الكتاب: صلة تاريخ الطبري
المؤلف: القرطبي
الجزء:
الوفاة: ٣٢٠
المجموعة: مصادر التاريخ
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات:

صلة تاريخ الطبري
لعريب بن سعد القرطبي
من سنة 291 - 320 ه‍
منشورات
مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
بيروت - لبنان
ص. ب 7120
1

بسم الله الرحمن الرحيم
ثم دخلت سنة 291
ذكر ما دار في هده السنة من أخبار بنى العباس فيها كتب الوزير القاسم بن عبيد الله إلى محمد بن سليمان الكاتب وكان المكتفى
قد ولاه حرب القرمطي صاحب الشامة وصير إليه أمر القواد والجيوش فأمره
بمناهضة صاحب الشامة والجد في أمره وجمع القواد والرجال على محاربته فسار
إليه محمد بن سليمان بجميع من كان معه وأهل النواحي التي تليه من الاعراب
وغيرهم حتى قربوا من حماة وصار بينهم وبينها نحو اثنى عشر ميلا فلقوا أصحاب
القرمطي هنالك يوم الثلاثاء لست خلون من المحرم وكان القرمطي قد قدم بعض
أصحابه في ثلاثة آلاف فارس وكثير من الرجالة في مقدمته وتخلف هو في جماعة
منهم ردءا لهم وجعل السواد وراءه وكان معه مال جمعه فالتقى رجال السلطان بمن
تقدم من القرامطة لحربهم والتحم القتال بينهم وصبر الفريقان ثم انهزم أصحاب
القرمطي وأسر من رجالهم بشر كثير وقتل منهم عدد عظيم وتفرق الباقون في
البوادي وتبعهم أصحاب السلطان ليلة الأربعاء يقتلونهم ويأسرونهم فلما رأى
القرمطي ما نزل بأصحابه من الانهزام والتفرق والقتل والأسر حمل أخا له يقال له
أبو الفضل مالا وتقدم إليه أن يلحق بالبوادي ويستتر بها إلى أن يظهر القرمطي
بموضع فيصير إليه أخوه بالمال وركب هو وابن عمه المسمى بالمدثر وصاحبه
المعروف بالمطوق وغلام له رومي وأخذ دليلا وسار يريد الكوفة عرضا في
البرية حتى انتهى إلى موضع يعرف بالدالية من أعمال طريق الفرات فنفد ما كان
معهم من الزاد والعلف فوجه بعض من كان معه ليأخذ لهم ما احتاجوا إليه فدخل
الدالية لشراء حاجته فأنكر زيه وسئل عن أمره فاستراب وارتاب وأعلم المتولي
2

لمسلحة تلك الناحية بخبره وكان على المعاون رجل يعرف بأبي خليفة بن كشمرد
فركب في جماعة وسأل هذا الرجل عن خبره فأعلمه أن صاحب الشامة بالقرب
منه في ثلاثة نفر وعرفه بمكانه فمضى صاحب المعاون إليهم وأخذهم ووجه بهم إلى
المكتفى وهو بالرقة ورجعت الجيوش من طلب القرامطة بعد أن أفنوا أكثرهم
قتلا وأسرا وكتب محمد بن سليمان الكاتب إلى الوزير القاسم بن عبيد الله بمحاربته
القرامطة وما فتح الله له عليهم وقتله وأسره لأكثرهم وأنه تقدم في جمع الرؤس
وهو باعث منها بعدد عظيم وفى يوم الاثنين لأربع بقين من المحرم أدخل صاحب
الشامة إلى الرقة ظاهرا للناس على فالج وعليه برنس حرير ودراعة ديباج وبين
يديه المدثر والمطوق على جملين ثم إن المكتفى خلف عساكره مع محمد بن سليمان
وشخص هو في خاصته وغلمانه وخدمه وشخص معه القاسم بن عبيد الله الوزير من
الرقة إلى بغداد وحمل معه القرمطي والمدثر والمطوق وجماعة ممن أسر في الوقعة
وذلك في أول صفر فلما صار إلى بغداد عزم على أن يدخل القرمطي مدينة السلام
مصلوبا على دقل والدقل على طهر فيل فأمر بهدم طاقات الأبواب التي يجتاز بها
الفيل بالدقل ثم استسمج ذلك فعمل له دميانة غلام يا زمان كرسيا وركبه على
ظهر الفيل في ارتفاع ذراعين ونصف وأقعد فيه القرمطي صاحب الشامة ودخل
المكتفى مدينة السلام صبيحة يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول وقد قدم بين
يديه الاسرى مقيدين على جمال عليهم دراريع الحرير وبرانس الحرير والمطوق وسطهم
وهو غلام ما نبتت لحيته بعد قد جعل في فيه خشبة مخروطة وألجم بها في فمه كهيئة
اللجام ثم شدت إلى قفاه وذلك أنه لما دخل الرقة كان يشتم الناس إذا دعوا عليه
ويبزق في وجوههم فجعل له هذا لئلا يتكلم ولا يشتم ثم أمر المكتفى ببناء دكة في
المصلى العتيق بالجانب الشرقي في ارتفاعها عشرة أذرع لقتل القرامطة وكان خلف
المكتفى وراءه محمد بن سليمان الكاتب بجملة من قواد القرامطة وقضاتهم ووجوههم
فقيد جميعهم ودخلوا بغداد بين يديه يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع
الأول وقد أمر القواد بتلقيه والدخول معه فدخل في أتم ترتيب حتى إذا صار بالثريا
3

نزل بها وخلع عليه وطوق بطوق من ذهب وسور بسوارين من ذهب وخلع على
ميع القواد القامين معه وطوقوا وسووا ثم صفوا إلى منازلهم وأمر بالأسرى
إلى السجن وذكر عن صاحب الشامة أنه أخذ وهو في حبس المكتفى سكرجة
من المادة التي كانت تخل عليه وكغرها وأخذ شظية منها فقطع بها بعض عروقه
وخرج منه دم كثير حتى شدت يده وقطع دمه وترك أياما حتى رجعت إليه قوته
ولما كان يوم الاثنين لسبع بقين من ربيع الأول أمر المكتفى القواد والغلمان
بحضور الدكة في المصلى العتيق وخرج من الناس خلق كثير وحضر الواثقي وهو
يلي الشرطة بمدينة السلام ومحمد بن سليمان كاتب الجيش فقعدوا على الدكة في
موضع هيئ لهم وحمل الاسرى الذين جاء بهم المكتفى والذين جاء بهم محمد بن
سليمان ومن كان في السجن من القرامطة وقوم من أهل بغداد ذكر أنهم على
مذاهبهم وقوم من سائر البلدان من غير القرامطة حبسوا لجنايات مختلفة فأحضر
جميعهم الدكة ووكل بكل رجل منهم عونان وقيل إنهم كانوا في نحو ثلثمائة وستين
ثم أحضر صاحب الشامة والمدثر والمطوق وأقعدوا في الدكة وقدم أربعة وثلاثون
رجلا من القرامطة فقطعت أيديهم وأرجلهم وضربت أعناقهم واحدا بعد واحد
وكانت ترمى رؤسهم وجثثهم وأيديهم وأرجلهم كل ما قطع منها إلى أسفل الدكة
فلما فرغ من قتل هؤلاء قدم المدثر فقطعت يداه ورجلاه وضربت عنقه ثم المطوق
ثم قدم صاحب الشامة فقطعت يداه ورجلاه وأضرمت نار عظيمة وأدخل
فيها خشب صليب وكانت توضع الخشبة الموقدة في خواصره وبطنه وهو يفتح
عينيه ويغمضهما حتى خشى عليه أن يموت فضربت عنقه ورفع رأسه في خشبة
وكبر من كان على الدكة وكبر سائر الناس في أسفلها ثم ضربت أعناق باقي الاسرى
وانصرف القواد ومن حضر ذلك الموضع وقت العشاء فلما كان بالغد حملت
الرؤس إلى الجسر وصلب بدن القرمطي في الجسر الاعلى ببغداد وحفرت
لابدان القتلى آبار إلى جانب الدكة فطرحوا فيها ثم أمر بعد ذلك بأيام بهدم الدكة
ففعل ذلك واستأمن على يدي القاسم بن سيما رجل من القرامطة يسمى إسماعيل
4

ابن النعمان ويكنى أبا محمد لم يكن بقى منهم بنواحي الشأم غيره وغير من انضوى
إليه وكان هذا الرجل من موالى بنى العليص فرغب في الدخول في الطاعة خوفا
على نفسه فأومن هو ومن معه وهم نيف وستون رجلا ووصلوا إلى بغداد
وأجريت لهم الأرزاق وأحسن إليهم ثم صرفوا مع القاسم بن سيما إلى عمله وأقاموا
معه مدة فهموا بالغدر به فوضع السيف فيهم وأباد جميعهم * وفى آخر جمادى
الأولى من هذه السنة ورد كتاب من ناحية جبى بان سيلا أتاها من الجبل غرق فيه
نحو من ثلاثين فرسخا وذهب فيه خلق كثير وخربت به المنازل والقرى وهلكت
المواشي والغلات وأخرج من الغرقى ألف ومائتان سوى من لم يوجد منهم. وفى
يوم الأحد غرة رجب خلع المكتفى على محمد بن سليمان كاتب الجيش وعلى وجوه القواد
وأمرهم بالسمع والطاعة لمحمد بن سليمان وبرز محمد إلى مضربه بباب الشماسية
وعسكر هنالك ثم خرج بالجيوش إلى جانب دمشق لقبض الأعمال من هارون
ابن خمارويه إذ تبين ضعفه وذهب رجاله في حرب القرامطة ورحل محمد بن سليمان
في زهاء عشرة آلاف وذلك لست خلون من رجب وأمر بالجد في المسير *
ولثلاث بقين من رجب قرئ على الناس كتاب لإسماعيل بن أحمد بأن الترك
قصدوا المسلمين في جيش عظيم وأن في عسكرهم سبعمائة قبة تركية لرؤساء منهم
خاصة فنودي في الناس بالنفير وخرج مع صاحب العسكر خلق كثير فوافى
الترك غارين فكبسوهم ليلا وقتل منهم خلق كثير وانهزم الباقون واستبيح عسكرهم
وانصرف المسلمون سالمين غانمين وورد أيضا الخبر من الثغور بأن صاحب الروم
وجه إليها عسكرا فيه عشرة صلبان ومائة ألف رجل فأغاروا وكبسوا وأحرقوا
ثم ورد كتاب أبى معد بأن الأحبار اتصلت من طرسوس بأن غلام زرافة خرج
إلى مدينة أنطاكية على ساحل البحر فافتتحها عنوة وقتل بها خمسة آلاف رجل
من الروم وأسر نحو هذه العدة منهم واستنقذ من أسارى المسلمين أربعة آلاف
إنسان ووجد للروم ستين مركبا فغرقها وأخذ ما كان فيها من الذهب والفضة
والمتاع والآنية وأن كل رجل حضر هذه الغزاة أصاب في فيئه ألف دينار
5

فاستبشر المسلمون بذلك (وحج بالناس) في هذه السنة الفضل بن عبد الملك
ابن عبد الله بن العباس بن محمد
ثم دخلت سنة 292
ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس
ففيها وجه صاحب البصرة إلى السلطان رجلا ذكر أنه أراد الخروج عليه
وصار إلى واسط مخالفا بها فأقصد إليه من يقبض عليه وعلى قوم ذكروا أنهم
بايعوه ووجه بهم إلى بغداد فحمل هذا الرجل على فالج وبين يديه ابن له صبي على
جمل ومعه سبعة وثلاثون رجلا على جمال عليهم برانس الحرير وأكثرهم يستغيث
ويبكى ويحلف أنه برئ فأمر المكتفى بحبسهم (وفى هذه السنة) أغارت الروم
على مرعش ونواحيها فنفر أهل المصيصة وطرسوس وأصيبت جماعة من المسلمين
فيهم أبو الرجال بن أبي بكار (وفيها) انتهى محمد بن سليمان الكاتب إلى أحواز مصر
لحرب هارون ووجه إليه المكتفى في البحر دميانة وأمره بدخول النيل وقطع
المواد عمن بمصر من الجند فمضى وقطع عن أهل مصر الميرة وزحف إليهم محمد
ابن سليمان على الظهر حتى دنا من الفسطاط وكاتب القواد الذين بها فخرج
إليه بدر الحمامي وكان رئيس القوم ثم تتابع قواد مصر بالخروج إليه والاستئمان
له فلما رأى ذلك هارون ومن بقى معه خرجوا محاربين لمحمد بن سليمان وكانت
بينهم وقعات ثم إنها وقعت بين أصحاب هارون في بعض الأيام عصبية اقتتلوا فيها
فخرج إليهم هارون ليسكنهم فرماه بعض المغاربة بسهم فقتله وبلغ محمد بن سليمان الخبر
فدخل هو ومن معه الفسطاط واحتووا على دور آل طولون وأموالهم وتقبض
على جميعهم وهم بضعة عشر رجلا فقيدهم وحبسهم واستصفى أموالهم وكتب
بالفتح إلى المكتفى وكانت هذه الوقيعة في صفر وكتب إلى محمد بن سليمان في
إشخاص آل طولون إلى بغداد وألا يبقى منهم أحدا بمصر ولا الشأم ففعل ذلك
(ولثلاث) خلون من ربيع الأول سقط الحائط من الجسر الأول على جثة
6

القرمطي وهو مصلوب فطحنه ولم يبق منه شئ. وفى شهر رمضان ورد الخبر على
السلطان بأن قائدا من القواد المصريين يعرف بالخليجي ويسمى بإبراهيم تخلف
عن محمد بن سليمان في آخر حدود مصر مع جماعة استمالهم من الجند وغيرهم ومضى إلى
مصر مخالفا للسلطان وكان معه في طريقه جماعة أحبوا الفتنة حتى كثر جمعه فلما صار
إلى مصر أراد عيسى النوشري محاربته فعجز عن ذلك لكثرة من كان مع ابن
الخليجي فانحاز عنه إلى الإسكندرية وأخلى مصر فدخلها الخليجي (وفيها) ندب
السلطان لمحاربة الخليجي واصلاح أمر المغرب فاتكا مولى المعتضد وضم إليه
بدرا الحمامي وجعله مشيرا عليه فيما يعمل به وندب معه جماعة من القواد وجندا
كثيرا وخلع على فاتك وعلى بدر الحمامي لسبع خلون من شوال وأمرا بسرعة
الخروج وتعجيل السير فخرجا لاثنتي عشرة ليلة خلت من شوال (وللنصف)
من شوال دخل رستم مدينة طرسوس واليا عليها وعلى الثغور الشأمية (وفيها)
كان الفداء بين المسلمين والروم لست بقين من ذي القعدة ففودي من المسلمين ألف
ومائتا نفس ثم غدر الروم وانصرفوا ورجع المسلمون بمن في أيديهم من أسارى
الروم (وحج) بالناس في هذه السنة الفضل بن عبد الملك بن عبد الله بن
العباس بن محمد
ثم دخلت سنة 293
ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس
ففيها ورد الخبر بأن الخليجي المتغلب على مصر واقع أحمد بن كيغلغ وجماعة
من القواد بالقرب من العريش فهزمهم الخليجي أقبح هزيمة فندب السلطان
للخروج إليه جماعة من القواد المقيمين بمدينة السلام فيهم إبراهيم بن كيغلغ وغيره
وفى شهر ربيع الأول من هذه السنة ورد الخبر بأن أخا للحسين بن زكرويه ظهر
بالدالية من طريق الفرات في نفر من أصحابه ثم اجتمع إليه جماعة من الاعراب
والمتلصصة فسار بهم نحو دمشق في جمادى الأولى وحارب أهلها فندب السلطان
7

للخروج إليه الحسين بن حمدان بن حمدون في جمع كثير من الجند ثم ورد
الخبر بأن هذا القرمطي سار إلى طبرية فامتنع أهلها من ادخاله فحاربهم حتى دخلها
فقتل عامة من بها من الرجال والنساء ونهبها وانصرف إلى ناحية البادية وذكر
من حضر مجلس محمد بن داود بن الجراح وقد أدخل إليه قوم من القرامطة بعد قتل
الحسين بن زكرويه المصلوب بجسر بغداد فقال الرجل كان زكرويه أبو حسين المقتول
مختفيا عندي في منزلي وقد أعد له سرداب تحت الأرض عليه باب حديد وكان
لنا تنور فإذا جاءنا الطلب وضعنا التنور على باب السرداب وقامت امرأة
تسخنه فمكث زكرويه كذلك أربع سنين في أيام المعتضد ثم انتقل من منزلي إلى
دار قد جعل فيها بيت وراء باب الدار فإذا فتح الباب انطبق على باب البيت
فيدخل الداخل فلا يرى باب البيت الذي هو فيه فلم تزل هذه حاله حتى مات
المعتضد فحينئذ أنفذ الدعاة واستهوى طوائف من أهل البادية وصار أهل قرية
صوار يتفلونه على أيديهم ويسجدون له واعترف لزكرويه جميع من رسخ
حب الكفر في قلبه من عربي ومولى ونبطي وغيرهم بأنه رئيسهم وكهفهم
وملاذهم وسموه السيد والمولى وساروا به وهو محجوب عن أهل عسكره
والقاسم يتولى الأمور دونه يمضيها على رأيه. وذكر محمد بن داود أن زكرويه
ابن مهرويه هذا أقام رجلا كان يعلم الصبيان بقرية تدعى زابوقة من عمل الفلوجة
يسمى عبد الله بن سعيد ويكنى أبا غانم فتسمى بنصر ليعمى أمره ويخفى خبره
فاستهوى طوائف من الأصبغيين والعلصيين وصعاليك من بطون كلب وقصدهم
ناحية الشأم وكان عامل السلطان على دمشق والأردن أحمد بن كيغلغ وكان
مقيما بمصر على حرب الخليجي فاغتنم ذلك عبد الله بن سعيد المتسمى بنصر
وسار إلى مدينة بصرى فحارب أهلها ثم آمنهم فلما استسلموا له قتل مقاتلتهم
وسبى ذراريهم واستاق أموالهم ثم نهض إلى دمشق فخرج إليه من كان بقى بها
مع صالح بن الفضل خليفة أحمد بن كيغلغ فقتل صالحا وفض عسكره ولم يطمع
في مدينة دمشق إذ دافعهم أهلها عنها ثم قصد القرمطي ومن معه مدينة طبرية
8

فقتلوا طائفة من أهلها وسبوا النساء والذرية بها فحينئذ أنفذ السلطان لمحاربتهم
الحسين بن حمدان في جماعة من القواد والرجال فوردوا دمشق وقد دخل
القرامطة طبرية فلما اتصل بهم خروج القراد إليهم عطفوا نحو السماوة تبعهم
الحسين بن حمدان وهم ينتقلون من ماء إلى ماء ويعورون ما وراءهم من المياه
فانقطع الحسين عن اتباعهم لما عدم الماء وعاد إلى الرحبة وقصدت القرامطة إلى
هيت فصبحوهها ولم يصلوا إلى المدينة لحصانة سورها لسبع بقين من شعبان مع
طلوع الشمس فنهبوا ربضها وقتلوا من قدروا عليه من أهلها وأحرقت المنازل
وأنهبت السفن التي في الفرات وقتل من أهل البلد نحو مائتي نفس وأوقروا
ثلاثة آلاف بعير بالأمتعة والحنطة ثم رحلوا إلى البادية ثم شخص بأثرهم محمد
ابن كنداج إليهم فلما كان بقربة منهم هربوا منه وعوروا المياه بينهم وبينه فأنفذت
إليه الإبل والروايا والزاد وكتب إلى الحسين بن حمدان بالنفوذ إليهم من جهة
الرحبة والاجتماع مع محمد بن كنداج على الايقاع بهم فلما أحس الكلبيون
الذين كانوا مع عبد الله بن سعيد القرمطي المتسمى بنصر وثبوا عليه وقتلوه
وتقربوا برأسه إلى محمد بن كنداج واقتتلت القرامطة حتى وقعت بينهما الدماء
ثم أنفذ زكرويه داعية له يسمى القاسم بن أحمد إلى أكرة سواد فاستهواهم
ووعدهم بأن ظهوره قد حضر وانه قد بايع له بالكوفة نحو أربعين ألف رجل
وفى سوادها أربعمائة ألف رجل وأن يوم موعدهم الذي ذكره الله يوم الزينة
وأن يحشر الناس ضحى وأمرهم بالمسير إلى الكوفة ليفتتحوها في غداة يوم
النحر وهو يوم الخميس فإنهم لا يمنعون منها فتوجه القاسم بن أحمد بأهل السواد
ومن يجتمع إليه من الصعاليك حتى وافوا باب الكوفة في ثمانمائة فارس عليهم
الدروع والجواشن والآلة الحسنة ومعهم جماعة من الرجالة على الرواحل وقد
انصرف الناس عن مصلاهم فأوقعوا بمن لحقوه من العوام وقتلوا منهم زهاء
عشرين نفسا وخرج إليهم إسحاق بن عمران عامل الكوفة ومن كان معه من
الجند فصافوا القرامطة الحرب إلى وقت العصر وكان شعار القرامطة يا أحمد
9

يا محمد وهم يدعون يا لثارات الحسين يعنون المصلوب بجسر بغداد وأظهروا
الاعلام البيض وضربوا على القاسم بن أحمد قبة وقالوا هذا ابن رسول الله
فاقتتلوا قتالا شديدا ثم انهزمت القرامطة نحو القاسية وأصلح أهل الكوفة سورهم
وخندقهم وحرسوا مدينتهم وكتب إسحاق بن عمران إلى السلطان يستمده فندب
إليه جماعة فيهم طاهر بن علي بن وزير ووصيف بن صوارتكين والفضل بن موسى
ابن بغا وبشر الخادم وجنى الصفواني ورائق الخزري وضم إليهم جماعة من غلمان
الحجر وأمر القاسم بن سيما ومن ضم إليه من رؤساء البوادي بديار ربيعة وطريق
الفرات وغيرهم بالنهوض إلى القرامطة إذ كان أصحاب السلطان متفرقين في نواحي
الشأم ومصر فنفذت الكتب بذلك إليهم * وفى يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة
خلت من رجب قرئ على المنبر ببغداد كتاب بأن أهل صنعاء وسائر أهل اليمن
اجتمعوا على الخارجي وحاربوه وفلوا جموعه فانحاز إلى بعض النواحي باليمن
فخلع السلطان على مظفر بن حاج وعقد له على اليمن وخرج إليها لخمس خلون من
ذي القعدة فأقام بها حتى مات (ولتسع) بقين من رجب أخرجت مضارب
المكتفى إلى باب الشماسية فضربت هنالك ليخرج إلى الشأم ويحاصر ابن الخليجي
فورد كتاب من قبل فاتك القائد وأصحابه يذكرون محاربتهم له وظفرهم به وأنهم
موجهون له إلى مدينة السلام فردت مضارب المكتفى وصرفت خزائنه وقد
كانت جاوزت تكريت ثم أدخل مدينة السلام للنصف من شهر رمضان ابن
الخليجي واحد وعشرون رجلا معه على جمال وعليهم برانس ودراريع حرير
فحبسوا ثم خلع المكتفى على وزيره العباس بن الحسن خلعا لحسن تدبيره في أمر
هذا الفتح * ثم لخمس خلون من شوال أدخل بغداد رأس القرمطي المتسمى بنصر
الذي انتهب مدينة هيت منصوبا في قناة (ولسبع) خلون من شوال ورد الخبر
مدينة السلام بأن الروم أغاروا على قورس وقتلوا مقاتلتهم ودخلوا المدينة وأخربوا
مسجدها وسبوا من بقى فيها وقتلوا رؤساء بنى تميم المنضوين إليها (وحج) بالناس
في هذه السنة الفضل بن عبد الملك الهاشمي
10

ثم دخلت سنة 294
ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس
ففيها دخل ابن كيغلغ طرسوس غازيا في أول المحرم وخرج معه رستم
وهى غزاة رستم الثانية فبلغوا حصن سلندوا وافتتحوه وقتلوا من الروم مقتلة
عظيمة وأسروا وسبوا نحوا من خمسة آلاف رأس وانصرفوا سالمين (ولاحدى)
عشرة ليلة خلت من المحرم ورد الخبر بأن زكرويه القرمطي ارتحل من نهر
المثنية يريد الحاج وأنه وافى موضعا بينه وبين بعض مراحلهم أربعة أميال وذكر
محمد بن داود أنهم مضوا في جهة المشرق حتى صاروا بماء سليم وصار ما بينهم
وبين السواد مفازة فأقام بموضعه ينتظر قافلة الحاج حتى وافته لسبع خلون
من المحرم فأنذرهم أهل المنزل بارتصاد القرامطة لهم وأن بينهم وبين موضعهم
أربعة أميال فارتحلوا ولم يقيموا وكان في هذه القافلة ابن موسى وسيما الإبراهيمي
فلما أمعنت القافلة في السير صار القرمطي إلى الموضع الذي انتقلت عنه القافلة
وسأل أهل القيروان عنها فأخبروه أنها تنقلت ولم تقم فاتهمهم بإنذار القافلة
وقتل من العلافين بها جماعة وأحرق العلف ثم ارتصد أيضا زكرويه قافلة خراسان
فأوقع بأهلها وجعل أصحابه ينخسون الجمال بالرماح ويبعجونها بالسيوف فنفرت
واختلطت القافلة وأكب أصحاب زكرويه على الحاج فقتلوهم كيف شاءوا وسبوا
النساء واحتووا على ما في القافلة ثم وافى عليهم أهل القافلة الثانية وفيها المبارك
القمي وأحمد بن نصر العقيلي وأحمد بن علي بن الحسين الهمذاني وقد كان رحل
القرامطة عن محلتهم وعوروا مياهها وملأوا بركها بحيف الإبل والدواب التي كانت
معهم وانتقلوا إلى منزل العقبة فوافاهم بها أهل القافلة الثانية ودارت بينهم حرب
شديدة حتى أشرف أهل القافلة على الظفر بالقرامطة وكشفوهم ثم إن الفجرة
تمكنوا في ساقتهم من غرة فركبوها ووضعوا رماحهم في جنوب إبلهم وبطونها
فطرحتهم الإبل وتمكنوا منهم فقتلوهم عن آخرهم إلا من استفدوه وسبوا
النساء واكتسحوا؟؟ الأموال والأمتعة وقتل المبارك القمي والمظفر ابنه وقتل
11

أبو العشائر ثم قطعت يداه ورجلاه ثم ضربت عنقه وأفلت من الجرحى
قوم وقعوا بين القتلى فتحاملوا في الليل ومضوا فمنهم من مات في الطريق ومنهم
من نجا وهم قليل وكان نساء القرامطة وصبيانهم يطوفون بين القتلى ويعرضون
عليهم الماء فمن كان فيه رمق أو طلب الماء أجهزوا عليه وقيل إنه كان في القافلة
من الحاج نحو عشرين ألف رجل فقتل جميعهم غير نفر يسير وذكر أن الذي
أخذوا من المال والأمتعة في هذه القافلة قيمة ألفى ألف دينار وورد الخبر
على السلطان بمدينة السلام عشية يوم الجمعة لأربع عشرة ليلة بقيت من المحرم
بما كان من فعل القرامطة بالحاج فعظم ذلك عليه وعلى الناس وندب السلطان
محمد بن داود ابن الجراح الوزير للخروج إلى الكوفة والمقام بها وانفاذ
الجيوش إلى القرمطي فخرج من بغداد لاحدى عشرة ليلة بقيت من المحرم
وحمل معه أموالا كثيرة لاعطاء الجند ثم صار زكويه إلى زبالة فهو لها وبث
الطلائع أمامه ووراءه خوفا من أصحاب السلطان وارتصادا لورود القافلة
الأخرى التي كانت فيها الأثقال وأموال التجار وجوهر نفيس للسلطان وبها من
القواد نفيس المولدي وصالح الأسود ومعه الشمسة والخزانة وكان المعتضد قد
جعل في الشمسة جوهرا نفيسا ومعهم أيضا إبراهيم بن أبي الأشعث قاضى مكة
والمدينة وميمون بن إبراهيم الكاتب والفرات بن أحمد بن الفرات والحسن بن
إسماعيل وعلي بن العباس النهيكي فلما صارت هذه القافلة بفيد بلغهم خبر القرامطة
فأقاموا أياما ينتظرون القوة من قبل السلطان وأقبل القرامطة إلى موضع يعرف
بالخليج فلقوا القافلة وحاربوا أهلها ثلاثة أيام ثم عطش أهل القافلة وكانوا على غير
ماء فلم يتمكنوا منها فاستسلموا فوضع القرامطة فيهم السيف ولم يفلت منهم إلا
اليسير وأخذ القرامطة جميع ما في القافلة وسبوا النساء واكتسحوا الأموال ثم
توجه زكرويه بمن معه إلى فيد وبها عامل السلطان فتحصن منه وجعل زكرويه
يراسل أهل فيد بأن يسلموا إليه عاملهم فلم يجيبوه إلى ذلك ثم تنقل إلى النباج
ثم إلى حفير أبى موسى الأشعري وفى أول شهر ربيع الأول أنهض المكتفى
12

وصيف بن سوارتكين ومعه جماعة من القواد إلى القرامطة فنفذوا من القادسية
على طريق خفان والتقى وصيف بالقرامطة يوم السبت لثمان بقين من ربيع
الأول فاقتتلوا يومهم ذلك حتى حجز بينهم المساء ثم عاودهم الحرب في اليوم
الثاني فظفر جيش السلطان بالقرامطة وقتلوا منهم مقتلة عظيمة وخلصوا إلى
زكرويه فضربه بعض الجند ضربة بالسيف اتصلت بدماغه وأخذ أسيرا وأخذ
معه ابنه وزوجته وكتبه وجماعة من خاصته وقربته واحتوى الجند على جميع
ما في عسكره وعاش زكرويه خمسة أيام ثم مات فشق بطنه وحمل كذلك وانطلق
من كان بقى في يديه من أسرى الحاج (وفيها) غزا ابن كيغلغ من طرسوس
فأصاب من العدو أربعة آلاف رأس سبى ودواب ومواشي كثيرة ومتاعا
واسلم على يده بطريق من البطارقة (وفيها) كتب اندرونقس البطريق وكان
على حرب أهل الثغور من قبل صاحب الروم إلى السلطان يطلب الأمان
فأجيب إلى ذلك وخرج بنحو مائتي نفس من المسلمين كانوا عنده أسرى وأخرج
ماله ومتاعه إلى طرسوس وفى جمادى الآخرة ظفر الحسين بن حمدان بجماعة
من أصحاب زكرويه كانوا هربوا من الوقعة فقتل أكثرهم وأسر نساءهم
وصبيانهم (وفيها) وافى رسل ملك الروم باب الشماسية بكتاب إلى المكتفى
يسأله الفداء بمن معهم من المسلمين لمن في أيدي الاسلام من الروم فدخلوا
بغداد ومعهم هدية كبيرة وعشرة من أسارى المسلمين (وفيها) أخذ قوم من
أصحاب زكرويه أيضا ووجهوا إلى باب السلطان (وفيها) كانت وقعة بين
الحسين بن حمدان وأعراب كلب والنمر وأسد وغيرهم كانوا خرجوا عليه فهزموه
حتى بلغوا به باب حلب (وفيها) هزم وصيف بن سوارتكين الاعراب بفيد
ثم رحل سالما بمن معه من الحاج (وحج بالناس) في هذه السنة الفضل بن عبد الملك
ثم دخلت سنة 295
ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس
فمن ذلك ما كان من خروج عبد الله بن إبراهيم المسمعي عن مدينة أصبهان إلى
13

قرية من قراها على فراسخ منها وانضمام نحو من عشرة آلاف كردي إليه مظهرا
للخلاف على السلطان فأمر المكتفى بدرا الحمامي بالشخوص إليه وضم إليه جماعة
من القواد في نحو من خمسة آلاف من الجند (وفيها) كانت وقعة للحر بن
موسى على اعراب طيئ فواقعهم على غرة منهم فقتل من رجالهم سبعين وأسر من
فرسانهم جماعة (وفيها) توفى إسماعيل بن أحمد في صفر لأربع عشرة ليلة
خلت منه وقام ابنه أحمد بن إسماعيل في عمل أبيه مقامه وذكر أن المكتفى قعد
له وعقد بيده لواءه ودفعه إلى طاهر بن علي وخلع عليه وأمره بالخروج إليه
باللواء (وفيها) وجه منصور بن عبد الله بن منصور الكاتب إلى عبد الله بن
إبراهيم المسمعي وكتب إليه يخوفه عاقبة الخلاف فتوجه إليه فما صار إليه ناظره
فرجع إلى طاعة السلطان وشخص في نفر من غلمانه واستخلف بأصبهان خليفة له
ومعه منصور بن عبد الله حتى صار إلى باب السلطان فرضى عنه المكتفى ووصله
وخلع عليه وعلى ابنه (وفيها) أوقع الحر بن موسى بالكردي المتغلب على تلك
الناحية فتعلق بالجبال فلم يدرك (وفيها) فتح المظفر بن حاج ما كان تغلب عليه
بعض الخوارج باليمن وأخذ رئيسا من رؤسائهم يعرف بالحكيمي (وفيها)
لثلاث عشرة ليلة بقيت من جمادى الآخرة أمر خاقان المفلحي بالخروج إلى
آذربيجان لحرب يوسف بن أبي الساج وضم إليه نحو أربعة آلاف رجل من الجند
(ولثلاث عشرة) ليلة بقيت من شهر رمضان دخل بغداد رسول أبى مضر بن الأغلب
ومعه فتح الانجحى وهدايا وجه بها معه إلى المكتفى (وفيها) كان الفداء
بين المسلمين والروم في ذي القعدة ففدى ممن كان عندهم من الرجال ثلاثة آلاف نفس
ذكر علة المكتفى بالله وما كان من أمره إلى وقت وفاته
وكان المكتفى علي بن أحمد يشكو علة في جوفه وفسادا في أحشائه فاشتدت العلة به في
شعبان من هذا العام وأخذه ذرب شديدا فرط عليه وأزال عقله حتى أخذ صافي الحرمي
خاتمه من يده وأنفذه إلى وزيره العباس بن الحسن وهو لا يعقل شيئا من ذلك وكان العباس
يكره أن يلي الامر عبد الله بن المعتز ويخافه خوفا شديدا فعمل في تصيير الخلافة إلى
14

أبى عبد الله محمد بن المعتمد على الله فأحضره داره؟؟ ليلا وأحضر القاضي محمد بن يوسف
وحده وكلمه بحضرته وقال له مالي عندك إن سقت هذا الامر إليك فقال له محمد
ابن المعتمد لك عندي ما تستحقه من الجزاء والايثار وقرب المنزلة فقال له العباس
أريد أن تحلف لي أن لا تخليني من إحدى حالتين إما أن تريد خدمتي فأنصح لك
وأبلغ جهدي في طاعتك وجمع المال لك كما فعلته بغيرك وإما أن تؤثر غيري
فتوقرني وتحفظني ولا تبسط على يدا في نفسي ومالي ولا على أحد بسببي فقال
له محمد بن المعتمد وكان حسن العقل جميل المذهب لو لم تسق هذا إلى ما كان لي
معدل عنك في كفايتك وحسن أثرك فكيف إذا كنت السبب له والسبيل إليه
فقال له العباس أريد أن تحلف لي على ذلك فقال إن لم أوف لك بغير يمين لم أوف
لك بيمين فقال القاضي محمد بن يوسف العباس ارض منه بهذا فإنه أصلح
من اليمين قال العباس قد قنعت ورضيت ثم قال له العباس مد يدك حتى أبايعك
فقال له محمد وما فعل المكتفى قال هو في آخر أمره وأظنه قد تلف فقال محمد
ما كان الله ليراني أمد يدي لبيعة وروح المكتفى في جسده ولكن إن مات
فعلت ذلك فقال محمد بن يوسف الصواب ما قال وانصرفوا على هذه الحال ثم إن
المكتفى أفاق وعقل أمره فقال له صافي الحرمي لو رأى أمير المؤمنين أن يوجه
إلى عبد الله بن المعتز ومحمد بن المعتمد فيوكل بهما في داره ويحبسهما ما فيها فإن
الناس ذكروهما لهذا الامر وأرجفوا بهما فقال له المكتفى هل بلغك أن أحدهما
أحدث بيعة علينا فقال له صافي لا قال له فما أرى لهما في إرجاف الناس ذنبا فلا
تعرض لهما ووقع الكلام بنفسه وخاف أن يزول الامر عن ولد أبيه فكان إذا
عرض له بشئ من هذا الامر استجر فيه الحديث وتابع المعنى واهتبل به جدا
وعرض لمحمد بن المعتمد في شهر رمضان فالج في مجلس العباس بن الحسن الوزير
من غيظ أصابه في مناظرة كانت بينه وبين ابن عمر عمرويه صاحب الشرطة فأمر العباس
أن يحمل في قبة من قبابه على أفره بغاله فحمل إلى منزله في تلك الصورة وانصرفت
نفسه إلى تأميل غيره ثم اشتدت العلة بالمكتفى في أول ذي القعدة فسأل عن أخيه
15

أبى الفضل جعفر فصح عنده أنه بالغ فأحضر القضاة وأشهدهم بأنه قد جعل
العهد إليه من بعده
ذكر وفاة المكتفى
ومات المكتفى بالله علي بن أحمد ليلة الأحد لثلاث عشرة ليلة خلت
من ذي القعدة سنة 295 ودفن يوم الاثنين في دار محمد بن عبد الله بن طاهر
وكانت خلافته ست سنين وتسعة عشر يوما وكان يوم توفى ابن اثنتين وثلاثين
سنة وكان ولد سنة 264 وكنيته أبو محمد وأمه أم ولد تركية وكان جميلا
رقيق اللون حسن الشعر وافر اللحية وولد أبا القاسم عبد الله المستكفى ومحمد
أبا أحمد والعباس وعبد الملك وعيسى وعبد الصمد والفضل وجعفرا
وموسى وأم محمد وأم الفضل وأم سلمة وأم العباس وأمة العزيز وأسماء وسارة
وأمة الواحد قال وكان جعفر بن المعتضد بدار ابن طاهر التي هي مستقر أولاد
الخلفاء فتوجه فيه صافي الحرمي لساعتين بقيتا من ليلة الأحد وأحضره القصر
وقد كان العباس بن الحسن فارق صافيا عن أن يجئ بالمقتدر إلى داره التي
كان يسكنها على دجلة لينحدر به معه إلى القصر فعرج به صافي عن دار العباس إذ
خاف حيلة تستعمل عليه وعد ذلك من حزم صافي وعقله
ذكر خلافة المقتدر
وفيها بويع جعفر بن أحمد المقتدر يوم الأحد لثلاث عشرة ليلة خلت من ذي
القعدة سنة 295 وهو يومئذ ابن ثلاث عشرة سنة وأحد وعشرين يوما وكان
مولده يوم الجمعة لثمان بقين من شهر رمضان من سنة 282 وكنيته أبو الفضل
وأمه أم ولد يقال لها شغب وكانت البيعة للمقتدر في القصر المعروف بالحسنى فلما
دخله ورأى السرير منصوبا أمر بحصير صلاة فبسط له وصلى أربع ركعات وما
زال يرفع صوته بالاستخارة ثم جلس على السرير وبايعه الناس ودارت البيعة
على يدي صافي الحرمي وفاتك المعتضدي وحضر العباس بن الحسن الوزير وابنه
أحمد حتى تمت البيعة ثم غسل المكتفى ودفن في موضع من دار محمد بن عبد الله بن
16

طاهر وذكر الطبري أنه كان في بيت المال يوم بويع المقتدر خمسة عشر ألف
ألف دينار وذكر ذلك الصولي وحكى أنه كان في بيت مال العامة ستمائة ألف
دينار وخلع المقتدر يوم الاثنين الثاني من بيعته على الوزير أبى أحمد العباس بن
الحسن خلعا مشهورة الحسن وقلده كتابته وأمر بتكنيته وأن تجرى الأمور
مجراها على يده وقلد ابنه أحمد بن العباس العرض عليه وكتابة السيدة أمه وكتابة
هارون ومحمد أخويه وكتب العباس إلى الكور والأطراف بالبيعة كتابا على
نسخة واحدة وأعطى الجند مال البيعة للفرسان ثلاثة أشهر وللرجالة ستة أشهر
وأمر أصحاب الدواوين على ما كانوا عليه وخلع المقتدر على سوسن مولى المكتفى
الذي كان حاجبه وأقره على حجابته وخلع على فاتك المعتضدي ومؤنس الخازن
ويمن غلام المكتفى وابن عمرويه صاحب الشرطة ببغداد وعلى أحمد بن كيغلغ
وكان قد قدم يوم مبايعة المقتدر بقوم حاولوا فتق سجن دمشق وإقامة فتنة بها
فحملوا على جمال وطوفوا وخلع على كثير من الخدم فمن كان إليه منهم عمل
جعلت الخلعة عليه لاقراره وعلى عمله ومن لم يكن إليه عمل كانت الخلعة تشريفا
له ورد المقتدر رسوم الخلافة إلى ما كانت عليه من التوسع في الطعام
والشراب وإجراء الوظائف وفرق في بني هاشم خمسة عشر ألف دينار
وزادهم في الأرزاق وأعاد الرسوم في تفريق الأضاحي على القواد والعمال
وأصحاب الدواوين والقضاة والجلساء ففرق عليهم يوم التروية ويوم عرفة من البقر
والغنم ثلاثون ألف رأس ومن الإبل ألف رأس وأمر بإطلاق من كان في السجون
ممن لا خصم له ولاحق لله عز وجل عليه بعد أن امتحن محمد بن يوسف القاضي
أمورهم ورفع إليه أن الحوانيت والمستغلات التي بناها المكتفى في رحبة باب
الطاق أضرت بالضعفاء إذ كانوا يقعدون فيها لتجاراتهم بلا أجرة لأنها أفنية
واسعة فسأل عن غلتها فقيل له تغل ألف دينار في كل شهر فقال وما مقدار
هذا في صلاح المسلمين واستجلاب حسن دعائهم فأمر بهدمها وإعادتها إلى
ما كانت عليه ولم يل الخلافة من بنى العباس أصغر سنا من المقتدر فاستقل
17

بالأمور ونهض بها واستصلح إلى الخاصة والعامة وتحبب إليها ولولا التحكم عليه
في كثير من الأمور لكان الناس معه في عيش رغد ولكن أمه وغيرها من
حاشيته كانوا يفسدون كثيرا من أمره (وفى هذه السنة) كانت وقعة عج بن حاج
مع الجند بمنى في اليوم الثاني من أيام منى وقتل بينهم جماعة وهرب الناس الذين
كانوا بمنى إلى بستان ابن عامر وانتهب الجند مضرب أبى عدنان وأصاب
المنصرفين من الحاج في منصرفهم ببعض الطريق عطش حتى مات منهم جماعة
قال الطبري سمعت بعض من يحكى أن الرجل كان يبول في كفه ثم يشربه (وحج)
بالناس في هذه السنة الفضل بن عبد الملك
ثم دخلت سنة 296
ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس
فمن ذلك ما كان من اجتماع جماعة من القواد والكتاب والقضاة على خلع جعفر
المقتدر وكانوا قد تناظروا وتآمروا عند موت المكتفى على من يقدمونه للخلافة
وأجمع رأيهم على عبد الله بن المعتز فأحضروه وناظروه في تقلدها فأجابهم إلى
تولى الامر على أن لا يكون في ذلك سفك دماء ولا حرب فأخبروه أن الامر
يسلم إليه عفوا وأن من وراءهم من الجند والقواد والكتاب قد رضوا به فبايعهم
على ذلك سرا وكان الرأس في هذا الامر العباس بن الحسن الوزير ومحمد بن داود
ابن الجراح وأبو المثنى أحمد بن يعقوب القاضي وغيرهم فخالفهم على ذلك
العباس ونقض ما كان عقده معهم في أمر ابن المعتز وأحب أن يختبر أمر المقتدر
وإن كان فيه محمل للقيام بالخلافة مع حداثة سنه وكيف يكون حاله معه وعلم
أن تحكمه عليه سيكون فوق تحكمه على غيره فصدهم عن ابن المعتز وأنفذ
عقد البيعة للمقتدر على ما تقدم ذكره ثم إن المقتدر أجرى الأمور مجراها
في حياة المكتفى وقلد العباس جميعها وزاده في المنزلة والحظوة وصير
إليه الامر والنهى فتغير العباس على القواد واستخف بهم واشتد كبره على
الناس واحتجابه عنهم واستخفافه بكل صنف منهم وكان قبل ذلك صافي
18

النية لعامة القواد والخدم منصفا لهم في إذنه لهم ولقائه ثم تجبر عليهم وكانوا
يمشون بين يديه فلا يأمرهم بالركوب وترك الوقوف على المتظلمين والسماع منهم
فاستثقله الخاصة والعامة وكثر الطعن عليه والانكار لفعله والهجاء له فقال بعض
شعراء بغداد فيه
يا أبا أحمد لا تحسن * بأيامك ظنا
واحذر الدهر فكم أه‍ * لك أملاكا وأفنا
كم رأينا من وزير * صار في الأجداث رهنا
أين من كنت تراهم * درجوا قرنا فقرنا
فتجنب مركب الكبر * وقل للناس حسنا
ربما أمسى بعزل * من باصباح يهنا
وقبيح بمطاع الا * مر ألا يتأنا
اترك الناس وأيا * مك فيهم تتمنى
وكان مما يشنع به الحسين بن حمدان على العباس أنه شرب يوما عنده فلما
سكر الحسين استخرج العباس خاتمه من أصبعه وأنفذه إلى جاريته مع فتى له وقال
لها يقول لك مولاك اشتهى الوزير سماع غنائك فاحضري الساعة ولا تتأخري
فهذا خاتمي علامة إليك قال الحسين وقد كنت خفت منه شيئا من هذا لبلاغات
بلغتني عنه وكتب رأيت له إليها بخطه فحفظت الجارية وحذرتها فلم تصغ إلى قول
الفتى ولا اجابته وكان الحسين يحلف مجتهدا أنه سمعه يكفر ويستخف بحق الرسول
صلى الله عليه وسلم وأنه قال في بعض ما جرى من القول قد كان أجيرا لخديجة
ثم جاء منه ما رأيت قال فاعتقدت فتله من ذلك الوقت وأعتقد غيره من القواد
فيه مثل ذلك واجتمعت القلوب على بغضته فحينئذ وثب به القوم فقتلوه وكان الذي
تولى قتله بدر الأعجمي والحسين بن حمدان ووصيف بن سوارتكين وذلك يوم
السبت لاحدى عشرة ليلة بقيت من ربيع الأول من العام المؤرخ
19

ذكر البيعة لابن المعتز
وفى غد هذا اليوم خلع المقتدر خلعه القواد والكتاب وقضاة بغداد ثم وجهوا
في عبد الله بن المعتز وأدخل دار إبراهيم بن أحمد الماذرائي التي على دجلة والصراة
ثم حمل منها إلى دار المكتفى بظهر المخرم وأحضر القضاة وبايعوا عبد الله بن المعتز
فحضرهم ولقبوه المنتصف بالله وهو لقب اختاره لنفسه واستوزر محمد بن داود بن
الجراح واستخلفه على الجيش وكان الناس يحلفون بحضرة القضاة وكان الذي
يأخذ البيعة على الناس وعلى القواد ويتولى استحلافهم والدعاء بأسمائهم محمد بن
سعيد الأزرق كاتب الجيش وأحضر عبد الله بن علي بن أبي الشوارب القاضي
وطولب بالبيعة لابن المعتز فلجلج وقال ما فعل جعفر المقتدر فدفع في صدره وقتل
أبو المثنى لما توقف عن البيعة ولم يشك الناس أن الامر تام له إذ اجتمع أهل الدولة
عليه وكان أجل من تخلف عنه سوسن الحاجب فإنه بقى بدار المقتدر مثبتا لامره
وحاميا له * وفى هذا اليوم كانت بين الحسين بن حمدان وبين غلمان الدار
التي كان بها المقتدر حرب شديدة من غدوة إلى انتصاف النهار وثبت سوسن
الحاجب به وحامى عنه وأحضر الغلمان ووعدهم الزيادة وقوى نفس صافي ونفس
مونس الخادم ومؤنس الخازن فكلهم حماه ودافع عنه حتى انفضت الجموع التي
كان محمد بن داود جمعها لبيعة ابن المعتز وذلك أن مونسا الخادم حمل غلمانا من
غلمان الدار إلى الشذوات فصاعد بها في دجلة فلما جازوا الدار التي كان فيها ابن
المعتز ومحمد بن داود صاحوا بهم ورشقوهم بالنشاب فتفرقوا وهرب من كان
في الدار من الجند والقواد والكتاب وهرب ابن المعتز ومن كان معه ولحق بعض
الذين كانوا بايعوا ابن المعتز بالمقتدر فاعتذروا إليه بأنهم منعوا من المصير نحوه
واختفى بعضهم فأخذوا وقتلوا وانتهبت العامة دور محمد بن داود والعباس بن
الحسن واخذ ابن المعتز فقتل وقتل معه جماعة منهم أحمد بن يعقوب القاضي ذبح
ذبحا وقالوا له تبايع للمقتدر فقال هو صبي ولا يجوز المبايعة له وقال الطبري ولم
ير الناس أعجب من أمر ابن المعتز والمقتدر فإن الخاصة والعامة اجتمعت على الرضى
20

بابن المعتز وتقديمه وخلع المقتدر لصغر سنه فكان أمر الله قدرا مقدورا ولقد
تحير الناس في أمر دولة المقتدر وطول أيامها على وهى أصلها وضعف ابتنائها
ثم لم ير الناس ولم يسمعوا بمثل سيرته وأيامه وطول خلافته وقال محمد بن يحيى
الصولي وفى يوم الاثنين لتسع ليال بقين من ربيع الأول خلع المقتدر على علي بن
محمد بن الفرات للوزارة وركب الناس معه إلى داره بسوق العطش وتكلم في
إطلاق جماعة ممن كان بايع ابن المعتز فأذن له المقتدر في ذلك فخلى سبيل طاهر
ابن علي ونزار بن محمد وإبراهيم بن أحمد الماذرائي والحسين بن عبد الله الجوهري
المعروف بابن الجصاص ووضع العطاء للغلمان والأولياء الذين بقوا مع المقتدر
صلة ثانية للفرسان ثلاثة أشهر وللرجالة ست نوائب وولى مونسا الخادم شرطة
جانبي بغداد وما يليها وتقدم إليه بالنداء على محمد بن داود ويمن ومحمد الرقاص
وأن يبذل لمن جاء بمحمد بن داود عشرة آلاف دينار وخلع على عبد الله بن علي
ابن محمد بن أبي الشوارب لقضاء جانبي بغداد وقلد الوزير علي بن محمد أخاه جعفر
ابن محمد ديوان المشرق والمغرب وأشاع أنه يخلفه عليهم وقلد نزار الكوفة
وطساسيجها وعزل عنها المسمعي ثم عزل نزارا وولى الكوفة نجحا الطولوني
وخلع على أبى الأغر خليفة بن المبارك السلمي لغزاة الصائفة وعظم أمر سوسن
الحاجب وتجبر وطغى فاتهمه المقتدر ولم يأمنه وأدار الرأي في أمره مع ابن الفرات
فأوصى إليه المقتدر خذ من الرجال من شئت ومن المال والسلاح ما شئت
وتول من الأعمال ما أحببت وخل عن الدار أولها من أريد فأبى عليه وقال أمر
أخذته بالسيف لا أتركه إلا بالسيف فأحكم المقتدر الرأي مع ابن الفرات في قتله فلما
دخل معه الميدان في بعض الأيام أظهر صافي الحرمي العلة وجلس في بعض طرق الميدان
متعا للافنزل سوسن ليعوده فوثب إليه جماعة فيهم تكين الخاصة وغيره من القواد
فأخذوا سيفه وأدخلوه بيتا فلما سمع من كان معه بذلك من غلمانه وأصحابه تفرقوا
ومات سوسن بعد أيام في الحبس وقلد الحجابة نصرا الحاجب المعروف
بالقشوري وكان موصوفا بعقل وفضل وكان النصارى في آخر أيام العباس
21

ابن الحسن قد علا أمرهم وغلب عليهم الكتاب منهم فرفع في أمرهم إلى المقتدر
فعهد فيهم بنحو ما كان عهد به المتوكل من رفضهم واطراحهم وإسقاطهم عن
الخدمة ثم لم يدم ذلك فيهم * وفى يوم السبت لأربع بقين من ربيع الأول سقط
ببغداد الثلج من غدوة إلى العصر حتى صار في السطوح والدور منه نحو من
أربعة أصابع وذلك أمر لم ير مثله ببغداد * وفى يوم الاثنين لليلتين بقيتا من ربيع
الأول سلم محمد بن يوسف القاضي ومحمد بن عمرويه وابن الجصاص والأزرق
كاتب الجيش في جماعة غيرهم إلى مونس الخازن فقتل بعضهم وشفع في بعض
فأطلق (وفيها) وجه القاسم بن سيما في جماعة من القواد والجند في طلب
الحسين بن حمدان فشخص لذلك حتى صار إلى قرقيسيا والرحبة وكتب إلى أبى
الهيجاء عبد الله بن حمدان بأن يطلب أخاه ويتبعه فخرج في أثره والتقى بأخيه
بين تكريت والسود قانية بموضع يعرف بالأعمى فانهزم عبد الله عن أخيه
الحسين ثم بعث الحسين إلى السلطان يطلب الأمان لنفسه فأعطى ذلك * ولسبع
بقين من جمادى الآخرة خلع علي بن دليل النصراني كاتب ابن أبي الساج ورسوله
وعقد ليوسف على آذربيجان والمراغة وحملت إليه الخلع وأمر بالشخوص إلى
عمله وللنصف من شعبان خلع على مونس الخادم وأمر بالشخوص إلى طرسوس
لغزو الروم فخرج في عسكر كثيف وجماعه من القواد وكان مونس قد ثقل على
صافي الحرمي وأحب ألا يجاوره ببغداد فيسعى مع الوزير ابن الفرات في إبعاده
فأغزى في الصائفة وضم إليه أبو الأغر خليفة بن المبارك فلم يرضه مونس
وكتب إلى المقتدر يذمه فكتب إليه في الانصراف فانصرف وحبس واجتمع قول
الناس بلا اختلاف بينهم أنه لم يكن في زمن أبى الأغر فارس للعرب ولا للعجم
أشجع منه ولا أعظم أيدا وجلدا (وحج بالناس) في هذه السنة الفضل
ابن عبد الملك
22

ثم دخلت سنة 297
(ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس)
في المحرم من هذا العام ولد للمقتدر ابن فأمر أن يكتب اسمه على الاعلام
والتراس والدنانير والدراهم والسمات ولم يعش ذلك المولود (وفيها) ورد
كتاب مونس الخادم على السلطان لست خلون من المحرم بأنه ظهر على الروم
في غزاته إليهم التي تقدم ذكرها في سنة 96 وهزمهم وقتل منهم مقتلة عظيمة
وأسر لهم أعلاجا كثيرة وقرئ كتابه بذلك على العامة ببغداد ثم قفل مونس
متصرفا * وفى صفر من هذه السنة أخر طاهر بن محمد بن عمرو بن الليث الصفار
ايراد ما كان يلزمه من المال الموظف عليه من أموال فارس ودافع به فكتب سبكرى
غلام عمرو بن الليث يتضمن حمل المال وإيراده واستأذن في توجيه طاهر
وأخويه أسرى إلى باب السلطان فأجيب إلى ذلك فاجتمع سبكرى ومن والاه
عليهم ودارت بينهم حرب شديدة حتى استولى سبكرى على فارس وكرمان
وبعث بطاهر وأخويه إلى السلطان فأدخلوا في عماريات مكشوفة وخلع على
رسول سبكرى ثم إن الليث بن علي بن الليث لما بلغه فعل سبكرى بطاهر
ويعقوب ابني محمد غضب لذلك وسار يريد فارس فتلقاه سبكرى واقتتلا
قتالا شديدا فانهزم سبكرى وقدم على السلطان يستمده فندب مونس الخادم إلى
فارس وضم إليه زهاء خمسة آلاف من الأولياء والغلمان وكتب إلى أصحاب
العاون بأصبهان والأهواز والجبل في معاونة مونس على محاربة الليث بن علي
وأشخص معه الوزير ابن الفرات محمد بن جعفر العبرتاى وولاه الخراج والضياع
بفارس فاحتاج الجند إلى أرزاقهم فوعدهم بها محمد بن جعفر فلم يرضوا وعده ووثبوا
عليه ونهبوا عسكره وأصابته ضربة وزعم بعض أصحاب مونس أنه أخذ له مائة
ألف دينار * وفى ليلة الأربعاء لخمس من شهر ربيع الآخر سنة 97 ولد
للمقتدر أبو العباس محمد الراضي بالله بدير حنيناء قبل طلوع الفجر * وفى ذي الحجة
من هذا العام كانت بين مونس الخادم وبين الليث بن علي حرب بناحية النوبندجان
23

فهزم الليث وأصحابه وأسر مونس الليث وأخاه إسماعيل وعلي بن حسين بن درهم
والفضل بن عنبر وصاروا في قبضته فحملهم بين يديه إلى بغداد وأدخل الليث على
فيل ومن كان معه على جمال مشهورين قد ألبسوا البرانس ثم حبسوا (وفيها)
وجه المقتدر القاسم بن سيما غازيا في الصائفة إلى الروم في جمع كثيف من الجند
في شوال فغنم وسبى (وفيها) ولى ورقاء بن محمد الشيباني أمر السواد بطريق
مكة فرفع المؤن عن الناس وحسم عنها ضر الاعراب وما كانوا يفعلونه في
الطريق من السلب والقتل وحسن أثر ورقاء هنالك ولم يزل مقيما بتلك الناحية
إلى أن رجع الحاج مسلمين شاكرين لفعله فيهم * ولجمادى الأولى من هذا العام
ورد الخبر بأن أركان البيت الأربعة غرقت في سيول كانت بمكة وغرق الطواف
وفاضت بئر زمزم وأنه كان سيلا لم ير مثله في قديم الأيام وحديثها وفى شوال منها
توفى محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر المعروف بالصناديقي ودفن في مقابر قريش
وصلى عليه القاضي أحمد بن إسحاق بن البهلول * وفى شهر رمضان منها توفى يوسف
ابن يعقوب القاضي ومحمد بن داود الأصبهاني الفقيه * وورد الخبر بوفاة عيسى
النوشري عامل مصر فولى السلطان مكانه تكين الخاصة وتوجه من بغداد إلى
مصر * وفى شوال من هذه السنة توفى جعفر بن محمد بن الفرات أخو الوزير
وكان يلي ديوان المشرق والمغرب فولى الوزير ابنه المحسن ديوان المغرب
وولى ابنه الفضل ديوان المشرق * وفى هذا العام توفى القاسم بن
زرزور وكان من الحذاق المجيدين وأسن حتى قارب تسعين سنة (وحج بالناس)
في هذه السنة الفضل بن عبد الملك الهاشمي
ثم دخلت سنة 298
ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس
فيها قدم الناس ابن سيما من غزاة الصائفة إلى الروم ومعه خلق كثير من
الاسرى وخمسون علجا قد حملوا على الجمال مشهورين بأيدي جماعة منهم أعلام
الروم عليها صلبان الذهب والفضة وذلك يوم الخميس لأربع عشرة ليلة بقيت
24

من شهر ربيع الأول (وفيها) خالف سبكرى والتوى بما عليه فندب لمحاربته وصيف
كأمه غلام الموفق وشخص معه وجوه القواد وفيهم الحسين بن حمدان وبدر غلام
النوشري وبدر الكبير المعروف بالحمامي فواقعوا سبكرى في باب شيراز وهزموه
وأسروا القتال صاحبه وهرب بعض قواده عنه وفتق عسكره بماله وأثقاله إلى
ناحية كرمان وورد الخبر بأن سبكرى أسر وكان الذي أسره سيمجور غلام أحمد
ابن إسماعيل ثم قدم وصيف كأمه بالقتال صاحب سبكرى فأدخل على فيل وعليه
برنس طويل وبين يديه ثلاثة عشر أسيرا على الجمال وعليهم دراريع وبرانس من
ديباج فخلع على وصيف وسور وطوق بطوق ذهب منظوم بجوهر ثم دخل سبكرى
وحضر دخوله الوزير ابن الفرات وسائر القواد يوم الاثنين لاحدى عشرة ليلة
بقيت من شوال وكان قد حمل على فيل وشهر ببرنس طويل وبين يديه الكرك
ومن يضرب بالصنوج وخلفه الليث بن علي على فيل آخر فخلع على ابن الفرات
وحمل وكان يوما مشهودا وحدث محمد بن يحيى الصولي أنه شهد هذا اليوم قال
فتذكرت فيه حديثا كان حدثناه صافي الحرمي يوم بويع فيه المقتدر بالله قال
صافي رأيت الخليفة المقتدر بالله وهو صبي في حجر المعتضد والمعتضد ينظر في
دفتر كان كثيرا ما ينظر فيه وهو يضرب على كتف المقتدر ويقول له كأني بملوك
فارس قد أدخلوا إليك على الفيلة والجمال عليهم البرانس وكان صافي يوم بيعة
المقتدر يحدث بهذا ويدعو إلى الله أن يحقق هذا القول (وفيها) وردت على المقتدر
هدايا من خراسان أنفذها إليه أحمد بن إسماعيل بن أحمد فيها غلمان على دوابهم
وخيولهم وثياب ومسك كثير وبزاة وسمور وطرائف لم يعهد بمثلها فيها أهدى
من قبل (وفيها) جلس ابن الفرات الوزير لكتاب العطاء فحاسبهم وأشرف
لهم على خيانة نحو مائة ألف دينار فورى عن الامر قليلا إذ كان كتابه منهم
واستخرج ما وجد من المال في رفق وستر * وفى جمادى الآخرة من هذا العام
فلج عبد الله بن علي بن أبي الشوارب القاضي فأمر المقتدر ابنه محمد بن عبد الله
يتولى أمور الناس خليفة لأبيه حتى يظهر حاله وما يكون من علته فنظر كما كان
25

ينظر أبوه وأنفذ الأمور مثل تنفيذه
ثم دخلت سنة 299
ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس
فمن ذلك غزوة رستم الصائفة من ناحية طرسوس وهو والى الثغور فحاصر
حصن مليح الأرميني ثم دخل عليه وأحرق أرض ذي الكلاع (وفيها)
ورد رسول أحمد بن إسماعيل بكتاب منه إلى السلطان بأنه فتح سجستان وأن
أصحابه دخلوها وأخرجوا من كان فيها من أصحاب الصفار وأن المعدل بن علي
ابن الليث صار إليه بمن معه من أصحابه في الأمان وكان المعدل يومئذ مقيما معهم
بزرنج وصار إلى أحمد بن إسماعيل وهو مقيم ببست والرخج فوجه به أحمد وبعياله
ومن معه إلى هراة ووردت الخريطة بذلك على السلطان يوم الاثنين لعشر خلون
من صفر (وفيها) وافى بغداد العطير صاحب زكرويه ومعه الأغر وهو أحد
قواد زكرويه مستأمنا
ذكر القبض على ابن الفرات
وفى ذي الحجة غضب المقتدر على وزيره علي بن محمد بن الفرات لأربع
خلون منه وحبس ووكل بدوره وأخذ كل ما وجد له ولأهله وانتهبت دوره
أقبح نهب وفجر الشرط بنسائه ونساء أهله وكان ادعى عليه أنه كتب إلى الاعراب
بأن يكبسوا بغداد في خبر طويل واستوزر محمد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان
فكانت وزارة ابن الفرات ثلاث سنين وثمانية أشهر واثنى عشر يوما وطولب
ابن الفرات بأمواله وذخائره فاجتمع منها مع ودائع كانت له سبعة آلاف ألف
دينار فيما حكى عن الصولي وكان مشاهدا ومشرفا على أخبارهم * قال وما سمعنا
بوزير جلس في الوزارة وهو يملك من العين والورق والضياع والأثاث ما يحيط
بعشرة آلاف ألف غير ابن الفرات * قال وكانت له أياد جليلة وفضائل كثيرة
قد ذكرتها في كتاب الوزراء * قال ولم ير وزير أودع وجوه الناس من الأموال
ما أودع ابن الفرات من قبل ولايته الوزارة وكانت غلته تبلغ ألف ألف دينار
26

ولم يمسك الناس ببغداد عن ابتقاص؟؟ ابن الفرات وهجوه مع حسن آثاره وأحضر
محمد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان دار المقتدر في الوقت الذي ضم فيه على
ابن الفرات فقلد الوزارة وانصرف إلى منزله بباب الشماسية في طيار وركب
يوم الخميس بعده فخلع عليه وحمل وقلد؟؟ سيفا وقيل إن السبب في ولايته كان
بعناية أم ولد المعتضد بأمره على إن ضمن لها مائة ألف دينار وقوى أمره
عندها رياء كان يظهره وكان الخدم من الدار يأتونه بالكتب فلا يكلم الواحد
منهم إلا بعد مائة ركعة يصليها فكانوا ينصرفون بوصفه وما رأوا منه وخلع
على ابنه عبد الله بن محمد لخلافة أبيه واستبدل بالعمال وعزل كل من كان
خطوطه إلى علي بن الفرات وآله (وفى هذه السنة) مات وصيف موشجير
يوم الخميس لأربع عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان (وفيها) مات الخرقي
المحدث (وحج بالناس) في هذه السنة الفضل بن عبد الملك
ثم دخلت سنة 300
ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس
فيها أمر جعفر المقتدر برفع مطالبة المواريث عن الناس وأن يورث ذوو
الأرحام ولا يعرض لاحد في ميراث إلا لمن صح أنه غير وارث وكان الناس
من قبل ذلك في بلاء وتعلل متصل من المستخرجين والعاملين (وفيها) أخرج
محمد بن إسحاق بن كنداجيق بعض أصحابه لمحاربة قوم من القرامطة جاءوا إلى سوق
البصرة فعاثوا بها وبسطوا أيديهم وأسيافهم على الناس فيها فلما واقفهم أصحاب
ابن كنداجيق صدمهم القرامطة صدمة شديدة حتى هزموهم وقتل من أصحاب
ابن كنداجيق جماعة وكان محمد بن إسحاق قد خرج كالممد لهم فلما بلغه أمرهم
وشدة شوكتهم انصرف مبادرا إلى المدينة فأنهض السلطان محمد بن عبد الله
الفارقي في رجل كثير معونة لابن كنداجيق ومددا له فأقاما بالبصرة ولم يتعرضا
لمحاربة * وفى شعبان من هذه السنة قبض على إبراهيم بن أحمد الماذرائي وعلى
ابن أخيه محمد بن علي بن أحمد فطالبهم أبو الهيثم بن ثوابة بخمسمائة ألف فحملوا
27

منها خمسين ألفا إلى بيت المال وصانعوا الوزير ابن خاقان وابنه وابن ثوابة
بمال كثير وصادر ابن ثوابة جماعة على مائة ألف دينار فحمل منها ابن الجصاص
عشرين ألفا وفرضت البقية على جماعة منهم ابن أبي الشوارب القاضي وغيره
وظهر في هذا العام ضعف أمر محمد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان الوزير وتغلب
ابنه عبد الله عليه وتحكمه في الأمور دونه وكثر التخليط من محمد في رأيه وجميع
أمره فكان يولى العمل الواحد جماعة في أسبوع من الأيام وتقدم بالمصانعات
حتى قلد عمالة بادوريا في أحد عشر شهرا أحد عشر عاملا وكان يدخل الرجل الذي
قد عرفه دهرا طويلا فيسلم عليه فلا يعرفه حتى يقول له أنا فلان بن فلان ثم يلقاه
بعد ساعة فلا يعرفه (وفيها) ورد الخبر بانخساف جبل بالدينور يعرف بالتل
وخروج ماء كثير من تحته غرقت فيه عدة من القرى وورد الخبر أيضا بانخساف
قطعة عظيمة من جبل لبنان وسقوطها إلى البحر وكان ذلك حدثا لم ير مثله (وفيها)
ورد كتاب صاحب البريد بالدينور يذكر أن بغلة هناك وضعت فلوة ونسخة كتابه
(بسم الله الرحمن الرحيم) الحمد لله الموقظ بعبره قلوب الغافلين والمرشد بآياته
ألباب العارفين الخالق ما يشاء بلا مثال ذلك الله البارئ المصور في الأرحام ما يشاء
وأن الموكل بخبر التطواف بقر ما سين رفع يذكر أن بغلة لرجل يعرف بأبي بردة
من أصحاب أحمد بن علي المري وضعت فلوة ويصف اجتماع الناس لذلك وتعجبهم
لما عاينوا منه فوجهت من أحضرني البغلة والفلوة فوجدت البغلة كمتاء خلوقية
والفلوة سوية الخلق تامة الأعضاء منسدلة الذنب سبحان الملك القدوس لا معقب
لحكمه وهو سريع الحساب * وكان المقتدر لما رأى عجز محمد بن عبيد الله الوزير
وتبلده قد أنفذ أحمد بن العباس أخا أم موسى الهاشمية إلى الأهواز ليقدم
بأحمد بن محمد بن يحيى المعروف بابن أبى البغل ليوليه الوزارة فخرج إليه وأقبل
به حتى صار بواسط فلما قرب من دار السلطان سلم أحمد بن العباس على أحمد بن
محمد بالوزارة وحمل إليه ثلاثة آلاف دينار فاتصل الخبر بمحمد بن عبيد الله الوزير
من قبل حاشيته وعيونه فركب إلى الدار وصانع جماعة من الخدم والحرم وضمن
28

لام ولد المعتضد التي كانت عنيت بولايته في أول أمره خمسين ألف دينار فنقضت
أمر ابن أبي البغل ورد واليا على فارس * وفى شوال من هذا العام توفى عبيد الله
ابن عبد الله بن طاهر وكان أكثر الناس أدبا وجلالة وفهما ومروءة وهو ابن
إحدى وثمانين سنة وصلى عليه أحمد بن عبد الصمد الهاشمي ودفن في مقابر قريش
(وفيها) مات أبو الفضل عبد الواحد بن الفضل بن عبد الوارث يوم السبت
لسبع بقين من ذي الحجة (وأقام الحج الناس) في هذه السنة الفضل بن
عبد الملك بن عبد الله الهاشمي
ثم دخلت سنة 301
ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بني العباس
ففيها وافى بغداد علي بن عيسى بن داود بن الجراح مقدمه من مكة وذلك
يوم الاثنين لعشر خلون من المحرم فمضى به من فوره إلى دار المقتدر فقلدوا
الوزارة وخلع عليه لولايتها وقلد سيفا وقبض على محمد بن عبيد الله وابنيه عبد الله
وعبد الواحد فحبسوا وكانوا قد ركبوا في؟ ك النهار إلى الدار ووعدوا بأن يخلع
عليهم ويسلم علي بن عيسى إليهم فسلموا إليه ووقع الامر بضد ما ظنوه وقعد على
ابن عيسى لمحمد بن عبيد الله وناظره فقال له أخربت الملك وضيعت الأموال ووليت
بالعناية وصانعت عن الولايات بالرشوة وزدت على السلطان أكثر من ألف
ألف دينار في السنة فقال ما كنت أفعل إلا ما أراه صوابا وكان محمد بن عبيد الله
فيما ذكر من تسناه يأخذ المصانعات على يدي أبى الهيثم بن ثوابة ولا يفي بعهد لكل
من صانعه برشوة حتى قيلت فيه أشعار كثيرة منها
وزير ما يفيق من الرقاعه * يولى ثم يعزل بعد ساعة
إذا أهل الرشا صاروا إليه * فأحظي القوم أوفرهم بضاعة
وليس بمنكر ذا الفعل منه * لان الشيخ أفلت من مجعه
وكان محمد بن عبيد الله قبل أن يستحيل به الحال فيما ذكر أهل الخبر به
وحسن الرأي فيه ذا دهاء وعقل وكان ابنه عبد الله كاتبا بليغا حسن الكلام
29

مليح اللفظ حسن الخط جوادا يعطى العطايا الجزيلة ويقدم الأيادي الجليلة،
وصل عبد الله بن حمدون من ماله في مدة ولايته بتسعين ألف دينار إلى
ما وصل به غيره وأعطاه كثيرا ممن كان أمله (وفى هذه السنة) رضى عن القاضي
محمد بن يوسف وقلد الشرقية وعسكر المهدى وخلع عليه دراعة وطيلسان وعمامة
سوداء وركب من دار الخليفة إلى مسجد الرصافة فصلى ركعتين ثم قرئ عليه عهده
بالولاية * وفيها ورد الخبر بوثوب أبى الهيجاء عبد الله بن حمدان بالموصل ومعه
جماعة من الأكراد وكانوا أخواله لان أمه كردية وأغاث الجند أهل الموصل
فقتلت بينهم مقتلة عظيمة وصار أبو الهيجاء إلى الأكراد وتأمر عليهم كالخالع
للطاعة * وتظلم أهل البصرة من عاملهم محمد بن إسحاق بن كنداج وشكوا به
إلى علي بن عيسى الوزير فعزله عنهم بعد أن استأمر فيه المقتدر لئلا يستبد
بالرأي دونه وولى البصرة نجحا الطولوني ثم ولى محمد بن إسحاق بن كنداج
الدينور وولى سليمان بن مخلد ديوان الدار وكتابة غريب خال المقتدر وولى
علي بن عيسى إبراهيم أخاه ديوان الجيش واستخلف عليه سعيد بن عثمان
والحسين بن علي * وفى شهر ربيع الآخر من هذه السنة دخل مونس الخادم
مدينة السلام ومعه أبو الهيجاء قد أعطاه أمانا فخلع على مونس وعليه * وقلد
نصر القشوري مع الحجابة التي كان يتولاها ولاية السوس وجندي سابور
ومناذر الكبرى ومناذر الصغرى فاستخلف على جميع ذلك يمنا الهلالي الخادم
(وفى هذه السنة) أغارت الأتراك على المسلمين بخراسان فسبت منهم نحو
عشرين ألفا إلى ما ذهبت به من الأموال وقتلت من الرجال فخرج إليهم أحمد
ابن إسماعيل وكان واليها في جيوش كثيرة واتبعهم فقتل منهم خلقا كثيرا
واستنقذ بعض الاسرى وأوفد إلى السلطان رجلا شيخا يعرف بالحمادى
يستحمد إليه بفعله بالأتراك ويخطب إليه شرطة مدينة السلام وأعمال فارس
وكرمان فأجيب إلى كرمان وحدها وكتب له بها كتاب عهد * وفى جمادى
الآخرة من هذه السنة أطلق محمد بن عبيد الله الذي كان وزيرا وابنه عبد الله
30

وأمرا بلزوم منازلهما (وفيها) خلع على القاسم بن الحر وولى سيراف وخلع
على علي بن خالد السكردى وولى حلوان (وفى هذه السنة) ركب أبو العباس
محمد بن المقتدر من القصر المعروف بالحسنى وبين يديه لواء عقده له أبوه المقتدر على
المغرب ومعه القواد كلهم والغلمان الحجرية وجماعة الخدم حول ركابه وعلي بن
عيسى عن يمينه ومؤنس الخادم عن يساره ونصر الحاجب بين يديه فسار في
الشارع الأعظم ورجع في الماء والناس معه فاعترضه رجل بمربعة الحرشي فنثر
عليه دراهم مسيفة وقال له بحق أمير المؤمنين إلا أذنت لي في طلى الفرس بالغالية
فوقف له وجعل الرجل يطلى وجه الفرس فنفر منه وقيل له دع وجهه واطل
سائر بدنه فأقبل يطلى عرف الفرس وقوائمه بالغالية فقال محمد بن المقتدر لمن حوله
اعرفوا لنا هذا الرجل (وفى هذه السنة) قلد أبو بكر محمد بن علي الماذرائي أعمال
مصر الاشراف على أعمال الشأم وتدبير الجيوش وخلع عليه وذلك يوم الخميس
للنصف من شهر رمضان وخلع في هذا النهار أيضا على القاسم بن سيما وعقد له
على الإسكندرية وأعمال برقة (وفى هذه السنة) في جمادى الآخرة ورد الخبر بوفاة
علي بن أحمد الراسبي وكان يتقلد جندي سابور والسوس وما ذرايا إلى آخر حدودها
وكان يورد من ذلك ألف ألف دينار وأربعمائة ألف دينار في كل سنة ولم يكن
معه أحد يشركه في هذه الأعمال من أصحاب السلطان لأنه تضمن الحرب والخراج
والضياع والشحنة وسائر ما في عمله فتخلف فيما وردت به الاخبار من العين ألف
ألف دينار ومن آنية الذهب والفضة قيمة مائة ألف دينار ومن الخيل والبغال
والجمال ألف رأس ومن الخز الرفيع الطاقي أزيد من ألف ثوب وكان مع ذلك
واسع الضيعة كثير الغلة وكان له ثمانون طرازا ينسج له فيها الثياب من الخز وغيره
فلما ورد الخبر بوفاة الراسبي أنفذ المقتدر عبد الواحد بن الفضل بن وارث في جماعة
من الفرسان والرجالة لحفظ ماله إلى أن يوجه من ينظر فيه ثم وجه مونس الخادم
للنظر في ذلك فيقال إنه صار إليه منه مال جليل وخلع على إبراهيم بن عبد الله
المسمعي وولى النظر في دور الراسبي وتوفى مونس الخازن يوم الأحد لثمان بقين
31

من شهر رضمان ولم يتخلف أحد عن جنازته من الرؤساء وصلى عليه القاضي محمد
ابن يوسف ودفن بطرف الرصافة وكان جليل القدر عند السلطان فلما مات قلد
ابنه الحسن ما كان يتولاه من عرض الجيوش فجلس ونظر وعاقب وأطلق وفرق
سائر الأعمال التي كانت إلى مونس على جماعة من القواد الذين كانوا في رسمه وضم
أصحابه إلى ملازمة أبى العباس بن المقتدر ولم يخلع على الحسن بن مونس للولاية
مكان أبيه فعلم أن ولايته لا تتم وعزل بعد شهرين وعزل محمد بن عبيد الله بن طاهر
وكان خليفته على الجانب الشرقي وقدم مكانه بدر الشرابي وعزل خزرى بن موسى
خليفة مونس على الجانب الغربي وولى مكانه إسحاق الاشروسى؟؟ وولى شفيع
اللؤلؤي البريد وسمى شفيعا الأكبر * وورد الخبر في شعبان بأن أحمد بن إسماعيل
ابن أحمد صاحب خراسان قتله غلمانه غيلة على فراشه وكان قد أخاف بعضهم
فتواطؤا على قتله ثم اجتمع سائر غلمانه فضبطوا الامر وبايعوا لابنه نصر بن أحمد
وورد كتابه على المقتدر يسأله تجديد العهد له ووردت كتب عمومته وبنى عمه
يسأله كل واحد منهم ناحية من نواحي خراسان فأفرد الخليفة بالولاية ابنه وتم
له الامر قال الصولي شهدت في هذا العام بين يدي محمد بن عبيد الله الوزير مناظرة
كانت بين ابن الجصاص وإبراهيم بن أحمد الماذرائي فقال إبراهيم بن أحمد الماذرائي
في بعض كلامه لابن الجصاص مائة ألف دينار من مالي صدقة لقد أبطلت في الذي
حكيته وكذبت فقال له ابن الجصاص قفيز دنانير من مالي صدقة لقد صدقت
أنا وأبطلت أنت فقال له ابن الماذرائي من جهلك أنك لاتعلم أن مائة ألف دينار
أكثر من قفيز دنانير فعجب الناس من كلامهما قال الصولي وانصرفت إلى
أبى بكر بن حامد فخبرته الخبر فقال نعتبر هذا بمحنة فأحضر كيلجة وملاها دنانير
ثم وزنها فوجد فيها أربعة آلاف دينار فنظرنا فإذا القفيز ستة وتسعون ألف دينار
كما قال الماذرائي (وفى هذه السنة) مات أبو بكر جعفر بن محمد المعروف بالفاريابي
المحدث لأربع بقين من المحرم وصلى عليه ابنه ودفن في مقابر الشونيزية
(وفيها) توفى عبد الله بن محمد بن ناجية المحدث وكان مولده سنة 210
32

(وفيها) مات الحسن بن الحسن بن رجاء وكان يتقلد أعمال الخراج والضياع
بحلب مات فجاءة وحمل تابوته إلى مدينة السلام ووصل يوم السبت لخمس بقين
من شهر ربيع الأول (وفيها) مات محمد بن عبد الله بن علي بن أبي الشوارب
القاضي المعروف بالأحنف وكان خليفة أبيه على قضاء عسكر المهدى والشرقية
والنهروانات والزوابي والتل وقصر ابن هبيرة والبصرة وكور دجلة وواسط
والأهواز ودفن يوم الأحد لتسع ليال خلون من جمادى الأولى في حجره بمقام
باب الشأم وله ثمان وثلاثون سنة (وفى هذه السنة) بعد قتل أحمد بن إسماعيل
ورد الخبر بأن رجلا طالبيا حسينيا خرج بطبرستان يدعو إلى نفسه يعرف
بالأطروش (وفى آخر هذه السنة) توفى أحمد بن عبد الصمد بن طومار الهاشمي
وكان من قبل نقيب بني هاشم العباسيين والطالبيين فقلد ما كان يتقلده أخو
أم موسى فضج الهاشميون من ذلك وسألوا رد ما كان يتولاه ابن طومار إلى
ابنه محمد بن أحمد فأجيبوا إلى ذلك وكان لأحمد بن عبد الصمد يوم توفى اثنتان
وثمانون سنة (وأقام الحج للناس) في هذه السنة الفضل بن عبد الملك الهاشمي
ثم دخلت سنة 302
ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس
فيها ركب شفيع الخادم المعروف بالمقتدري في جماعة من الجند والفرسان
والرجال إلى دار الحسين بن أحمد المعروف بابن الجصاص التي في سوق يحيى
ولحقه صاحب الشرطة بدر الشرابي فوكل شفيع بالأبواب وقبض على جميع
ما تحويه داره من مال وجوهر وفرش وأثاث ورقيق ودواب وحمل في وقته
ذلك صناديق مختومة ذكر أن فيها جوهرا وآنية ذهب ووجد في داره فرشا
سلطانيا من فرش أرمينية وطبرستان جليلا لا يعرف قدره ووجد فيها من مرتفع
ثياب مصر خمسمائة سفط وحفرت داره فوجدت له في بستانه أموال جليلة
مدفونة في جرار خضر وقماقم مرصصة الرؤس فحملت كهيئتها إلى دار المقتدر
وأخذ هو فقيد بخمسين رطلا من حديد وغل وتسمع الناس ما جرى عليه فصودر
33

على مائة ألف دينار بعد هذا كله وأطلق إلى منزله وقال أبو الحسن بن عبد الحميد
كاتب السيدة إن الذي صح مما قبض من مال الحسين بن أحمد بن الجصاص
الجوهري من العين والورق والآنية والثياب والفرش والكراع والخدم لاثمن
ضيعة في ذلك ولاثمن بستان ما قيمته ستة آلاف ألف دينار (وفى هذه
السنة) في رجب ورد كتاب محمد بن علي الماذرائي إلى السلطان من
مصر يزعم أن وقعة كانت بين أصحاب السلطان وبين جيش صاحب القيروان
فقتل من أصحاب الشيعي سبعة آلاف وأسر نحوهم وانهزم من بقى منهم ومضوا على
وجوههم فمات أكثرهم قبل وصولهم إلى برقة ووردت كتب التجار بدخول الشيعة
برقة وعظم ما أحدثوا في تلك الناحية وأن الغلبة انما كانت لهم قال الصولي وفيها
جلس علي بن عيسى للمظالم في كل يوم ثلاثاء فحضرته يوما وقد جئ برجل يزعم
أنه نبي فناظره فقال أنا أحمد النبي وعلامتي أن خاتم النبوة في ظهري ثم كشف
عن ظهره فإذا سلعة صغيرة فقال له هذه سلعة الحماقة وليست بخاتم النبوة ثم أمر
بصفعه وتقييده وحبسه في المطبق * وفى شهر رمضان من هذه السنة وافى باب
الشماسية قائد من قواد صاحب القيروان يقال له أبو جدة ومعه من أصحابه مائتا
فارس نازعين إلى الخليفة فأحضر القائد دار السلطان وخلع عليه وأخرج هو
وأصحابه إلى البصرة ليكونوا مع محمد بن إسحاق بن كنداج (وفيها) أطلق المقتدر
من سجنه الصفاري المعروف بالقتال وخلع عليه وأقطعه دارا ينزلها وأجرى عليه
الرزق وأمره بحضور الدار في يومى الموكب مع الأولياء وأطلق أيضا محمد بن
الليث الكردي وخلع عليه وهو ممن أدخل مع الليث وطوف على جمل (وفيها)
جاء رجل حسن البزة طيب الرائحة إلى باب غريب خال المقتدر وعليه دراعة
وخف أحمر وسيف جديد بحمائل وهو راكب فرسا ومعه غلام فاستأذن
للدخول فمنعه البواب فانتهره وأغلظ عليه ونزل فدخل ثم قعد إلى جانب
الخال وسلم عليه بغير الامرة فقال له غريب وقد استبشع أمره ما تقول
أعزك الله قال أنا رجل من ولد علي بن أبي طالب وعندي نصيحة للخليفة
34

لا يسعني؟؟ أن يسمعها غيره وهى من المهم الذي إن تأخر وصولي إليه حدث أمر عظيم
فدخل الخال إلى المقتدر والى السيدة وأعلمهما بأمره فبعث في الوزير علي بن عيسى
وأحضر الخال الرجل فأجتهد الوزير والحاجب نصر والخال أن يعلمهم النصيحة
ما هي فأبى حتى أدخل إلى الخليفة وأخذ سيفه وأدنى منه وتنحى الغلمان والخدم
فأخبر المقتدر بشئ لم يقف عليه أحد ثم أمره بالانصراف إلى منزل أقيم له
وخلع عليه ما يلبسه ووكل به خدم يخدمونه وأمر المقتدر أن يحضر ابن طومار
نقيب الطالبيين ومشايخ آل أبي طالب فيسمعون منه ويفهمون أمره فدخلوا عليه
وهو على برذعة طبرية مرتفعة فما قام إلى واحد منهم فسأله ابن طومار عن نسبته
فزعم أنه محمد بن الحسن بن علي بن موسى بن جعفر الرضا وأنه قدم من البادية فقال
له ابن طومار لم يعقب الحسن وكان قوم يقولون إنه أعقب وقوم قالوا لم يعقب
فبقى الناس في حيرة من أمره حتى قال ابن طومار هذا يزعم أنه قدم من البادية
وسيفه جديد الحلية والصنعة فابعثوا بالسيف إلى دار الطاق وسلوا عن
صانعه وعن نصله فبعث به إلى أصحاب السيوف بباب الطاق فعرفوه
وأحضروا رجلا ابتاعه من صيقل هناك فقيل له لمن ابتعت هذا السيف فقال
لرجل يعرف بابن الضبعي كان أبوه من أصحاب ابن الفرات وتقلد له المظالم
بحلب فأحضر الضبعي الشيخ وجمع بينه وبين هذا المدعى إلى بنى أبى طالب
فأقر بأنه ابنه فاضطرب الدعي وتلجج في قوله فبكى الشيخ بين يدي الوزير حتى
رحمه ووعده بأن يستوهب عقوبته ويحبسه أو ينفيه فضج بنو هاشم وقالوا يجب
أن يشهر هذا بين الناس ويعاقب أشد عقوبة ثم حبس الدعي وحمل بعد ذلك
على جمل وشهر في الجانبين يوم التروية ويوم عرفة ثم حبس في حبس المصريين
بالجانب الغربي (وفى هذه السنة) اضطرب أمر خراسان لما قتل أحمد بن
إسماعيل واشتغل نصر بن أحمد ولده بمحاربة عمه ودارت بينهما فتوق فكتب
أحمد بن علي المعروف بصعلوك وكان يلي الري من قبل أحمد بن إسماعيل أيام
حياته إلى المقتدر ووجه إليه رسولا يخطب إليه أعمال الري وقزوين وجرجان
35

وطبرستان وما يستضيف إلى هذه الأعمال ويضمن في ذلك مالا كثيرا وعنى به
نصر الحاجب حتى أنفذ إليه الكتب بالولاية ووصله المقتدر من المال الذي
ضمن بمائة ألف درهم وأمر بمائدة تقام له في كل شهر من شهور الأهلة بخمسة
آلاف درهم وأقطعه من ضياع السلطان بالري ما يقوم في كل سنة بمائة ألف درهم
(وفى هذه السنة) ركب المقتدر إلى الميدان وركب بأثره علي بن عيسى
الوزير ليلحقه فنفرت دابته وسقط سقطة مؤلمة وأمر الخليفة أصحاب الركاب
بإقامته وحمله على دابته فأنهضوه وحملوه وقيلت فيه أشعار منها
سقوطك يا علي لكسف بال * وخزي عاجل وسقوط حال
فما قلنا لعا لك بل سررنا * وكان لما رجونا خير فال
أضعت المال في شرق وغرب * فلم يحظ الامام بجمع مال
قال وكان علي بن عيسى بخيلا فأبغضه الناس لذلك (ووردت الاخبار)
بدخول صاحب إفريقية الإسكندرية وتغلبه على برقة وغيرها وكتب تكين
الخاصة والى مصر يطلب المدد ويستصرخ السلطان فعظم ذلك على المقتدر ورجاله
وكانوا من قبل مستخفين بأمر عبيد الله الشيعي وبأبي عبد الله القائم بدعوته
وكانوا قد فحصوا عن نسبه ومكانه وباطن أمره قال محمد بن يحيى الصولي حدثنا
أبو الحسن علي بن سراج المصري وكان حافظا لاخبار الشيعة أن عبيد الله
هذا القائم بإفريقية هو عبيد الله بن عبد الله بن سالم من أهل عسكر مكرم
ابن سندان الباهلي صاحب شرطة زياد ومن مواليه وسالم جده قتله المهدى
على الزندقة قال وأخبرني غير ابن سراج أن جده كان ينزل بنى سهم من باهلة
بالبصرة وكان يدعى أنه يعرف مكان الإمام القائم وله دعاة في النواحي يجمعون له
المال بسببه فوجه إلى ناحية المغرب رجلا يعرف بأبي عبد الله الصوفي
المحتسب فأرى الناس نسكا ودعاهم سرا إلى طاعة الامام فأفسد على زيادة الله
ابن الأغلب القيروان وكان عبيد الله هذا مقيما بسلمية مدة ثم خرج إلى مصر
فطلب بها وظفر به محمد بن سليمان فأخذ منه مالا وأطلقه ثم ثار المحتسب على ابن الأغلب
36

وطرده عن القيروان وقدم عليه عبيد الله فقال المحتسب للناس إلى هذا كنت أدعو
وكان عبيد الله يعرف أول دخوله القيروان بابن البصري فأظهر شرب الخمر
والغناء فقال المحتسب ما على هذا خرجنا وأنكر فعله فدس عليه عبيد الله رجلا
من المغاربة يعرف بابن خنزير فقتله وملك عبيد الله البلاد وحاصر أهل طرابلس
حتى فتحها وأخذ أموالا عظيمة ثم ملك برقه وأقبل جيشه يريد مصر وقد ولد
عبيد الله الإسكندرية وخطب فيها خطبا كثيرة محفوظة لولا كفر فيها لاجتلبت
بعضها ولما وردت الاخبار باستطالة صاحب القيروان بجهة مصر أنهض المقتدر
مؤنسا الخادم وندب معه العساكر وكتب إلى عمال أجناد الشأم بالمصير إلى مصر
وكتب إلى ابني كيغلغ وذكا الأعور وأبى قابوس الخراساني باللحاق بتكين لمحاربته
وخلع على مونس في شهر ربيع الأول سنة 302 وخرج متوجها إلى مصر وتقدم
علي بن عيسى الوزير بترتيب الجمازات من مصر إلى بغداد ليروح عليه الاخبار
في كل يوم فورد الخبر بأن جيش عبيد الله الخارج معه ابنه ومع قائده حباسة
انهزموا وبشر علي بن عيسى بذلك المقتدر فتصدق في يومه بمائة ألف درهم ووصل علي بن
عيسى بمال عظيم فلم يقبله ثم رجع على وقد باع له ابن ما شاء الله ضيعة بأربعة آلاف
دينار وفرقها كلها شكرا لله عز وجل ودخل مونس الخادم بالجيوش مصر في جمادى
الآخرة وقد انصرف كثير من أهل المغرب عن الإسكندرية ونواحيها وانصرف
ولد عبيد الله قافلا إلى القيروان وكتب محمد بن علي الماذرائي يذكر ضيق الحال
بمصر وكثرة الجيوش بها وما يحتاج إليه من الأموال لها فأنفذ إليه المقتدر مائتي
بدرة دراهم على مائتي جمازة مع جابر بن أسلم صاحب شرطة الجانب الشرقي ببغداد
وورد الخير من مصر في ذي القعدة بأن الاخبار تواترت عليهم بموت عبيد الله
الشيعي فانصرف مونس يريد بغداد وعزل المقدر تكين عن مصر وولاه دمشق
ونقل ذكا الأعور من حلب إلى مصر (وفى هذه السنة) صرف أبو إبراهيم بن
بشر بن زيد أبا بكر الكريزي العامل عن أعمال قصر ابن هبيرة ونواحيه فطالبه
وضربه بالمقارع حتى مات وحمل إلى مدينة السلام في تابوت (وفيها) مات القاسم
37

ابن الحسن بن الأشيب ويكنى أبا محمد وكان قد حدث وحمل عنه الناس توفى
لليلتين بقيتا من جمادى الأولى ولم يتخلف عن جنازته قاض ولا فقيه ولاعدل
(وفيها) ماتت بدعة جارية عريب مولاة المأمون لست خلون من ذي الحجة
وصلى عليها أبو بكر بن المهتدى وخلفت مالا كثيرا وجوهرا وضياعا وعقارات
فأمر المقتدر بالله بقبض ذلك كله وتوفيت ولها ستون سنة ما ملكها رجل قط *
وقطع في هذه السنة بطريق مكة على حاتم الخراساني وعلى خلق عظيم معه خرج
عليهم رجل من الحسينية مع بنى صالح بن مدرك الطائي فأخذوا الأموال
واستباحوا الحرم ومات من سلم عطشا وسلمت القوافل غير قافلة حاتم (وأقام
الحج) للناس في هذه السنة الفضل بن عبد الملك الهاشمي
ثم دخلت سنة 303
ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس
فيها ورد الخبر بأن رجلا من الطالبيين ثار بجهة واسط وانضم إليه جماعة من
الاعراب والسواد وكان للأعراب رئيس يقال له محرز بن رباح وذلك أنه
بلغهم بأن صاحب فارس والأهواز والبصرة بعث إلى حضرة السلطان من
المال المجتمع قبله ثلثمائة ألف دينار حملت في ثلاث شذوات فطمعوا في انتهابها
وأخذها وكمنوا للرسل في بعض الطريق ففطن بهم أهل الشذوات فأفلتت منها
واحدة وصاعدت ورجعت الاثنتان إلى البصرة ولم يظفر الخارجون بشئ
فصاروا إلى عقر وواسط وأوقعوا بأهلها وأحرقوا مسجدها واستباحوا الحرم
وبلغ حامد بن العباس خبرهم وكان يتقلد أعمال الخراج والضياع بكسكر وكور دجلة
وما اتصل بذلك فوجه من قبله محمد بن يوسف المعروف بخزرى وكان
يتقلد له معونة واسط وضم إليه غلمانه وقوما فرض لهم فرضا وكتب إلى
السلطان بالخبر فأمده بلؤلؤ الطولوني فلم يبلغ إليه لؤلؤ حتى قتل الطالبي ومحرز
ابن رباح وأكثر الاعراب الخارجين معهما وأسر منهم نحو مائة أعرابي وكتب
38

حامد بالفتح إلى المقتدر وبعث بالأسرى فأدخلوا مدينة السلام في جمادى الأولى
وقد ألبسوا البرانس وحملوا على الجمال فضجوا وعجوا وزعم قوم منهم أنهم براء
فأمر المقتدر بردهم إلى حامد ليطلق البرئ ويقتل النطف فقتلهم أجمعين على
جسر واسط وصلبهم (وفى هذه السنة) في جمادى الأولى ورد الخبر بأن
الروم حشدوا وخرجوا على المسلمين فظفروا بقوم غزاة من أهل طرسوس
وظفرت طائفة منهم أخرى بخلق كثير من أهل مرعش وشمشاط فسبوا من
المسلمين نحوا من خمسين ألفا وعظم الامر في ذلك وعم حتى وجه السلطان بمال
ورجال إلى ذلك الثغر فدارت على الروم بعد ذلك وقعات كثيرة (وفيها)
كانت لهارون بن غريب الخال جناية وهو سكران بمدينة السلام على رجل من
الخزر يعرف بجوامر دلقيه ليلا فضرب رأسه بطبرزين كان في يده فقتله بلا
سبب فشغب رفقاؤه الذين كان في جملتهم وطلبوا هارون ليقتلوه فمنع منهم
وكانوا نحو المائة فشكوا أمره وترددوا طالبين لاخذ الحق منه فلم ينظر لهم فلما
أعوزهم ذلك خرجوا بأجمعهم إلى عسكر ابن أبي الساج وكان قد تحرك على
السلطان وأنفذ إليه المقتدر رشيقا الحرمي ختن نصر الحاجب رسولا ليصرفه
عن مذهبه فحبسه أبى الساج عند نفسه ومنعه أن يكتب كتابا إلى المقتدر ثم أنه
أطلقه بعد ذلك وبعث بهدايا ومال فرضى عنه (وفيها) عظم أمر الحسين
ابن حمدان بنواحي الموصل فأنفذ إليه السلطان أبا مسلم رائقا الكبير وكان
أسن الغلمان المعتضدية وأعلاهم رتبة وكان فيه تصاون وتدين وحسن عقل
فشخص ومعه وجوه القواد والغلمان فحارب الحسين بن حمدان وهو في نحو خمسة
عشر ألفا فقتل رائق من قواد ابن حمدان جماعة منهم الحسن بن محمد بن أبا التركي
وكان فارسا شجاعا مقداما وأبو شيخ ختن ابن أبي مسعر الأرميني ووجه الحسين
ابن حمدان إلى رائق جماعة يسأله أن يأخذ له الأمان وإنما أراد أن يشغله بهذا عن
محاربته ومضى الحسين مصعدا ومعه الأكراد والاعراب وعشر عماريات فيها
حرمه وكان مونس الخادم قد انصرف من الغزاة وصار إلى آمد فوجه القواد
39

والغلمان في أثر الحسين فلحقوه وقد عبر بأصحابه وأثقاله واديا وهو واقف يريد
العبور في خمسين فارسا ومعه العماريات فكابرهم حتى أخذوه أسيرا وسلم عياله
وأخذ ابنه أبو الصقر أسيرا فلما رأى الأكراد هذا عطفوا على العسكر
فنهبوه وهرب ابنه حمزة وابن أخيه أبو الغطريف ومعهما مال ففطن بهما عامل
آمد وكان العامل سيما غلام نصر الحاجب فأخذ ما معهما من المال وحبسهما ثم
ذكر إن أبا الغطريف مات في الحبس فأخذ رأسه وكان الظفر بحسين بن حمدان
يوم الخميس للنصف من شعبان ورحل مونس يريد بغداد ومعه الحسين بن حمدان
واخوته على مثل سبيله وأكثر أهله فصير الحسين على جمل مصلوبا على نقنق وتحته
كرسي ويدير النقنق رجل فيدور الحسين من موقفه يمينا وشمالا وعليه دراعة
ديباج سابغة قد غطت الرجل الذي يدير النقنق ما يراه أحد وابنه الذي كان
هرب من مدينة السلام أبو الصقر قد حمل بين يديه على جمل وعليه قباء ديباج
وبرنس وكان قد امتنع من وضع البرنس على رأسه فقال له الحسين ألبسه يا بنى
فان أباك البس البرانس أكثر هؤلاء الذين تراهم وأومأ إلى القتال وجماعة من
الصفارية ونصبت القباب بباب الطاق وركب أبو العباس محمد بن المقتدر بالله وبين
يديه نصر الحاجب ومعه الحربة وخلفه مونس وعلي بن عيسى وأخوه الحسين
خلف جملة عظيمة عليهم السواد في جملة الجيش ولما صار الحسين بسوق يحيى
قال له رجل من الهاشميين الحمد لله الذي أمكن منك فقال له الحسين والله لقد امتلأت
صناديقي من الخلع والألوية وأفنيت أعداء الدولة وإنما أصارني إلى هذا الخوف
على نفسي وما الذي نزل بي إلا دون ما سينزل بالسلطان إذا فقد من أوليائه مثلي
وبلغ الدار ووقف بين يدي المقتدر بالله ثم سلم إلى نذير الحرمي فحبسه في حجرة
من الدار وشغب الغلمان والرجالة يطلبون الزيادة ومنعوا من الدخول على مونس
أو على أحد من القواد ومضوا إلى دار علي بن عيسى الوزير فأحرقوا بابه وذبحوا في
اصطبله دوابه وعسكروا بالمصلى ثم سفر بالامر بينهم فدخلوا واعترفوا بخطئهم وكان
الغلمان سبعمائة وكان الرجالة خلقا كثيرا فوعدهم مونس الزيادة فزيدوا شيئا يسيرا
40

فرضوا * وفى آخر شهر رمضان أدخل خمسة نفر أسارى من أصحاب الحسين فيهم حمزة
ابنه ورجل يقال له علي بن الناجي لثلاث بقين من هذا الشهر ثم قبض على عبيد الله
وإبراهيم ابني حمدان وحبسا في دار غريب الخال ثم أطلقا (وفى هذه السنة) في صفر
قلد ورقاء بن محمد الشيباني معونة الكوفة وطريق مكة وعزل عن الكوفة إسحاق
ابن عمران وكان عقده على طريق مكة وقصبة الكوفة وأربعة من طساسيجها
طسوج السيلحين وطسوج فرات بادقلا وطسوج بابل وخطر نية والخرب
وطسوج سورا وخلع عليه وعقد له لواء (وفى هذه السنة) أغلظ علي بن عيسى
لأحمد بن العباس أخي أم موسى وقال له قد أفنيت مال السلطان ترتزق في كل
شهر من شهور الأهلة سبعة آلاف دينار وكتب رقعة بتفصيلها فلم تزل أم موسى
ترفق لعلي بن عيسى إلى أن أمسك عنه (وفى هذه السنة) نظر علي بن عيسى
بعين رأيه إلى أمر القرامطة فخافهم على الحاج وغيرهم فشغلهم بالمكاتبة والمراسلة
والدخول في الطاعة وهاداهم وأطلق لهم التسوق بسيراف فردهم بذلك وكفهم
فخطأه الناس فلما عاينوا بعد ذلك ما فعله القرامطة حين أخرجوا علموا أن الذي
فعله على صواب كله وشنع على علي بن عيسى بهذا السبب أنه قرمطي ووجد
حساده السبيل إلى مطالبته بذلك وكان الرجل أرجح عقلا وأحسن مذهبا من
الدخول فيما نسب إليه (وفى هذه السنة) مات أبو الهيثم بن ثوابة الأكبر بالكوفة
في الحبس بعد أن أخذ منه إسحاق بن عمران مالا جليلا للسلطان ولنفسه وقيل
إنه احتال في قتله خوف أن يقر عليه يوما بما أخذ منه لنفسه (وفيها) مات
الفضل بن يحيى بن فرخان شاه الديراني النصراني من دير قنا فقبض السلطان
على جميع أملاكه وكانت له عند رجل مائة وخمسون ألف دينار فأخذت من
الرجل ووجه شفيع المقتدري ومعه غلمان وخدم إلى قنا فأحصوا تركته وضياعه
(وفيها) مات إدريس بن إدريس العدل في القادسية وهو حاج إلى مكة وكان
أمره قد علا في التجارة والمكانة عند السلطان وكان يحج في كل سنة ويحمل
معه مالا ينفقه على من احتاج إلى النفقة قال محمد بن يحيى الصولي أنا سمعته يوما
41

يقول يلزمني كل سنة في الحج نفقة غير ما أصرفه في أبواب البر خمسة آلاف
دينار (وفيها) مات أبو الأغر السلمي فجاءة لسبع خلون من ذي الحجة قال
نصف النهار بعد أن تغدى ثم حرك للصلاة فوجد ميتا (وأقام الحج للناس) في
هذه السنة الفضل بن عبد الملك الهاشمي
ثم دخلت سنة 304
ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس
وفى المحرم من هذه السنة ورد كتاب صاحب البريد بكرمان يذكر أن
خالد بن محمد الشعراني المعروف بأبي يزيد وكان علي بن عيسى الوزير ولاه
الخراج بكرمان وسجستان خالف على السلطان ودعى أميرا وجمع الناس إلى
نفسه وضمن لهم الأموال على أن ينهضوا معه لمحاربة بدر الحمامي صاحب فارس وضمن
لقواد كانوا معه مالا عظيما وعجل لهم منه بعضه حتى اجتمع له نحو عشرة آلاف
فارس وراجل وكان ضعيف الرأي ناقص القريحة فكتب المقتدر إلى بدر
الحمامي في إنفاذ جيش إليه ومعاجلته فوجه إليه بدر قائدا من قواده يعرف بدرك
وضم إليه من جنده ورجال فارس عسكرا كثيرا وكتب بدر قبل إنفاذ الجيش
إلى أبى يزيد الشعراني يرغبه في الطاعة ويتضن له العافية مع الانهاض
في المنزلة وخوفه وبال المعصية فجاوبه أبو يزيد والله ما أخافك لانى فتحت المصحف
فبدر إلى منه قول الله عز وجل " لا تخاف دركا ولا تخشى " ومع ذلك ففي طالعي
كوكب بيبانى لابد أن يبلغني غاية ما أريد فأنفذ بدر الجيش إليه وحوصر حتى
أخذ أسيرا فقيلت فيه أشعار منها
يا أبا يزيد قائل البهتان * لا تغترر بالكوكب البيبانى
وأعلم بأن القتل غاية جاهل * باع الهدى بالغى والعصيان
قد كنت بالسلطان عالي رتبة * من ذا الذي أغراك بالسلطان
ثم أتى الخبر بأن أبا يزيد هذا مات في طريقه فحمل رأسه إلى مدينة السلام
ونصب على سور السجن الجديد وعزل يمن الطولوني عن إمارة البصرة ووليها
42

الحسن بن خليل بن ريمال على يدي شفيع المقتدري إذ كانت إمارتها إليه
ذكر التقبض على علي بن عيسى الوزير وولاية علي بن الفرات ثانية
وقبض في هذه السنة على الوزير علي بن عيسى يوم الاثنين لثمان ليال خلون
من ذي الحجة ونهبت منازل إخوته ومنازل حاشيته وذويا وحبس في دار المقتدر
وقلد الوزارة في هذا اليوم علي بن محمد بن موسى بن الفرات وخلع عليه سبع خلع
وحمل على دابة بسرجه ولجامه فجلس في داره بالمخرم المعروفة بدار سليمان بن
وهب وردت عليه أكثر ضياعه التي كانت قبضت منه عند التسخط عليه وظهر
من كان استتر بسببه من صنائعه ومواليه وذكر عنه أنه لما ولى ابن الفرات
الوزارة وخلع عليه بالغداة زاد ثمن الشمع في كل من منه قيراط ذهب لكثرة
ما كان ينفقه منه في وقيده وينفق بسببه وزاد في ثمن القراطيس لكثرة استعماله
إياها فعد الناس ذلك من فضائله وكان اليوم الذي خلع عليه فيه يوما شديد الحر
فحدثني ابن الفضل بن وارث أنه سقى في داره في ذلك اليوم وتلك الليلة أربعون
ألف رطل من الثلج وركب علي بن محمد إلى المسجد الجامع ومعه موسى بن
خلف صاحبه فصيح به الهاشميون قد أسلمنا وضجوا في أمر أرزاقهم فأمر ابن
الفرات من كان معه ألا يكلمهم في شئ فأفرطوا في القول فأنكر ذلك المقتدر
وأمر بأن يحجب أصحاب المراتب عن الدار فصار مشايخهم إلى ابن الفرات
واعتذروا إليه وقالوا له هذا فعل جهالنا فكلم الخليفة فيهم حتى رضى عنهم
وضم إلى ابن الفرات جماعة من الغلمان الحجرية ليركبوا بركوبه ويكونوا معه
في كل موضع يكون فيه (وفيها) ورد الكتاب من خراسان يذكر فيه أنه وجد
بالقند هار في أبراج سورها برج متصل بها فيه خمسة آلاف رأس في سلال من
حشيش ومن هذه الرؤس تسعة وعشرون رأسا في أذن كل رأس منها رقعة
مشدودة بخيط ابريسم باسم كل رجل منهم والأسماء شريح بن حيان، خباب بن
الزبير، الخليل بن موسى التميمي، الحارث بن عبد الله، طلق بن معاذ السلمي، حاتم بن
حسنة هانئ بن عرة وعمر بن علان، جرير بن عباد المدني، جابر بن خبيب بن الزبير،
43

فرقد بن الزبير السعدي، عبد الله بن سليمان بن عمارة، سليمان بن عمارة، مالك بن طرخان
صاحب لواء عقيل ابن لسهيل بن عمرو، عمرو بن حيان، سعيد بن عتاب الكندي،
حبيب بن أنس، هارون بن عروة، غيلان بن العلاء، جبريل بن عبادة، عبد الله البجلي،
مطرف بن صبح ختن عثمان بن عفان رضي الله عنه وجدوا على حالهم الا أنهم
قد جفت جلودهم والشعر عليها بحالته لم يتغير وفى الرقاع من سنة 70 من الهجرة
(وفى هذه السنة) عزل يمن الطولوني عن شرطة بغداد ووليها نزار بن محمد
الضبي * وفى المحرم من هذه السنة توفى عبد العزيز بن طاهر بن عبد الله بن طاهر
أخو محمد بن طاهر وكان عبدا صالحا حسن المذهب كثير الخير ودفن في مقابر
قريش وصلى عليه مطهر بن طاهر (وفيها) مات محدث عدل يعرف بأبي نصر
الخراساني في جمادى الأولى (وفيها) مات أبو الحسن أحمد بن العباس بن الحسن
الوزير في شعبان وكان قد عنى بالأدب ورشح نفسه للوزارة وأهله قوم لها
(وفيها) مات لؤلؤ غلام ابن طولون (وفيها) مات أبو سليمان داود بن عيسى
ابن داود بن الجراح قبل القبض على أخيه علي بن عيسى بشهرين فلم يتخلف أحد
عن جنازته من الاجلاء (وفى هذه السنة) قدم طرخان بن محمد بن إسحاق بن
كنداجيق من الدينور حاجا في شهر رمضان فركب إلى الوزير علي بن عيسى
يوم الاثنين لاحدى عشرة ليلة بقيت من شوال وليس عنده خبر فعزاه الوزير
عن أبيه فجزع عليه جزعا شديدا وخلع عليه في يوم الخميس بعد ثلاثة أيام وعقد
له لواء على أعمال أبيه فكتب إلى أخيه يستخلفه على العمل ونوظر عن الأعمال
التي كانت إلى أبيه فقطع الامر معه على ستين ألف دينار حملها عنه حمد كاتبه وجئ
بتابوت محمد بن إسحاق لأربع بقين من شوال ودفن في داره بالجانب الغربي
(وأقام الحج) للناس في هذه السنة الفضل بن عبد الملك الهاشمي
ثم دخلت سنة 305
ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس
فيها دخل مدينة السلام رسل ملك الروم ورئيساهم شيخ وحدث ومعهما
44

عشرون علجا فأنزلوا الدار التي كانت لصاعد ووسع عليهم في الانزال والوظائف
ثم أدخلوا بعد أيام إلى دار الخليفة من باب العامة وجئ بهم في الشارع الأعظم وقد عبى لهم
المصاف من باب المخرم إلى الدار فأنزل الرئيسان عن دابتهما عند باب العامة وأدخلا
الدار وقد زينت المقاصير بأنواع الفرش ثم أقيما من الخليفة على نحو مائة ذراع
والوزير علي بن محمد بين يديه قائم والترجمان واقف يخاطب الوزير والوزير يخاطب
الخليفة وقد أعد من آلات الذهب والفضة والجوهر والفرش ما لم ير مثله وطيف
بهما عليه ثم صير بهما إلى دجلة وقد أعدت على الشطوط الفيلة والزرافات والسباع
والفهود وخلع عليهما وكان في الخلع طيالسة ديباج مثقلة وأمر لكل واحد من
الاثنين بعشرين ألف درهم وحمل في الشذا مع الذين جاؤوا معهما وعبر بهما إلى
الجانب الغربي وقد مد المصاف على سائر شراع دجلة إلى أن مر بهما تحت الجسر
إلى دار صاعد وذلك يوم الخميس لست بقين من المحرم وقدم إبراهيم بن أحمد
الماذرائي من مكة فقبض عليه ابن الفرات وأغلظ له وصادره على مال عجل
بعضه ونجم الباقي عليه وكتب ابن الفرات إلى علي بن أحمد بن بسطام المتقلد
لأعمال الشأم في المصير إلى مصر والقبض على الحسين بن أحمد المعروف بأبي
زنبور وعلى ابن أخيه أبى بكر محمد بن علي وحملهما إلى مدينة السلام على جمازات
ونفذ إليه بهما من بغداد بعد مصادرتهما والاستقصاء عليهما وحمل مال
المصادرة إلى مدينة السلام وقد كانا قبل ذلك ظفرا بابن بسطام فأحسنا
إليه فجازاهما ابن بسطام أيضا بأن رفق بهما وحسن أمورهما وغنى بهما بعض
حاشية السلطان ببغداد وقيل للخليفة إن الوزير إنما وجه في قتلهما فأنفذ
خادما من ثقات خدمه على الجمازات في طريق البرية إلى دمشق ومنها إلى مصر
وأمر ابن بسطام ألا يناظرهما إلا بحضرة الخادم الموجه إليه وألا يعنف عليهما
وكان ذلك مما يحبه ابن بسطام لأنه كان أساء بهما غاية الإساءة وأخذ منهما مالا
جليلا يقال إنه احتجنه وتقلد أبو الطيب أخوه مناظرة ابن بسطام رفقا به أيضا
ولم يشتدا عليه في شئ مما كان إليه وأحسنا إليه وسلماه إلى تكين صاحب مصر
45

ليناظر بحضرته فنسب أبو الطيب بفعله ذلك إلى العجز وقال فيه بعض الشعراء
بمصر شعرا ذكرته لما فيه من مذهبهم في شنعة التعذيب والاستقصاء
يا أبا الطيب الذي أظهر الله * به العدل ليس فيك انتصار
قد تأنيت وانتظرت فهل بعد * تأنيك وقفة وانتظار
جد بالخائن البخيل فكشفه * ففي كشفه عليه دمار
أين ضرب المقارع الارزنيات * وأين الترهيب والانتهار
أين صفع القفا وأين التهاويل * إذا علقت عليه الثفار
أين ضيق القيود والألسن الفظة * أين القيام والأخطار
أين عرك الآذان واللطم للهام * وعصر الخصا وأين الزيار
أين نتف اللحا وشد الحيازيم * وأين الحبوس والمضمار
ليس يرضى بغير ذا منك سلطانك * فاشدد فإن رفقك عار
فبهذا يجيك مالك فاسمع * وإليك الخيار والاختيار
وقبض ببغداد على ابن أخت إبراهيم بن أحمد الماذرائي وهو أبو الحسين
محمد بن أحمد وكان يكتب لبدر الحمامي ويخلف أبا زنبور وأبا بكر محمد بن علي وطالبه
ابن الفرات بأموال فأغرمه وأخذ جميع ما وجد له في داره (وفى هذه السنة)
ورد الخبر بأن الحسن بن خليل بن ريمال أمير البصرة من قبل شفيع المقتدري
أساء السيرة في البصرة ومديده إلى أمور قبيحة ووظف على الأسواق وظائف
فوثبوا به فركب وأحرق السوق التي حول الجامع وركضت خيله في المسجد وقتلوا
جماعة من العامة ممن كان في المسجد ولم تصل الجمعة في ذلك اليوم ثم كثر أهل
البصرة فحاصروه في داره بموضع يعرف ببنى نمير واجتمع أصحابه إليه إلى أن تقدم
المقتدر إلى شفيع المقتدري بعزله فعزله وولى رجلا من أصحابه يعرف بابن أبى دلف
الخزاعي فانحدر وأفرج أهل البصرة للحسن بن خليل حين خرج وقد كان أهل
البصرة طلقوا المحبوسين ومنعوا من صلاة الجمعة شهرا متواليا * (وفى هذه السنة)
ورد رجل من عسكر ابن أبي الساج يعرف بكلب الصحراء في الأمان فذكر أنه
46

علوي وأن ابن أبي الساج كان يعتقله وأنه هرب منه فأجرى له ثلثمائة دينار في
المجتازين وكتب إلى ابن أبي الساج بذلك فدس إليه من يناظره عن نسبه وكان
قد تزوج بامرأة ابن أبي ناظرة وهى ابنة الحسن بن محمد بن أبي عون فأحضر
ابن طومار النقيب فناظره وكان دعيا فسلم إلى نزار بن محمد صاحب الشرطة ببغداد
فوضعه في الحبس * وفى شوال من هذه السنة دخل مونس الخادم إلى الري لمحاربة
ابن أبي الساج بعد أن هزم ابن أبي الساج خاقان المفلحي فما ترك أحدا من أصحابه
يتبعه ولا يأخذ من أصحابه شيئا ودخل ابن الفرات إلى المقتدر بالله فأعلمه أن على
ابن عيسى كتب إلى ابن أبي الساج يأمره أن يصير إلى الري حيلة على الخليفة
وتدبيرا عليه فسمع المقتدر بالله هذا الكلام من ابن الفرات فلما خرج سأل على
ابن عيسى عنه وكان محبوسا عنده في داره فقال له على الناحية التي أنهضت إليها
ابن أبي الساج منغلقة بأخي صعلوك فكتبت إليه بمحاربته ولا أبالى من قتل
منهما وقد استأذنت أمير المؤمنين في فعلى هذا فأذن فيه وسألته التوقيع به
فوقع وتوقيعه عندي فأحضر التوقيع فحسن موقع ذلك له من المقتدر ووسع على
علي بن عيسى في محبسه ولم يضيق عليه (وفيها) ورد الخبر بقتل عثمان العنزي
القائد والى طريق خراسان وأدخل بغداد في تابوت ثم ظفر بقاتله وكان
رجلا كرديا من غلامن علان الكردي فضرب وثقل بالحديد حتى مات (وفيها)
وردت هدايا أحمد بن هلال صاحب عمان على المقتدر بالله وفيها ألوان الطيب
ورماح وطرائف من طرائف البحر فيها طير صيني اسود يتكلم أفصح من
الببغا بالهندية والفارسية وفيها ظباء سود (وفيها) قدم القاسم بن سيما الفرغاني
من مصر بعد أن عظم بلاؤه وحسن أثره في حرب حباسة قائد الشيعة بمصر
وكان أهل مصر قد هزموا ودار سيف أهل المغرب بهم حتى لحقهم القاسم
فنجاهم كلهم وهزم حباسة وأصحابه فركبوا الليل ووردت كتب أهل مصر
وصاحب البريد بها يذكرون جليل فعله وحسن مقامه وهو لا يشك في أن
السلطان يجزل له العطاء ويقطعه الاقطاع الخطيرة ويوليه الأعمال العالية فلما
47

وصل إلى باب الشماسية أقاموه بها ومنعوه الدخول إلى أن مل وضجر ثم
أذنوا له في الوصول فاعتدوا بذلك نعمة عليه وكان القاسم رجل صدق كثير
الفتوح حسن النية فلم يزل منذ دخل بغداد كمدا عليلا إلى أن توفى في آخر
هذه السنة يوم الجمعة لسبع ليال بقين من ذي الحجة (وفيها) ماتت بنت
للمقتدر فدفنت بالرصافة وحضرها آل السلطان وطبقات الناس (وفيها)
مات القاسم بن زكرياء المطرز المحدث في صفر * وفى شهر ربيع الآخر مات
القاسم بن غريب الخال ولم يتخلف عن جنازته أحد من القواد والاجلاء
وركب ابن الفرات الوزير إلى غريب معزيا في عشى ذلك اليوم الذي دفن ابنه
في غداته (وفى هذا الشهر) ورد الخبر بموت العباس بن عمرو الغنوي وكان
عامل ديار مضر ومقيما بالرقة فحمل ما تخلف من المال والأثاث والسلاح
والكراع إلى المقتدر واضطرب بعد موته أمر ديار مضر فقلدها وصيف
البكتمرى فلم يظهر منه فيها أثر يرضى فعزل وقلدها جنى الصفواني فضبطها
(وفيها) مات عبد الله بن إبراهيم المسمعي يوم السبت لتسع ليال بقين من شهر
ربيع الآخر ودفن في داره التي أقطعها بباب خراسان وكان عبد الله بن إبراهيم
المسمعي عاقلا عالما قد كتب الحديث وسمع عن الرياشي سماعا كثيرا وكان
حسن الحفظ وكان ابنه عالما إلا أنه كان دونه (وفيها) مات سبكرى غلام
عمرو بن الليث الصفار ببغداد (وفيها) مات غريب خال المقتدر يوم الأربعاء
لثمان بقين من جمادى الآخرة وصلى عليه أحمد بن العباس الهاشمي أخو أم موسى
ودفن بقصر عيسى وحضر جنازته الوزير علي بن محمد وجميع حاشيته والقواد
والقضاة وكان نصر الحاجب قد أحس من المقتدر سوء رأى في الوزير
ابن الفرات واستثقالا لمكانه وعملا في الايقاع به فوجه نصر إلى المقتدر
يشعره بأن ابن الفرات قد حضر الجنازة في جميع أهله وحاشيته وقال له
إن كنت عازما على إنفاذ أمرك فيهم فاليوم أمكنك إذ لا تقدر على جمعهم
هكذا فوجه المقتدر أخر هذا فليس وقته وخلع بعد جمعة من ذلك اليوم على
48

هارون بن غريب وقلد ما كان يتقلد أبوه من الأعمال وعقد له لواؤه بعد ذلك
(وفى هذه السنة) مات مصعب بن إسحاق بن إبراهيم يوم الأحد سلخ شعبان
وقد بلغ سنا عالية وصلى عليه الفضل بن عبد الملك إمام مكة وكان آخر من
بقى من ولد إسحاق بن إبراهيم وانتهت إليه وصيته وكان أعيا الناس لسانا
وأكثرهم في القول خطلا وكان طويل اللحية مغفلا إلا أنه كان صالحا وكتب الحديث
ورواه وله أخبار وكتب مصحفة منها ما كتب به إلى أهله من القادسية لما حج وألفى
هذا الكتاب بخطه فحكيته على ألفاظه (بسم الله الرحمن الرحيم) كتاب إليكم
من القادسية وكنت قد أغفلت أمر الاحاضى فقوالبن أبو الورد يعنى وكيلا له
يشترى لكم ثلاث بقرات يحضيها على أحد وعشرين أمهات الأولاد اثنى عشر
وأبى وأمي تمام العشرين وأنا آخرهم الحاود والعشرين فرأيكم في ذلك تعجيله
إن شاء الله * وقال فيه بعض جيرانه من الشعراء:
وصى إسحاق يا بنى صدقه * عما قليل سيأخذ الصدقة
ضد لإسحاق في براعته * يظهر من غير منطق حمقه
وإن أتى بالكلام بدله * فقال في حلقة لنا لحقه
وورد الخبر من فارس بموت إسحاق الأشروسني؟؟ وكان قد تقلد شرطة
الجانب الشرقي من بغداد (وأقام الحج في هذه السنة) ابن الفضل بن عبد الملك
وأبوه حاضر معه
ثم دخلت سنة 306
ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس
فيها ورد الخبر بوقعة كانت بين مونس الخادم وبين يوسف بن أبي الساج
وذلك يوم الأربعاء لثمان ليال خلون من صفر فكانت الهزيمة على مونس وأصحابه
ولحق نصر السبكي مونسا وهو منهزم وبين يديه مال فأراد أسره وأخذ المال
الذي كان بيده فوجه إليه يوسف لا تعرض له ولا شئ مما معه وأسر في هذه
الوقيعة جماعة من القواد فأكرمهم يوسف وخلع عليهم وحملهم ثم أطلقهم فود
49

من كان في عسكر مونس أنهم أسروا (وفى هذه السنة) أمرت السيدة أم المقتدر
قهرمانة لها تعرف بمثل أن تجلس بالرصافة للمظالم وتنظر في كتب الناس يوما
في كل جمعة فأنكر الناس ذلك واستبشعوه وكثر عيبهم له والطعن فيه وجلست
أول يوم فلم يكن لها فيه طائل ثم جلست في اليوم الثاني وأحضرت القاضي
أبا الحسن فحسن أمرها وأصلح عليها وخرجت التوقيعات على سداد فانتفع
بذلك المظلومون وسكن الناس إلى ما كانوا نافروه من قعودها ونظرها (وفيها)
أمر المقتدر يمنا الطولوني وكانت إليه الشرطة ببغداد بأن يجلس في كل ربع من
الأرباع فقيها يسمع من الناس ظلاماتهم ويفتى في مسائلهم حتى لا يجرى على
أحد ظلم وأمره ألا يكلف الناس ثمن الكاغد الذي تكتب فيه القصص وأن
يقوم به وألا يأخذ الأعوان الذين يشخصون مع الناس أكثر من دانقين في
أجعالهم (وفى هذه السنة) استطاب المقتدر الزبيدية فسكنها وأقام بها مدة ونقل
إليها بعض الحرم ورتب القواد في مضاربهم حوالي الزبيدية وجلس في يوم سبت
لاطعامهم ووصل جماعة منهم وشرب مع الحرم وفرق عليهن مالا كثيرا * قال محمد
ابن يحيى الصولي ووافق هذا اليوم قصدي إلى نصر الحاجب مسلما عليه فأمرني
بعمل شعر أصف فيه حسن النهار وأن أوصله إلى المقتدر ففعلت وما برحت من
عنده حتى جاء خادم لام موسى ومعه خمسة آلاف درهم فقال هذه للصولي وقد
استحسن أمير المؤمنين الشعر وكان أولها
لها كل يوم من تعتبه عتب * تحملني ذنبا وما كان لي ذنب
(وفيها) كواكب سعد قابلتها منيرة * فلا شخصها يخفى ولا نورها يخبو
وأطلع أفق الغرب شمس خلافة * وما خلت أن الشمس يطلعها الغرب
تلبس حسنا بالخليفة جعفر * وأشرق من إشراقه البعد والقرب
بمقتدر بالله عال على الهوى * له من رسول الله منتسب رحب
ولها هزم ابن أبي الساج مونسا الخادم أرجف الناس بالوزير ابن الفرات
وأكثروا الطعن عليه ونسبوا كل ما حدث إلى تضييعه وانكفى عليه أعداؤه
50

ومن كان يحسده وأغرى الخليفة به فكتبت رقعة وأخرجت من دار السلطان إلى علي
ابن عيسى وهو محبوس وسمى له فيها جماعة ليقول فيهم بمعرفته وليستوزر من يشير
منهم وكان في جملة التسمية إبراهيم بن عيسى فوقع تحته شره لا يصلح ووقع تحت اسم
ابن بسطام كاتب سفاك للدماء ووقع تحت اسم ابن أبي البغل ظالم لادين له ووقع
تحت اسم حامد بن العباس عامل موسر عفيف قد كبر ووقع تحت اسم الحسين
ابن أحمد الماذرائي لا علم لي به وقد كفى ما في ناحيته ووقع تحت اسم أحمد
ابن عبيد الله بن خاقان أحمق متهور ووقع تحت اسم سليمان بن الحسين بن مخلد
كاتب حدث ووقع تحت اسم ابن أبي الحوارى لا إله إلا الله فأجمع رأى المقتدر
ومن كان يشاوره على تقليد حامد بن العباس الوزارة وأعان على ذلك نصر الحاجب
ورآه صوابا فأنفذ المقتدر حاجبه المعروف بابن بويح للاقبال بحامد وقبض على على
ابن محمد بن الفرات يوم الخميس بعد العصر لثلاث بقين من شهر ربيع الآخر
وعلى من ظفر به من آله وحاشيته فكانت وزارته في هذه المدة سنة وخمسة
أشهر وتسعة عشر يوما وفر ابنه المحسن من ديوان المغرب وكان يليه فدخل
إلى منزل الحسين بن أبي العلاء فلم يستتر أمره وأخذ فجئ به إلى دار السلطان
ودخل حامد بن العباس ببغداد يوم الاثنين لليلتين خلتا من جمادى الأولى عشيا
فبات في دار نصر الحاجب التي في دار السلطان ووصل يوم الثلاثاء من غدوة
إلى المقتدر وخلع عليه بعد أن تلقاه الناس من نهر سابس إلى بغداد ولم يتخلف
عنه أحد ورأى السلطان ومن حوله ضعف حامد وكبره فعلموا أنه
لابد له من معين فأخرج علي بن عيسى بن محبسه وأنفذ إلى الوزير حامد ومعه
كتاب من الخليفة يعلمه فيه أنه لم يصرف عليا عن الوزارة لخيانة ولا لشئ
أنكره ولكنه واصل الاستعفاء فعوفي قال وقد أنفذته إليك لتوليه الدواوين
وتستخلفه وتستعين به فان ذلك أجمع لأمورك وأعون على جميل نيتك فسلم
الكتاب إلى الوزير شفيع المقتدري فتطاول لعلي بن عيسى حين دخل إليه
وأجلسه إلى جانبه فابى عليه وجلس منزويا قليلا وقرأ الرقعة وأجاب فيها
51

بالشكر والقبول وركب الوزير حامد وعلي بن عيسى إلى الجمعة وكثر دعاء الناس
لهما وولى ابن حماد الموصلي مناظرة ابن الفرات بحضرة شفيع اللؤلؤي وأحضر
حامد بن العباس المحسن بن علي بن محمد بن الفرات وموسى بن خلف فطالبهما
بالمال وأسرف في صفعهما وضربهما وشتمهما فقال له موسى بن خلف أعز
الله الوزير لاتسن هذا على أولاد الوزراء فان لك أولادا فغاظه ذلك فزاد في
عقوبته فحمل من بين يديه وتلف وأوقع بالمحسن فأمر المقتدر بالله باطلاق
المحسن فأطلق ولما بلغ ابن الفرات الخبر أظهر أنه رأى أخاه في النوم كأنه يقول
له أعطهم مالك فإنك تسلم فاستدعى ابن الفرات أن يسمع الخليفة منه فأحضره
فأقر له بأن له قبل يوسف بن بنخاس وهارون بن عمران الجهبذين اليهوديين
سبعمائة ألف دينار فأحضرهما حامد فأقرا بالمال فأخذه منهما وأقر بمائة ألف
دينار له عند بعض أسبابه فأخذت وأخذوا قبل ذلك منه نحو مائتي ألف دينار
فكانت الجملة التي أخذت منه ومن أسبابه ألف ألف دينار وكان السلطان أنفذ
جمازات إلى الحسين بن أحمد الماذرائي يأمره بالقدوم فأرجف الناس ان
ذلك للوزارة وقيل أيضا ليحاسب عن أعماله فقدم إلى بغداد للنصف من شهر
رمضان سنة 6 وأهدى إلى الخليفة هدايا جليلة وإلى السيدة وحمل مالا وأهدى
إلى علي بن عيسى مالا وهدايا فردها وأمره أن يحملها إلى السلطان وأخرج
ابن الفرات واجتمعت الجماعة لمناظرته فأقر الحسين بن أحمد انه حمل إليه عند
تقلده الوزارة في الدفعة الثانية ستمائة ألف دينار فأقر بوصول المال إليه وذكر
وجوها يترفه فيها فقبل بعض ذلك وألزم الباقي ورد الحسين بن أحمد على مصر
وأعمالها وأخوه على الشأم وشخص إليها لست بقين من ذي القعدة وخرج توقيع
الخليفة بإسقاط جميع ما صودر عليه الحسين بن أحمد وابن أخيه محمد بن علي بن أحمد
والاقتصار بهما من جميع ذلك على مائتي ألف دينار * وورد الخبر يوم التروية
سنة 306 بأن أحمد بن قدام ابن أخت سبكرى وكان أحد قواد كثير بن أحمد
أمير سجستان وثب على كثير فقتله وملك البلد وكاتب السلطان بمقاطعته على
52

البلد وكان كثير هذا يحجب أبا يزيد خالد بن محمد المقتول الذي ذكرنا أمره
قبل هذا (وفيها) وثب جماعة من الهاشميين على علي بن عيسى حين تأخرت
أرزاقهم وقد خرج من عند حامد بن العباس وشتموه وزنوه وخرقوا دراعته
وأرجلوه فخلصه القواد منهم فحاربوهم وضربوا ضربا شديدا واتصل ذلك
بالمقتدر بالله فأمر فيهم بأمور عظام وأن ينفوا إلى البصرة مقيدين فحملوا في
سفينة مطبقة بعد أن ضرب بعضهم بالدرة وأمر بأن يحبسوا في المحبس فلما
وصلوا أجلسهم سبك الطولوني أمير البصرة على حمير مقدين وأدخلهم إلى دار
في جانب المحبس وكلمهم بجميل ووعدهم وفرق فيهم أموالا إلا أنه أسر ذلك ثم
نفذ الكتاب بإطلاقهم فأحسن إليهم سبك الطولوني وأحضرهم وزادهم وصنع
لهم طعاما ثم وصلهم وأكريت لهم سميريات فكان مقامهم بالبصرة عشرة
أيام ووصلهم حامد وأم موسى وأخوها وعلي بن عيسى (وفى هذه السنة)
أخذ من القاضي محمد بن يوسف مائة ألف دينار وديعة كانت لابن الفرات وزفت
ابنة القاسم بن عبيد الله إلى أبى أحمد بن المكتفى بالله فعملت لهما وليمة أنفق فيها
مال جليل يزيد على عشرين ألف دينار (وفيها) عزل نزار بن محمد عن شرطة
بغداد ووليها محمد بن عبد الصمد ختن تكين من قواد نصر الحاجب (وفيها)
مات إسحاق بن عمران يوم الأربعاء لسبع خلون من صفر (وفيها) مات محمد
ابن خلف وكان إليه قضاء الأهواز وولى ابن البهلول قاضى الشرقية مكانه
(وفيها) ورد الخبر في أول جمادى الأولى بوفاة عج بن حاج أميرا الحجاز فكتب
السلطان إلى أخيه أن يلي مكانه (وفيها) مات القاضي أحمد بن عمر بن سريج
وكان أعلم من بقى بمذهب الشافعي وأقومهم به ودفن يوم الثلاثاء لخمس بقين من
ربيع الآخر (وفى هذه السنة) مات الحسين بن حمدان في الحبس وقد قيل قتل
وقد كان علي بن محمد بن الفرات تضمن عنه قبل القبض عليه أن يغرم للسلطان
مالا عظيما يقيم به الكفلاء فعورض في ذلك وقيل له انما يريد الحيلة على الخليفة
فأمسك (وحج بالناس) في هذه السنة أبو بكر أحمد بن العباس أخو أم موسى
53

تم دخلت سنة 307
ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس
فيها أشخص عبد الله بن حمدان إلى مونس الخادم لمعاونته على حرب يوسف
ابن أبي الساج فواقعه بأردبيل وانهزم ابن أبي الساج فأسر وأدخل مدينة السلام
مشهرا عليه الدراعة الديباج التي ألبسها عمرو بن الليث الصفار وألبس برنسا
طويلا بشفاشج وجلاجل وحمل على الفالج وأدخل من باب خراسان فساء الناس
ما فعل به إذ لم تكن له فعلة ذميمة في كل من أسره أو ظفر به وحمل مونس وكسى
وخلع على وجوه أصحابه ووكل المقتدر بابن أبى الساج وحبس في الدار وأمر
بالتوسع عليه في مطعمه ومشربه وهرب سبك غلام ابن أبي الساج عند الوقيعة
وكان صاحب أمره كله ومدبر جيشه وهرب معه أكثر رجال ابن أبي الساج فقال
مونس ليوسف اكتب إلى سبك في الاقبال إليك فان ذلك مما يرفق الخليفة عليك
ففعل ابن أبي الساج وكتب إلى سبك فجاوبه إني أفعل حتى أعلم صنعهم فيك
وإحسانهم إليك فحينئذ آتي طائعا وكانت لابن أبي الساج أشعار وهو محبوس منها
أقول كما قال ابن حجر أخو الحجى * وكان امرءا راض الأمور ودوسا
فلو أنها نفس تموت سوية * ولكنها نفس تساقط أنفسا
ولست بهياب المنية لو أتت * ولم أبق رهنا للتأسف والاسى
أجازي على الاحسان في ما فعلته * وقدمته ذخرا جزاء الذي أسا
وإني لأرجو أن أووب مسلما * كما سلم الرحمن في اليم يونسا
فأجزى إمام الناس حق صنيعه * وأمنح شكري ذا العناية مونسا
وفيها ركبت أم موسى القهرمانة بهدية أمرت أم المقتدر بتهيئتها وإهدائها عن
بنات غريب الخال لأزواجهن بنى بدر الحمامي فسارت أم موسى في موكب عظيم
فيه الفرسان والرجالة وقيد بين يديها اثنا عشر فرسا بسروجها ولجمها منها ستة
بحلية ذهب وستة بحلية فضة مع كل فرس خادم بجنبه عليه منطقة ذهب وسيوف
54

بمناطق ذهب وأربعون طختا من فاخر الثياب ومائة ألف دينار مسيفة كل ذلك
هدية من قبل النساء إلى أزواجهن * وفيها قدم أبو القاسم بن بسطام من مصر
إلى بغداد بعد أن كتب إليه في القدوم في دارة أدارها علي بن عيسى عليه ومطالبة
ذهب إلى أخذه بها فلما قدم وجه إلى الخليفة والى السيدة بهدية فخيمة وأموال
جزيلة فقطعا عنه مطالبة علي بن عيسى وانقطع بنفسه إلى الوزير حامد فاعتنى به
وكان ذلك سببا لفساد ما بين الوزير حامد وبين علي بن عيسى ووقعت بينهما
ملاحاة خرجا معها إلى التهاتر والتساب وبعث ذلك حامد الوزير إلى أن يضمن
للخليفة فيما كان يتقلده على وأحمد ابنا عيسى أموالا عظيمة فأجيب إلى ذلك
واستعمل حامد عليها عبيد الله بن الحسين بن يوسف فبلغته عنه بعد ذلك خيانة أقلقته
فاستأذن الخليفة وشخص من بغداد إلى واسط وأقام بها أياما وانحدر منها إلى الأهواز
وأحكم ما أراد وأوفى ما عليه من الأموال مقسطا في كل شهر سوى ما وهب وأنفق
فزعم أنه وهب مائة ألف دينار وأنفق مائة ألف دينار وقدم إلى بغداد في غرة ذي
القعدة وخلع عليه وحمل قال الصولي رأيته يوما وقد شكا إليه شفيع المقتدري فناء
شعيره فجذب الدواة إلى نفسه وكتب له بمائة كر وكتب لام موسى بمائة كر وكتب
لمونس الخادم بمائة كر * وفي هذه السنة تتابعت الاخبار من مصر بإقبال صاحب
المغرب إليها وموافاته الإسكندرية * ثم ورد الخبر في جمادى الآخرة بوقعة كانت
بين أصحاب السلطان وبينهم في جمادى الأولى وأنه قتل من البرابر نحو من أربعة
آلاف ومن أصحاب السلطان مثلهم فندب المقتدر مؤنسا الخادم للخروج إلى مصر
مرة ثانية فخرج في شهر رمضان سنة 7 وشيعه إلى مضربه أبو العباس محمد ابن أمير
المؤمنين المقتدر وأجلاء الناس وسار في آخر شهر رمضان فكان في الطريق باقي
سنة 7 وفيها مات أبو أحمد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان لأيام مضت من صفر *
وفى آخر صفر لست بقين منه توفى محمد بن عبد الحميد كاتب السيدة وكان ممن
عرضت عليه الوزارة فأباها وكان موسرا بخيلا وكان من مشايخ الكتاب الذين
يعول عليهم في الأمور وفى أحكام الدواوين وأخذت السيدة أم المقتدر بالله من
55

مخلفيه من العين مائة ألف دينار واستكتبت السيدة أحمد بن عبيد الله بن أحمد
ابن الخصيب بعده وكان يكتب لثمل قهرمانتها فضبط الامر ضبطا شديدا وحمد
أثره فيه * وأقام الحج للناس في هذه السنة أحمد بن العباس الهاشمي
ثم دخلت سنة 308
ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس
فيها ورد مونس الخادم مصر يوم الخميس لأربع خلون من المحرم وكان
المقتدر قد وجهه إليها لمحاربة الشيعة بها على ما تقدم ذكره في العام قبله فألفى مونس
أبا القاسم الشيعي مضطربا بالفيوم فخرج القضاة والقواد ووجوه أهل مصر
إلى مونس ونزل خارج المدينة واجتبى أبو القاسم خراج الفيوم وضياع مصر
ودفع مونس أرزاق الجند من أموال مصر وباع بعض ضياعها فيما أعطاهم وضم
مونس الجيوش إليه وقويت بذلك نفوس أهل مصر وجرت بين أبى القاسم الشيعي
وبين أهل مصر مكاتبات وأشعار بعث بها مونس إلى الخليفة وفيها توبيخ لهم
وتحامل عليهم وسب كثير تركنا ذكره لما فيه وقد اجتلبنا بعضها ما لم يكن فيه كبير
رفث وكذلك ما فعلنا في الجواب وأول شعر الشيعي
أيا أهل شرق الله زالت حلومكم * أم اختدعت من قلة الفهم والأدب
صلاتكم مع من وحجكم بمن * وغزوكم فيمن أجيبوا بلا كذب
صلاتكم والحج والغزو ويلكم * بشراب خمر عاكفين على الريب
ألا إن حد السيف أشفى لذي الوصب * وأحرى بنيل الحق يوما إذا طلب
ألم ترني بعت الرفاهة بالسرى * وقمت بأمر الله حقا كما وجب
صبرت وفى الصبر النجاح وربما * تعجل ذو رأى فأخطأ ولم يصب
إلى أن أراد الله إعزاز دينه * فقمت بأمر الله قومة محتسب
وناديت أهل الغرب دعوة واثق * برب كريم من تولاه لم يخب
56

فجاؤوا سراعا نحو أصيد ماجد * يبادونه بالطوع من جملة العرب
وسرت بخيل الله تلقاء أرضكم * وقد لاح وجه الموت من خلل الحجب
وأردفتها خيلا عتاقا يقودها * رجال كأمثال الليوث لها جنب
شعارهم جدي ودعوتهم أبى * وقولهم قول على النأي والقرب
فكان بحمد الله ما قد عرفتم * وفزت بسهم الفلج والنصر والغلب
وذلك دأبي ما بقيت ودأبكم * فدونكم حربا تضرم كاللهب
فذكر الصولي أنه أمر بالجواب فقال قصيدة له طويلة كتبنا منها أبياتا وحذفنا
منها مثل الذي حدفناه مما قبله
عجبت وما يخلو الزمان من العجب * لذي خطل في القول أهدى لنا الكذب
وجاء بملحون من الشعر ساقط * فأخطأ فيما قال فيه ولم يصب
تباعد عن قصد الصواب طريقه * فما عرفت تأويل إعرابه العرب
ولو كان ذا لب ورأى موفق * لقصر عن ذكر القصائد والخطب
فمن أنت يا مهدى السفاهة والخنا * أبن لي فقد حقت على وجهك الريب
فلو كنت من أولاد أحمد لم يغب * عن الناس ما تسموا إليه من النسب
ولو كنت منهم ما انتهكت محارما * يذبون عنها بالأسنة كالشهب
ولم تقتل الأطفال في كل بلدة * فتركب من أماتهم شر مرتكب
أبحت فروج المحصنات وبعت من * أصبت من الاسلام بيعك للجلب
وكم مصحف حرقته فرماده * مثار مسفى الريح من حيث ما تهب
كفرت بما فيه وبدلت آية * وقضبت حبل الدين كفرا فما انقضب
وقد رويت أسيافنا من دمائكم * فلم ينجكم منا سوى الجد في الهرب
تضئ بأيدينا وتظلم فيكم * فكانت لنا نارا وكنتم لها حطب
فقل لي أي الناس أنتم وما الذي * دعاكم إلى ذكر الحجاجحة النجب
57

أولئك قوم خيم الملك فيهم * فشدت أو أخيه ومدت له الطنب
بهم غزونا أما سألت وحجنا * فشق لما أسمعت جيبك وانتحب
أيا أهل غرب الله أظلم أمركم * عليكم فأنتم في نكوب وفى حرب
ولو كانت الدنيا مطية راكب * لكان لكم منها بما حزتم الذنب
قال محمد بن يحيى الصولي فلما صنعت هذا الشعر عن عهد الخليفة إلى
أوصلني إلى نفسه فأنشدته جميعه فلما فرغت من الانشاد قال علي بن عيسى للخليفة
يا سيدي هذا عبدك الصولي وكان جده محمد الصولي حادي عشر النقباء وهو
الذي أخذ البيعة للسفاح مع أبي حميد قال فنظر إلى كالاذن لي في الكلام
فتكلمت ودعوت قال فأمر لي بعشرة آلاف درهم وكتب أبو القاسم إلى
أهل مكة يدعوهم إلى الدخول في طاعته ويعدهم بحسن السيرة فيهم فأجابوه
إن لهذا البيت ربا يدفع عنه ولن نؤثر على سلطاننا غيره وبقى أبو القاسم الشيعي
بالفيوم ومؤنس بمصر وكل واحد منهما محجم عن لقاء صاحبه وساءت
أحوال من بينهما ومعهما * وفى هذه السنة غلت الأسعار ببغداد فظنت العامة
أن ذلك من فعل حامد بن العباس بسبب ضمانه للمقتدر وما كان ضمنه وأنه
هو منع من حمل الأطعمة إلى بغداد فشغبوا عليه وسبوه وفتحوا السجون
وكبسوا دار صاحب الشرطة محمد بن عبد الصمد وكان ينزل في الجانب الشرقي
في الدار المعروفة لعلي بن الجهشيار وانتهبوا بعض دوابه وآلته حتى تحول إلى باب
خراسان إلى الجانب الغربي ووثب الناس به في الجانب الغربي أيضا حتى ركب
إليهم محمد بن عبد الصمد في جيش كثيف في السلاح فارتدعوا وقتل قوم من العامة
بباب الطاق وسعر السلطان على الدقاقين فكان ذلك أشد على الناس وأعظم وأشار
فصر؟؟ الحاجب أن يترك الناس ولا يسعر عليهم فكان ذلك صوابا وصلح أمر
السعر وأقام الحج للناس في هذه السنة أحمد بن العباس أخو أم موسى
58

ثم دخلت سنة 309
ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس
فيها زاد شغب الناس ببغداد على حامد بن العباس الوزير بسبب غلاء الأسعار
حتى صاروا إلى حد الخلعان وحاربهم السلطان عند باب الطاق وركب هارون
ابن غريب الخال ونازوك وياقوت وغيرهم بعد أن فتحت العامة السجون ووثبوا
على ابن درهم خليفة صاحب المعونة وأرادوا قتله حتى حماه بعضهم فلما رأى ذلك
حامد بن العباس دخل إلى المقتدر فقال له لعبدك حوائج إن رأيت قضاءها له أكدت
بذلك انعامك عليه قال أفعل فما هي قال أولها فسخ ضماني فقد جاء من العامة ما
ترى وظنوا أن هذا الغلاء من جهتي فأجاب المقتدر إلى ذلك وسأله أن يأذن له
في الشخوص إلى واسط لينفذ عماله بما فيها من الأطعمة إلى بغداد فأجابه إلى ذلك
وسأله أن يعفيه من الوزارة فلم يجبه إلى ذلك فشخص حامد إلى واسط ولم يبق
غاية في حمل الأطعمة حتى صلح أمر الأسعار ببغداد ثم قدم في غرة شهر ربيع
الآخر فتلقاه الناس وشكروا فعله وقد كان المقتدر عرض على علي بن عيسى
الوزارة فأباها فكساه ووصله وأعطاه سوادا يدخل به عليه كما يفعل الوزير
فاستعفي من ذلك ولم يفارق الدراعة * وفى هذه السنة زحف ثمل الفتى إلى الإسكندرية
فأخرج عنها قائد الشيعة ورجال كتامة وألفى لهم بها سلاحا كثيرا وأثاثا ومتاعا
وأطعمة فاحتوى على الجميع وأطلق كل من كان في سجنهم ثم أقبل ممدا لمونس
واجتمعا بفسطاط مصر وزحفا إلى الفيوم لملاقاة أبى القاسم الشيعي ومناجزته
ومعهما جنى الصفواني وغيره من القواد فجعل مونس يقصر المحلات فعوتب على
ذلك فقال لهم إنكم إنما تمشون في طرق المنايا فلعل الله صرفهم عنا ويكفينا أمرهم
كما فعل قبل هذا فلقى جنى الصفواني بعض قواد أبى القاسم فهزمه وقتل كثيرا ممن
كان معه وانهزم الباقون إلى أبى القاسم فراعه أمرهم وقفل عن الفيوم منصرفا إلى
أفريقية لليلة بقيت من صفر وحمل ما خلف من أمتعته وأحرق الباقي بالنار وأخذ
على طريق قليلة الماء فهلك كثير من رجاله عطشا
59

ذكر خبر الحسين بن منصور الحلاج
وفى هذه السنة أنهى إلى المقتدر خبر الحسين بن منصور الحلاج فأمر بقتله
وإحراقه بالنار بعد ضربه ألف سوط وقطع يديه ورجليه وكان الحلاج هذا
60

رجلا غويا خبيثا ينتقل في البلدان ويموه على الجهال ويرى قوما أنه يدعو إلى
الرضا من آل محمد ويظهر أنه سنى لمن كان من أهل السنة وشيعي لمن كان مذهبه
التشيع ومعتزلي لمن كان مذهبه الاعتزال وكان مع ذلك خفيف الحركات شعوذيا
61

قد حاول الطب وجرب الكيميا فلم يزل يستعمل المخاريق حتى استوى بها من
لا تحصيل عنده ثم ادعى الربوبية وقال بالحلول وعظم افتراؤه على الله عز وجل
ورسله ووجدت له كتب فيها حماقات وكلام مقلوب وكفر عظيم وكان في بعض
62

كتبه إلى المغرق لقوم نوح والمهلك لعاد وثمود وكان يقول لأصحابه أنت نوح
وأنت موسى وأنت محمد قد أعدت أرواحهم إلى أجسادكم ويزعم بعض الجهلة
المتبعين له بأنه كان يغيب عنهم ثم ينزل عليهم من الهواء أغفل ما كانوا وحرك
63

لقوم يده فنثر منها دراهم وكان في القوم أبو سهل بن نوبخت النوبختي فقال له دع هذا
وأعطني درهما واحدا عليه اسمك واسم أبيك وأنا أو من بك وخلق كثير معي
فقال لا كيف وهذا ثم يصنع فقال له من أحضر ما ليس بحاضر صنع غير مصنوع
64

قال محمد بن يحيى الصولي أنا رأيت هذا الرجل مرات وخاطبته فرأيته جاهلا
يتعاقل وعييا يفصح وفاجرا يظهر التنسك ويلبس الصوف فأول من ظفر به
علي بن أحمد الراسبي لما اطلع منه على هذه الحال فقيده وأدخله بغداد على جمل
65

قد شهره وكتب بقصته وما ثبت عنده في أمره فأحضره علي بن عيسى أيام وزارته
في سنة 301 وأحضر الفقهاء ونوظر فأسقط في لفظه ولم يحسن من القرآن
شيئا ولامن الفقه ولا من الحديث ولا من الشعر ولا من اللغة ولا من أخبار
66

الناس فسحفه وصفعه وأمر به فصلب حيا في الجانب الشرقي ثم في الجانب الغربي
ليراه الناس ثم حبس في دار الخليفة فجعل يتقرب إليهم بالسنة فظنوا ما يقول
حقا ثم انطلق وقد كان ابن الفرات كبسه في وزارته الأولى وعنى بطلبه موسى
67

ابن خلف فأفلت هو وغلام له ثم ظفر به في هذه السنة فسلم إلى الوزير حامد وكان
عنده يخرجه إلى من حضره فيصفع وينتف لحيته وأحضر يوما صاحب له يعرف
بالسمرى فقال له حامد الوزير أما زعمت بأن صاحبكم هذا كان ينزل عليكم من الهواء
68

أغفل ما كنتم قال بلى فقال له فلم لا يذهب حيث شاء وقد تركته في داري وحده
69

غير مقيد ثم أحضر حامد الوزير القاضي والفقهاء واستفتاهم فيه فحصلت عليه
70

شهادات بما سمع منه أوجبت قتله فعرف المقتدر بما ثبت عليه وما أفتى به الفقهاء
71

فيه فوقع إلى صاحب شرطته محمد بن عبد الصمد بأن يخرجه إلى رحبة
72

الجسر ويضربه ألف سوط ويقطع يديه ورجليه ففعل ذلك به ثم أحرقه بالنار وذلك
73

في آخر سنة 309 (وأقام الحج) للناس في هذه السنة أحمد بن العباس
74

ثم دخلت سنة 310
ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس
(وفى هذه السنة) اعتل المقتدر بالله علة شديدة فزعموا أن أم موسى القهرمانة
أرسلت إلى بعض أهله برسالة تقريب عليه ولاية الامر وانكشفت ذلك له ولامه
وجميع خاصته وقبضوا عليها وعلى أختها أم محمد وأخيها أحمد بن العباس وأخذت
منهم أموال وأخذت لهم ودائع عند قوم وكثر الارجاف بحامد بن العباس والطعن
عليه وسميت الوزارة لاقوام فقيل يخرج علي بن محمد بن الفرات فيولاها وقيل
يجبر علي بن عيسى على ولايتها وقيل ابن أبي الحوارى وقيل ابن أبي البغل
فكتبت رقعة وطرحت في الدار التي فيها السلطان وفيها
قل للخليفة قل لي * إن كنت في الحكم تنصف
من الوزير علينا * حتى نقر ونعرف
أحامد فهو شيخ * واهي القوى متخلف
أم البخيل ابن عيسى * فهو المنوع المطفف
أم الذي عند زيدا * ن للمشورة يعلف
أم الفتى المتأني * أم الظريف المغلف
أم ابن بسطام أعجل * أم الشييخ المعفف
أم طارى ليس ندري * من أي وجه يلقف
الفتى المتأني ابن الخصيبي والشيبخ المعفف ابن أبي البغل (وفى هذه السنة)
استضعف السلطان صاحب شرطة بغداد فيما كان من العامة فعزله وولى شرطته
نازوك المعتضدي فبانت صرامته في أول يوم وقام بالامر قياما لم يقم مثله أحد
وفل من حد الرجالة وكانت نارهم موقدة وحاربهم حتى أذعنوا وتناولوا حوائجهم
منه بخضوع له بعد أن قصدوا داره ليحرقوها وهو في وقته الذي ولى فيه نازل
على دجلة وعلى الزاهرية فاستعان بالغلمان فشردهم وأعانه نصر الحاجب عليهم وهو
كان سبب توليته لأنه بلغه أن عروسا زفت إلى زوجها بناحية سوق الشتاء فخرج
75

بعض أولاد الرجالة ومعه جماعة منهم فأخذها وأدخلها إلى داره أو فجر بها ثم
صرفها إلى أهلها فأظهر الناس شدة الانكار لهذا وعظموه بحسب عظمه وكل
ما قدر عليه نصر الحاجب أن أسقط رزق هذا الرجل ونفاه ثم أشار بولاية
نازوك فاشتد عليهم وصلب في أمرهم وشكر له فعله فيهم (وحج بالناس) في
هذه السنة إسحق بن عبد الملك
ثم دخلت سنة 311
ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس
كانت هذه السنة ببغداد وما والاها شديدة الوطأة على الناس حتى سميت سنة
الدمار وذلك أن علي بن محمد بن الفرات ولى فيها الوزارة المرة الثالثة وتقبض
على الوزير حامد بن العباس وعلى علي بن عيسى وذلك يوم الخميس لتسع ليال بقين
من شهر ربيع الآخر فدخل الجنابي والقرامطة البصرة ليلة الاثنين بعد ولايته
بأربعة أيام وكان خبر ولاية ابن الفرات والقبض على حامد وعلي بن عيسى قد
وصل إلى الجنابي وأصحابه من وقته من قبل من كان يكاتبهم لان بعض البصريين
الثقات حكوا أن القرامطة كانوا يقولون لهم يوم دخولهم ويلكم ما أرك سليطينكم
في إبعاد ذلك الشيخ عن نفسه وليعلمن ما يلقى بعده قالوا ونحن لا ندري ما يقولون
حتى وردنا الخبر بعد ذلك بالقبض على حامد وعلى وولاية ابن الفرات فعلمنا
ما أرادت القرامطة وأن الخبر أتاهم من وقته في جناح طائر على ما أزكن الناس
آلته واعتقدوا صحته فعاثت القرامطة في البصرة ودخلت الخيل المربد وكان سبك
المفلحي القائد بها فلما سمع الصيحة وقت الفجر فخرج وهو يظن أنها لفزعة دارت
فلما توسط المربد يريد الدرب رأته القرامطة وهم وقوف بجانبي الشارع فشدوا
عليه فقتلوه وقتلوا بعض من كان معه وركض الباقون فافلتوا وقاتلهم أهل البصرة
في شارع المربد إلى عشى ذلك اليوم ولا سلطان معهم فلم يظفروا بهم إلا بالنار
فإنهم كانوا كلما حووا موضعا أحرقوا وانهزم أهل البصرة وجال القرامطة في
شارع المربد ومروا بالمسجد الجامع وسكة بنى سمرة حتى انتهوا إلى شط نهر البصرة
76

المعروف بنهر ابن عمر الذي كان أنفذ حفره عبد الله بن عمر بن عبد العزيز وكانوا
يخرجون من البصرة ليلا إلى معسكرهم بظهر البصرة ولا يبيت بها منهم أحد فرقا
فأقاموا أياما على ذلك ثم انصرفوا وقد كان السلطان أنفذ إلى البصرة حين بلغه
ذلك بنى بن نفيس وجعفر بن محمد الزرنجي في جيش ثم ولى شرطة البصرة محمد
ابن عبد الله الفارقي وأنفذه في جيش ثان وخرج ابن الفرات في هذه الوقعة مغيظا
على الناس وأطلق يد ابنه المحسن فقتل الناس وأخذ أموالهم وغلبا على أم المقتدر
بالله وملكا أمرها وكان الذي سفر لهما في ذلك مفلح الخادم الأسود وكان الامر
كله إليه وإلى كاتبه النصراني المعروف ببشر بن عبد الله بن بشر وكان مجبوبا
فاحتالوا على مونس المظفر حتى أخرجوه إلى الرقة وأزعجوه من باب الشماسية
فكان كالنفي له وكان حامد بن العباس قد استتر وعليه من المال الذي عقده
على نفسه ألف ألف دينار فاحتال حامد إلى أن وصل إلى باب السلطان فدخل
إلى نصر الحاجب فقال له قد تضمنني بألف ألف دينار فخذوا منى ألف ألف
دينار وخمسمائة ألف دينار واحبسوني عندكم واحتسبوا لابن الفرات بألف
ألف دينار التي تضمنني بها ولا تطلقوا أيديهم على فأخبر بذلك الخليفة وأشار به
عليه وقال ههنا فضل مال ويكون في حبسنا رجل هو بيت مال للسلطان فتلوموا
في ذلك وقال المحسن لمفلح الخادم يفسد على أمرى كله ولابد من تسليمه إلى
فلم يزل مفلح بالمقتدر والسيدة حتى زالا عن الصواب وسلما حامدا إلى ابن الفرات
فكان يصفع ويضرب ويخرجه المحسن إذا شرب فيلبسه جلد قرد له ذنب ويقيم
من يرقصه ويصفعه ويشرب على ذلك وأجرى على حامد أفاعيل قبيحة ليست
من أفاعيل الناس ولا يستجيزها ذو دين ولا عقل ولم يصل من ماله كثيرة شئ
إلى السلطان وضاع ما كان بذله وحدر إلى واسط وسلم إلى البزوفري العامل فقتله
وأخرجه إلى أهل واسط وسلمه إلى من يجنه فاجتمع الناس وصلوا عليه وعلى قبره
أياما متوالية وزعم ابن الفرات للسلطان أن علي بن عيسى خائن ممائل للقرمطي
فصادره على مال استخرج بعضه من قبله ثم نفاه إلى اليمن ووكل به رجلا من
77

أصحابه وأمره بالاحتيال لقتله فقبض الله يده عن ذلك بصاحب لشفيع اللؤلؤي
صاحب البريد كان قد وكله به فلما خرج عن مكة لقيه أصحاب ابن يعفر فحالوا
بينه وبين الموكلين به وأرادوا قتل الموكل به لأنه كان أضجعه بمكة ليذبحه فخالفه
عون كان معه ودفع عنه فمنع علي بن عيسى من قتل الموكل به ولما بلغ ابن
يعفر تلقاه أخوه ومعه هدايا عظيمة القدر فأكرمه وأنزله في دار عظيمة وأنزل
الموكل به في دار غيرها ولم يزل علي بن عيسى يجرى بعد ذلك على العون
المخالف في قتله وعلى عياله الجرايات دهرا طويلا ووجه المحسن ابن أبي الحوارى
إلى الأهواز فقتل بموضع يعرف بحصن مهدى وكان نصر الحاجب يدارى
المحسن وأباه ويطيل عنده إلى نصف الليل القعود وينصرف عنه حتى اتصل
به أن المحسن ضمن لعشرين غلاما عشرين ألف دينار على أن يقتلوا نصرا إذا
خرج من عند أبيه في بعض الممرات فتحفظ منه وكان لا يركب إلا في غلمان
كثيرة وسلاح عتيد واحتال في إزالة نصر بكل حيلة فما قدر على ذلك واحتال
على شفيع المقتدري فدس من يقع فيه ويقول إنه إن خرج إلى الثغر يحصل
عنده مال عظيم فلم يجب إلى ذلك ونفى أبا القاسم سليمان بن الحسن وأبا على محمد
ابن علي بن مقلة إلى شيراز وكتب إلى إبراهيم بن عبد الله المسمعي في اتلافهما
فسلمهما الله ونفى النعمان بن عبد الله الكاتب وكان رجل صدق وقد اعتزل
الأعمال ولزم بيته وغلة ضيعة له فغربه إلى واسط ووجه المحسن رجلا كان يصحب
ابن أبي العذافر خلفه فذبحه بواسط ونفى إبراهيم بن عيسى وعبد الله بن ما شاء الله
إلى واسط ودس إليهما من قتلهما وطالب ابن حماد الموصلي الكاتب فقال له
نصر الحاجب سلمه إلى وعلى مائة ألف دينار من قبله وأسلمه بعد هذا إليكم
على أن تلزموه بيته فلم يفعل المحسن ذلك وعنف به وشتمه فرد عليه ابن حماد
القول فقتله وكان أبو بكر أحمد بن محمد بن قرابة يتكلف للمحسن نفقاته كلها من
ماله أيام نكبة أبيه وخموله فلما ولى الوزارة أكرمه أبوه وأقبل عليه فحسده
المحسن وجعل يحتال في تلفه وعزم على أن يركبه معه ليلا في طيارة من داره التي
78

يسكنها المحسن إلى دار أبيه بالمخرم فإذا توسط دجلة أمر من يرمى بابن قرابة فيها
وكانت أيام ممدود؟؟ قال الصولي فعرفني بذلك سرا خادم للمحسن يقال له مريث
لمودة كانت بيني وبينه فأشعرت ابن قرابة بما ذهب إليه فيه فلم يدخل له دارا ولا
جلس منه في طيار إلى أن فرج الله أمرهم ولم تطل المدة قال الصولي وكان المحسن
مقيما عندي أيام نكوبهم وكنت كثير الانحراف إليهم فلما عادوا إلى المنزلة التي
كانوا بعدوا عنها اختصني علي بن الفرات وأمرني بملازمة مجلسه وزاد في رزقي
سبعين دينارا وقال لي انظر ما تريد من الأعمال أقلدك إياه فسعى بي المحسن إلى أبيه
بفعل واش وشى بي إليه فثقل جانبي على الوزير حتى قلت في ذلك قصيدة فأصغى
إليها وقبل اعتذاري فيها وزال ما كان في نفسه وبقى المحسن على غله ومن
الشعر إذا اختصرناه
قل لرحا ملكنا وللقطب * وسيد وابن سادة نجب
وللوزير البعيد همته * البالغ المجد غاية الرتب
لا والذي أنت من فواضله * يا منقذ الملك من يد النوب
ما كان شئ مما وشى لكم * ذو حسد مفتر وذو كذب
هل علة أوجبت على سوى * مدحي وشكري في الجد واللعب
أكفر نعماكم ويشكرها * عدوكم إن ذا من العجب
فسائلوا علم ذاك أنفسكم * فليس رأيي عنكم بمحتجب
متى سمعتم من السعاة أراني * الله أشلاهم على الخشب
وأوطن الحتف في ديارهم * حتى يبادروا بالويل والحرب
وليكم رأس ما لكم أبدا * والرأس إن ضاع ليس كالذنب
(وفى هذه السنة) توفى يأنس الموفقي وكان رفيع المكانة عند السلطان عظيم
الغناء عنه ولقد عزى به نصر الحاجب يوم وفاته فجعل يبكى ولا يتعزى وقال لقد
أصيب الملك مصيبة لا تنجبر وقال من أين للخليفة رجل مثله شيخ ناصح مطاع
ينزل عند سور داره من خيار الفرسان والغلمان والخدم ألف مقاتل فلو حزب
79

السلطان أمر وصاح بن صائح من القصر لوافاه من ساعته في هذا العدد قبل أن يعلم
بذلك غيرهم من جنسه فلما توفى يأنس انتصح نصر الحاجب الخليفة في أمواله
وكانت عظيمة وكانت له ضياع ومستغلات وأمتعة ووطاء وكسوة لا يعرف لشئ
منها قدر فقال نصر الحاجب للمقتدر ان يانسا خلف ضياعا تغل ثلاثين ألف دينارا
إلى ما خلف من سائر المال وأشار عليه بأن يوجه ابنه أبا العباس إلى داريانس فيصلى
عليه ويأمر بدفنه ويحضر جميع فرسانه وخدمه وحاشيته فيقول لهم أنا مكان
يأنس لكم وفوقه وزائد في الاحسان إليكم والتفقد لأحوالكم ثم يحصى ما تخلفه
ولا يفوت منه شئ فيجمع بذلك الاستحماد إلى الرجال والاحراز للمال فأصغى
المقتدر إلى نصيحة نصر الحاجب وظهر له صواب قوله فما خرج عنه حوله ابن الفرات
وولده عن رأيه وأمر المحسن بتحصيل التركة فأذهب أكثرها وخان الخليفة فيها
وأخذ أكثر ذلك لنفسه حتى لقد كانت الشقاق الدبيقية الشقيريات التي أقل ثمن
كل واحدة منها سبعون دينارا تحشى بها المخاد الارمينية والمساور وتباع فتشتري
للمحسن على أن الذي داخلها حشو صوف وكذلك فعل بالقصب المرتفع والرشيدي
والملحم الشعيبي والنيسابوري ولقد أخذ من الوسائد الرفيعة والمساور المحكمة
فحشاها بالند والعود عتيا وطغيانا وكذلك كان يتكئ عليها ومما يعتد به على ابن
الفرات وولده أن أحمد بن محمد بن خالد الكاتب المعروف بأخي أبى صخرة كان قد
ولى الدواوين وكان من مشايخ الكتاب ورؤسائهم فتوفى في هذا العام وخلف ورئة
أحداثا فأنهى كثرة ما خلف من المال إلى المقتدر فأمر بالتوكيل بخزانته وداره فسار
بعض الورثة إلى المحسن وضمنوا له مالا على إزالة التوكيل وحل الاعتقال فكلم المحسن
أباه في ذلك وركب إلى المقتدر فقال له إن المعتضد والمكتفى قد كان قطعا الدخول على
الناس في المواريث وأنا أرى لمولاي أن يحيى رسومهما وأن يأمر باثبات عهدأ لا يتعرض
أحد في ميراث فأجابه المقتدر إلى ذلك إذ ظن أنها نصيحة منه فسلمت الدار إلى ورثة
الكاتب وأنشأ ابن الفرات كتابا عن المقتدر في إسقاط المواريث نسخته (بسم الله
الرحمن الرحيم) أما بعد فان أمير المؤمنين المقتدر بالله يؤثر في الأمور كلها ما قربه من الله
80

عز وجل واجتلب له جزيل مثوبته وواسع رحمته وحسنته العائدة على كافة رعيته
كما جعل الله في طبعه وأولج في بيته من التعطف عليها وإيصال المنافع إليها وإبطال
رسوم الجور التي كانت تعامل بها جاريا مع أحكام الكتاب والسنة عاملا بالآثار
عن الأفاضل من الأئمة وعلى الله يتوكل أمير المؤمنين وإليه يفوض به ويستعين
وأنهى إلى أمير المؤمنين المقتدر بالله أبو الحسن علي بن محمد الوزير ما يلحق كثيرا
من الناس من التحامل في مواريثهم وما يتناول على سبيل الظلم من أموالهم وأنه
قد كان شكى إلى المعتضد بالله مثل ذلك فكتب إلى القاضيين يوسف بن يعقوب
وعبد الحميد يسألهما عن العمل في المواريث فكتبا إليه أن عمر بن الخطاب وعلى
ابن أبي طالب وعبد الله بن العباس وعبد الله بن مسعود ومن اتبعهم من
الأئمة وعلماء هذه الأمة رحمهم الله رأوا أن يرد على أصحاب السهام من القرابة
ما يفضل عن السهام المفروضة لهم في كتاب الله عز وجل من المواريث إن لم
يكن للمتوفى عصبة يرثون ما بقى ممتثلين في ذلك كتاب الله عز وجل في قوله " وأولوا
الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله " ومحتملين على سنة رسول الله في توريث
من لا فرض له في كتاب الله من الخال وابن الأخت والجدة وأن تقليد العمال
أمر المواريث دون القضاة شئ لم يكن إلا في خلافة المعتمد على الله فإنه خلط
في ذلك فأمر المعتضد بإبطال ما كان الامر جرى عليه أيام المعتمد في المواريث
وترك العمل فيها بما روى عن يزيد بن ثابت بأن يرد على ذوي الأرحام ما أوجب
الله رده وأولو العلم من الأئمة فأمر أمير المؤمنين المقتدر بالله أن يجرى الامر
على ذلك ويعمل به وكتب يوم الخميس لأربع عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان
سنة 311 فلما نفذ كتاب المقتدر بهذا وأشهد على ورثة ابن خالد الكاتب بتسليم
ما خلفه وقبضهم له وجه المحسن إليهم من أخذ جميع ما لهم وحبسهم وأخافهم
(وحج) بالناس في هذه السنة الفضل بن عبد الملك
81

ثم دخلت سنة 312
ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس
فيها ورد الخبر في أول المحرم على الخليفة ببغداد بقطع الجنابي والقرامطة
على الحاج وما حدث فيهم من القتل والأسر وذهاب عامة الناس آل السلطان
وغيرهم وأن عبد الله بن حمدان قد قلد أمر الطريق فمضى الناس في القافلة الأولى
فسلموا في أول مسيرهم حتى إذا صاروا بفيد اتصل بهم خبر القرامطة فتوقفوا
وورد كتاب أبى الهيجاء على نزار بن محمد الخراساني وكان في القافلة الأولى بأن
يتوقف عليه حتى يجتمعوا فتوقف نزار وتلاحقت قوافل الشارية والزيرية
والخوارزمية فلما صاروا بأجمعهم بالهبير غشيهم الجنابي وأصحابه القرامطة فقتلوا
عامتهم واتصل الخبر بسائر القوافل وقد اجتمعت بفيد فتشاوروا في العدول إلى
وادى القرى ولم يتفقوا على ذلك ثم عزموا على المسير فقطع بهم الجنابي وأسر أبو الهيجاء
القائد وأفلت نزار وبه ضربات أثخنته وأسر ابن للحسين بن حمدان وأحمد بن بدر العم
وأحمد بن محمد بن قشمرد وابنه وأسر مازج الخادم صاحب الشمسة وفلفل الفتى
ونحرير فتى السيدة وكان على القافلة الثالثة وقتل بدر ومقبل غلاما الطائي وكانا
فارسين مشهورين ممن يسير بالقوافل ويدافع عنها ولهما قدر وذكر وأسر خزرى
وابنه وكانا من القواد وقتل سائر الجند وأخذت القرامطة الشمسة وجميع ما كان
للسلطان من الجواهر والطرائف وأخذوا من أموال الناس ما لا يحصى وتحدث
من أفلت بأنه صار إليهم من الدنانير والورق خاصة نحو ألف ألف دينار ومن
الأمتعة والطيب وسائر الأشياء ما قيمته أكثر من هذا وأن جميع عسكره إنما
كان ثمانمائة فارس وسائرهم رجالة وكل من أفلت من أيدي القرامطة أكلهم
الاعراب وسلبوا ما بقى معهم مما كان تخباه الناس من أموالهم ومات أكثر الناس
عطشا وجوعا ولما صح عند المقتدر ما نال الناس وناله في رجاله وماله عظم
ذلك عنده وعند الخاصة والعامة وجل الاغتمام به على كل طبقة وتقدم الخليفة
إلى ابن الفرات في الكتاب إلى مونس الخادم بأن يقدم من الرقة ليخرج إلى
82

القرمطي وكتب إليه نصر الحاجب بالاستعجال والبدار فسلك الفرات في خاصته
وأسرع في مسيره ووصل إلى بغداد في غرة شهر ربيع الأول
ذكر التقبض على ابن الفرات وابنه وقتلهما
وفى يوم الثلاثاء لتسع خلون من شهر ربيع الآخر قبض على علي بن محمد بن
الفرات الوزير واختفى المحسن ابنه فاشتد السلطان في طلبته وعزم على تفتيش
منازل بغداد كلها بسببه وأمر بالنداء بهدر دم من وجد عنده وأخذ ماله وهدم
داره وتشدد على الناس في ذلك التشدد الذي لم يسمع بمثله فجاء من أعطى نصرا
الحاجب خبره ودله على موضعه فوجه بالليل من كبسه وأخذه وقد تشبه بالنساء
وحلق لحيته وتقنع فأتى به على هيئته وفى زيه لم تغير له حال وضرب في الليل
بالدبادب ليعلم الناس أنه قد أخذ وغدت العامة إلى دار الخليفة ليروه وتكاثر
الناس وازدحموا للنظر إليه وهو في ذلك الزي الذي وجد عليه ثم أحضر أبو القاسم
عبد الله بن محمد بن عبيد الله الخاقاني فاستوزر وأقعد وخلع عليه للوزارة فاستوزر
منه رجل قد تكهل وفهم وجرب وفارق ما كان عليه في أيام أبيه من الحداثة
وغلب عليه الوقار والسكينة وكان مونس الخادم هو الذي أشار به وزين أمره
وحض المقتدر على استيزاره فأول ما قعد نصب لمناظرة ابن الفرات وولده
ومحاسبتهما رجلا يعرف بابن نقد الشر فتشدد عليهما في الأموال فلم يذعنا إلى
شئ إذ علما أنهما تالفان وكان في أول ضمهما قد دسسا إلى من تضمن عنهما
مالا عظيما على أن يحبسا في دار السلطان ولا ينطلق عليهما أيدي أعدائهما فهم
المقتدر بذلك وأصغى إليه فاجتمع الرؤساء مونس وشفيع اللؤلؤي ونصر وشفيع
المقتدري ونازوك وكلهم عدو لابن الفرات ومطالب له فسعوا في إحالة رأى
الخليفة عن ضمه إلى الدار وتقدموا إلى الغلمان بأن يشغبوا ويحملوا السلاح
ويقولوا قد عزم السلطان أن يستوزر ابن الفرات مرة رابعة لا نرضى إلا بقتله
على عظيم ما أحدث في الملك وأفسد من الأمور وأتلف من الرجال ففعلوا وكتب
شفيع اللؤلؤ إلى المقتدر وكان صاحب البريد والثقة في ايراد الاخبار يشنع عليه
83

قيام الغلمان وتشوف الناس إلى الخلعان فأمر المقتدر بقتل ابن الفرات وابنه
وتقدم إلى نازوك بأن يضرب أعناقهما في الدار التي كانت لابن الفرات ويوجه
إليه برأسيهما فنفذ ذلك من وقته وبعث بالرأسين في سفط ثم رد السفط إلى شفيع
اللؤلؤي فوضع الرأسين في مخلاة وثقلهما بالرمل وغرقهما في دجلة * وفى هذا
العام قبل القبض على ابن الفرات بأيام توفى محمد بن نصر الحاجب وكان خلفا
من أبيه قال الصولي عرفته والله في كريما عالي الهمة جميل الامر سرى الآلة كثير
المحاسن قد اشتهى جمع العلم وكتب الحديث وتخلف كتبا بأكثر من ألفى دينار
قال وكان قد خرج على امارة الموصل ونواحيها فدعاني إلى الخروج معه على أن
أقيم شهرا أو شهرين بألف دينار معجلا عند الخروج وألف مؤجلا عند الانصراف
قال فلم ينتظم لي أمرى على الخروج معه ففعل قريبا مما قال وأنا مقيم بمنزلي ثم إن
أباه لم يصبر عنه فأقدمه بغداد فقلت شعرا أذكر فيه مفارقته وقدومه على عروض
كان يعجبه وهو هذا اختصرناه
حرق ذابت لها الأحشاء * من حر الفراق
بقيت وقفا على ه‍ * تم وأحزان بواقي
آه من فجعة بين * جلبت ماء المآقي
وتباريح اشتياقي * ساق قلبي للسياق
إن صبري عن أبي نصر * لضرب من نفاق
عن أمير جل عن اتيان * أفعال دقاق
واسع الهمة في الافضال * ممدود الرواق
نشرب الصافي من جد * واه في كأس دهاق
هو بحر وأعالي ال‍ * ناس في الجلود سواقى
إن أكن عنك تأخر * ت بجد ذي محاق
وزمان آخذ من * كل حر بالخناق
فلقد شد سروري * ونشاطي في وثاق
84

ووجدت الماء في بعدك * كالملح الزعاق
فحمدت الله إذ م‍ * ن بقرب وتلاقي
وعلى الحج مقرو * نا بغزو وعتاق
إن تسمحت لنفسي * بعد هذا بفراق
وفى هذه السنة توفى محمد بن عبيد الله بن خاقان والد الوزير وعزى منه فكان جميل
العزاء وملتزما للصبر واعتل الوزير عبد الله بن محمد في جمادى الآخرة من هذا العام
بعد وفاة أبيه فكان يتحامل على الجلوس للناس فيدخلون عليه وهو لقى شديد العلة
فلم يزل على هذه الحال حتى استهل شهر رمضان ثم صلحت حاله ونقه من علته وكان
الوزير قد نافر نصرا الحاجب وعمل عليه عند المقتدر حتى هم بالقبض على نصر وظن
الوزير أن ذلك مما يسر به مونسا في نصر إذ كان توهم أن الذي بينهما فاسد وكانا عند
الناس متخالفين وهما في الحقيقة كنفس واحدة فقدم مونس وبعث إليه نصر كاتبه
فتلقاه بأسفل المدائن وعرفه خبر نصر كله فوجده لنصر كمنزلة نفسه وقال للكاتب
قل له عنى بحقي عليك إن تلقيتني وأخليت الدار فلا مؤنة عليك منى فان كنت
لابد فاعلا فبالقرب فتلقاه نصر بسوق الاحد وكان دخول مونس في أول سنة 13
وسيقع خبره في موضعه إن شاء الله * وفى ذي القعدة من هذه السنة قدم خلق
كثير من الخراسانية إلى مدينة السلام للحج واستعدوا بالخيل والسلاح فأخرج السلطان
القافلة الأولى مع جعفر بن ورقاء وكان أمير الكوفة يومئذ فوقع إليه خبر القرمطي
وتحركه مرتصدا للقوافل فأمر جعفر الناس بالتوقف والمقام حتى يتعرف حقائق
الاخبار وتقدم جعفر في أصحابه ومن خف وتسرع من الحاج فلما قرب من
زبالة اتبعه الناس وخالفوا أمره فوجدوا أصحاب الجنابي مقيمين ينتظرون
موافاة القوافل وقد منعوا أن يجوزهم أحد يخبر بخبرهم فلما رأوه ناوشوه القتال
ثم حال بينهم الليل وخلص ابن ورقاء بنفسه وقتل خلق كثير ممن كان معه وترك
الحاج المتسرعة جمالهم ومحاملهم وفروا راجعين إلى الكوفة واتبعهم القرمطي
وكان بالكوفة جنى الصفواني وثمل الطرسوسي وطريف السبكري فاجتمعوا
85

واجتمع إليهم بنو شيبان فحاربوا القرمطي عشية فقاموا به وانتصفوا منه ثم
باكرهم بالغدو فهزمهم وأسر جنيا الصفواني وقتل خلقا من الجند وانهزم الباقون
إلى بغداد وأقام القرامطة بالكوفة وأخذوا أكثر ما كان في الأسواق وقلعوا
أبواب حديد كانت بالكوفة ثم رحل إلى البحرين وبطل الحج من العراق في
هذه السنة وصح حج أهل مصر والشأم وكان معهم بمكة علي بن عيسى فكتب
الوزير عبد الله بن محمد إلى علي بن عيسى بأن يتقلد أعمال مصر والشأم وجعل
أمر المغرب كله إليه فمضى على لما تم الحج من مكة إلى الشأم ومصر وندب
المقتدر مونسا الخادم إلى الكوفة فوصل إليها وقد رحل الجنابي عنها فأقام بها
أياما ثم كتب إليه السلطان أن يعدل إلى واسط فيقيم بها فرحل إليها واستقر
بها ولم يغن شيئا في حركته هذه على أنه أنفق في خروجه فيما حكاه نصر الحاجب
ومن حصل ذلك معه نحو ألف ألف دينار * وحج بالناس في هذه السنة
الفصل بن عبد الملك
ثم دخلت سنة 313
ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس
فيها سعى الوزير عبد الله بن محمد الخاقاني على نصر الحاجب عند المقتدر وحمله
على الفتك به والتقبض عليه فكتب المقتدر إلى مونس الخادم وكان بواسط أن
يقدم عليه ليكون القبض على نصر الحاجب بمشاهدته وعن رأى منه ورضى
إذ كان المقتدر مصغيا إليه ومحتاجا إلى رأيه وغنائه فلما قدم مونس بغداد وشاوره
المقتدر في أمر نصر قال له والله يا سيدي لا اعتضت منه أبدا ولولا مكانه من
نصيحتك وخدمتك ما تهيأ لي أن أفارق قصرك ولا أغيب من مشاهدة أمرك
وباينه في أمره مباينة وقفته عنه ثم أوصل المقتدر نصرا إلى نفسه وقرب
مكانه ومكان مونس وأصغى إليهما ولقب مونس بالمظفر من حين قدومه من
الغزاة فكان مما قاله نصر للمقتدر وقد علم ما كان ذهب إليه فيه كم من أمر
قد عقد على أمير المؤمنين وابتغى إدخال الكدح في سلطانه ولم يعلم به
86

فكفاه الله إياه بسعايتنا في صرفه عنه فحلف لهما المقتدر أنه ما هم بسوء فيهما قط
ولا يفعل مكروها بأحدهما ما بقيا فقوى أمر نصر وتأيد بمونس وضعف أمر الوزير
عبد الله بن محمد واعتل ولزم بيته فكان الناس يد لون عليه وهو لقى وتولى أعماله
ونظره عبيد الله بن محمد الكلواذاني صاحب ديوان السواد وبنان النصراني كاتبه
ومالك بن الوليد النصراني وكان إليه ديوان الدار وابن القناني النصراني وأخوه
وكان إليه ديوان الخاصة وبيت المال وابنا سعد حاجباه ومما أوهن أمر الوزير
وكرهه إلى الناس غلاء الأسعار في زمانه ولم يكن عنده مادة من حيلة يكثر بها
ورود المير إلى بغداد وكان مما أشار إليه نصر عند مكالمته للمقتدر بما كان يدار
عليه ويسعى فيه من الوثوب عليه ولم يشرح ذلك له أن بعض القواد واطؤا قوما
من الاعراب على أن يقعدوا عند ركوب الخليفة إلى الثريا بالقرب من طريقه
فإذا وازاهم وثبوا من ثلم كانت تهدمت في سور الحلبة وأوقعوا به ثم يخرجون
ويحكمون على أنهم شراه فكان نصر حينئذ قد أراد كشف ذلك للمقتدر وشاور
من وثق به فيه فقال له لا تفعل فلست بآمن ألا يتضح الامر للخليفة فتوحشه
وترعبه ثم يصير من اتهم بهذا عدوا لك وساعيا عليك ولكن امنعه الركوب إلى
الثريا حتى تبنى ثلم السور وإن عزم على الركوب استعددت بالغلمان والعدة وألزمتهم
تلك المواضع المخوفة وعملت مع هذا في استئلاف كل من سمى لك من هؤلاء
القواد ومن تابعهم على مذهبهم فمن كان منهم متعطلا من ولاية وليته ومن كان
مستزيدا زدته ومن كان خائفا آمنته وإن أمكنك تفريقهم في الأعمال فرقتهم
فيها وكان نصر رجلا عاقلا فعمل برأي من أشار عليه بهذا وسعى في ولاية بعض
القوم فأخرج واحدا إلى سواد الكوفة وأخرج آخر إلى ديار ربيعة ولما صفت
الحال بين نصر ومؤنس واستألف نصر ثمل القهرمانة وكانت متمكنة من المقتدر
وظهر من أمر الوزير عبد الله بن محمد ما ظهر تكلموا في عزله وشاوروا في رجل
يصلح للوزارة مكانه فمالت ثمل برأيها وعنايتها إلى أحمد الخصيبي وكان يكتب لام
المقتدر وساعدها نصر على ذلك حتى تم له وصح عزم المقتدر عليه
87

ذكر التقبض على الوزير الخاقاني وولاية أحمد الخصيبي
وقبض على الوزير عبد الله بن محمد الخاقاني لاحدى عشرة ليلة خلت من شهر
رمضان ووكل به في منزله فكانت ولايته ثمانية عشر شهرا وخلع في هذا النهار
على أبى العباس أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن الخصيب للوزارة وانصرف إلى منزله
بقنطرة الأنصار ثم جلس من الغد في دار سليمان بن وهب بمشرعة الصخر فهابه
الناس لموضعه من الخليفة بالوزارة التي صار إليها لمحله من خدمة السيدة وكتابتها ولعناية
ثم القهر مانة به وهابه كل منكوب من أصحاب الخاقاني وابن الفرات فحصل له من
مالهم ألف ألف دينار أصلح منها أسبابه ثم ركب الوزير الخصيبي إلى القصر فرماه الجند
بالنشاب من جزيرة بقرب قصر عيسى فلجأ إلى الشط وتخلص منهم بجهد فلما جلس في
مجلسه قال لعن الله من أشار بي لهذا الامر وحسن دخولي فيه فقد كان كرهه لي من أثق
به وبرأيه وكرهته لنفسي ولكن القدر غالب وأمر الله نافذ وأقر الخصيبي عبيد الله بن
محمد الكلواذي على ديوان السواد وفارس والأهواز وأقر على الأزمة وديوان الجند
أبا الفرج محمد بن جعفر بن حفص وقلد ابن عم له شيخا يعرف بإسحاق بن أبي
الضحاك ديوان المغرب ولم يكن للناس في هذا العام موسم لتغلب القرامطة
على البلاد وقلة المال وضيق الحال فطولب بالأموال قوم لا حجة عليهم إلا لفضل
نعمة كانت عندهم وألح الوزير على الناس في ذلك حتى طلب امرأة المحسن ودولة
أم علي بن محمد بن الفرات وابنة موسى بن خلف وامرأة أحمد بي الحجاج بن مخلد
بأموال جليلة وكثر الناس في ذلك وأنكروه غاية الانكار
ثم دخلت سنة 314
ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس
فيها اشتدت مطالبة الخصيبي الوزير الأموال عند الناس وأكثر التعلل
عليهم فيها ولم يدع عند أحد مالا أحس به إلا أخذه بأتعس ما يكون من الاخذ
والشدة وكان نصر بن الفتح صاحب بيت مال العامة قد توفى في شهر ربيع الأول
من هذا العام فطالب الخصيبي جاريته وابنته بالأموال وأحضرهما عند نفسه
88

واشتد عليهما فلم يجد عندهما كثير مال إذ كان نصر رجلا صحيح الأمانة وكان له
معروف عند الناس وأياد حسنة * وفيها أمر المقتدر ابن الخصيب وزيره
باستقدام ابن أبي الساج من الجبل لمحاربة القرمطي فاستقدمه وأقبل يريد مدينة
السلام فاشتد على نصر الحاجب ونازوك وشفيع المقتدري وهارون بن غريب
الخال وغيرهم من الغلمان دخوله بغداد فكتب إليه مونس بأن يعدل إلى واسط
لكيون مقامه بها وغزوه القرامطة منها فسار إليها ثم تأخر نفوذه إلى القرمطي
ولم يتم خروجه إليه لشروط شرطها وأموال طلبها وكانت الأموال في غاية
التعذر فلم يجب إلى ما اشترطه وكان ذلك سببا لتوقفه * وفيها اتخذت أم المقتدر
كاتبا يقوم بأمر ضياعها وحشمها وأسبابها لما رأت الخصيبي قد اشتغل بالوزارة
والنظر في أسباب المملكة فقالت لثمل القهرمانة ارتادى لي كاتبا يقوم مكانه
ويحل محله فاتخذت لها عبد الرحمن بن محمد بن سهل وكان قد لزم بيته واقتصر
على ضيعة له فاستخرج من منزله وكتب لام المقتدر وتولى أمورها وكانت فيه
كفاية وأبوه شيخ من مشايخ الكتاب وممن عنى بالعلم فصعب أمره على الخصيبي
الوزير وتمنى أنه لم يكن تولى الوزارة حين فارق خدمة أم المقتدر وكانت أنفع
له من الخليفة فجعل أمره يضعف كلما قلت الأموال التي كان يتقرب بها ويشتد
على الناس فيها
ذكر التقبض على الوزير الخصيبي وولاية علي بن عيسى الوزارة
ثم إن المقتدر أمر بالتقبض على الخصيبي أحمد بن عبيد الله الوزير يوم
الخميس لاحدى عشرة ليلة خلت من ذي القعدة سنة 314 وعلى ابنه معه ومن
لف لفه وتولى ذلك فيه نازوك صاحب الشرطة واستتر أصحاب دواوينه ومن
أفلت من أهله وكان علي بن عيسى بالمغرب متوليا للاشراف فاستوزر
واستخلف له عبيد الله بن محمد الكواذى إلى وقت قدومه وأنفذ المقتدر سلامة
أخا نجح الطولوني رسولا إليه ليأخذ به على طريق الرقة ويتعجل استقدامه
فكانت مدة وزارة الخصيبي أربعة عشر شهرا وضبط عبيد الله بن محمد الامر
89

وقام به بقية سنة 14 وفيها مات أحمد بن العباس أخو أم موسى وماتت أختها أم
محمد فأظهر المقتدر الرضا عن أم موسى وردت عليها دورها وضياعها التي كانت
اعتقلت عليها عندما اتهمت به على ما تقدم ذكره (وحج بالناس في هذه السنة)
أبو طالب عبد السميع بن أيوب بن عبد العزيز
ثم دخلت سنة 315
ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس
فيها قدم علي بن عيسى بغداد يوم الأربعاء لخمس خلون من صفر بعد أن تلقاه
الناس جميعا بالأنبار وفوق الأنبار ودخل المقتدر بالله فاستوزره وأمر بالخلع
عليه فاستعفي فلم يعفه وسلم إليه الخصيبي ليناظره عن الأموال فلم يستبن عليه
خيانة ولا علم أنه أخذ من مال السلطان شيئا فقال له ضيعت والمضيع لارزق
له فرد ما ارتزقت وما أقطعت من الضياع فرد ذلك وقال علي بن عيسى الوزير
للخليفة ما فعلت سبحة جوهر أخذت من ابن الجصاص قيمتها ثلاثون ألف
دينار قال له هي في الخزانة فسأله أن يأمر بتطلبها فطلبت فلم توجد فأخرجها على
من كمه وقال له عرضت على هذه السبحة بمصر فعرفتها واشتريتها فإذا كانت
خزانة الجوهر لا تحفظ فما الذي حفظ بعدها وأمير المؤمنين يقطع خزانه
وخدمته الأموال الجليلة والضياع الواسعة فاشتد هذا الامر على السيدة أم المقتدر
وعلى غيرها من بطانته واتهمت بالسبحة زيدان القهرمانة وكان لا يصل إلى
خزانة الجوهر غيرها وضبط علي بن عيسى الامر جهده ونظر ليله ونهاره وجلس
للمظالم في كل يوم ثلاثاء وكان لا يأخذ مال أحد ولا يتعلل على الناس كما كان
يفعل غيره فأمن البراء في أيامه وقطع الزيادات والتعلل وتحفظ من أن تجرى
عليه حيلة ودعته الضرورة بقلة المال إلى الاخلال ببعض الاقامات في طريق
مكة وغيرها وخرج إليه توقيع المقتدر بأن لا يزيل الكواذى عن ديوان السواد
ولا محمد بن يوسف عن القضاء فقال ما هممت بشئ من هذا وإن العهد فيه إلى
التخليط على وكدح في نظري وأشار علي بن عيسى على المقتدر بأن يلزم خمسة
90

آلاف فارس من بنى أسد طريق مكة بعيلاتهم ويثبت لهم مال الموسم فإنه يكفيهم
ويترك ابن أبي الساج مكانه ويبعث لحرب القرمطي خمسة آلاف رجل من بنى شيبان
بأقل من ربع المال الذي كان ينفق على ابن أبي الساج وكان على قد نظر إلى ما طلبه
ابن أبي الساج فوجده ثلاثة آلاف ألف دينار ووجد مال بنى أسد وبنى شيبان ألف
ألف دينار وألفى كاتب نيزوك يرتزق تسعمائة دينار في النوبة فأسقطها عنه وقال رزقه
على صاحبه وأسقط من رزق مفلح الأسود ألف دينار في جملة الغلمان وأقره على ألف
دينار كان يرتزق في النوبة وأراد مونس المظفر الخروج إلى الثغر فتبعه علي بن عيسى
وسأله المقام وقال له إنما قويت على نظري بهيبتك ومقامك فان رحلت انتقض
على تدبيري فأقام وقلد شيرزاذ ما كان يتقلد قلنسوة من أمر الحبس وضم إليه
كاتب نازوك وأجرى له مائة وعشرين دينارا ولمن يخلفه ثلاثين دينارا وكان
قلنسوة يرتزق لهذه الأعمال ثمانمائة دينار وصرف ياقوتا عن الكوفة وولاها
أحمد بن عبد الرحمن بن جعفر إلى أن يصير إليها ابن أبي الساج ولما رأى المقتدر
اجتهاد علي بن عيسى قال لقد استحييت من ظلمي قبل هذا له وأخذ المال منه وأمر
بأن يرد عليه ذلك وأحال به على الحسين بن أحمد الماذرائي فاشترى علي بن عيسى
بالمال ضياعا وضمها إلى الضياع التي وقفها على أهل مكة والمدينة وكان في ناحية بنى
الفرات رجل يعرف بأبي ميمون الأنباري قد اصطنعوه وأحسنوا إليه فوجد له
علي بن عيسى أرزاقا كثيرة فاقتصر على بعضها فهجاه الأنباري ومن شعره المشهور
فيه عند وزارته هذه
قد أقبل الشؤم من الشام * يركض في عسكر أبرام
مستعجلا يسعى إلى حتفه * مدته يقصر عن عام
يا وزراء الملك لا تفرحوا * أيامكم أقصر أيام
وكان علي بن عيسى قد كتب إلى ابن أبي الساج بأن يقيم بالجبل فلم يلتفت إلى
كتابه وبادر بالاقبال إلى حلوان يريد دخول بغداد فكره أصحاب السلطان دخوله
لها وكتب إليه مونس في العدول إلى واسط وعرفه أن الأموال من ثم ترد عليه
91

فصار إلى واسط عاث أصحابه بها على الناس وكثر الضجيج منهم الدعاء عليهم
فلم يغير ذلك فقال الناس من أراد محاربة عدوه عمل بالأنصاف والعدل ولم يفتتح
أمره بالجور والظلم وانتصحه من عرفه فلم يقبل النصيحة وخرج ابن أبي الساج
إلى القرمطي من واسط فأبطأ في سيره وسبقه القرمطي إلى الكوفة ثم التقيا فهزمه
القرمطي وأخذه أسيرا وسار القرمطي يريد بغداد فعبر جسر الأنبار وخرج مونس
المظفر ونصر الحاجب وهارون بن غريب الخال وأبو الهيجاء ومعهم جيش السلطان
يريدون القرمطي وقد بلغهم رحيله إليهم وبادر نصر أصحابه واختلف رأيهم وجزع
أصحاب السلطان وامتلأت قلوبهم رهبة للقرمطي ووقفوا على قنطرة تعرف بالقنطرة
الجديدة وأرادوا قطعها لئلا يجوز القرمطي إليهم وتابعه أكثر أهل العسكر فقطعت
القنطرة فلما صار القرمطي وأصحابه إليها رماهم أصحاب السلطان بالنشاب ورأوا
كثرة الخلق فرجعوا وتبددوا في الموضع فعزم نصر على العبور إليهم ومناجزتهم
فلم يدعه مونس ووجه السلطان إلى الفرات بطيارات وشميليات فيها جماعة من
الناشبة وعليهم سبك غلام المكتفى فحالوا بين القرامطة وبين العبور وكان ثقل
القرمطي وسواد عسكره بحيال الأنبار وابن أبي الساج محبوس عندهم فأراد نصر أن
يحتال للعبور في السفن ليلا وأن يكبسوا السواد طمعا في تخليص ابن أبي الساج
فحم نصر الحاجب حمى ثقيلة أذهبت عقله يومين وليلتين وشاع ما أراد أن يفعله
وقدم مونس غلامه يلبق في نحو ألفين فعبروا الفرات ليلا ووافوا سواد القرمطي
بالأنبار وكان يلبق في جيش عظيم وسواد القرمطي في خيل يسيرة فانهزم
أصحاب السلطان وأسر جماعة منهم وأسر ابن أبي الأغر في جملتهم فلما أتاهم
القرمطي جلس لهم وضرب أعناق جميعهم ودعا بابن أبى الساج من الموضع الذي
كان محبوسا فيه فقال له أنا أكرمك وأنوى الصفح عنك وأنت تحرض على
أصحابك فقال له قد علمت أنى ما أقدر على مكاتبتهم ولا مراسلتهم فأي ذنب لي
في فعلهم فقال له ما دمت حيا فلأصحابك طمع فيك فأمر به فضربت عنقه * وفيها
اتصل بمونس المظفر أن أم المقتدر عاملة على قتله وأنها قد نصبت له من يقتله
92

إذا دخل الدار فاستوحش واحترس وطلب الخروج إلى الثغر فأجيب إلى ذلك
ثم اضطرب أمره لما حدث من أمر القرمطي * وفيها ورد الخبر بموت إبراهيم
ابن عبد الله المسمعي أمير فارس فخلع على ياقوت وقلد مكانه وولى محمد بن عبد الصمد
كرمان (وحج بالناس في هذه السنة) أبو أحمد عبيد الله بن عبد الله بن سليمان
من بنى العباس
ثم دخلت سنة 316
ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس
فيها أوقع سليمان الجنابي القرمطي بأهل الرحبة وقتل منهم مقتلة عظيمة ووجه سرية
إلى ديار ربيعة فأوقعت ببوادي الاعراب واستباحتها ثم عادوا إلى الرحبة
واستاقوا خمسة آلاف جمل ومواشي كثيرة وزحف القرامطة إلى الرقة للايقاع
بأهلها فحاربوهم أشد محاربة ورموهم من أعالي دورهم بالماء والتراب والآجر
وموهم بسهام مسمومة فمات منهم نحو مائة رجل وانصرفوا عنها مفلولين
ذكر القبض على علي بن عيسى الوزير وولاية محمد بن علي بن مقلة الوزارة
(وفى هذه السنة) قبض على علي بن عيسى ووكل به في دار الخليفة يوم
الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول وتوجه هارون بن غريب الخال
إلى أبى على محمد بن علي بن الحسن بن عبد الله المعروف بابن مقلة فحمله إلى دار
المقتدر بعد مراسلات كانت بينهما وضمانات فقلده المقتدر وزارته وفوض
إليه أموره وخلع عليه الوزارة يوم الخميس لأربع عشرة ليلة خلت من ربيع
الأول فأقر عبيد الله بن محمد بن عبد الله الكلواذي على ديوان السواد وأقر
الفضل بن جعفر بن محمد بن موسى بن الفرات على ديوان المشرق وأنفذه ناظرا
على أعمال فارس وولى محمد بن القاسم الكرخي ديوان المغرب كان قد قدم
من ديار مضر وقلد الوزير أخاه الحسن بن علي ديوان الخاصة وديوان الدار
الأصغر الذي تنشأ منه الكتب بالزيادات والنقل وقلد أخاه العباس
ابن علي ديوان الفراتية وديوان الجيش وأقر عثمان بن سعيد
93

الصيرفي على ديوان الجيش الأصل وإبراهيم بن خفيف على ديوان النفقات
وأجرى الأمور أحسن مجاريها وأمر ألا يطالب أحد بمصادرة ولا غرم
ولا يعرض لصانع أحد حتى أقر أحمد بن جانى على ما كان يتقلده من ديوان
أقطاع الوزراء وأجلس إبراهيم بن أيوب النصراني كاتب علي بن عيسى بين يديه
على رسمه وأقره على ديوان الجهبذة وضمن أمر الرجالة المصافية الملازمين لدار
الخليفة وقد بلغت نوبتهم عشرين ومائة ألف دينار في كل هلال فاستبشر الناس
به وسكنوا إليه وأمنوا وانفسحت آمالهم واتسعت هممهم وتباشروا بأيامه ثم
خلع في غرة جمادى الأولى على أبى القاسم وأبى الحسين وأبى الحسن ابني أبى على
محمد بن علي الوزير لتقلد الدواوين ثم خلع على محمد بن علي بعد ذلك لتكنية أمير
المؤمنين إياه قال الصولي ولا أعلم أنه ولى الوزارة أحد بعد عبيد الله بن يحيى بن
خاقان مدح من الاشعار بأكثر مما مدح به محمد بن علي قبل الوزارة وفى الوزارة
وبعد ذلك لشهرته في الشعر وعلمه به وإثابته عليه وظهر من ذكاء ابنه أبى الحسين
واستقلاله بالاعمال وتصرفه في الآداب وحسن بلاغته وخطه ما تواصفه الناس
وكان أكثر ذلك في وزارته الثانية حين انفجر عليه الشباب وزالت الطفولة عنه
قال وما رأينا وزيرا مذ توفى القاسم بن عبيد الله أحسن حركة ولا أظرف إشارة
ولا أتصلح خطا ولا أكثر حفظا ولا أسلط قلما ولا أقصد بلاغة ولا آخذ بقلوب
الخلفاء من محمد بن علي وله بعد هذا كله علم بالاعراب وحفظ باللغة وشعر مليح
وتوقيعات حسان وولى الوزير ابنه أبا القاسم ديوان زمام القواد مكان عبيد الله
ابن محمد وقلد ابنه أبا عيسى ديوان الضياع المقبوضة عن أم موسى والموروثة عن
الخدم وأقر إسحاق بن إسماعيل على ما كان ضامنا له من أعمال واسط وغير ذلك
(وفى هذه السنة) رجع القرمطي إلى الكوفة فخرج إليه نصر الحاجب محتسبا
وأنفق من ماله مائة ألف دينار إلى ما أعطاه السلطان وأعانه به واجتهد في لقاء
القرمطي ونصحه الجيش الذين كانوا معه وحسنت نياتهم في محاربة القرمطي
فاعتل نصر في الطريق ومات في شهر رمضان فحمل إلى بغداد في تابوت وولى
94

الحجابة مكانه أبو الفوارس ياقوت مولى المعتضد وهو إذ ذاك أمير فارس فاستخلف
له ابنه أبو الفتوح إلى أن يوافي ياقوت
ذكر الحوادث التي أحدثها القرامطة بمكة وغيرها
(وفى هذه السنة) سار الجنائي القرمطي لعنه الله إلى مكة فدخلها وأوقع
بأهلها عند اجتماع الموسم واهلال الناس بالحج فقتل المسلمين بالمسجد الحرام وهم
متعلقون بأستار الكعبة واقتلع الحجر وذهب به واقتلع أبواب الكعبة وجردها
من كسوتها وأخذ جميع ما كان فيها من آثار الخلفاء التي زينوا بها الكعبة
وذهبوا بدرة اليتيم وكانت تزن فيما ذكر أهل مكة أربعة عشر مثقالا وبقرطي
مارية وقرن كبش إبراهيم وعصا موسى ملبسين بالذهب مرصعين بالجوهر
وطبق ومكبة من ذهب وسبعة عشر قنديلا كانت بها من فضة وثلاث
محاريب فضة كانت دون القامة منصوبة في صدر البيت ثم رد الحجر بعد أعوام
ولم يرد من سائر ذلك شئ * وقيل إن الجنابي لعنه الله صعد إلى سطح الكعبة
ليقلع الميزاب وهو من خشب ملبس بذهب فرماه بنو هذيل الاعراب من جبل
أبى قبيس بالسهام حتى أزالوهم عنه ولم يصلوا إلى قلعه وظهر قرامطة يعرفون
بالنفلية بسواد الفرات ومعهم قوم من الاعراب من بنى رفاعة وذهل وعبس
فعاثوا وأفسدوا وكان عليهم رؤساء منهم يقال لهم عيسى بن موسى ابن أخت
عبدان القرمطي ومسعود بن حريث من بنى رفاعة ورجل يعرف بابن الأعمى
فأوقعوا وقائع عظيمة وأخذوا الجزية ممن خالفهم على رسوم أحدثوها وجبوا
الغلات فأنفذ المقتدر هارون بن غريب إلى واسط فأوقع بهم وقتل كثيرا منهم
وحمل منهم إلى مدينة السلام مائتي أسير فقتلوا وصلبوا * وورد الخبر في شعبان
بأن الحسن بن القاسم الحسنى قام بالري ومعه ديلمي يقال له ما كان بن كاكى وأن
العامل عليها هرب إلى خراسان منه ثم ورد الخبر في شوال بإقبال ديلمي يقال
له أسفار بن شيرويه من أصحاب الحسن بن القاسم إلى الري أيضا وان هارون
ابن غريب لقى أسفار هذا بناحية قزوين فهزمه أسفار وقتل أكثر رجاله وأفلت
95

هارون وحده ثم تلاحق به من بقى من أصحابه (وفيها) ولى إبراهيم بن ورقاء
إمارة البصرة وشخص إليها من بغداد فما رأى الناس في هذا العصر أميرا
أعف منه * ولما صار هارون بن غريب إلى الكوفة قلد كور الجبل كلها وضم
إليه وجوه القواد فقلد أبا العباس بن كيغلغ معاون همدان ونهاوند مكان محمد
ابن عبد الصمد وقلد نحريرا الخادم الدينور مكان عبد الله بن حمدان وخلع عليهما
في دار السلطان فاستوحش لذلك عبد الله بن حمدان وكان هذا سبب معاوية
عبد الله بن حمدان لنازوك عندما أحدثاه على المقتدر مما سيأتي ذكره (وفى
هذه السنة) ولى أبو عبد الله أحمد بن محمد بن يعقوب بن إسحاق البريدي خراج
الأهواز بعد أعمال كثيرة تصرف فيها هو وأخواه أبو يوسف وأبو الحسين
فحمدت آثارهم وشاعت كفايتهم وحرص السلطان على اصطناعهم وزيادتهم
فعلت أحوالهم وزادت مراتبهم وظهر من استقلال أبى عبد الله أحمد بن محمد
بالاعمال وقرب مأخذها عليه والمعرفة بوجوه النظر والاجتهاد في إرضاء
السلطان ما تعارفه الناس وعلموه مع تخرق في الكرم والسودد وحسن
الرعاية لمن خدمه واتصل به ولمن أمله وقصده حتى إنه لا يرضى لكل واحد
منهم إلا بغناه فأحب السلطان أن يلي هو وأخواه أكثر الأعمال الدنيا فلم يحبوا
ذلك واقتصر كل واحد منهم على دون ما يستحق من الأعمال (وفيها)
ولى أبو الحسين عمر بن الحسن الأشناني قضاء المدينة مكان ابن البهلول
إذ كبر واختلط عليه أمره ثم استعفى ابن الأشناني فأعفي وولى الحسين بن
عبد الله بن علي بن أبي الشوارب قضاء المدينة وقلد أبو طالب محمد بن أحمد بن إسحاق
ابن البهلول قضاء الأهواز والأنبار عوضا مما كان يليه أبوه من قضاء المدينة
(وفيها) توفى أبو إسحاق بن الضحاك الخصيبي والليث بن علي بالرقة (وحج
بالناس) في هذه السنة من تقدم ذكره
96

ثم دخلت سنة 317
ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس
فيها ثار بالمقتدر بعض قواده وخلعوه وهتك الجند داره ونهبوا ماله ثم أعيد
إلى الخلافة وجددت له البيعة وذلك أن مؤنسا المظفر لما قدم من الرقة عند
إخراجه إلى القرامطة وقرب من بغداد لقيه عبد الله بن حمدان ونازوك الحاجب
فأغرياه بالمقتدر وأعلماه بأنه يريد عزله عن الامارة وتقديم هارون بن غريب
مكانه لما تقدم ذكره من عزل المقتدر لابن حمدان عن الدينور مع استفساده
إلى نازوك فعمل ذلك في نفس مونس ودخل بغداد أول يوم من المحرم وعدل
إلى داره ولم يمض إلى دار الخليفة فوجه إليه المقتدر أبا العباس ولده ومحمد بن
مقلة وزيره فأعلماه تشوقه إليه ورغبته في رؤيته فاعتذر بعلة شكاها وان تخلفه
لم يكن الا بسببها فأرجف الناس بتكرهه الاقبال إليه وتجمعت الرجالة المصافية
الملازمة بالحضرة إلى باب داره فواثبهم أصحابه ودافعوهم ووقع بنفس مونس
أن الذي فعله الرجالة انما كان عن أمر المقتدر فخرج من الدار وجلس في طيار
وصار إلى باب الشماسية وعسكر وتلاحق به أصحابه وخرج إليه نازوك
في جميع جيشه فعسكر معه وذلك يوم الأحد لتسع خلون من المحرم ولما بلغ
المقتدر ذلك ارتاع له ووعده بإخراج هارون بن غريب إلى الثغر وبذل له كل
ما رجا به استمالته وإذهاب وحشته وكتب المقتدر إلى مونس وأهل الجيش كتابا
كان فيه واما نازوك فلست أدرى سبب عتبه واستيحاشه فوالله ما أعنت عليه
هارون حين حاربه ولا قبضت يده حين طالبه والله يغفر له سوء ظنه واما
عبد الله بن حمدان فلا أعرف شيئا أحفظه الا عزله عن الدينور وما كنا عرفنا
رغبته فيها وانما أردنا نقله إلى ما هو أجل منها وما لاحد عندي إلا ما أحب لنفسه
فان أربدبى نقض البيعة فإني مستسلم لأمر الله غير مسلم حقا خصى الله به
وأفعل ما فعل عثمان بن عفان رضي الله عنه ولا ألزم نفسي حجة ولا آتي في سفك الدماء
97

ما نهى الله عنه إلا في المواطن التي حدها الله في الكافرين والبغاة من المسلمين
ولست أستنصر إلا بالله لما أؤمله من الفوز في الآخرة وإن الله مع الذين
اتقوا والذين هم محسنون فلما قرئ كتاب المقتدر في العسكر وثب وجوه
الجيش وقالوا نمضى إلى دار الخليفة لنسمع منه ما يقول وبلغ ذلك المقتدر فأخرج
عن الدار كل من كان يحمل سلاحا وجلس على سريره وفى حجره مصحف
يقرأ فيه وأقام بنيه حوالي نفسه وأمر بفتح الأبواب وألا يمنع أحد الدخول
فلما علم ذلك مونس المظفر أقبل إلى بالباب الخاصة ليعرف الحقيقة ويستقرب
مراسلة الخليفة ثم كره أن يدخل عليه فيحث من الامر مالا يتلافاه
فأمر الحجاب بأن يرجعوا إلى الدار وألزم معهم قوما من أصحابه وصرف
الناس إلى منازلهم على حال جميلة وكلهم مسرور بالسلامة ورجع هو إلى داره
ليزيد بذلك في تسكين الناس وتطييب نفس الخليفة وذلك يوم الاثنين
لعشر خلون من المحرم فلما كان يوم الخميس لثلاث عشرة خلت منه عاد أصحاب
نازوك وسائر الفرسان إلى الركوب في السلاح وساروا إلى دار مونس المظفر
فأحرجوه عن كره منه إلى المصلى العتيق وغلبه نازوك على التدبير واستأثر
بالامر وباتوا في تلك الليلة على هذه الحال فلما أصبح نازوك ركب والناس معه
في السلاح إلى دار السلطان فوجدوا الأبواب مغلقة فأحرقوا بعضها ودخلوا
الدار وقد تكامل على بابها من الفرسان نحو اثنى عشر ألفا فلما سمع المقتدر نفيرهم
دخل هو وولده داخل القصر ونزل محمد بن مقلة إلى دجلة فركب طياره وصار
إلى منزله وتقحم نازوك وأصحابه دخول الدار على دوابهم إلى أن صاروا إلى
مجالس الخليفة وهم يطلبونه ويكشفون عنه فلما رأى مونس ذلك دخل الدار وسأل
بعض الخدم عن المقتدر فأعلمه بمكانه فاحتال في إخراجه وإخراج أمه وولده
ووجه معهم ثقاته إلى داره ليستتروا فيها وأخرج علي بن عيسى من المكان الذي
كان محبوسا فيه فصرفه إلى منزله وأخرج الحسين بن روح وكان محبوسا أيضا
بسبب مال طولب به فصرفه إلى منزله ونهب الجند الدار ومحوا رسوم الخلافة
98

وهتكوا الحرمة وصاروا من أخذ الجوهر والثياب والفرش والطيب إلا مالا قدر
له ثم وكل مونس أصحابه بالقصر وأبوابه وأجمع رأى نازوك وعبد الله بن حمدان
على اقعاد محمد بن المعتضد للخلافة وأحضروه الدار ليلة السبت وحضر معهما مونس
المظفر ودعا لمحمد بن المعتضد بكرسي وخاطبه ثم انصرف مونس إلى داره وأقام
نازوك في الدار إذ كان يتولى الحجابة مع الشرطة وانصرف عبد الله بن حمدان إلى
منزله ووجه نازوك بالليل من نهب دار هارون بن غريب الخال بنهر المعلى وداره
بالجانب الغربي وأحرقتا جميعا ونهبت دور الناس طول ليلة السبت فكانت من
أشأم الليالي على أهل بغداد وأفلت كل لص وجانى جناية ومقتطع مال وفتقوا
السجون التي كانوا فيها وأفلت من دار السلطان عبد الله صاحب الجنابي وعيسى بن موسى
الديلمي وغيرهما من أهل الجرائر ثم أصبح الناس على مثل ذلك إلى أن ركب نازوك
وأظهر الانكار لما حدث من النهب وضرب أعناق قوم وجد معهم أمتعة الناس فكف
الامر قليلا وسمى محمد بن المعتضد القاهر بأمر الله وسلم عليه بالخلافة ووجه
القاضي محمد بن يوسف وجماعة معه إلى دار مونس المظفر ليجبروا المقتدر على
الخلع فامتنع من ذلك ثم إن الرجالة المصافية طالبوا بست نوب وزيادة دينار وكان
يجب لهم في كل نوبة مائة وعشرون ألف دينار عين إذ كانوا في عشرين ألف
راجل وكان عدد الفرسان اثنى عشر ألفا ومبلغ ما لهم في كل شهر خمسمائة
ألف دينار فضمن نازوك ثلاث نوب للرجالة ودافعهم عن الزيادة فقالوا لا نأخذ
الا الست نوب والدينار الزائد وأخر نازوك أعطاء الجند إذ لم يجتمع له المال وألحقوا
في قبضه فلم يعطوا شيئا يوم السبت ولا يوم الأحد وبكر الرجالة يوم الاثنين إلى الدار
للمطالبة بالمال فدخل نازوك وخادمه عجيب الصقلبي إلى الصحن المعروف بالشعيبي
ودخل الرجالة إلى الدهليز يشتمون نازوك ويغلظون له ويتواعدونه لتأخيره العطاء
والزيادة عنهم ثم إنهم هجموا في الدار وثاروا على نازوك لعداوتهم له وحربهم له
في أول إمارته فقتلوا عجيبا خادمه وكان نازوك قد سد الطرق والممرات التي كانت
في دار السلطان تحصينا على نفسه واستظهارا على أمره فلما رأى فعل الرجالة
99

وأيقن بالشر دخل ليهرب من بعض الممرات فوجدها مسدودة ولحقه رجل من
الرجالة أصفر يقال له مظفر وآخر يقال له سعيد بن يربوع ويلقب بضفدع فقتلاه
ثم صلب جسده من وقته على بعض أدقاق الستائر التي تلى دجلة وصاحوا لا نريد
إلا خليفتنا المقتدر بالله ووثب القاهر مع جماعة من خدمه فخرج من بعض أبواب
القصر وجلس في طيار ومضى إلى موضعه في دار ابن طاهر * قال الصولي ونحن
نرى ذلك كله من دجلة ونهبت دار نازوك في ذلك الوقت ودار بنى بن نفيس
وقد قيل إن مونسا المظفر لما رأى غلبة نازوك على الامر وجه ليلة الاثنين إلى
نقباء الرجالة فواطأهم على ما فعلوه وكان لا يريد تمام خلع المقتدر ولذلك ما ستره
ولم يبت عنه منذ أدخله داره * وكان عبد الله بن حمدان في الوقت الذي قتل
فيه نازوك بين يدي القاهر وهو يراه خليفة فلما هرب القاهر طلب ابن حمدان
من بعض الغلمان جبة صوف كانت عليه وضمن له مالا فلبسها وبادر يريد بعض
الأبواب فندر به قوم من الغلمان والخدم فما زالوا يرمونه بالنشاب حتى قتلوه
واحتزوا رأسه
ذكر صرف المقتدر إلى الخلافة
وأخرج مونس المظفر المقتدر بالله وسأله الرجوع إلى الدار والظهور للناس
فاستعفاه من ذلك فلم يدعه حتى رده في طياره مع خادمه بشرى فلما صعد القصر
سأل عن عبد الله بن حمدان فأخبر بقتله فساءه ذلك وكان قد صح عنده أنه لم
يرد من أول أمره ما أراده نازوك ولا ظن الحال تبلغ حيث بلغت ثم إن المقتدر
قعد للناس وخاطبهم بنفسه وقال للرجالة لكم على ست نوب وزيادة دينار وقال
للغلمان لكم على أرزاق أربعة أشهر وقال لسائر الجند لكم على أرزاق أربعة
أشهر وزيادة خمسة دنانير لكل واحد منكم وما عندي ما بفى بهذا ولكني أبيع
ما بقى من ثيابي وفرشي وأبيع ضياعي وضياع من يجوز عليه أمرى فبايعه الناس بيعة
مجددة واجتهد في توفيتهم ما ضمنه لهم وصرف أواني الذهب والفضة ثم أعجلوه عن
صرفها فكان يزنها لهم مكان الدنانير والدراهم ووفى بكل الذي ضمنه وكان القاهر
100

لما أقعد للخلافة قد أحضر محمد بن علي الوزير يوم السبت ويوم الاحد وأمره
أن يجرى الأمور مجاريها فلم يحدث شيئا ولاحاول أمرا فلما عاد المقتدر إلى حالته
أحضره وشكر ما كان منه فكتب محمد بن علي إلى جميع الامراء والعمال والأطراف
بما جدده الله للمقتدر بالله وكفاه إياه وارتجل الكتاب املاء بلا نسخة فأحسن فيها
وأجاد * واضطربت الأمور ببغداد إلى أن ولى المقتدر شرطته إبراهيم ومحمدا ابني
رائق مولى المعتضد وخلع عليهما وذلك بمشورة مونس المظفر وعن أمره
فقاما بالامر أحسن قيام وضبطا البلد أشد ضبط وطاف كل واحد منهما بالليل
في جانبه من بغداد وكان أكثر الضبط لمحمد فهو الذي كان يقيم الحدود ويستوفى
الحقوق وكانت في إبراهيم رحمة ورقة قلب * وقدم ياقوت من فارس في غرة
شهر ربيع الأول فخلع عليه للحجابة وعلى محمد ولده لسبب هزيمتهم للسجستانية
بكرمان وولى الأعمال جماعة ممن أشار بهم مونس ومحمد بن علي ولم يف مال
المقتدر والآنية التي أحضرها بأرزاق الجند فأمر بارتجاع ما كان أقطعه الناس
من الأموال والضياع والمستغلات وأفرد لها ديوانا وقلد الوزير ابن مقلة ذلك
الديوان عبد الله بن محمد بن روح وسمى ديوان المرتجعة فتقلده في آخر المحرم
فعسف عليه الجند بالمطالبة بالمال فاستعفي الوزير فأعفاه وقلد مكانه الحسين بن
أحمد بن كردي الماذرائي ووردت الاخبار باستيلاء العدو على الثغور الجزرية
ونصبهم في كل مدينة رجلا منهم لقبض الجباية فأخرج السلطان طريفا السبكري
لدفعهم وكتب إلى من قارب تلك الناحية أن يسيروا معه وورد الخبر بأن أصحاب أبي
مسافر اضطربوا عليه بآذربيجان فزال عنهم إلى المراغة فحصروه بها حتى قتلوه
وتراضوا على قائد منهم اسمه مفلح فرأسوه عليهم وترددت الانباء الشاغلة الغامة *
وتوفى في هذا العام أبو الحسين بن أبي العباس الخصيبي والحسين بن أحمد الماذرائي
بمصر وتوفيت ثمل القهرمانة التي كانت مع والدة المقتدر (وفيها) توفى أبو القاسم
ابن بنت منيع المحدث وهو ابن مائة سنة وثلاث سنين مولده سنة 214 * وتوفى
نحرير الصغير بالموصل وكان يتولى معونتها * وتوفى أبو معد نزار بن محمد الضبي *
101

وكان نصب الحج للناس في هذه السنة عمر بن الحسن بن عبد العزيز بن عبد الله
ابن عبيد الله بن العباس خليفة لأبيه الحسن بن عبد العزيز فصده الجنابي عن الحج
ثم دخلت سنة 318
ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس
فيها أقبل مليح الأرميني إلى ناحية شمشاط للغارة على أهلها فخرج إليه نجم
غلام جنى الصفواني وكان يلي المعاون بديار مضر ويتولى أعمال الرقة فأوقع بمليح
وبأصحابه وقيعة عظيمة فأنفذ ابنا له يقال له منصور ويكنى أبا الغنائم إلى الخليفة
ببغداد بأربعمائة أسير منهم عشرة رؤساء مشاهير فأدخلهم بغداد في شهر ربيع
الأول من هذه السنة مشاهير على الجمال (وفى هذه السنة) خرج أعراب بنى
نمير بن عامر وبنى كلاب بن ربيعة فعاثوا بظهر الكوفة واستطالوا على المسلمين
وأخافوا السبيل فخرج إليهم أبو الفوارس محمد بن ورقاء أمير الكوفة في جمع من أشراف
الكوفة وبنى هاشم العباسيين والطالبيين ولم يكن معه جند سواهم فقاتل الاعراب بنفسه
وصبر لمحاربتهم فأسروه وأسروا معه ابن عمر العلوي وابن عم شيبان العباسي من ولد
عيسى بن موسى وسار بهم الاعراب إلى اخبائهم ولم يجسروا على ايقاع سوء بهم فطلبوا
منهم الفداء فأجابوهم إليه وفدوا أنفسهم وتخلصوا منهم (وفيها) خلع على عبد الله
ابن عمرويه وقلد شرطة البصرة مكان محمد بن القاسم بن سيما وخلع على علي بن
يلبق لمعاون النهروان وواسط مكان سعيد بن حمدان فخرج إلى واسط وبلغه أن
إسحق الكردي المعروف بأبي الحسين خرج لقطع الطريق على عادته ومعه جملة
من الأكراد فراسله على ولاطفه ووعده تقديم السلطان له على جميع الأكراد
فأقبل إليه وبات عنده وخلع عليه وحمله ثم صرفه إلى عسكره ليغدو عليه في اليوم
الثاني واجتمع رؤساء أهل واسط إلى علي فعرفوه بما قد هيأه الله له في الكردي
وأنه لو أنفق مائة ألف دينار لما تمكن ما تمكن منه فيه وأنه إن أفلت من يديه
أنكر السلطان ذلك عليه فلما بكر الكردي إلى علي بن يلبق تقبض عليه وعلى
من كان معه وركب من وقته إلى موضع عسكره فقتل منهم خلقا وأسر جماعة
102

وأدخل أبو الحسين إلى بغداد مشهورا ومعه أربعة عشر رجلا بين يدي يلبق
المونسي وابنه على وذلك لثمان خلون من جمادى الأولى فحبسوا ولم يقتلوا
(وفيها) خلع على محمد بن ياقوت وولى شرطة بغداد على الجانبين مكان إبراهيم
ومحمد ابني رائق المعتضدي وقلد الحبسة
ذكر الايقاع بجند الرجالة ببغداد
ومن الحوادث في هذه السنة التي عظمت بركتها على السلطان والمسلمين أن
الرجالة المصافية لما قتلوا نازوك وتهيأ لهم ما فعلوه في أمر المقتدر وقبضوا الست
النوائب والزيادة التي طلبوها ملكوا أمر الخلافة وضربوا خياما حوالي الدار
وقالوا نحن أولى من الغلمان بحفظ الخليفة وقصره وانضوى إليهم من لم يكن
منهم وزادت عدتهم على عشرين ألفا وبلغ المال المدفوع إليهم لكل شهر مائة
ألف وثلاثين ألف دينار وتحكموا على القضاة وطالبوهم بحل الحباسات وإخراج
الوقوف من أيديهم واكتنفوا الجناة وعطلوا الاحكام واستطالوا على المسلمين
وتدلل قوادهم على الخليفة وعلى الوزير حتى حان لا يقدر أن يحتجب عن واحد
منهم في أي وقت جاء من ليل أو نهار ولا يرد عن حاجة كائنا ما كانت فلم يزالوا على
هذه الحال إلى أن شغب الفرسان وطلبوا أرزاقهم وعسكروا بالمصلى ودخل بعضهم
بغداد يريد دار أبى القاسم بن الوزير محمد بن علي فلما قربوا منها دفعهم الرجالة
الذين كانوا ملازمين بها ومنعوهم الجواز في الشارع فتجمع الفرسان ورشقوهم
بالنشاب وقتلوا منهم رجلا فانهزم الرجالة أقبح هزيمة فطمع الفرسان حينئذ فيهم
وافترصوا ذلك منهم وراسلوا الغلمان الحجرية في أمرهم وتآمروا معهم على الايقاع بهم
وبلغ محمد بن ياقوت صاحب الشرطة الخبر فحرص على نفاذه وأغرى الفرسان بالعزم
فيه وسفر في الامر وأحكمه وأومى إليهم الوزير بوجه الرأي فيه ودبره من حيث
لا يظن به إذ علم ما في نفس الخليفة عليهم من الغيظ لقبيح ما كانوا يحدثونه عليه
فوثب الغلمان الحجرية يوم الأربعاء لثمان ليال بقين من المحرم بالرجالة المصافية
وطردوهم عن المصاف ورشقوهم بالنشاب فانصرفوا منهزمين وأخرج ابن ياقوت
103

صاحب شرطة بغداد غلمانا كثيرا في طيارات وتقدم إليهم ألا يتركوا رجلا
يعبر من جانب إلى جانب إلا قتلوه ولا ملاحا يجيز أحدهم إلا رموه بالنشاب
وأخافوه ومنعوا من عبور الجسر وألح عليهم بالطلب ونودي فيهم ألا يبقى
منهم أحد وأعانت عليهم العامة وانطلقت فيهم الأيدي فلم يجتمع منهم اثنان
وحظر عليهم ألا يخرجوا إلى الكوفة والبصرة والأهواز فتخطفوا في كل وجه
وأميحوا بكل مكان فهل ترى لهم من باقية وقصد الفرسان مع العامة إلى الموضع
الذي كان فيه مستقر السودان بباب عمار فنهبوهم وأحرقوا منازلهم فطلبوا
الأمان وسألوا الصفح فرفع عنهم القتل وحبس منهم الوجوه وأسقطت عنهم
الجرايات وكتب الوزير محمد بن علي بن مقلة فيهم نسخة أنفذت إلى القواد
والعمال وهى (بسم الله الرحمن الرحيم) قد جرى أعزك الله من أمر الرجالة
المصافية بالحضرة ما قد اتصل بك وعرفت جملته وتفصيله وجهته وسبيله وقد
خار الله عز وجل لسيدنا أمير المؤمنين وللناس بعده بما تهيأ من قمعهم وردعهم
خيرة ظاهرة متصلة بالكفاية الشاملة التامة بمن الله وفضله ولم ير سيدنا أيده الله
استصلاح أحد من هذه العصبة إلا السودان فإنهم كانوا أخف جناية وأيسر
جريرة فرأى أعلى الله رأيه إقرارهم على أرزاقهم القديمة وتصفيتهم بالعرض
على المحنة لعلمه أن العساكر لابدلها من رجالة وأمر أعلى الله أمره أن يستخدم
بحضرته من تؤمن بائقته وتخف مؤنته وترجى استقامته وبالله ثقة أمير المؤمنين
وتوفيقه وقبلك وقبل مثلك رجالة أنت أعلم بمن مرضت طاعته منهم ومن يعود
إلى صحة وصلاح فان قنع من ترضاه منهم بأصل الجاري عليه فتمسك به وأقره
على جاريه ومن رأيت الاستبدال به فأمره إليك والله المستعان
ذكر صرف ابن مقلة عن الوزارة وولاية ابن مخلد
وفى جمادى الأولى يوم الأربعاء لأربع عشرة ليلة بقيت منه صرف محمد بن علي
ابن مقلة عن الوزارة ووكل به في الدار وحبس فيها وأحضر محمد بن ياقوت صاحب
الشرطة أبا القاسم سليمان بن الحسن بن مخلد فوصل إلى الخليفة وقلده وزارته وخلع
104

عليه ومضى في الخلع التي كانت عليه إلى الدار التي كان يسكنها ابن الفرات والوزراء
بعده ثم نزل منها إلى طياره ومضى إلى منزله فأقر عبيد الله الكلواذي على دواوين
السواد والأهواز وفارس وكرمان وأقر كثيرا ممن كان على سائر الدواوين
وقلد ابنه أحمد بن سليمان ديوان المشرق واستخلف له عليه من يتولاه له وقلد
ابنه أبا محمد ديوان الفراتية وقلد أبا العباس أحمد بن عبيد الله الخصيبي الاشراف على
أعمال فارس وكرمان ورد التدبير إليه فكان يعزل ويولى وقلد أبا بكر محمد بن علي
الماذررائى أعمال مصر فسار سيرة جميلة وعضده علي بن عيسى برأيه وكان على
يجلس للمظالم منذ خرج من الحبس إلى وقته ذلك ثم اتصل قعوده مدة (وفى
جمادى الآخرة) من هذا العام شغب الفرسان وصاروا إلى دار علي بن عيسى
فنهبوا اصطبله وقتلوا عبد الله بن سلامة حاجبه ثم إن الرجالة السودان طلبوا
الزيادة على ما كان رسم لهم وشغبوا وحملوا السلاح فسار إليهم محمد بن ياقوت
ورفق بهم وداري أمرهم فلم يقنعهم ذلك وبقوا على حالهم وامتدوا إلى الفرسان
وقاتلوهم فتقدم إليهم سعيد بن حمدان وجماعة من أصحاب ابن ياقوت ورشقوهم
بالنشاب وأدخلوا إلى منازلهم النار فهربوا إلى النهران وقطعوا الجسر بعد
أن قتل منهم خلق كثير ثم ساروا إلى واسط وتجمع إليهم خلق كثير من البيضان
ولحق بهم جماعة من قوادهم ورأسهم نصر الساجي وطالبوا عمال ذلك الجانب
بالأموال فندب السلطان للشخوص إليهم مونسا المظفر فخرج إليهم ورفق بهم
ودعاهم إلى القناعة بما رسمه السلطان لهم فأبوا ولجوا في غيهم واجتمعوا في
مصلى واسط من الجانب الغربي وحفروا الآبار حوالي عسكرهم وفجروا المياه
وأقاموا النخل المقطوع منصوبة في الطرق المسلوكة إليهم ليمنع الخيل من التقحم
عليهم فعبر مونس حتى نزل بقربهم ثم سار إليهم بمن كان معه على الظهر وفى
الماء على مخاضة وجدوها ووضعوا فيهم السيف فقتل أكثرهم وغرق بعضهم
وأسر رئيسهم نصر الساجي وأخذ ابن أبي الحسين الديراني واستأمن بعض
السودان فنقلهم مونس وفرقهم في النواحي وأقر علي بن يلبق على شرطة واسط
105

وكانت هذه الوقيعة لخمس بقين من رجب ورجع مونس إلى بغداد لعشر بقين من
شعبان (وفى هذه السنة) أسر الحسن بن حمدان شاريا خرج بكفر غرثا يقال له
عزون وأنفذه إلى السلطان فحمل على فيل وأدخل بغداد مشهورا ثم حبس وذلك
في ذي الحجة وقبل ذلك بشهر ما وجه أبو السرايا نصر بن حمدان بن سعيد بن
حمدان شاريا خرج بالرادفية من موالى بجيلة فأدخل بغداد على فيل وبين يديه
ولدان له على جملين ومائة رأس من رؤس أصحابه وسار رجل من وجوه البرابر
يعرف بأبي شيخ إلى دار السلطان في ذي القعدة فذكر أن جماعة من وجوه القواد
والكتاب قد بايعوا أبا أحمد محمد بن المكتفى بالله واستجاب له نحو ثلاثة آلاف رجل
من الجند فأمر السلطان بحفظ ابن المكتفى بالله في داره وانتشر خبر أبي شيخ
فخيف عليه أن يقتله الجند فبعث إلى الجبل إلى ابن الخال ليكون في جيشه وورد
الخبر في ذي القعدة بوقوع الحرب بالبصرة بين البلالية والسعدية وأن عبد الله
ابن محمد بن عمرويه والى المعونة بها أعان البلالية فهزموا السعدية وأحرقوا محالهم
فأخرجوا من البصرة ثم ردوا إليها بعد مدة عن سؤال منهم وتضرع قال
الصولي ولما ورد الخبر بذلك كتب علي بن عيسى إلى أهل البصرة في ذلك كتابا
بليغا ينهاهم فيه عن العصبية ويعرفهم سوء عاقبتها فدخلت إليه وهو يملى الكتاب فلما
أوعب إملاءه أمر كاتبه بدفعه إلى لا قرأه قال فحسن عندي الكتاب وقلت له قد كان
لا إبراهيم بن العباس كتاب في العصبية فقال لي ما أعرفه فما هو قلت حدثني عون بن
محمد الكندي قال قدم علينا بسر من رأى كاتب من أهل الشأم يقال له عبد الله
ابن عمرو من بنى عبد كان المصريين فجعل يستصغر كتاب سر من رأى ولا يرضى
أحدهم قال عون فحدثت أبى بحديثه فأنف من ذلك وقال والله يا بنى لأضعفنه
ولأهونن نفسه إليه فمضى به إلى إبراهيم بن العباس وأدخله عليه وهو يملى رسالة
في قتل إسحاق بن إسماعيل وفيها ذكر العصبية فسمع الشأمى ما أعجبه وقال لأبي
هذا من لم تلد النساء مثله فانى سمعته يملى شيئا كأنه فيه تدبر مبين قال عون فنسخ
أبى ما أملاه من الرسالة هو وقسم الله عدوه أقساما ثلاثة روحا معجلة إلى عذاب
106

الله وجنة منصوبة لأولياء الله ورأسا منقولا إلى دار خلافة الله استنزلوه من معقل
إلى عقال وبدلوه آجالا من آمال وقد بما غذت العصبية أبناءها فحلبت عليهم درها
مرضعة وركبت بهم مخاطرها موضعة حتى إذا وثقوا فأمنوا وركبوا فاطمأنوا
وامتد رضاع وآن فطام فجرت مكان لبنها دما وأعقبتهم من حلو غذائها مرا ونقلتهم
من عز إلى ذل ومن فرحة إلى ترحة ومن مسرة إلى خسرة قتلا وأسرا وغلبة
وقسرا وقل من أوضع في الفتنة مرهجا واقتحم لهبها موجحا الا استلحمته آخذة
بمخنقه وموهنة بالحق كيده حتى جعلته لعاجله جزرا ولآجله حطبا وللحق موعظة
وعن الباطل مزجرة أولئك لهم خزى في الدنيا ولعذاب الآخرة أشد وما الله
بظلام للعبيد وورد الخبر في ذي الحجة بوثوب أصحاب أسفار بن شيرويه الديلمي
المتغلب على الري عليه واعتزامهم على قتله وأنه هرب في نفر من خاصته وغلمانه
فصار مكانه إلى الري ديلمي يقال له مرداويج بن زيار * ومن الحوادث في هذه
السنة أن الحريق وقع ليلة الأحد لاحدى عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى في
دار محمد بن علي بن مقلة التي كان بناها بالزاهر على شاطئ دجلة ويقال إنه أنفق
فيها مائتي ألف دينار فاحترقت بجميع ما كان فيها واحترقت معها دور له قديمة كان
يسكنها قبل الوزارة وانتهب الناس ما بقى من الخشب والحديد والرصاص حتى صارت
مستطرقا للسابلة من دجلة وبطل على السلطان ما كان يصير إليه من إجارات
الزاهر وذلك جملة وافرة في السنة ثم أمر السلطان بسد أبوابها ومنع السابلة من
تطرقها وتحدث الناس بأن محمد بن ياقوت فعل ذلك لضغن كان لمحمد بن علي بن
مقلة عنده في قلبه * وفيها خلع المقتدر على ابنه أبى عبد الله هارون لتقلد فارس
وكرمان يوم الاثنين لست بقين من شوال وركب في الخلع إلى داره المعروفة
بجرادة بقرب الجسر وكان المقتدر قد ثقف ولده هذا بنصر الحاجب وجعله في
حجره فلما مات نصر تكفل أمره ياقوت كما كان يتكفله نصر قبله إلا أن نصرا
كان يهدى له ويتقرب إليه قال الصولي أنا شهدت نصرا الحاجب قد اشترى ضيعة
على نهر ديالى والنهروان يقال لها قرهاطية كانت للنوشجاني فاشتراها حصصا وأقساما
107

وقامت عليه بثمانية عشر ألف دينار ثم أهداها إلى أبى عبد الله بن المقتدر وهى
تساوى ثلاثين ألف دينار وصنع له فيها ولأخيه أبى العباس يوم أهداها إليه
وخرجا معه إليها في وجوه القواد والغلمان فأقاموا بها يومين وأنفق عليهم نصر
مالا جسيما ووصل الغلمان والخدم بصلات سنية وحمل بعضهم على خيل بسروجها
ولجمها قال وحكى لي بعض وكلائه أنه أحصى ما ذبح في هذين اليومين من جمل وجدى
وطير وغير ذلك من صنوف الدراج والطائر فبلغ ذلك أربعة آلاف رأس قال الصولي
ولما خلع على أبى عبد الله هارون للولاية وصح عزمه على الخروج دعاني إلى
المسير معه والكون في عديد صحبه فكره ذلك الأمير أبو العباس بن المقتدر فاعتللت
على أبى عبد الله فغضب على وقطع اجراءه عنى قال ثم بلغني أن خروجه غير تام
فكتبت إليه بقصيدة فيها تشبيب حسن ومديح مثله واجتلب الصولي جميع القصيدة
في كتاب الورقة الذي ألفه بأخبار الدولة فرأيت إثبات أبيات منها في هذا الكتاب
ليستدل بمباطنة الصولي لهم على علمه بأخبارهم وحفظه لما جرى في أيامهم فليس
المخبر الشاهد كالسامع الغائب ومن قصيدة الصولي
ظلم الدهر والحبيب ظلوم * أين من ذين يهرب المظلوم
عطفت باللقاء ريح بعاد * فاستهلت على فؤادي الهموم
يا سقيم الجفون أي صحيح * لم يدعه هواك وهو سقيم
أحرام عليك وصلى أم السائل * وصلا مباعد محروم
قد كتمت الهوى وأصعب شئ * إن تأملته هوى مكتوم
فمتى أخصم الحبيب وأيامي * بما يشتهى على خصوم
لأبي عبد الله هارون عندي * حادث من فعاله وقديم
هو بدر السماء يطلع في سعد * المعالي والناس فيها نجوم
ورث المجد عن خلاف غر * سبعة ما يعد فيهم بهيم
يا نسيم الحياة أنت لايامين * إذا ما ركدن عنى نسيم
قد تذوقت منك طعم نوال * مثله لأعدمته معدوم
108

لا تكلني إلى شواهد ظن * ليس يقضى بها على عليم
ليس تمضى إلا... ومن اتهمت * ناج مما ظننت سليم
فأنا الآن راحل إن ترحلت * وثاو إذا أقمت مقيم
أرنى للرضا علامة إنصاف * فدهري وقد كفاك غسوم
نظم هذا المديح إن أنصفوه * لا يدانيه لؤلؤ منظوم
قد أتى ساحبا ذيول المعالي * فيك والمدح بالنوال زعيم
وفيها مات أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر بن الجارود النيسابوري بمكة يوم الأحد
انسلاخ شعبان * وحج بالناس في هذه السنة عمر بن الحسن العباسي
ثم دخلت سنة 319
ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس
قال أبو محمد عبد الله بن أحمد الفرغاني في كتابه الذي وصل به كتاب محمد بن
جرير الطبري وسماه المذيل في هذه السنة في المحرم منها طالب قوم من الفرسان
ببغداد الوزير سليمان بن الحسن بأرزاقهم وشتموه وأغلظوا له فرماهم غلمانه بالآجر
من أعالي الدار وقتلوا رجلا من الأولياء فهجموا في الدار بعد أن أحرقوا الباب
فخرج الوزير على باب ثان وجلس في طيار وسار إلى دار علي بن عيسى فانصرفوا
عن بابه وفيه قلد إبراهيم بن بطحا الحسبة بمدينة السلام * وفى صفر ورد بغداد
مونس الخادم الورقاني منصرفا من الحج بالناس سالمين فأظهر أهل مدينة السلام
لذلك السرور والفرح ونشروا الزينة في الأسواق وأخرجوا الثياب والحلى
والجواهر ونصبت القباب في الشوارع وخلع السلطان على مونس وأوصله نفسه
وخلع على جماعة معه وذلك يوم الخميس لعشر خلون من صفر فذكر الحاج أنها
لحقتهم مجاعة عظيمة في الطريق إذ كانت خالية من العمارة وكاد يأكل بعضهم
بعضا من الجوع * وللنصف من صفر قصد الشطار وأهل الذعارة من العامة دار
الخليفة فأحرقوا باب الميدان ونقبوا في السور وصعد الخليفة إلى المجلس المثمن
ومعه يلبق وسائر الغلمان فضمن لهم يلبق إزاحة عللهم والانفاق عليهم فانصرفوا
109

ثم شغبوا بعد ذلك وقصدوا دار أبى العلاء سعيد بن حمدان فحوربوا منها وقتل منهم
رجل فانصرفوا وبكروا إليها من الغد وقد كان أو العلاء وضع حرمه وجميع
ما يملكه في الزوارق داخل الماء فلم يصلوا إلى ما أملوه منه فأحرقوا بابه وصاروا
إلى السجون والمطبق ففتحت بعد محاربتهم لمن كان يمنع منها وقتل من طلاب الفتن
من العامة خلق كثير وقعدوا بعد ذلك في مجلس الشرطة وقتلوا رجلا يعرف بالذباح
قيل إنه ذبح ابن النامي فلما أصبح الناس ركب ابن ياقوت إليهم زورقا وبعث بأصحابه
وغلمانه على الظهر ثم وضع السيف والنشاب في أهل الذعارة من العامة فلم يزل
القتل يأخذهم من رحبة الحسين إلى سوق الصاغة بباب الطاق فارتدع الناس وكفوا
وفى آخر صفر خرج طريف السبكري إلى الثغر غازيا وخرج في ربيع الأول
نسيم الخادم الشرابي إلى الثغر أيضا وشيعه مونس المظفر وخرج من الفسطاط
بمصر أحد عشر مركبا للغزو في البحر إلى بلاد الروم وعليها أبو علي يوسف الحجري
وفى هذه السنة اجتمع نوروز الفرس والشعانين في يوم واحد وذلك يوم الأحد
لاحدى عشرة ليلة خلت من ربيع الأول وقل ما يجتمعان * ولثمان بقين منه خلع على
أبى العلاء بن حمدان وقلد ديار ربيعة وما والاها وتقدم إليه بالغزو وفيه تقلد أعمال
البصرة أبو إسحاق وأبو بكر ابنا رائق * وفى شهر ربيع الآخر من هذه السنة
ورد الخبر بأن الاعراب صاروا في جمع كثير إلى الأنبار فأفسدوا وقتلوا فجرد
إليهم علي بن يلبق في جيش كثيف وخرج يلبق أبوه في أثره فلحقوهم وواقعوهم
يوم الأحد لثلاث عشرة ليلة بقيت منه بعد حرب شديدة وانهزم الاعراب
فقتلوا منهم وأسروا وغنم الأولياء غنيمة عظيمة * وفى ربيع الآخر وقع حريق
في مدينة الفسطاط بموضع يقال له خولان نهارا فذهبت فيه دور بنى عبد الوارث
وغيرها * ولأربع عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى أدخل إلى مدينة السلام
خمسة وسبعون رجلا من الأرمن وجه بهم بدر الخرشني ممن حارب فشهروا
وطيف بهم وأدخل أسارى القرامطة الخارجين بسواد الكوفة بعث بهم بشر
النصري وهو نحو مائة فشهروا وطوفوا بمدينة السلام * وفى جمادى الآخرة من
110

هذه السنة ازدادت وحشة مونس المظفر من ياقوت وولده ودارت بينهم
مدافعات فصرف ابن ياقوت عن الشرطة ورد أمرها بالجانب الشرقي إلى أحمد
ابن خاقان وبالجانب الغربي إلى سرور مولى المقتدر * وفى هذا الشهر قلد أبو بكر
محمد بن طغج مدينة دمشق وأعمالها وصرف الراشدي عنها ورد إليه عمل الرملة
ونفذ كتاب الخليفة إلى ابن طغج بالولاية فلما وصل إليه الكتاب سار من وقته
إلى دمشق وخرج الراشدي إلى الرملة فسر أهل دمشق بقدوم ابن طغج ودخلها
أحسن دخول. وفى مستهل رجب من هذه السنة راسل مونس الخليفة وسأله
إخراج ياقوت وابنه عن مدينة السلام فلم يجبه إلى ذلك فأوحشه فعله واستأذن
هو في الخروج فلم يمنع فخرج إلى مضاربه برقة الشماسية مغاضبا واتصل به أن
ياقوتا وابنه أمرا بقصده والفتك به فاستجلب مونس الرجالة المصافية إلى نفسه
فلحقوا به بالشماسية وصاروا معه ثم طالب الأولياء ابن ياقوت ببقايا أرزاقهم
فتهددهم فلحق جميعهم بمونس بعد أن قطعوا خيامهم التي كانت حوالي دار الخليفة
بالسيوف فقوى أمر مونس وانضم عسكره على قريب من ستة آلاف فارس
وسبعة آلاف راجل فتقدم ابن ياقوت إلى أصحاب السلاح ألا يبيعوا منهم سلاحا
ووجه إليهم مونس قواده يحذرهم أن يمنعوا أحدا من أصحابه بيع ما يلنمس من
السلاح وحمل يلبق وبشر واصطفن وابن الطبري إلى مونس مالا كثيرا وقالوا
له هذا المال أفدناه معك وهذا وقت حاجتك إليه وحاجتنا فشكرهم على ذلك
وفرقه في أصحابه وعلى من قصده ولما قوى أمر مونس وانحاز الجيش إليه ركب
إليه الوزير سليمان بن الحسن وعلي بن عيسى وشفيع ومفلح فلما حصلوا في مضربه
بباب الشماسية شغب عليهم حاشية مونس وضربوا وجوه دوابهم وقبضوا
عليهم وأظهرت حاشية مونس أنهم يريدون الفتك بهم فأهمتهم نفوسهم واعتقلوا
يومهم وبلغ المقتدر الخبر فأقلقه وجرى الامر بينهما على اخراج ياقوت وابنيه
عن بغداد ووجه الخليفة إلى ياقوت وولده اخرجوا حيث شئتم فخرجوا في الغلس يوم
الأربعاء لثمان خلون من الشهر وجميع حاشيتهم في الماء مع نيف وأربعين سفينة
111

محملة مالا وسلاحا وسروجا وسيوفا ومناطق وغير ذلك وثمانية طيارات وشذاة
فخلى مونس سبيل علي بن عيسى ومن اعتقله معه ورجع مونس إلى داره وأحرقت
دار ياقوت وابنه ونودي بمدينة السلام ألا يظهر أحد ممن أثبت ابن ياقوت وأظهر
من سائر الناس ونظر مونس فيمن يرد إليه الحجابة فوقع اختياره على ابني رائق
للمهانة التي كانت فيهما وأنهما كانا يلقبان بخديجة وأم الحسين فبعث فيهما وقلدهما
الحجابة فقبلا يده ورجله وقالا له نحن عبدا الأستاذ وأبونا من قبلنا وانصرفا
وغلمان مونس بين أيديهما حتى بلغا منازلهما * وفى يوم الاثنين لعشر بقين من
رجب أدخل مفرج بن مضر الشاري مع رجلين وجه بهم ابن ورقاء من طريق
خراسان فشهروا على فيل وجملين
ذكر القبض على سليمان بن الحسن الوزير وتقليد الكلواذي الوزارة
وفى يوم السبت لست بقين من رجب قبض على الوزير سليمان بن الحسن وذلك
أن المال ضاق في أيامه واتصل شغب الجند وظهر من سليمان في وزارته ما كان
مستورا من سخف الكلام وضرب الأمثال المضحكة وإظهار اللفظ القبيح بين
يدي الخليفة مما يجل الوزراء عنه فاستنقصه الخلق وهجاه الشعراء واستعظموا
الوزارة لمثله وكانت لابن ياقوت فيه أبيات ضمن في آخرها هذا البيت
يا سليمان غنني * ومن الراح فاسقني
ولابن دريد فيه
سليمان الوزير يزيد نقصا * فأحر بأن يعود بغير شخص
أعم مضرة من أبى خلاط * وأعيا من أبى الفرج بن حفص
وولى الوزارة أبو القاسم عبيد الله بن محمد الكلواذي وأحضر الدار وخلع عليه وذلك
يوم الأحد لأربع بقين من رجب من هذه السنة * وفى شعبان من هذه السنة ورد الخبر
بأن أبا العباس أحمد بن كيغلغ لقى الاشكرى صاحب الديلم فهزمه الديلم وتفرق عنه
أصحابه حتى بقى في نحو من عشرين ومضى الديلم في آثار من انهزم من أصحابه ودخلوا
أصبهان وملكوا دورها وصاروا فيها ووافى الاشكرى على أثرهم في نفر من الديلم
112

فلما نظر إليهم ابن كيغلغ قال لمن حوله أوقعوا عيني على الاشكرى فأروه إياه
فقصده وحده وكان الديلمي شديد الخلق فلما نظر إليه مقبلا سأل عنه فقيل له
هذا ابن كيغلغ فبرز كل واحد منهما لصاحبه ورمى الديلمي أبا العباس بن
كيغلغ بمزراق كان في يده فأنفذ ما كان يلبسه ووصل إلى خفه فأنفذ عضلة
ساقه وأثبتها في نداد سرجه فحمل عليه ابن كيغلغ وضربه بسيفه على أم رأسه فانصرع
عن دابته وأخذ رأسه وتوجه به بين يديه فتفرق أصحاب الديلمي وتراجع أصحاب
ابن كيغلغ ودخل أصبهان والرأس قدامه فوضع أهل المدينة سيوفهم ورماحهم
في الديالمة الذين حصلوا بها فقتلوا عن آخرهم ونزل ابن كيغلغ في داره واستقام
أمره وحسن أثره عند المقتدر وأعجب الناس ما ظهر من شجاعته وبأسه مع كبر
سنه * ولعشر بقين من شعبان ورد الخبر بأن القرامطة صاروا إلى الكوفة ونزلوا
المصلى العتيق وعسكروا به وأقاموا وسارت قطعة منهم في مائتي فارس فدخلوا
الكوفة وأقاموا بها خمسة وعشرين يوما مطمئنين يقضون حوائجهم وقتلوا بها
خلقا كثيرا من بنى نمير خاصة واستبقوا بنى أسد ونهبوا اهراء فيها غلات كثيرة
للسلطان وغيره * وفى هذه السنة وصل زكرى الخراساني إلى عسكر سليمان بن أبي
سعيد الجنابي فجاز له عليهم من الحيلة والمخرقة ما افتضحوا به وعبدوه ودانوا له
بكل ما أمرهم به من تحليل المحارم وسفك الرجل دم أخيه وولده وذوي قرابته
وغيرهم وكان السبب في وصوله إليهم أن القرامطة لما انتشروا في سواد الكوفة
وانتهوا إلى قصر ابن هبيرة فأسروا جماعة من الناس كانوا يستعبدون من يأسرونه
ويستخدمونهم وكان له عرفاء على كل طائفة منهم فأسر زكرى هذا فيمن أسر
وملكه بعض العرفاء المترأسين عليهم فلما أراد الاستخدام به تمنع عليه وأسمعه
ما كره فلما نظر إلى قوة كلامه وجرأته هابه وأمسك عنه وأنهى خبره إلى الجنابي
سليمان فأحضره من وقته وخلابه وسمع كلامه ففتنه ودان له وأمر أصحابه بأن
يدينوا له ويتبعوا أمره وحمله في قبة وستره عن الناس وشغل خبره القرامطة
وانصرفوا به راجعين إلى بلادهم وهم يعتقدون أنه يعلم الغيب ويطلع على ما في
113

صدورهم وضمائرهم وهو كان بعد ذلك السبب لهلاكهم وفنائهم على ما يأتي ذكره
في الوقت الذي دار فيه ذلك * وفى هذه السنة انحدر ياقوت وابنه من مدينة
السلام في الماء ومن تبعه من جيشه من الجانب الشرقي يريدان أعمالهما من بلد
فارس وكان علي بن يلبق بواسط متقلدا لها ومعه من الغلمان الذين أشخصهم
مونس إليه جملة مثل سيما المنخلي وكانجور وشفيع وتكين الخاقاني وغيرهم فحملت
هذه الطبقة ابن يلبق على تلقى ياقوت ومحاربته واتصل الخبر بيلبق أبيه فأنكر
الامر أشد الانكار وكاتب ابنه يخوفه ركوب هذه الحال ويأمره بأن يتقدم إلى
خلفائه بواسط أن يتلقوا ياقوتا ويخدموه ويكونوا بين يديه إلى أن يخرج عن واسط
وكاتب القواد الايطاوعوا ابنه على مكروه إن هم به وكاتب ياقوتا يسأله العبور إلى
الجانب الغربي خوفا من اجتماع العسكرين ثم تحمل يلبق المصير إلى ابنه وملازمته
أياما إلى أن جاز ياقوت وخرج عن واسط * وفى شعبان من هذا العام شغب
الرجالة ببغداد فحاربهم يلبق وسائر الجيش ولم تزل الحرب بينهم من غدوة إلى
صلاة العصر وجرح من الفرسان جماعة وقتل من الرجالة عدد كثير ثم تمزق
الفريقان في الأزقة والدروب وانصرفوا
ذكر صرف الكلواذي عن الوزارة وتقليدها الحسين بن القاسم
وكان عبيد الله بن محمد الكلواذي أحد الكتاب الكبار وجليلا في نفوس الناس فقدروا
أن فيه كفاية وقياما بالامر فأقام على الوزارة شهرين وهو متبرم بها لضيق الأموال
وكثرة الاعتراضات واتصال الشغب وقعود العمال عن حمل المال فاستعفي وقال
ما أصلح أن أكون وزيرا فصرف عنها ولم يعنف ولا نكب ولاتعرض أحد
من حاشيته وانصرف إلى داره واستقر فيها فأمر الخليفة بحفظها وصيانتها وكان
أبو الجمال الحسين بن القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب يسعى دهره في طلب
الوزارة ويتقرب إلى مونس وحاشيته ويصانعهم حتى جاز عندهم وملا عيونهم
وكان يتقرب إلى النصارى الكتاب بأن يقول لهم إن أهلي منكم وأجدادي من
كباركم وأن صليبا سقط من يد عبيد الله بن سليمان جده في أيام المعتضد فلما رآه
114

الناس قال هذا شئ تتبرك به عجائزنا فتجعله في ثيابنا من حيث لا نعلم تقربا إليهم
بهذا وشبهه يعنى إلى مونس وأصحابه وقلد الوزارة يوم السبت سلخ شهر رمضان
وخلع عليه في هذا اليوم وركب في خلعه وسائر القواد والناس على طبقاتهم معه
وأخذه بوله في الطريق فنزل وهو في خلع الخليفة إلى دار محمد بن فتح السعدي فبال
عنده وأمر له بزيادة في رزقه ونزله وركب منها إلى داره * ولسبع بقين من شوال
أخرج علي بن عيسى إلى ديرقنا * وفيه قرئت كتب في جامع الرصافة بما فتحه الله
لثمل بطرسوس في البر والبحر * وفيه خلع على أبى العباس أحمد بن كيغلغ وطوق
وسور وعقد لابن الخال على أعمال فارس ولياقوت على أصبهان ولابنه محمد على
الجبل وأخرجت إليهما الخلع للولاية * وفى شوال من هذه السنة خلع على الوزير
عميد الدولة وابن ولى الدولة الحسين بن القاسم لمنادمة المقتدر * وفى يوم الجمعة
لخمس بقين منه ظهرت في السماء فيما يلي القبلة من مدينة السلام حمرة نارية شديدة
لم ير مثلها وصلى في هذا النهار الوزير عميد الدولة وابن ولى الدولة الحسين بن
القاسم في مسجد الرصافة وعليه شاشية وسيف بحمائل فعجب الناس منه. وحج
بالناس في هذه السنة جعفر بن علي الهاشمي من أهل مكة المعروف برقطة خليفة
لأبي حفص عمر بن الحسن بن عبد العزيز
ثم دخلت سنة 320
ذكر ما دار في هذه السنة من أخبار بنى العباس
فيها خالف مونس المظفر على المقتدر وخرج من بغداد إلى الموصل ثم خلعه
بعد ذلك وقتله وكان السبب في ذلك أن مونسا لما أبعد ياقوتا وولده عن الحجابة
وأخرجهما عن مدينة السلام واختار ابني رائق لملازمة المقتدر وحجابته ورجا
طوعهما له وقلة مخالفتهما إياه وكان مونس عليلا من النقرس قاعدا في
منزله كالمقعد وكان يلبق غلامه الذي صيره مقام نفسه وعقد له على الجيش وضمه
إليه ينوب عنه في لقاء الخليفة وإقامة أسباب الجند والامر والنهى فقوى أمر ابني
رائق وتمكنا من الخليفة لقربهما منه وقيل لهما إن مونسا يريد أن يصير الحجابة إلى
115

يلبق فالتاثا على مونس واستوحشا منه وباطنا عليه من كان بحضرة الخليفة مثل
مفلح والوزير ابن القاسم وغيرهما وراسلا ياقوتا وولده وابن الخال وغيرهم
واتصل ذلك بمونس وصح عنده فأوحشه ذلك من المقتدر وممن كان معه ثم سألت
الحجرية والساجية المقتدر بما أحكمه لها ابنا رائق بأن يصلوا إليه كما جلس
للسلام واستعفوه من يبلق وطعنوا على مونس في ضمهم إليه فلما كان يوم الاثنين
لخمس خلون من المحرم جلس المقتدر للسلام ووصل إليه الناس ووصلت إليه الحجرية
والساجية وصرف عنهم يلبق ولم يخلع عليه وأظهر المقتدر الانفراد بأمره
والاستبداد برأيه فانكشف لمونس الامر وصح عنده ما دبر عليه وعلم أنه مطلوب
ولما كان يوم الخميس لثمان خلون من الشهر جلس المقتدر أيضا للسلام فخرج
مونس إلى باب الشماسية وعسكر بها ونهب أصحابه دار الوزير الحسين بن القاسم
وبلغ ذلك المقتدر فأمر بشحن القصر بالرجال ونودي فيمن سخط عليه من
الرجالة بالرضا عنهم فظفروا ووعدوا بزيادة دينار على النوبة ووعد الفرسان
بزيادة خمسة دنانير على الرزق فظهر الرجالة وقوى أمر الخليفة واستتر أصحاب
مونس ولحق به خاصته وخرج إليه يلبق فلما كان يوم الجمعة لتسع خلون من الشهر
وتمت صلاة الناس في الجامع ركب المقتدربين الظهر والعصر في قباء تاختج وعمامة
سوداء وعلى رأسه شمسة تظله وبين يديه أولاده الكبار ركبانا وهم سبعة وجميع
الامراء والقواد معه وبين يديه فسار من باب الخاصة إلى المجلس الذي في طرف
الميدان وقد ضرب له قبة شراع ديباج فدخلها ثم انصرف وظهر للعامة ودعا
الناس له وبعث مونس بشرى خليفته إلى المقتدر يوم السبت مترضيا له ومعتذرا
إليه بأنه لم يخرج خالعا ولا عاصيا وإنما خرج فارا من المطالبة له فقبض على بشرى
وصفع وقيد فلما اتصل الخبر بمونس زاد في إيحاشه ونفاره وأمر بوضع العطاء في
أصحابه ودخلوا السوق ليبتاعوا السلاح وما يحتاجون إليه فمنعوا من ذلك حتى
وجه مونس من قواده إلى المدينة من حضر ابتياعهم لما أرادوا ثم انتقل مونس
إلى البردان وزال عنه كثير من جيشه إلى دار السلطان وكان ممن رجع عنه أبو دلف
116

القاسم بن دلف ومحمد بن القاسم بن سيما وغيرهم من قواده ودخل هارون بن
غريب الخال إلى بغداد للنصف من المحرم ونزل في النجمي ودخل ابن عمرويه
قافلا من البصرة ودخل نسيم الشرابي من الثغر وخلع على سرور وجمعت له
الشرطتان ثم دخل محمد بن ياقوت لثمان بقين من المحرم فتجمع للمقتدر قواده
وقوى أمره وخلع على الوزير أبى الجمال ولقب عميد الدولة وكنى ونفذت الكتب
بذلك إلى العمال من الوزير أبى على عميد الدولة ابن ولى الدولة القاسم بن
عبيد الله وكتب اسمه على السكك وخلع على ابنه لكتابة الأمير أبى العباس بن
المقتدر وهو الراضي ولما اجتمع الجيش ببغداد واتفقت كلمة أصحاب المقتدر
وانتقل عن مونس كثير من أصحابه إلى دار السلطان قلع مونس عن البردان في
الماء مضطرا ومعه نحو مائة أكابر وأصاغر من غلمانه وأربعمائة غلام سودان
كانوا له وسار يلبق وابنه وباقي غلمان مونس على الظهر في نحو ألف وخمسمائة
رجل وكان معه من وجوه القرامطة نحو سبعين رجلا منهم خطا أخو هند وزيد
ابن صدام وأسد بن جهور وكلهم أنجاد مبرزون في البأس لا يرد أحدهم وجها
عن عدو فسار مونس إلى سر من رأى وعسكر بالجانب الشرقي واجتمع الناس
بقصر الجص إلى مونس فكلمهم ووعدهم وقال لهم ما أنا بعاص لمولاي ولا
هارب عنه وإنما هذه طبقة عادتني وغلبت على مولاي فآثرت التباعد إلى أن
يفيقوا من سكرتهم وأتأمل أمرى معهم ولست مع هذا أتجاوز الموصل اللهم
إلا أن يختار مولاي مسيري إلى الشأم فأسير إليها وقال لهم في خلال ذلك من
أراد الرجوع إلى باب الخليفة فليرجع ومن أراد المسير معي فليسر فردوا عليه
أحسن مرد وقالوا له نحن في طاعتك إن سرت سرنا وإن عدت عدنا وبعث
مونس أبا على المعروف بزعفران مع عشرة من القرامطة في مال كان له مودعا
عند بعض وكلائه بعكبراء فأتاه منها بخمسين ألف دينار فدفع منها مونس
أرزاق من كان معه وزادهم خمسة دنانير وأقام مونس يومه ذلك بقصر الجص
فاحترق سقف من سقوف القصر فشق ذلك على مونس واجتهد في إطفاء النار
117

فتعذر ذلك عليه ثم سار وهو مغموم لما دار من الحريق في القصر يريد الموصل
ونفذت كتب الوزير ابن القاسم عن المقتدر إلى جميع من في الغرب من القواد
كبنى حمدان وابن طغج صاحب دمشق وإلى تكين صاحب مصر وإلى ولاة
ديار ربيعة والجزيرة وآذربيجان وملوك أرمينية والثغور الجزرية والشامية
يأمرهم بأخذ الطرق على مونس ويلبق وولده وزعفران ومن كان معهم ومحاربتهم
والقبض عليهم وبلغ ذلك مونسا فغمه الامر وكتمه عن جميع من كان معه وسار
إلى تكريت وقد انصرف عنه أكثر من كان معه ثم إن مونسا فكر في أمره
والى أين تكون توجهه فلم يجد في نفسه أوثق عنده ولا أشكر ليده من بنى حمدان
فإنه كان عند ذكره إياهم يقول هم أولادي وأنا أظهرتهم وكانت له عند حسين
ابن حمدان وديعة فأراد أن يجتاز به ويأخذها ويسير بها إلى الرقة وقد كان بلغه
تجمع بنى حمدان وحشدهم لمحاربته فلم يصدق ذلك ثقة منه بهم فرحل عن تكريت
إلى بنى حمدان بعد أن شاور من حضره في الطرق التي يأخذ عليها فأشارت عليه
طائفة بقطع البرية والخروج إلى هيت ثم المسير إلى شط الفرات وقال يلبق
وزعفران لمونس الصواب مسيرك إلى الموصل كيف تصرفت الحال لوجوه
من المصالح أما واحدة فلعجزك عن ركوب البرية فتتعجل الرفاهية في الماء
وأخرى لئلا يقال جزع لما بلغه خبر بنى حمدان وتجمعهم وثالثة أنك إن بليت
بقتالهم كانوا أسهل عليك من غيرهم فوقع هذا الرأي من مونس بالموافقة وسار
يريد بنى حمدان فلم يلق لهم في طريقه رسولا ولاسمع لهم خبرا
إلى أن وافى عليه بشرى النصراني كاتب أبى سليمان داود بن حمدان
فاستأذن عليه يوم السبت لليلة بقيت من المحرم وخلا بمونس وأدى إليه رسالة
صاحبه ورسالة الحسين بن حمدان وأبى العلاء وأبى السرايا بأنهم على شكره ومعرفة
حق يده ولكنهم لا يدرون كيف الخلاص مما وقعوا فيه فان أطاعوا سلطانهم
كانوا قد كفروا نعمة مونس إليهم وان أطاعوا مونسا وعصوا سلطانهم نسبوا
إلى الخلعان وسألوه أن يعدل عن بلدهم لئلا يلتقوا به ولا يمتحنوا بحربه فقال له
118

مونس قل لهم عنى قد كنت ظننت بكم غير هذا وما أخذت نحوكم إلا لثقتي بكم
وطمعي في شكركم فإذا خالفتم الظن فليس إلى العدول عنكم سبيل ونحن سائرون
نحوكم بالغد كائنا ما كان منكم وأرجو أن إحساني إليكم سيكون من أنصاري عليكم
وخذلانكم لي غير صارف لفضل الله عنى وبات مونس بقصور مرج جهينة وكان
عسكر بنى حمدان بحصباء الموصل وبات المحسن زعفران في الطلائع على المضيق
الذي منه المدخل إلى الموصل وباكر مونس المسير في الماء على رسمه قبل ذلك
وسار أهل العسكر على الظهر ووقع أبو علي المحسن زعفران في آخر الليل على
مقدمة بنى حمدان التي كانوا أنفذوها نحو المضيق فقتل منهم جماعة وأسر نحو ثلاثين
رجلا وملك المضيق وأمده يلبق برجال زيادة على من كان معه وصبح الناس
القتال يوم الأحد لثلاث خلون من صفر وما كان جميع من يضمه عسكر مونس
إلا ثمانمائة وثلاثة وأربعون فارسا وستمائة وثلاثين راجلا بين أسود وأبيض
هكذا حكى الفرغاني عن أحمد بن المحسن زعفران وكان شاهدا مع أبيه في عسكر
مونس وعنه ينقل أكثر الحكايات وكان بنو حمدان في عساكر عظيمة قد حشدوها
من العرب والعجم وقبائل الاعراب وغيرهم فتلاقى الفريقان على تعبية وأخذ
مونس ويلبق وابنه ومن كان معهم من القواد في حربهم أحزم مأخذ وتوزعوا
على مقدمة وميمنة وميسرة وقلب وجعلوا في كل مصاف منها ثقاتهم وأكابر
قوادهم ثم حملت مقدمتهم على مقدمة بنى حمدان فضرب داود بن حمدان بنبلة دخلت
من كم درعه فصرعته وحملت ميمنة يلبق على ميسرة بنى حمدان فقلعتها وطحنتها
وغرق أكثرهم في دجلة ثم حمل يلبق بنفسه ورجاله الذين كانوا في القلب على
قلب عسكر بنى حمدان فهزموا من كان فيه واتصل القتل فيهم وأسر ابن لأبي السرايا
ابن حمدان وغنم عسكرهم وتفرق جميعهم ودخل مونس الموصل لأربع خلون
من صفر وأعطى أصحابه الصلات التي كان وعدهم بها مع الزيادة وصار في عكسره
خلق كثير من غلمان ابن حمدان ورجاله وتوجه أبو العلاء بن حمدان وأبو السرايا
إلى بغداد مستنجدين للسلطان وانحاز الحسين بن عبد الله بن حمدان
إلى جبال معلثايا واجتمع إليه بها بعض غلمانه وغلمان أهله فسار إليه يلبق
119

فهزمه وفرق جمعه وعبر الحسين إلى الجانب الغربي هاربا مفلولا وقلد يلبق
ابنه نصيبين وما والاها وانصرف هو إلى موضع يلبق وقلدها يمنا الأعور وقلد
يا نسا جزيرة بنى عمر وأبا عبيد الله بن خفيف الحديثة وبلغ أهل بغداد أخبار مونس
وغلبته وفتوحاته فأخذ كل من زال عنه في الرجوع إليه واتصل بمونس أن
جيوشا اجتمعت للروم وفيها بنو ابن نفيس وكانوا قد هربوا إلى بلاد الروم
عند خلع المقتدر أولا وأنهم قاصدون ملطية للغارة على المسلمين فكتب
مونس إلى بلد الروم يستدعى بنى بن نفيس ويعده ويمنيه ويسأله صرف
الروم عن ملطية فأقبل بنى إلى الموصل وصرف الجيش عن ملطية فسر به
مونس سرورا شديدا وخلع عليه وأكرمه وأنس به فكان يعاشره ويشار به
ووافاه أيضا بدر الخرشني من أرزن في نحو ثلاثمائة رجل فسر به مونس
ويلبق ومن كان معهما وقدم عليهم طريف السبكري من حلب في نحو
أربعمائة فارس فسروا به أيضا وتوالت الفتوحات على مونس ويلبق فلما
طال مقام مونس بالموصل ودامت فتوحه وعظمت هيبته ابتدأ رجال
السلطان الذين كانوا بالحضرة بالهرب إليه وتأكدت محبتهم له فكان أحد من
جاءه بالدوا غلام ابن أبي الساج وكان بطلا شجاعا في نحو مائتي فارس ولقى
بالدوا في طريقه عسكرا للسلطان فكسره وأخذ أحمال مال كانت معهم
يريدون بها بغداد فجاء بها بالدوا إلى مونس ووهبها له ولرجاله ثم استأمنه
الحسين بن عبد الله بن حمدان لما ضاقت به الأرض وانقطع رجاؤه من أمداد
السلطان وآمنه مونس وقدم عليه ففرح مونس بقدومه وقال له نحن في ضيافتك
منذ سبعة أشهر على كره لك فشكره الحسين ولم يزل يخدم واقفا بين يدي مونس
في دراعة وعمامة بغير سيف مدة مقام مونس بالموصل
ذكر عزل الوزير الحسين بن القاسم وتقديم الفضل بن جعفر مكانه
والتياث الأحوال ببغداد
ولما ظن الوزير أبو الجمال الحسين بن القاسم أن الامر قد صفا له بخروج
120

مونس من بغداد وان قد تم له ما أراد وقع فيما تكره فكثر عليه الشغب
واشتدت مطالبة الجند له بالأموال وخيب الله ظنه فيما أراد ولازمه الحشم
في دار الخليفة ملازمة قبيحة وأهانوه وأهانوا الخليفة بسببه فثقل على قلب
المقتدر ولم يزل يقاسى منه كل صعب وذلول فأمر بالقبيض عليه في عقب ربيع
الآخر وولى الفضل بن جعفر بن الفرات مكانه وقد كان مشهورا عند الخاص
والعام بالفضل والعلم والكتابة وترك الهزل واللهو وكان هو وأبو الخطاب من
خيار آل الفرات فلما صارت إليه الوزارة أظهر الحب له والرغبة فيها فعجب
الناس من ذلك وقال فيه بعض الشعراء
أتطمع في الذي أعيا ابن مقله * وقد أعيا على الوزراء قبله
وأدبر أمر من ولاك حتى * لما نرجو مع الادبار مهله
كأنك بالحوادث قد توالت * عليك وجاءك المكروه جمله
ولما خلع على الفضل بن جعفر سار في خلعه إلى الدار التي بسوق
العطش فعطش في الطريق واستسقى ماء فشربه فأنكر ذلك عليه إذ لم يكن
في رسم من تقدمه. وفى مستهل جمادى الأولى اجتمع أهل الثغور والجبال إلى دار
السلطان واستنفروا الناس ببغداد وذكروا ما ينالهم من الديلم والروم وأن
الخراج إنما يؤخذ منهم ومن غيرهم ليصان به عامة الناس ويدفع عدوهم عنهم
وأنهم قد ضاعوا وضاعت ثغورهم واستطال عليهم عدوهم ورققوا القلوب بهذا
وأشباهه فثار الناس معهم وساروا إلى الجامع بمدينة المنصور وكسرو ادرابزين
المقصورة وأعواد المنبر ومنعوا من الخطبة ووثبوا بحمرة الخطيب ورجموه
حتى أدموه وسلخوا وجهه وجروا برجله وقالوا يا فاجر تدعو لرجل لا ينظر
في أمور المسلمين قد اشتغل بالغناء والزنا عن النظر في أمور الحرمين والثغور يفرق
مال الله في أعداء الله ولا يخاف عقابا ولا ينتظر معادا فلم يزالوا في هذه الحال إلى
وقت صلاة العصر وفعلوا بعد ذلك مثل فعلهم الأول في أول جمادى الآخرة
ونهضوا إلى باب الوزير الفضل بن جعفر وراموا كسره فرموا بالسهام من أعلى
121

الدار وقتل منهم نفر فركب أحمد بن خاقان وتوسط أمرهم وضمن لهم ما يصلحهم *
وفى ثمان خلون من رجب نقب الحسين بن القاسم في الدار الحاجبين نقبا
أخرج منه غلمانه وأراد الخروج بنفسه ففطن به وقبض عليه وحدر إلى البصرة
ذكر مسير مونس إلى بغداد وقتل المقتدر
ولما كثر عند مونس من استأمن إليه من قواد العراق ورجال الخليفة
وبلغه الاضطراب بها وأنس إلى الوزير الفضل بن جعفر لما كان عليه من
ترك المطالبة للناس ودارت بين مونس وبين الوزير مكاتبات ورجا الوزير
أن يصلح الأحوال بمجئ مونس ويتأيد به على قمع المفسدين ويتمكن بحضوره
من صلاح أمور الخليفة التي قد اضطربت فراسل مونسا في القدوم ورغبه
في الصلاح وجنح مونس إلى ذلك ورغب فيه ورجا ما لم يعنه المقدار عليه
فخرج مونس من الموصل يوم الأحد لثلاث عشرة ليلة بقيت من شوال بعد
أن ضم إلى نفسه قواده ورجاله وقلد من وثق به الموصل ونصيبين وبعربايا
وسائر الأعمال في تلك الناحية فلما انتهى مونس إلى البردان خرج إليه القواد
وغيرهم مستأمنين إليه مثل مفلح وبدر الحمال وأبو علي كاتب بشر الأفشيني
وابن هود وجماعة وبقى الغلمان الحجرية على الوزير وابن الخال في الشعيبي
يطالبونهما بالمال والزيادة لما علموا به من إقبال مونس وكتب مونس إلى
المقتدر كتبا يقول فيها لست بعاص لأمير المؤمنين ولأشققت عصاه وإنما
تنحيت عنه لمطالبة أعدائي لي عنده وقد جئت إلى بابه برجاله وليس مذهبي الفتن
ولا إراقة الدماء وقد بلغني أن مولاي يحمل على محاربتي ولاحظ في ذلك للفريقين
بل فيه الشتات والفرقة وذهاب العدد وحدوث البلاء وفناء الرجال فيأمره مولاي
للجند الذين معي بأرزاقهم فتدفع إليهم ثم يصيرون إليه وتطيب نفوسهم عليه
فأصغى المقتدر إلى قوله وسر به وقيل إنه اصطبح في داره واصطبح مفلح وابن الخال
في دورهما سرورا بذلك ثم قال للمقتدر ابنا رائق وياقوت ومفلح وغيرهم ممن كان
يكره مونسا ولا يريد رجوعه هذا عجز منك ونقص بك ولعلها حيلة عليك وخدعة
122

لك وحمل على اخراج مضاربه إلى باب الشماسية والعزم على قتاله وقالوا له لو
قد رآك كل من مع مونس لانصرفوا عنه وتركوه وحده وأخذوه في ذلك بالوعيد
والترهيب فأخرج المقتدر مضاربه إلى الشماسية يوم الثلاثاء لأربع بقين من شوال
وخرج بنفسه يوم الأربعاء لثلاث بقين منه بعد أن توضأ للصلاة وبرز إلى دار
العامة فصلى بها وكان كارها للخروج ومتثبطا فيه وإنما خرج مكرها حتى لقد
حدثت بأنهم قالوا له إن خرجت معنا إلى حرب مونس والا تقربنا بك إليه
وحدث ذكى عن المقتدر أنه رأى في الليلة التي خرج في صبيحتها إلى مونس كأن
النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول له يا جعفر اجعل افطارك الليلة عندي ففزع
له وحدث به والدته فجهدت به ألا يخرج وكشفت عن ثدييها وبكت فغلب القضاء
ونزل البلاء قال فحدثني أحد خلفاء الحجاب ممن أثق به قال رأيت المقتدر قبل
خروجه إلى مونس في دار العامة وابن رائق يستحثه ويقول له عجل يا سيدي ليراك
الناس فقال له إلى أين أعجل يا وجه الشؤم * قال وحدثني ابن زعفران عن تكين
الخادم أن المقتدر لما عمل على الخروج إلى مونس لبس ثيابه وجلس على مسورة
وقال لامه يا أمه أستودعك الله هذا يوم الحسين بن علي ثم تمثل بقول علي بن الرومي
طأمن حشاك فإن دهرك موقع * بك ما تحب من الأمور وتكره
وإذا حذرت من الأمور مقدرا * فهربت منه فنحوه تتوجه
قال وأخبرني جماعة من أهل بغداد ممن عاين المقتدر خارجا من داره وقد شق
المدينة يريد رقعة الشماسية فقالوا كان عليه خفتان ديباج فضى تستري وعليه عمامة
سوداء مصمت والبردة التي كانت للنبي صلى الله عليه وسلم على كتفيه وصدره
وظهره وهو متقلد بذى الفقار سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمائله
أدم أحمر وفى يده اليمنى الخاتم والقضيب وتحته الفرس المعروف بالاقبال ويعرف
بالقابوس لان أباقا وس أهداه إليه وعلى الفرس سرج مغربي أحمر بحلية
جديدة وتحت فخذه الأيسر سيف للركاب وبين يديه ابنه أبو أحمد عبد الواحد
عليه خفتان ديباج رومي منقوش وعمامة بيضاء وخلفه وزيره الفضل بن جعفر
123

ابن الفرات وقدامه لواء أبيض وراية سوداء يحملها ابن نصر اللابى واللواء
يحمله أحمد بن خفيف السمرقندي وعلمان أبيضان وعلمان أصفران يحملها الأنصار
ومعهم رماح في رؤسها مصاحف وسار المقتدر على حاله هذه حتى وافى الرقة
بالشماسية وقد وقعت الحرب بين العسكرين وكان الظهور أول النهار لعسكر المقتدر
ثم عادت بعد ساعة لأصحاب مونس عليهم فأسر أبو الوليد بن حمدان وأحمد بن كيغلغ
وكانا في ميمنة المقتدر في جماعة من قواد بغداد فثبتا بأنفسهما لما خان المقتدر من
كان حوله حتى أخذا أسيرين وكان في القلب من عسكر مونس بدر الخرشني وعلى
ابن يلبق ويمن الأعور وبإزائهم المقتدر و عبد الواحد ابنه ومفلح الأسود وشفيع
المقتدري وابنا رائق وهارون بن غريب الخال ومحمد بن ياقوت والحجرية وكان
في ميمنة مونس يلبق ويأنس المونسي وغلمان يلبق ومن استأمن إليهم من عسكر
بغداد فلما اشتدت الحرب انكشف ابن يلبق قليلا فراسله أبوه بالتوقف والانحياز
إليه وأرسل يلبق إلى ميمنته بأن يحملوا فحملوا وأخذوا على شط دجلة ليخرجوا
في ظهر عسكر المقتدر فتشوش العسكر وحمل يلبق وابنه ومن كان معهما حملة
واحدة فانهزم جميع من كان مع المقتدر حتى لم يبق إلا هو وحده ولم يقتل بين
يديه من غلمانه وأوليائه أحد إلا رجل من خلفاء الحجاب يقال له رشيد الهروي
وقد كان المقتدر لما رأى الحرب قد وقعت بين علي بن يلبق وبين ابن الخال وابن
ياقوت أراد العدول إلى المضرب أو إلى الحراقة فلقيه سعيد بن حمدان فقال له
يا أمير المؤمنين قد وقعت العين على العين فإن رآك من حولك قد زلت انهزموا
وانفلوا فرجع إلى المصاف وذلك وقت صلاة الظهر ولم يكن في موكبه
أحد من أهله إلا هارون بن عبد العزيز بن المعتمد على الله و عبد العزيز
ابن علي بن المنتصر بالله وإبراهيم بن قصي بن المؤيد بالله وإبراهيم بن عيسى
ابن موسى بن المتوكل على الله وكان أول من انهزم من أصحابه الحجرية ثم سائر
الناس وحمل عبد الواحد بن المقتدر في جماعة من الرجالة عدة حملات فاسر من
رجال مونس يلبق النعماني الصفعان وكان فارسا جيدا فأرادوا قتله فنهاهم المقتدر
124

عنه ولم يزل ابن ياقوت في ذلك اليوم ثابتا بعد أن انهزم ابن الخال وأبلى بلاء حسنا
فلما لم يجد ابن ياقوت مساعدا انهزم وانهزم عبد الواحد بن المقتدر وبقى المقتدر
وحده وحوله جماعة من العامة وهو يحض الناس على القتال ويسألهم الثبات معه
ويتوسل إليهم بالله وبنبيه وببردته ويمسح المصحف على وجهه إلى أن أقبل موكب
علي بن يلبق وكان قد أصابته جراح في الحرب فلم يهن لها وأقبل معه فارس تحته
فرس أدهم وعليه درع على رأسه زردية فضرب المقتدر ضربة بالسيف في عاتقه
الأيمن فقطعت الضربة طاقا من حمائل السيف وأثخنته الضربة وكان السيف بيد
المقتدر مجردا وقد كان نافع صاحب ركاب مونس ضرب بيده إلى عنان دابة المقتدر
ليسير به إلى مونس فلما ضربه الفارس خلى نافع عنانه ومضى الفارس بعد أن ضربه
ولم يقف عليه ووافى بعد هذا الفارس ثلاثة فوارس يقال لأحدهم بهلول وللثاني
سيمجور ورفيق لهما لم أحفظ اسمه فوقفوا بالمقتدر يخاطبونه ويسمعون منه
منه فأخذ أحدهم السيف من يده وانترع الآخر البردة والخفتان منه وطالب
الثالث بخاتمه فدفعه إليه وكان الخاتم ياقوتا أحمر مربعا فضربه أحد الثلاثة بالسيف
على جبينه فألمه فأخرج المقتدر كم قميصه ليمسح الدم عن وجهه فضربه الآخر
ضربة ثالثة فتلقاها المقتدر بيده اليسرى فقطعت إبهامه وانقلبت الابهام إلى ذراعه
وسقط إلى الأرض واجتمعت عليه جماعة رجالة فاحتزوا رأسه وحمل إلى مونس
وذلك يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من شوال سنة 320 وكان الذي حمله سراج البكتمري
فلما نظر إليه مونس اشتد جزعه وغمه وناله عليه أمر عظيم وقيل إن الذي قتل
المقتدر نقيط غلام مونس وأن جثته بقيت مجردة فطرح بعض المطوعة على
سوأته خرقة ثم أخذها رجل من العجم وألقى عليها حشيشا إلى أن حملت الجثة
إلى مونس فأضاف إليها الرأس وسلمه إلى ابن أبي الشوارب القاضي ليتولى أمره
فقيل إنه دفن مع أبيه وقيل إنه دفن في رقة الشماسية وقيل أيضا انه طرح في دجلة
ولم تزل الرعية يصلون في مصرعه ويدعون على قاتله وبنى في الموضع مسجد
وحظيرة كبيرة وكان عمر المقتدر يوم قتل ثمانية وثلاثين سنة وشهرا وستة أيام
125

وكانت ولايته الخلافة أربعا وعشرين سنة وأحد عشر شهرا وولد أبا العباس
الراضي محمدا والعباس أبا أحمد وهارون أبا عبد الله و عبد الواحد أبا على وإبراهيم
أبا إسحاق المتقى والفضل أبا القاسم المطيع وعليا أبا الحسن وإسحاق أبا يعقوب
و عبد الملك أبا محمد و عبد الصمد ولم يذكر الفرغاني جميعهم وإنما ذكر ستة منهم
وبقى مونس في مضاربه بباب الشماسية ولم يدخل بغداد حتى أقام القاهر للخلافة
واستأمن إليه القواد المنهزمون عن المقتدر فآمنهم وانقطع الطلب عن جميعهم
وسكن الناس وهدنهم وأظهر الأسف لما دار في أمر المقتدر وجمع القواد للمشورة
في الخليفة بعده ودار الرأي بينهم في ذلك وأمر مونس باحضار بلال بواب دار
ابن طاهر التي كان فيها أولاد الخلفاء وسأله عمن فيها من أولاد الخلفاء فذكر جماعة
فيهم محمد القاهر فمال هواهم إليه وكان مونس قد كرهه ونهاهم عنه فقالوا هو كهل
ولا أم له ونرجو أن تستقيم أمورنا معه فأطاعهم فيه وأجابهم إليه وأحضروه
على ما سيقع بعد هذا ذكره * قال وحدثني أبو الفهم ذكى أن رشيقا الأيسر وكان
الذي أقبل بالقاهر من دار ابن طاهر لولاية الخلافة وكان مقدما على الحرم حكى
له بأن رأيهم اجتمع بعد مخاوضة طويلة على القاهر وعلى أبى أحمد بن المكتفى
* قال ذكى ووجهوني فيهما ليتكلم مونس مع كل واحد منهما خاليا فمن ظهر
لهم تقديمه منهما قدم فتوجه ذكى فيهما فلما صاربهما؟؟ في بعض الطريق قال القاهر
لأبي أحمد بن المكتفى لست أشك في أنا انما دعينا التعرض على كل واحد منا
الخلافة فعرفني بما عندك فان كنت راغبا فيها أبيت أنا منها إذا دعيت إليها ثم
كنت أول من يبايعك فقال له أبو أحمد ما كنت بالذي أتقدمك وأنت عمى
وكبيري وشيخي بل أنا أول من يبايعك فلما تحقق عند القاهر مذهبه بنى أمره
عليه ثم لما صار إلى مونس وحاشيته بدؤا بمخاطبة أبى أحمد لفضل كان فيه وعرضوا
الامر عليه فأبى من تقلده ولم تكن رغبتهم فيه ثابتة إذ كانت له والدة وقد علموا ما كانت
تحدثه والدة المقتدر في الخلافة فعقدوا الامر للقاهر بالله * قال وذكر لي ابن زعفران انه
حضر ذلك وأن القاهر أجلس في خيمة بإزاء خيمة مونس ولم تزل المراسلات بينهما
126

والشروط متخذة على القاهر إلى أن أجاب إلى جميعها إلا النفقة التي كلفوه للجند على البيعة
فإنه ذكر ألا مال فعذروه * قال ولم يكن عليه يوم أحضر للبيعة إلا قميصان ورداء فطلب
ما يلبس من الثياب التي تشاكله للجلوس للعامة وسيف ومنطقة فلم يوجد ما يصلح
لذلك فنزع جعفر بن ورقاء ثيابه التي كان يلبسها ولبسها القاهر وهى عطاف
وعمامة ومنطقة وسيف بحمائل ثم قعد في الخيمة وسلموا عليه بالخلافة وبويع له
على ما سيأتي ذكره
ذكر البيعة لمحمد القاهر بالله
وهو محمد بن أحمد المعتضد بن طلحة الموفق بن جعفر المتوكل وكنية محمد
القاهر أبو منصور وكانت أمه تسمى بقبول وبويع بالخلافة يوم الخميس لليلتين
بقيتا من شوال سنة 320 وهو ابن خمس وثلاثين سنة وذلك أنه لما أحضر
من دار عبد الله بن طاهر التي كان فيها مع أولاد الخلفاء ودار بينه وبين مونس
المظفر ما تقدم ذكره من الشروط وتم الامر بينهم انحدروا به إلى دار الخلافة في
اليوم المؤرخ فلما دخلها دعا بحصير فصلى أربع ركعات وجلس على سرير الملك
ولقب القاهر بالله وحضر عبيد الله بن محمد الكلواذي فاستخلفه على الوزارة لمحمد بن
علي بن مقلة إذ كان غائبا بفارس وأمر بأن تكتب الكتب إلى العمال باسم ابن
مقلة وولى الحجابة علي بن يلبق ولم يمكنه الحضور لجراح كانت به فخلف على
الحجابة بدر الخرشني وقلد أحمد بن خاقان شرطة الجانبين ولما كان يوم الاثنين
لليلتين خلتا من ذي القعدة بعث القاهر في أولاد المتوكل على الله وغيرهم من أبناء
الخلفاء وأبناء أبنائهم فأوصلهم إليه واستدناهم وأمرهم بالجلوس وأخذ عليهم الكلواذي
البيعة وخاطبه هارون بن عبد العزيز بن المعتمد بعد أن صافحه وهنأه ودعا له فقال
قد نالت يا أمير المؤمنين أهلك جفوة أضرت بهم وآثرت في أحوالهم وليس يسألون
اقطاعا ورد ضيعة وأحوالهم تصلح بادرار أرزاقهم فقال أنا آمر بادرارها ولا أقنع
لكم بها وقد كان يتصل بي من أمركم ما يغمني فشكرته العامة على هذا القول وتكلم منهم
أبو عبد الله محمد بن المنتصر ودعوا له جميعا ثم إن القاهر أظهر في أول قعوده في الخلافة
127

من الجد وبعد الهمة والاختصار والقناعة ما هابه به الناس وأراد قطع ثوب يلبسه فحمل
إليه من داره فقيل له لو أخذلك ثوب من خرانة الكسوة فقال لا تمسوا لهم شيئا
وعرضت عليه صنوف الألوان والحلواء والفواكه التي كانت توضع بين أيدي الخلفاء
في كل يوم فاستكثرها وقال في الفاكهة بكم تبتاع هذه كل يوم فقيل له بثلاثين
دينارا فقال نقتصر من ذلك على دينار واحد من الطعام على اثنى عشر لونا وكان
يصلح لغيره كل يوم ثلاثون لونا من حلواء فاقتصر على الكافي له * وفى يوم
الخميس لخمس خلون من ذي القعدة حمل أبو العباس وأبو عبد الله ابنا المقتدر مع
أمهما إلى دار عبد الله بن طاهر بعد عتمة * وفيه طولبت أم المقتدر بالأموال
وضربت وعلقت * قال الفرغاني حدثني أبو الحسين بن العجمي قال حدثنا ذلفاء
المنجمة التي كانت مع المقتدر قالت لما أراد المقتدر الخروج لمحاربة مونس قال لامه قد
ترين ما وقعت فيه وليس معي دينار ولا درهم ولابد من مال يكون معي فأعينيني
بما معك فقالت له قد أخذت منى يوم سار القرمطي إلى بغداد ثلاثة آلاف ألف
دينار وما بقيت لي بعدها ذخيرة إلا ما ترى وأحضرته خمسين ألف دينار فقال
المقتدر وأي شئ تغنى عنى هذه الدنانير وأي مقام تقوم لي في عظيم ما أستقبله
ثم قال لها أما أنا فخارج كيف كنت وعلى ما استطعت ولعلى أقتل فأستريح ولكن
الشأن فيمن يبقى بعدي ويقبض عليها ويعذب ويعلق في هذه الشجرة دراجية
فقالت ذلفاء وكانت في بعض دور الخلافة شجرة فوالله لقد قبض على أم المقتدر
وعلقت في تلك الشجرة بعينها * وفيه ضرب شفيع وطولب بمال وصير بيع
أملاكه إلى بشرى الخادم فضاع أكثر ذلك وقبض أيضا على أسباب خالة المقتدر
وقبض على شفيع المقتدري وسلم المطبخ والبساتين إلى رشيق الأيسر الحرمي وسلم
البريد والاصطبل إلى علي بن يلبق وصرف أحمد بن خاقان عن الشرطة في الجانبين
وقلدها يمن الأعور وقبض الأعور وقبض على يأنس الخادم ولم تزل الأمور
مضطربة بقلة المال ومطالبة الجند بالأرزاق ومطالبتهم بمال البيعة حتى أنهم
شغبوا واجتمعوا إلى باب الخليفة ودخلوا إلى الدهليز الشعيبي من باب العامة
128

وفتح السجن وحورب الموكلون عليه وأيدتهم العامة على ذلك فخرج يمن الأعور
وأخذ رجلا من العامة وضربه بالسياط وصلبه فتفرق العوام وزاد أمر الجند
شغبا وجدا فأرسل القاهر إليهم ليس عندي مال والمال عند يلبق وأوصى القاهر
إلى مونس إما أن يرضى يلبق الرجال ويكفهم عنى وإلا اعتزلت فليس على هذا
الشرط تقلدت * وقدم ابن مقلة بغداد لتسع خلون من ذي الحجة وخلع عليه وقعد
ودفع إلى الجيش الذي بالحضرة عن البيعة لكل واحد منهم رزقا واحدا وللجند
أصحاب مونس ثلاثة أرزاق لكل واحد ثم إن ابن مقلة بسط يده على الناس فأخذ
أموالهم وقبض على عيسى الطبيب فأخذ أملاكه ثم بدأ في بيع أملاك السلطان وأخذ
المال من حيث لاح له وابتدأ بانشاء داره وأدخل فيها من بستان الزاهر نحو
عشرين جريبا ونقض دور بنى المقتدر واستولى ابن يلبق وحاشية مونس على
القاهر حتى صار لا يجوز له أمر ولانهى الا على أهل بيته وأولاد المقتدر
المحبوسين عنده قال وكان القاهر مستهترا بالشراب لا يكاد يفيق منه فإذا شرب
اقبل إلى أولاد المقتدر والى الراضي وإخوة وكان قد أخذهم وضمهم إلى دار تعرف
بالفاخر وأحضر أبا أحمد بن المكتفى واعتقله معهم فكان القاهر يدخل عليهم
بالليل ويتخلق لأولاد المقتدر ولأبي أحمد بن المكتفى ويسقيهم بيده وكان يقول
للراضي أنت المرشح للامر والمسمى له ثم يومى إليه بحربة كانت في يده وربما قفع
أصابعه بقضيب كان معه والراضي في كل ذلك لا يخضع له ولا يقبل يده والمقادير
تدفعه عنه وأقام علي بن يلبق وهو الحاجب يفتش جميع ما يدخل الدار على القاهر
في كل ذلك يزداد غضبا وكمدا ثم إن الراضي دس إلى يلبق وابنه وأهدى إليهما
جوهرا وعرفهما أنه وإخوته خائفون على أنفسهم من القاهر وسألهما تخليص
هؤلاء المحبوسين من يده فأجمع رأى يلبق وابنه على تخليصهم وقعد يلبق في بعض العشايا
في بعض مجالس الدار وأخرجهم على غيبة وأخرج الجدة معهم وكان القاهر قد سامها
سوء العذب وطالبها بالأموال فوجه بهم إلى داره وأفرد لهم موضعا في دار
حرمه وماتت الجدة بها فكفنها في أحسن كفن ودفنها بشارع الرصافة (وفيها)
129

صرف أبو عثمان أحمد بن إبراهيم بن حماد عن القضاء بمصر وقلد القضاء بها عبد الله
ابن أحمد بن زيد * وفى ذي القعدة من هذه السنة ورد الخبر بمصر بقتل المقتدر
فاضطربت الأحوال بها وشغب الجند ووكل التجار وطولبوا بالأموال وشغب
الجند على تكين وطالبوه بمال البيعة فجمع التجار بمصر واستسلف منهم الأموال
بسبب البيعة على أن يطالب يدم المقتدر (وحج بالناس) في هذه السنة أبو حفص
عمر بن حسن الهاشمي
وهذا ما انتهى إلينا من هذا التاريخ والحمد لله رب العالمين وحسبنا الله
ونعم الوكيل وصلى الله على سيدنا محمد المصطفى وآله الطاهرين الطيبين وسلم تسليما
فرغ من نسخه الفقير المشكر المعترف بذنبه يحيى بن يوسف بن يحيى بن منصور
ابن المعمر بن عبد السلام الزريراني في شهر ربيع الآخر من سنة 627
130