الكتاب: تاريخ الطبري
المؤلف: الطبري
الجزء: ٥
الوفاة: ٣١٠
المجموعة: مصادر التاريخ
تحقيق: مراجعة وتصحيح وضبط : نخبة من العلماء الأجلاء
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: قوبلت هذه الطبعة على النسخة المطبوعة بمطبعة "بريل" بمدينة لندن في سنة ١٨٧٩ م)

تاريخ الأمم والملوك
للامام أبى جعفر محمد بن جرير الطبري
الجزء الخامس
[قوبلت هذه الطبعة على النسخة المطبوعة]
[بمطبعة " بريل " بمدينة ليدن في سنة 1879 م]
راجعه وصححه وضبطه
نخبة من العلماء الاجلاء
منشورات
مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
بيروت - لبنان
ص. ب 7120
1

بسم الله الرحمن الرحيم
ثم دخلت سنة سبعين
ففي هذه السنة ثارت الروم واستجاشوا على من بالشام من ذلك فصالح عبد الملك
ملك الروم على أن يؤدى إليه في كل جمعة ألف دينار خوفا منه على المسلمين
(وفيها) شخص فيما ذكر محمد بن عمر مصعب بن الزبير إلى مكة فقدمها بأموال
عظيمة فقسمها في قومه وغيرهم وقدم بدواب كثيرة وظهر وأثقال فأرسل إلى
عبد الله بن صفوان وجبير بن شيبة وعبد الله بن مطيع مالا كثيرا ونحر بدنا كثيرة
(وحج) بالناس في هذه السنة عبد الله بن الزبير وكان عماله على الأمصار في هذه
السنة عماله في السنة التي قبلها على المعاون والقضاء
ثم دخلت سنة إحدى وسبعين
ذكر ما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك مسير عبد الملك بن مروان فيها على العراق لحرب مصعب بن الزبير
وكان عبد الملك فيما قيل لا يزال يقرب من مصعب حتى يبلغ بطنان حبيب ويخرج
مصعب إلى باجميرا ثم تهجم الشتاء فيرجع كل واحد منهما إلى موضعه ثم يعودان
فقال عدى بن زيد بن عدي بن الرقاع العاملي
لعمري لقد أصحرت خيلنا * بأكناف دجلة للمصعب
إذا ما منافق أهل العرا * ق عوتب ثمت لم يعتب
دلفنا إليه بذى تدرإ * قليل التفقد للغيب
يهزون كل طويل القنا * ة ملتئم النصل والثعلب
كأن وعاهم إذا ما غدوا * ضجيج قطا بلد مخصب
فقدمنا واضح وجهه * كريم الضرائب والمنصب
2

أعين بنا ونصرنا به * ومن ينصر الله لم يغلب
* فحدثني عمر بن شبة قال حدثني علي بن محمد قال أقبل عبد الملك من الشأم
يريد مصعبا وذلك قبل هذه السنة في سنة 70 ومعه خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد
فقال خالد لعبد الملك إن وجهتني إلى البصرة وأتبعتني خيلا يسيرة رجوت أن
أغلب لك عليها فوجهه عبد الملك فقدمها مستخفيا في مواليه وخاصته حتى نزل على
عمرو بن أصمع الباهلي قال عمر قال أبو الحسن قال مسلمة بن محارب أجار عمرو بن
أصمع خالدا وأرسل إلى عباد بن الحصين وهو على شرطة ابن معمر وكان مصعب
إذا شخص عن البصرة استخلف عليها عبيد الله بن عبيد الله بن معمر ورجا عمرو بن
أصمع أن يبايعه عباد بن الحصين بأني قد أجرت خالدا فأحببت أن تعلم ذلك لتكون
لي ظهر أفوافاه رسوله حين نزل عن فرسه فقال له عباد قل له والله لا أضع لبد فرسى
حتى آتيك في الخيل فقال عمرو لخالد إني لا أغرك هذا عباد يأتينا الساعة ولا والله
ما أقدر على منعك ولكن عليك بمالك بن مسمع قال أبو زيد قال أبو الحسن
ويقال إنه نزل على علي بن أصمع فبلغ ذلك عبادا فأرسل إليه عباد إني سائر إليك
* حدثني عمر قال حدثني علي بن محمد عن مسلمة وعوانة أن خالدا خرج من عند
ابن أصمع يركض عليه قميص قوهي رقيق قد حسر على فخذيه وأخرج رجليه
من الركابين حتى أتى مالكا فقال انى قد اضطررت إليك فأجرني قال نعم وخرج
هو وابنه وأرسل إلى بكر بن وائل والأزد فكانت أول راية أتته راية بنى يشكر
وأقبل عباد في الخيل فتواقفوا ولم يكن بينهم قتال فلما كان من الغد غدوا إلى جفرة
نافع بن الحارث التي نسبت بعد إلى خالد ومع خالد رجال من بنى تميم قد أتوه منهم
صعصعة بن معاوية وعبد العزيز بن بشر ومرة بن محكان في عدد منهم وكان أصحاب
خالد جفرية ينسبون إلى الجفرة وأصحاب ابن معمر زبيرية فكان من الجفرية
عبيد الله بن أبي بكرة وحمران والمغيرة بن المهلب ومن الزبيرية قيس بن الهيثم السلمي
وكان يستأجر الرجال يقاتلون معه فتقاضاه رجل أجرة فقال غدا أعطيكها فقال
غطفان بن أنيف أحد بنى كعب بن عمرو:
3

لبئس ما حكمت يا جلاجل * النقد دين والطعان عاجل
وأنت بالباب * سمير آجل
وكان قيس يعلم في عنق فرسه جلاجل وكان على خيل بنى حنظلة عمرو بن وبرة
القحيفي وكان له عبيد يؤاجرهم بثلاثين ثلاثين كل يوم فيعطيهم عشرة عشرة فقيل له
لبئس ما حكمت يا ابن وبره * تعطى ثلاثين وتعطى عشره
ووجه المصعب زحر بن قيس الجعفي مددا لابن معمر في ألف ووجه عبد الملك
عبيد الله بن زياد بن ظبيان مددا لخالد فكره أن يدخل البصرة وأرسل مطر بن
التوأم فرجع إليه فأخبره بتفرق الناس فلحق بعبد الملك * قال أبو زيد قال أبو
الحسن فحدثني شيخ من بنى عرين عن السكن بن قتادة قال اقتتلوا أربعة وعشرين
يوما وأصيبت عين مالك فضجر من الحرب ومشت السفراء بينهم يوسف
ابن عبد الله بن عثمان بن أبي العاص فصالحه على أن يخرج خالدا وهو آمن فأخرج
خالدا من البصرة وخاف أن لا يجيز المصعب أمان عبيد الله فلحق مالك بثأج فقال
الفرزدق يذكر مالكا ولحوق التميمية به وبخالد
عجبت لاقوام تميم أبوهم * وهم في بنى سعد عظام المبارك
وكانوا أعز الناس قبل مسيرهم * إلى الأزد مصفرا لحاها ومالك
فما ظنكم بابن الحوارى مصعب * إذا افتر عن أنيابه غير ضاحك
ونحن نفينا مالكا عن بلاده * ونحن فقأنا عينه بالنيازك
قال أبو زيد قال أبو الحسن حدثني مسلمة أن المصعب لما انصرف عبد الملك
إلى دمشق لم يكن له همة الا البصرة وطمع أن يدرك بها خالدا فوجده قد خرج
وآمن ابن معمر الناس فأقام أكثرهم وخاف بعضهم مصعبا فشخص فغضب
مصعب على ابن معمر وحلف أن لا يوليه وأرسل إلى الجفرية فسبهم وأنبهم قال
أبو زيد فزعم المدائني وغيره من رواة أهل البصرة أنه أرسل إليهم فأتى بهم فأقبل
على عبيد الله بن أبي بكرة فقال يا ابن مسروح إنما أنت ابن كلبة تعاورها الكلاب
فجاءت بأحمر وأسود وأصفر من كل كلب بما يشبهه وإنما كان أبوك عبدا نزل إلى
4

رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصن الطائف ثم أقمتم البينة تدعون أن أبا سفيان
زنى بأمكم أما والله لئن بقيت لألحقنكم بنسبكم ثم دعا بحمران فقال يا ابن اليهودية
إنما أنت علج نبطي سبيت من عين التمر ثم قال للحكم بن المنذر بن الجارود يا ابن
الخبيث أتدري من أنت ومن الجارود إنما كان الجارود علجا بجزيرة ابن كاوان
فارسيا فقطع إلى ساحل البحر فانتمى إلى عبد القيس ولا والله ما أعرف حيا أكثر
اشتمالا على سوءة منهم ثم أنكح أخته المكعبر الفارسي فلم يصب شرفا قط
أعظم منه فهؤلاء ولدها يا ابن قباذ ثم أتى بعبد الله بن فضالة الزهراني فقال ألست
من أهل هجر ثم من أهل سماهيج أما والله لأردنك إلى نسبك ثم أتى بعلى بن
أصمع فقال أعبد لبنى تميم مرة وعزى من باهلة ثم أتى بعبد العزيز بن بشر بن حناط
فقال يا ابن؟؟ المشتور ألم يسرق عمك عنزا في عهد عمر فأمر به فسير ليقطعه أما والله
ما أعنت إلا من ينكح أختك وكانت أخته تحت مقاتل بن مسمع ثم أتى بأبي حاضر
الأسدي فقال يا ابن الإصطخرية ما أنت والاشراف وإنما أنت من أهل قطر دعى
في بنى أسد ليس لك فيهم قريب ولا نسيب ثم أتى بزياد بن عمرو فقال يا ابن الكرماني
إنما أنت علج من أهل كرمان قطعت إلى فارس فصرت ملاحا مالك وللحرب
لانت بجر القلس أحذق ثم أتى بعبد الله بن عثمان بن أبي العاص فقال أعلى
تكثر وأنت علج من أهل هجر لحق أبوك بالطائف وهم يضمون من تأشب
إليهم يتعززون به أما والله لأردنك إلى أصلك ثم أتى بشيخ بن النعمان فقال يا ابن
الخبيث إنما أنت علج من أهل زندورد هربت أمك وقتل أبوك فتزوج أخته
رجل من بنى يشكر فجاءت بغلامين فألحقاك بنسبهما ثم ضربهم مائة مائة وحلق
رؤوسهم ولحاهم وهدم دورهم وصهرهم في الشمس ثلاثا وحملهم على طلاق نسائهم
وجمر أولادهم في البعوث وطاف بهم في أقطار البصرة وأحلفهم أن لا ينكحوا
الحرائر وبعث مصعب خداش بن يزيد الأسدي في طلب من هرب من أصحاب
خالد فأدرك مرة بن محكان فأخذه فقال مرة
بنى أسد إن تقتلوني تحاربوا * تميما إذا الحرب العوان اشمعلت
5

بنى أسد هل فيكم من هوادة * فتعفون إن كانت بي النعل زلت
فلا تحسب الأعداء إذ غبت عنهم * وأوريت معنا أن حربي كلت
تمشى خداش في الأسكة آمنا * وقد نهلت منى الرماح وعلت
فقر به خداش فقتله وكان خداش على شرطة مصعب يومئذ وأمر مصعب
سنان بن ذهل أحد بنى عمرو بن مرثد بدار مالك بن مسمع فهدمها وأخذ مصعب
ما كان في دار مالك فكان فيما أخذ جارية ولدت له عمر بن مصعب قال وأقام
مصعب بالبصرة حتى شخص إلى الكوفة ثم لم يزل بالكوفة حتى خرج لحرب
عبد الملك ونزل عبد الملك مسكن وكتب عبد الملك إلى المروانية من أهل العراق
فأجابه كلهم وشرط عليه ولاية أصبهان فأنعم بها لهم كلهم منهم حجار بن أبجر
والغضبان بن القبعثري وعتاب بن ورقاء وقطن بن عبد الله الحارثي ومحمد بن عبد الرحمن
ابن سعيد بن قيس وزحر بن قيس ومحمد بن عمير وعلى مقدمته محمد بن مروان وعلى
ميمنته عبد الله بن يزيد بن معاوية وعلى ميسرته خالد بن يزيد وسار إليه مصعب
وقد خذله أهل الكوفة قال عروة بن المغيرة بن شعبة فخرج يسير متكئا على معرفة
دابته ثم تصفح الناس يمينا وشمالا فوقعت عينه على فقال يا عروة إلى فدنوت
منه فقال أخبرني عن الحسين بن علي كيف صنع بإبائه النزول على حكم ابن زياد
وعزمه على الحرب فقال:
إن الالى بالطف من آل هاشم * تأسوا فسنوا للكرام التأسيا
قال فعلمت أنه لا يريم حتى يقتل وكان عبد الملك فيما ذكر محمد بن عمر عن
عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أبي قرة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن
رجاء بن حياة قال لما قتل عمرو بن سعيد وضع السيف فقتل من خالفه فلما
أجمع بالمسير إلى مصعب وقد صفت له الشأم وأهلها خطب الناس وأمرهم بالتهيؤ
إلى مصعب فاختلف عليه رؤساء أهل الشأم من غير خلاف لما يريده ولكنهم
أحبوا أن يقيم ويقدم الجيوش فإن ظفروا فذاك وإن لم يظفروا أمدهم
بالجيوش خشية على الناس أن أصيب في لقائه مصعبا لم يكن وراءه ملك
6

فقالوا يا أمير المؤمنين لو أقمت مكانك وبعثت على هؤلاء الجيوش رجلا من أهل
بيتك ثم سرحته إلى مصعب فقال عبد الملك إنه لا يقوم بهذا الامر إلا قرشي له
رأى ولعلى أبعث من له شجاعة ولا رأى له وإني أجد في نفسي أنى بصير بالحرب
شجاع بالسيف إن ألجئت إلى ذلك ومصعب في بيت شجاعة أبوه أشجع قريش وهو
شجاع ولا علم له بالحرب يحب الخفض ومعه من يخالفه ومعه من ينصح لي فسار
عبد الملك حتى نزل مسكن وسار مصعب إلى باجميرا وكتب عبد الملك إلى
شيعته من أهل العراق فأقبل إبراهيم بن الأشتر بكتاب عبد الملك مختوما لم يقرأه
فدفعه إلى مصعب فقال ما فيه؟ فقال ما قرأته فقرأه مصعب فإذا هو يدعوه إلى نفسه
ويجعل له ولاية العراق فقال لمصعب إنه والله ما كان من أحد آيس منه منى ولقد
كتب إلى أصحابك كلهم بمثل الذي كتب إلى فأطعني فيهم فاضرب أعناقهم قال إذا
لا تناصحنا عشائرهم قال فأوقرهم حديدا وابعث بهم إلى أبيض كسرى فاحبسهم
هنالك ووكل بهم من إن غلبت ضرب أعناقهم وإن غلبت مننت بهم على عشائرهم
فقال يا أبا النعمان إني لفى شغل عن ذلك يرحم الله أبا بحر إن كان ليحذرني غدر
أهل العراق كأنه كان ينظر إلى ما نحن فيه * حدثني عمر قال حدثنا محمد بن سلام
عن عبد القاهر بن السرى قال هم أهل العراق بالغدر بمصعب فقال قيس بن الهيثم
ويحكم لا تدخلوا أهل الشأم عليكم فوالله لئن تطعموا بعيشكم ليصفين عليكم منازلكم
والله لقد رأيت سيد أهل الشأم على باب الخليفة يفرح إن أرسله في حاجة ولقد
رأيتنا في الصوائف وأحدنا على ألف بعير وإن الرجل من وجوههم ليغزو على
فرسه وزاده خلفه قال ولما تدانى العسكران بدير الجانليق من مسكن تقدم
إبراهيم بن الأشتر فحمل على محمد بن مروان فأزاله عن موضعه فوجه عبد الملك
ابن مروان عبد الله بن يزيد بن معاوية فقرب من محمد بن مروان والتقى القوم
فقتل مسلم بن عمرو الباهلي وقتل يحيى بن مبشر أحد بنى ثعلبة بن يربوع وقتل
إبراهيم بن الأشتر فهرب عتاب بن ورقاء وكان على الخيل مع مصعب فقال مصعب
لقطن بن عبد الله الحارثي أبا عثمان قدم خيلك قال ما أرى ذلك قال ولم قال أكره
7

أن تقتل مذحج في غير شئ فقال لحجار بن أبجر أبا أسيد قدم رأيتك قال إلى
هذه العذرة قال ما تتأخر إليه والله أنتن وألام فقال لمحمد بن عبد الرحمن بن سعيد
ابن قيس مثل ذلك فقال ما أرى أحدا فعل ذلك فأفعله فقال مصعب يا إبراهيم ولا
إبراهيم لي اليوم * حدثني أبو زيد قال حدثني محمد بن سلام قال أخبر ابن خازم
بمسير مصعب إلى عبد الملك فقال أمعه عمر بن عبيد الله بن معمر قيل لا استعمله
على فارس قال أفمعه المهلب بن أبي صفرة قيل لا استعمله على الموصل قال أفمعه
عباد بن الحصين قيل لا استخلفه على البصرة فقال وأنا بخراسان
خذيني فجريني جعار وأبشري * بلحم امرئ لم يشهد اليوم ناصره
فقال مصعب لابنه عيسى بن مصعب يا بنى اركب أنت ومن معك إلى عمك
بمكة فأخبره ما صنع أهل العراق ودعني فإني مقتول فقال ابنه والله لا أخبر قريشا
عنك أبدا ولكن إن أردت ذلك فالحق بالبصرة فهم على الجماعة أو الحق بأمير
المؤمنين قال مصعب والله لا تتحدث قريش أنى فررت بما صنعت ربيعة من
خذلانها حتى أدخل الحرم منهزما ولكن أقاتل فإن قتلت فلعمري ما السيف بعار
وما الفرار لي بعادة ولا خلق ولكن إن أردت أن ترجع فارجع فقاتل فرجع
فقاتل حتى قتل * قال علي بن محمد عن يحيى بن إسماعيل بن أبي المهاجر عن أبيه
أن عبد الملك أرسل إلى مصعب مع أخيه محمد بن مروان أن ابن عمك يعطيك
الأمان فقال مصعب إن مثلي لا ينصرف عن مثل هذا الموقف إلا غالبا أو مغلوبا
وقال الهيثم بن عدي حدثنا عبد الله بن عياش عن أبيه قال إنا لوقوف مع عبد الملك
ابن مروان وهو يحارب مصعبا إذ دنا منه زياد بن عمرو فقال يا أمير المؤمنين إن
إسماعيل بن طلحة كان لي جار صدق قلما أرادني مصعب بسوء إلا دفعه عنى فإن
رأيت أن تؤمنه على جرمه قال هو آمن فمضى زياد وكان ضخما على ضخم حتى صار
بين الصفين فصاح أين أبو البختري إسماعيل بن طلحة فخرج إليه فقال إني أريد أن
أذكر لك شيئا فدنا حتى اختلفت أعناق دوابهما وكان الناس ينتطقون بالحواشى
المحشوة فوضع زياد يده في منطقة إسماعيل ثم اقتلعه عن سرجه وكان نحيفا فقال
8

أنشدك الله يا أبا المغيرة إن هذا ليس بالوفاء لمصعب فقال هذا أحب إلى من
أن أراك غدا مقتولا ولما أبى مصعب قبول الأمان نادى محمد بن مروان عيسى
ابن مصعب وقال له يا ابن أخي لا تقتل نفسك لك الأمان فقال له مصعب قد
آمنك عمك فامض إليه قال لا تتحدث نساء قريش أنى أسلمتك للقتل قال فتقدم
بين يدي أحتسبك فقاتل بين يديه حتى قتل وأثخن مصعب بالرمي ونظر إليه زائدة
ابن قدامة فشد عليه فطعنه وقال يا لثارات المختار فصرعه ونزل إليه عبيد الله بن زياد
ابن ظبيان فاحتز رأسه وقال إنه قتل أخي النابئ بن زياد فأتى به عبد الملك بن
مروان فأثابه ألف دينار فأبى أن يأخذها وقال إني لم أقتله على طاعتك إنما
قتلته على وتر صنعه بي ولا آخذ في حمل رأس مالا فتركه عند عبد الملك وكان
الوتر الذي ذكره عبيد الله بن زياد بن ظبيان أنه قتل عليه مصعبا أن مصعبا
كان ولى في بعض ولايته شرطة مطرف بن سيدان الباهلي ثم أحد بنى جأوة
* فحدثني عمر بن شبة قال حدثني أبو الحسن المدائني ومخلد بن يحيى بن
حاضر أن مطرفا أتى بالنابئ بن زياد بن ظبيان ورجل من بنى نمير قد
قطعا الطريق فقتل النابئ وضرب النميري بالسياط فتركه فجمع له عبيد الله بن
زياد بن ظبيان جمعا بعد أن عزله مصعب عن البصرة وولاه الأهواز فخرج يريده
فالتقيا فتواقفا وبينهما نهر فعبر مطرف إليه النهر وعاجله ابن ظبيان فطعنه
فقتله فبعث مصعب مكرم بن مطرف في طلب ابن ظبيان فسار حتى بلغ عسكر
مكرم فنسب إليه ولم يلق ابن ظبيان ولحق ابن ظبيان بعبد الملك لما قتل أخوه
فقال البعيث اليشكري بعد قتل مصعب يذكر ذلك:
ولما رأينا الامر نكسا صدوره * وهم الهوادي أن تكن تواليا
صبرنا لأمر الله حتى يقيمه * ولم نرض إلا من أمية واليا
ونحن قتلنا مصعبا وابن مصعب * أخا أسد والنخعي اليمانيا
ومرت عقاب الموت منا بمسلم * فأهوت له نابا فأصبح ثاويا
سقينا ابن سيدان بكأس روية * كفتنا وخير الامر ما كان كافيا
9

* حدثني أبو زيد قال حدثني علي بن محمد قال مر ابن ظبيان بابنة مطرف
بالبصرة فقيل لها هذا قاتل أبيك فقالت في سبيل الله أبى فقال ابن ظبيان:
فلا في سبيل الله لاقي حمامه * أبوك ولكن في سبيل الدراهم
فلما قتل مصعب دعا عبد الملك بن مروان أهل العراق إلى البيعة فبايعوه
وكان مصعب قتل على نهر يقال له الدجيل عند دير الجاثليق فلما قتل أمر به
عبد الملك وبابنه عيسى فدفنا ذكر الواقدي عن عثمان بن محمد عن أبي بكر بن عمر
عن عروة قال قال عبد الملك حين قتل مصعب واروه فقد والله كانت الحرمة
بيننا وبينه قديمة ولكن هذا الملك عقيم قال أبو زيد وحدثني أبو نعيم قال حدثني
عبد الله بن الزبير أبو أبى أحمد عن عبد الله بن شريك العامري قال إني لواقف
إلى جنب مصعب بن الزبير فأخرجت له كتابا من قبائي فقلت له هذا كتاب
عبد الملك فقال ما شئت قال ثم جاء رجل من أهل الشأم فدخل عسكره فأخرج
جارية فصاحت وا ذلاه فنظر إليها مصعب ثم أعرض عنها قال وأتى عبد الملك
برأس مصعب فنظر إليه فقال متى تغذو قريش مثلك وكانا يتحدثان إلى حبى وهما
بالمدينة فقيل لها قتل مصعب فقالت تعس قاتله قيل قتله عبد الملك بن مروان قالت
بأبي القاتل والمقتول * قال وحج عبد الملك بعد ذلك فدخلت عليه حبى فقالت
أقتلت أخاك مصعبا فقال:
من يذق الحرب يجد طعمها * مرا وتتركه بجعجاع
وقال ابن قيس الرقيات:
لقد أورث المصرين خزيا وذلة * قتيل بدير الجاثليق مقيم
فما نصحت لله بكر بن وائل * ولا صبرت عند اللقاء تميم
ولو كان بكريا تعطف حوله * كتائب يغلى حميها ويدوم
ولكنه ضاع الذمام ولم يكن * بها مضري يوم ذاك كريم
جزى الله كوفيا هناك ملامة * وبصريهم إن المليم مليم
وإن بنى العلات أخلوا ظهورنا * ونحن صريح بينهم وصميم
10

فإن نفن لا يبقوا أولئك بعدنا * لذي حرمة في المسلمين حريم
(قال أبو جعفر) وقد قيل إن ما ذكرت من مقتل مصعب والحرب التي
جرت بينه وبين عبد الملك كانت في سنة 72 وأن أمر خالد بن عبد الله بن خالد
ابن أسيد ومصيره إلى البصرة من قبل عبد الملك كان في سنة 71 وقتل مصعب
في جمادى الآخرة (وفى هذه السنة) دخل عبد الملك بن مروان الكوفة وفرق
أعمال العراق والمصرين الكوفة والبصرة على عماله في قول الواقدي وأما
أبو الحسن فإنه ذكر أن ذلك في سنة 72 * وحدثني عمر قال حدثني علي بن
محمد قال قتل مصعب يوم الثلاثاء لثلاث عشرة خلت من جمادى الأولى
أو الآخرة سنة 72 ولما أتى عبد الملك الكوفة فيما ذكر نزل النخيلة ثم دعا
الناس إلى البيعة فجاءت قضاعة فرأى قلة فقال يا معشر قضاعة كيف سلمتم من
مصر مع قلتكم فقال عبد الله بن يعلى النهدي نحن أعز منهم وأمنع قال بمن قال
بمن معك منا يا أمير المؤمنين ثم جاءت مذحج وهمدان فقال ما أرى لاحد
مع هؤلاء بالكوفة شيئا ثم جاءت جعفي فلما نظر إليهم عبد الملك قال يا معشر
جعفي اشتملتم على ابن أختكم وواريتموه يعنى يحيى بن سعيد بن العاص قالوا
نعم قال فهاتوه قالوا وهو آمن قال وتشترطون أيضا فقال رجل منهم إنا والله
ما نشترط جهلا بحقك ولكنا نتسحب عليه تسحب الولد على والده فقال
أما والله لنعم الحي أنتم إن كنتم لفرسانا في الجاهلية والاسلام هو آمن فجاؤوا به
وكان يكنى أبا أيوب فلما نظر إليه عبد الملك قال أبا قبيح بأي وجه تنظر إلى
ربك وقد خلعتني قال بالوجه الذي خلقه فبايع ثم ولى فنظر عبد الملك في قفاه
فقال لله دره أي ابن زوملة هو يعنى غريبة وقال علي بن محمد حدثني للقاسم بن
معن وغيره أن معبد بن خالد الجدلي قال ثم تقدمنا إليه معشر عدوان قال فقدمنا
رجلا وسيما جميلا وتأخرت وكان معبد دميما فقال عبد الملك من فقال الكاتب
عدوان فقال عبد الملك:
عذير الحي من عدوا * ن كانوا حية الأرض
11

بغى بعضهم بعضا * فلم يرعوا على بعض
ومنهم كانت السادات * والموفون بالقرض
ثم أقبل على الجميل فقال إيه فقال لا أدرى فقلت من خلفه:
ومنهم حكم يقضى * فلا ينقض ما يقضى
ومنهم من يجيز الحج * بالسنة والفرض
وهم مذ ولدوا شبوا * بسر النسب المحض
قال فتركني عبد الملك ثم أقبل على الجميل فقال من هو قال لا أدرى فقلت من
خلفه ذو الإصبع قال فأقبل على الجميل فقال ولم سمى ذا الإصبع فقال لا أدرى
فقلت من خلفه لان حية عضت أصبعه فقطعتها فأقبل على الجميل فقال ما كان اسمه
فقال لا أدرى فقلت من خلفه حرثان بن الحارث فأقبل على الجميل فقال من أيكم
كان قال لا أدرى فقلت من خلفه من بنى ناج فقال
أبعد بنى ناج وسعيك بينهم * فلا تتبعن عينيك ما كان هالكا
إذا قلت معروفا لأصلح بينهم * يقول وهيب لا أصالح ذلكا
فأضحى كظهر العيرجب سنامه * تطيف به الولدان أحدب باركا
ثم أقبل على الجميل فقال كم عطاؤك قال سبعمائة فقال لي في كم أنت
قلت في ثلثمائة فأقبل على الكاتبين فقال حطا من عطاء هذا أربعمائة
وزيداها في عطاء هذا فرجعت وأنا في سبعمائة وهو في ثلثمائة ثم جاءت كندة
فنظر إلى عبد الله بن إسحاق بن الأشعث فأوصى به بشرا أخاه وقال اجعله
في صحابتك وأقبل داود بن قحذم في مائتين من بكر بن وائل عليهم الأقبية
الداودية وبه سميت فجلس مع عبد الملك على سريره فأقبل عليه عبد الملك ثم نهض
ونهضوا معه فأتبعهم عبد الملك بصره فقال هؤلاء الفساق والله لولا أن صاحبهم
جاءني ما أعطاني أحد منهم طاعة ثم إنه ولى فيما قيل قطن بن عبد الله الحارثي
الكوفة أربعين يوما ثم عزله وولى بشر بن مروان وصعد منبر الكوفة فخطب
فقال إن عبد الله بن الزبير لو كان خليفة كما يزعم لخرج فآسى بنفسه ولم يغرز ذنبه
12

في الحرم ثم قال إني قد استعملت عليكم بشر بن مروان وأمرته بالاحسان إلى
أهل الطاعة والشدة على أهل المعصية فاسمعوا له وأطيعوا واستعمل محمد بن عمير
على همذان ويزيد بن رويم على الري وفرق العمال ولم يف لاحد شرط عليه
ولاية أصبهان ثم قال على هؤلاء الفساق الذين أنغلوا الشأم وأفسدوا العراق
فقيل قد أجارهم رؤساء عشائرهم فقال وهل يجير على أحد وكان عبد الله بن يزيد
ابن أسد لجأ إلى علي بن عبد الله بن عباس ولجأ إليه أيضا يحيى بن معيوف الهمداني
ولجأ الهذيل بن زفر بن الحارث وعمرو بن زيد الحكمي إلى خالد بن يزيد بن
معاوية فآمنهم عبد الملك فظهروا (قال أبو جعفر) وفى هذه السنة تنازع الرياسة
بالبصرة عبيد الله بن أبي بكرة وحمران بن أبان * حدثني عمر بن شبة قال حدثني
علي بن محمد قال لما قتل المصعب وثب حمران بن أبان وعبيد الله بن أبي بكرة
فتنازعا في ولاية البصرة فقال ابن أبي بكرة أنا أعظم غناء منك أنا كنت أنفق
على أصحاب خالد يوم الجفرة فقيل لحمران إنك لا تقوى على ابن أبي بكرة فاستعن
بعبد الله بن الأهتم فإنه إن أعانك لم يقو عليك ابن أبي بكرة ففعل وغلب حمران
على البصرة وابن الأهتم على شرطها وكان لحمران منزلة عند بنى أمية * حدثني
أبو زيد قال حدثني أبو عاصم النبيل قال أخبرني رجل قال قدم شيخ أعرابي فرأى
حمران فقال من هذا فقالوا حمران فقال لقد رأيت هذا وقد مال رداؤه عن عاتقه
فابتدره مروان وسعيد بن العاص أيهما يسويه قال أبو زيد قال أبو عاصم فحدثت
بذلك رجلا من ولد عبد الله بن عامر فقال حدثني أبي أن حمران مد رجله فابتدر معاوية
وعبد الله بن عامر أيهما يغمزها (وفى هذه السنة) بعث عبد الملك خالد بن عبد الله
على البصرة واليا * حدثني عمر قال حدثني علي بن محمد قال مكث حمران على البصرة
يسيرا وخرج ابن أبي بكرة حتى قدم على عبد الملك الكوفة بعد مقتل مصعب
فولى عبد الملك خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد على البصرة وأعمالها فوجه خالد عبيد الله
ابن أبي بكرة خليفته على البصرة فلما قدم على حمران قال أقد جئت لا جئت فكان ابن أبي
بكرة على البصرة حتى قدم خالد (وفى هذه السنة) رجع عبد الملك فيما زعم الواقدي
13

إلى الشأم. قال وفيها نزع ابن الزبير جابر بن الأسود بن عوف عن المدينة واستعمل
عليها طلحة بن عبد الله بن عوف قال وهو آخر وال لابن الزبير على المدينة حتى قدم
عليها طارق بن عمرو مولى عثمان فهرب طلحة وأقام طارق بالمدينة حتى كتب
إليه عبد الملك (وحج) بالناس في هذه السنة عبد الله بن الزبير في قول الواقدي
وذكر أبو زيد عن أبي غسان محمد بن يحيى قال حدثني مصعب بن عثمان قال لما
انتهى إلى عبد الله بن الزبير قتل مصعب قام في الناس فقال الحمد لله الذي له
الخلق والامر يؤتى الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل
من يشاء ألا وإنه لم يذلل الله من كان الحق معه وإن كان فردا ولم يعزز من
كان وليه الشيطان وحزبه وإن كان معه الأنام طرا ألا وإنه قد أتانا من العراق
خبر حزننا وأفرحنا أتانا قتل مصعب رحمة الله عليه فأما الذي أفرحنا فعلمنا أن قتله
له شهادة وأما الذي حزننا فإن لفراق الحميم لوعة يجدها حميمه عند المصيبة ثم يرعوي
من بعدها ذو الرأي إلى جميل الصبر وكريم العزاء ولئن أصبت بمصعب لقد أصبت
بالزبير قبله وما أنا من عثمان بخلو مصيبة وما مصعب إلا عبد من عبيد الله وعون
من أعواني ألا إن أهل العراق أهل الغدر والنفاق أسلموه وباعوه بأقل الثمن
فإن يقتل فإنا والله ما نموت على مضاجعنا كما تموت بنو أبى العاص والله ما قتل منهم
رجل في زعف في الجاهلية ولا الاسلام وما نموت إلا قعصا بالرماح وموتا تحت
ظلال السيوف ألا إنما الدنيا عارية من الملك الاعلى الذي لا يزول سلطانه ولا يبيد
ملكه فإن تقبل لا آخذها أخذ الأشر البطر وإن تدبر لا أبك عليها بكاء الخرق
المهين أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وذكر أن عبد الملك لما قتل مصعبا ودخل
الكوفة أمر بطعام كثير فصنع وأمر به إلى الخورنق وأذن إذنا عاما فدخل الناس
فأخذوا مجالسهم فدخل عمرو بن حريث المخزومي فقال إلى وعلى سريري فأجلسه
معه ثم قال أي الطعام أكلت أحب إليك وأشهى عندك قال عناق حمراء قد أجيد
تمليحها وأحكم نضجها قال ما صنعت شيئا فأين أنت من عمروس راضع قد أجيد
سمطه وأحكم نضجه اختلجت إليك رجله فأتبعتها يده غذى بشريجين من لبن
14

وسمن ثم جاءت الموائد فأكلوا فقال عبد الملك بن مروان ما ألذ عيشنا لو أن شيئا
يدوم ولكنا كما قال الأول:
وكل جديد يا أميم إلى بلى * وكل امرئ يوما يصير إلى كان
فلما فرغ من الطعام طاف عبد الملك في القصر يقول لعمرو بن حريث لمن هذا
البيت ومن بنى هذا البيت وعمرو يخبره فقال عبد الملك
وكل جديد يا أميم إلى بلى * وكل امرئ يوما يصير إلى كان
ثم أتى مجلسه فاستلقى وقال:
اعمل على مهل فإنك ميت * واكدح لنفسك أيها الانسان
فكأن ما قد كان لم يك إذ مضى * وكأن ما هو كائن قد كان
(وفى هذه السنة) افتتح عبد الملك في قول الواقدي قيسارية
ثم دخلت سنة اثنتين وسبعين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث الجليلة
(قال أبو الجعفر) فمن ذلك ما كان من أمر الخوارج وأمر المهلب بن أبي صفرة
وعبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد (ذكر هشام بن محمد) عن أبي مخنف أن
حصيرة بن عبد الله وأبا زهير العبسي حدثاه أن الأزارقة والمهلب بعد ما اقتتلوا
بسولاف ثمانية أشهر أشد القتال أتاهم أن مصعب بن الزبير قد قتل فبلغ ذلك الخوارج
قبل أن يبلغ المهلب وأصحابه فناداهم الخوارج ألا تخبروننا ما قولكم في مصعب قالوا
إمام هدى قالوا فهو وليكم في الدنيا والآخرة قالوا نعم قالوا وأنتم أولياؤه أحياء وأمواتا
قالوا ونحن أولياؤه أحياء وأمواتا قالوا فما قولكم في عبد الملك بن مروان قالوا ذلك
ابن اللعين نحن إلى الله منه برآء هو عندنا أحل دما منكم قالو أفأنتم منه برآء في الدنيا
والآخرة قالوا نعم كبراء تنامنكم قالوا وأنتم له أعداء أحياء وأمواتا قالوا نعم نحن له أعداء
كعداوتنا لكم قالوا فان امامكم مصعبا قد قتله عبد الملك بن مروان ونراكم ستجعلون غدا
عبد الملك إمامكم وأنتم الآن تتبرؤن منه وتلعنون أباه قالوا كذبتم يا أعداء الله فلما كان
15

من الغد تبين لهم قتل مصعب فبايع المهلب الناس لعبد الملك بن مروان فأتتهم
الخوارج فقالوا ما تقولون في مصعب قالوا يا أعداء الله لا نخبركم ما قولنا فيه وكرهوا
أن يكذبوا أنفسهم عندهم قالوا فقد أخبرتمونا أمس أنه وليكم في الدنيا والآخرة
وأنكم أولياؤه أحياء وأمواتا فأخبرونا ما قولكم في عبد الملك قالوا ذاك إمامنا
وخليفتنا ولم يجدوا إذ بايعوه بدا من أن يقولوا هذا القول قالت لهم الأزارقة يا أعداء
الله أنتم أمس تتبرؤن منه في الدنيا والآخرة وتزعمون أنكم له أعداء أحياء وأمواتا
وهو اليوم إمامكم وخليفتكم وقد قتل إمامكم الذي كنتم تولونه فأيهما المحق وأيهما
المهتدى وأيهما الضال قالوا لهم يا أعداء الله رضينا بذاك إذ كان ولى أمورنا ونرضى
بهذا كما رضينا بذاك قالوا لا والله ولكنكم إخوان الشياطين وأولياء الظالمين وعبيد
الدنيا وبعث عبد الملك بن مروان بشر بن مروان على الكوفة وخالد بن عبد الله
ابن خالد بن أسيد على البصرة فلما قدم خالد أثبت المهلب على خراج الأهواز
ومعونتها وبعث عامر بن مسمع على سابور ومقاتل بن مسمع على اردشير خره
ومسمع بن مالك بن مسمع على فساودرا بجرد والمغيرة بن المهلب على إصطخر
ثم إنه بعث إلى مقاتل فبعثه على جيش وألحقه بناحية عبد العزيز فخرج يطلب الأزارقة
فانحطوا عليه من قبل كرمان حتى أتوا درابجرد فسار نحوهم وبعث قطري مع
صالح بن مخراق تسعمائة فارس فأقبل يسير بهم حتى استقبل عبد العزيز وهو يسير
بالناس ليلا يجرون على غير تعبية فهزم الناس ونزل مقاتل بن مسمع فقاتل حتى
قتل وانهزم عبد العزيز بن عبد الله وأخذت امرأته ابنة المنذر بن الجارود فأقيمت
فيمن يزيد فبلغت مائة ألف وكانت جميلة فغار رجل من قومها كان من رؤس
الخوارج يقال له أبو الحديد الشني فقال تنحوا هكذا ما أرى هذه المشركة إلا قد
فتنتكم فضرب عنقها ثم زعموا أنه لحق بالبصرة فرآه آل منذر فقالوا والله ما ندري
أنحمدك أم نذمك فكان يقول ما فعلته إلا غيرة وحمية وجاء عبد العزيز حتى انتهى
إلى رام هرمز وأتى المهلب فأخبر به فبعث إليه شيخا من أشياخ قومه كان أحد
فرسانه فقال ائته فإن كان منهزما فعزه وأخبره أنه لم يفعل شيئا لم يفعله الناس قبله
16

وأخبره أن الجنود تأتيه عاجلا ثم يعزه الله وينصره فأتاه ذلك الرجل فوجدوه
نازلا في نحو من ثلاثين رجلا كئيبا حزينا فسلم عليه الأزدي وأخبره أنه رسول
المهلب وبلغه ما أمره به وعرض عليه أن يذكر له ما كانت له من حاجة ثم انصرف
إلى المهلب فأخبره الخبر فقال له المهلب الحق الآن بخالد بالبصرة فأخبره الخبر فقال أنا
آتيه أخبره أن أخاه هزم والله لا آتيه فقال المهلب لا والله لا يأتيه غيرك أنت الذي
عاينته ورأيته وأنت كنت رسولي إليه قال هو إذا يهديك يا مهلب إن ذهب إليه العام
ثم خرج قال المهلب أما أنت والله فإنك لي آمن أما والله لو أنك مع غيري ثم أرسلك على
رجليك خرجت تشتد قال له وأقبل عليه كأنك إنما تمن علينا بحلمك فنحن والله نكافيك
بل نزيد أما تعلم أنا نعرض أنفسنا للقتل دونك ونحميك من عدوك ولو كنا والله مع من
يجهل علينا ويبعثنا في حاجاته على أرجلنا ثم احتاج إلى قتالنا ونصرتنا جعلناه بيننا وبين
عدونا ووقينا به أنفسنا قال له المهلب صدقت صدقت ثم دعا فتى من الأزد كان معه
فسرحه إلى خالد يخبره خبر أخيه فأتاه الفتى الأزدي وحوله الناس وعليه جبة
خضراء ومطرف أخضر فسلم عليه فرد عليه فقال ما جاء بك قال أصلحك الله أرسلني
إليك المهلب لأخبرك خبر ما عاينته قال وما عاينت قال رأيت عبد العزيز
برام هرمز مهزوما قال كذبت قال لا والله ما كذبت وما قلت لك إلا الحق فان كنت
كاذبا فاضرب عنقي وإن كنت صادقا فأعطني أصلحك الله جبتك ومطرفك قال
ويحك ما أيسر ما سألت ولقد رضيت مع الخطر العظيم إن كنت كاذبا
بالخطر الصغير إن كنت صادقا فحبسه وأمر بالاحسان إليه حتى تبينت له
هزيمة القوم فكتب إلى عبد الملك أما بعد فإني أخبر أمير المؤمنين أكرمه الله أنى
بعثت عبد العزيز بن عبد الله في طلب الخوارج وأنهم لقوه بفارس فاقتتلوا قتالا
شديدا فانهزم عبد العزيز لما انهزم عنه الناس وقتل مقاتل بن مسمع وقدم الفل
إلى الأهواز فأحببت أن أعلم أمير المؤمنين ذلك ليأتيني رأيه وأمره أنزل عنده إن
شاء الله والسلام عليك ورحمة الله فكتب إليه أما بعد فقد قدم رسولك في كتابك
تعلمني فيه بعثتك أخاك على قتال الخوارج وبهزيمة من هزم وقتل من قتل وسألت
17

رسولك عن مكان المهلب فحدثني أنه عامل لك على الأهواز فقبح الله رأيك حين
تبعث أخاك أعرابيا من أهل مكة على القتال وتدع المهلب إلى جنبك يجبى الخراج
وهو الميمون النقيبة الحسن السياسة البصير بالحرب المقاسى لها ابنها وابن أبنائها
انظر أن ينهض بالناس حتى تستقبلهم بالأهواز ومن وراء الأهواز وقد بعثت
إلى بشر أن يمدك بجيش من أهل الكوفة فإذا أنت لقيت عدوك فلا تعمل فيهم
برأي حتى تحضره المهلب وتستشيره فيه إن شاء الله والسلام عليك ورحمة الله
فشق عليه أن فيل رأيه في بعثة أخيه وترك المهلب وفى أنه لم يرض رأيه خالصا
حتى قال أحضره المهلب واستشره فيه وكتب عبد الملك إلى بشر بن مروان
أما بعد فانى قد كتبت إلى خالد بن عبد الله آمره بالنهوض إلى الخوارج فسرح
إليه خمسة آلاف رجل وابعث عليهم رجلا من قبلك ترضاه فإذا قضوا غزواتهم
تلك صرفتهم إلى الري فقاتلوا عدوهم وكانوا في مسالحهم وجبوا فيأهم حتى تأتى
أيام عقبهم فتعقبهم وتبعث آخرين مكانهم فقطع على أهل الكوفة خمسة آلاف
وبعث عليهم عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث وقال إذا قضيت غزاتك هذه
فانصرف إلى الري وكتب له عليها عهدا وخرج خالد بأهل البصرة حتى قدم
الأهواز وجاء عبد الرحمن بن محمد ببعث أهل الكوفة حتى وافاهم بالأهواز
وجاءت الأزارقة حتى دنوا من مدينة الأهواز ومن معسكر القوم وقال المهلب
لخالد بن عبد الله إني أرى ههنا سفنا كثيرة فضمها إليك فوالله ما أظن القوم
إلا محرقيها فما لبث إلا ساعة حتى ارتفعت خيل من خيلهم إليها فحرقتها وبعث
خالد بن عبد الله على ميمنته المهلب وعلى ميسرته داود بن قحذم من بنى قيس
ابن ثعلبة ومر المهلب على عبد الرحمن بن محمد ولم يخندق فقال له يا ابن أخي ما يمنعك
من الخندق فقال والله لهم أهون على من ضرطة الجمل قال فلا يهونوا عليك يا ابن
أخي فإنهم سباع العرب لا أبرح أو تضرب عليك خندقا ففعل وبلغ الخوارج
قول عبد الرحمن بن محمد لهم أهون على من ضرطة الجمل فقال شاعرهم
يا طالب الحق لا تستهو بالامل * فإن من دون ما تهوى مدى الاجل
18

واعمل لربك واسأله مثوبته * فان تقواه فاعلم أفضل العمل
واغز المخانيث في الماذي معلمة * كيما تصبح غدوا ضرطة الجمل
فأقاموا نحوا من عشرين ليلة ثم إن خالدا زحف إليهم بالناس فرأوا أمرا
هالهم من عدد الناس وعدتهم فأخذوا يتحازون واجتزأ عليهم الناس فكرت
عليهم الخيل وزحف إليهم فانصرفوا كأنهم على حامية وهم مولون لا يرون لهم
طاقة بقتال جماعة الناس وأتبعهم خالد بن عبد الله داود بن قحذم في جيش من
أهل البصرة وانصرف خالد إلى البصرة وانصرف عبد الرحمن بن محمد إلى الري
وأقام المهلب بالأهواز فكتب خالد بن عبد الله إلى عبد الملك أما بعد فإني أخبر
أمير المؤمنين أصلحه الله أنى خرجت إلى الأزارقة الذين مرقوا من الدين وخرجوا من
ولاية المسلمين فالتقينا بمدينة الأهواز فتناهضنا فاقتتلنا كأشد قتال كان في الناس ثم إن
الله أنزل نصره على المؤمنين والمسلمين وضرب الله وجوه أعدائه فأتبعهم المسلمون
يقتلونهم ولا يمنعون ولا يمتنعون وأفاء الله ما في عسكرهم على المسلمين ثم أتبعتهم
داود بن قحذم والله إن شاء مهلكهم ومستأصلهم والسلام عليك فلما قدم هذا
الكتاب على عبد الملك كتب عبد الملك إلى بشر بن مروان أما بعد فابعث من قبلك رجلا
شجاعا بصيرا بالحرب في أربعة آلاف فارس فليسيروا إلى فارس في طلب المارقة فان خالدا كتب إلى يخبرني أنه قد بعث في طلبهم داود بن قحذم فمر صاحبك الذي
تبعث أن لا يخالف داود بن قحذم إذا ما التقيا فان اختلاف القوم بينهم عون لعدوهم
عليهم والسلام عليك فبعث بشر بن مروان عتاب بن ورقاء في أربعة آلاف فارس
من أهل الكوفة فخرجوا حتى التقوا هم وداود بن قحذم بأرض فارس ثم اتبعوا
القوم يطلبونهم حتى نفقت خيول عامتهم وأصابهم الجهد والجوع ورجع عامة
ذينك الجيشين مشاة إلى الأهواز فقال ابن قيس الرقيات من بنى مخزوم في هزيمة
عبد العزيز وفراره عن امرأته.
عبد العزيز فضحت جيشك كلهم * وتركتهم صرعى بكل سبيل
من بين ذي عطش يجود بنفسه * وملحب بين الرجال قتيل
19

هلا صبرت مع الشهيد مقاتلا * إذ رحت منتكث القوى بأصيل
وتركت جيشك لا أمير عليهم * فارجع بعار في الحياة طويل
ونسيت عرسك إذ تقاد سبية * تبكى العيون برنة وعويل
(وفى هذه السنة) كان خروج أبى فديك الخارجي وهو من بنى قيس بن ثعلبة
فغلب على البحرين وقتل نجدة بن عامر الحنفي فاجتمع على خالد بن عبد الله
نزول قطري الأهواز وأمر أبى فديك فبعث أخاه أمية بن عبد الله على جند كثيف
إلى أبى فديك فهزمه أبو فديك وأخذ جارية له فاتخذها لنفسه وسار أمية على
فرس له حتى دخل البصرة في ثلاثة أيام فكتب خالد إلى عبد الملك بحاله وحال
الأزارقة (وفى هذه السنة) وجه عبد الملك الحجاج بن يوسف إلى مكة لقتال
عبد الله بن الزبير وكان السبب في توجيهه الحجاج إليه دون غيره فيما ذكر أن
عبد الملك لما أراد الرجوع إلى الشأم قام إليه الحجاج بن يوسف فقال يا أمير
المؤمنين إني رأيت في منامي أنى أخذت عبد الله بن الزبير فسلخته فابعثني إليه وولني
قتاله فبعثه في جيش كثيف من أهل الشام فسار حتى قدم مكة وقد كتب إليهم
عبد الملك بالأمان إن دخلوا في طاعته فحدثني الحارث قال حدثني محمد بن سعد
قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثنا مصعب بن ثابت عن أبي الأسود عن عباد بن
عبد الله بن الزبير قال بعث عبد الملك بن مروان حين قتل مصعب بن الزبير الحجاج
ابن يوسف إلى ابن الزبير بمكة فخرج في ألفين من جند أهل الشام في جمادى من
سنة 72 فلم يعرض للمدينة وسلك طريق العراق فنزل بالطائف فكان يبعث
البعوث إلى عرفة في الحل ويبعث ابن الزبير بعثا فيقتتلون هنالك فكل ذلك تهزم
خيل ابن الزبير وترجع خيل الحجاج بالظفر ثم كتب الحجاج إلى عبد الملك
يستأذنه في حصار ابن الزبير ودخول الحرم عليه ويخبره أن شوكته قد كلت
وتفرق عنه عامة أصحابه ويسأله أن يمده برجال فجاءه كتاب عبد الملك وكتب
عبد الملك إلى طارق بن عمرو يأمره أن يلحق بمن معه من الجند بالحجاج فسار
في خمسة آلاف من أصحابه حتى لحق بالحجاج وكان قدوم الحجاج الطائف في
20

شعبان سنة 72 فلما دخل ذو القعدة رحل الحجاج من الطائف حتى نزل بئر ميمون
وحصر ابن الزبير وحج الحجاج بالناس في هذه السنة وابن الزبير محصور وكان
قدوم طارق مكة لهلال ذي الحجة ولم يطف بالبيت ولم يصل إليه وهو محرم
وكان يلبس السلاح ولا يقرب النساء ولا الطيب إلى أن قتل عبد الله بن الزبير
ونحر ابن الزبير بدنا بمكة يوم النحر ولم يحج ذلك العام ولا أصحابه لانهم لم يقفوا
بعرفة * قال محمد بن عمر حدثني سعيد بن مسلم بن بابك عن أبيه قال حججت في
سنة 72 فقدمنا مكة فدخلناها من أعلاها فنجد أصحاب الحجاج وطارق فيما بين
الحجون إلى بئر ميمون فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة ثم حج بالناس الحجاج
فرأيته واقفا بالهضبات من عرفة على فرس وعليه الدرع والمغفر ثم صدر فرأيته
عدل إلى بئر ميمون ولم يطف بالبيت وأصحابه متسلحون ورأيت الطعام عندهم
كثيرا ورأيت العير تأتى من الشأم تحمل الطعام الكعك والسويق والدقيق فرأيت
أصحابه مخاصيب ولقد إبتعنا من بعضهم كعكا بدرهم فكفانا إلى أن بلغنا الجحفة
وإنا لثلاثة نفر * قال محمد بن عمر حدثني مصعب بن ثابت عن نافع مولى بنى أسد
قال وكان عالما بفتنة ابن الزبير قال حصر ابن الزبير ليلة هلال ذي القعدة سنة 72
(وفى هذه السنة) كتب عبد الملك إلى عبد الله بن خازم السلمي يدعوه إلى بيعته
ويطعمه خراسان سبع سنين فذكر علي بن محمد أن المفضل بن محمد ويحيى بن طفيل
وزهير بن هنيد حدثوه قال وفى خبر بعضهم زيادة على خبر بعض أن مصعب
ابن الزبير قتل سنة 72 وعبد الله بن خازم بأبر شهر يقاتل بحير بن ورقاء الصريمي
صريم بن الحارث فكتب عبد الملك بن مروان إلى ابن خازم مع سورة بن أشيم
النميري إن لك خراسان سبع سنين على أن تبايع لي فقال ابن خازم لسورة لولا
أن أضرب بين بنى سليم وبنى عامر لقتلتك ولكن كل هذه الصحيفة فأكلها قال
وقال أبو بكر بن محمد بن واسع بل قدم بعهد عبد الله بن خازم سوادة بن عبيد الله
النميري وقال بعضهم بعث عبد الملك إلى ابن خازم سنان بن مكمل الغنوي وكتب
إليه أن خراسان طعمة لك فقال له ابن خازم إنما بعثك أبو الذبان لأنك من غنى
21

وقد علم أنى لا أقتل رجلا من قيس ولكن كل كتابه قال وكتب عبد الملك إلى
بكير بن وشاح أحد بنى عوف بن سعد وكان خليفة ابن خازم على مرو بعهده
على خراسان ووعده ومناه فخلع بكير بن وشاح عبد الله بن الزبير ودعا إلى عبد الملك
ابن مروان فأجابه أهل مرو وبلغ ابن خازم فخاف أن يأتيه بكير بأهل مرو فيجتمع
عليه أهل مرو وأهل أبرشهر فترك بحيرا وأقبل إلى مرو يريد أن يأتي ابنه
بالترمذ فأتبعه بحير فلحقه بقرية يقال لها بالفارسية شاهميغد بينها وبين مرو ثمانية
فراسخ قال فقاتله ابن خازم فقال مولى لبنى ليث كنت قريبا من معترك القوم في
منزل فلما طلعت الشمس تهايج العسكران فجعلت أسمع وقع السيوف فلما ارتفع
النهار خفيت الأصوات فقلت هذا لارتفاع النهار فلما صليت الظهر أو قبل الظهر
خرجت فتلقاني رجل من بنى تميم فقلت ما الخبر قال قتلت عدو الله ابن خازم
وها هو ذا وإذا هو محمول على بغل وقد شدوا في مذاكيره حبلا وحجرا وعدلوه
به على البغل قال وكان الذي قتله وكيع بن عميرة القريعي وهو ابن الدورقية
اعتور عليه بحير بن ورقاء وعمار بن عبد العزيز الجشمي ووكيع فطعنوه فصرعوه
فقعد وكيع على صدره فقتله فقال بعض الولاة لوكيع كيف قتلت ابن خازم قال
غلبته بفضل القنا فلما صرع قعدت على صدره فحاول القيام فلم يقدر عليه وقلت
يا لثأرات دويلة ودويلة أخ لوكيع لامه قتل قبل ذلك في غير تلك الأيام قال
وكيع فتنخم في وجهي وقال لعنك الله تقتل كبش مضر بأخيك علج لا يساوي
كفا من نوى أو قال من تراب فما رأيت أحدا أكثر ريقا منه على تلك الحال عند الموت
قال فذكر ابن هبيرة يوما هذا الحديث فقال هذه والله البسالة قال وبعث بحير
ساعة قتل ابن خازم رجلا من بنى غدانة إلى عبد الملك بن مروان يخبره بقتل
ابن خازم ولم يبعث بالرأس وأقبل بكير بن وشاح في أهل مرو فوافاهم حين قتل
ابن خازم فأراد أخذ رأس ابن خازم فمنعه بحير فضربه بكير بعمود وأخذ الرأس
وقيد بحيرا وحبسه وبعث بكير بالرأس إلى عبد الملك وكتب إليه يخبره أنه هو
الذي قتله فلما قدم بالرأس على عبد الملك دعا الغداني رسول بحير وقال ما هذا
22

قال لا أدرى وما فارقت القوم حتى قتل فقال رجل من بنى سليم
أليلتنا بنيسابور ردى * على الصبح ويحك أو أنيرى
كواكبها زواحف لاغبات * كان سماءها بيدي مدير
تلوم على الحوادث أم زيد * وهل لك في الحواث من نكير
جهلن كرامتي وصددن عنى * إلى أجل من الدنيا قصير
فلو شهد الفوارس من سليم * غداة يطاف بالأسد العقير
لنازل حوله قوم كرام * فعز الوتر في طلب الوتور
فقد بقيت كلاب نابحات * وما في الأرض بعدك من زئير
قولي الحج بالناس في هذه السنة الحجاج بن يوسف وكان العامل على المدينة
طارق مولى عثمان من قبل عبد الملك وعلى الكوفة بشر بن مروان وعلى قضائها
عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وعلى البصرة خالد بن عبد الله بن خالد
ابن أسيد وعلى قضائها هشام بن هبيرة وعلى خراسان في قول بعضهم عبد الله
ابن خازم السلمي وفى قول بعض بكير بن وشاح وزعم من قال كان على خراسان
في سنة 72 عبد الله بن حازم أن عبد الله بن خازم إنما قتل بعد ما قتل عبدا لله بن
الزبير وأن عبد الملك إنما كتب إلى عبد الله بن خازم يدعوه إلى الدخول
في طاعته على أن يطعمه خراسان عشر سنين بعد ما قتل عبد الله بن الزبير
وبعث برأسه إليه وأن عبد الله بن خازم حلف لما ورد عليه رأس عبد الله
ابن الزبير أن لا يعطيه طاعة أبدا وأنه دعا بطست فغسل رأس ابن الزبير وحنطه
وكفنه وصلى عليه وبعث به إلى أهل عبد الله بن الزبير بالمدينة وأطعم الرسول
الكتاب وقال لولا أنك رسول لضربت عنقك وقال بعضهم قطع يديه
ورجليه وضرب عنقه.
فصل نذكر فيه الكتاب من بدء أمر الاسلام
(روى) هشام وغيره أن أول من كتب من العرب حرب بن أمية بن
عبد شمس بالعربية وإن أول من كتب بالفارسية بيوراسب وكان في زمان إدريس
23

وكان أول من صنف طبقات الكتاب وبين منازلهم لهراسب بن كاوغان بن كيموس
وحكى أن أبرويز قال لكاتبه إنما الكلام أربعة: أقسام سؤالك الشئ وسؤالك
عن الشئ وأمرك بالشئ وخبرك عن الشئ فهذه دعائم المقالات إن التمس لها
خامس لم يوجد وإن نقص منها رابع لم تتم فإذا طلبت فأسجح وإذا سألت فأوضح
وإذا أمرت فاحتم وإذا أخبرت فحقق * وقال أبو موسى الأشعري أول من قال
أما بعد داود وهى فصل الخطاب الذي ذكره الله عنه * وقال الهيثم بن عدي أول
من قال أما بعد قس بن ساعدة الإبادي (أسماء من كتب للنبي صلى الله عليه
وسلم) علي بن أبي طالب عليه السلام وعثمان بن عفان كانا يكتبان الوحي فإن
غابا كتبه أبي بن كعب وزيد بن ثابت وكان خالد بن سعيد بن العاص ومعاوية
ابن أبي سفيان يكتبان بين يديه في حوائجه وكان عبد الله بن الأرقم بن عبد يغوث
والعلاء بن عقبة يكتبان بين القوم في حوائجهم وكان عبد الله بن الأرقم ربما كتب
إلى الملوك عن النبي صلى الله عليه وسلم (وكتب لأبي بكر) عثمان وزيد بن ثابت
وعبد الله بن الأرقم وعبد لله بن خلف الخزاعي وحنظلة بن الربيع (وكتب لعمر
ابن الخطاب) زيد بن ثابت وعبد الله بن الأرقم وعبد الله بن خلف الخزاعي أبو طلحة
الطلحات على ديوان البصرة وكتب له على ديوان الكوفة أبو جبيرة بن الضحاك
الأنصاري وقال عمر بن الخطاب لكتابه وعماله إن القوة على العمل أن لا تؤخروا
عمل اليوم لغد فإنكم إذا فعلتم ذلك تذاءبت عليكم الأعمال فلا تدرون بأيها
تبدؤن وأيها تأخذون وهو أول من دون الدواوين في العرب في الاسلام (وكان
يكتب لعثمان) مروان بن الحكم وكان عبد الملك يكتب له على ديوان المدينة
وأبو جبيرة الأنصاري على ديوان الكوفة وكان أبو غطفان بن عوف بن سعد بن دينار
من بنى دهمان من قيس عيلان يكتب له وكان يكتب له أهيب مولاه وعمران مولاه
(وكان يكتب لعلى عليه السلام) سعيد بن نمران الهمداني ثم ولى قضاء الكوفة
لابن الزبير وكان يكتب له عبد الله بن مسعود وروى أن عبد الله بن جبير كتب له
وكان عبيد الله بن أبي رافع يكتب له واختلف في اسم أبى رافع فقيل اسمه إبراهيم
24

وقيل أسلم وقيل سنان وقيل عبد الرحمن * وكان يكتب لمعاوية على الرسائل عبيد الله
ابن أوس الغساني وكان يكتب له على ديوان الخراج سرجون بن منصور الرومي
وكتب له عبد الرحمن بن دراج وهو مولى معاوية وكتب على بعض دواوينه
عبيد الله بن نصر بن الحجاج بن علاء السلمي * وكان يكتب لمعاوية بن يزيد الريان
ابن مسلم ويكتب له على الديوان سرجون ويروى أنه كتب له أبو الزعيزعة *
وكتب لعبد الملك بن مروان قبيصة بن ذؤيب بن حلحلة الخزاعي ويكنى أبا إسحاق
وكتب على ديوان الرسائل أبو الزعيزعة مولاه * وكان يكتب للوليد القعقاع بن خالد
أو خليد العبسي وكتب له على ديوان الخراج سليمان بن سعد الخشني وعلى ديوان
الخاتم شعيب العماني مولاه وعلى ديوان الرسائل جناح مولاه وعلى المستغلات نفيع
ابن ذؤيب مولاه * وكان يكتب لسليمان سليمان بن نعيم الحميري * وكان يكتب لمسلمة
سميع مولاه وعلى ديوان الرسائل الليث بن أبي رقية مولى أم الحكم بنت أبي سفيان وعلى
ديوان الخراج سليمان بن سعد الخشني وعلى ديوان الخاتم نعيم بن سلامة مولى لأهل اليمن
من فلسطين وقيل بل رجاء بن حياة كان يتقلد الخاتم * وكان يكتب ليزيد بن المهلب
المغيرة بن أبي فروة وكان يكتب لعمر بن عبد العزيز الليث بن أبي فروة مولى أم الحكم بنت أبي
سفيان ورجاء بن حياة وكتب له إسماعيل بن أبي حكيم مولى الزبير وعلى
ديوان الخراج سليمان بن سعد الخشني وقلد مكانه صالح بن جبير الغساني وقيل
الغدائي وعدى بن الصباح بن المثنى ذكر الهيثم بن عدي أنه كان من جلة كتابه *
وكتب ليزيد بن عبد الملك قبل الخلافة رجل يقال له يزيد بن عبد الله ثم استكتب
أسامة بن يزيد السليحي * وكتب لهشام سعيد بن الوليد بن عمرو بن جبلة الكلبي
الأبرش ويكنى أبا مخاشع وكان نصر بن سيار يتقلد ديوان خراج خراسان لهشام
وكان من كتابه بالرصافة شعيب بن دينار * وكان يكتب للوليد بن يزيد بكير بن
الشماخ وعلى ديوان الرسائل سالم مولى سعيد بن عبد الملك ومن كتابه عبد الله
ابن أبي عمرو ويقال عبد الاعلى بن أبي عمرو وكتب له على الحضرة عمرو بن
عتبة وكتب ليزيد بن الوليد الناقص عبد الله بن نعيم وكان عمرو بن الحارث مولى
25

بنى جمح يتولى له ديوان الخاتم وكان يتقلد له ديوان الرسائل ثابت بن سليمان بن
سعد الخشني ويقال الربيع بن عرعرة الخشني وكان يتقلد له الخراج والديوان
الذي للخاتم الصغير النضر بن عمرو من أهل اليمن * وكتب لإبراهيم بن الوليد
ابن أبي جمعة وكان يتقلد له الديوان بفلسطين وبايع الناس إبراهيم أعنى ابن الوليد
سوى أهل حمص فإنهم بايعوا مروان بن محمد الجعدي وكتب لمروان عبد الحميد
ابن يحيى مولى العلاء بن وهب العامر ومصعب بن الربيع الخثعمي وزياد بن أبي
الورد وعلى ديوان الرسائل عثمان بن قيس مولى خالد القسري وكان من
كتابه مخلد بن محمد بن الحارث ويكنى أبا هاشم ومن كتابه مصعب بن الربيع الخثعمي
ويكنى أبا موسى وكان عبد الحميد بن يحيى من البلاغة في مكان مكين ومما
اختير له من الشعر
ترحل ما ليس بالقافل * وأعقب ما ليس بالزائل
فلهفي على الخلف النازل * ولهفي على السلف الراحل
أبكى على ذا وأبكى لذا * بكاء مولهة ثاكل
تبكى من ابن لها قاطع * وتبكى على ابن لها واصل
فليست تفتر عن عبرة * لها في الضمير ومن هامل
تقضت غوايات سكر الصبى * ورد التقى عين الباطل
وكتب لأبي العباس خالد بن برمك ودفع أبو العباس ابنته ريطة إلى خالد
ابن برمك حتى أرضعتها زوجته أم خالد بنت يزيد بلبان بنت لخالد تدعى أم يحيى
وأرضعت أم سلمة زوجة أبى العباس أم يحيى بنت خالد بلبان ابنتها ريطة وقلد
ديوان الرسائل صالح بن الهيثم مولى ريطة بنت أبي العباس * وكتب لأبي جعفر
المنصور عبد الملك بن حميد مولى حاتم بن النعمان الباهلي من أهل خراسان وكتب
له هاشم بن سعيد الجعفي وعبد الاعلى بن أبي طلحة من بنى تميم بواسط وروى
أن سليمان بن مخلد كان يكتب لأبي جعفر ومما كان يتمثل به أبو جعفر المنصور
وما إن شفا نفسا كأمر صريمة * إذا حاجة في النفس طال اعتراضها
26

وكتب له الربيع وكان عمارة بن حمزة من نبلاء الرجال وله
لا تشكون دهرا صححت به * إن الغنى في صحة الجسم
هبك الامام أكنت منتفعا * بغضارة الدنيا مع السقم
وكان يتمثل بقول عبد بنى الحسحاس
أمن أمية دمع العين مذروف * لو أن ذا منك قبل اليوم معروف
لا تبك عينك إن الدهر ذو غير * فيه تفرق ذو إلف ومألوف
وكتب للمهدى أبو عبد الله وأبان بن صدقة على ديوان رسائله ومحمد بن
حميد الكاتب على ديوان جنده ويعقوب بن داود وكان اتخذه على وزارته وأمره وله
عجبا لتصريف الأمور * محبة وكراهيه
والدهر يلعب بالرجال * له دوائر جاريه
ولابنه عبد الله بن يعقوب وكان له محمد ويعقوب كلا هما شاعر مجيد
ورع المشيب شراستي وغرامي * ومري الجفون بمسبل سجام
ولقد حرصت بأن أوارى شخصه * عن مقلتي فرمت غير مرام
وصبغت ما صبغ الزمان فلم يدم * صبغي ودامت صبغة الأيام
* لا تبعدن شبيبة ذيالة * فارقتها في سالف الأعوام *
ما كان ما استصحبت من أيامها * إلا كبعض طوارق الأحلام
ولأبيه
طلق الدنيا ثلاثا * واتخذ زوجا سواها
إنها زوجة سوء * لا تبالي من أتاها
واستوزر بعده الفيض بن أبي صالح وكان جوادا وكتب للهادي موسى عبيد الله
ابن زياد بن أبي ليلى ومحمد بن حميد وسأل المهدى يوما أبا عبيد الله عن أشعار
العرب فصنفها له فقال أحكمها قول طرفة بن العبد
أي قبر نحام بخيل بماله * كقبر غوى في البطالة مفسد
ترى جثوتين من تراب عليهما * صفائح صم من صفيح مصمد
27

أرى الموت يعتام الكرام ويصطفى * عقيلة مال الفاحش المتشدد
أرى العيش كنزا ناقصا كل ليلة * وما تنقص الأيام والدهر ينفد
لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى * لكالطول المرخى وثنياه باليد
وقوله وقد أرانا كلانا هم صاحبه * لو أن شيئا إذا ما فاتنا رجعا
وكان شئ إلى شئ ففرقه * دهر يكر على تفريق ما جمعا
وقول لبيد:
ألا تسألان المرء ماذا يحاول * أنحب فيقضى أم ضلال وباطل
ألا كل شئ ما خلا الله باطل * وكل نعيم لا محالة زائل
أرى الناس لا يدرون ما قدر أمرهم * بلى كل ذي رأى إلى الله واسل
وكقول النابغة الجعدي:
وقد طال عهدي بالشباب وأهله * ولاقيت روعات تشيب النواصيا
فلم أجد الاخوان إلا صحابة * ولم أجد الاهلين إلا مثاويا
ألم تعلمي أن قد رزئت محاربا * فمالك منه اليوم شئ ولاليا
وكقول هدبة بن خشرم:
ولست بمفراح إذا الدهر سرنى * ولا جازع من صرفه المتقلب
ولا أتبغى الشر والشر تاركي * ولكن متى أحمل على الشر أركب
وما يعرف الأقوام للدهر حقه * وما الدهر مما يكرهون بمعتب
وللدهر في أهل الفتى وتلاده * نصيب كحز الجازر المتشعب
وكقول زيادة بن زيد وتمثل به عبد الملك بن مروان
تذكر عن شحط أميمة فارعوى * لها بعد إكثار وطول نحيب
وإن امرءا قد جرب الدهر لم يخف * تقلب عصريه لغير لبيب
هل الدهر والأيام إلا كما ترى * رزيئة مال أو فراق حبيب
وكل الذي يأتي فأنت نسيبه * ولست لشئ ذاهب بنسيب
وليس بعيد ما يجئ كمقبل * ولا ما مضى من مفرح بقريب
28

وكقول ابن مقبل:
لما رأت بدل الشباب بكت له * والشيب أرذل هذه الابدال
والناس همهم الحياة ولا أدرى * طول الحياة يزيد غير خبال
وإذا افترقت إلى الذخائر لم تجد * ذخرا يكون كصالح الأعمال
ووزر له يحيى بن خالد ووزر للرشيد ابنه جعفر بن يحيى بن خالد فمن مليح
كلامه الخط سمة الحكمة به تفصل شذورها وينظم منثورها قال ثمامة قلت لجعفر
ابن يحيى ما البيان فقال أن يكون الاسم محيطا بمعناك مخبرا عن مغزاك مخرجا من
الشركة غير مستعان عليه بالفكرة قال الأصمعي سمعت يحيى بن خالد يقول الدنيا
دول والمال عارية ولنا بمن قبلنا أسوة وفينا لمن بعدنا عبرة ونأتى بتسمية باقي كتاب
خلفاء بنى العباس إذا انتهينا إلى الدولة العباسية إن شاء الله تعالى
ثم دخلت سنة ثلاث وسبعين
ذكر الكائن الذي كان فيها من الأمور الجليلة
فمن ذلك مقتل عبد الله بن الزبير
ذكر الخبر عن صفة ذلك
* حدثني الحارث قال حدثنا محمد بن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني
إسحاق بن يحيى عن عبيد الله بن القبطية قال كانت الحرب بين ابن الزبير والحجاج ببطن
مكة ستة أشهر وسبع عشرة ليلة قال محمد بن عمر وحدثني مصعب بن ثابت عن نافع
مولى بنى أسد وكان عالما بفتنة ابن الزبير قال حصر ابن الزبير ليلة هلال ذي القعدة
سنة 72 وقتل لسبع عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى سنة 73 وكان حصر الحجاج
لابن الزبير ثمانية أشهر وسبع عشرة ليلة * حدثنا الحارث قال حدثنا محمد بن سعد
قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني إسحاق بن يحيى عن يوسف بن ماهك قال رأيت
المنجنيق يرمى به فرعدت السماء وبرقت وعلا صوت الرعد والبرق على الحجارة
فاشتمل عليها فأعظم ذلك أهل الشأم فأمسكوا بأيديهم فرفع الحجاج بركة قبائه فغرزها
29

في منطقته ورفع حجر المنجنيق فوضعه فيه ثم قال ارموا ورمى معهم قال ثم
أصبحوا فجاءت صاعقة تتبعها أخرى فقتلت من أصحابه اثنى عشر رجلا فانكسر
أهل الشأم فقال الحجاج يا أهل الشأم لا تنكروا هذا فإني ابن تهامة هذه صواعق
تهامة هذا الفتح قد حضر فأبشروا إن القوم يصيبهم مثل ما أصابكم فصعقت من الغد
فأصيب من أصحاب ابن الزبير عدة فقال الحجاج ألا ترون أنهم يصابون وأنتم على
الطاعة وهم على خلاف الطاعة فلم تزل الحرب بين ابن الزبير والحجاج حتى كان قبيل
مقتله وقد تفرق عنه أصحابه وخرج عامة أهل مكة إلى الحجاج في الأمان
* حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني إسحاق بن
عبيد الله عن المنذر بن جهم الأسدي قال رأيت ابن الزبير يوم قتل وقد تفرق
عنه أصحابه وخذله من معه خذلانا شديدا وجعلوا يخرجون إلى الحجاج حتى
خرج إليه نحو من عشرة آلاف وذكر أنه كان ممن فارقه وخرج إلى الحجاج
ابناه حمزة وخبيب فأخذا منه لأنفسهما أمانا فدخل على أمه أسماء كما ذكر محمد بن
عمر عن أبي الزناد عن مخرمة بن سليمان الوالبي قال دخل ابن الزبير على أمه حين رأى
من الناس ما رأى من خذلانهم فقال يا أمه خذلني الناس حتى ولدى وأهلي فلم يبق
معي إلا اليسير ممن ليس عنده من الدفع أكثر من صبر ساعة والقوم يعطونني
ما أردت من الدنيا فما رأيك فقالت أنت والله يا بنى أعلم بنفسك إن كنت تعلم
أنك على حق واليه تدعو فامض له فقد قتل عليه أصحابك ولا تمكن من رقبتك
يتلعب بها غلمان بنى أمية وإن كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت أهلكت
نفسك وأهلكت من قتل معك وإن قلت كنت على حق فلما وهن أصحابي
ضعفت فهذا ليس فعل الأحرار ولا أهل الدين وكم خلودك في الدنيا القتل
أحسن فدنا ابن الزبير فقبل رأسها وقال هذا والله رأيي والذي قمت به داعيا إلى
يومى هذا ما ركنت إلى الدنيا ولا أحببت الحياة فيها وما دعاني إلى الخروج إلا
الغضب لله أن يستحل حرمه ولكني أحببت أن أعلم رأيك فزدتيني بصيرة مع
بصيرتي فانظري يا أمه فانى مقتول من يومى هذا فلا يشتد حزنك وسلمى لأمر
30

الله فان ابنك لم يتعمد إتيان منكر ولا عملا بفاحشة ولم يجر في حكم الله ولم
يغدر في أمان ولم يتعمد ظلم مسلم ولا معاهد ولم يبلغني ظلم عن عما لي فرضيت
به بل أنكرته ولم يكن شئ آثر عندي من رضى ربى اللهم إني لا أقول هذا تزكية
منى لنفسي أنت أعلم بي ولكن أقوله تعزية لامى لتسلوا عنى فقالت أمه إني لأرجو
من الله أن يكون عزائي فيك حسنا إن تقدمتني وإن تقدمتك ففي نفسي أخرج
حتى أنظر إلى ما يصير أمرك قال جزاك الله يا أمه خيرا فلا تدعى الدعاء لي قبل
وبعد فقالت لا أدعه أبدا فمن قتل على باطل فقد قتلت على حق ثم قالت اللهم
ارحم طول ذلك القيام في الليل الطويل وذلك النحيب والظمأ في هواجر المدينة
ومكة وبره بأبيه وبي اللهم قد سلمته لأمرك فيه ورضيت بما قضيت فأثبني في
عبد الله ثواب الصابرين الشاكرين قال مصعب بن ثابت فما مكثت بعده إلا عشرا
ويقال خمسة أيام * قال محمد بن عمر حدثني موسى بن يعقوب بن عبد الله عن
عمه قال دخل ابن الزبير على أمه وعليه الدرع والمغفر فوقف فسلم ثم دنا فتناول
يدها فقبلها فقالت هذا وداع فلا تبعد قال ابن الزبير جئت مودعا إني لارى
هذا آخر يوم من الدنيا يمر بي واعلمي يا أمه أنى إن قتلت فإنما أنا لحم لا يضرني
ما صنع بي قالت صدقت يا بنى أتمم على بصيرتك ولا تمكن ابن أبي عقيل منك
وادن منى أودعك فدنا منها فقبلها وعانقها وقالت حيث مست الدرع ما هذا
صنيع من يريد ما تريد قال ما لبست هذا الدرع إلا لاشد منك قالت العجوز فإنه
لا يشد منى فنزعها ثم أدرج كميه وشد أسفل قميصه وجبة خز تحت القميص فأدخل
أسفلها في المنطقة وأمه تقول البس ثيابك مشمرة ثم انصرف ابن الزبير وهو يقول
إني إذا أعرف يومى أصبر * إذ بعضهم يعرف ثم ينكر
فسمعت العجوز قوله فقالت تصبر والله إن شاء الله أبوك أبو بكر والزبير
وأمك صفية بنت عبد المطلب * حدثني الحارث قال حدثني ابن سعد قال أخبرني
محمد بن عمر قال أخبرنا ثور بن يزيد عن شيخ من أهل حمص شهد وقعة ابن الزبير
مع أهل الشأم قال رأيته يوم الثلاثاء وإنا لنطلع عليه أهل حمص خمسمائة خمسمائة
31

من باب لنا ندخله لا يدخله غيرنا فيخرج إلينا وحده في أثرنا ونحن منهزمون
منه فما أنسى أرجوزة له
إني إذا أعرف يومى أصبر * وإنما يعرف يوميه الحر
إذ بعضهم يعرف ثم ينكر
فأقول أنت والله الحر الشريف فلقد رأيته يقف في الأبطح ما يدنو منه أحد
حتى ظننا إنه لا يقتل * حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد
ابن عمر قال حدثنا مصعب بن ثابت عن نافع مولى بنى أسد قال رأيت الأبواب
قد شحنت من أهل الشأم يوم الثلاثاء وأسلم أصحاب ابن الزبير المحارس وكثرهم
القوم فأقاموا على كل باب رجالا وقائدا وأهل بلد فكان لأهل حمص الباب
الذي يواجه باب الكعبة ولأهل دمشق باب بنى شيبة ولأهل الأردن باب
الصفا ولأهل فلسطين باب بنى جمح ولأهل قنسرين باب بنى سهم وكان الحجاج
وطارق بن عمرو جميعا في ناحية الأبطح إلى المروة فمرة يحمل ابن الزبير في هذه
الناحية ومرة في هذه الناحية فلكأنه أسد في أجمة ما يقدم عليه الرجال فيعدو
في أثر القوم وهم على الباب حتى يخرجهم وهو يرتجز
إني إذا أعرف يومى أصبر * وإنما يعرف يوميه الحر
ثم يصيح يا أبا صفوان ويل أمه فتحالو كان له رجال
لو كان قرني واحدا كفيته
قال ابن صفوان أي والله وألف * حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد
قال أخبرنا محمد بن عمر قال فحدثني ابن أبي الزناد وأبو بكر بن عبد الله بن مصعب
عن ابن المنذر وحدثنا نافع مولى بنى أسد قالا لما كان يوم الثلاثاء صبيحة سبع
عشرة من جمادى الأولى سنة 73 وقد أخذ الحجاج على ابن الزبير بالأبواب بات
ابن الزبير يصلى عامة الليل ثم احتبى بحمائل سيفه فأغفى ثم انتبه بالفجر فقال
أذن يا سعد فأذن عند المقام وتوضأ ابن الزبير وركع ركعتي الفجر ثم تقدم وأقام
المؤذن فصلى بأصحابه فقرأ ن والقلم حرفا حرفا ثم سلم فقام فحمد الله وأثنى عليه
32

ثم قال اكشفوا وجوهكم حتى أنظر وعليهم المغافر والعمائم فكشفوا وجوههم
فقال يا آل الزبير لو طبتم لي نفسا عن أنفسكم كنا أهل بيت من العرب اصطلمنا
في الله لم تصبنا زباء بتة أما بعد يا آل الزبير فلا يرعكم وقع السيوف فإني لم أحضر
موطنا قط إلا ارتثت فيه من القتل وما أجد من دواء جراحها أشد مما أجد من
ألم وقعها صونوا سيوفكم كما تصونون وجوهكم لا أعلم امرءا كسر سيفه واستبقى
نفسه فان الرجل إذا ذهب سلاحه فهو كالمرأة أعزل غضوا أبصاركم عن البارقة
وليشغل كل امرئ قرنه ولا يلهينكم السؤال عنى ولا تقولن أين عبد الله بن الزبير
ألا من كان سائلا عنى فإني في الرعيل الأول
أبى لابن سلمى أنه غير خالد * ملاقي المنايا أي صرف تيمما
فلست بمبتاع الحياة بسبة * ولا مرتق من خشية الموت سلما
احملوا على بركة الله ثم حمل عليهم حتى بلغ بهم الحجون فرمى بآجرة في وجهه
فأرعش لها ودمى وجهه فلما وجد سخونة الدم يسيل على وجهه ولحيته قال
لسنا على الأعقاب تدمى كلومنا * ولكن على أقدامنا تقطر الدما
وتغاووا عليه قالا وصاحت مولاة لنا مجنونة وأمير المؤمنيناه قالا وقد رأته
حيث هوى فأشارت لهم إليه فقتل وإن عليه ثياب خز وجاء الخبر إلى الحجاج
فسجد وسار حتى وقف عليه وطارق بن عمرو فقال طارق ما ولدت النساء أذكر
من هذا فقال الحجاج تمدح من يخالف طاعة أمير المؤمنين قال نعم هو أعذر لنا
ولولا هذا ما كان لنا عذر إنا محاصروه وهو في غير خندق ولا حصن ولا منعة
منذ سبعة أشهر ينتصف منابل يفضل علينا في كل ما التقينا نحن وهو فبلغ كلامهما
عبد الملك فصوب طارقا * حدثنا عمر قال حدثنا أبو الحسن عن رجاله قال كأني
أنظر إلى ابن الزبير وقد قتل غلاما أسود ضربه فعرقبه وهو يمر في حملته عليه
ويقول صبرا يا ابن حام ففي مثل هذه المواطن تصبر الكرام * حدثني الحارث
قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني عبد الجبار بن عمارة عن
عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال بعث الحجاج برأس ابن الزبير
33

ورأس عبد الله بن صفوان ورأس عمارة بن عمرو بن حزم إلى المدينة فنصبت
بها ثم ذهب بها إلى عبد الملك بن مروان ثم دخل الحجاج مكة فبايع من بها من قريش
لعبد الملك بن مروان (قال أبو جعفر) وفى هذه السنة ولى عبد الملك طارقا مولى
عثمان المدينة فوليها خمسة أشهر (وفى هذه السنة) توفى بشر بن مروان في قول
الواقدي وأما غيره فإنه قال كانت وفاته في سنة 74 (وفيها) أيضا وجه فيما ذكر
عبد الملك بن مروان عمر بن عبيد الله بن معمر لقتال أبى فديك وأمره أن يندب
معه من أحب من أهل المصرين فقدم الكوفة فندب أهلها فانتدب معه عشرة
آلاف ثم قدم البصرة فندب أهلها فانتدب معه عشرة آلاف فأخرج لهم أرزاقهم
وأعطياتهم فأعطوها ثم سار بهم عمر بن عبيد الله فجعل أهل الكوفة على الميمنة
وعليهم محمد بن موسى بن طلحة وجعل أهل البصرة على الميسرة وعليهم ابن أخيه
عمر بن موسى بن عبيد الله وجعل خيله في القلب حتى انتهوا إلى البحرين فصف
عمر بن عبيد الله أصحابه وقدم الرجالة في أيديهم الرماح قد ألزموها الأرض واستتروا
بالبراذع فحمل أبو فديك وأصحابه حملة رجل واحد فكشفوا ميسرة عمر بن عبيد الله
حتى ذهبوا في الأرض إلا المغيرة بن المهلب ومعن بن المغيرة ومجاعة بن عبد الرحمن
وفرسان الناس فإنهم مالوا إلى صف أهل الكوفة وهم ثابتون وارتث عمر بن
موسى بن عبيد الله فهو في القتلى قد أثخن جراحه فلما رأى أهل البصرة أهل
الكوفة لم ينهزموا تذمموا ورجعوا وقاتلوا وما عليهم أمير حتى مروا بعمر بن
موسى بن عبيد الله جريحا فحملوه حتى أدخلوه عسكر الخوارج وفيه تبن كثير
فأحرقوه ومالت عليهم الريح وحمل أهل الكوفة وأهل البصرة حتى استباحوا
عسكرهم وقتلوا أبا فديك وحصروهم في المشقر فنزلوا على الحكم فقتل عمر بن
عبيد الله منهم فيما ذكر نحوا من ستة آلاف وأسر ثمانمائة وأصابوا جارية
لامية بن عبد الله حبلى من أبى فديك وانصرفوا إلى البصرة (وفى هذه السنة)
عزل عبد الملك خالد بن عبد الله عن البصرة وولاها أخاه بشر بن مروان فصارت
ولايتها وولاية الكوفة إليه فشخص بشر لما ولى مع الكوفة البصرة إلى البصرة
34

واستخلف على الكوفة عمرو بن حريث (وفيها) غزا محمد بن مروان الصائفة
فهزم الروم وقيل إنه كان في هذه السنة وقعة عثمان بن الوليد بالروم في ناحية
أرمينية وهو في أربعة آلاف والروم في ستين ألفا فهزمهم وأكثر القتل فيهم
وأقام الحج في هذه السنة للناس الحجاج بن يوسف وهو على مكة واليمن واليمامة
وعلى الكوفة والبصرة في قول الواقدي بشر بن مروان وفى قول غيره على
الكوفة بشر بن مروان وعلى البصرة خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد وعلى
قضاء الكوفة شريح بن الحارث وعلى قضاء البصرة هشام بن هبيرة وعلى خراسان
بكير بن وشاح
ثم دخلت سنة أربع وسبعين
ذكر ما كان فيها من الاحداث الجليلة
فمما كان فيها من ذلك عزل عبد الملك طارق بن عمرو عن المدينة واستعماله
عليها الحجاج بن يوسف فقدمها فيما ذكر فأقام بها شهرا ثم خرج معتمرا (وفيها)
كان فيما ذكر نقض الحجاج بن يوسف بنيان الكعبة الذي كان ابن الزبير بناه
وكان إذ بناه أدخل في الكعبة الحجر وجعل لها بابين فأعادها الحجاج على بنائها
الأول في هذه السنة ثم انصرف إلى المدينة في صفر فأقام بها ثلاثة أشهر يتعبث
بأهل المدينة ويتعنتهم وبنى بها مسجدا في بنى سلمة فهو ينسب إليه واستخف فيها
بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فختم في أعناقهم فذكر محمد بن عمران بن أبي
ذيب حدثه عمن رأى جابر بن عبد الله مختوما في يده وعن ابن أبي ذيب عن
إسحاق بن يزيد أنه رأى أنس بن مالك مختوما في عنقه يريد أن يذله بذلك قال
ابن عمر وحدثني شرحبيل بن أبي عون عن أبيه قال رأيت الحجاج أرسل إلى سهل
ابن سعد فدعاه فقال ما منعك أن تنصر أمير المؤمنين عثمان بن عفان قال قد فعلت
قال كذبت ثم أمر به فختم في عنقه برصاص (وفيها) استقضى عبد الملك أبا إدريس
الخولاني فيما ذكر الواقدي (وفى هذه السنة) شخص في قول بعضهم بشر بن مروان
35

من الكوفة إلى البصرة واليا عليها (وفى هذه السنة) ولى المهلب حرب الأزارقة
من قبل عبد الملك
ذكر الخبر عن أمره وأمرهم فيها
ولما صار بشر بالبصرة كتب عبد الملك إليه فيما ذكر هشام عن أبي مخنف
عن يونس بن أبي إسحاق عن أبيه أما بعد فابعث المهلب في أهل مصره إلى الأزارقة
ولينتخب من أهل مصره وجوههم وفرسانهم وأولى الفضل والتجربة منهم فإنه
أعرف بهم وخله ورأيه في الحرب فإني أوثق شئ بتجربته ونصيحته للمسلمين
وابعث من أهل الكوفة بعثا كثيفا وابعث عليهم رجلا معروفا شريفا حسيبا
صليبا يعرف بالبأس والنجدة والتجربة للحرب ثم أنهض إليهم أهل المصرين
فليتبعوهم أي وجه ما توجهوا حتى يبيدهم الله ويستأصلهم والسلام عليك فدعا
بشر المهلب فأقرأه الكتاب وأمره أن ينتخب من شاء فبعث بجديع بن سعيد بن قبيصة
ابن سراق الأزدي وهو خال يزيد ابنه فأمره أن يأتي الديوان فينتخب الناس
وشق على بشر أن أمرة المهلب جاءت من قبل عبد الملك فلا يستطيع أن يبعث غيره
فأوغرت صدره عليه حتى كأنه كان له إليه ذنب ودعا بشر بن مروان عبد الرحمن
ابن مخنف فبعثه على أهل الكوفة وأمره أن ينتخب فرسان الناس ووجوههم
وأولى الفضل منهم والنجدة (قال أبو مخنف) فحدثني أشياخ الحي عن عبد الرحمن
ابن مخنف قال دعاني بشر بن مروان فقال لي إنك قد عرفت منزلتك منى وأثرتك
عندي وقد رأيت أن أوليك هذا الجيش للذي عرفت من جزئك وغنائك وشرفك
وبأسك فكن عند أحسن ظني بك انظر هذا الكذا كذا يقع في المهلب فاستبدل
عليه بالامر ولا تقبلن له مشورة ولا رأيا وتنقصه وقصر به قال فترك أن يوصيني
بالجند وقتال العدو والنظر لأهل الاسلام وأقبل يغريني بابن عمى كأني من السفهاء
أو ممن يستصبي ويستجهل ما رأيت شيخا مثلي في مثل هيئتي ومنزلتي طمع منه في
مثل ما طمع فيه هذا الغلام منى شب عمرو عن الطوق قال ولما رأى أنى لست
بالنشيط إلى جوابه قال لي مالك قلت أصلحك الله وهل يسعني إلا إنفاذ أمرك
36

في كل ما أحببت وكرهت قال امض راشدا قال فودعته وخرجت من عنده
وخرج المهلب بأهل البصرة حتى نزل رام هرمز فلقى بها الخوارج فخندق عليه
وأقبل عبد الرحمن بن مخنف بأهل الكوفة على ربع أهل المدينة معه بشر بن جرير
وعلى ربع تميم وهمدان محمد بن عبد الرحمن بن سعيد بن قيس وعلى ربع كندة وربيعة
إسحاق بن محمد بن الأشعث وعلى ربع مذحج وأسد زحر بن قيس فأقبل عبد الرحمن
حتى نزل من المهلب على ميل أو ميل ونصف حيث تراءى العسكران برام هرمز
فلم يلبث الناس الا عشرا حتى أتاهم نعى بشر بن مروان وتوفى بالبصرة فارفض
ناس كثير من أهل البصرة وأهل الكوفة واستخلف بشر خالد بن عبد الله بن أسيد
وكان خليفته على الكوفة عمرو بن حريث وكان الذين انصرفوا من أهل الكوفة
زحر بن قيس وإسحاق بن محمد بن الأشعث ومحمد بن عبد الرحمن بن سعيد بن قيس
فبعث عبد الرحمن بن مخنف ابنه جعفرا في آثارهم فرد إسحاق ومحمدا وفاته زحر
ابن قيس فحبسهما يومين ثم أخذ عليهما أن لا يفارقاه فلم يلبثا إلا يوما حتى انصرفا
فأخذا غير الطريق وطلبا فلم يلحقا وأقبلا حتى لحقا زحر بن قيس بالأهواز فاجتمع
بها ناس كثير ممن يريد البصرة فبلغ ذلك خالد بن عبد الله فكتب إلى الناس كتابا
وبعث رسولا يضرب وجوه الناس ويردهم فقدم بكتابه مولى له فقرأ الكتاب
على الناس وقد جمعوا له بسم الله الرحمن الرحيم من خالد بن عبد الله إلى من بلغه
كتابي هذا من المؤمنين والمسلمين سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو
أما بعد فإن الله كتب على عباده الجهاد وفرض طاعة ولاة الا مر فمن جاهد فإنما
يجاهد لنفسه ومن ترك الجهاد في الله كان الله عنه أغنى ومن عصى ولاة الامر
والقوام بالحق أسخط الله عليه وكان قد استحق العقوبة في بشره وعرض نفسه
لاستفاءة ماله وإلقاء عطائه والتسيير إلى أبعد الأرض وشر البلدان أيها المسلمون
اعلموا على من اجترأتم ومن عصيتم إنه عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين الذي
ليست فيه غميزة ولا لأهل المعصية عنده رخصة سوطه على من عصى وعلى من
خالف سيفه فلا تجعلوا على أنفسكم سبيلا فإني لم الكم نصيحة عباد الله أرجعوا
37

إلى مكتبكم وطاعة خليفتكم ولا ترجعوا عاصين مخالفين فيأتيكم ما تكرهون
أقسم بالله لا أثقف عاصيا بعد كتابي هذا إلا قتلته إن شاء الله والسلام عليكم
ورحمة الله وأخذ كلما قرأ عليهم سطرا أو سطرين قال له زحر أو جز فيقول له
مولى خالد والله إني لاسمع كلام رجل ما يريد أن يفهم ما يسمع أشهد لا يعيج
بشئ مما في هذا الكتاب فقال له اقرأ أيها العبد الأحمر ما أمرت به ثم ارجع إلى
أهلك فإنك لا تدرى ما في أنفسنا فلما فرغ من قراءته لم يلتفت الناس إلى ما في
كتابه وأقبل زحر وإسحاق بن محمد ومحمد بن عبد الرحمن حتى نزلوا قرية لآل
الأشعث إلى جانب الكوفة وكتبوا إلى عمرو بن حريث أما بعد فإن الناس لما
بلغهم وفاة الأمير رحمة الله عليه تفرقوا فلم يبق معنا أحد فأقبلنا إلى الأمير وإلى
مصرنا وأحببنا أن لا ندخل الكوفة الا بإذن الأمير وعلمه فكتب إليهم أما بعد فإنكم
تركتم مكتبكم وقبلتم عاصين مخالفين فليس لكم عندنا إذن ولا أمان فلما أتاهم
ذلك انتظروا حتى إذا كان الليل دخلوا إلى رحالهم فلم يزالوا مقيمين حتى قدم
الحجاج بن يوسف (وفى هذه السنة) عزل عبد الملك بكير بن وشاح عن خراسان
وولاها أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد
ذكر الخبر عن سبب عزل بكير وولاية أمية
وكانت ولاية بكير بن وشاح خراسان إلى حين قدم أمية عليها واليا سنتين في قول
أبى الحسن وذلك أن ابن خازم قتل سنة 73 وقدم أمية سنة 74 وكان سبب عزل
بكير عن خراسان أن بحيرا فيما ذكر على عن المفضل حبسه بكير بن وشاح لما كان منه
فيما ذكرت في رأس ابن خازم حين قتله فلم يزل محبوسا عنده حتى استعمل عبد الملك
أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد فلما بلغ ذلك بكرا أرسل إلى بحير ليصالحه فأبى
عليه وقال ظن بكير أن خراسان تبقى له في الجماعة فمشت السفراء بينهم فأبى بحير
فدخل عليه ضرار بن حصين الضبي فقال ألا أراك مائقا يرسل إليك ابن عمك
يعتذر إليك وأنت أسيره والمشرفي في يده ولو قتلك ما حبقت فيك عنز ولا تقبل
منه ما أنت بموفق اقبل الصلح وأخرج وأنت على أمرك فقبل مشورته وصالح
بكيرا فأرسل إليه بكير بأربعين ألفا وأخذ على بحير أن لا يقاتله وكانت تميم قد
38

اختلفت بخراسان فصارت مقاعس والبطون يتعصبون له فخاف أهل خراسان
أن تعود الحرب وتفسد البلاد ويقهرهم عدوهم من المشركين فكتبوا إلى عبد الملك
ابن مروان إن خراسان لا تصلح بعد الفتنة إلا على رجل من قريش لا يحسدونه
ولا يتعصبون عليه فقال عبد الملك خراسان ثغر المشرق وقد كان به من الشر
ما كان وعليه هذا التميمي وقد تعصب الناس وخافوا أن يصيروا إلى ما كانوا عليه
فهلك الثغر ومن فيه وقد سألوا ان أولى أمرهم رجلا من قريش فيسمعوا له
ويطيعوا فقال أمية بن عبد الله يا أمير المؤمنين تداركهم برجل منك قال لولا
انحيازك عن أبي فديك كنت ذلك الرجل قال يا أمير المؤمنين والله ما انحزت
حتى لم أجد مقاتلا وخذلني الناس فرأيت أن انحيازي؟؟ إلى فئة أفضل من تعريضي
عصبة بقيت من المسلمين للهلكة وقد علم ذلك مرار بن عبد الرحمن بن أبي بكرة
وكتب إليك خالد بن عبد الله بما بلغه من عذري قال وكان خالد كتب إليه بعذره
ويخبره أن الناس قد خذلوه فقال مرار صدق أمية يا أمير المؤمنين لقد صبر حتى
لم يجد مقاتلا وخذله الناس فولاه خراسان وكان عبد الملك يحب أمية ويقول
نتيجتي أي لدتى فقال الناس ما رأينا أحدا عوض من هزيمة ما عوض أمية فر من
أبى فديك فاستعمل على خراسان فقال رجل من بكر بن وائل في محبس بكير بن وشاح
أتتك العيس تنفخ في براها * تكشف عن مناكبها القطوع
كأن مواقع الاكرار منها * حمام كنائس بقع وقوع
بأبيض من أمية مضرحى * كأن جبينه سيف صنيع
وبحير يومئذ بالسنج يسأل عن مسير أمية فلما بلغه أنه قد قارب أبرشهر؟؟ قال
لرجل من عجم أهل مرو يقال له رزين أو زرير دلنى على طريق قريب لألقى الأمير
قبل قدومه ولك كذا وكذا وأجزل لك العطية وكان عالما بالطريق فخرج به فسار
من السنج إلى أرض سرخس في ليلة ثم مضى به إلى نيسابور فوافى أمية حين قدم
أبر شهر فلقيه فأخبره عن خراسان وما يصلح أهلها وتحسن به طاعتهم ويخف على
بكير أموالا أصابها وحذره غدره قال وسار معه حتى قدم مرو وكان أمية سيدا
39

كريما فلم يعرض لبكير ولا لعماله وعرض عليه أن يوليه شرطته فأبى بكير فولاها
بحير بن ورقاء فلام بكيرا رجال من قومه فقالوا أبيت أن تلى فولى بحيرا وقد
عرفت ما بينكما قال كنت أمس والى خراسان تحمل الحراب بين يدي فأصبر
اليوم على الشرطة أحمل الحربة وقال أمية لبكير اختر ما شئت من عمل خراسان
قال طخارستان قال هي لك قال فتجهز بكير وأنفق مالا كثيرا فقال بحير لامية
إن أتى بكير طخارستان خلعك فلم يزل يحذره حتى حذر فأمره بالمقام عنده
(وحج) بالناس في هذه السنة الحجاج بن يوسف وكان ولى قضاء المدينة عبد الله
ابن قيس بن مخرمة قبل شخوصه إلى المدينة كذلك ذكر ذلك عن محمد بن عمرو كان
على المدينة ومكة الحجاج بن يوسف وعلى الكوفة والبصرة بشر بن مروان
وعلى خراسان أمية بن عبد الله خالد بن أسيد وعلى قضاء الكوفة شريح بن الحارث
وعلى قضاء البصرة هشام بن هبيرة وقد ذكر أن عبد الملك بن مروان اعتمر في
هذه السنة ولا نعلم صحة ذلك.
ثم دخلت سنة خمس وسبعين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك غزوة محمد بن مروان الصائفة حين خرجت الروم من قبل مرعش
(وفى هذه السنة) ولى عبد الملك يحيى بن الحكم بن أبي العاص المدينة (وفى هذه
السنة) ولى عبد الملك الحجاج بن يوسف العراق دون خراسان وسجستان (وفيها)
قدم الحجاج الكوفة * فحدثني أبو زيد قال حدثني محمد بن يحيى أبو غسان عن
عبد الله بن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال خرج الحجاج بن يوسف من
المدينة حين أتاه كتاب عبد الملك بن مروان بولاية العراق بعد وفاة بشر بن
مروان في اثنى عشر راكبا على النجائب حتى دخل الكوفة حين انتشر النهار
فجاءة وقد كان بشر بعث المهلب إلى الحرورية فبدأ بالمسجد فدخله ثم صعد المنبر
وهو متلثم بعمامة خز حمراء فقال على بالناس فحسبوه وأصحابه خارجة فهموا به
40

حتى إذا اجتمع إليه الناس قام فكشف عن وجهه وقال
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا * متى أضع العمامة تعرفوني
أما والله إني لأحمل الشر محمله وأحذوه بنعله وأجزيه بمثله وإني لارى رؤسا
قد أينعت وحان قطافها وإني لأنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى
قد شمرت عن ساقها تشميرا
هذا أوان الشد فاشتدي ريم * قد لفها الليل بسواق حطم
ليس براعي إبل ولا غنم * ولا بجزار على ظهر وضم
قد لفها الليل بعصلبى * أورع خراج من الدوى
مهاجر ليس بأعرابي
ليس أوان يكره الخلاط * جاءت به والقلص الأعلاط
تهوى هوى سابق الغطاط
وإني والله يا أهل العراق ما أغمز كتغماز التين ولا يقعقع لي بالشنان ولقد
فررت عن ذكاء وجريت إلى الغاية القصوى إن أمير المؤمنين عبد الملك نثر
كنانته ثم عجم عيدانها فوجدني أمرها عودا وأصلبها مكسرا فوجهني إليكم فإنكم
طالما أوضعتم في الفتن وسننتم سنن الغى أما والله لألحونكم لحو العود ولا عصبنكم
عصب السلمة ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل إني والله لا أعد إلا وفيت ولا
أخلق إلا فريت فإياي وهذه الجماعات وقيلا وقالا وما يقول فيم أنتم وذاك والله
لتستقيمن على سبل الحق أو لأدعن لكل رجل منكم شغلا في جسده من وجدت
بعد ثالثة من بعث المهلب سفكت دمه وأنهبت ماله ثم دخل منزله ولم يزد على ذلك
قال ويقال إنه لما طال سكوته تناول محمد بن عمير حصى فأراد أن يحصبه بها وقال
قاتله الله ما أعياه وأدمه والله إني لا حسب خبره كروائه فلما تكلم الحجاج جعل
الحصى ينتثر من يده ولا يعقل به وأن الحجاج قال في خطبته شاهت الوجوه إن
الله ضرب مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت
بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون وأنتم أولئك وأشباه
41

أولئك فاستوثقوا واستقيموا فوالله لأذيقنكم الهوان حتى تدروا ولا عصبنكم
عصب السلمة حتى تنقادوا أقسم بالله لتقبلن على الانصاف ولتدعن الارجاف
وكان وكان وأخبرني فلان عن فلان والهبر وما الهبر أو لأذهبرنكم بالسيف هبرا
يدع النساء أيامى والولدان يتامى وحتى تمشوا السمهى وتقلعوا عن هاوها إياي
وهذه الزرافات لا يركبن الرجل منكم إلا وحده ألا إنه لو ساغ لأهل المعصية
معصيتهم ما جبي فئ ولا قوتل عدو ولعطلت الثغور ولولا أنهم يغزون كرها
ما غزوا طوعا وقد بلغني رفضكم المهلب وإقبالكم على مصركم عصاة مخالفين وإني
أقسم لكم بالله لا أجد أحدا بعد ثالثة إلا ضربت عنقه ثم دعا العرفاء فقال ألحقوا
الناس بالمهلب وأتوني بالبراءات بموافاتهم ولا تغلقن أبواب الجسر ليلا ولا نهارا
حتى تنقضي هذه المدة (تفسير الخطبة) قوله أنا ابن جلا فابن جلا الصبح لأنه
يجلو الظلمة والثنايا ما صغر من الجبال ونتا وأينع الثمر بلغ إدراكه وقوله فاشتدي
زيم فهي اسم للحرب والحطم الذي يحطم كل شئ يمر به والوضم ما وقى به اللحم
من الأرض والعصلبي الشديد والدوية الأرض الفضاء التي يسمع فيها دوى
أخفاف الإبل وإلا علاط الإبل التي لا أرسان عليها أنشد أبو زيد الأصمعي
وأعرورت العلط العرضي تركضه * أم الفوارس بالديداء والربعه
والشنان جمع شنة القربة البالية اليابسة قال الشاعر
كأنك من جمال بنى أقيش * يقعقع خلف رجليه بشن
وقوله فعجم عيدانها أي غضها والعجم بفتح الفاء حب الزبيب قال الأعشى
وملفوظها كلقيط العجم
وقوله أمرها عودا أي أصلبها يقال حبل ممر إذا كان شديد الفتل وقوله
لأعصبنكم عصب السلمة فالعصب القطع والسلمة شجرة من العضاه وقوله لا أخلق
إلا فريت فالخلق التقدير قال الله تعالى (من نطفة مخلقة وغير مخلقة) أي مقدرة
وغير مقدرة يعنى ما يتم وما يكون سقطا قال الكميت يصف قربة
لم تجشم الخالقات فريتها * ولم يفض من نطاقها السرب
42

وإنما وصف حواصل الطير يقول ليست كهذه وصخرة خلقاء أي ملساء قال الشاعر
وبهو هواء فوق مور كأنه * من الصخرة الخلقاء زحلوق ملعب
ويقال فريت الأديم إذا أصلحته وأفريت بالألف إذا أنت أفسدته والسمهى
الباطل قال أبو عمرو الشيباني وأصله ما تسميه العامة مخاط الشيطان وهو لعاب
الشمس عند الظهيرة قال أبو النجم العجلي
وذاب للشمس لعاب فنزل * وقام ميزان الزمان فاعتدل
والزرافات: الجماعات. تم التفسير (قال أبو جعفر) قال عمر فحدثني محمد بن
يحيى عن عبد الله بن أبي عبيدة قال فلما كان اليوم الثالث سمع تكبيرا في السوق
فخرج حتى جلس على المنبر فقال يا أهل العراق وأهل الشقاق والنفاق ومساوئ
الأخلاق إني سمعت تكبيرا ليس بالتكبير الذي يراد الله به في الترغيب ولكنه
التكبير الذي يراد به الترهيب وقد عرفت أنها عجاجة تحتها قصف يا بنى اللكيعة
وعبيد العصا وأبناء الأيامى ألا يربع رجل منكم على ظلعه ويحسن حقن دمه
ويبصر موضع قدمه فأقسم بالله لأوشك أن أوقع بكم وقعة تكون نكالا لما قبلها
وأدبا لما بعدها * قوله تحتها قصف فهو شدة الريح واللكعاء الورهاء وهى الحمقاء
من الإماء والظلع الضعف والوهن من شدة السير وقوله تهوى هوى سابق
الغطاط فالغطاط بضم الغين ضرب من الطير قال الأصمعي الغطاط بفتح الغين
ضرب من الطير وأنشد لحسان بن ثابت
يغشون حتى ما تهر كلابهم * لا يسألون عن الغطاط المقبل
بفتح الغين قال والغطاط بضم الغين اختلاط الضوء بالظلمة من آخر الليل قال الراجز
قام إلى أدماء في الغطاط * يمشى بمثل قائم الفسطاط
(تم التفسير) قال فقام إليه عمير بن ضابئ التميمي ثم الحنظلي فقال أصلح
الله الأمير أنا في هذا البعث وأنا شيخ كبير عليل وهذا ابني وهو أشب منى قال
ومن أنت قال عمير بن ضابئ التميمي قال أسمعت كلامنا بالأمس قال نعم قال
ألست الذي غزا أمير المؤمنين عثمان قال بلى قال وما حملك على ذلك قال كان
43

حبس أبى وكان شيخا كبيرا قال أوليس يقول
هممت ولم أفعل وكدت وليتني * تركت على عثمان تبكى حلائله
إني لا حسب في قتلك صلاح المصرين قم إليه يا حرسي فاضرب عنقه فقام
إليه رجل فضرب عنقه وأنهب ماله ويقال ان عنبسة بن سعيد قال للحجاج أتعرف
هذا قال لا قال هذا أحد قتلة أمير المؤمنين عثمان فقال الحجاج يا عدو الله أفلا
إلى أمير المؤمنين بعثت بديلا ثم أمر بضرب عنقه وأمر مناديا فنادى ألا إن عمير
ابن ضابئ أتى بعد ثالثة وقد كان سمع النداء فأمرنا بقتله ألا فإن ذمة الله بريئة ممن
بات الليلة من جند المهلب فخرج الناس فازدحموا على الجسر وخرجت العرفاء إلى
المهلب وهو برامهرمز فأخذوا كتبه بالموافاة فقال المهلب قدم العراق اليوم رجل
ذكر اليوم قوتل العدو قال ابن أبي عبيدة في حديثه فعبر الجسر تلك الليلة أربعة
آلاف من مذحج فقال المهلب قدم العراق رجل ذكر قال عمر عن أبي الحسن
قال لما قرأ عليهم كتاب عبد الملك قال القارئ أما بعد سلام عليكم فانى أحمد إليكم
الله فقال له اقطع يا عبيد العصا أيسلم عليكم أمير المؤمنين فلا يرد راد منكم السلام
هذا أدب ابن نهية أما والله لأؤدبنكم غير هذا الأدب ابدأ بالكتاب فلما بلغ إلى
قوله أما بعد سلام عليكم لم يبق منهم أحد إلا قال وعلى أمير المؤمنين السلام ورحمة الله
قال عمر حدثني عبد الملك بن شيبان بن عبد الملك بن مسمع قال حدثني عمر وبن سعيد
قال لما قدم الحجاج الكوفة خطبهم فقال إنكم قد أخللتم بعسكر المهلب فلا يصبحن
بعد ثالثة من جنده أحد فلما كان بعد ثالثة أبى رجل يستدمى فقال من بك قال عمير
ابن ضابئ البرجمي أمرته بالخروج إلى معسكره فضربني وكذب عليه فأرسل
الحجاج إلى عمير بن ضابئ فأتى به شيخا كبيرا فقال له ما خلفك عن معسكرك
قال أنا شيخ كبير لا حراك بئ فأرسلت ابني بديلا فهو أجلد منى جلدا وأحدث
منى سنا فسل عما أقول لك فإن كنت صادقا وإلا فعاقبني قال فقال عنبسة بن سعيد
هذا الذي أتى عثمان قتيلا فلطم وجهه ووثب عليه فكسر ضلعين من أضلاعه
فأمر به الحجاج فضربت عنقه قال عمر وبن سعيد فوالله إني لا سير بين الكوفة
والحيرة إذ سمعت رجزا مضريا فعدلت إليهم فقلت ما الخبر فقالوا قدم علينا رجل
44

من شر أحياء العرب من هذا الحي من ثمود أسقف الساقين ممسوح الجاعرتين
أخفش العينين فقدم سيد الحي عمير بن ضابئ فضرب عنقه ولما قتل الحجاج عمير
ابن ضابئ لقى إبراهيم بن عامر أحد بنى غاضرة من بنى أسد عبد الله بن الزبير في
السوق فسأله عن الخبر فقال ابن الزبير
أقول لإبراهيم لما لقيته * أرى الامر أمسى منصبا متشعبا
تجهز وأسرع والحق الجيش لا أرى * سوى الجيش إلا في المهالك مذهبا
تخير فاما أن تزور ابن ضابئ * عميرا وإما أن تزور المهلبا
هما خطتا كره نجاؤك منهما * ركوبك حوليا من الثلج أشهبا
فحال ولو كانت خراسان دونه * رآها مكان السوق أو هي أقربا
فكأن ترى من مكره العود مسمن * تحمم حنو السرج حتى تحنبا
وكان قدوم الحجاج الكوفة فيما قيل في شهر رمضان من هذه السنة فوجه
الحكم بن أيوب الثقفي على البصرة أميرا وأمره أن يشتد على خالد بن عبد الله
فلما بلغ خالدا الخبر خرج من البصرة قبل أن يدخلها الحكم فنزل الجلحاء
وشيعه أهل البصرة فلم يبرح مصلاه حتى قسم فيهم ألف ألف (وحج) بالناس
في هذه السنة عبد الملك بن مروان حدثني بذلك أحمد بن ثابت عمن حدثه عن
إسحاق بن عيسى عن أبي معشر ووفد يحيى بن الحكم في هذه السنة على عبد الملك
ابن مروان واستخلف على عمله بالمدينة أبان بن عثمان وأمر عبد الملك يحيى بن الحكم
أن يقر على عمله على ما كان عليه بالمدينة وعلى الكوفة والبصرة الحجاج بن يوسف
وعلى خراسان أمية بن عبد الله وعلى قضاء الكوفة شريح وعلى قضاء البصرة
زرارة بن أوفى (وفى هذه السنة) خرج الحجاج من الكوفة إلى البصرة واستخلف
على الكوفة أبا يعفور عروة بن المغيرة بن شعبة فلم يزل عليها حتى رجع إليها
بعد وقعة رستقباذ (وفى هذه السنة) ثار الناس بالحجاج بالبصرة
ذكر الخبر عن سبب وثوبهم به
ذكر هشام عن أبي مخنف عن أبي زهير العبسي قال خرج الحجاج بن يوسف
45

من الكوفة بعد ما قدمها وقتل ابن ضابئ من فوره ذلك حتى قدم البصرة فقام
فيها بخطبة مثل الذي قام بها في أهل الكوفة وتوعدهم مثل وعيده إياهم فأتى برجل
من بنى يشكر فقيل هذا عاص فقال إن بي فتقا وقد رآه بشر فعذرني وهذا
عطائي مردود في بيت المال فلم يقبل منه وقتله ففزع لذلك أهل البصرة فخرجوا
حتى تداكوا على العارض بقنطرة رامهرمز فقال المهلب جاء الناس رجل ذكر
وخرج الحجاج حتى نزل رستقباذ في أول شعبان سنة 75 فثار الناس بالحجاج
عليهم عبد الله بن الجارود فقتل عبد الله بن الجارود وبعث بثمانية عشر رأسا
فنصبت برامهرمز للناس فاشتدت ظهور المسلمين وساء ذلك الخوارج وقد كانوا
رجوا أن يكون من الناس فرقة واختلاف فانصرف الحجاج إلى البصرة وكان
سبب أمر عبد الله بن الجارود أن الحجاج لما ندب الناس إلى اللحاق بالمهلب
بالبصرة فشحصوا سار الحجاج حتى نزل رستقباذ قريبا من دستوى في آخر شعبان
ومعه وجوه أهل البصرة وكان بينه وبين المهلب ثمانية عشر فرسخا فقام في الناس
فقال إن الزيادة التي زادكم ابن الزبير في أعطياتكم زيادة فاسق منافق ولست أجيزها
فقام إليه عبد الله بن الجارود العبدي فقال إنها ليست بزيادة فاسق منافق ولكنها
زيادة أمير المؤمنين عبد الملك قد أثبتها لنا فكذبه وتوعده فخرج ابن الجارود
على الحجاج وتابعه وجوه الناس فاقتتلوا قتالا شديدا فقتل ابن الجارود وجماعة
من أصحابه وبعث برأسه ورؤس عشرة من أصحابه إلى المهلب وانصرف إلى البصرة
وكتب إلى المهلب وإلى عبد الرحمن بن مخنف أما بعد إذا أتاكم كتابي هذا فناهضوا
الخوارج والسلام (وفى هذه السنة) نفى المهلب وابن مخنف الأزارقة عن رامهرمز
ذكر الخبر عن ذلك وما كان من أمرهم في هذه السنة
(ذكر هشام) عن أبي مخنف عن أبي زهير العبسي قال ناهض المهلب وابن
مخنف الأزارقة برامهرمز بكتاب الحجاج إليهما لعشر بقين من شعبان يوم الاثنين
سنة 75 فأجلوهم عن رامهرمز من غير قتال شديد ولكنهم زحفوا إليهم حتى
أزالوهم وخرج القوم كأنهم على حامية حتى نزلوا سابور بأرض منها يقال لها
46

كازرون وسار المهلب وعبد الرحمن بن مخنف حتى نزلوا بهم في أول رمضان
فخندق المهلب عليه فذكر أهل البصرة أن المهلب قال لعبد الرحمن بن مخنف إن
رأيت إن تخندق عليك فافعل وإن أصحاب عبد الرحمن أبوا عليه وقالوا إنما
خندقنا سيوفنا وإن الخوارج زحفوا إلى المهلب ليلا ليبيتوه فوجدوه قد أخذ
حذره فمالوا نحو عبد الرحمن بن مخنف فوجدوه لم يخندق فقاتلوه فانهزم عنه أصحابه
فنزل فقاتل في أناس من أصحابه فقتل وقتلوا حوله فقال شاعرهم
لمن العسكر المكلل بالصر * على فهم بين ميت وقتيل
فتراهم تسفى الرياح عليهم * حاصب الرمل بعد جر الذيول
وأما أهل الكوفة فإنهم ذكروا أن كتاب الحجاج بن يوسف أتى المهلب
وعبد الرحمن بن مخنف أن ناهضا الخوارج حين يأتيكما كتابي فناهضاهم يوم الأربعاء
لعشر بقين من رمضان سنة 75 واقتتلوا قتالا شديدا لم يكن بينهم فيما مضى قتال
كان أشد منه وذلك بعد الظهر فمالت الخوارج بحدها على المهلب بن أبي صفرة
فاضطروه إلى عسكره فسرح إلى عبد الرحمن رجالا من صلحاء الناس فأتوه فقالوا
إن المهلب يقول لك إنما عدونا واحد وقد ترى ما قد لقى المسلمون فأمد إخوانك
يرحمك الله فأخذ يمده بالخيل بعد الخيل والرجال بعد الرجال فلما كان بعد العصر
ورأت الخوارج ما يجئ من عسكر عبد الرحمن من الخيل والرجال إلى عسكر
المهلب ظنوا أنه قد خف أصحابه فجعلوا خمس كتائب أو ستا تجاه عسكر المهلب
وانصرفوا بجدهم وجمعهم إلى عبد الرحمن بن مخنف فلما رآهم قد صمدوا له نزل
ونزل معه القراء عليهم أبو الأحوص صاحب عبد الله بن مسعود وخزيمة
ابن نصر أبو نصر بن خزيمة العبسي الذي قتل مع زيد بن علي وصلب معه بالكوفة
ونزل معه من خاصة قومه أحد وسبعون رجلا وحملت عليهم الخوارج فقاتلتهم
قتالا شديدا ثم إن الناس انكشفوا عنه فبقى في عصابة من أهل الصبر ثبتوا معه
وكان ابنه جعفر بن عبد الرحمن فيمن بعثه إلى المهلب فنادى في الناس ليتبعوه إلى
أبيه فلم يتبعه إلا ناس قليل فجاء حتى إذا دنا من أبيعه حالت الخوارج بينه وبين
47

أبيه فقاتل حتى ارتثته الخوارج وقاتل عبد الرحمن بن مخنف ومن معه على تل
مشرف حتى ذهب نحو من ثلثي الليل ثم قتل في تلك العصابة فلما أصبحوا جاء
المهلب حتى أتاه فدفنه وصلى عليه وكتب بمصابه إلى الحجاج فكتب بذلك الحجاج
إلى عبد الملك بن مروان فنعى عبد الرحمن بمنى وذم أهل الكوفة وبعث الحجاج
على عسكر عبد الرحمن بن مخنف عتاب بن ورقاء وأمره إذا ضمتهما الحرب أن
يسمع للمهلب ويطيع فساءه ذلك فلم يجد بدا من طاعة الحجاج ولم يقدر على مراجعته
فجاء حتى أقام في ذلك العسكر وقاتل الخوارج وأمره إلى المهلب وهو في ذلك
يقضى أموره ولا يكاد يستشير المهلب في شئ فلما رأى ذلك المهلب اصطنع رجالا
من أهل الكوفة فيهم بسطام من مصقلة بن هبيرة فأغراهم بعتاب (قال أبو مخنف)
عن يوسف بن يزيد أن عتابا أتى المهلب يسأله أن يرزق أصحابه فأجلسه المهلب
معه على مجلسه قال فسأله أن يرزق أصحابه سؤالا فيه غلظة وتجهم قال فقال له
المهلب وإنك لهاهنا يا ابن اللخناء فبنو تميم يزعمون أنه رد عليه وأما يوسف بن
يزيد وغيره فيزعمون أنه قال والله إنها لمعمة محولة ولوددت أن الله فرق بيني
وبينك قال فجرى بينهما الكلام حتى ذهب المهلب ليرفع القضيب عليه فوثب عليه
ابنه المغيرة فقبض على القضيب وقال أصلح الله الأمير شيخ من أشياخ العرب
وشريف من أشرافهم إن سمعت منه بعض ما تكرهه فاحتمله له فإنه لذلك منك
أهل ففعل وقام عتاب فرجع من عنده واستقبله بسطام بن مصقلة يشتمه ويقع
فيه * فلما رأى ذلك كتب إلى الحجاج يشكو إليه المهلب ويخبره أنه قد أغرى
به سفهاء أهل المصر ويسأله أن يضمه إليه فوافق ذلك من الحجاج حاجة إليه
فيما لقى أشراف الكوفة من شبيب فبعث إليه أن أقدم واترك أمر ذلك الجيش
إلى المهلب فبعث المهلب عليه حبيب بن المهلب وقال حميد بن مسلم يرثى
عبد الرحمن بن مخنف
إن يقتلوك أبا حكيم غدوة * فلقد تشد وتقتل الا بطالا
أو يثكلونا سيدا لمسود * سمح الخليقة ماجدا مفضالا
48

فلمثل قتلك هد قومك كلهم * من كان يحمل عنهم الأثقالا
من كان يكشف غرمهم وقتالهم * يوما إذا كان القتال نزالا
أقسمت ما نيلت مقاتل نفسه * حتى تدرع من دم سر بالا
وتناجز الابطال تحت لوائه * بالمشرفية في الأكف نصالا
يوما طويلا ثم آخر ليلهم * حين استبانوا في السماء هلالا
وتكشفت عنه الصفوف وخيله * فهناك نالته الرماح فمالا
وقال سراقة بن مرادس البارقي
أعيني جودا بالدموع السواكب * وكونا كواهي شنة مع راكب
على الأزد لما أن أصيب سراتهم * فنوحا لعيش بعد ذلك خائب
نرجى الخلود بعدهم وتعوقنا * عوائق موت أو قراع الكتائب
وكنا بخير قبل قتل ابن مخنف * وكل امرئ يوما لبعض المذاهب
أمار دموع الشيب من أهل مصره * وعجل في الشبان شيب الذوائب
وقاتل حتى مات أكرم ميتة * وخر على خد كريم وحاجب
وضارب عنه المارقين عصابة * من الأزد تمشى بالسيوف القواضب
فلا ولدت أنثى ولا آب غائب * إلى أهله إن كان ليس بآيب
فيا عيني ابكى مخنفا وابن مخنف * وفرسان قوى قصرة وأقاربي
وقال سراقة أيضا يرثى عبد الرحمن بن مخنف:
ثوى سيد الأزدين أزد شنوءة * وأزد عمان رهن رمس بكازر
وضارب حتى مات أكرم ميتة * بأبيض صاف كالعقيقة باتر
وصرع حول التل تحت لوائه * كرام المساعى من كرام المعاشر
قضى نحبه يوم اللقاء ابن مخنف * وأدبر عنه كل ألوث داثر
أمد فلم يمدد فراح مشمرا * إلى الله لم يذهب بأثواب غادر
وأقام المهلب بسابور يقاتلهم نحوا من سنة (وفى هذه السنة) تحرك صالح بن
49

مسرح أحد بنى امرئ القيس وكان يرى رأى الصفرية وقيل إنه أول من
خرج من الصفرية
ذكر الخبر عن تحرك صالح للخروج وما كان منه في هذه السنة
ذكر أن صالح بن مسرح أحد بنى امرئ القيس حج سنه 75 ومعه شبيب بن يزيد
وسويد والبطين وأشباههم وحج في هذه السنة عبد الملك بن مروان فهم شبيب
بالفتك به وبلغه ذرء من خبرهم فكتب إلى الحجاج بعد انصرافه يأمره بطلبهم
وكان صالح يأتي الكوفة فيقيم بها الشهر ونحوه فيلقى أصحابه ليعدهم فنبت بصالح
الكوفة لما طلبه الحجاج فتنكبها
ثم دخلت سنة ست وسبعين
ذكر الكائن من الاحداث فيها
فمن ذلك خروج صالح بن مسرح
ذكر الخبر عن خروج صالح بن مسرح وعن سبب خروجه
وكان سبب خروجه فيما ذكر هشام عن أبي مخنف عن عبد الله بن علقمة عن
قبيصة بن عبد الرحمن الخثعمي أن صالح بن مسرح التميمي كان رجلا ناسكا مخبتا
مصفر الوجه صاحب عبادة وأنه كان بدارا وأرض الموصل والجزيرة له أصحاب
يقرئهم القرآن ويفقههم ويقص عليهم فكان قبيصة بن عبد الرحمن حدث أصحابنا
أن قصص صالح بن مسرح عنده وكان ممن يرى رأيهم فسألوه أن يبعث بالكتاب
إليهم ففعل وكان قصصه الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات
والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون اللهم إنا لا نعدل بك ولا نحفد إلا إليك
ولا نعبد إلا إياك لك الخلق والامر ومنك النفع والضر واليك المصير ونشهد أن
محمدا عبدك الذي اصطفيته ورسولك الذي اخترته وارتضيته لتبليغ رسالاتك
ونصيحة عبادك ونشهد أنه قد بلغ الرسالة ونصح للأمة ودعا إلى الحق وقام بالقسط
ونصر الدين وجاهد المشركين حتى توفاه الله صلى الله عليه وسلم أوصيكم بتقوى
50

الله والزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة وكثرة ذكر الموت وفراق الفاسقين
وحب المؤمنين فإن الزهادة في الدنيا ترغب العبد فيما عند الله وتفرغ بدنه لطاعة
الله وإن كثرة ذكر الموت يخيف العبد من ربه حتى يجأره إليه ويستكين له وإن
فراق الفاسقين حق على المؤمنين قال الله في كتابه (ولا تصل على أحد منهم مات
أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون) وإن
حب المؤمنين للسبب الذي ينال به كرامة الله ورحمته وجنته جعلنا الله وإياكم
من الصادقين الصابرين ألا إن من نعمة الله على المؤمنين أن بعث فيهم رسولا من
أنفسهم فعلمهم الكتاب والحكمة وزكاهم وطهرهم ووفقهم في دينهم وكان بالمؤمنين
رؤوفا رحيما حتى قبضه الله صلوات الله عليه ثم ولى الامر من بعده التقى الصديق
على الرضا من المسلمين فاقتدى بهديه واستن بسنته حتى لحق بالله رحمه الله واستخلف
عمر فولاه الله أمر هذه الرعية فعمل بكتاب الله وأحيا سنة رسول الله ولم يحنق في
الحق على جرته ولم يخف في الله لومة لائم حتى لحق به رحمة الله عليه وولى المسلمين من بعده
عثمان فاستأثر بالفئ وعطل الحدود وجار في الحكم واستذل المؤمن وعزز المجرم فسار
إليه المسلمون فقتلوه فبرئ الله منه ورسوله وصالح المؤمنين وولى أمر الناس من بعده
علي بن أبي طالب فلم ينشب أن حكم في أمر الله الرجال وشك في أهل الضلال وركن
وأدهن فنحن من على وأشياعه برآء فتيسروا رحمكم الله لجهاد هذه الأحزاب
المتحزبة وأئمة الضلال الظلمة وللخروج من دار الفناء إلى دار البقاء واللحاق
باخواننا المؤمنين الموقنين الذين باعوا الدنيا بالآخرة وأنفقوا أموالهم التماس
رضوان الله في العاقبة ولا تجزعوا من القتل في الله فإن القتل أيسر من الموت
والموت نازل بكم غير ما ترجم الظنون فمفرق بينكم وبين آبائكم وأبنائكم
وحلائلكم ودنياكم وإن اشتد لذلك كرهكم وجزعكم ألا فبيعوا الله أنفسكم
طائعين وأموالكم تدخلوا الجنة آمنين وتعانقوا الحور العين جعلنا الله
وإياكم من الشاكرين الذاكرين الذين يهدون بالحق وبه يعدلون (قال
أبو مخنف) فحدثني عبد الله بن علقمة قال بينا أصحاب صالح يختلفون إليه إذ قال لهم
51

ذات يوم ما أدرى ما تنتظرون وحتى متى أنتم مقيمون هذا الجور قد فشا وهذا
العدل قد عفا ولا تزداد هذه الولاة على الناس إلا غلوا وعتوا وتباعدا عن الحق
وجرأة على الرب فاستعدوا وابعثوا إلى إخوانكم الذين يريدون من إنكار الباطل
والدعاء إلى الحق مثل الذي تريدون فيأتوكم فنلتقي وننظر فيما نحن صانعون
وفى أي وقت إن خرجنا نحن خارجون قال فتراسل أصحاب صالح وتلاقوا
في ذلك فبينا هم في ذلك إذ قدم عليهم المحلل بن وائل اليشكري بكتاب من شبيب
إلى صالح بن مسرح أما بعد فقد علمت أنك كنت أردت الشخوص وقد كنت
دعوتني إلى ذلك فاستجبت لك فإن كان ذلك اليوم من شأنك فأنت شيخ المسلمين
ولن نعدل بك منا أحدا وإن أردت تأخير ذلك اليوم أعلمتني فإن الآجال غادية
ورائحة ولا آمن أن تختر منى المنية ولما أجاهد الظالمين فياله غبنا ويا له فضلا
متروكا جعلنا الله وإياك ممن يريد بعمله الله ورضوانه والنظر إلى وجهه ومرافقة
الصالحين في دار السلام والسلام عليك قال فلما قدم على صالح المحلل بن وائل
بذلك الكتاب من شبيب كتب إليه صالح أما بعد فقد كان كتابك وخبرك أبطأ
عنى حتى أهمنى ذلك ثم إن أمراء من المسلمين نبأني بنبأ مخرجك ومقدمك فنحمد
الله على قضاء ربنا وقد قدم على رسولك بكتابك فكل ما فيه قد فهمته ونحن
في جهاز واستعداد للخروج ولم يمنعني من الخروج إلا انتظارك فأقبل إلينا ثم اخرج
بنا متى ما أحببت فإنك ممن لا يستغنى عن رأيه ولا تقضى دونه الأمور والسلام
عليك * فلما قدم على شبيب كتابه بعث إلى نفر من أصحابه فجمعهم إليه منهم
أخوه مصاد بن يزيد بن نعيم والمحلل بن وائل اليشكري والصقر بن حاتم من
بنى تيم بن شيبان وإبراهيم بن حجر أبو الصقير من بنى محلم والفضل بن عامر من
بنى ذهل بن شيبان ثم خرج حتى قدم على صالح بن مسرح بدارا فلما لقيه قال اخرج
بنا رحمك الله فوالله ما تزداد السنة إلا دروسا ولا يزداد المجرمون إلا طغيانا فبث
صالح رسله في أصحابه وواعدهم الخروج في هلال صفر ليلة الأربعاء سنة 76
فاجتمع بعضهم إلى بعض وتهيأوا وتيسروا للخروج في تلك الليلة واجتمعوا
52

جميعا عنده في تلك الليلة لميعاده (قال أبو مخنف) فحدثني فروة بن لقيط الأزدي
قال والله إني لمع شبيب بالمدائن إذ حدثنا عن مخرجهم قال لما هممنا بالخروج
اجتمعنا إلى صالح بن مسرح ليلة خرج فكان رأيي استعراض الناس لما رأيت
من المنكر والعدوان والفساد في الأرض فقمت إليه فقلت يا أمير المؤمنين كيف
ترى في السيرة في هؤلاء الظلمة أنقتلهم قبل الدعاء أم ندعوهم قبل القتال وسأخبرك
برأيي فيهم قبل أن تخبرني فيهم برأيك أما أنا فأرى أن نقتل كل من لا يرى رأينا
قريبا كان أو بعيدا فانا نخرج على قوم غاوين طاغين باغين قد تركوا أمر الله
واستحوذ عليهم الشيطان فقال لا بل ندعوهم فلعمري لا يجيبك إلا من يرى رأيك
وليقاتلنك من يزرى عليك والدعاء أقطع لحجتهم وأبلغ في الحجة عليهم قال
فقلت له فكيف ترى فيمن قاتلنا فظفرنا به ما تقول في دمائهم وأموالهم فقال إن
قتلنا وغنمنا فلنا وإن تجاوزنا وعفونا فموسع علينا ولنا قال فأحسن القول
وأصاب رحمة الله عليه وعلينا (قال أبو مخنف) فحدثني رجل من بنى محلم أن
صالح بن مسرح قال لأصحابه ليلة خرج اتقوا الله عباد الله ولا تعجلوا إلى قتال أحد
من الناس إلا أن يكونوا قوما يريدونكم وينصبون لكم فإنكم إنما خرجتم غضبا
لله حيث انتهكت محارمه وعصى في الأرض فسفكت الدماء بغير حلها وأخذت
الأموال بغير حقها فلا تعيبوا على قوم أعمالا ثم تعملوا بها فان كل ما أنتم عاملون
أنتم عنه مسؤلون وإن عظمكم رجالة وهذه دواب لمحمد بن مروان في هذا
الرستاق فابدؤا بها فشدوا عليها فاحملوا أرجلكم وتقووا بها على عدوكم فخرجوا
فأخذوا تلك الليلة الدواب فحملوا رجالتهم عليها وصارت رجالتها فرسانا وأقاموا
بأرض دارا ثلاث عشرة ليلة وتحصن منهم أهل دارا وأهل نصيبين وأهل
سنجار وخرج صالح ليلة خرج في مائة وعشرين وقيل في مائة وعشرة قال وبلغ مخرجهم
محمد بن مروان وهو يومئذ أمير الجزيرة فاستخف بأمرهم وبعث إليهم عدى بن عدي بن
عميرة من بنى الحارث بن معاوية بن ثور في خمسمائة فقال له أصلح الله الأمير أتبعثني
إلى رأس الخوارج منذ عشرين سنة قد خرج معه رجال من ربيعة قد سموا لي
53

كانوا يعازوننا الرجل منهم خير من مائة فارس في خمسمائة رجل قال له فإني أزيدك
خمسمائة أخرى فسر إليهم في ألف فسار من حران في ألف رجل فكان أول
جيش سار إلى صالح وسار إليه عدى وكأنما يساق إلى الموت وكان عدى رجلا
يتنسك فأقبل حتى إذا نزل دوغان نزل بالناس وسرح إلى صالح بن مسرح رجلا
دسه إليه من بنى خالد من بنى الورثة يقال له زياد بن عبد الله فقال إن عديا بعثني
إليك يسألك أن تخرج من هذا البلد وتأتى بلدا آخر فتقاتل أهله فإن عديا للقائك
كاره فقال له صالح ارجع إليه فقال له إن كنت ترى رأينا فأرنا من ذلك ما نعرف
ثم نحن مدلجون عنك من هذا البلد إلى غيره وإن كنت على رأى الجبابرة وأئمة
السوء رأينا رأينا فإن شئنا بدأنا بك وإن شئنا رحلنا إلى غيرك فانصرف
إليه الرسول فأبلغه ما أرسل به فقال له ارجع إليه فقل له انى والله ما أنا على رأيك
ولكني أكره قتالك وقتال غيرك فقاتل غيري فقال صالح لأصحابه اركبوا فركبوا
وحبس الرجل عنده حتى خرجوا ثم تركه ومضى بأصحابه حتى يأتي عدى بن عدي
ابن عميرة في سوق ذوغان وهو قائم يصلى الضحى فلم يشعر إلا والخيل طالعة عليهم
فلما بصروا بها تنادوا وجعل صالح شبيبا في كتيبة في ميمنة أصحابه وبعث سويد
ابن سليم الهندي من بنى شيبان في كتيبة في ميسرة أصحابه ووقف هو في كتيبة
في القلب فلما دنا منهم رآهم على غير تعبية وبعضهم يجول في بعض فأمر شبيبا
فحمل عليهم ثم حمل سويد عليهم فكانت هزيمتهم ولم يقاتلوا وأتى عدى بن عدي
بدابته وهو يصلى فركبها ومضى على وجهه وجاء صالح بن مسرح حتى نزل عسكره
وحوى ما فيه وذهب فل عدى وأوائل أصحابه حتى دخلوا على محمد بن مروان
فغضب ثم دعا خالد بن جزء السلمي فبعثه في ألف وخمسمائة ودعا الحارث بن جعونة
من بنى ربيعة بن عامر بن صعصعة فبعثه في ألف وخمسمائة ودعاهما فقال اخرجا
إلى هذه الخارجة القليلة الخبيثة وعجلا الخروج وأغذا السير فأيكما سبق فهو
الأمير على صاحبه فخرجا من عنده فأغذا السير وجعلا يسألان عن صالح بن مسرح
فيقال لهما إنه توجه نحو آمد فأتبعاه حتى انتهيا إليه وقد نزل على أهل آمد فنزلا
54

ليلا فخندقا وانهيا إليه وهما متساندان كل واحد منهما في أصحابه على حدته فوجه
صالح شبيبا إلى الحارث بن جعونة العامري في شطر أصحابه وتوجه هو نحو خالد
ابن جزء السلمي (قال أبو مخنف) فحدثني المحلمى قال انتهوا إلينا في أول وقت
العصر فصلى بنا صالح العصر ثم عبانا لهم فاقتتلنا كأشد قتال اقتتله قوم قط وجعلنا
والله نرى الظفر يحمل الرجل منا على العشرة منهم فيهزمهم وعلى العشرين فكذلك
وجعلت خيلهم لا تثبت لخيلنا * فلما رأى أميراهم ذلك ترجلا وأمرا جل من معهما
فترجل فعند ذلك جعلنا لا نقدر منهم على الذي نريد إذا حملنا عليهم استقبلتنا رجالتهم
بالرماح ونضحتنا رماتهم بالنبل وخيلهم تطاردنا في خلال ذلك فقاتلناهم إلى المساء
حتى حال الليل بيننا وبينهم وقد أفشوا فينا الجراحة وأفشيناها فيهم ووالله ما أمسينا
حتى كرهناهم وكرهونا وقد قتلوا منا نحوا من ثلاثين رجلا وقتلنا منهم أكثر
من سبعين فوقفنا مقابلهم ما يقدمون علينا وما نقدم عليهم فلما أمسوا رجعوا
إلى عسكرهم ورجعنا إلى عسكرنا فصلينا وتروحنا وأكلنا من الكسر ثم إن صالحا
دعا شبيبا ورؤوس أصحابه فقال يا أخلائي ماذا ترون فقال شبيب أرى أنا قد لقينا
هؤلاء القوم فقاتلناهم وقد اعتصموا بخندقهم فلا أرى أن نقيم عليهم فقال صالح
وأنا أرى ذلك فخرجوا من تحت ليلتهم سائرين فمضوا حتى قطعوا أرض الجزيرة
ثم دخلوا أرض الموصل فساروا فيها حتى قطعوها ومضوا حتى قطعوا الدسكرة *
فلما بلغ ذلك الحجاج سرح إليهم الحارث بن عميرة بن ذي المشعار الهمداني في ثلاثة
آلاف رجل من أهل الكوفة ألف من المقاتلة الأولى وألفين من الفرض
الذي فرض لهم الحجاج فسار حتى إذا دنا من الدسكرة خرج صالح بن مسرح
نحو جلولاء وخانقين وأتبعه الحارث بن عميرة حتى انتهى إلى قرية يقال لها المدبج
من أرض الموصل على تخوم ما بينها وبين أرض جوخى وصالح يومئذ في تسعين
رجلا فعبى الحارث بن عميرة يومئذ أصحابه وجعل على ميمنته أبا الرواع الشاكري
وعلى ميسرته الزبير بن الا روح التميمي ثم شد عليهم وذلك بعد العصر وقد جعل
أصحابه ثلاثة كراديس فهو في كردوس وسبيب في كردوس في ميمنته وسويد
55

ابن سليم في كردوس في الميسرة في كل كردوس منهم ثلاثون رجلا * فلما شد
عليهم الحارث بن عميرة في جماعة أصحابه انكشف سويد بن سليم وثبت صالح
ابن مسرح فقتل وضارب شبيب حتى صرع عن فرسه فوقع في رجالة فشد عليهم
فانكشفوا فجاء حتى انتهى إلى موقف صالح بن مسرح فأصابه قتيلا فنادى إلى
يا معشر المسلمين فلا ذوابه فقال لأصحابه ليعجل كل واحد منكم ظهره إلى ظهر صاحبه
وليطاعن عدوه إذا أقدم عليه حتى ندخل هذا الحصن ونرى رأينا ففعلوا ذلك
حتى دخلوا الحصن وهم سبعون رجلا بشبيب وأحاط بهم الحارث بن عميرة ممسيا
وقال لأصحابه احرقوا الباب فإذا صار جمرا فدعوه فإنهم لا يقدرون على أن يخرجوا
منه حتى نصبحهم فنقتلهم ففعلوا ذلك بالباب ثم انصرفوا إلى عسكرهم فأشرف
شبيب عليهم وطائفة من أصحابه فقال بعض أولئك الفرض يا بنى الزواني ألم يخزكم
الله فقالوا يا فساق نعم تقاتلوننا لقتالنا إياكم إذ عماكم الله عن الحق الذي نحن عليه
فما عذركم عند الله في الفرى على أمهاتنا فقال لهم حلمؤهم إنما هذا من قول شباب
فينا سفهاء والله ما يعجبنا قولهم ولا نستحله وقال شبيب لأصحابه يا هؤلاء ما تنتظرون
فوالله لئن صبحكم هؤلاء غدوة إنه لهلاككم فقالوا له مرنا بأمرك فقال لهم إن
الليل أخفى للويل بايعوني أو من شئتم منكم ثم اخرجوا بنا حتى نشد عليهم
في عسكرهم فإنهم لذلك منكم آمنون وأنا أرجو أن ينصركم الله عليهم قالوا فابسط
يدك فلنبايعك فبايعوه ثم جاءوا ليخرجوا وقد صار بابهم جمرا فأتوا باللبود فبلوها
بالماء ثم ألقوها على الجمر ثم قطعوا عليها فلم يشعر الحارث بن عميرة ولا أهل
العسكر إلا وشبيب وأصحابه يضربونهم بالسيوف في جوف عسكرهم فضارب
الحارث حتى صرع واحتمله أصحابه وانهزموا وخلوا لهم العسكر وما فيه ومضوا
حتى نزلوا المدائن فكان ذلك الجيش أول جيش هزمه شبيب وأصيب صالح بن
مسرح يوم الثلاثاء لثلاث عشرة بقيت من جمادى الأول من سنته (وفى هذه
السنة) دخل شبيب الكوفة ومعه زوجته غزالة
56

ذكر الخبر عن دخوله الكوفة وما كان من أمره وأمر الحجاج
بها والسبب الذي دعا شبيبا إلى ذلك
وكان السبب في ذلك فيما ذكر هشام عن أبي مخنف عن عبد الله بن علقمة عن
قبيصة بن عبد الرحمن الخثعمي أن شبيبا لما قتل صالح بن مسرح بالمدبج وبايعه
أصحاب صالح ارتفع إلى أرض الموصل فلقى سلامة بن سيار بن المضاء التيمي تيم
شيبان فدعاه إلى الخروج معه وكان يعرفه قبل ذلك إذ كان في الديوان والمغازي
فاشترط عليه سلامة أن ينتخب ثلاثين فارسا ثم لا يغيب عنه الا ثلاث ليال عددا
ففعل فانتخب ثلاثين فارسا فانطلق بهم نحو عنزة وإنما أرادهم ليشفى نفسه منهم
لقتلهم أخاه فضالة وذلك أن فضالة كان خرج قبل ذلك في ثمانية عشر نفسا حتى
نزل ماء يقال له الشجرة من أرض الجال عليه أثلة عظيمة وعليه عنزة * فلما رأته عنزة
قال بعضهم لبعض نقتلهم ثم نغدو بهم إلى الأمير فنعطي ونحيى فأجمعوا على ذلك فقالت
بنو نصر أخواله لعمز الله لا نساعدكم على قتل ولدنا فنهضت عنزة إليهم فقاتلوهم
فقتلوهم وأتوا برؤوسهم عبد الملك بن مروان فلذلك أنزلهم بانقيا وفرض لهم ولم
تكن لهم فرائض قبل ذلك إلا قليلة فقال سلامة بن سيار أخو فضالة يذكر قتل
أخيه وخذلان أخواله إياه
وما خلت أخوال الفتى يسلمونه * لوقع السلاح قبل ما فعلت نصر
قال وكان خروج أخيه فضالة قبل خروج صالح بن مسرح وشبيب * فلما بايع
سلامة شبيبا اشترط عليه هذا الشرط فخرج في ثلاثين فارسا حتى انتهى إلى عنزة
فجعل يقتل المحلة منهم بعد المحلة حتى انتهى إلى فريق منهم فيهم خالته وقد أكبت
على ابن لها وهو غلام حين احتلم فقالت وأخرجت ثديها إليه أنشدك برحم هذا
يا سلامة فقال لا والله ما رأيت فضالة مذ أناخ بعمر الشجرة يعنى أخاه لتقومن
عنه أو لأجمعن جافتك بالرمح فقامت عن ابنها عند ذلك فقتله (قال أبو مخنف)
فحدثني المفضل بن بكر من بنى تيم بن شيبان أن شبيبا أقبل في أصحابه نحو راذان
فلما سمعت به طائفة من بنى تيم بن شيبان خرجوا هرابا منه ومعهم ناس من غيرهم
57

قليل فأقبلوا حتى نزلوا دير خر زاد إلى جنب حولا يا وهم نحو من ثلاثة آلاف
وشبيب في نحو من سبعين رجلا أو يزيدون قليلا فنزل بهم فهابوه وتحصنوا منه
ثم إن شبيبا سرى في اثنى عشر فارسا من أصحابه إلى أمه وكانت في سفح ساتيد ما نازلة
في مظلة من مظال الاعراب تقال لآتين بأمي فلأ جعلنها في عسكري فلا تفارقني
أبدا حتى أموت أو تموت وخرج رجلان من بنى تيم بن شيبان تخوفا على أنفسهما
فنزلا من الدير فلحقا بجماعة من قومهما وهم نزول بالجال منهم على مسيرة ساعة
من النهار وخرج شبيب في أولئك الرهط في أولهم وهم اثنا عشر يريد أمه بالسفح
فإذا هو بجماعة من بنى تيم بن شيبان غارين في أموالهم مقيمين لا يرون أن شبيبا يمر
بهم لمكانهم الذي هم به ولا يشعر بهم فحمل عليهم في فرسانه تلك فقتل منهم ثلاثين
شيخا فيهم حوثرة بن أسد ووبرة بن عاصم اللذان كانا نزلا من الدير فلحقا بالجال
ومضى شبيب إلى أمه فحملها من السفح فأقبل بها وأشرف رجل من أصحاب الدير
من بكر بن وائل على أصحاب شبيب وقد استخلف شبيب أخاه على أصحابه مصاد
ابن يزيد ويقال لذلك الرجل الذي أشرف عليهم سلام بن حيان فقال لهم يا قوم
القرآن بيننا وبينكم ألم تسمعوا قول الله " وإن أحد من المشركين استجارك فأجره
حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه " قالوا بلى قال لهم فكفوا عنا حتى نصبح ثم
نخرج إليكم على أمان لنا منكم لكيلا تعرضوا لنا بشئ نكرهه حتى تعرضوا علينا
أمركم هذا فإن نحن قبلناه حرمت عليكم أموالنا ودماؤنا وكنا لكم إخوانا وإن
نحن لم نقبله رددتمونا إلى مأمننا ثم رأيتم رأيكم فيما بيننا وبينكم قالوا لهم فهذا لكم * فلما
أصبحوا خرجوا إليهم فعرض عليهم أصحاب شبيب قولهم ووصفوا لهم أمرهم فقبلوا
ذلك كله وخالطوهم ونزلوا إليهم فدخل بعضهم إلى بعض وجاء شبيب وقد اصطلحوا
فأخبره أصحابه خبرهم فقال أصبتم ووفقتم وأحسنتم ثم إن شبيبا ارتحل فخرجت
معه طائفة وأقامت طائفة جانحة وخرج يومئذ معه إبراهيم بن حجر المحلمي
أبو الصيقير كان مع بنى تيم بن شيبان نازلا فيهم ومضى شبيب في أداني أرض
الموصل وتخوم أرض جوخى ثم ارتفع نحو آذربيجان وأقبل سفيان بن أبي العالية
58

الخثعمي في خيل قد كان أمر أن يدخل بها طبرستان فأمر بالقفول فأقبل
راجعا في نحو من ألف فارس فصالح صاحب طبرستان (قال أبو مخنف) فحدثني
عبد الله بن علقمة الخثعمي أن كتاب الحجاج أتاه أما بعد فسر حتى تنزل الدسكرة
فيمن معك ثم أقم حتى يأتيك جيش الحارث بن عميرة الهمداني بن ذي المشعار
وهو الذي قتل صالح بن مسرح وخيل المناظر ثم سر إلى شبيب حتى تناجزه *
فلما أتاه الكتاب أقبل حتى نزل الدسكرة ونودي في جيش الحارث بن عميرة
بالكوفة والمدائن ان برئت الذمة من رجل من جيش الحارث بن عميرة لم يواف
سفيان بن أبي العالية بالدسكرة قال فخرجوا حتى أتوه وأتته خيل المناظر وكانوا
خمسمائة عليهم سورة بن أبجر التميمي من بنى أبان بن دارم فوافره إلا نحوا من خمسين
رجلا تخلفوا عنه وبعث إلا سفيان بن أبي العالية أن لا تبرح العسكر حتى آتيك
فعجل سفيان فارتحل في طلب شبيب فلحقه بخانقين في سفح جبل فجعل على ميمنته
خازم بن سفيان الخثعمي من بنى عمرو بن شهران وعلى ميسرته عدى بن عميرة الشيباني
وأصحر لهم شبيب ثم ارتفع عنهم حتى كأنه يكره لقاءه وقد أكمن له أخاه مصادا معه
خمسون في هزم من الأرض فلما رأوه جمع أصحابه ثم مضى في سفح الجبل مشرقا فقالوا
هرب عدو الله فاتبعوه فقال لهم عدى بن عميرة الشيباني أيها الناس لا تعجلوا عليهم
حتى نضرب في الأرض ونسير بها فإن يكونوا قد أكمنوا لنا كمينا قد حذرناه وإلا فإن
طلبهم لن يفوتنا فلم يسمع منه الناس وأسرعوا في آثارهم * فلما رأى شبيب أنهم
قد جازوا الكمين عطف عليهم * ولما رأى الكمين أن قد جاوزوهم خرجوا إليهم
فحمل عليهم شبيب من أمامهم وصاح بهم الكمين من ورائهم فلم يقاتلهم أحد وكانت
الهزيمة فثبت ابن أبي العالية في نحو من مائتي رجل فقاتلهم قتالا شديدا حسنا
حتى ظن أنه انتصف من شبيب وأصحابه فقال سويد بن سليم لأصحابه أمنكم أحد
يعرف أمير القوم ابن أبي العالية فوالله لئن عرفته لأجهدن نفسي في قتله فقال
شبيب أنا من أعرف الناس به أما ترى صاحب الفرس الأغر الذي دونه المرامية
فإنه ذلك فإن كنت تريده فأمهله قليلا ثم قال يا قعنب اخرج في عشرين فأتهم من
59

ورائهم فخرج قعنب في عشرين فارتفع عليهم * فلما رأره يريد أن يأتيهم من
ورائهم جعلوا يتنقضون ويتسللون وحمل سويد بن سليم على سفيان بن أبي العالية
فطاعنه فلم تصنع رمحاهما شيئا ثم اضطربا بسيفيهما ثم اعتنق كل منهما صاحبه فوقعا
إلى الأرض يعتر كان ثم تحاجزوا أو حمل عليهم شبيب فانكشفوا وأتى سفيان غلام له
يقال له غزوان فنزل عن برذونه وقال اركب يا مولاي فركب سفيان وأحاط
به أصحاب شبيب فقاتل دونه غزوان فقتل وكانت معه رايته وأقبل سفيان بن أبي
العالية حتى انتهى إلى بابل مهروذ فنزل بها وكتب إلى الحجاج أما بعد فإني
أخبر الأمير أصلحه الله أنى اتبعت هذه المارقة حتى لحقتهم بخانقين فقاتلهم فضرب
الله وجوههم ونصرنا عليهم فبينا نحن كذلك إذ أتاهم قوم كانوا غيبا عنهم فحملوا
على الناس فهزموهم فنزلت في رجال من أهل الدين والصبر فقاتلتهم حتى خررت
بين القتلى فحملت مرتثا فأتى بي بابل مهروذفها أنا بها والجند الذين وجههم إلى الأمير
ووافوا الأسورة بن أبجر فإنه لم يأتني ولم يشهد معي إذا ما نزلت بابل مهروذ أتاني
يقول مالا أعرف ويعتذر بغير العذر والسلام * فلما قرأ الحجاج الكتاب قال
من صنع كما صنع هذا وأبلى كما أبلى فقد أحسن ثم كتب إليه أما بعد فقد أحسنت البلاء
وقضيت الذي عليك فإذا خف عنك الوجع فأقبل مأجورا إلى أهلك والسلام
وكتب إلى سورة بن أبجر أما بعد فيا ابن أم سورة ما كنت خليقا أن تجترئ على
ترك عهدي وخذلان جندي فإذا أتاك كتابي فابعث رجلا ممن معك صليبا إلى
الخيل التي بالمدائن فلينتخب منهم خمسمائة رجل ثم ليقدم بهم عليك ثم سر بهم حتى
تلقى هذه المارقة واحزم في أمرك وكد عودك فإن أفضل أمر الحرب حسن
المكيدة والسلام * فلما أتى سورة كتاب الحجاج بعث عدى بن عميرة إلى المدائن
وكان بها ألف فارس فانتخب منهم خمسمائة ثم دخل على عبد الله بن أبي عصيفير
وهو أمير المدائن إمارته الأولى فسلم عليه فأجازه بألف درهم وحمله على فرس
وكساه أثوابا ثم إنه خرج من عنده فأقبل بأصحابه حتى قدم بهم على سورة بن
أبجر ببابل مهروذ فخرج في طلب شبيب وشبيب يجول في جوخى وسورة في طلبه
60

فجاء شبيب حتى انتهى إلى المدائن فتحصن منه أهل المدائن وتحرزوا ووهى أبنية
المدائن الأولى فدخل المدائن فأصاب بها دواب جند كثيرة فقتل من ظهر له ولم
يدخلوا البيوت فأتى فقيل له هذا سورة بن أبجر قد أقبل إليك فخرج في أصحابه
حتى انتهى إلى النهروان فنزلوا به وتوضأوا وصلوا ثم أتوا مصارع إخوانهم الذين
قتلهم علي بن أبي طالب عليه السلام فاستغفروا لاخوانهم وتبرؤا من على
وأصحابه وبكوا فأطالوا البكاء ثم خرجوا فقطعوا جسر النهروان فنزلوا من
جانبه الشرقي وجاء سورة حتى نزل بقطراثا وجاءته عيونه فأخبرته بمنزل شبيب
بالنهروان فدعا رؤس أصحابه فقال إنهم قلما يلقون مصحرين أو على ظهر إلا
انتصفوا منكم وظهروا عليهم وقد حدثت أنهم لا يزيدون على مائة رجل إلا
قليلا وقد رأيت أن أنتخبكم فأسير في ثلثمائة رجل منكم من أقويائكم وشجعانكم
فأتيهم الآن إذ هم آمنون لبياتكم فوالله إني لأرجو أن يصرعهم الله مصارع
إخوانهم الذين صرعوا منهم بالنهروان من قبل فقالوا اصنع ما أحببت فاستعمل
على عسكره حازم بن قدامة الخثعمي وانتخب من أصحابه ثلاثمائة رجل من
أهل القوة والجلد والشجاعة ثم أقبل بهم نحو النهروان وبات شبيب وقد أذكى
الحرس فلما دنا أصحاب سورة منهم نذروا بهم فاستووا على خيولهم وتعبوا
تعبيتهم * فلما انتهى إليهم سورة وأصحابه أصابوهم قد حذروا واستعدوا فحمل
عليهم سورة وأصحابه فثبتوا لهم وضاربوهم حتى صد عنهم سورة وأصحابه ثم صاح
شبيب بأصحابه فحمل عليهم حتى تركوا له العرضة وحملوا عليهم معه وجعل شبيب
يضرب ويقول
من ينك العيرينك نياكا * جندلتان اصطكتا اصطكاكا
فرجع سورة إلى عسكره وقد هزم الفرسان وأهل القوة فتحمل بهم حتى أقبل
بهم نحو المدائن فدفع إليهم وقد تحمل وتعدى الطريق الذي فيه شبيب واتبعه شبيب
وهو يرجو أن يلحقه فيصيب عسكره ويصيب بهزيمته أهل العسكر فأغذ السير
في طلبهم فانتهوا إلى المدائن فدخلوها وجاء شبيب حتى انتهى إلى بيوت المدائن
61

فدفع إليهم وقد دخل الناس وخرج ابن أبي عيفير في أهل المدائن فرماهم الناس
بالنبل ورموا من فوق البيوت بالحجارة فارتفع شبيب بأصحابه عن المدائن فمر
على كلو إذا فأصاب بها دواب كثيرة للحجاج فأخذها ثم خرج يسير في أرض
جوخى ثم مضى نحو تكريت فبينا ذلك الجند في المدائن إذ أرجف الناس بينهم
فقالوا هذا شبيب قد دنا وهو يريد أن يبيت أهل المدائن الليلة فارتحل عامة الجند
فلحقوا بالكوفة (قال أبو مخنف) وحدثني عبد الله بن علقمة الخثعمي قال والله
لقد هربوا من المدائن وقالوا نبيت الليلة وإن شبيبا لبتكريت قال ولما قدم الفل
على الحجاج سرح الجزل بن سعيد بن شرحبيل بن عمرو الكندي (قال أبو مخنف)
حدثنا النضر بن صالح العبسي وفضيل بن خديج الكندي أن الحجاج لما أتاه
الفل قال قبح الله سورة ضيع العسكر والجند وخرج يبيت الخوارج أما والله
لأسوأنه وكان بعد قد حبسه ثم عوفي عنه (قال أبو مخنف) وحدثني فضيل بن
خديج أن الحجاج دعا الجزل وهو عثمان بن سعيد فقال له تيسر للخروج إلى هذه
المارقة فإذا لقيتهم فلا تعجل عجلة الخرق ولا تحجم إحجام الواني الفرق
هل فهمت لله أنت يا أخا بنى عمرو بن معاوية فقال نعم أصلح الله الأمير
قد فهمت قال له فاخرج فعسكر بدير عبد الرحمن حتى يخرج إليك الناس فقال
أصلح الله الأمير لا تبعثن معي أحدا من أهل هذا الجند المفلول المهزوم
فإن الرعب قد دخل قلوبهم وقد خشيت أن لا ينفعك والمسلمين منهم أحد
قال له فإن ذلك لك ولا أراك الا قد أحسنت الرأي ووفقت ثم دعا أصحاب الدواوين
فقال اضربوا على الناس البعث فأخرجوا أربعة آلاف من الناس من كل ربع ألف
رجل وأعجلوا ذلك فجمعت العرفاء وجلس أصحاب الدواوين وضربوا البعث
فأخرجوا أربعة آلاف فأمرهم بالعسكر فعسكروا ثم نودي فيهم بالرحيل ثم ارتحلوا
ونادى منادى الحجاج أن برئت الذمة من رجل أصبناه من هذا البعث متخلفا
قال فمضى الجزل بن سعيد وقد قدم بين يديه عياض بن أبي لينة الكندي على مقدمته
فخرج حتى أتى المدائن فأقام بها ثلاثا وبعث إليه ابن أبي عصيفير بفرس وبرذون
62

وبغلين وألفى درهم ووضع للناس من الجزر والعلف ما كفاهم ثلاثة أيام حتى
ارتحلوا فأصاب الناس ما شاءوا من تلك الجزر والعلف الذي وضع لهم ابن أبي
عصيفير ثم إن الجزل بن سعيد خرج بالناس في أثر شبيب فطلبه في أرض جوخى
فجعل شبيب يريه الهيبة فيخرج من رستاق إلى رستاق ومن طسوج إلى طسوج
ولا يقيم له إرادة أن يفرق الجزل أصحابه ويتعجل إليه فيلقاه في يسير من الناس
على غير من تعبية فجعل الجزل لا يسير الا على تعبية ولا ينزل إلا خندق على نفسه
خندقا فلما طال ذلك على شبيب أمر أصحابه ذات ليلة فسروا (قال أبو مخنف)
فحدثني فروة بن لقيط أن شبيبا دعانا ونحن بدير بيرما ستون ومائة رجل فجعل
على كل أربعين من أصحابه رجلا وهو في أربعين وجعل أخاه مصادا في أربعين
وبعث سويد بن سليم في أربعين وبعث المحلل بن وائل في أربعين وقد أتته عيونه
فأخبرته ان الجزل بن سعيد قد نزل دير يزدجرد قال فدعانا عند ذلك فعبانا هذه
التعبية وأمرنا فعلقنا على دوابنا وقال لنا تيسروا فإذا قضمت دوابكم فاركبوا
وليسر كل امرئ منكم مع أميره الذي أمرناه عليه ولينظر كل امرئ منكم
ما يأمره أميره فليتبعه ودعا أمراءنا فقال لهم إني أريد أن أبيت هذا العسكر الليلة
ثم قال لأخيه مصادآتهم فارتفع من فوقهم حتى تأتيهم من ورائهم من قبل حلوان
وسآتيهم أنا من أمامي من قبل الكوفة وأتهم أنت يا سويد من قبل المشرق
وأتهم أنت يا محلل من قبل المغرب وليلج كل امرئ منكم على الجانب الذي يحمل
عليه ولا تقلعوا عنهم تحملون وتكرون عليهم وتصيحون بهم حتى يأتيكم أمري
فلم نزل على تلك التعبية وكنت أنا في الأربعين الذين كانوا معه حتى إذا قضمت
دوابنا وذلك أول الليل أول ما هدأت العيون خرجنا حتى انتهينا إلى دير الخرارة
فإذا للقوم مسلحة عليهم عياض بن أبي لينة فما هو إلا أن انتهينا إليهم فحمل عليهم
مصاد أخو شبيب في أربعين رجلا وكان امام شبيب وقد كان أراد أن يسبق شبيبا
حتى يرتفع عليهم ويأتيهم من ورائهم كما أمره * فلما لقى هؤلاء قاتلهم فصبروا
ساعة وقاتلوهم ثم انا دفعنا إليهم جميعا فحملنا عليهم فهزمناهم وأخذوا الطريق
63

الأعظم وليس بينهم وبين عسكرهم بدير يزدجرد إلا قريب من ميل فقال لنا
شبيب اركبوا معاشر المسلمين أكتافهم حتى تدخلوا معهم عسكرهم إن استطعتم
فأتبعناهم والله ملظين بهم ملحين عليهم ما نرفه عنهم وهم منهزمون مالهم همة إلا
عسكرهم فانتهوا إلى عسكرهم ومنعهم أصحابهم أن يدخلوا عليهم ورشقونا بالنبل
وكانت عيون لهم قد أتتهم فأخبرتهم بمكاننا وكان الجزل قد خندق عليه وتحرز
ووضع هذه المسلحة الذين لقيناهم بدير الخرارة ووضع مسلحة أخرى مما يلي
حلوان على الطريق فلما أن دفعنا إلى هذه المسلحة التي كانت بدير الخرارة فألحقناهم
بعسكر جماعتهم رجعت المسالح الاخر حتى اجتمعت ومنعها أهل العسكر دخول
العسكر وقالوا لهم قاتلوا ونضحوا عنكم بالنبل (قال أبو مخنف) وحدثني جرير
ابن الحسين الكندي قال كان على المسلحتين الاخرتين عاصم بن حجر على التي
تلى حلوان وواصل بن الحارث السكوني على الأخرى فلما أن اجتمعت المسالح
جعل شبيب يحمل عليها حتى اضطرها إلى الخندق ورشقهم أهل العسكر بالنبل
حتى ردوهم عنهم فلما رأى شبيب أنه لا يصل إليهم قال لأصحابه سيروا ودعوهم
فمضى على الطريق نحو حلوان حتى إذا كان قريبا من موضع قباب حسين بن زفر
من بنى بدر بن فزارة وانما كانت قباب حسين بن زفر بعد ذلك قال لأصحابه
أنزلوا فأقضموا وأصلحوا نبلكم وتروحوا وصلوا ركعتين ثم اركبوا فنزلوا
ففعلوا ذلك ثم إنه أقبل بهم راجعا إلى عسكر أهل الكوفة أيضا وقال سيروا
على تعبيتكم التي عبأتكم عليها بدير بير ما أول الليل ثم أطيفوا بعسكرهم كما
أمرتكم فأقبلوا قال فأقبلنا معه وقد أدخل أهل العسكر مسالحهم إليهم وقد أمنونا
فما شعروا حتى سمعوا وقع حوافر خيولنا قريبا منهم فانتهينا إليهم قبيل الصبح
فأحطنا بعسكرهم ثم صيحنا بهم من كل جانب فإذا هم يقاتلوننا من كل جانب ويرموننا
بالنبل ثم إن شبيبا بعث إلى أخيه مصاد وهو يقاتلهم من نحو الكوفة أن أقبل
إلينا وخل لهم سبيل الطريق إلى الكوفة فأقبل إليه وترك ذلك الوجه وجعلنا
نقاتلهم من تلك الوجوه الثلاثة حتى أصبحنا فأصبحنا ولم نستفل منهم شيئا
64

فسرنا وتركناهم فجعلوا بصيحون بنا أين يا كلاب النار أين أيتها العصابة المارقة
أصبحوا نخرج إليكم فارتفعنا عنهم نحوا من ميل ونصف ثم نزلنا فصلينا الغداة
ثم أخذنا الطريق على براز الروز ثم مضينا إلى جرجرايا وما يليها فأقبلوا في طلبنا
(قال أبو مخنف) فحدثني مولى لنا يدعى غاضرة أو قيصر قال كنت مع الناس
تاجرا وهم في طلب الحرورية وعلينا الجزل بن سعيد فجعل يتبعهم فلا يسير إلا
على تعبية ولا ينزل إلا على خندق وكان شبيب يدعه ويضرب في أرض جوخى
وغيرها يكسر الخراج وطال ذلك على الحجاج فكتب إليه كتابا فقرئ على الناس
أما بعد فإني بعثتك في فرسان أهل المصر ووجوه الناس وأمرتك باتباع هذه المارقة
الضالة المضلة حتى تلقاها فلا تقلع عنها حتى تقتلها وتفنيها فوجدت التعريس في القرى
والتخييم في الخنادق أهون عليك من المضي لما أمرتك به من مناهضتهم ومناجزتهم
والسلام فقرئ الكتاب علينا ونحن بقطراثا ودير أبى مريم فشق ذلك على الجزل وأمر
الناس بالسير فخرجوا في طلب الخوارج جادين وأرجفنا بأميرنا وقلنا يعزل (قال أبو
مخنف) فحدثني إسماعيل بن نعيم الهمداني ثم البرسمي ان الحجاج بعث سعيد بن
المجالد على ذلك الجيش وعهد إليه إن لقيت المارقة فازحف إليهم ولا تناظرهم ولا تطاولهم
وواقفهم واستعن بالله عليهم ولا تصنع صنيع الجزل واطلبهم طلب السبع وحد
عنهم حيدان الضبع وأقبل الجزل في طلب شبيب حتى انتهوا إلى النهروان فأدركوه
فلزم عسكره وخندق عليه وجاء إليه سعيد بن المجالد حتى دخل عسكر أهل الكوفة
أميرا فقام فيهم خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيا أهل الكوفة إنكم قد
عجزتم ووهنتم وأغضبتم عليكم أميركم أنتم في طلب هذه الأعاريب العجف منذ
شهرين وهم قد خربوا بلادكم وكسروا خراجكم وأنتم حاذرون في جوف هذه
الخنادق لا تزايلونها إلا أن يبلغكم أنهم قد ارتحلوا عنكم ونزلوا بلدا سوى بلدكم
اخرجوا على اسم الله إليهم فخرج وأخرج الناس معه وجمع إليه خيول أهل العسكر
فقال له الجزل ما تريد أن تصنع قال أريد أن أقدم على شبيب في هذه الخيل فقال
له الجزل أقم أنت في جماعة الجيش فارسهم وراجلهم وأصحر له فوالله ليقدمن
65

عليك فلا تفرق أصحابك فان ذلك شر لهم وخير لك فقال له قف أنت في الصف
فقال يا سعيد بن مجالد ليس لي فيما صنعت رأى أنا برئ من رأيك هذا سمع
الله ومن حضر من المسلمين فقال هو رأيي إن أصبت فالله وفقني له وإن يكن غير
صواب فأنتم منه برآء قال فوقف الجزل في صف أهل الكوفة وقد أخرجهم من
الخندق وجعل على ميمنتهم عياض بن أبي لينة الكندي وعلى ميسرتهم عبد الرحمن
ابن عوف أبا حميد الرواسي ووقف الجزل في جماعتهم واستقدم سعيد بن مجالد
فخرج وأخرج الناس معه وقد أخذ شبيب إلى براز الروز فنزل قطيطيا وأمر
دهقانها ان يشترى لهم ما يصلحهم ويتخذ لهم غداء ففعل ودخل مدينة قطيطيا
وأمر بالباب فأغلق فلم يفرغ من الغداء حتى أتاه سعيد بن مجالد في أهل ذلك
العسكر فصعد الدهقان السور فنظر إلى الجند مقبلين قد دنوا من حصنه فنزل
وقد تغير لونه فقال له شبيب ما لي أراك متغير اللون فقال له الدهقان قد جاءتك
الجنود من كل ناحية قال لا بأس هل أدرك غداؤنا قال نعم قال فقربه وقد أغلق
الباب وأتى بالغداء فتغدى وتوضأ وصلى ركعتين ثم دعا ببغل له فركبه ثم إنهم
اجتمعوا على باب المدينة فأمر بالباب ففتح ثم خرج على بغلة فحمل عليهم وقال
لا حكم إلا للحكم الحكيم أنا أبو مدله أثبتوا ان شئتم وجعل سعيد يجمع قومه
وخيله ثم يدلفها في أثره ويقول ما هؤلاء إنما هم أكلة رأس فلما رآهم شبيب قد
تقطعوا وانتشروا الف خيله كلها ثم جمعها ثم قال استعرضوهم استعراضا وانظروا إلى
أميرهم فوالله لأقتلنه أو يقتلني وحمل عليهم مستعرضا لهم فهزمهم وثبت سعيد
ابن المجالد ثم نادى أصحابه إلى إلى أنا ابن ذي مران وأخذ قلنسوته فوضعها
على قربوس سرجه وحمل عليه شبيب فعممه بالسيف فخالط دماغه فخر ميتا وانهزم ذلك
الجيش وقتلوا كل قتلة حتى انتهوا إلى الجزل ونزل الجزل ونادى أيها الناس إلى
وناداهم عياض بن أبي لينة أيها الناس إن كان أميركم القادم قد هلك فأميركم
الميمون النقيبة المبارك حي لم يمت فقاتل الجزل قتالا شديدا حتى حمل من بين
القتلى فحمل إلى المدائن مرتثا وقدم فل أهل ذلك العسكر الكوفة وكان من أشد
66

الناس بلاء يومئذ خالد بن نهيك من بنى ذهل بن معاوية وعياض بن أبي لينة
حتى استتقذاه وهو مرتث هذا حديث طائفة من الناس والحديث الآخر قتالهم
فيما بين دير أبى مريم إلى براز الروز ثم إن الجزل كتب إلى الحجاج قال وأقبل
شبيب حتى قطع دجلة عند الكرخ وبعث إلى سوق بغداد فآمنهم وذلك اليوم
يوم سوقهم وكان بلغه أنهم يخافونه فأحب أن يؤمنهم وكان أصحابه يريدون
أن يشتروا من السوق دواب وثيابا وأشياء ليس لهم منها بد ثم أخذ بهم نحو
الكوفة وساروا أول الليل حتى نزلوا عقر الملك الذي يلي قصر ابن هبيرة ثم
أغذ السير من الغد فبات بين حمام عمر بن سعد وبين قبين فلما بلغ الحجاج مكانه
بعث إلى سويد بن عبد الرحمن السعدي فبعثه في ألفى فارس نقاوة وقال له
اخرج إلى شبيب فالقه واجعل ميمنة وميسرة ثم انزل إليه في الرجال فإن استطرد
ذلك فدعه ولا تتبعه فخرج فعسكر بالسبخة فبلغه أن شبيبا قد أقبل فأقبل نحوه
وكأنما يساقون إلى الموت وأمر الحجاج عثمان بن قطن فعسكر بالناس بالسبخة
ونادى ألا برئت الذمة من رجل من هذا الجند بات الليلة بالكوفة لم يخرج إلى
عثمان بن قطن بالسبخة وأمر سويد بن عبد الرحمن أن يسير في الألفين اللذين معه
حتى يلقى شبيبا فعبر بأصحابه إلى زرارة وهو يعبأهم ويحرضهم إذ قيل له قد غشيك
شبيب فنزل ونزل معه جل أصحابه وقدم رايته ومضى إلى أقصى زرارة فأخبر أن
شبيبا قد أخبر بمكانك فتركك ووجد مخاضة فعبر الفرات وهو يريد الكوفة من غير
الوجه الذي أنت به ثم قيل له أما تراهم فنادى في أصحابه فركبوا في آثارهم وإن شبيبا
أتى دار الرزق فنزلها فقيل له إن أهل الكوفة بأجمعهم معسكرون بالسبخة فلما
بلغهم مكان شبيب صاح بعضهم ببعض وجالوا وهموا أن يدخلوا الكوفة حتى
قيل لهم إن سويد بن عبد الرحمن في آثارهم قد لحقهم وهو يقاتلهم في الخيل (قال
هشام) وأخبرني عمر بن بشير قال لما نزل شبيب الدير أمر بغنم تهيأ له فصعد
الدهقان ثم نزل وقد تغير لونه فقال مالك قال قد والله جاءك جمع كثير قال أبلغ
الشواء بعد قال لا قال دعه قال ثم أشرف اشرافة أخرى فقال قد والله أحاطوا
67

بالجوسق قال هات شواءك فجعل يأكل غير مكترث لهم فلما فرغ توضأ وصلى بأصحابه
الأولى ثم تقلد سيفين بعد ما لبس درعه وأخذ عمود حديد ثم قال اسرجوا لي
البغلة فقال أخوه مصادا في هذا اليوم تسرج بغلة قال نعم اسرجوها فركبها ثم قال
يا فلان أنت على الميمنة وأنت يا فلان على الميسرة وقال لمصاد أنت في القلب وأمر
الدهقان ففتح الباب في وجوههم قال فخرج إليهم وهو يحكم فجعل سعيد وأصحابه
يرجعون القهقرى حتى صار بينهم وبين الدير نحو من ميل قال وجعل سعيد
يقول يا معشر همدان أنا ابن ذي مروان إلى إلى ووجه سربا مع ابنه وقد أحس
أنها تكون عليه فنظر شبيب إلى مصاد فقال أثكلنيك الله ان لم أثكله ولده قال ثم
علاه بالعمود فسقط ميتا وانهزم أصحابه وما قتل بينهم يومئذ إلا قتيل واحد قال
وانكشف أصحاب سعيد بن مجالد حتى أتوا الجزل فناداهم الجزل أيها الناس إلى
إلى وناداهم عياض بن أبي لينة أيها الناس إن يكن أميركم هذا القادم قد هلك فهذا
أميركم الميمون النقيبة أقبلوا إليه وقاتلوا معه فمنهم من أقبل إليه ومنهم من ركب
رأسه منهزما وقاتل الجزل قتالا شديدا حتى صرع وقاتل عنه خالد بن نهيك
وعياض بن أبي لينة حتى استنقذاه وهو مرتث وأقبل الناس منهزمين حتى دخلوا
الكوفة فأتى بالجزل حتى أدخل المدائن وكتب إلى الحجاج بن يوسف * قال
أبو مخنف حدثني بذلك ثابت مولى زهير أما بعد فإني أخبر الأمير أصلحه الله إني
خرجت فيمن قبلي من الجند الذي وجهني فيه إلى عدوه وقد كنت حفظت عهد
الأمير إلى فيهم ورأيه فكنت أخرج إليهم إذا رأيت الفرصة وأحبس الناس
عنهم إذا خشيت الورطة فلم أزل كذلك ولقد أرادني العدو بكل إرادة فلم يصب
منى غرة حتى قدم على سعيد بن مجالد رحمة الله عليه ولقد أمرته بالتؤدة ونهيته
عن العجلة وأمرته أن لا يقاتلهم إلا في جماعة الناس عامة فعصاني وتعجل إليهم
في الخيل فأشهدت عليه أهل المصرين إني برئ من رأيه الذي رأى وإني لا أهوى
ما صنع فمضى فأصيب تجاوز الله عنه ودفع الناس إلى فنزلت ودعوتهم إلى ورفعت
لهم رايتي وقاتلت حتى صرعت فحملني أصحابي من بين القتلى فما أفقت إلا وأنا على
68

أيديهم على رأس ميل من المعركة فأنا اليوم بالمدائن في جراحة قد يموت الرجل
من دونها ويعافى من مثلها فليسأل الأمير أصلحه الله عن نصيحتي له ولجنده وعن
مكايدتي عدوه وعن موقفي يوم البأس فإنه يستبين له عند ذلك انى قد صدقته
ونصحت له والسلام فكتب إليه الحجاج أما بعد فقد أتاني كتابك وقرأته وفهمت
كل ما ذكرت فيه وقد صدقتك في كل ما وصفت به نفسك من نصيحتك لأميرك
وحيطتك على أهل مصرك وشدتك على عدوك وقد فهمت ما ذكرت من أمر
سعيد وعجلته إلى عدوه فقد رضيت عجلته وتؤدتك فأما عجلته فإنها أفضت به إلى
الجنة وأما تؤدتك فإنها لم تدع الفرصة إذا أمكنت وترك الفرصة إذا لم تمكن
حزم وقد أصبت وأحسنت البلاء وأجرت وأنت عندي من أهل السمع والطاعة
والنصيحة وقد أشخصت إليك حيان بن أبجر ليداويك ويعالج جراحتك وبعثت
إليك بألفي درهم فأنفقها في حاجتك وما ينوبك والسلام فقدم عليه حيان بن أبجر
الكناني من بنى فراس وهم يعالجون الكي وغيره فكان يداويه وبعث إليه عبد الله
ابن أبي عصيفير بألف درهم وكان يعوده ويتعاهده باللطف والهدية قال وأقبل
شبيب نحو المدائن فعلم أنه لا سبيل له إلى أهلها مع المدينة فأقبل حتى انتهى إلى
الكرخ فعبر دجلة إليه وبعث إلى أهل سوق بغداد وهو بالكرخ أن أثبتوا في
سوقكم فلا بأس عليكم وكان ذلك يوم سوقهم وقد كان بلغه أنهم يخافونه قال
ويخرج سويد حتى جعل بيوت مزينة وبنى سليم في ظهره وظهور أصحابه وحمل
عليهم شبيب حملة منكرة وذلك عند المساء فلم يقدر منهم على شئ فأخذ على بيوت
الكوفة نحو الحيرة وأتبعه سويد لا يفارقه حتى قطع بيوت الكوفة كلها إلى الحيرة
وأتبعه سويد حتى انتهى إلى الحيرة فيجده قد قطع قنطرة الحيرة ذاهبا فتركه وأقام
حتى أصبح وبعث إليه الحجاج أن أتبعه فأتبعه ومضى شبيب حتى أغار في أسفل
الفرات على من وجد من قومه وارتفع في البر من وراء خفان في أرض يقال
لها الغلظة فيصيب رجالا من بنى الورثة فحمل عليهم فاضطرهم إلى جدد من الأرض
فجعلوا يرمونه وأصحابه بالحجارة من حجارة الأرحاء كانت حولهم فلما نفدت
69

وصل إليهم فقتل منهم ثلاثة عشر رجلا منهم حنظلة بن مالك ومالك بن حنظلة وحمران
ابن مالك كلهم من بنى الورثة (قال أبو مخنف) حدثني بذلك عطاء بن عرفجة بن
زياد بن عبد الله الورثي ومضى شبيب حتى يأتي بنى أبيه على اللصف ماء لرهطه وعلى
ذلك الماء الفزر بن الأسود وهو أحد بنى الصلت وهو الذي كان ينهى شبيبا عن رأيه
وأن يفسد بنى عمه وقومه فكان شبيب يقول والله لئن ملكت سبعة أعنة لأغزون
الفزر فلما غشيهم شبيب في الخيل سأل عن الفزر فاتقاه الفزر فخرج على فرس
لا تجارى من وراء البيوت فذهب عليها في الأرض وهرب منه الرجال ورجع وقد
أخاف أهل البادية حتى أخذ على القطقطانة ثم على قصر مقاتل ثم أخذ على شاطئ
الفرات حتى أخذ على الحصاصة ثم على الانباء ثم مضى حتى دخل دقوقاء ثم ارتفع
إلى أداني آذربيجان فتركه الحجاج وخرج إلى البصرة واستخلف على الكوفة
عروة بن المغيرة بن شعبة فما شعر الناس بشئ حتى جاء كتاب من ماذر واسب
دهقان بابل مهروذ وعظيمها إلى عروة بن المغيرة بن شعبة أن تاجرا من تجار
الأنبار من أهل بلادي أتاني فذكر أن شبيبا يريد أن يدخل الكوفة في أول هذا
الشهر المستقبل أحببت إعلامك ذلك لترى رأيك ثم لم ألبث إلا ساعة حتى جاءني
جابيان من جباتي فحدثاني أنه قد نزل خانيجار فأخذ عروة كتابه فأدرجه وسرح
به إلى الحجاج بالبصرة فلما قرأه الحجاج أقبل جوادا إلى الكوفة وأقبل شبيب
يسير حتى انتهى إلى قرية يقال لها حربي على شاطئ دجلة فعبر منها فقال ما اسم
هذه القرية فقالوا حربي فقال حرب يصلى بها عدوكم وحرب تدخلونه بيوتهم
إنما يتطير من يقوف ويعيف ثم ضرب رايته وقال لأصحابه سيروا فأقبل حتى
نزل عقر قوفا فقال له سويد بن سليم يا أمير المؤمنين لو تجولت بنا من هذه
القرية المشؤمة الاسم قال وقد تطيرت أيضا والله لا أتحول عنها حتى أسير إلى
عدوى منها إنما شؤمها إن شاء الله على عدوكم تحملون عليهم فيها فالعقر لهم ثم
قال لأصحابه يا هؤلاء إن الحجاج ليس بالكوفة وليس دون الكوفة إن شاء
الله شئ فسيروا بنا فخرج يبادر الحجاج إلى الكوفة وكتب عروة إلى الحجاج
70

أن شبيبا قد أقبل مسرعا يريد الكوفة فالعجل العجل فطوى الحجاج المنازل
واستبقا إلى الكوفة ونزلها الحجاج صلاة الظهر ونزل شبيب السبخة صلاة المغرب
فصلى المغرب والعشاء ثم أصاب هو وأصحابه من الطعام شيئا يسيرا ثم ركبوا خيولهم
فدخلوا الكوفة فجاء شبيب حتى انتهى إلى السوق ثم شد حتى ضرب باب القصر
بعموده قال أبو المنذر رأيت ضربة شبيب بباب القصر قد أثرت أثرا عظيما ثم أقبل
حتى وقف عند المصطبة ثم قال
وكأن حافرها بكل خميلة * كيل يكيل به شحيح معدم
عبد دعى من ثمود أصله * لا بل يقال أبو أبيهم يقدم
ثم اقتحموا المسجد الأعظم وكان كثيرا لا يفارقه قوم يصلون فيه فقتل عقيل
ابن مصعب الوادعي وعدى بن عمرو الثقفي وأبا ليث بن أبي سليم مولى عنبسة
ابن أبي سفيان وقتلوا أزهر بن عبد الله العامري ومروا بدار حوشب وهو على
الشرط فوقفوا على بابه وقالوا إن الأمير يدعو حوشبا فأخرج ميمون غلامه
برذون حوشب ليركبه حوشب فكأنه أنكرهم فظنوا أنه قد اتهمهم فأراد أن
يدخل فقالوا له كما أنت حتى يخرج صاحبك فسمع حوشب الكلام فأنكر القوم
فخرج إليهم فلما رأى جماعتهم أنكرهم وذهب لينصرف فعجلوا نحوه ودخل وأغلق
الباب وقتلوا غلامه ميمونة وأخذوا برذونه ومضوا حتى مروا بالجحاف بن نبيط
الشيباني من رهط حوشب فقال له سويد انزل إلينا فقال له ما تصنع بنزولي قال له
سويد أقضيك ثمن البكرة التي كنت ابتعت منك بالبادية فقال له الجحاف بئس
ساعة القضاء هذه الساعة وبئس قضاء الدين هذا المكان أما ذكرت أمانتك
إلا والليل مظلم وأنت على ظهر فرسك قبح الله يا سويد دينا لا يصلح ولا يتم
إلا بقتل ذوي القرابة وسفك دماء هذه الأمة قال ثم مضوا فمروا بمسجد بنى ذهل
فلقوا ذهل بن الحارث وكان يصلى في مسجد قومه فيطيل الصلاة فصادفوه منصرفا إلى
منزله فشدوا عليه ليقتلوه فقال اللهم إني أشكو إليك هؤلاء وظلمهم وجهلهم اللهم
إني عنهم ضعيف فانتصر لي منهم فضربوه حتى قتلوه ثم مضوا حتى خرجوا من
71

الكوفة متوجهين نحو المردمة (قال هشام) قال أبو بكر بن عياش واستقبله
النضر بن قعقاع بن شور الذهلي وأمه ناجية بنت هانئ بن قبيصة بن هانئ الشيباني
فأبطره حين نظر إليه قال يعنى بقوله أبطره أفزعه فقال السلام عليك أيها الأمير
ورحمة الله قال له سويد مبادرا أمير المؤمنين ويلك فقال أمير المؤمنين حتى خرجوا
من الكوفة متوجهين نحو المردمة وأمر الحجاج المنادى فنادى يا خيل الله اركبي
وابشرى وهو فوق باب القصر و ثم مصباح مع غلام له قائم فكان أول من جاء
إليه من الناس عثمان بن قطن بن عبد الله بن الحصين ذي الغصة ومعه مواليه وناس
من أهله فقال أنا عثمان بن قطن أعلموا الأمير مكاني فليأمر بأمره فقال له ذلك
الغلام قف مكانك حتى يأتيك أمر الأمير وجاء الناس من كل جانب وبات عثمان
فيمن اجتمع إليه من الناس حتى أصبح ثم إن الحجاج بعث بسر بن غالب الأسدي
من بنى والبة في ألفى رجل وزائدة بن قدامة الثقفي في ألفى رجل وأبا الضريس
مولى بنى تميم في ألف من الموالى وأعين صاحب حمام أعين مولى بسر بن مروان
في ألف رجل وكان عبد الملك بن مروان قد بعث محمد بن موسى بن طلحة على
سجستان وكتب له عليها عهده وكتب إلى الحجاج أما بعد فإذا قدم عليك محمد بن
موسى فجهز معه ألفى رجل إلى سجستان وعجل سراحه وأمر عبد الملك محمد بن موسى
بمكاتبة الحجاج فلما قدم محمد بن موسى جعل يتحبسر في الجهاز فقال له نصحاؤه
تعجل أيها الأمير إلى عملك فإنك لا تدرى ما يكون من أمر الحجاج وما يبدو له
فأقام على حاله وحدث من أمر شبيب ما حدث فقال الحجاج لمحمد بن موسى بن
طلحة بن عبيد الله تلقى شبيبا وهذه الخارجة فتجاهدهم ثم تمضى إلى عملك وبعث
الحجاج مع هؤلاء الامراء أيضا عبد الاعلى بن عبد الله بن عامر بن كريز القرشي
وزياد بن عمر والعتكي وخرج شبيب حيث خرج من الكوفة فأتى المردمة وبها
رجل من حضر موت على العشور يقال له ناجية من مرثد الحضرمي فدخل الحمام
ودخل عليه شبيب فاستخرجه فضرب عنقه واستقبل شبيب النضر بن القعقاع
ابن شور وكان مع الحجاج حين أقبل من البصرة فلما طوى الحجاج المنازل خلفه
72

وراءه فلما رآه شبيب ومعه أصحابه عرفه فقال له شبيب يا نضر بن القعقاع لا حكم
إلا لله وإنما أراد شبيب بمقالته له تلقينه فلم يفهم النضر فقال إنا لله وإنا إليه راجعون
فقال أصحاب شبيب يا أمير المؤمنين كأنك إنما تريد بمقالتك أن تلقنه فشدوا على
نضر فقتلوه قال واجتمعت تلك الامراء في أسفل الفرات فترك شبيب الوجه
الذي فيه جماعة أولئك القواد وأخذ نحو القادسية ووجه الحجاج زحر بن قيس
في جريدة خيل نقاوة ألف وثمانمائة فارس وقال له اتبع شبيبا حتى تواقعه حيثما
أدركته إلا أن يكون منطلقا ذاهبا فاتركه ما لم يعطف عليك أو ينزل فيقيم لك فلا تبرح
إن هو أقام حتى تواقعه فخرج زحر حتى انتهى إلى السيلحين وبلغ شبيبا مسيره
إليه فأقبل نحوه فالتقيا فجعل زحر على ميمنته عبد الله بن كناز النهدي وكان شجاعا
وعلى ميسرته عدى بن عدي بن عميرة الكندي ثم الشيباني وجمع شبيب خيله كلها
كبكبة واحدة ثم اعترض بها الصف فوجف وجيفا واضطرب حتى انتهى إلى
زحر بن قيس فنزل زحر بن قيس فقاتل زحر حتى صرع وانهزم أصحابه وظن
القوم أنهم قد قتلوه فلما كان في السحر وأصابه البرد قام يتمشى حتى دخل قرية
فبات بها وحمل منها إلى الكوفة بوجهه ورأسه بضعة عشر جراحة من بين ضربة
وطعنة فمكث أياما ثم أتى الحجاج وعلى وجهه وجراحه القطن فأجلسه الحجاج
معه على السرير وقال لمن حوله من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة يمشى بين
الناس وهو شهيد فلينظر إلى هذا وقال أصحاب شبيب لشبيب وهم يظنون أنهم قد قتلوا
زحرا قد هزمنا لهم جند أو قتلنا لهم أميرا من أمرائهم عظيما وانصرف بنا الآن وافرين
فقال لهم ان قتلنا هذا الرجل وهزيمتنا هذا الجند قد أرعبت هذه الامراء والجنود
التي بعثت في طلبكم فاقصدوا بنا قصدهم فوالله لئن نحن قتلناهم ما دون الحجاج
من شئ وأخذ الكوفة إن شاء الله فقالوا نحن لرأيك سمع تبع ونحن طوع يديك قال
فانقض بهم جوادا حتى يأتي نجران وهى نجران الكوفة ناحية عين التمر ثم سأل
عن جماعة القوم فخبر باجتماعهم بروذبار في أسفل الفرات في بهقباذ الأسفل على
رأس أربعة وعشرين فرسخا من الكوفة فبلغ الحجاج مسيره إليهم فبعث إليهم
73

عبد الرحمن بن الغرق مولى ابن أبي عقيل وكان على الحجاج كريما فقال له الحق
بجماعتهم يعنى جماعة الامراء فاعلمهم بمسير المارقة إليهم وقل لهم إن جمعكم قتال
فأمير الناس زائدة بن قدامة فأتاهم بن الغرق فأعلمهم ذلك وانصرف عنهم (قال
أبو مخنف) فحدثني عبد الرحمن بن جندب قال انتهى إلينا شبيب وفينا سبعة أمراء
على جماعتهم زائدة بن قدامة وقد عبى كل أمير أصحابه على حدة ففي ميمنتنا زياد بن
عمر والعتكي وفى ميسرتنا بشر بن غالب الأسدي وكل أمير واقف في أصحابه فأقبل
شبيب حتى وقف على تل فأشرف على الناس وهو على فرس له كميت أغر فنظر
إلى تعبيتهم ثم رجع إلى أصحابه فأقبل في ثلاث كتائب يوجفون حتى إذا دنا من
الناس مضت كتيبة فيها سويد بن سليم فتقف في ميمنتنا ومضت كتيبة فيها مصاد
أخو شبيب فوقفت على ميسرتنا وجاء شبيب في كتيبة حتى وقف مقابل القلب قال
وخرج زائدة بن قدامة يسير في الناس فيما بين ميمنتهم إلى ميسرتهم يحرض الناس
ويقول يا عباد الله أنتم الكثيرون الطيبون وقد نزل بكم القليلون الخبيثون فاصبروا
جعلت لكم الفداء لكرتين أو ثلاث تكرون عليهم ثم هو النصر ليس بينه حاجز
ولا دونه شئ ألا ترون إليهم والله ما يكونون مائتي رجل إنما هم أكلة رأس إنما هم
السراق المراق إنما جاؤكم ليهريقوا دماءكم ويأخذوا فيأكم فلا يكونوا على أخذه
أقوى منكم على منعه وهم قليل وأنتم كثير وهم أهل فرقة وأنتم أهل جماعة غضوا
الابصار واستقبلوهم بالأسنة ولا تحملوا عليهم حتى آمركم ثم انصرف إلى موقفه
قال ويحمل سويد بن سليم على زياد بن عمرو فانكشف صفهم وثبت زياد في
نحو من نصف أصحابه ثم ارتفع عنهم سويد قليلا ثم كر عليهم ثانية ثم اطعنوا
ساعة (قال أبو مخنف) فحدثني فروه بن لقيط قال أنا والله فيهم يومئذ قال أطعنا ساعة
وصبروا لنا حتى ظننت أنهم لن يزولوا وقاتل زياد بن عمر وقتالا شديدا وجعل ينادى
يا حيلى ويشد بالسيف فيقاتل قتالا شديدا فلقد رأيت سويد بن سليم يومئذ وإنه لأشجع
العرب وأشده قتالا وما يعرض له قال ثم إنا ارتفعنا عنهم آخرا فاذاهم يتقوضون فقال
له أصحابه ألا ترهم يتقوضون احمل عليهم فقال لهم شبيب خلوهم حتى يخفوا فتركوهم قليلا
74

ثم حمل عليهم الثالثة فانهزموا فنظرت إلى زياد بن عمرو وإنه ليضرب بالسيف
وما من سيف يضرب به إلا نبا عنه وهو مجفف ولقد رأيته اعتوره أكثر من
عشرين سيفا فما ضره من ذلك شئ ثم إنه انهزم وقد جرح جراحة يسيرة وذلك
عند المساء قال ثم شددنا على عبد الاعلى بن عبد الله بن عامر فهزمناه وما قاتلنا كثير
قتال وقد ضارب ساعة وقد بلغني أنه كان جرح ثم لحق بزياد بن عمرو فمضيا منهزمين
حتى انتهينا إلى محمد بن موسى بن طلحة عند المغرب فقاتلنا قتالا شديدا وصبر لنا
(ذكر هشام) عن أبي مخنف قال حدثني عبد الرحمن بن جندب وفروة بن لقيط
ان أخا شبيب مصادا حمل على بشر بن غالب وهو في الميسرة فأبلى وكرم والله
وصبر فنزل ونزل معه رجال من أهل الصبر نحو من خمسين فضاربوا بأسيافهم حتى
قتلوا عن آخرهم وكان فيهم عروة بن زهير بن ناجذ الأزدي وأمه زرارة امرأة
ولدت في الأزد فيقال لهم بنو زرارة فلما قتلوه وانهزم أصحابه مالوا فشدوا على
أبى الضريس مولى بنى تميم وهو يلي بشر بن غالب فهزموه حتى انتهى إلى موقف
أعين ثم شدوا عليه وعلى أعين جميعا فهزموهما حتى انتهوا بهما إلى زائدة بن قدامة
فلما انتهوا إليه نزل ونادى يا أهل الاسلام الأرض الأرض إلى إلى لا يكونوا
على كفرهم أصبر منكم على إيمانكم فقاتلهم عامة الليل حتى كان السحر ثم إن شبيبا
شد عليه في جماعة من أصحابه فقتله وأصحابه وتركهم ربضة حوله من أهل الحفاظ
(قال أبو مخنف) وحدثني عبد الرحمن بن جندب قال سمعت زائدة بن قدامة ليلتئذ
رافعا صوته يقول يا أيها الناس اصبروا وصابروا يا أيها الذين آمنوا ان تنصروا
الله ينصركم ويثبت أقدامكم ثم والله ما برح يقاتلهم مقبلا غير مدبر حتى قتل (قال
أبو مخنف) وحدثني فروة بن لقيط أن أبا الصقر الشيباني ذكر أنه قتل زائدة بن
قدامة وقد حاجه في ذلك آخر يقال له الفضل بن عامر قال ولما قتل شبيب زائدة
ابن قدامة دخل أبو الضريس وأعين جوسقا عظيما وقال شبيب لأصحابه ارفعوا
السيف عن الناس وادعوهم إلى البيعة فدعوهم إلى البيعة عند الفجر * قال عبد الرحمن
ابن جندب فكنت فيمن قدم إليه فبايعه وهو واقف على فرس وخيله واقفة
75

دونه فكل من جاء ليبايعه نزع سيفه عن عاتقه وأخذ سلاحه منه ثم يدنى من شبيب
فيسلم عليه بإمرة المؤمنين ثم يخلى سبيله قال وإنا لكذلك إذ انفجر الفجر ومحمد بن
موسى بن طلحة بن عبيد الله في أقصى العسكر معه عصابة من أصحابه قد صبروا فلما
انفجر الفجر أمر مؤذنه فأذن فلما سمع شبيب الاذان قال ما هذا فقال هذا محمد بن
موسى بن طلحة بن عبيد الله لم يبرح فقال قد ظننت أن حمقه وخيلاءه سيحمله على هذا
نحوا هؤلاء عنا وانزلوا بنا فلنصل قال فنزل فأذن هو ثم استقدم فصلى بأصحابه فقرأ
ويل لكل همزة لمزة - و - أرأيت الذي يكذب بالدين ثم سلم ثم ركبوا فحمل عليهم
فانكشفت طائفة من أصحابه وثبتت طائفة قال فروة فما أنسى قوله وقد غشيناه
وهو يقاتل بسيفه وهو يقول ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم
لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين
قال وضارب حتى قتل قال فسمعت أصحابي يقولون إن شبيبا هو الذي قتله
ثم إنا نزلنا فأخذنا ما كان في العسكر من شئ وهرب الذين كانوا بايعوا شبيبا فلم
يبق منهم أحد وقد ذكر من أمر محمد بن موسى بن طلحة غير أبى مخنف أمرا غير
الذي ذكرته عنه والذي ذكر من ذلك أن عبد الملك بن مروان كان ولى محمد بن
موسى بن طلحة سجستان فكتب إليه الحجاج إنك عامل كل بلد مررت به
وهذا شبيب في طريقك فعدل إليه محمد فأرسل إليه شبيب إنك امرؤ مخدوع قد
اتقى بك الحجاج وأنت جار لك حق فانطلق لما أمرت به ولك الله لا آذيتك
فأبى إلا محاربته فواقفه شبيب وأعاد إليه الرسول فأبى إلا قتاله فدعا إلى البراز فبرز
إليه البطين ثم قعنب ثم سويد فأبى إلا شبيبا فقالوا لشبيب قد رغب عنا إليك قال
فما ظنكم هذه الاشراف فبرز إليه شبيب وقال إني أنشدك الله في دمك فان لك
جوارا فأبى إلا قتاله فحمل عليه شبيب فضربه بعصا حديد فيها اثنا عشر رطلا
بالشأمى فهشم بها بيضة عليه ورأسه فسقط ثم كفنه ودفنه وابتاع ما غنموا من
عسكره فبعث به إلى أهله واعتذر إلى أصحابه وقال هو جارى بالكوفة ولى أن
أهب ما غنمت لأهل الردة * قال عمر بن شبة قال أبو عبيدة كان محمد بن موسى
76

مع عمر بن عبيد الله بن معمر بفارس وشهد معه قتال أبى فديك وكان على ميمنته
وشهر بالنجدة وشدة البأس وزوجه عمر بن عبيد الله بن معمر ابنته أم عثمان
وكانت أخته تحت عبد الملك بن مروان فولاه سجستان فمر بالكوفة وبها الحجاج
ابن يوسف فقيل للحجاج إن صار هذا إلى سجستان مع نجدته وصهره لعبد الملك
فلجأ إليه أحد ممن تطلب منعك منه قال فما الحيلة قيل تأتيه وتسلم عليه وتذكر نجدته
وبأسه وأن شبيبا في طريقه وأنه قد أعياك وأنك ترجو أن يريح الله منه على يده
فيكون له ذكر ذلك وشهرته ففعل فعدل إليه محمد بن موسى بن طلحة بن عبيد الله
فواقعه شبيب فقال له شبيب إني قد علمت خداع الحجاج وإنما اغترك ووقى بك
نفسه وكأني بأصحابك لو قد التقت حلقتا البطان قد أسلموك فصرعت مصرع
أصحابك فأطعني وانطلق لشأنك فانى أنفس بك عن الموت فأبى محمد بن موسى
فبارزه شبيب فقتله (رجع الحديث إلى حديث أبي مخنف) قال عبد الرحمن لقد
كان فيمن بايعه تلك الليلة أبو بردة بن أبي موسى الأشعري فلما بايعه قال له شبيب
ألست أبا بردة قال بلى قال شبيب لأصحابه يا أخلائي أبو هذا أحد الحكمين فقالوا
ألا نقتل هذا فقال إن هذا لا ذنب له فيما صنع أبوه قالوا أجل قال وأصبح شبيب
فأتى مقبلا نحو القصر الذي فيه أبو الضريس وأعين فرموه بالنبل وتحصنا منه
فأقام ذلك اليوم عليهم ثم شخص عنهم فقال له أصحابه ما دون الكوفة أحد يمنعنا
فنظر فإذا أصحابه قد خرجوا فقال لهم ما عليكم أكثر مما قد فعلتم فخرج بهم على
نفر ثم على الصراة ثم على بغداد ثم خرج إلى خانيجار فأقام بها قال ولما بلغ
الحجاج أن شبيبا قد أخذ نحو نفر ظن أنه يريد المدائن وهى باب الكوفة ومن
أخذ المدائن كان ما في يده من أرض الكوفة أكثر فهال ذلك الحجاج وبعث إلى
عثمان بن قطن ودعاه وسرحه إلى المدائن وولاه منبرها والصلاة ومعونة جوخى
كلها وخراج الاستان فخرج مسرعا حتى نزل المدائن وعزل الحجاج عبد الله بن أبي
عصيفير وكان بها الجزل مقيما أشهرا يداوى جراحته وكان ابن أبي عصيفير
يعوده ويكرمه فلما قدم عثمان بن قطن المدائن لم يعده ولم يكن يتعاهده ولا
يلطفه بشئ فقال الجزل اللهم زد ابن عصيفير جودا وكرما وفضلا وزد عثمان
77

ابن قطن ضيقا وبخلا قال ثم إن الحجاج دعا عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث
فقال له انتخب الناس واخرج في طلب هذا العدو فأمره بنخبة ستة آلاف
فانتخب فرسان الناس ووجوههم وأخرج من قومه ستمائة من كندة وحضر موت
واستحثه الحجاج بالعسكر فعسكر بدير عبد الرحمن فلما أراد الحجاج أشخاصهم
كتب إليهم أما بعد فقد اعتدتم عادة الأذلاء ووليتم الدبر يوم الزحف وذلك دأب
الكافرين وإني قد صفحت عنكم مرة بعد مرة ومرة بعد مرة وإني أقسم لكم بالله
قسما صادقا لئن عدتم لذلك لأوقعن بكم إيقاعا أكون أشد عليكم من هذا العدو
الذي تهربون منه في بطون الأودية والشعاب وتستترون منه بأثناء الأنهار وألواذ
الجبال فخاف من له معقول على نفسه ولم يجعل عليها سبيلا وقد أعذر من أنذر
وقد أسمعت لو ناديت حيا * ولكن لا حياة لمن تنادى
والسلام عليكم قال ثم سرح ابن الأصم مؤذنه فأتى عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث
عند طلوع الشمس فقال له ارتحل الساعة وناد في الناس أن برئت الذمة عن رجل
من هذا البعث وجدناه متخلفا فخرج عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث في الناس
حتى مر بالمدائن فنزل بها يوما وليلة وتشرى أصحابه حوائجهم ثم نادى في الناس
بالرحيل فارتحلوا ثم أقبلوا حتى دخل على عثمان بن قطن ثم أتى الجزل فسأله عن
جراحته وسأله ساعة وحدثه ثم إن الجزل قال له يا ابن عم إنك تسير إلى فرسان
العرب وأبناء الحرب وأحلاس الخيل والله لكأنما خلقوا من ضلوعها ثم بنوا
على ظهورها ثم هم أسد الأجم الفارس منهم أشد من مائة إن لم تبدأ به بدأ وإن
هجهج أقدم فإني قد قاتلتهم وبلوتهم فإذا أصحرت لهم انتصفوا منى وكان لهم الفضل
على وإذا خندقت على وقاتلتهم في مضيق نلت منهم بعض ما أحب وكان لي عليهم
الظفر فلا تلقهم وأنت تستطيع الا في تبقية أو في خندق ثم إنه ودعه فقال له
الجزل هذه فرسى الفسيفساء خذها فإنها لا تجارى فأخذها ثم خرج بالناس نحو
شبيب فلما دنا منه ارتفع عنه شبيب إلى دقوقاء وشهرزور فخرج عبد الرحمن
في طلبه حتى إذا كان على التخوم أقام وقال إنما هو في أرض الموصل فليقاتلوا
78

عن بلادهم أو ليدعوه فكتب إليه الحجاج بن يوسف أما بعد فاطلب شبيبا
واسلك في أثره أين سلك حتى تدركه فتقتله أو تنفيه فإنما السلطان سلطان
أمير المؤمنين والجند جنده والسلام فخرج عبد الرحمن حين قرأ كتاب الحجاج
في طلب شبيب فكان شبيب يدعه حتى إذا دنا منه بيته فيجده قد خندق على نفسه وحذر
فيمضى ويدعه فيتبعه عبد الرحمن فإذا بلغه أنه قد تحمل وأنه يسير أقبل في الخيل
فإذا انتهى إليه وجده قد صف الخيل والرجال وأدنى المرامية فلا يصيب له غرة
ولاله علة فيمضى ويدعه قال ولما رأى شبيب أنه لا يصيب لعبد الرحمن غرة
ولا يصل إليه جعل يخرج إذا دنا منه عبد الرحمن في خيله فينزل على مسيرة عشرين
فرسخا ثم يقيم في أرض غليظة جدبة فيجئ عبد الرحمن فإذا دنا من شبيب ارتحل
شبيب فسار خمسة عشر أو عشرين فرسخا فنزل منزلا غليظا خشنا ثم يقيم حتى
يدنو عبد الرحمن (قال أبو مخنف) فحدثني عبد الرحمن بن جندب أن شبيبا كان قد
عذب ذلك العسكر وشق عليهم وأحفى دوابهم ولقوا منه كل بلاء فلم يزل عبد الرحمن
يتبعه حتى مر به على خانقين ثم على جلولاء ثم على تامرا ثم أقبل حتى نزل البت
قرية من قرى الموصل على تخوم الموصل ليس بينها وبين سواد الكوفة إلا نهر
يسمى حولا يا قال وجاء عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث حتى نزل في نهر حولايا
وفى زاذان الاعلى من أرض جوخى ونزل عواقيل من النهر ونزلها عبد الرحمن
حيث نزلها وهى تعجبه يرى أنها مثل الخندق والحصن قال وأرسل شبيب إلى
عبد الرحمن ان هذه الأيام أيام عيد لنا ولكم فإن رأيتم أن توادعونا حتى تمضى
هذه الأيام فافعلوا فقال له عبد الرحمن نعم ولم يكن شئ أحب إلى عبد الرحمن من
المطاولة والموادعة قال وكتب عثمان بن قطن إلى الحجاج أما بعد فإني أخبر
الأمير أصلحه الله أن عبد الرحمن بن محمد قد حفر جوخى كلها خندقا واحدا وخلى
شبيبا وكسر خراجها وهو يأكل أهلها والسلام فكتب إليه الحجاج أما بعد فقد
فهمت ما ذكرت لي عن عبد الرحمن وقد لعمري فعل ما ذكرت فسر إلى الناس
فأنت أميرهم وعاجل المارقة حتى تلقاهم فإن الله إن شاء الله ناصرك عليهم والسلام *
79

قال وبعث الحجاج إلى المدائن مطرف بن المغيرة بن شعبة وخرج عثمان حتى قدم
على عبد الرحمن بن محمد ومن معه من أهل الكوفة وهم معسكرون على نهر حولايا
قريبا من البت عشية الثلاثاء وذلك يوم التروية فنادى الناس وهو على بغلة أيها
الناس اخرجوا إلى عدوكم فوثب إليه الناس فقالوا ننشدك الله هذا المساء قد غشينا
والناس لم يوطنوا أنفسهم على القتال فبت الليلة ثم اخرج بالناس على تعبية فجعل
يقول لأناجزنهم ولتكونن الفرصة لي أولهم فأتاهم عبد الرحمن فأخذ بعنان دابته
وناشده الله لما نزل وقال له عقيل بن شداد السلولي إن الذي تريد من مناجزتهم
الساعة أنت فاعله غدا وهو غدا خير لك وللناس إن هذه ساعة ريح وغبرة وقد
أمسيت فأنزل ثم أبكر بنا إليهم غدوة فنزل فسفت عليه الريح وشق عليه الغبار
ودعا صاحب الخراج العلوج فبنوا له قبة فبات فيها ثم أصبح يوم الأربعاء فجاء أهل
البت إلى شبيب وكان قد نزل ببيعتهم فقالوا له أصلحك الله أنت ترحم الضعفاء وأهل
الجزية ويكلمك من تلى عليه ويشكون إليك ما نزل بهم فتنظر لهم وتكف عنهم
وإن هؤلاء القوم جبابرة لا يكلمون ولا يقبلون العذر والله لئن بلغهم أنك مقيم
في بيعتنا ليقتلنا إن قضى لك أن ترتحل عنا فإن رأيت فأنزل جانب القرية ولا تجعل
لهم علينا مقالا قال فإني أفعل ذلك بكم ثم خرج فنزل جانب القرية قال فبات عثمان
ليلته كلها يحرضهم فلما أصبح وذلك يوم الأربعاء خرج بالناس فاستقبلتهم ريح
شديدة وغبرة فصاح الناس إليه فقالوا ننشدك الله أن تخرج بنا في هذا اليوم فإن
الريح علينا فأقام بهم ذلك اليوم وأراد شبيب قتالهم وخرج أصحابه فلما رآهم لم
يخرجوا إليه أقام فلما كان ليلة الخميس خرج عثمان فعبى الناس على أرباعهم فجعل
كل ربع في جانب العسكر وقال لهم اخرجوا على هذه التعبية وسألهم من كان على
ميمنتكم قالوا خالد بن نهيك بن قيس الكندي وكان على ميسرتنا عقيل بن شداد
السلولي فدعاهما فقال لهما قفا مواقفكما التي كنتما بها فقد وليتكما المجنبتين فاثبتا ولا
تفرا فوالله لا أزول حتى يزول نخل زاذان عن أصوله فقالا ونحن والله الذي لا إله إلا
هو لا نفر حتى نظفر أو نقتل فقال لهما جزا كما الله خيرا ثم أقام حتى صلى بالناس الغداة
80

ثم خرج فجعل ربع أهل المدينة تميم وهمدان نحو نهر حولايا في الميسرة وجعل ربع
كندة وربيعة ومذحج وأسد في الميمنة ونزل يمشى في الرجال وخرج شبيب وهو
يومئذ في مائة وأحد وثمانين رجلا فقطع إليهم النهر فكان هو في ميمنة أصحابه
وجعل على ميسرته سويد بن سليم وجعل في القلب مصاد بن يزيد أخاه وزحفوا
وسما بعضهم لبعض (قال أبو مخنف) فحدثني النضر بن صالح العبسي أن عثمان
كان يقول فيكثر لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون
إلا قليلا أين المحافظون على دينهم المحامون عن فيئهم فقال عقيل بن شداد بن حبشي
السلولي لعلى أن أكون أحدهم قتل أولئك يوم روذبار ثم قال شبيب لأصحابه
إني حامل على ميسرتهم مما يلي النهر فإذا هزمتها فليحمل صاحب ميسرتي على ميمنتهم
ولا يبرح صاحب القلب حتى يأتيه أمري وحمل في ميمنة أصحابه مما يلي النهر على
ميسرة عثمان بن قطن فانهزموا ونزل عقيل بن شداد فقاتل حتى قتل وقتل يومئذ
مالك بن عبد الله الهمداني ثم المرهبي عم عياش بن عبد الله بن عياش المنتوف وجعل
يومئذ عقيل بن شداد يقول وهو يجالدهم
لأضربن بالحسام الباتر * ضرب غلام من سلول صابر
ودخل شبيب عسكرهم وحمل سويد بن سليم في ميسرة شبيب على ميمنة عثمان
ابن قطن فهزمها وعليها خالد بن نهيك بن قيس الكندي فنزل خالد فقاتل
قتالا شديدا وحمل عليه شبيب من ورائه وهو على ربع كندة وربيعة يومئذ
وهو صاحب الميمنة فلم ينثن شبيب حتى علاه بالسيف فقتله ومضى عثمان بن قطن
وقد نزلت معه العرفاء وأشراف الناس والفرسان نحو القلب وفيه أخو شبيب
في نحو من ستين راجلا فلما دنا منهم عثمان بن قطن شد عليهم في الاشراف وأهل الصبر
فضاربوهم حتى فرقوا بينهم وحمل شبيب بالخيل من ورائهم فما شعروا إلا والرماح
في أكتافهم تكبهم لوجوههم وعطف عليهم سويد بن سليم أيضا في خيله ورجع
مصاد وأصحابه وقد كان شبيب رجلهم فاضطربوا ساعة وقاتل عثمان بن قطن
فأحسن القتال ثم إنهم شدوا عليهم فأحاطوا به وحمل عليه مصاد أخو شبيب
81

فضربه ضربة بالسيف استدار لها ثم قال وكان أمر الله مفعولا ثم إن
الناس قتلوه وقتل يومئذ الأبرد بن ربيعة الكندي وكان على تل فألقى
سلاحه إلى غلامه وأعطاه فرسه وقاتل حتى قتل ووقع عبد الرحمن فرآه ابن أبي
سبرة الجعفي وهو على بغلة فعرفه فنزل إليه فناوله الرمح وقال له اركب فقال
عبد الرحمن بن محمد أينا الرديف قال ابن أبي سبرة سبحان الله أنت الأمير تكون
المقدم فركب وقال لابن أبي سبرة ناد في الناس الحقوا بدير أبى مريم فنادى ثم
انطلقا ذاهبين ورأى واصل بن الحارث السكوني فرس عبد الرحمن الذي حمله
عليه الجزل يجول في العسكر فأخذها بعض أصحاب شبيب فظن أنه قد هلك فطلبه
في القتلى فلم يجده وسأل عنه فقيل له قد رأينا رجلا قد نزل عن دابته فحمله عليها
فما أخلقه أن يكون إياه وقد أخذههنا آنفا فاتبعه واصل بن الحارث على برذونه
ومع واصل غلامه على بغل فلما دنوا منهما قال محمد بن أبي سبرة لعبد الرحمن
قدو الله لحق بنا فارسان فقال عبد الرحمن فهل غير اثنين فقال لا فقال عبد الرحمن
فلا يعجز اثنان عن اثنين قال وجعل يحدت ابن أبي سبرة كأنه لا يكترث
بهما حتى لحقهما الرجلان فقال له ابن أبي سبرة رحمك الله قد لحقنا الرجلان فقال
له فأنزل بنا فنزلا فانتضيا سيفيهما ثم مضيا إليهما * فلما رآهما واصل عرفهما فقال
لهما إنكما قد تركتما النزول في موضعه فلا تنزلا الان ثم حسر العمامة عن وجهه
فعرفاه فرحبا به وقال لابن الأشعث إني لما رأيت فرسك يجول في العسكر
ظننتك راجلا فأتيتك ببرذونى هذا لتركبه فترك لابن أبي سبرة بغلته وركب
البرذون وانطلق عبد الرحمن بن الأشعث حتى نزل دير اليعار وأمر شبيب
أصحابه فرفعوا عن الناس السيف ودعاهم إلى البيعة فأتاه من بقى من الرجالة
فبايعوه وقال له أبو الصقر المحلمي قتلت من الكوفيين سبعة في جوف النهر كان
آخرهم رجلا تعلق بثوبي وصاح ورهبني حتى رهبته ثم إني أقدمت عليه فقتلته
وقتل من كندة مائة وعشرون يومئذ وألف من سائر الناس أو ستمائة وقتل عظم
العرفاء يومئذ (قال أبو مخنف) حدثني قدامة بن حازم بن سفيان الخثعمي أنه
82

قتل منهم يومئذ جماعة وبات عبد الرحمن بن محمد تلك الليلة بدير اليعار فأتاه
فارسان فصعدا إليه فوق البيت وقام آخر قريبا منهما فخلا أحدهما بعبد الرحمن
طويلا يناجيه ثم نزل هو وأصحابه وقد كان الناس يتحدثون أن ذلك كان
شبيبا وأنه قد كان كاتبه ثم خرج عبد الرحمن آخر الليل فسار حتى أتى دير أبى مريم
فإذا هو بأصحاب الخيل قد وضع لهم محمد بن عبد الرحمن بن أبي سبرة صبر الشعير وألقت
بعضه على بعض كأنه القصور ونحر لهم من الجزر ما شاؤوا فأكلوا يومئذ وعلفوا
دوابهم واجتمع الناس إلى عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فقالوا له ان سمع
شبيب بمكانك أتاك وكنت له غنيمة قد ذهب الناس وتفرقوا وقتل خيارهم
فالحق أيها الرجل بالكوفة فخرج إلى الكوفة ورجع الناس أيضا وجاء فاختبى
من الحجاج حتى أخذ الأمان بعد ذلك (وفى هذه السنة) أمر عبد الملك بن
مروان بنقش الدنانير والدراهم (ذكر الواقدي) ان سعد بن راشد حدثه عن
صالح بن كيسان بذلك قال وحدثني ابن أبي الزناد عن أبيه أن عبد الملك ضرب
الدراهم والدنانير عامئذ وهو أول من أحدث ضربها قال وحدثني خالد بن أبي
ربيعة عن أبي هلال عن أبيه قال كانت مثاقيل الجاهلية التي ضرب عليها عبد الملك
اثنين وعشرين قيراطا إلا حبة وكان العشرة وزن سبعة قال وحدثني عبد الرحمن
ابن جرير الليثي عن هلال بن أسامة قال سألت سعيد بن المسيب في كم تجب الزكاة
من الدنانير قال في كل عشرين مثقالا بالشأمى نصف مثقال قلت ما بال الشأمى
من المصري قال هو الذي تضرب عليه الدنانير وكان ذلك وزن الدنانير قبل
أن تضرب الدنانير كانت اثنين وعشرين قيراطا إلا حبة قال سعيد قد عرفته
قد أرسلت بدنانير إلى دمشق فضربت على ذلك (وفى هذه السنة) وفد يحيى
ابن الحكم على عبد الملك بن مروان وولى أبان بن عثمان المدينة في رجب
(وفيها) استقضى أبان بن نوفل بن مساحق بن عمرو بن خداش من بنى
عامر بن لؤي (وفيها) ولد مروان بن محمد بن مروان (وأقام الحج) للناس
في هذه السنة أبان بن عثمان وهو أمير على المدينة حدثني بذلك أحمد بن ثابت عمن
83

ذكره عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر وكذلك قال الواقدي وكان على الكوفة
والبصرة الحجاج بن يوسف وعلى خراسان أمية بن عبد الله بن خالد وعلى قضاء
الكوفة شريح وعلى قضاء البصرة زراة بن أوفى
ثم دخلت سنة سبع وسبعين
(ففي هذه السنة) قتل شبيب عتاب بن ورقاء الرياحي وزهرة بن حوية
ذكر الخبر عن سبب مقتلهما
وكان سبب ذلك فيما ذكر هشام عن أبي مخنف عن عبد الرحمن بن جندب
وفروة من لقيط ان شبيبا لما هزم الجيش الذي كان الحجاج وجهه مع عبد الرحمن
ابن محمد بن الأشعث إليه وقتل عثمان بن قطن وذلك في صيف وحر شديد
اشتد الحر عليه وعلى أصحابه فأتى ماه بهر اذان فتصيف بها ثلاثة أشهر وأتاه
ناس كثير ممن يطلب الدنيا فلحقوا به وناس ممن كان الحجاج يطلبهم بمال أو
تباعات كان منهم رجل من الحي يقال له الحر بن عبد الله بن عوف وكان
دهقانان من أهل نهر درقيط قد أسا آ إليه وضيقا عليه فشد عليهما فقتلهما
ثم لحق بشبيب فكان معه بماه وشهد معه مواطنه حتى قتل فلما آمن الحجاج كل
من كان خرج إلى شبيب من أصحاب المال والتباعات وذلك بعد يوم السبخة
خرج إليه الحر فيمن خرج فجاء أهل الدهقانين يستعدون عليه الحجاج فأتى به
فدخل وقد أوصى ويئس من نفسه فقال له الحجاج يا عدو الله قتلت رجلين من
أهل الخراج فقال له قد كان أصلحك الله ما هو أعظم من هذا فقال وما هو قال
خروجي من الطاعة وفراق الجماعة ثم آمنت كل من خرج إليك فهذا أماني
وكتابك لي فقال له الحجاج أولى لك قد لعمري فعلت وخلى سبيله قال ولما انفسخ
الحر عن شبيب خرج من ماه في نحو من ثمانمائة رجل فأقبل نحو المدائن وعليها
مطرف بن المغيرة بن شعبة فجاء حتى نزل قناطر حذيفة بن اليمان فكتب
ما ذرواسب عظيم بابل مهروز إلى الحجاج أما بعد فانى أخبر الأمير أصلحه الله أن
84

شبيبا قد أقبل حتى نزل قناطر حذيفة ولا أدرى أين يريد * فلما قرأ الحجاج كتابه
قام في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس والله لتقاتلن عن بلادكم وعن
فيئكم أو لأبعثن إلى قوم هم أطوع وأسمع وأصبر على اللاواء والغيظ منكم فيقاتلون
عدوكم ويأكلون فيأكم فقام إليه الناس من كل جانب فقالوا نحن نقاتلهم ونعتب
الأمير فليندبنا الأمير إليهم فإنا حيث سره وقام إليه زهرة بن حوية وهو شيخ
كبير لا يستتم قائما حتى يؤخذ بيده فقال له أصلح الله الأمير إنك إنما تبعث إليهم
الناس متقطعين فاستنفر الناس إليهم كافة فلينفر إليهم كافة وابعث عليهم رجلا
ثبتا شجاعا مجربا للحرب ممن يرى الفرار هضما وعارا والصبر مجدا وكرما فقال
الحجاج فأنت ذاك فاخرج فقال أصلح الله الأمير إنما يصلح للناس في هذا رجل
يحمل الرمح والدرع ويهز السيف ويثبت على متن الفرس وأنا لا أطيق من هذا
شيئا وقد ضعف بصرى وضعفت ولكن أخرجني في الناس مع الأمير فانى إنما
أثبت على الراحلة فأكون مع الأمير في عسكره وأشير عليه برأيي فقال له الحجاج
جزاك الله عن الاسلام وأهله في أول الاسلام خيرا وجزاك الله عن الاسلام
في آخر الاسلام خيرا فقد نصحت وصدقت أنا مخرج الناس كافة ألا فسيروا أيها
الناس فانصرف الناس فجعلوا يسيرون وليس يدرون من أميرهم وكتب الحجاج
إلى عبد الملك بن مروان أما بعد فإني أخبر أمير المؤمنين أكرمه الله أن شبيبا قد
شارف المدائن وإنما يريد الكوفة وقد عجز أهل الكوفة عن قتاله في مواطن
كثيرة في كلها يقتل أمراءهم ويفل جنودهم فإن رأى أمير المؤمنين أن يبعث
إلى أهل الشأم فيقاتلوا عدوهم ويأكلوا بلادهم فليفعل والسلام فلما أتى عبد الملك
كتابه بعث إليه سفيان بن الأبرد في أربعة آلاف وبعث إليه حبيب بن عبد الرحمن
الحكمي من مذحج في ألفين فسرحهم حين أتاه الكتاب إلى الحجاج وجعل
أهل الكوفة يتجهزون إلى شبيب ولا يدرون من أميرهم وهم يقولون يبعث فلانا
أو فلانا وقد بعث الحجاج إلى عتاب بن ورقاء ليأتيه وهو على خيل الكوفة مع
المهلب وقد كان ذلك الجيش من أهل الكوفة هم الذين كان بشر بن مروان بعث
85

عبد الرحمن بن مخنف عليهم إلى قطري فلم يلبث عبد الرحمن بن مخنف إلا نحوا
من شهرين حتى قدم الحجاج على العراق فلم يلبث عليهم عبد الرحمن بن مخنف بعد قدوم
الحجاج إلا رجب وشعبان وقتل قطري عبد الرحمن في آخر رمضان فبعث الحجاج
عتاب بن ورقاء على ذلك الجيش من أهل الكوفة الذين أصيب فيهم عبد الرحمن
ابن مخنف وأمر الحجاج عتابا بطاعة المهلب فكأن ذلك قد كبر على عتاب ورفع
بينه وبين المهلب شرحتي كتب عتاب إلى الحجاج يستعفيه من ذلك الجيش
ويضمه إليه فلما أن جاءه كتاب الحجاج بإتيانه سر بذلك قال ودعا الحجاج
أشراف أهل الكوفة فيهم زهرة بن حوية السعدي من بنى الأعرج وقبيصة بن
والق التغلبي فقال لهم من ترون أن أبعث على هذا الجيش فقالوا رأيك أيها الأمير
أفضل قال فإني قد بعثت إلى عتاب بن ورقاء وهو قادم عليكم الليلة أو القابلة
فيكون هو الذي يسير في الناس قال زهرة بن حوية أصلح الله الأمير رميتهم
بحجرهم لا والله لا يرجع إليك حتى يظفر أو يقتل وقال له قبيصة بن والق إني
مشير عليك برأيي فان يكن خطأ فبعد اجتهادي في النصيحة لأمير المؤمنين
وللأمير ولعامة المسلمين وإن يك صوابا فالله سددني له إنا قد تحدثنا وتحدث
الناس أن جيشا قد فصل إليك من قبل الشأم وأن أهل الكوفة قد هزموا وملوا
واستخفوا بالصبر وهان عليهم عار الفرار فقلوبهم كأنها ليست فيهم كأنما هي
في قوم آخرين فإن رأيت أن تبعث إلى جيشك الذي أمددت به من أهل الشأم
فيأخذوا حذرهم ولا يبيتوا إلا وهم يرون أنهم مبيتون فعلت فإنك تحارب حولا
قلبا ظعانا رحالا وقد جهزت إليه أهل الكوفة ولست واثقا بهم كل الثقة
وإنما إخوانهم هؤلاء القوم الذين بعثوا إليك من الشأم أن شبيبا بينا هو في أرض
إذ هو في أخرى ولا آمن أن يأتيهم وهم غارون فإن يهلكوا نهلك ويهلك العراق
فقال لله أنت ما أحسن ما رأيت وما أحسن ما أشرت به على قال فبعث عبد الرحمن
ابن الغرق مولى أبى عقيل إلى من أقبل إليه من أهل الشأم فأتاهم وقد نزلوا هيت
بكتاب من الحجاج أما بعد فإذا حاذيتم هيت فدعوا طريق الفرات والأنبار وخذوا
86

على عين التمر حتى تقدموا الكوفة إن شاء الله وخذوا حذركم وعجلوا السير والسلام
فأقبل القوم سراعا قال وقدم عتاب بن ورقاء في الليلة التي قال الحجاج إنه قادم
عليكم فيها فأمره الحجاج فخرج بالناس فعسكر بهم بحمام أعين وأقبل شبيب حتى
انتهى إلى كلو إذا فقطع منها دجلة ثم أقبل حتى نزل مدينة بهر سير الدنيا
فصار بينه وبين مطرف بن المغيرة بن شعبة جسر دجلة فلما نزل شبيب مدينة
بهر سير قطع مطرف الجسر وبعث إلى شبيب أن ابعث إلى رجالا من وجوه أصحابك
أدارسهم القرآن وأنظر فيما تدعو إليه فبعث إليه شبيب رجالا من وجوه أصحابه فيهم
قعنب وسويد والمحلل فلما أرادوا أن ينزلوا في السفينة بعث إليهم شبيب ألا
تدخلوا السفينة حتى يرجع إلى رسولي من عند مطرف فرجع الرسول وبعث
إلى مطرف أن ابعث إلى من أصحابك بعدد أصحابي يكونوا رهنا في يدي حتى ترد
على أصحابي فقال مطرف لرسوله القه وقل له كيف آمنك أنا على أصحابي إذا
أنا بعثتهم الان إليك وأنت لا تأمنني على أصحابك فرجع الرسول إلى شبيب
فأبلغه فأرسل إليه شبيب انك قد علمت أنا لا نستحل الغدر في ديننا وأنتم تفعلونه
وتستحلونه فبعث إليه مطرف الربيع بن يزيد الأسدي وسليمان بن حذيفة بن
هلال بن مالك المزني ويزيد بن أبي زياد مولاه وصاحب حرسه فلما صاروا في
يدي شبيب سرح إليه أصحابه فأتوا مطرفا فمكثوا أربعة أيام يتراسلون ثم لم يتفقوا
على شئ فلما تبين لشبيب أن مطرفا غير تابعه ولا داخل معه تهيأ للمسير إلى
عتاب بن ورقاء والى أهل الشأم (قال أبو مخنف) فحدثني فروة بن لقيط ان
شبيبا دعا رؤوس أصحابه فقال لهم انه لم يثبطني على رأى قد كنت رأيته الا هذا
الثقفي منذ أربعة أيام قد كنت حدثت نفسي أن أخرج في جريدة خيل حتى ألقى
هذا الجيش المقبل من الشأم رجاء أن أصادف غرتهم أو يحذروا فلا أبالي كنت
ألقاهم منقطعين من المصر ليس عليهم أمير كالحجاج يستندون إليه ولا مصر كالكوفة
يعتصمون به وقد جاءتني عيوني اليوم فخبروني أن أوائلهم قد دخلوا عين التمر
فهم الان قد شارفوا الكوفة وجاءتني عيوني من نحو عتاب بن ورقاء فحدثوني
87

أنه قد نزل بجماعة أهل الكوفة الصراة فما أقرب ما بيننا وبينهم فتيسروا بنا
للمسير إلى عتاب بن ورقاء قال وخاف مطرف أن يبلغ خبره وما كان من ارساله
إلى شبيب الحجاج فخرج نحو الجبال وقد كان أراد أن يقيم حتى ينظر ما يكون
بين شبيب وعتاب فأرسل إليه شبيب أما إذ لم تبايعني فقد نبذت إليك على سواء
فقال مطرف لأصحابه اخرجوا بنا وافرين فإن الحجاج سيقاتلنا فيقاتلنا وبنا
قوة أمثل فخرج ونزل المدائن فعقد شبيب الجسر وبعث إلى المدائن أخاه مصادا
وأقبل إليه عتاب حتى نزل بسوق حكمة وقد أخرج الحجاج جماعة أهل الكوفة
مقاتلتهم ومن شط إلى الخروج من شبابهم وكانت مقاتلتهم أربعين ألفا سوى
الشباب ووافى مع عتاب يومئذ أربعون ألفا من المقاتلة وعشرة آلاف من
الشباب بسوق حكمة فكانوا خمسين ألفا ولم يدع الحجاج قرشيا ولا رجلا من
بيوتات العرب الا أخرجه (قال أبو مخنف) فحدثني عبد الرحمن بن جندب
قال سمعت الحجاج وهو على المنبر حين وجه عتابا إلى شبيب في الناس وهو
يقول يا أهل الكوفة اخرجوا مع عتاب بن ورقاء بأجمعكم لا أرخص لاحد
من الناس في الإقامة إلا رجلا قد وليناه من أعمالنا ألا إن للصابر المجاهد الكرامة
والأثرة ألا وان للناكل الهارب الهوان والجفوة والذي لا اله غيره لئن فعلتم
في هذا الموطن كفعلكم في المواطن التي كانت لأولينكم كنفا خشنا ولأعرككم
يكلكل ثقيل ثم نزل وتوافى الناس مع عتاب بسوق حكمة (قال أبو مخنف) فحدثني
فروة بن لقيط قال عرضنا شبيب بالمدائن فكنا ألف رجل فقام فينا فحمد الله
وأثنى عليه ثم قال يا معشر المسلمين إن الله قد كان ينصركم عليهم وأنتم مائة ومائتان
وأكثر من ذلك قليلا وأنقص منه قليلا فأنتم اليوم مئون ومئون ألا إني مصلى
الظهر ثم سائر بكم فصلى الظهر ثم نودي في الناس يا خيل الله اركبي وأبشري فخرج
في أصحابه فأخذوا يتخلفون ويتأخرون فلما جاوزنا ساباط ونزلنا معه قص علينا
وذكرنا بأيام الله وزهدنا في الدنيا ورغبنا في الآخرة ساعة طويلة ثم أمر مؤذنه
فأذن ثم تقدم فصلى بنا العصر ثم أقبل حتى أشرف بنا على عتاب بن ورقاء وأصحابه
88

فلما أن رآهم من ساعته نزل وأمر مؤذنه فأذن ثم تقدم فصلى بنا المغرب وكان
مؤذنه سلام بن سيار الشيباني وكانت عيون عتاب بن ورقاء قد جاءوه فأخبروه
أنه قد أقبل إليه فخرج بالناس كلهم فعبأهم وكان قد خندق أول يوم نزل وكان
يظهر كل يوم أنه يريد أن يسير إلى شبيب بالمدائن فبلغ ذلك شبيبا فقال أسير إليه
أحب إلى من أن يسير إلى فأتاه فلما صف عتاب الناس بعث على ميمنته محمد بن
عبد الرحمن بن سعيد بن قيس وقال يا ابن أخي إنك شريف فاصبر وصابر فقال
أما أنا فوالله لأقاتلن ما ثبت معي إنسان وقال لقبيصة بن والق وكان يومئذ على
ثلث بنى تغلب اكفني الميسرة فقال أنا شيخ كبير كثير منى أن أثبت تحت رايتي
قد انبت منى القيام ما أستطيع القيام إلا أن أقام ولكن هذا عبيد الله بن الحليس
ونعيم بن عليم التغلبيان وكان كل واحد منهما على ثلث من أثلاث تغلب فقال
ابعث أيهما أحببت فأيهما بعثت فلتبعثن ذا حزم وعزم وغناء فبعث نعيم بن عليم
على ميسرته وبعث حنظلة بن الحارث اليربوعي وهو ابن عم عتاب شيخ أهل بيته
على الرجالة وصفهم ثلاث صفوف صف فيهم الرجال معهم السيوف وصف
وهم أصحاب الرماح وصف فيه المرامية ثم سار فيما بين الميمنة إلى الميسرة يمر
بأهل راية راية فيحثهم على تقوى الله ويأمرهم بالصبر ويقص عليهم (قال
أبو مخنف) فحدثني حصيرة بن عبد الله أن تميم بن الحارث الأزدي قال وقف
علينا فقص علينا قصصا كثيرا كان مما حفظت منه ثلاث كلمات قال يا أهل الاسلام
إن أعظم الناس نصيبا في الجنة الشهداء وليس الله لاحد من خلقه بأحمد منه للصابرين
ألا ترون أنه يقول اصبروا إن الله مع الصابرين فمن حمد الله فعله فما أعظم درجته
وليس الله لاحد أمقت منه لأهل البغى ألا ترون أن عدوكم هذا يستعرض
المسلمين بسيفه لا يرون إلا أن ذلك لهم قربة عند الله فهم شرار أهل الأرض
وكلاب أهل النار أين القصاص قال ذلك فلم يجبه والله أحد منا فلما رأى
ذلك قال أين من يروى شعر عنترة قال فلا والله مارد عليه إنسان كلمة
فقال إنا لله كأني بكم قد فررتم عن عتاب بن ورقاء وتركتموه تسفى في استه
89

الريح ثم أقبل حتى جلس في القلب معه زهرة بن حوية جالس وعبد الرحمن بن محمد
ابن الأشعث وأبو بكر بن محمد بن أبي جهم العدوي وأقبل شبيب وهو في ستمائة وقد
تخلف عنه من الناس أربعمائة فقال له لقد تخلف عنا من لا أحب أن يرى فينا
فبعث سويد بن سليم في مائتين إلى الميسرة وبعث المحلل بن وائل في مائتين إلى
القلب ومضى هو في مائتين إلى الميمنة بين المغرب والعشاء الآخرة حين أضاء
القمر فناداهم لمن هذه الرايات قالوا رايات ربيعة فقال شبيب رايات طالما
نصرت الحق وطالما نصرت الباطل لها في كل نصيب والله لأجاهدنكم محتسبا
للخير في جهادكم أنتم ربيعة وأنا شبيب أنا أبو المدله لا حكم إلا للحكم أثبتوا
إن شئتم ثم حمل عليهم وهو على مسناة أمام الخندق ففضهم فثبت أصحاب رايات
قبيصة بن والق وعبيد بن الحليس ونعيم بن عليم فقتلوا وانهزمت الميسرة كلها
وتنادى أناس من بنى تغلب قتل قبيصة بن والق فقال شبيب قتلتم قبيصة بن والق
التغلبي يا معشر المسلمين قال الله (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ
منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين) هذا مثل ابن عمكم قبيصة بن والق
أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم ثم جاء يقاتلكم مع الكافرين ثم وقف عليه
فقال ويحك لو ثبت على إسلامك الأول سعدت ثم حمل من الميسرة على عتاب بن
ورقاء وحمل سويد بن سليم على الميمنة وعليها محمد بن عبد الرحمن فقاتل في الميمنة
في رجال من بنى تميم وهمدان فأحسنوا القتال فما زالوا كذلك حتى أتوا فقيل لهم
قتل عتاب بن ورقاء فانفضوا ولم يزل عتاب جالسا على طنفسة في القلب وزهرة
ابن حوية معه إذ غشيهم شبيب فقال له عتاب يا زهرة بن حوية هذا يوم كثر فيه
العدد وقل فيه الغناء والهفى على خمسمائة فارس من نحو رجال تميم معي من جميع
الناس ألا صابر لعدوه ألا مؤاس بنفسه فانفضوا عنه وتركوه فقال له زهرة
أحسنت يا عتاب فعلت فعل مثلك والله والله لو منحتهم كتفك ما كان بقاؤك إلا
قليلا أبشر فإني أرجو أن يكون الله قد أهدى إلينا الشهادة عند فناء أعمارنا فقال
له جزاك الله خيرا ما جزى امرءا لمعروف وحاثا على تقوى دنا فلما منه شبيب
90

وثب في عصابة صبرت معه قليلة وقد ذهب الناس يمينا وشمالا فقال له عمار بن
يزيد الكلبي من بنى المدينة أصلحك الله إن عبد الرحمن بن محمد قد هرب عنك
فانصفق معه أناس كثير فقال له قد فر قبل اليوم وما رأيت ذلك الفتى يبالي ما صنع
ثم قاتلهم ساعة وهو يقول ما رأيت كاليوم قط موطنا لم أبتل بمثله قط أقل مقاتلا
ولا أكثر هاربا خاذلا فرآه رجل من بنى تغلب من أصحاب شبيب من بنى زيد
ابن عمرو يقال له عامر بن عمرو بن عبد عمرو وكان قد أصاب دما في قومه فلحق
بشبيب وكان من الفرسان فقال لشبيب والله إني لأظن هذا المتكلم عتاب بن
ورقاء فحمل عليه فطعنه فوقع فكان هو ولى قتله ووطئت الخيل زهرة بن حوية
فأخذ يذب بسيفه وهو شيخ كبير لا يستطيع أن يقوم فجاء الفضل بن عامر
الشيباني فقتله فانتهى إليه شبيب فوجده صريعا فعرفه فقال من قتل هذا فقال
الفضل أنا قتلته فقال شبيب هذا زهرة بن حوية أما والله لئن كنت قتلت على
ضلالة لرب يوم من أيام المسلمين قد حسن فيه بلاؤك وعظم فيه غناؤك ولرب
خيل للمشركين قد هزمتها وسرية لهم قد أغرتها وقرية من قراهم جم أهلها قد
افتتحتها ثم كان في علم الله أن تقتل ناصرا للظالمين (قال أبو مخنف) فحدثني فروة
ابن لقيط قال رأيناه والله توجع له فقال رجل من شبان بكر بن وائل والله إن
أمير المؤمنين منذ الليلة ليتوجع لرجل من الكافرين قال إنك لست بأعرف
بضلالتهم منى ولكني أعرف من قديم أمرهم مالا تعرف ما لو ثبتوا عليه كانوا
إخوانا وقتل في المعركة عمار بن يزيد بن شبيب الكلبي وقتل أبو خيثمة بن عبد الله
يومئذ واستمكن شبيب من أهل العسكر والناس فقال ارفعوا عنهم السيف ودعا
إلى البيعة فبايعه الناس من ساعتهم وهربوا من تحت ليلتهم وأخذ شبيب يبايعهم
ويقول إلى ساعة يهربون وحوى شبيب على ما في العسكر وبعث إلى أخيه فأتاه
من المدائن فلما وفاه بالعسكر أقبل إلى الكوفة وقد أقام بعسكره ببيت قرة يومين
ثم توجه نحو وجه أهل الكوفة وقد دخل سفيان بن الأبرد الكلبي وحبيب بن
عبد الرحمن الحكمي من مذحج فيمن معهما من أهل الشأم الكوفة فشدوا للحجاج
91

ظهره فاستغنى بهما عن أهل الكوفة فقام على منبر الكوفة فحمد الله وأثنى عليه
ثم قال أما بعد يا أهل الكوفة فلا أعز الله من أراد بكم العز ولأنصر من أراد
بكم النصر اخرجوا عنا ولا تشهدوا معنا قتال عدونا الحقوا بالحيرة فانزلوا
مع اليهود والنصارى ولا تقاتلوا معنا إلا من كان لنا عاملا ومن لم يكن شهد قتال
عتاب بن ورقاء (قالوا أبو مخنف) فحدثني فروة بن لقيط قال والله لخرجنا
نتبع آثار الناس فانتهى إلى عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ومحمد بن عبد الرحمن
ابن سعيد بن قيس الهمداني وهما يمشيان كأني أنظر إلى رأس عبد الرحمن
قد امتلا طينا فصددت عنهما وكرهت أن أذعرهما ولو أنى أوذن بهما أصحاب
شبيب لقتلا مكانهما وقلت في نفسي لثن سقت إلى مثلكما من قومي القتل ما أنا
برشيد الرأي وأقبل شبيب حتى نزل الصراة (قال أبو مخنف) فحدثني موسى بن
سوار أن شبيبا خرج يريد الكوفة فانتهى إلى سورا فندب الناس فقال أيكم يأتيني
برأس عامل سورا فانتدب له بطين وقعنب وسويد ورجلان من أصحابه فساروا
مغذين حتى انتهوا إلى دار الخراج والعمال في سمرجة فدخلوا الدار وقد كادوا
الناس بأن قالوا أجيبوا الأمير فقالوا أي الامراء قالوا أمير خرج من قبل الحجاج
يريد هذا الفاسق شبيبا فاغتر بذلك العامل منهم ثم إنهم شهروا السيوف وحكموا
حين وصلوا إليه فضربوا عنقه وقبضوا على ما كان من مال ولحقوا بشبيب فلما
انتهوا إليه قال ما الذي أتيتمونا به قالوا جئناك برأس الفاسق وما وجدنا من
مال والمال على دابة في بدوره فقال شبيب أتيتمونا بفتنة للمسلمين هلم الحربة
يا غلام فخرق بها البدور وأمر فنخس بالدابة والمال يتناثر من بدوره حتى وردت
الصراة فقال إن كان بقى شئ فاقذفه في الماء ثم خرج إليه سفيان بن الأبرد مع
الحجاج وكان أتاه قبل خروجه معه فقال ابعثنى أستقبله قبل أن يأتيك فقال ما أحب
أن نفترق حتى ألقاه في جماعتكم والكوفة في ظهورنا والحصن في أيدينا (وفى
هذه السنة) دخل شبيب الكوفة دخلته الثانية
92

ذكر الخبر عن ذلك وما كان من حربه بها الحجاج
(قال هشام) حدثني أبو مخنف عن موسى بن سوار قال قدم سبرة بن عبد الرحمن
ابن مخنف من الدسكرة الكوفة بعد ما قدم جيش الشأم الكوفة وكان مطرف
ابن المغيرة كتب إلى الحجاج إن شبيبا قد أطل على فابعث إلى المدائن بعثا فبعث
إليه سبرة بن عبد الرحمن بن مخنف في مائتي فارس فلما خرج مطرف يريد الجبل
خرج بأصحابه معه وقد أعلمهم ما يريدوكتم ذلك سبرة فلما انتهى إلى دسكرة الملك
دعا سبرة فأعلمه ما يريد ودعاه إلى أمره فقال له نعم أنا معك فلما خرج من عنده
بعث إلى أصحابه فجمعهم وأقبل بهم فيصادف عتاب بن ورقاء قد قتل وشبيبا قد مضى
إلى الكوفة فأقبل حتى انتهى إلى قرية يقال لها بيطري وقد نزل شبيب حمام عمر
فخرج سبرة حتى يعبر الفرات في معبر قرية شاهي ثم أخذ الظهر حتى قدم على
الحجاج فوجد أهل الكوفة مسخوطا عليهم فدخل على سفيان بن الأبرد فقص
قصته عليه وأخبره بطاعته وفراقه مطرفا وأنه لم يشهد عتابا ولم يشهد هزيمة في موطن
من مواطن أهل الكوفة ولم أزل للأمير عاملا ومعي مائتا رجل لم يشهدوا معي
هزيمة قط وهم على طاعتهم لم يدخلوا في فتنة فدخل سفيان إلى الحجاج فخبره بخبر
ما قص عليه سبرة بن عبد الرحمن فقال صدق وبرقل له فليشهد معنا لقاء عدونا فخرج
إليه فأعلمه ذلك وأقبل شبيب حتى نزل موضع حمام أعين ودعا الحجاج الحارث
ابن معاوية بن أبي زرعة بن مسعود الثقفي فوجهه في ناس من الشرط لم يكونوا شهدوا
يوم عتاب ورجالا كانوا عمالا في نحو من مائتي رجل من أهل الشأم فخرج في نحو
من ألف فنزل زرارة وبلغ ذلك شبيبا فتعجل إليه في أصحابه فلما انتهى إليه حمل
عليه فقتله وهزم أصحابه وجاءت المنهزمة فدخلوا الكوفة وجاء شبيب حتى قطع
الجسر وعسكر دونه إلى الكوفة وأقام شبيب في عسكره ثلاثة أيام فلم يكن في
أول يوم إلا قتل الحارث بن معاوية فلما كان في اليوم الثاني أخرج الحجاج مواليه
وغلمانه عليهم السلاح فأخذوا بأفواه السكك مما يلي الكوفة وخرج أهل الكوفة
فأخذوا بأفواه سككهم وخشوا إن لم يخرجوا موجدة الحجاج وعبد الملك
93

ابن مروان وجاء شبيب حتى ابتنى مسجدا في أقصى السبخة مما يلي موقف أصحاب
ألقت عند الايوان وهو قائم حتى الساعة فلما كان اليوم الثالث أخرج الحجاج أبا
الورد مولى له عليه تجفاف وأخرج مجففة كثيرة وغلمانا له وقالوا هذا الحجاج
فحمل عليه شبيب فقتله وقال إن كان هذا الحجاج فقد أرحتكم منه ثم إن الحجاج
أخرج له غلامه طهمان في مثل تلك العدة على مثل تلك الهيئة فحمل عليه شبيب
فقتله وقال إن كان هذا الحجاج فقد أرحتكم منه ثم إن الحجاج خرج ارتفاع النهار
من القصر فقال ائتوني ببغل أركبه ما بيني وبين السبخة فأتى ببغل محجل فقيل له
إن الأعاجم أصلحك الله تطير أن تركب في مثل هذا اليوم مثل هذا البغل فقال
ادنوه منى فان اليوم يوم أغر محجل فركبه ثم خرج في أهل الشأم حتى أخذ في سكة
البريد ثم خرج في أعلى السبخة فلما نظر الحجاج إلى شبيب وأصحابه نزل وكان شبيب
في ستمائة فارس فلما رأى الحجاج قد خرج إليه أقبل بأصحابه وجاء سبرة بن عبد الرحمن
إلى الحجاج فقال أين يأمرني الأمير أن أقف فقال قف على أفواه السكك فان
جاء وكم فكان فيكم قتال فقاتلوا فانطلق حتى وقف في جماعة الناس ودعا الحجاج
بكرسي له فقعد عليه ثم نادى يا أهل الشأم أنتم أهل السمع والطاعة والصبر واليقين
لا يغلبن باطل هؤلاء الأرجاس حقكم غضوا الابصار واجثوا على الركب
واستقبلوا القوم بأطراف الأسنة فجثوا على الركب وأشرعوا الرماح وكأنهم
حرة سوداء وأقبل إليهم شبيب حتى إذا دنا منهم عبى أصحابه ثلاثة كراديس كتيبة
معه وكتيبة مع سويد بن سليم وكتيبة مع المحلل بن وائل فقال لسويد احمل عليهم
في خيلك فحمل عليهم فثبتوا له حتى إذا غشى أطراف الأسنة وثبوا في وجهه
ووجوه أصحابه فطعنوا قدما حتى انصرف وصاح الحجاج يا أهل السمع والطاعة
هكذا فافعلوا قدم كرسي يا غلام وأمر شبيب المحلل فحمل عليهم ففعلوا به مثل
ما فعلوا بسويد فناداهم الحجاج يا أهل السمع والطاعة هكذا فافعلوا قدم كرسي
يا غلام ثم إن شبيبا حمل عليهم في كتيبته فثبتوا له حتى إذا غشى أطراف الرماح
وثبوا في وجهه فقاتلهم طويلا ثم إن أهل الشأم طعنوه قدما حتى ألحقوه بأصحابه
94

فلما رأى صبرهم نادى يا سويدا حمل في خيلك على أهل هذه السكة يعنى سكة لحام
جرير لعلك تزيل أهلها عنها فتأتى الحجاج من ورائه ونحمل نحن عليه من أمامه
فانفرد سويد بن سليم فحمل على أهل تلك السكة فرمى من فوق البيوت وأفواه
السكك فانصرف وقد كان الحجاج جعل عروة بن المغيرة بن شعبة في نحو من
ثلثمائة رجل من أهل الشأم ردءاله ولأصحابه لئلا يؤتوا من ورائه (قال أبو مخنف)
فحدثني فروة بن لقيط أن شبيبا قال لنا يومئذ يا أهل الاسلام إنما شرينا الله ومن شرى الله
لم يكبر عليه ما أصابه من الأذى والألم في جنب الله الصبر الصبر شدة كشداتكم في
مواطنكم الكريمة ثم جمع أصحابه فلما ظن الحجاج أنه حامل عليهم قال لأصحابه
يا أهل السمع والطاعة اصبروا لهذه الشدة الواحدة ثم ورب السماء ما شئ دون
الفتح فجثوا على الركب وحمل عليهم شبيب بجميع أصحابه فلما غشيهم نادى الحجاج
بجماعة الناس فوثبوا في وجهه فما زالوا يطعنون ويضربون قدما ويدفعون
شبيبا وأصحابه وهو يقاتلهم حتى بلغوا موضع بستان زائدة فلما بلغ ذلك
المكان نادى شبيب أصحابه يا أولياء الله الأرض الأرض ثم نزل وأمر أصحابه فنزل
نصفهم وترك نصفهم مع سويد بن سليم وجاء الحجاج حتى انتهى إلى مسجد شبيب ثم قال
يا أهل الشأم يا أهل السمع والطاعة هذا أول الفتح والذي نفس الحجاج بيده وصعد
المسجد معه نحو من عشرين رجلا معهم النبل فقال إن دنوا منا فارشقوهم فاقتتلوا
عامة النهار من أشد قتال في الأرض حتى أقر؟؟ كل واحد من الفريقين لصاحبه ثم
إن خالد بن عتاب قال للحجاج ائذن لي في قتالهم فإني موتور وأنا ممن لا يتهم في
نصيحة قال فانى قد أذنت لك قال فانى آتيهم من ورائهم حتى أغير على عسكرهم
فقال له افعل ما بدالك قال فخرج معه بعصابة من أهل الكوفة حتى دخل عسكرهم
من ورائهم فقتل مصادا أخا شبيب وقتل غزالة امرأته قتلها فروة بن الدفان
الكلبي وحرق في عسكره وأتى ذلك الخبر الحجاج وشبيبا فأما الحجاج وأصحابه
فكبروا تكبيرة واحدة وأما شبيب فوثب هو وكل راجل معه على خيولهم وقال
الحجاج لأهل الشأم شدوا عليهم فإنه قد أتاهم ما أرعب قلوبهم فشدوا عليهم
95

فهزموهم وتخلف شبيب في حامية الناس (قال هشام) فحدثني أصغر الخارجي
قال حدثني من كان مع شبيب قال لما انهزم الناس فخرج من الجسر تبعه خيل
الحجاج قال فجعل يخفق برأسه فقلت يا أمير المؤمنين التفت فانظر من خلفك قال
فالتفت غير مكترث ثم أكب يخفق برأسه قال ودنوا منا فقلنا يا أمير المؤمنين
قد دنوا منك قال فالتفت والله غير مكترث ثم جعل يخفق برأسه قال فبعث
الحجاج إلى خيله أن دعوه في حرق الله وناره فتركوه ورجعوا (قال هشام)
قال أبو مخنف حدثني أبو عمرو العذري قال قطع شبيب الجسر حين عبر قال وقال
لي فروة كنت معه حين انهزمنا فما حرك الجسر ولا اتبعونا حتى قطعنا الجسر
ودخل الحجاج الكوفة ثم صعد المنبر فحمد الله ثم قال والله ما قوتل شبيب قبلها
ولى والله هاربا وترك امرأته يكسر في استها القصب (وقد قيل) في قتال الحجاج
شبيبا بالكوفة ما ذكره عمر بن شبة قال حدثني عبد الله بن المغيرة بن عطية قال
حدثني أبي قال حدثنا مزاحم بن زفر بن جساس التيمي قال لما فض شبيب كتائب
الحجاج أذن لنا فدخلنا عليه في مجلسه الذي يبيت فيه وهو على سرير وعليه لحاف
فقال إني دعوتكم لأمر فيه أمان ونظر فأشيروا على إن هذا الرجل قد تبحبح
بحبوحتكم ودخل حريمكم وقتل مقاتلتكم فأشيروا على فأطرقوا وفصل رجل
من الصف بكرسيه فقال إن أذن لي الأمير تكلمت فقال تكلم فقال إن الأمير
والله ما راقب الله ولا حفظ أمير المؤمنين ولا نصح الرعية ثم جلس بكرسيه في
الصف قال وإذا هو قتيبة قال فغضب الحجاج وألقى اللحاف ودلى قدميه من
السرير كأني أنظر إليهما فقال من المتكلم قال فخرج قتيبة بكرسيه من الصف فأعاد
الكلام قال فما الرأي قال الرأي أن تخرج إليه فتحاكمه قال فارتد لي معسكرا
ثم اغد إلى قال فخرجنا نلعن عنبسة بن سعيد وكان كلم الحجاج في قتيبة فجعله
من أصحابه فلما أصبحنا وقد أوصينا جميعا غدونا في السلاح فصلى الحجاج الصبح ثم
دخل فجعل رسوله يخرج ساعة بعد ساعة فيقول أجاء بعد أجاء بعد ولا ندري من
يريد وقد أفعمت المقصورة بالناس فخرج الرسول فقال أجاء بعد وإذا قتيبة يمشى
96

في المسجد عليه قباء هروى أصفر وعمامة خز أحمر متقلدا سيفا عريضا قصير
الحمائل كأنه في إبطه قد أدخل بركة قبائه في منطقته والدرع يصفق ساقيه ففتح له
الباب فدخل ولم يحجب فلبث طويلا ثم خرج وأخرج معه لواء منشورا فصلى
الحجاج ركعتين ثم قام فتكلم وأخرج اللواء من باب الفيل وخرج الحجاج يتبعه
فإذا بالباب بغلة شقراء غراء محجلة فركبها وعارضه الوصفاء بالدواب فأبى غيرها
وركب الناس وركب قتيبة فرسا أغر محجلا كميتا كأنه في سرجه رمانة من عظم
السرج فأخذ في طريق دار السقاية حتى خرج إلى السبخة وبها عسكر شبيب وذلك
يوم الأربعاء فتواقفوا ثم غدوا يوم الخميس للقتال ثم غادوهم يوم الجمعة فلما كان
وقت الصلاة انهزمت الخوارج * قال أبو زيد حدثني خلاد بن يزيد قال حدثنا
الحجاج بن قتيبة قال جاء شبيب وقد بعث إليه الحجاج أميرا فقتله ثم آخر فقتله أحدهما
عين صاحب حمام أعين قال فجاء حتى دخل الكوفة ومعه غزالة وقد كانت نذرت أن
تصلى في مسجد الكوفة ركعتين تقرأ فيهما البقرة وآل عمران قال ففعلت قال
واتخذ شبيب في عسكره أخصاصا فقام الحجاج فقال لا أراكم تناصحون في قتال
هؤلاء القوم يا أهل العراق وأنا كاتب إلى أمير المؤمنين ليمدني بأهل الشأم قال
فقام قتيبة فقال إنك لم تنصح لله ولا لأمير المؤمنين في قتالهم (قال عمر بن شبة)
قال خلاد فحدثني محمد بن حفص بن موسى بن عبيد الله بن معمر بن عثمان التميمي أن
الحجاج خنق قتيبة بعمامته خنقا شديدا (ثم رجع الحديث إلى حديث الحجاج وقتيبة)
قال فقال وكيف ذاك قال تبعث الرجل الشريف وتبعث معه رعاعا من الناس
فينهزمون عنه ويستحيا فيقاتل حتى يقتل قال فما الرأي قال أن تخرج بنفسك ويخرج
معك نظراؤك فيؤاسونك بأنفسهم قال فلعنه من ثم وقال الحجاج والله لأبرزن له غدا
فلما كان الغد حضر الناس فقال قتيبة أذكر يمينك أصلح الله الأمير فلعنوه أيضا
وقال الحجاج اخرج فارتد لي معسكرا فذهب وتهيأ هو وأصحابه فخرجوا فأتى على
موضع فيه بعض القذر موضع كناسة فقال ألقوا لي ههنا فقيل إن الموضع قذر فقال
ما تدعونني إليه أقذر الأرض تحته طيبة والسماء فوقه طيبة قال فنزل وصف
97

الناس وخالد بن عتاب بن ورقاء مسخوط عليه فليس في القوم وجاء شبيب وأصحابه
لتقربوا دوابهم وخرجوا يمشون فقال لهم شبيب الهوا عن رميكم ودبوا تحت
تراسكم حتى إذا كانت أسنتهم فوقها فأزلقوها صعدا ثم ادخلوا تحتها لتستقلوا
فتقطعوا أقدامهم وهى الهزيمة بإذن الله فأقبلوا يدبون إليهم وجاء خالد بن عتاب
في شاكريته فدار من وراء عسكرهم فأضرم أخصاصهم بالنار فلما رأوا ضوء النار
وسمعوا معمعتها التفتوا فرأوها في بيوتهم فولوا إلى خيلهم وتبعهم الناس وكانت الهزيمة
ورضى الحجاج عن خالد وعقد له على قتالهم قال لما قتل شبيب عتابا أراد دخول الكوفة
ثانية فأقبل حتى شارفها فوجه إليه الحجاج سيف بن هانئ ورجلا معه ليأتياه بخبر شبيب
فأتيا عسكره ففطن بهما فقتل الرجل وأفلت سيف وتبعه رجل من الخوارج فأوثب
سيف فرسه ساقية ثم سأل الرجل الأمان على أن يصدقه فآمنه فأخبره أن الحجاج
بعثه وصاحبه ليأتياه بخبر شبيب قال فأخبره أنا نأتيه يوم الاثنين فأتى سيف الحجاج
فأخبره فقال كذب وماق فلما كان يوم الاثنين توجهوا؟؟ يريدون الكوفة فوجه
إليهم الحجاج الحارث بن معاوية الثقفي فلقيه شبيب بزرارة فقتله وهزم أصحابه ودنا
من الكوفة فبعث البطين في عشرة فوارس يرتاد له منزلا على شاطئ الفرات في
دار الرزق فأقبل البطين وقد وجه الحجاج حواشب بن يزيد في جمع من أهل الكوفة
فأخذوا بأفواه السكك فقاتلهم البطين فلم يقو عليهم فبعث إلى شبيب فأمده بفوارس
فعقروا فرس حوشب وهزموه ونجا ومضى البطين إلى دار الرزق وعسكر على
شاطئ الفرات وأقبل شبيب فنزل دون الحسر فلم يوجه إليه الحجاج أحدا فمضى
فنزل السبخة بين الكوفة والفرات فأقام ثلاثا لا يوجه إليه الحجاج أحدا فأشير
على الحجاج أن يخرج بنفسه فوجه قتيبة بن مسلم فهيأ له عسكرا ثم رجع فقال وجدت
المأتى سهلا فسر على الطائر الميمون فنادى في أهل الكوفة فخرجوا وخرج معه
الوجوه حتى نزلوا في ذلك العسكر وتواقفوا وعلى ميمنة شبيب البطين وعلى ميسرته
قعنب مولى بنى أبى ربيعة بن ذهن وهو في زهاء مائتين وجعل الحجاج على ميمنته
مطر بن ناجية الرياحي وعلى ميسرته خالد بن عتاب بن ورقاء الرياحي في زهاء
98

أربعة آلاف وقيل له لا تعرفه موضعك فتنكر وأخفى مكانه وشبه له أبا الورد
مولاه فنظر إليه شبيب فحمل عليه فضربه بعمود وزنه خمسة عشر رطلا فقتله وشبه
له أعين صاحب حمام أعين بالكوفة وهو مولى لبكر بن وائل فقتله فركب الحجاج
بغلة غراء محجلة وقال إن الدين أغر محجل وقال لأبي كعب قدم لواءك أنا ابن أبي
عقيل وحمل شبيب على خالد بن عتاب وأصحابه فبلغ بهم الرحبة وحملوا على مطر
ابن ناجية فكشفوه فنزل عند ذلك الحجاج وأمر أصحابه فنزلوا فجلس على عباءة
ومعه عنبسة بن سعيد فإنهم على ذلك إذ تناول مصقلة بن مهلهل الضبي لجام شبيب
فقال ما تقول في صالح بن مسرح وبما تشهد عليه قال أعلى هذه الحال وفى هذه
الحزة والحجاج ينظر قال فبرئ من صالح فقال مصقلة برئ الله منك وفارقوه إلا
أربعين فارسا هم أشد أصحابه وانحاز الآخرون إلى دار الرزق وقال الحجاج قد
اختلفوا وأرسل إلى خالد بن عتاب فأتاهم فقاتلهم فقتلت غزالة ومر برأسها
إلى الحجاج فارس فعرفه شبيب فأمر علوان فشد على الفارس فقتله وجاء بالرأس
فأمر به فغسل ودفنه وقال هي أقرب إليكم رحما يعنى غزالة ومضى القوم على حاميتهم
ورجع خالد إلى الحجاج فأخبره بانصراف القوم فأمره أن يحمل على شبيب فحمل
عليهم وأتبعه ثمانية منهم قعنب والبطين وعلوان وعيسى والمهذب وابن عويمر
وسنان حتى بلغوا به الرحبة وأتى شبيب في موقفه بخوط بن عمير السدوسي فقال
له شبيب يا خوط لا حكم إلا لله فقال لا حكم إلا لله فقال شبيب خوط من أصحابكم
ولكنه كان يخاف فأطلقه وأتى بعمير بن القعقاع فقال له لا حكم إلا لله يا عمير فجعل
لا يفقه عنه ويقول في سبيل الله شبابي فردد عليه شبيب لا حكم إلا لله ليتخلصه فلم
يفقه فأمر بقتله وقتل مصاد أخو شبيب وجعل شبيب ينتظر النفر الذين تبعوا خالدا
فأبطؤا ونعس شبيب فأيقظه حببب بن حدرة وجعل أصحاب الحجاج لا يقدمون عليه
هيبة له وسار إلى دار الرزق فجمع رثة من قتل من أصحابه وأقبل الثمانية إلى موضع
شبيب فلم يجدوه فظنوا أنهم قتلوه ورجع مطر وخالد إلى الحجاج فأمرهما فأتبعا
الرهط الثمانية وأتبع الرهط شبيبا فمضوا جميعا حتى قطعوا جسر المدائن فدخلوا
99

ديرا هنالك وخالد يقفوهم فحصرهم في الدير فخرجوا عليه فهزموه نحوا من فرسخين
حتى ألقوا أنفسهم في دجلة بخيلهم وألقى خالد نفسه بفرسه فمر به ولواؤه في يده
فقال شبيب قاتله الله فارسا وفرسه، هذا أشد الناس وفرسه أقوى فرس في الأرض
فقيل له هذا خالد بن عتاب فقال معرق له في الشجاعة والله لو علمت لأقحمت خلفه
ولو دخل النار (رجع الحديث إلى حديث أبي مخنف) عن أبي عمر والعذري أن
الحجاج دخل الكوفة حين انهزم شبيب ثم صعد المنبر فقال والله ما قوتل شبيب
قط قبلها مثلها ولى والله هاربا وترك امرأته يكسر في استها القصب ثم دعا حبيب بن
عبد الرحمن الحكمي فبعثه في أثره في ثلاثة آلاف من أهل الشأم فقال له الحجاج احذر
بياته وحيثما لقيته فنازله فان الله قد فل حده وقصم نابه فخرج حبيب بن عبد الرحمن
في أثر شبيب حتى نزل الأنبار وبعث الحجاج إلى العمال أن دسوا إلى أصحاب
شبيب أن من جاءنا منهم فهو آمن فكان كل من ليست له تلك البصيرة ممن قد هده
القتال يجئ فيؤمن وقبل ذلك ما قد نادى فيهم الحجاج يوم هزموا إن من جاءنا
منكم فهو آمن فتفرق عنه ناس كثير من أصحابه وبلغ شبيبا منزل حبيب بن عبد الرحمن
الأنبار فأقبل بأصحابه حتى إذا دنا من عسكرهم نزل فصلى بهم المغرب (قال
أبو مخنف) فحدثني أبو يزيد السكسكي قال أنا والله في أهل الشأم ليلة جاءنا شبيب
فبيتنا قال فلما أمسينا جمعنا حبيب بن عبد الرحمن فجعلنا أرباعا وقال لكل ربع منا
ليجزئ كل ربع منكم جانبه فان قاتل هذا الربع فلا يغثهم هذا الربع الآخر فإنه قد
بلغني أن هذه الخوارج منا قريب فوطنوا أنفسكم على أنكم مبيتون ومقاتلون فما
زلنا على تعبيتنا حتى جاءنا شبيب فبيتنا فشد على ربع منا عليهم عثمان بن سعيد
العذري فضاربهم طويلا فما زالت قدم الانسان منهم ثم تركهم وأقبل على الربع
الآخر وقد جعل عليهم سعد بن بجل العامري فقاتلهم فما زالت قدم إنسان منهم
ثم تركهم وأقبل على الربع الآخر وعليهم النعمان بن سعد الحميري فما قدر منهم على شئ
ثم أقبل على الربع الآخر وعليهم ابن أقيصر الخثعمي فقاتلهم طويلا فلم يظفر
بشئ ثم أطاف بنا يحمل علينا حتى ذهب ثلاثة أرباع الليل وألزبنا؟ حتى قلنا لا يفارقنا
100

ثم نازلنا راجلا طويلا فسقطت والله بيننا وبينهم الأيدي وفقئت الأعين وكثرت
القتلى قتلنا منهم نحوا من ثلاثين وقتلوا منا نحو من مائة والله لو كانوا فيما نرى
يزيدون على مائة رجل لأهلكونا وأيم الله على ذلك ما فارقونا حتى مللناهم وملونا
وكرهونا وكرهناهم ولقد رأيت الرجل منا يضرب بسيفه الرجل منهم فما يضره
شيئا من الاعياء والضعف ولقد رأيت الرجل منا يقاتل جالسا ينفح بسيفه
ما يستطيع أن يقوم من الاعياء فلما يئسوا منا ركب شبيب ثم قال لمن كان
نزل من أصحابه اركبوا فلما استووا على متون خيولهم وجه منصرفا عنا (قال
أبو مخنف) حدثني فروة بن لقيط عن شبيب قال لما انصرفنا عنهم وبنا كآبة
شديدة وجراحة ظاهرة قال لنا ما أشد هذا الذي بنا لو كنا إنما نطلب الدنيا وما
أيسر هذا في ثواب الله فقال أصحابه صدقت يا أمير المؤمنين قال فما أنسى منه
اقباله على سويد بن سليم ولا مقالته له قتلت منهم أمس رجلين أحدهما أشجع
الناس والآخر أجبن الناس خرجت عشية أمس طليعة لكم فلقيت منهم ثلاثة
نفر دخلوا قرية يشترون منها حوائجهم فاشترى أحدهم حاجته ثم خرج قبل
أصحابه وخرجت معه فقال كأنك لم تشتر علفا فقلت إن لي رفقاء قد كفوني ذلك
فقلت له أين ترى عدونا هذا نزل قال بلغني أنه قد نزل منا قريبا وأيم الله لوددت
أنى قد لقيت شبيبهم هذا قلت فتحب ذلك قال نعم قلت فخذ حذرك فأنا والله
شبيب وانتضيت سيفي فخر والله ميتا فقلت له ارتفع ويحك وذهبت أنظر فإذا
هو قد مات فانصرفت راجعا فأستقبل الآخر خارجا من القرية فقال أين تذهب
هذه الساعة وإنما يرجع الناس إلى عسكرهم فلم أكلمه ومضيت يقرب بي فرسى
وأتبعني حتى لحقني فقطعت عليه فقلت له مالك فقال أنت والله من عدونا فقلت
أجل والله فقال والله لا تبرح حتى تقتلني أو أقتلك فحملت عليه وحمل على فاضطربنا
بسيفينا ساعة فوالله ما فضلته في شدة نفس ولا إقدام إلا أن سيفي كان أقطع
من سيفه فقتلته قال فمضينا حتى قطعنا دجلة ثم أخذنا في أرض جوخى حتى
قطعنا دجلة مرة أخرى من عند واسط ثم أخذنا إلى الأهواز ثم إلى فارس ثم
101

ارتفعنا إلى كرمان (وفى هذه السنة) هلك شبيب في قول هشام بن محمد وفى
قول غيره كان هلاكه سنة 78
ذكر سبب هلاكه
(قال هشام) عن أبي مخنف قال حدثني أبو يزيد السكسكي قال أقفلنا الحجا
إليه يعنى إلى شبيب فقسم فينا مالا عظيما وأعطى كل جريح منا وكل ذي بلاء ثم
أمر سفيان بن الأبرد أن يسير إلى شبيب فتجهز سفيان فشق ذلك على حبيب
ابن عبد الرحمن الحكمي وقال تبعث سفيان إلى رجل قد فللته وقتلت فرسان
أصحابه فأمضى سفيان بعد شهرين وأقام شبيب بكرمان حتى إذا انجبر
واستراش هو وأصحابه أقبل راجعا فيستقبله سفيان بجسر دجيل الأهواز وقد
كان الحجاج كتب إلى الحكم بن أيوب بن الحكم بن أبي عقيل وهو زوج ابنة
الحجاج وعامله على البصرة أما بعد فابعث رجلا شجاعا شريفا من أهل البصرة
في أربعة آلاف إلى شبيب ومره فليلحق بسفيان بن الأبرد وليسمع له وليطع
فبعث إليه زياد بن عمرو العتكي في أربعة آلاف فلم ينته إلى سفيان حتى التقى
سفيان وشبيب ولما أن التقيا بجسر دجيل عبر شبيب إلى سفيان فوجد سفيان
قد نزل في الرجال وبعث مهاصر بن صيفي العذري على الخيل وبعث على ميمنته
بشر بن حسان الفهري وبعث على ميسرته عمر بن هبيرة الفزاري فأقبل شبيب
في ثلاثة كراديس من أصحابه هو في كتيبة وسويد في كتيبة وقعنب المحلمي
في كتيبة وخلف المحلل بن وائل في عسكره قال فلما حمل سويد وهو في ميمنته
على ميسرة سفيان وقعنب وهو في ميسرته على ميمنته حمل هو على سفيان فاضطربنا
طويلا من النهار حتى انحازوا فرجعوا إلى المكان الذي كانوا فيه فكر علينا
هو وأصحابه أكثر من ثلاثين كرة كل ذلك لا نزول من صفنا وقال لنا سفيان بن
الأبرد لا تتفرقوا ولكن لتزحف الرجال إليهم زحفا فوالله ما زلنا نطاعنهم
ونضاربهم حتى اضطررناهم إلى الجسر فلما انتهى شبيب إلى الجسر نزل ونزل معه
نحو من مائة رجل فقاتلناهم حتى المساء أشد قتال قاتله قوم قط فما هو إلا أن نزلوا
102

فأوقعوا لنا من الطعن والضرب شيئا ما رأينا مثله من قوم قط فلما رأى سفيان انه
لا يقدر عليهم ولا يأمن مع ذلك ظفرهم دعا الرماة فقال ارشقوهم بالنبل وذلك عند
المساء وكان التقاؤهم نصف النهار فرماهم أصحاب النبل بالنبل عند المساء وقد صفهم
سفيان بن الأبرد على حدة وبعث على المرامية رجلا فلما رشقوهم بالنبل ساعة شدوا
عليهم فلما شدوا على رماتنا شددنا عليهم فشغلناهم عنهم فلما رموا بالنبل ساعة
ركب شبيب وأصحابه ثم كروا على أصحاب النبل كرة صرع منهم أكثر من
ثلاثين رجلا ثم عطف بخيله علينا فمشى عامدا نحونا فطاعناه حتى اختلط الظلام
ثم انصرف عنا فقال سفيان لأصحابه أيها الناس دعوهم لا تتبعوهم حتى نصبحهم
غدوة قال فكففنا عنهم وليس شئ أحب إلينا من أن ينصرفوا عنا (قال
أبو مخنف) فحدثني فروة بن لقيط قال فما هو إلا أن انتهينا إلى الجسر فقال اعبروا
معاشر المسلمين فإذا أصبحنا باكرناهم إن شاء الله فعبرنا أمامه وتخلف في أخرانا
فأقبل على فرسه وكانت بين يديه فرس أنثى ماذيانة فنزا فرسه عليها وهو على الجسر
فاضطربت الماذيانة ونزل حافر رجل فرس شبيب على حرف السفينة فسقط في
الماء فلما سقط قال ليقضى الله أمرا كان مفعولا فارتمس في الماء ثم ارتفع فقال
ذلك تقدير العزيز العليم (قال أبو مخنف) فحدثني أبو يزيد السكسكي بهذا الحديث
وكان ممن يقاتله من أهل الشأم وحدثني فروة بن لقيط وكان ممن شهد مواطنه
فأما رجل من رهطه من بنى مرة بن همام فإنه حدثني أنه كان معه قوم يقاتلون
من عشيرته ولم يكن لهم تلك البصيرة النافذة وكان قد قتل من عشائرهم رجالا
كثيرا فكان ذلك قد أوجع قلوبهم وأوغر صدورهم وكان رجل يقال له مقاتل من بنى
تيم بن شيبان من أصحاب شبيب فلما قتل شبيب رجالا من بنى تيم بن شيبان أغار
هو على بنى مرة بن همام فأصاب منهم رجلا فقال له شبيب ما حملك على قتلهم
بغير أمري فقال له أصلحك الله قتلت كفار قومي وقتلت كفار قومك قال وأنت الوالي
على حتى تقطع الأمور دوني فقال أصلحك الله أليس من ديننا قتل من كان على غير
رأينا منا كان أو من غيرنا قال بلى قال فإنما فعلت ما كان ينبغي ولا والله يا أمير
103

المؤمنين ما أصبت من رهطك عشر ما أصبت من رهطي وما يحل لك يا أمير
المؤمنين أن تجد من قتل الكافرين قال إني لا أجد من ذلك وكان معه رجال كثير
قد أصاب من عشائرهم فزعموا أنه لما تخلف في أخريات أصحابه قال بعضهم لبعض
هل لكم أن نقطع به الجسر فندرك ثأرنا الساعة فقطعوا الجسر فمالت السفن
ففزع الفرس ونفر ووقع في الماء فغرق (قال أبو مخنف) فحدثني ذلك المري
بهذا الحديث وناس من رهط شبيب يذكرون هذا أيضا وأما حديث العامة
فالحديث الأول (قال أبو مخنف) وحدثني أبو يزيد السكسكي قال إنا والله لنتهيأ
للانصراف إذ جاء صاحب الجسر فقال أين أميركم قلنا هو هذا فجاءه فقال أصلحك
الله إن رجلا منهم وقع في الماء فتنادوا بينهم غرق أمير المؤمنين ثم إنهم انصرفوا
راجعين وتركوا عسكرهم ليس فيه أحد فكبر سفيان وكبرنا ثم أقبل حتى انتهى
إلى الجسر وبعث مهاصر بن صيفي فعبر إلى عسكرهم فإذا ليس فيه منهم صافر
ولا آثر فنزل فيه فإذا أكثر عسكر خلق الله خيرا وأصبحنا فطلبنا شبيبا حتى
استخرجناه وعليه الدرع فسمعت الناس يزعمون أنه شق بطنه فاخرج قلبه فكان
مجتمعا صلبا كأنه صخرة وانه كان يضرب به الأرض فيثب قامة انسان فقال
سفيان احمدوا الله الذي أعانكم فأصبح عسكرهم في أيدينا (قال أبو زيد)
عمر بن شبة حدثني خلاد بن يزيد الأرقط قال كان شبيب ينعى لامه فيقال قتل
فلا تقبل قال فقيل لها انه غرق فقبلت وقالت إني رأيت حين ولدته انه خرج
منى شهاب نار فعلمت انه لا يطفئه إلا الماء (قال هشام) عن أبي مخنف حدثني
فروة بن لقيط الأزدي ثم العامري أن يزيد بن نعيم أبا شبيب كان ممن دخل في
جيش سلمان بن ربيعة إذ بعث به وبمن معه الوليد بن عقبة عن أمر عثمان إياه
بذلك مدد الأهل الشأم أرض الروم فلما قفل المسلمون أقيم السبى للبيع فرأى
يزيد بن نعيم أبو شبيب جارية حمراء لا شهلاء ولا زرقاء طويلة جميلة تأخذها العين
فابتاعها ثم أقبل بها وذلك سنة 25 أول السنة فلما أدخلها الكوفة قال أسلمى
فأبت عليه فضربها فلم تزدد إلا عصيانا فلما رأى ذلك أمر بها فأصلحت ثم
104

دعا بها فأدخلت عليه فلما تغشاها تلقت منه بحمل فولدت شبيبا وذلك سنة 25
في ذي الحجة في يوم النحر يوم السبت وأحبت مولاها حبا شديدا وكانت
تحدثه وقالت إن شئت أجبتك إلى ما سألتني من الاسلام فقال لها قد شئت
فأسلمت وولدت شبيبا وهى مسلمة وقالت إني رأيت فيما يرى النائم انه خرج من قبلي
شهاب فثقب يسطع حتى بلغ السماء وبلغ الآفاق كلها فبينا هو كذلك إذ وقع في ماء
كثير جار فخبأ وقد ولدته في يومكم هذا الذي تهريقون فيه الدماء وإني قد أولت
رؤياي هذه أنى أرى ولدى هذا غلاما أراه سيكون صاحب دماء يهريقها وإني
أرى أمره سيعلو ويعظم سريعا قال فكان أبوه يختلف به وبأمه إلى البادية إلى
أرض قومه على ماء يدعى اللصف (قال أبو مخنف) وحدثني موسى بن أبي سويد
ابن رادى أن جند أهل الشام الذين جاؤوا حملوا معهم الحجر فقالوا لا نفر من
شبيب حتى يفر هذا الحجر فبلغ شبيبا أمرهم فأراد أن يكيدهم فدعا بأفراس أربعة
فربط في أذنابها ترسه في ذنب كل فرس ترسين ثم ندب معه ثمانية نفر من أصحابه
ومعه غلام له يقال له حيان وأمره أن يحمل معه إداوة من ماء ثم سار حتى يأتي
ناحية من العسكر فأمر أصحابه أن يكونوا في نواحي العسكر وأن يجعلوا مع كل
رجلين فرسا ثم يمسوها الحديد حتى تجد حره ويخلوها في العسكر وواعدهم
تلعة قريبة من العسكر فقال من نجا منكم فان موعده هذه التلعة وكره أصحابه
الاقدام على ما أمرهم به فنزل حيث رأى ذلك منهم حتى صنع بالخيل مثل الذي
أمرهم ثم وغلت في العسكر ودخل يتلوها محكما فضرب الناس بعضهم بعضا
فقام صاحبهم الذي كان عليهم وهو حبيب بن عبد الرحمن الحكمي فنادى
أيها الناس إن هذه مكيدة فالزموا الأرض حتى يتبين لكم الامر ففعلوا وبقى
شبيب في عسكرهم فلزم الأرض حيث رآهم قد سكنوا وقد أصابته ضربة عمود
أوهنته فلما أن هدأ الناس ورجعوا إلى أبنيتهم خرج في غمارهم حتى أتى التلعة فإذا
هو بحيان فقال أفرغ يا حيان على رأسي من الماء فلما مد رأسه ليصب عليه
من الماء هم حيان أن يضرب عنقه فقال لنفسه لا أجد لي مكرمة ولا ذكرا
105

أرفع من قتلى هذا وهو أماني عند الحجاج فاستقبلته الرعدة حيث هم بما هم به
فلما أبطأ بحل الإداوة قال ما يبطئك بحلها فتناول السكين من موزجه فخرقها
به ثم ناولها إياه فأفرغ عليه من الماء فقال حيان منعني والله الجبن وما أخذني من
الرعدة أن أضرب عنقه بعد ما هممت به ثم لحق شبيب بأصحابه في عسكره (قال
أبو جعفر) وفى هذه السنة خرج مطرف بن المغيرة بن شعبة على الحجاج وخلع
عبد الملك بن مروان ولحق بالجبال فقتل
ذكر السبب الذي كان عند خروجه وخلعه عبد الملك بن مروان
(قال هشام) عن أبي مخنف قال حدثني يوسف بن يزيد بن بكر الأزدي
أن بنى المغيرة بن شعبة كانوا صلحاء نبلاء أشرافا بأبدانهم سوى شرف أبيهم
ومنزلتهم في قومهم قال فلما قدم الحجاج فلقوه وشافههم علم أنهم رجال قومه
وبنو أبيه فاستعمل عروة بن المغيرة على الكوفة ومطرف بن المغيرة
على المدائن وحمزة بن المغيرة على همذان (قال أبو مخنف) فحدثني الحصين
ابن عبد الله بن سعد بن نفيل الأزدي قال قدم علينا مطرف بن المغيرة بن شعبة
المدائن فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إن الأمير الحجاج أصلحه
الله قد ولانى عليكم وأمرني بالحكم بالحق والعدل في السيرة فان عملت بما أمرني
به فأنا أسعد الناس وإن لم أفعل فنفسي أو بقت وحظ نفسي ضيعت ألا إني جالس
لكم العصرين فارفعوا؟؟ إلى حوائجكم وأشيروا على بما يصلحكم ويصلح بلادكم
فانى لن آلوكم خيرا ما استطعت ثم نزل وكان بالمدائن إذ ذاك رجال من أشراف
أهل المصر وبيوتات الناس وبها مقاتلة لا تسعها عدة أن كان كرن بأرض جوخى
أو بأرض الأنبار فأقبل مطرف حين نزل حتى جلس للناس في الايوان وجاء
حكيم بن الحارث الأزدي يمشى نحوه وكان من وجوه الأزد وأشرافهم وكان
الحجاج قد استعمله بعد ذلك على بيت المال فقال له أصلحك الله إني كنت منك
نائيا حتى تكلمت وإني أقبلت نحوك لأجيبك فوافق ذلك نزولك إنا قد فهمنا
ما ذكرت لنا انه عهد إليك فأرشد الله العاهد والمعهود إليه وقد منيت من نفسك
106

العدل وسألت المعونة على الحق فأعانك الله على ما نويت إنك تشبه أباك في سيرته
برضى الله والناس فقال له مطرف ههنا إلى فأوسع له فجلس إلى جنبه (قال
أبو مخنف) فحدثني الحصين بن يزيد أنه كان من خير عامل قدم عليهم قط أقمعه
للمريب وأشده إنكارا للظلم فقدم عليه بشر بن الأجدع الهمداني ثم الثوري
وكان شاعرا فقال
إني كلفت بخود غير فاحشة * غراء وهنانة حسانة الجيد
كأنها الشمس يوم الدجن إذ برزت * تمشى مع الانس الهيف الاماليد
سل الهوى بعلنداة مذكرة * عنها إلى المجتدى ذي العرف والجود
إلى الفتى الماجد الفياض نعرفه * في الناس ساعة يحلى كل مردود
من الأكارم أنسابا إذا نسبوا * والحامل الثقل يوم المغرم الصيد
إني أعيذك بالرحمن بن نفر * حمر السبال كأسد الغابة السود
فرسان شيبان لم نسمع بمثلهم * أبناء كل كريم النجل صنديد
شدوا على ابن حصين في كتيبته * فغادروه صريعا ليلة العيد
وابن المجالد أردته رماحهم * كأنما زل عن خوصاء صيخود
وكل جمع بروذاباذ كان لهم * قد فض بالطعن بين النخل والبيد
فقال له ويحك ما جئت إلا لترغبنا وقد كان شبيب أقبل من ساتيد ما فكتب
مطرف إلى الحجاج أما بعد فانى أخبر الأمير أكرمه الله أن شبيبا قد أقبل نحونا
فان رأى الأمير أن يمدني برجال أضبط بهم المدائن فعل فان المدائن باب الكوفة
وحصنها فبعث إليه الحجاج بن يوسف سبرة بن عبد الرحمن بن مخنف في مائتين
وعبد الله بن كناز في مائتين وجاء شبيب فأقبل حتى نزل قناطر حذيفة ثم جاء
حتى انتهى إلى كلواذا فعبر منها دجلة ثم أقبل حتى نزل مدينة بهرسير ومطرف
ابن المغيرة في المدينة العتيقة التي فيها منزل كسرى والقصر الأبيض * فلما نزل
شبيب بهرسير قطع مطرف الجسر فيما بينه وبين شبيب وبعث إلى شبيب أن
ابعث إلى رجالا من صلحاء أصحابك أدارسهم القرآن وانظر ما تدعون إليه فبعث
107

إليه رجالا منهم سويد بن سليم وقعنب والمحلل بن وائل فلما فلما أدنى منهم المعبر
وأرادوا أن ينزلوا فيه أرسل إليهم شبيب أن لا تدخلوا السفينة حتى يرجع إلى
رسولي من عند مطرف وبعث إلى مطرف أن ابعث إلى بعدة من أصحابك حتى
ترد على أصحابي فقال لرسوله القه فقل له فكيف آمنك على أصحابي إذا بعثتهم
الآن إليك وأنت لا تأمني؟؟ على أصحابك فأرسل إليه شبيب إنك قد علمت أنا
لا نستحل في ديننا الغدر وأنتم تفعلونه وتهونونه فسرح إليه مطرف الربيع بن
يزيد الأسدي وسليمان بن حذيفة بن هلال بن مالك المزني ويزيد بن أبي زياد
مولى المغيرة وكان على حرس مطرف فلما وقعوا في يديه بعث أصحابه إليه (قال
أبو مخنف) حدثني النضر بن صالح قال كنت عند مطرف بن المغيرة بن شعبة
فما أدرى أقال إني كنت في الجند الذين كانوا معه أو قال كنت بإزائه حيث دخلت
عليه رسل شبيب وكان لي ولأخي ودا مكرما ولم يكن ليستر منا شيئا فدخلوا عليه
وما عنده أحد من الناس غيري وغير أخي حلام بن صالح وهم ستة ونحن ثلاثة
وهم شاكون في السلاح ونحن ليس علينا إلا سيوفنا * فلما دنوا قال سويد السلام
على من خاف مقام ربه وعرف الهدى وأهله فقال له مطرف أجل فسلم الله على
أولئك ثم جلس القوم فقال لهم مطرف قصوا على أمركم وخبروني ما الذي
تطلبون وإلى ما تدعون فحمد الله سويد بن سليم وأثنى عليه ثم قال أما بعد فان
الذي ندعو إليه كتاب الله وسنة محمد صلى الله عليه وسلم وإن الذي نقمنا على قومنا
الاستئثار بالفئ وتعطيل الحدود والتسلط بالجبرية فقال لهم مطرف ما دعوتم
إلا إلى حق ولا نقمتم إلا جورا ظاهرا أنالكم على هذا متابع فتابعوني إلى ما أدعوكم
إليه ليجتمع أمري وأمركم وتكون يدي وأيديكم واحدة فقالوا هات أذكر
ما تريد أن تذكر فان يكن ما تدعونا إليه حقا نجبك قال فانى أدعوكم إلى أن نقاتل
هؤلاء الظلمة العاصين على أحداثهم الذي أحدثوا وأن ندعوهم إلى كتاب الله
وسنة نبيه وأن يكون هذا الامر شورى بين المسلمين يؤمرون عليهم من يرضون
لأنفسهم على مثل الحال التي تركهم عليها عمر بن الخطاب فان العرب إذا علمت
108

إنما يراد بالشورى الرضى من قريش رضوا وكثر تبعكم منهم وأعوانكم على عدوكم
وتم لكم هذا الامر الذي تريدون قال فوثبوا من عنده وقالوا هذا ما لا نجيبك
إليه أبدا فلما مضوا فكادوا أن يخرجوا من صفة البيت التفت إليه سويد بن سليم فقال
يا ابن المغيرة لو كان القوم عداة غدرا كنت قد أمكنتهم من نفسك ففزع لها مطرف
وقال صدقت وإله موسى وعيسى قال ورجعوا إلى شبيب فأخبروه بمقالته
فطمع فيه وقال لهم إن أصبحتم فليأته أحدكم * فلما أصبحوا بعث إليه سويدا
وأمره بأمره فجاء سويد حتى انتهى إلى باب مطرف فكنت أنا المستأذن له فلما
دخل وجلس أردت أن أنصرف فقال لي مطرف اجلس فليس دونك ستر
فجلست وأنا يومئذ شاب أغيد فقال له سويد من هذا الذي ليس لك دونه ستر
فقال له هذا الشريف الحسيب هذا ابن مالك بن زهير بن جذيمة فقال له بخ
أكرمت فارتبط إن كان دينه على قدر حسبه فهو الكامل ثم أقبل على فقال إنا
لقينا أمير المؤمنين بالذي ذكرت لنا فقال لنا القوة فقولوا له ألست تعلم أن
اختيار المسلمين منهم خيرهم لهم فيما يرون رأى رشيد فقد مضت به السنة بعد
الرسول صلى الله عليه وسلم فإذا قال لكم نعم فقولوا له فانا قد اخترنا لأنفسنا أرضانا
فينا وأشدنا اضطلاعا لما حمل فما لم يغير ولم يبدل فهو ولى أمرنا وقال لنا
قولوا له فيما ذكرت لنا من الشورى حين قلت إن العرب إذا علمت
أنكم إنما تريدون بهذا الامر قريشا كان أكثر لتبعكم منهم فإن أهل الحق
لا ينقصهم عند الله أن يقلوا ولا يزيد الظالمين خيرا أن يكثروا وإن تركنا
حقنا الذي خرجنا له ودخولنا فيما دعوتنا إليه من الشورى خطيئة وعجز
ورخصة إلى نصر الظالمين ووهن لأنا لا نرى أن قريشا أحق بهذا الامر من غيرها
من العرب فقال له فان زعم أنهم أحق بهذا الامر من غيرها من العرب فقولوا
له ولم ذاك فان قال لقرابة محمد صلى الله عليه وسلم بهم فقل له فوالله ما كان ينبغي إذا
لاسلافنا الصالحين من المهاجرين الأولين أن يتولوا على أسرة محمد ولا على ولد
أبى لهب لو لم يبق غيرهم ولولا أنهم علموا أن خير الناس عند الله أتقاهم وأن
109

أولاهم بهذا الامر أتقاهم وأفضلهم فيهم وأشدهم اضطلاعا بحمل أمورهم ما تولوا
أمور الناس ونحن أول من أنكر الظلم وغير الجور وقاتل الأحزاب فان اتبعنا
فله ما لنا وعليه ما علينا وهو رجل من المسلمين وإلا يفعل فهو كبعض من نعادي
ونقاتل من المشركين فقال له مطرف قد فهمت ما ذكرت ارجع يومك هذا
حتى ننظر في أمرنا فرجع ودعا مطرف رجالا من أهل ثقاته وأهل نصائحه منهم
سليمان بن حذيفة المزني والربيع بن يزيد الأسدي قال النضر بن صالح وكنت أنا
ويزيد بن أبي زياد مولى المغيرة بن شعبة قائمين على رأسه بالسيف وكان على حرسه
فقال لهم مطرف يا هؤلاء إنكم نصحائي وأهل مودتي ومن أثق بصلاحه وحسن
رأيه والله ما زلت لأعمال هؤلاء الظلمة كارها أنكرها بقلبي وأغيرها ما استطعت
بفعلي وأمري فلما عظمت خطيئتهم ومربي هؤلاء القوم يجاهدونهم لم أر أنه
يسعني إلا مناهضتهم وخلافهم إن وجدت أعوانا عليهم وإني دعوت هؤلاء
القوم فقلت لهم كيت وكيت وقالوا لي كيت وكيت فلست أرى القتال معهم ولو
تابعوني على رأيي وعلى ما وصفت لهم لخلعت عبد الملك والحجاج ولسرت إليهم
أجاهدهم فقال له المزني إنهم لن يتابعوك وإنك لن تتابعهم فأخف هذا الكلام
ولا تظهره لاحد وقال له الأسدي مثل ذلك فجثا مولاه ابن أبي زياد على
ركبتيه ثم قال والله لا يخفى مما كان بينك وبينهم على الحجاج كلمة واحدة وليزادن
على كل كلمة عشرة أمثالها والله أن لو كنت في السحاب هاربا من الحجاج ليلتمسن
أن يصل إليك حتى يهلكك أنت ومن معك فالنجاء النجاء من مكانك هذا فان
أهل المدائن من هذا الجانب ومن ذاك الجانب وأهل عسكر شبيب يتحدثون
بما كان بينك وبين شبيب ولا تمسى من يومك هذا حتى يبلغ الخبر الحجاج
فاطلب دارا غير المدائن فقال له صاحباه ما نرى الرأي إلا كما ذكر لك قال
لهما مطرف فما عندكما قالا الإجابة إلى ما دعوتنا إليه والمؤاساة لك بأنفسنا
على الحجاج وغيره ثم نظر إلى فقال ما عندك فقلت قتال عدوك والصبر معك
ما صبرت فقال لي ذاك الظن بك قال ومكث حتى إذا كان في اليوم الثالث أتاه
110

قعنب فقال له إن تابعتنا فأنت منا وإن أبيت فقد نابذناك فقال لا تعجلوا اليوم
فانا ننظر قال وبعث إلى أصحابه أن ارحلوا الليلة من عند آخركم حتى توافوا
الدسكرة معي لحدث حدث هنالك ثم أدلج وخرج أصحابه معه حتى مر بدير يزد جرد
فنزله فلقيه قبيصة بن عبد الرحمن القحافي من خثعم فدعاه إلى صحبته فصحبه فكساه
وحمله وأمر له بنفقة ثم سار حتى نزل الدسكرة * فلما أراد أن يرتحل منها لم يجد
بدا من أن يعلم أصحابه ما يريد فجمع إليه رؤوس أصحابه فذكر الله بما هو أهله
وصلى على رسوله ثم قال لهم أما بعد فان الله كتب الجهاد على خلقه وأمر بالعدل
والاحسان وقال فيما انزل علينا تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على
الاثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب وإني أشهد الله أنى قد خلعت
عبد الملك بن مروان والحجاج بن يوسف فمن أحب منكم صحبتي وكان على مثل
رأيي فليتابعني فان له الأسوة وحسن الصحبة ومن أبى فليذهب حيث شاء فانى
لست أحب أن يتبعني من ليست له نية في جهاد أهل الجور أدعوكم إلى كتاب الله
وسنة نبيه وإلى قتال الظلمة فإذا جمع الله لنا أمرنا كان هذا الامر شورى بين المسلمين
يرتضون لأنفسهم من أحبوا قال فوثب إليه أصحابه فبايعوه ثم إنه دخل رحله
وبعث إلى سبرة بن عبد الرحمن بن مخنف وإلى عبد الله بن كناز النهدي فاستخلاهما
ودعاهما إلى مثل ما دعا إليه عامة أصحابه فأعطياه الرضى فلما ارتحل انصرفا
بمن معهما من أصحابه حتى أتيا الحجاج فوجداه قد نازل شبيبا فشهدا معه
وقعة شبيب قال وخرج مطرف بأصحابه من الدسكرة موجها نحو حلوان
وقد كان الحجاج بعث في تلك السنة سويد بن عبد الرحمن السعدي على حلوان
وماه سبذان * فلما بلغه أن مطرف بن المغيرة فد أقبل نحو أرضه عرف
أنه إن رفق في أمره أو داهن لا يقبل ذلك منه الحجاج فجمع له سويد أهل البلد
والأكراد فأما الأكراد فأخذوا عليه ثنية حلوان وخرج إليه سويد وهو يحب أن
يسلم من قتاله وأن يعافى من الحجاج فكان خروجه كالتعذير (قال أبو مخنف) فحدثني
عبد الله بن علقمة الخثعمي أن الحجاج بن جارية الخثعمي حين سمع بخروج مطرف
من المدائن نحو الجبل أتبعه في نحو من ثلاثين رجلا من قومه وغيرهم قال وكنت
111

فيهم فلحقناه بحلوان فكنا ممن شهد معه قتال سويد بن عبد الرحمن (قال أبو مخنف)
وحدثني بذلك أيضا النضر (قال أبو مخنف) وحدثني عبد الله بن علقمة قال ما هو
إلا أن قدمنا على مطرف ين المغيرة فسر بمقدمنا عليه وأجلس الحجاج بن جارية
معه على مجلسه (قال أبو مخنف) وحدثني النضر بن صالح وعبد الله بن علقمة أن
سويدا لما خرج إليهم بمن معه وقف في الرجال ولم يخرج بهم من البيوت وقدم ابنه
القعقاع في الخيل وما خيله يومئذ بكثير (قال أبو مخنف) قال النضر بن صالح
أراهم كانوا مائتين وقال ابن علقمة أراهم كانوا ينقصون من الثلاثمائة قال فدعا
مطرف الحجاج بن جارية فسرحه إليهم في نحو من عدتهم فأقبلوا نحو القعقاع
وهم جادون في قتاله وهم فرسان متعالمون فلما رآهم سويد قد تيسروا نحو ابنه
أرسل إليهم غلاما له يقال له رستم قتل معه بعد ذلك بدير الجماجم وفى يده راية
بنى سعد فانطلق غلامه حتى انتهى إلى الحجاج بن جارية فأسر إليه إن كنتم تريدون
الخروج من بلادنا هذه إلى غيرها فاخرجوا عنا فإنا لا نريد قتالكم وإن كنتم إيانا
تريدون فلا بد لنا من منع ما في أيدينا * فلما جاءه بذلك قال له الحجاج بن جارية
ائت أميرنا فاذكر له ما ذكرت لي فخرج حتى أتى مطرفا فذكر له مثل الذي
ذكر للحجاج بن جارية فقال له مطرف ما أريدكم ولا بلادكم فقال له فالزم هذا
الطريق حتى تخرج من بلادنا فانا لا نجد بدا من أن يرى الناس وتسمع بذلك أنا
قد خرجنا إليك قال فبعث مطرف إلى الحجاج فأتاه ولزموا الطريق حتى مروا
بالثنية فإذا الأكراد بها فنزل مطرف ونزل معه عامة أصحابه وصعد إليهم في الجانب
الأيمن الحجاج بن جارية وفى الجانب الأيسر سليمان بن حذيفة فهزماهم وقتلاهم
وسلم مطرف وأصحابه فمضوا حتى دنوا من همذان فتركها وأخذ ذات اليسار إلى
ماه دينار وكان أخوه حمزة بن المغيرة على همذان فكره أن يدخلها فيتهم أخوه
عند الحجاج فلما دخل مطرف أرض ماه دينار كتب إلى أخيه حمزة أما بعد فإن
النفقة قد كثرت والمؤنة قد اشتدت فامدد أخاك بما قدرت عليه من مال وسلاح
وبعث إليه يزيد بن أبي زياد مولى المغيرة بن شعبة فجاء حتى دخل على حمزة بكتاب
112

مطرف ليلا فلما رآه قال له ثكلتك أمك أنت قتلت مطرفا فقال له ما أنا قتلته
جعلت فداك ولكن مطرفا قتل نفسه وقتلني وليته لا يقتلك فقال له ويحك من
سول له هذا الامر فقال نفسه سولت هذا له ثم جلس إليه فقص عليه القصص
وأخبره بالخبر ودفع كتاب مطرف إليه فقرأه ثم قال نعم وأنا باعث إليه بمال
وسلاح ولكن أخبرني ترى ذلك يخفى لي قال ما أظن أن يخفى فقال له حمزة فوالله
لئن أنا خذلته في أنفع النصرين له نصر العلانية لا أخذله في أيسر النصرين نصر
السريرة قال فسرح إليه مع يزيد بن أبي زياد بمال وسلاح فأقبل به حتى أتى مطرفا
ونحن نزول في رستاق من رساتيق ماه دينار يقال له سامان متاخم أرض أصبهان
وهو رستان كانت الحمراء تنزله (قال أبو مخنف) فحدثني النضر بن صالح قال
والله ما هو إلا أن مضى يزيد بن أبي زياد فسمعت أهل العسكر يتحدثون أن
الأمير بعث إلى أخيه يسأله النفقة والسلاح فأتيت مطرفا فحدثته بذلك فضرب
بيده على جبهته ثم قال سبحان الله قال الأول ما يخفى قال ما لا يكون قال وما هو
إلا أن قدم يزيد بن أبي زياد علينا فسار مطرف بأصحابه حتى نزل قم وقاشان
وأصبهان (قال أبو مخنف) فحدثني عبد الله بن علقمة أن مطرفا حين نزل قم وقاشان
واطمأن دعا الحجاج بن جارية فقال له حدثني عن هزيمة شبيب يوم السبخة
أكانت وأنت شاهدها أم كنت خرجت قبل الوقعة قال لا بل شهدتها قال فحدثني
حديثهم كيف كان فحدثه فقال إني كنت أحب أن يظفر شبيب وإن كان ضالا
فيقتل ضالا قال فظننت أنه تمنى ذلك لأنه كان يرجو أن يتم له الذي يطلب لو
هلك الحجاج قال ثم إن مطرفا بعث عماله (قال أبو مخنف) فحدثني النضر بن
صالح أن مطرفا عمل عملا حازما لولا أن الاقدار غالبة قال كتب مع الربيع بن
يزيد إلى سويد بن سرحان الثقفي والى بكير بن هارون البجلي أما بعد فإنا ندعوكم
إلى كتاب الله وسنة نبيه وإلى جهاد من عند عن الحق واستأثر بالفئ وترك حكم
الكتاب فإذا ظهر الحق ودمغ الباطل وكانت كلمة الله هي العليا جعلنا هذا الامر
شورى بين الأمة يرتضى المسلمون لأنفسهم الرضى فمن قبل هذا منا كان أخانا
113

في ديننا وولينا في محيانا ومماتنا ومن رد ذلك علينا جاهدناه واستنصرنا الله عليه
فكفى بنا عليه حجة وكفى بتركه الجهاد في سبيل الله غبنا وبمداهنة الظالمين في أمر
الله وهنا إن الله كتب القتال على المسلمين وسماه كرها ولن ينال رضوان الله
إلا بالصبر على أمر الله وجهاد أعداء الله فأجيبوا رحمكم الله إلى الحق وادعوا
إليه من ترجون إجابته وعرفوه ما لا يعرفه وليقبل إلى كل من رأى رأينا وأجاب
دعوتنا ورأى عدوه عدونا أرشدنا الله وإياكم وتاب علينا وعليكم إنه هو التواب
الرحيم والسلام فلما قدم الكتاب على ذينك الرجلين دبافى رجال من أهل الري ودعوا
من تابعهما ثم خرجا في نحو من مائة من أهل الري سرا لا يفطن بهم فجاءوا حتى
وافوا مطرفا وكتب البراء بن قبيصة وهو عامل الحجاج على أصبهان أما بعد فإن كان
للأمير أصلحه الله حاجة في أصبهان وغير أصبهان فليبعث إلى مطرف جيشا كثيفا
يستأصله ومن معه فإنه لا تزال عصابة قد انتفحت له من بلدة من البلدان حتى
توافيه بمكانه الذي هو به فإنه قد استكثف وكثر تبعه والسلام فكتب إليه
الحجاج أما بعد إذا أتاك رسولي فعسكر بمن معك فإذا مربك عدى بن وتاد فاخرج
معه في أصحابك واسمع له وأطع والسلام فلما قرأ كتابه خرج فعسكر وجعل الحجاج
ابن يوسف يسرح إلى البراء بن قبيصة الرجال على دواب البريد عشرين عشرين
وخمسة عشر خمسة عشر وعشرة عشرة حتى سرح إليه نحوا من خمسمائة وكان في
ألفين وكان الأسود بن سعد الهمداني أتى الري في فتح الله على الحجاج يوم لقى
شبيبا بالسبخة فمر بهمذان والجبال ودخل على حمزة فاعتذر إليه فقال الأسود
فأبلغت الحجاج عن حمزة فقال قد بلغى ذاك وأراد عزله فخشى أن يمكر به وأن يمتنع
منه فبعث إلى قيس بن سعد العجلي وهو يومئذ على شرطة حمزة بن المغيرة ولبنى
عجل وربيعة عدد بهمذان فبعث إلى قيس بن سعد بعهده على همذان وكتب إليه
أن أوثق حمزة بن المغيرة في الحديد واحبسه قبلك حتى يأتيك أمري فلما أتاه عهده
وأمره أقبل ومعه ناس من عشيرته كثير فلما دخل المسجد وافق الإقامة لصلاة
العصر فصلى مع حمزة فلما انصرف حمزة انصرف معه قيس بن سعد العجلي صاحب
114

شرطه فأقرأه كتاب الحجاج إليه وأراه عهده فقال حمزة سمعا وطاعة فأوثقه
وحبسه في السجن وتولى أمر همذان وبعث عماله عليها وجعل عماله كلهم من قومه
وكتب إلى الحجاج أما بعد فإني أخبر الأمير أصلحه الله أنى قد شددت حمزة بن المغيرة
في الحديد وحبسته في السجن وبعثت عمالي على الخراج ووضعت يدي في الجباية
فان رأى الأمير أبقاه الله أن يأذن لي في المسير إلى مطرف أذن لي حتى أجاهده
في قومي ومن أطاعني من أهل بلادي فإني أرجو أن يكون الجهاد أعظم أجرا من
جباية الخراج والسلام فلما قرأ الحجاج كتابه ضحك ثم قال هذا جانب آثر أما قد
أمناه وقد كان مكان حمزة بهمذان أثقل ما خلق الله على الحجاج مخافة أن يمد أخاه
بالسلاح والمال ولا يدرى لعله يبدو له فيعق فلم يزل يكيده حتى عزله فاطمأن
وقصد قصد مطرف (قال أبو مخنف) فحدثني مطرف بن عامر بن واثلة أن الحجاج
لما قرأ كتاب قيس بن سعد العجلي وسمع قوله إن أحب الأمير سرت إليه حتى
أجاهده في قومي قال ما أبغض إلى أن تكثر العرب في أرض الخراج قال فقال
لي ابن الغرق ما هو الا أن سمعتها من الحجاج فعلمت أنه لو قد فرغ له قد عزله قال
وحدثني النضر بن صالح أن الحجاج كتب إلى عدى بن وتاد الأيادي وهو على
الري يأمره بالمسر إلى مطرف بن المغيرة وبالممر على البراء بن قبيصة فإذا اجتمعوا
فهو أمير الناس (قال أبو مخنف) وحدثني أبي عن عبد الله بن زهير عن عبد الله بن
سليم الأزدي قال إني لجالس مع عدى بن وتاد على مجلسه بالري إذ أتاه كتاب
الحجاج فقرأه ثم دفعه إلى فقرأته فإذا فيه أما بعد فإذا قرأت كتابي هذا فانهض
بثلاثة أرباع من معك من أهل الري ثم أقبل حتى تمر بالبراء بن قبيصة بجى ثم سيرا
جميعا فإذا التقيتما فأنت أمير الناس حتى يقتل الله مطرفا فإذا كفى الله المؤمنين مؤنته
فانصرف إلى عملك في كنف من الله وكلايته وستره فلما قرأته قال لي قم وتجهز
قال وخرج فعسكر ودعا الكتاب فضربوا البعث على ثلاثة أرباع الناس فما مضت
جمعة حتى سرنا فانتهينا إلى جى ويوافينا بها قبيصة القحافي في تسعمائة من أهل الشأم
فيهم عمر بن هبيرة قال ولم نلبث بجى إلا يومين حتى نهض عدى بن وتاد بمن أطاعه
115

من الناس ومعه ثلاثة آلاف مقاتل من أهل الري وألف مقاتل مع البراء بن قبيصة
بعثهم إليه الحجاج من الكوفة وسبعمائة من أهل الشأم ونحو من ألف رجل من
أهل أصبهان والأكراد فكان في قريب من ستة آلاف مقاتل ثم أقبل حتى دخل
على مطرف بن المغيرة (قال أبو مخنف) فحدثني النصر بن صالح عن عبد الله بن علقمة
أن مطرفا لما بلغه مسيرهم إليه خندق على أصحابه خندقا فلم يزالوا فيه حتى قدموا
عليه (قال أبو مخنف) وحدثني يزيد مولى عبد الله بن زهير قال كنت مع مولاي
إذ ذاك قال خرج عدى بن وتاد فعبى الناس فجعل على ميمنته عبد الله بن زهير ثم
قال للبراء بن قبيصة قم في الميسرة فغضب البراء وقال تأمرني بالوقوف في الميسرة
وأنا أمير مثلك تلك خيلي في الميسرة وقد بعثت عليها فارس مضر الطفيل بن عامر
ابن وائلة قال فأنهى ذلك إلى عدى بن وتاد فقال لابن أقيصر الخثعمي انطلق فأنت
على الخيل وانطلق إلى البراء بن قبيصة فقل له إنك قد أمرت بطاعتي ولست
من الميمنة والميسرة والخيل والرجالة في شئ إنما عليك أن تؤمر فتطيع ولا تعرض
لي في شئ أكرهه فأتنكر لك وقد كان له مكرما ثم إن عديا بعث على الميسرة
عمر بن هبيرة وبعثه في مائة من أهل الشأم فجاء حتى وقف برايته فقال رجل من
أصحابه للطفيل بن عامر خل رأيتك وتنح عنا فإنما نحن أصحاب هذا الموقف فقال
الطفيل إني لا أخاصمكم إنما عقد لي هذه الراية البراء بن قبيصة وهو أميرنا وقد
علمنا أن صاحبكم على جماعة الناس فإن كان قد عقد لصاحبكم هذا فبارك الله له
ما أسمعنا وأطوعنا فقال لهم عمر بن هبيرة مهلا كفوا عن أخيكم وابن عمكم رايتنا
رأيتك فان شئت آثرناك بها قال فما رأينا رجلين كانا أحلم منهما في موقفهما ذلك
قال ونزل عدى بن وتاد ثم زحف نحو مطرف (قال أبو مخنف) فحدثني النضر
ابن صالح وعبد الله بن علقمة أن مطرفا بعث على ميمنته الحجاج بن جارية وعلى
ميسرته الربيع بن يزيد الأسدي وعلى الحامية سليمان بن صخر المزني ونزل هو
يمشى في الرجال ورايته مع يزيد بن أبي زياد مولى أبيه المغيرة بن شعبة قال فلما
زحف القوم بعضهم إلى بعض وتدانوا قال لبكير بن هارون البجلي أخرج
116

إليهم فادعهم إلى كتاب الله وسنة نبيه وبكتهم بأعمالهم الخبيثة فخرج إليهم بكير
ابن هارون على فرس له أدهم أقرح ذنوب عليه الدرع والمغفر والساعدان في يده
الرمح وقد شد درعه بعصابة حمراء من حواشي البرود فنادى بصوت له عال رفيع
يا أهل قبلتنا وأهل ملتنا وأهل دعوتنا إنا نسألكم بالله الذي لا إله إلا هو الذي
علمه بما تسرون مثل علمه بما تعلنون لما أنصفتمونا وصدقتمونا وكانت
نصحتكم لله لا لخلقه وكنتم شهداء الله على عباده بما يعلمه الله من عباده خبروني
عن عبد الملك بن مروان وعن الحجاج بن يوسف ألستم تعلمونهما جبارين مستأثرين
يتبعان الهوى فيأخذان بالظنة ويقتلان على الغضب قال فتنادوا من كل جانب
يا عدو الله كذبت ليسا كذلك فقال لهم ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم
بعذاب وقد خاب من افترى ويلكم أو تعلمون الله ما لا يعلم إني قد استشهدتكم
وقد قال الله في الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه فخرج إليه صارم مولى عدى
ابن وتاد وصاحب رايته فحمل على بكير بن هارون البجلي فاضطربا بسيفيهما فلم
تعمل ضربة مولى عدى شيئا وضربه بكير باليف فقتله ثم استقدم فقال فارس
لفارس فلم يخرج إليه أحد فجعل يقول
صارم قد لاقيت سيفا صارما * وأسدا ذا لبدة ضبار ما
قال ثم إن الحجاج بن جارية حمل وهو في الميمنة على عمر بن هبيرة وهو في
الميسرة وفيها الطفيل بن عامر بن وائلة فالتقى هو والطفيل وكانا صديقين متواخيين
فتعارفا وقد رفع كل واحد منهما السيف على صاحبه فكفا أيديهما فاقتتلوا طويلا
ثم إن ميسرة عدى بن وتاد زالت غير بعيد وانصرف الحجاج بن جارية إلى موقفه
ثم إن الربيع بن يزيد حمل على عبد الله بن زهير فاقتتلوا طويلا ثم إن جماعة
الناس حملت على الأسدي فقتلته وانكشفت ميسرة مطرف بن المغيرة حتى انتهت
إليه ثم إن عمر بن هبيرة حمل على الحجاج بن جارية وأصحابه فقاتله قتالا طويلا ثم
إنه حذره حتى انتهى إلى مطرف وحمل ابن أقيصر الخثعمي في الخيل على سليمان
ابن صخر المزني فقتله وانكشفت خيلهم حتى انتهى إلى مطرف فثم اقتتلت
117

الفرسان أشد قتال رآه الناس قط ثم إنه وصل إلى مطرف (قال أبو مخنف)
فحدثني النضر بن صالح أنه جعل يناديهم يومئذ يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء
بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون
الله فان تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون قال ولم يزل يقاتل حتى قتل واحتز
رأسه عمر بن هبيرة وذكر أنه قتله وقد كان أسرع إليه غير واحد غير أن ابن
هبيرة احتز رأسه وأوفده به عدى بن وتاد وحظي به وقاتل عمر بن هبيرة
يومئذ وأبلى بلاء حسنا (قال أبو مخنف) وقد حدثني حكيم بن أبي سفيان الأزدي
أنه قتل يزيد بن أبي زياد مولى المغيرة بن شعبة وكان صاحب راية مطرف قال
ودخلوا عسكر مطرف وكان مطرف قد جعل على عسكره عبد الرحمن بن عبد الله
ابن عفيف الأزدي فقتل وكان صالحا ناسكا عفيفا (قال أبو مخنف) حدثني
زيد مولاهم أنه رأى رأسه مع ابن أقيصر الخثعمي فما ملكت نفسي أن قلت له
أما والله لقد قتلته من المصلين العابدين الذاكرين الله كثيرا قال فأقبل نحوي
وقال من أنت فقال له مولاي هذا غلامي ماله قال فأخبره بمقالتي فقال إنه ضعيف
العقل قال ثم انصرفنا إلى الري مع عدى بن وتاد قال وبعث رجالا من أهل
البلاء إلى الحجاج فأكرمهم وأحسن إليهم قال ولما رجع إلى الري جاءت بجيلة
إلى عدى بن وتاد فطلبوا لبكير بن هارون الأمان فآمنه وطلبت ثقيف لسويد
ابن سرحان الثقفي الأمان فآمنه وطلبت في كل رجل كان مع مطرف عشيرته
فآمنهم وأحسن في ذلك وقد كان رجال من أصحاب مطرف أحيط بهم في عسكر
مطرف فنادوا يا براء خذلنا الأمان يا براء اشفع لنا فشفع لهم فتركوا وأسر عدى
ناسا كثيرا فخلى عنهم (قال أبو مخنف) وحدثني النضر بن صالح أنه أقبل حتى قدم
على سويد بن عبد الرحمن بحلوان فأكرمه وأحسن إليه ثم إنه انصرف بعد ذلك
إلى الكوفة (قال أبو مخنف) وحدثني عبد الله بن علقمة أن الحجاج بن جارية
الخثعمي أتى الري وكان مكتبه بها فطلب إلى عدى فيه فقال هذا رجل مشهور
قد شهر مع صاحبه وهذا كتاب الحجاج إلى فيه (قال أبو مخنف) فحدثني أبى عن
118

عبد الله بن زهير قال كنت فيمن كلمه في الحجاج بن جارية فأخرج إلينا كتاب
الحجاج بن يوسف أما بعد فإن كان الله قتل الحجاج بن جارية فبعدا له فذاك ما أهوى
وأحب وإن كان حيا فاطلبه قبلك حتى توثقه ثم سرح به إلى إن شاء الله والسلام
قال فقال لنا قد كتب إلى فيه ولا بد من السمع والطاعة ولو لم يكتب إلى فيه آمنته
لكم وكففت عنه فلم أطلبه وقمنا من عنده قال فلم يزل الحجاج بن جارية خائفا
حتى عزل عدى بن وتاد وقدم خالد بن عتاب بن ورقاء فمشيت إليه فيه فكلمته
فآمنه وقال حبيب بن خدرة مولى لبنى هلال بن عامر
هل أتى فائد عن أيسارنا * إذ خشينا من عدو خرقا
إذ أتانا الخوف من مأمننا * فطوينا في سواد أفقا
وسلى هدية يوما هل رأت * بشرا أكرم منا خلقا
وسليها أعلى العهد لنا * أو يصرون علينا حنقا
ولكم من خلة من قبلها * قد صرمنا حبلها فانطلقا
قد أصبنا العيش عيشا ناعما * وأصبنا العيش عيشا رنقا
وأصبت الدهر دهرا أشتهي * طبقا منه وألوى طبقا
وشهدت الخيل في ملمومة * ما ترى منهن إلا الحدقا
يتساقون بأطراف القنا * من نجيع الموت كأسا دهقا
فطراد الخيل قد يؤنقنى * ويرد اللهو عنى الانقا
بمشيح البيض حتى يتركوا * لسيوف الهند فيها طرقا
وكأني من غد وافقتها * مثل ما وافق شن طبقا
(قال أبو جعفر) وفى هذه السنة وقع الاختلاف بين الأزارقة أصحاب قطري بن
الفجاءة فخالفه بعضهم واعتزله وبايع عبد رب الكبير وأقام بعضهم على بيعة قطري
ذكر الخبر عن ذلك وعن السبب الذي من أجله حدث
الاختلاف بينهم حتى صار أمرهم إلى الهلاك
* ذكر هشام عن أبي مخنف عن يوسف بن يزيد أن المهلب أقام بسابور
119

فقاتل قطريا وأصحابه من الأزارقة بعد ما صرف الحجاج عتاب بن ورقاء عن
عسكره نحوا من سنة ثم إنه زاحفهم يوم البستان فقاتلهم قتالا شديدا وكانت
كرمان في أيدي الخوارج وفارس في يد المهلب فكان قد ضاق عليهم مكانهم الذي
هم به لا يأتيهم من فارس مادة وبعد ديارهم عنهم فخرجوا حتى أتوا كرمان
وتبعهم المهلب حتى نزل بجيرفت وجيرفت مدينة كرمان فقاتلهم بها أكثر من
سنة قتالا شديدا وحازهم عن فارس كلها فلما صارت فارس كلها في يدي المهلب
بعث الحجاج عليها عماله وأخذها من المهلب فبلغ ذلك عبد الملك فكتب إلى الحجاج
أما بعد فدع بيد المهلب خراج جبال فارس فإنه لا بد للجيش من قوة ولصاحب
الجيش من معونة ودع له كورة فسا ودرابجرد وكورة إصطخر فتركها للمهلب
فبعث المهلب عليها عماله فكانتا له قوة على عدوه وما يصلحه ففي ذلك يقوله
شاعر الأزد وهو يعاتب المهلب
نقاتل عن قصور درابجرد * ونجبى للمغيرة والرقاد
وكان الرقاد بن زياد بن همام رجل من العتيك كريما على المهلب وبعث
الحجاج إلى المهلب البراء بن قبيصة وكتب إلى المهلب أما بعد فإنك والله لو شئت
فيما أرى لقد اصطلمت هذه الخارجة المارقة ولكنك تحب طول بقائهم لتأكل
الأرض حولك وقد بعثت إليك البراء بن قبيصة لينهضك إليهم فانهض إليهم إذا
قدم عليك بجميع المسلمين ثم جاهدهم أشد الجهاد وإياك والعلل والأباطيل والأمور
التي ليست لك عندي بسائغة ولا جائزة والسلام فأخرج المهلب بنيه كل ابن له
في كتيبة وأخرج الناس على راياتهم ومصافهم وأخماسهم وجاء البراء بن قبيصة
فوقفه على تل قريب منهم حيث يراهم فأخذت الكتائب تحمل على الكتائب
والرجال على الرجال فيقتتلون أشد قتال رآه الناس من صلاة الغداة إلى انتصاف
النهار ثم انصرفوا فجاء البراء بن قبيصة إلى المهلب فقال له لا والله ما رأيت كبنيك
فرسانا قط ولا كفرسانك من العرب فرسانا قط ولا رأيت مثل قوم يقاتلونك
قط أصبر ولا أبأس أنت والله المعذور فرجع بالناس المهلب حتى إذا كان عند
120

العصر خرج إليهم بالناس وبنيه في كتائبهم فقاتلوه كقتالهم في أول مرة (قال
أبو مخنف) وحدثني أبو المغلس الكناني عن عمه أبى طلحة قال خرجت كتيبة
من كتائبهم لكتيبة من كتائبنا فاشتد بينهما القتال فأخذت كل واحدة منهما لا تصد
عن الأخرى فاقتتلتا حتى حجز الليل بينهما فقالت إحداهما للأخرى ممن أنتم فقال
هؤلاء نحن من بنى تميم وقال هؤلاء نحن من بنى تميم فانصرفوا عند المساء قال
المهلب للبراء كيف رأيت قال رأيت قوما والله ما يعينك عليهم إلا الله فأحسن إلى
البراء بن قبيصة وأجازه وحمله وكساه وأمر له بعشرة آلاف درهم ثم انصرف
إلى الحجاج فأتاه بعذر المهلب وأخبره بما رأى وكتب المهلب إلى الحجاج أما بعد
فقد أتاني كتاب الأمير أصلحه الله واتهامه إياي في هذه الخارجة المارقة وأمرني
الأمير بالنهوض إليهم وإشهاد رسوله ذلك وقد فعلت فليسأله عما رأى فأما أنا
فوالله لو كنت أقدر على استئصالهم أو إزالتهم عن مكانهم ثم أمسكت عن ذلك
لقد غششت المسلمين وما وفيت لأمير المؤمنين ولا نصحت للأمير أصلحه الله
فمعاذ الله أن يكون هذا من رأيي ولا مما أدين الله به والسلام ثم إن المهلب قاتلهم
بها ثمانية عشر شهرا لا يستفل منهم شيئا ولا يرى في موطن ينقعون له ولمن
معه من أهل العراق من الطعن والضرب ما يردعونهم به ويكفونهم عنهم ثم إن
رجلا منهم كان عاملا لقطري على ناحية من كرمان خرج في سرية لهم يدعى
المقعطر من بنى ضبة فقتل رجلا قد كان ذا بأس من الخوارج ودخل منهم في
ولاية فقتله المقعطر فوثبت الخوارج إلى قطري فذكروا له ذلك وقالوا أمكنا
من الضبي نقتله بصاحبنا فقال لهم ما أرى أن أفعل رجل تأول فأخطأ في التأويل
ما أرى أن تقتلوه وهو من ذوي الفضل منكم والسابقة فيكم قالوا بلى قال لهم لا فوقع
الاختلاف بينهم فولوا عبد رب الكبير وخلعوا قطريا وبايع قطريا منهم عصابة
نحو من ربعهم أو خمسهم فقاتلهم نحوا من شهر غدوة وعشية فكتب بذلك المهلب
إلى الحجاج أما بعد فإن الله قد ألقى بأس الخوارج بينهم فخلع عظمهم قطريا
وبايعوا عبد رب الكبير وبقيت عصابة منهم مع قطري فهم يقاتل؟؟ بعضهم بعضا
121

غدوا وعشيا وقد رجوت أن يكون ذلك من أمرهم سبب هلاكهم إن شاء الله
والسلام فكتب إليه أما بعد فقد بلغني كتابك تذكر فيه اختلاف الخوارج بينها
فإذا أتاك كتابي هذا فناهضهم على حال اختلافهم وافتراقهم قبل أن يجتمعوا
فتكون مؤنتهم عليك أشد والسلام فكتب إليه أما بعد فقد بلغني كتاب الأمير
وكل ما فيه قد فهمت ولست أرى أن أقاتلهم ما داموا يقتل بعضهم بعضا
وينقص بعضهم عدد بعض فإن تموا على ذلك فهو الذي نريد وفيه هلاكهم وإن
اجتمعوا لم يجتمعوا إلا وقد رقق بعضهم بعضا فأناهضهم على تفيئة ذلك وهم
أهون ما كانوا وأضعفه شوكة إن شاء الله والسلام فكف عنه الحجاج وتركهم
المهلب يقتتلون شهرا لا يحركهم ثم إن قطريا خرج بمن اتبعه نحو طبرستان وبايع
عامتهم عبد رب الكبير فنهض إليهم المهلب فقاتلوه قتالا شديدا ثم إن الله قتلهم
فلم ينج منهم إلا قليل وأخذ عسكرهم وما فيه وسبوا لانهم كانوا يسبون المسلمين
وقال كعب الأشقري والأشقر بطن من الأزد يذكر يوم رام هرمز وأيام
سابور وأيام جيرفت
يا حفص إني عدانى عنكم السفر * وقد أرقت فآذى عيني السهر
علقت يا كعب بعد الشيب غانية * والشيب فيه عن الأهواء مزدجر
أممسك أنت عنها بالذي عهدت * أم حبلها إذ نأتك اليوم منبتر
علقت خودا بأعلى الطف منزلها * في غرفة دونها الأبواب والحجر
درما مناكبها ريا مآكمها * تكاد إذ نهضت للمشي تنبتر
وقد تركت بشط الزابيين لها * دارا بها يسعد البادون والحضر
واخترت دارا بها حي أسر بهم * ما زال فيهم لمن فيهم لمن نختارهم خير
لما نبت بي بلادي سرت منتجعا * وطالب الخير مرتاد ومنتظر
أبا سعيد فإني جئت منتجعا * أرجو نوالك لما مسني الضرر
لولا المهلب ما زرنا بلادهم * ما دامت الأرض فيها الماء والشجر
فما من الناس من حي علمتهم * إلا يرى فيهم من سيبكم أثر
122

أحييتهم بسجال من نداك كما * تحيا البلاد إذا ما مسها المطر
إني لأرجو إذا ما فاقة نزلت * فضلا من الله في كفيك يبتدر
فاجبر أخا لك أوهى الفقر قوته * لعله بعد وهى العظم ينجبر
جفا ذوو نسبي عنى وأخلفني * ظني فلله درى كيف آتمر
يا واهب القينة الحسناء سنتها * كالشمس هركولة في طرفها فتر
وما تزال بدور منك رائحة * وآخرون لهم من سيبك الغرر
نماك للمجد أملاك ورثتهم * شم العرانين في أخلاقهم يسر
ثاروا بقتلى وأوتار تعددها * في حين لا حدث في الحرب يتئر
واستسلم الناس إذ حل العدو بهم * فما لأمرهم ورد ولا صدر
وما تجاوز باب الجسر من أحد * وعضت الحرب أهل المصر فانجحروا
وأدخل الخوف أجواف البيوت على * مثل النساء رجال ما بهم غير
واشتدت الحرب والبلوى وحل بنا * أمر تشمر في أمثاله الأزر
نظل من دون خفض معصمين بهم * فشمر الشيخ لما أعظم الخطر
كنا نهون قبل اليوم شأنهم * حتى تفاقم أمر كان يحتقر
لما وهنا وقد حلوا بساحتنا * واستنفر الناس تارات فما نفروا
نادى امرؤ لا خلاف في عشيرته * عنه وليس به في مثله قصر
أفشى هنالك مما كان مذ عصروا * فيهم صنائع مما كان يدخر
تلبسوا لقراع الحرب بزتها * فأصبحوا من وراء الجسر قد عبروا
ساروا بألوية للمجد قد رفعت * وتحتهن ليوث في الوغا وقر
حتى إذا خلفوا الأهواز واجتمعوا * برام هرمز وافاهم بها؟؟ الخبر
نعى بشر فجال القوم وانصدعوا * إلا بقايا إذا ما ذكروا ذكروا
ثم استمر بنا راض ببيعته * ينوى الوفاء ولم نغدر كما غدروا
حتى اجتمعنا بسابور الجنود وقد * شبت لنا ولهم نار لها شرر
نلقى مساعير أبطالا كأنهم * جن نقارعهم ما مثلهم بشر
123

نسقى ونسقيهم سما على حنق * مستأنفي الليل حتى أسفر السحر
قتلى هنالك لا عقل ولا قود * منا ومنهم دماء سفكها هدر
حتى تنحوا لنا عنها تسوقهم * منا ليوث إذا ما أقدموا جسروا
لم يغن عنهم غداة التل كيدهم * عند الطعان ولا المكر الذي مكروا
باتت كتائبنا تردى مسومة * حول المهلب حتى نور القمر
هناك ولوا حزانا بعد ما فرحوا * وحال دونهم الأنهار والجدر
عبوا جنودهم بالسفح إذ نزلوا * بكازرون فما عزوا ولا ظفروا
وقد لقوا مصدقا؟؟ منا بمنزلة * ظنوا بأن ينصروا فيها فما نصروا
بدشت بارين يوم الشعب إذ لحقت * أسد بسفك دماء الناس قد زئروا
لا قوا كتائب لا يخلون ثغرهم * فيهم على من يقاسى حربهم صعر
المقدمين إذ ما خيلهم وردت * والعاطفين إذا ما ضيع الدبر
وفى جبيرين إذ صفوا بزحفهم * ولوا خزايا وقد فلوا وقد قهرا
والله ما نزلوا يوما بساحتنا * إلا أصابهم من حربنا ظفر
تنفيهم بالقنا عن كل منزلة * تروح منا مساعير وتبتكر
ولوا حذارا وقد هزوا أسنتنا * نحو الحروب فما نجاهم الحذر
صلت الجبين طويل الباع ذو فرح * ضخم الدسيعة لا وان ولا غمر
مجرب الحرب ميمون نقيبته * لا يستخف ولا من رأيه البطر
وفى ثلاث سنين يستديم بنا * يقارع الحرب أطوارا ويأتمر
يقول إن غدا مبد لناظره * وفى الليالي وفى الأيام معتبر
دعوا التتابع والاسراع وارتقبوا * إن المحارب يستأنى وينتظر
حتى أتته أمور عندها فرج * وقد تبين ما يأتي وما يذر
لما زواهم إلى كرمان وانصدعوا * وقد تقاربت الآجال والقدر
سرنا إليهم بمثل الموج وازدلفوا * وقبل ذلك كانت بيننا مئر
وزادنا حنقا قتلى نذكرها * لا تستفيق عيون كلما ذكروا
124

إذا ذكرنا جروزا والذين بها * قتلى مضى لهم حولان ما قبروا
تأتى علينا حزازات النفوس فما * نبقى عليهم وما يبقون إن قدروا
ولا يقيلوننا في الحرب عثرتنا * ولا نقيلهم يوما إذا عثروا
لا عذر يقبل منا دون أنفسنا * ولا لهم عندنا عذر لو اعتذروا
صفان بالقاع كالطودين بينهما * كالبرق يلمع حتى يشخص البصر
على بصائر كل غير تاركها * كلا الفريقين تتلى فيهم السور
يمشون في البيض والابدان إذ وردوا * مشى الزوامل تهدى صفهم زمر
وشيخنا حوله منا ململمة * حي من الأزد فيما نابهم صبر
في موطن يقطع الابطال منظره * تشاط فيه نفوس حين تبتكر
ما زال منا رجال ثم نضربهم * بالمشرفى ونار الحرب تستعر
وباد كل سلاح يستعان به * في حومة الموت الا الصارم الذكر
ندوسهم بعناجيج مجففة * وبيننا ثم من صم القنا كسر
يغشين قتلى وعقرى ما بها رمق * كأنما فوقها الجادى يعتصر
قتلى بقتلى قصاص يستقاد بها * تشفى صدور رجال طالما وتروا
مجاورين بها خيلا معقرة * للطير فيها وفى أجسادهم جزر
في معرك تحسب القتلى بساحته * أعجاز نخل زفته الريح ينقعر
وفى مواطن قبل اليوم قد سلفت * قد كان للأزد فيها الحمد والظفر
في كل يوم تلاقى الأزد مفظعة * يشيب في ساعة من هولها الشعر
والأزد قومي خيار القوم قد علموا * إذا قرومهم يوم الوغى خطروا
فيهم معاقل من عز يلاذ بها * يوما إذا شمرت حرب لها درر
حي بأسيافهم يبغون مجدهم * إن المكارم في المكروه تبتدر
لولا المهلب للجيش الذي وردوا * أنهار كرمان بعد الله ما صدروا
إنا اعتصمنا بحبل الله إذ جحدوا * بالمحكمات ولم نكفر كما كفروا
جاروا عن القصد والاسلام واتبعوا * دينا يخالف ما جاءت به النذر
125

وقال الطفيل بن عامر بن وائلة وهو ذكر قتل عبد رب الكبير وأصحابه
وذهاب قطري في الأرض واتباعهم إياه ومراوغته إياهم:
لقد مس منا عبد رب وجنده * عقاب فأمسى سبيهم في المقاسم
سمالهم بالجيش حتى أزاحهم * بكرمان عن مثوى من الأرض ناعم
وما قطري الكفر إلا نعامة * طريد يدوى ليله غير نائم
إذا فرمنا هاربا كان وجهه * طريقا سوى قصد الهدى والمعالم
فليس بمنجيه الفرار وإن جرت * به الفلك في لج من البحر دائم
(قال أبو جعفر) وفي هذه السنة كانت هلكة قطري وعبيدة بن هلال
وعبد رب الكبير ومن كان معهم من الأزارقة
ذكر سبب مهلكهم
وكان سبب ذلك أن أمر الذين ذكرنا خبرهم من الأزارقة لما تشتت
بالاختلاف الذي حدث بينهم بكرمان فصار بعضهم مع عبد رب الكبير وبعضهم
مع قطري ووهى أمر قطري توجه يريد طبرستان وبلغ أمره الحجاج فوجه
فيما ذكر هشام عن أبي مخنف عن يونس بن يزيد سفيان بن الأبرد ووجه معه
جيشا من أهل الشأم عظيما في طلب قطري فأقبل سفيان حتى أتى الري ثم أتبعهم
وكتب الحجاج إلى إسحاق بن محمد بن الأشعث وهو على جيش لأهل الكوفة
بطبرستان أن اسمع وأطع لسفيان فأقبل إلى سفيان فسار معه في طلب قطري
حتى لحقوه في شعب من شعاب طبرستان فقاتلوه فتفرق عنه أصحابه ووقع عن
دابته في أسفل الشعب فتدهدي حتى خر إلى أسفله فقال معاوية بن محصن الكندي
رأيته حيث هوى ولم أعرفه ونظرت إلى خمس عشرة امرأة عربية هن في الجمال
والبزازة وحسن الهيئة كما شاء ربك ما عدا عجوزا فيهن فحملت عليهن فصرفتهن
إلى سفيان بن الأبرد * فلما دنوت بهن منه انتحت لي بسيفها العجوز فتضرب به
عنقي فقطعت المغفر وقطعت جلدة من حلقى وأختلج السيف فأضرب بها وجهها
فأصاب قحف رأسها فوقعت ميتة وأقبلت بالفتيات حتى دفعتهن إلى سفيان
126

وإنه ليضحك من العجوز وقال ما أردت إلى قتل هذه أخزاها الله فقلت أو ما رأيت
أصلحك الله ضربتها إياي والله إن كادت لتقتلني قال قد رأيت فوالله ما ألومك
على فعلك أبعدها الله ويأتي قطريا حيث تدهدى من الشعب علج من أهل البلد
فقال له قطري اسقنى من الماء وقد كان اشتد عطشه فقال أعطني شيئا حتى أسقيك
فقال ويحك والله ما معي إلا ما ترى من سلاحي أنا مؤتيكه إذا أتيتني بماء قال لا
بل أعطنيه الآن قال لا ولكن ائتنى بماء قبل فانطلق العلج حتى أشرف على
قطري ثم حدر عليه حجرا عظيما من فوقه دهدأه عليه فأصاب إحدى وركيه
فأوهنته وصاح بالناس فأقبلوا نحوه والعلج حينئذ لا يعرف قطريا غير أنه يظن
أنه من أشرافهم لحسن هيئته وكمال سلاحه فدفع إليه نفر من أهل الكوفة فابتدروه
فقتلوه منهم سورة بن أبجر التميمي وجعفر بن عبد الرحمن بن مخنف والصباح بن
محمد بن الأشعث وبادام مولى بنى الأشعث وعمر بن أبي الصلت بن كناز مولى
بنى نصر بن معاوية وهو من الدهاقين فكل هؤلاء ادعوا قتله فدفع إليهم أبو الجهم
ابن كنانة الكلبي وكلهم يزعم أنه قاتله فقال لهم ادفعوه إلى حتى تصطلحوا فدفعوه
إليه فأقبل به إلى إسحاق بن محمد وهو على أهل الكوفة ولم يأته جعفر لشئ كان بينه
وبينه قبل ذلك وكان لا يكلمه وكان جعفر مع سفيان بن الأبرد ولم يكن معه إسحاق
كان جعفر على ربع أهل المدينة بالري * فلما مر سفيان بأهل الري انتخب فرسانهم
بأمر الحجاج فسار بهم معه فلما أتى القوم بالرأس فاختصموا فيه إليه وهو في يدي
أبى الجهم بن كنانة الكلبي قال له امض به أنت ودع هؤلاء المختلفين فخرج برأس
قطري حتى قدم به على الحجاج ثم أتى به عبد الملك بن مروان فألحق في ألفين وأعطى
فطما يعنى أنه يفرض للصغار في الديوان وجاء جعفر إلى سفيان فقال له أصلحك
الله إن قطريا كان أصاب والدي فلم يكن لي هم غيره فاجمع بيني وبين هؤلاء الذين
ادعوا قتله فسلهم ألم أكن أمامهم حتى بدرتهم فضربته ضربة فصرعته ثم جاؤني
بعد فأقبلوا يضربونه بأسيافهم فإن أقروا لي بهذا فقد صدقوا وإن أبوا فأنا
أحلف بالله أنى صاحبه وإلا فليحلفوا بالله أنهم أصحابه الذين قتلوه وأنهم
127

لا يعرفون ما أقول ولا حق لي فيه قال جئت الآن وقد سرحنا بالرأس فانصرف
عنه فقال لأصحابه أما والله إنك لا خلق القوم أن تكون صاحبه ثم إن
سفيان بن الأبرد أقبل منصرفا إلى عسكر عبيدة بن هلال وقد تحصن في قصر
بقومس فحاصره فقاتله أياما ثم إن سفيان بن الأبرد سار بنا إليهم حتى أحطنا
بهم ثم أمر مناديه فنادى فيهم أيما رجل قتل صاحبه ثم خرج إلينا فهو آمن
فقال عبيدة بن هلال:
لعمري لقد قام الأصم بخطبة * لذي الشك منها في الصدور غليل
لعمري لئن أعطيت سفيان بيعتي * وفارقت ديني إنني لجهول
إلى الله أشكو ما ترى بجيادنا * تساوك هزلى مخهن قليل
تعاورها القذاف من كل جانب * بقومس حتى صعبهن ذلول
فإن يك أفناها الحصار فربما * تشحط فيما بينهن قتيل
وقد كن مما إن يقدن على الوجى * لهن بأبواب القباب صهيل
فحاصرهم حتى جهدوا وأكلوا دوابهم ثم إنهم خرجوا إليه فقاتلوه فقتلهم
وبعث برؤوسهم إلى الحجاج ثم د خل إلى دنباوند وطبرستان فكان هنا لك حتى
عزله الحجاج قبل الجماجم (قال أبو جعفر) وفى هذه السنة قتل بكير بن وشاح
السعدي أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد
ذكر سبب قتله إياه
وكان سبب ذلك فيما ذكر علي بن محمد عن المفضل بن محمد أن أمية بن عبد الله
وهو عامل عبد الملك بن مروان على خراسان ولى بكيرا غزو ما وراء النهر وقد
كان ولاه قبل ذلك طخارستان فتجهز للخروج إليها وأنفق نفقة كثيرة فوشى به
إليه بحير بن ورقاء الصريمي على ما بينت قبل فأمره أمية بالمقام * فلما ولاه غزو
ما وراء النهر تجهز وتكلف الخيل والسلاح وأدان من رجال السغد وتجارهم فقال
بحير لامية إن صار بينك وبينه النهر ولقى الملوك خلع الخليفة ودعا إلى نفسه
فأرسل إليه أمية أقم لعلى أغزو فتكون معي فغضب بكير وقال كأنه يضارني وكان
128

عتاب اللقوة الغداني استدان ليخرج مع بكير فلما أقام أخذه غرماؤه فحبس فأدى
عنه بكير وخرج ثم أجمع أمية على الغزو قال فأمر بالجهاز ليغزو بخارى ثم يأتي
موسى بن عبد الله بن خازم بالترمذ فاستعد الناس وتجهزوا واستخلف على
خراسان ابنه زيادا وسار معه بكير فعسكر بكثماهن؟؟ فأقام أياما ثم أمر بالرحيل
فقال له بحير إني لا آمن أن يتخلف الناس فقل لبكير فلتكن في الساقة ولتحشر
الناس قال فأمره أمية فكان على الساقة حتى أتى النهر فقال له أمية اقطع يا بكير
فقال عتاب اللقوة الغداني أصلح الله الأمير أعبر ثم يعبر الناس بعدك فعبر ثم
عبر الناس فقال أمية لبكير قد خفت أن لا يضبط ابني عمله وهو غلام حدث
فارجع إلى مرو فأكفنتها فقد وليتكها فزين ابني وقم بأمره فانتخب بكير فرسانا
من فرسان خراسان قد كان عرفهم ووثق بهم وعبر ومضى أمية إلى بخارى
على مقدمته أبو خالد ثابت مولى خزاعة فقال عتاب اللقوة لبكير لما عبر وقد
مضى أمية إنا قتلنا أنفسنا وعشائرنا حتى ضبطنا خراسان ثم طلبنا أميرا من
قريش يجمع أمرنا فجاءنا أمير يلعب بنا يحولنا من سجن إلى سجن قال فما ترى قال
أحرق هذه السفن وامض إلى مرو فاخلع أمية وتقيم بمرو تأكلها إلى يوم ما
قال فقال الأحنف بن عبد الله العنبري الرأي ما رأى عتاب فقال بكير إني أخاف
أن يهلك هؤلاء الفرسان الذين معي فقال أتخاف في لرجال أنا آتيك من
أهل مرو بما شئت إن هلك هؤلاء الذين معك قال يهلك المسلمون قال إنما
يكفيك أن ينادى مناد من أسلم رفعنا عنه الخراج فيأتيك خمسون ألفا من المصلين
أسمع لك من هؤلاء وأطوع قال فيهلك أمية ومن معه قال ولم يهلكون
ولهم عدة وعدد ونجدة وسلاح ظاهر وأداة كاملة ليقاتلوا عن أنفسهم حتى
يبلغوا الصين فأحرق بكير السفن ورجع إلى مرو فأخذ ابن أمية فحبسه ودعا
الناس إلى خلع أمية فأجابوه وبلغ أمية فصالح أهل بخارى على فدية قليلة
ورجع فأمر باتخاذ السفن فاتخذت له وجمعت وقال لمن معه من وجوه تميم
ألا تعجبون من بكير إني قدمت خراسان فحذرته ورفع عليه وشكى منه وذكروا
(9 - 5)
129

أموالا أصابها فأعرضت عن ذلك كله ثم لم أفتشه عن شئ ولا أحدا من عماله ثم
عرضت عليه شرطي فأبى فأعفيته ثم وليته فحذرته فأمرته بالمقام وما كان ذلك
إلا نظرا له ثم رددته إلى مرو وليته الامر فكفر ذلك كله وكافأني بما ترون
فقال له قوم أيها الأمير لم يكن هذا من شأنه إنما أشار عليه بإحراق السفن
عتاب اللقوة فقال وما عتاب وهل عتاب إلا دجاجة حاضنة فبلغ قوله عتابا فقال
عتاب في ذلك
إن الحواضن تلقاها مجففة * غلب الرقاب على المنسوبة النجب
تركت أمرك من جبن ومن خور * وجئتنا حمقا يا ألام العرب
لما رأيت جبال السغد معرضة * وليت موسى ونوحا عكوة الذنب
وجئت ذيخا مغذا ما تكلمنا * وطرت من سعف البحرين كالخرب
أوعد وعيدك إني سوف تعرفني * تحت الخوافق دون العارض اللجب
يخب بي مشرف عار نواهقه * يغشى الكتيبة بين العدو والخبب
قال فلما تهيأت السفن عبر أمية وأقبل إلى مرو وترك موسى بن عبد الله وقال
اللهم إني أحسنت إلى بكير فكفر إحساني وصنع ما صنع اللهم اكفنيه فقال شماس
ابن دثار وكان رجع من سجستان بعد قتل ابن خازم فغزا مع أمية أيها الأمير أكفيكه
إن شاء الله فقدمه أمية في ثمانمائة فأقبل حتى نزل باسان وهى لبنى نصر وسار إليه
بكير ومعه مدرك بن أنيف وأبوه مع شماس فقال أما كان في تميم أحد يحاربني غيرك
ولامه فأرسل؟؟ إليه شماس أنت ألوم وأسوء صنيعا منى لم تف لامية ولم تشكر له
صنيعه بك قدم فأكرمك ولم يعرض لك ولا لاحد من عمالك قال فبيته بكير ففرق
جمعه وقال لا تقتلوا منهم أحدا وخذوا سلاحهم فكانوا إذا أخذوا رجلا سلبوه
وحلوا عنه فتفرقوا ونزل شماس في قرية لطيئ يقال لها بوينه وقدم أمية فنزل
كشماهن ورجع إليه شماس بن دثار فقدم أمية ثابت بن قطبة مولى خزاعة فلقيه بكير
فأسر ثابتا وفرق جمعه وخلى بكير سبيل ثابت ليد كانت له عنده قال فرجع إلى أمية
فأقبل أمية في الناس فقاتله بكير وعلى شرطة بكير أبو رستم الحليل بن أوس العبشمي
130

فأبلى يومئذ فنادوه يا صاحب شرطة عارمة وعارمة جارية بكير فأحجم فقال له
بكير لا أبا لك لا يهدك نداء هؤلاء القوم فإن للعارمة فحلا يمنعها فقدم لواءك
فقاتلوا حتى انحاز بكير فدخل الحائط فنزل السوق العتيقة ونزل أمية باسان
فكانوا يلتقون في ميدان يزيد فانكشفوا يوما فحماهم بكير ثم التقوا يوما آخر في
الميدان فضرب رجل من بنى تميم على رجله فجعل يسحبها وهريم يحميه؟؟ فقال الرجل
اللهم أيدنا فأمدنا بالملائكة فقال له هريم أيها الرجل قاتل عن نفسك فإن الملائكة
في شغل عنك فتحامل ثم أعاد قوله اللهم أمدنا بالملائكة فقال هريم لتكفن عنى
أو لا دعنك والملائكة وحماه حتى ألحقه بالناس قال ونادى رجل من بنى تميم
يا أمية يا فاضح قريش فآلى أمية إن ظفر به أن يذبحه؟؟ فظفر به فذبحه بين شرفتين
من المدينة ثم التقوا يوما آخر فضرب بكير بن وشاح ثابت بن قطة على رأسه
وانتمى أنا ابن وشاح فحمل حريث بن قطة أخو ثابت على بكير فانحاز بكير وانكشف
أصحابه وأتبع حريث بكيرا حتى بلغ القنطرة فناداه أين يا بكير فكر عليه فضربه
حريث على رأسه فقطع المغفر وعض السيف برأسه فصرع فاحتمله أصحابه فأدخلوه
المدينة قال فكانوا على ذلك يقاتلونهم وكان أصحاب بكير يغدون متفضلين في ثياب
مصبغة وملاحف وأزر صفر وحمر فيجلسون على نواحي المدينة يتحدثون وينادى
مناد من رمى بسهم رمينا إليه برأس رجل من ولده وأهله فلا يرميهم أحد قال
فأشفق بكير وخاف إن طال الحصار أن يخذله الناس فطلب الصلح وأحب ذلك
أيضا أصحاب أمية لمكان عيالاتهم بالمدينة فقالوا لا مية صالحه وكان أمية يحب
العافية فصالحه على أن يقضى عنه أربعمائة ألف ويصل أصحابه ويوليه أيضا أي
كور خراسان شاء ولا يسمع قول بحير فيه وإن رابه منه ريب فهو آمن أربعين
يوما حتى يخرج عن مرو فأخذ الأمان لبكير من عبد الملك وكتب له كتابا على
باب سنجان ودخل أمية المدينة قال وقوم يقولون لم يخرج بكير مع أمية غازيا ولكن
أمية لما غزا استخلفه على مرو فخلعه فرجع أمية فقاتله ثم صالحه ودخل مرو
ووفى أمية لبكير وعاد إلى ما كان عليه من الاكرام وحسن الاذن وأرسل
131

إلى عتاب اللقوة فقال أنت صاحب المشورة فقال نعم أصلح الله الأمير قال ولم
قال خف ما كان في يدي وكثر ديني وأعديت على غرمائي قال ويحك فضربت
بين المسلمين وأحرقت السفن والمسلمون في بلاد العدو وما خفت الله قال قد كان
ذلك فأستغفر الله قال كم دينك قال عشرون ألقا قال تكف عن غش المسلمين
وأقضى دينك قال نعم جعلني الله فداك قال فضحك أمية وقال إن ظني بك غير
ما تقول وسأقضي عنك فأدى عنه عشرين ألفا وكان أمية سهلا لينا سخيا لم يعط
أحد من عمال خراسان بها مثل عطاياه قال وكان مع ذلك ثقيلا عليهم كان فيه زهو
شديد وكان يقول ما أكتفي بخراسان وسجستان لمطبخي وعزل أمية بحيرا عن
شرطته وولاها عطاء بن أبي السائب وكتب إلى عبد الملك بما كان من أمر بكير
وصفحه عنه فضرب عبد الملك بعثا إلى أمية بخراسان فتجاعل الناس فأعطى شقيق
ابن سليل الأسدي جعالته رجلا من جرم وأخذ أمية الناس بالخراج واشتد
عليهم فيه فجلس بكير يوما في المسجد وعنده ناس من بنى تميم فذكروا شدة أمية
على الناس فذموه وقالوا سلط علينا الدهاقين في الجباية وبحير وضرار بن حصن
وعبد العزيز بن جارية بن قدامة في المسجد فنقل بحير ذلك إلى أمية فكذبه فأدعي
شهادة هؤلاء وادعى شهادة مزاحم بن أبي المجشر السلمي فدعا أمية مزاحما فسأله
فقال إنما كان يمزح فأعرض عنه أمية ثم أتاه بحير فقال أصلح الله الأمير إن بكيرا
والله قد دعاني إلى خلعك وقال لولا مكانك لقتلت هذا القرشي وأكلت خراسان
فقال أمية ما أصدق بهذا وقد فعل ما فعل فآمنته ووصلته قال فأتاه بضرار بن
حصن وعبد العزيز بن جارية فشهد أن بكيرا قال لهما لو أطعتماني لقتلت هذا
القرشي المخنث وقد دعانا إلى الفتك بك فقال أمية أنتم أعلم وما شهدتم وما أظن
هذا به وإن تركه وقد شهدتم بما شهدتم عجز وقال لحاجبه عبيدة ولصاحب حرسه
عطاء بن أبي السائب إذا دخل بكير وبدل وشمر دل ابنا أخيه فنهضت فخذوهم
وجلس أمية للناس وجاء بكير وابنا أخيه فلما جلسوا قام أمية عن سريره فدخل
وخرج الناس وخرج بكير فحبسوه وابن أخيه فدعا أمية ببكير فقال أنت القائل
132

كذا وكذا قال تثبت أصلحك الله ولا تسمعن قول ابن المحلوقة فحبسه وأخذ
جاريته العارمة فحبسها وحبس الأحنف بن عبد الله العنبري وقال أنت ممن أشار
على بكير بالخلع * فلما كان من الغد أخرج بكيرا فشهد عليه بحير وضرار وعبد العزير
ابن جارية أنه دعاهم إلى خلعه والفتك به فقال أصلحك الله تثبت فإن هؤلاء
أعدائي فقال أمية لزياد بن عقبة وهو رأس أهل العالية ولا بن ولان العدوي
وهو يومئذ من رؤساء بنى تميم وليعقوب بن خالد الذهلي أتقتلونه فلم يجيبوه فقال
لبحير أتقتله قال نعم فدفعه إليه فنهض يعقوب بن القعقاع الأعلم الأزدي من
مجلسه وكان صديقا لبكير فاحتضن أمية وقال أذكرك الله أيها الأمير في بكير فقد
أعطيته ما أعطيته من نفسك قال يا يعقوب ما يقتله إلا قومه شهدوا عليه فقال عطاء
ابن أبي السائب الليثي وهو على حرس أمية خل عن الأمير قال لا فضربه عطاء بقائم
السيف فأصاب أنفه فأدماه فخرج ثم قال لبحير يا بحير إن الناس أعطوا بكيرا ذمتهم
في صلحه وأنت منهم فلا تخفر ذمتك قال يا يعقوب ما أعطيته ذمة ثم أخذ بحير سيف
بكير الموصول الذي كان أخذه من إسوار الترجمان ترجمان ابن خازم فقال له بكير
يا بحير إنك تفرق أمر بنى سعد إن قتلتني فدع هذا القرشي يلي منى ما يريد فقال
بحير لا والله يا ابن الأصبهانية لا تصلح بنو سعد ما دمنا حيين قال فشأنك يا ابن المحلوقة
فقتله وذلك يوم جمعة وقتل أمية ابني أخي بكير ووهب جارية بكير العارمة لبحير
وكلم أمية في الأحنف بن عبد الله العنبري فدعا به من السجن فقال وأنت ممن أشار
على بكير وشتمه وقال قد وهبتك لهؤلاء قال ثم وجه أمية رجلا من خزاعة إلى
موسى بن عبد الله بن خازم فقتله عمرو بن خالد بن حصن الكلابي غيلة فتفرق
جيشه فاستأمن طائفة منهم موسى فصاروا معه ورجع بعضهم إلى أمية (وفى هذه
السنة) عبر النهر نهر بلخ أمية للغزو فحوصر حتى جهد هو وأصحابه ثم نجوا بعد
ما أشرفوا على الهلاك فانصرف والذين معه من الجند إلى مرو وقال عبد الرحمن
ابن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة يهجو أمية
ألا أبلغ أمية أن سيجزى * ثواب الشر إن له ثوابا
133

ومن ينظر عتابك أو يرده * فلست بناظر منك العتابا
محا المعروف منك خلال سوء * منحت صنيعها بابا فبابا
ومن سماك إذ قسم الأسامي * أمية إذ ولدت فقد أصابا
(قال أبو جعفر) وحج بالناس في هذه السنة أبان بن عثمان وهو أمير على
المدينة وكان على الكوفة والبصرة الحجاج بن يوسف وعلى خراسان أمية بن
عبد الله بن خالد بن أسيد * وحدثني أحمد بن ثابت عمن حدثه عن إسحاق بن
عيسى عن أبي معشر قال حج أبان بن عثمان وهو على المدينة بالناس حجتين
سنة 76 وسنة 77 وقد قيل إن هلاك شبيب كان في سنة 78 وكذلك قيل في هلاك
قطري وعبيدة بن هلال وعبد رب الكبير وغزا في هذه السنة الصائفة الوليد
ثم دخلت سنة ثمان وسبعين
ذكر الخبر عن الكائن في هذه السنة من الاحداث الجليلة
فمن ذلك عزل عبد الملك بن مروان أمية بن عبد الله عن خراسان وضمه
خراسان وسجستان إلى الحجاج بن يوسف فلما ضم ذلك إليه فرق فيه عماله
ذكر الخبر عن العمال الذين ولاهم الحجاج خراسان وسجستان
وذكر السبب في توليته من ولاه ذلك وشيئا منه
(ذكر) أن الحجاج لما فرغ من شبيب ومطرف شخص من الكوفة إلى
البصرة واستخلف على الكوفة المغيرة بن عبد الله بن أبي عقيل وقد قيل إنه
استخلف عبد الرحمن بن عبد الله بن عامر الحضرمي ثم عزله وجعل مكانه المغيرة
ابن عبد الله فقدم عليه المهلب بها وقد فرغ من الأزارقة فقال هشام حدثني أبو مخنف
عن أبي المخارق الراسبي أن المهلب بن أبي صفرة لما فرغ من الأزارقة قدم على
الحجاج وذلك سنة 78 فأجلسه ودعا بأصحاب البلاء من المهلب فأخذ الحجاج
لا يذكر له المهلب رجلا من أصحابه ببلاء حسن إلا صدقه الحجاج بذلك فحملهم
الحجاج وأحسن عطاياهم وزاد في أعطياتهم ثم قال هؤلاء أصحاب الفعال وأحق
134

بالأموال هؤلاء حماة الثغور وغيظ الأعداء (قال هشام) عن أبي مخنف قال
يونس بن أبي إسحاق قد كان الحجاج ولى المهلب سجستان مع خراسان فقال له المهلب
ألا أدلك على رجل هو أعلم بسجستان منى وقد كان ولى كابل وزابل وجباهم وقاتلهم
وصالحهم قال له بلى فمن هو قال عبيد الله بن أبي بكرة ثم إنه بعث المهلب على خراسان
وعبيد الله بن أبي بكرة على سجستان وكان العامل هنالك أمية بن عبد الله بن
خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية وكان عاملا لعبد الملك بن مروان لم يكن
للحجاج شئ من أمره حين بعث على العراق حتى كانت تلك السنة فعزله
عبد الملك وجمع سلطانه للحجاج فمضى المهلب إلى خراسان وعبيد الله بن أبي بكرة
إلى سجستان فمكث عبيد الله بن أبي بكرة بقية سنته فهذه رواية أبى مخنف عن أبي
المخارق وأما علي بن محمد فإنه ذكر عن المفضل بن محمد أن خراسان وسجستان جمعتا
للحجاج مع العراق في أول سنة 78 بعد ما قتل الخوارج فاستعمل عبيد الله بن أبي بكرة
على خراسان والمهلب بن أبي صفرة على سجستان فكره المهلب سجستان فلقى
عبد الرحمن بن عبيد بن طارق العبشمي وكان على شرطة الحجاج فقال إن الأمير
ولانى سجستان وولى ابن أبي بكرة خراسان وأنا أعرف بخراسان منه قد عرفتها
أيام الحكم بن عمرو الغفاري وابن أبي بكرة أقوى على سجستان منى فكلم الأمير
يحولني إلى خراسان وابن أبي بكرة إلى سجستان قال نعم وكلم زاذان فروخ يعينني
فكلمه فقال نعم فقال عبد الرحمن بن عبيد للحجاج وليت المهلب سجستان وابن أبي بكرة
أقوى عليها منه فقال زاذان فروخ صدق قال إنا قد كتبنا عهده قال زاذان فروخ
ما أهون تحويل عهده فحول ابن أبي بكرة إلى سجستان والمهلب إلى خراسان وأخذ
المهلب بألف ألف من خراج الأهواز وكان ولاها إياه خالد بن عبد الله فقال
المهلب لابنه المغيرة إن خالدا ولانى الأهواز وولاك إصطخر وقد أخذني الحجاج
بألف ألف فنصف على ونصف عليك ولم يكن عند المهلب مال كان إذا عزل
استقرض قال فكلم أبا ماوية مولى عبد الله بن عامر وكان أبو ماوية على بيت مال
عبد الله بن عامر فأسلف المهلب ثلثمائة ألف فقالت خيرة القشيرية امرأة المهلب
135

هذا لا يفي بما عليك فباعت حليا لو متاعا فأكمل خمسمائة ألف وحمل المغيرة إلى
أبيه خمسمائة ألف فحملها إلى الحجاج ووجه المهلب ابنه حبيبا على مقدمته فأتى
الحجاج فودعه فأمر الحجاج له بعشرة آلاف وبغلة خضراء قال فسار حبيب على
تلك البغلة حتى قدم خراسان هو وأصحابه على البريد فسار عشرين يوما فتلقاهم حين
دخلوا حمل حطب فنفرت البغلة فتعجبوا منها ومن نفارها بعد ذلك التعب وشدة
السير فلم يعرض لا مية ولا لعماله وأقام عشرة أشهر حتى قدم عليه المهلب سنة 79
(وحج) بالناس في هذه السنة الوليد بن عبد الملك حدثني بذلك أحمد بن ثابت
عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر وكان أمير المدينة في هذه السنة أبان
ابن عثمان وأمير الكوفة والبصرة وخراسان وسجستان وكرمان الحجاج بن يوسف
وخليفته بخراسان المهلب وبسجستان عبيد الله بن أبي بكرة وعلى قضاء الكوفة
شريح وعلى قضاء البصرة فيما قيل موسى بن أنس وأغزى عبد الملك في هذه السنة
يحيى بن الحكم
ثم دخلت سنة تسع وسبعين
ذكر ما كان فيها من الاحداث الجليلة
فمن ذلك ما أصاب أهل الشأم في هذه السنة من الطاعون حتى كادوا يفنون من
شدته فلم يغز في تلك السنة أحد فيما قبل؟؟ للطاعون الذي كان بها وكثرة الموت (وفيها)
فيما قبل أصابت الروم أهل أنطاكية (وفيها) غزا عبيد الله بن أبي بكرة رتبيل
ذكر الخبر عن غزوه إياه
(قال هشام) حدثني أبو مخنف عن أبي المخارق الراسبي قال لما ولى الحجاج المهلب
خراسان وعبيد الله بن أبي بكرة سجستان مضى المهلب إلى خراسان وعبيد الله بن أبي
بكرة إلى سجستان وذلك في سنة 78 فمكث عبيد الله بن أبي بكرة بقية سنته ثم
إنه غزا رتبيل وقد كان مصالحا وقد كانت العرب قبل ذلك تأخذ منه خراجا وربما
امتنع فلم يفعل فبعث الحجاج إلى عبيد الله بن أبي بكرة أن ناجزه بمن معك من المسلمين
136

فلا ترجع حتى تستبيح أرضه وتهدم قلاعه وتقتل مقاتلته وتسبى ذريته فخرج بمن
معه من المسلمين من أهل الكوفة وأهل البصرة وكان على أهل الكوفة شريح بن
هانئ الحارثي ثم الضبابي وكان من أصحاب على وكان عبيد الله على أهل البصرة
وهو أمير الجماعة فمضى حتى وغل في بلاد رتبيل فأصاب من البقر والغنم والأموال
ما شاء وهدم قلاعا وحصونا وغلب على أرض من أرضهم كثيرة وأصحاب رتبيل
من الترك يخلون لهم عن أرض بعد أرض حتى أمعنوا في بلادهم ودنوا من مدينتهم
وكانوا منها على ثمانية عشر فرسخا فأخذوا على المسلمين العقاب والشعاب وخلوهم
والرساتيق فسقط في أيدي المسلمين وظنوا أن قد هلكوا فبعث ابن أبي بكرة إلى
شريح بن هانئ إني مصالح القوم على أن أعطيهم مالا ويخلوا بيني وبين الخروج
فأرسل إليهم فصالحهم على سبعمائة ألف درهم فلقيه شريح فقال إنك لا تصالح على
شئ إلا حسبه السلطان عليكم في أعطياتكم قال لو منعنا العطاء ما حيينا كان أهون
علينا من هلاكنا قال شريح والله لقد بلغت سنا وقد هلكت لذاتي ما تأتى على ساعة
من ليل أو نهار فأظنها تمضى حتى أموت ولقد كنت أطلب الشهادة مند زمان ولئن
فاتتني اليوم ما أخالني مدركها حتى أموت وقال يا أهل الاسلام تعاونوا على عدوكم
فقال له ابن أبي بكرة إنك شيخ قد خرفت فقال شريح إنما حسبك أن يقال بستان
ابن أبي بكرة وحمام ابن أبي بكرة يا أهل الاسلام من أراد منكم الشهادة فإلى فاتبعه
ناس من المتطوعة غير كثير وفرسان الناس وأهل الحفاظ فقاتلوا حتى أصيبوا
إلا قليلا فجعل شريح يرتجز يومئذ ويقول:
أصبحت ذا بث أقاسي الكبرا * قد عشت بين المشركين أعصرا
ثمت أدركت النبي المنذرا * وبعده صديقه وعمرا
ويوم مهران ويوم تسترا * والجمع في صفينهم والنهرا
وبا جميرات مع المشقرا * هيهات ما أطول هذا عمرا
فقاتل حتى قتل في ناس من أصحابه ونجا من نجا فخرجوا من بلاد رتبيل حتى
خرجوا منها فاستقبلهم من خرجوا إليهم من المسلمين بالأطعمة فإذا أكل أحدهم
137

وشبع مات فلما رأى ذلك الناس حذروا يطعمونهم ثم جعلوا يطعمونهم السمن
قليلا قليلا حتى استمرؤا وبلغ ذلك الحجاج فأخذه ما تقدم وما تأخر وبلغ ذلك منه
كل مبلغ وكتب إلى عبد الملك أما بعد فان جند أمير المؤمنين الذين بسجستان
أصيبوا فلم ينج منهم إلا القليل وقد اجترأ العدو بالذي أصابه على أهل الاسلام
فدخلوا بلادهم وغلبوا على حصونهم وقصورهم وقد أردت أن أوجه إليهم جندا
كثيفا من أهل المصرين فأحببت أن أستطلع رأى أمير المؤمنين في ذلك فإن رأى
لي بعثة ذلك الجند أمضيته وإن لم ير ذلك فإن أمير المؤمنين أولى بجنده مع أنى أتخوف
إن لم يأت رتبيل ومن معه من المشركين جند كثيف عاجلا أن يستولوا على ذلك
الفرج كله (وفى هذه السنة) قدم المهلب خراسان أميرا وانصرف عنها أمية بن
عبد الله وقيل استعفى شريح القاضي من القضاء في هذه السنة وأشار بأبي بردة بن أبي
موسى الأشعري فأعفاه الحجاج وولى أبا بردة (وحج) بالناس في هذه
السنة فيما حدثني أحمد بن ثابت عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر أبان
ابن عثمان وكذلك قال الواقدي وغيره من أهل السير وكان أبان هذه السنة أميرا
على المدينة من قبل عبد الملك بن مروان وعلى العراق والمشرق كله الحجاج بن
يوسف وكان على خراسان المهلب من قبل الحجاج وقيل إن المهلب كان على حربها
وابنه المغيرة على خراجها وعلى قضاء الكوفة أبو بردة بن أبي موسى وعلى قضاء
البصرة موسى بن أنس
ثم دخلت سنة ثمانين
ذكر الاحداث الجليلة التي كانت في هذه السنة
(وفى هذه السنة) جاء فيما حدثت عن ابن سعد عن محمد بن عمر الواقدي سيل
بمكة ذهب بالحجاج فغرقت بيوت مكة فسمى ذلك العام عام الجحاف لان ذلك
السيل جحف كل شئ مر به قال محمد بن عمر حدثني محمد بن رفاعة بن ثعلبة عن أبيه
عن جده قال جاء السيل حتى ذهب بالحجاج ببطن مكة فسمى لذلك عام الجحاف
138

ولقد رأيت الإبل عليها الحمولة والرجال والنساء يمر بهم ما لاحد فيهم حيلة وإني
لا نظر إلى الماء قد بلغ الركن وجاوزه (وفى هذه السنة) كان بالبصرة طاعون
الجارف فيما زعم الواقدي (وفى هذه السنة) قطع المهلب نهر بلخ فنزل على كش
فذكر علي بن محمد عن المفضل بن محمد وغيره أنه كان على مقدمة المهلب حين نزل
على كش أبو الأدهم زياد بن عمر والزماني في ثلاثة آلاف وهم خمسة آلاف
إلا أن أبا الأدهم كان يغنى غناء الفين في البأس والتدبير والنصيحة قال فأتى المهلب وهو
نازل على كش ابن عم ملك الختل فدعاه إلى غزو الختل فوجه معه ابنه يزيد فنزل
في عسكره ونزل ابن عم الملك وكان الملك يومئذ اسمه السبل في عسكره على ناحية
فبيت السبل ابن عمه فكبر في عسكره فظن ابن عم السبل أن العرب قد غدروا به
وأنهم خافوه على الغدر حين اعتزل عسكرهم فأسره السبل فأتى به قلعته فقتله قال
فأطاف يزيد بن المهلب بقلعة السبل فصالحوه على فدية حملوها إليه ورجع إلى
المهلب فأرسلت أم الذي قتله السبل إلى أم السبل كيف ترجين بقاء السبل بعد
قتل ابن عمه وله سبعة أخوة قد وترهم وأتت أم واحد فأرسلت إليها أن الأسد
تقل أولادها والخنازير كثير أولادها ووجه المهلب ابنه حبيبا إلى ربنجن فوافى
صاحب بخارى في أربعين ألفا فدعا رجل من المشركين المبارزة فبرز له جبلة
غلام حبيب فقتل المشرك وحمل على جمعهم فقتل منهم ثلاثة نفر ثم رجع ورجع
العسكر ورجع العدو إلى بلادهم ونزلت جماعة من العدو قرية فسار إليهم حبيب
في أربعة آلاف فقاتلهم فظفر بهم فأحرقها ورجع إلى أبيه فسميت المحترقة ويقال
أن الذي أحرقها جبلة غلام حبيب قال فمكث المهلب سنتين مقيما بكش فقيل له
لو تقدمت إلى السغد وما وراء ذلك قال ليت حظى من هذه الغزوة سلامة هذه
الجند حتى يرجعوا إلى مرو سالمين قال وخرج رجل من العدو يوما فسأله البراز
فبرز إليه هريم بن عدي أبو خالد بن هريم وعليه عمامة قد شدها فوق البيضة
فانتهى إلى جدول فجاوله المشرك ساعة فقتله هريم وأخذ سلبه فلامه المهلب وقال
لو أصبت ثم أمددت بألف فارس ما عدلوك عندي واتهم المهلب وهو بكش قوما
139

من مضر فحبسهم بها فلما قفل وصار صلح خلاهم فكتب إليه الحجاج إن كنت أصبت
بحبسهم فقد أخطأت في تخليتهم وان كنت أصبت بتخليتهم فقد ظلمتهم إذ حبستهم
فقال المهلب خفتهم فحبستهم فلما أمنت خليتهم وكان فيمن حبس عبد الملك بن أبي
شيخ القشيري ثم صالح المهلب أهل كش على فدية فأقام ليقبضها وأتاه كتاب ابن
الأشعث بخلع الحجاج ويدعوه إلى مساعدته على خلعه فبعث بكتاب ابن الأشعث
إلى الحجاج (وفى هذه السنة) وجه الحجاج عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث إلى
سجستان لحرب رتبيل صاحب الترك وقد اختلف أهل السير في سبب توجيهه إياه
إليها وأين كان عبد الرحمن يوم ولاه الحجاج سجستان وحرب رتبيل فأما يونس
ابن أبي إسحاق فيما حدث هشام عن أبي مخنف عنه فإنه ذكر أن عبد الملك لما
ورد عليه كتاب الحجاج بن يوسف بخبر الجيش الذي كان مع عبيد الله بن بكرة
في بلاد رتبيل وما لقوا بها كتب إليه أما بعد فقد أتاني كتابك تذكر فيه مصاب المسلمين
بسجستان وأولئك قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وعلى الله
ثوابهم وأما ما أردت أن يأتيك فيه رأيي من توجيه الجنود وامضائها إلى ذلك
الفرج الذي أصيب فيه المسلمون أوكفها فان رأيي في ذلك أن تمضى رأيك راشدا
موفقا وكان الحجاج وليس بالعراق رجل أبغض إليه من عبد الرحمن بن محمد بن
الأشعث وكان يقول ما رأيته قط الا أردت قتله (قال أبو مخنف) فحدثني نمير
ابن وعلة الهمداني ثم اليناعي عن الشعبي قال كنت عند الحجاج جالسا حين دخل
عليه عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فلما رآه الحجاج قال انظر إلى مشيته والله
لهممت أن أضرب عنقه قال فلما خرج عبد الرحمن خرجت فسبقته وانتظرته على
باب سعيد بن قيس السبيعي فلما انتهى إلى قلت ادخل بنا الباب انى أريد أن
أحدثك حديثا هو عندك بأمانة الله أن تذكره ما عاش الحجاج فقال نعم فأخبرته
بمقاتلة الحجاج له فقال وأنا كما زعم الحجاج إن لم أحاول أن أزيله عن سلطانه
فأجهد الجهد إذ طال بي وبه بقاء ثم إن الحجاج أخذ في جهاز عشرين ألف رجل
من أهل الكوفة وعشرين ألف رجل من أهل البصرة وجد في ذلك وشمر
140

وأعطى الناس أعطياتهم كملا وأخذهم بالخيول الروائع والسلاح الكامل وأخذ
في عرض الناس ولا يرى رجلا تذكر منه شجاعة إلا أحسن معونته فمر عبيد الله
ابن أبي محجن الثقفي على عباد بن الحصين الحبطي وهو مع الحجاج يريد عبد الرحمن
ابن أم الحكم الثقفي وهو يعرض الناس فقال عباد ما رأيت فرسا أروع ولا أحسن
من هذا وأن الفرس قوة وسلاح وأن هذه البغلة علنداة فزاده الحجاج خمسين
وخمسمائة درهم ومر به عطية العنبري فقال له الحجاج يا عبد الرحمن أحسن إلى هذا
فلما استتب له أمر ذينك الجندين بعث الحجاج عطارد بن عمر التميمي فعسكر
بالأهواز ثم بعث عبيد الله بن حجر بن ذي الجشن العامري من بنى كلاب ثم بدا له
فبعث عليهم عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث وعزل عبيد الله بن حجر فأتى الحجاج
عمه إسماعيل بن الأشعث فقال له لا تبعثه فانى أخاف خلافه والله ما جاز جسر
الفرات قط فرأى لوال من الولاة عليه طاعة وسلطانا فقال الحجاج ليس هناك
هولي أهيب وفى أرغب من أن يخالف أمري أو يخرج من طاعتي فأمضاه على ذلك
الجيش فخرج بهم حتى قدم سجستان سنة 80 فجمع أهلها حين قدمها (قال
أبو مخنف) فحدثني أبو الزبير الأرحبي رجل من همدان كان معه أنه صعد منبرها
فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس أن الأمير الحجاج ولانى ثغركم وأمرني
بجهاد عدوكم الذي استباح بلادكم وأباد خياركم فاياكم أن يتخلف منكم رجل
فيحل بنفسه العقوبة اخرجوا إلى معسكركم فعسكروا به مع الناس فعسكر
الناس كلهم في معسكرهم ووضعت لهم الأسواق وأخذ الناس بالجهاز والهيئة
بآلة الحرب فبلغ ذلك رتبيل فكتب إلى عبد الرحمن بن محمد يعتذر إليه من
مصاب المسلمين ويخبره أنه كان لذلك كارها وأنهم ألجؤه إلى قتالهم ويسأله الصلح
ويعرض عليه أن يقبل منه الخراج فلم يجبه ولم يقبل منه ولم ينشب عبد الرحمن أن سار
في الجنود إليه حتى دخل أول بلاده وأخذ رتبيل بضم إليه جنده ويدع له الأرض
رستاقا رستاقا وحصنا حصنا وطفق ابن الأشعث كلما حوى بلدا بعث إليه عاملا
وبعث معه أعوانا ووضع البرد فيما بين كل بلد وبلد وجعل الأرصاد على العقاب
141

والشعاب ووضع المسالح بكل مكان مخوف حتى إذا حاز من أرضه أرضا عظيمة
وملا يديه من البقر والغنم والغنائم العظيمة حبس الناس عن الوغول في أرض
رتبيل وقال نكتفي بما أصبناه العام من بلادهم حتى نجبيها ونعرفها وتجترئ المسلمون
على طرقها ثم نتعاطى في العام المقبل ما وراءها ثم لم نزل نتنقصهم في كل عام طائفة
من أرضهم حتى نقاتلهم آخر ذلك على كنوزهم وذراريهم وفى أقصى بلادهم وممتنع
حصونهم ثم لا نزايل بلادهم حتى يهلكهم الله ثم كتب إلى الحجاج بما فتح الله عليه
من بلاد العدو وبما صنع الله للمسلمين وبهذا الرأي الذي رآه لهم وأما غير يونس
ابن أبي إسحاق وغير من ذكرت الرواية عنه في أمر ابن الأشعث فإنه قال في سبب
ولايته سجستان ومسيره إلى بلاد رتبيل غير الذي رويت عن أبي مخنف وزعم أن
السبب في ذلك كان أن الحجاج وجه هميان بن عدي السدوسي إلى كرمان مسلحة
لها ليمد عامل سجستان والسندان احتاجا إلى مدد فعصى هميان ومن معه فوجه
الحجاج بن الأشعث في محاربته فهزمه وأقام بموضعه ومات عبيد الله بن أبي بكرة
وكان عاملا على سجستان فكتب الحجاج عهد ابن الأشعث عليها وجهز إليها جيشا
أنفق عليهم ألفى ألف سوى أعطياتهم كان يدعى جيش الطواويس وأمره بالاقدام
على رتبيل (وحج) بالناس في هذه السنة أبان بن عثمان كذلك حدثني أحمد بن
ثابت عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر وكذلك قال محمد بن عمر
الواقدي وقال بعضهم الذي حج بالناس في هذه السنة سليمان بن عبد الملك وكان
على المدينة في هذه السنة أبان بن عثمان وعلى العراق والمشرق كله الحجاج بن
يوسف وعلى خراسان المهلب بن أبي صفرة من قبل الحجاج وعلى قضاء الكوفة
أبو بردة بن أبي موسى وعلى قضاء البصرة موسى بن أنس وأغزى عبد الملك في
هذه السنة ابنه الوليد
142

ثم دخلت سنة إحدى وثمانين
ذكر ما كان فيها من الاحداث
(ففي هذه السنة) كان فتح قاليقلا حدثني عمر بن شبة قال حدثنا علي بن محمد
قال أغزى عبد الملك سنة 81 ابنه عبيد الله بن عبد الملك ففتح قاليقلا (وفى هذه
السنة) قتل بحير بن ورقاء الصريمي بخراسان
ذكر الخبر عن مقتله
وكان سبب قتله أن بحيرا كان هو الذي تولى قتل بكير بن وشاح بأمر أمية بن
عبد الله إياه بذلك فقال عثمان بن رجاء بن جابر بن شداد أحد بنى عوف بن سعد
من الأبناء يحض رجلا من الأبناء من آل بكير بالوتر
لعمري لقد أغضيت عينا على القذى * وبت بطينا من رحيق مروق
وخليت ثارا طل واخترت نومة * ومن شرب الصهباء بالوتر يسبق
فلو كنت من عوف بن سعد ذؤابة * تركت بحيرا في دم مترقرق
فقل لبحير نم ولا تخش ثائرا * بعوف فعوف أهل شاة حبلق
دع الضأن يوما قد سبقتم بوتركم * وصرتم حديثا بين غرب ومشرق
وهبوا فلو أمسى بكير كعهده * صحيحا لغاداهم بحاواء فيلق
(وقال أيضا)
فلو كان بكر بارزا في أداته * وذي العرش لم يقدم عليه بحير
ففي الدهر إن أبقاني الدهر مطلب * وفى الله طلاب بذاك جدير
وبلغ بحيرا أن الأبناء يتوعدونه فقال
توعدني الأبناء جهلا كأنما * يرون فنائي مقفرا من بنى كعب
رفعت له كفى بحد مهند * حسام كلون الملح ذي رونق عضب
فذكر علي بن محمد عن المفضل بن محمد أن سبعة عشر رجلا من بنى عوف
ابن كعب بن سعد تعاقدوا على الطلب بدم بكير فخرج فتى منهم يقال له الشمردل
143

من البادية حتى قدم خراسان فنظر إلى بحير واقفا فشد عليه فطعنه فصرعه فظن أنه
قد قتله وقال الناس خارجي فراكضهم فعثر فرسه فندر عنه فقتل ثم خرج
صعصعة بن حرب العوفي ثم أحد بنى جندب من البادية وقد باع غنيمات له واشترى
حمارا ومضى إلى سجستان فجاور قرابة لبحير هناك ولاطفهم وقال أنا رجل من
بنى حنيفة من أهل اليمامة فلم يزل يأتيهم ويجالسهم حتى أنسوا به فقال لهم إن لي
بخراسان ميراثا قد غلبت عليه وبلغني أن بحيرا عظيم القدر بخراسان فاكتبوا لي
إليه كتابا يعينني على طلب حقي فكتبوا إليه فخرج فقدم مرو والمهلب غاز قال
فلقى قوما من بنى عوف فأخبرهم أمره فقام إليه مولى لبكير صيقل فقبل رأسه
فقال له صعصعة اتخذ لي خنجرا فعمل له خنجرا وأحماه وغمسه في لبن أتان مرارا
ثم شخص من مرو فقطع النهر حتى أتى عسكر المهلب وهو بأخرون يومئذ فلقى بحيرا
بالكتاب وقال انى رجل من بنى حنيفة كنت من أصحاب ابن أبي بكرة وقد ذهب
مالي بسجستان ولى ميراث بمرو فقدمت لا بيعه وأرجع إلى اليمامة قال فأمر له بنفقة
وأنزله معه وقال له استعن بي على ما أحببت قال أقيم عندك حتى يقفل الناس فأقام
شهرا أو نحوا من شهر يحضر معه باب المهلب ومجلسه حتى عرف به قال وكان بحير
يخاف الفتك به ولا يأمن أحدا فلما قدم صعصعة بكتاب أصحابه قال هو رجل
من بكر بن وائل فأمنه فجاء يوما وبحير جالس في مجلس المهلب عليه قميص ورداء
ونعلان فقعد خلفه ثم دنا منه فأكب عليه كأنه كان يكلمه فوجأه بخنجره في
خاصرته فغيبه في جوفه فقال الناس خارجي فنادى يا لثأرات بكير أنا ثائر ببكير
فأخذه أبو العجفاء ابن أبي الخرقاء وهو يومئذ على شرط المهلب فأتى به المهلب
فقال له بؤسا لك ما أدركت بثأرك وقتلت نفسك وما على بحير بأس فقال لقد
طعنته طعنة لو قسمت بين الناس لماتوا ولقد وجدت ريح بطنه في يدي فحبسه
فدخل عليه السجن قوم من الأبناء فقبلوا رأسه قال ومات بحير من غد عند ارتفاع
النهار فقبل لصعصعة مات بحير فقال اصنعوا بي الآن ما شئتم وما بدا لكم أليس
قد حلت نذور نساء بنى عوف وأدركت بثأري لا أبالي ما لقيت أما والله لقد
144

أمكنني ما صنعت خاليا غير مرة فكرهت أن أقتله سرا فقال المهلب ما رأيت
رجلا أسخى نفسا بالموت صبرا من هذا وأمر بقتله أبا سويقة ابن عم لبحير فقال
له أنس بن طلق ويحك قتل بحير فلا تقتلوا هذا فأبى وقتله فشتمه أنس وقال آخرون
بعث به المهلب إلى بحير قبل أن يموت فقال له أنس بن طلق العبشمي يا بحير إنك
قتلت بكيرا فاستحى هذا فقال بحير ادنوه منى لا والله لا أموت وأنت حي فأدنوه
منه فوضع رأسه بين رجليه وقال اصبر عفاق إنه شرباق فقال ابن طلق لبحير
لعنك الله أكلمك فيه وتقتله بين يدي فطعنه بحير بسيفه حتى قتله ومات بحير فقال
المهلب إنا لله وإنا إليه راجعون غزوة أصيب فيها بحير فغضب عوف بن كعب
والأبناء وقالوا علام قتل صاحبنا وإنما طلب بثأره فنازعتهم مقاعس والبطون
حتى خاف الناس أن يعظم البأس فقال أهل الحجى احملوا دم صعصعة واجعلوا
دم بحير بواء ببكير فودوا صعصعة فقال رجل من الأبناء يمدح صعصعة
لله در فتى تجاوز همه * دون العراق مفاوزا وبحورا
ما زال يدأب نفسه ويكدها * حتى تناول في حرون بحيرا
قال وخرج عبد ربه الكبير أبو وكيع وهو من رهط صعصعة إلى البادية فقال
لرهط بكير قتل صعصعة بطلبه بدم صاحبكم فودوه فأخذ لصعصعة ديتين (قال
أبو جعفر) وفى هذه السنة خالف عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الحجاج ومن
معه من جند العراق وأقبلوا إليه لحربه في قول أبى مخنف وروايته لذلك عن أبي
المخارق الراسبي وأما الواقدي فإنه زعم أن ذلك كان في سنة 82
ذكر الخبر عن السبب الذي دعا عبد الرحمن بن محمد إلى ما فعل من ذلك
وما كان من صنيعه بعد خلافه الحجاج في هذه السنة
قد ذكرنا فيما مضى قبل ما كان من عبد الرحمن بن محمد في بلاد رتبيل وكتابه
إلى الحجاج بما كان منه هناك وبما عرض عليه من الرأي فيما يستقبل من أيامه في
سنة 80 ونذكر الآن ما كان من أمره في سنة 81 في رواية أبى مخنف عن أبي المخارق
145

(ذكر هشام) عن أبي مخنف قال قال أبو المخارق الراسبي كتب الحجاج إلى عبد الرحمن
ابن محمد جواب كتابه أما بعد فإن كتابك أتاني وفهمت ما ذكرت فيه وكتابك
كتاب امرئ يحب الهدنة ويستريح إلى الموادعة قد صانع عدوا قليلا ذليلا
قد أصابوا من المسلمين جندا كان بلاؤهم حسنا وغناؤهم في الاسلام عظيما لعمرك
يا ابن أم عبد الرحمن إنك حيث تكف عن ذلك العدو بجندي وحدي لسخي
النفس عمن أصيب من المسلمين إني لم أعدد رأيك الذي زعمت أنك رأيته رأى
مكيدة ولكني رأيت أنه لم يحملك عليه إلا ضعفك والتياث رأيك فامض لما
أمرتك به من الوغول في أرضهم والهدم لحصونهم وقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم
ثم أردفه كتابا فيه أما بعد فمر من قبلك من المسلمين فليحرثوا وليقيموا فإنها
دارهم حتى يفتحها الله عليهم ثم أردفه كتابا آخر فيه أما بعد فامض لما أمرتك
به من الوغول في أرضهم وإلا فان إسحاق بن محمد أخاك أمير الناس فخله وما وليته
فقال حين قرأ كتابه أنا أحمل ثقل إسحاق فعرض له فقال لا تفعل فقال ورب هذا
يعنى المصحف لئن ذكرته لاحد لأقتلنك فظن أنه يريد السيف فوضع يده على
قائم السيف ثم دعا الناس إليه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إني لكم ناصح
ولصلاحكم محب ولكم في كل ما يحيط بكم نفعه ناظر وقد كان من رأيي فيما بينكم
وبين عدوكم رأى استشرت فيه ذوي أحلامكم وأولى التجربة للحرب منكم فرضوه
لكم رأيا ورأوه لكم في العاجل والآجل صالحا وقد كتبت إلى أميركم الحجاج
فجاءني منه كتاب يعجزني ويضعفني ويأمرني بتعجيل الوغول بكم في أرض العدو
وهى البلاد التي هلك إخوانكم فيها بالأمس وإنما أنا رجل منكم أمضى إذا مضيتم
وآبي إذا أبيتم فثار إليه الناس فقالوا لا بل نأبى على عدو الله ولا نسمع له ولا نطيع
(قال أبو مخنف) فحدثني مطرف بن عامر بن واثلة الكناني أن أباه كان أول
متكلم يومئذ وكان شاعرا خطيبا فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه أما بعد فان
الحجاج والله ما يرى بكم إلا ما رأى القائل الأول إذ قال لأخيه احمل عبدك على
الفرس فإن هلك هلك وإن نجا فلك إن الحجاج والله ما يبالي أن يخاطر بكم فيقحمكم
146

بلادا كثيرة اللهوب والصوب فإن ظفرتم فغنمتم أكل البلاد وحاز المال وكان
ذلك زيادة في سلطانه وإن ظفر عدوكم كنتم أنتم الأعداء البغضاء الذي لا يبالي
عنتهم ولا يبقى عليهم اخلعوا عدو الله الحجاج وبايعوا عبد الرحمن فإني أشهدكم
أنى أول خالع فنادى الناس من كل جانب فعلنا فعلنا قد خلعنا عدو الله وقام
عبد المؤمن بن شبث بن ربعي التميمي ثانيا وكان على شرطته حين أقبل فقال
عباد الله إنكم إن أطعتم الحجاج جعل هذه البلاد بلادكم ما بقيتم وجمركم تجمير
فرعون الجنود فإنه بلغني أنه أول من جمر البعوث ولن تعاينوا الأحبة
فيما أرى أو يموت أكثركم بايعوا أميركم وانصرفوا إلى عدوكم فانفوه عن
بلادكم فوثب الناس إلى عبد الرحمن فبايعوه فقال تبايعوني على خلع الحجاج
عدو الله وعلى النصرة لي وجهاده معي حتى ينفيه الله من أرض العراق
فبايعه الناس ولم يذكر خلع عبد الملك إذ ذاك بشئ (قال أبو مخنف) حدثني
عمر بن ذر القاص أن أباه كان معه هنالك وأن ابن محمد كان ضربه وحبسه
لانقطاعه كان إلى أخيه القاسم بن محمد فلما كان من أمره الذي كان من الخلاف
دعاه فحمله وكساه وأعطاه فأقبل معه فيمن أقبل وكان قاصا خطيبا (قال أبو مخنف)
حدثني سيف بن بشر العجلي عن المنخل بن حابس العبدي أن ابن محمد لما أقبل
من سجستان أمر على بست عياض بن هميان البكري من بنى سدوس بن شيبان
ابن ذهل بن ثعلبة وعلى زرنج عبد الله بن عامر التميمي ثم الدارمي ثم بعث إلى
رتبيل فصالحه على أن ابن الأشعث إن ظهر فلا خراج عليه أبدا ما بقى وإن هزم
فأراده ألجأه عنده (قال أبو مخنف) حدثني خشينة بن الوليد العبسي أن
عبد الرحمن لما خرج من سجستان مقبلا إلى العراق سار بين يديه الأعشى على
فرس وهو يقول
شطت نوى من داره بالإيوان * إيوان كسرى ذي القرى والريحان
من عاشق أمسى بزابلستان * إن ثقيفا منهم الكذابان
كذابها الماضي وكذاب ثان * أمكن ربى من ثقيف همدان
147

يوما إلى الليل يسلى ما كان * إنا سمونا للكفور الفتان
حتى طغى في الكفر بعد الايمان * بالسيد الغطريف عبد الرحمن
سار بجمع كالدبى من قحطان * ومن معد قد أتى ابن عدنان
بجحفل جم شديد الإرنان * فقل لحجاج ولى الشيطان
يثبت لجمع مذحج وهمدان * فإنهم ساقوه كأس الذيفان
وملحقوه بقرى ابن مروان
قال وبعث على مقدمته عطية بن عمرو العنبري وبعث الحجاج إليه الخيل فجعل
لا يلقى خيلا إلا هزمها فقال الحجاج من هذا فقيل له عطية فذلك قول الأعشى
فإذا جعلت دروب فان * رس خلفهم دربا فدربا
فابعث عطية في الخيول * يكبهن عليك كبا
ثم إن عبد الرحمن أقبل يسير بالناس فسأل عن أبي إسحاق السبيعي وكان قد
كتبه في أصحابه وكان يقول أنت خالي فقيل له ألا تأتيه فقد سأل عنك فكره أن
يأتيه ثم أقبل حتى مر بكرمان فبعث عليهم خرشة بن عمر والتميمي ونزل أبو إسحاق
بها فلم يدخل في فتنته حتى كانت الجماجم ولما دخل الناس فارس اجتمع الناس
بعضهم إلى بعض وقالوا إنا إذا خلعنا الحجاج عامل عبد الملك فقد خلعنا عبد الملك
فاجتمعوا إلى عبد الرحمن فكان أول الناس (قال أبو مخنف) فيما حدثني
أبو الصلت التيمي خلع عبد الملك بن مروان تيحان بن أبجر من بنى تيم الله بن
ثعلبة فقام فقال أيها الناس إني خلعت أبا ذبان كخلعي قميصي فخلعه الناس إلا قليلا
منهم ووثبوا إلى ابن محمد فبايعوه وكانت بيعته تبايعون على كتاب الله وسنة
نبيه وخلع أئمة الضلالة وجهاد المحلين فإذا قالوا نعم بايع فلما بلغ الحجاج خلعه
كتب إلى عبد الملك يخبره خبر عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ويسأله أن يعجل
بعثه الجنود إليه وبعث كتابه إلى عبد الملك يتمثل في آخره بهذه الأبيات وهى
للحارث بن وعلة
سائل مجاور جرم هل جنيت لهم * حربا تفرق بين الجيرة الخلط
وهل سموت بجرار له لجب * جم الصواهل بين الجم والفرط
148

وهل تركت نساء الحي ضاحية * في ساحة الدار يستوقدن بالغبط
وجاء حتى نزل البصرة وقد كان بلغ المهلب شقاق عبد الرحمن وهو بسجستان
فكتب إليه أما بعد فإنك وضعت رجلك يا ابن محمد في غرز طويل الغى على أمة
محمد صلى الله عليه وسلم الله الله فانظر لنفسك لا تهلكها ودماء المسلمين فلا تسفكها
والجماعة فلا تفرقها والبيعة فلا تنكثها فان قلت أخاف الناس على نفسي فالله
أحق أن تخافه عليها من الناس فلا تعرضها لله في سفك دم ولا استحلال محرم
والسلام عليك وكتب المهلب إلى الحجاج أما بعد فإن أهل العراق قد أقبلوا
إليك وهم مثل السيل المنحدر من عل ليس شئ يرده حتى ينتهى إلى قراره وان
لأهل العراق شرة في أول مخرجهم وصبابة إلى أبنائهم ونسائهم فليس شئ يردهم
حتى يسقطوا إلى أهليهم ويشموا أولادهم ثم واقفهم عندها فإن الله ناصرك عليهم
إن شاء الله فلما قرأ كتابه قال فعل الله به وفعل لا والله مالي نظر ولكن لابن عمه
نصح ولما وقع كتاب الحجاج إلى عبد الملك هاله ثم نزل عن سريره وبعث إلى خالد بن
يزيد بن معاوية ودعاه فأقرأه الكتاب ورأى ما به من الجزع فقال يا أمير المؤمنين إن كان
هذا الحدث من قبل سجستان فلا تخفه وإن كان من قبل خراسان تخوفته قال
فخرج إلى الناس فقام فيهم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن أهل العراق طال عليهم عمري
فاستعجلوا قدري اللهم سلط عليهم سيوف أهل الشأم حتى يبلغوا رضاك فإذا بلغوا
رضاك لم يجاوزا إلى سخطك ثم نزل وأقام الحجاج بالبصرة وتجهز ليلقى ابن محمد وترك
رأى المهلب وفرسان أهل الشأم يسقطون إلى الحجاج في كل يوم مائة وخمسون
وعشرة وأقل على البرد من قبل عبد الملك وهو في كل يوم تسقط إلى عبد الملك
كتبه ورسله بخبر ابن محمد أي كورة نزل ومن أي كورة يرتحل وأي الناس إليه
أسرع (قال أبو مخنف) حدثني فضيل بن خديج ان مكتبه كان بكرمان وكان بها أربعة
آلاف فارس من أهل الكوفة وأهل البصرة فلما مر بهم ابن محمد بن الأشعث
انجفلوا معه وعزم الحجاج رأيه على استقبال ابن الأشعث فسار بأهل الشأم حتى
نزل تستر وقدم بين يديه مطهر بن حر العكي أو الجذامي وعبد الله بن رميثة
149

الطائي ومطهر على الفريقين فجاءوا حتى انتهوا إلى دجيل وقد قطع عبد الرحمن بن
محمد خيلا له عليها عبد الله بن أبان الحارثي في ثلثمائة فارس وكانت مسلحة له وللجند
فلما انتهى إليه مطهر بن حر أمر عبد الله بن رميثة الطائي فأقدم عليهم فهزمت
خيل عبد الله حتى انتهت إليه وجرح أصحابه (قال أبو مخنف) فحدثني أبو الزبير
الهمداني قال كنت في أصحاب ابن محمد إذ دعا الناس وجمعهم إليه ثم قال اعبروا
إليه من هذا المكان فأقحم الناس خيولهم دجيل من ذلك المكان الذي أمرهم به
فوالله ما كان بأسرع من أن عبر عظم خولنا فما تكاملت حتى حملنا على مهر بن
حر والطائي فهزمناهما يوم الأضحى في سنة 81 وقتلناهم قتلا ذريعا وأصبنا عسكرهم
وأتت الحجاج الهزيمة وهو يخطب فصعد إليه أبو كعب بن عبيد بن سرجس
فأخبره بهزيمة الناس فقال أيها الناس ارتحلوا إلى البصرة إلى معسكر ومقاتل
وطعام ومادة فإن هذا المكان الذي نحن به لا يحمل الجند ثم انصرف راجعا
وتبعته خيول أهل العراق فكلما أدركوا منهم شاذا قتلوه وأصابوا ثقلا حووه
ومضى الحجاج لا يلوى على شئ حتى نزل الزاوية وبعث إلى طعام التجار الكلاء
فأخذه فحمله إليه وخلى البصرة لأهل العراق وكان عامله عليهم الحكم بن أيوب
ابن الحكم بن أبي عقيل الثقفي وجاء أهل العراق حتى دخلوا البصرة وقد كان الحجاج
حين صدم تلك الصدمة وأقبل راجعا دعا بكتاب المهلب فقرأه ثم قال لله أبوه أي
صاحب حرب هو أشار علينا بالرأي ولكنا لم نقبل وقال غير أبى مخنف كان عامل
البصرة يومئذ الحكم بن أيوب على الصلاة والصدقة وعبد الله بن عامر بن مسمع
على الشرط فسار الحجاج في جيشه حتى نزل رستقباذ وهى من دستوى من كور
الأهواز فعسكر بها وأقبل ابن الأشعث فنزل تستر وبينهما نهر فوجه الحجاج
مطهر بن حر العكي في ألفى رجل فأوقعوا بمسلحة لابن الأشعث وسار ابن
الأشعث مبادرا فواقعهم وهى عشية عرفة من سنة 81 فيقال إنهم قتلوا من أهل
الشأم ألفا وخمسمائة وجاءه الباقون منهزمين ومعه يومئذ مائة وخمسون ألف ألف
ففرقها في قواده وضمنهم إياها وأقبل منهزما إلى البصرة وخطب ابن الأشعث
150

أصحابه فقال أما الحجاج فليس بشئ ولكنا نريد غزو عبد الملك وبلغ أهل البصرة
هزيمة الحجاج فأراد عبد الله بن عامر بن مسمع أن يقطع الجسر دونه فرشاه الحكم
ابن أيوب مائة ألف فكف عنه ودخل الحجاج البصرة فأرسل إلى ابن عامر
فانتزع المائة الألف منه (رجع الحديث إلى حديث أبي مخنف عن أبي الزبير الهمداني)
فلما دخل عبد الرحمن بن محمد البصرة بايعه على حرب الحجاج وخلع عبد الملك
جميع أهلها من قرائها وكهولها وكان رجل من الأزد من الجهاضم يقال له عقبة
ابن عبد الغافر له صحابة فنزا فبايع عبد الرحمن مستبصرا في قتال الحجاج وخندق
الحجاج عليه وخندق عبد الرحمن على البصرة وكان دخول عبد الرحمن البصرة
في آخر ذي الحجة من سنة 81 (وحج) بالناس في هذه السنة سليمان بن عبد الملك
كذا حدثني أحمد بن ثابت عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر وكذلك
قال الواقدي وقال في هذه السنة ولى ابن أبي ذئب وكان العامل في هذه السنة
على المدينة أبان بن عثمان وعلى العراق والمشرق الحجاج بن يوسف وعلى حرب
خراسان المهلب وعلى خراجها المغيرة بن مهلب من قبل الحجاج وعلى قضاء الكوفة
أبو بردة بن أبي موسى وعلى قضاء البصرة عبد الرحمن بن أذينة
ثم دخلت سنة اثنتين وثمانين
ذكر الخبر عن الكائن من الاحداث فيها
فمن ذلك ما كان بين الحجاج وعبد الرحمن بن محمد بن الحروب بالزاوية
(ذكر هشام) بن محمد عن أبي مخنف قال حدثني أبو الزبير الهمداني قال كان
دخول عبد الرحمن البصرة في آخر ذي الحجة واقتتلوا في المحرم من سنة 82
فتزاحفوا ذات يوم فاشتد قتالهم ثم إن أهل العراق هزموهم حتى انتهوا إلى الحجاج
وحتى قاتلوهم على خنادقهم وانهزمت عامة قريش وثقيف حتى قال عبيد بن موهب
مولى الحجاج وكاتبه
فر البراء وابن عمه مصعب * وفرت قريش غير آل سعيد
151

ثم إنهم تزاحفوا في المحرم في آخره في اليوم الذي هزم فيه أهل العراق
أهل الشام فنكصت ميمنتهم وميسرتهم واضطربت رماحهم وتقوض صفهم
حتى دنوا منا فلما رأى الحجاج ذلك جثا على ركبتيه وانتضى نحوا من شبر من
سيفه وقال لله در مصعب ما كان أكرمه حين نزل به ما نزل فعلمت أنه والله
لا يريد أن يفر قال فغمزت أبى بعيني ليأذن لي فيه فأضربه بسيفي فغمزني غمزة
شديدة فسكنت وحانت منى التفاتة فإذا سفيان بن الأبرد الكلبي قد حمل عليهم
فهزمهم من قبل الميمنة فقلت أبشر أيها الأمير فإن الله قد هزم العدو فقال لي قم
فانظر قال فقمت فنظرت فقلت قد هزمهم الله قال قم يا زياد فانظر قال فقام فنظر
فقال الحق أصلحك الله يقينا قد هزموا فخر ساجدا فلما رجعت شتمني أبى وقال
أردت أن تهلكني وأهل بيتي وقتل في المعركة عبد الرحمن بن عوسجة أبو سفيان
النهمي وقتل عقبة بن عبد الغافر الأزدي ثم الجهضمي في أولئك القراء في ربضة
واحدة وقتل عبد الله بن رزام الحارثي وقتل المنذر بن الجارود وقتل عبد الله
ابن عامر بن مسمع وأتى الحجاج برأسه فقال ما كنت أرى هذا فارقني حتى جاءني
الآن برأسه وبارز سعيد بن يحيى بن سعيد بن العاص رجلا يومئذ فقتله وزعموا
أنه كان مولى للمفضل بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب كان شجاعا
يدعى نصيرا فلما رأى مشيته بين الصفين وكان يلومه على مشيته قال لا ألومه على
هذه المشية أبدا وقتل الطفيل بن عامر بن واثلة وقد كان قال وهو بفارس يقبل
مع عبد الرحمن بن كرمان إلى الحجاج
ألا طرقتنا بالغريين بعد ما * كللنا على شحط المزار جنوب
أتوك يقودون المنايا وإنما * هدتها بأولانا إليك ذنوب
ولا خير في الدنيا لمن لم يكن له * من الله في دار القرار نصيب
ألا أبلغ الحجاج أن قد أظله * عذاب بأيدي المؤمنين مصيب
متى نهبط المصرين يهرب محمد * وليس بمنجى ابن اللعين هروب
قال منيتنا أمرا كان في علم الله إنك أولى به فعجل لك في الدنيا وهو معذبك
152

في الآخرة وانهزم الناس فأقبل عبد الرحمن نحو الكوفة وتبعه من كان معه من
أهل الكوفة وتبعه أهل القوة من أصحاب الخيل من أهل البصرة ولما مضى
عبد الرحمن نحو الكوفة وثب أهل البصرة إلى عبد الرحمن بن عباس بن ربيعة
ابن الحارث بن عبد المطلب فبايعوه فقاتل بهم خمس ليال الحجاج أشد قتال
رآه الناس ثم انصرف فلحق بابن الأشعث وتبعه طائفة من أهل البصرة فلحقوا
به وخرج الحريش بن هلال السعدي وهو من بنى أنف الناقة وكان جريحا إلى
سفوان فمات من جراحته وقتل في المعركة زياد بن مقاتل بن مسمع من بنى قيس
ابن ثعلبة فقامت حميدة ابنته تندبه وكان على خمس بكر بن وائل مع ابن الأشعث
وعلى الرجال فقالت
حامى زياد على رايتيه * وفر جدي بنى العنبر
فجاء البلتع السعدي فسمعها وهى تندب أباها وتعيب التميمي فجاء وكان يبيع
سمنا بالمربد فترك سمنه عند أصحابه وجاء حتى قام تحتها فقال
علام تلومين من لم يلم * تطاول ليلك من معصر
فإن كان أردى أباك السنان * فقد تلحق الخيل بالمدبر
وقد تنطح الخيل تحت العجا * ج غير البرى ولا المعذر
ونحن منعنا لواء الحريش * وطاح لواء بنى جحدر
فقال عامر بن واثلة يرثى ابنه طفيلا
خلى طفيل على الهم فانشعبا * وهد ذلك ركني هدة عجبا
وابني سمية لا أنساهما أبدا * فيمن نسيت وكل كان لي نصبا
وأخط تنى المنايا لا تطالعني * حتى كبرت ولم يتركن لي نشبا
وكنت بعد طفيل كالذي نضبت * عنه المياه وغاض الماء فانقضبا
فلا بعير له في الأرض يركبه * وإن سعى إثر من قد فاته لغبا
وسار من أرض خاقان التي غلبت * أبناء فارس في أربائها غلبا
ومن سجستان أسباب تزينها * لك المنية حينا كان مجتلبا
153

حتى وردت حياض الموت فانكشفت * عنك الكتائب لا تخفى لها عقبا
وغادروك صريعا رهن معركة * ترى النسور على القتلى بها عصبا
تعاهدوا ثم لم يوفوا بما عهدوا * وأسلموا للعدو السبى والسلبا
يا سوءة القوم إذ تسبى نساؤهم * وهم كثير يرون الخزي والحربا
(قال أبو مخنف) فحدثني هشام بن أيوب بن عبد الرحمن بن أبي عقيل الثقفي
أن الحجاج أقام بقية المحرم وأول صفر ثم استعمل على البصرة أيوب بن الحكم
ابن أبي عقيل ومضى ابن الأشعث إلى الكوفة وقد كان الحجاج خلف عبد الرحمن
ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن عامر الحضرمي حليف حرب بن أمية على الكوفة
(قال أبو مخنف) كما حدثني يونس بن أبي إسحاق أنه كان على أربعة آلاف من
أهل الشأم (قال أبو مخنف) فحدثني سهم بن عبد الرحمن الجهني أنهم كانوا
ألفين وكان حنظلة بن الوراد من بنى رياح بن يربوع التميمي وابن عتاب بن ورقاء
على المدائن وكان مطر بن ناجية من بنى يربوع على المعونة فلما بلغه ما كان من
أمر ابن الأشعث أقبل حتى دنا من الكوفة فتحصن منه ابن الحضرمي في القصر
ووثب أهل الكوفة مع مطر بن ناجية بابن الحضرمي ومن معه من أهل الشأم
فحاصرهم فصالحوه على أن يخرجوا ويخلوه والقصر فصالحهم (قال أبو مخنف)
فحدثني يونس بن أبي إسحاق أنه رآهم ينزلون من القصر على العجل وفتح باب
القصر لمطر بن ناجية فازدحم الناس على باب القصر فزحم مطر على باب القصر
فاخترط سيفه فضرب به جحفلة بغل من بغال أهل الشأم وهم يخرجون من
القصر فألقى جحفلته ودخل القصر واجتمع الناس عليه فأعطاهم مائتي درهم قال
يونس وأنا رأيتها تقسم بينهم وكان أبو السقر فيمن أعطيها وأقبل ابن الأشعث
منهزما إلى الكوفة وتبعه الناس إليها (قال أبو جعفر) وفى هذه السنة كانت
وقعة دير الجماجم بين الحجاج وابن الأشعث في قول بعضهم قال الواقدي كانت
وقعة دير الجماجم في شعبان من هذه السنة وفى قول بعضهم كانت في سنة 83
154

ذكر الخبر عن ذلك وعن سبب مصير ابن الأشعث إلى دير الجماجم
وذكر ما جرى بينه وبين الحجاج بها
(ذكر هشام) عن أبي مخنف قال حدثني أبو الزبير الهمداني ثم الأرحبي
قال كنت قد أصابتني جراحة وخرج أهل الكوفة يستقبلون ابن الأشعث
حين أقبل فاستقبلوه بعد ما جاز قنطرة زبارا فلما دنا منها قال لي إن رأيت
أن تعدل عن الطريق فلا يرى الناس جراحتك فإني لا أحب أن يستقبلهم
الجرحى فافعل فعدلت ودخل الناس فلما دخل الكوفة مال إليه أهل الكوفة
كلهم وسبقت همدان إليه فحفت به عند دار عمرو بن حريث إلا أن طائفة
من تميم ليسوا بالكثير قد أتوا مطر بن ناجية فأرادوا أن يقاتلوا دونه فلم
يطيقوا قتال الناس فدعا عبد الرحمن بالسلاليم والعجل فوضعت ليصعد الناس القصر
فصعد الناس القصر فأخذوه فأتى به عبد الرحمن بن محمد فقال له استبقني فانى أفضل
فرسانك وأعظمهم عنك غنى فأمر به فحبس ثم دعا به بعد ذلك فعفا عنه وبايعه
مطر ودخل الناس إليه فبايعوه وسقط إليه أهل البصرة وتقوضت إليه المسالح
والثغور وجاءه فيمن جاءه من أهل البصرة عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن
الحارث بن عبد المطلب وعرف بذلك وكان قد قاتل الحجاج بالبصرة بعد خروج
ابن الأشعث ثلاثا فبلغ ذلك عبد الملك بن مروان فقال قاتل الله عبد الرحمن إنه
قد فر وقاتل غلمان من غلمان قريش بعد ثلاثا وأقبل الحجاج من البصرة فسار
في البر حتى مر بين القادسية والعذيب ومنعوه من نزول القادسية وبعث إليه
عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث عبد الرحمن بن العباس في خيل عظيمة من خيل
المصرين فمنعوه من نزول القادسية ثم سايروه حتى ارتفعوه على وادى السباع ثم
تسايروا حتى نزل الحجاج دير قرة ونزل عبد الرحمن بن العباس دير الجماجم ثم
جاء ابن الأشعث فنزل بدير الجماجم والحجاج بدير قرة فكان الحجاج بعد ذلك
يقول أما كان عبد الرحمن يزجر الطير حيث رآني نزلت دير قرة ونزل دير الجماجم
واجتمع أهل الكوفة وأهل البصرة وأهل الثغور والمسالح بدير الجماجم والقراء
155

من أهل المصرين فاجتمعوا جميعا على حرب الحجاج وجمعهم عليه بغضهم والكراهية
له وهم إذ ذاك مائة ألف مقاتل ممن يأخذ العطاء ومعهم مثلهم من مواليهم وجاءت
الحجاج أيضا أمداده من قبل عبد الملك من قبل أن ينزل دير قرة وقد كان الحجاج
أراد قبل أن ينزل دير قرة أن يرتفع إلى هيت وناحية الجزيرة إرادة أن يقترب
من الشأم والجزيرة فيأتيه المدد من الشأم من قريب ويقترب من رفاغة سعر الجزيرة
فلما مر بدير قرة قال بهذا المنزل بعد من أمير المؤمنين وإن الفلاليج وعين التمر
إلى جنبنا فنزل فكان في عسكره مخندقا وابن محمد في عسكره مخندقا والناس يخرجون
في كل يوم فيقتتلون فلا يزال أحدهما يدنى خندقه نحو صاحبه فإذا رآه الآخر
خندق أيضا وأدنى خندقه من صاحبه واشتد القتال بينهم فلما بلغ ذلك رؤس
قريش وأهل الشأم قبل عبد الملك ومواليه قالوا إن كان إنما يرضى أهل العراق
أن تنزع عنهم الحجاج فإن نزع الحجاج أيسر من حرب أهل العراق فانزعه عنهم
تخلص لك طاعتهم وتحقن به دماءنا ودماءهم فبعث ابنه عبد الله بن عبد الملك وبعث
إلى أخيه محمد بن مروان بأرض الموصل يأمره بالقدوم عليه فاجتمعا جميعا عنده
كلاهما في جنديهما فأمرهما أن يعرضا على أهل العراق نزع الحجاج عنهم وأن
يجرى عليهم أعطياتهم كما تجرى على أهل الشأم وأن ينزل ابن محمد أي بلد من عراق
شاء يكون عليه واليا ما دام حيا وكان عبد الملك واليا فإن هم قبلوا ذلك عزل عنهم
الحجاج وكان محمد بن مروان أمير العراق وإن أبوا أن يقبلوا فالحجاج أمير جماعة
أهل الشأم وولى القتال ومحمد بن مروان وعبد الله بن عبد الملك في طاعته فلم يأت الحجاج
أمر قط كان أشد عليه ولا أغيظ له ولا أوجع لقلبه منه مخافة أن يقبلوا فيعزل عنهم
فكتب إلى عبد الملك يا أمير المؤمنين والله لئن أعطيت أهل العراق نزعي لا يلبثون
إلا قليلا حتى يخالفوك ويسيروا إليك ولا يزيدهم ذلك إلا جرأة عليك ألم تر وتسمع
بوثوب أهل العراق مع الأشتر على ابن عفان * فلما سألهم ما يريدون قالوا نزع
سعيد بن العاص فلما نزعه لم تتم لهم السنة حتى ساروا إليه فقتلوه إن الحديد بالحديد
يفلح خار الله لك فيما ارتأيت والسلام عليك فأبى عبد الملك إلا عرض هذه
156

الخصال على أهل العراق إرادة العافية من الحرب فلما اجتمعا مع الحجاج خرج
عبد الله بن عبد الملك فقال يا أهل العراق أنا عبد الله بن أمير المؤمنين وهو يعطيكم
كذا وكذا فذكر هذه الخصال التي ذكرنا * وقال محمد بن مروان أنا رسول أمير
المؤمنين إليكم وهو يعرض عليكم كذا وكذا فذكر هذه الخصال قالوا نرجع العشية
فرجعوا فاجتمعوا عند ابن الأشعث فلم يبق قائد ولا رأس قوم ولا فارس إلا أتاه
فحمد الله ابن الأشعث وأثنى عليه ثم قال أما بعد فقد أعطيتم أمرا انتهازكم اليوم
إياه فرصة ولا آمن أن يكون على ذي الرأي غدا حسرة وإنكم اليوم على النصف
وإن كانوا اعتدوا بالزاوية فأنتم تعتدون عليهم بيوم تستر فاقبلوا ما عرضوا عليكم
وأنتم أعزاء أقوياء والقوم لكم هائبون وأنتم لهم منتقصون فلا والله لا زلتم عليهم جراء
ولا زلتم عندهم أعزاء إن أنتم قبلتم أبدا ما بقيتم فوثب الناس من كل جانب فقالوا إن الله
قد أهلكهم فأصبحوا في الأزل والضنك والمجاعة والقلة والذلة ونحن ذوو العدد
الكثير والسعر الرفيع والمادة القريبة لا والله لا نقبل فأعادوا خلعه ثانية وكان عبد الله
ابن ذواب السلمي وعمير بن تيحان أول من قام بخلعه في الجماجم وكان اجتماعهم على خلعه
بالجماجم أجمع من خلعهم إياه بفارس فرجع محمد بن مروان وعبد الله بن عبد الملك إلى
الحجاج فقالا شأنك بعسكرك وجندك فاعمل برأيك فانا قد أمرنا أن نسمع لك
ونطيع فقال قد قلت لكما إنه لا يراد بهذا الامر غيركما ثم قال إنما أقاتل لكما وإنما
سلطاني سلطانكما فكانا إذا لقياه سلما عليه بالامرة وقد زعم أبو يزيد السكسكي أنه إنما
كان أيضا يسلم عليهما بالامرة إذا لقيهما وخلياه والحرب تتولاها (قال أبو مخنف)
فحدثني الكلبي محمد بن السائب أن الناس لما اجتمعوا بالجماجم سمعت عبد الرحمن
ابن محمد وهو يقول ألا ان بنى مروان يعيرون بالزرقاء والله مالهم نسب أصح منه
إلا أن بنى أبى العاص أعلاج من أهل صفورية فان يكن هذا الامر في قريش فعيني
فقئت بيضة قريش وإن يك في العرب فأنا ابن الأشعث بن قيس ومد بها صوته
يسمع الناس وبرزوا للقتال فجعل الحجاج على ميمنته عبد الرحمن بن سليم الكلبي
وعلى ميسرته عمارة بن تميم اللخمي وعلى خيله سفيان بن الأبرد الكلبي وعلى
157

رجاله عبد الرحمن بن حبيب الحكمي وجعل ابن الأشعث على ميمنته الحجاج
ابن جارية الخثعمي وعلى ميسرته الأبرد بن قرة التميمي وعلى خيله عبد الرحمن بن
عباس بن ربيعة بن الحارث الهاشمي وعلى رجاله محمد بن سعد بن أبي وقاص وعلى
مجففته عبد الله رزام الحارثي وجعل على القراء جبلة بن زحر بن قيس الجعفي
وكان معه خمسة عشر رجلا من قريش وكان فيهم عامر الشعبي وسعيد بن جبير
وأبو البختري الطائي وعبد الرحمن بن أبي ليلى ثم إنهم أخذوا يتزاحفون في كل
يوم ويقتتلون وأهل العراق تأتيهم موادهم من الكوفة ومن سوادها فيما شاؤوا
من خصبهم وإخوانهم من أهل البصرة وأهل الشأم في ضيق شديد قد غلقت
عليهم الأسعار وقل عندهم الطعام وفقدوا اللحم وكانوا كأنهم في حصار وهم على
ذلك يغادون أهل العراق ويراوحونهم فيقتتلون أشد القتال وكان الحجاج يدنى
خندقه مرة وهؤلاء أخرى حتى كان اليوم الذي أصيب فيه جبلة بن زحر ثم إنه
بعث إلى كميل بن زياد النخعي وكان رجلا ركينا وقورا عند الحرب له بأس
وصوت في الناس وكانت كتيبته تدعى كتيبة القراء يحمل عليهم فلا يكادون
يبرحون ويحملون فلا يكذبون فكانوا قد عرفوا بذلك فخرجوا ذات يوم كما
كانوا يخرجون وخرج الناس فعبى الحجاج أصحابه ثم زحف في صفوفه وخرج
ابن محمد في سبعة صفوف بعضها على أثر بعض وعبى الحجاج لكتيبة القراء التي
مع جبلة بن زحر ثلاث كتائب وبعث عليها الجراح بن عبد الله الحكمي فأقبلوا
نحوهم (قال أبو مخنف) حدثني أبو يزيد السكسكي قال أنا والله في الخيل التي
غبيت لجبلة بن زحر قال حملنا عليه وعلى أصحابه ثلاث حملات كل كتيبة تحمل
حملة فلا والله ما استنقصنا منهم شيئا (وفى هذه السنة) توفى المغيرة بن المهلب
بخراسان (ذكر علي بن محمد) عن المفضل بن محمد قال كان المغيرة بن المهلب
خليفة أبيه بمرو على عمله كله فمات في رجب سنة 82 فأتى الخبر يزيد وعلمه أهل العسكر
فلم يخبروا المهلب وأحب يزيد أن يبلغه فأمر النساء فصرخن فقال المهلب ما هذا
فقيل مات المغيرة فاسترجع وجزع حتى ظهر جزعه عليه فلامه بعض خاصته فدعا
158

يزيد فوجه إلى مرو فجعل يوصيه بما يعمل ودموعه تنحدر على لحيته وكتب
الحجاج إلى المهلب يعزيه عن المغيرة وكان سيدا وكان المهلب يوم مات المغيرة
مقيما بكش وراء النهر لحرب أهلها قال فسار يزيد في ستين فارسا ويقال سبعين
فيهم مجاعة بن عبد الرحمن العتكي وعبد الله بن معمر بن سمير اليشكري ودينار
السجستاني والهيثم بن المنخل الجرموزي وغزوان الإسكاف صاحب زم وكان
أسلم على يد المهلب وأبو محمد الزمي وعطية مولى لعتيك فلقيهم خمسمائة من الترك
في مفازة نسف فقالوا ما أنتم قالوا تجار قالوا فأين الأثقال قالوا قدمناها قالوا
فأعطونا شيئا فأبى يزيد فأعطاهم مجاعة ثوبا وكرابيس وقوسا فانصرفوا ثم غدروا
وعادوا إليهم فقال يزيد أنا كنت أعلم بهم فقاتلوهم فاشتد القتال بينهم ويزيد على
فرس قريب من الأرض ومعه رجل من الخوارج كان يزيد أخذه فقال استبقني
فمن عليه فقال له ما عندك فحمل عليهم حتى خالطهم وصار من ورائهم وقد قتل
رجلا ثم كر فخالطهم حتى تقدمهم وقتل رجلا ثم رجع إلى يزيد وقتل يزيد عظيما
من عظمائهم ورمى يزيد في ساقه واشتدت شوكتهم وهرب أبو محمد الزمي وصبر
لهم يزيد حتى حاجزوهم وقالوا قد غدرنا ولكن لا ننصرف حتى نموت جميعا أو
تموتوا أو تعطونا شيئا فحلف يزيد لا يعطيهم شيئا فقال مجاعة أذكرك الله قد هلك
المغيرة وقد رأيت ما دخل على المهلب من مصابه فأنشدك الله أن تصاب اليوم قال
إن المغيرة لم يعد أجله ولست أعدو أجلى فرمى إليهم مجاعة بعمامة صفراء فأخذوها
وانصرفوا وجاء أبو محمد الزمي بفوارس وطعام فقال له يزيد أسلمتنا يا أبا محمد فقال
إنما ذهبت لأجيئكم بمدد وطعام فقال الراجز
يزيد يا سيف أبي سعيد * قد علم الأقوام والجنود
والجمع يوم المجمع المشهود * أنك يوم الترك صلب العود
وقال الأشقري:
والترك تعلم إذ لاقي جموعهم * أن قد لقوه شهابا يفرج الظلما
بفتية كأسود الغاب لم يجدوا * غير التأسي وغير الصبر معتصما
159

نرى شرائج تغشى القوم من علق * وما أرى نبوة منهم ولا كزما
وتحتهم قرح يركبن ما ركبوا * من الكريهة حتى يبتلعن دما
في حازة الموت حتى جن ليلهم * كلا الفريقين ما ولى ولا انهزما
(وفى هذه السنة) صالح المهلب أهل كش على فدية ورحل عنها يريد مرو
ذكر الخبر عن سبب انصراف المهلب عن كش
ذكر علي بن محمد عن المفضل بن محمد أن المهلب اتهم قوما من مضر فحبسهم
وقفل من كش وخلفهم وخلف حريث بن قطبة مولى خزاعة وقال إذا استوفيت
الفدية فرد عليهم الرهن وقطع النهر * فلما صار ببلخ أقام بها وكتب إلى
حريث إن لست آمن إن رددت عليهم الرهن أن يغيروا عليك فإذا قبضت
الفدية فلا تخلى الرهن حتى تقدم أرض بلخ فقال حريث لملك كش إن المهلب
كتب إلى أن احبس الرهن حتى أقدم أرض بلخ فإن عجلت لي ما عليك سلمت إليك
رهائنك وسرت فأخبرته أن كتابه ورد وقد استوفيت ما عليكم ورددت عليكم الرهن
فعجل لهم صلحهم ورد عليهم من كان في أيديهم منهم وأقبل فعرض لهم الترك
فقالوا أفسد نفسك ومن معك فقد لقينا يزيد بن المهلب ففدى نفسه فقال حريث ولدتني
إذا أم يزيد وقاتلهم فقتلهم وأسر منهم أسرى ففدوهم فمن عليهم وخلاهم ورد عليهم
الفداء وبلغ المهلب قوله ولدتني أم يزيد إذا فقال يأنف العبد أن تلده رحمه
وغضب * فلما قدم عليه بلخ قال له أين الرهن قال قبضت ما عليهم وخليتهم قال
ألم أكتب إليك أن لا تخليهم قال أتاني كتابك وقد خليتهم وقد كفيت ما خفت
قال كذبت ولكنك تقربت إليهم وإلى ملكهم فأطلعته على كتابي إليك وأمر
بتجريده فجزع من التجريد حتى ظن المهلب أن به برصا فجرده وضربه ثلاثين
سوطا فقال حريث وددت أنه ضربني ثلاثمائة سوط ولم يجردني أنفا واستحياء
من التجريد وحلف ليقتلن المهلب فركب المهلب يوما وركب حريث فأمر
غلامين له وهو يسير خلف المهلب أن يضرباه فأبى أحدهما وتركه وانصرف
ولم يجترئ الآخر لما صار وحده أن يقدم عليه فلما رجع قال لغلامه ما منعك
160

منه قال الاشفاق والله عليك ووالله ما جزعت على نفسي وعلمت أنا إن قتلناه
أنك ستقتل ونقتل ولكن كان نظري لك ولو كنت أعلم أنك تسلم من القتل
لقتلته قال فترك حريث إتيان المهلب وأظهر أنه وجع وبلغ المهلب أنه تمارض
وأنه يريد الفتك به فقال المهلب لثابت بن قطبة جئني بأخيك فإنما هو كبعض
ولدى عندي وما كان ما كان منى إليه إلا نظرا له وأدبا ولربما ضربت بعض
ولدى أؤدبه فأتى ثابت أخاه فناشده وسأله أن يركب إلى المهلب فأبى وخافه
وقال والله لا أجيئه بعد ما صنع بي ما صنع ولا آمنه ولا يأمنني فلما رأى ذلك
أخوه ثابت قال له أما إن كان هذا رأيك فاخرج بنا إلى موسى بن عبد الله بن
خازم وخاف ثابت أن يفتك حريث بالمهلب فيقتلون جميعا فخرجا في ثلثمائة من
شاكريتهما والمنقطعين إليهما من العرب (قال أبو جعفر) وفى هذه السنة
توفى المهلب بن أبي صفرة
ذكر الخبر عن سبب موته ومكان وفاته
قال علي بن محمد حدثني المفضل قال مضى المهلب منصرفه من كش يريد مرو
فلما كان بزاغول من مرو الروذ أصابته الشوصة وقوم يقولون الشوكة فدعا
حبيبا ومن حضره من ولده ودعا بسهام فحزمت وقال أترونكم كاسريها مجتمعة
قالوا لا قال أفترونكم كاسريها متفرقة قالوا نعم قال فهكذا الجماعة فأوصيكم بتقوى
الله وصلة الرحم فإن صلة الرحم تنسئ في الاجل وتثرى المال وتكثر العدد
وأنهاكم عن القطيعة فإن القطيعة تعقب النار وتورث الذلة والقلة فتحابوا
وتواصلوا وأجمعوا أمركم ولا تختلفوا وتباروا تجتمع أموركم إن بنى الام
يختلفون فكيف ببنى العلات وعليكم بالطاعة والجماعة وليكن فعالكم أفضل من
قولكم فإني أحب للرجل أن يكون لعمله فضل على لسانه واتقوا الجواب وزلة
اللسان فان الرجل تزل قدمه فينتعش من زلته ويزل لسانه فيهلك اعرفوا لمن
يغشاكم حقه فكفى بغدو الرجل ورواحه إليكم تذكرة له وآثروا الجود على
البخل وأحبوا العرب واصطنعوا العرف فإن الرجل من العرب تعده العدة
161

فيموت دونك فكيف الصنيعة عند عليكم في الحرب بالأناة والمكيدة فإنها أنفع
في الحرب من الشجاعة وإذا كان اللقاء نزل القضاء فإن أخذ رجل بالحزم فظهر
على عدوه قيل أتى الامر من وجهه ثم ظفر فحمد وإن لم يظفر بعد الأناة قيل
ما فرط ولا ضيع ولكن القضاء غالب وعليكم بقراءة القرآن وتعليم السنن وأدب
الصالحين وإياكم والخفة وكثرة الكلام في مجالسكم وقد استخلفت عليكم يزيد وجعلت
حبيبا على الجند حتى يقدم بهم على يزيد فلا تخالفوا يزيد فقال له المفضل لو لم تقدمه
لقدمناه ومات المهلب وأوصى إلى حبيب فصلى عليه حبيب ثم سار إلى مرو وكتب
يزيد إلى عبد الملك بوفاة المهلب واستخلافه إياه فاقره الحجاج ويقال إنه قال عند
موته ووصيته لو كان الامر إلى لوليت سيد ولدى حبيبا قال وتوفى في ذي الحجة
سنة 82 فقال نهار بن توسعة التميمي:
ألا ذهب الغزو المقرب للغنى * ومات الندى والجود بعد المهلب
أقاما بمرو الروذ رهني ضريحه * وقد غيبا عن كل شرق ومغرب
إذا قيل أي الناس أولى بنعمة * على الناس قلناه ولم نتهيب
أباح لنا سهل البلاد وحزنها * بخيل كإرسال القطا المتسرب
يعرضها للطعن حتى كأنما * يجللها بالأرجوان المخضب
تطيف به قحطان قد عصبت به * وأحلافها من حي بكر وتغلب
وحيا معد عوذ بلوائه * يفدونه بالنفس والام والأب
(وفى هذه السنة) ولى الحجاج بن يوسف يزيد بن المهلب خراسان بعد
موت المهلب (وفيها) عزل عبد الملك أبان بن عثمان عن المدينة قال الواقدي عزله
عنها لثلاث عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة قال وفيها ولى عبد الملك هشام بن
إسماعيل المخزومي المدينة وعزل هشام بن إسماعيل عن قضاء المدينة لما وليها
نوفل بن مساحق العامري وكان يحيى بن الحكم هو الذي استقضاه على المدينة *
فلما عزل يحيى ووليها أبان بن عثمان أفره على قضائها وكانت ولاية أبان المدينة سبع
سنين وثلاثة أشهر وثلاث عشرة ليلة فلما عزل هشام بن إسماعيل نوفل بن مساحق عن
162

القضاء ولى مكانه عمرو بن خالد الزرقي (وحج) بالناس في هذه السنة أبان بن
عثمان كذلك حدثني أحمد بن ثابت عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر
وكان على الكوفة والبصرة والمشرق الحجاج وعلى خراسان يزيد بن المهلب
من قبل الحجاج
ثم دخلت سنة ثلاث وثمانين
ذكر الاحداث التي كانت فيها
فما كان فيها من ذلك هزيمة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بدير الجماجم
ذكر الخبر عن سبب انهزامه
ذكر هشام بن محمد عن أبي مخنف قال حدثني أبو الزبير الهمداني قال كنت في
خيل جبلة بن زحل * فلما حمل عليه أهل الشأم مرة بعد مرة نادانا عبد الرحمن
ابن أبي ليلى الفقيه فقال يا معشر القراء إن الفرار ليس بأحد من الناس بأقبح
منه بكم إني سمعت عليا رفع الله درجته في الصالحين وأثابه أحسن ثواب الشهداء
والصديقين يقول يوم لقينا أهل الشأم أيها المؤمنون إنه من رأى عدوانا يعمل به
ومنكرا يدعى إليه فأنكره بقلبه فقد سلم وبرئ ومن أنكر بلسانه فقد أجر وهو
أفضل من صاحبه ومن أنكر بالسيف لتكون كلمة الله العليا وكلمة الظالمين السفلى
فذلك الذي أصاب سبيل الهدى ونور في قلبه باليقين فقاتلوا هؤلاء المحلين المحدثين
المبتدعين الذين قد جهلوا الحق فلا يعرفونه وعملوا بالعدوان فليس ينكرونه
وقال أبو البختري أيها الناس قاتلوهم على دينكم ودنياكم فوالله لئن ظهروا عليكم
ليفسدن عليكم دينكم وليغلبن على دنياكم وقال الشعبي يا أهل الاسلام قاتلوهم
ولا يأخذكم حرج من قتالهم فوالله ما أعلم قوما على بسيط الأرض أعمل بظلم
ولا أجور منهم في الحكم الحكم فليكن بهم البدار وقال سعيد بن جبير قاتلوهم ولا تأثموا
من قتالهم بنية ويقين وعلى آثامهم قاتلوهم على جورهم في الحكم وتجبرهم في الدين
واستذلالهم الضعفاء وإماتتهم الصلاة (قال أبو مخنف) قال أبو الزبير فتهيأنا
163

للحملة عليهم فقال لنا جبلة إذا حملتم عليهم فاحملوا حملة صادقة ولا تردوا وجوهكم
عنهم حتى تواقعوا صفهم قال فحملنا عليهم حملة بجد منا في قتالهم وقوة منا عليهم
فضربنا الكتائب الثلاث حتى اشفترت ثم مضينا حتى واقعنا صفهم فضربناهم حتى
أزلناهم عنه ثم انصرفنا فمررنا بجبلة صريعا لا ندري كيف قتل قال فهدنا ذلك
وجبنا فوقفنا موقفنا الذي كنا به وإن قراءنا لمتوافرون ونحن نتناعى جبلة بن
زحر بيننا كأنما فقد به كل واحد منا أباه أو أخاه بل هو في ذلك الموطن كان أشد
علينا فقدا فقال لنا أبو البختري الطائي لا يستبيتن فيكم قتل جبلة بن زحر فإنما
كان كرجل منكم أتته منيته ليومها فلم يكن ليتقدم يومه ولا ليتأخر عنه وكلكم
ذائق ما ذاق ومدعو فمجيب قال فنظرت إلى وجوه القراء فإذا الكآبة على وجوههم
بينة وإذا ألسنتهم منقطعة وإذا الفشل فيهم قد ظهر وإذا أهل الشأم قد سروا
وجذلوا فنادوا يا أعداء الله قد هلكتم وقد قتل الله طاغوتكم (قال أبو مخنف)
فحدثني أبو يزيد السكسكي أن جبلة حين حمل هو وأصحابه علينا انكشفنا وتبعونا
وافترقت منا فرقة فكانت ناحية فنظرنا فإذا أصحابه يتبعون أصحابنا وقد وقف
لأصحابه ليرجعوا إليه على رأس رهوة فقال بعضنا هذا والله جبلة بن زحرا حملوا
عليه ما دام أصحابه مشاغيل بالقتال عنه لعلكم تصيبونه قال فحملنا عليه فأشهد
ما ولى ولكن حمل علينا بالسيف * فلما هبط من الرهوة شجرناه بالرماح فأذريناه
عن فرسه فوقع قتيلا ورجع أصحابه فلما رأيناهم مقبلين تنحينا عنهم فلما رأوه قتيلا
رأينا من استرجاعهم وجزعهم ما قرت به أعيننا قال فتبينا ذلك في قتالهم إيانا
وخروجهم إلينا (قال أبو مخنف) حدثني سهم بن عبد الرحمن الجهني قال لما
أصيب جبلة هد الناس مقتله حتى قدم علينا بسطام بن مصقلة بن هبيرة الشيباني
فشجع الناس مقدمه وقالوا هذا يقوم مقام جبلة فسمع هذا القول من بعضهم
أبو البختري فقال قبحتم إن قتل منكم رجل واحد ظننتم أن قد أحيط بكم فان
قتل الان ابن مصقلة ألقيتم بأيديكم إلى التهلكة وقلتم لم يبق أحد يقاتل معه
ما أخلقكم أن يخلف رجاؤنا فيكم وكان مقدم بسطام من الري فالتقى هو وقتيبة
164

في الطريق فدعاه قتيبة إلى الحجاج وأهل الشأم ودعاه بسطام إلى عبد الرحمن وأهل
العراق فكلا هما أبى على صاحبه وقال بسطام لان أموت مع أهل العراق أحب
إلى من أن أعيش مع أهل الشأم وكان قد نزل ما سبذان فلما قدم قال لابن محمد
أمرني على خيل ربيعة ففعل فقال لهم يا معشر ربيعة إن في شر سفة عند الحرب
فاحتملوها لي وكان شجاعا فخرج الناس ذات يوم ليقتتلوا فحمل في خيل ربيعة حتى
دخل عسكرهم فأصابوا فيهم نحوا من ثلاثين امرأة من بين أمة وسرية فأقبل
بهن حتى إذا دنا من عسكره ردهن فجئن دخلن عسكر الحجاج فقال أولى لهم منع
القوم نساءهم أما لو لم يردوهن لسبيت نساؤهم غدا إذا ظهرت ثم اقتتلوا يوما آخر
بعد ذلك فحمل عبد الله بن مليل الهمداني في خيل له حتى دخل عسكرهم فسبا ثماني
عشرة امرأة وكان معه طارق بن عبد الله الأسدي وكان راميا فخرج شيخ من أهل
الشأم من فسطاطه فأخذ الأسدي يقول لبعض أصحابه استر مني هذا الشيخ لعلني
أرميه أو أحمل عليه فأطعنه فإذا الشيخ يقول رافعا صوته اللهم لمنا وإياهم بعافية
فقال الأسدي ما أحب أن أقتل مثل هذا فتركه وأقبل ابن مليل بالنساء غير بعيد
ثم خلى سبيلهن أيضا فقال الحجاج مثل مقالته الأولى (قال هشام) قال أبى أقبل
الوليد بن نحيت الكلبي من بنى عامر في كتيبة إلى جبلة بن زحر فانحط عليه الوليد من رابية
وكان جسيما وكان جبلة رجلا ربعة فالتقيا فضربه على رأسه فسقط وانهزم أصحابه
وجئ برأسه (قال هشام) فحدثني بهذا الحديث أبو مخنف وعوانة الكلبي قال لما جئ
برأس جبلة بن زحر إلى الحجاج حمله على رمحين ثم قال يا أهل الشأم أبشروا هذا
أول الفتح لا والله ما كانت فتنة قط فخبت حتى يقتل فيها عظيم من عظماء أهل
اليمن وهذا من عظمائهم ثم خرجوا ذات يوم فخرج رجل من أهل الشأم
يدعو إلى المبارزة فخرج إليه الحجاج بن جارية فحمل عليه فطعنه فأذراه وحمل
أصحابه فاستنقذوه فإذا هو رجل من خثعم يقال له أبو الدرداء فقال الحجاج بن
جارية أما إني لم أعرفه حتى وقع ولو عرفته ما بارزته ما أحب أن يصاب من قومي مثله
وخرج عبد الرحمن بن عوف الرؤاسي أبو حميد فدعا إلى المبارزة فخرج إليه ابن عم
165

له من أهل الشأم فاضطربا بسيفيهما فقال كل واحد منهما أنا الغلام الكلابي فقال
كل واحد منهما لصاحبه من أنت فلما تساء لا تحاجزا وخرج عبد الله بن رزام
الحارثي إلى كتيبة الحجاج فقال أخرجوا إلى رجلا رجلا فأخرج إليه رجل فقتله
ثم فعل ذلك ثلاثة أيام يقتل كل يوم رجلا حتى إذا كان اليوم الرابع أقبل فقالوا
قد جاء لا جاء الله به فدعا إلى المبارزة فقال الحجاج للجراح اخرج إليه فخرج إليه
فقال له عبد الله بن رزام وكان له صديقا ويحك يا جراح ما أخرجك إلى قال قد
ابتليت بك قال فهل لك في خير قال ما هو قال أنهزم لك فترجع إلى الحجاج وقد
أحسنت عنده وحمدك وأما أنا فإني أحتمل مقالة الناس في انهزامي عنك حبا
لسلامتك فإني لا أحب أن أقتل من قومي مثلك قال فافعل فحمل عليه فأخذ
يستطرد له وكان الحارثي قد قطعت لهاته وكان يعطش كثيرا وكان معه غلام له معه
إداوة من ماء فكلما عطش سقاه الغلام فاطرد له الحارثي وحمل عليه الجراح
حملة بجد لا يريد إلا قتله فصاح به غلامه إن الرجل جاد في قتلك فعطف عليه فضربه
بالعمود على رأسه فصرعه فقال لغلامه انضح على وجهه من ماء الإداوة واسقه
ففعل ذلك به فقال يا جراح بئس ما جزيتني أردت بك أردت بك العافية وأردت أن تزيرني
المنية فقال لم أرد ذلك فقال انطلق فقد تركتك للقرابة والعشيرة (قال محمد بن عمر
الواقدي) حدثني ابن أبي سبرة عن صالح بن كيسان قال قال سعيد الحرشي
أنا في صف القتال يومئذ إذ خرج رجل من أهل العراق يقال له قدامة بن الحريش
التميمي فوقف بين الصفين فقال يا معشر جرا مقة أهل الشأم إنا ندعوكم إلى كتاب
الله وسنة رسوله فإن أبيتم فليخرج إلى رجل فخرج إليه رجل من أهل الشأم
فقتله حتى قتل أربعة فلما رأى ذلك الحجاج أمر مناديا فنادى لا يخرج إلى هذا
الكلب أحد قال فكف الناس قال سعيد الحرشي فدنوت من الحجاج فقلت
أصلح الله الأمير إنك رأيت أن لا يخرج إلى هذا الكلب أحد وإنما هلك من
هلك من هؤلاء النفر بآجالهم ولهذا الرجل أجل وأرجو أن يكون قد حضر فأذن
لأصحابي الذين قدموا معي فليخرج إليه رجل منهم فقال الحجاج إن هذا الكلب
166

لم يزل هذا له عادة وقد أرعب الناس وقد أذنت لأصحابك فمن أحب أن يقوم
فليقم فرجع سعيد الحرشي إلى أصحابه فأعلمهم فلما نادى ذلك الرجل بالبراز برز
إليه رجل من أصحاب الحرشي فقتله قدامة فشق ذلك على سعيد وثقل عليه لكلامه
الحجاج ثم نادى قدامة من يبارز فدنا سعيد من الحجاج فقال أصلح الله الأمير
ائذن لي في الخروج إلى هذا الكلب فقال وعندك ذلك قال سعيد نعم أنا كما تحب
فقال الحجاج أرنى سيفك فأعطاه إياه فقال الحجاج معي سيف أثقل من هذا فأمر
له بالسيف فأعطاه إياه فقال الحجاج ونظر إلى سعيد فقال ما أجود درعك وأقوى
فرسك ولا أدرى كيف تكون مع هذا الكلب قال سعيد أرجو أن يظفرني الله
به قال الحجاج اخرج على بركة الله قال سعيد فخرجت إليه فلما دنوت منه قال قف
يا عدو الله فوقفت فسرني ذلك منه فقال اختر إما أن تمكنني فأضربك ثلاثا وإما
أن أمكنك فتضربني ثلاثا ثم تمكنني قلت أمكني فوضع صدره على قربوسه
ثم قال اضرب فجمعت يدي على سيفي ثم ضربت على المغفر متمكنا فلم يصنع
شيئا فساءني ذلك من سيفي ومن ضربتي ثم أجمع رأيي أن أضربه على أصل العاتق
فأما أن أقطع وإما أن أو هن يده عن ضربته فضربته فلم أصنع شيئا فساءني ذلك
ومن غاب عنى ممن هو في ناحية العسكر حين بلغه ما فعلت والثالثة كذلك ثم اخترط
سيفا ثم قال أمكني فأمكنته فضربني ضربه صرعني منها ثم نزل عن فرسه وجلس
على صدري وانتزع من خفيه خنجرا أو سكينا فوضعها على حلقي يريد ذبحي فقلت
له أنشدك الله فإنك لست مصيبا من قتلى الشرف والذكر مثل ما أنت مصيب من
تركي قال ومن أنت قلت سعيد الحرشي قال أولى يا عدو الله فانطلق فأعلم صاحبك
ما لقيت قال سعيد فانطلقت أسعى حتى انتهيت إلى الحجاج فقال كيف رأيت فقلت
الأمير كان أعلم بالامر (رجع الحديث) إلى حديث أبي مخنف عن أبي يزيد
قال وكان أبو البختري الطائي وسعيد بن جبير يقولان ما كان لنفس أن تموت
إلا بإذن الله كتابا مؤجلا إلى آخر الآية ثم يحملان حتى يواقعا الصف (قال أبو
المخارق) قاتلناهم مائة يوم سواء أعدها عدا قال نزلنا دير الجماجم مع ابن محمد
167

غداة الثلاثاء لليلة مضت من شهر بيع الأول سنة 83 وهزمنا يوم الأربعاء لا ربع
عشرة مضت من جمادى الآخرة عند امتداد الضحى ومتوع النهار وما كنا قط
أجرأ عليهم ولاهم أهون علينا منهم في ذلك اليوم قال خرجنا إليهم وخرجوا إلينا
يوم الأربعاء لأربع عشرة مضت من جمادى الآخرة فقاتلناهم عامة النهار أحسن
قتال قاتلناهموه قط ونحن آمنون من الهزيمة عالون للقوم إذ خرج سفيان بن الأبرد
الكلبي في الخيل من قبل ميمنة أصحابه حتى دنا من الأبرد بن قرة التميمي وهو على
ميسرة عبد الرحمن بن محمد فوالله ما قاتله كبير قتال حتى انهزم فأنكرها الناس منه
وكان شجاعا ولم يكن الفرار له بعادة فظن الناس أنه قد كان أو من وصولح على
أن ينهزم بالناس فلما فعلها تقوضت الصفوف من نحوه وركب الناس وجوههم
وأخذوا في كل وجه وصعد عبد الرحمن بن محمد المنبر فأخذ ينادى الناس عباد الله
إلى أنا ابن محمد فأتاه عبد الله بن رزام الحارثي فوقف تحت منبره وجاء عبد الله بن ذؤاب
السلمي في خيل له فوقف منه قريبا وثبت حتى دنا منه أهل الشأم فأخذت نبلهم تحوزه
فقال يا ابن رزام احمل على هذه الرجال والخيل فحمل عليهم حتى أمعنوا ثم جاءت خيل لهم
أخرى ورجالة فقال احمل عليهم يا ابن ذؤاب فحمل عليهم حتى أمعنوا وثبت لا يبرح
منبره ودخل أهل الشأم العسكر فكبروا فصعد إليه عبد الله بن يزيد بن المغفل الأزدي
وكانت مليكة ابنة أخيه امرأة عبد الرحمن فقال انزل فانى أخاف عليك ان لم تنزل أن تؤسر
ولعلك إن انصرفت أن تجمع لهم جمعا يهلكهم الله به بعد اليوم فنزل وخلى أهل
العراق العسكر وانهزموا لا يلوون على شئ ومضى عبد الرحمن بن محمد مع ابن جعدة
ابن هبيرة ومعه أناس من أهل بيته حتى إذا حاذوا قرية بنى جعدة بالفلوجة دعوا
بمعبر فعبروا فيه فانتهى إليهم بسطام بن مصقلة فقال هل في السفينة عبد الرحمن
ابن محمد فلم يكلموه وظن أنه فيهم فقال
لا وألت نفس عليها تحاذر
ضرم قيس على البلا * د حتى إذ اضطرمت أجذما
ثم جاء حتى انتهى إلى بيته وعليه السلاح وهو على فرسه لم ينزل عنه فخرجت
168

إليه ابنته فالتزمها وخرج إليه أهله يبكون فأوصاهم بوصية وقال لا تبكوا أرأيتم
ان لم أترككم كم عسيت أن أبقى معكم حتى أموت وإن أنامت فان الذي رزقكم
الان حي لا يموت وسيرزقكم بعد وفاتي كما رزقكم في حياتي ثم ودع أهله
وخرج من الكوفة (قال أبو مخنف) فحدثني الكلبي محمد بن السائب أنهم لما
هزموا ارتفاع النهار حين امتد ومتع قال جئت أشتد ومعي الرمح والسيف والترس
حتى بلغت أهلي من يومى ما ألقيت شيئا من سلاحي فقال الحجاج اتركوهم فليتبددوا
ولا تتبعوهم ونادى المنادى من رجع فهو آمن ورجع محمد بن مروان إلى الموصل
وعبد الله بن عبد الملك إلى الشأم بعد الوقعة وخليا الحجاج والعراق وجاء الحجاج
حتى دخل الكوفة وأجلس مصقلة بن كرب بن رفبة العبدي إلى جنبه وكان
خطيبا فقال اشتم كل امرئ بما فيه ممن كنا أحسنا إليه فاشتمه بقلة شكره ولؤم
عهده ومن علمت منه عيبا فعبه بما فيه وصغر إليه نفسه وكان لا يبايعه أحد إلا
قال له أتشهد انك قد كفرت فإذا قال نعم بايعه وإلا قتله فجاء إليه رجل من خثعم
قد كان معتزلا للناس جميعا من وراء الفرات فسأله عز حاله فقال ما زلت معتزلا
وراء هذه النطفة منتظرا أمر الناس حتى ظهرت فأتيتك لا بايعك مع الناس قال
أمتربص أتشهد أنك كافر قال بئس الرجل أنا ان كنت عبدت الله ثمانين سنة ثم
أشهد على نفسي بالكفر قال إذا أقتلك قال وان قتلتني فوالله ما بقى من عمري
إلا ظم ء حمار وإني لا ننظر الموت صباح مساء قال اضربوا عنقه فضربت عنقه
فزعموا أنه لم يبق حوله قرشي ولا شأمى ولا أحد من الحزبين إلا رحمه ورثى له
من القتل ودعا بكميل بن زياد النخعي فقال له أنت المقتص من عثمان أمير
المؤمنين قد كنت أحب أن أجد عليك سبيلا فقال والله ما أدرى على أينا أنت
أشد غضبا عليه حين أقاد من نفسه أم على حين عفوت عنه ثم قال أيها الرجل من
ثقيف لا تصرف على أنيابك ولا تهدم على تهدم الكثيب ولا تكشر كشران
الذئب والله ما بقى من عمري إلا ظم ء الحمار فإنه يشرب غدوة ويموت عشية
ويشرب عشية ويموت غدوة اقض ما أنت قاض فان الموعد الله وبعد القتل
169

الحساب قال الحجاج فان الحجة عليك قال ذلك إن كان القضاء إليك قال بلى كنت
فيمن قتل عثمان وخلعت أمير المؤمنين اقتلوه فقدم فقتل قتله أبو الجهم بن كنانة
الكلبي من بنى عامر بن عوف ابن عم منصور بن جمهور وأتى بآخر من بعده فقال
الحجاج انى أرى رجلا ما أظنه يشهد على نفسه بالكفر فقال أخادعي عن نفسي
أنا أكفر أهل الأرض وأكفر من فرعون ذي الأوتاد فضحك الحجاج وخلى
سبيله وأقام بالكوفة شهرا وعزل أهل الشأم عن بيوت أهل الكوفة (وفى
هذه السنة) كانت الوقعة بمسكن بين الحجاج وابن الأشعث بعد ما انهزم من دير الجماجم
ذكر الخبر عن سبب هذه الوقعة وعن صفتها
(قال هشام) حدثني أبو مخنف عن أبي يزيد السكسكي قال خرج محمد بن
سعد بن أبي وقاص بعد وقعة الجماجم حتى نزل المدائن واجتمع إليه ناس كثير
وخرج عبيد الله بن عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس القرشي حتى
أتى البصرة وبها أيوب بن الحكم بن أبي عقيل ابن عم الحجاج فأخذها وخرج
عبد الرحمن بن محمد حتى قدم البصرة وهو بها فاجتمع الناس إلى عبد الرحمن ونزل
فأقبل عبيد الله حينئذ إلى ابن محمد بن الأشعث وقال له إني لم أرد فراقك وانما
أخذتها لك وخرج الحجاج فبدأ بالمدائن فأقام عليها خمسا حتى هيأ الرجال في المعابر
فلما بلغ محمد بن سعد عبورهم إليهم خرجوا حتى لحقوا بابن الأشعث جميعا وأقبل
نحوهم الحجاج فخرج الناس معه إلى مسكن على دجيل وأتاه أهل الكوفة والفلول
من الأطراف وتلاوم الناس على الفرار وبايع أكثرهم بسطام بن مصقلة على
الموت وخندق عبد الرحمن على أصحابه وبثق الماء من جانب فجعل القتال من وجه
واحد وقدم عليه خالد بن جرير بن عبد الله القسري من خراسان في ناس من
بعث الكوفة فاقتتلوا خمس عشرة ليلة من شعبان أشد القتال حتى قتل زياد بن
غنيم القيني وكان على مسالح الحجاج فهده ذلك وأصحابه هدا شديدا (قال أبو
مخنف) حدثني أبو جهضم الأزدي قال بات الحجاج ليله كله يسير فينا يقول لنا
إنكم أهل الطاعة وهم أهل المعصية وأنتم تسعون في رضوان الله وهم يسعون في
170

سخط الله وعادة الله عندكم فيهم حسنة ما صدقتموهم في موطن قط ولا صبرتم لهم
الا أعقبكم الله النصر عليهم والظفر بهم فأصبحوا إليهم عادين جادين فانى لست
أشك في النصر إن شاء الله قال فأصبحنا وقد عبأنا في السحر فباكرناهم فقاتلناهم
أشد قتال قاتلناهموه قط وقد جاءنا عبد الملك بن المهلب محففا وقد كشفت خيل
سفيان بن الأبرد فقال له الحجاج ضم إليك يا عبد الملك هذا البشر لعلى أحمل
عليهم ففعل وحمل الناس من كل جانب فانهزم أهل العراق أيضا وقتل أبو البختري
الطائي وعبد الرحمن بن أبي ليلى وقالا قبل أن يقتتلا إن الفرار كل ساعة بنا
لقبيح فأصيبا قال ومشى بسطام بن مصقلة الشيباني في أربعة آلاف من أهل الحفاظ
من أهل المصرين فكسروا جفون السيوف وقال لهم ابن مصقلة لو كنا إذا فررنا
بأنفسنا من الموت نجونا منه فررنا ولكنا قد علمنا أنه نازل بنا عما قليل فأين المحيد
عما لا بد منه يا قوم إنكم محقون فقاتلوا على الحق والله لو لم تكونوا على الحق
لكان موت في عز خيرا من حياة في ذل فقاتل هو وأصحابه قتالا شديدا
كشفوا فيه أهل الشأم مرارا حتى قال الحجاج على بالرماة لا يقاتلهم غيرهم
فلما جاءتهم الرماة وأحاط بهم الناس من كل جانب قتلوا إلا قليلا وأخذ بكير
ابن ربيعة بن أبي ثروان الضبي أسيرا فأتى به الحجاج فقتله (قال أبو مخنف)
فحدثني أبو الجهضم قال جئت بأسير كان الحجاج يعرفه بالبأس فقال الحجاج
يا أهل الشأم إنه من صنع الله لكم أن هذا غلام من الغلمان جاء بفارس أهل
العراق أسيرا اضرب عنقه فقتله قال ومضى ابن الأشعث والفل من المنهزمين
معه نحو سجستان فاتبعهم الحجاج عمارة بن تميم اللخمي ومعه ابنه محمد بن الحجاج
وعمارة أمير على القوم فسار عمارة بن تميم إلى عبد الرحمن فأدركه بالسوس فقاتله
ساعة من نهار ثم إنه انهزم هو وأصحابه فمضوا حتى أتوا سابور واجتمعت إلى
عبد الرحمن بن محمد الأكراد مع من كان معه من الفلول فقاتلهم عمارة بن تميم
قتالا شديدا على العقبة حتى جرح عمارة وكثير من أصحابه ثم انهزم عمارة وأصحابه
وخلوا لهم عن العقبة ومضى عبد الرحمن حتى مر بكرمان (قال الواقدي) كانت
171

وقعة الزاوية بالبصرة في المحرم سنة 83 (قال أبو مخنف) حدثني سيف بن
بشر العجلي عن المنخل بن حابس العبدي قال لما دخل عبد الرحمن بن محمد كرمان
تلقاه عمرو بن لقيط العبدي وكان عامله عليها فهيأ له نزلا فنزل فقال له شيخ من
عبد القيس يقال له معقل والله لقد بلغنا عنك يا ابن الأشعث أن قد كنت جبانا
فقال عبد الرحمن والله ما جبنت والله لقد دلفت الرجال بالرجال ولففت الخيل
بالخيل ولقد قاتلت فارسا وقاتلت راحلا وما انهزمت ولا تركت العرصة للقوم
في موطن حتى لا أجد مقاتلا ولا أرى معي مقاتلا ولكني زاولت ملكا مؤجلا
ثم إنه مضى بمن معه حتى فوز في مفازة كرمان (قال أبو مخنف) فحدثني هشام
ابن أيوب بن عبد الرحمن بن أبي عقيل الثقفي قال لما مضى ابن محمد في مفازة
كرمان وأتبعه أهل الشأم دخل بعض أهل الشأم قصرا في المفازة فإذا فيه كتاب
قد كتبه بعض أهل الكوفة من شعر أبى جلدة اليشكري وهى قصيدة طويلة
أيا لهفا ويا حزنا جميعا * ويا حر الفؤاد لما لقينا
تركنا الدين والدنيا جميعا * وأسلمنا الحلائل والبنينا
فما كنا أناسا أهل دين * فنصبر في البلاء إذا ابتلينا
وما كنا أناسا أهل دنيا * فنمنعها ولو لم نرج دينا
تركنا دورنا لطغام عك * وأنباط القرى والأشعرينا
ثم إن ابن محمد مضى حتى خرج على زرنج مدينة سجستان وفيها رجل من
بنى تميم قد كان عبد الرحمن استعمله عليها يقال له عبد الله بن عامر البعار من بنى
مجاشع بن دارم فلما قدم عليه عبد الرحمن بن محمد منهزما أغلق باب المدينة
دونه ومنعه دخولها فأقام عليها عبد الرحمن أيام رجاء افتتاحها ودخولها فلما
رأى أنه لا يصل إليها خرج حتى أتى بست وقد كان استعمل عليها رجلا من بكر
ابن وائل يقال له عياض بن هميان أبو هشام بن عياض السدوسي فاستقبله وقال
له انزل فجاء حتى نزل به وانتظر حتى إذا غفل أصحاب عبد الرحمن وتفرقوا عنه وثب
عليه فأوثقه وأراد أن يأمن بها عند الحجاج ويتخذ بها عنده مكانا وقد كان رتبيل
172

سمع بمقدم عبد الرحمن عليه فاستقبله في جنوده فجاء رتبيل حتى أحاط ببست ثم نزل
وبعث إلى البكري والله لئن آذيته بما يقذى عينه أو ضررته ببعض المضرة أو
رزأته حبلا من شعر لا أبرح العرصة حتى أستنزلك فأقتلك وجميع من معك ثم
أسبى ذراريكم وأقسم بين الجند أموالكم فأرسل إليه البكري أن أعطنا أمانا على
أنفسنا وأموالنا ونحن ندفعه إليك سالما وما كان له من مال موفرا فصالحهم
على ذلك وآمنهم ففتحوا لابن الأشعث الباب وخلوا سبيله فأتى رتبيل فقال له
إن هذا كان عاملي على هذه المدينة وكنت حيث وليته واثقابه مطمئنا إليه فغدر بي
وركب منى ما قد رأيت فأذن لي في قتله قال قد آمنته وأكره أن أغدر به قال فأذن
لي في دفعه ولهزه والتصغير به قال أما هذا فنعم ففعل به عبد الرحمن بن محمد ثم مضى
حتى دخل مع رتبيل بلاده فأنزله رتبيل عنده وأكرمه وعظمه وكان معه ناس من
الفل كثير ثم إن عظم الفلول وجماعة أصحاب عبد الرحمن ومن كان لا يرجو الأمان
من الرؤوس والقادة الذين نصبوا للحجاج في كل موطن مع ابن الأشعث ولم يقبلوا
أمان الحجاج في أول مرة وجهدوا عليه الجهد كله أقبلوا في أثر ابن الأشعث وفى
طلبه حتى سقطوا بسجستان فكان بها منهم وممن تبعهم من أهل سجستان
وأهل البلد نحو من ستين ألفا ونزلوا على عبد الله بن عامر البعار فحصروه وكتبوا
إلى عبد الرحمن يخبرونه بقدومهم وعددهم وجماعتهم وهو عند رتبيل وكان يصلى
بهم عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب فكتبوا إليه أن
أقبل إلينا لعلنا نسير إلى خراسان فان بها منا جندا عظيما فلعلهم يبايعوننا على قتال
أهل الشأم وهى بلاد واسعة عريضة وبها الرجال والحصون فخرج إليهم عبد الرحمن
ابن محمد بمن معه فحصروا عبد الله بن عامر البعار حتى استنزلوه فأمر به
عبد الرحمن فضرب وعذب وحبس وأقبل نحوهم عمارة بن تمم في أهل الشأم
فقال أصحاب عبد الرحمن بن محمد لعبد الرحمن اخرج بنا عن سجستان
فلندعها له ونأتى خراسان فقال عبد الرحمن بن محمد على خراسان يزيد بن
المهلب وهو شاب شجاع صارم وليس بتارك لكم سلطانه ولو دخلتموها
173

وجدتموه إليكم سريعا ولن يدع أهل الشأم اتباعكم فأكره أن يجتمع عليكم
أهل خراسان وأهل الشأم وأخاف أن لا تنالوا ما تطلبون فقالوا إنما أهل
خراسان منا ونحن نرجو أن لو قد دخلناها أن يكون من يتبعنا منهم أكثر
ممن يقاتلنا وهى أرض طويلة عريضة ننتحي فيها حيث شئنا ونمكث حتى يهلك
الله الحجاج أو عبد الملك أو نرى من رأينا فقال لهم عبد الرحمن سيروا على اسم الله
فساروا حتى بلغوا هراة فلم يشعروا بشئ حتى خرج من عسكره عبيد الله بن
عبد الرحمن بن سمرة القرشي في ألقين ففارقه فأخذ طريقا سوى طريقهم فلما
أصبح ابن محمد قام فيهم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإني قد شهدتكم في
هذه المواطن وليس فيها مشهد إلا أصبر لكم فيه نفسي حتى لا يبقى منكم فيه أحد
فلما رأيت أنكم لا تقاتلون ولا تصبرون أتيت ملجأ ومأمنا فكنت فيه فجاءتني
كتبكم بأن أقبل إلينا فإنا قد اجتمعنا وأمرنا واحد لعلنا نقاتل عدونا فأتيتكم
فرأيت أن أمضى إلى خراسان وزعمتم أنكم مجتمعون لي وإنكم لن تفرقوا عنى
ثم هذا عبيد الله بن عبد الرحمن قد صنع ما قد رأيتم فحسبي منكم يومى هذا فاصنعوا
ما بدا لكم أما أنا فمنصرف إلى صاحبي الذي أتيتكم من قبله فمن أحب منكم أن يتبعني
فليتبعني ومكره ذلك فليذهب حيث أحب في عياذ من الله فتفرقت منهم طائفة
ونزلت معه طائفة وبقى عظم العسكر فوثبوا إلى عبد الرحمن بن العباس لما
انصرف عبد الرحمن فبايعوه ثم مضى ابن محمد إلى رتبيل ومضوا هم إلى خراسان
حتى انتهوا إلى هراة فلقوا بها الرقاد الأزدي من العتيك فقتلوه وسار إليهم يزيد
ابن المهلب * وأما علي بن محمد المدائني فإنه ذكر عن المفضل بن محمد أن ابن
الأشعث لما انهزم من مسكن مضى إلى كابل وأن عبيد الله بن عبد الرحمن بن
سمرة أتى هراة فذم ابن الأشعث وعابه بفراره وأتى عبد الرحمن بن عباس
سجستان فانضم إليه فل ابن الأشعث فسار إلى خراسان في جمع يقال عشرين ألفا
فنزل هراة ولقوا الرقاد بن عبيد العتكي فقتلوه وكان مع عبد الرحمن من عبد القيس
عبد الرحمن بن المنذر بن الجارود فأرسل إليه يزيد بن المهلب قد كان لك في البلاد
174

متسع ومن هو أكل منى حدا وأهون شوكة فارتحل إلى بلد ليس لي فيه سلطان
فانى أكره قتالك وإن أحببت أن أمدك بمال لسفرك أعنتك به فأرسل إليه
ما نزلنا هذه البلاد لمحاربة ولا لمقام ولكنا أردنا أن نريح ثم نشخص إن شاء الله
وليست بنا حاجة إلى ما عرضت فانصرف رسول يزيد إليه وأقبل الهاشمي على
الجباية وبلغ يزيد فقال من أراد يريح ثم يجتاز لم يجب الخراج فقدم المفضل في
أربعة آلاف ويقال في ستة آلاف ثم أتبعه في أربعة آلاف ووزن يزيد نفسه
بسلاحه فكان أربعمائة رطل فقال ما أراني إلا قد ثقلت عن الحرب أي فرس
يحملني ثم دعا بفرسه الكامل فركبه واستخلف على مر وخاله جديع بن يزيد وصير
طريقه على مرر الروذ فأتى قبر أبيه فأقام عنده ثلاثة أيام وأعطى من معه مائة
درهم مائة درهم ثم أتى هراة فأرسل إلى الهاشمي قد أرحت وأسمنت وجبيت فلك
ما جبيت وإن أردت زيادة زدناك فاخرج فوالله ما أحب أن أقاتلك قال فأبى إلا
القتال ومعه عبيد الله بن عبد الرحمن بن سمرة ودس الهاشمي إلى جند يزيد يمنيهم
ويدعوهم إلى نفسه فأخبر بعضهم يزيد فقال جل الامر عن العتاب أتغدى بهذا
قبل أن يتعشى بي فسار إليه حتى تدانى العسكران وتأهبوا للقتال وألقى ليزيد
كرسي فقعد عليه وولى الحرب أخاه المفضل فأقبل رجل من أصحاب الهاشمي
يقال له خليد عينين من عبد القيس على ظهر فرسه فرفع صوته فقال
دعت يا يزيد بن المهلب دعوة * لها جزع ثم استهلت عيونها
ولم يسمع الداعي النداء أجابها * بصم القنا والبيض تلقى جفونها
وقد فر أشراف العراق وغادروا * بها بقرا للحين جما قرونها
وأراد أن يحض يزيد فسكت يزيد طويلا حتى ظن الناس أن الشعر قد حركه
ثم قال لرجل ناد وأسمعهم جشموهم ذلك فقال خليد
لبئس المنادى والمنوه باسمه * تناديه أبكار العراق وعونها
يزيد إذا يدعى ليوم حفيظة * ولا يمنع السوآت إلا حصونها
فإني أراه عن قليل بنفسه * يدان كما قد كان قبل يدينها
175

فلا حرة تبكيه لكن نوائح تبكى عليه البقع منها وجونها
فقال يزيد للمفضل قدم خيلك فتقدم بها وتهايجوا فلم يكن بينهم كبير قتال
حتى تفرق الناس عن عبد الرحمن وصبر وصبرت معه طائفة من أهل الحفاظ
وصبر معه العبديون وحمل سعد بن نجد القردوسي على حليس الشيباني وهو
إمام عبد الرحمن فطعنه حليس فأذراه عن فرسه وحماه أصحابه وكثرهم الناس
فانكشفوا فأمر يزيد بالكف عن اتباعهم وأخذوا ما كان في عسكرهم وأسروا
منهم أسرى فولى يزيد عطاء بن أبي السائب العسكر وأمره بضم ما كان فيه فأصابوا
ثلاث عشرة امرأة فأتوا بهن يزيد فدفعهن إلى مرة بن عطاء بن أبي السائب
فحملهن إلى الطبسين ثم حملهن إلى العراق وقال يزيد لسعد بن نجد من طعنك قال
حليس الشيباني وأنا والله راجلا أشد منه وهو فارس قال فبلغ حليسا فقال كذب
والله لأنا أشد منه فارسا وراجلا وهرب عبد الرحمن بن منذر بن بشر بن حارثة
فصار إلى موسى بن عبد الله بن خازم قال فكان في الاسرى محمد بن سعد بن أبي
وقاص وعمرو بن موسى بن عبيد الله بن معمر وعياش بن الأسود بن
عوف الزهري والهلقام بن نعيم بن القعقاع بن معبد بن زرارة وفيروز حصين
وأبو العلج مولى عبيد الله بن معمر ورجل من آل أبي عقيل وسوار بن مروان
وعبد الرحمن بن طلحة بن عبد الله بن خلف وعبد الله بن فضالة الزهراني ولحق الهاشمي
بالسند وأتى ابن سمرة مرو ثم انصرف يزيد إلى مرو وبعث بالأسرى إلى
الحجاج مع سبرة بن نخف بن أبي صفرة وخلى عن ابن طلحة وعبد الله بن فضاله وسعى
قوم بعبيد الله بن عبد الرحمن بن سمرة فأخذه يزيد فحبسه (وأما هشام) فإنه ذكر
أنه حدثه القاسم بن محمد الحضرمي عن حفص بن عمر بن قبيصة عن رجل من بنى
حنيفة يقال له جابر بن عمارة أن يزيد بن المهلب حبس عنده عبد الرحمن بن طلحة
وآمنه وكان الطلحي قد آلى على يمين أن لا يرى يزيد بن المهلب في موقف إلا أتاه
حتى يقبل يده شكرا لما أبلاه قال وقال محمد بن سعد بن أبي وقاص ليزيد أسألك
بدعوة أبى لأبيك فخلى سبيله ولقول محمد بن سعد ليزيد أسألك بدعوة أبى لأبيك
176

حديث فيه بعض الطول (قال هشام) حدثني أبو مخنف قال حدثني هشام بن أيوب
ابن عبد الرحمن بن أبي عقيل الثقفي قال بعث يزيد بن المهلب ببقية الاسرى إلى
الحجاج بن يوسف بعمر بن موسى بن عبيد الله بن معمر فقال أنت صاحب شرطة
عبد الرحمن فقال أصلح الله الأمير كانت فتنة شملت البر والفاجر فدخلنا فيها
فقد أمكنك الله منا فإن عفوت فبحلمك وفضلك وإن عاقبت عاقبت ظلمة مذنبين
فقال الحجاج أما قولك إنها شملت البر والفاجر فكذبت ولكنها شملت الفجار
وعوفي منها الأبرار وأما اعترافك بذنبك فعسى أن ينفعك فعزل ورجا الناس
له العافية حتى قدم بالهلقام بن نعيم فقال له الحجاج أخبرني عنك ما رجوت من
اتباع عبد الرحمن بن محمد أرجوت أن يكون خليفة قال نعم رجوت ذلك وطمعت
أن ينزلني منزلتك من عبد الملك قال فغضب الحجاج وقال اضربوا عنقه فقتل
قال ونظر إلى عمر بن موسى بن عبيد الله بن معمر وقد نحى عنه فقال اضربوا عنقه
وقتل بقيتهم وقد كان آمن عمرو بن أبي قرة الكندي ثم الحجري وهو شريف
وله بيت قديم فقال يا عمرو كنت تقضى إلى وتحدثني أنك ترغب عن ابن الأشعث
وعن الأشعث قبله ثم تبعث عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث والله ما بك عن
اتباعهم رغبة ولا نعمة عين لك ولا كرامة قال وكان الحجاج حين هزم الناس
بالجماجم نادى مناديه من لحق بقتيبة بن مسلم بالري فهو أمانه فلحق ناس كثير بقتيبة
وكان فيمن لحق به عامر الشعبي فذكر الحجاج الشعبي يوما فقال أين هو وما فعل
فقال له يزيد بن أبي مسلم بلغني أيها الأمير أنه لحق بقتيبة بن مسلم بالري قال فابعث
إليه فلنؤت به فكتب الحجاج إلى قتيبة أما بعد فابعث إلى بالشعبي حين تنظر في
كتابي هذا والسلام عليك فسرح إليه (قال أبو مخنف) فحدثني السرى بن إسماعيل
عن الشعبي قال كنت لابن أبي مسلم صديقا فلما قدم بي على الحجاج لقيت ابن أبي
مسلم فقلت أشر على قال ما أدرى ما أشير به عليك غير أن أعتذر ما استطعت
من عذر وأشار بمثل ذلك على نصحائي وإخوانى فلما دخلت عليه رأيت والله
غير ما رأوا لي فسلمت عليه بالامرة ثم قلت أيها الأمير إن الناس قد أمروني أن
177

أعتذر إليك بغير ما يعلم الله أنه الحق وأيم الله لا أقول في هذا المقام إلا حقا قد
والله سودنا عليك وحرضنا وجهدنا عليك كل الجهد فما آلونا فما كنا بالأقوياء
الفجرة ولا الأتقياء البررة ولقد نصرك الله علينا وأظفرك بنا فإن سطوت فبذنوبنا
وما جرت إليه أيدينا وإن عفوت عنا فبحلمك وبعد الحجة لك علينا فقال له الحجاج
أنت والله أحب إلى قولا ممن يدخل علينا يقطر سيفه من دمائنا ثم يقول ما فعلت
ولا شهدت قد أمنت عندنا يا شعبي فانصرف قال فانصرفت فلما مشيت قليلا قال
هلم يا شعبي قال فوجل لذلك قلبي ثم ذكرت قوله قد أمنت يا شعبي فاطمأنت نفسي
قال كيف وجدت الناس يا شعبي بعدنا قال وكان لي مكر ما فقلت أصلح الله الأمير
اكتحلت والله بعدك السهر واستوعرت الجناب واستحلست الخوف وفقدت
صالح الاخوان ولم أجد من الأمير خلفا قال انصرف يا شعبي فانصرفت (قال
أبو مخنف) قال خالد بن قطن الحارثي أتى الحجاج بالأعشى أعشى همدان فقال
إيه يا عدو الله أنشدني قولك بين الأشج وبين قيس أنفذ بيتك قال بل أنشدك ما قلت
لك قال بل أنشدني هذه فأنشده
أبى الله إلا أن يتمم نوره * ويطفى نور الفاسقين فيحمدا
ويظهر أهل الحق في كل موطن * ويعدل وقع السيف من كان أصيدا
وينزل ذلا بالعراق وأهله * لما نقضوا العهد الوثيق المؤكدا
وما أحدثوا من بدعة وعظيمة * من القول لم تصعد إلى الله مصعدا
وما نكثوا من بيثة بعد بيعة * إذا ضمنوها اليوم خاسوا بها غدا
وجبنا حشاه ربهم في قلوبهم * فما يقربون الناس إلا تهددا
فلا صدق في قول ولا صبر عندهم * ولكن فخرا فيهم وتزيدا
فكيف رأيت الله فرق جمعهم * ومزقهم عرض البلاد وشردا
فقتلاهم قتلى ضلال وفتنة * وحيهم أمسى ذليلا مطردا
ولما زحفنا لابن يوسف غدوة * وأبرق منا العارضان وأرعدا
قطعنا إليه الخندقين وإنما * قطعنا وأفضينا إلى الموت مرصدا
178

فكافحنا الحجاج دون صفوفنا * كفاحا ولم يضرب لذلك موعدا
بصف كأن البرق في حجراته * إذا ما تجلى بيضه وتوقدا
دلفنا إليه في صفوف كأنها * جبال شروري لو تعان فتنهدا
فما لبث الحجاج أن سل سيفه * علينا فولى جمعنا وتبددا
وما زاحف الحجاج إلا رأيته * معانا ملقى للفتوح معودا
وإن ابن عباس لفى مرجحنة * نشبهها قطعا من الليل أسودا
فما شرعوا رمحا ولا جردوا له * ألا ربما لاقي الجبان فجردا
وكرت علينا خيل سفيان كرة * بفرسانها والسمهري مقصدا
وسفيان يهديها كأن لواءه * من الطعن سند بات بالصبغ مجسدا
كهول ومرد من قضاعة حوله * مساعير أبطال إذا النكس عردا
إذا قال شدوا شدة حملوا معا * فأنهل خرصان الرماح وأوردا
جنود أمير المؤمنين وخيله * وسلطانه أمسى عزيزا مؤيدا
فيهنى أمير المؤمنين ظهوره * على أمة كانوا بغاة وحسدا
نزوا يشتكون البغى من أمرائهم * وكانوا هم أبغى البغاة وأعندا
وجدنا بنى مروان خير أئمة * وأفضل هذى الناس حلما وسؤددا
وخير قريش في قريش أرومة * وأكرمهم إلا النبي محمدا
إذا ما تدبرنا عواقب أمره * وجدنا أمير المؤمنين مسددا
سيغلب قوم غالبوا الله جهرة * وإن كايدوه كان أقوى وأكيدا
كذاك يضل الله من كان قلبه * مريضا ومن والى النفاق وألحدا
فقد تركوا الاهلين والمال خلفهم * وبيضا عليهن الجلابيب خردا
ينادينهم مستعبرات إليهم * ويذرين دمعا في الخدود وأثمدا
فإلا تناولهن منك برحمة * يكن سبايا والبعولة أعبدا
أنكثا وعصيانا وغدرا وذلة * أهان الاله من أهان وأبعدا
لقد شأم المصرين فرخ محمد * بحق وما لاقي من الطير أسعدا
179

كما شأم الله النجير وأهله * بجد له قد كان أشقى وأنكدا
فقال أهل الشأم أحسن أصلح الله الأمير فقال الحجاج لا لم يحسن إنكم لا تدرون
ما أراد بها ثم قال يا عدو الله إنا لسنا نحمدك على هذا القول إنما قلت تأسف أن
لا يكون ظهر وظفر وتحريضا لأصحابك علينا وليس عن هذا سألناك أنفذ لنا
قولك * بين الأشج وبين قيس باذخ * فأنفذها فلما قال * بخ بخ لوالده وللمولود *
قال الحجاج لا والله لا تبخبخ بعدها لاحد أبدا فقدمه فضرب عنقه (وقد ذكر)
من أمر هؤلاء الاسرى الذين أسرهم يزيد بن المهلب ووجههم إلى الحجاج ومن
فلول ابن الأشعث الذين انهزموا يوم مسكن أمر غير ما ذكره أبو مخنف عن أصحابه
والذي ذكر عنهم من ذلك أنه لما انهزم ابن الأشعث مضى هؤلاء مع سائر الفل
إلى الري وقد غلب عليها عمر بن أبي الصلت بن كناز مولى بنى نصر بن معاوية
وكان من أفرس الناس فانضموا إليه فأقبل قتيبة بن مسلم إلى الري من قبل الحجاج
وقد ولاه عليها فقال النفر الذين ذكرت أن يزيد بن المهلب وجههم إلى الحجاج
مقيدين وسائر فل ابن الأشعث الذين صاروا إلى الري لعمر بن أبي الصلت
نوليك أمرنا وتحارب بنا قتيبة فشاور عمر أباه أبا الصلت فقال له أبوه والله يا بنى
ما كنت أبالي إذا سار هؤلاء تحت لوائك أن تقتل من غد فعقد لواءه وسار
فهزم وهزم أصحابه وانكشفوا إلى سجستان واجتمعت بها الفلول وكتبوا إلى
عبد الرحمن بن محمد وهو عند رتبيل ثم كان من أمرهم وأمر يزيد بن المهلب ما قد
ذكرت * وذكر أبو عبيدة أن يزيد لما أراد أن يوجه الاسرى إلى الحجاج
قال له أخوه حبيب بأي وجه تنظر إلى اليمانية وقد بعثت ابن طلحة فقال يزيد هو
الحجاج ولا يتعرض له وقال وطن نفسك على العزل ولا ترسل فإن له عندنا
بلاء قال وما بلاؤه قال لزم المهلب في مسجد الجماعة بمائتي ألف فأداها طلحة
عنه فأطلقه وأرسل بالباقين فقال الفرزدق
وجد ابن طلحة يوم لاقي قومه * قحطان يوم هراة خير المعشر
وقيل إن الحجاج لما أتى بهؤلاء الاسرى من عند يزيد بن المهلب قال لحاجبه
180

إذا دعوتك بسيدهم فأتني بفيروز فأبرز سريره وهو حينئذ بواسط القصب قبل
أن تبنى مدينة واسط ثم قال لحاجبه جئني بسيدهم فقال لفيروز قم فقال له
الحجاج أبا عثمان ما أخرجك مع هؤلاء فوالله ما لحمك من لحومهم ولا دمك من
دمائهم قال فتنة عمت الناس فكنا فيها قال اكتب لي أموالك قال ثم ماذا قال
اكتبها أول قال ثم أنا آمن على دمى قال اكتبها ثم أنظر قال اكتب يا غلام ألف
ألف ألفى ألف فذكر مالا كثيرا فقال الحجاج أين هذه الأموال قال عندي قال
فأدها قال وأنا آمن على دمى قال والله لتؤدينها ثم لأقتلنك قال والله لا تجمع
مالي ودمى فقال الحجاج للحاجب نحه فنحاه ثم قال ائتنى بمحمد بن سعد بن أبي وقاص
فدعاه فقال له الحجاج أيها ياطل الشيطان أعظم الناس تيها وكبرا تأبى بيعة يزيد
ابن معاوية وتشبه بحسين وابن عمر ثم صرت مؤذنا لابن كناز عبد بنى نصر يعنى
عمر بن أبي الصلت وجعل يضرب بعود في يده رأسه حتى أدماه فقال له محمد
أيها الرجل ملكت فأسجح فكف يده فقال إن رأيت أن تكتب إلى أمير المؤمنين
فإن جاءك عفو كنت شريكا في ذلك محمودا وإن جاءك غير ذلك كنت قد أعذرت
فأطرق مليا ثم قال اضرب عنقه فضربت عنقه ثم دعا بعمر بن موسى فقال يا عبد
المرأة أتقوم بالعمود على رأس ابن الحائك وتشرب معه الشراب في حمام فارس
وتقول المقالة التي قلت أين الفرزدق قم فأنشده ما قلت فيه فأنشده
وخضبت أيرك للزناء ولم تكن * يوم الهياج لتخضب الأبطالا
فقال أما والله لقد رفعته عن عقائل نسائك ثم أمر بضرب عنقه ثم دعا ابن
عبيد الله بن عبد الرحمن بن سمرة فإذا غلام حدث فقال أصلح الله الأمير مالي ذنب
إنما كنت غلاما صغيرا مع أبي وأمي لا أمر لي ولا نهى وكنت معهما حيث كانا فقال
وكانت أمك مع بيك في هذه الفتن كلها قال نعم قال على أبيك لعنة الله ثم دعا بالهلقام
ابن نعيم فقال اجعل ابن الأشعث طلب ما طلب ما الذي أملت أنت معه قال أملت أن
يملك فيوليني العراق كما ولاك عبد الملك قال قم يا حوشب فاضرب عنقه فقام
إليه فقال له الهلقام يا ابن لطيفة أتنكأ القرح فضرب عنقه ثم أتى بعبد الله بن
181

عامر فلما قام بين يديه قال لا رأت عيناك يا حجاج الجنة إن أقلت ابن المهلب بما
صنع قال وما صنع قال
لأنه كأس في إطلاق أسرته * وقاد نحوك في أغلالها مضرا
وقى بقومك ورد الموت أسرته * وكان قومك أدنى عنده خطرا
فأطرق الحجاج مليا ووقرت في قلبه وقال وما أنت وذاك اضرب عنقه
فضربت عنقه ولم تزل في نفس الحجاج حتى عزل يزيد عن خراسان وحبسه ثم
أمر بفيروز فعذب فكان فيما عذب به أن كان يشد عليه القصب الفارسي
المشقوق ثم يجر عليه حتى يخرق جسده ثم ينضح عليه الخل والملح فلما أحس
بالموت قال لصاحب العذاب إن الناس لا يشكون أنى قد قتلت ولى ودائع
أموال عند الناس لا تؤدى إليكم أبدا فأظهروني للناس ليعلموا أنى حي فيؤدوا
المال فأعلم الحجاج فقال أظهروه فأخرج إلى باب المدينة فصاح في الناس من
عرفني فقد عرفني ومن أنكرني فأنا فيروز حصين إن لي عند أقوام مالا فمن
كان لي عنده شئ فهو له وهو منه في حل فلا يؤدين منه أحد درهما ليبلغ الشاهد
الغائب فأمر به الحجاج فقتل وكان ذلك مما روى الوليد بن هشام بن قحذم عن أبي
بكر الهذلي * وذكر ضمره بن ربيعة عن أبي شوذب أن عمال الحجاج كتبوا
إليه إن الخراج قد انكسر وإن أهل الذمة قد أسلموا ولحقوا بالامصار فكتب
إلى البصرة وغيرها أن من كان له أصل في قرية فليخرج إليها فخرج الناس فعسكروا
فجعلوا يبكون وينادون يا محمداه يا محمداه وجعلوا لا يدرون أين يذهبون فجعل قراء
أهل البصرة يخرجون إليهم متقنعين فيبكون لما يسمعون منهم ويرون قال
فقدم ابن الأشعث على تفيئة ذلك واستبصر قراء أهل البصرة في قتال الحجاج مع
عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث * وذكر عن ضمرة بن ربيعة عن الشيباني قال
قتل الحجاج يوم الزاوية أحد عشر ألفا ما استحيا منهم إلا واحدا كان ابنه
في كتاب الحجاج فقال له أتحب أن نعفو لك عن أبيك قال نعم فتركه لابنه وإنما
خدعهم بالأمان أمر مناديا فنادى عند الهزيمة ألا لا أمان لفلان ولا فلان
182

فسمى رجالا من أولئك الاشراف ولم يقل الناس آمنون فقالت العامة قد آمن الناس
كلهم إلا هؤلاء النفر فأقبلوا إلى حجرته فلما اجتمعوا أمرهم بوضع أسلحتهم ثم
قال لآمرن بكم اليوم رجلا ليس بينكم وبينه قرابة فأمر بهم عمارة بن تميم اللخمي
فقر بهم فقتلهم * وروى عن النضر بن شميل عن هشام بن حسان أنه قال بلغ
ما قتل الحجاج صبرا مائة وعشرين أو مائة وثلاثين ألفا * وقد ذكر في هزيمة
ابن الأشعث بمسكن قول غير الذي ذكره أبو مخنف والذي ذكر من ذلك أن
ابن الأشعث والحجاج اجتمعا بمسكن من أرض ابن قباذ فكان عسكر ابن الأشعث
على نهر يدعى خداش مؤخر النهر نهر تيرى ونزل الحجاج على نهر أفريذ
والعسكران جميعا بين دجلة والسيب والكرخ فاقتتلوا شهرا وقيل دون ذلك
ولم يكن الحجاج يعرف إليهم طريقا إلا الطريق الذي يلتقون فيه فأتى بشيخ كان
راعيا يدعى زورقا فدله على طريق من وراء الكرخ طوله ستة فراسخ في أجمة
وضحضاح من الماء فانتخب أربعة آلاف من جلة أهل الشأم وقال لقائدهم ليكن
هذا العلج أمامك وهذه أربعة آلاف درهم معك فإن أقامك على عسكرهم فادفع
المال إليه وإن كان كذبا فاضرب عنقه فإن رأيتهم فاحمل عليهم فيمن معك
وليكن شعاركم يا حجاج يا حجاج فانطلق القائد صلاة العصر والتقى عسكر الحجاج
وعسكر ابن الأشعث حين فصل القائد بمن معه وذلك مع صلاة العصر فاقتتلوا إلى
الليل فانكشف الحجاج حتى عبر السيب وكان قد عقده ودخل ابن الأشعث
عسكره فانتهب ما فيه فقيل له لو أتبعته فقال قد تعبنا ونصبنا فرجع إلى عسكره
فألقى أصحابه السلاح وباتوا آمنين في أنفسهم لهم الظفر وهجم القوم عليهم نصف
الليل يصيحون بشعارهم فجعل الرجل من أصحاب ابن الأشعث لا يدرى أين
يتوجه دجيل عن يساره ودجلة أمامه ولها جرف منكر فكان من غرق أكثر
ممن قتل وسمع الحجاج الصوت فعبر السيب إلى عسكره ثم وجه خيله إلى
القوم فالتقى العسكران على عسكر ابن الأشعث وانحاز في ثلثمائة فمضى على
شاطئ دجلة حتى أتى دجيلا فعبره في السفن وعقروا دوابهم وانحدروا
183

في السفن إلى البصرة ودخل الحجاج عسكره فانتهب ما فيه وجعل يقتل من وجد
حتى قتل أربعة آلاف فيقال إن فيمن قتل عبد الله بن شداد بن الهاد وقتل فيهم
بسطام بن مصقلة بن هبيرة وعمرو بن ضبيعة الرقاشي وبشر بن المنذر بن الجارود
والحكم بن مخرمة العبديين وبكير بن ربيعة بن ثروان الضبي فأتى الحجاج برؤوسهم
على ترس فجعل ينظر إلى رأس بسطام ويتمثل:
إذا مررت بوادي حية ذكر * فاذهب ودعني أقاسي حية الوادي
ثم نظر إلى رأس بكير فقال ما ألقى هذا الشقى مع هؤلاء خذ بأذنه يا غلام فألقه عنهم
ثم قال ضع هذا الترس بين يدي مسمع بن مالك بن مسمع فوضع بين يديه فبكى
فقال له الحجاج ما أبكاك أحزنا عليهم قال بل جزعا لهم من النار (وفى هذه السنة)
بنى الحجاج واسطا وكان سبب بنائه ذلك فيما ذكر أن الحجاج ضرب البعث
على أهل الكوفة إلى خراسان فعسكروا بحمام عمر وكان فتى من أهل الكوفة
من بنى أسد حديث عهد بعرس بابنة عم له انصرف من العسكر إلى ابنة
عمه ليلا فطرق الباب طارق ودقه دقا شديدا فإذا سكران من أهل الشأم
فقالت للرجل ابنة عمه لقد لقينا من هذا الشأمى شرا يفعل بنا كل ليلة ما ترى يريد
المكروه وقد شكوته إلى مشيخة أصحابه وعرضوا ذلك فقال ائذنوا له ففعلوا
فأغلق الباب وقد كانت المرأة نجدت منزلها وطيبته فقال الشامي قد آن لكم فاستقنأه
الأسدي فأندر رأسه فلما أذن بالفجر خرج الرجل إلى العسكر وقال لامرأته إذا
صليت الفجر فابعثي إلى الشاميين أن أخرجوا صاحبكم فسيأتون بك الحجاج
فاصدقيه الخبر على وجهه ففعلت ورفع القتيل إلى الحجاج وأدخلت المرأة عليه
وعنده عنبسة بن سعيد على سريره فقال لها ما خطبك فأخبرته فقال صدقتني ثم قال
لولاة الشامي ادفنوا صاحبكم فإنه قتيل الله إلى النار لا قود له ولا عقل ثم نادى
مناديه لا ينزلن أحد على أحد وأخرجوا فعسكروا وبعث روادا يرتادون له
منزلا وأمعن حتى نزل أطراف كسكر فبينا هو في موضع واسط إذا راهب
قد أقبل على حمار له وعبر دجلة * فلما كان في موضع واسط تفاجت الأتان فبالت
184

فنزل الراهب فاحتفر ذلك البول ثم احتمله فرمى به في دجلة وذلك بعين الحجاج
فقال على به فأتى به فقال ما حملك على ما صنعت قال نجد في كتبنا أنه يبنى في هذا
الموضع مسجد يعبد الله فيه ما دام في الأرض أحد يوحده فاختط الحجاج مدينة
واسط وبنى المسجد في ذلك الموضع (وفى هذه السنة) عزل عبد الملك فيما قال
الواقدي عن المدينة أبان بن عثمان واستعمل عليها هشام بن إسماعيل المخزومي
* وحج بالناس في هذه السنة هشام بن إسماعيل حدثني بذلك أحمد بن ثابت عمن
حدثه عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر وكان العمال في هذه السنة على الأمصار
سوى المدينة هم العمال الذين عليها في السنة التي قبلها وأما المدينة فقد ذكرنا
من كان عليها فيها
ثم دخلت سنة أربع وثمانين
ذكر ما كان فيها من الاحداث
(ففيها) كانت غزوة عبد الله بن عبد الملك بن مروان الروم ففتح فيها المصيصة
كذلك ذكر الواقدي (وفيها) قتل الحجاج أيوب بن القرية وكان ممن كان مع
ابن الأشعث وكان سبب قتله إياه فيما ذكر أنه كان يدخل حوشب بن يزيد بعد
انصرافه من دير الجماجم وحوشب على الكوفة عامل للحجاج فيقول حوشب
انظروا إلى هذا الواقف معي وغدا أو بعد غد يأتي كتاب من الأمير لا أستطيع
إلا نفاذه فبينا هو ذات يوم واقف إذ أتاه كتاب من الحجاج أما بعد فإنك صرت
كهفا لمنافقي أهل العراق ومأوى فإذا نظرت في كتابي هذا فابعث إلى بابن القرية
مشدودة يده إلى عنقه مع ثقة من قبلك فلما قرأ حوشب الكتاب رمى به إليه فقرأه
فقال سمعا وطاعة فبعث به إلى الحجاج موثقا فلما دخل على الحجاج قال له يا ابن
القرية ما أعددت لهذا الموقف قال أصلح الله الأمير ثلاثة حروف * كأنهن ركب
وقوف * دنيا وآخرة ومعروف * قال اخرج مما قلت قال أفعل أما الدنيا فمال
حاضر يأكل منه البر والفاجر وأما الآخرة فميزان عادل ومشهد ليس فيه باطل
185

وأما المعروف فإن كان على اعترفت وإن كان لي اغترفت قال أمالي فاعترف
بالسيف إذا وقع بك قال أصلح الله الأمير أقلني عثرتي واسقني ريقي فإنه ليس
جواد إلا له كبوة ولا شجاع إلا له هبوة قال الحجاج كلا والله لأرينك جهنم قال
فأرحني فإني أجد حرها قال قدمه يا حرسي فاضرب عنقه فلما نظر إليه الحجاج
يتشحط في دمه قال لو كنا تركنا ابن القرية حتى نسمع من كلامه ثم أمر به فأخرج
فرمى به قال هشام قال عوانة حين منع الحجاج من الكلام ابن القرية قال له ابن
القرية أما والله لو كنت أنا وأنت على السواء لسكنا جميعا أولا لفيت منيعا
(وفى هذه السنة) فتح يزيد بن المهلب قلعة نيزك بباذغيس
ذكر سبب فتحه إياها
* ذكر علي بن محمد عن المفضل بن محمد قال كان نيزك ينزل بقلعة باذغيس
فتحين يزيد غزوه ووضع عليه العيون فبلغه خروجه فخالفه يزيد إليها وبلغ نيزك
فرجع فصالحه على أن يدفع إليه ما في القلعة من الخزائن ويرتحل عنها بعياله فقال
كعب بن معدان الأشقري
وباذغيس التي من حل ذروتها * عز الملوك فان شا جار أو ظلما
منيعة لم يكدها قبله ملك * إلا إذا وجهت جيشا له وجما
تخال نيرانها من بعد منظرها * بعض النجوم إذا ما ليلها عتما
لما أطاف بها ضاقت صدورهم * حتى أقروا له بالحكم فاحتكما
فذل ساكنها من بعد عزته * يعطى الجزى عارفا بالذل مهتضما
وبعد ذلك أياما نعددها * وقبلها ما كشفت الكرب والظلما
أعطاك ذاك ولى الرزق يقسمه * بين الخلائق والمحروم من حرما
يداك إحداهما تسقى العدو بها * سما وأخرى نداها لم يزل ديما
فهل كسيب يزيد أو كنائله * إلا الفرات وإلا النيل حين طما
ليسا بأجود منه حين مدهما * إذ يعلوان حداب الأرض والا كما
وقال ثنائي على حي العتيك بأنها * كرام مقاريها كرام نصابها
186

إذا عقدوا للجار حل بنجوة * عزيز مراقيها منيع هضابها
نفى نيزكا عن باذغيس ونيزك * بمنزلة أعيى الملوك اغتصابها
محلقة دون السماء كأنها * غمامة صيف زل عنها سحابها
ولا يبلغ الأروى شماريخها العلى * ولا الطير إلا نسرها وعقابها
وما خوفت بالذئب ولدان أهلها * ولا نبحت إلا النجوم كلابها
تمنيت أن ألقى العتيك ذوي النهى * مسلطة تحمى بملك ركابها
كما يتمنى صاحب الحرث أعطشت * مزارعه غيثا غزيرا ربابها
فأسقى بعد اليأس حتى تحيرت * جداولها ريا وعب عبابها
لقد جمع الله النوى وتشعبت * شعوب من الآفاق شتى مآبها
قال وكان نيزك يعظم القلعة إذا رآها سجد لها وكتب يزيد بن المهلب إلى
الحجاج بالفتح وكانت كتب يزيد إلى الحجاج يكتبها يحيى بن يعمر العدواني وكان
حليفا لهذيل فكتب إنا لقينا العدو فمنحنا الله أكتافهم فقتلنا طائفة وأسرنا طائفة
ولحقت طائفة برؤوس الجبال وعراعر الأودية وأهضام الغيطان وأثناء الأنهار
فقال الحجاج من يكتب ليزيد فقيل يحيى بن يعمر فكتب إلى يزيد فحمله على البريد
فقدم عليه أفصح الناس فقال له أين ولدت قال بالأهواز قال فهذه الفصاحة قال
حفظت كلام أبى وكان فصيحا قال من هناك فأخبرني هل يلحن عنبسة بن سعيد
قال نعم كثيرا قال ففلان قال نعم قال فأخبرني عنى ألحن قال نعم تلحن لحنا خفيا
تزيد حرفا وتنقص حرفا وتجعل أن في موضع إن وإن في موضع أن قال قد أجلتك
ثلاثا فإن أجدك بعد ثلاث بأرض العراق قتلتك فرجع إلى خراسان (وحج)
بالناس في هذه السنة هشام بن إسماعيل المخزومي كذلك حدثني أحمد بن ثابت
عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر وكانت عمال الأمصار في هذه السنة
عمالها الذين سميت قبل في سنة 83
187

ثم دخلت سنة خمس وثمانين
ذكر ما كان فيها من الاحداث
(ففيها) كان هلاك عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث
ذكر السبب الذي به هلك وكيف كان
(ذكر هشام بن محمد) عن أبي مخنف قال لما انصرف ابن الأشعث من
هراة راجعا إلى رتبيل كان معه رجل من أود يقال له علقمة بن عمرو فقال له
ما أريد أن أدخل معك فقال له عبد الرحمن لم قال لانى أتخوف عليك وعلى من
معك والله لكأني بكتاب الحجاج قد جاء فوقع إلى رتبيل يرغبه ويرهبه فإذا هو
قد بعث بك سلما أو قتلكم ولكن ههنا خمسمائة قد تبايعنا على أن ندخل مدينة
فنتحصن فيها ونقاتل حتى نعطى أمانا أو نموت كراما فقال له عبد الرحمن أما
لو دخلت معي لآسيتك وأكرمتك فأبى عليه علقمة ودخل عبد الرحمن بن محمد
إلى رتبيل وخرج هؤلاء الخمسمائة فبعثوا عليهم مودودا النضري وأقاموا حتى
قدم عليهم عمارة بن تميم اللخمي فحاصرهم فقاتلوه وامتنعوا منه حتى آمنهم فخرجوا
إليه فوفى لهم قال وتتابعت كتب الحجاج إلى رتبيل في عبد الرحمن بن محمد أن ابعث
به إلى والا فوالذي لا إله إلا هو لأوطئن أرضك ألف ألف مقاتل وكان عند
رتبيل رجل من بنى تميم ثم من بنى يربوع يقال له عبيد بن أبي سبيع فقال لرتبيل
أنا آخذ لك من الحجاج عهدا ليكفن الخراج عن أرضك سبع سنين على أن
تدفع إليه عبد الرحمن بن محمد قال رتبيل لعبيد فان فعلت فان لك عندي ما سألت
فكتب إلى الحجاج يخبره أن رتبيل لا يعصيه وأنه لن يدع رتبيل حتى يبعث إليه
بعبد الرحمن بن محمد فأعطاه الحجاج على ذلك مالا وأخذ من رتبيل عليه مالا وبعث
رتبيل برأس عبد الرحمن بن محمد إلى الحجاج وترك له الصلح الذي كان يأخذه منه
سبع سنين وكان الحجاج يقول بعث إلى رتبيل بعدو الله فألقى نفسه من فوق إجار
فمات (قال أبو مخنف) وحدثني سليمان بن أبي راشد أنه سمع مليكة ابنة يزيد
تقول والله لمات عبد الرحمن وإن رأسه لعلى فخذي كان السل قد أصابه * فلما
188

مات وأرادوا دفنه بعث إليه رتبيل فحز رأسه فبعث به إلى الحجاج وأخذ ثمانية
عشر رجلا من آل الأشعث فحبسهم عنده وترك جميع من كان معه من أصحابه
وكتب إلى الحجاج بأخذه الثمانية عشر رجلا من أهل بيت عبد الرحمن فكتب
إليه أن اضرب رقابهم وابعث إلى برؤوسهم وكره أن يؤتى بهم إليه أحياء فيطلب
فيهم إلى عبد الملك فيترك منهم أحدا وقد قيل في أمر ابن أبي سبيع وابن الأشعث
غير ما ذكرت عن أبي مخنف وذلك ما ذكر عن أبي عبيدة معمر بن المثنى أنه كان
يقول زعم أن عمارة بن تميم خرج من كرمان فأتى سجستان وعليها رجل من بنى
العنبر يدعى مردودا فحصره ثم آمنه ثم استولى على سجستان وأرسل رتبيل وكتب
إليه الحجاج أما بعد فإني قد بعثت إليك عمارة بن تميم في ثلاثين ألفا من أهل الشأم
لم يخالفوا طاعة ولم يخلعوا خليفة ولم يتبعوا إمام ضلالة يجرى على كل رجل منهم
في كل شهر مائة درهم يستطعمون الحرب استطعاما يطلبون ابن الأشعث فأبى رتبيل
أن يسلمه وكان مع ابن الأشعث عبيد بن أبي سبيع التميمي قد خص به وكان رسوله
إلى رتبيل فخص برتبيل أيضا وخف عليه فقال القاسم بن محمد بن الأشعث لأخيه
عبد الرحمن إني لا آمن غدر التميمي فاقتله فهم به وبلغ ابن أبي سبيع فخافه فوشى
به إلى رتبيل وخوفه الحجاج ودعاه إلى الغدر بابن الأشعث فأجابه فخرج سرا إلى
عمارة بن تميم فاستعجل في ابن الأشعث فجعل له ألف ألف فأقام عنده وكتب بذلك
عمارة إلى الحجاج فكتب إليه أن أعط عبيدا ورتبيل ما سألاك فاشترط
رتبيل أن لا تغزى بلاده عشر سنين وأن يؤدى بعد العشر سنين في كل سنة تسعمائة
ألف فأعطى وعبيدا ما سألا وأرسل رتبيل إلى ابن الأشعث فأحضره وثلاثين
من أهل بيته وقد أعدلهم الجوامع والقيود فألقى في عنقه جامعة وفى عنق القاسم جامعة
وأرسل بهم جميعا إلى أدنى مسالح عمارة منه وقال لجماعة من كان مع ابن الأشعث من
الناس تفرقوا إلى حيث شئتم ولما قرب ابن الأشعث من عمارة ألقى نفسه من
فوق قصر فمات فاحتز رأسه فأتى به وبالأسري عمارة فضرب أعناقهم وأرسل
برأس ابن الأشعث وبرؤوس أهله وبامرأته إلى الحجاج فقال في ذلك بعض الشعراء
189

هيهات موضع جثة من رأسها * رأس بمصر وجثة بالرحج
وكان الحجاج أرسل به إلى عبد الملك فأرسل به عبد الملك إلى عبد العزيز
وهو يومئذ على مصر * وذكر عمر بن شبة أن ابن عائشة حدثه قال أخبرني سعد
ابن عبيد الله قال لما أتى عبد الملك برأس ابن الأشعث أرسل به مع خصى إلى
امرأة منهم كانت تحت رجل من قريش فلما وضع بين يديها قالت مرحبا بزائر
لا يتكلم ملك من الملوك طلب ما هو أهله فأبت المقادير فذهب الخصي يأخذ الرأس
فاجتذبته من يده قالت لا والله حتى أبلغ حاجتي ثم دعت بخطمي فغسلته وغلفته
ثم قالت شأنك به الآن فأخذه ثم أخبر عبد الملك فلما دخل عليه زوجها قال إن
استطعت أن تصيب منها سخلة * وذكر أن ابن الأشعث نظر إلى رجل من أصحابه
وهو هارب إلى بلاد رتبيل فتمثل
يطرده الخوف فهو تائه * كذاك من يكره حر الجلاد
منخرق الخفين يشكو الوجا * تنكبه أطراف مرو حداد
قد كان في الموت له راحة * والموت حتم في رقاب العباد
فالتفت إليه فقال يا لحية هلا ثبت في موطن من المواطن فنموت بين يديك فكان
خيرا لك مما صرت إليه (قال هشام) قال أبو مخنف خرج الحجاج في أيامه تلك
يسير ومعه حميد الأرقط وهو يقول:
ما زال يبنى خندقا ويهدمه * عن عسكر يقوده فيسلمه
حتى يصير في يديك مقسمه * هيهات من مصفه منهزمه
إن أخا الكظاظ من لا يسأمه
فقال الحجاج هذا أصدق من قول الفاسق أعشى همدان
نبئت أن بنى يو * سف خر من زلق فتبا
قد تبين له من زلق وتب ودحض فانكب وخاف وخاب وشك وارتاب ورفع
صوته فما بقى أحد إلا فزع لغضبه وسكت الأريقط فقال له الحجاج عد فيما كنت
فيه مالك يا أرقط قال إني جعلت فداك أيها الأمير وسلطان الله عزيز ما هو إلا
190

أن رأيتك غضبت فأرعدت خصائلي واحزالت مفاصلي وأظلم بصرى ودارت
بي الأرض قال له الحجاج أجل إن سلطان الله عزيز عد فيما كنت فيه ففعل وقال
الحجاج وهو ذات يوم يسير ومعه زياد بن جرير بن عبد الله البجلي وهو أعور
فقال الحجاج للأريقط كيف قلت لابن سمرة قال قلت:
يا أعور العين فديت العورا * كنت حسبت الخندق المخفورا
يرد عنك القدر المقدورا * ودائرات السوء أن تدورا
وقد قيل إن مهلك عبد الرحمن بن محمد كان في سنة 84 (وفى هذه السنة)
عزل الحجاج بن يوسف يزيد بن المهلب عن خراسان وولاها المفضل بن
المهلب أخا يزيد
ذكر السبب الذي من أجله عزله الحجاج عن خراسان واستعمل المفضل
ذكر علي بن محمد عن المفضل بن محمد أن الحجاج وفد إلى عبد الملك فمر في
منصرفه بدير فنزله فقيل له إن في هذا الدير شيخا من أهل الكتب عالما فدعا به
فقال يا شيخ هل تجدون في كتبكم ما أنتم فيه ونحن قال نعم نجد ما مضى من أمركم
وما أنتم فيه وما هو كائن قال أفمسمى أم موصوفا قال كل ذلك موصوف بغير اسم
واسم بغير صفة قال فما تجدون صفة أمير المؤمنين قال نجده في زماننا الذي نحن
فيه ملك أقرع من يقم لسبيله يصرع قال ثم من قال اسم رجل يقال له الوليد قال ثم
ماذا قال رجل اسمه اسم نبي يفتح به على الناس قال أفتعرفني قال قد أجبرت بك
قال أفتعلم ما إلى قال نعم قال فمن يليه بعدي قال رجل يقال له يزيد قال في حياتي
أم بعد موتى قال لا أدرى قال أفتعرف صفته قال يغدر غدرة لا أعرف غير هذا
قال فوقع في نفسه يزيد بن المهلب وارتحل فسار سبعا وهو وجل من قول الشيخ
وقدم فكتب إلى عبد الملك يستعفيه من العراق فكتب إليه يا ابن أم الحجاج
قد علمت الذي تغزو وإنك تريد أن تعلم رأيي فيك ولعمري إني لارى مكان
نافع بن علقمة فاله عن هذا حتى يأتي الله بما هو آت فقال الفرزدق يذكر مسيره
لو أن طيرا كلفت مثل سيره * إلى واسط من إيلياء لملت
191

سرى بالمهارى من فلسطين بعد ما * دنا الليل من شمس النهار فولت
فما عاد ذاك اليوم حتى أناخها * بميسان قد ملت سراها وكلت
كأن قطاميا على الرحل طاويا * إذا غمرة الظلماء عنه تجلت
قال فبينا الحجاج يوما خال إذ دعا عبيد بن موهب فدخل وهو ينكث في
الأرض فرفع رأسه فقال ويحك يا عبيد إن أهل الكتب يذكرون أن ما تحت
يدي يليه رجل يقال له يزيد وقد تذكرت يزيد بن أبي كبشة ويزيد بن حصين بن نمير
ويزيد بن دينار فليسوا هناك وما هو إن كان إلا يزيد بن المهلب فقال عبيد لقد شرفتهم
وأعظمت ولايتهم وإن لهم لعددا وجلدا وطاعة وحظا فأخلق به فأجمع على عزل
يزيد فلم يجد له شيئا حتى قدم الخيار بن بن سبرة بن ذؤيب بن عرفجة بن محمد بن
سفيان بن مجاشع وكان من فرسان المهلب وكان مع يزيد فقال له الحجاج أخبرني عن
يزيد قال حسن الطاعة لين السيرة قال كذبت أصدقني عنه قال الله أجل وأعظم
قد أسرج ولم يلجم قال صدقت واستعمل الخيار على عمان بعد ذلك قال ثم
كتب إلى عبد الملك يذم يزيد وآل المهلب بالزبيرية فكتب إليه عبد الملك إني
لا أرى نقصا بآل المهلب طاعتهم لآل الزبير بل أراه وفاء منهم لهم وإن وفاءهم لهم
يدعوهم إلى الوفاء لي فكتب إليه الحجاج يخوفه غدرهم لما أخبره به الشيخ فكتب
إليه عبد الملك قد أكثرت في يزيد وآل المهلب فسم لي رجلا يصلح لخراسان
فسمى له مجاعة بن سعر السعدي فكتب إليه عبد الملك إن رأيك الذي دعاك إلى
استفساد آل المهلب هو الذي دعاك إلى مجاعة بن سعر فانظر لي رجلا صار ما ماضيا
لأمرك فسمى قتيبة بن مسلم فكتب إليه وله وبلغ يزيد أن الحجاج عزله فقال لأهل
بيته من ترون الحجاج يولى خراسان قالوا رجلا من ثقيف قال كلا ولكنه يكتب
إلى رجل منكم بعهده فإذا قدمت عليه عزله وولى رجلا من قيس وأخلق بقتيبة
قال فلما أذن عبد الملك للحجاج في عزل يزيد كره أن يكتب إليه بعزله فكتب إليه
أن استخلف المفضل وأقبل فاستشار يزيد حضين بن المنذر فقال له أقم واعتل
فان أمير المؤمنين حسن الرأي فيك وإنما أتيت من الحجاج فإن أقمت ولم تعجل
192

رجوت أن يكتب إليه أن يقر يزيد قال انا أهل بيت بورك لنا في الطاعة وأنا أكره
المعصية والخلاف فأخذ في الجهاز وأبطأ ذلك على الحجاج فكتب إلى المفضل إني
قد وليتك خراسان فجعل المفضل يستحث يزيد فقال له يزيد إن الحجاج لا يقرك
بعدي وإنما دعاه إلى ما صنع مخافة أن أمتنع عليه قال بل حدثني قال يزيد يا ابن بهلة
أنا أحسدك ستعلم وخرج يزيد في ربيع الآخر سنة 85 فعزل الحجاج المفضل فقال
الشاعر للمفضل وعبد الملك وهو أخوه لامه
يا ابني بهلة إنما أخزاكما * ربى غداة غدا الهمام الأزهر
أحفرتم لأخيكم فوقعتم * في قعر مظلمة أخوها المعور
جودوا بتوبة مخلصين فإنما * يأبى ويأنف أن يتوب الأخسر
وقال حضين ليزيد
أمرتك أمرا حازما فعصيتني * فأصبحت مسلوب الامارة نادما
فما أنا بالباكي عليك صبابة * وما أنا بالداعي لترجع سالما
فلما قدم قتيبة خراسان قال لحضين كيف قلت ليزيد قال قلت
أمرتك أمرا حازما فعصيتني * فنفسك أولى اللوم إن كنت لائما
فإن يبلغ الحجاج أن قد عصيته * فإنك تلقى أمره متفاقما
قال فماذا أمرته به فعصاك قال أمرته أن لا يدع صفراء ولا بيضاء إلا حملها
إلى الأمير فقال رجل لعياض بن حضين أما أبوك فوجده قتيبة حين فره قارحا
بقوله أمرته أن لا يدع صفراء ولا بيضاء إلا حملها إلى الأمير * قال على وحدثنا
كليب بن خلف قال كتب الحجاج إلى يزيد أن اغز خوارزم فكتب إليه أيها الأمير
انها قليلة السلب شديدة الكلب فكتب إليه الحجاج استخلف وأقدم فكتب إليه
إني أريد أن أغزو خوارزم فكتب إليه لا تغزها فإنها كما وصفت فغزا ولم يطعه
فصالحه أهل خوارزم وأصاب سبيا مما صالحوه وقفل في الشتاء فاشتد عليهم
البرد فأخذ الناس ثياب الاسرى فلبسوها فمات ذلك السبى من البرد قال ونزل
يزيد بالاستانة وأصاب أهل مرو الروذ طاعون ذلك العام فكتب إليه الحجاج أن
193

أقدم فقدم فلم يمر ببلد إلا فرشوا له الرياحين وكان يزيد ولى سنة 82 وعزل سنة
85 وخرج من خراسان في ربيع الآخر سنة 85 وولى قتيبة (وأما هشام بن محمد)
فإنه ذكر عن أبي مخنف في عزل الحجاج يزيد عن خراسان سببا غير الذي ذكره
علي بن محمد والذي ذكر من ذلك عن أبي مخنف أن أبا المخارق الراسبي وغيره
حدثوه أن الحجاج لم يكن له حين فرغ من عبد الرحمن بن محمد هم إلا يزيد بن المهلب
وأهل بيته وقد كان الحجاج أذل أهل العراق كلهم إلا يزيد وأهل بيته ومن معهم
من أهل المصرين بخراسان ولم يكن يتخوف بعد عبد الرحمن بن محمد بالعراق غير يزيد
ابن المهلب فأخذ الحجاج في مؤاربة يزيد ليستخرجه من خراسان فكان يبعث
إليه ليأتيه فيعتل عليه بالعدو وحرب خراسان فمكث بذلك حتى كان آخر سلطان
عبد الملك ثم إن الحجاج كتب إلى عبد الملك يشير عليه بعزل يزيد بن المهلب ويخبره
بطاعة آل المهلب لابن الزبير وأنه لا وفاء لهم فكتب إليه عبد الملك إني لا أرى
تقصيرا بولد المهلب طاعتهم لآل الزبير ولا وفاءهم لهم فان طاعتهم ووفاءهم لهم
هو دعاهم إلى طاعتي والوفاء لي ثم ذكر بقية الخبر نحو الذي ذكره علي بن محمد
(وفى هذه السنة) غزا المفضل باذغيس ففتحها
ذكر الخبر عن ذلك
ذكر علي بن محمد عن المفضل بن محمد قال عزل الحجاج يزيد وكتب إلى المفضل
بولايته على خراسان سنة 85 فوليها تسعة أشهر فغزا باذغيس ففتحها وأصاب
مغنما فقسمه بين الناس فأصاب كل رجل منهم ثمانمائة درهم ثم غزا آخرون
وشومان فظفر وغنم وقسم ما أصاب بين الناس ولم يكن للمفضل بيت مال كان
يعطى الناس كلما جاءه شئ وإن غنم شيئا قسمه بينهم فقال كعب الأشقري
يمدح المفضل:
ترى ذا الغنى والفقر من كل معشر * عصائب شتى ينتوون المفضلا
فمن زائر يرجو فواضل سيبه * وآخر يقضى حاجة قد ترحلا
إذا ما انتوينا غير أرضك لم نجد * بها منتوى خيرا ولا متعللا
194

إذا ما عددنا الأكرمين ذوي النهى * وقد قدموا من صالح كنت أولا
لعمري لقد صال المفضل صولة * أباحت بشومان المناهل والكلا
ويوم ابن عباس تناولت مثلها * فكانت لنا بين الفريقين فيصلا
صفت لك أخلاق المهلب كلها * وسربلت من مسعاته ما تسربلا
أبوك الذي لم يسع ساع كسعيه * فأورث مجدا لم يكن متنحلا
(وفى هذه السنة) قتل موسى بن عبد الله بن خازم السلمي بالترمذ
ذكر سبب قتله ومصيره إلى الترمذ حتى قتل بها
ذكر أن سبب مصيره إلى الترمذ كان أن أباه عبد الله بن خازم لما قتل من
قتل من بنى تميم بفرتنا وقد مضى ذكرى خبر قتله إياهم تفرق عنه عظم من كان
بقى معه منهم فخرج إلى نيسابور وخاف بنى تميم على ثقله بمرو فقال لابنه موسى
حول ثقلي عن مرو وأقطع نهر بلخ حتى تلجأ إلى بعض الملوك أو إلى حصن
تقيم فيه فشخص موسى من مرو في عشرين ومائتي فارس فأتى آمل وقد ضوي
إليه قوم من الصعاليك فصار في أربعمائة وانضم إليه رجال من بنى سليم منهم
زرعة بن علقمة فأتى زم فقاتلوه فظفر بهم وأصاب مالا وقطع النهر فأتى بخارى
فسأل صاحبها أن يلجأ إليه فأبى وخافه وقال رجل فاتك وأصحابه مثله أصحاب
حرب وشر فلا آمنه وبعث إليه بصلة عين ودواب وكسوة ونزل على عظيم
من عظماء أهل بخارى في نوقان فقال له إنه لا خير لك في المقام في هذه البلاد
وقد هابك القوم وهم لا يأمنونك فأقام عند دهقان نوقان أشهرا ثم خرج
يلتمس ملكا يلجأ إليه أو حصنا فلم يأت بلدا إلا كرهوا مقامه فيهم وسألوه
أن يخرج عنهم * قال علي بن محمد فأتى سمرقند فأقام بها وأكرمه طرخون
ملكها وأذن له في المقام فأقام ما شاء الله ولأهل الصغد مائدة يوضع عليها لحم
ودك وخبز وابريق شراب وذلك في كل عام يوما يجعل ذلك لفارس الصغد
فلا يقربه أحد غيره هو طعامه في ذلك اليوم فإن أكل منه أحد غيره بارزه
فأيهما قتل صاحبه فالمائدة له فقال رجل من أصحاب موسى ما هذه المائدة فأخبر
195

عنها فسكت فقال صاحب موسى لآكلن ما على هذه المائدة ولا بارزن فارس
الصغد فإن قتلته كنت فارسهم فجلس فأكل ما عليها وقيل لصاحب المائدة فجاء
مغضبا فقال يا عربي بارزني قال نعم وهل أريد إلا المبارزة فبارزه فقتله صاحب
موسى فقال ملك الصغد أنزلتكم وأكرمتكم فقتلتم فارس الصغد لولا أنى أعطيتك
وأصحابك الأمان لقتلتكم اخرجوا عن بلدي ووصله فخرج موسى فأتى كس
فكتب صاحب كس إلى طرخون يستنصره فأتاه فخرج إليه موسى في سبعمائة
فقاتلهم حتى أمسوا وتحاجزوا وبأصحاب موسى جراح كثير فلما أصبحوا
أمرهم موسى فحلقوا رؤوسهم كما يصنع الخوارج وقطعوا صفنات أخبيتهم كما يصنع
العجم إذا استماتوا وقال موسى لزرعة بن علقمة انطلق إلى طرخون فاحتل له
فأتاه فقال له طرخون لم صنع أصحابك ما صنعوا قال استقتلوا فما حاجتك إلى أن
تقتل أيها الملك موسى وتقتل فإنك لا تصل إليه حتى يقتل مثل عدتهم منكم ولو
قتلته وإياهم جميعا ما نلت حظا لان له قدرا في العرب فلا يلي أحد خراسان إلا
طالبك بدمه فإن سلمت من واحد لم تسلم من آخر قال ليس إلى ترك كس في
يده سبيل قال فكف عنه حتى يرتحل فكف وأتى موسى الترمذ وبها حصن
يشرف على النهر إلى جانب منه فنزل موسى على بعض دهاقين الترمذ خارجا
من الحصن والدهقان مجانب لترمذ شاه فقال لموسى إن صاحب الترمذ متكرم
شديد الحياء فإن ألطفته وأهديت إليه أدخلك حصنه فإنه ضعيف قال كلا ولكني
أسأله أن يدخلني حصنه فسأله فأبى فما كره موسى وأهدى له وألطفه حتى لطف
الذي بينهما وخرج فتصيد معه وكثر الطاف موسى له فصنع صاحب الترمذ طعاما
وأرسل إليه إني أحب أكرمك فتغد عندي وائتني في مائة من أصحابك فانتخب
موسى من أصحابه مائة فدخلوا على خيولهم فلما صارت في المدينة تصاهلت فتطير
أهل الترمذ وقالوا لهم أنزلوا فنزلوا فأدخلوا بيتا خمسين في خمسين وغدوهم فلما
فرغوا من الغداء اضطجع موسى فقالوا له اخرج قال لا أصيب منزلا مثل هذا
فلست بخارج منه حتى يكون بيتي أو قبري وقاتلوهم في المدينة فقتل من أهل الترمذ
عدة وهرب الآخرون فدخلوا منازلهم وغلب موسى على المدينة وقال لترمذ شاه
196

اخرج فإني لست أعرض لك ولا لاحد من أصحابك فخرج الملك وأهل المدينة
فأتوا الترك يستنصرونهم فقالوا دخل إليكم مائة رجل فأخرجوكم عن بلادكم
وقد قاتلناهم بكس فنحن لا نقاتل هؤلاء فأقام ابن خازم بالترمذ ودخل إليه
أصحابه وكانوا سبعمائة فأقام فلما قتل أبوه انضم إليه من أصحاب أبيه أربعمائة
فارس فقوى فكان يخرج فيغير على من حوله قال فأرسل الترك قوما
إلى أصحاب موسى ليعلموا علمه فلما قدموا قال موسى لأصحابه لا بد من مكيدة
لهؤلاء قال وذلك في أشد الحر فأمر بنار فأججت وأمر أصحابه فلبسوا ثياب
الشتاء ولبسوا فوقها لبودا ومدوا أيديهم إلى النار كأنهم يصطلون وأذن موسى
للترك فدخلوا ففزعوا مما رأوا وقالوا لم صنعتم هذا قالوا نجد البرد في هذا
الوقت ونجد الحر في الشتاء فرجعوا وقالوا جن لا نقاتلهم قال وأراد صاحب
الترك أن يغزو موسى فوجه إليه رسلا وبعث بسم ونشاب في مسك وإنما أراد
بالسم أن حربهم شديدة والنشاب الحرب والمسك السلم فاختر الحرب أو السلم
فأحرق السلم وكسر النشاب ونثر المسك فقال القوم لم يريدوا الصلح وأخبر أن
حربهم مثل النار وأنه يكسرنا فلم يغزهم قال فولى بكير بن وشاح خراسان
فلم يعرض له ولم يوجه إليه أحدا ثم قدم أمية فسار بنفسه يريده فخالفه بكير وخلع
فرجع إلى مرو فلما صالح أمية بكيرا أقام عامه ذلك فلما كان في قابل وجه
إلى موسى رجلا من خزاعة في جمع كثير فعاد أهل الترمذ إلى الترك فاستنصروهم
فأبوا فقالوا لهم قد غزاهم قوم منهم وحصروهم فان أعناهم عليهم ظفرنا بهم
فسارت الترك مع أهل الترمذ في جمع كثير فأطاف بموسى الترك والخزاعي
فكان يقاتل الخزاعي أول النهار والترك آخر النهار فقاتلهم شهرين أو ثلاثة فقال
موسى لعمرو بن خالد بن حصين الكلابي وكان فارسا قد طال أمرنا وأمر هؤلاء
وقد أجمعت أن أبيت عسكر الخزاعي فإنهم للبيات آمنون فما ترى قال البيات نعما هو
وليكن ذلك بالعجم فإن العرب أشد حذرا وأسرع فزعا وأجرأ على الليل من
العجم فبيتهم فإني أرجوا أن ينصرنا الله عليهم ثم ننفرد لقتال الخزاعي فنحن في
197

حصن وهم بالعراء وليسوا بأولى بالصبر ولا أعلم بالحرب منا قال فأجمع موسى
على بيات الترك فلما ذهب من الليل ثلثه خرج في أربعمائة وقال لعمرو بن خالد
اخرجوا بعدنا وكونوا منا قريبا فإذا سمعتم تكبيرنا فكبروا وأخذ على شاطئ
النهر حتى ارتفع فوق العسكر ثم أخذ من ناحية كفتان فلما قرب من عسكرهم
جعل أصحابه أرباعا ثم قال أطيفوا بعسكرهم فإذا سمعتم تكبيرنا فكبروا وأقبل
وقدم عمرا بين يديه ومشوا خلفه فلما رأته أصحاب الأرصاد قالوا من أنتم قالوا
عابري سبيل قال فلما جازوا الرصد تفرقوا وأطافوا بالعسكر وكبروا فلم يشعر
الترك إلا بوقع السيوف فثاروا يقتل بعضهم بعضا وولوا وأصيب من المسلمين
ستة عشر رجلا وحووا عسكرهم وأصابوا سلاحا ومالا وأصبح الخزاعي وأصحابه
قد كسرهم ذلك وخافوا مثلها من البيات فتحذروا فقال لموسى عمرو بن خالد إنك
لا تظفر إلا بمكيدة ولهم أمداد وهم يكثرون فدعني آتهم لعلى أصيب من صاحبهم
فرصة إني إن خلوت به قتلته فتناولني بضرب قال تتعجل الضرب وتتعرض
للقتل قال أما التعرض للقتل فأنا كل يوم متعرض له وأما الضرب فما أيسره في
جنب ما أريد فتناوله بضرب ضربه خمسين سوطا فخرج من عسكر موسى فاتى
عسكر الخزاعي مستأمنا وقال أنا رجل من أهل اليمن كنت مع عبد الله بن خازم
فلما قتل أتيت ابنه فلم أزل معه وكنت أول من أتاه فلما قدمت اتهمني وتعصب
على وتنكر لي وقال لي قد تعصبت لعدونا فأنت عين له فضربني ولم آمن القتل
وقلت ليس بعد الضرب إلا القتل فهربت منه فآمنه الخزاعي وأقام معه قال فدخل
يوما وهو خال ولم ير عنده سلاحا فقال كأنه ينصح له أصلحك الله إن مثلك في
مثل حالك لا ينبغي أن يكون في حال من أحواله بغير سلاح فقال إن معي سلاحا
فرفع صدر فراشه فإذا سيف منتضى فتناوله عمرو فضربه فقتله وخرج فركب
فرسه ونذروا به بعد ما أمعن فطلبوه ففاتهم فأتى موسى وتفرق ذلك الجيش فقطع
بعضهم النهر وأتى بعضهم موسى مستأمنا فآمنه فلم يوجه إليه أمية أحدا قال
وعزل أمية وقدم المهلب أميرا فلم يعرض لابن خازم وقال لبنيه إياكم وموسى
198

فإنكم لا تزالون ولاة هذا الثغر ما أقام هذا الثط بمكانه فان قتل كان أول طالع
عليكم أميرا على خراسان رجل من قيس فمات المهلب ولم يوجه إليه أحدا ثم تولى
يزيد بن المهلب فلم يعرض له وكان المهلب ضرب حريث بن قطبة الخزاعي فخرج
هو وأخوه ثابت إلى موسى فلما ولى يزيد بن المهلب أخذ أموالهما وحرمهما وقتل
أخاهما لا مهما الحارث بن منقذ وقتل صهرا لهما كانت عنده أم حفص ابنة ثابت
فبلغهما ما صنع يزيد قال فخرج ثابت إلى طرخون فشكا إليه ما صنع به وكان ثابت
محببا في العجم بعيد الصوت يعظمونه ويتقون به فكان الرجل منهم إذا أعطى
عهدا يريد الوفاء به حلف بحياة ثابت فلا يغدر فغضب له طرخون وجمع له نيزك
والسبل وأهل بخارى والصغانيا فقدموا مع ثابت إلى موسى بن عبد الله وقد
سقط إلى موسى فل عبد الرحمن بن العباس من هراة وفل ابن الأشعث من العراق
ومن ناحية كابل وقوم من بنى تميم ممن كان يقاتل ابن خازم في الفتنة من أهل
خراسان فاجتمع إلى موسى ثمانية آلاف من تميم وقيس وربيعة واليمن فقال له
ثابت وحريث سر حتى تقطع النهر فتخرج يزيد بن المهلب عن خراسان ونوليك
فإن طرخون ونيزك والسبل وأهل بخارى معك فهم أن يفعل فقال له أصحابه
إن ثابتا وأخاه خائفان ليزيد وإن أخرجت يزيد عن خراسان وأمنا توليا الامر
وغلباك على خراسان فأقم مكانك فقبل رأيهم وأقام بالترمذ وقال لثابت إن
أخرجنا يزيد قدم عامل لعبد الملك ولكنا نخرج عمال يزيد من وراء النهر مما
يلينا وتكون هذه الناحية لنا نأكلها فرضى ثابت بذلك وأخرج من كان من عمال
يزيد من وراء النهر وحملت إليهم الأموال وقوى أمرهم وأمر موسى وانصرف
طرخون ونيزك وأهل بخارى والسبل إلى بلادهم وتدبير الامر لحريث وثابت
والأمير موسى ليس له غير الاسم فقال لموسى أصحابه لسنا نرى من الامر في يديك
شيئا أكثر من اسم الامارة فأما التدبير فلحريث وثابت فاقتلهما وتول الامر
فأبى وقال ما كنت لا غدر بهما وقد قويا أمري فحسدوهما وألحوا على موسى في
أمرهما حتى أفسدوا قلبه وخوفوه غدرهما وهم بمتابعتهم على الوثوب بثابت
199

وحريث واضطرب أمرهم فإنهم لفى ذلك إذ خرجت عليهم الهياطلة والتبت
والترك فأقبلوا في سبعين ألفا لا يعدون الحاسر ولا صاحب بيضة جماء ولا يعدون
إلا صاحب بيضة ذات قونس قال فخرج ابن خازم إلى ربض المدينة في ثلثمائة
راجل وثلاثين مجففا وألقى له كرسي فقعد عليه قال فأمر طرخون أن يثلم حائط
الربض فقال موسى دعوهم فهدموا ودخل أوائلهم فقال دعوهم يكثرون وجعل
يقلب طبرزينا بيده فلما كثروا قال الآن امنعوهم فركب وحمل عليهم فقاتلهم
حتى أخرجهم عن الثلمة ثم رجع فجلس على الكرسي ودمر الملك أصحابه ليعودوا
فأبوا فقال لفرسانه هذا الشيطان من سره أن ينظر إلى رستم فلينظر إلى صاحب
الكرسي فمن أبى فليقدم عليه ثم تحولت الأعاجم إلى رستاق كفتان قال فأغاروا
على سرح موسى فاغتم ولم يطعم وجعل يعبث بلحيته فسار ليلا على نهر في حافتيه
نبات لم يكن فيه ماء وهو يفضى إلى خندقهم في سبعمائة فأصبحوا عند عسكرهم وخرج
السرح فأغار عليه فاستاقه واتبعه قوم منهم فعطف عليه سوار مولى لموسى فطعن
رجلا منهم فصرعه فرجعوا عنهم وسلم موسى بالسرح قال وغاداهم العجم القتال
فوقف ملكهم على تل في عشرة آلاف في أكمل عدة فقال موسى إن أزلتم
هؤلاء فليس الباقون بشئ فقصد لهم حريث بن قطبة فقاتلهم صدر النهار
وألح عليهم حتى أزالوهم عن التل ورمى يومئذ حريث بنشابة في جهته
فتحاجزوا فبيتهم موسى وحمل أخوه خازم بن عبد الله بن خازم حتى وصل إلى
شمعة ملكهم فوجأ رجلا منهم بقبيعة سيفه فطعن فرسه فاحتمله فألقاه في نهر
بلخ فغرق وعليه درعان فقتل العجم قتلا ذريعا ونجا منهم من نجا بشر ومات
حريث بن قطبة بعد يومين فدفن في قبته قال وارتحل موسى وحملوا الرؤس إلى
الترمذ فبنوا من تلك الرؤس جوسقين وجعلوا الرؤس يقابل بعضها بعضا وبلغ
الحجاج خبر الوقعة فقال الحمد لله الذي نصر المنافقين على الكافرين فقال أصحاب
موسى قد كفينا أمر حريث فأرحنا من ثابت فأبى وقال لا وبلغ ثابتا بعض
ما يخوضون فيه فدس محمد بن عبد الله بن مرثد الخزاعي عم نصر بن عبد الحميد
200

عامل أبى مسلم على الري وكان في خدمة موسى عبد الله وقال له إياك أن تتكلم
بالعربية وان سألوك من أين أنت فقل من سبى الباميان فكان يخدم موسى
وينقل إلى ثابت خبرهم فقال له تحفظ ما يقولون وحذر ثابت فكان لا ينام حتى
يرجع الغلام وأمر قوما من شاكريته يحرسونه ويبيتون عنده في داره ومعهم قوم
من العرب وألح القوم على موسى فأضجروه فقال لهم ليلة قد أكثرتم على وفيها
تريدون هلاككم وقد أبرمتموني فعلى أي وجه تفتكون به وأنا لا أغدر به فقال
نوح بن عبد الله أخو موسى خلنا وإياه فإذا غدا إليك عدوة عدلنا به إلى بعض
الدور فضربنا عنقه فيها قبل أن يصل إليك قال أما والله إنه لهلاككم وأنتم أعلم
والغلام يسمع فأتى ثابتا فأخبره فخرج من ليلته في عشرين فارسا فمضى وأصبحوا
وقد ذهب فلم يدروا من أين أوتوا وفقدوا الغلام فعلموا أنه كان عينا له عليهم
ولحق ثابت بحشورا فنزل المدينة وخرج إليه قوم كثير من العرب والعجم فقال
موسى لأصحابه قد فتحتم على أنفسكم بابا فسدوه وسار إليه موسى فخرج إليه ثابت
في جمع كثير فقاتلهم فأمر موسى بإحراق السور وقاتلهم حتى ألجؤا ثابتا وأصحابه
إلى المدينة وقاتلوهم عن المدينة فأقبل رقبة بن الحر العنبري حتى اقتحم النار فانتهى
إلى باب المدينة ورجل من أصحاب ثابت واقف يحمى أصحابه فقتله ثم رجع فخاض
النار وهى تلتهب وقد أخذت بجوانب نمط عليه فرمى به عنه ووقف وتحصن
ثابت في المدينة وأقام موسى في الربض وكان ثابت حين شخص إلى حشورا أرسل
إلى طرخون فأقبل طرخون معينا له وبلغ موسى مجئ طرخون فرجع إلى الترمذ
وأعانه أهل كس ونسف وبخاري فصار ثابت في ثمانين ألفا فحصروا موسى
وقطعوا عنه المادة حتى جهدوا قال وكان أصحاب ثابت يعبرون نهرا إلى موسى
بالنهار ثم يرجعون بالليل إلى عسكرهم فخرج يوما رقبة وكان صديقا لثابت وقد
كان ينهى أصحاب موسى عما صنعوا فنادى ثابتا فبرز له وعلى رقبة قباء خز فقال
له كيف حالك يا رقبة فقال ما تسأل عن رجل عليه جبة خز في حمارة القيظ
وشكا إليه حالهم فقال أنتم صنعتم هذ بأنفسكم فقال أما والله ما دخلت في أمرهم
201

ولقد كرهت ما أرادوا فقال ثابت أين تكون حتى يأتيك ما قدر لك قال أنا عند
المحل الطفاوي رجل من قيس من يعصر وكان المحل شيخا صاحب شراب
فنزل رقبة عنده قال فبعث ثابت إلى رقبة بخمسمائة درهم مع علي بن المهاجر
الخزاعي وقال إن لنا تجارا قد خرجوا من بلخ فإذا بلغك أنهم قد قدموا فأرسل إلى
تأتك حاجتك فأتى على باب المحل فدخل فإذا رقبة والمحل جالسان بينهما جفنة
فيها شراب وخوان عليه دجاج وأرغفة ورقبة شعث الرأس متوشح بملحفة حمراء
فدفع إليه الكيس وأبلغه الرسالة وما كلمه وتناول الكيس وقال له بيده اخرج
ولم يكلمه قال وكان رقبة جسيما كبيرا غائر العينين ناتئ الوجنتين مفلج بين كل
سنين له موضع سن كأن وجهه ترس قال فلم أضاق أصحاب موسى واشتد عليهم
الحصار قال يزيد بن هزيل إنما مقام هؤلاء مع ثابت والقتل أحسن من الموت
جوعا والله لأفتكن بثابت أو لأموتن فخرج إلى ثابت فاستأمنه فقال له ظهير أنا
أعرف بهذا منك إن هذا لم يأتك رغبة فيك ولا جزعا لك ولقد جاءك بغدرة
فاحذره وخلني وإياه فقال ما كنت لا قدم على رجل أتاني لا أدرى أكذلك هو
أم لا قال فدعني أرتهن منه رهنا فأرسل ثابت إلى يزيد فقال أما أنا فلم أكن
أظن رجلا يغدر بعد ما يسأل الأمان وابن عمك أعلم بك منى فانظر ما يعاملك
عليه فقال يزيد لظهير أبيت يا أبا سعيد إلا حسدا قال أما يكفيك ما ترى من الذل
تشردت عن العراق وعن أهلي وصرت بخراسان فيما ترى أفما تعطفك الرحم
فقال له ظهير أما والله لو تركت ورأيي فيك لما كان هذا ولكن أرهنا ابنيك
قدامة والضحاك فدفعهما إليهم فكانا في يدي سهير قال وأقام يزيد يلتمس غرة
ثابت لا يقدر منه على ما يريد حتى مات ابن لزياد القصير الخزاعي أتى أباه نعيه من
مرو فخرج ثابت متفضلا إلى زياد ليعزيه ومعه ظهير ورهط من أصحابه وفيهم يزيد
ابن هزيل وقد غابت الشمس فلما صار على نهر الصغانيان تأخر يزيد بن هزيل
ورجلان معه وقد تقدم ظهير وأصحابه فدنا يزيد من ثابت فضربه فعض السيف
برأسه فوصل إلى الدماغ قال ورمى يزيد وصاحباه بأنفسهم في نهر الصغانيان
202

فرموهم فنجا يزيد سباحة وقتل صاحباه وحمل ثابت إلى منزله فلما أصبح طرخون
أرسل إلى ظهير ائتنى بابني يزيد فأتاه بهما فقدم ظهير الضحاك بن يزيد فقتله
ورمى به وبرأسه في النهر وقدم قدامة ليقتله فالتفت فوقع السيف في صدره ولم
يبن فألقاه في النهر حيا فغرق فقال طرخون أبو هما قتلهما وغدره فقال يزيد
ابن هزيل لأقتلن بابني كل خزاعي بالمدينة فقال له عبد الله بن بديل بن عبد الله
ابن بديل بن ورقاء وكان ممن أتى موسى من فل بن الأشعث لو رمت ذاك من
خزاعة لصعب عليك وعاش ثابت سبعة أيام ثم مات وكان يزيد بن هزيل سخيا
شجاعا شاعرا ولى أيام بن زياد جزيرة ابن كاوان فقال
قد كنت أدعو الله في السر مخلصا * ليمكنني من جزية ورجال
فأترك فيها ذكر طلحة خاملا * ويحمد فيها نائلي وفعالي
قال فقام بأمر العجم بعد موت ثابت طرخون وقام ظهير بأمر أصحاب ثابت فقاما
قياما ضعيفا وانتشر أمرهم فأجمع موسى على بياتهم فجاء رجل فأخبر طرخون
فضحك وقال موسى يعجز أن يدخل متوضأه فكيف يبيتنا لقد طار قلبك لا يحرسن
الليلة أحد العسكر فلما ذهب من الليل ثلثه خرج موسى في ثمانمائة قد عبأهم من
النهار وصيرهم أرباعا قال فصير على ربع رقبة ابن الحر وعلى ربع أخاه نوح بن عبد الله
ابن خازم وعلى ربع يزيد ابن هزيل وصار هو في ربع وقال لهم إذا دخلتم عسكرهم
فتفرقوا ولا يمرن أحد منكم بشئ الا ضربه فدخلوا عسكرهم من أربع نواح
لا يمرون بدابة ولا رجل ولا خباء ولا جولق إلا ضربوه وسمع الوجبة نيزك
فلبس سلاحه ووقف في ليلة مظلمة وقال لعلي بن المهاجر الخزاعي انطلق إلى
طرخون فأعلمه موقفي وقل له ما ترى أعمل به فأتى طرخون فإذا هو في فازة
قاعد على كرسي وشاكريته قد أوقدوا النيران بين يديه فأبلغه رسالة نيزك فقال
اجلس وهو طامح ببصره نحو العسكر والصوت إذ أقبل محمية السلمي وهو
يقول حم لا ينصرون فتفرق في الشاكرية ودخل محمية الفازة وقام إليه طرخون
فبدره فضربه فلم يغن شيئا قال وطعنه طرخون بذباب السيف في صدره فصرعه
203

ورجع إلى الكرسي فجلس عليه وخرج محمية يعدو قال ورجعت الشاكرية فقال
لهم طرخون فررتم من رجل أرأيتم لو كان نارا هل كانت تحرق منكم أكثر
من واحد فما فرغ من كلامه حتى دخل جواريه الفازة وخرج الشاكرية هرابا
فقال للجواري اجلسن وقال لعلي بن المهاجر قم قال فخرجا فإذا نوح بن عبد الله
ابن خازم في السرادق فتجاولا ساعة واختلفا ضربتين فلم يصنعا شيئا وولى نوح
وأتبعه طرخون فطعن فرس نوح في خاصرته فشب فسقط نوح والفرس
في نهر الصغابيان ورجع طرخون وسيفه يقطر دما حتى دخل السرادق وعلى
ابن المهاجر معه ثم دخلا الفازة وقال طرخون للجواري ارجعن فرجعن إلى السرادق
وأرسل طرخون إلى موسى كف أصحابك فانا نرتحل إذا أصبحنا فرجع موسى إلى
عسكره فلما أصبحوا ارتحل طرخون والعجم جميعا فأتى كل قوم بلادهم قال وكان
أهل خراسان يقولون ما رأينا مثل موسى بن عبد الله بن خازم ولا سمعنا به قاتل
مع أبيه سنتين ثم خرج يسير في بلاد خراسان حتى أتى ملكا فغلبه على مدينته
وأخرجه منها ثم سارت إليه الجنود من العرب والترك فكان يقاتل العرب أول
النهار والعجم آخر النهار وأقام في حصنه خمس عشرة سنة وصار ما وراء النهر
لموسى لا يعازه فيه أحد قال وكان بقومس رجل يقال له عبد الله يجتمع إليه فتيان
يتنادمون عنده في مؤونته ونفقته فلزمه دين فأتى موسى بن عبد الله فأعطاه أربعة
آلاف فأتى بها أصحابه فقال الشاعر يعاتب رجلا يقال له موسى
فما أنت موسى إذ يناجى إلهه * ولا واهب القينات موسى بن خازم
قال فلما عزل يزيد وولى المفضل خراسان أراد أن يحظى عند الحجاج بقتال
موسى بن عبد الله فأخرج عثمان بن مسعود وكان يزيد حبسه فقال إني أريد أن
أوجهك إلى موسى بن عبد الله فقال والله لقد وترني وإني لثائر بابن عمتي ثابت
وبالخزاعي وما يد أبيك وأخيك عندي وعند أهل بيتي بالحسنة لقد حبستموني
وشردتم بنى عمى واصطفيتم أموالهم فقال له المفضل دع هذا عنك وسر فأدرك
بثأرك فوجهه في ثلاثة آلاف وقال له مر مناديا فليناد من لحق بنا فله ديوان فنادى
204

بذلك في السوق فسارع إليه الناس وكتب المفضل إلى مدرك وهو ببلخ أن يسير
معه فخرج فلما كان ببلخ خرج ليلة يطوف في العسكر فسمع رجلا يقول قتلته
والله فرجع إلى أصحابه فقال قتلت موسى ورب الكعبة قال فأصبح فسار من بلخ
وخرج مدرك معه متثاقلا فقطع النهر فنزل جزيرة بالترمذ يقال لها اليوم جزيرة
عثمان لنزول عثمان بها في خمسة عشر ألفا وكتب إلى السبل وإلى طرخون فقدموا
عليه فحصروا موسى فضيقوا عليه وعلى أصحابه فخرج موسى ليلا فأتى كفتان فامتار
منها ثم رجع فمكث شهرين في ضيق وقد خندق عثمان وحذر البيات فلم يقدر
موسى منه على غرة فقال لأصحابه حتى متى اخرجوا بنا فاجعلوا يومكم إما ظفرتم
وإما قتلتم وقال لهم اقصدوا اللصغد والترك فخرج وخلف النضر بن سليمان بن عبد الله
ابن خازم في المدينة وقال له ان قتلت فلا تدفعن المدينة إلى عثمان وادفعها إلى
مدرك بن المهلب وخرج فصير ثلث أصحابه بإزاء عثمان وقال لا تهايجوه إلا أن
يقاتلكم وقصد لطرخون وأصحابه فصدقوهم فانهزم طرخون والترك وأخذوا
عسكرهم فجعلوا ينقلونه ونظر معاوية بن خالد بن أبي برزة إلى عثمان وهو على برذون
لخالد بن أبي برزة الأسلمي فقال أنزل أيها الأمير فقال خالد لا تنزل فان معاوية
مشؤم وكرت الصغد والترك راجعة فحالوا بين موسى وبين الحصن فقاتلهم فعقر
به فسقط فقال لمولى له احملني فقال الموت كريه ولكن ارتدف فان نجونا
نجونا جميعا وإن هلكنا هلكنا جميعا قال فارتدف فنظر إليه عثمان حين وثب فقال
وثبة موسى ورب الكعبة وعليه مغفر له موشى بخز أحمر في أعلاه ياقوتة
اسمانجونية فخرج من الخندق فكشفوا أصحاب موسى فقصد لموسى وعثرت دابة
موسى فسقط هو ومولاه فابتدروه فانطووا عليه فقتلوه ونادى منادى عثمان لا تقتلوا
أحدا من لقيتموه فخذوه أسيرا قال فتفرق أصحاب موسى وأسر منهم قوم فعرضوا
على عثمان فكان إذا أتى بأسير من العرب قال دماؤنا لكم حلال ودماؤكم علينا حرام
ويأمر بقتله وإذا أتى بأسير من الموالى شتمه وقال هذه العرب تقاتلني فهلا غضبت لي
فيأمر به فيشدخ وكان فظا غليظا فلم يسلم عليه يومئذ أسير إلا عبد الله بن بديل بن عبد الله
205

ابن بديل بن ورقاء فإنه كان مولاه فلما نظر إليه أعرض عنه وأشار بيده أن خلوا عنه
ورقبة بن الحر لما أتى به نظر إليه وقال ما كان من هذا إلينا كبير ذنب وكان
صديقا لثابت وكان مع قوم فوفى لهم والعجب كيف أسرتموه قالوا طعن فرسه
فسقط عنه في وهدة فأسر فأطلقه وحمله وقال لخالد بن أبي برزة ليكن عندك قال
وكان الذي أجهز على موسى بن عبد الله واصل بن طيسلة العنبري ونظر يومئذ
عثمان إلى زرعة بن علقمة السلمي والحجاج بن مروان وسنان الأعرابي ناحية
ناحية فقال لكم الأمان فظن الناس انه لم يؤمنهم حتى كاتبوه قال وبقيت
المدينة في يدي النضر بن سليمان بن عبد الله بن خازم فقال لا أدفعها إلى عثمان
ولكني أدفعها إلى مدرك فدفعها إليه وآمنه فدفعها مدرك إلى عثمان وكتب
المفضل بالفتح إلى الحجاج فقال الحجاج العجب من ابن بهلة آمره بقتل ابن سمرة
فيكتب إلى إنه قتل موسى بن عبد الله بن خازم قال وقتل موسى سنة 85 فذكر
البحتري أن مغراء بن المغيرة بن أبي صفرة قتل موسى فقال
وقد عركت بالترمذ الخيل خازما * ونوحا وموسى عركة بالكلاكل
قال فضرب رجل الجند ساق موسى فلما ولى قتيبة أخبر عنه فقال ما دعاك إلى
ما صنعت بقتى العرب بعد موته قال كان قتل أخي فأمر به قتيبة فقتل بين يديه
(وفى هذه السنة) أراد عبد الملك بن مروان خلع أخيه عبد العزيز بن مروان
ذكر الخبر عن ذلك وما كان من أمرهما فيه
* ذكر الواقدي ان عبد الملك هم بذلك فنهاه عنه قبيصة بن ذؤيب وقال
لا تفعل هذا فإنك باعث على نفسك صوت نعار ولعل الموت يأتيه فتستريح منه
فكف عبد الملك عن ذلك ونفسه تنازعه إلى أن يخلعه ودخل عليه روح بن زنباع
الجذامي وكان أجل الناس عند عبد الملك فقال يا أمير المؤمنين لو خلعته ما انتطح
فيه عنزان فقال ترى ذلك يا أبا زرعة قال أي والله وأنا أول من يجيبك إلى ذلك
فقال نصيح إن شاء الله قال فبينا هو على ذلك وقد نام عبد الملك وروح بن زنباع
إذ دخل عليها قبيصة بن ذؤيب طروقا وكان عبد الملك قد تقدم إلى حجابه
206

فقال لا يحجب عنى قبيصة أي ساعة جاء من ليل أو نهار إذا كنت خاليا أو
عندي رجل واحد وان كنت عند النساء أدخل المجلس وأعلمت بمكانه فدخل وكان
الخاتم إليه وكانت السكة إليه تأتيه الاخبار قبل عبد الملك ويقرأ الكتاب قبله
ويأتي بالكتاب إلى عبد الملك منشورا فيقرأه إعظاما لقبيصة فدخل عليه فسلم
عليه وقال آجرك الله يا أمير المؤمنين في أخيك عبد العزيز قال وهل توفى قال
نعم فاسترجع عبد الملك ثم أقبل على روح فقال كفانا الله أبا زرعة ما كنا نريد
وما أجمعنا عليه وكان ذلك مخالفا لك يا أبا إسحاق فقال قبيصة ما هو فأخبره بما كان
فقال قبيصة يا أمير المؤمنين إن الرأي كله في الأناة والعجلة فيها ما فيها فقال
عبد الملك ربما كان في العجلة خير كثير رأيت أمر عمرو بن سعيد ألم تكن
العجلة فيه خيرا من التأني (وفى هذه السنة) توفى عبد العزيز بن مروان بمصر
في جمادى الأولى فضم عبد الملك عمله إلى ابنه عبد الله بن عبد الملك وولاه مصر
وأما المدائني فإنه قال في ذلك ما حدثنا به أبو زيد عنه أن الحجاج كتب إلى عبد الملك
يزين له بيعة الوليد وأوفد وفدا في ذلك عليهم عمران بن عصام العنزي فقام عمران
خطيبا فتكلم وتكلم الوفد وحثوا عبد الملك وسألوه ذلك فقال عمران بن عصام
أمير المؤمنين إليك نهدى * على النأي التحية والسلاما
أجبني في بنيك يكن جوابي * لهم عادية ولنا قواما
فلو أن الوليد أطاع فيه * جعلت له الخلافة والذماما
شبيهك حول قبته قريش * به يستمطر الناس الغماما
ومثلك في التقى لم يصب يوما * لدن خلع القلائد والتماما
فإن تؤثر أخاك بها فإنا * وجدك لا نطق لها اتهاما
ولكنا نحاذر من بنيه * بنى العلات مأثرة سماما
ونخشى أن جعلت الملك فيهم * سحابا أن تعود لهم جهاما
فلا يك ما حلبت غدا لقوم * وبعد غد بنوك هم العياما
فأقسم لو تخطأني عصام * بذلك ما عذرت به عصاما
207

ولو أنى حبوت أخا بفضل * أريد به المقالة والمقاما
لعقب في بنى على بنيه * كذلك أو لرمت له مراما
فمن يك في أقاربه صدوع * فصدع الملك أبطأه التئاما
فقال عبد الملك يا عمران انه عبد العزيز قال احتل له يا أمير المؤمنين قال
على أراد عبد الملك بيعة الوليد قبل أمر ابن الأشعث لان الحجاج بعث في ذلك
عمران بن عصام فلما أبى عبد العزيز أعرض عبد الملك عما أراد حتى مات عبد العزيز
ولما أراد أن يخلع أخاه عبد العزيز ويبايع لابنه الوليد كتب إلى أخيه إن رأيت
أأتصير هذا الامر لابن أخيك فأبى فكتب إليه فاجعلها له من بعدك فإنه أعز الخلق على أمير المؤمنين فكتب إليه عبد العزيز إني أرى في أبى بكر بن عبد العزيز
ما ترى في الوليد فقال عبد الملك اللهم ان عبد العزيز قطعني فاقطعه فكتب إليه عبد الملك
احمل خراج مصر فكتب إليه عبد العزيز يا أمير المؤمنين انى وإياك قد بلغنا سنا
لم يبلغها أحد من أهل بيتك إلا كان بقاؤه قليلا وإني لا أدرى ولا تدرى أينا
يأتيه الموت أولا فان رأيت أن لا تغثث على بقية عمري فافعل فرق له عبد الملك وقال
لعمري لا أغثث عليه بقية عمره وقال لا بنيه إن يرد الله أن يعطيكموها لا يقدر
أحد من العباد على رد ذلك وقال لا بنيه الوليد وسليمان هل قارفتما حراما قط قالا لا
والله قال الله أكبر نلتماها ورب الكعبة قال فلما أبى عبد العزيز أن يجيب
عبد الملك إلى ما أراد قال عبد الملك اللهم قد قطعني فاقطعه فلما مات عبد العزيز
قال أهل الشأم رد على أمير المؤمنين أمره فدعا عليه فاستجيب له قال وكتب
الحجاج إلى عبد الملك يشير عليه أن يستكتب محمد بن يزيد الأنصاري وكتب
إليه إن أردت رجلا مأمونا فاضلا عاقلا وديعا مسلما كتوما تتخذه لنفسك وتضع
عنده سرك وما لا تحب أن يظهر فاتخذ محمد بن يزيد فكتب إليه عبد الملك أحمله
إلى فحمله فاتخذه عبد الملك كاتبا قال محمد فلم يكن يأتيه كتاب إلا دفعه إلى ولا يستر
شيئا إلا أخبرني به وكتمه الناس ولا يكتب إلى عامل من عماله إلا أعلمنيه فإني
لجالس يوما نصف النهار إذا أنا ببريد قد قدم من مصر فقال الاذن على أمير المؤمنين
208

قلت ليست هذه ساعة إذن فأعلمني ما قد قدمت له قال لا قلت فإن كان معك
كتاب فادفعه إلى قال لا قال فأبلغ بعض من حضرني أمير المؤمنين فخرج فقال
ما هذا قلت رسول قدم من مصر قال فخذ الكتاب قلت زعم أنه ليس معه كتاب
قال فسله عما قدم له قلت قد سألته فلم يخبرني قال أدخله فأدخلته فقال آجرك الله
يا أمير المؤمنين في عبد العزيز فاسترجع وبكى ووجم ساعة ثم قال يرحم الله
عبد العزيز مضى والله عبد العزيز لشأنه وتركنا وما نحن فيه ثم بكى النساء وأهل
الدار ثم دعاني من غد فقال إن عبد العزيز رحمه الله قد مضى لسبيله ولا بد الناس
من علم وقائم يقوم بالامر من بعدي فمن ترى قلت يا أمير المؤمنين سيد الناس
وأرضاهم وأفضلهم الوليد بن عبد الملك قال صدقت وفقك الله فمن ترى أن يكون
بعده قلت يا أمير المؤمنين أين تعد لها عن سليمان فتى العرب قال وفقت أما إنا
لو تركنا الوليد وإياها لجعلها لبنيه اكتب عهدا للوليد وسليمان بن بعده فكتبت
بيعة الوليد ثم سليمان من بعده فغضب على الوليد فلم يولني شيئا حين أشرت بسليمان
من بعده قال على عن ابن جعدبة كتب عبد الملك إلى هشام بن إسماعيل المخزومي
أن يدعو الناس لبيعة الوليد وسليمان فبايعوا غير سعيد بن المسيب فإنه أبى وقال
لا أبايع وعبد الملك حي فضربه هشام ضربا مبرحا وألبسه المسوح وسرحه إلى
ذباب ثنية بالمدينة كانوا يقتلون عندها ويصلبون فظن أنهم يريدون قتله فما انتهوا به
إلى ذلك الموضع ردوه فقال لو ظننت أنهم لا يصلبوني ما لبست سراويل مسوح
ولكن قلت يصلبونني فيسترني وبلغ عبد الملك الخبر فقال قبح الله هشاما وإنما
كان ينبغي أن يدعوه إلى البيعة فان أبى يضرب عنقه أو يكف عنه (وفى هذه
السنة) بايع عبد الملك لا بنيه الوليد ثم من بعده لسليمان وجعلهما وليي عهد المسلمين
وكتب ببيعته لهما إلى البلدان فبايع الناس وامتنع من ذلك سعيد بن المسيب فضربه
هشام بن إسماعيل وهو عامل عبد الملك على المدينة وطاف به وحبسه فكتب
عبد الملك إلى هشام يلومه على ما فعل من ذلك وكان ضربه ستين سوطا وطاف به
في تبان شعر حتى بلغ به رأس الثنية وأما الحارث فإنه قال حدثني ابن سعد عن محمد
209

ابن عمر الواقدي قال حدثنا عبد الله بن جعفر وغيره من أصحابنا قالوا استعمل
عبد الله بن الزبير جابر بن الأسود بن عوف الزهري على المدينة فدعا الناس إلى
البيعة لابن الزبير فقال سعيد بن المسيب لا حتى يجتمع الناس فضربه ستين سوطا
فبلغ ذلك ابن الزبير فكتب إلى جابر يلومه وقال ما لنا ولسعيد دعه * وحدثني
الحارث عن ابن سعد أن محمد بن عمر أخبره قال حدثنا عبد الله بن جعفر وغيره
من أصحابنا أن عبد العزيز بن مروان توفى بمصر في جمادى سنة 84 فعقد عبد الملك لا بنيه
الوليد وسليمان العهد وكتب بالبيعة لهما إلى البلدان وعامله يومئذ هشام بن إسماعيل
المخزومي فدعا الناس إلى البيعة فبايع الناس ودعا سعيد بن المسيب أن يبايع لهما فأبى
وقال لا حتى أنظر فضربه هشام بن إسماعيل ستين سوطا وطاف به في تبان شعر
حتى بلغ به رأس الثنية فلما كروا به قال أين تكرون بي قالوا إلى السجن قال والله
لولا أنى ظننت أنه الصلب لما لبست هذا التبان أبدا فرده إلى السجن وحبسه
وكتب إلى عبد الملك يخبره بخلافه وما كان من أمره فكتب إليه عبد الملك يلومه
فيما صنع ويقول سعيد والله كان أحوج أن تصل رحمه من أن تضربه وإنا لنعلم
ما عنده من شقاق ولا خلاف (وحج) بالناس في هذه السنة هشام بن إسماعيل
المخزومي كذلك حدثنا أحمد بن ثابت عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر
وكذلك قال الواقدي وكان العامل على المشرق في هذه السنة مع العراق الحجاج
ابن يوسف
ثم دخلت سنة ست وثمانين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمما كان فيها من ذلك هلاك عبد الملك بن مروان وكان مهلكه في النصف
من شوال منها * حدثني أحمد بن ثابت عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر
قال توفى عبد الملك بن مروان يوم الخميس للنصف من شوال سنة 86 فكانت
خلافته ثلاث عشرة سنة وخمسة أشهر * وأما الحارث فإنه حدثني عن ابن سعد
210

عن محمد بن عمر قال حدثني شرحبيل بن أبي عون عن أبيه قال أجمع الناس على
عبد الملك بن مروان سنة 73 قال ابن عمر وحدثني أبو معشر نجيح قال مات
عبد الملك بن مروان بدمشق يوم الخميس للنصف من شوال سنة 86 فكانت
ولايته منذ يوم بويع إلى يوم توفى إحدى وعشرين سنة وشهرا ونصفا كان تسع
سنين منها يقاتل فيها عبد الله بن الزبير ويسلم عليه بالخلافة بالشام ثم بالعراق بعد
مقتل مصعب وبقى بعد مقتل عبد الله بن الزبير واجتماع الناس عليه ثلاث عشرة
سنة وأربعة أشهر إلا سبع ليال * وأما علي بن محمد المدائني فإنه فيما حدثنا أبو زيد
عنه قال مات عبد الملك سنة 86 بدمشق وكانت ولايته ثلاث عشرة سنة وثلاثة
أشهر وخمسة عشر يوما
ذكر الخبر عن مبلغ سنه يوم توفى
اختلف أهل السير في ذلك فقال أبو معشر فيه ما حدثني الحارث عن ابن
سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني أبو معشر نجيح قال مات عبد الملك بن
مروان وله ستون سنة (قال الواقدي) وقد روى لنا أنه مات وهو ابن ثمان
وخمسين سنة قال والأول أثبت وهو على مولده قال وولد سنة 26 في خلافة
عثمان بن عفان رضي الله عنه وشهد يوم الدار مع أبيه وهو ابن عشر سنين وقال
المدائني علي بن محمد فيما ذكر أبو زيد عنه مات عبد الملك وهو ابن ثلاث وستين سنة
ذكر نسبه وكنيته
أما نسبه فإنه عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس
ابن عبد مناف وأما كنيته فأبو الوليد وأما عائشة بنت معاوية بن المغيرة بن أبي العاص
ابن أمية وله يقول ابن قيس الرقيات
أنت ابن عائشة التي * فضلت أروم نسائها
لم تلتفت للداتها * ومضت على غلوائها
ذكر أولاده وأزواجه
منهم الوليد وسليمان ومروان الأكبر درج وعائشة أمهم ولادة بنت العباس
211

ابن جزء بن الحارث بن زهير بن جذيمة بن رواحة بن ربيعة بن مازن بن الحارث
ابن قطيعة بن عبس بن بغيض ويزيد ومروان ومعاوية درج وأم كلثوم وأمهم
عاتكة بنت يزيد بن معاوية بن أبي سفيان وهشام وأمه أم هشام بنت هشام
ابن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي وقال المدائني اسمها عائشة
بنت هشام وأبو بكر واسمه بكار أمه عائشة بنت موسى بن طلحة بن عبيد الله
والحكم درج أمه أم أيوب بنت عمرو بن عثمان بن عفان وفاطمة بنت عبد الملك
أمها أم المغيرة بنت المغيرة بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة وعبد الله ومسلمة
والمنذر وعنبسة ومحمد وسعيد الخير والحجاج لأمهات أولاد * قال المدائني وكان
له من النساء سوى من ذكرنا شقراء بنت سلمة بن حليس الطائي وابنة لعلي بن أبي
طالب عليه السلام وأم أبيها بنت عبد الله بن جعفر * وذكر المدائني عن
عوانة وغيره أن سلمة بن زيد بن وهب بن نباتة الفهمي دخل على عبد الملك
فقال له أي الزمان أدركت أفضل وأي الملوك أكمل قال أما الملوك فلم أر إلا
ذاما وحامدا وأما الزمان فيرفع أقواما ويضع أقواما وكلهم يذم زمانه لأنه يبلى
جديدهم ويهرم صغيرهم وكل ما فيه منقطع غير الأمل قال فأخبرني عن فهم قال هم
كما قال من قال
درج الليل والنهار على فهم * بن عمرو فأصبحوا كالرميم
وخلت دارهم فأضحت يبابا * بعد عز وثروة ونعيم
وكذلك الزمان يذهب بالنا * س وتبقى ديارهم كالرسوم
قال فمن يقول منكم
رأيت الناس مذ خلقوا وكانوا * يحبون الغنى من الرجال
وإن كان الغنى قليل خير * بخيلا بالقليل من النوال
فما أدرى علام وفيم هذا * وماذا يرتجون من البخال
أللدنيا فليس هناك دنيا * ولا يرجى لحادتة الليالي
قال أنا * قال على قال أبو قطيفة عمرو بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط
212

لعبد الملك بن مروان
نبئت أن ابن القلمس عابني * ومن ذا من الناس الصحيح المسلم
فأبصر سبل الرشد سيد قومه * وقد يبصر الرشد الرئيس المعمم
فمن أنتم ها خبرونا من أنتم * وقد جعلت أشياء تبدو وتكتم
فقال عبد الملك ما كنت أرى أن مثلنا يقال له من أنتم أما والله لولا ما تعلم
لقلت قولا ألحقكم بأصلكم الخبيث ولضربتك حتى تموت وقال عبد الله بن الحجاج
الثعلبي لعبد الملك
يا ابن أبي العاص ويا خير فتى * أنت سداد الدين إن دين وهى
أنت الذي لا يجعل الامر سدى * حيب قريش عنكم حوب الرحى
إن أبا العاصي وفى ذاك اعتصى * أوصى بنيه فوعوا عنه الوصي
إن يسعروا الحرب ويأبوا ما أبى * الطاعنين في النحور والكلى
شزرا ووصلا للسيوف بالخطى * إلى القتال فحووا ما قد حوى
قال أعشى بنى شيبان
عرفت قريش كلها * لبنى أبى العاص الاماره
لأبرها وأحقها * عند المشورة بالإشارة
المانعين لما ولوا * والنافعين ذوي الضراره
وهم أحقهم بها * عند الحلاوة والمرارة
وقال عبد الملك ما أعلم مكان أحد أقوى على هذا الامر منى وإن ابن
الزبير لطويل الصلاة كثير الصيام ولكن لبخله لا يصلح أن يكون سائسا
خلافة الوليد بن عبد الملك
(وفى هذه السنة) بويع للوليد بن عبد الملك بالخلافة فذكر أنه لما دفن
أباه وانصرف عن قبره دخل المسجد فصعد المنبر واجتمع إليه الناس فخطب
فقال إنا لله وإنا إليه راجعون والله المستعان على مصيبتنا بموت أمير المؤمنين
والحمد لله على ما أنعم به علينا من الخلافة قوموا فبايعوا فكان أول من قام لبيعته
213

عبد الله بن همام السلولي فإنه قام وهو يقول
الله أعطاك التي لا فوقها * وقد أراد الملحدون عوقها
عنك ويأبى الله إلا سوقها * إليك حتى قلدوك طوقها
فبايعه ثم تتابع الناس على البيعة * وأما الواقدي فإنه ذكر أن الوليد لما رجع
من دفن أبيه ودفن خارج باب الجابية ولم يدخل منزله حتى صعد على منبر دمشق
فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال أيها الناس إنه لا مقدم لما أخر الله ولا مؤخر
لما قدم الله وقد كان من قضاء الله وسابق علمه وما كتب على أنبيائه وحملة عرشه
الموت وقد صار إلى منازل الأبرار ولى هذه الأمة الذي يحق عليه لله من الشدة
على المريب واللين لأهل الحق والفضل وإقامة ما أقام الله من منار الاسلام وأعلامه
من حج هذا البيت وغزو هذه الثغور وشن هذه الغارة على أعداء الله فلم يكن
عاجزا ولا مفرطا أيها الناس عليكم بالطاعة ولزوم الجماعة فإن الشيطان مع الفرد
أيها الناس من أبدى لنا ذات نفسه ضربنا الذي فيه عيناه ومن سكت مات بدائه
ثم نزل فنظر إلى ما كان من دواب الخلافة فحازه وكان جبارا عنيدا (وفى هذه
السنة) قدم قتيبة بن مسلم خراسان واليا عليها من قبل الحجاج فذكر علي بن
محمد أن كليب بن خلف أخبره عن طفيل بن مرداس العمى والحسن بن رشيد عن
سليمان بن كثير العمى قال أخبرني عمى قال رأيت قتيبة بن مسلم حين قدم خراسان
في سنة 86 فقدم والمفضل يعرض الجند وهو يريد أن يغزو آخرون وشومان
فخطب الناس قتيبة وحثهم على الجهاد وقال إن الله أحلكم هذا المحل ليعز دينه
ويذب بكم عن الحرمات ويزيد بكم المال استفاضة والعدو وقما وعد نبيه صلى الله
عليه وسلم النصر بحديث صادق وكتاب ناطق فقال (هو الذي أرسل رسوله بالهدى
ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) ووعد المجاهدين
في سبيله أحسن الثواب وأعظم الذخر عنده فقال (ذلك بأنهم لا يصيبهم ظما
ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله إلى قوله أحسن ما كانوا يعملون) ثم أخبر
عمن قتل في سبيله أنه حي مرزوق فقال (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله
214

أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) فتنجزوا موعود ربكم ووطنوا أنفسكم
على أقصى أثر وأمضى ألم وإياي والهوينا
ذكر ما كان من أمر قتيبة بخراسان في هذه السنة
ثم عرض قتيبة الجند في السلاح والكراع وسار واستخلف بمرو على حربها
إياس بن عبد الله بن عمرو وعلى الخراج عثمان بن السعدي فلما كان بالطالقان
تلقاه دهاقين بلخ وبعض عظمائهم فساروا معه فلما قطع النهر تلقاه بيش الأعور
ملك الصغانيان بهدايا ومفتاح من ذهب فدعاه إلى بلاده فأتاه وأتى ملك كفتان
بهدايا وأموال ودعاه إلى بلاده فمضى مع بيش إلى الصغانيان فسلم إليه بلاده وكان ملك
آخرون وشومان قد أساء جوار بيش وغزاه وضيق عليه فسار قتيبة إلى آخرون
وشومان وهما من طخارستان فجاءه غيسلشتان فصالحه على فدية أداها إليه فقبلها
قتيبة ورضى ثم انصرف إلى مرو واستخلف على الجند أخاه صالح بن مسلم
وتقدم جنده فسبقهم إلى مرو وفتح صالح بعد رجوع قتيبة باسار التحصن وكان
معه نصر بن سيار فأبلى يومئذ فوهب له قرية تدعى تنجانة ثم قدم صالح على
قتيبة فاستعمله على الترمذ وقال وأما الباهليون فيقولون قدم قتيبة خراسان
سنة 85 فعرض الجند فكان جميع ما أحصوا من الدروع في جند خراسان
ثلاثمائة وخمسين درعا فغزا آخرون وشومان ثم قفل فركب السفن فانحدر إلى
آمل وخلف الجند فأخذوا طريق بلخ إلى مرو وبلغ الحجاج فكتب إليه يلومه
ويعجز رأيه في تخليفه الجند وكتب إليه إذا غزوت فكن في مقدم الناس وإذا
قفلت فكن في أخرياتهم وساقتهم * وقد قيل إن قتيبة أقام قبل أن يقطع النهر
في هذه السنة على بلخ لان بعضها كان منتقضا عليه وقد ناصب المسلمين فحارب أهلها
فكان ممن سبى امرأة برمك أبى خالد بن برمك وكان برمك على النوبهار فصارت
لعبد الله بن مسلم الذي يقال له الفقير أخي قتيبة بن مسلم فوقع عليها وكان به شئ
من الجذام ثم إن أهل بلخ صالحوا من غد اليوم الذي حاربهم قتيبة فأمر قتيبة
يرد السبى فقالت امرأة برمك لعبد الله بن مسلم يا نازي إني قد علقت منك وحضرت
215

عبد الله بن مسلم الوفاة فأوصى أن يلحق به ما في بطنها وردت إلى برمك * فذكر
أن ولد عبد الله بن مسلم جاءوا أيام المهدى حين قدم الري إلى خالد فادعوه فقال
لهم مسلم بن قتيبة إنه لا بد لكم إن استلحقتموه ففعل من أن تزوجوه فتركوه وأعرضوا عن دعواهم وكان برمك طبيبا فداوى بعد ذلك مسلمة من علة كانت
به (وفى هذه السنة) غزا مسلمة بن عبد الملك أرض الروم (وفيها) حبس الحجاج
ابن يوسف يزيد بن المهلب وعزل حبيب بن المهلب عن كرمان وعبد الملك بن
المهلب عن شرطته (وحج) بالناس في هذه السنة هشام بن إسماعيل المخزومي
كذلك حدثني أحمد بن ثابت عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر وكذلك
قال الواقدي وكان الأمير على العراق كله والمشرق كله الحجاج بن يوسف وعلى
الصلاة بالكوفة المغيرة بن عبد الله بن أبي عقيل وعلى الحرب بها من قبل الحجاج
زياد بن جرير بن عبد الله وعلى البصرة أيوب بن الحكم وعلى خراسان قتيبة بن مسلم
ثم دخلت سنة سبع وثمانين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
(ففي هذه السنة) عزل الوليد بن عبد الملك هشام بن إسماعيل عن المدينة وورد عزله
عنها فيما ذكر ليلة الأحد لسبع ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة 87 وكانت إمرته
عليها أربع سنين غير شهر أو نحوه (وفى هذه السنة) ولى الوليد عمر بن عبد العزيز
المدينة قال الواقدي قدمها واليا في شهر ربيع الأول وهو ابن خمس وعشرين
سنة وولد سنة 62 قال وقدم على ثلاثين بعيرا فنزل دار مروان قال فحدثني
عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال لما قدم عمر بن عبد العزيز المدينة ونزل
دار مروان دخل عليه الناس فسلموا فلما صلى الظهر دعا عشرة من فقهاء المدينة
عروة بن الزبير وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وأبا بكر بن عبد الرحمن وأبا بكر
ابن سليمان بن أبي خيثمة وسليمان بن يسار والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله بن
عمر وعبد الله بن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عامر بن ربيعة وخارجة بن يزيد فدخلوا
216

عليه فجلسوا فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال إني إنما دعوتكم لأمر تؤجرون
عليه وتكونون فيه أعوانا على الحق ما أريد أن أقطع أمرا إلا برأيكم أو برأي من
حضر منكم فإن رأيتم أحدا يتعدى أو بلغكم عن عامل لي ظلامة فأحرج الله
على من بلغه ذلك إلا بلغني فخرجوا يجزونه خيرا وافترقوا قال وكتب الوليد إلى
عمر يأمره أن هشام يقف بن إسماعيل للناس وكان فيه سيئ الرأي قال الواقدي فحدثني
داود بن جبير قال أخبرتني أم ولد سعيد بن المسيب أن سعيدا دعا ابنه ومواليه
فقال إن هذا الرجل يوقف للناس أو قد وقف لا يتعرض له أحد ولا يؤذه
بكلمة فانا سنترك ذلك لله وللرحم فإن كان ما علمت لسيئ النظر لنفسه فأما كلامه
فلا أكلمه أبدا * قال وحدثني محمد بن عبد الله بن محمد بن عمر عن أبيه قال كان
هشام بن إسماعيل يسئ جوارنا ويؤذينا ولقى منه علي بن الحسين أذى شديدا
فلما عزل أمر به الوليد أن يوقف للناس فقال ما أخاف إلا من علي بن الحسين
فمر به على وقد وقف عند دار مروان وكان على قد تقدم إلى خاصته أن لا يعرض
له أحد منهم بكلمة فلما مر ناداه هشام بن إسماعيل الله أعلم حيث يجعل رسالته
(وفى هذه السنة) قدم نيزك على قتيبة وصالح قتيبة أهل باذغيس على أن
لا يدخلها قتيبة
ذكر الخبر عن ذلك
ذكر علي بن محمد أن أبا الحسن الخشمي أخبره عن أشياخ من أهل خراسان
وجبلة بن فروخ عن محمد بن المثنى أن نيزك طرخان كان في يديه أسراء من المسلمين
وكتب إليه قتيبة حين صالح ملك شومان فيمن في يديه من أسرى المسلمين أن يطلقهم
ويهدده في كتابه فخافه نيزك فأطلق الاسرى وبعث بهم إلى قتيبة فوجه إليه قتيبة
سليمان الناصح مولى عبيد الله بن أبي بكرة يدعوه إلى الصلح وإلى أن يؤمنه وكتب
إليه كتابا يحلف فيه بالله لئن لم يقدم عليه ليغزونه ثم ليطلبنه حيث كان لا يقلع
عنه حتى يظفر به أو يموت قبل ذلك فقدم سليم على نيزك بكتاب قتيبة وكان يستنصحه
فقال له يا سليم ما أظن عند صاحبك خيرا كتب إلى كتابا لا يكتب إلى مثلي قال
217

له سليم يا أبا الهياج إن هذا رجل شديد في سلطانه سهل إذا سوهل صعب إذا
عوسر فلا يمنعك منه غلظة كتابه إليك فما أحسن حالك عنده وعند جميع مضر
فقدم نيزك مع سليم على قتيبة فصالحه أهل باذغيس في سنة 87 على أن لا يدخل
باذغيس (وفى هذه السنة) غزا مسلمة بن عبد الملك أرض الروم ومعه يزيد بن
جبير فلقى الروم في عدد كثير بسوسنة من ناحية المصيصة قال الواقدي فيها لاقي
مسلمة ميمونا الجرجاني ومع مسلمة نحو من ألف مقاتل من أهل أنطاكية عند
طوانة فقتل منهم بشرا كثيرا وفتح الله على يديه حصونا وقيل إن الذي غزا الروم
في هذه السنة هشام بن عبد الملك ففتح الله على يديه حصن بولق وحصن الأخرم
وحصن بولس وقمقم وقتل من المستعربة نحوا من ألف مقاتل وسبى ذراريهم
ونساءهم (وفى هذه السنة) غزا قتيبة بيكند
ذكر الخبر عن غزوته هذه
ذكر علي بن محمد أن أبا الذيال أخبره عن المهلب بن إياس عن أبيه عن
حصين بن مجاهد الرازي وهارون بن عيسى عن يونس بن أبي إسحاق وغيرهم
أن قتيبة لما صالح نيزك أقام إلى وقت الغزو ثم غزا في تلك السنة سنة 87 بيكند
فسار من مرو وأتى مرو روذ ثم أتى آمل ثم مضى إلى زم فقطع النهر وسار إلى
بيكند وهى أدنى مدائن بخارى إلى النهر يقال لها مدينة التجار على رأس المفازة
من بخارى فلما نزل بعقوتهم استنصروا الصغد واستمدوا من حولهم فأتوهم في
جمع كثير وأخذوا بالطريق فلم ينفذ لقتيبة رسول ولم يصل إليه رسول ولم يجر له
خبر شهرين وأبطأ خبره على الحجاج فأشفق الحجاج على الجند فأمر الناس بالدعاء
لهم في المساجد وكتب بذلك إلى الأمصار وهم يقتتلون في كل يوم قال وكان لقتيبة
عين يقال له تنذر من العجم فأعطاه أهل بخارى الاعلى ما لا على أن يفثأ عنهم قتيبة
فأتاه فقال أخلني فنهض الناس واحتبس قتيبة ضرار بن حصين الضبي فقال تنذر
هذا عامل يقدم عليك وقد عزل الحجاج فلو انصرفت بالناس إلى مرو فدعا قتيبة
سياه مولاه فقال اضرب عنق تنذر فقتله ثم قال لضرار لم يبق أحد يعلم هذا الخبر غيري
218

وغيرك وإني أعطى الله عهد ان ظهر هذا الحديث من أحد حتى تنقضي حربنا هذه
لألحقنك به فأملك لسانك فان انتشار هذا الحديث يفت في أعضاد الناس ثم
أذن للناس قال فدخلوا فراعهم قتل تنذر فوجموا وأطرقوا فقال قتيبة
ما يروعكم من قتل عبد أحانه الله قالوا إنا كنا نظنه ناصحا للمسلمين قال بل كان غاشا
فأحانه الله بذنبه فقد مضى لسبيله فاغدوا على قتال عدوكم والقوهم بغير ما كنتم
تلقونهم به فغدا الناس متأهبين وأخذوا مصافهم ومشى قتيبة فحض أهل الرايات
فكانت بين الناس مشاولة ثم تزاحفوا والتقوا وأخذت السيوف مأخذها
وأنزل الله على المسلمين الصبر فقاتلوهم حتى زالت الشمس ثم منح الله المسلمين
أكتافهم فانهزموا يريدون المدينة وأتبعهم المسلمون فشغلوهم عن الدخول
فتفرقوا وركبهم المسلمون قتلا وأسرا كيف شاؤوا واعتصم من دخل المدينة
بالمدينة وهم قليل فوضع قتيبة الفعلة في أصلها ليهدمها فسألوه الصلح فصالحهم
واستعمل عليهم رجلا من بنى قتيبة وارتحل عنهم يريد الرجوع فلما سار مرحلة
أو ثنتين وكان منهم على خمس فراسخ نقضوا وكفروا فقتلوا العامل وأصحابه
وجدعوا آنفهم وآذانهم وبلغ قتيبة فرجع إليهم وقد تحصنوا فقاتلهم شهرا ثم
وضع الفعلة في أصل المدينة فعلقوها بالخشب وهو يريد إذا فرغ من تعليقها أن
يحرق الخشب فتنهدم فسقط الحائط وهم يعلقونه فقتل أربعين من الفعلة فطلبوا
الصلح فأبى وقاتلهم فظفر بهم عنوة فقتل من كان فيها من المقاتلة وكان فيمن أخذوا
في المدينة رجل أعور كان هو الذي استجاش الترك على المسلمين فقال لقتيبة أنا
أفدى نفسي فقال له سليم الناصح ما تبذل قال خمسة آلاف حريرة صينية قيمتها
ألف ألف فقال قتيبة ما ترون قالوا نرى أن فداه زيادة في غنائم المسلمين وما عسى
أن يبلغ من كيد هذا قال لا والله لا تروع بك مسلمة أبدا وأمر به فقتل * قال
على قال أبو الذيال عن المهلب بن إياس عن أبيه والحسن بن رشيد عن طفيل بن
مرداس أن قتيبة لما فتح بيكند أصابوا فيها من آنية الذهب والفضة ما لا يحصى
فولى الغنائم والقسم عبد الله بن وألان العدوي أحد بنى ملكان وكان قتيبة
219

يسميه الأمين ابن الأمين وإياس بن بيهس الباهلي فأذابا الآنية والأصنام فرفعاه
إلى قتيبة ورفعا إليه خبث ما أذابا فوهبه لهما فأعطيا به أربعين ألفا فأعلماه فرجع
فيه وأمرهما أن يذيباه فأذاباه فخرج منه خمسون ومائة ألف مثقال أو خمسون
ألف مثقال وأصابوا في بيكند شيئا كثيرا وصار في أيدي المسلمين من بيكند شئ
لم يصيبوا مثله بخراسان ورجع قتيبة إلى مرو وقوى المسلمون فاشتروا السلاح
والخيل وجلبت إليهم الدواب وتنافسوا في حسن الهيئة والعدة وغالوا بالسلاح
حتى بلغ الرمح سبعين وقال الكميت:
ويوم بيكند لا تحصى عجائبه * وما بخاراء مما أخطأ العدد
وكان في الخزائن سلاح وآلة من آلة الحرب كثيرة فكتب قتيبة إلى الحجاج
يستأذنه في دفع ذلك السلاح إلى الجند فأذن له فأخرجوا ما كان في الخزائن من
عدة الحرب وآلة السفر فقسمه في الناس فاستعدوا فلما كان أيام الربيع ندب
الناس وقال إني أغزيكم قبل أن تحتاجوا إلى حمل الزاد وأنتقلكم قبل أن تحتاجوا
إلى الادفاء فسار في عدة حسنة من الدواب والسلاح فأتى آمل ثم عبر من زم
إلى بخارى فأتى نو مشكث وهى من بخارى فصالحوه قال على حدثنا أبو الذيال
عن أشياخ من بنى عدى أن مسلما الباهلي قال لو ألان إن عندي مالا أحب أن
أستودعكه قال أتريد أن يكون مكتوما أولا تكره أن يعلمه الناس قال أحب أن
تكتمه قال ابعث به مع رجل تثق به إلى موضع كذا وكذا ومره إذا رأى رجلا
في ذلك الموضع أن يضع ما معه وينصرف قال نعم فجعل مسلم المال في خرج
ثم حمله على بغل وقال لمولى له انطلق بهذا البغل إلى موضع كذا وكذا فإذا رأيت
رجلا جالسا فخل عن البغل وانصرف فانطلق الرجل بالبغل وقد كان وألان أتى
الموضع لميعاده فأبطأ عليه رسول مسلم ومضى الوقت الذي وعده فظن أنه قد بدا
له فانصرف وجاء رجل من بنى تغلب فجلس في ذلك الموضع وجاء مولى مسلم
فرأى الرجل جالسا فخلى عن البغل ورجع فقام التغلبي إلى البغل فلما رأى المال
ولم ير مع البغل أحدا قاد البغل إلى منزله فأخذ البغل وأخذ المال فظن مسلم أن
220

المال قد صار إلى وألان فلم يسأل عنه حتى احتاج إليه فلقيه فقال مالي فقال
ما قبضت شيئا ولا لك عندي مال قال فكان مسلم يشكوه ويتنقصه قال فأتى يوما
مجلس بنى ضبيعة فشكاه والتغلبي جالس فقام إليه فخلا به وسأله عن المال فأخبره
فانطلق به إلى منزله وأخرج الخرج فقال أتعرفه قال نعم قال والخاتم قال نعم قال
اقبض مالك وأخبره الخبر فكان مسلم يأتي الناس والقبائل التي كان يشكو إليهم
وألان فيعذره ويخبرهم الخبر وفى وألان يقول الشاعر:
لست كو ألان الذي ساد بالتقى * ولست كعمران ولا كالمهلب
وعمران بن الفضيل البرجمي (وحج) بالناس في هذه السنة فيما حدثني أحمد
ابن ثابت عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر عمر بن عبد العزيز وهو
أمير على المدينة وكان على قضاء المدينة في هذه السنة أبو بكر بن عمرو بن حزم
من قبل عمر بن عبد العزيز وكان على العراق والمشرق كله الحجاج بن يوسف
وخليفته على البصرة في هذه السنة فيما قيل الجراح بن عبد الله الحكمي وعلى
قضائها عبد الله بن أذينة وعامله على الحرب بالكوفة زياد بن جرير بن عبد الله
وعلى قضائها أبو بكر بن أبي موسى الأشعري وعلى خراسان قتيبة بن مسلم
ثم دخلت سنة ثمان وثمانين
ذكر ما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك ما كان من فتح الله على المسلمين حصنا من حصون الروم يدعى طوانة
في جمادى الآخرة وشتوا بها وكان على الجيش مسلمة بن عبد الملك والعباس بن
الوليد بن عبد الملك * فذكر محمد بن عمر الواقدي أن ثور بن يزيد حدثه عن
أصحابه قال كان فتح طوانة على يدي مسلمة بن عبد الملك والعباس بن الوليد
وهزم المسلمون العدو يومئذ هزيمة صاروا إلى كنيستهم ثم رجعوا فانهزم
الناس حتى ظنوا ألا يجتبروها أبدا وبقى العباس معه نفير منهم ابن
محيريز الجمحي فقال العباس لابن محيريز أين أهل القرآن الذين يريدون
221

الجنة فقال ابن محيريز نادهم يأتوك فنادى العباس يا أهل القرآن فأقبلوا
جميعا فهزم الله العدو حتى دخلوا طوانة وكان الوليد بن عبد الملك ضرب
عبد الملك ضرب البعث على أهل المدينة في هذه السنة * فذكر محمد بن عمر عن
أبيه أن مخرمة بن سليما الوالبي قال ضرب عليهم بعثت ألفين وإنهم تجاعلوا فخرج
ألف وخمسمائة وتخلف خمسمائة فغزوا الصائفة مع مسلمة والعباس وهما على
الجيش وإنهم شتوا بطوانة وافتتحوها (وفيها) ولد الوليد بن يزيد بن عبد الملك
(وفيها) أمر الوليد بن عبد الملك بهدم مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهدم
بيوت أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وإدخالها في المسجد فذكر محمد
ابن عمر أن محمد بن جعفر بن وردان البناء قال رأيت الرسول الذي بعثه الوليد بن
عبد الملك قدم في شهر ربيع الأول سنة 88 قدم معتجرا فقال الناس ما قدم به الرسول
فدخل على عمر بن عبد العزيز بكتاب الوليد بأمره بإدخال حجر أزواج رسول
الله صلى الله عليه وسلم في مسجد رسول الله وأن يشترى ما في مؤخره ونواحيه
حتى يكون مائتي ذراع في مائتي ذراع ويقول له قدم القبلة إن قدرت وأنت
تقدر لمكن أخوالك فإنهم لا يخالفونك فمن أبى منهم فمر أهل المصر فليقوموا
له قيمة عدل ثم اهدم عليهم وادفع إليهم الأثمان فان لك في ذلك سلف صدق
عمر وعثمان فأقرأهم كتاب الوليد وهم عنده فأجاب القوم إلى الثمن فأعطاهم إياه
وأخذ في هدم بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبناء المسجد فلم يمكث إلا
يسيرا حتى قدم الفعلة بعث بهم الوليد (قال محمد بن عمر) وحدثني موسى
ابن يعقوب عن عمه قال رأيت عمر بن عبد العزيز يهدم المسجد ومعه وجوه
الناس القاسم وسالم وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث وعبيد الله بن عبد الله
ابن عتبة وخارجة بن زيد وعبد الله بن عبد الله بن عمر يرونه أعلاما في المسجد
ويقدرونه فأسسوا أساسه (قال محمد بن عمر) وحدثني يحيى بن النعمان الغفاري
عن صالح بن كيسان قال لما جاء كتاب الوليد من دمشق سار خمس عشرة بهدم
المسجد تجرد عمر بن عبد العزيز قال صالح فاستعملني على هدمه وبنائه فهدمناه
222

بعمال المدينة فبدأنا بهم بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حتى قدم علينا
الفعلة الذين بعث بهم الوليد (قال محمد) وحدثني موسى بن أبي بكر عن صالح
ابن كيسان قال ابتدأنا بهدم مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفر من
سنة 88 وبعث الوليد إلى صاحب الروم يعلمه أنه أمر بهدم مسجد رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأن يعينه فيه فبعث إليه بمائة ألف مثقال ذهب وبعث إليه
بمائة عامل وبعث إليه من الفسيفساء بأربعين حملا وأمر أن يتتبع الفسيفساء في
المدائن التي خربت فبعث بها إلى الوليد فبعث بذلك الوليد إلى عمر بن عبد العزيز
(وفى هذه السنة) ابتدأ عمر بن عبد العزيز في بناء المسجد (وفيها) غزا أيضا
مسلمة الروم ففتح على يديه حصون ثلاثة حصن قسطنطين وغزالة وحصن الأخرم
وقتل من المستعربة نحو من ألف مع سبى الذرية وأخذ الأموال (وفى هذه السنة)
غزا قتيبة نومشكث وراميثنه
ذكر الخبر عما كان من خبر غزوته هذه
* ذكر علي بن محمد أن المفضل بن محمد أخبره عن أبيه ومصعب بن حيان عن
مولى لهم أدرك ذلك أن قتيبة غزا نو مشكث في سنة 88 واستخلف على مرو بشار
ابن مسلم فتلقاه أهلها فصالحهم ثم صار إلى راميثنه فصالحه أهلها فانصرف عنهم
وزحف إليه الترك معهم السغد وأهل فرغانة فاعترضوا المسلمين في طريقهم
فلحقوا عبد الرحمن بن مسلم الباهلي وهو على الساقة بينه وبين قتيبة وأوائل العسكر
ميل فلما قربوا منه أرسل رسولا إلى قتيبة بخبره وغشيه الترك فقاتلوه وأتى الرسول
قتيبة فرجع بالناس فانتهى إلى عبد الرحمن وهو يقاتلهم وقد كاد الترك يستعلونهم
فلما رأى الناس قتيبة طابت أنفسهم فصبروا وقاتلوهم إلى الظهر وأبلى يومئذ نيزك
وهو مع قتيبة فهزم الله الترك وفض جمعهم ورجع قتيبة يريد مرو وقطع النهر من
الترمذ يريد بلخ ثم أتى مرو وقال الباهليون لقى الترك المسلمين عليهم كوربغانون
التركي ابن أخت ملك الصين في مائتي ألف فأظهر الله المسلمين عليهم (وفى هذه
السنة) كتب الوليد بن عبد الملك إلى عمر بن عبد العزيز في تسهيل الثنايا وحفر
223

الآبار في البلدان (قال محمد بن عمر) حدثني ابن أبي سبرة قال حدثني صالح
ابن كيسان قال كتب الوليد إلى عمر في تسهيل الثنايا وحفر الآبار بالمدينة
وخرجت كتبه إلى البلدان بذلك وكتب الوليد إلى خالد بن عبد الله بذلك قال
وحبس المجذمين عن أن يخرجوا على الناس وأجرى عليهم أرزاقا وكانت
تجرى عليهم وقال ابن أبي سبرة عن صالح بن كيسان قال كتب الوليد إلى عمر بن
عبد العزيز أن يعمل الفوارة التي عند دار يزيد بن عبد الملك اليوم فعملها عمر
وأجرى ماءها فلما حج الوليد وقف عليها فنظر إلى بيت الماء والفوارة فأعجبته
وأمر لها بقوام يقومون عليها وأن يسقى أهل المسجد منها ففعل ذلك (وحج)
بالناس في هذه السنة عمر بن عبد العزيز في رواية محمد بن عمر * ذكر أن محمد بن
عبد الله بن جبير مولى لبني العباس حدثه عن صالح بن كيسان قال خرج عمر بن
عبد العزيز تلك السنة يعنى سنة 88 بعدة من قريش أرسل إليهم بصلات وظهر
للحمولة وأحرموا معه من ذي الحليفة وساق معه بدنا فلما كان بالتنعيم لقيهم نفر
من قريش منهم ابن أبي مليكة وغيره فاخبروه أن مكة قليلة الماء وانهم يخافون
على الحاج العطش وذلك أن المطر قل فقال عمر فالمطلب ههنا بين تعالوا ندع الله
قال فرأيتهم دعوا ودعا معهم فألحوا في الدعاء قال صالح فلا والله ان وصلنا إلى
البيت ذلك اليوم إلا مع المطر حتى كان مع الليل وسكبت السماء وجاء سيل الوادي
فجاء أمر خافه أهل مكة ومطرت عرفة ومنى وجمع فما كانت إلا عبرا قال ونبتت مكة
تلك السنة للخصب. وأما أبو معشر فإنه قال حج بالناس سنة 88 عمر بن الوليد بن
عبد الملك حدثني بذلك أحمد بن ثابت عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عنه وكانت
العمال على الأمصار في هذه السنة العمال الذين ذكرنا انهم كانوا عمالها في سنة 87
ثم دخلت سنة تسع وثمانين
ذكر الخبر عن الاحداث التي كانت فيها
من ذلك افتتاح المسلمين في هذه السنة حصن سورية وعلى الجيش مسلمة بن
224

عبد الملك زعم الواقدي أن مسلمة غزا في هذه السنة أرض الروم ومعه العباس
ابن الوليد ودخلاها جميعا ثم تفرقا فافتتح مسلمة حصن سورية وافتتح العباس
اذرولية ووافق من الروم جمعا فهزمهم وأما غير الواقدي فإنه قال قصد مسلمة
عمورية فوافق بها للروم جمعا كثيرا فهزمهم الله وافتتح هرقلة وقمودية وغزا
العباس الصائفة من ناحية البدندون (وفى هذه السنة) غزا قتيبة بخارى ففتح
راميثنه * ذكر علي بن محمد عن الباهليين أنهم قالوا ذلك وأن قتيبة رجع بعد
ما فتحها في طريق بلخ فلما كان بالفارياب أتاه كتاب الحجاج أن رد وردان خذاه
فرجع قتيبة سنة 89 فأتى زم فقطع النهر فلقيه السغد وأهل كس ونسف في طريق
المفازة فقاتلوه فظفر بهم ومضى إلى بخارى فنزل خرقانة السفلى عن يمين وردان
فلقوه بجمع كثير فقاتلوهم يومين وليلتين ثم أعطاه الله الظفر عليهم فقال نهارين توسعة
وباتت لهم منا بخرقان ليلة * وليلتنا كانت بخرقان أطولا
قال على أخبرنا أبو الذيال عن المهلب بن إياس وأبو العلاء عن إدريس
ابن حنظلة أن قتيبة غزا وردان خذاه ملك بخارى سنة 89 فلم يطقه ولم يظفر من
البلد بشئ فرجع إلى مرو وكتب إلى الحجاج بذلك فكتب إليه الحجاج أن صورها
لي فبعث إليه بصورتها فكتب إليه الحجاج أن ارجع إلى مراغتك فتب إلى الله
مما كان منك وأتها من مكان كذا وكذا وقيل كتب إليه الحجاج أن كس بكس
وانسف نسفا ورد وردان وإياك والتحويط ودعني من بنيات الطريق (وفى هذه
السنة) ولى خالد بن عبد الله القسري مكة فيما زعم الواقدي وذكر أن عمر بن صالح
حدثه عن نافع مولى بنى مخزوم قال سمعت قال بن عبد الله يقول على منبر مكة
وهو يخطب أيها الناس أيهما أعظم أخليفة الرجل على أهله أم رسوله إليهم والله
لو لم تعلموا فضل الخليفة ألا إن إبراهيم خليل الرحمن استسقى فسقاه ملحا أجاجا
واستسقاه الخليفة فسقاه عذبا فراتا بئرا حفرها الوليد بن عبد الملك بالثنيتين ثنية
طوى وثنية الحجون فكان ينقل ماؤها فيوضع في حوض من أدم إلى جنب زمزم
ليعرف فضله على زمزم قال ثم غارت البئر فذهبت فلا يدرى أين هي اليوم
225

(وفيها) غزا مسلمه بن عبد الملك الترك حتى بلغ الباب من ناحية آذربيجان ففتح
حصونا ومدائن هنالك (وحج) بالناس في هذه السنة عمر بن عبد العزيز حدثني بذلك
أحمد بن ثابت عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر وكان العمال في هذه
على الأمصار العمال في السنة التي قبلها وقد ذكرناهم قبل
ثم دخلت سنة تسعين
ذكر الخبر عن الاحداث التي كانت فيها
(ففي هذه السنة) غزا مسلمة أرض الروم فيما ذكر محمد بن عمر من ناحية سورية
ففتح الحصون الخمسة التي بسورية (وغزا) فيها العباس بن الوليد قال بعضهم
حتى بلغ الأرزن وقال بعضهم حتى بلغ سورية وقال محمد بن عمر قول من قال حتى
بلغ سورية أصح (وفيها) قتل محمد بن القاسم الثقفي داهر بن صصة ملك السند
وهو على جيش من قبل الحجاج بن يوسف (وفيها) استعمل الوليد قرة بن
شريك على مصر موضع عبد الله بن عبد الملك (وفيها) أسرت الروم خالد بن
كيسان صاحب البحر فذهبوا به إلى ملكهم فأهداه ملك الروم إلى الوليد بن عبد الملك
(وفيها) فتح قتيبة بخارى وهزم جموع العدو بها
ذكر الخبر عن ذلك
ذكر علي بن محمد أن أبا الذيال أخبره عن المهلب بن إياس وأبو العلاء عن إدريس
ابن حنظلة أن كتاب الحجاج لما ورد على قتيبة يأمره بالتوبة مما كان من انصرافه
عن وردان خذاه ملك بخارى قبل الظفر به والمصير إليه ويعرفه الموضع الذي
ينبغي له أن يأتي بلده منه خرج قتيبة إلى بخارى في سنة 90 غازيا فأرسل وردان
خذاه إلى السغد والترك ومن حولهم يستنصرونهم فأتوهم وقد سبق إليها قتيبة
فحصرهم فلما جاءتهم أمدادهم خرجوا إليهم ليقاتلوهم فقالت الأزد اجعلونا على حدة
وخلوا بيننا وبين قتالهم فقال قتيبة تقدموا فتقدموا يقاتلونهم وقتيبة جالس عليه
رداء أصفر فوق سلاحه فصبروا جميعا مليا ثم جال المسلمون وركبهم المشركون
226

فحطموهم حتى دخلوا في عسكر قتيبة وجازوه حتى ضرب النساء وجوه الخيل وبكين
فكروا راجعين وانطوت مجنبتا المسلمين على الترك فقاتلوهم حتى ردوهم إلى مواقفهم
فوقف الترك على نشز فقال قتيبة من يزيلهم لنا عن هذا الموضع فلم يقدم عليهم
أحد والاحياء كلها وقوف فمشى قتيبة إلى بنى تميم فقال يا بنى تميم إنكم أنتم بمنزلة الحطمية
فيوم كأيامكم أبى لكم الفداء قال فأخذ وكيع اللواء بيده وقال يا بنى تميم أتسلمونني
اليوم قالوا لا يا أبا مطرف وهريم بن أبي طحمة المجاشعي على خيل بنى تميم ووكيع
رأسهم والناس وقوف فأحجموا جميعا فقال وكيع يا هريم قدم ودفع إليه الراية
وقال قدم خيلك فتقدم هريم ودب وكيع في الرجال فانتهى هريم إلى نهر بينه
وبين العدو فوقف فقال له وكيع أقحم يا هريم قال فنظر هريم إلى وكيع
نظر الجمل الصؤول وقال أنا أقحم خيلي هذا النهر فان انكشفت كان
هلاكها والله إنك لأحمق قال يا ابن اللخناء ألا أراك ترد أمري وحذفه
بعمود كان معه فضرب هريم فرسه فأقحمه وقال ما بعد هذا أشد من هذا وعبر
هريم في الخيل وانتهى وكيع إلى النهر فدعا بخشب فقنطر النهر وقال لأصحابه من
وطن منكم نفسه على الموت فليعبر ومن لا فليثبت مكانه فما عبر معه إلا ثمانمائة
راجل فدب فيهم حتى إذا أعيوا أقعدهم فأراحوا حتى دنا من العدو فجعل الخيل
مجنبتين وقال لهريم مطاعن القوم فاشغلهم عنا بالخيل وقال للناس شدوا فحملوا
فما انثنوا حتى خالطوهم وحمل هريم خيله عليهم فطاعنوهم بالرماح فما كفوا عنهم
حتى حدروهم عن موقفهم ونادى قتيبة أما ترون العدو منهزمين فما عبر أحد ذلك
النهر حتى ولى العدو منهزمين فأتبعهم الناس ونادى قتيبة من جاء برأس فله مائة
قال فزعم موسى بن المتوكل القريعي قال جاء يومئذ أحد عشر رجلا من بنى قريع
كل رجل رجل يجئ برأس فيقال له من أنت فيقول قريعي قال فجاء رجل من
الأزد برأس فألقاه فقالوا له من أنت قال قريعي قال وجهم بن زحر قاعد فقال
كذب والله أصلحك الله انه لابن عمى فقال له قتيبة ويحك ما دعاك إلى هذا قال
رأيت كل من جاء قال قريعي فظننت أنه ينبغي لكل من جاء برأس أن يقول قريعي
227

قال فضحك قتيبة قال وجرح يومئذ خافان؟؟ وابنه ورجع قتيبة إلى مرو وكتب
إلى الحجاج انى بعثت عبد الرحمن بن مسلم ففتح الله على يديه قال وقد شهد الفتح
مولى للحجاج فقدم فأخبره الخبر فغضب الحجاج على قتيبة فاغتم لذلك فقال له الناس
ابعث وفدا من بنى تميم وأعطهم وأرضهم يخبروا الأمير أن الامر على ما كتبت
فبعث رجالا فيهم عرام بن شتير الضبي فلما قدموا على الحجاج صاح بهم وعابهم
ودعا بالحجام بيده مقراض فقال لاقطعن ألسنتكم أو لتصدقنني قالوا الأمير
قتيبة وبعث عليهم عبد الرحمن فالفتح للأمير والرأس الذي يكون على الناس وكلمه
بهذا عرام بن شتير فسكن الحجاج (وفى هذه السنة) جدد قتيبة الصلح بينه وبين
طرخون ملك السغد
ذكر الخبر عن ذلك
* قال على ذكر أبو السرى عن الجهم الباهلي قال لما أوقع قتيبة بأهل بخارى
ففض جمعهم هابه أهل السغد فرجع طرخون ملك السغد ومعه فارسان حتى
وقف قريبا من عسكر قتيبة وبينهما نهر بخارى فسأل أن يبعث إليه رجلا يكلمه فأمر
قتيبة رجلا فدنا منه وأما الباهليون فيقولون نادى طرخون حيان النبطي فأتاه
فسألهم الصلح على فدية يؤديها إليهم فأجابه قتيبة إلى ما طلب وصالحه وأخذ منه
رهنا حتى يبعث إليه بما صالحه عليه وانصرف طرخون إلى بلاده ورجع قتيبة
ومعه نيزك (وفى هذه السنة) غدر نيزك فنقض الصلح الذي كان بينه وبين المسلمين
وامتنع بقلعته وعاد حربا فغزاه قتيبة
ذكر الخبر عن سبب غدره وسبب الظفر به
* قال على ذكر أبو الذيال عن المهلب بن إياس والمفضل الضبي عن أبيه وعلى
ابن مجاهد وكليب بن خلف العمى كل قد ذكر شيئا فألفته وذكر الباهليون شيئا
فألحقته في خبر هؤلاء وألفته أن قتيبة فصل من بخارى ومعه نيزك وقد ذعره ما قد رأى
من الفتوح وخاف قتيبة فقال لأصحابه وخاصته متهم أنا مع هذا ولست آمنه
وذلك أن العربي بمنزلة الكلب إذا ضربته نبح وإذا أطعمته بصبص واتبعك
228

وإذا غزوته ثم أعطيته شيئا رضى ونسى ما صنعت به وقد قاتله طرخون مرارا
فلما أعطاه فدية قبلها ورضى وهو شديد السطوة فاجر فلو استأذنت ورجعت
كان الرأي قالوا استأذنه فلما كان قتيبة بآمل استأذنه في الرجوع إلى تخارستان فأذن له
فلما فراق عسكره متوجها إلى بلخ قال لأصحابه أغذوا السير فساروا سيرا شديدا
حتى أتوا النوبهار فنزل يصلى فيه وتبرك به وقال لأصحابه إني لا أشك أن قتيبة
قد ندم حين فارقنا عسكره على اذنه لي وسيقدم الساعة رسوله على المغيرة بن
عبد الله يأمره بحبسي فأقيموا ربئة تنظر فإذا رأيتم الرسول قد جاوز المدينة
وخرج من الباب فإنه لا يبلغ البروقان حتى نبلغ تخارستان فيبعث المغيرة رجلا
فلا يدركنا حتى ندخل شعب خلم؟؟ ففعلوا قال وأقبل رسول من قبل قتيبة
إلى المغيرة يأمره بحبس نيزك فلما مر الرسول إلى المغيرة وهو بالبروقان
ومدينة بلخ يومئذ خراب ركب نيزك وأصحابه فمضوا وقدم الرسول على المغيرة
فركب بنفسه في طلبه فوجده قد دخل شعب خلم فانصرف المغيرة وأظهر نيزك
الخلع وكتب إلى أصبهبذ بلخ وإلى باذام ملك مروروذ وإلى سهرك ملك الطالقان
وإلى ترسل ملك الفارياب وإلى الجوزجاني ملك الجوزجان يدعوهم إلى خلع
قتيبة فأجابوه وواعدهم الربيع أن يجتمعوا ويغزوا قتيبة وكتب إلى كابل شاه
يستظهر به وبعث إليه بثقله وماله وسأله أن يأذن له إن اضطر إليه أن يأتيه
ويؤمنه في بلاده فأجابه إلى ذلك وضم ثقله قال وكان جيغويه ملك تخارستان
ضعيفا واسمه الشذ فأخذه نيزك فقيده بقيد من ذهب مخافة أن يشغب عليه وجيغويه
ملك تخارستان ونيزك من عبيده فلما استوثق منه وضع عليه الرقباء وأخرج
عامل قتيبة من بلاد جغوبه وكان العامل محمد بن سليم الناصح وبلغ قتيبة خلعه
قبل الشتاء وقد تفرق الجند فلم يبق مع قتيبة الا أهل مرو فبعث عبد الرحمن أخاه
إلى بلخ في اثنى عشر ألفا إلى البروقان وقال أقم بها ولا تحدث شيئا فإذا حسر الشتاء
فعسكر وسر نحو تخارستان واعلم انى قريب منك فسار عبد الرحمن فنزل البروقان
وأمهل قتيبة حتى إذا كان في آخر الشتاء كتب إلى أبر شهر وبيورد وسرخس
229

وأهل هراة ليقدموا عليه فقدموا قبل أوانهم الذي كانوا يقدمون عليه فيه (وفى
هذه السنة) أوقع قتيبة بأهل الطالقان بخراسان فيما قال بعض أهل الأخبار فقتل
من أهلها مقتلة عظيمة وصلب منهم سماطين أربعة فراسخ في نظام واحد
ذكر الخبر عن سبب ذلك
وكان السبب في ذلك فيما ذكر أن نيزك طرخان لما غدر وخلع قتيبة وعزم على
حربه طابقه على حربه ملك الطالقان وواعده المصير إليه من استجاب للنهوض
معه من الملوك لحرب قتيبة فلما هرب نيزك من قتيبة ودخل شعب خلم الذي يأخذ
إلى طخارستان علم أنه لا طاقة له بقتيبة فهرب وسار قتيبة إلى الطالقان فأوقع
بأهلها ففعل ما ذكرت فيما قبل وقد خولف قائل هذا القول فيما قال من ذلك
وأنا ذاكره في أحداث سنة 91 (وحج) بالناس في هذه السنة عمر بن عبد العزيز
كذلك حدثني أحمد بن ثابت عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر وكذلك
قال محمد بن عمر وكان عمر بن عبد العزيز في هذه السنة عامل الوليد بن عبد الملك على مكة
والمدينة والطائف وعلى العراق والمشرق الحجاج بن يوسف وعامل الحجاج على
البصرة الجراح بن عبد الله وعلى قضائها عبد الرحمن بن أذينة وعلى الكوفة زياد
ابن جرير بن عبد الله وعلى قضائها أبو بكر بن أبي موسى وعلى خراسان قتيبة بن
مسلم وعلى مصر قرة بن قرة بن شريك (وفى هذه السنة) هرب يزيد بن المهلب
وإخوته الذين كانوا معه في السجن مع آخرين غيرهم فلحقوا بسليمان بن عبد الملك
مستجيرين به من الحجاج بن يوسف والوليد بن عبد الملك
ذكر الخبر عن سبب تخلصهم من سجن الحجاج ومسيرهم إلى سليمان
(قال هشام) حدثني أبو مخنف عن أبي المخارق الراسبي قال خرج الحجاج
إلى رستقباذ للبعث لان الأكراد كانوا قد غلبوا على عامة أرض فارس فخرج
بيزيد وباخوته المفضل وعبد الملك حتى قدم بهم رستقباذ فجعلهم في عسكره وجعل
عليهم كهيئة الخندق وجعلهم في فسطاطا قريبا من حجرته وجعل عليهم حرسا
من أهل الشأم وأغرمهم ستة آلاف ألف وأخذ يعذبهم وكان يزيد يصبر صبرا
230

حسنا وكان الحجاج يغيظه ذلك فقيل له إنه رمى بنشابة فثبت نصلها في ساقه فهو
لا يمسها شئ إلا صاح فان حركت أدنى شئ سمعت صوته فأمر أن يعذب ويدهق
ساقه فلما فعل ذلك به صاح وأخته هند بنت المهلب عند الحجاج فلما سمعت صباح
يزيد صاحت وناحت فطلقها ثم إنه كف عنهم وأقبل يستأديهم فأخذوا يؤدون
وهم يعملون في التخلص من مكانهم فبعثوا إلى مروان بن المهلب وهو بالبصرة
يأمرونه أن يضمر لهم الخيل ويرى الناس أنه إنما يريد بيعها ويعرضها على البيع
ويغلى بها لئلا تشترى فتكون لنا عدة إن نحن قدرنا على أن ننجو مما ههنا ففعل
ذلك مروان وحبيب بالبصرة يعذب أيضا وأمر يزيد بالحرس فصنع لهم طعام
كثير فأكلوا وأمر بشراب فسقوا فكانوا متشاغلين به ولبس يزيد ثياب طباخه
ووضع على لحيته لحية بيضاء وخرج فرآه بعض الحرس فقال كأن هذه مشية
يزيد فجاء حتى استعرض وجهه ليلا فرأى بياض اللحية فانصرف عنه فقال هذا
شيخ وخرج المفضل على أثره ولم يفطن له فجاؤوا إلى سفنهم وقد هيأوها
في البطائح وبينهم وبين البصرة ثمانية عشر فرسخا فلما انتهوا إلى السفن أبطأ
عليهم عبد الملك وشغل عنهم فقال يزيد للمفضل اركب بنا فإنه لاحق فقال
المفضل وعبد الملك أخوه لامه وهى بهلة هندية لا والله لا أبرح حتى يجئ ولو
رجعت إلى السجن فأقام يزيد حتى جاءهم عبد الملك وركبوا عند ذلك السفن
فساروا ليلتهم حتى أصبحوا ولما أصبح الحرس علموا بذهابهم فرفع ذلك إلى الحجاج
وقال الفرزدق في خروجهم
لم أر كالرهط الذين تتابعوا * على الجذع والحراس غير نيام
مضوا وهم مستيقنون بأنهم * إلى قدر آجالهم وحمام
وإن منهم إلا يسكن جأشه * بعضب صقيل صارم وحسام
فلما التقوا لم يلتقوا بمنقه * كبير ولا رخص العظام غلام
بمثل أبيهم حين تمت لداتهم * بخمسين تترى جرأة وتمام
ففزع له الحجاج وذهب وهمه أنهم ذهبوا قبل خراسان وبعث البريد إلى قتيبة
231

ابن مسلم يحذره قدومهم ويأمره أن يستعد لهم وبعث إلى أمراء الثغور والكور
أن يرصدوهم ويستعدوا لهم وكتب إلى الوليد بن عبد الملك يخبره بهربهم وأنه
لا يراهم أرادوا إلا خراسان ولم يزل الحجاج يظن بيزيد ما صنع كان يقول إني
لا ظنه يحدث نفسه بمثل الذي صنع أبا الأشعث ولما دنا يزيد من البطائح من
موقوع استقبلته الخيل قد هيئت له ولإخوته فخرجوا عليها ومعهم دليل لهم
من كلب يقال له عبد الجبار بن يزيد بن الربعة فأخذ بهم على السماوة وأتى الحجاج
بعد يومين فقيل له إنما أخذ الرجل طريق الشأم وهذه الخيل حسرى في الطريق
وقد أتى من رآهم موجهين في البر فبعث إلى الوليد يعلمه ذلك ومضى يزيد حتى
قدم فلسطين فنزل على وهيب بن عبد الرحمن الأزدي وكان كريما على سليمان
وأنزل بعض ثقله وأهله على سفيان بن سليمان الأزدي وجاء وهيب بن عبد الرحمن
حتى دخل على سليمان فقال هذا يزيد بن المهلب وإخوته في منزلي وقد أتوك
هرابا من الحجاج متعوذين بك قال فأتني بهم فهم آمنون لا يوصل إليهم أبدا
وأنا حي فجاء بهم حتى أدخلهم عليه فكانوا في مكان آمن وقال الكلبي دليلهم في مسيرهم
ألا جعل الله الأخلاء كلهم * فداء على ما كان لابن المهلب
لنعم الفتى يا معشر الأزد أسعفت * ركابكم بالوهب شرقي منقب
عدلن يمينا عنهم رمل عالج * وذات يمين القوم أعلام غرب
فإلا تصبح بعد خمس ركابنا * سليمان من أهل اللوى تتأوب
تقر قرار الشمس مما وراءنا * وتذهب في داج من الليل غيهب
بقوم هم كانوا الملوك هديتهم * بظلماء لم يبصر بها ضوء كوكب
ولا قمر إلا ضئيلا كأنه * سوار حناه صائغ السور مذهب
(قال هشام) فأخبرني الحسن بن أبان العليمي قال بينا عبد الجبار بن يزيد
ابن الربعة يسرى بهم فسقطت عمامة يزيد فقدها فقال يا عبد الجبار ارجع فاطلبها لنا
قال إن مثلي لا يؤمر بهذا فأعاد فأبى فتناوله بالسوط فانتسب له فاستحيا منه فذلك قوله
ألا جعل الله الأخلاء كلهم * فداء على ما كان لابن المهلب
232

وكتب الحجاج أن آل المهلب خانوا مال الله وهربوا منى ولحقوا بسليمان
وكان آل المهلب قدموا على سليمان وقد أمر الناس أن يحصلوا ليسرحوا إلى خراسان
لا يرون إلا أن يزيد توجه إلى خراسان ليفتن من بها فلما بلغ الوليد مكانه عند سليمان
هون عليه بعض ما كان في نفسه وطار غضبا للمال الذي ذهب به وكتب سليمان
إلى الوليد أن يزيد بن المهلب عندي وقد آمنته وإنما عليه ثلاثة آلاف ألف كان الحجاج
أغرمهم ستة آلاف ألف فأدوا ثلاثة آلاف ألف وبقى ثلاثة آلاف ألف فهي على
فكتب إليه لا والله لا أو منه حتى تبعث به إلى فكتب إليه لئن أنا بعثت به إليك لأجيئن
معه فأنشدك الله ألا تفضحني ولا أن تخفرني فكتب إليه والله لئن جئتني لا أو منه فقال
يزيد ابعثنى إليه فوا لله ما أحب أن أوقع بينك وبينه عداوة وحربا ولا أن يتشاءم بي
لكما الناس ابعث إليه بي وأرسل معي ابنك واكتب إليه بألطف ما قدرت عليه
فأرسل ابنه أيوب معه وكان الوليد أمره أن يبعث به إليه في وثاق فبعث به إليه
وقال لابنه إذا أردت أن تدخل عليه فادخل أنت ويزيد في سلسلة ثم ادخلا جميعا
على الوليد ففعل ذلك به حين انتهيا إلى الوليد فدخلا عليه فلما رأى الوليد ابن
أخيه في سلسلة قال والله لقد بلغنا من سليمان ثم إن الغلام دفع كتاب أبيه إلى عمه
وقال يا أمير المؤمنين نفسي فداؤك لا تخفر ذمة أبى وأنت أحق من منعها ولا تقطع
منا رجاء من رجا السلامة في جوارنا لمكاننا منك ولا تذل من رجا العز في الانقطاع
إلينا لعزنا بك وقرأ الكتاب لعبد الله الوليد أمير المؤمنين من سليمان بن عبد الملك
أما بعد يا أمير المؤمنين فوالله إن كنت لا ظن لو استجار بي عدو قد نابذك وجاهدك
فأنزلته وأجرته أنك لا تذل جارى ولا تخفر جواري بل لم أجر إلا سامعا مطيعا
حسن البلاء والأثر في الاسلام هو وأبوه وأهل بيته وقد بعثت به إليك فان
كنت إنما تغزو قطيعتي والاخفار لذمتي والابلاغ في مساءتي فقد قدرت إن
أنت فعلت وأنا أعيذك بالله من احتراد قطيعتي وانتهاك حرمتي وترك برى
وصلتي فوالله يا أمير المؤمنين ما تدرى ما بقائي وبقاؤك ولا متى يفرق الموت
بيني وبينك فإن استطاع أمير المؤمنين أدام الله سروره أن لا يأتي علينا
233

أجل الوفاة الا وهو لي واصل ولحقي مؤد وعن مساءتي نازع فليفعل والله
يا أمير المؤمنين ما أصبحت بشئ من أمر الدنيا بعد تقوى الله فيها بأسر منى برضاك
وسرورك وان رضاك مما ألتمس به رضوان الله فإن كنت يا أمير المؤمنين تريد يوما
من الدهر مسرتي وصلتي وكرامتي وإعظام حقي فتجاوز لي عن يزيد وكل ما طلبته
به فهو على فلما قرأ كتابه قال لقد شفقنا على سليمان ثم دعا ابن أخيه فأدناه منه
وتكلم يزيد فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه صلى الله عليه وآله ثم قال
يا أمير المؤمنين إن بلاءكم عندنا أحسن البلاء فمن ينس ذلك فلسنا ناسيه ومن
يكفر فلسنا كافريه وقد كان من بلائنا أهل البيت في طاعتكم والطعن في أعين
أعدائكم في المواطن العظام في المشارق والمغارب ما إن المنة علينا فيها عظيمة
فقال له أجلس فجلس فآمنه وكف عنه ورجع إلى سليمان وسعى إخوته في المال
الذي عليه وكتب إلى الحجاج إني لم أصل إلى يزيد وأهل بيته مع سليمان فاكفف
عنهم واله عن الكتاب إلى فيهم فلما رأى ذلك الحجاج كف عنهم وكان أبو عيينة
ابن المهلب عند الحجاج عليه ألف ألف درهم فتركها له وكف عن حبيب بن المهلب
ورجع يزيد إلى سليمان بن عبد الملك فأقام عنده يعلمه الهيئة ويصنع له طيب
الأطعمة ويهدى له الهدايا العظام وكان من أحسن الناس عنده منزلة وكان لا تأتى يزيد
ابن المهلب هدية إلا بعث بها إلى سليمان ولا تأتى سليمان هدية ولا فائدة إلا بعث بنصفها
إلى يزيد بن المهلب وكان لا تعجبه جارية إلا بعث بها إلى يزيد إلا خطيئة الجارية فبلغ ذلك
الوليد بن عبد الملك فدعا الحارث بن مالك بن ربيعة الأشعري فقال انطلق إلى سليمان فقل
له يا خالفة أهل بيته ان أمير المؤمنين قد بلغه أنه لا تأتيك هدية ولا فائدة إلا بعثت إلى
يزيد بنصفها وانك تأتى الجارية من جواريك فلا ينقضى طهرها حتى تبعث بها إلى
يزيد وقبح ذلك عليه وعيره به أتراك مبلغا ما أمرتك به قال طاعتك طاعة وانما إنا رسول
قال فأته فقل له ذلك وأقم عنده فإني باعث إليه بهدية فادفعها إليه وخذ منه البراءة
بما تدفع إليه ثم أقبل فمضى حتى قدم عليه وبين يديه المصحف وهو يقرأ فدخل
عليه فسلم فلم يرد عليه السلام حتى فرغ من قراءته ثم رفع رأسه إليه فكلمه بكل
234

شئ أمره به الوليد فتعمر وجهه ثم قال أما والله لئن قدرت عليك يوما من الدهر
لاقطعن منك طابقا فقال له إنما كانت على الطاعة ثم خرج من عنده فلما أتى
بذلك الذي بعث به الوليد إلى سليمان دخل عليه الحارث بن ربيعة الأشعري وقال
له اعطني البراءة بهذا الذي دفعت إليك فقال كيف قلت لي قال لا أعيده عليك
أبدا إنما كان على فيه الطاعة فسكن وعلم أن قد صدقه الرجل ثم خرج وخرجوا
معه فقال خذوا نصف هذه الاعدال وهذه الاسقاط وابعثوا بها إلى يزيد قال
فعلم الرجل أنه لا يطيع في يزيد أحدا ومكث يزيد بن المهلب عند سليمان تسعة
أشهر وتوفى الحجاج سنة 95 في رمضان لتسع بقين منه في يوم الجمعة
ثم دخلت سنة إحدى وتسعين
ذكر ما كان فيها من الاحداث
(ففيها) غزا فيما ذكر محمد بن عمر وغيره الصائفة عبد العزيز بن الوليد وكان على الجيش
مسلمة بن عبد الملك (وفيها) غزا أيضا مسلمة الترك حتى بلغ الباب من ناحية
آذربيجان ففتح على يديه مدائن وحصون (وفيها) غزا موسى بن نصير الأندلسي
ففتح على يديه أيضا مدائن وحصون (وفى هذه السنة) قتل قتيبة بن مسلم نيزك
طرخان (رجع الحديث) إلى حديث علي بن محمد وقصة نيزك وظفر قتيبة به حتى
قتله ولما قدم من كان قتيبة كتب إليه يأمره بالقدوم عليه من أهل أبر شهر
وبيورد وسرخس وهراة على قتيبة سار بالناس إلى مروروذ واستخلف على
الحرب حماد بن مسلم وعلى الخراج عبد الله بن الأهتم وبلغ مرزبان مروروذ إقباله
إلى بلاده فهرب إلى بلاد الفرس وقدم قتيبة مروروذ فأخذ ابنين له فقتلهما
وصلبهما ثم سار إلى الطالقان فقام صاحبها ولم يحاربه فكف عنه وفيها لصوص
فقتلهم قتيبة وصلبهم واستعمل الطالقان وعمرو بن مسلم ومضى إلى الفارياب
فخرج إليه ملك الفارياب مذعنا مقرا بطاعته فرضى عنه ولم يقتل بها أحدا واستعمل
عليها رجلا من باهلة وبلغ صاحب الجوزجان خبرهم فترك أرضه وخرج إلى
235

الجبال هاربا وسار قتيبة إلى الجوز جان فلقيه أهلها سامعين مطيعين فقبل منهم فلم
يقتل فيها أحدا واستعمل عليها عامر بن مالك الحماني ثم أتى بلخ فلقيه الاسبهبذ في
أهل بلخ فدخلها فلم يقم بها إلا يوما واحدا ثم مضى يتبع عبد الرحمن حتى أتى شعب
خلم وقد مضى نيزك فعسكر ببغلان وخلف مقاتلة على فم الشعب ومضايقه
يمنعونه ووضع مقاتلة في قلعة حصينة من وراء الشعب فأقام قتيبة أياما يقاتلهم
على مضيق الشعب لا يقدر منهم على شئ ولا يقدر على دخوله وهو مضيق
الوادي يجرى وسطه ولا يعرف طريقا يفضى به إلى نيزك إلا الشعب أو مفازة
لا تحتمل العساكر فبقى متلددا يلتمس الحيل قال فهو في ذلك إذ قدم عليه الرؤب
خان ملك الرؤب وسمنجان فاستأمنه على أن يدله على مدخل القلعة التي وراء هذا
الشعب فآمنه قتيبة وأعطاه ما سأله وبعث معه رجالا ليلا فانتهى بهم إلى القلعة التي
من وراء شعب خلم فطرقوهم وهم آمنون فقتلوهم وهرب من بقى منهم ومن كان في
الشعب فدخل قتيبة والناس الشعب فأتى القلعة ثم مضى إلى سمنجان ونيزك ببغلان
بعين تدعى فنج جاه وبين سمنجان وبغلان مفازة ليست بالشديدة قال فأقام قتيبة
بسمنجان أياما ثم سار نيزك وقدم أخاه عبد الرحمن وبلغ نيزك فارتحل من منزله
حتى قطع وادى فرغانة ووجه ثقله وأمواله إلى كابل شاه ومضى حتى نزل الكرز
وعبد الرحمن بن مسلم يتبعه فنزل عبد الرحمن وأخذ بمضايق الكرز ونزل قتيبة
اسكيمشت بينه وبين عبد الرحمن فرسخان فتحرز نيزك في الكرز وليس إليه
مسلك إلا من وجه واحد وذلك الوجه صعب لا تطيقه الدواب فحصره قتيبة
شهرين حتى قل ما في يدنيزك من الطعام وأصابهم الجدري وجدر جيغويه وخاف
قتيبة الشتاء فدعا سليما الناصح فقال انطلق إلى نيزك واحتل لان تأتيني به بغير أمان
فإن أعياك وأبى فآمنه واعلم أنى إن عاينتك وليس هو معك صلبتك فاعمل لنفسك
قال فاكتب إلى عبد الرحمن لا يخالفني قال نعم فكتب له إلى عبد الرحمن فقدم عليه
فقال له ابعث رجالا فليكونوا على فم الشعب فإذا خرجت أنا ونيزك فليعطفوا
من ورائنا فيحولوا بيننا وبين الشعب فال فبعث عبد الرحمن خيلا فكانوا حيث
236

أمرهم سليم ومضى سليم وقد حمل معه من الأطعمة التي تبقى أياما والأخبصة
أوقارا حتى أتى نيزك فقال له نيزك خذلتني يا سليم قال ما خذلتك ولكنك عصيتني
وأسأت بنفسك خلعت وغدرت قال فما الرأي قال الرأي أن تأتيه فقد أمحكته
وليس ببارح موضعه هذا قد اعتزم على أن يشتو بمكانه هلك أو سلم قال آتيه على
غير أمان قال ما أظنه يؤمنك لما في قلبه عليك فإنك قد ملأته غيظا ولكني أرى
أن لا يعلم بك حتى تضع يدك في يده فإني أرجو إن فعلت ذاك أن يستحيى ويعفو
عنك قال أترى ذلك قال نعم قال إن نفسي لتأبى هذا وهو إن رآني قتلني فقال له
سليم ما أتيتك إلا لأشير عليك بهذا ولو فعلت لرجوت أن تسلم وأن تعود حالك
عنده إلى ما كانت فأما إذا أبيت فإني منصرف قال فنغديك إذا قال إني لأظنكم
في شغل عن تهيئة الطعام ومعنا طعام كثير قال ودعا سليم بالغداء فجاءوا بطعام
كثير لا عهد لهم بمثله منذ حصروا فانتهبه الأتراك فغم ذلك نيزك وقال سليم يا أبا
الهياج أنا لك من الناصحين أرى أصحابك قد جهدوا وإن طال بهم الحصار وأقمت
على حالك لم آمنهم أن يستأمنوا بك فانطلق وأت قتيبة قال ما كنت لا منه على نفسي
ولا آتيه على غير أمان فإن ظني به أنه قاتلي وإن آمنني ولكن الأمان أعذر لي
وأرجى قال فقد آمنك أفتتهمني قال لا قال فانطلق معي قال له أصحابه اقبل قول
سليم فلم يكن ليقول إلا حقا فدعا بدورا به وخرج مع سليم فلما انتهى إلى الدرجة
التي يهبط منها إلى قرار الأرض قال يا سليم من كان لا يعلم متى يموت فإني أعلم
متى أموت أموت إذا عاينت قتيبة قال كلا أيقتلك مع الأمان فركب ومضى معه
جيغويه وقد برأ من الجدري وصول وعثمان ابنا أخي نيزك وصول طرخان خليفة
جيغويه وخنس وطرخان صاحب شرطه قال فلما خرج من الشعب عطفت الخيل
التي خلفها سليم؟؟ فوهة الشعب فحالوا بين الأتراك وبين الخروج فقال نيزك لسليم
هذا أول الشر قال لا تفعل تخلف هؤلاء عنك خير لك وأقبل سليم ونيزك ومن
خرج معه حتى دخلوا على عبد الرحمن بن مسلم فأرسل رسولا إلى قتيبة يعلمه فأرسل
قتيبة عمرو بن أبي مهزم إلى عبد الرحمن أن أقدم بهم على فقدم بهم عبد الرحمن
237

عليه فحبس أصحاب نيزك ودفع نيزك إلى ابن بسام الليثي وكتب إلى الحجاج يستأذنه
في قتل نيزك فجعل ابن بسام نيزك في قبته وحفر حول القبة خندقا ووضع عليه
حرسا ووجه قتيبة معاوية بن عامر بن علقمة العليمي فاستخرج ما كان في الكرز
من متاع ومن كان فيه وقدم به على قتيبة فحبسهم ينتظر كتاب الحجاج فيما كتب
إليه فأتاه كتاب الحجاج بعد أربعين يوما يأمره بقتل نيزك قال فدعا به فقال هل
لك عندي عقد أو عند عبد الرحمن أو عند سليم قال لي عند سليم قال كذبت وقام فدخل
ورد نيزك إلى حبسه فمكث ثلاثة أيام لا يظهر للناس قال فقال المهلب بن إياس
العدوي وتكلم الناس في أمر نيزك فقال بعضهم ما يحل له أن يقتله وقال بعضهم
ما يحل له تركه وكثرت الأقاويل فيه قال وخرج قتيبة اليوم الرابع فجلس وأذن
للناس فقال ما ترون في قتل نيزك فاختلفوا فقال قائل اقتله وقال قائل أعطيته
عهدا فلا تقتله وقال قائل ما نأمنه على المسلمين ودخل ضرار بن حصين الضبي فقال
ما تقول يا ضرار قال أقول إني سمعتك تقول أعطيت الله عهدا إن أمكنك منه أن
تقتله فإن لم تفعل لا ينصرنك الله عليه أبدا فأطرق قتيبة طويلا ثم قال والله لو لم
يبق من أجلى إلا ثلاث كلمات لقلت اقتلوه اقتلوه اقتلوه وأرسل إلى نيزك فأمر
بقتله وأصحابه فقتل مع سبعمائة وأما الباهليون فيقولون لم يؤمنه ولم يؤمنه سليم
فلما أراد قتله دعا به ودعا بسيف حنفي فانتضاه وطول كميه ثم ضرب عنقه بيده
وأمر عبد الرحمن فضرب عنق صول وأمر صالحا فقتل عثمان ويقال شقران
ابن أخي نيزك وقال لبكر بن حبيب السهمي من باهلة هل بك قوة قال نعم وأريد
وكانت في بكر أعرابية فقال دونك هؤلاء الدهاقين قال وكان إذا أتى برجل ضرب
عنقه وقال أوردوا ولا تصدروا فكان من قتل يومئذ اثنا عشر ألفا في قول الباهليين
وصلب نيزك وابنى أخيه في أصل عين تدعى وخش خاشان في اسكيمشت فقال
المغيرة بن حبناء يذكر ذلك في كلمة له طويلة:
لعمري لنعمت غزوة الجند غزوة * قضت نحبها من نيزك وتعلت
قال على أخبرنا مصعب بن حيان عن أبيه قال بعث قتيبة برأس نيزك مع محفن
238

ابن جزء الكلابي وسوار بن زهدم الجرمي فقال الحجاج إن كان قتيبة لحقيقا أن
يبعث برأس نيزك مع ولد مسلم فقال سوار:
أقول لمحفن وجرى سنيح * وآخر بارح من عن يميني
وقد جعلت بوائق من أمور * ترفع حوله وتكف دوني
نشدتك هل يسرك أن سرجي * وسرجك فوق ابغل باذيين
قال فقال محفن نعم وبالصين قال على أخبرنا حمزة بن إبراهيم وعلي بن مجاهد
عن حنبل بن أبي حريدة عن مرزبان قهستان وغيرهما أن قتيبة دعا يوما بنيزك
وهو محبوس فقال ما رأيك في السبل والشذ أتراهما يأتيان إن أرسلت إليهما قال لا
قال فأرسل إليهما قتيبة فقد ما عليه ودعا نيزك وجيغويه فدخلا فإذا السبل والشذ
بين يديه على كرسيين فجلسا بإزائهما فقال الشذ لقتيبة إن جيغويه وإن كان لي عدوا
فهو أسن منى وهو الملك وأنا كعبده فأذن لي أدن منه فأذن له فدنا منه فقبل يده
وسجد له قال ثم استأذنه في السبل فأذن له فدنا منه فقبل يده فقال نيزك لقتيبة اثذن لي
أدن من الشذ فانى عبده فأذن له فدنا منه فقبل يده ثم أذن قتيبة للسبل والشذ
فانصرفا إلى بلادهما وضم إلى الشذ الحجاج القيني وكان من وجوه أهل خراسان
وقتل قتيبة نيزك فأخذ الزبير مولى عابس الباهلي خفا لنيزك فيه جوهر وكان أكثر
من في بلاده مالا وعقارا من ذلك الجوهر الذي أصابه في خفه فسوغه إياه قتيبة
فلم يزل موسرا حتى هلك بكابل في ولاية أبى داود قال وأطلق قتيبة جيغويه
ومن عليه وبعث به إلى الوليد فلم يزل بالشام حتى مات الوليد ورجع قتيبة
إلى مرو واستعمل أخاه عبد الرحمن على بلخ فكان الناس يقولون غدر قتيبة
بنيزك فقال ثابت قطنة:
لا تحسبن الغدر حزما فربما * ترفت به الاقدام يوما فزلت
وقال وكان الحجاج يقول بعثت قتيبة فتى غرا فما زدته ذراعا إلا زادني
باعا قال على أخبرنا حمزة بن إبراهيم عن أشياخ من أهل خراسان وعلي بن مجاهد
عن حنبل بن أبي حريدة عن مرزبان قهستان وغيرهما أن قتيبة بن مسلم لما رجع
239

إلى مرو وقتل نيزك طلب ملك الجوزجان وكان قد هرب عن بلاده فأرسل
يطلب الأمان فآمنه على أن يأتيه فيصالحه فطلب رهنا يكونون في يديه ويعطى
رهائن فأعطى قتيبة حبيب بن عبد الله بن عمرو بن حصين الباهلي وأعطى ملك
الجوزجان رهائن من أهل بيته فخلف ملك الجوزجان حبيبا بالجوزجان في بعض
حصونه وقدم على قتيبة فصالحه ثم رجع فمات بالطالقان فقال أهل الجوزجان
سموه فقتلوا حبيبا وقتل قتيبة الرهن الذين كانوا عنده فقال نهار بن توسعة لقتيبة
أراك الله في الأتراك حكما * كحكم في قريظة والنضير
قضاء من قتيبة غير جور * به يشفى الغليل من الصدور
فإن ير نيزك خزيا وذلا * فكم في الحرب حمق من أمير
وقال المغيرة بن حبناء يمدح قتيبة وبذكر قتل نيزك وصول وابن أخي
نيرك عثمان أو شقران
لمن الديار عفت بسفح سنام * إلا بقية أيصر وثمام
عصف الرياح ذيولها فمحونها * وجرين فوق عراصها بتمام
دار لجارية كأن رضابها * مسك يشاب مزاجه بمدام
أبلغ أبا حفص قتيبة مدحتي * واقرا عليه تحيتي وسلامي
يا سيف أبلغها فإن ثناءها * حسن وإنك شاهد لمقامي
يسمو فتتضع الرجال إذا سما * لقتيبة الحامي حمى الاسلام
لاغر منتجب لكل عظيمة * نحر يباح به العدو لهام
يمضى إذا هاب الجبان وأحمشت * حرب تسعر نارها بضرام
تروى القناة مع اللواء أمامه * تحت اللوامع والنحور دوام
والهام تفريه السيوف كأنه * بالقاع حين تراه قيض نعام
وترى الجياد مع الجياد ضوامرا * بفنائه لحوادث الأيام
وبهن أنزل نيزكا من شاهق * والكرز حيث يروم كل مرام
وأخاه شقرانا سقيت بكأسه * وسقيت كأسهما أخا باذام
240

وتركت صولا حين صال مجدلا * يركبنه بدوابر وحوام
(وفى هذه السنة) أعنى سنة 91 غزا قتيبة شومان وكس ونسف غزوته
الثانية وصالح طرخان
ذكر الخبر عن ذلك
قال على أخبرنا بشر بن عيسى عن أبي صفوان وأبو السرى وجبلة بن فروخ
عن سليمان بن مجالد والحسن بن رشيد عن طفيل بن مرداس العمى وأبو السرى المروزي عن عمه وبشر بن عيسى وعلي بن مجاهد عن حنبل بن أبي حريدة عن
مرزبان قهستان وعياش بن عبد الله الغنوي عن أشياخ من أهل خراسان قال
وحدثني ظئري كل قد ذكر شيئا فألفته وأدخلت من حديث بعضهم في حديث
بعض أن فيلسنشب باذق وقال بعضهم غيسلشتان ملك شومان طرد عامل قتيبة
ومنع الفدية التي صالح عليها قتيبة فبعث إليه قتيبة عياشا الغنوي ومعه رجل من
نساك أهل خراسان يدعوان ملك شومان إلى أن يؤدى الفدية على ما صالح
عليه قتيبة فقد ما البلد فخرجوا إليهما فرموهما فانصرف الرجل وأقام عياش الغنوي
فقال أما ههنا مسلم فخرج إليه رجل من المدينة فقال أنا مسلم فما تريد قال تعينني على
جهادهم قال نعم فقال له عياش كن خلفي لتمنع لي ظهري فقام خلفه وكان اسم الرجل
المهلب فقاتلهم عياش فحمل عليهم فتفرقوا عنه وحمل المهلب على عياش من خلفه
فقتله فوجدوا به ستين جراحة فغمهم قتله وقالوا قتلنا رجلا شجاعا وبلغ قتيبة فسار
إليهم بنفسه وأخذ طريق بلخ فلما أتاها قدم أخاه عبد الرحمن واستعمل على بلخ
عمرو بن مسلم وكان ملك شومان صديقا لصالح بن مسلم فأرسل إليه صالح رجلا يأمره
بالطاعة ويضمن له رضى قتيبة إن رجع إلى الصلح فأبى وقال لرسول صالح ما تخوفني به
من قتيبة وأنا أمنع الملوك حصنا أرمى أعلاه وأنا أشده الناس قوسا وأشده رميا فلا تبلغ
نشابتي نصف حصني فما أخاف من قتيبة فمضى قتيبة من بلخ فعبر النهر ثم أتى شومان وقد
تحصن ملكها فوضع عليه المجانيق ورمى حصنه فهشمه فلما خاف أن يظهر عليه ورأى
ما نزل به جمع ما كان له من مال وجوهر فرمى به في عين في وسط القلعة لا يدرك
241

قعرها قال ثم فتح القلعة وخرج إليهم فقاتلهم فقتل وأخذ قتيبة القلعة عنوة فقتل
المقاتلة وسبى الذرية ثم رجع إلى باب الحديد فأجاز منه إلى كس ونسف
وكتب إليه الحجاج أن كس بكس وانسف نسف وإياك والتحويط ففتح كس
ونسف وامتنع عليه فرياب فحرقها فسميت المحترقة وسرح قتيبة من كس ونسف
أخاه عبد الرحمن بن مسلم إلى السغد إلى طرخون فسار حتى نزل بمرج قريبا منهم
وذلك في وقت العصر فانتبذ الناس وشربوا حتى عبثوا وعاثوا وأفسدوا فأمر
عبد الرحمن أبا مرضية مولى لهم أن يمنع الناس من شرب العصير فكان يضربهم
ويكسر آنيتهم ويصب نبيذهم فسال في الوادي فسمى مرج النبيذ فقال بعض شعرائهم
أما النبيذ فلست أشربه * أخشى أبا مرضية الكلب
متعسفا يسعى بسكته * يتوثب الحيطان للشرب
فقبض عبد الرحمن من طرخون شيئا كان قد صالحه عليه قتيبة ودفع إليه
رهنا كانوا معه وانصرف عبد الرحمن إلى قتيبة وهو ببخارى فرجعوا إلى مرو
فقالت السغد لطرخون إنك قد رضيت بالذل واستطبت الجزية وأنت
شيخ كبير فلا حاجة لنا بك قال فولوا من أحببتم قال فولوا غوزك وحبسوا
طرخون فقال طرخون ليس بعد سلب الملك إلا القتل فيكون ذلك بيدي أحب
إلى من أن يليه منى غيري فاتكأ على سيفه حتى خرج من ظهره قال وإنما صنعوا
بطرخون هذا حين خرج قتيبة إلى سجستان وولوا غوزك وأما الباهليون
فيقولون حصر قتيبة ملك شومان ووضع على قلعته المجانيق ووضع منجنيقا
كان يسميها الفحجاء فرمى بأول حجر فأصاب الحائط ورمى بآخر فوقع في
المدينة ثم تتابعت الحجارة في المدينة فوقع حجر منها في مجلس الملك فأصاب
رجلا فقتله ففتح القلعة عنوة ثم رجع إلى كس ونصف ثم مضى إلى بخارى فنزل
قرية فيها بيت نار وبيت آلهة وكان فيها طواويس فسموه منزل الطواويس ثم
سار إلى طرخون بالسغد ليقبض منه ما كان صالحه عليه فلما أشرف على وادى
السغد فرأى حسنه تمثل
242

وادخصيب عشيب ظل يمنعه * من الأنيس حذار اليوم ذي الرهج
وردته بعناجيج مسومة * يردين بالشعث سفاكين للمهج
قال فقبض من طرخون صلحه ثم رجع إلى بخارى فملك بخارى خذاه غلاما حدثا
وقتل من خاف أن يضاده ثم أخذ على آمل ثم أتى مرو قال وذكر الباهليون عن
بشار بن عمرو عن رجل من باهلة قال لم يفرغ الناس من ضرب أبنيتهم حتى افتتحت
القلعة (وفى هذه السنة) ولى الوليد بن عبد الملك مكة خالد بن عبد الله القسري
فلم يزل واليا عليها إلى أن مات الوليد * فذكر محمد بن عمر الواقدي أن إسماعيل بن
إبراهيم بن عقبة حدثه عن نافع مولى بنى مخزوم قال سمعت خالد بن عبد الله يقول
يا أيها الناس إنكم بأعظم بلاد الله حرمة وهى التي اختار الله من البلدان فوضع
بها بيته ثم كتب على عباده حجه من استطاع إليه سبيلا أيها الناس فعليكم
بالطاعة ولزوم الجماعة وإياكم والشبهات فانى والله ما أوتى بأحد يطعن على
امامه إلا صلبته في الحرم ان الله جعل الخلافة منه بالموضع الذي جعلها فسلموا
وأطيعوا ولا تقولوا كيت وكيت إنه لا رأى فيما كتب به الخليفة أو رآه إلا إمضاؤه
واعلموا أنه بلغني أن قوما من أهل الخلاف يقدمون عليكم ويقيمون في بلادكم
فإياكم أن تنزلوا أحدا ممن تعلمون أنه زائغ عن الجماعة فإني لا أجد أحدا منهم
في منزل أحد منكم إلا هدمت منزله فانظروا من تنزلون في منازلكم وعليكم بالجماعة
والطاعة فان الفرقة هي البلاء العظيم * قال محمد بن عمرو حدثنا إسماعيل بن
إبراهيم عن موسى بن عقبة عن أبي حبيبة قال اعتمرت فنزلت دور بنى أسد
في منازل الزبير فلم أشعر إلا به يدعوني فدخلت عليه فقال ممن أنت قلت من
أهل المدينة قال ما أنزلك في منازل المخالف للطاعة قلت إنما مقامي إن أقمت
يوما أو بعضه ثم رجع إلى منزلي وليس عندي خلاف أنا ممن يعظم أمر الخلافة
وأزعم أن من جحدها فقد هلك قال فلا عليك ما أقمت إنما يكره أن يقيم من
كان زاريا على الخليفة قلت معاذ الله وسمعته يوما يقول والله لو أعلم أن هذه
الوحش التي تأمن في الحرم لو نطقت لم تقر بالطاعة لا خرجتها من الحرم إنه لا يسكن
243

حرم الله وأمنه مخالف للجماعة زار عليهم قلت وفق الله الأمير (وحج) بالناس في
هذه السنة الوليد بن عبد الملك حدثني أحمد بن ثابت عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عن أبي
معشر قال حج الوليد بن عبد الملك سنة 91 وكذلك قال محمد بن عمر حدثني موسى
ابن أبي بكر قال حدثنا صالح بن كيسان قال لما حضر قدوم الوليد أمر عمر بن
عبد العزيز عشرين رجلا من قريش يخرجون معه فيتلقون الوليد بن عبد الملك
منهم أبو بكر بن عبد الرحمن بن عبد الحارث بن هشام وأخوه محمد بن عبد الرحمن
وعبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان فخرجوا حتى بلغوا السويداء وهم مع عمر
ابن عبد العزيز وفى الناس يومئذ دواب وخيل فلقوا الوليد وهو على ظهر فقال لهم
الحاجب أنزلوا لأمير المؤمنين فنزلوا ثم أمرهم فركبوا فدعا بعمر بن عبد العزيز
فسايره حتى نزل بذى خشب ثم أحضروا فدعاهم رجلا رجلا فسلموا عليه ودعا
بالغداء فتغدوا عنده وراح من ذي خشب فلما دخل المدينة غدا إلى المسجد ينظر
إلى بنائه فأخرج الناس منه فما ترك فيه أحد وبقى سعيد بن المسيب ما يجترئ أحد
من الحرس أن يخرجه وما عليه إلا ريطتان ما تساويان إلا خمسة دراهم في مصلاه
فقيل له لو قمت قال والله لا أقوم حتى يأتي الوقت الذي كنت أقوم فيه قيل فلو
سلمت على أمير المؤمنين قال والله لا أقوم إليه قال عمر بن عبد العزيز فجعلت أعدل
بالوليد في ناحية المسجد رجاء أن لا يرى سعيدا حتى يقوم فحانت من الوليد نظرة
إلى القبلة فقال من ذلك الجالس أهو الشيخ سعيد بن المسيب فجعل عمر يقول نعم
يا أمير المؤمنين ومن حاله ومن حاله ولو علم بمكانك لقام فسلم عليك وهو ضعيف
البصر قال الوليد قد علمت حاله ونحن نأتيه فنسلم عليه فدار في المسجد حتى وقف
على القبر ثم أقبل حتى وقف على سعيد فقال كيف أنت أيها الشيخ فوالله ما تحرك
سعيد ولا قام فقال بخير والحمد لله فكيف أمير المؤمنين وكيف حاله قال الوليد
خير والحمد لله فانصرف وهو يقول لعمر هذا بقية الناس فقلت أجل يا أمير المؤمنين
قال وقسم الوليد بالمدينة رقيقا كثيرا عجما بين الناس وآنية من ذهب وفضة وأموالا
وخطب بالمدينة في الجمعة فصلى بهم (قال محمد بن عمر) وحدثني إسحاق بن يحيى
قال رأيت الوليد يخطب على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة عام
244

حج قد صف له جنده صفين من المنبر إلى جدار مؤخر المسجد في أيديهم الجرزة
وعمد الحديد على العواتق فرأيته طلع في دراعة وقلنسوة ما عليه رداء فصعد المنبر
فلما صعد سلم ثم جلس فأذن المؤذنون ثم سكتوا فخطب الخطبة الأولى وهو جالس
ثم قام فخطب الثانية قائما قال إسحاق فلقيت رجاء بن حياة وهو معه فقلت هكذا
يصنعون قال نعم وهكذا صنع معاوية فهلم جرا قلت أفلا تكلمه قال أخبرني قبيصة
ابن ذؤيب أنه كلم عبد الملك بن مروان فأبى أن يفعل وقال هكذا خطب عثمان
فقلت والله ما خطب هكذا ما خطب عثمان إلا قائما قال رجاء روى لهم هذا
فأخذوا به قال إسحاق لم نر منهم أحدا أشد تجبرا منه (قال محمد بن عمر) وقدم
بطيب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومجمره وبكسوة الكعبة فنشرت
وعلقت على حبال في المسجد من ديباج حسن لم ير مثله قط فنشرها يوما وطوى
ورفع قال وأقام الحجاج الوليد بن عبد الملك * وكانت عمال الأمصار في هذه السنة
هم العمال الذين كانوا عمالها في سنة 90 غير مكة فان عاملها كان في هذه السنة خالد
ابن عبد الله القسري في قول الواقدي وقال غيره كانت ولاية مكة في هذه السنة
أيضا إلى عمر بن عبد العزيز.
ثم دخلت سنة اثنتين وتسعين
ذكر الاحداث التي كانت فيها
فمن ذلك غزوة مسلمة بن عبد الملك وعمر بن الوليد أرض الروم ففتح على
يدي مسلمة حصون ثلاثة وجلا أهل سوسنه إلى جوف أرض الروم (وفيها)
غزا طارق بن زياد مولى موسى بن نصير الأندلس في اثنى عشر ألفا فلقى ملك
الأندلس زعم الواقدي أنه يقال له ادرينوق وكان رجلا من أهل أصبهان قال وهم
ملوك عجم الأندلس فزحف له طارق بجميع من معه فزحف الادرينوق في سرير الملك
وعلى الادرينوق تاجه وقفازه وجميع الحلية التي كان يلبسها الملوك فاقتتلوا قتالا شديدا
حتى قتل الله الادرينوق وفتح الأندلس سنة 92 (وفيها) غزا فيما زعم بعض أهل
245

السير قتيبة سجستان يريد رتيبل الأعظم والزابل فلما نزل سجستان تلقته رسل رتبيل
بالصلح فقبل ذلك وانصرف واستعمل عليهم عبد ربه بن عبد الله بن عمير
الليثي (وحج) بالناس في هذه السنة عمر بن عبد العزيز وهو على المدينة كذلك
حدثني أحمد بن ثابت عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر وكذلك
قال الواقدي وغيره وكان عمال الأمصار في هذه السنة عمالها في السنة التي قبلها
ثم دخلت سنة ثلاث وتسعين
ذكر الاحداث التي كانت فيها
فمما كان فيها من ذلك غزوة العباس بن الوليد أرض الروم ففتح الله على يديه
سمسطية (وفيها) كانت أيضا غزوة مروان بن الوليد الروم فبلغ خنجرة (وفيها)
كانت غزوة مسلمة بن عبد الملك أرض الروم فافتتح ماسة وحصن الحديد وغزالة
وبرجمة من ناحية ملطية (وفيها) قتل قتيبة ملك خام جرد وصالح مالك
خوارزم صلحا مجددا
ذكر الخبر عن سبب ذلك وكيف كان الامر فيه
ذكر علي بن محمد أن أبا الذيال أخبره عن المهلب بن إياس والحسن بن رشيد
عن طفيل بن مرداس العمى وعلي بن مجاهد عن حنبل بن أبي حريدة عن مرزبان
قهستان وكليب بن خلف والباهليين وغيرهم وقد ذكر بعضهم ما لم يذكر بعض
فألفته أن ملك خوارزم كان ضعيفا فغلبه أخوه خر زاذ على أمره وخرزاذ
أصغر منه فكان إذا بلغه أن عند أحد ممن هو منقطع إلى الملك جارية أو دابة
أو متاعا فاخرا أرسل فأخذه أو بلغه أن لاحد منهم بنتا أو أختا أو امرأة جميلة
أرسل إليه فغصبه وأخذ ما شاء وحبس ما شاء لا يمتنع عليه أحد ولا يمنعه الملك
فإذا قيل له قال لا أقوى عليه وقد ملاه مع هذا غيظا فلما طال ذلك منه عليه كتب
إلى قتيبة يدعوه إلى أرضه يريد أن يسلمها إليه وبعث إليه بمفاتيح مدائن خوارزم
ثلاثة مفاتيح من ذهب واشترط عليه أن يدفع إليه أخاه وكل من كان يضاده
246

يحكم فيه ما يرى وبعث في ذلك رسلا ولم يطلع أحدا من مرازبته ولا دهاقينه
على ما كتب به إلى قتيبة فقدمت رسله على قتيبة في آخر الشتاء ووقت الغزو وقد
تهيأ للغزو فأظهر قتيبة أنه يريد السغد ورجع رسل خوارزم شاه إليه بما يحب من
قبل قتيبة وسار واستخلف على مرو ثابتا الأعور مولى مسلم قال فجمع ملوكه
وأحباره ودهاقينه فقال إن قتيبة يريد السغد وليس بغازيكم فهلم نتنعم في ربيعنا
هذا فأقبلوا على الشرب والتنعم وأمنوا عند أنفسهم الغزو قال فلم يشعروا حتى
نزل قتيبة في هزار سب دون النهر فقال خوارزم شاه لأصحابه ما ترون قالوا نرى
أن نقاتله قال لكني لا أرى ذلك قد عجز عنه من هو أقوى منا وأشد شوكة ولكني
أرى أن نصرفه بشئ نؤديه إليه فنصرفه عامنا هذا ونرى رأينا قالوا ورأينا رأيك
فأقبل خوارزم شاه فنزل في مدينة الفيل من وراء النهر قال ومدائن خوازم شاه
ثلاث مدائن يطيف بها فارقين واحد فمدينة الفيل أحصنهن فنزلها خوارزم شاه
وقتيبة في هزار سب دون النهر لم يعبره بينه وبين خوارزم شاه نهر بلخ فصالحه
على عشرة آلاف رأس وعين ومتاع وعلى أن يعينه على ملك خام جرد وأن
يفي له بما كتب إليه فقبل ذلك منه قتيبة ووفى له وبعث قتيبة أخاه إلى ملك خام
جرد وكان يعادى خوارزم شاه فقاتله فقتله عبد الرحمن وغلب على أرضه
وقدم منهم على قتيبة بأربعة آلاف أسير فقتلهم وأمر قتيبة لما جاءه بهم أخاه
عبد الرحمن بسريره فأخرج وبرز للناس قال وأمر بقتل الاسرى فقتل بين يديه
ألف وعن يمينه ألف وعن يساره ألف وخلف ظهره ألف قال قال المهلب بن
إياس أخذت يومئذ سيوف الاشراف فضرب بها الأعناق فكان فيها ما لا يقطع
ولا يجرح فأخذوا سيفي فلم يضرب به شئ إلا أبانه فحسدني بعض آل قتيبة فغمز
الذي يضرب أن اصفح به فصفح به قليلا فوقع في ضرس المقتول فثلمه (قال
أبو الذيال) والسيف عندي قال ودفع قتيبة إلى خوارزم شاه أخاه ومن كان
يخالفه فقتلهم واصطفى أموالهم فبعث بها إلى قتيبة ودخل قتيبة مدينة فيل فقبل
من خوارزم شاه ما صالحه عليه ثم رجع إلى هزار سب وقال كعب الأشقري
رمتك فيل بما فيها وما ظلمت * ورامها قبلك الفجفاجة الصلف
247

لا يجزى الثغر خوار القناة ولا * هش المكاسر والقلب الذي يجف
هل تذكرون ليالي الترك تقتلهم * ما دون كازه والفجفاج ملتحف
لم يركبوا الخيل إلا بعد ما كبروا * فهم ثقال على أكتافها عنف
أنتم شباس ومرداذان محتقر * وبسخراء قبور حشوها القلف
إني رأيت أبا حفص تفضله * أيامه ومساعي الناس تختلف
قيس صريح وبعض الناس يجمعهم * قرى وريف فمنسوب ومقترف
لو كنت طاوعت أهل العجز ما اقتسموا * سبعين ألفا وعز السغد مؤتنف
وفى سمرقند أخرى أنت قاسمها * لئن تأخر عن حوبائك التلف
ما قدم الناس من خير سبقت به * ولا يفوتك مما خلفوا شرف
قال أنشدني علي بن مجاهد رمتك * رمتك فيل بما دون كازه * قال وكذلك
قال الحسن بن رشيد الجوزجاني وأما غيرهما فقال * رمتك فيل بما فيها * وقالوا
فيل مدينة سمرقند قال وأثبتها عندي قول علي بن مجاهد قال وقال الباهليون أصاب
قتيبة من خوارزم مائة ألف رأس قال وكان خاصة قتيبة كلموه سنة 93 وقالوا
الناس كالون قدموا من سجستان فأجمهم عامهم هذا فأبى قال فلما صالح أهل
خوارزم سار إلى السغد فقال الأشقري
لو كنت طاوعت أهل العجز ما اقتسموا * سبعين ألفا وعز السغد مؤتنف
(قال أبو جعفر) وفى هذه السنة غزا قتيبة بن مسلم منصرفه من خوارزم
سمرقند فافتتحها
ذكر الخبر عن ذلك
قد تقدم ذكر الاسناد عن القوم الذين ذكر علي بن محمد أنه أخذ عنهم حين صالح قتيبة
صاحب خوارزم ثم ذكر مد رجا في ذلك أن قتيبة لما قبض صلح خوارزم قام إليه المجسر
ابن مزاحم السلمي فقال إن لي حاجة فأخلني فأحلاه فقال إن أردت السغد يوما
من الدهر فالآن فإنهم آمنون من أن تأتيهم من عامك هذا وانما بينك وبينهم عشرة
أيام قال أشار بهذا عليك أحد قال لا قال فأعلمته أحدا قال لا قال والله لئن تكلم
248

به أحد لأضربن عنقك فأقام يومه ذلك فلما أصبح من الغد دعا عبد الرحمن فقال
سر في الفرسان والمرامية وقدم الأثقال إلى مرو فوجهت الأثقال إلى مرو ومضى
عبد الرحمن يتبع الأثقال يريد مرو يومه كله فلما أمسى كتب إليه إذا أصبحت
فوجه الأثقال إلى مرو وسر في الفرسان والمرامية نحو السغدوا كتم الاخبار
فانى بالأثر قال فلما أتى عبد الرحمن الخبر أمر أصحاب الأثقال أن يمضوا إلى مرو
وسار حيث أمره وخطب قتيبة الناس فقال إن الله قد فتح لكم هذه البلدة في
وقت الغزو فيه ممكن وهذه السغد شاغرة برجلها قد نقضوا العهد الذي كان ببننا
ومنعونا ما كنا صالحنا عليه طرخون وصنعوا به ما بلغكم وقال الله من نكث
فإنما ينكث على نفسه فسيروا على بركة الله فإني أرجو أن يكون خوارزم والسغد
كالنضير وقريظة وقال الله وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها، قال فأتى
السغد وقد سبقه إليها عبد الرحمن بن مسلم في عشرين ألفا وقدم عليه قتيبة في أهل
خوارزم وبخاري بعد ثلاثة أو أربعة من نزول عبد الرحمن بهم فقال انا إذا نزلنا
بساحة قوم فساء صباح المنذرين فحصرهم شهرا فقاتلوهم في حصارهم مرارا من
وجه واحد وكتب أهل السغد وخافوا طول الحصار إلى ملك الشاش وإخشاذ
فرغانة أن العرب إن ظفروا بنا عادوا عليكم بمثل ما أتونا به فانظروا لأنفسكم
فأجمعوا على أن يأتوهم وأرسلوا إليهم أرسلوا من يشغلهم حتى نبيت عسكرهم قال
وانتخبوا فرسانا من أبناء المرازبة والأساورة والأشداء الابطال فوجهوهم
وأمروهم أن يبيتوا عسكرهم وجاءت عيون المسلمين فأخبروهم فانتخب قتيبة ثلثمائة
أو ستمائة من أهل النجدة واستعمل عليهم صالح بن مسلم فصيرهم في الطريق الذي
يخاف أن يؤتى منه وبعث صالح عيونا يأتونه بخبر القوم ونزل على فرسخين من
عسكر القوم فرجت إليه عيونه فأخبروه أنه يصلون إليه من ليلتهم ففرق
صالح خيله ثلاث فرق فجعل كمينا في موضعين وأقام على قارعة الطريق وطرقهم
المشركون ليلا ولا يعلمون بمكان صالح وهم آمنون في أنفسهم من أن يلقاهم أحد
دون العسكر فلم يعلموا بصالح حتى غشوه قال فشدوا عليهم حتى إذا اختلفت الرماح
249

بينهم خرج الكمينان فاقتتلوا قال وقال رجل من البراجم حضرتهم فما رأيت قط
قوما كانوا أشد قتالا من أبناء أولئك الملوك ولا أصبر فقتلناهم فلم يفلت منهم إلا نفر
يسير وحوينا سلاحهم واحتززنا رؤوسهم وأسرنا منهم أسرى فسألناهم عمن قتلنا
فقالوا ما قتلتم إلا ابن ملك أو عظيما من العظماء أو بطلا من الابطال ولقد قتلتم رجالا
إن كان الرجل ليعدل بمائة رجل فكتبنا على آذانهم ثم دخلنا العسكر حين أصبحنا
وما منا رجل إلا معلق رأسا معروفا باسمه وسلبنا من جيد السلاح وكريم المتاع
ومناطق الذهب ودواب فرهة فنفلنا قتيبة ذلك كله وكسر ذلك أهل السغد ووضع
قتيبة عليهم المجانيق فرماهم بها وهو في ذلك يقاتلهم لا يقلع عنهم وناصحه من معه
من أهل بخارى وأهل خوارزم فقاتلوا قتالا شديدا وبذلوا أنفسهم فأرسل
إليه غوزك إنما تقاتلني بإخوتي وأهل بيتي من العجم فأخرج إلى العرب فغضب
قتيبة ودعا الجدلي فقال اعرض الناس وميز أهل البأس فجمعهم ثم جلس قتيبة
يعرضهم بنفسه ودعا العرفاء فجعل يدعو برجل رجل فيقول ما عندك فيقول
العريف شجاع ويقول ما هذا فيقول مختصر ويقول ما هذا فيقول جبان فسمى
قتيبة الجبناء الانتان وأخذ خيلهم وجيد سلاحهم فأعطاه الشجعاء والمختصرين
وترك لهم رث السلاح ثم زحف بهم فقاتلهم بهم فرسانا ورجالا ورمى المدينة
بالمجانيق فثلم فيها ثلمة فسدوها بغرائر الدخن وجاء رجل حتى قام على الثلمة
فشتم قتيبة وكان مع قتيبة قوم رماة فقال لهم قتيبة اختاروا منكم رجلين فاختاروا
فقال أيكما يرمى هذا الرجل فان أصابه فله عشرة آلاف وإن أخطأه
قطعت يده فتلكأ أحدهما وتقدم الاخر فرماه فلم يخطئ عينه فامر له بعشرة
آلاف قال وأخبرنا الباهليون عن يحيى بن خالد عن أبيه خالد بن باب مولى
مسلم بن عمرو قال كنت في رماة قتيبة فلما افتتحنا المدينة صعدت السور
فاتيت مقام ذلك الرجل الذي كان فيه فوجدته ميتا على الحائط ما أخطأت النشابة
عينه حتى خرجت من قفاه ثم أصبحوا من غد فرموا المدينة فثلموا فيها وقال
قتيبة ألحوا عليها حتى تعبروا على الثلمة فقاتلوهم حتى صاروا على ثلمة المدينة
250

ورماهم السغد بالنشاب فوضعوا أترستهم فكان الرجل يضع ترسه على عينه ثم
يحمل حتى صاروا على الثلمة فقالوا له انصرف عنا اليوم حتى نصالحك غدا فاما
باهلة فيقولون قال قتيبة لا نصالحهم إلا ورجالنا على الثلمة ومجانيقنا تخطر على
رؤسهم ومدينتهم قال وأما غيرهم فيقولون قال قتيبة جزع العبيد فانصرفوا على
ظفركم فانصرفوا فصالحهم من الغد على ألفى ألف ومائتي ألف في كل عام على
أن يعطوه تلك السنة ثلاثين ألف رأس ليس فيهم صبي ولا شيخ ولا عيب
على أن يخلوا المدينة لقتيبة فلا يكون لهم فيها مقاتل فيبنى له فيه مسجد فيدخل
ويصلى ويوضع له فيها منبر فيخطب ويتغدى ويخرج قال فلما تم الصلح بعث
قتيبة عشرة من كل خمس برجلين فقبضوا ما صالحوهم عليه فقال قتيبة الان ذلوا
حين صار إخوانهم وأولادهم في أيديكم ثم أخلوا المدينة وبنوا مسجدا ووضعوا
منبرا ودخلها في أربعة آلاف انتخبهم فلما دخلها أتى المسجد فصلى وخطب
ثم تغدى وأرسل إلى أهل السغد من أراد منكم أن يأخذ متاعه فليأخذ
فإني لست خارجا منها وإنما صنعت هذا لكم ولست آخذ منكم أكثر مما
صالحتكم عليه غير أن الجند يقيمون فيها قال أما الباهليون فيقولون صالحهم
قتيبة على مائة ألف رأس وبيوت النيران وحلية الأصنام فقبض ما صالحهم عليه
وأتى بالأصنام فسلبت ثم وضعت بين يديه فكانت كالقصر العظيم حين جمعت فأمر
بتحريقها فقالت الأعاجم إن فيها أصناما من حرقها هلك فقال قتيبة أنا أحرقها
بيدي فجاء عوزك فجثا بين يديه وقال أيها الأمير إن شكرك على واجب لا تعرض
لهذه الأصنام فدعا قتيبة بالنار وأخذ شعلة بيده وخرج فكبر ثم أشعلها وأشعل
الناس فاضطرمت فوجدوا من بقايا ما كان فيها من مسامير الذهب والفضة خمسين
ألف مثقال قال وأخبرنا مخلد بن حمزة بن بيض عن أبيه قال حدثني من شهد قتيبة
وفتح سمرقند أو بعض كور خراسان فاستخرجوا منها قدورا عظاما من نحاس
فقال قتيبة لحضين يا أبا ساسان أترى رقاش كان لها مثل هذه القدور قال لا لكن
كان لعيلان قدر مثل هذه القدور فضحك قتيبة وقال أدركت بثأرك قال وقال
251

محمد بن أبي عيينة لمسلم بن قتيبة بين يدي سليمان بن علي إن العجم ليعيرون قتيبة
الغدر انه غدر بخوارزم وسمرقند قال فأخبرنا شيخ من بنى سدوس عن حمزة
ابن بيض قال أصاب قتيبة بخراسان بالسغد جارية من ولد يزد جرد فقال أترون
ابن هذه يكون هجينا فقالوا نعم يكون هجينا من قبل أبيه فبعث بها إلى الحجاج فبعث
بها الحجاج إلى الوليد فولدت له يزيد بن الوليد * قال وأخبرنا بعض الباهليين
عن نهشل بن يزيد عن عمه وكان قد أدرك ذلك كله قال لما رأى غوزك إلحاح
قتيبة عليهم كتب إلى ملك الشاش وإخشاذ فرغانة وخاقان إنا نحن دونكم فيما
بينكم وبين العرب فان وصل إلينا كنتم أضعف وأذل فمهما كان عندكم من قوة
فابذلوها فنظروا في أمرهم فقالوا إنما نؤتى من سفلتنا وأنهم لا يجدون كوجدنا
ونحن معشر الملوك المعنيون بهذا الامر فانتخبوا أبناء الملوك وأهل النجدة من فتيان
ملوكهم فليخرجوا حتى يأتوا عسكر قتيبة فليبيت فإنه مشغول بحصار السغد ففعلوا
وولوا عليهم ابنا لخاقان وساروا وقد أجمعوا أن يبيتوا العسكر وبلغ قتيبة فانتخب
أهل النجدة والبأس ووجوه الناس فكان شعبة بن ظهير وزهير بن حيان فيمن انتخب
فكانوا أربعمائة فقال لهم إن عدوكم قدرأ وابلاء الله عندكم وتأييده إياكم في مزاحفتكم
ومكاثر تكم كل ذلك يفلجكم الله عليهم فأجمعوا على أن يحتالوا غرتكم وبياتكم واختاروا
دهاقينهم وملوكهم وأنتم دهاقين العرب وفرسانهم وقد فضلكم الله بدينه فأبلوا
الله بلاء حسنا تستوجبون به الثواب مع الذب عن أحسابكم قال ووضع قتيبة
عيونا على العدو حتى إذا قربوا منه قدر ما يصلون إلى عسكره من الليل أدخل الذين
انتخبهم فكلمهم وحضهم واستعمل عليهم صالح بن مسلم فخرجوا من العسكر عند
المغرب فساروا فنزلوا على فرسخين من العسكر على طريق القوم الذين وصفوا
لهم ففرق صالح خيله وأكمن كمينا عن يمينه وكمينا عن يساره حتى إذا مضى نصف
الليل أو ثلثاه جاء العدو باجتماع وإسراع وصمت وصالح واقف في خيله فلما رأوه
شدوا عليه حتى إذا اختلفت الرماح شد الكمينان عن يمين وعن شمال فلم نسمع الا
الاعتزاء فلم نر قوما كانوا أشد منهم قال وقال رجل من البراجم حدثني زهير
252

أو شعبة قال إنا لنختلف عليهم بالطعن والضرب إذ تبينت تحت الليل قتيبة وقد
ضربت ضربة أعجبتني وأنا أنظر إلى قتيبة فقلت كيف ترى بأبي أنت وأمي قال
اسكت دق الله فاك قال فقتلناهم فلم يفلت منهم الا الشريد وأقمنا نحوي الأسلاب ونحتز
الرؤس حتى أصبحنا ثم أقبلنا إلى العسكر فلم أر جماعة قط جاؤوا بمثل ما جئنا به ما منا
رجل إلا معلق رأسا معروفا باسمه وأسير في وثاقه قال وجئنا قتيبة بالرؤس فقال
جزاكم الله عن الدين والاعراض خيرا وأكرمني قتيبة من غير أن يكون باح
لي بشئ وقرن بي في الصلة والاكرام حيان العدوي وحليس الشيباني فظننت أنه
رأى منهما مثل الذي رأى منى وكسر ذلك أهل السغد فطلبوا الصلح وعرضوا
الفدية فأبى وقال أنا ثائر بدم طرخون كان مولاي وكان من أهل ذمتي قالوا حدث
عمرو بن مسلم عن أبيه قال أطال قتيبة المقام وثلمت الثلمة في سمرقند قال فنادى
مناد فصيح بالعربية يشتم قتيبة قال فقال عمرو بن أبي زهدم ونحن حول قتيبة فحين
سمعنا الشتم خرجنا مسرعين فمكثنا طويلا وهو ملح بالشتم فجئت إلى رواق قتيبة
فاطلعت فإذا قتيبة محتب بشملة يقول كالمناجي لنفسه حتى متى يا سمرقند يعشش
فيك الشيطان أما والله لئن أصبحت لا حاولن من أهلك أقصى غاية فانصرفت إلى
أصحابي فقلت كم من نفس أبية ستموت غدا منا ومنهم فأخبرتهم الخبر قال وأما
باهلة فيقولون سار قتيبة فجعل النهر يمين حتى ورد بخارى فاستنهضهم معه
وسار حتى إذا كان بمدينة أربنجن وهى التي تجلب منها اللبود الاربنجنية لقيهم
غوزك صاحب السغد في جمع عظيم من الترك وأهل الشاش وفرغانة فكانت بينهم
وقائع من غير مزاحفة كل ذلك يظهر المسلمون ويتحاجزون حتى قربوا من مدينة
سمرقند فتزاحفوا يومئذ فحمل الغد على المسلمين حملة حطموهم حتى جازوا عسكرهم
ثم كر المسلمون عليهم حتى ردوهم إلى عسكرهم وقتل الله من المشركين عددا كثيرا
ودخلوا مدينة سمرقند فصالحوهم قال وأخبرنا الباهليون عن حاتم بن أبي صغيرة
قال رأيت خيلا يومئذ تطاعن خيل المسلمين وقد أمر يومئذ قتيبة بسريره فأبرز
وقعد عليه وطاعنوهم حتى جازوا قتيبة وإنه لمحتب بسيفه ما حل حبوته وانطوت
253

مجنبتا المسلمين على الذين هزموا القلب فهزموهم حتى ردوهم إلى عسكرهم وقتل
من المشركين عدد كثير ودخلوا مدينة سمرقند فصالحوهم وصنع غوزك طعاما
ودعا قتيبة فأتاه في عدد من أصحابه فلما تغدى استوهب منه سمرقند فقال للملك
انتقل عنها فانتقل عنها وتلا قتيبة " وأنه أهلك عادا الأولى وثمود فما أبقى " قال وأخبرنا
أبو الذيال عن عمر بن عبد الله التميمي قال حدثني الذي سرحه قتيبة إلى الحجاج
بفتح سمرقند قال قدمت على الحجاج فوجهني إلى الشأم فقدمتها فدخلت مسجدها
فجلست قبل طلوع الشمس وإلى جنبي رجل ضرير فسألته عن شئ من أمر الشأم
فقال إنك لغريب قلت أجل قال من أي بلد أنت قلت من خراسان قال ما أقدمك فأخبرته
فقال والذي بعث محمدا بالحق ما افتتحتموها إلا غدرا وإنكم يا أهل خراسان الذين
تسلبون بنى أمية ملكهم وتنقضون دمشق حجرا حجرا قال وأخبرنا العلاء بن
جرير قال بلغني أن قتيبة لما فتح سمرقند وقف على جبلها فنظر إلى الناس متفرقين
في مروج السغد فتمثل قول طرفة:
وأرتع أقوام ولولا محلنا * بمخشية ردوا الجمال فقوضوا
قال وأخبرنا خالد بن الأصفح قال قال الكميت:
كانت سمرقند أحقابا يمانية * فاليوم تنسبها قيسية مضر
قال وقال أبو الحسن الجشمي فدعا قتيبة نهار بن توسعة حين صالح أهل السغد
فقال يا نهار أين قولك:
ألا ذهب الغزو المقرب للغنى * ومات الندى والجود بعد المهلب
أقاما بمرو الروذ رهن ضريحه * وقد غيبا عن كل شرق ومغرب
أفغزو هذا يا نهار قال لا هذا أحسن وأنا الذي أقول:
وما كان مذ كنا ولا كان قبلنا * ولا هو فيما بعد نا كابن مسلم
أعم لأهل الترك قتلا بسيفه * وأكثر فينا مقسما بعد مقسم
قال ثم ارتحل قتيبة راجعا إلى مرو واستخلف على سمرقند عبد الله بن مسلم
وخلف عنده جندا كثيفا وآلة من آلة الحرب كثيرة وقال لا تدعن مشركا يدخل
254

بابا من أبواب سمرقند إلا مختوم اليد وان جفت الطينة قبل أن يخرج فاقتله وإن
وجدت معه حديدة سكينا فما سواه فاقتله وإن أغلقت الباب ليلا فوجدت فيها
أحدا منهم فاقتله فقال كعب الأشقري ويقال رجل من جعفي:
كل يوم يحوى قتيبة نهبا * ويزيد الأموال مالا جديدا
باهلي قد ألبس التاج حتى * شاب منه مفارق كن سودا
دوخ السغد بالكتائب حتى * ترك السغد بالعراء قعودا
فوليد يبكى لفقد أبيه * وأب موجع يبكى الوليدا
كلما حل بلدة أو أتاها * تركت خيله بها أخدودا
قال وقال قتيبة هذا العداء لأعداء عيرين لأنه فتح خوارزم وسمرقند في عام
واحد وذلك أن الفارس إذا صرع في طلق واحد عيرين قيل عادى بين عيرين ثم
انصرف عن سمرقند فأقام بمرو وكان عامله على خوارزم إياس بن عبد الله بن عمرو
على حربها وكان ضعيفا وكان على خراجها عبيد الله بن أبي عبيد الله مولى بنى مسلم
قال فاستضعف أهل خوارزم إياسا وجمعوا له فكتب عبيد الله إلى قتيبة فبعث
قتيبة عبد الله بن مسلم في الشتاء عاملا وقال اضرب إياس بن عبد الله وحيان النبطي
مائة مائة واحلقهما وضم إليك عبيد الله بن أبي عبيد الله مولى بنى مسلم واسمع منه
فإن له وفاء فمضى حتى إذا كان من خوارزم على سكة فدس إلى إياس فأنذره
فتنحى وقدم فأخذ حيان فضربه مائة وحلقه قال ثم وجه قتيبة بعد عبد الله المغيرة
ابن عبد الله في الجنود إلى خوارزم فبلغهم ذلك فلما قدم المغيرة اعتزل أبناء الذين
قتلهم خوارزم شاه وقالوا لا نعينك فهرب إلى بلاد الترك وقدم المغيرة فسبى وقتل
وصالحه الباقون فأخذ الجزية وقدم على قتيبة فاستعمله على نيسابور (وفى هذه
السنة) عزل موسى بن نصير طارق بن زياد عن الأندلس ووجهه إلى مدينة طليطلة
ذكر الخبر عن ذلك
ذكر محمد بن عمر أن موسى بن نصير غضب على طارق في سنة 93 فشخص
إليه في رجب منها ومعه حبيب بن عقبة بن نافع الفهري واستخلف حين شخص
255

على إفريقية ابنه عبد الله بن موسى بن نصير وعبر موسى إلى طارق في عشرة آلاف
فتلقاه فترضاه فرضى عنه وقبل منه عذره ووجهه منها إلى مدينة طليطلة وهى من
عظام مدائن الأندلس وهى من قرطبة على عشرين يوما فأصاب فيها مائدة سليمان
ابن داود فيها من الذهب والجوهر ما الله أعلم به (قال) وفيها أجدب أهل إفريقية
جدبا شديدا فخرج موسى بن نصير فاستسقى ودعا يومئذ حتى انتصف النهار وخطب
الناس فلما أراد أن ينزل قيل له ألا تدعو لأمير المؤمنين قال ليس هذا يوم ذاك
فسقوا سقيا كفاهم حينا (وفيها) عزل عمر بن عبد العزيز عن المدينة
ذكر سبب عزل الوليد إياه عنها
وكان سبب ذلك فيما ذكر أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى الوليد يخبره بعسف
الحجاج أهل عمله بالعراق واعتدائه عليهم وظلمه لهم بغير حق ولا جناية وأن ذلك
بلغ الحجاج فاضطغنه على عمرو كتب إلى الوليد أن من قبلي من مراق أهل العراق
وأهل الشقاق قد جلوا عن العراق ولجأوا إلى المدينة ومكة وإن ذلك وهن
فكتب الوليد إلى الحجاج أن أشر على برجلين فكتب إليه يشير عليه بعثمان
ابن حيان وخالد بن عبد الله فولى خالدا مكة وعثمان المدينة وعزل عمر بن
عبد العزيز قال محمد بن عمر خرج عمر بن عبد العزيز من المدينة فأقام بالسويداء
وهو يقول لمزاحم أتخاف أن تكون ممن نفته طيبة (وفيها) ضرب عمر بن
عبد العزيز خبيب بن عبد الله بن الزبير بأمر الوليد إياه وصب على رأسه قربة
من ماء بارد (ذكر) محمد بن عمر أن أبا المليح حدثه عمن حضر عمر بن
عبد العزيز حين جلد خبيب بن عبد الله بن الزبير خمسين سوطا وصب على
رأسه قربة من ماء في يوم شات ووقفه على باب المسجد فمكث يومه ثم مات
(وحج بالناس في هذه السنة) عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك حدثني بذلك
أحمد بن ثابت عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر وكانت عمال
عمال الأمصار في هذه السنة عمالها في السنة التي قبلها إلا ما كان من المدينة فإن
العامل عليها كان عثمان بن حيان المري وليها فيما قيل في شعبان سنة 93 وأما الواقدي
256

فإنه قال قدم عثمان المدينة لليلتين بقيتا من شوال سنة 94 وقال بعضهم شخص عمر
ابن عبد العزيز عن المدينة معزولا في شعبان من سنة 93 وغزا فيها واستخلف
عليها حين شخص عنها أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري وقدم عثمان
ابن حيان المدينة لليلتين بقيتا من شوال
ثم دخلت سنة أربع وتسعين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك ما كان من غزوة العباس بن الوليد أرض الروم فقيل إنه فتح فيها
أنطاكية (وفيها) غزا فيما قيل عبد العزيز بن الوليد أرض الروم حتى بلغ غزالة
وبلغ الوليد بن هشام المعيطي أرض برج الحمام ويزيد بن أبي كبشة أرض سورية
(وفيها) كانت الرجفة بالشام (وفيها) افتتح القاسم بن محمد الثقفي أرض الهند
(وفيها) غزا قتيبة شاش وفرغانة حتى بلغ خجندة وكاشان مدينتي فرغانة
ذكر الخبر عن غزوة قتيبة هذه
ذكر علي بن محمد أن أبا الفوارس التميمي أخبره عن ماهان ويونس بن أبي
إسحاق أن قتيبة غزا سنة 94 فلما قطع النهر فرض على أهل بخارى وكس
ونسف وخوارزم عشرين ألف مقاتل قال فساروا معه إلى السغد فوجهوا إلى
الشاش وتوجه هو إلى فرغانة وسار حتى أتى خجندة فجمع له أهلها فلقوه فاقتتلوا
مررارا كل ذلك يكون الظفر للمسلمين ففرغ الناس يوما فركبوا خيولهم فأوفى
رجل على نشر فقال تالله ما رأيت كاليوم غرة لو كان هيج اليوم ونحن على ما أرى
من الانتشار لكانت الفضيحة فقال له رجل إلى جنبه كلا نحن كما قال عوف بن الخرع
نؤم البلاد لحب اللقا * ولا نتقى طائرا حيث طارا
سنيحا ولا جاريا بارحا * على كل حال نلاقي اليسارا
وقال سحبان وائل يذكر قتالهم بخجندة
فسل الفوارس في خجندة * تحت مرهفة العوالي
257

هل كنت أجمعهم إذا * هزموا وأقدم في قتالي
أم كنت أضرب هامة * العاتي وأصبر للعوالي
هذا وأنت قريع قيس * كلها ضخم النوال
وفضلت قيسا في الندى * وأبوك في الحجج الخوالي
ولقد تبين عدل حكمك * فيهم في كل مال
تمت مروأتكم ونا * غي عزكم غلب الجبال
قال ثم أتى قتيبة كاشان مدينة فرغانة وأتاه الجنود الذين وجههم إلى الشاش
وقد فتحوها وحرقوا أكثرها وانصرف قتيبة إلى مرو وكتب الحجاج إلى محمد
ابن القاسم الثقفي أن وجه من قبلك من أهل العراق إلى قتيبة ووجه إليهم جهم
ابن زحر بن قيس فإنه في أهل العراق خير منه في أهل الشأم وكان محمد وادا لجهم
ابن زحر فبعث سليمان بن صعصعة وجهم بن زحر فلما ودعه جهم بكى وقال
يا جهم إنه للفراق قال لا بد منه قال وقدم على قتيبة سنة 95 (وفى هذه السنة)
قدم عثمان بن حيان المري المدينة واليا عليها من قبل الوليد بن عبد الملك
ذكر الخبر عن ولايته
قد ذكرنا قبل سبب عزل الوليد عمر بن عبد العزيز عن المدينة ومكة وتأميره
على المدينة عثمان بن حيان فزعم محمد بن عمر أن عثمان قدم المدينة أميرا عليها لليلتين
بقيتا من شوال سنة 94 فنزل بها دار مروان وهو يقول محلة والله مظعان المغرور
من غر بك فاستقضى أبا بكر بن حزم قال محمد بن عمر حدثني محمد بن عبد الله بن أبي
حرة عن عمه قال رأيت عثمان بن حيان أخذ رياح بن عبيد الله ومنقذ العراقي
فحبسهم وعاقبهم ثم بعث بهم في جوامع إلى الحجاج بن يوسف ولم يترك بالمدينة
أحدا من أهل العراق تاجرا ولا غير تاجر وأمر بهم أن يخرجوا من كل بلد
فرأيتهم في الجوامع واتبع أهل الأهواء وأخذ هيصما فقطعه ومنحورا وكانا من
الخوارج قال وسمعته يخطب على المنبر يقول بعد حمد الله أيها الناس إنا وجدناكم
أهل غش لأمير المؤمنين في قديم الدهر وحديثه وقد ضوي إليكم من يزيدكم خبالا
258

أهل العراق هم أهل الشقاق والنفاق هم والله عش النفاق وبيضته التي تفلقت
عنه والله ما جربت عراقيا قط إلا وجدت أفضلهم عند نفسه الذي يقول في آل أبي
طالب ما يقول وما هم لهم بشيعة وإنهم لا عداء لهم ولغيرهم ولكن لما يريد الله
من سفك دمائهم فإني والله لا أوتى بأحد آوى أحدا منهم أو أكراه منزلا ولا
أنزله إلا هدمت منزله وأنزلت به ما هو أهله ثم إن البلدان لما مصرها عمر بن الخطاب
وهو مجتهد على ما يصلح رعيته جعل يمر عليه من يريد الجهاد فيستشيره الشأم أحب إليك
أم العراق فيقول الشأم أحب إلى إني رأيت العراق داء عضالا وبها فرخ الشيطان والله
لقد أعضلوا بي وإني لأراني سأفرقهم في البلدان ثم أقول لو فرقتهم لأفسدوا من
دخلوا عليه بجدل وحجاج وكيف ولم وسرعة وجيف في الفتنة فإذا خبروا عند
السيوف لم يخبر منهم طائل لم يصلحوا على عثمان فلقى منهم الامرين وكانوا أول الناس
فتق هذا الفتق العظيم ونقضوا عرى الاسلام عروة عروة وأنغلوا البلدان والله
إني لاتقرب إلى الله بكل ما أفعل بهم لما أعرف من رأيهم ومذاهبهم ثم وليهم
أمير المؤمنين معاوية فدامجهم فلم يصلحوا عليه ووليهم رجل الناس جلدا فبسط
عليهم السيف وأخافهم فاستقاموا له أحبوا أو كرهوا وذلك أنه خبرهم وعرفهم
أيها الناس إنا والله ما رأينا شعارا قط مثل الامن ولا رأينا حلسا قط شرا من
الخوف فالزموا الطاعة فإن عندي يا أهل المدينة خبرة من الخلاف والله ما أنتم
بأصحاب قتال فكونوا من أحلاس بيوتكم وعضوا على النواجذ فإني قد بعثت
في مجالسكم من يسمع فيبلغني عنكم انكم في فضول كلام غيره ألزم لكم فدعوا
عيب الولاة فإن الامر إنما ينقض شيئا شيئا حتى تكون الفتنة وإن الفتنة من
البلاء والفتن تذهب بالدين وبالمال والولد قال يقول القاسم بن محمد صدق في
كلامه هذا الأخير إن الفتنة لهكذا * قال محمد بن عمر وحدثني خالد بن القاسم
عن سعيد بن عمرو الأنصاري قال رأيت منادى عثمان بن حيان ينادى عندنا
يا بنى أمية بن زيد برئت ذمة الله ممن آوى عراقيا وكان عندنا رجل من أهل
البصرة له فضل يقال له أبو سوادة من العباد فقال والله ما أحب أن أدخل عليكم
259

مكروها بلغوني مأمني قلت لا خير لك في الخروج إن الله يدفع عنا وعنك قال
فأدخلته بيتي وبلغ عثمان بن حيان فبعث أحراسا فأخرجته إلى بيت أخي فما
قدروا على شئ وكان الذي سعى بي عدوا فقلت للأمير أصلح الله الأمير يؤتى
بالباطل فلا تعاقب عليه قال فضرب الذي سعى بي عشرين سوطا وأخرجنا
العراقي فكان يصلى معنا ما يغيب يوما واحدا وحدب عليه أهل دارنا فقالوا
نموت دونك فما برح حتى عزل الخبيث * قال محمد بن عمر وحدثنا عبد الحكم بن
عبد الله بن أبي فروة قال إنما بعث الوليد عثمان بن حيان إلى المدينة لاخراج من
بها من العراقيين وتفريق أهل الأهواء ومن ظهر عليهم أو علا بأمرهم فلم يبعثه
واليا فكان لا يصعد المنبر ولا يخطب عليه فلما فعل في أهل العراق ما فعل
وفى منحور وغيره أثبته على المدينة فكان يصعد على المنبر (وفى هذه السنة) قتل
الحجاج سعيد بن جبير
ذكر الخبر عن مقتله
وكان سبب قتل الحجاج إياه خروجه عليه مع من خرج عليه مع عبد الرحمن
ابن محمد بن الأشعث وكان الحجاج جعله على عطاء الجند حين وجه عبد الرحمن
إلى رتبيل لقتاله فلما خلع عبد الرحمن الحجاج كان سعيد فيمن خلعه معه فلما هزم
عبد الرحمن وهرب إلى بلاد رتبيل هرب سعيد * فحدثنا أبو كريب قال حدثنا
أبو بكر بن عياش قال كتب الحجاج إلى فلان وكان على أصبهان وكان سعيد قال
الطبري أظنن لما هرب من الحجاج ذهب إلى أصبهان فكتب إليه أن سعيدا
عندك فخذه فجاء الامر إلى رجل تحرج فأرسل إلى سعيد تحول عنى فتنحى عنه
فأتى آذربيجان فلم يزل بآذربيجان فطال عليه السنون واعتمر فخرج إلى مكة
فأقام بها فكان أناس من ضربه يستخفون فلا يخبرون بأسمائهم قال فقال أبو حصين
وهو بحدثنا هذا فبلغنا أن فلانا قد أمر على مكة فقلت له يا سعيد إن هذا الرجل
لا يؤمن وهو رجل سوء وأنا أتقيه عليك فأظعن وأشخص فقال يا أبا حصين قد
والله فررت حتى استحييت من الله سيجيئني ما كتب الله لي قلت أظنك والله
260

سعيدا كما سمتك أمك قال فقدم ذلك الرجل إلى مكة فأرسل فأخذ فلان له وكلمه
فجعل يدبره وذكر أبو عاصم عن عمر بن قيس قال كتب الحجاج إلى الوليد إن
أهل النفاق والشقاق قد لجؤا إلى مكة فإن رأى أمير المؤمنين ان يأذن لي فيهم
فكتب الوليد إلى خالد بن عبد الله القسري فأخذ عطاء وسعيد بن جبير ومجاهد
وطلق بن حبيب وعمرو بن دينار فأما عمرو بن دينار وعطاء فأرسلا لأنهما
مكيان وأما الآخرون فبعث بهم إلى الحجاج فمات طلق في الطريق وحبس
مجاهد حتى مات الحجاج وقتل سعيد بن جبير * حدثنا أبو كريب قال حدثنا
أبو بكر قال حدثنا الأشجعي قال لما أقبل الحرسيان بسعيد بن جبير نزل منزلا
قريبا من الربذة فانطلق أحد الحرسيين في حاجته وبقى الآخر فاستيقظ الذي
عنده وقد رأى رؤيا فقال يا سعيد إني أبرأ إلى الله من دمك إني رأيت في منامي
فقيل ويلك تبرأ من دم سعيد بن جبير اذهب حيث شئت لا أطلبك أبدا فقال
سعيد أرجو العافية وأرجو وأبى حتى جاء ذاك فنزلا من الغد فأرى مثلها فقيل
أبرأ من دم سعيد فقال يا سعيد اذهب حيث شئت إني أبرأ إلى الله من دمك حتى
جاء به فلما جاء به إلى داره التي كان فيها سعيد وهى دارهم هذه * حدثنا أبو كريب
قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا يزيد بن أبي زياد مولى بني هاشم قال دخلت عليه
في دار سعيد هذه جئ به مقيدا فدخل عليه قراء أهل الكوفة قلت يا أبا عبد الله
فحدثكم قال أي والله ويضحك وهو يحدثنا وبنية له في حجره فنظرت نظرة
فأبصرت القيد فبكت فسمعته يقول أي بنية لا تطيري إياك وشق والله عليه فاتبعناه
نشيعه فانتهينا به إلى الجسر فقال الحرسيان لا نعبر به أبدا حتى يعطينا كفيلا نخاف
أن يغرق نفسه قال قلنا سعيد يغرق نفسه فما عبروا حتى كفلنا به * قال وهب بن
جرير حدثنا أبي قال سمعت الفضل بن سويد قال بعثني الحجاج في حاجة فجئ
بسعيد بن جبير فرجعت فقلت لأنظرن ما يصنع فقمت على رأس الحجاج فقال له
الحجاج يا سعيد ألم أشركك في أمانتي ألم أستعملك ألم أفعل حتى ظننت أنه يخلى سبيله
قال بلى قال فما حملك على خروجك على قال عزم على قال فطار غضبا وقال هيه رأيت
261

لعزمة عدو الرحمن عليك حقا ولم تر لله ولا لأمير المؤمنين ولا لي عليك حقا اضربا
عنقه فضربت عنقه فندر رأسه عليه كمة بيضاء لاطية صغيرة * وحدثت عن أبي
غسان مالك بن إسماعيل قال سمعت خلف بن خليفة يذكر عن رجل قال لما
قتل سعيد بن جبير فندر رأسه هلل ثلاثا مرة يفصح بها وفي الثنتين يقول مثل
ذلك فلا يفصح بها * وذكر أبو بكرة الباهلي قال سمعت أنس بن أبي شيخ يقول لما
أتى الحجاج بسعيد بن جبير قال لعن الله ابن النصرانية قال يعنى خالد القسري وهو الذي
أرسل به من مكة أما كنت أعرف مكانه بلى والله والبيت الذي هو فيه بمكة ثم
أقبل عليه فقال يا سعيد ما أخرجك على فقال أصلح الله الأمير إنما أنا امرؤ من
المسلمين يخطئ مرة ويصيب مرة قال فطابت نفس الحجاج وتطلق وجهه ورجا
أن يتخلص من أمره قال فعاوده في شئ فقال له إنما كانت له بيعة في عنقي قال
فغضب وانتفخ حتى سقط أحد طرفي ردائه عن منكبه فقال يا سعيد ألم أقدم مكة
فقتلت ابن الزبير ثم أخذت بيعة أهلها وأخذت بيعتك لأمير المؤمنين عبد الملك
قال بلى قال ثم قدمت الكوفة واليا على العراق فجددت لأمير المؤمنين البيعة
فأخذت بيعتك له ثانية قال بلى قال فتنكث بيعتين لأمير المؤمنين وتفي بواحدة
للحائك ابن الحائك اضربا عنقه قال فإياه عنى جرير بقوله
يا رب ناكث بيعتين تركته * وخضاب لحيته دم الأوداج
وذكر عتاب بن بشر عن سالم الأفطس قال أتى الحجاج بسعيد بن جبير وهو
يريد الركوب وقد وضع إحدى رجليه في الغرز أو الركاب فقال والله لا أركب
حتى تبوء مقعدك من النار اضربوا عنقه فضربت فالتبس عقله مكانه فجعل
يقول قيودنا قيودنا فظنوا أنه قال القيود التي على سعيد بن جبير فقطعوا رجليه
من أنصاف ساقيه وأخذوا القيود * قال محمد بن حاتم حدثنا عبد الملك بن عبد الله
عن هلال بن جناب قال جئ بسعيد بن جبير إلى الحجاج فقال أكتبت إلى مصعب
ابن الزبير قال بل كتب إلى مصعب قال والله لأقتلنك قال إني إذا لسعيد كما سمتني
أمي قال فقتله فلم يلبث بعده إلا نحوا من أربعين يوما فكان إذا نام يراه في منامه
262

يأخذ بمجامع ثوبه فيقول يا عدو الله فيم قتلتني فيقول مالي ولسعيد بن جبير مالي
ولسعيد بن جبير (قال أبو جعفر) وكان يقال لهذه السنة سنة الفقهاء مات فيها
عامة فقهاء أهل المدينة مات في أولها علي بن الحسين عليه السلام ثم عروة بن
الزبير ثم سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام (واستقصى)
الوليد في هذه السنة بالشام سليمان بن حبيب واختلف فيمن أقام الحج للناس في
هذه السنة فقال أبو معشر فيما حدثني أحمد بن ثابت عمن ذكره عن إسحاق بن
عيسى عنه قال حج بالناس مسلمة بن عبد الملك سنة 94 وقال الواقدي حج بالناس
سنة 94 عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك قال ويقال مسلمة بن عبد الملك وكان
العامل فيها على مكة خالد بن عبد الله القسري وعلى المدينة عثمان بن حيان المري
وعلى الكوفة زياد بن جرير وعلى قضائها أبو بكر بن أبي موسى وعلى البصرة
الجراح بن عبد الله وعلى قضائها عبد الرحمن بن أذينة وعلى خراسان قتيبة بن مسلم
وعلى مصر قرة بن شريك وكان العراق والمشرق كله إلى الحجاج
ثم دخلت سنة خمس وتسعين
ذكر الاحداث التي كانت فيها
(ففيها) كانت غزوة العباس بن الوليد بن عبد الملك أرض الرم ففتح الله
على يديه ثلاثة حصون فيما قيل وهى طولس والمرزبانين وهر قلة (وفيها) فتح
آخر الهند إلا الكيرج والمندل (وفيها) بنيت واسط القصب في شهر رمضان
(وفيها) انصرف موسى بن نصير إلى إفريقية من الأندلس وضحى بقصر الماء
فيما قيل على ميل من القيروان (وفيها) غزا قتيبة بن مسلم الشاش
ذكر الخبر عن غزوته هذه
(رجع الحديث) إلى حديث علي بن محمد قال وبعث الحجاج جيشا من العراق
فقدموا على قتيبة سنة 95 فغزا فلما كان بالشاش أو بكشماهن أتاه موت الحجاج في
شوال فغمه ذلك وقفل راجعا إلى مرو وتمثل
263

لعمري لنعم المرء من آل جعفر * بحوران أمسئ اعلقته الحبائل
فإن تحى لا أملل حياتي وإن تمت * فما في حياة بعد موتك طائل
قال فرجع بالناس ففرقهم فخلف في بخارى قوما ووجه قوما إلى كس ونسف ثم
أتى مرو فأقام بها وأتاه كتاب الوليد قد عرف أمير المؤمنين بلاءك وجدك في
جهاد أعداء المسلمين وأمير المؤمنين رافعك وصانع بك كالذي يجب لك فالمم مغازيك
وانتظر ثواب ربك ولا تغيب عن أمير المؤمنين كتبك حتى كأني أنظر إلى بلادك
والثغر الذي أنت به (وفيها) مات الحجاج بن يوسف في شوال وهو يومئذ
ابن أربع وخمسين سنة وقيل ابن ثلاث وخمسين سنة وقيل كانت وفاته في هذه
السنة لخمس ليال بقين من شهر رمضان (وفيها) استخلف الحجاج لما حضرته
الوفاة على الصلاة ابنه عبد الله بن الحجاج وكانت إمرة الحجاج على العراق فيما
قال الواقدي عشرين سنة (وفى هذه السنة) افتتح العباس بن الوليد قنسرين
(وفيها) قتل الوضاحي بأرض الروم ونحو من ألف رجل معه (وفيها) ذكر
ولد المنصور عبد الله بن محمد بن علي (وفيها) ولى الوليد بن عبد الملك يزيد
ابن أبي كبشة على الحرب والصلاة بالمصرين الكوفة والبصرة وولى خراجهما
يزيد بن أبي مسلم وقيل إن الحجاج كان استخلف حين حضرته الوفاة على حرب
البلدين والصلاة بأهلهما يزيد بن أبي كبشة وعلى خراجهما يزيد بن أبي مسلم
فأقرهما الوليد بعد موت الحجاج على ما كان الحجاج استخلفهما عليه وكذلك
فعل بعمال الحجاج كلهم أقرهم بعده على أعمالهم التي كانوا عليها في حياته (وحج)
بالناس في هذه السنة بشر بن الوليد بن عبد الملك حدثني بذلك أحمد بن ثابت
عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر وكذلك قال الواقدي وكان عمال
الأمصار في هذه السنة هم العمال الذي كانوا في السنة التي قبلها إلا ما كان من
الكوفة والبصرة فإنهما ضمتا إلى من ذكرت بعد موت الحجاج
264

ثم دخلت سنة ست وتسعين
ذكر الاحداث التي كانت فيها
(ففيها) كانت فيما قال الواقدي غزوة بشر بن الوليد الشاتية فقفل وقد
مات الوليد (وفيها) كانت وفاة الوليد بن عبد الملك يوم السبت في النصف
من جمادى الآخرة سنة 96 في قول جميع أهل السير واختلف في قدر مدة خلافته
فقال الزهري في ذلك ما حدثت عن ابن وهب عن يونس عنه ملك الوليد
عشر سنين إلا شهرا وقال أبو معشر فيه ما حدثني أحمد بن ثابت عمن ذكره عن
إسحاق بن عيسى عنه كانت خلافة الوليد تسع سنين وسبعة أشهر (وقال هشام)
ابن محمد كانت ولاية الوليد ثمان سنين وستة أشهر وقال الواقدي كانت خلافته
تسع سنين وثمانية أشهر وليلتين واختلف أيضا في مبلغ عمره فقال محمد بن عمر
توفى بدمشق وهو ابن ست وأربعين سنة وأشهر وقال هشام بن محمد توفى وهو
ابن خمس وأربعين سنة وقال علي بن محمد توفى وهو ابن اثنتين وأربعين سنة
وأشهر وقال على كانت وفاة الوليد بدير مران ودفن خارج باب الصغير ويقال
في مقابر الفراديس ويقال إنه توفى وهو ابن سبع وأربعين سنة وقيل صلى عليه
عمر بن عبد العزيز وكان له فيما قال على تسعة عشرا بنا عبد العزيز ومحمد والعباس
وإبراهيم وتمام وخالد وعبد الرحمن ومبشر ومسرور وأبو عبيدة وصدقة
ومنصور ومروان وعنبسة وعمر وروح وبشر ويزيد ويحيى وأم عبد العزيز ومحمد
وأم البنين بنت عبد العزيز بن مروان وأم أبى عبيدة فزارية وسائرهم لأمهات شتى
ذكر الخبر عن بعض سيره
* حدثني عمر قال حدثني على قال كان الوليد بن عبد الملك عند أهل الشأم
أفضل خلائفهم بنى المساجد مسجد دمشق ومسجد المدينة ووضع المنار وأعطى
الناس وأعطى المجذمين وقال لا تسألوا الناس وأعطى كل مقعد خادما
وكل ضرير قائدا وفتح في ولايته فتوح عظام فتح موسى بن نصير الأندلس
265

وفتح قتيبة كاشغر وفتح محمد بن القاسم الهند قال وكان الوليد يمر بالبقال
فيقف عليه فيأخذ حزمة البقل فيقول بكم هذه فيقول بفلس فيقول زد فيها قال
وأتاه رجل من بنى مخزوم يسأله في دينه فقال نعم إن كنت مستحقا لذلك قال
يا أمير المؤمنين وكيف لا أكون مستحقا لذلك مع قرابتي قال أقرأت القرآن قال
لا قال ادن منى فدنا منه فنزع عمامته بقضيب كان في يده وقرعه قرعات بالقضيب وقال
لرجل ضم هذا إليك فلا يفارقك حتى يقرأ القرآن فقام إليه عثمان بن
يزيد بن خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد فقال يا أمير المؤمنين إن على دينا فقال
أقرأت القرآن قال نعم فاستقرأه عشر آيات من الأنفال وعشر آيات من براءة
فقرأ فقال نعم نقضي عنكم ونصل أرحامكم على هذا قال ومرض الوليد فرهقته
غشية فمكث عامة يومه عندهم ميتا فبكى عليه وخرجت البرد بموته فقدم رسول
على الحجاج فاسترجع ثم أمر بحبل فشد في يديه ثم أوثق إلى أسطوانة وقال اللهم
لا تسلط على من لا رحمة له فقد طال ما سألتك أن تجعل منيتي قبل منيته وجعل
يدعو فإنه لكذلك إذ قدم عليه بريد بإفاقته قال على ولما أفاق الوليد قال ما أحد
أسر بعافية أمير المؤمنين من الحجاج فقال عمر بن عبد العزيز ما أعظم نعمة الله
علينا بعافيتك وكأني بكتاب الحجاج قد أتاك يذكر فيه أنه لما بلغه برؤك خر الله
ساجدا وأعتق كل مملوك له وبعث بقوارير من أنبج الهند فما لبث إلا أياما حتى
جاء الكتاب بما قال قام ثم لم يمت الحجاج حتى ثقل على الوليد فقال خادم
للوليد إني لأوضئ الوليد يوما للغداء فمد يده فجعلت أصب عليه الماء وهو ساه
والماء يسيل ولا أستطيع أن أتكلم ثم نضح الماء في وجهي وقال أناعس أنت
ورفع رأسه إلى وقال ما تدرى ما جاء الليلة قلت لا قال ويحك مات الحجاج
فاسترجعت قال اسكت ما يسر مولاك أن في يده تفاحة يشمها قال على وكان
الوليد صاحب بناء واتخاذ المصانع والضياع وكان الناس يلتقون في زمانه فإنما
يسأل بعضهم بعضا عن البناء والمصانع فولى سليمان فكان صاحب نكاح وطعام
فكان الناس يسأل بعضهم بعضا عن التزويج والجواري * فلما ولى عمر بن
266

عبد العزيز كانوا يلتقون فيقول الرجل للرجل ما وردك الليلة وكم تحفظ من القرآن
ومتى تختم ومتى ختمت وما تصوم من الشهر ورثى جرير الوليد فقال
يا عين جودي بدمع هاجه الذكر * فما لدمعك بعد اليوم مدخر
إن الخليفة قد وارت شمائله * غبراء ملحدة في جولها زور
أضحى بنوه وقد جلت مصيبتهم * مثل النجوم هوى من بينها القمر
كانوا جميعا فلم يدفع منيته * عبد العزيز ولا روح ولا عمر
* حدثني عمر قال حدثنا على قال حج الوليد بن عبد الملك وحج محمد بن
يوسف من اليمن وحمل هدايا للوليد فقالت أم البنين للوليد يا أمير المؤمنين اجعل
لي هدية محمد بن يوسف فأمر بصرفها إليها فجاءت رسل أم البنين إلى محمد فيها
فأبى وقال حتى ينظر إليها أمير المؤمنين فيرى رأيه وكانت هدايا كثيرة فقالت
يا أمير المؤمنين إنك أمرت بهدايا محمد أن تصرف إلى ولا حاجة لي بها قال ولم
قالت بلغني أنه غصبها الناس وكلفهم عملها وظلمهم وحمل محمد المتاع إلى الوليد
فقال بلغني أنك أصبتها غصبا قال معاذ الله فأمر فاستحلف بين الركن والمقام
خمسين يمينا بالله ما غصب شيئا منها ولا ظلم أحدا ولا أصابها إلا من طيب فحلف فقبلها
الوليد ودفعها إلى أم البنين فمات محمد بن يوسف باليمن أصابه داء تقطع منه
(وفى هذه السنة) كان الوليد أراد الشخوص إلى أخيه سليمان لخلعه وأراد البيعة
لابنه من بعده وذلك قبل مرضته التي مات فيها * حدثني عمر قال حدثنا على
قال كان الوليد وسليمان وليي عهد عبد الملك فلما أفضى الامر إلى الوليد أراد
أن يبايع لابنه عبد العزيز ويخلع سليمان فأبى سليمان فأراده على أن يجعله له من
بعده فأبى فعرض عليه أموالا كثيرة فأبى فكتب إلى عماله أن يبايعوا لعبد العزيز
ودعا الناس إلى ذلك فلم يجبه أحد إلا الحجاج وقتيبة وخواص من الناس فقال
عباد بن زياد إن الناس لا يجيبونك إلى هذا ولو أجابوك لم آمنهم على الغدر بابنك
فاكتب إلى سليمان فليقدم عليك فان لك عليه طاعة فأرده على البيعة لعبد العزيز
من بعده فإنه لا يقدر على الامتناع وهو عندك فان أبى كان الناس عليه فكتب
267

الوليد إلى سليمان يأمره بالقدوم فأبطأ فاعتزم الوليد على المسير إليه وعلى أن يخلعه
فأمر الناس بالتأهب وأمر بحجره فأخرجت فمرض ومات قبل أن يسير وهو
يريد ذلك قال عمر قال على وأخبرنا أبو عاصم الزيادي من الهلواث الكلبي قال
كنا بالهند مع محمد بن القاسم فقتل الله داهرا وجاءنا كتاب من الحجاج أن اخلعوا
سليمان فلما ولى سليمان جاءنا كتاب سليمان أن ازرعوا واحرثوا فلا شأم لكم فلم
نزل بتلك البلاد حتى قام عمر بن عبد العزيز فأقفلنا قال عمر قال على أراد الوليد
أن يبنى مسجد دمشق وكانت فيه كنيسة فقال الوليد لأصحابه أقسمت عليكم لما
أتاني كل رجل منكم بلبنة فجعل كل رجل يأتيه بلبنة ورجل من أهل العراق يأتيه
بلبنتين فقال له ممن أنت قال من أهل العراق قال يا أهل العراق تفرطون في كل
شئ حتى في الطاعة وهدموا الكنيسة وبناها مسجدا فلما ولى عمر بن عبد العزيز
شكوا ذلك إليه فقيل إن كل ما كان خارجا من المدينة افتتح عنوة فقال لهم عمر نرد
عليكم كنيستكم ونهدم كنيسة توما فإنها فتحت عنوة ونبنيها مسجدا فلما قال لهم ذلك
قالوا بل ندع لكم هذا الذي هدمه الوليد ودعوا لنا كنيسة توما ففعل عمر ذلك
(وفى هذه السنة) افتتح قتيبة بن مسلم كاشغر وغزا الصين
ذكر الخبر عن ذلك
(رجع الحديث) إلى حديث علي بن محمد بالاسناد الذي ذكرت قبل قال ثم
غزا قتيبة في سنة 96 وحمل مع الناس عيالهم وهو يريد أن يحرز عياله في سمرقند
خوفا من سليمان فلما عبر النهر استعمل رجلا من مواليه يقال له الخوارزمي على
مقطع النهر وقال لا يجوزن أحد إلا بجواز ومضى إلى فرغانة وأرسل إلى شعب عصام
من يسهل له الطريق إلى كاشغر وهى أدنى مدائن الصين فأتاه موت الوليد وهو
بفرغانة قال فأخبرنا أبو الذيال عن المهلب بن إياس قال قال إياس بن زهير لما
عبر قتيبة النهر أتيته فقلت له إنك خرجت ولم أعلم رأيك في العيال فنأخذ أهبة
ذلك وبنى الأكابر معي ولى عيال قد خلفتهم وأم عجوز وليس عندهم من يقوم
بأمرهم فإن رأيت أن تكتب لي كتابا مع بعض بنى أوجهه فيقدم على بأهلي فكتب
268

فأعطاني الكتاب فانتهيت إلى النهر وصاحب النهر من الجانب الآخر فألويت
بيدي فجاء قوم في سفينة فقالوا من أنت وأين جوازك فأخبرتهم فقعد معي قوم
ورد قوم السفينة إلى العامل فاخبروه قال ثم رجعوا إلى فحملوني فانتهيت إليهم وهم
يأكلون وأنا جائع فرميت بنفسي فسألني عن الامر وأنا آكل لا أجيبه فقال
هذا أعرابي قد مات من الجوع ثم ركبت فمضيت فأتيت مرو فحملت أمي ورجعت
أريد العسكر وجاءنا موت الوليد فانصرفت إلى مرو قال وأخبرنا أبو مخنف عن
أبيه قال بعث قتيبة كثيرا بن فلان إلى كاشغر فسبى منها سبيا فختم أعناقهم مما أفاء الله
على قتيبة ثم رجع قتيبة وجاءهم موت الوليد قال وأخبرنا يحيى بن زكرياء الهمداني
عن أشياخ من أهل خراسان والحكم بن عثمان قال حدثني شيخ من أهل خراسان
قال وغل قتيبة حتى قرب من الصين قال فكتب إليه ملك الصين أن ابعث إلينا
رجلا من أشراف من معكم يخبرنا عنكم ونسائله عن دينكم فانتخب قتيبة من
عسكره اثنى عشر رجلا وقال بعضهم عشرة من أفناء القبائل لهم جمال وأجسام
وألسن وشعور وبأس بعد ما سأل عنهم فوجدهم من صالح من هم منه فكلمهم
قتيبة وفاطنهم فرأى عقولا وجمالا فأمر لهم بعدة حسنة من السلاح والمتاع الجيد
من الخزوز والوشى واللين من البياض والرقيق والنعال والعطر وحملهم على
خيول مطهمة تقاد معهم ودواب يركبونها قال وكان هبيرة بن المشمرج الكلابي
مفوها بسيط اللسان فقال يا هبيرة كيف أنت صانع قال أصلح الله الأمير قد
كفيت الأدب وقل ما شئت أقله وآخذ به قال سيروا على بركة الله وبالله التوفيق
لا تضعوا العمائم عنكم حتى تقدموا البلاد فإذا دخلتم عليه فأعلموه أنى قد حلفت
أن لا أنصرف حتى أطأ بلادهم وأختم ملوكهم وأجبى خراجهم قال فساروا
وعليهم هبيرة بن المشمرج فلما قدموا أرسل إليهم ملك الصين يدعوهم فدخلوا
الحمام ثم خرجوا فلبسوا ثيابا بياضا تحتها الغلائل ثم مسوا الغالية وتدخنوا
ولبسوا النعال والأردية ودخلوا عليه وعنده عظماء أهل مملكته فجلسوا فلم
يكلمهم الملك ولا أحد من جلسائه فنهضوا فقال الملك لمن حضره كيف رأيتم
269

هؤلاء قالوا رأينا قوما ما هم إلا نساء ما بقى منا أحد حين رآهم ووجد رائحتهم
إلا انتشر ما عنده قال فلما كان الغد أرسل إليهم فلبسوا الوشى وعمائم الخز
والمطارف وغدوا عليه فلما دخلوا عليه قيل لهم ارجعوا فقال لأصحابه كيف
رأيتم هذه الهيئة قالوا هذه الهيئة أشبه بهيئة الرجال من تلك الأولى وهم أولئك
فلما كان اليوم الثالث أرسل إليهم فشدوا عليهم سلاحهم ولبسوا البيض والمغافر
وتقلدوا السيوف وأخذوا الرماح وتنكبوا القسي وركبوا خيولهم وغدوا فنظر
إليهم صاحب الصين فرأى أمثال الجبال مقبلة فلما دنوا ركزوا رماحهم ثم أقبلوا
نحوهم مشمرين فقيل لهم قبل أن يدخلوا ارجعوا لما دخل قلوبهم من خوفهم قال
فانصرفوا فركبوا خيولهم واختلجوا رماحهم ثم دفعوا خيولهم كأنهم يتطاردون
بها فقال الملك لأصحابه كيف ترونهم قالوا ما رأينا مثل هؤلاء قط فلما أمسى أرسل
إليهم الملك أن ابعثوا إلى زعيمكم وأفضلكم رجلا فبعثوا إليه هبيرة فقال له حين
دخل عليه قد رأيتم عظيم ملكي وإنه ليس أحد يمنعكم منى وأنتم في بلادي وإنما
أنتم بمنزلة البيضة في كفى وأنا سائلك عن أمر فإن لم تصدقني قتلتكم قال سل قال
لم صنعتم ما صنعتم من الزي في اليوم الأول والثاني والثالث قال أما زينا الأول
فلباسنا في أهالينا وريحنا عندهم وأما يومنا الثاني فإذا أتينا أمراءنا وأما اليوم
الثالث فزينا لعدونا فإذا هاجنا هيج وفزع كنا هكذا قال ما أحسن ما دبرتم دهركم
فانصرفوا إلى صاحبكم فقولوا له ينصرف فانى قد عرفت حرصه وقلة أصحابه وإلا
بعثت عليكم من يهلككم ويهلكه قال له كيف يكون قليل الأصحاب من أول خيله
في بلادك وآخرها في منابت الزيتون وكيف يكون حريصا من خلف الدنيا
قادرا عليها وغزاك وأما تخويفك إيانا بالقتل فإن لنا آجالا إذا حضرت فأكرمها
القتل فلسنا نكرهه ولا نخافه قال فما الذي يرضى صاحبك قال إنه قد حلف أن
لا ينصرف حتى يطأ أرضكم ويختم ملوككم ويعطى الجزية قال فإنا نخرجه من
يمينه نبعث إليه بتراب من تراب أرضنا فيطأه ونبعث ببعض أبنائنا فيختمهم
ونبعث إليه بجزية يرضاها قال فدعا بصحاف من ذهب فيها تراب وبعث بحرير
270

وذهب وأربعة غلمان من أبناء ملوكهم ثم أجازهم فأحسن جوائزهم فساروا فقدموا
بما بعث به فقبل قتيبة الجزية وختم الغلمة وردهم ووطئ التراب فقال سوادة
ابن عبد الله السلولي
لا عيب في الوفد الذين بعثتهم * للصين إن سلكوا طريق المنهج
كسروا الجفون على القذى خوف الردى * حاشى الكريم هبيرة بن مشمرج
لم يرض غير الختم في أعناقهم * ورهائن دفعت بجمل سمرج
أدى رسالتك التي استرعيته * وأتاك من حنث اليمين بمخرج
قال فأوفد قتيبة هبيرة إلى الوليد فمات بقرية من فارس فرثاه سوادة فقال
لله قبر هبيرة بن مشمرج * ما ذا تضمن من ندى وجمال
وبديهة يعيا بها أبناؤها * عند احتفال مشاهد الأقوال
كان الربيع إذا السنون تتابعت * والليث عند تكعكع الابطال
فسقت بقرية حيث أمسى قبره * غر يرحن بمسبل هطال
بكت الجياد الصافنات لفقده * وبكاه كل مثقف عسال
وبكته شعث لم يجدن مؤاسيا * في العام ذي السنوات والامحال
قال وقال الباهليون كان قتيبة إذا رجع من غزاته كل سنة اشترى اثنى عشر
فرسا من جياد الخيل واثنى عشر هجينا لا يجاوز بالفرس أربعة آلاف فيقام عليها
إلى وقت الغزو فإذا تأهب للغزو وعسكر قيدت وأضمرت فلا يقطع نهرا بخيل
حتى تخف لحومها فيحمل عليها من يحمله في الطلائع وكان يبعث في الطلائع
الفرسان من الاشراف ويبعث معهم رجالا من العجم ممن يستنصح على تلك
الهجن وكان إذا بعث بطليعة أمر بلوح فنقش ثم يشقه شقتين فأعطاه شقة واحتبس
شقة لئلا يمثل مثلها ويأمره أن يدفنها في موضع يصفه له من مخاضة معروفة أو تحت
شجرة معلومة أو خربة ثم يبعث بعده من يستبريها ليعلم أصادق طليعته أم لا وقال
ثابت قطنة العتكي يذكر من قتل من ملوك الترك
أقر العين مقتل كازرنك * وكشبيز وما لاقي يباد
271

وقال الكميت يذكر غزوة السغد وخوارزم
وبعد في غزوة كانت مباركة * تردى زراعة أقوام وتحتصد
نالت غمامتها فيلا بوابلها * والسغد حين دنا شؤبوبها البرد
إذ لا يزال له نهب ينفله * من المقاسم لا وحش ولا نكد
تلك الفتوح التي تدلى بحجتها * على الخليفة أنا معشر حشد
لم تثن وجهك عن قوم غزوتهم * حتى يقال لهم بعدا وقد بعدوا
لم ترض من حصنهم إن كان ممتنعا * حتى يكبر فيه الواحد الصمد
خلافة سليمان بن عبد الملك
(قال أبو جعفر) وفى هذه السنة بويع سليمان بن عبد الملك بالخلافة وذلك
في اليوم الذي توفى فيه الوليد بن عبد الملك وهو بالرملة (وفيها) عزل سليمان
ابن عبد الملك عثمان بن حيان عن المدينة ذكر محمد بن عمر أنه نزعه عن المدينة لسبع
بقين من شهر رمضان سنة 96 قال وكان عمله على المدينة ثلاث سنين وقيل كانت
إمرته عليها سنتين غير سبعة ليال قال الواقدي وكان أبو بكر بن محمد بن عمرو
ابن حزم قد استأذن عثمان أن ينام في غدو لا يجلس للناس ليقوم ليلة إحدى
وعشرين فأذن له وكان أيوب بن سلمة المخزومي عنده وكان الذي بين أيوب
ابن سلمة وبين أبى بكر بن عمرو بن حزم سيئا فقال أيوب لعثمان ألم تر إلى ما يقول
هذا إنما هذا منه رثاء فقال عثمان قد رأيت ذلك ولست لأبي إن أرسلت إليه
غدوة ولم أجده جالسا لأجلدنه مائة ولأحلقن رأسه ولحيته قال أيوب فجاءني أمر
أحبه فعجلت من السحر فإذا شمعة في الدار فقلت عجل المري فإذا رسول سليمان
قد قدم على أبى بكر بتأميره وعزل عثمان وحده قال أيوب فدخلت دار الامارة
فإذا ابن حيان جالس وإذا بأبي بكر على كرسي يقول للحداد اضرب في رجل
هذا الحديد ونظر إلى عثمان فقال
آبوا على أدبارهم كشفا * والامر يحدث بعده الامر
272

(وفى هذه السنة) عزل سليمان يزيد بن أبي مسلم عن العراق وأمر عليه يزيد
ابن المهلب وجعل صالح بن عبد الرحمن على الخراج وأمره أن يقتل آل أبي عقيل
ويبسط عليهم العذاب * فحدثني عمر بن شبة قال حدثني علي بن محمد قال
قدم صالح العراق على الخراج ويزيد على الحرب فبعث يزيد زياد بن المهلب على
عمان وقال له كاتب صالحا وإذا كتبت إليه فابدأ باسمه وأخذ صالح آل أبي عقيل
فكان يعذبهم وكان يلي عذابهم عبد الملك بن المهلب (وفى هذه السنة) قتل قتيبة
ابن مسلم بخراسان
ذكر الخبر عن سبب مقتله
وكان سبب ذلك أن الوليد بن عبد الملك أراد أن يجعل ابنه عبد العزيز بن الوليد
ولى عهده ودس في ذلك إلى القواد والشعراء فقال جرير في ذلك
إذا قيل أي الناس خير خليفة * أشارت إلى عبد العزيز الأصابع
رأوه أحق الناس كلهم بها * وما ظلموا فبايعوه وسارعوا
وقال أيضا جرير يحض الوليد على بيعة عبد العزيز
إلى عبد العزيز سمت عيون الرعية * إذا تحيرت الرعاء
إليه دعت دواعيه إذا ما * عماد الملك خرت والسماء
وقال أولو الحكومة من قريش * علينا البيع إن بلغ الغلاء
رأوا عبد العزيز ولى عهد * وما ظلموا بذاك ولا أساؤا
فماذا تنظرون بها وفيكم * جسور بالعظائم واعتلاء
فزحلفها بأزملها إليه * أمير المؤمنين إذا تشاء
فإن الناس قد مدوا إليه * أكفهم وقد برح الخفاء
ولو قد بايعوك ولى عهد * لقام الوزن واعتدل البناء
فبايعه على خلع سليمان الحجاج بن يوسف وقتيبة ثم هلك الوليد وقام سليمان
ابن عبد الملك فخافه قتيبة قال علي بن محمد أخبرنا بشر بن عيسى والحسن بن رشيد
وكليب بن خلف عن طفيل بن مرداس وجبلة بن فروخ عن محمد بن عزيز
273

الكندي وجبلة بن أبي داود ومسلمة بن محارب عن السكن بن قتادة أن قتيبة لما
أتاه موت الوليد بن عبد الملك وقيام سليمان أشفق من سليمان لأنه كان يسعى
في بيعة عبد العزيز بن الوليد مع الحجاج وخاف أن يولى سليمان يزيد بن المهلب
خراسان قال فكتب إليه كتابا يهنئه بالخلافة ويعزيه على الوليد ويعلمه بلاءه
وطاعته لعبد الملك والوليد وأنه له على مثل ما كان لهما عليه من الطاعة والنصيحة
إن لم يعزله عن خراسان وكتب إليه كتابا آخر يعلمه فيه فتوحه ونكايته وعظم
قدره عند ملوك العجم وهيبته في صدورهم وعظم صوته فيهم ويذم المهلب وآل
المهلب ويحلف بالله لئن استعمل يزيد على خراسان ليخلعنه وكتب كتابا ثالثا فيه
خلعه وبعث بالكتب الثلاثة مع رجل من باهلة وقال له ادفع إليه هذا الكتاب
فإن كان يزيد بن المهلب حاضرا فقرأه ثم ألقاه إليه فادفع إليه هذا الكتاب فإن قرأه
وألقاه إلى يزيد فادفع إليه هذا الكتاب فإن قرأ الأول ولم يدفعه إلى يزيد فاحتبس
الكتابين الآخرين قال فقدم رسول قتيبة فدخل على سليمان وعنده يزيد بن المهلب
فدفع إليه الكتاب فقرأه ثم ألقاه إلى يزيد فدفع إليه كتابا آخر فقرأه ثم رمى به
إلى يزيد فأعطاه الكتاب الثالث فقرأه فتمعر لونه ثم دعا بطين فختمه ثم أمسكه
بيده وأما أبو عبيدة معمر بن المثنى فإنه قال فيما حدثت عنه كان في الكتاب الأول
وقيعة في يزيد بن المهلب وذكر غدره وكفره وقلة شكره وكان في الثاني ثناء
على يزيد وفى الثالث لئن لم تقرني على ما كنت عليه وتؤمنني لأخلعنك خلع النعل
ولأملأنها عليك خيلا ورجالا وقال أيضا لما قرأ سليمان الكتاب الثالث وضعه
بين مثالين من المثل التي تحته ولم يحر في ذلك مرجوعا (رجع الحديث) إلى حديث
علي بن محمد قال ثم أمر يعنى سليمان برسول قتيبة أن ينزل فحول إلى دار الضيافة
فلما أمسى دعا به سليمان فأعطاه صرة فيها دنانير فقال هذه جائزتك وهذا عهد
صاحبك على خراسان فسر وهذا رسولي معك بعهده قال فخرج الباهلي وبعث
معه سليمان رجلا من عبد القيس ثم أحد بنى ليث يقال له صعصعة أو مصعب فلما
كان بحلوان تلقاهم الناس بخلع قتيبة فرجع العبدي ودفع العهد إلى رسول قتيبة
274

وقد خلع واضطرب الامر فدفع إليه عهده فاستشار إخوته فقالوا لا يثق بك سليمان
بعد هذا (قال على) وحدثني بعض العنبريين عن أشياخ منهم أن توبة بن أبي أسيد
العنبري قال قدم صالح العراق فوجهني إلى قتيبة ليطلعني طلع ما في يده فصحبني رجل
من بنى أسد فسألني عما خرجت فيه فكاتمته أمري فإنا لنسير إذ سنح لنا سانح فنظر
إلى رفيقي فقال أراك في أمر جسيم وأنت تكتمني فمضيت فلما كنت بحلوان تلقاني
الناس بقتل قتيبة * قال على وذكر أبو الذيال وكليب بن خلف وأبو علي الجوزجاني
عن طفيل بن مرداس وأبو الحسن الجشمي ومصعب بن حبان عن أخيه مقاتل
ابن حبان وأبو مخنف وغيرهم أن قتيبة لما هم بالخلع استشار إخوته فقال له عبد الرحمن
اقطع بعثا فوجه فيه كل من تخافه ووجه قوما إلى مرو وسر حتى تنزل سمرقند ثم قل
لمم معك من أحب المقام فله المواساة ومن أراد الانصراف فغير مستكره ولا
متبوع بسوء فلا يقيم معك الا مناصح وقال له عبد الله أخلعه مكانك وادع الناس إلى
خلعه فليس يختلف عليك رجلان فأخذ برأي عبد الله فخلع سليمان ودعا الناس
إلى خلعه فقال للناس إني قد جمعتكم من عين التمر وفيض البحر فضممت الأخ
إلى أخيه والولد إلى أبيه وقسمت بينكم فيأكم وأجريت عليكم أعطياتكم غير
مكدرة مالا مؤخرة وقد جربتم الولاة قبلي أتاكم أمية فكتب إلى أمير المؤمنين
ان خراج خراسان لا يقيم بمطبخي ثم جاءكم أبو سعيد فدوم بكم ثلاث سنين
لا تدرون أفى طاعة أنتم أم في معصية لم يجب فيئا ولم ينكأ عدوا ثم جاءكم بنوه
بعده يزيد فحل تبارى إليه النساء وانما خليفتكم يزيد بن ثروان هبنقة القيسي
قال فلم يجبه أحد فغضب فقال لا أعز الله من نصرتم والله لو اجتمعتم على عنز
ما كسرتم قرنه يا أهل السافلة ولا أقول أهل العالية يا أوباش الصدقة جمعتكم
كما تجمع إبل الصدقة من كل أوب يا معشر بكر بن وائل يا أهل النفخ والكذب
والبخل بأي يوميكم تفخرون بيوم حربكم أو بيوم سلمكم فوالله لأنا أعز
منكم يا أصحاب مسيلمة يا بنى ذميم ولا أقول تميم يا أهل الخور والقصف والغدر
كنتم تسمون الغدر في الجاهلية كيسان يا أصحاب سجاح يا معشر عبد القيس القساة
275

تبدلتم بأبر النخل أعنة الخيل يا معشر الازدت بدلتم بقلوس السفن أعنة الخيل
الحصن إن هذا لبدعة في الاسلام والاعراب وما الاعراب لعنة الله على الاعراب
يا كناسة المصرين جمعتكم من منابت الشيح والقيصوم ومنابت الفلفل تركبون
البقر والحمر في جزيرة ابن كاوان حتى إذا جمعتكم كما تجمع قرع الخريف قلتم كيت
وكيت أما والله إني لابن أبيه وأخو أخيه أما والله لا عصبنكم عصب السلمة إن
حول الصلبان الزمزمة يا أهل خراسان هل تدرون من وليكم وليكم يزيد بن ثروان
كأني بأمير مزجاء وحكم قد جاءكم فغلبكم على فيئكم وأطلالكم إن ههنا نارا
ارموها أرم معكم ارموا غرضكم الأقصى قد استخلف عليكم أبو نافع ذو الودعات إن
الشأم أب مبرور وإن العراق أب مكفور حتى متى يتبطح أهل الشأم بأفنيتكم
وظلال دياركم يا أهل خراسان انسبوني تجدوني عراقي الام عراقي الأب عراقي
المولد عراقي الهوى والرأي والدين وقد أصبحتم اليوم فيما ترون من الامن
والعافية قد فتح الله لكم البلاد وآمن سلبكم فالظعينة تخرج من مرو إلى بلخ
بغير جواز فاحمدوا الله على النعمة وسلوه الشكر والمزيد قال ثم نزل فدخل منزله
فأتاه أهل بيته فقالوا ما رأينا كاليوم قط والله ما اقتصرت على أهل العالية وهم
شعارك ودثارك حتى تناولت بكرا وهم أنصارك ثم لم ترض بذلك حتى تناولت
تميما وهم إخوتك ثم لم ترض بذلك حتى تناولت الأزد وهم يدك؟؟ فقال لما تكلمت
فلم يجبني أحد غضبت فلم أدر ما قلت إن أهل العالية كإبل الصدقة قد جمعت من
كل أوب وأما بكر فإنها أمة لا تمنع يد لا مس وأما تميم فجعل أجرب وأما عبد القيس
فما يضرب العير بذنبه وأما الأزد فأعلاج شرار من خلق الله لو ملكت أمرهم
لوسمتهم قال فغضب الناس وكرهوا خلع سليمان وغضبت القبائل من شتم قتيبة
فأجمعوا على خلافه وخلعه وكان أول من تكلم في ذلك الأزد فأتوا حضين بن
المنذر فقالوا إن هذا قد دعا إلى ما دعا إليه من خلع الخليفة وفيه فساد الدين والدنيا
ثم لم يرض بذلك حتى قصر بنا وشتمنا فما ترى يا أبا حفص وكان يكتنى في الحرب
بأبي ساسان ويقال كنيته أبو محمد فقال لهم حضين مضر بخراسان تعدل هذه الثلاثة
276

الأخماس وتميم أكثر الخمسين وهم فرسان خراسان ولا يرضون أن يصير الامر في
غير مضر فان أخرجتموهم من الامر أعانوا قتيبة قالوا إنه قد وتر بنى تميم بقتل
ابن الأهتم قال لا تنظروا إلى هذا فإنهم يتعصبون للمضرية فانصرفوا رادين لرأى
حضين فأرادوا أن يولوا عبد الله بن حوذان الجهضمي فأبى وتدافعوها فرجعوا
إلى حضين فقالوا قد تدافعنا الرياسة فنحن نوليك أمرنا وربيعة لا تخالفك قال لا ناقة لي
في هذا ولا جمل قالوا ما ترى قال إن جعلتم هذه الرياسة في تميم تم أمركم قالوا فمن ترى من
تميم قال ما أرى أحدا غير وكيع فقال حيان مولى بنى شيبان ان أحدا لا يتقلد هذا الامر
فيصلى بحره ويبذل دمه ويتعرض للقتل فان قدم أمير أخذه بما جنى وكان المهنأ لغيره
إلا هذا الأعرابي وكيع فإنه مقدام لا يبالي ما ركب ولا ينظر في عاقبة ولا عشيرة
كثيرة تطيعه وهو موتور يطلب قتيبة برياسته التي صرفها عنه وصيرها لضرار بن
حصين بن زيد الفوارس بن حصين بن ضرار الضبي فمشى الناس بعضهم إلى بعض
سرا وقيل لقتيبة ليس يفسد أمر الناس إلا حيان فأراد أن يغتاله وكان حيان
يلاطف حشم الولاة فلا يخفون عنه شيئا قال فدعا قتيبة رجلا فأمره بقتل حيان
وسمعه بعض الخدم فأتى حيان فأخبره فأرسل إليه يدعوه فحذر وتمارض وأتى
الناس وكيع فسألوه أن يقوم بأمرهم فقال نعم وتمثل قول الأشهب بن رميلة
سأجني ما جنيت وأن ركني * لمعتمد إلى نضد ركين
قال وبخراسان يومئذ من المقاتلة من أهل البصرة من أهل العالية تسعة آلاف
وبكر سبعة آلاف رئيسهم الحضين بن المنذر وتميم عشرة آلاف عليهم ضرار
ابن حصين الضبي وعبد القيس أربعة آلاف عليهم عبد الله بن علوان عوذى
والأزد عشرة آلاف رأسهم عبد الله بن حوذان ومن أهل الكوفة سبعة آلاف
عليهم جهم بن زحر أو عبيد الله بن علي والموالي سبعة آلاف عليهم حيان وحيان
يقال إنه من الديلم ويقال إنه من خراسان وإنما قيل له نبطي للكنته فأرسل حيان
إلى وكيع أرأيت إن كففت عنك وأعنتك تجعل لي جانب نهر بلخ خراجه
ما دمت حيا وما دمت واليا قال نعم فقال للعجم هؤلاء يقاتلون على غير دين فدعوهم
277

يقتل بعضهم بعضا قالوا نعم فبايعوا وكيعا سرا فاتى ضرار بن حصين قتيبة فقال إن
الناس يختلفون إلى وكيع وهم يبايعونه وكان وكيع يأتي منزل عبد الله بن مسلم
الفقير فيشرب عنده فقال عبد الله هذا يحسد وكيعا وهذا الامر باطل هذا وكيع
في بيتي يشرب ويسكر ويسلخ في ثيابه وهذا يزعم أنهم يبايعونه قال وجاء وكيع
إلى قتيبة فقال احذر ضرارا فإني لا آمنه عليك فأنزل قتيبة ذلك منهما على التحاسد
وتمارض وكيع ثم إن قتيبة دس ضرار بن سنان الضبي إلى وكيع فبايعه سرا
فتبين لقتيبة أن الناس يبايعونه فقال لضرار قد كنت صدقتني قال إني لم أخبرك
إلا بعلم فأنزلت ذلك منى على الحسد وقد قضيت الذي كان على قال صدقت وأرسل
قتيبة إلى وكيع يدعوه فوجده رسول قتيبة قد طلى على رجله مغرة وعلى ساقه
خرزا وودعا وعنده رجلان من زهران يرقيان رجله فقال له أجب الأمير قال
قد ترى ما برجلي فرجع الرسول إلى قتيبة فأعاده إليه قال يقول لك ائتنى محمولا على
سرير قال لا أستطيع قال قتيبة لشريك بن الصامت الباهلي أحد بنى وائل وكان
على شرطته ورجل من غنى انطلقا إلى وكيع فأتياني به فإني أبى فاضربا عنقه ووجه
معهما خيلا ويقال كان على شرطه بخراسان ورقاء بن نصر الباهلي * قال على
قال أبو الديال قال ثمامة بن ناجذ العدوي أرسل قتيبة إلى وكيع من يأتيه به
فقلت أنا آتيك به أصلحك الله فقال ائتنى به فأتيت وكيعا وقد سبق إليه الخبر
أن الخيل تأتيه فلما رآني قال يا ثمامة ناد في الناس فناديت فكان أول من أتاه
هريم بن أبي طحمة في ثمانية قال وقال الحسن بن رشيد الجوزجاني أرسل قتيبة
إلى وكيع فقال هريم أنا آتيك به قال فانطلق قال هريم فركبت برذوني مخافة
أن يردني فأتيت وكيعا وقد خرج قال وقال كليب بن خلف أرسل قتيبة إلى وكيع
شعبة بن ظهير أحد بنى صخر بن نهشل فأتاه فقال يا ابن ظهير لبث قليلا تلحق
الكتائب ثم دعا بسكين فقطع خرزا كان على رجليه ثم لبس سلاحه وتمثل
شدوا على سرتي لا تنقلف * يوم لهمدان ويوم للصدف
وخرج وحده ونظر إليه نسوة فقلن أبو مطرف وحده فجاء هريم بن أبي طحمة
278

في ثمانية فيهم عميرة بن البريد بن ربيعة العجيفي قال حمزة بن إبراهيم وغيره أن
وكيعا خرج فتلقاه رجل فقال ممن أنت قال من بنى أسد قال ما اسمك قال ضرغامة
قال ابن من قال ابن ليث قال دونك هذه الراية قال المفضل بن محمد الضبي ودفع وكيع
رايته إلى عقبة بن شهاب المازني قال ثم رجع إلى حديثهم قالوا فخرج وكيع
وأمر غلمانه فقال اذهبوا بثقلي إلى بنى العم فقالوا لا نعرف موضعهم قال انظروا
رمحين مجموعين أحدهما فوق الآخر فوقهما مخلاة فهم بنو العم قال وكان في
العسكر ومنهم خمسمائة قال فنادى وكيع في الناس فأقبلوا أرسالا من كل وجه
فأقبل في الناس يقول
قرم إذا حمل مكروهة * شد الشراسيف لها والحزيم
وقال قوم تمثل وكيع حين خرج
أنحن بلقمان بن عاد فجنسه * أريني سلاحي لن يطيروا بأعزل
واجتمع إلى قتيبة أهل بيته وخواص من أصحابه وثقاته فيهم اياس
ابن بيهس بن عمرو بن عم قتيبة دنيا وعبد الله بن وألان العدوي وناس من
رهطة بنى وائل وأتاه حيان بن اياس العدوي في عشرة فيهم عبد العزيز بن الحارث
قال وأتاه ميسرة الجدلي وكان شجاعا فقال إن شئت أتيتك برأس وكيع فقال
قف مكانك وأمر قتيبة رجلا فقال ناد في الناس أين بنو عامر فنادى أين بنو عامر
فقال محفن بن جزء الكلابي وقد كان جفاهم حيث وضعتهم قال ناد أذكركم الله
والرحم فنادى محفن أنت قطعتها قال ناد لكم العتبى فناداه محفن أو غيره
لا أقالنا الله إذا فقال قتيبة -
يا نفس صبرا على ما كان من ألم * إذا لم أجد لفضول القوم أقرانا
ودعا بعمامة كانت أمه بعثت بها إليه فاعتم بها كان يعتم بها في الشدائد ودعا ببرذون
له مدرب كان يتطير إليه في الزحوف فقرب إليه ليركبه فجعل يقمص حتى أعياه
فلما رأى ذلك عاد إلى سريره فقعد عليه وقال دعوه فإن هذا أمر يراد وجاء حيان
النبطي في العجم فوقف وقتيبة واجد عليه فوقف معه عبد الله بن مسلم فقال
279

عبد الله لحيان احمل على هذين الطرفين قال لم يأن لذلك فغضب عبد الله وقال
ناولني قوسي قال حيان ليس هذا يوم قوس فأرسل وكيع إلى حيان أين ما وعدتني
فقال حيان لابنه إذ رأيتني قد حولت قلنسوتي ومضيت نحو عسكر وكيع فمل
بمن معك من العجم إلى فوقف ابن حيان مع العجم فلما حول حيان قلنسوته مالت
الاعجام إلى عسكر وكيع فكبر أصحابه وبعث قتيبة أخاه صالحا إلى الناس
فرماه رجل من بنى ضبة يقال له سليمان الزنجيرج وهو الخرنوب ويقال بل رماه
رجل من بلعم فأصاب هامته فحمل إلى قتيبة ورأسه مائل فوضع في مصلاه فتحول
قتيبة فجلس عنده ساعة ثم تحول إلى سريره قال وقال أبو السرى الأزدي رمى
صالحا رجل من بنى ضبة فأثقله وطعنه زياد بن عبد الرحمن الأزدي من بنى شريك
ابن مالك * قال وقال أبو مخنف حمل رجل من غنى على الناس فرأى رجلا مجففا
فشبهه بجهم بن زحر بن قيس فطعنه وقال
إن غنيا أهل عز ومصدق * إذا حاربوا والناس مفتتنونا
فإذا الذي طعن علج وتهايج الناس وأقبل عبد الرحمن بن مسلم نحوهم فرماه
أهل السوق والغوغاء فقتلوه وأحرق الناس موضعا كانت فيه إبل لقتيبة ودوابه
ودنوا منه فقاتل عنه رجل من باهلة من بنى وائل فقال له قتيبة انج بنفسك فقال
له بئس ما جزيتك إذا وقد أطعمتني الجردق والبستني النرمق قال فدعا قتيبة بدابة
فأتى ببرذون فلم يقر ليركبه فقال إن له لشأنا فلم يركبه وجلس وجاء الناس حتى
بلغوا الفسطاط فخرج إياس بن بيهس وعبد الله بن وألان حين بلغ الناس
الفسطاط وتركا قتيبة وخرج عبد العزيز بن الحارث يطلب ابنه عمرا أو عمر
فلقيه الطائي فحذره ووجد ابنه فأردفه قال وفطن قتيبة للهيثم بن المنخل وكان ممن
يعين عليه فقال
أعلمه الرماية كل يوم * فلما اشتد ساعده رماني
قال وقتل معه إخوته عبد الرحمن وعبد الله وصالح وحصين وعبد الكريم
بنو مسلم وقتل ابنه كثير بن قتيبة وناس من أهل بيته ونجا أخوه ضرار استنقذه
280

أخواله وأمه غراء بنت ضرار بن القعقاع بن معبد بن زرارة وقال قوم قتل
عبد الكريم بن مسلم بقزوين وقال أبو عبيدة قال أبو مالك قتلوا قتيبة سنة 96
وقتل من بنى مسلم أحد عشر رجلا فصلبهم وكيع سبعة منهم لصلب مسلم وأربعة
من بنى أبنائهم قتيبة وعبد الرحمن وعبد الله الفقير وعبيد الله وصالح وبشار
ومحمد بنو مسلم وكثير بن قتيبة ومغلس بن عبد الرحمن ولم ينج من صلب مسلم
غير عمرو وكان عامل الجوزجان وضرار وكانت أمه الغراء بنت ضرار بن القعقاع
ابن معبد بن زرارة فجاء أخواله فدفعوه حتى نجوه ففي ذلك يقول الفرزدق
عشية ما ود ابن غراء أنه * له من سوانا إذ دعا أبوان
وضرب إياس بن عمرو ابن أخي مسلم بن عمرو على ترقوته فعاش قال
ولما غشى القوم الفسطاط قطعوا أطنابه قال زهير فقال جهم بن زحر لسعد
انزل فحز رأسه وقد أثخن جراحا فقال أخاف أن تجول الخيل قال تخاف وأنا
إلى جنبك فنزل سعد فشق صوقعة الفسطاط فاحتز رأسه فقال حضين بن المنذر
وأن ابن سعد وابن زحر تعاورا * بسيفيهما رأس الهمام المتوج
عشية جئنا بابن زحر وجئتم * بادغم مرقوم الذراعين ديزج
أصم غدانى كأن جبينه * لطاخة نقس في أديم ممجمج
قال فلما قتل مسلمة يزيد بن المهلب استعمل على خراسان سعيد خذينة بن
عبد العزيز بن الحارث بن الحكم بن أبي العاص فحبس عمال يزيد وحبس فيهم
جهم بن زحر الجعفي وعلى عذابه رجل من باهلة فقيل له هذا قاتل قتيبة فقتله في
العذاب فلامه سعيد فقال أمرتني أن أستخرج منه المال فعذبته فأتى على أجله قال
وسقطت على قتيبة يوم قتل جارية له خوارزمية فلما قتل خرجت فأخذها بعد
ذلك يزيد بن المهلب فهي أم خليدة قال على قال حمزة بن إبراهيم وأبو اليقظان
لما قتل قتيبة صعد عمارة بن جنية الرياحي المنبر فتكلم فأكثر فقال له وكيع
دعنا من قذرك وهذرك ثم تكلم وكيع فقال مثلي ومثل قتيبة كما قال الأول
من ينك العير ينك نياكا
281

أراد قتيبة أن يقتلني وأنا قتال
قد جربوني ثم جربوني * من غلوتين ومن المئين
حتى إذا شبت وشيبوني * خلوا عناني وتنكبوني
أنا أبو مطرف قال وأخبرنا أبو معاوية عن طلحة بن إياس قال قال وكيع
يوم قتل قتيبة
أنا ابن خندف تنميني قبائلها * للصالحات وعمى قيس عيلانا
ثم أخذ بلحيته ثم قال
شيخ إذا حمل مكروهة * شد الشراسيف لها والحزيم
والله لأقتلن ثم لأقتلن ولأصلبن ثم لأصلبن إني والغ دما أن مرزبانكم هذا
ابن الزانية قد أغلى عليكم أسعاركم والله ليصيرن القفيز في السوق غدا بأربعة
أو لأصلبنه صلوا على نبيكم ثم نزل قال على وأخبرنا المفضل بن محمد وشيخ من
بنى تميم ومسلمة بن محارب قالوا طلب وكيع رأس قتيبة وخاتمه فقيل له إن الأزد
أخذته فخرج وكيع وهو يقول ده درين سعد القين
في أي يومى من الموت أفر * أيوم لم يقدر أم يوم قدر
لا خير في أحزم جياد القرع * في أي يوم لم أرع ولم أرع
والله الذي لا إله غيره لا أبرح حتى أوتى بالرأس أو يذهب برأسي مع رأس
قتيبة وجاء بخشب فقال إن هذه الخيل لا بد لها من فرسان يتهدد بالصلب فقال
له حضين يا أبا مطرف تؤتى به فاسكن وأتى حضين الأزد فقال أحمقي أنتم بايعناه
وأعطيناه المقادة وعرض نفسه ثم تأخذون الرأس أخرجوه لعنه الله من رأس
فجاءوا بالرأس فقالوا يا أبا مطرف إن هذا هو احتزه فاشكمه قال نعم فأعطاه
ثلاثة آلاف وبعث بالرأس مع سليط بن عبد الكريم الحنفي ورجال من القبائل
وعليهم سليط ولم يبعث من بنى تميم أحدا * قال قال أبو الذيال كان فيمن ذهب
بالرأس أنيف بن حسان أحد بنى عدى (قال أبو مخنف) وفى وكيع لحيان النبطي
بما كان أعطاه * قال قال خريم بن أبي يحيى عن أشياخ من قيس قالوا قال سليمان
282

للهذيل بن زفر حين وضع رأس قتيبة ورؤوس أهل بيته بين يديه هل ساءك
هذا يا هذيل قال لو ساءني ساء قوما كثيرا فكلمه خريم بن عمرو والقعقاع بن
خليد فقال ائذن في دفن رؤوسهم قال نعم وما أردت هذا كله قال على قال أبو عبد الله
السلمي عن يزيد بن سويد قال قال رجل عن عجم أهل خراسان يا معشر العرب قتلتم
قتيبة والله لو كان قتيبة منا فمات فينا جعلناه في تابوت فكنا نستفتح به إذا غزونا
وما صنع أحد قط بخراسان ما صنع قتيبة إلا أنه قد غدر وذلك أن الحجاج كتب إليه
أن احتلهم واقتلهم في الله قال وقال الحسن بن رشيد قال الاصبهبذ لرجل يا معشر
العرب قتلتم قتيبة ويزيد وهما سيدا العرب قال فأيهما كان أعظم عندكم وأهيب
قال لو كان قتيبة بالمغرب بأقصى جحر به في الأرض مكبلا بالحديد ويزيد معنا
في بلادنا وال علينا لكان قتيبة أهيب في صدورنا وأعظم من يزيد قال على قال
المفضل بن محمد الضبي جاء رجل إلى قتيبة يوم قتل وهو جالس فقال اليوم يقتل ملك
العرب وكان قتيبة عندهم ملك العرب فقال له اجلس قال وقال كليب بن
خلف حدثني رجل ممن كان مع وكيع حين قتل قتيبة قال أمر وكيع رجلا
فنادى لا يسلبن قتيل فمر ابن عبيد الهجري على أبى الحجر الباهلي فسلبه فبلغ
وكيعا فضرب عنقه قال أبو عبيدة قال عبد الله بن عمر من تيم اللات ركب وكيع
ذات يوم فأتوه بسكران فأمر به فقتل فقيل له ليس عليه القتل إنما عليه الحد قال
لا أعاقب بالسياط ولكني أعاقب بالسيف فقال نهار بن توسعة
وكنا نبكى من الباهلي * فهذا العدانى شر وشر
(وقال أيضا)
ولما رأينا الباهلي ابن مسلم * تجبر عممناه عضبا مهندا
وقال الفرزدق يذكر وقعة وكيع
ومنا الذي سل السيوف وشامها * عشية باب القصر من فرغان
عشية لم تمنع بنيها قبيلة * بعز عراقي ولا بيمان
عشية ما ود ابن غراء أنه * له من سوانا إذ دعا أبوان
283

عشية لم تستر هوازن عامر * ولا غطفان عورة ابن دخان
عشية ود الناس أنهم لنا * عبيد إذ الجمعان يضطربان
رأوا جبلا يعلو الجبال إذا التقت * رؤس كبيريهن ينتطحان
رجال على الاسلام إذ ما تجالدوا * على الدين حتى شاع كل مكان
وحتى دعا في سور كل مدينة * مناد ينادى فوقها بأذان
فيجزى وكيع بالجماعة إذ دعا * إليها بسيف صارم وبنان
جزاء بأعمال الرجال كما جرى * ببدر وباليرموك فئ جنان
وقال الفرزدق في ذلك أيضا
أتاني ورحلي بالمدينة وقعة * لآل تميم أقعدت كل قائم
وقال على أخبرنا خريم بن أبي يحيى عن بعض عمومته قال أخبرني شيوخ من
غسان قالوا إنا لبثنية العقاب إذ نحن برجل يشبه الفيوج معه عصا وجراب قلنا
من أين أقبلت قال من خراسان قلنا فهل كان بها من خير قال نعم قتل قتيبة بن
مسلم أمس فتعجبنا لقوله فلما رأى انكارنا ذلك قال أين ترونني الليلة من إفريقية
ومضى واتبعناه على خيولنا فإذا شئ يسبق الطرف وقال الطرماح
لولا فوارس مذحج ابنة مذحج * والأزد زعزع واستبيح العسكر
وتقطعت بهم البلاد ولم يؤب * منهم إلى أهل العراق مخبر
واستضلعت عقد الجماعة وازدرى * أمر الخليفة واستحل المنكر
قوم هم قتلوا قتيبة عنوة * والخيل جانحة عليها العثير
بالمرج مرج الصين حيث تبينت * مضر العراق من الأعز الأكبر
إذ حالفت جزعا ربيعة كلها * وتفرقت مضر ومن يتمضر
وتقدمت أزد العراق ومذحج * للموت يجمعها أبوها الأكبر
قحطان تضرب رأس كل مدجج * تحمى بصائرهن إذ لا تبصر
والأزد تعلم أن تحت لوائها * ملكا قراسية وموت أحمر
فبعزنا نصر النبي محمد * وبنا تثبت في دمشق المنبر
284

وقال عبد الرحمن بن جمانة الباهلي
كأن أبا حفص قتيبة لم يسر * بجيش إلى جيش ولم يعل منبرا
ولم تخفق الرايات والقوم حوله * وقوف ولم يشهد له الناس عسكرا
دعته المنايا فاستجاب لربه * وراح إلى الجنات عفا مطهرا
فما رزئ الاسلام بعد محمد * بمثل أبى حفص فبكيه عبهرا
يعنى أم ولد له وقال الأصم بن الحجاج يرثى قتيبة
ألم يأن للاحياء أن يعرفوا لنا * بلى نحن أولى الناس بالمجد والفخر
نقود تميما والموالي ومذحجا * وأزد وعبد القيس والحي من بكر
نقتل من شئنا بعزة ملكنا * ونجبر من شئنا على الخسف والقسر
سليمان كم من عسكر قد حوت لكم * أسنتنا والمقربات بنا تجرى
وكم من حصون قد أبحنا منيعة * ومن بلد سهل ومن جبل وعر
ومن بلدة لم يغزها الناس قبلنا * غزونا نقود الخيل شهرا إلى شهر
مرن على الغزو الجرور ووقرت * على النفر حتى ما تهال من النفر
وحتى لو أن النار شبت وأكرهت * على النار خاضت في الوغى لهب الجمر
تلاعب أطراف الأسنة والقنا * بلباتها والموت في لجج خضر
بهن أبحنا أهل كل مدينة * من الشرك حتى جاوزت مطلع الفجر
ولو لم تعجلنا المنايا لجاوزت * بناردم ذي القرنين ذا الصخر والقطر
ولكن آجالا قضين ومدة * تناهى إليها الطيبون بنو عمرو
(وفى هذه السنة) عزل سليمان بن عبد الملك خالد بن عبد الله القسري عن مكة
وولاها طلحة بن داود الحضرمي (وفيها) غزا مسلمة بن عبد الملك أرض الروم
الصائفة ففتح حصنا يقال له حصن عوف (وفى هذه السنة) توفى قرة بن شريك العبسي
وهو أمير مصر في صفر في قول بعض أهل السير وقال بعضهم كان هلاك قرة
في حياة الوليد في سنة 95 في الشهر الذي هلك فيه الحجاج (وحج) بالناس
في هذه السنة أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري كذلك حدثني أحمد
285

ابن ثابت عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر وكذلك قال الواقدي
وغيره وكان الأمير على المدينة في هذه السنة أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم
وعلى مكة عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد وعلى حرب العراق وصلاتها
يزيد بن المهلب وعلى خراجها صالح بن عبد الرحمن وعلى البصرة سفيان بن عبد الله
الكندي من قبل يزيد بن المهلب وعلى قضاء البصرة عبد الرحمن بن أذينة وعلى
قضاء الكوفة أبو بكر بن أبي موسى وعلى حرب خراسان وكيع بن أبي سود
ثم دخلت سنة سبع وتسعين
ذكر الخبر عما كان في هذه السنة من الاحداث
فمن ذلك ما كان من تجهيز سليمان بن عبد الملك الجيوش إلى القسطنطينية
واستعماله ابنه داود بن سليمان على الصائفة فافتتح حصن المرأة (وفيها)
غزا فيما ذكر الواقدي مسلمة بن عبد الملك أرض الروم ففتح الحصن الذي
كان فتحه الوضاح صاحب الوضاحية (وفيها) غزا عمرو بن هبيرة الفزاري
في البحر أرض الروم فشتا بها (وفيها) قتل عبد العزيز بن موسى بن نصير
بالأندلس وقدم برأسه على سليمان حبيب بن أبي عبيد الفهري (وفيها) ولى
سليمان بن عبد الملك يزيد بن المهلب خراسان
ذكر الخبر عن سبب ولايته خراسان
وكان السبب في ذلك أن سليمان بن عبد الملك لما أفضت الخلافة إليه ولى
يزيد بن المهلب حرب العراق والصلاة وخراجها (فذكر هشام) بن
محمد عن أبي مخنف أن يزيد نظر لما ولاه سليمان ما ولاه من أمر العراق في
أمر نفسه فقال إن العراق قد أحربها الحجاج وأنا اليوم رجاء أهل العراق
ومتى قدمتها وأخذت الناس الناس بالخراج وعذبتهم عليه صرت مثل الحجاج أدخل
على الناس الحرب وأعيد عليهم تلك السجون التي قد عافاهم الله منها ومتى لم
آت سليمان بمثل ما جاء به الحجاج لم يقبل منى فأتى يزيد سليمان فقال أدلك على
286

رجل بصير بالخراج توليه إياه فتكون أنت تأخذه به صالح بن عبد الرحمن مولى
بنى تميم فقال له قد قبلنا رأيك فأقبل يزيد إلى العراق * وحدثني عمر بن شبة قال
قال على كان صالح قدم العراق قبل قدوم يزيد فنزل واسطا قال على فقال عباد
ابن أيوب لما قدم يزيد خرج الناس يتلقونه فقيل لصالح هذا يزيد وقد خرج
الناس يتلقونه فلم يخرج حتى قرب يزيد من المدينة فخرج صالح عليه
دراعة ودبوسية صفراء صغيرة بين يديه أربعمائة من أهل الشأم فلقى يزيد
فسايره فلما دخل المدينة قال له صالح قد فرغت لك هذا الدار فأشار له إلى دار فنزل
يزيد ومضى صالح إلى منزله قال وضيق صالح على يزيد فلم يملكه شيئا واتخذ
يزيد ألف خوان يطعم الناس عليها فأخذها صالح فقال له يزيد اكتب ثمنها على
واشترى متاعا كثيرا وصك صكاكا إلى صالح لباعتها منه فلم ينفذه فرجعوا
إلى يزيد فغضب وقال هذا عملي بنفسي فلم يلبث أن جاء صالح فأوسع له يزيد
فجلس وقال ليزيد ما هذه الصحكاك الخراج لا يقوم لها قد أنفذت لك منذ أيام صكا
بمائة ألف وعجلت لك أرزاقك وسألت مالا للجند فأعطيتك فهذا لا يقوم له شئ
ولا يرضى أمير المؤمنين به وتؤخذ به فقال له يزيد يا أبا الوليد أجز هذه الصكاك
هذه المرة وضاحكه قال فإني أجيزها فلا تكثرن على قال لا * قال علي بن محمد
حدثنا مسلمة بن محارب وأبو العلاء التيمي والطفيل بن مرداس العمى وأبو حفص
الأزدي عمن حدثه عن جهم بن زحر بن قيس والحسن بن رشيد عن سليمان بن
كثير وأبو الحسن الخراساني عن الكرماني وعامر بن حفص وأبو مخنف عن
عثمان بن عمرو بن محصن الأزدي وزهير بن هنيد وغيرهم وفى خبر بعضهم ما ليس
في خبر بعض فألفت ذلك أن سليمان بن عبد الملك ولى يزيد بن المهلب العراق
ولم يوله خراسان فقال سليمان بن عبد الملك لعبد الملك بن المهلب وهو بالشام
ويزيد بالعراق كيف أنت يا عبد الملك إن وليتك خراسان قال يجدني أمير المؤمنين
حيث يحب ثم أعرض سليمان عن ذلك قال وكتب عبد الملك بن المهلب إلى جرير
ابن يزيد الجهضمي وإلى رجال من خاصته إن أمير المؤمنين عرض على ولاية
خراسان فبلغ الخبر يزيد بن المهلب وقد ضجر بالعراق وقد ضيق عليه صالح
287

ابن عبد الرحمن فليس يصل معه إلى شئ فدعا عبد الله بن الأهتم فقال إني أريدك
لأمر قد أهمنى فأحب أن تكفينيه قال مرني بما أحببت قال أنا فيما ترى
من الضيق وقد أضجرني ذلك وخراسان شاغرة برجلها وقد بلغني أن
أمير المؤمنين ذكرها لعبد الملك بن المهلب فهل من حيلة قال نعم سرحني إلى
أمير المؤمنين فإني أرجو أن آتيك بعهدك عليها قال فاكتم ما أخبرتك به وكتب
إلى سليمان كتابين أحدهما يذكر له فيه أمر العراق وأثنى فيه على ابن الأهتم
وذكر له علمه بها ووجه ابن الأهتم وحمله على البريد وأعطاه ثلاثين ألفا فسار
سبعا فقدم بكتاب يزيد على سليمان فدخل عليه وهو يتغدى فجلس ناحية فأتى
بدجاجتين فأكلهما قال فدخل ابن الأهتم فقال له سليمان لك مجلس غير هذا
تعود إليه ثم دعا به بعد ثالثة فقال له سليمان إن يزيد بن المهلب كتب إلى يذكر
علمك بالعراق وبخراسان ويثنى عليك فكيف علمك بها قال أنا أعلم الناس
بها: بها ولدت وبها نشأت فلي بها وبأصلها خبر وعلم قال ما أحوج أمير المؤمنين
إلى مثلك يشاوره في أمرها فأشر على برجل أوليه خراسان قال أمير المؤمنين
أعلم بمن يريد يولى فإن ذكر منهم أحدا أخبرته برأيي فيه هل يصلح لها
أم لا قال فسمى سليمان رجلا من قريش قال يا أمير المؤمنين ليس من رجال
خراسان قال فعبد الملك بن المهلب قال لا حتى عدد رجالا فكان في آخر من ذكر
وكيع بن أسود سود فقال يا أمير المؤمنين وكيع رجل شجاع صارم بئيس مقدام
وليس بصاحبها مع هذا إنه لم يقد ثلثمائة قط فرأى لا حد عليه طاعة قال صدقت
ويحك فمن لها قال رجل أعلمه لم تسمه قال فمن هو قال لا أبوح باسمه إلا أن يضمن
لي أمير المؤمنين ستر ذلك وأن يجيرني منه إن علم قال نعم سمه من هو قال
يزيد بن المهلب قال ذاك بالعراق والمقام بها أحب إليه من المقام بخراسان قال
قد علمت يا أمير المؤمنين ولكن تكرهه على ذلك فيستخلف على العراق رجلا
ويسير قال أصبت الرأي فكتب عهد يزيد على خراسان وكتب إليه كتابا إن
ابن الأهتم كما ذكرت في عقله ودينه وفضله ورأيه ودفع الكتاب وعهد يزيد إلى
288

ابن الأهتم فسار سبعا فقدم على يزيد فقال له ما وراءك قال فأعطاه الكتاب فقال
ويحك أعندك خير فأعطاه العهد فأمر يزيد بالجهاز للمسير من ساعته ودعا ابنه
مخلدا فقدمه إلى خراسان قال فسار من يومه ثم سار يزيد واستخلف على واسط
الجراح بن عبد الله الحكمي واستعمل على البصرة عبد الله بن هلال الكلابي
وصير مروان بن المهلب على أمواله وأموره بالبصرة وكان أوثق إخوته عنده
ولمروان يقول أبو البهاء الأيادي
رأيت أبا قبيصة كل يوم * على العلات أكرمهم طباعا
إذا ما هم أبوا أن يستطيعوا * جسيم الامر يحمل ما استطاعا
وإن ضاقت صدورهم بأمر * فضلتهم بذاك ندى وباعا
وأما أبو عبيدة معمر بن المثنى فإنه قال في ذلك حدثني أبو مالك أن وكيع
ابن أبي سود بعث بطاعته وبرأس قتيبة إلى سليمان فوقع ذلك من سليمان كل موقع
فجعل يزيد بن المهلب لعبد الله بن الأهتم مائة ألف على أن ينقر وكيعا عنده فقال
أصلح الله أمير المؤمنين والله ما أحد أوجب شكرا ولا أعظم عندي يدا من وكيع
لقد أدرك بثأري وشفاني من عدوى ولكن أمير المؤمنين أعظم وأوجب على
حقا وإن النصيحة تلزمني لأمير المؤمنين إن وكيعا لم يجتمع له مائة عنان قط إلا
حدث نفسه بغدوة خامل في الجماعة نابه في الفتنة فقال ما هو إذا ممن نستعين به
وكانت قيس تزعم أن قتيبة لم يخلع فاستعمل سليمان يزيد بن المهلب على حرب
العراق وأمره إن أقامت قيس البينة أن قتيبة لم يخلع فينزع يدا من طاعة أن يقيد
وكيعا به فغدر يزيد فلم يعط عبد الله بن الأهتم ما كان ضمن له ووجه ابنه مخلد
ابن يزيد إلى وكيع (رجع الحديث إلى حديث على) قال على أخبرنا أبو مخنف
عن عثمان بن عمرو بن محصن وأبو الحسن الخراساني عن الكرماني قال وجه
يزيد ابنه مخلدا إلى خراسان فقدم مخلد عمرو بن عبد الله بن سنان العتكي ثم
الصنابحي حين دنا من مرو فلما قدمها أرسل إلى وكيع أن القنى فأبى فأرسل إليه
عمرو يا أعرابي أحمق جلفا جافيا انطلق إلى أميرك فتلقه وخرج وجوه من أهل
289

مرو يتلقون مخلدا وتثاقل وكيع عن الخروج فأخرجه عمرو الأزدي فلما بلغوا
مخلدا نزل الناس كلهم غير وكيع ومحمد بن حمران السعدي وعباد بن لقيط أحد
بنى قيس بن ثعلبة فأنزلوهم فلما قدم مرو حبس وكيعا فعذبه وأخذ أصحابه فعذبهم
قبل قدوم أبيه قال على عن كليب بن خلف قال حدثنا إدريس بن حنظلة قال لما
قدم مخلد خراسان حبسني فجاءني ابن الأهتم فقال لي أتريد أن تنجو قلت نعم قال
أخرج الكتب التي كتبها القعقاع بن خليد العبسي وخريم بن عمرو المري إلى قتيبة
في خلع سليمان فقلت له يا ابن الأهتم إياي تخدع عن ديني قال فدعا بطومار وقال
إنك أحمق فكتب كتبا عن لسان القعقاع ورجال من قيس إلى قتيبة أن الوليد
ابن عبد الملك قد مات وسليمان باعث هذا المزوني على خراسان فاخلعه فقلت
يا ابن الأهتم تهلك والله نفسك والله لئن دخلت عليه لأعلمنه أنك كتبتها (وفى
هذه السنة) شخص يزيد بن المهلب إلى خراسان أميرا عليها فذكر علي بن محمد عن أبي
السرى الأزدي عن عمه قال ولى وكيع خراسان بعد قتل قتيبة تسعة أشهر
أو عشرة وقدم يزيد بن المهلب سنة 97 قال على فذكر المفضل بن محمد عن أبيه
قال أدنى يزيد أهل الشأم وقوما من أهل خراسان فقال نهار بن توسعة
وما كنا نؤمل من أمير * كما كنا نؤمل من يزيد
فأخطأ ظننا فيه وقدما * زهدنا في معاشرة الزهيد
إذا لم يعطنا نصفا أمير * مشينا نحوه مثل الأسود
فمهلا يا يزيد أنب إلينا * ودعنا من معاشرة العبيد
نجئ فلا نرى إلا صدودا * على أنا نسلم من بعيد
ونرجع خائبين بلا نوال * فما بال التجهم والصدود
قال على أخبرنا زياد بن الربيع عن غالب القطان قال رأيت عمر بن عبد العزيز
واقفا بعرفات في خلافه سليمان وقد حج سليمان عامئذ وهو يقول لعبد العزيز بن
عبد الله بن خالد بن أسيد العجب لأمير المؤمنين استعمل رجلا على أفضل ثغر
للمسلمين فقد بلغني عمن يقدم من التجار من ذلك الوجه أنه يعطى الجارية من
290

جواريه مثل سهم ألف رجل أما والله ما الله أراد بولايته فعرفت أنه يعنى يزيد
والجهنية فقلت يشكر بلاءهم أيام الأزارقة قال ووصل يزيد عبد الملك بن
سلام السلولي فقال
ما زال سيبك يا يزيد بحوبتي * حتى ارتويت وجودكم لا ينكر
أنت الربيع إذا تكون خصاصة * عاش السقيم به وعاش المقتر
عمت سحابته جميع بلادكم * فرووا وأغدقهم سحاب ممطر
فسقاك ربك حيث كنت مخيلة * ريا سحائبها تروح وتبكر
(وفى هذه السنة) حج بالناس سليمان بن عبد الملك حدثني بذلك أحمد بن ثابت
عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر (وفيها) عزل سليمان طلحة
ابن داود الحضرمي عن مكة قال الواقدي حدثني إبراهيم بن نافع عن ابن أبي
مليكة؟؟ قال لما صدر سليمان بن عبد الملك من الحج عزل طلحة بن داود الحضرمي
عن مكة وكان عمله عليها ستة أشهر وولى عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد
ابن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وكانت عمال الأمصار في هذه
السنة عمالها في السنة التي قبلها إلا خراسان فان عاملها على الحرب والخراج والصلاة
يزيد بن المهلب وكان خليفته على الكوفة فيما قيل حرملة بن عمير اللخمي أشهرا ثم
عزله وولاها بشير بن حسان النهدي
ثم دخلت سنة ثمان وتسعين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك ما كان من توجيه سليمان بن عبد الملك أخاه مسلمة بن عبد الملك إلى
القسطنطينية وأمره أن يقيم عليها حتى يفتحها أو يأتيه أمره فشتا بها وصاف فذكر
محمد بن عمر أن ثور بن يزيد حدثه عن سليمان بن موسى قال لما دنا مسلمة من قسطنطينية
أمر كل فارس أن يحمل على عجز فرسه مدين من طعام حتى يأتي به القسطنطينية
فأمر بالطعام فألقى في ناحية مثل الجبال ثم قال للمسلمين لا تأكلوا منه شيئا أغيروا
291

في أرضهم وازرعوا وعمل بيوتا من خشب فشتا فيها وزرع الناس ومكث ذلك
الطعام في الصحراء لا يكنه شئ والناس يأكلون مما أصابوا من الغارات ثم أكلوا
من الزرع فأقام مسلمة بالقسطنطينية قاهرا لأهلها معه وجوه أهل الشأم خالد
ابن معدان وعبد الله بن أبي زكرياء الخزاعي ومجاهد بن جبر حتى أتاه موت
سليمان فقال القائل
تحمل مديها ومدى مسلمه
* حدثني أحمد بن زهير عن علي بن محمد قال لما ولى سليمان غزا الروم
فنزل دابق وقدم مسلمة فهابه الروم فشخص إليون من أرمينية فقال لمسلمة ابعث
إلى رجلا يكلمني فبعث ابن هبيرة فقال له ابن هبيرة ما تعدون الأحمق فيكم قال
الذي يملا بطنه من كل شئ يجده فقال له ابن هبيرة إنا أصحاب دين ومن ديننا
طاعة أمرائنا قال صدقت كنا وأنتم نقاتل على الدين ونغضب له فأما اليوم فإنا
نقاتل على الغلبة والملك نعطيك عن كل رأس دينارا فرجع ابن هبيرة إلى الروم
من غد وقال أبى أن يرضى أتيته وقد تغدى وملا بطنه ونام فانتبه وقد غلب عليه
البلغم فلم يدر ما قلت وقالت البطارقة لإليون إن صرفت عنا مسلمة ملكناك فوثقوا
له فأتى مسلمة فقال قد علم القوم أنك لا تصدقهم القتال وأنك تطاولهم ما دام الطعام
عندك ولو أحرقت الطعام أعطوا بأيديهم فأحرقه فقوى العدو وضاق المسلمون
حتى كادوا يهلكون فكانوا على ذلك حتى مات سليمان قال وكان سليمان بن عبد الملك
لما نزل دابق أعطى الله عهدا أن لا ينصرف حتى يدخل الجيش الذي وجهه إلى
الروم القسطنطينية قال وهلك ملك الروم فأتاه اليون فأخبره وضمن له أن يدفع
إليه أرض الروم فوجه معه مسلمة حتى نزل بها وجمع كل طعام حولها وحصر أهلها
وأتاهم اليون فملكوه فكتب إلى مسلمة يخبره بالذي كان ويسأله أن يدخل من
الطعام ما يعيش به القوم ويصدقونه بأن أمره وأمر مسلمة واحد وأنهم في أمان
من السباء والخروج من بلادهم وأن يأذن لهم ليلة في حمل الطعام وقد هيأ اليون
السفن والرجال فأذن له فما بقى في تلك الحظائر الا ما لا يذكر حمل في ليلة وأصبح
292

اليون محاربا وقد خدعه خديعة لو كان امرأة لعيب بها فلقى الجند ما لم يلق جيش حتى
إن كان الرجل ليخاف أن يخرج من العسكر وحده وأكلوا الدواب والجلود
وأصول الشجر والورق وكل شئ غير التراب وسليمان مقيم بدابق ونزل الشتاء
فلم يقدر يمدهم حتى هلك سليمان (وفى هذه السنة) بايع سليمان بن عبد الملك لابنه
أيوب بن سليمان وجعله ولى عهده فحدثني عمر بن شبة عن علي بن محمد قال كان
عبد الملك أخذ على الوليد وسليمان أن يبايعا لابن عاتكة ولمروان بن عبد الملك
من بعده قال فحدثني طارق بن المبارك قال مات مروان بن عبد الملك في خلافة
سليمان منصرفه من مكة فبايع سليمان حين مات مروان لأيوب وأمسك عن يزيد
وتربص به ورجا أن يهلك فهلك أيوب وهو ولى عهده (وفى هذه السنة) فتحت
مدينة الصقالبة قال محمد بن عمر أغارت برجان في سنة 98 على مسلمة بن عبد الملك
وهو في قلة من الناس فأمده سليمان بن عبد الملك بمسعدة أو عمرو بن قيس في جمع
فمكرت بهم الصقالبة ثم هزمهم الله بعد أن قتلوا شراحيل بن عبدة (وفى هذه السنة)
فيما زعم الواقدي غزا الوليد بن هشام وعمرو بن قيس فأصيب ناس من أهل إنطاكية
وأصاب الوليد ناسا من ضواحي الروم وأسر منهم بشرا كثيرا (وفى هذه السنة)
غزا يزيد بن المهلب جرجان وطبرستان فذكر هشام بن محمد عن أبي مخنف أن يزيد
ابن المهلب لما قدم خراسان أقام ثلاثة أشهر أو أربعة ثم أقبل إلى دهستان وجرجان
وبعث ابنه مخلدا على خراسان وجاء حتى نزل بدهستان وكان أهلها طائفة من
الترك فأقام عليها وحاصر أهلها معه أهل الكوفة وأهل البصرة وأهل الشأم
ووجوه أهل خراسان والري وهو في مائة ألف مقاتل سوى الموالى والمماليك
والمتطوعين فكانوا يخرجون فيقاتلون الناس فلا يلبثهم الناس أن يهزموهم فيدخلون
حصنهم ثم يخرجون أحيانا فيقاتلون فيشتد قتالهم وكان جهم وجمال ابنا زحر من
يزيد بمكان وكان يكرمهما وكان محمد بن عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي له لسان وبأس
غير أنه كان يفسد نفسه بالشراب وكان لا يكسر غشيان يزيد وأهل بيته وكأنه أيضا
حجزه عن ذلك ما رأى من حسن أثرهم على ابني زحر جهم وجمال وكان إذا نادى
293

المنادى يا خيل الله اركيى وأبشري كان أول فارس من أهل العسكر يبدر إلى
موقف البأس عند الروع محمد بن عبد الرحمن بن أبي سبرة فنودي ذات يوم في
الناس فبدر الناس ابن أبي سبرة فإنه لواقف على تل إذ مر به عثمان بن المفضل فقال
له يا ابن أبي سبرة ما قدرت على أن أسبقك إلى الموقف قط فقال وما يغنى ذلك
عنى وأنتم ترشحون غلمان مذحج وتجهلون حق ذوي الأسنان والتجارب
والبلاء فقال أما إنك لو تريد ما قبلنا لم نعدل عنك ما أنت له أهل قال وخرج
الناس فاقتتلوا قتالا شديدا فحمل محمد بن أبي سبرة على تركي قد صد الناس
عنه فاختلفا ضربتين فثبت سيف التركي في بيضة ابن أبي سبرة وضربه ابن أبي
سبرة فقتله ثم أقبل وسيفه في يده يقطر دما وسيف التركي في بيضته فنظر
الناس إلى أحسن منظر رأوه من فارس ونظر يزيد إلى ائتلاق السيفين والبيضة
والسلاح فقال من هذا فقالوا ابن أبي سبرة فقال لله أبوه أي رجل هو لولا
إسرافه على نفسه وخرج يزيد بعد ذلك يوما وهو يرتاد مكانا يدخل منه على
القوم فلم يشعر بشئ حتى هجم عليه جماعة من الترك وكان معه وجوه الناس
وفرسانهم وكان في نحو من أربعمائة والعدو في نحو من أربعة آلاف فقاتلهم ساعة ثم
قالوا ليزيد أيها الأمير انصرف ونحن نقاتل عنك فأبى أن يفعل وغشى القتال
يومئذ بنفسه وكان كأحدهم وقاتل ابن أبي سبرة وابنا زحر والحجاج ابن جارية
الخثعمي وجل أصحابه فأحسنوا القتال حتى إذا أرادوا الانصراف جعل الحجاج
ابن جارية على الساقة فكان يقاتل من ورائه حتى انتهى إلى الماء وقد كانوا عطشوا
فشربوا وانصرف عنهم العدو ولم يظفروا منهم بشئ فقال سفيان بن صفوان الخثعمي
لولا ابن جارية الأغر جبينه * لسقيت كأسا مرة المتجرع
وحماك في فرسانه وخيوله * حتى وردت الماء غير متعتع
ثم إنه ألح عليها وأنزل الجنود من كل جانب حولها وقطع عنهم المواد فلما
جهدوا وعجزوا عن قتال المسلمين واشتد عليهم الحصار والبلاء بعث صول دهقان
دهستان إلى يزيد إني أصالحك على أن تؤمنني على نفسي وأهل بيتي ومالي وأدفع
294

إليك المدينة وما فيها وأهلها فصالحه وقبل منه ووفى له ودخل المدينة فأخذ
ما كان فيها من الأموال والكنوز ومن السبى شيئا لا يحصى وقتل أربعة عشر
ألف تركي صبرا وكتب بذلك إلى سليمان بن عبد الملك ثم خرج حتى
أتى جرجان وقد كانوا يصالحون أهل الكوفة على مائة ألف ومائتي ألف أحيانا
وثلثمائة ألف وصالحوهم عليها فلما أتاهم يزيد استقبلوه بالصلح وهابوه وزادوه
واستخلف عليهم رجلا من الأزد يقال له أسد بن عبد الله ودخل يزيد إلى الا صبهبذ
في طبرستان فكان معه الفعلة يقطعون الشجر ويصلحون الطرق حتى انتهوا
إليه فنزل به فحصره وغلب على أرضه وأخذ الا صبهبذ يعرض على يزيد الصلح
ويزيده على ما كان يؤخذ منه فيأبى رجاء افتتاحها فبعث ذات يوم أخاه أبا عيينة
في أهل المصرين فأصعد في الجبل إليهم وقد بعث الا صبهبذ إلى الديلم فاستجاش
بهم فاقتتلوا فحازهم المسلمون ساعة وكشفوهم وخرج رأس الديلم يسأل المبارزة
فخرج إليه ابن أبي سبرة فقتله فكانت هزيمتهم حتى انتهى المسلمون إلى فم الشعب
فذهبوا ليصعدوا فيه وأشرف عليهم العدو يرشقونهم بالنشاب ويرمونهم بالحجارة
فانهزم الناس من فم الشعب من غير كبير قتال ولا قوة من عدوهم على اتباعهم
وطلبهم وأقبلوا يركب بعضهم بعضا حتى أخذوا يتساقطون في اللهوب ويتدهدأ
الرجل من رأس الجبل حتى نزلوا إلى عسكر يزيد لا يعبئون بالشر شيئا وأقام
يزبد بمكانه على حاله وأقبل الا صبهبذ بكاتب أهل جرجان ويسألهم أن يثبوا
بأصحاب يزيد وأن يقطعوا عليه مادته والطرق فيما بينه وبين العرب ويعدهم أن
يكافئهم على ذلك فوثبوا بمن كان يزيد خلف من المسلمين فقتلوا منهم من قدروا
عليه واجتمع بقيتهم فتحصنوا في جانب فلم يزالوا فيه حتى خرج إليهم يزيد وأقام
يزيد على الاصبهبذ في أرضه حتى صالحه على سبعمائة ألف درهم وأربعمائة ألف
نقدا ومائتي ألف وأربعمائة حمار موقرة زعفران وأربعمائة رجل على رأس كل
رجل برنس على البرنس طيلسان ولجام من فضة وسرقة من حرير وقد كانوا
صالحوا قبل ذلك على مائتي ألف درهم ثم خرج منها يزيد وأصحابه كأنهم فل ولولا
295

ما صنع أهل جرجان لم يخرج من طبرستان حتى يفتحها وأما غير أبى مخنف فإنه قال في أمر
يزيد وأمر أهل جرجان ما حدثني أحمد بن زهير عن علي بن محمد عن كليب بن خلف
وغيره أن سعيد بن العاص صالح أهل جرجان ثم امتنعوا وكفروا فلم يأت جرجان
بعد سعيد أحد ومنعوا ذلك الطريق فلم يكن يسلك طريق خراسان من ناحيته
أحد إلا على وجل وخوف من أهل جرجان كأن الطريق إلى خراسان من
فارس إلى كرمان فأول من صير الطريق من قومس قتيبة بن مسلم حين ولى
خراسان ثم غزا مصقلة خراسان أيام معاوية في عشرة آلاف فأصيب وجنده
بالرويان وهى متاخمة طبرستان فهلكوا في واد من أوديتها أخذ العدو عليهم
بمضايقه فقتلوا جميعا فهو يسمى وادى مصقلة قال وكان يضرب به المثل حتى يرجع
مثقلة من طبرستان قال على عن كليب بن خلف العمى عن طفيل بن مرداس العمى
وإدريس بن حنظلة أن سعيد بن العاص صالح أهل جرجان فكانوا يجيؤن أحيانا مائة
ألف ويقولون هذا صلحنا وأحيانا مائتي ألف وأحيانا ثلاثمائة ألف وكانوا ربما أعطوا
ذلك وربما منعوه ثم امتنعوا وكفروا فلم يعطوا خراجا حتى أتاهم يزيد بن المهلب فلم يعازه
أحد حين قدمها فلما صالح صول وفتح البحيرة ودهستان صالح أهل جرجان على
صلح سعيد بن العاص * حدثني أحمد عن علي عن كليب بن خلف العمى عن طفيل
ابن مرداس وبشر بن عيسى عن صفوان قال على وحدثني أبو حفص الأزدي
عن سليمان بن كثير وغيرهم أن صول التركي كان ينزل دهستان والبحيرة جزيرة
في البحر بينها وبين دهستان خمسة فراسخ وهما من جرجان مما يلي خوارزم فكان
صول يغير على فيروز بن قول مرزبان جرجان وبينهم خمسة وعشرون فرسخا
فيصيب من أطرافهم ثم يرجع إلى البحيرة ودهستان فوقع بين فيروز وبين ابن عم
له يقال له المرزبان منازعة فاعتزله المرزبان فنزل البياسان فخاف فيروز أن يغير
عليه الترك فخرج إلى يزيد بن المهلب بخراسان وأخذ صول جرجان فلما قدم على
يزيد بن المهلب قال له ما أقدمك قال خفت صولا فهربت منه قال له يزيد هل من
حيلة لقتاله قال نعم شئ واحد إن ظفرت به قتلته أو أعطى بيده قال ما هو قال
إن خرج من جرجان حتى ينزل البحيرة ثم أتيته ثم فحاصرته بها ظفرت به فاكتب
296

إلى الاصبهبذ كتابا تسأله فيه أن يحتال لصول حتى يقيم بجرجان واجعل له على
ذلك جعلا ومنه فإنه يبعث بكتابك إلى صول يتقرب به إليه لأنه يعظمه فيتحول
عن جرجان فينزل البحيرة فكتب يزيد بن المهلب إلى صاحب طبرستان إني
أريد أن أغزو صولا وهو بجرجان فخفت إن بلغه أنى أريد ذلك أن يتحول إلى
البحيرة فينزلها فإن تحول إليها لم أقدر عليه وهو يسمع منك ويستنصحك فإن
حبسته العام بجرجان فلم يأت البحيرة حملت إليك خمسين ألف مثقال فاحتل له
حيلة تحبسه بجرجان فإنه إن أقام بها ظفرت به فلما رأى الاصبهبذ الكتاب أراد
أن يتقرب إلى صول فبعث بالكتاب إليه فلما أتاه الكتاب أمر الناس بالرحيل
إلى البحيرة وحمل الأطعمة ليتحصن فيها وبلغ يزيد أنه قد سار من جرجان إلى
البحيرة فاعتزم على السير إلى الجرجان فخرج في ثلاثين ألفا ومعه فيروز بن قول
واستخلف على خراسان مخلد بن يزيد واستخلف على سمرقند وكس ونسف وبخاري
ابنه معاوية بن يزيد وعلى طخارستان حاتم بن قبيصة بن المهلب وأقبل حتى أتى جرجان
ولم تكن يومئذ مدينة إنما هي جبال محيطة بها وأبواب ومخارم يقوم الرجل
على باب منها فلا يقدم عليه أحد فدخلها يزيد لم يعازه أحد وأصاب أموالا وهرب
المرزبان وخرج يزيد بالناس إلى البحيرة فأناخ على صول وتمثل حين نزل بهم
فخر السيف وارتعشت يداه * وكان بنفسه وقيت نفوس
قال فحاصرهم فكان يخرج إليه صول في الأيام فيقاتله ثم يرجع إلى حصنه
ومع يزيد أهل الكوفة وأهل البصرة ثم ذكر من قصة جهم بن زحر وأخيه ومحمد
نحوا مما ذكره هشام غير أنه قال في ضربة التركي ابن أبي سبرة فنشب سيف
التركي في درقة ابن أبي سبرة قال علي بن محمد عن علي بن مجاهد عن عنبسة قال قاتل
محمد بن أبي سبرة الترك بجرجان فأحاطوا به واعتوروه بأسيافهم فانقطع في يده
ثلاثة أسياف (ثم رجع إلى حديثهم) قال فمكثوا بذلك يعنى الترك محصورين
يخرجون فيقاتلون ثم يرجعون إلى حصنهم ستة أشهر حتى شربوا ماء الأحساء
فأصابهم داء يسمى السؤاد فوقع فيهم الموت وأرسل صول في ذلك يطلب الصلح
297

فقال يزيد بن المهلب لا إلا أن ينزل على حكمي فأبى فأرسل إليه أنى أصالحك على
نفسي ومالي وثلاثمائة من أهل بيتي وخاصتي على أن تؤمنني فتنزل البحيرة فأجابه
إلى ذاك يزيد فخرج بماله وثلاثمائة ممن أحب وصار مع يزيد فقتل يزيد من الأتراك
أربعة عشر ألفا صبرا ومن على الآخرين فلم يقتل منهم أحدا وقال الجند ليزيد
أعطنا أرزاقنا فدعا إدريس بن حنظلة العمى فقال يا ابن حنظلة أحص لنا ما في
البحيرة حتى نعطى الجند فدخلها إدريس فلم يقدر على إحصاء ما فيها فقال ليزيد
فيها ما لا أستطيع إحصاءه وهو في ظروف فنحصي الجواليق ونعلم ما فيها ونقول
للجند ادخلوا فخذوا فمن أخذ شيئا عرفنا ما أخذ من الحنطة والشعير والأرز
والسمسم والعسل قال نعم ما رأيت فأحصوا الجواليق عددا وعلموا كل جولق
ما فيه وقالوا للجند خذوا فكان الرجل يخرج وقد أخذ ثيابا أو طعاما أو ما حمل
من شئ فيكتب على كل رجل ما أخذ فأخذوا شيئا كثيرا قال على قال أبو بكر الهذلي
كان شهر بن حوشب على خزائن يزيد بن المهلب فرفعوا عليه أنه أخذ خريطة
فسأله يزيد عنها فأتاه بها فدعا يزيد الذي رفع عليه فشتمه وقال لشهر هي لك قال
لا حاجة لي فيها فقال القطامي الكلبي ويقال سنان بن مكمل النميري
لقد باع شهر دينه بخريطة * فمن يأمن القراء بعدك يا شهر
أخذت به شيئا طفيفا وبعته * من ابن جونبوذان هذا هو الغدر
وقال مرة النخعي لشهر
يا ابن المهلب ما أردت إلى امرئ * لولاك كان كصالح القراء
قال على قال أبو محمد الثقفي أصاب يزيد بن المهلب تاجا بجرجان فيه جوهر
فقال أترون أحدا يزهد في هذا التاج قالوا لا فدعا محمد بن واسع الأزدي فقال
خذ هذا التاج فهو لك قال لا حاجة لي فيه قال عزمت عليك فأخذه وخرج فأمر
يزيد رجلا ينظر ما يصنع به فلقى سائلا فدفعه إليه فأخذ الرجل السائل فأتى به يزيد
وأخبره الخبر فأخذ يزيد التاج وعوض السائل مالا كثيرا قال على وكان سليمان
ابن عبد الملك كلما افتتح قتيبة فتحا قال ليزيد بن المهلب أما ترى ما يصنع الله على
298

يدي قتيبة فيقول ابن المهلب ما فعلت جرجان التي حالت بين الناس والطريق
الأعظم وأفسدت قومس وأبرشهر ويقول هذه الفتوح ليست بشئ الشأن في
جرجان فلما ولى يزيد بن المهلب لم يكن له همة غير جرجان قال ويقال كان يزيد بن
المهلب في عشرين ومائة ألف معه من أهل الشأم ستون ألفا قال على في حديثه عمن
ذكر خبر جرجان عنهم وزاد فيه علي بن مجاهد عن خالد بن صبيح أن يزيد بن
المهلب لما صالح صول طمع في طبرستان أن يفتحها فاعتزم على أن يسير إليها
فاستعمل عبد الله بن المعمر اليشكري على البياسان ودهستان وخلف معه أربعة
آلاف ثم أقبل إلى أداني جرجان مما يلي طبرستان واستعمل على اندرستان
أسد بن عمرو أو ابن عبد الله بن الربعة وهى مما يلي طبرستان وخلفه في
أربعة آلاف ودخل يزيد بلاد الاصبهبذ فأرسل إليه يسأله الصلح وأن يخرج
من طبرستان فأبى يزيد ورجا أن يفتحها فوجه أخاه أبا عيينة من وجه وخالد بن
يزيد ابنه من وجه وأبا الجهم الكلبي من وجه وقال إذا اجتمعتم فأبو عيينة على
الناس فسار أبو عيينة في أهل المصرين ومعه هريم بن أبي طحمة وقال يزيد لأبي
عيينة شاور هريما فإنه ناصح وأقام يزيد معسكرا قال واستجاش الاصبهبذ بأهل
جيلان وأهل الديلم فأتوه فالتقوا في سند جبل فانهزم المشركون وأتبعهم
المسلمون حتى انتهوا إلى فم الشعب فدخله المسلمون فصعد المشركون في الجبل واتبعهم
المسلمون فرماهم العدو بالنشاب والحجارة فانهزم أبو عيينة والمسلمون فركب
بعضهم بعضا يتساقطون من الجبل فلم يثبتوا حتى انتهوا إلى عسكر يزيد وكف
العدو عن اتباعهم وخافهم الاصبهبذ فكتب إلى المرزبان ابن عم فيروز بن قول
وهو بأقصى جرجان مما يلي البياسان إنا قد قتلنا يزيد وأصحابه فاقتل من في البياسان
من العرب فخرج إلى أهل البياسان والمسلمون غارون في منازلهم قد أجمعوا على
قتلهم فقتلوا جميعا في ليلة فأصبح عبد الله بن المعمر مقتولا وأربعة آلاف من
المسلمين لم ينج منهم أحد وقتل من بنى العم خمسون رجلا قتل الحسين بن عبد الرحمن
وإسماعيل بن إبراهيم بن شماس وكتب إلى الاصبهبذ يأخذ بالمضايق والطرق
وبلغ يزيد قتل عبد الله بن المعمر وأصحابه فأعظموا ذلك وهالهم ففزع يزيد إلى
299

حيان النبطي وقال لا يمنعك ما كان منى إليك من نصيحة المسلمين قد جاءنا عن
جرجان ما جاءنا وقد أخذ هذا بالطرق فاعمل في الصلح قال نعم فأتى حيان
الاصبهبذ فقال أنا رجل منكم وإن كان الدين قد فرق بيني وبينكم فإني لك ناصح
وأنت أحب إلى من يزيد وقد بعث يستمد وأمداده منه قريبة وانما أصابوا منه
طرفا ولست آمن أن يأتيك ما لا تقوم له فأرح نفسك منه وصالحه فإنك إن
صالحته صير حده على أهل جرجان بغدرهم وقتلهم من قتلوا فصالحه على سبعمائة
ألف وقال علي بن مجاهد على خمسمائة ألف وأربعمائة وقر زعفران أو قيمته
من العين وأربعمائة رجل على كل رجل برنس وطيلسان ومع كل رجل جام فضة
وسرقة خز وكسوة ثم رجع إلى يزيد بن المهلب فقال ابعث من يحمل صلحهم
الذي صالحتهم عليه قال من عندهم أو من عندنا قال من عندهم وكان يزيد قد طابت
نفسه على أن يعطيهم ما سألوا ويرجع إلى جرجان فأرسل يزيد من يحمل
ما صالحهم عليه حيان وانصرف إلى جرجان وكان يزيد قد غرم حيانا مائتي
ألف فخاف أن لا يناصحه والسبب الذي له أغرم حيانا فيه ما حدثني علي بن مجاهد
عن خالد بن صبيح قال كنت مؤدبا لولد حيان فدعاني فقال لي اكتب كتابا إلى
مخلد بن يزيد ومخلد يومئذ ببلخ ويزيد بمرو فتناولت القرطاس فقال اكتب
من حيان مولى مصقلة إلى مخلد بن يزيد فغمزني مقتل بن حيان أن لا تكتب
وأقبل على أبيه فقال يا أبت تكتب إلى مخلد وتبدأ بنفسك قال نعم يا بنى فإن لم
يرض لقى ما لقى قتيبة ثم قال لي اكتب فكتبت فبعث مخلد بكتابه إلى أبيه فأغرم
يزيد حيانا مائتي ألف درهم (وفى هذه السنة) فتح يزيد جرجان الفتح الآخر
بعد غدرهم بجنده ونقضهم العهد قال على عن الرهط الذين ذكر أنهم حدثوه بخبر
جرجان وطبرستان ثم إن يزيد لما صالح أهل طبرستان قصد لجرجان فأعطى الله
عهدا لئن ظفر بهم أن لا يقلع عنهم ولا يرفع عنهم السيف حتى يطحن بدمائهم
ويختبز من ذلك الطحين ويأكل منه فلما بلغ المرزبان أنه قد صالح الاصبهبذ وتوجه
إلى جرجان جمع أصحابه وأتى وجاه فتحصن فيها وصاحبها لا يحتاج إلى عدة من
300

طعام ولا شراب وأقبل يزيد حتى نزل عليها وهم متحصنون فيها وحولها غياض
فليس يعرف لها إلا طريق واحد فأقام بذلك سبعة أشهر لا يقدر منهم على شئ
ولا يعرف لهم مأتى إلا من وجه واحد فكانوا يخرجون في الأيام فيقاتلونه
ويرجعون إلى حصنهم فبينا هم على ذلك إذ خرج رجل من عجم خراسان كان مع
يزيد يتصيد ومعه شاكرية له (وقال هشام بن محمد) عن أبي مخنف فخرج رجل
من عسكره من طيئ يتصيد فأبصر وعلا يرقى في الجبل فاتبعه وقال لمن معه قفوا
مكانكم ووقل في الجبل يقتص الأثر فما شعر بشئ حتى هجم على عسكرهم فرجع
يريد أصحابه فخاف أن لا يهتدى فجعل يخرق قباءه ويعقد على الشجر علامات حتى
وصل إلى أصحابه ثم رجع إلى العسكر ويقال إن الذي كان يتصيد الهياج بن عبد الرحمن
الأزدي من أهل طوس وكان منهوما بالصيد فلما رجع إلى العسكر أتى عامر بن
أينم الواشجي صاحب شرطة يزيد فمنعوه من الدخول فصاح إن عندي نصيحة
(وقال هشام) عن أبي مخنف جاء حتى رفع ذلك إلى ابني زحر بن قيس فانطلق
به ابنا زحر حتى أدخلاه على يزيد فأعلمه الخبر فضمن له بضمان الجهنية أم ولد
كانت ليزيد على شئ قد سماه وقال علي بن محمد في حديثه عن أصحابه فدعا به يزيد
فقال ما عندك قال أتريد أن تدخل وجاه بغير قتال قال نعم قال جعالتي قال احتكم
قال أربعة آلاف قال لك دية قال عجلوا لي أربعة آلاف ثم أنتم بعد من وراء
الاحسان فأمر له بأربعة آلاف وندب الناس فانتدب ألف وأربعمائة فقال
الطريق لا يحمل هذه الجماعة لالتفاف الغياض فاختار منهم ثلثمائة فوجههم
واستعمل عليهم جهم بن زحر وقال بعضهم استعمل عليهم ابنه خالد بن يزيد
وقال له ان غلبت على الحياة فلا تغلبن على الموت وإياك أن أراك عندي
منهزما وضم إليه جهم بن زحر وقال يزيد للرجل الذي ندب الناس معه متى
تصل إليهم قال غدا عند العصر فيما بين الصلاتين قال امضوا على بركة الله فانى
سأجهد على مناهضتهم غدا عند صلاة الظهر فساروا فلما قارب انتصاف النهار
من غد أمر يزيد الناس أن يشعلوا النار في حطب كان جمعه في حصاره إياهم فصيره
301

آكاما فأضرموه نارا فلم تزل الشمس حتى صار حول عسكره أمثال الجبال من
النيران ونظر العدو إلى النار فهالهم ما رأوا من كثرتها فخرجوا إليهم وأمر يزيد
الناس حين زالت الشمس فصلوا فجمعوا بين الصلاتين ثم زحفوا إليهم فاقتتلوا
وسار الآخرون بقية يومهم والغد فهجموا على عسكر الترك قبيل العصر وهم
آمنون من ذلك الوجه ويزيد يقاتل من هذا الوجه فما شعروا إلا بالتكبير من
ورائهم فانقطعوا جميعا إلى حصنهم وركبهم المسلمون فأعطوا بأيديهم ونزلوا
على حكم يزيد فسبى ذراريهم وقتل مقاتلتهم وصلبهم فرسخين عن يمين الطريق
ويساره وقادمنهم اثنى عشر ألفا إلى الاندرهز وادى جرجان وقال من طلبهم بثأر
فليقتل فكان الرجل من المسلمين يقتل الأربعة والخمسة في الوادي وأجرى الماء
في الوادي على الدم وعليه أرحاء ليطحن بدمائهم ولتبر يمينه فطحن واختبز وأكل
وبنى مدينة جرجان وقال بعضهم قتل يزيد من أهل جرجان أربعين ألفا ولم تكن
قبل ذلك مدينة ورجع إلى خراسان واستعمل على جرجان جهم بن زحر الجعفي
(وأما هشام) بن محمد فإنه ذكر عن أبي مخنف أنه قال دعا يزيد جهم بن زحر
فبعث معه أربعمائة رجل حتى أخذوا في المكان الذي دلوا عليه وقد أمرهم يزيد
فقال إذا وصلتم إلى المدينة فانتظروا حتى إذا كان في السحر فكبروا ثم انطلقوا
نحو باب المدينة فإنكم تجدوني وقد نهضت بجميع الناس إلى بابها فلما دخل ابن زحر المدينة
أمهل حتى إذا كانت الساعة التي أمره يزيد أن ينهض فيها مشى بأصحابه فأخذ
لا يستقبل من أحراسهم أحدا إلا قتله وكبر ففزع أهل المدينة فزعا لم يدخلهم
مثله قط فيما مضى فلم يرعهم إلا والمسلمون معهم في مدينتهم يكبرون فدهشوا
فألقى الله في قلوبهم الرعب وأقبلوا لا يدرون أين يتوجهون غير أن عصابة منهم
ليسوا بالكثير قد أقبلوا نحو جهم بن زحر فقاتلوا ساعة فدقت يد جهم وصبر
لهم هو أصحابه فلم يلبثوهم أن قتلوهم إلا قليلا وسمع يزيد بن المهلب التكبير
فوثب في الناس إلى الباب فوجدوهم قد شغلهم جهم بن زحر عن الباب فلم يجد عليه
من يمنعه ولا من يدفع عنه كبير دفع ففتح الباب ودخلها الباب ودخلها من ساعته فأخرج من كان فيها
302

من المقاتلة فنصب لهم الجذوع فرسخين عن يمين الطريق ويساره فصلبهم أربعة فراسخ
وسبى أهلها وأصاب ما كان فيها قال على في حديثه عن شيوخه الذين قد ذكرت
أسماءهم قبل وكتب يزيد إلى سليمان بن عبد الملك أما بعد فان الله قد فتح لأمير المؤمنين
فتحا عظيما وصنع للمسلمين أحسن الصنع فلربنا الحمد على نعمه وإحسانه أظهر
في خلافة أمير المؤمنين على جرجان وطبرستان وقد أعيى ذلك سابور ذا الأكتاف
وكسرى بن قباذ وكسرى بن هرمز وأعيى الفاروق عمر بن الخطاب وعثمان بن
عفان ومن بعدهما من خلفاء الله حتى فتح الله ذلك لأمير المؤمنين كرامة من
الله له وزيادة في نعمه عليه وقد صار عندي من خمس ما أفاء الله على المسلمين بعد
أن صار إلى كان ذي حق حقه من الفئ والغنيمة ستة آلاف ألف وأنا حامل ذلك
إلى أمير المؤمنين إن شاء الله فقال له كاتبه المغيرة بن أبي قرة مولى بنى سدوس
لا تكتب بتسمية مال فإنك من ذلك بين أمرين إما استكثره فأمرك بحمله
وإما سخت نفسه لك به فسوغكه فتكلفت الهدية فلا يأتيه من قبلك شئ إلا استقله
فكأني بك قد استغرقت ما سميت ولم يقع منه موقعا ويبقى المال الذي سميت
مخلدا عندهم عليك في دواوينهم فإن ولى وال بعده أخذك به وإن ولى من يتحامل
عليك لم يرض منك بأضعافه فلا تمض كتابك ولكن اكتب بالفتح وسله القدوم
فتشافهه بما أحببت مشافهة وتقصر فإنك إن تقصر عما أحببت أحرى من أن
تكثر فأبى يزيد وأمضى الكتاب وقال بعضهم كان في الكتاب أربعة آلاف
ألف (قال أبو جعفر) وفي هذه السنة توفى أيوب بن سليمان بن عبد الملك فحدثت
عن علي بن محمد قال حدثنا علي بن مجاهد عن شيخ من أهل الري أدرك يزيد قال
أتى يزيد بن المهلب الري حين فرغ من جرجان فبلغه وفاة أيوب بن سليمان وهو
يسير في باغ أبى صالح على باب الري فارتجز راجز بين يديه فقال
إن يك أيوب مضى لشأنه * * * فإن داود لفى مكانه
يقيم ما قد رال من سلطانه
(وفى هذه السنة) فتحت مدينة الصقالبة (وفيها) غزا داود بن سليمان بن
303

عبد الملك أرض الروم ففتح حصن المرأة مما يلي ملطية (وحج) بالناس في
هذه السنة عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد وهو يومئذ أمير على مكة حدثني
بذلك أحمد بن ثابت عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر وكان عمال
الأمصار في هذه السنة هم العمال الذين كانوا عليها سنة سبع وقد ذكرناهم قبل غير
أن عامل يزيد بن المهلب على البصرة في هذه السنة كان فيما قيل سفيان بن
عبد الله الكندي
ثم دخلت سنة تسع وتسعين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك وفاة سليمان بن عبد الملك توفى فيما حدثت عن هشام عن أبي مخنف
بدابق من أرض قنسرين يوم الجمعة لعشر ليال بقين من صفر فكانت ولايته
سنتين وثمانية أشهر إلا خمسة أيام وقد قيل توفى لعشر ليال مضين من صفر وقيل
كانت خلافته سنتين وسبعة أشهر وقيل سنتين وثمانية أشهر وخمسة أيام وقد حدث
الحسن بن حماد عن طلحة أبى محمد عن أشياخه أنهم قالوا استخلف سليمان بن عبد الملك
بعد الوليد ثلاث سنين وصلى عليه عمر بن عبد العزيز * وحدثني أحمد بن ثابت
عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر قال توفى سليمان بن عبد الملك
يوم الجمعة لعشر خلون من صفر سنة 99 فكانت خلافته ثلاث سنين إلا أربعة أشهر
ذكر الخبر عن بعض سيره
حدثت عن علي بن محمد قال كان الناس يقولون سليمان مفتاح الخير ذهب
عنهم الحجاج فولى سليمان فأطلق الأسارى وخلى أهل السجون وأحسن إلى الناس
واسثخلف عمر بن عبد العزيز فقال ابن بيض
حاز الخلافة والداك كلاهما * من بين سخطة ساخط أو طائع
أبواك ثم أخوك أصبح ثالثا * وعلى جبينك نور ملك الرابع
وقال على قال المفضل بن المهلب دخلت على سليمان بدابق يوم جمعة فدعا
304

بثياب فلبسها فلم تعجبه فدعا بغيرها بثياب خضر سوسية بعث بها يزيد بن المهلب
فلبسها واعتم وقال يا ابن المهلب أعجبتك قلت نعم فحسر عن ذراعيه ثم قال أنا
الملك الفتى فصلى الجمعة ثم لم يجمع بعدها وكتب وصيته ودعا ابن أبي نعيم صاحب
الخاتم فختمه قال على قال بعض أهل العلم إن سليمان لبس يوما حلة خضراء وعمامة
خضراء ونظر في المرآة فقال أنا الملك الفتى فما عاش بعد ذلك إلا أسبوعا (قال
على) وحدثنا سحيم بن حفص قال نظرت إلى سليمان جارية له يوما فقال
ما تنظرين فقالت
أنت خير المتاع لو كنت تبقى * * * غير أن لا بقاء للانسان
ليس فيما علمته فيك عيب * * * كان في الناس غير أنك فان
فنفض عمامته (قال على) كان قاضى سليمان سليمان بن حبيب المحاربي وكان
ابن أبي عيينة يقص عنده * وحدثت عن أبي عبيدة عن رؤبة بن العجاج قال
حج سليمان بن عبد الملك وحج الشعراء معه وحججت معهم فلما كان بالمدينة
راجعا تلقوه بنحو من أربعمائة أسير من الروم فقعد سليمان وأقربهم منه مجلسا
عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم فقدم بطريقهم
فقال يا عبد الله اضرب عنقه فقام فما أعطاه أحد سيفا حتى دفع إليه حرسي سيفه
فضربه فأبان الرأس وأطن الساعد وبعض الغل فقال سليمان أما والله ما من
جودة السيف جادت الضربة ولكن لحسبه وجعل يدفع البقية إلى الوجوه وإلى
الناس يقتلونهم حتى دفع إلى جرير رجلا منهم فدست إليه بنو عبس سيفا في قراب
أبيض فضربه فأبان رأسه ودفع إلى الفرزدق أسيرا فلم يجد سيفا فدسوا له سيفا
ددانا متينا لا يقطع فضرب به الأسير ضربات فلم يصنع شيئا فضحك سليمان
والقوم وشمت بالفرزدق بنو عبس أخوال سليمان فألقى السيف وأنشأ يقول
ويعتذر إلى سليمان ويأتسي بنبو سيف ورقاء عن رأس خالد
إن يك سيف خان أو قدر أتى * * * بتأخير نفس حتفها غير شاهد
فسيف بنى عبس وقد ضربوا به * * * نبا بيدي ورقاء عن رأس خالد
305

كذاك سيوف الهند تنبو ظباتها * * * وتقطع أحيانا مناط القلائد
وورقاء هو ورقاء بن زهير بن جذيمة العبسي ضرب خالد بن جعفر بن كلاب
وخالد مكب على أبيه زهير قد ضربه بالسيف وصرعه فأقبل ورقاء بن زهير
فضرب خالدا فلم يصنع شيئا فقال ورقاء بن زهير
رأيت زهيرا تحت كلكل خالد * * * فأقبلت أسعى كالعجول أبادر
فشلت يميني يوم أضرب خالدا * * * ويحصنه منى الحديد المظاهر
وقال الفرزدق في مقامه ذلك
أيعجب الناس إن أضحكت خيرهم * * * خليفة الله يستسقى به المطر
فما نبا السيف عن جبن ولا دهش * * * عند الامام ولكن أخر القدر
ولو ضربت على عمر مقلده * * * لخر جثمانه ما فوقه شعر
وما يعجل نفسا قبل ميتتها * * * جمع اليدين ولا الصمصامة الذكر
وقال جرير في ذلك
بسيف أبى رغوان سيف مجاشع * * * ضربت ولم تضرب بسيف ابن ظالم
ضربت به عند الامام فأرعشت * * * يداك وقالوا محدث غير صارم
* حدثني عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثني سليمان قال حدثني عبد الله
ابن محمد بن عيينة قال أخبرني أبو بكر بن عبد العزيز بن الضحاك بن قيس قال شهد
سليمان بن عبد الملك جنازة بدابق فدفنت في حقل فجعل سليمان يأخذ من تلك
التربة فيقول ما أحسن هذه التربة ما أطيبها فما أتى عليه جمعة أو كما قال حتى دفن
إلى جنب ذلك القبر
خلافة عمر بن عبد العزيز
(وفي هذه السنة) استخلف عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم
ذكر الخبر عن سبب استخلاف سليمان إياه
* حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال حدثنا محمد بن عمر قال حدثني الهيثم
306

ابن واقد قال استخلف عمر بن عبد العزيز بدابق يوم الجمعة لعشر مضين من
صفر سنة 99 قال محمد بن عمر حدثني داود بن خالد بن دينار عن سهيل بن أبي
سهيل قال سمعت رجاء بن حياة يقول لما كان يوم الجمعة لبس سليمان بن
عبد الملك ثيابا خضرا من خز ونظر في المرآة فقال أنا والله الملك الشاب فخرج إلى
الصلاة فصلى بالناس الجمعة فلم يرجع حتس وعك فلما ثقل عهده في كتاب كتبه لبعض بنيه
وهو غلام ولم يبلغ فقلت ما تصنع يا أمير المؤمنين إنه مما يحفظ الخليفة في قبره أن يستخلف
على المسلمين الرجل الصالح فقال سليمان أنا أستخير الله وأنظر فيه ولم أعزم عليه
قال فمكث يوما أو يومين ثم خرقه فدعاني فقال ما ترى في داود بن سليمان فقلت
هو غائب عنك بقسطنطينية وأنت لا تدرى أحي هو أم ميت فقال لي فمن ترى
قلت رأيك يا أمير المؤمنين وأنا أريد أنظر من يذكر قال كيف ترى في عمر بن
عبد العزيز فقلت أعلمه والله خيرا فاضلا مسلما فقال هو والله على ذلك ثم قال
والله لئن وليته ولم أول أحدا سواه لتكونن فتنة ولا يتركونه أبدا يلي عليهم
إلا أن يجعل أحدهم بعده ويزيد بن عبد الملك غائب على الموسم قال فيزيد بن عبد الملك
أجعله بعده فان ذلك مما يسكنهم ويرضون به قلت رأيك قال فكتب بسم الله
الرحمن الرحيم هذا كتاب من عبد الله سليمان أمير المؤمنين لعمر بن عبد العزيز
إني قد وليتك الخلافة من بعدي ومن بعدك يزيد بن عبد الملك فاسمعوا له وأطيعوا
واتقوا الله ولا تختلفوا فيطمع فيكم وختم الكتاب وأرسل إلى كعب بن حامد
العبسي صاحب شرطه فقال مر أهل بيتي فليجتمعوا فأرسل كعب إليهم أن يجتمعوا
فاجتمعوا ثم قال سليمان لرجاء بعد اجتماعهم اذهب بكتابي هذا إليهم فأخبرهم أن
هذا كتابي وأمرهم فليبايعوا من وليت فيه ففعل رجاء فلما قال رجاء ذلك لهم
قالوا ندخل فنسلم على أمير المؤمنين قال نعم فدخلوا فقال لهم سليمان في هذا الكتاب
وهو يشير لهم إليه وهم ينظرون إليه في يد رجاء بن حياة عهدي فاسمعوا وأطيعوا
وبايعوا لمن سميت في هذا الكتاب فبايعوه رجلا رجلا ثم خرج بالكتاب مختوما
في يد رجاء بن حياة قال رجاء فلما تفرقوا جاءني عمر بن عبد العزيز فقال أخشى
307

أن يكون هذا أسند إلى شيئا من هذا الامر فأنشدك الله وحرمتي ومودتي إلا
أعلمتني إن كان ذلك حتى أستعفيه الآن قبل أن تأتى حال لا أقدر فيها على ما أقدر
عليه الساعة قال رجاء لا والله ما أنا بمخبرك حرفا قال فذهب عمر غضبان قال
رجاء وليقيني هشام بن عبد الملك فقال يا رجاء إن لي بك حرمة ومودة قديمة وعندي
شكر فأعلمني هذا الامر فإن كان إلى علمت وإن كان إلى غيري تكلمت فليس
مثلي قصر به فأعلمني فلك الله على أن لا أذكر من ذلك شيئا أبدا قال رجاء فأبيت
فقلت والله لا أخبرك حرفا وأحدا مما أسر إلى قال فانصرف هشام وهو قد يئس
ويضرب بإحدى يديه على الأخرى وهو يقول فإلى من إذا نحيت عنى أتخرج
من بنى عبد الملك قال رجاء ودخلت على سليمان فإذا هو يموت فجعلت إذا أخذته
السكرة من سكرات الموت حرفته إلى القبلة فجعل يقول حين يفيق لم يأن لذلك
بعد يا رجاء ففعلت ذلك مرتين فلما كانت الثلاثة قال من الآن يا رجاء ان كنت
تريد شيئا أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله قال فحرفته ومات
فلما غمضته سجيته بقطيفة خضراء وأغلقت الباب وأرسلت إلى زوجته تقول
كيف أصبح فقلت نائم وقد تغطي فنظر الرسول إليه مغطى بالقطيفة فرجع فأخبرها
فقبلت ذلك وظنت أنه نائم قال رجاء وأجلست على الباب من أثق به وأوصيته
أن لا يبرح حتى آتيه ولا يدخل على الخليفة أحد قال فخرجت فأرسلت إلى كعب
ابن حامد العبسي فجمع أهل بيت أمير المؤمنين فاجتمعوا في مسجد دابق فقلت
بايعوا فقالوا قد بايعنا مرة ونبايع أخرى قلت هذا عهد أمير المؤمنين فبايعوا على
ما أمر به ومن سمى في هذا الكتاب المختوم فبايعوا الثانية رجلا رجلا قال رجاء
فلما بايعوا بعد موت سليمان رأيت أنى قد أحكمت الامر قلت قوموا إلى صاحبكم
فقد مات قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون وقرأت الكتاب عليهم فلما انتهيت إلى ذكر عمر
ابن عبد العزيز نادى هشام بن عبد الملك لا تبايعه أبدا قلت أضرب والله عنقك قم فبايع
فقام يجر رجليه قال رجال وأخذت بضبعي عمر بن عبد العزيز فأجلسته لما وقع فيه وهشام
يسترجع على المنبر وهو يسترجع لما أخطأه فلما انتهى هشام إلى عمر قال عمر إنا لله
308

وإنا إليه راجعون حين صارت إلى لكراهته والآخر يقول إنا لله وإنا إليه راجعون
حيث نحيت عنى قال وغسل سليمان وكفن وصلى عليه عمر بن عبد العزيز قال
رجاء فلما فرغ من دفنه أتى بمراكب الخلافة البراذين والخيل والبغال ولكل دابة
سائس فقال ما هذا قالوا مركب الخلافة قال دابتي أوفق لي وركب دابته قال
فصرفت تلك الدواب ثم أقبل سائرا فقيل منزل الخلافة فقال فيه عيال أبى أيوب
وفي فسطاطي كفاية حتى يتحولوا فأقام في منزله حتى فرغوه بعد قال رجاء فلما
كان المساء من ذلك اليوم قال يا رجاء ادع لي كاتبا فدعوته وقد رأيت منه كل
ما سرنى صنع في المراكب ما صنع وفي منزل سليمان فقلت كيف يصنع الآن في
الكتاب أيصنع نسخا أم ماذا فلما جلس الكاتب أملى عليه كتابا واحدا من فيه
إلى يد الكاتب بغير نسخة فأملى أحسن إملاء وأبلغه وأوجزه ثم أمر بذلك
الكتاب أن ينسخ إلى كل بلد وبلغ عبد العزيز بن الوليد وكان غائبا عن موت
سليمان بن عبد الملك ولم يعلم ببيعة الناس عمر بن عبد العزيز وعهد سليمان إلى
عمر فعقد لواء ودعا إلى نفسه فبلغته بيعة الناس عمر بعهد سليمان فأقبل حتى دخل
على عمر بن عبد العزيز فقال له عمر قد بلغني أنك كنت بايعت من قبلك وأردت
دخول دمشق فقال قد كان ذلك وذلك أنه بلغني أن الخليفة سليمان لم يكن عقد
لاحد فخفت على الأموال أن تنتهب فقال عمر لو بايعت وقمت بالامر ما نازعتك
ذلك ولقعدت في بيتي فقال عبد العزيز ما أحب أنه ولى هذا الامر غيرك وبايع
عمر بن عبد العزيز قال فكان يرجى لسليمان بتوليته عمر بن عبد العزيز وترك
ولده (وفي هذه السنة) وجه عمر بن عبد العزيز إلى مسلمة وهو بأرض الروم
وأمره بالقفول منها بمن معه من المسلمين ووجه إليه خيلا عتاقا وطعاما كثيرا
وحث الناس على معونهم وكان الذي وجه إليه من الخيل العتاق فيما قيل خمسمائة
فرس (وفي هذه السنة) أغارت الترك على آذربيجان فقتلوا من المسلمين جماعة
ونالوا منهم فوجه إليهم عمر بن عبد العزيز بن حاتم بن النعمان الباهلي فقتل أولئك
الترك فلم يفلت منهم الا اليسير فقدم منهم على عمر بخناصرة بخمسين أسيرا (وفيها)
309

عزل عمر يزيد بن المهلب عن العراق ووجه على البصرة وأرضها عدى بن أرطاة
الفزاري وبعث على الكوفة وأرضها عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب
الأعرج القرشي من بنى عدى بن كعب وضم إليه أبا الزناد فكان أبو الزناد كاتب
عبد الحميد بن عبد الرحمن وبعث عدى في أثر يزيد بن المهلب موسى بن الوجيه الحميري
(وحج) بالناس في هذه السنة أبو بكر محمد بن عمرو بن حزم وكان عامل عمر على المدينة
وكان عامل عمر على مكة في هذه السنة عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد وعلى
الكوفة وأرضها عبد الحميد بن عبد الرحمن وعلى البصرة وأرضها عدى بن ارطاة وعلى
خراسان الجراح بن عبد الله وعلى قضاء البصرة إياس بن معاوية بن قرة المزني
وقد ولى فيما ذكر قبله الحسن بن أبي الحسن فشكى فاستقصى إياس بن معاوية وكان
على قضاء الكوفة في هذه السنة فيما قيل عامر الشعبي (وكان الواقدي) يقول كان
الشعبي على قضاء الكوفة أيام عمر بن عبد العزيز من قبل عبد الحميد بن عبد الرحمن
والحسن بن أبي الحسن البصري على قضاء البصرة من قبل عدى بن أرطاة ثم إن الحسن
استعفى من القضاء عديا فأعفاه وولى إياسا
ثم دخلت سنة مائة
ذكر الخبر عن الاحداث التي كانت فيها
فمن ذلك خروج الخارجة التي خرجت على عمر بن عبد العزيز بالعراق
ذكر الخبر عن أمرهم
ذكر محمد بن عمر أن ابن أبي الزناد حدثه قال خرجت حرورية بالعراق فكتب
عمر بن عبد العزيز إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عامل العراق
يأمره أن يدعوهم إلى العمل بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فلما أعذر
في دعائهم بعث إليهم عبد الحميد جيشا فهزمتهم الحرورية فبلغ عمر فبعث إليهم
مسلمة بن عبد الملك في جيش من أهل الشأم جهزهم من الرقة وكتب إلى عبد الحميد
قد بلغني ما فعل جيشك جيش السوء وقد بعثت مسلمة بن عبد الملك فخل بينه وبينهم
310

فلقيهم مسلمة في أهل الشأم فلم ينشب أن أظهره الله عليهم (وذكر أبو عبيدة)
معمر بن المثنى أن الذي خرج على عبد الحميد بن عبد الرحمن بالعراق في خلافة
عمر بن عبد العزيز شوذب واسمه بسطام من بنى يشكر فكان مخرجه بجوخى
في ثمانين فارسا أكثرهم من ربيعة فكتب عمر بن عبد العزيز إلى عبد الحميد ألا
تحركهم إلا أن يسفكوا دما أو يفسدوا في الأرض فان فعلوا فحل بينهم وبين
ذلك وانظر رجلا صليبا حازما فوجهه إليهم ووجه معه جندا وأوصه بما أمرتك
به فعقد عبد الحميد لمحمد بن جرير بن عبد الله البجلي في ألفين من أهل الكوفة وأمره
بما أمره به عمر وكتب عمر إلى بسطام يدعوه ويسأله عن مخرجه فقدم كتاب
عمر عليه وقد قدم عليه محمد بن جرير فقام بإزائه لا يحركه ولا يهيجه فكان
في كتاب عمر إليه انه بلغني أنك خرجت غضبا لله ولنبيه ولست بأولى بذلك منى
فهلم؟؟ أناظرك فإن كان الحق بأيدينا دخلت فيما دخل فيه الناس وإن كان في يدك
نظرنا في أمرنا قلم يحرك بسطام شيئا وكتب إلى عمر قدم أنصفت وقد بعثت
إليك رجلين يدارسانك ويناظرانك قال أبو عبيدة أحد الرجلين اللذين بعثهما
شوذب إلى عمر ممزوج مولى بنى شيبان والآخر من صليبة بنى يشكر قال فيقال
أرسل نفرا فيهم هذان فأرسل إليهم عمر أن اختاروا رجلين فاختاروهما فدخلا
عليه فناظراه فقالا له أخبرنا عن يزيد لم تقره خليفة بعدك قال صيره غيري
قال أفرأيت لو وليت مالا لغيرك ثم وكلته إلى غير مأمون عليه أتراك كنت أديت
الأمانة إلى من ائتمتك قال فقال أنظراني ثلاثا فخرجا من عنده وخاف
بنو مروان أن يخرج ما عندهم وفي أيديهم من الأموال وأن يخلع يزيد فدسوا إليه
من سقاه سما فلم يلبث بعد خروجهما من عنده إلا ثلاثا حتى مات (وفي هذه
السنة) أغزى عمر بن عبد العزيز الوليد بن هشام المعيطي وعمرو بن قيس الكندي
من أهل حمص الصائفة (وفيها) شخص عمر بن هبيرة الفزاري إلى الجزيرة
عاملا لعمر عليها (وفى هذه السنة) حمل يزيد بن المهلب من العراق إلى عمر
ابن عبد العزيز
311

ذكر الخبر عن سبب ذلك وكيف وصل إليه حتى استوثق منه
اختلف أهل السير في ذلك فأما هشام بن محمد فإنه ذكر عن أبي مخنف أن عمر
ابن عبد العزيز لما جاء يزيد بن المهلب فنزل واسطا ثم ركب السفن يريد
البصرة بعث عدى بن ارطاة إلى البصرة أميرا فبعث عدى موسى بن الوجيه
الحميري فلحقه في نهر معقل عند الجسر جسر البصرة فأوثقه ثم بعث به إلى عمر بن
عبد العزيز فقدم به عليه موسى بن الوجيه فدعا به عمر بن عبد العزيز وقد كان عمر
يبغض يزيد وأهل بيته ويقول هؤلاء جبابرة ولا أحب مثلهم وكان يزيد بن
المهلب يبغض عمر ويقول إني لا ظنه مرائيا فلما ولى عمر عرف يزيد أن عمر كان
من الرياء بعيدا ولما دعا عمر يزيد سأله عن الأموال التي كتب بها إلى سليمان
ابن عبد الملك فقال كنت من سليمان بالمكان الذي قد رأيت وإنما كتبت إلى سليمان
لا سمع الناس به وقد علمت أن سليمان لم يكن ليأخذني بشئ سمعت ولا بأمر أكرهه
فقال له ما أجد في أمرك إلا حبسك فاتق الله وأد ما قبلك فإنها حقوق المسلمين
ولا يسعني تركها فرده إلى محبسه وبعث إلى الجراح بن عبد الله الحكمي فسرحه
إلى خراسان وأقبل مخلد بن يزيد من خراسان يعطى الناس ولا يمر بكورة
الا أعطاهم فيها أموالا عظاما ثم خرج حتى قدم على عمر بن عبد العزيز فدخل
عليه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن الله يا أمير المؤمنين صنع لهذه الأمة بولايتك
عليها وقد ابتلينا بك فلا نكن أشقى الناس بولايتك علام تحبس هذا الشيخ
أنا أتحمل ما عليه فصالحني على ما إياه تسأل فقال عمر لا الا أن تحمل جميع
ما نسأله إياه فقال يا أمير المؤمنين إن كانت لك بينة فخذ بها وإن لم تكن بينة فصدق
مقالة يزيد وإلا فاستحلفه فإن لم يفعل فصالحه فقال له عمر ما أجد إلا أخذه
بجميع المال فلما خرج مخلد قال هذا خير عندي من أبيه فلم يلبث مخلد إلا قليلا
حتى مات فلما أبى يزيد أن يؤدى إلى عمر شيئا ألبسه جبة من صوف وحمله على
جمل ثم قال سيروا به إلى دهلك فلما أخرج فمر به على الناس أخذ يقول مالي
عشيرة مالي يذهب بي إلى دهلك إنما يذهب إلى دهلك بالفاسق المريب الخارب
312

سبحان الله أما لي عشيرة فدخل على عمر سلامة بن نعيم الخولاني فقال يا أمير
المؤمنين أردد يزيد إلى محبسه فإني أخاف إن أمضيته أن ينتزعه قومه فإني قد
رأيت قومه غضبوا له فرده إلى محبسه فلم يزل في محبسه ذلك حتى بلغه مرض
عمر * وأما غير أبى مخنف فإنه قال كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدى بن ارطاة
يأمره بتوجيه يزيد بن المهلب ودفعه إلى من بعين التمر من الجند فوجهه عدى
ابن ارطاة مع وكيع بن حسان بن أبي سود التميمي مغلولا مقيدا في سفينة فلما
انتهى به إلى نهر أبان عرض لوكيع ناس من الأزد لينتزعوه منه فوثب وكيع
فانتضى سيفه وقطع قلس السفينة وأخذ سيف يزيد بن المهلب وحلف بطلاق
امرأته ليضربن عنقه إن لم يتفرقوا فناداهم يزيد بن المهلب فأعلمهم يمين وكيع
فتفرقوا ومضى به حتى سلمه إلى الجند الذين بعين التمر ورجع وكيع إلى عدى
ابن ارطاة ومضى الجند الذين بعين التمر بيزيد بن المهلب إلى عمر بن عبد العزيز
فحبسه في السجن (قال أبو جعفر) وفى هذه السنة عزل عمر بن عبد العزيز
الجراح بن عبد الله عن خراسان وولاها عبد الرحمن بن نعيم القشيري فكانت
ولاية الجراح بخراسان سنة وخمسة أشهر قدمها سنة 99 وخرج منها لأيام بقيت
من شهر رمضان سنة 100
ذكر سبب عزل عمر إياه
وكان سبب ذلك فيما ذكر علي بن محمد عن كليب بن خلف عن إدريس بن
حنظلة والمفضل عن جده وعلي بن مجاهد عن خالد بن عبد العزيز أن يزيد بن
المهلب ولى جهم بن زحر جرجان حين شخص عنها فلما كان من أمر يزيد ما كان وجه
عامل العراق من العراق واليا على جرجان فقدم الوالي عليها من العراق فأخذه جهم
فقيده وقيد رهطا قدموا معه ثم خرج في خمسين من اليمن يريد الجراح بخراسان فأطلق
أهل جرجان عاملهم فقال الجراح لجهم لولا أنك ابن عمى لم أسوغك هذا فقال له جهم
ولولا أنك ابن عمى لم آتك وكان جهم سلف الجراح من قبل ابنتي حصين بن الحارث
وابن عمه لان الحكم وجعفى ابنا سعد فقال له الجراح خالفت إمامك وخرجت
313

عاصيا فاغز لعلك أن تظفر فيصلح أمرك عند خليفتك فوجهه إلى الختل فخرج
فلما قرب منهم سار متنكرا في ثلاثة وخلف في عسكره ابن عمه القاسم بن
حبيب وهو ختنه على ابنته أم الأسود حتى دخل على صاحب الختل فقال له
أخلني فأخلاه فاعتزى فنزل صاحب الختل عن سريره وأعطاه حاجته ويقولون
الختل موالى النعمان وأصاب مغنما فكتب الجراح إلى عمرو أوفد وفدا رجلين
من العرب ورجلا من الموالى من بنى ضبة ويكنى أبا الصيداء واسمه صالح
ابن طريق كان فاضلا في دينه وقال بعضهم المولى سعيد أخو خالد أو يزيد
النحوي فتكلم العربيان والاخر جالس فقال له عمر أما أنت من الوفد قال
بلى قال فما يمنعك من الكلام قال يا أمير المؤمنين عشرون ألفا من الموالى
يغزون بلا عطاء ولا رزق ومثلهم قد أسلموا من أهل الذمة يؤخذون بالخراج
وأميرنا عصبي جاف يقوم على منبرنا فيقول أتيتكم حفيا وأنا اليوم عصبي
والله لرجل من قومي أحب إلى من مائة من غيرهم وبلغ من جفائه أن كم درعه
ببلغ نصف درعه وهو بعد سيف من سيوف الحجاج قد عمل بالظلم والعدوان
فقال عمر إذن مثلك فليوفد وكتب عمر إلى الجراح انظر من صلى قبلك
إلى القبلة فضع عنه الجزية فسارع الناس إلى الاسلام فقيل للجراح ان الناس
قد سارعوا إلى الاسلام وإنما ذلك نفورا من الجزية فامتحنهم بالختان فكتب
الجراح بذلك إلى عمر فكتب إليه عمر إن الله بعث محمدا صلى الله عليه داعيا
ولم يبعثه خاتنا وقال عمر ابغونى رجلا صدوقا أسأله عن خراسان فقيل له قد
وجدته عليك بأبي مجلز فكتب إلى الجراح أن أقبل واحمل أبا مجلز وخلف على
حرب خراسان عبد الرحمن بن نعيم الغامدي وعلى جزيتها عبيد الله أو عبد الله
ابن حبيب فخطب الجراح فقال يا أهل خراسان جئتكم في ثيابي هذه التي على
وعلى فرسى لم أصب من مالكم إلا حلية سيفي ولم يكن عنده إلا فرس قد شاب
وجهه وبغلة قد شاب وجهها فخرج في شهر رمضان واستخلف عبد الرحمن بن
نعيم فلما قدم قال له عمر متى خرجت قال في شهر رمضان قال قد صدق من
314

وصفك بالجفاء هلا أقمت حتى تفطر ثم تخرج وكان الجراح يقول أنا والله
عصبي عقبى يريد من العصبية وكان الجراح لما قدم خراسان كتب إلى عمر إني
قدمت خراسان فوجدت قوما قد أبطرتهم الفتنة فهم ينزون فيها نزوا أحب
الأمور إليهم أن تعود ليمنعوا حق الله عليهم فليس يكفهم إلا السيف والسوط
وكرهت الاقدام على ذلك إلا بإذنك فكتب إليه عمر يا ابن أم الجراح أنت
أحرص على الفتنة منهم لا تضربن مؤمنا ولا معاهدا سوطا إلا في حق واحذر
القصاص فإنك صائر إلى من يعلم خائنة الا عين وما تخفى الصدور وتقرأ كتابا
لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ولما أراد الجراح الشخص من خراسان
إلى عمر بن عبد العزيز أخذ عشرين ألفا وقال بعضهم عشرة آلاف من بيت
المال وقال هي على سلفا حتى أؤديها إلى الخليفة فقدم على عمر فقال له عمر متى
خرجت قال لأيام بقين من شهر رمضان وعلى دين فاقضه قال لو قمت حتى تفطر
ثم خرجت قضيت عنك فأدى عنه قومه في أعطياتهم
ذكر الخبر عن سبب تولية عمر بن عبد العزيز عبد الرحمن بن نعيم
وعبد الرحمن بن عبد الله القشيري خراسان
وكان سبب ذلك فيما ذكر لي أن الجراح بن عبد الله لما شكى واستقدمه عمر
ابن عبد العزيز فقدم عليه عزله عن خراسان لما قد ذكرت قبل ثم إن عمر لما
أراد استعمال عامل على خراسان قال فيما ذكر علي بن محمد عن خارجة بن مصعب
الضبعي وعبد الله بن المبارك وغيرهما ابغونى رجلا صدوقا أسأله عن خراسان
فقيل له أبو مجلز لا حق بن حميد فكتب إليه فقدم عليه وكان رجلا لا تأخذه العين
فدخل أبو مجلز على عمر في جفة الناس فلم يثبته عمر وخرج مع الناس فسأل عنه
فقيل دخل مع الناس ثم خرج فدعا به عمر فقال يا أبا مجلز لم أعرفك قال فهلا
أنكرتني إذ لم تعرفني قال أخبرني عن عبد الرحمن بن عبد الله قال يكافئ الأكفاء
ويعادي الأعداء وهو أمير يفعل ما يشاء ويقدم إن وجد من يساعده قال عبد الرحمن
ابن نعيم قال ضعيف لين يحب العافية وتأتى له قال الذي يحب العافية وتأتى له
315

أحب إلى فولاه الصلاة والحرب وولى عبد الرحمن القشيري ثم أحد بنى الأعور
ابن قشير الخراج وكتب إلى أهل خراسان إني استعملت عبد الرحمن على حربكم
وعبد الرحمن بن عبد الله على خراجكم عن غير معرفة منى بهما ولا اختيار إلا ما أخبرت
عنهما فإن كانا على ما تحبون فاحمدوا الله وإن كانا على غير ذلك فاستعينوا بالله
ولا حول ولا قوة إلا بالله قال على وحدثنا أبو السرى الأزدي عن إبراهيم الصائغ
أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عبد الرحمن بن نعيم أما بعد فكن عبدا ناصحا لله
في عباده ولا يأخذك في الله لومة لائم فإن الله أولى بك من الناس وحقه عليك
أعظم فلا تولين شيئا من أمر المسلمين إلا المعروف بالنصيحة لهم والتوفير عليهم
وأداء الأمانة فيما استرعى وإياك أن يكون ميلك ميلا إلى غير الحق فإن الله
لا يخفى عليه خافية ولا تذهبن عن الله مذهبا فإنه لا ملجأ من الله إلا إليه قال على
عن محمد الباهلي وأبى نهيك بن زياد وغيرهما إن عمر بن عبد العزيز بعث بعهد
عبد الرحمن بن نعيم على حرب خراسان وسجستان مع عبد الله بن صخر القرشي فلم
يزل عبد الرحمن بن نعيم على خراسان حتى مات عمر بن عبد العزيز وبعد ذلك
حتى قتل يزيد بن المهلب ووجه مسلمة سعيد بن عبد العزيز بن الحارث بن الحكم
فكانت ولايته أكثر من سنة ونصف وليها في شهر رمضان من سنة 100 وعزل
سنة 102 بعد ما قتل يزيد بن المهلب قال على كانت ولاية عبد الرحمن بن نعيم
خراسان ستة عشر شهرا
أول الدعوة
(قال أبو جعفر) وفى هذه السنة أعنى سنة 100 وجه محمد بن علي بن عبد الله
ابن عباس من أرض الشراة ميسرة إلى العراق ووجه محمد بن خنيس وأبا عكرمة
السراج وهو أبو محمد الصادق وحيان العطار خال إبراهيم بن سلمة إلى خراسان
وعليها يومئذ الجراح بن عبد الله الحكمي من قبل عمر بن عبد العزيز وأمرهم
بالدعاء إليه والى أهل بيته فلقوا من لقوا ثم انصرفوا بكتب من استجاب لهم إلى
محمد بن علي فدفعوها إلى ميسرة فبعث بها ميسرة إلى محمد بن علي واختار أبو محمد
316

الصادق لمحمد بن علي اثنى عشر رجلا نقباء منهم سليمان بن كثير الخزاعي ولاهز
ابن قريظ التميمي وقحطبة بن شبيب الطائي وموسى بن كعب التميمي وخالد بن
إبراهيم أبو داود من بنى عمرو بن شيبان بن ذهل والقاسم بن مجاشع التميمي
وعمران بن إسماعيل أبو النجم مولى لآل أبى معيط ومالك بن الهيثم الخزاعي
وطلحة بن زريق الخزاعي وعمرو بن أعين أبو حمزة مولى لخزاعة وشبل بن
طهمان أبو علي الهروي مولى لبنى حنيفة وعيسى بن أعين مولى خزاعة واختار
سبعين رجلا فكتب إليهم محمد بن علي كتابا ليكون لهم مثالا وسيرة يسيرون
بها (وحج) بالناس في هذه السنة أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم حدثني بذلك
أحمد بن ثابت عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر وكذلك قال الواقدي
وكان عمال الأمصار في هذه السنة العمال في السنة التي قبلها وقد ذكرناهم قبل
ما خلا عامل خراسان فان عاملها كان في آخرها عبد الرحمن بن نعيم على الصلاة
والحرب وعبد الرحمن بن عبد الله على الخراج
ثم دخلت سنة إحدى ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك ما كان من هرب يزيد بن المهلب من حبس عمر بن عبد العزيز
ذكر الخبر عن سبب هربه منه وكيف كان هربه منه
ذكر هشام بن محمد عن أبي مخنف أن عمر بن عبد العزيز لما كلم في يزيد
ابن المهلب حين أراد نفيه إلى دهلك وقيل له إنا نخشى أن ينتزعه قومه رده إلى
محبسه فلم يزل في محبسه ذلك حتى بلغه مرض عمر فأخذ يعمل بعد في الهرب من
محبسه مخافة يزيد بن عبد الملك لأنه كان قد عذب أصهاره آل أبي عقيل كانت أم
الحجاج بنت محمد بن يوسف أخي الحجاج بن يوسف عند يزيد بن عبد الملك
فولدت له الوليد بن يزيد المقتول فكان يزيد بن عبد الملك قد عاهد الله لئن أمكنه
الله من يزيد بن المهلب ليقطعن منه طابقا فكان يخشى ذلك فبعث يزيد بن المهلب
317

إلى مواليه فأعدوا له إبلا وكان مرض عمر في دير سمعان فلما اشتد مرض عمر
أمر بإبله فأتى بها فلما تبين له أنه قد ثقل نزل من محبسه فخرج حتى مضى إلى المكان الذي
واعدهم فيه فلم يجدهم جاءوا فجزع أصحابه وضجروا فقال لأصحابه أتروني أرجع إلى
السجن لا والله لا أرجع إليه أبدا ثم إن الإبل جاءت فاحتمل فخرج ومعه عاتكة امرأته
ابنة الفرات بن معاوية العامرية من بنى البكافى شق المحمل فمضى فلما جاز كتب إلى عمر
ابن عبد العزيز إني والله لو علمت أنك تبقى ما خرجت من محبسي ولكني لم آمن
يزيد بن عبد الملك فقال عمر اللهم إن كان يزيد يريد بهذه الأمة شرافا كفهم شره
واردد كيده في نحره ومضى يزيد بن المهلب حتى مر بحدث الزقاق وفيه الهذيل
ابن زفر معه قيس فأتبعوا يزيد بن المهلب حيث مر بهم فأصابوا طرفا من ثقله وغلمة
من وصفائه فأرسل الهذيل بن زفرفى آثارهم فردهم فقال ما تطلبون أخبروني
أتطلبون يزيد بن المهلب أو أحدا من قومه بتبل فقالوا لا قال فما تريدون إنما
هو رجل كان في أسار فخاف على نفسه فهرب وزعم الواقدي أن يزيد بن المهلب
إنما هرب من سجن عمر بعد موت عمر (وفى هذه السنة) توفى عمر بن عبد العزيز
فحدثني أحمد بن ثابت عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر قال توفى عمر
ابن عبد العزيز لخمس ليال بقين من رجب سنة 101 وكذلك قال محمد بن عمر حدثني
الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني عمرو بن عثمان قال
مات عمر بن عبد العزيز لعشر ليال بقين من رجب سنة 101 (وقال هشام)
عن أبي مخنف مات عمر بن عبد العزيز يوم الجمعة لخمس بقين من رجب بدير سمعان
في سنة 101 وهو ابن تسع وثلاثين سنة وأشهر وكانت خلافته سنتين وخمسة
أشهر ومات بدير سمعان * حدثني الحارث قال حدثنا أحمد بن سعد قال أخبرنا
محمد بن عمر قال حدثني عمى الهيثم بن واقد قال ولدت سنة 97 واستخلف عمر
ابن عبد العزيز بدابق يوم الجمعة لعشر بقين من صفر سنة 99 فأصابني من قسمه
ثلاثة دنانير وتوفى بخناصرة يوم الأربعاء لخمس ليال بقين من رجب سنة 101
وكان شكوه عشرين يوما وكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر وأربعة أيام ومات
318

وهو ابن تسع وثلاثين سنة وأشهر ودفن بدير سمعان وقد قال بعضهم كان له يوم
توفى تسع وثلاثون سنة وخمسة أشهر * وقال بعضهم كان له أربعون سنة (وقال
هشام) توفى عمر وهو ابن أربعين سنة وأشهر وكان يكنى أبا حفص وله يقول
عويف القوافي وقد حضره في جنازة شهدها معه
أجبني أبا حفص لقيت محمدا * على حوضه مستبشرا من وراكا
فأنت امرؤ كلتا يديك مفيدة * شمالك خير من يمين سواكا
وأمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب وكان يقال له أشج بنى أمية وذلك
أن دابة من دواب أبيه كانت شجته فقيل له أشج بنى أمية * حدثني الحارث
قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا سليمان بن حرب قال حدثنا المبارك بن فضالة عن
عبيد الله بن عمر عن نافع قال كنت أسمع ابن عمر كثيرا يقول ليت شعري من هذا
الذي من ولد عمر في وجهه علامة يملأ الأرض عدلا * وحدثت عن منصور
ابن أبي مزاحم قال حدثنا مروان بن شجاع عن سالم الأفطس أن عمر بن
عبد العزيز رمحته دابة وهو غلام بدمشق فأتيت به أمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر
ابن الخطاب فضمته إليها وجعلت تمسح الدم عن وجهه ودخل أبوه عليها على تلك
الحال فأقبلت عليه تعذله وتلومه وتقول ضيعت ابني ولم تضم إليه خادما ولا حاضنا
يحفظه من مثل هذا فقال لها اسكتي يا أم عاصم فطوباك إذ كان أشج بنى أمية
ذكر بعض سيره
ذكر علي بن محمد أن كليب بن خلف حدثهم عن إدريس بن حنظلة والمفضل
عن جده وعلي بن مجاهد عن خالد أن عمر بن عبد العزيز كتب حين ولى الخلافة
إلى يزيد بن المهلب أما بعد فان سليمان كان عبدا من عبيد الله أنعم الله عليه ثم قبضه
واستخلفني ويزيد بن عبد الملك من بعدي إن كان وإن الذي ولانى الله من ذلك
وقدر لي ليس على بهين ولو كانت رغبتي في اتخاذ أزواج واعتقاد أموال كان
في الذي أعطاني من ذلك ما قد بلغ بي أفضل ما بلغ بأحد من خلقه وأنا أخاف فيما
ابتليت به حسابا شديدا ومسألة غليظة إلا ما عافى الله ورحم وقد بايع من قبلنا
319

فبايع من قبلك فلما قدم الكتاب على يزيد بن المهلب ألقاه إلى أبى عيينة فلما قرأه
قال لست من عماله قال ولم قال ليس هذا كلام من مضى من أهل بيته وليس يريد
أن يسلك مسلكهم فدعا الناس إلى البيعة فبايعوا قال ثم كتب عمر إلى يزيد
استخلف على خراسان وأقبل فاستخلف ابنه مخلدا قال على وحدثنا علي بن مجاهد
عن عبد الاعلى بن منصور عن ميمون بن مهران قال كتب عمر إلى عبد الرحمن بن
نعيم أن العمل والعلم قريبان فكن عالما بالله عاملا له فان أقواما علموا ولم يعملوا
فكان علمهم عليهم وبالا قال وأخبرنا مصعب بن حيان عن مقاتل بن حيان قال
كتب عمر إلى عبد الرحمن أما بعد فاعمل عمل رجل يعلم أن الله لا يصلح عمل المفسدين
قال على أخبرنا كليب بن خلف عن طفيل بن مرداس قال كتب عمر إلى سليمان
ابن أبي السرى أن اعمل خانات في بلادك فمن مربك من المسلمين فاقروهم يوما
وليلة وتعهدوا دوابهم فمن كانت به علة فاقروه يومين وليلتين فإن كان منقطعا به
فقووه بما يصل به إلى بلده فلما أتاه كتاب عمر قال أهل سمرقند لسليمان إن قتيبة
غدر بنا وظلمنا وأخذ بلادنا وقد أظهر الله العدل والانصاف فائذن لنا فليفد منا
وفد إلى أمير المؤمنين يشكون ظلامتنا فإن كان لنا حق أعطيناه فان بنا إلى ذلك
حاجة فأذن لهم فوجهوا منهم قوما فقدموا على عمر فكتب لهم عمر إلى سليمان
ابن أبي السرى إن أهل سمرقند قد شكوا إلى ظلما أصابهم وتحاملا من قتيبة عليهم
حتى أخرجهم من أرضهم فإذا أتاك كتابي فأجلس لهم القاضي فلينظر في أمرهم
فان قضى لهم فاخرجهم إلى معسكرهم كما كانوا وكنتم قبل أن ظهر عليهم قتيبة قال
فأجلس لهم سليمان جميع بن حاضر القاضي الناجي فقضى أن يخرج عرب سمرقند إلى
معسكرهم وينابذوهم على سواء فيكون صلحا جديدا أو ظفرا عنوة فقال أهل السغدبل
نرضى بما كان ولا نجدد حربا وتراضوا بذلك فقال أهل الرأي قد خالطنا هؤلاء القوم
وأقمنا معهم وأمنوا وأمناهم فإن حكم لنا عدنا إلى الحرب ولا ندري لمن يكون الظفر
وإن لم يكن لنا كنا قد اجتلبنا عداوة في المنازعة فتركوا الامر على ما كان
ورضوا ولم ينازعوا قال وكتب عمر إلى عبد الرحمن بن نعيم يأمره بإقفال من
320

وراء النهر من المسلمين بذراريهم قال فأبوا وقالوا لا يسعنا مرو فكتب إلى عمر
بذلك فكتب إليه عمر اللهم إني قد قضيت الذي على فلا تغز بالمسلمين فحسبهم
الذي قد فتح الله عليهم قال وكتب إلى عقبة بن زرعة الطائي وكان قد ولاه
الخراج بعد القشيري إن للسلطان أركانا لا يثبت إلا بها فالوالي ركن والقاضي
ركن وصاحب بيت المال ركن والركن الرابع أنا وليس من ثغور المسلمين
ثغر أهم إلى ولا أعظم عندي من ثغر خراسان فاستوعب الخراج وأحرزه في غير
ظلم فإن يك كفافا لأعطياتهم فسبيل ذلك وإلا فاكتب إلى حتى أحمل إليك
الأموال فتوفر لهم أعطياتهم قال فقدم عقبة فوجد خراجهم يفضل عن أعطياتهم
فكتب إلى عمر فأعلمه فكتب إليه عمر أن أقسم الفضل في أهل الحاجة * وحدثني
عبد الله بن أحمد بن شبوية قال حدثني أبي قال حدثني سليمان قال سمعت عبد الله
يقول عن محمد بن طلحة عن داود بن سليمان الجعفي قال كتب عمر بن عبد العزيز
من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عبد الحميد سلام عليك أما بعد فإن أهل الكوفة
قد أصابهم بلاء وشدة وجور في أحكام الله وسنة خبيثة استنها عليهم عمال
السوء وإن قوام الدين العدل والاحسان فلا يكونن شئ أهم إليك من نفسك
فإنه لا قليل من الاثم ولا تحمل خرابا على عامر ولا عامرا على خراب انظر الخراب
فخذ منه ما أطاق وأصلحه حتى يعمر ولا يؤخذ من العامر إلا وظيفة الخراج في
رفق وتسكين لأهل الأرض ولا تأخذن في الخراج إلا وزن سبعة ليس لها آيين
ولا أجور الضرابين ولا هدية النيروز والمهرجان ولا ثمن الصحف ولا أجور
الفيوج ولا أجور البيوت ولا دراهم النكاح ولا خراج على من أسلم من أهل الأرض
فاتبع في ذلك أمري فإني قد وليتك من ذلك ما ولانى الله ولا تعجل دوني بقطع
ولا صلب حتى تراجعني فيه وانظر من أراد من الذرية أن يحج فعجل له مائة
يحج بها والسلام * حدثنا عبد الله بن أحمد بن شبويه قال حدثني أبي قال حدثنا
سليمان قال حدثني عبد الله عن شهاب بن شريعة المجاشعي قال ألحق عمر بن عبد العزيز
ذراري الرجال الذين في العطايا أقرع بينهم فمن أصابته القرعة جعله في المائة ومن
321

لم تصبه القرعة جعله في الأربعين وقسم في فقراء أهل البصرة كل إنسان ثلاثة دراهم
فأعطى الزمنى خمسين خمسين قال وأراه رزق الفطم * حدثني عبد الله قال حدثنا أبي قال
حدثنا الفضيل عن عبد الله قال بلغني أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أهل الشأم
سلام عليكم ورحمة الله أما بعد فإنه من أكثر ذكر الموت قل كلامه ومن علم أن
الموت حق رضى اليسير والسلام قال علي بن محمد وقال أبو مجلز لعمر إنك وضعتنا
بمنقطع التراب فاحمل إلينا الأموال قال يا أبا مجلز قلبت الامر قال يا أمير المؤمنين
أهولنا أم لك قال بل هو لكم إذا قصر خراجكم عن أعطياتكم قال فلا أنت تحمله
إلينا ولا نحمله إليك وقد وضعت بعضه على بعض قال أحمله إليكم إن شاء الله
ومرض من ليلته فمات من مرضه وكانت ولاية عبد الرحمن بن نعيم خراسان ستة
عشر شهرا (قال أبو جعفر) وفى هذه السنة توفى عمارة بن أكيمة الليثي ويكنى
أبا الوليد وهو ابن تسع وسبعين
زيادة في سيرة عمر بن عبد العزيز ليست من كتاب أبى جعفر
إلى أول خلافة يزيد بن عبد الملك بن مروان
روى عبد الله بن بكر بن حبيب السهمي قال حدثنا رجل في مسجد الجنابذان
عمر بن عبد العزيز خطب الناس بخناصرة فقال أيها الناس إنكم لم تخلقوا عبثا ولن
تتركوا سدى وإن لكم معادا ينزل الله فيه للحكم فيكم والفصل بينكم وقد خاب
وخسر من خرج من رحمة الله التي وسعت كل شئ وحرم الجنة التي عرضها
السماوات والأرض ألا واعلموا أنما الأمان غدا لمن حذر الله وخافه وباع نافدا
بباق وقليلا بكثير وخوفا بأمان ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين وسيخلفها
بعدكم الباقون كذلك حتى تردد إلى خير الوارثين وفى كل يوم تشيعون غاديا
ورائحا إلى الله قد قضى نحبه وانقضى أجله فتغيبونه في صدع من الأرض ثم
تدعونه غير موسد ولاممها؟ قد فارق الأحبة وخلع الأسباب فسكن التراب
وواجه الحساب فهو مرتهن بعمله فقير إلى ما قدم غنى عما ترك فاتقوا الله قبل
نزول الموت وانقضاء مواقعه وأيم الله إني لاقول لكم هذه المقالة وما أعلم عند
322

أحد منكم من الذنوب أكثر مما عندي فأستغفر الله وأتوب إليه وما منكم من
أحد تبلغنا عنه حاجة إلا أحببت أن أسد من حاجته ما قدرت عليه وما منكم
أحد يسعه ما عندنا إلا وددت أنه ساواني ولحمتي حتى يكون عيشنا وعيشه سواء
وأيم الله أن لو أردت غير هذا من الغضارة والعيش لكان اللسان منى به ذلولا
عالما بأسبابه ولكنه مضى من الله كتاب ناطق وسنة عادلة يدل فيها على طاعته
وينهى عن معصيته ثم رفع طرف ردائه فبكى حتى شهق وأبكى الناس حوله ثم
نزل فكانت إياها لم يخطب بعدها حتى مات رحمه الله (روى خلف بن تميم) قال
حدثنا عبد الله بن محمد بن سعد قال بلغني أن عمر بن عبد العزيز مات ابن له فكتب
عامل له يعزيه عن ابنه فقال لكاتبه أجبه عنى قال فأخذ الكاتب يبرى القلم قال فقال
للكاتب أدق القلم فإنه أبقى للقرطاس وأوجز للحروف واكتب بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد فإن هذا الامر أمر قد كنا وطنا أنفسنا عليه فلما نزل لم نذكره والسلام روى
منصور ابن مزاحم قال حدثنا شعيب يعنى ابن صفوان عن ابن عبد الحميد قال قال عمر بن
عبد العزيز من وصل أخاه بنصيحة له في دينه ونظر له في صلاح دنياه فقد أحسن
صلته وأدى واجب حقه فاتقوا الله فإنها نصيحة لكم في دينكم فاقبلوها وموعظة
منجية في العواقب فالزموها الرزق مقسوم فلن يغدر المؤمن ما قسم له فأجملوا
في الطلب فان في القنوع سعة وبلغة وكفافا إن أجل الدنيا في أعناقكم وجهنم
أمامكم وما ترون ذاهب وما مضى فكأن لم يكن وكل أموات عن قريب وقد رأيتم
حالات الميت وهو يسوق وبعد فراغه وقد ذاق الموت والقوم حوله يقولون
قد فرغ رحمه الله وعاينتم تعجيل إخراجه وقسمة تراثه ووجهه مفقود وذكره
منسى وبابه مهجور وكأن لم يخالط إخوان الحفاظ ولم يعمر الديار فاتقوا هول
يوم لا تحقر فيه مثقال ذرة في الموازين * روى سهل بن محمود قال حدثنا حرملة
ابن عبد العزيز قال حدثني أبي عن ابن لعمر بن عبد العزيز قال أمرنا عمر أن نشترى
موضع قبره فاشتريناه من الراهب قال فقال بعض الشعراء
أقول لما نعى الناعون لي عمرا * لا يبعدن قوام العدل والدين
323

قد غادر القوم باللحد الذي لحدوا * بدير سمعان قسطاس الموازين
روى عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان قال قال عمر بن عبد العزيز من عمل على
غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح ومن لم يعد كلامه من عمله كثرت ذنوبه
والرضا قليل ومعول المؤمن الصبر وما أنعم الله على عبد نعمة ثم انتزعها منه
فأعاضه مما انتزع منه الصبر إلا كان ما أعاضه خيرا مما انتزع منه ثم قرأ هذه
الآية " إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب " وقدم كتابه على عبد الرحمن
ابن نعيم لا تهدموا كنيسة ولا بيعة ولا بيت نار صولحتم عليه ولا تحدثن كنيسة
ولا بيت نار ولا تجر الشاة إلى مذبحها ولا تحدوا الشفرة على رأس الذبيحة
ولا تجمعوا بين الصلاتين إلا من عذر روى عفان بن مسلم عن عثمان بن
عبد الحميد قال حدثنا أبي قال بلغنا أن فاطمة امرأة عمر بن عبد العزيز قالت
اشتد علزه ليلة فسهر وسهرنا معه فلما أصبحنا أمرت وصيفا له يقال له مرثد
فقلت له يا مرثد كن عند أمير المؤمنين فإن كانت له حاجة كنت قريبا منه ثم
انطلقنا فضربنا برؤوسنا لطول سهرنا فلما انتفخ النهار استيقظت فتوجهت إليه
فوجدت مرثدا خارجا من البيت نائما فأيقظته فقلت يا مرثد ما أخرجك قال
هو أخرجني قال يا مرثد اخرج عنى فوالله إني لارى شيئا ما هو بالانس ولا
جان فخرجت فسمعته يتلو هذه الآية " تلك الدار الآخرة نجعلها للذين
لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين " قال فدخلت عليه
فوجدته قد وجه نفسه وأغمض عينيه وإنه لميت رحمه الله
خلافة يزيد بن عبد الملك بن مروان
(وفيها) ولى يزيد بن عبد الملك بن مروان وكنيته أبو خالد وهو ابن تسع
وعشرين سنة في قول هشام بن محمد ولما ولى الخلافة نزع عن المدينة أبا بكر
ابن محمد بن عمرو بن حزم وولاها عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس الفهري فقدمها
فيما زعم الواقدي يوم الأربعاء لليال بقين من شهر رمضان فاستقضى عبد الرحمن
324

سلمة بن عبد الله بن عبد الأسد المخزومي وذكر محمد بن عمر أن عبد الجبار
ابن عمارة حدثه عن أبي بكر بن حزم أنه قال لما قدم عبد الرحمن بن الضحاك
المدينة وعزلني دخلت عليه فسلمت فلم يقبل على فقلت هذا شئ لا تملكه
قريش الأنصار فرجعت إلى منزلي وخفته وكان شابا مقداما فإذا هو يبلغني
عنه أنه يقول ما يمنع ابن حزم أن يأتيني إلا الكبر وإني لعالم بخيانته فجاءني
ما كنت أحذر وما أستيقن من كلامه فقلت للذي جاءني بهذا قل له ما الخيانة لي
بعادة وما أحب أهلها والأمير يحدث نفسه بالخلود في سلطانه كم نزل هذه الدار
من أمير وخليفة قبل الأمير فخرجوا منها وبقيت آثارهم أحاديث إن خيرا فخيرا
وإن شرا فشرا فاتق الله ولا تسمع قول ظالم أو حاسد على نعمة فلم يزل الامر
يترقى بينهما حتى خاصم إليه رجل من بنى فهر وآخر من بنى النجار وكان أبو بكر
قضى للنجاري على الفهري في أرض كانت بينهما نصفين فدفع أبو بكر الأرض
إلى النجاري فأرسل الفهري إلى النجاري وإلى أبى بكر بن حزم فأحضرهما
ابن الضحاك فتظلم الفهري من أبى بكر بن حزم وقال أخرج مالي من يدي فدفعه
إلى هذا النجاري فقال أبو بكر اللهم غفرا أما رأيتني سألت أياما في أمرك
وأمر صاحبك فاجتمع لي على إخراجها من يدك وأرسلتك إلى من أفتاني بذلك
سعيد بن المسيب وأبى بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فسألتهما فقال
الفهري بلى وليس يلزمني قولهما فانكسر ابن الضحاك فقال قوموا فقاموا فقال
للفهري تقر له أنك سألت من أفتاه بهذا ثم تقول ردها على أنت أرعن اذهب
فلا حق لك فكان أبو بكر يتقيه ويخافه حتى كلم ابن حيان يزيد أن يقيده من
أبى بكر فإنه ضربه حدين فقال يزيد لا أفعل رجل اصطنعه أهل بيتي ولكني
أوليك المدينة قال لا أريد ذلك لو ضربته بسلطاني لم يكن لي قودا فكتب يزيد
إلى عبد الرحمن بن الضحاك كتابا أما بعد فانظر فيما ضرب ابن حزم ابن حيان
فإن كان ضربه في أمر بين فلا تلتفت إليه وإن كان ضربه في أمر يختلف فيه
فلا تلتفت إليه فإن كان ضربه في أمر غير ذلك فأقده منه فقدم بالكتاب على
325

عبد الرحمن بن الضحاك فقال عبد الرحمن ما جئت بشئ أترى ابن حزم ضربك
في أمر لا يختلف فيه فقال عثمان لعبد الرحمن إن أردت أن تحسن أحسنت قال
الان أصبت المطلب فأرسل عبد الرحمن إلى ابن حزم فضربه حدين في مقام
واحد ولم يسأله عن شئ فرجع أبو المعز حيان وهو يقول أنا أبو المعز ابن
الحيان والله ما قربت النساء من يوم صنع بي ابن أبي حزم ما صنع حتى يومى هذا
واليوم أقرب النساء (قال أبو جعفر) وفى هذه السنة قتل شوذب الخارجي
ذكر الخبر عن مقتله
قد ذكرنا قبل الخبر عما كان من مراسلة شوذب عمر بن عبد العزيز لمناظرته
في خلافه عليه فلما مات عمر أحب فيما ذكر معمر بن المثنى عبد الحميد بن
عبد الرحمن أن يحظى عند يزيد بن عبد الملك فكتب إلى محمد بن جرير يأمره
بمحاربة شوذب وأصحابه ولم يرجع رسولا شوذب ولم يعلم بموت عمر فلما رأوا
محمد بن جرير يستعد للحرب أرسل إليه شوذب ما أعجلك قبل انقضاء المدة فيما
بيننا وبينكم اليسر قد تواعدنا إلى أن يرجع رسولا شوذب فأرسل إليهم محمد إنه لا يسعنا
ترككم على هذه الحالة قال غير أبى عبيدة فقالت الخوارج ما فعل هؤلاء هذا إلا وقد
مات الرجل الصالح قال معمر بن المثنى فبرز لهم شوذب فاقتتلوا فأصيب من الخوارج نفر
وأكثروا في أهل القبلة القتل وولوا منهزمين والخوارج في أعقابهم تقتل حتى بلغوا
أخصاص الكوفة ولجأوا إلى عبد الحميد وجرح محمد بن جرير في استه ورجع شوذب
إلى موضع فأقام ينتظر صاحبيه فجاءاه فأخبراه بما صادرا عليه عمر وان قد مات فأقر
يزيد عبد الحميد على الكوفة ووجه من قبله تميم بن الحباب في ألفين فراسلهم
وأخبرهم أن يزيد لا يفارقهم على ما فارقهم عليه عمر فلعنوه ولعنوا يزيد فحاربهم
فقتلوه وهزموا أصحابه فلجأ بعضهم إلى الكوفة ورجع الآخرون إلى يزيد فوجه
إليهم نجدة بن الحكم الأزدي في جمع فقتلوه وهزموا أصحابه فوجه إليهم الشحاج
ابن وداع في ألفين فراسلهم وراسلوه فقتلوه وقتل منهم نفرا فيهم هدبة اليشكري
ابن عم بسطام وكان عابدا وفيهم أبو شبيل مقاتل بن شيبان وكان فاضلا عندهم
326

فقال أبو ثعلبة أيوب بن خولي يرثيهم
تركنا تميما في الغبار ملحبا * تبكى عليه عرسه وقرائبه
وقد أسلمت قيس تميما ومالكا * كما أسلم الشحاج أمس أقاربه
وأقبل من حران يحمل راية * يغالب أمر الله والله غالبه
فيأهدب للهيجا ويا هدب للندى * ويا هدب للخصم الألد يحاربه
ويا هدب من كم من ملحم قد أجبته * وقد أسلمته للرماح جوالبه
وكان أبو شيبان خير مقاتل * يرجى ويخشى بأسه من يحاربه
ففاز ولاقى الله بالخير كله * وخذمه بالسيف في الله ضاربه
تزود من دنياه درعا ومغفرا وعضبا حساما لم تخنه مضاربه
وأجرد محبوك السراة كأنه * إذا انقض وافى الريش حجن مخالبه
فلما دخل مسلمة الكوفة شكا إليه أهلها مكان شوذب وخوفهم منه وما قد
قتل منهم فدعا مسلمة سعيد بن عمرو الحرشي وكان فارسا فعقد له على عشرة
آلاف ووجهه إليه وهو مقيم بموضعه فأتاه مالا طاقة له به فقال شوذب لأصحابه
من كان يريد الله فقد جاءته الشهادة ومن كان إنما خرج للدنيا فقد ذهبت الدنيا
وإنما البقاء في الدار الآخرة فكسروا أغماد السيوف وحملوا فكشفوا سعيدا
وأصحابه مرارا حتى خاف الفضيحة فذمر أصحابه وقال لهم أمن هذه الشرذمة
لا أبالكم تفرون يا أهل الشأم يوما كأيامكم قال فحملوا عليهم فطحنهم طحنا لم
يبقوا منهم أحدا وقتلوا بسطاما وهو شوذب وفرسانه منهم الريان بن عبد الله
اليشكري وكان من المحثين فقال أخوه شمر بن عبد الله يرثيه
ولقد فجعت بسادة وفوارس * للحرب سعر من بنى شيبان
إعتاقهم ريب الزمان فغالهم * وتركت فردا غير ذي إخوان
كمد تجلجل في فؤادي حسرة * كالنار من وجد على الريان
وفوارس باعوا الاله نفوسهم * من يشكر عند الوغا فرسان
وقال حسان بن جعدة يرثيهم
327

يا عين أذرى دموعا منك تسجاما * وأبكى صحابة بسطام وبسطاما
فلن ترى أبدا ما عشت مثلهم * أتقى وأكمل في الأحلام أحلاما
بسيهم قد تأسوا عند شدتهم * ولم يريدوا عن الأعداء إحجاما
حتى مضوا للذي كانوا له خرجوا * فأورثونا منارات وأعلاما
إني لا علم أن قد أنزلوا غرفا * من الجنان ونالوا ثم خداما
أسقى الاله بلادا كان مصرعهم * فيها سحابا من الوسمى سجاما
(قال أبو جعفر) وفى هذه السنة لحق يزيد بن المهلب بالبصرة فغلب عليها
وأخذ عامل يزيد بن عبد الملك عليها عدى بن أرطاة الفزاري فحبسه وخلع يزيد
ابن عبد الملك
ذكر الخبر عن سبب خلعه يزيد بن عبد الملك
وما كان من أمره وأمر يزيد في هذه السنة
قد مضى ذكرى خبر هرب يزيد بن المهلب من محبسه الذي كان عمر بن
عبد العزيز حبسه فيه ونذكر الان ما كان من صنيعه بعد هربه في هذه السنة أعنى
سنة 101 ولما مات عمر بن عبد العزيز بويع يزيد بن عبد الملك في اليوم الذي
مات فيه عمر وبلغه هرب يزيد بن المهلب فكتب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن يأمره
أن يطلبه ويستقبله وكتب إلى عدى بن ارطاة يعلمه هربه ويأمره أن يتهيأ
لاستقباله وأن يأخذ من كان بالبصرة من أهل بيته (فذكر هشام بن محمد) عن أبي
مخنف أن عدى بن أرطاة أخذهم وحبسهم وفيهم المفضل وحبيب ومروان
بنو المهلب وأقبل يزيد بن المهلب حتى مر بسعيد بن عبد الملك بن مروان فقال
يزيد لأصحابه ألا نعرض لهذا فنأخذه فنذهب به معنا فقال أصحابه لابل امض بنا
ودعه وأقبل يسير حتى ارتفع فوق القطقطانة وبعث عبد الحميد بن عبد الرحمن
هشام بن مساحق بن عبد الله بن مخرمة بن عبد العزيز بن أبي قيس بن عبد ود
ابن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي القرشي في ناس من أهل الكوفة
من الشرط ووجوه الناس وأهل القوة فقال له انطلق حتى تستقبله فإنه اليوم يمر
328

بجانب العذيب فمشى هشام قليلا ثم رجع إلى عبد الحميد فقال آجيئك به أسيرا أم
آتيك برأسه فقال أي ذلك ما شئت فكان يعجب لقوله ذلك من سمعه وجاء هشام
حتى نزل العذيب ومر يزيد منهم غير بعيد فاتقوا الاقدام عليه ومضى يزيد نحو
البصرة ففيه يقول الشاعر
وسار ابن المهلب لم يعرج * وعرس ذو القطيفة من كنانه
وياسر والتياسر كان حزما * ولم يقرب قصور القطقطانه
ذو القطيفة هو محمد بن عمرو وأبو قطيفة بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط
وهو أبو قطيفة وإنما سمى ذا القطيفة لأنه كان كثير شعر اللحية والوجه والصدر
ومحمد يقال له ذو الشامة فلما جاء يزيد بن المهلب انصرف هشام بن مساحق إلى
عبد الحميد ومضى يزيد إلى البصرة وقد جمع عدى بن أرطاة إليه أهل البصرة
وخندق عليها وبعث على خيل البصرة المغيرة بن عبد الله بن أبي عقيل الثقفي
وكان عدى بن أرطاة رجلا من بنى فزارة وقال عبد الملك بن المهلب لعدى بن
أرطاة خذ ابني حميدا فاحبسه مكاني وأنا أضمن لك أن أرد يزيد عن البصرة حتى
يأتي فارس ويطلب لنفسه الأمان ولا يقربك فأبى عليه وجاء يزيد ومعه أصحابه
الذين أقبل فيهم والبصرة محفوفة بالرجال وقد جمع محمد بن المهلب ولم يكن ممن
حبس رجالا وفتية من أهل بيته وناسا من مواليه فخرج حتى استقبله فأقبل
في كتيبة يهول من رآها وقد دعا عدى أهل البصرة فبعث على كل خمس من
أخماسها رجلا فبعث على خمس الأزد المغيرة بن زياد بن عمرو العتكي وبعث
على خمس بنى تميم محرز بن حمران السعدي من بنى منقر وعلى خمس بكر بن
وائل عمران بن عامر بن مسمع من بنى قيس بن ثعلبة فقال أبو منقر رجل
من قيس ابن ثعلبة إن الراية لا تصلح إلا في بنى مالك بن مسمع فدعا عدى
نوح بن شيبان بن مالك بن مسمع فعقد له على بكر بن وائل ودعا مالك بن
المنذر بن الجارود فعقد له على عبد القيس ودعا عبد الاعلى بن عبد الله بن
عامر القرشي فعقد له على أهل العالية والعالية قريش وكنانة والأزد وبجيلة
329

وخثعم وقيس عيلان كلها ومزينة وأهل العالية بالكوفة يقال لهم ربع أهل
المدينة وبالبصرة خمس أهل العالية وكانوا بالكوفة أخماسا فجعلهم زياد بن عبيد
أرباعا قال هشام عن أبي مخنف وأقبل يزيد بن المهلب لا يمر بخيل من خيلهم
ولا قبيلة من قبائلهم إلا تنحوا له عن السبيل حتى يمضى واستقبله المغيرة بن
عبد الله الثقفي في الخيل فحمل عليه محمد بن المهلب في الخيل فأفرج له عن الطريق
هو وأصحابه وأقبل يزيد حتى نزل داره واختلف الناس إليه وأخذ يبعث إلى عدى
ابن أرطاة أن ادفع إلى إخوتي وأنا أصالحك على البصرة وأخليك وإياها حتى
آخذ لنفسي ما أحب من يزيد بن عبد الملك فلم يقبل منه وخرج إلى يزيد بن عبد الملك
حميد بن عبد الملك بن المهلب فبعث معه يزيد بن عبد الملك خالد بن عبد الله
القسري وعمر بن يزيد الحكمي بأمان يزيد بن المهلب وأهل بيته وأخذ يزيد بن
المهلب يعطى من أتاه من الناس فكان يقطع لهم قطع الذهب وقطع الفضة فمال
الناس إليه ولحق به عمران بن عامر بن مسمع ساخطا على عدى بن أرطاة حين
نزع منه رايته راية بكر بن وائل وأعطاها ابن عمه ومالت إلى يزيد ربيعة وبقية
تميم وقيس وناس بعد ناس فيهم عبد الملك ومالك ابنا مسمع ومعه ناس من أهل
الشأم وكان عدى لا يعطى إلا درهمين ويقول لا يحل لي أن أعطيكم من بيت
المال درهما إلا بأمر يزيد بن عبد الملك ولكن تبلغوا بهذا حتى يأتي الامر في
ذلك فقال الفرزدق في ذلك
أظن رجال الدرهمين يسوقهم * إلى الموت آجال لهم ومصارع
فأحزمهم من كان في قعر بيته * وأيقن أن الامر لا شك واقع
وخرجت بنو عمر وبن تميم من أصحاب عدى فنزلوا المربد فبعث إليهم
يزيد بن المهلب مولى له يقال له دارس فحمل عليهم فهزمهم فقال الفرزدق في ذلك
تفرقت الحمراء إذ صاح دارس * ولم يصبروا تحت السيوف الصوارم
جزى الله قيسا عن عدى ملامة * ألا صبروا حتى تكون ملاحم
وخرج يزيد بن المهلب حين اجتمع له الناس حتى نزل جبانة بنى يشكر وهو
330

المنصف فيما بينه وبين القصر وجاءته بنو تميم وقيس وأهل الشأم فاقتتلوا هنيهة
فحمل عليهم محمد بن المهلب فضرب مسور بن عباد الحبطي بالسيف فقطع أنف
البيضة ثم أسرع السيف إلى أنفه وحمل على هريم بن أبي طلحة بن أبي نهشل
ابن دارم فأخذ بمنطقته فحذفه عن فرسه فوقع فيما بينه وبين الفرس وقال هيهات
هيهات عمك أثقل من ذلك وانهزموا وأقبل يزيد بن المهلب أثر القوم يتلوهم
حتى دنا من القصر فقاتلوهم وخرج إليه عدى بنفسه فقتل من أصحاب الحارث
ابن مصرف الأودي وكان من أشراف أهل الشأم وفرسان الحجاج وقتل موسى
ابن الوجيه الحميري ثم الكلاعي وقتل راشد المؤذن وانهزم أصحاب عدى وسمع
إخوة يزيد وهم في محبس عدى الأصوات تدنو والنشاب تقع في القصر فقال
لهم عبد الملك إني أرى النشاب تقع في القصر وأرى الأصوات تدنو ولا أرى
يزيد إلا قد ظهر وإني لا آمن من مع عدى من مضر ومن أهل الشأم أن يأتونا
فيقتلونا قبل أن يصل إلينا يزيد إلى الدار فأغلقوا الباب ثم ألقوا عليه ثيابا ففعلوا
فلم يلبثوا إلا ساعة حتى جاءهم عبد الله بن دينار مولى ابن عامر وكان على حرس
عدى فجاء يشتد إلى الباب هو وأصحابه وقد وضع بنو المهلب متاعا على الباب ثم
اتكوا عليه فأخذ الآخرون يعالجون الباب فلم يستطيعوا الدخول وأعجلهم الناس
فخلوا عنهم وجاء يزيد بن المهلب حتى نزل دار سالم بن زياد بن أبي سفيان إلى جانب
القصر وأتى بالسلاليم فلم يلبث عثمان أن فتح القصر وأتى بعدي بن أرطاة فجئ
به وهو يتبسم فقال له يزيد له تضحك فوالله إنه لينبغي أن يمنعك من الضحك
خصلتان إحداهما الفرار من القتلة الكريمة حتى أعطيت بيدك إعطاء المرأة بيدها
فهذه واحدة والاخرى إني أتيت بك تتل كما يتل العبد الآبق إلى أربابه وليس
معك منى عهد ولا عقد فما يؤمنك أن أضرب عنقك فقال عدى أما أنت فقد قدرت
على ولكني أعلم أن بقائي بقاؤك وأن هلاكي مطلوب به من جرته يده إنك قد رأيت
جنود الله بالمغرب وعلمت بلاء الله عندهم في كل موطن من مواطن الغدر والنكث
فتدارك فلتتك وزلتك بالتوبة واستقالة العثرة قبل أن يرمى إليك البحر بأمواجه
331

فإن طلبت الاستقالة حينئذ لم تقل وإن أردت الصلح وقد أشخصت القوم إليك
وجدتهم لك مباعدين وما لم يشخص القوم إليك فلم يمنعوك شيئا طلبت فيه الأمان
على نفسك وأهلك ومالك فقال له يزيد أما قولك إن بقاءك بقائي فلا أبقاني الله
حسوة طائر مذعور إن كنت لا يبقيني إلا بقاؤك وأما قولك إن هلاكك مطلوب
به من جرته يده فوالله لو كان في يدي من أهل الشأم عشرة آلاف إنسان ليس
فيهم رجل إلا أعظم منزلة منك فيهم ثم ضربت أعناقهم في صعيد واحد لكان
فراقي إياهم وخلافي عليهم أهول عندهم وأعظم في صدورهم من قتل أولئك ثم
لو شئت أن تهدر لي دماؤهم وأن أحكم في بيوت أموالهم وأن يجوزوا لي عظيما
من سلطانهم على أن أضع الحرب فيما بيني وبينهم لفعلوا فلا يخفين عليك أن
القوم ناسوك لو قد وقعت أخيارنا إليهم وأن أعمالهم وكيدهم لا يكون إلا لأنفسهم
لا يذكرونك ولا يحفلون بك وأما قولك تدارك أمرك واستقله وافعل وافعل
فوالله ما استشرتك ولا أنت عندي بواد ولا نصيح فما كان ذلك منك إلا عجزا
وفضلا انطلقوا به فلما ذهبوا به ساعة قال ردوه فلما رد قال أما إن حبسي إياك
ليس إلا لحبسك بنى المهلب وتضييقك عليهم فيما كنا نسألك التسهيل فيه عليهم
فلم تكن تألو ما عسرت وضيقت وخالفت فكأنه لهذا القول حين سمعه أمن على
نفسه وأخذ عدى يحدث به كل من دخل عليه وكان رجل يقال له السميدع الكندي
من بنى مالك بن ربيعة من ساكني عمان يرى رأى الخوارج وكان خرج وأصحاب
يزيد وأصحاب عدى مصطفون فاعتزل ومعه ناس من القراء فقال طائفة من
أصحاب يزيد وطائفة من أصحاب عدى قد رضينا بحكم السميدع ثم إن يزيد بعث
إلى السميدع فدعاه إلى نفسه فأجابه فاستعملوا يزيد على الأبلة فأقبل على الطيب
والتخلق والنعيم فلما ظهر يزيد بن المهلب هرب رؤوس أهل البصرة من قيس
وتميم ومالك بن المنذر فلحقوا بعبد الحميد بن عبد الرحمن بالكوفة ولحق بعضهم
بالشام فقال الفرزدق
فداء لقوم من تميم تتابعوا * إلى الشأم لم يرضوا بحكم السميدع
332

أحكم حروري من الدين مارق * أضل وأغوى من حمار مجدع
فأجابه خليفة الا قطع
وما وجهوها نحوه عن وفادة * ولا نهزة يرجى بها خير مطمع
ولكنهم راحوا إليها وأدلجوا * بأقرع أستاه ترى يوم مقرع
وهم من حذار القوم أن يلحقوا بهم * لهم نزلة في كل خمس وأربع
وخرج الحوارى بن زياد بن عمرو العتكي يريد يزيد بن عبد الملك هاربا من
يزيد بن المهلب فلقى خالد عبد الله القسري وعمرو بن يزيد الحكمي ومعهما حميد
ابن عبد الملك ابن المهلب قد أقبلوا من عند يزيد بن عبد الملك بأمان يزيد بن المهلب
وكل شئ أراده فاستقبلهما فسألاه عن الخبر فخلا بهما حين رأى معهما حميد بن
عبد الملك فقال أين تريدان فقالا يزيد بن المهلب قد جئناه بكل شئ أراده فقال
ما تصنعان بيزيد شيئا ولا يصنعه بكما قد ظهر على عدوه عدى بن أرطاة وقتل
القتلى وحبس عديا فارجعا أيها الرجلان ويمر رجل من باهلة يقال له مسلم بن
عبد الملك فلم يقف عليهما فصايحاه وساءلاه فلم يقف عليهما فقال القسري ألا ترده
فتجلده مائة جلدة فقال له صاحبه غربه عنك وأملا ليصرف ومضى الحوارى
ابن زياد إلى يزيد بن عبد الملك وأقبلا بحميد بن عبد الملك معهما فقال لهما حميد
أنشدكما الله أن تخالفا أمر يزيد ما بعثتما به فإن يزيد قابل منكما وإن هذا وأهل
بيته لم يزالوا لنا أعداء فأنشدكما الله أن تقبلا مقالته فلم يقبلا قوله وأقبلا به حتى
دفعاه إلى عبد الرحمن بن سليمان الكلبي وقد كان يزيد بن عبد الملك بعثه إلى
خراسان عاملا عليها فلما بلغه خلع يزيد بن عبد الملك كتب إليه إن جهاد من
خالفك أحب إلى من عملي على خراسان فلا حاجة لي فيها فاجعلني ممن توجهني إلى
يزيد بن المهلب وبعث بحميد بن عبد الملك إلى يزيد ووثب عبد الحميد بن عبد الرحمن
ابن زيد بن الخطاب على خالد بن يزيد بن المهلب وهو بالكوفة وعلى حمال بن
زحر الجعفي وليسا ممن كان ينطق بشئ إلا أنهم عرفوا ما كان بينه وبين بنى المهلب
فأوثقهما وسرحهما إلى يزيد بن عبد الملك فحبسهما جميعا فلم يفارقوا السجن حتى
333

هلكوا فيه وبعث يزيد بن عبد الملك رجالا من أهل الشأم إلى الكوفة يسكنونهم
ويثنون عليهم بطاعتهم ويمنونهم الزيادات منهم القطامي بن الحصين وهو أبو الشرقي
واسم الشرقي الوليد وقد قال القطامي حين بلغه ما كان من يزيد بن المهلب
لعل عيني أن ترى يزيدا * يقود جيشا جحفلا شديدا
تسمع للأرض به وئيدا * لا برما هدا ولا حسودا
ولا جبانا في الوغى عديدا * ترى ذوي التاج له سجودا
مكفرين خاشعين قودا * وآخرين رحبوا وفودا
لا ينقض العهد ولا المعهودا * من نفر كانوا هجانا صيدا
ترى لهم في كل يوم عيدا * من الأعادي جزرا مقصودا
ثم إن القطامي سار بعد ذلك إلى العقر حتى شهد قتال يزيد بن المهلب مع
مسلمة بن عبد الملك فقال يزيد بن المهلب ما أبعد شعر القطامي من فعله ثم إن
يزيد بن عبد الملك بعث العباس بن الوليد في أربعة آلاف فارس جريدة خيل
حتى وافوا الحيرة يبادر إليها يزيد بن المهلب ثم أقبل بعد ذلك مسلمة
ابن عبد الملك وجنود أهل الشأم وأخذ على الجزيرة وعلى شاطئ الفرات
فاستوثق أهل البصرة ليزيد بن المهلب وبعث عماله على الأهواز وفارس
وكرمان عليها الجراح بن عبد الله الحكمي حتى انصرف إلى عمر بن عبد العزيز
وعبد الرحمن بن نعيم الأزدي فكان على الصلاة واستخلف يزيد بن عبد الملك
عبد الرحمن القشيري على الخراج وجاء مدرك بن المهلب حتى انتهى إلى رأس
المفازة فدس عبد الرحمن بن نعيم إلى بنى تميم أن هذا مدرك بن المهلب يريد أن
يلقى بينكم الحرب وأنتم في بلاد عافية وطاعة وعلى جماعة فخرجوا ليلا يستقبلونه
وبلغ ذلك الأزد فخرج منهم نحو من ألفى فارس حتى لحقوهم قبل أن ينتهوا إلى
رأس المفازة فقالوا لهم ما جاء بكم وما أخرجكم إلى هذا المكان فاعتلوا عليهم بأشياء
ولم يقروا لهم أنهم خرجوا ليتلفوا مدرك بن المهلب فكان لهم الآخرون بل قد
علمنا أن تخرجوا لتلقى صاحبنا وها هو ذا قريب فما شئتم ثم انطلقت الأزد حتى
334

تلقوا مدرك بن المهلب على رأس المفازة فقالوا له إنك أحب الناس إلينا وأعزهم
علينا وقد خرج أخوك ونابذه فان يظهره الله فإنما ذلك لنا ونحن أسرع الناس
إليكم أهل البيت وأحقه بذلك وإن تكن الأخرى فوالله مالك في أن يغشينا ما يعرنا
فيه من البلاء راحة فعزم له رأيه على الانصراف فقال ثابت قطنة وهو ثابت بن
كعب من الأزد من العتيك
ألم تر دوسرا منعت أخاها * وقد حشدت لتقتله تميم
رأوا من دونه الزرق العوالي * وحيا ما يباح لهم حريم
شنوأتها وعمران بن حزم * هناك المجد والحسب الصميم
فما حملوا ولكن نهنهتهم * رماح الأزد والعز القديم
رددنا مدركا بمرد صدق * وليس بوجهه منكم كلوم
وخيل كالقداح مسومات * لدى أرض مغانيها الجميم
عليها كل أصيد دوسرى * عزيز لا يفر ولا يريم
بهم تستعتب السفهاء حتى * ترى السفهاء تردعها الحلوم
(قال هشام) قال أبو مخنف فحدثني معاذ بن سعد أن يزيد لما استجمع له
البصرة قام فيهم فحمد الله وأثنى عليه ثم أخبرهم أنه يدعوهم إلى كتاب الله وسنة
نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ويحث على الجهاد ويزعم أن جهاد أهل الشأم أعظم
ثوابا من جهاد الترك والديلم قال فدخلت أنا والحسن البصري وهو واضع يده
على عاتقي وهو يقول انظر هل ترى وجه رجل تعرفه قلت لا والله ما أرى وجه
رجل أعرفه قال فهؤلاء والله الاعتاء قال فمضينا حتى دنونا من المنبر قال فسمعته
يذكر كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ثم رفع صوته فقال والله لقد رأيناك
واليا وموليا عليك فما ينبغي لك ذلك قال فوثبنا عليه فأخذنا بيده وفمه وأجلسناه
فوالله ما نشك أنه سمعه ولكنه لم يلتفت إليه ومضى في خطبته قال ثم إنا خرجنا
إلى باب المسجد فإذا على باب المسجد النضر بن أنس بن مالك يقول يا عباد الله
ما تنقمون من أن تجيبوا إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فوالله ما رأينا
335

ذلك ولا رأيتموه منذ ولدتم إلا هذه الأيام من إمارة عمر بن عبد العزيز فقال
الحسن سبحان الله وهذا النضر بن أنس قد شهد أيضا (قال هشام) قال أبو مخنف
وحدثني المثنى بن عبد الله أن الحسن البصري مر على الناس وقد اصطفوا
صفين وقد نصبوا الرايات والرماح وهم ينتظرون خروج يزيد وهم يقولون يدعونا
يزيد إلى سنة العمرين فقال الحسن إنما كان يزيد بالأمس يضرب أعناق هؤلاء
الذين ترون ثم يسرح بها إلى بنى مروان يريد بهلاك هؤلاء رضاهم فلما غضب غضبة
نصب قصبا ثم وضع عليها خرقا ثم قال إني قد خالفتهم فخالفوهم قال هؤلاء نعم وقال إني
أدعوكم إلى سنة العمرين وإن من سنة العمرين أن يوضع قيد في رجله ثم يرد إلى محبس
عمر الذي فيه حبسه فقال له ناس من أصحابه ممن سمع قوله والله لكأنك يا أبا سعيد راض
عن أهل الشأم فقال أنا راض عن أهل الشأم قبحهم الله وبرحهم أليس هم الذين أحلوا
حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتلون أهله ثلاثة أيام وثلاث ليال قد أباحوهم
لا نباطهم وأقباطهم يحملون الحرائر ذوات الدين لا يتناهون عن انتهاك حرمة ثم
خرجوا إلى بيت الله الحرام فهدموا الكعبة وأوقدوا النيران بين أحجارها وأستارها
عليهم لعنة الله وسوء الدار قال ثم إن يزيد خرج من البصرة واستعمل عليها
مروان بن المهلب وخرج معه بالسلاح وبيت المال فأقبل حتى نزل واسط وقد
استشار أصحابه حين توجه نحو واسط فقال هاتوا الرأي فإن أهل الشأم قد نهضوا
إليكم فقال له حبيب وقد أشار إليه غير حبيب أيضا فقالوا نرى أن تخرج وتنزل
بفارس فتأخذ بالشعاب وبالعقاب وتدنو من خراسان وتطاول القوم فان أهل
الجبال ينفضون إليك وفى يدك القلاع والحصون فقال ليس هذا برأي ليس
يوافقني هذا إنما تريدون أن تجعلوني طائرا على رأس جبل فقال له حبيب فان
الرأي الذي كان ينبغي أن يكون في أول الأمر قد فات قد أمرتك حيث ظهرت
على البصرة أن توجه خيلا عليها أهل بيتك حتى ترد الكوفة فإنما هو عبد الحميد
ابن عبد الرحمن مررت به في سبعين رجلا فعجز عنك فهو عن خيلك أعجز في
العدة فنسبق إليها أهل الشأم وعظماء أهلها يرون رأيك وأن تلى عليهم أحب
إلى جلهم من أن يلي عليهم أهل الشأم فلم تطعني وأنا أشير الان برأي
336

سرح مع أهل بيتك خيلا من خيلك عظيمة فتأتى الجزيرة وتبادر إليها حتى ينزلوا
حصنا من حصونها وتسير في أثرهم فإذا أقبل أهل الشأم يريدونك لم يدعوا جندا من
جنودك بالجزيرة ويقبلون إليك فيقيمون عليهم فكأنهم حابستهم عليك حتى تأتيهم
فيأتيك من بالموصل من قومك وينفض إليك أهل العراق وأهل الثغور وتقاتلهم
في أرض رفيعة السعر وقد جعلت العراق كله وراء ظهرك فقال إني أكره أن أقطع
جيشي وجندي فلما نزل واسط أقام بها أياما يسيرة (قال أبو جعفر) وحج بالناس
في هذه السنة عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس الفهري حدثني بذلك أحمد بن ثابت
عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر وكذلك قال محمد بن عمر وكان
عبد الرحمن عامل يزيد بن عبد الملك على المدينة وعلى مكة عبد العزيز بن عبد الله
ابن خالد بن أسيد وكان على الكوفة عبد الحميد بن عبد الرحمن وعلى قضائها الشعبي وكانت البصرة قد غلب عليها يزيد بن المهلب وكان على خراسان عبد الرحمن بن نعيم
ثم دخلت سنة اثنتين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك ما كان فيها من مسير العباس بن الوليد بن عبد الملك ومسلمة بن
عبد الملك إلى يزيد بن المهلب بتوجيه يزيد بن عبد الملك إياهما لحربه (وفيها) قتل
يزيد بن المهلب في صفر
ذكر الخبر عن مقتل يزيد بن المهلب
* ذكر هشام عن أبي مخنف أن معاذ بن سعيد حدثه أن يزيد بن المهلب استخلف
على واسط حين أراد الشخوص عنها للقاء مسلمة بن عبد الملك والعباس ابنه معاوية
وجعل عنده بيت المال والخزائن والاسراء وقدم بين يديه أخاه عبد الملك ثم
سار حتى مر بفم النيل ثم سار حتى نزل العقر وأقبل مسلمة يسير على شاطئ الفرات
حتى نزل الأنبار ثم عقد عليها الجسر فعبر من قبل قرية يقال لها فارط ثم أقبل حتى
نزل على يزيد بن المهلب * وقد قدم يزيد أخاه نحو الكوفة فاستقبله العباس بن الوليد
337

بسورا فاصطفوا ثم اقتتل القوم فشد عليهم أهل البصرة شدة كشفوهم فيها وقد
كان معهم ناس من بنى تميم وقيس ممن انهزم من يزيد من البصرة فكانت لهم جماعة
حسنة مع العباس فيهم هريم بن أبي طحمة المجاشعي فلما انكشف أهل الشأم تلك
الانكشافة ناداهم هريم بن أبي طحمة يا أهل الشأم الله الله أن تسلمونا وقد
اضطرهم أصحاب عبد الملك إلى نهر فأخذوا ينادونه لا بأس عليك إن لأهل الشأم
جولة في أول القتال أتاك الغوث قال ثم إن أهل الشأم كروا عليهم فكشف
أصحاب عبد الملك وهزموا وقتل المنتوف من بكر بن وائل مولى لهم فقال الفرزدق
يحرض بكر بن وائل
تبكى على المنتوف بكر بن وائل * وتنهى عن ابني مسمع من بكاهما
غلامين شبافى الحروب وأدركا * كرام المساعى قبل وصل لحاهما
ولو كان حيا مالك وابن مالك * إذا أوقدوا نارين يعلوا سناهما
وابنا مسمع مالك وعبد الملك ابنا مسمع قتلهم معاوية بن يزيد بن المهلب *
فأجابه الجعد بن درهم مولى. من همدان
نبكى على المنتوف في نصر قومه * ولسنا نبكى الشائدين أباهما
أراد فناء الحي بكر بن وائل * فعز تميم لو أصيب فناهما
فلا لقيا روحا من الله ساعة * ولا رقأت عينا شجى بكاهما
أفى الغش نبكى إن بكينا عليهما * وقد لقيا بالغش فينا رداهما
وجاء عبد الملك بن المهلب حتى انتهى إلى أخيه بالعقر وأمر عبد الله بن حيان
العبدي فعبر إلى جانب الصراة الأقصى وكان الجسر بينه وبينه ونزل هو وعسكره
وجمع من جموع يزيد وخندق عليه وقطع مسلمة إليهم الماء وسعيد بن عمر والحرشي
ويقال عبر إليهم الوضاح فكانوا بإزائهم وسقط إلى يزيد ناس من الكوفة كثير
ومن الجبال وأقبل إليه ناس من الثغور فبعث على أرباع أهل الكوفة الذين
خرجوا إليه وربع أهل المدينة عبد الله بن سفيان بن يزيد بن المغفل الأزدي
وبعث على ربع مذحج وأسد النعمان بن إبراهيم بن الأشتر النخعي وبعث على
338

ربع كندة وربيعة محمد بن إسحاق بن محمد بن الأشعث وبعث على ربع تميم
وهمدان حنظلة بن عتاب بن ورقاء التميمي وجمعهم جميعا مع المفضل بن المهلب
(قال هشام بن محمد) عن أبي مخنف حدثني العلاء بن زهير قال والله إنا لجلوس
عند يزيد ذات يوم إذ قال ترون أن في هذا العسكر ألف سيف يضرب به قال
حنظلة بن عتاب أي والله وأربعة آلاف سيف قال إنهم والله ما ضربوا ألف
سيف قط والله لقد أحصى ديواني مائة وعشرين ألفا والله لوددت أن مكانهم
الساعة معي من بخراسان من قومي (قال هشام) قال أبو مخنف ثم إنه قام ذات
يوم فحرضنا ورغبنا في القتال ثم قال لنا فيما يقوله إن هؤلاء القوم لن يردهم
عن غيهم إلا الطعن في عيونهم والضرب بالمشرفية على هامهم ثم قال أنه قد ذكر
لي أن هذه الجرادة الصفراء يعنى مسلمة بن عبد الملك وعاقر ناقة ثمود يعنى العباس
ابن الوليد وكان العباس أزرق أحمر كانت أمه رومية والله لقد كان سليمان أراد أن
ينفيه حتى كلمته فيه فأقره على نسبه فبلغني أنه ليس همهما إلا التماسي في الأرض والله
لو جاؤوا أهل الأرض جميعا وليس إلا أنا ما برحت العرصة حتى تكون لي أولهم
قالوا نخاف أن تعنينا كما عنانا عبد الرحمن بن محمد قال إن عبد الرحمن فضح الذمار
وفضح حسبه وهل كان يعدو أجله ثم نزل قال ودخل علينا عامر بن العميثل رجل
من الأزد قد جمع جموعا فأتاه فبايعه وكانت بيعة يزيد تبايعون على كتاب الله وسنة
نبيه صلى الله عليه وسلم وعلى أن لا تطأ الجنود بلادنا ولا بيضتنا ولا يعاد علينا
سيرة الفاسق الحجاج فمن بايعنا على ذلك قبلنا منه ومن أبى جاهدناه وجعلنا الله
بيننا وبينه ثم يقول تبايعونا فإذا قالوا نعم بايعهم * وكان عبد الحميد بن عبد الرحمن
قد عسكر بالنخيلة وبعث إلى المياه فبثقها فيما بين الكوفة وبين يزيد بن المهلب لئلا يصل
إلى الكوفة ووضع على الكوفة مناظر وارصادا لتحبس أهل الكوفة عن
الخروج إلى يزيد وبعث عبد الحميد بعثا من الكوفة عليهم سيف بن هاني الهمداني
حتى قدموا على مسلمة فألطفهم مسلمة وأثنى عليهم بطاعتهم ثم قال والله لقل
ما جاءنا من أهل الكوفة فبلغ ذلك عبد الحميد فبعث بعثاهم أكثر من ذلك وبعث
339

عليهم سبرة بن عبد الرحمن بن مخنف الأزدي فلما قدم أثنى عليه وقال هذا
رجل لأهل بيته طاعة وبلاء ضموا إليه من كان ههنا من أهل الكوفة وبعث
مسلمة إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن فعزله وبعث محمد بن عمرو بن الوليد بن عقبة
وهو ذو الشامة مكانه فدعا يزيد بن المهلب رؤس أصحابه فقال لهم قد رأيت
أن أجمع اثنى عشر ألف رجل فأبعثهم مع محمد بن المهلب حتى يبيتوا مسلمة
ويحملوا معهم البراذع والأكف والزبل لدفن خندقهم فيقاتلهم على خندقهم
وعسكرهم بقية ليلتهم وأمده بالرجال حتى أصبح فإذا أصبحت نهضت إليهم
أنا بالناس فنناجزهم فإني أرجو عند ذلك أن ينصرنا الله عليهم قال السميدع
إنا قد دعوناهم إلى كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وقد زعموا أنهم
قابلوا هذا منا فليس لنا أن نمكر ولا نغدر ولا نريدهم بسوء حتى يردوا علينا
ما زعموا أنهم قابلوه منا قال أبو رؤبة وكان رأس طائفة من المرجئة ومعه أصحاب
له صدق هكذا ينبغي قال يزيد ويحكم أتصدقون بنى أمية إنهم يعملون بالكتاب
والسنة وقد ضيعوا ذلك منذ كانوا إنهم لم يقولوا لكم إنا نقبل منكم وهم يريدون
أن لا يعملوا بسلطانهم إلا ما تأمرونهم به وتدعونهم إليه لكنهم أرادوا أن
يكفوكم عنهم حتى يعملوا في المكر فلا يسبقوكم إلى تلك أبدوهم بها إني قد لقيت
بنى مروان فوالله ما لقيت رجلا هو أمكر ولا أبعد غورا من هذه الجرادة
الصفراء يعنى مسلمة قالوا لا نرى أن نفعل ذلك حتى يردوا علينا ما زعموا أنهم
قابلوه منا وكان مروان بن المهلب وهو بالبصرة يحث الناس على حرب أهل
الشأم ويسرح الناس إلى يزيد وكان الحسن البصري يثبط الناس عن يزيد بن
المهلب (قال أبو مخنف) فحدثني عبد الحميد البصري ان الحسن البصري كان
يقول في تلك الأيام أيها الناس الزموا رجالكم وكفوا أيديكم واتقوا الله
مولاكم ولا يقتل بعضكم بعضا على دنيا زائلة وطمع فيها يسير ليس لأهلها بباق
وليس الله عنهم فيما اكتسبوا براض إنه لم يكن فتنة إلا كان أكثر أهلها الخطباء
والشعراء والسفهاء وأهل التيه والخيلاء وليس يسلم منها إلا المجهول الخفى
340

والمعروف التقى فمن كان منكم خفيا فليلزم الحق وليحبس نفسه عما يتنازع
الناس فيه من الدنيا فكفاه والله بمعرفة الله إياه بالخير شرفا وكفى له به من
الدنيا خلفا ومن كان منكم معروفا شريفا فترك ما يتنافس فيه نظراؤه من
الدنيا إرادة الله بذلك فواها لهذا ما أسعده وأرشده وأعظم أجره وأهدى
سبيله فهذا غدا يعنى يوم القيامة القرير عينا الكريم عند الله مآبا فلما بلغ ذلك
مروان بن المهلب قام خطيبا كما يقوم فأمر الناس بالجد والاحتشاد ثم قال لهم
لقد بلغني أن هذا الشيخ الضال المرائي ولم يسمه يثبط الناس والله لو أن جاره
نزع من خص؟ داره قصبة لظل يرعف أنفه أينكر علينا وعلى أهل مصرنا أن
نطلب خيرنا وأن ننكر مظلمتنا أم والله ليكفن عن ذكرنا وعن جمعه إلينا
سقاط الأبلة وعلوج فرات البصرة قوما ليسوا من أنفسنا ولا ممن جرت
عليه النعمة من أحد منا أو لأنحين عليه مبردا خشنا فلما بلغ ذلك الحسن قال
والله ما أكره أن يكرمني الله بهوانه فقال ناس من أصحابه لو أرادك ثم شئت
لمنعناك فقال لهم فقد خالفتكم إذا إلى ما نهيتكم عنه آمركم ألا يقتل بعضكم
بعضا مع غيري وأدعوكم إلى أن يقتل بعضكم بعضا دوني فبلغ ذلك مروان بن
المهلب فاشتد عليهم وأخافهم وطلبهم حتى تفرقوا ولم يدع الحسن كلامه ذلك
وكف عنه مروان بن المهلب وكانت إقامة يزيد بن المهلب منذ أجمع وهو ومسلمة
ثمانية أيام حتى إذا كان يوم الجمعة لأربع عشرة خلت من صفر بعث مسلمة إلى
الوضاح أن يخرج بالوضاحية والسفن حتى يحرق الجسر ففعل وخرج مسلمة
فعبى جنود أهل الشأم ثم ازدلف بهم نحو يزيد بن المهلب وجعل على ميمنته جبلة
ابن مخرمة الكندي وجعل على ميسرته الهذيل بن زفر بن الحارث العامري وجعل
العباس على ميمنته سيف بن هانئ الهمداني وعلى ميسرته سويد بن القعقاع
التميمي ومسلمة على الناس وخرج يزيد بن المهلب وقد جعل على ميمنته حبيب
ابن المهلب وعلى ميسرته المفضل بن المهلب وكان مع المفضل أهل الكوفة وهو
عليهم ومعه خيل لربيعة معها عدد حسن وكان مما يلي العباس بن الوليد (قال
341

أبو مخنف) فحدثني الغنوي قال هشام وأظن الغنوي العلاء بن المنهال أن رجلا
من الشأم خرج فدعا إلى المبارزة فلم يخرج إليه أحد فبرز له محمد بن المهلب فحمل
عليه فاتقاه الرجل بيده وعلى كفه كف من حديد فضربه محمد فقطع كف الحديد
وأسرع السيف في كفه واعتنق فرسه وأقبل محمد يضربه ويقول المنجل أعود
عليك قال فذكر لي أنه حيان النبطي قال فلما دنا الوضاح من الجسر ألهب فيه
النار فسطع دخانه وقد اقتتل الناس ونشبت الحرب ولم يشتد القتال فلما رأى
الناس الدخان وقيل لهم أجرق الجسر انهزموا فقالوا ليزيد قد انهزم الناس
قال ومما انهزموا هل كان قتال ينهزم من مثله فقيل له قالوا أحرق الجسر فلم
يثبت أحد قال قبحهم الله بق دخن عليه فطار فخرج وخرج معه أصحابه ومواليه
وناس من قومه فقال اضربوا وجوه من ينهزم ففعلوا ذلك بهم حتى كثروا عليه
فاستقبلهم منهم مثل الجبال فقال دعوهم فوالله إني لأرجو أن لا يجمعني الله وإياهم
في مكان واحد أبدا دعوهم يرحمهم الله غنم عدا في نواحيها الذئب وكان يزيد
لا يحدث نفسه بالفرار وقد كان يزيد بن الحكم بن أبي العاص وأمه ابنة الزبرقان
السعدي أتاه وهو بواسط قبل أن يصل إلى العقر فقال
إن بنى مروان قد باد ملكهم * فإن كنت لم تشعر بذلك فاشعر
قال يزيد ما شعرت قال فقال يزيد بن الحكم بن أبي العاص الثقفي:
عش ملكا أو مت كريما وإن تمت * وسيفك مشهورا بكفك تعذر
قال أما هذا فعسى ولما خرج يزيد إلى أصحابه واستقبلته الهزيمة فقال باسميدع
أرأيي أم رأيك ألم أعلمك ما يريد القوم قال بلى والله والرأي كان رأيك وأنا ذا
معك لا أزايلك فمرني بأمرك قال أما لا فأنزل فنزل في أصحابه وجاء يزيد بن المهلب
جاء فقال إن حبيبا قد قتل (قال هشام) قال أبو مخنف فحدثني ثابت مولى زهير
ابن سلمة الأزدي قال أشهد أنى أسمعه حين قال له ذلك قال لا خير في العيش بعد
حبيب قد كنت والله أبغض العيش بعد الهزيمة فوالله ما ازددت له الا بغضا امضوا
قدما فعلمنا والله أن قد استقتل فأخذ من يكره القتال ينكص وأخذوا يتسللون
342

وبقيت معه جماعة حسنة وهو يزدلف فكلما مر بخيل كشفها أو جماعة من أهل
الشأم عدلوا عنه وعن سنن أصحابه فجاء أبو رؤبة المرجئ فقال ذهب الناس وهو
يشير بذلك إليه وأنا أسمعه فقال؟؟ هل لك أن تنصرف إلى واسط فإنها حصن
فتنزلها ويأتيك مدد أهل البصرة ويأتيك أهل عمان والبحرين في السفن
وتضرب خندقا فقال له قبح الله رأيك إلى تقول هذا الموت أيسر على من ذلك
فقال له فانى أتخوف عليك لما ترى أما ترى ما حولك من جبال الحديد وهو
يشير إليه فقال له أما أنا فما أباليها جبال حديد كانت أم جبال نار اذهب عنا إن
كنت لا تريد قتالا معنا قال وتمثل قول حارثة بن بدر الغداني (قال أبو جعفر)
أخطأ هذا هو للأعشى
أبالموت خشتنى عباد وإنما * رأيت منايا الناس يشقى ذليلها
فما ميتة إن متها غير عاجز * بعار إذا ما غالت النفس غولها
وكان يزيد بن المهلب على برذون له أشهب فأقبل نحو مسلمة لا يريد غيره
حتى إذا دنا منه أدنى مسلمة فرسه ليركب فعطف عليه خيول أهل الشأم وعلى
أصحابه فقتل يزيد بن المهلب وقتل معه السميدع وقتل معه محمد بن المهلب وكان
رجل من كلب من بنى جابر بن زهير بن جناب الكلبي يقال له القحل بن عياش
لما نظر إلى يزيد قال يا أهل الشأم هذا والله يزيد والله لأقتلنه أو ليقتلني وان
دونه ناسا فمن يحمل معي يكفيني أصحابه حتى أصل إليه فقال له ناس من أصحابه
نحن نحمل معك ففعلوا فحملوا بأجمعهم واضطربوا ساعة وسطع الغبار وانفرج
الفريقان عن يزيد قتيلا وعن القحل بن عياش بآخر رمق فأومى إلى أصحابه
يريهم مكان يزيد يقول لهم أنا قتلته ويومى إلى نفسه أنه هو قتلني ومر مسلمة على
القحل بن عياش صريعا إلى جنب يزيد فقال أما إني أظن هذا هو الذي قتلني
وجاء برأس يزيد مولى لبنى مرة فقيل له أنت قتلته فقال لا فلما أتى به مسلمة
لم يعرف ولم ينكر فقال له الحوارى بن زياد بن عمرو العتكي مر برأسه فليغسل
ثم ليعمم ففعل ذلك به فعرفه فبعث برأسه إلى يزيد بن عبد الملك مع خالد بن الوليد
343

ابن عقبة بن أبي معيط (قال أبو مخنف) فحدثني ثابت مولى زهير قال لقد قتل
يزيد وهزم الناس وإن المفضل بن المهلب ليقاتل أهل الشأم ما يدرى بقتل يزيد
ولا بهزيمة الناس وإنه لعلى برذون شديد قريب من الأرض وإن معه لمجففة
أمامه فكلما حمل عليها نكصت وانكشفت وانكشف فيحمل في ناس من
أصحابه حتى يخالط القوم ثم يرجع حتى يكون من وراء أصحابه وكان لا يرى منا
ملتفتا إلا أشار إليه بيده ألا يلتفت ليقبل القوم بوجوههم على عدوهم ولا يكون
لهم هم غيرهم قال ثم اقتتلنا ساعة: فكأني أنظر إلى عامر بن العميثل الأزدي وهو
يضرب بسيفه ويقول:
قد علمت أم الصبى المولود * أنى بنصل السيف غير رعديد
قال واضطربنا والله ساعة فانكشفت خيل ربيعة والله ما رأيت عند أهل
الكوفة من كبير صبر ولا قتال فاستقبل ربيعة بالسيف يناديهم أي معشر ربيعة
الكرة الكرة والله ما كنتم بكشف ولا ليام ولا هذه لكم بعادة فلا يؤتين أهل
العراق اليوم من قبلكم أي ربيعة فدتكم نفسي اصبروا ساعة من النهار قال
فاجتمعوا حوله وثابوا إليه وجاءت كو يفتك قال فاجتمعنا ونحن نريد الكرة
عليهم حتى أتى فقيل له ما تصنع ههنا وقد قتل يزيد وحبيب ومحمد وانهزم الناس
منذ طويل وأخبر الناس بعضهم بعضا فتفرقوا ومضى المفضل فأخذ الطريق
إلى واسط فما رأيت رجلا من العرب مثل منزلته كان أغشى للناس بنفسه ولا أضرب
بسيفه ولا أحسن تعبئة لأصحابه منه (قال أبو مخنف) فقال لي ثابت مولى زهير
مررت بالخندق فإذا عليه حائط عليه رجال معهم النبل وأنا مجفف وهم يقولون
يا صاحب التجفاف أين تذهب قال فما كان شئ أثقل على من تجفافي قال فما هو
إلا أن جزتهم فنزلت فألقيته لا خفف عن دابتي وجاء أهل الشأم إلى عسكر يزيد
ابن المهلب فقاتلهم أبو رؤبة صاحب المرجئة ساعة من النهار حتى ذهب عظمهم
وأسر أهل الشأم نحوا من ثلاثمائة رجل فسرحهم مسلمة إلى محمد بن عمرو بن الوليد
فحبسهم وكان على شرطه العريان بن الهيثم وجاء كتاب من يزيد بن عبد الملك إلى
344

محمد بن عمرو أن اضرب رقاب الاسراء فقال للعريان بن الهيثم أخرجهم عشرين
عشرين وثلاثين ثلاثين قال فقام نحو من ثلاثين رجلا من بنى تميم فقالوا نحن انهزمنا
بالناس فاتقوا الله وابدأوا بنا أخرجونا قبل الناس فقال لهم العريان أخرجوا
على اسم الله فأخرجهم إلى المصطبة وأرسل إلى محمد بن عمرو يخبره بإخراجهم
ومقالتهم فبعث إليه أن اضرب أعناقهم (قال أبو مخنف) فحدثني نجيح أبو عبد الله
مولى زهير قال والله إني لأنظر إليهم ليقولون إنا لله انهزمنا بالناس وهذا جزاؤنا
فما هو إلا أن فرغ منهم حتى جاء رسول من عند مسلمة فيه عافية الاسراء والنهى
عن قتلهم فقال حاجب بن ذبيان من بنى مازن بن مالك بن عمرو بن تميم
لعمري لقد خاضت معيط دماءنا * بأسيافها حتى انتهى بهم الوحل
وما حمل الأقوام أعظم من دم * حرام ولا ذحل إذا التمس الذحل
حقنتم دماء المصلتين عليكم * وجر على فرسان شيعتك القتل
وقى بهم العريان فرسان قومه * فيا عجبا أين الأمانة والعدل
وكان العريان يقول والله ما اعتمدتهم ولا أردتهم حتى قالوا أبد بنا أخرجنا
فما تركت حين أخرجتهم أن أعلمت المأمور بقتلهم فما يقبل حجتهم وأمر بقتلهم
والله على ذلك ما أحب أن قتل من قومي مكانهم رجل ولئن لاموني ما أنا بالذي
أحفل لأئمتهم ولا تكبر على وأقبل مسلمة حتى نزل الحيرة فأتى بنحو من خمسين
أسيرا ولم يكونوا فيمن بعث إلى الكوفة كان أقبل بهم معه فلما رأى الناس أنه
يريد أن يضرب رقابهم قام إليه الحصين بن حماد الكلبي فاستوهبه ثلاثة زياد بن
عبد الرحمن القشيري وعتبة بن مسلم وإسماعيل مولى آل بنى عقيل بن مسعود
فوهبهم له ثم استوهب بقيتهم أصحابه فوهبهم لهم فلما جاءت هزيمة يزيد إلى واسط
أخرج معاوية بن يزيد بن المهلب اثنين وثلاثين أسيرا كانوا في يده فضرب أعناقهم
منهم عدى بن أرطاة ومحمد بن عدي بن أرطاة ومالك وعبد الملك ابنا مسمع وعبد الله
بن عزرة البصري وعبد الله بن وائل وابن أبي حاضر التميمي من بنى أسيد بن عمرو
ابن تميم وقد قال له القوم ويحك إنا لا نراك تقتلنا إلا أن أباك قد قتل وان قتلنا
345

ليس بنافع لك في الدنيا وهو ضارك في الآخرة فقتل الأسارى كلهم غير ربيع بن
زياد بن الربيع بن أنس بن الرقان تركه فقال له ناس نسيته فقال ما نسيته ولكن لم
أكن لأقتله وهو شيخ من قومي له شرف ومعروف وبيت عظيم ولست أتهمه
في ود ولا أخاف بغيه فقال ثابت قطنة في قتل عدى بن أرطاة
ما سرنى قتل الفزاري وابنه * عدى ولا أحببت قتل ابن مسمع
ولكنها كانت معاوي زلة * وضعت بها امرى على غير موضع
ثم أقبل حتى أتى البصرة ومعه المال والخزائن وجاء المفضل بن المهلب واجتمع
جميع آل المهلب بالبصرة وقد كانوا يتخوفون الذي كان من يزيد وقد أعدوا
السفن البحرية وتجهزوا بكل الجهاز وقد كان يزيد بن المهلب بعث وداع بن حميد
الأزدي على قندابيل أميرا وقال له إني سائر إلى هذا العدو ولو قد لقيتهم لم أبرح
العرصة حتى تكون إلى أولهم فان ظفرت أكرمتك وإن كانت الأخرى كنت
بقندابيل حتى يقدم عليك أهل بيتي فيتحصنوا بها حتى يأخذوا لأنفسهم أمانا أما
إني قد اخترتك لأهل بيتي من بين قومي فكن عند أحسن ظني وأخذ عليه أيمانا
غلاظا ليناصحن أهل بيته ان هم احتاجوا إليه ولجؤا إليه فلما اجتمع آل المهلب
بالبصرة بعد الهزيمة حملوا عيالاتهم وأموالهم في السفن البحرية ثم لججوا في البحر
حتى مروا بهرم بن القرار العبدي وكان يزيد استعمله على البحرين فقال لهم أشير
عليكم ألا تفارقوا سفنكم فان ذلك بقاؤكم وإني أتخوف عليكم إن خرجتم من
هذه السفن أن يخطفكم الناس وأن يتقربوا بكم إلى بنى مروان فمضوا حتى إذا
كانوا بحيال كرمان خرجوا من سفنهم وحملوا عيالاتهم وأموالهم على الدواب
وكان معاوية بن يزيد بن المهلب حين قدم البصرة قدمها ومعه الخزائن وبيت المال
فكأنه أراد أن يتأمر عليهم فاجتمع آل المهلب وقالوا للمفضل أنت أكبرنا وسيدنا
وإنما أنت غلام حديث السن كبعض فتيان أهلك فلم يزل المفضل عليهم حتى
خرجوا إلى كرمان وبكرمان فلول كثيرة فاجتمعوا إلى المفضل وبعث مسلمة
ابن عبد الملك مدرك بن ضب الكلبي في طلب آل المهلب وفى أثر الفل فأدرك
346

مدرك المفضل بن المهلب وقد اجتمعت إليه الفلول بفارس فتبعهم فادركهم في عقبة
فعطفوا عليه فقاتلوه واشتد قتالهم إياه فقتل مع المفضل بن المهلب النعمان بن إبراهيم
ابن الأشتر النخعي ومحمد بن إسحاق بن محمد بن الأشعث وأخذ ابن صول ملك قهستان
أسيرا وأخذ ت سرية المفضل العالية وجرح عثمان بن إسحاق ابن محمد بن الأشعث
جراحة شديدة وهرب حتى انتهى إلى حلوان فدل عليه فقتل وحمل رأسه إلى مسلمة
بالحيرة ورجع ناس من أصحاب يزيد بن المهلب فطلبوا الأمان فأومنوا منهم مالك بن
إبراهيم بن الأشتر والورد بن عبد الله بن حبيب السعدي من تميم وكان قد شهد مع
عبد الرحمن بن محمد مواطنه وأيامه كلها فطلب له الأمان محمد بن عبد الله بن عبد الملك بن
مروان إلى مسلمة بن عبد الملك عمه وابنة مسلمة تحته فأمنه فلما أتاه الورد وقفه مسلمة
فشتمه قائما فقال صاحب خلاف وشقاق ونفاق ونفار في كل فتنة مرة مع حائك كندة
ومرة مع ملاح الأزد ما كنت بأهل أن تؤمن قال ثم انطلق وطلب الأمان لمالك بن
إبراهيم بن الأشتر الحسن بن عبد الرحمن بن شراحيل وشراحيل يلقب رستم
الحضرمي فلما جاء ونظر إليه قال له الحسن بن عبد الرحمن الحضرمي هذا مالك
ابن إبراهيم بن الأشتر قال له انطلق قال له الحسن أصلحك الله لم لم تشتمه كما شتمت
صاحبه قال أجللتكم عن ذلك وكنتم أكرم على من أصحاب الاخر وأحسن طاعة
قال فإنه أحب إلينا أن تشتمه فهو والله أشرف أبا وجدا وأسوأ أثرا من أهل
الشأم من الورد بن عبد الله فكان الحسن يقول بعد أشهر ما تركه إلا حسدا
من أن يعرف صاحبنا فأراد أن يرينا أنه قد حقره ومضى آل المهلب ومن سقط
منهم من الفلول حتى انتهوا إلى قندابيل وبعث مسلمة إلى مدرك بن ضب الكلبي
فرده وسرح في أثرهم هلال بن أحوز التميمي من بنى مازن بن عمرو بن تميم
فلحقهم بقندابيل فأراد آل المهلب دخول قندابيل فمنعهم وداع بن حميد وكاتبه
هلال بن أحوز ولم يباين آل المهلب فيفارقهم فتبين لهم فراقه لما التقوا وصفوا
كان وداع بن حميد على الميمنة وعبد الملك بن هلال على الميسرة وكلاهما أزدى
فرفع لهم هلال راية الأمان فمال إليهم وداع بن حميد وعبد الملك بن هلال وارفض
347

عنهم الناس فخلوهم فلما رأى ذلك مروان بن المهلب ذهب يريد أن ينصرف إلى
النساء فقال له المفضل أين تريد قال أدخل إلى نسائنا فأقتلهن لئلا يصل إليهن هؤلاء
الفساق فقال ويحك أتقتل أخواتك ونساء أهل بيتك أنا والله ما نخاف عليهن
منهم قال فرده عن ذلك ثم مشوا بأسيافهم فقاتلوا حتى قتلوا من عند آخرهم إلا
أبا عيينة بن المهلب وعثمان بن المفضل فإنهما نجوا فلحقا بخاقان ورتبيل وبعث بنسائهم
وأولادهم إلى مسلمة بالحيرة وبعث برؤوسهم إلى مسلمة فبعث بهم مسلمة إلى يزيد بن
عبد الملك وبعث بهم يزيد بن عبد الملك إلى العباس بن الوليد بن عبد الملك وهو على حلب
فلما نصبوا خرج لينظر إليهم فقال لأصحابه هذا رأس عبد الملك هذا رأس المفضل
والله لكأنه جالس معي يحدثني (وقال مسلمة) لأبيعن ذريتهم وهم في دار الرزق
فقال الجراح بن عبد الله فانا أشتريهم منك لأبر يمينك فاشتراهم منه بمائة ألف قال
هاتها قال إذا شئت فخذها فلم يأخذ منه شيئا وخلى سبيلهم إلا تسعة فتية منهم أحداث
بعث بهم إلى يزيد بن عبد الملك فقدم بهم عليه فضرب رقابهم فقال ثابت قطنة حين
بلغه قتل يزيد بن المهلب يرثيه
ألا يا هند طال على ليلى * وعاد قصيره ليلا تماما
كأني حين حلقت الثريا * سقيت لعاب أسود أو سماما
أمر على حلو العيش يوم * من الأيام شيبني غلاما
مصاب بنى أبيك وغبت عنهم * فلم أشهدهم ومضوا كراما
فلا والله لا أنسى يزيدا * ولا القتلى التي قتلت حراما
فعلى أن أبؤ بأخيك يوما * يزيدا أو أبوء به هشاما
وعلى أن أقود الخيل شعثا * شوارب ضمراتقص الاكاما
فأصبحهن حمير من قريب * وعكا أو أرع بهما جذاما
ونسقى مذحجا والحي كلبا * من الذيفان أنفاسا قواما
عشائرنا التي تبغى علينا * تجربنا زكا عاما بعاما
ولولاهم وما جلبوا علينا * لأصبح وسطنا ملكا هماما
348

وقال أيضا يرثى يزيد بن المهلب
أبى طول هذا الليل أن يتصرما * وهاج لك الهم الفؤاد المتيما
أرقت ولم تأرق معي أم خالد * وقد أرقت عيناي حولا مجرما
على هالك هد العشيرة فقده * دعته المنايا فاستجاب وسلما
على ملك يا صاح بالعقر جبنت * كتائبه واستورد الموت معلما
أصيب ولم أشهد ولو كنت شاهدا * تسليت إن لم يجمع الحي مأتما
وفى غير الأيام يا هند فاعلمي * لطالب وتر نظرة إن تلوما
فعلى إن مالت بي الريح ميلة * على ابن أبي ذبان أن يتندما
أمسلم أن يقدر عليك رماحنا * نذقك بها قئ الأساود مسلما
وإن تلق للعباس في الدهر عثرة * نكافه باليوم الذي كان قدما
قصاصا ولا نعدو الذي كان قد أتى * إلينا وإن كان ابن مروان أظلما
ستعلم إن زلت بك النعل زلة * وأظهر أقوام حياء مجمجما
من الظالم الجاني على أهل بيته * إذا أحصرت أسباب أمرو أبهما
وإنا لعطافون بالحلم بعد ما * نرى الجهل من فرط اللئيم تكرما
وإنا لحلالون بالثغر لا نرى * به ساكا إلا الخميس العرمرما
نرى أن للجيران حاجا وحرمة * إذا الناس لم يرعوا لذي الجار محرما
وإنا لنقري الضيف من قمع الذرى * إذا كان رفد الرافدين تجشما
وراحت بصراد ملث جليده * على الطلح إرماكا من الشهب صيما
أبونا أبو الأنصار عمرو بن عامر * وهم ولدوا عوفا وكعبا وأسلما
وقد كان في غسان مجد يعده * وعادية كانت من المجد معظما
فلما فرغ مسلمة بن عبد الملك من حرب يزيد بن المهلب جمع له يزيد بن عبد الملك
ولاية الكوفة والبصرة وخراسان في هذه السنة فلما ولاه يزيد ذلك ولى مسلمة
الكوفة ذا الشامة محمد بن عمرو بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط وقام بأمر البصرة
بعد أن خرج منها آل المهلب فيما قيل شبيب بن الحارث التميمي فضبطها فلما ضمت
349

إلى مسلمة بعث عاملا عليها عبد الرحمن بن سليم الكلبي وعلى شرطتها وأحداتها
عمر بن يزيد التميمي فأراد عبد الرحمن بن سليم أن يستعرض أهل البصرة وأفشى
ذلك إلى عمر بن يزيد فقال له عمر أتريد أن تستعرض أهل البصرة ولم تمن
حصنا بكويفة وتدخل تحتاج إليه فوالله لو رماك أهل البصرة وأصحابك بالحجارة
لتخوفت أن يقتلونا ولكن أنظرنا عشرة أيام حتى نأخذ أهبة ذلك ووجه رسولا
إلى مسلمة يخبره بما هم به عبد الرحمن فوجه مسلمة عبد الملك بن بشر بن مروان
على البصرة وأقر عمر بن يزيد على الشرطة والاحداث (قال أبو جعفر) وفى
هذه السنة وجه مسلمة بن عبد الملك سعيد بن عبد العزيز بن الحارث بن الحكم بن أبي
العاص وهو الذي يقال له سعيد خذينة وإنما لقب بذلك فيما ذكر أنه كان
رجلا لينا سهلا متنعما قدم خراسان على بختية معلقا سكينا في منطقته فدخل عليه
ملك أبغر وسعيد متفضل في ثياب مصبغة حوله مرافق مصبغة فلما خرج من عنده
قالوا له كيف رأيت الأمير قال خذينية لمته سكينية فلقب خذينة وخذينة هي
الدهقانة ربة البيت وانما استعمل مسلمة سعيد خذينة على خراسان لأنه كان
ختنه على ابنته كان سعيد متزوجا بابنة مسلمة
ذكر الخبر عن أمر سعيد في ولاية خراسان في هذه السنة
ولما ولى مسلمة سعيد خذينة خراسان قدم إليها قبل شخوصه سورة بن الحر
من بنى دارم فقدمها قبل سعيد فيما ذكر بشهر فاستعمل شعبة بن ظهير النهشلي على
سمرقند فخرج إليها في خمسة وعشرين رجلا من أهل بيته فأخذ على آمل فأتى بخارى
فصحبه منها مائتا رجل فقدم السغد وقد كان أهلها كفروا في ولاية عبد الرحمن
ابن نعيم الغامدي ووليها ثمانية عشر شهرا ثم عادوا إلى الصلح فخطب شعبة أهل
السغدو وبخ سكانها من العرب وعيرهم بالجبن فقال ما أرى فيكم جريحا ولا أسمع
فيكم أنة فاعتذروا إليه بأن جبنوا عاملهم علباء بن حبيب العبدي وكان على الحرب ثم
قدم سعيد فأخذ عمال عبد الرحمن بن عبد الله القشيري الذي ولوا أيام عمر بن
عبد العزيز فحبسهم فكلمه فيهم عبد الرحمن بن عبد الله القشيري فقال له سعيد قد
350

رفع عليهم أن عندهم أموالا من الخراج قال فأنا أضمنه فضمن عنهم سبعمائة ألف
ثم لم يأخذه بها ثم إن سعيدا رفع إليه فيما ذكر علي بن محمد أن جهم بن زحر الجعفي
وعبد العزيز بن عمرو بن الحجاج الزبيدي والمنتجع بن عبد الرحمن الأزدي والقعقاع
الأزدي ولو اليزيد بن المهلب وهم ثمانية وعندهم أموال قد اختانوها من في
المسلمين فأرسل إليهم فحبسهم في قهنذر مرو فقيل له إن هؤلاء لا يؤدون الا أن
تبسط عليهم فأرسل إلى جهم بن زحر فحمل على حمار من قهنذر مرو فمروا به
على الفيض بن عمران فقام إليه فوجا أنفه فقال له جهم يا فاسق هلا فعلت هذا
حين أتوني بك سكران قد شربت الخمر فضربتك حدا فغضب سعيد على جهم
فضربه مائتي سوط فكبر أهل السوق حين ضرب جهم بن زحر وأمر سعيد بجهم
والثمانية الذين كانوا في السجن فدفعوا إلى ورقاء بن نصر الباهلي فاستعفاه فأعفاه
(وقال) عبد الحميد بن دثار أو عبد الملك بن دثار والزبير بن نشيط مولى باهلة
وهو زوج أم سعيد خذينة ولنا محابسهم فولاهم فقتلوا في العذاب جهما وعبد العزيز
ابن عمرو والمنتجع وعذبوا القعقاع وقوما حتى أشرفوا على الموت قال فلم يزالوا
في السجن حتى غزتهم الترك وأهل السغد فأمر سعيد بإخراج من بقى منهم فكان
سعيد يقول قبح الله الزبير فإنه قتل جهما (وفى هذه السنة) غزا المسلمون السغد
والترك فكان فيها الوقعة بينهم بقصر الباهلي (وفيها) عزل سعيد خذينة شعبة
ابن ظهير عن سمرقند
ذكر الخبر عن سبب عزل سعيد شعبة وسبب هذه الوقعة وكيف كانت
ذكر علي بن محمد عن الذين تقدم ذكرى خبره عنهم أن سعيد خذينة لما قدم
خراسان دعا قوما من الدهاقين فاستشارهم فيمن يوجه إلى الكور فأشاروا إليه
بقوم من العرب فولاهم فشكوا إليه فقال للناس يوما وقد دخلوا عليه إني قدمت
البلد وليس لي علم بأهله فاستشرت فأشاروا على بقوم فسألت عنهم فحمدوا
فوليتهم فأحرج عليكم لما أخبرتموني عن عمالي فأثنى عليهم القوم خيرا فقال
عبد الرحمن بن عبد الله القشيري لو لم تحرج علينا لكففت فأما إذ حرجت علينا
351

فإنك شاورت المشركين فأشاروا عليك بمن لا يخالفهم وبأشباههم فهذا علمنا
فيهم قال فاتكى سعيد ثم جلس فقال خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن
الجاهلين قوموا قال وعزل سعيد شعبة بن ظهير عن السغد وولى حربها عثمان
ابن عبد الله بن مطرف بن الشخير وعلى الخراج سليمان بن أبي السرى مولى بنى عوافة
واستعمل على هراة معقل بن عروة القشيري فسار إليها وضعف الناس سعيدا
وسموه خذينة فطمع فيه الترك فجمع له خاقان الترك ووجههم إلى السغد فكان
على الترك كورصول وأقبلوا حتى نزلوا قصر الباهلي * وقال بعضهم أراد عظيم
من عظماء الدهاقين أن يتزوج امرأة من باهلة وكانت في ذلك القصر فأرسل إليها
يخطبها فأبت فاستجاش ورجا أن يسبوا من في القصر فيأخذ المرأة فأقبل كور صول
حتى حصر أهل القصر وفيه مائة أهل بيت بذراربهم وعلى سمرقند عثمان بن عبد الله
وخافوا أن يبطئ عنهم المدد فصالحوا الترك على أربعين ألفا وأعطوهم سبعة عشر
رجلا رهينة وندب عثمان بن عبد الله الناس فانتدب المسيب بن بشر الرياحي
وانتدب معه أربعة آلاف من جميع القبائل فقال شعبة بن ظهير لو كان ههنا خيول
خراسان ما وصلوا إلى غايتهم قال وكان فيمن انتدب من بنى تميم شعبة بن ظهير
النهشلي وبلعاء بن مجاهد العنزي وعميرة بن ربيعة أحد بنى العجيف وهو عميرة
الثريد وغالب بن المهاجر الطائي وهو أبو العباس الطوسي وأبو سعيد معاوية
ابن الحجاج الطائي وثابت قطنة وأبو المهاجر بن دارة من غطفان وجليس الشيباني
والحجاج بن عمرو الطائي وحسان بن معدان الطائي والأشعث أبو حطامة وعمرو
ابن حسان الطيئان فقال المسيب بن بشر لما عسكروا إنكم تقدمون على حلبة
الترك حلبة حاقان وغيرهم والعوض إن صبرتم الجنة والعقاب النار أن فررتم فمن
أراد الغزو والصبر فليقدم فانصرف عنه ألف وثلاثمائة وسار في الباقين فلما سار
فرسخا قال للناس مثل مقالته الأولى فاعتزل ألف ثم سار فرسخا آخر فقال لهم
مثل ذلك فاعتزل ألف ثم سار وكان دليلهم الأشهب بن عبيد الحنظلي حتى إذا
كان على فرسخين من القوم نزل فأتاهم ترك خاقان ملك في فقال إنه لم يبق
352

ههنا دهقان إلا وقد بايع الترك غيري وأنا في ثلاثمائة مقاتل فهم معك وعندي
الخبر قد كانوا صالحوهم على أربعين ألفا فأعطوهم سبعة عشر رجلا ليكونوا رهنا في
أيديهم حتى يأخذوا صلحهم فلما بلغهم مسيركم إليهم قتل الترك من كان في أيديهم من
الرهائن قال وكان فيهم نهشل بن يزيد الباهلي فنجا لم يقتل والأشهب بن عبيد الله
الحنظلي وميعادهم أن يقاتلوهم غدا أو يفتحوا القصر فبعث المسيب رجلين رجلا
من العرب ورجلا من العجم من ليلته على خيولهم وقال لهم إذا قربتم فشدوا دوابكم
بالشجر واعلموا علم القوم فأقبلا في ليلة مظلمة وقد أجرت الترك الماء في نواحي
القصر فليس يصل إليه أحد ودنوا من القصر فصاح بهما الربية فقالا لا تصح
وادع لنا عبد الملك بن دثار فدعاه فقالا له أرسلنا المسيب وقد أتاكم الغياث قال
أين هو قال على فرسخين فهل عندكم امتناع ليلتك وغدا فقال قد أجمعنا على تسليم
نسائنا وتقديمهم للموت أمامنا حتى نموت جميعا غدا فرجعا إلى المسيب فأخبراه
فقال المسيب للذين معه إني سائر إلى هذا العدو فمن أحب أن يذهب فليذهب فلم
يفارقه أحد وبايعوه على الموت فسار وقد زاد الماء الذي أجروه حول المدينة
تحصينا فلما كان بينه وبينهم نصف فرسخ نزل فأجمع على بياتهم فلما أمسى أمر الناس
فشدوا على خيولهم وركب فحثهم على الصبر ورغبهم فيما يصير إليه أهل الاحتساب
والصبر ومالهم في الدنيا من الشرف والغنيمة إن ظفروا وقال لهم اكعموا دوابكم
وقودوهم فإذا دنوتم من القوم فاركبوها وشدوا شدة صادقة وكبروا وليكن
شعاركم يا محمد ولا تتبعوا موليا وعليكم بالدواب فاعقروها فان الدواب إذا عقرت
كانت أشد عليهم منكم والقليل الصابر خير من الكثير الفشل وليست بكم قلة فان
سبعمائة سيف لا يضرب بها في عسكر إلا أوهنوه وإن كثر أهله قال وعباهم
وجعل على الميمنة كثير الدبوسي وعلى الميسرة رجلا من ربيعة يقال له ثابت
قطنة وساروا حتى إذا كانوا منهم على غلوتين كبروا وذلك في السحر وثار الترك
وخالط المسلمون العسكر فعقروا الدواب وصابرهم الترك فجال المسلمون وانهزموا
حتى صاروا إلى المسيب وتبعهم الترك وضربوا عجز دابة المسيب فترجل رجال
353

من المسلمين فيهم البختري أبو عبد الله المرائي ومحمد بن قيس الغنوي ويقال محمد
ابن قيس العنبري وزياد الأصبهاني ومعاوية بن الحجاج وثابت قطنة فقاتل البختري
فقطعت يمينه فأخذ السيف بشماله فقطعت فجعل يذب بيديه حتى استشهد واستشهد
أيضا محمد بن قيس العنبري أو الغنوي وشبيب بن الحجاج الطائي قال ثم انهزم
المشركون وضرب ثابت قطنة عظيما من عظمائهم فقتله ونادى منادى المسيب
لا تتبعهم فإنهم لا يدرون من الرعب اتبعتموهم أم لا واقصدوا القصر ولا تحملوا
شيئا من المتاع إلا المال ولا تحملوا من يقدر على المشي وقال المسيب من حمل
امرأة أو صبيا أو ضعيفا حسبة فأجره على الله ومن أبى فله أربعون درهما وإن
كان في القصر أحد من أهل عهدكم فاحملوه قال فقصدوا جميعا القصر فحملوا من
كان فيه وانتهى رجل من بنى فقيم إلى امرأة فقالت أغثني أغاثك الله فوقف وقال دونك
وعجز الفرس فوثبت فإذا هي على عجز الفرس فإذا هي أفرس من رجل فتناول
الفقيمي بيد ابنها غلاما صغيرا فوضعه بين يديه وأتوا ترك خاقان فأنزلهم قصره
وأتاهم بطعام وقال الحقوا بسمرقند لا ترجعوا في آثاركم فخرجوا نحو سمرقند فقال
لهم هل بقى أحد قالوا هلال الحريري قال لا أسلمه فأتاه وبه بضع وثلاثون جراحة
فاحتمله فبرأ ثم أصيب يوم الشعب مع الجنيد قال ورجع الترك من الغد فلم يروا
في القصر أحدا ورأوا قتلاهم فقالوا لم يكن الذين جاءوا من الانس فقال ثابت قطنة
فدت نفسي فوارس من تميم * غداة الروع في ضنك المقام
فدت نفسي فوارسا اكتفوني * على الأعداء في رهج القتام
بقصر الباهلي وقد رأوني * أحامي حيث ضن به المحامي
بسيفي بعد حطم الرمح قدما * أذودهم بذى شطب حسام
أكر عليهم اليحموم كرا * ككر الشرب آنية المدام
أكر به لدى الغمرات حتى * تجلت لا يضيق بها مقامي
فلولا الله ليس له شريك * وضربي قونس الملك الهمام
إذا لسعت نساء بنى دثار * أمام الترك بادية الخدام
354

فمن مثل المسيب في تميم * أبى بشر كقادمة الحمام
وقال جرير يذكر المسيب
لولا حماية يربوع نساءكم * كانت لغيركم منهن أطهار
حامى المسيب والخيلان في رهج * إذ مازن ثم لا يحمى لها جار
إذ لا عقال يحامى عن ذماركم * ولا زرارة يحميها وزرار
قال وعور تلك الليلة أبو سعيد معاوية بن الحجاج الطائي وشلت يده وقد
كان ولى ولاية قبل سعيد فخرج عليه شئ مما كان بقى عليه فأخذ به فدفعه سعيد
إلى شداد بن خليد الباهلي ليحاسبه ويستأديه فضيق عليه شداد فقال يا معشر قيس
سرت إلى قصر الباهلي وأنا شديد البطش حديد البصر فعورت وشلت يدي وقاتلت
مع من قاتل حتى استنقذناهم بعد أن أشرفوا على القتل والأسر والسبي وهذا
صاحبكم ويصنع بي ما يصنع فكفوه عنى فخلاه قال وقال عبد الله بن محمد عن رجل
شهد ليلة قصر الباهلي قال كنا في القصر فلما التقوا ظننا أن القيامة قد قامت لما سمعنا
من هماهم القوم ووقع الحديد وصهيل الخيل (وفى هذه السنة) قطع سعيد خذينة
نهر بلخ وغزا السغد وكانوا نقضوا العهد وأعانوا الترك على المسلمين
ذكر الخبر عما كان من أمر سعيد والمسلمين في هذه الغزوة
وكان سبب غزو سعيد هذه الغزوة فيما ذكر أن الترك عادوا إلى السغد فكلم الناس سعيدا
وقالوا تركت الغزو فقد أغار الترك وكفر أهل السغد فقطع النهر وقصد للسغد فلقيه
الترك وطائفة من أهل السغد فهزمهم المسلمون فقال سعيد لا تتبعوهم فإن السغد
بستان أمير المؤمنين وقد هزمتموهم أفتريدون بوارهم وقد قاتلتم يا أهل العراق
الخلفاء غير مرة فهل أباروكم وسار المسلمون فانتهوا إلى واد بينهم وبين المرج فقال
عبد الرحمن بن صبح لا يقطعن هذا الوادي مجفف ولا راجل وليعبر من سواهم
فعبروا ورأتهم الترك فأكمنوا كمينا وظهرت لهم خيل المسلمين فقاتلوهم فانحاز
الترك فأتبعوهم حتى جازوا الكمين فخرجوا عليهم فانهزم المسلمون حتى انتهوا إلى
الوادي فقال لهم عبد الرحمن بن صبح سابقوهم ولا تقطعوا فإنكم إن قطعتم أبادوكم
فصبروا لهم حتى انكشفوا عنهم فلم يتبعوهم فقال قوم قتل يومئذ شعبة بن ظهير
355

وأصحابه وقال قوم بل انكشفت الترك منهم يومئذ منهزمين ومعهم جمع من أهل
السغد فلما كان الغد خرجت مسلحة للمسلمين والمسلحة يومئذ من بنى تميم فما شعروا
إلا بالترك معهم خرجوا عليهم من غيضة وعلى خيل بنى تميم شعبة بن ظهير
فقاتلهم شعبة فقتل أعجلوه عن الركوب وقتل رجل من العرب فأخرجت جاريته
حناء وهى تقول حتى متى أعدلك مثل هذا الخضاب وأنت مختضب بالدم مع
كلام كثير فأبكت أهل العسكر وقتل نحو من خمسين رجلا وانهزم أهل المسلحة
وأتى الناس الصريح فقال عبد الرحمن بن المهلب العدوي كنت أنا أول من أتاهم
لما أتانا الخبر وتحتي فرس جواد فإذا عبد الله بن زهير إلى جنب شجرة كأنه قنفد
من النشاب وقد قتل وركب الخليل بن أوس العبشمي أحد بنى ظالم وهو شاب
ونادى يا بنى تميم أنا الخليل إلى فانضمت إليه جماعة فحمل بهم على العدو فكفوهم
وورعوهم عن الناس حتى جاء الأمير والجماعة فانهزم العدو فصار الخليل على خيل
بنى تميم يومئذ حتى ولى نصر بن سيار ثم صارت رياسة بنى تميم لأخيه الحكم بن
أوس وذكر علي بن محمد عن شيوخه أن سورة بن الحر قال لحيان انصرف يا حيان
قال عقيرة الله أدعها وأنصرف قال يا نبطي قال أنبط الله وجهك قال وكان حيان
النبطي يكنى في الحرب أبا الهياج وله يقول الشاعر
إن أبا الهياج أريحى * للريح في أثوابه دوى
قال وعبر سعيد النهر مرتين فلم يجاوز سمرقند نزل في الأولى بإزاء العدو
فقال له حيان مولى مصقلة بن هبيرة الشيباني أيها الأمير ناجز أهل السغد فقال
لا هذه بلاد أمير المؤمنين فرأى دخانا ساطعا فسأل عنه فقيل له السغد قد كفروا
ومعهم بعض الترك قال فناوشهم فانهزموا فألحوا في طلبهم فنادى منادى سعيد
لا تطلبوهم إنما السغد بستان أمير المؤمنين وقد هزمتموهم أفتريدون بوارهم وأنتم
يا أهل العراق قد قاتلتم أمير المؤمنين غير مرة فعفا عنكم ولم يستأصلكم ورجع فلما
كان العام المقبل بعث رجالا من بنى تميم إلى ورغسر فقالوا ليتنا نلقى العدو
فنطاردهم وكان سعيد إذا بعث سرية فأصابوا وغنموا وسبوا رد ذراري السبى
356

وعاقب السرية فقال الهجري وكان شاعرا
سريت إلى الأعداء تلهو بلعبة * وأيرك مسلول وسيفك مغمد
وأنت لمن عاديت عرس خفية * وأنت علينا كالحسام المهند
فلله در السغد لما تحزبوا * ويا عجبا من كيدك المتردد
قال فقال سورة بن الحر لسعيد وقد كان حفظ عليه وحقد عليه قوله أنبط
الله وجهك إن هذا العبد أعدى الناس للعرب والعمال وهو أفسد خراسان على
قتيبة بن مسلم وهو واثب بك مفسد عليك خراسان ثم يتحصن في بعض هذه
القلاع فقال يا سورة لا تسمعن هذا أحدا ثم مكث أياما ثم دعا في مجلسه بلبن وقد
أمر بذهب فسحق وألقى في إناء حيان فشربه وقد خلط بالذهب ثم ركب فركب
الناس أربع فراسخ إلى باركث كأنه يطلب عدوا ثم رجع فعاش حيان أربعة أيام
ومات في اليوم الرابع فثقل سعيد على الناس وضعفوه وكان رجل من بنى أسد
يقال له إسماعيل منقطعا إلى مروان بن محمد فذكر إسماعيل عند خذينة ومودته
لمروان فقال سعيد وما ذاك الملط فهجاه إسماعيل فقال
زعمت خذينة أنني ملط * لخذينة المرآة والمشط
ومجامر ومكاحل جعلت * ومعازف وبخدها نقط
أفذاك أم زغف مضاعفة * ومهند من شأنه القط
لمقرس ذكر أخي ثقة * لم يغذه التأنيث واللقط
أغضبت أن بات ابن أمكم * بهم وأن أباكم سقط
إني رأيت نبالهم كسيت * ريش اللؤام ونبلكم مرط
ورأيتهم جعلوا مكاسرهم * عند الندى وأنتم خلط
(وفى هذه السنة) عزل مسلمة بن عبد الملك عن العراق وخراسان وانصرف إلى الشام
ذكر الخبر عن سبب عزله وكيف كان ذلك
وكان سبب ذلك فيما ذكر علي بن محمد أن مسلمة لما ولى ما ولى من أرض العراق
وخراسان لم يرفع من الخراج شيئا وأن يزيد بن عاتكة أراد عزله فاستحيى منه وكتب
357

إليه أن استخلف على عملك وأقبل وقد قيل إن مسلمة شاور عبد العزيز بن حاتم
ابن النعمان في الشخوص إلى ابن عاتكة ليزوره فقال له أمن شوق بك إليه إنك
لطروب وإن عهدك به لقريب قال لا بد من ذلك قال إذا لا تخرج من عملك حتى
تلقى الوالي عليه فشخص فلما بلغ دورين لقيه عمر بن هبيرة على خمس من دواب
البريد فدخل عليه ابن هبيرة فقال إلى أين يا ابن هبيرة فقال وجهني أمير المؤمنين
في حيازة أموال بنى المهلب فلما خرج من عنده أرسل إلى عبد العزيز فجاءه فقال
هذا ابن هبيرة قد لقينا كما ترى قال قد أنبأتك قال فإنه إنما وجهه لحيازة أموال بنى
المهلب قال هذا أعجب من الأول يصرف عن الجزيرة ويوجه في حيازة أموال
بنى المهلب قال فلم يلبث أن جاءه عزل ابن هبيرة عماله والغلظة عليهم فقال الفرزدق
راحت بمسلمة الركاب مودعا * فارعي فزارة لأهناك المرتع
عزل ابن بشر وابن عمرو قبله * وأخو هراة لمثلها يتوقع
ولقد علمت أبن؟؟ فزارة أمرت * أن سوف يطمع في الامارة أشجع
من خلق ربك ما هم ولمثلهم * في مثل ما نالت فزارة يطمع
يعنى بابن بشر عبد الملك بن بشر بن مروان وبابن عمر ومحمدا ذا الشامة ابن عمرو
ابن الوليد وبأخي هراة سعيد خذينة بن عبد العزيز كان عاملا لمسلمة على خراسان
(وفى هذه السنة) غزا عمر بن هبيرة الروم بأرمينية فهزمهم وأسر منهم بشرا
كثيرا قيل سبعمائة أسير (وفيها) وجه فيما ذكر ميسرة رسله من العراق إلى خراسان
وظهر أمر الدعوة بها فجاء رجل من بنى تميم يقال له عمرو بن بحير بن ورقاء السعدي
إلى سعيد خذينة فقال له إن هاهنا قوما قد ظهر منهم كلام قبيح فبعث إليهم سعيد
فأتى بهم فقال من أنتم قالوا أناس من التجار قال فما هذا الذي يحكى عنكم قالوا لا ندري
قال جئتم دعاة فقالوا إن لنا في أنفسنا وتجارتنا شغلا عن هذا فقال من يعرف هؤلاء
فجاء أناس من أهل خراسان جلهم ربيعة واليمن فقالوا نحن نعرفهم وهم علينا إن أتاك
منهم شئ تكرهه فخلى سبيلهم (وفيها) أعنى سنة 102 قتل يزيد بن أبي مسلم بإفريقية
وهو وال عليها ذكر الخبر عن سبب قتله
وكان سبب ذلك أنه كان فيما ذكر عزم أن يسير بهم بسيرة الحجاج بن يوسف
358

في أهل الاسلام الذين سكنوا الأمصار ممن كان أصله من السواد من أهل الذمة
فأسلم بالعراق ممن ردهم إلى قراهم ورساتيقهم ووضع الجزية على رقابهم على نحو
ما كانت تؤخذ منهم وهم على كفرهم فلما عزم على ذلك تآمروا في أمره فأجمع رأيهم
فيما ذكر على قتله فقتلوه وولوا على أنفسهم الوالي الذي كان عليهم قبل يزيد بن أبي
مسلم وهو محمد بن يزيد مولى الأنصار وكان في جيش يزيد بن أبي مسلم وكتبوا
إلى يزيد بن عبد الملك إنا لم نخلع أيدينا من الطاعة ولكن يزيد بن أبي مسلم سامنا
مالا يرضى الله والمسلمون فقتلناه وأعدنا عاملك فكتب إليهم يزيد بن عبد الملك
إني لم أرض ما صنع يزيد بن أبي مسلم وأقر محمد بن يزيد على أفريقية (وفى هذه
السنة) استعمل عمر بن هبيرة بن معية بن سكين بن خديج بن مالك بن سعد بن عدي
بن فزارة على العراق وخراسان (وحج) بالناس في هذه السنة عبد الرحمن
ابن الضحاك كذلك قال أبو معشر والواقدي وكان العامل على المدينة عبد الرحمن
ابن الضحاك وعلى مكة عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد وعلى الكوفة
محمد بن عمرو ذو الشامة وعلى قضائها القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود
وعلى البصرة عبد الملك بن بشر بن مروان وعلى خراسان سعيد خذينة وعلى
مصر أسامة بن زيد
ثم دخلت سنة ثلاث ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمما كان فيها من ذلك عزل عمر بن هبيرة سعيد خذينة عن خراسان وكان سبب
عزله عنها فيما ذكر علي بن محمد عن أشياخه أن المجشر بن مزاحم السلمي وعبد الله
ابن عمير الليثي قدما على عمر بن هبيرة فشكواه فعزله واستعمل سعيد بن عمرو
ابن الأسود بن مالك بن كعب بن وقدان بن الحريش بن كعب بن ربيعة بن عامر
ابن صعصعة وخذينة غاز بباب سمرقند فبلغ الناس عزله فقفل خذينة وخلف بسمرقند
ألف فارس فقال نهار بن توسعة
359

فمن ذا مبلغ فتيان قومي * بأن النبل ريشت كل ريش
بأن الله أبدل من سعيد * سعيدا لا المخنث من قريش
قال ولم يعرض سعيد الحرشي لاحد من عمال خذينة فقرأ رجل عهده فلحن
فيه فقال سعيد صه مهما سمعتم فهو من الكاتب والأمير منه برئ فقال الشاعر
يضعف الحرشي في هذا الكلام
تبدلنا سعيدا من سعيد * لجد السوء والقدر المتاح
(قال الطبري) وفى هذه السنة غزا العباس بن الوليد الروم ففتح مدينة يقال
لها رسلة (وفيها) أغارت الترك على اللان (وفيها) ضمت مكة إلى عبد الرحمن بن
الضحاك الفهري فجمعت له مع المدينة (وفيها) ولى عبد الواحد بن عبد الله النضري
الطائف وعزل عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد عن مكة (وفيها) أمر
عبد الرحمن بن الضحاك أن يجمع بين أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وعثمان بن
حيان المري وكان من أمره وأمرهما ما قد مضى ذكره قبل (وحج) بالناس في
هذه السنة عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس الفهري كذلك قال أبو معشر والواقدي
وكان عامل يزيد بن عاتكة في هذه السنة على مكة والمدينة عبد الرحمن بن الضحاك
وعلى الطائف عبد الواحد بن عبد الله النضري وعلى العراق وخراسان عمر بن
هبيرة وعلى خراسان سعيد بن عمرو الحرشي من قبل عمر بن هبيرة وعلى قضاء
الكوفة القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود وعلى قضاء البصرة عبد الملك
ابن يعلى (وفيها) استعمل عمر بن هبيرة سعيد بن عمرو الحرشي على خراسان
ذكر الخبر عن سبب استعماله الحرشي على خراسان
ذكر علي بن محمد عن أصحابه أن ابن هبيرة لما ولى العراق كتب إلى يزيد بن عبد الملك
بأسماء من أبلى يوم العقر ولم يذكر الحرشي فقال يزيد بن عبد الملك لم لم يذكر
الحرشي فكتب إلى ابن هبيرة ول الحرشي خراسان فولاه فقدم الحرشي على مقدمته
المجشر بن مزاحم السلمي سنة 103 تم قدم الحرشي خراسان والناس بإزاء
العدو وقد كانوا نكبوا فخطبهم وحثهم على الجهاد فقال إنكم لا تقاتلون عدو
360

الاسلام بكثرة ولا بعدة ولكن بنصر الله وعز الاسلام فقولوا لا حول ولا
قوة إلا بالله وقال
فلست لعامر إن لم تروني * أمام الخيل أطعن بالعوالي
فأضرب هامة الجبار منهم * بعصب؟؟ الحد حودث بالصقال
فما أنا في الحروب بمستكين * ولا أخشى مصاولة الرجال
أبى لي والدي من كل ذم * وخالي في الحوادث خير خال
إذا خطرت أمامي حي كعب * وزافت كالجبال بنو هلال
(وفى هذه السنة) ارتحل أهل السغد عن بلادهم عند مقدم سعيد بن عمرو
الحرشي فلحقوا بفرغانة فسألوا ملكها معونتهم على المسلمين
ذكر الخبر عما كان منهم ومن صاحب فرغانة
ذكر علي بن محمد عن أصحابه أن السغد كانوا قد أعانوا الترك أيام خذينة فلما
وليهم الحرشي خافوا على أنفسهم فأجمع عظماؤهم على الخروج عن بلادهم فقال
لهم ملكهم لا تفعلوا أقيموا واحملوا إليه خراج ما مضى واضمنوا له خراج
ما تستقبلون واضمنوا له عمارة أرضيكم والغزو معه أن أراد ذلك واعتذروا
مما كان منكم وأعطوه رهائن يكونون في يديه قالوا نخاف أن لا يرضى ولا يقبل
منا ولكنا نأتى خجندة فنستجير ملكها ونرسل إلى الأمير فنسأله الصفح عما
كان منا ونوثق له أن لا يرى أمرا يكرهه فقال أنا رجل منكم وما أشرت به
عليكم كان خيرا لكم فأبوا فخرجوا إلى خجندة وخرج كارزنج وكشين وبياركث
وثابت بأهل اشتيخن فأرسلوا إلى ملك فرغانة الطار يسألونه أن يمنعهم وينزلهم
مدينة فهم أن يفعل فقالت له أمه لا تدخل هؤلاء الشياطين مدينتك ولكن
فرغ لهم رستاقا يكونون فيه فأرسل إليهم سموا لي رستاقا أفرغه لكم وأجلوني
أربعين يوما ويقال عشرين يوما وإن شئتم فرغت لكم شعب عصام بن عبد الله
الباهلي وكان قتيبة خلفه فيهم فقبلوا شعب عصام فأرسلوا إليه فرغه لنا قال
نعم وليس لكم على عقد ولا جوار حتى تدخلوه وان أتتكم العرب قبل أن
361

تدخلوه لم أمنعكم فرضوا ففرغ لهم الشعب وقد قيل إن ابن هبيرة بعث إليهم قبل
ان يخرجوا من بلادهم يسألهم أن يقيموا ويستعمل عليهم من أحبوا فأبوا وخرجوا
إلى خجندة وشعب عصام من رستاق أسفرة وأسفرة يومئذ ولى عهد ملك فرغانة
بيلاذا وبيلاذا أبو أبو جور ملكها وقيل قال لهم كارزنج أخيركم ثلاث خصال إن
تركتموها هلكتم إن سعيدا فارس العرب وقد وجه على مقدمته عبد الرحمن
ابن عبد الله القشيري في حماة أصحابه فبيتوه فاقتلوه فإن الحرشي إذا أتاه خبره
لم يغزكم فأبوا عليه قال فاقطعوا نهر الشاش فسلوهم ماذا تريدون فان أجابوكم
وإلا مضيتم إلى سوياب؟؟ قالوا لا قال فأعطوهم قال فارتحل كارزنج وجلنج بأهل في
وأبار بن ما خنون وثابت بأهل اشتيخن وارتحل أهل بياركث وأهل سبسكث
بألف رجل عليهم مناطق الذهب مع دهاقين بزماجن فارتحل الديواشنى بأهل
بنجيكث إلى حصن أبغر ولحق كارزنج وأهل السغد بخجندة
ثم دخلت سنة أربع ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
(ففي هذه السنة) كانت وقعة الحرشي بأهل السغد وقتله من قتل من دهاقينها
ذكر الخبر عن أمره وأمرهم في هذه الوقعة
ذكر على عن أصحابه أن الحرشي غزا في سنة 104 فقطع النهر وعرض
الناس ثم سار فنزل قصر الريح على فرسخين من الدبوسية ولم يجتمع إليه جنده
قال فأمر الناس بالرحيل فقال له هلال بن عليم الحنظلي يا هناه إنك وزيراخير
منك أميرا الأرض حرب شاغرة برجلها ولم يجتمع لك جندك وقد أمرت
بالرحيل قال فكيف لي قال تأمر بالنزول ففعل وخرج النيلان ابن عم ملك
فرغانة إلى الحرشي وهو نازل على مغون فقال له إن أهل السغد بخجندة وأخبره
خبرهم وقال عاجلهم قبل أن يصيروا إلى الشعب فليس لهم علينا جوار حتى يمضى
الاجل فوجه الحرشي مع النيلان عبد الرحمن القشيري وزياد بن عبد الرحمن
362

القشيري في جماعة ثم ندم على ما فعل فقال جاءني علج لا أدرى صدق أم كذب
فغررت بجند من المسلمين وارتحل في أثرهم حتى نزل في أشر وسنة فصالحهم
بشئ يسير فبينا هو يتعشى إذ قيل له هذا عطاء الدبوسي وكان فيمن وجهه مع
القشيري ففزع وسقطت اللقمة من يده ودعا بعطاء فدخل عليه فقال ويلك
قاتلتم أحدا فقال لا قال الحمد لله وتعشى وأخبره بما قدم له عليه فسار جوادا مغذا
حتى لحق القشيري بعد ثالثة وسار فلما انتهى إلى خجندة قال للفضل بن بسام ما ترى
قال أرى المعاجلة قال لا أرى ذلك إن جرح رجل فإلى أين يرجع أو قتل قتيل
فإلى من يحمل ولكني أرى النزول والتأني والاستعداد للحرب فنزل فرفع الأبنية
وأخذ في التأهب فلم يخرج أحد من العدو فجبن الناس الحرشي وقالوا كان هذا
يذكر بأسه بالعراق ورأيه فلما صار بخراسان ماق قال فحمل رجل من العرب
فضرب باب خجندة بعمود ففتح الباب وقد كانوا حفروا في ربضهم وراء
الباب الخارج خندقا وغطوه بقصب وعلوه بالتراب مكيدة وأرادوا إذا التقوا
إن انهزموا أن يكونوا قد عرفوا الطريق ويشكل على المسلمين فيسقطوا في
الخندق قال فلما خرجوا قاتلوهم فانهزموا وأخطأوهم الطريق فسقطوا في الخندق
فأخرجوا هم من الخندق أربعين رجلا على الرجل درعان درعان وحصرهم
الحرشي ونصب عليهم المجانيق فأرسلوا إلى ملك فرغانة غدرت بنا وسألوه أن
ينصرهم فقال لهم لم أغدر ولا أنصركم فانظروا لأنفسكم فقد أتوكم قبل انقضاء الأجل
ولستم في جواري فلما أيسوا من نصره طلبوا الصلح وسألوا الأمان
وأن يردهم إلى السغد فاشترط عليهم أن يردوا من في أيديهم من نساء العرب
وذراريهم وأن يؤدوا ما كسروا من الخراج ولا يغتالوا أحدا ولا يتخلف منهم
بخجندة أحد فإن أحدثوا حدثا حلت دماؤهم قال وكان السفير فيما بينهم موسى
ابن مشكان مولى آل بسام فخرج إليه كارزنج فقال له إن لي حاجة أحب أن تشفعني
فيها قال وما هي قال أحب إن جنى منهم رجل جناية بعد الصلح أن لا تأخذني بما
جنى فقال الحرشي ولى حاجة فاقضها قال وما هي قال لا تلحقني في شرطي ما أكره
363

قال فأخرج الملوك والتجار من الجانب الشرقي وترك أهل خجندة الذين هم أهلها
على حالهم فقال كارزنج للحرشي ما تصنع قال أخاف عليكم معرة الجند قال وعظماؤهم
مع الحرشي في العسكر نزلوا على معارفهم من الجند ونزل كارزنج على أيوب بن أبي
حسان فبلع الحرشي أنهم قتلوا امرأة من نسائكن في أيديهم فقال لهم بلغني أن
ثابتا الاشتيخنى قتل امرأة ودفنها تحت حائط فجحدوا فأرسل الحرشي إلى قاضى
خجندة فنظروا فإذا المرأة مقتولة قال فدعا الحرشي بثابت فأرسل كارزنج غلامه إلى
باب السرادق ليأتيه بالخبر وسأل الحرشي ثابتا وغيره عن المرأة فجحد ثابت وتيقن
الحرشي أنه قتلها فقتله فرجع غلام كارزنج إليه بقتل ثابت فجعل يقبض على لحيته
ويقرضها بأسنانه وخاف كارزنج أن يستعرضهم الحرشي فقال لأيوب بن أبي حسان
إني ضيفك وصديقك فلا يجمل بك أن يقتل صديقك في سراويل خلق قال فخذ
سراويلي قال وهذا لا يجمل أقتل في سراويلاتكم فسرح غلامك إلى جلنج ابن
أخي يجيئوني بسراويل جديدة وكان قد قال لابن أخيه إذا أرسلت إليك أطلب
سراويل فاعلم أنه القتل فلما بعث بسراويل أخرج فرندة خضراء فقطعها عصائب
وعصبها برؤوس شاكريته ثم خرج هو وشاكريته فاعترض الناس فقتل ناسا
ومر بيحيى بن حضين فنفحه نفحة على رجله فلم يزل يخمع منها وتضعضع أهل
العسكر ولقى الناس منه شرا حتى انتهى إلى ثابت بن عثمان بن مسعود في طريق
ضيق فقتله ثابت بسيف عثمان بن مسعود وكان في أيدي السغد أسراء من المسلمين
فقتلوا منهم خمسين ومائة ويقال قتلوا منهم أربعين قال فأفلت منهم غلام فأخبر
الحرشي ويقال بل أتاه رجل فأخبره فسألهم فجحدوا فأرسل إليهم من علم علمهم
فوجد الخبر حقا فأمر بقتلهم وعزل التجار عنهم وكان التجار أربعمائة كان معهم
مال عظيم قدموا به من الصين قال فامتنع أهل السغد ولم يكن لهم سلاح فقاتلوا
بالخشب فقتلوا عن آخرهم فلما كان الغد دعا الحراثين ولم يعلموا ما صنع أصحابهم
فكان يختم في عنق الرجل ويخرج من حائط إلى حائط فيقتل وكانوا ثلاثة آلاف
ويقال سبعة آلاف فأرسل جرير بن هميان والحسن بن أبي العمرطة ويزيد بن
364

أبى زينب فأحصوا أموال التجار وكانوا اعتزلوا وقالوا لا نقاتل فاصطفى أموال
السغد وذراريهم فأخذ منه ما أعجبه ثم دعا مسلم بديل العدوي عدى الرباب فقال
قد وليتك المقسم قال بعد ما عمل فيه عمالك ليلة وله غيري فولاه عبيد الله بن زهير
ابن حيان العدوي فأخرج الخمس وقسم الأموال وكتب الحرشي إلى يزيد بن
عبد الملك ولم يكتب إلى عمر بن هبيرة فكان هذا مما وجد فيه عليه عمر بن هبيرة
فقال ثابت قطنة يذكر ما أصابوا من عظمائهم
أقر العين مصرع كازنج * وكشين وما لاقي بيار
وديواشنى وما لاقي جلنج * بحصن خجند إذ دمروا فباروا
ويروى أقر العين مصرع كارزنج وكشكيش ويقال إن ديواشنى دهقان أهل
سمرقند واسمه ديواشنج فأعربوه ديواشنى ويقال كان على أقباض خجندة علباء
ابن أحمر اليشكري فاشترى رجل منه جونة بدرهمين فوجد فيها سبائك ذهب فرجع
وهو واضع يده على لحيته كأنه رمد فرد الجونة وأخذ الدرهمين فطلب فلم يوجد
قال وسرح الحرشي سليمان بن أبي السرى مولى بنى عوافة إلى قلعة لا يطيف بها
وادى السغد إلا من وجه واحد ومعه شوكر بن حميك وخوارزم شاه وعورم
صاحب آخرون وشومان فوجه سليمان بن أبي السرى على مقدمته المسيب بن بشر
الرياحي فتلقوه من القلعة على فرسخ في قرية يقال لها كوم فهزمهم المسيب حتى
ردهم إلى القلعة فحصرهم سليمان ودهقانها يقال له ديواشنى قال فكتب إليه الحرشي
فعرض عليه أن يمده فأرسل إليه ملتقانا ضيق فسر إلى كس فإنا في كفاية الله
إن شاء الله فطلب الديواشنى أن ينزل على حكم الحرشي وأن يوجهه مع المسيب
ابن بشر إلى الحرشي فوفى له سليمان ووجهه إلى سعيد الحرشي فألطفه وأكرمه
مكيدة فطلب أهل القلعة الصلح بعد مسيره على أن لا يعرض لمائة أهل بيت منهم
ونسائهم وأبنائهم ويسلمون القلعة فكتب سليمان إلى الحرشي أن يبعث الامناء
في قبض ما في القلعة قال فبعث محمد بن عزيز الكندي وعلباء بن أحمر اليشكري
فباعوا ما في القلعة مزايدة فأخذ الخمس وقسم الباقي بينهم وخرج الحرشي إلى كس
365

فصالحوه على عشرة آلاف رأس ويقال صالح دهقان كس واسمه ويك على ستة
آلاف رأس يوفيه في أربعين يوما على أن لا يأتيه فلما فرغ من كس خرج إلى
ربنجن فقتل الديواشنى وصلبه على ناوس وكتب على أهل ربنجن كتابا بمائة
إن فقد من موضعه وولى نصر بن سيار قبض صلح كس ثم عزل سورة بن الحر
وولى نصر بن سيار واستعمل سليمان ابن أبي السرى على كس ونسف حربها
وخراجها وبعث برأس الديواشنى إلى العراق ويده اليسرى إلى سليمان بن أبي
السرى إلى طخارستان قال وكانت خزار منيعة فقال المجشر بن مزاحم لسعيد بن عمرو
الحرشي ألا أدلك على من يفتحها لك بغير قتال قال بلى قال المسربل بن الخريت
ابن راشد الناجي فوجهه إليها وكان المسربل صديقا لملكها واسم الملك سبقرى وكانوا
يحبون المسربل فأخبر الملك ما صنع الحرشي بأهل خجندة وخوفه قال فما ترى قال أرى
أن تنزل بأمان قال فما أصنع بمن لحق بي من عوام الناس قال نصيرهم معك في أمانك
فصالحهم فآمنوه وبلاده قال ورجع الحرشي إلى مرو ومعه سبقرى فلما نزل أسنان
وقدم مهاجر بن يزيد الحرشي وأمره أن يوافيه ببرذون بن كشانيشاه قتل سبقرى
وصلبه ومعه أمانه ويقال كان هذا دهقان ابن ماجر قدم على ابن هبيرة فأخذ
أمانا لأهل السغد فحبسه الحرشي في قهندزمر فلما قدم مرو دعا به وقتله وصلبه
في الميدان فقال الراجز:
إذا سعيد سار في الأخماس * في رهج يأخذ بالأنفاس
دارت على الترك أمر الكاس * وطارت الترك على الأجلاس
ولو فرارا عطل القياس
(وفى هذه السنة) عزل يزيد بن عبد الملك عبد الرحمن بن الضحاك بن
قيس الفهري عن المدينة ومكة وذلك للنصف من شهر ربيع الأول وكان عامله
على المدينة ثلاث سنين (وفيها) ولى يزيد بن عبد الملك المدينة عبد الواحد النضري
366

ذكر الخبر عن سبب عزل يزيد بن عبد الملك عبد الرحمن بن الضحاك
عن المدينة وما كان ولاه من الأعمال
وكان سبب ذلك فيما ذكر محمد بن عمر عن عبد الله بن محمد بن أبي يحيى قال
خطب عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس الفهري فاطمة ابنة الحسين فقالت والله
ما أريد النكاح ولقد قعدت على بنى هؤلاء وجعلت تحاجزه وتكره أن تنابذه
لما تخاف منه قال وألح عليها وقال والله لئن لم تفعلي لأجلدن أكبر بنيك في الخمر
يعنى عبد الله بن الحسن فبينا هو كذلك وكان على ديوان المدينة ابن هرمز رجل
من أهل الشام فكتب إليه يزيد أن يرفع حسابه ويدفع الديوان فدخل على فاطمة
بنت الحسين يودعها فقال هل من حاجة فقالت تخبر أمير المؤمنين بما ألقى من
ابن الضحاك وما يتعرض منى قال وبعثت رسولا بكتاب إلى يزيد تخبره وتذكر
قرابتها ورحمها وتذكر ما ينال ابن الضحاك منها وما يتوعدها به قال فقدم ابن هرمز
والرسول معا قال فدخل ابن هرمز على يزيد فاستخبره عن المدينة وقال هل كان
من مغربة خبر فلم يذكر ابن هرمز من شأن ابنة الحسين فقال الحاجب أصلح
الله الأمير بالباب رسول فاطمة بنت الحسين فقال ابن هرمز أصلح الله الأمير
إن فاطمة بنت الحسين يوم خرجت حملتني رسالة إليك فأخبره الخبر قال فنزل
من أعلى فراشه وقال لا أم لك أم أسألك هل من مغربة خبر وهذا عندك لا تخبرنيه
قال فاعتذر بالنسيان قال فأذن للرسول فأدخله فأخذ الكتاب فاقترأه قال وجعل
يضرب بخيزران في يديه وهو يقول لقد اجترأ ابن الضحاك هل من رجل يسمعني
صوته في العذاب وأنا على فراشي قيل له عبد الواحد بن عبد الله بن بشر النضري
قال فدعا بقرطاس فكتب بيده إلى عبد الواحد بن عبد الله بن بشر النضري
وهو بالطائف سلام عليك. أما بعد فإني قد وليتك المدينة فإذا جاءك كتابي هذا
فاهبط وأعز عنها ابن الضحاك وأغرمه أربعين ألف دينار وعذبه حتى أسمع
صوته وأنا على فراشي قال وأخذ البريد الكتاب وقدم به المدينة ولم يدخل على
ابن الضحاك وقد أوجست نفس ابن الضحاك فأرسل إلى البريد فكشف له عن
367

طرف المفرش فإذا ألف دينار فقال هذه ألف ديتار لك ولك العهد والميثاق
لئن أنت أخبرتني خبر وجهك هذا دفعتها إليك فأخبره فاستنظر البريد ثلاثا حتى
يسير ففعل ثم خرج ابن الضحاك فأغذ السير حتى نزل على مسلمة بن عبد الملك
فقال أنا في جوارك فغدا مسلمة على يزيد فرققه وذكر حاجة جاء لها
فقال كل حاجة تكلمت فيها هي في يدك ما لم يكن ابن الضحاك فقال هو والله
ابن الضحاك فقال والله لا أعفيه أبدا وقد فعل ما فعل قال فرده إلى المدينة
إلى النضري قال عبد الله بن محمد فرأيته في المدينة عليه جبة من صوف
يسأل الناس وقد عذب ولقى شرا وقدم النضري يوم السبت للنصف من شوال
سنة 104 (قال) محمد بن عمر حدثني إبراهيم بن عبد الله بن أبي فروة عن الزهري
قال قلت لعبد الرحمن بن الضحاك إنك تقدم على قومك وهم ينكرون كل شئ
خالف فعلهم فالزم ما أجمعوا عليه وشاور القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله فإنهما
لا يألونك رشدا قال الزهري فلم يأخذ بشئ من ذلك وعادى الأنصار طرا
وضرب أبا بكر بن حزم ظلما وعدوانا في باطل فما بقى منهم شاعر إلا هجاه
ولا صالح إلا عابه وأتاه بالقبيح فلما ولى هشام رأيته ذليلا وولى المدينة عبد الواحد
ابن عبد الله بن بشر فأقام بالمدينة لم يقدم عليهم وال أحب عليهم منه وكان يذهب
مذاهب الخير لا يقطع أمرا إلا استشار فيه القاسم وسالما (وفي هذه السنة)
غزا الجراح بن عبد الله الحكمي وهو أمير على أرمينية وآذربيجان أرض الترك
ففتح على يديه بلنجرم وهزم الترك وغرقهم وعامة ذراريهم في الماء وسبوا
ما شاؤوا وفتح الحصون التي تلى بلنجر وجلا عامة أهلها (وفيها) ولد فيما ذكر
أبو العباس عبد الله بن محمد بن علي في شهر ربيع الآخر (وفيها) دخل أبو محمد
الصادق وعدة من أصحابه من خراسان إلى محمد بن علي وقد ولد أبو العباس قبل
ذلك بخمس عشرة ليلة فأخرجه إليهم في خرقة وقال لهم والله ليتمن هذا الامر
حتى تدركوا ثأركم من عدوكم (وفى هذه السنة)
عزل عمر بن هبيرة سعيد بن عمرو
الحرشي عن خراسان وولاها مسلم بن سعيد بن أسلم بن زرعة الكلابي
368

ذكر الخبر عن سبب عزل عمر بن هبيرة سعيد بن عمر الحرشي عن خراسان
ذكر أن سبب ذلك كان من موجدة وجدها عمر على الحرشي في أمر الديواشنى
وذلك أنه كان كتب إليه يأمره بتخليته وقتله وكان يستخف بأمر ابن هبيرة وكان البريد
والرسول إذا ورد من العراق قال له كيف أبو المثنى ويقول لكاتبه اكتب إلى أبى المثنى
ولا يقول الأمير ويكثر أن يقول قال أبو المثنى وفعل أبو المثنى فبلغ ذلك ابن هبيرة
فدعا جميل بن عمران فقال له بلغني أشياء عن الحرشي فاخرج إلى خراسان وأظهر
أنك قدمت تنظر في الدواوين واعلم لي علمه فقدم جميل فقال له الحرشي كيف
تركت أبا المثنى فجعل ينظر في الدواوين فقيل للحرشي ما قدم جميل لينظر في الدواوين
وما قدم الا ليعلم علمك فسم بطيخة وبعث بها إلى جميل فأكلها فمرض وتساقط
شعره ورجع إلى ابن هبيرة فعولج واستبل وصح فقال لابن هبيرة الامر أعظم
مما بلغك ما يرى سعيد إلا أنك عامل من عماله فغضب عليه وعزله وعذبه ونفح
في بطنه النمل وكان يقول حين عزله لو سألني عمر درهما يضعه في عينه ما أعطيته
فلما عذب أدى فقال له رجل ألم تزعم أنك لا تعطيه درهما قال لا تعنفني إنه لما
أصابني الحديد جزعت فقال أذينة بن كليب أو كليب بن أذينة
تصبر أبا يحيى فقد كنت علمنا * * * صبورا ونهاضا بثقل المغارم
وقال علي بن محمد إنما عضب عليه ابن هبيرة أنه وجه معقل بن عروة إلى هراة
إما عاملا وإما في غير ذلك من أموره فنزل قبل أن يمر على الحرشي وأتى هراة
فلم ينفد له ما قدم فيه وكتب إلى الحرشي فكتب الحرشي إلى عامله أن احمل إلى
معقلا فحمله فقال له الحرشي ما منعك من إتياني قبل أن تأتى هراة قال أنا عامل
لابن هبيرة ولانى كما ولاك فضربه مائتين وحلقه فعزله ابن هبيرة واستعمل على
خراسان مسلم بن سعيد بن أسلم بن زرعة فكتب إلى الحرشي يلخنه فقال له سعيد
بل هو ابن اللخناء وكتب إلى مسلم أن احمل إلى الحرشي مع معقل بن عروة فدفعه
إليه فأساء به وضيق عليه ثم أمره يوما فعذبه وقال اقتله بالعذاب فلما أمسى ابن
هبيرة سمر فقال من سيد قيس قالوا الأمير قال دعوا هذا سيد قيس الكوثر (24 5)
369

ابن زفرلو بوق بليل لوافاه عشرون ألفا لا يقولون لما دعوتنا ولا يسألونه وهذا
الحمار الذي في الحبس قد أمرت بقتله فارسها وأما خير قيس لها فعسى أن أكونه
إنه لم يعرض إلى أمر أرى أنى أقدر فيه على منفعة وخير إلا جررته إليهم فقال له
أعرابي من بنى فزارة ما أنت كما تقول لو كنت كذلك ما أمرت بقتل فارسها
فأرسل إلى معقل أن كف عما كنت أمرتك به قال على قال مسلم بن المغيرة
لما هرب ابن هبيرة أرسل خالد في طلبه سعيد بن عمر والحرشي فلحقه بموضع
من الفرات يقطعه إلى الجانب الآخر في سفينة وفي صدر السفينة غلام لابن هبيرة
يقال له قبيض فعرفه الحرشي فقال له قبيض قال نعم قال أفى السفينة أبو المثنى
قال نعم قال فخرج إليه ابن هبيرة فقال له الحرشي أبا المثنى ما ظنك بي قال ظني بك
أنك لا تدفع رجلا من قومك إلى رجل من قريش قال هو ذاك قال فالنجا قال على
قال أبو إسحاق بن ربيعة لما حبس ابن هبيرة الحرشي دخل عليه معقل بن عروة
القشيري فقال أصلح الله الأمير قيدت فارس قيس وفضحته وما أنا براض عنه
غير أنى لم أحب أن تبلغ منه ما بلغت قال أنت بيني وبينه قدمت العراق فوليته البصرة
ثم وليته خراسان فبعث إلى ببرذون حطم واستخف بأمري وخان فعزلته وقلت له
يا ابن نسعة فقال لي يا ابن بسرة فقال معقل وفعل ابن الفاعلة ودخل على الحرشي
السجن فقال يا ابن نسعة أمك دخلت واشتريت بثمانين عنزا جربا كانت مع الرعاء
ترادفها الرعاء مطية الصادر والوارد تجعلها ندا لبنت الحارث بن عمرو بن حرجة
وافترى عليه فلما عزل ابن هبيرة وقدم خالد العراق استعدى الحراشي على معقل
ابن عروة وأقام البينة أنه قذفه فقال للحرشي اجلده فحده وقال لولا أن ابن هبيرة
وهن في عضدي لنقبت عن قلبك فقال رجل من بنى كلاب لمعقل أسأت إلى ابن
عمك وقذفته فأداله الله منك فصرت لا شهادة لك في المسلمين وكان معقل حين
ضرب الحد قذف الحرشي أيضا فأمر خالد بإعادة الحد فقال القاضي لا يحد قال
وأم عمر بن هبيرة بسرة بنت حسان عدوية من عدى الرباب (وفي هذه السنة)
ولى عمر بن هبيرة مسلم بن سعيد بن أسلم بن زرعة بن عمرو بن خويلد الصعق خراسان
370

بعد ما عزل سعيد بن عمر والحرشي عنها
ذكر الخبر عن سبب توليته إياها
(ذكر علي بن محمد) أن أبا الذيال وعلي بن مجاهد وغيرهما حدثوه قالوا
لما قتل سعيد بن أسلم ضم الحجاج ابنه مسلم بن سعيد مع ولده فتأدب ونبل فلما
قدم عدى بن أرطاة أراد أن يوليه فشاور كاتبه فقال وله ولاية خفيفة ثم ترفعه
فولاه ولاية فقام بها وضبطها وأحسن فلما وقعت فتنة يزيد بن المهلب حمل تلك
الأموال إلى الشأم فلما قدم عمر بن هبيرة أجمع على أن يوليه ولاية فدعاه ولم يكن
شاب بعد فنظر فرأى شيبة في لحيته فكبر قال ثم سمر ليلة ومسلم في سمره فتخلف
مسلم بعد السمار وفي يد ابن هبيرة سفر جلة فرمى بها وقال أيسرك أن أوليك خراسان
قال نعم قال غدوة إن شاء الله قال فلما أصبح جلس ودخل الناس فعقد لمسلم على
خراسان وكتب عهده وأمره بالسير وكتب إلى عمال الخراج أن يكاتبوا مسلم
ابن سعيد ودعا بجبلة بن عبد الرحمن مولى باهلة فولاه كرمان فقال جبلة ما صنعت
بي المولوية كان مسلم ينبغي يطمع أن إلى ولاية عظيمة فأوليه كورة فعقد له على
خراسان وعقد لي على كرمان قال فسار مسلم فقدم خراسان في آخر سنة 104
أو 103 نصف النهار فوافق باب دار الامارة مغلقا فأتى دار الدواب فوجد الباب
مغلقا فدخل المسجد فوجد باب المقصورة مغلقا فصلى وخرج وصيف من باب
المقصورة فقيل له الأمير فمشى بين يديه حتى أدخله مجلس الوالي في دار الامارة
وأعلم الحرشي وقيل له قدم مسلم بن سعيد بن أسلم فأرسل إليه أقدمت أميرا أو
وزيرا أو زائرا فأرسل إليه مثلي لا يقدم خراسان زائرا ولا وزيرا فأتاه الحرشي
فشتمه وأمر بحبسه فقيل له إن أخرجته نهارا قتل فأمر بحبسه عنده حتى أمسى
ثم حبسه ليلا وقيده ثم أمر صاحب السجن أن يزيده قيدا فأتاه حزينا فقال مالك
فقال أمرت أن أزيدك قيدا فقال لكاتبه اكتب إليه إن صاحب سجنك ذكر
أنك أمرته أن يزيدني قيدا فإن كان أمرا ممن فوقك فسمعا وطاعة وإن كان رأيا
رأيته فسيرك الحقحقة وتمثل
371

هم إن يثقفوني يقتلوني * ومن أثقف فليس إلى خلود
ويروى: فإما تثقفوني فاقتلوني * فمن أثقف فليس إلى خلود
هم الأعداء إن شهدوا وغابوا * أولو الأحقاد والأكباد سود
أريغوني إراغتكم فإني * وحذقة كالشجا تحت الوريد
ويروى: أريدوني إرادتكم، قال وبعث مسلم على كوره رجلا من قبله على حربها
قال وكان ابن هبيرة حريصا أخذ قهرمانا ليزيد بن المهلب له علم بخراسان وبأشرافهم
فحبسه فلم يدع منهم شريفا إلا قرفه فبعث أبا عبيدة العنبري ورجلا يقال له خالد
وكتب إلى الحرشي وأمره أن يدفع الذين سماهم إليه يستأديهم فلم يفعل فرد رسول
ابن هبيرة فلما استعمل ابن هبيرة مسلم بن سعيد أمره بحباية تلك الأموال فلما قدم
مسلم أراد أخذ الناس بتلك الأموال التي قرفت عليهم فقيل له إن فعلت هذا بهؤلاء
لم يكن لك بخراسان قرار وإن لم تعمل في هذا حتى توضع عنهم فسدت عليك
وعليهم خراسان لان هؤلاء الذين تريد أن تأخذهم بهذه الأموال أعيان البلد
قرفوا بالباطل إنما كان على مهزم بن جابر ثلثمائة ألف فزادوا مائة ألف فصارت
أربعمائة ألف وعامة من سموا لك ممن كثر عليه بمنزله فكتب مسلم بذلك إلى ابن
هبيرة وأوفد وفدا فيهم مهزم بن جابر فقال له مهزم بن جابر أيها الأمير إن الذي
رفع إليك الظلم والباطل ما علينا من هذا كله لو صدق إلا القليل الذي لو أخذنا به
أديناه فقال ابن هبيرة إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها فقال
اقرأ ما بعدها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل فقال ابن هبيرة لا بد من
هذا المال قال أما والله لئن أخذته لتأخذنه من قوم شديدة شوكتهم ونكايتهم في
عدوك وليضرن ذلك بأهل خراسان في عدتهم وكراعهم وحلقتهم ونحن في ثغر
نكابد فيه عدوا لا ينقضى حربهم إن أحدنا ليلبس الحديد حتى يخلص صدأه إلى
جلده حتى إن الخادم التي تخدم أرجل لتصرف وجهها عن مولاها وعن الرجل
الذي تخدمه لريح الحديد وأنتم في بلادكم متفضلون في الرقاق وفي المعصفرة والذين
قرفوا بهذه المال وجوه أهل خراسان وأهل الولايات والكلف العظام
372

في المغازي وقبلنا قوم قدموا علينا من كل فج عميق فجاؤوا على الحمرات فولوا الولايات
فاقتطعوا الأموال فهي عندهم موقرة جمة فكتب ابن هبيرة إلى مسلم بن سعيد بما
قال الوفد وكتب إليه أن استخرج هذه الأموال ممن ذكر الوفد أنها عندهم فلما
أتى مسلما كتاب ابن هبيرة أخذ أهل العهد بتلك الأموال وأمر حاجب بن عمرو
الحارثي أن يعذبهم ففعل وأخذ منهم ما قرف عليهم (وحج) بالناس في هذه السنة
عبد الواحد بن عبد الله النضري كذلك حدثني أحمد بن ثابت عمن ذكره عن إسحاق
ابن عيسى عن أبي معشر وكذلك قال الواقدي وكان العامل على مكة والمدينة
والطائف في هذه السنة عبد الواحد بن عبد الله النضري وعلى العراق والمشرق
عمر بن هبيرة وعلى قضاء الكوفة حسين بن الحسن الكندي وعلى قضاء البصرة
عبد الملك بن يعلى
ثم دخلت سنة خمس ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمما كان فيها من ذلك غزوة الجراح بن عبد الله الحكمي اللان حتى جاز ذلك
إلى مدائن وحصون من وراء بلنجر ففتح بعض ذلك وجلى عنه بعض أهله وأصاب
غنائم كثيرة (وفيها) كانت غزوة سعيد بن عبد الملك أرض الروم فبعث سرية
في نحو من ألف مقاتل فأصيبوا فيما ذكر جميعا (وفيها) غزا مسلم بن سعيد الترك
فلم يفتح شيئا فقفل ثم غزا أفشينة مدينة من مدائن السغد بعد في هذه السنة
فصالح ملكها وأهلها
ذكر الخبر عن ذلك
(ذكر علي بن محمد) عن أصحابه أن مسلم بن سعيد مرزب بهرام سيس فجعله
المرزبان وإن مسلما غزا في آخر الصيف من سنة 105 فلم يفتح شيئا وقفل فاتبعه
الترك فلحقوه والناس يعبرون نهر بلخ وتميم على الساقة وعبيد الله بن زهير بن حيان
على خيل تميم فحاموا عن الناس حتى عبروا ومات يزيد بن عبد الملك وقام هشام
373

وغزا مسلم أفشين فصالح ملكها على ستة آلاف رأس ودفع إليه القلعة فانصرف
لتمام سنة 105 (وفي هذه السنة) مات الخليفة يزيد بن عبد الملك بن مران لخمس
ليال بقين من شعبان منها حدثني بذلك أحمد بن ثابت عمن ذكره عن إسحاق بن
عيسى عن أبي معشر وكذلك قال الواقدي (وقال الواقدي) كانت وفاته ببلقاء من
أرض دمشق وهو يوم مات ابن ثمان وثلاثين سنة وقال بعضهم كان ابن أربعين سنة
وقال بعضهم ابن ست وثلاثين سنة فكانت خلافته في قول أبى معشر وهشام بن
محمد وعلي بن محمد أربع سنين وشهرا وفي قول الواقدي أربع سنين وكان يزيد بن
عبد الملك يكنى أبا خالد كذلك قال أبو معشر وهشام بن محمد والواقدي وغيرهم وقال
علي بن محمد توفى يزيد بن عبد الملك وهو ابن خمس وثلاثين سنة أو أربع وثلاثين
سنة في شعبان يوم الجمعة لخمس بقين منه سنة 105 قال ومات بأربد من أرض البلقاء
وصلى عليه ابنه الوليد وهو ابن خمس عشرة سنة وهشام بن عبد الملك يومئذ بحمص
حدثني بذلك عمر بن شبة عن علي (وقال هشام بن محمد) توفى يزيد بن عبد الملك وهو
ابن ثلاث وثلاثين سنة (قال على) قال أبو معاوية أو غيره من اليهود ليزيد بن
عبد الملك إنك تملك أربعين سنة فقال رجل من اليهود كذب لعنه الله إنما رأى أنه
يملك أربعين قصبة والقصبة شهر فجعل الشهر سنة
ذكر بعض سيره وأموره
* حدثني عمر بن شبة قال حدثنا على قال كان يزيد بن عاتكة من فتيانهم فقال
يوما وقد طرب وعنده حبابة وسلامة دعوني أطير فقالت حبابة إلى من تدع
الأمة فلما مات قالت سلامة القس
لا تلمنا إن خشعنا * أو هممنا بالخشوع
قد لعمري بت ليلى * كأخي الداء الوجيع
ثم بات الهم منى * دون من لي من ضجيع
للذي حل بنا اليوم * من الامر الفظيع
كلما أبصرت ربعا * خاليا فاضت دموعي
374

قد خلا من سيد كان * لنا غير مضيع
ثم نادت وا أمير المؤمنيناه والشعر لبعض الأنصار (قال على) حج يزيد
ابن عبد الملك في خلافة سليمان بن عبد الملك فاشترى حبابة وكان اسمها العالية
بأربعة آلاف دينار من عثمان بن سهل بن خنيف فقال سليمان هممت أن أحجر
على يزيد فرد يزيد حبابة فاشتراها رجل من أهل مصر فقالت سعدة ليزيد
يا أمير المؤمنين هل بقى من الدنيا شئ تتمناه بعد قال نعم حبابة فأرسلت سعدة
رجلا فاشتراها بأربعة آلاف دينار فصنعتها حتى ذهب عنها كلال السفر فأتت
بها يزيد فأجلستها من وراء الستر فقالت يا أمير المؤمنين أبقى شئ من الدنيا تتمناه
قال ألم تسأليني عن هذا مرة فأعلمتك فرفعت الستر وقالت هذه حبابة وقامت
وخلتها عنده فحظيت سعدة عند يزيد وأكرمها وحباها وسعدة امرأة يزيد وهى
من آل عثمان بن عفان (قال على) عن يونس بن حبيب إن حبابة جارية يزيد
ابن عبد الملك غنت يوما
بين التراقي واللهاة حرارة * * * ما تطمئن وما تسوغ فتبرد
فأهوى ليطير فقالت يا أمير المؤمنين إن لنا فيك حاجة فمرضت وثقلت فقال
كيف أنت يا حبابة فلم تجبه فبكى وقال
لئن تسل عنك النفس أو تذهل الهوى * * * فباليأس يسلو القلب لا بالتجلد
وسمع جارية لها تتمثل
كفى حزنا بالهائم الصب أن يرى * * * منازل من يهوى معطلة قفرا
فكان يتمثل بهذا (قال عمر) قال على مكث يزيد بن عبد الملك بعد موت
حبابة سبعة أيام لا يخرج إلى الناس أشار عليه بذلك مسلمة وخاف أن يظهر منه
شئ يسفهه عند الناس
خلافة هشام بن عبد الملك
(وفي هذه السنة) استخلف هشام بن عبد الملك لليال بقين من شعبان منها
375

وهو يوم استخلف ابن أربع وثلاثين سنة وأشهر * حدثني عمر بن شبة قال حدثني
على قال حدثنا أبو محمد القرشي وأبو محمد الزيادي والمنهال بن عبد الملك وسحيم
ابن حفص العجيفي قالوا ولد هشام بن عبد الملك عام قتل مصعب بن الزبير سنة
72 وأمه عائشة بنت هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله
ابن عمر بن مخزوم وكانت حمقاء أمرها أهلها أن لا تكلم عبد الملك حتى تلد وكانت
تثنى الوسائد وترك الوسادة وتزجرها كأنها دابة وتشترى الكندر فتمضغه
وتعمل منه تماثيل وتضع التماثيل على الوسائد وقد سمت كل تمثال باسم جارية
وتنادى يا فلانة ويا فلانة فطلقها عبد الملك لحمقها وسار عبد الملك إلى مصعب فقتله
فلما قتله بلغه مولد هشام فسماه منصورا يتفاءل بذلك وسمته أمه باسم أبيها هشام
فلم ينكر ذلك عبد الملك وكان هشام يكنى أبا الوليد * وذكر محمد بن عمر عمن
حدثه أن الخلافة أتت هشاما وهو بالزيتونة في منزله في دويرة له هناك (قال
محمد بن عمر) وقد رأيتها صغيرة فجاءه البريد بالعصا والخاتم وسلم عليه بالخلافة
فركب هشام من الرصافة حتى أتى دمشق (وفي هذه السنة) قدم بكير بن ماهان
من السند وكان بها مع الجنيد بن عبد الرحمن ترجمانا له فلما عزل الجنيد بن عبد الرحمن
قدم الكوفة ومعه أربع لبنات من فضة ولبنة من ذهب فلقى أبا عكرمة الصادق
وميسرة ومحمد بن خنيس وسالما الأعين وأبا يحيى مولى بنى سلمة فذكروا له أمر
دعوة بني هاشم فقبل ذلك ورضيه وأنفق ما معه عليهم ودخل إلى محمد بن علي
ومات ميسرة فوجه محمد بن علي بكير بن ماهان إلى العراق مكان ميسرة فأقامه
مقامه (وحج) بالناس في هذه السنة إبراهيم بن هشام بن إسماعيل والنضري
على المدينة قال الواقدي حدثني إبراهيم بن محمد بن شرحبيل عن أبيه قال كان
إبراهيم بن هشام بن إسماعيل حج فأرسل إلى عطاء بن رباح متى أخطب بمكة قال
بعد الظهر قبل التروية بيوم فخطب قبل الظهر وقال أمرني رسولي بهذا عن عطاء
فقال عطاء ما أمرته إلا بعد الظهر قال فاستحيى إبراهيم بن هشام يومئذ وعدوه
منه جهلا (وفى هذه السنة) عزل هشام بن عبد الملك عمر بن هبيرة عن العراق
وما كان إليه من عمل المشرق وولى ذلك كله خالد بن عبد الله القسري في
376

شوال * ذكر محمد بن سلام الجمحي عن عبد القاهر بن السرى عن عمر بن
يزيد بن عمير الأسيدي قال دخلت على هشام بن عبد الملك وعنده خالد بن
عبد الله القسري وهو يذكر طاعة أهل اليمن قال فصفقت تصفيقة بيدي
دق الهواء منها فقلت تالله ما رأيت هكذا خطأ ولا مثله خطلا والله ما فتحت
فتنة في الاسلام إلا بأهل اليمن هم قتلوا أمير المؤمنين عثمان وهم خلعوا
أمير المؤمنين عبد الملك وإن سيوفنا لتقطر من دماء آل المهلب قال فلما قمت
تبعني رجل من آل مروان كان حاضرا فقال يا أخا بنى تميم ورت بك زنادى
قد سمعت مقالتك وأمير المؤمنين مول خالدا العراق وليست لك بدار * ذكر
عبد الرزاق أن حماد بن سعيد الصنعاني قال أخبرني زياد بن عبيد الله قال أتيت
الشأم فاقترضت فبينا أنا يوما على الباب باب هشام إذ خرج على رجل من
عند هشام فقال لي ممن أنت يا فتى قلت يمان قال فمن أنت قلت زياد بن عبيد الله
ابن عبد المدان قال فتبسم وقال قم إلى ناحية العسكر فقل لأصحابي ترتحلوا فان
أمير المؤمنين قد رضى عنى وأمرني بالمسير ووكل بي من يخرجني قال قلت من
أنت يرحمك الله قال خالد بن عبد الله القسري قال ومرهم يا فتى أن يعطوك منديل
ثيابي وبرذونى الأصفر فلما جزت قليلا ناداني فقال يا فتى وإن سمعت بي قد
وليت إلى العراق يوما فألحق بي قال فذهبت إليهم فقلت إن الأمير قد أرسلني
إليكم بأن أمير المؤمنين قد رضى عنه وأمره بالمسير فجعل هذا يحتضنني وهذا يقبل رأسي
فلما رأيت ذلك منهم قلت وقد أمرني أن تعطوني منديل ثيابه وبرذونه الأصفر قالوا
أي والله وكرامة قال فأعطوني منديل ثيابه وبرذونه الأصفر فما أمسى بالعسكر
أحد أجود ثيابا منى ولا أجود مركبا منى فلم ألبث إلا يسيرا حتى قيل قد ولى
خالد العراق فركبني من ذلك هم فقال لي عريف لنا مالي أراك مهموما قلت أجل
قد ولى خالد كذا وكذا وقد أصبت ههنا رزيقا عشت به وأخشى أن أذهب
إليه فيتغير على فيفوتني ههنا وههنا فلست أدرى كيف أصنع فقال لي هل لك
في خصلة قلت وما هي قال توكلني بأرزاقك وتخرج فان أصبت ما تحب فلي أرزاقك
377

وإلا رجعت فدفعتها إليك فقلت نعم وخرجت فلما قدمت الكوفة لبست من
صالح ثيابي وأذن للناس فتركتهم حتى أخذوا مجالسهم ثم دخلت فقمت بالباب
فسلمت ودعوت وأثنيت فرفع رأسه فقال أحسنت بالرحب والسعة فما رجعت
إلى منزلي حتى أصبت ستمائة دينار بين نقد وعرض ثم كنت أختلف إليه فقال
لي يوما هل تكتب يا زياد فقلت أقرأ ولا أكتب أصلح الله الأمير فضرب بيده
على جبينه وقال إنا لله وإنا إليه راجعون سقط منك تسعة أعشار ما كنت أريده
منك وبقى لك واحدة فيها غنى الدهر قال قلت أيها الأمير هل في تلك الواحدة
ثمن غلام قال وماذا حينئذ قلت تشترى غلاما كاتبا تبعث به إلى فيعلمني قال
هيهات كبرت عن ذلك قال قلت كلا فاشترى غلاما كاتبا حاسبا بستين دينارا
فبعث به إلى فأكببت على الكتاب وجعلت لا آتيه إلا ليلا فما مضت إلا خمس
عشرة ليلة حتى كتبت ما شئت وقرأت ما شئت قال فانى عنده ليلة إذ قال ما أدرى
هل أنجحت من ذلك الامر شيئا قلت نعم أكتب ما شئت وأقرأ ما شئت قال إني
أراك ظفرت منه بشئ يسير فأعجبك قلت كلا فرفع شادكونه فإذا طومار فقال
اقرأ هذا الطومار فقرأت ما بين طرفيه فإذا هو من عامله على الري فقال أخرج
فقد وليتك عمله فخرجت حتى قدمت الري فأخذت عامل الخراج فأرسل إلى أن
هذا أعرابي مجنون فان الأمير لم يول على الخراج عربيا قط وإنما هو عامل
المعونة فقل له فليقرني على عملي وله ثلثمائة ألف قال فنظرت في عهدي فإذا أنا
على المعونة فقلت والله لا انكسرت ثم كتبت إلى خالد إنك بعثتني على الري فظننت
أنك جمعتها لي فأرسل إلى صاحب الخراج أن أقره على عمله ويعطيني ثلثمائة ألف
درهم فكتب إلى أن اقبل ما أعطاك واعلم أنك مغبون فأقمت بها ما أقمت ثم كتبت
أنى قد اشتقت إليك فارفعني إليك ففعل فلما قدمت عليه ولانى الشرطة * وكان
العامل في هذه السنة على المدينة ومكة والطائف عبد الواحد بن عبد الله النضري
وعلى قضاء الكوفة حسين بن حسن الكندي وعلى قضاء البصرة موسى بن أنس
وقد قيل إن هشاما إنما استعمل خالد بن عبد الله القسري على العراق وخراسان
378

في سنة 106 وأن عامله على العراق وخراسان في سنة 105 كان عمر بن هبيرة
ثم دخلت سنة ست ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
(ففي هذه السنة) عزل هشام بن عبد الملك عن المدينة عبد الواحد بن عبد الله
النضري وعن مكة والطائف وولى ذلك كله خاله إبراهيم بن هشام بن إسماعيل
المخزومي فقدم المدينة يوم الجمعة لسبع عشرة مضت من جمادى الآخرة سنة 106
فكانت ولاية النضري على المدينة سنة وثمانية أشهر (وفيها) غزا سعيد بن
عبد الملك الصائفة (وفيها) غزا الحجاج بن عبد الملك اللان فصالح أهلها وأدوا
الجزية (وفيها) ولد عبد الصمد بن علي في رجب (وفيها) مات الامام طاووس
مولى بحير بن ريسام الحميري بمكة وسالم بن عبد الله بن عمر فصلى عليهما هشام
وكان موت طاووس بمكة وموت سالم بالمدينة * حدثني الحارث قال حدثنا بن
سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني عبد الحكيم بن عبد الله بن أبي فروة قال مات
سالم بن عبد الله سنة 105 في عقب ذي الحجة فصلى عليه هشام بن عبد الملك بالبقيع فرأيت
القاسم بن محمد بن أبي بكر جالسا عند القبر وقد أقبل هشام ما عليه إلا دراعة فوقف
على القاسم فسلم عليه فقام إليه القاسم فسأله هشام كيف أنت يا أبا محمد كيف حالك
قال بخير قال انى أحب والله أين يجعلكم بخيره ورأى في الناس كثرة فضرب عليهم
بعث أربعة آلاف فسمى عام الأربعة آلاف (وفيها استقضى إبراهيم بن هشام
محمد بن صفوان الجمحي ثم عزله واستقضى الصلت الكندي (وفي هذه السنة)
كانت الوقعة التي كانت بين المضرية واليمانية وربيعة بالبروقان من أرض بلخ
(ذكر الخبر عن سبب هذه الوقعة)
وكان سبب ذلك فيما قيل أن مسلم بن سعيد غزا فقطع النهر وتباطأ الناس عنه
وكان ممن تباطأ عنه البختري بن درهم فلما أتى النهر رد نصر بن سيار وسليم بن سليمان بن
عبد الله بن خازم وبلعاء بن مجاهد بن بلعاء العنبري وأبا حفص بن وائل الحنظلي
379

وعقبة بن شهاب المازني وسالم بن ذؤابة إلى بلخ وعليهم جميعا نصر بن سيار
وأمرهم أن يخرجوا الناس إليه فأحرق نصر باب البختري وزياد بن ظريف
الباهلي فمنعهم عمرو بن مسلم من دخول بلخ وكان عليها وقطع مسلم بن سعيد النهر
فنزل نصر البروقان فأتاه أهل صغانيان وأتاه مسلمة العقفاني من بنى تميم وحسان
ابن خالد الأسدي كل واحد منهما في خمسمائة وأتاه سنان الأعرابي وزرعة
ابن علقمة وسلمة بن أوس والحجاج بن هارون النميري في أهل بيته وتجمعت
بكر والأزد بالبروقان رأسهم البختري وعسكر بالبروقان على نصف فرسخ
منهم فأرسل نصر إلى أهل بلخ قد أخذتم أعطياتكم فالحقوا بأميركم فقد قطع النهر
فخرجت مضر إلى نصر وخرجت ربيعة والأزد إلى عمرو بن مسلم وقال قوم من
ربيعة إن مسلم بن سعيد يريد أن يخلع فهو يكرهنا على الخروج فأرسلت تغلب
إلى عمرو بن مسلم إنك منا وأنشدوه شعرا قاله رجل عزا باهلة إلى تغلب وكان
بنو قتيبة من باهلة فقالوا إنا من تغلب فكرهت بكر أن يكونوا في تغلب فتكثر
تغلب فقال رجل منهم
زعمت قتيبة أنها من وائل * * * نسب بعيد يا قتيبة فاصعدي
وذكر أن بنى معن من الأزد يدعون باهلة وذكر عن شريك بن أبي قيلة
المعنى أن عمرو بن مسلم كان يقف على مجالس بنى معن فيقول لئن لم نكن منكم ما نحن
بعرب وقال عمرو بن مسلم حين عزاه التغلبي إلى بنى تغلب أما القرابة فلا أعرفها
وأما المنع فإني سأمنعكم فسفر الضحاك بن مزاحم ويزيد بن المفضل الحداني وكلما
نصرا وناشداه فانصرف فحمل أصحاب عمرو بن مسلم والبختري على نصر ونادوا
يأل بكر وجالوا وكر نصر عليهم فكان أول قتيل رجل من باهلة ومع عمرو
ابن مسلم البختري وزياد بن طريف الباهلي فقتل من أصحاب عمرو بن مسلم في
المعركة ثمانية عشر رجلا وقتل كردان أخو الفرافصة ومسعدة ورجل من بكر
ابن وائل يقال له إسحاق سوى من قتل في السكك وانهزم عمرو بن مسلم إلى القصر
وأرسل إلى نصر ابعث إلى بلعاء بن مجاهد فأتاه بلعاء فقال خذ لي أمانا منه فآمنه
380

نصر وقال لولا أنى أشمت بك بكر بن وائل لقتلتك * وقيل أصابوا عمرو بن مسلم
في طاحونة فأتوا به نصرا في عنقه حبل فآمنه نصر وقال له ولزياد بن طريف
والبختري ابن درهم الحقوا بأميركم * وقيل بل التقى نصر وعمرو بالبروقان فقتل
من بكر بن وائل واليمن ثلاثون فقالت بكر علام نقاتل إخواننا وأميرنا وقد
تقربنا إلى هذا الرجل فأنكر قرابتنا فاعتزلوا وقاتلت الأزد ثم انهزموا ودخلوا
حصنا فحصرهم نصر ثم أخذ عمرو بن مسلم والبختري أحد بنى عباد وزياد بن
طريف الباهلي فضربهم نصر مائة مائة وحلق رؤوسهم ولحاهم وألبسهم المسوح
وقيل أخذ البختري في غيضة كان دخلها فقال نصر في يوم البروقان
أرى العين لجت في ابتدار وما الذي * يرد عليها بالدموع ابتدارها
فما أنا بالوانى إذ الحرب شمرت * تحرق في شطر الخميسين نارها
ولكنني أدعو لها خندف التي * تطلع بالعب ء الثقيل فقارها
وما حفظت بكر هنالك حلفها * فصار عليها عار قيس وعارها
فإن تك بكر بالعراق تنزرت * ففي أرض مرو علها وازورارها
وقد جربت يوم البروقان وقعة * لخندف إذ حانت وآن بوارها
أتتني لقيس في بجيلة وقعة * وقد كان قبل اليوم طال انتظارها
يعنى حين أخذ يوسف بن عمر خالدا وعياله * وذكر علي بن محمد أن الوليد
ابن مسلم قال قاتل عمرو بن مسلم نصر بن سيار فهزمه عمرو فقال لرجل من بنى
تميم كان معه كيف ترى أستاه قومك يا أخا بنى تميم يعيره بهزيمتهم ثم كرت تميم
فهزموا أصحاب عمرو فانجلى الرهج وبلعاء بن مجاهد في جمع من بنى تميم يشلهم فقال
التميمي لعمرو هذه أستاه قومي قال وانهزم عمرو فقال بلعاء لأصحابه لا تقتلوا الاسرى
ولكن جردوهم وجوبوا سراويلاتهم عن أدبارهم ففعلوا فقال بيان العنبري يذكر
حربهم بالبروقان
أتاني ورحلي بالمدينة وقعة * لآل تميم أرجفت كل مرجف
تظل عيون البرش بكر بن وائل * إذا ذكرت قتلى البروقان تذرف
381

هم أسلموا للموت عمرو بن مسلم * وولوا شلالا والأسنة ترعف
وكانت من الفتيان في الحرب عادة * ولم يصبروا عند القنا المتقصف
(وفى هذه السنة) غزا مسلم بن سعيد الترك فورد عليه عزله من خراسان
من خالد بن عبد الله وقد قطع النهر لحربهم وولاية أسد بن عبد الله عليها
ذكر الخبر عن غزوة مسلم بن سعيد هذه الغزوة
* ذكر علي بن محمد عن أشياخه أن مسلما غزا في هذه السنة فخطب الناس
في ميدان يزيد وقال ما أخلف بعدي شيئا أهم عندي من قوم يتخلفون بعدي مخلفي
الرقاب يتواثبون الجدران على نساء المجاهدين اللهم افعل بهم وافعل وقد أمرت
نصرا ألا يجد متخلفا إلا قتله وما أرثى لهم من عذاب ينزله الله بهم يعنى عمرو بن مسلم
وأصحابه فلما صار ببخارى أتاه كتاب من خالد بن عبد الله القسري بولايته على
العراق وكتب إليه أتمم غزاتك فسار إلى فرغانة فقال أبو الضحاك الرواحي
أحد بنى رواحة من بنى عبس وعداده في الأزد وكان ينظر في الحساب ليس على
متخلف العام معصية فتخلف أربعة آلاف وسار مسلم بن سعيد فلما صار بفرغانة
بلغه أن خاقان قد أقبل إليه وأتاه شميل أو شبيل بن عبد الرحمن المازني فقال
عاينت عسكر خاقان في موضع كذا وكذا فأرسل إلى عبد الله بن أبي عبد الله الكرماني
مولى بنى سليم فأمره بالاستعداد للمسير فلما أصبح ارتحل بالعسكر فسار ثلاث
مراحل في يوم ثم سار من غد حتى قطع وادى السبوح فأقبل إليهم خاقان وتوافت
إليه الخيل فأنزل عبد الله بن أبي عبد الله قوما من العرفاء والموالي فأغار الترك
على الذين أنزلهم عبد الله ذلك الموضع فقتلوهم وأصابوا دواب لمسلم وقتل
المسيب بن بشر الرياحي وقتل البراء وكان من فرسان المهلب وقتل أخو غوزك
وثار الناس في وجوههم فأخرجوهم من العسكر ودفع مسلم لواءه إلى عامر بن
مالك الحماني ورحل بالناس فساروا ثمانية أيام وهم مطيفون بهم فلما كانت
الليلة التاسعة أراد النزول فشاور الناس فأشاروا عليه بالنزول وقالوا إذا
أصبحنا وردنا الماء والماء منا غير بعيد وإنك إن نزلت المرج تفرق الناس في
الثمار وانتهب عسكرك فقال لسورة بن الحر يا أبا العلاء ما ترى قال أرى ما رأى
382

الناس ونزلوا قال ولم يرفع بناء في العسكر وأحرق الناس ما ثقل من الآنية
والأمتعة فحرقوا قيمة ألف ألف وأصبح الناس فساروا فوردوا الماء فإذا دون
النهر أهل فرغانة والشاش فقال مسلم بن سعيد اعزم على كل رجل إلا اخترط
سيفه ففعلوا فصارت الدنيا كلها سيوفا فتركوا الماء وعبروا فأقام يوما ثم قطع
من غد وأتبعهم ابن الخاقان قال فأرسل حميد بن عبد الله وهو على الساقة إلى
مسلم قف ساعة فإن خلفي مائتي رجل من الترك حتى أقاتلهم وهو مثقل جراحة
فوقف الناس فعطف على الترك فأسر أهل السغد وقائدهم وقائد الترك في سبعة
وانصرف البقية ومضى حميد ورمى بنشابة في ركبته فمات وعطش الناس وقد
كان عبد الرحمن بن نعيم العامري حمل عشرين قربة على إبله فلما رأى جهد الناس
أخرجها فشربوا جرعا واستسقى يوم العطش مسلم بن سعيد فأتوه بإناء فأخذه
جابر أو حارثة بن كثير أخو سليمان بن كثير من فيه فقال مسلم دعوه فلما نازعني
شربتي إلا من حر دخله فأتوا خجندة وقد أصابتهم مجاعة وجهد فانتشر الناس
فإذا فارسان يسألان عن عبد الرحمن بن نعيم فأتياه بعهده على خراسان من أسد
ابن عبد الله فأقرأه عبد الرحمن مسلما فقال سمعا وطاعة قال وكان عبد الرحمن
أول من اتخذ الخيام في مفازة آمل قال وكان أعظم الناس غنى يوم العطش إسحاق
ابن محمد الغداني فقال حاجب الفيل لثابت قطنة وهو ثابت بن كعب
نقضي الأمور وبكر غير شاهدها * بين المجاذيف والسكان مشغول
ما يعرف الناس منه غير قطنته * وما سواها من الاباء مجهول
وكان لعبد الرحمن بن نعيم من الولد نعيم وشديد وعبد السلام وإبراهيم
والمقداد وكان أشدهم نعيم وشديد فلما عزل مسلم بن سعيد قال الخزرج
التغلبي قاتلنا الترك فأحاطوا بالمسلمين حتى أيقنوا بالهلاك فنظرت إليهم وقد
اصفرت وجوههم فحمل حوثرة بن يزيد بن الحر بن الحنيف بن نصر بن يزيد
ابن جعونة على الترك في أربعة آلاف فقاتلهم ساعة ثم رجع وأقبل نصر بن سيار
في ثلاثين فارسا فقاتلهم حتى أزالهم عن مواضعهم وحمل الناس عليهم فانهزم
383

الترك قال وحوثرة هذا هو ابن أخي رقبة بن الحرقال وكان عمر بن هبيرة قال
لمسلم بن سعيد حين ولاه خراسان ليكن حاجبك من صالح مواليك فإنه لسانك
والمعبر عنك وحث صاحب شرطتك على الأمانة وعليك بعمال العذر قال وما
عمال العذر قال مر أهل كل بلد أن يختاروا لأنفسهم فإذا اختاروا رجلا فوله
فإن كان خيرا كان لك وإن كان شرا كان لهم دونك وكنت معذورا قال وكان
مسلم بن سعيد كتب إلى ابن هبيرة أن يوجه إليه توبة بن أبي أسيد مولى بنى العنبر
فكتب ابن هبيرة إلى عامله بالبصرة احمل إلى توبة بن أبي أسيد فحمله فقدم وكان
رجلا جميلا جهيرا له سمت فلما دخل على ابن هبيرة قال ابن هبيرة مثل هذا
فليول ووجه به إلى مسلم فقال له مسلم هذا خاتمي فاعمل برأيك فلم يزل معه حتى
قدم أسد بن عبد الله فأراد توبة أن يشخص مع مسلم فقال له أسد أقم معي فأنا
أحوج إليك من مسلم فأقام معه فأحسن إلى الناس وألان جانبه وأحسن إلى الجند
وأعطاهم أرزاقهم فقال له أسد حلفهم بالطلاق ولا يتخلف أحد عن مغزاه
ولا يدخل بديلا فأبى ذلك توبة فلم يحلفهم بالطلاق قال وكان الناس بعد توبة
يحلفون الجند بتلك الايمان فلما قدم عاصم بن عبد الله أراد أن يحلف الناس
بالطلاق فأبوا وقالوا نحلف بأيمان توبة قال فهم يعرفون ذلك يقولون أيمان
توبة (وحج) بالناس في هذه السنة هشام بن عبد الملك حدثني بذلك أحمد بن
ثابت عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر وكذلك قال الواقدي وغيره
لا خلاف بينهم في ذلك قال الواقدي حدثني ابن أبي الزناد عن أبيه قال كتب إلى
هشام بن عبد الملك قبل أن يدخل المدينة أن اكتب لي سنن الحج فكتبتها له
وتلقاه أبو الزناد قال أبو الزناد فإني يومئذ في الموكب خلفه وقد لقيه سعيد بن
عبد الله بن الوليد بن عثمان بن عفان وهشام يسير فنزل له فسلم عليه ثم سار
إلى جنبه فصاح هشام أبو الزناد فتقدمت فسرت إلى جنبه الاخر فأسمع سعيدا
يقول يا أمير المؤمنين إن الله لم يزل ينعم على أهل بيت أمير المؤمنين وينصر
خليفته المظلوم ولم يزالوا يلعنون في هذه المواطن الصالحة أبا تراب فأمير المؤمنين
384

ينبغي له أن يلعنه في هذه المواطن الصالحة قال فشق على هشام وثقل عليه كلامه
ثم قال ما قدمنا لشتم أحد ولا للعنه قدمنا حجاجا ثم قطع كلامه وأقبل على
فقال يا عبد الله بن ذكوان فرغت مما كتبت إليك فقلت نعم فقال أبو الزناد
وثقل على سعيد ما حضرته يتكلم به عند هشام فرأيته منكسرا كلما رآني
(وفى هذه السنة) كلم إبراهيم بن محمد بن طلحة هشام بن عبد الملك
وهشام واقف قد صلى في الحجر فقال له أسألك بالله وبحرمة هذا البيت
والبلد الذي خرجت معظما لحقه إلا رددت على ظلامتي قال أي ظلامة قال داري
قال فأين كنت عن أمير المؤمنين عبد الملك قال ظلمني والله قال فعن الوليد بن
عبد الملك قال ظلمني والله قال فعن سليمان قال ظلمني قال فعن عمر بن عبد العزيز
قال يرحمه الله ردها والله على قال فعن يزيد بن عبد الملك قال ظلمني والله هو قبضها
منى بعد قبضي لها وهى في يديك قال هشام أما والله لو كان فيك ضرب لضربتك
فقال إبراهيم في والله ضرب بالسيف والسوط فانصرف هشام والأبرش خلفه
فقال أبا مجاشع كيف سمعت هذا اللسان قال ما أجود هذا اللسان قال هذه قريش
وألسنتها ولا يزال في الناس بقايا ما رأيت مثل هذا (وفى هذه السنة) قدم خالد
ابن عبد الله القسري أميرا على العراق (وفيها) استعمل خالد أخاه أسد بن
عبد الله أميرا على خراسان فقدمها ومسلم بن سعيد غاز بفرغانة فذكر عن أسد
أنه لما أتى النهر ليقطع منعه الأشهب بن عبيد التميمي أحد بنى غالب وكان على السفن
بآمل فقال له أسد اقطعني فقال لا سبيل إلى إقطاعك لانى نهيت عن ذلك قال لا طفوه
وأطمعوه فأبى قال فإني الأمير ففعل فقال أسد اعرفوا هذا حتى نشركه في أمانتنا
فقطع النهر فأتى السغد فنزل مرجها وعلى خراج سمرقند هانئ بن هانئ فخرج في
الناس يتلقى أسدا فأتوه بالمرج وهو جالس على حجر فتفاءل الناس فقالوا أسد
على حجر ما عند هذا خير فقال له هانئ أقدمت أميرا فنفعل بك ما نفعل بالأمراء
قال نعم قدمت أميرا ثم دعا بالغداء فتغدى بالمرج وقال من ينشط بالمسير وله أربعة
عشر درهما ويقال قال ثلاثة عشر درهما وها هي في كمي وإنه ليكى ويقول إنما
385

أنا رجل مثلكم وركب فدخل سمرقند وبعث رجلين معهما عهد عبد الرحمن بن
نعيم على الجند فقدم الرجلان على عبد الرحمن بن نعيم وهو في وادى افشين على
الساقة وكانت الساقة على أهل سمرقند الموالى وأهل الكوفة فسألا عن عبد الرحمن
فقالوا هو في الساقة فأتياه بعهد وكتاب بالقفل والاذن لهم فيه فقرأ الكتاب ثم
أتى به مسلما وبعهده فقال مسلم سمعا وطاعة فقام عمرو بن هلال السدوسي ويقال
التيمي فقنعه سوطين لما كان منه بالبروقان إلى بكر بن وائل وشتمه حسين بن
عثمان بن بشر بن المحتفز فغضب عبد الرحمن بن نعيم فزجرهما ثم أغلظ لهما وأمر
بهما فدفعا وقفل بالناس وشخص معه مسلم * فذكر علي بن محمد عن أصحابه أنهم
قدموا على أسد وهو بسمرقند فشخص أسد إلى مرو وعزل هانئا واستعمل على
سمرقند الحسن بن أبي العمرطة الكندي من ولد آكل المرار قال فقدمت على
الحسن امرأته الجنوب ابنة القعقاع بن الأعلم رأس الأزد ويعقوب بن القعقاع
قاضى خراسان فخرج يتلقاها وغزاهم الترك فقيل له هؤلاء الترك قد أتوك وكانوا
سبعة آلاف فقال ما أتونا بل أتيناهم وغلبناهم على بلادهم واستعبدناهم وأيم الله
مع هذا لأدنينكم منهم ولأ قرنن نواصي خيلكم بنواصي خيلهم قال ثم خرج
فتباطأ حتى أغاروا وانصرفوا فقال الناس خرج إلى مرأته يتلقاها مسرعا
وخرج إلى العدو متباطئا فبلغه فخطبهم فقال تقولون وتعيبون اللهم اقطع آثارهم
وعجل أقدارهم وأنزل بهم الضراء وارفع عنهم السراء فشتمه الناس في أنفسهم وكان
خليفته حين خرج إلى الترك ثابت قطنة فخطب الناس فحصر فقال من يطع الله
ورسوله فقد ضل وأرتج عليه فلم ينطق بكلمة فلما نزل عن المنبر قال:
إن لم أكن فيكم خطيبا فإنني * بسيفي إذا جد الوغى لخطيب
فقيل له لو قلت هذا على المنبر لكنت خطيبا فقال حاجب الفيل اليشكري يعيره حصره
أبا العلاء لقد لاقيت معضلة * يوم العروبة من كرب وتخنيق
تلوى اللسان إذا رمت الكلام به * كما هوى زلق من شاهق النيق
لما رمتك عيون الناس ضاحية * أنشأت تجرض لما قمت بالريق
386

أما القران فلا تهدى لمحكمة * من القران ولا تهدى لتوفيق
(وفى هذه السنة) ولد عبد الصمد بن علي في رجب وكان العامل على المدينة
ومكة والطائف في هذه السنة إبراهيم بن هشام المخزومي وعلى العراق وخراسان
خالد بن عبد الله القسري وعامل خالد على صلاة البصرة عقبة بن عبد الاعلى وعلى
شرطتها مالك بن المنذر بن الجارود وعلى قضائها ثمامة بن عبد الله بن أنس وعلى
خراسان أسد بن عبد الله
ثم دخلت سنة سبع ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك ما كان من خروج عباد الرعيني باليمن محكما فقتله يوسف بن عمر وقتل
معه أصحابه كلهم وكانوا ثلاثمائة (وفيها) غزا للصائفة معاوية بن هشام وعلى جيش
الشأم ميمون بن مهران فقطع النهر حتى عبر إلى قبرس وخرج معهم البعث الذي كان
أمر به في حجته سنة 6 فقدموا في سنة 7 على الجعائل غزا منهم نصفهم وأقام النصف
وغزا البر مسلمة بن عبد الملك (وفيها) وقع بالشام طاعون شديد (وفيها) وجه
بكير بن ماهان أبا عكرمة وأبا محمد الصادق ومحمد بن خنيس وعمار العبادي في عدة
من شيعتهم معهم زياد خال الوليد الأزرق دعاة إلى خراسان فجاء رجل من كندة
إلى أسد بن عبد الله فوشى بهم إليه فأتى بأبي عكرمة ومحمد بن خنيس وعامة أصحابه
ونجا عمار فقطع أسد أيدي من ظفر به منهم وأرجلهم وصلبهم فأقبل عمار إلى بكير
ابن ماهان فأخبره الخبر فكتب به إلى محمد بن علي فأجابه الحمد لله الذي صدق
مقالتكم ودعوتكم وقد بقيت منكم قتلى ستقتل (وفى هذه السنة) حمل مسلم بن
سعيد إلى خالد بن عبد الله وكان أسد بن عبد الله له مكرما بخراسان لم يعرض له
ولم يحبسه فقدم مسلم وابن هبيرة مجمع على الهرب فنهاه عن ذلك مسلم وقال له
إن القوم فينا أحسن رأيا منكم فيهم (وفى هذه السنة) غزا أسد جبال نمرون
ملك الغرشستان مما يلي جبال الطالقان فصالحه أنمرون وسلم على يديه فهم اليوم
387

يتولون اليمن (وفيها) غزا أسد الغور وهى جبال هراة
ذكر الخبر عن غزوة أسد هذه الغزوة
ذكر علي بن محمد عن أشياخه أن أسدا غزا الغور فعمد أهلها إلى أثقالهم
فصيروها في كهف ليس إليه طريق فأمر أسد باتخاذ توابيت ووضع فيها الرجال
ودلاها بالسلاسل فاستخرجوا ما قدروا عليه فقال ثابت قطنة
أرى أسدا تضمن مفظعات * تهيبها الملوك ذوو الحجاب
سما بالخيل في أكناف مرو * وتوفزهن بين هلا وهاب
إلى غورين حيث حوى أزب * وصك بالسيوف وبالحراب
هدانا الله بالقتلى تراها * مصلبة بأفواه الشعاب
ملاحم لم تدع لسراة كلب * مهاترة ولا لبنى كلاب
فأوردها النهاب وآب منها * بأفضل ما يصاب من النهاب
وكان إذا أناخ بدار قوم * أراها المخزيات من العذاب
ألم يزر الجبال جبال ملع * ترى من دونها قطع السحاب
بأرعن لم يدع لهم شريدا * وعاقبها الممض من العقاب
وملع من جبال خوط فيها تعمل الحزم الملعية (وفى هذه السنة) نقل أسد
من كان بالبروقان من الجند إلى بلخ فأقطع كل من كان له بالبروقان مسكن مسكنا
بقدر مسكنه ومن لم يكن له مسكن أقطعه مسكنا وأراد أن ينزلهم على الأخماس
فقيل له إنهم يتعصبون فخلط بينهم وكان قسم لعمارة مدينة بلخ الفعلة على كل
كورة على قدر خراجها وولى بناء مدينة بلخ برمك أبا خالد بن برمك وكان البروقان
منزل الامراء وبين البروقان وبين بلخ فرسخان وبين المدينة والنوبهار قدر غلوتين
فقال أبو البريد في بنيان أسد مدينة بلخ
شعفت فؤادك فالهوى لك شاعف * رئم على طفل بحومل عاطف
ترعى البرير بجانبي متهدل * ريان لا يعشو إليه آلف
بمحاضر من منحنى عطفت له * بقر ترجح زانهن روادف
388

إن المباركة التي أحصنتها * عصم الذليل بها وقر الخائف
فأراك فيها ما رأى من صالح * فتحا وأبواب السماء رواعف
فمضى لك الاسم الذي يرضى به * عنك البصير بما نويت اللاطف
يا خير ملك ساس أمر رعية * إني على صدق اليمين لحالف
الله آمنها بصنعك بعد ما * كانت قلوب خوفهن رواجف
(وحج) بالناس في هذه السنة إبراهيم بن هشام حدثني بذلك أحمد بن ثابت
عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر وكذلك قال الواقدي وهشام
وغيرهما وكانت عمال الأمصار في هذه السنة عمالها الذين ذكرناهم قبل في سنة 106
ثم دخلت سنة ثمان ومائة
ذكر ما كان فيها من الاحداث
(ففيها) كانت غزوة مسلمة بن عبد الملك حتى بلغ قيسارية مدينة الروم مما
بلى الجزيرة ففتحها الله على يديه (وفيها) أيضا غزا إبراهيم بن هشام ففتح أيضا
حصنا من حصون الروم (وفيها) وجه بكير بن ماهان إلى خراسان عدة فهم
عمار العبادي فوشى بهم رجل إلى أسد بن عبد الله فأخذ عمارا فقطع يديه ورجليه
ونجا أصحابه فقدموا على بكير بن ماهان فأخبروه الخبر فكتب بذلك إلى محمد بن علي
فكتب إليه في جواب الكتاب الحمد لله الذي صدق دعوتكم ونجى شيعتكم
(وفيها) كان الحريق بدابق فذكر محمد بن عمر أن عبد الله بن نافع حدثه عن
أبيه قال احترق المرعى حتى احترق الدواب والرجال (وفيها) غزا أسد بن عبد الله
الختل فذكر عن علي بن محمد أن خاقان أتى أسدا وقد انصرف إلى القواديان
وقطع النهر ولم يكن بينهم قتال في تلك الغزاة وذكر عن أبي عبيدة أنه قال بل
هزموا أسدا وفضحوه فتغنى عليه الصبيان
أزختلان آمذى * بروتباه آمذى
قال وكان السبل محاربا له فاستجلب خاقان وكان أسد قد أظهر أنه يشتو بسرخ دره
389

فأمر أسد الناس فارتحلوا ووجه راياته وسار في ليلة مظلمة إلى سرخ دره فكبر
فقطع الناس فقال أسد ما للناس قالوا هذه علامتهم إذا قفلوا فقال لعروة المنادى
ناد إن الأمير يريد غورين ومضى وأقبل خاقان حين انصرفوا إلى غورين
النهر فلم يلتق هو ولاهم ورجع إلى بلخ فقال الشاعر في ذلك يمدح أسد بن عبد الله
نديت لي من كل خمس ألفين * من كل لحاف عريض الدفين
قال ومضى المسلمون إلى الغوريان فقاتلوهم يوما وصبروا لهم وبرز
رجل من المشركين فوقف أمام أصحابه وركز رمحه وقد أعلم بعصابة خضراء
وسلم بن أحوز واقف مع نصر بن سيار فقال سلم لنصر قد عرفت رأى أسد وأنا
حامل على هذا العلج فلعلي أن أقتله فيرضى فقال شأنك فحمل عليه فما اختلج
رمحه حتى غشيه سلم فطعنه فإذا هو بين يدي فرسه ففحص برجله فرجع سلم
فوقف فقال لنصر أنا حامل حملة أخرى فحمل حتى إذا دنا منهم اعترضه رجل من
العدو فاختلفا ضربتين فقتله سلم فرجع سلم جريحا فقال نصر لسلم قف لي حتى
أحمل عليهم فحمل حتى خالط العدو فصرع رجلين ورجع جريحا فوقف فقال
أترى ما صنعنا يرضيه لا أرضاه الله فقال لا والله فيما أظن وأتاهما رسول
أسد فقال يقول لكما الأمير قد رأيت موقفكما منذ اليوم وقلة غنائكما عن المسلمين
لعنكما الله فقالا آمين إن عدنا لمثل هذا وتحاجزوا يومئذ ثم عادوا من الغد
فلم يلبث المشركون أن انهزموا وحوى المسلمون عسكرهم وظهروا على البلاد
فأسروا وسبوا وغنموا وقال بعضهم رجع أسد في سنة 108 مفلولا من الختل
فقال أهل خراسان
أزختلان آمذى بروتباه آمذى بيدل فراز آمذى
قال وكان أصاب الجند في غزاة الختل جوع شديد فبعث أسد بكبشين مع
غلام له وقال لا تبعهما بأقل من خمسمائة فلما مضى الغلام قال أسد لا يشتريهما
إلا ابن الشخير وكان في المسلحة فدخل ابن الشخير حين أمسى فوجد الشاتين
في السوق فاشتراهما بخمسمائة فذبح إحداهما وبعث بالأخرى إلى بعض إخوانه
390

فلما رجع الغلام إلى أسد أخبره بالقصة فبعث إليه أسد بألف درهم قال وابن الشخير
هو عثمان بن عبد الله بن الشخير أخو مطرف بن عبد الله بن الشخير الحرشي
(وحج) بالناس في هذه السنة إبراهيم بن هشام وهو على المدينة ومكة والطائف
حدثني بذلك أحمد بن ثابت عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر وكذلك
قال محمد بن عمر الواقدي (وكان) العمال في هذه السنة على الأمصار في الصلاة
والحروب والقضاء هم العمال الذين كانوا في السنة التي قبلها وقد ذكرناهم قبل
ثم دخلت سنة تسع ومائة
ذكر الاحداث التي كانت فيها
فمما كان فيها من ذلك غزوة عبد الله بن عقبة بن نافع الفهري على جيش في
البحر وغزوة معاوية بن هشام أرض الروم ففتح حصنا بها يقال له طيبة وأصيب
معه قوم من أهل أنطاكية (وفيها) قتل عمر بن يزيد الأسيدي قتله مالك بن
المنذر بن الجارود
ذكر الخبر عن ذلك
وكان سبب ذلك فيما ذكر أن خالد بن عبد الله شهد عمر بن يزيد أيام حرب
يزيد بن المهلب فأعجب به يزيد بن عبد الملك وقال هذا رجل العراق فغاظ ذلك
خالدا فأمر مالك بن المنذر وهو على شرطة البصرة أن يعظم عمر بن يزيد ولا
يعصى له أمرا حتى يعرفه الناس ثم أقبل يعتل عليه حتى يقتله ففعل ذلك فذكر
يوما عبد الاعلى بن عبد الله بن عامر فافترى عليه مالك فقال له عمر بن يزيد
تفتري على مثل عبد الاعلى فأغلظ له مالك فضربه بالسياط حتى قتله وفيها غزا
أسد بن عبد الله غورين وقال ثابت قطنة
أرى أسدا في الحرب إذا نزلت به * وقارع أهل الحرب فاز وأوجبا
تناول أرض السبل خاقان ردؤه * فحرق ما استعصى عليه وخربا
أتتك وفود الترك ما بين كابل * وغورين إذ لم يهربوا منك مهربا
فما يغمر الأعداء من ليث غابة * أبى ضاريات حرشوه فعقبا
391

أزب كأن الورس فوق ذراعه * كريه المحيا قد أسن وجربا
ألم يك في الحصن المبارك عصمة * لجندك إذ هاب الجبان وأرهبا
بنى لك عبد الله حصنا ورثته * قديما إذا عد القديم وأنجبا
(وفى هذه السنة) عزل هشام بن عبد الملك خالد بن عبد الله عن خراسان
وصرف أخاه أسدا عنها
ذكر الخبر عن عزل هشام خالدا وأخاه عن خراسان
وكان سبب ذلك أن أسدا أخا خالد تعصب حتى أفسد الناس فقال أبو البريد
فيما ذكر علي بن محمد لبعض الأزد أدخلني على ابن عمك عبد الرحمن بن صبح
وأوصه بي وأخبره عنى فأدخله عليه وهو عامل لأسد على بلخ فقال أصلح الله
الأمير هذا أبوا البريد البكري أخونا وناصرنا وهو شاعر أهل المشرق وهو
الذي يقول
إن تنقض الأزد حلفا كان أكده * في سالف الدهر عباد ومسعود
ومالك وسويد أكداه معا * لما تجرد فيها أي تجريد
حتى تنادوا أتاك الله ضاحية * وفى الجلود من الايقاع تقصيد
قال فجذب أبو البريد يده وقال لعنك الله من شفيع كذب أصلحك الله
ولكني الذي أقول
الأزد إخوتنا وهم حلفاؤنا * ما بيننا نكث ولا تبديل
قال صدقت وضحك وأبو البريد من بنى علباء بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة قال
وتعصب على نصر بن سيار ونفر معه من مضر فضربهم بالسياط وخطب في يوم جمعة
فقال في خطبته قبح الله هذه الوجوه وجوه أهل الشقاق والنفاق والشغب والفساد
اللهم فرق بيني وبينهم وأخرجني إلى مهاجري ووطني وقل من يروم ما قبلي أو
يترمرم وأمير المؤمنين خالي وخالد بن عبد الله أخي ومعي اثنا عشر ألف سيف يمان
ثم نزل عن منبره فلما صلى ودخل عليه الناس فأخذوا مجالسهم أخرج كتابا من تحت
فراشه فقرأه على الناس فيه ذكر نصر بن سيار وعبد الرحمن بن نعيم العامري وسورة
392

ابن الحر الأباني أبان بن دارم والبختري بن أبي درهم من بنى الحارث بن عباد
فدعاهم فأنبهم فأزم القوم فلم يتكلم منهم أحد فتكلم سورة فذكر حاله وطاعته
ومناصحته وأنه ليس ينبغي له أن يقبل قول عدو مبطل وأن يجمع بينهم وبين من
قرفهم بالباطل فلم يقبل قوله وأمر بهم فجردوا فضرب عبد الرحمن بن نعيم فإذا
رجل عظيم البطن أرسح فلما ضرب التوى وجعل سراويله يزل عن موضعه
فقام رجل من أهل بيته فأخذ رداء له هرويا وقام مادا ثوبه بيده وهو ينظر إلى
أسد يريد أن يأذن له فيؤزره فأومئ إليه أن افعل فدنا منه فأزره ويقال بل أزره
أبو نميلة وقال له اتزر أبا زهير فإن الأمير وال مؤدب ويقال بل ضربهم في نواحي
مجلسه فلما فرغ قال أين تيس بنى حمان وهو يريد ضربه وقد كان ضربه قبل فقال
هذا تيس بنى حمان وهو قريب العهد بعقوبة الأمير وهو عامر بن مالك بن مسلمة
ابن يزيد بن حجر بن خيسق بن حمان بن كعب بن سعد وقيل إنه حلقهم بعد
الضرب ودفعهم إلى عبد ربه بن أبي صالح مولى بنى سليم وكان من الحرس وعيسى
ابن أبي بريق ووجههم إلى خالد وكتب إليه انهم أرادوا الوثوب عليه فكان ابن أبي
بريق كلما نبت شعر أحدهم حلقه وكان البختري بن أبي درهم يقول لوددت انه
ضربني وهذا شهرا يعنى نصر بن سيار لما كان بينهما بالبروقان فأرسل بنو تميم
إلى نصر إن شئتم انتزعناكم من أيديهم فكفهم نصر فلما قدم بهم على خالد لام أسدا
وعنفه وقال ألا بعثت برؤوسهم فقال عرفجة التميمي
فكيف وأنصار الخليفة كلهم * عناة وأعداء الخليفة تطلق
بكيت ولم أملك دموعي وحق لي * ونصر شهاب الحرب في الغل موثق
وقال نصر
بعثت بالعتاب في غير ذنب * في كتاب تلوم أم تميم
إن أكن موثقا أسيرا لديهم * في هموم وكربة وسهوم
رهن قسر فما وجدت بلاء * كإسار الكرام عند اللئيم
أبلغ المدعين قسرا وقسر * أهل عود القناة ذات الوصوم
393

هل فطمتم عن الخيانة والغد * رأم أنتم كالحاكر المستديم
(وقال الفرزدق)
أخالد لولا الله لم تعط طاعة * ولولا بنو مروان لم توثقوا نصرا
إذا للقيتم دون شد وثاقه * بنى الحرب لا كشف اللقاء ولا ضجرا
وخطب أسد بن عبد الله على منبر بلخ فقال في خطبته يا أهل بلخ لقبتموني
الزاغ والله لأزيغن قلوبكم فلما تعصب أسد وأفسد الناس بالعصبية كتب هشام
إلى خالد بن عبد الله اعزل أخاك فعزله فاستأذن له في الحج فقفل أسد إلى العراق
ومعه دهاقين خراسان في شهر رمضان سنة 109 واستخلف أسد على خراسان
الحكم بن عوانة الكلبي فأقام الحكم صيفية فلم يغز وذكر علي بن محمد أن أول من
قدم خراسان من دعاة بنى العباس زياد أبو محمد مولى همدان في ولاية أسد بن
عبد الله الأولى بعثه محمد بن علي بن عبد الله بن العباس وقال له ادع الناس إلينا
وانزل في اليمن والطف بمضر ونهاه عن رجل من أبر شهر يقال له غالب لأنه كان
مفرطا في حب بنى فاطمة ويقال أول من جاء أهل خراسان بكتاب محمد بن علي
حرب بن عثمان مولى بنى قيس بن ثعلبة من أهل بلخ قال فلما قدم زياد أبو محمد
ودعا إلى بنى العباس وذكر سيرة بنى مروان وظلمهم وجعل يطعم الناس الطعام
فقدم عليه غالب من أبرشهر فكانت بينهم منازعة غالب يفضل آل أبي طالب
وزياد يفضل بنى العباس ففارقه غالب وأقام زياد بمرو شتوة وكان يختلف إليه
من أهل مرو يحيى بن عقيل الخزاعي وإبراهيم بن الخطاب العدوي قال وكان ينزل
برزن سويد الكاتب في دور آل الرقاد وكان على خراج مرو الحسن بن شيخ فبلغه
أمره فأخبر به أسد بن عبد الله فدعا به وكان معه رجل يكنى أبا موسى فلما نظر إليه
أسد قال له أعرفك قال نعم قال له أسد رأيتك في حانوت بدمشق قال نعم قال
لزياد فما هذا الذي بلغني عنك قال رفع إليك الباطل إنما قدمت خراسان في تجارة
وقد فرقت مالي على الناس فإذا صار إلى خرجت قال له أسد اخرج عن بلادي
فانصرف فعاد إلى أمره فعاود الحسن أسدا وعظم عليه أمره فأرسل إليه فلما
394

نظر إليه قال ألم أنهك عن المقام بخراسان قال ليس عليك أيها الأمير منى بأس
فاحفظه وأمر بقتلهم فقال له أبو موسى فاقض ما أنت قاض فازداد غضبا وقال له
أنزلتني منزلة فرعون فقال له ما أنزلتك ولكن الله أنزلك فقتلوا وكانوا عشرة
من أهل بيت الكوفة فلم ينج منهم يومئذ إلا غلامان استصغرهما وأمر بالباقين
فقتلوا بكشانشاه وقال قوم أمر أسد بزياد أن يخط وسطه فمد بين اثنين فضرب
فنبا السيف عنه فكبر أهل السوق فقال أسد ما هذا فقيل له لم يحك السيف فيه
فأعطى أبا يعقوب سيفا فخرج في سراويل والناس قد اجتمعوا عليه فضربه فنبا
السيف فضربه ضربة أخرى فقطعه باثنتين وقال آخرون عرض عليهم البراءة فمن
تبرأ منهم مما رفع عليه خلى سبيله فأبى البراءة ثمانية منهم وتبرأ اثنان فلما كان
الغد أقبل أحدهما وأسد في مجلسه المشرف على السوق بالمدينة العتيقة فقال أليس
هذا أسيرنا بالأمس فأتاه فقال له أسألك أن تلحقني بأصحابي فأشرفوا به على
السوق وهو يقول رضينا بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم
نبيا فدعا أسد بسيف بخار أخذاه فضرب عنقه بيده قبل الأضحى بأربعة أيام ثم قدم
بعدهم رجل من أهل الكوفة يسمى كثيرا فنزل على أبى النجم فكان يأتيه الذين
لقوا زيادا فيحدثهم ويدعوهم فكان على ذلك سنة أو سنتين وكان كثير أميا فقدم
عليه خداش وهو في قرية تدعى مرعم فغلب كثيرا على أمره ويقال كان اسمه عمارة
فسمى خداشا لأنه خدش الدين وكان أسد استعمل عيسى بن شداد البرجمي إمرته
الأولى في وجه وجهه على ثابت قطنة فغضب فهجا أسدا فقال:
أرى كل قوم يعرفون أباهم * وأبو بحيلة؟؟ بينهم يتذبذب
إني وجدت أبى أباك فلا تكن * إلبا على مع العدو تجلب
أرمى بسهمي من رماك بسهمه * وعدو من عاديت غير مكذب
أسد بن عبد الله جلل عفوه * أهل الذنوب فكيف من لم يذنب
أجعلتني للبرجمي حقيبة * والبرجمي هو اللئيم المحقب
عبد إذا استبق الكرام رأيته * يأتي سكينا حاملا في الموكب
395

إني أعوذ بقبر كرز أن أرى * تبعا لعبد من تميم محقب
(وفى هذه السنة) استعمل هشام بن عبد الملك على خراسان أشرس
ابن عبد الله السلمي فذكر علي بن محمد عن أبي الذيال العدوي ومحمد بن حمزة عن
طرخان ومحمد بن الصلت الثقفي ان هشام بن عبد الملك عزل أسد بن عبد الله
عن خراسان واستعمل أشرس بن عبد الله السلمي عليها وأمره ان يكاتب خالد
ابن عبد الله القسري وكان أشرس فاضلا خيرا وكانوا يسمونه الكامل لفضله
عندهم فسار إلى خراسان فلما قدمها فرحوا بقدومه فاستعمل على شرطته عميرة
أبا أمية اليشكري ثم عزله وولى السمط واستقضى على مرو أبا المبارك الكندي
فلم يكن له علم بالقضاء فاستشار مقاتل به حيان فأشار عليه مقاتل بمحمد بن زيد
فاستقضاه فلم يزل قاضيا حتى عزل أشرس وكان أول من اتخذ الرابطة بخراسان
واستعمل على الرابطة عبد الملك بن دثار الباهلي وتولى أشرس صغير الأمور
وكبيرها بنفسه قال وكان أشرس لما قدم خراسان كبر الناس فرحا به فقال رجل
لقد سمع الرحمن تكبير أمة * غداة أتاها من سليم إمامها
إمام هدى قوى لهم أمرهم به * وكانت عجافا ما تمخ عظامها
وركب حين قدم حمارا فقال له حيان النبطي أيها الأمير إن كنت تريد أن
تكون والى خراسان فاركب الخيل وشد حزام فرسك والزم السوط خاصرته
حتى تقدم النار وإلا فارجع قال ارجع إذن ولا أقتحم النار يا حيان ثم أقام
وركب الخيل قال على وقال يحيى بن حضين رأيت في المنام قبل قدوم أشرس
قائلا يقول أتاكم الوعر الصدر الضعيف الناهضة المشؤم الطائر فانتبهت فزعا ورأيت
في الليلة الثانية أتاكم الوعر الصدر الضعيف الناهضة المشؤم الطائر الخائن قومه
جغر ثم قال
لقد ضاع جيش كان جغر أميرهم * فهل من تلاف قبل دوس القبائل
فإن صرفت عنهم به فلعله * وإلا يكونوا من أحاديث قائل
وكان أشرس يلقب جغرا بخراسان (وحج بالناس في هذه السنة) إبراهيم
396

ابن هشام كذلك حدثني أحمد بن ثابت عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عن أبي
معشر وكذلك قال الواقدي وغيره وقال الواقدي خطب الناس إبراهيم بن هشام
بمنى في هذه السنة الغد من يوم النحر بعد الظهر فقال سلوني فانا ابن الوحيد لا تسألون
أحدا أعلم منى فقام إليه رجل من أهل العراق فسأله عن الأضحية أواجبة هي أم
لا؟ فما درى أي شئ يقول له فنزل وكان العامل في هذه السنة على المدينة ومكة
والطائف إبراهيم بن هشام وعلى البصرة والكوفة خالد بن عبد الله وعلى الصلاة
بالبصرة أبان بن ضبارة اليزني وعلى شرطتها بلال بن أبي بردة وعلى قضائها ثمامة
ابن عبد الله الأنصاري من قبل خالد بن عبد الله وعلى خراسان أشرس بن عبد الله
ثم دخلت سنة عشر ومائة
ذكر ما كان فيها من الاحداث
فمما كان فيها من ذلك غزوة مسلمة بن عبد الملك الترك سار إليهم نحو باب اللان
حتى لقى خاقان في جموعه فاقتتلوا قريبا من شهر وأصابهم مطر شديد فهزم الله
خاقان فانصرف فرجع مسلمة فسلك على مسجد ذي القرنين (وفيها) غزا فيما
ذكر معاوية بن هشام أرض الروم ففتح صماله (وفيها) غزا الصائفة عبد الله بن
عقبة الفهري وكان على جيش البحر فيما ذكر الواقدي عبد الرحمن بن معاوية بن
حديج (وفى هذه السنة) دعا الأشرس أهل الذمة من أهل سمرقند ومن وراء
النهر إلى الاسلام على أن توضع عنهم الجزية فأجابوا إلى ذلك فلما أسلموا وضع
عليهم الجزية وطالبهم بها فنصبوا له الحرب
(ذكر الخبر عما كان من أمر أشرس وأمر أهل سمرقند ومن وليهم في ذلك)
ذكر أن أشرس قال في عمله بخراسان أبغوني رجلا له ورع وفضل أوجهه
إلى من وراء النهر فيدعوهم إلى الاسلام فأشاروا عليه بأبي الصيداء صالح بن طريف
مولى بنى ضبة فقال لست بالماهر بالفارسية فضموا معه الربيع بن عمران التميمي
فقال أبو الصيداء اخرج على شريطة أن من أسلم لم يؤخذ منه الجزية فإنما خراج
397

خراسان على رؤوس الرجال قال أشرس نعم قال أبو الصيداء لأصحابه فإني أخرج
فإن لم يف العمال أعنتموني عليهم قالوا نعم فشخص إلى سمرقند وعليها الحسن
ابن أبي العمرطة الكندي على حربها وخراجها فدعا أبو الصيداء أهل سمرقند
ومن حولها إلى الاسلام على أن توضع عنهم الجزية فسارع الناس فكتب غوزك
إلى أشرس ان الخراج قد انكسر فكتب أشرس إلى ابن أبي العمرطة ان في
الخراج قوة للمسلمين وقد بلغني أن أهل السغد وأشباههم لم يسلموا رغبة وإنما
دخلوا في الاسلام تعوذا من الجزية فانظر من اختتن وأقام الفرائض وحسن
إسلامه وقرأ سورة من القرآن فارفع عنه خراجه ثم عزل أشرس ابن أبي العمرطة
عن الخراج وصيره إلى هانئ بن هانئ وضم إليه الاشحيذ فقال ابن أبي العمرطة
لأبي الصيداء لست من الخراج الآن في شئ فدونك هانئا والاشحيذ فقام أبو الصيداء
يمنعهم من أخذ الجزية ممن أسلم فكتب هانئ إن الناس قد أسلموا وبنوا المساجد
فجاء دهاقين بخارى إلى أشرس فقالوا ممن تأخذ الخراج وقد صار الناس كلهم
عربا فكتب أشرس إلى هانئ وإلى العمال خذوا الخراج ممن كنتم تأخذونه منه
فأعادوا الجزية على من أسلم فامتنعوا واعتزل من أهل السغد سبعة آلاف فنزلوا
على سبعة فراسخ من سمرقند وخرج إليهم أبو الصيداء وربيع بن عمران التميمي
والقاسم الشيباني وأبو فاطمة الأزدي وبشر بن جرموز الضبي وخالد بن عبد الله
النحوي وبشر بن زنبور الأزدي وعامر بن قشير أو بشيرا الخجندي وبيان
العنبري وإسماعيل بن عقبة لينصروهم قال فعزل أشرس ابن أبي العمرطة عن
الحرب واستعمل مكانه المجشر بن مزاحم السلمي وضم إليه عميرة بن سعد الشيباني
قال فلما قدم المجشر كتب إلى أبى الصيداء يسأله أن يقدم عليه هو وأصحابه فقدم
أبو الصيداء وثابت قطنة فحبسهما فقال أبو الصيداء غدرتم ورجعتم عما قلتم فقال له
هانئ ليس بغدر ما كان فيه حقن الدماء وحمل أبا الصيداء إلى الأشرس وحبس
ثابت قطنة عنده فلما حمل أبو الصيداء اجتمع أصحابه وولوا أمرهم أبا فاطمة ليقاتلوا
هانئا فقال لهم كفوا حتى أكتب إلى أشرس فيأتينا رأيه فنعمل بأمره فكتبوا إلى
398

أشرس فكتب أشرس ضعوا عليهم الخراج فرجع أصحاب أبي الصيداء فضعف
أمرهم فتتبع الرؤساء منهم فأخذوا وحملوا إلى مرو وبقى ثابت محبوسا وأشرك
أشرس مع هانئ بن هانئ سليمان بن أبي السرى مولى بنى عوانة في الخراج فألح
هانئ والعمال في جباية الخراج واستخفوا بعظماء العجم وسلط المجشر عميرة بن
سعد على الدهاقين فأقيموا وخرقت ثيابهم وألقيت مناطقهم في أعناقهم وأخذوا
الجزية ممن أسلم من الضعفاء فكفرت السغد وبخاري واستجاشوا الترك فلم يزل
ثابت قطنة في حبس المجشر حتى قدم نصر بن سيار واليا على المجشر فحمل ثابتا إلى
أشرس مع إبراهيم بن عبد الله الليثي فحبسه وكان نصر بن سيار ألطفه وأحسن
إليه فمدحه ثابت قطنة وهو محبوس عند أشرس فقال
ما هاج شوقك من نؤى وأحجار * ومن رسوم عفاها صوب أمطار
لم يبق منها ومن أعلام عرصتها * إلا شجيج وإلا موقد النار
ومائل في ديار الحي بعدهم * مثل الربيئة في أهدامه العاري
ديار ليلى قفار لا أنيس بها * دون الجحون وأين الحجن من داري
بدلت منها وقد شط المزار به * وادى المخافة لا يسرى بها الساري؟؟
بين السماوة في حزم مشرقة * ومعنق دوننا أذية جارى
نقارع الترك ما تنفك نائحة * منا ومنهم على ذي نجدة شار
إن كان ظني بنصر صادقا أبدا * فيما أدبر من نقضي وإمراري
لا يصرف الجند حتى يستفئ بهم * نهبا عظيما ويحوى ملك جبار
وتعبر الخيل في الأقياد آونة * تحوى النهاب إلى طلاب أوتار
حتى يروها دوين السرح بارقة * فيها لواء كظل الأجدل الضارى
لا يمنع الثغر إلا ذو محافظة * من الخضارم سياق بأوتار
إني وإن كنت من جذم الذي نضرت * منه الفروع وزندي الثاقب الوارى
لذاكر منك أمرا قد سبقت به * من كان قبلك يا نصر بن سيار
ناضلت عنى نضال الحر إذ قصرت * دوني العشيرة واستبطات أنصاري
399

وصار كل صديق كنت آمله * ألبا على ورث الحبل من جارى
وما تلبست بالامر الذي وقعوا * به على ولا دنست أطماري
ولا عصيت إماما كان طاعته * حقا على ولا قارفت من عار
قال على وخرج أشرس غازيا فنزل آمل فأقام ثلاثة أشهر وقدم قطن بن قتيبة
ابن مسلم فعبر النهر في عشرة آلاف فأقبل أهل السغد وأهل بخارى معهم خاقان
والترك فحصروا قطن بن قتيبة في خندقه وجعل خاقان ينتخب كل يوم فارسا
فيعبر في قطعة من الترك النهر وقال قوم أقحموا دوابهم عريا فعبروا وأغاروا
على سرح الناس فأخرج أشرس ثابت قطنة بكفالة عبد الله بن بسطام بن مسعود
ابن عمرو فوجهه مع عبد الله بن بسطام في الخيل فاتبعوا الترك فقاتلوهم بآمل
حتى استنقذوا ما بأيديهم ثم قطع الترك النهر إليهم راجعين ثم عبر أشرس بالناس
إلى قطن بن قتيبة ووجه أشرس رجلا يقال له مسعود أحد بنى حيان في سرية
فلقيهم العدو فقاتلوهم فأصيب رجال من المسلمين وهزم مسعود حتى رجع إلى
أشرس فقال بعض شعرائهم
خابت سرية مسعود وما غنمت * إلا أفانين من شد وتقريب
حلوا بأرض قفار لا أنيس بها * وهن بالسفح أمثال اليعاسيب
وأقبل العدو فلما كانوا بالقرب لقيهم المسلمون فقاتلوهم فجالوا جولة فقتل في
تلك الجولة رجال من المسلمين ثم كر المسلمون وصبروا لهم فانهزم المشركون
ومضى أشرس بالناس حتى نزل بيكند فقطع العدو عنهم الماء فأقام أشرس
والمسلمون في عسكرهم يومهم ذلك وليلتهم فأصبحوا وقد نفد ماؤهم فاحتفروا
فلم ينبطوا وعطشوا فارتحلوا إلى المدينة التي قطعوا عنهم المياه منها وعلى مقدمة
المسلمين قطن بن قتيبة فلقيهم العدو فقاتلوهم فجهدوا من العطش فمات منهم سبعمائة
وعجز الناس عن القتال ولم يبق في صف الرباب إلا سبعة فكاد ضرار بن حصين
يؤسر من الجهد الذي كان به فحض الحارث بن سريج الناس فقال أيها الناس
القتل بالسيف أكرم في الدنيا وأعظم أجرا عند الله من الموت عطشا فتقدم الحارث
400

ابن سريج وقطن بن قتيبة وإسحاق بن محمد ابن أخي وكيع في فوارس من بنى تميم
وقيس فقاتلوا حتى أزالوا الترك عن الماء فابتدره الناس فشربوا وارتووا قال
فمر ثابت قطنة بعبد الملك بن دثار الباهلي فقال له يا عبد الملك هل لك في آثار الجهاد
فقال أنظرني ريثما أغتسل وأتحنط فوقف له حتى خرج ومضيا فقال ثابت لأصحابه
أنا أعلم بقتال هؤلاء منكم وحضهم فحملوا على العدو واشتد القتال فقتل ثابت في
عدة من المسلمين منهم صخر بن مسلم بن النعمان العبدي وعبد الملك بن دثار الباهلي
والوجيه الخراساني والعقار بن عقبة العودي فضم قطن بن قتيبة وإسحاق بن محمد
ابن حسان خيلا من بنى تميم وقيس تبايعوا على الموت فأقدموا على العدو فقاتلوهم
فكشفوهم وركبهم المسلمون يقتلونهم حتى حجزهم الليل وتفرق العدو فأتى أشرس
بخارى فحصر أهلها (قال علي بن محمد) عن عبد الله بن المبارك حدثني هشام بن
عمارة بن القعقاع الضبي عن فضيل بن غزوان قال حدثني وجيه البناني ونحن
نطوف بالبيت قال لقينا الترك فقتلوا منا قوما وصرعت وأنا أنظر إليهم يجلسون
فيستقون حتى انتهوا إلى فقال رجل منهم دعوه فان له أثرا هو واطئه وأجلا هو
بالغه فهذا أثر قد وطئته وأنا أرجو الشهادة فرجع إلى خراسان فاستشهد مع ثابت
قال فقال الوازع بن مائق مربى الوجيه في بغلين يوم أشرس فقلت كيف أصبحت
يا أبا أسماء قال أصبحت بين حائر وحائز اللهم لف بين الصفين فخلط القوم وهو
متنكب قوسه وسيفه مشتمل في طيلسان واستشهد واستشهد الهيثم بن المنخل
العبدي قال على عن عبد الله بن المبارك قال لما التقى أشرس والترك قال ثابت قطنة
اللهم إني كنت ضيف بن بسطام البارحة فاجعلني ضيفك الليلة والله لا ينظر إلى
بنو أمية مشدودا في الحديد فحمل وحمل أصحابه فكذب أصحابه وثبت فرمى برذونه
أشب وضربه فأقدم وضرب فارتث فقال وهو صريع اللهم إني أصبحت ضيفا
لابن بسطام وأمسيت ضيفك فاجعل قراى من ثوابك الجنة قال على ويقال إن
أشرس قطع النهر ونزل بيكند فلم يجد بها ماء فلما أصبحوا ارتحلوا فلما دنوا من قصر
بخارى أخذاه وكان منزله منهم على ميل تلقاهم ألف فارس فأحاطوا بالعسكر وسطع
401

رهج الغبار فلم يكن الرجل يقدر أن ينظر إلى صاحبه قال فانقطع منهم ستة آلاف
فيهم قطن بن قتيبة وغوزك من الدهاقين فانتهوا إلى قصر من قصور بخارى وهم
يرون أن أشرس قد هلك وأشرس في قصور بخارى فلم يلتقوا إلا بعد يومين
ولحق غوزك في تلك الوقعة بالترك وكان قد دخل القصر مع قطن فأرسل إليه قطن
رجلا فصاحوا برسول قطن ولحق بالترك قال ويقال إن غوزك وقع يومئذ وسط
الخيل فلم يجد بدا من اللحاق بهم ويقال إن أشرس أرسل إلى غوزك يطلب منه
طاسا فقال لرسول أشرس إنه لم يبق معي شئ أتدهن به غير هذا الطاس فاصفح
عنه فأرسل إليه اشرب في قرعة وابعث إلى بالطاس ففارقه قال وكان على سمرقند
نصر بن سيار وعلى خراجها عميرة بن سعد الشيباني وهم محصورون وكان عميرة
ممن قدم مع أشرس وأقبل قريش بن أبي كهمس على فرس فقال لقطن قد نزل
الأمير والناس فلم يفقد أحد من الجند غيرك فمضى قطن والناس إلى العسكر وكان
بينهم ميل قال ويقال إن أشرس نزل قريبا من مدينة بخارى على قدر فرسخ وذلك
المنزل يقال له المسجد ثم تحول منه إلى مرج يقال له بوادرة فأتاهم سبابة أو شبابة
مولى قيس بن عبد الله الباهلي وهم نزول بكمرجة وكانت كمرجة من أشرف أيام
خراسان وأعظمها أيام أشرس في ولايته فقال لهم إن خاقان ما ربكم غدا فأرى
لكم أن تظهروا عدتكم فيرى جدا واحتشادا فينقطع طمعه منكم فقال له رجل
منهم استوثقوا من هذا فإنه جاء ليفت في أعضادكم قالوا لا نفعل هذا مولانا وقد
عرفناه بالنصيحة فلم يقبلوا منه وفعلوا ما أمرهم به المولى وصبحهم خاقان فلما
حاذى بهم ارتفع إلى طريق بخارى كأنه يريدها فتحدر بجنوده من وراء تل بينهم
وبينه فنزلوا وتأهبوا وهم لا يشعرون بهم فلما كان ذلك ما فاجأهم أن طلعوا على
التل فإذا جبل حديد أهل فرغانة والطاربند وأفشينة ونسف وطوائف من أهل
بخارى قال فأسقط في أيدي القوم فقال لهم كليب بن قنان الذهلي هم يريدون مزاحفتكم
فسربوا دوابكم المجففة في طريق النهر كأنكم تريدون أن تسقوها فإذا جردتموها
فخذوا طريق الباب وتسربوا الأول فالأول فلما رآهم الترك يتسربون شدوا عليهم
402

في مضايق وكانوا هم أعلم بالطريق من الترك وسبقوهم إلى الباب فلحقوهم عنده
فقتلوا رجلا كان يقال له المهلب كان حاميتهم وهو رجل من العرب فقاتلوهم فغلبوهم
على الباب الخارج من الخندق فدخلوه فاقتتلوا وجاء رجل من العرب بحزمة قصب
قد أشعلها فرمى بها في وجوههم فتنحوا وأخلوا عن قتلى وجرحى فلما أمسوا
انصرف الترك وأحرق العرب القنطرة فأتاهم خسرو بن يزدجرد في ثلاثين رجلا
فقال يا معشر العرب لم تقتلون أنفسكم وأنا الذي جئت بخاقان ليرد على مملكتي
وأنا آخذ لكم الأمان فشتموه فانصرف قال وجاءهم بازغرى في مائتين وكان داهية
من وراء النهر وكان خاقان لا يخالفه ومعه رجلان من قرابة خاقان ومعه أفراس
من رابطة أشرس فقال آمنونا حتى ندنوا منكم فأعرض عليكم ما أرسلني إليكم به
خاقان فآمنوه فدنا من المدينة وأشرفوا عليه ومعه أسراء من العرب فقال بازغرى
يا معشر العرب أحدروا إلى رجلا منكم أكلمه برسالة خاقان فأحدروا حبيبا مولى
مهرة من أهل درقين فكلموه فلم يفهم فقال أحدروا إلى رجلا يعقل عنى فأحدروا
يزيد بن سعيد الباهلي وكان يشدوا شدوا من التركية فقال هذه خيل الرابطة ووجوه
العرب معه أسراء وقال إن خاقان أرسلني إليكم وهو يقول لكم إني أجعل من
كان عطاؤه منكم ستمائة ألفا ومن كان عطاؤه ثلاثمائة ستمائة وهو مجمع بعد هذا
على الاحسان إليكم فقال له يزيد هذا أمر لا يلتئم كيف تكون العرب وهم ذئاب
مع الترك وهم شاء لا يكون بيننا وبينكم صلح فغضب بازغرى فقال التركيان اللذان
معه ألا نضرب عنقه قال لا نزل إلينا بأمان وفهم ما قالا له يزيد فخاف فقال بلى يا بازغرى
إلا أن تجعلونا نصفين فيكون نصف في أثقالنا ويسير النصف معه فإن ظفر خاقان
فنحن معه وإن كان غير ذلك كنا كسائر مدائن أهل السغد فرضى بازغرى والتركيان
بما قال فقال له أعرض على القوم ما تراضينا به وأقبل فأخذ بطرف الحبل فجذبوه
حتى صار على سور المدينة فنادى يا أهل كمرجه اجتمعوا فقد جاءكم قوم يدعونكم
إلى الكفر بعد الايمان فما ترون قالوا لا نجيب ولا نرضى قال يدعونكم إلى
قتال المسلمين مع المشركين قالوا نموت جميعا قبل ذلك قال فأعلموهم قال فأشرفوا
403

عليهم وقالوا يا بازغرى أتبيع الاسرى في أيديكم فنفادى بهم فاما ما دعوتنا إليه
فلا نجيبكم إليه قال لهم أفلا تشترون أنفسكم منا فما أنتم عندنا إلا بمنزلة من في أيدينا
منكم وكان في أيديهم الحجاج بن حميد النضري فقالوا له يا حجاج ألا تكلم قال
على رقباء وأمر خاقان بقطع الشجرة فجعلوا يلقون الحطب الرطب ويلقى أهل
كمرجه الحطب اليائس حتى سوى الخندق ليقطعوا إليهم فأشعلوا فيه النيران
فهاجت ريح شديدة صنعا من الله عز وجل قال فاشتعلت النار في الحطب فاحترق
ما عملوا في ستة أيام في ساعة من نهار ورميناهم فأوجعناهم وشغلناهم بالجراحات
قال وأصابت بازغرى نشابة في سرته فاحتقن بوله فمات من ليلته فقطع اتراكه
آذانهم وأصبحوا بشر منكسين رؤسهم يبكونه ودخل عليهم أمر عظيم فلما امتد
النهار جاءوا بالأسرى وهم مائة فيهم أبو العوجاء العتكي وأصحابه فقتلوهم ورموا
إليهم برأس الحجاج بن حميد النضري وكان مع المسلمين مائتان من أولاد المشركين
كانوا رهائن في أيديهم فقتلوهم واستماتوا واشتد القتال وقاموا على باب الخندق
فسار على السور خمسة أعلام فقال كليب من لي بهؤلاء فقال ظهير بن مقاتل الطفاوي
أنا لك بهم فذهب يسعى وقال لفتيان امشوا خلفي وهو جريح فقال فقتل يومئذ
من الاعلام اثنان ونجا ثلاثة قال فقال ملك من الملوك لمحمد بن وشاح العجب انه
لم يبق ملك فيما وراء النهر إلا قاتل بكمرجه غيري وعز على ألا أقاتل مع أكفائي
ولم ير مكاني فلم يزل أهل كمرجه بذلك حتى أقبلت جنود العرب فنزلت فرغانة
فعير خاقان أهل السغد وفرغانة والشاش والدهاقين وقال لهم زعمتم أن في هذه
خمسين حمارا وأنا نفتحها في خمسة أيام فصارت الخمسة الأيام شهرين وشتمهم وأمرهم
بالرحلة فقالوا ما ندع جهدا ولكن أحضرنا غدا فانظر فلما كان من الغد جاء خاقان
فوقف فقام إليه ملك الطاربند فاستأذنه في القتال والدخول عليهم قال لا أرى أن
تقاتل في هذا الموضع وكان خاقان يعظمه فقال اجعل لي جاريتين من جواري العرب
وأنا أخرج عليهم فأذن له فقاتل فقتل منهم ثمانية وجاء حتى وقف على ثلمة وإلى
جنب الثلمة بيت فيه خرق يفضى إلى الثلمة وفى البيت رجل من بنى تميم مريض
404

فرماه بكلوب فتعلق بدرعة ثم نادى النساء والصبيان فجذبوه فسقط لوجهه وركبته
ورماه رجل بحجر فأصاب أصل أذنه فصرع وطعنه رجل فقتله وجاء شاب
أمر دمن الترك فقتله وأخذ سلبه وسيفه فغلبناهم على جسده قال ويقال إن الذي
انتدب لهذا فارس أهل الشاش فكانوا قد اتخذوا صناعا وألصقوها بحائط الخندق
فنصبوا قبالة ما اتخذوا أبو أبا له فأقعدوا الرماة وراءها وفيهم غالب بن المهاجر الطائي
عم أبى العباس الطوسي ورجلان أحدهما شيباني والآخر ناجى فجاء فاطلع في
الخندق فرماه الناجي فلم يخطئ قصبة أنفه وعليه كاشخودة تبتية فلم تضره الرمية
ورماه الشيباني وليس يرى منه غير عينيه فرماه غالب بن المهاجر فدخلت النشابة
في صدره فنكس فلم يدخل خاقان شئ أشد منه قال فيقال إنه إنما قتل الحجاج
وأصحابه يومئذ لما دخله من الجزع وأرسل إلى المسلمين انه ليس من رأينا أن
نرتحل عن مدينة ننزلها دون افتتاحها أو ترحلهم عنها فقال له كليب بن قنان وليس
من ديننا أن نعطى بأيدينا حتى نقتل فاصنعوا ما بدا لكم فرأى الترك أن مقامهم
عليهم ضرر فأعطوهم الأمان على أن يرحل هو وهم عنها بأهاليهم وأموالهم إلى
سمرقند أو الدبوسية فقال لهم اختاروا لأنفسكم في خروجكم من هذه المدينة قال
ورأى أهل كمرجه ما هم فيه من الحصار والشدة فقالوا نشاور أهل سمرقند فبعثوا
غالب بن المهاجر الطائي فانحدر في موضع من الوادي فمضى إلى قصر يسمى فرزاونة
والدهقان الذي بها صديق له فقال له إني بعثت إلى سمرقند فاحملني فقال ما أجد دابة
إلا بعض دواب خاقان فإن له في روضة خمسين دابة فخرجا جميعا إلى تلك الروضة
فأخذ برذونا فركبه وكان إلفه برذون آخر فتبعه فأتى سمرقند من ليلته فأخبرهم
بأمرهم فأشاروا عليه بالدبوسية وقالوا هي أقرب فرجع إلى أصحابه فأخذوا من
الترك رهائن ألا يعرضوا لهم وسألوهم رجلا من الترك يتقوون به مع رجال منهم
فقال لهم الترك اختاروا من شئتم فاختاروا كورصول يكون معهم فكان معهم
حتى وصلوا إلى حيث أرادوا ويقال إن خاقان لما أرى أنه لا يصل إليهم شتم
أصحابه وأمرهم بالارتحال عنهم وكلمه المختار بن غوزك وملوك السغد وقالوا لا تفعل
405

أيها الملك ولكن أعطهم أمانا يخرجون عنها ويرون أنك إنما فعلت ذلك بهم
من أجل غوزك انه مع العرب في طاعتها وان ابنه المختار طلب إليك في ذلك مخافة
على أبيه فأجابهم إلى ذلك فسرح إليهم كورصول يكون معهم يمنعهم ممن أرادهم
قال فصار الرهن من الترك في أيديهم وارتحل خاقان وأظهر أنه يريد سمرقند وكان
الرهن الذي في أيديهم من ملوكهم فلما ارتحل خاقان قال كورصول للعرب ارتحلوا
قالوا نكره أن ترتحل والترك لم يمضوا ولا نأمنهم أن يعرضوا لبعض النساء فتحمى
العرب فتصير إلى مثل ما كنا فيه من الحرب قال فكف عنهم حتى مضى خاقان
والترك فلما صلوا الظهر أمرهم كورصول بالرحلة وقال إنما الشدة والموت
والخوف حتى تسيروا فرسخين ثم تصيروا إلى قرى متصلة فارتحلوا وفى يد الترك
من الرهن من العرب نفر منهم شعيب البكري أو النصري وسباع بن النعمان وسعيد
ابن عطية وفى أيدي العرب من الترك خمسة قد أردفوا خلف كل رجل من الترك رجلا
من العرب معه خنجر وليس على التركي غير قباء فساروا بهم ثم قال العجم لكورصول
إن الدبوسية فيها عشرة آلاف مقاتل فلانا من أن يخرجوا علينا فقال لهم العرب
إن قاتلوكم قاتلناهم معكم فساروا فلما صار بينهم وبين الدبوسية قدر فرسخ أو أقل
نظر أهلها إلى فرسان وبيارقة وجمع فظنوا أن كمرجه قد فتحت وأن خاقان قصد
لهم قالوا وقربنا معهم وقد تأهبوا للحرب فوجه كليب بن قنان رجلا من بنى ناجية
يقال له الضحاك على برذون يركض وعلى الدبوسية عقيل بن وراد السغدي فأتاهم
الضحاك وهم صفوف فرسان ورجالة فأخبرهم الخبر فأقبل أهل الدبوسية يركضون
فحمل من كان يضعف عن المشي ومن كان مجروحا ثم إن كليبا أرسل إلى محمد بن
كراز ومحمد بن درهم ليعلما سباع بن النعمان وسعيد بن عطية أنهم قد بلغوا مأمنهم
ثم خلوا عن الرهن فجعلت العرب ترسل رجلا من الرهن الذين في أيديهم من
الترك وترسل الترك رجلا من الرهن الذين في أيديهم من العرب حتى بقى سباع
ابن النعمان في أيدي الترك ورجل من الترك في أيدي العرب وجعل كل فريق منهم
يخاف على صاحبه الغدر فقال سباع خلوا رهينة الترك فخلوه وبقى سباع في أيديهم
406

فقال له كورصول لم فعلت هذا قال وثقت برأيك في وقلت ترفع نفسك عن
الغدر في مثل هذا فوصله وسلحه وحمله على برذون ورده إلى أصحابه قال وكان
حصار كمرجه ثمانية وخمسين يوما فيقال إنهم لم يسقوا إبلهم خمسة وثلاثين يوما
قال وكان خاقان قسم في أصحابه الغنم فقال كلوا لحومها واملوا جلودها ترابا
واكبسوا خندقكم ففعلوا فكبسوه فبعث الله عليهم سحابة فمطرت فاحتمل المطر
ما ألقوا فألقاه في النهر الأعظم وكان مع أهل كمرجه قوم من الخوارج فيهم ابن
شنج مولى بنى ناجية (وفى هذه السنة) ارتد أهل كردر فقاتلهم المسلمون وظفروا
بهم وقد كان الترك أعانوا أهل كردر فوجه أشرس إلى من قرب من كردر من
المسلمين ألف رجل رداءا لهم فصاروا إليهم وقد هزم المسلمون والترك فظفروا
بأهل كردر وقال عرفجة الدارمي
نحن كفينا أهل مرو وغيرهم * ونحن نفينا الترك عن أهل كردر
فإن تجعلوا ما قد غنمنا لغيرنا * فقد يظلم المرء الكريم فيصبر
(وفى هذه السنة) جعل خالد بن عبد الله الصلاة بالبصرة مع الشرطة
والاحداث والقضاء إلى بلال بن أبي بردة فجمع ذلك كله له وعزل به ثمامة بن
عبد الله بن أنس عن القضاء (وحج) بالناس في هذه السنة إبراهيم بن هشام بن
إسماعيل كذلك قال أبو معشر والواقدي وغيرهما حدثني بذلك أحمد بن ثابت
عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر وكان العامل في هذه السنة على المدينة
ومكة والطائف إبراهيم بن هشام وعلى الكوفة والبصرة والعراق كلها خالد بن
عبد الله وعلى خراسان أشرس بن عبد الله
ثم دخلت سنة إحدى عشرة ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمما كان فيها من ذلك غزوة معاوية بن هشام الصائفة اليسرى وغزوة سعيد
ابن هشام الصائفة اليمنى حتى أتى قيسارية قال الواقدي عزا سنة 111 على جيش
407

البحر عبد الله بن أبي مريم وأمر هشام على عامة الناس من أهل الشأم ومصر
الحكم بن قيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف وفيها سارت الترك إلى آذربيجان
فلقيهم الحارث بن عمرو فهزمهم وفيها ولى هشام الجراح بن عبد الله الحكمي على
أرمينية وفيها عزل هشام أشرس بن عبد الله السلمي عن خراسان وولاها الجنيد
ابن عبد الرحمن المزني
ذكر السبب الذي من أجله عزل هشام أشرس عن خراسان
واستعماله الجنيد
ذكر علي بن محمد عن أبي الذيال قال كان سبب عزل أشرس أن شداد بن
خالد الباهلي شخص إلى هشام فشكاه فعزله فاستعمل الجنيد بن عبد الرحمن على
خراسان سنة 111 قال وكان سبب استعماله إياه أنه أهدى لام حكيم بنت يحيى
ابن الحكم امرأة هشام قلادة فيها جوهر فأعجبت هشاما فأهدى لهشام قلادة أخرى
فاستعمله على خراسان وحمله على ثمانية من البريد فسأله أكثر من تلك الدواب
فلم يفعل فقدم خراسان في خمسمائة وأشرس بن عبد الله يقاتل أهل بخارى والسغد
فسأل عن رجل يسير معه إلى ما وراء النهر فدل على الخطاب ابن محرز السلمي
خليفة أشرس فلما قدم آمل أشار عليه الخطاب أن يقيم ويكتب إلى من بزم ومن
حوله فيقدموا عليه فأبى وقطع النهر وأرسل إلى أشرس أن أمدني بخيل وخاف
أن يقتطع قبل أن يصل إليه فوجه إليه أشرس عامر بن مالك الحماني فلما كان في
بعض الطريق عرض له الترك والسغد ليقطعوه قبل أن يصل إلى الجنيد فدخل
عامر حائطا حصينا فقاتلهم على ثلمة الحائط ومعه ورد بن زياد بن أدهم بن كلثوم
ابن أخي الأسود بن كلثوم فرماه رجل من العدو بنشابة فأصاب عرض منخره
فأنفذ المنخرين فقال له عامر بن مالك يا أبا الزاهرية كأنك دجاجة مقرق وقتل
عظيم من عظماء الترك عند الثلمة وخاقان على تل خلفه أجمة فخرج عاصم بن عمير
السمرقندي وواصل بن عمرو القيسي في شاكرية فاستدار حتى صارا من ورا
ذلك الماء فضموا خشبا وقصبا وما قدررا عليه حتى اتخذوا رصفا فعبروا عليه
408

فلم يشعر خاقان إلا بالتكبير وحمل واصل والشاكرية على العدو فقاتلوهم فقتل
تحت واصل برذون وهزم خاقان وأصحابه وخرج عامر بن مالك من الحائط
ومضى إلى الجنيد وهو في سبعة آلاف فتلقى الجنيد وأقبل معه وعلى
مقدمة الجنيد عمارة بن خريم فلما انتهى إلى فرسخين من بيكند تلقته خيل الترك
فقاتلهم فكاد الجنيد أن يهلك ومن معه ثم أظهره الله فسار حتى قدم العسكر وظفر
الجنيد وقتل الترك وزحف إليه خاقان فالتقوا دون زرمان من بلاد سمرقند وقطن
ابن قتيبة على ساقة الجنيد وواصل في أهل بخارى وكان ينزلها فأسم ملك الشاش
وأسر الجنيد من الترك ابن أخي خاقان في هذه الغزاة فبعث به إلى الخليفة وكان
الجنيد استخلف في غزاته هذه مجشر بن مزاحم على مرو وولى سورة بن الحر من
بنى أبان بن دارم بلخ وأوفد لما أصاب في وجهه ذلك عمارة بن معاوية العدوي
ومحمد بن الجراح العبدي وعبد ربه بن أبي صالح السلمي إلى هشام بن عبد الملك
ثم انصرفوا فتواقفوا بالترمذ فأقاموا بها شهرين ثم أتى الجنيد مرو وقد ظفر
فقال خاقان هذا غلام مترف هزمني العام وأنا مهلكة في قابل فاستعمل الجنيد
عماله ولم يستعمل إلا مضريا استعمل قطن بن قتيبة على بخارى والوليد بن القعقاع
العبسي على هراة وحبيب بن مرة العبسي على شرطه وعلى بلخ مسلم بن عبد الرحمن
الباهلي وكان نصر بن سيار على بلخ والذي بينه وبين الباهليين متباعد لما كان
بينهم بالبروقان فأرسل مسلم إلى نصر فصادفوه نائما فجاءوا به في قميص ليس عليه
سراويل ملببا فجعل يضم عليه قميصيه فاستحيى مسلم وقال شيخ من مضر جئتم به
على هذه الحال ثم عزل الجنيد مسلما عن بلخ وولاها يحيى بن ضبيعة واستعمل
على خراج سمرقند شداد بن خالد الباهلي وكان مع الجنيد السمهري بن قعنب
(وحج) بالناس في هذه السنة إبراهيم بن هشام المخزومي وكان إليه من العمل
في هذه السنة ما كان إليه في السنة التي قبلها وقد ذكرت ذلك قبل وكان العامل
على العراق خالد بن عبد الله وعلى خراسان الجنيد بن عبد الرحمن
409

ثم دخلت سنة اثنتي عشرة مائة
ذكر ما كان فيها من الاحداث
فمما كان فيها من ذلك غزوة معاوية بن هشام الصائفة فافتتح خرشنة وحرق
فرندية من ناحية ملطية (وفيها) سار الترك من اللان فلقيهم الجراح بن عبد الله
الحكمي فيمن معه من أهل الشأم وآذربيجان فلم يتتام إليه جيشه فاستشهد الجراح
ومن كان معه بمرج أردبيل وافتتحت الترك أردبيل وقد كان استخلف أخاه
الحجاج بن عبد الله على أرمينية (ذكر محمد بن عمر) أن الترك قتلت الجراح
ابن عبد الله ببلنجر وأن هشاما لما بلغه خبره دعا سعيد بن عمرو الحرشي فقال له
إنه بلغني أن الجراح قد انحاز عن المشركين قال كلا يا أمير المؤمنين الجراح أعرف
بالله من أن ينحاز عن العدو ولكنه قتل قال فما الرأي قال تبعثني على أربعين
دابة من دواب البريد ثم تبعث إلى كل يوم أربعين دابة عليها أربعون رجلا
ثم اكتب إلى أمراء الأجناد يوافوني ففعل ذلك هشام فذكر أن سعيد بن عمرو
أصاب للترك ثلاثة جموع وفودا إلى خاقان بمن أسروا من المسلمين وأهل الذمة
فاستنقذ الحرشي ما أصابوا وأكثروا القتل فيهم وذكر علي بن محمد أن الجنيد
ابن عبد الرحمن قال في بعض ليالي حربه الترك بالشعب ليلة كليلة الجراح ويوما كيومه
فقيل له أصلحك الله إن الجراح سير إليه فقتل أهل الحجى والحفاظ فجن عليه
الليل فانسل الناس من تحت الليل إلى مدائن لهم بآذربيجان وأصبح الجراح في قلة
فقتل (وفى هذه السنة) وجه هشام أخاه مسلمة بن عبد الملك في أثر الترك فسار
في شتاء شديد البرد والمطر والثلوج فطلبهم فيما ذكر حتى جاز الباب في آثارهم
وخلف الحارث بن عمر والطائي بالباب (وفى هذه السنة) كانت وقعة الجنيد
مع الترك ورئيسهم خاقان بالشعب (وفيها) قتل سورة بن الحر وقد قيل إن هذه
الوقعة كانت في سنة 113
ذكر الخبر عن هذه الوقعة وما كان سببها وكيف كانت
ذكر علي بن محمد عن أشياخه أن الجنيد بن عبد الرحمن خرج غازيا في سنة 112
410

يريد طخارستان فنزل على نهر بلخ ووجه عمارة بن حريم إلى طخارستان في ثمانية
عشر ألفا وإبراهيم بن بسام الليثي في عشرة آلاف في وجه آخر وجاشت الترك
فأتوا سمرقند وعليها سورة بن الحر أحد بنى أبان بن دارم فكتب سورة إلى الجنيد إن
خاقان جاش بالترك فخرجت إليهم فما قدرت أن أمنع حائط سمرقند فالغوث
فأمر الجنيد الناس بالعبور فقام إليه المجشر بن مزاحم السلمي وابن بسطام الأزدي
وابن صبح الخرقي فقالوا إن الترك ليسوا كغيرهم لا يلقونك صفا ولا زحفا وقد
فرقت جندك فمسلم بن عبد الرحمن بالنيروذ والبختري بهراة ولم يحضرك أهل
الطالقان وعمارة بن حريم عائب وقال له المجشر إن صاحب خراسان لا يعبر النهر
في أقل من خمسين ألفا فاكتب إلى عمارة فليأتك وأمهل ولا تعجل قال فكيف
بسورة ومن معه من المسلمين لو لم أكن إلا في بنى مرة أو من طلع معي من أهل
الشأم لعبرت وقال
أليس أحق الناس أن يشهد الوغا * وأن يقتل الابطال ضخما على ضخم
(وقال)
ما علتي ما علتي ما علتي * إن لم أقاتلهم فجزوا لمتى
قال وعبر فنزل كس وقد بعث الأشهب بن عبيد الحنظلي ليعلم علم القوم
فرجع إليه وقال قد أتوك فتأهب للمسير وبلغ الترك فغوروا الآبار التي في طريق
كس وما فيه من الركايا فقال الجنيد أي الطريقين إلى سمرقند أمثل قالوا طريق المحترقة
قال المجشر بن مزاحم السلمي القتل بالسيف أمثل من القتل بالنار إن طريق المحترقة
فيه الشجر والحشيش ولم يزرع منذ سنين فقد تراكم بعضه على بعض فان لقيت
خاقان أحرق ذلك كله فقتلنا بالنار والدخان ولكن خذ طريق العقبة وهو
وبيننا وبينهم سواء فأخذ الجنيد طريق العقبة فارتقى في الجبل فأخذ المجشر بعنان
دابته وقال إنه كان يقال إن رجلا من قيس مترفا يهلك على يديه جند من جنود
خراسان وقد خفنا أن تكونه قال أفرخ روعك فقال المجشر أما إذا كان بيننا
مثلك فلا يفرخ فبات في أصل العقبة ثم ارتحل حين أصبح فصار الجنيد بين
411

مرتحل ومقيم فتلقى فارسا فقال ما اسمك فقال حرب قال ابن من قال ابن محربة
قال من بنى من قال من بنى حنظلة قال سلط الله عليك الحرب والحرب والكلب
ومضى بالناس حتى دخل الشعب وبينه وبين مدينة سمرقند أربع فراسخ فصبحه
خاقان في جمع عظيم وزحف إليه أهل السغد والشاش وفرغانة وطائفة من الترك
قال فحمل خاقان على المقدمة وعليها عثمان بن عبد بن الشخير فرجعوا إلى العسكر
والترك تتبعهم وجاءوهم من كل وجه وقد كان الاخريد قال للجنيد رد الناس
إلى العسكر فقد جاءك جمع كثير فطلع أوائل العدو والناس يتغدون فرآهم
عبيد الله بن زهير بن حيان فكره أن يعلم الناس حتى يفرغوا من غداهم والتفت
أبو الذيال فرآهم فقال العدو فركب الناس إلى الجنيد فصير تميما والأزد في الميمنة
وربيعة في الميسرة مما يلي الجبل وعلى مجففة خيل بنى تميم عبيد الله بن زهير بن
حيان وعلى المجردة عمر أو عمرو بن جرفاس بن عبد الرحمن بن شقران المنقري
وعلى جماعة بنى تميم عامر بن مالك الحماني وعلى الأزد عبد الله بن بسطام بن
مسعود بن عمرو المعنى وعلى خيلهم المجففة والمجردة فضيل بن هناد وعبد الله
ابن حوذان أحدهما على المجففة والآخر على المجردة ويقال بل كان بشر بن
حوذان أخو عبد الله بن حوذان الجهضمي فالتقوا وربيعة مما يلي الجبل في
مكان ضيق فلم يقدم عليهم أحد وقصد العدو للميمنة وفيها تميم والأزد في موضع
واسع فيه مجال للخيل فترجل حيان بن عبيد الله بن زهير بين يدي أبيه ودفع
برذونه إلى أخيه عبد الملك فقال له أبوه يا حيان انطلق إلى أخيك فإنه حدث
وأخاف عليه فأبى فقال يا بنى إنك إن قتلت على حالك هذه قتلت عاصيا فرجع
إلى الموضع الذي خلف فيه أخاه والبرذون فإذا أخوه قد لحق بالعسكر وقد
شد البرذون فقطع حيان مقوده وركبه فأتى العدو فإذا العدو قد أحاط بالموضع
الذي خلف فيه أباه وأصحابه فأمدهم الجنيد بنصر بن سيار في سبعة معه فيهم جميل
ابن غزوان العدوي فدخل عبيد الله بن زهير معهم وشدوا على العدو فكشفوهم
ثم كروا عليهم فقتلوا جميعا فلم يفلت منهم أحد ممن كان في ذلك الموضع وقتل
412

عبيد الله بن زهير وابن حوذان وابن جرفاس والفضيل بن هناد وجالت الميمنة
والجنيد واقف في القلب فأقبل إلى الميمنة فوقف تحت راية الأزد وقد كان جفاهم
فقال له صاحب راية الأزد ما جئتنا لتحبونا ولا لتكرمنا ولكنك قد علمت
أنه لا يوصل إليك ومنا رجل حي فان ظفرنا كان لك وإن هلكنا لم تبك علينا
ولعمري لئن ظفرنا وبقيت لا أكلمك كلمة أبدا وتقدم فقتل وأخذ الراية ابن
مجاعة فقتل فتداول الراية ثمانية عشر رجلا منهم فقتلوا فقتل يومئذ ثمانون
رجلا من الأزد قال وصبر الناس يقاتلون حتى أعيوا فكانت السيوف لا تحيك
ولا تقطع شيئا فقطع عبيد هم الخشب يقاتلون به حتى مل الفريقان فكانت
المعانقة فتحاجزوا فقتل من الأزد حمزة بن مجاعة العتكي ومحمد بن عبد الله بن
حوذان الجهضمي وعبد الله بن بسطام المعنى وأخوه زنيم والحسن بن شيخ
والفضيل الحارثي وهو صاحب الخيل ويزيد بن المفضل الحداني وكان حج
فأنفق في حجه ثمانين ومائة ألف فقال لامه وحشية ادعى الله أن يرزقني الشهادة
فدعت له وغشى عليه فاستشهد بعد مقدمه من الحج بثلاثة عشر يوما وقاتل معه
عبدان له وقد كان أمرهما بالانصراف فقتلا فاستشهدا قال وكان يزيد بن المفضل
حمل يوم الشعب على مائة بعير سويقا للمسلمين فجعل يسأل عن الناس ولا
يسأل عن أحد إلا قيل له قد قتل فاستقدم وهو يقول لا إله إلا الله فقاتل حتى
قتل وقاتل يومئذ محمد بن عبد الله بن حوذان وهو على فرس أشقر عليه تجفاف
مذهب فحمل سبع مرات يقتل في كل حملة رجلا ثم رجع إلى موقفه فهابه
من كان في ناحيته فناداه ترجمان للعدو يقول لك الملك لا تقبل وتحول إلينا
فنرفض صنمنا الذي نعبده ونعبدك فقال محمد أنا أقاتلكم لتتركوا عبادة الأصنام
وتعبدوا الله وحده فقاتل واستشهد وقتل جشم بن قرط الهلالي من بنى الحارث
وقتل النضر بن راشد العبدي وكان دخل على امرأته والناس يقتتلون فقال
لها كيف أنت إذا أتيت بأبي ضمرة في لبد مضرجا بالدماء فشقت جيبها
ودعت بالويل فقال حسبك لو أعولت على كل أنثى لعصيتها شوقا إلى الحور
413

العين ورجع فقاتل حتى استشهد رحمه الله قال فبينا الناس كذلك إذ أقبل
رهج فطلعت فرسان فنادى منادى الجنيد الأرض الأرض فترجل وترجل
الناس ثم نادى منادى الجنيد ليخندق كل قائد على حياله فخندق الناس قال
ونظر الجنيد إلى عبد الرحمن بن مكية يحمل على العدو فقال ما هذا الخرطوم
السائل قيل له هذا ابن مكية قال السان البقرة لله دره أي رجل هو وتحاجزوا
وأصيب من الأزد مائة وتسعون وكانوا لقوا خاقان يوم الجمعة فأرسل الجنيد إلى
عبد الله بن معمر بن سمير اليشكري أن يقف في الناحية التي تلى كس ويحبس من مر به
ويحوز الأثقال والرجالة وجاءت الموالى رجالة ليس فيهم غير فارس واحد والعدو
يتبعونهم فثبت عبد الله بن معمر للعدو فاستشهد في رجال من بكر وأصبحوا يوم
السبت فأقبل خاقان نصف النهار فلم ير موضعا للقتال فيه أيسر من موضع بكر بن وائل
وعليهم زياد بن الحارث فقصد لهم فقالت بكر لزياد القوم قد كثرونا فخل عنا نحمل
عليهم قبل أن يحملوا علينا فقال لهم قد ما رست سبعين سنة إنكم إن حملتم عليهم
فصعدتم انهزمتم ولكن دعوهم حتى يقربوا فف علوا فلما قربوا منهم حملوا عليهم
فأفرجوا لهم فسجد الجنيد وقال خاقان يومئذ إن العرب إذا أخرجوا استقتلوا
فخلوهم حتى يخرجوا ولا تعرضوا لهم فإنكم لا تقومون لهم وخرج جوار للجنيد
يولولن فانتدب رجال من أهل الشأم فقالوا الله الله يا أهل خراسان إلى أين
وقال الجنيد ليلة كليلة الجراح ويوم كيومه (وفى هذه السنة) قتل سورة
ابن الحر التميمي
ذكر الخبر عن مقتله
ذكر على عن شيوخه أن عبيد الله بن حبيب قال للجنيد اختر بين أن تهلك
أنت أو سورة فقال هلاك سورة أهون على قال فاكتب إليه فليأتك في أهل
سمرقند فإن الترك ان بلغهم أن سورة قد توجه إليك انصرفوا إليه فقاتلوه
فكتب إلى سورة يأمره بالقدوم * وقيل كتب أغثني فقال عبادة بن السليل
المحاربي أبو الحكم بن عبادة لسورة أنظر أبرد بيت بسمرقند فنم فيه فإنك إن خرجت
414

لا تبالي أسخط عليك الأمير أم رضى وقال له حليس بن غالب الشيباني إن الترك
بينك وبين الجنيد فان خرجت كروا عليك فاختطفوك فكتب إلى الجنيد إني
لا أقدر على الخروج فكتب إليه الجنيد يا ابن اللخناء تخرج وإلا وجهت إليك
شدادا بن خالد الباهلي وكان له عدوا فاقدم وضع فلانا بفرخشاذ في خمسمائة
ناشب والزم الماء فلا تفارقه فأجمع على المسير فقال الوجف بن خالد العبدي
إنك لمهلك نفسك والعرب بمسيرك ومهلك من معك قال لا يخرج حملي من التنور
حتى أسير فقال له عبادة وحليس أما إذا أبيت إلا المسير فخذ على النهر فقال أبا
لا أصل إليه على النهر في يومين وبيني وبينه من هذا الوجه ليلة فأصبحه فإذا
سكنت الرجل سرت فأعبره فجاءت عيون الأتراك فأخبروهم وأمر سورة
بالرحيل واستخلف على سمرقند موسى بن أسود أحد بنى ربيعة ين حنظلة وخرج
في اثنى عشر ألفا فأصبح على رأس جبل وإنما دله على ذلك الطريق علج يسمى
كارتقبد فتلقاه خاقان حين أصبح وقد سار ثلاثة فراسخ وبينه وبين الجنيد فرسخ
فقال أبو الذيال قاتلهم في أرض حوارة فصبر وصبروا حتى اشتد الحر وقال
بعضهم قال له غوزك يومك يوم حار فلا تقاتلهم حتى تحمى عليهم الشمس وعليهم
السلاح تثقلهم فلم يقاتلهم خاقان وأخذ برأي غوزك وأشعل النار في الحشيش
وواقفهم وحال بينهم وبين الماء فقال سورة لعبادة ما ترى يا أبا السليل قال
أرى والله انه ليس من الترك أحد إلا وهو يريد الغنيمة فأعقر هذه الدواب
وأحرق هذا المتاع وجرد السيف فإنهم يخلون لنا الطريق قال أبو الذيال فقال
سورة لعبادة ما الرأي قال تركت الرأي قال فما ترى الآن قال إن تنزل فنشرع
الرماح ونزحف زحفا فإنما هو فرسخ حتى نصل إلى العسكر قال لا أقوى على
هذا ولا يقوى فلان وفلان وعدد رجالا ولكن أرى أن أجمع الخيل ومن أرى
أنه يقاتل فأصكهم سلمت أم عطيت فجمع الناس وحملوا فانكشفت الترك وثار
الغبار فلم يبصروا ومن وراء الترك اللهب فسقطوا فيه وسقط فيه العدو
والمسلمون وسقط سورة فاندقت فخذه وتفرق الناس وانكشفت الغمة والناس
415

متفرقون فقطعتهم الترك فقتلوهم فلم ينج منهم غير ألفين ويقال ألف وكان ممن نجا
عاصم بن عمير السمرقندي عرفه رجل من الترك فأجاره واستشهد حليس بن
غالب الشيباني فقال رجل من العرب الحمد لله استشهد حليس ولقد رأيته يرمى
البيت أيام الحجاج ويقول درى عقاب بلبن وأخشاب وامرأة قائمة فكلما رمى
بحجر قالت المرأة يا رب بي ولا ببيتك ثم رزق الشهادة وانحاز المهلب بن زياد
العجلي في سبعمائة ومعه قريش بن عبد الله العبدي إلى رستاق يسمى المرغاب
فقاتلوا أهل قصر من قصورهم فأصيب المهلب بن زياد وولوا أمرهم الوجف بن
خالد ثم أتاهم الاشكند صاحب نسف في خيل ومعه غوزك فقال غوزك يا وجف
لكم الأمان فقال قريش لا تثقوا بهم ولكن إذا جننا الليل خرجنا عليهم حتى
نأتى سمرقند فإنا إن أصبحنا معهم قتلونا قال فعصوه وأقاموا فساقوهم إلى خاقان
فقال لا أجيز أمان غوزك فقال غوزك للوجف أنا عبد لخاقان من شاكريته قالوا
فلم غورتنا فقاتلهم الوجف وأصحابه فقتلوا غير سبعة عشر رجلا دخلوا الحائط
وأمسوا فقطع المشركون شجرة فألقوها على ثلمة الحائط فجاء قريش بن عبد الله
العبدي إلى الشجرة فرمى بها وخرج في ثلاثة فباتوا في ناووس فكمنوا فيه وجبن
الآخرون فلم يخرجوا فقتلوا حين أصبحوا وقتل سورة فلما قتل خرج الجنيد
من الشعب يريد سمرقند مبادرا فقال له خالد بن عبيد الله بن حبيب سرسر ومجشر
ابن مزاحم السلمي يقول أذكرك الله أقم والجنيد يتقدم فلما رأى المجشر ذلك نزل
فأخذ بلجام الجنيد فقال والله لا تسير ولتنزلن طائعا أو كارها ولا ندعك تهلكنا
بقول هذا الهجري انزل فنزل ونزل الناس فلم يتتام نزولهم حتى طلع الترك فقال
المجشر لو لقونا ونحن نسير ألم يستأصلونا فلما أصبحوا تناهضوا فانكشفت طائفة
وجال الناس فقال الجنيد أيها الناس إنها النار فتراجعوا وأمر الجنيد رجلا فنادى
أي عبد قاتل فهو حر فقاتل العبيد قتالا شديدا عجب الناس منه جعل أحدهم
يأخذ اللبد فيجوبه ويجعله في عنقه يتوقى به فسر الناس بما رأوا من صبرهم
فكر العدو وصبر الناس حتى انهزم العدو فمضوا فقال موسى بن النعر الناس
416

أتفرحون بما رأيتم من العبيد والله إن لكم منهم ليوما أرونان ومضى الجنيد
فأخذ العدو رجلا من عبد القيس فكتفوه وعلقوا في عنقه رأس بلعاء
العنبري ابن مجاهد بن بلعاء فلقيه الناس فأخذ بنو تميم الرأس فدفنوه
ومضى الجنيد إلى سمرقند فحمل عيال من كان مع سورة إلى مرو وأقام بالسغد
أربعة أشهر وكان صاحب رأى خراسان في الحرب المجشر بن مزاحم السلمي
وعبد الرحمن بن صبح الخرقي وعبيد الله بن حبيب الهجري وكان المجشر ينزل
الناس على راياتهم ويضع المسالح ليس لأحد مثل رأيه في ذلك وكان عبد الرحمن
ابن صبح إذا نزل الامر العظيم في الحرب لم يكن لاحد مثل رأيه وكان عبيد الله
ابن حبيب على تعبية القتال وكان رجال من الموالى مثل هؤلاء في الرأي والمشورة
والعلم بالحرب فمنهم الفضل بن بسام مولى بنى ليث وعبد الله بن أبي عبد الله
مولى بنى سليم والبختري بن مجاهد مولى بنى شيبان قال فلما انصرف الترك إلى بلادهم
بعث الجنيد سيف بن وصاف العجلي من سمرقند إلى هشام فجبن عن السير وخاف
الطريق فاستعفاه فأعفاه وبعث نهار بن توسعة أحد بنى تميم اللات وزميل بن سويد
المري مرة غطفان وكتب إلى هشام ان سورة عصاني أمرته بلزوم الماء فلم
يفعل فتفرق عنه أصحابه فأتتني طائفة إلى كس وطائفة إلى نسف وطائفة إلى سمرقند
وأصيب سوره في بقية أصحابه قال فدعا هشام نهار بن توسعة فسأله عن الخبر
فأخبره بما شهد فقال نهار بن توسعة
لعمرك ما حابيتني إذ بعثتني * ولكنما عرضتني للمتالف
دعوت لها قوما فهابوا ركوبها * وكنت امرءا ركابه للمحاوف
فأيقنت إن لم يدفع الله أنني * طعام سباع أو لطير عوائف
قرين عراك وهو أيسر هالك * عليك وقد زملته بصحائف
فإني وإن آثرت منه قرابة * لأعظم حظا في حباء الخلائف
على عهد عثمان وفدنا وقبله * وكنا أولى مجد تليد وطارف
قال وكان عراك معهم في الوفد وهو ابن عم الجنيد فكتب إلى الجنيد قد
417

وجهت إليك عشرين ألفا مددا عشرة آلاف من أهل البصرة عليهم عمرو بن
مسلم ومن أهل الكوفة عشرة آلاف عليهم عبد الرحمن بن نعيم ومن السلاح
ثلاثين ألف رمح ومثلها ترسة فافرض فلا غاية لك في الفريضة لخمسة عشر ألفا
قال ويقال إن الجنيد أوفد الوفد إلى خالد بن عبد الله فأوفد خالد إلى هشام أن
سورة بن الحر خرج يتصيد مع أصحاب له فهجم عليهم الترك فأصيبوا فقال هشام
حين أتاه مصاب سورة إنا لله وإنا إليه راجعون مصاب سورة بن الحر بخراسان
والجراح بالباب وأبلى نصر بن سيار يومئذ بلاء حسنا فانقطع سيفه وانقطع سيور
ركابه فأخذ سيور ركابه فضرب بن رجل حتى أثخنه وسقط في اللهب مع سورة
يومئذ عبد الكريم بن عبد الرحمن الحنفي وأحد عشر رجلا معه وكان ممن سلم
من أصحاب سورة ألف رجل فقال عبد الله بن حاتم بن النعمان رأيت فساطيط
مبنية بين السماء والأرض فقلت لمن هذه فقالوا لعبد الله بن بسطام وأصحابه فقتلوا
من غد فقال رجل مررت في ذلك الموضع بعد ذلك بحين فوجدت رائحة المسك
ساطعة قال ولم يشكر الجنيد لنصر ما كان من بلائه فقال نصر
إن تحسدوني على حسن البلاء لكم * يوما فمثل بلائي جر لي الحسدا
يأبى الاله الذي أعلى بقدرته * كعبي عليكم وأعطى فوقكم عضدا
وضربي الترك عنكم يوم فرقكم * بالسيف في الشعب حتى جاوز السندا
قال وكان الجنيد يوم الشعب أخذ في الشعب وهو لا يرى أن أحدا يأتيه من
الجبال وبعث ابن الشخير في مقدمته واتخذ ساقة ولم يتخذ مجنبتين وأقبل خاقان فهزم
المقدمة وقتل من قتل منهم وجاءه خاقان من قبل ميسرته وجبغويه من قبل الميمنة
فأصيب رجال من الأزد وتميم وأصابوا له سرادقات وأبنية فأمر الجنيد حين أمسى
رجلا من أهل بيته فقال له امش في الصفوف والدراجة وتسمع ما يقول الناس وكيف
حالهم ففعل ثم رجع إليه فقال رأيتهم طيبة أنفسهم يتناشدون الاشعار ويقرأون
القرآن فسره ذلك وحمد الله قال ويقال نهضت العبيد يوم الشعب من جانب العسكر
وقد أقبلت الترك والسغد ينحدرون فاستقبلهم العبيد وشدوا عليهم بالعمد فقتلوا
418

منهم تسعة فأعطاهم الجنيد أسلابهم وقال ابن السجف في يوم الشعب ويعنى هشاما
أذكر يتامى بأرض الترك ضائعة * هزلى كأنهم في الحائط الحجل
وارحم وإلا فهبها أمة دمرت * لا أنفس بقيت فيها ولا ثقل
لا تأملن بقاء الدهر بعدهم * والمرء ما عاش ممدود له الأمل
لاقوا كتائب من خاقان معلمة * عنهم يضيق فضاء السهل والجبل
لما رأوهم قليلا لا صريخ لهم * مدوا بأيديهم لله وابتهلوا
وبايعوا رب موسى بيعة صدقت * ما في قلوبهم شك ولا دغل
قال فأقام الجنيد بسمرقند ذلك العام وانصرف خاقان إلى بخارى وعليها
قطن بن قتيبة فخاف الناس الترك على قطن فشاورهم الجنيد فقال قوم الزم سمرقند
واكتب إلى أمير المؤمنين يمدك بالجنود وقال قوم تسير فتأتى ربنجن ثم تسير
منها إلى كس ثم تسير منها إلى نسف فتتصل منها إلى أرض زم وتقطع النهر وتنزل
آمل فتأخذ عليه بالطريق فبعث إلى عبد الله بن أبي عبد الله فقال قد اختلف الناس
على وأخبره بما قالوا فما الرأي فاشترط عليه ألا يخالفه فيما يشير به عليه من ارتحال
أو نزول أو قتال قال نعم قال فإني أطلب إليك خصالا قال وما هي قال تخندق
حيثما نزلت ولا يفوتنك حمل الماء ولو كنت على شاطئ نهر وأن تطيعني في
نزولك وارتحالك فأعطاه ما أراد قال أماما أشاروا به عليك في مقامك بسمرقند حتى
يأتيك الغياث فالغياث يبطئ عنك وإن سرت فأخذت بالناس غير الطريق فتت في
أعضادهم فانكسروا عن عدوهم فاجترأ عليك خاقان وهو اليوم قد استفتح بخارى فلم
يفتحوا له فإن أخذت بهم غير الطريق تفرق الناس عنك مبادرين إلى منازلهم ويبلغ أهل
بخارى فيستسلموا لعدوهم وإن أخذت الطريق الأعظم هابك العدو والرأي لك أن
تعمد إلى عيالات من شهد الشعب من أصحاب سورة فتقسمهم على عشائرهم
وتحملهم معك فإني أرجو بذلك أن ينصركم الله على عدوك وتعطى كل رجل
تخلف بسمرقند ألف درهم وفرسا قال فأخذ برأيه فخلف في سمرقند عثمان بن عبد الله
ابن الشخير في ثمانمائة أربعمائة فارس وأربعمائة راجل وأعطاهم سلاحا فشتم
419

الناس عبد الله بن أبي عبد الله مولى بنى سليم وقالوا عرضنا لخاقان والترك ما أراد
إلا هلاكنا فقال عبد الله بن حبيب لحرب بن صبح كم كانت لكم الساقة اليوم قال
ألف وستمائة قال لقد عرضنا للهلاك قال فأمر الجنيد بحمل العيال قال وخرج
والناس معه وعلى طلائعه الوليد بن القعقاع العبسي وزياد بن خيران الطائي
فسرح الجنيد الأشهب بن عبيد الله الحنظلي ومعه عشرة من طلائع الجند وقال
له كلما مضيت مرحلة فسرح إلى رجلا يعلمني الخبر قال وسار الجنيد فلما صار
بقصر الريح أخذ عطاء الدبوسي بلجام الجنيد وكبحه فقرع رأسه هارون الشاشي
مولى بنى حازم بالرمح حتى كسره على رأسه فقال الجنيد لهارون خل عن الدبوسي
وقال له مالك يا دبوسي فقال انظر أضعف شيخ في عسكرك فسلحه سلاحا تاما
وقلده سيفا وجعبة وترسا وأعطه رمحا ثم سربنا على قدر مشيه فانا لا نقدر على
السوق والقتال وسرعة السير ونحن رجالة ففعل ذلك الجنيد فلم يعرض للناس
عارض حتى خرجوا من الأماكن المخوفة ودنا من الطواويس فجاءتنا الطلائع
بإقبال خاقان فعرضوا له بكرمينية أول يوم من رمضان فلما ارتحل الجنيد من
كرمينية قدم محمد بن الرندي في الأساورة آخر الليل فلما كان في طرف مفازة
كرمينية رأى ضعف العدو فرجع إلى الجنيد فأخبره فنادى منادى الجنيد ألا يخرج
المكتبون إلى عدوهم فخرج الناس ونشبت الحرب فنادى رجل أيها الناس صرتم
حرورية فاستقتلتم وجاء عبد الله بن أبي عبد الله إلى الجنيد يضحك فقال له الجنيد
ما هذا بيوم ضحك فقيل له إنه ضحك تعجبا فالحمد لله الذي لم يلقك هؤلاء إلا
في جبال معطشة فهم على ظهر وأنت مخندق آخر النهار كالين وأنت معك الزاد
فقاتلوا قليلا ثم رجعوا وكان عبد الله بن أبي عبد الله قال للجنيد وهم يقاتلون
ارتحل فقال الجنيد وهل من حيلة قال نعم تمضى برايتك قدر ثلاث غلاء فان
خاقان ود أنك أقمت فينطوى عليك إذا شاء فأمر بالرحيل وعبد الله بن أبي
عبد الله على الساقة فأرسل إليه انزل قال أنزل على غير ماء فأرسل إليه إن لم تنزل
ذهبت خراسان من يدك فنزل وأمر الناس أن يسقوا فذهبت الناس الرجالة
420

والناشبة وهم صفان فاستقوا وباتوا فلما أصبحوا ارتحلوا فقال عبد الله بن أبي
عبد الله إنكم معشر العرب أربعة جوانب فليس يعيب بعضهم بعضا كل ربع لا يقدر
أن يزول من مكانه مقدمة وهم القلب ومجنبتان وساقة فان جمع خاقان خيله ورجاله
ثم صدم جانبا منكم وهم الساقة كان بواركم وبالحرى أن يفعل وأنا أتوقع ذلك في
يومى فشدوا الساقة بخيل فوجه الجنيد خيل بنى تميم والمجففة وجاءت الترك
فمالت على الساقة وقد دنا المسلمون من الطواويس فاقتتلوا فاشتد الامر بينهم
فحمل سلم بن أحوز على رجل من عظماء الترك فقتله قال فتطير الترك وانصرفوا
من الطواويس ومضى المسلمون فأتوا بخارى يوم المهرجان قال فتلقونا بدراهم
بخارية فأعطاهم عشرة عشرة فقال عبد المؤمنين ابن خالد رأيت عبد الله بن أبي
عبد الله بعد وفاته في المنام فقال حدث الناس عنى برأيي يوم الشعب قال وكان
الجنيد يذكر خالد بن عبد الله ويقول ربذة من الربذ صنبور بن صنبور قل بن
قل هيفة من الهيف وزعم أن الهيفة الضبع والعجرة الخنزيرة والقل الفرد قال
وقدمت الجنود مع عمرو بن مسلم الباهلي في أهل البصرة وعبد الرحمن بن نعيم
العامري في أهل الكوفة وهو بالصغانيان فسرح معهم الحوثرة بن يزيد العنبري
فيمن انتدب معه من التجار وغيرهم وأمرهم أن يحملوا ذراري أهل سمرقند
ويدعوا فيها المقاتلة ففعلوا (قال أبو جعفر) وقد قيل إن وقعة الشعب بين
الجنيد وخاقان كانت في سنة 113 وقال نصر بن سيار يذكر يوم الشعب وقتال العبيد
إني نشأت وحسادي ذوو عددا * يا ذا المعارج لا تنقص لهم عددا
إن تحسدوني على مثل البلاء لكم * يوما فمثل بلائي جر لي الحسدا
يأبى الاله الذي أعلى بقدرته * كعبي عليكم وأعطى فوقكم عددا
أرمى العدو بأفراس مكلمة * حتى اتخذن على حسادهن يدا
من ذا الذي منكم في الشعب إذ وردوا * لم يتخذ حومة الأثقال معتمدا
فما حفظتم من الله الوصاة ولا * أنتم بصبر طلبتم حسن ما وعدا
ولا نهاكم عن التوثاب في عتب * إلا العبيد بضرب يكسر العمدا
421

هلا شكرتم دفاعي عن جنيدكم * وقع القنا وشهاب الحرب قد وقدا
(وقال ابن عرس العبدي) يمدح نصرا يوم الشعب ويذم الجنيد لان
نصرا أبلى يومئذ
يا نصر أنت فتى نزار كلها * فلك المآثر والفعال الا رفع
فرجت عن كل القبائل كربة * بالشعب حين تخاضعوا وتضعضعوا
يوم الجنيد إذا القنا متشاجر * والنحر دام والخوافق تلمع
ما زلت ترميهم بنفس حرة * حتى تفرج جمعهم وتصدعوا
فالناس كل بعدها عتقاؤكم * ولك المكارم والمعالي أجمع
وقال الشرعبي الطائي
تذكرت هندا في بلاد غريبة * فيالك شوقا هل لشملك مجمع
تذكرتها والشاش بيني وبينها * وشعب عصام والمنايا تطلع
بلاد بها خاقان جم زحوفه * ونيلان في سبعين ألفا مقنع
إذا دب خاقان وسارت جنوده * أتتنا المنايا عند ذلك شرع
هنالك هند مالنا النصف منهم * وما إن لنا يا هند في القوم مطمع
ألا رب خود خدلة قد رأيتها * يسوق بها جهم من السغد أصمع
أحامي عليها حين ولى خليلها * تنادى إليها المسلمين فتسمع
تنادى بأعلى صوتها صف قومها * ألا رجل منكم يغار فيرجع
ألا رجل منكم كريم يردني * يرى الموت في بعض المواطن ينفع
فما جاوبوها غير إن نصيفها * بكف الفتى بين البرازيق أشنع
إلى الله أشكو نبوة في قلوبها * ورعبا ملا أجوافها يتوسع
فمن مبلغ عنى ألوكا صحيفة * إلى خالد من قبل أن نتوزع
بأن بقايانا وأن أميرنا * إذا ما عددناه الذليل الموقع
هم أطمعوا خاقان فينا وجنده * ألا ليتنا كنا هشيما يزعزع
وقال ابن عرس واسمه خالد بن المعارك من بنى غنم بن وديعة بن لكيز بن
422

أفصى وذكر علي بن محمد عن شيخ من عبد القيس أن أمه كانت أمة فباعه أخوه
تميم بن معارك من عمرو بن لقيط أحد بنى عامر بن الحارث فأعتقه عمر ولما حضرته
الوفاة فقال يا أبا يعقوب كم لي عندك من المال قال ثمانون ألفا قال أنت حر
وما في يديك لك قال فكان عمر ينزل مرو الروذو قد اقتتلت عبد القيس في ابن
عرس فردوه إلى قومه فقال ابن عرس للجنيد
أين حماة الحرب من معشر * كانوا جمال المنسر الحارد
بادوا بآجال توافوا لها * والعائر الممهل كالبائد
فالعين تجرى دمعها مسبلا * ما لدموع العين من زائد
انظر ترى للميت من رجعة * أم هل ترى في الدهر من خالد
كنا قديما يتقى بأسنا * وندرأ الصادر بالوارد
حتى منينا بالذي شامنا * من بعد عز ناصر آئد
كعاقر الناقة لا ينثنى * مبتدئا ذي حنق جاهد
فتقت ما لم يلتئم صدعه * بالجحفل المحتشد الزائد
تبكى لها إن كشفت ساقها * جدعا وعقرا لك من قائد
تركتنا أجزاء معبوطة * يقسمها الجازر للناهد
ترفت الأسياف مسلولة * تزيل بين العضد والساعد
تساقط الهامات من وقعها * بين جناحي مبرق راعد
إذا أنت كالطفلة في خدرها * لم تدر ما كيدة الكائد
إنا أناس حربنا صعبة * تعصف بالقائم والقاعد
أضحت سمرقند وأشياعها * أحدوثة الغايب والشاهد
وكم ثوى في الشعب من حازم * جلد القوى ذي مرة ماجد
يستنجد الخطب ويغشى الوغى * لا هايب غس ولا ناكد
ليتك يوم الشعب في حفرة * مرموسة بالمدر الجامد
تلعب بك الحرب وأبناؤها * لعب صقور بقطا وارد
423

طار لها قلبك من خيفة * ما
قلبك الطائر بالعائد
لا تحسبن الحرب يوم الضحى * كشربك المزاء بالبارد
أبغضت من عينك تبريجها * وصورة في جسد فاسد
جنيد ما عيصك منسوبه * نبعا ولا جدك بالصاعد
خمسون ألفا قتلوا ضيعة * وأنت منهم دعوة الناشد
لا تمرين الحرب من قابل * ما أنت في العدوة بالحامد
قلدته طوقا على نحره * طوق الحمام للغرد الفارد
قصيدة حبرها شاعر * تسعى بها البرد إلى خالد
(وحج) بالناس في هذه السنة إبراهيم بن هشام المخزومي كذلك حدثني
أحمد بن ثابت عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر وقد قيل إن الذي
حج بالناس في هذه السنة سليمان بن هشام وكانت عمال الأمصار في هذه السنة
عمالها الذين كانوا في سنة 111 وقد ذكرناهم قبل
ثم دخلت سنة ثلاث عشرة ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمما كان فيها من ذلك هلاك عبد الوهاب بن بخت وهو مع البطال عبد الله بأرض
الروم فذكر محمد بن عمر عن عبد العزيز بن عمر أن عبد الوهاب بن بخت غزا مع البطال
سنة 113 فانهزم الناس عن البطال وانكشفوا فجعل عبد الوهاب يكر فرسه
وهو يقول ما رأيت فرسا أجبن منه وسفك الله دمى إن لم أسفك دمك ثم ألقى
بيضته عن رأسه وصاح أنا عبد الوهاب بن بخت أمن الجنة تفرون ثم تقدم
في نحور العدو فمر برجل وهو يقول وا عطشاه فقال تقدم الري أمامك فخالط
القوم فقتل وقتل فرسه (ومن ذلك) ما كان من تفريق مسلمة بن عبد الملك
الجيوش في بلاد خاقان ففتحت مدائن وحصون على يديه وقتل منهم وأسر وسبى
وحرق خلق كثير من الترك أنفسهم بالنار ودان لمسلمة من كان وراء جبال
424

بلنجر وقتل ابن خاقان (ومن ذلك) غزوة معاوية بن هشام أرض الروم
فرابط من ناحية مرعش ثم رجع (وفى هذه السنة) صار من دعاة بنى العباس
جماعة إلى خراسان فأخذ الجنيد بن عبد الرحمن رجلا منهم فقتله وقال من أصيب
منهم فدمه هدر (وحج) بالناس في هذه السنة في قول أبى معشر سليمان بن
هشام بن عبد الملك حدثني بذلك أحمد بن ثابت عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى
عن أبي معشر وكذلك قال الواقدي وقال بعضهم الذي حج بالناس في هذه السنة
إبراهيم بن هشام المخزومي وكان عمال الأمصار في هذه السنة هم الذين كانوا عمالها
في سنة إحدى عشرة واثنتي عشرة وقد مضى ذكرنا لهم
ثم دخلت سنة أربع عشرة ومائة
ذكر الاخبار عن الاحداث التي كانت فيها
فمن ذلك غزوة معاوية بن هشام الصائفة اليسرى وسليمان بن هشام على الصائفة
اليمنى فذكر أن معاوية بن هشام أصاب ربض أقرن وأن عبد الله البطال التقى
وقسطنطين في جمع فهزمهم وأسر قسطنطين وبلغ سليمان بن هشام قيسارية (وفى
هذه السنة) عزل هشام بن عبد الملك إبراهيم بن هشام عن المدينة وأمر عليها
خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم قال الواقدي قدم خالد بن عبد الملك المدينة
للنصف من شهر ربيع الأول وكانت امرأة إبراهيم بن هشام على المدينة ثماني سنين
وقال الواقدي في هذه السنة ولى محمد بن هشام المخزومي مكة وقال بعضهم بل
ولى محمد بن هشام مكة سنة 113 فلما عزل إبراهيم أقر محمد بن هشام على مكة
(وفى هذه السنة) وقع الطاعون فيما قيل بواسط (وفيها) قفل مسلمة بن عبد الملك
عن الباب بعد ما هزم خاقان وبنى الباب فأحكم ما هنالك (وفى هذه السنة) ولى
هشام مروان بن محمد أرمينية وآذربيجان واختلف فيمن حج بالناس في هذه
السنة فقال أبو معشر فيما حدثني أحمد بن ثابت عمن حدثه عن إسحاق بن عيسى عنه
حج بالناس سنة 114 خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم وهو على المدينة
425

وقال بعضهم حج بالناس في هذه السنة محمد بن هشام وهو أمير مكة فأقام خالد بن
عبد الملك تلك السنة لم يشهد الحج قال الواقدي حدثني بهذا الحديث عبد الله
ابن جعفر عن صالح بن كيسان قال الواقدي وقال لي أبو معشر حج بالناس سنة
114 خالد بن عبد الملك ومحمد بن هشام على مكة قال الواقدي وهو الثبت عندنا
وكان عمال الأمصار في هذه السنة هم العمال الذين كانوا في السنة التي قبلها غير أن
عامل المدينة في هذه السنة كان خالد بن عبد الملك وعامل مكة والطائف محمد
ابن هشام وعامل أرمينية وآذربيجان مروان بن محمد
ثم دخلت سنة خمس عشرة ومائة
ذكر الاخبار عما كان فيها من الاحداث
فمما كان فيها من ذلك غزوة معاوية بن هشام أرض الروم (وفيها) وقع
الطاعون بالشام (وحج) بالناس في هذه السنة محمد بن هشام بن إسماعيل وهو
أمير مكة والطائف كذلك قال أبو معشر فيما حدثني أحمد بن ثابت عمن ذكره
عن إسحاق بن عيسى عنه وكان عمال الأمصار في هذه السنة عمالها في سنة 114
غير أنه اختلف في عامل خراسان في هذه السنة فقال المدائني كان عاملها الجنيد
ابن عبد الرحمن وقال بعضهم كان عاملها عمارة بن حريم المري وزعم الذي
قال ذلك أن الجنيد مات في هذه السنة واستخلف عمارة بن حريم وأما المدائني
فإنه ذكر أن وفاة الجنيد كانت في سنة 116 (وفى هذه السنة) أصاب الناس
بخراسان قحط شديد ومجاعة فكتب الجنيد إلى الكور إن مرو كانت آمنة مطمئنة
يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فاحملوا إليها الطعام قال على
ابن محمد أعطى الجنيد في هذه السنة رجلا درهما فاشترى به رغيفا فقال لهم
تشكون الجوع ورغيف بدرهم لقد رأيتني بالهند وإن الحبة من الحبوب لتباع
عددا بالدرهم وقال إن مرو كما قال الله عز وجل (وضرب الله مثلا قرية
كانت آمنة مطمئنة)
426

ثم دخلت سنة ست عشرة ومائة
ذكر ما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك ما كان من غزوة معاوية بن هشام أرض الروم الصائفة (وفيها)
كان طاعون شديد بالعراق والشأم وكان أشد ذلك فيما ذكر بواسط (وفيها)
كانت وفاة الجنيد بن عبد الرحمن وولاية عاصم بن عبد الله بن يزيد الهلالي خراسان
ذكر الخبر عن أمرهما
وذكر علي بن محمد عن أشياخه أن الجنيد بن عبد الرحمن تزوج الفاضلة بنت
يزيد بن المهلب فغضب هشام على الجنيد وولى عاصم بن عبد الله خراسان وكان
الجنيد سقى بطنه فقال هشام لعاصم إن أدركته وبه رمق فازهق نفسه فقدم عاصم
وقد مات الجنيد قال وذكروا أن جبلة بن أبي رواد دخل على الجنيد عائدا فقال
يا جبلة ما يقول الناس قال قلت يتوجعون للأمير قال ليس عن هذا سألتك ما يقولون
وأشار نحو الشأم بيده قال قلت يقدم على خراسان يزيد بن شجرة الرهاوي قال
ذلك سيد أهل الشأم قال ومن قلت عصمة أو عصام وكنيت عن عاصم فقال إن
قدم عاصم فعدو؟؟ جاهد لا مرحبا به ولا أهلا قال فمات في مرضه ذلك في المحرم
سنة 116 واستخلف عمارة بن حريم وقدم عاصم بن عبد الله فحبس عمارة بن حريم
وعمال الجنيد وعذبهم وكانت وفاته بمرو فقال أبو الجويرية عيسى بن عصمة يرثيه
هلك الجود والجنيد جميعا * فعلى الجود والجنيد السلام
أصبحا ثاويين في أرض مرو * ما تغنت على الغصون الحمام
كنتما نزهة الكرام فلما * مت مات الندى ومات الكرام
ثم إن أبا الجويرية أتى خالد بن عبد الله القسري وامتدحه فقال له خالد ألست
القائل * هلك الجود والجنيد جميعا * مالك عندنا شئ * فخرج فقال
تظل لامعة الآفاق تحملنا * إلى عمارة والقود السراهيد
قصيدة امتدح بها عمارة بن حريم ابن عم الجنيد وعمارة هو جد أبى الهيذام
427

صاحب العصبية بالشام قال وقدم عاصم بن عبد الله فحبس عمارة بن حريم وعمال
الجنيد وعذبهم (وفى هذه السنة) خلع الحارث بن سريج وكانت الحرب بينه وبين
عاصم بن عبد الله
ذكر الخبر عن ذلك
ذكر على عن أشياخه قال لما قدم عاصم خراسان واليا أقبل الحارث بن
سريج من النخذ حتى وصل إلى الفارياب وقدم أمامه بشر بن جرموز قال فوجه
عاصم الخطاب بن محرز السلمي ومنصور بن عمر بن أبي الخرفاء السلمي وهلال بن
عليم التميمي والأشهب الحنظلي وجرير بن هميان السدوسي ومقاتل بن حيان
النبطي مولى مصقلة إلى الحارث وكان خطاب ومقاتل بن حيان قالا لا تلقوه إلا
بأمان فأبى عليهما القوم فلما انتهوا إليه بالفارياب قيدهم وحبسهم ووكل بهم رجلا
يحفظهم قال فأوثقوه وخرجوا من السجن فركبوا دوابهم وساقوا دواب البريد
فمروا بالطالقان فهم سهرب صاحب الطالقان بهم ثم أمسك وتركهم فلما قدموا
مرو أمرهم عاصم فخطبوا وتناولوا الحارث وذكروا خبث سيرته وغدره ثم مضى
الحارث إلى بلخ وعليها نصر فقاتلوه فهزم أهل بلخ ومضى نصر إلى مرو * وذكر
بعضهم لما أقبل الحارث إلى بلخ وكان عليها التجيبي بن ضبيعة المري ونصر بن
سيار وولاهما الجنيد قال فانتهى إلى قنطرة عطاء وهى على نهر بلخ على فرسخين من
المدينة فتلقى نصر بن سيار في عشرة آلاف والحارث بن سريج في أربعة آلاف
فدعاهم الحارث إلى الكتاب والسنة والبيعة للرضي فقال قطن بن عبد الرحمن بن
جزى الباهلي يا حارث أنت تدعو إلى كتاب الله والسنة والله لو أن جبريل عن
يمينك وميكائيل عن يسارك ما أجبتك فقاتلهم فأصابته رمية في عينه فكان أول قتيل
فانهزم أهل بلخ إلى المدينة وأتبعهم الحارث حتى دخلها وخرج نصر من باب آخر فأمر
الحارث بالكف عنهم فقال رجل من أصحاب الحارث إني لا مشى في بعض طرق
بلخ إذ مررت بنساء يبكين وامرأة تقول يا أبتاه ليت شعري من دهاك وأعرابي
إلى جنبي يسير فقال من هذه الباكية فقيل له ابنة قطن بن عبد الرحمن بن جزى فقال
428

الأعرابي أنا وأبيك دهيتك فقلت أنت قتلته قال نعم قال ويقال قدم نصر والتجيبى على
بلخ فحبسه نصر فلم يزل محبوسا حتى هزم الحارث نصرا وكان التجيبي ضرب الحارث
أربعين سوطا في إمرة الجنيد فحوله الحارث إلى قلعة أبا ذكر بزم فجاء رجل من بنى حنيفة
فادعى عليه أنه قتل أخاه أيام كان على هراة فدفعه الحارث إلى الحنفي فقال له التجيبي
افتدى منك بمائة ألف فلم يقبل منه وقتله وقوم يقولون قتل التجيبي في ولاية نصر قبل
أن يأتيه الحارث قال ولما غلب الحارث على بلخ استعمل عليها رجلا من ولد عبد الله
ابن حازم وسار فلما كان بالجوزجان دعا وابصة بن زرارة العبدي ودعا دجاجة
ووحشا العجليين وبشر بن جرموز وأبا فاطمة فقال ما ترون فقال أبو فاطمة مرو
بيضة خراسان وفرسانهم كثير لو لم يلقوك إلا بعبيدهم لانتصفوا منك فأقم فإن
أتوك قاتلتهم وإن أقاموا قطعت المادة عنهم قال لا أرى ذلك ولكن أسير إليهم
فأقبل الحارث إلى مرو وقد غلب على بلخ والجوزجان والفارياب والطلقان ومرو
الروذ فقال أهل الدين من أهل مرو إن مضى إلى أبر شهر ولم يأتنا فرق جماعتنا وإن
أتانا نكب قال وبلغ عاصما أن أهل مرو يكاتبون الحارث قال فأجمع على الخروج
وقال يا أهل خراسان قد بايعتم الحارث بن شريح لا يقصد مدينة إلا خليتموها له
إني لا حق بأرض قومي أبرشهر وكاتب منها إلى أمير المؤمنين حتى يمدني بعشرة آلاف
من أهل الشأم فقال له المجشر بن مزاحم ان أعطوك بيعتهم بالطلاق والعتاق فأقم
وإن أبوا فسر حتى تنزل أبرشهر وتكتب إلى أمير المؤمنين فيمدك بأهل الشأم
فقال خالد بن هريم أحد بنى ثعلبة بن يربوع وأبو محارب هلال بن عليم والله لا نخليك
والذهاب فيلزمنا دينك عند أمير المؤمنين ونحن معك حتى نموت إن بذلت
الأموال قال افعل قال يزيد بن قران الرياحي إن لم أقاتل معك ما قاتلت فابنة الأبرد
ابن قرة الرياحي طالق ثلاثا وكانت عنده فقال عاصم أكلكم على هذا قالوا نعم
وكان سلمة بن أبي عبد الله صاحب حرسه يحلفهم بالطلاق قال وأقبل الحارث
ابن سريج إلى مرو في جمع كثير يقال في ستين ألفا ومعه فرسان الأزد وتميم
منهم محمد بن المثنى وحماد بن عامر بن مالك الحماني وداود الأعسر وبشر بن أنيف
429

الرياحي وعطاء الدبوسي ومن الدهاقين الجوزجان وترسل دهقان لفارياب
وسهرب ملك الطالقان وقرياقس دهقان مرو في أشباههم قال وخرج عاصم في
أهل مرو وفى غيرهم فعسكر بجياسر عند البيعة وأعطى الجند دينارا دينارا فحف
عنه الناس فأعطاهم ثلاثة دنانير ثلاثة دنانير وأعطى الجند وغيرهم فلما قرب
بعضهم من بعض أمر بالقناطر فكسرت وجاء أصحاب الحارث فقالوا تحصروننا
في البرية دعونا نقطع إليكم فنناظركم فيما خرجنا له فأبوا وذهب رجالتهم يصلحون
القناطر فأتاهم رجالة أهل مرو فقاتلوهم فمال محمد بن المثنى الفراهيذي برايته إلى
عاصم فأمالها في ألفين فأتى الأزد ومال حماد بن عامر بن مالك الحماني إلى عاصم
وأتى بنى تميم قال سلمة الأزدي كان الحارث بعث إلى عاصم رسلا منهم محمد بن
مسلم العنبري يسألونه العمل بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم قال وعلى
الحارث بن سريج يومئذ السواد قال فلما مال محمد بن المثنى بدأ أصحاب الحارث
بالحملة والتقى الناس فكان أول قتيل غياث بن كلثوم من أهل الجارود فانهزم
أصحاب الحارث فغرق بشر كثير من أصحاب الحارث في أنهار مرو والنهر الأعظم
ومضت الدهاقين إلى بلادهم فضرب يومئذ خالد بن علباء بن حبيب بن الجارود
على وجهه وأرسل عاصم بن عبد الله المؤمن بن خالد الحنفي وعلباء بن أحمر اليشكري
ويحيى بن عقيل الخزاعي ومقاتل بن حيان النبطي إلى الحارث يسأله ما يريد فبعث
الحارث محمد بن مسلم العنبري وحده فقال لهم إن الحارث وإخوانكم يقرئونكم
السلام ويقولون لكم قد عطشنا وعطشت دوابنا فدعونا ننزل الليلة وتختلف
الرسل فيما بيننا ونتناظر فان وافقناكم على الذي تريدون وإلا كنتم من وراء
أمركم فأبوا عليه وقالوا مقالا غليظا فقال مقاتل بن حيان النبطي يا أهل خراسان
إنا كنا بمنزلة بيت واحد وثغرنا واحد ويدنا على عدونا واحدة وقد أنكرنا
ما صنع صاحبكم وجه إليه أميرنا بالفقهاء والقراء من أصحابه فوجه رجلا واحدا
قال محمد إنما أتيتكم مبلغا نطلب كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وسيأتيكم
الذي تطلبون من غد إن شاء الله تعالى وانصرف محمد بن مسلم إلى الحارث
430

فلما انتصف الليل سار الحارث فبلغ عاصما فلما أصبح سار إليه فالتقوا وعلى ميمنة
الحارث رابض بن عبد الله بن زرارة التغلبي فاقتتلوا قتالا شديدا فحمل يحيى بن حضين
وهو رأس بكر بن وائل وعلى بكر بن وائل زياد بن الحارث بن سريج فقتلوا
قتلا ذريعا فقطع الحارث وادى مرو فضرب رواقا عند منازل الرهبان وكف عنه
عاصم قال وكانت القتلى مائة وقتل سعيد بن سعد بن جزء الأزدي وغرق خازم
ابن موسى بن عبد الله بن خازم وكان مع الحارث بن سريج واجتمع إلى الحارث
زهاء ثلاثة آلاف فقال القاسم بن مسلم لما هزم الحارث كف عنه عاصم ولو ألح
عليه لأهلكه وأرسل إلى الحارث إني راد عليك ما ضمنت لك ولأصحابك على أن
ترتحل ففعل قال وكان خالد بن عبيد الله بن حبيب أتى الحارث ليلة هزم وكان أصحابه
أجمعوا على مفارقة الحارث وقالوا ألم تزعم أنه لا يرد لك راية فأتاهم فسكنهم وكان
عطاء الدبوسي من الفرسان فقال لغلامه يوم زرق أسرج لي برذوني لعلى ألاعب
هذه الحمارة فركب ودعا إلى البراز فبرز له رجل من أهل الطالقان فقال بلغته أي
كيرخر (قال أبو جعفر) الطبري رحمه الله (وحج بالناس في هذه السنة) الوليد
ابن يزيد بن عبد الملك وهو ولى العهد كذلك حدثني أحمد بن ثابت عمن ذكره
عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر وكذلك قال الواقدي وغيره وكانت عمال
الأمصار في هذه السنة عمالها في التي قبلها إلا ما كان من خراسان فان عاملها في هذه
السنة عاصم بن عبد الله الهلالي
ثم دخلت سنة سبع عشرة ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمما كان فيها غزوة معاوية بن هشام الصائفة اليسرى وغزوة سليمان بن هشام
ابن عبد الملك الصائفة اليمنى من نحو الجزيرة وفرق سراياه في أرض الروم (وفيها)
بعث مروان بن محمد وهو على أرمينية بعثين فافتتح أحدهما حصونا ثلاثة من اللان
ونزل الآخر على تومانشاه فنزل أهلها على الصلح (وفيها) عزل هشام بن عبد الملك
431

عاصم بن عبد الله عن خراسان وضمها إلى خالد بن عبد الله فولاها خالد أخاه أسد
ابن عبد الله وقال المدائني كان عزل هشام عاصما عن خراسان وضم خراسان إلى
خالد بن عبد الله في سنة 116
ذكر الخبر عن سبب عزل هشام عاصم وتوليته خالدا خراسان
وكان سبب ذلك فيما ذكر على عن أشياخه أن عاصم بن عبد الله كتب إلى
هشام بن عبد الملك أما بعد يا أمير المؤمنين فان الرائد لا يكذب أهله وقد كان من
أمر أمير المؤمنين إلى ما يحق به على نصيحته وإن خراسان لا تصلح الا أن تضم إلى
صاحب العراق فتكون موادها ومنافعها ومعونتها في الاحداث والنوائب من
قريب لتباعد أمير المؤمنين عنها وتباطئ غياثه عنها فلما مضى كتابه خرج إلى أصحابه
يحيى بن حضين والمجشر بن مزاحم وأصحابهم فأخبرهم فقال له المجشر بعد ما مضى
الكتاب كأنك بأسد قد طلع عليك فقدم أسد بن عبد الله بعث به هشام بعد كتاب
عاصم بشهر فبعث الكميت بن زيد الأسدي إلى أهل مرو بهذا الشعر
ألا أبلغ جماعة أهل مرو * على ما كان من ناء وبعد
رسالة ناصح يهدى سلاما * ويأمر في الذي ركبوا بحد
وأبلغ حارثا عنا اعتذارا * إليه بأن من قبلي بجهد
ولولا ذاك قد زارتك خيل * من المصرين بالفرسان تردى
فلا تهنوا ولا ترضوا بخسف * ولا يغرركم أسد بعهد
وكونوا كالبغايا إن خدعتم * وإن أقرتم ضيما لوغد
وإلا فارفعوا الرايات سودا * على أهل الضلالة والتعدى
فكيف وأنتم سبعون ألفا * رماكم خالد بشبيه قرد
ومن ولى بذمته رزينا * وشيعته ولم يوفى بعهد
ومن غشى قضاعة ثوب خزى * بقتل أبى سلامان بن سعد
فمهلا يا قضاع فلا تكوني * توابع لا أصول لها بنجد
وكنت إذا دعوت بنى نزار * أتاك الدهم من سبط وجعد
432

فجدع من قضاعة كل أنف * ولا فازت على يوم بمجد
قال ورزين الذي ذكر كان خرج على خالد بن عبد الله بالكوفة فأعطاه الأمان
ثم لم يف به وقال فيه نصر بن سيار حين أقبل الحارث إلى مرو وسودر اتاته وكان
الحارث يرى رأى المرجئة
دع عنك دنيا وأهلا أنت تاركهم * ما خير دنيا وأهل لا يدومونا
إلا بقية أيام إلى أجل * فاطلب من الله أهلا لا يموتونا
وأكثر تقى الله في الاسرار مجتهدا * إن التقى خيره ما كان مكنونا
واعلم بأنك بالاعمال مرتهن * فكن لذاك كثير الهم محزونا
إني أرى الغبن المردي بصاحبه * من كان في هذه الأيام مغبونا
تكون للمرء أطوارا فتمنحه * يوما عثارا فطورا تمنح اللينا
بينا الفتى في نعيم العيش حوله * دهر فأمسى به عن ذاك مزبونا
تحلو له مرة حتى يسر بها * حينا وتمقره طعما أحايينا
هل غابر من بقايا الدهر تنظره * إلا كما قد مضى فيما تقضونا
فامنح جهادك من لم يرج آخرة * وكن عدوا لقوم لا يصلونا
واقتل مواليهم منا وناصرهم * حينا تكفرهم والعنهم حينا
والعائبين علينا ديننا وهم * شر العباد إذا خابرتهم دينا
والقائلين سبيل الله بغيتنا * لبعد ما نكبوا عما يقولونا
فاقتلهم غضبا لله منتصرا * منهم به ودع المرتاب مفتونا
إرجاؤكم لزكم والشرك في قرن * فأنتم أهل إشراك ومرجونا
لا يبعد الله في الأجداث غيركم * إذ كان دينكم بالشرك مقرونا
ألقى به الله رعبا في نحوركم * والله يقضى لنا الحسنى ويعلينا
كيما نكون الموالى عند خائفة * عما تروم به الاسلام والدينا
وهل تعيبون منا كاذبين به * غال ومهتضم حسبي الذي فينا
يأبى الذي كان يبلى الله أولكم * على النفاق وما قد كان يبلينا
433

قال ثم عاد الحارث لمحاربة عاصم فلما بلغ عاصما ان أسد بن عبد الله قد أقبل
وانه قد سير على مقدمته محمد بن مالك الهمداني وانه قد نزل الدندانقان صالح
الحارث وكتب بينه وبينه كتابا على أن ينزل الحارث أي كور خراسان شاء وعلى
أن يكتبا جميعا إلى هشام يسألانه كتاب الله وسنة نبيه فإنه أبى اجتمعا جميعا
عليه فختم على الكتاب بعض الرؤساء وأبى يحيى بن حضين أن يختم وقال هذا
خلع لأمير المؤمنين فقال خلف بن خليفة ليحيى
أبى هم قبلك إلا اجتماعا * ويأبى رقادك إلا امتناعا
بغير سماع ولم تلقني * أحاول من ذات لهو سماعا
حفظنا أمية في ملكها * ونخطر من دونها أن تراعا
ندافع عنها وعن ملكها * إذا لم نجد بيديها امتناعا
أبى شعب ما بيننا في القديم * وبين أمية إلا انصداعا
ألم نختطف هامة ابن الزبير * وتنتزع الملك منه انتزاعا
جعلنا الخلافة في أهلها * إذا اصطرع الناس فيها اصطراعا
نصرنا أمية بالمشرفي * إذا انخلع الملك عنها انخلاعا
ومنا الذي شد أهل العراق * ولو غاب يحيى عن الثغر ضاعا
على ابن سريج نقضنا الأمور * وقد كان أحكمها ما استطاعا
حكيم مقالته حكمة * إذا شتت القوم كانت جماعا
عشية زرق وقد أزمعوا * قمعنا من الناكثين الزماعا
ولولا فتى وائل لم يكن * لينضح فيها رئيس كراعا
فقل لامية ترعى لنا * أيادي لم نجزها واصطناعا
أتلهين عن قتل ساداتنا * ونأبى لحقك إلا اتباعا
أمن لم يبعك من المشترين * كآخر صادف سوقا فباعا
أبى ابن حضين لما تصنعين * إلا اضطلاعا وإلا اتباعا
ولو يأمن الحارث الوائلين * لراعك في بعض من كان راعا
434

وقد كان أصعر ذا نيرب * أشاع الضلالة فيما أشاعا
كفينا أمية مختومة * أطاع بها عاصم من أطاعا
فلولا مراكز راياتنا * من الجند خاس الجنود الضياعا
وصلنا القديم لها بالحديث
وتأبى أمية إلا انقطاعا
ذخائر في غيرنا نفعها * وما إن عرفنا لهن انتفاعا
ولو قدمتها وبان الحجا * ب لا رتعت بين حشاك ارتياعا
فأين الوفاء لأهل الوفا * والشكر أحسن من أن يضاعا
وأين ادخار بنى وائل * إذا الذخر في الناس كان ارتجاعا
ألم تعلمي أن أسيافنا * تداوى العليل وتشفى الصداعا
إذا ابن حضين غدا باللواء * وأسلم أهل القلاع القلاعا
إذا ابن حضين غدا باللواء * أشار النسور به والضباعا
إذا ابن حضين غدا باللواء * ذكى وكانت معد جداعا
قال وكان عاصم بن سليمان بن عبد الله بن شراحيل اليشكري من أهل الرأي
فأشار على يحيى بنقض الصحيفة وقال له غمرات ثم ينجلين وهى المغمضات
فغمض قال وكان عاصم بن عبد الله في قرية بأعلى مرو لكندة ونزل الحارث قرية
لبنى العنبر فالتقوا بالخيل والرجال ومع عاصم رجل من بنى عبس في خمسمائة من
أهل الشأم وإبراهيم بن عاصم العقيلي في مثل ذلك فنادى منادى عاصم من جاء
برأس فله ثلثمائة درهم فجاء رجل من عماله برأس وهو عاض على أنفه ثم جاءه
رجل من بنى ليث يقال له ليث بن عبد الله برأس ثم جاء آخر برأس فقيل لعاصم
إن طمع الناس في هذا لم يدعوا ملاحا ولا علجا إلا أتوك برأسه فنادى مناديه
لا يأتنا أحد برأس فمن أتانا به فليس له عندنا شئ وانهزم أصحاب الحارث فأسروا
منهم أسارى وأسروا عبد الله بن عمرو المازني رأس أهل مرو الروذ وكان
الاسراء ثمانين أكثرهم من بنى تميم فقتلهم عاصم بن عبد الله على نهر الدندانقان
وكانت اليمانية بعثت من الشأم رجلا يعدل بألف يكنى أبا داود أيام العصبية في
435

خمسمائة فكان لا يمر بقرية من قرى خراسان إلا قال كأنكم بي قد مررت
راجعا حاملا رأس الحارث بن سريج فلما التقوا دعا إلى البراز فبرز له الحارث
ابن سريج فضربه فوق منكبه الأيسر فصرعه وحامى عليه أصحابه فحملوه فخولط
فكان يقول يا أبر شهر الحارث بن سريجاه يا أصحاب المعموراه ورمى فرس الحارث
ابن سريج في لبانه فنزع النشابة واستحضره وألح عليه بالضرب حتى نزقه وعرقه
وشغله عن ألم الجراحة قال وحمل عليه رجل من أهل الشأم فلما ظن أن الرمح
مخالطه مال عن فرسه واتبع الشأمى فقال له أسألك بحرمة الاسلام في دمى قال
انزل عن فرسك فنزل وركبه الحارث فقال الشأمى خذ السرج فوالله إنه خير
من الفرس فقال رجل من عبد القيس
تولت قريش لذة العيش واتقت * بنا كل فج من خراسان أغبرا
فليت قريشا أصبحوا ذات ليلة * يعومون في لج من البحر أخضرا
قال وعظم أهل الشأم يحيى بن حضين لما صنع في أمر الكتاب الذي كتبه
عاصم وكتبوا كتابا وبعثوا مع محمد بن مسلم العنبري ورجل من أهل الشأم فلقوا
أسد بن عبد الله بالري ويقال لقوه ببيهق فقال ارجعوا فانى أصلح هذا الامر
فقال له محمد بن مسلم هدمت داري فقال أبنيها لك وأرد عليكم كل مظلمة قال وكتب
أسد إلى خالد ينتحل أنه هزم الحارث ويخبره بأمر يحيى قال فأجاز خالد يحيى بن
حضين بعشرة آلاف دينار وكساه مائة حلة قال وكانت ولاية عاصم أقل من سنة
قيل كانت سبعة أشهر وقدم أسد بن عبد الله وقد انصرف الحارث فحبس عاصما
وسأله عما أنفق وحاسبه فأخذه بمائة ألف درهم وقال إنك لم تغز ولم تخرج من
مرو ووافق عمارة بن حريم وعمال الجنيد محبوسين عنده فقال لهم أسير فيكم
بسيرتنا أم بسيرة قومكم قالوا بل بسيرتك فخلى سبيلهم قال على عن شيوخه قالوا لما
بلغ هشام بن عبد الملك أمر الحارث بن سريج كتب إلى خالد بن عبد الله ابعث أخاك
يصلح ما أفسد فإن كانت رجية فلتكن به قال فوجه أخاه أسدا إلى خراسان فقدم
أسد وما يملك عاصم من خراسان إلا مرو وناحية أبر شهر والحارث بن سريج بمرو
436

الروذ وخالد بن عبيد الله الهجري بآمل ويخاف إن قصد للحارث بمرو الروذ دخل
خالد بن عبيد الله مرو من قبل آمل وإن قصد لخالد دخلها الحارث من قبل مرو
الروذ فأجمع على أن يوجه عبد الرحمن بن نعيم الغامدي في أهل الشأم الكوفة وأهل
في طلب الحارث إلى ناحية مرو الروذ وسار أسد بالناس إلى آمل واستعمل على بنى
تميم الحوثرة بن يزيد العنبري فلقيهم خيل لأهل آمل عليهم زياد القرشي
مولى حيان النبطي عند ركايا عثمان فهزمهم حتى انتهوا إلى باب المدينة ثم كروا
على الناس فقتل غلام لأسد بن عبد الله يقال له جبلة وهو صاحب علمه وتحصنوا
في ثلاث مدائن لهم قال فنزل عليهم أسد وحصرهم ونصب عليهم المجانيق وعليهم
خالد بن عبيد الله الهجري من أصحاب الحارث فطلبوا الأمان فخرج إليهم رويد بن
طارق القطعي مولى لهم فقال ما تطلبون قالوا كتاب الله وسنة نبيه صلى الله تعالى
عليه وآله وسلم قال فلكم ذلك قالوا على أن لا تأخذ أهل هذه المدن بجنايتنا فأعطاهم
ذلك واستعمل عليهم يحيى بن نعيم الشيباني أحد بنى ثعلبة بن شيبان بن أخي مصقلة
ابن هبيرة ثم أقبل أسد في طريق زم يريد مدينة بلخ فتلقاه مولى لمسلم بن عبد الرحمن
فأخبره أن أهل بلخ قد بايعوا سليمان بن عبد الله بن خازم فقدم بلخ فاتخذ سفنا
وسار منها إلى الترمذ فوجد الحارث محاصرا سنانا الأعرابي السلمي ومعه بنو
الحجاج بن هارون النميري وبنو زرعة وآل عطية الأعور النضري في أهل
الترمذ والسبل مع الحارث فنزل أسد دون النهر ولم يطق القطوع إليهم ولا أن
يمدهم وخرج أهل الترمذ من المدينة فقاتلوا الحارث قتالا شديدا وكان الحارث
استطرد لهم ثم كر عليهم فانهزموا فقتل يزيد بن الهيثم بن المنخل وعاصم بن معول
النجلي في خمسين ومائة من أهل الشأم وغيرهم وكان بشر بن جرموز وأبو فاطمة
الأيادي ومن كان مع الحارث من القرى يأتون أبواب الترمذي فيبكون ويشكون
بنى مروان وجورهم ويسألونهم النزول إليهم على أن يمالئوهم على حرب بنى
مروان فيأبون عليهم فقال السبل وهو مع الحارث يا حارث إن الترمذ قد
بنيت بالطبول والمزامير ولا تفتح بالبكاء وإنما تفتح بالسيف فقال إن كان
437

بك قتال وتركه السبل وأتى بلاده قال وكان أسد حين مر بأرض زم تعرض
للقاسم الشيباني وهو في حصن بزم يقال له باذكر ومضى حتى أتى الترمذ فنزل
دون النهر ووضع سريره على شاطئ النهر وجعل الناس يعبرون فمن سفلت
سفينته عن سفن المدينة قاتلهم الحارث في سفينة فالتقوا في سفينة فيها أصحاب
أسد فيهم أصغر بن عيناء الحميري وسفينة أصحاب الحارث فيها داود الأعسر
فرمى أصغر فصك السفينة وقال أنا الغلام الأحمري فقال داود الأعسر لأمر
ما انتميت إليه لا أرض لك وألزق سفينته بسفينة أصغر فاقتتلوا وأقبل الاشكند
وقد أراد الحارث الانصراف فقال له إنما جئتك ناصرا لك وكمن الاشكند
وراء دير وأقبل الحارث بأصحابه وخرج إليه أهل الترمذ فاستطرد لهم فاتبعوه
ونصر مع أسد جالس ينظر فأظهر الكراهية وعرف أن الحارث قد كادهم فظن
أسد أنه إنما فعل ذلك شفقة على الحارث حين ولى فأراد أسد معاتبة نصر فإذا
الاشكند قد خرج عليهم فحمل على أهل الترمذ فهربوا وقتل في المعركة يزيد بن
الهيثم بن المنخل الجرموزي من الأزد وعاصم بن معول وكان من فرسان أهل
الشأم ثم ارتحل أسد إلى بلخ وخرج أهل الترمذ إلى الحارث فهزموه وقتلوا أبا
فاطمة وعكرمة وقوما من أهل البصائر ثم سار أسد إلى سمرقند في طريق زم
فلما قدم زم بعث إلى الهيثم الشيباني وهو في باذكر وهو من أصحاب الحارث
فقال إنكم إنما أنكرتم على قومكم ما كان من سوء سيرتهم ولم يبلغ ذلك النساء ولا
استحلال الفروج ولا غلبة المشركين على مثل سمرقند وأنا أريد سمرقند وعلى
عهد الله وذمته أن لا يبدأك منى شر ولك المؤاساة واللطف والكرامة والأمان
ولمن معك وأنت إن غمصت ما دعوتك إليه فعلى عهد الله وذمة أمير المؤمنين وذمة
الأمير خالد إن أنت رميت بسهم أن لا أو منك بعده وإن جعلت لك ألف أمان
لا أفى لك به فخرج إليه على ما أعطاه من الأمان فآمنه وسار معه إلى سمرقند
فأعطاهم عطاءين وحملهم على ما كان من دواب ساقها معه وحمل معه طعاما من
بخارى وساق معه أشياء كثيرة من شاء الأكراد قسمها فيهم ثم ارتفع إلى ورغسر
438

وماء سمرقند منها فسكر الوادي وصرفه عن سمرقند وكان يحمل الحجارة بيديه
حتى يطرحها في السكر ثم قفل من سمرقند حتى نزل بلخ وقد زعم بعضهم أن الذي
ذكرت من أمر أسد وأمر أصحاب الحارث كان في سنة 18 (وحج) بالناس
في هذه السنة خالد بن عبد الملك * وكان العامل فيها على المدينة وعلى مكة والطائف
محمد بن هشام بن إسماعيل وعلى العراق والمشرق خالد بن عبد الله وعلى أرمينية
وآذربيجان مروان بن محمد (وفيها) توفيت فاطمة بنت على وسكينة ابنة الحسين
ابن علي (وفى هذه السنة) أخذ أسد بن عبد الله جماعة من دعاة بنى العباس
بخراسان فقتل بعضهم ومثل ببعضهم وحبس بعضهم وكان فيمن أخذ سليمان بن
كثير ومالك بن الهيثم وموسى بن كعب ولاهز بن قريظ وخالد بن إبراهيم وطلحة
ابن رزيق فأتى بهم فقال لهم يا فسقة ألم يقل الله تعالى (عفا الله عما سلف ومن عاد
فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام) فذكر أن سليمان بن كثير قال أتكلم أم أسكت
قال بل تكلم قال نحن والله كما قال الشاعر
لو بغير الماء حلقي شرق * كنت كالغصان بالماء اعتصاري
تدرى ما قصتنا صيدت والله العقارب بيدك أيها الأمير إنا أناس من قومك
وإن هذه المضرية إنما رفعوا إليك هذا لأنا كنا أشد الناس على قتيبة بن مسلم
وإنما طلبوا بثأرهم فتكلم ابن شريك بن الصامت الباهلي وقال إن هؤلاء القوم
قد أخذوا مرة بعد مرة فقال مالك بن الهيثم أصلح الله الأمير ينبغي لك أن تعتبر
كلام هذا بغيره فقالوا كأنك يا أخا باهلة تطلبنا بثأر قتيبة نحن والله كنا أشد الناس
عليه فبعث بهم أسد إلى الحبس ثم دعا عبد الرحمن بن نعيم فقال له ما ترى قال
أرى أن تمن بهم على عشائرهم قال فالتميميان اللذان معهم قال تخلى سبيلهما قال
إنا إذا من عبد الله بن يزيد نفى قال فكيف تصنع بالربعي قال أخلى والله سبيله
ثم دعا بموسى بن كعب وأمر به فألجم بلجام حمار وأمر باللجام أن يجذب فجذب
حتى تحطمت أسنانه ثم قال اكسروا وجهه فدق أنفه ووجأ لحيته فندر ضرس له
ثم دعا بلاهز بن قريط فقال لاهز والله ما في هذا الحق أن تصنع بنا هذا وتترك
439

اليمانيين والربعيين فضربه ثلاثمائة سوط ثم قال اصلبوه فقال الحسن بن زيد
الأزدي هو لي جار وهو برى مما قذف به قال فالآخرون قال أعرفهم
بالبراءة فخلى سبيلهم
ثم دخلت سنة ثمان عشرة ومائة
ذكر الخبر عما كان في هذه السنة من الاحداث
فمن ذلك غزوة معاوية وسليمان ابني هشام بن عبد الملك أرض الروم
(وفيها) وجه بكير بن ماهان عمار بن يزيد إلى خراسان واليا على شيعة
بنى العباس فنزل فيما ذكر مرو وغير اسمه وتسمى بخداش ودعا إلى محمد بن علي
فسارع إليه الناس وقبلوا ما جاءهم به وسمعوا إليه وطاعوا ثم غير
ما دعاهم إليه وتكذب وأظهر دين الخرمية ودعا إليه ورخص لبعضهم في نساء
بعض وأخبرهم أن ذلك عن أمر محمد بن علي فبلغ أسد بن عبد الله خبره فوضع
عليه العيون حتى ظفر به فأتى به وقد تجهز لغزو بلخ فسأله عن حاله فأغلظ خداش
له القول فأمر به فقطعت يده وقلع لسانه وسملت عينه * فذكر محمد بن علي عن
أشياخه قال لما قدم أسد آمل في مبدئه أتوه بخداش صاحب الهاشمية فأمر به
قرعة الطبيب فقطع لسانه وسمل عينه فقال الحمد لله الذي انتقم لأبي بكر وعمر
منك ثم دفعه إلى يحيى بن نعيم الشيباني عامل آمل فلما قفل من سمرقند كتب إلى
يحيى فقتله وصلبه بآمل وأتى أسد بحزور مولى المهاجر بن دارة الضبي فضرب
عنقه بشاطئ النهر ثم نزل أسد منصرفه من سمرقند بلخ فسرح جديعا الكرماني
إلى القلعة التي فيها ثقل الحارث وثقل أصحابه واسم القلعة التبوشكان من طخارستان
العليا وفيها بنو برزى التغلبيون وهم أصهار الحارث فحصرهم الكرماني حتى فتحها
فقتل مقاتلتهم وقتل بنى برزى وسبى عامة أهلها من العرب والموالي والذراري
وباعهم فيمن يزيد في سوق بلخ فقال علي بن يعلى وكان شهد ذلك نقم على الحارث
أربعمائة وخمسون رجلا من أصحابه وكان رئيسهم جرير بن ميمون القاضي وفيهم
440

بشر بن أنيف الحنظلي وداود الأعسر الخوارزمي فقال الحارث إن كنتم لا بد
مفارقي وطلبتم الأمان فاطلبوه وأنا شاهد فإنه أجدر أن يجيبوكم وإن ارتحلت
قبل ذلك لم يعطوا الأمان فقالوا ارتحل أنت وخلنا ثم بعثوا بشر بن أنيف ورجلا
آخر فطلبوا الأمان فأمنهما أسد ووصلهما فغدرا بأهل القلعة وأخبراه أن القوم
ليس لهم طعام ولا ماء فسرح أسد الكرماني في ستة آلاف منهم سالم بن منصور
البجلي على ألفين والأزهر بن جرموز النميري في أصحابه وجند بلخ وهم ألفان
وخمسمائة من أهل الشأم وعليهم صالح بن القعقاع الأزدي فوجه الكرماني
منصور بن سالم في أصحابه فقطع نهر ضرغام وبات ليله وأصبح فأقام حتى متع
النهار ثم سار يومه قريبا من سبعة عشر فرسخا فأتعب خيله ثم انتهى إلى كشتم من
أرض جيغويه فانتهى إلى حائط فيه زرع قد قصب فأرسل أهل العسكر دوابهم
فيه وبينهم وبين القلعة أربع فراسخ ثم ارتحل فلما صار إلى الوادي جاءته الطلائع
فأخبرته بمجئ القوم ورأسهم المهاجر بن ميمون فلما صاروا إلى الكرماني كابدهم
فانصرفوا وسار حتى نزل جانبا من القلعة وكان أول ما نزل في زهاء خمسمائة في
مسجد كان الحارث بناه فلما أصبح تتامت إليه الخيل وتلاحقت من أصحاب الأزهر
وأهل بلخ فلما اجتمعوا خطبهم الكرماني فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا أهل بلخ
لا أجد لكم مثلا غير الزانية من أتاها أمكنته من رجلها أتاكم الحارث في ألف
رجل من العجم فأمكنتموه من مدينتكم فقتل أشرافكم وطرد أميركم ثم سرتم معه
من مكانفيه إلى مرو فخذلتموه ثم انصرف إليكم منهزما فأمكنتموه من المدينة
والذي نفسي بيده لا يبلغني عن رجل منكم كتب كتابا إليهم في سهم إلا قطعت
يده ورجله وصلبته فأما من كان معي من أهل مرو فهم خاصتي ولست أخاف
غدرهم ثم نهد إلى القلعة فأقام بها يوما وليلة من غير قتال فلما كان من الغد نادى
مناد إنا قد نبذنا إليكم بالعهد فقاتلوهم وقد عطف القوم وجاعوا فسألوا أن ينزلوا
على الحكم ويترك لهم نساؤهم وأولادهم فنزلوا على حكم أسد فأقام أياما وقدم المهلب
ابن عبد العزيز العتكي بكتاب أسد أن احملوا إلى خمسين رجلا منهم فيهم المهاجر
441

ابن ميمون ونظراءه من وجوههم فحملوا إليهم فقتلهم وكتب إلى الكرماني أن
يصير الذين بقوا عنده أثلاثا فثلث يصلبهم وثلث يقطع أيديهم وأرجلهم وثلث
يقطع أيديهم ففعل ذلك الكرماني وأخرج أثقالهم فباعها فيمن يزيد وكان الذين
قتلهم وصلبهم أربعمائة واتخذ أسد مدينة بلخ دارا في سنة 118 ونقل إليها الدواوين
واتخذ المصانع ثم غزا طخارستان ثم أرض جيغويه ففتح وأصاب سبيا (وفى
هذه السنة) عزل هشام خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم عن المدينة واستعمل
عليها محمد بن هشام بن إسماعيل (ذكر الواقدي) أن أبا بكر بن عمرو بن حزم
يوم عزل خالد عن المدينة جاءه كتاب بإمرته على المدينة فصعد المنبر وصلى بالناس
ستة أيام ثم قدم محمد بن هشام من مكة عاملا على المدينة (وفى هذه السنة) مات
علي بن عبد الله بن العباس وكان يكنى أبا محمد وكانت وفاته بالحميمة من أرض
الشأم وهو ابن ثمان أو سبع وسبعين سنة وقيل إنه ولد في الليلة التي ضرب فيها على
ابن أبي طالب وذلك ليلة سبع عشرة من رمضان من سنة 40 فسماه أبوه عليا
وقال سميته باسم أحب الخلق إلى وكناه أبا الحسن فلما قدم على عبد الملك بن مروان
أكرمه وأجلسه على سريره وسأله عن كنيته فأخبره فقال لا يجتمع في عسكري
هذا الاسم والكنية لاحد وسأله هل ولد له من ولد وكان قد ولد له يومئذ محمد
ابن علي فأخبره بذلك فكناه أبا محمد (وحج) بالناس في هذه السنة محمد بن هشام
وهو أمير مكة والمدينة والطائف وقد قيل إنما كان عامل المدينة في هذه السنة خالد
ابن عبد الملك وكان إلى محمد بن هشام فيها مكة والطائف والقول الأول قول
الواقدي وكان على العراق خالد بن عبد الله وإليه المشرق كله وعامله على خراسان
أخوه أسد بن عبد الله وعامله على البصرة وأحداثها وقضائها والصلاة بأهلها بلال
ابن أبي بردة وعلى أرمينية وآذربيجان مروان بن محمد بن مروان
442

ثم دخلت سنة تسع عشرة ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك غزوة الوليد بن القعقاع العبسي أرض الروم (وفيها) غزا أسد
ابن عبد الله الختل فافتتح قلعة زغرزك وسار منها إلى خداش وملا يديه من السبى والشاء
وكان الجيش قد هرب إلى الصين (وفيها) لقى أسد خاقان صاحب الترك فقتله
وقتل بشرا كثيرا من أصحابه وسلم أسد والمسلمون وانصرفوا بغنائم كثيرة وسبى
ذكر الخبر عن هذه الغزوة
ذكر علي بن محمد عن شيوخه أنهم قالوا كتب ابن السائجي إلى خاقان أبى
مزاحم وإنما كنى أبا مزاحم لأنه كان يزاحم العرب وهو بنواكث يعلمه دخول
أسد الختل وتفرق جنوه فيها وأنه بحال مضيعة فلما أتاه كتابه أمر أصحابه بالجهاز
وكان لخاقان مرج وجبل حمى لا يقربها أحد ولا يتصيد فيها يتركان للجهاد فضاء
ما كان في المرج ثلاثة أيام وما في الجبل ثلاثة أيام فتجهزوا وارتعوا ودبغوا مسوك
الصيد واتخذوا منها أوعية واتخذوا القسي والنشاب ودعا خاقان ببرذون مسرج
ملجم وأمر بشاة فقطعت ثم علقت في المعاليق ثم أخذ شيئا من ملح فصيره في
كيس وجعله في منطقته وأمر كل تركي أن يفعل مثل ذلك وقال هذا زادكم حتى
تقوا العرب بالختل وأخذ طريق خشوراغ فلما أحس ابن السائجي أن خاقان
قد أقبل بعث إلى أسد اخرج عن الختل فان خاقان قد أظلك فشتم رسوله ولم
يصدقه فبعث صاحب الختل إني لم أكذبك وأنا الذي أعلمته دخولك وتفرق
جندك وأعلمته أنها فرصة له وسألته المدد غير أنك أمعرت البلاد وأصبت الغنائم
فان لقيك على هذه الحال ظفر بك وعادتني العرب أبدا ما بقيت واستطال على
خاقان واشتدت مؤونته وأمتن على بقوله أخرجت العرب من بلادك ورددت
عليك ملكك فعرف أسد أنه قد صدقه فأمر بالأثقال أن تقدم وولى عليها
إبراهيم بن عاصم العقيلي الجزري الذي كان ولى سجستان بعد وأخرج معه المشيخة
443

فيهم كثير بن أمية أبو سليمان بن كثير الخزاعي وفضيل بن حيان المهري وسنان
ابن داود القطعي وكان على أهل العالية سنان الا عربي السلمي وعلى الاقباض
عثمان بن شباب الهمداني جد قاضى مرو فسارت الأثقال فكتب أسد إلى داود بن
شعيب والأصبغ بن ذوالة الكلبي وقد كان وجههما في وجه أن خاقان قد أقبل
فانضما إلى الأثقال إلى إبراهيم بن عاصم قال ووقع إلى داود والأصبغ رجل
دبوسي فأشاع أن خاقان قد كسر المسلمين وقتل أسدا وقال الأصبغ إن كان أسد
ومن معه أصيبوا فان فينا هشام ننحاز إليه فقال داود بن شعيب قبح الله الحياة
بعد أهل خراسان فقال الأصبغ حبذا الحياة بعد أهل خراسان قتل الجراح ومن
معه فما ضر المسلمين كثير ضر فان هلك أسد وأهل خراسان فلن يخذل الله دينه
وان الله حي قيوم وأمير المؤمنين حي وجنود المسلمين كثير فقال داود أفلا ننظر
ما فعل أسد فنخرج على علم فسارا حتى شارفا عسكر إبراهيم فإذا هما بالنيران فقال داود
هذه نيران المسلمين أراها متقاربة ونيران الأتراك متفرقة فقال الأصبغ هم في مضيق
ودنوا فسمعوا نهيق الحمير فقال داود أما علمت أن الترك ليس لهم حمير فقال الأصبغ
أصابوها بالأمس ولم يستطيعوا أكلها في يوم ولا اثنين فقال داود نسرح فارسين
فيكبران فبعثا فارسين فلما دنوا من العسكر كبرا فأجابهما العسكر بالتكبير فأقبلوا
إلى العسكر الذي فيه الأثقال ومع إبراهيم أهل الصغانيان وصغان خذاه فقام
إبراهيم بن عاصم مبادرا قال وأقبل أسد من الختل نحو جبل الملح يريد أن يخوض
نهر بلخ وقد قطع إبراهيم بن عاصم بالسبي وما أصاب فأشرف أسد على النهر وقد
أتاه أن خاقان قد سار من سويات سبع عشرة ليلة فقام إليه أبو تمام بن زحر
وعبد الرحمن بن خنفر الازديان فقالا أصلح الله الأمير إن الله قد أحسن بلاءك
في هذه الغزوة فغنمت وسلمت فاقطع هذه النطفة واجعلها وراء ظهرك فأمر بهما
فوجئت رقابهما وأخرجا من العسكر وأقام يومه فلما كان من الغد ارتحل وفى
النهر ثلاثة وعشرون موضعا يخوضه الناس وفى موضع مجتمع ماء يبلغ دفتي السرج
فخاضه الناس وأمر أن يحمل كل رجل شاة وحمل هو بنفسه شاة فقال له عثمان
444

ابن عبد الله بن مطرف بن مشخيران الذي أنت فيه من حمل الشاة ليس بأخطر
مما تخاف وقد فرقت الناس وشغلتهم وقد أظلك عدوك فدع هذا الشاء لعنة الله
عليه وأمر الناس بالاستعداد فقال أسد والله لا يعبر رجل ليست معه شاة حتى
تفنى هذه الغنم إلا قطعت يده فجعل الناس يحملون الشاء الفارس يحملها بين يديه
والراجل على عنقه وخاض الناس ويقال لما حفرت سنابك الخيل النهر صار بعض
المواضع سباحة فكان بعضهم يميل فيقع عن دابته فأمر أسد بالشاء أن
تقذف وخاض الناس فما استكملوا العبور حتى طلعت عليهم الترك بالدهم
فقتلوا من لم يقطع وجعل الناس يقتحمون النهر ويقال كانت المسلحة على الأزد وتميم
وقد خلف ضعفة الناس وركب أسد النهر وأمر بالإبل أن يقطع بها إلى ما وراء
النهر حتى تحمل عليها الأثقال وأقبل رهج من ناحية الختل فإذا خاقان فلما توافي
معه صدر من جنده حمل على الأزد وبنى تميم فانكشفوا وركض أسد حتى انصرف
إلى معسكره وبعث إلى أصحاب الأثقال الذين كان سرح أمامه أن أنزلوا وخندقوا
مكانكم في بطن الوادي قال وأقبل خاقان فظن المسلمون أنه لا يقطع إليهم وبينهم
وبينه النهر فلما نظر خاقان إلى النهر أمر الاشكند وهو يومئذ اصبهبذ نسا أن
يسير في الصف حتى يبلغ أقصاه ويسأل الفرسان وأهل البصرة بالحرب والماء
هل يطاق قطوع النهر والحمل على أسد فكلهم يقول لا يطاق حتى انتهى إلى
الاشتيخن فقال بلى يطاق لأنا خمسون ألف فارس فإذا نحن اقتحمنا دفعة واحدة
رد بعضنا عن بعض الماء فذهب جريته قال فضربوا بكوسانهم فظن أسد ومن معه
أنه منهم وعيد فأقحموا دوابهم فجعلت تنخر أشد النخير فلما رأى المسلمون اقتحام الترك
ولوا إلى العسكر وعبرت الترك فسطع رهج عظيم لا يبصر الرجل دابته ولا يعرف
بعضهم بعضا فدخل المسلمون عسكرهم وحووا ما كان خارجا وخرج الغلمان
بالبراذع والعمد فضربوا وجوه الترك فأدبروا وبات أسد فلما أصبح وقد كان
عبأ أصحابه من الليل تخوفا من غدر خاقان وغدوه عليه ولم ير شيئا دعا وجوه
الناس فاستشارهم فقالوا له اقبل العافية قال ما هذه عافية بلى هي بلية لقينا خاقان
445

أمس فظفر بنا وأصاب من الجند والسلاح فما منعه منا اليوم إلا أنه قد وقع في
يديه أسراء فأخبروه بموضع الأثقال أمامنا فترك لقاءنا طمعا فيها فارتحل فبعث
أمامه الطلائع فرجع بعضهم فأخبره أنه عاين طوقات الترك وأعلاما من أعلام
الاشكند في بشر قليل فسار والدواب مثقلة فقيل له انزل أيها الأمير واقبل العافية
قال وأين العافية فأقبلها إنما هي بلية وذهاب الأنفس والأموال فلما أمسى أسد
صار إلى منزل فاستشار الناس أينزلون أم يسيرون فقال الناس اقبل العافية
وما عسى أن يكون ذهاب المال بعافيتنا وعافية أهل خراسان ونصر بن سيارة
مطرق فقال أسد مالك يا بن سيار مطرق لا تكلم قال أصلح الله الأمير خلتان
كلتاهما لك إن تسر تغث من مع الأثقال وتخلصهم وإن أنت انتهيت إليهم وقد
هلكوا فقد قطعت فحمة لا بد من قطوعها فقبل رأيه وسار يومه كله قال ودعا
أسد سعيدا الصغير وكان فارسا مولى باهلة وكان عالما بأرض الختل فكتب كتابا
إلى إبراهيم يأمره بالاستعداد فان خاقان قد توجه إلى ما قبلك وقال سربا لكتاب
إلى إبراهيم حيث كان قبل الليل فإن لم تفعل فأسد برى من الاسلام إن لم يقتلك
وإن أنت لحقت بالحادث فعلى أسد مثل الذي حلف إن لم يبع امرأتك الدلال
في سوق بلخ وجميع أهل بيتك قال سعيد فادفع إلى فرسك الكميت الذنوب قال
لعمري لئن جدت بدمك وبخلت عليك بالفرس إني للئيم فدفعه إليه فسار على
دابة من جنائبه وغلامه على فرس له ومعه فرس أسد يجنبه فلما حاذى الترك وقد
قصدوا الأثقال طلبته طلائعهم فتحول على فرس أسد فلم يلحقوه فأتى إبراهيم
بالكتاب وتبعه بعض الطلائع يقال عشرون رجلا حتى رأوا عسكر إبراهيم
فرجعوا إلى خاقان فأخبروه فغدا خاقان على الأثقال وقد خندق إبراهيم خندقا
فأتاهم وهم قيام عليه فأمر أهل السغد بقتالهم فلما دنوا من مسلحة المسلمين ثاروا في
وجوههم فهزموهم وقتلوا منهم رجلا فقال خاقان اركبوا وصعد خاقان تلا فجعل
ينظر العورة ووجه القتال قال وهكذا قال يفعل ينفرد في رجلين أو ثلاثة فإذا
رأى عورة أمر جنوده فحملت من ناحية العورة فلما صعد التل رأى خلف العسكر
446

جزيرة دونها مخاضة فدعا بعض قواد الترك فأمرهم أن يقطعوا فوق العسكر في
مقطع وصفه حتى يصيروا إلى الجزيرة ثم ينحدروا في الجزيرة حتى يأتوا عسكر
المسلمين من دبر وأمرهم أن يبدؤا بالأعاجم وأهل الصغانيان وأن يدعوا غيرهم
فإنهم من العرب وقد عرفهم بأبنيتهم وأعلامهم وقال لهم إن أقام القوم في خندقهم
فأقبلوا إليكم دخلنا نحن خندقهم وإن ثبتوا على خندقهم فأدخلوا من دبره عليهم
ففعلوا ودخلوا عليهم من ناحية الأعاجم فقتلوا صغان خذاه وعامة أصحابه واحتووا
على أموالهم ودخلوا عسكر إبراهيم فأخذوا عامة ما فيه وترك المسلمين التعبية
واجتمعوا في موضع وأحسوا بالهلاك فإذا رهج قد ارتفع وتربة سوداء فإذا أسد
في جنده قد أتاهم فجعلت الترك ترتفع عنهم إلى الموضع الذي كان فيه خاقان
وإبراهيم يتعجب من كفهم وقد ظفروا وقتلوا من قتلوا وأصابوا ما أصابوا
وهو لا يطمع في أسد قال وكان أسد قد أغذ السير فأقبل حتى وقف على التل الذي
كان عليه خاقان وتنحى خاقان إلى ناحية الجبل فخرج إليه من بقى ممن كان مع
الأثقال وقد قتل منهم بشر كثير قتل يومئذ بركة بن خولي الراسبي وكثير أبو أمية
ومشيخة من خزاعة وخرجت امرأة صغان خذاه إلى أسد فبكت زوجها فبكى
أسد معها حتى علا صوته ومضى خاقان يقود الاسراء من الجند في الاوهاق ويسوق
الإبل موقرة والجواري قال وكان مصعب بن عمر والخزاعي ونفر من أهل
خراسان قد أجمعوا على مواقفهم فكفهم أسد وقال هؤلاء قوم قد طابت لهم
الريح واستكلبوا فلا تعرضوا لهم وكان مع خاقان رجل من أصحاب الحارث
ابن سريج فأمره فناى يا أسد أما كان لك فيما وراء النهر مغزى إنك لشديد الحرص
قد كان لك عن الختل مندوحة وهى أرض آبائي وأجدادي فقال أسد كان
ما رأيت ولعل الله أن ينتقم منك قال كور مغانون وكان من عظماء الترك لم أر
يوما كان أحسن من يوم الأثقال قيل له وكيف ذلك قال أصبت أموالا عظيمة
ولم أر عدوا أسمج من أسراء العرب يعدو أحدهم فلا يكاد يبرح مكانه وقال بعضهم
سار خاقان إلى الأثقال فارتحل أسد فلما أشرف على الظهر ورأى المسلمين
447

الترك فامتنعوا وقد كانوا قاتلوا المسلمين فامتنعوا فأتوا الأعاجم الذين كانوا مع المسلمين
فقاتلوهم فأسروا أولادهم فال فأردف كل رجل منهم وصيفا أو وصيفة ثم أقبلوا
إلى عسكر أسد عند مغيب الشمس قال وسار أسد بالناس حتى نزل مع الثقل
وصبحوا أسدا من الغد وذلك يوم الفطر فكادوا يمنعونهم من الصلاة ثم انصرفوا
ومضى أسد إلى بلخ فعسكر في مرجها حتى أتى الشتاء ثم تفرق الناس في الدور
ودخل المدينة ففي هذه الغزاة قيل له بالفارسية
أزختلان آمديه * يرو تباه آمديه
آبار باز آمديه * خشنك نزار آمديه
قال وكان الحارث بن سريج بناحية طخارستان فانضم إلى خاقان فلما كان ليلة
الأضحى قيل لأسد إن خاقان نزل جزه فأمر بالنيران فرفعت على المدينة فجاء الناس
من الرساتيق إلى مدينة بلخ فأصبح أسد فصلى وخطب الناس وقال إن عدو الله
الحارث بن سريج استجلب طاغيته ليطفئ نور الله ويبدل دينه والله مذله إن شاء الله
وإن عدوكم الكلب أصاب من إخوانكم من أصاب وإن يرد الله نصركم لم يضركم
قلتكم وكثرتهم فاستنصروا الله وقال إنه بلغني أن العبد أقرب ما يكون إلى الله
إذا وضع جبهته لله وإني نازل وواضع جبهتي فادعوا الله واسجدوا لربكم وأخلصوا
له الدعاء ففعلوا ثم رفعوا رؤسهم وهم لا يشكون في الفتح ثم نزل عن المنبر وضحى
وشاور الناس في المسير إلى خاقان فقال قوم أنت شاب ولست ممن تخوف من غارة
على شاة ودابة تخاطر بخروجك قال والله لأخرجن فإما ظفر وإما شهادة ويقال
أقبل خاقان وقد استمد من وراء النهر وأهل طخارستان وجيغويه الطخاري
بملوكهم وشاكريتهم بثلاثين ألفا فنزلوا خلم وفيها مسلحة عليها أبو العوجاء بن سعيد
العبدي فناوشهم فلم يظفروا منه بشئ فساروا على حاميتهم في طريق فيروز بخشين
من طخارستان فكتب أبو العوجاء إلى أسد بمسيرهم قال فجمع الناس فأقرأهم كتاب
أبى العوجاء وكتاب الفرافصة صاحب مسلحة جزة بعد مرور خاقان به فشاور
أسد الناس فقال قوم تأخذ بأبواب مدينة بلخ وتكتب إلى خالد والخليفة تستمده
448

وقال آخرون تأخذ في طريق زم وتسبق خاقان إلى مرو وقال قوم بل تخرج إليهم
وتستنصر الله عليهم فوافق قولهم رأى أسد وما كان عزم عليه من لقائهم ويقال
إن خاقان حين فارق أسدا ارتفع حتى صار بأرض طخارستان عند جيغويه فلما
كان وسط الشتاء أقبل فمر بجزة وصار إلى الجوزجان وبث الغارات وذلك أن
الحارث بن سريج أخبره أنه لا نهوض بأسد وأنه لم يبق معه كبير جند فقال البختري
ابن مجاهد مولى بنى شيبان بل بث الخيول حتى تنزل الجوزجان فلما بث الخيل قال
له البختري كيف رأيت رأيي قال وكيف رأيت صنع الله عز وجل حين أخذ
برأيك فأخذ أسد من جبلة بن أبي رواد عشرين ومائة ألف درهم وأمر للناس
بعشرين عشرين ومعه من الجنود من أهل خراسان وأهل الشأم سبعة آلاف رجل
واستخلف على بلخ الكرماني بن علي وأمره أن لا يدع أحدا يخرج من مدينتها
وإن ضرب الترك باب المدينة فقال له نصر بن سيار الليثي والقاسم بن بخيت المراغي
من الأزد وسليم بن سليمان السلمي وعمرو بن مسلم بن عمرو ومحمد بن عبد العزيز
العتكي وعيسى الأعرج الحنظلي والبختري بن أبي درهم البكري وسعيد الأحمر وسعيد
الصغير مولى باهلة أصلح الله الأمير ائذن لنا في الخروج ولا تهجن طاعتنا فأذن لهم
ثم خرج فنزل بابا من أبواب بلخ وضربت له قبة فازتان وألصق إحداهما بالأخرى
وصلى بالناس ركعتين طولهما ثم استقبل القبلة ونادى في الناس ادعوا الله وأطال
في الدعاء ودعا بالنصر وأمن الناس على دعائه فقال نصرتم ورب الكعبة ثم انفتل
من دعائه فقال نصرتم ورب الكعبة إن شاء الله ثلاث مرات ثم نادى مناديه برئت
ذمة الله من رجل حمل امرأة ممن كان من الجند قالوا إن أسدا إنما خرج هاربا
فخلف أم بكر أم ولده وولده فنظر فإذا جارية على بعير فقال سلوا لمن هذه الجارية
فذهب بعض الأساورة فسأل ثم رجع فقال لزياد بن الحارث البكري وزياد
جالس فقطب أسد وقال لا ينتهون حتى أسطو بالرجل منكم يكرم على فأضرب
ظهره وبطنه فقال زياد إن كانت لي فهي حرة لا والله أيها الأمير ما معي امرأة فان
هذا عدو حاسد وسار أسد فلما كان عند قنطرة عطاء قال لمسعود بن عمر والكرماني
449

وهو يومئذ خليفة الكرماني على الأزد ابغنى خمسين رجلا ودابة أخلفهم على هذه
القنطرة فلا تدع أحدا ممن جازها أن يرجع إليها فقال مسعود ومن أين أقدر على
خمسين رجلا فأمر به فصرع عن دابته وأمر بضرب عنقه فقام إليه قوم فكلموه
فكف عنه فلما جاز القنطرة نزل منزلا فأقام فيه حتى أصبح وأراد المقام يومه فقال
له العذافر بن زيد ليأتمر الأمير على المقام يومه حتى يتلاحق الناس قال فأمر
بالرحيل وقال لا حاجة لنا إلى المتخلفين ثم ارتحل وعلى مقدمته سالم بن منصور
البجلي في ثلاثمائة فلقى ثلاثمائة من الترك طليعة لخاقان فأسر قائدهم وسبعة منهم معه
وهرب بقيتهم فأتى به أسد قال فبكى التركي قال ما يبكيك قال لست أبكى لنفسي
ولكني أبكى لهلاك خاقان قال كيف قال لأنه قد فرق جنوده فيما بينه وبين مرو
قال وسار أسد حتى نزل السدرة قرية ببلخ وعلى خيل أهل العالية ريحان بن زياد
العامري العبدلي من بنى عبد الله بن كعب قال فعزله وصير على أهل العالية منصور
ابن سالم ثم ارتحل من السدرة فنزل خريستان فسمع أسد صهيل فرس فقال لمن
هذا فقيل للعقار بن ذعير فتطير من اسمه واسم أبيه فقال ردوه قال إني مقتول غادى
على الترك قال أسد قتلك الله ثم سال حتى إذا شارف العين الحارة استقبله بشر
ابن رزين أو رزين بن بشر فقال بشارة ورزانة ما وراءك يا رزين قال إن لم تغثنا غلبنا على
مدينتنا قال قل للمقدام بن عبد الرحمن يطاول برمحي فسار فنزل من مدينة الجوزجان
بفرسخين ثم أصبحنا وقد تراءت الخيلان فقال خاقان للحارث من هذا فقال هذا محمد بن
المثنى ورايته ويقال إن طلائع لخاقان انصرفت إليه فأخبرته أن رهجا ساطعا طلع من قبل
بلخ فدعا خاقان الحارث فقال ألم تزعم أن أسدا ليس به نهوض وهذا رهج قد أقبل من
ناحية بلخ قال الحارث هذا اللص الذي كنت قد أخبرتك أنه من أصحابي فبعث خاقان
طلائع فقال انظروا هل ترون على الإبل سرير أو كراسي فجاءته الطلائع فأخبروه
أنهم عاينوها فقال خاقان اللصوص لا يحملون الأسرة والكراسي وهذا أسد قد
أتاك فسار أسد غلوة فلقيه سالم بن جناح فقال أبشر أيها الأمير قد حزرتهم ولا يبلغون
أربعة آلاف وأرجو أن يكون عقيرة الله فقال المجشر بن مزاحم وهو يسايره
450

أنزل أيها الأمير رجالك فضرب وجه دابته وقال لو أطعت يا مجشر ما كنا قدمنا ههنا
وسار غير بعيد وقال يا أهل الصباح أنزلوا فنزلوا وقربوا دوابهم وأخذوا النبل
والقسي قال وخاقان في مرج قد بات فيه تلك الليلة قال وقال عمرو بن أبي موسى
ارتحل أسد حين صلى الغداة فمر بالجوزجان وقد استباحها خاقان حتى بلغت خيله
الشبورقان قال وقصور الجوزجان إذ ذاك ذليلة قال وأتاه المقدام بن عبد الرحمن
ابن نعيم الغامدي في مقاتلته وأهل الجوزجان وكان عاملها فعرضوا عليه أنفسهم
فقال أقيموا في مدينتكم وقال للجوزجان بن الجوزجان سر معي وكان على التعبية
القاسم بن بخيت المراغي فجعل الأزد وبنى تميم والجوزجان بن الجوزجان وشاكريته
ميمنته وأضاف إليهم أهل فلسطين عليهم مصعب بن عمرو الخزاعي وأهل قنسرين
عليهم صفراء بن أحمر وجعل ربيعة ميسرة عليهم يحيى بن حضين وضم إليهم أهل
حمص عليهم جعفر بن حنظلة البهراني وأهل الأزد وعليهم سليمان بن عمرو المقرى
من حمير وعلى المقدمة منصور بن مسلم البجلي وأضاف إليهم أهل دمشق عليهم
حملة بن نعيم الكلبي وأضاف إليهم الحرس والشرطة وغلمان أسد قال وغبى
خاقان الحارث بن سريج وأصحابه وملك السغد وصاحب الشاش وخرابغره
أبا خاناخره جد كاوس وصاحب الختل وجيغويه والترك كلهم ميمنة فلما التقوا
حمل الحارث ومن معه من أهل السغد والبابية وغيرهم على الميسرة وفيها ربيعة
وجندان من أهل الشأم فهزمهم فلم يردهم شئ دون رواق أسد فشدت عليهم الميمنة
وهم الأزد وبنو تميم والجوزجان فما وصلوا إليهم حتى انهزم الحارث والأتراك
وحمل الناس جميعا فقال أسد اللهم انهم عصوني فانصرهم وذهب الترك في الأرض
عباديد لا يلوون على أحد فتبعهم الناس مقدار ثلاثة فراسخ يقتلون من يقدرون
عليه حتى انتهوا إلى أغنامهم فاستاقوا أكثر من خمس وخمسين ومائة ألف شاة
ودواب كثيرة وأخذ خاقان طريقا غير الجادة في الجبل والحارث بن سريج يحميه
ولحقهم أسد عند الظهر ويقال لما واقف أسد خاقان يوم خريستان كان بينهم
نهر عميق فأمر أسد برواقه فرفع فقال رجل من بنى قيس بن ثعلبة يا أهل الشأم
451

أهكذا رأيكم إذ حضر الناس رفعتم الأبنية فأمر به فحط وهاجت ريح الحرب
التي تسمى الهفافة فهزمهم الله واستقبلوا القبلة يدعون الله ويكبرون وأقبل خاقان
في قريب من أربعمائة فارس عليهم الحمرة وقال لرجل يقال له سورى إنما أنت ملك
الجوزجان إن أسلمت العرب فمن رأيت من أهل الجوزجان وقد أتاه فاقتله وقال
الجوزجان لعثمان بن عبد الله بن الشخير إني لا علم ببلادي وطرقها فهل لك في أمر
فيه هلاك خاقان ولك فيه ذكر ما بقيت قال ما هو قال تتبعني قال نعم فأخذ طريقا
يسمى ورادك فأشرفوا على طوقات خاقان وهم آمنون فأمر خاقان بالكوسات
فضربت ضربة الانصراف وقد شبت الحرب فلم يقدر الترك على الانصراف ثم
ضربت الثانية فلم يقدروا ثم ضربت الثالثة فلم يقدروا لاشتغالهم فحمل ابن الشخير
والجوزجان على الطوقات وولى خاقان مدبرا منهزما فحوى المسلمون عسكرهم
وتركوا قدورهم تغلى ونساء من نساء العرب والمواليات ومن نساء الترك ووحل
بخاقان برذونه فحماه الحارث بن سريج قال ولم يعلم الناس أنه خاقان ووجد عسكر
الترك مشحونا من كل شئ من آنية الفضة وصناجات الترك وأراد الخصي أن
يحمل امرأة خاقان فأعجلوه عن ذلك فطعنها بخنجر فوجدوها تتحرك فأخذوا خفها
وهو من لبود مضرب قال فبعث أسد بجواري الترك إلى دهاقين خراسان واستنقذ
من كان في أيديهم من المسلمين قال وأقام أسد خمسة أيام قال فكانت الخيول التي فرق
تقبل فيصيبهم أسد فاغتنم الظفر وانصرف إلى بلخ يوم التاسع من خروجه فقال
ابن السجف المجاشعي
لو سرت في الأرض تقيس الارضا * تقيس منها طولها والعرضا
لم تلق خيرا مرة ونقضا * من الأمير أسد وأمضا
أفضى إلينا الخير حين أفضى * وجمع الشمل وكان رفضا
ما فاته خاقان إلا ركضا * قد فض من جموعه ما فضا
يا ابن سريج قد لقيت حمضا * حمضابه يشفى صداع المرضا
قال وارتحل أسد فنزل جزة الجوزجان من غد وخاقان بها فارتحل هاربا منه
452

وندب أسد الناس فانتدب ناس كثير من أهل الشأم وأهل العراق فاستعمل عليهم
جعفر بن حنظلة البهراني فساروا ونزلوا مدينة تسمى ورد من أرض جزة فباتوا
بها فأصابهم ريح ومطر ويقال أصابهم الثلج فرجعوا ومضى خاقان فنزل على جيغويه
الطخارى وانصرف البهراني إلى أسد ورجع أسد إلى بلخ فلقوا خيل الترك التي كانت
بمرو الروذ منصرفة لتغير على بلخ فقتلوا من قدروا عليه منهم وكان الترك قد بلغوا
بيعة مرو الروذ وأصاب أسد يومئذ أربعة آلاف درع فلما صار ببلخ أمر الناس
بالصوم لافتتاح الله عليهم قال وكان أسد يوجه الكرماني في السرايا فكانوا لا
يزالون يصيبون الرجل والرجلين والثلاثة وأكثر من الترك ومضى خاقان إلى
طخارستان العليا فأقام عند جيغويه الخرلخى تعززا به وأمر بصنيعة الكوسات
فلما جفت وصلح أصواتها ارتحل إلى بلاده فلما ورد شروسنة تلقاه خرابغره
أبو خاناخره جد كاوس أبى أفشين باللعابين وأعدله هدايا ودواب له ولجنده وكان
الذي بينهما متباعدا فلما رجع منهزما أحب أن يتخذ عنده يدا فأتاه بكل ما قدر عليه
ثم أتى خاقان بلاده وأخذ في الاستعداد للحرب ومحاصرة سمرقند وحمل الحارث
ابن سريج وأصحابه على خمسة آلاف برذون وفرق براذين في قواد الترك فلاعب
خاقان يوما كورصول بالنرد على خطر تدرجة فقمر كورصول الترقشي فطلب منه
التدرجة فقال أنثى فقال الآخر ذكر فتنازعا فكسر كورصول يد خاقان فحلف خاقان
ليكسرن يد كورصول وبلغ كورصول فتنحى وجمع جمعا من أصحابه فبيت خاقان
فقتله فأصبحت الترك فتفرقوا عنه وتركوه مجردا فأتاه زريق بن طفيل
الكشاني وأهل بيت الحموكيين وهم من عظماء الترك فحمله ودفنه وصنع
به ما يصنع بمثله إذا قتل فتفرقت الترك في الغارات بعضها على بعض وانحاز بعضهم
إلى الشاش فعند ذلك طمع أهل السغد في الرجعة إليها قال فلم يسلم من خيل الترك
التي تفرقت في الغارات إلازر بن الكسي فإنه سلم حتى صار إلى طخارستان وكان
أسد بعث من مدينة بلخ سيف بن وصاف العجلي على فرس فسار حتى نزل الشبورقان
قال وفيها إبراهيم بن هشام مسلحة فحمله منها على البريد حتى قدم على خالد بن عبد الله
453

فأخبره ففظع به هشام فلم يصدقه وقال للربيع حاجبه ويحك إن هذا الشيخ قد
أتانا بالطامة الكبرى إذا كان صادقا ولا أراه صادقا اذهب فعده ثم سله عما يقوله
واتني بما يقول فانطلق إليه ففعل الذي أمره به فأخبره الذي أخبر به هشاما
قال فدخل عليه أمر عظيم فدعا به بعد فقال من القاسم بن بخيت منكم قال ذلك
صاحب العسكر قال فإنه قد أقبل قال فإن كان قد أقبل فقد فتح الله على أمير المؤمنين
وكان أسد وجهه حين فتح الله عليه فأقبل القاسم بن بخيت فكبر على الباب ثم
دخل يكبر وهشام يكبر لتكبيره حتى انتهى إليه فقال الفتح يا أمير المؤمنين وأخبره
الخبر فنزل هشام عن سريره فسجد سجدة الشكر وهى واحدة عندهم قال فحسدت
القيسية أسدا وخالدا وأشاروا على هشام أن يكتب إلى خالد بن عبد الله فيأمر أخاه
أن يوجه مقاتل بن حيان فكتب إليه فدعا أسد مقاتل بن حيان على رؤوس الناس
فقال سر إلى أمير المؤمنين فأخبره بالذي عاينت وقل الحق فإنك لا تقول غير الحق
إن شاء الله وخذ من بيت المال حاجتك قالوا إذا لا يأخذ شيئا قال أعطه من المال
كذا وكذا ومن الكسوة كذا وكذا وجهزه فسار فقدم على هشام بن عبد الملك
وهو والأبرش جالسان فسأله فقال غزونا الختل فأصبنا أمرا عظيما وانذر أسد بالترك
فلم نحفل بهم حتى لحقوا واستنفذوا من غنائمنا واستباحوا بعض عسكرنا ثم دفعونا
دفعة قريبا من خلم فانتهى الناس إلى مشاتيهم ثم جاءنا مسير خاقان إلى الجوزجان
ونحن قريبو العهد بالعدو فسار بنا حتى التقينا برستاق بيننا وبين أرض الجوزجان
فقاتلناهم وقد حاذوا ذراري من ذراري المسلمين فحملوا على ميسرتنا فكشفوهم
ثم حملت ميمنتنا عليهم فأعطانا الله عليهم الظفر وتبعناهم فراسخ حتى استبحنا
عسكر خاقان فأجلى عنه وهشام متكئ فاستوى جالسا عند ذكره عسكر خاقان
فقال ثلاثا أنتم استبحتم عسكر خاقان قال نعم قال ثم ما ذا قال دخلوا الختل فانصرفوا
قال هشام إن أسدا لضعيف قال مهلا يا أمير المؤمنين ما أسد بضعيف وما أطاق
فوق ما صنع فقال له هشام حاجتك قال إن يزيد بن المهلب أخذ من أبى حيان مائة
ألف درهم بغير حق فقال له هشام لا أكلفك شاهدا احلف بالله انه كما قلت فحلف
454

فردها عليه من بيت مال خراسان وكتب إلى خالد أن يكتب إلى أسد فيها فكتب
إليه فأعطاه أسد مائة ألف درهم فقسمها بين ورثة حيان على كتاب الله وفرائضه
ويقال بل كتب إلى أسد أن يستخبر عن ذلك فإن كان ما ذكر حقا أعطى مائة
ألف درهم وكان الذي جاء بفتح خراسان إلى مرو عبد السلام بن الأشهب بن عتبة
الحنظلي قال فأوفد أسد إلى خالد بن عبد الله وفدا في هزيمته يوم سان ومعهم طوقات
خاقان ورؤوس من قتلوا منهم فاوفدهم خالد إلى هشام فأحلفهم أنهم صدقوا فحلفوا
فوصلهم فقال أبو الهندي الأسدي لأسد يذكر وقعة سان
أبا منذر رمت الأمور فقستها * وساءلت عنها كالحريص المساوم
فما كان ذو رأى من الناس قسته * برأيك إلا مثل رأى البهائم
أبا منذر لولا مسيرك لم يكن * عراق ولا انقادت ملوك الأعاجم
ولا حج بيت الله مذ حج راكب * ولا عمر البطحاء بعد المواسم
فكم من قتيل بين سان وجزة * كثير الأيادي من ملوك قماقم
تركت بأرض الجوزجان تزوره * سباع وعقبان لحز الغلاصم
وذي سوقة فيه من السيف خطة * به رمق حامت عليه الحوائم
فمن هارب منا ومن دائن لنا * أسير يقاسى مبهمات الاداهم
فدتك نفوس من تميم وعامر * ومن مضر الحمراء عند المآزم
هم أطمعوا خاقان فينا فأصبحت * جلائبه ترجو احتواء المغانم
قال وكان السبل أوصى عند موته ابن السائحي حين استخلفه بثلاث خصال
فقال لا تستطل على أهل الختل استطالتي التي كانت عليهم فإني ملك ولست بملك
إنما أنت رجل منهم فلا يحتملون لك ما يحتملون للملوك ولا تدع أن تطلب الجيش
حتى ترده إلى بلادكم فإنه الملك بعدي والملوك هم النظام والناس ما لم يكن لهم نظام
طغام ولا تحاربوا العرب واحتالوا لهم كل حيلة تدفعونهم بها على أنفسكم ما قدرتم
فقال له ابن السائحي أما ما ذكرت من تركي الاستطالة على أهل الختل فانى قد عرفت
ذلك وأما ما أوصيت من رد الجيش فقد صدق الملك وأما قولك لا تحاربوا العرب
455

فكيف تنهى عن حربهم وقد كنت أكثر الملوك لهم محاربة قال قد أحسنت إذ
سألت عما لا تعلم إني قد جربت قوتكم بقوتي فلم أجدكم تقعون منى موقعا فكنت
إذا حاربتهم لم أفلت منهم إلا جريضا وإنكم إن حاربتموهم هلكتم في أول محاربتكم
إياهم قال وكان الجيش قد هرب إلى الصين وابن السائحي الذي أخبر أسد بن عبد الله
بمسير خاقان إليه فكره محاربة أسد (وفى هذه السنة) خرج المغيرة بن سعيد
وبيان في نفر فأخذهم خالد فقتلهم
ذكر الخبر عن مقتلهم
أما المغيرة بن سعيد فإنه كان فيما ذكر ساحرا * حدثنا ابن حميد قال حدثنا جرير
عن الأعمش قال سمعت المغيرة بن سعيد يقول لو أردت أن أحيى عادا أو ثمود أو قرونا
بين ذلك كثيرا لأحييتهم قال الأعمش وكان المغيرة يخرج إلى المقبرة فيتكلم
فيرى مثل الجراد على القبور أو نحو هذا من الكلام وذكر أبو نعيم عن النضر بن
محمد عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال قدم علينا رجل من أهل البصرة يطلب
العلم فكان عندنا فأمرت جاريتي يوما أن تشترى لي سمكا بدرهمين ثم انطلقت
أنا والبصري إلى المغيرة بن سعيد فقال لي يا محمد أتحب أن أخبرك لم افترق حاجباك
قلت لا قال أفتحب أن أخبرك لم سماك أهلك محمدا قلت لا قال أما إنك قد بعثت
خادمك يشترى لك سمكا بدرهمين قال فنهضنا عنه قال أبو نعيم وكان المغيرة قد
نظر في السحر فأخذه خالد القسري فقتله وصلبه وذكر أبو زيد أن أبا بكر بن
حفص الزهري قال أخبرني محمد بن عقيل عن سعيد بن مردابند مولى عمرو بن
حريث قال رأيت خالدا حين أتى بالمغيرة وبيان في ستة رهط أو سبعة أمر
بسريره فأخرج إلى المسجد الجامع وأمر بأطنان قصب ونفط فأحضرا ثم أمر
المغيرة أن يتناول طنا فكع عنه وتأنى وصبت السياط على رأسه فتناول طنا
فاحتضنه فشد عليه ثم صب عليه وعلى الطن نفط ثم ألهبت فيهما النار فاحترقا ثم
أمر الرهط ففعلوا ثم أمر بيانا آخرهم فقدم إلى الطن مبادرا فاحتضنه فقال خالد
ويلكم في كل أمر تحمقون هلا رأيتم هذا المغيرة ثم أحرقه قال أبو زيد لما قتل
456

خالد المغيرة وبيانا أرسل إلى مالك بن أعين الجهني فسأله فصدقه عن نفسه فأطلقه
فلما خلا مالك بمن يثق به وكان فيهم أبو مسلم صاحب خراسان قال
ضربت له بين الطريقين لاحيا * وطنت عليه الشمس فيمن يطينها
وألقيته في شبهة حين سألني * كما اشتبها في الخط سين وشينها
فقال أبو مسلم حين ظهر أمره لو وجدته لقتلته بإقراره على نفسه قال أحمد بن
زهير عن علي بن محمد قال خرج المغيرة بن سعيد في سبعة نفر وكانوا يدعون
الوصفاء وكان خروجهم بظهر الكوفة فأخبر خالد القسري بخروجهم وهو على
المنبر فقال أطعموني ماء فنعى ذلك عليه ابن نوفل فقال
أخالد لا جزاك الله خيرا * وأير في حرامك من أمير
تمنى الفخر في قيس وقسر * كأنك من سراة بنى جرير
وأمك علجة وأبوك وغد * وما الأذناب عدلا للصدور
جرير من ذوي يمن أصيل * كريم الأصل ذي خطر كبير
وأنت زعمت أنك من يزيد * وقد دوحقتم دحق العبور
وكنت لدى المغيرة عبد سوء * تبول من المخافة للزئير
وقلت لما أصابك أطعموني * شرابا ثم بلت على السرير
لا علاج ثمانية وشيخ * كبير السن ليس بذى نصير
(وفى هذه السنة) حكم بهلول بن بشر الملقب كثارة فقتل
ذكر الخبر عن مخرجه ومقتله
ذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى أن بهلولا كان يتأله وكان له قوت دانق وكان
مشهورا بالبأس عند هشام بن عبد الملك فخرج يريد الحج فأمر غلامه أن يبتاع له
خلا بدرهم فجاءه غلامه بخمر فأمر بردها وأخذ الدرهم فلم يجب إلى ذلك فجاء
بهلول إلى عامل القرية وهى من السواد فكلمه فقال العامل الخمر خير منك ومن
قومك فمضى بهلول في حجه حتى فرغ منه وعزم على الخروج على السلطان فلقى
بمكة من كان على مثل رأيه فاتعدوا قرية من قرى الموصل فاجتمع بها أربعون
457

رجلا وأمروا عليهم البهلول وأجمعوا على أن لا يمروا بأحد إلا أخبروه أنهم
أقبلوا من عند هشام على بعض الأعمال ووجههم إلى خالد لينفذهم في أعمالهم فجعلوا
لا يمرون بعامل إلا أخبروه بذلك وأخذوا دواب من دواب البريد فلما انتهوا
إلى القرية التي كان ابتاع فيها الغلام الخل فأعطى خمرا قال بهلول نبدأ بهذا العامل
الذي قال ما قال فقال له أصحابه نحن نريد قتل خالد فإن بدأنا بهذا شهرنا وحذرنا
خالد وغيره فننشدك الله أن لا تقتل هذا فيفلت منا خالد الذي يهدم المساجد
ويبنى البيع والكنائس ويولى المجوس على المسلمين وينكح هل الذمة المسلمات
لعلنا نقتله فيريح الله منه قال والله لا أدع ما يلزمني لما بعده وأرجو أن أقتل
هذا الذي قال لي ما قال وأدرك خالدا فأقتله وإن تركت هذا وأتيت خالدا شهر
أمرنا فأفلت هذا وقد قال الله عز وجل (قاتلوا الذين يلونكم من الكفار
وليجدوا فيكم غلظة) قالوا أنت ورأيك فأتاه فقتله فنذر بهم الناس وعلموا
أنهم خوارج وابتدروا إلى الطريق هرابا وخرجت البرد إلى خالد فأخبروه أن
خارجة قد خرجت وهم لا يدرون حينئذ من رئيسهم فخرج خالد من واسط حتى
أتى الحيرة وهو حينئذ في الخلق وقد قدم في تلك الأيام قائد من أهل الشأم من
بنى القين في جيش قد وجهوا مددا لعامل خالد على الهند فنزلوا الحيرة فلذلك
قصدها خالد فدعا رئيسهم فقال قائل هؤلاء المارقة فإن من قتل منهم رجلا
أعطيته عطاء سوى ما قبض بالشام وأعفيته من الخروج إلى أرض الهند وكان
الخروج إلى أرض الهند شاقا عليهم فسارعوا إلى ذلك فقالوا نقتل هؤلاء النفر
ونرجع إلى بلادنا فتوجه القيني إليهم في ستمائة وضم إليهم خالد مائتين من شرط
الكوفة فالتقوا على الفرات فعبأ القيني أصحابه وعزل شرط الكوفة فقال لا تكونوا
معنا وإنما يريد في نفسه أن يخلو هو وأصحابه بالقوم فيكون الظفر لهم دون
غيرهم لما وعدهم خالد وخرج إليهم بهلول فسأل عن رئيسهم حتى عرف مكانه
ثم تلبث له ومعه لواء أسود فحمل عليه فطعنه في فرج درعه فأنفذه فقال قتلتني قتلك
الله فقال بهلول إلى النار أبعدك الله وولى أهل الشأم مع شرط أهل الكوفة منهزمين
458

حتى بلغوا باب الكوفة وبهلول وأصحابه يقتلونهم فأما الشاميون فإنهم كانوا على
خيل جياد ففاتوه وأما شرط الكوفة فإنه لحقهم فقالوا اتق الله فينا فإنا مكرهون
مقهورون فجعل يقرع رؤوسهم بالرمح ويقول الحقوا النجاء النجاء ووجد البهلول
مع القيني بدرة فأخذها وكان بالكوفة ستة نفر يرون رأى البهلول فخرجوا إليه
يدون اللحاق به فقتلوا وخرج إليهم البهلول وحمل البدرة بين يديه فقال من قتل
هؤلاء النفر حتى أعطيه هذه الدراهم فجعل هذا يقول أنا وهذا يقول أنا حتى عرفهم
وهم يرون أنه من قبل خالد جاء ليعطيهم مالا لقتلهم من قتلوا فقال بهلول لأهل
القرية أصدق هؤلاء هم قتلوا النفر قالوا نعم وخشي بهلول أنهم ادعو ذلك طعما
في المال فقال لأهل القرية انصرفوا أنتم وأمر بأولئك فقتلوا وعاب عليه أصحابه
فحاجهم فأقروا له بالحجة وبلغت هزيمة القوم خالدا وخبر من قتل من أهل
صريفين فوجه قائدا من بنى شيبان أحد بنى حوشب بن يزيد بن رويم فلقيهم فيما
بين الموصل والكوفة فشد عليهم البهلول فقال نشدتك بالرحم فانى جانح مستجير
فكف عنه وانهزم أصحابه فأتوا خالدا وهو مقيم بالحيرة ينتظر فلم يرعه إلا الفل
قد هجم عليه فارتحل البهلول من يومه يريد الموصل فخافه عامل الموصل فكتب
إلى هشام إن خارجة خرجت فعاثت وأفسدت وإنه لا يأمن على ناحيته ويسأله
جندا يقاتلهم به فكتب إليه هشام وجه إليهم كثارة بن بشر وكان هشام لا يعرف
البهلول إلا بلقبه فكتب إليه العامل إن الخارج هو كثارة قال ثم قال البهلول
لأصحابه إنا والله ما نصنع بابن النصرانية شيئا يعنى خالدا وما خرجت إلا لله فلم
لا نطلب الرأس الذي يسلط خالدا وذوي خالد فتوجه يريد هشاما بالشام فخاف
عمال هشام موجدته إن تركوه يجوز بلادهم حتى ينتهى إلى الشأم فجند له خالد
جندا من أهل العراق وجند له عامل الجزيرة جندا من أهل الجزيرة ووجه إليه
هشام جندا من أهل الشأم فاجتمعوا بدير بين الجزيرة والموصل وأقبل بهلول
حتى انتهى إليهم ويقال التقوا بالكحيل دون الموصل فأقبل بهلول فنزل على باب
الدير فقالوا له تزحزح عن باب الدير حتى نخرج إليك فتنحى وخرجوا فلما رأى
459

كثرتهم وهو في سبعين جعل من أصحابه ميمنة وميسرة ثم أقبل عليهم فقال أكلكم
يرجو أن يقتلنا ثم يأتي بلده وأهله سالما قالوا إنا نرجو ذلك إن شاء الله فشد على
رجل منهم فقتله فقال أما هذا فلا يأتي أهله أبدا فلم يزل ذلك ديدنه حتى قتل
منهم ستة نفر فانهزموا فدخلوا الدير فحاصرهم وجاءتهم الامداد فكانوا عشرين
ألفا فقال له أصحابه إلا نعقر دوابنا ثم نشد عليهم شدة واحدة فقال لا تفعلوا
حتى نبلى الله عذرا ما استمسكنا على دوابنا فقاتلوهم يومهم ذلك كله إلى جنح
العصر حتى أكثروا فيهم القتل والجراح ثم إن بهلولا وأصحابه عقروا دوابهم
وترجلوا وأصلتوا لهم السيوف فأوجعوا فيهم فقتل عامة أصحاب بهلول وهو
يقاتل ويذود عن أصحابه وحمل عليه رجل من جديلة قيس يكنى أبا الموت فطعنه
فصرعه فوافاه من بقى من أصحابه فقالوا له ول أمرنا من بعدك من يقوم به فقال
إن هلكت فأمير المؤمنين دعامة الشيباني فان هلك دعامة فأمير المؤمنين عمرو
اليشكري وكان أبو الموت إنما ختل البهلول ومات بهلول من ليلته فلما أصبحوا
هرب دعامة وخلاهم فقال رجل من شعرائهم
لبئس أمير المؤمنين دعامة * دعامة في الهيجاء شر الدعائم
وقال الضحاك بن قيس يرثى بهلولا ويذكر أصحابه
بدلت بعد أبي بشر وصحبته * قوما على مع الأحزاب أعوانا
كأنهم لم يكونوا من صحابتنا * ولم يكونوا لنا بالأمس خلانا
يا عين أذرى دموعا منك تهتانا * وأبكى لنا صحبة بانوا وإخوانا
خلوا لنا ظاهر الدنيا وباطنها * وأصبحوا في جنان الخلد جيرانا
قال أبو عبيدة لما قتل بهلول خرج عمرو اليشكري فلم يلبث أن قتل ثم خرج
العنزي صاحب الأشهب وبهذا كان يعرف على خالد في ستين فوجه إليه خالد
السمط بن مسلم البجلي في أربعة آلاف فالتقوا بناحية الفرات فشد العنزي على
السمط فضربه بين أصابعه فألقى سيفه وشلت يده وحمل عليهم فانهزمت الحرورية
فتلقاهم عبيد أهل الكوفة وسفلتهم فرموهم بالحجارة حتى قتلوهم قال أبو عبيدة
460

ثم خرج وزير السختياني على خالد في نفر وكان مخرجه بالحيرة فجعل لا يمر
بقرية إلا أحرقها ولا أحد إلا قتله وغلب على ما هنالك وعلى بيت المال فوجه
إليه خالد قائدا من أصحابه وشرطا من شرط الكوفة فقاتلوه وهو في نفر فقاتل
حتى قتل عامة أصحابه وأثخن بالجراح فأخذ مرتثا فأتى به خالد فأقبل على خالد
فوعظه وتلا عليه آيات من القرآن فأعجب خالدا ما سمع منه فأمسك عن قتله وحبسه
عنده وكان لا يزال يبعث إليه في الليالي فيؤتى به فيحادثه ويسائله فبلغ ذلك هشاما
وسعى به إليه وقيل أخذ حروريا قد قتل وحرق وأباح الأموال فاستبقاه فاتخذه
سميرا فغضب هشام وكتب إلى خالد يشتمه ويقول لا تستبق فاسقا قتل وحرق
وأباح الأموال فكان خالد يقول إني أنفس به عن الموت لما كان يسمع من بيانه
وفصاحته فكتب فيه إلى هشام يرفق من أمره ويقال بل لم يكتب ولكنه كان
يؤخر أمره ويدفع عنه حتى كتب إليه هشام يؤنبه ويأمره بقتله واحراقه فلما
جاءه أمر عزيمة لا يستطيع دفعه بعث إليه وإلى نفر من أصحابه كانوا أخذوا معه
فأمر بهم فأدخلوا المسجد وأدخلت أطنان القصب فشدوا فيها ثم صب عليهم النفط
ثم أخرجوا فنصبوا في الرحبة ورموا بالنيران فما منهم أحد إلا من اضطرب وأظهر
جزعا إلا وزيرا فإنه لم يتحرك ولم يزل يتلو القرآن حتى مات (وفى هذه السنة)
غزا أسد بن عبد الله الختل وفيها قتل أسد بدرطاخان ملك الختل
ذكر الخبر عن غزوة أسد الختل هذه الغزوة وسبب قتله بدر طرخان
ذكر علي بن محمد عن أشياخه الذين ذكرناهم قيل أنهم قالوا غزا أسد بن
عبد الله الختل وهى غزوة بدر طرخان فوجه مصعب بن عمرو الخزاعي إليها فلم
يزل مصعب يسير حتى نزل بقرب بدر طرخان فطلب الأمان على أن يخرج إلى
أسد فأجابه مصعب فخرج إلى أسد فطلب منه أشياء فامتنع ثم سأله بدر طرخان
أن يقبل منه ألف ألف درهم فقال له أسد إنك رجل غريب من أهل الباميان
اخرج من الختل كما دخلتها فقال له بدر طرخان دخلت أنت خراسان على عشرة
من المحذفة ولو خرجت منها اليوم لم تستقل على خمسمائة بعير وغير ذلك إني دخلت
461

الختل بشئ فاردده على حتى أخرج منها كما دخلتها قال وما ذاك قال دخلتها شابا
فكسبت المال بالسيف ورزق الله أهلا وولدا فاردد على شبابي حتى أخرج
منها هل ترى أن أخرج من أهلي وولدي فما بقائي بعد أهلي وولدي فغضب أسد
قال وكان بدر طرخان يثق بالأمان فقال له أسد اختم في عنقك فإني أخاف عليك
معرة الجند قال لست أريد ذلك وأنا أكتفي من قبلك برجل يبلغ بي مصعبا فأبى أسد
إلا أن يختم في عنقه فختم في رقبته ودفعه إلى أبى الأسد مولاه فسار به أبو الأسد فانتهى
إلى عسكر المصعب عند المساء وكان سلمة بن أبي عبد الله في الموالى مع مصعب فوافى
أبو الأسد سلمة بن أبي عبد الله في الموالى مع مصعب فوافى أبو الأسد سلمة وهو يضع
الدراجة في موضعها فقال سلمة لأبي الأسد ما صنع الأمير في أمر بدر طرخان فقص
الذي عرض عليه بدر طرخان واباء أسد ذلك وسرحه معه إلى المصعب ليدخله
الحصن فقال سلمة إن الأمير لم يصب فيما صنع وسينظر في ذلك ويندم إنما كان
ينبغي له أن يقبض ما عرض عليه أو يحبسه فلا يدخله حصنه فانا إنما دخلناه بقناطر
اتخذناها ومضايق أصلحناها وكان يمنعه أن يغير علينا رجاء الصلح فأما إن يئس
من الصلح فإنه لا يدع الجهد فدعه الليلة في قبتي ولا تنطلق به إلى مصعب فإنه ساعة
ينظر إليه يدخله حصنه قال فأقام أبو الأسد وبدر طرخان معه في قبة سلمة وأقبل
أسد بالناس في طريق ضيق فتقطع الجند ومضى أسد حتى انتهى إلى نهر وقد
عطش ولم يكن أحد من خدمه فاستسقى وكان السغدي بن عبد الرحمن أبو طعمة
الجرمي معه شاكري له ومع الشاكري قرن تبتى فأخذ السغدي القرن فجعل فيه
سويقا وصب عليه ماء من النهر وحركه وسقى أسدا وقوما من رؤساء الجند فنزل
أسد في ظل شجرة ودعا برجل من الحرس فوضع رأسه في فخذه وجاء المجشر بن
مزاحم السلمي يقود فرسه حتى قعد تجاهه حيث ينظر أسدا فقال أسد كيف أنت
يا أبا العدبس قال كنت أمس أحسن حالا منى اليوم قال وكيف ذاك قال كان
بدر طرخان في أيدينا وعرض ما عرض فلا الأمير قبل منه ما عرض عليه ولا هو
شد يده عليه لكنه خلى سبيله وأمر بادخاله حصنه لما عنده زعم من الوفاء فندم
462

أسد عند ذلك ودعا بدليل من أهل الختل ورجل من أهل الشأم نافذ فاره الفرس
فأتى بهما فقال للشامي ان أنت أدركت بدر طرخان قبل أن يدخل حصنه فلك
ألف درهم فتوجها حتى انتهيا إلى عسكر مصعب فنادى الشأمى ما فعل العلج قيل
عند سلمة وانصرف الدليل إلى أسد بالخبر وأقام الشامي مع بدر طرخان في قبة
سلمة وبعث أسد إلى بدر طرخان فحوله إليه فشتمه فعرف بدر طرخان أنه
قد نقض عهده فرفع حصاة فرمى بها إلى السماء وقال هذا عهد الله وأخذ أخرى
فرمى بها إلى السماء وقال هذا عهد محمد صلى الله عليه وسلم وأخذ يصنع كذلك
بعهد أمير المؤمنين وعهد المسلمين فأمر أسد بقطع يده وقال أسد من ههنا من
أولياء أبى فديك رجل من الأزد قتله بدر طرخان فقام رجل من الأزد فقال
أنا قال اضرب عنقه ففعل وغلب أسد على القلعة العظمى وبقيت قلعة فوقها صغيرة
فيها ولده وأمواله فلم يوصل إليهم وفرق أسد الخيل في أودية الخيل قال وقدم
أسد مرو وعليها أيوب بن أبي حسان التميمي فعزله واستعمل خالد بن شديد
ابن عمه فلما شخص إلى بلخ بلغه أن عمارة بن خريم تزوج الفاضلة بنت يزيد بن
المهلب فكتب إلى خالد بن شديد احمل عمارة على طلاق ابنة يزيد فان أبى فاضربه
مائة سوط فبعث إليه فأتاه وعنده العذافر بن زيد التميمي فأمره بطلاقها ففعل
بعد إباء منه وقال عذافر عمارة والله فتى قيس وسيدها وما بها عليه أبهة أي ليست
بأشرف منه فتوفى خالد بن شديد واستخلف الأشعث بن جعفر البجلي (وفيها)
شرى الصحارى بن شبيب وحكم بجبل
ذكر خبره
ذكر عن أبي عبيدة معمر بن المثنى أن الصحارى بن شبيب أتى خالدا
يسأله الفريضة فقال وما يصنع ابن شبيب بالفريضة فودعه ابن شبيب ومضى
وندم خالد وخاف أن يفتق عليه فتقا فأرسل إليه يدعوه فقال أنا كنت عنده
آنفا فأبوا أن يدعوه فشد عليهم بسيفه فتركوه فركب وسار حتى جاوز واسطا
ثم عقر فرسه وركب زورقا ليخفى مكانه ثم قصد إلى نفر من بنى تيم اللات بن
463

ثعلبة كانوا بجبل فأتاهم متقلدا سيفا فأخبرهم خبره وخبر خالد فقالوا له وما كنت
ترجو بالفريضة كنت لان تخرج إلى ابن النصرانية فتضربه بسيفك أحرى فقال
إني والله ما أردت الفريضة وما أردت إلا التوصل إليه لئلا ينكرني ثم أقتل ابن
النصرانية غيلة بقتله فلانا وكان خالد قبل ذلك قد قتل رجلا من قعدة الصفرية
صيرا ثم دعاهم الصحارى إلى الوثوب معه فأجابه بعضهم وقال بعضهم ننتظر وأبى
بعضهم وقالوا نحن في عافية فلما رأى ذلك قال
لم أرد منه الفريضة إلا * طمعا في قتله أن أنالا
فأريح الأرض منه وممن * عاث فيها وعن الحق مالا
كل جبار عنيد أراه * ترك الحق وسن الضلالا
إنني شار بنفسي لربى * تارك قيلا لديهم وقالا
بائع أهلي ومالي أرجو * في جنان الخلد أهلا ومالا
قال فبايعه نحو من ثلاثين فشرى بجبل ثم سار حتى أتى المبارك فبلغ ذلك
خالدا فقال قد كنت خفتها منه ثم وجه إليه خالد جندا فلقوه بناحية المناذر فقاتلهم
قتال شديدا ثم انطووا عليه فقتلوه وقتلوا جميع أصحابه (قال أبو جعفر) وحج
بالناس في هذه السنة أبو شاكر مسلمة بن هشام بن عبد الملك وحج معه ابن
شهاب الزهري في هذه السنة وكان العامل في هذه السنة على المدينة ومكة والطائف
محمد بن هشام وعلى العراق والمشرق خالد بن عبد الله القسري وعامل خالد على
خراسان أخوه أسد بن عبد الله وقد قيل إن أخا خالد أسدا هلك في هذه السنة
واستخلف عليها جعفر بن حنظلة البهراني وقيل إن أسدا أخا خالد بن عبد الله إنما
هلك في سنة 120 وكان على أرمينية وآذربيجان مروان بن محمد
ثم دخلت سنة عشرين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك غزوة سليمان بن هشام بن عبد الملك الصائفة وافتتاحه فيما ذكر
464

سندرة وغزوة إسحاق بن مسلم العيقلي وافتتاحه قلاع تومانشاه وتخريبه أرضه
وغزوة مروان بن محمد أرض الترك (وفيها) كانت وفاة أسد بن عبد الله في قول المدائني
ذكر الخبر عن سبب وفاته
وكان سبب ذلك أنه كانت به فيما ذكر دبيلة في جوفه فحضر المهرجان وهو
ببلخ فقدم عليه الامراء والدهاقين بالهدايا فكان ممن قدم عليه إبراهيم بن عبد الرحمن
الحنفي عامله على هراة وخراسان ودهقان هراة فقدما بهدية قومت بألف ألف
فكان فيما قدما به قصران قصر من فضة وقصر من ذهب وأباريق من ذهب
وأباريق من فضة وصحاف من ذهب وفضة فأقبلا وأسد جالس على السرير وأشراف
خراسان على الكراسي فوضعا القصرين ثم وضعا خلفهما الأباريق والصحاف
والديباج المروى والقوهي والهروي وغير ذلك حتى امتلا السماط وكان فيما جاء
به الدهقان أسدا كرة من ذهب ثم قام الدهقان خطيبا فقال أصلح الله الأمير إنا
معشر العجم أكلنا الدنيا أربعمائة سنة أكلناها بالحلم والعقل والوقار ليس فينا
كتاب ناطق ولا نبي مرسل وكانت الرجال عندنا ثلاثة ميمون النقيبة أينما توجه
فتح الله على يده والذي يليه رجل تمت مروته في بيته فإن كان كذلك رحب وحبى
وعظيم وقود وقدم ورجل رحب صدره وبسط يده فرجى فإذا كان كذلك قود
وقدم وإن الله جعل صفات هؤلاء الثلاثة الذين أكلنا بهم أربعمائة سنة فيك
أيها الأمير وما نعلم أحدا هو أتم كتخدانية منك إنك ضبطت أهل بيتك وحشمك
ومواليك فليس منهم أحد يستطيع أن يتعدى على صغير ولا كبير ولا غنى ولا
فقير فهذا تمام الكتخدانية ثم بنيت الايوانات في المفاوز فيجئ الجائي من
المشرق والآخر من المغرب فلا يجدان عيبا إلا أن يقولا سبحان الله ما أحسن
ما بنى ومن يمن نقيبتك أنك لقيت خاقان وهو في مائة ألف معه الحارث بن سريج
فهزمته وفللته وقتلت أصحابه وأبحت عسكره وأما رحب صدرك وبسط يدك فإنا
ما ندري أي المالين أقر لعينك أمال قدم عليك أم مال خرج من عندك بل أنت
465

بما خرج أقر عينا فضحك أسد وقال أنت خير دهاقين خراسان وأحسنهم هدية
وناوله تفاحة كانت في يده وسجد له دهقان هراة وأطرق أسد ينظر إلى تلك
الهدايا فنظر عن يمينه فقال يا عذافر بن يزيد مر من يحمل هذا القصر الذهب ثم
قال يا معن بن أحمر رأس قيس أو قال قنسرين مر بهذا القصر يحمل ثم قال يا فلان
خذ إبريقا ويا فلان خذ إبريقا وأعطى الصحاف حتى بقيت صحفتان فقال قم يا ابن
الصيداء فخذ صحيفة قال فأخذ واحدة فرزنها فوضعها ثم أخذ الأخرى فرزنها فقال
له أسد مالك قال آخذ أرزنهما قال خذهما جميعا وأعطى العرفاء وأصحاب البلاء
فقام أبو اليعفور وكان يسير أمام صاحب خراسان في المغازي فنادى هلم إلى
الطريق فقال أسد ما أحسن ما ذكرت بنفسك خذ ديباجتين وقام ميمون العذاب
فقال إلى إلى يساركم إلى الجادة فقال ما أحسن ما ذكرت نفسك خذ ديباجة قال
فأعطى ما كان في السماط كله فقال نهر بن توسعة
تفلون إن نادى لروع مثوب * وأنتم غداة المهرجان كثير
ثم مرض أسد فأفاق إفاقة فخرج يوما فأتى بكمثرى أول ما جاء فأطعم الناس
منه واحدة واحدة وأخذ كمثراء فرمى بها إلى دهقان هراة فانقطعت الدبيلة فهلك
واستخلف جعفر البهراني وهو جعفر بن حنظلة سنة 120 فعمل أربعة أشهر وجاء
عهد نصر بن سيار في رجب سنة 121 فقال ابن عرس العبدي
نعى أسد بن عبد الله ناع * فريع القلب للملك المطاع
ببلخ وافق المقدار يسرى * وما لقضاء ربك من دفاع
فجودي عين بالعبرات سحا * ألم يحزنك تفريق الجماع
أتاه حمامه في جوف صبغ * وكم بالصبغ من بطل شجاع
كتائب قد يجيبون المنادى * على جرد مسومة سراع
سقيت الغيث انك كنت غيثا * مريعا عند مرتاد النجاع
وقال سليمان بن قتيبة مولى بنى تميم بن مرة وكان صديقا لأسد
سقى الله بلخا سهل بلخ وحزنها * ومروى خراسان السحاب المجمما
466

وما بي لتسقاه ولكن حفرة * بها غيبوا شلوا كريما وأعظما
مراجم أقوام ومردى عظيمة * وطلاب أوتار عفرنا عثمثما
لقد كان يعطى السيف في الروع حقه * ويروى السنان الزاغبي المقوما
(قال أبو جعفر) وفى هذه السنة وجهت شيعة بنى العباس بخراسان إلى محمد
ابن علي بن العباس سليمان بن كثير ليعلمه أمرهم وما هم عليه
ذكر الخبر عن سبب توجيههم سليمان إلى محمد
وكان السبب في ذلك موجدة كانت من محمد بن علي على من كان بخراسان
من شيعته من أجل طاعتهم كانت لخداش الذي ذكرنا خبره قبل وقبولهم منه
ما روى عليه من الكذب فترك مكاتبتهم فلما أبطأ عليهم كتابه اجتمعوا فذكروا
ذلك بينهم فأجمعوا على الرضا بسليمان بن كثير ليلقاه بأمرهم ويخبره عنهم ويرجع
إليهم بما يرد عليه فقدم فيما ذكر سليمان بن كثير على محمد بن علي وهو متنكر
لمن بخراسان من شيعته فأخبره عنهم فعنفهم في اتباعهم خداشا وما كان دعا إليه
وقال لعن الله خداشا ومن كان على دينه ثم صرف سليمان إلى خراسان وكتب
إليهم معه كتابا فقدم عليهم ومعه الكتاب مختوما ففضوا خاتمه فلم يجدوا فيه
شيئا إلا بسم الله الرحمن الرحيم فغلظ ذلك عليهم وعلموا أن ما كان خداش أتاهم
به لامره مخالف (وفى هذه السنة) وجه محمد بن علي بكير بن ماهان إلى شيعته
بخراسان بعد منصرف سليمان بن كثير من عنده إليهم وكتب معه إليهم كتابا
يعلمهم أن خداشا حمل شيعته على غير منهاجه فقدم عليهم بكير بكتابه فلم يصدقوه
واستخفوا به فانصرف بكير إلى محمد بن علي فبعث معه بعصى مضببة بعضها
بالحديد وبعضها بالشبه فقدم بها بكير وجمع النقباء والشيعة ودفع إلى كل رجل
منهم عصا فعلموا أنهم مخالفون لسيرته فرجعوا وتابوا (وفى هذه السنة) عزل
هشام بن عبد الملك خالد بن عبد الله عن أعماله التي كان ولاه إياها كلها
ذكر سبب عزل هشام خالدا
قد قيل في ذلك أقوال نذكر ما حضرنا من ذلك ذكره فمما قيل في ذلك إن
467

فروخ أبا المثنى كان قد تقبل من ضياع هشام بن عبد الملك بموضع يقال له رستاق
الرمان أو نهر الرمان وكان يدعى بذلك فروخ الرماني فثقل مكانه على خالد فقال
خالد لحسان النبطي ويحك اخرج إلى أمير المؤمنين فزد على فروخ فخرج فزاد
عليه ألف ألف درهم فبعث هشام رجلين من صلحاء أهل الشأم فحازى الضياع
فصار حسان أثقل على خالد من فروخ فجعل يضر به فيقول له حسان لا تفسدني
وأنا صنيعتك فأبى إلا الاضرار به فلما قدم عليه بثق البثوق على الضياع ثم خرج
إلى هشام فقال إن خالدا بثق البثوق على ضياعك فوجه هشام رجلا فنظر إليها
ثم رجع إلى هشام فأخبره فقال حسان لخادم من خدم هشام إن تكلمت بكلمة
أقولها لك حيث يسمع هشام فلك عندي ألف دينار قال فعجل لي الألف وأقول
ما شئت قال فعجلها له وقال له بك صبيا من صبيان هشام فإذا بكى فقل له اسكت
والله لكأنك ابن خالد القسري الذي غلته ثلاثة عشر ألف ألف فسمعها هشام
فأغضي عليها ثم دخل عليه حسان بعد ذلك فقال له هشام ادن منى فدنا منه فقال
كم غلة خالد قال ثلاثة عشر ألف ألف قال فكيف لم تخبرني بهذا قال وهل سألتني
فوقرت في نفس هشام فأزمع على عزله وقيل كان خالد يقول لابنه يزيد ما أنت
بدون مسلمة بن هشام فإنك لتفخر على الناس بثلاث لا يفخر بمثلها أحد سكرت
دجلة ولم يتكلف ذلك أحد ولى سقاية بمكة ولى ولاية العراق وقيل إنما أغضب
هشاما على خالد أن رجلا من قريش دخل على خالد فاستخف به وعضه بلسانه
فكتب إلى هشام يشكوه فكتب هشام إلى خالد أما بعد فإن أمير المؤمنين وإن
كان أطلق لك يدك ورأيك فيمن استرعاك أمره واستحفظك عليه للذي رجا
من كفايتك ووثق به من حسن تدبيرك لم يفترشك عرة أهل بيته لتطأه بقدمك
ولا تحد إليه بصرك فكيف بك وقد بسطت على غرتهم بالعراق لسانك بالتوبيخ
تريد بذلك تصغير خطره واحتقار قدره زعمت بالنصفة منه حتى أخرجك ذلك
إلى الاغلاظ في اللفظ عليه في مجلس العامة غير متحلحل له حين رأيته مقبلا من
صدر مهادك الذي مهد له الله وفى قومك من يعلوك بحسبه ويغمرك بأوليته
468

فنلت مهادك بما رفع به آل عمرو من ضعتك خاصة مساوين بك فروع غرر
القبائل وقرومها قبل أمير المؤمنين حتى حللت هضبة أصبحت تنحو بها عليهم مفتخرا
هذا ان لم يدهده بك قلة شكرك متحطما وقيذا فهلا يا ابن مجرشة قومك أعظمت
رجلهم عليك داخلا ووسعت مجلسه إذ رأيته إليك مقبلا وتجافيت له عن صدر
فراشك مكرما ثم فاوضته مقبلا عليه ببشرك اكراما لأمير المؤمنين فإذا اطمأن
به مجلسه نازعته بحيى السرار معظما لقرابته عارفا لحقه فهو سن البيتين ونابهم وابن
شيخ آل أبي العاص وحرب وغرتهم وبالله يقسم أمير المؤمنين لك لولا ما تقدم
من حرمتك وما يكره من شماتة عدوك بك لوضع منك ما رفع حتى يردك إلى
حال تفقد بها أهل الحوائج بعراقك وتزاحم المواكب ببابك وما أقربني من أن
أجعلك تابعا لمن كان لك تبعا فانهض على أي حال ألقاك رسول أمير المؤمنين
وكتابه من ليل أو نهار ماشيا على قدمك بمن معك من خولك حتى تقف
على باب ابن عمرو صاغرا مستأذنا عليه متنصلا إليه أذن لك أو منعك فإن
حركته عواطف رحمة احتملك وان احتملته أنفة وحمية من دخولك عليه فقف
ببابه حولا غير متحلحل ولا زائل ثم أمرك بعد إليه عزل أو ولى انتصر أو عفا فلعنك الله
من متكل عليه بالثقة ما أكثر هفواتك وأقذع لأهل السرف ألفاظك التي لا تزال
تبلغ أمير المؤمنين من إقدامك بها على من هو أولى بما أنت فيه من ولاية مصري
العراق وأقدم وأقوم وقد كتب أمير المؤمنين إلى ابن عمه بما كتب به إليك من
إنكاره عليك ليرى في العفو عنك والسخط عليك رأيه مفوضا ذلك إليه مبسوطة
فيه يده محمودا عند أمير المؤمنين على أيهما آتي إليك موفقا إن شاء الله تعالى وكتابه
إلى ابن عمرو أما بعد فقد بلغ أمير المؤمنين كتابك وفهم ما ذكرت من بسط خالد
عليك لسانه في مجلس العامة محتقرا لقدرك مستصغرا لقرابتك من أمير المؤمنين
وعواطف رحمه عليك وإمساكك عنه تعظيما لأمير المؤمنين وسلطانه وتمسكا
بوثائق عصم طاعته مع مؤلم ما تداخلك من قبائح ألفاظه وشرارة منطقه وإكثابه
عليك عند إطراقك عنه مرويا فيما أطلق أمير المؤمنين من لسانه وأطال من عنانه
469

ورفع من ضعته ونوه من خموله وكذلك أنتم آل سعيد في مثلها عند هذر الذنابى
وطائشة أحلامها صمت من غير إفحام بل بأحلام تحف بالجبال وزنا وقد حمد أمير
المؤمنين تعظيمك إياه وتوقيرك سلطانه وشكره وقد جعل أمر خالد إليك في عزلك
إياه أو إقراره فان عزلته أمضى عزلك إياه وإن أقررته فتلك منة لك عليه لا يشكرك
أمير المؤمنين فيها وقد كتب إليه أمير المؤمنين بما يطرد عنه سنة الهاجع عند وصوله
إليه يأمره بإتيانك راجلا على أية حال صادفه كتاب أمير المؤمنين وألفاه رسوله
الموجه إليه من ليله أو نهاره حتى يقف ببابك أذنت له أو حجبته أقررته أو عزلته
وتقدم أمير المؤمنين إلى رسوله في ضربه بين يديك على رأسه عشرين سوطا إلا
أن تكره أن يناله ذلك بسببك لحرمة خدمته فأيهما رأيت امضاءه كان لأمير المؤمنين
في برك وعظم حرمتك وقرابتك وصلة رحمك موافقا وإليه حبيبا فيما ينوى من
قضاء حق آل أبي العاص وسعيد فكاتب أمير المؤمنين فيما بدالك مبتدئا ومجيبا ومحادثا
وطالبا ما عسى أن ينزل بك أهلك من أهل بيت أمير المؤمنين من حوائجهم التي
تقعد بهم الحشمة عن تناولها من قبله لبعد دارهم عنه وقلة امكان الخروج لانزالها
به غير محتشم من أمير المؤمنين ولا مستوحش من تكرارها عليه على قدر قرابتهم
وأديانهم وأنسابهم مستمنحا ومسترفدا وطالبا مستزيدا تجد أمير المؤمنين إليك
سريعا بالبر لما يحاول من صلة قرابتهم وقضاء حقوقهم وبالله يستعين أمير المؤمنين
على ما ينوى واليه يرغب في العون على قضاء حق قرابته وعليه يتوكل وبه يثق والله
وليه ومولاه والسلام وقيل إن خالدا كان كثيرا ما يذكر هشاما فيقول ابن الحمقاء
وكانت أم هشام تستحمق وقد ذكرنا خبرها قبل وذكر أنه كتب إلى هشام كتابا
غاظه فكتب إليه هشام يا ابن أم خالد قد بلغني أنك تقول ما ولاية العراق لي بشرف
فيا ابن اللخناء كيف لا يكون إمرة العراق لك شرفا وأنت من بجيلة القليلة الذليلة
أم والله إني لأظن أن أول من يأتيك صغير من قريش يشد يديك إلى عنقك
وذكر أن هشاما كتب إليه قد بلغني قولك أنا خالد بن عبد الله بن يزيد بن أسد بن
كرز ما أنا بأشرف الخمسة أم والله لأردنك إلى بغلتك وطيلسانك الفيروزي
470

وذكر أن هشاما بلغه أنه يقول لابنه كيف أنت إذا احتاج إليك بنو أمير المؤمنين
فظهر الغضب في وجهه وقيل إن هشاما قدم عليه رجل من أهل الشأم فقال إني
سمعت خالدا ذكر أمير المؤمنين بما لا ينطلق به الشفتان قال قال الأحول قال لا بل
قال أشد من ذلك قال فما هو قال لا أقوله أبدا فلم يزل يبلغه عنه ما يكره حتى تغير له
وذكر أن دهقانا دخل على خالد فقال أيها الأمير إن غلة ابنك قد زادت على عشرة
آلاف ألف ولا آمن أن يبلغ هذا أمير المؤمنين فيستكثره وإن الناس يحبون
جسدك وأنا أحب جسدك وروحك قال إن أسد بن عبد الله قد كلمني بمثل هذا
فأنت أمرته قال نعم قال ويحك دع ابني فلربما طلب الدرهم فلم يقدر عليه ثم عزم
هشام لما كثر عليه ما يتصل به عن خالد من الأمور التي كان يكرهها على عزله فلما
عزم على ذلك أخفى ما قد عزم له عليه من أمره
ذكر الخبر عن عمل هشام في عزل خالد حين صح عزمه على عزله
ذكر عمر أن عبيد بن جناد حدثه أنه سمع أباه وبعض الكتبة يذكر أن
هشاما أخفى عزل خالد وكتب إلى يوسف بخطه وهو على اليمن أن يقبل في ثلاثين
من أصحابه فخرج يوسف حتى صار إلى الكوفة فعس قريبا منها وقد ختن طارق
خليفة خالد على الخراج ولده فأهدى له ألف عتيق وألف وصيف وألف
وصيفة سوى الأموال والثياب وغير ذلك فمر العاس بيوسف وأصحابه ويوسف
يصلى ورائحة الطيب تنفح من ثيابه فقال ما أنتم قالوا أسفار قال فأين تريدون قالوا
بعض المواضع فأتوا طارقا وأصحابه فقالوا إنا رأينا قوما أنكرناهم والرأي أن نقتلهم
فإن كانوا خوارج استرحنا منهم وإن كانوا يريدونكم عرفتم ذلك فاستعددتم على
أمرهم فنهوهم عن قتلهم فطافوا فلما كان في السحر وقد انتقل يوسف وصار إلى
دور ثقيف فمر بهم العاس فقال ما أنتم فقالوا أسفار قال فأين تريدون قالوا بعض
المواضع فأتوا طارقا وأصحابه فقالوا قد صاروا إلى دور ثقيف والرأي أن نقتلهم
فمنعوهم وأمر يوسف بعض الثقفيين فقال أجمع لي من بها من مضر ففعل فدخل المسجد
مع الفجر فأمر المؤذن بالإقامة فقال حتى يأتي الامام فانتهره فأقام وتقدم يوسف
471

فقرأ إذا وقعت الواقعة وسأل سائل ثم أرسل إلى خالد وطارق وأصحابهما؟؟ فأخذوا
وإن القدور لتغلى قال عمر قال علي بن محمد قال قال الربيع بن سابور مولى
بنى الحريش وكان هشام جعل إليه الخاتم مع الحرس أتى هشاما كتاب خالد
غاظه وقدم عليه في ذلك اليوم جندب مولى يوسف بن عمر بكتاب يوسف فقرأه
ثم قال لسالم مولى عنبسة بن عبد الملك أجبه عن لسانك وكتب هو بخطه كتابا
صغيرا ثم قال لي ائتنى بكتاب سالم وكان سالم على الديوان فأتيته به فأدرج فيه الكتاب
الصغير ثم قال لي اختمه ففعلت ثم دعا برسول يوسف فقال إن صاحبك لمتعد
طوره ويسأل فوق قدره ثم قال لي مزق ثيابه ثم أمر به فضرب أسواطا فقال
أخرجه عنى وادفع إليه كتابه فدفعت إليه الكتاب وقلت له ويلك النجاء
فارتاب بشير بن أبي ثلجة من أهل الأردن وكان خليفة سالم وقال هذه حيلة وقد
ولى يوسف العراق فكتب إلى عامل لسالم على أجمة سالم يقال له عياض ان أهلك
قد بعثوا إليك بالثوب اليماني فإذا أتاك فالبسه واحمد الله وأعلم ذلك طارقا
فبعث عياض إلى طارق بن أبي زياد بالكتاب وندم بشير على كتابه وكتب إلى
عياض إن أهلك قد بدا لهم في إمساك الثوب فلا تتكل عليه فجاء عياض بالكتاب
الآخر إلى طارق فقال طارق الخبر في الكتاب الأول ولكن صاحبك ندم
وخاف أن يظهر الخبر فكتب بهذا وركب طارق من الكوفة إلى خالد وهو
بواسط فسار يوما وليلة فصبحهم فرآه داود البربري وكان على حجابه خالد
وحرسه وعلى ديوان الرسائل فأعلم خالدا فغضب وقال قدم بغير إذن فأذن له
فلما رآه قال ما أقدمك قال أمر كنت أخطأت فيه قال وما هو قال وفاة أسد رحمه
الله كتبت إلى الأمير أعزيه عنه وإنما كان ينبغي لي أن آتيه ماشيا فرق خالد
ودمعت عينه وقال ارجع إلى عملك قال أردت أن أذكر للأمير أمرا أسره قال
ما دون داود سر قال أمر من أمري فغضب داود وخرج وأخبر طارق خالدا
قال فما الرأي قال تركب إلى أمير المؤمنين فتعتذر إليه من شئ إن كان بلغه عنك
قال فبئس الرجل أنا إذا إن ركبت إليه بغير إذنه قال فشئ آخر قال وما هو قال
472

تسير في عملك وأتقدمك إلى الشأم فأستأذنه لك فإنك لا تبلغ أقصى عملك حتى
يأتيك إذنه قال ولا هذا قال فأذهب فأضمن لأمير المؤمنين جميع ما انكسر في هذه
السنين وآتيك بعهدك مستقبلا قال وما يبلغ ذاك قال مائة ألف ألف قال ومن
أين آخذ هذا والله ما أجد عشرة آلاف درهم قال أتحمل أنا وسعيد بن راشد
أربعين ألف ألف درهم والزينبي وأبان بن الوليد عشرين ألف ألف وتفرق
الباقي على العمال قال إني إذا للئيم إن كنت سوغت قوما شيئا ثم أرجع فيه فقال
طارق إنما نقيك ونقى أنفسنا بأموالنا ونستأنف الدنيا وتبقى النعمة عليك وعلينا
خير من أن يجئ من يطالبنا بالأموال وهى عند تجار أهل الكوفة فيتقاعسون
ويتربصون بنا فنقتل ويأكلون تلك الأموال فأبى خالد فودعه طارق وبكى
وقال هذا آخر ما نلتقي في الدنيا ومضى ودخل داود فأخبره خالد بقول طارق
فقال قد علم أنك لا تخرج بغير إذن فأراد أن يختلك ويأتي الشأم فيتقبل بالعراق
هو وابن أخيه سعيد بن راشد فرجع طارق إلى الكوفة وخرج خالد إلى الحمة
قال وقدم رسول يوسف عليه اليمن فقال له ما وراءك قال الشر أمير المؤمنين
ساخط وقد ضربني ولم يكتب جواب كتابك وهذا كتاب سالم صاحب الديوان
ففض الكتاب فقرأه فلما انتهى إلى آخره قرأ كتاب هشام بخطه أن سر إلى العراق
فقد وليتك إياه وإياك أن يعلم بذاك أحد وخذ ابن النصرانية وعماله فأشفني
منهم فقال يوسف انظروا دليلا عالما بالطريق فأتى بعدة فاختار منهم رجلا
وسار من يومه واستخلف على اليمن ابنه الصلت فشيعه فلما أراد أن ينصرف
سأله أين تريد فضربه مائة سوط وقال يا ابن اللخناء أيخفى عليك إذا استقر بي
منزل فسار فكان إذا أتى إلى طريقين سأل فإذا قيل هذا إلى العراق قال أعرق
حتى أتى الكوفة قال عمر قال على عن بشر بن عيسى عن أبيه قال قال حسان
النبطي هيأت لهشام طيبا فإني لبين يديه وهو ينظر إلى ذلك الطيب إذ قال لي
باحسان في كم يقدم القادم من العراق إلى اليمن قال قلت لا أدرى فقال
أمرتك أمرا حازما فعصيتني * فأصبحت مسلوب الامارة نادما
473

قال فلم يلبث إلا قليلا حتى جاء كتاب يوسف من العراق قد قدمها وذلك
في جمادى الآخرة سنة 120 قال عمر قال على قال سالم زنبيل لما صرنا إلى النجف
قال لي يوسف انطلق فأتني بطارق فلم أستطع أن آبى عليه وقلت في نفسي من لي
بطارق في سلطانه ثم أتيت الكومة فقلت لغلمان طارق استأذنوا لي على طارق
فضربوني فصحت له ويلك يا طارق أنا سالم رسول يوسف وقد قدم على العراق
فخرج فصاح بالغلمان وقال أنا آتيه قال وروى أن يوسف قال لكيسان انطلق
فأتني بطارق فإن كان قد أقبل فاحمله على أكاف وإن لم يكن أقبل فأت به سحبا
قال فأتيت بالحيرة دار عبد المسيح وهو سيد أهل الحيرة فقلت له إن يوسف
قد قدم على العراق وهو يأمرك أن تشد طارقا وتأتيه به فخرج هو وولده وغلمانه
حتى أتوا منزل طارق وكان لطارق غلام شجاع معه غلمان شجعاء لهم سلاح
وعدة فقال لطارق إن أذنت لي خرجت إلى هؤلاء فيمن معي فقتلتهم ثم طرت
على وجهك فذهبت حيث شئت قال فأذن لكيسان فقال أخبرني عن الأمير
يريد المال قال نعم قال فأنا أعطيه ما سأل وأقبلوا إلى يوسف فتوافوا بالحيرة
فلما عاينه ضربه ضربا مبرحا يقال خمسمائة سوط ودخل الكوفة وأرسل عطاء
ابن مقدم خالد بالحمة قال عطاء فأتيت الحاجب فقلت استأذن لي على أبى الهيثم
فدخل وهو متغير الوجه فقال له خالد مالك قال خير قال ما عندك خير قال عطاء
ابن مقدم قال استأذن لي على أبى الهيثم فقال ائذن له فدخلت فقال ويل أمها
سخطة قال فلم أستقر حتى دخل الحكم بن الصلت فقعد معه فقال له خالد ما كان
ليلى على أحد هو أحب إلى منكم وخطب يوسف بالكوفة فقال إن
أمير المؤمنين أمرني بأخذ عمال ابن النصرانية وأن أشفيه منهم وسأفعل وأزيد
والله يا أهل العراق ولا قتلن منافقيكم بالسيف وجناتكم بالعذاب وفساقكم
ثم نزل ومضى إلى واسط وأتى بخالد وهو بواسط قال عمر قال حدثني الحكم
ابن النضر قال سمعت أبا عبيدة يقول لما حبس يوسف خالدا صالحه عنه أبان
ابن الوليد وأصحابه على تسعة آلاف ألف درهم ثم ندم يوسف وقيل له لو لم تفعل
474

لأخذت منه مائة ألف ألف درهم قال ما كنت لا رجع وقد رهنت لساني بشئ وأخبر
أصحاب خالد خالدا فقال قد أسأتم حين أعطيتموه عند أول وهلة تسعة آلاف
ألف ما آمن أن يأخذها ثم يعود عليكم فارجعوا فجاءوا فقالوا إنا قد أخبرنا خالدا
فلم يرض بما ضمنا وأخبرنا أن المال لا يمكنه فقال أنتم أعلم وصاحبكم فأما أنا فلا
أرجع عليكم فان رجعتم لم أمنعكم قالوا فإنا قد رجعنا قال وقد فعلتم قالوا نعم
قال فمنكم أتى النقض فوالله لا أرضى بتسعة آلاف ألف ولا مثلها ولا مثليها فأخذ
أكثر من ذلك وقد قيل إنه أخذ مائة ألف ألف * وذكر الهيثم بن عدي عن
ابن عياش أن هشاما أزمع على عزل خالد وكان سبب ذلك أنه اعتقد بالعراق أموالا
وحفر أنهارا حتى بلغت غلته ألف ألف منها نهر خالد وكان يغل خمسة
آلاف ألف وباجوى وبارمانا والمبارك والجامع وكورة سابور والصلح وكان
كثيرا ما يقول انني والله مظلوم ما تحت قدمي من شئ إلا وهو لي يعنى أن عمر
جعل لبجيلة ربع السواد قال الهيثم بن عدي أخبرني الحسن بن عمارة عن العريان
ابن الهيثم قال كنت كثيرا ما أقول لأصحابي إن أحسب هذا الرجل قد تخلى منه إن
قريشا لا تحتمل هذا ونحوه وهم أهل حسد وهذا يظهر ما يظهر فقلت له يوما أيها
الأمير إن الناس قد رموك بأبصارهم وهى قريش وليس بينك وبينها إل وهم
يجدون منك بدا وأنت لا تجد منهم بدا فأنشدك الله الا ما كتبت إلى هشام تخبره
عن أموالك وتعرض عليه منها ما أحب فما أقدرك على أن تتخذ مثلها وهو
لا يستفسدك وإن كان حريصا على ذلك فلعمري لان يذهب بعض ويبقى بعض
خير من أن تذهب كلها وما كان يستحسن فيما بينك وبينه أن يأخذها كلها ولا
آمن أن يأتيه باغ أو حاسد فيقبل منه فلان تعطيه طائعا خير من أن تعطيه
كارها فقال ما أنت بمتهم ولا يكون ذلك أبدا قال فقلت أطعني واجعلني رسولك
فوالله لا يحل عقدة إلا شددتها ولا يشد عقدة إلا حللتها قال انا والله لا نعطى على
الذل قال قلت هل كانت لك هذه الضياع إلا في سلطانه وهل تستطيع الامتناع
منه إن أخذها قال لا قلت فبادره فإنه يحفظها لك ويشكرك عليها ولو لم تكن
475

له عندك يد إلا ما ابتدأك به كنت جديرا أن تحفظه قال لا والله لا يكون ذلك أبدا
قال قلت فما كنت صانعا إذا عزلك وأخذ ضياعك فاصنعه فان اخوته وولده
وأهل بيته قد سبقوا لك وأكثروا عليه فيك ولك صنائع تعود عليهم بما بدالك
ثم استدرك استتمام ما كان منك إلى صنائعك من هشام قال قد أبصرت ما تقول
وليس إلى ذلك سبل وكان العريان يقول كأنكم به قد عزل وأخذ ماله وتجنى عليه
ثم لا ينتفع بشئ قال فكان كذلك قال الهيثم وحدثني ابن عياش أن بلال بن أبي
بردة كتب إلى خالد وهو عامله على البصرة حين بلغه تعتب هشام عليه أنه حدث
أمر لا أجد بدا من مشافهتك فيه فان رأيت أن تأذن لي فإنما هي ليلة ويومها
إليك ويوم عندك وليلة ويومها منصرفا فكتب إليه أن أقبل إذا شئت فركب هو
وموليان له الجمازات فسار يوما وليلة ثم صلى المغرب بالكوفة وهى ثمانون
فرسخا فأخبر خالد بمكانه فأتاه وقد تعصب فقال أبا عمرو أتعبت نفسك قال أجل
قال متى عهدك بالبصرة قال أمس قال أحق ما تقول قال هو والله ما قلت قال فما
أنصبك قال ما بلغني من تعتب أمير المؤمنين وقوله وما بغاك به ولده وأهل بيته
فان رأيت أتعرض له وأعرض عليه بعض أموالنا ثم ندعوه منها إلى ما أحب
وأنفسنا به طيبة ثم أعرض عليه مالك فما أخذ منه فعلينا العوض منه بعد قال
ما أتهمك وحتى أنظر قال إني أخاف أن تعاجل قال كلا قال إن قريشا من قد
عرفت ولا سيما سرعتهم إليك قال يا بلال إني والله ما أعطى شيئا قسرا أبدا قال
أيها الأمير أتكلم قال نعم قال إن هشاما أعذر منك يقول استعملتك وليس لك
شئ فلم تر من الحق عليك أن تعرض على بعض ما صار إليك وأخاف أن يزين له
حسان النبطي مالا تستطيع إدراكه فاغتنم هذه الفترة قال أنا ناظر في ذلك فانصرف
راشدا فانصرف بلال وهو يقول كأنكم بهذا الرجل قد بعث إليه رجل بعيد أتى
به حمز بغيض النفس سخيف الدين قليل الحياء يأخذه بالاحن والترات فكان كما
قال قال ابن عياش وكان بلال قد اتخذ دارا بالكوفة وانما استأذن خالدا لينظر
إلى داره فما نزلها الا مقيدا ثم جعلت سجنا إلى اليوم قال ابن عياش كان خالد
476

يخطب فيقول إنكم زعمتم أنى أغلى أسعاركم فعلى من يغليها لعنة الله وكان هشام
كتب إلى خالد لا تبيعن من الغلات شيئا حتى تباع غلات أمير المؤمنين حتى بلغت
كيلجة درهما (قال الهيثم) عن ابن عياش كانت ولاية خالد في شوال سنة 105
ثم عزل في جمادى الأولى سنة 120 (وفى هذه السنة) قدم يوسف بن عمر العراق
واليا عليها وقد ذكرت قبل سبب ولايته عليها (وفى هذه السنة) ولى خراسان
يوسف بن عمر جديع بن علي الكرماني وعزل جعفر بن حنظلة * وقيل إن يوسف
لما قدم العراق أراد أن يولى خراسان سلم بن قتيبة فكتب بذلك إلى هشام ويستأذنه
فيه فكتب إليه هشام إن سلم بن قتيبة رجل ليس له بخراسان عشيرة ولو كان له بها
عشيرة لم يقتل بها أبوه وقيل إن يوسف كتب إلى الكرماني بولاية خراسان
مع رجل من بنى سليم وهو بمرو فخرج إلى الناس يخطبهم فحمد الله وأثنى عليه وذكر
أسدا وقدومه خراسان وما كانوا فيه من الجهد والفتنة وما صنع لهم على يديه ثم
ذكر أخاه خالدا بالجميل وأثنى عليه وذكر قدوم يوسف العراق وحث الناس
على الطاعة ولزوم الجماعة ثم قال غفر الله للميت يعنى أسدا وعافى الله المعزول وبارك
للقادم ثم نزل (وفى هذه السنة) عزل الكرماني عن خراسان ووليها نصر بن
سيار بن ليث بن رافع بن؟؟ ربيعة بن جرى بن عوف بن عامر بن جندع بن ليث بن بكر
ابن عبد مناة بن كنانة وأمه زينب بنت حسان من بنى تغلب
ذكر الخبر عن سبب ولاية نصر بن سيار خراسان
ذكر علي بن محمد عن شيوخه أن وفاة أسد بن عبد الله لما انتهت إلى هشام
ابن عبد الملك استشار أصحابه في رجل يصلح لخراسان فأشاروا عليه بأقوام
وكتبوا له أسماءهم فكان ممن كتب له عثمان بن عبد الله بن الشخير ويحيى بن حضين
ابن المنذر الرقاشي ونصر بن سيار الليثي وقطن بن قتيبة بن مسلم والمجشر بن مزاحم
السلمي أحد بنى حرام فأما عثمان بن عبد الله بن الشخير فقيل له إنه صاحب
شراب وقيل له المجشر شيخ هرم وقيل له ابن حضين رجل فيه تيه وعظمة وقيل
له قطن بن قتيبة موتور فاختار نصر بن سيار فقيل له ليست له بها عشيرة فقال
477

هشام أنا عشيرته فولاه وبعث بعهده مع عبد الكريم بن سليط بن عقبة الهفاني
هفان بن عدي بن حفية فأقبل عبد الكريم بعهده ومعه أبو المهند كاتبه مولى
بنى حنيفة فلما قدم سرخس ولا يعلم به أحد وعلى سرخس حفص بن عمر بن عباد
التيمي أخو تميم بن عمر فأخبره أبو المهند فوجه حفص رسولا فحمله إلى نصر
ونفذ ابن سليط إلى مرو فأخبر أبو المهند الكرماني فوجه الكرماني نصر بن
حبيب بن بحر بن ماسك بن عمر الكرماني إلى نصر بن سيار فسبق رسول حفص
إلى نصر بن سيار فكان أول من سلم عليه بالامرة فقال له نصر لعلك شاعر مكار
فدفع إليه الكتاب وكان جعفر بن حنظلة ولى عمرو بن مسلم مرو وعزل الكرماني
وولى منصور بن عمرو أبرشهر وولى نصر بن سيار بخارى فقال جعفر بن حنظلة دعوت
نصرا قبل أن يأتيه عهده بأيام فعرضت عليه أن أوليه بخارى فشاور البختري بن مجاهد
فقال له البختري وهو مولى بنى شيبان لا تقبلها قال ولم قال لأنك شيخ مضر بخراسان
فكأنك بعهدك قد جاء على خراسان كلها فلما أتاه عهده بعث إلى البختري لأصحابه
قد ولى نصر بن سيار خراسان فلما أتاه سلم عليه بالامرة فقال له إني علمت قال
لما بعثت إلى وكنت قبل ذلك تأتيني علمت أنك قد وليت قال وقد قيل إن
هشاما قال لعبد الكريم حين أتاه خبر أسد بن عبد الله بموته من ترى أن نولي
خراسان فقد بلغني أن لك بها وبأهلها علما قال عبد الكريم قلت يا أمير المؤمنين
أما رجل خراسان حزما ونجدة فالكرماني فأعرض بوجهه وقال ما اسمه قلت
جديع بن علي قال لا حاجة لي فيه وتطير وقال سم لي غيره قلت اللسن المجرب
يحيى بن نعيم بن هبيرة الشيباني أبو الميلاء قال ربيعة لا تسد بها الثغور قال
عبد الكريم فقلت في نفسي كره ربيعة واليمن فأرميه بمضر فقلت عقيل بن معقل
الليثي إن اغتفرت هنة قال ما هي قلت ليس بالعفيف قال لا حاجة لي به قلت
منصور بن أبي الخرقاء السلمي إن اغتفرت نكرة فإنه مشؤم قال غيره قلت
المجشر بن مزاحم السلمي عاقل شجاع له رأى مع كذب فيه قال لا خير في الكذب
قلت يحيى بن حضين قال ألم أخبرك أن ربيعة لا تسد بها الثغور قال فكان إذا
478

ذكرت له ربيعة واليمن أعرض قال عبد الكريم وأخرت نصرا وهو أرجل القوم
وأحزمهم وأعلمهم بالسياسة فقلت نصر بن سيار الليثي قال هو لها قلت إن اغتفرت
واحدة فإنه عفيف مجرب عاقل قال ما هي قلت عشيرته بها قليلة قال لا أبالك أتريد
عشيرة أكثر منى أنا عشيرته وقال آخرون لما قدم يوسف بن عمر العراق قال
أشيروا على برجل أوليه خراسان فأشاروا عليه بمسلمة بن سليمان بن عبد الله بن
خازم وقديد بن منيع المنقري ونصر بن سيار وعمرو بن مسلم ومسلم بن
عبد الرحمن بن مسلم ومنصور بن أبي الخرقاء وسلم بن قتيبة ويونس بن عبد ربه
وزياد بن عبد الرحمن القشيري فكتب يوسف بأسمائهم إلى هشام وأطرى القيسية
وجعل آخر من كتب اسمه نصر بن سيار الكناني فقال هشام ما بال الكناني
آخرهم وكان في كتاب يوسف إليه يا أمير المؤمنين نصر بخراسان قليل العشيرة
فكتب إليه هشام قد فهمت كتابك وإطراءك القيسية وذكرت نصرا وقلة عشيرته
فكيف يقل من أنا عشيرته ولكنك تقيست على وأنا متخندف عليك ابعث بعهد
نصر فلم يقل من عشيرته أمير المؤمنين بله ما إن تميما أكثر أهل خراسان فكتب
إلى نصر أن يكاتب يوسف بن عمر وبعث يوسف سلما وافدا إلى هشام وأثنى
عليه فلم يوله ثم أوفد شريك بن عبد ربه النميري وأثنى عليه ليوليه خراسان فأبى
عليه هشام قال وأوفد نصر من خراسان الحكم بن يزيد بن عمير الأسدي إلى هشام
وأثنى عليه نصر فضربه يوسف ومنعه من الخروج إلى خراسان فلما قدم يزيد بن
عمر بن هبيرة استعمل الحكم بن يزيد على كرمان وبعث بعهد نصر مع عبد الكريم
الحنفي ومعه كاتبه أبو المهند مولى بنى حنيفة فلما أتى سرخس وقع الثلج فأقام
ونزل على حفص بن عمر بن عباد التيمي فقال له قدمت بعهد نصر على خراسان
قال وهو عامل يومئذ على سرخس فدعا حفص غلامه فحمله على فرس وأعطاه
مالا وقال له طر واقتل الفرس فإن قام عليك فاشتر غيره حتى تأتى نصرا
قال فخرج الغلام حتى قدم على نصر ببلخ فيجده في السوق فدفع إليه الكتاب
فقال أتدري ما في هذا الكتاب قال لا فأمسكه بيده وأتى منزله فقال الناس
479

أتى نصرا عهده على خراسان فأتاه قوم من خاصته فسألوه فقال ما جاءني
شئ فمكث يومه فدخل عليه من الغد أبو حفص بن علي أحد بنى حنظلة
وهو صهره وكانت ابنته تحت نصر وكان أهوج كثير المال فقال له إن الناس
قد خاضوا وأكثروا في ولايتك فهل جاءك شئ فقال ما جاءني شئ فقام
ليخرج فقال مكانك وأقرأه الكتاب فقال ما كان حفص ليكتب إليك إلا بحق
قال فبينا هو يكلمه إذ استأذن عليه عبد الكريم فدفع إليه عهده فوصله بعشرة
آلاف درهم ثم استعمل نصر على بلخ مسلم بن عبد الرحمن بن مسلم واستعمل وشاح
ابن بكير بن وشاح على مرو الروذ والحارث بن عبد الله بن الحشرج على هراة وزياد
ابن عبد الرحمن القشيري على أبرشهر وأبا حفص بن علي ختنه على خوارزم وقطن
ابن قتيبة على السغد فقال رجل من أهل الشأم من اليمانية ما رأيت عصبية مثل
هذه قال بلى التي كانت قبل هذه فلم يستعمل أربع سنين إلا مضريا وعمرت
خراسان عمارة لم تعمر قبل ذلك مثلها ووضع الخراج وأحسن الولاية والجباية
فقال سوار بن الأشعر
أضحت خراسان بعد الخوف آمنة * من ظلم كل غشوم الحكم جبار
لما أتى يوسفا أخبار ما لقيت * اختار نصرا لها نصر بن سيار
وقال نصر بن سيار فيمن كره ولايته
تعز عن الصبابة لا تلام * كذلك لا يلم بك احتمام
أإن سخطت كبيرة بعد قرب * كلفت بها وباشرك السقام
ترحى اليوم ما وعدت حديثا * وقد كذبت مواعدها الكرام
ألم تر أن ما صنع الغواني * عسير لا يريغ به الكلام
أبت لي طاعتي وأبى بلائي * وفوزي حين يعترك الخصام
وإنا لا نضيع لنا ملما * ولا حسبا إذا ضاع الذمام
ولا نغضى على غدر وإنا * نقيم على الوفاء فلا نلام
480

خليفتنا الذي فازت يداه * بقدح الحمد والملك الهمام
نسوسهم به ولنا عليهم * إذا قلنا مكارمه جسام
أبو العاصي أبو؟؟ وعبد شمس * وحرب والقماقمة الكرام
ومروان أبو الخلفاء عال * عليه المجد فهو لهم نظام
وبيت خليفة الرحمن فينا * وبيتاه المقدس والحرام
ونحن الأكرمون إذا نسبنا * وعرنين البرية والسنام
فأمسينا لنا من كل حي * خراطيم البرية والزمام
لنا أيد نريش بها ونبرى * وأيد في بوادرها السمام
وبأس في الكريهة حين نلقى * إذا كان النذير بها الحسام
قال وأتى نصرا عهده في رجب من سنة 120 وقال له البختري اقرأ عهدك
واخطب الناس فخطب الناس فقال في خطبته استمسكوا أصحابنا بجدتكم فقد عرفنا
خيركم وشركم (وحج) بالناس في هذه السنة محمد بن هشام بن إسماعيل كذلك
حدثني أحمد بن ثابت عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر وقد قيل
إن الذي حج بهم فيها سليمان بن هشام وقيل حج بهم يزيد بن هشام وكان العامل
في هذه السنة على المدينة ومكة والطائف محمد بن هشام وعلى العراق والمشرق
كله يوسف بن عمر وعلى خراسان نصر بن سيار وقيل جعفر بن حنظلة وعلى
البصرة كثير بن عبد الله السلمي من قبل يوسف بن عمر وعلى قضائها عامر بن عبيدة
الباهلي وعلى أرمينية وآذربيجان مروان بن محمد وعلى قضاء الكوفة ابن شبرمة
ثم دخلت سنة إحدى وعشرين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك غزوة مسلمة بن هشام بن عبد الملك الروم فافتتح بها مطامير وغزوة
مروان بن محمد بلاد صاحب سرير الذهب فافتتح قلاعه وخرب أرضه وأذعن
له بالجزية في كل سنة ألف رأس يؤديه إليه وأخذ منه بذلك الرهن وملكه مروان
481

على أرضه (وفيها) ولد العباس بن محمد (وفيها) قتل زيد بن علي بن حسين بن
علي بن أبي طالب في قول الواقدي في صفر وأما هشام بن محمد فإنه زعم أنه قتل
في سنة 122 في صفر منها
ذكر الخبر عن سبب مقتله وأموره وسبب مخرجه
اختلف في سبب خروجه فأما الهيثم بن عدي فإنه قال فيما ذكر عنه عن
عبد الله بن عياش قال قدم زيد بن علي ومحمد بن عمر بن علي بن أبي طالب وداود
ابن علي بن عبد الله بن عباس على خالد بن عبد الله وهو على العراق فأجازهم
ورجعوا إلى المدينة فلما ولى يوسف بن عمر كتب إلى هشام بأسمائهم وبما أجازهم
به وكتب يذكر أن خالدا ابتاع من زيد بن علي أرضا بالمدينة بعشرة آلاف دينار
ثم رد الأرض عليه فكتب هشام إلى عامل المدينة أن يسرحهم إليه ففعل فسألهم
هشام فأقروا بالجائزة وأنكروا ما سوى ذلك فسأل زيدا عن الأرض فأنكرها
وحلفوا لهشام فصدقهم وأما هشام بن محمد الكلبي فإنه ذكر أن أبا مخنف حدثه
أن أول أمر زيد بن علي كان أن يزيد بن خالد القسري ادعى مالا قبل زيد
ابن علي ومحمد بن عمر بن علي بن أبي طالب وداود بن علي بن عبد الله بن العباس
ابن عبد المطلب وإبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري وأيوب بن
سلمة بن عبد الله بن الوليد بن المغيرة المخزومي فكتب فيهم يوسف بن عمر إلى
هشام بن عبد الملك وزيد بن علي يومئذ بالرصافة يخاصم بنى الحسن بن الحسن
ابن علي بن أبي طالب في صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحمد بن عمر بن علي
يومئذ مع زيد بن علي فلما قدمت كتب يوسف بن عمر على هشام بن عبد الملك
بعث إليهم فذكر لهم ما كتب به يوسف بن عمر إليه مما ادعى قبلهم يزيد بن خالد
فأنكروا فقال لهم هشام فإنا باعثون بكم إليه يجمع بينكم وبينهم فقال له زيد بن علي
أنشدك الله والرحم أن تبعث بي إلى يوسف بن عمر قال وما الذي تخاف من
يوسف بن عمر قال أخاف أن يعتدى على قال له هشام ليس ذلك له ودعا هشام كاتبه
فكتب إلى يوسف بن عمر أما بعد فإذا قدم عليك فلان وفلان فاجمع بينهم وبين
482

يزيد بن خالد القسري فان هم أقروا بما ادعى عليهم فسرح بهم إلى وإن هم أنكروا
فسله بينة فإن هو لم يقم البينة فاستحلفهم بعد العصر بالله الذي لا إله إلا هو ما استودعهم
يزيد بن خالد القسري وديعة ولا له قبلهم شئ ثم خل سبيلهم فقالوا لهشام إنا
نخاف أن يتعدى كتابك ويطول علينا قال كلا أنا باعث معكم رجلا من الحرس
يأخذه بذلك حتى يعجل الفراغ فقالوا جزاك الله والرحم خيرا لقد حكمت بالعدل
فسرح بهم إلى يوسف واحتبس أيوب بن سلمة لان أم هشام بن عبد الملك ابنة
هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي وهو في أخواله فلم
يؤخذ بشئ من ذلك القرف فلما قدموا على يوسف فأدخلوا عليه فأجلس زيد
ابن علي قريبا منه وألطفه في المسألة ثم سألهم عن المال فأنكروا جميعا وقالوا لم
يستودعنا مالا ولا له قبلنا حق فاخرج يوسف يزيد بن خالد إليهم فجمع بينه وبينهم
وقال له هذا زيد بن علي وهذا محمد بن عمر بن علي وهذا فلان وفلان الذين كنت
ادعيت عليهم ما ادعيت فقال ما لي قبلهم قليل ولا كثير فقال يوسف أفبي تهزأ أم
بأمير المؤمنين فعذبه يومئذ عذابا ظن أنه قد قتله ثم أخرجهم إلى المسجد بعد
صلاة العصر فاستحلفهم فحلفوا له وأمر بالقوم فبسط عليهم ما عدا زيد بن علي
فإنه كف عنه فلم يقتدر عند القوم على شئ فكتب إلى هشام يعلمه الحال فكتب
إليه هشام أن استحلفهم وخل سبيلهم فخلى عنهم فخرجوا فلحقوا بالمدينة وأقام
زيد بن علي بالكوفة وذكر عبيد بن جناد عن عطاء بن مسلم الخفاف أن زيد بن علي
رأى في منامه أنه أضرم في العراق نارا ثم أطفأها ثم مات فهالته فقال لابنه
يحيى يا بنى إني رأيت رؤيا قد راعتني فقصها عليه وجاءه كتاب هشام بن عبد الملك
يأمره بالقدوم عليه فقدم فقال له الحق بأميرك يوسف فقال له نشدتك بالله يا أمير
المؤمنين فوالله ما آمن إن بعثتني إليه أن لا أجتمع أنا وأنت حيين على ظهر
الأرض بعدها فقال الحق بيوسف كما تؤمر فقدم عليه (وقد قيل) إن هشام بن
عبد الملك انما استقدم زيدا من المدينة عن كتاب يوسف بن عمر وكان السبب في
ذلك فيما زعم أبو عبيدة أن يوسف بن عمر عذب خالد بن عبد الله فادعى خالد
483

أنه استودع زيد بن علي وداود بن علي بن عبد الله بن عباس ورجلين من قريش
أحدهما مخزومي والآخر جمحى مالا عظيما فكتب بذلك يوسف إلى هشام
فكتب هشام إلى خاله إبراهيم بن هشام وهو عامله على المدينة يأمره بحملهم إليه فدعا
إبراهيم بن هشام زيدا وداود فسألهما عما ذكر خالد فحلفا ما أودعهما خالد شيئا فقال إنكما
عندي لصادقان ولكن كتاب أمير المؤمنين قد جاء بما تريان فلا بد من انفاذه
فحملهما إلى الشأم فحلفا بالايمان الغلاظ ما أودعهما خالد شيئا قط وقال داود كنت
قدمت عليه العراق فأمر لي بمائة ألف درهم فقال هشام أنتما عندي أصدق من ابن
النصرانية فاقدما على يوسف حتى يجمع بينكما وبينه فتكذباه في وجهه وقيل إن زيدا
انما قدم على هشام مخاصما ابن عمه عبد الله بن حسن بن حسن بن علي ذكر ذلك عن
جويرية بن أسماء قال شهدت زيد بن علي وجعفر بن حسن بن حسن يختصمان
في ولاية وقوف على وكان زيد يخاصم عن بنى حسين وجعفر يخاصم عن بنى
حسن فكان جعفر وزيد يتبالغان بين يدي الوالي إلى كل غاية ثم يقومان فلا
يعيدان مما كان بينهما حرفا فلما مات جعفر قال عبد الله من يكفينا زيدا قال حسن
ابن حسن بن حسن أنا أكفيكه قال كلا إنا نخاف لسانك ويدك ولكني أنا قال
إذن لا تبلغ حاجتك وحجتك قال أما حجتي فسأبلغها فتنازعا إلى الوالي والوالي
يومئذ عندهم فيما قيل إبراهيم بن هشام قال فقال عبد الله لزيد أتطمع أن تنالها
وأنت لامة سندية قال قد كان إسماعيل لامة فنال أكثر منها فسكت عبد الله
وتبالغا يومئذ كل غاية فلما كان الغد أحضرهم الوالي وأحضر قريشا والأنصار
فتنازعا فاعترض رجل من الأنصار فدخل بينهما فقال له زيد وما أنت والدخول
بيننا وأنت رجل من قحطان قال أنا والله خير منك نفسا وأبا وأما قال فسكت
زيد وانبرى له رجل من قريش فقال كذبت لعمر الله لهو خير منك نفسا وأبا وأما
وأولا وآخرا وفوق الأرض وتحتها فقال الوالي وما أنت وهذا فأخذ القرشي
كفا من الحصى فضرب به الأرض وقال والله ما على هذا من صبر وفطن عبد الله
وزيد لشماتة الوالي بهما فذهب عبد الله ليتكلم فطلب إليه زيد فسكت وقال زيد
484

للوالي أم والله لقد جمعتنا لأمر ما كان أبو بكر ولا عمر ليجمعانا على مثله وإني
أشهد الله أن لا أنازعه إليك محقا ولا مبطلا ما كنت حيا ثم قال لعبد الله انهض
يا ابن زعم فنهضا وتفرق الناس وقال بعضهم لم يزل زيد ينازع جعفر بن حسن
ثم عبد الله بعده حتى ولى هشام بن عبد الملك خالد بن عبد الملك بن الحارث بن
الحكم المدينة فتنازعا فأغلظ عبد الله لزيد وقال يا ابن الهندكية فتضاحك زيد وقال
قد فعلتها يا أبا محمد ثم ذكر أمه بشئ وذكر المدائني أن عبد الله لما قال ذلك لزيد
قال زيد أجل والله لقد صبرت بعد وفاة سيدها فما تعتبت بابها إذ لم يصبر غيرها
قال ثم ندم زيد واستحيى من عمته فلم يدخل عليها زمانا فأرسلت إليه يا ابن أخي
إني لاعلم أن أمك عندك كأم عبد الله عنده وقيل إن فاطمة أرسلت إلى زيد إن
سب عبد الله أمك فاسبب أمه وانها قالت لعبد الله أقلت لام زيد كذا و كذا
قال نعم قالت فبئس والله ما صنعت أم والله لنعم دخيلة القوم كانت فذكر أن
خالد بن عبد الملك قال لهما أغدوا علينا غدا فلست لعبد الملك ان لم أفضل بينكما
فباتت المدينة تغلى كالمرجل يقول قائل كذا وقائل كذا: قائل يقول قال زيد كذا
وقائل يقول قال عبد الله كذا فلما كان الغد جلس خالد في المجلس في المسجد
واجتمع الناس فمن شامت ومن مهموم فدعا بهما خالد وهو يحب أن يتشاتما فذهب
عبد الله يتكلم فقال زيد لا تعجل يا أبا محمد أعتق زيد ما يملك ان
خاصمك إلى خالد أبدا ثم أقبل على خالد فقال له يا خالد لقد جمعت ذرية
رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر ما كان يجمعهم عليه أبو بكر ولا عمر قال
خالد أما لهذا السفيه أحد فتكلم رجل من الأنصار من آل عمرو بن حزم فقال
يا ابن أبي تراب وابن حسين السفيه ما ترى لوال عليك حقا ولا طاعة فقال
زيد اسكت أيها القحطاني فانا لا نجيب مثلك قال ولم ترغب منى فوالله إني لخير
منك وأبى خير من أبيك وأمي خير من أمك فتضاحك زيد وقال يا معشر قريش
هذا الدين قد ذهب أفذهبت الأحساب فوالله إنه ليذهب دين القوم وما تذهب
أحسابهم فتكلم عبد الله بن واقد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب فقال كذبت
485

والله أيها القحطاني فوالله لهو خير منك نفسا وأبا وأما ومحتدا وتناوله بكلام
كثير قال القحطاني دعنا منك يا ابن واقد فأخذ ابن واقد كفا من حصى فضرب
بها الأرض ثم قال له والله ما لنا على هذا صبر وقام وشخص زيد إلى هشام بن
عبد الملك فجعل هشام لا يأذن له فيرفع إليه القصص فكلما رفع إليه قصة كتب
هشام في أسفلها ارجع إلى أميرك فيقول زيد والله لا أرجع إلى خالد أبدا وما
أسأل مالا إنما أنا رجل مخاصم ثم أذن له يوما بعد طول حبس فذكر عمر بن
شبة عن أيوب بن عمر بن أبي عمر قال حدثني محمد بن عبد العزيز الزهري قال لما
قدم زيد بن علي على هشام بن عبد الملك أعلمه حاجبه بمكانه فرقى هشام إلى علية
له طويلة ثم أذن له وأمر خادما أن يتبعه وقال لا يرينك واسمع ما يقول قال
فاتبعته الدرجة وكان بادنا فوقف في بعضها فقال والله لا يحب الدنيا أحد إلا ذل
فلما صار إلى هشام قضى حوائجه ثم مضى نحو الكوفة ونسى هشام أن يسأل
الخادم حتى مضى لذلك أيام ثم سأله فأخبره فالتفت إلى الأبرش فقال والله
ليأتينك خلعه أول شئ فلم يأته أول من ذلك شئ وكان كما قال وذكر عن زيد
أنه حلف لهشام على أمر فقال له لا أصدقك فقال يا أمير المؤمنين إن الله لم يرفع
قدر أحد عن أن يرضى بالله ولم يضع قدر أحد عن أن لا يرضى بذلك منه فقال
له هشام لقد بلغني يا زيد أنك تذكر الخلافة وتتمناها ولست هناك وأنت ابن
أمة فقال زيد إن لك يا أمير المؤمنين جوابا قال تكلم قال إنه ليس أحد أولى
بالله ولا أرفع عنده منزلة من نبي ابتعثه وقد كان إسماعيل من خير الأنبياء وولد
خيرهم محمدا صلى الله عليه وسلم وكان إسماعيل ابن أمة وأخوه ابن صريحة
مثلك فاختاره الله عليه وأخرج منه خير البشر وما على أحد من ذلك جده رسول
الله صلى الله عليه وسلم ما كانت أمه فقال له هشام اخرج قال أخرج ثم لا تراني
إلا حيث تكره فقال له سالم يا أبا الحسين لا يظهرن هذا منك (رجع الحديث)
إلى حديث هشام بن محمد الكلبي عن أبي مخنف قال فجعلت الشيعة تختلف إلى زيد
ابن علي وتأمره بالخروج ويقولون إنا لنرجو أن تكون المنصور وأن يكون
486

هذا الزمان الذي يهلك فيه بنو أمية فأقام بالكوفة فجعل يوسف بن عمر يسأل
عنه فيقال هو هاهنا فيبعث إليه أن اشخص فيقول نعم ويعتل له بالوجع فمكث
ما شاء الله ثم سأل أيضا عنه فقيل له هو مقيم بالكوفة بعد لم يبرح فبعث إليه
فاستحثه بالشخوص فاعتل عليه بأشياء يبتاعها وأخبره أنه في جهازه ورأى جد
يوسف في أمر فتهيأ ثم شخص حتى أتى القادسية وقال بعض الناس أرسل معه
رسولا حتى بلغه العذيب فلحقته الشيعة فقالوا له أين تذهب عنا ومعك مائة ألف
رجل من أهل الكوفة يضربون دونك بأسيافهم غدا وليس قبلك من أهل الشأم
إلا عدة قليلة لو أن قبيلة من قبائلنا نحو مذحج أو همدان أو تميم أو بكر نصبت
لهم لكفتكهم بإذن الله تعالى فننشدك الله لما رجعت فلم يزالوا به حتى ردوه إلى
الكوفة وأما غير أبى مخنف فإنه قال ما ذكر عبيد بن جناد عن عطاء بن مسلم أن
زيد بن علي لما قدم على يوسف قال له يوسف زعم خالد أنه قد أودعك مالا
قال إني يودعني مالا وهو يشتم آبائي على منبره فأرسل إلى خالد فأحضره في
عباة فقال له هذا زيد زعمت أنك قد أودعته مالا وقد أنكر فنظر خالد في وجههما
ثم قال أتريد أن تجمع مع إثمك في إثما في هذا وكيف أودعه مالا وأنا أشتمه
وأشتم آباءه على المنبر قال فشتمه يوسف ثم رده وأما أبو عبيدة فذكر عنه أنه قال
صدق هشام زيدا ومن كان يوسف قرفه بما قرفه به ووجههم إلى يوسف وقال
إنهم قد حلفوا إلى وقبلت أيمانهم وأبرأتهم من المال وإنما وجهت بهم إليك
لتجمع بينهم وبين خالد فيكذبوه قال ووصلهم هشام فلما قدموا على يوسف أنزلهم
وأكرمهم وبعث إلى خالد فأتى به فقال قد حلف القوم وهذا كتاب أمير المؤمنين
ببرأتهم فهل عندك بينة بما ادعيت فلم تكن له بينة فقال القوم لخالد ما دعاك إلى
ما صنعت قال غلظ على العذاب فادعيت ما ادعيت وأملت أن يأتي الله بفرج
قبل قدومكم فأطلقهم يوسف فمضى القرشيان الجمحي والمخزومي إلى المدينة وتخلف
الهاشميان داود بن علي وزيد بن علي بالكوفة وذكر أن زيدا أقام بالكوفة
أربعة أشهر أو خمسة ويوسف يأمره بالخروج ويكتب إلى عامله على الكوفة وهو
487

يومئذ بالحيرة يأمره بإزعاج زيد وزيد يذكر أنه ينازع بعض آل طلحة بن عبيد الله
في مال بينه وبينهم بالمدينة فيكتب العامل بذلك إلى يوسف فيقره أياما ثم يبلغه
أن الشيعة تختلف إليه فيكتب إليه أن أخرجه ولا تؤخره وإن ادعى أنه ينازع
فليجر جريا وليوكل من يقوم مقامه فيما يطالب به وقد بايعه جماعة منهم سلمة بن
كهيل ونصر بن خزيمة العبسي ومعاوية بن إسحاق بن زيد بن حارثة الأنصاري وحجية
ابن الاخلج الكندي وناس من وجوه أهل الكوفة فلما رأى ذلك داود بن علي
قال له يا ابن عم لا يغرنك هؤلاء من نفسك ففي أهل بيتك لك عبرة وفى خذلان هؤلاء
إياهم فقال يا داود ان بنى أمية قد عتوا وقست قلوبهم فلم يزل به داود حتى عزم على
الشخوص فشخصا حتى بلغا القادسية وذكر عن أبي عبيدة أنه قال اتبعوه إلى الثعلبية
وقالوا له نحن أربعون ألفا إن رجعت إلى الكوفة لم يتخلف عنك أحد وأعطوه
المواثيق والايمان المغلظة فجعل يقول إني أخاف أن تخذلوني وتسلموني كفعلكم
بأبي وجدى فيحلفون له فيقول داود بن علي يا ابن عم إن هؤلاء يغرونك من نفسك
أليس قد خذلوا من كان أعز عليهم منك جدك علي بن أبي طالب حتى قتل والحسن
من بعده بايعوه ثم وثبوا عليه فانتزعوا رداءه من عنقه وانتهبوا فسطاطه وجرحوه
أوليس قد أخرجوا جدك الحسين وحلفوا له بأوكد الايمان ثم خذلوه وأسلموه
ثم لم يرضوا بذلك حتى قتلوه فلا تفعل ولا ترجع معهم فقالوا ان هذا لا يريد أن
تظهر أنت ويزعم أنه وأهل بيته أحق بهذا الامر منكم فقال زيد لداود إن عليا
كان يقاتله معاوية بدهائه ونكرائه بأهل الشأم وإن الحسين قاتله يزيد بن معاوية
والامر عليهم مقبل فقال له داود إني لخائف إن رجعت معهم أن لا يكون أحد
أشد عليك منهم وأنت أعلم ومضى داود إلى المدينة ورجع زيد إلى الكوفة وقال
عبيد بن جناد عن عطاء بن مسلم الخفاف قال كتب هشام إلى يوسف أن أشخص
زيدا إلى بلده فإنه لا يقيم ببلد غيره فيدعو أهله إلا أجابوه فأشخصه فلما كان
بالثعلبية أو القادسية لحقه المشائيم يعنى أهل الكوفة فردوه وبايعوه فأتاه سلمة بن
كهيل فاستأذن عليه فأذن له فذكر قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وحقه
488

فأحسن ثم تكلم زيد فأحسن فقال له سلمة اجعل لي الأمان فقال سبحان الله
مثلك يسأل مثلي الأمان وإنما أراد سلمة أن يسمع ذلك أصحابه ثم قال لك الأمان فقال
نشدتك بالله كم بايعك قال أربعون ألفا قال فكم بايع جدك قال ثمانون ألفا قال فكم
حصل معه قال ثلثمائة قال نشدتك الله أنت خير أم جدك قال بل جدي قال
أفقرنك الذي خرجت فيهم خير أم القرن الذي خرج فيهم جدك قال بل القرن
الذي خرج فيهم جدي قال أفتطمع أن يفي لك هؤلاء وقد غدر أولئك بجدك قال
قد بايعوني ووجبت البيعة في عنقي وأعناقهم قال أفتأذن لي ان أخرج من البلد قال
لم قال لا آمن أن يحدث في أمرك حدث فلا أملك نفسي قال قد أذنت لك فخرج
إلى اليمامة وخرج زيد فقتل وصلب فكتب هشام إلى يوسف يلومه على تركه
سلمة بن كهيل يخرج من الكوفة ويقول مقامه كان خيرا لك من كذا وكذا من
الخيل تكون معك وذكر عمر عن أبي إسحاق شيخ من أهل أصبهان حدثه أن
عبد الله بن حسن كتب إلى زيد بن علي يا ابن عم إن أهل الكوفة نفخ العلانية
خور السريرة هرج في الرخاء جزع في اللقاء تقدمهم ألسنتهم ولا تشايعهم قلوبهم
لا يبيتون بعد في الاحداث ولا ينوؤون بدولة مرجوة ولقد تواترت إلى كتبهم
بدعوتهم فصممت عن ندائهم وألبست قلبي غشاء عن ذكرهم يأسا منهم واطراحا
لهم ومالهم مثل إلا ما قال علي بن أبي طالب أن أهملتم خضتم وإن حوربتم خرتم
وإن اجتمع الناس على إمام طعنتم وإن أجبتم إلى مشاقة نكصتم وذكر عن هشام
ابن عبد الملك أنه كتب إلى يوسف بن عمر في أمر زيد بن علي أما بعد فقد علمت
بحال أهل الكوفة في حبهم أهل هذا البيت ووضعهم إياهم في غير مواضعهم
لانهم افترضوا على أنفسهم طاعتهم ووظفوا عليهم شرائع دينهم ونحلوهم علم
ما هو كائن حتى حملوهم من تفريق الجماعة على حال استخفوهم فيها إلى الخروج وقد
قدم زيد بن علي على أمير المؤمنين في خصومة عمر بن الوليد ففصل أمير المؤمنين
بينهما ورأى رجلا جدلا لسنا خليقا لتمويه الكلام وصوغه واجترار الرجال
بحلاوة لسانه وبكثرة مخارجه في حججه وما يدلى به عند لدد الخصام من السطوة
489

على الخصم بالقوة الحادة لنيل الفلج فعجل إشخاصه إلى الحجاز ولا تخله والمقام
قبلك فإنه إن أعاره القوم اسماعهم فحشاها من لين لفظه وحلاوة منطقه مع ما يدلى به
من القرابة برسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وجدهم ميلا إليه غير متئدة قلوبهم
ولا ساكنة أحلامهم ولا مصونة عندهم أديانهم وبعض التحامل عليه فيه أذى له
وإخراجه وتركه مع السلامة للجميع والحقن للدماء والامن للفرقة أحب إلى
من أمر فيه سفك دمائهم وانتشار كلمتهم وقطع نسلهم والجماعة حبل الله المتين
ودين الله القويم وعروته الوثقى فادع إليك أشراف أهل المصر وأوعدهم العقوبة في
الابشار واستصفاء الأموال فان من له عقد أو عهد منهم سيبطئ عنه ولا يخف
معه إلا الرعاع وأهل السواد ومن تنهضه الحاجة استلذاذا للفتنة وأولئك ممن يستعبد
إبليس وهو يستعبدهم فبادهم بالوعيدوا عضضهم بسوطك وجرد فيهم سيفك
وأخف الاشراف قبل الأوساط والأوساط قبل السفلة واعلم أنك قائم على باب
ألفة وداع إلى طاعة وحاض على جماعة ومشمر لدين الله فلا تستوحش لكثرتهم
واجعل معقلك الذي تأوى إليه وصغوك الذي تخرج منه الثقة بربك والغضب
لدينك والمحاماة عن الجماعة ومناصبة من أراد كسر هذا الباب الذي أمرهم الله
بالدخول فيه والتشاح عليه فان أمير المؤمنين قد أعذر إليه وقضى من ذمامه فليس له
منزى إلى ادعاء حق هو له ظلمة من نصيبه نفسه أو فئ أو صلة لذي قربى إلا الذي
خاف أمير المؤمنين من حمل بادرة السفلة على الذي عسى أن يكونوا به أشقى وأضل
ولهم أمر ولأمير المؤمنين أعز وأسهل إلى حياطة الدين والذب عنه فإنه لا يحب
أن يرى في أمته حالا متفاوتا نكالا لهم مفنيا فهو يستديم النظرة ويتأتى للرشاد
ويجتنبهم على المخاوف ويستجرهم إلى المراشد ويعدل بهم عن المهالك فعل الوالد
الشفيق على ولده والراعي الحدب على رعيته واعلم أن من حجتك عليهم في استحقاق
نصر الله لك عند معاندتهم توفيتك أطماعهم وأعطية ذريتهم ونهيك جندك أن
ينزلوا حريمهم ودورهم فانتهز رضا الله فيما أنت سبيله فإنه ليس ذنب أسرع
تعجيل عقوبة من بغى وقد أوقعهم الشيطان ودلاهم فيه ودلهم عليه والعصمة
490

بتارك البغى أولى فأمير المؤمنين يستعين الله عليهم وعلى غيرهم من رعيته ويسأل إلهه
ومولاه ووليه أن يصلح منهم ما كان فاسدا وأن يسرع بهم إلى النجاة والفوز إنه سميع
قريب (رجع الحديث إلى حديث هشام) قال فرجع زيد إلى الكوفة فاستخفى قال
فقال له محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب حيث أراد الرجوع إلى الكوفة أذكرك الله يا زيد
لما لحقت بأهلك ولم تقبل قول أحد من هؤلاء الذين يدعونك إلى ما يدعونك إليه فإنهم
لا يفون لك فلم يقبل منه ذلك ورجع قال هشام قال أبو مخنف فأقبلت الشيعة
لما رجع إلى الكوفة يختلفون إليه ويبايعون له حتى أحصى ديوانه خمسة عشر
ألف رجل فأقام بالكوفة بضعة عشر شهرا إلا أنه قد كان منها بالبصرة نحو
شهرين ثم أقبل إلى الكوفة فأقام بها وأرسل إلى أهل السواد وأهل الموصل رجالا
يدعون إليه قال وتزوج حيث قدم الكوفة ابنة يعقوب بن عبد الله السلمي أحد
بنى فرقد وتزوج ابنة عبد الله بن أبي العنبس الأزدي قال وكان سبب تزوجه
إياها أن أمها أم عمرو بنت الصلت كانت ترى رأى الشيعة فبلغها مكان زيد فأتته
لتسلم عليه وكانت امرأة جسيمة جميلة لحيمة قد دخلت في السن إلا أن الكبر
لا يستبين عليها فلما دخلت على زيد بن علي فسلمت عليه ظن أنها شابة فكلمته فإذا
أفصح الناس لسانا وأجمله منظرا فسألها عن نسبها فانتسبت له وأخبرته ممن هي
فقال لها هل لك رحمك الله أن تتزوجيني قالت أنت والله رحمك الله رغبة لو كان
من أمري التزويج قال لها وما الذي يمنعك من ذلك قالت يمنعني من ذلك أنى قد
أسننت فقال لها كلا قد رضيت ما أبعدك من أن تكوني قد أسننت قالت رحمك
الله أنا أعلم بنفسي منك وبما أتى على من الدهر ولو كنت متزوجة يوما من
الدهر لما عدلت بك ولكن لي ابنة أبوها ابن عمى وهى أجمل منى وأنا أزوجكها
إن أحببت قال رضيت أن تكون مثلك قالت له لكن خالقها ومصورها لم يرض
أن يجعلها مثلي حتى جعلها أبيض وأوسم وأجسم وأحسن منى دلا وشكلا فضحك
زيد وقال لها قد رزقت فصاحة ومنطقا حسنا فأين فصاحتها من فصاحتك قالت
أما هذا فلا علم لي به لانى نشأت بالحجاز ونشأت ابنتي بالكوفة فلا أدرى لعل
491

ابنتي قد أخذت لغة أهلها فقال زيد ليس ذلك بأكره إلى ثم أوعدها موعدا
فأتاها فتزوجها ثم بنى بها فولدت له جارية ثم إنها ماتت بعد وكان بها معجبا قال
وكان زيد بن علي ينزل بالكوفة منازل شتى في دار امرأته في الأزد مرة ومرة
في أصهاره السلميين ومرة عند نصر بن خزيمة في بنى عبس ومرة في بنى غبر
ثم إنه تحول من بنى غبر إلى دار معاوية بن إسحاق بن زيد بن حارثة الأنصاري في
أقصى جبانة سالم السلولي وفى بنى نهد وبنى تغلب عند مسجد بنى هلال بن عامر
فأقام يبايع أصحابه وكانت بيعته التي يبايع عليها الناس إنا ندعوكم إلى كتاب الله وسنة
نبيه صلى الله عليه وسلم وجهاد الظالمين والدفع عن المستضعفين وإعطاء المحرومين
وقسم هذا الفئ بين أهله بالسواء ورد الظالمين وإقفال المجمر ونصرنا أهل البيت
على من نصب لنا وجهل حقنا أتبايعون على ذلك فإذا قالوا نعم وضع يده على يده
ثم يقول عليك عهد الله وميثاقه وذمته وذمة رسوله لتفين ببيعتي ولتقاتلن عدوى
ولتنصحن لي في السر والعلانية فإذا قال نعم مسح يده على يده ثم قال اللهم اشهد
فمكث بذلك بضعة عشر شهرا فلما دنا خروجه أمر أصحابه بالاستعداد والتهيؤ فجعل
من يريد أن يفي ويخرج معه يستعدلو يتهيأ فشاع أمره في الناس (وفى هذه السنة)
غزا نصر بن سيار ما وراء النهر مرتين ثم غزا الثالثة فقتل كورصول
ذكر الخبر عن غزواته هذه
ذكر على عن شيوخه أن نصر غزا من بلخ ما وراء النهر من ناحية باب
الحديد ثم قفل إلى مرو فخطب الناس فقال ألا إن بهرامسيس كان مانح المجوس
يمنحهم ويدفع عنهم ويحمل أثقالهم على المسلمين ألا إن اشبداد بن جريجور كان
مانح النصارى ألا إن عقيبة اليهودي كان مانح اليهود يفعل ذلك ألا إني مانح المسلمين
أمنحهم وأدفع عنهم وأحمل أثقالهم على المشركين ألا إنه لا يقبل منى الا توفى
الخراج على ما كتب ورفع وقد استعملت عليكم منصور بن عمر بن أبي الخرقاء
وأمرته بالعدل عليكم فأيما رجل منكم من المسلمين كان يؤخذ منه جزية من رأسه
أو ثقل عليه في خراجه وخفف مثل ذلك عن المشركين فليرفع ذلك إلى منصور
492

ابن عمر يحوله عن المسلم إلى المشرك قال فما كانت الجمعة الثانية حتى أتاه ثلاثون
ألف مسلم كانوا يؤدون الجزية عن رؤسهم وثمانون ألف رجل من المشركين
قد ألقيت عنهم جزيتهم فحول ذلك عليهم وألقاه عن المسلمين ثم صنف الخراج
حتى وضعه مواضعه ثم وظف الوظيفة التي جرى عليها الصلح قال فكانت مرو
يؤخذ منها مائة ألف سوى الخراج أيام بنى أمية ثم غزا الثانية إلى ورغسر وسمرقند
ثم قفل ثم غزا الثانية إلى الشاش من مرو فحال بينه وبين قطوع النهر نهر الشاش
كورصول في خمسة عشر ألفا استأجر كل رجل منهم في كل شهر بشقة حرير والشقة
يومئذ بخمسة وعشرين درهما فكانت بينهم مراماة فمنع نصر من القطوع إلى الشاش
وكان الحارث بن سريج يومئذ بأرض الترك فأقبل معهم فكان بإزاء نصر فرمى
نصرا وهو على سريره على شاطئ النهر بحسبان فوقع السهم في شدق وصيف لنصر
يوضئه فتحول نصر عن سريره ورمى فرسا لرجل من أهل الشأم فنفق وعبر
كورصول في أربعين رجلا فبيت أهل العسكر وساق شاء لأهل بخارى وكانوا
في الساقة وأطاف بالعسكر في ليلة مظلمة ومع نصر أهل بخارى وسمرقند وكس
وأشر وسنة وهم عشرون ألفا فنادى نصر في الأخماس ألا لا يخرجن أحد من بنائه
واثبتوا على مواضعكم فخرج عاصم بن عمير وهو على جند أهل سمرقند حتى مرت خيل
كورصول وقد كانت الترك صاحت صيحة فظن أهل العسكر أن الترك قد
قطعوا كلهم فلما مرت خيل كورصول على ذلك حمل على آخرهم فأسر
رجلا فإذا هو ملك من ملوكهم صاحب أربعة آلاف قبة فجاؤوا به إلى نصر فإذا
هو شيخ يسحب درعه شبرا وعليه رآنا ديباج فيهما حلق وقباء فرند مكفف
بالديباج فقال له نصر من أنت قال كورصول فقال نصر الحمد لله الذي أمكن منك
يا عدو الله قال فما ترجو من قتل شيخ وأنا أعطيك ألف بعير من ابل الترك وألف برذون
تقوى بها جندك وخل سبيلي فقال نصر لمن حوله من أهل الشأم وأهل خراسان
ما تقولون فقالوا خل سبيله فسأله عن سنه قال لا أدرى قال كم غزوت قال اثنتين
وسبعين غزوة قال أشهدت يوم العطش قال نعم قال لو أعطيتني ما طلعت عليه
493

الشمس ما أفلت من يدي بعد ما ذكرت من مشاهدتك وقال لعاصم بن عمير السغدي
قم إلى سلبه فخذه فلما أيقن بالقتل قال من أسرني قال نصر وهو يضحك يزيد بن
قران الحنظلي وأشار إليه قال هذا لا يستطيع أن يغسل استه أو قال لا يستطيع أن
يتم بوله فكيف يأسرني فأخبرني من أسرني فإني أهل ان أقتل سبع قتلات قيل
له عاصم بن عمير قال لست أجد مس القتل إذ كان الذي أسرني فارسا من فرسان
العرب فقتله وصلبه على شاطئ النهر قال وعاصم بن عمير هو الهزار مرد قتل بنهاوند
أيام قحطبة قال فلما قتل كورصول تخدرت الترك وجاؤا بأبنيته فحرقوها وقطعوا
آذانهم وجردوا وجوههم وطفقوا يبكون عليه فلما أمسى نصر وأراد الرحلة بعث
إلى كورصول بقارورة نفط فصببها عليه وأشعل فيه النار لئلا يحملوا عظامه قال
وكان ذلك أشد عليهم من قتله وارتفع نصر إلى فرغانة فسبى منها ثلاثين ألف رأس
قال فقال عنبر بن برعمة الأزدي كثب يوسف بن عمر إلى نصر سر إلى هذا الغاز
ذنبه بالشاش يعنى الحارث بن سريج فان أظفرك الله به وبأهل الشاش فخرب
بلادهم واسب ذراريهم وإياك ورطة المسلمين قال فدعا نصر الناس فقرأ عليهم
الكتاب وقال ما ترون فقال يحيى بن حضين امض لأمر أمير المؤمنين وأمر الأمير فقال
نصر يا يحيى تكلمت ليال عاصم بكلمة فبلغت الخليفة فحظيت بها وزيد في عطائك
وفرض لأهل بيتك وبلغت الدرجة الرفيعة فقلت أقول مثلها سر يا يحيى فقد وليتك
مقدمتي فأقبل الناس على يحيى يلومونه فقال نصر يومئذ وأي ورطة أشد من أن
نكون في السفر وهم في القرار قال فسار إلى الشاش فأتاه الحارث بن سريج فنصب
عرادتين تلقاء بنى تميم فقيل له هؤلاء بنو تميم فنقلهما فنصبهما على الأزد ويقال على
بكر بن وائل وأغار عليهم الأخرم وهو فارس الترك فقتله المسلمون وأسروا سبعة
من أصحابه فأمر نصر بن سيار برأس الأخرم فرمى به في عسكرهم بمنجنيق فلما رأوه
ضجوا ضجة عظيمة تم ارتحلوا منهزمين ورجع نصر وأراد أن يعبر فحيل بينه وبين
ذلك فقال أبو نميلة صالح بن الأبار
كنا وأوبة نصر عند غيبته * كراقب النوء حتى جاده المطر
494

أودى بآخر منه عارض برد * مسترجف بمنايا القوم منهمر
وأقبل نصر فنزل سمرقند في السنة التي لقى فيها الحارث بن سريج فأتاه بخارى
خذاه منصرفا وكانت المسلحة عليهم ومعهم دهقانان من دهاقين بخارى وكانا أسلما
على يدي نصر وقد أجمعا على الفتك بواصل بن عمرو القيسي عامل بخارى
وببخار اخذاه يتظلمان من بخار اخذاه واسمه طوق سياده فقال بخار اخذاه لنصر أصلح
الله الأمير قد علمت أنهما قد أسلما على يديك فما بالهما معلقي الخناجر عليهما فقال لهما
نصر ما بالكما معلقي الخناجر وقد أسلمتما قالا بيننا وبين بخار اخذاه عداوة فلانأ منه
على أنفسنا فأمر نصر هارون بن السياوش مولى بنى سليم وكان يكون على الرابطة
فاجتذبهما فقطعهما ونهض بخار اخذاه إلى نصر يساره في أمرهما فقالا نموت
كريمين فشد أحدهما على واصل بن عمرو فطعنه في بطنه بسكين وضربه واصل
بسيفه على رأسه فأطار قحف رأسه فقتله ومضى الآخر إلى بخار اخذاه وأقيمت
الصلاة وبخار اخذاه جالس على كرسي فوثب نصر فدخل السرادق وأحضر
بخار اخذاه فعثر عند باب السرادق فطعنه وشد عليه الجوزجان بن الجوزجان
فضربه بجرز كان معه فقتله وحمل بخار اخذاه فأدخل سرادق نصر ودعا له نصر
بوسادة فاتكأ عليها وأتاه قرعة الطبيب فجعل يعالجه وأوصى إلى نصر ومات من
ساعته ودفن واصل في السرادق وصلى عليه نصر وأما طوق سياده فكشطوا عنه
لحمه وحملوا عظامه إلى بخارى قال وسار نصر إلى الشاش فلما قدم أشر وسنة عرض
دهقانها أباراخره مالا ثم نفد إلى الشاش واستعمل على فرغانة محمد بن خالد الأزدي
وجهه إليها في عشرة نفر ورد من فرغانة أخا جيش فيمن كان معه من دهاقين الختل
وغيرهم وانصرف منها بتماثيل كثيرة فنصبها في أشر وسنة وقال بعضهم لما أتى نصر
الشاش تلقاه قدر ملكها بالصلح والهدية والرهن واشترط عليه إخراج الحارث
ابن سريج من بلده فأخرجه إلى فاراب واستعمل على الشاش نيزك بن صالح مولى
عمرو بن العاص ثم سار حتى نزل قباء من أرض فرغانة وقد كانوا أحسوا بمجيئه
فأحرقوا الحشيش وحبسوا الميرة ووجه نصر إلى ولى عهد صاحب فرغانة في
495

بقية سنة 121 فحاصروه في قلعة من قلاعها فغفل عنهم المسلمون فخرجوا على دوابهم
فاستاقوها وأسروا ناسا من المسلمين فوجه إليهم نصر رجالا من بنى تميم ومعهم محمد
ابن المثنى وكان فارسا فكايدهم المسلمون فأهملوا دوابهم وكمنوا لهم فخرجوا فاستاقوا
بعضها وخرج عليهم المسلمون فهزموهم وقتلوا الدهقان وأسروا منهم أسراء وحمل
ابن الدهقان المقتول على ابن المثنى فختله محمد بن المثنى فأسره وهو غلام أمر دفأتى
به نصرا فضرب عنقه وكان نصر بعث سليمان بن صول إلى صاحب فرغانة
بكتاب الصلح بينهما قال سليمان فقدمت عليه فقال لي من أنت قلت شاكري
خليفة كاتب الأمير قال فقال ادخلوه الخزائن ليرى ما أعددنا فقيل له قم قال
قلت ليس بي مشى قال قدموا له دابة يركبها قال فدخلت خزائنه فقلت في
نفسي يا سليمان شمت بك إسرائيل وبشر بن عبيد ليس هذا إلا لكراهة الصلح
وسأنصرف بخفى حنين قال فرجعت إليه فقال كيف رأيت الطريق فيما بيننا وبينكم
قلت سهلا كثير الماء والمرعى فكره ما قلت له فقال ما علمك فقلت قد غزوت
غرشستان وغور والختل وطبرستان فكيف لا أعلم قال فكيف رأيت ما أعددنا
قلت رأيت عدة حسنة ولكن أما علمت أن صاحب الحصار لا يسلم من خصال
قال وما هن قلت لا يأمن أقرب الناس إليه وأحبهم إليه وأوثقهم في نفسه أن
يثب به يطلب مرتبته ويتقرب بذلك أو يفنى ما قد جمع فيسلم برمته أو يصيبه داء
فيموت فقطب وكره ما قلت له وقال نصرف إلى منزلك فانصرفت فأقمت يومين
وأنا لا أشك في تركه الصلح فدعاني فحملت كتاب الصلح مع غلامي وقلت له إن
أتاك رسولي يطلب الكتاب فانصرف إلى المنزل ولا تظهر الكتاب وقل لي إني
خلفت الكتاب في المنزل فدخلت عليه فسألني عن الكتاب فقلت خلفته في المنزل
فقال ابعث من يجيئك به فقبل الصلح وأحسن جائزتي وسرح معي أمه وكانت
صاحبة أمره قال فقدمت على نصر فلما نظر إلى قال ما مثلك إلا كما قال الأول
* فأرسل حكيما ولا توصه * فأخبرته فقال وفقت وأذن لامه عليه وجعل
يكلمها والترجمان يعبر عنها فدخل تميم بن نصر فقال للترجمان قل لها تعرفين
496

هذا فقالت لا فقال هذا تميم بن نصر فقالت والله ما أرى له حلاوة الصغير ولأنبل
الكبير قال أبو إسحاق بن ربيعة قالت لنصر كل ملك لا يكون عنده ستة أشياء فليس بملك وزير يباثه بنيات نفسه وما شجر في صدره من الكلام ويشاوره ويثق
بنصيحته وطباخ إذا لم يشته الطعام اتخذ له ما يشتهى وزوجة إذا دخل عليها مغتما
فنظر إلى وجهها زال غمه وحصن إذا فزع أو جهد فزع إليه فأنجاه تعنى البرذون
وسيف إذا قارع الاقران لم يخش خيانته وذخيرة إذا حملها فأين وقع بها من الأرض
عاش بها ثم دخل تميم بن نصر في مرفلة وجماعة فقالت من هذا قالوا هذا فتى
خراسان هذا تميم بن نصر قالت ماله نبل الكبار ولا حلاوة الصغار ثم دخل
الحجاج بن قتيبة فقالت من هذا فقالوا الحجاج بن قتيبة قال فحيته وسألت عنه وقالت
يا معشر العرب مالكم وفاء لا يصلح بعضكم لبعض قتيبة الذي وطن لكم ما أرى
وهذا ابنه تقعده دونك فحقك أن تجلسه هذا المجلس وتجلس أنت مجلسه (وحج)
بالناس في هذه السنة محمد بن هشام بن إسماعيل المخزومي كذلك قال أبو معشر
حدثني بذلك أحمد بن ثابت عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عنه وكذلك قال
الواقدي وغيره وكان عامل هشام بن عبد الملك على المدينة ومكة والطائف في هذه
السنة محمد بن هشام وعامله على العراق كله يوسف بن عمر وعامله على آذربيجان
وأرمينية مروان بن محمد وعلى خراسان نصر بن سيار وعلى قضاء البصرة عامر بن
عبيدة وعلى قضاء الكوفة ابن شبرمة
ثم دخلت سنة اثنتين وعشرين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك مقتل زيد بن علي
ذكر الخبر عن ذلك
ذكر هشام عن أبي مخنف أن زيد بن علي لما أمر أصحابه بالتأهب للخروج
والاستعداد أخذ من كان يريد الوفاء له بالبيعة فيما أمرهم به من ذلك فانطلق
497

سليمان بن سراقة البارقي إلى يوسف بن عمر فأخبره خبره وأعلمه أنه يختلف إلى
رجل منهم يقال له عامر وإلى رجل من بنى تميم يقال له طعمة ابن أخت لبارق
وهو نازل فيهم فبعث يوسف يطلب زيد بن علي في منزلهما فلم يوجد عندهما
وأخذ الرجلان فأتى بهما فلما كلمهما استيان له أمر زيد وأصحابه وتخوف زيد بن علي
أن يؤخذ فتعجل قبل الاجل الذي جعله بينه وبين أهل الكوفة قال وعلى
أهل الكوفة يؤمئذ الحكم بن الصلت وعلى شرطه عمرو بن عبد الرحمن رجل
من القارة وكانت ثقيف أخواله وكان فيهم ومعه عبيد الله بن العباس الكندي
في أناس من أهل الشأم ويوسف بن عمر بالحيرة قال فلما رأى أصحاب زيد بن علي
الذين بايعوه أن يوسف بن عمر قد بلغه أمر زيد وأنه يدس إليه ويستبحث
عن أمره اجتمعت إليه جماعة من رؤوسهم فقالوا رحمك الله ما قولك في أبى بكر
وعمر قال زيد رحمهما الله وغفر لهما ما سمعت أحدا من أهل بيتي يتبرأ منهما
ولا يقول فيهما إلا خيرا قالوا فلم تطلب إذا بدم أهل هذا البيت إلا أن وثبا على
سلطانكم فنزعاه من أيديكم فقال لهم زيد إن أشد ما أقول فيما ذكرتم إنا كنا أحق
بسلطان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الناس أجمعين وإن القوم استأثروا
علينا ودفعونا عنه ولم يبلغ ذلك عندنا بهم كفرا قد ولوا فعدلوا في الناس وعملوا
بالكتاب والسنة قالوا فلم يظلمك هؤلاء إذا كان أولئك لم يظلموك فلم تدعو
إلى قتال قوم ليسوا لك بظالمين فقال إن هؤلاء ليسوا كأولئك إن هؤلاء ظالمون
لي ولكم ولأنفسهم وإنما ندعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم
وإلى السنن أن تحيا وإلى البدع أن تطفا فإن أنتم أجبتمونا سعدتم وإن أنتم
أبيتم فلست عليكم بوكيل ففارقوه ونكثوا بيعته وقالوا سبق الامام وكانوا
يزعمون أن أبا جعفر محمد بن علي أخا زيد بن علي هو الامام وكان قد هلك يومئذ
وكان ابنه جعفر بن محمد حيا فقالوا جعفر إمامنا اليوم بعد أبيه وهو أحق بالامر
بعد أبيه ولا نتبع زيد بن علي فليس بإمام فسماهم زيد الرافضة فهم اليوم يزعمون أن
الذي سماهم الرافضة المغيرة حيت فارقوه وكانت طائفة منهم قبل خروج زيد مروا
498

إلى جعفر بن محمد بن علي فقالوا له إن زيد بن علي فينا يبايع أفترى لنا أن نبايعه
فقال لهم نعم بايعوه فهو والله أفضلنا وسيدنا وخيرنا فجاؤوا فكتموا ما أمرهم به قال
واستتب لزيد بن علي خروجه فواعد أصحابه ليلة الأربعاء أول ليلة من صفر
سنة 122 وبلغ يوسف بن عمر أن زيدا قد أزمع على الخروج فبعث إلى الحكم
ابن الصلت فأمره أن يجمع أهل الكوفة في المسجد الأعظم يحصرهم فيه
فبعث الحكم إلى العرفاء والشرط والمناكب والمقاتلة فأدخلهم المسجد ثم
نادى مناديه ألا إن الأمير يقول من أدركناه في رحله فقد برئت منه الذمة ادخلوا
المسجد الأعظم فأتى الناس المسجد يوم الثلاثاء قبل خروج زيد بيوم وطلبوا
زيدا في دار معاوية بن إسحاق بن زيد بن حارثة الأنصاري فخرج ليلا وذلك ليلة
الأربعاء في ليلة شديدة البرد من دار معاوية بن إسحاق فرفعوا الهرادى فيها النيران
ونادوا يا منصور أمت أمت يا منصور فكلما أكلت النار هرديا رفعوا آخر فما زالوا
كذلك حتى طلع الفجر فلما أصبحوا بعث زيد بن علي القاسم التنعي ثم الحضرمي
ورجلا آخر من أصحابه يناديان بشعارهما فلما كانوا في صحراء عبد القيس لقيهم
جعفر بن العباس الكندي فشدوا عليه وعلى أصحابه فقتل الرجل الذي كان مع
القاسم التنعي وارتث القاسم فأتى به الحكم فكلمه فلم يرد عليه شيئا فأمر به فضربت
عنقه على باب القصر فكان أول من قتل من أصحاب زيد بن علي هو وصاحبه
وأمر الحكم بن الصلت بدروب السوق فغلقت وغلقت أبواب المسجد على أهل
الكوفة وعلى أرباع الكوفة يومئذ على ربع أهل المدينة إبراهيم بن عبد الله بن
جرير البجلي وعلى مذحج وأسد عمرو بن أبي بذل العبدي وعلى كندة وربيعة
المنذر بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي وعلى تميم وهمدان محمد بن مالك
الهمداني ثم الخيواني قال وبعث الحكم بن الصلت إلى يوسف بن عمر فأخبره
الخبر فأمر يوسف مناديه فنادى في أهل الشأم من يأتي الكوفة فيقترب من
هؤلاء القوم فيأتيني بخبرهم فقال جعفر بن العباس الكندي أنا فركب في خمسين
فارسا ثم أقبل حتى انتهى إلى جبانة سالم السلولي فاستخبرهم ثم رجع إلى يوسف
499

ابن عمر فأخبره فلما أصبح خرج إلى تل قريب من الحيرة فنزل عليه ومعه قريش
وأشراف الناس وعلى شرطته يومئذ العباس بن سعيد المزني فبعث الريان بن سلمة
الاراشى في ألفين ومعه ثلثمائة من القيقانية رجالا معهم النشاب وأصبح زيد
ابن علي فكان جميع من وافاه تلك الليلة مائتي رجل وثمانية عشر رجلا فقال زيد
سبحان الله أين الناس فقيل له هم في المسجد الأعظم محصورون فقال لا والله ما هذا لمن
بايعنا بعذر وسمع نصر بن خزيمة النداء فأقبل إليه فلقى عمرو بن عبد الرحمن صاحب
شرطة الحكم بن الصلت في خيله من جهينة عند دار الزبير بن أبي حكيمة في
الطريق الذي يخرج إلى مسجد بنى عدى فقال نصر بن خزيمة يا منصور أمت فلم
يرد عليه شيئا فشد عليه نصر وأصحابه فقتل عمرو بن عبد الرحمن وانهزم من كان معه
وأقبل زيد بن علي من جبانة سالم حتى انتهى إلى جبانة الصائديين وبها خمسمائة
من أهل الشأم فحمل عليهم زيد بن علي فيمن معه فهزمهم وكان تحت زيد بن علي
يومئذ برذون أدهم بهيم اشتراه رجل من بنى نهد بن كهمس بن مروان النجاري
بخمسة وعشرين دينارا فلما قتل زيد بعد ذلك أخذه الحكم بن الصلت قال وانتهى
زيد بن علي إلى باب دار رجل من الأزد يقال له أنس بن عمرو وكان فيمن بايعه
فنودي وهو في الدار فجعل لا يجيب فناداه زيد يا أنس أخرج إلى رحمك الله فقد
جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا فلم يخرج إليه فقال زيد ما أخلفكم
قد فعلتموها الله حسيبكم قال ثم إن زيدا مضى حتى انتهى إلى الكناسة فحمل على
جماعة بها من أهل الشأم فهزمهم ثم خرج حتى ظهر إلى الجبانة ويوسف بن عمر
على التل ينظر إليه هو وأصحابه وبين يديه حزام بن مرة المزني وزمزم بن سليم
الثعلبي وهما على المجففة ومعه نحو من مائتي رجل والله لو أقبل على يوسف لقتله
والريان بن سلمة يتبع أثر زيد بن علي بالكوفة في أهل الشأم ثم إن زيدا أخذ
ذات اليمين على مصلى خالد بن عبد الله حتى دخل الكوفة وكانت فرقة من أصحاب
زيد بن علي حيث وجه إلى الكناسة قد انشعبت نحو جبانة مخنف بن سليم ثم
قال بعضهم لبعض ألا ننطلق نحو جبانة كندة قال فما زاد الرجل على أن تكلم بهذا
500

الكلام وطلع أهل الشأم فلما رأوهم دخلوا زقاقا فمضوا فيه وتخلف رجل منهم
فدخل المسجد فصلى فيه ركعتين ثم خرج إليهم فقاتلهم ساعة ثم إنهم صرعوه فجعلوا
يضربونه بأسيافهم فنادى رجل منهم فارس مقنع بالحديد أن اكشفوا المغفر ثم
اضربوا رأسه بعمود حديد ففعلوا وقتل وحمل أصحابه عليهم فكشفوهم عنه وقد
قتل وانصرف أهل الشأم وقد اقتطعوا رجلا ونجا سائرهم فذهب ذلك الرجل
حتى دخل دار عبد الله بن عوف فدخل أهل الشأم عليه فأسروه فذهب به إلى
يوسف بن عمر فقتله قال وأقبل زيد بن علي وقد رأى خذلان الناس إياه فقال
يا نصر بن خزيمة أتخاف أن يكونوا قد جعلوها حسينية فقال له جعلني الله لك
الفداء أما أنا فوالله لأضربن معك بسيفي هذا حتى أموت فكان قتاله يومئذ بالكوفة
ثم إن نصر بن خزيمة قال لزيد بن علي جعلني الله لك الفداء إن الناس في المسجد
الأعظم محصورون فامض بنا نحوهم فخرج بهم زيد نحو المسجد فمر على دار خالد
ابن عرفطة وبلغ عبيد الله بن العباس الكندي إقباله فخرج في أهل الشأم وأقبل
زيد فالتقوا على باب عمر بن سعد بن أبي وقاص فكع صاحب لواء عبيد الله
وكان لواؤه مع سلمان مولاه فلما أراد عبيد الله الحملة ورآه قد كع عنه قال احمل
يا ابن الخبيثة فحمل عليهم فلم ينصرف حتى خضب لواؤه بالدم ثم إن عبيد الله برز
فخرج إليه واصل الحناط فاضطربا بسيفيهما فقال للأحول خذها منى وأنا الغلام
الحناط وقال الآخر قطع الله يدي ان كلت بقفيز أبدا ثم ضربه فلم يصنع شيئا
وانهزم عبيد الله بن العباس وأصحابه حتى انتهوا إلى دار عمرو من حريث وجاء
زيد وأصحابه حتى انتهوا إلى باب الفيل فجعل أصحاب زيد يدخلون راياتهم
من فوق الأبواب ويقولون يا أهل المسجد اخرجوا وجعل نصر بن خزيمة
يناديهم ويقول يا أهل الكوفة اخرجوا من الذل إلى العز اخرجوا إلى الدين
والدنيا فإنكم لستم في دين ولا دنيا فأشرف عليهم أهل الشأم فجعلوا يرمونهم بالحجارة
من فوق المسجد وكان يومئذ جمع كبير بالكوفة في نواحيها وقيل في جبانة سالم
وانصرف الريان بن سلمة إلى الحيرة عند المساء وانصرف زيد بن علي فيمن معه وخرج
501

إليه ناس من أهل الكوفة فنزل دار الرزق فأتاه الريان بن سلمة فقاتله عند دار الرزق
قتالا شديدا فجرح من أهل الشأم وقتل منهم ناس كثير وتبعهم أصحاب زيد من
الرزق حتى انتهوا إلى المسجد فرجع أهل الشأم مساء يوم الأربعاء أسوأ شئ
ظنا فلما كان من الغد غداة يوم الخميس دعا يوسف بن عمر الريان بن سلمة فلم يوجد
حاضرا تلك الساعة وقال بعضهم بل أتاه وليس عليه سلاحه فأفف به وقال له
أف لك من صاحب خيل اجلس فدعا العباس بن سعيد المزني صاحب شرطته
فبعثه في أهل الشأم فسار حتى انتهى إلى زيد بن علي في دار الرزق وثم خشب
للنجار كثير فالطريق متضايق وخرج زيد في أصحابه وعلى مجنبتيه نصر بن خزيمة
العبسي ومعاوية بن إسحاق الأنصاري فلما رآهم العباس ولم يكن معه رجال نادى
يا أهل الشأم الأرض الأرض فنزل ناس كثير ممن معه فاقتتلوا قتالا شديدا في
المعركة وقد كان رجل من أهل الشأم من بنى عبس يقال له نائل بن فروة قال ليوسف
ابن عمر والله لئن أنا ملأت عيني من نصر بن خزيمة لأقتلنه أو ليقتلني فقال له يوسف
خذ هذا السيف فدفع إليه سيفا لا يمر بشئ إلا قطعه فلما التقى أصحاب العباس بن
سعيد وأصحاب زيد واقتتلوا بصر نائل بن فروة بنصر بن خزيمة فأقبل نحوه فضرب
نصرا فقطع فخذه وضربه نصر ضربة فقتله فلم يلبث نصر أن مات واقتتلوا قتالا
شديدا ثم إن زيد بن علي هزمهم وقتل من أهل الشأم نحوا من سبعين رجلا
فانصرفوا وهم بشر حال وقد كان العباس بن سعيد نادى في أصحابه أن اركبوا فإن
الخيل لا تطيق الرجال في المضيق فركبوا فلما كان العشى عبأهم يوسف بن عمر ثم
سرحهم فأقبلوا حتى التقوا هم وأصحاب زيد فحمل عليهم زيد في أصحابه فكشفهم
ثم تبعهم حتى أخرجهم إلى السبخة ثم شد عليهم بالسبخة حتى أخرجهم إلى بنى
سليم ثم تبعهم في خيله ورجاله حتى أخذوا على المسناة ثم إن زيدا أظهر لهم فيما
بين بارق ورؤاس فقاتلهم هنالك قتالا شديدا وصاحب لوائه يومئذ رجل
يقال له عبد الصمد بن أبي مالك بن مسروح من بنى سعد بن زيد حليف
العباس بن عبد المطلب وكان مسروح السعدي تزوج صفية بنت العباس بن
عبد المطلب فجعلت خيلهم لا تثبت لخيله ورجله فبعث العباس إلى يوسف بن عمر
502

يعلمه ذلك فقال له ابعث إلى الناشبة فبعث إليهم سليمان بن كيسان الكلبي في
الفيقانية والبخارية وهم ناشبة فجعلوا يرمدن زيدا وأصحابه وكان زيد حريصا على
أن يصرفهم حين انتهوا إلى السبخة فأبوا عليه فقاتل معاوية بن إسحاق الأنصاري
بين يدي زيد بن علي قتالا شديدا فقتل بين يديه وثبت زيد بن علي ومن معه حتى
إذا جنح الليل رمى بسهم فأصاب جانب جبهته اليسرى فتشبث في الدماغ فرجع
ورجع أصحابه ولا يظن أهل الشأم أنهم رجعوا إلا للمساء والليل قال فحدثني سلمة
ابن ثابت الليثي وكان مع زيد بن علي وكان آخر من انصرف من الناس يومئذ هو
وغلام لمعاوية بن إسحاق قال أقبلت أنا وصاحبي نقص أثر زيد بن علي فنجده
قد أنزل وأدخل بيت حران بن كريمة مولى لبعض العرب في سكة البريد في دور
أرحب وشاكر قال سلمة بن ثابت فدخلت عليه فقلت له جعلني الله فداك
أبا الحسين وانطلق أصحابه فجاؤوا بطبيب يقال له شقير مولى لبنى رؤاس فانتزع
النصل من جبهته وأنا أنظر إليه فوالله ما عدا أن انتزعه جعل يصيح ثم لم يلبث
أن قضى فقال القوم أين ندفنه وأين نواريه فقال بعض أصحابه نلبسه درعه ونطرحه
في الماء وقال بعضهم بل نحتز رأسه ونضعه بين القتلى فقال ابنه يحيى لا والله
لا تأكل لحم أبى الكلاب وقال بعضهم لا بل نحمله إلى العباسية فندفنه قال سلمة
فأشرت عليهم أن ننطلق به إلى الحفرة التي يؤخذ منها الطين فندفنه فيها فقبلوا
رأيي وانطلقنا وحفرنا له بين حفرتين وفيه حينئذ ماء كثير حتى إذا نحن
أمكنا له دفناه وأجرينا عليه الماء وكان معنا عبد له سندى قال ثم انصرفنا حتى
نأتى جبانة السبيع ومعنا ابنه فلم نزل بها وتصدع الناس عنا وبقيت في رهط معه
لا تكون عشرة فقلت له أين تريد هذا الصبح قد غشيك ومعه أبو الصبار العبدي
قال فقال النهرين فقلت له إن كنت إنما تريد النهرين فظننت أنه يريد أن يتشطط
الفرات ويقاتلهم فقلت له لا تبرح مكانك تقاتلهم حتى تقتل أو يقضى الله ما هو
قاض فقال لي أنا أريد نهري كربلاء فقلت له فالنجاء قبل الصبح فخرج من
الكوفة وأنا معه وأبو الصبار ورهط معنا فلما خرجنا من الكوفة سمعنا أذان
503

المؤذنين فصلينا الغداة بالنخيلة ثم توجهنا سراعا قبل نينوى فقال لي إني أريد
سابقا مولى بشر بن عبد الملك بن بشر فأسرع السير وكنت إذا لقيت القوم
أستطعمهم فأطعم الأرغفة فأطعمها إياه فيأكل ونأكل معه فانتهينا إلى نينوى
وقد أظلمنا فأتينا منزل سابق فدعوت على الباب فخرج إلينا فقلت له أما أنا
فأتي الفيوم فأكون به فإذا بدا لك أن ترسل إلى فأرسل قال ثم إني مضيت
وخلفته عند سابق فذلك آخر عهدي به قال ثم إن يوسف بن عمر بعث أهل
الشأم يطلبون الجرحى في دور أهل الكوفة فكانوا يخرجون النساء إلى صحن
الدار ويطوفون البيت يلتمسون الجرحى قال ثم دل غلام زيد بن علي السندي
يوم الجمعة على زيد فبعث الحكم بن الصلت العباس بن سعيد المزني وابن الحكم بن
الصلت فانطلقا فاستخرجاه فكره العباس أن يغلب عليه ابن الحكم بن الصلت
فتركه وسرح بشيرا إلى يوسف بن عمر غداة يوم الجمعة برأس زيد بن علي مع
الحجاج بن القاسم بن محمد بن الحكم بن أبي عقيل فقال أبو الجويرية مولى جهتنة
قل للذين انتهكوا المحارم * ورفعوا الشمع بصحرا سالم
كيف وجدتم وقعة الأكارم * يا يوسف بن الحكم بن القاسم
قال ولما أتى يوسف بن عمر البشير أمر بزيد فصلب بالكناسة هو
ونصر بن خزيمة ومعاوية بن إسحاق بن زيد بن حارثة الأنصاري وزياد
النهدي وكان يوسف قد نادى من جاء برأس فله خمسمائة درهم فجاء محمد بن عباد برأس
نصر بن خزيمة فأمر له يوسف بن عمر بألف درهم وجاء الأحول مولى الأشعريين برأس
معاوية بن إسحاق فقال أنت قتلته فقال أصلح الله الأمير ليس أنا قتلته ولكني رأيته
فعرفته فقال اعطوه سبعمائة درهم ولم يمنعه أن يتم له ألفا إلا أنه زعم أنه لم يقتله وقد
قيل إن يوسف بن عمر لم يعلم بأمر زيد ورجوعه من الطريق إلى الكوفة بعد ما شخص
إلا بإعلام هشام بن عبد الملك إياه وذلك أن رجلا من بنى أمية كتب فيما ذكر إلى
هشام يذكر له أمر زيد فكتب هشام إلى يوسف يشتمه ويجهله ويقول انك
لغافل رزيد غاوز ذنبه بالكوفة يبايع له فالجج في طلبه فأعطه الأمان فإن لم يقبل
504

فقاتله فكتب يوسف إلى الحكم بن الصلت من آل أبي عقيل وهو خليفته على
الكوفة بطلبه فطلبه فخفي عليه موضعه فدس يوسف مملوكا له خراسانيا ألكن
وأعطاه خمسة آلاف درهم وأمره أن يلطف لبعض الشيعة فيخبره أنه قد قدم من
خراسان حبا لأهل البيت وأن معه مالا يريد أن يقويهم به فلم يزل المملوك يلقى
الشيعة ويخبرهم عن المال الذي معه حتى أدخلوه على زيد فخرج فدل يوسف على
موضعه فوجه يوسف إليه الخيل فنادى أصحابه بشعارهم فلم يجتمع إليه منهم إلا
ثلثمائة أو أقل فجعل يقول كان داود بن علي أعلم بكم قد حذرني خذلانكم فلم
أحذر وقيل إن الذي دل على موضع زيد الذي كان دفن فيه وكان دفن في نهر
يعقوب فيما قيل كان أصحابه قد سكروا النهر ثم حفروا له في بطنه فدفنوه في ثيابه
ثم أجروا عليه الماء عند قصار كان به فاستجعل جعلا على أن يدلهم على موضعه
ثم دلهم فاستخرجوه فقطعوا رأسه وصلبوا جسده ثم أمروا بحراسته لئلا ينزل
فمكث يحرس زمانا وقيل إنه كان فيمن يحرسه زهير بن معاوية أبو خيثمة وبعث
برأسه إلى هشام فأمر به فنصب على باب مدينة دمشق ثم أرسل به إلى المدينة
ومكث البدن مصلوبا حتى مات هشام ثم أمر به الوليد فأنزل وأحرق وقيل إن
حكيم بن شريك كان هو الذي سعى بزيد إلى يوسف فأما أبو عبيدة معمر بن المثنى
فإنه قال في أمر يحيى بن زيد لما قتل زيد عمد رجل من بنى أسد إلى يحيى بن زيد
فقال له قد قتل أبوك وأهل خراسان لكم شيعة فالرأي أن تخرج إليها قال وكيف
لي بذلك قال تتوارى حتى يكف عنك الطلب ثم تخرج فواراه عنده ليلة ثم خاف
فأتى عبد الملك بن بشر بن مروان فقال له ان قرابة زيد بك قريبة وحقه عليك
واجب قال له أجل ولقد كان العفو عنه أقرب إلى التقوى قال فقد قتل وهذا
ابنه غلاما حدثا لا ذنب له وإن علم يوسف بن عمر بمكانه قتله فتجيره وتواريه
عندك قال نعم وكرامة فأتاه به فواراه عنده فبلغ الخبر يوسف فأرسل إلى عبد الملك
قد بلغني مكان هذا الغلام عندك وأعطى الله عهدا لئن لم تأتني به لاكتبن فيك
إلى أمير المؤمنين فقال له عبد الملك أتاك الباطل والزور أنا أوارى من ينازعني
505

سلطاني ويدعى فيه أكثر من حقي ما كنت أخشاك على قبول مثل هذا على ولا
الاستماع من صاحبه فقال صدق والله ابن بشر ما كان ليوارى مثل هذا ولا
يستر عليه فكف عن طلبه فلما سكن الطلب خرج يحيى في نفر من الزيدية إلى
خراسان وخطب يوسف بعد قتل زيد بالكوفة فقال يا أهل الكوفة ان يحيى
ابن زيد ينتقل في حجال نسائكم كما كان يفعل أبوه والله لو بدا لي صفحته لعرقت
خصييه كما عرقت خصيى أبيه * وذكر عن رجل من الأنصار قال لما جئ برأس
زيد فصلب بالمدينة في سنة 123 أقبل شاعر من شعراء الأنصار فقام بحياله فقال
ألا يا ناقض الميثاق * أبشر بالذي ساكا
نقضت العهد والميثاق * قدما كان قدماكا
لقد أخلف إبليس الذي * قد كان مناكا
قال فقيل له ويلك أتقول هذا لمثل زيد فقال إن الأمير غضبان فأردت أن
أرضيه فرد عليه بعض شعرائهم
ألا يا شاعر السوء * لقد أصبحت أفاكا
أتشتم ابن رسول الله * وترضى من تولاكا
ألا صبحك الله * بخزي ثم مساكا
ويوم الحشر لا شك * بأن النار مثواكا
وقيل كان خراش بن حوشب بن يزيد الشيباني على شرط يوسف بن عمر
فهو الذي نبش زيدا وصلبه فقال السيد
بت ليلى مسهدا * ساهر الطرف مقصدا
ولقد قلت قولة * وأطلت التبلدا
لعن الله حوشبا * وخراشا ومزبدا
* ويزيدا فإنه * كان أعتى وأعندا
ألف ألف وألف ألف * من اللعن سرمدا
إنهم حاربوا الاله * وآذوا محمدا
506

شركوا في دم المط * هر زيد تعندا
ثم عالوه فوق جذ * ع صريعا مجردا
يا خراش بن حوشب * أنت أشقى الورى غدا
(قال أبو مخنف) ولما قتل يوسف زيد بن علي أقبل حتى دخل الكوفة
فصعد المنبر فقال يا أهل المدرة الخبيثة انى والله ما تقرن بي الصعبة ولا يقعقع لي
بالشنان ولا أخوف بالذئب هيهات حبيت بالساعد الأشد أبشروا يا أهل الكوفة
بالصغار والهوان لا عطاء لكم عندنا ولا رزق ولقد هممت أن أخرب بلادكم
ودوركم وأحرمكم أموالكم أم والله ما علوت منبري إلا أسمعتكم ما تكرهون
عليه فإنكم أهل بغى وخلاف ما منكم الا من حارب الله ورسوله الا حكيم
ابن شريك المحاربي ولقد سألت أمير المؤمنين أن يأذن لي فيكم ولو أذن
لقتلت مقاتلتكم وسبيت ذراريكم (وفى هذه السنة) قتل كلثوم بن عياض القشيري
الذي كان هشام بن عبد الملك بعثه في خيول أهل الشأم إلى إفريقية حيث وقعت
الفتنة بالبربر (وفيها) قتل عبد الله البطال في جماعة من المسلمين بأرض الروم
(وفيها) ولد الفضل بن صالح ومحمد بن إبراهيم بن محمد بن علي (وفيها) وجه يوسف
ابن عمر ابن شبرمة على سجستان فاستقضى ابن أبي ليلى (وحج) بالناس في هذه
السنة محمد بن هشام المخزومي كذلك حدثني أحمد بن ثابت عمن ذكره عن إسحاق
ابن عيسى عن أبي معشر وكذلك قال الواقدي وغيره وكانت عمال الأمصار في
هذه السنة العمال في السنة التي قبلها وقد ذكرناهم قبل إلا أن قاضى الكوفة كان
فيما ذكر في هذه السنة محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى
ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك ما جرى بين أهل السغد ونصر بن سيار من الصلح
507

ذكر الخبر عن ذلك وسببه
ذكر علي بن محمد عن شيوخه أن خاقان لما قتل في ولاية أسد تفرقت الترك
في غارة بعضها على بعض فطمع أهل السغد في الرجعة إليها وانحاز قوم منهم إلى
الشاش فلما ولى نصر بن سيار أرسل إليهم يدعوهم إلى الفيئة والمراجعة إلى بلادهم
وأعطاهم كل ما أرادوا قال وكانوا سألوا شروطا أنكرها أمراء خراسان منها
أن لا يعاقب من كان مسلما وارتد عن الاسلام ولا يعدى عليهم في دين لاحد
من الناس ولا يؤخذون بقبالة عليهم في بيت المال ولا يؤخذ أسراء المسلمين
من أيديهم إلا بقضية قاض وشهادة العدول فعاب الناس ذلك على نصر وكلموه
فقال أم والله لو عاينتم شوكتهم في المسلمين ونكايتهم مثل الذي عاينت ما أنكرتم
ذلك فأرسل رسولا إلى هشام في ذلك فلما قدم الرسول أبى أن ينفذ ذلك لنصر
فقال الرسول جربت يا أمير المؤمنين حربنا وصلحنا فاختر لنفسك فغضب هشام
فقال الأبرش الكلبي يا أمير المؤمنين تألف القوم واحمل لهم فقد عرفت نكايتهم
كانت في المسلمين فأنفذ هشام ما سأل (وفى هذه السنة) أوفد يوسف بن عمر
الحكم بن الصلت إلى هشام بن عبد الملك يسأله ضم خران إليه وعزل
نصر بن سيار
ذكر الخبر عن سبب ذلك وما كان من الامر فيه
ذكر على عن شيوخه قال لما طالت ولاية نصر بن سيار ودانت له خراسان
كتب يوسف بن عمر إلى هشام حسدا له أن خراسان دبرة دبرة فإن رأى
أمير المؤمنين أن يضمها إلى العراق فأسرح إليها الحكم بن الصلت فإنه كان مع
الجنيد وولى جسيم أعماله فأعمر بلاد أمير المؤمنين بالحكم وأنا باعث الحكم بن
الصلت إلى أمير المؤمنين فإنه أديب أريب ونصيحته لأمير المؤمنين مثل نصيحتنا
ومودتنا أهل البيت فلما أتى هشاما كتابه بعث إلى دار الضيافة فوجه فيها مقاتل
ابن علي السعدي فأتوه به فقال أمن خراسان أنت قال نعم وأنا صاحب الترك
قال وكان قدم على هشام بخمسين ومائة من الترك فقال أتعرف الحكم بن الصلت
508

قال نعم قال فما ولى بخراسان قال ولى قرية يقال لها الفارياب خراجها سبعون
ألفا فأسره الحارث بن سريج قال ويحك وكيف أفلت منه قال عرك أذنه وقفده
وخلى سبيله قال فقدم عليه الحكم بعد بخراج العراق فرأى له جمالا وبيانا فكتب
إلى يوسف أن الحكم قدم وهو على ما وصفت وفيما قبلك له سعة وخل
الكناني وعمله (وفى هذه السنة) غزا نصر فرغانة غزوته الثانية فأوفد مغراء
ابن أحمر إلى العراق فوقع فيه عند هشام
ذكر الخبر عن ذلك وما كان من هشام ويوسف بن عمر فيه
ذكر أن نصرا وجه مغراء بن أحمر إلى العراق وافدا منصرفه من غزوته
الثانية فرغانة فقال له يوسف بن عمر يا ابن أحمر يغلبكم ابن الاقطع يا معشر قيس
على سلطانكم فقال قد كان ذلك أصلح الله الأمير قال فإذا قدمت على أمير المؤمنين
فأبقر بطنه فقدموا على هشام فسألهم عن أمر خراسان فتكلم مغراء فحمد الله
وأثنى عليه ثم ذكر يوسف بن عمر بخير فقال ويحك أخبرني عن خراسان قال
ليس لك جند يا أمير المؤمنين أغد ولا أنجد منهم من سرادق في السماء وفراسية
مثل الفيل وعدة وعدد من قوم ليس لهم قائد ويحك فما فعل الكناني لا يعرف
ولده من الكبر فرد عليه مقالته وبعث إلى دار الضيافة فأتى بشبيل بن عبد الرحمن
المازني فقال له هشام أخبرني عن نصر قال ليس بالشيخ يخشى خرفه ولا الشاب
يخشى سفهه المجرب المجرب قد ولى عامة ثغور خراسان وحروبها قبل ولايته
فكتب إلى يوسف بذلك فوضع يوسف الأرصاد فلما انتهوا إلى المواصل تركوا
طريق البريد وتكادوا حتى قدموا بيهق وقد كتب إلى نصر بقول شبيل وكان
إبراهيم بن بسام في الوفد فمكر به يوسف ونعى له نصرا وأخبره أنه قد ولى الحكم بن
الصلت بن أبي عقيل خراسان فقسم له إبراهيم خراسان كله حتى قدم عليه إبراهيم بن
زياد رسول نصر فعرف أن يوسف قد مكربه وقال أهلكني يوسف وقيل إن نصرا
أو فد مغراء وأوفد معه حملة بن نعيم الكلبي فلما قدموا على يوسف أطمع يوسف
مغراء إن هو ينقص نصرا عند هشام أن يوليه السند فلما قدما عليه ذكر مغراء
509

بأس نصر ونجدته ورأيه وأطنب في ذلك ثم قال لو كان الله متعنا منه ببقية فاستوى
هشام جالسا ثم قال ببقية ما ذا قال لا يعرف الرجل إلا بجرمه ولا يفهم عنه حتى
يدنى منه وما يكاد يفهم صوته من الضعف لأجل كبره فقام حملة الكلبي فقال
يا أمير المؤمنين كذب والله ما هو كما قال هو وهو فقال هشام ان نصر أليس كما وصف
وهذا أمر يوسف بن عمر حسد النصر وقد كان يوسف كتب إلى هشام يذكر كبر نصر
وضعفه ويذكر له سلم بن قتيبة فكتب إليه هشام أله عن ذكر الكناني فلما قدم
مغراء على يوسف قال له قد علمت بلاء نصر عندي وقد صنعت به ما قد علمت فليس
لي في صحبته خير ولالى بخراسان مقام فأمرني بالمقام فكتب إلى نصر إني قد حولت
اسمه فأشخص إلى من قبلك من أهله وقيل إن يوسف لما أمر مغراء بعيب نصر قال
كيف أعيبه مع بلائه وآثاره الجميلة عندي وعند قومي فلم يزل به فقال فيم أعيبه
أعيب تجربته أم طاعته أو يمن نقيبته أو سياسته قال عبه بالكبر فلما دخل على هشام
تكلم مغراء فذكر نصرا بأحسن ما يكون ثم قال في آخر كلامه لولا فاستوى هشام
جالسا فقال ما لولا قال لولا أن الدهر قد غلب عليه قال ما بلغ به ويحك الدهر قال
ما يعرف الرجل إلا من قريب ولا يعرفه إلا بصوته وقد ضعف عن الغزو والركوب
فشق ذلك على هشام فتكلم حملة بن نعيم فلما بلغ نصرا قول مغراء بعث هارون بن
السياوش إلى الحكم بن نميلة وهو في السراجين يعرض الجند فأخذ برجله فسحبه
عن طنفسة له وكسر لواءه على رأسه وضرب بطنفسته وجهه وقال كذاك يفعل
الله بأصحاب الغدر * وذكر علي بن محمد عن الحارث بن أفلح بن مالك بن أسماء بن
خارجة لما ولى نصر خراسان أدنى مغراء بن أحمر بن مالك بن سارية النميري والحكم
ابن نميلة بن مالك والحجاج بن هارون بن مالك وكان مغراء بن أحمر النميري رأس
أهل قنسرين فآثر نصر مغراء وسني منزلته وشفعه في حوائجه واستعمل ابن عمه
الحكم بن نميلة على الجوزجان ثم عقد للحكم على أهل العالية وكان أبوه بالبصرة
عليهم وكان بعده عكابة بن نميلة ثم أوفد نصر وفدا من أهل الشأم وأهل خراسان
وصير عليهم مغراء وكان في الوفد حملة بن نعيم الكلبي فقال عثمان بن صدقة بن وثاب
510

لمسلم بن عبد الرحمن بن مسلم عامل طخارستان
خيرني مسلم مراكبه * فقلت حسبي من مسلم حكما
هذا فتى عامر وسيدها * كفى بمن ساد عامرا كرما
يعنى الحكم بن نميلة قال فتغير نصر لقيس وأوحشه ما صنع مغراء قال وكان
أبو نميلة صالح الأبار مولى بنى عبس خرج مع يحيى بن زيد بن علي بن حسين فلم
يزل معه حتى قتل بالجوزجان وكان نصر قد وجد عليه لذلك فأتى عبيد الله بن بسام
صاحب نصر فقال:
قد كنت في همة حيران مكتئبا * حتى كفاني عبيد الله تهمامى
ناديته فسما للمجد مبتهجا * كغرة البدر جلى وجه أظلام
فاسم برأي أبى ليث وصولته * إن كنت يوم حفاظ بامرئ سامي
تظفر يداك بمن تمت مروته * واختصه ربه منه بإكرام
ماضي العزائم ليثي مضاربه * على الكريهة يوم الروع مقدام
لا هذر ساحة النادي ولا مذل * فيه ولا مسكت إسكات إفحام
له من الحلم ثوباه ومجلسه * إذا المجالس شانت أهل أحلام
قال فأدخله عبيد الله على نصر فقال أبو نميلة أصلحك الله إني ضعيف فإن رأيت
أن تأذن لراويتي فأذن له فأنشده،
فاز قدح الكلبي فاعتقدت مغراء * في سعيه عروق لئيم
فأبيني نمير ثم أبيني * العبد مغراء أم لصميم
فلئن كان منكم ما يكون ال‍ * غدر والكفر من خصال الكريم
ولئن كان أصله كان عبدا * ما عليكم من غدره من شتيم
وليته ليث وأي ولاة * بأياد بيض وأمر عظيم
أسمنته حتى إذا راح مغبوطا * بخير من شبيها المقسوم
كاد ساداته بأهون من نهقة * عير بقفرة مرقوم
فضربنا لغيرنا مثل الكاب * ذميما والذم للمذموم
511

وحمدنا ليثا ويأخذ بالفصل * لذوو الجود والندى والحلوم
فاعلمن يا بنى القساورة الغلب * وأهل الصفا وأهل الحطيم
أن في شكر صالحينا لما يد * حض قول المرهق الموصوم
قد رأى الله ما أتيت ولن ينقص * نبح الكلاب زهر النجوم
فلما فرغ قال نصر صدقت وتكلمت القيسية واعتذروا قال وأهان نصر قيسا
وباعدهم حين فعل مغراء ما فعل فقال في ذلك بعض الشعراء:
لقد بغض الله الكرام إليكم * كما بغض الرحمن قيسا إلى نصر
رأيت أبا ليث يهين سراتهم * ويدنى إليه كل ذي والث غمر
(وحج) بالناس في هذه السنة يزيد بن هشام بن عبد الملك كذلك حدثني أحمد
ابن ثابت عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر وكذلك قال الواقدي أيضا
وكان عمال الأمصار في هذه السنة هم العمال الذين كانوا في السنة التي قبلها وقد ذكرتهم قبل
ثم دخلت سنة أربع وعشرين ومائة
ذكر الاخبار عما كان فيها من الاحداث
فمما كان فيها من ذلك مقدم جماعة من شيعة بنى العباس الكوفة يريدون مكة
وشرى بكير بن ماهان في قول بعض أهل السير أبا مسلم صاحب دعوة بنى العباس
من عيسى بن معقل العجلي
ذكر الخبر عن سبب ذلك
وقد اختلف في ذلك فأما علي بن محمد فإنه ذكر أن حمزة بن طلحة السلمي حدثه
عن أبيه قال كان بكير بن ماهان كاتبا لبعض عمال السند فقدمها فاجتمعوا بالكوفة
في دار فغمز بهم فأخذوا فحبس بكير وخلى من الباقين وفى الحبس يونس أبو عاصم
وعيسى بن معقل العجلي ومعه أبو مسلم يخدمه فدعاهم بكير فأجابوه إلى رأيه فقال
لعيسى بن معقل ما هذا الغلام قال مملوك قال تبيعه قال هو لك قال أحب أن تأخذ
ثمنه قال هو لك بما شئت فأعطاه أربعمائة درهم ثم أخرجوا من السجن فبعث به إلى
512

إبراهيم فدفعه إبراهيم إلى موسى السراج فسمع منه وحفظ ثم صار إلى أن اختلف
إلى خراسان وقال غيره توجه سليمان بن كثير ومالك بن الهيثم ولاهز بن قريظ
وقحطبة بن شبيب من خراسان وهم يريدون مكة في سنة 124 فلما دخلوا الكوفة
أتوا عاصم بن يونس العجلي وهو في الحبس قد اتهم بالدعاء إلى ولد العباس ومعه
عيسى وإدريس ابنا معقل حبسهما يوسف بن عمر فيمن حبس من عمال خالد
ابن عبد الله ومعهما أبو مسلم يخدمهما فرأوا فيه العلامات فقالوا من هذا قالوا
غلام معنا من السراجين وقد كان أبو مسلم يسمع عيسى وإدريس يتكلمان في هذا الرأي
فإذا سمعهما بكى فلما رأوا ذلك منه دعوه إلى ما هم عليه فأجاب وقبل (وفى هذه السنة)
غزا سليمان بن هشام الصائفة فلقى أليون ملك الروم فسلم وغنم (وفيها) مات
في قول الواقدي محمد بن علي بن عبد الله بن عباس (وحج) بالناس في هذه السنة
محمد بن هشام بن إسماعيل كذلك حدثني أحمد بن ثابت عمن ذكره عن إسحاق بن
عيسى عن أبي معشر وكذلك قال الواقدي وحج في هذه السنة عبد العزيز بن الحجاج
ابن عبد الملك معه امرأته أم سلمة بنت هشام بن عبد الملك وذكر محمد بن عمر أن
يزيد مولى أبى الزناد حدثه قال رأيت محمد بن هشام على بابها يرسل بالسلام
وألطافه على بابها كثيرة ويعتذر فتأبى حتى كان ييأس من قبول هديته ثم أمرت
بقبضها وكان عمال الأمصار في هذه السنة هم العمال الذين كانوا عمالها في سنة 122
وفى سنة 123 وقد ذكرناهم قبل
ثم دخلت سنة خمس وعشرين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
فمن ذلك غزوة النعمان بن يزيد بن عبد الملك الصائفة ومن ذلك وفاة هشام
ابن عبد الملك بن مروان فيها وكانت وفاته فيما ذكر أبو معشر لست ليال خلون
من شهر ربيع الآخر كذلك حدثني أحمد بن ثابت عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى
عنه وكذلك قال الواقدي والمدائني وغيرهما غير أنهم قالوا كانت وفاته يوم الأربعاء
513

لست ليال خلون من شهر ربيع الآخر فكانت خلافته في قول جميعهم تسع عشرة
سنة وسبعة أشهر وأحد وعشرين يوما في قول المدائني وابن الكلبي وفى قول
أبى معشر وثمانية أشهر ونصفا وفى قول الواقدي وسبعة أشهر وعشرة ليال
واختلف في مبلغ سنه فقال هشام بن محمد الكلبي توفى وهو ابن خمس وخمسين
سنة وقال بعضهم توفى وله اثنتان وخمسون سنة وقال محمد بن عمر كان هشام يوم
توفى ابن أربع وخمسين سنة وكانت وفاته بالرصافة وبها قبره وكان يكنى أبا الوليد
ذكر الخبر عن العلة التي كانت بها وفاته
* حدثني أحمد بن زهير قال حدثني علي بن محمد قال حدثني شيبة بن عثمان قال
حدثني عمرو بن كليع قال حدثني سالم أبو العلاء قال خرج علينا هشام بن عبد الملك
يوما وهو كئيب يعرف ذلك فيه مسترخ عليه ثيابه وقد أرخى عنان دابته فسار
ساعة ثم انتبه فجمع ثيابه وأخذ بعنان دابته وقال للربيع ادع الأبرش فدعى فسار
بيني وبين الأبرش فقال له الأبرش يا أمير المؤمنين لقد رأيت منك شيئا غمني قال
وما هو قال رأيتك قد خرجت على حال غمني قال ويحك يا أبرش وكيف لا أغتم
وقد زعم أهل العلم أنى ميت إلى ثلاثة وثلاثين يوما قال سالم فرجعت إلى منزلي
فكتبت في قرطاس زعم أمير المؤمنين يوم كذا وكذا أنه يسافر إلى ثلاثة وثلاثين
يوما فلما كان في الليلة التي استكمل فيها ثلاثة وثلاثين يوما إذا خادم يدق الباب
يقول أجب أمير المؤمنين واحمل معك دواء الذبحة وقد كان أخذه مرة فتعالج
فأفاق فخرجت ومعي الدواء فتغرغر به فازداد الوجع شدة ثم سكن فقال لي يا سالم
قد سكن بعض ما كنت أجد فانصرف إلى أهلك وخلف الدواء عندي فانصرفت
فما كان إلا ساعة حتى سمعت الصراخ عليه قالوا مات أمير المؤمنين فلما مات أغلق
الخزان الأبواب فطلبوا قمقما يسخن فيه الماء لغسله فما وجدوه حتى استعاروا قمقما
من بعض الجيران فقال بعض من حضر ذلك إن في هذا لمعتبرا لمن اعتبر وكانت
وفاته بالذبحة فلما مات صلى عليه ابنه مسلمة بن هشام
514

ذكر بعض سير هشام
* حدثني أحمد بن زهير قال حدثني علي بن محمد عن وسنان الأعرجي قال
حدثني ابن أبي نحيلة عن عقال بن شبة قال دخلت على هشام وعليه قباء فنك أخضر
فوجهني إلى خراسان وجعل يوصيني وأنا أنظر إلى القباء ففطن فقال مالك قلت رأيت
عليك قبل أن تلى الخلافة قباء فنك أخضر فجعلت أتأمل هذا أهو ذاك أم غيره فقال هو
والله الذي لا إله إلا هو ذاك مالي قباء غيره وأما ما ترون من جمعي هذا المال وصونه فإنه
لكم قال وكان عقال مع هشام فأما شبة أبو عقال فكان مع عبد الملك بن مروان وكان
عقال يقول دخلت على هشام فدخلت على رجل محشو عقلا * حدثني أحمد بن
زهير قال حدثني على قال قال مروان بن شجاع مولى لمروان بن الحكم كنت مع
محمد بن هشام بن عبد الملك فأرسل إلى يوما فدخلت عليه وقد غضب وهو يتلهف
فقلت مالك فقال رجل نصراني شج غلامي وجعل يشتمه فقلت له على رسلك
قال فما أصنع قلت ترفعه إلى القاضي قال وما غير هذا قلت لا قال خصى له أنا
أكفيك فذهب فضربه وبلغ هشام فطلب الخصي فعاذ بمحمد فقال محمد بن هشام لم
آمرك وقال الخصي بلى والله لقد أمرتني فضرب هشام الخصي وشتم ابنه * وحدثني
أحمد قال على لم يكن أحد يسير في أيام هشام في موكب إلا مسلمة بن عبد الملك
قال ورأى هشام يوما سالما في موكب فزجره وقال لأعلمن متى سرت في موكب
وكان يقدم الرجل الغريب فيسير معه فيقف سالم ويقول حاجتك ويمنعه أن
يسير معه وكان سالم كأنه هو أمر هشاما قال ولم يكن أحد من بنى مروان يأخذ
العطاء الا عليه الغزو فمنهم من يغزو ومنهم من يخرج بدلا قال وكان لهشام بن
عبد الملك مولى يقال له يعقوب فكان يأخذ عطاء هشام مائتي دينار ودينارا يفضل
بدينار فيأخذها يعقوب ويغزو وكانوا يصيرون أنفسهم في أعوان الديوان وفى
بعض ما يجوز لهم المقام به ويوضع به الغزو عنهم وكان داود وعيسى ابنا علي بن عبد الله
ابن عباس وهما لام في أعوان الشرق بالعراق لخالد بن عبد الله فأقاما عنده فوصلهما
ولولا ذلك لم يستطع أن يحبسهما فصيرهما في الأعوان فسمرا وكانا يسامرانه
515

ويحدثانه قال فولى هشام بعض مواليه ضيعة له فعمرها فجاءت بغلة عظيمة كبيرة
ثم عمرها أيضا فأضعفت الغلة وبعث بها مع ابنه فقدم بها على هشام فأخبره خبر
الضيعة فجزاه خيرا فرأى منه انبساطا فقال يا أمير المؤمنين إن لي حاجة قال وما هي
قال زيادة عشرة دنانير في العطاء فقال ما يخيل إلى أحدكم أن عشرة دنانير في العطاء
الا بقدر الجوز لا لعمري لا أفعل * حدثني أحمد قال حدثنا على قال قال جعفر
ابن سليمان قال لي عبد الله بن علي جمعت دواوين بنى مروان فلم أر ديوانا أصح
ولا أصلح للعامة والسلطان من ديوان هشام * حدثنا أحمد قال قال على قال غسان
ابن عبد الحميد لم يكن أحد من بنى مروان أشد حصرا في أمر أصحابي ودواوينه
ولا أشد مبالغة في الفحص عنهم من هشام * حدثني أحمد قال حدثنا على قال قال
حماد الأبح قال هشام لغيلان ويحك يا غيلان قد أكثر الناس فيك فنازعنا بأمرك
فإن كان حقا أتبعناك وإن كان باطلا نزعت عنه قال نعم فدعا هشام ميمون بن مهران
ليكلمه فقال له ميمون سل فان أقوى ما يكون إذا سألتم قال له أشاء الله أن يعصى
فقال له ميمون أفعصى كارها فسكت فقال هشام أجبه فلم يجبه فقال له هشام
لا أقالني الله إن أقلته وأمر بقطع يديه ورجليه * حدثني أحمد قال حدثنا على
عن رجل من غنى عن بشر مولى هشام قال أوتى هشام برجل عنده قيان وخمر
وبربط فقال اكسروا الطنبور على رأسه وضربه فبكى الشيخ قال بشر فقلت له
وأنا أعزيه عليك بالبصر فقال أتراني أبكى للضرب إنما أبكى لاحتقاره للبربط
إذ سماه طنبورا قال وأغلظ رجل لهشام فقال له هشام ليس لك أن تغلظ لامامك
قال وتفقد هشام بعض ولده ولم يحضر الجمعة فقال له ما منعك من الصلاة قال
نفقت دابتي قال أفعجزت عن المشي فتركت الجمعة فمنعه الدابة سنة قال وكتب
سليمان بن هشام إلى أبيه إن بغلتي قد عجزت عنى فان رأى أمير المؤمنين أن يأمر لي
بدابة فعل فكتب إليه قد فهم أمير المؤمنين كتابك وما ذكرت من ضعف دابتك
وقد ظن أمير المؤمنين أن ذلك من قلة تعهدك لعلفها وأن علفها يضيع فتعهد
دابتك في القيام عليها بنفسك ويرى أمير المؤمنين رأيه في حملانك قال وكتب إليه
516

بعض عماله إني قد بعثت إلى أمير المؤمنين بسلة رراقن فليكتب إلى أمير المؤمنين
بوصولها فكتب إليه قد وصل إلى أمير المؤمنين الدراقن الذي بعثت به فأعجبه فزد
أمير المؤمنين منه واستوثق من الوعاء قال وكتب إلى بعض عماله قد وصلت الكمأة
التي بعثت بها إلى أمير المؤمنين وهى أربعون وقد تغير بعضها ولم تؤت في ذلك الا من
حشوها فإذا بعثت إلى أمير المؤمنين منها شيئا فأجد حشوها في الظرف الذي
تجعلها فيه بالرمل حتى لا تضطرب ولا يصيب بعضها بعضا * حدثني أحمد قال
حدثني على قال حدثنا الحارث بن يزيد قال حدثني مولى لهشام قال بعث معي مولى
لهشام كان على بعض ضياعه بطيرين ظريفين فدخلت إليه وهو جالس على سرير
في عرصة الدار فقال أرسلهما في الدار قال فأرسلتهما فنظر إليهما فقلت يا أمير المؤمنين
جائزتي قال ويلك وما جائزة طيرين قلت ما كان قال خذ أحدهما فعدوت في
الدار عليهما فقال مالك قلت أختار خيرهما قال أتختار أيضا خيرهما وتدع شرهما
لي دعهما ونحن نعطيك أربعين درهما أو خمسين درهما قال وأقطع هشام أرضا
يقال لها دورين فأرسل في قبضها فإذا هي خراب فقال لذويد كاتب كان بالشام
ويحك كيف الحيلة قال ما تجعل لي قال أربعمائة دينار فكتب دورين وقرأها ثم
أمضاها في الدواوين فأخذ شيئا كثيرا فلما ولى هشام دخل عليه ذو يد فقال له
هشام دورين وقراها لا والله لا تلى لي ولاية أبدا وأخرجه من الشأم * حدثني
أحمد قال حدثنا على عن عمير بن يزيد عن أبي خالد قال حدثني الوليد بن خليد قال
رآني هشام بن عبد الملك وأنا على برذون طخارى فقال يا وليد بن خليد ما هذا
البرذون قلت حملني عليه الجنيد فحسدني وقال والله لقد كثرت الطخارية لقدمات
عبد الملك فما وجدنا في دوابه برذونا طخاريا غير واحد فتنافسه بنو عبد الملك أيهم
يأخذه وما منهم أحد إلا يرى أنه إن لم يأخذه لم يرث من عبد الملك شيئا قال وقال
بعض آل مروان لهشام أتطمع في الخلافة وأنت بخيل جبان قال ولم لا أطمع
فيها وأنا حليم عفيف قال وقال هشام يوما للأبرش أوضعت أعنزك قال أي والله
قال لكن أعنزي تأخر ولادها فاخرج بنا إلى أعنزك نصب من ألبانها قال
517

نعم أفأقدم قوما قال لا قال أفأقدم خباء حتى يضرب لنا قال نعم فبعث برجلين بخباء
فضرب وغدا هشام والأبرش وغدا الناس فقعد هشام والأبرش كل واحد منهما على
كرسي وقد إلى كل واحد منهما شاة فحلب هشام الشاة بيده النار وقال تعلم يا أبرش
أنى لم أبس الحلب ثم أمر بملة فعجنت وأوقد بيده ثم فحصها وألق الملة وجعل
يقلبها بالمحراث ويقول يا أبرش كيف ترى رفقي حتى نضجت ثم أخرجها وجعل
يضربها بالمحراث ويقول جبينك جبينك والأبرش يقول لبيك لبيك وهذا شئ
تقوله الصبيان إذا خبزت لهم الملة ثم تغدى وتغدى الناس ورجع قال وقدم علباء
ابن منظور الليثي على هشام فأنشده
قالت علية واعتزمت لرحلة * زوراء بالاذنين ذات تسدر
أين الرحيل وأهل بيتك كلهم * كل عليك كبيرهم كالأصغر
فأصاغر أمثال سلكان القطا * لا في ثرى مال ولا في معشر
إني إلى ملك الشآم لراحل * وإليه يرحل كل عبد موقر
فلأتركنك إن حييت غنية * بندى الخليفة ذي الفعال الأزهر
إنا أناس ميت ديواننا * ومتى يصبه ندى الخليفة ينشر
فقال له هشام هذا الذي كنت تحاول وقد أحسنت المسألة فأمر له بخمسمائة
درهم وألحق له عيلا في العطاء قال وأتى هشاما محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن
الخطاب فقال مالك عندي شئ ثم قال إياك أن يغرك أحد فيقول لم يعرفك
أمير المؤمنين إني قد عرفتك أنت محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب فلا
تقيمن وتنفق ما معك فليس لك عندي صلة فالحق بأهلك قال وقف هشام يوما
قريبا من حائط له فيه زيتون ومعه عثمان بن حيان المري وعثمان قائم يكاد رأسه
يوازى رأس أمير المؤمنين وهو يكلمه إذ سمع نفض الزيتون فقال لرجل انطلق إليهم
فقل لهم ألقطوه لقطا ولا تنفضوه نفضا فتتفقأ عيونه وتتكسر غصونه قال
وحج هشام فأخذ الأبرش مخنثين ومعهم البرابط فقال هشام احبسوهم وبيعوا
متاعهم فما أدرى ما هو وصيروا ثمنه في بيت المال فإذا صلحوا فردوا عليهم الثمن
518

وكان هشام بن عبد الملك ينزل الرصافة وهى فيما ذكر من أرض قنسرين وكان
سبب نزوله إياها فيما حدثني أحمد بن زهير بن حرب عن علي بن محمد قال كان
الخلفاء وأبناء الخلفاء ينتبذون ويهربون من الطاعون فينزلون البرية خارجا
عن الناس فلما أراد هشام أن ينزل الرصافة قيل له لا تخرج فان الخلفاء لا يطعنون
لم ير خليفة طعن قال أتريدون أن تجربوا بي فنزل الرصافة وهى برية ابتنى بها
قصرين والرصافة مدينة رومية بنتها الروم وكان هشام أحول * فحدثني أحمد
عن علي قال بعث خالد بن عبد الله إلى هشام بن عبد الملك بحاد فحدا بين يديه
بأرجوزة أبى النجم
والشمس في الأفق كعين الأحول * صغواء قد همت ولما تفعل
فغضب هشام وطرده * وحدثني أحمد بن زهير قال حدثني علي بن محمد قال
حدثنا أبو عاصم الضبي قال مربى معاوية بن هشام وأنا أنظر إليه في رحبة
أبى شريك وأبو شريك رجل من العجم كانت تنسب إليه وهى مزرعة وقد اختبز
خبزة فوقف على فقلت الغداء فنزل وأخرجتها فوضعتها في لبن فأكل ثم جاء
الناس فقلت من هذا قالوا معاوية بن هشام فأمر لي بصلة وركب وثار بين يديه
ثعلب فركض خلفه فما تبعه غلوة حتى عثر به فرسه فسقط فاحتملوه ميتا فقال
هشام تالله لقد أجمعت أن أرشحه للخلافة ويتبع ثعلبا قال وكانت عند معاوية بن
هشام ابنة إسماعيل بن جرير وامرأة أخرى فأخرج هشام كل واحدة منهما من
نصف الثمن بأربعين ألفا * حدثني أحمد بن زهير قال حدثنا على قال قال قحذم
كاتب يوسف بعثني يوسف بن عمر إلى هشام بياقوتة حمراء تخرج طرفاها من
كفى ولؤلؤ حبه أعظم ما يكون من اللؤلؤ فدخلت عليه فدنوت منه فلم أر وجهه
من طول السرير وكثرة الفرش فتناول الحجر والحبة فقال اكتب معك بوزنهما
قلت يا أمير المؤمنين هما أجل عن أن يكتب بوزنهما ومن أين يوجد مثلهما قال
صدقت وكانت الياقوتة للرائقة جارية خالد بن عبد الله اشترتها بثلاثة وسبعين
ألف دينار * حدثني أحمد بن زهير قال حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي قال
519

حدثنا حسين بن يزيد عن شهاب بن عبد ربه عن عمرو بن علي قال مشيت مع محمد
ابن علي إلى داره عند الحمام فقلت له إنه قد طال ملك هشام وسلطانه وقد قرب
من العشرين وقد زعم الناس أن سليمان سأل ربه ملكا لا ينبغي لاحد من بعده
فزعم الناس أنها العشرون فقال ما أدرى ما أحاديث الناس ولكن أبى حدثني عن
أبيه عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لن يعمر الله ملكا في أمة نبي
مضى قبله ما بلغ بذلك النبي من العمر (وفى هذه السنة) ولى الخلافة بعد موت
هشام بن عبد الملك الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان وليها يوم السبت في
شهر ربيع الآخر سنة 125 في قول هشام بن محمد الكلبي وأما محمد بن عمر فإنه
قال استخلف الوليد بن يزيد بن عبد الملك يوم الأربعاء لست خلون من شهر
ربيع الآخر من سنة 125 وقال في ذلك علي بن محمد مثل قول محمد بن عمر
خلافة الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان
ذكر الخبر عن بعض أسباب ولايته الخلافة
قد مضى ذكرى سبب عقد أبيه يزيد بن عبد الملك بن مروان له الخلافة
بعد أخيه هشام بن عبد الملك وكان الوليد بن يزيد يوم عقد له أبوه يزيد ذلك
ابن إحدى عشرة سنة فلم يمت يزيد حتى بلغ ابنه الوليد خمس عشرة سنة فندم
يزيد على استخلافه هشاما أخاه بعد وكان إذا نظر إلى ابنه الوليد قال الله بيني
وبين من جعل هشاما بيني وبينك فتوفى يزيد بن عبد الملك وابنه الوليد ابن
خمس عشرة سنة وولى هشام وهو للوليد مكرم معظم مقرب فلم يزل ذلك
من أمرهما حتى ظهر من الوليد بن يزيد مجون وشرب الشراب حمله على ذلك
فيما حدثني أحمد بن زهير عن علي بن محمد عن جويرية بن أسماء وإسحاق بن أيوب
وعامر بن الأسود وغيرهم: عبد الصمد بن عبد الاعلى الشيباني أخو عبد الله
ابن عبد الاعلى وكان مؤدب الوليد واتخذ الوليد ندماء فأراد هشام أن يقطعهم
عنه فولاه الحج سنة 119 فحمل معه كلابا في صناديق فسقط منها صندوق
520

فيما ذكر علي بن محمد عمن سميت من شيوخه عن البعير وفيه كلب فأجالوا على الكرى
السياط فأوجعوه ضربا وحمل معه قبة عملها على قدر الكعبة ليضعها على الكعبة
وحمل معه خمرا وأراد أن ينصب القبة على الكعبة ويجلس فيها فخوفه أصحابه
وقالوا لا نأمن الناس عليك وعلينا معك فلم يحركها وظهر للناس منه تهاون
بالدين واستخفاف بن وبلغ ذلك هشاما فطمع في خلعه والبيعة لابنه مسلمة بن هشام
وأراده على أن يخلعها ويبايع لمسلمة فأبى فقال له اجعلها له من بعدك فأبى فتنكر له
هشام وأضربه وعمل سرا في البيعة لابنه فأجابه قوم قال فكان ممن أجابه خالاه
محمد وإبراهيم ابنا هشام بن إسماعيل المخزومي وبنو القعقاع بن خليد العبسي
وغيرهم من خاصته قال وتمادى الوليد في الشراب وطلب اللذات فأفرط فقال له
هشام ويحك يا وليدي والله ما أدرى أعلى الاسلام أنت أم لا ما تدع شيئا من
المنكر إلا أتيته غير متحاش ولا مستتر به فكتب إليه الوليد
يا أيها السائل عن ديننا * نحن على دين أبى شاكر
نشربها صرفا وممزوجة * بالسخن أحيانا وبالفاتر
فغضب هشام على ابنه مسلمة وكان يكنى أبا شاكر وقال له يعيرني بك الوليد
وأنا أرشحك للخلافة فالزم الأدب واحضر الجماعة وولاه الموسم سنة 119 فأظهر
النسك والوقار واللين وقسم بمكة والمدينة أموالا فقال مولى لأهل المدينة
يا أيها السائل عن ديننا * نحن على دين أبى شاكر
الواهب الجرد بأرسانها * ليس بزنديق ولا كافر
يعرض بالوليد وأم مسلمة بن هشام أم حكيم بنت يحيى بن الحكم بن أبي
العاص فقال الكميت
إن الخلافة كائن أوتادها * بعد الوليد إلى ابن أم حكيم
فقال خالد بن عبد الله القسري أنا برئ من خليفة يكنى أبا شاكر فغضب مسلمة
ابن هشام على خالد فلما مات أسد بن عبد الله أخو خالد بن عبد الله كتب أبو شاكر
إلى خالد بن عبد الله بشعر هجا به نوفل خالدا وأخاه أسدا حين مات
521

أراح من خالد وأهلكه * رب أراح العباد من أسد
أما أبوه فكان مؤتشبا * عبدا لئيما لا عبد قفد
وبعث بالطومار مع رسول على البريد إلى خالد فظن أنه عزاه عن أخيه
ففض الخاتم فلم ير في الطومار غير الهجاء فقال ما رأيت كاليوم تعزية وكان
هشام يعيب الوليد ويتنقصه وكثر عبثه به وبأصحابه وتقصيره به فلما رأى ذلك
الوليد خرج وخرج معه ناس من خاصته ومواليه فنزل بالأزرق بين أرض
بلقين وفزارة على ماء يقال له الأغدف وخلف كاتبه عياض بن مسلم مولى
عبد الملك بن مروان بالرصافة فقال له اكتب إلى ما يحدث قبلكم وأخرج معه
عبد الصمد بن عبد الاعلى فشربوا يوما فلما أخذ فيهم الشراب قال الوليد لعبد الصمد
يا أبا وهب قل أبياتا فقال
ألم تر للنجم إذ شيعا * يبادر في برجه المرجعا
تحير عن قصد مجراته * أتى الغور والتمس المطلعا
فقلت وأعجبني شأنه * وقد لاح إذ لاح لي مطمعا
لعل الوليد دنا ملكه * فأمسى إليه قد استجمعا
وكنا نؤمل في ملكه * كتأميل ذي الجدب أن يمرعا
عقدنا له محكمات الأمور * طوعا فكان لها موضعا
وروى الشعر فبلغ هشاما فقطع عن الوليد ما كان يجرى عليه وكتب إلى الوليد
بلغني عنك أنك اتخذت عبد الصمد خدنا ومحدثا ونديما وقد حقق ذلك عندي
ما بلغني عنك ولم أبرئك من سوء فأخرج عبد الصمد مذموما مدحورا فأخرجه
وقال فيه
لقد قذفوا أبا وهب بأمر * كبير بل يزيد على الكبير
فأشهد أنهم كذبوا عليه * شهادة عالم بهم خبير
وكتب الوليد إلى هشام يعلمه إخراج عبد الصمد واعتذر إليه مما بلغه من
منادمته وسأله أن يأذن لابن سهيل في الخروج إليه وكان ابن سهيل من أهل اليمن
522

وقد ولى دمشق غير مرة وكان ابن سهيل من خاصة الوليد فضرب هشام ابن
سهيل وسيره وأخذ عياض بن مسلم كاتب الوليد وبلغه أنه يكتب بالاخبار إلى الوليد
فضربه ضربا مبرحا وألبسه المسوح فبلغ الوليد فقال من يثق بالناس ومن يصطنع
المعروف هذا الأحول المشؤم قدمه أبى على أهل بيته فصيره ولى عهده ثم
يصنع بي ما ترون لا يعلم أن لي في أحد هوى إلا عبث به كتب إلى أن أخرج
عبد الصمد فأخرجته وكتبت إليه أن يأذن لابن سهيل في الخروج إلى فضربه
وسيره وقد علم رأى فيه وقد علم انقطاع عياض بن مسلم إلى وتحرمه بي ومكانه منى وأنه
كاتبي فضربه وحبسه يضارني بذلك اللهم أجرني منه وقال
أنا النذير لمسدى نعمة أبدا * إلى المقاريف ما لم يخبر الدخلا
إن أنت أكرمتهم ألفيتهم بطرا * وإن أهنتهم ألفيتهم ذللا
أتشمخون ومنا رأس نعمتكم * ستعلمون إذا كانت لنا دولا
أنظر فإن كنت لم تقدر على مثل * له سوى الكلب فاضربه له مثلا
بينا يسمنه للصيد صاحبه * حتى إذ ما نوى من بعد ما هزلا
عدا عليه فلم تضرره عدوته * ولو أطاق له أكلا لقد أكلا
وكتب إلى هشام لقد بلغني الذي أحدث أمير المؤمنين من قطع ما قطع عنى ومحو
ما محا من أصحابي وحرمي وأهلي ولم أكن أخاف أن يبتلى الله أمير المؤمنين بذلك
ولا أبالي به منه فال يكن ابن سهيل كان منه ما كان فيحسب العير أن يكون قدر
الذئب ولم يبلغ من صنيعي في ابن سهيل واستصلاحه وكتابي إلى أمير المؤمنين فيه
كنه ما بلغ أمير المؤمنين من قطيعتي فان يكن ذلك لشئ في نفس أمير المؤمنين
على فقد سبب الله لي من العهد وكتب لي من العمر وقسم لي من الرزق مالا يقدر
أحد دون الله على قطع شئ منه دون مدته ولا صرف شئ عن مواقعه فقدر الله
يجرى بمقاديره فيما أحب الناس أو كرهوا ولا تأخير لعاجله ولا تعجيل لآجله
فالناس بين ذلك يقترفون الآثام على نفوسهم من الله أو يستوجبون الأجور
عليه وأمير المؤمنين أحق أمته بالبصر بذلك والحفظ له والله الموفق لأمير المؤمنين
523

لحسن القضاء له في الأمور فقال هشام لأبي الزبير يا نسطاس أترى الناس يرضون
بالوليد إن حدث بي حدث قال بل يطيل الله عمرك يا أمير المؤمنين قال ويحك
لا بد من الموت أفترى الناس يرضون بالوليد قال يا أمير المؤمنين إن له في أعناق
الناس بيعة فقال هشام لئن رضى الناس بالوليد ما أظن الحديث الذي رواه الناس
أن من قام بالخلافة ثلاثة أيام لم يدخل النار إلا باطلا وكتب هشام إلى الوليد
قد فهم أمير المؤمنين ما كتبت به من قطع ما قطع عنك وغير ذلك وأمير المؤمنين
يستغفر الله من إجرائه ما كان يجرى عليك وأمير المؤمنين أخوف على نفسه من
اقتراف المآثم عليها في الذي كان يجرى عليك منه في الذي أحدث من قطع
ما قطع ومحو ما محا من صحابتك لامرين أما أحدهما فإيثار أمير المؤمنين إياك بما كان
يجرى عليك وهو يعلم وضعك له وإنفاقكه في غير سبيله وأما الآخر فإثبات
صحابتك وإدرار أرزاقهم عليهم لا ينالهم ما ينال المسلمين في كل عام من مكروه
عند قطع البعوث وهم معك تجول بهم في سفهك ولأمير المؤمنين أحرى في نفسه
للتقصير في القتر عليك منه للاعتداء عليك فيها مع أن الله قد نصر أمير المؤمنين
في قطع ما قطع عنك من ذلك ما يرجو به تكفير ما يتخوف مما سلف فيه منه
وأما ابن سهيل فلعمري لئن كان نزل منك بما نزل وكان أهلا أن تسر فيه أو تساء
ما جعله الله كذلك وهل زاد ابن سهيل لله أبوك على أن كان مغنيا زفانا قد بلغ
في السفه غايته وليس ابن سهيل مع ذلك بشر ممن تستصحبه في الأمور التي يكرم
أمير المؤمنين نفسه عن ذكرها مما كنت لعمر الله أهلا للتوبيخ به ولئن كان
أمير المؤمنين على ظنك به في الحرص على فسادك إنك إذا بغير إل عن هوى
أمير المؤمنين من ذلك وأما ما ذكرت مما سبب الله لك فان الله قد ابتدأ أمير
المؤمنين بذلك واصطفاه له والله بالغ أمره لقد أصبح أمير المؤمنين وهو على
اليقين من ربه أنه لا يملك لنفسه فيما أعطاه من كرامته ضرا ولا نفعا وإن الله
ولى ذلك منه وأنه لا بد له من مزايلته والله أرأف بعباده وأرحم من أن يولى
أمرهم غير الرضى له منهم وإن أمير المؤمنين من حسن ظنه بربه لعلى أحسن
524

الرجاء أن يوليه تسبيب ذلك لمن هو أهله في الرضا له به ولهم فان بلاء الله عند
أمير المؤمنين أعظم من أن يبلغه ذكره أو يؤديه شكره إلا بعون منه ولئن كان
قدر لأمير المؤمنين تعجيل وفاة إن في الذي هو مفض إليه إن شاء الله من كرامة الله
لخلفا من الدنيا ولعمري إن كتابك إلى أمير المؤمنين بما كتبت به لغير مستنكر
من سفهك وحمقك فأربع على نفسك من غلوائها وارقا على ظلعك فإن لله سطوات
وعينا يصيب بذلك من يشاء ويأذن فيه لمن يشاء ممن شاء الله وأمير المؤمنين يسأل
الله العصمة والتوفيق لأحب الأمور إليه وأرضاها له فكتب الوليد إلى هشام
رأيتك تبنى جاهدا في قطيعتي * فلو كنت ذا إرب لهدمت ما تبنى
تثير على الباقين مجنى ضغينة * فويل لهم إن مت من شرما تجن
كأني بهم والليت أفضل قولهم * ألا ليتنا والليت إذ ذاك ويغنى
كفرت يدا من منعم لو شكرتها * جزاك بها الرحمن ذو الفضل لا المن
قال فلم يزل الوليد مقيما في تلك البرية حتى مات هشام فلما كان صبيحة اليوم
الذي جاءته فيه الخلافة أرسل إلى أبى الزبير المنذر بن أبي عمرو فأتاه فقال له
يا أبا الزبير ما أتت على ليلة منذ عقلت عقلي أطول من هذه الليلة عرضت لي
همومي وحدثت نفسي فيها بأمور من أمر هذا الرجل قد أولع بي يعنى هشاما
فاركب بنا نتنفس فركبا فسار ميلين ووقف على كثيب وجعل يشكو هشاما
إذ نظر إلى رهج فقال هؤلاء رسل هشام نسأل الله من خيرهم إذا بدا رجلان على
البريد مقبلان أحدهما مولى لأبي محمد السفياني والآخر جردبة فلما قربا أتيا
الوليد فنزلا بعدوان حتى دنيا منه فسلما عليه بالخلافة فوجم وجعل جردبة
يكرر عليه السلام بالخلافة فقال ويحك أمات هشام قال نعم قال فممن كتابك
قال من مولاك سالم بن عبد الرحمن صاحب ديوان الرسائل فقرأ الكتاب
فانصرفا فدعا مولى أبى محمد السفياني فسأله عن كاتبه عياض بن مسلم فقال يا أمير
المؤمنين لم يزل محبوسا حتى نزل بهشام أمر الله فلما صار في حد لا ترجى الحياة
لمثله أرسل عياض إلى الخزان أن احتفظوا بما في أيديكم فلا يصلن أحد منه
إلى شئ وأفاق هشام إفاقة فطلب شيئا فمنعوه فقال أرانا كنا خزانا للوليد ومات
525

من ساعته وخرج عياض من السجن فختم أبواب الخزائن وأمر بهشام فأنزل عن فرشه
فما وجدوا له قمقما يسخن له فيه الماء حتى استعاروه ولا وجدوا كفنا من
الخزائن فكفنه غالب مولى هشام فكتب الوليد إلى العباس بن الوليد بن
عبد الملك بن مروان أن يأتي الرصافة فيحصى ما فيها من أموال هشام وولده
ويأخذ عماله وحشمه إلا مسلمه بن هشام فإنه كتب إليه أنه لا يعرض له ولا يدخل
منزله فإنه كان يكثر أن يكلم أباه في الرفق به ويكفه عنه فقدم العباس الرصافة
فأحكم ما كتب به إليه الوليد وكتب إلى الوليد بأخذ بنى هشام وحشمه وإحصاء
أموال هشام فقال الوليد
ليت هشاما كان حيا يرى * محلبه الأوفر قد أترعا
(ويروى)
ليت هشاما عاش حتى يرى * مكياله الأوفر قد طبعا
كلناه بالصاع الذي كاله * وما ظلمناه به إصبعا
وما أتينا ذاك عن بدعة * أحله الفرقان لي أجمعا
فاستعمل الوليد العمال وجاءته بيعته من الآفاق وكتب إليه العمال وجاءته
الوفود وكتب إليه مروان بن محمد بارك الله لأمير المؤمنين فيما أصاره إليه من
ولاية عباده ووراثة بلاده وكان من تغشى غمرة سكرة الولاية ما حمل هشاما على
ما حاول من تصغير ما عظم الله من حق أمير المؤمنين ورام من الامر المستصعب
عليه الذي أجابه إليه المدخولون في آرائهم وأديانهم فوجدوا ما طمع فيه مستصعبا
وزاحمته الاقدار بأشد مناكبها وكان أمير المؤمنين بمكان من الله حاطه فيه حتى
إزره بأكرم مناطق الخلافة فقام بما أراه الله له أهلا ونهض مستقلا بما حمل
منها مثبتة ولايته في سابق الزبر بالأجل المسمى خصه الله بها على خلقه وهو
يرى حالاتهم فقلده طوقها ورمى إليه بأزمة الخلافة وعصم الأمور فالحمد لله الذي
اختار أمير المؤمنين لخلافته ووثائق عرى دينه وذب له عما كاده فيه الظالمون
فرفعه ووضعهم فمن أقام على تلك الخسيسة من الأمور أوبق نفسه وأسخط ربه
526

ومن عدلته التوبة نازعا عن الباطل إلى حق وجد الله توابا رحيما أخبر أمير
المؤمنين أكرمه الله أنى عندما انتهى إلى من قيامه بولاية خلافة الله نهضت
إلى منبري على سيفان مستعدا بهما لأهل الغش حتى أعلمت من قبلي ما امتن
الله به عليهم من ولاية أمير المؤمنين فاستبشروا لذلك وقالوا لم تأتنا ولاية خليفة
كانت آمالنا فيها أعظم ولا هي لنا أسر من ولاية أمير المؤمنين وقد بسطت
يدي لبيعتك فجددتها ووكدتها بوثائق العهود وترداد المواثيق وتغليظ الايمان
فكلهم حسنت إجابتهم وطاعتهم فأثبهم يا أمير المؤمنين بطاعتهم من مال الله الذي
آتاك فإنك أجودهم جودا وأبسطهم يدا وقد انتظروك راجين فضلك قبلهم
بالرحم الذي استرحموك وزدهم زيادة يفضل بها من كان قبلك حتى يظهر بذلك
فضلك عليهم على رعيتك ولولا ما أحاول من سد الثغر الذي أنا به لخفت أن
يحملني الشوق إلى أمير المؤمنين إن استخلف رجلا على غير أمره وأقدم لمعاينة
أمير المؤمنين فإنها لا يعدو لها عندي عادل نعمة وإن عظمت فإن رأى أمير المؤمنين
أن يأذن لي في المسير إليه لا شافهه بأمور كرهت الكتاب بها فعل فلما ولى
الوليد أجرى على زمني أهل الشأم وعميانهم وكساهم وأمر لكل إنسان منهم بخادم
وأخرج لعيالات الناس الطيب والكسوة وزادهم على ما كان يخرج لهم هشام وزاد
الناس جميعا في العطاء عشرة عشرة ثم زاد أهل الشأم بعد زيادة العشرات عشرة
عشرة لأهل الشأم خاصة وزاد من وفد إليه من أهل بيته في جوائزهم الضعف
وكان وهو ولى عهد يطعم من وفد إليه من أهل الصائفة قافلا ويطعم من صدر
عن الحج بمنزل يقال له زيزاء ثلاثة أيام ويعلف دوابهم ولم يقل في شئ يسأله
لا فقيل له إن في قولك أنظر عدة ما يقيم عليها الطالب فقال لا أعود لساني شيئا
لم أعتده وقال
ضمنت لكم إن لم تعقنى عوائق * بأن سماء الضر عنكم ستقلع
سيوشك إلحاق معا وزيادة * وأعطية منى عليكم تبرع
محرمكم ديوانكم وعطاؤكم * به يكتب الكتاب شهرا وتطبع
527

(وفى هذه السنة) عقد الوليد بن يزيد لابنيه الحكم وعثمان البيعة من
بعده وجعلهما وليي عهده أحدهما بعد الآخر وجعل الحكم مقدما على عثمان
وكتب بذلك إلى الأمصار وكان ممن كتب إليه بذلك يوسف بن عمر وهو عامل
الوليد يومئذ على العراق وكتب بذلك يوسف إلى نصر بن سيار وكانت نسخة
الكتاب إليه بسم الله الرحمن الرحيم من يوسف بن عمر إلى نصر بن سيار أما
بعد فإني بعثت إليك نسخة كتاب أمير المؤمنين الذي كتب به إلى من قبلي الذي
ولى الحكم ابن أمير المؤمنين وعثمان ابن أمير المؤمنين من العهد بعده مع عقال
ابن شبة التميمي وعبد الملك القيني وأمرتهما بالكلام في ذلك فإذا قدما عليك
فاجمع لقراءة كتاب أمير المؤمنين الناس ومرهم فليحشدوا له وقم فيهم بالذي
كتب أمير المؤمنين فإذا فرغت فقم بقراءة الكتاب وأذن لمن أراد أن يقوم
بخطبة ثم بايع الناس لهما على اسم الله وبركته وخذ عليهم بالمواثيق على الذي
نسخت لك في آخر كتابي هذا الذي نسخ لنا أمير المؤمنين في كتابه فافهمه
وبايع عليه نسأل الله أن يبارك لأمير المؤمنين ورعيته في الذي قضى لهم على
لسان أمير المؤمنين وأن يصلح الحكم وعثمان ويبارك لنا فيهما والسلام عليك
وكتب النصر يوم الخميس للنصف من شعبان سنة خمس وعشرين ومائة بسم
الله الرحمن الرحيم تبايع لعبد الله الوليد أمير المؤمنين والحكم ابن أمير المؤمنين
إن كان من بعده وعثمان ابن أمير المؤمنين إن كان بعد الحكم على السمع والطاعة
وإن حدث بواحد منهما حدث فأمير المؤمنين أملك في ولده ورعيته يقدم من
أحب ويؤخر من أحب عليك بذلك عهد الله وميثاقه فقال الشاعر في ذلك
نؤمل عثمان بعد الوليد * للعهد فينا ونرجو يزيدا
كما كان إذ ذاك في ملكه * يزيد يرجى لذاك الوليدا
على أنها شعست شعسة * فنحن نؤملها أن تعودا
فإن هي عادت فأوصى القريب * عنها ليؤيس منها البعيدا
قال أحمد قال على عن شيوخه الذين ذكرت فقدم عقال بن شبة وعبد الملك
528

ابن نعيم على نصر وقدما بالكتاب وهو أما بعد فإن الله تباركت أسماؤه
وجل ثناؤه وتعالى ذكره اختار الاسلام دينا لنفسه وجعله خير خيرته من
خلقه ثم اصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس فبعثهم به وأمرهم به وكان بينهم وبين
من مضى من الأمم وخلا من القرون قرنا فقرنا يدعون إلى التي هي أحسن ويهدون
إلى صراط مستقيم حتى انتهت كرامة الله في نبوته إلى محمد صلوات الله عليه على
حين دروس من العلم وعمى من الناس وتشتيت من الهوى وتفرق من السبل
وطموس من أعلام الحق فأبان الله به الهدى وكشف به العمى واستنقذ به من
الضلالة والردى وأبهج به الدين وجعله رحمة للعالمين وختم به وحيه وجمع له ما أكرم
به الأنبياء قبله وقفى به على آثارهم مصدقا لما نزل معهم ومهيمنا عليه وداعيا إليه
وآمرا به حتى كان من أجابه من أمته ودخل في الدين الذي أكرمهم الله به مصدقين
لما سلف من أنبياء الله فيما يكذبهم فيه قومهم منتصحين لهم فيما ينهونه ذابين
لحرمهم عما كانوا منتهكين معظمين منها لما كانوا مصغرين فليس من أمة محمد صلى
الله عليه وسلم أحد كان يسمع لاحد من أنبياء الله فيما بعثه الله به مكذبا ولا عليه
في ذلك طاعنا ولا له مؤذيا بتسفيه له أورد عليه إذ جحد لما أنزل الله عليه معه
فلم يبق كافر إلا استحل بذلك دمه وقطع الأسباب التي كانت بينه وبينه وإن كانوا
آباءهم أو أبناءهم أو عشيرتهم ثم استخلف خلفاءه على منهاج نبوته حين قبض نبيه
صلى الله عليه وسلم وختم به وحيه لانفاذ حكمه وإقامة سنته وحدوده والاخذ
بفرائضه وحقوقه تأييدا بهم للاسلام وتشييدا بهم لعراه وتقوية بهم لقوى حبله
ودفعا بهم عن حريمه وعدلا بهم بين عباده وإصلاحا بهم لبلاده فإنه تبارك وتعالى
يقول: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله
ذو فضل على العالمين) فتتابع خلفاء الله على ما أورثهم الله عليه من أمر أنبيائه
واستخلفهم عليه منه لا يتعرض لحقهم أحد إلا صرعه الله ولا يفارق جماعتهم
أحد إلا أهلكه الله ولا يستخف بولايتهم ويتهم قضاء الله فيهم أحد إلا أمكنهم
الله منه وسلطهم عليه وجعله نكالا وموعظة لغيره وكذلك صنع الله ممن فارق
529

الطاعة التي أمر بلزومها والاخذ بها والأثرة لها والتي قامت بها السماوات والأرض
قال الله تبارك وتعالى (ثم استوى إلى السماء وهى دخان فقال لها وللأرض
ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين) وقال عز ذكره (وإذ قال ربك
للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها
ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا
تعلمون) فبالخلافة أبقى الله من أبقى في الأرض من عباده وإليها صيره وبطاعة
من ولاه إياها سعد من ألهما ونصرها فان الله عز وجل علم أن لا قوام لشئ
ولاصلاح له إلا بالطاعة التي يحفظ الله بها حقه ويمضى بها أمره وينكل بها عن
معاصيه ويوقف عن محارمه ويذب عن حرماته فمن أخذ بحظه منها كان لله وليا
ولامره مطيعا ولرشده مصيبا ولعاجل الخير وآجله مخصوصا ومن تركها ورغب
عنها وحاد الله فيها أوضاع نصيبه وعصى ربه وخسر دنياه وآخرته وكان ممن غلبت
عليه الشقوة واستحزذت عليه الأمور الغاوية التي تورد أهلها أفظع المشارع
وتقودهم إلى شر المصارع فيما يحل الله بهم في الدنيا من الذلة والنقمة ويصيرهم فيما
عندهم من العذاب والحسرة والطاعة رأس هذا الامر وذروته وسنامه وزمامه
وملاكه وعصمته وقوامه بعد كلمة الاخلاص التي ميز الله بها بين العباد وبالطاعة
قال المفلحون من الله منازلهم واستوجبوا عليه ثوابهم وفي المعصية مما يحل بغيرهم
من نقماته وتصيبهم عليه ويحق من سخطه وعذابه وينزل بالطاعة والإضاعة لها
والخروج منها والادبار عنها والتبدل بها أهلك الله من ضل وعتا وعمى وغلا
وفارق مناهج البر والتقوى فالزموا طاعة الله فيما عراكم ونالكم وألم بكم من الأمور
وناصحوها واستوثقوا عليها وسارعوا إليها وخالصوها وابتغوا القربة إلى الله بها
فإنكم قد رأيتم موأقع قضاء الله لأهلها في إعلائه إياهم وإفلاجه حجتهم ودفعه باطل
من حادهم وناواهم وساماهم وأراد إطفاء نور الله الذي معهم وأخبرتم مع ذلك
ما يصير إليه أهل المعصية من التوبيخ لهم والتقصير بهم حتى يؤول أمرهم إلى تبار
وصغار وذلة وبوار وفي ذلك لمن كان له رأى وموعظة عبرة ينتفع بواضحها
530

ويتمسك بحظوتها ويعرف خيرة قضاء الله لأهلها ثم إن الله وله الحمد والمن
والفضل هدى الأمة لافضل الأمور عافية لها في حقن دمائها والتئام ألفتها واجتماع
كلمتها واعتدال عمودها وإصلاح دهمائها وذخر النعمة عليها في دنياها بعد خلافته
التي جعلها لهم نظاما ولامرهم قواما وهو العهد الذي ألهم الله خلفاءه توكيده
والنظر للمسلمين في جسيم أمرهم فيه ليكون لهم عندما يحدث بخلفائهم ثقة في المفزع
وملتجأ في الامر ولما للشعث وصلاحا لذات البين وتثبيتا لارجاء الاسلام
وقطعا لنزغات الشيطان فيما يتطلع إليه أولياؤه ويوثبهم عليه من تلف هذا الدين
وانصداع شعب أهله واختلافهم فيما جمعهم الله عليه منه فلا يريهم الله في ذلك
إلا ما ساءهم وأكذب أمانيهم ويجدون الله قد أحكم بما قضى لأوليائه من ذلك عقد
أمورهم ونفى عنهم من أراد فيها إدغالا أو بها إغلالا أو لما شدد الله منها توهينا
أو فيما تولى الله منها اعتمادا فأكمل الله بها لخلفائه وحزبه البر الذين أودعهم طاعته
أحسن الذي عودهم وسبب لهم من اعزازه واكرامه واعلائه وتمكينه فأمر هذا
العهد من تمام الاسلام وكمال ما استوجب الله على أهله من المنن العظام ومما جعل
الله فيه لمن أجراه على يديه وقضى به على لسانه ووفقه لمن ولاه هذا الامر عنده
أفضل الذخر وعند المسلمين أحسن الأثر فيما يؤثر بهم من منفعته ويتسع لهم من أمنه
ويستندون إليه من عزه ويدخلون فيه من وزره الذي يجعل الله لهم به منعة ويحرزهم
به من كل مهلكة ويجمعهم به من كل فرقة ويقمع به أهل النفاق ويعصمهم به من
كل اختلاف وشقاق فاحمدوا الله ربكم الرؤف بكم الصانع لكم في أموركم على الذي
دلكم عليه من هذا العهد الذي جعله لكم سكنا ومعولا تطمئنون إليه وتستظلون
في أفنانه ويستنهج لكم به مثنى أعناقكم وسمت وجوهكم وملتقى نواصيكم في أمر
دينكم ودنياكم فإن لذلك خطرا عظيما من النعمة وان فيه من الله بلاء حسنا في سعة
العافية يعرفه ذوو الألباب والنيات المريئون من أعمالهم في العواقب والعارفون
منار مناهج الرشد فأنتم حقيقون بشكر الله فيما حفظ به دينكم وأمر جماعتكم من
ذلك جديرون بمعرفة كنه واجب حقه فيه وحمده على الذي عزم لكم منه فلتكن
531

منزلة ذلك منكم وفضيلته في أنفسكم على قدر حسن بلاء الله عندكم فيه إن شاء الله
ولا قوة إلا بالله ثم إن أمير المؤمنين لم يكن منذ استخلفه الله بشئ من الأمور
أشد اهتماما وعناية منه بهذا العهد لعلمه بمنزلته من أمر المسلمين وما أراهم الله فيه
من الأمور التي يغبطون ويكرمهم فيما يقضى لهم ويختار له ولهم فيه جهده ويستقضي
له ولهم فيه إلهه ووليه الذي بيده الحكم وعنده الغيب وهو على كل شئ قدير
ويسأله أن يعينه من ذلك على الذي هو أرشد له خاصة وللمسلمين عامة فرأى أمير
المؤمنين أن يعهد لكم عهدا بعد عهد تكونون فيه على مثل الذي كان عليه من
كان قبلكم في مهلة من انفساح الأمل وطمأنينة النفس وصلاح ذات البين وعلم
موضع الامر الذي جعله الله لأهله عصمة ونجاة وصلاحا وحياة ولكل منافق
وفاسق يحب تلف هذا الدين وفساد أهله وقما وخسارا وقدعا فولى أمير المؤمنين
ذلك الحكم ابن أمير المؤمنين وعثمان ابن أمير المؤمنين من بعده وهما ممن يرجو
أمير المؤمنين أن يكون الله خلقه لذلك وصاغه له وأكمل فيه أحسن مناقب من
كان يوليه إياه في وفاء الرأي وصحة الدين وجزالة المروءة والمعرفة بصالح الأمور
ولم يألكم أمير المؤمنين ولا نفسه في ذلك اجتهادا وخيرا فبايعوا للحكم ابن أمير
المؤمنين باسم الله وبركته ولأخيه من بعده على السمع والطاعة واحتسبوا في ذلك
أحسن ما كان الله يريكم ويبليكم ويعودكم ويعرفكم في أشباهه فيما مضى من اليسر
الواسع والخير العام والفضل العظيم الذي أصبحتم في رجائه وخفضه وأمنه ونعمته
وسلامته وعصمته فهو الامر الذي استبطأتموه واستسرعتم إليه وحمدتم الله على
إمضائه إياه وقضائه لكم وأحدثتم فيه شكرا ورأيتموه لكم حظا تستبقونه وتجهدون
أنفسكم في أداء حق الله عليكم فإنه قد سبق لكم في ذلك من نعم الله وكرامته وحسن
قسمه ما أنتم حقيقون أن تكون رغبتكم فيه وحدبكم عليه على قدر الذي أبلاكم
الله وصنع لكم منه وأمير المؤمنين مع ذلك إن حدث بواحد من ولي عهده حدث
أولى بأن يجعل مكانه وبالمنزل الذي كان به من أحب أن يجعل من أمته أو ولده
ويقدمه بين يدي الباقي منهما إن شاء أو أن يؤخره بعده فاعلموا ذلك وافهموه
532

نسأل الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم أن يبارك لأمير
المؤمنين ولكم في الذي قضى به على لسانه من ذلك وقدر منه وأن يجعل عاقبته
عافية وسرورا وغبطة فإن ذلك بيده ولا يملكه إلا هو ولا يرغب فيه إلا إليه
والسلام عليكم ورحمة الله وكتب سمال يوم الثلاثاء لثمان بقين من رجب سنة خمس
وعشرين ومائة (وفى هذه السنة) ولى الوليد نصر بن سيار خراسان كلها وأفرده
بها (وفيها) وفد يوسف بن عمر على الوليد فاشترى نصرا وعماله منه فرد إليه
الوليد ولاية خراسان (وفى هذه السنة) كتب يوسف بن عمر إلى نصر بن سيار
يأمره بالقدوم عليه ويحمل معه ما قدر عليه من الهدايا والأموال
ذكر الخبر عما كان من أمر يوسف ونصر في ذلك
ذكر على عن شيوخه أن يوسف كتب إلى نصر بذلك وأمره أن يقدم
معه بعياله أجمعين فلما أتى نصرا كتابه قسم على أهل خراسان الهدايا وعلى عماله
فلم يدع بخراسان جارية ولا عبدا ولا برذونا فارها إلا أعده واشترى ألف مملوك
وأعطاهم السلاح وحملهم على الخيل قال وقال بعضهم كان قد أعد خمسمائة وصيفة
وأمر بصنعة أباريق الذهب والفضة وتماثيل الظباء ورؤوس السباع والأيايل
وغير ذلك فلما فرغ من ذلك كله كتب إليه الوليد يستحثه فسرح الهدايا حتى بلغ
أوائلها ببيهق فكتب إليه الوليد يأمره أن يبعث إليه ببرابط وطنابير فقال
بعض شعرائهم
أبشر يا أمين الله * أبشر بتباشير * بإبل يحمل المال
عليها كالأنابير * بغال تحمل الخمر * حقائبها طنابير
ودل البربريات * بصوت البم والزير * وقرع الدف أحيانا
ونفخ بالمزامير * فهذا لك في الدنيا * وفي الجنة تحبير
قال وقدم الأزرق بن قرة المسمعي من الترمذ أيام هشام على نصر فقال
لنصر إني أريت الوليد بن يزيد في المنام وهو ولى عهد شبه الهارب من هشام
ورأيته على سرير فشرب عسلا وسقاني بعضه فأعطاه نصر أربعة آلاف دينار
533

وكسوة وبعثه إلى الوليد وكتب إليه نصر فأتى الأزرق الوليد فدفع إليه المال
والكسوة فسر بذلك الوليد وألطف الأزرق وجزى نصرا خيرا وانصرف
الأزرق فبلغه قبل أن يصل إلى نصر موت هشام ونصر لاعلم له بما صنع الأزرق
ثم قدم عليه فأخبره فلما ولى الوليد كتب إلى الأزرق وإلى نصر وأمر رسوله أن
يبتدئ بالأزرق فيدفع إليه كتابه فأتاه ليلا فدفع إليه كتابه وكتاب نصر فلم يقرأ
الأزرق كتابه وأتى نصرا بالكتابين فكان في كتاب الوليد إلى نصر يأمره أن
يتخذ له برابط وطنابير وأباريق ذهب وفضة وأن يجمع له كل صناجة بخراسان
يقدر عليها وكل بازى وبرذون فاره ثم يسير بذلك كله بنفسه في وجوه أهل خراسان
فقال رجل من باهلة كان قوم من المنجمين يخبرون نصرا بفتنة تكون فبعث نصر
إلى صدقة بن وثاب وهو ببلخ وكان منجما وكان عنده وألح عليه يوسف بالقدوم
فلم يزل يتباطأ فوجه يوسف رسولا وأمره بلزومه يستحثه بالقدوم أو ينادى
في الناس أنه قد خلع فلما جاءه الرسول أجازه وأرضاه وتحول إلى قصره الذي
هو دار الامارة اليوم فلم يأت لذلك إلا يسير حتى وقعت الفتنة فتحول نصر إلى
قصره بما جان واستخلف عصمة بن عبد الله الأسدي على خراسان وولى المهلب بن
إياس العدوي الخراج وولى موسى بن ورقاء الناجي الشاش وحسان من أهل
صغانيان الأسدي سمرقند ومقاتل بن علي السغدي آمل وأمرهم إذا بلغهم
خروجه من مرو أن يستحلبوا الترك وأن يغيروا على ما وراء النهر لينصرف إليهم
بعد خروجه يعتل بذلك فبينا هو يسير يوما إلى العراق طرقه ليلا مولى لبنى ليث
فلما أصبح أذن للناس وبعث إلى رسل الوليد فحمد الله وأثنى عليه ثم قال قد كان
في مسيري ما قد علمتم وبعثي بالهدايا ما رأيتم فطرقني فلان ليلا فأخبرني أن الوليد
قد قتل وأن الفتنة قد وقعت بالشام وقدم منصور بن جمهور العراق وقد هرب
يوسف بن عمرو نحن في بلاد قد علمتم حالها وكثرة عدونا ثم دعا بالقادم فأحلفه
أن ما جاء به لحق فحلف فقال سلم بن أحوز أصلح الله الأمير لو حلفت لكنت صادقا
انه بعض مكايد قريش أرادوا تهجين طاعتك فسر ولا تهجنا قال يا سلم أنت رجل
534

لك علم بالحروب ولك مع ذلك حسن طاعة لبنى أمية فاما مثل هذا من الأمور
فرأيك فيه رأى أمة هتماء ثم قال نصر لم أشهد بعد ابن خازم أمرا مفظا إلا كنت
المفرع في الرأي فقال الناس قد علمنا ذلك فالرأي رأيك (وفى هذه السنة)
وجه الوليد بن يزيد خاله يوسف بن محمد بن يوسف الثقفي واليا على المدينة ومكة
والطائف ودفع إليه إبراهيم ومحمد بنى هشام بن إسماعيل المخزومي موثقين في
عباءتين فقدم بهما المدينة يوم السبت لاثنتي عشرة بقيت من شعبان سنة 125
فأقامهما للناس بالمدينة ثم كتب الوليد إليه يأمر أن يبعث بهما إلى يوسف بن عمر
وهو يومئذ عامله على العراق فلما قدما عليه عذبهما حتى قتلهما وقد كان رفع عليهما
عند الوليد أنهما أخذا ما لا كثيرا (وفى هذه السنة) عزل يوسف بن محمد سعد
ابن إبراهيم عن قضاء المدينة وولاها يحيى بن سعيد الأنصاري (وفيها) غزى
الوليد بن يزيد أخاه الغمر بن يزيد بن عبد الملك وأمر على جيش البحر الأسود
بن بلال المحاربي وأمره أن يسير إلى قبرس فيخيرهم بين المسير إلى الشأم ان شاؤوا
وان شاؤوا إلى الروم فاختارت طائفة منهم جوار المسلمين فنقلهم الأسود إلى
الشأم واختار آخرون أرض الروم فانتقلوا إليها (وفيها) قدم سليمان بن كثير
ومالك بن الهيثم ولاهز بن قريظ وقحطبة بن شبيب مكة فلقوا في قول بعض أهل
السير محمد بن علي فأخبروه بقصة أبى مسلم وما رأوا منه فقال لهم أحر هو أم
عبد قالوا أما عيسى فيزعم أنه عبد وأما هو فيزعم أنه حر قال فاشتروه وأعتقوه
وأعطوا محمد بن علي مائتي ألف درهم وكسوة بثلاثين ألف درهم فقال لهم ما
أظنكم تلقوني بعد عامي هذا فان حدث بي حدث فصاحبكم إبراهيم بن محمد فانى
أثق به وأوصيكم به خيرا فقد أوصيته بكم فصدروا من عنده وتوفى محمد بن علي
في مستهل ذي القعدة وهو ابن ثلاث وستين سنة وكان بين وفاته وبين وفاة أبيه
على سبع سنين (وحج) بالناس في هذه السنة يوسف بن محمد بن يوسف الثقفي
حدثني بذلك أحمد بن ثابت عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر (وفى
هذه السنة) قتل يحيى بن زيد بن علي بخراسان
535

ذكر الخبر عن مقتله
قد مضى ذكرنا قبل أمر مصير يحيى بن زيد بن علي إلى خراسان وسبب ذلك
ونذكر الآن سبب مقتله إذ كان ذلك في هذه السنة * ذكر هشام بن محمد الكلبي
عن أبي مخنف قال أقام يحيى بن زيد بن علي عند الحريش بن عمر وبن داود ببلخ
حتى هلك هشام بن عبد الملك وولى الوليد بن يزيد بن عبد الملك فكتب يوسف
ابن عمر إلى نصر بن سيار بمسير يحيى بن زيد وبمنزله الذي كان ينزل حتى أخبره
أنه عند الحريش وقال له أبعث إليه وخذه أشد الاخذ فبعث نصر بن سيار إلى
عقيل بن معقل العجلي يأمره أن يأخذ الحريش ولا يفارقه حتى تزهق نفسه أو يأتيه
بيحيى بن زيد بن علي فبعث إليه عقيل فسأله عنه فقال لا علم لي به فجلده ستمائة
سوط فقال له الحريش والله لو أنه كان تحت قدمي ما رفعتهما لك عنه فلما رأى
ذلك قريش بن الحريش أتى عقيلا فقال لا تقتل أبى وأنا أدلك عليه فأرسل معه
فدله عليه وهو في بيت في جوف بيت فأخذه ومعه يزيد بن عمر والفضل مولى
عبد القيس كان أقبل معه من الكوفة فأتى به نصر بن سيار فحبسه وكتب إلى يوسف
ابن عمر يخبره بذلك فكتب بذلك يوسف إلى الوليد بن يزيد فكتب الوليد إلى
نصر بن سيار يأمره أن يؤمنه ويخلى سبيله وسبيل أصحابه فدعاه نصر بن سيار
فأمره بتقوى الله وحذره الفتنة وأمره أن يلحق بالوليد بن يزيد وأمر له بألفي
درهم وبغلين فخرج هو وأصحابه حتى انتهى إلى سرخس فأقام بها وعليها عبد الله بن
قيس بن عباد فكتب إليه نصر بن سيار أن يشخصه عنها وكتب إلى الحسن بن
زيد التميمي وكان رأس بنى تميم وكان على طوس أن انظر يحيى بن زيد فإذا مر
بكم فلا تدعه يقيم بطوس حتى يخرج منها وأمر هما إذا هو مر بهما أن لا يفارقاه
حتى يدفعاه إلى عمرو بن زرارة بأبر شهر فأشخصه عبد الله بن قيس من سرخس
ومر بالحسن بن زيد فأمره أن يمضى ووكل به سرحان بن فروخ بن مجاهد بن
بلعاء العنبري أبا الفضل وكان على مسلحة قال فدخلت عليه فذكر نصر بن سيار
وما أعطاه فإذا هو كالمستقل له فذكر أمير المؤمنين الوليد بن يزيد فأثنى عليه
536

وذكر مجيئه بأصحابه معه وأنه لم يأت بهم إلا مخافة أن يسم أو يغم وعرض
بيوسف وذكر أنه إياه يتخوف وقد كان أراد أن يقع فيه ثم كف فقلت له قل
ما أحببت رحمك الله فليس عليك منى عين فقد أتى إليك ما يستحق أن تقول فيه ثم قال
العجب من هذا الذي يقيم الاحراس أو أمر الاحراس قال وهو حينئذ يتفصح والله
لو شئت أن ابعث إليه فأتى به مربوطا قال فقلت له لا والله ما بك صنع هذا ولكن
هذا شئ يصنع في هذا المكان ابدا لمكان بيت المال قال واعتذرت إليه من مسيري
معه وكنت أسير معه على رأس فرسخ فأقبلنا معه حتى وقعنا إلى عمرو بن زرارة
فأمر له بألف درهم ثم أشخصه حتى انتهى إلى بيهق وخاف اغتيال يوسف
إياه فأقبل من بيهق وهى أقصى أرض خراسان وأدناه من قومس فأقبل في سبعين
رجلا إلى عمرو بن زرارة ومر به تجار فأخذ دوابهم وقال علينا أثمانها فكتب
عمرو بن زرارة إلى نصر بن سيار فكتب نصر إلى عبد الله بن قيس وإلى الحسن
ابن زيد أن يمضيا إلى عمرو بن زرارة فهو عليهم ثم ينصبوا ليحيى بن زيد فيقاتلوه
فجاؤوا حتى انتهوا إلى عمرو بن زرارة فاجتمعوا فكانوا عشرة آلاف فأتاهم يحيى
ابن زيد وليس هو إلا في سبعين رجلا فهزمهم وقتل عمرو بن زرارة وأصاب
دواب كثيرة وجاء يحيى بن زيد حتى مر بهراة وعليها مغلس بن زياد العامري فلم
يعرض واحد منهما لصاحبه فقطعها يحيى بن زيد وسرح نصر بن سيار سلم بن
أحوز في طلب يحيى بن زيد فأتى هراة حين خرج منها يحيى بن زيد فاتبعه فلحقه
بالجوزجان بقرية منها وعليها حماد بن عمرو السغدي قال ولحق بيحيى بن زيد
رجل من بنى حنيفة يقال له أبو العجلان فقتل يومئذ معه ولحق به الحسحاس الأزدي
فقطع نصر بعد ذلك يده ورجله قال فبعث سلم بن أحوز سورة بن محمد بن عزيز
الكندي على ميمنته وحماد بن عمرو السغدي على ميسرته فقاتله قتالا شديدا
فذكروا أن رجلا من عنزة يقال له عيسى مولى عيسى بن سليمان العنزي رماه
بنشابة فأصاب جبهته قال وقد كان محمد شهد ذلك اليوم فأمره سلم بتعبية الناس
فتمارض عليه فعبى الناس سورة بن محمد بن عزيز الكندي فاقتتلوا فقتلوا من عند
537

آخرهم ومر سورة بيحيى بن زيد فأخذ رأسه وأخذ العنزي سلبه وقميصه وغلبه
سورة على رأسه فلما قتل يحيى بن زيد وبلغ خبره الوليد بن يزيد كتب فيما ذكر
هشام عن موسى بن حبيب أنه حدثه إلى يوسف بن عمر إذا أتاك كتابي هذا
فانظر عجل العراق فأحرقه ثم انسفه في اليم نسفا قال فأمر يوسف خراش بن
حوشب فأنزله من جذعه وأحرقه بالنار ثم رضه فجعله في قوصرة ثم جعله في
سفينة ثم ذراه في الفرات وكانت عمال الأمصار في هذه السنة عمالها في السنة التي
قبلها وقد ذكرناهم قبل
ثم دخلت سنة ست وعشرين ومائة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث الجليلة
فمن ذلك ما كان من قتل يزيد بن الوليد الذي يقال له الناقص الوليد بن يزيد
ذكر الخبر عن سبب قتله إياه وكيف قتل
قد ذكرنا بعض أمر الوليد بن يزيد وخلاعته ومجانته وما ذكر عنه من تهاونه
واستخفافه بأمر دينه قبل خلافته لما ولى الخلافة وأفضت إليه لم يزد من الذي
كان فيه من اللهو واللذة والركوب للصيد وشرب النبيذ ومنادمة الفساق إلا تماديا
وجدا تركت الأخبار الواردة عنه بذلك كراهة إطالة الكتاب بذكرها فثقل
ذلك من أمره على رعيته وجنده فكرهوا أمره وكان من أعظم ما جنى على نفسه
حتى أورثه ذلك هلاكه إفساده على نفسه بنى عميه ولد هشام وولد الوليد ابني
عبد الملك بن مروان مع إفساده على نفسه اليمانية وهم عظم جند أهل الشأم
ذكر بعض الخبر عن إفساده بنى عميه هشام والوليد
حدثني أحمد بن زهير قال حدثنا على عن المنهال بن عبد الملك قال كان الوليد
صاحب لهو وصيد ولذات فلما ولى الامر جعل يكره المواضع التي فيها الناس
حتى قتل ولم يزل ينتقل ويتصيد حتى ثقل على الناس وعلى جنده واشتد على بنى
هشام ضرب سليمان بن هشام مائة سوط وحلق رأسه ولحيته وغربه إلى عمان
538

فحبسه بها فلم يزل بها محبوسا حتى قتل الوليد قال وأخذ جارية كانت لآل
الوليد فكلمه عمر بن الوليد فيها فقال لا أردها فقال إذن تكثر الصواهل حول
عسكرك قال وحبس الأفقم يزيد بن هشام وأراد البيعة لابنيه الحكم وعثمان
فشاور سعيد بن بيهس بن صهيب فقال لا تفعل فإنهما غلامان لم يحتلما ولكن
بايع لعتيق بن عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك فغضب وحبسه حتى مات في الحبس
وأراد خالد بن عبد الله على البيعة لابنيه فأبى فقال له قوم من أهله أرادك
أمير المؤمنين على البيعة لابنيه فأبيت فقال ويحكم كيف أبايع من لا أصلى خلفه
ولا أقبل شهادته قالوا فالوليد تقبل شهادته مع مجونه وفسقه قال أمير الوليد أمر
غائب عنى ولا أعلمه يقينا إنما هي أخبار الناس فغضب الوليد على خالد قال وقال
عمرو بن سعيد الثقفي أو فدنى يوسف بن عمر إلى الوليد فلما قدمت قال لي كيف
رأيت الفاسق يعنى بالفاسق الوليد ثم قال إياك أن يسمع هذا منك أحد فقلت
حبيبة بنت عبد الرحمن بن جبير طالق إن سمعته أذني ما دمت حيا فضحك قال
فثقل الوليد على الناس ورماه بنو هشام وبنو الوليد بالكفر وغشيان أمهات
أولاد أبيه وقالوا قد اتخذ مائة جامعة وكتب على كل جامعة اسم رجل من بنى
أمية ليقتله بها ورموه بالزندقة وكان أشدهم فيه قولا يزيد بن الوليد بن عبد الملك
وكان الناس إلى قوله أميل لأنه كان يظهر النسك ويتواضع ويقول ما يسعنا الرضا
بالوليد حتى حمل الناس على الفتك به * حدثني أحمد بن زهير قال حدثنا على
عن يزيد بن مضاد الكلبي عن عمرو بن شراحيل قال سيرنا هشام بن عبد الملك
إلى دهلك فلم نزل بها حتى مات هشام واستخلف الوليد فكلم فينا فأبى وقال والله
ما عمل هشام عملا أرجى له عندي أن تناله المغفرة به من قتله القدرية وتسييره
إياهم وكان الوالي علينا الحجاج بن بشر بن فيروز الديلمي وكان يقول لا يعيش
الوليد إلا ثمانية عشر شهرا حتى يقتل ويكون قتله سبب هلاك أهل بيته قال
فأجمع على قتل الوليد جماعة من قضاعة واليمانية من أهل دمشق خاصة فأتى
حريث وشبيب بن أبي مالك الغساني ومنصور بن جمهور ويعقوب بن
539

عبد الرحمن وحبال بن عمرو ابن عم منصور وحميد بن نصر اللخمي والأصبغ بن ذؤالة
وطفيل بن حارثة والسري بن زياد بن علاقة خالد بن عبد الله فدعوه إلى أمرهم
فلم يجبهم فسألوه أن يكتم عليهم فقال لا أسمى أحدا منكم وأراد الوليد الحج فخاف
خالد أن يفتكوا به في الطريق فأتاه فقال يا أمير المؤمنين أخر الحج العام فقال
ولم فلم يخبره فأمر بحبسه وأن يستأدى ما عليه من أموال العراق وقال على عن
الحكم بن النعمان قال أجمع الوليد على عزل يوسف واستعمال عبد الملك بن محمد
ابن الحجاج فكتب إلى يوسف إنك كتبت إلى أمير المؤمنين تذكر تخريب ابن
النصرانية البلاد وقد كنت على ما ذكرت من ذلك تحمل إلى هشام ما تحمل وقد
ينبغي أن تكون قد عمرت البلاد حتى رددتها إلى ما كانت عليه فأشخص إلى
أمير المؤمنين فصدق ظنه بك فيما تحمل إليه لعمارتك البلاد وليعرف أمير المؤمنين
فضلك على غيرك لما جعل الله بينك وبين أمير المؤمنين من القرابة فإنك خاله
وأحق الناس بالتوفير عليه ولما قد علمت مما أمر به أمير المؤمنين لأهل
الشأم وغيرهم من الزيادة في أعطياتهم وما وصل به أهل بيته لطول جفوة هشام
إياهم حتى أضر ذلك ببيوت الأموال قال فخرج يوسف واستخلف ابن عمه
يوسف بن محمد وحمل من الأموال والأمتعة والآنية ما لم يحمل من العراق
مثله فقدم وخالد بن عبد الله محبوس فلقيه حسان النبطي ليلا فأخبره أن الوليد
عازم على تولية عبد الملك بن محمد بن الحجاج وأنه لا بد ليوسف فيها من
اصلاح أمر وزرائك فقال ليس عندي فضل درهم قال فعندي خمسمائة ألف درهم
فان شئت فهي لك وإن شئت فارددها إذا تيسرت قال فأنت أعرف بالقوم
ومنازلهم من الخليفة منى ففرقها على قدر علمك فيهم ففعل وقدم يوسف
والقوم يعظمونه فقال له حسان لا تغد على الوليد ولكن رح إليه رواحا واكتب
على لسان خليفتك كتابا إليك إني كتبت إليك ولا أملك إلا القصر وادخل على
الوليد والكتاب معك مختوما متحازنا فأقره الكتاب ومر أبان بن عبد الرحمن
النميري يشترى خالدا منه بأربعين ألف ألف ففعل يوسف فقال له
الوليد ارجع
540

إلى عملك فقال له أبان ادفع إلى خالدا وأدفع إليك أربعين ألف ألف درهم قال
ومن يضمن عنك قال يوسف قال أتضمن عنه قال بل ادفعه إلى فأنا أستأديه
خمسين ألف ألف فدفعه إليه فحمله في محمل بغير وطاء قال محمد بن محمد بن القاسم
فرحمته فجمعت ألطافا كانت معنا من أخبصة يابسة وغيرها في منديل وأنا على
ناقة فارهة فتغفلت يوسف فأسرعت ودنوت من خالد ورميت بالمنديل في
محمله فقال لي هذا من متاع عمان يعنى أن أخي الفيض كان على عمان فبعث إلى
بمال جسيم فقلت في نفسي هذا على هذه الحالة وهو لا يدع هذا ففطن يوسف بي
فقال لي ما قلت لابن النصرانية فقلت عرضت عليه الحاجة قال أحسنت هو أسير
فقال ولو فطن بما ألقيت إليه للقيني منه أذى وقدم الكوفة فقتله في العذاب فقال
الوليد بن يزيد فيما زعم الهيثم بن عدي شعرا يوبخ به أهل اليمن في تركهم نصرة خالد
ابن عبد الله وأما أحمد بن زهير فإنه حدثني عن علي بن محمد عن محمد بن سعيد
العامري عامر كلب أن هذا الشعر قاله بعض شعراء اليمن على لسان الوليد
يحرض عليه اليمانية
ألم تهتج فتذكر الوصالا * وحبلا كان متصلا فزالا
بلى فالدمع منك له سجام * كماء المزن ينسجل انسجالا
فدع عنك اذكارك آل سعدى * فنحن الأكثرون حصى ومالا
ونحن المالكون الناس قسرا * نسومهم المذلة والنكالا
وطئنا الأشعرين بعز قيس * فيالك وطأة لن تستقالا
وهذا خالد فينا أسيرا * ألا منعوه إن كانوا رجالا
عظيمهم وسيدهم قديما * جعلنا المخزيات له ظلالا
فلو كانت قبائل ذات عز * لما ذهبت صنائعه ضلالا
ولا تركوه مسلوبا أسيرا * يسامر من سلاسلنا الثقالا
ورواه المدائني يعالج من سلاسلنا
وكندة والسكون فما استقالوا * ولا برحت خيولهم الرحالا
541

بها سمنا البرية كل خسف * وهدمنا السهولة والجبالا
ولكن الوقائع ضعضعتهم * وجذتهم وردتهم شلالا
فما زالوا لنا أبدا عبيدا * نسومهم المذلة والسفالا
فأصبحت الغداة على تاج * لملك الناس ما يبغي انتقالا
فقال عمران بن هلباء الكلبي يجيبه
قفى صدر المطية يا حلالا * وجذى حبل من قطع الوصالا
ألم يحزنك أن ذوي يمان * يرى من حاذ قيلهم حلالا
جعلنا للقبائل من نزار * غداة المرج أياما طوالا
بنا ملك المملك من قريش * وأودى جد من أودى فزالا
متى تلق السكون وتلق كلبا * بعبس تخش من ملك زوالا
كذاك المرء ما لم يلف عدلا * يكون عليه منطقه وبالا
أعدوا آل حمير إذ دعيتم * سيوف الهند والأسل النهالا
وكل مقلص نهد القصيري * وذا فودين والقب الحبالا
يذرن بكل معترك قتيلا * عليه الطير قد مذل السؤالا
لئن عيرتمونا ما فعلنا * لقد قلتم وجدكم مقالا
لاخوان الاشاعث قتلوهم * فما وطئوا ولا لا قوا نكالا
وأبناء المهلب نحن صلنا * وقائعهم وما صلتم مصالا
وقد كانت جذام على أخيهم * ولخم يقتلونهم شلالا
هربنا أن نساعدكم عليهم * وقد أخطأ مساعدكم وفالا
فإن عدتم فإن لنا سيوفا * صوارم نستجد لها الصقالا
سنبكى خالدا بمهندات * ولا تذهب صنائعه ضلالا
ألم يك خالد غيث اليتامى * إذا حضروا وكنت لهم هزالا
يكفن خالد موتى نزار * ويثرى حيهم نشبا ومالا
لو أن الجائرين عليه كانوا * بساحة قومه كانوا نكالا
ستلقى إن بقيت مسومات * عوابس لا يزايلن الحلالا
542

* فحدثني أحمد بن زهير عن علي بن محمد قال فازداد الناس على الوليد حنقا
لما روى هذا الشعر فقال ابن بيض
وصلت سماء الضر بالضر بعد ما * زعمت سماء الضر عنا ستقلع
فليت هشاما كان حيا يسوسنا * وكنا كما كنا نرجى ونطمع
وكان هشام استعمل الوليد بن القعقاع على قنسرين وعبد الملك بن القعقاع
على حمص فضرب الوليد بن القعقاع ابن هبيرة مائة سوط فلما قام الوليد هرب
بنو القعقاع منه فعاذوا بقبر يزيد بن عبد الملك فبعث إليهم فدفعهم إلى يزيد بن عمر بن
هبيرة وكان على قنسرين فعذبهم فمات في العذاب الوليد بن القعقاع وعبد الملك بن القعقاع
ورجلان معهما من آل القعقاع واضطغن على الوليد آل الوليد وآل هشام وآل القعقاع
واليمانية بما صنع بخالد بن عبد الله فأتت اليمانية يزيد بن الوليد فأرادوه على البيعة فشاور
عمرو بن يزيد الحكمي فقال لا يبايعك الناس على هذا وشاور أخاك العباس
ابن الوليد فإنه سيد بنى مروان فان بايعك لم يخالفك أحد وإن أبى كان
الناس له أطوع فان أبيت إلا المضي على رأيك فأظهر أن العباس قد بايعك
وكانت الشأم تلك الأيام وبية فخرجوا إلى البوادي وكان يزيد بن الوليد متبديا
وكان العباس بالقسطل بينهما أميال يسيرة * فحدثني أحمد بن زهير قال حدثني على
قال أتى يزيد أخاه العباس فأخبره وشاوره وعاب الوليد فقال له العباس مهلا
يا يزيد فان في نقض عهد الله فساد الدين والدنيا فرجع يزيد إلى منزله ودب في الناس
فبايعوه سرا ودس الأحنف الكلبي ويزيد بن عنبسة السكسكي وقوما من ثقاته
من وجوه الناس وأشرافهم فدعوا الناس سرا ثم عاود أخاه العباس ومعه قطن
مولاهم فشاوره في ذلك وأخبره أن قوما يأتونه يريدونه على البيعة فزبره العباس
وقال إن عدت لمثل هذا لأشدنك وثاقا ولا حملنك إلى أمير المؤمنين فخرج
يزيد وقطن فأرسل العباس إلى قطن فقال ويحك يا قطن أترى يزيد جادا قال
جعلت فداك ما أظن ذاك ولكنه قد دخله مما صنع الوليد ببنى هشام وبنى
الوليد وما يسمع من الناس من الاستخفاف بالدين وتهاونه ما قد ضاق به ذرعا
543

قال أم والله إني لا ظنه أشأم سخلة في بنى مروان ولولا ما أخاف من عجلة الوليد
مع تحامله علينا لشددت يزيد وثاقا وحملته إليه فازجره عن أمره فإنه يسمع إليك
فقال يزيد لقطن ما قال لك العباس حين رآك فأخبره فقال له والله لا أكف
وبلغ معاوية بن عمرو بن عتبة خوض الناس فأتى الوليد فقال يا أمير المؤمنين
إنك تبسط لساني بالانس بك وأكفه بالهيبة لك وأنا أسمع ما لا تسمع وأخاف عليك
ما أراك تأمن أفأتكلم ناصحا أو أسكت مطيعا قال كل مقبول منك ولله فينا علم
غيب نحن صائرون إليه ولو علم بنو مروان أنهم إنما يوقدون على رضف
يلقونه في أجوافهم ما فعلوا ونفوذ ونسمع منك وبلغ مروان بن محمد بأرمينية أن
يريد يؤلب الناس ويدعو إلى خلع الوليد وكتب إلى سعيد بن عبد الملك بن
مروان يأمره أن ينهى الناس ويكفهم وكان سعيد يتأله أن الله جعل لكل أهل
بيت أركانا يعتمدون عليها ويتقون بها المخاوف وأنت بحمد ربك ركن من أركان
أهل بيتك وقد بلغني أن قوما من سفهاء أهل بيتك قد استنوا أمرا إن تمت
لهم رويتهم فيه على ما أجمعوا عليه من نقض بيعتهم استفتحوا بابا لن يغلقه الله
عنهم حتى يسفك دماء كثيرة منهم وأنا مشتغل بأعظم ثغور المسلمين فرجا ولو
جمعتني وإياهم لرممت فساد أمرهم بيدي ولساني ولخفت الله في ترك ذلك لعلمي
ما في عواقب الفرقة من فساد الدين والدنيا وإنه لن ينتقل سلطان قوم قط إلا
في تشتيت كلمتهم وإن كلمتهم إذا تشوشت طمع فيهم عدوهم وأنت أقرب إليهم
منى فاحتل لعلم ذلك بإظهار المتابعة لهم فإذا صرت إلى علم ذلك فتهددهم باظهار
أسرارهم وخذهم بلسانك وخوفهم العواقب لعل الله أن يرد إليهم ما قد عزب
عنهم من دينهم وعقولهم فان فيما سعوا فيه تغيير النعم وذهاب الدولة فعاجل
الامر وحب الألفة مشدود والناس سكون والثغور محفوظة فان للجماعة
دولة من الفرقة والسعة دافعا من الفقر وللعدد منتقصا ودول الليالي مختلفة على
أهل الدنيا والتقلب مع الزيادة والنقصان وقد امتدت بنا أهل البيت متتابعات
من النعم قد يعني بها جميع الأمم وأعداء النعم وأهل الحسد لأهلها وبحسد إبليس
544

خرج آدم من الجنة وقد أمل القوم في الفتنة أملا لعل أنفسهم تهلك دون
ما أملوا ولكل أهل بيت مشائيم يغير الله النعمة بهم فأعاذك الله من ذلك واجعلني
من أمرهم على علم حفظ الله لك دينك وأخرجك مما أدخلك فيه وغلب لك نفسك
على رشدك فأعظم سعيد ذلك وبعث بكتابه إلى العباس فدعا العباس يزيد فعذله
وتهدده فحذره يزيد وقال يا أخي أخاف أن يكون بعض من حسدنا هذه النعمة
من عدونا أراد أن يغرى بيننا وحلف له أنه لم يفعل فصدقه * حدثني أحمد قال
حدثنا على قال قال ابن بشر بن الوليد بن عبد الملك دخل أبى بشر بن الوليد على
عمى العباس فكلمه في خلع الوليد وبيعة يزيد فكان العباس ينهاه وأبى يراده
فكنت أفرح وأقول في نفسي أرى أبى يجترئ أن يكلم عمى ويرد عليه قوله
وكنت أرى أن الصواب فيما يقول أبى وكان الصواب فيما يقول عمى فقال العباس
يا بنى مروان إني أظن الله قد أذن في هلاككم وتمثل قائلا
إني أعيذكم بالله من فتن * مثل الجبال تسامى ثم تندفع
إن البرية قد ملت سياستكم * فاستمسكوا بعمود الدين وارتدعوا
لا تلحمن ذئاب الناس أنفسكم * إن الذئاب إذا ما ألحمت رتعوا
لا تبقرن بأيديكم بطونكم * فثم لا حسرة تغنى ولا جزع
قال فلما اجتمع ليزيد أمره وهو متبد أقبل إلى دمشق وبينه وبين دمشق
أربع ليال متنكرا في سبعة نفر على حمير فنزلوا بجرود على مرحلة من دمشق
فرمى يزيد بنفسه فنام وقال القوم لمولى لعباد بن زياد أما عندك طعام فنشتريه قال
أما لبيع فلا ولكن عندي قراكم وما يسعكم فأتاهم بدجاج وفراخ وعسل وسمن
وشواريز فطعموا ثم سار فدخل دمشق ليلا وقد بايع ليزيد أكثر أهل دمشق
سرا وبايع أهل المزة غير معاوية بن مصاد الكلبي وهو سيد أهل المزة فمضى يزيد
من ليلته إلى منزل معاوية بن مصاد ماشيا في نفير من أصحابه وبين دمشق وبين
المزة ميل أو أكثر فأصابهم مطر شديد فأتوا منزل معاوية بن مصاد فضربوا بابه
ففتح لهم فدخل فقال ليزيد الفراش أصلحك الله قال إن في رجلي طينا وأكره
(35 - 5)
545

أن أفسد بساطك فقال الذي تريدنا عليه أفسد فكلمه يزيد فبايعه معاوية ويقال
هشام بن مصاد ورجع يزيد إلى دمشق فأخذ طريق القناة وهو على حمار أسود
فنزل دار ثابت بن سليمان بن سعد الخشني وخرج الوليد بن روح وحلف
لا يدخل دمشق الا في السلاح فلبس سلاحه وكفر عليه الثياب وأخذ طريق
النيرب وهو على فرس أبلق حتى وافى يزيد وعلى دمشق عبد الملك بن محمد بن
الحجاج بن يوسف فخاف الوباء فخرج فنزل قطنا واستخلف ابنه على دمشق
وعلى شرطته أبو العاج كثير بن عبد الله السلمي فأجمع يزيد على الظهور
فقيل للعامل إن يزيد خارج فلم يصدق وأرسل يزيد إلى أصحابه بين المغرب
والعشاء ليلة الجمعة سنة 126 فكمنوا عند باب الفراديس حتى أذنوا العتمة
فدخلوا المسجد فصلوا وللمسجد حرس قد وكلوا بإخراج الناس من المسجد
بالليل فلما صلى الناس صاح بهم الحرس وتباطأ أصحاب يزيد فجعلوا يخرجون من
باب المقصورة ويدخلون من باب آخر حتى لم يبق في المسجد غير الحرس وأصحاب
يزيد فأخذوا الحرس ومضى يزيد بن عنبسة إلى يزيد بن الوليد فأعلمه وأخذ بيده
وقال قم يا أمير المؤمنين وأبشر بنصر الله وهونه فقام وقال اللهم إن كان هذا لك
رضى فأعنى عليه وسددني له وإن كان غير ذلك فاصرفه عنى بموت وأقبل في اثنى
عشر رجلا فلما كان عند سوق الحمر لقوا أربعين رجلا من أصحابهم فلما كانوا عند
سوق القمح لقيهم زهاء مائتي رجل من أصحابهم فمضوا إلى المسجد فدخلوه فأخذوا
باب المقصورة فضربوه وقالوا رسل الوليد ففتح لهم الباب خادم فأخذوه ودخلوا
وأخذوا أبا العاج وهو سكران وأخذوا خزان بيت المال وصاحب البريد وأرسل
إلى كل من كان يحذره فأخذ وأرسل يزيد من ليلته إلى محمد بن عبيدة مولى سعيد
ابن العاص وهو على بعلبك فأخذه وأرسل من ليلته إلى عبد الملك بن محمد بن الحجاج
ابن يوسف فأخذه ووجه إلى الثنية إلى أصحابه ليأتوه وقال للبوابين لا تفتحوا الباب
غدوة إلا لمن أخبركم شعارنا فتركوا الأبواب بالسلاسل وكان في المسجد سلاح
كثير قدم به سليمان بن هشام من الجزيرة ولم تكن الخزان قبضوه فأصابوا سلاحا
546

كثيرا فلما أصبحوا جاء أهل المزة وابن عصام فما انتصف النهار حتى تبايع
الناس ويزيد يتمثل
إذا استنزلوا عنهن للطعن أرقلوا * إلى الموت إرقال الجمال المصاعب
فجعل أصحاب يزيد يتعجبون ويقولون انظروا إلى هذا هو قبيل الصبح يسبح
وهو الآن ينشد الشعر * حدثني أحمد بن زهير قال حدثنا على قال حدثنا عمرو بن
مروان الكلبي قال حدثني رزين بن ماجد قال غدونا مع عبد الرحمن بن مصاد ونحن
زهاء ألف وخمسمائة فلما انتهينا إلى باب الجابية ووجدناه مغلقا ووجدنا عليه
رسولا للوليد فقال ما هذه الهيئة وهذه العدة أم والله لأعلمن أمير المؤمنين فقتله
رجل من أهل المزة فدخلنا من باب الجابية ثم أخذنا في زقاق الكلبيين فضاق عنا
فأخذ ناس منا سوق القمح ثم اجتمعنا على باب المسجد فدخلنا على يزيد فما فرع
آخرنا من التسليم عليه حتى جاءت السكاسك في نحو ثلثمائة فدخلوا من باب الشرقي
حتى أتوا المسجد فدخلوا من باب الدرج ثم أقبل يعقوب بن عمير بن هانئ العبسي
في أهل دار يا فدخلوا من باب دمشق الصغير وأقبل عيسى بن شبيب التغلبي في أهل
دومة وحرستا فدخلوا من باب توما وأقبل حميد بن حبيب اللخمي في أهل ديرا لمران
والارزة وسطرا فدخلوا من باب الفراديس وأقبل النضر بن عمر الجرشى في
أهل جرش وأهل الحديثة وديرزكا فدخلوا من باب الشرقي وأقبل ربعي بن هاشم
الحارثي في الجماعة من بنى عذرة وسلامان فدخلوا من باب توما ودخلت جهينة
ومن والاهم مع طلحة بن سعيد فقال بعض شعرائهم
فجاءتهم أنصارهم حين أصبحوا * سكاسكها أهل البيوت الصنادد
وكلب فجاؤوهم بخيل وعدة * من البيض والابدان ثم السواعد
فأكرم بهم أحياء أنصار سنة * هم منعوا حرماتها كل جاحد
وجاءتهم شعبان والأزد شرعا * وعبس ولخم بين حام وذائد
وغسان والحيان قيس وتغلب * وأحجم عنها كل وان وزاهد
فما أصبحوا إلا وهم أهل ملكها * قد استوثقوا من كل عات وما رد
547

* حدثني أحمد بن زهير عن علي بن محمد عن عمرو بن مروان الكلبي قال حدثني
فسيم بن يعقوب ورزين بن ماجد وغيرهما قالوا وجه يزيد بن الوليد عبد الرحمن
ابن مصاد في مائتي فارس أو نحوهم إلى قطن ليأخذوا عبد الملك بن محمد بن الحجاج
ابن يوسف وقد تحصن في قصره فأعطاه الأمان فخرج إليه فدخلنا القصر فأصبنا
فيه خرجين في كل واحد منهما ثلاثون ألف دينار قال فلما انتهينا إلى المزة قلت
لعبد الرحمن بن مصادا صرف أحد هذين الخرجين إلى منزلك أوكليهما فإنك لا تصيب
من يزيد مثلهما أبدا فقال لقد عجلت إذا بالخيانة لا والله لا يتحدث العرب انى أول
من خان في هذا الامر فمضى به إلى يزيد بن الوليد وأرسل يزيد بن الوليد إلى عبد العزيز
ابن الحجاج بن عبد الملك فأمره فوقف بباب الجابية وقال من كان له عطاء فليأت
إلى عطائه ومن لم يكن له عطاء فله ألف درهم معونة وقال لبنى الوليد بن عبد الملك
ومعه منهم ثلاثة عشر تفرقوا في الناس يرونكم وحضوهم وقال للوليد بن روح
ابن الوليد انزل الراهب ففعل * وحدثني أحمد عن علي عن عمرو بن مروان
الكلبي قال حدثني دكين بن الشماخ الكلبي وأبو علاقة بن صالح السلاماني أن
يزيد بن الوليد نادى بأمره مناد من ينتدب إلى الفاسق وله ألف درهم فاجتمع
إليه أقل من ألف رجل فأمر رجلا فنادى من ينتدب إلى الفاسق وله ألف وخمسمائة
فانتدب إليه يومئذ ألف وخمسمائة فعقد لمنصور بن جمهور على طائفة وعقد ليعقوب
ابن عبد الرحمن بن سليم الكلبي على طائفة أخرى وعقد لهرم بن عبد الله بن دحية
على طائفة أخرى وعقد لحميد بن حبيب اللخمي على طائفة أخرى وعليهم جميعا
عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك فخرج عبد العزيز فعسكر بالحيرة * وحدثني
أحمد بن زهير قال حدثنا على عن عمرو بن مروان الكلبي قال حدثني يعقوب
ابن إبراهيم بن الوليد ان مولى للوليد لما خرج يزيد بن الوليد خرج على فرس
له فأتى الوليد من يومه فنفق فرسه حين بلغه فأخبر الوليد الخبر فضربه مائة سوط
وحبسه ثم دعا أبا محمد بن عبد الله بن يزيد بن معاوية فأجازه ووجهه إلى دمشق
فخرج أبو محمد فلما انتهى إلى ذنبة أقام فوجه يزيد بن الوليد عبد الرحمن بن
548

مصاد فسالمه أبو محمد وبايع ليزيد بن الوليد وأتى الوليد الخبر وهو بالاغدف
والاغدف من عمان فقال بيهس بن زميل الكلابي ويقال قاله يزيد بن خالد
ابن يزيد بن معاوية يا أمير المؤمنين سر حتى تنزل حمص فإنها حصينة ووجه الجنود
إلى يزيد فيقتل أو يؤسر فقال عبد الله بن عنبسة بن سعيد بن العاص ما ينبغي
للخليفة أن يدع عسكره ونساءه قبل أن يقاتل ويعذر والله مؤيد أمير المؤمنين
وناصره فقال يزيد بن خالد وماذا يخاف على حرمه وإنما أتاه عبد العزيز بن
الحجاج بن عبد الملك وهو ابن عمهن فأخذ بقول ابن عنبسة فقال له الأبرش
سعيد بن الوليد الكلبي يا أمير المؤمنين تدمر حصينه وبها قومي يمنعونك فقال
ما أرى أن نأتى تدمر وأهلها بنو عامر وهم الذين خرجوا على ولكن دلنى على
منزل حصين فقال أرى أن تنزل القربة قال أكرهها قال فهذا الهزيم قال أكره
اسمه قال فهذا البخراء قصر النعمان بن بشير قال ويحك ما أقبح أسماء مياهكم فأقبل
في طريق السماوة وترك الريف وهو في مائتين فقال
إذا لم يكن خير مع الشر لم تجد * نصيحا ولا ذا حاجة حين تفزع
إذا ما هم هموا بإحدى هناتهم * حسرت لهم رأسي فلا أتقنع
فمر بشبكة الضحاك بن قيس الفهري وفيها من ولده وولد ولده أربعون رجلا
فساروا معه وقالوا إنا عزل فلو أمرت لنا بسلاح فما أعطاهم سيفا ولا رمحا
فقال له بيهس بن زميل أما إذ أبيت أن تمضى إلى حمص وتدمر فهذا الحصن
البخراء فإنه حصين وهو من بناء العجم فانزله قال إني أخاف الطاعون قال الذي
يراد بك أشد من الطاعون فنزل حصن البخراء قال فندب يزيد بن الوليد الناس
إلى الوليد مع عبد العزيز ونادى مناديه من سار معه فله ألفان فانتدب ألفا رجل
فأعطاهم ألفين ألفين وقال موعدكم بذنبة فوافى بذنبة ألف ومائتان وقال موعدكم
مصنعة بنى عبد العزيز بن الوليد بالبرية فوافاه ثمانمائة فسار فتلقاهم ثقل الوليد
فأخذوه ونزلوا قريبا من الوليد فأتاه رسول العباس بن الوليد إني آتيك فقال
الوليد أخرجوا سريرا فأخرجوا سريرا فجلس عليه وقال أعلى توثب الرجال
549

وأنا أثب على الأسد وانخصر الأفاعي وهم ينتظرون العباس فقاتلهم عبد العزيز
وعلى الميمنة عمرو بن حوى السكسكي وعلى المقدمة منصور بن جمهور وعلى
الرجالة عمارة بن بن أبي كلثم الأزدي ودعا عبد العزيز ببغل له أدهم فركبه
وبعث إليهم زياد بن حصين الكلبي يدعوهم إلى كتاب الله وسنة نبيه فقتله قطري
مولى الوليد فانكشف أصحاب يزيد فترحل عبد العزيز فكر أصحابه وقد قتل
من أصحابه عدة وحملت رؤسهم إلى الوليد وهو على باب حصن البخراء قد أخرج
لواء مروان بن الحكم الذي كان عقده بالجابية وقتل من أصحاب الوليد بن يزيد
عثمان الخشبي قتله جناح بن نعيم الكلبي وكان من أولاد الخشبية الذين كانوا مع
المختار وبلغ عبد العزيز مسير العباس بن الوليد فأرسل منصور بن جمهور في خيل
وقال إنكم تلقون العباس في الشعب ومعه بنوه فخذوهم فخرج منصور في الخيل
فلما صاروا بالشعب إذا هم بالعباس في ثلاثين من بنيه فقالوا له أعدل إلى عبد العزيز
فشتمهم فقال له منصور والله لئن تقدمت لأنفذن حصينك يعنى درعك وقال
نوح بن عمرو بن حوى السكسكي الذي لقى العباس بن الوليد يعقوب بن عبد الرحمن
ابن سليم الكلبي فعدل به إلى عبد العزيز فأبى عليه فقال له يا ابن قسطنطين لئن
أبيت لأضربن الذي فيه عيناك فنظر العباس إلى هرم بن عبد الله بن دحية فقال
من هذا قال يعقوب بن عبد الرحمن بن سليم قال أم والله إن كان لبغيضا إلى
أبيه أن يقف ابنه هذا الموقف وعدل به إلى عسكر عبد العزير ولم يكن مع العباس
أصحابه كان تقدمهم مع بنيه فقال إنا لله فأتوا به عبد العزيز فقال له بايع لأخيك
يزيد بن الوليد فبايع ووقف ونصبوا راية وقالوا هذه راية العباس بن الوليد وقد
بايع لأمير المؤمنين يزيد بن الوليد فقال العباس انا لله خدعة من خدع الشيطان
هلك بنو مروان فتفرق الناس عن الوليد فاتوا العباس وعبد العزيز وظاهر الوليد
بين درعين وأتوه بفرسيه السندي والزائد فقاتلهم قتالا شديدا فناداهم رجل
اقتلوا عدوا لله قتلة قوم لوط ارموه بالحجارة فلما سمع ذلك دخل القصر وأغلق
الباب وأحاط عبد العزيز وأصحابه بالقصر فدنا الوليد من الباب فقال أما فيكم
550

رجل شريف له حسب وحياء أكلمه فقال له يزيد بن عنبسة السكسكي كلمني قال له
من أنت قال أنا يزيد بن عنبسة قال يا أخا السكاسك ألم أزد في أعطياتكم ألم أرفع
المؤن عنكم ألم أعط فقراءكم ألم أخدم زمنا كم فقال انا ما ننقم عليك في أنفسنا
ولكن ننقم عليك في انتهاك ما حرم الله وشرب الخمر ونكاح أمهات أولاد
أبيك واستخفافك بأمر الله قال حسبك يا أخا السكاسك فلعمري لقد أكثرت
وأغرقت وان فيما أحل لي لسعة عما ذكرت ورجع إلى الدار فجلس وأخذ
مصحفا وقال يوم كيوم عثمان ونشر المصحف يقرأ فعلوا الحائط فكان أول
من علا الحائط يزيد بن عنبسة السكسكي فنزل إليه وسيف الوليد إلى جنبه فقال
له يزيد نح سيفك فقال له الوليد لو أردت السيف لكانت لي ولك حالة غير
هذه فأخذ بيد الوليد وهو يريد ان يحبسه ويؤامر فيه فنزل من الحائط عشرة
منصور بن جمهور وحبال بن عمرو الكلبي وعبد الرحمن بن عجلان مولى يزيد
ابن عبد الملك وحميد بن نصر اللخمي والسري بن زياد بن أبي كبشة وعبد السلام اللخمي
فضربه عبد السلام على رأسه وضربه السرى على وجهه وجروه بين خمسة
ليخرجوه فصاحت امرأة كانت معه في الدار فكفوا عنه ولم يخرجوه واحتز
أبو علاقة القضاعي رأسه فأخذ عقبا فخاط الضربة التي في وجهه وقدم
بالرأس على يزيد روح بن مقبل وقال أبشر يا أمير المؤمنين بقتل الفاسق
الوليد وأسر من كان معه والعباس ويزيد يتغدى فسجد ومن كان معه
وقام يزيد بن عنبسة السكسكي وأخذ بيد يزيد وقال قم يا أمير المؤمنين وأبشر
بنصر الله فاختلج يزيد يده من كفه وقال اللهم إن كان هذا لك رضا فسددني
وقال ليزيد بن عنبسة هل كلمكم الوليد قال نعم كلمني من وراء الباب وقال أما فيكم
ذو حسب فأكلمه فكلمته ووبخته فقال حسبك فقد لعمري أغرقت وأكثرت أم
والله لا يرتق فتقكم ولا يلم شعثكم ولا تجتمع كلمتكم * حدثني أحمد عن علي
عن عمرو بن مروان الكلبي قال قال نوح بن عمرو بن حوى السكسكي خرجنا
إلى قتال الوليد في ليال ليس فيها قمر فان كنت لارى الحصى فأعرف أسوده من
551

أبيضه قال وكان على ميسرة الوليد بن يزيد الوليد بن خالد بن أخي الأبرش الكلبي
في بنى عامر وكانت بنو عامر ميمنة عبد العزيز فلم يقاتل ميسرة الوليد ميمنة عبد العزيز
وما لوا جميعا إلى عبد العزيز بن الحجاج قال وقال نوح بن عمرو رأيت خدم الوليد
ابن يزيد وحشمه يوم قتل يأخذون بأيدي الرجال فيدخلونهم عليه * حدثني أحمد
عن علي عن عمرو بن مروان الكلبي قال حدثني المثنى بن معاوية قال أقبل الوليد
فنزل اللؤلؤة وأمر ابنه الحكم والمؤمل بن العباس أن يفرضا لمن أتاهما ستين
دينارا في العطاء فأقبلت أنا وابن عمى سليمان بن محمد بن عبد الله إلى عسكر الوليد
فقربني المؤمل وأدناني وقال أدخلك على أمير المؤمنين وأكلمه حتى يفرض لك
في مائة دينار قال المثنى فخرج الوليد من اللؤلؤة فنزل المليكة فأتاه رسول عمرو
ابن قيس من حمص يخبره أن عمرا قد وجه إليه خمسمائة فارس عليهم عبد الرحمن
ابن أبي الجنوب البهراني فدعا الوليد الضحاك بن أيمن من بنى عوف بن كلب
فأمره أن يأتي ابن أبي الجنوب وهو بالغوير فيستعجله ثم يأتي الوليد بالمليكة فلما
أصبح أمر الناس بالرحيل وخرج على برذون كميت عليه قباء خز وعمامة خز محتزما
ريطة رقيقة قد طواها وعلى كتفيه ريطة صفراء فوق السيف فلقيه بنو سليم بن كيسان
في ستة عشر فارسا ثم سار قليلا فتلقاه بنو النعمان بن بشير في فوارس ثم أتاه الوليد
ابن أخي الأبرش في بنى عامر من كلب فحمله الوليد وكساه وسار الوليد على الطريق
ثم عدل في تلعة يقال لها المشبهة فلقيه ابن أبي الجنوب في أهل حمص ثم أتى
البخراء فضج أهل العسكر وقالوا ليس معنا علف لدوابنا فأمر رجلا فنادى إن
أمير المؤمنين قد اشترى زروع القرية فقالوا ما نصنع بالقصيل تضعف عليه دوابنا
وانما أرادوا الدراهم قال المثنى أتيت الوليد فدخلت من مؤخر الفسطاط فدعا
بالغداء فلما وضع بين يديه أتاه رسول أم كلثوم بنت عبد الله بن يزيد بن عبد الملك
يقال له عمرو بن مرة فأخبره أن عبد العزيز بن الحجاج قد نزل اللؤلؤة فلم يلتفت
إليه وأناه خالد بن عثمان الخراش وكان على شرطه برجل من بنى حارثة بن جناب
فقال له إن كنت بدمشق مع عبد العزيز وقد أتيتك بالخبر وهذه ألف وخمسمائة
552

قد أخذتها وحل هميانا من وسطه وأراه وقد نزل اللؤلؤة وهو غاد منها إليك
فلم يجبه والتفت إلى رجل إلى جنبه وكلمه بكلام لم أسمعه فسألت بعض من كان بيني
وبينه عما قال فقال سأله عن النهر الذي حفره بالأردن كم بقى منه وأقبل عبد العزيز من
اللؤلؤة فأتى الملكية فحازها ووجه منصور بن جمهور فأخذ شرقي القرى وهو
تل مشرف في أرض ملساء على طريق نهيا إلى البخراء وكان العباس بن الوليد
تهيأ في نحو من خمسين ومائة من مواليه وولده فبعث العباس رجلا من بنى ناجية
يقال له حبيش إلى الوليد يخيره بين أن يأتيه فيكون معه أو يسير إلى يزيد بن
الوليد قاتهم؟؟ الوليد العباس فأرسل إليه يأمره أن يأتيه فيكون معه فلقى منصور
ابن جمهور الرسول فسأله عن الامر فأخبره فقال له منصور قل له والله لئن رحلت
من موضعك قبل طلوع الفجر لأقتلنك ومن معك فإذا أصبح فليأخذ حيث أحب
فأقام العباس يتهيأ فلما كان في السحر سمعنا تكبير أصحاب عبد العزيز قد أقبلوا
إلى البخراء فخرج خالد بن عثمان المخراش فعبأ الناس فلم يكن بينهم قتال حتى
طلعت الشمس وكان مع أصحاب يزيد بن الوليد كتاب معلق في رمح فيه إنا ندعوكم
إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وأن يصير الامر شورى فاقتتلوا فقتل عثمان
الخشبي وقتل من أصحاب الوليد زهاء ستين رجلا وأقبل منصور بن جمهور على طريق
نهيا فأتى عسكر الوليد من خلفهم فأقبل إلى الوليد وهو في فسطاطه ليس بينه وبين
منصور أحد فلما رأيته خرجت أنا وعاصم بن هبيرة المعافري خليفة المخراش
فانكشف أصحاب عبد العزيز ونكص أصحاب منصور وصرع سمى بن المغيرة وقتل
وعدل منصور إلى عبد العزيز وكان الأبرش على فرس له يدعى الأديم عليه
قلنسوة ذات أذنين قد شدها تحت لحيته فجعل يصيح بابن أخيه يا ابن اللخناء قدم؟؟
رأيتك فقال له لا أجد متقدما إنها بنو عامر وأقبل العباس بن الوليد فمنعه أصحاب
عبد العزيز وشد مولى لسليمان بن عبد الله بن دحية يقال له التركي على الحارث
ابن العباس بن الوليد فطعنه طعنة أرداه عن فرسه فعدل العباس إلى عبد العزيز
فأسقط في أيدي أصحاب الوليد وانكسروا فبعث الوليد بن يزيد الوليد بن خالد
553

إلى عبد العزيز بن الحجاج بأن يعطيه خمسين ألف دينار ويجعل له ولاية حمص
ما بقى ويؤمنه على كل حدث على أن ينصرف ويكف فأبى ولم يجبه فقال له الوليد
ارجع إليه فعاوده أيضا فأتاه الوليد فلم يجبه إلى شئ فانصرف الوليد حتى إذا
كان غير بعيد عطف دابته فدنا من عبد العزيز فقال له أتجعل لي خمسة آلاف
دينار وللأبرش مثلها وأن أكون كأخص رجل من قومي منزلة وآتيك
فأدخل معك فيما دخلت فيه فقال له عبد العزيز على أن تحمل الساعة على أصحاب
الوليد ففعل وكان على ميمنة الوليد معاوية بن أبي سفيان بن يزيد بن خالد فقال
لعبد العزيز أتجعل لي عشرين ألف دينار وولاية الأردن والشركة في
الامر على أن أصير معكم قال على أن تحمل على أصحاب الوليد من ساعتك ففعل
فانهزم أصحاب الوليد وقال الوليد فدخل البخراء واقبل عبد العزيز فوقف على
الباب وعليه سلسلة فجعل الرجل بعد الرجل يدخل من تحت السلسلة واتى
عبد العزيز عبد السلام بن بكير بن شماخ اللخمي فقال له إنه يقول أخرج على
حكمك قال فليخرج فلما ولى قيل له ما تصنع بخروجه دعه يكفيكه الناس فدعا عبد السلام
فقال لا حاجة لي فيما عرض على فنظرت إلى شاب طويل على فرس فدنا من حائط
القصر فعلاه ثم صار إلى داخل القصر قال فدخلت القصر فإذا الوليد قائم في قميص
قصب وسراويل وشى ومعه سيف في غمد والناس يشتمونه فأقبل إليه بشر بن
شيبان مولى كنانة بن عمير وهو الذي دخل من الحائط فمضى الوليد يريد الباب
أظنه أراد أن يأتي عبد العزيز وعبد السلام عن يمينه ورسول عمرو بن قيس عن
يساره فضربه على رأسه وتعاوره الناس بأسيافهم فقتل فطرح عبد السلام نفسه
عليه يحتز رأسه وكان يزيد بن الوليد قد جعل في رأس الوليد مائة ألف وأقبل
أبو الأسد مولى خالد بن عبد الله القسري فسلخ من جلد الوليد قدر الكف فأتى
بها يزيد بن خالد بن عبد الله وكان محبوسا في عسكر الوليد فانتهب الناس عسكر
الوليد وخزائنه وأتاني يزيد العليمي أبو البطريق بن يزيد وكانت ابنته عند الحكم
ابن الوليد فقال امنع لي متاع ابنتي فما وصل أحد إلى شئ زعم أنه له قال أحمد قال
554

على قال عمرو بن مروان الكلبي لما قتل الوليد قطعت كفه اليسرى فبعث بها
إلى يزيد بن الوليد فسبقت الرأس قدم بها ليلة الجمعة وأتى برأسه من الغد فنصبه
للناس بعد الصلاة وكان أهل دمشق قد أرجفوا بعبد العزيز فلما أتاهم رأس الوليد
سكتوا وكفوا قال وأمر يزيد بنصب الرأس فقال له يزيد بن فروة مولى بنى مروان
إنما تنصب رؤس الخوارج وهذا ابن عمك وخليفة ولا آمن إن نصبته أن ترق
له قلوب الناس ويغضب له أهل بيته فقال والله لأنصبنه فنصبه على رمح ثم قال له انطلق
به فطف به في مدينة دمشق وأدخله دار أبيه ففعل فصاح الناس وأهل الدار ثم رده إلى
يزيد فقال انطلق به إلى منزلك فمكث عنده قريبا من شهر ثم قال له ادفعه إلى أخيه
سليمان وكان سليمان أخو الوليد ممن سعى على أخيه فغسل ابن فورة الرأس ووضعه
في سفط وأتى به سليمان فنظر إليه سليمان فقال بعدا له أشهد أنه كان شروبا للخمر
ما جنا فاسقا ولقد أرادني على نفسي الفاسق فخرج ابن فورة من الدار فتلقته مولاة
للوليد فقال له ويحك ما أشد ما شتمه زعم أنه أراده على نفسه فقالت كذب والله
الخبيث ما فعل ولئن كان أراده على نفسه لقد فعل وما كان ليقدر على الامتناع منه
* وحدثني أحمد عن علي عن عمرو بن مروان الكلبي قال حدثني يزيد بن مصاد
عن عبد الرحمن بن مصاد قال بعثني يزيد بن الوليد إلى أبى محمد السفياني وكان الوليد
وجهه حين بلغه خبر يزيد واليا على دمشق وأتى ذنبة وبلغ يزيد خبره فوجهتي
إليه فأتيته فسالم وبايع ليزيد قال فلم نرم حتى رفع لنا شخص مقبل من ناحية البرية
فبعث إليه فأتيت به فإذا هو الغزيل أبو كامل المغنى على بغلة للوليد تدعى مريم
فأخبرنا أن الوليد قد قتل فانصرفت إلى يزيد فوجدت الخبر قد أتاه قبل أن آتيه
* حدثني أحمد عن علي عن عمرو بن مروان الكلبي قال حدثني دكين بن شماخ الكلبي
ثم العامري قال رأيت بشر بن هلباء العامري يوم قتل الوليد ضرب باب البخراء
بالسيف وهو يقول: سنبكى خالدا بمهندات * ولا تذهب صنائعه ضلالا
* وحدثني أحمد عن علي عن أبي عاصم الزيادي قال ادعى قتل الوليد عشرة
وقال إني رأيت جلدة رأس الوليد في يدوجه الفلس فقال أنا قتلته وأخذت هذه
555

الجلدة وجاء رجل فاحتز رأسه وبقيت هذه الجلدة في يدي واسم وجه الفلس
عبد الرحمن قال وقال الحكم بن النعمان مولى الوليد بن عبد الملك قدم برأس الوليد
على يزيد منصور بن جمهور في عشرة فيهم روح بن مقبل فقال روح يا أمير المؤمنين
أبشر بقتل الفاسق وأسر العباس وكان فيمن قدم بالرأس عبد الرحمن وجه الفلس وبشر
مولى كنانة من كلب فأعطى يزيد كل رجل منهم عشرة آلاف قال وقال الوليد يوم قتل
وهو يقاتلهم من جاء برأس فله خمسمائة فجاء قوم بأرؤس فقال الوليد اكتبوا أسماءهم
فقال رجل من مواليه ممن جاء برأس يا أمير المؤمنين ليس هذا بيوم يعمل
فيه بنسيئه قال وكان مع الوليد مالك بن أبي السمح المغنى وعمرو الوادي فلما
تفرق عن الوليد أصحابه وحضر قال مالك لعمرو اذهب بنا فقال عمرو ليس
هذا من الوفاء ونحن لا يعرض لنا لأنا لسنا ممن يقاتل فقال مالك ويلك والله لئن
ظفروا بنا لا يقتل أحد قبلي وقبلك فيوضع رأسه بين رأسينا ويقال للناس انظروا
من كان معه في هذه الحال فلا يعيبونه بشئ أشد من هذا فهربا وقتل الوليد بن يزيد
يوم الخميس لليلتين بقيتا من من جمادى الآخرة سنة 126 كذلك قال أبو معشر
حدثني بذلك أحمد بن ثابت عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عنه وكذلك قال هشام
ابن محمد ومحمد بن عمر الواقدي وعلي بن محمد المدائني واختلفوا في قدر المدة التي
كان فيها خليفة فقال أبو معشر كانت خلافته سنة وثلاثة أشهر كذلك حدثني
أحمد بن ثابت عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عنه وقال هشام بن محمد كانت خلافته
سنة وشهرين واثنين وعشرين يوما واختلفوا أيضا في مبلغ سنه يوم قتل فقال
هشام بن محمد الكلبي قتل وهو ابن ثمان وثلاثين سنة وقال محمد بن عمر قتل وهو
ابن ست وثلاثين سنة وقال بعضهم قتل وهو ابن اثنين وأربعين سنة وقال آخرون
وهو ابن إحدى وأربعين سنة وقال آخرون ابن خمس وأربعين سنة وقال بعضهم
وهو ابن ست وأربعين سنة وكان يكنى أبا العباس وأمه أم الحجاج بنت محمد بن
يوسف الثقفي وكان شديد البطش طويل أصابع الرجلين كان يوتد له سكة حديد
فيها خيط ويشد الخيط في رجله ثم يثب على الدابة فينتزع السكة ويركب ما يمس
556

الدابة بيده وكان شاعرا شروبا للخمر * حدثني أحمد قال حدثنا على عن ابن أبي
الزناد قال قال أبى كنت عند هشام وعنده الزهري فذكر الوليد فتنقصاه وعاباه
عيبا شديدا ولم أعرض في شئ مما كانا فيه فاستأذن الوليد فأذن له وأنا أعرف
الغضب في وجهه فجلس قليلا ثم قام فلما مات هشام كتب في فحملت إليه فرحب
بي وقال كيف حالك يا ابن ذكوان وألطف المسألة بي ثم قال أتذكر يوم الأحوال
وعنده الفاسق الزهري وهما يعيبانني قلت أذكر ذلك فلم أعرض في شئ مما
كانا فيه قال صدقت أرأيت الغلام الذي كان قائما على رأس هشام قلت نعم قال
فإنه نمى إلى ما قالا وأيم الله لو بقى الفاسق يعنى الزهري لقتلته قلت قد عرفت
الغضب في وجهك حين دخلت ثم قال يا ابن ذكوان ذهب الأحوال بعمري
فقلت بل يطيل الله لك عمرك يا أمير المؤمنين ويمتع الأمة ببقائك فدعا بالعشاء
فتعشينا وجاءت المغرب فصلينا وتحدثنا حتى جاءت العشاء الآخرة فصلينا وجلس
وقال اسقنى فجاؤوا بإناء مغطى وجاء ثلاث جوار فصفقن بين يديه بيني وبينه ثم
شرب وذهبن فتحدثنا واستسقى فصنعن مثل ما صنعن أولا قال فما زال على ذلك
يتحدث ويستسقى ويصنعن مثل ذلك حتى طلع الفجر فأحصيت له سبعين قدحا
(وفى هذه السنة) قتل خالد بن عبد الله القسري
ذكر الخبر عن مقتله وسبب ذلك
قد تقدم ذكرنا الخبر عن عزل هشام إياه عن عمله وولايته العراق وخراسان
واستعماله على العراق يوسف بن عمر وكان فيما ذكر عمل لهشام على ذلك خمس
عشرة سنة غير أشهر وذلك أنه فيما قيل ولى العراق لهشام سنة 105 وعزل عنها
في جمادى الأولى سنة 120 ولما عزله هشام وقدم عليه يوسف واسطا أخذه
وحبسه بها ثم شخص يوسف بن عمر إلى الحيرة فلم يزل محبوسا بالحيرة تمام ثمانية
عشر شهرا مع أخيه إسماعيل بن عبد الله وابنه يزيد بن خالد وابن أخيه المنذر
ابن أسد بن عبد الله واستأذن يوسف هشاما في إطلاق يده عليه وتعذيبه فلم
يأذن له حتى أكثر عليه واعتل عليه بانكسار الخراج وذهاب الأموال فأذن له
557

مرة واحدة وبعث حرسيا يشهد ذلك وحلف لئن أتى على خالد أجله وهو في
يده ليقتلنه فدعا به يوسف فجلس على دكان بالحيرة وحضر الناس وبسط عليه
فلم يكلمه واحدة حتى شتمه يوسف فقال يا ابن الكاهن يعنى شق بن صعب الكاهن
فقال له خالد إنك لأحمق تعيرني بشرفي ولكنك يا ابن السباء إنما كان أبوك
سباء خمر يعنى يبيع الخمر ثم رده إلى حبسه ثم كتب إليه هشام يأمره بتخلية سبيله
في شوال سنة 121 فنزل خالد في قصر إسماعيل بن عبد الله بدوران خلف جسر
الكوفة وخرج يزيد بن خالد وحده فأخذ على بلاد طئ حتى ورد دمشق وخرج
خالد ومعه إسماعيل والوليد قد جهزهم عبد الرحمن بن عنبسة بن سعيد بن العاص
وبعث بالأثقال إلى قصر بنى مقاتل وكان يوسف قد بعث خيلا فأخذت الزاد
والأثقال والإبل وموالى لخالد كانوا فيها فضرب وباع ما أخذ لهم ورد بعض
الموالى إلى الرق فقدم خالد قصر بنى مقاتل وقد أخذ كل شئ لهم فسار إلى هيت ثم تحملوا
إلى القرية وهى بإزاء باب الرصافة فأقام بها بقية شوال وذي القعدة وذي الحجة
والمحرم وصفر لا يأذن لهم هشام في القدوم عليه والأبرش يكاتب خالدا وخرج
زيد بن علي فقتل قال الهيثم بن عدي فيما ذكر عنه وكتب يوسف إلى هشام إن
أهل هذا البيت من بني هاشم قد كانوا هلكوا جوعا حتى كانت همة أحدهم قوت
عياله فلما ولى خالد العراق أعطاهم الأموال فقووا بها حتى تاقت أنفسهم إلى طلب
الخلافة وما خرج زيد إلا عن رأى خالد والدليل على ذلك نزول خالد
بالقرية على مدرجة العراق يستنشئ أخبارها فسكت هشام حتى فرغ من قراءة
الكتاب ثم قال للحكم بن حزن القيني وكان على الوفد وقد أمره يوسف بتصديق
ما كتب به ففعل فقال له هشام كذبت وكذب من أرسلك ومهما اتهمنا خالدا
فلسنا نتهمه في طاعة وأمر به فوجئت عنقه وبلغ الخبر خالدا فسار حتى نزل دمشق
فأقام حتى حضرت الصائفة فخرج فيها ومعه يزيد وهشام ابنا خالد بن عبد الله
وعلى دمشق يومئذ كلثوم بن عياض القسري وكان متحاملا على خالد فلما أدربوا
ظهر في دور دمشق حريق كل ليلة يلقيه رجل من أهل العراق يقال له أبو العمرس
558

وأصحاب له فإذا وقع الحريق أغاروا يسرقون وكان إسماعيل بن عبد الله والمنذر
ابن أسد بن عبد الله وسعيد ومحمد ابنا خالد بالساحل لحدث كان من الروم فكتب
كلثوم إلى هشام يذكر الحريق ويخبره أنه لم يكن قط وأنه عمل موالى خالد يريدون
الوثوب على بيت المال فكتب إليه هشام يأمره أن يحبس آل خالد الصغير
منهم والكبير ومواليهم والنساء فأخذ إسماعيل والمنذر ومحمد وسعيد من الساحل
فقدم بهم في الجوامع ومن كان معهم من مواليهم وحبس أم جرير بنت خالد
والرائقة وجميع النساء والصبيان ثم ظهر على أبى العمرس فأخذ ومن كان معه
فكتب الوليد بن عبد الرحمن عامل خراج دمشق إلى هشام يخبره بأخذ أبى العمرس
ومن كان معه سماهم رجلا رجلا ونسبهم إلى قبائلهم وأمصارهم ولم يذكر فيهم أحد
من موالى خالد فكتب هشام إلى كلثوم يشتمه ويعنفه ويأمره بتخلية سبيل جميع من
حبس منهم فأرسلهم جميعا واحتبس الموالى رجاء أن يكلمه فيهم خالد إذا قدم
من الصائفة فلما أقبل الناس وخرجوا عن الدرب بلغ خالدا حبس أهله ولم يبلغه تخليتهم
فدخل يزيد بن خالد في غمار الناس حتى أتى حمص وأقبل خالد حتى نزل منزله من
دمشق فلما أصبح أتاه الناس فبعث إلى ابنتيه زينب وعاتكة فقال إني قد كبرت وأحببت
أن تليا خدمتي فسرتا بذلك ودخل عليه إسماعيل أخوه ويزيد وسعيد ابناه وأمر
بالاذن فقامت ابنتاه لتتنحيا فقال ومالهما يتنحيان وهشام في كل يوم يسوقهن
إلى الحبس فدخل الناس فقام إسماعيل وابناه دون ابنتيه يسترونهما فقال خالد
خرجت غازيا في سبيل الله سامعا مطيعا فخلفت في عقبى وأخذ حرمي وحرم
أهل بيتي فحبسوا مع أهل الجرائم كما يفعل بأهل الشرك فما منع عصابة منكم أن
تقوم فتقول علام حبس حرم هذا السامع المطيع أخفتم أن تقتلوا جميعا أخافكم
الله ثم قال مالي ولهشام ليكفن عنى هشام أو لا دعون إلى عراقي الهوى شأمي
الدار حجازي الأصلي يعنى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس وقد أذنت لكم أن تبلغوا
هشاما فلما بلغه ما قال قال خرف أبو الهيثم وذكر أبو زيد أن أحمد بن معاوية
حدثه عن أبي الخطاب قال قال خالد أم والله لئن ساء صاحب الرصافة يعنى
559

هشاما لننصبن لنا الشأمى الحجازي العراقي ولو نخر نخرة تداعت من أقطارها
فبلغت هشاما فكتب إليه إنك هذاءة هذرة أببجيلة القليلة الذليلة تتهددني قال
فوالله ما نصره أحد بيد ولا بلسان إلا رجل من عبس فإنه قال
ألا إن بحر الجود أصبح ساجيا * أسير ثقيف موثقا في السلاسل
فإن تسجنوا القسري لا تسجنوا اسمه * ولا تسجنوا معروفه في القبائل
فأقام خالد ويزيد وجماعة أهل بيته بدمشق ويوسف ملح على هشام يسأله
أن يوجه إليه يزيد وكتب هشام إلى كلثوم بن عياض يأمره بأخذ يزيد والبعثة به
إلى يوسف فوجه كلثوم إلى يزيد خيلا وهو في منزله فشد عليهم يزيد فافرجوا له
ثم مضى على فرسه وجاءت الخيل إلى كلثوم فأخبره فأرسل إلى خالد الغد من يوم
تنحى يزيد خيلا فدعا خالد بثيابه فلبسها وتصارخ النساء فقال رجل منهم لو أمرت
هؤلاء النسوة فسكتن فقال ولم أم والله لولا الطاعة لعلم عبد بنى قسر أنه لا ينال
هذه منى فأعلموه مقالتي فإن كان عربيا كما يزعم فليطلب جده منى ثم مضى معهم
فحبس في حبس دمشق وسار إسماعيل من يومه حتى قدم الرصافة على هشام
فدخل على أبى الزبير حاجبه فأخبره بحبس خالد فدخل أبو الزبير على هشام فأعلمه
فكتب إلى كلثوم يعنفه ويقول خليت عمن أمرتك بحبسه وحبست من لم آمرك
بحبسه ويأمره بتخلية سبيل خالد فخلاه وكان هشام إذا أراد أمرا أمر الأبرش
فكتب به إلى خالد فكتب الأبرش إنه بلغ أمير المؤمنين أن عبد الرحمن بن
ثويب الضنى ضنة سعد إخوة عذرة بن سعد قام إليك فقال يا خالد إني لأحبك
لعشر خصال إن الله كريم وأنت كريم والله جواد وأنت جواد والله رحيم
وأنت رحيم والله حليم وأنت حليم حتى عد عشرا وأمير المؤمنين يقسم بالله
لئن تحقق عنده ذلك ليستحلن دمك فاكتب إلى بالامر على وجهه لا خبر به
أمير المؤمنين فكتب إليه خالد ان ذلك المجلس كان أكثر أهلا من أن يجوز
لاحد من أهل البغى والفجور أن يحرف ما كان فيه إلى غيره فأم إلى عبد الرحمن
ابن ثويب فقال يا خالد انى لأحبك لعشر خصال ان الله كريم يحب كل كريم
560

والله يحبك وأنا أحبك لحب الله إياك حتى عدد عشر خصال ولكن أعظم من
ذلك قيام ابن شقى الحميري إلى أمير المؤمنين وقوله يا أمير المؤمنين خليفتك في
أهلك أكرم عليك أم رسولك فقال أمير المؤمنين بل خليفتي في أهلي فقال ابن
شقى فأنت خليفة الله ومحمد رسوله صلى الله عليه وسلم ولعمري لضلالة رجل من
بجيلة ان ضل أهون على العامة والخاصة من ضلال أمير المؤمنين فأقرأ الأبرش
هشاما كتابه فقال خرف أبو الهيثم فأقام خالد بدمشق خلافة هشام حتى هلك
فلما هلك هشام وقام الوليد قدم عليه أشراف الأجناد فيهم خالد فلم يأذن لاحد
منهم واشتكى خالد فاستأذن فأذن له فرجع إلى دمشق فأقام أشهرا ثم كتب إليه
الوليد إن أمير المؤمنين قد علم حال الخمسين الألف ألف ألم تعلم فاقدم على أمير
المؤمنين مع رسوله فقد أمره أن لا يعجلك عن جهاز فبعث خالد إلى عدة من
ثقاته منهم عمارة بن أبي كلثوم الأزدي فأقرأهم الكتاب وقال أشيروا على فقالوا
إن الوليد ليس بمأمون عليك فالرأي أن تدخل دمشق وتأخذ بيوت الأموال
وتدعو إلى من أحببت فأكثر الناس قومك ولن يختلف عليك رجلا قال أو ما ذا قالوا
تأخذ بيوت الأموال وتقيم حتى تتوثق لنفسك قال أو ما ذا قالوا أو تتوارى
قال أما قولكم تدعو إلى من أحببت فإني أكره أن تكون الفرقة والاختلاف
على يدي وأما قولكم تتوثق لنفسك فأنتم لا تأمنون على الوليد ولا ذنب لي
فكيف ترجون وفاءه لي وقد أخذت بيوت الأموال وأما التواري فوالله
ما قنعت رأسي خوفا من أحد قط فالآن وقد بلغت من السن ما بلغت لا ولكن أمضى
وأستعين الله فخرج حتى قدم على الوليد فلم يدع به ولم يكلمه وهو في بيته معه مواليه
وخدمه حتى قدم برأس يحيى بن زيد من خراسان فجمع الناس في رواق وجلس
الوليد وجاء الحاجب فوقف فقال له خالد ان حالي ما ترى لا أقدر على المشي
وإنما أحمل في كرسي فقال الحاجب لا يدخل عليه أحد يحمل ثم أذن لثلاثة
نفر ثم قال قم يا خالد فقال حالي ما ذكرت لك ثم أذن لرجل أو رجلين فقال
قم يا خالد فقال إن حالي ما ذكرت لك حتى أذن لعشرة ثم قال قم يا خالد وأذن
561

للناس كلهم وأمر بخالد فحمل على كرسيه فدخل به والوليد جالس على سريره
والموائد موضوعة والناس بين يديه سماطان وشبة بن عقال أو عقال بن شبة يخطب
ورأس يحيى بن زيد منصوب فميل بخالد إلى أحد السماطين فلما فرغ الخطيب قام
الوليد وصرف الناس وحمل خالد إلى أهله فلما نزع ثيابه جاءه رسول الوليد
فرده فلما صار إلى باب السرادق وقف فخرج إليه رسول الوليد فقال يقول لك
أمير المؤمنين أين يزيد بن خالد فقال كان أصابه من هشام ظفر ثم طلبه
فهرب منه وكنا نراه عند أمير المؤمنين حتى استخلفه الله فلما لم يظهر ظنناه ببلاد
قومه من الشراة وما أوشكه فرجع إليه الرسول فقال لا ولكنك خلفته طلبا للفتنة
فقال خالد للرسول قد علم أمير المؤمنين أنا أهل بيت طاعة أنا وأبى وجدى قال خالد
وقد كنت أعلم بسرعة رجعة الرسول أن الوليد قريب حيث يسمع كلامي فرجع
الرسول فقال يقول لك أمير المؤمنين لتأتين به أو لأرهقن نفسك فرفع خالد
صوته وقال قل له هذا أردت وعليه درت والله لو كان تحت قدمي ما رفعتهما
لك عنه فاصنع ما بدالك فأمر الوليد غيلان صاحب حرسه بالبسط عليه وقال له
أسمعني صوته فذهب به غيلان إلى رحله فعذبه بالسلاسل فلم يتكلم فرجع غيلان
إلى الوليد فقال والله ما أعذب إنسانا والله ما يتكلم ولا يتأوه فقال اكفف عنه
واحبسه عندك فحبسه حتى قدم يوسف بن عمر بمال من العراق ثم أداروا الامر
بينهم وجلس الوليد للناس ويوسف عنده فكلم أبان بن عبد الرحمن النميري
في خالد فقال يوسف أنا أشتريه بخمسين ألف ألف فأرسل الوليد إلى خالد إن
يوسف يشتريك بخمسين ألف ألف فان كنت تضمنها وإلا دفعتك إليه فقال
خالد ما عهدت العرب تباع والله لو سألتني أن أضمن هذا ورفع عودا من الأرض
ما ضمنته فر رأيك فدفعه إلى يوسف فنزع ثيابه ودرعه عباءة ولحفه بأخرى وحمله
في محمل بغير وطاء وزميله أبو قحافة المري ابن أخي الوليد بن تليد وكان عامل
هشام على الموصل فانطلق به حتى نزل المحدثة على مرحلة من عسكر الوليد ثم دعا
به فذكر أمه فقال وما ذكر الأمهات لعنك الله والله لا أكلمك كلمة أبدا فبسط
562

عليه وعذبه عذابا شديدا لا يكلمه كلمة ثم ارتحل به حتى إذا كان ببعض الطريق
بعث إليه زيد بن تميم القيني بشربة سويق حب رمان مع مولى له يقال له سالم
النفاط فبلغ يوسف فضرب زيدا خمسمائة سوط وضرب سالما ألف سوط ثم قدم
يوسف الحيرة فدعا به وبإبراهيم ومحمد ابني هشام فبسط على خالد فلم يكلمه وصبر
إبراهيم بن هشام وخرع محمد بن هشام فمكث خالد يوما في العذاب ثم وضع
على صدره المضرسة فقتله من الليل ودفن بناحية الحيرة في عباءته التي كان فيها
وذلك في المحرم سنة 126 في قول الهيثم بن عدي فأقبل عامر بن سهلة الأشعري
فعقر فرسه على قبره فضربه يوسف سبعمائة سوط (قال أبو زيد) حدثني أبو نعيم
قال حدثني رجل قال شهدت خالدا حين أتى به يوسف فدعا بعود فوضع على قدميه
ثم قامت عليه الرجال حتى كسرت قدماه فوالله ما تكلم ولا عبس ثم على ساقيه
حتى كسرتا ثم على فخذيه ثم على حقويه ثم على صدره حتى مات فوالله ما تكلم
ولا عبس فقال خلف بن خليفة لما قتل الوليد بن يزيد
لقد سكنت كلب وأسباق مذحج * صدى كان يزقو ليله غير راقد
تركن أمير المؤمنين بخالد * مكبا على خيشومه غير ساجد
فإن تقطعوا منا مناط قلادة * قطعنا به منكم مناط قلائد
وإن تشغلونا عن ندانا فإننا * شغلنا الوليد عن غناء الولائد
وإن سافر القسري سفرة هالك * فإن أبا العباس ليس بشاهد
وقال حسان بن جعدة الجعفري يكذب خلف بن خليفة في قوله هذا
إن امرءا يدعى قتل الوليد سوى * أعمامه لملء النفس بالكذب
ما كان إلا امرءا خانت منيته * سارت إليه بنو مروان بالعرب
وقال أبو محجن مولى خالد
سائل وليدا وسائل أهل عسكره * غداة صبحه شؤبوبنا البرد
هل جاء من مضر نفس فتمنعه * والخيل تحت عجاج الموت تطرد
من يهجنا جاهلا بالشعر ننقضه * بالبيض إنا بها نهجو ونفتئد
563

وقال نصر بن سعيد الأنصاري
أبلغ يزيد بنى كرز مغلغلة * أنى شفيت بغيب غير موتور
قطعت أوصال قنور على حنق * بصارم من سيوف الهند مأثور
أمست حلائل قنور مجدعة * لمصرع العبد قنور بن قنور
ظلت كلاب دمشق وهى تنهشه * كأن أعضاءه أعضاء خنزير
غاذرن منه بقايا عند مصرعه * أنقاض شلو على الاطناب مجرور
حكمت سيفك إذ لم ترض حكمهم * والسيف يحكم حكما غير تعذير
لا ترض من خالد إن كنت متئرا * إلا بكل عظيم الملك مشهور
أسعرت ملك نزار ثم رعتهم * بالخيل تركض بالشم المغاوير
ما كان في آل قنور ولا ولدوا * عدلا لبدر سماء ساطع النور
(وفى هذه السنة) بويع ليزيد بن الوليد بن عبد الملك الذي يقال له يزيد
الناقص وإنما قيل يزيد الناقص لنقصه الناس الزيادة التي زادهموها الوليد بن يزيد
في أعطياتهم وذلك عشرة عشرة فلما قتل الوليد نقصهم تلك الزيادة ورد أعطياتهم
إلى ما كانت عليه أيام هشام بن عبد الملك وقيل أول من سماه بهذا الاسم مروان بن
محمد * حدثني أحمد بن زهير قال حدثنا علي بن محمد قال شتم مروان بن محمد يزيد
ابن الوليد فقال الناقص بن الوليد فسماه الناقص فسماه الناس الناقص لذلك (وفى
هذه السنة) اضطرب حبل بنى مروان وهاجت الفتنة
ذكر الخبر عما حدث فيها من الفتن
فكان من ذلك وثوب سليمان بن هشام بن عبد الملك بعد ما قتل الوليد
ابن يزيد بعمان * فحدثني أحمد بن زهير عن علي محمد قال لما قتل
الوليد خرج سليمان بن هشام من السجن وكان محبوسا بعمان فأخذ ما كان بعمان
من الأموال وأقبل إلى دمشق وجعل يلعن الوليد ويعيبه بالكفر (وفيها)
كان وثوب أهل حمص بأسباب العباس بن الوليد وهدمهم داره وإظهارهم الطلب
بدم الوليد بن يزيد
564

ذكر الخبر عن ذلك
* حدثني أحمد عن علي قال كان مروان بن عبد الله بن عبد الملك عاملا للوليد
على حمص وكان من سادة بنى مروان نبلا وكرما وعقلا وجمالا فلما قتل الوليد
بلغ أهل حمص قتله فأغلقوا أبوابها وأقاموا النوائح والبواكي على الوليد وسألوا عن
قتله فقال بعض من حضرهم ما زلنا منتصفين من القوم قاهرين لهم حتى جاء العباس
ابن الوليد فمال إلى عبد العزيز بن الحجاج فوثب أهل حمص فهدموا دار العباس
وانتهبوها وسلبوا حرمه وأخذوا بنيه فحبسوهم وطلبوه فخرج إلى يزيد بن الوليد
وكاتبوا الأجناد ودعوهم إلى الطلب بدم الوليد فأجابوهم وكتب أهل حمص بينهم
كتابا لا يدخلوا في طاعة يزيد وإن كان وليا عهد الوليد حيين قاموا بالبيعة لهما
والا جعلوها لخير من يعلمون على أن يعطيهم العطاء من المحرم إلى المحرم ويعطيهم
للذرية وأمروا عليهم معاوية بن يزيد بن حصين وكتب إلى مروان بن عبد الله
ابن عبد الملك وهو بحمص في دار الامارة فلما قرأه قال هذا كتاب حضره من الله
حاضر وتابعهم على ما أرادوا فلما بلغ يزيد بن الوليد خبرهم وجه إليهم رسلا فيهم
يعقوب بن هانئ وكتب إليهم أنه ليس يدعو إلى نفسه ولكنه يدعوهم إلى الشورى
فقال عمرو بن قيس السكوني رضينا بولي عهدنا يعنى ابن الوليد بن يزيد فأخذ
يعقوب بن عمير بلحيته فقال أيها العشمة إنك قد فيلت وذهب عقلك إن الذي
تعنى لو كان يتيما في حجرك لم يحل لك أن تدفع إليه ماله فكيف أمر الأمة فوثب
أهل حمص على رسل يزيد بن الوليد فطردوهم وكان أمر حمص لمعاوية بن يزيد
ابن حصين وليس إلى مروان بن عبد الله من أمرهم شئ وكان معهم السمط بن
ثابت وكان الذي بينه وبين معاوية بن يزيد متباعدا وكان معهم أبو محمد السفياني
فقال لهم لو قد أتيت دمشق وأنظر إلى أهلها لم تخالفني فوجه يزيد بن الوليد
مسرور بن الوليد والوليد بن روح في جمع كبير فنزلوا حوارين أكثرهم بنو عامر
من كلب ثم قدم على يزيد سليمان بن هشام فأكرمه يزيد وتزوج أخته أم هشام
بنت هشام بن عبد الملك ورد عليه ما كان الوليد أخذه من أموالهم ووجهه إلى
565

مسرور بن الوليد والوليد بن روح وأمرهما بالسمع والطاعة له وأقبل أهل حمص
فنزلوا قرية لخالد بن يزيد بن معاوية * حدثني أحمد قال حدثنا على عن عمرو بن
مروان الكلبي قال حدثني عمرو بن محمد ويحيى بن عبد الرحمن البهراني قالا قام مروان
ابن عبد الله فقال يا هؤلاء إنكم خرجتم لجهاد عدوكم والطلب بدم خليفتكم
وخرجتم مخرجا أرجو أن يعظم الله به أجركم ويحسن عليه ثوابكم وقد نجم لكم
منهم قرن وشال إليكم منهم عنق إن أنتم قطعتموه اتبعه ما بعده وكنتم عليه أحرى
وكانوا عليكم أهون ولست أرى المضي إلى دمشق وتخليف هذا الجيش خلفكم
فقال السمط هذا والله العدو القريب الدار يريد أن ينقض جماعتكم وهو ممايل
للقدرية قال فوثب الناس على مروان بن عبد الله فقتلوه وقتلوا ابنه ورفعوا
رؤوسهم للناس وانما أراد السمط بهذا الكلام خلاف معاوية بن يزيد فلما قتل
مروان بن عبد الله ولوا عليهم أبا محمد السفياني وأرسلوا إلى سليمان بن هشام إنا
آتوك فأقم بمكانك فأقام قال فتركوا عسكر سليمان ذات اليسار ومضوا إلى دمشق
وبلغ سليمان مضيهم فخرج مغذا فلقيهم بالسليمانية مزرعة كانت لسليمان بن عبد الملك
خلف عذراء من دمشق على أربعة عشر ميلا قال على قال عمرو بن مروان بن
بشار والوليد بن علي قالا لما بلغ يزيد أمر أهل حمص دعا عبد العزيز بن الحجاج
فوجهه في ثلاثة آلاف وأمره أن يثبت على ثنية العقاب ودعا هشام بن مصادف وجهه
في ألف وخمسمائة وأمره أن يثبت على عقبة السلامة وأمرهم أن يمد بعضهم بعضا
قال عمرو بن مروان فحدثني يزيد بن مصاد قال كنت في عسكر سليمان فلحقنا أهل
حمص وقد نزلوا السليمانية فجعلوا الزيتون على أيمانهم والجبل على شمائلهم والجباب
خلفهم وليس عليهم مأتى إلا من وجه واحد وقد نزلوا أول الليل فأراحوا دوابهم
وخرجنا نسرى ليلتنا كلها حتى دفعنا إليهم فلما منع النهار واشتد الحر ودوابنا
قد كلت وثقل علينا الحديد دنوت من مسرور بن الوليد فقلت له وسليمان يسمع
كلامي أنشدك الله يا أبا سعيد أن يقدم الأمير جنده إلى القتال في هذه الحال فأقبل
سليمان فقال يا غلام اصبر نفسك فوالله لا أنزل حتى يقضى الله بيني وبينهم ما هو
566

قاض فتقدم وعلى ميمنته الطفيل بن حارثة الكلبي وعلى ميسرته الطفيل بن زرارة
الحبشي فحملوا علينا حملة فانهزمت الميمنة والميسرة أكثر من غلوتين وسليمان في
القلب لم يزل من مكانه ثم حمل عليهم أصحاب سليمان حتى ردوهم إلى موضعهم فلم
يزالوا يحملون علينا ونحمل عليهم مرارا فقتل منهم زهاء مائتي رجل فيهم حرب
ابن عبد الله بن يزيد بن معاوية وأصيب من أصحاب سليمان نحو من خمسين رجلا
وخرج أبو الهلباء البهراني وكان فارس أهل حمص فدعا إلى المبارزة فخرج إليه حية
ابن سلامة الكلبي فطعنه طعنة أذراه عن فرسه وشد عليه أبو جعدة مولى لقريش من
أهل دمشق فقتله وخرج ثبيت بن يزيد البهراني فدعا إلى المبارزة فخرج إليه إيراك
السغدي من أبناء ملوك السغد كان منقطعا إلى سليمان بن هشام وكان ثبيت قصير أو كان
ايراك جسيما فلما رآه ثبيت قد أقبل نحوه استطرد فوقف ايراك ورماه بسهم فأثبت عضلة
ساقه إلى لبده قال فبينا هم كذلك إذ أقبل عبد العزيز من ثنية العقاب فشد عليهم حتى دخل
عسكرهم وقتل ونفذ إلينا (قال) على قال عمرو بن مروان فحدثني سليمان بن زياد الغساني
قال كنت مع عبد العزيز بن الحجاج فلما عاين عسكر أهل حمص قال لأصحابه موعدكم
التل الذي في وسط عسكرهم والله لا يتخلف منكم أحد الا ضربت عنقه ثم قال
لصاحب لوائه تقدم ثم حمل وحملنا معه فما عرض لنا أحد إلا قتل حتى صرنا على
التل فصدع عسكرهم فكانت هزيمتهم ونادى يزيد بن خالد بن عبد الله القسري
الله الله في قومك فكف الناس وكره ما صنع سليمان وعبد العزيز وكاد يقع الشر
بين الذكوانية وسليمان وبين بنى عامر من كلب فكفوا عنهم على أن يبايعوا ليزيد
ابن الوليد وبعث سليمان بن هشام إلى أبى محمد السفياني ويزيد خالد بن يزيد بن معاوية
فأخذا فمر بهما على الطفيل بن حارثة فصاحا به يا خالاه ننشدك الله والرحم فمضى
معهما إلى سليمان فحبسهما فخاف بنو عامر أن يقتلهما فجاءت جماعة منهم فكانت معهما في
الفسطاط ثم وجههما إلى يزيد بن الوليد فحبسهما في الخضراء مع ابني الوليد وحبس
أيضا يزيد بن عثمان بن محمد بن أبي سفيان خال عثمان بن الوليد معهم ثم دخل
سليمان وعبد العزيز إلى دمشق ونزلا بعذراء واجتمع أمر أهل دمشق وبايعوا
567

يزيد بن الوليد وخرجوا إلى دمشق وحمص وأعطاهم يزيد العطاء وأجاز
الاشراف منهم معاوية بن يزيد بن الحصين والسمط بن ثابت وعمرو بن قيس
وابن حوى والصقر بن صفوان واستعمل معاوية بن يزيد بن حصين من أهل
حمص وأقام الباقون بدمشق ثم ساروا إلى أهل الأردن وفلسطين وقد قتل من
أهل حمص يومئذ ثلثمائة رجل (وفى هذه السنة) وثب أهل فلسطين والأردن
على عاملهم فقتلوه
ذكر الخبر عن أمرهم وأمر يزيد بن الوليد معهم
* حدثني أحمد عن علي بن محمد عن عمرو بن مروان الكلبي قال حدثني رجاء
ابن روح بن سلامة بن روح بن زنباع قال كان سعيد بن عبد الملك عاملا للوليد
على فلسطين وكان حسن السيرة وكان يزيد بن سليمان سيد ولد أبيه وكان ولد
سليمان بن عبد الملك ينزلون فلسطين فكان أهل فلسطين يحبونهم لجوارهم فلما
أتى قتل الوليد ورأس أهل فلسطين يومئذ سعيد بن روح بن زنباع كتب إلى
يزيد بن سليمان أن الخليفة قد قتل فاقدم علينا نولك أمرنا فجمع له سعيد قومه
وكتب إلى سعيد بن عبد الملك وهو يومئذ نازل بالسبع ارتحل عنا فان الامر قد
اضطرب وقد ولينا أمرنا رجلا قد رضينا أمره فخرج إلى يزيد بن الوليد فدعا يزيد
ابن سليمان أهل فلسطين إلى قتال يزيد بن الوليد وبلغ أهل الأردن أمرهم فولوا
عليهم محمد بن عبد الملك وأمر أهل فلسطين إلى سعيد بن روح وضبعان بن روح وبلغ
يزيد أمرهم فوجه إليهم سليمان بن هشام في أهل دمشق وأهل حمص الذين كانوا مع
السفياني قال على قال عمرو بن مروان حدثني محمد بن راشد الخزاعي أن أهل دمشق
كانوا أربعة وثمانين ألفا وسار إليهم سليمان بن هشام قال محمد بن راشد وكان سليمان
ابن هشام يرسلني إلى ضبعان وسعيد ابني روح وإلى الحكم وراشد ابني جرومن
بلقين فأعدهم وأمنيهم على الدخول في طاعة يزيد بن الوليد فأجابوا قال وحدثني
عثمان بن داود الخولاني قال وجهني يزيد بن الوليد ومعي حذيفة بن سعيد إلى
محمد بن عبد الملك ويزيد بن سليمان يدعوهما إلى طاعته ويعدهما ويمنيهما فبدأنا
568

بأهل الأردن ومحمد بن عبد الملك فاجتمع إليه جماعة منهم فكلمته فقال بعضهم
أصلح الله الأمير أقبل هذا الفتى أقيمت الصلاة فخلوت به فقلت إني رسول
يزيد إليك والله ما تركت ورائي راية تعقد إلا على رأس رجل من قومك ولا درهم
يخرج من بيت المال إلا في يد رجل منهم وهو يحمل لك كذا وكذا قال أنت
بذاك قلت نعم ثم خرجت فأتيت ضبعان بن روح فقلت له مثل ذلك وقلت له إنه
يوليك فلسطين ما بقى فأجابني فانصرفت فما أصبحت حتى رحل أهل فلسطين
* حدثني أحمد عن علي عن عمرو بن مروان الكلبي قال سمعت محمد بن سعيد بن
حسان الأردني قال كنت عينا ليزيد بن الوليد بالأردن فلما اجتمع له ما يريد ولانى
خراج الأردن فلما خالفوا يزيد بن الوليد أتيت سليمان بن هشام فسألته أن
يوجه معي خيلا فأشن الغارة على طبرية فأبى سليمان أن يوجه معي أحدا فخرجت
إلى يزيد بن الوليد فأخبرته الخبر فكتب إلى سليمان كتابا بخطه يأمره أن يوجه
معي ما أردت فأتيت به سليمان فوجه معي مسلم بن ذكوان في خمسة آلاف فخرجت
بهم ليلا حتى أنزلتهم البطيحة فتفرقوا في القرى وسرت أنا في طائفة منهم نحو
طبرية وكتبوا إلى عسكرهم فقال أهل طبرية على ما نقيم والجنود تجوس منازلنا
وتحكم في أهالينا ومضوا إلى حجرة يزيد بن سليمان ومحمد بن عبد الملك فانتهبوهما
وأخذوا دوابهما وسلاحهما ولحقوا بقراهم ومنازلهم فلما تفرق أهل فلسطين
والأردن خرج سليمان حتى أتى الصنبرة وأتاه أهل الأردن فبايعوا ليزيد بن
الوليد فلما كان يوم الجمعة وجه سليمان إلى طبرية وركب مركبا في البحيرة فجعل
يسايرهم حتى أتى طبرية فصلى بهم الجمعة وبايع من حضر ثم انصرف إلى عسكره
* حدثني أحمد قال حدثنا على عن عمرو بن مروان الكلبي قال حدثني عثمان بن داود
قال لما نزل سليمان الصنبرة أرسلني إلى يزيد بن الوليد وقال لي أعلمه أنك قد علمت جفاء
أهل فلسطين وقد كفى الله مؤنهم وقد أزمعت على أن أولى ابن سراقة فلسطين
والأسود بن بلال المحاربي الأردن فأتيت يزيد فقلت له ما أمرني به سليمان فقال
أخبرني كيف قلت لضبعان بن روح فأخبرته قال فما صنع قلت ارتحل بأهل
569

فلسطين وارتحل ابن جرو بأهل الأردن قبل أن يصبحنا قال فليس بأحق بالوفاء
منا ارجع فأمره أن لا ينصرف حتى ينزل الرملة فبايع أهلها وقد استعملت إبراهيم
ابن الوليد على الأردن وضبعان بن روح على فلسطين ومسرور بن الوليد على
قنسرين وابن الحصين على حمص ثم خطب يزيد بن الوليد بعد قتل الوليد فقال بعد حمد
الله والثناء عليه والصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أيها الناس إني والله ما خرجت
أشرا ولا بطرا ولا حرصا على الدنيا ولا رغبة في الملك وما بي اطراء نفسي إني لظلوم
لنفسي إن لم يرحمني ربى ولكني خرجت غضبا لله ورسوله ودينه داعيا إلى الله وكتابه
وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لما هدمت معالم الهدى وأطفئ نور أهل التقوى وظهر
الجبار العنيد المستحل لكل حرمة والراكب لكل بدعة مع أنه والله ما كان يصدق
بالكتاب ولا يؤمن بيوم الحساب وانه لابن عمى في الحسب وكفيي في النسب
فلما رأيت ذلك استخرت الله في أمره وسألته أن لا يكلني إلى نفسي ودعوت إلى
ذلك من أجابني من أهل ولايتي وسعيت فيه حتى أراح الله منه العباد والبلاد بحول
الله وقوته لا بحولي وقوتي أيها الناس إن لكم على أن لا أضع حجرا على حجر
ولا لبنة على لبنة ولا أكرى نهرا ولا أكثر ما لا ولا أعطيه زوجة ولا ولدا ولا
أنقل ما لا من بلدة إلى بلدة حتى أسد ثغر ذلك البلد وخصاصة أهله بما يغنيهم فان
فضل فضلة نقلته إلى البلد الذي يليه ممن هو أحوج إليه ولا أجمركم في ثغوركم
فأفتنكم وأفتن أهليكم ولا أغلق بابى دونكم فيأكل قويكم ضعيفكم ولا
أحمل على أهل جزيتكم ما يجليهم عن بلادهم ويقطع نسلهم وإن لكم أعطياتكم
عندي في كل سنة وأرزاقكم في كل شهر حتى تستدر المعيشة بين المسلمين فيكون
أقصاهم كأدناهم فان وفيت لكم بما قلت فعليكم السمع والطاعة وحسن المؤازرة
وإن انا لم أف فلكم ان تخلعوني إلا أن تستتيبوني فان تبت قبلتم منى فان علمتم
أحدا ممن يعرف بالصلاح يعطيكم من نفسه مثل ما أعطيتكم فأردتم ان تبايعوه
فانا أول من يبايعه ويدخل في طاعته أيها الناس ان لا طاعة لمخلوق في معصية
الخالق ولا وفاء له بنقض عهد انما الطاعة طاعة الله فأطيعوه بطاعة الله ما أطاع
570

فإذا عصى الله ودعا إلى المعصية فهو أهل ان يعصى ويقتل أقول قولي هذا
وأستغفر الله لي ولكم ثم دعا الناس إلى تجديد البيعة له فكان أول من بايعه الأفقم
يزيد بن هشام وبايعه قيس بن هانئ العبسي فقال يا أمير المؤمنين اتق الله ودم
على ما أنت عليه فما قام مقامك أحد من أهل بيتك وان قالوا عمر بن عبد العزيز
فأنت اخذتها بحبل صالح وان عمر اخذها بحبل سوء فبلغ مروان بن محمد قوله
فقال ما له قاتله الله ذمنا جميعا وذم عمر فلما ولى مروان بعث رجلا فقال إذا دخلت
مسجد دمشق فانظر قيس بن هانئ فإنه طال ما صلى فيه فاقتله فانطلق الرجل فدخل
مسجد دمشق فرأى قيسا يصلى فقتله (وفي هذه السنة) عزل يزيد بن الوليد
يوسف بن عمر عن العراق وولاها منصور بن جمهور
ذكر الخبر عن عزل يوسف بن عمر وولاية منصور بن جمهور
ولما استوثق ليزيد بن الوليد على الطاعة أهل الشأم ندب فيما قيل لولاية العراق
عبد العزيز بن هارون بن عبد الله بن دحية بن خليفة الكلبي فقال له عبد العزيز لو
كان معي جند لقبلت فتركه وولاها منصور بن جمهور * واما أبو مخنف فإنه قال
فيما ذكر هشام بن محمد عنه قتل الوليد بن يزيد بن عبد الملك يوم الأربعاء لليلتين
بقيتا من جمادى الآخرة سنة 126 وبايع الناس يزيد بن الوليد بن عبد الملك
بدمشق وسار منصور بن جمهور من البخراء في اليوم الذي قتل فيه الوليد بن
يزيد إلى العراق وهو سابع سبعة فبلغ خبره يوسف بن عمر فهرب وقدم
منصور بن جمهور الحيرة في أيام خلون من رجب فأخذ بيوت الأموال
فأخرج العطاء لأهل العطاء والأرزاق واستعمل حريث بن أبي الجهم على واسط
وكان عليها محمد بن نباتة فطرقه ليلا فحبسه وأوثقه واستعمل جرير بن يزيد بن
يزيد بن جرير على البصرة وأقام منصور وولى العمال وبايع ليزيد بن الوليد
بالعراق وفي كورها وقام بقية رجب وشعبان ورمضان وانصرف لأيام بقين
منه وأما غير أبى مخنف فإنه قال كان منصور بن جمهور أعرابيا جافيا غيلانيا ولم
يكن من أهل الدين وانما صار مع يزيد لرأيه في الغيلانية وحمية لقتل خالد فشهد
571

لذلك قتل الوليد فقال يزيد له ولما ولاه العراق قد وليتك العراق فسر إليه واتق الله
واعلم أنى إنما قتلت الوليد لفسقه ولما أظهر من الجور فلا ينبغي لك أن تركب مثل
ما قتلناه عليه فدخل على يزيد بن الوليد يزيد بن حجرة الغساني وكان دينا فاضلا
ذا قدر في أهل الشأم قد قاتل الوليد ديانة فقال يا أمير المؤمنين أوليت منصورا
العراق قال نعم لبلائه وحسن معونته قال يا أمير المؤمنين انه ليس هناك في اعرابيته
وجفائه في الدين قال فإذا لم أول منصورا في حسن معاونته فمن أولى قال تولى
رجلا من أهل الدين والصلاح والوقوف عند الشبهات والعلم بالأحكام والحدود
ومالي لا أرى أحدا من قيس يغشاك ولا يقف ببابك قال لولا أنه ليس من شأني
سفك الدماء لعاجلت قيسا فوالله ما عزت إلا ذل الاسلام ولما بلغ يوسف بن عمر
قتل الوليد جعل يعمد إلى من بحضرته من اليمانية فيلقيهم في السجون ثم جعل يخلو
بالرجل بعد الرجل من المضرية فيقول له ما عندك ان اضطرب حبل أو انفتق فتق
فيقول أنا رجل من أهل الشأم أبايع من بايعوا وأفعل ما فعلوا فلم ير عندهم ما يحب
فأطلق من في السجون من اليمانية وأرسل إلى الحجاج بن عبد الله البصري ومنصور
ابن نصير وكانا على خبر ما بينه وبين أهل الشأم فأمرهما بالكتاب إليه بالخبر
وجعل على طريق الشأم أرصادا وأقام بالحيرة وجلا وأقبل منصور حتى إذا كان
بالجمع كتب إلى سليمان بن سليم بن كيسان كتابا أما بعد فان الله لا يغير ما بقوم
حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوء فلا مرد له وان الوليد بن
يزيد بدل نعمة الله كفرا فسفك الدماء فسفك الله دمه وعجله إلى النار وولى
خلافته من هو خير منه وأحسن هديا يزيد بن الوليد وقد بايعه الناس وولى على
العراق الحارث بن العباس بن الوليد ووجهني العباس لآخذ يوسف وعماله
وقد نزل الأبيض ورائي على مرحلتين فخذ يوسف وعماله لا يفوتنك منهم
أحد فاحبسهم قبلك وإياك أن تخالف فيحل بك وبأهل بيتك ما لا قبل لك
به فاختر لنفسك أودع وقيل إنه لما كان بعين التمر كتب إلى من بالحيرة من
قواد أهل الشأم يخبرهم بقتل الوليد ويأمرهم بأخذ يوسف وعماله وبعث بالكتب
572

كلها إلى سليمان بن سليم بن كيسان وأمره أن يفرقها على القواد فأمسكها
سليمان ودخل على يوسف فأقرأه كتاب منصور إليه فبعل به قال حريث بن أبي
الجهم كان مكثي بواسط فما شعرت إلا بكتاب منصور بن جمهور وقد جاءني أن
آخذ عمال يوسف فكنت أتولى أمره بواسط فجمعت موالى وأصحابي فركبنا نحوا
من ثلاثين رجلا في السلاح فأتينا المدينة فقال البوابون من أنت قلت حريث بن أبي
الجهم قالوا نقسم بالله ما جاء بحريث إلا أمر مهم ففتحوا الباب فدخلنا فأخذنا
العامل فاستسلم فأصبحنا فأخذنا البيعة من الناس ليزيد بن الوليد قال وذكر عمر
ابن شجرة أن عمرو بن محمد بن القاسم كان على السند فأخذ محمد بن غزان أو عزان
الكلبي فضربه وبعث به إلى يوسف فضربه وألزمه ما لا عظيما يؤدى منه في كل جمعة
نجما وإن لم يفعل ضرب خمسة وعشرين سوطا فجفت يده وبعض أصابعه فلما ولى
منصور بن جمهور العراق ولاه السند وسجستان فأتى سجستان فبايع ليزيد ثم
سار إلى السند فأخذ عمرو بن محمد فأوثقه وأمر به حرسا يحرسونه وقام إلى الصلاة
فتناول عمرو سيفا مع الحرس فاتكأ عليه مسلولا حتى خالط جوفه وتصايح الناس
فخرج ابن غزان فقال ما دعاك إلى ما صنعت قال خفت العذاب قال ما كنت
أبلغ منك ما بلغته من نفسك فلبث ثلاثا ثم مات وبايع ابن غزان ليزيد فقال
يوسف بن عمر لسليمان بن سليم بن كيسان الكلبي حين أقرأه كتاب منصور بن
جمهور ما الرأي قال ليس لك إمام تقاتل معه ولا يقاتل أهل الشأم الحارث بن
العباس معك ولا آمن عليك منصور بن جمهور إن قدم عليك وما الرأي إلا أن
تلحق بشأمك قال هو رأيي فكيف الحيلة قال تظهر الطاعة ليزيد وتدعو له في
خطتك فإذا قرب منصور وجهت معك من أثق به فلما نزل منصور بحيث يصبح
الناس البلد خرج يوسف إلى منزل سليمان بن سليم فأقام به ثلاثا ثم وجه معه من
أخذ به طريق السماوة حتى صار إلى البلقاء (وقد قيل) إن سليمان قال تستخفي
وتدع منصورا والعمل قال فعند من قال عندي وأضعك في ثقة ثم مضى سليمان
إلى عمرو بن محمد بن سعيد بن العاص فأخبره بالامر وسأله أن يؤوى يوسف وقال
573

أنت امرو من قريش وأخوالك بكر بن وائل فآواه قال عمرو فلم أر رجلا كان
مثل عتوه رعب رعبه أتيته بجارية نفيسة وقلت تدفئه وتطيب بنفسه فوالله ما قربها
ولا نظر إليها ثم أرسل إلى يوما فأتيته فقال قد أحسنت وأجملت وقد بقيت لي
حاجة قلت هاتها قال تخرجني من الكوفة إلى الشأم قلت نعم وصبحنا منصور بن
جمهور فذكر الوليد فعابه وذكر يزيد بن الوليد فقرضه وذكر يوسف وجوره
وقامت الخطباء فشعثوا من الوليد ويوسف فأتيته فأقصصت قصتهم فجعلت
لا أذكر رجلا ممن ذكره بسوء إلا قال لله على أن أضربه مائة سوط مائتي سوط
ثلثمائة سوط فجعلت أتعجب من طمعه في الولاية بعد وتهدده الناس فتركه سليمان
ابن سليم ثم أرسله إلى الشأم فاختفى بها ثم تحول إلى البلقاء ذكر علي بن محمد أن
يوسف بن عمر وجه رجلا من بنى كلاب في خمسمائة وقال لهم إن مر بكم يزيد بن
الوليد فلا تدعنه يجوز فأتاهم منصور بن جمهور في ثلاثين فلم يهايجوه فانتزع سلاحهم
منهم وأدخلهم الكوفة قال ولم يخرج مع يوسف من الكوفة إلا سفيان بن سلامة
ابن سليم بن كيسان وغسان بن قعاس العذري ومعه من ولده لصلبه ستون بين ذكر
وأنثى ودخل منصور الكوفة لأيام خلون من رجب فأخذ بيوت الأموال وأخرج
العطاء والأرزاق وأطلق من في سجون يوسف من العمال وأهل الخراج قال فلما
بلغ يوسف البلقاء حينئذ بلغ خبره إلى يزيد بن الوليد * فحدثني أحمد بن زهير قال
حدثنا عبد الوهاب بن إبراهيم بن يزيد بن هريم قال حدثنا أبو هاشم مخلد بن محمد
ابن صالح مولى عثمان بن عفان قال سمعت محمد بن سعيد الكلبي وكان من قواد يزيد
ابن الوليد يقول إن يزيد وجهه في طلب يوسف بن عمر حيث بلغه أنه في أهله
بالبلقاء قال فخرجت في خمسين فارسا أو أكثر حتى أحطت بداره بالبلقاء فلم نزل
نفتش فلم نر شيئا وكان يوسف قد لبس لبسة النساء وجلس مع نسائه وبناته ففتشهن
فظفر به مع النساء فجاء به في وثاق فحبسه في السجن مع الغلامين ابني الوليد فكان
في الحبس ولاية يزيد كلها وشهرين وعشرة أيام من ولاية إبراهيم فلما قدم مروان
الشأم وقرب من دمشق ولى قتلهم يزيد بن خالد فأرسل يزيد مولى خالد يكنى
574

أبا الأسد في عدة من أصحابه فدخل السجن لشدخ الغلامين بالعمد وأخرج يوسف
ابن عمر فضرب عنقه وقيل إن يزيد بن الوليد لما بلغه مصير يوسف إلى البلقاء
وجه إليه خمسين فارسا فعرض له رجل من بنى نمير فقال يا ابن عم أنت والله
مقتول فأطعني وامتنع وائذن لي حتى أنتزعك من أيادي هؤلاء قال لا قال فدعني
أقتلك أنا ولا يقتلك هذه اليمانية فتغيظنا بقتلك قال مالي في واحدة مما عرضت
على خيار قال فأنت أعلم ومضوا به إلى يزيد فقال ما أقدمك قال قدم منصور بن
جمهور واليا فتركته والعمل قال لا ولكنك كرهت أن تلى لي فأمر بحبسه وقيل
إن يزيد دعا مسلم بن ذكوان ومحمد بن سعيد بن مطرف الكلبي فقال لهما إنه بلغني
أن الفاسق يوسف بن عمر قد صار إلى البلقاء فانطلقا فأتياني به فطلباه فلم يجداه
فرهبا ابنا له فقال أنا أدلكما عليه فقال إنه انطلق إلى مزرعة له على ثلاثين ميلا
فأخذا معهما خمسين رجلا من جند البلقاء فوجدوا أثره وكان جالسا فلما أحس
بهم هرب وترك نعليه ففتشا فوجداه بين نسوة قد ألقين عليه قطيفة خز وجلسن
على حواشيها حاسرات فجروا برجله فجعل يطلب إلى محمد بن سعيد أن يرضى عنه
كلبا ويدفع عشرة آلاف دينار ودية كلثوم بن عمير وهانئ بن بشر فأقبلا إلى
يزيد فلقيه عامل لسليمان على نوبة من نوائب الحرس فأخذ بلحيته فهزها ونتف
بعضها وكان من أعظم الناس لحية وأصغرهم قامة فأدخلاه على يزيد فقبض على
لحية نفسه وإنها حينئذ لتجوز سرته وجعل يقول نتف والله يا أمير المؤمنين لحيتي فما بقى
فيها شعرة فأمر به يزيد فحبس في الخضراء فدخل عليه محمد بن راشد فقال له أما
تخاف أن يطلع عليك بعض من قد وترت فيلقى عليك حجرا فقال لا والله ما فطنت
إلى هذا فنشدتك الله إلا كلمت أمير المؤمنين في تحويلي إلى مجلس غير هذا وإن
كان أضيق منه قال فأخبرت يزيد فقال ما غاب عنك من حمقه أكثر وما حبسته إلا
لأوجهه إلى العراق فيقام للناس ويؤخذ المظالم من ماله ودمه ولما قتل يزيد بن
الوليد الوليد بن يزيد ووجه منصور بن جمهور إلى العراق كتب يزيد بن الوليد
إلى أهل العراق كتابا فيه مساوى الوليد فكان مما كتب به فيما حدثني أحمد بن زهير
575

عن علي بن محمد ان الله اختار الاسلام دينا وارتضاه وطهره وافترض فيه حقوقا
أمر بها ونهى عن أمور حرمها ابتلاء لعباده في طاعتهم ومعصيتهم فأكمل فيه كل
منقبة خير وجسيم فضل ثم تولاه فكان له حافظا ولأهله المقيمين حدوده وليا
يحوطهم ويعرفهم بفضل الاسلام فلم يكرم الله بالخلافة أحدا يأخذ بأمر الله وينتهى
إليه فيناوئه أحد بميثاق أو بحلول صرف ما حباه الله به أو ينكث ناكث إلا كان
كيده إلا وهن ومكره إلا بور حتى يتم الله ما أعطاه ويدخر له أجره ومثوبته ويجعل
عدوه الاضل سبيلا الاخسر عملا فتناسخت خلفاء الله ولاة دينه قاضين فيه بحكمه
متبعين فيه لكتابه فكانت لهم بذلك من ولايته ونصرته ما تمت به النعم عليهم قد
رضى الله بهم لها حتى توفى هشام ثم أفضى الامر إلى عدو الله الوليد المنتهك
للمحارم التي لا يأتي مثلها مسلم ولا يقدم عليها كافر تكرما عن غشيان مثلها فلما
استفاض ذلك منه واستعلن واشتد فيه البلاء وسفك فيه الدماء وأخذت الأموال
بغير حقها مع أمور فاحشة لم يكن الله ليخلى العاملين بها إلا قليلا سرت إليه مع
انتظار مراجعته واعذار إلى الله وإلى المسلمين منكرا لعمله وما اجترأ عليه من
معاصي الله متوخيا من الله اتمام الذي نويت من اعتدال عمود الدين والاخذ في
أهله بما هو رضى حتى أتيت جندا وقد وغرت صدورهم على عدو الله لما رأوا من
عمله فإن عدو الله لم يكن يرى من شرائع الاسلام شيئا إلا أراد تبديله والعمل فيه
بغير ما أنزل الله وكان ذلك منه شائعا شاملا عريان لم يجعل الله فيه سترا ولا لاحد
فيه شكا فذكرت لهم الذي نقمت وخفت من فساد الدين والدنيا وحضضتهم على
تلافى دينهم والمحاماة عنه وهم في ذلك مستريبون قد خافوا أن يكونوا قد أبقوا
لأنفسهم بما قاموا عليه إلى أن دعوتهم إلى تغييره فأسرعوا الإجابة فابتعث الله
منهم بعثا يخبرهم من أولى الدين والرضى وبعثت عليهم عبد العزيز بن الحجاج بن
عبد الملك حتى لقى عدو الله إلى جانب قرية يقال لها البخراء فدعوه إلى أن يكون
الامر شورى ينظر المسلمون لأنفسهم من يقلدونه ممن اتفقوا عليه فلم يجب عدو
الله إلى ذلك وأبى إلا تتابعا في ضلالته فبدرهم الحملة جهالة بالله فوجد الله عزيزا
576

حكيما وأخذه أليما شديدا فقتله الله على سوء عمله وعصبته ممن صاحبوه من بطانته
الخبيثة لا يبلغون عشرة ودخل من كان معه سواهم في الحق الذي دعوا إليه فأطفأ
الله جمرته وأراح العباد منه فبعدا له ولمن كان على طريقته أحببت أن أعلمكم ذلك
وأعجل به إليكم لتحمدوا الله وتشكروه فإنكم قد أصبحتم اليوم على أمثل حالكم إذ
ولا تكم خياركم والعدل مبسوط لك لا يسار فيكم بخلافه فأكثروا على ذلك حمد
ربكم وتابعوا منصور بن جمهور فقد ارتضيته لكم على أن عليكم عهد الله وميثاقه
وأعظم ما عهد وعقد على أحد من خلقه لتسمعن وتطيعن لي ولمن استخلفته
من بعدي ممن اتفقت عليه الأمة ولكم على مثل ذلك لأعملن فيكم بأمر الله وسنة
نبيه صلى الله عليه وسلم واتبع سبيل من سلف من خياركم نسأل الله ربنا وولينا
أحسن توفيقه وخير قضائه (وفي هذه السنة) امتنع نصر بن سيار بخراسان من
تسليم عمله لعامل منصور بن جمهور وقد كان يزيد بن الوليد ولاها منصورا مع
العراق (قال أبو جعفر) قد ذكرت قبل من خبر نصر وما كان من كتاب يوسف
ابن عمر إليه بالمصير إليه مع هدايا الوليد بن يزيد وشخوص نصر من خراسان
متوجها إلى العراق وتباطئه في سفره حتى قدم عليه الخبر بقتل الوليد فذكر على
ابن محمد أن الباهلي أخبره قال قدم على نصر بشر بن نافع مولى سالم الليثي وكان
على سكك العراق قال أقبل منصور بن جمهور أميرا على العراق وهرب يوسف
ابن عمر فوجه منصور أخاه منظور بن جمهور على الري فأقبلت مع منظور إلى
الري وقلت أقدم على نصر فأخبره فلما صرت بنيسابور حبسني حميد مولى نصر
وقال لن تجاوزني أو تخبرني فأخبرته وأخذت عليه عهد الله وميثاقه ألا يخبر أحدا
حتى أقدم على نصر فأخبره ففعل فأقبلنا جميعا حتى قدمنا على نصر وهو بقصره
بما جان فاستأذنا فقال خصى له هو نائم فألححنا عليه فانطلق فأعلمه فخرج نصر حتى
قبض على يدي وأدخلني فلم يكلمني حتى صرت في البيت فساءلني فأخبرته فقال
لحميد مولاه انطلق به فأته بجائزة ثم أتاني يونس بن عبد ربه وعبيد الله بن؟ سام
فأخبرتهما وأتاني سلم بن أحوز فأخبرته قال وكان الوليد بن يوسف عند نصر فأفره
577

حين بلغه الخبر فأرسل إلى فلما أخبرتهم كذبوني فقلت استوثق من هؤلاء فلما
مضت ثلاث على ذلك جعل على ثمانين رجلا حرسا فأبطأ الخبر على ما كنت قدرت
فلما كانت الليلة التاسعة وكانت ليلة نوروز جاءهم الخبر على ما وصفت فصرف إلى
عامة تلك الهدايا وأمر لي ببرذون بسرجه ولجامه وأعطاني سرجا صينيا وقال لي
أقم حتى أعطيك تمام مائة ألف قال فلما تيقن نصر قتل الوليد رد تلك الهدايا وأعتق
الرقيق وقسم روقة الجواري في ولده وخاصته وقسم تلك الآنية في عوام الناس
ووجه العمال وأمرهم بحسن السيرة قال وأرجفت الأزد في خراسان أن
منظور بن جمهور قادم خراسان فخطب نصر فقال في خطبته إن جاءنا أمير ظنين
قطعنا يديه ورجليه ثم باح به بعد فكان يقول عبد الله المخذول المبتور قال وولى
نصر ربيعة واليمن وولى يعقوب بن يحيى بن حضين على أعلى طخارستان ومسعدة
ابن عبد الله اليشكري على خوارزم وهو الذي يقول فيه خلف
أقول لأصحابي معا دون كردر * * * لمسعدة البكري غيث الأرامل
ثم أتبعه بأبان بن الحكم الزهراني واستعمل المغيرة بن شيعة الجهضمي على
قهستان وأمرهم بحسن السيرة فدعا الناس إلى البيعة فبايعوا فقال في ذلك
أقول لنصر وبايعته * * * على جل بكر وأحلافها
يدي لك رهن ببكر العرا * * * ق سيدها وابن وصافها
أخذت الوثيقة للمسلمين * لأهل البلاد وآلافها
إذا لا تجيب إلى ما تري‍د * أتتك الرقال بأخفافها
دعوت الجنود إلى بيعة * فأنصفتها كل إنصافها
وطدت خراسان للمسلمي‍ن * إن الأرض همت بأرجافها
وإن جمعت ألفة المسلمي‍ن * صرفت الضراب لالافها
أجار وسلم أهل البلا * * * د والنازلين بأطرافها
فصرت على الجند بالمشرقي‍ن * لقوحا لهم در أحلافها
فنحن على ذك حتى تبي‍ن * مناهج سبل لعرافها
578

وحتى تبوح قريش بما * تجن ضمائر أجوافها
فأقسمت للمعبرات الرتان * للغزو أوفى لاصوافها
إلى ما تؤدى قريش البطاح * أحلافها بعد أشرافها
فإن كان من عز بز؟؟ الضعي‍ف * ضربنا الخيول بأعرافها
وجدنا العلائف أنى يكون * يحمى أوارى أعلافها
إذا ما تشارك فيه كبت * خواصرها بعد إخطافها
فنحن على عهدنا نستدي‍م * قريشا ونرضى بأحلافها
سنرضى بظلك كنا لها * وظلك من ظل أكنافها
لعل قريشا إذا ناضلت * تقرطس... في أهدافها
وتلبس أغشية بالعراق * رمت دلو شرق بحطافها
وللأسد منا وإن الأسود * لها لبد فوق أكتافها
فإن جاذرت تلفا في النفار * فالدهر أدنى لاتلافها
فقد ثبتت بك أقدامنا * إذا انهار منهار أجرافها
وجدناك برا رؤفا بنا * كرأفة أم وإلطافها
ولم تك بيعتنا خلسة * لأسرع نسفة خطافها
نكاح التي أسرعت بالحلي‍ل * قبل تخضت أطرافها
فكشفها البعل قبل الصداق * فاستقبلته بمعتافها
قال وكان نصر ولى عبد الملك بن عبد الله السلمي خوارزم فكان يخطبهم
ويقول في خطبته ما أنا بالأعرابي الجلف ولا الفزاري المستنبط ولقد كرمتني
الأمور وكرمتها أم والله لأضعن السيف موضعه والسوط موضعه والسجن
مدخله ولتجدني غشمشما أغشى الشجر ولتستقيمن لي على الطريقة رقص البكارة
في السنن الأعظم أو لأصكنكم صك القطامي القارب يصكهن جانبا فجانبا قال
فقدم رجل من بلقين خراسان وجهه منصور بن جمهور فأخذه مولى لنصر يقال
له حميد كان على سكك بنيسابور فضربه وكسر أنفه؟؟ فشكاه إلى نصر فأمر له نصر
579

بعشرين ألفا وكساه وقال إن الذي كسر أنفك مولى لي وليس بكفء فأقصك
منه فلا تقل إلا خيرا قال عصمة بن عبد الله الأسدي يا أخا بلقين أخبر من تأتى
أنا قد أعددنا قيسا لربيعة وتميما للأزد وبقيت كنانة ليس لها من يكافئها فقال
نصر كلما أصلحت أمرا أفسدتموه قال أبو زيد عمر بن شبة حدثني أحمد بن معاوية
عن أبي الخطاب قال قدم قدامة بن مصعب العبدي ورجل من كندة على نصر
ابن سيار من قبل منصور بن جمهور فقال أمات أمير المؤمنين قالا نعم قال وولى
منصور بن جمهور وهرب يوسف بن عمر عن سرير العراق قالا نعم قال إنا بجمهوركم
من الكافرين ثم حبسهما ووسع عليهما ووجه رجلا حتى أتى فرأى منصورا
يخطب بالكوفة فأخرجهما وقال لقدامة أوليكم رجل من كلب قال نعم إنما نحن
بين قيس واليمن قال فكيف لا يولاها رجل منكم قال لأنا كما قال الشاعر
إذا ما خشينا من أمير ظلامة * * * دعونا أبا غسان يوما فعسكرا
فضحك نصر وضمه إليه قال ولما قدم منصور بن جمهور العراق ولى عبيد الله
ابن العباس الكوفة أو وجده واليا عليها فأقره وولى شرطته ثمامة بن حوشب
ثم عزله وولى الحجاج بن أرطاة النخعي (وفى هذه السنة) كتب مروان بن
محمد إلى الغمر بن يزيد أخي الوليد بن يزيد يأمره بدم أخيه الوليد
ذكر نسخة ذلك الكتاب الذي كتب إليه
* حدثني أحمد عن علي قال كتب مروان إلى الغمر بن يزيد بعد قتل
الوليد أما بعد فان هذه الخلافة من الله على مناهج نبوة رسله وإقامة
شرائع دينه أكرمهم الله بما قلدهم يعزهم ويعز من يعزهم والحين على من ناوأهم
فابتغى غير سبيلهم فلم يزالوا أهل رعاية لما استودعهم الله منها يقوم
بحقها ناهض بعد ناهض بأنصار لها من المسلمين وكان أهل الشأم أحسن
خلقه فيه طاعة وأذبه عن حرمه وأوفاه بعهده وأشده نكاية في مارق مخالف
ناكث ناكب عن الحق فاستدرت نعمة الله عليهم قد عمر بهم الاسلام وكبت
بهم الشرك وأهله وقد نكثوا أمر الله وحاولوا نكث العهود وقام بذلك من
580

أشعل ضرامها وإن كانت القلوب عنه نافرة والمطلوبون بدم الخليفة ولاية من
بنى أمية فإن دمه غير ضائع وإن سكنت بهم الفتنة والتأمت الأمور فأمر أراده
الله لا مرد له قد كتبت بحالك فيما أبرموا وما ترى فانى مطرق إلى أن أرى غيرا
فأسطو بانتقام وأنتقم لدين الله المتبول وفرائضه المتروكة مجانة ومعي قوم أسكن
الله طاعتي قلوبهم أهل إقدام إلى ما قدمت بهم عليه ولهم نظر إذ صدورهم مترعة
ممتلئة لو يجدون منزعا وللنقمة دولة تأتى من الله ووقت موكل ولم أشبه محمدا
ولا مروان غير أن رأيت غيرا إن لم أشمر للقدرية إزاري وأضربهم بسيفي
جارحا وطاعنا يرمى قضاء الله في ذلك حيث أخذ أو يرمى في عقوبة الله حيث
بلغ منهم فيها رضاه وما إطراقي إلا لما أنتظر مما يأتيني عنك فلا تهن عن ثأرك
بأخيك فان الله جارك وكافيك وكفى بالله طالبا ونصيرا * حدثني أحمد عن علي
عن عمرو بن مروان الكلبي عن مسلم بن ذكوان قال كلم يزيد بن الوليد العباس
ابن الوليد في طفيل بن حارثة الكلبي وقال إنه حمل حمالة فان رأيت أن تكتب
إلى مروان بن محمد في الوصاة به وأن يأذن له أن يسأل عشيرته فيها وكان مروان
يمنع الناس أن يسألوا شيئا من ذلك عند العطاء فأجابه وحمله على البريد وكان
كتاب العباس ينفذ في الآفاق بكل ما يكتب به فكتب يزيد إلى مروان أنه اشترى
من أبى عبيدة بن الوليد ضيعة بثمانية عشر ألف دينار وقد احتاج إلى أربعة آلاف
دينار قال مسلم بن ذكوان فدعاني يزيد وقال انطلق مع طفيل بهذه الكتب وكلمه
في هذا الامر قال فخرجنا ولم يعلم العباس بخروجي فلما قدمنا خلاط لقينا عمرو
ابن حارثة الكلبي فسألنا عن حالنا فأخبرناه فقال كذبتم إن لكما ولمروان لقصة
قلنا وما ذاك قال أخلاني حين أردت الخروج وقال لي جماعة أهل المزة يكونون
ألفا قلت وأكثر قال وكم بينها وبين دمشق قلت يسمعهم المنادى قال كم ترى عدة
بنى عامر يعنى بنى عامر من كلب قلت عشرون ألف رجل فحرك أصبعه ولوى
وجهه قال مسلم فلما سمعت ذلك طمعت في مروان وكتبت إليه على لسان يزيد
أما بعد فإنني وجهت إليك ابن ذكوان مولاي بما سيذكره لك وينهيه إليك
581

فألق إليه ما أحببت فإنه من خيار أهلي وثقات موالى وهو شعب حصين ووعاء
أمين إن شاء الله فقدمنا على مروان فدفع طفيل كتاب العباس إلى الحاجب
وأخبره أن معه كتاب يزيد بن الوليد فقرأه فخرج الحاجب وقال أما معك كتاب
غير هذا ولا أوصاك بشئ قلت لا ولكني معي مسلم بن ذكوان فدخل فأخبره
فخرج الحاجب فقال مر مولاه بالرواح قال مسلم فانصرفت فلما حضرت المغرب
أتيت المقصورة فلما صلى مروان انصرفت لأعيد الصلاة ولم أكن أعتد بصلاته
فلما استويت قائما جاءني خصى فلما نظر إلى انصرف وأوجزت الصلاة فلحقته
فأدخلني على مروان وهو في بيت من بيوت النساء فسلمت وجلست فقال من
أنت فقلت مسلم بن ذكوان مولى يزيد قال مولى عتاقة أو مولى تباعة قلت مولى
عتاقة قال ذاك أفضل وفي كل ذلك فضل فاذكر ما بدالك قلت إن رأى الأمير أن
يجعل لي الأمان على ما قلته أو أفقه في ذلك أو أخالفه فأعطاني ما أردت فحمدت
الله وصليت على نبيه ووصفت ما أكرم الله به مروان من الخلافة ورضا العامة
بهم وكيف نقض الوليد العرى وأفسد قلوب الناس وذمته العامة وذكرت
حاله كلها فلما فرغت تكلم فوالله ما حمد الله ولا تشهد وقال قد سمعت ما قلت قد
أحسنت وأصبت ولنعم الرأي رأى يزيد فأشهد الله أنى قد بايعته أبذل في هذا
الامر نفسي ومالي لا أريد بذلك إلا ما عند الله والله ما أصبحت أستزيد الوليد
لقد وصل وفوض وأشرك في ملكه ولكني أشهد أنه لا يؤمن بيوم الحساب
وسألني عن أمر يزيد فكبرت الامر وعظمته فقال اكتم أمرك وقد قضيت
حاجة صاحبك وكفيته أمر حمالته وأمرت له بألف درهم فأقمت أياما ثم دعاني
ذات يوم نصف النهار ثم قال الحق بصاحبك وقل له سددك الله امض على أمر الله
فإنك بعين الله وكتب جواب كتابي وقال لي إن قدرت أن تطوى أو تطير فطر
فإنه يخرج بالجزيرة إلى ست ليال أو سبع خارجة وقد خفت أن يطول أمرهم
فلا تقدر أن تجوز قلت وما علم الأمير بذلك فضحك وقال ليس من أهل هوى
إلا وقد أعطيتهم الرضا حتى أخبروني بذات أنفسهم فقلت في نفسي أنا واحد
582

من أولئك ثم قلت لئن فعلت ذلك أصلحك الله إنه قيل لخالد بن يزيد بن معاوية
إني أصبت هذا العلم قال وافقت الرجال على أهوائهم ودخلت معهم في
آرائهم حتى بذلوا لي ما عندهم وأفضوا لي بذات أنفسهم فودعته وخرجت فلما
كنت بآمد لقيت البرد تتبع بعضها بعضا بقتل الوليد وإذا عبد الملك بن مروان
قد وثب على عامل الوليد بالجزيرة فأخرجه منها ووضع الأرصاد على الطريق فتركت البرد واستأجرت دابة ودليلا فقدمت على يزيد بن الوليد (وفى هذه
السنة) عزل يزيد بن الوليد منصور بن جمهور عن العراق وولاها عبد الله
ابن عمر بن عبد العزيز بن مروان
ذكر الخبر عن ذلك
ذكر عن يزيد بن الوليد أنه قال لعبد الله بن عمر بن عبد العزيز إن أهل العراق
يميلون إلى أبيك فسر إليهم فقد وليتكها * فذكر عن أبي عبيدة قال كان عبد الله بن
عمر متألها متألما فقدم حين شخص إلى العراق بين يديه رسلا وكتبا إلى قوام الشأم
الذي بالعراق وخاف أن لا يسلم له منصور بن جمهور العمل فانقاد له كلهم
وسلم له منصور بن جمهور وانصرف إلى الشأم ففرق عبد الله بن عمر عماله
في الأعمال وأعطى الناس أرزاقهم وأعطياتهم فنازعه قواد أهل الشأم وقالوا
تقسم على هؤلاء فيئنا وهم عدونا فقال عبد الله لأهل العراق إني قد أردت أن
أرد فيئكم عليكم وعلمت أنكم أحق به فنازعني هؤلاء فأنكروا على فخرج
أهل الكوفة إلى الجبانة وتجمعوا فأرسل إليهم قواد أهل الشأم يعتذرون
وينكرون ويحلفون أنهم لم يقولوا شيئا مما بلغهم وثار غوغاء الناس من
الفريقين فتناوشوا وأصيب منهم رهط لم يعرفوا وعبد الله بن عمر بالحيرة
وعبيد الله بن العباس الكندي بالكوفة قد كان منصور بن جمهور استخلفه
عليها وأراد أهل الكوفة إخراجه من القصر فأرسل إلى عمر بن الغضبان بن
القبعثري فأتاه فنحى الناس عنه وسكنهم وزجرهم حتى تجاوزوا وأمن بعضهم
بعضا وبلغ ذلك عبد الله بن عمر فأرسل إلى ابن الغضبان فكساه وحمله وأحسن
583

جائزته وولاه شرطه وخراج السواد والمحاسبات وأمره أن يفرض لقومه
ففرض في ستين وفى سبعين (وفى هذه السنة) وقع الاختلاف في خراسان بين
اليمانية والنزارية وأظهر الكرماني فيها الخلاف لنصر بن سيار واجتمع مع كل
واحد منهما جماعة لنصرته
ذكر الخبر عما كان بينهما من ذلك وعن السبب الذي أحدث ذلك
ذكر علي بن محمد عن شيوخه أن عبد الله بن عمر لما قدم العراق واليا
عليها من قبل يزيد بن الوليد كتب إلى نصر بعهده على خراسان قال ويقال بل أتاه
كتابه بعد خروج الكرماني من حبس نصر فقال المنجمون لنصر إن خراسان
سيكون بها فتنة فامر نصر برفع حاصل بيت المال وأعطى الناس بعض أعطياتهم
ورقا وذهبا من الآنية التي كان اتخذها للوليد بن يزيد وكان أول من تكلم رجل
من كندة أفوه طوال فقال العطاء العطاء فلما كانت الجمعة الثانية أمر نصر رجالا
من الحرس فلبسوا السلاح وفرقهم في المسجد مخافة أن يتكلم متكلم فقام الكندي
فقال العطاء العطاء فقام رجل مولى للأزد وكان يلقب أبا الشياطين فتكلم وقام
حماد الصائغ وأبو السليل البكري فقالا العطاء العطاء فقال نصر إياي والمعصية
عليكم بالطاعة والجماعة فاتقوا الله واسمعوا ما توعظون به فصعد سلم بن أحوز
إلى نصر وهو على المنبر فكلمه فقال ما يغنى عنا كلامك هذا شيئا ووثب أهل
السوق إلى أسواقهم فغضب نصر وقال ما لكم عندي عطاء بعد يومكم هذا ثم قال
كأني بالرجل منكم قد قام إلى أخيه وابن عمه فلطم وجهه في جمل يهدى له وثوب
يكساه ويقول مولاي وظئري وكأني بهم قد نبغ من تحت أرجلهم شر لا يطاق
وكأني بكم مطرحين في الأسواق كالجزر المنحورة إنه لم تطل ولاية رجل
إلا ملوها وأنتم يا أهل خراسان مسلحة في نحور العدو فإياكم أن يختلف فيكم
سيفان قال على قال عبد الله بن المبارك قال نصر في خطبته إني لمكفر ومع
ذاك لمظلم وعسى أن يكون ذلك خيرا لي إنكم ترشون أمرا تريدون فيه الفتنة
ولا أبقى الله عليكم والله لقد نشرتكم وطويتكم وطويتكم ونشرتكم فما عندي منكم
584

عشرة وإني وإياكم كما قال من كان قبلكم
استمسكوا أصحابنا نحدو بكم * فقد عرفنا خيركم وشركم
فاتقوا الله فوالله لئن اختلف فيكم سيفان ليتمنين الرجل منكم أنه يخلع
من ماله وولده ولم يكن رآه يا أهل خراسان إنكم غمطتم الجماعة وركنتم إلى الفرقة
أسلطان المجهول تريدون وتنتظرون ان فيه لهلاككم معشر العرب وتمثل
بقول النابغة الذبياني:
فإن يغلب شقاؤكم عليكم * فإني في صلاحكم سعيت
قال الحارث بن عبد الله بن الحشرج بن المغيرة بن الورد الجعدي:
أبيت أرعى النجوم مرتفقا * إذا استقلت تجرى أوائلها
من فتنة أصبحت مجللة * قد عم أهل الصلاة شاملها
من بخراسان والعراق ومن * بالشام كل شجاه شاغلها
فالناس منها في لون مظلمة * دهماء ملتجة غياطلها
يمسى السفيه الذي يعنف بال‍ * جهل سواء فيها وعاقلها
والناس في كربة يكاد لها * تنبذ أولادها حواملها
يغدون منها في كل مبهمة * عمياء تمنى لهم غوائلها
لا ينظر الناس في عواقبها * إلا التي لا يبين قائلها
كرغوة البكر أو كصيحة حبلي * طرقت حولها قوابلها
فجاء فينا أزرى بوجهته * فيها خطوب حمر زلازلها
قال فلما أتى نصرا عهده من قبل عبد الله بن عمر قال الكرماني لأصحابه
الناس في فتنة فانظروا في أموركم رجلا وإنما سمى الكرماني لأنه ولد بكرمان
واسمه جديع بن علي بن شبيب بن براري بن صنيم المعنى فقالوا أنت لنا فقالت
المضرية لنصر الكرماني يفسد عليك فأرسل إليه فاقتله قال لا ولكن لي أولاد
ذكور وإناث فأزوج بنى من بناته وبنيه من بناتي قالوا لا قال فأبعث إليه بمائة
ألف درهم فإنه بخيل ولا يعطى أصحابه شيئا ويعلمون بها فيتفرقون عنه قالوا لا هذه قوة
585

له قال فدعوه على حاله يتقينا ونتقيه قالوا فأرسل إليه فاحبسه قال وبلغ نصرا أن
الكرماني يقول كانت غايتي في طاعة بنى مروان أن تقلدني السيوف فأطلب بثأري
بنى المهلب مع ما لقينا من نصر وجفائه وطول حرمانه ومكافأته إيانا بما كان من
صنيع أسد إليه فقال له عصمة بن عبد الله الأسدي إنها بدء فتنة فتجن عليه
فاحشة وأظهر أنه مخالف واضرب عنقه وعنق سباع بن النعمان الأزدي والفرافصة
ابن ظهير البكري فإنه لم يزل متعصبا على الله بتفضله على مضر وبتفضله على
ربيعة كان بخراسان وقال جميل بن النعمان إنك قد شرفته وإن كرهت قتله
فادفعه إلى أقتله وقيل إنما غضب عليه في مكاتبته بكر بن فراس البهراني
عامل جرجان يعلمه حال منصور بن جمهور وحيث بعث عهد الكرماني مع أبي
الزعفران مولى أسد بن عبد الله فطلبه نصر فلم يقدر عليه والذي كتب إلى الكرماني
بقتل الوليد وقدوم منصور بن جمهور على العراق صالح الأثرم الحرار وقيل إن
قوما أتوا نصرا فقالوا الكرماني يدعو إلى الفتنة وقال أصرم بن قبيصة لنصر
لو أن جديعا لم يقدر على السلطان والملك إلا بالنصرانية واليهودية لتنصر وتهود
وكان نصر والكرماني متصافيين وقد كان الكرماني أحسن إلى نصر في ولاية
أسد بن عبد الله فلما ولى نصر خراسان عزل الكرماني عن الرئاسة وصيرها
لحرب بن عامر بن أيثم الواشجي فيما زجرت فأعاد الكرماني عليها فلم يلبث
إلا يسيرا حتى عزله وصيرها لجميل بن النعمان قال فتباعد ما بين نصر والكرماني
فحبس الكرماني في القهندز وكان على القهندز مقاتل بن علي المرئي ويقال المري
قال ولما أراد نصر حبس الكرماني أمر عبيد الله بن بسام صاحب حرسه
فأتاه به فقال له نصر يا كرماني ألم يأتني كتاب يوسف بن عمر يأمرني بقتلك فراجعته
وقلت له شيخ خراسان وفارسها وحقنت دمك قال بلى قال ألم أغرم عنك ما كان
لزمك من الغرم وقسمته في أعطيات الناس قال بلى قال ألم أرتس عليا ابنك على
كره من قومك قال بلى قال فبدلت ذلك إجماعا على الفتنة قال الكرماني لم يقل
الأمير شيئا إلا وقد كان أكثر منه فأنا لذلك شاكر فإن كان الأمير حقن دمى فقد كان
586

منى أيام أسد بن عبد الله ما قد علم فليستأن الأمير وليثبت فلست أحب الفتنة
فقال عصمة بن عبد الله الأسدي كذبت وأنت تريد الشغب وما لا تناله قال سلم
ابن أحوز اضرب عنقه أيها الأمير فقال المقدام وقدامة ابنا عبد الرحمن بن نعيم
الغامدي لجلساء فرعون خير منكم إذ قالوا أرجه وأخاه والله لا يقتلن الكرماني
بقول ابن أحوز فأمر نصر سلما فحبس الكرماني لثلاث بقين من شهر رمضان
سنة 126 فكلمت الأزد فقال نصراني حلفت أن أحبسه ولا ينداه منى سوء فان
خشيتم عليه فاختاروا رجلا يكون معه قال فاختاروا يزيد النحوي فكان معه في
القهندز وصير حرسه بنى ناجية أصحاب وجهم عثمان ابني مسعود قال
وبعث الأزد إلى نصر المغيرة بن شعبة الجهضمي وخالد بن شعيب بن أبي صالح
الحداني فكلماه فيه قال فلبث في الحبس تسعة وعشرين يوما فقال علي بن وائل
أحد بنى ربيعة بن حنظلة دخلت على نصر والكرماني جالس ناحية وهو يقول
ما ذنبي إن كان أبو الزعفران جاء فوالله ما واريته ولا أعلم مكانه وقد كانت الأزد
يوم حبس الكرماني أرادت أن تنزعه من رسله فناشدهم الله الكرماني ألا
يفعلوا ومضى مع رسل سلم بن أحوز وهو يضحك فلما حبس تكلم عبد الملك
ابن حرملة اليحمدي والمغيرة بن شعبة وعبد الجبار بن شعيب بن عباد وجماعة
من الأزد فنزلوا نوش وقالوا لا نرضى أن يحبس الكرماني بغير جناية ولا حدث
فقال لهم شيوخ من التحمد لا تفعلوا وانظروا ما يكون من أميركم فقالوا لا نرضى
ليكفن عنا نصر أو لنبدأن بكم وأتاهم عبد العزيز بن عباد بن جابر بن همام بن
حنظلة اليحمدي في مائة ومحمد بن المثنى وداود بن شعيب فباتوا بنوش مع
عبد الملك بن حرملة ومن كان معه فلما أصبحوا أتوا حوزان وأحرقوا منزل عزة
أم ولد نصر وأقاموا ثلاثة أيام وقالوا لا نرضى فعند ذلك صيروا عليه الامناء
فجعلوا معه يزيد النحوي وغيره فجاء رجل من أهل نسف فقال لجعفر غلام
الكرماني ما تجعلون لي إن أخرجته قالوا لك ما سألت فأتى مجرى الماء من القهندز
فوسعه وأتى ولد الكرماني وقال لهم اكتبوا إلى أبيكم يستعد الليلة للخروج فكتبوا
587

إليه وأدخلوا الكتاب في الطعام فدعا الكرماني يزيد النحوي وحصين بن حكيم
فتعشيا معه وخرجا ودخل الكرماني السرب فأخذوا بعضده فانطوت على بطنه حية
فلم تضره فقال بعض الأزد كانت الحية أزدية فلم تضره قال فانتهى إلى موضع ضيق
فسحبوه فسحج منكبه وجنبه فلما خرج ركب بغلته دوامة ويقال بل ركب فرسه
البشير والقيد في رجله فأتوا به قرية تسمى غلطان وفيها عبد الملك بن حرملة فأطلق
عنه قال على وقال أبو الوليد زهير بن هنيد العدوي كان مع الكرماني غلامه
بسام فرأى خرقا على القهندز فلم يزل يوسعه حتى أمكنه الخروج منه قال فأرسل
الكرماني إلى محمد بن المثنى وعبد الملك بن حرملة إني خارج الليلة فاجتمعوا
وخرج فأتاهم فرقد مولاه فأخبرهم فلقوه في قرية حرب بن عامر وعليه ملحفة
مقلدا سيفا ومعه عبد الجبار بن شعيب وابنا الكرماني على وعثمان وجعفر غلامه
فأمر عمرو بن بكر أن يأتي غلطان وأندغ واشترج معنا وأمرهم أن يوافوه على باب
الريان بن سنان اليحمدي بنوش في المرج وكان مصلاهم في العيد فأتاهم فأخبرهم
فخرج القوم من قراهم في السلاح فصلى بهم الغداة وهم زهاء ألف فما ترجلت
الشمس حتى صاروا ثلاثة آلاف وأتاهم أهل السقادم فسار على مرج نيران حتى
أتى حوزان فقال خلف بن خليفة
أصحروا للمرج أجلى للعمى * فلقد أصحر أصحاب السرب
إن مرج الأزد مرج واسع * تستوى الاقدام فيه والركب
وقيل إن الأزد بايعت لعبد الملك بن حرملة على كتاب الله عز وجل ليلة
خرج الكرماني فلما اجتمعوا في مرج نوش أقيمت الصلاة فاختلف عبد الملك
والكرماني ساعة ثم قدمه عبد الملك وصير الامر له فصلى الكرماني ولما هرب
الكرماني أصبح نصر معسكرا بباب مرو الروذ بناحية ابردانه فأقام يوما أو يومين
وقيل لما هرب الكرماني استخلف نصر عصمة بن عبد الله الأسدي وخرج إلى
القناطر الخمس بباب مرو الروذ وخطب الناس فنال من الكرماني فقال ولد بكرمان
وكان كرمانيا ثم سقط إلى هراة فكان هرويا والساقط بين الفراشين لا أصل
588

ثابت ولا فرع نابت ثم ذكر الأزد فقال إن يستوثقوا فأذل قوم وإن يأبوا فهم كما
قال الأخطل: ضفادع في ظلماء ليل تجاوبت * فدل عليها صوتها حية البحر
ثم ندم على ما فرط منه فقال اذكروا الله فإن ذكر الله شفاء ذكر الله خير
لاشر فيه يذهب الذنب وذكر الله براءة من النفاق ثم اجتمع إلى نصر بشر
كثير فوجه سلم بن أحوز إلى الكرماني في المجففة في بشر كثير فسفر الناس بين
نصر والكرماني وسألوا نصرا أن يؤمنه ولا يحبسه وضمن عنه قومه ألا يخالفه
فوضع يده في يد نصر فأمره بلزوم بيته ثم بلغه عن نصر شئ فخرج إلى قرية له
وخرج نصر فعسكر بالقناطر فأتاه القاسم بن نجيب فكلمه فيه فآمنه وقال له ان
شئت خرج لك عن خراسان وان شئت أقام في داره وكان رأى نصر إخراجه
فقال له سلم إن أخرجته نوهت باسمه وذكره وقال الناس أخرجه إنه هابه فقال
نصر إن الذي أتخوفه منه إذا خرج أيسر مما أتخوفه منه وهو مقيم والرجل إذا
نفى عن بلده صغر أمره فأبوا عليه فكف عنه وأعطى من كان معه عشرة عشرة
وأتى الكرماني نصرا فدخل سرادقه فآمنه ولحق عبد العزيز بن عبد ربه بالحارث
ابن سريج وأتى نصرا عزل منصور بن جمهور وولاية عبد الله بن عمر بن عبد العزيز
في شوال سنة 126 فخطب الناس وذكر ابن جمهور وقال قد علمت أنه لم يكن
من عمال العراق وقد عزله الله واستعمل الطيب بن الطيب فغضب الكرماني
لابن جمهور فعاد في جمع الرجال واتخاذ السلاح وكان يحضر الجمعة في ألف وخمسمائة
وأكثر وأقل فيصلى خارجا من المقصورة ثم يدخل على نصر فيسلم ولا يجلس ثم ترك
إتيان نصر وأظهر الخلاف فأرسل إليه نصر مع سلم بن أحوز إني والله ما أردت
بك في حبسك سوءا ولكن خفت أن تفسد أمر الناس فأتني فقال الكرماني
لولا أنك في منزلي لقتلتك ولولا ما أعرف من حمقك أحسنت أدبك فارجع إلى
ابن الا قطع فأبلغه ما شئت من خير وشر فرجع إلى نصر فأخبره فقال عد إليه
فقال لا والله وما بي هيبة له ولكني أكره أن يسمعني فيك ما أكره فبعث إليه
عصمة بن عبد الله الأسدي فقال يا أبا علي إني أخاف عليك عاقبة ما أبتدأت به
589

في دينك ودنياك ونحن نعرض عليك خصالا فانطلق إلى أميرك يعرضها عليك
وما نريد بذلك إلا الانذار إليك فقال الكرماني إني أعلم أن نصرا لم يقل هذالك
ولكنك أردت أن تبلغه فتحظى والله لا أكلمك كلمة بعد انقضاء كلامي حتى ترجع
إلى منزلك فيرسل من أحب غيرك فرجع عصمة وقال ما رأيت علجا أعدى لطوره
من الكرماني وما أعجب منه ولكن أعجب من يحيى بن حضين لعنهم الله هم أشد
تعظيما له من أصحابه قال سلم بن أحوز إني أخاف فساد هذا الثغر والناس فأرسل
إليه قديدا وقال نصر لقديد بن منيع انطلق إليه فأتاه فقال له يا أبا علي لقد لججت
وأخاف أن يتفاقم الامر فنهلك جميعا وتشمت بنا هذه الأعاجم قال يا قديد إني
لا أتهمك وقد جاء ما لا أثق بنصر معه وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
البكري أخوك ولا تثق به قال أما إذ وقع هذا في نفسك فأعطه رهنا قال من قال
أعطه عليا وعثمان قال فمن يعطيني ولا خير فيه قال يا أبا على أنشدك الله أن يكون
خراب هذه البلدة على يديك ورجع إلى نصر فقال لعقيل بن معقل الليثي ما أخوفني
أن يقع بهذا الثغر بلاء فكلم ابن عمك فقال عقيل لنصر أيها الأمير أنشدك الله
أن تشأم عشيرتك إن مروان بالشام تقاتله الخوارج والناس والأزد في فتنة
أخفاء سفهاء وهم جيرانك قال فما أصنع، إن علمت أمرا يصلح الناس فدونك
فقد عزم أنه لا يثق بي قال فأتى عقيل الكرماني فقال أبا على قد سننت سنة تطلب
بعدك من الامراء انى أرى أمرا أخاف أن يذهب فيه العقول قال الكرماني
إن نصرا يريد أن آتيه ولا آمنه ونريد أن يعتزل ونعتزل ونختار رجلا من بكر
ابن وائل نرضاه جميعا فيلي أمرنا جميعا حتى يأتي أمر من الخليفة وهو يأبى هذا
قال يا أبا على إني أخاف أن يهلك أهل هذا الثغر فأت أميرك وقل ما شئت تجاب
إليه ولا تطمع سفهاء قومك فيما دخلوا فيه فقال الكرماني إني لا أتهمك في
نصيحة ولا عقل ولكني لا أثق بنصر فليحمل من مال خراسان ما شاء ويشخص
قال فهل لك في أمر يجمع الامر بينكما تتزوج إليه ويتزوج إليك قال لا آمنه على
حال قال ما بعد هذا خير وانى خائف أن تهلك غدا بمضيعة قال لا حول ولا قوة
590

إلا بالله فقال له عقيل أعود إليك قال لا ولكن أبلغه عنى وقل له لا آمن أن
يحملك قوم على غير ما تريد فتركب منا مالا بقية بعده فان شئت خرجت عنك
لا من هيبة لك ولكن أكره أن أشأم أهل هذه البلدة وأسفك الدماء فيها فتهيأ
ليخرج إلى جرجان (وفى هذه السنة) آمن يزيد بن الوليد الحارث بن سريج
وكتب له بذلك فكتب إلى عبد الله بن عمر يأمره برد ما كان أخذ منه من ماله وولده
ذكر الخبر عن سبب ذلك
ذكر أن الفتنة لما وقعت بخراسان بين نصر والكرماني خاف نصر قدوم
الحارث بن سريج عليه بأصحابه والترك فيكون أمره أشد عليه من الكرماني
وغيره وطمع أن يناصحه فأرسل إليه مقاتل بن حيان النبطي وثعلبة بن صفوان
البناني وأنس بن بجالة؟؟ الأعرجي وهدبة الشعراوي وربيعة القرشي ليردوه
عن بلاد الترك فذكر علي بن محمد عن شيوخه أن خالد بن زياد البدي من أهل
الترمذ وخالد بن عمرو مولى بنى عامر خرجا إلى يزيد بن الوليد يطلبان الأمان للحارث
ابن سريج فقد ما الكوفة فلقيا سعيد خدينة فقال لخالد بن زياد أتدري لم سموني
خدينة قال لا قال أرادوني على قتل أهل اليمن فأبيت وسألا أبا حنيفة أن يكتب لهما
إلى الأجلح وكان من خاصة يزيد بن الوليد فكتب لهما إليه فأدخلهما عليه
فقال له خالد بن زياد يا أمير المؤمنين قتلت ابن عمك لإقامة كتاب الله وعمالك
يغشمون ويظلمون قال لا أجد أعوانا غيرهم وإني لأبغضهم قال يا أمير المؤمنين
ول أهل البيوتات وضم إلى كل عامل رجالا من أهل الخبر والفقه يأخذونهم
بما في عهدك قال أفعل وسألاه أمانا للحارث بن سريج فكتب له أما بعد فإنا
غضبنا لله إذ عطلت حدوده وبلغ بعباده كل مبلغ وسفكت الدماء بغير حلها
وأخذت الأموال بغير حقها فأردنا أن نعمل في هذه الأمة بكتاب الله عز وجل
وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ولا قوة إلا بالله فقد أوضحنا لك عن ذات أنفسنا
فأقبل آمنا أنت ومن معك فإنكم إخواننا وأعواننا وقد كتبت إلى عبد الله بن
عمر بن عبد العزيز برد ما كان اصطفى من أموالكم وذراريكم فقد ما الكوفة
591

فدخلا على ابن عمر فقال خالد بن زياد أصلح الله الأمير ألا تأمر عمالك بسيرة
أبيك قال أوليس سيرة عمر ظاهرة معروفة قال فما ينفع الناس منها ولا يعمل
بها ثم قدما مرو فدفعا كتاب يزيد إلى نصر فرد ما كان أخذ لهم مما قدر عليه ثم
نفذا إلى الحارث فلقيا مقاتل بن حيان وأصحابه الذين وجههم نصر إلى الحارث
وكان ابن عمر كتب إلى نصر إنك آمنت الحارث بغير إذني ولا إذن الخليفة فأسقط
في يديه فبعث يزيد بن الأحمر وأمره أن يفتك بالحارث إذا صار معه في السفينة
فلما لقيا مقاتلا بآمل قطع إليه مقاتل بنفسه فكف عنه يزيد قال فأقبل الحارث
يريد مرو وكان مقامه بأرض الشرك اثنتي عشرة سنة وقدم معه القاسم الشيباني
ومضرس بن عمران قاضيه وعبد الله بن سنان فقدم سمرقند وعليها منصور
ابن عمر فلم يتلقه وقال الحسن بلائه وكتب إلى نصر يستأذنه في الحارث أن
يثب به فأيهما قتل صاحبه فإلى الجنة أو إلى النار وكتب إليه لئن قدم الحارث
على الأمير وقد ضر ببنى أمية في سلطانهم وهو والغ في دم بعد دم قد طوى
كشحا عن الدنيا بعد أن كان في سلطانهم أقراهم لضيف وأشدهم بأسا وأنفذهم
غارة في الترك ليفرقن عليك بنى تميم وكان سردرحداه محبوسا عند منصور
ابن عمر لأنه قتل بياسان فاستعدى ابنه جنده منصورا فحبسه فكلم الحارث
منصورا فيه فخلى سبيله فلزم الحارث ووفى له (وفى هذه السنة) فيما زعم
بعضهم وجه إبراهيم بن محمد الامام أبا هاشم بكير بن ماهان إلى خراسان وبعث
معه بالسيرة والوصية فقدم مرو وجمع النقباء ومن بها من الدعاة فنعى لهم الإمام محمد
بن علي ودعاهم إلى إبراهيم ودفع إليهم كتاب إبراهيم فقبلوه ودفعوا إليه
ما اجتمع عندهم من نفقات الشيعة فقدم بها بكير على إبراهيم بن محمد (وفى هذه
السنة) أخذ يزيد بن الوليد لأخيه إبراهيم بن الوليد على الناس البيعة وجعله
ولى عهده ولعبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك بعد إبراهيم بن الوليد وكان
السبب في ذلك فيما حدثني أحمد بن زهير عن علي بن محمد أن يزيد بن الوليد
مرض في ذي الحجة سنة 126 فقيل له بايع لأخيك إبراهيم ولعبد العزيز
592

ابن الحجاج من بعده قال فلم تزل القدرية يحثونه على البيعة ويقولون له إنه لا يحل
لك أن تهمل أمر الأمة فبايع لأخيك حتى بايع لإبراهيم ولعبد العزيز بن
الحجاج من بعده (وفى هذه السنة) عزل يزيد بن الوليد يوسف بن
محمد بن يوسف عن المدينة وولاها عبد العزيز بن عبد الله بن عمرو بن عثمان
قال محمد بن عمر يقال إن يزيد بن الوليد لم يوله ولكنه افتعل كتابا
بولايته المدينة فعزله يزيد عنها وولاها عبد العزيز بن عمر فقدمها لليلتين بقيتا
من ذي القعدة (وفى هذه السنة) أظهر مروان بن محمد الخلاف على يزيد بن
الوليد وانصرف من أرمينية إلى الجزيرة مظهرا انه طالب بدم الوليد بن يزيد
فلما صار بحران بايع يزيد
ذكر الخبر عما كان منه في ذلك وعن السبب الذي حمله على الخلاف ثم البيعة
* حدثني أحمد بن زهير قال حدثنا عبد الوهاب بن إبراهيم بن خالد بن يزيد
ابن هريم قال حدثنا أبو هاشم مخلد بن محمد بن صالح مولى عثمان بن عفان وسألته
عما شهد مما حدثنا به فقال لم أزل في عسكر مروان بن محمد قال كان عبد الملك
ابن مروان بن محمد بن مروان حين انصرف عن غزاته الصائفة مع الغمر بن
يزيد بحران فأتاه قتل الوليد وهو بها وعلى الجزيرة عبدة بن رباح الغساني عاملا
للوليد عليها فشخص منها حيث بلغه قتل الوليد إلى الشأم ووثب عبد الملك ابن مروان بن محمد على حران ومدائن الجزيرة فضبطها وولاها سليمان بن
عبد الله بن علاثة وكتب إلى أبيه بأرمينية يعلمه بذلك ويشير عليه بتعجيل السير
والقدوم فتهيأ مروان للمسير وأظهر أنه يطلب بدم الوليد وكره أن يدع الثغر
معطلا حتى يحكم أمره فوجه إلى أهل الباب إسحاق بن مسلم العقيلي وهو رأس
قيس وثابت بن نعيم الجذامي من أهل فلسطين وهو رأس اليمن وكان سبب صحبة
ثابت إياه أن مروان كان يخلصه من حبس هشام بالرصافة وكان مروان يقدم
على هشام المرة في السنتين فيرفع إليه أمر الثغر وحاله ومصلحة من به من جنوده
وما ينبغي أن يعمل به في عدوه وكان سبب حبس هشام ثابتا ما قد ذكرنا قبل
593

من أمره مع حنظلة بن صفوان وإفساده عليه الجند الذين كان هشام وجههم
معه لحرب البربر وأهل إفريقية إذ قتلوا عامل هشام عليهم كلثوم بن عياض القشيري
فشكا ذلك من أمره حنظلة إلى هشام في كتاب كتبه إليه فأمر هشام لحنظلة بتوجيهه
إليه في الحديد فوجهه حنظلة إليه فحبسه هشام فلم يزل في حبسه حتى قدم مروان
ابن محمد على هشام في بعض وفاداته وقد ذكرنا بعض أمر كلثوم بن عياض
وأمر إفريقية معه في موضعه فيما مضى من كتابنا هذا فلما قدم مروان
على هشام أتاه رؤوس أهل اليمانية ممن كان مع هشام فطلبوا إليه فيه وكان
ممن كلمه فيه كعب بن حامد العبسي صاحب شرط هشام وعبد الرحمن بن الضخم
وسليمان بن حبيب قاضيه فاستوهبه مروان منه فوهبه له فشخص إلى أرمينية فولاه
وحباه فلما وجه مروان ثابتا مع إسحاق إلى أهل الباب كتب إليهم معهما كتابا يعلمهم
فيه حال ثغرهم ومالهم من الاجر في لزوم أمرهم ومراكزهم وما في ثبوتهم فيه
من دفع مكروه العدو عن ذراري المسلمين قال وحمل إليهم معهما أعطياتهم وولى
عليهم رجلا من أهل فلسطين يقال له حميد بن عبد الله اللخمي وكان رضيا فيهم
وكان وليهم قبل ذلك فحمدوا ولايته فقاما فيهم بأمره وأبلغاهم رسالته وقرأ عليهم
كتابه فأجابوا إلى الثبوت في ثغرهم ولزوم مراكزهم ثم بلغه أن ثابتا قد كان يدس
إلى قوادهم بالانصراف من ثغرهم واللحاق بأجنادهم فلما انصرفا إليه تهيأ للمسير
وعرض جنده ودس ثابتا بن نعيم إلى من معه من أهل الشأم بالانخزال عن مروان
والانضمام إليه ليسير بهم إلى أجنادهم ويتولى أمرهم فانخزلوا عن عسكرهم مع
من فر ليلا وعسكروا على حدة وبلغ مروان أمرهم فبات ليلته ومن معه في السلاح
يتحارسون حتى أصبح ثم خرج إليهم بمن معه ومن مع ثابت يضعفون على من
مع مروان فصافوهم ليقاتلوهم فأمر مروان منادين فنادوا بين الصفين من الميمنة
والميسرة والقلب فنادوهم يا أهل الشأم ما دعاكم إلى الانعزال وما الذي نقمتم على
فيه من سيرى ألم ألكم ما تحبون وأحسن السيرة فيكم والولاية عليكم ما الذي
دعاكم إلى سفك دمائكم فأجابوه بأنا كنا نطيعك بطاعة خيلفتنا وقد قتل خليفتنا
594

وبايع أهل الشأم يزيد بن الوليد فرضينا بولاية ثابت ورأسناه ليسير بنا على ألويتنا
حتى نرد إلى أجنادنا فأمر مناديه فنادى أن قد كذبتم وليس تريدون الذي قلتم
وانما أردتم أن تركبوا رؤوسكم فتغصبوا من مررتم به من أهل الذمة أموالهم
وأطعمتهم وأعلافهم وما بيني وبينكم الا السيف حتى تنقادوا إلى فأسير بكم حتى
أوردكم الفرات ثم أخلى عن كل قائد وجنده فتلحقون بأجنادكم فلما رأوا الجد منه
انقادوا إليه وما لوا له وأمكنوه من ثابت بن نعيم وأولاده وهم أربعة رجال رفاعة
ونعيم وبكر وعمران قال فأمر بهم فأنزلوا عن خيولهم وسلبوا سلاحهم ووضع
في أرجلهم السلاسل ووكل بهم عدة من حرسه يحتفظون بهم وشخص بجماعة
من الجند من أهل الشأم والجزيرة وضمهم إلى عسكره وضبطهم في مسيره فلم
يقدر أحد منهم على أن يشد ولا يظلم أحدا من أهل القرى ولا يرزأه شيئا إلا بثمن
حتى ورد حران ثم أمرهم باللحاق بأجنادهم وحبس ثابتا معه ودعا أهل الجزيرة
إلى الفرض ففرض لنيف وعشرين ألفا من أهل الجلد منهم وتهيأ للمسير إلى
يزيد وكاتبه يزيد على أن يبايعه ويوليه ما كان عبد الملك بن مروان ولى أباه محمد
ابن مروان من الجزيرة وأرمينية والموصل وآذربيجان فبايع له مروان ووجه
إليه محمد بن عبد الله بن علاثة ونفرا من وجوه الجزيرة (وفى هذه السنة) مات
يزيد بن الوليد وكانت وفاته سلخ ذي الحجة من سنة 126 قال أبو معشر ما حدثني
به أحمد بن ثابت عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عنه توفى يزيد بن الوليد في ذي
الحجة بعد الأضحى سنة 126 وكانت خلافته في قول جميع من ذكرنا ستة أشهر
وقيل كانت خلافته خمسة أشهر وليلتين وقال هشام بن محمد ولى ستة أشهر وأياما
وقال علي بن محمد كانت ولايته خمسة أشهر واثنى عشر يوما وقال علي بن محمد مات
يزيد بن الوليد لعشر بقين من ذي الحجة سنة 126 وهو ابن ست وأربعين سنة
وكانت ولايته فيما زعم ستة أشهر وليلتين وتوفى بدمشق واختلف في مبلغ سنه يوم
توفى فقال هشام توفى وهو ابن ثلاثين سنة وقال بعضهم توفى وهو ابن سبع وثلاثين
سنة وكان يكنى أبا خالد وأمه أم ولد اسمها شاه آفريد بنت فيروز بن يزدجرد بن
595

شهريار بن كسرى وهو القائل
أنا ابن كسرى وأبى مروان * وقيصر جدي وجدى خاقان
وقيل إنه كان قدريا وكان فيما حدثني أحمد عن علي بن محمد في صفته أسمر
طويلا صغير الرأس بوجهه خال وكان جميلا من رجل في فمه بعض السعة وليس
بالمفرط وقيل له يزيد الناقص لنقصه الناس العشرات التي كان الوليد زادها الناس
في قول الواقدي وأما علي بن محمد فإنه قال سبه مروان بن محمد فقال الناقص ابن الوليد
فسماه الناس الناقص (وحج) بالناس في هذه السنة عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز
ابن مروان في قول الواقدي وقال بعضهم حج بالناس في هذه السنة عمر بن عبد الله
ابن عبد الملك بعثه يزيد بن الوليد وخرج معه عبد العزيز وهو على المدينة ومكة
والطائف وكان عامله على العراق في هذه السنة عبد الله بن عمر بن عبد العزيز وعلى
قضاء الكوفة ابن أبي ليلى وعلى أحداث البصرة المسور بن عمر بن عباد وعلى
قضائها عامر بن عبيدة وعلى خراسان نصر بن سيار الكناني
خلافة أبي إسحاق إبراهيم بن الوليد
ثم كان إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك بن مروان غير أنه لم يتم له أمر * فحدثني
أحمد بن زهير عن علي بن محمد قال لم يتم لإبراهيم أمره وكان يسلم عليه جمعة بالخلافة
وجمعة بالامرة وجمعة لا يسلمون عليه لا بالخلافة ولا بالامرة فكان على ذلك أمره
حتى قدم مروان بن محمد فخلعه وقتل عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك وقال
هشام بن محمد استخلف يزيد بن الوليد أبا إسحاق إبراهيم بن الوليد فمكث أربعة
أشهر ثم خلع في شهر ربيع الآخر من سنة 126 ثم لم يزل حيا حتى أصيب في
سنة 133 أمه أم ولد * حدثني أحمد بن زهير قال حدثنا عبد الوهاب بن إبراهيم
قال حدثنا أبو هاشم مخلد بن محمد قال كانت ولاية إبراهيم بن الوليد سبعين ليلة
596

ثم دخلت سنة سبع وعشرين ومائة
ذكر ما كان فيها من الاحداث
فمما كان فيها من ذلك مسير مروان بن محمد إلى الشأم والحرب التي جرت
بينه وبين سليمان بن هشام بعين الجر
ذكر ذلك والسبب الذي كانت عنه هذه الوقعة
(قال أبو جعفر) وكان السبب ما ذكرت بعضه من أمر مسير مروان
بعد مقتل الوليد بن يزيد إلى الجزيرة من أرمينية وغلبته عليها مظهرا أنه تائر
بالوليد منكر قتله ثم إظهاره البيعة ليزيد بن الوليد بعد ما ولاه عمل أبيه محمد بن
مروان وإظهاره ما أظهر من ذلك وتوجيهه وهو بحران محمد بن عبد الله بن علاثة
وجماعة من وجوه أهل الجزيرة * فحدثني أحمد قال حدثنا عبد الوهاب بن إبراهيم
قال حدثنا أبو هاشم مخلد بن محمد قال لما أتى مروان موت يزيد أرسل إلى ابن
علاثة وأصحابه فردهم من منبج وشخص إلى إبراهيم بن الوليد فسار مروان في جند
الجزيرة وخلف ابنه عبد الملك في أربعين ألف من الرابطة بالرقة فلما انتهى إلى
قنسرين وبها أخ ليزيد بن الوليد يقال له بشر كان ولاه قنسرين فخرج إليه فصافه
فنادى الناس ودعاهم مروان إلى مبايعته فمال إليه يزيد بن عمر بن هبيرة في القيسية
وأسلموا بشرا وأخا له يقال له مسرور بن الوليد وكان أخا بشر لامه وأبيه فأخذه
مروان وأخاه مسرور بن الوليد فحبسهما وسار فيمن معه من أهل الجزيرة وأهل
قنسرين متوجها إلى أهل حمص وكان أهل حمص امتنعوا حين مات يزيد بن الوليد
أن يبايعوا إبراهيم وعبد العزيز بن الحجاج فوجه إليه إبراهيم عبد العزيز بن الحجاج
وجند أهل دمشق فحاصرهم في مدينتهم وأغذ مروان السير فلما دنا من مدينة
حمص رحل عبد العزيز عنهم وخرجوا إلى مروان فبايعوه وساروا بأجمعهم معه
ووجه إبراهيم بن الوليد الجنود مع سليمان بن هشام فسار بهم حتى نزل عين الجر
وأتاه مروان وسليمان في عشرين ومائة ألف فارس مروان في نحو من ثمانين
597

ألفا فالتقيا فدعاهم مروان إلى الكف عن قتاله والتخلية عن ابني الوليد الحكم وعثمان
وهما في سجن دمشق محبوسان وضمن عنهما ألا يؤاخذاهم بقتلهم أباهما وأن لا يطلبا
أحدا ممن ولى قتله فأبوا عليه وجدوا في قتاله فاقتتلوا ما بين ارتفاع النهار إلى العصر
واستحر القتل بينهم وكثر في الفريقين وكان مروان مجربا مكايدا فدعا ثلاثة نفر
من قواده أحدهم أخ لإسحاق بن مسلم يقال له عيسى فأمرهم بالمسير خلس صفه
في خيله وهم ثلاثة آلاف ووجه معهم فعلة بالفؤوس وقد ملا الصفان من أصحابه
وأصحاب سليمان بن هشام ما بين الجبلين المحيطين بالمرج وبين العسكرين نهر
جرار وأمرهم إذا انتهوا إلى الجبل أن يقطعوا الشجر فيعقدوا جسورا وليجيزوا
إلى عسكر سليمان ويغيروا فيه قال فلم تشعر خيول سليمان وهم مشغولون بالقتال
إلا بالخيل والبارقة والتكبير في عسكرهم من خلفهم فلما رأوا ذلك انكسروا
وكانت هزيمتهم ووضع أهل حمص السلاح فيهم لحردهم عليهم فقتلوا منهم نحوا من
سبعة عشر ألفا وكف أهل الجزيرة وأهل قنسرين عن قتلهم فلم يقتلوا منهم أحدا
وأتوا مروان من أسرائهم بمثل عدة القتلى وأكثر واستبيح عسكرهم فأخذ
مروان عليهم البيعة للغلامين الحكم وعثمان وخلى عنهم بعد أن قواهم بدينار دينار
وألحقهم بأهاليهم ولم يقتل منهم إلا رجلين يقال لأحدهما يزيد بن العقار وللآخر
الوليد بن مصاد الكلبيان وكانا فيمن سار إلى الوليد وولى قتله وكان يزيد بن خالد
ابن عبد الله القسري معهم فسار حتى هرب فيمن هرب مع سليمان بن هشام إلى
دمشق وكان أحدهما يعنى الكلبيين على حرس يزيد والآخر على شرطه فإنه ضربهما
في موقفه ذلك بالسياط ثم أمر بهما فحبسا فهلكا في حبسه قال ومضى سليمان
ومن معه من الفل حتى صبحوا دمشق واجتمع إليه وإلى إبراهيم وعبد العزيز
ابن الحجاج رؤوس من معهم وهم يزيد بن خالد القسري وأبو علاقة السكسكي
والأصبغ بن ذؤالة الكلبي ونظراؤهم فقال بعضهم لبعض إن بقى الغلامان ابنا
الوليد حتى يقدم مروان ويخرجهما من الحبس ويصير الامر إليهما لم يستبقيا
أحدا من قتلة أبيهما والرأي أن نقتلهما فولوا ذلك يزيد بن خالد ومعهما في الحبس
598

أبو محمد السفياني ويوسف بن عمر فأرسل يزيد مولى لخالد يقال له أبا الأسد في
عدة من أصحابه فدخل السجن فشدخ الغلامين بالعمد وأخرج يوسف بن عمر
ليقتلوه وضربت عنقه وأرادوا قتل أبى محمد السفياني فدخل بيتا من بيوت السجن
فأغلقه وألقى خلفه الفرش والوسائد واعتمد على الباب فلم يقدروا على فتحه
فدعوا بنار ليحرقوه فلم يؤتوا بها حتى قيل قد دخلت خيل مروان المدينة وهرب
إبراهيم بن الوليد وتغيب وأنهب سليمان ما كان في بيت المال وقسمه فيمن معه
من الجنود وخرج من المدينة (وفى هذه السنة) دعا إلى نفسه عبد الله بن معاوية
ابن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بالكوفة وحارب بها عبد الله بن عمر بن عبد العزيز
ابن مروان فهزمه عبد الله بن عمر فلحق بالجبال فغلب عليها
ذكر الخبر عن سبب خروج عبد الله ودعائه الناس إلى نفسه
وكان إظهار عبد الله بن معاوية الخلاف على عبد الله بن عمر ونصبه الحرب
له فيما ذكر هشام عن أبي مخنف في المحرم سنة 127 وكان سبب خروجه عليه فيما
حدثني أحمد عن علي بن محمد عن عاصم بن حفص التميمي وغيره من أهل العلم أن
عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر قدم الكوفة زائرا لعبد الله بن عمر بن
عبد العزيز يلتمس صلته لا يريد خروجا فتزوج ابنة حاتم بن الشرقي بن عبد المؤمن
ابن شبث بن ربعي فلما وقعت العصبية قال له أهل الكوفة ادع إلى نفسك
فبنو هاشم أولى بالامر من بنى مروان فدعا سرا بالكوفة وابن عمر بالحيرة وبايعه
ابن ضمرة الخزاعي فدس إليه ابن عمر فأرضاه فأرسل إليه إذا نحن التقينا بالناس
انهزمت بهم وبلغ ابن معاوية فلما التقى الناس قال ابن معاوية إن ابن ضمرة قد
غدر ووعد ابن عمر أن ينهزم الناس فلا يهولنكم انهزامه فإنه عن غدر يفعل
فلما التقوا انهزم ابن ضمرة وانهزم الناس فلم يبق معه أحد فقال
تفرقت الظباء على خداش * فما يدرى خداش ما يصيد
فرجع ابن معاوية إلى الكوفة وكانوا التقوا ما بين الحيرة والكوفة ثم خرج
إلى المدائن فبايعوه وأتاه قوم من أهل الكوفة فخرج فغلب على حلوان والجبال
599

قال ويقال قدم عبد الله بن معاوية الكوفة وجمع جمعا فلم يعلم عبد الله بن عمر حتى
خرج في الجبانة مجمعا على الحرب فالتقوا وخالد بن قطن الحارثي على أهل اليمن
فشد عليه الأصبغ بن ذؤالة الكلبي في أهل الشأم فانهزم خالد وأهل الكوفة
وأمسكت نزار عن نزار ورجعوا وأقبل خمسون رجلا من الزيدية إلى دار ابن
محرز القرشي يريدون القتال فقتلوا لم يقتل من أهل الكوفة غيرهم قال وخرج
ابن معاوية من الكوفة مع عبد الله بن عباس التميمي إلى المدائن ثم خرج منها فغلب
على الماهين وهمذان وقومس وأصبهان والري وخرج إليه عبيد أهل الكوفة وقال
لا تركبن الصنيع الذي * تلوم أخاك على مثله
ولا يعجبنك قول امرئ * يخالف ما قال في فعله
وأما أبو عبيدة معمر بن المثنى فإنه زعم أن سبب ذلك أن عبد الله والحسن
ويزيد بن معاوية بن عبد الله بن جعفر قدموا على عبد الله بن عمر فنزلوا في
النخع في دار مولى لهم يقال له الوليد بن سعيد فأكرمهم ابن عمر وأجازهم
وأجرى عليهم كل يوم ثلثمائة درهم فكانوا كذلك حتى هلك يزيد بن الوليد
وبايع الناس أخاه إبراهيم بن الوليد ومن بعده عبد العزيز بن الحجاج بن
عبد الملك فقدمت بيعتهما على عبد الله بن عمر بالكوفة فبايع الناس لهما وزادهم في
العطاء مائة مائة وكتب بيعتهما إلى الآفاق فجاءته البيعة فبينا هو كذلك إذ أتاه الخبر
بأن مروان بن محمد قد سار في أهل الجزيرة إلى إبراهيم بن الوليد وأنه امتنع من
البيعة له فاحتبس عبد الله بن عمر عبد الله بن معاوية عنده وزاده فيما كان يجرى
عليه وأعده لمروان بن محمد إن هو ظفر بإبراهيم بن الوليد ليبايع له ويقاتل به
مروان فماج الناس في أمرهم وقرب مروان من الشأم وخرج إليه إبراهيم فقاتله
فهزمه مروان وظفر به وخرج هاربا وثبت عبد العزيز بن الحجاج يقاتل حتى
قتل وأقبل إسماعيل بن عبد الله أخو خالد بن عبد الله القسري هاربا حتى أتى
الكوفة وكان في عسكر إبراهيم فافتعل كتابا على لسان إبراهيم بولاية الكوفة
فأرسل إلى اليمانية فأخبرهم سرا أن إبراهيم بن الوليد ولاه العراق فقبلوا ذلك منه
600

وبلغ الخبر عبد الله بن عمر فباكره صلاة الغداة فقاتله من ساعته ومعه عمر بن
الغضبان فلما رأى إسماعيل ذلك ولا عهد معه وصاحبه الذي افتعل العهد
على لسانه هارب منهزم خاف أن يظهر أمره فيفتضح ويقتل فقال لأصحابه إني
كاره لسفك الدماء ولم أحس أن يبلغ الامر ما بلغ فكفوا أيديكم فتفرق القوم
عنه فقال لأهل بيته ان إبراهيم قد هرب ودخل مروان دمشق فحكى ذلك عن
أهل بيته فانتشر الخبر واشرأبت الفتنة ووقعت العصبية بين الناس وكان سبب
ذلك أن عبد الله بن عمر كان أعطى مضر وربيعة عطايا عظاما ولم يعط جعفر بن
نافع بن القعقاع بن شور الذهلي وعثمان بن الخيبري أخا بنى تيم اللات بن ثعلبة
شيئا ولم يسوهما بنظرائهما فدخلا عليه فكلماه كلاما غليظا فغضب ابن عمر وأمر
بهما فقام إليهما عبد الملك الطائي وكان على شرطه يقوم على رأسه فدفعهما فدفعاه
وخرجا مغضبين وكان ثمامة بن حوشب بن رويم الشيباني حاضرا فخرج مغاضبا
لصاحبيه فخرجوا جميعا إلى الكوفة وكان هذا وابن عمر بالحيرة فلما دخلوا الكوفة
نادوا يا آل ربيعة فثارت إليهم ربيعة فاجتمعوا وتنمروا وبلغ الخبر ابن عمر
فأرسل إليهم أخاه عاصما فأتاهم وهم بدير هند قد اجتمعوا وحشدوا فألقى نفسه
بينهم وقال هذه يدي لكم فاحكموا فاستحيوا وعظموا عاصما وتشكروا له وأقبل
على صاحبيهم فسكتا وكفا فلما أمسى ابن عمر أرسل من تحت ليلته إلى عمر بن
الغضبان بمائة ألف فقسمها في قومه بنى همام بن مرة بن ذهل بن شيبان وأرسل
إلى ثمامة بن حوشب بن رويم بمائة ألف فقسمها في قومه وأرسل إلى جعفر بن
نافع بن القعقاع بعشرة آلاف وإلى عثمان بن الخيبري بعشرة آلاف (قال
أبو جعفر) فلما رأت الشيعة ضعفه اغتمزوا فيه واجترؤا عليه وطمعوا فيه
ودعوا إلى عبد الله بن معاوية بن جعفر وكان الذي ولى ذلك هلال بن أبي الورد
مولى بنى عجل فثاروا في غوغاء الناس حتى أتوا المسجد فاجتمعوا فيه وهلال
القائم بالامر فبايعه الناس من الشيعة لعبد الله بن معاوية ثم مضوا من فورهم إلى
عبد الله فأخرجوه من دار الوليد بن سعيد حتى أدخلوه القصر وحالوا بين عاصم
601

ابن عمر وبين القصر فلحق بأخيه عبد الله بالحيرة وجاء ابن معاوية الكوفيون
فبايعوه فيهم عمر بن الغضبان بن القبعثري ومنصور بن جمهور وإسماعيل بن
عبد الله القسري ومن كان من أهل الشأم بالكوفة له أهل وأصل فأقام بالكوفة
أياما يبايعه الناس وأتته البيعة من المدائن وفم النيل واجتمع إليه الناس فخرج
يريد عبد الله بن عمر بالحيرة وبرز له عبد الله بن عمر فيمن كان معه من أهل
الشأم فخرج رجل من أهل الشأم يسأله البراز فبرز له القاسم بن عبد الغفار
فقال له الشأمى لقد دعوت حين دعوت وما أظن أن يخرج إلى رجل من
بكر بن وائل والله ما أريد قتالك ولكن أحببت أن ألقى إليك ما انتهى إلينا
أخبرك أنه ليس معكم رجل من أهل اليمن لا منصور ولا إسماعيل ولا غيرهما
إلا قد كاتب عبد الله بن عمر وجاءته كتب مضر وما أرى لكم أيها الحي من ربيعة
كتابا ولا رسولا وليسوا مواقعيكم يومكم حتى تصبحوا فيواقعوكم فان استطعتم أن لا
تكون بكم الحزة فافعلوا فانى رجل من قيس وسنكون غدا بإزائكم فان أردتم
الكتاب إلى صاحبنا أبلغته وان أردتم الوفاء لمن خرجتم معه فقد أبلغتكم حال
الناس فدعا القاسم رجالا من قومه فأعلمهم ما قال له الرجل وإن ميمنة ابن عمر
ربيعة ومضر ستقف بإزاء ميسرته وفيها ربيعة فقال عبد الله بن معاوية إن هذه
علامة ستظهر لنا إن أصبحنا فان أحب عمر بن الغضبان فليلقني الليلة وإن منعه
شغل ما هو فيه فهو غدر وقل له إني لا ظن القيسي قد كذب فأتى الرسول عمر
بذلك فرده إليه بكتاب يعلمه أن رسول هذا بمنزلتي عندي ويأمره أن يتوثق من
منصور وإسماعيل وإنما أراد أن يعلمهما بذلك قال فأبى ابن معاوية أن يفعل
فأصبح الناس غادين على القتال وقد جعل اليمن في الميمنة ومضر وربيعة في الميسرة
ونادى مناد من أتى برأس فله كذا وكذا أو بأسير فله كذا وكذا والمال عند
عمر بن الغضبان والتقى الناس واقتتلوا وحمل عمر بن الغضبان على ميمنة ابن عمر
فانكشفوا ومضى إسماعيل ومنصور من فورهما إلى الحيرة وزحمت غوغاء الناس
أهل اليمن من أهل الكوفة فقتلوا فيهم أكثر من ثلاثين رجلا وقتل الهاشمي العباس
602

ابن عبد الله زوج ابنة الملاة * ذكر عمر أن محمد بن يحيى حدثه عن أبيه عن عاتكة
بنت الملاة تزوجت أزواجا منهم العباس بن عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن
نوفل قتل مع عبد الله بن عمر بن عبد العزيز في العصبية بالعراق وقتل مبكر
ابن الحوارى بن زياد في غيرهم ثم انكشفوا وفيهم عبد الله بن معاوية حتى دخل
نصر الكوفة وبقيت الميسرة من مضر وربيعة ومن بإزائهم من أهل الشأم وحمل
أهل القلب من أهل الشأم على الزيدية فانكشفوا حتى دخلوا الكوفة وبقيت
الميسرة وهم نحو من خمسمائة رجل وأقبل عامر بن ضبارة ونباتة بن حنظلة بن
قبيصة وعتبة بن عبد الرحمن الثعلبي والنضر بن سعيد بن عمرو الحرشي حتى وقفوا
على ربيعة فقالوا لعمر بن الغضبان أما نحن يا معشر ربيعة فما كنا نأمن عليكم
ما صنع الناس بأهل اليمن ونتخوف عليكم مثلها فانصرفوا فقال عمر ما كنت ببارح
أبدا حتى أموت فقالوا إن هذا ليس بمغن عنك ولاعن أصحابك شيئا فأخذوا
بعنان دابته فأدخلوه الكوفة قال عمر حدثني علي بن محمد عن سليمان بن عبد الله
النوفلي قال حدثني أبي قال حدثنا خراش بن المغيرة بن عطية مولى لبنى ليث عن
أبيه قال كنت كاتب عبد الله بن عمر فوالله إني لعنده يوما وهو بالحيرة إذ أتاه
آت فقال هذا عبد الله بن معاوية قد أقبل في الخلق فأطرق مليا وجاءه رئيس
خبازيه فقام بين يديه كأنه يؤذنه بادراك طعامه فأومأ إليه عبد الله أن هاته فجاء
بالطعام وفد شخصت قلوبنا ونحن نتوقع أن يهجم علينا ابن معاوية ونحن معه قال
فجعلت أتفقده هل أراه تغير في شئ من أمره من مطعم أو مشرب أو منظر
أو أمر أو نهى فلا والله ما أنكرت من هيئته قليلا ولا كثيرا وكان طعامه إذا
أتى به وضع بين كل اثنين منا صحفة قال فوضعت بيني وبين فلان صحفة وبين فلان
وفلان صحفة أخرى حتى عد من كان على خوانه فلما فرغ من غدائه ووضوئه
أمر بالمال فأخرج حتى أخرجت آنية من ذهب وفضة وكسى ففرق أكثر ذلك
في قواده ثم دعا مولى له أو مملوكا كان يتبرك به ويتفاءل باسمه إما يدعى ميمونا أو
فتحا أو اسما من الأسماء المتبرك بها فقال له خذ لواءك وامض إلى تل كذا وكذا
603

فاركزه وادع أصحابك وأقم حتى آتيك ففعل وخرج عبد الله وخرجنا معه حتى
صار إلى التل فإذا الأرض بيضاء من أصحاب ابن معاوية فأمر عبد الله مناديا
فنادى من جاء برأس فله خمسمائة فوالله ما كان بأسرع من أن أتى برأس فوضع
بين يديه فأمر له بخمسمائة فدفعت إلى الذي جاء به فلما رأى أصحابه وفاءه لصاحب
الرأس نادوا بالقوم فوالله ما كان إلا هنيهة حتى نظرت إلى نحو من خمسمائة رأس
قد ألقيت بين يديه وانكشف ابن معاوية ومن معه منهزمين فكان أول من دخل
الكوفة من أصحابه منهزما أبو البلاد مولى بنى عبس وابنه سليمان بين يديه وكان
أبو البلاد متشيعا فجعل أهل الكوفة ينادونهم كل يوم كأنهم يعيرونهم بانهزامه
فجعل يصيح بابنه سليمان امض ودع النواضح ينفقن قال ومر عبد الله بن معاوية
فطوى الكوفة ولم يعرج بها حتى أتى الجبل وأما أبو عبيدة فإنه ذكر أن
عبد الله بن معاوية وإخوته دخلوا القصر فلما أمسوا قالوا لعمر بن الغضبان
وأصحابه يا معشر ربيعة قد رأيتم ما صنع الناس بنا وقد أعلقنا دماءنا بكم في أعناقكم
فإن كنتم مقاتلين معنا قاتلنا معكم وإن كنتم ترون الناس خاذلينا وإياكم فخذوا
لنا ولكم أمانا فما أخذتم لأنفسكم فقد رضينا لأنفسنا فقال لهم عمر بن الغضبان
ما نحن بتاركيكم من إحدى خلتين إما ان نقاتل معكم وإما أن نأخذ لكم أمانا كما
نأخذ لأنفسنا فطيبوا نفسا فأقاموا في القصر والزيدية على أفواه السكك يغدون
عليهم أهل الشأم ويروحون يقاتلونهم أياما ثم إن ربيعة أخذت لانفسها وللزيدية
ولعبد الله بن معاوية أمانا لا يمنعونهم ويذهبوا حيث شاءوا وأرسل عبد الله بن
عمر إلى عمر بن الغضبان يأمره بنزول القصر وإخراج عبد الله بن معاوية فأرسل
إليه ابن الغضبان فرحله ومن معه من شيعته ومن تبعه من أهل المدائن وأهل السواد
وأهل الكوفة فسار بهم رسل عمر حتى أخرجوهم من الجسر فنزل عمر من القصر
(وفى هذه السنة) وافى الحارث بن سريج مرو خارجا إليها من بلاد الترك بالأمان
الذي كتب له يزيد بن الوليد فصار إلى نصر بن سيار ثم خالفه وأظهر الخلاف
له وبايعه على ذلك جمع كبير
604

ذكر الخبر عن أمره وأمر نصر بعد قدومه عليه
ذكر علي بن محمد عن شيوخه أن الحارث سار إلى مرو مخرجه من بلاد الترك
فقدمها يوما الاحد لثلاث بقين من جمادى الآخرة سنة 127 فتلقاه سلم بن
أحوز والناس بكشماهن فقال محمد بن الفضيل بن عطية العبسي الحمد لله الذي أقر
أعيننا بقدومك وردك إلى فئة الاسلام وإلى الجماعة قال يا بنى أما علمت أن الكثير
إذا كانوا على معصية الله كانوا قليلا وأن القليل إذ كانوا على طاعة الله كانوا كثيرا
وما قرت عيني منذ خرجت إلى يومى هذا وما قرة عيني إلا أن يطاع الله فلما دخل
مرو قال اللهم إني لم أنوقط في شئ مما بيني وبينهم إلا الوفاء فإن أرادوا الغدر
فانصرني عليهم وتلقاه نصر فأنزله قصر بخار اخذاه وأجرى عليه نزلا خمسين درهما
في كل يوم وكان يقتصر على لون واحد وأطلق نصر من كان عنده من أهله أطلق
محمد بن الحارث والألوف بنت الحارث وأم بكر فلما أتاه ابنه محمد قال اللهم اجعله
بارا تقيا قال وقدم الوضاح بن حبيب بن بديل على نصر بن سيار من عند عبد الله
ابن عمر وقد أصابه برد شديد فكساه أثوابا وأمر له بقرى وجاريتين ثم أتى الحارث
ابن سريج وعنده جماعة من أصحابه قيام على رأسه فقال له إنا بالعراق نشهر عظم
عمودك وثقله وإني أحب أن أراه فقال ما هو إلا كبعض ما ترى مع هؤلاء وأشار
إلى أصحابه ولكني إذا ضربت به ضربني قال وكان في عموده بالشأمى ثمانية عشر
رطلا قال ودخل الحارث بن سريج على نصر وعليه الجوشن الذي اصابه من خاقان
وكان خيره بين مائة ألف دينار دنباكانية وبين الجوشن فاختار الجوشن فنظرت
إليه المرزبانة بنت قديد امرأة نصر بن سيار فأرسلت إليه بحرز لها سمور مع جارية
لها فقالت أقرئى ابن عمى السلام وقولي له اليوم بارد فاستدفئ بهذا الجرز السمور
فالحمد لله الذي أقدمك صالحا فقال للجارية اقرئي بنت عمى السلام وقولي لها أعارية
أم هدية فقالت بل هدية فباعه بأربعة آلاف دينار وقسمها في أصحابه وبعث إليه
نصر بفرش كثيرة وفرس فباع ذلك كله وقسمه في أصحابه بالسوية وكان يجلس
على برذعة وتثنى له وسادة غليظة وعرض نصر على الحارث أن يوليه ويعطيه
605

مائة ألف دينار فلم يقبل فأرسل إلى نصر إني لست من هذه الدنيا ولا من هذه اللذات
ولا من تزويج عقائل العرب في شئ وإنما أسأل كتاب الله عز وجل والعمل
بالسنة واستعمال أهل الخير والفضل فإن فعلت ساعدتك على عدوك وأرسل
الحارث إلى الكرماني إن أعطاني نصر العمل بكتاب الله وما سألته من استعمال
أهل الخير والفضل عضدته وقمت بأمر الله وإن لم يفعل استعنت بالله عليه
وأعنتك إن ضمنت لي ما أريد من القيام بالعدل والسنة وكان كلما دخل عليه
بنو تميم دعاهم إلى نفسه فبايعه محمد بن حمران ومحمد بن حرب بن جرفاس المنقريان
والخليل بن غزوان العدوي وعبد الله بن مجاعة وهبيرة بن شراحيل السعديان
وعبد العزيز بن عبد ربه الليثي وبشر بن جرموز الضبي ونهار بن عبد الله بن الحتات
المجاشعي وعبد الله النباتي وقال الحارث لنصر خرجت من هذه المدينة منذ ثلاث
عشرة سنة إنكارا للجور وأنت تريدني عليه فانضم إلى الحارث ثلاثة آلاف
(وفى هذه السنة) بويع بدمشق لمروان بن محمد بالخلافة
ذكر الخبر عن سبب البيعة له
* حدثني أحمد قال حدثنا عبد الوهاب بن إبراهيم قال حدثنا أبو هاشم مخلد
ابن محمد مولى عثمان بن عفان قال لما قيل قد دخلت خيل مروان دمشق هرب
إبراهيم بن الوليد وتغيب فأنهب سليمان ما كان في بيت المال وقسمه فيمن معه
من الجند وخرج من المدينة وثار من فيها من موالى الوليد بن يزيد إلى دار
عبد العزيز بن الحجاج فقتلوه ونبشوا قبر يزيد بن الوليد وصلبوه على باب الجابية
ودخل مروان دمشق فنزل عالية وأتى بالغلامين مقتولين وبيوسف بن عمر
فأمر بهم فدفنوا وأتى بأبي محمد السفياني محمولا في كبوله فسلم عليه بالخلافة ومروان
يومئذ يسلم عليه بالامرة فقال له مه فقال إنهما جعلاها لك بعدهما وأنشده شعرا
قاله الحكم في السجن قال وكانا قد بلغا وولد لأحدهما وهو الحكم والآخر قد احتلم
قبل ذلك بسنتين قال فقال الحكم
ألا من مبلغ مروان عنى * وعمى الغمر طال بذا حنينا
606

بأني قد ظلمت وصار قومي * على قتل الوليد متابعينا
أيذهب كلبهم بدمي ومالي * فلا غثا أصبت ولا سمينا
ومروان بأرض بنى نزار * كليث الغاب مفترس عرينا
ألم يحزنك قتل فتى قريش * وشقهم عصى المسلمينا
ألا فاقر السلام على قريش * وقيس بالجزيرة أجمعينا
وساد الناقص القدري فينا * وألقى الحرب بين بنى أبينا
فلو شهد الفوارس من سليم * وكعب لم أكن لهم رهينا
ولو شهدت ليوث بنى تميم * لما بعنا تراث بنى أبينا
أتنكث بيعتي من أجل أمي * فقد بايعتم قبلي هجينا
فليت خؤلتي من غير كلب * وكانت في ولادة آخرينا
فإن أهلك أنا وولى عهدي * فمروان أمير المؤمنينا
ثم قال ابسط يدك أبايعك وسمعه من مع مروان من أهل الشأم فكان أول
من نهض معاوية بن يزيد بن الحصين بن نمير ورؤس أهل حمص فبايعوه فأمرهم
أن يختاروا لولاية أجنادهم فاختار أهل دمشق زامل بن عمرو الجبراني وأهل
حمص عبد الله بن شجرة الكندي وأهل الأردن الوليد بن معاوية بن مروان
وأهل فلسطين ثابت بن نعيم الجذامي الذي كان استخرجه من سجن هشام
وغدر به بأرمينية فأخذ عليهم العهود المؤكدة والايمان المغلظة على بيعته
وانصرف إلى منزله من حران (قال أبو جعفر) فلما استوت لمروان بن محمد
الشأم وانصرف إلى منزله بحران طلب الأمان منه إبراهيم بن الوليد وسليمان بن هشام
فآمنهم فقدم عليه سليمان وكان سليمان بن هشام يومئذ بتدمر بمن معه من إخوته وأهل
بيته ومواليه الذكوانية فبايعوا مروان بن محمد (وفى هذه السنة) انتقض على
مروان أهل حمص وسائر أهل الشأم فحاربهم
ذكر الخبر عن أمرهم وأمره وعن سبب ذلك
* حدثني أحمد قال حدثني عبد الوهاب بن إبراهيم قال حدثنا أبو هاشم مخلد
607

ابن محمد بن صالح قال لما انصرف مروان إلى منزله من حران بعد فراغه من أهل
الشأم لم يلبث إلا ثلاثة أشهر حتى خالفه أهل الشأم وانتقضوا عليه وكان الذي
دعاهم إلى ذلك ثابت بن نعيم وراسلهم وكاتبهم وبلغ مروان خبرهم فسار إليهم
بنفسه وأرسل أهل حمص إلى من بتدمر من كلب فشخص إليهم الأصبغ بن ذؤالة
الكلبي ومعه بنون له ثلاثة رجال حمزة وذؤالة وفرافصة ومعاوية السكسكي وكان
فارس أهل الشأم وعصمة بن المقشعر وهشام بن مصاد وطفيل بن حارثة ونحو
من ألف من فرسانهم فدخلوا مدينة حمص ليلة الفطر من سنة 127 قال ومروان
بحماة ليس بينه وبين مدينة حمص إلا ثلاثون ميلا فأتاه خبرهم صبيحة الفطر فجد
في السير ومعه يومئذ إبراهيم بن الوليد المخلوع وسليمان بن هشام وقد كانا راسلاه
وطلبا إليه الأمان فصارا معه في عسكره يكرمهما ويدنيهما ويجلسان معه على
غدئه وعشائه ويسيران معه في موكبه فانتهى إلى مدينة حمص بعد الفطر بيومين
والكلبية فيها قد؟؟ ردموا أبوابها من داخل وهو على عدة معه روابطه فأحدقت
خيله بالمدينة ووقف حذاء باب من أبوابها وأشرف على جماعة من الحائط فناداهم
مناديه ما دعاكم إلى النكث قالوا فإنا على طاعتك لم ننكث فقال لهم فإن كنتم على
ما تذكرون فافتحوا ففتحوا الباب فاقتحم عمرو بن الوضاح في الوضاحية نحو من
ثلاثة آلاف فقاتلوهم في داخل المدينة فلما كثرتهم خيل مروان انتهوا إلى باب
من أبواب المدينة يقال له باب تدمر فخرجوا منه والروابط عليه فقاتلوهم فقتل
عامتهم وأفلت الأصبغ بن ذؤالة والسكسكي وأسرابنا الأصبغ ذؤالة وفرافصة
في نيف وثلاثين رجلا منهم فأتى مروان بهم فقتلهم وهو واقف وأمر بجمع قتلاهم
وهم خمسمائة أو ستمائة فصلبوا حول المدينة وهدم من حائط مدينتها نحوا من غلوة
وثار أهل الغوطة إلى مدينة دمشق فحاصروا أميرهم زامل بن عمرو وولوا عليهم
يزيد بن خالد القسري وثبت مع زامل المدينة وأهلها وقائد في نحو أربعمائة يقال
له أبو هبار القرشي فوجه إليهم مروان بن حمص أبا الورد بن الكوثر بن زفر
ابن الحارث واسمه مجزاة وعمرو بن الوضاح في عشرة آلاف فلما دنوا من المدينة
608

حملوا عليهم وخرج أبو هبار وخيله من المدينة فهزموهم واستباحوا عسكرهم
وحرقوا المزة من قرى اليمانية ولجأ يزيد بن خالد وأبو علاقة إلى رجل من لخم
من أهل المزة فدل عليهما زامل فأرسل إليهما فقتلا قبل أن يوصل بهما إليه فبعث
برأسيهما إلى مروان بحمص وخرج ثابت بن نعيم من أهل فلسطين حتى أتى مدينة
طبرية فحاصر أهلها وعليها الوليد بن معاوية بن مروان ابن أخي عبد الملك بن مروان
فقاتلوه أياما فكتب مروان إلى أبى الورد أن يشخص إليهم فيمدهم قال فرحل من
دمشق بعد أيام فلما بلغهم دنوه خرجوا من المدينة على ثابت ومن معه فاستباحوا
عسكرهم فانصرف إلى فلسطين منهزما فجمع قومه وجنده ومضى إليه أبو الورد
فهزمه ثانية وتفرق من معه وأسر ثلاثة رجال من ولده وهم نعيم وبكر وعمران
فبعث بهم إلى مروان فقدم بهم عليه وهو بدير أبوب جرحى فأمر بمداواة جراحاتهم
وتغيب ثابت بن نعيم فولى الرماحس بن عبد العزيز الكناني فلسطين وأفلت مع
ثابت من ولده رفاعة بن ثابت وكان أخبثهم فلحق بمنصور بن جمهور فأكرمه وولاه
وخلفه مع أخ له يقال له منظور بن جمهور فوثب عليه فقتله فبلغ منصورا وهو
متوجه إلى الملتان وكان أخوه بالمنصورة فرجع إليه فأخذه فبنى له أسطوانة من
آجر مجوفة وأدخله فيها ثم سمره إليها وبنى عليه قال وكتب مروان إلى الرماحس
في طلب ثابت والتلطف له فدل عليه رجل من قومه فأخذ ومعه نفر فأتى به مروان
موثقا بعد شهرين فأمر به وببنيه الذين كانوا في يديه فقطعت أيديهم وأرجلهم ثم
حملوا إلى دمشق فرأيتهم مقطعين فأقيموا على باب مسجدها لأنه كان يبلغه أنهم
يرجفون بثابت ويقولون إنه أتى مصر فغلب عليها وقتل عامل مروان بها وأقبل
مروان من دير أيوب حتى بايع لابنيه عبيد الله وعبد الله وزوجهما ابنتي هشام
ابن عبد الملك أم هشام وعائشة وجمع لذلك أهل بيته جميعا منهم من ولد عبد الملك محمد
وسعيد وبكاء وولد الوليد وسليمان ويزيد وهشام وغيرهم من قريش ورؤوس
العرب وقطع على أهل الشأم بعثا و قواهم وولى على كل جند منهم قائدا منهم
وأمرهم باللحاق بيزيد بن عمر بن هبيرة وكان قبل مسيره إلى الشأم وجهه في
عشرين ألفا من أهل قنسرين والجزيرة وأمره أن ينزل دورين إلى أن يقدم وصيره
(39 - 5)
609

مقدمة له وانصرف من دير أيوب إلى دمشق وقد استقامت له الشأم كلها ما خلا
تدمر وأمر بثابت بن نعيم وبنيه والنفر الذين قطعهم فقتلوا وصلبوا على أبواب
دمشق قال فرأيتهم حين قتلوا وصلبوا قال واستبقى رجلا منهم يقال له عمرو بن
الحارث الكلبي وكان فيما زعموا عنده علم من أموال كان ثابت وضعها عند قوم
ومضى بمن معه فنزل القسطل من أرض حمص مما يلي تدمر بينهما مسيرة ثلاثة
أيام وبلغه أنهم قد عوروا ما بينه وبينها من الآبار وطموها بالصخر فهيأ المزاد
والقرب والاعلاف والإبل فحمل ذلك له ولمن معه فكلمه الأبرش بن الوليد وسليمان
ابن هشام وغيرهما وسألوه أن يعذر إليهم ويحتج عليهم فأجابهم إلى ذلك فوجه الأبرش
إليهم أخاه عمرو بن الوليد وكتب إليهم يحذرهم ويعلمهم أنه يتخوف أن يكون هلاكه
وهلاك قومه فطردوه ولم يجيبوه فسأله الأبرش أن يأذن له في التوجيه إليهم ويؤجله
أياما ففعل فأتاهم فكلمهم وخوفهم وأعلمهم أنهم حمقى وأنه لا طاقة لهم به وبمن معه فأجابه
عامتهم وهرب من لم يثق به منهم إلى برية كلب وناديتهم وهم السكسكي وعصمة بن المقشعر
وطفيل بن حارثة ومعاوية بن أبي سفيان بن يزيد بن معاوية وكان صهر الأبرش على
ابنته وكتب الأبرش إلى مروان يعلمه ذلك فكتب إليه مروان أن اهدم حائط
مدينتهم وانصرف إلى بمن بايعك منهم فانصرف إليه ومعه رؤوسهم الأصبغ
ابن ذؤالة وابنه حمزة وجماعة من رؤوسهم وانصرف مروان بهم على طريق البرية
على سورية ودير اللثق حتى قدم الرصافة ومعه سليمان بن هشام وعمه سعيد بن
عبد الملك وإخوته جميعا وإبراهيم المخلوع وجماعة من ولد الوليد وسليمان ويزيد
فاقاموا بها يوما ثم شخص إلى الرقة فاستأذنه سليمان وسأله أن يأذن له أن يقيم
أياما ليقوى من معه من مواليه ويجم ظهره ثم يتبعه فأذن له ومضى مروان فنزل
عند واسط على شاطئ الفرات في عسكر كان ينزله فأقام به ثلاثة أيام ثم مضى
إلى قرقيسيا وابن هبيرة بها ليقدمه إلى العراق لمحاربة الضحاك بن قيس الشيباني
الحروري فأقبل نحو من عشرة آلاف ممن كان مروان قطع عليه البعث بدير أيوب
لغزو العراق مع قوادهم حتى حلوا بالرصافة فدعوا سليمان إلى خلع مروان
ومحاربته (وفى هذه السنة) دخل الضحاك بن قيس الشيباني الكوفة
610

ذكر الاخبار عن خروج الضحاك محكما ودخوله الكوفة
ومن أين كان إقباله إليها
اختلف في ذلك من أمره فاما أحمد فإنه حدثني عن عبد الوهاب بن إبراهيم
قال حدثني أبو هاشم مخلد بن محمد قال كان سبب خروج الضحاك أن الوليد حين
قتل خرج بالجزيرة حروري يقال له سعيد بن بهدل الشيباني في مائتين من أهل
الجزيرة فيهم الضحاك فاغتنم قتل الوليد واشتغال مروان بالشام فخرج بأرض
كفرتوثا وخرج بسطام البيهسي وهو مفارق لرأيه في مثل عدتهم من ربيعة
فسار كل واحد منهما إلى صاحبه فلما تقارب العسكران وجه سعيد بن بهدل الخيبري
وهو أحد قواده وهو الذي هزم مروان في نحو من مائة وخمسين فارسا ليبيته
فانتهى إلى عسكره وهم غارون وقد أمر كل واحد منهم أن يكون معه ثوب أبيض
يجلل به رأسه ليعرف بعضهم بعضا فبكروا في عسكرهم فأصابوهم في غرة فقال الخيبري
إن يك بسطام فإني الخيبري * أضرب بالسيف وأحمى عسكري
فقتلوا بسطاما وجميع من معه الا أربعة عشر فلحقوا بمروان فكانوا معه
فأثبتهم في روابطه وولى عليهم رجلا منهم يقال له مقاتل ويكنى أبا النعثل ثم
مضى سعيد بن بهدل نحو العراق لما بلغه من تشتيت الامر بها واختلاف أهل
الشأم وقتال بعضهم بعضا مع عبد الله بن عمرو النضر بن سعيد الحرشي وكانت
اليمانية من أهل الشأم مع عبد الله بن عمر بالحيرة والمضرية مع ابن الحرشي بالكوفة
فهم يقتتلون فيما بينهم غدوة وعشية قال فمات سعيد بن بهدل في وجهه ذلك من
طاعون أصابه واستخلف الضحاك بن قيس من بعده وكانت له امرأة تسمى
حوماء فقال الخيبري في ذلك
سقى الله يا حوماء قبر ابن بهدل * إذا رحل السارون لم يترحل
قال واجتمع مع الضحاك نحو من ألف وتوجه إلى الكوفة ومر بأرض
الموصل فاتبعه منها ومن أهل الجزيرة نحو من ثلاثة آلاف وبالكوفة يومئذ
النضر بن سعيد الحرشي ومعه المضرية وبالحيرة عبد الله بن عمر في اليمانية فهم
متعصبون يقتتلون فيما بين الكوفة والحيرة فلما دنا إليه الضحاك فيمن معه من
611

الكوفة اصطلح ابن عمرو الحرشي فصار أمرهم واحدا ويدا على قتال الضحاك
وخندقا على الكوفة ومعهما يومئذ من أهل الشأم نحو من ثلاثين ألفا لهم قوة
وعدة ومعهم قائد من أهل قنسرين يقال له عباد بن الغزيل في ألف فارس
قد كان مروان أمد به ابن الحرشي فبرزوا لهم فقاتلوهم فقتل يومئذ عاصم بن
عمر بن عبد العزيز وجعفر بن عباس الكندي وهزموهم أقبح هزيمة ولحق عبد الله
ابن عمر في جماعتهم بواسط وتوجه ابن الحرشي وهو النضر وجماعة المضرية وإسماعيل
ابن عبد الله القسري إلى مروان فاستولى الضحاك والجزرية على الكوفة وأرضها
وجبوا السواد ثم استخلف الضحاك رجلا من أصحابه يقال له ملحان على الكوفة
في مائتي فارس ومضى في عظم أصحابه إلى عبد الله بن عمر بواسط فحاصره بها
وكان معه قائد من قواد أهل قنسرين يقال له عطية التغلبي وكان من الأشداء
فلما تخوف محاصرة الضحاك خرج في سبعين أو ثمانين من قومه متوجها إلى
مروان فخرج على القادسية فبلغ ملحانا ممره فخرج في أصحابه مبادرا يريده
فلقيه على قنطرة السيلحين وملحان قد تسرع في نحو من ثلاثين فارسا فقاتله فقتله
عطية وناسا من أصحابه وانهزم بقيتهم حتى دخلوا الكوفة ومضى عطية حتى لحق
فيمن معه مروان * وأما أبو عبيدة معمر بن المثنى فإنه قال حدثني أبو سعيد
قال لما مات سعيد بن بهدل المري وبايعت الشراة للضحاك أقام بشهرزور وثابت
إليه الصفرية من كل وجه حتى صار في أربعة آلاف فلم يجتمع مثلهم لخارجي
قط قبله قال وهلك يزيد بن الوليد وعامله على العراق عبد الله بن عمر فانحط
مروان من أرمينية حتى نزل الجزيرة وولى العراق النضر بن سعيد وكان من
قواد ابن عمر فشخص إلى الكوفة ونزل ابن عمر الحيرة فاجتمعت المضرية إلى
النضر واليمانية إلى ابن عمر فحاربه أربعة أشهر ثم أمد مروان النضر بابن الغزيل
فأقبل الضحاك نحو الكوفة وذلك في سنة 127 فأرسل ابن عمر إلى النضر هذا
لا يريد غيري وغيرك فهلم نجتمع عليه فتعاقدا عليه وأقبل ابن عمر فنزل تل
الفتح وأقبل الضحاك ليعبر الفرات فأرسل إليه ابن عمر حمزة بن الأصبغ بن ذؤالة
الكلبي ليمنعه من العبور فقال عبيد الله بن العباس الكندي دعه يعبر إلينا فهو
612

أهون علينا من طلبه فأرسل ابن عمر إلى حمزة يكفه عن ذلك فنزل ابن عمر الكوفة
وكان يصلى في مسجد الأمير بأصحابه والنصر بن سعيد في ناحية الكوفة يصلى
بأصحابه لا يجامع ابن عمر ولا يصلى معه غير أنهما قد تكافأ واجتمعا على قتال الضحاك
وأقبل الضحاك حين رجع حمزة حتى عبر الفرات ونزل النخيلة يوم الأربعاء في
رجب سنة 127 فخف إليهم أهل الشأم من أصحاب ابن عمر والنضر قبل أن ينزلوا
فأصابوا منهم أربعة عشر فارسا وثلاث عشرة امرأة ثم نزل الضحاك وضرب
عسكره وعبى أصحابه وأراح ثم تغادوا يوم الخميس فاقتتلوا قتالا شديدا فكشفوا
ابن عمرو أصحابه وقتلوا أخاه عاصما قتله البرذون بن مرزوق الشيباني فدفنه
بنو الأشعث بن قيس في دارهم وقتلوا جعفر بن العباس الكندي أخا عبيد الله وكان
جعفر على شرطة عبد الله بن عمرو كان الذي قتل جعفرا عبد الملك بن علقمة بن
عبد القيس وكان جعفر حين رهقه عبد الملك نادى ابن عم له يقال له شاشلة فكر
عليه شاشلة وضربه رجل من الصفرية ففلق وجهه قال أبو سعيد فرأيته بعد ذلك
كأن له وجهين وأكب عبد الملك على جعفر فذبحه ذبحا فقالت أم البرذون الصفرية
نحن قتلنا عاصما وجعفرا * والفارس الضبي حين أصحرا
ونحن جئنا الخندق المقعرا
فانهزم أصحاب ابن عمر وأقبل الخوارج فوقفوا على خندقنا إلى الليل ثم انصرفوا
ثم تغادينا يوم الجمعة فوالله ما تتاممنا حتى هزمونا فدخلنا خنادقنا وأصبحنا يوم السبت
فإذا الناس يتسللون ويهربون إلى واسط ورأوا قوما لم يروا مثلهم قط أشدا بأسا
كأنهم الأسد عند أشبالها فذهب ابن عمر ينظر أصحابه فإذا عامتهم قد هربوا تحت
الليل ولحق عظمهم بواسط فكان ممن لحق بواسط النضر بن سعيد وإسماعيل بن
عبد الله ومنصور بن جمهور والأصبغ بن ذؤالة وابناه حمزة وذؤالة والوليد بن
حسان الغساني وجميع الوجوه وبقى ابن عمر فيمن بقى من أصحابه مقيما لم يبرح
ويقال إن عبد الله لما ولى العراق ولى الكوفة عبيد الله بن العباس الكندي
وعلى شرطه عمر بن الغضبان بن القبعثري فلم يزالا على ذلك حتى مات يزيد بن
الوليد وقام إبراهيم بن الوليد فأقر ابن عمر على العراق فولى ابن عمر أخاه عاصما
613

على الكوفة وأقر ابن الغضبان على شرطه فلم يزالوا على ذلك حتى خرج عبد الله
ابن معاوية فاتهم عمر بن الغضبان فلما انقضى أمر عبد الله بن معاوية ولى
عبد الله بن عمر عمر بن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب الكوفة
وعلى شرط الحكم بن عتيبة الأسدي من أهل الشأم ثم عزل عمر بن عبد الحميد
عن الكوفة وولى عمر بن الغضبان وعلى شرطه الحكم بن عتيبة الأسدي ثم عزل
عمر بن الغضبان عن شرطه وولى الوليد بن حسان الغساني ثم ولى إسماعيل بن
عبد الله القسري وعلى شرطه أبان بن الوليد ثم عزل إسماعيل وولى عبد الصمد
ابن أبان بن النعمان بن بشير الأنصاري ثم عزل فولى عاصم بن عمر فقدم عليه
الضحاك بن قيس الشيباني ويقال إنما قدم الضحاك وإسماعيل بن عبد الله القسري
في القصر وعبد الله بن عمر بالحيرة وابن الحرشي بدير هند فغلب الضحاك على
الكوفة وولى ملحان بن معروف الشيباني عليها وعلى شرطه الصفر من بنى حنظلة
حروري فخرج ابن الحرشي يريد الشأم فعارضه ملحان فقتله ابن الحرشي فولى
الضحاك على الكوفة حسان فولى ابنه الحارث على شرطه وقال عبد الله بن عمر
يرثى أخاه عاصما لما قتله الخوارج
رمى غرضي ريب الزمان فلم يدع * غداة رمى للقوس في الكف منزعا
رمى غرضي الأقصى فأقصد عاصما * أخا كان لي حرزا ومأوى ومفزعا
فإن تك أحزان وفائض عبرة * أذابت عبيطا من دم الجوف منقعا
تجرعتها في عاصم واحتسيتها * فأعظم منها ما احتسى وتجرعا
فليت المنايا كن خلفن عاصما * فعشنا جميعا أو ذهبن بنا معا
وذكر أن عبد الله بن عمر يقول بلغني أن عين بن عين بن عين بن عين
يقتل ميم بن ميم بن ميم بن ميم وكان يأمل أن يقتله فقتله عبد الله بن علي بن
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب فذكر أن أصحاب ابن عمر لما انهزموا فلحقوا
بواسط قال لابن عمر أصحابه علام تقيم وقد هرب الناس قال أتلوم وأنظر فأقام
يوما أو يومين لا يرى إلا هاربا قد امتلأت قلوبهم رعبا من الخوارج فأمر عند
ذلك بالرحيل إلى واسط وجمع خالد بن الغزيل أصحابه فلحق بمروان وهو مقيم
614

بالجزيرة ونظر عبد الله بن العباس الكندي إلى ما لقى الناس فلم يأمن على نفسه
فجنح إل الضحاك فبايعه وكان معه في عسكره فقال أبو عطاء السندي يعيره باتباعه
الضحاك وقد قتل أخاه
قل لعبيد الله لو كان جعفر * هو الحي لم يجنح وأنت قتيل
ولم يتبع المراق والثار فيهم * وفى كفه عضب الذباب صقيل
إلى معشر أردوا أخاك وأكفروا * أباك فماذا بعد ذاك تقول
فلما بلغ عبيد الله بن العباس هذا البيت من قول أبى عطاء قال أقول أعضك
الله ببظر أمك:
فلا وصلتك الرحم من ذي قرابة * وطالب وتر والذليل ذليل
تركت أخا شيبان يسلب بزه * ونجاك خوار العنان مطول
قال فنزل ابن عمر منزل الحجاج بن يوسف بواسط فيما قيل في اليمانية ونزل
النضر وأخوه سليمان ابنا سعيد وحنظلة بن نباتة وابناه محمد ونباتة في المضرية
ذات اليمين إذا صعدت من البصرة وخلوا الكوفة والحيرة للضحاك والشراة
وصارت في أيديهم وعادت الحرب بين عبد الله بن عمرو النضر بن سعيد الحرشي إلى
ما كان عليه قبل قدوم الضحاك يطلب النضر أن يسلم إليه عبد الله بن عمرو لاية العراق
بكتاب مروان ويأيى عبد الله بن عمر واليمانية مع ابن عمر والنزارية مع النضر وذلك
أن جند أهل اليمن كانوا مع يزيد الناقص تعصبا على الوليد حيث أسلم خالد بن عبد الله
القسري إلى يوسف بن عمر حتى قتله وكانت القيسية مع مروان لأنه طلب بدم
الوليد وأخوال الوليد من قيس ثم من ثقيف أمه زينب بنت محمد بن يوسف ابنة
أخي الحجاج فعادت الحرب بين ابن عمر والنضر ودخل الضحاك الكوفة فأقام
بها واستعمل عليها ملحان الشيباني في شعبان سنة 127 فأقبل منقضا في الشراة
إلى واسط متبعا لابن عمر والنضر فنزل باب المضمار فلما رأى ذلك ابن عمر والنضر
نكلا عن الحرب فيما بينهما وصارت كلمتهما عليه واحدة كما كانت بالكوفة فجعل
النضر وقواده يعبرون الجسر فيقاتلون الضحاك وأصحابه مع ابن عمر ثم يعودون
إلى مواضعهم ولا يقيمون مع ابن عمر فلم يزالوا على ذلك شعبان وشهر رمضان
615

وشوال فاقتتلوا يوما من تلك الأيام فاشتد قتالهم فشد منصور بن جمهور على قائد
من قواد الضحاك كان عظيم القدر في الشراة يقال له عكرمة بن شيبان فضربه على
باب القورج فقطعه باثنين فقتله وبعث الضحاك قائدا من قواده يدعى شوالا
من بنى شيبان إلى باب الزاب فقال اضرمه عليهم نارا فقد طال الحصار علينا فانطلق
شوال ومعه الخيبري أحد بنى شيبان في خيلهم فلقيهم عبد الملك بن علقمة فقال
لهم أين تريدون فقال له شوال نريد باب الزاب أمرني أمير المؤمنين بكذا وكذا
فقال أنا معك فرجع معه وهو حاسر لا درع عليه وكان من قواد الضحاك أيضا
وكان أشد الناس فانتهوا إلى الباب فأضرموه فأخرج لهم عبد الله بن عمر منصور
ابن جمهور في ستمائة فارس من كلب فقاتلوهم أشد القتال وجعل عبد الملك بن
علقمة يشد عليهم وهو حاسر فقتل منهم عدة فنظر إليه منصور بن جمهور فغاظه
صنيعه فشد عليه فضربه على حبل عاتقه فقطعه حتى بلغ حرقفته فخر ميتا وأقبلت
امرأة من الخوارج شادة حتى أخذت بلجام منصور بن جمهور فقالت يا فاسق
أجب أمير المؤمنين فضرب يدها ويقال ضرب عنان دابته فقطعه في يدها ونجا
فدخل المدينة الخيبري يريد منصورا فاعترض عليه ابن عم له من كلب فضربه
الخيبري فقتله وكان يزعم أنه من أبناء ملوك فارس فقال يرثى عبد الملك بن علقمة
وقائلة ودمع العين تجرى * على روح بن علقمة السلام
أأدركك الحمام وأنت سار * وكل فتى لمصرعه حمام
فلا رعش البدين ولاهدان * ولا وكل اللقاء ولاكهام
وما قتل على شار بعار * ولكن يقتلون وهم كرام
طغام الناس ليس لهم سبيل * شجاني يا ابن علقمة الطغام
ثم إن منصورا قال لابن عمر ما رأيت في الناس مثل هؤلاء قط يعنى الشراة
فلم تحاربهم وتشغلهم عن مروان أعطهم الرضا واجعلهم بينك وبين مروان
فإنك إن أعطيتهم الرضا خلوا عنا ومضوا إلى مروان فكان حدهم وبأسهم عليه
وأقمت أنت مستريحا بموضعك هذا فإن ظفروا بها كان ما أردت وكنت عندهم
آمنا وإن ظفر بهم وأردت خلافه وقتاله قاتلته جاما مستريحا مع أن أمره وأمرهم
616

سيطول ويوسعونه شرا فقال ابن عمر لا تعجل حتى نتلوم وننظر فقال أي شئ
ننتظر فما تستطيع أن تطلع معهم ولا تستقر وإن خرجنا لم نقم لهم فما انتظارنا
بهم ومروان في راحة وقد كفيناه حدهم وشغلناهم عنه أما أنا فخارج لاحق بهم
فخرج فوقف حيال صفهم وناداهم إني جانح أريد أن أسلم وأسمع كلام الله قال وهى
محنتهم فلحق بهم فبايعهم وقال قد أسلمت فدعوا له بغداء فتغدى ثم قال لهم من
الفارس الذي أخذ بعناني يوم الزاب يعنى يوم ابن علقمة فنادوا يا أم العنبر فخرجت
إليهم فإذا أجمل الناس فقالت له أنت منصور قال نعم قالت قبح الله سيفك أين
ما تذكر منه فوالله ما صنع شيئا ولا ترك تعنى ألا يكون قتلها حين أخذت بعنانه
فدخلت الجنة وكان منصور لا يعلم يومئذ أنها امرأة فقال يا أمير المؤمنين زوجنيها
قال إن لها زوجا وكانت تحت عبيدة بن سوار التغلبي قال ثم إن عبد الله بن عمر
خرج إليهم في آخر شوال فبايعه (وفى هذه السنة) أعنى سنة 127 خلع سليمان
ابن هشام بن عبد الملك بن مروان مروان بن محمد ونصب الحرب
ذكر ما جرى بينهما
* حدثني أحمد بن زهير قال حدثني عبد الوهاب بن إبراهيم قال حدثني أبو هاشم
مخلد بن محمد بن صالح قال لما شخص مروان من الرصافة إلى الرقة لتوجيه ابن
هبيرة إلى العراق لمحاربة الضحاك بن قيس الشيباني استأذنه سليمان بن هشام في
مقام أيام لاجمام ظهره وإصلاح أمره فأذن له ومضى مروان فأقبل نحو من
عشرة آلاف ممن كان مروان قطع عليه البعث بدير أيوب لغزو العراق مع قوادهم
حتى جاءوا الرصافة فدعوا سليمان إلى خلع مروان ومحاربته وقالوا أنت أرضى
منه عند أهل الشأم وأولى بالخلافة فاستزله الشيطان فأجابهم وخرج إليهم بإخوته
وولده ومواليه فعسكر وسار بجميعهم إلى قنسرين فكاتب أهل الشأم فانقضوا
إليه من كل وجه وجند وأقبل مروان بعد أن شارف قرقيسيا منصرفا إليه وكتب
إلى ابن هبيرة يأمره بالثبوت في عسكره من دورين حتى نزل معسكره بواسط
واجتمع من كان بالهني من موالى سليمان وولد هشام فدخلوا حصن الكامل
بذراريهم فتحصنوا فيه وأغلقوا الأبواب دونه فأرسل إليهم ماذا صنعتم خلعتم
617

طاعتي ونقضتم بيعتي بعد ما أعطيتموني من العهود والمواثيق فردوا على رسله إنا
مع سليمان على من خالفه فرد إليهم إني أحذركم وأنذركم أن تعرضوا لاحد ممن
تبعني من جندي أو يناله منكم أذى فتحلوا بأنفسكم ولا أمان لكم عندي فأرسلوا
إليه انا سنكف ومضى مروان فجعلوا يخرجون من حصنهم فيغيرون على من
اتبعه من أخريات الناس وشذان الجند فيسلبونهم خيولهم وسلاحهم وبلغه
ذلك فتحرق عليهم غيظا واجتمع إلى سليمان نحو من سبعين ألفا من أهل الشأم
والذكوانية وغيرهم وعسكر في قرية لبنى زفر يقال لها خساف من قنسرين من
أرضها فلما دنا منه مروان قدم السكسكي في نحو سبعة آلاف ووجه مروان
عيسى بن مسلم في نحو من عدتهم فالتقوا فيما بين العسكرين فاقتتلوا قتالا شديدا
والتقى السكسكي وعيسى وكل واحد منها فارس بطل فاطعنا حتى تقصفت رماحهما
ثم صارا إلى السيوف فضرب السكسكي مقدم فرس صاحبه فسقط لجامه في صدره
وجال به فرسه فاعترضه السكسكي فضربه بالعمود فصرعه ثم نزل إليه فأسره وبارز
فارسا من فرسان أنطاكية يقال له سلساق قائد الصقالبة فأسره وانهزمت مقدمته
وبلغه الخبر وهو في مسيره فمضى وطوى على تعبية ولم ينزل حتى انتهى إلى سليمان
وقد تعبي له وتهيأ لقتاله فلم يناظره حتى واقعه فانهزم سليمان ومن معه واتبعتهم
خيوله تقتلهم وتأسرهم وانتهوا إلى عسكرهم فاستباحوه ووقف مروان موقفا
وأمر ابنيه فوقفا موقفين ووقف كوثر صاحب شرطته في موضع ثم أمرهم ألا
يأتوا بأسير إلا قتلوه إلا عبدا مملوكا فأحصى من قتلاهم يومئذ نيف على ثلاثين
ألفا قال وقتل إبراهيم بن سليمان أكبر ولده وأتى بخال لهشام بن عبد الملك يقال
له خالد بن هشام المخزومي وكان بادنا كثير اللحم فأدنى إليه وهو يلهث فقال
له يا فاسق أما كان لك في خمر المدينة وقيانها ما يكفك عن الخروج مع الخراء
تقاتلني قال يا أمير المؤمنين أكرهني فأنشدك الله والرحم قال وتكذب أيضا
كيف أكرهك وقد خرجت بالقيان والزقاق والبرابط معك في عسكره فقتله قال
وادعى كثير من الاسراء من الجند أنهم رقيق فكف عن قتلهم وأمر ببيعهم فيمن يريد مع ما بيع أصيب في عسكرهم قال ومضى سليمان مفلولا حتى انتهى
618

إلى حمص فانضم إليه من أفلت ممن كان معه فعسكر بها وبنى ما كان مروان أمر
بهدمه من حيطانها ووجه مروان يوم هزمه قوادا وروابط في جريدة خيل
وتقدم إليهم أن يسبقوا كل خبر حتى يأتوا الكامل فيحدقوا بها إلى أن يأتيهم
حنقا عليهم فأتوهم فنزلوا عليهم وأقبل مروان نحوهم حتى نزل معسكره من
واسط فأرسل إليهم أن أنزلوا على حكمي فقالوا لا حتى تؤمننا بأجمعنا فدلف إليهم
ونصف عليهم المجانيق فلما تتابعت الحجارة عليهم نزلوا على حكمه فمثل بهم
واحتملهم أهل الرقة فآووهم وداووا جراحاتهم وهلك بعضهم وبقى أكثرهم
وكانت عدتهم جميعا نحوا من ثلاثمائة ثم شخص إلى سليمان ومن تجمع معه بحمص
فلما دنا منهم اجتمعوا فقال بعضهم لبعض حتى متى ننهزم من مروان هلموا فلنتبايع
على الموت ولا نفترق بعد معاينته حتى نموت جميعا فمضى على ذلك من فرسانهم
من قد وطن نفسه على الموت نحو من تسعمائة وولى سليمان على شطرهم معاوية
السكسكي وعلى الشطر الباقي ثبيتا البهراني فتوجهوا إليه مجتمعين على أن يبيتوه
إن أصابوا منه غرة وبلغه خبرهم وما كان منهم فتحرز وزحف إليهم في الخنادق
على احتراس وتعبية فراموا تبييته فلم يقدروا فتهيؤا له وكمنوا في زيتون ظهر
على طريقه في قرية تسمى تل منس من جبل السماق فخرجوا عليه وهو يسير على
تعبية فوضعوا السلاح فيمن معه وانتبذ لهم ونادى خيوله فثابت إليه من المقدمة
والمجنبتين والساقد فقاتلوهم من لدن ارتفاع النهار إلى بعد العصر والتقى السكسكي
وفارس من فرسان بنى سليم فاضطر أبا فصرعه السلمي عن فرسه ونزل إليه وأعانه
رجل من بنى تميم فأتياه به أسيرا وهو واقف فقال الحمد لله الذي أمكن منك
فطالما بلغت منا فقال استبقني فإني فارس العرب قال كذبت الذي جاء بك أفرس
منك فأمر به فأوثق وقتل ممن صبر معه نحو من ستة آلاف قال وأفلت ثبيت
ومن انهزم معه فلما أتوا سليمان خلف أخاه سعيد بن هشام في مدينة حمص
وعرف أنه لا طاقة له به ومضى هو إلى تدمر فأقام بها ونزل مروان على حمص
فحاصرهم بها عشرة أشهر ونصب عليها نيفا وثمانين منجنيقا فطرح عليهم حجارتها
بالليل والنهار وهم في ذلك يخرجون إليه كل يوم فيقاتلونه وربما بيتوا نواحي
619

عسكره وأغاروا على الموضع الذي يطمعون في إصابة العورة والفرصة منه
فلما تتابع عليهم البلاء ولزمهم الذل سألوه أن يؤمنهم على أن يمكنوه من سعيد
ابن هشام وابنيه عثمان ومروان ومن رجل كان يسمى السكسكي كان يغير على
عسكرهم ومن حبشي كان يشتمه ويفترى عليه فأجابهم إلى ذلك وقبله وكانت
قصة الحبشي انه كان يشرف على الحائط ويربط في ذكره ذكر حمار ثم يقول يا بنى
سليم يا أولاد كذا وكذا هذا لواؤكم وكان يشتم مروان فلما ظفر به دفعه إلى بنى
سليم فقطعوا مذاكيره وأنفه ومثلوا به وأمر بقتل المتسمى السكسكي والاستيثاق
من سعيد وابنيه وأقبل متوجها إلى الضحاك * وأما غير أبى هاشم مخلد بن محمد
فإنه ذكر من أمر سليمان بن هشام بعد انهزامه من وقعة خساف غير ما ذكره مخلد
والذي ذكره من ذلك ان سليمان بن هشام بن عبد الملك حين هزمه مروان
يوم خساف أقبل هاربا حتى صار إلى عبد الله بن عمر فخرج مع عبد الله بن عمر
إلى الضحاك فبايعه وأخبر عن مروان بفسق وجور وحضض عليه وقال أنا
سائر معكم في موالى ومن اتبعني فسار مع الضحاك حين سار إلى مروان فقال
شبيل بن عزرة الضبعي في بيعتهم الضحاك
ألم تر أن الله أظهر دينه * فصلت قريش خلف بكر بن وائل
فصارت كلمة ابن عمرو أصحابه واحدة على النضر بن سعيد فعلم أنه لا طاقة له
بهم فارتحل من ساعته يريد مروان بالشام وذكر أبو عبيدة أن بيهسا أخبره
لما دخل ذو القعدة سنة 127 استقام لمروان الشأم ونفى عنها من كان يخالفه فدعا
يزيد بن عمر بن هبيرة فوجهه عاملا على العراق وضم إليه أجناد الجزيرة فأقبل
حتى نزل نهر سعيد بن عبد الملك وأرسل ابن عمر إلى الضحاك يعلمه ذلك قال
فجعل الضحاك لتاميسان وقال إنها تكفيكم حتى ننظر عما تنجلي واستعمل ابن
عمر عليها مولاه الحكم بن النعمان (فأما أبو مخنف) فإنه قال فيما ذكر عنه هشام
إن عبد الله بن عمر صالح الضحاك على أن بيد الضحاك ما كان غلب عليه من
الكوفة وسوادها وبيد ابن عمر ما كان بيده من كسكر وميسان ودستميسان
وكور دجلة والأهواز وفارس فارتحل الضحاك حتى لقى مروان بكفر توثا من
620

أرض الجزيرة قال أبو عبيدة تهيأ الضحاك ليسير إلى مروان ومضى النضر يريد
الشأم فنزل القادسية وبلغ ذلك ملحان الشيباني عامل الضحاك على الكوفة فخرج
إليه فقاتله وهو في قلة من الشراة فقاتله فصبر حتى قتله النضر وقال ابن جدرة
يرثيه وعبد الملك بن علقمة
كائن كملحان من شار أخي ثقة * وابن علقمة المستشهد الشارى
من صادق كنت أصفيه مخالصتي * فباع داري بأعلى صفقة الدار
إخوان صدق أرجيهم وأخذلهم * أشكو إلى الله خذلاني وإخفارى
وبلغ الضحاك قتل ملحان فاستعمل على الكوفة المثنى بن عمران من بنى عائذة
ثم سار الضحاك في ذي القعدة فأخذ الموصل وانحط ابن هبيرة من نهر سعيد
حتى نزل غزة من عين التمر وبلغ ذلك المثنى بن عمران العائذي عامل الضحاك
على الكوفة فسار إليه فيمن معه من الشراة ومعه منصور بن جمهور وكان صار
إليه حين بايع الضحاك خلا فاعلي مروان فالتقوا بغزة فاقتتلوا قتالا شديدا أياما
متوالية فقتل المثنى وعزير وعمرو وكانوا من رؤساء أصحاب الضحاك وهرب
منصور وانهزمت الخوارج فقال مسلم حاجب يزيد
أرت للمثنى يوم غزة حتفه * وأدرت عزيرا بين تلك الجنادل
وعمرا أزارته المنية بعد ما * أطافت بمنصور كفات الحبائل
وقال غيلان بن حريث في مدحه ابن هبيرة
نصرت يوم العين إذ لقيتا * كنصر داؤود على جالوتا
فلما قتل منهم من قتل في يوم العين وهرب منصور بن جمهور أقبل لا يلوى
حتى دخل الكوفة فجمع بها جمعا من اليمانية والصفرية ومن كان تفرق منهم يوم
قتل ملحان ومن تخلف منهم عن الضحاك فجمعهم منصور جميعا ثم سار بهم حتى
نزل الروحاء وأقبل ابن هبيرة في أجناده حتى لقيهم فقاتلهم أياما ثم هزمهم وقتل
البرذون بن مرزوق الشيباني وهرب منصور ففي ذلك يقول غيلان بن حريث
ويوم روحاء العذيب دفعوا * على ابن مرزوق سمام مزعف
قال وأقبل ابن هبيرة حتى نزل الكوفة ونفى عنها الخوارج وبلغ الضحاك
621

ما لقى أصحابه فدعا عبيدة بن سوار التغلبي فوجهه إليهم وانحط ابن هبيرة يريد واسطا
وعبد الله بن عمر بها وولى على الكوفة عبد الرحمن بن بشير العجلي وأقبل عبيدة
ابن سوار مغذا في فرسان أصحابه حتى نزل الصراة ولحق به منصور بن جمهور
وبلغ ذلك ابن هبيرة فسار إليهم فالتقوا بالصراة في سنة 127 (وفى هذه السنة)
توجه سليمان بن كثير ولاهز بن قريظة وقحطبة بن شبيب فيما ذكر إلى مكة فلقوا
إبراهيم بن محمد الامام بها وأعلموه أن معهم عشرين ألف دينار ومائتي ألف درهم
ومسكا ومتاعا كثيرا فأمرهم بدفع ذلك إلى ابن عروة مولى محمد بن علي وكانوا
قدموا معهم بأبي مسلم ذلك العام فقال ابن كثير لإبراهيم بن محمد إن هذا مولاك
(وفيها) كتب بكير بن ماهان إلى إبراهيم بن محمد يخبره أنه في أول يوم من أيام الآخرة وآخر يوم من أيام الدنيا وأنه قد استخلف حفص بن سليمان وهو رضى
للامر وكتب إبراهيم إلى أبى سلمة يأمره بالقيام بأمر أصحابه وكتب إلى أهل
خراسان يخبرهم أنه قد أسند أمرهم إليه ومضى أبو سلمة إلى خراسان فصدقوه
وقبلوا أمره ودفعوا إليه ما اجتمع قبلهم من نفقات الشيعة وخمس أموالهم (وحج)
بالناس في هذه السنة عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز وهو عامل مروان على
المدينة ومكة والطائف حدثني بذلك أحمد بن ثابت الرازي عمن ذكره عن إسحاق
ابن عيسى عن أبي معشر وكذلك قال الواقدي وغيره وكان العامل على العراق
النضر بن الحرشي وكان من أمره وأمر عبد الله بن عمر والضحاك الحروري
ما قد ذكرت قبل وكان بخراسان نصر بن سيار وبها من ينازعه فيها كالكرماني
والحارث بن سريج
(تم الجزء الخامس، ويليه الجزء السادس)
(وأوله " سنة ثمان وعشرين ومائة ")
622