ابني صالح
لامهما (وفيها) وقع الحريق في ذي الحجة في السفن ببغداد عند قصر عيسى بن علي
فاحترق ناس كثير واحترقت السفن بما فيها (وفيها) عزل مطر مولى المنصور
عن مصر واستعمل مكانه أبو ضمرة محمد بن سليمان (وفيها) كانت حركة من تحرك
من بني هاشم وشيعتهم من أهل خراسان في خلع عيسى بن موسى من ولاية العهد
وتصيير ذلك لموسى بن المهدى فلما تبين ذلك المهدى كتب فيما ذكر إلى عيسى بن
موسى في القدوم عليه وهو بالكوفة فأحس عيسى بالذي يراد به فامتنع من القدوم
عليه (وقال عمر) لما أفضى الامر إلى المهدى سأل عيسى أن يخرج من الامر فامتنع
عليه فأراد الاضرار به فولى على الكوفة روح بن حاتم بن قبيصة بن المهلب فولى
على شرطه خالد بن يزيد بن حاتم وكان المهدى يحب أن يحمل روح على عيسى
356

بعض الحمل فيما لا يكون عليه به حجة وكان لا يجد إلى ذلك سبيلا وكان عيسى فد
خرج إلى ضيعة له بالرحبة فكان لا يدخل الكوفة إلا في شهرين من السنة في شهر
رمضان فيشهد الجمع والعيد ثم يرجع إلى ضيعته وفى أول ذي الحجة فإذا شهد العيد
رجع إلى ضيعته وكان إذا شهد الجمعة أقبل من داره على دوابة حتى ينتهى إلى
أبواب المسجد فينزل على عتبة الأبواب ثم يصلى في موضعه فكتب روح إلى
المهدى أن عيسى بن موسى لا يشهد الجمع ولا يدخل الكوفة إلا في شهرين من السنة
فإذا حضر أقبل على دوابه حتى يدخل رحبة المسجد وهو مصلى الناس ثم يتجاورها
إلى أبواب المسجد فتروث دوابه في مصلى الناس وليس يفعل ذلك غيره فكتب
إليه المهدى أن اتخذ على أفواه السكك التي تلى المسجد خشبا ينزل عنده الناس فاتخذ
روح ذلك الخشب في أفواه السكك فذلك الموضع يسمى الخشبة وبلغ ذلك عيسى
ابن موسى قبل يوم الجمعة فأرسل إلى ورثة المختار بن أبي عبيد وكانت دار المختار
لزيقة المسجد فابتاعها وأثمن بها ثم أنه عمرها واتخذ فيها حماما فكان إذا كان يوم
الخميس أتاها فأقام بها فإذا أراد الجمعة ركب حمارا فدب به إلى باب المسجد فصلى
في ناحية ثم رجع إلى داره ثم أوطن الكوفة وأقام بها وألح المهدى على عيسى
فقال إنك إن لم تجبني إلى أن تنخلع منها حتى أبايع لموسى وهارون استحللت منك
بمعصيتك ما يستحل من العاصي وإن أجبتني عوضتك منها ما هو أجدى عليك
وأعجل نفعا فأجابه فبايع لهما وأمر له بعشرة آلاف ألف درهم ويقال عشرين
ألف ألف وقطائع كثيرة (وأما غير عمر) فإنه قال كتب المهدى إلى عيسى
ابن موسى لما هم بخلعه يأمره بالقدوم عليه فأحس بما يراد به فامتنع من القدوم عليه
حتى خيف انتقاضه فانفذ إليه المهدى عمه العباس بن محمد وكتب إليه كتابا وأوصاه
بما أحب أن يبلغه فقدم العباس على عيسى بكتاب المهدى ورسالته إليه فانصرف
إلى المهدى بجوابه في ذلك فوجه إليه بعد قدوم العباس عليه محمد بن فروخ أبا هريرة
القائد في ألف رجل من أصحابه من ذوي البصيرة في التشيع وجعل مع كل رجل
منهم طبلا وأمرهم أن يضربوا جميعا بطبولهم عند قدومهم الكوفة فدخلها ليلا في
357

وجه الصبح فضرب أصحابه بطبولهم فراع ذلك عيسى بن موسى روعا شديدا ثم
دخل عليه أبو هريرة فأمره بالشخوص فاعتل بالشكوى فلم يقبل ذلك منه وأشخصه
من ساعته إلى مدينة السلام (وحج) بالناس في هذه السنة يزيد بن منصور
خال المهدى عند قدومه من اليمن حدثني بذلك أحمد بن ثابت عمن ذكره عن إسحاق
ابن عيسى عن أبي معشر وكذلك قال محمد بن عمر الواقدي وغيره وكان انصراف
يزيد بن منصور من اليمن بكتاب المهدى إليه يأمره بالانصراف إليه وتوليته إياه الموسم
وإعلامه اشتياقه إليه وإلى قربه وكان أمير المدينة في هذه السنة عبيد الله بن
صفوان الجمحي وعلى صلاة الكوفة وأحداثها إسحاق بن الصباح الكندي وعلى
خراجها ثابت بن موسى وعلى قضائها شريك بن عبد الله وعلى صلاة البصرة
عبد الملك بن أيوب بن ظبيان النميري وعلى أحداثها عمارة بن حمزة وخليفته على
ذلك المسور بن عبد الله بن مسلم الباهلي وعلى قضائها عبيد الله بن الحسن وعلى
كور دجلة وكور الأهواز وكور فارس عمارة بن حمزة وعلى السند بسطام بن
عمرو وعلى اليمن رجاء بن روح وعلى اليمامة بشر بن المنذر وعلى خراسان أبو عون
عبد الملك بن يزيد وعلى الجزيرة الفضل بن صالح وعلى إفريقية يزيد بن حاتم وعلى
مصر محمد بن سليمان أبو ضمرة
ثم دخلت سنة ستين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك ما كان من خروج يوسف بن إبراهيم وهو الذي يقال له يوسف
البرم بخراسان منكرا هو ومن تبعه ممن كان على رأيه على المهدى فيما زعم الحال
التي هو بها وسيرته التي يسير بها واجتمع معه فيما ذكر بشر من الناس كثير فتوجه
إليه يزيد بن مزيد فلقيه واقتتلا حتى صارا إلى المعانقة فأسره يزيد وبعث به إلى
المهدى وبعث معه من وجوه أصحابه بعدة فلما انتهى بهم إلى النهروان حمل يوسف
البرم على بعير قد حول وجهه إلى ذنب البعير وأصحابه على بعير فأدخلوهم الرصافة
358

على تلك الحال فأدخلوه على المهدى فأمر هرثمة بن أعين فقطع يدي يوسف
ورجليه وضرب عنقه وعنق أصحابه وصلبهم على جسر دجلة الاعلى مما يلي عسكر
المهدى وانما أمر هر ثمة بقتله لأنه كان قتل أخا لهرثمة بخراسان (وفيها) قدم
عيسى بن موسى مع أبي هريرة يوم الخميس لست خلون من المحرم فيما ذكر الفضل
ابن سليمان فنزل دارا كانت لمحمد بن سليمان على شاطئ دجلة في عسكر المهدى
فأقام أياما يختلف إلى المهدى ويدخل مدخله الذي كان يدخله لا يكلم بشئ ولا
يرى جفوة ولا مكروها ولا تقصيرا به حتى أنس به بعض الانس ثم حضر الدار
يوما قبل جلوس المهدى فدخل مجلسا كان يكون للربيع في مقصورة صغيرة
وعليها باب وقد اجتمع رؤساء الشيعة في ذلك اليوم على خلعه والوثوب عليه
ففعلوا ذلك وهو في المقصورة التي فيها مجلس الربيع فأغلق دونهم المقصورة
فضربوا الباب بجرزهم وعمدهم فهشموا الباب وكادوا يكسرونه وشتموه أقبح
الشتم وحصروه هنالك وأظهر المهدى انكارا لما فعلوا فلم يرعهم ذلك عن فعلهم
بل شدوا في أمره وكانوا بذلك هو وهم أياما إلى أن كاشفه ذوو الأسنان من أهل
بيته بحضرة المهدى فأبوا الا خلعه وشتموه في وجهه وكان أشدهم عليه محمد بن
سليمان فلما رأى المهدى ذلك من رأيهم وكراهتهم لعيسى وولايته دعاهم إلى العهد
لموسى فصار إلى رأيهم وموافقتهم وألح على عيسى في إجابته وإياهم إلى الخروج
مما له من العهد في أعناق الناس وتحليلهم منه فأبى وذكر أن عليه أيمانا محرجة
في ماله وأهله فأحضر له من الفقهاء والقضاة عدة منهم محمد بن عبد الله ابن علاثة
والزنجي بن خالد المكي وغيرهما فأتوه بما رأوا وصار إلى المهدى ابتياع ماله من
البيعة في أعناق الناس بما يكون له فيه رضى وعوض مما يخرج له من ماله لما يلزمه
من الحنث في يمينه وهو عشرة آلاف ألف درهم وضياع بالزاب الاعلى وكسكر
فقبل ذلك عيسى وبقى منذ فاوضه المهدى على الخلع إلى أن أجاب محتسبا عنده في
دار الديوان من الرصافة إلى أن صار إلى الرضى بالخلع والتسليم وإلى أن خلع
يوم الأربعاء لأربع يقين من المحرم بعد صلاة العصر فبايع للمهدى ولموسى من
359

بعده من الغد يوم الخميس لثلاث بقين من المحرم لارتفاع النهار ثم أذن المهدى
لأهل بيته وهو في قبة كان محمد بن سليمان أهداها له مضروبة في صحن الأبواب
ثم أخذ بيعتهم رجلا رجلا لنفسه ولموسى بن المهدى من بعده حتى أتى إلى آخرهم
ثم خرج إلى مسجد الجماعة بالرصافة فقعد على المنبر وصعد موسى حتى كأنه دونه
وقام عيسى على أول عتبة من المنبر فحمد الله المهدى وأثنى عليه وصلى على النبي
صلى الله عليه وسلم وأخبر بما أجمع عليه أهل بيته وشيعته وقواده وأنصاره وغيرهم
من أهل خراسان من خلع عيسى بن موسى وتصيير الامر الذي كان عقد له
في أعناق الناس لموسى ابن أمير المؤمنين لاختيارهم له ورضاهم به وما رأى من
اجابتهم إلى ذلك لما رجا من مصلحتهم وألفتهم وخاف مخالفتهم في نياتهم واختلاف
كلمتهم وأن عيسى قد خلع تقدمه وحللهم مما كان له من البيعة في أعناقهم وأن ما
كان له من ذلك فقد صار لموسى ابن أمير المؤمنين بعقد من أمير المؤمنين وأهل
بيته وشيعته في ذلك وأن موسى عامل فيهم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه
وسلم بأحسن السيرة وأعدلها فبايعوا معشر من حضر وسارعوا إلى ما سارع
إليه غيركم فإن الخير كله في الجماعة والشر كله في الفرقة وأنا أسأل الله لنا ولكن التوفيق
برحمته والعمل بطاعته وما يرضيه وأستغفر الله لي ولكم وجلس موسى دونه معتزلا
للمنبر لئلا يحول بينه وبين من صعد إليه يبايعه ويمسح على يده ولا يستر وجهه
وثبت عيسى قائما في مكانه وقرئ عليه كتاب ذكر الخلع له وخروجه مما كان إليه
من ولاية العهد وتحليله جماعة من كان له في عنقه بيعة مما عقدوا له في أعناقهم وأن
ذلك من فعله وهو طائع غير مكره راض غير ساخط محب غير مجبر فأقر عيسى بذلك
ثم صعد فبايع المهدى ومسح على يده ثم انصرف وبايع أهل بيت المهدى على أسنانهم
يبايعون المهدى ثم موسى ويمسحون على أيديهما حتى فرغ آخرهم وفعل من حضر
من أصحابه ووجوه القواد والشيعة مثل ذلك ثم نزل المهدى فصار إلى منزله ووكل
ببيعة من بقى من الخاصة والعامة خاله يزيد بن منصور فتولى ذلك حتى فرغ من جميع
الناس ووفى المهدى لعيسى بما أعطاه وأرضاه مما خلعه منه من ولاية العهد وكتب
360

عليه بخلعه إياه كتابا أشهد عليه فيه جماعة أهل بيته وصحابته وجميع شيعته وكتابه
وجنده في الدواوين ليكون حجة على عيسى وقطعا لقوله ودعواه فيما خرج منه
وهذه نسخة الشرط الذي كتبه عيسى على نفسه (بسم الله الرحمن الرحيم) هذا
كتاب لعبد الله المهدى محمد أمير المؤمنين ولولى عهد المسلمين موسى بن المهدى
ولأهل بيته وجميع قواده وجنوده من أهل خراسان وعامة المسلمين في مشارق
الأرض ومغاربها وحيث كان كائن منهم كتبته للمهدى محمد أمير المؤمنين وولى
عهد المسلمين موسى بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي فيما جعل إليه من العهد إذ
كان إلى حتى اجتمعت كلمة المسلمين واتسق أمرهم وائتلفت أهواؤهم على الرضى
بولاية موسى بن المهدى محمد أمير المؤمنين وعرفت الخط في ذلك على والخط فيه
لي ودخلت فيما دخل فيه المسلمون من الرضى بموسى ابن أمير المؤمنين والبيعة له
والخروج مما كان لي في رقابهم من البيعة وجعلتكم في حل من ذلك وسعة من غير
حرج يدخل عليكم أو على أحد من جماعتكم وعامة المسلمين وليس في شئ من
ذلك قديم ولا حديث لي دعوى ولا طلبة ولا حجة ولا مقالة ولا طاعة على أحد
منكم ولا على عامة المسلمين ولا بيعة في حياة المهدى محمد أمير المؤمنين ولا بعده
ولا بعد ولى عهد المسلمين موسى ولا ما كنت حيا حتى أموت وقد بايعت لمحمد
المهدى أمير المؤمنين ولموسى ابن أمير المؤمنين من بعده وجعلت لهما ولعامة المسلمين
من أهل خراسان وغيرهم الوفاء بما شرطت على نفسي في هذا الامر الذي خرجت
منه والتمام عليه على بذلك عهد الله وما اعتقد أحد من خلقه من عهد أو ميثاق أو
تغليظ أو تأكيد على السمع والطاعة والنصيحة للمهدى محمد أمير المؤمنين وولى
عهده موسى ابن أمير المؤمنين في السر والعلانية والقول والفعل والنية والشدة
والرجاء والسراء والضراء والموالاة لهما ولمن والاهما والمعاداة لمن عاداهما كائنا
من كان في هذا الامر الذي خرجت منه فإن أنا نكبت أو غيرت أو بدلت أو
دغلت أو نويت غير ما أعطيت عليه هذه الايمان أو دعوت إلى خلاف شئ مما
حملت على نفسي في هذا الكتاب للمهدى محمد أمير المؤمنين ولولى عهده موسى ابن
361

أمير المؤمنين ولعامة المسلمين أو لم أف بذلك فكل زوجة عندي يوم كتبت هذا
الكتاب أو أتزوجها إلى ثلاثين سنة طالق ثلاثا البتة طلاق الحرج وكل مملوك
عندي اليوم أو أملكه إلى ثلاثين سنة أحرارا لوجه الله وكل مال لي نقد أو عرض
أو قرض أو أرض أو قليل أو كثير تالد أو طارف أو أستفيده فيما بعد اليوم
إلى ثلاثين سنة صدقة على المساكين يضع ذلك الوالي حيث يرى وعلى من مدينة
السلام المشي حافيا إلى بيت الله العتيق الذي بمكة نذرا واجبا ثلاثين سنة لا كفارة
لي ولا مخرج منه إلا الوفاء به والله على الوفاء بذلك راع كفيل شهيد وكفى بالله
شهيدا وشهيد على عيسى بن موسى بإقراره بما في هذا الشرط أربعمائة وثلاثون من
بني هاشم ومن الموالى والصحابة من قريش والوزراء والكتاب والقضاة وكتب
في صفر سنة 160 وختم عيسى بن موسى فقال بعض الشعراء
كره الموت أبو موسى وقد * كان في الموت نجاء وكرم
خلع الملك وأضحى ملبسا * ثوب لوم ما ترى منه القدم
(وفى سنة 160) وافى عبد الملك بن شهاب المسمعي مدينة باربد بمن توجه
معه من المطوعة وغيرهم فناهضوها بعد قدومهم بيوم وأقاموا عليها يومين فنصبوا
المنجنيق وناهضوها بجميع الآلة وتحاشد الناس وحض بعضهم بعضا بالقرآن
والتذكير ففتحها الله عليهم عنوة ودخلت خيلهم من كل ناحية حتى ألجؤوهم إلى
بدهم فأشعلوا فيها النيران والنفط فاحترق منهم من احترق وجاهد بعضهم المسلمين
فقلتهم الله أجمعين واستشهد من المسلمين بضعة وعشرون رجلا وأفاءها الله عليهم
وهاج البحر فلم يقدروا على ركوبه والانصراف فأقاموا إلى أن يطيب فأصابهم
في أفواههم داء يقال له حمام قر فمات نحو من ألف رجل منهم الربيع بن صبيح
ثم انصرفوا لما أمكنهم الانصراف حتى بلغوا ساحلا من فارس يقال له بحر
حمران فعصفت عليهم فيه الريح ليلا فكسرت عامة مراكبهم فغرق منهم بعض
ونجا بعض وقدموا معهم بسبي من سبيهم فيهم بنت ملك بأربد على محمد بن
سليمان وهو يومئذ والى البصرة (وفيها) صير أبان بن صدقة كاتبا لهارون بن
362

المهدى ووزيرا له (وفيها) عزل أبو عون عن خراسان عن سخطة وولى مكانه
معاذ بن مسلم (وفيها) غزا ثمامة بن الوليد العبسي الصائفة (وفيها) غزا الغمر
ابن العباس الخثعمي بحر الشأم (وفيها) رد المهدى آل أبي بكرة من نسبهم في
ثقيف إلى ولاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان سبب ذلك أن رجلا من آل أبي
بكرة رفع ظلامة إلى المهدى وتقرب إليه فيها بولاء رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال المهدى إن هذا نسب واعتزاء ما تقرون به إلا عند حاجة تعرض لكم وعند
اضطرار كم إلى التقرب به إلينا فقال الحكم يا أمير المؤمنين من جحد ذلك فإنا سنقر
أنا أسألك أن تردني ومعسر آل أبي بكرة إلى نسبنا من ولاء رسول الله صلى الله
عليه وسلم وتأمر بآل زياد بن عبيد فيخرجوا من نسبهم الذي ألحقهم به معاوية
رغبة عن قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الولد للفراش وللعاهر الحجر
فيردوا إلى نسبهم من عبيد في موالى ثقيف فأمر المهدى في آل أبي بكرة وآل
زياد أن يرد كل فريق منهم إلى نسبه وكتب إلى محمد بن سليمان كتابا وأمره أن يقرأ
في مسجد الجماعة على الناس وأن يرد آل أبي بكرة إلى ولائهم من رسول الله صلى
الله عليه وسلم ونسبهم إلى نفيع بن مسروح وأن يرد على من أقرمنهم ما أمر برده
عليهم من أموالهم بالبصرة مع نظرائهم ممن أمر برد ماله عليه وأن لا يرد على من
أنكر منهم وأن يجعل الممتحن منهم والمستبرئ لما عندهم الحكم بن سمرقند فأنفذ
محمد ما أتاه في آل أبي بكرة إلا في أناس منهم غيب عنهم وأما آل زياد فإنه مما قوى رأى
المهدى فيهم فيما ذكر علي بن سليمان أن أباه حدثه قال حضرت المهدى وهو
ينظر في المظالم إذ قدم عليه رجل من آل زياد يقال له الصغدي بن سلم بن حرب
فقال له من أنت قال ابن عمك قال أي ابن عمى أنت فانتسب إلى زياد فقال له
المهدى يا ابن سمية الزانية متى كنت ابن عمى وغضب وأمر به فوجئ في عنقه وأخرج
ونهض الناس قال فلما خرجت لحقني عيسى بن موسى أو موسى بن عيسى فقال
أردت والله أن أبعث إليك أن أمير المؤمنين التفت إلينا بعد خروجك فقال من
عنده علم من آل زياد فوالله ما كان عند أحد منا من ذاك شئ فما عندك يا أبا
363

عبد الله فلما زلت أحدثه في زياد وآل زياد حتى صرنا إلى منزله بباب المحول فقال
أسألك بالله والرحم لما كتبت لي هذا كله حتى أروح به إلى أمير المؤمنين وأخبره
عنك فانصرفت فكتبت وبعثت به إليه فراح إلى المهدى فأخبره فأمر المهدى
بالكتاب إلى هارون الرشيد وكان والى البصرة من قبله يأمره أن يكتب إلى
واليها يأمره أن يخرج آل زياد من قريش وديوانهم والعرب وأن يعرض ولد
أبى بكرة على ولاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن أقر منهم ترك ماله في يده
ومن انتمى إلى ثقيف اصطفى ماله فعرضهم فأقروا جميعا بالولاء الا ثلاثة نفر
فاصطفيت أموالهم ثم إن آل زياد بعد ذاك رشوا الديوان حتى ردهم إلى ما كانوا عليه
فقال خالد النجار في ذلك، إن زيادا ونافعا وأبا * بكرة عندي من أعجب العجب
ذاقر شئ كما يقول وذا * مولى وهذا بزعمه عربي
نسخة كتاب المهدى إلى والى البصرة في رد آل زياد إلى نسبهم
(بسم الله الرحمن الرحيم) أما بعد فان أحق ما حمل عليه ولاة المسلمين أنفسهم
وخواصهم وعوامهم في أمورهم وأحكامهم العمل بينهم بما في كتاب الله واتباع
لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والصبر على ذلك والمواظبة عليه والرضى
به فيما وافقهم وخالفهم للذي فيه من إقامة حدود الله ومعرفة حقوقه واتباع
مرضاته واحراز جزائه وحسن ثوابه ولما في مخالفة ذلك والصدود عنه وغلبة
الهوى لغيره من الضلال والخسار في الدنيا والآخرة وقد كان من رأى معاوية
ابن أبي سفيان في استلحاقه زياد بن عبيد عبد آل علاج من ثقيف وادعائه ما أباه
بعد معاوية عامة المسلمين وكثير منهم في زمانه لعلمهم بزياد وأبى زياد وأمه من
أهل الرضى والفضل والفقه والورع والعلم ولم يدع معاوية إلى ذلك ورع ولا
هدى ولا اتباع سنة هادية ولا قدوة من أئمة الحق ماضية الا الرغبة في هلاك دينه
وآخرته والتصميم على مخالفة الكتاب والسنة والعجب بزياد في جلده ونفاذه وما
رجا من معونته وموازرته إياه على باطل ما كان يركن إليه في سبرته وآثاره
وأعماله الخبيثة * وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الولد للفراش وللعاهر
الحجر وقال من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة
364

والناس أجمعين لا تقبل الله منه لا صرفا ولا عدلا ولعمري ما ولد زياد في حجر
أبي سفيان ولا على فراشه ولا كان عبيد عبدا لأبي سفيان ولا سمية أمة له ولا
كانا في ملكه ولا صارا إليه لسبب من الأسباب ولقد قال معاوية فيما يعلمه أهل الحفظ
للأحاديث عند كلام نصر بن الحجاج بن علاط السلمي ومن كان معه من موالى بنى
المغيرة المخزوميين وإرادتهم استلحاقه واثبات دعوته وقد أعدلهم معاوية حجرا
تحت بعض فرشه فألقاه إليهم فقالوا له نسوغ لك ما فعلت في زياد ولا تسوغ لنا
ما فعلنا في صاحبنا فقال قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم خير لكم من قضاء
معاوية فخالف معاوية بقضائه في زياد واستلحاقه إياه وما صنع فيه وأقدم عليه
أمر الله جل وعز وقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم واتبع في ذلك هواه رغبة
عن الحق ومجانبة له وقد قال الله عز وجل (ومن أضل ممن اتبع هواه بغير
هدى من الله إن الله لا يهدى القوم الظالمين) وقال لداود صلى الله عليه وسلم
وقد آتاه الحكم والنبوة والمال والخلافة (يا داوود إنا جعلناك خليفة
في الأرض) الآية إلى آخرها فأمير المؤمنين يسأل الله أن يعصم له نفسه ودينه
وأن يعيذه من غلبة الهوى ويوفقه في جميع الأمور لما يحب ويرضى إنه سميع
قريب وقد رأى أمير المؤمنين أن يرد زيادا ومن كان من ولده إلى أمهم ونسبهم
المعروف ويلحقهم بأبيهم عبيد وأمهم سمية ويتبع في ذلك قول رسول الله صلى
الله عليه وسلم وما أجمع عليه الصالحون وأئمة الهدى ولا يجيز لمعاوية ما أقدم
عليه مما يخالف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وكان أمير المؤمنين أحق
من أخذ بذلك وعمل به لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم واتباعه آثاره
وإحيائه سنته وإبطاله سنن غيره الزائغة الجائرة عن الحق والهدى وقد قال الله جل وعز
(فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون) فاعلم أن ذلك من رأى
أمير المؤمنين في زياد وما كان من ولد زياد فألحقهم بأبيهم زياد بن عبيد وأمهم سمية
واحملهم عليه وأظهره لمن قبلك من المسلمين حتى يعرفوه ويستقيم فيهم فان
أمير المؤمنين قد كتب إلى قاضى البصرة وصاحب ديوانهم بذلك والسلام عليك ورحمة
365

الله وبركاته وكتب معاوية بن عبد الله في سنة 159 فلما وصل الكتاب إلى محمد
ابن سليمان وقع بإنفاذه ثم كلم فيهم فكف عنهم وقد كان كتب إلى عبد الملك
ابن أيوب بن ظبيان النميري بمثل ما كتب به إلى محمد فلم ينفذه لموضعه من قيس
وكراهته أن يخرج أحد من قومه إلى غيرهم (وفيها) كانت وفاة عبيد الله بن صفوان
الجمحي وهو وال على المدينة فولى مكانه محمد بن عبد الله الكثيري فلم يلبث الا
يسيرا حتى عزل وولى مكانه زفر بن عاصم الهلالي وولى المهدى قضاء المدينة فيها
عبد الله بن محمد بن عمران الطلحي (وفيها) خرج عبد السلام الخارجي فقتل (وفيها)
عزل بسطام بن عمرو عن السند واستعمل عليها روح بن حاتم (وحج بالناس)
في هذه السنة المهدى واستخلف على مدينته حين شخص عنها ابنه موسى وخلف
معه يزيد بن منصور خال المهدى ووزيرا له ومدبرا لامره وشخص مع المهدى
في هذه السنة ابنه هارون وجماعة من أهل بيته وكان ممن شخص معه يعقوب
ابن داود على منزلته التي كانت له عنده فأتاه حين وافى مكة الحسن بن إبراهيم
بن عبد الله بن الحسن الذي استأمن له يعقوب من المهدى على أمانه فأحسن
المهدى صلته وجائزته وأقطعه مالا من الصوافي بالحجاز (وفيها) نزع المهدى
كسوة الكعبة التي كانت عليها وكساها كسوة جديدة وذلك أن حجبة الكعبة فيما
ذكر رفعوا إليه أنهم يخافون على الكعبة أن تهدم لكثرة ما عليها من الكسوة
فأمر أن يكشف عنها ما عليها من الكسوة حتى بقيت مجردة ثم طلى البيت كله
بالخلوق وذكر أنهم لما بلغوا إلى كسوة هشام ووجدوها ديباجا تخينا جيدا
ووجدوا كسوة من كان قبله عامتها من متاع اليمن * وقسم المهدى في هذه السنة
بمكة في أهلها فيما ذكر مالا عظيما وفى أهل المدينة كذلك فذكر أنه نظر فيما قسم
في تلك السفرة فوجد ثلاثين ألف ألف درهم حملت معه ووصلت إليه من مصر
ثلثمائة ألف دينار ومن اليمن مائتا ألف دينار قسم ذلك كله وفرق من الثياب مائة
ألف ثوب وخمسين ألف ثوب ووسع في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأمر بنزع المقصورة التي في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فنزعت وأراد أن
366

ينقص منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعيده إلى ما كان عليه ويلقى منه ما كان
معاوية زاد فيه فذكر عن مالك بن أنس أنه شاور في ذلك فقيل له إن المسامير قد
سلكت في الخشب الذي أحدثه معاوية وفى الخشب الأول وهو عتيق فلا نأمن
إن خرجت المسامير التي فيه وزعزعت أن يتكسر فتركه المهدى وأمر أيام مقامه
بالمدينة بإثبات خمسمائة رجل من الأنصار ليكونوا معه حر سأله بالعراق وأنصارا
وأجرى عليهم أرزاقا سوى أعطياتهم وأقطعهم عند قدومهم معه ببغداد قطيعة
تعرف بهم وتزوج في مقامه بها برقية بنت عمرو العثمانية (وفى هذه السنة) حمل
محمد بن سليمان الثلج للمهدى حتى وافى به مكة فكان المهدى أول من حمل له الثلج
إلى مكة من الخلفاء (وفيها) رد المهدى على أهل بيته وغيرهم قطائعهم التي كانت
مقبوضة عنهم * وكان على صلاة الكوفة وأحدثها في هذه السنة إسحاق بن الصباح
الكندي وعلى قضبائها شريك وعلى البصرة وأحداثها وأعمالها المفردة وكور
دجلة والبحرين وعمان وكور الأهواز وفارس محمد بن سليمان وكان على قضاء
البصرة فيها عبيد الله بن الحسن وعلى خراسان معاذ بن مسلم وعلى الجزيرة الفضل
ابن صالح وعلى السند روح بن حاتم وعلى إفريقية يزيد بن حاتم وعلى مصر محمد
ابن سليمان أبو ضمرة
ثم دخلت سنة إحدى وستين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمما كان من ذلك خروج حكيم المقنع بخراسان من قرية من قرى مرو وكان فيما
ذكر يقول بتناسخ الأرواح يعود ذلك إلى نفسه فاستغوى بشرا كثيرا وقوى
وصار إلى ما وراء النهر فوجه المهدى لقتاله عدة من قواده فيهم معاذ بن مسلم وهو
يومئذ على خراسان ومعه عقبة بن مسلم وجبرئيل بن يحيى وليث مولى المهدى ثم
أفرد المهدى لمحاربته سعيدا الحرشي وضم إليه القواد وابتدأ المقنع بجمع الطعام عدة
للحصار في قلعة بكش (وفيها) ظفر نصر بن محمد بن الأشعث الخزاعي بعبد الله
367

ابن مروان بالشام فقدم به على المهدى قبل أن يوليه السند فحبسه المهدى في المطبق
فذكر أبو الخطاب أن المهدى أتى بعبد الله بن مروان بن محمد وكان يكنى أبا الحكم
فجلس المهدى مجلسا عاما في الرصافة فقال من يعرف هذا فقام عبد العزيز بن مسلم
العقيلي فصار معه قائما ثم قال له أبو الحكم قال نعم ابن أمير المؤمنين قال كيف
كنت بعدي ثم التفت إلى المهدى فقال نعم يا أمير المؤمنين هذا عبد الله بن مروان
فعجب الناس من جرأته ولم يعرض له المهدى بشئ قال ولما حبس المهدى عبد الله
ابن مروان احتيل عليه فجاء عمرو بن سهلة الأشعري فادعى أن عبد الله بن مروان
قتل أباه فقدمه إلى عافية القاضي فتوجه عليه الحكم أن يقاد به وأقام عليه البينة
فلما كان الحكم يبرم جاء عبد العزيز بن مسلم العقيلي إلى عافية القاضي يتخطى قاب
الناس حتى صار إليه فقال يزعم عمرو بن سهلة أن عبد الله بن مروان قتل أباه كذب
والله ما قتل أباه غيري أنا قتلته بأمر مروان وعبد الله بن مروان من دمه برئ
فزالت عن عبد الله بن مروان ولم يعرض المهدى لعبد العزيز بن مسلم لأنه قتله
بأمر مروان (وفيها) غزا الصائفة ثمامة بن الوليد فنزل دابق وجاشت الروم وهو
مغتر فأتت طلائعه وعيونه بذلك فلم يحفل بما جاؤوا به وخرج إلى الروم وعليها
ميخائيل بسرعان الناس فأصيب من المسلمين عدة وكان عيسى بن علي مرابطا بحصن
مرعش يومئذ فلم يكن للمسلمين في ذلك العام صائفة من أجل ذلك (وفيها) أمر
المهدى ببناء القصور في طريق مكة أو سع من القصور التي كان أبو العباس بناها
من القادسية إلى زبالة وأمر بالزيادة في قصور أبى العباس وترك منازل أبى جعفر
التي كان بناها على حالها وأمر باتخاذ المصانع في كل منهل وبتجديد الأميال والبرك
وحفر الركايا مع المصانع وولى ذلك يقطين بن موسى فلم يزل ذلك إليه إلى سنة 171
وكان خليفة يقطين في ذلك أخوه أبو موسى (وفيها) أمر المهدى بالزيادة في مسجد
الجامع بالبصرة فزيد فيه من مقدمه مما يلي القبلة وعن يمينه مما يلي رحبة بنى سليم
وولى بناء ذلك محمد بن سليمان وهو يومئذ والى البصرة (وفيها) أمر المهدى بنزع
المقاصير من مساجد الجماعات وتقصير المنابر وتصيير ها إلى المقدار الذي عليه
368

منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتب بذلك إلى الآفاق فعمل به (وفيها)
أمر المهدى يعقوب بن داود بتوجيه الامناء في جميع الآفاق فعمل به فكان
لا ينفذ للمهدى كتاب إلى عامل فيجوز حتى يكتب يعقوب بن داود إلى أمينه
وثقته بإنفاذ ذلك (وفيها) اتضعت منزلة أبى عبيد الله وزير المهدى وضم يعقوب
إليه من متفقهة البصرة وأهل الكوفة وأهل الشأم عددا كثيرا وجعل رئيس
البصريين والقائم بأمرهم إسماعيل بن علية الأسدي ومحمد بن ميمون العنبري
وجعل رئيس أهل الكوفة وأهل الشأم عبد الاعلى بن موسى الحلبي
ذكر السبب الذي من أجله تغيرت منزلة أبى عبيد الله عند المهدى
(قد ذكرنا) سبب اتصاله كان به قبل في أيام المنصور وضم المنصور إياه
إلى المهدى حين وجهه إلى الري عند خلع عبد الجبار بن عبد الرحمن المنصور
فذكر أبو زيد عمر بن شبة أن سعيد بن إبراهيم حدثه أن جعفر بن يحيى حدثه
أن الفضل بن الربيع أخبره أن الموالى كانوا يشنعون على أبى عبيد الله عند المهدى
ويسعون عليه عنده فكانت كتب أبى عبيد الله تنفذ عند المنصور بما يريد من
الأمور وتتخلى الموالى بالمهدي فيبلغونه عن أبي عبيد الله ويحرضونه عليه قال
الفضل وكانت كتب أبى عبيد الله تصل إلى أبى تترى يشكو الموالى وما يلقى منهم
ولا يزال يذكره عند المنصور ويخبره بقيامه ويستخرج الكتب عنه إلى المهدى
بالوصاة به وترك القبول فيه قال فلما رأى أبو عبيد الله غلبة الموالى على المهدى
وخلوتهم به نظر إلى أربعة رجال من قبائل شتى من أهل الأدب والعلم فضمهم
إلى المهدى فكانوا في صحابته فلم يكونوا يدعون الموالى يتخلون به ثم أبا عبيد الله
كلم المهدى في بعض أمره إذ اعترض رجل من هؤلاء الأربعة في الامر الذي
تلكم فيه فسكت عنه أبو عبيد الله فلم يراده وخرج فأمره أن يحجب عن المهدى
فحجبه عنه وبلغ ذلك من خبره أبى قال وحج أبى مع المنصور في السنة التي مات
فيها وقام أبى من أمر المهدى بما قام به من أمر البيعة وتجديد ها على بيت المنصور
والقواد والموالي فلما قدم تلقيته بعد المغرب فلم أزل معه حتى تجاوز منزله وترك
369

دار المهدى ومضى إلى أبى عبيد الله فقال يا بنى هو صاحب الرجل وليس ينبغي
أن نعامله على ما كنا نعامله عليه ولا أن نحاسبه بما كان منا في أمره من نصرتنا
له قال فمضينا حتى أتينا باب أبى عبيد الله فما زال واقفا حتى صليت العتمة فخرج
الحاجب فقال ادخل فثنى رجله وثنيت رجلي قال إنما استأذنت لك يا أبا الفضل
وحدك قال اذهب فأخبره أن الفضل معي قال ثم أقبل على فقال وهذا أيضا من
ذلك قال فخرج الحاجب فأذن لنا جميعا فدخلنا أنا وأبى وأبو عبيد الله في صدر
المجلس على مصلى متكئ على وسادة فقلت يقوم إلى أبى إذا دخل إليه فلم يقم إليه فقلت
يستوى جالسا إذا دنا فلم يفعل فقلت يدعو له بمصلى فلم يفعل فقعد أبى بين يديه على
البساط وهو متكئ فجعل يسائله عن مسيره وسفره وحاله وجعل أبى يتوقع أن
يسأله عما كان منه في أمر المهدى وتجديد بيعته فأعرض عن ذلك فذهب أبى
يبتدئه بذكره فقال قد بلغنا نبأكم قال فذهب أبى لينهض فقال لا أرى الدروب
إلا وقد غلقت فلو أقمت قال فقال أبى إن الدروب لا تغلق دوني قال بلى قد أغلقت
قال فظن أبى أنه يريد أن يحتبسه ليسكن من مسيره ويريد أن يسأله قال فأقيم قال
يا فلان اذهب فهئ لأبي الفضل في منزل محمد بن أبي عبيد الله مبيتا فلما رأى أنه
يريد أن يخرج من الدار قال فليس تغلق الدروب دوني فأعتزم ثم قام فلما
خرجنا من الدار أقبل على فقال يا بنى أنت أحمق قلت وما حمقى أنا قال تقول لي
كان ينبغي لك ألا تجئ وكان ينبغي إذا جئت فحجبنا ألا تقيم حتى صليت العتمة
وأن تنصرف ولا تدخل وكان ينبغي إذا دخلت فلم يقم إليك أن ترجع ولا تقيم
عليه ولم يكن الصواب إلا ما عملت كله ولكن والله الذي لا إله إلا هو واستغلق
في اليمين لأخلعن جاهي ولأنفقن مالي حتى أبلغ من أبى عبيد الله قال ثم جعل
يضطرب بجهده فلا يجد مساغا إلى مكروهه ويحتال الجد إذ ذكر القشيري الذي
كان أبو عبيد الله حجبه فأرسل إليه فجاءه فقال إنك قد علمت ما ركبك به أبو عبيد الله
وقد بلغ منى كل غاية من المكروه وقد أرغت أمره بجهدي فما وجدت عليه
طريقا فعندك حيلة في أمره فقال انما يؤتى أبو عبيد الله من أحد وجوه أذكرها
370

لك يقال هو رجل جاهل بصناعته وأبو عبيد الله أحذق الناس أو يقال
هو ظنين في الدين بتقليده وأبو عبيد الله أعف الناس لو كان بنات المهدى في
حجرة لكان لهن موضعا أو يقال هو يميل إلى أن يخالف السلطان فليس يؤتى
أبو عبيد الله من ذلك الا أنه يميل إلى القدر بعض الميل وليس يتسلق عليه بذاك
أن يقال هو متهم ولكن هذا كله مجتمع لك في ابن قال فتناوله الربيع فقبل بين
عينيه ثم دب لابن أبي عبيد الله فوالله ما زال يحتال ويدس إلى المهدى ويتهمه
ببعض حرم المهدى حتى استحكم عند المهدى الظنة بمحمد بن أبي عبيد الله فأمر
فأحضر وأخرج أبو عبيد الله فقال يا محمد اقرأ فذهب ليقرأ فاستعجم عليه القرآن
فقال يا معاوية ألم تعلمني أن ابنك جامع للقرآن قال أخبرتك يا أمير المؤمنين
ولكن فارقني منذ سنين وفى هذه المدة التي نأفيها عنى نسى القرآن قال قم
فتقرب إلى الله في دمه فذهب ليقوم فوقع فقال العباس بن محمد إن رأيت
يا أمير المؤمنين أن تعفى الشيخ قال ففعل وأمر به فأخرج فضربت عنقه قال فاتهمه
المهدى في نفسه فقال له الربيع قتلت ابنه وليس ينبغي أن يكون معك ولا أن تثق
به فأوحش المهدى وكان الذي كان من أمره وبلغ الربيع ما أراد واشتفى وزاد *
وذكر محمد بن أبي عبد الله يعقوب بن داود قال أخبرني أبي قال ضرب المهدى
رجلا من الأشعريين فأوجعه فتعصب أبو عبيد الله له وكان مولى لهم فقال القتل
أحسن من هذا يا أمير المؤمنين فقال له المهدى يا يهودي اخرج من عسكري لعنك
الله قال ما أدرى إلى أين أخرج إلا إلى النار قال قلت يا أمير المؤمنين أحر بهذا أن
لمثلها يتوقع قال فقال لي سبحان الله يا أبا عبد الله (وفيها) غزا الغمر بن العباس
في البحر (وفيها) ولى نصر بن محمد بن الأشعث السند مكان روح بن حاتم
وشخص إليها حتى قدمها ثم عزل وولى مكانه محمد بن سليمان فوجه إليها عبد الملك
ابن شهاب المسمعي فقدمها على نصر فبغته ثم أذن له في الشخوص فشخص حتى
نزل الساحل على ستة فراسخ من المنصورة فأتى نصر بن محمد عهده على السند
فرجع إلى عمله وقد كان عبد الملك أقام بها ثمانية عشر يوما فلم يعرض له فرجع
371

إلى البصرة (وفيها) استقضى المهدى عافية بن يزيد الأزدي فكان هو وابن علاثة
يقضيان في عسكر المهدى في الرصافة وكان القاضي بمدينة الشرقية عمر بن حبيب
العدوي (وفيها) عزل الفضل بن صالح عن الجزيرة واستعمل عليها عبد الصمد
ابن علي (وفيها) استعمل عيسى بن لقمان على مصر (وفيها) ولى يزيد بن منصور
سواد الكوفة وحسان الشروى الموصل وبسطام بن عمرو التغلبي آذربيجان
(وفيها) عزل أبا أيوب المسمى سليمان المكي عن ديوان الخراج وولى مكانه
أبو الوزير عمر بن مطرف (وفيها) توفى نصر بن مالك من فالج أصابه ودفن في
مقابر بني هاشم وصلى عليه المهدى (وفيها) صرف أبان بن صدقة عن هارون
ابن المهدى إلى موسى بن المهدى وجعله له كاتبا ووزيرا وجعل مكانه مع هارون
ابن الهدى يحيى بن خالد بن برمك (وفيها) عزل محمد بن سليمان أبا ضمرة عن مصر
في ذي الحجة المهدى وولاها سلمة بن رجاء (وحج) بالناس في هذه السنة موسى
ابن محمد بن عبد الله الهادي وهو ولى عهد أبيه * وكان عامل الطائف ومكة
واليمامة فيها جعفر بن سليمان وعلى صلاة الكوفة وأحداثها إسحاق بن الصباح
الكندي وعلى سوادها يزيد بن منصور
ثم دخلت سنة اثنتين وستين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك ما كان من مقتل عبد السلام الخارجي بقنسرين
ذكر الخبر عن مقتله
ذكر أن عبد السلام بن هاشم اليشكري هذا خرج بالجزيرة وكثر بها أتباعه
واشتدت شوكته فلقيه من قواد المهدى عدة منهم عيسى بن موسى القائد فقتله
في عدة ممن معه وهزم جماعة من القواد فوجه إليه المهدى الجنود فنكب غير واحد
من القواد منهم شبيب بن واج المروروذي ثم ندى إلى شبيب ألف فارس أعطى
كل رجل منهم ألف درهم معونة وألحقهم بشبيب فوافوه فخرج شبيب في أثر
372

عبد السلام فهرب منهم حتى أتى قنسرين فلحقه بها فقتله (وفيها) وضع
المهدى دواوين الأزمة وولى عليها عمر بن بزيع مولاه فولى عمر بن بزيع
النعمان بن عثمان أبا حازم زمام خراج العراق (وفيها) أمر المهدى أن يجرى
على المجذمين وأهل السجون في جميع الآفاق (وفيها) ولى ثمامة بن الوليد
العبسي الصائفة فلم يتم ذلك (وفيها) خرجت الروم إلى الحدث فهدموا سورها
وغزا الصائفة الحسن بن قحطبة في ثلاثين ألف مرتزق سوى المطوعة فبلغ حمة
أذرولية فأكثر التحريب والتحريق في بلاد الروم من غير أن يفتح حصنا ويلقى
جمعا وسمته الروم التنين وقيل إنه إنما أتى هذه الحمة الحسن ليستنقع فيها للوضح
الذي كان به ثم قفل بالناس سالمين وكان على قضاء عسكره وما يجتمع من الفئ
حفص بن عامر السلمي (قال وفيها) غزا يزيد بن أسيد السلمي من باب قاليقلا
فغنم وفتح ثلاثة حصون وأصاب سبيا كثيرا وأسرى (وفيها) عزل علي بن
سليمان عن اليمن وولى مكانه عبد الله بن سليمان (وفيها) عزل سملة بن رجاء
عن مصر ووليها عيسى بن لقمان في المحرم ثم عزل في جمادى الآخرة ووليها
واضح مولى المهدى ثم عزل في ذي القعدة ووليها يحيى الحرشي (وفيها) ظهرت
المحمرة بجرجان عليهم رجل يقال له عبد القهار فغلب على جرجان وقتل بشرا
كثيرا فغزاه عمر بن العلاء من طبرستان فقتل عبد القهار وأصحابه (وحج)
بالناس في هذه السنة إبراهيم بن جعفر بن المنصور وكان العباس بن محمد استأذن
المهدى في الحج بعد ذلك فعاتبه على ألا يكون استأذنه قبل أن يولى الموسم أحدا
فيوليه إياه فقال يا أمير المؤمنين عمدا أخرت ذلك لانى لم أرد الولاية * وكانت
عمال الأمصار عمالها في السنة التي قبلها ثم إن الجزيرة كانت في هذه السنة إلى
عبد الصمد بن علي وطبرستان والرويان إلى سعيد بن دعلج وجرجان إلى مهلهل
ابن صفوان
373

ثم دخلت سنة ثلاث وستين ومائة
ذكر الخبر عن الاحداث التي كانت فيها
فمن ذلك ما كان فيها من هلاك المقنع وذلك أن سعيدا الحرشي حصره بكش
فاشتد عليه الحصار فلما أحس بالهلكة شرب سما وسقاه نساءه وأهله فمات
وما توا فيما ذكر جميعا ودخل المسلمون قلعته واحتزوا رأسه ووجهوا به إلى
المهدى وهو بحلب (وفيها) قطع المهدى البعوث للصائفة على جميع الأجناد من أهل
خراسان وغيرهم وخرج فعسكر بالبردان فأقام به نحوا من شهرين يتعبأ
فيه ويتهيأ ويعطى الجنود وأخرج بها صلات لأهل بيته الذين شخصوا معه
فتوفى عيسى بن علي في آخر جمادى الآخرة ببغداد وخرج المهدى من الغد
إلى البردان متوجها إلى الصائفة واستخلف ببغداد موسى بن المهدى وكاتبه يومئذ
أبان بن صدقة وعلى خاتمه عبد الله بن علاثة وعلى حرسه علي بن عيسى وعلى
شرطه عبد الله بن حازم فذكر العباس بن محمد أن المهدى لما وجه الرشيد
إلى الصائفة سنة 163 خرج يشيعه وأنا معه فلما حاذى قصر مسلمة قلت
يا أمير المؤمنين إن لمسلمة في أعناقنا منة كان محمد بن علي مر به فأعطاه أربعة آلاف
دينار وقال له يا ابن عم هذان ألفان لدينك وألفان لمعونتك فإذا نفدت فلا
تحتشمنا فقال لما حدثته الحديث أحضروا من ههنا من ولد مسلمة ومواليه فأمر
لهم بعشرين ألف دينار وأمر أن تجرى عليهم الأرزاق ثم قال يا أبا الفضل كافينا
مسلمة وقضينا حقه قلت نعم وزدت يا أمير المؤمنين وذكر إبراهيم بن زياد عن
الهيثم بن عدي أن المهدى أغزى هارون الرشيد بلاد الروم وضم إليه الربيع
الحاجب والحسن بن قحطبة قال محمد بن العباس إني لقاعد في مجلس أبى في دار
أمير المؤمنين وهو على الحرس إذ جاء الحسن بن قحطبة فسلم على وقعد على الفراش
الذي يقعد أبى عليه فسأل عنه فأعلمته أنه راكب فقال لي يا حبيبي أعلمه أنى جئت
وأبلغه السلام عنى وقل له إن أحب أن يقول لأمير المؤمنين يقول الحسن بن
374

قحطبة يا أمير المؤمنين جعلني الله فداك أغزيت هارون وضممتني والربيع إليه
وأنا قريع قوادك والربيع قريع مواليك وليس تطيب نفسي بأن نخلى جميعا بابك
وإما أغزيتني مع هارون وأقام الربيع وإما أغزيت الربيع وأقمت ببابك قال فجاء
أبى فأبلغته الرسالة فدخل على المهدى فأعلمه فقال أحسن والله الاستعفاء لاكما
فعل الحجام بن الحجام يعنى عامر بن إسماعيل وكان استعفى من الخروج مع إبراهيم
فغضب عليه واستصفى ماله وذكر عبد الله بن أحمد بن الوضاح قال سمعت جدي
أبا بديل قال أغزى المهدى الرشيد وأغزى معه موسى بن عيسى وعبد الملك بن
صالح بن علي ومولي أبيه الربيع والحاجب والحسن الحاجب فلما فصل دخلت
عليه بعد يومين أو ثلاثة فقال ما خلفك عن ولى العهد عن أخويك خاصة يعنى
الربيع والحسن الحاجب قلت أمر أمير المؤمنين ومقامي بمدينة السلام حتى يأذن لي
قال فسر حتى تلحق به وبهما واذكر ما تحتاج إليه قال قلت ما أحتاج إلى شئ من
العدة فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في وداعه فقال لي متى تراك خارجا قال
قلت من غد قال فودعته وخرجت فلحقت القوم قال فأقبلت أنظر إلى الرشيد
يخرج فيضرب بالصوالجة وأنظر إلى موسى بن عيسى وعبد الملك بن صالح وهما
يتضاحكان منه قال فصرت إلى الربيع والحسن وكنا لا نفترق فقلت لا جزاكما
الله عمن وجهكما ولا عمن وجهتما معه خيرا فقال إيه وما الخبر قال قلت موسى
ابن عيسى وعبد الملك بن صالح يتضاحكان من ابن أمير المؤمنين أو ما كنتما
تقدران أن تجعلا لهما مجلسا يدخلان عليه فيه ولمن كان معه من القواد في الجمعة
ولا يدخلون عليه في سائر أيامه كما يريد قال فبينا نحن في ذلك المسير إذ بعثا إلى
في الليل قال فجئت وعندهما رجل فقالا لي هذا غلام الغمر بن يزيد وقد أصبنا معه
كتاب الدولة قال ففتحت الكتاب فنظرت فيه إلى سنى المهدى فإذا هي عشر
سنين قال فقلت ما في الأرض أعجب منكما أتريان أن خبر هذا الغلام يخفى وأن
هذا الكتاب يستتر قالا كلا قلت فإذا كان أمير المؤمنين قد نقص من سنيه ما
نقص ألستم أول من نعى إليه نفسه قال فتلبدوا والله وسقط في أيديهما فقالا
375

فما الحيلة قلت يا غلام على بعنبسة يعنى الوراق الأعرابي مولى آل أبي بديل فأتى
به فقلت خط مثل هذا الخط وورقة مثل هذه الورقة وصير مكان عشر سنين
أربعين سنة وصيرها في الورقة قال فوالله لولا أنى رأيت العشر في تلك
والأربعين في هذه ما شككت أن الخط ذلك الخط وأن الورقة تلك الورقة قال
ووجه المهدى خالد بن برمك مع الرشيد وهو ولى العهد حين وجهه لغزو الروم
وتوجه معه الحسن وسليمان ابنا برمك ووجه معه على أمر العسكر ونفقاته وكتابته
والقيام بأمره يحيى بن خالد وكان أمر هارون كله إليه وصير الربيع الحاجب مع
هارون يغزو عن المهدى وكان الذي بين الربيع ويحيى على حسب ذلك وكان يشاورهما
ويعمل برأيهما ففتح الله عليهم فتوحا كثيرة وأبلاهم في ذلك الوجه بلاء جميلا وكان
لخالد في ذلك بسمالو أثر جميل لم يكن لاحد وكان منجمهم يسمى البرمكي تبركا به
ونظرا إليه قال ولما ندب المهدى هارون الرشيد لما ندبه له من الغزو أمر أن يدخل
عليه كتاب أبناء الدعوة لينظر إليهم ويختار له منهم رجلا (قال يحيى) فأدخلوني
عليه معهم فوقفوا بين يديه ووقفت آخرهم قال لي يا يحيى أدن فدنوت ثم قال
لي اجلس فجلست فجثوت بين يديه فقال لي إني قد تصفحت أبناء شيعتي وأهل
دولتي واخترت منهم رجلا لهارون ابني أضمه إليه ليقوم بأمر عسكر ويتولى
كتابته فوقعت عليك خيرتي له ورأيتك أولى به إذ كنت مربيه وخاصته وقد
وليتك كتابته وأمر عسكره قال فشكرت ذلك له وقبلت يده وأمر لي بمائة ألف
درهم معونة على سفري فوجهت في ذلك العسكر لما وجهت له قال وأوفد الربيع
سليمان بن برمك إلى المهدى وأوفد معه وفدا فأكرم المهدى وفادته وفضله
وأحسن إلى الوفد الذين كانوا معه ثم انصرفوا من وجههم ذلك (وفى هذه
السنة) سنة مسير المهدى مع ابنه هارون عزل المهدى عبد الصمد بن علي عن
الجزيرة وولى مكانه زفر بن عاصم الهلالي
ذكر السبب في عزله إياه
ذكر ان المهدى سلك في سفرته هذه طريق الموصل وعلى الجزيرة عبد الصمد
376

ابن علي فلما شخص المهدى من الموصل وصار بأرض الجزيرة لم يتلقه عبد الصمد
ولا هيأ له نزولا ولا أصلح له قناطر فاضطغن ذلك عليه المهدى فلما لقيه تجهمه
وأظهر له جفاء فبعث إليه عبد الصمد بألطاف لم يرضها فردها عليه وازداد
عليه سخطا وأمر بأخذه بإقامة النزل له فتعبث في ذلك وتقنع ولم يزل يربى ما
يكرهه إلى أن نزل حصن مسلمة فدعا به وجرى بينهما كلام أغلظ له فيه القول
المهدى فرد عليه عبد الصمد ولم يحتمله فأمر بحبسه وعزله عن الجزيرة ولم يزل
في حبسه في سفره ذلك وبعد أن رجع إلى أن رضى عنه وأقام له العباس بن محمد
النزل حتى انتهى إلى حلب فأتته البشرى بها بقتل المقنع وبعث وهو بها عبد الجبار
المحتسب لجلب من بتلك الناحية من الزنادقة ففعل وأتاه بهم وهو بدابق فقتل
جماعة منهم وصلبهم وأتى بكتب من كتبهم فقطعت بالسكاكين ثم عرض بها جنده
وأمر بالرحلة وأشخص جماعة من وافاه من أهل بيته مع ابنه هارون إلى الروم
وشيع المهدى ابنه هارون حتى قطع الدرب وبلغ جيحان وارتاد بها المدينة التي
تسمى المهدية وودع هارون على نهر جيحان فسار هارون حتى نزل رستاقا من
رساتيق أرض الروم فيه قلعة يقال لها سمالو فأقام عليها ثمانيا وثلاثين ليلة وقد
نصب عليها المجانيق حتى فتحها الله بعد تخريب لها وعطش وجوع أصاب أهلها
وبعد قتل وجراحات كانت في المسلمين وكان فتحها على شروط شرطوها لأنفسهم
لا يقتلوا ولا يرحلوا ولا يفرق بينهم فأعطوا ذلك فنزلوا ووفى لهم وقفل هارون
بالمسلمين سالمين الامن كان أصيب منهم بها (وفى هذه السنة) وفى سفرته هذه
صار المهدى إلى بيت المقدس فصلى فيه ومعه العباس بن محمد والفضل بن صالح وعلى
ابن سليمان وخاله يزيد بن منصور (وفيها) عزل المهدى إبراهيم بن صالح عن
فلسطين فسأله يزيد بن منصور حتى رده عليها (وفيها) ولى المهدى ابنه هارون
المغرب كله وآذربيجان وأرمينية وجعل كاتبه على الخراج ثابت بن موسى وعلى
رسائله يحيى بن خالد بن برمك (وفيها) عزل زفر بن عاصم عن الجزيرة وولى
مكانه عبد الله بن صالح بن علي وكان المهدى نزل عليه في مسيره إلى بيت المقدس
377

فأعجب بما رأى من منزله بسلمية (وفيها) عزل معاذ بن مسلم عن خراسان
وولاها المسيب بن زهير (وعزل فيها) يحيى الحرشي عن أصبهان وولى مكانه الحكم
ابن سعيد (وعزل فيها) سعيد بن دعلج عن طبرستان والرويان وولاهما عمر
ابن العلاء (وفيها) عزل مهلهل بن صفوان عن جرجان وولاها هشام بن سعيد
(وحج) بالناس في هذه السنة علي بن المهدى وكان على اليمامة والمدينة ومكة والطائف
فيها جعفر بن سليمان وعلى الصلاة والاحداث بالكوفة إسحاق بن الصباح وعلى
قضائها شريك وعلى البصرة وأعمالها وكور دجلة والبحرين وعمان والفرض وكور
الأهواز وكور فارس محمد بن سليمان وعلى خراسان المسيب بن زهير وعلى السند
نصر بن محمد بن الأشعث
ثم دخلت سنة أربع وستين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك غزوة عبد الكبير بن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب
من درب الحدث فأقبل إليه ميخائيل البطريق فيما ذكر في نحو من تسعين ألفا
فيهم طازاذ الأرمني البطريق ففشل عنه عبد الكبير ومنع المسلمين من القتال
وانصرف فأراد المهدى ضرب عنقه فكلم فيه فحبسه في المطبق (وفيها) عزل
المهدى محمد بن سليمان عن أعماله ووجه صالح بن داود على ما كان إلى محمد بن
سليمان ووجه معه عاصم بن موسى الخراساني الكاتب على الخراج وأمره بأخذ
حماد بن موسى كاتب محمد بن سليمان وعبيد الله بن عمر خليفته وعماله وتكشيفهم
(وفيها) بنى المهدى بعيساباذ الكبرى قصرا من لبن إلى أن أسس قصره الذي
بالآجر الذي سماه قصر السلامة وكان تأسيسه إياه يوم الأربعاء في آخر ذي
القعدة (وفيها) شخص المهدى حين أسس هذا القصر إلى الكوفة حاجا فأقام
برصافة الكوفة أياما ثم خرج متوجها إلى الحج حتى انتهى إلى العقبة فغلا عليه
وعلى من معه الماء وخاف ألا يحمله ومن معه ما بين أيديهم وعرضت له مع ذلك
378

حمى فرجع من العقبة وغضب على يقطين بسبب الماء لأنه كان صاحب المصانع
واشتد على الناس العطش في منصرفهم وعلى ظهرهم حتى أشفوا على الهلكة
(وفيها) توفى نصر بن محمد بن الأشعث بالسند (وفيها) عزل عبد الله بن
سليمان عن اليمن عن سخطة ووجه من يستقبله ويفتش متاعه ويحصى ما معه ثم
أمر بحبسه عند الربيع حين قدم حتى أقر من المال والجوهر والعنبر بما أقربه
فرده إليه وخلى سبيله واستعمل مكانه منصور بن يزيد بن منصور (وفيها)
وجه المهدى صالح بن أبي جعفر المنصور من العقبة عند انصرافه عنها إلى مكة
ليحج بالناس فأقام صالح للناس الحج في هذه السنة وكان العامل على المدينة ومكة
والطائف واليمامة فيها جعفر بن سليمان وعلى اليمن منصور بن يزيد بن منصور
وعلى صلاة الكوفة وأحداثها هاشم بن سعيد بن منصور وعلى قضائها شريك بن
عبد الله وعلى صلاة البصرة وأحداثها وكور دجلة والبحرين وعمان والفرض
وكور الأهواز وفارس صالح بن داود بن علي وعلى السند سطيح بن عمر وعلى
خراسان المسيب بن زهير وعلى الموصل محمد بن الفضل وعلى قضاء البصرة عبيد
الله بن الحسن وعلى مصر إبراهيم بن صالح وعلى إفريقية يزيد بن حاتم وعلى
طبرستان والرويان وجرجان يحيى الحرشي وعلى دنباوند وقومس فراشة مولى
أمير المؤمنين وعلى الري خلف بن عبد الله وعلى سجستان سعيد بن دعلج
ثم دخلت سنة خمس وستين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك غزوة هارون بن محمد المهدى الصائفة ووجهه أبوه فيما ذكر يوم
السبت لاحدى عشرة ليلة بقيت من جمادى الآخرة غازيا إلى بلاد الروم وضم
إليه الربيع مولاه فوغل هارون في بلاد الروم فافتتح ماجدة ولقيته خيول نقيطا
قومس القوامسة فبارزه يزيد بن مزيد فأرجل يزيد ثم سقط نقيطا فضربه يزيد
حتى أثخنه وانهزمت الروم وغلب يزيد على عسكرهم وسار إلى الدمشق بنقمودية
379

وهو صاحب المسالح وسار هارون في خمسة وتسعين ألفا وسبعمائة وثلاثة وتسعين
رجلا وحمل لهم من العين مائة ألف دينار وأربعة وتسعين ألفا وأربعمائة وخمسين
دينارا ومن الورق أحدا وعشرين ألف ألف وأربعمائة ألف وأربعة عشر ألفا
وثمانمائة درهم وسار هارون حتى بلغ خليج البحر الذي على القسطنطينية وصاحب
الروم يومئذ أغسطه امرأة أليون وذلك أن ابنها كان صغيرا قد هلك أبوه وهو
في حجرها فجرت بينهما وبين هارون بن المهدى الرسل والسفراء في طلب الصلح
والموادعة وإعطاء الفدية فقبل ذلك منها هارون وشرط عليها الوفاء بما أعطت
له وأن تقيم له الأدلاء والأسواق في طريقه وذلك أنه دخل مدخلا صعبا مخوفا
على المسلمين فأجابته إلى ما سأل والذي وقع عليه الصلح بينه وبينها تسعون أو سبعون
ألف دينار تؤديها في نيسان الأول في كل سنة وفى حزيران فقبل ذلك منها
فأقامت له الأسواق في منصرفه ووجهت معه رسولا إلى المهدى بما بذلت على
أن تؤدى ما تيسر من الذهب والفضة والعرض وكتبوا كتاب الهدنة إلى ثلاث
سنين وسلمت الأسارى وكان الذي أفاء الله على هارون إلى أن أذعنت الروم
بالجزية خمسة آلاف رأس وستمائة وثلاثة وأربعين رأسا وقتل من الروم في
الوقائع أربعة وخمسون ألفا وقتل من الأسارى صبرا ألفان وتسعون أسيرا
ومما أفاء الله عليه من الدواب الذلل بأدراتها عشرون ألف دابة وذبح من البقر
والغنم مائة ألف رأس وكانت المرتزقة سوى المطوعة وأهل الأسواق مائة ألف
وبيع البرذون بدرهم والبغل بأقل من عشرة دراهم والدرع بأقل من درهم
وعشرين سيفا بدرهم فقال مروان بن أبي حفصة في ذلك
أطفت بقسطنطينية الروم مسندا * إليها القنا حتى اكتسى الذل سورها
وما رمتها حتى أتتك ملوكها * بجزيتها والحرب تغلى قدورها
(وفيها) عزل خلف بن عبد الله عن الري وولاها عيسى مولى جعفر
(وحج) بالناس في هذه السنة صالح بن أبي جعفر المنصور وكانت عمال الأمصار
في هذه السنة هم عمالها في السنة الماضية غير أن العامل على أحداث البصرة
380

والصلاة بأهلها كان روح بن حاتم وعلى كور دجلة والبحرين وعمان وكسكر
وكور الأهراز وفارس وكرمان كان المعلى مولى أمير المؤمنين المهدى وعلى
السنة الليث مولى المهدى
ثم دخلت سنة ست وستين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك قفول هارون بن المهدى ومن كان معه من خليج قسطنطينية في
المحرم لثلاث عشرة ليلة بقيت منه وقدمت الروم بالجزية معهم وذلك فيما قيل
أربعة وستون ألف دينار عدد الرومية وألفان وخمسمائة دينار عربية وثلاثون
ألف رطل مرعزى (وفيها) أخذ المهدى البيعة على قواده لهارون بعد موسى
ابن المهدى وسماه الرشيد (وفيها) عزل عبيد الله بن الحسن عن قضاء البصرة
وولى مكانه خالد بن طليق بن عمران بن حصين الخزاعي فلم يحمد ولايته فاستعفي
أهل البصرة منه (وفيها) عزل جعفر بن سليمان عن مكة والمدينة وما كان إليه
من العمل (وفيها) سخط المهدى على يعقوب بن داود
ذكر الخبر عن غضب المهدى على يعقوب
ذكر علي بن محمد النوفلي قال سمعت أبي يذكر قال كان داود بن طهمان وهو
أبو يعقوب بن داود واخوته كتابا لنصر بن سيار وقد كتب داود قبله لبعض
ولاة خراسان فلما كانت أيام يحيى بن زيد كان يدس إليه والى أصحابه بما يسمع من
نصر ويحذرهم فلما خرج أبو مسلم يطلب بدم يحيى بن زيد ويقتل قتلته والمعينين
عليه من أصحاب نصر أتاه داود بن طهمان مطمئنا لما كان يعلم مما جرى بينه وبينه
فآمنه أبو مسلم ولم يعرض له في نفسه وأخذ أمواله التي استفاد أيام نصر وترك
منازله وضيعه التي كانت له ميراثا بمرو فلما مات داود خرج ولده أهل أدب
وعلم بأيام الناس وسيرهم وأشعارهم ونظروا فإذا ليست لهم عند بنى العباس منزلة
فلم يطمعوا في خدمتهم لحال أبيهم من كتابة نصر فلما رأوا ذلك أظهروا مقالة
381

الزيدية ودنوا من آل الحسين وطمعوا أن يكون لهم دولة فيعيشوا فيها فكان
يعقوب يجول البلاد منفردا بنفسه ومع إبراهيم بن عبد الله أحيانا في طلب البيعة
لمحمد بن عبد الله فلما ظهر محمد وإبراهيم بن عبد الله كتب علي بن داود وكان
أسن من يعقوب لإبراهيم بن عبد الله وخرج يعقوب مع عدة من إخوته مع
إبراهيم فلما قتل محمد وإبراهيم تواروا من المنصور فطلبهم فأخذ يعقوب وعليا
فحبسهما في المطبق أيام حياته فلما توفى المنصور من عليهما المهدى فيمن من عليه
بتخلية سبيله وأطلقهما وكان معهما في المطبق إسحاق بن الفضل بن عبد الرحمن
وكانا لا يفارقانه وإخوته الذين كانوا محتبسين معه فجرت بينهم بذلك الصداقة
وكان إسحاق بن الفضل بن عبد الرحمن يرى أن الخلافة قد تجوز في صالحي بني هاشم
جميعا فكان يقول كانت الإمامة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تصلح
إلا في بني هاشم وفى هذا الدهر لا تصلح إلا فيهم وكان يكثر في قوله للأكبر
من بنى عبد المطلب وكان هو ويعقوب بن داود يتجاريان ذلك فلما خلى المهدى
سبيل يعقوب مكث المهدى برهة من دهره يطلب عيسى بن زيد والحسن بن
إبراهيم بن عبد الله بعد هرب الحسن من حبسه فقال المهدى يوما لو وجدت رجلا
من الزيدية له معرفة بآل حسن وبعيسى بن زيد وله فقه فأجتلبه إلى علي طريق
الفقه فيدخل بيني وبين آل حسن وعيسى بن زيد فدل على يعقوب بن داود فأتى به
فأدخل عليه وعليه يومئذ فرو وخفا كبل وعمامة كرابيس وكساء أبيض غليظ
فكلمه وفاتحه فوجده رجلا كاملا فسأله عن عيسى بن زيد فزعم الناس أنه وعده
الدخول بينه وبينه وكان يعقوب ينتفى من ذلك إلا أن الناس قد وموه بأن
منزلته عند المهدى إنما كانت للسعاية بآل على ولم يزل أمره يرتفع عند المهدى ويعلو
حتى استوزره وفوض إليه أمر الخلافة فأرسل إلى الزيدية فأتى بهم من كل أوب
وولاهم من أمرو الخلافة في المشرق والمغرب كل جليل وعمل نفيس والدنيا
كلها في يديه ولذلك يقول بشار بن برد
بنى أمية هبوا طال نومكم * إن الخليفة يعقوب بن داود
382

ضاعت خلافتكم يا قوم فاطلبوا * خليفة الله بين الدف والعود
قال فحسده موالى المهدى فسعوا عليه ومما حظى به يعقوب عند المهدى أنه
استأمنه للحسن بن إبراهيم بن عبد الله ودخل بينه وبينه حتى جمع بينهما بمكة قال
ولما علم آل الحسن بن علي بصنيعه استوحشوا منه وعلم يعقوب أنه إن كانت لهم
دولة لم يعش فيها وعلم أن المهدى لا يناظره لكثرة السعاية به إليه فمال يعقوب إلى
إسحاق بن الفضل وأقبل يربص له الأمور وأقبلت السعايات ترد على المهدى بإسحق
حتى قيل له إن المشرق والمغرب في يد يعقوب وأصحابه وقد كاتبهم وإنما يكفيه أن
يكتب إليهم فيثور وافى يوم واحد على ميعاد فيأخذوا الدنيا لإسحاق بن الفضل فكان
ذلك قد ملا قلب المهدى عليه قال علي بن محمد النوفلي فذكر لي بعض خدم المهدى
أنه كان قائما على رأسه يوما يذب إذ دخل يعقوب فجثا بين يديه فقال يا أمير المؤمنين
قد عرفت اضطرب أمر مصر وأمرتني أن ألتمس لها رجلا يجمع أمرها فلم أزل أرتاد
حتى أصبت لها رجلا يصلح لذلك قال ومن هو قال ابن عمك إسحاق بن الفضل فرأى
يعقوب في وجهه التغير فنهض فخرج وأتبعه المهدى طرقه ثم قال قتلني الله إن لم
أقتلك ثم رفع رأسه إلى وقال اكتم على ويلك قال ولم يزل مواليه يحرضونه عليه
ويوحشونه منه حتى عزم على إزالة النعمة عنه (وقال موسى) بن إبراهيم المسعودي
قال المهدى وصف لي يعقوب بن داود في منامي فقيل لي ان اتخذه وزيرا فلما رآه قال
هذه والله الخلقة التي رأيتها في منامي فاتخذه وزيرا وحظي عنده غاية الحظوة فمكث
حينا حتى بنى عيساباذ فأتاه خادم من خدمه وكان حظيا عنده فقال له ان أحمد بن
إسماعيل بن علي قال لي قد بنى متنزها أنفق عليه خمسين ألف ألف من بيت مال
المسلمين فحفظها عن الخادم ونسى أحمد بن إسماعيل وتوهمها على يعقوب بن داود فبينا
يعقوب بين يديه إذ لببه فضرب به الأرض فقال مالي ولك يا أمير المؤمنين قال ألست
القائل إني أنفقت على متنزه لي خمسين ألف ألف فقال يعقوب والله ما سمعته أذناي
ولا كتبه الكرام الكاتبون فكان هذا أول سبب أمره قال وحدثني أبي قال كان
يعقوب بن داود وقد عرف عن المهدى خلعا واستهتارا بذكر النساء والجماع وكان
383

يعقوب بن داود يصف من نفسه في ذلك شيئا كثيرا وكذلك كان المهدى فكانوا
يخلون بالمهدي ليلا فيقولون هو على أن يصبح فيثور بيعقوب فإذا أصبح غدا
عليه يعقوب وقد بلغه الخبر فإذا نظر إليه تبسم فيقول إن عندك لخيرا فيقول نعم
فيقول اقعد بحياتي فحدثني فيقول خلوت بجاريتي البارحة فقالت وقلت فيصنع لذلك
حديثا فيحدث المهدى بمثل ذلك ويفترقان على الرضى فيبلغ ذلك من يسعى على يعقوب
فيتعجب منه قال وقال لي الموصلي قال يعقوب بن داود للمهدى في أمر أراده هذا
والله السرف فقال ويلك وهل يحسن السرف إلا بأهل الشرف ويلك يا يعقوب
لولا السرف لم يعرف المكثرون من المقترين وقال علي بن يعقوب بن داود عن
أبيه قال بعث إلى المهدى يوما فدخلت عليه فإذا هو في مجلس مفروش بفرش
مورد متناه في السرو على بستان فيه شجر ورؤوس الشجر مع صحن المجلس وقد
اكتسى ذلك الشجر بالأوراد والأزهار من الخوخ والتفاح فكل ذلك مورد
يشبه فرش المجلس الذي كان فيه فما رأيت شيئا أحسن منه وإذا عنده جارية
ما رأيت أحسن منها ولا أشط قواما ولا أحسن اعتدالا عليها نحو تلك الثياب
فما رأيت أحسن من جملة ذلك فقال لي يعقوب كيف ترى مجلسنا هذا قلت على
غاية الحسن فمتع الله أمير المؤمنين به وهنأه إياه فقال هو لك أحمله بما فيه وهذه
الجارية ليتم سرورك به قال فدعوت له بما يجب قال ثم قال يعقوب ولى إليك
حاجة قال فوثبت قائما ثم قلت يا أمير المؤمنين ما هذا إلا من موجدة وأنا أستعيذ
بالله من سخط أمير المؤمنين قال لا ولكن أحب أن تضمن لي قضاء هذه الحاجة
فانى لم أسألكها من حيث تتوهم وإنما قلت ذلك على الحقيقة فأحب أن تضمن لي
هذه الحاجة وأن تقضيها لي فقلت الامر لأمير المؤمنين وعلى السمع والطاعة قال
والله قلت والله ثلاثا قال وحياة رأسي قلت وحياة رأسك قال فضع يدك عليه
واحلف به قال فوضعت يدي عليه وحلفت له به لا عملن بما قال ولأقضين حاجته
قال فلما استوثق منى في نفسه قال هذا فلان بن فلان من ولد على أحب أن تكفيني
مؤونته وتريحني منه وتعجل ذلك قال قلت أفعل قال فخذه إليك فحولته إلى وحولت
384

الجارية وجميع ما كان في البيت من فرش وغير ذلك وأمر لي معه بمائة ألف درهم قال
فحملت ذلك جملة ومضيت به فلشدة سروري بالجارية صيرتها في مجلس بيني وبينها
ستر وبعثت إلى العلوي فأدخلته على نفسي وسألته عن حاله فأخبرني بها وبجمل
منها وإذا هو ألب الناس وأحسنهم إبانة قال وقال لي في بعض ما يقول ويحك
يا يعقوب تلقى الله بدمي وأنا رجل من ولد فاطمة بنت محمد قال قلت لا والله فهل
فيك خير قال إن فعلت خيرا شكرت ولك عندي دعاء واستغفار قال فقلت له
أي الطرق أحب إليك قال طريق كذا وكذا قلت فمن هناك ممن تأنس به وتثق
بموضعه قال فلان وفلان قلت فابعث إليهما وخذ هذا المال وامض معهما مصاحبا
في ستر الله وموعدك وموعدهما للخروج من داري إلى موضع كذا وكذا
الذي اتفقوا عليه في وقت كذا وكذا من الليل وإذا الجارية قد حفظت على
قولي فبعثت به مع خادم لها إلى المهدى وقالت هذا جزاؤك من الذي آثرته
على نفسك صنع وفعل كذا وكذا حتى ساقت الحديث كله قال وبعث المهدى من
وقته ذلك فشحن تلك الطرق والمواضع التي وصفها يعقوب والعلوي برجاله فلم
يلبث أن جاؤه بالعلوي بعينه وصاحبيه والمال على السجية التي حكتها الجارية
قال وأصحت من غد ذلك اليوم فإذا رسول المهدى يستحضرني قال وكنت خالي
الذرع غير ملقى إلى أمر العلوي الا حتى أدخل على المهدى وأجده على كرسي بيده
مخصرة فقال يا يعقوب ما حال الرجل قلت يا أمير المؤمنين قد أراحك الله منه
قال مات قلت نعم قال والله قلت والله قال قم فضع يدك على رأسي قال فوضعت
يدي على رأسه وحلفت له به قال فقال يا غلام أخرج إلينا ما في هذا البيت قال
ففتح بابه عن العلوي وصاحبيه والمال بعينه قال فبقيت متحيرا وسقط في يدي
وامتنع منى الكلام فما أدرى ما أقول قال فقال المهدى لقد حل لي دمك لو آثرت
إراقته ولكن احبسوه في المطبق ولا أذكر به فحبست في المطبق واتخذ لي فيه
بئر فدليت فيها فكنت كذلك أطول مدة لا أعرف عدد الأيام وأصبت ببصرى
وطال شعري حتى استرسل كهيئة شعور البهائم قال فإني لكذلك إذ دعى بي فمضى
385

بي إلى حيث لا أعلم أين هو فلم أعد أن قيل لي سلم على أمير المؤمنين فسلمت فقال
أي أمير المؤمنين أنا قلت المهدى قال رحم الله المهدى قلت فالهادي قال رحم الله
الهادي قلت فالرشيد قال نعم قلت ما أشك في وقوف أمير المؤمنين على خبري
وعلتي وما تناهت إليه حالي قال أجل كل ذلك عندي وعرف أمير المؤمنين فسل
حاجتك قال قلت المقام بمكة قال نفعل ذلك فهل غير هذا قال قلت ما بقى في مستمع
لشئ ولا بلاغ قال فراشدا قال فخرجت فكان وجهي إلى مكة قال ابنه ولم يزل
بمكة فلم تطل أيامه بها حتى مات قال محمد بن عبد الله قال لي أبى قال يعقوب
ابن داود وكان المهدى لا يشرب النبيذ إلا تحرجا ولكنه كان لا يشتهيه وكان
أصحابه عمر بن بزيع والمعلى مولاه والمفضل ومواليه يشربون عنده بحيث يراهم
قال وكنت أعظه في سقيهم النبيذ وفى السماع وأقول إنه ليس على هذا استوزرتني
ولا على هذا صحبتك أبعد الصلوات الخمس في المسجد الجامع يشرب عندك النبيذ
وتسمع السماع قال فكان يقول قد سمع عبد الله بن جعفر قال قلت ليس هذا من
حسناته لو أن رجلا سمع في كل يوم كان ذلك يزيده قربة من الله أو بعدا وقال
محمد بن عبد الله حدثني أبي قال كان أبى يعقوب بن داود قد ألح على المهدى في
حسمه عن السماع واسقائه النبيذ حتى ضيق عليه وكان يعقوب قد ضجر بموضعه
فتاب إلى الله مما هو فيه واستقبل وقدم النية في تركه موضعه قال فكنت أقول
للمهدى يا أمير المؤمنين والله لشربة خمر أشربها أتوب إلى الله منها أحب إلى مما
أنا فيه وإني لأركب إليك فأتمنى يدا خاطئة تصيبني في الطريق فأعفني وول
غيري من شئت فانى أحب أن أسلم عليك أنا وولدي ووالله إني لا تفزع في
النوم وليتني أمور المسلمين وإعطاء الجند وليس دنياك عوضا من آخرتي قال
فكان يقول لي اللهم غفرا اللهم أصلح قلبه قال فقال شاعر له
فدع عنك يعقوب بن داود جانبا * وأقبل على صهباء طيبة النشر
(قال عبد الله بن عمر) وحدثني جعفر بن أحمد بن زيد العلوي قال قال ابن
سلام وهب المهدى لبعض ولد يعقوب بن داود جارية وكان بضعف قال فلما كان
386

بعد أيام سأله عنها فقال يا أمير المؤمنين ما رأيت مثلها ما وضعت بيني وبين الأرض
مطية أوطأ منها حاشى سامع فالتفت المهدى إلى يعقوب فقال له من تراه يعنى
يعنيني أو يعنيك فقال له يعقوب من كل شئ تحفظ الأحمق إلا من نفسه وقال على
ابن محمد النوفلي حدثني أبي قال كان يعقوب بن داود يدخل على المهدى فيخلو
به ليلا يحادثه ويسامره فبينما هو ليلة عنده وقد ذهب من الليل أكثره خرج
يعقوب من عنده وعليه طيلسان مصبوغ هاشمي وهو الأزرق الخفيف وكان
الطيلسان قد دق دقا شديدا فهو يتقعقع وغلام آخذ بعنان دابته دابة له شهبا؟
وقد نام الغلام فذهب يعقوب يسوى طيلسانه فتقعقع فنفر البرذون ودنا منه
يعقوب فاستدبره فضربه ضربة على ساقه فكسرها وسمع المهدى الوجبة فخرج
حافيا فلما رأى ما به أظهر الجزع والفزع ثم أمر به فحمل في كرسي إلى منزله ثم غدا
عليه المهدى مع الفجر وبلغ ذلك الناس فغدوا عليه فعاده أياما ثلاثة متتابعة ثم
قعد عن عيادته وأقبل يرسل إليه يسأله عن حاله فلما فقد وجهه تمكن السعاة
من المهدى فلم تأت عليه عاشرة حتى أظهر السخط عليه فتركه في منزله يعالج
ونادى في أصحابه ألا يوجد أحد عليه طيلسان يعقوبي وقلنسوة يعقوبية إلا أخذت
ثيابه ثم أمر بيعقوب فحبس في سجن نصر قال النوفلي وأمر المهدى بعزل أصحاب
يعقوب عن الولايات في الشرق والغرب وأمر أن يؤخذ أهل بيته وأن يحبسوا
ففعل ذلك بهم وقال علي بن محمد لما حبس يعقوب بن داود وأهل بيته وتفرق
عماله واختفوا وتشردوا أذكر المهدى قصته وقصة إسحاق بن الفضل فأرسل إلى
إسحاق ليلا وإلى يعقوب فأتى به من محبسه فقال ألم تخبرني بأن هذا وأهل بيته يزعمون
أنهم أحق بالخلافة منا أهل البيت وأن لهم الكبر علينا فقال له يعقوب ما قلت لك
هذا قط قال وتكذبني وترد على قولي ثم دعا له بالسياط فضربه اثنى عشر سوطا
ضربا مبرحا وأمر به فرد إلى الحبس قال وأقبل إسحاق يحلف أنه لم يقل هذا قط
وأنه ليس من شأنه وقال فيما يقول وكيف أقول هذا يا أمير المؤمنين وقد مات جدي
في الجاهلية وأبوك الباقي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ووارثه فقال أخرجوه
387

فلما كان من الغد دعا بيعقوب فعاوده الكلام الذي كلمه في ليلته فقال يا أمير المؤمنين
لا تعجل على حتى أذكرك أتذكر وأنت في طارمة على النهر وأنت في البستان
وأنا عندك إذ دخل أبو الوزير قال على وكان أبو الوزير ختن يعقوب بن داود
على ابنة صالح بن داود فخبرك هذا الخبر عن إسحاق قال صدقت يا يعقوب قد
ذكرت ذلك فاستحى المهدى واعتذر إليه من ضربه ثم رده إلى الحبس فمكث
محبوسا أيام المهدى وأيام موسى كلها حتى أخرجه الرشيد بميله كان إليه في حياة أبيه
(وفيها) خرج موسى الهادي إلى جرجان وجعل على قضائه أبا يوسف يعقوب
ابن إبراهيم (وفيها) تحول المهدى إلى عيساباذ فنزلها وهى قصر السلامة ونزل الناس بها
معه وضرب بها الدنانير والدراهم (وفيها) أمر المهدى بإقامة البريد بين مدينة الرسول
صلى الله عليه وسلم وبين مكة واليمن بغالا وإبلا ولم يقم هنالك بريد قبل ذلك
وفيها اضطربت خراسان على المسيب بن زهير فولاها الفضل بن سليمان الطوسي
أبا العباس وضم إليه معها سجستان فاستخلف على سجستان تميم بن سعيد بن دعلج
بأمر المهدى * وفيها أخذ داود بن روح بن حاتم وإسماعيل بن سليمان بن مجالد
ومحمد بن أبي أيوب المكي ومحمد بن طيفور في الزندقة فأقروا فاستتابهم المهدى
وخلى سبيلهم وبعث بداود بن روح إلى أبيه روح وهو يومئذ بالبصرة عاملا
عليها فمن عليه وأمره بتأديبه * وفيها قدم الوضاح الشروى بعبد الله بن أبي عبيد الله
الوزير وهو معاوية بن عبيد الله الأشعري من أهل الشأم وكان الذي يسعى به
ابن شبابة وقد رمى بالزندقة * وقد ذكرنا أمره ومقتله قبل * وفيها ولى إبراهيم
ابن يحيى بن محمد على المدينة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى الطائف
ومكة عبيد الله بن قثم * وفيها عزل منصور بن يزيد بن منصور عن اليمن واستعمل
مكانه عبد الله بن سليمان الربعي * وفيها حلى المهدى عبد الصمد بن علي من
حبسه الذي كان فيه * وحج بالناس في هذه السنة إبراهيم بن يحيى بن محمد *
وكان عامل الكوفة في هذه السنة على الصلاة وأحداثها هاشم بن سعيد وعلى
صلاة البصرة وأحداثها روح بن حاتم وعلى قضائها خالد بن طليق وعلى كور دجلة
388

وكسكر وأعمال البصرة والبحرين وكور الأهواز وفارس وكرمان المعلى مولى
أمير المؤمنين وعلى خراسان وسجستان الفضل بن سليمان الطوسي وعلى مصر
إبراهيم بن صالح وعلى إفريقية يزيد بن حاتم وعلى طبرستان والرويان وجرجان
يحيى الحرشي وعلى دنباوند وقومس فراشة مولى المهدى وعلى الري سعد مولى
أمير المؤمنين ولم يكن في هذه السنة صائفة للهدنة التي كانت فيها
ثم دخلت سنة سبع وستين ومائة
ذكر الاحداث التي كانت فيها
فمن ذلك ما كان من توجيه المهدى ابنه موسى في جمع كثيف من الجند وجهاز
لم يجهز فيما ذكر أحد بمثله إلى جرجان لحرب ونداهر مزوشروين صاحبي
طبرستان وجعل المهدى حين جهز موسى إليها أبان بن صدقة على رسائله ومحمد بن
جميل على جنده ونفيعا مولى المنصور على حجابته وعلي بن عيسى بن ماهان على
حرسه وعبد الله بن خازم على شرطه فوجه موسى الجنود إلى وانداهر مزوشروين
وأمر عليهم يزيد بن مزيد فحاصرهما (وفيها) توفى عيسى بن موسى بالكوفة
وولى الكوفة يومئذ روح بن حاتم فأشهد روح بن حاتم على وفاته القاضي
وجماعة من الوجوه ثم دفن وقيل إن عيسى بن موسى توفى وروح على
الكوفة لثلاث بقين من ذي الحجة فحضر روح جنازته فقيل له تقدم فأنت الأمير
فقال ما كان الله ليرى روحا يصلى على عيسى بن موسى فليتقدم أكبر ولده فأبوا
عليه وأبى عليهم فتقدم العباس بن عيسى فصلى على أبيه وبلغ ذلك المهدى فغضب
على روح وكتب إليه * قد بلغني ما كان من نكوصك عن الصلاة على عيسى
أبنفسك أم بأبيك أم بجدك كنت تصلى عليه أوليس إنما ذلك مقامي لو حضرت
فإذ غبت كنت أنت أولى به لموضعك من السلطان فأمر بمحاسبته وكان يلي الخراج
مع الصلاة والاحداث وتوفى عيسى والمهدى واجد عليه وعلى ولده وكان يكره
التقدم عليه لجلالته (وفيها) جلد المهدى في طلب الزنادقة والبحث عنهم في الآفاق
389

وقتلهم وولى أمرهم عمر الكلواذي فأخذ يزيد بن الفيض كاتب المنصور فأقر فيها
ذكر فحبس فهرب من الحبس فلم يقدر عليه (وفيها) عزل المهدى أبا عبيد الله
معاوية بن عبيد الله عن ديوان الرسائل وولاه الربيع الحاجب فاستخلف عليه
سعيد بن واقد وكان أبو عبيد الله يدخل على مرتبته (وفيها) فشا الموت وسعال
شديد ووباء شديد ببغداد والبصرة (وفيها) توفى أبان بن صدقة بجرجان وهو
كاتب موسى على رسائله فوجه المهدى مكانه أبا خالد الأحول يزيد خليفة أبى
عبيد الله (وفيها) أمر المهدى بالزيادة في المسجد الحرام فدخلت فيه دور كثيرة
وولى بناء ما زيد فيه يقطين بن موسى فكان في بنائه إلى أن توفى المهدى (وفيها)
عزل يحيى الحرشي عن طبرستان والرويان وما كان إليه من تلك الناحية ووليها
عمر بن العلاء وولى جرجان فراشة مولى المهدى وعزل عنها يحيى الحرشي (وفيها)
اظلمت الدنيا لليال بقين من ذي الحجة حتى تعالى النهار ولم يكن فيها صائفة للهدنة
التي كانت بين المسلمين والروم وحج بالناس في هذه السنة إبراهيم بن يحيى بن محمد
وهو على المدينة ثم توفى بعد فراغه من الحج وقدومه المدينة بأيام وولى مكانه
إسحاق بن عيسى بن علي (وفيها) طعن عقبة بن سلم الهنائي بعيساباذ وهو في دار
عمر بن بزيع اغتاله رجل فطعنه بخنجر فمات فيها وكان العامل على مكة والطائف
فيها عبيد الله بن قثم وعلى اليمن سليمان بن يزيد الحارثي وعلى اليمامة عبد الله بن
مصعب الزبيري وعلى صلاة الكوفة وأحداثها روح بن حاتم وعلى صلاة البصرة
وأحداثها محمد بن سليمان وعلى قضائها عمر بن عثمان التيمي وعلى كور دجلة
وكسكر وأعمال البصرة والبحرين وعمان وكور الأهواز وفارس وكرمان المعلى
مولى المهدى وعلى خراسان وسجستان الفضل بن سليمان الطوسي وعلى مصر
موسى بن مصعب وعلى إفريقية يزيد بن حاتم وعلى طبرستان والرويان عمر بن
العلاء وعلى جرجان ودنباوند وقومس فراشة مولى المهدى وعلى الري سعد مولى
أمير المؤمنين
390

ثم دخلت سنة ثمان وستين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك ما كان من نقض الروم الصلح الذي كان جرى بينهم وبين هارون
ابن المهدى الذي ذكرناه قبل وغدرهم وذلك في شهر رمضان من هذه السنة
فكان بين أول الصلح وغدر الروم ونكثهم به اثنان وثلاثون شهرا فوجه على
ابن سليمان وهو يومئذ على الجزيرة وقنسرين يزيد بن بدر بن البطال في سرية إلى
الروم فغنموا وظفروا (وفيها) وجه المهدى سعيد الحرشي إلى طبرستان في
أربعين ألف رجل (وفيها) مات عمر الكلواذي صاحب الزنادقة وولى مكانه
حمدويه وهو محمد بن عيسى من أهل ميسان (وفيها) قتل المهدى الزنادقة ببغداد
(وفيها) رد المهدى ديوانه وديوان أهل بيته إلى المدينة ونقله من دمشق إليها
(وفيها) خرج المهدى إلى نهر الصلة أسفل واسط وإنما سمى نهر الصلة فيما ذكر
لأنه أراد أن يقطع أهل بيته وغيرهم غلته يصلهم بذلك (وفيها) ولى المهدى على
ابن يقطين ديوان زمام الأزمة على عمر بن بزيع * وذكر أحمد بن موسى بن حمزة
عن أبيه قال أول من عمل ديوان الزمام عمر بن بزيع في خلافة المهدى وذلك
أنه لما جمعت له الدواوين تفكر فإذا هولا يضبطها إلا بزمام يكون له على كل
ديوان فاتخذ دواوين الأزمة وولى كل ديوان رجلا فكان واليه على زمام ديوان
الخراج إسماعيل بن صبيح ولم يكن لبنى أمية دواوين أزمة (وحج) بالناس في
هذه السنة علي بن محمد المهدى الذي يقال له ابن ريطة
ثم دخلت سنة تسع وستين ومائة
ذكر الخبر عن الاحداث التي كانت فيها
فمما كان فيها من ذلك خروج المهدى في المحرم إلى ماسبذان
ذكر الخبر عن خروجه إليها
ذكر أن المهدى كان في آخر أمره قد عزم على تقديم هارون ابنه على ابنه
391

موسى الهادي وبعث إليه وهو بجرجان بعض أهل بيته ليقطع أمر البيعة ويقدم
الرشيد فلم يفعل فبعث إليه المهدى بعض الموالى فامتنع عليه موسى من القدوم
وضرب الرسول فخرج المهدى بسبب موسى وهو يريده بجرجان فأصابه ما أصابه *
وذكر الباهلي أن أبا شكر أخبره وكان من كتاب المهدى على بعض دواوينه
قال سأل علي بن يقطين المهدى أن يتغدى عنده فوعده أن يفعل ثم اعتزم على
إتيان ماسبذان فوالله لقد أمر بالرحيل كأنه يساق إليها سوقا فقال له على
يا أمير المؤمنين إنك قد وعدتني أن تتغدى عندي غدا قال فاحمل غداءك إلى النهروان
قال فحمله فتغدى بالنهروان ثم انطلق (وفيها) توفى المهدى
ذكر الخبر عن سبب وفاته
اختلف في ذلك فذكر عن واضح قهرمان المهدى قال خرج المهدى يتصيد
بقرية يقال لها الرذبماسبذان فلم أزل معه إلى بعد العصر وانصرفت إلى مضربي
وكان بعيدا من مضربه فلما كان في السحر الأكبر ركبت لإقامة الوظائف فإني
لأسير في برية وقد انفردت عمن كان معي من غلماني وأصحابي إذ لقيني أسود عريان
على قتودرحل فدنا منى ثم قال لي أبا سهل عظم الله أجرك في مولاك أمير المؤمنين
فهممت أن أعلوه بالسوط فغاب من بين يدي فلما انتهيت إلى الرواق لقيني مسرور
فقال لي أبا سهل عظم الله أجرك في مولاك أمير المؤمنين فدخلت فإذا أنا به مسجى
في قبة فقلت فارقتكم بعد صلاة العصر وهو أسر ما كان حالا وأصحه بدنا فما كان
الخبر قال طردت الكلاب ظبيا فلم يزل يتبعها فاقتحم الظبي باب خربة فاقتحمت
الكلاب خلفه واقتحم الفرس خلف الكلاب فدق ظهره في باب الخربة فمات
من ساعته * وذكر أن علي بن أبي نعيم المروزي قال بعثت جارية من جواري
المهدى إلى ضرة لها بلباء فيه سم وهو قاعد في البستان بعد خروجه من عيساباذ
فدعا به فأكل منه ففرقت الجارية أن تقول إنه مسموم * وحدثني أحمد بن محمد
الرازي أن المهدى كان جالسا في علية في قصر بماسبذان يشرف من منظرة فيها
على سفله وكانت جارية حسنة قد عمدت لي كمثراتين كبير تين فجعلتهما في صينية
392

وسمت واحدة منهما وهى أحسنهما وأنضجهما في أسفلها وردت القمع فيها ووضعتها
في أعلى الصينية وكان المهدى يعجبه الكمثرى وأرسلت بذلك مع وصيفة لها إلى
جارية للمهدى وكان يتحظاها تريد بذلك قتلها فمرت الوصيفة بالصينية التي فيها تلك
الكمثرى تريد دفعها إلى الجارية التي أرسلتها حسنة إليها بحيث يراها المهدى من
المنظرة فلما رآها ورأى معها الكمثرى دعا بها فمد يده إلى الكمثراة التي في أعلى الصينية
وهى المسمومة فأكلها فلما وصلت إلى جوفه صرخ جوفي وسمعت حسنة الصوت
وأخبرت الخبر فجاءت تلطم وجهها وتبكى وتقول أردت أن أنفرد بك فقتلتك
يا سيدي فهلك من يومه * وذكر عبد الله بن إسماعيل صاحب المراكب قال
لما صرنا إلى ماسبذان دنوت إلى عنانه فأمسكت به وما به علة فوالله ما أصبح إلا
ميتا فرأيت حسنة وقد رجعت وان على قبتها المسوح فقال أبو العتاهية في ذلك
رحن في الوشى وأصبحن * عليهن المسوح
كل نطاح من الدهر * له يوم نطوح
لست بالباقي ولو عمرت * ما عمر نوح
فعلى نفسك نح إن * كنت لا بد تنوح
وذكر صالح القارئ أن علي بن يقطين قال كنا مع المهدى بماسبذان فأصبح يوما
فقال إني أصبحت جائعا فأتى بأرغفة ولحم بارد مطبوخ بالخل فأكل منه ثم قال
إني داخل إلى البهو ونائم فيه فلا تنبهوني حتى أكون أنا الذي أنتبه ودخل البهو
فنام ونمنا في الدار في الرواق فانتبهنا ببكائه فقمنا إليه مسرعين فقال أما رأيتم
ما رأيت قلنا ما رأينا شيئا قال وقف على الباب رجل لو كان في ألف أو في مائة
ألف رجل ما خفى على فأنشد يقول
كأني بهذا القصر قد باد أهله * وأوحش منه ربعه ومنازله
وصار عميد القوم من بعد بهجة * وملك إلى قبر عليه جنادله
فلم يبق إلا ذكره وحديثه * تنادى عليه معولات حلائله
قال فما أنت عليه عاشرة حتى مات وكانت وفاته فيما قال أبو معشر والواقدي
393

في سنة 169 ليلة الخميس لثمان بقين من المحرم وكانت خلافته عشر سنين وشهرا
ونصف شهر وقال بعضهم كانت خلافته عشر سنين وتسعة وأربعين يوما وتوفى
وهو ابن ثلاث وأربعين سنة وقال هشام بن محمد ملك أبو عبد الله المهدى محمد بن
عبد الله سنة 158 في ذي الحجة لست ليال خلون منه فملك عشر سنين وشهرا واثنين
وعشرين يوما ثم توفى سنة 169 وهو ابن ثلاث وأربعين سنة
ذكر الخبر عن الموضع الذي دفن فيه ومن صلى عليه
ذكر أن المهدى توفى بقرية من قرى ماسبذان يقال لها الرذوفى ذلك
يقول بكار بن رباح
ألا رحمة الرحمن في كل ساعة * على رمة رمت بماسبذان
لقد غيب القبر الذي تم سؤددا * وكفين بالمعروف تبتدران
وصلى عليه ابنه هارون ولم توجد له جنازة يحمل عليها فحمل على باب ودفن
تحت شجرة جوزكان يجلس تحتها وكان طويلا مصمر الخلق جعدا واختلف في
لونه فقال بعضهم كان أسمر وقال بعضهم كان أبيض وكان في عينه اليمنى في قول
بعضهم نكتة بياض وقال بعضهم كان ذلك بعينه اليسرى وكان ولد بإيذج
ذكر بعض سير المهدى وأخباره
ذكر عن هارون بن أبي عبيد الله قال كان المهدى إذا جلس للمظالم قال أدخلوا
على القضاة لم يكن ردى للمظالم إلا للحياء منهم لكفى * وذكر الحسن بن أبي
سعيد قال حدثني علي بن صالح قال جلس المهدى ذات يوم يعطى جوائز تقسم
بحضرته في خاصته من أهل بيته والقواد وكان يقرأ عليه الأسماء فيأمر بالزيادة
العشرة الآلاف والعشرين الألف وما أشبه ذلك فعرض عليه بعض القواد فقال
يحط هذا خمسمائة قال لم حططتني يا أمير المؤمنين قال لانى وجهتك إلى
عدو لنا فانهزمت قال كان يسرك أن أقتل قال لا قال فوالذي أكرمك
بما أكرمك به من الخلافة لو ثبت لقتلت فاستحى المهدى منه وقال زده خمسة آلاف
قال الحسن وحدثني علي بن صالح قال غضب المهدى على بعض القواد وكان عتب
394

عليه غير مرة فقال له إلى متى تذنب إلى وأعفو قال إلى أبد نسئ ويبقيك الله
فتعفو عنا فكررها عليه مرات فاستحى منه ورضى عنه وذكر محمد بن عمر عن
حفص مولى مزينة عن أبيه قال كان هشام الكلبي صديقا لي فكنا نتلاقى فنتحدث
ونتناشد فكنت أراه في حال رثة وفى أخلاق على بغلة هزيل والضر فيه بين وعلى
بغلته فما راعني إلا وقد لقيني يوما على بغلة شقراء من بغال الخلافة وسرج ولجام
من سروج الخلافة ولجمها في ثياب جياد ورائحة طيبة فأظهرت السرور ثم قلت
له أرى نعمة ظاهرة قال لي نعم أخبرك عنها فاكتم بينا أنا في منزلي منذ أيام بين
الظهر والعصر إذ أتاني رسول المهدى فسرت إليه ودخلت عليه وهو جالس خال
ليس عنده أحد وبين يديه كتاب فقال ادن يا هشام فدنوت فجلست بين يديه فقال
خذ هذا الكتاب فاقرأه لا يمنعك ما فيه مما تستفظعه أن تقرأه قال فنظرت في
الكتاب فلما قرأت بعضه استفظعته فألقيته من يدي ولعنت كاتبه فقال لي قد قلت
لك إن استفظعته فلا تلقه أقرأه بحقي عليك حتى تأتى على آخره قال فقرأته فإذا
كتاب قد ثلبه فيه كاتبه ثلبا عجيبا لم يبق له فيه شيئا فقلت يا أمير المؤمنين من هذا
الملعون الكذاب قال هذا صاحب الأندلس قال قلت فالثلب والله يا أمير المؤمنين
فيه وفى آبائه وفى أمهاته قال ثم أندر أت أذكر مثالبهم قال فسر بذلك وقال أقسمت
عليك لما أمللت مثالبهم كلها على كاتب قال ودعا بكاتب من كتاب السر فأمره فجلس
ناحية وأمرني فضرت إليه فصدر الكاتب من المهدى جوابا وأمللت غليه مثالبهم
فأكثرت فلم أبق شيئا حتى فرغت من الكتاب ثم عرضته عليه فأظهر السرور ثم لم أبرح
حتى أمر بالكتاب فختم وجعل في خريطة ودفع إلى صاحب البريد وأمر بتعجيله إلى
الأندلس قال ثم دعا لي بمنديل فيه عشرة أثواب من جياد الثياب وعشرة آلاف
درهم وهذه البغلة بسرجها ولجامها فأعطاني ذلك وقال لي اكتم ما سمعت قال الحسن
وحدثني مسور بن مساور قال ظلمني وكيل للمهدى وغصبني ضيعة لي فأتيت سلاما
صاحب المظالم فتظلمت منه وأعطيته رقعة مكتوبة فأوصل الرقعة إلى المهدى وعنده عمه
العباس بن محمد وابن علاثة وعافية القاضي قال فقال لي المهدى ادنه فدنوت فقال ما تقول
395

قلت ظلمتني قال فترضى بأحد هذين قال قلت نعم قال فادن منى فدنوت منه حتى التزقت
بالفراش قال تكلم قلت أصلح الله القاضي انه ظلمني في ضيعتي هذا فقال القاضي
ما تقول يا أمير المؤمنين قال ضيعتي وفى يدي قال قلت أصلح الله القاضي سله صارت
الضيعة إليه قبل الخلافة أو بعدها قال فسأله ما تقول يا أمير المؤمنين قال صارت
إلى بعد الخلافة قال فأطلقها له قال قد فعلت فقال العباس بن محمد والله يا أمير المؤمنين
لهذا المجلس أحب إلى من عشرين ألف ألف درهم قال وحدثني عبد الله بن الربيع
قال سمعت مجاهدا الشاعر يقول خرج المهدى متنزها ومعه عمر بن بزيع مولاه
قال فانقطعنا عن العسكر والناس في الصيد فأصاب المهدى جوع فقال ويحك هل
من شئ قال ما من شئ قلل أرى كوخا وأظنها مبقلة فقصدنا قصده فإذا نبطي في
كوخ ومقبلة فسلمنا عليه فرد السلام فقلنا له هل عندك شئ نأكل قال نعم عندي
ربيثاء وخبز شعير فقال المهدى إن كان عندك زيت فقد أكملت قال نعم ما شئت
وتمر قال فعدا نحو المبقلة فأتاهم ببقل وكراث وبصل فأكلا أكلا كثيرا وكراث
قال نعم وشبعا فقال المهدى لعمر بن بزيع قل في هذا شعرا فقال
إن من يطعم الربيثاء بالزيت * وخبز الشعير بالكراث
لحقيق بصفعة أو بثنتين * لسوء الصنيع أو بثلاث
فقال المهدى بئس ما قلت ليس هكذا
لحقيق ببدرة أو بثنتين * لحسن الصنيع أو بثلاث
قال ووافى العسكر والخزائن والخدم فأمر للنبطي بثلاث بدر وانصرف *
وذكر محمد بن عبد الله * قال أخبرني أبو غانم قال كان زيد الهلالي رجلا شريفا
سخيا مشهورا من بنى هلال وكان نقش خاتمه أفلح يا زيد من ذكى عمله فبلغ ذلك
المهدى فقال زيد الهلالي نقش خاتمه أفلح يا زيد من ذكى عمله قال وقال الحسن
الوصيف أصابتنا ريح في أيام المهدى حتى ظننا أنها تسوقنا إلى المحشر فخرجت
أطلب أمير المؤمنين فوجدته واضعا خده على الأرض يقول اللهم احفظ محمدا
في أمته اللهم لا تشمت بنا أعداءنا من الأمم اللهم إن كنت أخذت هذا العالم
396

بذنبي فهذه ناصيتي بين يديك قال فما لبثنا إلا يسيرا حتى انكشفت الريح
وانجلى ما كنا فيه وقال الموصلي قال عبد الصمد بن علي قلت للمهدى يا أمير
المؤمنين انا أهل بيت قد أشرب قلوبنا حب موالينا وتقديمهم وإنك قد صنعت
من ذلك ما أفرطت فيه قد وليتهم أمورك كلها وخصصتهم في ليلك ونهارك
ولا آمن تغيير قلوب جندك وقوادك من أهل خراسان قال يا أبا محمد ان الموالى
يستحقون ذلك ليس أحد يجتمع لي فيه أن أجلس للعامة فأدعو به فأرفعه حتى
تحك ركبته ركبتي ثم يقوم من ذلك المجلس فاستكفيه سياسة دابتي فيكفيها
لا يرفع نفسه عن ذلك إلا موالى هؤلاء فإنهم لا يتعاظمهم لي ذلك ولو أردت هذا
من غيرهم لقال أين وليك والمتقدم في دعوتك وأين من سبق إلى دعوتك
لا أدفعه عن ذلك قال علي بن محمد قال الفضل بن الربيع قال المهدى لعبد الله
ابن مالك صارع مولاي هذا فصارعه فأخذ بعنقه فقال المهدى شد فلما رأى
ذلك عبد الله أخذ برجله فسقط على رأسه فصرعه فقال عبد الله للمهدى
يا أمير المؤمنين قمت من عندك وأنا من أحب الناس إليك فلم تزل على مع مولاك
قال أما سمعت قول الشاعر
ومولاك لا يهضم لديك فإنما * هضيمة مولى القوم جدع المناخر
قال أبو الخطاب لما حضرت القاسم ين مجاشع التميمي من أهل مرو بقرية
يقال لها باران الوفاة أوصى إلى المهدى فكتب شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة
وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم إن الدين عند الله الاسلام
إلى آخر الآية ثم كتب والقاسم بن مجاشع يشهد بذلك ويشهد أن محمدا عبده
ورسوله صلى الله عليه وسلم وأن علي بن أبي طالب وصى رسول الله صلى الله
عليه وسلم ووارث الإمامة بعده قال فعرضت الوصية على المهدى فلما بلغ هذا
الموضع رمى بها ولم ينظر فيها قال أبو الخطاب فلم يزل ذلك في قلب أبى عبيد الله
الوزير فلما حضرته الوفاة كتب في وصيته هذه الآية قال وقال الهيثم بن عدي
دخل على المهدى رجل فقال يا أمير المؤمنين إن المنصور شتمني وقذف أمي فإما
397

أمرتني أن أحله وإلا عوضتني واستغفرت الله له قال ولم شتمك قال شتمت
عدوه بحضرته فغضب قال ومن عدوه الذي غضب لشتمه قال إبراهيم بن عبد الله
ابن حسن قال إن إبراهيم أمس به رحما وأوجب عليه حقا فإن كان شتمك كما
زعمت فعن رحمه ذب وعن عرضه دفع وما أساء من انتصر لابن عمه قال إنه
كان عدوا له قال فلم ينتصر للعداوة وإنما انتصر للرحم فأسكت الرجل فلما ذهب
ليولى قال لعلك أردت أمرا فلم تجد له ذريعة عندك أبلغ من هذه الدعوى قال
نعم قلل فتبسم وأمر له بخمسة آلاف درهم قال وأتى المهدى برجل قد تنبأ فلما
رآه قال أنت نبي قال نعم قال وإلى من بعثت قال وتركتموني أذهب إلى من
بعثت إليه وجهت بالغداة فأخذتموني بالعشي ووضعتموني في الحبس قال فضحك
المهدى منه وخلى سبيله * وذكر أبو الأشعث الكندي قال حدثني سليمان بن
عبد الله قال قال الربيع رأيت المهدى يصلى في بهو له في ليلة مقمرة فما أدرى
أهو أحسن أم البهو أم القمر أم ثيابه قال فقرأ هذه الآية (فهل عسيتم إن
توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم * قال فتم صلاته والتفت
إلى فقال يا ربيع قلت لبيك يا أمير المؤمنين قال على بموسى وقام إلى صلاته قال
فقلت من موسى ابنه موسى أو موسى بن جعفر وكان محبوسا عندي قال فجعلت
أفكر قال فقلت ما هو الا موسى بن جعفر قال فأحضرته قال فقطع صلاته وقال
يا موسى انى قرأت هذه الآية " فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض
وتقطعوا أرحامكم " فخفت أن أكون قد قطعت رحمك فوثق لي أنك لا تخرج
على قال فقال نعم فوثق له وخلاه * وذكر إبراهيم بن أبي على قال سمعت سليمان
ابن داود يقول سمعت المهدى يحدر بنا في محراب المسجد على اللحن اليتيم " ألم تر
إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت، في سورة النساء *
وذكر علي بن محمد بن سليمان قال حدثني أبي قال حضرت المهدى وقد جلس
للمظالم فتقدم إليه رجل من آل الزبير فذكر ضيعة اصطفاها عن أبيه بعض
ملوك بنى أمية ولا أدرى الوليد أم سليمان فأمر أبا عبيد الله أن يخرج ذكرها
398

من الديوان العتيق ففعل فقرأ ذكرها على المهدى وكان ذلك أنها عرضت على
عدة منهم لم يروا ردها منهم عمر بن عبد العزيز فقال المهدى يا زبيري هذا عمر بن
عبد العزيز وهو منكم معشر قريش كما علمتم لم يردها قال وكل أفعال عمر ترضى
قال وأي أفعاله لا ترضى قال منها أنه كان يفرض للسقط من بنى أمية في خرقه
في الشرف من العطاء ويفرض للشيخ من بني هاشم في ستين قال يا معاوية أكذلك
كان يفعل عمر قال نعم قال أردد على الزبيري ضيعته * وذكر عمر بن شبة أن
أبا سلمة الغفاري حدثه قال كتب المهدى إلى جعفر بن سليمان وهو عامل المدينة
أن يحمل إليه جماعة اتهموا بالقدر فحمل إليه رجالا منهم عبد الله بن أبي عبيدة بن محمد
ابن عمار بن ياسر وعبد الله بن يزيد بن قيس الهذلي وعيسى بن يزيد بن داب
الليثي وإبراهيم بن محمد بن أبي بكر الأسامي فأدخلوا على المهدى فانبرى له عبد الله
ابن أبي عبيدة من بينهم فقال هذا دين أبيك ورأيه قال لا ذاك عمى داود قال
لا إلا أبوك على هذا فارقنا وبه كان يدين فأطلقهم * وذكر علي بن محمد بن سليمان
النوفلي قال حدثني أبي عن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر
ابن أبي طالب قال رأيت فيما يرى النائم في آخر سلطان بنى أمية كأني دخلت
مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفعت رأسي فنظرت في الكتاب الذي في
المسجد بالفسافسا فإذا فيه مما أمر به أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك وإذا
قائل يقول يمحو هذا الكتاب ويكتب مكانه اسم رجل من بني هاشم يقال له محمد
فال فقلت أنا محمد وأنا من بني هاشم فابن من قال ابن عبد الله قلت فأنا ابن عبد الله
فأين من قال ابن محمد قلت فأنا ابن محمد فابن من قال ابن علي قلت فأنا ابن علي فابن
من قال ابن عبد الله قلت فأنا ابن عبد الله فأين من قال ابن عباس فلو لم أكن بلغت
العباس ما شككت أنى صاحب الامر قال فتحدثت بهذه الرؤيا في ذلك الدهر
ونحن لا نعرف المهدى فتحدث الناس بها فدخل مسجد رسول الله صلى الله عليه
وسلم فرفع رأسه فنظر فرأى اسم الوليد فقال وانى لارى اسم الوليد في مسجد
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم فدعا بكرسي فألقى له في صحن المسجد
399

وقال ما أنا ببارح حتى يمحى ويكتب اسمى مكانه وأمر أن يحضر العمال والسلاليم
وما يحتاج إليه فلم ببرح حتى غير وكتب اسمه * وذكر أحمد بن الهيثم القرشي قال
حدثنا عبد الله بن محمد بن عطاء قال خرج المهدى بعد هدأة من الليل يطوف
بالبيت فسمع أعرابية من جانب المسجد وهى تقول قومي مقترون نبت عنهم
العيون وفدحتهم الديون وعضتهم السنون بادت رجالهم وذهبت أموالهم وكثر
عيالهم أبناء سبيل وإنضاء طريق وصية الله ووصية الرسول فهل من آمر لي بخير
كلاه الله في سفره وخلفه في أهله قال فأمر نصيرا الخادم فدفع إليها خمسمائة
درهم * وذكر علي بن محمد بن سليمان قال سمعت أبي يقول كان أول من افترش
الطبري المهدى وذلك أن أباه كان أمره بالمقام بالري فأهدى إليه الطبري من
طبرستان فافترشه وجعل الثلج والخلاف حوله حتى فتح لهم الخيش فطاب لهم
الطبري فيه * وذكر محمد بن زياد قال قال المفضل قال لي المهدى أجمع لي الأمثال
مما سمعتها من البدو وما صح عندك قال فكتبت له الأمثال وحروب العرب مما
كان فيها فوصلني وأحسن إلى قال علي بن محمد كان رجل من ولد عبد الرحمن بن
سمرة أراد الوثوب بالشام فحمل إلى المهدى فخلى سبيله وأكرمه وقرب مجلسه
فقال له يوما أنشدني قصيدة زهير التي هي على الراء وهى
لمن الديار بقنة الحجر
فأنشده فقال السمري ذهب والله من يقال فيه مثل هذا الشعر فغضب المهدى
واستجهله ونحاه ولم يعاقبه واستحمقه الناس * وذكر أن أبا عون عبد الملك بن
يزيد مرض فعاده المهدى فإذا منزل رث وبناء سوء وإذا طاق صفته التي هو
فيها لبن قال وإذا مضربة ناعمة في مجلسه فجلس المهدى على وسادة وجلس أبو عون
بين يديه فبره المهدى وتوجع لعلته وقال أبو عون أرجو عافية الله يا أمير المؤمنين
وألا يميتني على فراشي حتى أقتل في طاعتك وإني لواثق بأن لا أموت حتى أبلى
الله في طاعتك ما هو أهله فإنا قد روينا وروينا قال فأظهر له المهدى رأيا جميلا
وقال أوصني بحاجتك وسلني ما أردت واحتكم في حياتك ومماتك فوالله لئن عجز
400

مالك عن شئ توصى به لاحتملنه كائنا ما كان فقل وأوص قال فشكر أبو عون
ودعا وقال يا أمير المؤمنين حاجتي أن ترضى عن عبد الله بن أبي عون وتدعو به
فقد طالت موجدتك عليه قال فقال يا أبا عون إنه على غير الطريق وعلى خلاف
رأينا ورأيك إنه يقع في الشيخين أبى بكر وعمر ويسئ القول فيهما قال فقال
أبو عون هو والله يا أمير المؤمنين على الامر الذي خرجنا عليه ودعونا إليه فإن كان
قد بدا لكم فمرونا بما أحببتم حتى نطيعكم قال فانصرف المهدى فلما كان
في الطريق قال لبعض من كان معه من ولده وأهله مالكم لا تكونون مثل
أبى عون والله ما كنت أظن منزله إلا مبينا بالذهب والفضة وأنتم إذا وجدتم
درهما بنيتم بالساج والذهب * وذكر أبو عبد الله قال حدثني أبي قال خطب
المهدى يوما فقال عباد الله اتقوا الله فقام إليه رجل فقال وأنت فاتق الله
فإنك تعمل بغير الحق قال فأخذ فحمل فجعلوا يتلقونه بنعال سيوفهم فلما أدخل
عليه قال يا ابن الفاعلة تقول لي وأنا على المنبر اتق الله قال سوءة لك لو كان هذا
من غيرك كنت المستعدى بك عليه قال ما أراك الا نبطيا قال ذاك أوكد للحجة
عليك أن يكون نبطي يأمرك بتقوى الله قال فرأى الرجل بعد ذلك فكان يحدث
بما جرى بينه وبين المهدى قال فقال أبى وأنا حاضر إلا أنى لم أسمع الكلام وقال
هارون بن ميمون الخزاعي حدثنا أبو خزيمة البادغيسي قال قال المهدى وما توسل
إلى أحد بوسيلة ولا تذرع بذريعة هي أقرب من تذكيره إياي يدا سلفت منى
إليه أتبعها أختها فأحسن ربها لان منع الأواخر يقطع شكر الأوائل قال
وذكر خالد بن يزيد بن وهب بن جرير أن أباه حدثه قال كان بشار بن برد بن
يرجوخ هجا صالح بن داود بن طهمان أخا يعقوب بن داود حين ولى البصرة فقال
هم حملوا فوق المنابر صالحا * أخاك فضجت من أخيك المنابر
فبلغ يعقوب بن داود هجاؤه فدخل على المهدى فقال يا أمير المؤمنين ان هذا
الأعمى المشرك قد هجا أمير المؤمنين قال ويلك وما قال قال يعفيني أمير المؤمنين
من إنشاده ذلك قال فأبى عليه إلا أن ينشده فأنشده
401

خليفة يزنى بعماته * يلعب بالدبوق والصولجان
أبدلنا الله به غيره * ودس موسى في حر الخيزران
قال فوجه في حمله فخاف يعقوب بن داود أن يقدم على المهدى فيمتدحه فيعفو
عنه فوجه إليه من يلقيه في البطيحة في الخرارة * وذكر عبد الله بن عمرو حدثني
جدي أبو الحي العبسي قال لما دخل مروان بن أبي حفصة على المهدى فأنشده شعره
الذي يقول فيه
أنى يكون وليس ذاك بكائن * لبنى البنات وراثة الأعمام
فأجازه بسبعين ألف درهم فقال مروان
بسبعين ألفا راشني من حبائه * وما نالها في الناس من شاعر قبلي
وذكر أحمد بن سليمان قال أخبرني أبو عدنان السلمي قال قال المهدى لعمارة
ابن حمزة من أرق الناس شعرا قال والبة بن الحباب الأسدي وهو الذي يقول
ولها ولا ذنب لها * حب كأطراف الرماح
في القلب يقدح والحشا * فالقلب مجروح النواحي
قال صدقت والله قال فما يمنعك من منادمته يا أمير المؤمنين وهو عربي شريف
شاعر ظريف قال يمنعني والله من منادمته قوله
قلت لساقينا على خلوة * أدن كذا رأسك من رأسي
ونم على وجهك لي ساعة * إني امرؤ أنكح جلاسى
أفتريد أن تكون جلاسه على هذه الشريطة * وذكر محمد بن سلام أنه كان في زمان
المهدى إنسان ضعيف يقول الشعر إلى أن مدح المهدى قال فأدخل عليه فأنشده
شعرا يقول فيه * وجوار زفرات * فقال له المهدى أي شئ زفرات قال وما تعرفها
أنت يا أمير المؤمنين قال لا والله قال فأنت أمير المؤمنين وسيد المسلمين وابن عم
رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعرفها أعرفها أنا كلا والله قال ابن سلام أخبرني
غير واحد أن طريح بن إسماعيل الثقفي دخل على المهدى فانتسب له وسأله أن
يسمع منه فقال ألست الذي يقول للوليد بن يزيد
402

أنت ابن مسلنطح البطاح ولم * يطرق عليك الحنى والولج
والله لا تقول لي في مثل هذا أبدا ولا أسمع منك شعرا وإن شئت وصلتك
وذكر أن المهدى أمر بالصوم سنة 66 ليستسقى للناس في اليوم الرابع فلما كان في
الليلة الثالثة أصابهم الثلج فقال لقيط بن بكير المحاربي في ذلك
يا إمام الهدى سقينا بك الغيث * وزالت عنا بك اللاواء
بت تعبي بالحفظ والناس نوا * م عليهم من الظلام غطاء
رقدوا حيث طال ليلك فيهم * لك خوف تضرع وبكاء
قد عنتك الأمور منهم على الغفلة * له من معشر عصوا وأساؤا
وسقينا وقد قحطنا وقلنا * سنة قد تنكرت حمراء
بدعاء أخلصته في سواد ال‍ * - ليل لله فاستجيب الدعاء
بثلوج تحيى بها الأرض حتى * أصبحت وهى زهرة خضراء
* وذكر أن الناس في أيام المهدى صاموا شهر رمضان في صميم الصيف وكان
أبو دلامة إذ ذاك يطالب بجائزة وعدها إياه المهدى فكتب إلى المهدى رقعة
يشكو إليه فيها ما لقى من الحر والصوم فقال في ذلك
أدعوك بالرحم التي جمعت لنا * في القرب بين قريبنا والابعد
ألا سمعت وأنت أكرم من مشى * من منشد يرجو جزاء المنشد
حل الصيام فصمته متعبدا * أرجو ثواب الصائم المتعبد
وسجدت حتى جبهتي مشجوجة * مما أكلف من نطاح المسجد
قال فلما قرأ المهدى الرقعة دعا به فقال أي قرابة بيني وبينك يا ابن اللخناء قال
رحم آدم وحواء فضحك منه وأمر له بجائزة * وذكر علي بن محمد قال حدثني أبي
عن إبراهيم بن خالد المعيطي قال دخلت على المهدى وقد وصف له غناتي
فسألني عن الغناء وعن علمي به وقال لي تغنى النواقيس قلت نعم والصليب يا أمير
المؤمنين فصرفني وبلغني أنه قال معيطي ولا حاجة لي إليه فيمن أدنيه من خلوي
ولا آنس به ولمعبد المغنى النواقيس في هذا الشعر
403

سلى دار ليلى هل تجيب فتنطق * وأنى ترد القول بيداء سملق
وأنى ترد القول دار كأنها * لطول بلاها والتقادم مهرق
* وذكر قعنب بن محرز أبو عمرو الباهلي أن الأصمعي حدثه قال رأيت
حكم الوادي حين مضى المهدى إلى بيت المقدس فعرض له في الطريق وكان له
شعيرات وأخرج دفا له يضربه وقال أنا القائل
فمتى تخرج العرو * س فقد طال حبسها
قد دنا الصبح أو بدا * وهى لم تقض لبسها
فتسرع إليه الحرس فصيح بهم كفوا وسأل عنه فقيل حكم الوادي فأدخله
إليه ووصله * وذكر علي بن محمد أنه سمع أباه يقول دخل المهدى بعض دوره
يوما فإذا جارية له نصرانية وإذا جيبها واسع وقد انكشف عما بين ثدييها وإذا
صليب من ذهب معلق في ذلك الموضع فاستحسنه فمد يده إليه فجذبه فأخذه فولولت
على الصليب فقال المهدى في ذلك
يوم نازعتها الصليب فقالت * ويح نفسي أما تحل الصليبا
قال وأرسل إلى بعض الشعراء فأجازه وأمر به فغنى فيه وكان معجبا
بهذا الصوت قال وسمعت أبي يقول إن المهدى نظر إلى جارية له عليها تاج فيه
نرجس من ذهب وفضة فاستحسنه فقال * يا حبذا النرجس في التاج *
فارتج عليه فقال من بالحضرة قالوا عبد الله بن مالك فدعاه فقال إني رأيت
جارية لي فاستحسنت تاجا عليها فقلت * يا حبذا النرجس في التاج
فتستطيع أن تزيد فيه قال نعم يا أمير المؤمنين ولكن دعني أخرج فأفكر
قال شأنك فخرج وأرسل إلى مؤدب لولده فسأله أجازته فقال
* على جبين لاح كالعاج *
وأتمها أبياتا أربعة فأرسل بها عبد الله إلى المهدى فأرسل إليه المهدى بأربعين
ألفا فأعطى المؤدب منها أربعة آلاف وأخذ الباقي لنفسه وفيها غناء معروف *
وذكر أحمد بن موسى بن مضر أبو علي قال أنشدني التوزي في حسنة جاريته
404

أرى ماء وبي عطش شديد * ولكن لا سبيل إلى الورود
أما يكفيك أنك تملكيني * وأن الناس كلهم عبيدي
وأنك لو قطعت يدي ورجلي * لقلت من الرضى أحسنت زيدي
* وذكر علي بن محمد عن أبيه قال رأيت المهدى وقد دخل البصرة من قبل سكة
قريش فرأيته يسير والبابوقة بين يديه بينه وبين صاحب الشرطة عليها قباء أسود متقلدة
سيفا في هيئة الغلمان قال وإني لارى في صدرها شيئا من ثدييها قال على وحدثني أبي
قال قدم المهدى إلى البصرة فمر في سكة قريش وفيها منازلنا وكانت الولاة لا تمر
فيها إذا قدم الوالي كانوا يتشاءمون بها قل وال مر فيها فأقام في ولايته إلا يسيرا
حتى يعزل ولم يمر فيها خليفة قط إلا المهدى كانوا يمرون في سكة عبد الرحمن
ابن سمرة وهى تساوى سكة قريش فرأيت المهدى يسير وعبد الله بن مالك على
شرطه يسير أمامه في يده الحربة وابنته البانوقة تسير بينه وبين يديه وبين صاحب
الشرطة في هيثة الفتيان عليها قباء أسود ومنطقة وشاشية متقلدة السيف وإني
لارى ثدييها قد رفعا القباء لنهودهما قال وكانت البانوقة سمراء حسنة القد حلوة
فلما ماتت وذلك ببغداد أظهر عليها المهدى جزعا لم يسمع بمثله فجلس للناس يعزونه
وأمر ألا يحجب عنه أحدا فأكثر الناس في التعازي واجتهدوا في البلاغة وفى الناس
من ينتقد هذا عليهم من أهل العلم والأدب فأجمعوا على أنهم لم يسمعوا تعزية
أو جزو لا أبلغ من تعزية شبيب بن شيبة فإنه قال يا أمير المؤمنين الله خير لها منك
وثواب الله خير لك منها وأنا أسأل الله ألا يحزنك ولا يفتنك * وذكر صباح
ابن عبد الرحمن قال حدثني أبي قال توفيت البانوقة بنت المهدى فدخل عليه شبيب
ابن شيبة فقال أعطاك الله يا أمير المؤمنين على ما رزئت أجرا وأعقبك صبرا
لا أجهد الله بلاءك بنقمة ولا نزع منك نعمة ثواب الله خير لك منها ورحمة الله
خير لها منك وأحق ما صبر عليه مالا سبيل إلى رده
405

خلافة الهادي
(وفى هذه السنة) بويع لموسى بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله
ابن العباس بالخلافة يوم توفى المهدى وهو مقيم بجرجان يحارب أهل طبرستان
وكانت وفاة المهدى بماسبذان ومعه ابنه هارون ومولاه الربيع ببغداد خلفه بها
فذكر أن الموالى والقواد لما توفى المهدى اجتمعوا إلى ابنه هارون وقالوا له
إن علم الجند بوفاة المهدى لم تأمن الشغب والرأي أن يحمل وتنادى في الجند
بالقفل حتى تواريه ببغداد فقال هارون ادعوا إلى أبى يحيى بن خالد البرمكي
وكان المهدى ولى هارون المغرب كله من الأنبار إلى إفريقية وأمر يحيى بن خالد
أن يتولى ذلك فكانت إليه أعماله ودواوينه يقوم بها ويخلفه على ما يتولى منها
إلى أن توفى قال فصار يحيى بن خالد إلى هارون فقال له يا أبت ما تقول فيما يقول
عمر بن بزيع ونصير والمفضل قال وما قالوا فأخبره قال ما أرى ذلك قال ولم قال
لان هذا ما لا يخفى ولا آمن إذا علم الجند أن يتعلقوا بمحمله ويقولوا لا نخليه حتى
نعطى لثلاث سنين وأكثر ويتحكموا ويشتطوا ولكن أرى أن يوارى رحمه
الله ههنا وتوجه نصيرا إلى أمير المؤمنين الهادي بالخاتم والقضيب والتهئة والتعزية
فان البريد إلى نصير فلا ينكر خروجه أحدا إذ كان على بريد الناحية وأن تأمر
لمن معك من الجند بجوائز مائتين مائتين وتنادى فيهم بالقفول فإنهم إذا قبضوا
الدراهم لم تكن لهم همة سوى أهاليهم وأوطانهم ولا عرجة على شئ دون بغداد
قال ففعل ذلك وقال الجند لما قبضوا الدراهم بغداد بغداد بتبادرون إليها
ويبعثون على الخروج من ماسبذان فلما وافوا بغداد وعلموا خبر الخليفة ساروا
إلى باب الربيع فأحرقوه وطالبوا بالأرزاق وضجوا وقدم هارون بغداد فبعثت
الخيرزان إلى الربيع والى يحيى بن خالد تشاورهما في ذلك فأما الربيع فدخل عليها
وأما يحيى فلم يفعل ذلك لعله بشدة غيرة موسى قال وجمعت الأموال حتى أعطى
الجند لسنتين فسكتوا وبلغ الخبر الهادي فكتب إلى الربيع كتابا يتوعده فيه
406

بالقتل وكتب إلى يحيى بن خالد يجزيه الخير ويأمره أن يقوم من أمر هارون
بما لم يزل يقوم به وأن يتولى أموره وأعماله على ما لم يزل يتولاه قال فبعث
الربيع إلى يحيى بن خالد وكان يوده ويثق به ويعتمد على رأيه يا أبا على ما ترى فإنه
لا صبر لي على جر الحديد قال أرى ألا تبرح موضعك وأن توجه ابنك الفضل
يستقبله ومعه من الهدايا والطرف ما أمكنك فانى لأرجو أن لا يرجع الا وقد
كفيت ما تخاف إن شاء الله قال وكانت أم الفضل ابنه بحيث تسمع منهما مناجاتهما
فقلت له نصحك والله قال فانى أحب أن أوصى إليك فانى لا أدرى ما يحدث
فقالت لست أنفرد لك بشئ ولا أدع ما يجب وعندي في هذا وغيره ما تحب
ولكن أشرك معي في ذلك الفضل ابنك وهذه المرأة فإنها جزلة مستحقة لذلك منك
ففعل الربيع ذلك وأوصى إليهم قال الفضل بن سليمان ولما شغب الجند على الربيع ببغداد
وأخرجوا من كان في حبسه وأحرقوا أبواب دوره في الميدان حضر العباس بن
محمد وعبد الملك بن صالح ومحرز بن إبراهيم ذلك فرأى العباس أن يرضوا وتطيب
أنفسهم وتفرق جماعتهم باعطائهم أرزاقهم فبذل ذلك لهم فلم يرضوا ولم يثقوا مما
ضمن لهم من ذلك حتى ضمنه محرز بن إبراهيم فقنعوا بضمانه وتفرقوا فوفى لهم
بذلك وأعطوا رزق ثمانية عشر شهرا وذلك قبل قدوم هارون فلما قدم وكان هو
خليفة موسى الهادي ومعه الربيع وزيرا له فوجه الوفود إلى الأمصار ونعى إليهم
المهدى وأخذ بيعتهم لموسى الهادي وله بولاية العهد من بعده وضبط أمر بغداد
وقد كان نصير الوصيف شخص من ماسبذان من يومه إلى جرجان بوفاة
المهدى والبيعة له فلما صار إليه نادى بالرحيل وخرج من فوره على البريد جوادا
ومعه من أهل بيته وإبراهيم وجعفر ومن الوزراء عبيد الله بن زياد الكاتب
صاحب رسائله ومحمد بن جميل كاتب جنده فلما شارف مدينة السلام استقبله
الناس من أهل بيته وغيرهم وقد كان احتمل على الربيع ما كان منه وما صنع من
توجيه الوفود وإعطائه الجنود قبل قدومه وقد كان الربيع وجه ابنه الفضل
فتلقاه بما أعد له من الهدايا فاستقبله بهمذان فأدناه وقربه وقال كيف خلفت
407

مولاي فكتب بذلك إلى أبيه فاستقبله الربيع فعاتبه الهادي فاعتذر إليه وأعلمه
السبب الذي دعاه إلى ذلك فقبله وولاه الوزارة مكان عبيد الله بن زياد بن أبي ليلى
وضم إليه ما كان عمر بن بزيع يتولاه من الزمام وولى محمد بن جميل ديوان خراج
العراقين وولى عبيد الله بن زياد خراج الشأم وما يليه وأقر على حرسه علي بن عيسى
ابن ماهان وضم إليه ديوان الجند وولى شرطه عبد الله بن مالك مكان عبد الله بن
حازم وأقر الخاتم في يد علي بن يقطين وكانت موافاة موسى الهادي بغداد عند
منصرفه من جرجان لعشر بقين من صفر من هذه السنة سار فيما ذكر عنه من
جرجان إلى بغداد في غشرين يوما فلما قدمها نزل القصر الذي يسمى الخلد فأقام
به شهرا ثم تحول إلى بستان أبى جعفر ثم تحول إلى عيساباذ (وفى هذه السنة)
هلك الربيع مولى أبى جعفر المنصور (وقد ذكر) علي بن محمد النوفلي أن أباه
حدثه أنه كان لموسى الهادي جارية وكانت حظية عنده وكانت تحبه وهو بجرجان
حين وجهه إليها المهدى فقالت أبياتا وكتبت إليه وهو مقيم بجرجان منها
يا بعيد المحل أمسى بجرجان نازلا
قال فلما جاءته البيعة وانصرف إلى بغداد لم تكن له همة غيرها فدخل عليها
وهى تغنى بأبياتها فأقام عندها يومه وليلته قبل أن يظهر لاحد من الناس (وفى
هذه السنة) اشتد طلب موسى الزنادقة فقتل منهم فيها جماعة فكان ممن قتل منهم
يزدان بن باذان كاتب يقطين وابنه علي بن يقطين من أهل النهروان ذكر عنه
أنه حج فنظر إلى الناس في الطواف يهرولون فقال ما أشبههم إلا ببقر تدوس في البيدر
وله يقول العلاء بن الحداد الأعمى
أيا أمين الله في خلقه * ووارث الكعبة والمنبر
ما ذا ترى في رجل كافر * يشبه الكعبة بالبيدر
ويجعل الناس إذا ما سعوا * حمرا تدوس البر والدوسر
فقتله موسى ثم صلبه فسقطت خشبته على رجل من الحاج فقتلته وقتلت حماره
408

وقتل من بني هاشم يعقوب بن الفضل * وذكر عن علي بن محمد الهاشمي قال كان
المهدى أتى بابن لداود بن علي زنديقا وأتى بيعقوب بن الفضل بن عبد الرحمن
ابن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب زنديقا في مجلسين متفرقين فقال لكل
واحد منهما كلاما واحدا وذلك بعد أن أقرا له بالزندقة أما يعقوب بن الفضل
فقال له أقربها بيني وبينك فإما أن أظهر ذلك عند الناس فلا أفعل ولو قرضتني
بالمقاريض فقال له ويلك لو كشفت لك السماوات وكان الامر كما تقول كنت
حقيقا أن تعصب لمحمد ولولا محمد صلى الله عليه وسلم من كنت هل كنت الا
إنسانا من الناس أما والله لولا أنى كنت جعلت لله على عهدا إذ ولاني هذا الامر
ألا أقتل هاشميا لما ناظرتك ولقتلتك ثم التفت إلى موسى الهادي فقال يا موسى
أقسمت عليك بحقي إن وليت هذا الامر بعدي ألا تناظر هما ساعة واحدة فمات
ابن داود بن علي في الحبس قبل وفاة المهدى وأما يعقوب فبقى حتى مات المهدى
وقدم موسى بن جرجان فساعة دخل ذكر وصية المهدى فأرسل إلى يعقوب
من ألقى عليه فراشا وأقعدت الرجال عليه حتى مات ثم لهى عنه ببيعته وتشديد
خلافته وكان ذلك في يوم شديد الحر فبقى يعقوب حتى مضى من الليل هدء فقيل
لموسى يا أمير المؤمنين إن يعقوب قد انتفخ وأروح قال ابعثوا به إلى أخيه إسحاق
ابن الفضل فخبروه أنه مات في السجن فجعل في زورق وأتى به إسحاق فنظر فإذا
ليس فيه موضع للغسل فدفنه في بستان له من ساعته وأصبح فأرسل إلى الهاشميين
يخبرهم بموت يعقوب ويدعوهم إلى الجنازة وأمر بخشبة فعملت في قد الانسان
فغشيت قطنا وألبسها أكفانا ثم حملها على السرير فلم يشك من حضرها أنه شئ
مصنوع وكان ليعقوب ولد من صلبه عبد الرحمن والفضل وأروى وفاطمة فاما
فاطمة فوجدت حبلى منه وأقرت بذلك قال علي بن محمد قال أبى فأدخلت فاطمة
وامرأة يعقوب بن الفضل وليست بهاشمية يقال لها خديجة على الهادي أو على
المهدى من قبل فأقرتا بالزندقة وأقرت فاطمة أنها حامل من أبيها فأرسل بهما
إلى ريطة بنت أبي العباس فرأتها مكتحلتين مختضبتين فعذلتهما وأكثرت على
409

الابنة خاصة فقالت أكرهني قالت فما بال الخضاب والكحل والسرور إن كنت
مكرهة ولعنتهما قال فخبرت أنهما فزعتا فماتتا فزعا ضرب على رؤوسهما بشئ
يقال له الرعبوب ففزعتا منه فماتتا وأما أروى فبقيت فتزوجها ابن عمها الفضل
ابن إسماعيل بن الفضل وكان رجلا لا بأس به في دينه (وفيها) قدم ونداهرمز
صاحب طبرستان إلى موسى بأمان فأحسن صلته ورده إلى طبرستان
ذكر بقية الخبر عن الاحداث التي كانت سنة تسع وستين ومائة
ومما كان فيها خروج الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي
ابن أبي طالب المقتول بفخ
ذكر الخبر عن خروجه ومقتله
* ذكر عن محمد بن موسى الخوارزمي أنه قال كان بين موت المهدى
وخلافة الهادي ثمانية أيام قال ووصل إليه الخبر وهو بجرجان وإلى أن
قدم مدينة السلام إلى خروج الحسين بن علي بن الحسن وإلى أن قتل الحسين
تسعة أشهر وثمانية عشر يوما * وذكر محمد بن صالح أن أبا حفص السلمي
حدثه * قال كان إسحاق بن عيسى بن علي على المدينة فلما مات المهدى واستخلف
موسى شخص إسحاق وافدا إلى العراق إلى موسى واستخلف على المدينة عمر
ابن عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب * وذكر الفضل بن إسحاق
الهاشمي أن إسحق بن عيسى بن علي استعفى الهادي وهو على المدينة واستأذنه
في الشخوص إلى بغداد فأعفاه وولى مكانه عمر بن عبد العزيز وأن سبب خروج
الحسين بن علي بن الحسن كان أن عمر بن عبد العزيز لما تولى المدينة كما ذكر الحسين
ابن محمد عن أبي حفص السلمي أخذ أبا الزفت الحسن بن محمد بن عبد الله بن الحسن
ومسلم بن جندب الشاعر الهذلي وعمر بن سلام مولى آل عمر على شراب لهم فأمر
بهم فضربوا جميعا ثم أمر بهم فجعل في أعناقهم حباب وطيف بهم في المدينة فكلم
فيهم وصار إليه الحسين بن علي فكلمه وقال ليس هذا عليهم وقد ضربتهم ولم يكن
لك أن تضربهم لان أهل العراق لا يرون به بأسا فلم تطوف بهم فبعث إليهم وقد
410

بلغوا البلاط فردهم وأمر بهم إلى الحبس فحبسوا يوما وليلة ثم كلم فيهم فأطلقهم
جميعا وكانوا يعرضون ففقد الحسن بن محمد وكان الحسين بن علي كفيله قال محمد
ابن صالح وحدثني عبد الله بن محمد الأنصاري أن العمرى كان كفل بعضهم من
بعض فكان الحسين بن علي بن الحسن ويحيى بن عبد الله بن الحسن كفيلين بالحسن
ابن محمد بن عبد الله بن الحسن وكان قد تزوج مولاة لهم سوداء ابنة أبى ليث مولى
عبد الله بن الحسن فكان يأتيها فيقيم عندها فغاب عن العرض يوم الأربعاء
والخميس والجمعة وعرضهم خليفة العمرى عشية الجمعة فأخذ الحسين بن علي
ويحيى بن عبد الله فسألهما عن الحسن بن محمد فغلظ عليهم بعض التغليظ ثم انصرف
إلى العمرى فأخبره خبرهم وقال له أصلحك الله الحسن بن محمد غائب مذ ثلاث
فقال ائتنى بالحسين ويحيى فذهب فدعا هما فلما دخلا عليه قال لهما أين الحسن بن محمد
قالا والله ما ندري إنما غاب عنا يوم الأربعاء ثم كان يوم الخميس فبلغنا أنه اعتل
فكنا نظن أن هذا اليوم لا يكون فيه عرض فكلمهما بكلام أغلظ لهما فيه فحلف
يحيى بن عبد الله ألا ينام حتى يأتيه به أو يضرب عليه باب داره حتى يعلم أنه قد
جاءه به فلما خرجا قال له الحسين سبحان الله ما دعاك إلى هذا ومن أين تجد حسنا
حلفت له بشئ لا تقدر عليه قال انما حلفت على حسن قال سبحان الله فعلى أي
شئ حلفت قال والله لا نمت حتى أضرب عليه باب داره بالسيف قال فقال
حسين نكسر بهذا ما كان بيننا وبين أصحابنا من الصلة قال قد كان الذي كان
فلا بد منه وكانوا قد تواعدوا على أن يخرجوا بمنى أو بمكة في الموسم فيما ذكروا
وقد كان قوم من أهل الكوفة من شيعتهم وممن كان بايع لحسين متكمنين في دار
فانطلقوا فعملوا في ذلك من عشيتهم ومن ليلتهم حتى إذا كان في آخر الليل خرجوا
وجاء يحيى بن عبد الله حتى ضرب باب دار مروان على العمرى فلم يجده فيها فجاء
إلى منزله في دار عبد الله بن عمر فلم يجده أيضا فيها وتوارى منهم فجاؤوا حتى
اقتحموا المسجد حتى إذا أذنوا بالصبح فجلس الحسين على المنبر وعليه عمامة
بيضاء وجعل الناس يأتون المسجد فإذا رأوهم رجعوا ولا يصلون فلما صلى الغداة
411

جعل الناس يأتونه ويبايعونه على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم للمرتضى
من آل محمد وأقبل خالد البربري وهو يومئذ على الصوافي بالمدينة قائد على مائتين
من الجند مقيمين بالمدينة وأقبل فيمن معه وجاء العمرى ووزير ابن إسحاق الأزرق
ومحمد بن واقد الشروى ومعهم ناس كثير فيهم الحسين بن جعفر بن الحسين بن
الحسين على حمار واقتحم خالد البربري الرحبة وقد ظاهر بين درعين وبيده السيف
وعمود في منطقته مصلتا سيفه وهو يصيح بحسين أنا كسكاس قتلني الله إن لم
أقتلك وحمل عليهم حتى دنا منهم فقام إليه ابنا عبد الله بن حسن يحيى وإدريس
فضربه يحيى على أنف البيضة فقطعها وقطع أنفه وشرقت عيناه بالدم فلم يبصر
قبرك يذبب عن نفسه بسيفه وهولا يبصر واستدار له إدريس من خلفه فضربه
وصرعه وعلواه بأسيافهما حتى قتلاه وشد أصحابهما على درعيه فخلعوهما عنه
وانتزعوا سيفه وعموده فجاءوا به ثم أمروا به فجر إلى البلاط وحملوا على أصحابه
فانهزموا قال عبد الله بن محمد هذا كله بعيني * وذكر عبد الله بن محمد أن خالدا
ضرب يحيى بن عبد الله فقطع البرنس وخلعت ضربته إلى يد يحيى فأثرت وضربه
يحيى على وجهه واستدار رجل أعور من أهل الجزيرة فأتاه من خلفه فضربه على
رجليه واعتوروه بأسيافهم فقتلوه قال عبد الله بن محمد ودخل عليهم المسودة
المسجد حين دخل الحسين بن جعفر على حماره وشدت المبيضة فأخرجوهم وصاح
بهم الحسين ارفقوا بالشيخ يعنى الحسين بن جعفر وانتهب بيت المال فأصيب
فيه بضعة عشر ألف دينار فضلت من العطاء وقيل إن ذلك كان سبعين ألف دينار
كان بعث بها عبد الله بن مالك يفرض بها من خزاعة قال وتفرق الناس وأغلق
أهل المدينة عليهم أبوابهم فلما كان من الغد اجتمعوا واجتمعت شيعة ولد العباس
فقاتلوهم بالبلاط فيما بين رحبة دار الفضل والزوراء وجعل المسودة يحملون على
المبيضة حتى يبلغوا بهم رحبة دار الفضل وتحمل المبيضة عليهم حتى يبلغ بهم
الزوراء وفشت الجراحات بنى الفريقين جميعا فاقتتلوا إلى الظهر ثم افترقوا فلما
كان في آخر النهار من اليوم الثاني يوم الأحد جاء الخبر بأن مباركا التركي ينزل
412

بئر المطلب فنشط الناس فخرجوا إليه فكلموه أن يجئ فجاء من الغد حتى أتى الثنية
واجتمع إليه شيعة بنى العباس ومن أراد القتال فاقتتلوا بالبلاط أشد قتال إلى
انتصاف النهار ثم تفرقوا وجاء هؤلاء إلى المسجد ومضى الآخرون إلى مبارك
التركي إلى دار عمر بن عبد العزيز بالثنية يقيل فيها وواعد الناس الرواح فلما غفلوا
عنه جلس على رواحله فانطلق وراح الناس فلم يجدوه فنا وشوهم شيئا من القتال إلى
المغرب ثم تفرقوا وأقام حسين وأصحابه أياما يتجهزون وكان مقامهم بالمدينة أحد
عشر يوما ثم خرج يوم أربعة وعشرين لست بقين من ذي القعدة فلما خرجوا
من المدينة عاد المؤذنون فأذنوا وعاد الناس إلى المسجد فوجدوا فيه العظام التي
كانوا يأكلون وآثارهم فجعلوا يدعون الله عليهم فعل الله بهم وفعل قال محمد بن
صالح فحدثني بصير بن عبد الله بن إبراهيم الجمحي أن حسينا لما انتهى إلى السوق
متوجها إلى مكة التفت إلى أهل المدينة وقال لا خلف الله عليكم بخير فقال الناس
وأهل السوق لابل أنت لا خلف الله عليك بخير ولا ردك وكان أصحابه يحدثونه
في المسجد فملؤوه قذرا وبولا فلما خرجوا غسل الناس المسجد قال وحدثني ابن
عبد الله بن إبراهيم قال أخذ أصحاب الحسين ستور المسجد فجعلوها خفاتين لهم قال
ونادى أصحاب الحسين بمكة أيما عبد أتانا فهو حر فأتاه العبيد وأتاه عبد كان لأبي
فكان معه فلما أراد الحسين أن يخرج أتاه أبى فكلمه وقال له عمدت إلى مماليك
لم تملكهم فأعتقتهم بم تستحل ذلك فقال حسين لأصحابه اذهبوا به فأي عبد عرفه
فادفعوه إليه فذهبوا معه فأخذ غلامه وغلامين لجيران لنا وانتهى خبر الحسين
إلى الهادي وقد كان حج في تلك السنة رجال من أهل بيته منهم محمد بن سليمان
ابن علي والعباس بن محمد وموسى بن عيسى سوى من حج من الاحداث وكان
على الموسم سليمان بن أبي جعفر فأمر الهادي بالكتاب بتولية محمد بن سليمان على
الحرب فقيل له عمك العباس بن محمد قال دعوني لا والله لا أخدع عن ملكي
فنفذ الكتاب بولاية محمد بن سليمان بن علي على الحرب فلقيهم الكتاب وقد
انصرفوا عن الحج وكان محمد بن سليمان قد خرج في عدة من السلاح والرجال وذلك
413

لان الطريق كان مخوفا معورا من الاعراب ولم يحتشد لهم حسين فأتاه خبرهم فهم
بصوبه فخرج بخدمه وإخوانه وكان موسى بن علي بن موسى قد صار ببطن نخل على
الثلاثين من المدينة فانتهى الخبر ومعه إخوانه وجواريه وانتهى الخبر إلى العباس
ابن محمد بن سليمان وكاتبهم وساروا إلى مكة فدخلوا فأقبل محمد بن سليمان وكانوا
أحرموا بعمرة ثم صاروا إلى ذي طوى فعسكروا بها ومعهم سليمان بن أبي جعفر
فانضم إليهم من وافى في تلك السنة من شيعة ولد العباس ومواليهم وقوادهم وكان
الناس قد اختلفوا في تلك السنة في الحج وكثروا جدا ثم قدم محمد بن سليمان قدامه
تسعين حافرا ما بين فرس إلى بغل وهو على نجيب عظيم وخلفه أربعون راكبا
على النجائب عليها الرحال وخلفهم ما بين راكب على الحمير سوى من كان معهم
من الرجالة وغيرهم وكثروا في أعين الناس جدا وملؤا فظنوا أنهم أضعافهم
فطافوا بالبيت وسعوا بين الصفا والمروة وحلوا من عمرتهم ثم مضوا فأتوا
ذا طوى ونزلوا وذلك يوم الخميس فوجه محمد بن سليمان أبا كامل مولى لإسماعيل بن علي
في نيف وعشرين فارسا وذلك يوم الجمعة فلقيهم وكان في أصحاب رجل يقال
له زيد كان انقطع إلى العباس فأخرجه معه حاجا لما رأى من عبادته فلما رأى القوم
قلب ترسه وسيفه وانقلب إليهم وذلك ببطن مر ثم ظفروا به بعد ذلك مشدخا
بالأعمدة فلما كان ليلة السبت وجهوا خمسين فارسا كان أول من ندبوا صباح
أبو الذيال ثم آخر ثم آخر ثم آخر فكان أبو خلوة الخادم مولى محمد خامسا فأتوا
المفضل مولى المهدى فأرادوا أن يصيروه عليهم فأبى وقال لا ولكن صيروا
عليهم غيري وأكون أنا معهم فصيروا عليهم عبد الله بن حميد بن رزين السمر قندي
وهو يومئذ شاب ابن ثلاثين سنة فذهبوا وهم خمسون فارسا وذلك ليلة السبت
فدنا القوم ورجعت الخيل وتعبأ الناس فكان العباس بن محمد وموسى بن عيسى
في الميسرة ومحمد بن سليمان في المدينة وكان معاذ بن مسلم فيما بين محمد بن سليمان
والعباس بن محمد فلما كان قبل طلوع الفجر جاء حسين وأصحابه فشد ثلاثة من
موالى سليمان بن علي أحدهم زنجويه غلام حسان فجاءوا برأس فطرحوه قدام محمد
414

ابن سليمان وقد كانوا قالوا من جاء؟ أس فله خمسمائة درهم وجاء أصحاب محمد فعرقبوا
الإبل فسقطت محاملها فقتلوهم وهزموهم وكانوا خرجوا من تلك الثنايا فكان الذين
خرجوا مما يلي محمد بن سليمان أقلهم وكان جلهم خرجوا مما يلي موسى بن عيسى وأصحابه
فكانت الصدمة بهم فلما فرغ محمد بن سليمان ممن يليه وأسفروا نظروا إلى الذين يلون موسى
ابن عيسى فإذا هم مجتمعون كأنهم كبة غزل التفت القلب والميمنة عليهم وانصرفوا
نحو مكة لا يدرون ما حال الحسين فما شعروا وهم بذى طوى أو قريبا منها إلا برجل
من أهل خراسان يقول البشرى البشرى هذا رأس حسين فأخرجه وبجبهته ضربة
طولا وعلى قفاه ضربة أخرى وكان الناس نادوا بالأمان حين فرغوا فجاء الحسن
ابن محمد أبو الزفت مغمضا إحدى عينيه قد أصابها شئ في الحرب فوقف خلف محمد
والعباس واستدار به موسى بن عيسى وعبد الله بن العباس فأمر به فقتل فغضب
محمد بن سليمان من ذلك غضبا شديدا ودخل محمد بن سليمان مكة من طريق والعباس
ابن محمد من طريق واحتزت الرؤس فكانت مائة رأس ونيفا فيها رأس سليمان بن
عبد الله بن حسن وذلك يوم التروية وأخذت أخت الحسين وكانت معه فصيرت
عند زينب بنت سليمان واختلطت المنهزمة بالحجاج فذهبوا وكان سليمان بن أبي جعفر
شاكيا فلم يحضر القتال ووافى عيسى بن جعفر الحج تلك السنة وكان مع أصحاب
حسين رجل أعمى يقص عليهم فقتل ولم يقتل أحد منهم صبرا قال الحسين بن محمد
ابن عبد الله وأسر موسى بن عيسى أربعة نفر من أهل الكوفة ومولى لبنى عجل وآخر
قال محمد بن صالح حدثني محمد بن داود بن علي قال حدثنا موسى بن عيسى قال قدمت
معي بستة أسارى وقال الهادي هيه تقتل أسيري فقلت يا أمير المؤمنين إني فكرت
فيه فقلت تجئ عائشة وزينب إلى أم أمير المؤمنين فتبكيان عندها وتكلمانها فتكلم
له أمير المؤمنين فيطلقه ثم قال هات الاسرى فقلت إني جعلت لهم العهد والمواثيق
بالطلاق والعتاق فقال ائتنى بهم وأمر باثنين فقتلا وكان الثالث منكرا فقلت
يا أمير المؤمنين هذا أعلم الناس بآل أبى طالب فإن استبقيته ذلك على كل بغية لك
فقال نعم والله يا أمير المؤمنين إني أرجو أن يكون بقائي صنعا لك فأطرق ثم قال
415

والله لافلاتك من يدي بعد أن وقعت في يدي لشديد فلم يزل يكلمه حتى أمر به
أن يؤخر وأمر أن يكتب له طلبته وأما الآخر فصفح عنه وأمر بقتل عذافر
الصيرفي وعلي بن السابق الفلاس الكوفي وأن يصلبا فصلبوهما بباب الجسر
وأسرا بفخ وغضب على مبارك التركي وأمر بقبض أمواله وتصييره في ساسة
الدواب وغضب على موسى بن عيسى لقتله الحسن بن محمد وأمر بقبض أمواله
وقال عبد الله بن عمر والثلجي حدثني محمد بن يوسف بن يعقوب الهاشمي قال
حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن عيسى قال أفلت إدريس بن عبد الله بن حسن
ابن حسن بن علي بن أبي طالب من وقعة فخ في خلافة الهادي فوقع إلى مصر
وعلى بريد مصر واضح مولى لصالح بن أمير المؤمنين المنصور وكان رافضيا خبيثا
فحمله على البريد إلى أرض المغرب فوقع بأرض طنجة بمدينة يقال لها وليلة فاستجاب
له من بها وبأعراضها من البربر فضرب الهادي عنق واضح وصلبه ويقال إن
الرشيد الذي ضرب عنقه وأنه دس إلى إدريس الشماخ اليمامي مولى المهدى وكتب
له كتابا إلى إبراهيم بن الأغلب عامله على أفريقية فخرج حتى وصل إلى وليلة وذكر
أنه متطبب وأنه من أوليائهم ودخل على إدريس فأنس به واطمأن إليه وأقبل
الشماخ يريه الاعظام له والميل إليه والايثار له فنزل عنده بكل منزلة ثم إنه شكا
إليه علة في أسنانه فأعطاه سنونا مسموما قاتلا وأمره أن يستن به عند طلوع الفجر
لليلته فلما طلع الفجر استن إدريس بالسنون وجعل يرده في فيه ويكثر منه فقتله
وطلب الشماخ فلم يظفر به وقدم على إبراهيم بن الأغلب فأخبره بما كان منه وجاءته
بعد مقدمه الاخبار بموت إدريس فكتب ابن الأغلب إلى الرشيد بذلك فولى
الشماخ بريد مصر وأخباره فقال في ذلك بعض الشعراء أظنه الهنازي
أتظن يا إدريس أنك مفلت * كيد الخليفة أو يفيد فرار
فليدركنك أو تحل ببلدة * لا يهتدى فيها إليك نهار
إن السيوف إذا انتضاها سخطه * طالت وقصر دونها الأعمار
ملك كأن الموت يتبع أمره * حتى يقال تطبعه الاقدار
416

وذكر الفضل بن إسحاق الهاشمي أن الحسين بن علي لما خرج بالمدينة وعليها
العمرى لم يزل العمرى مختفيا مقام الحسين بالمدينة حتى خرج إلى مكة وكان الهادي
وجه سليمان بن أبي جعفر لولاية الموسم وشخص معه من أهل بيته ممن أراد الحج
العباس بن محمد وموسى بن عيسى وإسماعيل بن عيسى بن موسى في طريق الكوفة
ومحمد بن سليمان وعدة من ولد جعفر بن سليمان على طريق البصرة ومن الموالى
مبارك التركي والمفضل الوصيف وصاعد مولى الهادي وكان صاحب الامر سليمان
ومن الوجوه المعروفين يقطين بن موسى وعبيد بن يقطين وأبو الورد عمر بن
مطرف فاجتمعوا عند الذي بلغهم من توجه الحسين ومن معه إلى مكة ورأسوا
عليهم سليمان بن أبي جعفر لولايته وكان قد جعل أبو كامل مولى إسماعيل على
الطلائع فلقوه بفخ وخلفوا عبيد الله بن قثم بمكة للقيام بأمرها وأمر أهلها وقد كان
العباس بن محمد أعطاهم الأمان على ما أحدثوا وضمن لهم الاحسان إليهم والصلة
لأرحامهم وكان رسولهم في ذلك المفضل الخادم فأبوا قبول ذلك فكانت الوقعة
فقتل من قتل وانهزم الناس ونودي فيهم بالأمان ولم يتبع هارب وكان فيمن هرب
يحيى وإدريس ابنا عبد الله بن حسن فأما إدريس فلحق بتاهرت من بلاد المغرب
فلجأ إليهم فأعظموه فلم يزل عندهم إلى أن تلطف له واحتيل عليه فهلك وخلفه ابنه
إدريس بن إدريس فهو إلى اليوم بتلك الناحية مالكين لها وانقطعت عنهم البعوث
قال المفضل بن سليمان لما بلغ العمرى وهو بالمدينة مقتل الحسين بفخ وثب على
دار الحسين ودور جماعة من أهل بيته وغيرهم ممن خرج مع الحسين فهدمها وحرق
النخل وقبض ما لم يحرقه وجعله في الصوافي والمقبوضة قال وغضب الهادي على
مبارك التركي لما بلغه من صدوده عن لقاء الحسين بعد أن شارف المدينة وأمر
بقبض أمواله وتصييره في سياسة دوابه فلم يزل كذلك إلى وفاة الهادي وسخط على
موسى بن عيسى لقتله الحسن بن محمد بن عبد الله أبى الزفت وتركه أن يقدم به أسيرا
فيكون المحكم في أمره وأمر بقبض أمواله فلم تزل مقبوضة إلى أن توفى موسى
وقدم على موسى ممن أسر بفخ الجماعة وكان فيهم عذافر الصيرفي وعلي بن سابق
417

الفلاس الكوفي فأمر بضرب أعناقهما وصلبهما بباب الجسر ببغداد ففعل ذلك
قال ووجه مهرويه مولاه إلى الكوفة وأمره بالتغليظ عليهم لخروج من خرج
منهم مع الحسين وذكر علي بن محمد بن سليمان بن عبد الله بن نوفل بن الحارث
ابن عبد المطلب قال حدثني يوسف البزم مولى آل الحسن وكانت أمه مولاة فاطمة
بنت حسن قال كنت مع حسين أيام قدم على المهدى فأعطاه أربعين ألف دينار
ففرقها في الناس ببغداد والكوفة والله ما خرج من الكوفة وهو يملك شيئا يلبسه
إلا فروا ما تحته قميص وإزار الفراش ولقد كان في طريقه إلى المدينة إذا نزل
استقرض من مواليه ما يقوم بمؤونتهم في يومهم قال على وحدثني السرى أبو بشر
وهو حليف بنى زهرة قال صليت الغداة في اليوم الذي خرج فيه الحسين بن علي
ابن الحسن صاحب فخ فصلى بنا حسين وصعد المنبر منبر رسول الله صلى الله عليه
وسلم فجلس وعليه قميص وعمامة بيضاء قد سدلها من بين يديه ومن خلفه وسيفه
مسلول قد وضعه بين رجليه إذ أقبل خالد البربري في أصحابه فلما أراد أن يدخل
المسجد بدره يحيى بن عبد الله فشد عليه البربري وإني لأنظر إليه فبدره يحيى بن
عبد الله فضربه عليه وجهه فأصاب عينيه وأنفه فقطع البيضة والقلنسوة حتى نظرت
إلى قحفه طائرا من موضعه وحمل على أصحابه فانهزموا ثم رجع إلى الحسين فقام بين يديه
وسيفه مسلول يقطر دما فتكلم حسين فحمد الله وأثنى عليه وخطب الناس فقال في
آخر كلامه يا أيها الناس أنا ابن رسول الله في حرم رسول الله وفى مسجد رسول الله
وعلى منبر نبي الله أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فإن لم أف
لكم بذلك فلا بيعة لي في أعناقكم قال وكان أهل الزيارة في عامهم ذلك كثيرا
فكانوا قد ملؤا المسجد فإذا رجل قد نهض حسن الوجه طويل القامة عليه رداء
ممشق أخذ بيد ابن له شاب جميل جلد فتخطى رقاب الناس حتى انتهى إلى المنبر
فدنا من حسين وقال أبا ابن رسول الله خرجت من بلد بعيد وابنى هذا معي وأنا
أريد حج بيت الله وزيارة قبر نبيه صلى الله عليه وسلم وما يخطر ببالي هذا الامر
الذي حدث منك وقد سمعت ما قلت فعندك وفاء بما جعلت على نفسك قال نعم
418

قال ابسط يدك فأبايعك قال فبايعه ثم قال لابنه ادن فبايع قال فرأيت والله
رؤسهما في الرؤس بمنى وذلك أن حججت في ذلك العام قال وحدثني جماعة
من أهل المدينة أن مباركا التركي أرسل إلى حسين بن علي والله لان أسقط من
السماء فتخطفني الطير أو تهوى بي الريح في مكان سحيق أيسر على من أن أشوكك
بشوكة أو أقطع من رأسك شعرة ولكن لابد من الاعذار فبيتني فانى منهزم
عنك فأعطاه بذلك عهد الله وميثاقه قال فوجه إليه الحسين أو خرج إليه في نفر
يسير فلما دنوا من عسكره صاحوا وكبروا فانهزم وانهزم أصحابه حتى لحق بموسى
ابن عيسى وذكر أبو المضرحي الكلابي قال أخبرني المفضل بن محمد بن المفضل بن
حسين بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب أن الحسين بن علي بن حسن
ابن حسن قال يومئذ في قوم لم يخرجوا معه وكان قد وعدوه أن يوافوه فتخلفوا
عنه متمثلا
من عاذ بالسيف لاقي فرصة عجبا * موتا على عجل أو عاش منتصفا
لا تقربوا السهل إن السهل يفسدكم * لن تدركوا المجد حتى تضربوا عنفا
وذكر الفضل بن العباس الهاشمي أن عبد الله بن محمد المنقري حدثه عن أبيه
قال دخل عيسى بن دأب على موسى بن عيسى عند منصرفه من فخ فوجده خائفا
يلتمس عذرا من قتل من قتل فقال له أصلح الله الأمير أنشدك شعرا كتب به
يزيد بن معاوية إلى أهل المدينة يعتذر فيه من قتل الحسين بن علي رضي الله عنه قال
أنشدني فأنشده فقال
يا أيها الراكب الغادي لطيته * على عذافرة في سيرها قحم
أبلغ قريشا على شحط المزار بها * بيني وبين حسين الله والرحم
وموقف بفناء البيت أنشده * عهد الاله وما ترعى له الذمم
عنفتم قومكم فخرا بأمكم * أم حصان لعمري برة كرم
هي التي لا يدانى فضلها أحد * بنت النبي وخير الناس قد علموا
وفضلها لكم فضل وغيركم * من قومكم لهم من فضلها قسم
419

إني لاعلم أو ظنا كعالمه * والظن يصدق أحيانا فينتظم
أن سوف يترككم ما تطلبون بها * قتلى تهاداكم العقبان والرخم
يا قومنا لا تشبوا الحرب إذ خمدت * ومسكوا بحبال السلم واعتصموا
لا تركبوا البغى إن البغى مصرعة * وإن شارب كأس البغى يتخم
قد جرب الحرب من كان قبلكم * من القرون وقد بادت بها الأمم
فأنصفوا قومكم لا تهلكوا بذخا * فرب ذي بذخ زلت به القدم
قال فسرى عن موسى بن عيسى بعض ما كان فيه وذكر عبد الله بن عبد الرحمن
ابن عيسى بن موسى أن العلاء حدثه أن الهادي أمير المؤمنين لما ورد عليه خلع
أهل فخ حلاليله يكتب كتابا بخطه فاغتم بخلوته مواليه وخاصته فدسوا غلاما له
فقالوا اذهب حتى تنظر إلى أي شئ انتهى الخبر قال فدنا من موسى فلما رآه قال
مالك فاعتل عليه قال فأطرق ثم رفع رأسه إليه فقال
رقد الالى ليس السرى من شأنهم * وكفاهم الإدلاج من لم يرقد
وذكر أحمد بن معاوية بن بكر الباهلي قال حدثنا الأصمعي قال قال محمد بن
سليمان ليلة فخ لعمرو بن أبي عمرو المدني وكان يرمى بين يديه بين الهدفين ارم
قال لا والله لا أرمى ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم إني إنما صحبتك لأرمي
بين يديك بين الهدفين ولم أصحبك لأرمي المسلمين قال فقال المخزومي ارم فرمى
فما مات إلا بالبرص قال ولما قتل الحسين بن علي وجاء برأسه يقطين بن موسى
فوضع بين يدي الهادي قال كأنكم والله جئتم برأس طاغوت من الطواغيت إن
أقل ما أجزيكم به أن أحرمكم جوائزكم قال فحرمهم ولم يعطهم شيئا وقال موسى
الهادي لما قتل الحسين متمثلا
فد أنصف القارة من راماها * إنا إذا ما فئة نلقاها * نرد أولاها على أخراها
وغزا الصائفة في هذه السنة معيوف بن يحيى من درب الراهب وقد كانت
الروم أقبلت مع البطريق إلى الحدث فهرب الوالي والجند وأهل الأسواق فدخلها
العدو ودخل أرض العدو معيوف بن يحيى فبلغ مدينة أشنة فأصابوا سبايا
420

وأسارى وغنموا (وحج) بالناس في هذه السنة سليمان بن أبي جعفر المنصور
وكان على المدينة عمر بن عبد العزيز العمرى وعلى مكة والطائف عبيد الله بن قثم
وعلى اليمن إبراهيم بن سلم بن قتيبة وعلى اليمامة والبحرين سويد بن أبي سويد
القائد الخراساني وعلى عمان الحسن بن تسنيم الحوارى وعلى صلاة الكوفة
وأحداثها وصدقاتها وبهقباذ الأسفل موسى بن عيسى وعلى صلاة البصرة
وأحداثها محمد بن سليمان وعلى قضائها عمر بن عثمان وعلى جرجان الحجاج مولى
الهادي وعلى قومس زياد بن حسان وعلى طبرستان والرويان صالح بن شيخ
ابن عميرة الأسدي وعلى أصبهان طيفور مولى الهادي
ثم دخلت سنة سبعين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك وفاة يزيد بن حاتم بإفريقية فيها ووليها بعده روح بن حاتم (وفيها)
مات عبد الله بن مروان بن محمد في المطبق (وفيها) توفى موسى الهادي بعيساباذ
واختلف في السبب الذي كان به وفاته فقال بعضهم كانت وفاته من قرحة كانت
في جوفه وقال آخرون كانت وفاته من قبل جوار لامه الخيزران كانت أمرتهن
بقتله لأسباب نذكر بعضها
ذكر الخبر عن السبب الذي من أجله كانت أمرتهن بقتله
ذكر يحيى بن الحسن أن الهادي نابذ أمه ونافرها لما صارت إليه الخلافة
فصارت خالصة إليه يوما فقالت إن أمك تستكسيك فأمر لها بخزانة مملوءة كسوة
قال ووجد للخيزران في منزلها من قراقر الوشى ثمانية عشر ألف قرقر قال وكانت
الخيزران في أول خلافة موسى تفتات عليه في أموره وتسلك به مسلك أبيه من
قبله في الاستبداد بالامر والنهى فأرسل إليها ألا تخرجي من خفر الكفاية إلى
بذاذة التبذل فإنه ليس من قدر النساء الاعتراض في أمر الملك وعليك بصلاتك
وتسبيحك وتبتلك ولك بعد هذا طاعة مثلك فيما يجب لك قال وكانت الخيزران
421

في خلافة موسى كثيرا ما تكلمه في الحوائج فكان يجيبها إلى كل ما تسأله حتى
مضى لذلك أربعة أشهر من خلافته وانثال الناس عليها وطمعوا فيها فكانت
المواكب تغدو إلى بابها قال فكلمته يوما في أمر لم يجد إلى إجابتها إليه سبيلا فاعتل
بعلة فقالت لا بد من إجابتي قال لا أفعل قالت فإني قد تضمنت هذه الحاجة لعبد الله
ابن مالك قال فغضب موسى وقال ويل على ابن الفاعلة قد علمت أنه صاحبها
والله لا قضيتها لك قالت إذا والله لا أسألك حاجة أبدا قال إذا والله لا أبالى وحمى
وغضب فقامت مغضبة فقال مكانك تستوعى كلامي والله وإلا فأنا نفى من قرابتي
من رسول الله صلى الله عليه وسلم لئن بلغني أنه وقف ببابك أحد من قوادى
أو أحد من خاصتي أو خدمي لا ضربن عنقه ولا قبضن ماله فمن شاء فليلزم ذلك
ما هذه المواكب التي تغدو وتروح إلى بابك في كل يوم أمالك مغزل يشغلك
أو مصحف يذكرك أو بيت يصونك إياك ثم إياك ما فتحت بابك لملى أو لذمي
فانصرفت ما تعقل ما تطأ فلم تنطق عنده بحلوة ولا مرة بعدها قال يحيى بن الحسن
وحدثني أبي قال سمعت خالصة تقول للعباس بن الفضل بن الربيع بعث موسى
إلى أمه الخيزران بأرزة وقال استبطتها فأكلت منها فكلي منها قالت خالصة فقلت
لها امسكي حتى تنظري فإني أخاف أن يكون فيها شئ تكرهينه فجاؤوا بكلب
فأكل منها فتساقط لحمه فأرسل إليها بعد ذلك كيف رأيت الإرزة فقالت وجدتها
طيبة فقال لم تأكلي ولو أكلت لكنت قد استرحت منك متى أفلح خليفة له أم
قال وحدثني بعض الهاشميين أن سبب موت الهادي كان أنه لما جد في خلع هارون
والبيعة لابنه جعفر وخافت الخيزران على هارون منه دست إليه من جواريها
لما مرض من قتله بالغم والجلوس على وجهه ووجهت إلى يحيى ين خالد إن الرجل
قد توفى فاجدد في أمرك ولا تقصر وذكر محمد بن عبد الرحمن بن بشار أن الفضل
ابن سعيد حدثه عن أبيه قال كان يتصل بموسى وصول القواد إلى أمه الخيزران
يؤملون بكلامها في قضاء حوائجهم عنده قال وكانت تريد أن تغلب على أمره كما
غلبت على أمر المهدى فكان يمنعها من ذلك ويقول ما للنساء والكلام في أمر
422

الرجال فلما كثر عليه مصير من يصير إليها من قواده قال يوما وقد جمعهم
أيما خير أنا أو أنتم قالوا بل أنت يا أمير المؤمنين قال فأيما خير أمي أو أمهاتكم
قالوا بل أمك يا أمير المؤمنين قال فأيكم يحب أن يتحدث الرجال بخبر أمه فيقولوا
فعلت أم فلان وصنعت أم فلان وقالت أم فلان قالوا ما أحد منا يحب ذلك قال
فما بال الرجال يأتون أمي فيتحدثون بحديثها فلما سمعوا ذلك انقطعوا عنها البتة
فشق ذلك عليها فاعتزلته وحلفت ألا تكلمه فما دخلت عليه حتى حضرته الوفاة
وكان السبب في إرادة موسى الهادي خلع أخيه هارون حتى اشتد عليه في ذلك
وجد فيما ذكر صالح بن سليمان أن الهادي لما أفضت إليه الخلافة أقر يحيى
ابن خالد على ما كان يلي هارون من عمل المغرب فأراد الهادي خلع هارون الرشيد
والبيعة لابنه جعفر بن موسى الهادي وتابعه على ذلك القواد منهم يزيد بن مزيد
وعبد الله بن مالك وعلي بن عيسى ومن أشبههم فخلعوا هارون وبايعوا لجعفر
ابن موسى ودسوا إلى الشيعة فتكلموا في أمره وتنقصوه في مجلس الجماعة وقالوا
لا نرضى به وصعب أمرهم حتى ظهر وأمر الهادي ألا يسار قدام الرشيد بحربة
فأجتنبه الناس وتركوه فلم يكن أحد يجترئ أن يسلم عليه ولا يقربه وكان يحيى
ابن خالد يقوم بإنزال الرشيد ولا يفارقه هو وولده فيما ذكر قال صالح وكان
إسماعيل بن صبيح كاتب يحيى بن خالد فأحب أن يضعه موضعا يستعلم له فيه
الاخبار وكان إبراهيم الحراني في موضع الوزارة لموسى فاستكتب إسماعيل ورفع
الخبر إلى الهادي وبلغ ذلك يحيى بن خالد فأمر إسماعيل أن يشخص إلى حران
فصار إليها فلما كان بعد أشهر سأل الهادي إبراهيم الحراني من كاتبك قال فلان
كاتب وسماه فقال أليس بلغني أن إسماعيل بن صبيح كاتبك قال باطل يا أمير
المؤمنين إسماعيل بحران قال وسعى إلى الهادي بيحيى بن خالد وقيل له انه ليس
عليك من هارون خلاف وانما يفسده يحيى بن خالد فابعث إلى يحيى وتهدده بالقتل
وأرمه بالكفر فأغضب ذلك موسى الهادي على يحيى بن خالد وذكر أبو حفص
الكرماني ان محمد بن يحيى بن خالد حدثه قال بعث الهادي إلى يحيى ليلا فأيس من
423

من نفسه وودع أهله وتحنط وجدد ثيابه ولم يشك انه يقتله فلما أدخل عليه قال يا يحيى
مالي ولك قال أنا عبدك يا أمير المؤمنين فما يكون من العبد إلى مولاه إلا طاعته قال فلم
تدخل بيني وبين أخي وتفسده على قال يا أمير المؤمنين من أنا حتى أدخل بينكما إنما صيرني
المهدى معه وأمرني بالقيام بأمره فقمت بما أمرني به ثم أمرتني بذلك فانتهيت إلى
أمرك قال فما الذي صنع هارون قال ما صنع شيئا ولا ذلك فيه ولا عنده قال فسكن
غضبه وقد كان هارون طاب نفسا بالخلع فقال له يحيى لا تفعل فقال أليس يترك
لي الهنئ والمرئ فهما يسعانني وأعيش مع ابنة عمى وكان هارون يجد بأم جعفر
وجدا شديدا فقال له يحيى وأين هذا من الخلافة ولعلك ألا يترك هذا في يدك حتى
يخرج أجمع ومنعه من الإجابة قال الكرماني فحدثني صالح بن سليمان قال بعث
الهادي إلى يحيى بن خالد وهو بعيساباذ ليلا فراعه ذلك فدخل عليه وهو في خلوة
فأمر بطلب رجل كان أخافه فتغيب عنه وكان الهادي يريد أن ينادمه ويمنعه مكانه
من هارون فنادمه وكلمه يحيى فيه فآمنه وأعطاه خاتم ياقوت أحمر في يده وقال
هذا أمانة وخرج يحيى فطلب الرجل وأتى الهادي به فسر بذلك قال وحدثني غير
واحد أن الرجل الذي طلبه كان إبراهيم الموصلي قال صالح بن سليمان قال الهادي
يوما للربيع لا يدخل على يحيى بن خالد إلا آخر الناس قال فبعث إليه الربيع وتفرغ
له قال فلما جلس من غد أذن حتى لم يبق أحد ودخل عليه يحيى وعنده عبد الصمد
ابن علي والعباس بن محمد وجلة أهله وقواده فما زال يدنيه حتى أجلسه بين يديه وقال
له إني كنت أظلمك وأكفرك فاجعلني في حل فتعجب الناس من اكرامه إياه
وقوله فقبل يحيى يده وشكر له فقال له الهادي من الذي يقول فيك يا يحيى:
لو يمس البخيل راحة يحيى * لسخت نفسه ببذل النوال
قال تلك راحتك يا أمير المؤمنين لا راحة عبدك قال وقال يحيى للهادي في خلع
الرشيد لما كلمه فيه يا أمير المؤمنين إنك إن حملت الناس على نكث الايمان هانت
عليهم أيمانهم وإن تركتهم على بيعة أخيك ثم بايعت لجعفر من بعده كان ذلك
أو كد لبيعته فقال صدقت ونصحت ولى في هذا تدبير قال الكرماني وحدثني
424

خزيمة بن عبد الله قال أمر الهادي بحبس يحيى بن خالد على ما أراده عليه من خلع
الرشيد فرفع إليه يحيى رقعة إن عندي نصيحة فدعا به فقال يا أمير المؤمنين أخلني
فأخلاه فقال يا أمير المؤمنين أرأيت إن كان الامر أسأل الله ألا نبلغه وأن يقدمنا
قبله أتظن أن الناس يسلمون الخلافة لجعفر وهو لم يبلغ الحلم ويرضون به لصلاتهم
وحجهم وغزوهم قال والله ما أظن ذلك قال يا أمير المؤمنين أفتأمن أن يسمو إليها
أهلك وجلتهم مثل فلان وفلان ويطمع فيها غيرهم فتخرج من ولد أبيك فقال له
نبهتني يا يحيى قال وكان يقول ما كلمت أحدا من الخلفاء كان أعقل من موسى قال
وقال له لو أن هذا الامر لم يعقد لأخيك أما كان ينبغي أن تعقده له فكيف بأن
تحله عنه وقد عقده المهدى له ولكن أرى أن تقر هذا الامر يا أمير المؤمنين على
حاله فإذا بلغ جعفر وبلغ الله به أتيته بالرشيد فخلع نفسه وكان أول من يبايعه
ويعطيه صفقة يده فقال فقبل الهادي قوله ورأيه وأمر بإطلاقه وذكر الموصلي
عن محمد بن يحيى قال كان عزم الهادي بعد كلام أبى له على خلع الرشيد وحمله عليه
جماعة من مواليه وقواده أجابه إلى الخلع أو لم يجبه واشتد غضبه منه وضيق عليه
وقال يحيى لهارون استأذنه في الخروج إلى الصيد فإذا خرجت فاستبعد ودافع
الأيام فرفع هارون رقعة يستأن فأذن له فمضى إلى قصر مقاتل فأقام به أربعين
يوما حتى أنكر الهادي أمره وغمه احتباسه وجعل يكتب إليه ويصرفه فتعلل
عليه حتى تفاقم الامر وأظهر شتمه وبسط مواليه وقواده ألسنتهم فيه والفضل
ابن يحيى إذ ذاك خليفة أبيه والرشيد بالباب فكان يكتب إليه بذلك فانصرف وطال
الامر قال الكرماني فحدثني يزيد مولى يحيى بن خالد قال بعثت الخيزران عاتكة
ظئرا كانت لهارون إلى يحيى فشقت جيبها بين يديه وتبكى إليه وتقول له قالت
لك السيدة الله الله في ابني لا تقتله ودعه يجيب أخاه إلى ما يسأله ويريده منه فبقاؤه
أحب إلى من الدنيا بجمع ما فيها قال فصاح بها وقال لها وما أنت وهذا إن يكن
ما تقولين فانى وولدي وأهلي سنقتل قبله فإن اتهمت عليه فلست بمتهم على نفسي
ولا عليهم قال ولما لم ير الهادي يحيى بن خالد يرجع عما كان عليه لهارون بما بذل له
425

من اكرام ولا أقطاع ولا صلة بعث إليه يتهدده بالقتل إن لم يكف عنه قال فلم تزل
تلك الحال من الخوف والخطر وماتت أم يحيى وهو في الخلد ببغداد لان هارون
كان ينزل الخلد ويحيى معه وهو ولى العهد نازل في داره يلقاه في ليله ونهاره وذكر
محمد بن القاسم بن الربيع قال أخبرني محمد بن عمرو الرومي قال حدثني أبي قال
جلس موسى الهادي بعد ما ملك في أول خلافته جلوسا خاصا ودعا بإبراهيم بن
جعفر بن أبي جعفر وإبراهيم بن سلم بن قتيبة والحراني فجلسوا عن يساره ومعهم
خادم له أسود يقال له أسلم ويكنى أبا سليمان وكان يثق به ويقدمه فبينا هو كذلك إذ
دخل صالح صاحب المصلى فقال هارون بن المهدى فقال ائذن له فدخل فسلم عليه وقبل
يديه وجلس عن يمينه بعيدا من ناحية فأطرق موسى ينظر إليه وأدمن ذلك ثم التفت
إليه فقال يا هارون كأني بك تحدث نفسك بتمام الرؤيا وتؤمل ما أنت منه بعيد ودون
ذلك خرط القتاد تؤمل الخلافة قال فبرك هارون على ركبتيه وقال يا موسى إنك
إن تجبرت وضعت وإن تواضعت رفعت وإن ظلمت ختلت وإني لأرجو أن
يفضى الامر إلى فأنصف إن ظلمت وأصل من قطعت وأصير أولادك أعلى من
أولادي وأزوجهم بناتي وأبلغ ما يجب من حق الامام المهدى قال فقال له موسى
ذلك الظن بك يا أبا جعفر ادن منى فدنا منه فقبل يديه ثم ذهب يعود إلى مجلسه فقال له
لا والشيخ والجليل والملك النبيل أعنى أباك المنصور لا جلست إلا معي وأجلسه في صدر
المجلس معه ثم قال يا حراني احمل إلى أخي ألف ألف دينار وإذا افتتح الخراج فاحمل إليه
النصف منه واعرض عليه ما في الخزائن من مالنا وما أخذ من أهل بيت اللعنة فيأخذ
جميع ما أراد قال ففعل ذلك ولما قام قال لصالح أدن دابته إلى البساط قال عمرو
الرومي وكان هارون يأنس بي فقمت إليه فقلت يا سيدي ما الرؤيا التي قال لك
أمير المؤمنين قال قال المهدى أريت في منامي كأني دفعت إلى موسى قضيبا وإلى
هارون قضيبا فأورق من قضيب موسى أعلاه قليلا فأما هارون فأورق قضيبه
من أوله إلى آخره فدعا المهدى الحكم بن موسى الضمري وكان يكنى أبا سفيان
فقال له عبر هذه الرؤيا فقال يملكان جميعا فأما موسى فتقل أيامه وأما هارون
426

فيبلغ مدى ما عاش خليفة وتكون أيامه أحسن أيام ودهره أحسن دهر قال ولم
يلبث إلا أياما يسيرة ثم اعتل موسى ومات وكانت علته ثلاثة أيام قال عمرو
الرومي أفضت الخلافة إلى هارون فزوج حمدونة من جعفر بن موسى وفاطمة
من إسماعيل بن موسى ووفى بكل ما قال وكان دهره أحسن الدهور * وذكر أن
الهادي كان قد خرج إلى الحديثة حديثة الموصل فمرض بها واشتد مرضه فانصرف
فذكر عمرو اليشكري وكان في الخدم قال انصرف الهادي من الحديثة بعد
ما كتب إلى جميع عماله شرقا وغربا بالقدوم عليه فلما نقل اجتمع القوم الذين
كانوا بايعوا لجعفر ابنه فقالوا إن صار الامر إلى يحيى قتلنا ولم يستبقنا فتآمروا
على أن يذهب بعضهم إلى يحيى بأمر الهادي فيضرب عنقه ثم قالوا لعل أمير المؤمنين
يفيق من مرضه فما عذرنا عنده فأمسكوا ثم بعث الخيزران إلى يحيى تعلمه أن الرجل
لمآبه وتأمره بالاستعداد لما ينبغي وكانت المستولية على أمر الرشيد وتدبير
الخلافة إلى أن هلك فأحضر الكتاب وجمعوا في منزل الفضل بن يحيى فكتبوا
لليلتهم كتبا من الرشيد إلى العمال بوفاة الهادي وأنهم قد ولاهم الرشيد وما كانوا
يلون فلما مات الهادي أنفذوها على البرد * وذكر الفضل بن سعيد أن أباه حدثه
أن الخيزران كانت قد حلفت ألا تكلم موسى الهادي وانتقلت عنه فلما حضرته
الوفاة وأتاها الرسول فأخبرها بذلك فقالت وما أصنع به فقالت لها خالصة قومي
إلى ابنك أيتها الحرة فليس هذا وقت تعتب ولا تغضب فقالت أعطوني ماء أتوضأ
للصلاة ثم قالت أما أنا كنا نتحدث أنه يموت في هذه الليلة خليفة ويملك خليفة
ويولد خليفة قال فمات موسى وملك هارون وولد المأمون قال الفضل فحدثت
بهذا الحديث عبد الله بن عبيد الله فساقه لي مثل ما حدثنيه أبى فقلت فمن أين كان
للخيزران هذا العلم قال إنها كانت قد سمعت من الأوزاعي * ذكر يحيى بن الحسن
أن محمد بن سليمان بن علي حدثه قال حدثتني عمتي زينب ابنة سليمان قالت لما
مات موسى بعيساباذ أخبرتنا الخيزران الخبر ونحن أربع نسوة أنا وأختي وأم الحسن
وعائشة بنيات سليمان ومعنا ريطة أم على فجاءت خالصة فقالت لها ما فعل الناس
427

قالت يا سيدتي مات موسى ودفنوه قالت إن كان مات موسى فقد بقى هارون
هات لي سويقا فجاءت بسويق فشربت وسقتنا ثم قالت هات لساداتي أربعمائة
ألف دينار ثم قالت ما فعل ابني هارون قالت حلف ألا يصلى الظهر الا ببغداد
قالت هاتوا الرحائل فما جلوسي ههنا وقد مضى فلحقته ببغداد
ذكر الخبر عن وقت وفاته ومبلغ سنه وقدر ولايته ومن صلى عليه
قال أبو معشر توفى موسى الهادي ليلة الجمعة للنصف من شهر ربيع الأول حدثنا
بذلك أحمد بن ثابت عمن ذكره عن إسحاق وقال الواقدي مات موسى بعيساباذ
للنصف من شهر ربيع الأول وقال هشام بن محمد هلك موسى الهادي لأربع عشرة
ليلة خلت من شهر ربيع الأول ليلة الجمعة في سنة 170 وقال بعضهم توفى ليلة الجمعة
لستة عشر يوما منه وكانت خلافته سنة وثلاثة أشهر وقال هشام ملك أربعة عشر
شهرا وتوفى وهو ابن ست وعشرين سنة وقال الواقدي كانت ولايته سنة وشهرا
واثنين وعشرين يوما وقال غيرهم توفى يوم السبت لعشر خلت من ربيع الأول
أو ليلة الجمعة وهو ابن ثلاث وعشرين سنة وكانت خلافته سنة وشهرا وثلاثة
وعشرين يوما وصلى عليه أخوه هارون بن محمد الرشيد وكان كنيته أبا محمد وأمه
الخيزران أم ولد ودفن بعيساباذ الكبرى في بستانه * وذكر الفضل بن إسحاق
أنه كان طويلا جسيما جميلا أبيض مشربا حمرة وكان بشفته العليا تقلص وكان
يلقب موسى أطبق وكان ولد بالسيروان من الري
ذكر أولاده
وكان له من الأولاد تسعة: سبعة ذكور وابنتان فأما الذكور أحدهم جعفر
وهو الذي كان يرشحه للخلافة والعباس وعبد الله واسحق وإسماعيل وسليمان
وموسى بن موسى الأعمى كلهم من أمهات أولاد وكان الأعمى وهو موسى ولد
بعد موت أبيه والابنتان إحداهما أم عيسى كانت عند المأمون والاخرى
أم العباس بنت موسى تلقب نونة
428

ذكر بعض أخباره وسيره
ذكر إبراهيم بن عبد السلام ابن أخي السندي أبو طوطة قال حدثني السندي بن
شاهك قال كنت مع موسى بجرجان فأتاه نعى المهدى والخلافة فركب البريد إلى
بغداد ومعه سعيد بن سلم ووجهني إلى خراسان فحدثني سعيد بن سلم قال سرنا بين
أبيات جرجان وبساتينها قال فسمع صوتا من بعض تلك البساتين من رجل يتغنى
فقال لصاحب شرطته على بالرجل الساعة قال فقلت يا أمير المؤمنين ما أشبه قصة
هذا الخائن بقصة سليمان بن عبد الملك قال وكيف قال قلت له كان سليمان بن
عبد الملك في متنزه له ومعه حرمه فسمع من بستان آخر صوت رجل يتغنى فدعا
صاحب شرطته فقال على بصاحب الصوت فأتى به فلما مثل بين يديه قال له ما حملك
على الغناء وأنت إلى جنبي ومعي حرمي أما علمت أن الرماك إذا سمعت صوت
الفحل حنت إليه يا غلام جبه فجب الرجل فلما كان في العام المقبل رجع سليمان
إلى ذلك المتنزه فجلس مجلسه الذي فيه فذكر الرجل وما صنع به فقال لصاحب
شرطته على بالرجل الذي كنا جببناه فأحضره فلما مثل بين يديه قال له إما بعت
فوفيناك وإما وهبت فكافأناك قال فوالله ما دعاه بالخلافة ولكنه قال له يا سليمان
الله الله إنك قطعت نسلى فذهبت بماء وجهي وحرمتني لذتي ثم تقول إما وهبت
فكافأناك وإما بعت فوفيناك لا والله حتى أقف بين يدي الله قال فقال موسى
يا غلام رد صاحب الشرطة فرده فقال لا تعرض للرجل * وذكر أبو موسى هارون
ابن محمد بن إسماعيل بن موسى الهادي أن علي بن صالح حدثه أنه كان يوما على
رأس الهادي وهو غلام وقد كان جفا المظالم عامة ثلاثة أيام فدخل عليه الحراني
فقال له يا أمير المؤمنين إن العامة لا تنقاد على ما أنت عليه لم تنظر في المظالم منذ
ثلاثة أيام فالتفت إلى وقال يا علي ائذن للناس على بالجفلي لا بالنقري فخرجت
من عنده أطير على وجهي ثم وقفت فلم أدر ما قال لي فقلت أراجع أمير المؤمنين
فيقول أتحجبني ولا تعلم كلامي ثم أدركني ذهني فبعثت إلى أعرابي كان قد وفد
وسألته عن الجفلى والنقري فقال الجفلى جفالة والنقري ينقر خواصهم فأمرت
429

بالستور فرفعت وبالأبواب ففتحت فدخل الناس على بكرة أبيهم فلم يزل ينظر
في المظالم إلى الليل فلما تقوض المجلس مثلت بين يديه فقال كأنك تريد أن تذكر
شيئا يا علي قلت نعم يا أمير المؤمنين كلمتني بكلام لم أسمعه قبل يومى هذا وخفت
مراجعتك فتقول أتحجبني وأنت لم تعلم كلامي فبعثت إلى أعرابي كان عندنا
ففسر لي الكلام فكافئه عنى يا أمير المؤمنين قال نعم مائة ألف درهم تحمل إليه
فقلت له يا أمير المؤمنين إنه أعرابي جلف وفى عشرة آلاف درهم ما أغناه وكفاه
فقال ويلك يا علي أجود وتبخل قال وحدثني علي بن صالح قال ركب الهادي
يوما يريد عيادة أمه الخيزران من علة كانت وجدتها فاعترضه عمر بن بزيع فقال له
يا أمير المؤمنين ألا أدلك على وجه هو أعود عليك من هذا فقال وما هو يا عمر
قال المظالم لم تنظر فيها منذ ثلاث قال فأومأ إلى المطرقة أن يميلوا إلى دار المظالم ثم
بعث إلى الخيزران بخادم من خدمه يعتذر إليها من تخلفه وقال قل لها إن عمر بن
بزيع أخبرنا من حق الله بما هو أوجب علينا من حقك فملنا إليه ونحن عائدون
إليك في غد إن شاء الله * وذكر عن عبد الله بن مالك أنه قال كنت أتولى الشرطة
للمهدى وكان المهدى يبعث إلى ندماء الهادي ومغنيه ويأمرني بضربهم وكان
الهادي يسألني الرفق بهم والترفيه لهم ولا ألتفت إلى ذلك وأمضى لما أمرني به
المهدى قال فلما ولى الهادي الخلافة أيقنت بالتلف فبعث إلى يوما فدخلت عليه
متكفنا متحنطا وإذا هو على كرسي والسيف والنطع بين يديه فسلمت فقال
لا سلم الله على الآخر تذكر يوم بعثت إليك في أمر الحراني وما أمر أمير المؤمنين به
من ضربه وحبسه فلم تجبني وفى فلان وفلان فجعل يعدد ندماءه فلم تلتفت إلى
قولي ولا أمرى قلت نعم يا أمير المؤمنين أفتأذن في استيفاء الحجة قال نعم قلت
ناشدتك بالله يا أمير المؤمنين أيسرك أنك وليتني ما ولاني أبوك فأمرتني بأمر
فبعث إلى بعض بنيك بأمر يخالف به أمرك فاتبعت أمره وعصيت أمرك قال
لا قلت فكذلك أنا لك وكذا كنت لأبيك فاستدناني فقبلت يديه فأمر بخلع
فصبت على وقال قد وليتك ما كنت تتولاه فامض راشدا فخرجت من عنده
430

فصرت إلى منزلي مفكرا في أمرى وآمره وقلت حدث يشرب والقوم الذين
عصيته في أمرهم ندماؤه ووزراؤه وكتابه فكأني بهم حين يغلب عليهم الشراب
قد أزالوا رأيه في وحملوه من أمرى على ما كنت أكره وأتخوفه قال فإني لجالس
وبين يدي بنية لي في وقتي ذلك والكانون بين يدي ورقاق أشطره بكامخ وأسخنه
وأضعه للصبية وإذا ضجة عظيمة حتى توهمت أن الدنيا قد اقتلعت وتزلزلت
بوقع الحوافر وكثرة الضوضاء فقلت هاه كان والله ما ظننت ووافاني من أمره
ما تخوفت فإذا الباب قد فتح وإذا الخدم قد دخلوا وإذا أمير المؤمنين الهادي على
حمار في وسطهم فلما رأيته وثبت عن مجلسي مبادرا فقبلت يده ورجله وحافر
حماره فقال لي يا عبد الله إني فكرت في أمرك فقلت يسبق إلى قلبك أنى إذا
شربت وحولي أعداؤك أزالوا ما حسن من رأيي فيك فأقلقك وأوحشك
فصرت إلى منزلك لأونسك وأعلمك أن السخيمة قد زالت عن قلبي لك فهات
فأطعمني مما كنت تأكل فافعل فيه ما كنت تفعل لتعلم أنى قد تحرمت بطعامك
وأنست بمنزلك فيزول خوفك ووحشتك فأدنيت إليه ذلك الرقاق والسكرجة
التي فيها الكامخ فأكل منها ثم قال هاتوا الزلة التي أزللتها لعبد الله من مجلسي
فأدخلت إلى أربعمائة بغل موقرة دراهم وقال هذه زلتك فاستعن بها على أمرك
واحتفظ لي هذه البغال عندك لعلى أحتاج إليها يوما لبعض أسفاري ثم قال أظلك
الله بخير وانصرف راجعا * فذكر موسى بن عبد الله أن أباه أعطاه بستانه الذي
كان وسط داره ثم بنى حوله معالف لتلك البغال وكان هو يتولى النظر إليها
والقيام عليها أيام حياة الهادي كلها * وذكر محمد بن عبد الله بن يعقوب بن داود
ابن طهمان السلمي قال أخبرني أبي قال كان علي بن عيسى بن ماهان يغضب
غضب الخليفة ويرضى رضى الخليفة وكان أبى يقول ما لعربي ولا لعجمي عندي
ما لعلي بن عيسى فإنه دخل إلى الحبس وفى يده سوط فقال أمرني أمير المؤمنين
موسى الهادي أن أضربك مائة سوط قال فأقبل يضعه على يدي ومنكبي يمسني به
مسا إلى أن عد مائة وخرج فقال له ما صنعت بالرجل قال صنعت به ما أمرت
431

قال فما حاله قال مات قال إنا لله وإنا إليه راجعون ويلك فضحتني والله عند الناس
هذا رجل صالح يقول الناس قتل يعقوب بن داود قال فلما رأى شدة جزعه
قال هو حي يا أمير المؤمنين لم يمت قال الحمد لله على ذلك قال وكان الهادي قد استخلف
حجابته بعد الربيع ابنه الفضل فقال له لا تحجب عنى الناس فان ذلك يزيل
عنى البركة ولا تلق إلى أمرا إذا كشفته أصبته باطلا فان ذلك يوقع الملك ويضر
بالرعية وقال موسى بن عبد الله أتى موسى برجل فجعل يقرعه بذنوبه ويتهدده
فقال له الرجل يا أمير المؤمنين اعتذاري مما تقر عنى به رد عليك واقراري يوجب
على ذنبا ولكني أقول
فإن كنت ترجو في العقوبة رحمة * قلا تزهدن عند المعافاة في الاجر
قال فأمر بإطلاقه * وذكر عمر بن شبة أن سعيد بن سلم كان عند موسى الهادي
فدخل عليه وفد اليوم وعلى سعيد بن سلم قلنسوة وكان قد صلع وهو حدث
فقال له موسى ضع قلنسوتك حتى تتشايخ بصلعتك * وذكر يحيى بن الحسن بن
عبد الخالق أن أباه حدثه قال خرجت إلى عيساباذ أريد الفضل بن الربيع فلقيت
موسى أمير المؤمنين وهو خليفة وأنا لا أعرفه فإذا هو في غلالة على فرس وبيده
قناة لا يدرك أحدا إلا طعنه فقال لي يا ابن الفاعلة قال فرأيت انسانا كأنه صنم
وكنت رأيته بالشام وكان فخذاه كفخذي بعير فضربت يدي إلى قائم السيف فقال
لي رجل ويلك أمير المؤمنين فحركت دابتي وكان شهريا حملني عليه الفضل بن الربيع
وكان اشتراه بأربعة آلاف درهم فدخلت دار محمد بن القاسم صاحب الحرس
فوقف على الباب وبيده القناة وقال اخرج يا ابن الفاعلة فلم أخرج ومر فمضى قلت
للفضل فانى رأيت أمير المؤمنين وكان من القصة كذا وكذا فقال لا أرى لك وجها
إلا ببغداد إذا جئت أصلى الجمعة فالقني قال فما دخلت عيساباذ حتى هلك الهادي *
وذكر الهيثم بن عروة الأنصاري أن الحسين بن معاذ بن مسلم وكان رضيع موسى
الهادي قال لقد رأيتني أخلو مع موسى فلا أجد له هيبة في قلبي عند الخلوة لما كان
يبسطني وصار عنى فأصرعه غير هائب له وأضرب به الأرض فإذا تلبس لبسة
432

الخلافة ثم جلس مجلس الامر والنهى قمت على رأسه فوالله ما أملك نفسي من
الرعدة والهيبة له * وذكر يحيى بن الحسن بن عبد الخالق أن محمد بن سعيد بن عمر
ابن مهران حدثه عن أبيه عن جده قال كانت المرتبة لإبراهيم بن سلم بن قتيبة عند
الهادي فمات ابن لإبراهيم يقال له سلم فأتاه موسى الهادي يعزيه عنه على حمار
أشهب لا يمنع مقبل ولا يرد عنه مسلم حتى نزل في رواقه فقال له يا إبراهيم
سرك وهو عدو وفتنة وحزنك وهو صلاة ورحمة فقال يا أمير المؤمنين ما بقى
منى جزء كان فيه حزن إلا وقد امتلا عزاء قال فلما مات إبراهيم صارت المرتبة
لسعيد بن سلم بعده * وذكر عمر بن شبة أن علي بن الحسين بن علي بن الحسين
ابن علي بن أبي طالب كان يلقب بالجزري تزوج رقية بنت عمرو العثمانية وكانت
تحت المهدى فبلغ ذلك موسى الهادي في أول خلافته فأرسل إليه فجهله وقال أعياك
النساء إلا امرأة أمير المؤمنين فقال ما حرم الله على خلقه إلا نساء جدي صلى الله
عليه وسلم فأما غيرهن فلا ولا كرامة فشجه بمخصرة كانت في يده وأمر بضربه
خمسمائة سوط فضرب وأراده أن يطلقها فلم يفعل فحمل من بين يديه في نطع فألقى
ناحية وكان في يده خاتم سرى فرآه بعض الخدم وقد غشى عليه من الضرب
فأهوى إلى الخاتم فقبض على يد الخادم فدقها فصاح وأتى موسى فأراه يده فاستشاط
وقال يفعل هذا بخادمي مع استخفافه بأبي وقوله لي وبعث إليه ما حملك على ما
فعلت قال قل له وسله ومره أن يضع يده على رأسك وليصدقك ففعل ذلك موسى
فصدقه الخادم فقال أحسن والله أنا أشهد أنه ابن عمى لو لم يفعل لانتفيت منه
وأمر بإطلاقه * وذكر أبو إبراهيم المؤذن أن الهادي كان يثب على الدابة وعليه
درعان وكان المهدى يسميه ريحانتي * وذكر محمد بن عطاء بن مقدم الواسطي
أن أباه حدثه أن المهدى قال لموسى يوما وقد قدم إليه زنديق فاستتابه فأبى أن
يتوب فضرب عنقه وأمر بصلبه يا بنى إن صار لك هذا الامر فتجرد لهذه
العصابة يعنى أصحاب مانى فإنها فرقة تدعو الناس إلى ظاهر حسن كاجتناب
الفواحش والزهد في الدنيا والعمل للآخرة ثم تخرجها إلى تحريم اللحم ومس
433

الماء الطهور وترك قتل الهوام تحرجا وتحوبا ثم تخرجها من هذه إلى عباده اثنين
أحدهما النور والآخر الظلمة ثم تبيح بعد هذا نكاح الأخوات والبنات
والاغتسال بالبول وسرقة الأطفال من الطرق لتنقذهم من ضلال الظلمة إلى
هداية النور فارفع فيها الخشب وجرد فيها السيف وتقرب بأمرها إلى الله لا شريك
له فانى رأيت جدك العباس في المنام قلدني بسيفين وأمرني بقتل أصحاب الاثنين
قال فقال موسى بعد أن مضت من أيامه عشرة أشهر أما والله لئن عشت لأقتلن
هذه الفرقة كلها حتى لا أترك منها عينا تطرف ويقال إنه أمر أن يهيأ له ألف
جذع فقال هذا في شهر كذا ومات بعد شهرين * وذكر أيوب بن عنابة أن
موسى بن صالح بن شيخ حدثه أن عيسى بن دأب كان أكثر أهل الحجاز أدبا
وأعذبهم ألفاظا وكان قد حظى عند الهادي حظوة لم تكن عنده لاحد وكان
يدعو له بمتكأ وما كان يفعل ذلك بأحد غيره في مجلسه وكان يقول ما استطلت
بك يوما ولا ليلة ولا غبت عن عيني إلا تمنيت ألا أرى غيرك وكان لذيذ
المفاكهة طيب المسامرة كثير النادرة جيد الشعر حسن الانتزاع له قال فأمر له
ذات ليلة بثلاثين ألف دينار فلما أصبح ابن دأب وجه قهرمانه إلى باب موسى
وقال له الق الحاجب وقل له يوجه إلينا بهذا المال فلقى الحاجب فأبلغه رسالته
فتبسم وقال هذا ليس إلى فانطلق إلى صاحب التوقيع ليخرج له كتابا إلى الديوان
فتدبره هناك ثم تفعل فيه كذا وكذا فرجع إلى ابن دأب فأخبره فقال دعها
ولا تعرض لها ولا تسأل عنها قال فبينا موسى في مستشرف له ببغداد إذ نظر
إلى ابن دأب قد أقبل وليس معه إلا غلام واحد فقال لإبراهيم الحراني أما
ترى ابن دأب ما غير من حاله ولا تزين له وقد بررناه بالأمس ليرى أثرنا
عليه فقال له إبراهيم فان أمرني أمير المؤمنين عرضت له بشئ من هذا قال لا
هو أعلم بأمره ودخل ابن دأب فأخذ في حديثه إلى أن عرض له موسى بشئ من
أمره فقال أرى ثوبك غسيلا وهذا شتاء يحتاج فيه إلى الجديد اللين فقال
يا أمير المؤمنين باعى قصير عما أحتاج إليه قال وكيف وقد صرفنا إليك من برنا
434

ما ظننا أن فيه صلاح شأنك قال ما وصل إلى ولا قبضته فدعا صاحب بيت مال
الخاصة فقال عجل له الساعة ثلاثين ألف دينار فأحضرت وحملت بين يديه *
وذكر علي بن محمد أن أباه حدثه عن علي بن يقطين قال إني لعند موسى ليلة
مع جماعة من أصحابه إذ أتاه خادم فساره بشئ فنهض سريعا وقال لا تبرحوا
ومضى فأبطأ ثم جاء وهو يتنفس فألقى بنفسه على فراشه يتنفس ساعة حتى استراح
ومعه خادم يحمل طبقا مغطى بمنديل فقام بين يديه فأقبل يرعد فعجبنا من ذلك
ثم جلس وقال للخادم ضع ما معك فوضع الطبق وقال ارفع المنديل فرفعه فإذا
في الطبق رأسا جاريتين لم أر والله أحسن من وجوههما قط ولا من شعورهما
وإذا على رؤسهما الجوهر منظوم على الشعر وإذا رائحة طيبة تفوح فأعظمنا ذلك
فقال أتدرون ما شأنهما قلنا لا قال بلغنا أنهما تتحابان قد اجتمعتا على الفاحشة
فوكلت هذا الخادم بهما ينهى إلى أخبارهما فجاءني فأجبرني أنهما قد اجتمعتا
فجئت فوجدتهما في لحاف واحد على الفاحشة فقتلتهما ثم قال يا غلام ارفع الرأسين
قال ثم رجع في حديثه كأن لم يصنع شيئا * وذكر أبو العباس بن أبي مالك اليمامي
أن عبد الله بن محمد البواب فال كنت أحجب الهادي خليفة الفضل بن الربيع قال
فإنه ذات يوم جالس وأنا في داره وقد تغدى ودعا بالنبيذ وقد كان قبل ذلك
دخل على أمه الخيزران فسألته أن يولى خاله الغطريف اليمن فقال أذكريني به
قبل أن أشرب قال فلما عزم على الشرب وجهت إليه منيرة أو زهرة تذكره فقال
ارجعي فقولي اختاري له طلاق ابنته عبيدة أو ولاية اليمن فلم تفهم إلا قوله اختاري
له فمرت فقالت قد اخترت له ولاية اليمن فطلق ابنته عبيدة فسمع الصياح فقال
ما لكم فأعلمته الخبر فقال أنت أخترت له فقالت ما هكذا أديت إلى الرسالة عنك
قال فأمر صالحا صاحب المصلى أن يقف بالسيف على رؤس الندماء ليطلقوا
نساءهم فخرج إلى بذلك الخدم ليعلموني ألا آذن لاحد قال وعلى الباب رجل
واقف متلفع بطيلسانه يراوح بين قدميه فعن لي بيتان فأنشدتهما وهما
خليلي من سعد ألما فسلما * على مريم لا يبعد الله مريما
435

وقولا لها هذا الفراق عزمته * فهل من نوال بعد ذاك فيعلما
قال فقال لي الرجل المتلفع بطيلسانه فنعلما فقلت ما الفرق بين يعلما ونعلما فقال
إن الشعر يصلحه معناه ويفسده معناه ما حاجتنا إلى أن يعلم الناس أسرارنا فقلت له
أنا أعلم بالشعر منك قال فلمن الشعر قلت للأسود بن عمارة النوفلي فقال لي فأنا
هو فدنوت منه فأخبرته خبر موسى واعتذرت إليه من مراحعتى إياه قال فصرف
دابته وقال هذا أحق منزل بأن يترك قال مصعب الزبيري قال أبو المعافى أنشدت
العباس بن محمد مديحا في موسى وهارون
يا خيزران هناك ثم هناك * إن العباد يسوسهم إبناك
قال فقال لي إني أنصحك قال اليماني لا تذكر أمي بخير ولا بشر * وذكر
أحمد بن صالح بن أبي فنن قال حدثني يوسف الصيقل الشاعر الواسطي قال كنا
عند الهادي بجرجان قبل الخلافة ودخوله بغداد فصعد مستشرفا له حسنا فغنى
بهذا الشعر
واستقلت رجالهم * بالردينى شرعا
فقال كيف هذا الشعر فأنشدوه فقال كنت أشتهي أن يكون هذا الغناء في
شعر أرق من هذا اذهبوا إلى يوسف الصيقل حتى يقول فيه قال فأتوني فأخبروني
الخبر فقلت
لا تلمني أن أجزعا * سيدي قد تمنعا
وا بلائي إن كان ما * بيننا قد تقطعا
إن موسى بفضله * جمع الفضل أجمعا
قال فنظر فإذا بعير أمامه فقال أو قروا هذا دراهم ودنانير واذهبوا بها إليه
قال فأتوني بالبعير موقرا * وذكر محمد بن سعد قال حدثني أبو زهير قال كان ابن دأب
أحظى الناس عند الهادي فخرج الفضل بن الربيع يوما فقال إن أمير المؤمنين
يأمر من ببابه بالانصراف فأما أنت يا ابن دأب فادخل قال ابن دأب فدخلت
عليه وهو منبطح على فراشه وإن عينيه لحمراوان من السهر وشرب الليل فقال لي
436

حدثني بحديث في الشراب فقلت نعم يا أمير المؤمنين خرجت رجلة من كنانة
ينتجعون الخمر من الشأم فمات أخ لأحدهم فجلسوا عند قبره يشربون فقال أحدهم
لا تصرد هامة من شربها * أسقه الخمر وإن كان قبر
أسق أوصالا وهاما وصدى * قاشعا يقشع قشع المبتكر
كان حرا فهوى فيمن هوى * كل عود وفنون منكسر
قال فدعا بدواة فكتبها ثم كتب إلى الحراني بأربعين ألف ألف درهم وقال
عشرة آلاف لك وثلاثون ألف للثلاثة الأبيات قال فأتيت الحراني فقال صالحنا
على عشرة آلاف على أنك تحلف لنا ألا تذكرها لأمير المؤمنين فحلفت ألا أذكرها
لأمير المؤمنين حتى يبدأني فمات ولم يذكرها حتى أفضت الخلافة إلى الرشيد *
وذكر أبو دعامة أن سلم بن عمرو الخاسر مدح موسى الهادي فقال
بعيساباذ حر من قريش * على جنباته الشرب الرواء
يعوذ المسلمون بحقوتيه * إذا ما كان خوف أو رجاء
وبالميدان دور مشرفات * يشيدهن قوم أدعياء
وكم من قائل إني صحيح * وتأباه الخلائق والرواء
له حسب يضن به ليبقى * وليس لما يضن به بقاء
على الضبي لوم ليس يخفى * يغطيه فينكشف الغطاء
لعمري لو أقام أبو خديج * بناء الدار ما انهدم البناء
قال وقال سلم الخاسر لما تولى الهادي الخلافة بعد المهدى
لقد فاز موسى بالخلافة والهدى * ومات أمير المؤمنين محمد
فمات الذي عم البرية فقده * وقام الذي يكفيك من يتفقد
وقال أيضا
تخفى الملوك لموسى عند طلعته * مثل النجوم لقرن الشمس إذ طلعا
وليس خلق يرى بدرا وطلعته * من البرية إلا ذل أو خضعا
وقال أيضا
437

لولا الخليفة موسى بعد والده * ما كان للناس من مهديهم خلف
ألا ترى أمة الأمي واردة * كأنها من نواحي البحر تغترف
من راحتي ملك قد عم نائله * كأن نائله من جوده سرف
وذكر إدريس بن أبي حفصة أن مروان بن أبي حفصة حدثه قال لما ملك
موسى الهادي دخلت عليه فأنشدته
إن خلدت بعد الإمام محمد * نفسي لما فرحت بطول بقائها
قال ومدحت فقلت فيه
بسبعين ألفا شد ظهري وراشني * أبوك وقد عاينت من ذاك مشهدا
وإني أمير المؤمنين لواثق * بأن لا يرى شربي لديك مصردا
فلما أنشدته قال ومن يبلغ مدى المهدى ولكنا سنبلغ رضاك قال وعاجلته
المنية فلم يعطني شيئا ولا أخذت من أحد درهما حتى قام الرشيد * وذكر هارون
ابن موسى القروي قال حدثني أبو غزية عن الضحاك بن معن السلمي قال دخلت
على موسى فأنشدته
يا منزلي شجو الفؤاد تكلما * فلقد أرى بكما الرباب وكلثما
ما منزلان على التقادم والبلى * أبكى لما تحت الجوانح منكما
رد السلام على كبير شاقه * طللان قد درسها فهاج فسلما
قال ومدحته فيها فلما بلغت
سبط الأنامل بالفعال أحاله * أن ليس يترك في الخزائن درهما
التفت إلى احمد الخازن فقال ويحك يا احمد كأنه نظر إلينا البارحة قال وكان قد
أخرج تلك الليلة مالا كثيرا ففرقه * وذكر عن إسحاق الموصلي أو غيره عن
إبراهيم قال كنا يوما عند موسى وعنده ابن جامع ومعاذ بن الطبيب وكان أول يوم
دخل علينا معاذ وكان معاذ حاذقا بالأغاني عارفا بأقدمها فقال من أطربني منكم
فله حكمه فغناه ابن جامع غناء فلم يحركه وفهمت غرضه في الأغاني فقال
هات يا إبراهيم فغنيته
438

سليمى أجمعت بينا * فأين نقولها أينا
فطرب حتى قام من مجلسه ورفع صوته وقال أعد فأعدت فقال هذا غرضي فاحتكم
فقلت يا أمير المؤمنين حائط عبد الملك وعينه الخرارة فدارت عيناه في رأسه حتى
صارتا كأنهما جمر تأن ثم قال يا ابن اللخناء أردت أن تسمع العاة أنك طربتني
وأنى حكمتك فأقطعتك أما والله لولا بادرة جهلك التي غلبت على صحيح عقلك
لضربت الذي فيه عيناك ثم أطرق هنيئة فرأيت ملك الموت بيني وبينه ينتظر
أمره ثم دعا إبراهيم الحراني فقال خذ بيد هذا الجاهل فأدخله بيت المال فليأخذ
منه ما شاء فأدخلني الحراني بيت المال فقال كم تأخذ قلت مائة بدرة قال دعني أؤامره
قال قلت فثمانين قال حتى أؤامره فعملت ما أراد فقلت سبعين بدرة لي وثلاثين
لك قال الآن جئت بالحق فشأنك فانصرفت بسبعمائة ألف وانصرف ملك الموت
عن وجهي وذكر علي بن محمد قال حدثني صالح بن علي بن عطية الأضخم عن
حكم الوادي قال كان الهادي يشتهى من الغناء الوسط الذي يقل ترجيعه ولا
يبلغ أن يستخف به جدا قال فبينا نحن ليلة عنده وعنده ابن جامع والموصلي والزبير
ابن دحمان والغنوي إذ دعا بثلاث بدور وأمر بهن فوضعن في وسط المجلس ثم
ضم بعضهن إلى بعض وقال من غناني صوتا في طريقي الذي أشتهيه فهن له كلهن
قال وكان فيه خلق حسن كان إذا كره شيئا لم يوقف عليه وأعرض عنه فغناه
ابن جامع فأعرض عنه وغنى القوم كلهم فأقبل يعرض حتى تغنيت فوافقت ما
يشتهى فصاح أحسنت أحسنت أسقوني فشرب وطرب فقمت فجلست على البدور
وعلمت انى قد حويتها فحضر ابن جامع فأحسن المحضر وقال يا أمير المؤمنين هو
والله كما قلت وما منا أحد إلا وقد ذهب عن طريقك غيره قال فقال هي لك
وشرب حتى بلغ حاجته على الصوت ونهض فقال مروا ثلاثة من الفراشين
يحملونها معه فدخل وخرجنا نمشي في الصحن منصرفين فلحقني ابن جامع فقلت
جعلت فداك يا أبا القاسم فعلت ما يفعل مثلك في نسبك فانظر فيها بما شئت فقال
هنأك الله وددنا أنا زد ناك ولحقنا الموصلي فقال أجزنا فقلت ولم لم تحسن محضرك
439

لا والله ولا درهما واحدا وذكر محمد بن عبد الله قال قال لي سعيد القارئ العلاف
وكان صاحب أبان القارئ إنه كان عند موسى جلساؤه فيهم الحراني وسعيد بن سلم
وغيرهما وكانت جارية لموسى تسقيهم وكانت ماجنة فكانت تقول لهذا يا جلفي
وتعبث بهذا وهذا ودخل يزيد بن مزيد فسمع ما تقول لهم فقال لها والله الكبير لئن قلت لي
مثل ما تقولين لهم لأضربنك ضربة بالسيف فقال لها موسى ويلك إنه والله يفعل
ما يقول فإياك قال فأمسكت عنه ولم تعابثه قط قال وكان سعيد العلاف وأبان
القارئ أباضيين وذكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن داود الكاتب قال حدثني
ابن القداح قال كانت للربيع جارية يقال لها أمة العزيز فائقة الجمال ناهدة الثديين
حسنة القوام فأهداها إلى المهدى فلما رأى جمالها وهيئتها قال هذه لموسى أصلح
فوهبها له فكانت أحب الخلق إليه وولدت له بنيه الأكابر ثم إن بعض أعداء
الربيع قال لموسى إنه سمع الربيع يقول ما وضعت بيني وبين الأرض مثل أمة
العزيز فغار موسى من ذلك غيرة شديدة وحلف ليقتلن الربيع فلما استخلف دعا
الربيع في بعض الأيام فتغدى معه وأكرمه وناوله كأسا فيها شراب عسل قال
فقال الربيع فعلمت أن نفسي فيها وأنى إن رددت الكأس ضرب عنقي مع ما قد علمت
أن في قلبه على من دخولي على أمه وما بلغه عنى ولم يسمع منى عذرا فشربتها وانصرف
الربيع إلى منزله فجمع ولده وقال لهم إني ميت في يومى هذا أو من غد فقال له ابنه
الفضل ولم تقول هذا جعلت فداك فقال إن موسى سقاني شربة سم بيده فأنا أجد
عملها في بدني ثم أوصى بما أراد ومات في يومه أو من غده ثم تزوج الرشيد أمة
العزيز بعد موت موسى الهادي فأولدها علي بن الرشيد وزعم الفضل بن سليمان
ابن إسحاق الهاشمي أن الهادي لما تحول إلى عيساباذ في أول السنة التي ولى الخلافة
فيها عزل الربيع عما كان يتولاه من الوزارة وديوان الرسائل وولى مكانه عمر
ابن بزيع وأقر الربيع على الزمام فلم يزل عليه إلى أن توفى الربيع وكانت وفاته بعد
ولاية الهادي بأشهر وأوذن بموته فلم يحضر جنازته وصلى عليه هارون الرشيد
وهو يومئذ ولى عهد وولى موسى مكان الربيع إبراهيم بن ذكوان الحراني واستخلف
440

على ما تولاه إسماعيل بن صبيح ثم عزله واستخلف بحيى بن سليم وولى إسماعيل
زمام ديوان الشأم وما يليها وذكر يحيى بن الحسن بن عبد الخالق خال الفضل بن
الربيع أن أباه حدثه أن موسى الهادي قال أريد قتل الربيع فما أدرى كيف أفعل
به فقال له سعيد بن سلم تأمر رجلا باتخاذ سكين مسموم وتأمر بقتله ثم تأمر
بقتل ذلك الرجل قال هذا الرأي فأمر رجلا فجلس له في الطريق وأمره بذلك
فخرج بعض خلفاء الربيع فقال له إنه قد أمر فيك بكذا وكذا فأخذ في غير ذلك
الطريق فدخل منزله فتمارض فمرض بعد ذلك ثمانية أيام فمات ميتة نفسه وكانت
وفاته سنة 169 وهو الربيع بن يونس
خلافة هارون الرشيد
بويع للرشيد هارون بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس
بالخلافة ليلة الجمعة الليلة التي توفى فيها أخوه موسى الهادي وكانت سنه يوم ولى
اثنتين وعشرين سنة وقيل كان يوم بويع بالخلافة ابن إحدى وعشرين سنة وأمه
أم ولد يمانية جرشية يقال لها خيزران وولد بالري لثلاث بقين ذي الحجة
سنة 145 في خلافة المنصور وأما البرامكة فإنها فيما ذكر تزعم أن الرشيد ولد أول
يوم من المحرم سنة 149 وكان الفضل بن يحيى ولد قبله بسبعة أيام وكان مولد
الفضل لسبع بقين من ذي الحجة سنة 148 فجعلت أم الفضل ظئرا للرشيد وهى
زينب بنت منير فأرضعت الرشد بلبان الفضل وأرضعت الخيزران الفضل بلبان
الرشيد وذكر سليمان بن أبي شيخ أنه لما كان الليلة التي توفى فيها موسى الهادي
أخرج هرثمة بن أعين هارون الرشيد ليلا فأقعده للخلافة فدعا هارون يحيى بن
خالد بن برمك وكان محبوسا وقد كان عزم موسى على قتله وقتل هارون الرشيد في
تلك الليلة قال فحضر يحيى وتقلد الوزارة ووجه إلى يوسف بن القاسم بن صبيح
الكاتب فأحضره وأمره بإنشاء الكتب فلما كان غداة تلك الليلة وحضر القواد
فأم يوسف بن القاسم فحمد الله وأثنى عليه وصلى على محمد صلى الله عليه وسلم ثم
441

تكلم بكلام أبلغ فيه وذكر موت موسى وقيام هارون بالامر من بعده وما أمر
به للناس من الأعطيات وذكر أحمد بن القاسم أنه حدثه عمه علي بن يوسف بن
القاسم هذا الحديث فقال حدثني يزيد الطبري مولانا أنه كان حاضرا يحمل دواة
أبى يوسف بن القاسم فحفظ الكلام قال قال بعد الحمد لله عز وجل والصلاة على
النبي صلى الله عليه وسلم إن الله بمنه ولطفه من عليكم معاشر أهل بيت نبيه بيت
الخلافة ومعدن الرسالة وإياكم أهل الطاعة من أنصار الدولة وأعوان الدعوة من
نعمه التي لا تحصى بالعدد ولا تنقضي مدى الأبد وأياديه التامة أن جمع ألفتكم
وأعلى أمركم وشد عضدكم وأوهن عدوكم وأظهر كلمة الحق وكنتم أولى بها وأهلها
فأعزكم الله وكان الله قويا عزيزا فكنتم أنصار دين الله المرتضى والذابين بسيفه
المنتضى عن أهل بيت نبيه صلى الله عليه وسلم وبكم استنقذهم من أيدي الظلمة أئمة
الجور والناقضين عهد الله والسافكين الدم الحرام والآكلين الفئ والمستأثرين
به فاذكروا ما أعطاكم الله من هذه النعمة واحذروا أن تغيروا فيغير بكم وأن الله
عز وجل استأثر بخليفته موسى الهادي الامام فقبضه إليه وولى بعده رشيدا مرضيا
أمير المؤمنين بكم رؤوفا رحيما من محسنكم قبولا وعلى مسيئكم بالعفو عطوفا وهو
أمتعه الله بالنعمة وحفظ له ما استرعاه إياه من أمر الأمة وتولاه بما تولى به
أولياءه وأهل طاعته يعدكم من نفسه الرأفة بكم والرحمة لكم وقسم أعطيا تكم فيكم
عند استحقاقكم ويبذل لكم من الجائزة مما أفاء الله على الخلفاء مما في بيوت
الأموال ما ينوب عن رزق كذا وكذا شهرا عير مقاص لكم بذلك فيما تستقبلون من أعطياتكم وحاملا باقي ذلك للدفع عن حريمكم وما لعله أن يحدث في النواحي
والأقطار من العصاة المارقين إلى بيوت الأموال حتى تعود الأموال إلى جمامها
وكثرتها والحال التي كانت عليها فاحمدوا الله وجددوا شكرا يوجب لكم المزيد
من إحسانه إليكم بما جدد لكم من رأى أمير المؤمنين وتفضل به عليكم أيده الله
بطاعته وارغبوا إلى الله له في البقاء ولكم به في إدامة النعماء لعلكم ترحمون واعطوا
صفقة أيمانكم وقوموا إلى بيعتكم حاطكم الله وحاط عليكم وأصلح بكم وعلى أيديكم
442

وتولاكم ولاية عباده الصالحين وذكر يحيى بن الحسن بن عبد الخالق قال حدثني محمد
ابن هشام المخزومي قال جاء يحيى بن خالد إلى الرشيد وهو نائم في لحاف بلا إزار
لما توفى موسى فقال قم يا أمير المؤمنين فقال له الرشيد كم تروعني إعجابا منك بخلافتي
وأنت تعلم حالي عند هذا الرجل فإن بلغه هذا فما تكون حالي فقال له هذا الحراني
وزير موسى وهذا خاتمه قال فقعد في فراشه فقال أشر على قال فبينما هو يكلمه إذ
طلع رسول آخر فقال قد ولد لك غلام فقال قد سميته عبد الله ثم قال ليحيى أشر على
فقال أشير عليك أن تقعد لحالك على أرمنيته قال قد فعلت ولا والله لا صليت
بعيساباذ إلا عليها ولا صليت الظهر إلا ببغداد وإلا ورأس أبى عصمة بين يدي
قال ثم لبس ثيابه وخرج فصلى عليه وقدم أبا عصمة فضرب عنقه وشد جمته في
رأس قناة ودخل بها بغداد وذلك أنه كان مضى هو وجعفر بن موسى الهادي
راكبين فبلغا إلى قنطرة من قناطر عيساباذ فالتفت أبو عصمة إلى هارون فقال له
مكانك حتى يجوز ولى العهد فقال هارون السمع والطاعة للأمير فوقف حتى جاز
جعفر فكان هذا سبب قتل أبى عصمة قال ولما صار الرشيد إلى كرسي الجسر دعا
بالغواصين فقال كان المهدى وهب لي خاتما شراؤه مائة ألف دينار يسمى الجبل
فدخلت على أخي وهو في يدي فلما انصرفت لحقني سليم الأسود على الكرسي
فقال يأمرك أمير المؤمنين أن تعطيني الخاتم فرميت به في هذا الموضع فغاصوا
فأخرجوه فسر به غاية السرور قال محمد بن إسحاق الهاشمي حدثني غير واحد من
أصحابنا منهم صباح بن خاقان التميمي أن موسى الهادي كان خلع الرشيد وبايع لابنه
جعفر وكان عبد الله بن مالك على الشرط فلما توفى الهادي هجم خزيمة بن خازم في
تلك الليلة فأخذ جعفرا من فرشاه وكان خزيمة في خمسة آلاف من مواليه معهم
السلام فقال والله لأضربن عنقك أو تخلعها فلما كان من الغد ركب الناس إلى باب
جعفر فأتى به خزيمة فأقامه على باب الدار في العلو والأبواب مغلقة فأقبل جعفر
ينادى يا معشر المسلمين من كانت لي في عنقه بيعة فقد أحللته منها والخلافة لعمى
هارون ولا حق لي فيها وكان سبب مشى عبد الله بن مالك الخزاعي إلى مكة على اللبود
443

لأنه كان شاور الفقهاء في أيمانه التي حلف بها لبيعة جعفر فقالوا له كل يمين لك تخرج
منها إلا المشي إلى بيت الله ليس فيه حيلة فحج ماشيا وحظي خزيمة بذلك عند الرشيد
وذكر أن الرشيد كان ساخطا على إبراهيم الحراني وسلام الأبرش يوم مات موسى
فأمر بحبسهما وقبض أموالهما فحبس إبراهيم عند يحيى بن خالد في داره فكلم فيه محمد
ابن سليمان هارون وسأله الرضى عنه وتخلية سبيله والاذن له في الانحدار معه
إلى البصرة فأجابه إلى ذلك (وفى هذه السنة) عزل الرشيد عمر بن عبد العزيز
العمرى عن مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم وما كان إليه من عملها وولى ذلك
إسحاق بن سليمان بن علي (وفيها) ولد محمد بن هارون الرشيد وكان مولده فيما
ذكر أبو حفص الكرماني عن محمد بن يحيى بن خالد يوم الجمعة لثلاث عشرة
ليلة خلت من شوال من هذه السنة وكان مولد المأمون قبله في ليلة الجمعة النصف
من شهر ربيع الأول (وفيها) قلد الرشيد يحيى بن خالد الوزارة وقال له قد قلدتك
أمر الرعية وأخرجته من عنقي إليك فاحكم في ذلك بما ترى من الصواب واستعمل
من رأيت واعزل من رأيت وأمض الأمور على ما ترى ودفع إليه خاتمه ففي ذلك
يقول إبراهيم الموصلي:
ألم تر أن الشمس كانت سقيمة * فلما ولى هارون أشرق نورها.
بيمن أمين الله هارون ذي الندى * فهارون واليها ويحيى وزيرها
وكانت الخيزران هي الناظرة في الأمور وكان يحيى يعرض عليها ويصدر عن
رأيها (وفيها) وأمر هارون بسهم ذوي القربى فقسم بين بني هاشم السوية (وفيها)
آمن من كان هاربا أو مستخفيا غير نفر من الزنادقة منهم يونس بن فروة ويزيد
ابن الفيض وكان ممن ظهر من الطالبيين طبا طبا وهو إبراهيم بن إسماعيل وعلي بن
الحسن بن إبراهيم بن عبد الله بن الحسن (وفيها) عزل الرشيد الثغور كلها عن
الجزيرة وقنسرين وجعلها حيزا واحدا وسميت العواصم (وفيها) عمرت طرسوس
على يدي أبى سليم فرج الخادم التركي ونزلها الناس (وحج) بالناس في هذه
السنة هارون الرشيد من مدينة السلام فأعطى أهل الحرمين عطاء كثيرا وقسم
444

فيهم مالا جليلا وقد قيل إنه حج في هذه السنة وغزا فيها وفى ذلك يقول
داود بن رزين:
بهارون لاح النور في كل بلدة * وقام به في عدل سيرته النهج
إمام بذات الله أصبح شغله * وأكثر ما يعنى به الغزو والحج
تضيق عيون الناس عن نور وجهه * إذا ما بدا للناس منظره البلج
وإن أمين الله هارون ذا الندى * ينيل الذي يرجوه أضعاف ما يرجو
وغزا الصائفة في هذه السنة سليمان بن عبد الله البكائي وكان العامل فيها على المدينة
إسحاق بن سليمان الهاشمي وعلى مكة والطائف عبيد الله بن قثم وعلى الكوفة موسى
ابن عيسى وخليفته عليها ابنه العباس بن موسى وعلى البصرة والبحرين والفرض
وعمان واليمامة وكور الأهواز وفارس محمد بن سليمان بن علي
ثم دخلت سنة إحدى وسبعين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمما كان فيها من ذلك قدوم أبى العباس الفضل بن سليمان الطوسي مدينة السلام
منصرفا عن خراسان وكان خاتم الخلافة حين قدم مع جعفر بن محمد بن الأشعث
فلما قدم أبو العباس الطوسي أخذه الرشيد منه فدفعه إلى أبى العباس ثم لم يلبث
أبو العباس الا يسيرا حتى توفى فدفع الخاتم إلى يحيى بن خالد فاجتمعت ليحيى
الوزارتان (وفيها) قتل هارون أبا هريرة محمد بن فروخ وكان على الجزيرة
فوجه إليه هارون أبا حنيفة حرب بن قيس فقدم به مدينة السلام فضرب عنقه
في قصر الخلد (وفيها) أمر هارون بإخراج من كان في مدينة السلام من الطالبيين
إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم خلا العباس بن الحسن بن عبد الله بن علي
ابن أبي طالب وكان أبوه الحسن بن عبد الله فيمن أشخص وخرج الفضل بن سعيد
الحروري فقتله أبو خالد المروروذي (وفى هذه السنة) وكان قدوم روح بن حاتم
أفريقية وخرجت في هذه السنة الخيزران إلى مكة في شهر رمضان فأقامت بها إلى
445

وقت الحج فحجت (وحج) بالناس في هذه السنة عبد الصمد بن علي بن
عبد الله بن العباس
ثم دخلت سنة اثنتين وسبعين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك شخوص الرشيد فيها إلى مرج القلعة مرتادا بها منزلا ينزله
ذكر السبب في ذلك
ذكر أن الذي دعاه إلى الشخوص إليها أنه استثقل مدينة السلام فكان يسميها
البخار فخرج إلى مرج القلعة فاعتل بها فانصرف وسميت تلك السفرة سفرة المرتاد
(وفيها) عزل الرشيد يزيد بن مزيد عن أرمينية وولاها عبيد الله بن المهدى *
وغزا الصائفة فيها إسحاق بن سليمان بن علي (وحج) بالناس في هذه السنة يعقوب
ابن أبي جعفر المنصور (وفيها) وضع هارون عن أهل السواد العشر الذي
كان يؤخذ منهم بعد النصف
ثم دخلت سنة ثلاث وسبعين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك وفاة محمد بن سليمان بالبصرة لليال بقين من جمادى الآخرة منها
وذكر أنه لما مات محمد بن سليمان وجه الرشيد إلى كل ما خلفه رجلا أمره
باصطفائه فأرسل إلى ما خلف من الصامت من قبل صاحب بيت ماله رجلا وإلى
الكسوة بمثل ذلك وإلى الفرش والرقيق والدواب من الخيل والإبل وإلى الطيب
والجوهر وكل آلة برجل من قبل الذي يتولى كل صنف من الأصناف فقدموا
البصرة فأخذوا جميع ما كان لمحمد مما يصلح للخلافة ولم يتركوا شيئا الا الخرثى
الذي لا يصلح للخلفاء وأصابوا له ستين ألف ألف فحملوها مع ما حمل فلما صارت
في السفن أخبر الرشيد بمكان السفن التي حملت ذلك فأمر أن يدخل جميع ذلك
خزائنه الا المال فإنه أمر بصكاك فكتبت للندماء وكتبت للمغنين صكاك صغار
446

لم تدر في الديوان ثم دفع إلى كل رجل صكا بما رأى أن يهب له فأرسلوا وكلاءهم
إلى السفن فأخذوا الآمال على أمر لهم به في الصكاك أجمع لم يدخل منه بيت
ماله دينار ولا درهم واصطفى ضياعه وفيها ضيعة يقال لها برشيد بالأهواز
لها غلة كثيرة * وذكر علي بن محمد عن أبيه قال لما مات محمد بن سليمان
أصيب في خزانته لباسه مذ كان صبيا في الكتاب إلى أن مات مقادير السنين
فكان من ذلك ما عليه آثار النقس قال وأخرج من خزانته ما كان يهدى له من
بلاد السند ومكران وكرمان وفارس والأهواز واليمامة والري وعمان من
الألطاف والادهان والسمك والحبوب والجبن وما أشبه ذلك ووجد أكثره
فاسدا وكان من ذلك خمسمائة كنعدة ألقيت من دار جعفر ومحمد في الطريق فكانت
بلاء قال فمكثنا حينا لا نستطيع أن نمر بالمربد من نتنها (وفيها) توفيت الخيزران
أم هارون الرشيد وموسى الهادي
ذكر الخبر عن وقت وفاتها
ذكر يحيى بن الحسن أن أباه حدثه قال رأيت الرشيد يوم ماتت الخيزران
وذلك في سنة 173 وعليه جبة سعدية وطيلسان خرق أزرق قد شد به وسطه
وهو آخذ بقائمة السرير حافيا يعدو في الطين حتى أتى مقابر قريش فغسل رجليه
ثم دعا بخف وصلى عليها ودخل قبرها فلما خرج من المقبرة وضع له كرسي فجلس
عليه ودعا الفضل بن الربيع فقال له وحق المهدى وكان لا يحلف بها الا إذا اجتهد
انى لأهم لك من الليل بالشئ من التولية وغيرها فتمنعني أمي فأطيع أمرها فخذا لخاتم
من جعفر فقال الفضل بن الربيع لإسماعيل بن صبيح أنا أجل أبا الفضل عن ذلك
بأن أكتب إليه وآخذه ولكن إن رأى أن يبعث به قال وولى الفضل نفقات
العامة والخاصة وبادوريا والكوفة وهى خمسة طساسيج فأقبلت حاله تنمى إلى
سنة 187 وقيل إن وفاة محمد بن سليمان والخيزران كانت في يوم واحد (وفيها)
أقدم الرشيد جعفر بن محمد بن الأشعث من خراسان وولاها ابنه العباس بن جعفر
ابن محمد بن الأشعث (وحج) بالناس فيها هارون وذكر أنه خرج محرما من
مدينة السلام
447

ثم دخلت سنة أربع وسبعين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك ما كان بالشام من العصبية فيها (وفيها) ولى الرشيد إسحاق بن سليمان
الهاشمي السند ومكران (وفيها) استقضى الرشيد يوسف بن أبي يوسف وأبوه
حي (وفيها) هلك روح بن حاتم (وفيها) خرج الرشيد إلى باقردى وبازبدى
وبنى بباقردى قصرا فقال الشاعر في ذلك
بقردى وبازبدى مصيف ومربع * وعذب يحاكى السلسبيل برود
وبغداد ما بغداد أما ترابها * فخرء وأما حرها فشديد
وغزا الصائفة عبد الملك بن صالح (وحج) بالناس فيها هارون الرشيد
فبدأ بالمدينة فقسم في أهلها مالا عظيما ووقع الوباء في هذه السنة بمكة فأبطأ عن
دخولها هارون ثم دخلها يوم التروية وفقضى طوافه وسعيه ولم ينزل بمكة
ثم دخلت سنة خمس وسبعين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك عقد الرشيد لابنه محمد بمدينة السلام من بعده ولاية عهد المسلمين
وأخذ له بذلك بيعة القواد والجند تسميته إياه الأمين وله يومئذ خمس سنين
فقال سلم الخاسر:
قد وفق الله الخليفة إذ بنى * بيت الخليفة للهجان الأزهر
فهو الخليفة عن أبيه وجده * شهدا عليه بمنظر وبمخبر
قد بايع الثقلان في مهد الهدى * لمحمد بن زبيدة ابنة جعفر
ذكر الخبر عن سبب بيعة الرشيد له
وكان السبب في ذلك فيما ذكر روح مولى الفضل بن يحيى بن خالد أنه رأى
عيسى بن جعفر قد صار إلى الفضل بن يحيى فقال له أنشدك الله لما عملت
في البيعة لابن أختي يعنى محمد بن زبيدة بنت جعفر بن المنصور فإنه ولد لك
448

وخلافته لك فوعده أن يفعل وتوجه الفضل على ذلك وكانت جماعة من بنى
العباس قد مدوا أعناقهم إلى الخلافة بعد الرشيد لأنه لم يكن له ولى عهد فلما
بايع له أنكروا بيعته لصغر سنه قال وقد كان الفضل لما تولى خراسان أجمع
على البيعة لمحمد * فذكر محمد بن الحسين بن مصعب أن الفضل بن يحيى لما صار
إلى خراسان فرق فيهم أموالا وأعطى الجند أعطيات متتابعات ثم أظهر البيعة
لمحمد بن الرشيد فبايع الناس له وسماه الأمين فقال في ذلك النمري:
أمست بمرو على التوفيق قد صفقت * على يد الفضل أيدي العجم والعرب
ببيعة لولى العهد أحكمها * بالنصح منه وبالاشفاق والحدب
قد وكد الفضل عقد الا انتقاض له * لمصطفى من بنى العباس منتخب
قال فلما تناهى الخير إلى الرشيد بذلك وبايع له أهل المشرق بايع لمحمد وكتب
إلى الآفاق فبويع له في جميع الأمصار فقال أبان اللاحقي في ذلك:
عزمت أمير المؤمنين على الرشد * برأي هدى فالحمد لله ذي الحمد
وعزل فيها الرشيد عن خراسان العباس بن جعفر وولاها خاله الغطريف
ابن عطاء (وفيها) صار يحيى بن عبد الله بن حسن إلى الديلم فتحرك هناك * وغزا
الصائفة فيها عبد الرحمن بن عبد الملك بن صالح فبلغ إقريطية وقال الواقدي الذي
غزا الصائفة في هذه السنة عبد الملك بن صالح قال وأصابهم في هذه الغزاة برد
قطع أيديهم وأرجلهم (وحج) بالناس فيها هارون الرشيد
ثم دخلت سنة ست وسبعين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك ما كان من تولية الرشيد الفضل بن يحيى كور الجبال وطبرستان
ودنباوند وقومس وأرمينية وآذربيجان (وفيها) ظهر يحيى بن عبد الله بن حسن
ابن حسن بن علي بن أبي طالب بالديلم
449

ذكر الخبر عن مخرج يحيى وما كان من أمره
ذكر أبو حفص الكرماني قال كان أول خبر يحيى بن عبد الله بن حسن
ابن حسن بن علي بن أبي طالب أنه ظهر بالديلم واشتدت شوكته وقوى أمره
ونزع إليه الناس من الأمصار والكور فاغتم لذلك الرشيد ولم يكن في تلك
الاما يشرب النبيذ فندب إليه الفضل بن يحيى في خمسين ألف رجل ومعه صناديد
القواد وولاه كور الجبال والري وجرجان وطبرستان وقومس ودنباوند
والرويان وحملت معه الأموال ففرق الكور على قواده فولى المثنى بن الحجاج
ابن قتيبة بن مسلم طبرستان وولى علي بن الحجاج الخزاعي جرجان وأمر له
بخمسمائة ألف درهم وعسكر بالنهرين وامتدحه الشعراء فأعطاهم فأكثر وتوسل
إليه الناس بالشعر ففرق فيهم أموالا كثيرة وشخص الفضل بن يحيى واستخلف
منصور بن زياد بباب أمير المؤمنين تجرى كتبه على يديه وتنفذ الجوابات عنها
إليه وكانوا يثقون بمنصور وابنه في جميع أمورهم لقديم صحبته لهم وحرمته بهم
ثم مضى من معسكره فلم تزل كتب الرشيد تتابع إليه بالبر واللطف والجوائز
والخلع فكاتب يحيى ورفق به واستماله وناشده وحذره وأشار عليه وبسط أمله
ونزل الفضل بطالقان الري ودستبى بموضع يقال له أشب وكان شديد البرد كثير
الثلوج ففي ذلك يقول أبان بن عبد الحميد اللاحقي:
لدور أمس بالدولاب * حيث السبب ينعرج
أحب إلى من دور * أشب إذا هم ثلج
قال فأقام الفضل بهذا الموضع وواتر كتبه على يحيى وكاتب صاحب الديلم
وجعل له ألف ألف درهم على أن يسهل له خروج يحيى إلى ما قبله وحملت إليه
فأجاب يحيى إلى الصلح والخروج على يديه على أن يكتب له الرشيد أما نا بخطه
على نسخة ببعث بها إليه فكتب الفضل بذلك إلى الرشيد قسره وعظم موقعه عنده
وكتب أمانا ليحيى بن عبد الله وأشهد عليه الفقهاء والقضاء وجلة بن هاشم ومشايخهم
منهم عبد الصمد بن علي والعباس بن محمد ومحمد بن إبراهيم وموسى بن عيسى ومن أشبههم
450

ووجه به مع جوائز وكرامات وهدايا فوجه الفضل بذلك إليه فقدم يحيى بن
عبد الله عليه وورد به الفضل بغداد فلقيه الرشيد بكل ما أحب وأمر له بمال
كثير وأجرى له أرزاقا سنية وأنزله منزلا سريا بعد أن أقام في منزل يحيى بن
خالد أياما وكان يتولى أمره بنفسه ولا يكل ذلك إلى غيره وأمر الناس بإتيانه
بعد انتقاله من منزل يحيى والتسليم عليه وبلغ الرشيد الغاية في اكرام الفضل ففي
ذلك يقول مروان بن أبي حفصة
ظفرت فلا شلت يد برمكية * رتقت بها الفتق الذي بين هاشم
على حين أعيى الراتقين التئامه * فكفوا وقالوا ليس بالمتلائم
فأصبحت قد فازت يداك بخطة * من المجد باق ذكرها في المواسم
وما زال قدح الملك يخرج فائزا * لكم كلما ضمت قداح المساهم
قال وأنشدني أبو ثمامة الخطيب لنفسه فيه
للفضل يوم الطالقان وقبله * يوم أناخ به على خاقان
ما مثل يوميه اللذين تواليا * في غزوتين توالتا يومان
سد الثغور ورد ألفة هاشم * بعد الشتات فشعبها متدان
عصمت حكومته جماعة هاشم * من أن يجرد بينها سيفان
تلك الحكومة لا التي عن لبسها * عظم النبأ وتفرق الحكمان
فأعطاه الفضل مائة ألف درهم وخلع عليه وتغنى إبراهيم به * وذكر أحمد
ابن محمد بن جعفر عن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن حسن بن حسن قال لما
قدم يحيى بن عبد الله من الديلم أتيته وهو في دار علي بن أبي طالب فقلت يا عم
ما بعدك مخبر ولا بعدي مخبر فأخبرني خبرك فقال يا ابن أخي والله إن كنت
إلا كما قال حييى بن أخطب
لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه * ولكنه من يخذل الله يخذل
يجاهد حتى أبلغ النفس حمدها * وقلقل يبغي العز كل مقلقل
وذكر الضبي أن شيخا من النوفليين قال دخلنا على عيسى بن جعفر وقد
451

وضعت له وسائد بعضها فوق بعض وهو قائم متكئ عليها وإذا هو يضحك
من شئ في نفسه متعجبا منه فقلنا ما الذي يضحك الأمير أدام الله سروره قال
لقد دخلني اليوم سرور ما دخلني مثله قط فقلنا تمم الله للأمير سروره وزاده
سرورا فقال والله لا أحدثكم به إلا قائما واتكأ على الفرش وهو قائم فقال
كنت اليوم عند أمير المؤمنين الرشيد فدعا بيحيى بن عبد الله فأخرج من السجن
مكبلا في الحديد وعنده بكار بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير
وكان بكار شديد البغض لآل أبى طالب وكان يبلغ هارون عنهم ويسئ بأخبارهم
وكان الرشيد ولاه المدينة وأمره بالتضييق عليهم قال فلما دعى بيحيى قال له
الرشيد هيه هيه متضاحكا وهذا يزعم أيضا أنا سممناه فقال يحيى ما معنى يزعم
ها هوداء لساني قال وأخرج لسانه أخضر مثل السلق قال فتربد هارون
واشتد غضبه فقال يحيى يا أمير المؤمنين إن لنا قرابة ورحما ولسنا بترك ولا
ديلم يا أمير المؤمنين إنا وأنتم أهل بيت واحد فأذكرك الله وقرابتنا من رسول
الله صلى الله عليه وسلم علام تحبسني وتعذبني قال فرق له هارون وأقبل الزبيري
على الرشيد فقال يا أمير المؤمنين لا يغرك كلام هذا فإنه شاق عاص وإنما
هذا منه مكر وخبث إن هذا أفسد علينا مدينتنا وأظهر فيها العصيان قال فأقبل
يحيى عليه فوالله ما استأذن أمير المؤمنين في الكلام حتى قال أفسد عليكم مدينتكم
ومن أنتم عافاكم الله قال الزبيري هذا كلامه قدامك فكيف إذا غاب عنك
يقول ومن أنتم استخفافا بنا قال فأقبل عليه يحيى فقال نعم ومن أنتم عافاكم
الله المدينة كانت مهاجر عبد الله بن الزبير أم مهاجر رسول الله صلى الله عليه
وسلم ومن أنت حتى تقول أفسد علينا مدينتنا وإنما بآبائي وآباء هذا هاجر
أبوك إلى المدينة ثم قال يا أمير المؤمنين إنما الناس نحن وأنتم فان خرجنا
عليكم قلنا أكلتم وأجعتمونا ولبستم وأعريتمونا وركبتم وأرجلتمونا فوجدنا
بذلك مقالا فيكم ووجدتم بخروجنا عليكم مقالا فينا فتكافأ فيه القول ويعود
أمير المؤمنين على أهله بالفضل يا أمير المؤمنين فلم يجترئ هذا وضرباؤه على
452

أهل بيتك يسعى بهم عندك إنه والله ما يسعى بنا إليك نصيحة منه لك وإنه
يأتينا فيسعى بك عندنا عن غير نصيحة منه لنا إنما يريد أن يباعد بيننا ويشتفي
من بعض ببعض والله يا أمير المؤمنين لقد جاء إلى هذا حيث قتل أخي محمد بن
عبد الله فقال لعن الله قاتله وأنشدني فيه مرثية قالها نحوا من عشرين بيتا وقال
إن تحركت في هذا الامر فأنا أول من يبايعك وما يمنعك أن تلحق بالبصرة
فأيدينا مع يدك قال فتغير وجه الزبير واسود فأقبل عليه هارون فقال أي شئ
يقول هذا قال كاذب يا أمير المؤمنين ما كان مما قال حرف قال فأقبل على يحيى بن
عبد الله فقال تروى القصيدة التي رثاه بها قال نعم يا أمير المؤمنين أصلحك الله قال
فأنشدها إياه فقال الزبيري والله يا أمير المؤمنين الذي لا إله إلا هو حتى أتى على آخر
اليمين الغموس ما كان مما قال شئ ولقد يقول على ما لم أقل قال فأقبل الرشيد
على يحيى بن عبد الله فقال قد حلف فهل من بينة سمعوا هذه المرثية منه قال
لا يا أمير المؤمنين ولكن أستحلفه بما أريد قال فاستحلفه قال فأقبل على الزبيري
فقال قل أنا برئ من حول الله وقوته موكل إلى حولي وقوتي إن كنت قلته
فقال الزبيري يا أمير المؤمنين أي شئ هذا من الحلف أحلف له بالله الذي لا إله
إلا هو ويستحلفني بشئ لا أدرى ما هو قال يحيى بن عبد الله يا أمير المؤمنين إن
كان صادقا فما عليه أن يحلف بما أستحلفه به فقال له هارون احلف له ويلك قال
فقال أنا برئ من حول الله وقوته موكل إلى حولي وقوتي قال فاضطرب منها وأرعد فقال
يا أمير المؤمنين ما أدرى أي شئ هذه اليمين التي يستحلفني بها وقد حلفت له بالله
العظيم أعظم الأشياء قال فقال هارون له لتحلفن له أولا صدقن عليك ولا عاقبنك
قال فقال أنا برئ من حول الله وقوته موكل إلى حولي وقوتي إن كنت قلته قال
فخرج من عند هارون فضربه الله بالفالج فمات من ساعته قال فقال عيسى بن جعفر
والله ما يسرني أن يحيى ما نقصه حرفا مما كان جرى بينهما ولا قصر في شئ من
مخاطبته إياه قال وأما الزبير يون فيزعمون أن امرأته قتلته وهى من ولد عبد الرحمن
ابن عوف وذكر إسحاق بن محمد النخعي أن الزبير بن هشام حدثه عن أبيه أن
453

بكار بن عبد الله تزوج امرأة من ولد عبد الرحمن بن عوف وكان له من قلبها
موضع فاتخذ عليها جارية وأغارها فقالت لغلامين له زنجيين إنه قد أراد قتلكما
هذا الفاسق ولاطفتهما فتعاوناني على قتله قالا نعم فدخلت عليه وهو نائم وهما
جميعا معها فقعدا على وجهه حتى مات قال ثم إنها سقتهما نبيذا حتى تهوعا حول
الفراش ثم أخرجتهما ووضعت عند رأسه قنينة فلما أصبح اجتمع أهله فقالت
سكر فقاء فشرق فمات فأخذ الغلامان فضربا ضربا مبرحا فأقرا بقتله وأنها أمرتهما
بذلك فأخرجت من الدار ولم تورث * وذكر أبو الخطاب أن جعفر بن يحيى
ابن خالد حدثه ليلة وهو في سمره قال دعا الرشيد اليوم بيحيى بن عبد الله بن حسن
وقد حضره أبو البختري القاضي ومحمد بن الحسن الفقيه صاحب أبى يوسف
وأحضر الأمان الذي كان أعطاه يحيى فقال لمحمد بن الحسن ما تقول في هذا الأمان
أصحيح هو قال هو صحيح فحاجه في ذلك الرشيد فقال له محمد بن الحسن ما تصنع
بالأمان لو كان محاربا ثم ولى كان آمنا فاحتملها الرشيد على محمد بن الحسن ثم
سأل أبا البختري أن ينظر في الأمان فقال أبو البختري هذا منتقض من وجه
كذا وكذا فقال الرشيد أنت قاضى القضاة وأنت أعلم بذلك فمزق الأمان وتفل
فيه أبو البختري وكان بكار بن عبد الله بن مصعب حاضر المجلس فأقبل على يحيى
ابن عبد الله بوجهه فقال شققت العصا وفارقت الجماعة وخالفت كلمتنا وأردت
خليفتنا وفعلت بنا وفعلت فقال يحيى ومن أنتم رحمكم الله قال جعفر فوالله
ما تمالك الرشيد أن ضحك ضحكا شديدا قال وقام يحيى ليمضى إلى الحبس فقال
له الرشيد انصرف أما ترون به أثر علة هذا الآن إن مات قال الناس سموه قال
يحيى كلا ما زلت عليلا منذ كنت في الحبس وقبل ذلك أيضا كنت عليلا قال أبو الخطاب
فما مكث يحيى بعد هذا إلا شهرا حتى مات وذكر أبو يونس إسحاق بن إسماعيل
قال سمعت عبد الله بن العباس بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن علي الذي
يعرف بالخطيب قال كنت يوما على باب الرشيد أنا وأبى وحضر ذلك اليوم
من الجند والقواد ما لم أر مثلهم على باب خليفة قبله ولا بعده قال فخرج الفضل
454

ابن الربيع إلى أبى فقال له ادخل ومكث ساعة ثم خرج إلى فقال ادخل فدخلت
فإذا أنا بالرشيد معه امرأة يكلمها فأومأ إلى أبى أنه لا يريد أن يدخل اليوم أحد
فاستأذنت لك لكثرة من رأيت حضر الباب فإذا دخلت هذا المدخل زادك
ذلك نبلا عند الناس فما مكثنا إلا قليلا حتى جاء الفضل بن الربيع فقال إن عبد الله
ابن مصعب الزبيري يستأذن في الدخول فقال إني لا أريد أن أدخل اليوم أحدا
فقال قال إن عندي شيئا أذكره فقال قل له يقله لك قال قد قلت له ذلك فزعم
أنه لا يقول إلا لك قال أدخله وخرج ليدخله وعادت المرأة وشغل بكلامها وأقبل
على أبى فقال إنه ليس عنده شئ يذكره وإنما أراد الفضل بهذا ليوهم من على
الباب أن أمير المؤمنين لم يدخلنا لخاصة خصصنا بها وإنما أدخلنا لأمر نسأل
عنه كما دخل هذا الزبيري وطلع الزبيري فقال يا أمير المؤمنين ههنا شئ أذكره فقال
له قل فقال له إنه سر فقال ما من العباس سر فنهضت فقال ولا منك يا حبيبي فجلست
فقال قل فقال إني والله قد خفت على أمير المؤمنين من امرأته وبنته وجاريته التي
تنام معه وخادمه الذي يناوله ثيابه وأخص خلق الله به من قواده وأبعدهم منه
قال فرأيته قد تغير لونه فقال فماذا قال جاءتني دعوة يحيى بن عبد الله بن حسن
فعلمت أنها لم تبلغني مع العداوة بيننا وبينهم حتى لم يبق على بابك أحدا إلا وقد
أدخله في الخلاف عليك قال فتقول له هذا في وجهه قال نعم قال الرشيد أدخله
فدخل فأعاد القول الذي قال له فقال يحيى بن عبد الله والله يا أمير المؤمنين لقد
جاء بشئ لو قيل لمن هو أقل منك فيمن هو أكثر منى وهو مقتدر عليه لما أفلت
منه أبدا ولى رحم وقرابة فلم لا تؤخر هذا الامر ولا تعجل فلعلك أن تكفى
مؤنتي بغير يدك ولسانك وعسى بك أن تقطع رحمك من حيث لا تعلمه أباهله
بين يديك وتصبر قليلا فقال يا عبد الله قم فصل إن رأيت ذلك وقام يحيى فاستقبل
القبلة فصلى ركعتين خفيفتين وصلى عبد الله ركعتين ثم برك يحيى ثم قال ابرك ثم
شبك يمينه وفى يمينه وقال اللهم إن كنت تعلم أنى دعوت عبد الله بن مصعب إلى
الخلاف على هذا ووضع يده عليه وأشار إليه فاسحتني بعذاب من عندك وكلني
455

إلى حولي وقوتي وإلا فكله إلى حوله وقوته واسحته بعذاب من قبلك آمين
رب العالمين فقال عبد الله آمين رب العالمين فقال يحيى بن عبد الله لعبد الله بن مصعب
قل كما قلت فقال عبد الله اللهم إن كنت تعلم أن يحيى بن عبد الله لم يدعنى إلى
الخلاف على هذا فكلني إلى حولي وقوتي واسحتنى بعذاب من عندك وإلا فكله إلى
حوله وقوته واسحته بعذاب من عندك آمين رب العالمين وتفرقا فأمر بيحيى فحبس
في ناحية من الدار فلما خرج وخرج عبد الله بن مصعب أقبل الرشيد على أبى فقال
فعلت به كذا وكذا وفعلت به كذا وكذا فعدد أياديه عليه فكلمه أبى بكلمتين لا يدفع
بهما عن عصفور خوفا على نفسه وأمرنا بالانصراف فانصرفنا فدخلت مع أبي
أنزع عنه لباسه من السواد وكان ذلك من عادتي فبينما أنا أحل عنه منطقته إذ
دخل عليه الغلام فقال رسول عبد الله بن مصعب فقال أدخله فلما دخل قال له ما وراءك
قال يقول لك مولاي أنشدك الله ألا بلغت إلى فقال أبى للغلام قل له لم أزل عند
أمير المؤمنين إلى هذا الوقت وقد وجهت إليك بعبد الله فما أردت أن تلقيه إلى
فألقه إليه وقال للغلام اخرج فإنه يخرج في أثرك وقال لي إنما دعاني ليستعين بي على
ما جاء به من الإفك فان أعنته قطعت رحمي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن
خالفته سعى بي وإنما يتدرق الناس بأولادهم ويتقون بهم المكاره فاذهب إليه
فكل ما قال لك فليكن جوابك له أخبر أبى فقد وجهتك وما آمن عليك وقد
كان قال لي أبى حين انصرفنا وذاك أنا احتبسنا عند الرشيد أما رأيت الغلام
المعترض في الدار لا والله ما صرفنا حتى فرغ منه يعنى يحيى إنا لله وإنا إليه راجعون
وعبد الله يحتسب أنفسنا فخرجت مع الرسول فلما صرت في بعض الطريق وأنا
مغموم بما أقدم عليه قلت للرسول ويحك ما أمره وما أزعجه بالارسال إلى أبى في
هذا الوقت فقال إنه لما جاء من الدار فساعة نزل عن الدابة صاح بطني بطني
قال عبد الله بن عباس فما حفلت بهذا الكلام من قول الغلام ولا التفت إليه فلما
صرنا على باب الدرب وكان في درب لا منفذ له فتح البابين فإذا النساء قد خرجن
منشورات الشعور مختزمات بالحبال يلطمن وجوههن وينادين بالويل وقد مات
456

الرجل فقلت والله ما رأيت أمرا أعجب من هذا وعطفت دابتي راجعا أركض
ركضا لم أركض مثله قبله ولا بعده إلى هذه الغاية والغلمان والحشم ينتظرونني
لتعلق قلب الشيخ بي فلما رأوني دخلوا يتعادون فاستقبلني مرعوبا في قميص
ومنديل ينادى ما وراءك يا بنى قلت إنه قد مات قال الحمد لله الذي قتله وأراحك
وإيانا منه فما قطع كلامه حتى ورد خادم للرشيد يأمر أبى بالركوب وإياي معه
فقال أبى ونحن في الطريق نسير لو جاز أن يدعى ليحيى نبوة لا دعاها أهله رحمة
الله عليه وعند الله نحتسبه ولا والله ما نشك في أنه قد قتل فمضينا حتى دخلنا على
الرشيد فلما نظر إلينا قال يا عباس بن الحسن أما علمت بالخبر فقال أبى بلى يا أمير
المؤمنين فالحمد لله الذي صرعه بلسانه ووقاك الله يا أمير المؤمنين قطع أرحامك
فقال الرشيد الرجل والله سليم على ما يحب ورفع الستر فدخل يحيى وأنا والله
أتبين الارتياع في الشيخ فلما نظر إليه الرشيد صاح به يا أبا محمد أما علمت أن الله
قد قتل عدوك الجبار قال الحمد لله الذي أبان لأمير المؤمنين كذب عدوه على
وأعفاه من قطع رحمه والله يا أمير المؤمنين لو كان هذا الامر مما أطلبه وأصلح
له وأريده فكيف ولست بطالب له ولا مريده ولم يكن الظفر به إلا بالاستعانة
به ثم لم يبق في الدنيا غيري وغيرك وغيره ما تقويت به عليك أبدا وهذا والله
من إحدى آفاتك وأشار إلى الفضل بن الربيع والله لو وهبت له عشرة آلاف
درهم ثم طمع معي في زيادة تمرة لباعك بها فقال أما العباسي فلا تقل له إلا خيرا
وأمر له في هذا اليوم بمائة ألف دينار وكان حبسه بعض يوم قال أبو يونس كان
هارون حبسه ثلاث حبسات مع هذه الحبسة وأوصل إليه أربعمائة ألف دينار
(وفى هذه السنة) هاجت العصبية بالشام بين النزارية واليمانية ورأس للنزارية
يومئذ أبو الهيذام
ذكر الخبر عن هذه الفتنة
ذكر أن هذه الفتنة هاجت بالشام وعامل السلطان بها موسى بن عيسى فقتل
بين النزارية واليمانية على العصبية من بعضهم لبعض بشر كثير فولى الرشيد موسى
457

ابن يحيى بن خالد الشأم وضم إليه من القواد والاجناد ومشايخ الكتاب جماعة
فلما ورد الشأم أحلت لدخوله إلى صالح بن علي الهاشمي فأقام موسى بها حتى أصلح
بين أهلها وسكنت الفتنة واستقام أمرها فانتهى الخبر إلى الرشيد بمدينة السلام
ورد الرشيد الحكم فيهم إلى يحيى فعفا عنهم وعما كان بينهم وأقدمهم بغداد وفى
ذلك يقول إسحاق بن حسان الخزيمي
من مبلغ يحيى ودون لقائه * زأرات كل خنابس همهام
يا راعى الاسلام غير مفرط * في لين مغتبط وطيب مشام
تعذى مشاربه وتسقى شربة * ويبيت بالربوات والاعلام
حتى تنخنخ ضاربا بجرانه * ورست مراسيه بدار سلام
فلكل ثغر حارس من قلبه * وشعاع طرف ما يفتر سام
وقال في موسى غير أبى يعقوب
قد هاجت الشأم هيجا * يشيب رأس وليده
فصب موسى عليها * بخيله وجوده
فدانت الشأم لما * أتى بسنح وحيده
هو الجواد الذي ب‍ * - ذ كل جود بجنوده
أعداه جود أبيه * يحيى وجود جدوده
فجاد موسى بن يحيى * بطارف وتليده
ونال موسى ذرى المجد * وهو حشو مهوده
خصصته بمديحي * منثوره وقصيده
من البرامك عود * له فأكرم بعوده
حووا على الشعر طرا * خفيفه ومديده
(وفيها) عزل الرشيد الغطريف بن عطاء عن خراسان وولاها حمزة بن
ما لك بن الهيثم الخزاعي وكان حمزة يلقب بالعروس (وفيها) ولى الرشيد جعفر
ابن يحيى بن خالد بن برمك مصر فولاها عمر بن مهران
458

ذكر الخبر عن سبب تولية الرشيد جعفرا مصر وتولية جعفر عمر إياها
ذكر محمد بن عمر أن أحمد بن محمد بن مهران حدثه أن الرشيد بلغه أن موسى بن
عيسى عازم على الخلع وكان على مصر فقال والله لا أعزله إلا بأخس من على بابى
انظروا لي رجلا فذكر عمر بن مهران وكان إذ ذاك يكتب للخيزران ولم يكتب
لغيرها وكان رجلا أحول مشوه الوجه وكان لباسه لباسا خسيسا أرفع ثيابه
طيلسانه وكانت قيمته ثلاثين درهما وكان يشمر ثيابه ويقصر أكمامه ويركب بغلا
وعليه رسن ولجام حديد ويردف غلامه خلفه فدعا به فولاه مصر خراجها
وضياعها وحربها فقال أمير المؤمنين أتولاها على شريطة قال وما هي قال يكون
أذني إلى إذا أصلحت البلاد انصرفت فجعل ذلك له فمضى إلى مصر واتصلت
ولاية عمر بن مهران بموسى بن عيسى فكان يتوقع قدومه فدخل عمر بن مهران
مصر على بغل وغلامه أبو درة على بغل ثقل فقصد دار موسى بن عيسى والناس
عنده فدخل فجلس في أخريات الناس فلما تفرق أهل المجلس قال موسى بن عيسى
لعمر ألك حاجة يا شيخ قال نعم أصلح الله الأمير ثم قام بالكتب فدفعها إليه فقال
يقدم أبو حفص أبقاه الله قال فأنا أبو حفص قال أنت عمر بن مهران قال نعم
قال لعن الله فرعون حين يقول أليس لي ملك مصر ثم سلم له العمل ورحل فتقدم
عمر بن مهران إلى أبى درة غلامه فقال له لا تقبل من الهدايا إلا ما يدخل في الجراب
لا تقبل دابة ولا جارية ولا غلاما فجعل الناس يبعثون بهداياهم فجعل يرد ما كان
من الألطاف ويقبل المال والثياب ويأتي بها عمر فيوقع عليها أسماء من بعث بها
ثم وضع الجباية وكان بمصر قوم قد اعتادوا المطل وكسر الخراج فيبدأ برجل
منهم فلواه فقال والله لا تؤدى ما عليك من الخراج إلا في بيت المال بمدينة السلام
ان سلمت قال فأنا أؤدى فتحمل عليه فقال قد حلفت ولا أحنث فأشخصه مع
رجلين من الجند وكان العمال إذ ذاك يكاتبون الخليفة فكتب معهم إلى الرشيد
إني دعوت بفلان بن فلان وطالبته بما عليه من الخراج فلو اني واستنظرني فأنظرته
ثم دعوته فدافع ومال إلى الإلطاط فآليت ألا يؤديه إلا في بيت المال بمدينة
459

السلام وجملة ما عليه كذا وكذا قد أنفذته مع فلان بن فلان وفلان بن فلان من
جند أمير المؤمنين من قيادة فلان بن فلان فان رأى أمير المؤمنين أن يكتب إلى
بوصوله فعل إن شاء الله تعالى قال فلم يلوه أحد بشئ من الخراج فاستأدى الخراج
النجم الأول والنجم الثاني فلما كان في النجم الثالث وقعت المطالبة والمطل فأحضر
أهل الخراج والتجار فطالبهم فدافعوه وشكوا الضيقة فأمر باحضار تلك الهدايا
التي بعث بها إليه ونظر في الأكياس وأحضر الجهبذ فوزن ما فيها وأجزاها عن
أهلها ثم دعا بالأسفاط فنادى على ما فيها فباعها وأجزى أثمانها عن أهلها ثم قال
يا قوم حفظت عليكم هدايا كم إلى وقت حاجتكم إليها فأدوا إلينا مالنا فأدوا إليه
حتى أغلق مال مصر فانصرف ولا يعلم أنه أغلق مال مصر غيره وانصرف
فخرج على بغل وأبو درة على بغل وكان إذنه إليه (وغزا) الصائفة في هذه السنة
عبد الرحمن بن عبد الملك فافتتح حصنا (وحج) بالناس في هذه السنة سليمان
ابن أبي جعفر المنصور وحجت معه فيما ذكر الواقدي زبيدة زوجة هارون
وأخوها معها
ثم دخلت سنة سبع وسبعين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمما كان فيها من ذلك عزل الرشيد فيما ذكر جعفر بن يحيى عن مصر وتوليته
إياها إسحاق بن سليمان وعزله حمزة بن مالك عن خراسان وتوليته إياها الفضل
ابن يحيى إلى ما كان يليه من الأعمال من الري وسجستان (وغزا) الصائفة فيها
عبد الرزاق بن عبد الحميد التغلبي (وكان فيها) فيما ذكر الواقدي ريح وظلمة
وحمرة ليلة الأحد لأربع ليال بقين من المحرم ثم كانت ظلمة ليلة الأربعاء لليلتين
بقيتا من المحرم من هذه السنة ثم كانت ريح وظلمة شديد يوم الجمعة لليلة خلت من
صفر (وحج) بالناس فيها هارون الرشيد
460

ثم دخلت سنة ثمان وسبعين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمما كان فيها من ذلك وثوب الحوفية بمصر من قيس وقضاعة وغيرهم بعامل
الرشيد عليهم إسحاق بن سليمان وقتالهم إياه وتوجيه الرشيد إليه هرثمة بن أعين في
عدة من القواد المضمومين إليه مددا لإسحاق بن سليمان حتى أذعن أهل الحوف
ودخلوا في الطاعة وأدوا ما كان عليهم من وظائف السلطان وكان هرثمة إذ ذاك
عامل الرشيد على فلسطين فلما انقضى أمر الحوفية صرف هارون إسحق بن سليمان
عن مصر وولاها هرثمة نحوا من شهر ثم صرفه وولاها عبد الملك بن صالح
(وفيها) كان وثوب أهل إفريقية بعبدويه الأنباري ومن معه من الجند هنالك
فقتل الفضل بن روح بن حاتم وأخرج من كان بها من آل المهلب فوجه الرشيد
إليهم هرثمة بن أعين فرجعوا إلى الطاعة وقد ذكر أن عبدويه هذا لما غلب على
أفريقية وخلع السلطان عظم شأنه وكثر تبعه ونزع إليه الناس من النواحي وكان
وزير الرشيد يومئذ يحيى بن خالد بن برمك فوجه إليه يحيى بن خالد بن برمك
يقطين بن موسى ومنصور بن زياد كاتبه فلم يزل يحيى بن خالد يتابع على عبدويه
الكتب بالترغيب في الطاعة والتخويف للمعصية والاعذار إليه والأطماع والعدة
حتى قبل الأمان وعاد إلى الطاعة وقدم بغداد فوفى له يحيى بما ضمن له وأحسن إليه
وأخذ له أمانا من الرشيد ووصله ورأسه وفى هذه السنة) فوض الرشيد
أموره كلها إلى يحيى بن خالد بن برمك (وفيها) خرج الوليد بن طريف الشاري
بالجزيرة وحكم بها ففتك بإبراهيم بن خازم بن خزيمة بنصيبين ثم مضى منها إلى
أرمينية (وفيها) شخص الفضل بن يحيى إلى خراسان واليا عليها فأحسن السيرة
بها وبنى بها المساجد والرباطات غزا ما وراء النهر فخرج إليه خاراخره ملك أشر وسنة
وكان ممتنعا وذكر أن الفضل بن يحيى اتخذ بخراسان جندا من العجم سماهم العباسية
وجعل ولاءهم لهم وأن عدتهم بلغت خمسمائة ألف رجل وأنه قدم منهم بغداد
461

عشرون ألف رجل فسموا ببغداد الكرنبية وخلف الباقي منهم بخراسان على
أسمائهم ودفاترهم وفى ذلك يقول مروان بن أبي حفصة
ما الفضل إلا شهاب لا أفول له * عند الحروب إذا ما تأفل الشهب
حام على ملك قوم غر سهمهم * من الوراثة في أيديهم سبب
أمست يد لبنى ساقى الحجيج بها * كتائب مالها في غيرهم أرب
كتائب لبني العباس قد عرفت * ما ألف الفضل منها العجم والعرب
أثبت خمس مئين في عدادهم * من الألوف التي أحصت لك الكتب
يقارعون عن القوم الذين هم * أولى بأحمد في الفرقان ن نسبوا
إن الجواد ابن يحيى الفضل لا ورق * يبقى على جود كفيه ولا ذهب
ما مر يوم له مذ شد مئزره * ألا تمول أقوام بها يهب
كم غاية في الندى والبأس أحرزها * للطالبين مداها دونها تعب
يعطى اللهى حين لا يعطى الجواد ولا * ينبو إذا سلت الهندية العضب
ولا الرضى والرضى لله غايته * إلى سوى الحق يدعوه ولا الغضب
قد فاض عرفك حتى ما يعادله * غيت مغيث ولا بحر له حدب
قال وكان مروان بن أبي حفصة قد أنشد الفضل في معسكره قبل خروجه
إلى خراسان
ألم تر أن الجود من لدن آدم * تحدر حتى صار في راحة الفضل
إذا ما أبو العباس راحت سماؤه * فيالك من هطل ويا لك من وبل
إذا أم طفل راعها جوع طفلها * دعته باسم الفضل فاعتصم الطفل
ليحيى بك الاسلام إنك عزه * وإنك من قوم صغيرهم كهل
وذكر محمد بن العباس ان الفضل بن يحيى أمر له بمائة ألف درهم وكساه وحمله
على بغلة قال وسمعته يقول أصبت في قدمتي هذه سبعمائة ألف درهم وفيه يقول
تخيرت للمدح ابن يحبى بن خالد * فحسبي ولم أظلم بأن أتخيرا
له عادة أن يبسط العدل والندى * لمن ساس من قحطان أو من تنزرا
462

إلى المنبر الشرقي سار ولم يزل * له والد يعلو سريرا ومنبرا
يعدوا ويحيى البرمكي ولا يرى * له الدهر إلا قائدا أو مؤمرا
ومدحه سلم الخاسر فقال
وكيف تخاف من بؤس بدار * تكنفها البرامكة البحور
وقوم منهم الفضل بن يحيى * نفير ما يوازنه نفير
له يومان يوم ندى وبأس * كأن الدهر بينهما أسير
إذا ما البرمكي غدا ابن عشر * فهمته وزير أو أمير
وذكر الفضل بن إسحاق الهاشمي أن إبراهيم بن جبريل خرج مع الفضل بن
يحيى إلى خراسان وهو كاره للخروج فأحفظ الفضل عليه ذلك قال إبراهيم فدعاني
يوما بعد ما أغفلني حينا فدخلت عليه فلما صرت بين يديه سلمت فمارد على فقلت
في نفسي شر والله وكان مضطجعا فاستوى جالسا ثم قال ليفرج روعك يا إبراهيم
فان قدرتي عليك تمنعني منك قال ثم عقد لي على سجستان فلما حملت خراجها وهبه لي
وزادني خمسمائة ألف درهم قال وكان إبراهيم على شرطه وحرسه فوجهه إلى كابل
فافتتحها وغنم غنائم كثيرة قال وحدثني الفضل بن العباس بن جبريل وكان مع
عمه إبراهيم قال وصل إلى إبراهيم في ذلك الوجه سبعة آلاف ألف وكان عنده
من مال الخراج أربعة آلاف ألف درهم فلما قدم بغداد وبنى داره في البغيين
استزار الفضل ليريه نعمته عليه وأعد له الهدايا والطرف وآنية الذهب والفضة
وأمر بوضع الأربعة الآلاف ألف في ناحية من الدار قال فلما قعد الفضل بن يحيى
قدم إليه الهدايا والطرف فأبى أن يقبل منها شيئا وقال له لم آتك إلا لأسليك
فقال إنها نعمتك أيها الأمير قال ولك عندنا مزيد قال فلم يأخذ من جميع ذلك
إلا سوطا سجزيا وقال هذا من آلة الفرسان فقال له هذا المال من مال الخراج
فقال هو لك فأعاد عليه فقال أما لك بيت يسعه فسوغه ذلك وانصرف قال ولما
قدم الفضل بن يحيى من خراسان خرج الرشيد إلى بستان أبى جعفر يستقبله
وتلقاه بنو هاشم والناس من القواد والكتاب والاشراف فجعل يصل الرجل
463

بالألف ألف وبالخمسمائة ألف ومدحه مروان بن أبي حفصة فقال
حمدنا الذي أدى ابن يحيى فأصبحت * بمقدمه تجرى لنا الطير أسعدا
وما هجعت حتى رأته عيوننا * وما زلن حتى آب بالدمع حشدا
لقد صبحتنا خيله ورجاله * بأروع بدء الناس بأسا وسؤددا
نفى عن خراسان العدو كما نفى * ضحى الصبح جلباب الدجى فتغردا
لقد راع من أمسى بمرو مسيره * إلينا وقالوا شعبنا قد تبددا
على حين ألقى قفل كل ظلامة * وأطلق بالعفو الأسير المقيدا
وأفشى بلا من مع الغدل فيهم * أيادي عرف باقيات وعودا
فأذهب روعات المخاوف عنهم * وأصدر باغى الامن فيهم وأوردا
وأجدى على الأيتام فيهم بعرفه * فكان من الآباء أحنى وأعودا
إذا الناس راموا غاية الفضل في الندى * وفى البأس ألفوها من النجم أبعدا
سما صاعدا بالفضل يحيى وخالد * إلى كل أمر كان أسنى وأمجدا
يلين لمن أعطى الخليفة طاعة * ويسقى دم العاصي الحسام المهندا
أذلت مع الشرك النفاق سيوفه * وكانت لأهل الدين عزا مؤبدا
وشد القوى من بيعة المصطفى الذي * على فضله عهد الخليفة قلدا
سمى النبي الفاتح الخاتم الذي * به الله أعطى كل خير وسددا
أبحت جبال الكابلي ولم تدع * بهن لنيران الضلالة موقدا
فأطلعتها خيلا وطئن جموعه * قتيلا وماسورا وفلا مشردا
وعادت على ابن البرم نعماك بعدما * تحوب مخذولا يرى الموت مفردا
وذكر العباس بن جرير إن حفص بن مسلم وهو أخو رزام بن مسلم مولى خالد
ابن عبد الله القسري حدثه أنه قال دخلت على الفضل بن يحيى مقدمه من خراسان
وبين يديه بدر تفرق بخواتيمها فما فضت بدرة منها فقلت
كفى الله بالفضل بن يحيى بن خالد * وجود يديه بخل كل بخيل
قال فقال لي مروان بن أبي حفصة وددت أنى سبقتك إلى هذا البيت وأن
464

على غرم عشرة آلاف درهم (وغزا) فيها الصائفة معاوية بن زفر بن عاصم
وغزا الشاتية فيها سليمان بن راشد ومعه البيد بطريق صقلية (وحج) بالناس فيها
محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي وكان على مكة
ثم دخلت سنة تسع وسبعين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمما كان فيها من ذلك انصراف الفضل بن يحيى عن خراسان واستخلافه
عليها عمرو بن شرحبيل (وفيها) ولى الرشيد خراسان منصور بن يزيد بن منصور
الحميري (وفيها) شرى بخراسان حمزة بن اترك السجستان (وفيها) عزل
الرشيد محمد بن خالد بن برمك عن الحجبة وولاها الفضل بن الربيع (وفيها)
رجع الوليد بن طريف الشاري إلى الجزيرة واشتدت شوكته وكثر تبعه فوجه
الرشيد إليه يزيد بن مزيد الشيباني فراوغه يزيد ثم لقيه وهو مغتر فوق هيت فقتله
وجماعة كانوا معه وتفرق الباقون فقال الشاعر:
وائل بعضها يقتل بعضا * لا يفل الحديد إلا الحديد
قالت الفارعة أخت الوليد:
أيا شجر الخابور مالك مورقا * كأنك لم تجزع على ابن طريف
فتى لا يحب الزاد إلا من التقى * ولا المال إلا من قنا وسيوف
واعتمر الرشيد في هذه السنة في شهر رمضان شكرا لله على ما أبلاه
في الوليد بن طريف فلما قضى عمرته انصرف إلى المدينة فأقام بها إلى وقت
الحج ثم حج بالناس فمشى من مكة إلى منى ثم إلى عرفات وشهد المشاهد والمشاعر
ماشيا ثم انصرف على طريق البصرة وأما الواقدي فإنه قال لما فرغ من عمرته
أقام بمكة حتى أقام للناس حجهم
465

ثم دخلت سنة ثمانين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمما كان فيها من ذلك العصبية التي هاجت بالشام بين أهلها
ذكر الخبر عما صار إليه أمرها
ذكر أن هذه العصبية لما حدثت بالشام بين أهلها وتفاقم أمرها اغتم
بذلك من أمرهم الرشيد فعقد لجعفر بن يحيى على الشأم وقال له إما أن تخرج
أنت أو أخرج أنا فقال له جعفر بل أقيك بنفسي فشخص في جلة القواد والكراع
والسلاح وجعل على شرطه العباس بن محمد بن المسيب بن زهير وعلى حرسه
شبيب بن حميد بن قحطبة فأتاهم فأصلح بينهم وقتل زواقيلهم والمتلصصة منهم
ولم يدع بها رمحا ولا فرسا فعادوا إلى الامن والطمأنينة وأطفأ تلك النائرة فقال
منصور النمري لما شخص جعفر
لقد أوقدت بالشام نيران فتنة * فهذا أو ان الشأم تخمد نارها
إذا جاش موج البحر من آل برمك * عليها خبت شهبانها وشرارها
رماها أمير المؤمنين بجعفر * وفيه تلافى صدعها وانجبارها
رماها بميمون النقيبة ماجد * تراضى به قحطانها ونزارها
تدلت عليهم صخرة برمكية * دموغ لهام الناكثين انجدارها
غدوت تزحى غابة في رؤسها * نجوم الثريا والمنايا ثمارها
إذا خفقت راياتها وتجرست * بها الريح هال السامعين انبهارها
فقولوا لأهل الشأم لا يسلبنكم * حجاكم طويلات المنى وقصارها
فإن أمير المؤمنين بنفسه * أتاكم وإلا نفسه فخيارها
هو الملك المأمول للبر والتقى * وصولاته لا يستطاع خطارها
وزير أمير المؤمنين وسيفه * وصعدته والحرب تدمى شفارها
ومن تطو أسرار الخليفة دونه * فعندك مأواها وأنت قرارها
466

وفيت فلم تغدر لقوم بذمة * ولم تدن من حال ينالك عارها
طبيب بإحياء الأمور إذا التوت * من الدهر أعناق فأنت جبارها
إذا ما ابن يحيى جعفر قصدت له * ملمات خطب له ترعه كبارها
لقد نشأت بالشام منك غمامة * يؤمل جدواها ويخشى دمارها
فطوبى لأهل الشأم يا ويل أمها * أتاها حياها أو أتاها بوارها
فإن سالموا كانت غمامة نائل * وغيث وإلا فالدماء قطارها
أبوك أبو الاملاك يحيى بن خالد * أخو الجود والنعمى الكبار صغارها
كأين ترى في البرمكيين من ندى * ومن سابقات ما يشق غبارها
غدا بنجوم السعد من حل رحله * إليك وعزت عصبة أنت جارها
عذيري من الاقدار هل عزماتها * مخلفتي عن جعفر واقتسارها
فعين الأسى مطروفة لفراقه * ونفسي إليه ما ينام اذكارها
وولى جعفر بن يحيى صالح بن سليمان البلقاء وما يليها واستخلف على الشأم
عيسى بن العكي وانصرف فازداد الرشيد له إكراما فلما قدم على الرشيد دخل عليه
فيما ذكر فقبل يديه ورجليه ثم مثل بين يديه فقال الحمد لله يا أمير المؤمنين الذي
أنسى وحشتي وأجاب دعوتي ورحم تضرعي وأنسأ في أجلى حتى أراني وجه
سيدي وأكرمني بقربه وأمتن على بتقبيل يده وردني إلى خدمته فوالله إن كنت
لاذكر غيبتي عنه ومخرجي والمقادير التي أزعجتني فأعلم أنها كانت بمعاص لحقتني
وخطايا أحاطت بي ولو طال مقامي عنك يا أمير المؤمنين جعلني الله فداك لخفت
ان يذهب عقلي إشفاقا على قربك وأسفا على فراقك وأن يعجل بي عن إذنك
الاشتياق إلى رؤيتك والحمد لله الذي عصمني في حال الغيبة وأمتعني بالعافية وعرفني
الإجابة ومسكني بالطاعة وحال بيني وبين استعمال المعصية فلم أشخص إلا عن رأيك
ولم أقدم الا عن إذنك وأمرك ولم يختر منى أجل دونك والله يا أمير المؤمنين فلا
أعظم من اليمين بالله لقد عاينت ما لو تعرض لي الدنيا كلها لاخترت عليها قربك
ولما رأيتها عوضا من المقام معك ثم أقل له بعقب هذا الكلام في هذا المقام إن الله
467

يا أمير المؤمنين لم يزل يبليك في خلافتك بقدر ما يعلم من نيتك ويريك في رعيتك
غاية أمنيتك فيصلح لك جماعتهم ويجمع ألفتهم ويلم شعثهم حفظا لك فيهم ورحمة لهم
وإنما هذا للتمسك بطاعتك والاعتصام بحبل مرضاتك والله المحمود على ذلك
وهو مستحقه وفارقت يا أمير المؤمنين أهل كور الشأم وهم منقادون لأمرك
نادمون على ما فرط من معصيتهم لك متمسكون بحبلك نازلون على حكمك طالبون
لعفوك واثقون بحلمك مؤملون فضلك آمنون بإدارتك حالهم في ائتلافهم كحالهم
كانت في اختلافهم وحالهم في ألفتهم كحالهم كانت في امتناعهم وعفو أمير المؤمنين
عنهم وتغمده لهم سابق لمعذرتهم وصلة أمير المؤمنين لهم وعطفه عليهم متقدم
عنده لمسألتهم وأيم الله يا أمير المؤمنين لئن كنت قد شخصت وقد أخمد الله شرارهم
وأطفأ نارهم ونفى مراقهم وأصلح دهماؤهم وأولاني الجميل فيهم ورزقني الانتصار
منهم فما ذلك كله إلا ببركتك ويمنك وريحك ودوام دولتك السعيدة الميمونة الدائمة
وتخوفهم منك ورجائهم لك والله يا أمير المؤمنين ما تقدمت إليهم إلا بوصيتك
وما عاملتهم إلا بأمرك ولا سرت فيهم إلا على حد ما مثلته لي ورسمته ووقفتني
عليه ووالله ما انقادوا إلا لدعوتك وتوحد الله بالصنع لك وتخوفهم من سطوتك
وما كان الذي كان منى وإن كنت بذلت جهدي وبلغت مجهودي قاضيا ببعض
حقك على بل ما ازدادت نعمتك على عظما إلا ازددت عن شكرك عجزا وضعفا
وما خلق الله أحدا من رعيتك أبعد من أن يطمع نفسه في قضاء حقك منى وما ذلك
إلا أن أكون باذلا مهجتي في طاعتك وكل ما يقرب إلى موافقتك ولكني أعرف
من أياديك عندي ما لا أعرف مثلها عند غيري فكيف بشكري وقد أصبحت
واحد أهل دهري فيما صنعته في وبي أم كيف بشكري وإنما أقوى على شكرك
بإكرامك إياي وكيف بشكري ولو جعل الله شكري في إحصاء ما أوليتني لم يأت
على ذلك عدى وكيف بشكري وأنت كهفي دون كل كهف لي وكيف بشكري
وأنت لا ترضى لي ما أرضاه لي وكيف بشكري وأنت تجدد من نعمتك عندي
ما يستغرق كل ما سلف عندك لي أم كيف بشكري وأنت تنسيني ما تقدم من
468

إحسانك إلى ما تجدده لي أم كيف بشكري وأنت تقدمني بطولك على جميع
أكفائي أم كيف بشكري وأنت ولي أم كيف بشكري وأنت المكرم لي وأنا
أسأل الله الذي رزقني ذلك منك من غير استحقاق له إذا كان الشكر مقصرا عن
بلوغ تأدية بعضه بل دون شقص من عشر عشيره أن يتولى مكافأتك عنى بما
هو أوسع له وأقدر عليه وأن يقضى عنى حقك وجليل منتك فإن ذلك بيده وهو
القادر عليه (وفى هذه السنة) أخذ الرشيد الخاتم من جعفر بن يحيى فدفعه إلى
أبيه يحيى بن خالد (وفيها) ولى جعفر بن يحيى خراسان وسجستان واستعمل جعفر
عليهما محمد بن الحسن بن قحطبة (وفيها) شخص الرشيد من مدينة السلام مريدا
الرقة على طريق الموصل فلما نزل البردان ولى عيسى بن جعفر خراسان وعزل
عنها جعفر بن يحيى فكانت ولاية جعفر بن يحيى إياها عشرين ليلة (وفيها) ولى
جعفر بن يحيى الحرس (وفيها) هدم الرشيد سور الموصل بسبب الخوارج الذين
خرجوا منها ثم مضى إلى الراقة فنزلها واتخذها وطنا (وفيها) عزل هرثمة بن أعين
عن أفريقية وأقفله إلى مدينة السلام فاستخلفه جعفر بن يحيى على الحرس
(وفيها) كانت بأرض مصر زلزلة شديدة فسقط رأس منارة الإسكندرية (وفيها)
حكم خراشة الشيباني وشرى بالجزيرة فقتله مسلم بن بكار بن مسلم العقيلي
(وفيها) خرجت المحمرة بجرجان فكتب علي بن عيسى بن ماهان ان
الذي هيج ذلك عليه عمرو بن محمد العمركي وأنه زنديق فأمر الرشيد بقتله فقتل
بمرو (وفيها) عزل الفضل بن يحيى عن طبرستان والرويان وولى ذلك عبد الله
ابن خازم وعزل الفضل أيضا عن الري ووليها محمد بن يحيى بن الحارث بن شخير
وولى سعيد بن سلم الجزيرة * وغزا الصائفة فيها معاوية بن زفر بن عاصم (وفيها)
صار الرشيد إلى البصرة منصرفه من مكة فقدمها في المحرم منها فنزل المحدثة أياما
ثم تحول منها إلى قصر عيسى بن جعفر بالخريبة ثم ركب في نهر سيحان الذي
احتفره يحيى بن خالد حتى نظر إليه وسكر نهر الأبلة ونهر معقل حتى استحكم أمر
سيحان ثم شخص عن البصرة لا اثنتي عشرة ليلة بقيت من المحرم فقدم مدينة السلام
469

ثم شخص إلى الحيرة فسكنها وابتنى بها المنازل وأقطع من معه الخطط وأقام نحوا
من أربعين يوما فوثب به أهل الكوفة وأساءوا مجاورته فارتحل إلى مدينة السلام
ثم شخص من مدينة السلام إلى الرقة واستخلف بمدينة السلام حين شخص إلى
الرقة محمدا الأمين وولاه العراقين (وحج) بالناس في هذه السنة موسى بن عيسى
ابن موسى بن محمد بن علي
ثم دخلت سنة إحدى وثمانين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فكان فيها غزو الرشيد أرض الروم فافتتح بها عنوة حصن الصفصاف فقال
مروان بن أبي حفصة
إن أمير المؤمنين المصطفى * قد ترك الصفصاف قاعا صفصفا
(وفيها) غزا عبد الملك بن صالح الروم فبلغ أنقرة وافتتح مطمورة (وفيها)
توفى الحسن بن قحطبة وحمزة بن مالك (وفيها) غلبت المحمرة على جرجان
(وفيها) أحدث الرشيد عند نزوله الرقة في صدور كتبه الصلاة على محمد صلى
الله عليه وسلم (وحج) بالناس في هذه السنة هارون الرشيد فأقام للناس الحج
ثم صدر معجلا وتخلف عنه يحيى بن خالد ثم لحقه بالغمرة فاستعفاه من الولاية
فأعفاه فرد إليه الخاتم وسأله الاذن في المقام بمكة فأذن له فانصرف إلى مكة
ثم دخلت سنة اثنتين وثمانين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فكان فيها انصراف الرشيد من مكة ومسيره إلى الرقة وبيعته بها لابنه عبد الله
المأمون بعد ابنه محمد الأمين وأخذ البيعة له على الجند بذلك بالرقة وضمه إياه إلى
جعفر بن يحيى ثم توجيهه إياه إلى مدينة السلام ومعه من أهل بيته جعفر بن أبي جعفر
المنصور وعبد الملك بن صالح ومن القواد علي بن عيسى فبويع له بمدينة السلام حين
قدمها وولاه أبو خراسان وما يتصل بها إلى همذان وسماه المأمون (وفيها)
470

حملت ابنة خاقان ملك الخزر إلى الفضل بن يحيى فماتت ببرذعة وعلى أرمينية
يومئذ سعيد بن سلم بن قتيبة الباهلي فرجع من كان معها من الطراخنة إلى أبيها
فأخبروه أن ابنته قتلت غيلة فحنق لذلك وأخذ في الأهبة لحرب المسلمين وانصرف
فيها يحيى بن خالد إلى المدينة السلام غزا فيها الصائفة عبد الرحمن بن عبد الملك بن
صالح فبلغ دفسوس مدينة أصحاب الكهف (وفيها) سملت الروم عيني ملكهم
قسطنطين بن اليون وأقروا أمه رينى وتلقب أغسطه (وحج) بالناس فيها موسى
ابن عيسى بن موسى بن محمد بن علي
ثم دخلت سنة ثلاث وثمانين ومائة
ذكر الخبر عن الاحداث التي كانت فيها
فمن ذلك خروج الخزر بسبب ابنة خاقان من باب الأبواب وإيقاعهم بالمسلمين
هنالك وأهل الذمة وسبيهم فيما ذكر أكثر من مائة ألف فانتهكوا أمرا عظيما لم
يسمع في الاسلام بمثله فولى الرشيد أرمينية يزيد بن مزيد مع آذربيجان وقواه بالجند
ووجهه وأنزل خزيمة بن خازم نصيبين رداءا لا أهل أرمينية * وقد قيل في سبب
دخول الخزر أرمينية غير هذا القول وذلك ما ذكره محمد بن عبد الله أن أباه حدثه
أن سبب دخول الخزر أرمينية في زمان هارون كان أن سعيد بن سلم ضرب عنق
المنجم السلمي بفأس فدخل ابنه بلاد الخزر واستجاشهم على سعيد فدخلوا أرمينية
من الثلمة فانهزم سعيد ونكحوا المسلمات وأقاموا فيها أظن سبعين يوما فوجه
هارون خزيمة بن خازم ويزيد بن مزيد إلى أرمينية حتى أصلحا ما أفسد سعيد
وأخرجا الخزر وسدت الثلمة (وفيها) كتب الرشيد إلى علي بن عيسى بن ماهان
وهو بخراسان بالمصير إليه وكان سبب كتابه إليه بذلك أنه كان حمل عليه وقيل له
إنه قد أجمع على الخلاف فاستخلف علي بن عيسى ابنه يحيى على خراسان فأقره
الرشيد فوافاه على وحمل إليه مالا عظيما فرده الرشيد إلى خراسان من قبل ابنه
المأمون لحرب أبى الخصيب فرجع (وفيها) خرج بن سالم من خراسان أبو الخصيب
471

وهيب بن عبد الله النسائي مولى الحريش (وفيها) مات موسى بن جعفر بن محمد
ببغداد ومحمد بن السماك القاضي (وفيها) حج بالناس العباس بن موسى الهادي بن
محمد بن عبد الله بن محمد بن علي
ثم دخلت سنة أربع وثمانين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
ففيها قدم هارون مدينة السلام في جمادى الآخرة منصرفا إليها من الرقة في
الفرات في السفن فلما صار إليها أخذ الناس بالبقايا وولى استخراج ذلك فيما ذكر
عبد الله بن الهيثم بن سام بالحبس والضرب وولى حماد البربري مكة واليمن وولى
داود بن يزيد بن حاتم المهلبي السند ويحيى الحرشي الجبل ومهرويه الرازي
طبرستان وقام بأمر إفريقية إبراهيم الأغلب فولاها إياه الرشيد (وفيها) خرج
أبو عمرو الشاري فوجه إليه زهير القصاب فقتله بشهر زور (وفيها) طلب أبو
الخصيب الأمان فأعطاه ذلك علي بن عيسى فوافاه بمرو فأكرمه (وحج) بالناس
فيها إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي
ثم دخلت سنة خمس وثمانين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك ما كان من قتل أهل طبرستان مهرويه الرازي وهو واليها فولى
الرشيد مكانه عبد الله بن سعيد الحرشي (وفيها) قتل عبد الرحمن الأنباري أبان
ابن قحطبة الخارجي بمرج القلعة (وفيها) عاث حمزة الشاري بباذغيس من خراسان
فوثب عيسى بن علي بن عيسى على عشرة آلاف من أصحاب حمزة فقتلهم وبلغ
كابل وزابلستان والقندهار فقال أبو الغدافر في ذلك
كان عيسى يكون ذا القرنين * بلغ المشرقين والمغربين
لم يدع كابلا ولا زابلستان * فما حولها إلى الرخجين
(وفيها) خرج أبو الخصيب ثانية بن سالم وغلب عليها وعلى أبيورد وطوس
472

ونيسابور وزحف إلى مرو فأحاط بها فهزم ومضى نحو سرخس وقوى أمره
(وفيها) مات يزيد بن مزيد ببرذعة فولى مكانه أسد بن يزيد (وفيها) مات يقطين
ابن موسى بغداد (وفيها) مات عبد الصمد بن علي ببغداد في جمادى الآخرة
ولم يكن ثغر قط فأدخل القبر بأسنان الصبى وما نقص له سن (وشخص) فيها
الرشيد إلى الرقة على طريق الموصل (واستأذنه) فيها يحيى بن خالد في العمرة
والجوار فأذن له فخرج في شعبان واعتمر عمرة شهر رمضان ثم رابط بجدة إلى
وقت الحج ثم حج ووقعت في المسجد الحرام صاعقة فقتلت رجلين (وحج)
بالناس فيها منصور بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي
ثم دخلت سنة ست وثمانين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
ففيها كان خروج علي بن عيسى بن ماهان من مرو لحرب أبى الخصيب إلى نسا
فقتله بها وسبى نساءه وذراريه واستقامت خراسان (وفيها) حبس الرشيد ثمامة
ابن أشرس لوقوفه على كذبه في أمر أحمد بن عيسى بن زيد (وفيها) مات جعفر
ابن أبي جعفر المنصور عند هرثمة وتوفى العباس بن محمد ببغداد (وحج) بالناس
فيها هارون الرشيد وكان شخوصه من الرقة للحج في شهر رمضان من هذه السنة
فمر بالأنبار ولم يدخل مدينة السلام ولكنه نزل منزلا على شاطئ الفرات يدعى
الدارات بينه وبين مدينة السلام سبعة فراسخ وخلف بالرقة إبراهيم بن عثمان بن
نهيك وأخرج معه ابنيه محمدا الأمين وعبد الله المأمون وليي عهده فبدأ بالمدينة فأعطى
أهلها ثلاثة أعطية كانوا يقدمون إليه فيعطيهم عطاء ثم إلى محمد فيعطيهم عطاء ثانيا ثم إلى
المأمون فيعطيهم عطاء ثالثا ثم صار إلى مكة فأعطى أهلها عطاء فبلغ ذلك ألف ألف دينار
وخمسين ألف دينار وكان الرشيد عقد لابنه محمد ولاية العهد فيما ذكر محمد بن يزيد
عن إبراهيم بن محمد الحجبي يوم الخميس في شعبان سنة 173 وسماه الأمين وضم
إليه الشأم والعراق في سنة 175 ثم بايع لعبد الله المأمون بالرقة في سنة 183 وولاه
473

من حد همذان إلى آخر المشرق فقال في ذلك سلم بن عمرو الخاسر
بايع هارون إمام الهدى * لذي الحجى والخلق الفاضل
المخلف المتلف أمواله * والضامن الأثقال للحامل
والعالم الناقد في علمه * والحاكم الفاضل والعادل
والراتق الفاتق حلف الهدى * والقائل الصادق والفاعل
لخير عباس إذا حصلوا * والمفضل المجدي على العائل
أبرهم برا وأولاهم * لعرف عند الحدث النازل
لمشبه المنصور في ملكه * ذا تدجت ظلمة الباطل
فتم لمأمون نور الهدى * وانكشف الجهل عن الجاهل
وذكر الحسن بن قريش أن القاسم بن الرشيد كان في حجر عبد الملك بن صالح
فلما بايع الشريد لمحمد والمأمون كتب إليه عبد الملك بن صالح
يا أيها الملك الذي * لو كان نجما كان سعدا
اعقد لقاسم بيعة * واقدح له في الملك زندا
الله فرد واحد * فاجعل ولاة العهد فردا
فكان ذلك أول ما حض الرشيد على البيعة للقاسم ثم بايع للقاسم ابنه وسماه
المؤتمن وولاه الجزيرة والثغور والعواصم فقال في ذلك
حب الخليفة حب لا يدين * من كان لله عاص يعمل الفتنا
الله قلد هارون سياستنا * لما اصطفاه فأحيا الدين والسننا
وقلد الأرض هارون لرأفته * بنا أمينا ومأموما ومؤتمنا
قال ولما قسم الأرض بين أولاده الثلاثة قال بعض العامة قد أحكم أمر الملك
وقال بعضهم بل قد ألقى بأسهم بينهم وعاقبة ما صنع في ذلك مخوفة على الرعية
وقالت الشعراء في ذلك فقال بعضهم
أقول لغمة في النفس منى * ودمع العين يطرد اطرادا
خذي للهول عدته بحزم * ستلقى ما سيمنعك الرقادا
474

فإنك إن بقيت رأيت أمرا * يطيل لك الكآبة والسهادا
رأى الملك المهذب شر رأى * بقسمته الخلافة والبلادا
رأى ما لو تعقبه بعلم * لبيض من مفارقه السوادا
أراد به ليقطع عن بنيه * خلافهم ويبتذلوا الودادا
فقد غرس العداوة غير آل * وأورث شمل ألفتهم بدادا
وألقح بينهم حربا عوانا * وسلس لاجتنابهم القيادا
فويل للرعية عن قليل * لقد أهدى لها الكرب الشدادا
وألبسها بلاء غير فان * وألزمها التضعضع والفسادا
ستجري من دمائهم بحور * زواخر لا يرون لها نفادا
فوزر بلائهم أبدا عليه * أغيا كان ذلك أم رشادا
قال وحج هارون ومحمد وعبد الله معه وقواده ووزراؤه وقضاته في سنة 186
وخلف بالرقة إبراهيم بن عثمان بن نهيك العكي على الحرم والخزائن والأموال
والعسكر وأشخص القاسم ابنه إلى منبج فأنزله إياها بمن ضم إليه من القواد
والجند فلما قضى مناسكه كتب لعبد الله المأمون ابنه كتابين أجهد الفقهاء والقضاة
آراءهم فيهما أحدهما على محمد بما اشترط عليه من الوفاء بما فيه من تسليم ما ولى
عبد الله من الأعمال وصير إليه من الضياع والغلات والجواهر والأموال والآخر
نسخة البيعة التي أخذها على الخاصة والعامة والشروط لعبد الله على محمد وعليهم
وجعل الكتابين في البيت الحرام بعد أخذه البيعة على محمد واشهاده عليه بها الله
وملائكته ومن كان في الكعبة معه من سائر ولده وأهل بيته ومواليه وقواده
ووزرائه وكتابه وغيرهم وكانت الشهادة بالبيعة والكتاب في البيت الحرام وتقدم
إلى الحجبة في حفظهما ومنع من أراد إخراجهما والذهاب بهما فذكر عبد الله
ابن محمد ومحمد بن يزيد التميمي وإبراهيم الحجبي أن الرشيد حضر وأحضر وجوه
بني هاشم والقواد والفقهاء وأدخلوا البيت الحرام وأمر بقراءة الكتاب على
عبد الله ومحمد وأشهد عليهما جماعة من حضر ثم رأى أن يعلق الكتاب في الكعبة
475

فلما رفع ليعلق وقع فقيل إن هذا الامر سريع انتقاضه قبل تمامه وكانت نسخة
الكتاب (بسم الله الرحمن الرحيم) هذا كتاب لعبد الله هارون أمير المؤمنين
كتبه محمد بن هارون أمير المؤمنين في صحة من عقله وجواز من أمره طائعا غير
مكره ان أمير المؤمنين ولانى العهد من بعده وصير البيعة لي في رقاب المسلمين
جميعا وولى عبد الله بن هارون أمير المؤمنين العهد والخلافة وجميع أمور المسلمين
بعدي برضى منى وتسليم طائعا غير مكره وولاه خراسان وثغورها وكورها
وحربها وجندها وخراجها وطرزها وبريدها وبيوت أموالها وصدقاتها وعشرها
وعشورها وجميع أعمالها في حياته وبعده وشرطت لعبد الله هارون أمير المؤمنين
برضى منى وطيب نفسي ان لاخى عبد الله بن هارون على الوفاء بما عقد له هارون
أمير المؤمنين من العهد والولاية الخلافة وأمور المسلمين جميعا بعدي وتسليم
ذلك له وما جعل له من ولاية خراسان وأعمالها كلها ومما أقطعه أمير المؤمنين من
قطعية أو جعل له من عقدة أو ضيعة من ضياعه أو ابتاع من الضياع والعقد وما
أعطاه في حياته وصحته من مال أو حلى أو جوهر أو متاع أو كسوة أو منزل
أو دواب أو قليل أو كثير فهو لعبد الله بن هارون أمير المؤمنين موفرا مسلما
إليه وقد عرفت ذلك كله شيئا شيئا فان حدث بأمير المؤمنين حدث الموت
وأفضت الخلافة إلى محمد بن أمير المؤمنين فعلى محمد إنفاذا ما أمره به هارون أمير
المؤمنين في تولية عبد الله بن هارون أمير المؤمنين خراسان وثغورها ومن ضم
إليه من أهل بيت أمير المؤمنين بقرماسين وإن يمض عبد الله بن أمير المؤمنين
إلى خراسان والري والكور التي سماها أمير المؤمنين حيث كان عبد الله بن
أمير المؤمنين من معسكر أمير المؤمنين وغيره من سلطان أمير المؤمنين وجميع
من ضم إليه أمير المؤمنين حيث أحب من لدن الري إلى أقصى عمل خراسان
ليس لمحمد بن أمير المؤمنين أن يحول عنه قائدا ولا مفقودا ولا رجلا واحدا
ممن ضم إليه من أصحابه الذين ضمهم إلى أمير المؤمنين ولا يحول عبد الله ابن أمير
المؤمنين عن ولايته النبي ولاه إياها هارون أمير المؤمنين من ثغور خراسان
476

وأعمالها كلها ما بين عمل الري مما يلي همذان إلى أقصى خراسان وثغورها وبلادها
وما هو منسوب إليها ولا شخصه إليه ولا يفرق أحدا من أصحابه وقواده عنه ولا يولى
عليه أحدا ولا يبعث عليه ولا على أحد من عماله ولاة أموره بندارا ولا
محاسبا ولا عاملا ولا يدخل عليه في صغير من أمره ولا كبير ضررا ولا يحول
بينه وبين العمل في ذلك كله برأيه وتدبيره ولا يعرض لاحد ممن ضم إليه أمير
المؤمنين من أهل بيته وصحابته وقضاته وعماله وكتابه وقواده وخدمه ومواليه
وجندم بما يلتمس إدخال الضرر والمكروه عليهم في أنفسهم ولا قراباتهم ولا
مواليهم ولا أحد يتنسل منهم ولا في دمائهم ولا في أموالهم ولا في ضياعهم
ودورهم ورباعهم وأمتعتهم ورقيقهم ودوابهم شيئا من ذلك صغيرا ولا كبيرا
ولا أحد من الناس بأمره ورأيه وهواه وبترخيص له في ذلك وادهان منه فيه لاحد
من ولد آدم ولا يحكم في أمرهم ولا أحد من قضاته ومن عماله وممن كان بسبب منه
بغير حكم عبد الله ابن أمير المؤمنين ورأيه ورأى قضاته وإن نزع إليه أحد ممن ضم أمير
المؤمنين إلى عبد الله ابن أمير المؤمنين من أهل بيت أمير المؤمنين وصحابته وقواده
وعماله وكتابه وخدمه ومواليه وجنده ورفض اسمه ومكتبه ومكانه مع عبد الله
ابن أمير المؤمنين عاصيا له أو مخالفا عليه فعلى محمد ابن أمير المؤمنين رده إلى
عبد الله بن أمير المؤمنين بصغر له وقمإ حتى ينفذ فيه رأيه وأمره فإن أراد محمد
ابن أمير المؤمنين خلع عبد الله بن أمير المؤمنين عن ولاية العهد من بعده أو عزل
عبد الله بن أمير المؤمنين عن ولاية خراسان وثغورها وأعمالها والذي من
حد عملها مما يلي همذان والكور التي سماها أمير المؤمنين في كتابه هذا أو صرف
أحد من قواده الذين ضمهم أمير المؤمنين إليه ممن قدم قرماسين أو أن ينتقصه
قليلا أو كثيرا مما جعله أمير المؤمنين له بوجه من الوجوه أو بحيلة من الحيل
صغرت أو كبرت فلعبد الله ابن هارون أمير المؤمنين الخلافة بعد أمير المؤمنين
وهو المقدم على محمد ابن أمير المؤمنين وهو ولى الامر من بعد أمير المؤمنين
والطاعة من جميع قواد أمير المؤمنين هارون من أهل خراسان وأهل العطاء
477

وجميع المسلمين في جميع الأجناد والامصار لعبد الله ابن أمير المؤمنين والقيام
معه والمجاهدة لمن خالفه والنصر له والذب عنه ما كانت الحياة في أبدانهم وليس
لاحد منهم جميعا من كانوا أو حيث كانوا أن يخالفه ولا يعصيه ولا يخرج من
طاعته ولا يطيع محمد ابن أمير المؤمنين في خلع عبد الله بن هارون أمير المؤمنين
وصرف العهد عنه من بعده إلى غيره أو ينتقصه شيئا مما جعله له أمير المؤمنين
هارون في حياته وصحته واشترط في كتابه الذي كتبه عليه في البيت الحرام وفى
هذا الكتاب وعبد الله ابن أمير المؤمنين المصدق في قوله وأنتم في حل من البيعة
التي في أعناقكم لمحمد ابن أمير المؤمنين هارون إن نقص شيئا مما جعله له أمير
المؤمنين هارون وعلى محمد بن هارون أمير المؤمنين أن ينقاد لعبد الله ابن أمير
المؤمنين هارون ويسلم له الخلافة وليس لمحمد بن أمير المؤمنين هارون ولا
لعبد الله ابن أمير المؤمنين أن يخلعا القاسم ابن أمير المؤمنين هارون ولا يقدما
عليه أحدا من أولادهما وقراباتهما ولا غيرهم من جميع البرية فإذا أفضت الخلافة
إلى عبد الله بن أمير المؤمنين فالامر إليه في امضاء ما جعله أمير المؤمنين من
العهد للقاسم بعده أو صرف ذلك عنه إلى من رأى من ولده واخوته وتقديم
من أراد أن يقدم قبله وتصيير القاسم ابن أمير المؤمنين بعد من قدم قبله يحكم
في ذلك بما أحب ورأى فعليكم معشر المسلمين انفاذ ما كتب به أمير المؤمنين
في كتابه هذا وشرط عليهم وأمر به وعليكم السمع والطاعة لأمير المؤمنين فيما
ألزمكم و أوجب عليكم لعبد الله ابن أمير المؤمنين وعهد الله وذمته وذمة رسوله
صلى الله عليه وسلم وذمم المسلمين والعهود والمواثيق التي أخذ الله على الملائكة
المقربين والنبيين والمرسلين ووكدها في أعناق المؤمنين والمسلمين لتفن
لعبد الله أمير المؤمنين بما سمى ولمحمد وعبد الله والقاسم بنى أمير المؤمنين بما
سمى وكتب في كتابه هذا واشترط عليكم وأقررتم به على أنفسكم فإن أنتم بدلتم من ذلك شيئا أو غيرتم أو نكثتم أو خالفتم ما أمركم به أمير المؤمنين واشترط
عليكم في كتابه هذا فبرئت منكم ذمة الله وذمه رسوله محمد صلى الله عليه وسلم
478

وذمم المؤمنين والمسلمين وكل مال هو اليوم لكل رجل منكم أو يستفيده إلى
خمسين سنة فهو صدقة على المساكين وعلى كل رجل منكم المشي إلى بيت
الله الحرام الذي بمكة خمسين حجة نذرا واجبا لا يقبل الله منه إلا الوفاء بذلك
وكل مملوك لاحد منكم أو يملكه فيما يستقبل إلى خمسين سنة حر وكل امرأة
له فهي طالق ثلاثا البتة طلاق الحرج لا مثنوية فيها والله عليكم بذلك كفيل
وراع وكفى بالله حسيبا
نسخة الشرط الذي كتب عبد الله ابن أمير المؤمنين بخط يده في الكعبة
هذا كتاب لعبد الله هارون أمير المؤمنين كتبه له عبد الله بن هارون أمير
المؤمنين في صحة من عقله وجواز من أمره وصدق نية فيما كتب في كتابه هذا
ومعرفة بما فيه من الفضل والصلاح له ولأهل بيته وجماعة المسلمين إن أمير
المؤمنين هارون ولانى العهد والخلافة وجميع أمور المسلمين في سلطانه بعد
أخي محمد بن هارون وولاني في حياته ثغور خراسان وكورها وجميع أعمالها
وشرط على محمد بن هارون الوفاء بما عقد لي من الخلافة وولاية أمور العباد
والبلاد بعده وولاية خراسان وجميع أعمالها ولا يعرض لي في شئ مما أقطعني
أمير المؤمنين وابتاع لي من الضياع والعقد والرباع وابتعت منه من ذلك وما
أعطاني أمير المؤمنين من الأموال والجوهر والكساء والمتاع والدواب
والرقيق وغير ذلك ولا يعرض لي ولا لاحد من عمالي وكتابي بسبب محاسبة
ولا يتبع لي في ذلك ولا لاحد منهم أبدا ولا يدخل على ولا عليهم ولا على
من كان معي ومن استعنت به من جميع الناس مكروها في نفس ولا دم ولا شعر
ولا بشر ولا مال ولا صغير من الأمور ولا كبير فأجابه إلى ذلك وأقربه وكتب
له كتابا أكد فيه على نفسه ورضى به أمير المؤمنين هارون وقبله وعرف صدق
نيته فيه فشرطت لأمير المؤمنين وجعلت له على نفسي أن أسمع لمحمد وأطيع
ولا أعصيه وأنصحه ولا أغشه وأوفى ببيعته وولايته ولا أغدر ولا أنكث
وأنفذ كتبه وأموره وأحسن موازرته وجهاد عدوه في ناحيتي ما وفى لي بما شرط
479

لأمير المؤمنين في أمرى وسمى في الكتاب الذي كتبه لأمير المؤمنين ورضى به
أمير المؤمنين ولم يتبعني بشئ من ذلك ولم ينقض أمرا من الأمور التي شرطها أمير
المؤمنين لي عليه فان احتاج محمد ابن أمير المؤمنين إلى جند وكتب إلى يأمرني بأشخاصه
إليه أو إلى ناحية من النواحي أو إلى عدو من أعدائه خالفه أو أراد نقص شئ من سلطانه
أو سلطاني الذي أسنده أمير المؤمنين إلينا وولانا إياه فعلى أن أنفذ أمره
ولا أخالفه ولا أقصر في شئ كتب به إلى وإن أراد محمد أن يولى رجلا من
ولده العهد والخلافة من بعدي فذلك له ما وفي لي بما جعله أمير المؤمنين إلى
واشترطه لي عليه وشرط على نفسه في أمرى وعلى انفاذ ذلك والوفاء له به ولا
أنقص من ذلك ولا أغيره ولا أبدله ولا أقدم قبله أحدا من ولدى ولا قريبا
ولا بعيدا من الناس أجمعين الا أن يولى أمير المؤمنين هارون أحدا من ولده العهد من
بعدي فيلزمني و محمدا الوفاء له وجعلت لأمير المؤمنين ومحمد على الوفاء بما شرطت
وسميت في كتابي هذا ما وفي لي محمد بجميع ما اشترط لي أمير المؤمنين عليه في
نفسي وما أعطاني أمير المؤمنين من جميع الأشياء المسماة في هذا الكتاب الذي
كتبه لي و على عهد الله وميثاقه وذمة أمير المؤمنين وذمتي وذمم آبائي وذمم
المؤمنين وأشد ما أخذ الله على النبيين والمرسلين من خلقه أجمعين من عهوده
ومواثيقه والايمان المؤكدة التي أمر الله بالوفاء بها ونهى عن نقضها وتبديلها فان
أنا نقضت شيئا مما شرطت وسميت في كتابي هذا أو غيرت أو بدلت أو نكثت
أو غدرت فبرئت من الله عز وجل ومن ولايته ودينه ومحمد رسول الله صلى الله
عليه وسلم ولقيت الله يوم القيامة كافرا مشركا وكل امرأة هي لي اليوم أو أتزوجها
إلى ثلاثين سنة طالق ثلاثا البتة طلاق الحرج وكل مملوك هو لي اليوم أو أملكه
إلى ثلاثين سنة أحرار لوجه الله وعلى المشي إلى بيت الله الحرام الذي بمكة ثلاثين
حجة نذرا واجبا على في عنقي حافيا راجلا لا يقبل الله منى إلا الوفاء بذلك وكل
مال لي أو أملكه إلى ثلاثين سنة هدى بالغ الكعبة وكل ما جعلت لأمير المؤمنين
وشرطت في كتابي هذا لازم لي لا أضمر غيره ولا أنوى غيره وشهد سليمان ابن
480

أمير المؤمنين وفلان وفلان وكتب في ذي الحجة سنة ست وثمانين ومائة
نسخة كتاب هارون بن محمد الرشيد إلى العمال
بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإن الله ولى أمير المؤمنين وولى ما ولاه
والحافظ لما استرعاه وأكرمه به من خلافته وسلطانه والصانع له فيما قدم وأخر
من أموره والمنعم عليه بالنصر والتأييد في مشارق الأرض ومغاربها والكالئ
والحافظ والكافي من جميع خلقه وهو المحمود على جميع آلائه المسؤول تمام حسن
ما أمضى من قضائه لأمير المؤمنين وعادته الجميلة عنده وإلهام ما يرضى به ويوجب
له عليه أحسن المزيد من فضله وقد كان من نعمة الله عز وجل عند أمير المؤمنين
وعندك وعند عوام المسلمين ما تولى الله من محمد وعبد الله ابني أمير المؤمنين من
تبليغه بهما أحسن ما أملت الأمة ومدت إليه أعناقها وقذف الله لهما في قلوب العامة
من المحبة والمودة والسكون إليهما والثقة بهما لعماد دينهم وقوام أمورهم وجمع
ألفتهم وصلاح دهمائهم ودفع المحذور والمكروه من الشتات والفرقة عنهم حتى
ألقوا إليهما أزمتهم وأعطوهما بيعتهم وصفقات أيمانهم بالعهود والمواثيق ووكيد
الايمان المغلظة عليهم أراد الله فلم يكن له مرد وأمضاه فلم يقدر أحد من العباد
على نقضه ولا إزالته ولا صرف له عن محبته ومشيئته وما سبق في علمه منه وأمير
المؤمنين يرجو تمام النعمة عليه وعليهما في ذلك وعلى الأمة كافة لا عاقب لأمر
الله ولا راد لقضائه ولا معقب لحكمه ولم يزل أمير المؤمنين منذ اجتمعت الأمة على
عقد العهد لمحمد ابن أمير المؤمنين من بعد أمير المؤمنين لعبد الله ابن أمير المؤمنين من بعد
محمد ابن أمير المؤمنين يعمل فكره ورأيه ونظره ورؤيته فيما فيه الصلاح لهما ولجميع
الرعية والجمع للكلمة واللم للشعث والدفع الشتات والفرقة والحسم لكيد أعداء
النعم من أهل الكفر والنفاق والغل والشقاق والقطع لآمالهم من كل فرصة
يرجون إدراكها وانتهازها منهما بانتقاص حقهما ويستخير الله أمير المؤمنين في
ذلك ويسأله العزية له على ما فيه الخيرة لهما ولجميع الأمة والقوة في أمر الله وحقه
وائتلاف أهوائهما وصلاح ذات بينهما وتحصينهما من كيد أعداء النعم ورد
481

حسدهم ومكرهم وبغيهم وسعيهم بالفساد بينهما فعزم الله لأمير المؤمنين على
الشخوص بهما إلى بيت الله وأخذ البيعة منهما لأمير المؤمنين بالسمع والطاعة
والانفاذ لامره واكتتاب الشرط على كل واحد منهما لأمير المؤمنين ولهما بأشد
المواثيق والعهود وأغلظ الايمان والتوكيد والاخذ لكل واحد منهما على صاحبه
بما التمس به أمير المؤمنين اجتماع ألفتهما ومودتهما وتواصلهما وموازرتهما
ومكانفتهما على حسن النظر لأنفسهما ولرعية أمير المؤمنين التي استرعاهما والجماعة
لدين الله عز وجل وكتابه وسنن نبيه صلى الله عليه وسلم والجهاد لعدو المسلمين
من كانوا وحيث كانوا وقطع طمع كل عدو مظفر للعداوة ومسر لها وكل منافق
ومارق وأهل الأهواء الضالة المضلة من فرقة تكيد بكيد توقعه بينهما وبدحس
يدحس به لهما وما يلتمس أعداء الله وأعداء النعم وأعداء دينه من الضرب بين
الأمة والسعي بالفساد في الأرض والدعاء إلى البدع والضلالة نظرا من أمير
المؤمنين لدينه ورعيته وأمة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ومناصحة لله ولجميع المسلمين
وذبا عن سلطان الله الذي قدره وتوحد فيه للذي حمله إياه والاجتهاد في كل
ما فيه قربة إلى الله وما ينال به رضوانه والوسيلة عنده فلما قدم مكة أظهر لمحمد
وعبد الله رأيه في ذلك وما نظر فيه لهما فقبلا كل ما دعا هما إليه من التوكيد على
أنفسهما بقبوله وكتابا لأمير المؤمنين في بطن بيت الله الحرام بخطوط أيديهما
بمحضر ممن شهد الموسم من أهل بيت أمير المؤمنين وقواده وصحابته وقضاته
وحجبة الكعبة وشهاداتهم عليهما كتابين استودعهما أمير المؤمنين الحجبة
وأمر بتعليقهما في داخل الكعبة فلما فرغ أمير المؤمنين من ذلك كله في داخل
بيت الله الحرام وبطن الكعبة أمر قضاته الذين شهدوا عليهما وحضروا
كتابهما أن يعلموا جميع من حضر الموسم من الحاج والعمار ووفود الأمصار
ما شهدوا عليه من شرطهما وكتابهما وقراءة ذلك عليهم ليفهموه ويعوه
ويعرفوه ويحفظوه ويؤدوه إلى إخوانهم وأهل بلدانهم وأمصارهم ففعلوا
ذلك وقرئ عليهم الشرطان جميعا في المسجد الحرام فانصرفوا وقد اشتهر ذلك
482

عندهم وأثبتوا الشهادة عليه وعرفوا نظر أمير المؤمنين وعنايته بصلاحهم
وحقن دمائهم ولم شعتهم وإطفاء جمرة أعداء الله أعداء دينه وكتابه وجماعة المسلمين
عنهم وأظهروا الدعاء لأمير المؤمنين والشكر لما كان منه في ذلك وقد نسخ لك
أمير المؤمنين ذينك الشرطين اللذين كتبهما لأمير المؤمنين ابناه محمد وعبد الله
في بطن الكعبة في أسفل كتابه هذا فاحمد الله عز وجل على ما صنع لمحمد وعبد الله
وليي عهد المسلمين حمدا كثيرا واشكره ببلائه عند أمير المؤمنين وعند وليي عهد
المسلمين وعندك وعند جماعة أمة محمد صلى الله عليه وسلم كثيرا واقرأ كتاب
أمير المؤمنين على من قبلك من المسلمين وأفهمهم إياه وقم به بينهم وأثبته في الديوان
قبلك وقبل قواد أمير المؤمنين ورعيته قبلك واكتب إلى أمير المؤمنين بما يكون
في ذلك إن شاء الله وحسبنا الله ونعم الوكيل وبه الحول والقوة والطول وكتب
إسماعيل بن صبيح يوم السبت لسبع ليال بقين من المحرم سنة ست وثمانين ومائة
قال وأمر هارون الرشيد لعبد الله المأمون بمائة ألف دينار وحملت له إلى بغداد
من الرقة قال وكان الرشيد بعد مقتل جعفر بن يحيى بالعمر صار إلى الرقة ثم قدم
بغداد وقد كانت توالت عليه الشكاية من علي بن عيسى بن ماهان من خراسان وكثر
عليه القول عنده فأجمع على عزله من خراسان وأحب أن يكون قريبا منه فلما
صار إلى بغداد شخص بعد مدة منها إلى قرماسين وذلك في سنة 189 وأشخص
إليها عدة رجال من القضاة وغيرهم وأشهدم أن جميع ماله في عسكره من الأموال
والخزائن والسلاح والكراع وما سواه أجمع لعبد الله المأمون وأنه ليس له فيه قليل
ولا كثير بوجه ولا سبب وجدد البيعة له على من كان معه ووجه هرثمة بن أعين
صاحب حرسه إلى بغداد فأعاد أخذ البيعة على محمد بن هارون أمير المؤمنين وعلى
من كان بحضرته لعبد الله والقاسم على النسخة التي كان أخذها عليه الرشيد بمكة
وجعل أمر القاسم في خلعه وإقراره إلى عبد الله إذا أفضت إليه الخلافة فقال
إبراهيم الموصلي في بيعة هارون لابنيه في الكعبة
خير الأمور مغبة * وأحق أمر بالتمام
483

أمر قضى إحكامه ال‍ * - ر حمن في البيت الحرام
ثم دخلت سنة سبع وثمانين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمما كان فيها من ذلك قتل الرشيد جعفر بن يحيى بن خالد وإيقاعه بالبرامكة
ذكر الخبر عن سبب قتله إياه وكيف كان قتله وما فعل به وبأهل بيته
أما سبب غضبه عليه الذي قتله عنده فإنه مختلف فيه فمن ذلك ما ذكر عن بختيشوع
ابن جبريل عن أبيه أنه قال إني لقاعد في مجلس الرشيد إذ طلع يحيى بن خالد وكان
فيما مضى يدخل بلا إذن فلما دخل وصار بالقرب من الرشيد وسلم رد عليه
ردا ضعيفا فعلم يحيى أن أمرهم قد تغير قال ثم أقبل على الرشيد فقال
يا جبريل يدخل عليك وأنت في منزلك أحد بلا إذنك فقلت لا ولا يطمع في
ذلك قال فما بالنا يدخل علينا بلا إذن فقام يحيى فقال يا أمير المؤمنين
قدمني الله قبلك والله ما ابتدأت ذلك الساعة وما هو إلا شئ كان خصني
به أمير المؤمنين ورفع به ذكرى حتى أن كنت لادخل وهو في فراشه
مجردا حينا وحينا في بعض إزاره وما علمت أن أمير المؤمنين كره ما كان يحب
وإذ قد علمت فإني أكون عنده في الطبقة الثانية من أهل الاذن أو الثالثة إن
أمرني سيدي بذلك قال فاستحيى قال وكان من أرق الخلفاء وجها وعيناه في الأرض
ما يرفع إليه طرفه ثم قال ما أردت ما تكره ولكن الناس يقولون قال فظننت أنه
لم يسنح له جواب يرتضيه فأجاب بهذا القول ثم أمسك عنه وخرج يحيى وذكر
عن أحمد بن يوسف أن ثمامة بن أشرس قال أول ما أنكر يحيى بن خالد من
أمره أن محمد بن الليث رفع رسالة إلى الرشيد يعظه فيها ويذكر أن يحيى بن خالد
لا يغنى عنك من الله شيئا وقد جعلته فيما بينك وبين الله فكيف أنت إذا وقفت
بين يديه فسألك عما عملت في عباده وبلاده فقلت يا رب إني استكفيت يحيى
أمور عبادك أتراك تحتج بحجة يرضى بها مع كلام فيه توبيخ وتقريع فدعا الرشيد
484

يحيى وقد تقدم إليه خبر الرسالة فقال تعرف محمد بن الليث قال نعم قال فأي الرجال
هو قال متهم على الاسلام فأمر به فوضع في المطبق دهرا فلما تنكر الرشيد
للبرامكة ذكره فأمر بإخراجه فأحضر فقال له بعد مخاطبة طويلة يا محمد أتحبني قال
لا والله يا أمير المؤمنين قال تقول هذا قال نعم وضعت في رجلي الأكبال وحلت
بيني وبين العيال بلا ذنب أتيت ولا حدث أحدثت سوى قول حاسد يكيد
الاسلام وأهله ويحب الالحاد وأهله فكيف أحبك قال صدقت وأمر بإطلاقه
ثم قال يا محمد أتحبني قال والله يا أمير المؤمنين ولكن قد ذهب ما في قلبي فأمر
أن يعطى مائة ألف درهم فأحضرت فقال يا محمد أتحبى قال أما الآن فنعم قد أنعمت
على وأحسنت إلى قال انتقم الله ممن ظلمك وأخذ لك بحقك ممن بعثني عليك
قال فقال الناس في البرامكة فأكثروا وكان ذلك أول ما ظهر من تغير حالهم قال
وحدثني محمد بن الفضل بن سفيان مولى سليمان بن أبي جعفر قال دخل يحيى بن
خالد بعد ذلك على الرشيد فقام الغلمان إليه فقال الرشيد لمسرور الخادم مر
الغلمان ألا يقوموا ليحيى إذا دخل الدار قال فدخل فلم يقم إليه أحد فاربد
لونه قال وكان الغلمان والحجاب عبد إذ رأوه أعرضوا عنه قال فكان ربما
استسقى الشربة من الماء أو غيره فلا يسقونه بالحرى إن سقوه أن يكون
ذلك بعد أن يدعو بها مرارا وذكر أبو محمد اليزيدي وكان فيما قيل من أعلم الناس
بأخبار القوم قال من قال إن الرشيد قتل جعفر بن يحيى بغير سبب يحيى بن عبد الله
ابن حسن فلا تصدقه وذلك أن الرشيد دفع يحيى إلى جعفر فحبسه ثم دعا به ليلة
من الليالي فسأله عن شئ من أمره فأجابه إلى أن قال اتق الله في أمرى ولا تتعرض
أن يكون خصمك غدا محمد صلى الله عليه وسلم فوالله ما أحدثت حدثا ولا أويت
محدثا فرق عليه وقال له اذهب حيث شئت من بلاد الله قال وكيف أذهب ولا آمن
أن أوخذ بعد قليل فأرد إليك أو إلى غيرك فوجه معه من أداه إلى مأمنه وبلغ
الخبر الفضل بن الربيع من عين كانت له عليه من خاص خدمه فعلا الامر فوجده
حقا وانكشف عنده فدخل على الرشيد فأخبره فأراه أنه لا يعبأ بخبره وقال
485

وما أنت وهذا لا أم لك فلعل ذلك عن أمرى فانكسر الفضل وجاءه جعفر فدعا
بالغداء فأكلا وجعل يلقمه ويحادثه إلى أن كان آخر ما دار بينهما أن قال ما فعل
يحيى بن عبد الله قال بحاله يا أمير المؤمنين في الحبس الضيق والأكبال قال بحياتي
فأحجم جعفر وكان من أدق الخلق ذهنا وأصحهم فكرا فهجس في نفسه انه قد
علم بشئ من أمره فقال لا وحياتك يا سيدي ولكن أطلقته وعلمت أنه لا حياة
به ولا مكروه عنده قال نعم ما فعلت ما عدوت ما كان في نفسي فلما خرج أتبعه
بصره حتى كاد أن يتوارى عن وجهه ثم قال قتلني الله بسيف الهدى على عمل
الضلالة إن لم أقتلك فكان من أمره ما كان وحدث إدريس بن بدر قال عرض
رجل للرشيد وهو يناظر يحيى فقال يا أمير المؤمنين نصيحة فادع بي إليك فقال
لهرثمة خذ الرجل إليك وسله عن نصيحته هذه فسأله فأبى أن يخبره وقال هي سر
من أسرار الخليفة فأخبر هرثمة الرشيد بقوله قال فقل له لا يبرح الباب حتى
أفرغ له قال فلما كان في الهاجرة انصرف من كان عنده ودعا به فقال أحلني
فالتفت هارون إلى بنيه فقال انصرفوا يا فتيان فوثبوا وبقى خاقان وحسين على
رأسه فنظر إليهما الرجل فقال الرشيد تنحيا عنى ففعلا ثم أقبل على الرجل فقال
هات ما عندك فقال على أن تؤمنني قال على أن أؤمنك وأحسن إليك قال كنت
بحلوان في خان من خاناتها فإذا أنا بيحيى بن عبد الله في دراعة صوف غليظة
وكساء صوف أخضر غليظ وإذا معه جماعة ينزلون إذا نزل ويرحلون إذا رحل
ويكونون منه بصدد يوهمون من رآهم انهم لا يعرفونه وهم من أعوانه ومع كل
واحد منهم منشور يأمن به إن عرض له قال أو تعرف يحيى بن عبد الله قال
أعرفه قديما وذلك الذي حقق معرفتي به بالأمس قال فصفه لي قال مربوع أسمر
رقيق السمرة أجلح حسن العينين عظيم البطن قال صدقت هو ذاك قال فما سمعته
يقول قال ما سمعته يقول شيئا غير إني رأيته يصلى ورأيت غلاما من غلمانه أعرفه
قديما جالسا على باب الخان فلما فرغ من صلاته أتاه بثوب غسيل فألقاه في عنقه
ونزع جبة الصوف فلما كان بعد الزوال صلى صلاة ظننتها العصر وأنا أرمقه أطال
486

في الأولتين وخفف في الآخر تين فقال لله أبوك لجاد ما حفظت عليه نعم تلك
صلاة العصر وذاك وقتها عند القوم أحسن الله جزاءك وشكر سعيك فمن أنت
قال أنا رجل من أعقاب أبناء هذه الدولة وأصلي من مرو ومولدي مدينة
السلام قال فمنزلك بها قال نعم فأطرق مليا ثم قال كيف احتمالك لمكروه تمتحن
به في طاعتي قال أبلغ من ذلك حيث أحب أمير المؤمنين قال كن بمكانك حتى
أرجع فظفر في حجزة كانت خلف ظهره فأخرج كيسا فيه ألفا دينار فقال خذ
هذه ودعني وما أدبر فيك فأخذها وضم عليها ثيابه ثم قال يا غلام فأجابه خاقان
وحسين فقال أصفعا ابن اللخناء فصفعاه نحوا من مائة ضفعة ثم قال أخرجاه
إلى من بقى في الدار وعمامته في عنقه وقولا هذا جزاء من يسعى بباطنه أمير
المؤمنين وأوليائه ففعلا ذلك وتحدثوا بخبره ولم يعلم بحال الرجل أحد ولا بما
كان ألقى إلى الرشيد حتى كان من أمر البرامكة ما كان وذكر يعقوب بن إسحاق
ان إبراهيم بن المهدى حدثه قال أتيت جعفر بن يحيى في داره التي ابتناها فقال لي
أما تعجب من منصور بن زياد قال قلت فيما ذا قال سألته هل ترى في داري عيبا
قال نعم ليس فيها لبنة ولا صنوبرة قال إبراهيم فقلت الذي يعيبها عندي انك
أنفقت عليها نحوا من عشرين ألف ألف درهم وهو شئ لا آمنه عليك غدا بين
يدي أمير المؤمنين قال هو يعلم أنه قد وصلني بأكثر من ذلك وضعف ذلك سوى
ما عرضني له قال قلت إن العدو إنما يأتيه في هذا من جهة أن يقول يا أمير المؤمنين
إذا أنفق على دار عشرين ألف ألف درهم فأين نفقاته وأين صلاته وأين النوائب
التي تنوبه وما ظنك يا أمير المؤمنين بما وراء ذلك وهذه جملة سريعة إلى القلب
والموقف على الحاصل منها صعب قال إن سمع منى قلت إن لأمير المؤمنين نعما
على قوم قد كفروها بالستر لها أو بإظهار القليل من كثيرها وأنا رجل نظرت
إلى نعمته عندي فوضعتها في رأس جبل ثم قلت للناس تعالوا فانظروا وذكر
زيد بن علي بن حسين بن زيد ان إبراهيم بن المهدى حدثه أن جعفر بن يحيى قال
له يوما وكان جعفر بن يحيى صاحبه عند الرشيد وهو الذي قربه منه إني قد استربت
487

بأمر هذا الرجل يعنى الرشيد وقد ظننت أن ذلك لسابق سبق في نفسي منه فأردت
أن أعتبر ذلك بغير فكنت أنت فارمق ذلك في يومك هذا وأعلمني ما ترى منه
قال ففعلت ذلك في يومى فلما نهض الرشيد من مجلسه كنت أول أصحابه نهض عنه
حتى صرت إلى شجر في طريقي فدخلتها ومن معي وأمرتهم بإطفاء الشمع وأقبل
الندماء يمرون بي واحدا واحدا فأراهم ولا يروني حتى إذا لم يبق منهم أحد إذا
أنا بجعفر قد طلع فلما جاوز الشجر قال اخرج يا حبيبي قال فخرجت فقال ما عندك
فقلت حتى تعلمني كيف علمت أنى ههنا قال عرفت عنايتك بما أعنى به وإنك
لم تكن لتنصرف أو تعلمني ما رأيت منه وعلمت أنك تكره أن ترى واقفا
في مثل هذا الوقت وليس في طريقك موضع أستر من هذا الموضع فقضيت
بأنك فيه قلت نعم قال فهات ما عندك قلت رأيت الرجل يهزل إذا جددت ويجد
إذا هزلت قال كذا هو عندي فانصرف يا حبيبي قال فانصرفت قال وحدثني
علي بن سليمان أنه سمع جعفر بن يحيى يوما يقول ليس لدارنا هذه عيب إلا أن
صاحبها فيها قليل البقاء يعنى نفسه وذكر عن موسى بن يحيى قال خرج أبى إلى الطواف
في السنة التي أصيب فيها وأنا معه من بين ولده فجعل يتعلق بأستار الكعبة ويردد الدعاء
ويقول اللهم ذنوبي جمة عظيمة لا يحصيها غيرك ولا يعرفها سواك اللهم ان كنت تعاقبني
فاجعل عقوبتي في الدنيا وإن أحاط ذلك بسمعي وبصرى ومالي وولدي حتى
تبلغ رضاك ولا تجعل عقوبتي في الآخرة قال وحدثني أحمد بن الحسن بن حرب
قال رأيت يحيى وقد قابل البيت وتعلق بأستار الكعبة وهو يقول اللهم إن كان
رضاك في أن تسلبني نعمتك عندي فاسلبني اللهم إن كان رضاك في أن تسلبني أهلي
وولدي فاسلبني اللهم إلا الفضل قال ثم ولى ليمضى فلما قرب من باب المسجد كر
مسرعا ففعل مثل ذلك وجعل يقول اللهم إنه سمج بمثلي أن يرغب إليك ثم يستثنى
عليك اللهم والفضل قال فلما انصرفوا من الحج نزلوا الأنبار ونزل الرشيد بالعمر
ومعه وليا العهد الأمين والمأمون ونزل الفضل مع الأمين وجعفر مع المأمون
ويحيى في منزل خالد بن عيسى كاتبه ومحمد بن يحيى في منزل ابن نوح صاحب
488

الطراز ونزل محمد بن خالد مع المأمون بالعمر مع الرشيد قال وخلا الرشيد بالفضل
ليلا ثم خلع عليه وقلده وأمره أن ينصرف مع محمد الأمين ودعا بموسى بن يحيى
فرضى عنه وكان غضب عليه بالحيرة في بدأته لان علي بن عيسى بن ماهان اتهمه
عند الرشيد في أمر خراسان وأعلمه طاعة أهلها له ومحبتهم إياه وأنه يكاتبهم
ويعمل على الانسلال إليهم والوثوب به معهم فوقر ذلك في نفس الرشيد عليه
وأوحشه منه وكان موسى أحد الفرسان الشجعان فلما قدح علي بن عيسى فيه
أسرع ذلك في الرشيد وعمل فيه القليل منه ثم ركب موسى دين واختفى من
غرمائه فتوهم الرشيد أنه صار إلى خراسان كما قيل له فلما صار إلى الحيرة في هذه
الحجة وافاه موسى من بغداد فحبسه الرشيد عند العباس بن موسى بالكوفة فكان
ذلك أول ثلمة ثلموا بها فركبت أم الفضل بن يحيى في أمره ولم يكن يردها في شئ فقال يضمنه أبوه فقد رفع إلى فيه فضمنه يحيى ودفعه إليه ثم رضى عنه وخلع عليه
وكان الرشيد قد عتب على الفضل بن يحيى وثقل مكانه عليه لتركه الشرب معه فكان
الفضل يقول لو علمت أن الماء ينقص من مروتي ما شربته وكان مشغوفا بالسماع
قال وكان جعفر يدخل في منادمة الرشيد حتى كان أبوه ينهاه عن منادمته ويأمره
بترك الانس به فيترك أمر أبيه ويدخل معه فيما يدعوه إليه * وذكر عن سعيد
ابن هريم أن يحيى كتب إلى جعفر حين أعيته حيلته فيه إني انما أهملتك ليعثر
الزمان بك عثرة تعرف بها أمرك وإن كنت لأخشى أن تكون التي لا شوى لها
قال وقد كان يحيى قال للرشيد يا أمير المؤمنين أنا والله أكره مداخلة جعفر معك
ولست آمن أن ترجع العاقبة في ذلك على منك فلو أعقبته واقتصرت به على
ما يتولاه من جسيم أعمالك كان ذلك واقعا بموافقتي وآمن لك على قال الرشيد
يا أبت ليس بك هذا ولكنك إنما تريد أن تقدم عليه الفضل * وقد حدثني أحمد
ابن زهير أحسبه عن عمه زاهر بن حرب أن سبب هلاك جعفر والبرامكة أن
الرشيد كان لا يصبر عن جعفر وعن أخته عباسة بنت المهدى وكان يحضرهما إذا
جلس للشرب وذلك بعد أن أعلم جعفرا قلة صبره عنه وعنها وقال لجعفر أزوجكها
489

ليحل لك النظر إليها إذا أحضرتها مجلسي وتقدم إليه ألا يمسها ولا يكون منه شئ
مما يكون للرجل إلى زوجته فزوجها منه على ذلك فكان يحضرهما مجلسه إذا جلس
للشرب ثم يقوم عن مجلسه ويخليهما فيثملان من الشراب وهما شابان فيقوم إليها
جعفر فيجامعها فحملت منه وولدت غلاما فخافت على نفسها من الرشيد إن علم
بذلك فوجهت بالمولود مع حواضن له من مماليكها إلى مكة فلم يزل الامر مستورا
عن هارون حتى وقع بين عباسة وبين بعض جواريها شر فأنهت أمرها وأمر
الصبى إلى الشريد وأخبرته بمكانه ومع من هو من جواريها وما معه من الحلى الذي
كانت زينته به أمه فلما حج هارون هذه الحجة أرسل إلى الموضع الذي كانت الجارية
أخبرته أن الصبى به من يأتيه بالصبى وبمن معه من حواضنه فلما أحضروا سأل
اللواتي معهن الصبى فأخبرنه بمثل القصة التي أخبرته بها الرافعة على عباسة فأراد
فيما زعم قتل الصبى ثم تحوب من ذلك وكان جعفر يتخذ للرشيد طعاما كلما حج
بعسفان فيقريه إذا انصرف شاخصا من مكة إلى العراق فلما كان في هذا العام اتخذ
الطعام جعفر كما كان يتخذه هنا لك ثم استزاره فاعتل عليه الرشيد ولم يحضر
طعامه ولم يزل جعفر معه حتى نزل منزله من الأنبار فكان من أمره وأمر أبيه
ما أنا ذاكره إن شاء الله تعالى
ذكر الخبر عن مقتل جعفر
ذكر الفضل بن سليمان بن علي أن الرشيد حج في سنة 186 وأنه انصرف
من مكة فوافى الحيرة في المحرم من سنة 187 عند انصرافه من الحج فأقام في قصر
عون العبادي أياما ثم شخص في السفن حتى نزل العمر الذي بناحية الأنبار فلما
كان ليلة السبت لانسلاخ المحرم أرسل مسرورا الخادم ومعه حماد بن سالم أبو عصمة
في جماعة من الجند فأطافوا بجعفر بن يحيى ليلا ودخل عليه مسرور وعنده ابن
بختيشوع المتطبب وأبو زكار الأعمى المغنى الكلوذاني وهو في لهوه فأخرجه
إخراجا عنيفا يقوده حتى أتى به المنزل الذي فيه الرشيد فحبسه وقيده بقيد حمار
وأخبر الرشيد بأخذه إياه ومجيئه به فأمر بضرب عنقه ففعل ذلك * وذكر عن
490

علي بن أبي سعيد أن مسرورا الخادم حدثه قال أرسلني الرشيد لآتيه بجعفر بن
يحيى لما أراد قتله فأتيته وعنده أبو زكار الأعمى المغنى وهو يغنيه
فلا تبعد فكل فتى سيأتي * عليه الموت يطرق أو يغادى
قال فقلت له يا أبا الفضل الذي جئت له من ذلك قد والله طرقك أجب
أمير المؤمنين قال فرفع يديه ووقع على رجلي يقبلهما وقال حتى أدخل فأوصى
قلت أما الدخول فلا سبيل إليه ولكن أوص بما شئت فتقدم في وصيته بما أراد وأعتق
مماليكه ثم أتتني رسل أمير المؤمنين تستحثني به قال فمضيت به إليه فأعلمته فقال لي
وهو في فراشه ائتنى برأسه فأتيت جعفرا فأخبرته فقال يا أبا هاشم الله الله والله ما أمرك
بما أمرك به إلا وهو سكران فدافع بأمري حتى أصبح أؤامره في ثانية فعدت لأوامره
فلما سمع حسي قال يا ماص بظر أمه ائتنى برأس جعفر فعدت إلى جعفر فأخبرته
فقال عاوده في ثالثة فأتيته فحذفني بعمود ثم قال نفيت من المهدى إن أنت جئتني
ولم تأتني برأسه لأرسلن إليك من يأتيني برأسك أولا ثم برأسه آخرا قال فخرجت
فأتيته برأسه قال وأمر الرشيد في تلك الليلة بتوجيه من أحاط بيحيى بن خالد وجميع
ولده ومواليه ومن كان منهم بسبيل فلم يفلت منهم أحد كان حاضرا وحول الفضل
ابن يحيى ليلا فحبس في ناحية من منازل الرشيد وحبس يحيى بن خالد في منزله
وأخذ ما وجد لهم من مال وضياع ومتاع وغير ذلك ومنع أهل العسكر من أن
يخرج منهم خارج إلى مدينة السلام أو إلى غيرها ووجه من ليلته رجاء الخادم إلى
الرقة في قبض أموالهم وما كان لهم وأخذ كل ما كان من رقيقهم ومواليهم وحشمهم
وولاه أمورهم وفرق الكتب من ليلته إلى جميع العمال في نواحي البلدان
والأعمال بقبض أموالهم وأخذ وكلائهم فلما أصبح بعث بجثة جعفر بن يحيى مع
شعبة الخفتاني وهرثمة بن أعين وإبراهيم بن حميد المروروذي وأتبعهم عدة من
خدمه وثقاته منهم مسرور الخادم إلى منزل جعفر بن يحيى وإبراهيم بن حميد
وحسين الخادم إلى منزل الفضل بن يحيى ويحيى بن عبد الرحمن ورشيد الخادم
إلى منزل يحيى ومحمد بن يحيى وجعل معه هرثمة بن أعين وأمر بقبض جميع مالهم
491

وكتب إلى السندي الحرشي بتوجيه جيفة جعفر إلى مدينة السلام ونصب رأسه
على الجسر الأوسط وقطع جثته وصلب كل قطعة منها على الجسر الاعلى والجسر
الأسفل ففعل السندي ذلك وأمضى الخدم ما كانوا وجهوا فيه وحمل عدة من
أولاد الفضل وجعفر ومحمد الأصاغر إلى الرشيد فأمر بإطلاقهم وأمر بالنداء
في جميع البرامكة ألا أمان لمن آواهم الا محمد بن خالد وولده وأهله وحشمه فإنه
استثناهم لما ظهر من نصيحة محمد له وعرف براءته مما دخل فيه غيره من البرامكة
وخلى سبيل يحيى قبل شخوصه من العمرو وكل بالفضل ومحمد وموسى بن يحيى
وبأبي المهدى صهرهم حفظة من قبل هرثمة بن أعين إلى أن وافى بهم الرقة فأمر
الرشيد بقتل أنس بن أبي شيخ يوم قدم الرقة وتولى قتله إبراهيم بن عثمان بن نهيك
ثم صلب وحبس يحيى بن خالد مع الفضل ومحمد في دير القائم وجعل عليهم حفظة
من قبل مسرور الخادم وهرثمة بن أعين ولم يفرق بينهم وبين عدة من خدمهم
ولا ما يحتاجون إليه وصير معهم زبيدة بنت منير أم الفضل ودنانير جارية يحيى
وعدة من خدمهم وجواريهم ولم تزل حالهم سهلة إلى أن سخط الرشيد على عبد الملك
ابن صالح فعمهم بالتثقيف بسخطه وجدد له ولهم التهمة عند الرشيد فضيق عليهم
وذكر الزبير بن بكار أن جعفر بن الحسين اللهمي حدثه أن الرشيد أتى بأنس
ابن أبي شيخ صبح الليلة التي قتل فيها جعفر بن يحيى فدار بينه وبينه كلام فأخرج
الرشيد سيفا من تحت فراشه وأمر أن تضرب عنقه وجعل يتمثل ببيت قيل
في قتل أنس قبل ذلك
تلمظ السيف من شوق إلى أنس * فالسيف يلحظ والاقدار تنتظر
قال فضرب عنقه فسبق السيف الدم فقال الرشيد رحم الله عبد الله بن مصعب
وقال الناس إن السيف كان سيف الزبير بن العوام وذكر بعضهم أن عبد الله بن
مصعب كان على خبر الناس للرشيد فكان أخبره عن أنس أنه على الزندقة فقتله
لذلك وكان أحد أصحاب البرامكة وذكر محمد بن إسحاق أن جعفر بن محمد بن حكيم
الكوفي حدثه قال حدثني السندي بن شاهك قال إني لجالس يوما فإذا أنا بخادم
492

قد قدم على البريد ودفع إلى كتابا صغيرا ففضضته فإذا كتاب الرشيد بخطه
فيه (بسم الله الرحمن الرحيم) يا سندي إذا نظرت في كتابي هذا فان كنت قاعدا
فقم وإن كنت قائما فلا تقعد حتى تصير إلى قال السندي فدعوت بدوابي ومضيت
وكان الرشيد بالعمر فحدثني العباس بن الفضل بن الربيع قال جلس الرشيد في الزوفي
الفرات ينتظرك وارتفعت غبرة فقال لي يا عباس ينبغي أن يكون هذا السندي
وأصحابه قلت يا أمير المؤمنين ما أشبهه أن يكون هو قال فطلعت قال السندي فنزلت
عن دابتي ووقفت فأرسل إلى الرشيد فصرت إليه ووقفت ساعة بين يديه فقال
لمن كان عنده من الخدم قوموا فقاموا فم يبق الا العباس بن الفضل وأنا ومكث
ساعة ثم قال للعباس اخرج ومر برفع التخاتج المطروحة على الزو ففعل ذلك فقال
لي ادن منى فدنوت منه فقال لي تدرى فيم أرسلت إليك قلت لا والله يا أمير المؤمنين
قال قد بعثت إليك في أمر لو علم به زر قميصي رميت به في الفرات يا سندي من
أوثق قوادى عندي قلت هرثمة قال صدقت فمن أوثق خدمي عندي قلت مسرور
الكبير قال صدقت امض من ساعتك هذه وجد في سيرك حتى توافي مدينة السلام
فاجمع ثقات أصحابك وأرباعك ومرهم أن يكونوا وأعوانهم على أهبة فإذا
انقطعت الرجل فصر إلى دور البرامكة فوكل بكل باب من أبوابهم صاحب ربع
ومره أن يمنع من يدخل ويخرج خلاباب محمد بن خالد حتى يأتيك أمرى قال
ولم يكن حرك البرامكة في ذلك الوقت قال السندي فجئت أركض حتى أتيت
مدينة السلام فجمعت أصحابي وفعلت ما أمرني به قال فلم ألبث أن أقدم على هرثمة
ابن أعين ومعه جعفر بن يحيى على بغل بلا أكاف مضروب العنق وإذا كتاب
أمير المؤمنين يأمرني أن أشطره باثنين وأن أصلبه على ثلاثة جسور قال ففعلت
ما أمرني به قال محمد بن إسحاق فلم يزل جعفر مصلوبا حتى أراد الرشيد الخروج
إلى خراسان فمضيت فنظرت إليه فلما صار بالجانب الشرقي على باب خزيمة
ابن خازم دعا بالوليد بن جشم الشاري من الحبس وأمر أحمد بن الجنيد الختلي
وكان سيافه فضرب عنقه ثم التفت إلى السندي فقال ينبغي أن يحرق هذا
493

يعنى جعفرا فلما مضى جمع السندي له شوكا وحطبا وأحرقه وقال محمد بن إسحاق
لما قتل الرشيد جعفر بن يحيى قيل ليحيى بن خالد قتل أمير المؤمنين ابنك
جعفرا قال كذلك يقتل ابنه قال فقيل له خربت ديارك قال كذلك تخرب
دورهم وذكر الكرماني أن بشار التركي حدثه أن الرشيد خرج إلى الصيد وهو
بالعمر في اليوم الذي قتل جعفرا في آخره فكان ذلك اليوم يوم جمعة وجعفر
ابن يحيى معه قد خلا به دون ولاة العهد وهو يسير معه وقد وضع يده على عاتقه
وقبل ذلك ما غلفه بالغالية بيد نفسه ولم يزل معه ما يفارقه حتى انصرف مع المغرب
فلما أراد الدخول ضمه إليه وقال له لولا أنى على الجلوس الليلة مع النساء لم أفارقك
فأقم أنت في منزلك واشرب أيضا واطرب لتكون أنت في مثل حالي فقال لا
والله ما أشتهي ذلك إلا معك فقال له بحياتي لما شربت فانصرف عنه إلى منزله
فلم تزل رسل الرشيد عنده ساعة بعد ساعة تأتيه بالانقال والأبخرة والرياحين
حتى ذهب الليل ثم بعث إليه مسرورا فحبس عنده وأمر بقتله وحبس الفضل
ومحمد وموسى ووكل سلاما الأبرش بباب يحيى بن خالد ولم يعرض لمحمد بن
خالد ولا لاحد من ولده وحشمه قال فحدثني العباس بن بزيع عن سلام قال
لما دخلت على يحيى في ذلك الوقت وقد هتكت الستور وجمع المتاع قال لي يا أبا سلمة
هكذا تقوم الساعة قال سلام فحدثت بذلك الرشيد بعد ما انصرفت إليه فأطرق
مفكرا قال وحدثني أيوب بن هارون بن سليمان بن علي قال كان سكنى إلى يحيى
فلما نزلوا الأنبار خرجت إليه فأنا معه في تلك العشية التي كان آخر أمره وقد
صار إلى أمير المؤمنين في حراقته فدخل إليه من باب صاحب الخاصة فكلمه في
حوائج الناس وغيرها من إصلاح الثغور وغزو البحر ثم خرج فقال للناس قد
أمر أمير المؤمنين بقضاء حوائجكم وبعث إلى أبى صالح يحيى بن عبد الرحمن يأمره
بإنفاذ ذلك ثم لم يزل يحدثنا عن أبي مسلم وتوجيه معاذ بن مسلم حتى دخل منزله
بعد المغرب ووافانا في وقت السحر خبر مقتل جعفر وزوال أمرهم قال فكتبت
إلى يحبى أعزيه فكتب إلى أنا بقضاء الله راض وبالخيار منه عالم ولا يؤاخذ الله
494

العباد إلا بذنوبهم وما ربك بظلام للعبيد وما يعفو الله أكثر ولله الحمد قال وقتل
جعفر بن يحيى في ليلة السبت أوله ليلة من صفر سنة 187 وهو ابن سبع وثلاثين
سنة وكانت الوزارة إليهم سبع عشرة سنة وفي ذلك يقول الرقاشي
أيا سبت يا شر السبوت صبيحة * ويا صفر المشؤوم ما جئت أشأما
أنى السبت بالامر الذي هد ركننا * وفي صفر جاء البلاء مصمما
قال وذكر عن مسرور أنه أعلم الرشيد أن جعفرا سأله أن تقع عينه عليه فقال
لا لأنه يعلم إن وقعت عيني عليه لم أقتله قال وفيهم يقول الرقاشي وقد ذكر
أن هذا الشعر لأبي نواس
ألان استرحنا واستراحت ركابنا * وأمسك من يحدى ومن كان يحتد
فقل للمطايا قد أمنت من السرى * وطى الفيافي فدفدا بعد فدفد
وقل للمنايا قد ظفرت بجعفر * ولن تظفري من بعده بمسود
وقل للعطايا بعد فضل تعطلي * وقل للرزايا كل يوم تجددى
ودونك سيفا برمكبا مهندا * أصيب بسيف هاشمي مهند
وفيهم يقول في شعر له طويل
إن يغدر الزمن الخؤون بنا فقد * غدر الزمان بجعفر ومحمد
حتى إذا وضح النهار تكشفت * عن قتل أكرم هالك لم يلحد
والبيض لولا أنها مأمورة * ما فل حد مهند بمهند
يا آل برمك كم لكم من نائل * وندا كعد الرمل غير مصرد
إن الخليفة لا يشك أخوكم * لكنه في برمك لم يولد
نازعتموه رضاع أكرم حرة * مخلوقة من جوهر وزبرجد
ملك له كانت يد فياضة * أبدا تجود بطارف وبمتلد
كانت يدا للجود حتى غلها * قدر فأضحى الجود مغلول اليد
وفيهم يقول سيف بن إبراهيم
هوت أنجم الجدوى وشلت يد الندى * وغاضت بحور الجود بعد البرامك
495

هوت أنجم كانت لأبناء برمك * بها يعرف الحادي طريق المسالك
وقال ابن أبي كريمة
كل معير أعير مرتبة * بعد فتى برمك على غرر
صالت عليه من الزمان يد * كان بها صائلا على البشر
وقال العطوي أبو عبد الرحمن
أما والله لولا قول واش * وعين للخليفة لا تنام
لطفنا حول جذعك واستلمنا * كما للناس بالحجر استلام
على الدنيا وساكنها جميعا * ودولة آل برمك السلام
وفي قتل جعفر قال أبو العتاهية
قولا لمن يرتجى الحياة أما * في جعفر عبرة ويحياه
كانا وزيري خليفة الله ها * رون هما ما هما خليلاه
فذاكم جعفر برمته * في حالق رأسه ونصفاه
والشيخ يحيى الوزير أصبح قد * نحاه عن نفسه وأقصاه
شتت بعد التجميع شملهم * فأصبحوا في البلاد قد تاهوا
كذاك من يسخط الاله بما * يرضى به العبد يجزه الله
سبحان من دانت الملوك له * أشهد أن لا إله إلا هو
طوبى لمن تاب بعد غرته * فتاب قبل الممات طوباه
قال وفى هذه السنة هاجت العصبية بدمشق بين المضرية واليمانية فوجه الرشيد
محمد بن منصور بن زياد فأصلح بينهم (وفيها) زلزلت المصيصة فانهدم بعض
سورها ونضب ماؤهم ساعة من الليل (وفيها) خرج عبد السلام بآمد فحكم فقتله
يحيى بن سعيد العقيلي (وفيها) مات يعقوب بن داود بالرقة (وفيها) أغزى
الرشيد ابنه القاسم الصائفة فوهبه الله وجعله قربانا له ووسيلة وولاه العواصم
(وفيها) غضب الرشيد على عبد الملك بن صالح وحبسه
496

ذكر الخبر عن سبب غضبه عليه وما أوجب حبسه
ذكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل ان عبد الملك بن صالح كان له ابن يقال له
عبد الرحمن كان من رجال الناس وكان عبد الملك يكنى به وكان لابنه عبد الرحمن
لسان على فأفأة فيه فنصب لأبيه عبد الملك وقمامة فسعيا به إلى الرشيد وقالا له انه
يطلب الخلافة ويطمع فيها فأخذه وحبسه عند الفضل بن الربيع فذكر أن عبد الملك
ابن صالح أدخل على الرشيد حين سخط عليه فقال له الرشيد أكفرا بالنعمة
وجحودا لجليل المنة والتكرمة فقال يا أمير المؤمنين لقد بؤت إذا بالندم
وتعرضت لاستحلال النقم وما ذاك إلا بغى حاسد نافسني فيك مودة القرابة
وتقديم الولاية إنك يا أمير المؤمنين خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته
وأمينه على عترته لك عليها فرض الطاعة وأداء النصيحة ولها عليك العدل في حكمها
والتثبت في حادثها والغفران لذنوبها فقال له الرشيد أتضع لي من لسانك وترفع
لي من جنانك هذا كاتبك قمامة يخبر بغلك وفساد نيتك فاسمع كلامه فقال عبد
الملك أعطاك ما ليس في عقدة ولعله لا يقدر أن يعضهن ولا يبهتني بما لم يعرفه منى
وأحضر قمامة فقال له الرشيد تكلم غير هائب ولا خائف قال أقول إنه عازم
على الغدر بك والخلاف عليك فقال عبد الملك أهو كذاك يا قمامة قال قمامة نعم
لقد أردت ختل أمير المؤمنين فقال عبد الملك كيف لا يكذب على من خلفي
وهو يبهتني في وجهي فقال له الرشيد وهذا ابنك عبد الرحمن يخبرني بعتوك
وفساد نيتك ولو أردت أن أحتج عليك بحجة لم أجد أعدل من هذين لك فبم
تدفعهما عنك فقال عبد الملك بن صالح هو مأمور أو عاق مجبور فإن كان مأمورا
فمعذور وإن كان عاقا ففاجر كفور أخبر الله عز وجل بعداوته وحذر منه بقوله
(إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم * قال فنهض الرشيد
وهو يقول أما أمرك فقد وضح ولكني لا أعجل حتى أعلم الذي يرضى الله فيك
فإنه الحكم بيني وبينك فقال عبد الملك رضيت بالله حكما وبأمير المؤمنين حاكما
فانى أعلم أنه يؤثر كتاب الله على هواه وأمر الله على رضاه قال فلما كان بعد ذلك
497

جلس مجلسا آخر فسلم لما دخل فلم يرد عليه فقال عبد الملك ليس هذا يوما أحتج
فيه ولا أجاذب منازعا وخصما قال ولم قال لان أوله جرى على غير السنة فأنا
أخاف آخره قال وما ذاك قال لم ترد على السلام أنصف نصفة العوام قال
السلام عليكم اقتداء بالسنة وإيثارا للعدل واستعمالا للتحية ثم التفت نحو سليمان
ابن أبي جعفر فقال وهو يخاطب بكلامه عبد الملك
أريد حياته ويريد قتلى * البيت - ثم قال أما والله لكأني أنظر إلى شؤبوبها
قد همع وعارضها قد لمع وكأني بالوعيد قد أورى نارا تستطع فأقلع عن براجم بلا
معاصم ورؤس بلا غلاصم فمهلا مهلا فبي والله سهل لكم الوعر وصفا لكم الكدر
وألقت إليكم الأمور أثناء أزمتها فنذار لكم نذار قبل حلول داهية خبوط باليد
لبوط بالرجل فقال عبد الملك اتق الله يا أمير المؤمنين فيما ولاك وفي رعيته التي
استرعاك ولا تجعل الكفر مكان الشكر ولا العقاب موضع الثواب فقد نخلت
لك النصيحة ومحضت لك الطاعة وشددت أواخي ملكك بأثقل من ركني يلملم
وتركت عدوك مشتغلا فالله الله في ذي رحمك أن تقطعه بعد أن بللته بظن
أفصح الكتاب لي بعضه أو ببغي باغ ينهس اللحم ويالغ الدم فقد والله سهلت
لك الوعور وذلك لك الأمور وجمعت على طاعتك القلوب في الصدور فكم من
ليل تمام فيك كابدته ومقام ضيق لك قمته كنت فيه كما قال أخو بنى جعفر بن كلاب
ومقام ضيق فرجته * ببناني ولساني وجدل
لو يقوم الفيل أو فياله * زل عن مثل مقامي وزحل
قال فقال له الرشيد أما والله لولا الابقاء على بني هاشم لضربت عنقك وذكر
زيد بن علي بن الحسين العلوي قال لما حبس الرشيد عبد الملك بن صالح دخل عليه
عبد الله بن مالك وهو يومئذ على شرطه فقال أفى إذن أنا فأتكلم قال لا والله
العظيم يا أمير المؤمنين ما علمت عبد الملك إلا ناصحا فعلام حبسته قال ويحك بلغني
عنه ما أوحشني ولم آمنه أن يضرب بين ابني هذين يعنى الأمين والمأمون فان
كنت ترى أن نطلقه من الحبس أطلقناه قال أما إذا حبسته يا أمير المؤمنين فلست
498

أرى في قرب المدة أن تطلقه ولكن أرى أن تحبسه محبسا كريما يشبه محبس
مثلك مثله قال فانى أفعل قال فدعا الرشيد الفضل بن الربيع فقال امض إلى
عبد الملك بن صالح إلى محبسه فقل له انظر ما تحتاج إليه في محبسك فأمر به حتى
يقام لك فذكر قصته وما سأل قال وقال الرشيد يوما لعبد الملك بن صالح في
بعض ما كلمه ما أنت لصالح قال فلمن أنا قال لمروان الجعدي قال ما أبالى أي الفحلين
غلب على فحبسه الرشيد عند الفضل بن الربيع فلم يزل محبوسا حتى توفى الرشيد فأطلقه
محمد وعقد له على الشأم فكان مقيما بالرقة وجعل لمحمد عهد الله وميثاقه لئن
قتل وهو حي لا يعطى المأمون طاعة أبدا فمات قبل محمد فدفن في دار من دور
الامارة فلما خرج المأمون يريد الروم أرسل إلى ابن له حول أباك من داري
فنبشت عظامه وحولت وكان قال لمحمد إن خفت فالجأ إلى فوالله لأصوننك
وذكر أن الرشيد بعث في بعض أيامه إلى يحيى بن خالد أن عبد الملك بن
صالح أراد الخروج ومنازعتي في الملك وقد علمت ذلك فأعلمني ما عندك فيه فإنك
إن صدقتني أعدتك إلى حالك فقال والله يا أمير المؤمنين ما اطلعت من عبد الملك
على شئ من هذا ولو اطلعت عليه لكنت صاحبه دونك لان ملكك كان ملكي
وسلطانك كان سلطاني والخير والشر كان فيه على ولى فكيف يجوز لعبد الملك
أن يطمع في ذلك منى وهل كنت إذا فعلت ذلك به يفعل بي أكثر من فعلك
أعيذك بالله أن تظن بي هذا الظن ولكنه كان رجلا محتملا يسرني أن يكون في
أهلك مثله فوليته لما أحمدت من مذهبه وملت إليه لأدبه واحتماله قال فلما أتاه
الرسول بهذا أعاد إليه فقال إن أنت لم تقر عليه قتلت الفضل ابنك فقال له أنت
مسلط علينا فافعل ما أردت على أنه إن كان من هذا الامر شئ فالذنب فيه لي
فبم يدخل الفضل في ذلك فقال الرسول للفضل قم فإنه لا بد لي من انفاذ أمر
أمير المؤمنين فيك فلم يشك أنه قاتله فودع أباه وقال له ألست راضيا عنى قال
بلى فرضي الله عنك ففرق بينهما ثلاثة أيام فلما لم يجد عنده من ذلك شيئا جمعهما
كما كانا وكان يأتيهم منه أغلظ رسائل لما كان أعداؤهم يقرفونهم به عنده فلما أحد
499

مسرور بيد الفضل لما أعلمه به بلغ من يحيى فأخرج ما في نفسه فقال له قل له
يقتل ابنك مثله قال مسرور فلما سكن عن الرشيد الغضب قال كيف قال فأعدت
عليه القول قال قد خفت والله قوله لأنه قل ما قال لي شيئا إلا رأيت تأويله *
وقيل بينما الرشيد يسير وفي موكبه عبد الملك بن صالح إذ هتف به هاتف وهو
يساير عبد الملك فقال يا أمير المؤمنين طأطئى من أشرافه وقصر من عنانه واشدد
من شكائمه وإلا أفسد عليك ناحيته فالتفت إلى عبد الملك فقال ما يقول هذا
يا عبد الملك فقال عبد الملك مقال باغ ودسيس حاسد فقال له هارون صدقت
نقص القوم ففضلتهم وتخلقوا وتقدمتهم حتى برز شأوك فقصر عنه غيرك ففي
صدورهم جمرات التخلف وحزازات النقص فقال عبد الملك لا أطفأها الله
وأضرمها عليهم حتى تورثهم كمدا دائما أبدا وقال الرشيد لعبد الملك بن صالح
وقد مر بمنبج وبها مستقر عبد الملك هذا منزلك قال هو لك يا أمير المؤمنين ولى
بك قال كيف هو قال دون بناء أهلي وفوق منازل منبج قال فكيف ليلها قال
سحر كله (وفى هذه السنة) دخل القاسم بن الرشيد أرض الروم في شعبان
فأناخ على قرة وحاصرها ووجه العباس بن جعفر بن محمد بن الأشعث فأناخ على
حصن سنان حتى جهدوا فبعثت إليه الروم تبذل له ثلثمائة وعشرين رجلا من
أسارى المسلمين على أن يرحل عنهم فأجابهم إلى ذلك ورحل عن قرة وحصن
سنان صلحا ومات علي بن عيسى بن موسى في هذه الغزاة بأرض الروم وهو مع
القاسم (وفى هذه السنة) نقض صاحب الروم الصلح الذي كان جرى بين الذي
قبله وبين المسلمين ومنع ما كان ضمنه الملك لهم قبله
ذكر الخبر عن سبب نقضهم ذلك
وكان سبب ذلك أن الصلح كان جرى بين المسلمين وصاحب الروم وصاحبتهم
يومئذ رينى وقد ذكرنا قبل سبب الصلح الذي كان بين المسلمين وبينها فعادت
الروم على رينى فخلعتها وملكت عليها نقفور والروم تذكر أن نفقور هذا
من أولاد جفنة من غسان وأنه قبل الملك كان يلي ديوان الخروج ثم ماتت رينى
500

بعد خمسة أشهر من خلع الروم إياها فذكر أن نقفور لما ملك واستوثقث له
الروم بالطاعة كتب إلى الرشيد من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب
أما بعد فإن الملكة التي كانت قبلي أقامتك مقام الرخ وأقامت نفسها مقام البيدق
فحملت إليك من أموالها ما كنت حقيقا بحمل أمثالها إليها لكن ذاك ضعف
النساء وحمقهن فإذا قرأت كتابي فاردد ما حصل قبلك من أموالها وافتد نفسك
بما يقع به المصادرة لك وإلا فالسيف بيننا وبينك قال فلما قرأ الرشيد الكتاب
استفزه الغضب حتى لم يمكن أحدا أن ينظر إليه دون أن يخاطبه وتفرق جلساؤه
خوفا من زيادة قول أو فعل يكون منهم واستعجم الرأي على الوزير من أن يشير
عليه أو يتركه يستبد برأيه دونه فدعا بدواة وكتب على ظهر الكتاب بسم الله
الرحمن الرحيم من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم قد قرأت كتابك
يا ابن الكافرة والجواب ما تراه دون أن تسمعه والسلام ثم شخص من يومه
وسار حتى أناخ بباب هرقلة ففتح وغنم واصطفى وأفاد وخرب وحرق واصطلم
فطلب نقفور الموادعة على خراج يؤديه في كل سنة فأجابه إلى ذلك فلما رجع من
غزوته وصار بالرقة نقض نقفور العهد وخان الميثاق وكان البرد شديدا فيئس
نقفور من رجعته إليه وجاء الخبر بارتداده عما أخذ عليه فما تهيأ لاحد إخباره
بذلك إشفاقا عليه وعلى أنفسهم من الكرة في مثل تلك الأيام فاحتيل له بشاعر
من أهل جندة أكنى أبا محمد عبد الله بن يسوف ويقال هو الحجاج بن يوسف
التيمي فقال
نقض الذي أعطيته نقفور * وعليه دائرة البوار تدور
أبشر أمير المؤمنين فإنه * غنم أتاك به الاله كبير
فلقد تباشرت الرعية أن أتى * بالنقض عنه وافد وبشير
ورجت يمينك أن تعجل غزوة * تشفى النفوس مكانها مذكور
أعطاك جزيته وطأطأ خده * حذر الصوارم والردى محذور
فأجرته من وقعها وكأنها * بأكفنا شعل الضرام تطير
501

وصرفت بالطول العساكر قافلا * عنه وجارك آمن مسرور
نقفور إنك حين تغدر إن نأى * عنك الامام لجاهل مغرور
أظننت حين غدرت أنك مفلت * هبلتك أمك ما ظننت غرور
ألقاك حينك في زواخر بحره * فطمت عليك من الامام بحور
إن الامام على اقتسارك قادر * قربت ديارك أم نأت بك دور
ليس الامام وإن غفلنا غافلا * عما يسوس بحزمه ويدير
ملك تجرد للجهاد بنفسه * فعدوه أبدا به مقهور
يا من يريد رضى الاله بسعيه * والله لا يخفى عليه ضمير
لا نصح ينفع من يغش إمامه * والنصح من نصحائه مشكور
نصح الامام على الأنام فريضة * ولأهلها كفارة وطهور
وفى ذلك يقول إسماعيل بن القاسم أبو العتاهية
إمام الهدى أصبحت بالدين معنيا * وأصبحت تسقى كل مستمطر ريا
لك اسمان شقا من رشاد ومن هدى * فأنت الذي تدعى رشيدا ومهديا
إذا ما سخطت الشئ كان مسخطا * وإن ترض شيئا كان في الناس مرضيا
بسطت لنا شرقا وغربا يد العلى * فأوسعت شرقيا وأوسعت غربيا
ووشيت وجه الأرض بالجود والندى * فأصبح وجه الأرض بالجود موشيا
قضى الله أن صفا لهارون ملكه * وكان قضاء الله في الخلق مقضيا
تحلبت الدنيا لهارون بالرضى * فأصبح نقفور لهارون ذميا
وقال التيمي:
لجت بنقفور أسباب الردى عبثا * لما رأته بغيل الليث قد عبثا
ومن يزر غيله لا يخل من فزع * إن فات أنيابه والمخلب الشبثا
خان العهود ومن ينكث بها فعلى * حوبائه لا على أعدائه نكثا
كان الامام الذي ترجى فواضله * أذاقه ثمر الحلم الذي ورثا
فرد ألفته من بعد أن عطفت * أزواجه مرها يبكينه شعثا
502

فلما فرغ من إنشاده قال أوقد فعل نقفور ذلك وعلم أن الوزراء قد احتالوا
في ذلك فكر راجعا في أشد محنة وأغلظ كلفة حتى أناخ بفنائه فلم يبرح حتى رضى
وبلغ ما أراد فقال أبو العتاهية
ألا نادت هرقلة بالخراب * من الملك الموفق بالصواب
غدا هارون يرعد بالمنايا * ويبرق بالمذكرة القضاب
ورايات يحل النصر فيها * تمر كأنها قطع السحاب
أمير المؤمنين ظفرت فأسلم * وأبشر بالغنيمة والاياب
(وفيها) قتل في قول الواقدي إبراهيم بن عثمان بن نهيك وأما غير الواقدي
فإنه قال في سنة 188
ذكر الخبر عن سبب مقتله
ذكر عن صالح الأعمى وكان في ناحية إبراهيم بن عثمان بن نهيك قال كان
إبراهيم بن عثمان كثيرا ما يذكر جعفر بن يحيى والبرامكة فيبكى جزعا عليهم
وحبالهم إلى أن خرج من حد البكاء ودخل في باب طالبي الثأر والإحن فكان
إذا خلا بجواريه وشرب وقوى عليه النبيذ قال يا غلام سيفي ذا المنية وكان قد سمى
سيفه ذا المنية فيجيئه غلامه بالسيف فينتضيه ثم يقول وا جعفراه وا سيداه والله
لا قتلن قاتلك ولأثأرن بدمك عن قليل فلما كثر هذا من فعله جاء ابنه عثمان إلى
الفضل بن الربيع فأخبره بقوله فدخل الفضل فأخبر الرشيد فقال أدخله فدخل
فقال ما الذي قال الفضل عنك فأخبره بقول أبيه وفعله فقال الرشيد فهل سمع هذا
أحد معك قال نعم خادمه نوال فدعا خادمه سرا فسأله فقال لقد قال ذاك غير مرة
ولا مرتين فقال الرشيد ما يحل لي أن أقتل وليا من أوليائي بقول غلام وخصى
لعلهما تواصيا على هذا لمنافسة الابن على المرتبة ومعاداة الخادم لطول الصحبة
فترك ذلك أياما ثم أراد أن يمتحن إبراهيم بن عثمان بمحنة تزيل الشك عن قلبه
والخاطر عن وهمه فدعا الفضل بن الربيع فقال إني أريد محنة إبراهيم بن عثمان
فيما رفع ابنه عليه فإذا رفع الطعام فادع بالشراب وقل له أجب أمير المؤمنين
503

فينادمك إذا كنت منه بالمحل الذي أنت به فإذا شرب فاخرج وأخلني وإياه ففعل
ذلك الفضل بن الربيع وقعد إبراهيم للشراب ثم وثب حين وثب الفضل بن الربيع
للقيام فقال له الرشيد مكانك يا إبراهيم فقعد فلما طابت نفسه أو ما الرشيد إلى
الغلمان فتنحوا عنه ثم قال يا إبراهيم كيف أنت وموضع السر منك قال يا سيدي
إنما أنا كأخص عبيدك وأطوع خدمك قال إن في نفسي أمرا أريد أن أودعكه
وقد ضاق صدري به وأسهرت به ليلى قال يا سيدي إذا لا يرجع عنى إليك أبدا
وأخفيه عن جنبي أن يعلمه ونفسي أن تذيعه قال ويحك انى ندمت على قتل جعفر
ابن يحيى ندامة ما أحسن أن أصفها فوددت أنى خرجت من ملكي وأنه كان بقى لي
فما وجدت طعم النوم منذ فارقته ولا لذة العيش منذ قتلته قال فلما سمعها إبراهيم
أسبل دمعه وأذرى عبرته وقال رحم الله أبا الفضل وتجاوز عنه والله يا سيدي
لقد أخطأت في قتله وأوطئت العشوة في أمره وأين يوجد في الدنيا مثله وقد
كان منقطع القرين في الناس أجمعين دينا فقال الرشيد قم عليك لعنة الله يا ابن اللخناء
فقام ما يعقل ما يطأ فانصرف إلى أمه فقال يا أم ذهبت والله نفسي قالت كلا إن شاء
الله وما ذاك يا بنى قال ذاك ان الرشيد امتحنني بمحنة والله ولو كان لي ألف نفس لم
أنج بواحدة منها فما كان بين هذا وبين أن أدخل عليه ابنه فضربه بسيفه حتى مات
إلا ليال قلائل (وحج) بالناس في هذه السنة عبيد الله بن العباس بن محمد بن علي
ثم دخلت سنة ثمان وثمانين ومائه
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمما كان فيها من ذلك غزو إبراهيم بن جبريل الصائفة ودخوله أرض الروم
من درب الصفصاف فخرج للقائه نقفور فورد عليه من ورائه أمر صرفه عن
لقائه فانصرف ومر بقوم من المسلمين فجرح ثلاث جراحات وانهزم وقتل من
الروم فيما ذكر أربعون ألفا وسبعمائة وأخذ أربعة آلاف دابة (وفيها) رابط
القاسم بن الرشيد بدابق (وحج) بالناس فيها الرشيد فجعل طريقه على المدينة
504

فأعطى أهلها نصف العطاء وهذه الحجة هي آخر حجة حجها الرشيد فيما
زعم الواقدي وغيره
ثم دخلت سنة تسع وثمانين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك ما كان من شخوص هارون الرشيد أمير المؤمنين فيها إلى الري
ذكر الخبر عن سبب شخوصه إليها وما أحدث في خرجته تلك في سفره
ذكر أن الرشيد كان استشار يحيى بن خالد في تولية خراسان علي بن عيسى
ابن ماهان فأشار عليه أن لا يفعل فخالفه الرشيد في أمره وولاه إياها فلما شخص
علي بن عيسى إليها ظلم الناس وعسر عليهم وجمع مالا جليلا ووجه إلى هارون
منها هدايا لم ير مثلها قط من الخيل والرقيق والثياب والمسك والأموال فقعد
هارون بالشماسية على دكان مرتفع حين وصل ما بعث به على إليه وأحضرت تلك
الهدايا فعرضت عليه فعظمت في عينه وجل عنده قدرها وإلى جانبه يحيى بن
خالد فقال له يا أبا على هذا الذي أشرت علينا ألا نوليه هذا الثغر فقد خالفناك
فيه فكان في خلافك البركة وهو كالمازح معه إذ ذاك فقد ترى ما أنتج رأينا
فيه وما قل من رأيك فقال يا أمير المؤمنين جعلني الله فداك أنا وان كنت أحب
ان أصيب في رأيي وأوفق في مشورتي فأنا أحب من ذلك أن يكن رأى أمير
المؤمنين أعلى وفراسته أثقب وعلمه أكثر من علمي ومعرفته فوق معرفتي وما
أحسن هذا وأكثره ان لم يكن وراءه ما يكره أمير المؤمنين وما أسأل الله أن
يعيذه ويعفيه من سوء عاقبته ونتائج مكروهه قال وما ذاك فأعلمه قال ذاك انى
أحسب أن هذه الهدايا ما اجتمعت له حتى ظلم فيها الاشراف وأخذ أكثرها
ظلما وتعديا ولو أمرني أمير المؤمنين لأتيته بضعفها الساعة من بعض تجار
الكرخ قال وكيف ذاك قال قد ساومنا عونا على السقط الذي جاءنا به من
الجوهر وأعطيناه به سبعة آلاف ألف فأبى أن يبيعه فأبعث إليه الساعة
505

بحاجبي يأمره أن يرده إلينا لنعيد فيه نظرنا فإذا جاء به جحدناه وربحنا سبعة
آلاف ألف ثم كنا نفعل بتاجرين من كبار التجار مثل ذلك وعلى أن هذا
أسلم عاقبة وأستر أمرا من فعل علي بن عيسى في هذه الهدايا بأصحابها فأجمع
لأمير المؤمنين في ثلاث ساعات أكثر من قيمة هذه الهدايا بأهون سعى وأيسر
أمر وأجمل جباية مما جمع على في ثلاث سنين فوقرت في نفس الرشيد وحفظها
وأمسك عن ذكر علي بن عيسى عنده فلما عاث علي بن عيسى بخراسان ووتر
أشرافها وأخذ أموالهم واستخف برجالهم كتب رجال من كبرائها ووجوهها
إلى الرشيد وكتبت جماعة من كورها إلى قراباتها وأصحابها تشكو سوء سيرته
وخبث طعمته ورداءة مذهبه وتسأل أمير المؤمنين أن يبدلها به من أحب من
كفاته وأنصاره وأبناء دولته وقواده فدعا يحيى بن خالد فشاوره في أمر علي بن
عيسى وفى صرفه وقال أشر على برجل ترضاه لذلك الثغر يصلح ما أفسد الفاسق
ويرتق فأشار عليه بيزيد بن مزيد فلم يقبل مشورته وكان قيل للرشيد إن على
ابن عيسى قد أجمع على خلافك فشخص إلى الري من أجل ذلك منصرفه من
مكة فعسكر بالنهروان لثلاث عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى ومعه ابناه
عبد الله المأمون والقاسم ثم سار إلى الري فلما صار بقرماسين أشخص إليه جماعة
من القضاة وغيرهم وأشهدهم أن جميع ماله في عسكره ذلك من الأموال والخزائن
والسلاح والكراع وما سوى ذلك لعبد الله المأمون وأنه ليس له فيه قليل
ولا كثير وجدد البيعة له على من كان معه ووجه هرثمة بن أعين صاحب حرسه
إلى بغداد فأعاد أخذ البيعة على محمد بن هارون الرشيد وعلى من بحضرته
لعبد الله والقاسم وجعل أمر القاسم في خلعه وإقراره إلى عبد الله إذا أفضت
الخلافة إليه ثم مضى الرشيد عند انصراف هرثمة إليه إلى الري فأقام بها نحوا من
أربعة أشهر حتى قدم عليه علي بن عيسى من خراسان بالأموال والهدايا والطرف
من المتاع والمسك والجوهر وآنية الذهب والفضة والسلاح والدواب وأهدى
بعد ذلك إلى جميع من كان معه من ولده وأهل بيته وكتابه وخدمه وقواده على
506

قدر طبقاتهم ومراتبهم ورأى منه خلاف ما كان ظن به غير وما كان يقال فيه
فرضى عنه ورده إلى خراسان وخرج وهو مشيع له فذكر أن البيعة أخذت للمأمون
والقاسم بولاية العهد بعد أخويه محمد وعبد الله وسمى المؤتمن حين وجه هارون
هرثمة لذلك بمدينة السلام يوم السبت لاحدى عشرة ليلة خلت من رجب من
هذه السنة فقال الحسن بن هانئ في ذلك
تبارك من ساس الأمور بعلمه * وفضل هارونا على الخلفاء
نزال بخير ما انطوينا على التقى * وما ساس دنيانا أبو الامناء
(وفى هذه السنة) حين صار الرشيد إلى الري بعث حسينا الخادم إلى طبرستان
فكتب له ثلاثة كتب من ذلك كتاب فيه أمان لشروين أبى قارن والآخر فيه أمان
لوندا هرمز جد مازيار والثالث فيه أمان لمرزبان بن جستان صاحب الديلم فقدم عليه صاحب الديم فوهب له وكساه ورده وقدم عليه سعيد الحرشي بأربعمائة
بطل من طبرستان فأسلموا على يد الرشيد وقدم ونداهرمز وقبل الأمان وضمن
السمع والطاعة وأداء الخراج وضمن على شروين مثل ذلك فقبل ذلك منه الرشيد
وصرفه ووجه معه هرثمة فأخذ ابنه وابن شروين رهينه وقدم عليه الري أيضا
خزيمة بن خازم وكان والى أرمينية فأهدى هدايا كثيرة (وفى هذه السنة) ولى
هارون عبد الله بن ملك طبرستان والري والرويان ودنباوند وقومس همذان
وقال أبو العتاهية في خرجة هارون هذه وكان هارون ولد بالري
إن أمين الله في خلقه * حن به البر إلى مولده
ليصلح الري وأقطارها * ويمطر الخير بها من يده
وولى هارون في طريقه محمد بن الجنيد الطريق ما بين همذان والري وولى
عيسى بن جعفر بن سليمان عمان فقطع البحر من ناحية جزيرة ابن كاوان فافتتح
حصنا بها وحاصر آخر فهجم عليه ابن مجلد الأزدي وهو غار فأسره وحمله إلى
عمان في ذي الحجة وانصرف الرشيد بعد ارتحال علي بن عيسى إلى خراسان عن
الري بأيام فأدركه الأضحى بقصر اللصوص فضحى بها ودخل مدينة السلام
507

يوم الاثنين لليلتين بقيتا من ذي الحجة فلما مر بالجسر أمر بإحراق جثة جعفر
ابن يحيى وطوى بغداد ولم ينزلها ومضى من فوره متوجها إلى الرقة فنزل السيلحين
وذكر عن بعض قواد الرشيد أن الرشيد قال لما ورد بغداد والله إني لأطوي
مدينة ما وضعت بشرق ولا غرب مدينة أيمن ولا أيسر منها وإنها لوطني ووطن
آبائي ودار مملكة بنى العباس ما بقوا وحافظوا عليها وما رأى أحد من آبائي سوءا
ولا نكبة منها ولا سئ بها أحد منهم قط ولنعم الدار هي ولكني أريد المناخ
على ناحية أهل الشقاق والنفاق والبغض لائمة الهدى والحب لشجرة اللعنة بنى أمية
مع ما فيها من المارقة والمتلصصة ومخيفي السبيل ولولا ذلك ما فارقت بغداد ما حييت
ولا خرجت عنها أبدا وقال العباس بن الأحنف في طي الرشيد بغداد
ما أنخنا حتى ارتحلنا فما نفرق * بين المناخ والارتحال
سائلونا عن حالنا إذ قدمنا * فقرنا وداعهم بالسؤال
(وفى هذه السنة) كان الفداء بين المسلمين والروم فلم يبق بأرض الروم مسلم
إلا فودى به فيما ذكر فقال مروان بن أبي حفصة في ذلك
وفكت بك الاسرى التي شيدت لها * محابس ما فيها حميم يزورها
على حين أعيا المسلمين فكاكها * وقالوا سجون المشركين قبورها
ورابط فيها القاسم بدابق (وحج) بالناس فيها العباس بن موسى بن
عيسى بن موسى
ثم دخلت سنة تسعين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك ما كان من ظهور رافع بن ليث بن نصر بن سيار بسمرقند مخالفا لهارون
وخلعه إياه ونزعه يده من طاعته
ذكر الخبر عن سبب ذلك
وكان سبب ذلك فيما ذكر لنا أن يحيى بن الأشعث بن يحيى الطائي تزوج ابنة
508

لعمه أبى النعمان وكانت ذات يسار ولسان فأقام بمدينة السلام وتركها بسمرقند
فلما طال مقامه بها وبلغها أنه قد اتخذ أمهات أولاد التمست سببا للتخلص منه فعى
عليها وبلغ رافعا خبرها فطمع فيها وفى مالها فدس إليه من قال لها إنه لا سبيل لها
إلى التخلص من صاحبها إلا أن تشرك بالله وتحضر لذلك قوما عدولا وتكشف
شعرها بين أيديهم ثم تتوب فتحل للأزواج ففعلت ذلك وتزوجها رافع وبلغ
الخبر يحيى بن الأشعث فرفع ذلك إلى الرشيد فكتب إلى علي بن عيسى يأمره أن
يفرق بينهما وأن يعاقب رافعا ويجلده الحد ويقيده ويطوف به في مدينة سمرقند
مقيدا على حمار حتى يكون عظة لغيره فدرأ سليمان بن حميد الأزدي عنه الحد
وحمله على حمار مقيدا حتى طلقها ثم حبسه في سجن سمرقند فهرب من الحبس
ليلا من عند حميد بن المسيح وهو يومئذ على شرط سمرقند فلحق بعلى بن عيسى
ببلخ فطلب الأمان فلم يجبه على إليه وهم بضرب عنقه فكلمه فيه ابنه عيسى بن علي
وجدد طلاق المرأة وأذن له في الانصراف إلى سمرقند فانصرف إليها فوثب بسليمان
ابن حميد عامل علي بن عيسى فقتله فوجه علي بن عيسى إليه ابنه فمال الناس إلى
سباع بن مسعدة فرأسوه عليهم فوثب على رافع فقيده فوثبوا على سباع فقيدوه
ورأسوا رافعا وبايعوه وطابقه من وراء النهر ووافاه عيسى بن علي فلقيه رافع فهزمه
فأخذ علي بن عيسى في فرض الرجال والتأهب للحرب (وفى هذه السنة) غزا الرشيد
الصائفة واستخلف ابنه عبد الله المأمون بالرقة وفوض إليه الأمور وكتب إلى
الآفاق بالسمع له والطاعة ودفع إليه خاتم المنصور يتيمن به وهو خاتم الخاصة
نقشه: الله ثقتي آمنت به (وفيها) أسلم الفضل بن سهل على يد المأمون (وفيها)
خرجت الروم إلى عين زربة وكنيسة السوداء فأغارت وأسرت فاستنقذ أهل
المصيصة ما كان في أيديهم (وفيها) فتح الرشيد هرقلة وبث الجيوش والسرايا
بأرض الروم وكان دخلها فيما قيل في مائة ألف وخمسة وثلاثين ألف مرتزق سوى
الاتباع وسوى المطوعة وسوى من لا ديوان له وأناخ عبد الله بن مالك على ذي الكلاع
ووجه داود بن عيسى بن موسى سائحا في أرض الروم في سبعين ألفا وافتتح شراحيل
509

ابن معن بن زائدة حصن الصقالبة ودبسة وافتتح يريد بن مخلد الصفصاف وملقوبية
وكان فتح الرشيد هرقلة في شوال وأخربها وسبى أهلها بعد مقام ثلاثين يوما عليها
وولى حميد بن معيوف سواحل بحر الشأم إلى مصر فبلغ حميد قبرس فهدم
وحرق وسبى من أهلها ستة عشر ألفا فأقدمهم الرافقة فتولى بيعهم أبو البختري
القاضي فبلغ أسقف قبرس ألفى دينار وكان شخوص هارون إلى بلاد الروم
لعشر بقين من رجب واتخذ قلنسوة مكتوبا عليها غاز حاج فكان يلبسها فقال
أبو المعالي الكلابي
فمن يطلب لقاءك أو يرده * فبالحرمين أو أقصى الثغور
ففي أرض العدو على طمر * وفى أرض الترفه فوق كور
وما حاز الثغور سواك خلق * من المتخلفين على الأمور
ثم صار الرشيد إلى الطوانة فعسكر بها ثم رحل عنها وخلف عليها عقبة بن
جعفر وأمره ببناء منزل هنا لك وبعث نقفور إلى الرشيد بالخراج والجزية عن
رأسه وولى عهده وبطارقته وسائر أهل بلده خمسين ألف دينار منها عن رأسه
أربعة دنانير وعن رأس ابنه استبراق دينارين وكتب نقفور مع بطريقين من
عظماء بطارقته في جارية من سبى هرقلة كتابا نسخته لعبد الله هارون أمير المؤمنين
من نقفور ملك الروم سلام عليكم أبا بعد أيها الملك إن لي إليك حاجة لا تضرك
في دينك ولا دنياك هنية يسيرة أن تهب لا بنى جارية من بنات أهل هرقلة كنت
قد خطبتها على ابني فإني رأيت أن تسعفني بحاجتي فعلت والسلام عليك ورحمة
الله وبركاته واستهداه أيضا طيبا وسرادقا من سرادقاته فأمر الرشيد بطلب
الجارية فأحضرت وزينت وأجلست على سرير في مضبه الذي كان نازلا فيه
وسلمت الجارية والمضرب بما فيه من الآنية والمتاع إلى رسول نقفور وبعث
إليه بما سأل من العطر وبعت إليه من التمور والأخبصة والزبيب والترياق فسلم
ذلك كله إليه رسول الرشيد فأعطاه نقفور وقر دراهم إسلامية على برذون كميت
كان مبلغه خمسين ألف درهم ومائة ثوب ديباج ومائتي ثوب بزيون واثنى عشر
510

بازيا وأربعة أكلب من كلاب الصيد وثلاثة براذين وكان نقفور اشترط ألا يخرب
ذا الكلاع ولا صمله ولا حصن سنان واشترط الرشيد عليه ألا يعمر هر قلة وعلى
أن يحمل نقفور ثلثمائة ألف دينار (وخرج) في هذه السنة خارجي من عبد القيس
يقال له سيف بن بكر فوجه إليه الرشيد محمد بن يزيد بن مزيد فقتله بعين النورة
ونقض أهل قبرس العهد فغزاهم معيوف بن يحيى فسبى أهلها (وحج) بالناس
فيها عيسى بن موسى الهادي
ثم دخلت سنة إحدى وتسعين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك ما كان من خروج خارجي يقال له ثروان بن سيف بناحية حولايا
فكان ينتقل بالسواد فوجه إليه طوق بن مالك فهزمه طوق وجرحه وقتل عامة
أصحابه وظن طوق أنه قد قتل ثروان فكتب بالفتح وهرب ثروان مجروحا
(وفيها) خرج أبو النداء بالشام فوجه الرشيد في طلبه يحيى بن معاذ وعقد له على
الشأم (وفيها) وقع الثلج بمدينة السلام (وفيها) ظفر حماد البربري بهيصم اليماني
(وفيها) غلظ أمر رافع بن ليث بسمرقند (وفيها) كتب أهل نسف إلى رافع
يعطونه الطاعة ويسألونه أن يوجه إليهم من يعينهم على قتل عيسى بن علي فوجه
صاحب الشاش في اتراكه وقائدا من قواده فأتوا عيسى بن علي فأحدقوا به وقتلوه
في ذي القعدة ولم يعرضوا لأصحابه (وفيها) ولى الرشيد حمويه الخادم بريد
خراسان (وفيها) غزا يزيد بن مخلد الهبيري أرض الروم في عشرة آلاف
فأخذت الروم عليه المضيق فقتلوه على مرحلتين من طرسوس في خمسين رجلا
وسلم الباقون (وفيها) ولى الرشيد غزو الصائفة هرثمة بن أعين وضم إليه ثلاثين
ألفا من جند خراسان ومعه مسرور الخادم إليه النفقات وجميع الأمور خلا
الرئاسة ومضى الرشيد إلى درب الحدث فرتب هنا لك عبد الله بن مالك ورتب
سعيد بن سلم بن قتيبة بمرعش فأغارت الروم عليها وأصابوا من المسلمين وانصرفوا
511

وسعيد بن سلم مقيم وبعث محمد بن يزيد بن مزيد إلى طرسوس فأقام الرشيد
بدرب الحدث ثلاثة أيام من شهر رمضان ثم انصرف إلى الرقة (وفيها) أمر
الرشيد بهدم الكنائس بالثغور وكتب إلى السندي بن شاهك يأمره بأخذ أهل
الذمة بمدينة السلام بمخالفة هيئتهم هيئة المسلمين في لباسهم وركوبهم (وفيها)
عزل الرشيد علي بن عيسى بن ماهان عن خراسان وولاها هرثمة
ذكر الخبر عن سبب عزل الرشيد علي بن عيسى وسخطه عليه
قال أبو جعفر فد ذكرنا قبل سبب هلاك ابن علي بن عيسى وكيف قتل
ولما قتل ابنه عيسى خرج على عن بلخ حتى أتى مرو مخافة أن يسير إليها رافع
ابن الليث فيستولى عليها وكان ابنه عيسى دفن في بستان داره ببلخ أموالا عظيمة
قيل إنها كانت ثلاثين ألف ألف ولم يعلم بها علي بن عيسى ولا اطلع على ذلك
إلا جارية كانت له فلما شخص على عن بلخ أطلعت الجارية على ذلك بعض الخدم
وتحدث به الناس فاجتمع قراء أهل بلخ ووجوهها فدخلوا البستان فانتهبوه وأباحوه
للعامة فبلغ الرشيد الخبر فقال خرج على من بلخ عن غير أمرى وخلف مثل هذا
المال وهو يزعم أنه قد أفضى إلى حلى نسائه فيما أنفق على محاربة رافع فعزله
عند ذلك وولى هرثمة بن أعين واستصفى أموال علي بن عيسى فبلغت أمواله
ثمانين ألف ألف وذكر عن بعض الموالى أنه قال كنا بجرجان مع الرشيد وهو
يريد خراسان فوردت خزائن علي بن عيسى التي أخذت له على ألف وخمسمائة
بعير وكان على مع ذلك قد أذل الأعالي من أهل خراسان وأشرافهم وذكر
أنه دخل عليه يوما هشام بن فر خسرو والحسين بن مصعب فسلما عليه فقال
للحسين لا سلم الله عليك يا ملحد بن الملحد والله إني لأعرف ما أنت عليه من
عداوتك للاسلام وطعنك في الدين وما أنتظر بقتلك الا اذن الخليفة فيه فقد
أباح الله دمك وأرجو أن يسفكه الله على يدي عن قريب ويعجلك إلى عذابه
ألست المرجف بي في منزلي هذا بعد ما ثملت من الخمر وزعمت أنه جاءتك كتب
من مدينة السلام بعزلي اخرج إلى سخط الله لعنك الله فعن قريب ما تكون من
512

أهلها فقال له الحسين أعيذ بالله الأمير أن يقبل قول واش أو سعاية باغ فإني برئ
مما قرفت به قال كذبت لا أم لك قد صح عندي أنك ثملت من الخمر وقلت ما وجب
عليك به أغلظ الأدب ولعل الله أن يعاجلك ببأسه ونقمته اخرج عنى غير
مستور ولا مصاحب فجاء الحاجب فأخذ بيده فأخرجه وقال لهشام بن فرخسر
وصارت دارك دار الندوة تجمع فيها إليك السفهاء وتطعن على الولاة سفك الله
دمى إن لم أسفك دمك فقال هشام جعلت فداء الأمير أنا والله مظلوم مرحوم
والله ما أدع في تقريض الأمير جهدا وفى وصفه قولا إلا خصصته به وقلته فيه
فان كنت إذا قلت خيرا نقل إليك شر فما حيلتي قال كذبت لا أم لك لأنا أعلم
بما ينطوى عليه جوانحك من ولدك وأهلك فاخرج فعن قريب أريح منك نفسي
فخرج فلما كان في آخر الليل دعا ابنته عالية وكانت من أكبر ولده فقال لها أي
بنية إني أريد أن أفضى إليك بأمر إن أنت أظهرته قتلت وإن حفظته سلمت
فاختاري بقاء أبيك على موته قالت وما ذاك جعلت فداك قال إني أخاف هذا
الفاجر علي بن عيسى على دمى وقد عزمت على أن أظهر أن الفالج أصابني فإذا
كان في السحر فاجمعي جواريك وتعالى إلى فراشي وحركيني فإذا رأيت حركتي
قد ثقلت فصيحي أنت وجواريك وابعثي إلى أخوتك فاعلميهم علتي وإياك ثم
إياك أن تطلعي على صحة بدني أحدا من خلق الله من قريب أو بعيد ففعلت وكانت
عاقلة حازمة فأقام مطروحا على فراشه حينا لا يتحرك الا إن حرك فيقال إنه لم
يعلم من أهل خراسان أحد من عزل علي بن عيسى بخبر ولا أثر غير هشام فإنه توهم
عزله فصح توهمه ويقال إنه خرج في اليوم الذي قدم فيه هرثمة لتلقيه فرآه في الطريق رجل من قواد علي بن عيسى فقال صح الجسم فقال ما زال صحيحا
بحمد الله وقال بعضهم بل رآه علي بن عيسى فقال أين بك فقال أتلقى أميرنا أبا حاتم
قال ألم تكن عليلا قال بلى فوهب الله العافية وعزل الله الطاغية في ليلة واحدة
وأما الحسين بن مصعب فإنه خرج إلى مكة مستجيرا بالرشيد من علي بن عيسى
فأجاره ولما عزل الرشيد على عزل علي بن عيسى دعا فيما بلغني هرثمة بن أعين مستخليا
513

به فقال إني لم أشاور فيك أحدا ولم أطلعه على سرى فيك وقد اضطرب على ثغور
المشرق وأنكر أهل خراسان أمر علي بن عيسى إذ خالف عهدي ونبذه وراء
ظهره وقد كتب يستمد ويستجيش وأنا كاتب إليه فأخبره أنى أمده بك وأوجه
إليه معك من الأموال والسلاح والقوة والعدة ما يطمئن إليه قلبه وتتطلع إليه نفسه
وأكتب معك كتابا بخطى فلا تفضنه ولا تطلعن فيه حتى تصل إلى مدينة نيسابور
فإذا نزلتها فاعمل بما فيه وامتثله ولا تجاوزه إن شاء الله وأنا موجه معك رجاء
الخادم بكتاب أكتبه إلى علي بن عيسى بخطى ليتعرف ما يكون منك ومنه وهون
عليه أمر على فلا تظهرنه عليه ولا تعلمنه ما عزمت عليه وتأهب للمسير وأظهر
لخاصتك وعامتك انى أوجهك مددا لعلي بن عيسى وعونا له قال ثم كتب إلى علي
ابن عيسى بن ماهان كتابا بخطه نسخته (بسم الله الرحمن الرحيم) يا ابن الزانية رفعت
من قدرك ونوهت باسمك وأوطأت سادة العرب عقبك وجعلت أبناء ملوك العجم
خولك وأتباعك فكان جزائي أن خالفت عهدي ونبذت وراء ظهرك أمرى حتى
عثت في الأرض وظلمت الرعية وأسخطت الله وخليفته بسوء سيرتك ورداءة
طعمتك وظاهر خيانتك وقد وليت هرثمة بن أعين مولاي ثغر خراسان وأمرته
أن يشد وطأته عليك وعلى ولدك وكتابك وعمالك ولا يترك وراء ظهوركم درهما
ولا حقا لمسلم ولا معاهد الا أخذ كم به حتى ترده إلى أهله فان أبيت ذلك وأباه
ولدك وعمالك فله أن يبسط عليكم العذاب ويصب عليكم السياط ويحل بكم ما يحل
بمن نكت وغير وبدل وخالف وظلم وتعدى وغشم انتقاما لله عز وجل بادئا ولخليفته
ثانيا وللمسلمين والمعاهدين ثالثا فلا تعرض نفسك للتي لا شوى لها وأخرج مما يلزمك
طائعا أو مكرها وكتب عهد هرثمة بخطه هذا ما عهد هارون الرشيد أمير المؤمنين إلى
هرثمة بن أعين حين ولاه ثغر خراسان وأعماله وخراجه أمره بتقوى الله وطاعته
ورعاية أمر الله ومراقبته وأن يجعل كتب الله إماما في جميع ما هو بسبيله فيحل حلاله
ويحرم حرامه ويقف عند متشابهه ويسأل عنه أولى الفقه في دين الله وأولى العلم بكتاب
الله أو يرده إلى إمامه ليريه الله عز وجل فيه رأيه ويعزم له على رشده وأمره أن
514

يستوثق من الفاسق علي بن عيسى وولده وعماله وكتابه وأن يشد عليهم وطأته
ويحل بهم سطوته ويستخرج منهم كل مال يصح عليهم من خراج أمير المؤمنين
وفئ المسلمين فإذا استنظف ما عندهم وقبلهم من ذلك نظر في حقوق المسلمين
والمعاهدين وأخذهم بحق كل ذي حق حتى يردوه إليهم فان ثبتت قبلهم حقوق
لأمير المؤمنين وحقوق للمسلمين فدافعوا بها وجحدوها أن يصب عليهم سوط
عذاب الله وأليم نقمته حتى يبلغ بهم الحال التي إن تخطاها بأدنى أدب تلفت
أنفسهم وبطلت أرواحهم فإذا خرجوا من حق كل ذي حق أشخصهم كما
تشخص العصاة من خشونة الوطاء وخشونة المطعم والمشرب وغلظ الملبس
مع الثقات من أصحابه إلى باب أمير المؤمنين إن شاء الله فاعمل يا أبا حاتم بما
عهدت إليك فإني آثرت الله وديني على هواي وإرادتي فكذلك فليكن عملك
وعليه فليكن أمرك ودبر في عمال الكور الذين تمر بهم في صعودك مالا
يستوحشون معه إلى أمر يريبهم وظن يرعبهم وابسط من آمال أهل ذلك الثغر
ومن أمانهم وعذرهم ثم اعمل بما يرضى الله منك وخليفته ومن ولاك الله أمره
إن شاء الله هذا عهدي وكتابي بخطى وأنا أشهدا لله وملائكته وحملة عرشه
وسكان سماواته وكفى بالله شهيدا وكتب أمير المؤمنين بخط يده لم يحضره إلا الله
وملائكته ثم أمر أن يكتب كتاب هرثمة إلى علي بن عيسى في معاونته وتقوية
أمره والشد على يديه فكتب وظهر الامر بها وكانت كتب حمويه وردت على
هارون ان رافعا لم يخلع ولا نزع السواد ولا من شايعه وانما غايتهم عزل على
ابن عيسى الذي قد سامهم المكروه * ومن ذلك ما كان من شخوص هرثمة بن
أعين إلى خراسان واليا عليها
ذكر الخبر عما كان من أمره في شخوصه إليها وأمر علي بن عيسى وولده
ذكر أن هرثمة مضى في اليوم السادس من اليوم الذي كتب له عهده الرشيد
وشيعه الرشيد وأوصاه بما يحتاج إليه فلم يعرج هرثمة على شئ ووجه إلى علي بن
عيسى في الظاهر أموالا وسلاحا وخلعا وطيبا حتى إذا نزل نيسابور جمع جماعة
515

من ثقات أصحابه وأولى السن والتجربة منهم فدعا كل رجل منهم سرا وخلابه ثم
أخذ عليهم العهود والمواثيق أن يكتموا أمره ويطووا سره وولى كل رجل منهم
كورة على نحو ما كانت حاله عنده فولى جرجان ونيسابور والطبسين ونسا وسرخس
وأمر كل واحد منهم بعد أن دفع إليه عهده بالمسير إلى عمله الذي ولاه على أخفى
الحالات وأسترها والتشبه بالمجتازين في ورودهم الكور ومقامهم فيها إلى الوقت
الذي سماه لهم وولى إسماعيل بن حفص بن مصعب جرجان بأمر الرشيد ثم مضى
حتى إذا صار من مرو على مرحلة دعا جماعة من ثقات أصحابه وكتب لهم أسماء
ولد علي بن عيسى وأهل بيته وكتابه وغيرهم في رقاع ودفع إلى كل رجل منهم رقعة
باسم من وكله بحفظه إذا هو دخل عليه مرو خوفا من أن يهربوا إذا ظهر أمره ثم
وجه إلى علي بن عيسى إن أحب الأمير أكرمه الله أن يوجه ثقاته لقبض ما معي
من أموال فعل فإنه إذا تقدم المال أمامي كان أقوى للأمير وافت في عضد
أعدائه وأيضا فانى لا آمن عليه إن خلفته وراء ظهري أن يطمع فيه بعض من
تسمو إليه نفسه إلى أن يقتطع بعضه ويفترض غفلتنا عند دخول المدينة فوجه على
ابن عيسى جهابذته وقهارمته لقبض المال وقال هرثمة لخزانه اشغلوهم هذه الليلة
واعتلوا عليهم في حمل المال بعلة تقرب من اطماعهم وتزيل الشك عن قلوبهم
ففعلوا وقال لهم الخزان حتى نؤامر أبا حاتم في دواب المال والبغال ثم ارتحل
نحو مدينة مرو فلما صار منها على ميلين تلقاه علي بن عيسى في ولده وأهل بيته
وقواده بأحسن لقاء وآنسه فلما وقعت عين هرثمة عليه ثنى رجله لينزل عن دابته
فصاح به على والله لئن نزلت لأنزلن فثبت على سرجه ودنا كل منهما من صاحبه
فاعتنقا وسارا وعلى يسأل هرثمة عن أمر الرشيد وحاله وهيئته وحال خاصته
وقواده وأنصار دولته وهرثمة يجيبه حتى صارا إلى قنطرة لا يجوزها إلا فارس
فحبس هرثمة لجام دابته وقال لعلى سر على بركة الله فقال على لا والله لا أفعل حتى
تمضى أنت فقال إذا والله لا أمضى فأنت الأمير وأنا الوزير فمضى وتبعه هرثمة
حتى دخلا مرو وصارا إلى منزل على ورجاء الخادم لا يفارق هرثمة في ليل ولا
516

نهار ولا ركوب ولا جلوس فدعا على بالغداء فطعما وأكل ممهما رجاء الخادم
وكان عازما على أن لا يأكل معهما فغمزه هرثمة وقال كل فإنك جائع ولا أرى
لجائع ولا حاقن فلما رفع الطعام قال له على قد أمرت أن يفرغ لك قصر على الماشان
فان رأيت أن تصير إليه فعلت فقال له هرثمة إن معي من الأمور مالا تحمل تأخير
المناظرة فيها ثم دفع رجاء الخادم كتاب الرشيد إلى علي وأبلغه رسالته فلما فض
الكتاب فنظر إلى أول حرف منه سقط في يده وعلم أنه قد حل به ما يخافه ويتوقعه
ثم أمر هرثمة بتقييده وتقييد ولده وكتابه وعماله وكان رحل ومعه وقر من قيود
وأغلال فلما استوثق منه صار إلى المسجد الجامع فخطب وبسط من آمال الناس
وأخبر أن أمير المؤمنين ولاه ثغورهم لما انتهى إليه من سوء سيرة الفاسق على
ابن عيسى وما أمره به وفيه وفى عماله وأعوانه وأنه بالغ من ذلك ومن انصاف
العامة والخاصة والاخذ لهم بحقوقهم أقصى مواضع الحق وأمر بقراءة عهده عليهم
فأظهروا السرور بذلك وانفسحت آمالهم وعظم رجاؤهم وعلت بالتكبير والتهليل
أصواتهم وكثر الدعاء لأمير المؤمنين بالبقاء وحسن الجزاء ثم انصرف فدعا بعلى
ابن عيسى وولده وعماله وكتابه فقال اكفوني مؤنتكم واعفوني من الاقدام
بالمكروه عليكم ونادى في أصحاب ودائهم ببراءة الذمة من رجل كانت لعلى عنده
وديعة أو لاحد من ولده أو كتابه أو عماله وأخفاها ولم يظهر عليها فأحضره
الناس ما كانوا أو دعوا الا رجلا من أهل مرو وكان من أبناء المجوس فإنه لم يزل
يتلطف للوصول إلى علي بن عيسى حتى صار إليه فقال له سرا لك عندي مال فان
احتجت إليه حملته إليك أولا فأولا وصبرت للقتل فيك ايثارا للوفاء وطلبا لجميل
الثناء وان استغنيت عنه حبسته عليك حتى ترى فيه رأيك فعجب على منه وقال
لو اصطنعت مثلك ألف رجل ما طمع في السلطان ولا الشيطان أبدا ثم سأله عن
قيمة ما عنده فذكر له أنه أودعه مالا وثيابا ومسكا وأنه لا يدرى ما قدر ذلك
غير أنه أو دعه بخطه وأنه محفوظ لم يشذ منه شئ فقال له دعه فان ظهر عليه سلمته
ونجوت بنفسك وان سلمت به رأيت فيه رأيي وجزاه الخير وشكر له فعله ذلك
517

أحسن شكر وكافأه عليه وبره وكان يضرب به المثل بوفائه فذكر أنه لم يتستر عن
هرثمة من مال على الا ما كان أودعه هذا الرجل وكان يقال له العلاء بن ماهان
فاستنظف هرثمة ما وراء ظهورهم حتى حلى نسائهم فكان الرجل يدخل إلى المنزل
فيأخذ جميع ما فيه حتى إذا لم يبق فيه إلا صوف أو خشب أو مالا قيمة له قال
للمرأة هاتي ما عليك من الحلى فتقول للرجل إذا دنا منها لينزع ما عليها يا هذا ان
كنت محسنا فاصرب بصرك عنى فوالله لا تركت شيئا من بغيتك على
الا دفعته إليك فإن كان الرجل يتحوب من الدنو إليها أجابها إلى ذلك حتى
ربما نبذت إليه بالخاتم والخلخال وما قيمته عشرة دراهم ومن كان بخلاف
هذه الصفة قال لا أرضى حتى أفتشك لا تكونين قد خبأت ذهبا أو درا أو ياقوتا
فيضرب يده إلى مغابنها وأرفاغها فيطلب فيها ما يظن أنها قد سترته عنه حتى إذا
ظن أنه قد أحكم هذا كله وجهه على بعير بلا وطاء تحته وفى عنقه سلسلة وفى رجله
قيود ثقال ما يقدر معها على نهوض واعتماد فذكر عمن شهد أمر هرثمة وأمره
أن هرثمة لما فرغ من مطالبة علي بن عيسى وولده وكتابه وعماله بأموال
أمير المؤمنين أقامهم لمظالم الناس فكان إذا برد للرجل عليه أو على أحد من أصحابه
حق قال اخرج للرجل من حقه وإلا بسطت عليك فيقول على أصلح الله الأمير
أجلني يوما أو يومين فيقول ذلك إلى صاحب الحق فإن شاء فعل ثم يقبل على
الرجل فيقول أترى أن تدعه فان قال نعم قال فانصرف وعد إليه فيبعث على
إلى العلاء بن ماهان فيقول له صالح فلانا عنى من كذا وكذا على كذا وكذا أو على
ما رأيت فيصالحه ويصلح أمره * وذكر أنه قام إلى هرثمة رجل فقال له أصلح الله
الأمير ان هذا الفاجر أخذ منى درقة ثمينة لم يملك أحد مثلها فاشتراها على كره منى
ولم أرد بيعها بثلاثة آلاف درهم فأتيت قهرمانه أطلب ثمنها فلم يعطني شيئا فأقمت
حولا أنتظر ركوب هذا الفاجر فلما ركب عرضت له وصحت به أيها الأمير أنا
صاحب الدرقة ولم آخذ لها ثمنا إلى هذه الغاية فقذف أمي ولم يعطني حقي فخذ لي
بحقي من مالي وقذفه أمي فقال لك بينة قال نعم جماعة حضروا كله فأحضرهم
518

فأشهدهم على دعواه فقال هرثمة وجب عليك الحد قال ولم قال لقذفك أم هذا من
قال من فقهك وعلمك هذا قال هذا دين المسلمين قال فأشهد أن أمير المؤمنين
قد قذفك غير مرة ولا مرتين وأشهد أنك قد قذفت بنيك مالا أحصى مرة
حاتما ومرة أعين فمن يأخذ لهؤلاء بحدودهم منك ومن يأخذ لك من مولاك
فالتفت هرثمة إلى صاحب الدرقة فقال أرى لك أن تطالب هذا الشيطان بدرقتك
أو ثمنها وتترك مطالبته بقذفه أمك ولما حمل هرثمة عليا إلى الرشيد كتب إليه
كتابا يخبره ما صنع نسخته (بسم الله الرحمن الرحيم) أما بعد فإن الله عز وجل
لم يزل يبلى أمير المؤمنين في كل ما قلده من خلافته واسترعاه من أمور عباده
وبلاده أجمل البلاء وأكمله ويعرفه في كل ما حضره ونأى عنه من خاص أموره
وعامها ولطيفها وجليلها أتم الكفاية وأحسن الولاية ويعطيه في ذلك كله أفضل
الأمنية ويبلغه فيه أقصى غاية الهمة امتنانا منه عليه وحفظا لما جعل إليه مما تكفل
بإعزازه وإعزاز أوليائه وأهل حقه وطاعته فنستتم الله أحسن ما عوده وعودنا
من الكفاية في كل ما يؤدينا إليه ونسأله توفيقا لما نقضي به المفترض من حقه
في الوقوف عند أمره والاقتصار على رأيه ولم أزل أعز الله أمير المؤمنين مذ
فصلت عن معسكر أمير المؤمنين ممتثلا ما أمرني به فيما أنهضني له لا أجاوز ذلك
ولا أتعداه إلى غيره ولا أتعرف اليمن والبركة إلا في امتثاله إلى أن حللت أوائل
خراسان صائنا للامر الذي أمرني أمير المؤمنين بصيانته وستره لا افضى ذلك
إلى خاصى ولا إلى عامي ودبرت في مكاتبة أهل الشاش وفرغانة وخذلهما عن
الخائن وقطع طمعه وطمع من قبله عنهما ومكاتبة من ببلخ بما كنت كتبت به إلى
أمير المؤمنين وفسرت له فلما نزلت نيسابور عملت في أمر الكور التي اجتزت
عليها بتولية من وليت عليها قبل مجاوزتي إياها كجرجان ونيسارو ونسا وسرخس
ولم آل الاحتياط في ذلك واختيار الكفاة وأهل الأمانة والصحة من ثقات
أصحابي وتقدمت إليهم في ستر الامر وكتمانه وأخذت عليهم بذلك أيمان البيعة
ودفعت إلى كل رجل منهم عهده بولايته وأمرتهم بالمسير إلى كور أعمالهم على
519

أخفى الحالات وأسترها والتشبه بالمجتازين في ورودهم الكور ومقامهم بها إلى
الوقت الذي سميت لهم وهو اليوم الذي قدرت فيه دخولي إلى مرو والتقائي وعلى
ابن عيسى وعملت في استكفائي إسماعيل بن حفص بن مصعب أمر جرجان بما
كنت كتبت به إلى أمير المؤمنين فنفذ أولئك العمال لأمري وقال كل رجل منهم
في الوقت الذي وقت له بضبط عمله وإحكام ناحيته وكفى الله أمير المؤمنين المؤنة
في ذلك بلطيف صنعه ولما صرت من مدينة مرو على منزل اخترت عدة من
ثقات أصحابي وكتبت بتسمية ولد علي بن عيسى وكتابه وأهل بيته وغيرهم رقاعا
ودفعت إلى كل رجل منهم رقعة باسم من وكلته بحفظه في دخولي ولم آمن لو قصرت
في ذلك وأخرته أن يصيروا عند ظهور الخبر وانتشاره إلى التغيب والانتشار
فعملوا بذلك ورحلت عن موضعي نحو مدينة مرو فلما صرت منها على ميلين تلقاني
علي بن عيسى في ولده وأهل بيته وقواده فلقيته بأحسن لقاء وآنسته وبلغت
من توقيره وتعظيمه والتماس النزول إليه أول ما بصرت به ما ازداد به انسا وثقة
إلى ما كان ركن إليه قبل ذلك مما كان يأتيه من كتبي فإنها لم تنقطع عنه بالتعظيم
والاجلال منى له والالتماس لألقى سوء الظن عنه لئلا يسق إلى قلبه أمر ينتقض به
ما دبر أمير المؤمنين في أمره وأمرني به في ذلك وكان الله تبارك وتعالى هو المنفرد
بكفاية أمير المؤمنين الامر فيه إلى أن ضمني وإياه مجلسه وصرت إلى الا كل معه
فلما فرغنا من ذلك بدأني يسألني المصير إلى منزل كان ارتاده لي فأعلمته ما معي من
الأمور التي لا تحتمل تأخير المناظرة فيها ثم دفع إليه رجاء الخادم كتاب أمير المؤمنين
وأبلغه رسالته فعلم عند ذلك أن قد حل به الامر الذي جناه على نفسه وكسبته يداه
من سخط أمير المؤمنين وتغيرت رأيه بخلافه أمره وتعديه سيرته ثم صرت إلى
التوكيل به ومضيت إلى المسجد الجامع فبسطت آمال الناس ممن حضر وافتتحت
القول بما حملني أمير المؤمنين إليهم وأعلمتهم إعظام أمير المؤمنين ما أتاه ووضح
عنده من سوء سيرة على وما أمرني به فيه وفى عماله وأعوانه وإني بالغ من ذلك
ومن انصاف العامة والخاصة والاخذ لهم بحقوقهم أقصى غايتهم وأمرت
520

بقراءة عهدي عليهم وأعلمتهم أن ذلك مثالي وإمامي وإني به أقتدي وعليه أحتذي
فمتى زلت عن باب واحد من أبوابه فقد ظلمت نفسي وأحللت بها ما يحل بمن
خالف رأى أمير المؤمنين وأمره فأظهر والسرور بذلك والاستبشار وعلت بالتكبير
والتهليل أصواتهم وكثرة دعاؤهم لأمير المؤمنين بالبقاء وحسن الجزاء ثم انكفأت إلى
المجلس الذي كان علي بن عيسى فيه فصرت إلى تقييده وتقييد ولده وأهل بيته
وكتابه وعماله واستيثاق منهم جميعا وأمرتهم بالخروج إلى من الأموال التي
احتجنوها من أموال أمير المؤمنين وفئ المسلمين واعفائي بذلك من الاقدام
عليهم بالمكروه والضرب وناديت في أصحاب ودائعهم بإخراج ما كان عندهم
فحملوا إلى إلى أن كتبت إلى أمير المؤمنين صدرا صالحا من الورق والعين وأرجو
أن يعين الله على استيفاء ما قبلهم واستنظاف ما وراء ظهورهم ويسهل الله من
ذلك أفضل ما لم يزل يعوده أمير المؤمنين من الصنع في مثله من الأمور التي
يعنى بها إن شاء الله تعالى ولم أدع عند قدومي مرو التقدم في توجيه الرسل
وانفاذ الكتب البالغة في الاعذار والانذار والتبصير والارشاد إلى رافع ومن
قبله من أهل سمرقند وإلى من ببلخ على حسن ظني بهم في الإجابة ولزوم الطاعة
والاستقامة ومعهما تنصرف به رسلي إلى يا أمير المؤمنين من أخبار القوم في
اجابتهم وامتناعهم أعمل على حسبه من أمرهم وأكتب بذلك إلى أمير المؤمنين
على حقه وصدقه وأرجو أن يعرف الله أمير المؤمنين في ذلك من جميل صنعه
ولطيف كفايته ما لم تزل عادته جارية به عنده بمنه وطوله وقوته والسلام
الجواب من الرشيد
(بسم الله الرحمن الرحيم) أما بعد فقد بلغ أمير المؤمنين كتابك بقدومك
مرو في اليوم الذي سميت وعلى الحال التي وصفت وما فسرت وما كنت قدمت
من الحيل قبل ورودك إياها وعملت به في أمر الكور التي سميت وتولية من
وليت عليها قبل نفوذك عنها ولطفت له من الامر الذي استجمع لك به ما أردت
من أمر الخائن علي بن عيسى وولده وأهل بيته ومن صار في يدك من عماله
521

وأصحاب عماله واحتذائك في ذلك كله ما كان أمير المؤمنين مثل لك ووفقك
وفهم أمير المؤمنين كل ما كتبت به وحمد الله على ذلك كثيرا وعلى تسديده إياك
وما أعانك به من توفيقه حتى بلغت إرادة أمير المؤمنين وأدركت طلبته وأحسنت
ما كان يحب بك وعلى يديك أحكامه مما كان اشتد به اعتناؤه ولج به اهتمامه وجزاك
الخير على نصيحتك وكفايتك فلا أعدم الله أمير المؤمنين أحسن ما عرفه منك في
كل ما أهاب بك إليه واعتمد بك عليه وأمير المؤمنين يأمرك أن تزداد جدا واجتهادا
فيما أمرك به من تتبع أموال الخائن علي بن عيسى وولده وكتابه وعماله ووكلائه
وجهابذته والنظر فيما اختانوا به أمير المؤمنين في أمواله وظلموا به الرعية في أموالهم
وتتبع ذلك واستخراجه من مظانه ومواضعه التي صارت إليه ومن أيدي أصحاب
الودائع التي استودعوها إياهم واستعمال اللين والشدة في ذلك كله حتى تصير إلى
استنظاف ما وراء ظهورهم ولا تبقى من نفسك في ذلك بقية وفى انصاف الناس
منهم في حقوقهم ومظالمهم حتى لا تبقى لمتظلم منهم قبلهم طلامة إلا استقضيت ذلك
له وحملته وإياهم على الحق والعدل فيها فإذا بلغت أقصى غاية الاحكام والمبالغة في
ذلك فأشخص الخائن وولده وأهل بيته وكتابه وعماله إلى أمير المؤمنين في وثاق
وعلى الحال التي استحقوها من التغيير والتنكيل بما كسبت أيديهم وما الله بظلام
للعبيد ثم اعمل بما أمرك به أمير المؤمنين منا لشخوص إلى سمرقند ومحاولة ما قبل
خامل ومن كان على رأيه ممن أظهر خلافا وامتناعا من أهل كور ما وراء النهر
وطخارستان بالدعاء إلى الفيئة والمراجعة وبسط أمانات أمير المؤمنين التي حملكها
إليهم فإن قبلوا وأنابوا وراجعوا ما هو أملك بهم وفرقوا جموعهم فهو ما يحب
أمير المؤمنين أن يعاملهم به من العفو عنهم والإقالة لهم إذ كانوا رعيته وهو الواجب
على أمير المؤمنين لهم إذ أجابهم إلى طلبتهم وآمن روعهم وكفاهم ولاية من كرهوا
ولايته وأمر بإنصافهم في حقوقهم وظلاماتهم وإن خالفوا ما ظن أمير المؤمنين
فحاكمهم إلى الله إذ طغوا وبغوا وكرهوا العافية وردوها فإن أمير المؤمنين قد
قضى ما عليه فغير ونكل وعزل واستبدل وعفا عمن أحدث وصفح عمن اجترم
522

وهو يشهد الله عليهم بعد ذلك في خلاف إن آثروه وعنود إن أظهروه وكفى بالله
شهيدا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم إليه يتوكل واليه ينيب والسلام وكتب
إسماعيل بن صييح بين يدي أمير المؤمنين (وحج) بالناس في هذه السنة
الفضل بن العباس بن محمد بن علي وكان وإلى مكة ولم يكن للمسلمين بعد هذه
السنة صائفة إلى سنة 215
ثم دخلت سنة اثنتين وتسعين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
ففيها كان الفداء بين المسلمين والروم على يدي ثابت بن نصر بن مالك (وفيها)
وافى الرشيد من الرقة في السفن مدينة السلام يريد الشخوص إلى خراسان لحرب رافع
وكان مصيره ببغداد يوم الجمعة لخمس ليال بقين من شهر ربيع الآخر واستخلف بالرقة
ابنه القاسم وضم إليه خزيمة بن خازم ثم شخص من مدينة السلام عشية الاثنين لخمس
خلون من شعبان بعد صلاة العصر من الخيزرانية فبات في بستان أبى جعفر ثم سار
من غد إلى النهروان فعسكر هنا لك ورد حمادا البربري إلى أعماله واستخلف ابنه
محمدا بمدينة السلام * وذكر عن ذي الرئاستين أنه قال قلت للمأمون لما أراد الرشيد
الشخوص إلى خراسان لحرب رافع لست تدرى ما يحدث بالرشيد وهو خارج إلى
خراسان وهى ولايتك ومحمد المقدم عليك وإن أحسن ما يصنع بك أن يخلعك وهو
ابن زبيدة وأخواله بنو هاشم وزبيدة وأموالها فاطلب إليه أن يشخصك معه فسأله
الاذن فأبى عليه فقلت له قل له أنت عليل وإنما أردت أن أخدمك ولست أكلفك
شيئا فأذن له وسار فذكر محمد بن الصباح الطبري أن أباه شيع الرشيد حين خرج
إلى خراسان فمضى معه إلى النهروان فجعل يحادثه في الطريق إلى أن قال له يا صباح
لا أحسبك تراني أبدا قال فقلت بل يردك الله سالما قد فتح الله عليك وأراك في
أملك قال يا صباح ولا أحسبك تدرى ما أجد قلت لا والله قال فتعال حين أريك
قال فانحرف عن الطريق قدر مائة ذراع فاستظل بشجرة وأومأ إلى خدمه الخاصة
523

فتنحوا ثم قال أمانة الله يا صباح أن تكتم على فقلت يا سيدي عبدك الذليل تخاطبه
مخاطبة الولد قال فكشف عن بطنه فإذا عصابة حرير حوالي بطنه فقال هذه علة
أكتمها الناس كلهم ولكل واحد من ولدى على رقيب فمسرور رقيب المأمون
وجبريل بن بختيشوع رقيب الأمين وسمى الثالث فذهب عنى اسمه وما منهم أحد
إلا وهو يحصى أنفاسي ويعد أيامى ويستطيل عمري فان أردت أن تعرف ذلك
فالساعة أدعو بدابة فيجئونني ببرذون أعجف قطوف ليزيد في علتي فقلت يا سيدي
ما عندي في هذا الكلام جواب ولا في ولاة العهود غير أنى أقول جعل الله من
يشنأك من الجن والإنس والقريب والبعيد فداك وقدمهم إلى تلك قبلك ولا أرانا
فيك مكروها أبدا وعمر بك الله الاسلام ودعم ببقائك أركانه وشد بك أرجاءه
وردك الله مظفرا مفلحا على أفضل أملك في عدوك وما رجوت من ربك قال
أما أنت فقد تخلصت من الفريقين قال ثم دعا ببرذون فجاءوا به كما وصف فنظر إلى
فركبه وقال انصرف غير مودع فإن لك أشغالا فودعته وكان آخر العهد به (وفيها)
تحرك الخرمية بناحية آذربيجان فوجه إليهم الرشيد عبد الله بن مالك في عشرة
آلاف فارس فأسر وسبى ووافاه بقرماسين فأمر بقتل الأسارى وبيع السبى
(وفيها) مات علي بن ظبيان القاضي بقصر اللصوص (وفيها) قدم يحيى بن
معاذ بأبي النداء على الرشيد وهو بالرقة فقتله (وفيها) فارق عجيب بن عنبسة
والأحوص بن مهاجر في عدة من أبناء الشيعة رافع بن ليث وصاروا إلى هرثمة
(وفيها) قدم بابن عائشة وبعدة من أهل أحواف مصر (وفيها) ولى ثابت بن
نصر بن مالك الثغور وغزا فافتتح مطمورة (وفيها) كان الفداء بالبدندون
(وفيها) تحرك ثروان الحروري وقتل عامل السلطان بطف البصرة (وفيها)
قدم بعلى بن عيسى بغداد فحبس في داره (وفيها) مات عيسى بن جعفر بطرارستان
وقيل بالدسكرة وهو يريد اللحاق بالرشيد (وفيها) قتل الرشيد الهيصم اليماني
(وحج) بالناس في هذه السنة العباس بن عبيد الله بن جعفر بن أبي جعفر المنصور
524

ثم دخلت سنة ثلاث وتسعين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك وفاة الفضل بن يحيى بن خالد بن برمك في الحبس بارقة في المحرم وكان
بدء علته فيما ذكر من ثقل أصابه في لسانه وشقه وكان يقول ما أحب أن يموت
الرشيد فيقال له أما تحب أن يفرج الله عنك فيقول إن أمرى قريب من أمره
ومكث يعالج أشهرا ثم صلح فجعل يتحدث ثم اشتد عليه فعقد لسانه وطرفه ووقع
لمآبه فمكث في تلك الحال يوم الخميس ويوم الجمعة وتوفى مع اذان الغداة قبل
وفاة الرشيد بخمسة أشهر وهو في خمس وأربعين سنة وجزع الناس عليه وصلى
عليه إخوانه في القصر الذي كانوا فيه قبل إخراجه ثم أخرج فصلى عليه الناس
على جمازته (وفيها) مات سعيد الطبري المعروف بالجوهري (وفيها) وافى
هارون جرجان في صفر فوافاه بها خزائن علي بن عيسى على ألف بعير وخمسمائة
بعير ثم رحل من جرجان فيما ذكر في صفر وهو عليل إلى طوس فلم يزل بها
إلى أن توفى واتهم هرثمة فوجه ابنه المأمون قبل وفاته بثلاث وعشرين ليلة إلى
مرو ومعه عبد الله بن مالك ويحيى بن معاذ وأسد بن يزيد بن مزيد والعباس بن
جعفر بن محمد بن الأشعث والسندي بن الحرشي ونعيم بن حازم وعلى كتابته
ووزارته أيوب بن أبي سمير ثم اشتد بهارون الوجع حتى ضعف عن السير *
وكانت بين هرثمة وأصحاب رافع فيها وقعة فتح فيها بخارى وأسر أخا رافع بشير
ابن الليث فبعث به إلى الرشيد وهو بطوس * فذكر عن ابن جامع المروزي عن
أبيه قال كنت فيمن جاء إلى الرشيد بأخي رافع قال فدخل عليه وهو على سرير
مرتفع عن الأرض بقدر عظم الذراع وعليه فرش بقدر ذلك أو قال أكثر وفي
يده مرآة ينظر إلى وجهه قال فسمعته يقول إنا لله وإنا إليه راجعون ونظر إلى
أخي رافع فقال أما والله يا ابن اللخناء إني لأرجو أن لا يفوتني خامل يريد رافعا
كما لم تفتني فقال له يا أمير المؤمنين قد كنت لك حربا وقد أظفرك الله بي فافعل
525

ما يحب الله أكن لك سلما ولعل الله أن يلين لك قلب رافع إذا علم أنك قد مننت
على فغضب وقال والله لو لم يبق من أجلى إلا أن أحرك شفتي بكلمة لقلت
اقتلوه ثم دعا بقصاب فقال لا تشحذ مداك اتركها على حالها وفصل هذا الفاسق
وعجل لا يحضرن أجلى وعضوان من أعضائه في جسمه ففصله حتى جعله أشلاء
فقال عد أعضاءه فعددت له أعضاءه فإذا هي أربعة عشر عضوا فرفع يديه إلى
السماء فقال اللهم كما مكنتني من ثأرك وعدوك فبلغت فيه رضاك فمكني من أخيه
ثم أغمي عليه وتفرق من حضره (وفيها) مات هارون الرشيد
ذكر الخبر عن سبب وفاته والموضع الذي توفى فيه
* ذكر عن جبريل بن بختيشوع أنه قال كنت مع الرشيد بالرقة وكنت أول من
يدخل عليه في كل غداة فأتعرف حاله في ليلته فإن كان أنكر شيئا وصفه ثم ينبسط
فيحدثني بحديث جواريه وما عمل في مجلسه ومقدار شربه وساعات جلوسه ثم
يسألني عن أخبار العامة وأحوالها فدخلت عليه في غداة يوم فسلمت فلم يكد
يرفع طرفه ورأيته عابسا مفكرا مهموما فوقفت بين يديه مليا من النهار وهو
على تلك الحال فلما طال ذلك أقدمت عليه فقلت يا سيدي جعلني الله فداك
ما حالك هكذا أعلة فأخبرني بها فلعله يكون عندي دواؤها أو حادثة في بعض
من تحب فذاك ما لا يدفع ولا حيلة فيه إلا التسليم والغم لا درك فيه أو
فتق ورد عليك في ملكك فلم تخل الملوك من ذلك وأنا أولى من أفضيت إليه
بالخبر وتروحت إليه بالمشورة فقال ويحك يا جبريل ليس غمى وكربي لشئ
مما ذكرت ولكن لرؤيا رأيتها في ليلتي هذه وقد أفزعتني وملأت صدري وأفرحت
قلبي قلت فرجت عنى يا أمير المؤمنين فدنوت منه فقبلت رجله وقلت أهذا الغم
كله الرؤيا إنما تكون من خاطر أو بخارات ردية أو من تهاويل السوداء وإنما
هي أضغاث أحلام بعد هذا كله قال فأقصها عليك رأيت كأني جالس على سريري
هذا إذ بدت من تحتي ذراع أعرفها وكف أعرفها لا أفهم اسم صاحبها وفي الكف
تربة حمراء فقال لي قائل أسمعه ولا أرى شخصه هذه التربة التي تدفن فيها فقلت
526

وأين هذه التربة قال بطوس وغابت اليد وانقطع الكلام وانتبهت فقلت يا سيدي
هذه والله رؤيا بعيدة ملتبسة أحسبك أخذت مضجعك ففكرت في خراسان
وحروبها وما قد ورد عليك من انتقاض بعضها قال قد كان ذاك قال قلت فلذلك
الفكر خالطك في منامك من خالطك فولد هذه الرؤيا فلا تحفل بها جعلني الله فداك
وأتبع هذا الغم سرورا يخرجه من قلبك لا يولد علة قال فما برحت أطيب نفسه
بضروب من الحيل حتى سلى وانبسط وأمر بإعداد ما يشتهيه ويزيد في ذلك اليوم
في لهوه ومرت الأيام فنسى ونسينا تلك الرؤيا فما خطرت لاحد منا ببال ثم قدر
مسيره إلى خراسان حين خرج رافع فلما صار في بعض الطريق ابتدأت به العلة
فلم تزل تتزايد حتى دخلنا طوس فنزلنا في منزل الجنيد بن عبد الرحمن في ضيعة
له تعرف بسناباذ فبينا هو يمرض في بستان له في ذلك القصر إذ ذكر تلك
الرؤيا فوثب متحاملا يقوم ويسقط فاجتمعنا إليه كل يقول يا سيدي ما حالك
وما دهاك فقال يا جبريل تذكر رؤياي بالرقة في طوس ثم رفع رأسه إلى مسرور
فقال جئني من تربة هذا البستان فمضى مسرور فأتى بالتربة في كفه حاسرا عن
ذراعه فلما نظر إليه قال هذه والله الذراع التي رأيتها في منامي وهذه والله الكف
بعينها وهذه والله التربة الحمراء ما خرمت شيئا وأقبل على البكاء والنحيب ثم مات
بها والله بعد ثلاثة ودفن في ذلك البستان * وذكر بعضهم أن جبريل بن بختيشوع
كان غلط على الرشيد في علته في علاج عالجه به كان سبب منيته فكان الرشيد هم
ليلة مات بقتله وأن يفصله كما فصل أخا رافع ودعا بجبريل بن بختيشوع ليفعل
ذلك به فقال له جبريل أنظرني إلى غد يا أمير المؤمنين فإنك ستصبح في عافية فمات
في ذلك اليوم * وذكر الحسن بن علي الربعي أن أباه حدثه عن أبيه وكان جمالا
معه مائة جمل قال هو حمل الرشيد إلى طوس قال قال الرشيد احفروا لي قبرا
قبل أن أموت فحفروا له قال فحملته في قبة أقود به حتى نظر إليه قال فقال يا ابن آدم
تصير إلى هذا * وذكر بعضهم أنه لما اشتدت به العلة أمر بقبره فحفر في موضع
من الدار التي كان فيها نازلا بموضع يسمى المثقب في دار حميد بن أبي غانم الطائي
527

فلما فرغ من حفر القبر أنزل فيه قوما ما فقرؤا فيه القرآن حتى ختموا وهو في محفة على
شفير القبر وذكر محمد بن زياد بن محمد بن حاتم بن عبيد الله بن أبي بكرة أن سهل بن مساعد
حدثه قال كنت عند الرشيد في بيته الذي قبض فيه وهو يجود بنفسه فدعا بملحفة
غليظة فاحتبى بها وجعل يقاسى ما يقاسى فنهضت فقال لي اقعد يا سهل فقعدت
وطال جلوسي لا يكلمني ولا أكلمه والملحفة تنحل فيعيد الاحتباء بها فلما طال ذلك
نهضت فقال لي إلى أين يا سهل قلت يا أمير المؤمنين ما يسع قلبي أن أرى أمير المؤمنين
يعاني من العلة ما يعاني فلو اضطجعت يا أمير المؤمنين كان أروح لك قال فضحك
ضحك صحيح ثم قال يا سهل انى أذكر في هذه الحال قول الشاعر
وإني من قوم كرام يزيدهم * شماسا وصبرا شدة الحدثان
وذكر عن مسرور الكبير قال لما حضرت الرشيد الوفاة وأحس بالموت
أمرني أن أنشر الوشى فآتيه بأجود ثوب أقدر عليه وأغلاه قيمة فلم أجد ذلك
في ثوب واحد ووجدت ثوبين أغلى شئ قيمة وجدته متقاربين في أثمانهما الا
أن أحدهما أغلى من الآخر شيئا وأحدهما أحمر والآخر أخضر فجئته بهما فنظر
إليهما وخبرته قيمتهما فقال اجعل أحسنهما كفني والآخر إلى موضعه وتوفى
فيما ذكر في موضع يدعى المثقب في دار حميد بن أبي غاني نصف الليل ليلة السبت
لثلاث خلون من جمادى الآخرة من هذه السنة وصلى عليه ابنه صالح وحضر
وفاته الفضل بن الربيع وإسماعيل بن صبيح وعن خدمه مسرور وحسين ورشيد
وكانت خلافته ثلاثا وعشرين سنة وشهرين وثمانية وعشر يوما أولها ليلة الجمعة
لأربع عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأول سنة 170 وآخرها ليلة السبت
لثلاث ليال خلون من جمادى الآخرة سنة 193 وقال هشام بن محمد استخلف
أبو جعفر الرشيد هارون بن محمد ليلة الجمعة لأربع عشرة ليلة خلت من شهر ربيع
الأول سنة 170 وهو يومئذ ابن اثنتين وعشرين سنة وتوفى ليلة الأحد غرة
جمادى الأولى وهو ابن خمس وأربعين سنة سنة 193 فملك ثلاثا وعشرين سنة
وشهرا وستة عشر يوما وقيل كان سنه يوم توفى سبعا وأربعين سنة وخمسة أشهر
528

وخمسة أيام أولها لثلاث بقين من ذي الحجة سنة 145 وآخرها يومان مضيا
من جمادى الآخرة سنة 193 وكان جميلا وسيما أبيض جعدا وقد وخطه الشيب
ذكر ولاة الأمصار في أيام هارون الرشيد
ولاة المدينة إسحاق بن عيسى بن علي، عبد الملك بن صالح بن علي، محمد بن
عبد الله، موسى بن عيسى بن موسى، إبراهيم بن محمد بن إبراهيم علي بن عيسى بن موسى،
محمد بن إبراهيم، عبد الله بن مصعب الزبيري، بكار بن عبد الله بن مصعب، أبو البختري
وهب بن وهب (ولاة مكة) العباس بن محمد بن إبراهيم، سليمان بن جعفر بن سليمان،
موسى بن عيسى بن موسى، عبد الله بن محمد بن إبراهيم، عبد الله بن قثم بن العباس،
محمد بن إبراهيم، عبيد بن قثم، عبد الله بن محمد بن عمران، عبد الله بن محمد بن إبراهيم،
العباس بن موسى بن عيسى، علي بن موسى بن عيسى، محمد بن عبد الله العثماني، حماد
البربري، سليمان بن جعفر بن سليمان، أحمد بن إسماعيل بن علي، الفضل بن العباس
ابن محمد (ولاة الكوفة) موسى بن عيسى بن موسى، يعقوب بن أبي جعفر، موسى
ابن عيسى بن موسى، العباس بن عيسى بن موسى، إسحاق بن الصباح الكندي، جعفر
ابن جعفر بن أبي جعفر، موسى بن عيسى بن موسى، العباس بن عيسى بن موسى،
موسى بن عيسى بن موسى (ولاة البصرة) محمد بن سليمان بن علي، سليمان بن أبي
جعفر، عيسى بن جعفر بن أبي جعفر: خزيمة بن خازم، عيسى بن جعفر، جرير بن
يزيد، جعفر بن سليمان، جعفر بن أبي جعفر، عبد الصمد بن علي مالك بن علي الخزاعي،
إسحاق بن سليمان بن علي، سليمان بن أبي جعفر، عيسى بن جعفر، الحسن بن جميل
مولى أمير المؤمنين، إسحاق بن عيسى بن علي (ولاة خراسان) أبو العباس الطوسي،
جعفر بن محمد بن الأشعث. العباس بن جعفر، الغطريف بن عطاء سليمان بن راشد
على الخراج. حمزة بن مالك. الفضل بن يحيى، منصور بن يزيد بن منصور، جعفر
ابن يحيى خليفته بها علي بن الحسن بن قحطبة، علي بن عيسى بن ماهان، هرثمة بن أعين
ذكر بعض سير الرشيد
ذكر العباس بن محمد عن أبيه عن العباس قال كان الرشيد يصلى في كل يوم
529

مائة ركعة إلى أن فارق الدنيا إلا أن تعرض له علة وكان يتصدق من صلب ماله
في كل يوم بألف درهم بعد زكاته وكان إذا حج حج معه مائة من الفقهاء وأنبائهم
وإذا لم يحج أحج ثلاثمائة رجل بالنفقة السابغة والكسوة الباهرة وكان يقتفى
آثار المنصور ويطلب العمل بها إلا في بذل المال فإنه لم ير خليفة قبله كان أعطى منه
للمال ثم المأمون من بعده وكان لا يضيع عنده إحسان محسن ولا يؤخر ذلك في
أول ما يجب ثوابه وكان يحب الشعراء والشعر ويميل إلى أهل الأدب والفقه
ويكره المراء في الدين ويقول هو شئ لا نتيجة له وبالحرى ألا يكون فيه ثواب
وكان يحب المديح ولا سيما من شاعر فصيح ويشتريه بالثمن الغالي وذكر بن أبي
حفصة أن مروان بن أبي حفصة دخل عليه في سنة 181 يوم الأحد لثلاث
خلون من شهر رمضان فأنشده شعره الذي يقول فيه
وسدث بهارون الثغور فأحكمت * به من أمور المسلمين المرائر
وما انفك معقودا بنصر لواؤه * له عسكر عنه تشظى العساكر
وكل ملوك الروم أعطاه جزية * على الرغم قسرا عن يد وهو صاغر
لقد ترك الصفصاف هارون صفصفا * كأن لم يدمنه من الناس حاضر
أناخ على الصفصاف حتى اسباحه * فكابره فيها ألج مكابر
إلى وجهه تسمو العيون وما سمت * إلى مثل هارون العيون النواظر
ترى حوله الاملاك من آل هاشم * كما حفت البدر النجوم الزواهر
يسوق يديه من قريش كرامها * وكلتاهما بحر على الناس زاخر
إذا فقد الناس الغمام تتابعت * عليهم بكفيك الغيوم المواطر
ع‍... ثقة ألقت إليك أمورها * قريش كما ألقى عصاه المسافر
أمور بميراث النبي وليتها * فأنت لها بالحزم طاو وناشر
إليكم تناهت فاستقرت وإنما * إلى أهله صارت بهن المصاير
خلفت لنا المهدى في العدل والندى * فلا العرف منزور ولا الحكم جائر
وأبناء عباس نجوم مضيئة * إذا غاب نجم لاح آخر زاهر
530

على بنى ساقى الحجيج تتابعت * أوائل من معروفكم وأواخر
فأصبحت قد أيقنت أن لست بالغا * مدى شكر نعما كم وإني لشاكر
وما الناس إلا وارد لحياضكم * وذو نهل بالري عنهن صادر
حصون بنى العباس في كل مأزق * صدور العوالي والسيوف البواتر
فطورا يهزون القواطع والقنا * وطورا بأيديهم تهز المحاضر
بأيدي عظام النفع والضر لاتنى * بهم للعطايا والمنايا بوادر
ليهنكم الملك الذي أصبحت بكم * أسرته مختالة والمنابر
أبوك ولى المصطفى دون هاشم * وإن رغمت من حاسديك المناخر
فأعطاه خمسة آلاف دينار فقبضها بين يديه وكساه خلعته وأمر له بعشرة
من رقيق الروم وحمله على برذون من خاص مراكبه وذكر أنه كان مع الرشيد بن أبي
مريم المدني وكان مضحاكا له محداثا فكيها فكان الرشيد لا يصبر عنه ولا يمل
محادثته وكان ممن قد جمع إلى ذلك المعرفة بأخبار أهل الحجاز وألقاب الاشراف
ومكايد المجان فبلغ من خاصته بالرشيد أن بوأه منزلا في قصره وخلطه بحرمه وبطانته
ومواليه وغلمانه فحجاء ذات ليلة وهو نائم وقد طلع الفجر وقام الرشيد إلى الصلاة
فألفاه نائما فكشف اللحاف عن ظهره ثم قال له كيف أصبحت قال يا هذا ما أصبحت
بعد اذهب إلى عملك قال ويلك قم إلى الصلاة قال هذا وقت صلاة أبى الجارود وأنا
من أصحاب أبي يوسف القاضي فمضى وتركه نائما وتأهب الرشيد للصلاة فجاء غلامه
فقال أمير المؤمنين قد قام إلى الصلاة فقام فألقى عليه ثيابه ومضى نحوه فإذا الرشيد يقرأ
في صلاة الصبح فانتهى إليه وهو يقرأ " ومالي لا أعبد الذي فطرني " فقال ابن أبي مريم
لا أدرى والله فما تمالك الرشيد أن ضحك في صلاته ثم التفت إليه وهو كالمغضب فقال
يا ابن أبي مريم في الصلاة أيضا قال يا هذا وما صنعت قال قطعت على صلاتي قال
والله ما فعلت إنما سمعت منك كلاما غمني حين قلت " ومالي لا أعبد الذي فطرني "
فقلت لا أدرى والله فعاد فضحك وقال إياك والقرآن والدين ولك ما شئت بعد هما
وذكر بعض خدم الرشيد أن العباس بن محمد أهدى غالية إلى الرشيد فدخل عليه
531

وقد حملها معه فقال يا أمير المؤمنين جعلني الله فداك قد جئتك بغالية ليس لأحد
مثلها أما مسكها فمن سرر الكلاب التبتية العتيقة وأما عنبرها فمن عنبر بحر عدن
وأما بأنها فمن فلان المدني المعروف بجودة عمله وأما مركبها فإنسان بالبصرة عالم
بتأليفها حاذق بتركيبها فإن رأى أمير المؤمنين أن يمن على بقبولها فعل فقال الرشيد
لخاقان الخادم وهو على رأسه يا خاقان أدخل هذه الغالية فأدخلها خاقان فإذا هي
في برنية عظيمة من فضة وفيها ملعقة فكشف عنها وابن أبي مريم حاضر فقال
يا أمير المؤمنين هبها لي قال خذها إليك فاغتاظ العباس وطار أسفا وقال ويلك
عمدت إلى شئ منعته نفسي وآثرت به سيدي فأخذته فقال أمه فاعلة ان دهن بها
لا أسته قال فضحك الرشيد ثم وثب ابن أبي مريم فألقى طرف قميصه على رأسه
وأدخل يده في البرنية فجعل يخرج منها ما حملت يده فيضعه في استه مرة وفى أرفاغه
ومغابنه أخرى ثم سود بها وجهه ورأسه وأطرافه حتى أتى على جميع جوارحه
وقال لخاقان أدخل إلى غلامي فقال الرشيد وما يعقل مما هو فيه من الضحك ادع
غلامه فدعاه فقال له اذهب بهذه الباقية إلى فلانة امرأته فقل لها ادهني بهذا حرك
إلى أن أنصرف فأتيك فأخذها الغلام ومضى والرشيد يضحك قد ذهب به الضحك
ثم أقبل على العباس فقال والله أنت شيخ أحمق تجئ إلى خليفة الله فتمدح عنده
غالية أما تعلم أن كل شئ تمطر السماء وكل شئ تخرج الأرض له وكل شئ هو في
الدنيا فملك يده وتحت خاتمه وفى قبضته وأعجب من هذا أنه قيل لملك الموت انظر
كل شئ يقول لك هذا فأنفذه فمثل هذا يمدح عنده الغالية ويخطب في ذكرها كأنه
بقال أو عطار أو تمار قال فضحك الرشيد حتى كاد ينقطع نفسه ووصل ابن أبي مريم
في ذلك اليوم بمائة ألف درهم وذكر عن زيد بن علي بن حسين بن زيد بن علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب قال أراد الرشيد أن يشرب الدواء يوما فقال له ابن أبي
مريم هل لك أن تجعلني حاجبك غدا عند أخذك الدواء وكل شئ أكسبه فهو
بيني وبينك قال افعل فبعث إلى الحاجب الزم غدا منزلك فانى قد وليت ابن أبي مريم
الحجابة وبكر بن أبي مريم فوضع له الكرسي وأخذ الرشيد دواءه وبلغ الخبر بطانته
532

فجاء رسول أم جعفر يسأل عن أمير المؤمنين وعن دوائه فأوصله إليه وتعرف حاله
وانصرف بالجواب وقال للرسول أعلم السيدة ما فعلت في الاذن لك قبل الناس
فأعلمها فبعثت إليه بمال كثير ثم جاء رسول يحيى بن خالد ففعل به مثل ذلك ثم جاء
رسول جعفر والفضل ففعل كذلك فبعث إليه كل واحد من البرامكة بصلة جزيلة
ثم جاء رسول الفضل بن الربيع فرده ولم يأذن له وجاءت رسل القواد والعظماء
فما أحد سهل اذنه إلا بعث إليه بصلة جزيلة فما صار العصر حتر صار إليه ستون ألف
دينار فلما خرج الرشيد من العلة ونقى بدنه من الدواء دعاه فقال له ما صنعت في
يومك هذا قال يا سيدي كسبت ستين ألف دينار فاستكثرها وقال وأين حاصلي
قال معزول قال قد سوغناك حاصلنا فأهد إلينا عشرة آلاف تفاحة ففعل فكان
أربح من تاجره الرشيد وذكر عن إسماعيل بن صبيح قال دخلت على الرشيد فإذا
جارية على رأسه وفى يدها صحفة وملعقة في يدها الأخرى وهى تلعقة أولا فأولا
قال فنظرت إلى شئ أبيض رقيق فلم أدر ما هو قال وعلم أنى أحب أن أعرفه فقال
يا إسماعيل بن صبيح قلت لبيك يا سيدي قال تدرى ما هذا قلت لا قال هذا جشيش
الأرز والحنطة وماء نخالة السميد وهو نافع للأطراف المعوجة وتشنيج الأعصاب
ويصفى البشرة ويذهب بالكلف ويسمن البدن ويجلو الأوساخ قال فلم تكن لي
همة حين انصرفت إلا أن دعوت الطباخ فقلت بكر على كل غداة بالجشيش قال
وما هو فوصفت له الصفة التي سمعتها قال تضجر من هذا في اليوم الثالث فعمله في
اليوم الأول فاستطبته وعلمه في اليوم الثاني فصار دونه وجاء به في اليوم الثالث
فقلت لا تقدمه وذكر أن الرشيد اعتل علة فعالجه الأطباء فلم يجد من علته افاقة
فقال له أبو عمر الأعجمي بالهند طبيب يقال له منكه رأيتهم يقدمونه على كل من
بالهند وهو أحد عبادهم وفلاسفتهم فلو بعث إليه أمير المؤمنين لعل الله أن يبعث
له الشفاء على يده قال فوجه الرشيد من حمله ووجه إليه بصلة تعينه على سفره قال فقدم
فعالج الرشيد فبرئ من علته بعلاجه فأجرى له رزقا واسعا وأموالا كافية فبينا منكه
مارا بالخلد إذا هو برجل من المانيين قد بسط كساءه وألقى عليه عقاقير كثيرة وقام
533

يصف دواء عنده معجونا فقال في صفته هذا دواء للحمى الدائمة وحمى الغب وحمى
الربع والمثلثة ولوجع الظهر والركبتين والبواسير والرياح ولو جع الفاصل ووجع
العينين ولوجع البطن والصداع والشقيقة ولتقطير البول والفالج والارتعاش فلم
يدع علة في البدن إلا ذكر أن ذلك الدواء شفاء منها فقال منكه لترجمانه ما يقول
هذا فترجم له ما سمع فتبسم منكه وقال على كل حال ملك العرب جاهل وذاك أنه
إن كان الامر على ما قال هذا فلم حملني من بلادي وقطعني عن أهلي وتكلف الغليظ
من مؤنتي وهو يجد هذا نصب عنه وبإزائه وإن كان الامر ليس كما يقول هذا فلم لا يقتله
فإن الشريعة قد أباحت دمه ودم من أشبهه لأنه إن قتل فإنما هي نفس يحيى بقتلها
خلق كثير وإن ترك هذا الجاهل قتل في كل يوم نفسا وبالحرى أن يقتل اثنتين وثلاثا
وأربعا في كل يوم وهذا فساد في التدبير ووهن في المملكة وذكر أن يحيى بن خالد
ابن برمك ولى رجلا بعض أعمال الخراج بالسواد فدخل إلى الرشيد يودعه
وعنده يحيى وجعفر بن يحيى فقال الرشيد ليحيى وجعفر أوصياه فقال له يحيى
وفروا عمر وقال له جعفر أنصف وانتصف فقال له الرشيد أعدل وأحسن
وذكر عن الرشيد أنه غضب على يزيد بن مزيد الشيباني ثم رضى عنه وأذن له
فدخل عليه فقال يا أمير المؤمنين الحمد لله الذي سهل لنا سبيل الكرامة وحل
لنا النعمة بوجه لقائك وكشف عنا صبابة الكرب بأفضالك فجزاك الله في حال
سخطك رضى المنيبين وفى حال رضاك جزاء المنعمين الممتنين المتطولين فقد جعلك
الله وله الحمد تنيب تحرجا عند الغضب وتتطول ممتنا بالنعم وتعفو عن المسئ
تفضلا بالعفو وذكر مصعب بن عبد الله الزبيري أن أباه عبد الله بن معصب
أخبره أن الرشيد قال له ما تقول في الذين طعنوا على عثمان قال قلت يا أمير المؤمنين
طعن عليه ناس وكان معه ناس فأما الذين طعنوا عليه فتفرقوا عنه فهم أنواع
الشيع وأهل البدع وأنواع الخوارج وأما الذين كانوا معه فهم أهل الجماعة
إلى اليوم فقال لي ما أحتاج أن أسأل بعد هذا اليوم عن هذا قال مصعب وقال
أبى وسألني عن منزلة أبى بكر وعمر كانت من رسول الله صلى الله عليه وسلم
534

فقلت له كانت منزلتهما في حياته منه منزلتهما في مماته فقال كفيتني ما أحتاج إليه
قال وولى سلام أو رشيد الخادم بعض خدام الخاصة ضياع الرشيد بالثغور
والشأمات فتواترت الكتب بحسن سيرته وتوقيره وحمد الناس له فأمر
الرشيد بتقديمه والاسحان إليه وضم ما أحب أن يضم إليه من ضياع الجزيرة
ومصر قال فقدم فدخل عليه وهو يأكل سفرجلا قد أتى به من بلخ وهو
يقشره ويأكل منه فقال له يا فلان ما أحسن ما انتهى إلى مولاك عنك ولك عنده
ما تحب وقد أمرت لك بكذا وكذا ووليتك كذا وكذا فسل حاجتك قال فتكلم
وذكر حسن سيرته وقال أنسيتهم والله يا أمير المؤمنين سيرة العمرين قال فغضب
واستشاط وأخذ سفرجلة فرماه بها وقال يا ابن اللخناء العمرين العمرين العمرين
هبنا احتملناها لعمر بن عبد العزيز نحتملها لعمر بن الخطاب * وذكر عبد الله بن
محمد بن عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب أن أبا بكر
ابن عبد الرحمن بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن عبد العزيز حدثه عن الضحاك
ابن عبد الله وأثنى عليه خيرا قال أخبرني بعض ولد عبد الله بن عبد العزيز قال
قال الرشيد والله ما أدرى ما آمر في هذا العمرى أكره أن أقدم عليه وله
خلف أكرههم وإني لأحب أن أعرف طريقه ومذهبه وما أثق بأحد أبعثه
إليه فقال عمر بن بزيغ والفضل بن الربيع فنحن يا أمير المؤمنين قال فأنتما فخرجا
من العرج إلى موضع من البادية يقال له خلص وأخذوا معهما أدلاء من أهل
العرج حتى إذا وردا عليه في منزله أتياه مع الضحى فإذا هو في المسجد فأناخا
راحلتيهما ومن كان معهما من أصحابهما ثم أتياه على زي الملوك من الريح والثياب
والطيب فجلسا إليه وهو في مسجد له فقالا له يا أبا عبد الرحمن نحن رسل من خلفنا
من أهل المشرق يقولون لك اتق الله ربك فإذا شئت فقم فأقبل عليهما وقال
ويحكما فيمن ولمن قالا أنت والله ما أحب أنى لقيت الله بمحجمة دم امرئ مسلم
وأن لي ما طلعت عليه الشمس فلما أيسا منه قالا فإن معنا شيئا تستعين به على
دهرك قال لا حاجة لي فيه أنا عنه في عنى فقالا له إنها عشرون ألف دينار قال
535

لا حاجة لي فيها قالا فأعطها من شئت قال أنتما فأعطياها من رأيتما ما أنا لكما
بخادم ولا عون قال فلما يئسا منه ركبا راحلتيهما حتى أصبحا مع الخليفة بالسقيا
في المنزل الثاني فوجدا الخليفة ينتظرهما فلما دخلا عليه حدثاه بما كان بينهما
وبينه فقال ما أبالى ما أصنع بعد هذا فحج عبد الله في تلك السنة فبينا هو واقف
على بعض أولئك الباعة يشترى لصبيانه إذا هارون يسعى بين الصفا والمروة
على دابة إذ عرض له عبد الله وترك ما يريد فأتاه حتى أخذ بلجام دابته فأهوت
إليه الأجناد والاحراس فكفهم عنه هارون فكلمه قال فرأيت دموع هارون
وإنها لتسيل على معرفة دابته ثم انصرف * وذكر محمد بن أحمد مولى بنى سليم
قال حدثني الليث بن عبد العزيز الجوزجاني وكان مجاورا بمكة أربعين سنة أن
بعض الحجبة حدثه أن الرشيد لما حج دخل الكعبة وقام على أصابعه وقال
يا من يملك حوائج السائلين ويعلم ضمير الصامتين فان لكل مسألة منك ردا حاضرا
وجوابا عتيدا ولكل صامت منك علم محيط ناطق بمواعيدك الصادقة وأياديك
الفاضلة ورحمتك الواسعة صل على محمد وعلى آل محمد واغفر لنا ذنوبنا وكفر
عنا سيئاتنا يا من لا تضره الذنوب ولا تخفى عليه العيوب ولا تنقصه مغفرة الخطايا
يا من كبس الأرض على الماء وسد الهواء بالسماء واختار لنفسه الأسماء صل
على محمد وخر لي في جميع أمرى يا من خشعت له الأصوات بألوان اللغات
يسألونك الحاجات إن من حاجتي إليك أن تغفر لي إذا توفيتني وصرت في لحدي
وتفرق عنى أهلي وولدي اللهم لك الحمد حمدا يفضل على كل حمد كفضلك على جميع
الخلق اللهم صل على محمد صلاة تكون له رضى وصل على محمد صلاة تكون له حرزا
وأجزه عنا خيرا الجزاء في الآخرة والأولى اللهم أحينا سعداء وتوفنا شهداء واجعلنا
سعداء مرزوقين ولا تجعلنا أشقياء محرومين * وذكر علي بن محمد عن عبد الله قال
أخبرني القاسم بن يحيى قال بعث الرشيد إلى ابن أبي داود والذين يخدمون قبر
الحسن بن علي في الحير قال فأتى بهم فنظر إليه الحسن بن راشد وقال ما لك قال
بعث إلى هذا الرجل يعنى الرشيد فأحضرني ولست آمنه على نفسي قال له فإذا
536

دخلت عليه فسألك فقل له الحسن بن راشد وضعني في ذلك الموضع فلما دخل عليه
قال هذا القول قال ما أخلق أن يكون هذا من تخليط الحسن احضروه قال فلما حضر
قال ما حملك على أن صيرت هذا الرجل في الحير قال رحم الله من صيره في الحير
أمرتني أم موسى أن أصيره فيه وأن أجرى عليه في كل شهر ثلاثين درهما فقال ردوه
إلى الحير وأجروا عليه ما أجرته أم موسى وأم موسى هي أم المهدى ابنة يزيد بن منصور
وذكر علي بن محمد أن أباه حدثه قال دخلت على الرشيد في دار عون العبادي فإذا
هو في هيئة الصيف في بيت مكشوف وليس فيه فرش على مقعد عند باب في
الشق الأيمن من البيت وعليه غلالة رقيقة وإزار رشيدي عريض الاعلام
شديد التضريج وكان لا يخيش البيت الذي هو فيه لأنه كان يؤذيه ولكنه كان
يدخل عليه برد الخيش ولا يجلس فيه وكان أول من اتخذ في بيت مقيله في الصيف
سقفا دون سقف وذلك أنه لما بلغه أن الأكاسرة كانوا يطينون ظهور بيوتهم
في كل يوم من خارج ليكف عنهم حر الشمس فاتخذ هو سقفا يلي سقف البيت
الذي يقيل فيه وقال على عن أبيه خبرت أنه كان له في كل يوم القيظ تغار من
فضة يعمل فيه العطار الطيب والزعفران والافاويه وماء الورد ثم يدخل إلى
بيت مقيله ويدخل معه سبع غلائل قصب رشيدية تقطيع النساء ثم تغمس
الغلائل في ذلك الطيب يؤتى في كل يوم بسبع جوار فتخلع عن كل جارية ثيابها
ثم تخلع عليها غلالة وتجلس على كرسي مثقب وترسل الغلالة على الكرسي
فتجلله ثم تبخر من تحت الكرسي بالعود المدرج في العنبر أمدا حتى يجف
القميص عليها يفعل ذلك بهن ويكون ذلك في بيت مقيله فيعبق ذلك البيت
بالبخور والطيب * وذكر علي بن حمزة أن عبد الله بن عباس بن الحسن بن
عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب قال قال لي العباس بن الحسن قال لي الرشيد
أراك تكثر من ذكر ينبع وصفتها فصفها لي وأوجز قال قلت بكلام أو بشعر قال
بكلام وشعر قال قلت جدتها في أصل عذقها وعذقها مسرح شأنها قال فتبسم فقلت له
يا وادى القصر نعم القصر والوادي * من منزل حاضر إن شئت أو بادي
ترى قراقيره والعيس واقفة * والضب والنون والملاح والحادي
537

وذكر محمد بن هارون عن أبيه قال حضرت الرشيد وقال له الفضل بن
الربيع يا أمير المؤمنين قد أحضرت ابن السماك كما أمرتني قال أدخله فدخل فقال
له عظني قال يا أمير المؤمنين اتق الله وحده لا شريك له واعلم أنك واقف غدا
بين يدي الله ربك ثم مصروف إلى إحدى منزلتين لا ثالثة لهما جنة أو نار قال
فبكى هارون حتى اخضلت لحيته فأقبل الفضل على ابن السماك فقال سبحان الله
وهل يتخالج أحدا شك في أن أمير المؤمنين مصروف إلى الجنة إن شاء الله لقيامه
بحق الله وعدله في عباده وفضله قال فلم يحفل بذلك ابن السماك من قوله ولم
يلتفت إليه وأقبل على أمير المؤمنين فقال يا أمير المؤمنين إن هذا يعنى الفضل
ابن الربيع ليس والله معك ولا عندك في ذلك اليوم فاتق الله وانظر لنفسك قال
فبكى هارون حتى شفقنا عليه وأفحم الفضل بن الربيع فلم ينطق بحرف حتى
خرجنا قال ودخل ابن السماك على الرشيد يوما فبينا هو عنده إذ استسقى ماء
فأتى بقلة من ماء فلما أهوى بها إلى فيه ليشربها قال له ابن السماك على رسلك يا أمير
المؤمنين بقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم لو منعت هذه الشربة بكم
كنت تشتريها قال بنصف ملكي قال اشرب هنأك الله فلما شربها قال له أسألك
بقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم لو منعت خروجها من بدنك بماذا
كنت تشتريها قال بجميع ملكي قال ابن السماك إن ملكا قيمته شربة ماء لجدير
ألا ينافس فيه فبكى هارون فأشار الفضل بن الربيع إلى ابن السماك بالانصراف
فانصرف قال ووعظ الرشيد عبد الله بن عبد العزيز العمرى فتلقى قوله نعم
يا عم فلما ولى لينصرف بعث إليه بألفي دينار في كيس مع الأمين والمأمون
فاعترضاه بها وقالا يا عم يقول لك أمير المؤمنين خذها وانتفع بها أو فرقها فقال
هو أعلم بمن يفرقها عليه ثم أخذ من الكيس دينارا وقال كرهت أن أجمع
سوء القول وسوء الفعل وشخص إليه إلى بغداد بعد ذلك فكره الرشيد مصيره
إلى بغداد وجمع العمريين فقال مالي ولا بن عمكم احتملته بالحجاز فشخص إلى
دار مملكتي يريد أن يفسد على أوليائي ردوه عنى فقالوا لا يقبل منا فكتب إلى
538

موسى بن عيسى أن يرفق به حتى يرده فدعا له عيسى ببنى عشر سنين قد حفظ
الخطب والمواعظ فكلمه كلاما كثيرا ووعظه بما لم يسمع العمرى بمثله ونهاه
عن التعرض لأمير المؤمنين فأخذ نعله وقام وهو يقول " فاعترفوا بذنبهم فسحقا
لأصحاب السعير " * وذكر بعضهم أنه كان مع الرشيد بالرقة بعد أن شخص من
بغداد فخرج يوما مع الرشيد إلى الصيد فعرض له رجل من النساك فقال يا هارون
اتق الله فقال لإبراهيم بن عثمان بن نهيك خذ هذا الرجل إليك حتى أنصرف
فلما رجع دعا بغدائه ثم أمر أن يطعم الرجل من خاص طعامه فلما أكل وشرب
دعا به فقال يا هذا انصفني في المخاطبة والمسألة قال ذاك أقل ما يجب لك قال
فأخبرني أنا شر وأخبث أم فرعون قال بل فرعون قال أنا ربكم الاعلى وقال
ما علمت لكم من إله غيري قال صدقت فأخبرني فمن خير أنت أم موسى
ابن عمران قال موسى كليم الله وصفيه اصطنعه لنفسه وأتمنه على وحيه وكلمه
من بين خلقه قال صدقت أفما تعلم أنه لما بعثه وأخاه إلى فرعون قال لهما
قولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى * ذكر المفسرون أنه أمرهما أن يكنياه وهذا
وهو في عتوه وجبريته على ما قد علمت وأنت جئتني وأنا بهذه الحالة التي تعلم
أؤدى أكثر فرائض الله على ولا أعبد أحدا سواه أقف عند أكبر حدوده
وأمره ونهيه فوعظتني بأغلظ الألفاظ وأشنعها وأخشن الكلام وأفظعه
فلا بأدب الله تأدبت ولا بأخلاق الصالحين أخذت فما كان يؤمنك أن أسطو
بك فإذا أنت قد عرضت نفسك لما كنت عنه غنيا قال الزاهد أخطأت يا أمير
المؤمنين وأنا استغفرك قال قد غفر لك الله وأمر له بعشرين ألف درهم فأبى أن
يأخذها وقال لا حاجة لي في المال أنا رجل سائح فقال هرثمة وخزرة ترد
على أمير المؤمنين يا جاهل صلته فقال الرشيد أمسك عنه ثم قال له لم نعطك
هذا المال لحاجتك إليه ولكن من عادتنا أنه لا يخاطب الخليفة أحد ليس من
أوليائه ولا أعدائه إلا وصله ومنحه فأقبل من صلتنا ما شئت وضعها حيث أحببت
فأخذ من المال ألفى درهم وفرقها على الحجاب ومن حضر الباب
539

ذكر من كان عند الرشيد من النساء المهائر
قيل إنه تزوج زبيدة وهى أم جعفر بنت جعفر بن المنصور وأعرس بها في
سنة 165 في خلافة المهدى ببغداد في دار محمد بن سليمان التي صارت بعد للعباسة
ثم صارت للمعتصم بالله فولدت له محمدا الأمين وماتت ببغداد في جمادى الأولى
سنة 216 وتزوج أمة العزيز أم ولد موسى فولدت له علي بن الرشيد وتزوج أم
محمد ابنة صالح المسكين وأعرس بها بالرقة في ذي الحجة سنة 187 وأمها أم عبد الله
ابنة عيسى بن علي صاحبة دار أم عبد الله بالكرخ التي فيها أصحاب الدبس كانت
أملكت من إبراهيم بن المهدى ثم خلعت منه فتزوجها الرشيد وتزوج العباسة
ابنة سليمان بن أبي جعفر وأعرس بها في ذي الحجة سنة 187 حملت هي وأم محمد
ابنة صالح إليه وتزوج عزيزة ابنة الغطريف وكانت قبله عند سليمان بن أبي جعفر
فطلقها فخلف عليها الرشيد وهى ابنة أخي الخيزران وتزوج الجرشية العثمانية
وهى ابنة عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان وسميت الجرشية
لأنها ولدت بجرش باليمن وجدة أبيها فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب
وعم أبيها عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ومات
الرشيد عن أربع مهائر أم جعفر وأم محمد ابنة صالح وعباسة ابنة سليمان والعثمانية
وولد للرشيد من الرجال (محمد الأكبر) وأمة زبيدة (وعبد الله المأمون) وأمه
أم ولد يقال لها مراجل (والقاسم المؤتمن) وأمه أم ولد يقال لها قصف (ومحمد
أبو إسحاق المعتصم) وأمه أم ولد يقال لها ماردة (وعلى) أمه أمة العزيز
(وصالح) وأمه أم ولد يقال لها رئم (ومحمد أبو عيسى) وأمه أم ولد يقال لها
عرابة (ومحمد أبو يعقوب) وأمه أم ولد يقال لها شذرة (ومحمد أبو العباس)
وأمه أم ولد يقال لها خبث (ومحمد أبو سليمان) وأمه أم ولد يقال لها رواح
(ومحمد أبو علي) وأمه أم ولد يقال لها دواج (ومحمد أبو أحمد) أمه أم ولد يقال
لها كتمان * ومن النساء سكينة وأمها قصف وهى أخت القاسم وأم حبيب أمها
ماردة وهى أخت أبي إسحاق المعتصم وأروى أمها حلوب وأم الحسن وأمها
540

عرابة وأم محمد وهى حمدونة وفاطمة وأمها غصص واسمها مصفى وأم أبيها
وأمها سكر وأم سلمة وأمها رخنق وخديجة وأمها شجر وهى أخت كريب وأم
القاسم وأمها حزق ورملة أم جعفر وأمها حلى وأم على أمها أنيق وأم الغالية
أمها سمندل وريطة وأمها زينة * ذكر يعقوب بن إسحاق الأصفهاني قال قال
المفضل بن محمد الضبي وجه إلى الرشيد فما علمت إلا وقد جاءني الرسل ليلا فقالوا
أجب أمير المؤمنين فخرجت حتى صرت إليه وذلك في يوم خميس وإذا هو متكئ
ومحمد بن زبيدة عن يساره والمأمون عن يمينه فسلمت فأومأ إلى فجلست فقال لي
يا مفضل قلت لبيك يا أمير المؤمنين قال كم اسم في " فسيكفيكهم " قلت ثلاثة أسماء
يا أمير المؤمنين قال وما هي قلت الكاف لرسول الله صلى الله عليه وسلم والهاء
والميم وهى للكفار والياء وهى لله عز وجل قال صدقت هكذا أفادنا هذا الشيخ
يعنى الكسائي ثم التفت إلى محمد فقال له أفهمت يا محمد قال نعم قال أعد على
المسألة كما قال المفضل فأعادها ثم التفت إلى فقال يا مفضل عندك مسألة تسألنا عنها
بحضرة هذا الشيخ قلت نعم يا أمير المؤمنين قال وما هي قلت قول الفرزدق
أخذنا بآفاق السماء عليكم * لنا قمراها والنجوم الطوالع
قال هيهات أفادناها متقدما قبلك هذا الشيخ لنا قمراها يعنى الشمس والقمر
كما قالوا سنة العمرين سنة أبى بكر وعمر قال قلت فأزيد في السؤال قال زد قلت فلم
استحسنوا هذا قال لأنه إذا اجتمع اسمان من جنس واحد وكان أحدهما أخف
على أفواه القائلين غلبوه وسموا به الآخر فلما كانت أيام عمر أكثر أيام أبى بكر
وفتوحه أكثر واسمه أخف غلبوه وسموا أبا بكر باسمه قال الله عز وجل " بعد
المشرقين) وهو المشرق والمغرب قلت قد بقيت زيادة في المسألة فقال يقال في
هذا غير ما قلنا قال هذا وفى ما قالوا وتمام المعنى عند العرب قال ثم التفت إلى
فقال ما الذي بقى قلت بقيت الغاية التي إليها أجرى الشاعر المفتخر في شعره قال
وما هي قلت أراد بالشمس إبراهيم وبالقمر محمدا صلى الله عليه وسلم وبالنجوم
الخلفاء الراشدين من آبائك الصالحين قال فاشرأب أمير المؤمنين وقال يا فضل
541

ابن الربيع احمل إليه مائة ألف درهم لقضاء دينه وانظر من الباب من الشعراء
فيوذن لهم فإذا العماني ومنصور النمري فأذن لهما فقال أدن منى الشيخ فدنا
منه وهو يقول
قل للامام المقتدى بأمه * ما قاسم دون مدى ابن أمه * فقد رضيناه فقم فسمه
فقال الرشيد ما ترضى أن تدعو إلى عقد البيعة له وأنا جالس حتى تنهضني
قائما قال قيام عزم يا أمير المؤمنين لا قيام حتم فقال يوتى بالقاسم فأتى به وطبطب
في أرجوزته فقال الرشيد للقاسم إن هذا الشيخ قد دعا إلى عقد البيعة لك فأجزل
له العطية فقال حكم أمير المؤمنين قال وما أنا وذاك هات النمري فدنا منه وأنشده
ما تنقضي حسرة منا ولا جزع - حتى بلغ -
ما كان أحسن أيام الشباب وما * أبقى حلاوة ذكراه التي تدع
ما كنت أو في شبابي كنه غرته * حتى مضى فإذا الدنيا له تبع
قال للرشيد لا خير في دنيا لا يخطر فيها ببرد الشباب * وذكر أن سعيد بن
سلم الباهلي دخل على الرشيد فسلم عليه فأومأ إليه الرشيد فجلس فقال يا أمير المؤمنين
أعرابي من باهلة واقف على باب أمير المؤمنين ما رأيت قط أشعر منه قال أما أنك
أسبحت هذين يعنى العماني ومنصور النمري وكانا حاضريه نهبي لهما احجارك قال هما
يا أمير المؤمنين يهباني فيؤذن للاعرابي فأذن له فإذا أعرابي في جبة خز ورداء
يمان قد شد وسطه ثم ثناه على عاتقه وعمامة قد عصبها على خديه وأرخى لها عذبة
فمثل بين يدي أمير المؤمنين وألقيت الكراسي فجلس الكسائي والمفضل وابن سلم
والفضل بن الربيع فقال ابن سلم للاعرابي خذ في شرب أمير المؤمنين فاندفع
الأعرابي في شعره فقال أمير المؤمنين أسمعك مستحسنا وأنكرك متهما عليك
فان يكن هذا الشعر لك وأنت قلته من نفسك فقل لنا في هذين بيتين يعنى محمدا
والمأمون وهما حفافاه فقال يا أمير المؤمنين حملتني على القدر في غير الحذر روعة
الخلافة وبهر البديهة ونفور القوافي على الروية فيمهلني أمير المؤمنين يتألف إلى
نافراتها ويسكن روعي قال قد أمهلتك يا أعرابي وجعلت اعتذارك بدلا من
542

امتحانك فقال يا أمير المؤمنين نفست * الخناق وسهلت ميدان النفاق ثم أنشأ يقول
هما طنباها بارك الله فيهما * وأنت أمير المؤمنين عمودها
بنيت بعبد الله بعد محمد * ذرى قبة الاسلام فاهتز عودها
فقال وأنت يا اعرابي بارك الله فيك فسلنا ولا تكن مسألتك دون إحسانك
قال الهنيدة يا أمير المؤمنين قال فتبسم أمير المؤمنين وأمر له بمائة ألف درهم وسبع
خلع * وذكر أن الرشيد قال لابنه القاسم وقد دخل عليه قبل أن يبايع له أنت
للمأمون ببعض حمل هذا قال ببعض حطه وقال للقاسم يوما قبل البيعة له قد أوصيت
الأمين والمأمون بك قال أما أنت يا أمير المؤمنين فقد توليت النظر لهما ووكلت
النظر لي إلى غيرك وقال مصعب بن عبد الله الزبيري قدم الرشيد مدينة الرسول
صلى الله عليه وسلم ومعه ابناه محمد الأمين وعبد الله المأمون فأعطى فيها العطايا
وقسم في تلك السنة في رجالهم ونسائهم ثلاثة أعطية فكانت الثلاثة الأعطية التي
قسمها فيهم ألف ألف دينار وخمسين ألف دينار وفرض في تلك السنة لخمسمائة
من وجوه موالى المدينة ففرض لبعضهم في الشرف منهم يحيى بن مسكين وابن عثمان
ومخراق مولى بنى تميم وكان يقرأ القرآن بالمدينة وقال إسحاق المولى لما بايع
الرشيد لولده كان فيمن بايع عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير فلما
قدم ليبايع قال
لا قصرا عنها ولا بلغتهما * حتى يطول على يديك طوالها
فاستحسن الرشيد ما تمثل وأجزل له صلته قال والشعر لطريح بن إسماعيل قاله
في الوليد بن يزيد وفى ابنيه وقال أبو الشيص يرثى هارون الرشيد
غربت في الشرق شمس * فلها عينان تدمع
ما رأينا قط شمسا * غربت من حيث تطلع
وقال أبو نواس الحسن بن هانئ
جرت جوار بالسعد والنحس * فنحن في مأتم وفى عرس
القلب يبكى والسن ضاحكة * فنحن في وحشة وفى انس
543

يضحكنا القائم الأمين ويبكينا * وفاة الامام بالأمس
بدران بدرا ضحى ببغداد بال‍ * - خلد وبدر بطوس في رمس
وقيل مات هارون الرشيد وفى بيت المال تسعمائة ألف ألف ونيف
خلافة الأمين
(وفى هذه السنة) بويع لمحمد الأمين بن هارون بالخلافة في عسكر الرشيد
وعبد الله بن هارون المأمون يومئذ بمرو وكان فيما ذكر قد كتب حمويه مولى
المهدى صاحب البريد بطوس إلى أبى مسلم سلام مولاه وخليفته ببغداد على
البريد والاخبار يعلمه وفاة الرشيد فدخل على محمد فغزاه وهنأه بالخلافة وكان
أول الناس فعل ذلك ثم قدم عليه رجاء الخادم يوم الأربعاء لأربع عشرة ليلة خلت
من جمادى الآخرة كان صالح بن الرشيد أرسله إليه بالخبر بذلك وقيل ليلة الخميس
للنصف من جمادى الآخر فأظهر يوم الجمعة وستر خبره بقية يومه وليلته وخاض
الناس في أمره ولما قدم كتاب صالح على محمد الأمين مع رجاء الخادم بوفاة الرشيد
وكان نازلا في قصره بالخلد تحول إلى قصر أبى جعفر بالمدينة وأمر الناس بالحصور
ليوم الجمعة فحضروا وصلى بهم فلما قضى صلاته صعد المنبر فحمد الله وأئنى عليه
ونعى الرشيد إلى الناس وعزى نفسه والناس ووعدهم خيرا وبسط الآمال وآمن
الأسود والأبيض وبايعه جلة أهل بيته وخاصته ومواليه وقواده ثم دخل
ووكل بيعته على من بقى منهم عم أبيه سليمان بن أبي جعفر فبايعهم وأمر السندي
بمبايعة جميع الناس من القواد وسائر الجند وأمر للجند ممن بمدينة السلام برزق
أربعة وعشرين شهرا وبخواص من كانت له خاصة لهذه الشهور (وفى هذه السنة)
كان بدء اختلاف الحال بين الأمين محمد وأخيه المأمون وعزم كل واحد منهما
بالخلاف على صاحبه فيما كان والدهما هارون أخذ عليهما العمل به في الكتاب
الذي ذكرنا أنه كان كتب عليهما وبينهما
544

ذكر الخبر عن السبب الذي كان أوجب اختلاف حالهما فيما ذكرت
(قال أبو جعفر) قد ذكرنا قبل أن الرشيد جدد حين شخص إلى خراسان
البيعة للمأمون على القواد الذين معه وأشهد من معه من القواد وسائر الناس
وغيرهم أن جميع من معه من الجند مضمومون إلى المأمون وأن جميع ما معه
من مال وسلاح وآلة وغير ذلك للمأمون فلما بلغ محمد بن هارون أن أباه قد
اشتدت علته وأنه لمآبه بعث من يأتيه بخبره في كل يوم فأرسل بكر بن المعتمر
وكتب معه كتبا وجعلها في قوائم صناديق منقورة ألبسها جلود البقر وقال
لا يظهرن أمير المؤمنين ولا أحد ممن في عسكره على شئ من أمرك وما توجهت
فيه ولا ما معك ولو قتلت حتى يموت أمير المؤمنين فإذا مات فادفع إلى كل رجل
منهم كتابه فلما قدم بكر بن المعتمر طوس بلغ هارون قدومه فدعا به فسأله ما أقدمك
قال بعثني محمد لاعلم له علم خبرك وآتيه به قال فهل معك كتاب قال لا فأمر بما
معه ففتش فلم يصيبوا معه شيئا فهدده بالضرب فلم يقر بشئ فأمر به فحبس وقيد
فلما كان في الليلة التي مات فيها هارون أمر الفضل بن الربيع أن يصير إلى محبس
بكر بن المعتمر فيقرره فإن أقر وإلا ضرب عنقه فصار إليه فقرره فلم يقر بشئ
ثم غشى على هارون فصاح النساء فأمسك الفضل عن قتله وصار إلى هارون
ليحضره ثم أفاق هارون وهو ضعيف قد شغل عن بكر وعن غيره لحس الموت
ثم غشى عليه غشية ظنوا أنها هي وارتفعت الضجة فبعث بكر بن المعتمر برقعة
منه إلى الفضل بن الربيع مع عبد الله بن أبي نعيم يسأله أن لا تعجلوا بأمر ويعلمه
أن معه أشياء يحتاجون إلى علمها وكان بكر محبوسا عند حسين الخادم فلما توفى
هارون في الوقت الذي توفى فيه دعا الفضل بن الربيع ببكر عن ساعته فسأله عما
عنده فأنكر أن يكون عنده شئ وخشي على نفسه من أن يكون هارون حيا
حتى صح عنده موت هارون وأدخله عليه فأخبره أن عنده كتبا من أمير المؤمنين
محمد وأنه لا يجوز له إخراجها وهو على حاله في قيوده وحبسه فامتنع حسين
الخادم من إطلاقه حتى أطلقه الفضل فأتاهم بالكتب التي عنده وكانت في قوائم
545

المطابخ المجلدة بجلود البقر فدفع إلى كل إنسان منهم كتابه وكان في تلك الكتب
كتاب من محمد بن هارون إلى حسين الخادم بخطه يأمره بتخلية بكر بن المعتمر
وإطلاقه فدفعه إليه وكتاب إلى عبد الله المأمون فاحتبس كتاب المأمون عنده
ليبعثه إلى المأمون بمرو وأرسلوا إلى صالح بن الرشيد وكان مع أبيه بطوس وذلك
أنه كان أكبر من يحضر هارون من ولده فأتاهم في تلك الساعة فسألهم عن أبيه
هارون فأعلموه فجزع جزعا شديدا ثم دفعوا إليه كتاب أخيه محمد الذي جاء به
بكر وكان الذين حضروا وفاة هارون هم الذين ولوا أمره وغسله وتجهيزه وصلى
عليه ابنه صالح
وكانت نسخة كتاب محمد إلى أخيه عبد الله المأمون
إذا ورد عليك كتاب أخيك أعاذه الله من فقدك عند حلول مالا مرد له
ولا مدفع مما قد أخف وتناسخ الأمم الخالية والقرون الماضية بما عزاك الله به
واعلم أن الله جل ثناؤه قد اختار لأمير المؤمنين أفضل الدارين وأجزل الحظين
فقبضه الله طاهرا زاكيا قد شكر سعيه وغفر ذنبه إن شاء الله فقم في أمرك
قيام ذي الحزم والعزم والناظر لأخيه ونفسه وسلطانه وعامة المسلمين وإياك أن
يغلب عليك الجزع فإنه يحبط الاجر ويعقب الوزر وصلوات الله على أمير المؤمنين
حيا وميتا وإنا لله وإنا إليه راجعون وخذ البيعة على من قبلك من قوادك وجندك
وخاصتك وعامتك لأخيك ثم لنفسك ثم للقاسم ابن أمير المؤمنين على الشرطية
التي جعلها لك أمير المؤمنين من نسخها له وإثباتها فإنه مقلد من ذاك ما قلدك الله
وخليفته وأعلم من قبلك رأيي في صلاحهم وسد خلتهم والتوسعة عليهم فمن
أنكرته عند بيعته أو اتهمته على طاعته فابعث إلى برأسه مع خبره وإياك وإقالته
فان النار أولى به واكتب إلى عمال ثغورك وأمراء أجنادك بما طرقك من المصيبة
بأمير المؤمنين وأعلمهم أن الله لم يرض الدنيا له ثوابا حتى قبضه إلى روحه
وراحته وجنته مغبوطا محمودا قائدا لجميع خلفائه إلى الجنة إن شاء الله ومرهم أن
يأخذوا البيعة على أجنادهم وخواصهم وعوامهم على مثل ما أمرتك به من أخذها
546

على من قبلك وأو عز إليهم في ضبط ثغورهم والقوة على عدوهم انى متفقد حالاتهم
ولام شعثهم وموسع عليهم ولا آن في تقوية أجنادي وأنصاري وليكن كتبك
إليهم كتبا عامة لتقرأ عليهم فان ذلك ما يسكنهم ويبسط أملهم واعمل بما نأمر به
لمن حضرك أو نأى عنك من أجنادك على حسب ما ترى وتشاهد فان أخاك
يعرف حسن اختيارك وصحة رأيك وبعد نظرك وهو يستحفظ الله لك ويسأله
أن يشد بك عضده ويجمع بك أمره انه لطيف لما يشاء وكتب بكر بن المعتمر
بين يدي وأملائي في شوال سنة 192
وإلى أخيه صالح
(بسم الله الرحمن الرحيم) إذا ورد عليك كتابي هذا عند وقوع ما قد سبق
في علم الله ونفذ من قضائه في خلفائه وأوليائه وجرت به سنته في الأنبياء والمرسلين
والملائكة المقربين فقال (كل شئ هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون)
فاحمدوا الله على ما صار إليه أمير المؤمنين من عظيم ثوابه ومرافقة أنبيائه صلوات
الله عليهم انا إليه راجعون وإياه نسأل أن يحسن الخلافة على أمة نبيه محمد صلى
الله عليه وسلم وقد كان لهم عصمة وكهفا وبهم رؤفا رحيما فشمر في أمرك وإياك
أن تلقى بيديك فان أخاك قد اختارك لما استنهضك له وهو متفقد مواقع فقد انك
فحقق ظنه ونسأل الله التوفيق وخذ البيعة على من قبلك من ولد أمير المؤمنين وأهل
بيته ومواليه وخاصته وعامته لمحمد أمير المؤمنين ثم لعبد الله ابن أمير المؤمنين ثم
للقاسم ابن أمير المؤمنين على الشريطة التي جعلها أمير المؤمنين صلوات الله عليه
من فسخها على القاسم أو اثباتها فان السعادة واليمن في الاخذ بعهده والمضي على
مناهجه وأعلم من قبلك من الخاصة والعامة رأيي في استصلاجهم ورد مظالمهم
وتفقد حالاتهم وأداء أرزاقهم وأعطياتهم عليهم فان شغب شاغب أو نعر ناعر
فاسط به سطوة تجعله نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين
واضمم إلى الميمون ابن الميمون الفضل بن الربيع ولد أمير المؤمنين وخدمه وأهله
ومره بالمسير معهم فيمن معه وجنده ورابطته وصير إلى عبد الله بن مالك أمر
547

العسكر وأحداثه فإنه ثقة على ما يلي مقبول عند العامة واضمم إليه جميع جند الشرط
من الروابط وغيرهم إلى من معه من جنده ومره بالجد والتيقظ وتقديم الحزم
في أمره كله ليله ونهاره فان أهل العداوة والنفاق لهذا السلطان يغتنمون مثل
حلول هذه المصيبة وأقر حاتم بن هرثمة على ما هو عليه ومره بحراسة ما يحفظ به
قصور أمير المؤمنين فإنه ممن لا يعرف إلا بالطاعة ولا يدين إلا بها بمعاقد من
الله مما قدم له من حال أبيه المحمود عند الخلفاء ومر الخدم بإحضار روابطهم
من يسد بهم وبأجنادهم مواضع الخلل من عسكرك فإنهم حد من حدودك وصير
مقدمتك إلى أسد بن يزيد بن مزيد وساقتك إلى يحيى بن معاذ فيمن معه من الجنود
ومرهما بمناوبتك في كل ليلة والزم الطريق الأعظم ولا تعدون المراحل فان
ذلك أرفق بك ومر أسد بن يزيد أن يتخير رجلا من أهل بيته أو قواده فيصير
إلى مقدمته ثم يصير أمامه لتهيئة المنازل أو بعض الطريق فإن لم يحضرك في عسكرك
بعض من سميت فاختر لمواضعهم من تثق بطاعته ونصيحته وهيبته عند العوام
فان ذلك لن يعوزك من قوادك وأنصارك إن شاء الله وإياك أن تنفذ رأيا أو
تبرم أمرا إلا برأي شيخك وبقية آبائك الفضل بن الربيع وأقرر جميع الخدم على
ما في أيديهم من الأموال والسلاح والخزائن وغير ذلك ولا تخرجن أحدا منهم
من ضمن ما يلي إلى أن تقدم على وقد أوصيت بكر بن المعتمر بما سيلغكه واعمل
في ذلك بقدر ما تشاهد وترى وان أمرت لأهل العسكر بعطاء أو رزق فليكن
الفضل بن الربيع المتولي لا عطائهم على دواوين يتخذها لنفسه بمحضر من أصحاب
الدواوين فان الفضل بن الربيع لم يزل مثل ذلك لمهمات الأمور وأنفذ إلى عند
وصول كتابي هذا إليك إسماعيل بن صبيح وبكر بن المعتمر على مركبيهما من
البريد ولا يكون لك عرجة ولا مهلة بموضعك الذي أنت فيه حتى توجه إلى
بعسكرك بما فيه من الأموال والخزائن إن شاء الله أخوك يستدفع الله عنك ويسأله
لك حسن التأييد برحمته وكتب بكر بن المعتمر بين يدي واملائي في شوال سنة
192 وخرج رجاء الخادم بالخاتم والقضيب والبردة وبنعي هارون حين دفن
548

حتى قدم بغداد ليلة الخميس وقيل يوم الأربعاء فكان من الخبر ما قد ذكرت قبل
وقيل إن نعى الريد لما ورد بغداد صعد إسحاق بن عيسى بن علي المنبر فحمد الله
وأنثى عليه ثم قال أعظم الناس رزئه وأحسن الناس بقية رزؤنا فإنه لم يرزأ أحد
كرزئنا فمن له مثل عوضنا ثم نعاه إلى الناس وحضن الناس على الطاعة * وذكر
الحسن الحاجب أن الفضل بن سهل أخبره قال استقبل الرشيد وجوه أهل خراسان
وفيهم الحسين بن مصعب قال ولقيني فقال لي الرشيد ميت أحد هذين اليومين
وأمر محمد بن الرشيد ضعيف والامر أمر صاحبك مد يدك فمد يده فبايع للمأمون
بالخلافة قال ثم أتاني بعد أيام ومعه الخليل بن هشام فقال هذا ابن أخي وهو
لك ثقة خذ بيعته وكان المأمون قد رحل من مرو إلى قصر خالد بن حماد على
فرسخ من مرو يريد سمرقند وأمر العباس بن المسيب بإخراج الناس واللحوق
بالعسكر فمر به إسحاق الخادم ومعه نعى الرشيد فغم العباس قدومه فوصل إلى
المأمون فأخبره فرجع المأمون إلى مرو ودخل دار الامارة دار أبى مسلم ونعى
الرشيد على المنبر وشق ثوبه ونزل وأمر للناس بمال وبايع لمحمد ولنفسه وأعطى
الجند رزق اثنى عشر شهرا قال ولما قرأ الذين وردت عليهم كتب محمد بطوس
من القواد والجند وأولاد هارون تشاوروا في اللحاق بمحمد فقال الفضل بن
الربيع لا أدع ملكا حاضرا لآخر لا يدرى ما يكون من أمره وأمر الناس
بالرحيل ففعلوا ذلك محبة منهم للحوق بأهلهم ومنازلهم ببغداد وتركوا العهود التي
كانت أخذت عليهم للمأمون فانتهى أخبر بذلك من أمرهم إلى المأمون بمرو فجمع
من معه من قواد أبيه فكان معه منهم عبد الله بن مالك ويحيى بن معاذ وشبيب
ابن حميد بن قحطبة والعلاء مولى هارون والعباس بن المسيب بن زهير وهو على
شرطته وأيوب بن أبي سمير وهو على كتابته وكان معه من أهل بيته عبد الرحمن
ابن عبد الملك بن صالح وذو الرئاستين وهو عنده من أعظم الناس قدرا
وأخصهم به فشاورهم وأخبرهم الخبر فأشاروا عليه أن يلحقهم في ألفى فارس
جريدة فيردهم وسمى لذلك قوم فدخل عليه ذو الرئاستين فقال له إن فعلت ما
549

أشاروا به عليك جعلت هؤلاء هدية إلى محمد ولكن الرأي أن تكتب إليهم
كتابا وتوجه إليهم رسولا فتذكرهم البيعة وتسألهم الوفاء وتحذرهم الحنث وما
يلزمهم في ذلك في الدنيا والدين قال قلت له إن كتابك ورسلك تقوم مقامك
فتستبرئ ما عند القوم وتوجه سهل بن صاعد وكان على قهرمته فإنه يأملك
ويرجو أن ينال أمله فلن يألوك نصحا وتوجه نوفلا الخادم مولى موسى أمير
المؤمنين وكان عاقلا فكتب كتابا ووجههما فلحقاهم بنيسابور قد رحلوا ثلاث
مراحل فذكر الحسن بن أبي سعد عن سهل بن صاعد أنه قال لما أوصلت إلى
الفضل بن الربيع كتابه فقال لي انما أنا واحد منهم قال لي سهل وشد على عبد الرحمن
ابن جبلة بالرمح فأمره على جنبي ثم قال قل لصاحبك والله لو كنت حاضرا لو ضعت
الرمح في فيك هذا جوابي قال ونال من المأمون فرجعت بالخبر قال الفضل بن
سهل فقلت للمأمون أعداء قد استرحت منهم ولكن افهم عنى ما أقول لك ان
هذه الدولة لم تكن قط أعزمنها أيام بي جعفر فخرج عليه المقنع وهو يدعى الربوبية
وقال بعضهم طلب بدم أبى مسلم فتضعضع العسكر بخروجه بخراسان فكفاه الله المؤنة
ثم خرج بعده يوسف البرم وهو عند بعض المسلمين كافر فكفى الله المؤنة ثم خرج
أستاذ سيس يدعو إلى الكفر فسار المهدى من الري إلى نيسابور فكفى المؤنة
ولكن ما أضع أكبر عليك أخبرني كيف رأيت الناس حين ورد عليهم خبر
رافع قال رأيتهم اضطربوا اضطرابا شديدا قلت وكيف بك وأنت نازل في أخوالك
وبيعتك في أعناقهم كيف يكون اضطراب أهل بغداد اصبر وأنا أضمن لك الخلافة
ووضعت يدي على صدري قال قد فعلت وجعلت الامر إليك فقم به قال قلت والله
لأصدقنك إن عبد الله بن مالك ويحيى بن معاذ ومن سمينا من أمراء الرؤساء إن
قاموا لك بالامر كان أنفع منى لك برئاستهم المشهورة ولما عندهم من القوة على
الحرب فمن قام بالامر كنت خادما له حتى تصير إلى محبتك وترى رأيك في فلقيتهم
في منازلهم وذكرتهم البيعة التي في أعناقهم وما يجب عليهم من الوفاء قال فكأني
جئتهم بجيفة على طبق فقال بعضهم هذا لا يحل اخرج وقال بعضهم من الذي يدخل
550

بين أمير المؤمنين وأخيه فجئت وأخبرته قال قم بالامر قال قلت قد قرأت القرآن
وسمعت الأحاديث وتفقهت في الدين فالرأي أن تبعث إلى من بالحضرة من
الفقهاء فتدعوهم إلى الحق والعمل به وإحياء السنة وتقعد على اللبود وترد المظالم
ففعلنا وبعثنا إلى الفقهاء وأكرمنا القواد والملوك وأبناء الملوك فكنا نقول
للتميمي نقيمك مقام موسى بن كعب وللربعي مقام أبى داود خالد بن إبراهيم
ولليماني نقيمك مقام قحطبة ومالك بن الهيثم فكنا ندعو كل قبيلة إلى نقباء ورؤساء
الدولة كاستمالتنا الرؤس وقلنا مثل ذلك وحططنا عن خراسان ربع الخراج فحسن
موقع ذلك منهم وسروا به وقالوا ابن أختنا وابن عم النبي صلى الله عليه وسلم قال
علي بن إسحاق لما أفضت الخلافة إلى محمد وهدأ الناس ببغداد أصبح صبيحة
السبت بعد بيعته بيوم فأمر ببناء ميدان حول قصر أبى جعفر في المدينة للصوالجة
واللعب فقال في ذلك شاعر من أهل بغداد
بنى أمين الله ميدانا * وصير الساحة بستانا
وكانت الغزلان فيه بانا * يهدى إليه فيه غزلانا
(وفى هذه السنة) شخصت أم جعفر من الرقة بجميع ما كان معها هنالك من
الخزائن وغير ذلك في شعبان فتلقاها ابنها محمد الأمين بالأنبار في جميع من كان
ببغداد من الوجوه وأقام المأمون على ما كان يتولى من عمل خراسان ونواحيها
إلى الري وكاتب الأمين وأهدى إليه هدايا كثيرة وتواترت كتب المأمون إلى
محمد بالتعظيم والهدايا إليه من طرف خراسان من المتاع والآنية والمسك والدواب
والسلاح (وفى هذه السنة) دخل هرثمة حائط سمرقند ولجأ رافع إلى المدينة
الداخلة وراسل رافع الترك فوافوه فصار هرثمة بين رافع والترك ثم انصرف
الترك فضعف رافع * وقتل في هذه السنة نقفور ملك الروم في حرب برجان
وكان ملكه فيما قيل سبع سنين وملك بعد استبراق بن نقفور وهو مجروح فبقى
شهرين فمات وملك ميخائيل بن جورجس ختنه على أخته (وحج بالناس) في
هذه السنة داود بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي وكان والى مكة * وأقر محمد
551

ابن هارون أخاه القاسم بن هارون في هذه السنة على ما كان أبوه هارون ولاه من
عمل الجزيرة واستعمل عليها خزيمة بن خازم وأقر القاسم على قنسرين والعواصم
ثم دخلت سنة أربع وتسعين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك ما كان من مخالفة أهل حمص عاملهم إسحاق بن سليمان وكان محمد ولاه
إياها فلما خالفوه انتقل إلى سلمية فصرفه محمد عنهم وولى مكانه عبد الله بن سعيد
الحرشي ومعه عافية بن سليمان فحبس عدة من وجوههم وضرب مدينتهم من
نواحيها بالنار وسألوه الأمان فأجابهم وسكنوا ثم هاجوا فضرب أيضا أعناق
عدة منهم (وفيها) عزل محمد أخاه القاسم عن جميع ما كان أبوه هارون ولاه من
عمل الشأم وقنسرين والعواصم والثغور وولى مكانه خزيمة بن خازم وأمره
بالمقام بمدينة السلام (وفيه هذه السنة) أمر محمد بالدعاء لابنه موسى على المنابر
بالامرة (وفيها) مكر كل واحد منهما بصاحبه محمد الأمين وعبد الله المأمون
وظهر بينهما الفساد
ذكر الخبر عن سبب ذلك
ذكر أن الفضل بن الربيع فكر بعد مقدمه العراق على محمد منصرفا عن طوس
وناكثا للعهود التي كان الرشيد أخذها عليه لابنه عبد الله وعلم أن الخلافة إن أفضت
إلى المأمون يوما وهو حي لم يبق عليه وكان في ظفره به عطبه فسعى في إغراء محمد به
وحثه على خلعه وصرف ولاية العهد من بعده إلى ابنه موسى ولم يكن ذلك من رأى
محمد ولا عزمه بل كان عزمه فيما ذكر عنه الوفاء لأخويه عبد الله والقاسم بما كان
أخذ عليه لهما والده من العهود والشروط فلم يزل الفضل به يصغر في عينه شأن
المأمون ويزين له خلعه حتى قال له ما تنتظر يا أمير المؤمنين بعبد الله والقاسم أخويك
فان البيعة كانت لك م قدمة قبلهما وإنما أدخلا فيها بعدك واحدا بعد واحد وأدخل
في ذلك من رأيه معه علي بن عيسى بن ماهان والسندي وغيرهما ممن بحضرته
552

فأزال محمدا عن رأيه فأول ما بدأ به محمد عن رأى الفضل بن الربيع فيما دبر من ذلك
أن كتب إلى جميع العمال في الأمصار كلها بالدعاء لابنه موسى بالامرة بعد الدعاء له
وللمأمون والقاسم بن الرشيد فذكر الفضل بن إسحاق بن سليمان أن المأمون لما
بلغه ما أمر محمد من الدعاء لابنه موسى وعزله القاسم عما كان الرشيد ضم إليه من
الأعمال وإقدامه إياه مدينة السلام علم أنه يدبر عليه في خلعه فقطع البريد عن محمد
وأسقط اسمه من الطرز وكان رافع بن الليث بن نصر بن سيار لما انتهى إليه من
الخبر عن المأمون وحسن سيرته في أهل عمله وإحسانه إليهم بعث في طلب الأمان
لنفسه فسارع إلى ذلك هرثمة وخرج رافع فلحق بالمأمون وهرثمة بعد مقيم بسمرقند
فأكرم المأمون رافعا وكان مع هرثمة في حصار رافع طاهر بن الحسين ولما دخل رافع
في الأمان استأذن هرثمة المأمون في القدوم عليه فعبر نهر بلخ بعسكره والنهر جامد فتلقاه
الناس وولاه المأمون الحرس فأنكر ذلك كله محمد فبدأ بالتدبير على المأمون فكان من
التدبير أنه كتب إلى العباس بن عبد الله بن مالك وهو عامل المأمون على الري وأمره أن
يبعث إليه بغرائب غروس الري مريدا بذلك امتحانه فبعث إليه ما أمره به وكتب
المأمون وذا الرئاستين فبلغ ذلك من أمره المأمون فوجه الحسن بن علي المأموني
وأردفه بالرسهمى على البريد وعزل العباس بن عبد الله بن مالك فذكر عن الرسهمى
أنه لم ينزل عن دابته حتى اجتمع إليه ألف رجل من أهل الري ووجه محمد إلى
المأمون ثلاثة أنفس رسلا أحدهم العباس بن موسى بن عيسى والآخر صالح صاحب
المصلى والثالث محمد بن عيسى بن نهيك وكتب معهم كتابا إلى صاحب الري أن
استقبلهم بالعدة والسلاح الظاهر وكتب إلى والى قومس ونيسابور وسرخس
بمثل ذلك ففعلوا ثم وردت الرسل مرو وقد أعدلهم من السلاح وضروب العدد
والعتاد ثم صاروا إلى المأمون فأبلغوه رسالة محمد بمسألته تقديم موسى على نفسه
ويذكر له أنه سماه الناطق بالحق وكان الذي أشار عليه بذلك علي بن عيسى بن
ماهان وكان يخبره أن أهل خراسان يطيعونه فرد المأمون ذلك وأباه قال فقال لي
ذو الرئاستين قال العباس بن موسى بن عيسى بن موسى وما عليك أيها الأمير من
553

ذلك فهذا جدي عيسى بن موسى قد خلع فما ضره ذلك قال فصحت به اسكت فان
جدك كان في أيديهم أسيرا وهذا بين أخواله وشيعته قال فانصرفوا وأنزل كل
واحد منهم منزلا قال ذو الرئاستين فأعجبني ما رأيت من ذكاء العباس بن موسى
فخلوت به فقلت يذهب عليك في فهمك وسنك أن تأخذ بحظك من الامام وسمى
المأمون في ذلك اليوم بالامام ولم يسم بالخلافة وكان سبب ما سمى به الامام ما جاء
من خلع محمد له وقد كان محمد قال للذين أرسلهم قد تسمى المأمون بالامام فقال
لي العباس قد سميتموه الإمام قال قلت له قد يكون امام المسجد والقبيلة فان وفيتم
لم يضركم وإن غدرتم فهو ذاك قال ثم قلت للعباس لك عندي ولاية الموسم ولا ولاية
أشرف منها ولك من مواضع الأعمال بمصر ما شئت قال فما برح حتى أخذت عليه
البيعة للمأمون بالخلافة فكان بعد ذلك يكتب إلينا بالاخبار ويشير علينا بالرأي
قال فأخبرني علي بن يحيى السرخسي قال مربى العباس بن موسى ذاهبا إلى مرو
وقد كنت وصفت له سيرة المأمون وحسن تدبير ذي الرئاستين واحتماله الموضع
فلم يقبل ذلك منى فلما رجع مربى فقلت له كيف رأيت قال ذو الرئاستين أكثر
مما وصفت فقلت صافحت الإمام قال نعم قلت امسح يدك على رأسي قال ومضى
القوم إلى محمد فأخبروه بامتناعه قال فألح الفضل بن الربيع وعلي بن عيسى على محمد
في البيعة لابنه وخلع المأمون وأعطى الفضل الأموال حتى بايع لابنه موسى وسماه
الناطق بالحق وأحضنه علي بن عيسى وولاه العراق قال وكان أول من أخذ له
البيعة بشر بن السميدع الأزدي وكان واليا بلد ثم أخذها صاحب مكة وصاحب
المدينة على خواص من الناس قليل دون العامة قال ونهى الفضل بن الربيع عن
ذكر عبد الله والقاسم الدعاء لهما على شئ من المنابر ودس لذكر عبد الله والوقيعة
فيه ووجه إلى مكة كتابا مع رسول من حجبة البيت يقال له محمد بن عبد الله بن
عثمان بن طلحة في أخذ الكتابين اللذين كان هارون كتبهما وجعلهما في الكعبة
لعبد الله على محمد فقدم بهما عليه وتكلم في ذلك بقية الحجبة فلم يحفل بهم وخافوا
على أنفسهم فلما صار بالكتابين إلى محمد قبضهما منه وأجازه بجائزة عظيمة ومرقهما
554

وأبطلهما وكان محمد فيما ذكر كتب إلى المأمون قبل مكاشفة المأمون إياه بالخلاف
عليه يسأله أن يتجافى له عن كور من كور خراسان سماها وأن يوجه العمال إليها
من قبل محمد وأن يحتمل توجيه رجل من قبله يوليه البريد عليه ليكتب إليه بخبره
فلما ورد إلى المأمون الكتاب بذلك كبر ذلك عليه واشتد فبعث إلى الفضل بن
سهل وإلى أخيه الحسن فشاورهما في ذلك فقال الفضل الامر مخطر لك من شيعتك
وأهل بيتك بطانة ولهم تأنيس بالمشاورة وفى قطع الامر دونهم وحشة وظهور
قلة ثقة فرأى الأمير في ذلك وقال الحسن كان يقال شاور في طلب الرأي من تثق
بنصيحته وتألف العدو فيما لا اكتتام له بمشاورته فأحضر المأمون الخاصة من
الرؤساء والاعلام وقرأ عليهم الكتاب فقالوا جميعا له أيها الأمير تشاور في مخطر
فاجعل لبديهتنا حظا من الروية فقال المأمون ذلك هو الحزم وأجلهم ثلاثا فلما
اجتمعوا بعد ذلك قال أحدهم أيها الأمير قد حلمت على كرهين ولست أرى خطأ
مدافعة بمكروه أو لهما مخافة مكروه آخرهما وقال آخر كان يقال أيها الأمير
أسعدك الله إذا كان الامر مخطرا فاعطاؤك من نازعك طرفا من بغيته أمثل من
أن تصير بالمنع إلى مكاشفته وقال آخر إنه كان يقال إذا كان علم الأمور مغيبا
عنك فخذ ما أمكنك من هدية يومك فإنك لا تأمن أن يكون فساد يومك راجعا
بفساد غدك وقال آخر لئن خفت للبذل عاقبة إن أشهد منها لما يبعث إلا نأمن
الفرقة وقال آخر لا أرى مفارقة منزلة سلامة فلعلي أعطى معها العافية فقال الحسن
فقد وجب حقكم باجتهادكم وإن كنت من الرأي على مخالفتكم قال المأمون فناظرهم
قال لذلك ما كان الاجتماع وأقبل الحسن عليهم فقال هل تعلمون أن محمدا تجاوز
إلى طلب شئ ليس له بحق قالوا نعم ويحتمل ذلك لمن نخاف من ضرر منعه قال تثقون
بكفه بعد إعطائه إياها فلا يتجاوز الطلب إلى غيرها قالوا لا ولعل سلامة تقع
من دون ما تخاف وتتوقع قال فان تجاور بعدها بالمسألة أفما ترونه قد توهن بما
بذل منها في نفسه قالوا ندفع ما يعرض له في عاقبه بمدافعة ما تنجزون في عاجله قال
فهذا خلاف ما سمعناه من قول الحكماء قبلنا قالوا استصلح عاقبة أمرك باحتمال
555

ما عرض من كره يومك ولا تلتمس هدية يومك باخطار أدخلته على نفسك في
غدك قال المأمون للفضل ما تقول فيما اختلفوا فيه قال أيها الأمير أسعدك الله
هل يؤمن محمد أن يكون طلبك بفضل قوتك ليستظهر بها عليك غدا على مخالفتك
وهل يصير الحازم إلى فضلة من عاجل الدعة بخطر يتعرض له في عاقبه بل إنما أشار
الحكماء بحمل ثقل فيما يرجون به صالح عواقب أمورهم فقال المأمون بل بإيثار
العاجلة صار من صار إلى فساد العاقبة في أمر دنيا وآخرة قال القوم قد قلنا بمبلغ
الرأي والله يؤيد الأمير بالتوفيق فقال اكتب يا فضل إليه فكتب قد بلغني كتاب
أمير المؤمنين يسأل التجافي عن مواضع سماها مما أثبته الرشيد في العقد وجعل
أمره إلى وما وأمر رآه أمير المؤمنين أحد يجاوز أكثره غير أن الذي جعل إلى
الطرف الذي أنا به لا ظنين في النظر لعامته ولا جاهل بما أسند إلى من أمره ولو
لم يكن ذلك مثبتا بالعهود والمواثيق المأخوذة ثم كنت على الحال التي أنا عليها
من إشراف عدو مخوف الشوكة وعامة لا تتألف عن هضمها وأجناد لا يستتبع
طاعتها الا بالأموال وطرف من الافضال لكان في نظر أمير المؤمنين لعامته
وما يحب من لم أطرافه ما يوجب عليه أن يقسم له كثيرا من عنايته وأن يستصلحه
ببذل كثير من ماله فكيف بمسألة ما أوجبه الحق ووكدته مأخودة العهد وإني
لاعلم أن أمير المؤمنين لو علم من الحال ما علمت لم يطلع ما كتب بمسألته إلى ثم أنا
على ثقة من القبول بعد البيان إن شاء الله وكان المأمون قد وجه حارسة إلى الحد
فلا يجوز رسول من العراق حتى يوجهوه مع ثقات من الامناء ولا يدعه يستعلم
خبرا ولا يؤثرا أثرا ولا يستتبع بالرغبة ولا بالرهبة أحدا ولا يبلغ أحدا قولا ولا
كتابا فحصر أهل خراسان من أن يستمالوا برغبة أو أن تودع صدورهم رهبة
أو يحملوا على منول خلاف أو مفارقة ثم وضع على مراصد الطرق ثقات من
الحراس لا يجوز عليهم إلا من لا يدخل الظنة في أمره ممن أتى بجواز في مخرجه إلى
دار مآبه أو تاجر معروف مأمون في نفسه ودينه ومنع الأشتاتات من جواز
السبل والقطع بالمتاجر والوغول في البلدان في هيئة الطارئة والسابلة وفتشت
556

الكتب وكان أول من أقبل من قبل محمد مناظرا في منعه ما كان سأل جماعة وإنما
وجهوا ليعلم أنهم قد عاينوا وسمعوا ثم يلتمس منهم أن يبذلوا ويحرموا فيكون
مما قالوا حجة يحتج بها أو ذريعة إلى ما التمس فلما صاروا إلى حد الري وجدوا
تدبيرا مؤيدا وعقدا مستحصدا متأكدا وأخذتهم الاحراس من جوانبهم فحفظوا
في حال خلعهم وإقامتهم من أن يخبروا أو يستخبروا وكتب بخبرهم من مكانهم فجاء
الاذن في حملهم فحملوا محرسين لا خبر يصل إليهم ولا خبر يتطلع منهم إلى غيرهم وقد
كانوا معدين لبث الخبر في العامة وإظهار الحجة المفارقة والدعاء لأهل القوة إلى
المخالفة يبذلون الأموال ويضمنون لهم معظم الولايات والقطائع والمنازل
فوجدوا جميع ذلك ممنوعا محسوما حتى صاروا إلى باب المأمون وكان الكتاب
النافذ إلى المأمون أما بعد فان أمير المؤمنين الرشيد وإن كان أفردك بالطرف وضم
ما ضم إليك من كور الجبل تأييدا لأمرك وتحصينا لطرفك فان ذلك لا يوجب
لك فضلة المال عن كفايتك وقد كان هذا الطرف وخراجه كافيا لحدثه ثم تتجاوز
بعد الكفاية إلى ما يفضل من رده وقد ضم لك إلى الطرف كورا من أمهات كور
الأموال لا حاجة لك فيها فالحق فيها أن تكون مردودة في أهلها ومواضع حقها فكتبت
إليك أسألك رد تلك الكور إلى ما كانت عليه من حالها ليكون فضول ردها
مصروفة إلى مواضعها وأن تأذن لقائم بالخبر يكون بحضرتك يؤدى إلينا
علم ما نعنى به من خبر طرفك فكتبت تلط دون ذلك بما إن تم أمرك عليه
صيرنا الحق إلى مطالبتك فاثن عن همك أثن عن مطالبتك إن شاء الله فلما قرأ
المأمون الكتاب كتب مجيبا له أما بعد فقد بلغني كتاب أمير المؤمنين ولم
يكتب فيما جهل فأكشف له عن وجهه ولم يسأل مالا يوجبه حق فليزمني الحجة
بترك اجابته وانما يتجاوز المناظر إن منزلة النصفة ما ضاقت النصفة عن أهلها
فمتى تجاوز متجاوز وهى موجودة الوسع ولم يكن تجاوزها إلا عن نقضها واحتمال
ما في تركها فلا تبعثني يا ابن أبي على مخالفتك وأنا مذعن بطاعتك ولا على قطيعتك
وأنا على ايثار ما تحب من صلتك وارض مما حكم به الحق في أمرك أكن بالمكان
557

الذي أنزلني به الحق فيما بيني وبينك والسلام ثم أحضر الرسل فقال إن أمير
المؤمنين كتبت إليه في أمر كتب إلى جوابه فأبلغوه الكتاب وأعلموه أنى لا أزال
على طاعته حتى يضطرني بترك الحق الواجب إلى مخالفته فذهبوا يقولون فقال
قفوا أنفسكم حيث وقفنا بالقول بكم وأحسنوا تأدية ما سمعتم فقد أبلغتمونا من
كتابنا مالا عسى أن تقولوه لنا فانصرف الرسل فلم يثبتوا لأنفسهم حجة ولم
يحملوا خبرا يودونه إلى صاحبهم ورأوا جدا غير مشوب بهزل في منع مالهم من حقهم
الواقع بزعمهم فلما وصل كتاب المأمون إلى محمد وصل منه ما فظع به وتخمط غيظا
بما تردد منه وأمر عند ذلك بما ذكرناه من الامساك للدعاء له على المنابر وكتب
إليه أما بعد فقد بلغني كتابك عامطا لنعمة الله عليك فيما مكن لك من ظلها متعرضا
لحراق نار لا قبل لك بها ولحطك عن الطاعة كان أودع وإن كان قد تقدم منى
متقدم فليس بخارج من مواضع نفعك إذ كان راجعا على العامة من رعيتك وأكثر
من ذلك ما يمكن لك من منزلة السلامة ويثبت لك من حال الهدنة فأعلمني رأيك
أعمل عليه إن شاء الله وذكر سهل بن هارون عن الحسن بن سهل ان المأمون
قال لذي الرئاستين ان ولدى وأهلي ومالي الذي أفرده الرشيد لي بحضرة محمد
وهو مائة ألف ألف وأنا إليها محتاج وهى قبله فما ترى في ذلك وراجعه مرارا
فقال له ذو الرئاستين أيها الأمير بك حاجة إلى فضلة مالك وأن يكون أهلك
في دارك وجنابك وان أنت كتبت فيه كتاب عزمة فمنعك صار إلى خلع عهده
فان فعل حملك ولو بالكره على محاربته وأنا أكره أن تكون المستفتح باب الفرقة
ما أرتجه الله دونك ولكن تكتب كتاب طالب لحقك وتوجه أهلك على مالا
يوجب عليه المنع نكثا لعهدك فان أطاع فنعمة وعافية وان أبى لم تكن تبعث
على نفسك حربا فاكتب إليه فكتب عنه أما بعد فإن نظر أمير المؤمنين للعامة نظر
من لا يقتصر عنه على اعطاء النصفة من نفسه حتى يتجاوزها إليهم ببره وصلته إذ
كان ذلك رأيه في عامته فأحر بأن يكون على مجاوزة ذلك بصنوه وقسيم نسبه فقد
تعلم يا أمير المؤمنين حالا أنا عليها من ثغور حللت بين لهواتها وأجناد لا تزال
558

موقنة بنشر غيها وبنكث آرائها وقلة الخرج قبلي والاهل والولد والمال قبل
أمير المؤمنين وما للأهل وإن كانوا في كفاية من بر أمير المؤمنين فكان لهم والدا
بد من الاشراف والنزوع إلى كنفي ومالي بالمال من القوة والظهير على لم الشعث
بحضرتي وقد وجهت لحلم العيال وحمل ذلك المال فرأى أمير المؤمنين في إجازة
فلان إلى الرقة في حمل ذلك المال والامر بمعونته عليه غير محرج له فيه إلى ضيقة
تقع بمخالفته أو حامل له على رأى يكون على غير موافقة والسلام فكتب إليه
محمدا ما بعد فقد بلغني كتابك بما ذكرت مما عليه رأى أمير المؤمنين في عامته
فضلا عما يجب من حق لذي حرمته وخليط نفسه ومحلك بين لهوات ثغور وحاجتك
لمحلك بينها إلى فضلة من المال لتأييد أمرك والمال الذي سمى لك من مال الله
وتوجيهك من وجهت في حمله وحمل أهلك من قبل أمير المؤمنين ولعمري ما ينكر
أمير المؤمنين رأيا هو عليه مما ذكرت لعامته وما يوجب عليه من لحوق أقربيه
وعامته وبه إلى ذلك المال الذي ذكرت حاجة في تحصين أمور المسلمين فكان
أولى به إجراؤه منه على فرائضه ورده على مواضع حقه وليس بخارج من نفعك
ما عاد بنفع العامة من رعيتك وأما ما ذكرت من حمل أهلك فان رأى أمير المؤمنين
تولى أمرهم وإن كنت بالمكان الذي أنت به من حق القرابة ولم أر من حملهم
على سفرهم مثل الذي رأيت من تعريضهم بالسفر للتشتت وإن رأى ذلك من
قبلي أوجههم إليك مع الثقة من رسلي إن شاء الله والسلام قال ولما ورد الكتاب
على المأمون قال لاط دون حقنا يريد أن نتوهن مما يمنع من قوتنا ثم يتمكن
للوهنة من الفرصة في مخالفتنا فقال له ذو الرئاستين أوليس من المعلوم دفع الرشيد
ذلك المال إلى الأمين لجمعه وقبض الأمين إياه على أعين الملا من عامته على أنه
يحرسه قنية فهو لا ينزع إليها فلا تأخذ عليه مضايقها وأمل له ما لم يضطرك جريرته
إلى مكاشفته بها والرأي لزوم عروة الثقة وحسم الفرقة فان تطلع إليها فقد
تعرض لله بالمخالفة وتعرضت منه بالامساك للتأييد والمعونة قال وعلم المأمون
والفضل أنه سيحدث بعد كتابه من الحدث ما يحتاج إلى علمه ومن الخبر ما يحتاج
559

أن يباشره بالثقة من أصحابه وأنه لا يحدث في ذلك حدثا دون مواطأة رجال
النباهة والاقدار من الشيعة وأهل السابقة فرأى أن يختار رجلا يكتب معه
إلى أعيان أهل العسكر من بغداد فان أحدث محمد خلعا للمأمون صار إلى ذويها
وتلطف لعلم حالات أهلها وإن لم يفعل من ذلك شئ حبس في حقته وأمسك عن
إيصالها وتقدم إليه في التعجيل ولما قدم واصل الكتب وكان كتابه مع الرسول
الذي وجهه لعلم الخبر أما بعد فان أمير المؤمنين كأعضاء البدن يحدث العلة في
بعضها فيكون كره ذلك مؤلما لجميعها وكذلك الحدث في المسلمين يكون في بعضهم
فيصل كره ذلك إلى سائرهم للذي يجمعهم من شريعة دينهم ويلزمهم من حرمة
آخرتهم ثم ذلك من الأئمة أعظم للمكان الذي به الأئمة من سائر أممهم وقد كان
من الخبر مالا أحسبه إلا سيعود عن مجيئه ويسفر وعما ستر وما اختلف مختلفان
فكان أحدهما أزمع على الغدر إلا كان أول معونة المسلمين وموالاتهم في
ذات الله وأنت يرحمك الله من الامر بمرأى ومسمع وبحيث إن قلت آذن لقولك
وإن لم تجد للقول مساغا فأمسكت عن مخوف أقتدي فيه بك ولن يضيع على الله
ثواب الاحسان مع ما يجب علينا بالاحسان من حقك ولحظ حاز لك النصيبين
أو إحداهما أمثل من الاشراف أحد الحظين مع التعرض لعدمهما فاكتب
إلى برأيك وأعلم ذلك لرسولي ليؤديه إلى عنك إن شاء الله وكتب إلى رجال
النباهة من أهل العسكر بمثل ذلك قال فوافق قدوم الرسول بغداد ما أمر به من
الكف عن الدعاه للمأمون في الخطبة يوم الجمعة وكان بمكان الثقة من كل من
كتب إليه معه فمنهم من أمسك عن الجواب وأعرب للرسول عما في نفسه ومنهم
من أجاب عن كتابه وكتب أحدهم أما بعد فقد بلغني كتابك وللحق برهان يدل
على نفسه يثبت به الحجة على كل من صار إلى مفارقته فكفى غبنا بإضاعة حظ
من حظ العاقبة لما مول من حظ عاجله وأبين في الغبن إضافة حظ عاقبه في
التعرض للنكبة والوقائع ولى من العلم بمواضع خطر ما أرجو أن يحسن معه النظر
منى لنفسي ويضع عنى مؤنة استزادتي إن شاء الله قال وكتب الرسول الموجه إلى
560

بغداد إلى المأمون وذي الرئاستين أما بعد فانى وافيت البلدة وقد أعلن خليطك
بتنكيره وقدم علما من اعتراضه ومفارقته بحضرته ودفعت كتبك فوجدت
أكثر الناس ولاة السريرة ونقاة العلانية ووجدت المستمالين بالرغبة لا يحوطون
إلا عنها ولا ينالون ما احتملوا فيها والمنازع مختلج الرأي لا يجد دافعا منه عن همه
ولا راغبا في عامه والمحلون بأنفسهم تحلون تمام الحدث ليسلموا من منهزم حدثهم
والقوم على جد ولا تجعلوا للتوادى إن شاء الله والسلام قال ولما قدم على محمد
من معسكر المأمون سعيد بن مالك بن قادم وعبد الله بن حميد بن قحطبة والعباس
ابن الليث مولى أمير المؤمنين ومنصور بن أبي مطر وكثير بن قادرة فألطفهم
وقربهم وأمر لمن كان قبض منهم الستة الأشعر برزق اثنى عشر شهرا وزادهم
في الخاصة والعامة ولمن يقبضها بثمانية عشر شهرا قال ولما عزم محمد على
خلع المأمون دعا يحيى بن سليم فشاوره في ذلك فقال يحيى يا أمير المؤمنين كيف
بذلك لك مع ما قد وكد الرشيد من بيعته وتوثق بها من عهده والاخذ
للايمان والشرائط في الكتاب الذي كتبه فقال له محمد إن رأى الرشيد
كان فلتة شبهها عليه جعفر بن يحيى بسحره واستماله برقاه وعقده فغرس لنا غرسا
مكروها لا ينفعنا ما نحن فيه معه إلا بقطعه ولا يستقيم لنا الأمور إلا باجتثاثه
والراحة منه فقال أما إذا كان رأى أمير المؤمنين خلعه فلا تجاهره مجاهرة فيستنكرها
الناس ويستشنعها العامة ولكن تستدعى الجند بعد الجند والقائد بعد القائد
وتؤنسه بالألطاف والهدايا وتفرق ثقاته ومن معه وترغبهم بالأموال وتستميلهم
بالاطماع فإذا أو هنت قوته واستفرغت رجاله أمرته بالقدوم عليك فان قدم صار
إلى الذي تريد منه وإن أبى كنت قد تناولته وقد كل حده وهيض جناحه وضعف
ركنه وانقطع عزه فقال محمد ما أقطع أمرا كصريمة أنت مهذار خطيب ولست
بذى رأى فزل عن هذا الرأي إلى الشيخ الموفق والوزير الناصح قم فالحق بمدادك
وأقلامك فقال يشوبه صدق ونصيحة وأشرت إلى رأى يخلطه غش وجهل قال
فوالله ما ذهبت الأيام حتى ذكر كلامه وفر عنه بخطئه وحرفه وقال سهل بن هارون
561

وقد كان الفضل بن سهل دس قوما اختارهم ممن يثق به من القواد والوجوه ببغداد
ليكاتبوه بالاخبار يوما يوما فلما هم محمد بخلع المأمون بعث الفضل بن الربيع إلى
أحد هؤلاء الرجال يشاوره فيما يرى من ذلك فعظم الرجل عليه أمر نقض العهد
للمأمون وقبح الغدر به فقال له الفضل صدقت ولكن عبد الله قد أحدث الحدث
الذي وجب به نكض ما أخذ الرشيد له قال أفثبتت الحجة عند العوام بمعلوم
حدثه كما تثبت الحجة بما جدد من عهده قال لا قال أفحدث هذا منكم يوجب عند
العامة نقض عهدكم ما لم يكن حدثه معلوما يجب به فسخ عهده قال نعم قال الرجل
ورفع صوته بالله ما رأيت كاليوم رأى رجل يرتاد به النظر يشاور في رفع ملك
في يده بالحجة ثم يصير إلى مطالبته بالعناد والمغالبة قال فأطرق الفضل مليا ثم قال
صدقتني الرأي وأجملت نقل الأمانة ولكن أخبرني إن نحن أعضنا من قالة العامة
ووجدنا مساعدين من شيعتنا وأجنادنا فما القول قال أصلحك الله وهل أجنادك
إلا من أحد عامتك في أحد بيعتهم وتمكن برهان الحق في قلوبهم أفليسوا وإن
أعطوك ظاهر طاعتهم مع ما تأكد من وثائق العهد في معارفهم فإنه لا طاعة دون
أن يكون على تثبت من البصائر قال نرغبهم بتشريف حظوظهم قال إذا يصيروا
إلى الثقل ثم إلى خذلانك عند حاجتك إلى منا صحتهم قال فما ظنك بأجناد عبد الله
قال قوم على بصيرة من أمرهم لتقدم سعيهم وما يتعاهدون من خطبهم قال فما
ظنك بعامتهم قال قوم كانوا في بلوى عظيمة من تحيف ولا تهم في أموالهم ثم في
أنفسم صاروا به إلى الأمنية من المال والرفاغة في المعيشة فهم يدافعون عن نعمة
حادثة لهم ويتذكرون بلية لا يأمنون العودة إليها فلا سبيل إلى استفساد عظماء
البلاد عليه ليكون محاربتنا إياه بالمكيدة من ناحيته ولا بالزحوف نحوه لمناجزته
لمحبة الضعفاء له قد صاروا إليها لما نالوا به من الأمان والنصفة وأما ذو القوة فلم
يجدوا مطعنا ولا موضع حجة والضعفاء السواد الأكبر قال ما أراك بقيت لنا
موضع رأى في اعتراء إلى أجناده ولا تمكن النظر في ناحيته بأجنادنا ثم أشد من
ذلك ما قلت به من وهنة أجنادنا وقوة أجناده في مخالفته وما تسخو نفس أمير المؤمنين
562

بترك ما يعرف من حقه ولا نفسي بالهدنة مع تقدم جرى في أمره وربما أقبلت
الأمور مشرفة بالمخافة ثم تكشف عن الصلح والدرك في العاقبة تم تفرقا
قال وكان الفضل بن الربيع أخذ بالمراصد لئلا تجاوز الكتب الحد فكتب الرسول
مع امرأة وجعل الكتاب وديعة في عود منقور من أعواد الأكاف وكتب إلى
صاحب البريد بتعجيل الخبر وكانت المرأة تمضى على المسالح كالمجتازة من القرية
إلى القرية لا تهاج ولا تفنش وجاء الخبر إلى المأمون موافقا لسائر ما ورد عليه من
الكتب قد شهد بعضها ببعض فقال لذي الرئاستين هذه أمور قد كان الرأي أخبر
عن عينها ثم هذه طوالع تخبر عن أواخرها وكفانا أن تكون مع الحق ولعل
كرها يسوق خيرا قال وكان أول ما دبره الفضل بن سهل بعد ترك الدعاء للمأمون
وصحة الخبر أن جمع الأجناد التي كان أعدها بجنبات الري مع أجناد قد كان مكنها
فيها وأجناد للقيام بأمرهم وكان البلاد أجدبت بحضرهم فأعد لهم من الحمولة ما يحمل
إليهم من كل فج وسبيل حتى ما فقدوا شيئا احتاجوا إليه وأقاموا بالحد لا يتجاوزونه
ولا يطلقون يدا بسوء في عامة ولا مجتاز ثم أشخص طاهر بن الحسين فيمن ضم
إليه من قواده وأجناده فسار طاهر مغذا لا يلوى على شئ حتى ورد الري فنزلها
ووكل بأطرافها ووضع مسالحه وبث عيونه وطلائعه فقال بعض شعراء خراسان
رمى أهل العراق ومن عليها * إمام العدل والملك الرشيد
بأحزم من مشى رأيا وحزما * وكيدا نافذا فيما يكيد
بداهية تأد خنفقيق * يشيب لهول صولتها الوليد
وذكر أن محمدا وجه عصمة بن حماد بن سالم إلى همذان في ألف رجل وولاه
حرب كور الجبل وأمره بالمقام بهمذان وأن يوجه مقدمته إلى ساوة واستخلف
أخاه عبد الرحمن بن حماد على الحرس وجعل الفضل بن الربيع وعلي بن عيسى
يلهبان محمدا ويبعثانه على خلع المأمون والبيعة لابنه موسى (وفى هذه السنة)
عقد محمد بن هارون في شهر ربيع الأول لابنه موسى على جميع ما استخلفه عليه
وجعل صاحب أمره كله علي بن عيسى بن ماهان وعلى شرطه محمد بن عيسى بن
563

نهيك وعلى حرسه عثمان بن عيسى بن نهيك وعلى خراجه عبد الله بن عبيدة وعلى
ديوان رسائله علي بن صالح صاحب المصلى (وفى هذه السنة) وثب الروم على
ميخائيل صاحب الروم فهرب وترهب وكان ملكه سنتين فيما قيل (وفيها) ملك
على الروم ليون القائد (وفيها) صرف محمد بن هارون إسحاق بن سليمان عن حمص
وولاها عبد الله بن سعيد الحرشي ومعه عافية بن سليمان فقتل عدة من وجوههم
وحبس عدة وحرق مدينتهم من نواحيها بالنار فسألوه الأمان فأجابهم فسكنوا
ثم هاجوا فضرب أعناق عدة منهم
(تم - بعون الله وحسن توفيقه - الجزء السادس)
(ويليه - إن شاء الله - الجزء السابع: وأوله: سنة خمس وتسعين ومائة)
564