الكتاب: فتوح البلدان
المؤلف: البلاذري
الجزء: ٢
الوفاة: ٢٧٩
المجموعة: مصادر التاريخ
تحقيق: نشر وإلحاق وفهرسة : الدكتور صلاح الدين المنجد
الطبعة:
سنة الطبع: ١٩٥٧ م
المطبعة: مطبعة لجنة البيان العربي
الناشر: مكتبة النهضة المصرية - القاهرة
ردمك:
ملاحظات:

كتاب
فتوح البلدان
تأليف
أحمد بن يحيى بن جابر
المعروف بالبلاذري
القسم الثاني
نشره ووضع ملاحقه وفهارسه
الدكتور صلاح الدين المنجد
ملتزمة النشر والطبع
مكتبة النهضة المصرية
9 شارع عدلي باشا - القاهرة
291

مطبعة لجنة البيان العربي
" شارع مصطفى كامل - بلاظوغلى ت 27079
292

فتوح البلدان
" لا نعلم في فتوح البلدان
أحسن منه ".
المسعودي
293

فتوح السواد
خلافة أبى بكر الصديق رضي الله عنه
601 - قالوا: وكان المثنى بن حارثة بن سلمة بن ضمضم الشيباني يغير
على السواد في رجال من قومه. فبلغ أبا بكر الصديق رضي الله عنه خبره فسأل
عنه، فقال له قيس بن عاصم بن سنان المنقري: هذا رجل غير خامل الذكر،
ولا مجهول النسب، ولا ذليل العماد، هذا المثنى بن حارثة الشيباني.
ثم إن المثنى قدم على أبى بكر فقال له: يا خليفة رسول الله! استعملني على
من أسلم من قومي أقاتل هذه الأعاجم من أهل فارس. فكتب له أبو بكر في
ذلك عهدا فسار حتى نزل خفان، ودعا قومه إلى الاسلام فأسلموا.
ثم إن أبا بكر رضي الله عنه كتب إلى خالد بن الوليد المخزومي يأمره بالمسير
إلى العراق، ويقال بل وجهه من المدينة، وكتب أبو بكر إلى المثنى بن حارثة
يأمره بالسمع والطاعة له وتلقيه. وكان مذعور بن عدي العجلي قد كتب إلى
أبى بكر يعلمه حاله وحال قومه، ويسأله توليته قتال الفرس. فكتب إليه
يأمره بأن ينضم إلى خالد فيقيم معه إذا أقام ويشخص إذا شخص. فلما نزل
خالد النباج لقيه المثنى بن حارثة بها، وأقبل خالد حتى أتى البصرة وبها سويد
ابن قطبة الذهلي.
602 - وقال غير أبى مخنف: كان بها قطبة بن قتادة الذهلي - من
بكر بن وائل، ومعه جماعة من قومه وهو يريد أن يفعل بالبصرة مثل فعل المثنى
بالكوفة. ولم تكن الكوفة يومئذ إنما كانت الحيرة. فقد سويد لخالد:
295

إن أهل الأبلة قد جمعوا لي، ولا أحسبهم امتنعوا منى إلا لمكانك. قال له
خالد: فالرأي أن أخرج من البصرة نهارا ثم أعود ليلا فأدخل عسكرك بأصحابي
فإن صبحوك حاربناهم (ص 241). - ففعل خالد ذلك وتوجه نحو الحيرة.
فلما جن عليه الليل انكفأ راجعا حتى صار إلى عسكر سويد فدخله بأصحابه،
وأصبح الأبليون وقد بلغهم انصراف خالد عن البصرة فأقبلوا نحو سويد. فلما
رأوا كثرة من في عسكره سقط في أيديهم وانكسروا. فقال خالد: احملوا
عليهم فإني أرى هيئة قوم قد ألقى الله في قلوبهم الرعب. فحملوا عليهم فهزموهم،
وقتل الله منهم بشرا، وغرق طائفة في دجلة البصرة. ثم مر خالد بالخريبة
ففتحها وسبى من فيها، واستخلف بها فيما ذكر الكلبي شريح بن عامر بن
قين من بنى سعد بن بكر بن هوازن. وكانت مسلحة للعجم.
ويقال أيضا إنه أتى النهر الذي يعرف بنهر المرأة فصالح أهله، وأنه قاتل
جمعا بالمذار، ثم سار يريد الحيرة، وخلف سويد بن قطبة على ناحيته وقال له:
قد عركنا هذه الأعاجم بناحيتك عركة أذلتهم لك.
وقد روى أن خالدا لما كان بناحية اليمامة كتب إلى أبى بكر يستمده،
فأمده بجرير بن عبد الله، فلقيه جرير منصرفا من اليمامة فكان معه.
وواقع صاحب المذار بأمره، والله أعلم.
وقال الواقدي: والذي عليه أصحابنا من أهل الحجاز أن خالدا قدم المدينة
من اليمامة ثم خرج منها إلى العراق على فيد والثعلبية، ثم أتى الحيرة.
603 - قالوا: ومر خالد بن الوليد بزندورد من كسكر فافتتحها،
وافتتح درنى وذواتها بأمان، بعد أن كانت من أهل زندورد مراماة
للمسلمين ساعة.
296

وأتى هرمز جرد فآمن أهلها أيضا وفتحها.
وأتى أليس فخرج إليه جابان، عظيم العجم، فقدم إليه المثنى بن حارثة
الشيباني فلقيه بنهر الدم. وصالح خالد أهل أليس على أن يكونوا عيونا للمسلمين
على الفرس وأدلاء وأعوانا.
وأقبل خالد إلى مجتمع الأنهار فلقيه أزاذبه، صاحب مسالح كسرى، فيما
(ص 242) بينه وبين العرب، فقاتله المسلمون وهزموه.
ثم نزل خالد خفان، ويقال بل سار قاصدا إلى الحيرة، فخرج إليه
عبد المسيح بن عمر بن قيس بن حيان بن بقيلة - واسم بقيلة الحارث وهو
من الأزد -، وهانئ بن قبيصة بن مسعود الشيباني، وإياس بن قبيصة الطائي،
ويقال فروة بن إياس - وكان إياس عامل كسرى أبرويز على الحيرة بعد النعمان
ابن المنذر -، فصالحوه على مئة ألف درهم. ويقال على ثمانين ألف درهم في كل
عام، وعلى أن يكونوا عيونا للمسلمين على أهل فارس، وأن لا يهدم لهم بيعة
ولا قصرا.
604 - وروى أبو مخنف، عن أبي المثنى الوليد بن القطامي، وهو الشرقي بن
القطامي الكلبي،
إن عبد المسيح استقبل خالدا، وكان كبير السن، فقال له خالد: من
أين أقصى أثرك يا شيخ؟ فقال: من ظهر أبى. قال: فمن أين خرجت؟ قال:
من بطن أمي. قال: ويحك في أي شئ أنت! قال: في ثيابي. قال: ويحك
على أي شئ أنت؟ قال: على الأرض. قال: أتعقل؟ قال: نعم، وأقيد.
قال: ويحك! إنما أكلمك بكلام الناس. قال: وأنا إنما أجيبك جواب الناس.
قال: أسلم أنت أم حرب. قال: بل سلم. قال: فما هذه الحصون؟ قال:
بنيناها للسفيه حتى يجئ الحليم. ثم تذاكرا الصلح فاصطلحا على مئة ألف
297

يؤدونها في كل سنة فكان الذي أخذ منهم أول مال جمل إلى المدينة من العراق،
واشترط عليهم أن لا يبغوا المسلمين غائلة، وأن يكونوا عيونا على أهل فارس،
وذلك في سنة 12.
605 - وحدثني الحسين بن الأسود،
عن يحيى بن آدم قال: سمعت أن أهل الحيرة كانوا ستة آلاف رجل،
فألزم كل رجل منهم أربعة عشر درهما وزن خمسة، فبلغ ذلك أربعة
وثمانين ألفا وزن خمسة، تكون ستين وزن سبعة. وكتب لهم بذلك كتابا
قد قرأته.
وروى عن يزيد بن نبيشة العامري (ص 243) أنه قال:
قدمنا العراق مع خالد بن الوليد فانتهينا إلى مشلحة العذيب، ثم أتينا الحيرة
وقد تحصن أهلها في القصر الأبيض وقصر ابن بقيلة وقصر العدسيين،، فأجلنا
الخيل في عرصاتهم ثم صالحونا.
قال ابن الكلبي: العدسيون من كل، نسبوا إلى أمهم وهي كلبية أيضا.
606 - وحدثني أبو مسعود الكوفي، عن ابن مجالد، عن أبيه،
عن الشعبي أن خريم بن أوس بن حارثة بن لام الطائي قال للنبي صلى الله
عليه وسلم: إن فتح الله عليك الحيرة فاعطني ابنة بقيلة. فلما أراد خالد صلح
أهل الحيرة قال له خريم: إن النبي صلى الله عليه وسلم جعل لي بنت بقيلة،
فلا تدخلها في صلحك. وشهد له بشير بن سعد ومحمد بن مسلمة الأنصاريان.
فاستثناها في الصلح ودفعها إلى خريم، فاشتريت منه بألف درهم. وكانت عجوزا
قد حالت عن عهده. فقيل له: ويحك! لقد أرخصتها، كان أهلها يدفعون إليك
298

أضعاف ما سألت بها. فقال: ما كنت أظن عددا يكون أكثر من عشر مئة.
وقد جاء في الحديث أن الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم بنت بقيلة
رجل من ربيعة، والأول أثبت.
607 - قالوا: وبعث خالد بن الوليد بشير بن سعد أبا النعمان بن بشير
الأنصاري إلى بانقيا، فلقيته خيل الأعاجم، عليها فرخبنداذ، فرشقوا من معه
بالسهام، وحمل عليهم فهزمهم وقتل فرخبنداذ. ثم انصرف وبه جراحة انتقضت
به وهو بعين التمر فمات منها.
ويقال إن خالدا لقي فرخبنداذ بنفسه وبشير معه.
ثم بعث خالد جرير بن عبد الله البجلي إلى أهل بانقيا، فخرج إليه
بصبهرى بن صلوبا، فاعتذر إليه من القتال، وعرض الصلح. فصالحه جرير
على ألف درهم وطيلسان.
ويقال إن ابن صلوبا أتى خالدا فاعتذر إليه وصالحه (ص 244) هذا الصلح.
فلما قتل مهران ومضى يوم النخيلة أتاهم جرير فقبض منهم ومن أهل
الحيرة صلحهم، وكتب لهم كتابا بقبض ذلك. وقوم ينكرون أن يكون
جرير بن عبد الله قدم العراق إلا في خلافة عمر بن الخطاب، وكان أبو مخنف
والواقدي يقولان: قدمها مرتين.
608 - قالوا: وكتب خالد لبصبهرى بن صلوبا كتابا ووجه إلى
أبى بكر بالطيلسان مع مال الحيرة وبالألف درهم. فوهب الطيلسان للحسين
بن علي رضي الله عنهما.
299

609 - وحدثني أبو نصر التمار قال: حدثنا شريك بن عبد الله النخعي عن
الحجاج بن أرطاة،
عن الحكم عن عبد الله بن مغفل المزني قال: ليس لأهل السواد عهد
إلا الحيرة وأليس وبانقيا.
610 - وحدثني الحسين بن الأسود قال: حدثنا يحيى بن آدم عن المفضل بن المهلهل،
عن منصور، عن عبيد بن الحسن أو أبى الحسن،
عن ابن مغفل قال: لا يصلح بيع أرض دون الجبل إلا أرض بنى صلوبا
وأرض الحيرة.
611 - وحدثني الحسين بن الأسود قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن الحسن بن صالح،
عن الأسود بن قيس،
عن أبيه قال: انتهينا إلى الحيرة فصالحناهم على كذا وكذا ورحل. قال
فقلت: وما صنعتم بالرحل؟ قال: لم يكن لصاحب منا رحل فأعطيناه إياه.
612 - وحدثنا أبو عبيد قال: حدثنا ابن أبي مريم، عن السمري بن يحيى،
عن حميد ابن هلال أن خالدا لما نزل الحيرة صالح أهلها ولم يقاتلوا.
وقال ضرار بن الأزور الأسدي:
أرقت ببانقيا ومن يلق مثل ما * لقيت ببانقيا من الجرح يأرق
وقال الواقدي: المجتمع عليه عند أصحابنا أن ضرارا قتل باليمامة.
613 - قالوا: وأتى خالد الفلاليج منصرفه من بانقيا، وبها جمع للعجم
فتفرقوا ولم يلق (ص 245) كيدا. فجرع إلى الحيرة، فبلغه أن جابان في جمع
300

عظيم بتستر. فوجه إليه المثنى بن حارثة الشيباني وحنظلة بن الربيع بن رباح
الأسيدي من بنى تميم، وهو الذي يقال له حنظلة الكاتب. فلما انتهيا إليه
هرب. وسار خالد إلى الأنبار، فتحصن أهلها. ثم أتاه من دله على سوق
بغداد، وهو السوق العتيق الذي كان عند قرن الصراة. فبعث خالد المثنى بن
حارثة فأغار عليه، فملأ المسلمون أيديهم من الصفراء والبيضاء وما خف محمله
من المتاع. ثم باتوا بالسيلحين، وأتوا الأنبار وخالد بها فحصروا أهلها وحرقوا في
نواحيها. وإنما سميت الأنبار لان أهراء العجم كانت بها. وكان أصحاب النعمان
وصنائعه يعطون أرزاقهم منها. فلما رأى أهل الأنبار ما نزل بهم صالحوا خالدا
على شئ رضى به، فأقرهم.
ويقال إن خالدا قدم المثنى إلى بغداد، ثم سار بعده فتولى الغارة عليها،
ثم رجع إلى الأنبار. وليس ذلك بثبت.
614 - وحدثني الحسين بن الأسود قال: حدثني يحيى بن آدم قال: حدثنا الحسن
ابن صالح، عن جابر،
عن الشعبي أنه قال: لأهل الأنبار عهد وعقد.
615 - وحدثني مشايخ من أهل الأنبار أنهم صولحوا في خلافة عمر رحمه
الله عن طسوجهم على أربع مئة ألف درهم وألف عباءة قطوانية في كل سنة،
وتولى الصلح جرير بن عبد الله البجلي. ويقال صالحهم على ثمانين ألفا
والله أعلم.
616 - قالوا: وفتح جرير بوازيج الأنبار، وبها قوم من مواليه.
301

617 - قالوا: وأتى خالد بن الوليد رجل دله على سوق يجتمع فيها
كلب وبكر بن وائل وطوائف من قضاعة فوق الأنبار. فوجه إليها المثنى بن
حارثة، فأغار عليها فأصاب ما فيها، وقتل وسبى.
ثم أتى خالد عين التمر، فألصق بحصنها. وكانت فيه مسلحة للأعاجم
عظيمة. فخرج أهل الحصن فقاتلوا. ثم لزموا حصنهم، فحاصرهم خالد
والمسلمون حتى سألوا الأمان، فأبى أن يؤمنهم وافتتح الحصن عنوة، وقتل
وسبى، ووجد في كنيسة هناك جماعة سباهم، فكان من ذلك السبي حمران
ابن أبان بن خالد التمري. وقوم يقولون: كان اسم أبيه أبا. وحمران مولى
عثمان، وكان للمسيب بن نجبة الفزاري، فاشتراه منه فأعتقه. ثم إنه وجهه إلى
الكوفة للمسألة عن عامله فكذبه، فأخرجه من جواره فنزل البصرة.
وسيرين أبو محمد بن سيرين وإخوته وهم: يحيى بن سيرين، وأنس بن
سيرين، ومعبد بن سيرين، وهو أكبر إخوته، وهم موالي أنس بن مالك
الأنصاري.
وكان من ذلك السبي أيضا أبو عمرة جد عبد الله بن عبد الاعلى الشاعر.
ويسار جد محمد بن إسحاق صاحب السيرة، وهو مولى قيس بن مخرمة
ابن المطلب بن عبد مناف.
وكان منهم مرة أبو عبيد، جد محمد بن زيد بن عبيد بن مرة، ونفيس
ابن محمد بن زيد بن عبيد بن مرة صاحب القصر عند الحرة.
ابن محمد هذا وبنوه يقولون: عبيد بن مرة بن المعلى الأنصاري ثم الزرقي.
ونصير أبو موسى بن نصير صاحب المغرب، وهو مولى لبني أمية، وله
بالثغور موالي من أولاد من أعتق، يقولون ذلك.
302

وقال ابن الكلبي: كان أبو فروة عبد الرحمن بن الأسود ونصير أبو موسى
ابن نصير عربيين من أراشة بلى، سبيا أيام أبى بكر رحمه الله من جبل الجليل
بالشام. وكان اسم نصير نصرا فصغر، وأعتقه بعض بنى أمية فرجع إلى الشام،
وولد له موسى بقرية يقال لها كفر مري، وكان أعرج.
وقال الكلبي: وقد قيل إنهما أخوان من سبى عين التمر وإن ولاءهما
لبني ضبة.
وقال على بن محمد المدائني: يقال إن أبا فروة ونصيرا كانا من سبى عين
التمر. فابتاع ناعم الأسدي أبا فروة، ثم ابتاعه منه عثمان، وجعله يحفر (ص
247) القبور. فلما وثب الناس به كان معهم عليه، فقال له: رد المظالم. فقال
له: أنت أولها، ابتعتك من مال الصدقة لتحفر القبور، فتركت ذلك.
وكان ابنه عبد الله بن أبي فروة من سراة الموالى.
والربيع صاحب المنصور الربيع بن يونس بن محمد بن أبي فروة.
وإنما لقب أبا فروة كانت عليه حين سبى
وقد قيل إن خالدا صالح أهل حصن عين التمر، وإن هذا السبي وجد
في كنيسة ببعض الطسوج. وقيل إن سيرين من أهل جرجرايا، وإنه كان
زائرا لقرابة له فأخذ في الكنيسة معهم.
618 - حدثني الحسين بن الأسود قال: حدثني يحيى بن آدم، عن الحسن بن صالح،
عن أشعث،
عن الشعبي قال: صالح خالد بن الوليد أهل الحيرة وأهل عين التمر، وكتب
بذلك إلى أبى بكر فأجازه.
303

قال يحيى: فقلت للحسن بن صالح: أفأهل عين التمر مثل أهل الحيرة،
إنما هو شئ عليهم، وليس على أراضيهم شئ. فقال: نعم.
619 - قالوا: وكان هلال بن عقة بن قيس بن البشر النمري على النمر
ابن قاسط بعين التمر فجمع لخالد وقاتله فظفر به فقتله وصلبه.
وقال ابن الكلبي: كان على النمر يومئذ عقة بن قيس بن البشر بنفسه.
620 - قالوا: وانتقض ببشير بن سعد الأنصاري جرحه فمات، فدفن
بعين التمر. ودفن إلى جنبه عمير بن رئاب بن مهشم بن سعيد بن سهم بن عمرو،
وكان أصابه سهم بعين التمر فاستشهد.
ووجه خالد بن الوليد وهو بعين التمر النسير بن ديسم بن ثور إلى ماء لبني
تغلب فطرقهم ليلا فقتل وأسر، فسأله رجل من الاسرى أن يطلقه على أن يدله
على حي من ربيعة. ففعل فأتى النسير ذلك الحي. فبيتهم، فغنم وسبى،
ومضى إلى ناحية تكريت في البر (ص 248) فغنم المسلمون.
621 - وحدثني أبو مسعود الكوفي،
عن محمد بن مروان أن النسير أتى عكبرا، فأمن أهلها وأخرجوا لمن معه
طعاما وعلفا. ثم مر بالبردان فأقبل أهلها يعدون من بين أيدي المسلمين،
فقال لهم: لا بأس. فكان ذلك أمانا.
قال: ثم أتى المخرم - قال أبو مسعود: ولم يكن يدعى يومئذ مخرما،
إنما نزله بعض ولد مخرم بن حزن بن زياد بن أنس بن الديان الحارثي فسمى
به فيما ذكر هشام بن محمد الكلبي - ثم عبر المسلمون جسرا كان معقودا عند
304

قصر سابور الذي يعرف اليوم بقصر عيسى بن علي فخرج إليه خرزاد بن
ماهبنداذ، وكان موكلا به، فقاتلوه وهزموه. ثم لجوا فأتوا عين التمر.
وقال الواقدي: وجه المثنى بن حارثة النسير وحذيفة بن محصن، بعد يوم
الجسر وبعد انحيازه بالمسلمين، إلى خفان، وذلك في خلافة عمر بن الخطاب،
في خيل. فأوقعا بقوم من بنى تغلب، وعبرا إلى تكريت فأصابا
نعما وشاء.
وقال عتاب بن إبراهيم فيما ذكر لي عنه أبو مسعود أن النسير وحذيفة
آمنا أهل تكريت وكتبا لهم كتابا أنفذه له عتبة بن فرقد السلمي حين فتح
الطيرهان والموصل.
وذكر أيضا ان النسير توجه من قبل خالد بن الوليد فأغار على قرى
بمسكن وقطربل، فغنم منها غنيمة حسنة.
قالوا: ثم سار خالد من عين التمر إلى الشام، وقال للمثنى بن حارثة: ارجع
رحمك الله إلى سلطانك فغير مقصر ولا وان.
وقال الشاعر:
صبحنا بالكتائب حي بكر * وحيا من قضاعة غير ميل
أبحنا دارهم والخيل تردى * بكل سميدع سامي التليل
يعنى من كان في السوق الذي فوق الأنبار.
وللمثنى بالعال معركة * شاهدها من قبيله بشر
(ص 249)
يعنى بالعال الأنبار، وقطربل، ومسكن، وبادوريا، فأراد سوق بغداد
كتيبة أفزعت بوقعتها * كسرى وكاد الايوان ينفطر
305

وشجع المسلمون إذ حذروا * وفى صروف التجارب العبر
سهل نهج السبيل فاقتفروا * آثاره والأمور تقتفر
622 - وقال بعضهم حين لقوا خرزاد:
وآل منا الفارسي الحذره * حين لقيناه دوين المنظره
بكل قباء لحوق مضمره * بمثلها يهزم جمع الكفرة
يعنى بالمنظرة تل عقرقوف.
وكان شخوص خالد إلى الشام في شهر ربيع الآخر، ويقال في شهر
ربيع الأول سنة ثلاث عشرة.
623 - وقال قوم إن خالدا أتى دومة من عين التمر ففتحها، ثم أقبل إلى
الشام، وأصح ذلك مضيه من عين التمر.
306

خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه
624 - قالوا: لما استخلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجه أبا عبيد
ابن عمرو عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة بن عوف بن ثقيف - وهو
أبو المختار بن أبي عبيد - إلى العراق في ألف، وكتب إلى المثنى بن حارثة
يأمره بتلقيه والسمع والطاعة له، وبعث مع أبي عبيد سليط بن قيس بن عمرو
الأنصاري وقال له: لولا عجلة فيك لوليتك، ولكن الحرب زبون لا يصلح
لها إلا الرجل المكيث. فأقبل أبو عبيد لا يمر بقوم من العرب إلا رغبهم في
الجهاد والغنيمة. فصحبه خلق. فلما صار بالعذيب بلغه أن جابان (ص 250)
الأعجمي بتستر في جمع كثير. فلقيه فهزم جمعه وأسر منهم. ثم أتى درنى
وبها جمع للعجم، فهزمهم إلى كسكر. وسار إلى الجالينوس، وهو بباروسما،
فصالحه ابن الاندرزعز (كذا) عن كل رأس على أربعة دراهم على أن
ينصرف. ووجه أبو عبيد المثنى إلى زندورد فوجدهم قد نقضوا، فحاربهم،
فظفر وسبى. ووجه عروة بن زيد الخيل الطائي إلى الزوابي فصالح دهقانها على
مثل صلح باروسما.
307

يوم قس الناطف وهو يوم الجسر
625 - قالوا: بعث الفرس إلى العرب حين بلغها اجتماعها ذا الحاجب
مردانشاه، وكان أنوشروان لقبه بهمن لتبركه به، وسمى ذا الحاجب لأنه
كان يعضب حاجبيه ليرفعهما عن عينيه كبرا. ويقال إن اسمه رستم. فأمر
أبو عبيد بالجسر فعقد، وأعانه على عقده أهل بانقيا. ويقال إن ذلك الجسر
كان قديما لأهل الحيرة يعبرون عليه إلى ضياعهم، فأصلحه أبو عبيد، وذلك أنه
كان معتلا مقطوعا. ثم عبر أبو عبيد والمسلمون من المروحة على الجسر، فلقوا
ذا الحاجب وهو في أربعة آلاف مدجج ومعه فيل، ويقال عدة فيلة،
واقتتلوا قتالا شديدا، وكثرت الجراحات وفشت في المسلمين. فقال سليط بن
قيس: يا أبا عبيد! قد كنت نهيتك عن قطع هذا الجسر إليهم وأشرت عليك
بالانحياز إلى بعض النواحي والكتاب إلى أمير المؤمنين بالاستمداد فأبيت.
وقاتل سليط حتى قتل. وسأل أبو عبيد: أين مقتل هذه الدابة؟ (ص 252)
فقيل: خرطومه. فحمل فضرب خرطوم الفيل، وحمل عليه أبو محجن بن حبيب
الثقفي فضرب رجله فعلقها، وحمل المشركون، فقتل أبو عبيد رحمه الله. ويقال
إن الفيل برك عليه فمات تحته. فأخذ اللواء أخوه فقتل. فأخذه ابنه جبر
فقتل. ثم إن المثنى بن حارثة أخذه ساعة وانصرف بالناس وبعضهم على حامية
بعض، وقاتل عروة بن زيد الخيل يومئذ قتالا شديدا عدل بقتال جماعة، وقاتل
أبو زبيد الطائي الشاعر حمية للمسلمين بالغربية، وكان أتى الحيرة في بعض
أموره، وكان نصرانيا. وأتى المثنى أليس فنزلها، وكتب إلى عمر بن الخطاب
بالخبر مع عروة بن زيد.
وكان ممن قتل يوم الجسر فيما ذكر أبو مخنف: أبو زيد الأنصاري أحد
308

من جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
626 - قالوا: وكانت وقعة الجسر يوم السبت في آخر شهر رمضان سنة
ثلاث عشرة.
وقال أبو محجن بن حبيب:
أنى تسرت؟ حونا أم يوسف * ومن دون مسراها فياف مجاهل
إلى فتية بالطف نيل سراتهم * وغودر أفراس لهم ورواحل
مررت على الأنصار وسط رحالهم * فقلت لهم هل منكم اليوم قافل
627 - حدثني أبو عبيد بن سلام قال: حدثنا محمد بن كثير، عن زائدة، عن
إسماعيل بن أبي خالد،
عن قيس بن أبي حازم قال: عبر أبو عبيد بانقيا في ناس من أصحابه،
فقطع المشركون الجسر، فأصيب ناس من أصحابه.
قال إسماعيل: وقال أبو عمرو الشيباني: كان يوم مهران في أول السنة
والقادسية في آخرها.
309

يوم مهران وهو يوم النخيلة
628 - قال أبو مخنف وغيره: مكث عمر بن الخطاب رضي الله عنه
سنة لا يذكر العراق لمصاب أبى عبيد وسليط. وكان المثنى بن حارثة مقيما
بناحية أليس يدعو العرب إلى الجهاد. ثم إن عمر رضي الله عنه ندب الناس
إلى العراق فجعلوا يتحامونه ويتثاقلون عنه، حتى هم أن يغزو بنفسه. وقدم عليه
خلق من الأزد يريدون غزو الشام فدعاهم إلى العراق ورغبهم في غناء آل
كسرى، فردوا الاختيار إليه فأمرهم بالشخوص. وقدم جرير بن عبد الله
من السراة في بجيلة، فسأل أن يأتي العراق على أن يعطى وقومه ربع ما غلبوا
عليه. فأجابه عمر إلى ذلك، فسار نحو العراق.
وقوم يزعمون أنه مر على طريق البصرة وواقع مرزبان المذار فهزمه.
وآخرون يزعمون أنه واقع المرزبان وهو مع خالد بن الوليد. وقوم يقولون إنه
سلك الطريق على فيد والثعلبية إلى العذيب.
629 - حدثني عفان بن مسلم قال: حدثنا حماد بن سلمة قال: حدثنا داود بن أبي
هند قال:
أخبرني الشعبي أن عمر وجه جرير بن عبد الله إلى الكوفة بعد قتل
أبى عبيد أول من وجه، وقال: هل لك في العراق وأنفلك الثلث بعد
الخمس؟ قال: نعم.
630 - قالوا: واجتمع المسلمون بدير هند في سنة أربع عشرة، وقد
هلك شيرويه وملكت بوران بنت كسرى إلى أن يبلغ يزدجرد بن شهريار
310

فبعث إليهم مهران بن مهر بنداذ الهمذاني في اثنى عشر ألفا، فأمهل المسلمون
له حتى عبر الجسر وصار مما يلي دير الأعور.
وروى سيف أن مهران صار عند عبور الجسر إلى موضع يقال له البويب،
وهذا الموضع الذي قتل به، ويقال إن جنبتي البويب أفعمت عظاما (ص 253)
حتى استوى وعفا عليها التراب زمان الفتنة، وإنما ما يثار هناك [شئ إلا وقعوا
منها على شئ] وذلك ما بين السكون وبنى سليم. فكان مغيضا للفرات
زمن الأكاسرة يصب في الجوف. وعسكر المسلمين بالنخيلة، وكان على الناس
فيما تزعم بجيلة جرير بن عبد الله، وفيما تقول ربيعة المثنى بن حارثة. وقد قيل
إنهم كانوا متسايدين، على كل قوم رئيسهم. فالتقى المسلمون وعدوهم، فأبلى
شرحبيل بن السمط الكندي يومئذ بلاء حسنا، وقتل مسعود بن حارثة أخو
المثنى بن حارثة. فقال المثنى: يا معشر المسلمين! لا يرعكم مصرع أخي، فإن
مصارع خياركم هكذا. فحملوا حملة رجل واحد محققين صابرين حتى قتل الله
مهران وهزم الكفرة. فاتبعهم المسلمون يقتلونهم فقل من نجا منهم. وضارب
قرط بن جماح العبدي يومئذ حتى انثنى سيفه، وجاء الليل فتتاموا إلى عسكرهم
وذلك في سنة أربع عشرة. فتولى قتل مهران جرير بن عبد الله والمنذر
ابن حسان بن ضرار الضبي، فقال هذا: أنا قتلته، وقال هذا: أنا قتلته،
وتنازعا نزاعا شديدا. فأخذ المنذر منطقته وأخذ جرير سائر سلبه.
ويقال إن الحصن بن معبد بن زرارة بن عدس التميمي كان ممن قتله.
631 - ثم لم يزل المسلمون يشنون الغارات ويتابعونها فيما بين الحيرة
وكسكر، وفيما بين كسكر وسورا وبربيسما وصراة جاماسب، وما بين الفلوجتين
311

والنهرين وعين التمر. وأتوا حصن مليقيا، وكان منظرة، ففتحوه. وأجلوا العجم
عن مناظر كانت بالطف. وكانوا منخو بين قد وهن سلطانهم وضعف أمرهم.
وعبر بعض المسلمين نهر سورا فأتوا كوثى، ونهر الملك، وبادوريا. وبلغ بعضهم
(ص 254) كلواذى. وكانوا يعيشون بما ينالون من الغارات. ويقال إن ما بين
مهران والقادسية ثمانية عشر شهرا.
312

يوم القادسية
632 - قالوا: كتب المسلمون إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعلمونه
كثرة من تجمع لهم من أهل فارس ويسألونه المدد. فأراد أن يغزو بنفسه
وعسكر لذلك. فأشار عليه العباس بن عبد المطلب وجماعة من مشايخ أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمقام وتوجيه الجيوش والبعوث. ففعل ذلك.
وأشار عليه علي بن أبي طالب بالمسير. فقال له: إني قد عزمت على المقام.
وعرض على على رضي الله عنه الشخوص فأباه. فأراد عمر توجيه سعيد
ابن زيد بن عمرو بن نفيل العدوى، ثم بداله فوجه سعد بن أبي وقاص،
- واسم أبى وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب -
وقال: إنه رجل شجاع رام.
ويقال إن سعيد بن زيد بن عمرو كان يومئذ بالشام غازيا.
633 - قالوا: وسار إلى العراق فأقام بالثعلبية ثلاثة أشهر حتى تلاحق به
الناس. ثم قدم العذيب في سنة خمس عشرة. وكان المثنى بن حارثة مريضا،
فأشار عليه بأن يحارب العدو بين القادسية والعذيب، ثم اشتد وجعه فحمل إلى
قومه فمات فيهم. وتزوج سعد امرأته.
قال الواقدي: توفى المثنى قبل نزول رستم القادسية.
634 - قالوا: وأقبل رستم: وهو من أهل الري، ويقال بل هو من أهل
همذان، فنزل برس. ثم سار فأقام بين الحيرة والسيلحين أربعة أشهر لا يقدم
313

على المسلمين ولا يقاتلهم، والمسلمون معسكرون بين العذيب والقادسية. وقدم
رستم ذا الحاجب فكان معسكرا بطيزناباذ. وكان المشركون زهاء مئة ألف
وعشرين ألفا، ومعهم ثلاثون فيلا، ورايتهم العظمى التي تدعى درفشكابيان.
وكان جميع المسلمين ما بين (ص 255) تسعة آلاف إلى عشرة آلاف،
فإذا احتاجوا إلى العلف والطعام أخرجوا خيولا في البر فأغارت على أسفل
الفرات. وكان عمر يبعث إليهم من المدينة الغنم والجزر.
635 - قالوا: وكانت البصرة قد مصرت فيما بين يوم النخيلة ويوم
القادسية، مصرها عتبة بن غزوان. ثم استأذن للحج وخلف المغيرة بن شعبة.
فكتب إليه عمر بعهده، فلم يلبث أن قرف بما قرف به، فولى أبا موسى
البصرة، وأشخص المغيرة إلى المدينة. ثم إن عمر رده ومن شهد عليه إلى البصرة.
فلما حضر يوم القادسية كتب عمر إلى أبى موسى يأمره بإمداد سعد، فأمده
بالمغيرة في ثماني مئة ويقال في أربع مئة، فشهدها ثم شخص إلى المدينة.
فكتب عمر إلى أبى عبيدة بن الجراح فأمد سعدا بقيس بن هبيرة بن المكشوح
المرادي. فيقال إنه شهد القادسية، ويقال بل قدم على المسلمين وقد فرغ
من حربها، وكان قيس في سبع مئة.
وكان يوم القادسية في آخر سنة ست عشرة. وقد قيل إن الذي أمد سعدا
بالمغيرة عتبة بن غزوان، وإن المغيرة إنما ولى البصرة بعد قدومه من القادسية،
وإن عمر لم يخرجه من المدينة حين أشخصه إليها لما قرف به إلا واليا
على الكوفة.
314

636 - وحدثني العباس بن الوليد النرسي قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد،
عن مجالد،
عن الشعبي قال: كتب عمر إلى أبي عبيدة:
ابعث قيس بن مكشوح إلى القادسية فيمن انتدب معه.
فانتدب معه خلق. فقدم متعجلا في سبع مئة، وقد فتح على سعد.
فسألوه الغنيمة. فكتب إلى عمر في ذلك، فكتب إليه عمر: إن كان قيس
قدم قبل دفن القتلى فاقسم له نصيبه.
637 - قالوا: وأرسل رستم إلى سعد يسأله توجيه بعض أصحابه إليه.
فوجه المغيرة بن شعبة. فقصد سريره ليجلس معه عليه، فمنعته الأساورة
من ذلك وكلمه رستم بكلام كثير. ثم قال له: قد علمت أنه لم (ص 256)
يحملكم على ما أنتم فيه إلا ضيق المعاش وشدة الجهد. ونحن نعطيكم
ما تتشبعون به ونصرفكم ببعض ما تحبون. فقال المغيرة: إن الله بعث إلينا
نبيه صلى الله عليه وسلم فسعدنا بإجابته واتباعه، وأمرنا بجهاد من خالف ديننا
* (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) * (1) ونحن ندعوك إلى عبادة الله وحده،
والايمان بنبيه صلى الله عليه وسلم، فإن فعلت وإلا فالسيف بيننا وبينكم.
فنخر رستم غضبا. ثم قال: والشمس والقمر لا يرتفع الضحى غدا حتى نقتلكم
أجمعين. فقال المغيرة: لا حول ولا قوة إلا بالله. وانصرف عنه. وكان على
فرس له مهزول، وعليه سيف معلوب ملفوف عليه الخرق.
638 - وكتب عمر إلى سعد يأمره بأن يبعث إلى عظيم الفرس قوما
يدعونه إلى الاسلام. فوجه عمرو بن معدى كرب الزبيدي والأشعث بن قيس

(1) سورة 9، الآية 29.
315

الكندي في جماعة، فمروا برستم فأتى بهم، فقال: أين تريدون؟ قالوا:
صاحبكم. فجرى بينهم كلام كثير حتى قالوا: إن نبينا قد وعدنا أن نغلب على
أرضكم. فدعا بزبيل من تراب فقال: هذا لكم من أرضنا. فقام عمرو بن
معدى كرب مبادرا فبسط رداءه وأخذ من ذلك التراب فيه وانصرف.
فقيل له: ما دعاك إلى ما صنعت؟ قال: تفاءلت بأن أرضهم تصير إلينا وتغلب
عليها. ثم أتوا الملك ودعوه إلى الاسلام فغضب وأمرهم بالانصراف وقال:
لولا أنكم رسل لقتلتكم. وكتب إلى رستم يعنفه على إنفاذهم إليه.
639 - ثم إن علافة المسلمين، وعليها زهرة بن حوية بن عبد الله بن
قتادة التيمي ثم السعدي - ويقال كان عليها قتادة بن حوية - لقيت خيلا
للأعاجم، فكان ذلك سبب الوقعة. أغاثت الأعاجم (ص 257) خيلها
وأغاث المسلمون علافتهم، فالتحمت الحرب بينهم، وذلك بعد الظهر، وحمل
عمرو بن معدى گرب الزبيدي فاعتنق عظيما من الفرس فوضعه بين يديه
في السرج وقال: أنا أبو ثور، افعلوا كذا. ثم حطم فيلا من الفيلة وقال:
الزموا سيوفكم خراطيمها، فإن مقتل الفيل خرطومه.
640 - وكان سعد قد استخلف على العسكر والناس خالد بن عرفطة
العذري حليف بنى زهرة لعلة وجدها. وكان مقيما في قصر العذيب، فجعلت
امرأته - وهي سلمى بنت حفصة من بنى تيم الله بن ثعلبة امرأة المثنى بن حارثة -
تقول: وا مثنياه ولا مثنى للخيل! فلطمها. فقالت: يا سعد! أغيرة وجبنا؟
641 - وكان أبو محجن الثقفي بباضع، غربه إليها عمر بن الخطاب
رضي الله عنه لشربه الخمر، فتخلص حتى لحق بسعد. ولم يكن فيمن شخص
معه فيما ذكر الواقدي، وشرب الخمر في عسكر سعد فضربه وحبسه في قصر
316

العذيب. فسأل زبراء أم ولد سعد أن تطلقه ليقاتل ثم يعود إلى حديده.
فأحلفته بالله ليفعلن إن أطلقته. فركب فرس سعد وحمل على الأعاجم فخرق
صفهم وحطم الفيل الأبيض بسيفه وسعد يراه. فقال: أما الفرس ففرسي،
وأما الحملة فحملة أبي محجن. ثم أنه رجع إلى حديده. ويقال إن سلمى بنت
حفصة أعطته الفرس، والأول أصح وأثبت.
فلما انقضى أمر رستم قال له سعد: والله لا ضربتك في الخمر بعدما رأيت
منك أبدا. قال: وأنا والله فلا شربتها أبدا.
642 - وأبلى طليحة بن خويلد الأسدي يومئذ وضرب الجالينوس
ضربة قدت مغفره، ولم تعمل في رأسه.
وقال قيس بن مكشوح: يا قوم! إن منايا الكرام القتل، فلا يكونن
هؤلاء القلف أولى بالصبر وأسخى نفسا بالموت منكم. ثم (ص 258) قاتل
قتالا شديدا، وقتل الله رستم فوجد بدنه مملوءا ضربا وطعنا، فلم يعلم من قاتله.
وقد كان مشى إليه عمرو بن معدى گرب، وطليحة بن خويلد الأسدي،
وقرط بن جماح العبدي، وضرار بن الأزور الأسدي.
وكان الواقدي يقول: قتل ضرار يوم اليمامة. وقد قيل إن زهير بن
عبد شمس البجلي قتله. وقيل أيضا إن قاتله عوام بن عبد شمس. وقيل إن قاتله
هلال بن علفة التيمي.
فكان قتال القادسية يوم الخميس والجمعة وليلة السبت، وهي ليلة الهرير.
وإنما سميت ليلة صفين بها. ويقال إن قيس بن مكشوح لم يحضر القتال
بالقادسية، ولكنه قدمها وقد فرغ المسلمون من القتال.
317

643 - وحدثني أحمد بن سلمان الباهلي، عن السهمي،
عن أشياخه أن سلمان بن ربيعة غزا الشام مع أبي أمامة الصدى بن عجلان
الباهلي فشهد مشاهد المسلمين هناك، ثم خرج إلى العراق فيمن خرج من المدد
إلى القادسية متعجلا، فشهد الوقعة وأقام بالكوفة وقتل ببلنجر.
644 - وقال الواقدي في إسناده: خد قوم من الأعاجم لرايتهم وقالوا:
لا نبرح موضعنا حتى نموت. فحمل عليهم سلمان بن ربيعة الباهلي فقتلهم
وأخذ الراية.
645 - قالوا: وبعث سعد خالد بن عرفطة على خيل الطلب، فجعلوا
يقتلون من لحقوا حتى انتهوا إلى برس. ونزل خالد على رجل يقال له بسطام،
فأكرمه وبره، وسمى نهر هناك نهر بسطام. واجتاز خالد بالصراح فلحق
جالينوس، فحمل عليه كثير بن شهاب الحارثي فطعنه ويقال قتله.
وقال ابن الكلبي: قتله زهرة بن حوية السعدي، وذلك أثبت. وهرب
الفرس إلى المدائن، ولحقوا بيزدجرد، وكتب سعد إلى عمر بالفتح وبمصاب
من أصيب.
646 - وحدثني أبو رجاء الفارسي، عن أبيه،
عن جده قال: حضرت وقعة القادسية وأنا مجوسي، فلما رمتنا (ص 259)
العرب بالنبل جعلنا نقول: دوك دوك، نعنى مغازل، فما زالت بنا تلك المغازل
حتى أزالت أمرنا. لقد كان الرجل منا يرمى عن القوس الناوكية فما يزيد سهمها
على أن يتعلق بثوب أحدهم، ولقد كانت النبلة من نبالهم تهتك الدرع الحصينة
والجوشن المضاعف مما علينا.
318

وقال هشام بن الكلبي: كان أول من قتل أعجميا يوم القادسية ربيعة
ابن عثمان بن ربيعة أحد بنى نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور.
647 - وقال طليحة في يوم القادسية:
أنا ضربت الجالينوس ضربه * حين جياد الخيل وسط الكبه
وقال أبو محجن الثقفي حين رأى الحرب:
كفى حزنا أن تدعس الخيل بالقنا * وأترك قد شدوا على وثاقيا
إذ قمت عناني الحديد وغلقت * مصاريع من دوني تصم المناديا
وقال زهير بن عبد شمس بن عوف البجلي:
أنا زهير وابن عبد شمس * أرديت بالسيف عظيم الفرس
رستم ذا النخوة والدمقس * أطعت ربى وشفيت نفسي
وقال الأشعث بن عبد الحجر بن سراقة الكلابي، وشهد الحيرة
والقادسية:
وما عقرت بالسيلحين مطيتي * وبالقصر إلا خيفة أن أعيرا
فبئس امرؤ يبأى على برهطه * وقد ساد أشياخي معدا وحميرا
وقال بعض المسلمين يومئذ: (ص 260)
وقاتلت حتى أنزل الله نصره * وسعد بباب القادسية معصم
فرحنا وقد آمت نساء كثيرة * ونسوة سعد ليس منهن أيم
319

وقال قيس بن المكشوح ويقال إنها لغيره:
جلبت الخيل من صنعاء تردى * بكل مدجج كالليث سام
إلى وادى القرى فديار كلب * إلى اليرموك فالبلد الشآمي
وجئنا القادسية بعد شهر * مسومة دوابرها دوامي
فناهضنا هنالك جمع كسرى * وأبناء المرازبة الكرام
فلما أن رأيت الخيل جالت * قصدت لموقف الملك المام
فأضرب رأسه فهوى صريعا * بسيف لا أفل * ولا كهام
وقد أتلى الاله هناك خيرا * وفعل الخير عند الله نام
وقال عصام بن المقشعر:
فلو شهدتني بالقوادس أبصرت * جلاد امرئ ماض إذا القوم أحجموا
أضارب بالمخشوب حتى أفله * وأطعن بالرمح المتل وأقدم
وقال طليحة بن خويلد:
طرقت سليمي أرحل الركب * أنى اهتديت بسبسب سهب
إني كلفت سلام بعدكم * بالغارة الشعواء والحرب
لو كنت يوم القادسية إذ * نازلتهم بمهند عضب
أبصرت شداتي ومنصرفي * وإقامتي للطعن والضرب
وقال بشر بن ربيعة بن عمرو الخثعمي:
ألم خيال من أميمة موهنا * وقد جعلت أولى النجوم تغور
(ص 261)
ونحن بصحراء العذيب ودارها * حجازية إن المحل شطير
ولا غرو إلا جوبها البيد في الدجى * ومن دوننا رعن أشم وقور
320

تحن بباب القادسية ناقتي * وسعد بن وقاص على أمير
وسعد أمير شره دون خيره * طويل الشذى كأبي الزناد قصير
تذكر هداك الله وقع سيوفنا * بباب قديس والمكر عسير
عشية ود القوم لو أن بعضهم * يعار جناحي طائر فيطير
قال: واستشهد يومئذ سعد بن عبيد الأنصاري، فاغتم عمر لمصابه وقال:
لقد كاد قتله ينغص على هذا الفتح.
321

فتح المدائن
648 - قالوا: مضى المسلمون بعد القادسية، فلما جازوا دير كعب لقيهم
النخيرخان إليها وبدا في جمع عظيم من أهل المدائن، فاقتتلوا، وعانق زهير
ابن سليم الأزدي النخيرخان فسقط إلى الأرض، وأخذ زهير خنجرا كان
في وسط النخيرخان فشق بطنه فقتله.
وسار سعد والمسلمون فنزلوا ساباط، واجتمعوا بمدينة بهرسير، وهي المدينة التي
في شق الكوفة، فأقاموا تسعة أشهر، ويقال ثمانية عشر شهرا، حتى أكلوا
الرطب مرتين. وكان أهل تلك المدينة يقاتلونهم فإذا تحاجزوا دخلوها. فلما فتحها
المسلمون أجمع يزدجرد بن شهريار ملك فارس على الهرب. فدلى من أبيض المدائن في
(ص 262) زبيل، فسماه النبط بر زبيلا، ومضى إلى حلوان معه وجوه أساورته، وحمل معه
بيت ماله، وخف متاعه وخزانته، والنساء والذراري. وكانت السنة التي هرب فيها
سنة مجاعة وطاعون عم أهل فارس. ثم عبر المسلمون خوضا ففتحوا المدينة الشرقية.
649 - حدثني عفان بن مسلم قال: أخبرنا هشيم قال: أخبرنا حصين قال:
أخبرنا أبو وائل قال: لما انهزم الأعاجم من القادسية اتبعناهم، فاجتمعوا
بكوثى، فاتبعناهم ثم انتهينا إلى دجلة، فقال المسلمون: ما تنتظرون بهذه النطفة
أن تخوضوها؟ فخضناها فهزمناهم.
650 - حدثني محمد بن سعد، عن الواقدي، عن ابن أبي سبرة، عن
ابن عجلان،
عن أبان بن صالح قال: لما انهزمت الفرس من القادسية قدم فلهم المدائن،
322

فانتهى المسلمون إلى دجلة وهي تطفح بماء لم ير مثله قط. وإذا الفرس قد
رفعوا السفن والمعابر إلى الجيزة الشرقية، وحرقوا الجسر. فاغتم سعد والمسلمون
إذ لم يجدوا إلى العبور سبيلا، فانتدب رجل من المسلمين فسبح فرسه وعبر.
فسبح المسلمون، ثم أمروا أصحاب السفن فعبروا الأثقال، فقالت الفرس: والله
ما تقاتلون إلا جنا، فانهزموا.
651 - حدثني عباس بن هشام، عن أبيه، عن عوانة بن الحكم،
وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: حدثني أبو عمرو بن العلاء،
قالا: وجه سعد بن أبي وقاص خالد بن عرفطة على مقدمته، فلم يرد سعد
حتى فتح خالد ساباط. ثم قدم فأقام على الرومية حتى صالح أهلها على أن يجلو
من أحب منهم ويقيم من أقام على الطاعة والمناصحة وأداء الخراج ودلالة المسلمين،
ولا ينطووا لهم على غش. ولم يجد معابر فدل على مخاضة عند قرية الصيادين،
فأخاضوها الخيل، فجعل الفرس يرمونهم فسلموا (ص 263) غير رجل
من طيئ يقال له سليل بن يزيد بن مالك السنبسي لم يصب يومئذ غيره.
652 - حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني من أثق به، عن المجالد بن سعيد،
عن الشعبي أنه قال: أخذ المسلمون يوم المدائن جواري من جواري
كسرى جئ بهن من الآفاق فكن يصنعن له، فكانت أمي إحداهن.
قال: وجعل المسلمون يأخذون الكافور يومئذ فيلقونه في قدورهم
ويظنونه ملحا.
قال الواقدي: كان فراغ سعد من المدائن وجلولاء في سنة ست عشرة.
323

يوم جلولاء الوقيعة
653 - قالوا: مكث المسلمون بالمدائن أياما، ثم بلغهم أن يزدجرد قد
جمع جمعا عظيما ووجهه إليهم، وأن الجمع بجلولاء، فسرح سعد بن أبي وقاص
هاشم بن عتبة بن أبي وقاص إليهم في اثنى عشر ألفا، فوجدوا الأعاجم قد
تحصنوا وخندقوا وجعلوا عيالهم وثقلهم بخانقين وتعاهدوا أن لا يفروا، وجعلت
الامداد تقدم عليهم من حلوان والجبال. فقال المسلمون: ينبغي أن نعاجلهم
قبل أن تكثر أمدادهم. فلقوهم وحجر بن عدي الكندي على الميمنة، وعمرو
ابن معدى كرب. على الخيل، وطليحة بن خويلد على الرجال، وعلى الأعاجم
يومئذ خرزاد أخو رستم. فاقتتلوا قتالا شديدا لم يقتتلوا مثله رميا بالنبل وطعنا
بالرماح، حتى تقصفت، وتجالدوا بالسيوف حتى انثنت.
ثم إن المسلمين حملوا حملة واحدة قلعوا بها الأعاجم عن موقفهم وهزموهم،
فولوا هاربين، وركب المسلمون أكتافهم يقتلونهم قتلا ذريعا حتى حال الظلام
بينهم. ثم انصرفوا إلى معسكرهم، وجعل هاشم بن عتبة جرير بن عبد الله
بجلولاء في خيل كثيفة ليكون بين المسلمين (ص 264) وبين عدوهم.
فارتحل يزدجرد من حلوان وأقبل المسلمون يغيرون في نواحي السواد، من
جانب دجلة الشرقي. فأتوا مهروذ، فصالح دهقانها هاشما على جريب من دراهم،
على أن لا يقتل أحدا منهم. وقتل دهقان الدسكرة وذلك أنه اتهمه بغش
للمسلمين. وأتى البندنيجين، فطلب أهله الأمان على أداء الجزية والخراج،
فأمنهم، وأتى جرير بن عبد الله خانقين، وبها بقية من الأعاجم، فقتلهم. ولم
يبق من سواد دجلة ناحية، إلا غلب عليها المسلمون وصارت في أيديهم.
324

وقال هشام بن الكلبي: كان على الناس يوم جلولاء من قبل سعد عمرو بن
عتبة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة، وأمه عاتكة بنت أبي وقاص.
654 - قالوا: وانصرف سعد بعد جلولاء إلى المدائن. فصير بها جمعا،
ثم مضى إلى ناحية الحيرة.
وكانت وقعة جلولاء في آخر سنة ست عشرة.
655 - قالوا: فأسلم جميل بن بصبهرى دهقان الفلاليج والنهرين، وبسطام
ابن نرسى دهقان بابل وخطرنية، والرفيل دهقان العال، وفيروز دهقان نهر
الملك وكوثى، وغيرهم من الدهاقين. فلم يعرض لهم عمر بن الخطاب ولم يخرج
الأرض من أيديهم وأزال الجزية عن رقابهم.
656 - وحدثني أبو مسعود الكوفي، عن عوانة،
عن أبيه قال: وجه سعد بن أبي وقاص هاشم بن عتبة بن أبي وقاص
ومعه الأشعث بن قيس الكندي فمر بالراذانات، وأتى دقوقا وخانيجار،
فغلب على ما هناك، وفتح جميع كورة باجرمى، ونفذ إلى نحو سن بارما
وبوازيج الملك إلى حد شهرزور.
657 - حدثني الحسين بن الأسود قال: حدثني يحيى بن آدم قال: أخبرنا ابن المبارك،
عن أبي لهيعة،
عن يزيد بن أبي حبيب قال: كتب عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي
وقاص حين فتح السواد:
أما بعد، فقد بلغني كتابك تذكر أن (ص 265) الناس سألوك أن تقسم
بينهم ما أفاء الله عليهم. فإذا أتاك كتابي فانظر ما أجلب عليه أهل العسكر
325

بخيلهم وركابهم، من مال أو كراع فاقسمه بينهم بعد الخمس، واترك الأرض
والأنهار لعمالها، ليكون ذلك في أعطيات المسلمين، فإنك إن قسمتها بين
من حضر لم يكن لمن يبقى بعدهم شئ.
658 - وحدثني الحسين قال: حدثنا وكيع، عن فضيل بن غزوان،
عن عبد الله بن حازم قال: سألت مجاهدا عن أرض السواد فقال:
لا تشترى ولا تباع. قال: نقول لأنها فتحت عنوة ولم تقسم فهي لجميع المسلمين.
659 - وحدثني الوليد بن صالح، عن الواقدي، عن ابن أبي سبرة، عن صالح
ابن كيسان،
عن سليمان بن يسار قال: أقر عمر بن الخطاب السواد لمن في أصلاب
الرجال وأرحام النساء، وجعلهم ذمة تؤخذ منهم الجزية ومن أرضهم الخراج،
وهم ذمة لا رق عليهم.
قال سليمان: وكان الوليد بن عبد الملك أراد أن يجعل أهل السواد فيئا
فأخبرته بما كان من عمر في ذلك فورعه الله عنهم.
660 - حدثني الحسين بن الأسود قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن أبي
إسحاق،
عن حارثة بن مضرب أن عمر بن الخطاب أراد قسمة السواد بين المسلمين،
فأمر أن يحصوا، فوجد الرجل منهم نصيبه ثلاثة من الفلاحين. فشاور
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقال على: دعهم يكونوا
مادة للمسلمين. فبعث عثمان بن حنيف الأنصاري فوضع عليه ثمانية وأربعين
وأربعة وعشرين واثنى عشر.
326

661 - حدثنا أبو نصر التمار قال: حدثنا شريك، عن الأجلح، عن حبيب بن أبي
ثابت، عن ثعلبة بن يزيد،
عن علي قال: لولا أن يضرب بعضكم وجوه بعض لقسمت السواد بينكم.
662 - حدثني الحسين بن الأسود قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا إسرائيل،
عن جابر،
عن عامر قال: ليس لأهل السواد عهد، وإنما نزلوا على الحكم.
663 - حدثنا الحسين قال: حدثنا يحيى بن (ص 266) آدم قال: حدثني الصلت
الزبيدي، عن محمد بن قيس الأسدي،
عن الشعبي أنه سئل عن أهل السواد ألهم عهد؟ فقال: لم يكن لهم عهد،
فلما رضى منهم بالخراج صار لهم عهد.
664 - حدثنا الحسين: عن يحيى بن آدم، عن شريك، عن جابر،
عن عامر أنه قال: ليس لأهل السواد عهد.
665 - حدثنا عمرو الناقد قال: حدثنا ابن وهب المصري قال: حدثنا مالك، عن
جعفر بن محمد،
عن أبيه قال: كان للمهاجرين مجلس في المسجد. فكان عمر يجلس
معهم فيه ويحدثهم عن ما ينتهى إليه من أمر الآفاق. فقال يوما: ما أدرى
كيف أصنع بالمجوس؟ فوثب عبد الرحمن بن عوف فقال: اشهد على رسول الله
صلى الله عليه وسلم أنه قال: سنوا بهم سنة أهل الكتاب.
666 - حدثنا محمد بن الصباح البزاز قال: حدثنا هشيم قال: حدثنا إسماعيل
ابن أبي خالد،
327

عن قيس بن أبي حازم قال: كانت بجيلة ربع الناس يوم القادسية.
وكان عمر جعل لهم ربع السواد. فلما وفد عليه جرير قال: لولا انى قاسم
مسؤول لكنت على ما جعلت لكم. وإني أرى الناس قد كثروا فردوا ذلك
عليهم. ففعل وفعلوا. فأجازه عمر بثمانين دينارا.
قال: فقالت امرأة من بجيلة يقال لها أم كرز: إن أبى هلك وسهمه
ثابت في السواد. وإني لن أسلم. فقال لها: يا أم كرز! إن قومك قد أجابوا.
فقالت له: ما أنا بمسلمة أو تحملني على ناقة ذلول عليها قطيفة حمراء وتملأ يدي
ذهبا. ففعل عمر ذلك.
667 - وحدثني الحسين قال: حدثنا أبو أسامة، عن إسماعيل، عن قيس،
عن جرير قال: كان عمر أعطى بجيلة ربع السواد، فأخذوه ثلاث سنين.
قال قيس: ووفد جرير بن عبد الله على عمر مع (ص 267) عمار بن
ياسر، فقال عمر: لولا انى قاسم مسؤول لتركتكم على ما كنتم عليه، ولكني
أرى أن تردوه، ففعلوا. فأجازه بثمانين دينارا.
668 - الحسن بن عثمان الزيادي قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن إسماعيل،
عن قيس قال: اعطى عمر جرير بن عبد الله أربع مئة دينار.
669 - حدثني حميد بن الربيع، عن يحيى بن آدم،
عن الحسن بن صالح قال: صالح عمر بجيلة من ربع السواد على أن فرض
لهم في ألفين من العطاء.
328

670 - وحدثني الوليد بن صالح، عن الواقدي، عن عبد الحميد بن جعفر، عن
جرير بن يزيد بن جرير بن عبد الله، عن أبيه،
عن جده أن عمر جعل له ولقومه ربع ما غلبوا عليه من السواد. فلما
جمعت غنائم جلولاء طلب ربعه. فكتب سعد إلى عمر يعلمه ذلك. فكتب
عمر: إن شاء جرير أن يكون إنما قاتل وقومه على جعل كجعل المؤلفة قلوبهم
فاعطوهم جعلهم، وإن كانوا إنما قاتلوا لله واحتسبوا ما عنده فهم من المسلمين لهم
ما لهم وعليهم ما عليهم. فقال جرير: صدق أمير المؤمنين وبر، لا حاجة لنا بالربع.
671 - حدثني الحسين قال: حدثني يحيى بن آدم، عن عبد السلام بن حرب، عن
معمر، عن علي بن الحكم،
عن إبراهيم النخعي قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: إني قد
أسلمت فأرفع عن أرضى الخراج. قال: إن أرضك أخذت عنوة.
672 - حدثنا خلف بن هشام البزار قال: حدثنا هشيم، عن العوام بن حوشب،
عن إبراهيم التيمي قال: لما افتتح عمر السواد قالوا له: اقسمه بيننا فإنا
فتحناه عنوة بسيوفنا. فأبى وقال: فما لمن جاء بعدكم من المسلمين؟ وأخاف
إن قسمته أن تتفاسدوا بينكم في المياه. قال: فأقر أهل السواد في أرضهم،
وضرب على رؤوسهم الجزية، وعلى أرضهم الطسق، ولم تقسم بينهم.
673 - وحدثني القاسم بن (ص 268) سلام قال: حدثنا إسماعيل بن مجالد،
عن أبيه،
عن الشعبي أن عمر بن الخطاب بعث عثمان بن حنيف الأنصاري يمسح
السواد. فوجده ستة وثلاثين ألف ألف جريب. فوضع على كل جريب
درهما وقفيزا.
329

قال القاسم: وبلغني أن ذلك القفيز كان مكوكا لهم يدعى الشابرقان.
قال يحيى بن آدم: هو المختوم الحجاجي.
674 - حدثني عمرو الناقد قال: حدثنا أبو معاوية، عن الشيباني،
عن محمد بن عبد الله الثقفي قال: وضع عمر على السواد على كل جريب
عامر أو غامر يبلغه الماء درهما وقفيزا، وعلى جريب الرطبة خمسة دراهم
وخمسة أقفزة، وعلى جريب الشجر عشرة دراهم وعشرة أقفزة، ولم يذكر
النخل، وعلى رؤس الرجال ثمانية وأربعين وأربعة وعشرين واثنى عشر.
675 - وحدثنا القاسم بن سلام قال: حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، عن سعيد
ابن أبي عروبة، عن قتادة،
عن أبي مجلز لاحق بن حميد أن عمر بن الخطاب بعث عمار بن ياسر على
صلاة أهل الكوفة وجيوشهم، وعبد الله بن مسعود على قضائهم وبيت
مالهم، وعثمان بن حنيف على مساحة الأرض. وفرض لهم كل يوم شاة بينهم،
شطرها وسواقطها لعمار، والشطر الآخر بين هذين. فمسح عثمان بن حنيف
الأرض، فجعل على جريب النخل عشرة دراهم، وعلى جريب الكرم
عشرة دراهم، وعلى جريب القصب ستة دراهم، وعلى جريب البر أربعة دراهم،
وعلى جريب الشعير درهمين. وكتب بذلك إلى عمر رحمه الله فأجازه.
676 - حدثنا الحسين بن الأسود قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن مندل العنزي،
عن الأعمش، عن إبراهيم،
عن عمرو بن ميمون قال: بعث عمر بن الخطاب حذيفة بن اليمان على
330

ما وراء دجلة، وبعث عثمان بن حنيف على ما دون دجلة. فوضعا على كل
جريب قفيزا ودرهما.
677 - حدثنا الحسين قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن مندل، عن أبي إسحاق
(ص 269) الشيباني،
عن محمد بن عبد الله الثقفي قال: كتب المغيرة بن شعبة، وهو على السواد:
إن قبلنا أصنافا من الغلة لها مزيد على الحنطة والشعير. فذكر الماش، والكروم،
والرطبة، والسماسم. قال: فوضع عليها ثمانية ثمانية، وألغى النخل.
678 - وحدثنا خلف البزار قال: حدثنا أبو بكر بن عياش
وحدثنا الحسين بن الأسود عن يحيى بن آدم، عن أبي بكر قال: أخبرني أبو سعيد
البقال،
عن العيزار بن حريث قال: وضع عمر بن الخطاب على جريب الحنطة
درهمين وجريبين، وعلى جريب الشعير درهما وجريبا، وعلى كل غامر يطاق
زرعه على الجريبين درهما.
679 - وحدثنا خلف البزار، عن أبي بكر بن عياش، عن أبي سعيد،
عن العيزار بن حريث قال: وضع عمر على جريب الكرم عشرة دراهم،
وعلى جريب الرطبة عشرة دراهم، وعلى جريب القطن خمسة دراهم، وعلى
النخلة من الفارسي درهما، وعلى الدقلتين درهما.
680 - حدثني عمرو الناقد قال: حدثنا حفص بن غياث، عن ابن أبي عروبة، عن
قتادة،
عن أبي مجلز أن عمر وضع على جريب النخل ثمانية دراهم.
331

681 - وحدثنا الحسين بن الأسود قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا عبد الرحمن
ابن سليمان، عن السرى بن إسماعيل،
عن الشعبي قال: بعث عمر بن الخطاب عثمان بن حنيف فوضع على أهل
السواد لجريب الرطبة خمسة دراهم، ولجريب الكرم عشرة دراهم، ولم يجعل
على ما عمل تحته شيئا.
682 - وحدثنا الوليد بن صالح، عن الواقدي، عن ابن أبي سبرة،
عن المسور بن رفاعة قال قال عمر بن عبد العزيز: كان خراج السواد على
عهد عمر بن الخطاب مئة ألف ألف درهم. فلما كان الحجاج صار إلى أربعين
ألف ألف درهم.
683 - وحدثنا الوليد، عن الواقدي، عن عبد الله بن عبد العزيز، عن أيوب بن أبي
أمامة بن سهل بن حنيف،
عن أبيه قال: ختم (ص 270) عثمان بن حنيف في رقاب خمس مئة
ألف وخمسين ألف علج، وبلغ الخراج في ولايته مئة ألف ألف درهم.
684 - وحدثني الوليد بن صالح قال: حدثنا يونس بن أرقم المالكي قال: حدثني
يحيى بن أبي الأشعث الكندي، عن مصعب بن يزيد أبى زيد الأنصاري،
عن أبيه قال: بعثني علي بن أبي طالب على ما سقى الفرات. فذكر
رساتيق وقرى. فسمى نهر الملك، وكوثى، وبهرسير، والرومقان، ونهر
جوبر، ونهر درقيط، والبهقباذات، وأمرني أن أضع على كل جريب زرع
غليظ من البر درهما ونصفا وصاعا من طعام، وعلى كل جريب وسط درهما،
332

وعلى كل جريب من البر رقيق الزرع ثلثي درهم، وعلى الشعير نصف ذلك.
وأمرني أن أضع على البساتين التي تجمع النخل والشجر على كل جريب عشرة
دراهم، وعلى جريب الكرم إذا أتت عليه ثلاث سنين ودخل في الرابعة وأطعم
عشرة دراهم، وأن ألغى كل نخل شاذ عن القرى يأكله من مر به، وأن
لا أضع على الخضراوات شيئا: المقاثى والحبوب والسماسم والقطن. وأمرني أن
أضع على الدهاقين الذين يركبون البراذين ويتختمون بالذهب على الرجل ثمانية
وأربعين درهما، وعلى أوسطهم من التجار على رأس كل رجل أربعة وعشرين
درهما في السنة، وأن أضع على الأكرة وسائر من بقى منهم على الرجل
اثنى عشر درهما.
685 - حدثني حميد بن الربيع، عن يحيى بن آدم،
عن الحسن بن صالح قال قلت للحسن: ما هذه الطسوق المختلفة؟ فقال:
كل قد وضع حالا بعد حال على قدر قرب الأرضين والفرض من الأسواق
وبعدها (ص 271).
قال: وقال يحيى بن آدم: وأما مقاسمة السواد فإن الناس سألوها السلطان
في آخر خلافة المنصور، فقبض قبل أن يتقاسموا، ثم أمر المهدى بها فقوسموا فيها
دون عقبة حلوان.
686 - وحدثني عبد الله بن صالح العجلي، عن عبثر أبى زبيد،
عن الثقات قال: مسح حذيفة سقى دجلة ومات بالمدائن. وقناطر حذيفة
نسبت إليه، وذلك أنه نزل عندها. ويقال جددها. وكان ذراعه وذراع
ابن حنيف ذراع اليد وقبضة وإبهاما ممدودة. وبهما قوسم أهل السواد على
النصف بعد المساحة التي كانت تمسح عليهم.
333

687 - قال بعض الكتاب: العشر الذي يؤخذ من القطائع هو عشر
ما يكال خمس النصف الذي يؤخذ من الاستان. فينبغي ان يوضع على
الجريب مما تجرى عليه المساحة في القطائع أيضا خمس ما يؤخذ من جريب
الاستان، فمضى الامر على ذلك.
688 - حدثني أبو عبيد قال: حدثنا كثير بن هشام، عن جعفر بن برقان،
عن ميمون بن مهران أن عمر رحمه الله بعث حذيفة وابن حنيف إلى
خانقين، وكانت من أول ما افتتحوا. فختما أعناق أهل الذمة ثم قبضا الخراج.
689 - حدثنا الحسين بن الأسود قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا عبد الله بن الوليد
قال،
حدثنا رجل كان أبوه أخبر الناس بهذا السواد يقال له عبد الملك بن أبي
حرة عن أبيه أن عمر بن الخطاب أصفى عشر أرضين من السواد، فحفظت
سبعا وذهب عنى ثلاث: أصفى الآجام، ومغايض الماء، وأرض كسرى، وكل
دير يزيد، وأرض من قتل في المعركة، وأرض من هرب. قال: ولم يزل
ذلك ثابتا حتى أحرق الديوان أيام (ص 272) الحجاج بن يوسف فأخذ كل
قوم ما يليهم.
390 - وحدثني أبو عبد الرحمن الجعفي قال: حدثنا ابن المبارك، عن عبد الله بن
الوليد، عن عبد الملك بن أبي حرة،
عن أبيه قال: أصفى عمر بن الخطاب من السواد أرض من قتل في الحرب، وأرض
من هرب، وكل أرض كسرى، وكل أرض لأهل بيته، وكل مغيض ماء
وكل دير يزيد، وكل صافية اصطفاها كسرى. فبلغت صوافيه سبعة آلاف
334

ألف درهم. فلما كانت وقعة الجماجم أحرق الناس الديوان فأخذ كل
قوم ما يليهم.
691 - حدثني الحسين وعمرو الناقد قالا: حدثنا محمد بن فضيل عن الأعمش،
عن إبراهيم بن مهاجر،
عن موسى بن طلحة قال: أقطع عثمان عبد الله بن مسعود أرضا بالنهرين،
وأقطع عمار بن ياسر إستينيا، وأقطع خباب بن الإرث صعنبا، وأقطع سعدا
قرية هرمز.
692 - وحدثنا عبد الله بن صالح العجلي، عن إسماعيل بن مجالد، عن أبيه،
عن الشعبي قال: أقطع عثمان بن عفان طلحة بن عبيد الله النشاستج،
وأقطع أسامة بن زيد أرضا باعها.
693 - حدثنا شيبان بن فروخ قال: حدثنا أبو عوانة، عن إبراهيم بن المهاجر،
عن موسى بن طلحة أن عثمان بن عفان أقطع خمسة نفر من أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم منهم عبد الله بن مسعود، وسعد بن مالك الزهري، والزبير
ابن العوام، وخباب بن الأرت، وأسامة بن زيد.
قال: فرأيت ابن مسعود وسعدا فكانا جارى يعطيان أرضهما بالثلث والربع.
694 - وحدثني الوليد بن صالح، عن محمد بن عمر الأسلمي، عن إسحاق بن يحيى،
عن موسى بن طلحة قال: أول من أقطع العراق عثمان بن عفان. أقطع قطائع من صوافي كسرى وما كان من أرض الجالية. فأقطع طلحة النشاستج
(ص 273) وأقطع وائل بن حجر الحضرمي ما والى زرارة، وأقطع خباب
335

ابن الأرت استينيا، وأقطع عدي بن حاتم الطائي الروحاء، وأقطع خالد بن
عرفطة أرضا عند حمام أعين، وأقطع الأشعث بن قيس الكندي طيزناباذ،
وأقطع جرير بن عبد الله البجلي أرضه على شاطئ الفرات.
695 - حدثني الحسين بن الأسود، عن يحيى بن آدم،
عن الحسن بن صالح قال: بلغني أن عليا رحمه الله ألزم أهل أجمة برس
أربعة آلاف درهم، وكتب لهم بذلك كتابا في قطعة أديم.
696 - وحدثني أحمد بن حماد الكوفي قال: أجمة برس بحضرة صرح
نمروذ ببابل. وفى الأجمة هوة بعيدة القعر يقال إنها بئر، وكان آخر الصرح
اتخذ من طينها، ويقال إنها موضع خسف.
697 - وحدثني أبو مسعود وغيره أن دهاقين الأنبار سألوا سعد بن أبي
وقاص أن يحفر لهم نهرا كانوا سألوا عظيم الفرس حفره لهم، فكتب إلى سعد
ابن عمرو بن حرام يأمره بحفره لهم. فجمع الرجال لذلك فحفروه، حتى انتهوا
إلى جبل لم يمكنه شقه فتركوه، فلما ولى الحجاج العراق جمع الفعلة من كل
ناحية وقال لقوامه: انظروا إلى قيمة ما يأكل رجل من الحفارين في اليوم،
فإن كان وزنه مثل وزن ما يقلع فلا تمتنعوا من الحفر. فأنفقوا عليه حتى استتموه،
فنسب ذلك الجبل إلى الحجاج، ونسب النهر إلى سعد بن عمرو بن حرام.
قال: وأمرت الخيزران أم الخلفاء أن يحفر النهر المعروف بمحدود،
وسمته الريان. وكان وكيلها جعله أقساما وحد كل قسم ووكل بحفره قوما
فسمى محدودا.
فأما النهر المعروف بشيلى فإن بنى شيلى بن فرخزادان المروزي يدعون
336

أن سابور حفره لجدهم حين رتبه بنغيا من طسوج الأنبار. والذي يقول غيرهم:
إنه (ص 274) نسب إلى رجل يقال له شيلى كان متقبلا بحفره. وكانت له
عليه مبقلة في أيام المنصور أمير المؤمنين، وان هذا النهر كان قديما مندفنا
فأمر المنصور بحفره، فلم يستتم حتى توفى، فاستتم في خلافة المهدى.
ويقال إن المنصور كان أمر بإحداث فوهة له فوق فوهته القديمة، فلم يتم
ذلك حتى أتمها المهدى رحمه الله.
337

ذكر تمصير الكوفة
698 - حدثني محمد بن سعد قال: حدثنا محمد بن عمر الواقدي،
عن عبد الحميد بن جعفر وغيره ان عمر بن الخطاب كتب إلى سعد بن أبي
وقاص يأمره أن يتخذ للمسلمين دار هجرة، وأن لا يجعل بينه وبينهم
بحرا. فأتى الأنبار وأراد أن يتخذها منزلا. فكثر على الناس الذباب، فتحول
إلى موضع آخر فلم يصلح، فتحول إلى الكوفة فاختطها وأقطع الناس المنازل،
وأنزل القبائل منازلهم، وبنى مسجدها وذلك في سنة سبع عشرة.
699 - وحدثني على بن المغيرة الأثرم قال: حدثني أبو عبيدة معمر بن المثنى،
عن أشياخه،
قال: وأخبرني هشام بن الكلبي، عن أبيه ومشايخ الكوفيين:
قالوا: لما فرغ سعد بن أبي وقاص من وقعة القادسية وجه إلى المدائن.
فصالح أهل الرومية وبهرسير. ثم افتتح المدائن وأخذ أسبانبر وكردبنداذ عنوة
فأنزلها جنده فاحتووها. فكتب إلى سعد أن حولهم فحولهم إلى سوق حكمة.
وبعضهم يقول حولهم إلى كويفة دون الكوفة.
وقال الأثرم: وقد قيل التكوف الاجتماع. وقيل أيضا إن المواضع
المستديرة من الرمل تسمى كوفانى. وبعضهم يسمى الأرض التي فيها الحصباء
مع الطين والرمل كوفة.
قالوا: فأصابهم البعوض، فكتب سعد إلى عمر يعلمه أن الناس قد بعضوا
وتأذوا بذلك (ص 275). فكتب إليه عمر: إن العرب بمنزلة الإبل
338

لا يصلحها إلا ما يصلح الإبل، فارتد لهم موضعا عدنا، ولا تجعل بيني
وبينهم بحرا.
وولى الاختطاط للناس أبا الهياج الأسدي عمرو بن مالك بن جنادة.
ثم إن عبد المسيح بن بقيلة أتى سعدا وقال له: أدلك على أرض انحدرت
عن الفلاة وارتفعت عن المباق. فدله على موضع الكوفة اليوم. وكان يقال
لها سورستان. فلما انتهى إلى موضع مسجدها أمر رجلا فغلا بسهم قبل مهب
القبلة فأعلم على موقعه، ثم غلا بسهم آخر قبل مهب الشمال وأعلم على موقعه،
ثم غلا بسهم قبل مهب الجنوب وأعلم على موقعه، ثم غلا بسهم قبل مهب الصبا
فأعلم على موقعه. ثم وضع مسجدها ودار امارتها في مقام الغالي وما حوله،
وأسهم لنزار وأهل اليمن بسهمين على أنه من خرج بسهمه أولا فله الجانب
الأيسر، وهو خيرهما. فخرج سهم أهل اليمن فصارت خططهم في الجانب الشرقي،
وصارت خطط نزار في الجانب الغربي من وراء تلك العلامات. وترك ما دونها
فناء للمسجد ودار الامارة.
ثم إن المغيرة بن شعبة وسعه، وبناه زياد فأحكمه، وبنى دار الامارة.
وكان زياد يقول: أنفقت على كل أسطوانة من أساطين مسجد الكوفة ثماني
عشرة مئة. وبنى فيها عمرو بن حريث المخزومي بناء. وكان زياد يستخلفه
على الكوفة إذا شخص إلى البصرة. ثم بنى العمال فيها فضيقوا رحابها وأفنيتها.
قال: وصاحب زقاق عمرو بالكوفة بنو عمرو بن حريث بن عمرو بن عثمان
ابن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة.
700 - وحدثني وهب بن بقية الواسطي قال: حدثنا يزيد بن هارون، عن داود
ابن أبي هند،
عن الشعبي قال: كنا - يعنى أهل اليمن - اثنى عشر ألفا. وكانت نزار
339

ثمانية آلاف. ألا (ص 276) ترى أنا أكثر أهل الكوفة، وخرج سهمنا
بالناحية الشرقية فلذلك صارت خططنا بحيث هي.
701 - وحدثني على بن محمد المدائني، عن مسلمة بن محارب وغيره،
قالوا: زاد المغيرة في مسجد الكوفة وبناه، ثم زاد فيه زياد. وكان سبب
إلقاء الحصى فيه وفى مسجد البصرة أن الناس كانوا يصلون فإذا رفعوا أيديهم
وقد تربت، نفضوها. فقال زياد: ما أخوفني أن يظن الناس على غابر الأيام
أن نفض الأيدي سنة في الصلاة. فزاد في المسجد ووسعه، وأمر بالحصى
فجمع وألقى في صحن المسجد. وكان الموكلون بجمعه يتعنتون الناس ويقولون
لمن وظفوه عليه: إيتونا به على ما نريكم، وانتقوا منه ضروبا اختاروها.
فكانوا يطلبون ما أشبهها، فأصابوا مالا. فقيل: حبذا الامارة ولو على الحجارة.
وقال الأثرم، قال أبو عبيدة: إنما قيل ذلك لان الحجاج بن عتيك الثقفي
أو ابنه تولى قطع حجارة أساطين مسجد البصرة من جبل الأهواز، فظهر له مال،
فقال الناس: حبذا الامارة ولو على الحجارة.
وقال أبو عبيدة: وكان تكويف الكوفة في سنة ثمانية عشرة.
قال: وكان زياد اتخذ في مسجد الكوفة مقصورة ثم جددها خالد
ابن عبد الله القسري.
702 - وحدثني حفص بن عمر العمرى قال:
حدثني الهيثم بن عدي الطائي قال: أقام المسلمون بالمدائن واختطوها،
وبنوا المساجد فيها. ثم إن المسلمين استوخموها واستوبؤها، فكتب بذلك
سعد بن أبي وقاص إلى عمر. فكتب إليه عمر أن ينزلهم منزلا غربيا.
340

فارتاد كويفة ابن عمر. فنظروا فإذا الماء محيط بها. فخرجوا حتى أتوا موضع
الكوفة اليوم فانتهوا إلى الظهر، وكان يدعى خد العذراء، ينبت الخزامي
والأقحوان والشيح والقيصوم والشقائق، فاختطوها.
703 - وحدثني شيخ من الكوفيين أن ما بين الكوفة والحيرة كان
(ص 277) يسمى الملطاط.
قال: وكانت دار عبد الملك بن عمير للضيفان. أمر عمر أن يتخذ لمن يرد
من الآفاق دارا، فكانوا ينزلونها.
704 - وحدثني العباس بن هشام الكلبي، عن أبيه، عن أبي مخنف،
عن محمد بن إسحاق قال: اتخذ سعد بن أبي وقاص بابا مبوبا من خشب،
وخص على قصره خصا من قصب. فبعث عمر بن الخطاب محمد بن مسلمة
الأنصاري حتى أحرق الباب والخص. وأقام سعدا في مساجد الكوفة فلم يقل
فيه إلا خير.
705 - وحدثني العباس بن الوليد النرسي وإبراهيم العلاف البصري قالا: حدثنا
أبو عوانة، عن عبد الملك بن عمير،
عن جابر بن سمرة أن أهل الكوفة سعوا بسعد بن أبي وقاص إلى عمر
وقالوا: إنه لا يحسن الصلاة. فقال سعد: أما أنا فكنت أصلى بهم صلاة رسول
الله صلى الله عليه وسلم لا أخرم عنها، أركد في الأوليين وأحذف في الأخريين.
فقال عمر: ذاك الظن بك يا أبا إسحاق. فأرسل عمر رجالا يسألون عنه بالكوفة،
فجعلوا لا يأتون مسجدا من مساجدها إلا قالوا خيرا وأثنوا معروفا، حتى أتوا
مسجدا من مساجد بنى عبس، فقال رجل منهم يقال له أبو سعدة: أما إذا
341

سألتمونا عنه فإنه كان لا يقسم بالسوية ولا يعدل في القضية. قال: فقال سعد:
اللهم إن كان كاذبا فأطل عمره وأدم فقره واعم بصره وعرضه للفتن. قال
عبد الملك: فأنا رأيته بعد يتعرض للإماء في السكك، فإذا قيل له: كيف
أنت يا أبا سعدة؟ قال: كبير مفتون أصابتني دعوة سعد.
قال العباس النرسي في غير هذا الحديث: إن سعدا قال لأهل الكوفة:
اللهم لا ترض عنهم أميرا ولا ترضهم بأمير.
706 - وحدثني العباس النرسي قال: بلغني أن المختار بن أبي عبيد
أو غيره قال: حب أهل الكوفة شرف وبغضهم تلف.
707 - وحدثني الحسن بن عثمان الزيادي قال: حدثنا إسماعيل بن مجالد، عن أبيه،
عن الشعبي أن (ص 278) عمرو بن معدى كرب الزبيدي وفد على
عمر بن الخطاب بعد فتح القادسية، فسأله عن سعد وعن رضاء الناس عنه فقال:
تركته يجمع لهم جمع الذرة، ويشفق عليهم شفقة الام البرة. أعرابي في نمرته،
نبطي في جبايته. يقسم بالسوية، ويعدل في القضية، وينفذ بالسرية. فقال
عمر: كأنكما تقارضتما الثناء - وقد كان سعد كتب يثنى على عمرو - قال:
كلا يا أمير المؤمنين! ولكني أنبيت بما أعلم. قال: يا عمرو! أخبرني عن
الحرب. قال: مرة المذاق، إذا قامت على ساق. من صبر فيها عرف، ومن
ضعف عنها تلف. قال: فأخبرني عن السلاح، قال: سل يا أمير المؤمنين عما
شئت منه. قال: الرمح. قال: أخوك وربما خانك. قال: فالسهام. قال:
رسل المنايا تخطى وتصيب. قال: فالترس. قال ذاك المجن عليه تدور
الدوائر. قال: فالدرع. قال مشغلة للفارس متعبة للراجل، وإنها لحصن حصين
342

قال: والسيف؟ قال: هناك ثكلتك أمك. فقال عمر: بل ثكلتك أمك. فقال
عمرو: الحمى أضرعتني إليك.
قال: وعزل عمر سعدا وولى عمار بن ياسر. فشكوه وقالوا: ضعيف لا علم
له بالسياسة. فعزله. وكانت ولايته الكوفة سنة وتسعة أشهر. فقال عمر: من
عذيري من أهل الكوفة! إن استعملت عليهم القوى فجروه، وإن وليت
عليهم الضعيف حقروه. ثم دعى المغيرة بن شعبة فقال: إن وليتك الكوفة
أتعود إلى شئ مما قرفت به؟ فقال: لا. وكان المغيرة حيت فتحت القادسية صار
إلى المدينة، فولاه عمر الكوفة، فلم يزل عليها حتى توفى عمر. ثم إن عثمان
ابن عفان ولاها سعدا، ثم عزله وولى الوليد بن عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو
ابن أمية، فلما قدم عليه قال له سعد: إما أن تكون كست بعدي أو أكون
حمقت بعدك. ثم عزل الوليد (ص 279) وولى سعد بن العاصي بن سعيد
ابن العاصي بن أمية.
708 - وحدثني أبو مسعود الكوفي، عن بعض الكوفيين قال:
سمعت مسعر بن كدام يحدث قال: كان مع رستم يوم القادسية أربعة
آلاف يسمون جند شهانشاه. فاستأمنوا على أن ينزلوا حيث أحبوا، ويحالفوا
من أحبوا، ويفرض لهم في العطاء. فأعطوا الذي سألوه. وحالفوا زهرة
ابن حوية السعدي من بنى تميم، وأنزلهم سعد بحيث اختاروا، وفرض لهم
في ألف ألف، وكان لهم نقيب منهم يقال له ديلم، فقيل حمراء ديلم.
ثم إن زيادا سير بعضهم إلى بلاد الشام بأمر معاوية، فهم بها يدعون
الفرس. وسيرا منهم قوما إلى البصرة فدخلوا في الأساورة الذين بها.
قال أبو مسعود: والعرب تسمى العجم الحمراء، ويقولون: جئت من حمراء
ديلم، كقولهم جئت من جهينة وأشباه ذلك.
343

قال أبو مسعود: وسمعت من يذكر أن هؤلاء الأساورة كانوا مقيمين بإزاء
الديلم، فلما غشيهم المسلمون بقزوين أسلموا على مثل ما أسلم عليه أساورة البصرة،
وأتوا الكوفة فأقاموا بها.
709 - وحدثني المدائني قال: كان أبرويز وجه إلى الديلم فأتى بأربعة
آلاف. وكانوا خدمه وخاصته، ثم كانوا على تلك المنزلة بعده وشهدوا القادسية
مع رستم. فلما قتل وانهزم المجوس اعتزلوا وقالوا: ما نحن كهؤلاء، ولا لنا
ملجأ، وأثرنا عندهم غير جميل، والرأي لنا أن ندخل معهم في دينهم فنعز بهم.
فاعتزلوا. فقال سعد: ما لهؤلاء؟ فأتاهم المغيرة بن شعبة فسألهم عن أمرهم
فأخبروه بخبرهم وقالوا: ندخل في دينكم. فرجع إلى سعد فأخبره، فأمنهم فأسلموا،
وشهدوا فتح المدائن مع سعد، وشهدوا فتح جلولاء، ثم تحولوا فنزلوا الكوفة
مع المسلمين.
710 - وقال هشام بن محمد بن السائب السكلبي: جبانة السبيع نسبت
إلى ولد السبيع بن سبع بن صعب الهمداني.
وصحراء (ص 280) أثير نسبت إلى رجل من بنى أسد يقال له أثير.
ودكان عبد الحميد نسب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب
عامل عمر بن عبد العزيز على الكوفة.
وصحراء بنى قرار نسبت إلى بنى قرار ابن ثعلبة بن مالك بن حرب بن
طريف بن النمر بن يقدم بن عنزة بن أسد ابن ربيعة بن نزار.
قال: وكانت دار الروميين مزبلة لأهل الكوفة تطرح فيها القمامات
والكساحات، حتى استقطعها عنبسة بن سعيد بن العاصي من يزيد بن عبد
الملك، فأقطعه إياها، فنقل ترابها بمئة ألف وخمسين ألف درهم.
344

710 - وقال أبو مسعود: سوق يوسف بالحيرة نسب إلى يوسف بن عمر
ابن محمد بن الحكم بن أبي عقيل الثقفي ابن عم الحجاج بن يوسف بن الحكم
ابن أبي عقيل، وهو عامل هشام على العراق.
711 - وأخبرني أبو الحسن على بن محمد وأبو مسعود قالا:
حمام أعين نسب إلى أعين مولى سعد بن أبي وقاص. وأعين هذا هو الذي
أرسله الحجاج ابن يوسف إلى عبد الله بن الجارود العبدي من رستقاباذ حين
خالف وتابعه الناس على إخراج الحجاج من العراق ومسألة عبد الملك تولية غيره،
فقال له حين أدى الرسالة: لولا أنك رسول لقتلتك.
712 - قال أبو مسعود: وسمعت أن الحمام قبله كان لرجل من العباد
يقال له جابر أخو حيان الذي ذكره الأعشى، وهو صاحب مسناة جابر بالحيرة،
فابتاعه من ورثته.
713 - وقال ابن الكلبي: وبيعة بنى مازن بالحيرة لقوم من الأزد من
بنى عمرو بن مازن من الأزد، وهم من غسان.
قال: وحمام عمر نسب إلى عمر بن سعد بن أبي وقاص.
714 - قالوا: وشهارسوج بجيلة بالكوفة إنما نسب إلى بنى بجلة،
وهم ولد مالك (ص 281) بن ثعلبة بن بهثة بن سليم بن منصور. وبجلة
أمهم وهي غالبة على نسبهم. فغلط الناس فقالوا بجيلة.
وجبانة عرزم نسبت إلى رجل يقال له عرزم كان يضرب فيها اللبن،
ولبنها ردى فيه قصب وخزف، فربما وقع الحريق بها فاحترقت الحيطان.
345

715 - وحدثني ابن عرفه قال: حدثني إسماعيل بن عليه،
عن ابن عون أن إبراهيم النخعي أوصى أن لا يجعل في قبره لبن عرزمي.
وقد قال بعض أهل الكوفة: إن عرزما هذا رجل من بنى نهد.
وجبانة بشر نسبت إلى بشر بن ربيعة بن عمرو بن منارة بن قمير الخثعمي
الذي يقول:
تحن بباب القادسية ناقتي * وسعد بن وقاص على أمير
716 - قال أبو مسعود: وكان بالكوفة موضع يعرف بعنترة الحجام.
وكان أسود. فلما دخل أهل خراسان الكوفة كانوا يقولون: حجام عنترة. فبقى
الناس على ذلك. وكذلك حجام فرج، وضحاك رواس، وبيطار حيان.
ويقال: رستم، ويقال: صليب، وهو بالحيرة.
717 - وقال هشام بن الكلبي: نسبت زرارة إلى زرارة بن يزيد
ابن عمرو بن عدس، من بنى البكاء بن عامر بن صعصعة. وكانت منزله،
وأخذها منه معاوية بن أبي سفيان. ثم أصفيت بعد حتى أقطعها محمد بن الأشعث
ابن عقبة الخزاعي.
قال: ودار حكيم بالكوفة في أصحاب الأنماط نسبت إلى حكيم بن سعد
ابن ثور البكائي.
وقصر مقاتل بن حسان بن ثعلبة بن أوس بن إبراهيم بن أيوب بن محروق
أحد بنى امرئ القيس بن زيد مناة بن تميم.
قال: (ص 282) والسوادية بالكوفة نسبت إلى سواد بن زيد بن عدي
ابن زيد الشاعر العبادي. وجده حماد بن زيد بن أيوب بن محروق.
346

وقرية أبى صلابة التي على الفرات نسبت إلى صلابة بن مالك بن طارق
ابن جبر بن همام العبدي.
وأقساس مالك نسبت إلى مالك بن قيس بن عبد هند بن لجم أحد بنى
حذافة بن زهر بن إياد بن نزار.
ودير الأعور لرجل من إياد من بنى أمية بن حذاقة، كان يسمى الأعور،
وفيه يقول أبو دؤاد الأيادي
ودير يقول له الرائدون * ويل أم دار الحذاقي دارا
ودير قرة نسب إلى قرة أحد بنى أمية بن حذاقة، وإليهم ينسب دير
السوا، والسوا العدل كانوا يأتونه فيتناصفون فيه. ويحلف بعضهم لبعض على
الحقوق. وبعض الرواة يقول: السوا امرأة منهم.
قال: ودير الجماجم لإياد، وكانت بينهم وبين بنى بهراء بن عمرو بن الحاف
ابن قضاعة وبين بنى القين بن جسر بن شيع الله بن وبرة بن تغلب بن حلوان
ابن عمران بن الحاف حرب، فقتل فيها من إياد خلق، فلما انقضت الوقعة دفنوا
قتلاهم عند الدير. وكان الناس بعد ذلك يحفرون، فخرج جماجم، فسمى دير
الجماجم. هذه رواية الشرقي بن القطامي.
718 - وقال محمد بن السائب الكلبي: كان مالك الرماح بن محرز الأيادي
قتل قوما من الفرس ونصب جماجمهم عند الدير، فسمى دير الجماجم.
ويقال إن دير كعب لإياد، ويقال لغيرهم.
ودير هند لام عمرو بن هند، وهو عمرو بن المنذر بن ماء السماء. وأمه
(ص 283) كندية.
347

ودار قمام بنت الحارث بن هانئ الكندي، وهي عند دار الأشعث
ابن قيس.
قال: وبيعة بنى عدى نسبت إلى بنى عدى بن الذميل من لخم.
719 - قالوا: وكانت طيزناباذ تدعى ضيزناباذ. فغيروا اسمها. وإنما
نسبت إلى الضيزن بن معاوية بن العبيد السليحي. واسم سليح عمر بن طريف
ابن عمران بن الحاف بن قضاعة. وربة الخضراء النضيرة بنت الضيزن. وأم
الضيزن جيهلة بنت تزيد بن حيدان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة.
قال: والذي نسب إليه مسجد سماك بالكوفة سماك بن مخرمة بن حمين
الأسدي من بنى الهالك بن عمرو بن أسد، وهو الذي يقول له الأخطل:
إن سماكا بنى مجدا لأسرته * حتى الممات وفعل الخير يبتدر
قد كنت أحسبه قينا وأخبره * فاليوم طير عن أثوابه الشرر
وكان الهالك أول من عمل الحديد، وكان ولده يعيرون بذلك، فقال
سماك للأخطل: ويحك ما أعياك؟ أردت أن تمدحني فهجوتني. وكان هرب
من علي بن أبي طالب من الكوفة ونزل الرقة.
720 - قال ابن الكلبي: بالكوفة محلة بنى شيطان، وهو شيطان بن
زهير بن شهاب بن ربيعة بن أبي سود بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد
مناة من تميم.
وقال ابن الكلبي: موضع دار عيسى بن موسى التي يعرف بها اليوم كان
للعلاء بن عبد الرحمن بن محرز بن حارثة بن ربيعة بن عبد العزى بن عبد
(ص 284) شمس بن عبد مناف. وكان العلاء على ربع الكوفة أيام ابن الزبير.
348

وسكة ابن محرز تنسب إليه.
وبالكوفة سكة تنسب إلى عميرة بن شهاب بن محرز بن أبي شمر الكندي
الذي كانت أخته عند عمر بن سعد بن أبي وقاص، فولدت له حفص بن عمر.
وصحراء شبث نسبت إلى شبث بن ربعي الرياحي من بنى تميم.
721 - قالوا: ودار حجير بالكوفة نسبت إلى حجير بن الجعد الجمحي.
وقال: بئر المبارك في مقبرة جعفي نسبت إلى المبارك بن عكرمة بن حميري
الجعفي. وكان يوسف بن عمر ولاه بعض السواد.
ورحى عمارة نسبت إلى عمارة بن عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو
ابن أمية.
وقال. جبانة سام نسبت إلى سالم بن عمار بن عبد الحارث أحد بنى دارم
ابن نهار بن مرة بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن. وبنو مرة بن
صعصعة ينسبون إلى أمهم سلول بنت ذهل بن شيبان.
722 - قالوا: وصحراء البردخت نسبت إلى البردخت الشاعر الضبي،
واسمه على بن خالد.
723 - قالوا: ومسجد بنى عنز نسب إلى بنى عنز بن وائل بن قاسط.
ومسجد بنى جذيمة نسب إلى بنى جذيمة بن مالك بن نصر بن قعين بن
الحارث بن ثعلبة بن دودان بن أسد. ويقال إلى بنى جذيمة بن رواحة العبسي،
وفيه حوانيت الصيارفة.
قال: وبالكوفة مسجد نسب إلى بنى المقاصف بن ذكوان بن زبينة
349

ابن الحارث بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن
قيس بن عيلان، ولم يبق منهم أحد.
قال: ومسجد بنى بهدلة نسب إلى بنى بهدلة بن المثل بن معاوية
من كندة.
قال: وبئر الجعد بالكوفة نسب إلى الجعد مولى همدان.
قال: ودار (ص 285) أبى أرطاة نسبت إلى أرطاة بن مالك البجلي.
قال: ودار المقطع نسبت إلى المقطع بن سنين الكلبي ابن خالد بن
مالك. وله يقول ابن الرقاع:
على ذي منار تعرف العين شخصه * كما يعرف الأضياف دار المقطع
قال: وقصر العدسيين في طرف الحيرة لبني عمار بن عبد المسيح بن قيس
ابن حرملة بن علقمة بن عدس الكلبي. نسبوا إلى جدتهم عدسة بنت مالك
ابن عوف الكلبي، وهي أم الرماح والمشظ ابني عامر المذمم.
724 - وحدثني شيخ من أهل الحيرة قال: وجد في قراطيس هدم
قصور الحيرة التي كانت لآل المنذر أن المسجد الجامع بالكوفة بنى ببعض
نقض تلك القصور، وحسبت لأهل الحيرة قيمة ذلك من جزيتهم.
725 - وحدثني أبو مسعود وغيره قال: كان خالد بن عبد الله بن أسد
ابن كرز القسري من بجيلة، بنى لامه بيعة هي اليوم سكة البريد بالكوفة.
وكانت أمه نصرانية.
قال: وبنى خالد حوانيت أنشأها وجعل سقوفها آزاجا معقودة
بالآجر والجص.
350

وحفر خالد النهر الذي يعرف بالجامع. واتخذ بالقرية قصرا يعرف بقصر
خالد. واتخذ أخوه أسد بن عبد الله القرية التي تعرف بسوق أسد. وسوقها
ونقل الناس إليها، فقيل سوق أسد. وكان العبر الآخر ضيعة عتاب بن ورقاء
الرياحي، وكان معسكره حين شخص إلى خراسان واليا عليها عند سوقه هذا.
726 - قال أبو مسعود: وكان عمر بن هبيرة بن معية الفزاري أيام ولايته
العراق أحدث قنطرة الكوفة، ثم أصلحها خالد بن عبد الله القسري واستوثق
منها. وقد أصلحت بعد ذلك مرات.
قال: وقال بعض أشياخنا: كان أول من بناها رجل من العباد من جعفي
في الجاهلية، ثم (ص 286) سقطت فاتخذ في موضعها جسر، ثم بناها في
الاسلام زياد بن أبي سفيان، ثم ابن هبيرة، ثم خالد بن عبد الله، ثم يزيد
ابن عمر بن هبيرة، ثم أصلحت بعد بنى أمية مرات.
727 - حدثني أبو مسعود وغيره قالوا: كان يزيد بن عمر بن هبيرة بنى
مدينة بالكوفة على الفرات ونزلها ومنها شئ يسير لم يستتم. فأتاه كتاب مروان
يأمره باجتناب مجاورة أهل الكوفة فتركها. وبنى القصر الذي يعرف بقصر
ابن هبيرة بالقرب من جسر سورا.
فلما ظهر أمير المؤمنين أبو العباس نزل تلك المدينة واستتم مقاصير فيها،
وأحدث فيها بناء، وسماها الهاشمية. فكان الناس ينسبونها إلى ابن هبيرة على
العادة، فقال: ما أرى ذكر ابن هبيرة يسقط عنها. فرفضها وبنى بحيالها المدينة
الهاشمية. ثم اختار نزول الأنبار، فبنى بها مدينته المعروفة، فلما توفى دفن بها.
واستخلف أبو جعفر المنصور فنزل المدينة الهاشمية بالكوفة، واستتم شيئا
كان بقى منها، وزاد فيها بناء وهيأها على ما أراد، ثم تحول منها إلى بغداد.
351

فبنى مدينته، ومصر بغداد وسماها مدينة السلام، وأصلح سورها القديم الذي
يبتدئ من دجلة وينتهي إلى الصراط.
وبالهاشمية حبس المنصور عبد الله بن حسن ابن حسن بن علي بن أبي
طالب بسبب ابنيه محمد وإبراهيم، وبها قبره.
وبنى المنصور بالكوفة الرصافة، وأمر أبا الخصيب مرزوقا مولاه فبنى له القصر
المعروف بأبي الخصيب على أساس قديم. ويقال إن أبا الخصيب بناه لنفسه،
فكان المنصور يزوره فيه.
وأما الخورنق فكان قديما فارسيا بناه النعمان بن امرئ القيس - وهو
ابن الشقيقة بنت أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان - لبهرام جور بن يزدجرد
ابن بهرام بن سابور ذي الأكتاف. وكان بهرام جور في حجره. والنعمان هذا
الذي ترك ملكه وساح، فذكره عدى بن زيد العبادي في شعره.
فلما ظهرت الدولة المباركة أقطع الخورنق إبراهيم بن سلمة أحد الدعاة بخراسان،
(ص 287) وهو جد عبد الرحمن بن إسحاق القاضي، كان بمدينة السلام في
خلافة المأمون والمعتصم بالله رحمهما الله، وكان مولى للرباب (؟). وإبراهيم
أحدث قبة الخورنق في خلافة أبى العباس، ولم تكن قبل ذلك.
728 - وحدثني أبو مسعود الكوفي قال: حدثنا يحيى بن سلمة بن كهيل
الحضرمي،
عن مشايخ من أهل الكوفة أن المسلمين لما فتحوا المدائن أصابوا بها
فيلا، وقد كانوا قتلوا ما لقيهم قبل ذلك من الفيلة. فكتبوا فيه إلى عمر.
فكتب إليهم أن بيعوه إن وجدتم له مباعا. فاشتراه رجل من أهل الحيرة،
فكان عنده يريه الناس ويجلله ويطوف به في القرى، فمكث عنده حينا.
ثم إن أم أيوب بنت عمارة بن عقبة بن أبي معيط، امرأة المغيرة بن شعبة -
وهي التي خلف عليها زياد بعده - أحبت النظر إليه، وهي تنزل دار أبيها.
352

فأتى به ووقف على باب المسجد الذي يدعى اليوم باب الفيل. فجعلت تنظر إليه،
ووهبت لصاحبه شيئا وصرفته، فلم يخط إلا خطا يسيرة حتى سقط ميتا. فسمى
الباب باب الفيل. وقد قيل إن الناظرة إليه امرأة الوليد بن عقبة بن أبي معيط.
وقيل إن ساحرا أرى الناس أنه أخرج من هذا الباب فيلا على حمار، وذلك باطل.
وقيل إن الإجانة التي في المسجد حملت على فيل وأدخلت من هذا الباب
فسمى باب الفيل.
وقال بعضهم: إن فيلا لبعض الولاة اقتحم هذا الباب فنسب إليه.
والخبر الأول أثبت هذه الأخبار.
729 - وحدثني أبو مسعود قال: جبانة ميمون بالكوفة نسبت إلى
ميمون مولى محمد بن علي بن عبد الله، وهو أبو بشر بن ميمون صاحب الطاقات
ببغداد، بالقرب من باب الشام.
وصحراء أم سلمة نسبت إلى أم سلمة بنت يعقوب بن سلمة بن عبد الله بن
الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن (ص 288) مخزوم امرأة أبى العباس.
وحدثني أبو مسعود قال: أخذ المنصور أهل الكوفة بحفر خندقها، وألزم
كل امرئ منهم للنفقة عليه أربعين درهما. وكان ذاما لهم لميلهم إلى الطالبيين
وإرجافهم بالسلطان.
730 - وحدثنا الحسين بن الأسود قال: حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن جابر،
عن عامر قال: كتب عمر إلى أهل الكوفة: رأس العرب.
731 - وحدثنا الحسين قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت،
عن نافع بن جبير بن مطعم قال قال عمر: بالكوفة وجوه الناس.
353

732 - وحدثنا الحسين وإبراهيم بن مسلم الخوارزمي قالا: حدثنا وكيع، عن يونس
ابن أبي إسحاق،
عن الشعبي قال: كتب عمر إلى أهل الكوفة: إلى رأس الاسلام.
733 - وحدثنا الحسين بن الأسود قال: حدثنا وكيع، عن قيس بن الربيع،
عن شمر بن عطية قال قال عمر، وذكر الكوفة فقال: هم رمح الله وكنز
الايمان وجمجمة العرب، يحرسون ثغورهم ويمدون أهل الأمصار.
734 - وحدثنا أبو نصر التمار قال: حدثنا شريك بن عبد الله بن أبي شريك
العامري، عن جندب،
عن سلمان قال: الكوفة قبة الاسلام، يأتي على الناس زمان لا يبقى
مؤمن إلا وهو بها أو يهوى قلبه إليها.
354

أمر واسط العراق
735 - حدثني عبد الحميد بن واسع الختلي الحاسب قال: حدثني يحيى بن آدم،
عن الحسن بن صالح قال: أول مسجد جامع بنى بالسواد مسجد المدائن،
بناه سعد وأصحابه، ثم وسع بعد وأحكم بناؤه، وجرى ذلك على يدي حذيفة
ابن اليمان. وبالمدائن مات حذيفة سنة ست وثلاثين. ثم بنى (ص 289)
مسجد الكوفة، ثم مسجد الأنبار.
قال: وأحدث الحجاج مدينة واسط في سنة ثلاث وثمانين أو سنة أربع
وثمانين. وبنى مسجدها وقصرها وقبة الخضراء بها. وكانت واسط أرض
قصب فسميت واسط القصب. وبينها وبين الأهواز والبصرة والكوفة
مقدار واحد.
وقال ابن القرية: بناها في غير بلده ويتركها لغيره ولده.
736 - وحدثني شيخ من أهل واسط،
عن أشياخ منهم أن الحجاج لما فرغ من واسط كتب إلى عبد الملك بن
مروان: إني اتخذت مدينة في كرش من الأرض بين الجبل والمصرين وسميتها
واسطا. فلذلك سمى أهل واسط الكرشيين. وكان الحجاج قبل اتخاذه واسطا
أراد نزول الصين من كسكر فحفر نهر الصين، وجمع له الفعلة، وأمر بأن
يسلسوا لئلا يشذوا ويتبلطوا. ثم بدا له فأحدث واسطا. فنزلها واحتفر النيل
والزابي وسماه زابيا لاخذه من الزابي القديم. وأحيا ما على هذين النهرين من
الأرضين، وأحدث المدينة التي تعرف بالنيل ومصرها. وعمد إلى ضياع كان
عبد الله بن دراج مولى معاوية بن أبي سفيان استخرجها له، أيام ولايته خراج
355

الكوفة مع المغيرة بن شعبة، من موات مرفوض ونقوع مياه ومغايض وآجام
ضرب عليها المسنيات، ثم قلع قصبها فحازها لعبد الملك بن مروان وعمرها.
ونقل الحجاج إلى قصره والمسجد الجامع بواسط أبوابا من زندورد،
والدوقرة، وداروساط، ودير ماسرجسان، وشرابيط. فضج أهل هذه المدن
وقالوا: قد أومنا على مدننا وأموالنا. فلم يلتفت إلى قولهم.
قال: وحفر خالد بن عبد الله القسري المبارك، فقال الفرزدق (ص 290):
كأنك بالمبارك بعد شهر * تخوض غموره بقع الكلاب
ثم قال في شعر له طويل:
أعطى خليفته بقوة خالد * نهرا يفيض له على الأنهار
إن المبارك كاسمه يسقى به * حرث السواد وناعم الجبار
وكأن دجلة حين أقبل مدها * ناب يمد له بحبل قطار
737 - وحدثني محمد بن خالد بن عبد الله الطحان قال:
حدثني مشايخنا أن خالد بن عبد الله القسري كتب إلى هشام بن عبد الملك
يستأذنه في عمل قنطرة على دجلة. فكتب إليه هشام: لو كان هذا ممكنا لسبق
إليه الفرس. فراجعه، فكتب إليه: إن كنت متيقنا أنها تتم فاعملها. فعملها
وأعظم النفقة عليها، فلم يلبث أن قطعها الماء. فأغرمه هشام ما كان أنفق عليها.
738 - قالوا: وكان النهر المعروف بالبزاق قديما، وكان يدعى بالنبطية
البساق أي الذي يقطع الماء عن ما يليه ويجره إليه. وهو نهر يجتمع إليه فضول
مياه آجام السيب وماء من ماء الفرات. فقال الناس: البزاق.
356

فأما الميمون فأول من حفره وكيل لام جعفر زبيدة بنت جعفر بن المنصور
يقال له سعيد بن زيد. وكانت فوهته عند قرية تدعى قرية ميمون. فحولت
في أيام الواثق بالله على يدي عمر بمن فرج الرخجي، وسمى الميمون لئلا يسقط
عنه ذكر اليمن.
739 - وحدثني محمد بن خالد قال: أمر المهدى أمير المؤمنين بحفر نهر
الصلة فحفر، وأحيا ما عليه من الأرضين، وجعلت غلته لصلات أهل الحرمين
والنفقة هناك. وكان شرط لمن تألف إليه من المزارعين الشرط الذي هم عليه
اليوم خمسين سنة، على أن يقاسموا بعد انقضاء الخمسين مقاسمة النصف.
وأما نهر الأمير فنسب (ص 291) إلى عيسى بن علي وهو في قطيعته.
740 - وحدثنا محمد بن خالد قال: كان محمد بن القاسم أهدى إلى الحجاج
من السند فيلا فأجيز البطائح في سفينة وأخرج في المشرعة التي تدعى مشرعة
الفيل. فسميت تلك المشرعة مشرعة الفيل وفرضة الفيل.
357

أمر البطائح
741 - حدثني جماعة من أهل العلم أن الفرس كانت تتحدث بزوال
ملكها وتروى في آية ذلك زلازل وطوفانا تحدث. وكانت دجلة تصب إلى
دجلة البصرة التي تدعى العوراء في أنهار متشعبة من عمود مجراها الذي كان
باقي مائها يجرى فيه، وهو كبعض تلك الأنهار. فلما كان زمان قباذ بن فيروز
انبثق في أسافل كسكر بثق عظيم، فأغفل حتى غلب ماؤه وغرق كثيرا من
أرضين عامرة. وكان قباذ واهنا قليل التفقد لامره. فلما ولى أنوشروان ابنه
أمر بذلك الماء فردم بالمسنيات حتى عاد بعض تلك الأرضين إلى عماره.
ثم لما كانت السنة التي بعث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن
حذافة السهمي إلى كسرى أبرويز وهي سنة سبع من الهجرة، ويقال سنة ست،
زاد الفرات ودجلة زيادة عظيمة لم ير مثلها قبلها ولا بعدها. وانبثقت بثوق
عظام، فجهد أبرويز أن يسكرها فغلبه الماء، ومال إلى موضع البطائح فطفا على
العمارات والزروع فغرق عدة طساسيج كانت هناك. وركب كسرى بنفسه لسد
تلك البثوق، ونثر الأموال على الأنطاع وقتل الفعلة بالكفاية، وصلب على بعض
البثوق فيما يقال أربعين جسارا في يوم فلم يقدر للماء على حيلة. ثم دخلت
العرب أرض العراق وشغلت (ص 292) الأعاجم بالحروب. فكانت البثوق
تتفجر فلا يلتفت إليها ويعجز الدهاقين عن سد عظمها. فاتسعت البطيحة
وعرضت.
فلما ولى معاوية بن أبي سفيان ولى عبد الله بن دراج مولاه خراج العراق،
واستخرج له من الأرضين بالبطائح ما بلغت غلته خمسة آلاف ألف. وذلك أنه
قطع القصب وغلب الماء بالمسنيات.
358

ثم كان حسان النبطي - مولى بنى ضبة وصاحب حوض حسان بالبصرة،
والذي تنسب إليه منارة حسان بالبطائح - فاستخرج للحجاج أيام الوليد،
ولهشام بن عبد الملك أرضين من أراضي البطيحة.
742 - قالوا وكان بكسكر قبل حدوث البطائح نهر يقال له الجنب.
وكان طريق البريد إلى ميسان ودستميسان وإلى الأهواز في شقه القبلي. فلما
تبطحت البطائح سمى ما استأجم من شق طريق البريد آجام البريد. وسمى
الشق الآخر آجام أغمر بثي. ومعنى ذلك الآجام الكبرى. والنهر اليوم يظهر
في الأرضين الجامدة التي استخرجت حديثا.
743 - وحدثني أبو مسعود الكوفي،
عن أشياخه قالوا: حدثت البطائح بعد مهاجر النبي صلى الله عليه وسلم،
وملك الفرس أبرويز. وذلك أنه انبثقت بثوق عظام عجز كسرى عن سدها
وفاضت الأنهار حتى حدثت البطائح. ثم كان مد في أيام محاربة المسلمين الأعاجم
وبثوق لم يعن أحد بسدها، فاتسعت البطيحة لذلك وعظمت.
وقد كان بنو أمية استخرجوا بعض أرضيها، فلما كان زمن الحجاج، غرق
ذلك لان بثوقا انفجرت فلم يعان الحجاج سدها مضارة للدهاقين، لأنه كان
اتهمهم بممالاة ابن الأشعث حين خرج عليه.
واستخرج حسان النبطي لهشام أرضين من أرضى البطيحة أيضا.
وكان أبو الأسد - الذي نسب إليه نهر أبى الأسد - قائدا من قواد
المنصور أمير المؤمنين ممن كان وجه (ص 293) إلى البصرة أيام مقام عبد الله
ابن علي بها، وهو الذي أدخل عبد الله بن علي الكوفة.
359

744 - وحدثني عمر بن بكير أن المنصور رحمه الله وجه أبا الأسد
مولى أمير المؤمنين فعسكر بينه وبين عسكر عيسى بن موسى حين كان يحارب
إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب. وهو حفر النهر
المعروف بأبي أسد عند البطيحة.
وقال غيره: أقام على فم النهر لان السفن لم تدخله لضيقه عنها، فوسعه
ونسب إليه.
قال أبو مسعود: وقد انبثقت في أيام الدولة المباركة بثوق زادت في البطائح
سعة. وحدثت أيضا من الفرات آجام استخرج بعضها.
745 - وحدثني أبو مسعود عن عوانة قال: انبثقت البثوق أيام الحجاج.
فكتب الحجاج إلى الوليد بن عبد الملك يعلمه أنه قدر لسدها ثلاثة آلاف ألف
درهم. فاستكثرها الوليد، فقال له مسلمة بن عبد الملك: أنا أنفق عليها على
أن تقطعني الأرضين المنخفضة التي يبقى فيها الماء بعد إنفاق ثلاثة آلاف ألف
درهم، يتولى إنفاقها ثقتك ونصيحك الحجاج. فأجابه إلى ذلك. فحصلت له
أرضون من طساسيج متصلة. فحفر السيبين، وتألف الأكرة والمزارعين،
وعمر تلك الأرضين، وألجأ الناس إليها ضياعا كثيرة للتعزز به. فلما جاءت
الدولة المباركة وقبضت أموال بنى أمية أقطع جميع السيبين داود بن علي
ابن عبد الله بن العباس، ثم ابتيع ذلك من ورثته بحقوقه وحدوده، فصار من
ضياع الخلافة.
360

أمر مدينة السلام
746 - قالوا: وكانت بغداد قديمة فمصرها أمير المؤمنين المنصور رحمه الله،
وابتنى (ص 294) بها مدينة، وابتدأها في سنة خمس وأربعين ومئة. فلما
بلغه خروج محمد وإبراهيم بنى عبد الله بن حسن بن حسن عاد إلى الكوفة،
ثم حول بيوت الأموال والخزائن والدواوين من الكوفة إلى بغداد سنة ست
وأربعين ومئة. وسماها مدينة السلام. واستتم بناء حائط مدينته وجميع أمره
وبناء سور بغداذ القديم سنة سبع وأربعين ومئة. وتوفى سنة ثمان وخمسين ومئة
بمكة، ودفن عند بئر ميمون بن الحضرمي حليف بنى أمية.
وبنى المنصور للمهدي الرصافة في الجانب الشرقي ببغداذ. وكان هذا الجانب
يدعى عسكر المهدى لأنه عسكر فيه حين خرج إلى الري. فلما قدم من الري
وقد بدا للمنصور في إنفاذه إلى خراسان للإقامة بها نزل الرصافة، وذلك في سنة
إحدى وخمسين ومئة، وقد كان المنصور أمر فبنى للمهدي، قبل إنزاله الجانب
الشرقي، قصره الذي يعرف بقصر الوضاح وبقصر المهدى وبالشرقية، وهو
مما يلي باب الكرخ. والوضاح رجل من أهل الأنبار كان تولى النفقة عليه
فنسب إليه.
وبنى المنصور مسجدي مدينة السلام. وبنى القنطرة الجديدة على الصراة
وابتاع أرض مدينة السلام من قوم من أرباب القرى بادوريا وقطربل ونهر
بوق ونهر بين، وأقطعها أهل بيته وقواده وجنده وصحابته وكتابه، وجعل مجمع
الأسواق بالكرخ، وأمر التجار فابتنوا الحوانيت وألزمهم الغلة.
361

747 - وحدثني العباس بن هشام الكلبي،
عن أبيه قال: سمى المخرم ببغداذ مخرما لان مخرم بن شريح بن حزن
الحارثي نزله.
قال: وكان ناحية قنطرة البردان للسرى بن الحطيم صاحب الحطيمية التي
تعرف ببغداذ.
748 - وحدثني مشايخ من أهل بغداذ أن الصالحية ببغداذ نسبت إلى
صالح بن المنصور.
قالوا: والحربية نسبت إلى حرب بن عبد الله البلخي، وكان على شرط جعفر
(ص 295) بن أبي جعفر بالموصل.
والزهيرية تعرف بباب التبن نسبت إلى زهير بن محمد من أهل أبيورد.
وعيسا باذ نسبت إلى عيسى بن المهدى وكان في حجر منازل التركي، وهو
ابن الخيزران.
وقصر عبدويه مما يلي براثا نسب إلى رجل من الأزد يقال له عبدويه،
وكان من وجوه أهل الدولة.
749 - قالوا. وأقطع المنصور ببغداذ سليمان بن مجالد - ومجالد شروى
مولى لعلي بن عبد الله - موضع داره. واقطع مهلهل بن صفوان قطيعة بالمدينة
وإليه ينسب درب مهلهل. وكان صفوان مولى على بن عبد الله. وكان اسم
مهلهل يحيى، فاستنشده محمد بن علي شعرا فأنشده.
* أليلتنا بذى حشم أنيرى *
362

وهي لمهلهل، فسماه مهلهلا. ومحمد أعتقه (؟).
وأقطع المنصور عمارة بن حمزة الناحية المعروفة به خلف مربعة شبيب بن واج.
وأقطع ميمونا أبا بشر بن ميمون قطيعة عند بستان القس ناحية باب الشام.
وطاقات بشر تنسب إلى بشر بن ميمون هذا. وكان ميمون مولى على
ابن عبد الله.
وأقطع شبيلا مولاه قطيعة عند دار يقطين، وهناك مسجد يعرف
بشبيل.
وأقطع أم عبيدة، وهي حاضنة لهم ومولاة لمحمد بن علي، قطيعة. وإليها
تنسب طاقات أم عبيدة بقرب الجسر.
وأقطع منيرة مولاة محمد بن علي، وإليها ينسب درب منيرة وخان منيرة
في الجانب الشرقي.
وأقطع ريسانة موضعا يعرف بمسجد بنى رغبان مولى حبيب بن مسلمة
(296) الفهري، يدخل في قصر عيسى بن جعفر أو جعفر بن جعفر بن المنصور
ودرب مهرويه في الجانب الشرقي نسب إلى مهرويه الرازي، وكان من
سبى سنفاذ فاعتقه المهدى.
ولم يزل المنصور رحمه الله بمدينة السلام إلى آخر سنى خلافته، ثم حج منها
وتوفى بمكة.
ونزلها بعده المهدى أمير المؤمنين، ثم شخص منها إلى ماسبذان فتوفى بها.
وكان أكثر نزوله من مدينة السلام بعيساباذ في أبنية بناها هناك.
ثم نزلها الهادي موسى بن المهدى فتوفى بها.
ونزلها الرشيد هارون بن المهدى، ثم شخص عنها إلى الرافقة فأقام بها وسار
منها إلى خراسان، فتوفى بطوس.
ونزلها محمد بن الرشيد فقتل بها.
363

وقدمها المأمون عبد الله بن الرشيد من خراسان فأقام بها، ثم شخص عنها
غازيا فمات بالفذندون ودفن بطرسوس.
ونزلها أمير المؤمنين المعتصم بالله ثم شخص عنها إلى القاطول فنزل قصرا
للرشيد كان ابتناه حين حفر قاطوله الذي دعاه أبا الجند لقيام ما يسقى من الأرضين
بأرزاق جنده. ثم بنى بالقاطول بناء نزله ودفع ذلك القصر إلى اشناس التركي
مولاه، وهم بتمصير ما هناك وابتدأ بناء مدينة تركها. ثم رأى تمصير سر من
رأى فمصرها، ونقل الناس إليها، وأقام بها، وبنى مسجدا جامعا في طرف
الأسواق وسماها سر من رأى. وأنزل اشناس مولاه فيمن ضم إليه من القواد
كرخ فيروز، وأنزل بعض قواده الدور المعروفة بالعربايي. وتوفى رحمه الله
بسر من رأى في سنة سبع وعشرين ومئتين.
وأقام هارون الواثق بالله بسر من رأى في بناء بناه وسماه الهاروني
حتى توفى به.
ثم استخلف أمير المؤمنين جعفر المتوكل على الله رحمه الله في ذي الحجة سنة
اثنتين وثلاثين ومئتين، فأقام بالهاروني، وبنى بناء كثيرا، وأقطع (ص 297)
الناس في ظهر سر من رأى، بالحائر الذي كان المعتصم بالله احتجره بها، قطائع
فاتسعوا بها. وبنى مسجدا جامعا كبيرا، وأعظم النفقة؟ عليه، وأمر برفع منارته
لتعلو أصوات المؤذنين فيها، حتى ينظر إليها من فراسخ، فجمع الناس فيه وتركوا
المسجد الأول. ثم أنه أحدث مدينة سماها المتوكلية وعمرها وأقام بها، وأقطع
الناس فيها القطائع، وجعلها فيما بين الكرخ المعروف بفيروز وبين القاطول
المعروف بكسرى، فدخلت الدور والقرية المعروفة بالماحوزة فيها. وبنى بها
مسجدا جامعا. وكان من ابتدائه إياها إلى أن نزلها أشهر، ونزلها في أول سنة
ست وأربعين ومائتين. ثم توفى بها رحمه الله في شوال سنة سبع وأربعين،
364

واستخلف في هذه الليلة المنتصر بالله فانتقل عنها إلى سر من رأى يوم
الثلاثاء لعشر خلون من شوال ومات بها.
750 - قالوا: كانت عيون الطف مثل عين الصيد والقطقطانة والرهيمة
وعين جمل وذواتها للموكلين بالمسالح التي وراء السواد: وهي عيون خندق سابور
الذي حفره بينه وبين العرب الموكلين بمسالح الخندق وغيرهم. وذلك أن سابور
أقطعهم أرضها فاعتملوها من غير أن يلزمهم لها خراجا. فلما كان يوم ذي قار
ونصر الله العرب بنبيه صلى الله عليه وسلم، غلبت العرب على طائفة من تلك
العيون. وبقى في أيدي الأعاجم بعضها.
ثم لما قدم المسلمون الحيرة هربت الأعاجم بعد أن طمت عامة ما في أيديهم
منها، وبقى الذي في أيدي العرب فأسلموا عليه، وصار ما عمروه من
الأرضين عشريا.
ولما مضى أمر القادسية والمدائن دفع ما جلا عنه أهله من أراضي تلك العيون
إلى المسلمين فأقطعوه فصارت عشرية أيضا، وكذلك مجرى عيون الطف وأرضيها
مجرى أعراض (ص 298) المدينة وقرى نجد، وكل صدقتها إلى عمال المدينة.
فلما ولى إسحاق بن إبراهيم بن مصعب السواد للمتوكل على الله ضمها إلى
ما في يده، فتولى عمالة عشرها وصيرها سوادية، وهي على ذلك إلى اليوم. وقد
استخرج عيون إسلامية في مجرى ما سقت عيونها من الأرضين هذا المجرى.
751 - وحدثني بعض المشايخ أن جملا مات عند عين الجمل فنسبت إليه.
وقال بعض أهل واسط: إن المستخرج لها كان يسمى جملا.
قالوا: وسميت العين عين الصيد لان المسك يجتمع فيها.
365

752 - وأخير؟ ى بعض الكريزيين أن عين الصيد كانت مماطم، فبينا
رجل من المسلمين يجول فيما هناك إذ ساخت قوائم فرسه فيها. فنزل عنه فحفر
فظهر له الماء، فجمع قوما عاونوه على كشف التراب والطين عنها وتنقيتها حتى
عادت إلى ما كانت عليه.
ثم إنها صارت بعد إلى عيسى بن علي. وكان عيسى ابتاعها من ولد حسن
ابن حسن بن علي بن أبي طالب، وكانت عنده منهم أم كلثوم بنت حسن بن
حسن، وكان معاوية أقطع الحسن بن علي عين صيد هذه عوضا من الخلافة
مع غيرها.
وكانت عين الرحبة مما طم قديما، فرآها رجل من حجاج أهل كرمان
وهي تبض، فلما انصرف من حجه أتى عيسى بن موسى متنصحا، فدله عليها
فاستقطعها وأرضها، واستخرجها له الكرماني، فاعتمل ما عليها من الأرضين
وغرس النخل الذي في طريق العذيب.
وعلى فراسخ من هيت عيون تدعى العرق تجرى هذا المجرى، أعشارها
إلى صاحب هيت.
753 - حدثني الأثرم، عن أبي عبيدة،
عن أبي عمرو بن العلاء قال: لما رأت العرب كثرة القرى والنخل والشجر
قالوا: ما رأينا سوادا أكثر. والسواد الشخص، فلذلك سمى السواد سوادا.
754 - وحدثني القاسم بن سلام قال: حدثنا محمد بن عبيد،
عن محمد بن أبي موسى قال خرج: (ص 299) على إلى السوق فرأى
أهله قد حازوا أمكنتهم فقال: ليس ذلك لهم، إن سوق المسلمين كمصلاهم،
من سبق إلى موضع فهو له يومه حتى يدعه.
366

755 - حدثني أبو عبيد قال: حدثني مروان بن معاوية، عن عبد الرحمن بن عبيد،
عن أبيه قال: كنا نغدو إلى السوق في زمن المغيرة بن شعبة فمن قعد في
موضع كان أحق به إلى الليل. فلما كان زياد قال: من قعد في موضع كان أحق
به ما دام فيه.
قال مروان: وولى المغيرة الكوفة مرتين، لعمر مرة ومرة لمعاوية.
367

نقل ديوان الفارسية
756 - وحدثني المدائني على بن محمد بن أبي سيف،
عن أشياخه قالوا: لم يزل ديوان خراج السواد وسائر العراق بالفارسية،
فلما ولى الحجاج العراق استكتب زادان فروخ بن بيري، وكان معه صالح بن
عبد الرحمن مولى بنى تميم يخط بين يديه بالعربية والفارسية. وكان أبو صالح من
سبى سجستان فوصل زادان فروخ صالحا بالحجاج وخف على قلبه. فقال له
ذات يوم: إنك سببي إلى الأمير، وأراه قد استخفني ولا آمن أن يقدمني عليك
وأن تسقط. فقال: لا تظن ذلك، هو أحوج إلى منه إليك، لأنه لا يجد من
يكفيه حسابه غيري. فقال: والله لو شئت أن أحول الحساب إلى العربية لحولته.
قال: فحول منه شطرا حتى أرى. ففعل. فقال له: تمارض. فتمارض،
فبعث إليه الحجاج طبيبه فلم ير به علة. وبلغ زادان فروخ ذلك فأمره أن يظهر.
ثم إن زادان فروخ قتل أيام عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الكندي،
وهو خارج من منزل كان فيه إلى منزله أو منزل غيره. فاستكتب الحجاج صالحا
مكانه. فأعلمه الذي كان جرى بينه وبين زادان فروخ في (ص 300) نقل
الديوان. فعزم الحجاج على أن يجعل الديوان بالعربية. وقلد ذلك صالحا. فقال
له مردانشاه بن زادان فروخ: كيف تصنع بدهوية وششوية؟ قال: أكتب
عشر ونصف عشر. قال: فكيف تصنع بويد؟ قال: أكتبه أيضا. والويد
النيف والزيادة تزاد. فقال: قطع الله أصلك من الدنيا كما قطعت أصل الفارسية.
وبذلت له مئة ألف درهم على أن يظهر العجز عن نقل الديوان ويمسك عن
368

ذلك فأبى ونقله. فكان عبد الحميد بن يحيى كاتب مروان بن محمد يقول: لله در
صالح! ما أعظم منته على الكتاب.
757 - وحدثني عمر بن شبة قال: حدثني أبو عاصم النبيل،
قال أنبأ سهل بن أبي الصلت قال: أجل الحجاج صالح بن عبد الرحمن
أجلا حتى قلب الديوان.
369

فتوح الجبال - حلوان
758 - قالوا: لما فرغ المسلمون من أمر جلولاء الوقيعة ضم هاشم بن عتبة
ابن أبي وقاص إلى جرير بن عبد الله البجلي خيلا كثيفة ورتبه بجلولاء ليكون
بين المسلمين وبين عدوهم. ثم إن سعدا وجه إليهم زهاء ثلاثة آلاف من المسلمين
وأمره أن ينهض بهم وبمن معه إلى حلوان. فلما كان بالقرب منها هرب
يزدجرد إلى ناحية أصبهان. ففتح جرير حلوان صلحا، على أن كف عنهم
وأمنهم على دمائهم وأموالهم، وجعل لمن أحب منهم الهرب أن لا يعرض لهم.
ثم خلف بحلوان جريرا مع عزرة بن قيس بن غزية البجلي، ومضى نحو
الدينور فلم يفتحها، وفتح قرماسين على مثل ما فتح عليه حلوان. وقدم حلوان
فأقام بها واليا عليها إلى أن قدم عمار بن ياسر الكوفة. فكتب إليه يعلمه أن
عمر بن الخطاب أمره أن يمد به أبا موسى الأشعري، فخلف جرير عزرة بن
قيس على حلوان وسار حتى أتى أبا موسى (ص 301) الأشعري في سنة
تسع عشرة.
759 - وحدثني محمد بن سعد، عن الواقدي، عن محمد بن نجاد،
عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص قالت: لما قتل معاوية حجر بن عدي
الكندي قال أبى: لو رأى معاوية ما كان من حجوم عين قنطرة حلوان لعرف
أن له غناء عظيما عن الاسلام.
قال الواقدي: وقد نزل حلوان قوم من ولد جرير بن عبد الله
فأعاقبهم بها.
370

فتح نهاوند
759 - قالوا: لما هرب يزدجرد من حلوان في سنة تسع عشرة، تكاتبت
الفرس وأهل الري وقومس وإصبهان وهمذان والماهين وتجمعوا إلى يزدجرد
وذلك في سنة عشرين، فأمر عليهم مردانشاه ذا الحاجب، وأخرجوا رايتهم
الدرفشكا بيان، وكانت عدة المشركين يومئذ ستين ألفا ويقال مئة ألف. وقد
كان عمار بن ياسر كتب إلى عمر بن الخطاب بخبرهم، فهم أن يغزوهم بنفسه، ثم
خاف أن ينتشر أمر العرب بنجد وغيرها، وأشير عليه بأن يغزي أهل الشام من
شامهم، وأهل اليمن من يمنهم، فخاف إن فعل ذلك أن يعود الروم إلى أوطانها
وتغلب الحبشة على ما يليها.
فكتب إلى أهل الكوفة يأمرهم أن يسير ثلثاهم ويبقى ثلثهم لحفظ بلدهم
وديارهم. وبعث من أهل البصرة بعثا. وقال: لاستعملن رجلا يكون لأول
ما يلقاه من الأسنة. فكتب إلى النعمان بن عمرو بن مقرن المزني، وكان مع
السائب بن الأقرع الثقفي، بتوليته الجيش، وقال: إن أصبت فالأمير حذيفة بن
اليمان، فإن (ص 302) أصيب فجرير بن عبد الله البجلي، فإن أصيب فالمغيرة
ابن شعبة، فإن أصيب فالأشعث بن قيس. وكان النعمان عاملا على كسكر
وناحيتها، ويقال بل كان بالمدينة فولاه عمر أمر هذا الجيش مشافهة
فشخص منها.
760 - وحدثني شيبان قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن أبي عمران الجوني،
عن علقمة بن عبد الله،
عن معقل بن يسار أن عمر بن الخطاب شاور الهرمزان فسأل: ما ترى؟ أنبدأ
371

بإصبهان أو بآذربيجان؟ فقال الهرمزان: إصبهان الرأس، وأذربيجان الجناحان،
فإن قطعت الرأس سقط الجناحان والرأس.
قال: فدخل عمر المسجد فبصر بالنعمان بن مقرن، فقعد إلى جنبه، فلما قضى
صلاته قال: أما إني سأستعملك. فقال النعمان: أما جابيا فلا ولكن غازيا.
قال: فأنت غاز. فأرسله وكتب إلى أهل الكوفة أن يمدوه. فأمدوه، وفيهم
المغيرة بن شعبة. فبعث النعمان المغيرة إلى ذي الحاجبين عظيم العجم بنهاوند،
فجعل يشق بسطه برمحه، حتى قام بين يديه، ثم قعد على سريره فأمر به فسحب.
فقال: إني رسول. ثم التقى المسلمون والمشركون فسلسلوا كل عشرة في سلسلة،
وكل خمسة في سلسلة لئلا يفروا. قال: فرمونا حتى جرحوا منا جماعة، وذلك
قبل القتال.
وقال النعمان: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم فكان إذا لم يقاتل في أول
النهار انتظر زوال الشمس وهبوب الرياح ونزول النصر. ثم قال: إني هاز
لوائي ثلاث هزات: فأما أول هزة فليتوضأ الرجل بعدها وليقض حاجته،
وأما الهزة الثانية فلينظر الرجل بعدها إلى سيفه أو قال شسعه وليتهيأ وليصلح
من شأنه، وأما الثالثة فإذا كانت إن شاء الله فاحملوا ولا يلوين أحد على أحد.
فهز لواءه ففعلوا ما أمرهم، وثقل (ص 303) درعه عليه فقاتل وقاتل الناس،
فكان رحمه الله أول قتيل.
قال: وسقط الفارسي عن بغلته فانشق بطنه.
قال: فأتيت النعمان وبه رمق فغسلت وجهه من أدواة ماء كانت معي.
فقال: من أنت؟ قلت: معقل. قال: ما صنع المسلمون؟ قلت: أبشر بفتح
الله ونصره. قال: الحمد لله، اكتبوا إلى عمر.
372

761 - حدثني شيبان قال: حدثنا حماد بن سلمة قال: حدثني على بن زيد بن
جدعان،
عن أبي عثمان النهدي قال: أ؟ ا ذهبت بالبشارة إلى عمر. فقال: ما فعل
النعمان؟ قلت: قتل. قال: إنا لله وإنا إليه راجعون. ثم بكى، فقلت: قتل
والله في آخرين لا أعلمهم. قال: ولكن الله يعلمهم.
762 - وحدثني أحمد بن إبراهيم قال: حدثنا أبو أسامة وأبو عامر العقدي
وسلم بن قتيبة جميعا عن شعبة، عن علي بن زيد،
عن أبي عثمان النهدي قال: رأيت عمر بن الخطاب لما جاءه نعى النعمان بن
مقرن وضع يده على رأسه وجعل يبكى.
763 - وحدثنا القاسم بن سلام قال: حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، عن
النهاس بن قهم، عن القاسم بن عوف، عن أبيه،
عن السائب بن الأقرع - أو عن عمر بن السائب، عن أبيه شك
الأنصاري - قال: زحف إلى المسلمين زحف لم ير مثله. فذكر حديث عمر
فيما هم به من الغزو بنفسه وتوليته النعمان بن مقرن وأنه بعث إليه بكتابه مع
السائب وولى السائب الغنائم وقال: لا ترفعن باطلا ولا تحبسن حقا. ثم
ذكر الوقعة.
قال: فكان النعمان أول مقتول يوم نهاوند. تم أخذ حذيفة الراية ففتح
الله عليهم.
قال السائب: فجمعت تلك الغنائم ثم قسمتها، ثم أتاني ذو العوينتين فقال:
إن كنز (ص 304) النخير خان في القلعة. قال: فصعدتها فإذا أنا بسفطين
373

فيهما جوهر لم أر مثله قط. قال: فأقبلت إلى عمر وقد راث عنه الخبر، وهو
يتطوف المدينة ويسأل. فلما رآني قال: ويلك ما وراءك؟ فحدثته بحديث
الوقعة ومقتل النعمان، وذكرت له شأن السفطين. فقال: اذهب بهما فبعهما،
ثم أقسم ثمنها بين المسلمين. فأقبلت بهما إلى الكوفة، فأتاني شاب من قريش
يقال له عمرو بن حريث فاشتراهما بأعطية الذرية والمقاتلة. ثم انطلق بأحدهما
إلى الحيرة فباعه بما اشتراهما به منى، وفضل الآخر فكان ذلك أول لهوة
مال اتخذه.
764 - وقال بعض أهل السيرة: اقتتلوا بنهاوند يوم الأربعاء ويوم الخميس،
ثم تحاجزوا، ثم اقتتلوا يوم الجمعة. وذكر من حديث الوقعة نحو حديث
حماد بن سلمة.
765 - وقال ابن الكلبي عن أبي مخنف أن النعمان بن مقرن نزل
الاسبيذهان وجعل على ميمنته الأشعث بن قيس، وعلى الميسرة المغيرة بن شعبة.
فاقتتلوا، فقتل النعمان، ثم ظفر المسلمون، فسمى ذلك الفتح فتح الفتوح.
قال: وكان فتح نهاوند في سنة تسع عشرة يوم الأربعاء، ويقال في سنة
عشرين.
766 - وحدثنا الرفاعي قال: حدثنا العنقزي، عن أبي بكر الهذلي،
عن الحسن ومحمد قالا: كانت وقعة نهاوند سنة إحدى وعشرين.
767 - وحدثني الرفاعي قال: حدثنا العنقزي، عن أبي معشر، عن محمد بن
كعب مثله.
374

768 - قالوا: ولما هزم جيش الأعاجم وظهر المسلمون، وحذيفة يومئذ
على الناس، حاصر نهاوند. فكان أهلها يخرجون فيقاتلون، وهزمهم المسلمون.
ثم إن سماك بن عبيد العبسي اتبع رجلا منهم ذات يوم ومعه ثمانية فوارس،
فجعل لا يبرز إليه (ص 305) رجل منهم إلا قتله، حتى لم يبق غير الرجل
وحده، فاستسلم وألقى سلاحه، فأخذه أسيرا، فتكلم بالفارسية، فدعا له سماك
برجل يفهم كلامه فترجمه، فإذا هو يقول: اذهب إلى أميركم حتى أصالحه عن
هذه الأرض وأؤدي إليه الجزية وأعطيك على أسرك إياي ما شئت، فإنك
قد مننت على إذ لم تقتلني. فقال له: وما اسمك؟ قال: دينار. فانطلق به إلى
حذيفة، فصالحه على الخراج والجزية وأمن أهل مدينته نهاوند على أموالهم
وحيطانهم ومنازلهم. فسميت نهاوند ماه دينار. وكان دينار يأتي بعد ذلك
سماكا ويهدى إليه ويبره.
769 - وحدثني أبو مسعود الكوفي، عن المبارك بن سعيد،
عن أبيه قال: وكانت نهاوند من فتوح أهل الكوفة، والدينور من فتوح
أهل البصرة. فلما كثر المسلمون بالكوفة احتاجوا إلى أن يزادوا في النواحي
التي كان خراجها مقسوما فيهم، فصيرت لهم الدينور، وعوض أهل البصرة
نهاوند لأنها من إصبهان. فصار فضل ما بين خراج الدينور ونهاوند لأهل الكوفة.
فسميت نهاوند ماه البصرة، والدينور ماه الكوفة، وذلك في خلافة معاوية.
770 - وحدثني جماعة من أهل العلم أن حذيفة بن اليمان - وهو حذيفة
ابن حسيل بن جابر العبسي حليف بنى عبد الأشهل من الأنصار، وأمه الرباب
بنت كعب بن عدي من عبد الأشهل - وكان أبو حذيفة قتل يوم أحد،
قتله عبد الله بن مسعود الهذلي خطأ وهو يحسبه كافرا، فأمر رسول الله صلى الله
375

عليه وسلم بإخراج ديته، فوهبه حذيفة للمسلمين. وكان الواقدي يقول: سمى
حسيل باليماني لأنه كان يتجر إلى اليمن، فإذا أتى المدينة قالوا: قد جاء اليماني.
وقال الكلبي: هو حذيفة بن حسيل بن جابر بن ربيعة بن عمرو بن جروة،
وجروة هو اليمان نسب إليه حذيفة، وبينهما آباء (ص 306) وكان قد أصاب
في الجاهلية دما وهرب إلى المدينة وحالف بنى عبد الأشهل، فقال قومه: هو
يمان، لأنه حالف اليمانية.
376

الدينور وماسبذان ومهر جانقذف
771 - قالوا: انصرف أبو موسى الأشعري من نهاوند، وقد كان سار
بنفسه إليها على بعث أهل البصرة ممدا للنعمان بن مقرن، فمر بالدينور، فأقام
عليها خمسة أيام قوتل منها يوما واحدا. ثم إن أهلها أقروا بالجزية والخراج،
وسألوا الأمان على أنفسهم وأموالهم وأولادهم. فأجابهم إلى ذلك. وخلف بها
عامله في خيل. ثم مضى إلى ماسبذان فلم يقاتله أهلها. وصالحه أهل السيروان
على مثل صلح الدينور، وعلى ان يؤدوا الجزية والخراج. وبث السرايا فيهم
فغلب على أرضها.
وقوم يقولون: إن أبا موسى فتح ماسبذان قبل وقعة نهاوند، وبعث
أبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري السائب بن الأقرع الثقفي - وهو صهره
على ابنته، وهي أم محمد بن السائب - إلى الصيمرة مدينة مهر جانقذف ففتحها
صلحا على حقن الدماء وترك السباء والصفح عن الصفراء والبيضاء، وعلى أداء
الجزية وخراج الأرض. وفتح جميع كور مهر جانقذف.
وأثبت الخبر أنه وجه السائب من الأهواز ففتحها.
772 - حدثني محمد بن عقبة بن مكرم الضبي، عن أبيه، عن سيف بن عمر
التميمي،
عن أشياخ من أهل الكوفة أن المسلمين لما غزوا الجبال فمروا بالقلة
الشرقية التي تدعى سن سميرة - وسميرة امرأة من ضبة من بنى معاوية بن
كعب بن ثعلبة بن سعد بن ضمة من المهاجرات - وكانت لها (ص 307)
سن فسمى ذلك سن سميرة.
377

قال ابن هشام الكلبي: وقناطر النعمان نسبت إلى النعمان بن عمرو بن مقرن
المزني، عسكر عندها وهي قديمة.
773 - وحدثني العباس بن هشام الكلبي، عن أبيه،
عن عوانة قال: كان كثير بن شهاب بن الحصين بن ذي الغصة الحارثي
عثمانيا يقع في علي بن أبي طالب ويثبط الناس عن الحسين، ومات قبيل
خروج المختار بن أبي عبيد أو في أول أيامه، وله يقول المختار بن أبي عبيد
في سجعه:
" أما ورب السحاب، شديد العقاب، سرع الحساب، منزل الكتاب،
لأنبشن قبر كثير بن شهاب، المفترى الكذاب ".
وكان معاوية ولاه الري ودستبى، حينا من قبله ومن قبل زياد والمغيرة
ابن شعبة عامليه. ثم غضب عليه فحبسه بدمشق، وضربه حتى شخص شريح
ابن هانئ المرادي إليه في أمره فتخلصه. وكان يزيد بن معاوية قد حمد مشايعته
وأتباعه لهواه، فكتب إلى عبيد الله بن زياد في توليته ماسبذان ومهر جانقذف
وحلوان والماهين، وأقطعه ضياعا بالجبل، فنبي قصره المعروف بقصر كثير،
وهو من عمل الدينور.
وكان زهرة بن الحارث بن منصور بن قيس بن كثير بن شهاب اتخذ
بماسبذان ضياعا.
774 - حدثني بعض ولد خشرم بن مالك بن هبيرة الأسدي أن أول
نزول الخشارمة ماسبذان كان في آخر أيام بنى أمية، نزع إليها جدهم
من الكوفة.
378

775 - وحدثني العمرى،
وعن الهيثم بن عدي قال: كان زياد في سفر، فانقطع سفشق قبائه،
فأخرج كثير بن شهاب إبرة كانت مغروزة في قلنسوته وخيطا كان معه
فأصلح السفشق. فقال له زياد: أنت حازم، وما مثلك يعطل. فولاه
بعض الجبل.
379

فتح همذان
776 - قالوا: وجه المغيرة بن شعبة، وهو عامل عمر بن الخطاب على
الكوفة، بعد عزل عمار بن ياسر، جرير بن عبد الله البجلي إلى همذان وذلك
في سنة ثلاث وعشرين، فقاتله أهلها ودفع دونها فأصيبت عينه بسهم فقال:
احتسبتها عند الله الذي زين بها وجهي ونور لي ما شاء ثم سلبنيها في سبيله.
ثم إنه فتح همذان على مثل صلح نهاوند. وكان ذلك في آخر سنة ثلاث
وعشرين، فقاتله أهلها ودفع عنها وغلب على أرضها فأخذها قسرا.
وقال الواقدي: فتح جرير نهاوند في سنة أربع وعشرين بعد ستة أشهر
من وفاة عمر بن الخطاب رحمه الله.
وقد روى بعضهم أن المغيرة بن شعبة سار إلى همذان وعلى مقدمته جرير،
فافتتحها، وأن المغيرة ضم همذان إلى كثير بن شهاب الحارثي.
777 - وحدثني عباس بن هشام، عن أبيه،
عن جده وعوانة بن الحكم أن سعد بن أبي وقاص لما ولي الكوفة لعثمان
ابن عفان ولى العلاء بن وهب بن عبد بن وهبان، أحد بنى عامر بن لؤي،
ماه وهمذان. فغدر أهل همذان ونقضوا. فقاتلهم، ثم إنهم نزلوا على حكمه
فصالحهم على أن يؤدوا خراج أرضهم، وجزية الرؤوس، ويعطوه مئة ألف
درهم للمسلمين، ثم لا يعرض لهم في مال ولا حرمة ولا ولد.
وقال ابن الكلبي: ونسبت القلعة التي تعرف بماذران إلى السرى بن
نسير بن ثور العجلي، وهو كان أناخ عليها حتى فتحها (ص 309).
380

778 - وحدثني زياد بن عبد الرحمن البلخي،
عن أشياخ من أهل سيسر قال: سميت سيسر لأنها في الخفاض من
الأرض بين رؤس آكام ثلاثين. فقيل: ثلاثون رأسا. وكان سيسر تدعى
سيسر صدخانيه، أي ثلاثون رأسا ومئة عين، وبها عيون كثيرة تكون
مئة عين.
779 - قالوا: ولم تزل سيسر وما والاها مراعى لمواشي الأكراد وغيرهم،
وكانت بها مروج لدواب المهدى أمير المؤمنين وأغنامه، وعليها مولى له يقال
له سليمان بن قيراط صاحب صحراء قيراط بمدينة السلام، وشريك معه يقال له
سلام الطيفوري. وكان طيفور مولى أبى جعفر المنصور وهبه للمهدي. فلما
كثر الصعاليك والدعار وانتشروا بالجبل في خلافة المهدى أمير المؤمنين جعلوا هذه
الناحية ملجأ لهم وحوزا، فكانوا يقطعون ويأوون إليها، ولا يطلبون لأنها
حد همذان والدينور وأذربيجان. فكتب سليمان بن قيراط وشريكه إلى
المهدى بخبرهم، وشكيا عرضهم لما في أيديهم من الدواب والأغنام. فوجه إليهم
جيشا عظيما، وكتب إلى سليمان وسلام يأمرهما ببناء مدينة يأويان إليها
وأعوانهما ورعاتهما، ويحصنان فيها الدواب والأغنام ممن خافاه عليها. فبنيا
مدينة سيسر وحصناها وأسكناها الناس. وضم إليها رستاق ما ينهرج من
الدينور، ورستاق الجوذمة من أذربيجان من كورة برزة ورسطف وخابنجر،
فكورت بهذه الرساتيق، ووليها عامل مفرد، وكان خراجها يؤدى إليه.
ثم إن الصعاليك كثروا في خلافة أمير المؤمنين الرشيد وشعثوا سيسر،
فأمر بمرمتها وتحصينها، ورتب فيها ألف رجل من أصحاب خاقان الخادم السغدي
ففيها (ص 310) قوم من أولادهم.
381

ثم لما كان في آخر أيام الرشيد وجه مرة بن أبي مرة الردينى العجلي على
سيسر. فحاول عثمان الأودي مغالبته عليها فلم يقدر على ذلك، وغلبه على ما كان
في يده من أذربيجان أو أكثر. ولم يزل مرة بن الردينى يؤدى الخراج عن
سيسر في أيام محمد الرشيد على مقاطعة قاطعه عليها إلى أن وقعت الفتنة. ثم إنها
أخذت من عاصم بن مرة فأخرجت من يده في خلافة المأمون. فرجعت إلى
ضياع الخلافة.
780 - وحدثني مشايخ من أهل المفازة، وهي متاخمة لسيسر، أن
الجرشي لما ولى الجبل جلا أهل المفازة عنها فرفضوها. وكان للجرشي قائد
يقال له همام بن هانئ العبدي، فألجأ إليه أكثر أهل المفازة ضياعهم وغلب
على ما فيها. فكان يؤدى حق بيت المال فيها، حتى توفى. وضعف ولده
عن القيام بها. فلما أقبل المأمون أمير المؤمنين من خراسان بعد قتل محمد بن زبيدة
يريد مدينة السلام اعترضه بعض ولد همام ورجل من أهلها يقال له محمد بن
العباس وأخبرا بقصتها ورضاء جميع أهلها أن يعطوه رقبتها ويكونوا مزارعين
له فيها، على أن يعزوا ويمنعوا من الصعاليك وغيرهم. فقبلها وأمر بتقويتهم
ومعونتهم على عمارتها ومصلحتها فصارت من ضياع الخلافة.
781 - وحدثني المدائني أن ليلى الأخيلية أتت الحجاج فوصلها، وسألته
أن يكتب لها إلى عامله بالري فلما صارت بساوة ماتت فدفنت هناك. (ص 311)
382

قم وقاشان وإصبهان
782 - قالوا: لما انصرف أبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري من
نهاوند سار إلى الأهواز فاستقراها. ثم أتى قم وأقام عليها أياما ثم افتتحها،
ووجه الأحنف بن قيس، واسمه الضحاك بن قيس التميمي، إلى قاشان ففتحها
عنوة. ثم لحق به.
ووجه عمر بن الخطاب عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي إلى إصبهان
سنة ثلاث وعشرين، ويقال بل كتب عمر إلى أبى موسى الأشعري يأمره
بتوجيهه في جيش إلى إصبهان، فوجهه، ففتح عبد الله بن بديل جي صلحا
بعد قتال، على أن يؤدى أهلها الخراج والجزية. وعلى أن يؤمنوا على أنفسهم
وأموالهم، خلا ما في أيديهم من السلاح.
ووجه عبد الله بن بديل الأحنف بن قيس، وكان في جيشه، إلى اليهودية.
فصالحه أهلها على مثل ذلك الصلح. وغلب ابن بديل على أرض إصبهان
وطساسيجها. وكان العامل عليها إلى أن مضت من خلافة عثمان سنة، ثم ولاها
عثمان السائب بن الأقرع.
783 - وحدثني محمد بن سعد مولى بنى هاشم قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، عن
سليمان بن مسلم،
عن خاله بشير بن أبي أمية أن الأشعري نزل بإصبهان فعرض عليهم
الاسلام فأبوا، فعرض عليهم الجزية فصالحوه عليها، فباتوا على صلح ثم أصبحوا
على غدر. فقاتلهم وأظهره الله عليهم.
قال محمد بن سعد: أحسبه عن أهل قم.
383

784 - وحدثني محمد بن سعد قال: حدثني الهيثم بن جميل، عن حماد بن سلمة،
عن محمد بن إسحاق قال: وجه عمر بن بديل الخزاعي إلى إصبهان. وكان
مرزبانها مسنا يسمى الفادوسفان. فحاصره وكاتب أهل المدينة فخذلهم
(ص 312) عنه. فلما رأى الشيخ التياث الناس عليه اختار ثلاثين رجلا من
الرماة يثق ببأسهم وطاعتهم ثم خرج من المدينة هاربا يريد كرمان، ليتبع
يزدجرد ويلحق به. فانتهى خبره إلى عبد الله بن بديل فاتبعه في خيل كثيفة
فالتفت الأعجمي إليه وقد علا شرفا فقال: ابق على نفسك، فليس يسقط لمن
ترى سهم، فإن حملت رميناك وإن شئت أن تبارزنا بارزناك. فبارز الأعجمي
فضربه ضربة وقعت على قربوس سرجه فكسرته وقطعت اللبب. ثم قال له:
يا هذا! ما أحب قتلك، فإني أراك عاقلا شجاعا، فهل لك في أن أرجع معك
فأصالحك على أداء الجزية عن أهل بلدي فمن أقام كان ذمة ومن هرب لم تعرض
له، وأدفع المدينة إليك. فرجع ابن بديل معه ففتح جي ووفى بما أعطاه، وقال:
يا أهل إصبهان! رأيتكم لئاما متخاذلين، فكنت أهلا لما فعلت بكم.
785 - قالوا: وسار ابن بديل في نواحي إصبهان، سهلها وجبلها، فغلب
عليها، وعاملهم في الخراج نحو ما عامل عليه أهل الأهواز.
786 - قالوا: وكان فتح إصبهان وأرضها في بعض سنة ثلاث وعشرين
وأربع وعشرين.
787 - وقد روى أن عمر بن الخطاب وجه عبد الله بن بديل في جيش
فوافى أبا موسى وقد فتح قم وقاشان. فغزوا جميعا إصبهان، وعلى مقدمة أبى
موسى الأشعري الأحنف بن قيس، ففتحا اليهودية جميعا على ما وصفنا، ثم
فتح ابن بديل جي وسارا جميعا في أرض إصبهان فغلبا عليها.
384

وأصح الاخبار أن أبا موسى فتح قم وقاشان، وأن عبد الله بن بديل
فتح جي واليهودية.
788 - وحدثني أبو حسان الزيادي،
عن رجل من ثقيف قال: كان لعثمان بن أبي العاصي الثقفي مشهد بإصبهان.
789 - وحدثنا محمد بن يحيى التميمي،
عن أشياخه قال: كانت للأشراف من أهل إصبهان معاقل (ص 313)
بجفرباذ من رستاق الثيمرة الكبرى بهجاورسان، وبقلعة تعرف بماربين. فلما
فتحت جي دخلوا في الطاعة على أن يؤدوا الخراج وأنفوا من الجزية فأسلموا.
790 - وقال الكلبي وأبو اليقظان: ولى الهذيل بن قيس العنبري
إصبهان في أيام مروان، فمذ ذاك صار العنبريون إليها.
791 - قالوا: وكان جد أبى دلف وأبو دلف القاسم بن عيسى بن إدريس
ابن معقل العجلي يعالج العطر ويحلب الغنم. فقدم الجبل في عدة من أهله،
فنزلوا قرية من قرى همذان تدعى مس. ثم إنهم أثروا واتخذوا الضياع.
ووثب إدريس بن معقل على رجل من التجار كان له عليه مال فخنقه، ويقال:
بل خنقه وأخذ ماله. فحمل إلى الكوفة وحبس بها في ولاية يوسف بن عمر
الثقفي العراق زمن هشام بن عبد الملك.
ثم إن عيسى بن إدريس نزل الكرج وغلب عليها وبنى حصنها، وكان
حصنا رثا.
385

وقويت حال أبى دلف القاسم بن عيسى وعظم شأنه عند السلطان،
فكبر ذلك الحصن، ومدن الكرج فقيل: كرج أبى دلف. والكرج اليوم
مصر من الأمصار.
وكان المأمون وجه على بن هشام المروزي إلى قم، وقد عصا أهلها وخالفوا
ومنعوا الخراج، وأمره بمحاربتهم وأمده بالجيوش ففعل، وقتل رئيسهم،
وهو يحيى بن عمران، وهدم سور مدينتهم وألصقه بالأرض، وجباها سبعة آلاف
ألف درهم وكسرا، وكان أهلها قبل ذلك يتظلمون من ألفي ألف درهم. وقد
نقضوا في خلافة أبى عبد الله المعتز بالله ابن المتوكل على الله، فوجه إليهم موسى
ابن بغا عامله على الجبل، لمحاربة الطالبيين الذين ظهروا بطبرستان، ففتحت
عنوة وقتل من أهلها خلق كثير. وكتب المعتز بالله في حمل جماعة من
وجوهها. (ص 314).
386

مقتل يزدجرد بن شهريار بن كسرى
أبرويز بن هرمز بن أنوشروان
790 - قالوا: هرب يزدجرد من المدائن إلى حلوان، ثم إلى إصبهان.
فلما فرغ المسلمون من أمر نهاوند هرب من إصبهان إلى إصطخر. فتوجه عبد الله
ابن بديل بن ورقاء بعد فتح إصبهان لاتباعه فلم يقدر عليه. ووافى أبو موسى
الأشعري إصطخر فرام فتحها فلم يمكنه ذلك، وعاناها عثمان بن أبي العاصي
الثقفي فلم يقدر عليها. وقدم عبد الله بن عامر بن كريز البصرة سنة تسع وعشرين،
وقد افتتحت فارس كلها إلا إصطخر وجور، فهم يزدجرد بان يأتي طبرستان.
وذلك أن مرزبانها عرض عليه وهو بإصبهان أن يأتيها وأخبره بحصانتها، ثم بدا
له فهرب إلى كرمان، واتبعه ابن عامر مجاشع بن مسعود السلمي وهرم بن حيان
العبدي، فمضى مجاشع فنزل بيمنذ من كرمان، فأصاب الناس الدمق، وهلك
جيشه فلم ينج إلا القليل، فسمى القصر قصر مجاشع. وانصرف مجاشع إلى
ابن عامر.
وكان يزدجرد جلس ذات يوم بكرمان، فدخل عليه مرزبانها فلم يكلمه
تيها، فأمر بجر رجله وقال: ما أنت بأهل لولاية قرية فضلا عن الملك، ولو علم
الله فيك خيرا ما صيرك إلى هذه الحال. فمضى إلى سجستان، فأكرمه ملكها
وأعظمه، فلما مضت عليه أيام سأله عن الخراج فتنكر له.
فلما رأى يزدجرد ذلك سار إلى خراسان، فلما صار إلى حد مرو تلقاه
ماهويه مرزبانها معظما مبجلا، وقدم عليه نيزك طرخان فحمله وخلع عليه
وأكرمه، فأقام نيزك عنده شهرا، ثم شخص وكتب إليه يخطب ابنته، فأحفظ
387

ذلك يزدجرد وقال: اكتبوا إليه إنما أنت عبد من عبيدي، فما جرأك على أن
تخطب إلى؟ وأمر بمحاسبة ماهويه مرزبان (ص 315) مرو، وسأله عن
الأموال. فكتب ماهويه إلى نيزك يحرضه عليه ويقول: هذا الذي قدم
مفلولا طريدا فمننت عليه ليرد عليه ملكه، فكتب إليك بما كتب. ثم تضافرا
على قتله. وأقبل نيزك في الأتراك حتى نزل الجنابذ، فحاربوه، فتكافأ الترك
ثم عادت الدائرة عليه، فقتل أصحابه ونهب عسكره. فأتى مدينة مرو فلم يفتح
له، فنزل عن دابته ومشى حتى دخل بيت طحان على المرغاب، ويقال إن
ماهويه بعث إليه رسله حين بلغه خبره فقتلوه في بيت الطحان. ويقال إنه دس
إلى الطحان فأمره بقتله فقتله، ثم قال: ما ينبغي لقاتل ملك أن يعيش. فأمر
بالطحان فقتل. ويقال إن الطحان قدم له طعاما فأكل، وأتاه بشراب يشرب
فسكر، فلما كان المساء أخرج تاجه فوضعه على رأسه، فبصر به الطحان فطمع
فيه، فعمد إلى رحا فألقاها عليه، فلما قتله أخذ تاجه وثيابه وألقاه في الماء.
ثم عرف ماهويه خبره فقتل الطحان وأهل بيته وأخذ التاج والثياب.
ويقال إن يزدجرد نذر برسل ماهويه فهرب ونزل الماء. فطلب
من الطحان فقال: قد خرج من بيتي. فوجدوه في الماء. فقال: خلوا عنى
أعطكم منطقتي وخاتمي وتاجي. فتغيبوا عنه. وسألهم شيئا يأكل به خبزا فأعطاهم
بعضهم أربعة دراهم. فضحك وقال: لقد قيل لي إنك ستحتاج إلى أربعة دراهم.
ثم إنه هجم عليه بعد ذلك قوم وجههم ماهويه لطلبه. فقال: لا تقتلوني
واحملوني إلى ملك العرب لأصالحه عنى وعنكم. فأبوا ذلك وخنقوه بوتر، ثم أخذوا
ثيابه فجعلت في جراب، وألقوا جثته في الماء. ووقع فيروز بن يزدجرد
فيما يزعمون إلى الترك فزوجوه وأقام عندهم. (ص 316).
388

فتح الري وقومس
791 - حدثني العباس بن هشام الكلبي، عن أبيه،
عن أبي مخنف أن عمر بن الخطاب كتب إلى عمار بن ياسر، وهو عامله
على الكوفة، بعد شهرين من وقعة نهاوند، يأمره أن يبعث عروة بن زيد الخيل
الطائي إلى الري ودستبى في ثمانية آلاف ففعل. وسار عروة إلى ما هناك.
فجمعت له الديلم، وأمدهم أهل الري فقاتلوه، فأظهره الله عليهم فقتلهم واجتاحهم.
ثم خلف حنظلة بن زيد أخاه، وقدم على عمار فسأله أن يوجهه إلى عمر، وذلك
أنه كان القادم عليه بخير الجسر، فأحب أن يأتيه بما يسره. فلما رآه عمر
قال * (إنا لله وإنا إليه راجعون (1)) * فقال عروة: بل احمد الله، فقد نصرنا
وأظهرنا. وحدثه بحديثه، فقال: هلا أقمت وأرسلت؟ قال: قد استخلفت
أخي وأحببت أن آتيك بنفسي. فسماه البشير.
وقال عروة:
برزت لأهل القادسية معلما * وما كل من يغشى الكريهة يعلم
ويوما بأكناف النخيلة قبلها * شهدت فلم أبرح أدمى وأكلم
وأيقنت يوم الديلميين أنني * متى ينصرف وجهي إلى القوم يهزموا
محافظة أنى امرؤ ذو حفيظة * إذا لم أجد مستأخرا أتقدم
المنذر بن حسان بن ضرار أحد بنى مالك بن زيد، شرك في دم مهران
يوم النخيلة.

(1) سورة البقرة، 2، من الآية 156.
389

792 - قالوا: فلما انصرف عروة بعث حذيفة على جيشه سلمة بن عمرو
بن ضرار الضبي، ويقال البراء بن عازب، وقد كانت وقعة عروة كسرت الديلم
وأهل الري، فأناخ على حصن الفرخان ابن الزينبدي (ص 317) والعرب
يسمونه الزينبي، وكان يدعى عارين. فصالحه ابن الزينبي بعد قتال على أن
يكونوا ذمة يؤدون الجزية والخراج، وأعطاه عن أهل الري وقومس خمس مئة
ألف على أن لا يقتل منهم أحدا ولا يسبيه ولا يهدم لهم بيت نار، وأن يكونوا
أسوة أهل نهاوند في خراجهم. وصالحه أيضا عن أهل دستبى الرازي،
وكانت دستبى قسمين قسما رازيا وقسما همذانيا.
ووجه سليمان بن عمر الضبي ويقال البراء بن عازب إلى قومس خيلا،
فلم يمتنعوا وفتحوا أبواب الدامغان. ثم لما عزل عمر بن الخطاب عمارا وولى
المغيرة بن شعبة الكوفة ولى المغيرة بن شعبة كثير بن شهاب الحارثي الري
ودستبى. وكان لكثير أثر جميل يوم القادسية. فلما صاروا إلى الري وجد
أهلها قد نقضوا، فقاتلهم حتى رجعوا إلى الطاعة وأذعنوا بالخراج والجزية.
وغزا الديلم فأوقع بهم، وغزا الببر والطيلسان.
793 - فحدثني حفص بن عمر العمرى، عن الهيثم بن عدي،
عن ابن عياش الهمذاني وغيره أن كثير بن شهاب كان على الري ودستبى
وقزوين، وكان جميلا حازما مقعدا، فكان يقول: ما من مقعد إلا وهو
عيال على أهله سواي. وكان إذا ركب ثابت سويقتيه كالمحراثين. وكان إذا
غزا أخذ كل امرئ ممن معه بترس ودرع وبيضة ومسلة وخمس إبر وخيوط
كتان وبمخصف ومقراض ومخلاة تليسة. وكان بخيلا، وكانت له جفنة
توضع بين يديه فإذا جاءه إنسان قال: لا أبا لك! أكانت لك علينا عين؟ وقال
390

يوما: يا غلام! أطعمنا. فقال: ما (ص 318) عند إلا خبز وبقل. فقال:
وهل اقتتلت فارس والروم إلا على الخبز والبقل.
وولى الري ودستبى أيضا أيام معاوية حينا.
قال: ولما ولى سعد بن أبي وقاص الكوفة في مرته الثانية أتى الري. وكانت
ملتاثة فأصلحها. وغزا الديلم، وذلك في أول سنة خمس وعشرين، ثم انصرف.
794 - وحدثني بكر بن الهيثم،
عن يحيى بن ضريس قاضي الري قال: لم تزل الري بعد أن فتحت أيام
حذيفة تنتقض وتفتح، حتى كان آخر من فتحها قرظة بن كعب الأنصاري
في ولاية أبى موسى الكوفة لعثمان، فاستقامت. وكان عمالها ينزلون حصن
الزنبدي ويجمعون في مسجد اتخذ بحضرته. وقد دخل ذلك في فصيل المحدثة.
وكانوا يغزون الديلم من دستبى.
قال: وقد كان قرظة بعد ولى الكوفة لعلى ومات بها، فصلى عليه على
رضي الله عنه.
795 - وحدثني عباس بن هشام، عن أبيه،
عن جده قال: ولى على يزيد بن حجبة بن عامر بن تيم الله بن ثعلبة بن
عكابة الري ودستبى. فكسر الخراج فحبسه، فخرج فلحق بمعاوية. وقد
كان أبو موسى غزا الري بنفسه وقد نقض أهلها ففتحها على أمرها الأول.
796 - وحدثني جعفر بن محمد الرازي قال: قدم أمير المؤمنين المهدى
في خلافة المنصور فبنى مدينة الري التي الناس بها اليوم، وجعل حولها خندقا،
391

وبنى فيها مسجدا جامعا جرى على يدي عمار بن أبي الخصيب، وكتب اسمه
على حائطه. فأرخ بناءها سنة ثمان وخمسين ومئة. وجعل لها فصيلا يطيف به فارقان
من آجر، وسماها المحمدية، فأهل الري يدعون الري المدينة الداخلة، ويسمون
الفصيل المدينة الخارجة.
وحصن الزنبدي في داخل المحمدية. وكان المهدى قد أمر بمرمته ونزله.
وهو مطل على المسجد الجامع (ص 319) ودار الامارة، وقد كان جعل بعد سجنا.
قال: وبالري أهل بيت يقال لهم بنو الحريش نزلوا بعد بناء المدينة.
قال: وكانت مدينة الري تدعى في الجاهلية ارازى، فيقال إنه خسف بها.
وهي على ست فراسخ من المحمدية، وبها سميت الري.
قال: وكان المهدى في أول مقدمة الري نزل قرية يقال لها السيروان.
قال: وفى قلعة الفرخان يقول الشاعر، وهو الغطمش بن الأعور بن
عمرو الضبي
على الجوسق الملعون بالري لا ينى * على رأسه داعي المنية يلمع
797 - قال بكر بن الهيثم: حدثني يحيى بن ضريس القاضي قال: كان
الشعبي دخل الري مع قتيبة بن مسلم. فقال له: ما أحب الشراب إليك؟ فقال:
أهونه وجودا وأعزه فقدا.
قال: ودخل سعيد بن جبير الري أيضا، فلقيه الضحاك فكتب عنه التفسير.
قال: وكان عمرو بن معدى كرب الزبيدي غزا الري أول ما غزيت، فلما
انصرف توفى، فدفن فوق روذة وبوسنة بموضع يسمى كرمانشاهان.
وبالري دفن الكسائي النحوي، واسمه على بن حمزة. كان شخص إليها
مع الرشيد رحمه الله وهو يريد خراسان.
392

وبها مات الحجاج بن أرطاة. وكان شخص إليها مع المهدى، ويكنى
أبا أرطاة.
وقال الكلبي: نسب قصر جابر بدستى، إلى جابر أحد بنى زيبان
ابن تيم الله بن ثعلبة.
798 - قالوا: ولم تزل وظيفة الري اثنى عشر ألف ألف درهم، حتى مر بها
المأمون منصرفا من خرسان يريد مدينة السلام، فأسقط من وظيفتها ألفي ألف
درهم، وأسجل بذلك لأهلها (ص 320).
393

فتح قزوين وزنجان
799 - حدثني عدة من أهل قزوين وبكر بن الهيثم، عن شيخ من أهل الري،
قالوا: وكان حصن قزوين يسمى بالفارسية كشوين، ومعناه الحد المنظور
إليه، أي المحفوظ. وبينه وبين الديلم جبل ولم يزل فيه لأهل فارس مقاتلة من
الأساورة يرابطون فيه فيدفعون الديلم إذا لم يكن بينهم هدنة، ويحفظون بلدهم
من متلصصيهم وغيرهم إذا جرى بينهم صلح.
وكانت دستبي مقسومة بين الري وهمذان، فقسم يدعى الرازي وقسم
يدعى الهمذاني. فلما ولى المغيرة بن شعبة الكوفة ولى جرير بن عبد الله
همذان، وولى البراء بن عازب قزوين، وأمره أن يسير إليها، فإن فتحها الله
على يده غزا الديلم منها، وإنما كان مغزاهم قبل ذلك من دستبي. فسار البراء
ومعه حنظلة بن زيد الخيل حتى أتى أبهر. فقام على حصنها، وهو حصن بناه
بعض الأعاجم على عيون سدها بجلود البقر والصوف، واتخذ عليها دكة، ثم
أنشأ الحصن عليها. فقاتلوه ثم طلبوا الأمان، فآمنهم على مثل ما أمن عليه
حذيفة أهل نهاوند، وصالحهم على ذلك، وغلب على أراضي أبهر.
ثم غزا أهل حصن قزوين. فلما بلغهم قصد المسلمين لهم وجهوا إلى الديالمة
يسئلونهم نصرتهم فوعدوهم أن يفعلوا. وحل البراء والمسلمون بعقوتهم،
فخرجوا لقتالهم، والديلميون وقوف على الجبل لا يمدون إلى المسلمين يدا. فلما
رأوا ذلك طلبوا الصلح. فعرض عليهم ما أعطى أهل أبهر، فأنفوا من الجزية
وأظهروا الاسلام.
394

فقيل إنهم نزلوا على مثل ما نزل عليه أساورة البصرة من الاسلام، على أن
يكونوا مع من شاؤوا. فنزلوا الكوفة وحالفوا زهرة بن حوية، فسموا
حمراء الديلم.
وقيل إنهم أسلموا وأقاموا بمكانهم، وصارت أرضوهم (ص 321) عشرية.
فرتب البراء معهم خمس مئة رجل من المسلمين معهم طليحة بن خويلد الأسدي
وأقطعهم أرضين لا حق فيها لاحد.
قال بكر: وأنشدني رجل من أهل قزوين لجد أبيه، وكان مع البراء:
قد علم الديلم إذ تحارب * حين أتى في جيشه ابن عازب
بأن ظن المشركين كاذب * فكم قطعنا في دجى الغياهب
من جبل وعر ومن سباسب
وغزا الديلم حتى أدوا إليه الإتاوة. وغزا جيلان والببر والطيلسان. وفتح
زنجان عنوة.
ولما ولى الوليد بن عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية الكوفة
لعثمان بن عفان غزا الديلم مما يلي قزوين، وغزا أذربيجان، وغزا جيلان
وموقان، والببر، والطيلسان، ثم انصرف.
وولى سعيد بن العاصي بن سعيد بن العاصي بن أمية بعد الوليد، فغزا الديلم
ومصر قزوين. فكانت ثغر أهل الكوفة وفيها بنيانهم.
800 - وحدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي قال: ثنا خلف بن تميم قال: ثنا
زائدة بن قدامة، عن إسماعيل بن مرة الهمذاني قال:
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: من كره منكم أن يقاتل معنا معاوية
فليأخذ عطاءه وليخرج إلى الديلم فليقاتلهم. قال: وكنت في النخبة، فأخذنا
أعطياتنا وخرجنا إلى الديلم، ونحن أربعة آلاف أو خمسة آلاف.
395

801 - وحدثنا عبد الله بن صالح العجلي، عن ابن يمان،
عن سفيان قال: أغزى على رضي الله عنه الربيع بن خثيم الثوري الديلم،
وعقد له على أربعة آلاف من المسلمين.
802 - وحدثني بعض أهل قزوين قال: بقزوين مسجد الربيع بن خثيم
معروف، وكانت فيه شجرة تتمسح بها العامة. ويقال إنه غرس سواكه
في الأرض فأورق حتى كانت الشجرة منه، فقطعها عامل طاهر بن عبد الله
(ص 322) بن طاهر في خلافة أمير المؤمنين المتوكل على الله خوفا من أن
يفتتن بها الناس.
803 - قالوا: وكان موسى الهادي لما صار إلى الري أتى قزوين، فأمر
ببناء مدينة بإزائها. وهي تعرف بمدينة موسى. وابتاع أرضا تدعى رستماباذ
فوقفها على مصالح المدينة. وكان عمر الرومي مولاه يتولاها، ثم تولاها بعده
محمد بن عمرو.
وكان المبارك التركي بنى حصنا يسمى مدينة المبارك، وبها قوم من مواليه.
804 - وحدثني محمد بن هارون الأصبهاني قال: مر الرشيد بهمذان وهو
يريد خراسان، واعترضه أهل قزوين فأخبروه بمكانهم من بلاد العدو وغنائهم
في مجاهدته، وسألوه النظر لهم وتخفيف ما يلزمهم من عشر غلاتهم في القضبة.
فصير عليهم في كل سنة عشرة آلاف درهم مقاطعة. وكان القاسم ابن أمير
المؤمنين الرشيد ولى جرجان وطبرستان وقزوين، فألجأ إليه أهل زنجان
396

ضياعهم تعززا به ودفعا لمكروه الصعاليك وظلم العمال عنهم، وكتبوا له عليها
الأشرية، وصاروا مزارعين له. وهي اليوم من الضياع.
وكان القاقزان عشريا لان أهله أسلموا عليه وأحيوه بعد الاسلام، فألجأوه
إلى القاسم أيضا على أن جعلوا له عشرا ثانيا سوى عشر بيت المال. فصار
أيضا في الضياع.
ولم تزل دستبى على قسميها بعضها من الري وبعضها من همذان، إلى أن
سعى رجل ممن بقزوين، من بنى تميم، يقال له حنظلة بن خالد، يكنى
أبا مالك، في أمرها حتى صيرت كلها إلى قزوين. فسمعه رجل من أهل بلده
يقول: كورتها وأنا أبو مالك. فقال: بل أفسدتها وأنت أبو هالك.
805 - وحدثني المدائني وغيره أن الأكراد عاثوا وأفسدوا في أيام خروج
عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث. فبعث الحجاج عمرو بن هانئ العبسي في أهل
دمشق إليهم فأوقع بهم وقتل منهم خلقا (ص 323). ثم أمره بغزو الديلم،
فغزاهم في اثنى عشر ألفا، فيهم من بنى عجل ومواليهم من أهل الكوفة ثمانون،
منهم: محمد بن سنان العجلي.
806 - فحدثني عوف بن أحمد العبدي قال: حدثني أبو حنش العجلي،
عن أبيه قال: أدركت رجلا من التميميين العجليين الذين وجههم الحجاج
لمرابطة الديلم فحدثني قال: رأيت من موالي بنى عجل رجلا يزعم أنه صليبه (؟)
فقلت: إن أباك كان لا يحب بنسبه في العجم ولاية في العرب بدلا، فمن أين
زعمت أنك صليبه (؟). فقال: أخبرتني أمي بذلك. فقلت: هي مصدقة،
هي أعلم بأبيك.
397

807 - قالوا: وكان محمد بن سنان العجلي نزل قرية من قرى دستبى،
ثم صار إلى قزوين فبنى دارا في ربضها. فعذله أهل الثغر وقالوا: عرضت
نفسك للتلف وعرضتنا للوهن، إن نالك العدو بسوء. فلم يلتفت إلى قولهم.
فأمر ولده وأهل بيته فبنوا معه خارج المدينة، ثم انتقل الناس بعد فبنوا حتى
تم ربض المدينة.
808 - قالوا: وكان أبو دلف القاسم بن عيسى غزا الديلم في خلافة المأمون،
وهو وال في خلافة المعتصم بالله أيام ولاية الأفشين الجبال. ففتح حصونا منها
اقليسم، صالح أهله على إتاوة. ومنها بومج فتحه عنوة، ثم صالح أهله على إتاوة.
ومنها الابلام، ومنها انداق، في حصون أخر. وأغزى الأفشين غير أبى دلف،
ففتح أيضا من الديلم حصونا.
ولما كانت سنة 253 وجه أمير المؤمنين المعتز بالله موسى بن بغا الكبير
مولاه إلى الطالبيين الذين ظهروا بالديلم وناحية طبرستان. وكانت الديالمة قد
اشتملت على رجل منهم يعرف بالكوكبي. فغزا الديلم وأوغل في بلادهم،
وحاربوه فأوقع بهم، وثقلت وطأته عليهم واشتدت نكايته.
809 - وأخبرني (ص 324) رجل من أهل قزوين أن قبور هؤلاء
الندماء براوند من عمل إصبهان، وأن الشاعر إنما قال:
ألم تعلما أنى براوند مفرد
810 - وحدثني عبد الله بن صالح العجلي قال: بلغني أن ثلاثة نفر من
أهل الكوفة كانوا في جيش الحجاج الذي وجهه إلى الديلم. فكانوا يتنادمون
ثلاثتهم ولا يخالطون غيرهم. فإنهم على ذلك إذ مات أحدهم فدفنه صاحباه.
398

وكانا يشربان عند قبره، فإذا بلغته الكأس هرقاها على قبره وبكيا. ثم إن
الثاني مات، فدفنه الباقي إلى جانبه. وكان يجلس عند قبريهما فيشرب ثم يصب
على القبر الذي يليه ثم على الآخر ويبكي، فأنشأ ذات يوم يقول:
خليلي هبا طال ما قد رقدتما * أجدكما ما تقضيان كراكما
ألم تعلما أنى بقزوين مفرد * ومالي فيها من خليل سواكما
مقيما على قبريكما لست بارحا * طوال الليالي أو يجيب صداكما
سأبكيكما طول الحياة وما الذي * يرد على ذي لوعة أن بكاكما
ثم لم يلبث أن مات، فدفن عند صاحبيه، فقبورهم تعرف بقبور الندماء.
399

فتح أذربيجان
811 - حدثنا الحسين بن عمرو الأردبيلي، عن واقد الأردبيلي،
عن مشايخ أدركهم أن المغيرة بن شعبة قدم الكوفة واليا من قبل عمر
ابن الخطاب، ومعه كتاب إلى حذيفة بن اليمان بولاية أذربيجان. فأنقذه إليه وهو
بنهاوند أو بقربها. فسار حتى أتى أردبيل، وهي مدينة أذربيجان وبها مرزبانها،
وإليه جباية خراجها. وكان المرزبان قد جمع إليه المقاتلة من أهل باجروان
وميمذ (ص 325) والنرير وسراة والشيز والميانج وغيرهم. فقاتلوا المسلمين
قتالا شديدا أياما، ثم إن المرزبان صالح حذيفة عن جميع أهل أذربيجان على
ثمان مئة ألف درهم وزن ثمانية، على أن لا يقتل منهم أحدا ولا يسبيه ولا يهدم
بيت نار، ولا يعرض لأكراد البلاسجان وسبلان وساترودان، ولا يمنع أهل
الشيز خاصة من الزفن في أعيادهم وإظهار ما كانوا يظهرونه. ثم أنه غزا
موقان وجيلان فأوقع بهم وصالحهم على أتاوة.
812 - قالوا: ثم عزل عمر حذيفة وولى أذربيجان عتبة بن فرقد السلمي.
فأتاها من الموصل، ويقال بل أتاها من شهرزور، على السلق الذي يعرف
اليوم بمعاوية الأودي. فلما دخل أردبيل وجد أهلها على العهد. وانتقضت
عليه نواح فغزاها فظفر وغنم، وكان معه عمر بن عتبة الزاهد.
وروى الواقدي في إسناده أن المغيرة بن شعبة غزا أذربيجان من الكوفة
في سنة 22، حتى انتهى إليها ففتحها عنوة، ووضع عليها الخراج.
وروى ابن الكلى،
عن أبي مخنف أن المغيرة غزا أذربيجان سنة 20 ففتحها. ثم إنهم كفروا
400

فغزاها الأشعث بن قيس الكندي، ففتح حصن باجروان، وصالحهم على صلح
المغيرة، ومضى صلح الأشعث إلى اليوم.
وكان أبو مخنف لوط بن يحيى يقول: إن عمر ولى سعدا ثم عمارا ثم المغيرة،
ثم رد سعدا وكتب إليه وإلى أمراء الأمصار في قدوم المدينة في السنة التي توفى
فيها. فلذلك حضر سعد الشورى، وأوصى القائم بالخلافة أن يرده إلى عمله.
وقال غيره: توفى عمر والمغيرة واليه على الكوفة. وأوصى بتولية سعد
الكوفة، وتولية (ص 326) أبى موسى البصرة، فولاهما عثمان ثم عزلهما.
813 - وحدثني المدائني، عن علي بن مجاهد، عن محمد بن إسحاق،
عن الزهري قال: لما هزم الله المشركين بنهاوند رجع الناس إلى أمصارهم،
وبقى أهل الكوفة مع حذيفة، فغزا آذربيجان فصالحوه على مئة ألف.
814 - وحدثني المدائني، عن علي بن مجاهد، عن عاصم الأحول،
عن أبي عثمان النهدي قال: عزل عمر حذيفة عن أذربيجان واستعمل عليها
عتبة بن فرقد السلمي. فبعث إليه بأخبصة قد أدرجها في كرابيس. فلما وردت
عليه قال: أورق؟ قالوا: لا. قال: فما هي؟ قال: لطف بعث به. فلما نظر
إليه قال: ردوها عليه. وكتب إليه: يا ابن أم عتبة! إنك لتأكل الخبيص
من غير كد أبيك.
وقال عتبة: قدمت من آذربيجان وافدا على عمر فإذا بين يديه عصلة جزور.
815 - وحدثني المدائني، عن عبد الله بن القاسم،
عن فروة بن لقط: قال لما قام عثمان بن عفان رضي الله عنه استعمل
401

الوليد بن عقبة بن أبي معيط، فعزل عتبة عن أذربيجان، فنقضوا. فغزاهم
الوليد سنة خمس وعشرين وعلى مقدمته عبد الله بن شبل الأحمسي. فأغار على
أهل موقان والببر والطيلسان فغنم وسبى، وطلب أهل كور أذربيجان الصلح
فصالحهم على صلح حذيفة.
قال ابن الكلبي: ولى على ابن أبي طالب رضي الله عنه أذربيجان سعيد
ابن سارية الخزاعي، ثم الأشعث بن قيس الكندي.
816 - وحدثني عبد الله بن معاذ العنقزي، عن أبيه، عن سعد بن الحكم بن عتبة،
عن زيد بن وهب قال: لما هزم الله المشركين بنهاوند رجع أهل الحجاز
إلى حجازهم وأهل البصرة إلى بصرتهم، وأقام حذيفة بنهاوند في أهل الكوفة.
فغزا أذربيجان، فصالحوه على ثماني مئة ألف درهم (ص 327). فكتب إليهم
عمر بن الخطاب: إنكم بأرض يخالط طعام أهلها ولباسهم الميتة، فلا تأكلوا
إلا ذكيا ولا تلبسوا إلا زكيا. يريد الفراء.
817 - وحدثني العباس بن الوليد النرسي قال: ثنا عبد الواحد بن زياد قال ثنا
عاصم الأحول.
عن أبي عثمان النهدي قال: كنت مع عتبة بن فرقد حين افتتح
آذربيجان. فصنع سفطين من خبيص وألبسهما الجلود واللبود ثم بعث بهما إلى
عمر مع سحيم مولى عتبة. فلما قدم عليه قال: ما الذي جئت به؟ أذهب أم
ورق؟ وأمر به فكشف عنه، فذاق الخبيص فقال: إن هذا لطيب أثر! أكل
المهاجرين أكل منه شيعه؟ قال: لا، إنما هو شئ خصك به. فكتب إليه:
من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عتبة بن فرقد. أما بعد فليس من كدك
402

ولا كد أمك ولا كد أبيك. لا نأكل إلا ما يشبع منه المسلمون
في رحالهم.
818 - وحدثني الحسين بن عمرو وأحمد بن مصلح الأزدي،
عن مشايخ من أهل أذربيجان قالوا: قدم الوليد بن عقبة أذربيجان ومعه
الأشعث بن قيس. فلما انصرف الوليد ولاه أذربيجان فانتقضت. فكتب
إليه يستمده. فأمده بجيش عظيم من أهل الكوفة. فتتبع الأشعث بن قيس
حانا حانا - وألحان الحائر في كلام أهل أذربيجان - ففتحها على مثل صلح
حذيفة وعتبة بن فرقد، وأسكنها ناسا من العرب من أهل العطاء والديوان،
وأمرهم بدعاء الناس إلى الاسلام.
ثم تولى سعيد بن العاصي فغزا أهل أذربيجان فأوقع بأهل موقان وجيلان،
وتجمع له بناحية أرم وبلوانكرح (؟) خلق من الأرمن وأهل أذربيجان،
فوجه إليهم جرير بن عبد الله البجلي فهزمهم، وأخذ رئيسهم فصلبه على قلعة
(ص 328) باجروان.
ويقال إن الشماخ بن ضرار الثعلب كان مع سعيد بن العاصي في هذه
الغزاة، وكان بكير بن شداد بن عامر فارس أطلال معهم في هذه الغزاة، وفيه
يقول الشماخ:
وغنيت عن خيل بموقان أسلمت * بكير بنى الشداخ فارس أطلال
وهو من بنى كنانة، وهو الذي سمع يهوديا في خلافة عمر ينشد:
وأشعث غره الاسلام منى * خلوت بعرسه ليل التمام
403

فقتله.
ثم ولى علي بن أبي طالب الأشعث أذربيجان. فلما قدمها وجد أكثرها
قد أسلموا وقرأوا القرآن. فأنزل أردبيل جماعة من أهل العطاء والديوان من
العرب، ومصرها، وبنى مسجدها، إلا أنه وسع بعد ذلك.
قال الحسين بن عمرو: وأخبرني واقد أن العرب لما نزلت أذربيجان نزعت
إليها عشائرها من المصرين والشام، وغلب كل قوم على ما أمكنهم، وابتاع
بعضهم من العجم الأرضين، وألجئت إليهم القرى للخفارة، فصار أهلها
مزارعين لهم.
وقال الحسين: كانت ورثان قنطرة كقنطرتي وحش وأرشق اللتين اتخذتا
حديثا أيام بابك، فبناها مروان بن محمد بن مروان بن الحكم، وأحيا أرضها
وحصنها، فصارت ضيعة له. ثم قبضت مع ما قبض من ضياع بنى أمية، فصارت
لام جعفر زبيدة بنت جعفر بن المنصور أمير المؤمنين، وهدم وكلاؤها سورها.
ثم رم وجدد قريبا، وكان الورثاني من مواليها.
قال: وكانت برزند قرية فعسكر فيها الأفشين حيدر بن كاوس عامل
أمير المؤمنين المعتصم بالله على أذربيجان وأرمينية والجبل أيام محاربته الكافر
بابك الخرمي وحصنها.
819 - قالوا: وكانت المراغة تدعى اقراهروذ. فعسكر مروان بن محمد،
وهو والى أرمينية وأذربيجان - منصرفه من غزوة موقان وجيلان - بالقرب
منها. وكان فيها سرجين كثير، فكانت دوابه ودواب أصحابه تمرغ فيها،
فجعلوا يقولون: ايتوا قرية المراغة. ثم حذف الناس قرية وقالوا: المراغة. وكان
أهلها ألجأوها إلى مروان فابتناها، وتألف وكلاؤه الناس فكثروا فيها للتعزز،
وعمروها.
404

ثم إنها قبضت مع ما قبض من ضياع بنى أمية. وصارت لبعض بنات
الرشيد أمير المؤمنين. فلما عاث الوجناء الأزدي وصدقة بن علي مولى الأزد
فأفسدا، وولى خزيمة بن خازم بن خزيمة أرمينية وأذربيجان في خلافة الرشيد،
بنى سورها وحصنها ومصرها، وأنزلها جندا كثيفا.
ثم لما ظهر بابك الخرمي بالبذ لجأ الناس إليها فنزلوها وتحصنوا فيها.
ورم سورها في أيام المأمون عدة من عماله، منهم: أحمد بن الجنيد بن
فرزند، وعلي بن هشام. ثم نزل الناس ربضها وحصن.
وأما مرند فكانت قرية صغيرة فنزلها حلبس أبو البعيث، ثم حصنها
البعيث، ثم ابنه محمد بن البعيث. وبنى بها محمد قصورا. وكان قد خالف
في خلافة أمير المؤمنين المتوكل على الله فحاربه بغا الصغير مولى أمير المؤمنين حتى
ظفر به وحمله إلى سر من رأى، وهدم حائط مرند وذلك القصر. والبعيث
من ولد عتيب بن عمرو بن وهب بن أقصى بن دعمى بن جديلة بن أسد
ابن ربيعة. ويقال إنه عتيب بن عوف بن سنان. والعتبيون يقولون ذلك،
والله أعلم (ص 330).
وأما أرمية فمدينة قديمة يزعم المجوس أن زردشت صاحبهم كان منها.
وكان صدقة بن علي بن صدقة بن دينار، مولى الأزد، حارب أهلها حتى دخلها
وغلب عليها، وبنى وإخوته بها قصورا.
وأما تبريز فنزلها الرواد الأزدي، ثم الوجناء بن الرواد، وبنى بها وإخوته
بناء، وحصنها بسور، فنزلها الناس معه.
وأما الميانج وخلباثا فمنازل الهمدانيين. وقد مدن عبد الله بن جعفر الهمداني
محلته بالميانج، وصير السلطان بها منبرا.
405

وأما كورة برزة فللأود، وقصبتها لرجل منهم جمع الناس إليها وبنى بها
حصنا، وقد اتخذ بها في سنة 239 منبر على كره من الأودي.
وأما نرير فكانت قرية لها قصر قديم متشعث، فنزلها مر بن عمرو الموصلي
الطائي فبنى بها وأسكنها ولده. ثم انهم بنوا بها قصورا ومدنوها، وبنوا سوق
جابروان وكبروه، وأفرده السلطان لهم فصاروا يتولونه دون أذربيجان.
فأما سراة فإن فيها من كندة جماعة أخبرني بعضهم أنه من ولد من كان مع
الأشعث بن قيس الكندي.
406

فتح الموصل
820 - قالوا: ولى عمر بن الخطاب عتبة بن فرقد السلمي الموصل سنة
عشرين. فقاتله أهل نينوى، فأخذ حصنها وهو الشرقي عنوة، وعبر دجلة
فصالحه أهل الحصن الآخر على الجزية والاذن لمن أراد الجلاء في الجلاء.
ووجد بالموصل ديارات فصالحه أهلها على الجزية. ثم فتح المرج وقراه، وأرض
باهذرى، وباعذرى، وحبتون، والحنانة، والمعلة، ودامير، وجميع معاقل
الأكراد. وأتى (ص 331) بانعاثا من حزة ففتحها. وأتى تل الشهارجة
والسلق الذي يعرف ببنى الحرين صالح بن عبادة الهمداني صاحب رابطة الموصل،
ففتح ذلك كله وغلب عليه المسلمون.
821 - وأخبرني معافى بن طاوس،
عن مشايخ من أهل الموصل قال: كانت أرمية من فتوح الموصل،
فتحها عتبة بن فرقد. وكان خراجها حينا إلى الموصل. وكذلك الحور،
وخوى وسلماس.
قال معافى: وسمعت أيضا أن عتبة فتحها حين ولى أذربيجان. والله أعلم.
822 - وحدثني العباس بن هشام الكلبي، عن أبيه،
عن جده قال: أول من اختط الموصل وأسكنها العرب ومصرها هرثمة
بن عرفجة البارقي.
407

823 - حدثني أبو موسى الهروي، عن أبي الفضل الأنصاري،
عن أبي المحارب الضبي أن عمر بن الخطاب عزل عتبة عن الموصل وولاها
هرثمة بن عرفجة البارقي. وكان بها الحصن وبيع للنصارى، ومنازل لهم قليلة
عند تلك البيع ومحلة اليهود. فمصرها هرثمة فأنزل العرب منازلهم واختط لهم،
ثم بنى المسجد الجامع.
824 - وحدثني المعافى بن طاووس قال: الذي فرش الموصل بالحجارة
ابن تليد صاحب شرطة محمد بن مروان بن الحكم. وكان محمد والى الموصل
والجزيرة وأرمينية وأذربيجان.
825 - قال الواقدي: ولى عبد الملك بن مروان ابنه سعيد بن عبد الملك
ابن مروان صاحب نهر سعيد الموصل. وولى محمدا أخاه الجزيرة وأرمينية.
فبنى سعيد سور الموصل، وهو الذي هدمه الرشيد حين مر بها. وقد كانوا
خالفوا قبل ذلك، وفرشها سعيد بالحجارة.
826 - وحدثت عن بعض أهل بابغيش أن المسلمين كانوا طلبوا
غرة (ص 332) أهل ناحية منها، مما يلي دامير، يقال لها زران. فأتوهم في يوم
عيد لهم وليس معهم سلاح، فحالوا بينهم وبين قلعتهم وفتحوها.
827 - قالوا: ولما اختط هرثمة الموصل وأسكنها العرب أتى الحديثة،
وكانت قرية قديمة فيها بيعتان وأبيات للنصارى، فمصرها وأسكنها قوما من
408

العرب، فسميت الحديثة لأنها بعد الموصل. وبنى نحوه حصنا. ويقال إن
هرثمة نزل الحديثة أولا فمصرها واختطها قبل الموصل، وإنها إنما سميت الحديثة
حين تحول إليها من تحول من أهل الأنبار، لما وليهم ابن الرفيل أيام الحجاج
ابن يوسف فعسفها. وكان فيهم قوم من أهل حديثة الأنبار فبنوا بها مسجدا
وسموا المدينة الحديثة.
828 - قالوا: وافتتح عتبة بن فرقد الطيرهان وتكريت، وآمن أهل
حصن تكريت على أنفسهم وأموالهم، وسار في كورة باجرمى، ثم صار
إلى شهرزور.
829 - وحدثني شيخ من أهل تكريت أنه كان معهم كتاب أمان
وشرط لهم. فخرقه الجرشي حين أخرب قرى الموصل نرساباذ وهاعلة وذواتها.
وزعم الهيثم بن عدي أن عباض بن غنم لما فتح بلدا أتي الموصل ففتح أحد
الحصنين. والله تعالى أعلم.
409

شهرزور والصامغان ودراباذ
830 - حدثني إسحاق بن سليمان الشهرزوري قال: ثنا أبي، عن محمد بن مروان،
عن الكلبي،
عن بعض آل عزرة البجلي أن عزرة بن قيس حاول فتح شهرزور وهو
وال على حلوان في خلافة عمر فلم يقدر عليها. فغزاها عتبة بن فرقد ففتحها بعد
قتال على مثل صلح حلوان. وكانت العقارب تصيب الرجل من المسلمين
فيموت.
831 - وحدثني إسحاق، عن أبيه،
عن مشايخهم قال: صالح أهل الصامغان ودراباذ عتبة على الجزية والخراج،
على أن لا يقتلوا ولا يسبوا ولا يمنعوا طريقا يسلكونه.
832 - وحدثني أبو رجاء الحلواني، عن أبيه،
عن مشايخ شهرزور قالوا: شهرزور والصامغان ودراباذ من فتوح عتبة
ابن فرقد السلمي. فتحها وقاتل الأكراد فقتل منهم خلقا، وكتب إلى عمر:
إني قد بلغت بفتوحي أذربيجان. فولاه إياها. وولى هرثمة بن عرفجة الموصل.
833 - قالوا: ولم تزل شهرزور وأعمالها مضمومة إلى الموصل حتى فرقت
في آخر خلافة الرشيد. فولى شهرزور والصامغان ودراباذ رجل مفرد. وكان
رزق عامل كل كورة من كور الموصل مائتي درهم، فحط لهذه الكور
ست مئة درهم.
410

جرجان وطبرستان ونواحيها
834 - قالوا: ولى عثمان بن عفان رحمه الله سعيد بن العاصي بن سعيد
ابن العاصي بن أمية الكوفة في سنة تسع وعشرين. فكتب مرزبان طوس إليه
وإلى عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، وهو على
البصرة، يدعوهما إلى خراسان، على أن يملكه عليها أيهما غلب وظفر.
فخرج ابن عامر يريدها، وخرج سعيد. فسبقه ابن عامر، فغزا سعيد
طبرستان، ومعه في غزاته فيما يقال الحسن والحسين أبناء علي بن أبي طالب
عليهم السلام.
وقيل أيضا إن سعيدا غزا طبرستان بغير كتاب أتاه من أحد، وقصد إليها
من الكوفة، والله أعلم.
ففتح سعيد طميسة ونامنة، وهي قرية. وصالح ملك (ص 334) جرجان
على مائتي ألف درهم، ويقال على ثلاث مئة ألف بغلية وافته، فكان يؤديها إلى غزاة
المسلمين. وافتتح سعيد سهل طبرستان والرويان ودنباوند، وأعطاه أهل الجبال
مالا. وكان المسلمون يغزون طبرستان ونواحيها فربما أعطوا الإتاوة عفوا وربما
أعطوها بعد قتال.
وولى معاوية بن أبي سفيان مصقلة بن هبيرة بن شبل - أحد بنى ثعلبة
ابن شيبان بن ثعلبة بن عكابة - طبرستان وجميع أهلها حرب. وضم إليه عشرة
آلاف ويقال عشرين ألفا، فكاده العدو وأروه الهيبة له، حتى توغل بمن معه
في البلاد. فلما جاوروا المضايق أخذها العدو عليهم ودهدهوا الصخور من الجبال
على رؤوسهم. فهلك ذلك الجيش أجمع، وهلك مصقلة، فضب الناس به المثل.
411

فقالوا: حتى يرجع مصقلة من طبرستان.
ثم إن عبيد الله بن زياد بن أبي سفيان ولى محمد بن الأشعث بن قيس الكندي
طبرستان. فصالحهم وعقد لهم عقدا، ثم أمهلوا له حتى دخل، فأخذوا عليه المضابق
وقتلوا ابنه أبا بكر وفضخوه، ثم نجا. فكان المسلمون يغزون ذلك الثغر وهم
حذرون من التوغل في أرض العدو.
835 - وحدثني عباس بن هشام الكلبي، عن أبيه،
عن أبي مخنف وغيره قالوا: لما ولى سليمان بن عبد الملك بن مروان الامر
ولى يزيد بن المهلب بن أبي صفرة العراق. فخرج إلى خراسان لسبب ما كان
من التواء قتيبة بن مسلم وخلافه على سليمان وقتل وكيع بن أبي سود التميمي إياه.
فعرض له صول التركي في طريقه وهو يريد خراسان. فكتب إلى سليمان
يستأذنه في غزوه فأذن له. فغزا جيلان وسارية، ثم أتى دهستان وبها صول،
فحصرها وهو في جند كثيف من أهل المصرين وأهل الشام وأهل خراسان. فكان
أهل دهستان يخرجون فيقاتلونهم، فألح (ص 235) عليهم يزيد وقطع المواد
عنهم. ثم إن صول أرسل إلى يزيد يسأله الصلح على أن يؤمنه على نفسه وماله
وأهل بيته، ويدفع إليه المدينة وأهلها وما فيها. فقبل يزيد ذلك وصالحه عليه،
ووفى له. وقتل يزيد أربعة عشر ألفا من الترك واستخلف عليها.
وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: إن صول قتل، والخبر الأول أثبت.
836 - وقال هشام بن الكلبي: أتي يزيد جرجان. فتلقاه أهلها بالإتاوة
التي كان سعيد بن العاصي صالحهم عليها، فقبلها. ثم إن أهل جرجان نقضوا
وغدروا. فوجه إليهم جهم بن زحر الجعفي ففتحها.
412

قال: ويقال إنه صار إلى مرو فأقام بها شتوته، ثم غزا جرجان
في مئة ألف وعشرين ألفا من أهل الشام والجزيرة والمصرين وخراسان.
837 - وحدثني على بن محمد المدائني قال: أقام يزيد بن المهلب بخراسان
شتوة، ثم غزا جرجان، وكان عليها حائط من آجر قد تحصنوا به من الترك،
وأحد طرفيه في البحر، ثم غلبت الترك عليه وسموا ملكهم صول. فقال يزيد:
قبح الله قتيبة! ترك هؤلاء وهم في بيضة العرب وأراد غزو الصين، أو قال: وغزا
الصين. وخلف يزيد على خراسان مخلد بن يزيد.
قال: فلما صار إلى جرجان وجد صول قد نزل في البحيرة. فحصره ستة أشهر،
وقاتله مرارا. فطلب الصلح على أن يؤمنه على نفسه وماله وثلاث مئة من أهل
بيته، ويدفع إليه البحيرة بما فيها. فصالحه، ثم سار إلى طبرستان. واستعمل
على دهستان والبياسان عبد الله بن معمر اليشكري وهو في أربعة آلاف،
ووجه ابنه خالد بن يزيد وأخاه أبا عيينة بن المهلب إلى الاصبهبذ وهزمها حتى
الحقهما بعسكر يزيد. وكتب الاصبهبذ إلى المرزبان - ويقال المروزبان -:
إنا قد (ص 336) قتلنا أصحاب يزيد فاقتل من قبلك من العرب. فقتل
عبد الله بن معمر اليشكري ومن معه وهم غارون في منازلهم.
وبلغ الخبر يزيد فوجه حيان مولى مصقلة، وهو من سبى الديلم، فقال للاصبهبذ:
إني رجل منك وإليك، وإن فرق الدين بيننا، ولست بآمن أن يأتيك من قبل
أمير المؤمنين ومن جيوش خراسان ما لا قبل لك به ولا قوام لك معه. وقد
رزت لك يزيد فوجدته سريعا إلى الصلح فصالحه. ولم يزل يخدعه حتى صالح
يزيد على سبع مئة ألف درهم وأربع مئة وقر زغفرانا. فقال له الاصبهبذ:
العشرة وزن ستة. فقال: لا، ولكن وزن سبعة. فأبى. فال حيان: أنا أتحمل
413

فضل ما بين الوزنين. فتحمله. وكان حيان من نبل الموالى وسرواتهم،
وكان يكنى أبا معمر.
838 - قال المدائني: بلغ يزيد نكث أهل جرجان وغدرهم، فسار
يريدها ثانية. فلما بلغ المرزبان مسيره أتى وجاه فتحصن بها، وحولها غياض
وأشب. فنزل عليها سبعة أشهر لا يقدر منها على شئ. وقاتلوه مررا، ونصب
المنجنيق عليها. ثم إن رجلا دلهم على طريق إلى قلعتهم، وقال: لا بد من
سلم جلود. فعقد يزيد لجهم بن زحر الجعفي وقال: إن غلبت على الحياة
فلا تغلبن على الموت. وأمر يزيد أن تشعل النار في الحطب. فهالهم ذلك،
وخرج قوم منهم ثم رجعوا. وانتهى جهم إلى القلعة فقاتله قوم ممن كان على
بابها فكشفهم عنه. ولم يشعر العدو بعيد العصر إلا بالتكبير من ورائهم.
ففتحت القلعة وأنزلوا على حكم يزيد. فقادهم جهم إلى وادى جمرجان وجعل
يقتلهم حتى سالت الدماء في الوادي وجرت. وهو بنى مدينة جرجان. وسار
يزيد إلى خراسان فبلغته الهدايا. ثم ولى ابنه مخلدا خراسان وانصرف إلى
سليمان. فكتب إليه أن معه خمسة وعشرين ألف ألف درهم. فوقع الكتاب
في يدي عمر بن عبد العزيز فأخذ يزيد به وحبسه.
839 - وحدثني (ص 337) عباس بن هشام الكلبي، عن أبيه،
عن أبي مخنف، أو عوانة بن الحكم قال: سار يزيد إلى طبرستان.
فاستجاش الاصبهبذ الديلم فأنجدوه. فقاتله يزيد، ثم إنه صالحه على نقد أربعة
آلاف ألف درهم، وعلى سبع مئة ألف درهم مثاقيل، في كل سنة، ووقر
أربع مئة جماز زعفرانا، وأن يخرجوا أربع مئة رجل على رأس كل رجل
منهم ترس وطيلسان وجام فضة ونمرقة حرير. وبعض الرواة يقول: برنس.
414

وفتح يزيد الرويان ودنباوند على مال وثياب وآنية.
ثم مضى إلى جرجان وقد غدر أهلها وقتلوا خليفته، وقدم أمامه جهم
بن زحر بن قيس الجعفي. فدخل المدينة وأهلها غارون وغافلون، ووفاه ابن
المهلب فقتل خلقا من أهلها وسبى ذراريهم، وصلب من قتل عن يمين الطريق
ويساره. واستخلف عليها جهما، فوضع الجزية والخراج على أهلها وثقلت
وطأته عليهم.
840 - قالوا: ولم تزل أهل طبرستان يؤدون الصلح مرة ويمتنعون من
أدائه أخرى فيحاربون ويسالمون. فلما كانت أيام مروان بن محمد بن مروان
ابن الحكم غدروا ونقضوا، حتى إذا استخلف أبو العباس أمير المؤمنين وجه
إليهم عامله فصالحوه. ثم إنهم نقضوا وغدروا وقتلوا المسلمين في خلافة أمير
المؤمنين المنصور. فوجه إليهم خازم بن خزيمة التميمي وروح بن حاتم المهلبي
ومعهما مرزوق أبو الخصيب مولاه، الذي نسب إليه قصر أبى الخصيب
بالكوفة. فسألهما مرزوق، حين طال عليهما الامر وصعب، أن يضرباه ويحلقا
رأسه ولحيته، ففعلا. فخلص إلى الاصبهبذ فقال له: إن هذين الرجلين
استغشاني وفعلا بي ما ترى، وقد هربت إليك، فإن قبلت انقطاعي وأنزلتني
المنزلة التي أستحقها منك دللتك على عورات العرب وكنت يدا معك عليهم.
فكساه وأعطاه وأظهر الثقة به والمشاورة له. فكان يريه أنه له ناصح وعليه
مشفق. فلما اطلع (ص 338) على أموره وعوراته كتب إلى خازم وروح بما
احتاجا إلى معرفته من ذلك، واحتال للباب حتى فتحه. فدخل المسلمون المدينة
وفتحوها، وساروا في البلاد فدوخوها.
415

وكان عمر بن العلاء جزارا من أهل الري فجمع جمعا وقاتل سنفاذ حين
خرج بها. فأبل ونكى، فأوفده جهور بن مرار العجلي على المنصور، فقوده
وحضنه وجعل له مرتبة. ثم أنه ولى طبرستان فاستشهد بها في خلافة المهدى
أمير المؤمنين.
وافتتح محمد بن موسى بن حفص بن عمر بن العلاء ومايزديار بن قارن جبال
شروين من طبرستان، وهي أمنع جبال وأصعبها وأكثرها أشبا وغياضا،
في خلافة المأمون رحمه الله.
ثم إن المأمون ولى مايزديار أعمال طبرستان والرويان ودنباوند، وسماه
محمدا، وجعل له مرتبة الاصبهبذ. فلم يزل واليا حتى توفى المأمون.
ثم استخلف أبو إسحاق المعتصم بالله أمير المؤمنين فأقره على عمله. ثم إنه
كفر وغدر بعد ست سنين وأشهر من خلافته. فكتب إلى عبد الله بن طاهر
ابن الحسين بن مصعب، عامله على خراسان والري وقومس وجرجان، يأمره
بمحاربته. فوجه عبد الله إليه الحسن بن الحسين عمه في رجال خراسان. ووجه
المعتصم بالله محمد بن إبراهيم بن مصعب فيمن ضم إليه من جند الحضرة. فلما
توافت الجنود في بلاده كاتب أخ له يقال له فوهيار بن قارن الحسن ومحمدا
وأعلمهما أنه معهما عليه. وقد كان يحقد أشياء يناله بها من الاستخفاف. وكان
أهل عمله قد ملوا سيرته لتجبره وعسفه. فكتب الحسن يشير عليه بأن يكمن
في موضع سماه له، وقال لمايزديار: إن الحسن قد أتاك وهو بموضع كذا، وذكر
غير ذلك الموضع، وهو يدعوك إلى الأمان ويريد مشافهتك فيما بلغني. فسار
مايزديار يريد الحسن. فلما (ص 339) صار بقرب الموضع الذي الحسن كامن
فيه آذنه فوهيار بمجيئه. فخرج عليه في أصحابه، وكانوا منقطعين في الغياض،
فجعلوا يتتأمون إليه. وأراد مايزديار الهرب فأخذ فوهيار بمنطقته. وانطوى عليه
416

أصحاب الحسن فأخذوه سلما بغير عهد ولا عقد. فحمل إلى سر من رأى في سنة
خمس وعشرين ومائتين، فضرب بالسياط بين يدي المعتصم بالله ضربا مبرحا،
فلما رفعت السياط عنه مات. فصلب بسر من رأى مع بابكل الخرمي، على
العقبة التي بحضرة مجلس الشرطة.
ووثب بفوهيار بعض خاصة أخيه، فقتل بطبرستان. وافتتحت طبرستان
سهلها وجبلها، فتولاها عبد الله بن طاهر وطاهر بن عبد الله من بعده.
417

فتوح كور دجلة
841 - قالوا: كان سويد بن قطبة الذهلي، وبعضهم يقول: قطبة بن
قتادة، يغير في ناحية الخريبة من البصرة على العجم، كما كان المثنى بن حارثة
الشيباني يغير بناحية الحيرة. فلما قدم خالد بن الوليد البصرة يريد الكوفة
سنة 12، أعانه على حرب أهل الأبلة وخلف سويدا.
ويقال إن خالدا لم يسر من البصرة حتى فتح الخريبة، وكانت مسلحة
للأعاجم، فقتل وسبى. وخلف بها رجلا من بنى سعد بن بكر بن هوازن، يقال له
شريح بن عامر.
ويقال إنه أتى نهر المرأة ففتح القصر صلحا، صالحه عنه النوشجان بن
جسنسما، والمرأة صاحبة القصر كامن دار بنت نرسى، وهي ابنة عم النوشجان.
وإنما سميت المرأة لان أبا موسى الأشعري كان نزل بها، فزودته خبيصا فجعل
يقول: أطعمونا من دقيق المرأة.
وكان محمد بن عمر الواقدي ينكر أن يكون خالد بن الوليد أتى البصرة حين
فرغ من أمر أهل (ص 340) اليمامة والبحرين. ويقول: قدم المدينة ثم سار
منها إلى العراق على طريق فيد والثعلبية، والله أعلم.
842 - قالوا: فلما بلغ عمر بن الخطاب خبر سويد بن قطبة وما يصنع
بالبصرة رأى أن يوليها رجلا من قبله، فولاها عتبة بن غزوان بن جابر بن
وهب بن نسيب - أحد بنى مازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة. وهو
حليف بنى نوفل بن عبد مناف، وكان من المهاجرين الأولين - وقال له: إن
418

الحيرة قد فتحت وقتل عظيم من العجم، يعنى مهران، ووطئت خيل المسلمين
أرض بابل. فصره إلى ناحية البصرة واشغل من هناك من أهل الأهواز وفارس
وميسان عن إمداد إخوانهم على إخوانك. فأتاها عتبة، وانضم إليه
سويد بن قطبة ومن معه من بكر بن وائل وبنى تميم.
وكانت بالبصرة سبع دساكر: اثنتان بالخريبة، واثنتان بالزابوقة، وثلاث
في موضع دار الأزد اليوم. ففرق عتبة أصحابه فيها، ننزل هو بالخريبة،
وكانت مسلحة للأعاجم، ففتحها خالد بن الوليد، فخلت منهم. وكتب
عتبة إلى عمر يعلمه نزوله وأصحابه بحيث نزلوا. فكتب إليه يأمره بأن ينزلهم
موضعا قريبا من الماء والمرعى. فاقبل إلى موضع البصرة.
قال أبو مخنف: وكانت ذات حصى وحجارة سود فقيل إنها بصرة. وقيل
إنهم إنما سموها بصرة لرخاوة أرضها.
843 - قالوا: وضربوا بها الخيام والقباب والفساطيط. ولم يكن لهم بناء.
وأمد عمر عتبة بهرثمة بن عرفجة البارقي، وكان بالبحرين ثم إنه صار بعد
إلى الموصل.
844 - قالوا: فغزا عتبة بن غزوان الأبلة ففتحها عنوة. وكتب إلى عمر
يعلمه ذلك ويخبره ان الأبلة فرضة البحرين وعمان والهند والصين. وأنفذ
الكتاب مع نافع بن الحارث الثقفي.
845 - وحدثني الوليد بن صالح قال: ثنا مرحوم العطار، عن أبيه،
عن شويس العدوى قال: خرجنا مع أمير (ص 341) الأبلة فظفرنا بها.
ثم عبرنا الفرات، فخرج إلينا أهل الفرات بمساحيهم، فظفرنا بهم وفتحنا الفرات.
419

846 - وحدثني عبد الواحد بن غياث قال: ثنا حماد بن سلمة، عن أبيه،
عن حميري بن كراثة الربعي قال: لما دخلوا الأبلة وجدوا خبيز الحوارى.
فقالوا: هذا الذي كان يقال إنه يسمن. فلما أكلوا منه جعلوا ينظرون إلى سواعدهم
ويقولون: والله ما نرى سمنا.
قال: وأصبت قميصا مجيبا من قبل صدره أخضر، فكنت أحضر
فيه الجمعة.
847 - وحدثني المدائني،
عن جهم بن حسان قال: فتح عتبة الأبلة ووجه مجاشع بن مسعود على
الفرات، وأمر المغيرة بالصلاة، وشخص إلى عمر.
848 - وحدثني المدائني، عن أشياخه، أن ما بين الفهرج إلى الفرات صلح،
وسائر الأبلة عنوة.
849 - وحدثني عبد الله بن صالح المقرى قال: حدثني عبدة بن سليمان،
عن محمد بن إسحاق بن يسار قال: وجه عمر بن الخطاب عتبة بن غزوان
حليف بنى نوفل في ثمان مئة إلى البصرة، وأمده بالرجال. فنزل بالناس في خبم.
فلما كثروا بنى رهط منهم سبع دساكر من لبن، منها بالخريبة اثنتان، بالزابوقة
واحدة، وفى الأزد اثنتان، وفى تميم اثنتان. ثم إنه خرج إلى الأبلة فقاتل
أهلها ففتحها عنوة. وأتى الفرات وعلى مقدمته مجاشع بن مسعود السلمي ففتحه
عنوة. وأتى المذار فخرج إليه مرزبانها فقاتله فهزمه الله، وغرق عامة من معه.
وأخذ سلما فضرب عتبة عنقه. وسار عتبة إلى دستميسان وقد جمع أهلها
420

للمسلمين وأرادوا المسير إليهم، فرأى أن يعاجلهم بالغزو ليكون ذلك أفت
في أعضادهم وأملأ لقلوبهم، فلقيهم فهزمهم الله، وقتل دهاقينهم. وانصرف
عتبة من فوره إلى أبرقباذ ففتحها الله عليه.
850 - قالوا: ثم استأذن عتبة عمر بن الخطاب (ص 342) في الوفادة
عليه والحج. فأذن له. فاستخلف بن مجاشع بن مسعود السلمي، وكان غائبا
عن البصرة وأمر المغيرة بن شعبة أن يقوم مقامه إلى قدومه. فقال: أتولى رجلا
من أهل الوبر على رجل من أهل المدر؟ واستعفى عتبة من ولاية البصرة فلم
يعفه، وشخص فمات في الطريق. فولى عمر البصرة المغيرة بن شعبة. وقد كان
الناس سألوا عتبة عن البصرة فأخبرهم بخصبها فسار إليها خلق من الناس.
851 - وحدثني عباس بن هشام، عن أبيه،
عن عوانة قال: كانت عند عتبة بن غزوان أزدة بنت الحارث بن كلدة.
فلما استعمل عمر عتبة بن غزوان قدم معه نافع وأبو بكرة وزياد. ثم إن
عتبة قاتل أهل مدينة الفرات، فجعلت امرأته أزدة تحرض الناس على القتال
وهي تقول:
إن يهزموكم تولجوا فينا الغلف
ففتح الله على المسلمين تلك المدينة، وأصابوا غنائم كثيرة. ولم يكن فيهم
أحد يكتب ويحسب إلا زياد. فولى يقسم ذلك المغنم وجعل له كل يوم درهمان،
وهو غلام في رأسه ذوابة.
ثم إن عتبه شخص إلى عمر. وكتب إلى مجاشع بن مسعود يعلمه أنه قد
خلفه، وكان غائبا، وأمر المغيرة بن شعبة أن يصلى بالناس إلى قدوم مجاشع.
421

ثم إن دهقان ميسان كفر ورجع عن الاسلام فلقيه المغيرة بالمنعرج فقتله.
وكتب المغيرة إلى عمر بالفتح منه. فدعا عمر عتبة فقال: ألم تعلمني أنك
استخلفت مجاشعا؟ قال: نعم. فإن المغيرة كتب إلى بكذا. فقال: إن مجاشعا
كان غائبا فأمرت المغيرة أن يخلفه ويصلى بالناس إلى قدومه. فقال عمر: لعمري
لأهل المدر كانوا أولى بأن يستعملوا من أهل الوبر.
ثم كتب إلى المغيرة بعهده على البصرة، وبعث به إليه. فأقام المغيرة ما شاء الله.
ثم إنه هوى المرأة.
852 - وحدثني (ص 343) عبد الله بن صالح، عن عبدة،
عن محمد بن إسحاق قال: غزا المغيرة ميسان ففتحها عنوة بعد قتال شديد
وغلب على أرضها. ثم إن أهل أبرقباذ غدروا ففتحها المغيرة عنوة.
853 - وحدثني روح بن عبد المؤمن قال: حدثني وهب بن جرير بن حازم،
عن أبيه قال: فتح عتبة بن غزوان الأبلة والفرات وأبرقباذ ودستميسان
وفتح المغيرة ميسان. وغدر أهل أبرقباذ ففتحها المغيرة.
854 - وقال على بن محمد المدائني: كان الناس يسمون ميسان
ودستميسان والفرات وأبرقباذ، ميسان.
855 - قالوا: وكان من سبى ميسان أبو الحسن البصري وسعيد بن
يسار أخوه. وكان اسم يسار فيروز. فصار أبو الحسن لامرأة من الأنصار يقال
لها الربيع بنت النضر، عمة أنس بن مالك. ويقال كان لامرأة من بنى سلمة
يقال لها جميلة، امرأة أنس بن مالك.
422

856 - وروى الحسن قال: كان أبى وأمي لرجل من بنى النجار. فتزوج
امرأة من بنى سلمة فساقهما إليها في صداقها. فأعتقتهما تلك المرأة، فولاؤنا لها.
وكان مولد الحسن بالمدينة لسنتين بقيتا من خلافة عمر وخرج منها بعد صفين
بسنة،، ومات بالبصرة سنة 110، وهو ابن تسع وثمانين سنة.
857 - قالوا: إن المغيرة جعل يختلف إلى امرأة من بنى هلال يقال لها
أم جميل بنت محجن بن الأفقم بن شعيثة بن الهزم. وقد كان لها زوج من
ثقيف يقال له الحجاج بن عتيك. فبلغ ذلك أبا بكرة بن مسروح، مولى
النبي صلى الله عليه وسلم من مولدي ثقيف، وشبل بن معبد بن عبيد البجلي،
ونافع بن الحارث ابن كلدة الثقفي، وزياد بن عبيد، فرصدوه. حتى إذا
دخل عليها هجموا عليه، فإذا هما عريانان وهو متبطنها. فخرجوا حتى أتوا عمر
ابن الخطاب فشهدوا عنده بما رأوا. فقال عمر لأبي موسى الأشعري: إني أريد
(ص 344) أبعثك إلى بلد قد عشش فيه الشيطان. قال: فأعنى بعدة من
الأنصار. فبعث معه البراء بن مالك، وعمران بن الحصين أبا نجيد الخزاعي،
وعوف بن وهب الخزاعي، فولاه البصرة، وأمره بإشخاص المغيرة. فأشخصه
بعد قدومه بثلاث.
فلما صار إلى عمر جمع بينه وبين الشهود. فقال نافع بن الحارث: رأيته
على بطن المرأة يحتفز عليها، ورأيته يدخل ما معه ويخرجه كالميل في المكحلة.
ثم شهد شبل بن معبد على شهادته، ثم أبو بكرة، ثم أقبل زياد رابعا.
فلما نظر إليه عمر قال: أما إني أرى وجه رجل أرجو أن لا يرجم رجل
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على يده ولا يخزى بشهادته.
وكان المغيرة قدم من مصر فأسلم وشهد الحديبية مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم.
423

فقال زياد: رأيت منظرا قبيحا وسمعت نفسا عاليا. وما أدرى أخالطها
أم لا؟ ويقال لم يشهد بشئ.
فأمر عمر بالثلاثة فجلدوا. فقال شبل: أتجلد شهود الحق وتبطل الحد؟
فلما جلد أبو بكرة قال: أشهد أن المغيرة زان. فقال عمر: حدوه. فقال: على
إن جعلتها شهادة. فارجم صاحبك. فحلف أبو بكرة أن لا يكلم زيادا ابدا،
وكان أخاه لأمه سمية.
ثم إن عمر ردهم إلى مصرهم.
وقد روى قوم أن أبا موسى كان بالبصرة فكتب إليه عمر بولايتها
وإشخاص المغيرة. والأول أثبت.
وروى أن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، كان أمر سعد بن أبي وقاص،
رضي الله عنه، أن يبعث عتبة بن غزوان إلى البصرة ففعل. وكان يأنف من
مكاتبته إياه فلذلك استعفى، وأن عمر رضي الله عنه رده واليا فمات في الطريق.
وكانت ولاية أبى موسى البصرة في سنة 16 ويقال سنة 17، فاستقري
كور دجلة فوجد أهلها مذعنين بالطاعة، فأمر بمساحتها ووضع الخراج عليها على
قدر احتمالها.
والثبت أن أبا موسى ولى البصرة في سنة 16 (ص 345).
858 - حدثني شيبان بن فروخ الأبلي قال: ثنا أبو هلال الراسبي قال:
حدثنا يحيى بن أبي كثير أن كاتبا لأبي موسى كتب إلى عمر بن الخطاب:
من أبو موسى. فكتب إليه عمر: إذا أتاك كتابي هذا فاضرب كاتبك
سوطا واعزله عن عملك.
424

تمصير البصرة
859 - حدثني على بن المغيرة الأثرم،
عن أبي عبيدة قال: لما نزل عتبة بن غزوان الخريبة كتب إلى عمر
ابن الخطاب يعلمه نزوله إياها وأنه لابد للمسلمين من منزل يشتون به إذا شتوا،
ويكنسون فيه إذا انصرفوا من غزوهم.
فكتب إليه أن أجمع أصحابك في موضع واحد. وليكن قريبا من الماء
والمرعى. واكتب إلى بصفته.
فكتب إليه: إني وجدت أرضا كثيرة القضبة في طرف البر إلى الريف،
ودونها مناقع ماء فيها قصباء.
فلما قرأ الكتاب قال: هذه أرض نضرة قريبة من المشارب والمراعى
والمحتطب. وكتب إليه أن أنزلها الناس.
فأنزلهم إياها. فبنوا مساكن بالقصب.
وبنى عتبة مسجدا من قصب وذلك في سنة 14. فيقال إنه تولى اختطاط
المسجد بيده. ويقال اختطه محجر بن الأدرع البهزي من سليم. ويقال اختطه
نافع بن الحارث بن كلدة حين خط داره. ويقال بل اختطه الأسود بن سريع
التميمي وهو أول من قضى فيه. فقال له مجاشع ومجالد ابنا مسعود: رحمك الله!
شهرت نفسك. فقال: لا أعود.
وبنى عتبة دار الامارة دون المسجد، في الرحبة التي يقال لها اليوم رحبة
بنى هاشم. وكانت تسمي الدهناء. وفيها السجن والديوان. فكانوا إذا غزوا
425

نزعوا ذلك القصب وحزموه ووضعوه حتى يرجعوا من الغزو. فإذا رجعوا
أعادوا بناءه. فلم تزل الحال كذلك.
ثم إن الناس اختطوا، وبنو المنازل. وبنى أبو موسى الأشعري المسجد
ودار الامارة بلبن وطين، وسقفها بالعشب، وزاد في المسجد. وكان الامام إذا
جاء للصلاة تخطاهم إلى القبلة على حاجر. فخرج عبد الله بن عامر ذات يوم
من دار الامارة يريد القبلة، وعليه جبة خز دكناء. فجعل الاعراب يقولون:
على الأمير جلد دب.
860 - وحدثني أبو محمد الثوري،
عن الأصمعي قال: لما نزل عتبة بن غزوان الخريبة ولد بها عبد الرحمن
بن أبي بكرة. وهو أول مولود بالبصرة. فنحر أبوه جزورا أشبع منها أهل
البصرة.
ثم لما استعمل معاوية بن أبي سفيان زيادا على البصرة زاد في المسجد
زيادة كثيرة، وبناه بالآجر والجص، وسقفه بالساج، وقال: لا ينبغي للامام
أن يتخطى الناس. فحول دار الامارة من الدهناء إلى قبلة المسجد. فكان
الامام يخرج من الدار في الباب الذي في حائط القبلة.
وجعل زياد حين بنى المسجد ودار الامارة يطوف فيهما وينظر إلى البناء
ثم يقول لمن معه من وجوه أهل البصرة: أترون خللا؟ فيقولون: ما نعلم بناء
أحكم منه. فقال: بلى هذه الأساطين التي على كل واحدة منها أربعة عقود
لو كانت أغلظ من سائر الأساطين.
وروى عن يونس بن حبيب النحوي قال: لم يؤت من تلك الأساطين قط
تصديع ولا عيب.
426

861 - وقال حارثة بن بدر الغداني، ويقال: بل قال ذلك البعيث
المجاشعي:
بنى زياد لذكر الله مصنعة * من الحجارة لم تعمل من الطين
لولا تعاور أيدي الانس ترفعها * إذا لقلنا من اعمال الشياطين (ص 347)
862 - وقال الوليد بن هشام بن قحذم: لما بنى زياد المسجد جعل لصفته
المقدمة خمس سوار. وبنى منارته بالحجارة. وهو أول من عمل المقصورة.
ونقل دار الامارة إلى قبلة المسجد. وكان بناؤه إياها بلبن وطين، حتى بناها
صالح بن عبد الرحمن السجستاني مولى بنى تميم، في ولايته خراج العراق
لسليمان بن عبد الملك، بالآجر والجص.
وزاد فيه عبيد الله بن زياد وفى مسجد الكوفة. وقال: دعوت الله أن
يرزقني الجهاد ففعل، ودعوته أن يرزقني بناء مسجدي الجماعة بالمصرين ففعل،
ودعوته أن يجعلني خلفا بن زياد ففعل.
863 - وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: لما بنى زياد المسجد أتي بسواريه
من جبل الأهواز. وكان الذي تولى أمرها وقطعها الحجاج بن عتيك الثقفي
وابنه. فظهر له مال. فقيل: حبذا الامارة ولو على الحجارة. فذهبت مثلا.
قال: وبعض الناس يقول إن زيادا رأى الناس ينفضون أيديهم إذا
تربت وهم في الصلاة، فقال: لا آمن أن يظن الناس على طول الأيام أن نفض
الأيدي في الصلاة سنة. فأمر بجمع الحصى وإلقائه في المسجد. فاشتد الموكلون
بذلك على الناس وتعنتوهم وأروهم حصى انتقوه. فقالوا: ايتونا بمثله على
427

مقاديره وألوانه وارتشوا على ذلك. فقال القائل: حبذا الامارة ولو على
الحجارة.
وقال أبو عبيدة: كان جانب المسجد الشمالي متزويا لأنه كانت هناك دار
لنافع بن الحارث بن كلدة. فأبى ولده بيعها. فلما ولى معاوية عبيد الله بن زياد
البصرة قال عبيد الله لأصحابه: إذا شخص عبد الله بن نافع إلى أقصى ضيعته
فأعلموني ذلك. فشخص إلى قصره الأبيض الذي على البطيحة. فأخبر عبيد الله
بذلك. فبعث الفعلة فهدموا من تلك الدار ما سوى به تربيع المسجد.
وقدم ابن نافع، فضج إليه من ذلك. فأرضاه بأن أعطاه بكل ذراع
خمسة أذرع. وفتح (ص 348) له في الحائط خوخة إلى المسجد. فلم تزل
الخوخة في حائطه حتى زاد المهدى أمير المؤمنين في المسجد. فأدخلت الدار
كلها فيه، وأدخلت فيه أيضا دار الامارة في خلافة الرشيد رحمه الله.
وقال أبو عبيدة: لما قدم الحجاج بن يوسف العراق أخبر أن زيادا ابتنى
دار الامارة بالبصرة. فأراد أن يزيل اسمه عنها، فهم ببنائها بجص وآجر. فقيل
له: إنما تزيد اسمه فيها ثباتا وتوكدا. فهدمها وتركها. فبنيت عامة الدور
حولها من طينها ولبنها وأبوابها.
فلم تكن بالبصرة دار إمارة حتى ولى سليمان بن عبد الملك. فاستعمل صالح
ابن عبد الرحمن على خراج العراق. فحدثه صالح حديث الحجاج وما فعل في دار
الامارة. فأمره بإعادتها. فأعادها بالآجر والجص على أساسها، ورفع سمكها.
فلما ولى عمر بن عبد العزيز، رضي الله عنه، وولى عدى بن أرطاة الفزاري
البصرة، أراد عدى أن يبنى فوقها غرفا. فكتب إليه عمر: هبلتك أمك يا بن
أم عدى! أيعجز عنك منزل وسع زيادا وآل زياد؟
فأمسك عدى عن إتمام تلك الغرف وتركها.
428

فلما ولى سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس البصرة لأبي العباس أمير
المؤمنين بنى على ما كان عدى رفعه من حيطان الغرف بناء بطين، ثم تركه وتحول
إلى المربد فنزله.
فلما استخلف الرشيد أدخلت الدار في قبلة المسجد، فليس للأمراء بالبصرة
دار إمارة.
864 - وقال الوليد بن هشام بن قحذم: لم يزد أحد في المسجد بعد ابن
زياد حتى كان المهدى. فاشترى دار نافع بن الحارث بن كلدة الثقفي، ودار
عبيد الله بن أبي بكرة، ودار ربيعة بن كلدة الثقفي، ودار عمرو بن وهب الثقفي،
ودار أم جميل الهلالية التي كان من أمرها وأمر المغيرة بن شعبة ما كان، ودورا
غيرها، فزادها في المسجد، أيام ولى محمد بن سليمان بن علي البصرة.
ثم أمر هارون أمير المؤمنين الرشيد عيسى بن جعفر بن (ص 349)
المنصور، أيام ولايته البصرة، أن يدخل دار الامارة في المسجد ففعل.
80 - وقال الوليد بن هشام: أخبرني أبي،
عن أبيه، وكان يوسف بن عمر ولاه ديوان جند العرب، قال: نظرت في جماعة
مقاتلة البصرة أيام زياد فوجدتهم ثمانين ألفا. ووجدت عيالهم مئة ألف
وعشرين ألف عيل. ووجدت العرب مقاتلة الكوفة ستين ألفا وعيالهم
ثمانين ألفا.
865 - وحدثني محمد بن سعيد،
عن الواقدي في إسناده قال: كان عتبة بن غزوان مع سعد بن أبي وقاص
429

فكتب إليه عمر: أن أضرب قيروانك بالكوفة. ووجه عتبة بن غزوان
إلى البصرة.
فخرج في ثماني مئة، فضرب خيمة من أكسية، وضرب الناس معه.
وأمده عمر بالرجال. فلما كثروا بنى رهط منهم سبع دساكر من لبن. منها
بالخريبة اثنتان، وبالزابوقة واحدة، وفى بنى تميم اثنتان، وفى الأزد اثنتان.
ثم إن عتبة خرج إلى الفرات بالبصرة فافتتحه. ثم رجع إلى البصرة. وكان
سعد يكاتب عتبة، فغمه ذلك. فاستأذن عمر في الشخوص إليه. فلحق به
واستخلف المغيرة بن شعبة. فلما قدم المدينة شكا إلى عمر تسلط سعد عليه.
فقال له: وما عليك أن تقر بالامارة لرجل من قريش له صحبة وشرف؟
فأبى الرجوع. وأبى عمر إلا رده. فسقط عن راحلته في الطريق فمات
في سنة 16.
وكان محجر بن الأدرع اختط مسجد البصرة ولم يبنه. فكان يصلى فيه
غير مبنى. فبناه عتبة بقصب، ثم بناه أبو موسى الأشعري، وبنى بعده.
866 - حدثني الحسين بن علي بن الأسود العجلي قال: ثنا يحيى بن آدم قال: ثنا
أبو معاوية، عن الشيباني،
عن محمد بن عبد الله الثقفي قال: كان بالبصرة رجل يكنى أبا عبد الله
ويقال له نافع، فكان أول من افتلا الفلاة بالبصرة، فأتى عمر فقال له: إن
بالبصرة أرضا ليست من أرضى (ص 350) الخراج ولا تضر بأحد من المسلمين.
فكتب له أبو موسى إلى عمر بذلك. فكتب له عمر إليه أن يقطعه إياها.
867 - وحدثنا سعيد بن سليمان قال: ثنا عباد بن العوام.
عن عوف الأعرابي قال: قرأت كتاب عمر إلى أبى موسى: إن أبا عبد الله
430

سألني أرضا على شاطئ دجلة يفتلى فيها خيله. فإن كانت في غير أرض الجزية
ولا يجزأ إليها ماء الجزية فأعطه إياها.
وقال عباد: بلغني أنه نافع بن الحارث بن كلدة طبيب العرب.
868 - وقال الوليد بن هشام بن قحذم: وجدت كتابا عندنا فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى المغيرة بن شعبة.
سلام عليك. فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد فإن
أبا عبد الله ذكر أنه زرع بالبصرة في أمارة ابن غزوان، وافتلى أولاد الخيل
حين لم يفتلها أحد من أهل البصرة، وإنه نعم ما رأى. فأعنه على زرعه وعلى
خيله. فإني قد أذنت له أن يزرع. وآته ارضه التي زرع، إلا أن تكون
أرضا عليها الجزية من أرض الأعاجم أو يصرف إليها ماء أرض عليها الجزية.
ولا تعرض له إلا بخير. والسلام عليك ورحمة الله.
وكتب معيقيب بن أبي فاطمة في صفر سنة 17.
وقال الوليد بن هشام: أخبرني عمى،
عن ابن شبرمة أنه قال: لو وليت البصرة لقبضت أموالهم. لان عمر
ابن الخطاب لم يقطع بها أحدا إلا أبا بكرة ونافع بن الحارث. ولم يقطع
عثمان بالبصرة إلا عمران بن حصين وابن عامر، أقطعه داره، وحمران مولاه.
قال: وقد أقطع زياد عمران قطيعة أيضا فيما يقال.
869 - وقال هشام بن الكلبي: أول دار بنيت بالبصرة دار نافع
ابن الحارث، ثم دار معقل بن يسار المزني.
431

وكان عثمان بن عفان أخذ دار عثمان بن أبي العاصي الثقفي وكتب أن
يعطى أرضا بالبصرة. فأعطى أرضه المعروفة بشط عثمان بحيال الأبلة. وكانت
سبخة فاستخرجها (ص 351) وعمرها. وإلى عثمان بن أبي العاصي ينسب
باب عثمان بالبصرة.
870 - قالوا: كان حمران بن أبان للمسيب بن نجبة الفزاري. أصابه
بعين التمر، فابتاعه منه عثمان بن عفان وعلمه الكتاب، واتخذه كاتبا. فوجد عليه
لأنه كان وجهه للمسألة عما رفع على الوليد بن عقبة بن أبي معيط، فارتشى منه
وكذب ما قيل فيه. فتيقن عثمان صحة ذلك بعد. فوجد عليه وقال: لا يساكنني
أبدا. وخيره بلدا يسكنه غير المدينة. فاختار البصرة. وسأله أن يقطعه بها دارا،
وذكر ذرعا كثيرا. فاستكثره عثمان وقال لابن عامر: اعطه دارا مثل بعض
دورك. فأقطعه داره التي بالبصرة.
871 - قالوا: ودار خالد بن طليق الخزاعي القاضي كانت لأبي الجراح
القاضي صاحب سجن ابن الزبير. اشتراها له سلم بن زياد لأنه هرب من
سجن الزبير.
872 - قال ابن الكلبي: سكة بنى سمرة بالبصرة كان صاحبها عتبة
ابن عبد الله بن عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف.
ومسجد عاصم نسب إلى عاصم أحد بنى ربيعة بن كلاب بن ربيعة
ابن عامر بن صعصعة.
ودار أبى نافع بالبصرة نسبت إلى أبى نافع مولى عبد الرحمن بن أبي بكرة.
432

873 - وقال القحذمي: كانت دار أبى يعقوب الخطابي لسحامة بن
عبد الرحمن بن الأصم الغنوي مؤذن الحجاج. وهو ممن قاتل مع يزيد بن
المهلب. فقتله مسلمة بن عبد الملك يوم العقر. وهي إلى جانب دار المغيرة
ابن شعبة.
874 - قالوا: ودار طارق نسبت إلى طارق بن أبي بكرة. وقبالتها
خطة الحكم بن أبي العاصي الثقفي.
ودار زياد بن عثمان كان عبيد الله بن زياد اشتراها لابن أخيه زياد بن
عثمان. وتليها الخطة (ص 352) التي منها دار بابة بنت أبي العاصي.
وكانت دار سليمان بن علي لسلم بن زياد، فغلب عليها بلال بن أبي بردة
أيام ولايته البصرة لخالد بن عبد الله، ثم جاء سليمان بن علي فنزلها.
875 - قالوا: وكانت دار موسى بن أبي المختار مولى ثقيف لرجل من
بنى دارم. فأراد فيروز حصين ابتياعها منه بعشرة آلاف. فقال: ما كنت
لأبيع جوارك بمئة ألف. فأعطاه عشرة آلاف وأقر الدار في يده.
876 - وقال أبو الحسن: أراد الدارمي بيع داره فقال: أبيعها بعشرة
آلاف درهم خمسة آلاف ثمنها وخمسة آلاف لجوار فيروز. فبلغ فيروز ذلك
فقال: أمسك عليك دارك. وأعطاه عشرة آلاف درهم.
ودار ابن تبع نسبت إلى عبد الرحمن بن تبع الحيري. وكان على قطائع زياد.
وكان دمون من أهل الطائف. فتزوج أبو موسى ابنته، فولدت له أبا بردة.
ولدمون خطة بالبصرة. وله يقول أهل البصرة: الرفاء والبنون، وخبز
وكمون، في بيت الدمون.
433

877 - وقال القحذمي وغيره: كان أول حمام اتخذ بالبصرة حمام عبد الله
بن عثمان بن أبي العاصي الثقفي، وهو موضع بستان سفيان بن معاوية الذي
بالخريبة، وعند قصر عيسى بن جعفر. ثم الثاني حمام فيل مولى زياد. ثم
الثالث حمام مسلم بن أبي بكرة في بلالاباذ. وهو الذي صار لعمرو بن مسلم
الباهلي. فمكث البصرة دهرا وليس بها إلا هذه الحمامات.
878 - وحدثني المدائني قال: قال أبو بكرة لابنه مسلم: يا بنى! والله
ما تلي عملا وما أراك تقصر عن إخوتك في النفعة. فقال: إن كتمت على
أخبرتك. قال: فإني أفعل. قال: فإني أغتل من حمامي هذا في كل يوم ألف
درهم، وطعاما كثيرا. ثم إن مسلما مرض، فأوصى إلى أخيه عبد الرحمن بن أبي
بكرة وأخبره بغلة حمامه. فأفشى ذلك واستأذن السلطان في بناء حمام.
وكانت الحمامات لا تبتنى بالبصرة إلا بإذن الولاة. فأذن له. فاستأذن عبيد الله
(ص 353) ابن أبي بكرة فأذن له، واستأذن الحكم بن أبي العاصي فأذن له.
واستأذن سياه الأسواري فأذن له. واستأذن الحصين بن أبي الحر العنبري
فأذن له. واستأذنت ريطة بنت زياد فأذن لها. واستأذنت لبابة بنت أوفى
الجرشي فأذن لها في حمامين: أحدهما في أصحاب القباء والآخر في بنى سعد.
واستأذن المنجاب بن راشد الضبي فإذن له. وأفاق مسلم بن أبي بكرة
من مرضه وقد فسدت عليه غلة حمامه. فجعلن يلعن عبد الرحمن ويقول:
ماله قطع الله رحمه!.
879 - قالوا: وكان فيل حاجب زياد ومولاه ركب معه أبو الأسود
الدئلي وأنس بن زنيم، وكان على برذون هملاج، وهما على فرسي سوء
قطوفين. فأدركهما الحسد. فقال أنس: أجز يأبا الأسود. قال: هات. فقال:
434

لعمر أبيك ما حمام كسرى * على الثلثين من حمام فيل
فقال أبو الأسود:
وما إرقاصنا حول الموالى * بسنتنا على عهد الرسول
وقال أبو مفرغ لطلحة الطلحات، وهو طلحة بن عبد الله بن خلف:
تمنيني طليحة ألف ألف * لقد منيتني أملا بعيدا
فلست لماجد حر ولكن * لسمراء التي تلد العبيدا
ولو أدخلت في حمام فيل * وألبست المطارف والبرودا
وقال بعضهم وقد حضرته الوفاة:
يا رب قائلة يوما وقد لغبت * كيف الطريق إلى حمام منجاب؟
يعنى حمام المنجاب بن راشد الضبي.
وقال عباس مولى بنى أسامة:
ذكرت البند في حمام عمرو * فلم أبرح إلى بعد العشاء (ص 354)
وحمار بلج نسب إلى بلج بن نشبة السعدي الذي يقول له زياد:
ومحترس من مثله وهو حارس
880 - وقال هشام بن الكلبي: قصر أوس بالبصرة نسب إلى أوس
ابن ثعلبة بن رقى أحد بنى تيم الله بن ثعلبة بن عكابة. وهو من وجوه من
كان بخراسان. وقد تقلد بها أمورا جسيمة. وهو الذي مر بتدمر فقال
في صنميها:
435

فتاتي أهل تدمر خبراني * ألما تسأما طول القيام
فكائن مر من دهر ودهر * لأهلكما وعام بعد عام
وقصر أنس نسب إلى أنس بن مالك الأنصاري خادم رسول الله صلى الله
عليه وسلم
قال: والذي بنى منارة بنى أسيد حسان بن سعد منهم.
والقصر الأحمر لعمرو بن عتبه بن أبي سفيان، وهو اليوم لآل عمر بن
حفص بن قبيصة بن أبي صفرة.
وقصر المسيرين كان لعبد الرحمن بن زياد. وكان الحجاج سير عيال من
خرج مع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الكندي إليه، فحبسهم فيه. وهو
قصر في جوف قصر، ويتلوه قصر عبيد الله بن زياد، وإلى جانبه جوسق.
881 - قال القحذمي: وقصر النواهق هو قصر زياد. سماه الشطار بذلك.
وقصر النعمان كان للنعمان بن صهبان الراسبي الذي حكم بين مضر وربيعة
أيام مات يزيد بن معاوية.
قال: وزاد عبيد الله بن زياد للنعمان بن صهبان في قصره هذا. فقال:
بئس المال هذا يا أبا حاتم! إن كثر الماء غرقت، وإن قل عطشت. فكان
كما قال. قل الماء فمات كل من ثم.
وقصر زربى نسب إلى زربى مولى عبد الله بن عامر. وكان قيما
على (ص 355) خيله. فكانت الدار لدوابه.
وقصر عطية نسب إلى عطية الأنصاري.
436

ومسجد بنى عباد نسب إلى بنى عباد بن رضاء بن شقرة بن الحارث بن
تميم بن مر.
وكانت دار عبد الله بن خازم السلمي لعمته دجاجة أم عبد الله بن عامر.
فأقطعته إياها. وهو عبد الله بن خازم بن أسماء بن الصلت. وهي دجاجة
بنت أسماء.
882 - وحدثني المدائني، عن أبي بكر الهذلي. والعباس بن هشام، عن أبيه،
عن عوانة قالا: قدم الأحنف بن قيس على عمر بن الخطاب، رضي الله عنه،
في أهل البصرة. فجعل يسألهم رجلا رجلا والأحنف في ناحية البيت في بت
لا يتكلم. فقال له عمر: أما لك حاجة؟ قال: بلى يا أمير المؤمنين. إن مفاتح
الخير بيد الله، وإن إخواننا من أهل الأمصار نزلوا منازل الأمم الخالية بين
المياه العذبة والجنان الملتفة، وإنا نزلنا سبخة نشاشة لا يجف نداها ولا ينبت
مرعاها. ناحيتها من قبل المشرق البحر الأجاج، ومن قبل المغرب الفلاة،
فليس لنا زرع ولا ضرع، تأتينا منافعنا وميرتنا في مثل مرئ النعامة. يخرج
الرجل الضعيف فيستعذب الماء من فرسخين، وتخرج المرأة لذلك فتربق ولدها
كما يربق العنز يخاف بادرة العدو وأكل السبع. فالا ترفع خسيستنا وتجبر
فاقتنا نكن كقوم هلكوا.
فألحق عمر ذراري أهل البصرة في العطاء، وكتب إلى أبى موسى يأمره
أن يحتفر لهم نهرا.
883 - فحدثني جماعة من أهل العلم قالوا: كان لدجلة العوراء - وهي
دجلة البصرة - خور، والخور طريق للماء لم يحفره أحد يجرى فيه ماء الأمطار
437

إليها، ويتراجع ماؤها فيه عند المد، وينضب في الجزر. وكان طوله قدر فرسخ.
وكان لحده مما يلي البصرة غور وسعة تسمى في الجاهلية الإجانة، وسمته العرب
في الاسلام الجزارة. وهو على مقدار (ص 356) ثلاثة فراسخ من البصرة
بالذرع الذي يكون به نهر الأبلة كله أربعة فراسخ، ومنه يبتدئ النهر الذي
يعرف اليوم بنهر الإجانة. فلما أمر عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أبا موسى
الأشعري أن يحتفر لأهل البصرة نهرا، ابتدأ الحفر من الإجانة وقاده ثلاثة
فراسخ، حتى بلغ به البصرة. فصار طول نهر الأبلة أربعة فراسخ. ثم إنه انطم
منه ما بين البصرة وبثق الحيري، وذلك على قدر فرسخ من البصرة.
وكان زياد بن أبي سفيان واليا على الديوان وبيت المال من قبل عبد الله
ابن عامر بن كريز، وعبد الله يومئذ على البصرة من قبل عثمان بن عفان. فأشار
على ابن عامر أن ينفذ حفر نهر الأبلة من حيث انطم حتى يبلغ به البصرة.
وكان يريث ذلك ويدافع به. فلما شخص ابن عامر إلى خراسان واستخلف
زيادا أقر حفر أبى موسى الأشعري على حاله. وحفر النهر من حيث انطم حتى
بلغ به البصرة. وولى ذلك عبد الرحمن بن أبي بكرة. فلما فتح عبد الرحمن الماء
جعل يركض فرسه والماء يكاد يسبقه.
وقدم ابن عامر من خراسان فغضب على زياد وقال: إنما أردت أن تذهب
بذكر النهر دوني. فتباعد ما بينهما حتى ماتا. وتباعد بسببه ما بين أولادهما. فقال
يونس بن حبيب النحوي: أنا أدركت ما بين آل زياد وآل ابن عامر متباعدا.
884 - وحدثني الأثرم،
عن أبي عبيدة قال: قاد أبو موسى الأشعري نهر الأبلة من موضع الإجانة
إلى البصرة. وكان شرب الناس قبل ذلك من مكان يقال له دير قاووس، فوهته
438

في دجلة، فوق الأبلة بأربعة فراسخ يجرى في سباخ، لا عمارة على حافاته.
وكانت الأرواح تدفنه.
قال: ولما حفر زياد فيض البصرة بعد فراغه من إصلاح نهر الأبلة قدم ابن
عامر من خراسان فلامه وقال: أردت أن تذهب بشهرة هذا النهر وذكره.
فتباعد ما بينهما وبين أهلهما بذلك السبب.
885 - وقال أبو عبيدة (ص 357) كان احتفاره الفيض من لدن
دار فيل مولى زياد وحاجبه إلى موضع الجسر.
886 - وروى محمد بن سعد،
عن الواقدي وغيره أن عمر بن الخطاب أمر أبا موسى بحفر النهر الآخر،
وأن يجريه على يد معقل بن يسار المزني، فنسب إليه.
887 - وقال الواقدي: توفى معقل بالبصرة في ولاية عبيد الله بن زياد
البصرة لمعاوية.
888 - وقال الوليد بن هشام القحذمي وعلي بن محمد بن أبي سيف المدائني:
كلم المنذر بن الجاورد العبدي معاوية بن أبي سفيان في حفر نهر ثار. فكتب
إلى زياد فحفر نهر معقل. فقال قوم: جرى على يد معقل بن يسار.
فنسب إليه.
889 - وقال آخرون: بل أجراه زياد على يد عبد الرحمن بن أبي بكرة
أو غيره.
439

فلما فرغ منه وأرادوا فتحه بعث زياد معقل بن يسار ففتحه تبركا به،
لأنه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال الناس: نهر معقل.
فذكر القحذمي أن زيادا أعطى رجلا ألف درهم وقال له: أبلغ دجلة وسل
عن صاحب هذا النهر من هو؟ فإن قال لك رجل إنه نهر زياد فأعطه الألف،
فبلغ دجلة ثم رجع فقال: ما لقيت أحدا إلا يقول نهر معقل. فقال زياد:
* (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) * (1).
890 - قالوا ونهر دبيس نسب إلى رجل قصار يقال له دبيس كان يقصر
الثياب عليه.
وبثق الحيري نسب إلى نبطى من أهل الحيرة، ويقال كان مولى لزياد.
891 - قالوا: وكان زياد لما بلغ بنهر معقل قبته التي يعرض فيها الجند رده
إلى مستقبل الجنوب حتى أخرجه إلى أصحاب الصدقة بالجبل. فسمى ذلك العطف
نهر دبيس.
وحفر عبد الله بن عامر نهره الذي عند دار فيل. وهو الذي يعرف
بنهر الأساورة.
وقال بعضهم: الأساورة حفروه.
ونهر عمرو نسب إلى عمرو بن عتبة بن أبي سفيان ونهر أم حبيب نسب إلى
أم حبيب بنت زياد. وكان عليه قصر كثير الأبواب فسمى الهزاردر.
892 - وقال على (ص 358) بن محمد المدائني: تزوج شيرويه الأسواري
مرجانة أم عبيد الله بن زياد. فبنى لها قصرا فيه أبواب كثيرة، فسمى هزاردر.

(1) سورة الحديد، 57، الآية 21.
440

وقال أبو الحسن: قال قوم: سمى هزاردر لان شيرويه اتخذ في قصره
ألف باب.
وقال بعضهم: نزل ذلك الموضع ألف أسوار في ألف بيت، أنزلهم كسرى
فقيل هزاردر.
ونسب نهر حرب إلى حرب بن سلم بن زياد.
وكان عبد الاعلى بن عبد الله بن عبد الله بن عامر ادعى أن الأرض التي
كانت عليه كانت لابن عامر، وخاصم فيها حربا. فلما توجه القضاء لعبد الاعلى
أتاه حرب فقال له: خاصمتك في هذا النهر، وقد ندمت على ذلك. وأنت
شيخ العشيرة وسيدها، فهو لك. فقال عبد الاعلى بن عبد الله: بل هو لك.
فانصرف حرب، فلما كان العشى جاء موالي عبد الاعلى ونصحاؤه فقالوا:
والله ما أتاك حرب حتى توجه لك القضاء عليه. فقال: والله لا رجعت فيما
جعلت له أبدا.
والنهر المعروف بيزيدان نسب إلى يزيد بن عمر الأسيد صاحب شرطة
عدى بن أرطاة. وكان رجل أهل البصرة في زمانه.
893 - وقالوا: أقطع عبد الله بن عامر بن كريز، عبد الله بن عمير بن
عمرو بن مالك الليثي وهو أخوه لامه دجاجة بنت أسماء بن الصلت السلمية ثمانية
آلاف جريب. فحفر لها النهر الذي يعرف بنهر ابن عمير.
894 - قالوا: وكان عبد الله بن عامر حفر نهر أم عبد الله دجاجة،
وتولاه غيلان بن خرشة الضبي. وهو النهر الذي قال حارثة بن بدر الغداني
لعبد الله بن عامر، وقد سايره: لم أر أعظم بركة من هذا النهر. يستقى منه
441

الضعفاء من أبواب دورهم، ويأتيهم منافعهم فيه إلى منازلهم، وهو مغيض
لمياههم. ثم إنه ساير زيادا بعد ذلك في ولايته فقال: ما رأيت نهرا شرا منه،
ينز منه دورهم، ويبعضون له في منازلهم، ويغرق (ص 359) فيه صبيانهم.
وروى قوم أن غيلان بن خرشة القائل. وهذا والأول أثبت.
ونهر سلم نسب إلى سلم بن زياد بن أبي سفيان.
وكان عبد الله بن عامر حفر نهرا تولاه نافذ مولاه، فغلب عليه فقيل نهر
نافذ. وهو لآل الفضل بن عبد الرحمن بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن
عبد المطلب.
895 - قال أبو اليقظان: أقطع عثمان بن عفان العباس بن ربيعة بن
الحارث دارا بالبصرة، وأعطاه مئة ألف درهم. وكان عبد الرحمن بن عباس
يلقب رائض البغال لجودة ركوبه لها. وتابعه الناس بعد هرب ابن الأشعث
إلى سجستان، فهرب من الحجاج.
وطلحتان نهر طلحة بن أبي نافع مولى طلحة بن عبيد الله.
ونهر حميدة نسب إلى امرأة من آل عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب
ابن عبد شمس يقال لها حميدة. وهي امرأة عبد العزيز بن عبد الله بن عامر.
وخيرتان لخيرة بنت ضمرة القشيرية امرأة المهلب. ولها مهلبان. كان
المهلب وهبه لها. ويقال: بل كان لها فنسب إلى المهلب. وهي أم أبى
عيينة ابنه.
وجبيران لجبير بن حية.
وخلفان قطيعة عبد الله بن خلف الخزاعي أبى طلحة الطلحات.
442

طليقان لآل عمران بن حصين الخزاعي من ولد خالد بن طليق بن محمد
ابن عمران. وكان خالد ولى قضاء البصرة.
896 - وقال القحذمي: نهر مرة لابن عامر، ولى حفره له مرة مولى
أبى بكر الصديق فغلب على ذكره.
897 - وقال أبو اليقظان وغيره: نسب نهر مرة إلى مرة بن أبي عثمان
مولى عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، وكان سريا. سأل عائشة أم المؤمنين
أن تكتب له إلى زياد وتبدأ به في عنوان كتابها.. فكتبت له إليه بالوصاية
به وعنونته: إلى زياد بن أبي سفيان من عائشة أم المؤمنين. فلما رأى زياد
أنها قد كاتبته ونسبته إلى أبى سفيان سر بذلك وأكرم مرة وألطفه. وقال
للناس: هذا كتاب أم المؤمنين إلى فيه (ص 360) وعرضه عليهم ليقرؤا عنوانه.
ثم أقطعه مئة جريب على نهر الأبلة، وأمره فحفر لها نهرا، فنسب إليه. وكان
عثمان بن مرة من سراة أهل البصرة، وقد خرجت القطيعة من أيدي ولده
وصارت لآل الصفاق بن حجر بن بجير العقوي من الأزد.
898 - قالوا: ودرجاه جنك من أموال ثقيف، وإنما قيل له ذلك
لمنازعات كانت فيه. وجنك بالفارسية صخب.
انسان نسب إلى أنس بن مالك في قطيعة من زياد.
نهر بشار نسب إلى بشار بن مسلم بن عمرو الباهلي أخي قتيبة. وكان أهدى
إلى الحجاج فرسا فسبق عليه. فأقطعه سبع مئة جريب، ويقال أربع مئة جريب.
فحفر لها النهر.
443

ونهر فيروز نسب إلى فيروز حصين، ويقال إلى باشكار كان يقال
له فيروز.
وقال القحذمي: نسب إلى فيروز مولى ربيعة بن كلدة الثقفي.
ونهر العلاء نسب إلى العلاء بن شريك الهذلي، أهدى إلى عبد الملك شيئا
أعجبه فأقطعه مئة جريب.
ونهر ذراع نسب إلى ذراع النمري من ربيعة. وهو أبو هارون بن ذراع.
ونهر حبيب نسب إلى حبيب بن شهاب الشامي، التاجر في قطيعة من زياد،
ويقال من عثمان.
ونهر أبى بكرة نسب إلى أبى بكرة بن زياد.
899 - وحدثني العقوي الدلال قال: كانت الجزيرة بين النهرين
سبخة، فأقطعها معاوية بعض بنى إخوته. فلما قدم الفتى لينظر إليها أمر زياد
بالماء فأرسل فيها. فقال الفتى: إنما أقطعني أمير المؤمنين بطيحة لا حاجة لي فيها.
فابتاعها زياد منه بمائتي ألف درهم، وحفر أنهارها. وأقطع منها روادان لرواد
ابن أبي بكرة.
ونهر الراء صيدت فيه سمكة تسمى الراء (ص 361) فسمى بها. وعليه
أرض حمران الذي أقطعه إياها معاوية.
ونهر مكحول نسب إلى مكحول بن عبيد الله الأحمسي، وهو ابن عم شيبان
صاحب مقبرة شيبان بن عبد الله، الذي كان على شرطة ابن زياد. وكان مكحول
يقول الشعر في الخيل، فكانت قطيعة من عبد الملك بن مروان.
900 - وقال القحذمي: نهر مكحول نسب إلى مكحول بن عبد الله السعدي،
444

وقال القحذمي: شط عثمان اشتراه عثمان بن أبي العاصي الثقفي من عثمان
ابن عفان بمال له بالطائف. ويقال إنه اشتراه بدار له بالمدينة فزادها عثمان بن عفان
في المسجد.
وأقطع عثمان بن أبي العاصي أخاه حفص بن أبي العاصي حفصان.
وأقطع أبا أمية بن أبي العاصي أميتان.
وأقطع الحكم بن أبي العاصي حكمان.
وأقطع أخاه المغيرة مغيرتان.
قال: فكان نهر الأرحاء لأبي عمرو بن أبي العاصي الثقفي.
901 - وقال المدائني: أقطع زياد في الشط الجموم، وهي زيادان.
وقال لعبد الله بن عثمان: إني لا أنفذ إلا ما عمرتم. وكان يقطع الرجل
القطيعة ويدعه سنتين، فإن عمرها وإلا أخذها منه. فكانت الجموم لأبي بكرة
ثم صارت لعبد الرحمن بن أبي بكرة.
أزرقان نسب إلى الأزرق بن مسلم، مولى بنى حنيفة.
ونسب محمدان إلى محمد بن علي بن عثمان الحنفي.
زيادان نسب إلى زياد مولى بنى الهيثم، وهو جد مؤنس بن عمران بن
جميع بن يسار، وجد عيسى بن عمر النحوي وحاجب بن عمر لأمهما.
ونهر أبى الخصيب نسب إلى أبى الخصيب مرزوق، مولى المنصور
أمير المؤمنين.
ونهر الأمير بالبصرة حفره المنصور ثم وهبه لابنه جعفر. فكان يقال نهر
أمير المؤمنين، ثم قيل نهر الأمير (ص 362)، ثم ابتاعه الرشيد وأقطع منه وباع.
ونهر ربا للرشيد، نسب إلى سورجى.
445

والقرشي، كان عبيد الله بن عبد الاعلى الكريزي، وعبيد الله بن عمر
ابن الحكم الثقفي واختصما فيه، ثم اصطلحا على أن أخذ كل واحد منهما نصفه.
فقيل القرشي والعربي.
والقندل خور من أخوار دجلة سده سليمان بن علي، وعليه قطيعة المنذر
ابن الزبير بن العوام. وفيه نهر النعمان بن المنذر صاحب الحيرة. أيام كسرى
وكان هناك قصر للنعمان.
ونهر مقاتل نسب إلى مقاتل بن جارية بن قدامة السعدي.
وعميران نسب إلى عبد الله بن عمير الليثي.
وسيحان كان للبرامكة، وهم سموه سيحان.
والجوبرة صيد فيها الجوبرة، فسميت بذلك.
حصينان لحصين بن أبي الحر العنبري.
عبيدلان لعبيد الله بن أبي بكرة.
عبيدان لعبيد بن كعب النميري.
منقذان لمنقذ بن علاج السلمي.
عبد الرحمانان كان لأبي بكرة بن زياد، فاشتراه أبو عبد الرحمن مولى هشام.
ونافعان لنافع بن الحارث الثقفي.
وأسلمان لأسلم بن زرعة الكلابي.
وحمرانان لحمران بن أبان مولى عثمان.
وقتيبتان لقتيبة بن مسلم.
وخشخشان لآل الخشخاش العنبري.
446

902 - وقال القحذمي: نهر البنات بنات زياد، أقطع كل بنت ستين
جريبا. وكذلك كان يقطع العامة.
وقال: أمر زياد عبد الرحمن بن تبع الحميري، وكان على قطائعه، أن
يقطع نافع بن الحارث الثقفي ما مشى. فمشى فانقطع شسعه، فجلس فقال:
حسبك. فقال: لو علمت لمشيت إلى الأبلة. فقال: دعني حتى أرمى بن علي.
فرمى بها حتى (ص 363) بلغت الإجانة.
سعيدان لآل سعيد بن عبد الرحمن بن عباد بن أسيد.
وكانت سليمانان قطيعة لعبيد بن قسيط صاحب الطوف أيام الحجاج.
فرابط بها رجل من الزهاد يقال له سليمان بن جابر، فنسبت إليه.
وعمران لعمر بن عبد الله بن معمر التميمي.
وفيلان لفيل مولى زياد.
وخالدان نسب إلى خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية.
نهر يزيد الأباضي وهو يزيد بن عبد الله الحميري.
المسمارية قطيعة مسمار مولى زياد. وله بالكوفة ضيعة.
قال القحذمي: وكان بلال بن أبي بردة الذي فتق نهر معقل في فيض
البصرة. وكان قبل ذلك مكسورا يفيض إلى القبة التي كان زياد يعرض
فيها الجند.
واحتفر بلال نهر بلال، وجعل على جنبتيه حوانيت، ونقل إليها السوق،
وجعل ذلك ليزيد بن خالد القسري.
903 - قالوا: وحفر بشير بن عبيد الله بن أبي بكرة المرغاب، وسماه
447

باسم مرغاب مرو. وكانت القطيعة التي فيها المرغاب لهلال بن أحوز المازني،
أقطعه إياها يزيد بن عبد الملك، وهي ثمانية آلاف جريب. فحفر بشير المرغاب
والسواقي والمعترضات بالتغلب، وقال: هذه قطيعة لي. وخاصمه حميري بن هلال،
فكتب خالد بن عبد الله القسري إلى مالك بن المنذر بن الجارود، وهو على
أحداث البصرة: أن خل بين الحميري وبين المرغاب، وأرضه. وذلك أن
بشيرا أشخص إلى خالد، فتظلم، فقبل قوله. وكان عمرو بن يزيد الأسيدي
يعنى بحميرى ويعينه. فقال لمالك بن المنذر: أصلحك الله! ليس هذا خل
إنما هو حل بين حميري وبين المرغاب.
قال: وكانت لصعصعة بن معاوية، عم الأحنف، قطيعة بحيال المرغاب،
وإلى جنبها. فجاء معاوية بن صعصعة بن معاوية معينا لحميري. فقال بشير:
هذا مسرح إبلنا (ص 364) وبقرنا وحميرنا ودوابنا وغنمنا. فقال معاوية:
أمن أجل ثلط بقرة عقفاء، وأتان وديق، تريد أن تغلبنا على حقنا؟ وجاء
عبد الله بن أبي عثمان بن عبد الله بن خالد بن أسيد فقال: أرضنا وقطيعتنا.
فقال له معاوية: أسمعت بالذي تخطى النار فدخل اللهب في استه؟ فأنت هو.
904 - قالوا: وكانت سويدان لعبيد الله بن أبي بكرة قطيعة مبلغها
أربع مئة جريب. فوهبها لسويد بن منجوف السدوسي. وذلك أن سويدا
مرض، وعاده ابن أبي بكرة، فقال له: كيف تجدك؟ قال صالحا إن شئت.
قال: قد شئت فما ذاك؟ قال: إن أعطيتني مثل الذي أعطيت ابن معمر
فليس على بأس. فأعطاه سويدان فنسبت إليه.
905 - قال المدائني: حفر يزيد بن المهلب نهر يزيد في قطيعة
448

لعبيد الله بن أبي بكرة. فقال لبشير بن عبيد الله: اكتب لي كتابا بأن
هذا النهر في حقي. قال: لا، ولئن عزلت لأخاصمنك.
جبران لآل كلثوم بن جبر.
نهر ابن أبي برذعة نسب إلى أبى برذعة بن عبيد الله بن أبي بكرة.
والمسرقانان قطيعة لآل أبى بكرة، وأصلها مئة جريب، فمساح المنصور
ألف جريب. فأقروا في أيدي آل أبي بكرة منها مئة، وقبضوا الباقي.
قطيعة هميان لهميان بن عدي السدوسي.
كثيرا لكثير بن سيار.
بلا لان لبلال بن أبي بردة. كانت القطيعة لعباد بن زيد فاشتراها.
شبلان لشبل بن عميرة بن يثربي الضبي.
نهر سلم نسب إلى سلم بن عبيد الله بن أبي بكرة
النهر الرباحي نسب إلى رباح مولى آل جدعان
سبخة عائشة إلى عائشة بنت عبد الله بن خلف الخزاعي
906 - قالوا: واحتفر كثير بن عبد الله السلمي، وهو أبو العاج عامل
يوسف بن (ص 365) عمر الثقفي على البصرة، نهرا من نهر ابن عتبة إلى
الخستل، فنسب إليه.
نهر أبى شداد نسب إلى أبى شداد مولى زياد.
بثق سيار لفيل مولى زياد، ولكن القيم عليه كان سيار مولى بنى عقيل
فغلب عليه.
أرض الأصبهانيين شراء من بعض العرب. وكان هؤلاء الأصبهانيون
449

قوما أسلموا وهاجروا إلى البصرة. ويقال إنهم كانوا من الأساورة الذين صاروا
بالبصرة.
ودار ابن الأصبهاني بالبصرة نسبت إلى عبد الله بن الأصبهاني، وكان له
أربع مئة مملوك، لقي المختار مع مصعب وهو على ميمنته.
907 - حدثني عباس بن هشام، عن أبيه،
عن بعض آل الأهتم قال: كتب يزيد بن عبد الملك إلى عمر بن هبيرة:
انه ليست لأمير المؤمنين بأرض العرب خرصة، فسر على القطائع فخذ فضولها
لأمير المؤمنين.
فجعل عمر يأتي القطيعة فيسأل عنها، ثم يمسحها. حتى وقف على أرض
فقال: لمن هذه؟ فقال صاحبها: لي. فقال: ومن أين هي لك؟ فقال:
ورثناهن عن أباء صدق * ونورثها إذا متنا بنينا
قال: ثم إن الناس ضجوا من ذلك فأمسك.
قالوا: صلتان نسب إلى الصلت بن حريث الحنفي
وقاسمان قطيعة القاسم بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب،
ورثه إياه أخوه عون
ونهر خالدان الأجمة لآل خالد بن أسيد وآل أبي بكرة
ونهر ماسوران كان فيه رجل شرير يسعى بالناس ويبحث عليهم فنسب
النهر إليه. والماسور بالفارسية الجرئ الشرير
جبيران أيضا قطيعة جبير بن أبي زيد من بنى عبد الدار.
معقلان قطيعة معقل بن يسار من زياد، وولده يقولون من عمر ولم يقطع
عمر أحدا على النهرين.
450

جندلان لعبيد الله بن جندل الهلالي
نهر (ص 366) التوت قطيعة عبد الله بن نافع بن الحارث الثقفي.
909 - وقال القحذمي: كان نهر سليمان بن علي لحسان بن أبي حسان
النبطي.
والنهر الغوثي كان عليه صاحب مسلحة يقال له غوث، فنسب إليه.
وقال بعضهم: جعل مغيثا للمرغاب فسمى الغوث.
ذات الحفافين على نهر معقل ودجلة، كانت لعبد الرحمن بن أبي بكرة،
فاشتراها عربي التمار مولى أمة الله بنت أبي بكرة.
نهر أبى سبرة الهذلي قطيعة.
حربانان قطيعة حرب بن عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاصي.
قطيعة الحباب؟ حباب بن يزيد المجاشعي.
نهر جعفر كان لجعفر مولى سلم بن زياد، وكان خراجيا.
بثق شيرين نسب إلى شيرين امرأة كسرى بن هرمز.
910 - وقال القحذمي والمدائني: كانت مهلبان التي تعرف في
الديوان بقطيعة عمر بن هبيرة لعمر بن هبيرة. أقطعه إياها يزيد بن عبد الملك
حين قبض مال يزيد بن المهلب وإخوته، وولده. وكانت للمغيرة بن المهلب،
وفيها نهر كان زادان فروخ حفره، فعرف به. وهي اليوم لآل سفيان بن معاوية
ابن يزيد بن المهلب، رفع إلى أبى العباس أمير المؤمنين فيها فأقطعه إياها،
فخاصمه آل المهلب في أمرها، فقال: كانت للمغيرة. فقالوا: نجيز ذلك.
451

مات المغيرة بن المهلب قبل أبيه، فورثت ابنته النصف، فلك ميراثك من
أمك. ورجع الباقي إلى أبيه، فهو بين الورثة.
قال: وللمغيرة ابن؟ قالوا: ومالك ولابن المغيرة؟ أنت لا ترثه، إنما هو
خالك. فلم يعطهم شيئا، وهي ألف وخمس مئة جريب.
كوسجان نسب إلى عبد الله بن عمرو الثقفي الكوسج.
وقال المدائني: كانت كوسجان لأبي بكرة. فخاصمه أخوه نافع، فخرجا
إليها وكل واحد منهما يدعيها. وخرج إليها عبد الله بن عمرو الكوسج.
فقال لهما: أراكما تختصمان فحكماني. (ص 367) فحكماه. فقال: قد حكمت
بها لنفسي. فسلماها له.
قال: ويقال إنه لم يكن للكوسج شرب. فقال لأبي بكرة ونافع:
اجعلا لي شربا بقدر وثبة. فأجاباه إلى ذلك. فيقال إنه وثب ثلاثين ذراعا.
911 - قالوا: وبالفرات أرضون أسلم أهلها عليها حين دخلها المسلمون،
وأرضون خرجت من أيدي أهلها إلى قوم مسلمين بهبات وغير ذلك من أسباب
الملك، فصيرت عشرية وكانت خراجية. فردها الحجاج إلى الخراج، ثم
ردها عمر بن عبد العزيز إلى الصدقة، ثم ردها عمر بن هبيرة إلى الخراج. فلما
ولى هشام بن عبد الملك رد بعضها إلى الصدقة. ثم إن المهدى أمير المؤمنين
جعلها كلها من أراضي الصدقة.
وقال: جعفران كان لام جعفر بنت مجزأة بن ثور السدوسي امرأة
أسلم صاحب أسلمان.
912 - قال القحذمي: حدثني أرقم بن إبراهيم أنه نظر إلى حسان
452

النبطي يشير من الجسر، ومعه عبد الاعلى بن عبد الله، بجوز كل شئ من
حد نهر الفيض لولد هشام بن عبد الملك. فلما بلغ دار عبد الاعلى رفع الذرع.
فلما كانت الدولة المباركة قبض ذلك أجمع، فوقف أبو جعفر الجبان، فيما
وقف على أهل المدينة.
وأقطع المهدى العباسة ابنته امرأة محمد بن سليمان الشرقي عبادان قطيعة
لخمران بن أبان مولى عثمان من عبد الملك بن مروان. وبعضها فيما يقال من زياد.
وكان حمران من سبى عين التمر، يدعى أنه من النمر بن قاسط. فقال
الحجاج ذات يوم، وعنده عباد بن حصين الحبطي: ما يقول حمران؟ لئن
انتمى إلى العرب ولم يقل إن أباه أبى وإنه مولى لعثمان لأضربن عنقه. فخرج عباد
من عند الحجاج مبادرا، فأخبر حمران بقوله. فوهب له غر؟ ى النهر، وحبس
الشرقي. فنسب إلى عباد بن الحصين.
913 - وقال هشام بن الكلبي: كان أول من (ص 368) رابط بعبادان
عباد بن الحصين.
قال: وكان الربيع بن صبح الفقيه، وهو مولى بنى سعد، جمع مالا من أهل
البصرة، فحصن به عبادان ورابط فيها - والربيع يروى عن الحسن البصري،
وكان خرج غازيا إلى الهند في البحر فمات، فدفن في جزيرة من الجزائر
في سنة مئة وستين.
914 - قال القحذمي: خالدان القصر، وخالدان هبساء، كانا لخالد
ابن عبد الله بن خالد بن أسيد.
وخالدان ليزيد بن طلحة الحنفي، ويكنى أبا خالد.
453

قال: ونهر عدى كان خورا من نهر البصرة، حتى فتقه عدى بن أرطاة
الفزاري عامل عمر بن عبد العزيز من بثق شيرين.
قال: وكان سليمان أقطع يزيد بن المهلب ما اعتمل من البطيحة.
فاعتمل الشرقي، والجبان، والخست، والريحيه، ومغيرتان، وغيرها، فصارت
حوزا، فقبضها يزيد بن عبد الملك، ثم أقطعها هشام ولده، ثم حيزت بعده.
قال القحذمي: وكان الحجاج أقطع خيرة بنت ضمرة القشيرية امرأة
المهلب عباسان. فقبضها يزيد بن عبد الملك، فأقطعها العباس بن الوليد بن
عبد الملك. ثم قبضت، فأقطعها أبو العباس أمير المؤمنين سليمان بن علي.
قال: وكانت القاسمية مما نضب عنه الماء، فافتعل القاسم بن سليمان مولى
زياد كتابا ادعى أنه من يزيد بن معاوية بإقطاعه إياها.
الخالدية لخالد بن صفوان بن الأهتم. كانت للقاسم بن سليمان.
المالكية لمالك بن المنذر بن الجارود.
الحاتمية لحاتم بن قبيصة بن المهلب.
915 - حدثني جماعة من أهل البصرة قالوا: كتب عدى بن أرطاة إلى
عمر بن عبد العزيز، وأمر أهل البصرة أن يكتبوا في حفر نهر لهم.
فكتب إليه وكيع بن أبي سود التميمي: إنك إن لم تحفر لنا نهرا فما
(ص 369) البصرة لنا بدار. ويقال إن عديا التمس في ذلك الاضرار
ببهز بن يزيد بن المهلب فنفعه.
قالوا: فكتب عمر يأذن له في حفر نهر. فحفر نهر عدى، وخرج الناس
ينظرون إليه. فحمل عدى الحسن البصري على حمار كان عليه وجعل يمشى.
454

916 - قالوا: ولما قدم عبد الله بن عمر بن عبد العزيز عاملا على العراق
من قبل يزيد بن الوليد أتاه أهل البصرة فشكوا إليه ملوحة مائهم، وحملوا
إليه قارورتين في إحداهما ماء من ماء البصرة، وفى الأخرى ماء من ماء البطيحة.
فرأى بينهما فصلا. فقالوا: إنك إن حفرت لنا نهرا شربنا من هذا العذب.
فكتب بذلك إلى يزيد. فكتب إليه يزيد: إن بلغت نفقة هذا النهر خراج
العراق ما كان في أيدينا، فأنفقه عليه. فحفر النهر الذي يعرف بنهر
ابن عمر.
وقال رجل ذات يوم في مجلس ابن عمر: والله إني أحسب نفقة هذا النهر
تبلغ ثلاث مئة ألف أو أكثر. فقال ابن عمر: لو بلغت خراج العراق
لأنفقته عليه.
917 - قالوا: وكانت الولاة والأشراف بالبصرة يستعذبون الماء من
دجلة. ويحتفرون الصهاريج. وكان للحجاج بها صهريج معروف يجتمع فيه
ماء المطر. وكان لابن عامر وزياد وابن زياد صهاريج يبيحونها الناس.
918 - قالوا: وبنى المنصور رحمه الله بالبصرة في دخلته الأولى قصره الذي
عند الحبس الأكبر، وذلك في سنة اثنتين وأربعين ومئة. وبنى في دخلته الثانية
المصلى بالبصرة.
وقال القحذمي: الحبس الأكبر إسلامي.
قالوا: ووقف محمد بن سليمان بن علي ضيعة له على أحواض اتخذها بالبصرة،
فغلتها تنفق على دواليبها وإبلها ومصلحتها.
455

919 - وحدثني روح بن عبد المؤمن، عن عمه أبى هشام،
عن أبيه قال: وفد أهل البصرة على ابن عمر بن عبد العزيز بواسط. فسألوه
حفر نهر لهم، فحفر لهم نهر ابن عمر. وكان الماء الذي يأتي نزرا قليلا. وكان عظم
ماء البطيحة يذهب في (ص 370) نهر الدير. فكان الناس يستعذبون من
الأبلة، حتى قدم سليمان بن علي البصرة واتخذ المغيثة وعمل مسنياتها على البطيحة.
فحجز الماء عن نهر الدير وصرفه إلى نهر ابن عمر. وأنفق على المغيثة ألف
ألف درهم.
فقال: شكا أهل البصرة إلى سليمان ملوحة الماء وكثرة ما يأتيهم من ماء
البحر. فسكر القندل فعذب ماؤهم.
قال: واشترى سليمان بن علي موضع السجن من ماله في دار ابن زياد،
فجعله سجنا، وحفر الحوض الذي في الدهناء، وهي رحبة بنى هاشم.
920 - وحدثني بعض أهل العلم بضياع البصرة قال: كان أهل الشعيبية
من الفرات جعلوها لعلي بن أمير المؤمنين الرشيد في خلافه الرشيد، على أن يكونوا
مزارعين له فيها، ويخفف مقاسمتهم. فتكلم فيها فجعلت عشرية من الصدقة،
وقاسم أهلها على ما رضوا به، وقام له بأمرها شعيب بن زياد الواسطي الذي لبعض
ولده دار بواسط على دجلة، فنسبت إليه.
921 - وحدثني عدة من البصريين منهم روح بن عبد المؤمن قالوا:
لما اتخذ سليمان بن علي المغيثة أحب المنصور أن يستخرج ضيعة من البطيحة،
فأمر باتخاذ السبيطية. فكره سليمان بن علي وأهل البصرة ذلك، واجتمع
أهل البصرة إلى باب عبد الله بن علي، وهو يومئذ عند أخيه سليمان هاربا من
456

المنصور، فصاحوا: يا أمير المؤمنين! انزل إلينا نبايعك. فكفهم سليمان وفرقهم،
وأوفد إلى المنصور سوار بن عبد الله التميمي ثم العنزي، وداود بن أبي هند
مولى بنى بشير، وسعيد بن أبي عروبة، واسم أبى عروبة بهران، فقدموا عليه ومعهم
صورة البطيحة، فأخبروه أنهم يتخوفون أن يملح ماؤهم. فقال: ما أراه كما ظننتم.
وأمر بالامساك.
ثم إنه قدم البصرة فأمر باستخراج السبيطية فاستخرجت له. فكانت
منها أجمة (ص 371) لرجل من الدهاقين يقال له سبيط. فحبس عنه الوكيل
الذي قلد القيام بأمر الضيعة واستخراجها بعض ثمنها وضربه، فلم يزل على باب
المنصور يطالب بما بقى له من ثمن أجمته، ويختلف في ذلك إلى ديوانه، حتى مات.
فنسبت الضيعة إليه بسبب أجمته، فقيل السبيطية.
922 - وقالوا: قنطرة قرة بالبصرة نسبت إلى قرة بن حيان الباهلي،
وكان عندها نهر قديم ثم اشترته أم عبد الله بن عامر فتصدقت به مغيضا لأهل
البصرة. وابتاع عبد الله بن عامر السوق فتصدق به.
923 - قالوا: ومر عبيد الله بن زياد يوم نعى يزيد بن معاوية على نهر أم
عبد الله، فإذا هو بنخل فأمر به فعقر، وهدم حمام حمران بن أبان، وموضعه اليوم
يعمل فيه الرباب.
924 - قالوا: ومسجد الحامرة نسب إلى قوم قدموا اليمامة عجم من عمان.
ثم صاروا منها إلى البصرة على حمير، فأقاموا بحضرة هذا المسجد. وقال بعضهم:
بنوه ثم جدد بعد.
457

925 - وحدثني على الأثرم، عن أبي عبيدة،
عن أبي عمرو بن العلاء قال: كان قيس بن مسعود الشيباني على الطف من
قبل كسرى، فهو اتخذ المنجشانية على ستة أميال من البصرة. وجرت على يد
عضروط يقال له منجشان، فنسبت إليه.
قال: وفوق ذلك روضة الخيل كانت مهارته ترعى فيها.
926 - وقال ابن الكلبي: نسب الماء الذي يعرف بالحوءب إلى الحوأب
بنت كلب بن وبرة. وكانت عند مر بن أد بن طابخة.
ونسب حمى ضريه إلى ضرية بنت ربيعة بن نزار، وهي أم حلوان بن عمران
ابن الحاف بن قضاعة.
قالوا: نسب حلوان إلى حلوان هذا.
458

أمر الأساورة والزط
927 - حدثني جماعة من أهل العلم قالوا: كان سياه الأسواري على
مقدمة (ص 372) يزدجرد. ثم إنه بعث به إلى الأهواز فنزل الكلبانية،
وأبو موسى الأشعري محاصر السوس. فلما رأى ظهور الاسلام وعز أهله
وأن السوس قد فتحت، والامداد متتابعة إلى أبى موسى، أرسل إليه: إنا
قد أحببنا الدخول معكم في دينكم، على أن نقاتل عدومكم من العجم معكم،
وعلى أنه إن وقع بينكم اختلاف لم نقاتل بعضكم مع بعض، وعلى أنه إن قاتلنا
العرب منعتمونا منهم وأعنتمونا عليهم، وعلى أن ننزل بحيث شئنا من البلدان
ونكون فيمن شئنا منكم، وعلى أن نلحق بشرف العطاء ويعقد لنا بذلك
الأمير الذي بعثكم.
فقال أبو موسى: بل لكم ما لنا وعليكم ما علينا. قالوا: لا نرضى.
فكتب أبو موسى بذلك إلى عمر. فكتب إليه عمر: أن أعطهم جميع
ما سألوا. فخرجوا حتى لحقوا بالمسلمين. وشهدوا مع أبي موسى حصار تستر،
فلم يظهر منهم نكاية. فقال لسياه: يا عون! ما أنت وأصحابك كما كنا نظن.
فقال له: أخبرك أنه ليست بصائرنا كبصائركم، ولا لنا فيكم حرم نخاف عليها
ونقاتل، وإنما دخلنا في هذا الدين في بدء أمرنا تعوذا وإن كان الله رزق
خيرا كثيرا.
ثم فرض لهم في شرف العطاء. فلما صاروا إلى البصرة سألوا أي الاحياء
أقرب نسبا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقيل: بنو تميم. وكانوا على أن
يحالفوا الأزد، فتركوهم وحالفوا بنى تميم. ثم خطت لهم خططهم فنزلوا،
459

وحفروا نهرهم، وهو يعرف بنهر الأساورة. ويقال إن عبد الله بن عامر حفره.
928 - وقال أبو الحسن المدائني: أراد شيرويه الأسواري أن ينزل
في بكر بن وائل مع خالد بن المعمر وبنى سدوس، فأبى سياه ذلك. فنزلوا
في بنى تميم. ولم يكن يومئذ الأزد بالبصرة ولا عبد شمس.
قال: فانضم إلى الأساورة السيابجة، وكانوا قبل الاسلام بالسواحل،
وكذلك الزط، وكانوا بالطفوف يتتبعون الكلأ. فلما اجتمعت الأساورة
والزط والسيابجة (ص 373) تنازعتهم بنو تميم فرغبوا فيهم. فصارت الأساورة
في بنى سعد، والزط والسيابجة في بنى حنظلة. فأقاموا معهم يقاتلون المشركين،
وخرجوا مع ابن عامر إلى خراسان، ولم يشهدوا معهم الجمل وصفين، ولا شيئا
من حروبهم، حتى كان يوم مسعود. ثم شهدوا بعد يوم مسعود الربذة، وشهدوا
أمر ابن الأشعث معه. فأضر بهم الحجاج فهدم دورهم، وحط أعطياتهم،
وأجلى بعضهم. وقال: كان في شرطكم أن لا تعينوا بعضنا على بعض.
وقد روى أن الأساورة لما انحازوا إلى الكلبانية وجه أبو موسى إليهم
الربيع بن زياد الحارثي فقاتلهم. ثم إنهم استأمنوا على أن يسلموا ويحاربوا
العدو ويحالفوا من شاؤوا وينزلوا بحيث أحبوا.
929 - قالوا: وانحاز إلى هؤلاء الأساورة قوم من مقاتلة الفرس ممن
لا أرض له، فلحقوا بهم بعد أن وضعت الحرب أوزارها في النواحي، فصاروا
معهم ودخلوا في الاسلام.
930 - وقال المدائني: لما توجه يزدجرد إلى إصبهان دعا سياه فوجهه
460

إلى إصطخر في ثلاث مئة فيهم سبعون رجلا من عظمائهم، وأمره أن ينتخب
من أحب من أهل كل بلد ومقاتلته. ثم اتبعه يزدجرد. فلما صار باصطخر
وجهه إلى السوس، وأبو موسى محاصر لها. ووجه الهرمزان إلى تستر. فنزل
سياه الكلبانية. وبلغ أهل السوس أمر يزدجرد وهربه فسألوا أبا موسى
الصلح، فصالحهم. فلم يزل سياه مقيما بالكلبانية حتى سار أبو موسى إلى تستر،
فتحول سياه فنزل بين رامهرمز وتستر، حتى قدم عمار. فجمع سياه الرؤساء
الذين خرجوا معه من إصبهان فقال: قد علمتم بما كنا نتحدث به من أن هؤلاء
القوم سيغلبون على هذه المملكة، ويروث دوابهم في إيوان إصطخر. وأمرهم
في الظهور على ما ترون. فانظروا لأنفسكم وادخلوا في دينهم. فأجابوه إلى ذلك.
فوجه شيرويه في عشرة إلى أبى موسى، فأخذوا ميثاقا على ما وصفنا من
الشرط (ص 374) وأسلموا.
931 - وحدثني غير المدائني،
عن عوانة قال: حالفت الأساور الأزد. ثم سألوا عن أقرب الحيين من
الأزد وبنى تميم نسبا إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، والخلفاء، وأقربهم مددا.
فقيل: بنو تميم. فحالفوهم. وسيد بنى تميم يومئذ الأحنف بن قيس.
وقد شهد وقعة الربذة أيام ابن الزبير جماعة من الأساورة، فقتلوا خلقا
بعدتهم من النشاب ولم يخطئ لاحد منهم رمية.
أما السيابجة والزط والاندغار فإنهم كانوا في جند الفرس ممن سبوه وفرضوا
له من أهل السند. ومن كان سبيا من أولى الغزاة. فلما سمعوا بما كان من أمر
الأساورة أسلموا وأتوا أبا موسى، فأنزلهم البصرة كما أنزل الأساورة.
461

932 - وحدثني روح بن عبد المؤمن قال: حدثني يعقوب بن الحضرمي،
عن سلام قال: أتي الحجاج بخلق من زط السند وأصناف ممن بها من
الأمم، معهم أهلوهم وأولادهم وجواميسهم، فأسكنهم بأسافل كسكر.
قال روح: فغلبوا على البطيحة وتناسلوا بها. ثم إنه ضوي إليهم قوم من
أباق العبيد، وموالي باهلة، وخولة محمد بن سليمان بن علي، وغيرهم فشجعوهم
على قطع الطريق ومبارزة السلطان بالمعصية. وإنما كانت غايتهم قبل ذلك أن
يسألوا الشئ الطفيف ويصيبوا غرة من أهل السفينة، فيتناولوا منها ما أمكنهم
اختلاسه.
وكان الناس في بعض أيام المأمون قد تحاموا الاجتياز بهم، وانقطع عن
بغداذ جميع ما كان يحمل إليها من البصرة في السفن. فلما استخلف المعتصم
بالله تجرد لهم، وولى محاربتهم رجلا من أهل خراسان يقال له عجيف بن
عنبسة، وضم إليه من القواد والجند خلقا، ولم يمنعه شيئا طلبه من الأموال،
فرتب بين البطائح ومدينة السلام خيلا مضمرة مهلوبة الأذناب. وكانت أخبار
الزط تأتيه بمدينة السلام في ساعات من النهار، أو أول الليل. وأمر عجيفا
فسكر عنهم الماء بالمؤن العظام حتى (ص 375) أخذوا، فلم يشذ منهم أحد. وقدم
بهم إلى مدينة السلام في الزواريق، فجعل بعضهم بخانقين، وفرق سائرهم في عين
زربة والثغور.
933 - قالوا: وكانت جماعة من السيابجة موكلين ببيت مال البصرة،
يقال إنهم أربعون، ويقال أربع مئة. فلما قدم طلحة بن عبيد الله والزبير بن
العوام البصرة، وعليها من قبل علي بن أبي طالب عثمان بن حنيف الأنصاري،
أبوا أن يسلموا بيت المال إلى قدوم على رضي الله عنه. فأتوهم في السحر
فقتلوهم. وكان عبد الله بن الزبير المتولي لأمرهم في جماعة تسرعوا إليهم معه.
462

وكان على السيابحة يومئذ أبو سالمة الزطي، وكان رجلا صالحا. وقد كان معاوية
نقل من الزط والسيابجة القدماء إلى سواحل الشام وأنطاكية بشرا. وقد كان
الوليد بن عبد الملك نقل قوما من الزط إلى أنطاكية وناحيتها.
934 - قالوا: وكان عبيد الله بن زياد سبى خلقا من أهل بخارى. ويقال بل
نزلوا على حكمه، ويقال بل دعاهم إلى الأمان والفريضة فنزلوا على ذلك ورغبوا
فيه. فأسكنهم البصرة. فلما بنى الحجاج مدينة واسط نقل كثيرا منهم إليها.
فمن نسلهم اليوم بها قوم منهم خالد الشاطر المعروف بابن مارقلى.
قال: والاندغار من ناحية كرمان مما يلي سجستان.
463

كور الأهواز
935 - قالوا: غزا المغيرة بن شعبة سوق الأهواز في ولايته حين شخص
عتبة بن غزوان من البصرة في آخر سنة خمس عشرة أو أول سنة ست عشرة.
فقاتله البيرواز دهقانها، ثم صالحه على مال. ثم إنه نكث، فغزاها أبو موسى
الأشعري حين ولاه عمر بن الخطاب البصرة بعد المغيرة. فافتتح سوق الأهواز
عنوة، وفتح نهر تيري عنوة، وولى ذلك بنفسه فس سنة سبع عشرة.
936 - وقال أبو مخنف والواقدي في روايتهما: قدم أبو موسى البصرة
فاستكتب زيادا، وأتبعه عمر بن الخطاب بعمران بن الحصين الخزاعي وصيره
على تعليم الناس الفقه والقرآن وخلافة أبى موسى إذا شخص عن البصرة. فسار
أبو موسى إلى الأهواز، فلم يزل يفتح رستاقا رستاقا، ونهرا نهرا، والأعاجم
تهرب من بين يديه، فغلب على جميع أرضها إلا السوس وتستر ومناذر
ورامهرمز.
937 - وحدثني الوليد بن صالح قال: حدثني مرحوم العطار، عن أبيه،
عن شويس العدوى قال: أتينا الأهواز وبها ناس من الزط والأساورة
فقاتلناهم قتالا شديدا، فظهرنا عليهم وظفرنا بهم، فأصبنا سبيا كثيرا اقتسمناهم.
فكتب إلينا عمر: إنه لا طاقة لكم بعمارة الأرض فخلوا ما في أيديكم من
السبي، واجعلوا عليهم الخراج. فرددنا السبي ولم نملكهم.
938 - قالوا: وسار أبو موسى إلى مناذر فحاصر أهلها، فاشتد قتالهم.
464

فكان المهاجر بن زياد الحارثي أخو الربيع بن زياد بن الديان في الجيش.
فأراد أن يشري نفسه، وكان صائما، فقال الربيع لأبي موسى: إن المهاجر عزم
على أن يشري نفسه وهو صائم. فقال أبو موسى: عزمت على كل صائم أن
يفطر أو لا يخرج إلى القتال. فشرب المهاجر شربة ماء وقال: قد أبررت
عزمة أميري! والله ما شربتها من عطش. ثم راح السلاج فقاتل حتى استشهد،
وأخذ أهل مناذر رأسه ونصبوه على قصرهم بين شرفتين.
وله يقول القائل:
وفى مناذر لما جاش جمعهم * راح المهاجر في حل بأجمال
والبيت بيت بنى الديان نعرفه * في آل مذحج مثل الجوهر الغالي
واستخلف أبو موسى الأشعري الربيع بن زياد على مناذر وسار إلى
السوس، (ص 377) ففتح الربيع مناذر عنوة، فقتل المقاتلة وسبى الذرية
وصارت مناذر الكبرى والصغرى في أيدي المسلمين، فولاهما أبو موسى
عاصم بن قيس بن الصلت السلمي. وولى سوق الأهواز سمرة بن جندب
الفزاري حليف الأنصار.
وقال قوم: إن عمر كتب إلى أبى موسى وهو محاصر مناذر يأمره أن يخلف
عليها ويسير إلى السوس، فخلف الربيع بن زياد.
939 - حدثني سعدويه قال: حدثنا شريك، عن أبي إسحاق،
عن المهلب بن أبي صفرة قال: حاصرنا مناذر فأصبنا سبيا فكتب عمر:
إن مناذر كقرية من قرى السواد فردوا عليهم ما أصبتم.
940 - قالوا: وسار أبو موسى إلى السوس فقاتل أهلها، ثم حاصرهم
465

حتى نفد ما عندهم من الطعام، فضرعوا إلى الأمان. وسأل مرزبانهم أن
يؤمن ثمانون منهم على أن يفتح باب المدينة ويسلمها. فسمى الثمانين، وأخرج
نفسه منهم. فأمر به أبو موسى فضربت عنقه، ولم يعرض للثمانين، وقتل من
سواهم من المقاتلة، وأخذ الأموال وسبى الذرية. ورأى أبو موسى في قلعتهم
بيتا وعليه ستر، فسأل عنه فقيل: إن فيه جثة دانيال النبي، عليه السلام،
وعلى أنبياء الله ورسله، فإنهم كانوا أقحطوا فسألوا أهل بابل دفعه إليهم
ليستسقوا به ففعلوا. وكان بختنصر سبى دانيال وأتى به بابل، فقبض بها.
فكتب أبو موسى بذلك إلى عمر. فكتب إليه عمر: أن كفنه وادفنه. فسكر
أبو موسى نهرا حتى إذا انقطع دفنه ثم أجرى الماء عليه.
941 - حدثني أبو عبيد القاسم بن سلام قال: حدثنا مروان بن معاوية، عن حميد
الطويل، عن حبيب،
عن خالد بن زيد المزني، وكانت عينه أصيبت بالسوس قال: حاصرنا
مدينتها وأميرنا أبو موسى، فلقينا جهدا. ثم صالحه (ص 378) دهقانها على
أن يفتح له المدينة ويؤمن له مئة من أهله، ففعل وأخذ عهد أبى موسى. فقال
له: اعزلهم. فجعل يعزلهم، وأبو موسى يقول لأصحابه: إني لأرجو أن يغلبه
الله على نفسه. فعزل المئة وبقى عدو الله. فأمر به أبو موسى أن يقتل. فنادى:
رويدك أعطيك مالا كثيرا! فأبى وضرب عنقه
942 - قالوا: وهادن أبو موسى أهل رامهرمز، ثم انقضت هدنتهم فوجه
إليهم أبا مريم الحنفي فصالحهم على ثماني مئة ألف درهم
466

942 - حدثني روح بن عبد المؤمن قال: حدثني يعقوب،
عن أبي عاصم الرامهرمزي، وكان قد بلغ المئة أو قاربها قال: صالح
أبو موسى أهل رامهرمز على ثماني مئة ألف أو تسع مئة ألف. ثم إنهم غدروا،
ففتحت بعد عنوة، فتحها أبو موسى في آخر أيامه.
943 - قالوا: وفتح أبو موسى سرق على مثل صلح رامهرمز. ثم إنهم
غدروا، فوجه إليها حارثة بن بدر الغداني في جيش كثيف فلم يفتحها. فلما قدم
عبد الله بن عامر فتحها عنوة. وقد كان حارثة ولى سرق بعد ذلك.
وفيه يقول أبو الأسود الدؤلي.
أحار بن بدر قد وليت أمارة * فكن جرذا فيها تخون وتسرق
فإن جميع الناس إما مكذب * يقول بما تهوى وإما مصدق
يقولون أقوالا بظن وشبهة * فإن قيل هاتوا حققوا لم يحققوا
ولا تعجزن فالعجز أسوأ عادة * فحظك من مال العراقين سرق
فلما بلغ الشعر حارثة قال: (ص 379).
جزاك إله الناس خير جزائه * فقد قلت معروفا وأوصيت كافيا
أمرت بحزم لو أمرت بغيره * لألفيتني فيه لأمرك عاصيا
944 - قالوا: وسار أبو موسى إلى تستر وبها شوكة العدو وحدهم.
فكتب إلى عمر يستمده. فكتب عمر إلى عمار بن ياسر يأمره بالمسير إليه
في أهل الكوفة. فقدم عمار جرير بن عبد الله البجلي وسار حتى أتى تستر،
وعلى ميمنته - يعنى ميمنة أبى موسى - البراء بن مالك، أخو أنس بن مالك،
467

وعلى ميسرته مجزأة بن ثور السدوسي، وعلى الخيل أنس بن مالك، وعلى
ميمنة عمار البراء بن عازب الأنصاري، وعلى ميسرته حذيفة بن اليمان العبسي،
وعلى خيله قرظة بن كعب الأنصاري، وعلى رجالته النعمان بن مقرن المزني
فقاتلهم أهل تستر قتالا شديدا. وحمل أهل الكوفة حتى بلغوا باب تستر.
فضاربهم البراء بن مالك على الباب حتى استشهد رحمه الله، ودخل الهرمزان
وأصحابه المدينة بشر حال، وقد قتل منهم في المعركة تسع مئة ضربت
أعناقهم بعد.
وكان الهرمزان من أهل مهر جانقذف، وقد حضر وقعة جلولاء مع الأعاجم.
ثم إن رجلا من الأعاجم استأمن إلى المسلمين على أن يدلهم على عورة
المشركين. فأسلم، واشترط أن يفرض لولده ويفرض له. فعاقده أبو موسى على
ذلك، ووجه معه رجلا من شيبان يقال له أشرس بن عوف فخاض به دجيل
على عرق من حجارة، ثم علا به المدينة وأراه الهرمزان، ثم رده إلى العسكر.
فندب أبو موسى أربعين رجلا مع مجزأة بن ثور وأتبعهم مائتي رجل، وذلك
في الليل، والمستأمن يقدمهم. فأدخلهم المدينة فقتلوا الحرس، وكبروا على سور
المدينة. فلما سمع الهرمزان هرب إلى قلعته، وكانت موضع خزانته وأمواله.
وعبر أبو موسى (ص 380) حين أصبح حتى دخل المدينة فاحتوى عليها.
وقال الهرمزان: ما دل العرب على عورتنا إلا بعض من معنا ممن رأى إقبال
أمرهم وإدبار أمرنا. وجعل الرجل من الأعاجم يقتل أهله وولده ويلقيهم
في دجيل خوفا من أن يظفر بهم العرب. وطلب الهرمزان الأمان وأبى
أبو موسى أن يعطيه ذلك، إلا على حكم عمر. فنزل على ذلك. وقتل أبو موسى
من كان في القلعة ممن لا أمان له، وحمل الهرمزان إلى عمر فاستحياه، وفرض
له. ثم إنه اتهم بممالاة أبى لؤلؤة عبد المغيرة بن شعبة على قتل عمر رضي الله عنه،
468

فقال عبيد الله بن عمر: امض بنا ننظر إلى فرس لي. فمضى وعبيد الله خلفه،
فضربه بالسيف وهو غافل فقتله.
945 - حدثنا أبو عبيدة قال: ثنا مروان بن معاوية، عن حميد،
عن أنس قال: حاصرنا تستر، فنزل الهرمزان فكنت الذي أتيت به إلى
عمر، بعث بي أبو موسى. فقال له عمر: تكلم.
فقال: أكلام حي أم كلام ميت؟
فقال: تكلم لا بأس.
فقال الهرمزان: كنا معشر العجم ما خلى الله بيننا وبينكم نقصيكم
ونقتلكم. فلما كان الله معكم لم يكن لنا بكم يدان.
فقال عمر: ما تقول يا أنس؟
قلت: تركت خلفي شوكة شديدة وعدوا كلبا. فإن قتلته يئس القوم
من الحياة فكان أشد لشوكتهم، وإن استحييته طمع القوم في الحياة.
فقال عمر: يا أنس! سبحان الله. قاتل البراء بن مالك ومجزأة بن ثور
السدوسي.
قلت: فليس لك إلى قتله سبيل.
قال: ولم؟ أعطاءك أصبت منه؟
قلت: لا، ولكنك قلت له: لا بأس.
فقال: متى؟ لتجيئن معك بمن شهد، وإلا بدأت بعقوبتك.
قال: فخرجت من عنده فإذا الزبير بن العوام قد حفظ الذي حفظت.
فشهد لي. فخلى سبيل الهرمزان. فأسلم وفرض له عمر.
469

946 - وحدثني إسحاق بن أبي إسرائيل قال: ثنا ابن المبارك، عن ابن جريج،
عن عطاء الخرساني قال: كفيتك أن تستر كانت صلحا فكفرت. فسار
(ص 381) إليها المهاجرون فقتلوا المقاتلة وسبوا الذراري، فلم يزالوا في أيدي
سادتهم حتى كتب عمر: خلوا ما في أيديكم.
قال: وسار أبو موسى إلى جند يسابور وأهلها منخوبون، فطلبوا الأمان،
فصالحهم على أن لا يقتل منهم أحدا ولا يسبيه، ولا يعرض لأموالهم، سوى
السلاح.
ثم إن طائفة من أهلها توجهوا إلى الكلبانية، فوجه إليهم أبو موسى
الربيع بن زياد فقتلهم، وفتح الكلبانية. واستأمنت الأساورة فآمنهم أبو
موسى فأسلموا.
ويقال إنهم استأمنوا قبل ذلك، فلحقوا بأبي موسى وشهدوا تستر.
والله أعلم.
947 - وحدثني عمر بن حفص العمرى، عن أبي حذيفة، عن أبي الأشهب،
عن أبي رجاء قال: فتح الربيع بن زياد الثيبان من قبل أبى موسى
عنوة. ثم غدروا ففتحها منجوف بن ثور السدوسي.
قال: وكان مما فتح عبد الله بن عامر سنبيل والزط. وكان أهلهما قد
كفروا. فاجتمع إليهم أكراد من هذه الأكراد. وفتح أيذج بعد قتال
شديد.
وفتح أبو موسى السوس وتستر ودورق عنوة.
وقال المدائني. فتح ثابت بن ذي الحرة الحميري قلعة ذي الرناق.
470

948 - حدثني المدائني، عن أشياخه، وعمر بن شبة،
عن مجالد بن يحيى أن مصعب بن الزبير ولى مطرف بن سيدان الباهلي
أحد بنى جئآوة شرطته في بعض أيام ولايته العراق لأخيه عبد الله بن الزبير.
فأتى مطرف بالنابي بن زياد بن ظبيان، أحد بنى عائش بن مالك بن تيم الله
ابن ثعلبة بن عكابة، وبرجل من بنى نمير قطعا الطريق، فقتل النابي وضرب
النميري بالسياط وتركه. فلما عزل مطرف عن الشرطة وولى (ص 382)
الأهواز جمع عبيد الله بن زياد بن ظبيان له جمعا وخرج يريده. فالتقيا، فتواقفا
وبينهما نهر، فعبر مطرف بن سيدان، فعاجله ابن ظبيان فطعنه فقتله. فبعث
مصعب مكرم بن مطرف في طلبه. فسار حتى صار إلى الموضع الذي يعرف
اليوم بعسكر مكرم، فلم يلق ابن ظبيان. ولحق ابن ظبيان بعبد الملك بن
مروان، وقاتل معه مصعبا، فقتله واحتز رأسه. ونسب عسكر مكرم إلى
مكرم بن مطرف هذا.
قال البعيث السكري.
سقينا ابن سيدان بكأس روية * كفتنا وخير الامر ما كان كافيا
ويقال أيضا إن عسكر مكرم إنما نسب إلى مكرم بن الفزر أحد بنى
جعونة بن الحارث بن نمير. وكان الحجاج وجهه لمحاربة خرزاد بن باس
حين عصى ولحق بأيذج وتحصن في قلعة تعرف به. فلما طال عليه الحصار
نزل مستخفيا متنكرا ليلحق بعبد الملك. فظفر به مكرم ومعه درتان في
قلنسوته، فأخذه وبعث به إلى الحجاج فضرب عنقه.
949 - وذكروا أنه كانت عند عسكر مكرم قرية قديمة وصل بها
471

البناء بعد، ثم لم يزل يزاد فيه حتى كثر. فسمى ذلك أجمع عسكر مكرم
وهو اليوم مصر جامع.
950 - وحدثني أبو مسعود،
عن عوانة قال: ولى عبد الله بن الزبير البصرة حمزة بن عبد الله بن
الزبير. فخرج إلى الأهواز، فلما رأى جبلها قال: كأنه قعيقعان.
951 - وقال الثوري: الأهواز سمى بالفارسية هوز مسير. وإنما سميت
الأخواز فغيرها الناس فقالوا: الأهواز. وأنشد لاعرابي:
لا ترجعني إلى الأخواز ثانية * وقعقعان الذي في جانب السوق
ونهر بط الذي أمسى يؤرقني * فيه البعوض بلسب غير تشفيق (ص 383)
فما الذي وعدته نفسه طمعا * من الحصيني أو عمرو بمصدوق
وقال: نهر البط نهر كانت عنده مراع للبط، فقالت العامة. نهر بط،
كما قالوا: دار بطيخ.
وسمعت من يقول: إن النهر كان لامرأة تسمى البطئة، فنسب إليها
ثم حذف.
952 - حدثني محمد بن سعد، عن الواقدي، عن محمد بن عبد الله،
عن الزهري قال: افتتح عمر السواد والأهواز عنوة. فسئل عمر قسمة
472

ذلك. فقال: فما لمن جاء من المسلمين بعدنا؟ فأقرهم على منزلة أهل الذمة.
953 - وحدثني المدائني،
عن علي بن حماد وسحيم بن حفص وغيرهما قالوا: قال أبو المختار يزيد بن
قيس بن يزيد بن الصعق كلمة رفع فيها على عمال الأهواز وغيرهم إلى عمر بن
الخطاب رضي الله عنه:
أبلغ أمير المؤمنين رسالة * فأنت أمين الله في النهى والامر
وأنت أمين الله فينا ومن يكن * أمينا لرب العرش يسلم له صدري
فلا تدعن أهل الرساتيق والقرى * يسيغون مال الله في الادم الوفر
فأرسل إلى الحجاج فاعرف حسابه * وأرسل إلى جزء وأرسل إلى بشر
ولا تنسين النافعين كليهما * ولا ابن غلاب من سراة بنى نصر
وما عاصم منها بصفر عيابه * وذاك الذي في السوق مولى بنى بدر
وأرسل إلى النعمان واعرف حسابه * وصهر بنى غزوان إني لذو خبر
وشبلا فسله المال وابن محرش * فقد كان في أهل الرساتيق ذا ذكر
فقاسمهم أهلي فداؤك إنهم * سيرضون إن قاسمتهم منك بالشطر
ولا تدعوني للشهادة إنني * أغيب ولكني أرى عجب الدهر
نؤوب إذا آبوا ونغزو إذا غزوا * فأنى لهم وفر ولسنا أولى وفر
إذا التاجر الداري جاء بفارة * من المسك راحت في مفارقهم تجرى
(ص 384).
473

فقاسم عمر هؤلاء الذين ذكرهم أبو المختار شطر أموالهم، حتى أخذ نعلا
وترك نعلا. وكان فيهم أبو بكرة فقال: إني لم أل لك شيئا. فقال له: أخوك
على بيت المال وعشور الأبلة وهو يعطيك المال تتجر به. فأخذ منه عشرة آلاف.
ويقال: قاسمه شطر ماله.
وقال: الحجاج الذي ذكره الحجاج بن عتيك الثقفي، وكان على الفرات.
وجزء بن معاوية عم الأحنف كان على سرق.
وبشر بن المحتفز كان على جند يسابور.
والنافعان نفيع أبو بكرة ونافع بن الحارث بن كلدة أخوه.
وابن غلاب خالد بن الحارث من بنى دهمان كان على بيت المال بإصبهان.
وعاصم بن قيس بن الصلت السلمي كان على مناذر.
والذي في السوق سمرة بن جندب على سوق الأهواز.
والنعمان بن عدي بن نضلة بن عبد العزى بن حرثان أحد بنى عدى بن
كعب بن لؤي، كان على كور دجلة. وهو الذي يقول:
من مبلغ الحسناء أن خليلها * بميسان يسقى في زجاج وحنتم
إذا شئت غنتني دهاقين قرية * وصناجة تجذو على كل منسم
لعل أمير المؤمنين يسوءه * تنادمنا بالجوسق المتهدم
فلما بلغ عمر شعره قال: أي والله إنه ليسوءني ذلك. وعزله.
وصهر بنى غزوان مجاشع بن مسعود السلمي. كانت عنده بنت عتبة بن
غزوان. وكان على أرض البصرة وصدقاتها.
وشبل بن معبد البجلي ثم الأحمسي كان على قبض المغانم.
474

وابن محرش أبو مريم الحنفي كان على رام هرمز.
قال (ص 385) عوسجة بن زياد الكاتب: أقطع الرشيد أمير المؤمنين
عبيد الله بن المهدى مزارعة أرض الأهواز. فدخل فيها شبهة، فرفع في ذلك
قوم إلى المأمون فأمر بالنظر فيها والوقوف عليها، فما لم تكن فيه شبهة أنفذ،
وما شك فيه سمى المشكوك فيه. وذلك معروف بالأهواز.
475

كور فارس وكرمان
954 - قالوا: كان العلاء بن الحضرمي، وهو عامل عمر بن الخطاب على
البحرين، وجه هرثمة بن عرفجة البارقي، من الأزد، ففتح جزيرة في
البحر مما يلي فارس. ثم كتب عمر إلى العلاء أن يمد به عتبة بن فرقد
السلمي ففعل.
ثم ولى عمر عثمان بن أبي العاصي الثقفي البحرين وعمان فدوخهما
واتسقت له طاعة أهلهما، وجه أخاه الحكم بن أبي العاصي في البحر إلى
فارس، في جيش عظيم من عبد القيس والأزد وتميم وبنى ناجية وغيرهم،
ففتح جزيرة ابركاوان. ثم صار إلى توج، وهي من أرض أردشير خره
ومعنى اردشير خرة بهاء أردشير
وفى رواية أبى مخنف أن عثمان بن أبي العاصي نفسه قطع البحر إلى
فارس، فنزل توج ففتحها، وبنى بها المساجد، وجعلها دارا للمسلمين، وأسكنها
عبد القيس وغيرهم. فكان يغير منها على أرجان وهي متاخمة لها.
ثم إنه شخص عن فارس إلى عمان والبحرين لكتاب عمر إليه في ذلك،
واستخلف أخاه الحكم.
وقال غير أبى مخنف: إن الحكم فتح توج وأنزلها المسلمين من عبد القيس
وغيرهم سنة تسع عشرة.
955 - وقالوا: إن شهرك مرزبان فارس وواليها أعظم ما كان من
قدوم العرب فارس، واشتد عليه، وبلغته نكايتهم وبأسهم وظهورهم على
476

كل من لقوه من عدوهم. فجمع جمعا (ص 386) عظيما وسار بنفسه حتى أتى
راشهر من أرض سابور، وهي بقرب توج، فخرج إليه الحكم بن أبي العاصي
وعلى مقدمته سوار بن همام العبدي. فاقتتلوا قتالا شديدا. وهناك واد
قد وكل به شهرك رجلا من نقابه في جماعة، وأمره أن لا يجتازه هارب من
أصحابه إلا قتله. فأقبل رجل من شجعاء الأساورة موليا من المعركة. فأراد
الرجل قتله. فقال له: لا تقتلني فإنما نقاتل قوما منصورين، الله معهم. ووضع
حجرا فرماه ففلقه، ثم قال: أترى هذا السهم الذي فلق الحجر؟ والله ما كان
ليخدش بعضهم لو رمى به. قال: لا بد من قتلك.
فبينا هو في ذلك إذ أتاه الخبر بقتل شهرك. وكان الذي قتله سوار
ابن همام العبدي، حمل عليه فطعنه فأذراه عن فرسه، وضربه بسيفه حتى
فاظت نفسه. وحمل ابن شهرك على سوار فقتله، وهزم الله المشركين، وفتحت
راشهر عنوة، وكان يومها، في صعوبته وعظيم النعمة على المسلمين فيه، كيوم
القادسية. وتوجه بالفتح إلى عمر بن الخطاب عمرو بن الأهتم التيمي، فقال:
جئت الامام بإسراع لأخبره * بالحق من خبر العبدي سوار
أخبار أروع ميمون نقيبته * مستعمل في سبيل الله مغوار
وقال بعض أهل توج: إن توج مصرت بعد مقتل شهرك. والله أعلم.
956 - قالوا: ثم إن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، كتب إلى عثمان
ابن أبي العاصي في إتيان فارس. فخلف على عمله أخاه المغيرة ويقال: هو حفص
ابن أبي العاصي. وكان جزلا. وقدم توج فنزلها. فكان يغزو منها ثم
يعود إليها.
وكتب عمر إلى أبى موسى وهو بالبصرة يأمره أن يكانف عثمان بن أبي
477

العاصي (ص 387) ويعاونه. فكان يغزو فارس من البصرة ثم يعود إليها.
وبعث عثمان بن أبي العاصي هرم بن حيان العبدي إلى قلعة يقال لها شبير
ففتحها عنوة بعد حصار وقتال.
وقال بعضهم: فتح هرم قلعة الستوج عنوة، وأتى عثمان خره من سابور
ففتحها وأرضها، بعد أن قاتله أهلها، صلحا على أداء الجزية والخراج ونصح
المسلمين.
وفتح عثمان بن أبي العاصي كازرون من سابور وغلب على أرضها. وفتح
عثمان النوبندجان من سابور أيضا وغلب عليها.
واجتمع أبو موسى وعثمان بن أبي العاصي في آخر خلافة عمر، رضي الله عنه
، ففتحا أرجان صلحا على الجزية والخراج.
وفتحا شيراز وهي من أرض أردشير خره على أن يكونوا ذمة يؤدون
الخراج، إلا من أحب منهم الجلاء، ولا يقتلوا ولا يستعبدوا.
وفتحا سينيز من أرض أردشير خره، وترك أهلها عمارا للأرض.
وفتح عثمان حصن جنابا بأمان.
وأتى عثمان بن أبي العاصي درابجرد، وكانت شادروان علمهم ودينهم،
وعليها الهربذ، فصالحه الهربذ على مال أعطاه إياه، وعلى أن أهل درابجرد
كلهم أسوة من فتحت بلاده من أهل فارس.
واجتمع له جمع بناحية جهرم ففضهم، وفتح أرض جهرم.
وأتى عثمان فسا، فصالحه عظيمها على مثل صلح درابجرد. ويقال أن
الهربذ صالح عنها أيضا.
وأتى عثمان بن أبي العاصي مدينة سابور في سنة ثلاث وعشرين ويقال في
سنة أربع وعشرين، قبل أن تأتي أبا موسى ولايته البصرة من قبل عثمان
478

ابن عفان، فوجد أهلها هائبين للمسلمين. ورأى أخو شهرك في منامه كأن
رجلا من العرب دخل عليه فسلبه قميصه. فنخب ذلك قلبه، فامتنع قليلا ثم
طلب الأمان والصلح. فصالحه عثمان على أن لا يقتل أحدا ولا يسبيه، وعلى
أن تكون له ذمة، ويعجل مالا. ثم إن أهل سابور نقضوا (ص 388)
وغدروا. ففتحت في سنة ست وعشرين عنوة، فتحها أبو موسى، وعلى
مقدمته عثمان بن أبي العاصي.
957 - وقال معمر بن المثنى، وغيره: كان عمر بن الخطاب أمر أن يوجه
الجارود العبدي سنة اثنتين وعشرين إلى قلاع فارس. فلما كان بين خره وشيراز
تخلف عن أصحابه في عقبة هناك سحرا لحاجته، ومعه إداوة، فأحاطت به
جماعة من الأكراد فقتلوه. فسميت تلك العقبة عقبة الجارود.
958 - قالوا: ولما ولى عبد الله بن عامر بن كريز البصرة من قبل عثمان
ابن عفان بعد أبي موسى الأشعري، سار إلى إصطخر في سنة ثمان وعشرين،
فصالحه ماهك عن أهلها. ثم خرج يريد جور، فلما فارقها نكثوا وقتلوا عامله
عليهم. ثم لما فتح جور كر عليهم ففتحها.
959 - قالوا: وكان هرم بن حيان مقيما على جور. وهي مدينة اردشير خره.
وكان المسلمون يعانونها ثم ينصرفون عنها، فيعانون إصطخر، ويغزون نواحي
كانت تنتقض عليهم. فلماذا نزل ابن عامر بها قاتلوه، ثم تحصنوا، ففتحها
بالسيف عنوة، وذلك في سنة تسع وعشرين.
وفتح ابن عامر أيضا الكاريان وفشجاتن، وهي الفيشجان من درابجرد،
ولم تكونا دخلتا في صلح الهربذ، وانتقضتا.
479

960 - وحدثني جماعة من أهل العلم أن جور غزيت عدة سنين، فلم
يقدر عليها، حتى فتحها ابن عامر. وكان سبب فتحها أن بعض المسلمين قام يصلى
ذات ليلة، وإلى جانبه جراب له فيه خبز ولحم، فجاء كلب فجره وعدا به، حتى
دخل المدينة من مدخل لها خفى، فألظ المسلمون بذلك المدخل حتى دخلوا
منه وفتحوها.
961 - قالوا: ولما فرغ عبد الله بن عامر من فتح جور، كر على أهل
إصطخر وفتحها عنوة بعد قتال شديد ورمى بالمجانيق. وقتل بها من الأعاجم
أربعين ألفا، وأفنى أكثر (ص 389) أهل البيوتات ووجوه الأساورة، وكانوا
قد لجأوا إليها.
وبعض الرواة يقول: إن ابن عامر رجع إلى إصطخر حين بلغه نكثهم
ففتحها. ثم صار إلى جور وعلى مقدمته هرم بن حيان ففتحها.
962 - وروى الحسن بن عثمان الزيادي أن أهل إصطخر غدروا في ولاية
عبد الله بن عباس رضي الله عنهما العراق لعلى رضي الله عنه ففتحها.
963 - وحدثني العباس بن هشام، عن أبيه،
عن أبي مخنف قال: توجه ابن عامر إلى إصطخر، ووجه على مقدمته
عبيد الله بن معمر التيمي. فاستقبله أهل إصطخر برامجرد فقاتلهم، فقتلوه،
فدفن في بستان برامجرد. وبلغ ابن عامر الخبر فأقبل مسرعا حتى واقعهم،
وعلى ميمنته أبو برزة نضلة بن عبد الله الأسلمي، وعلى ميسرته معقل بن يسار
المزني، وعلى الخيل عمران بن الحصين الخزاعي، وعلى الرجال خالد بن المعمر
الذهلي. فقاتلهم فهزمهم، حتى أدخلهم إصطخر. وفتحها الله عنوة فقتل فيها
480

نحوا من مئة الف. وأتى درابجرد ففتحها، وكانت منتقضة، ثم وجه إلى كرمان.
964 - حدثني عمر الناقد قال: ثنا مروان بن معاوية الفزاري، عن عاصم الأحول،
عن فضيل بن زيد الرقاشي قال: حاصرنا شهرياج شهرا جرارا، وكنا
ظننا أنا سنفتحها في يومنا، فقاتلنا أهلها ذات يوم ورجعنا إلى معسكرنا،
وتخلف عبد مملوك منافرا ظنوه. فكتب لهم أمانا ورمى به إليهم في سهم.
قال: فرحنا للقتال وقد خرجوا من حصنهم فقالوا: هذا أمانكم! فكتبنا
بذلك إلى عمر. فكتب إلينا: إن العبد المسلم من المسلمين ذمته كذمتهم،
فلينفذ أمانه. فأنفذناه.
965 - وحدثني القاسم بن سلام قال: ثنا أبو النضر، عن شعبة، عن عاصم،
عن الفضيل قال: كنا مصافي العدو بسيراف. ثم ذكر نحو ذلك.
966 - وحدثنا سعدويه قال: ثنا عباد بن العوام، عن عاصم الأحوال،
عن (ص 390) الفضيل بن زيد الرقاشي قال: حاصر المسلمون حصنا.
فكتب عبد أمانا ورمى به إليهم في مشقص. فقال المسلمون: ليس أمانه بشئ.
فقال القوم: لسنا نعرف الحر من العبد. فكتب بذلك إلى عمر. فكتب: إن
عبد المسلمين منهم، ذمته ذمتهم.
967 - وأخبرني بعض أهل فارس أن حصن سيراف يدعى سوريانج.
فسمته العرب شهرياج.
وبفسا قلعة تعرف بخرشة بن مسعود من بنى تميم، ثم من بنى شرقة،
كان مع ابن الأشعث فتحصن في هذه القلعة، ثم أو من فمات بواسط. له عقب بفسا.
481

كرمان
968 - وأما كرمان فإن عثمان بن أبي العاصي الثقفي لقي مرزبانها في جزيرة
ابركاوان وهو في خف، فقتله. فوهن أمر أهل كرمان ونخبت قلوبهم. فلما
صار ابن عامر إلى فارس وجه مجاشع بن مسعود السلمي إلى كرمان في طلب
يزدجرد. فأتى بيمند. فهلك جيشه بها.
ثم لما توجه ابن عامر يريد خراسان ولى مجاشعا كرمان. ففتح بيمند عنوة
واستبقى أهلها، وأعطاهم أمانا. وبها قصر يعرف بقصر مجاشع.
وفتح مجاشع بروخروة، وأتى الشيرجان وهي مدينة كرمان، وأقام عليها
أياما يسيرة، أهلها متحصنون وقد خرجت لهم خيل، فقاتلهم، ففتحها عنوة
وخلف بها رجلا، ثم إن كثيرا من أهلها جلوا عنها.
وقد كان أبو موسى الأشعري وجه الربيع بن زياد ففتح ما حول الشيرجان،
وصالح أهل بم والاندغار. فكر أهلها ونكثوا. فافتتحها مجامع بن مسعود.
وفتح جيرفت عنوة وسار في كرمان فدوخها.
واتى القفص وتجمع له بهرموز (ص 391) خلق ممن جلا من الأعاجم
فقاتلهم، فظفر بهم وظهر عليهم.
وهرب كثير من أهل كرمان فركبوا البحر، ولحق بعضهم بمكران، وأتي
بعضهم سجستان، فأقطعت العرب منازلهم وأرضهم، فعمروها وأدوا العشر
فيها، واحتفروا القنى في مواضع منها.
وولى الحجاج قطن بن قبيصة بن مخارق الهلالي فارس وكرمان وهو
482

الذي انتهى إلى نهر فلم يقدر أصحابه على إجازته فقال: من جاز فله ألف درهم.
فجازوه، فوفى لهم. فكان ذلك أولى يوم سميت الجائزة فيه.
قال الشاعر وهو الجحاف بن حكيم:
فدى للأكرمين بنى هلال * على علاتهم أهلي ومالي
هم سنوا الجوائز في معد * فصارت سنة أخرى الليالي
رماحهم تزيد على ثمان * وعشر حين تختلف العوالي
وكان قبيصة بن مخارق من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وفى قطن يقول الشاعر:
كم من أمير قد أصبت حباه ء * وآخر حظى من إمارته الحزن
فهل قطن إلا كمن كان قبله * فصبرا على ما جاء يوما به قطن
969 - قالوا: وكان ابن زياد ولى شريك بن الأعور الحارثي، وهو
شريك بن الحارث، كرمان. وكتب يزيد بن زياد بن ربيعة بن مفرغ الحميري
إليه فأقطعه أرضا بكرمان، فباعها بعد هرب ابن زياد من البصرة.
وولى الحجاج الحكم بن نهيك الهجيمي كرمان بعد أن كان ولاه فارس.
فبنى مسجد أرجان ودار إمارتها.
483

سجستان وكابل
970 - حدثني على بن محمد وغيره: أن عبد الله بن عامر بن كريز بن
ربيعة بن حبيب بن عبد شمس توجه يريد خراسان سنة ثلاثين. فنزل
بعسكره (ص 392) شق الشيرجان من كرمان. ووجه الربيع بن زياد
ابن أنس بن الديان الحارثي إلى سجستان، فسار حتى نزل الفهرج. ثم قطع
المفازة، وهي خمسة وسبعون فرسخا، فأتى رستاق زالق، وبين زالق وبين سجستان
خمسة فراسخ، وزالق حصن. فأغار على أهله في يوم مهرجان فأخذ دهقانه،
فافتدى نفسه بأن ركز عنزة ثم غمرها ذهبا وفضة، وصالح الدهقان على حقن دمه.
971 - وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: صالحه على أن يكون بلده كبعض
ما افتتح من بلاد فارس وكرمان.
ثم أتى قرية يقال لها كركويه، على خمسة أميال من زالق، فصالحوه
ولم يقاتلوه.
ثم نزل رستاقا يقال له هيسون، فأقام له أهله النزل وصالحوه على غير قتال.
ثم أتى زالق وأخذ الأدلاء منها إلى زرنج، وسار حتى نزل الهند مند،
وعبر واديا ينزع منه يقال له نوق.
وأتى زوشت وهي من زرنج على ثلثي ميل. فخرج إليه أهلها فقاتلوه
قتالا شديدا، وأصيب رجال من المسلمين. ثم كر المسلمون وهزموهم حتى
اضطروهم إلى المدينة، بعد أن قتلوا منهم مقتلة عظيمة.
484

ثم أتي الربيع ناشروذ، وهي قرية. فقاتل أهلها وظفر بهم. وأصاب بها
عبد الرحمن أبا صالح بن عبد الرحمن الذي كتب للحجاج مكان زدا نفروخ
ابن نيري، وولى خراج العراق لسليمان بن عبد الملك وأمه. فاشترته امرأة من
ابن تميم ثم من بنى مرة بن عبيد بن مقاعس بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد
ابن تميم، يقال لها عبلة.
ثم مضى من ناشروذ إلى شرواذ، وهي قرية. فغلب عليها وأصاب بها
جد إبراهيم بن بسام، فصار لابن عمير الليثي.
ثم حاصر مدينة زرنج بعد أن قاتله أهلها. فبعث إليه برويز مرزبانها
(ص 393) يستأمنه ليصالحه. فأمر بجسد من أجساد القتلى فوضع له. فجلس
عليه واتكأ على آخر، وأجلس أصحابه على أجساد القتلى. وكان الربيع آدم
أفوه طويلا، فلما رآه المرزبان هاله، فصالحه على ألف وصيف، مع كل
وصيف جام من ذهب. ودخل الربيع المدينة.
ثم أتى سناروذ، وهو واد، فعبره، وأتى القريتين. وهناك مربط فرس
رستم، فقاتلوه فظفر.
ثم قدم زرنج فأقام بها سنتين.
ثم أتى ابن عامر واستخلف بها رجلا من بنى الحارث بن كعب، فأخرجوه
وأغلقوها.
وكانت ولاية الربيع سنتين ونصفا. وسبى في ولايته هذه أربعين ألف
رأس. وكان كاتبه الحسن البصري.
ثم ولى ابن عامر عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس سجستان.
فأتى زرنج فحصر مرزبانها في قصره في يوم عيد لهم، فصالحه على ألفي ألف
485

درهم، وألفي وصيف. وغلب ابن سمرة على ما بين زرنج وكش من
ناحية الهند. وغلب من ناحية طريق الرخج على ما بينه وبين بلاد
الداور. فلما انتهى إلى بلاد الداور حصرهم في جبل الزور، ثم صالحهم،
فكانت عدة من معه من المسلمين ثمانية آلاف. فأصاب كل رجل
منهم أربعة آلاف. ودخل على الزور، وهو صنم من ذهب عيناه ياقوتتان. فقطع
يده وأخذ الياقوتتين. ثم قال للمرزبان: دونك الذهب والجوهر، وإنما أردت أن
أعلمك أنه لا يضر ولا ينفع.
وفتح بست وزابل بعهد.
972 - حدثني الحسين بن الأسود قال: حدثنا وكيع، عن حماد بن زيد، عن يحيى
ابن عتيق،
عن محمد بن سيرين أنه كره سبى زابل وقال: إن عثمان ولث لهم ولثا.
قال وكيع: عقد لهم عقدا، وهو دون العهد.
973 - قالوا: وأتى عبد الرحمن زرنج فأقام بها، حتى اضطرب أمر
عثمان. ثم استخلف أمير بن أحمر اليشكري وانصرف من سجستان.
ولأمير يقول زياد الأعجم:
لولا أمير هلكت يشكر * ويشكر هلكى على كل حال
ثم إن أهل زرنج أخرجوا أميرا وأغلقوها.
ولما فرغ علي بن أبي طالب عليه السلام من أمر الجمل خرج حسكة
486

ابن عتاب الحبطي وعمران بن الفصيل البرجمي في صعاليك من العرب حتى
نزلوا زالق، وقد نكث أهلها. فأصابوا منها مالا، وأخذوا جد البختري الأصم
ابن مجاهد مولى شيبان. ثم أتوا زرنخ وقد خافهم مرزبانها فصالحهم، ودخلوها
وقال الراجز.
بشر سجستان بجوع وحرب
بابن الفصيل وصعاليك العرب * لا فضة يغنيهم ولا ذهب
وبعث علي بن أبي طالب عبد الرحمن بن جزء الطائي إلى سجستان فقتله
حسكة. فقال على: لأقتلن من الحبطات أربعة آلاف. فقيل له: إن الحبطات
لا يكونون خمس مئة.
974 - وقال أبو مخنف: وبعث على رضي الله عنه عون بن جعدة
ابن هبيرة المخزومي إلى سجستان. فقتله بهدالى اللص الطائي في طريق العراق.
فكتب على إلى عبد الله بن العباس يأمره أن يولى سجستان رجلا في أربعة
آلاف. فوجه ربعي بن الكاس العنبري في أربعة آلاف. وخرج معه
الحصين بن أبي الحر - واسم أبى الحر مالك بن الخشخاش العنبري - وثات بن
ذي الحرة الحميري. وكان على مقدمته. فلما وردوا سجستان قاتلهم حسكة
فقتلوه. وضبط ربعي البلاد. فقال راجزهم: (ص 397)
نحن الذين اقتحموا سجستان
على ابن عتاب وجند الشيطان * يقدمنا الماجد عبد الرحمان
إنا وجدنا في منير الفرقان * أن لا نوالي شيعة ابن عفان
487

وكان ثات يسمى عبد الرحمن. وكان فيروز حصين ينسب إلى حصين بن أبي
الحر. وهذا هو من سبى سجستان.
ثم لما ولى معاوية بن أبي سفيان استعمل ابن عامر على البصرة. فولى
عبد الرحمن بن سمرة سجستان. فأتاها وعلى شرطته عباد بن الحصين الحبطي
ومعه من الاشراف عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي، وعبد الله بن خازم
السلمي، وقطري بن الفجاءة، والمهلب بن أبي صفرة. فكان يغزو البلد قد
كفر أهله فيفتحه عنوة أو يصالح أهله، حتى بلغ كابل. فلما صار إليها نزل
بها فحاصر أهلها أشهرا، وكان يقاتلهم ويرميهم بالمنجنيق، حتى ثلمت ثلمة
عظيمة، فبات عليها عباد بن الحصين ليلة يطاعن المشركين، حتى أصبح، فلم
يقدروا على سدها. وقاتل ابن خازم معه عليها. فلما أصبح الكفرة خرجوا
يقاتلون المسلمين. فضرب ابن خازم فيلا كان معهم فسقط على الباب الذي
خرجوا منه، فلم يقدروا على غلقه، فدخلها المسلمون عنوة.
وقال أبو مخنف: الذي عقر الفيل المهلب. وكان الحسن البصري يقول:
ما ظننت أن رجلا يقوم مقام ألف حتى رأيت عباد بن الحصين.
975 - قالوا: ووجه عبد الرحمن بن سمرة ببشارة الفتح عمر بن عبيد
الله بن معمر، والمهلب بن أبي صفرة.
ثم خرج عبد الرحمن فقطع وادى نسل.
ثم أتى خواش وقوزان بست ففتحها عنوة.
وسار إلى رزان فهرب أهلها، وغلب عليها.
ثم سار إلى خشك فصالحه أهلها.
488

ثم اتى الرخج فقاتلوه، فظفر بهم وفتحها.
ثم سار إلى ذا بلستان، فقاتلوه وقد كانوا نكثوا، ففتحها وأصاب سبيا.
وأتى كابل، وقد (ص 396) نكث أهلها ففتحها.
ثم ولى معاوية عبد الرحمن بن سمرة سجستان من قبله، وبعث إليه بعهده،
فلم يزل عليها حتى قدم زياد البصرة، فأقره أشهرا، ثم ولاها الربيع بن زياد.
ومات ابن سمرة بالبصرة سنة خمسين، وصلى عليه زياد. وهو الذي
قال له النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تسأل الامارة، فإنك إن أوتيتها عن غير مسألة
أعنت عليها، وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها. وإذا حلفت على يمين
فرأيت خيرا منها فأت الذي هو خير وكفره عن يمينك ".
وكان عبد الرحمن قدم بغلمان من سبى كابل فعملوا له مسجدا في قصره
بالبصرة على بناء كابل.
976 - قالوا: ثم جمع كابل شاه للمسلمين وأخرج من كان منهم بكابل.
وجاء رتبيل فغلب على ذا بلستان والرخج، حتى انتهى إلى بست. فخرج
الربيع بن زياد في الناس، فقاتل رتبيل ببست وهزمه، وأتبعه حتى أتى الرخج،
فقاتله بالرخج ومضى ففتح بلاد الداور.
ثم عزل زياد بن أبي سفيان الربيع بن زياد الحارثي وولى عبيد الله بن أبي
بكرة سجستان. فغزا، فلما كان برزان بعث إليه رتبيل يسأله الصلح عن
بلاده وبلاد كابل على ألف ألف ومائتي ألف. فأجابه إلى ذلك. وسأله أن
يهب له مائتي ألف ففعل. فتم الصلح على ألف ألف درهم. ووفد عبيد الله
على زياد فأعلمه ذلك. فأمضى الصلح.
489

ثم رجع عبيد الله بن أبي بكرة إلى سجستان فأقام بها إلى أن مات زياد.
وولى سجستان بعد موت زياد عباد بن زياد من قبل معاوية.
ثم لما ولى يزيد بن معاوية ولى سلم بن زياد خراسان وسجستان. فولى
سلم أخاه يزيد بن زياد سجستان. فلما كان موت يزيد أو قبل ذلك بقليل غدر
أهل كابل ونكثوا وأسروا أبا عبيدة بن زياد. فسار إليهم يزيد بن زياد
فقاتلهم، وهم بجنزة، فقتل يزيد (ص 397) بن زياد وكثير ممن كان معه
وانهزم سائر الناس. وكان فيمن استشهد زيد بن عبد الله بن أبي مليكة بن
عبد الله بن جدعان القرشي، وصلة بن أشيم أبو الصهباء العدوى، زوج معاذة
العدوية. فبعث سلم بن طلحة بن عبد الله بن خلف الخزاعي، الذي يعرف
بطلحة الطحات، ففدى أبا عبيدة بخمس مئة ألف درهم. وسار طلحة من كابل
إلى سجستان واليا عليها من قبل سلم بن زياد. فجبى وأعطى زواره، ومات
بسجستان. واستخلف رجلا من بنى يشكر، فأخرجته المضرية، ووقعت
العصبية، وغلب كل قوم على مدينتهم. فطمع فيهم رتبيل.
ثم قدم عبد العزيز بن عبد الله بن عامر واليا على سجستان من قبل القباع،
وهو الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي، في أيام ابن الزبير. فأدخلوه
مدينة زرنج، وحاربوا رتبيل، فقتله أبو عفراء عمير المازني، وانهزم المشركون.
وأرسل عبد الله بن ناشرة التميمي إلى عبد العزيز: أن خذ جميع ما في بيت
المال وانصرف. ففعل. وأقبل ابن ناشرة حتى دخل زرنج، ومضى وكيع
ابن أبي سود التميمي، فرد عبد العزيز وأدخله المدينة حين فتحت للحطابين،
وأخرج ابن ناشرة فجمع جمعا، فقاتله عبد العزيز بن عبد الله ومعه وكيع،
فعثر بابن ناشرة فرسه فقتل.
490

فقال أبو حزابة، ويقال حنظلة ابن عرادة:
ألا لا فتى بعد ابن ناشرة الفتى، * ولا شئ إلا قد تولى وأدبرا
أكان حصادا للمنايا ازدر عنه * فهلا تركن النبت ما كان أخضرا
فتى حنظلي ما تزال يمينه * تجود بمعروف وتنكر منكرا
لعمري لقد هدت قريش عروشنا * بأروع نفاح العشيات أزهرا
(ص 398)
واستعمل عبد الملك بن مروان أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي
العيص على خراسان. فوجه ابنه عبد الله بن أمية على سجستان، وعقد له
عليها وهو بكرمان. فلما قدمها غزا رتبيل الملك، بعد رتبيل الأول المقتول.
وقد كان هاب المسلمين. فصالح عبد الله حين نزل بست على ألف ألف. ففعل
وبعث إليه بهدايا ورقيق، فأبى قبول ذلك وقال: إن ملأ لي هذا الرواق ذهبا
وإلا فلا صلح بيني وبينه. وكان غزاء فخلى له رتبيل البلاد، حتى إذا أوغل
فيها أخذ عليه الشعاب والمضايق. وطلب إليهم أن يخلوا عنه ولا يأخذ منهم
شيئا. فأبى ذلك وقال: بل تأخذ ثلاث مئة ألف درهم صلحا، وتكتب لنا
بها كتابا، ولا تغزو بلادنا ما كنت واليا، ولا تحرق، ولا تخرب. ففعل
وبلغ عبد الملك بن مروان ذلك فعزله.
ثم لما ولى الحجاج بن يوسف العراق وجه عبيد الله بن أبي بكرة إلى
سجستان فخار ووهن. وأتى الرخج، وكانت البلاد مجدبة، فسار حتى نزل
بالقرب من كابل، وانتهى إلى شعب فأخذه عليه العدو، ولحقهم رتبيل.
فصالحهم عبيد الله على أن يعطوه خمس مئة ألف درهم، ويبعث إليه بثلاثة من
ولده: نهار والحجاج وأبى بكرة رهناء، ويكتب لهم كتابا أن لا يغزوهم ما كان
491

واليا. فقال له شريح بن هانئ الحارثي: اتق الله وقاتل هؤلاء القوم. فإنك
إن فعلت ما تريد أن تفعله أوهنت الاسلام بهذا الثغر، وكنت قد فررت
من الموت الذي إليه مصيرك. فاقتتلوا، وحمل شريح فقتل. وقاتل الناس
فأفلتوا وهم مجهودون، وسلكوا مفازة بست، فهلك كثير من الناس عطشا
وجوعا. ومات عبيد الله بن أبي بكرة كمدا لما نال الناس وأصابهم.
ويقال إنه اشتكى أذنه فمات. واستخلف على الناس ابنه أبا بردعة.
ثم إن عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث خلع وخرج إلى سجستان مخالفا
لعبد الملك بن مروان (ص 399) والحجاج: فهادن رتبيل وصار إليه.
ثم إن رتبيل أسلمه خوفا من الحجاج. وذلك أنه كتب إليه يتوعده فألقى
نفسه فوق؟ بل، ويقال من فوق سطح، وسقط معه الذي كان يحفظه، وكان
قد سلسل نفسه معه فمات. فأتى الحجاج برأسه، فصالح الحجاج رتبيل
على أن لا يغزوه سبع سنين، ويقال تسع سنين، على أن يؤدى بعد ذلك في كل
سنة ألف درهم عروضا. فلما انقضت السنون ولى الحجاج الأشهب بن بشر
الكلبي سجستان، فعاسر رتبيل في العروض التي أداها. فكتب إلى الحجاج
يشكوه إليه فعزله الحجاج.
977 - قالوا: ثم لما ولى قتيبة بن مسلم الباهلي خراسان وسجستان
في أيام الوليد بن عبد الملك، ولى أخاه عمرو بن مسلم سجستان. فطلب الصلح
من رتبيل دراهم مدرهمة. فذكر أنه لا يمكنه إلا ما كان فارق عليه الحجاج
من العروض. فكتب عمرو بذلك إلى قتيبة. فسار قتيبة إلى سجستان.
فلما بلغ رتبيل قدومه أرسل إليه: إنا لم نخلع يدا من الطاعة، وإنما فارقتمونا
492

على عروض فلا تظلمونا. فقال قتيبة للجند: اقبلوا منه العروض، فإنه ثغر
مشئوم. فرضوا بها.
ثم انصرف قتيبة إلى خراسان بعد أن زرع زرعا في أرض زرنج لييأس
العدو من انصرافه فيذعن له. فلما حصد ذلك الزرع منعت منه الأفاعي،
فأمر به فأحرق.
واستخلف قتيبة على سجستان ابن عبد الله بن عمير الليثي أخي عبد الله
ابن عامر لامه.
ثم ولى سليمان بن عبد الملك وولى يزيد بن المهلب العراق. فولى يزيد
مدرك بن المهلب، أخاه، سجستان. فلم يعطه رتبيل شيئا.
ثم ولى معاوية بن يزيد فرضخ له.
ثم ولى يزيد بن عبد الملك فلم يعط رتبيل عماله شيئا. قال: ما فعل قوم
كانوا يأتونا خماص البطون سود الوجوه من الصلاة (ص 400)، نعالهم
خوص؟ قالوا: انقرضوا. قال: أولئك أوفى منكم عهدا وأشد بأسا، وإن كنتم
أحسن منهم وجوها.
وقيل له: ما بالك كنت تعطى الحجاج الإتاوة ولا تعطيناها؟ فقال:
كان الحجاج رجلا لا ينظر فيما أنفق إذا ظفر ببغيته ولو لم يرجع إليه درهم،
وأنتم لا تنفقون درهما إلا إذا طمعتم في أن يرجع إليكم مكانه عشرة.
ثم لم يعط أحدا من عمال بنى أمية ولا عمال أبى مسلم على سجستان من تلك
الإتاوة شيئا.
978 - قالوا: ولما استخلف المنصور أمير المؤمنين ولى معن بن زائدة
الشيباني سجستان. فقدمها وبعث عماله عليها. وكتب إلى رتبيل يأمره بحمل
493

الإتاوة التي كان الحجاج صالح عليها. فبعث بإبل وقباب تركية ورقيق وزاد
في قيمة ذلك للواحد ضعفه. فغضب معن وقصد الرخج، وعلى مقدمته يزيد
ابن مزيد. فوجد رتبيل قد خرج عنها ومضى إلى ذابلستان ليصيف بها.
ففتحها وأصاب سبايا كثيرة. وكان فيهم فرج الرخجي، وهو صبي، وأبوه زياد.
فكان فرج يحدث ان معنا رأى غبارا ساطعا أثارته حوافر حمر وحشية،
فظن أن جيشا قد أقبل نحوه ليحاربه ويتخلص السبي والأسرى من يده.
فوضع السيف فيهم، فقتل منهم عدة كثيرة. ثم إنه تبين أمر الغبار، ورأى
الحمير، فأمسك.
وقال فرج: لقد رأيت أبى حين أمر معن بوضع السيف فينا وقد حنى على
وهو يقول: اقتلوني ولا تقتلوا ابني.
979 - قالوا: وكانت عدة من سبى وأسر زهاء ثلاثين ألفا. فطلب
ماوند خليفة رتبيل الأمان على أن يحمله إلى أمير المؤمنين. فآمنه، وبعث به إلى
بغداذ مع خمسة آلاف من مقاتلتهم، فأكرمه المنصور وفرض له وقوده.
980 - قالوا: وخاف معن الشتاء وهجومه، فانصرف إلى بست. وأنكر
قوم من الخوارج سيرته فاندسوا مع فعلة كانوا يبنون في منزله بناء، فلما بلغوا
التسقيف احتالوا لسيوفهم فجعلوها في حزم القصب، ثم (ص 401) دخلوا
عليه قبته وهو يحتجم ففتكوا به، وشق بعضهم بطنه بخنجر كان معه.
وقال أحدهم: وضربه على رأسه أبو الغلام الطاقي. - والطاق رستاق
بقرب زرنج - فقتلهم يزيد بن مزيد فلم ينج منهم أحد.
ثم إن يزيد قام بأمر سجستان، واشتدت على العرب والعجم من أهلها وطأته.
فاحتال بعض العرب فكتب على لسانه إلى المنصور كتابا يخبره أن كتب
494

المهدى إليه قد حيرته وأدهشته، ويسأله أن يعفيه من معاملته. فأغضب ذلك
المنصورة وشتمه، وأقرأ المهدى كتابه، فعزله وأمر بحبسه وبيع كل شئ له.
زرنج ثم - إنه كلم فيه، فأشخص إلى مدينة للسلام.
فلم يزل بها مجفوا حتى لقيه الخوارج على الجسر فقاتلهم. فتحرك أمره
قليلا. ثم توجه إلى يوسف البرم بخراسان، فلم يزل في ارتفاع.
ولم يزل عمال المهدى والرشيد، رحمهما الله، يقبضون الإتاوة من رتبيل
سجستان على قدر قوتهم وضعفهم، ويولون عمالهم النواحي التي قد غلب عليها
الاسلام. ولما كان المأمون بخراسان أديت إليه الإتاوة مضعفة. وفتح كابل،
وأظهر ملكها الاسلام والطاعة، وأدخلها عامله، واتصل إليها البريد، فبعث
إليه منها بإهليلج غض، ثم استقامت بعد ذلك حينا.
981 - وحدثني العمرى،
عن الهيثم بن عدي قال: كان في صلحات سجستان القديمة أن لا يقتل
لهم ابن عرس لكثرة الأفاعي عندهم.
قال: أول من دعا أهل سجستان إلى رأى الخوارج رجل من بنى تميم
يقال له عاصم أو ابن عاصم.
495