الكتاب: تاريخ الطبري
المؤلف: الطبري
الجزء: ٧
الوفاة: ٣١٠
المجموعة: مصادر التاريخ
تحقيق: مراجعة وتصحيح وضبط : نخبة من العلماء الأجلاء
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: قوبلت هذه الطبعة على النسخة المطبوعة بمطبعة "بريل" بمدينة لندن في سنة ١٨٧٩ م)

تاريخ الأمم والملوك
للامام أبى جعفر محمد بن جرير الطبري
الجزء السابع
[قوبلت هذه الطبعة على النسخة المطبوعة]
[بمطبعة " بريل " بمدينة ليدن في سنة 1879 م].
راجعه وصححه وضبطه
نخبة من العلماء الاجلاء
منشورات
مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
بيروت - لبنان
ص. ب 7120
1

* بسم الله الرحمن الرحيم *
* ثم دخلت سنة خمس وتسعين ومائة *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمن ذلك ما كان من أمر محمد بن هارون باسقاط ما كان ضرب لأخيه عبد الله المأمون من
الدنانير والدراهم بخراسان في سنة 194 لان المأمون كان أمر ألا يثبت فيها اسم محمد وكان
يقال لتلك الدنانير والدراهم الرباعية وكانت لا تجوز حينا (وفيها) نهى الأمين عن الدعاء
على المنابر في عمله للمأمون والقاسم وأمر بالدعاء له عليها ثم من بعده لابنه موسى وذلك
في صفر من هذه السنة وابنه موسى يومئذ طفل صغير فسماه الناطق بالحق وكان
ما فعل من ذلك عن رأى الفضل بن الربيع فقال في ذلك بعض الشعراء
أضاع الخلافة غش الوزير * وفسق الأمير وجهل المشير
ففضل وزير وبكر مشير * يريدان ما فيه حتف الأمير
فبلغ ذلك المأمون فتسمى بامام الهدى وكوتب بذلك (وفيها) عقد محمد لعلى
ابن عيسى بن ماهان يوم الأربعاء لليلة خلت من شهر ربيع الآخر على كور الجبل
كلها نهاوند وهمذان وقم وأصفهان حربها وخراجها وضم إليه جماعة من القواد
وأمر له فيما ذكر بمائتي ألف دينار ولولده بخمسين ألف دينار وأعطى الجند مالا
عظيما وأمر له من السيوف المحلاة بألفي سيف وستة آلاف ثوب للخلع وأحضر
محمد أهل بيته ومواليه وقواده المقصورة بالشماسية يوم الجمعة لثمان خلون من
جمادى الآخرة فصلى محمد الجمعة ودخل وجلس لهم ابنه موسى في المحراب ومعه
الفضل بن الربيع وجميع من أحضر فقرأ عليهم كتابا من الأمين يعلمهم رأيه فيهم
وحقه عليهم وما سبق لهم من البيعة متقدما مفردا بها ولزوم ذلك لهم وما أحدث
عبد الله من التسمي بالإمامة والدعاء إلى نفسه وقطع البريد وقطع ذكره في دور
الضرب والطرز وأن ما أحدث من ذلك ليس له ولا ما يدعى من الشروط التي شرطت
2

له بجائزة له وحثهم على طاعته والتمسك ببيعته وقام سعيد بن الفضل الخطيب بعد
قراءة الكتاب فعارض ما في الكتاب بتصديقه والقول بمثله ثم تكلم الفضل
ابن الربيع وهو جالس فبالغ في القول وأكثر وذكر أنه لاحق لاحد في الإمامة
والخلافة إلا لأمير المؤمنين محمد الأمين وان الله لم يجعل لعبد الله ولا لغيره في ذلك حظا
له ولا نصيبا فلم يتكلم أحد من أهل بيت محمد ولا غيرهم بشئ إلا محمد بن عيسى بن نهيك
ونفر من وجوه الحرس وقال الفضل بن الربيع في كلامه إن الأمير موسى ابن
أمير المؤمنين قد أمر لكم يا معاشر أهل خراسان من صلب ماله بثلاثة آلاف ألف
درهم تقسم بينكم ثم انصرف الناس وأقبل علي بن عيسى على محمد يخبره أن أهل
خراسان كتبوا إليه يذكرون أنه ان خرج هو أطاعوه وانقادوا معه (وفيها)
شخص علي بن عيسى إلى الري إلى حرب المأمون
* ذكر الخبر عن شخوصه إليها وما كان من أمره في شخوصه ذلك *
ذكر الفضل بن إسحاق أن علي بن عيسى شخص من مدينة السلام عشية الجمعة
لخمس عشرة خلت من جمادى الآخرة سنة 195 شخص عشية تلك فيما بين صلاة
الجمعة إلى صلاة العصر إلى معسكره بنهر بين فأقام فيها زهاء أربعين ألفا وحمل
معه قيد فضة ليقيد به المأمون بزعمه وشخص معه محمد الأمين إلى النهروان يوم الأحد
لست بقين من جمادى الآخرة فعرض بها الذين ضموا إلى علي بن عيسى ثم أقام بقية
يومه ذلك بالنهروان ثم انصرف إلى مدينة السلام وأقام علي بن عيسى
بالنهروان ثلاثة أيام ثم شخص إلى ما وجه له مسرعا حتى نزل همذان فولى عليها
عبد الله بن حميد بن قحطبة وقد كان محمد كتب إلى عصمة بن حماد بالانصراف
في خاصة أصحابه وضم بقية العسكر وما فيه من الأموال وغير ذلك إلى علي بن
عيسى وكتب إلى أبى دلف القاسم بن عيسى بالانضمام إليه فيمن معه من أصحابه
.... معه هلال بن عبد الله الحضرمي وأمر له بالفرض ثم عقد لعبد الرحمن
ابن جبلة الأنباري على الدينور وأمره بالسير في بقية أصحابه ووجه معه ألفى
ألف درهم حملت إليه قبل ذلك ثم شخص علي بن عيسى من همذان يريد الري
3

قبل ورود عبد الرحمن عليه فسار حتى بلغ الري على تعبئة فلقيه طاهر بن الحسين
وهو في أقل من أربعة آلاف وقيل كان في ثلاثة آلاف وثمانمائة وخرج
من عسكر طاهر ثلاثة أنفس إلى علي بن عيسى يتقربون إليه بذلك فسألهم من هم
ومن أي البلدان هم فأخبره أحدهم أنه كان من جند عيسى ابنه الذي قتله رافع
قال فأنت من جندي فأمر به فضرب مائتي سوط واستخف بالرجلين وانتهى
الخبر إلى أصحاب طاهر فازدادوا جدا في محاربته ونفورا منه فذكر أحمد بن
هشام أنه لم يكن ورد عليهم الكتاب من المأمون بأن تسمى بالخلافة إذ التقينا
وكان أحمد على شرطة طاهر فقلت لطاهر قد ورد علي بن عيسى فيمن ترى
فان ظهرنا له فقال أنا عامل أمير المؤمنين وأقررنا له بذلك لم يكن لنا أن نحاربه
فقال لي طاهر لم يجئني في هذا شئ فقلت دعني وما أريد قال شأنك قال فصعدت
المنبر فخلعت محمدا ودعوت للمأمون بالخلافة وسرنا من يومنا أو من غد يوم
السبت وكان ذلك في شعبان سنة 195 فنزلنا قسطانة وهى أول مرحلة من
الري إلى العراق وانتهى علي بن عيسى إلى برية يقال لها مشكويه وبيننا وبينه
سبعة فراسخ وجعلناه معه مقدمتنا على فرسخين من جنده وكان علي بن عيسى
ظن أن طاهرا إذا رآه يسلم إليه العمل فلما رأى الجد منه قال هذا موضع مفازة وليس
... فأخذ يساره إلى رستاق يقال له رستاق بنى الرازي وكان معنا الأتراك فنزلنا
على نهر ونزل قريبا منا وكان بيننا وبينه دكادك وجبال فلما كان في آخر الليل جاءني
رجل فأخبرني أن علي بن عيسى قد دخل الري وقد كان كاتبهم فأجابوه فخرجت
معه إلى الطريق فقلت له هذا طريقهم وما هنا أثر حافر وما يدل على أنه سار
وجئت إلى طاهر فأنبهته فقلت له تصلى قال نعم فدعا بماء فتهيأ فقلت له الخبر كيت
وكيت وأصبحنا فقال لي تركب فوقفنا على الطريق فقال لي هل لك أن تجوز
هذه الدكادك فأشرفنا على عسكر علي بن عيسى وهم يلبسون السلاح فقال ارجع
أخطأنا فرجعنا فقال لي اخرج قال فدعوت المأموني والحسن بن يونس
المحاربي والرسهمي فخرجوا جميعا فكان على الميمنة المأموني وعلى الميسرة
4

الرسهمي ومحمد بن مصعب قال وأقبل على في جيشه فامتلأت الصحراء بياضا وصفرة
من السلاح والذهب وجعل على ميمنته الحسين بن علي ومعه أبو دلف القاسم بن
عيسى بن إدريس وعلى ميسرته آخر وكروا فهزمونا حتى دخلوا العسكر فخرج
إليهم الساعة السوعاء فهزموهم قال وقال طاهر لما رأى علي بن عيسى هذا مالا قبل
لنا به ولكن نجعلها خارجية فقصد قصد القلب فجمع سبعمائة رجل من الخوارزمية
فيهم ميكائيل وسبسل وداود سياه قال أحمد بن هشام قلنا لطاهر نذكر علي بن
عيسى البيعة التي كانت والبيعة التي أخذها هو للمأمون خاصة على معاشر أهل
خراسان فقال نعم قال فعلقناهما على رمحين وقمت بين الصفين فقلت الأمان
لا ترمونا ولا نرميكم فقال علي بن عيسى ذلك لك فقلت يا علي بن عيسى ألا تتقى
الله أليس هذه نسخة البيعة التي أخذتها أنت خاصة اتق الله فقد بلغت باب قبرك
فقال من أنت قلت أحمد بن هشام وقد كان علي بن عيسى ضربه أربعمائة سوط
فصاح علي بن عيسى يا أهل خراسان من جاء به فله ألف درهم قال وكان
معنا قوم بخارية فرموه وقالوا نقتلك ونأخذ مالك وخرج من عسكره العباس بن
الليث مولى المهدى وخرج رجل يقال له حاتم الطائي فشد عليه طاهر وشد يديه
على مقبض السيف فضربه فصرعه وشد داود سياه على علي بن عيسى فصرعه وهو
لا يعرفه وكان علي بن عيسى على برذون أرحل حمله عليه محمد وذلك يكره في الحرب
ويدل على الهزيمة قال فقال داود ناري أسنان كتبتم قال فقال طاهر الصغير وهو
طاهر بن التاجي علي بن عيسى أنت قال نعم أنا علي بن عيسى وظن أنه يهاب
ولا يقدم عليه أحد فشد عليه فذبحه بالسيف ونازعهم محمد بن مقاتل بن صالح
الرأس فنتف محمد خصلة من لحيته فذهب بها إلى طاهر وبشره وكانت ضربة طاهر
هي الفتح فسمى يومئذ ذا اليمينين بذلك السبب لأنه أخذ السيف بيديه وتناول
أصحابه النشاب ليرمونا فلم أعلم بقتل على حتى قيل قتل والله الأمير فتبعناهم فرسخين
وواقفونا اثنى عشرة مرة كل ذلك نهزمهم فلحقني طاهر بن التاجي ومعه رأس
علي بن عيسى وكان آلى أن ينصب رأس أحمد عند المنبر الذي خلع عليه محمد وقد
5

كان أمر أن يهيأ له الغداء بالري قال فانصرفت فوجدت عيبة لعلى فيها دراعة
وجبة وغلالة فلبستها وصليت ركعتين شكر الله تبارك وتعالى ووجدنا في عسكره
سبعمائة كيس في كل كيس ألف درهم ووجدنا عدة بغال عليها صناديق في أيدي
أولئك البخارية الذين شتموه وظنوا أنه مال فكسروا الصناديق فإذا فيها خمر
سوادي وأقبلوا يفرقون القناني وقالوا عملنا الجد حتى نشرب قال أحمد بن هشام
وجئت إلى مضرب طاهر وقد اغتم لتأخري عنه فقال لي البشرى هذا رأس على
قال فأعتق طاهر من كان بحضرته من غلمانه شكرا لله ثم جاؤوا بعلى قد شدوا
الأعوان يديه إلى رجليه يحمل على خشبة كما يحمل الحمار وأمر به فلف في لبد
وألقى في بئر قال وكتب إلى ذي الرئاستين بالخبر قال فسارت الخريطة وبين مرو وذلك
الموضع نحو من خمسين ومائتي فرسخ ليلة الجمعة وليلة السبت وليلة الاحد وردت عليهم
يوم الأحد قال ذو الرئاستين كنا قد وجهنا هرثمة واحتشدنا في السلاح مددا وسار في
ذلك اليوم وشيعه المأمون فقلت للمأمون لا تبرح أبدا حتى يسلم عليك بالخلافة فقد
وجب لك ولا نأمن أن يقال بصلح بين الأخوين فإذا سلم عليك بالخلافة لم يمكن
أن ترجع فتقدمت أنا وهرثمة والحسن بن سهل فسلمنا عليه بالخلافة وتبادر شيعة
المأمون فرجعت وأنا كال تعب لم أنم ثلاثة أيام في جهاز هرثمة فقال لي الخادم
هذا عبد الرحمن بن مدرك وكان يلي البريد ونحن نتوقع الخريطة لنا أو علينا فدخل
وسكت قلت ويلك ما وراءك قال الفتح فإذا كتاب طاهر إلى أطال الله بقاءك وكبت
أعداءك وجعل من يشنأك فداءك كتبت إليك ورأس علي بن عيسى بين يدي
وخاتمه في أصبعي والحمد لله رب العالمين فوثبت إلى دار أمير المؤمنين فلحقني
الغلام بالسواد فدخلت على المأمون فبشرته وقرأت عليه الكتاب فأمر بإحضار
أهل بيته والقواد ووجوه الناس فدخلوا فسلموا عليه بالخلافة ثم ورد رأس على
يوم الثلاثاء فطيف به في خراسان * وذكر الحسن بن أبي سعيد قال عقدنا للطاهر
سنة 194 فاتصل عقده إلى الساعة * وذكر محمد بن يحيى بن عبد الملك النيسابوري
قال لما جاء نعى علي بن عيسى وقتله إلى محمد بن زبيدة وكان في وقته ذلك على
6

الشط يصيد السمك فقال للذي أخبره ويلك دعني فان كوثرا قد اصطاد سمكتين
وأنا ما اصطدت شيئا بعد قال وكان بعض الحسد لطاهر يقول إن عليا يعلو عليه
وقال متى يقوم طاهر لحرب على مع كثرة جيشه وطاعة أهل خراسان له فلما قتل على
تضاءل وقال والله لو لقيه طاهر وحده لقاتله في جيشه حتى يغلب أو يقتل دونه
وقال رجل من أصحاب على له بأس ونجدة في قتل على
لقينا الليث مفترسا لديه * وكنا ما ينهنهنا اللقاء
نخوض الموت والغمرات قدما * إذا ما كر ليس به خفاء
فضعضع ركبنا لما التقينا * وراح الموت وانكشف الغطاء
وأردى كبشنا والرأس منا * كأن بكفه كان القضاء
ولما انتهى الخبر بقتل علي بن عيسى إلى محمد والفضل بعث إلى نوفل خادم
المأمون وكان وكيل المأمون ببغداد وخازنه وقيمه في أهله وولده وضياعه وأمواله
عن لسان محمد فأخذ منه الألف ألف درهم التي كان الرشيد وصل بها المأمون
وقبض ضياعه وغلاته بالسواد وولى عليها عمالا من قبله ووجه عبد الرحمن
الأنباري بالقوة والعدة فنزل همدان * وذكر بعض من سمع عبد الله بن خازم
عند ذلك يقول يريد محمد إزالة الجبال وفل العساكر بتدبيره والمنكوس من
تظهيره هيهات والله كما قال الأول * قد ضيع الله ذودا أنت راعيها * ولما بايع
محمد لابنه موسى ووجه علي بن عيسى قال شاعر من أهل بغداد في ذلك لما رأى
تشاغل محمد بلهوه وبطالته وتخليته عن تدبير على والفضل بن الربيع
أضاع الخلافة غش الوزير * وفسق الامام وجهل المشير
ففضل وزير وبكر مشير * يريدان ما فيه حتف الأمير
وما ذاك إلا طريق غرور * وشر المسالك طرق الغرور
لواط الخليفة أعجوبة * وأعجب منه خلاق الوزير
فهذا يدوس وهذا يداس * كذاك لعمري اختلاف الأمور
فلو يستعينان هذا بذاك * لكانا بعرضة أمر ستير
7

ولكن ذا لج في كوثر * ولم يشف هذا دعاس الحمير
فشنع فعلاهما منهما * وصارا خلافا كبول البعير
وأعجب من ذا وذا أننا * نبايع للطفل فينا الصغير
ومن ليس يحسن غسل استه * ولم يخل متنه من حجر ظير
وما ذاك إلا بفضل وبكر * يريدان نقض الكتاب المنير
وهذان لولا انقلاب الزمان * أفى العير هذان أم في النفير
ولكنها قنن كالجبال * ترفع فيها الوضيع الحقير
فصبرا ففي الصبر خير كبير * وإن كان قد ضاق صبر الصبور
فيارب فاقبضهما عاجلا * إليك وأورد عذاب السعير
ونكل بفضل وأشياعه * وصلبهم حول هذى الجسور
وذكر أن محمدا لما بعث إلى المأمون في البيعة لابنه موسى ووجه الرسل إليه
في ذلك كتب المأمون جواب كتابه (أما بعد) فقد انتهى إلى كتاب أمير المؤمنين
منكرا لآبائي منزلة تهضمني بها وأرادني على خلاف ما يعلم من الحق فيها ولعمري
أن أورد أمير المؤمنين موارد النصفة فلم يطالب إلا بها ولم يوجب نكرة تركها
لانبسطت بالحجة مطالع مقالته ولكنت محجوجا بمفارقة ما يوجب من طاعته
فأما وأنا مذعن بها وهو على ترك إعمالها فأولى به أن يدير الحق في أمره ثم يأخذ
به ويعطى من نفسه فان صرت إلى الحق فرغت عن قلبه وإن أبيت الحق قام
بمعذرته وأما ما وعد من بر طاعته وأوعد من الوطأة بمخالفته فهل أحد فارق الحق
في فعله فأبقى للمتبين موضع ثقة بقوله والسلام قال وكتب إلى علي بن عيسى لما
بلغه ما عزم عليه (أما بعد) فإنك في ظل دعوة لم تزل أنت وسلفك بمكان ذب
عن حريمها وعلى العناية لحفظها ورعاية لحقها توجبون ذلك لأئمتكم وتعتصمون
بحبل جماعتكم وتعطون بالطاعة من أنفسكم وتكونون يدا على أهل مخافتكم
وحزبا وإخوانا لأهل موافقتكم تؤثرونهم على الآباء والأبناء وتتصرفون فيما
تصرفوا فيه من منزلة شديدة ورجاء لا ترون شيئا أبلغ في صلاحكم من الامر الجامع
8

لألفتكم ولا أجرى لبواركم مما دعا بشتات كلمتكم ترون من رغب عن ذلك
جائرا عن القصد وعن أمه على منهاج الحق ثم كنتم على منهاج الحق ثم كنتم
على أولئك سيوفا من سيوف نقم الله فكم من أولئك قد صاروا وديعة مسبعة
وجزرا جامدة قد سفت الرياح في وجهه وتداعت السباع إلى مصرعه غير ممهد
ولا موسد قد صار إلى أمة... وغير عاجل حظه ممن كانت الأئمة تنزلكم لذلك
بحيث أنزلتم أنفسكم من الثقة بكم في أمورها والتقدمة في آثارها وأنت مستشعر دون
كثير من ثقاتها وخاصتها حتى بلغ الله بك في نفسك أن كنت قريع أهل دعوتك
والعلم القائم بمعظم أمر أمتك إن قلت ادنوا دنوا وان أشرت أقبلوا أقبلوا وإن
أمسكت وقفوا وأقروا وآمالك واستنصاحا وتزداد نعمة مع الزيادة في نفسك
ويزدادون نعمة مع الزيادة لك بطاعتك حتى حللت المحل الذي قربت به من يومك
وانقرض فيما دونه أكثر مدتك لا ينتظر بعدها الا ما يكون ختام عملك من خير
فيرضى به ما تقدم من صالح فعلك أو خلاف فيضل له متقدم سعيك ولا ترى
يا أبا يحيى حالا عليها جلوت أهل نعمتك والولاة القائمة بحق إمامتك من طعن
عقدة كنت القائم بشدها وبعهود توليت معاقد أخذها يبدأ فيها بالأخصين حتى
أفضى الامر إلى العامة من المسلمين بالايمان المحرجة والمواثيق المؤكدة وما طلع
مما يدعو إلى نشر كلمة وتفريق أمة وشت جماعة وتتعرض به لتبديل نعمة وزوال
ما وطأت الأسلاف من الأئمة ومتى زالت نعمة من ولاة أمركم وصل زوالها
إليكم في خواص أنفسكم ولن يغير الله بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وليس الساعي
في نشرها بساع فيها على نفسه دون السعي على جملتها القائمين بحرمتها قد عرضوهم
أن يكونوا جزرا لأعدائهم وطعمة قوم يتظفر مخالبهم في دمائهم ومكانك المكان
الذي إن قلت رجع إلى قولك وإن أشرت لم تتهم في نصيحتك ولك مع إيثار
الحق الحظوة عند أهل الحق ولا سواء من حظى بعاجل مع فراق الحق فأوبق
نفسه في عاقبته ومن أعان الحق فأدرك به صلاح العاقبة مع وفور الحظ في
عاجلته وليس لك ما تستدعى ولا عليه ما تستعطف ولكنه حق من حق أحسابك
9

يجب ثوابه على ربك ثم على من قمت بالحق فيه من أهل إمامتك فان أعجزك قول
أو فعل فصر إلى الدار التي تأمن فيها على نفسك وتحكم فيها برأيك وتجاوز إلى
من يحسن تقبلا لصالح فعلك ويكون مرجعك إلى عقدك وأموالك ولك بذلك
الله وكفى بالله وكيلا وإن تعذر ذلك بقية على نفسك فإمساكا بيدك وقولا
بحق ما لم نخف وقوعه بكرهك فلعل مقتديا بك ومغتبطا بنهيك ثم أعلمني رأيك
أعرفه إن شاء الله قال فأتى على بالكتاب إلى محمد فشب أهل النكث من الكفاة من
تلهيبه وأوقدوا نيرانه وأعان على ذلك حميا قدرته وتساقط طبيعته ورد
الرأي إلى الفضل بن الربيع لقيامه كان بمكانفته وكانت كتب ذي الرئاستين ترد
إلى الدسيس الذي كان يشاوره في أمره ان أبى القوم إلا عزمة الخلاف فالطف
لان يجعلوا أمره لعلي بن عيسى وإنما خص ذو الرئاستين عليا بذلك لسوء أثره في
أهل خراسان واجتماع رأيهم على ما كرهه وإن العامة قائلة بحربه فشاور الفضل
الدسيس الذي كان يشاوره فقال علي بن عيسى وإن فعل فلم ترمهم بمثله في بعد
صومه وسخاوة نفسه ومكانه في بلاد خراسان في طول ولايته وكثرة صنائعه
فيهم ثم هو شيخ الدعوة وبقية أهل المشايعة فأجمعوا على توحيه على فكان من
توجيهه ما كان وكان يجتمع للمأمون بتوجيه على جندان أجناده الذين يحاربه بهم
والعامة من أهل خراسان حزب عليه لسوء أثره فيهم وذلك رأى يكثر الاخطار
به إلا في صدور رجال ضعاف الرأي بحال على في نفسه وما تقدم له ولسلفه فكان
ما كان من أمره ومقتله * وذكر سهل أن عمرو بن حفص مولى محمد قال دخلت
على محمد في جوف الليل وكنت من خاصته أصل إليه حيث لا يصل إليه
أحد من مواليه وحشمه فوجدته والشمع بين يديه وهو يفكر فسلمت عليه
فلم يردد على فعلمت أنه في تدبير بعض أموره فلم أزل واقفا على رأسه حتى مضى
أكثر الليل ثم رفع رأسه إلى فقال أحضرني عبد الله بن خازم فمضيت إلى عبد الله
فأحضرته فلم يزل في مناظرته حتى انقضى الليل فسمعت عبد الله وهو يقول
أنشدك الله يا أمير المؤمنين أن تكون أول الخلفاء نكث عهده ونقض ميثاقه
10

واستخف بيمينه ورد رأى الخليفة قبله فقال اسكت لله أبوك فعبد الملك كان
أفضل منك رأيا وأكمل نظرا حيث يقول لا يجتمع فحلان في هجمة قال عمرو
ابن حفص وسمعت محمدا يقول للفضل بن الربيع ويلك يا فضل لا حياة مع بقاء
عبد الله وتعرضه ولابد من خلعه والفضل يعينه على ذلك ويعده أن يفعل وهو
يقول فمتى ذلك إذا غلب على خراسان وما يليها * وذكر بعض خدم محمد أن محمدا
لما هم بخلع المأمون والبيعة لابنه جمع وجوه القواد فكان يعرض عليهم واحدا
واحدا فيأبونه وربما ساعده قوم حتى بلغ إلى خزيمة بن خازم فشاوره في ذلك
فقال يا أمير المؤمنين لم ينصحك من كذبك ولم يغشك من صدقك لا تجرئ القواد
على الخلع فيخلعوك ولا تحملهم على نكث العهد فينكثوا عهدك وبيعتك فان
الغادر مخذول والناكث مفلول وأقبل علي بن عيسى بن ماهان فتبسم محمد ثم
قال لكن شيخ هذه الدعوة وناب هذه الدولة لا يخالف على إمامه ولا يوهن
طاعته ثم رفعه إلى موضع لم أره رفعه إليه فيما مضى فيقال إنه أول القواد أجاب
إلى خلع عبد الله وتابع محمدا على رأيه (قال أبو جعفر) ولما عزم محمد على خلع
عبد الله قال له الفضل بن الربيع لا تعذر إليه يا أمير المؤمنين فإنه أخوك ولعله
يسلم هذا الامر في عافية فتكون قد كفيت مؤونته وسلمت من محاربته
ومعاندته قال فأفعل ماذا قال تكتب إليه كتابا تستطيب به نفسه وتسكن وحشته وتسأله
الصفح لك عما في يده فان ذلك أبلغ في التدبير وأحسن في القالة من مكاثرته بالجنود
ومعاجلته بالكيد فقال له أعمل في ذلك رأيك فلما حضر إسماعيل بن صبيح للكتاب إلى
عبد الله قال يا أمير المؤمنين إن مسألتك الصفح عما يديه توليد للظن وتقوية للتهمة
ومدعاة للحذر ولكن اكتب إليه فأعلمه حاجتك إليه وما تحب من قربه والاستعانة
برأيه وسله القدوم إليك فان ذلك أبلغ وأحرى أن يبلغ فيما يوجب طاعته وإجابته
فقال الفضل القول ما قال يا أمير المؤمنين قال فليكتب بما رأى قال فكتب إليه من
عند الأمين محمد أمير المؤمنين إلى عبد الله بن هارون أمير المؤمنين (أما بعد) فان
أمير المؤمنين روى في أمرك والموضع الذي أنت فيه من ثغرك وما يؤمل في قربك
11

من المعاونة والمكانفة على ما حمله الله وقلده من أمور عباده وبلاده وفكر فيما
كان أمير المؤمنين الرشيد أوجب لك من الولاية وأمر به من افرادك على ما تصير
إليك منها فرجا أمير المؤمنين أن لا يدخل عليه وكف في دينه ولانكث في يمينه
إذ كان اشخاصه إياك فيما يعود على المسلمين نفعه ويصل إلى عامتهم صلاحه وفضله وعلم
أمير المؤمنين أن مكانك بالقرب منه أسد للثغور وأصلح للجنود وآكد للفئ وأرد على
العامة من مقامك ببلاد خراسان منقطعا عن أهل بيتك متغيبا عن أمير المؤمنين وما يحب
الاستمتاع به من رأيك وتدبيرك وقد رأى أمير المؤمنين أن يولى موسى بن أمير
المؤمنين فيما يقلده من خلافتك ما يحدث إليه من أمرك ونهيك فاقدم على أمير المؤمنين
على بركة الله وعونه بأبسط أمل وأفسح رجاء وأحمد عاقبة وأنفذ بصيرة فإنك أولى
من استعان به أمير المؤمنين على أموره واحتمل عنه النصب فيما فيه صلاح أهل بيته
وذمته والسلام ودفع الكتاب إلى العباس بن موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي
وإلى عيسى بن جعفر بن أبي جعفر وإلى محمد بن عيسى بن نهيك وإلى صالح
صاحب المصلى وأمرهم أن يتوجهوا به إلى عبد الله المأمون وأن لا يدعوا وجها من
اللين والرفق إلا بلغوه وسهلوا الامر عليه فيه وحمل بعضهم الأموال والالطاف
والهدايا وذلك في سنة 194 فتوجهوا بكتابه فلما وصلوا إلى عبد الله أذن
لهم فدفعوا إليه كتاب محمد وما كان بعث به معهم من الأموال والالطاف ثم تكلم
العباس بن موسى بن عيسى فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الأمير إن أخاك قد
تحمل من الخلافة ثقلا عظيما ومن النظر في أمور الناس عبئا جليلا وقد صدقته
نيته في الخير فأعوزه الوزراء والأعوان والكفاة على العدل وقليل ما يأنس بأهل
بيته وأنت أخوه وشقيقه وقد فزع إليك في أموره وأملك للموازرة والمكانفة
ولسنا نستبطئك في بره اتهاما لنصرك له ولا نحضك على طاعة تخوفا لخلافك عليه
وفى قدومك عليه أنس عظيم وصلاح لدولته وسلطانه فأجب أيها الأمير دعوة أخيك
وآثر طاعته وأعنه على ما استعانك عليه في أمره فان في ذلك قضاء الحق وصلة الرحم
وصلاح الدولة وعز الخلافة عزم الله للأمير على الرشيد في أموره وجعل له الخيرة
12

والصلاح في عواقب رأيه وتكلم عيسى بن جعفر بن أبي جعفر فقال إن
الاكثار على الأمير الله الله في القول خرق والاقتصار في تعريفه ما يجب من
حق أمير المؤمنين تقصير وقد غاب الأمير أكرمه الله عن أمير المؤمنين ولم
يستغن عن قربه من شهد غيره من أهل بيته ولا يجد عنده غنى ولا يجد منه خلفا
ولا عوضا والأمير أولى من بر أخاه وأطاع إمامه فليعمل الأمير فيما كتب به
إليه أمير المؤمنين بما هو أرضى وأقرب من موافقة أمير المؤمنين ومحبته فإن
القدوم عليه فضل وحظ عظيم والابطاء عنه وكف في الدين وضرر ومكروه
على المسلمين وتكلم محمد بن عيسى بن نهيك فقال أيها الأمير إنا لا نزيدك بالاكتار
والتطويل فيما أنت عليه من المعرفة بحق أمير المؤمنين ولا يشحذ نيتك بالأساطير
والخطب فيما يلزمك من النظر والعناية بأمور المسلمين وقد أعوز أمير المؤمنين
الكفاة والنصحاء بحضرته وتناولك فزعا إليك في المعونة والتقوية له على أمره
فان تجب أمير المؤمنين فيما دعاك الين فنعمة عظيمة يتلافى بها رعيتك وأهل
بيتك وإن تقعد يغن الله أمير المؤمنين عنك ولن يضعه ذلك مما هو عليه من
البر بك والاعتماد على طاعتك ونصيحتك وتكلم صالح صاحب المصلى فقال أيها
الأمير إن الخلافة ثقيلة والأعوان قليل ومن يكيد هذه الدولة وينطوى على غشها
والمعاندة لأوليائها من أهل الخلافة والمعصية كثير وأنت أخو أمير المؤمنين وشقيقه
وصلاح الأمور وفسادها راجع عليك وعليه إذ أنت ولى عهده والمشارك في سلطانه
وولايته وقد تناولك أمير المؤمنين بكتابه ووثق بمعاونتك على ما استعانك عليه
من أموره وفى اجابتك إياه إلى القدوم عليه صلاح عظيم في الخلافة وأنس
وسكون لأهل الملة والذمة وفق الله الأمير في أموره وقضى له بالذي هو أحب
إليه وأنفع له * فحمد الله المأمون وأثنى عليه ثم قال قد عرفتموني من حق أمير
المؤمنين أكرمه الله مالا أنكره ودعوتموني من الموازرة والمعونة إلى ما أوثره
ولا أدفعه وأنا لطاعة أمير المؤمنين مقدم وعلى المسارعة إلى ما سره ووافقه حريص
وفى الروية تبيان الرأي وفى إعمال الرأي نصح الاعتزام والامر الذي دعاني إليه
13

أمير المؤمنين أمر لا أتأخر عنه تثبطا ومدافعة ولا أتقدم عليه اعتسافا وعجلة وأنا
في ثغر من ثغور المسلمين كلب عدوه شديد شوكته وان أهملت أمره لم آمن
دخول الضرر والمكروه على الجنود والرعية وان أقمت عليه لم آمن فوت
ما أحب من معونة أمير المؤمنين وموازرته وإيثار طاعته فانصرفوا حتى أنظر في
أمرى ونصح الرأي فيما أعتزم عليه من مسيري إن شاء الله ثم أمر بإنزالهم
واكرامهم والاحسان إليهم * فذكر سفيان بن محمد أن المأمون لما قرأ
الكتاب أسقط في يده وتعاظمه ما ورد عليه منه ولم يدر ما يرد عليه فدعا
الفضل بن سهل فأقرأه الكتاب وقال ما عندك في هذا الامر قال أرى أن تتمسك
بموضعك ولا تجعل علينا سبيلا وأنت تجد من ذلك بدا قال وكيف يمكنني التمسك
بموضعي ومخالفة محمد وعظم القواد والجنود معه وأكثر الأموال والخزائن قد
صارت إليه مع ما قد فرق في أهل بغداد من صلاته وفوائده وإنما الناس مائلون
مع الدراهم منقادون لها لا ينظرون إذا وجدوها حفظ بيعة ولا يرغبون في وفاء
عهد ولا أمانة فقال له الفضل إذا وقعت التهمة حق الاحتراس وأنا لغدر محمد
متخوف ومن شرهه إلى ما في يديك مشفق ولان تكون في جندك وعزك مقيما
بين ظهراني أهل ولايتك أحرى فان دهمك منه أمر جردت له وناجزته وكايدته
فإما أعطاك الله الظفر عليه بوفائك ونيتك أو كانت الأخرى فمت محافظا مكرما
غير ملق بيديك ولا ممكن عدوك من الاحتكام في نفسك ودمك قال إن هذا
الامر لو كان أتاني وأنا في قوة من أمرى وصلاح من الأمور كان خطبه يسيرا
والاحتيال في دفعه ممكنا ولكنه أتاني بعد إفساد خراسان واضطراب عامرها
وغامرها ومفارقة جيغويه الطاعة والنواء خافان صاحب التبت وتهيئ ملك كابل
للغارة على ما يليه من بلاد خراسان وامتناع ملك أترار بنده بالضريبة التي كان
يؤديها ومالي بواحدة من هذه الأمور يد وأنا أعلم أن محمدا لم يطلب قدومي
إلا لشر يريده وما أرى إلا تخلية ما أنا فيه واللحاق بخاقان ملك الترك والاستجارة
به وببلاده فبالحري أن آمن على نفسي وأمتنع ممن أراد قهري والغدر بي فقال له
14

الفضل أيها الأمير إن عاقبة الغدر شديدة وتبعة الظلم والبغي غير مأمون شرها
ورب مستدل قد عاد عزيزا ومقهور قد عاد قاهرا مستطيلا وليس النصر بالقلة
والكثرة وحرج الموت أيسر من حرج الذل والضيم وما أرى تفارق ما أنت
فيه وتصير إلى طاعة محمد متجردا من قوادك وجندك كالرأس المختزل عن
بدنه يجرى عليك حكمه فتدخل في جملة أهل مملكته من غير أن تبلى عذرا
في جهاد ولا قتال ولكن اكتب إلى جيغويه وخاقان فولهما بلادهما وعدهما
التقوية لهما في محاربة الملوك وابعث إلى ملك كابل بعض هدايا خراسان
وطرفها وسله الموادعة تجده على ذلك حريصا وسلم لملك اترابنده ضريبته في
هذه السنة وصيرها صلة منك وصلته بها ثم أجمع إليك أطرافك واضمم إليك من
شذ من جندك ثم اضرب الخيل بالخيل والرجال بالرجال فان ظفرت وإلا كنت
على ما تريد من اللحاق بخاقان قادرا فعرف عبد الله صدق ما قال فقال اعمل في
هذا الامر وغيره من أموري بما ترى وأنفذ الكتب إلى أولئك العصاة
فرضوا وأذعنوا وكتب إلى من كان شاذا عن مرو من القواد والجنود فأقدمهم
عليه وكتب إلى طاهر بن الحسين وهو يومئذ عامل عبد الله على الري فأمره أن
يضبط ناحيته وأن يجمع إليه أطرافه ويكون على حذر وعدة من جيش إن
تطرقه وعدد إن هجم عليه فاستعد للعرب وتهيأ لدفع محمد عن بلاد خراسان
ويقال إن عبد الله بعث إلى الفضل بن سهل فاستشاره في أمر محمد فقال أيها
الأمير نظر في يومى هذا أغد عليك برأي فبات يدبر الرأي ليلته فلما أصبح غدا
عليه فأعلمه أنه نظر في النجوم فرأى أنه سيغلبه وان العاقبة له فأقام عبد الله
بموضعه ووطن نفسه على محاربة محمد ومناجزته فلما فرغ عبد الله مما أراد
إحكامه من أمر خراسان كتب لعبد الله محمد أمير المؤمنين من عبد الله بن هارون
(أما بعد) فقد وصل إلى كتاب أمير المؤمنين وإنما أنا عامل من عماله
وعون من أعوانه أمرني الرشيد صلوات الله عليه بلزوم هذا الثغر ومكايدة
من كايد أهله من عدو أمير المؤمنين ولعمري إن مقامي به أرد على أمير المؤمنين
15

وأعظم غناء عن المسلمين من الشخوص إلى أمير المؤمنين وإن كنت مغتبطا
بقربه مسرورا بمشاهدة نعمة الله عنده فان رأى أن يقرني على عملي ويعفيني
من الشخوص إليه فعل إن شاء الله والسلام ثم دعا العباس بن موسى وعيسى بن
جعفر ومحمدا وصالحا فدفع الكتاب إليهم وأحسن إليهم في جوائزهم وحمل إلى
محمد ما تهيأ له من ألطاف خراسان وسألهم أن يحسنوا أمره عنده وأن يقوموا
بعذره قال سفيان بن محمد لما قرأ محمد كتاب عبد الله عرف أن المأمون لا يتابعه
على القدوم عليه فوجه عصمة بن حماد بن سالم صاحب حرسه وأمره أن يقيم
مسلحة فيما بين همذان والري وأن يمنع التجار من حمل شئ إلى خراسان من
الميرة وأن يفتش المارة فلا يكون معهم كتب بأخباره وما يريد وذلك سنة
194 ثم عزم على محاربته فدعا علي بن عيسى بن ماهان فعقد له على خمسين ألف
فارس وراجل من أهل بغداد ودفع إليه دفاتر الجند وأمره أن ينتقى ويتخير من
أراد على عينه ويخص من أحب ويرفع من أراد إلى الثمانين وأمكنه من السلاح
وبيوت الأموال ثم وجهوا إلى المأمون * فذكر يزيد بن الحارث قال لما أراد
على الشخوص إلى خراسان ركب إلى باب أم جعفر فودعها فقالت يا علي إن
أمير المؤمنين وإن كان ولدى إليه تناهت شفقتي وعليه تكامل حذري فانى على
عبد الله منعطفة مشفقة لما يحدث عليه من مكروه وأذى وإنما ابني ملك نافس
أخاه في سلطانه وغاره على ما في يده والكريم يأكل لحمه ويميته غيره فاعرف
لعبد الله حق والده وأخوته ولا تجبهه بالكلام فإنك لست نظيره ولا تقتسره
اقتسار العبيد ولا ترهنه بقيد ولا غل ولا تمنع منه جارية ولا خادما ولا تعنف
عليه في السير ولا تساوه في المسير ولا تركب قبله ولا تستقل على دابتك حتى
تأخذ بركابه وإن شتمك فاحتمل منه وإن سفه عليك فلا تراده ثم دفعت إليه
قيدا من فضة وقالت إن صار في يدك فقيده بهذا القيد فقال لها سأقبل أمرك
وأعمل في ذلك بطاعتك وأظهر محمد خلع المأمون وبايع لابنيه في جميع الآفاق
إلا خراسان موسى وعبد الله وأعطى عند بيعتهم بني هاشم والقواد والجند
16

الأموال والجوائز وسمى موسى الناطق بالحق وسمى عبد الله القائم بالحق ثم خرج
علي بن عيسى لسبع ليال خلون من شعبان سنة 195 من بغداد حتى عسكر
بالنهروان وخرج معه يشيعه محمد وركب القواد والجنود وحشرت الأسواق
وأشخص معه الصناع والفعلة فيقال إن عسكره كان فرسخا بفسطاطيه وأهبته
وأثقاله * فذكر بعض أهل بغداد أنهم لم يروا عسكرا كان أكثر رجالا وأفره
كراعا وأظهر سلاحا وأتم عدة وأكمل هيئة من عسكره * وذكر عمرو بن
سعيد أن محمدا لما جاز باب خراسان نزل فترجل وأقبل يوصيه فقال امنع
جندك من العبث بالرعية والغارة على أهل القرى وقطع الشجر وانتهاك النساء
وول الري يحيى بن علي واضمم إليه جندا كثيفا ومره ليدفع إلى جنده أرزاقهم
مما يجئ من خراجها وول كل كورة ترحل عنها رجلا من أصحابك ومن خرج
إليك من جند أهل خراسان ووجوهها فأظهر إكرامه وأحسن جائزته
ولا تعاقب أخا بأخيه وضع عن أهل خراسان ربع الخراج ولا تؤمن أحدا
رماك بسهم أو طعن في أصحابك برمح ولا تأذن لعبد الله في المقام أكثر من ثلاثة
من اليوم الذي تظهر فيه عليه فإذا أشخصته فليكن مع أوثق أصحابك عندك
فان غره الشيطان فناصبك فاحرص على أن تأسره أسرا وإن هرب منك إلى
بعض كور خراسان فتول إليه المسير بنفسك أفهمت كل ما أوصيك به قال نعم
أصلح الله أمير المؤمنين قال سر على بركة الله وعونه * وذكر أن منجمه أتاه
فقال أصلح الله الأمير لو انتظرت بمسيرك صلاح القمر فان النحوس عليه عالية
والسعود عنه ساقطة منصرفة فقال لغلام له يا سعيد قل لصاحب المقدمة يضرب
بطبله ويقدم علمه فانا لا ندري ما فساد القمر من صلاحه غير أنه من نازلنا نازلناه
ومن وادعنا وادعناه وكففنا عنه ومن حاربنا وقاتلنا لم يكن لنا إلا أروى
السيف من دمه إنا لا نعتد بفساد القمر فانا وطنا أنفسنا على صدق اللقاء
ومناجزة الأعداء (قال أبو جعفر) وذكر بعضهم أنه قال كنت فيمن
خرج في عسكر علي بن عيسى بن ماهان فلما جاز حلوان لقيته القوافل من
(2 - 7)
17

خراسان فكان يسألها عن الاخبار يستطلع علم أهل خراسان فيقال له إن
طاهرا مقيم بالري يعرض أصحابه ويرم آلته فيضحك ثم يقول وما طاهر
فوالله ما هو إلا شوكة من أغصاني أو شرارة من ناري وما مثل طاهر يتولى
على الجيوش ويلقى الحروب ثم التفت إلى أصحابه فقال والله ما بينكم وبين
أن ينقصف انقصاف الشجر من الريح العاصف الا أن يبلغه عبورنا عقبة همذان
فإن السخال لا تقوى على النطاح والثعالب لا صبر لها على لقاء الأسد فإن يقم
طاهر بموضعه يكن أول معرض لظباة السيوف وأسنة الرماح * وذكر يزيد
ابن الحارث أن علي بن عيسى لما صار إلى عقبة همذان استقبل قافلة قدمت من
خراسان فسألهم عن الخبر فقالوا إن طاهرا مقيم بالري وقد استعد للقتال واتخذ
آلة الحرب وان المدد يثرى عليه من خراسان وما يليها من الكور وانه في كل
يوم يعظم أمره ويكثر أصحابه وانهم يرون أنه صاحب جيش خراسان قال على
فهل شخص من أهل خراسان أحد به قالوا لا غير أن الأمور بها مضطربة والناس
رعبون فأمر بطي المنازل والمسير وقال لأصحابه ان نهاية القوم الري فلو قد صيرناها
خلف ظهورنا فت ذلك في أعضادهم وانتشر نظامهم وتفرقت جماعتهم ثم أنفذ
الكتب إلى ملوك الديلم وجبال طبرستان وما والاها من الملوك يعدهم الصلات
والجوائز وأهدى إليهم التيجان والأسورة والسيوف المحلاة بالذهب وأمرهم
أن يقطعوا طريق خراسان ويمنعوا من أراد الوصول إلى طاهر من المدد فأجابوه
إلى ذلك وسار حتى صار في أول بلاد الري وأتاه صاحب مقدمته وقال لو كنت
أبقى الله الأمير أذكيت العيون وبعثت الطلائع وارتدت موضعا تعسكر فيه
وتتخذ خندقا لأصحابك يأمنون به وكان ذلك أبلغ في الرأي وآنس للجند قال لا
ليس مثل طاهر يستعد له بالمكايد والتحفظ إن حال طاهر تؤول إلى أحد أمرين
إما أن يتحصن بالري فيبهته أهلها فيكفونا مؤنته أو يخليها ويدبر راجعا لو قربت
خيولنا وعساكرنا منه وأتاه يحيى بن علي فقال أجمع متفرق العسكر واحذر على
جندك البيات ولا تسرح الخيل إلا ومعها كنف من القوم فإن العساكر لا تساس
18

بالتواني والحروب لا تدبر بالاغترار والثقة أن تحترز ولا تقل المحارب لي طاهر
فالشرارة الخفية ربما صارت ضراما والثلمة من السيل ربما اغتر بها وتهون فصارت
بحرا عظيما وقد قربت عساكرنا من طاهر فلو كان رأيه الهرب لم يتأخر إلى يومه
هذا قال اسكت فإن طاهرا ليس في هذا الموضع؟ ترى وإنما يتحفظ الرجال
إذا لقيت أقرانها وتستعد إذا كان المناوي لها أكفاءها ونظراءها * وذكر عبد الله
ابن مجالد قال أقبل علي بن عيسى حتى نزل من الري على عشرة فراسخ وبها طاهر
قد سد أبوابها ووضع المسالح على طرقها واستعد لمحاربته فشاور طاهر أصحابه
فأشاروا عليه أن يقيم بمدينة الري ويدافع القتال ما قدر عليه إلى أن يأتيه من
خراسان المدد من الخيل وقائد يتولى الامر دونه وقالوا إن مقامك بمدينة الري
أرفق بأصحابك وبك وأقدر لهم على الميرة وأكن من البرد وأحرى إن دهمك
قتال أن يعتصموا بالبيوت ويقووا على المماطلة والمطاولة إلى أن يأتيك مدد أو
ترد عليك قوة من خلفك فقال طاهر إن الرأي ليس ما رأيتم إن أهل الري لعلى
هائبون ومن معرته وسطوته متقون ومعه من قد بلغكم من أعراب البوادي
وصعاليك الجبال ولفيف القرى ولست آمن إن هجم علينا مدينة الري أن يدعو
أهلها خوفه إلى الوثوب بنا ويعينوه على قتالنا مع أنه لم يكن قوم قط روعبوا في
ديارهم ويورد عليهم عسكرهم إلا وهنوا وذلوا وذهب عزهم واجترأ عليهم
عدوهم وما الرأي إلا أن نصير مدينة الري قفا ظهورنا فإن أعطانا الله
الظفر وإلا عولنا عليها فقاتلنا في سككها وتحصنا في منعتها إلى أن يأتينا مدد
أو قوة من خراسان قالوا الرأي ما رأيت فنادى طاهر في أصحابه فخرجوا
فعسكروا على خمسة فراسخ من الري بقرية يقال لها كلواص وأتاه محمد بن العلاء
فقال أيها الأمير إن جندك قد هابوا هذا الجيش وامتلأت قلوبهم خوفا
ورعبا منه فلو أقمت بمكانك ودافعت القتال إلى أن يشامهم أصحابك ويأنسوا
بهم ويعرفوا وجه المأخذ في قتالهم فقال لا إني لا أوتى من قلة تجربة وحزم أن
أصحابي قليل والقوم عظيم سوادهم كثير عددهم فان دافعت القتال وأخرت المناجزة
19

لم آمن أن يطلعوا على قلتنا وعورتنا وأن يستميلوا من معي برغبة أو رهبة فينفر
عنى أكثر أصحابي ويخذلني أهل الحفاظ والصبر ولكن ألف الرجال بالرجال
وألحم الخيل بالخيل وأعتمد على الطاعة والوفاء وأصبر صبر محتسب للخير حريص
على الفوز بفضل الشهادة فان يرزق الله الظفر والفلح فذلك الذي نريد ونرجو
وإن تكن الأخرى فلست بأول من قاتل فقتل وما عند الله أجزل وأفضل وقال
على لأصحابه بادروا القوم فان عددهم قليل ولو قد زحفتم إليهم لم يكن لهم صبر
على حرارة السيوف وطعن الرماح وعبأ جنده ميمنة وميسرة وقلبا وصير عشر
رايات في كل راية ألف رجل وقدم الرايات راية راية فصير بين كل راية غلوة
وأمر أمراءها إذا قاتلت الأولى فصبرت وحمت وطال بها القتال أن تقدم التي
تليها وتؤخر التي قاتلت حتى ترجع إليها أنفسها وتستريح وتنشط للمحاربة والمعاودة
وصير أصحاب الدروع والجواشن والخوذ أمام الرايات ووقف في القلب في أصحابه
من أهل البأس والحفاظ والنجدة منهم وكتب طاهر بن الحسين كتائبه وكردس
كراديسه وسوى صفوفه وجعل يمر بقائد قائد وجماعة جماعة فيقول يا أولياء الله
وأهل الوفاء والشكر إنكم لستم كهؤلاء الذين ترون من أهل النكث والغدر إن
هؤلاء ضيعوا ما حفظتم وصغروا ما عظمتم ونكثوا الايمان التي رعيتم وإنما
يطلبون الباطل ويقاتلون على الغدر والجهل أصحاب سلب ونهب فلو قد
غضضتم الابصار وأثبتم الاقدام قد أنجز الله وعده وفتح عليكم أبواب عزه
ونصره فجالدوا طواغيت الفتنة ويعاسيب النار عن دينكم ودافعوا بحقكم باطلهم
فإنما هي ساعة واحدة حتى يحكم الله بينكم وهو خير الحاكمين وقلق قلقا شديدا
وأقبل يقول يا أهل الوفاء والصدق الصبر الصبر الحفاظ الحفاظ وتزاحف الناس
بعضهم إلى بعض وتزاحف أهل الري فغلقوا أبواب المدينة ونادى طاهر يا أولياء
الله اشتغلوا بمن أمامكم عمن خلفكم فإنه لا ينجيكم إلا الجد والصدق وتلاحموا
واقتتلوا قتالا شديدا وصبر الفريقان جميعا وعلت ميمنة على على ميسرة طاهر
ففضتها فضا منكرا وميسرته على ميمنته فأزالتها عن موضعها وقال طاهر اجعلوا
20

بأسكم وجدكم على كراديس القلب فإنكم لو قد فضضتم منها راية واحدة
رجعت أوائلها على أواخرها فصبر أصحابه صبرا صادقا ثم حملوا على أولى
رايات القلب فهزموهم وأكثروا فيهم القتل ورجعت الرايات بعضها على
بعض وانتقضت ميمنة على ورأى أصحاب ميمنة طاهر وميسرته ما عمل
أصحابه فرجعوا على من كان في وجوههم فهزموهم وانتهت الهزيمة إلى علي
فجعل ينادى أصحابه أين أصحاب الأسورة والأكاليل يا معشر الأبناء إلى الكرة
بعد الفرة معاونة الحرب من الصبر فيها ورماه رجل من أصحاب طاهر بسهم فقتله
ووضعوا فيهم السيوف يقتلونهم ويأسرونهم حتى حال الليل بينهم وبين الطلب
وغنموا غنيمة كثيرة ونادى طاهر في أصحاب على من وضع سلاحه فهو آمن
فطرحوا أسلحتهم ونزلوا عن دوابهم ورجع طاهر إلى مدينة الري وبعث بالأسرى
والرؤس إلى المأمون وذكر أن عبد الله بن علي بن عيسى طرح نفسه في ذلك
اليوم بين القتلى وقد كانت به جراحات كثيرة فلم يزل بين القتلى متشبها بهم
يومه وليلته حتى أمن الطلب ثم قام فانضم إلى جماعة من فل العسكر ومضى إلى بغداد
وكان من أكابر ولده وذكر سفيان بن محمد أن عليا لما توجه إلى خراسان بعث
المأمون إلى من كان معه من القواد يعرض عليهم قتاله رجلا رجلا فكلهم يصرح
بالهيبة ويعتل بالعلل ليجدوا إلى الاعفاء من لقائه ومحاربته سبيلا وذكر بعض
أهل خراسان أن المأمون لما أتاه كتاب طاهر بخبر على وما أوقع الله به قعد
للناس فكانوا يدخلون فيهنئونه ويدعون له بالعز والنصر وأنه في ذلك اليوم أعلن
خلع محمد ودعاء الخلافة في جميع كور خراسان وما يليها وسر أهل خراسان
وخطب بها الخطباء وأنشدت الشعراء وفى ذلك يقول الشاعر
أصبحت الأمة في غبطة * من أمر دنياها ومن دينها
إذ حفظت عهد إمام الهدى * خير بنى حواء مأمونها
على شفا كانت فلما وفت * تخلصت من سوء تحيينها
قامت بحق الله إذ ذبرت * في ولده كتب دواوينها
21

ألا تراها كيف بعد الردى * وفقها الله لتزيينها
وهى أبيات كثيرة وذكر علي بن صالح الحربي أن علي بن عيسى لما قتل
أرجف الناس ببغداد إرجافا شديدا وندم محمد على ما كان من نكثه وغدره
ومشى القواد بعضهم إلى بعض وذلك يوم الخميس للنصف من شوال سنة 195
فقالوا إن عليا قد قتل ولسنا نشك أن محمدا يحتاج إلى الرجال واصطناع أصحاب
الصنائع وإنما يحرك الرجال أنفسها ويرفعها بأسها وإقدامها فليأمر كل رجل منكم
جنده بالشغب وطلب الأرزاق والجوائز فلعلنا أن نصيب منه في هذه الحالة
ما يصلحنا ويصلح جندنا فاتفق على ذلك رأيهم وأصبحوا فتوافوا إلى باب الجسر
وكبروا فطلبوا الأرزاق والجوائز وبلغ الخبر عبد الله بن خازم فركب إليهم
في أصحابه وفى جماعة غيره من قواد الاعراب فتراموا بالنشاب والحجارة واقتتلوا
قتالا شديدا وسمع محمد التكبير والضجيج فأرسل بعض مواليه أن يأتيه الخبر فرجع
إليه فأعلمه أن الجند قد اجتمعوا وشغبوا لطلب أرزاقهم قال فهل يطلبون شيئا غير
الأرزاق قال لا قال ما أهون ما طلبوا ارجع إلى عبد الله بن خازم فمره فلينصرف
عنهم ثم أمر لهم بأرزاق أربعة أشهر ورفع من كان دون الثمانين إلى الثمانين وأمر
للقواد والخواص بالصلات والجوائز (وفى هذه السنة) وجه محمد المخلوع
عبد الرحمن بن جبلة الا بناوي إلى همذان لحرب طاهر
* ذكر الخبر عن ذلك *
ذكر عبد الله بن صالح أن محمدا لما انتهى إليه قتل علي بن عيسى بن ماهان
واستباحة طاهر عسكره وجه عبد الرحمن الا بناوي في عشرين ألف رجل من
الأبناء وحمل معه الأموال وقواه بالسلاح والخيل وأجازه بجوائز وولاه حلوان
إلى ما غلب عليه من أرض خراسان وندب معه فرسان الأبناء وأهل البأس
والنجدة والغناء منهم وأمره بالاكماش في السير وتقليل اللبث والتضجع حتى ينزل
مدينة همذان فيسبق طاهرا إليها ويخندق عليه وعلى أصحابه ويجمع إليه آلة ويغادى
طاهرا وأصحابه إلى القتال وبسط يده وأنفذ أمره في كل ما يريد العمل به وتقدم
22

إليه في التحفظ والاحتراس وترك ما عمل به على من الاغترار والتضجع فتوجه
عبد الرحمن حتى نزل مدينة همذان فضبط طرقها وحصن سورها وأبوابها وسد
ثلمها وحشر إليها الأسواق والصناع وجمع فيها الآلات والمير واستعد للقاء طاهر
ومحاربته وكان يحيى بن علي لما قتل أبوه هرب في جماعة من أصحابه فأقام بين الري
وهمذان فكان لا يمر به أحد من فل أبيه إلا احتبسه وكان يرى أن محمدا سيوليه
مكان أبيه ويوجه إليه الخيل والرجال فأراد أن يجمع الفل إلى أن يوافيه القوة
والمدد وكتب إلى محمد يستمده ويستنجده فكتب إليه محمد يعلمه توجيه عبد الرحمن
الا بناوي ويأمره بالمقام موضعه وتلقى طاهر فيمن معه وإن احتاج إلى قوة
ورجال كتب إلى عبد الرحمن فقواه وأعانه فلما بلغ طاهرا الخبر توجه نحو
عبد الرحمن وأصحابه فلما قرب من يحيى قال يحيى لأصحابه إن طاهرا قد قرب منا
ومعه من تعرفون من رجال خراسان وفرسانها وهو صاحبكم بالأمس ولا آمن
إن لقيته بمن معي من هذا الفل أن يصدعنا صدعا يدخل وهنه على من خلفنا
وأن يعتل عبد الرحمن بذلك ويقلدني به العار والوهن والعجز عند أمير المؤمنين
وإن استنجد به وأقم على انتظار مدده لم آمن أن يمسك عنا ضنا برجاله وإبقاء
عليهم وشحا بهم على القتل ولكن نتزاحف إلى مدينة همذان فنعسكر قريبا من
عبد الرحمن فإن استعنا به قرب منا عونه وإن احتاج إلينا أعناه وكنا بفنائه وقاتلنا
معه قالوا الرأي ما رأيت فانصرف يحيى فلما قرب من مدينة همذان خذله أصحابه
وتفرق أكثر من كان اجتمع إليه وقصد طاهر لمدينة همذان فأشرف عليها ونادى
عبد الرحمن في أصحابه فخرج على تعبية فصاف طاهرا فاقتتلوا قتالا شديدا وصبر
الفريقان جميعا وكثر القتلى والجرحى فيهم ثم إن عبد الرحمن انهزم فدخل مدينة
همذان فأقام بها أياما حتى قوى أصحابه واندمل جرحاهم ثم أمر بالاستعداد وزحف إلى
طاهر فلما رأى طاهر اعلامه وأوائل أصحابه قد طلعوا قال لأصحابه ان عبد الرحمن
يريد أن يترايا لكم فإذا قربتم منه قاتلكم فان هزمتموه بادر إلى المدينة فدخلها وقاتلكم
على خندقها وامتنع بأبوابها وسورها وان هزمكم اتسع لهم المجال عليكم وأمكنته سعة
23

المعترك من قتالكم وقتل من انهزم وولى منكم ولكن قفوا من خندقنا وعسكرنا قريبا
فان تقارب منا قاتلناه وإن بعد من خندقهم قربنا منه فوقف طاهر مكانه وظن
عبد الرحمن أن الهيبة بطأت به عن لقائه والنهود إليه فبادر قتاله فاقتتلوا قتالا شديدا
وصبر طاهر وأكثر القتل في أصحاب عبد الرحمن وجعل عبد الرحمن يقول لأصحابه
يا معشر الأبناء يا أبناء الملوك وألفاف السيوف انهم لعجم وليسوا بأصحاب مطاولة
ولا صبر فاصبروا لهم فداكم أبى وأمي وجعل يمر على راية راية فيقول اصبروا
انما صبرنا ساعة هذه أول الصبر والظفر وقاتل بيديه قتالا شديدا وحمل حملات
منكرة ما منها حملة الا وهو يكثر في أصحاب طاهر القتل فلا يزول أحد ولا يتزحزح
ثم إن رجلا من أصحاب طاهر حمل على صاحب علم عبد الرحمن فقتله وزحمهم
أصحاب طاهر زحمة شديدة فولوهم أكتافهم فوضعوا فيهم السيوف فلم يزالوا
يقتلونهم حتى انتهوا بهم إلى باب مدينة همذان فأقام طاهر على باب المدينة محاصرا
لهم وله فكان عبد الرحمن يخرج في كل يوم فيقاتل على أبواب المدينة ويرمى
أصحابه بالحجارة من فوق السور واشتد بهم الحصار وتأذى بهم أهل المدينة
وتبرموا بالقتال والحرب وقطع طاهر عنهم المادة من كل وجه فلما رأى ذلك
عبد الرحمن ورأى أصحابه قد هلكوا وجهدوا وتخوف أن يثب به أهل همذان
أرسل إلى طاهر فسأله الأمان له ولمن معه فآمنه طاهر ووفى له واعتزل عبد الرحمن
فيمن كان استأمن معه من أصحابه وأصحاب يحيى بن علي (وفى هذه السنة) سمى
طاهر بن الحسين ذا اليمينين
* ذكر الخبر عن ذلك *
قد مضى الخبر عن السبب الذي من أجله سمى بذلك ويذكر الذي سماه بذلك
ذكر أن طاهرا لما هزم جيش علي بن عيسى بن ماهان وقتل علي بن عيسى كتب
إلى الفضل بن سهل أطال الله بقاءك وكبت أعداءك وجعل من يشنأك فداك
كتبت إليك ورأس علي بن عيسى في حجري وخاتمه في يدي والحمد لله رب العالمين
فنهض الفضل فسلم على المأمون بأمير المؤمنين فأمد المأمون طاهر بن الحسين بالرجال
24

والقواد وسماه ذا اليمينين وصاحب حبل الدين ورفع من كان معه في دون الثمانين
إلى الثمانين (وفى هذه السنة) ظهر بالشام السفياني علي بن عبد الله بن خالد بن يزيد
ابن معاوية فدعا إلى نفسه وذلك في ذي الحجة منها فطرد عنها سليمان بن أبي جعفر
بعد حصره إياها بدمشق وكان عامل محمد عليها فلم يفلت منه الا بعد البأس
فوجه إليه محمد المخلوع الحسين بن علي بن عيسى بن ماهان فلم ينفذ إليه ولكنه لما
صار إلى الرقة أقام بها (وفى هذه السنة) طرد طاهر عمال محمد عن قزوين وسائر
كور الجبال
* ذكر الخبر عن سبب ذلك *
ذكر علي بن عبد الله بن صالح أن طاهرا لما توجه إلى عبد الرحمن الا بناوي بهمذان
تخوف أن يثب به كثير بن قادرة وهو بقزوين عاملا من عمال محمد في جيش كثيف
إن هو خلفه وراء ظهره فلما قرب طاهر من همذان أمر أصحابه بالنزول فنزلوا
ثم ركب في ألف فارس وألف راجل ثم قصد قصد كثير بن قادرة فلما قرب
منه هرب كثير وأصحابه وأحلى قزوين وجعل طاهر فيها جندا كثيفا وولاها
رجلا من أصحابه وأمر أن يحارب من أراد دخولها من أصحاب عبد الرحمن
الا بناوي وغيرهم (وفى هذه السنة) قتل عبد الرحمن بن جبلة الا بناوي بأسدآباذ
* ذكر الخبر عن مقتله *
ذكر عبد الرحمن بن صالح أن محمدا المخلوع لما وجه عبد الرحمن الا بناوي
إلى همذان أتبعه بابني الحرشي عبد الله وأحمد في خيل عظيمة من أهل بغداد
وأمرهما أن ينزلا قصر اللصوص وأن يسمعا ويطيعا لعبد الرحمن ويكونا مددا
له إن احتاج إلى عونهما فلما خرج عبد الرحمن إلى طاهر في الأمان أقام عبد الرحمن
يرى طاهرا وأصحابه أنه له مسالم راض بعهودهم وأيمانهم ثم اغترهم وهم آمنون
فركب في أصحابه فلم يشعر طاهر وأصحابه حتى هجموا عليهم فوضعوا فيهم
السيوف فثبت لهم رجالة أصحاب طاهر بالسيوف والتراس والنشاب وجثوا
على الركب فقاتلوه كأشد ما يكون من القتال ودافعهم الرجال إلى أن أخذت
25

الفرسان عدتها وأهبتها وصدقوهم القتال فاقتتلوا قتالا منكرا حتى تقطعت السيوف
وتقصفت الرماح ثم إن أصحاب عبد الرحمن هربوا وترجل هو في ناس من
أصحابه فقاتل حتى قتل فجعل أصحابه يقولون له قد أمكنك الهرب فأهرب فإن
القوم قد كلوا من القتال وأتبعتهم الحرب وليس بهم حراك ولا قوة على الطلب
فيقول لا أرجع أبدا ولا يرى أمير المؤمنين وجهي منهزما وقتل من أصحابه
مقتلة عظيمة واستبيح عسكره وانتهى من أفلت من أصحابه إلى عسكر عبد الله
وأحمد ابني الحرشي فدخلهم الوهم والفشل وامتلأت قلوبهم خوفا ورعبا فولوا
منهزمين لا يلوون على شئ من غير أن يلقاهم أحد حتى صاروا إلى بغداد وأقبل
طاهر وقد خلت له البلاد يجوز بلدة بلدة كورة وكورة حتى نزل بقرية من قرى
حلوان يقال لها شلاشان فخندق بها وحصن عسكره وجمع إليه أصحابه وقال رجل
من الأبناء يرثى عبد الرحمن الا بناوي
ألا إنما تبكى العيون لفارس * نفى العار عنه بالمناصل والقنا
تجلى غبار الموت عن صحن وجهه * وقد أحرز العليا من المجد واقتنى
فتى لا يبالي إن دنا من مروة * أصاب مصون النفس أو ضيع الغنا
يقيم لأطراف الذوابل سوقها * ولا يرهب الموت المتاح إذا دنا
وكان العامل في هذه السنة على مكة والمدينة من قبل محمد بن هاون دواد
ابن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس وهو الذي حج بالناس
في هذه السنة وسنتين قبلها وذلك سنة 193 و 194 وعلى الكوفة العباس بن
موسى الهادي من قبل محمد وعلى البصرة منصور بن المهدى من قبل محمد وبخراسان
المأمون وببغداد أخوه محمد
* ثم دخلت سنة ست وتسعين ومائة *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمما كان من ذلك حبس محمد بن هارون أسد بن يزيد بن مزيد وتوجيهه أحمد بن
26

مزيد وعبد الله بن حميد بن قحطبة إلى حلوان لحرب طاهر
* ذكر الخبر عن سبب حبسه وتوجيهه من ذكرت *
ذكر عن عبد الرحمن بن وثاب إن أسد بن يزيد بن مزيد حدثه أن الفضل
ابن الربيع بعث إليه بعد مقتل عبد الرحمن الا بناوي قال فأتيته فلما دخلت عليه
وجدته قاعدا في صحن داره وفى يده رقعة قد قرأها واحمرت عيناه واشتد غضبه
وهو يقول ينام نوم الظربان لا يفكر في زوال نعمة ولا يروى في امضاء رأى
ولا مكيدة قد ألهاه كأسه وشغله قدحه فهو يجرى في لهوه والأيام تصرع في هلاكه
قد شمر عبد الله له عن ساقه وفوق له أصيب أسهمه يرميه على بعد الدار بالحتف
النافذ والموت القاصد قد عبى له المنايا على متون الخيل وناط له البلاء في أسنة
الرماح وشفار السيوف ثم استرجع وتمثل بشعر البعيث:
ومجدولة جدل العنان خريدة * لها شعر جعد ووجه مقسم
وثغر نقى اللون عذب مذاقه * يضئ له الظلماء ساعة تبسم
وثديان كالحقين والبطن ضامر * خميص وجهر ناره تتضرم
لهوت بها ليل التمام ابن خالد * على بمرو الروذ غيظا تجرم
أظل أناغيها وتحت ابن خالد * أمية نهد المركلين عثمثم
طواها طراد الخيل في كل غارة * لها عارض فيه الأسنة ترزم
يقارع أتراك ابن خاقان ليلة * إلى أن يرى الاصباح لا يتلعثم
فيصبح من طول الطراد وجسمه * نحيل وأضحى في النعيم أصمم
فشتان ما بيني وبين ابن خالد * أمية في الرزق الذي الله قاسم
ثم التفت إلى فقال يا أبا الحارث أنا وإياك لنجري إلى غاية إن قصرنا عنها
ذممتنا وإن اجتهدنا في بلوغها انقطعنا وإنما نحن شعب من أصل إن قوى قوينا
وان ضعف ضعفنا إن هذا قد ألقى بيده القاء الأمة الوكعاء يشاور النساء ويعتزم
على الرؤيا وقد أمكن بمسامعه ما معه من أهل اللهو والجسارة فهم يعدونه الظفر
ويمنونه عقب الأيام والهلاك أسرع إليه من السيل إلى قيعان الرمل وقد خشيت
27

والله أن نهلك بهلاكه ونعطب بعطبه وأنت فارس العرب وابن فارسها فزع إليك
في لقاء هذا الرجل وأطمعه فيما قبلك أمران أما أحدهما فصدق طاعتك وفضل
نصيحتك والثاني يمن نقيبتك وشدة بأسك وقد أمرني إزاحة علتك وبسط يدك
فيما أحببت غير أن الاقتصاد رأس النصيحة ومفتاح اليمن والبركة فانجز حوائجك
وعجل المبادرة إلى عدوك فإني أرجو أن يوليك الله شرف هذا الفتح ويلم بك
شعث هذه الخلافة والدولة فقلت أنا لطاعة أمير المؤمنين أعزه الله وطاعتك مقدم
ولكل ما أدخل الوهن والذل على عدوه وعدوك حريص غير أن المحارب لا يعمل
بالغرور ولا يفتتح أمره بالتقصير والخلل وإنما ملاك المحارب الجنود وملاك
الجنود المال وقد ملا أمير المؤمنين أعزه الله أيدي من شهد العسكر من جنوده
وتابع لهم الأرزاق الدارة والصلاة والفوائد الجزيلة فإن سرت بأصحابي وقلوبهم
متطلعة إلى من خلفهم من اخوانهم لم أنتفع بهم في لقاء من امامى وقد فضل أهل
على أهل الحرب وجاز بأهل الدعوة منازل أهل النصب والمشقة والذي أسأل
أن يؤمر لأصحابي برزق سنة ويحمل معهم أرزاق سنة ويخص من لا خاصة له منهم
من أهل الغناء والبلاء وأبدل من فيهم من الزمنى والضعفاء وأحمل ألف رجل
ممن معي على الخيل ولا أسأل عن محاسبة ما افتتحت من المدن والكور فقال قد
اشتططت ولابد من مناظرة أمير المؤمنين ثم ركب وركبت معه فدخل قبلي على
محمد وأذن لي فدخلت فما كان بيني وبينه إلا كلمتان حتى غضب وأمر بحبسي وذكر
عن بعض خاصة محمد إن أسدا قال لمحمد ادفع إلى ولدى عبد الله المأمون حتى
يكونا أسيرين في يدي فان أعطاني الطاعة وألقى إلى بيده وإلا عملت فيهما بحكمي
وأنفذت فيهما أمرى فقال أنت أعرابي مجنون أدعوك إلى ولاء أعنة العرب والعجم
وأطعمك خراج كور الجبال إلى خراسان وارفع منزلتك عن نظرائك من أبناء القواد
والملوك وتدعونني إلى قتل ولدى وسفك دماء أهل بيتي إن هذا للخرق والتخليط وكان
ببغداد ابنان لعبد الله المأمون وهما مع أمهما أم عيسى ابنة موسى الهادي نزولا في قصر
المأمون بغداد فلما ظفر المأمون ببغداد خرجا إليه مع أمهما إلى خراسان فلم يزالا
28

بها حتى قدموا بغداد وهما أكبر ولده وذكر زياد بن علي قال لما غضب محمد على
أسد بن يزيد وأمر بحبسه قال هل في أهل في أهل بيت هذا من يقوم مقامه فانى
أكره أن أستفسدهم مع سابقهم وما تقدم من طاعتهم ونصيحتهم قالوا نعم فيهم أحمد بن
مزيد وهو أحسنهم طريقة وأصحهم نية في الطاعة وله مع هذا بأس ونجدة وبصر
بسياسة الجنود ولقاء الحررب فأنفذ إليه محمد بريدا يأمره بالقدر عليه فذكر بكر بن
أحمد قال كان أحمد متوجها إلى قرية تدعى اسحاقية ومعه نفر من أهل بيته ومواليه
وحشمه فلما جاوز نهر أبان سمع صوت بريد في جوف الليل فقال إن هذا لعجبا
بريد في مثل هذه الساعة وفى مثل هذا الموضع إن هذا الامر لعجيب ثم لم يلبث البريد
أن وقف ونادى الملاح معك أحمد بن مزيد قال نعم فنزل فدفع إليه كتاب محمد فقرأ
ثم قال إني بلغت ضيعتي وإنما بيني وبينها ميل فدعني أقعها وقعة فأمر فيها بما أريد
ثم أغدو معك فقال لا ان أمير المؤمنين أمرني ألا أنظرك ولا أرفهك وإن
أشخصك أي ساعة صادفتك فيها من ليل أو نهار فانصرف معه حتى أتى الكوفة
فأقام بها يوما حتى تجمل وأخذ أهبة السفر ثم مضى إلى محمد فذكر عن أحمد قال
لما دخلت بغداد بدأت بالفضل بن الربيع فقلت أسلم عليه وأستعين بمنزلته
ومحضره عند محمد فلما أذن لي دخلت عليه وإذا عنده عبد الله بن حميد بن قحطبة
وهو يريده على الشخوض إلى طاهر وعبد الله يشتط عليه في طلب المال والاكثار
من الرجال فلما رآني رحب بي وأخذ بيدي فرفعني حتى صيرني معه على صدر
المجلس وأقبل على عبد الله يداعبه ويمازحه فتبسم في وجهه ثم قال
إنا وجدنا لكم إذ رث حبلكم * من آل شيبان أما دونكم وأبا
الأكثرون إذا عد الحصى عددا * والأقربون إلينا منكم نسبا
فقال عبد الله إنهم لكذلك وان منهم لسد الخلل ونكاء العدو ودفع معرة
أهل المعصية عن أهل الطاعة ثم أقبل على الفضل فقال أن أمير المؤمنين أجرى
ذكرك فوصفتك له بحسن الطاعة وفضل النصيحة والشدة على أهل المعصية
والتقدم بالرأي فأحب أصطناعك والتنويه باسمك وان يرفعك إلى منزلة لم يبلغها
29

أحد من أهل بيتك والتفت إلى خادمه فقال يا سراج مر دوابي فلم ألبث أن أسرج له
فمضى ومضيت معه حتى دخلنا على محمد وهو في صحن داره له ساج فلم يزل يأمرني
بالدنو حتى كدت ألاصقه فقال أنه قد كثر على تخليط ابن أخيك وتنكره وطال
خلافه على حتى أوحشني ذلك منه وولد في قلبي التهمة له وصيرني بسوء المذهب
وحنث الطاعة إلى أن تناولته من الأدب والحبس بما لم أحب أن أكون أتناوله به
وقد وصفت لي بخير ونسبت إلى جميل فأحببت أن أرفع قدرك وأعلى منزلتك
وأقدمك على أهل بيتك وأن أوليك جهاد هذه الفئة الباغية الناكثة وأعرضك
للاجر والثواب في قتالهم ولقائهم فانظر كيف تكون وصحح نيتك وأعن
أمير المؤمنين على اصطناعك وسره في عدوه ينعم سرورك وتشريفك فقلت
سأبذل في طاعة أمير المؤمنين أعزه الله مهجتي وأبلغ في جهاد عدوه أفضل ما أمله
عندي ورجاه من غنائي وكفايتي إن شاء الله فقال يا فضل قال لبيك يا أمير المؤمنين
قال ادفع إليه دفاتر أصحاب أسد واضمم إليه من شهد العسكر من رجال الجزيرة
والاعراب وقال أكمش على أمرك وعجل المسير إليه فخرجت فانتخبت الرجال
واعترضت الدفاتر فبلغت عدة من صححت اسمه عشرين ألف رجل ثم توجهت
بهم إلى حلوان وذكر أن أحمد بن مزيد لما أراد الشخوص دخل على محمد فقال
أوصني أكرم الله أمير المؤمنين فقال أوصيك بخصال عدة إياك والبغي فإنه عقال
النصر ولاتقدم رجلا الا باستخارة ولا تشهر سيفا إلا بعد إعذار ومهما قدرت
باللين فلا تتعده إلى الخرق والشره وأحسن صحابة من معك من الجند وطالعني بأخبارك
في كل يوم ولا تخاطر بنفسك طلب الزلفة عندي ولا تستقها فيما تخوف رجوعه على
وكن لعبد الله أخا مصافيا وقرينا برا وأحسن مجامعته وصحبته ومعاشرته ولا تخذله
إن استنصرك ولا تبطئ عنه إذا استصرخك ولتكن أيديكما واحدة وكلمتكما
متفقة ثم قال سل حوائجك وعجل السراح إلى عدوك فدعا له أحمد وقال يا أمير
المؤمنين كثر لي الدعاء ولا تقبل في قول باغ ولا ترفضني قبل المعرفة بموضع قدمي
لك ثم ابعث إلى أسد فحل قيوده وخل سبيله فقال أبو الأسد الشيباني في ذلك
30

ليهن أبا العباس رأى إمامه * وما عنده منه القضا بمزيد
دعاه أمير المؤمنين إلى التي * يقصر عنها ظل كل عميد
فبادر بالرأي والحزم والحجى * ورأى أبى العباس سد أئيد
نهضت بما أعيا الرجال بحمله * وأنت بسعد حاضر وسعيد
رددت بها للرائدين أعزهم * ومثلك وإلى طارفا بتليد
كفى أسدا ضيق الكبول وكربها * وكان عليه عاطفا كيزيد
وحصله فيها كليث غضنفر * أبى أشبل عبل الذراع مديد
وذكر يزيد بن الحارث أن محمدا وجه أحمد بن مزيد في عشرين ألف رجل
من الاعراب وعبد الله بن حميد بن قحطبة في عشرين ألف رجل من الأبناء
وأمرهما أن ينزلا حلوان ويدفعا طاهرا وأصحابه عنها وإن أقام طاهر بشلاشان
أن يتوجها إليه في أصحابهما حتى يدفعاه وينصبا له الحرب وتقدم إليهما في اجتماع
الكلمة والتواد والتحاب على الطاعة فتوجها حتى نزلا قريبا من حلوان بموضع
يقال له حانقين وأقام طاهر بموضعه وخندق عليه وعلى أصحابه ودس الجواسيس
والعيون إلى عسكريهما فكانوا يأتونهم بالأراجيف ويخبرونهم أن محمدا قد
وضع العطاء لأصحابه وقد أمر لهم من الأرزاق بكذا وكذا ولم يزل يحتال في وقوع
الاختلاف والشغب بينهم حتى اختلفوا وانتقض أمرهم وقاتل بعضهم بعضا
فأخلوا خانقين ورجعوا عنها من غير أن يلقوا طاهرا ويكون بينهم وبينه قتال
وتقدم طاهر حتى نزل حلوان فلما دخل طاهر حلوان لم يلبث إلا يسيرا حتى
أتاه هرثمة بن أعين بكتاب المأمون والفضل بن سهل يأمره بتسليم ما حوى من
المدن والكور إليه ويتوجه إلى الأهواز فسلم ذلك إليه وأقام هرثمة بحلوان
فحصنها ووضع مسالحه ومراصده في طرقها وجبالها وتوجه طاهر إلى الأهواز
(وفى هذه السنة) رفع المأمون منزلة الفضل بن سهل وقدره
* ذكر الخبر عما كان من المأمون إليه في ذلك *
ذكر أن المأمون لما انتهى إليه الخبر عن قتل طاهر علي بن عيسى واستيلائه
31

على عسكره وتسميته إياه أمير المؤمنين وسلم الفضل بن سهل عليه بذلك وصح عنده
الخبر عن قتل طاهر عبد الرحمن بن حبلة الا بناوي وغلبته على عسكره دعا الفضل بن
سالم فعقد له في رجب من هذه السنة على الشرق من جبل همذان إلى جبل سقينان
والتبت طولا ومن بحر فارس والهند إلى بحر الديلم وجرجان عرضا وجعل له
عماله ثلاثة آلاف ألف درهم وعقد له لواء على سنان ذي شعبتين وأعطاه علما
وسماه ذا الرئاستين فذكر بعضهم أنه رأى سيفه عند الحسن بن سهل مكتوبا عليه
بالفضة من جانب رئاسة الحرب ومن الجانب الآخر رئاسة التدبير فحمل اللواء
علي بن هشام وحمل العلم نعيم بن حازم وولى الحسن بن سهل ديوان الخراج
(وفى هذه السنة) ولى محمد بن هارون عبد الملك بن صالح بن علي على الشأم
وأمره بالخروج إليها وفرض له من رجالها جنودا يقاتل بها طاهرا وهرثمة
* ذكر الخبر عن سبب توليته ذلك *
ذكر داود بن سليمان أن طاهرا لما قوى واستعلى أمره وهزم من هزم
من قواد محمد وجيوشه دخل عبد الملك بن صالح على محمد وكان عبد الملك محبوسا
في حبس الرشيد فلما توفى الرشيد وأفضى الامر إلى محمد أمر بتخلية سبيله وذلك
في ذي القعدة سنة 139 فكان عبد الملك يشكر ذلك لمحمد ويوجب به على نفسه
طاعته ونصيحته فقال يا أمير المؤمنين إني أرى الناس قد طمعوا فيك وأهل
العسكرين قد اعتمدوا ذلك وقد بذلت سماحتك فان أتممت على أمرك أفسدتهم
وأبطرتهم وان كففت أمرك عن العطاء والبذل أسخطتهم وأغضبتهم وليس تملك
الجنود بالامساك ولا يبقى ثبوت الأموال على الانفاق والسرف ومع هذا فان
جندك قد رعبتهم الهزائم ونهكتهم وأضعفتهم الحرب والوقائع وامتلأت قلوبهم
هيبة لعدوهم ونكولا عن لقائهم ومناهضتهم فان سيرتهم إلى طاهر غلب بقليل
من معه كثيرهم وهزم بقوة نيته ضعف نصائحهم ونياتهم وأهل الشأم قوم قد
ضرستهم الحروب وأدبتهم الشدائد وجلهم منقاد إلى مسارع إلى طاعتي فان وجهني
أمير المؤمنين اتخذت له منهم جندا يعظم نكايتهم في عدوه ويؤيد الله بهم أولياءه
32

وأهل طاعته فقال محمد فانى موليك أمرهم ومقويك بما سألت من مال وعدة فعجل
الشخوص إلى ما هنالك فاعمل عملا يظهر أثره ويحمد بركته برأيك ونظرك فيه
إن شاء الله فولاه الشأم والجزيرة واستحثه بالخروج استحثاثا شديدا ووجه معه
كنفا من الجند والأبناء (وفى هذه السنة) سار عبد الملك بن صالح إلى الشأم
فلما بلغ الرقة أقام بها
* ذكر الخبر عن ذلك *
قد تقدم ذكرى سبب توجيه محمد إياه لذلك فذكر داود بن سليمان أنه لما
قدم عبد الملك الرقة أنفذ رسله وكتب إلى رؤساء أجناد الشأم ووجوه الجزيرة
فلم يبق أحد ممن يرجى ويذكر بأسه وغناؤه الا وعده وبسط له في أمله وأمنيته
فقدموا عليه رئيسا بعد رئيس وجماعة بعد جماعة فكان لا يدخل عليه أحد إلا
أجازه وخلع عليه وحمله فأتاه أهل الشأم الزواقيل والاعراب من كل فج واجتمعوا
عنده حتى كثروا ثم إن بعض جند أهل خراسان نظر إلى دابة كانت أخذت منه
في وقعة سليمان بن أبي جعفر تحت بعض الزواقيل فتعلق بها فجرى الامر بينهما
إلى أن اختلفا واجتمعت جماعة من الزواقيل والجند فتلاحموا وأعان كل فريق
منهم صاحبه وتلاطموا وتضاربوا بالأيدي ومشى بعض الأبناء إلى بعض فاجتمعوا
إلى محمد بن أبي خالد فقالوا أنت شيخنا وكبيرنا وفارسنا وقد ركب الزواقيل
منا ما قد بلغك فاجمع أمرنا وإلا استذلونا وطمعوا فينا وركبوا بمثل هذا في كل
يوم فقال ما كنت لادخل في شغب ولا أشاهدكم على مثل الحالة فاستعد الأبناء
وتهيئوا وأتوا الزواقيل وهم غارون فوضعوا فيهم السيوف فقتلوا منهم مقتلة
عظيمة وذبحوهم في رحالهم وتنادى الزواقيل فركبوا خيولهم ولبسوا أسلحتهم
ونشبت الحرب بينهم وبلغ ذلك عبد الملك بن صالح فوجه إليهم رسولا يأمرهم
بالكف ووضع السلاح فرموه بالحجارة واقتتلوا يومهم ذلك قتالا شديدا وأكثرت
الأبناء القتل في الزواقيل فأخبر عبد الملك بكثرة من قتل وكان مريضا مدنفا فضرب
بيده على يد ثم قال وا ذلاه تستضام العرب في دارها ومحلها وبلادها فغضب من
(3 - 7)
33

كان أمسك عن الشر من الأبناء وتفاقم الامر فيما بينهم وقام بأمر الأبناء الحسين
ابن علي بن عيسى بن ماهان وأصبح الزواقيل فاجتمعوا بالرقة واجتمع الأبناء
وأهل خراسان بالرافقة وقام رجل من أهل حمص فقال يا أهل حمص الهرب
أهون من العطب والموت أهون من الذل إنكم بعدتم عن بلادكم وخرجتم من
أقاليمكم ترجون الكثرة بعد القلة والعزة بعد الذلة ألا وفى الشر وقعتم وإلى حومة
الموت أنختم إن المنايا في شوارب المسودة وقلانسهم النفير النفير قبل أن ينقطع
السبيل وينزل الامر الجليل ويفوت المطلب ويعسر المذهب ويبعد العمل ويقترب
الاجل وقام رجل من كلب في غرز ناقته ثم قال
شؤبوب حرب خاب من يصلاها * قد شرعت فرسانها قناها
فأورد الله لظى لظاها * إن غمرت كلب بها لحاها
ثم قال يا معشر كلب إنها الراية السوداء والله ما ولت ولا عدلت ولا ذل نصرها
ولاضعف وليها وإنكم لتعرفون مواقع سيوف أهل خراسان في رقابكم وآثار
أسنتهم في صدوركم اعتزلوا الشر قبل أن يعظم وتخطوه قبل أن يضطرم شأمكم داركم
داركم الموت الفلسطيني خير من العيش الجزري ألا وإني راجع فمن أراد الانصراف
فلينصرف معي ثم سار وسار معه عامة أهل الشأم وأقبلت الزواقيل حتى أضرموا
ما كان التجار جمعوا من الاعلاف بالنار وأقام الحسين بن علي بن عيسى بن ماهان
مع جماعة أهل خراسان والأبناء على باب الرافقة تخوفا لطوق بن مالك فأتى طوقا
رجل من بنى تغلب فقال ألا ترى ما لقيت العرب من هؤلاء انهض فإن مثلك لا يقعد
عن هذا الامر قد مد أهل الجزيرة أعينهم إليك وأملوا عونك ونصرك فقال والله ما أنا
من قيسها ولايمنها ولا كنت في أول هذا الامر لأشهد آخره وإني لاشد إبقاء على قومي
وأنظر لعشيرنى من أن أعرضهم للهلاك بسبب هؤلاء السفهاء من الجند وجهال
قيس وما أرى السلامة إلا في الاعتزال وأقبل نصر بن شبث في الزواقيل على
فرس كميت أغر عليه دراعة سوداء قد ربطها خلف ظهره وفى يده رمح وترس
وهو يقول
34

فرسان قيس اصمدن للموت * لا ترهبني عن لقاء الفوت
دعى التحنى بعسى وليت
ثم حمل هو وأصحابه فقاتل قتالا شديدا فصبر لهم الجند وكثر القتل في الزواقيل
وحملت الأبناء حملات في كلها يقتلون ويجرحون وكان أكثر القتل والبلاء في
تلك الدفعة لكثير بن قادرة وأبى الفيل وداود بن موسى بن عيسى الخراساني
وانهزمت الزواقيل وكان على حاميتهم يومئذ نصر بن شبث وعمرو السلمي والعباس
ابن زفر (وتوفى في هذه السنة) عبد الملك بن صالح (وفى هذه السنة) خلع
محمد بن هارون وأخذت عليه البيعة لأخيه عبد الله المأمون ببغداد (وفيها)
حبس محمد بن هارون في قصر أبى جعفر مع أم جعفر بنت جعفر بن أبي جعفر
* ذكر الخبر عن سبب خلعه *
ذكر عن داود بن سليمان أن عبد الملك بن صالح لما توفى بالرقة نادى الحسين
بن علي بن عيسى بن ماهان في الجند فصير الرجالة في السفن والفرسان على الظهر
ووصلهم وقوى ضعفاءهم ثم حملهم حتى أخرجهم من بلاد الجزيرة وذلك في سنة
196 وذكر أحمد بن عبد الله أنه كان فيمن شهد مع عبد الملك الجزيرة لما انصرف
بهم الحسين بن علي وذلك في رجب من سنة 196 وذكر أنه تلقاه الأبناء وأهل
بغداد بالتكرمة والتعظيم وضربوا له القباب واستقبله القواد والرؤساء
والاشراف ودخل منزله في أفضل كرامة وأحسن هيئة فلما كان في جوف الليل
بعث إلى محمد يأمره بالركوب إليه فقال للرسول والله ما أنا بمغن ولا بمسامر
ولا مضحك ولا وليت له عملا ولاجرى له على يدي مال فلأي شئ يريدني في
هذه السنة انصرف فإذا أصبحت غدوت إليه إن شاء الله فانصرف الرسول
وأصبح الحسين فوافى باب الجسر واجتمع إليه الناس فأمر باغلاق الباب الذي
يخرج منه إلى قصر عبيد الله بن علي وباب سوق يحيى وقال يا معشر الأبناء إن
خلافة الله لاتجاوز بالبطر ونعمه لا تستصحب بالتجبر والتكبر وأن محمدا
يريد أن يوتغ أديانكم وينكث بيعتكم ويفرق جمعكم وينقل عزكم إلى غيركم وهو
صاحب الزواقيل بالأمس وبالله إن طالت به مدة وراجعه من أمره قوة ليرجص
35

وبال ذلك عليكم وليعرفن ضرره ومكروهه في دولتكم ودعوتكم فاقطعوا
أثره قبل أن يقطع آثاركم وضعوا عزه قبل أن يضع عزكم فوالله لا ينصره منكم
ناصر إلا خذل ولا يمنعه مانع إلا قتل وما عند الله لاحد هوادة ولا يراقب على
الاستخفاف بعهوده والحنث بأيمانه ثم أمر الناس بعبور الجسر فعبروا حتى صاروا
إلى سكة باب خراسان واجتمعت الحربية وأهل الأرباض مما يلي باب الشأم
وتسرعت خيول من خيول محمد من الاعراب وغيرهم إلى الحسين بن علي فاقتتلوا
قتالا شديدا مليا من النهار وأمر الحسين من كان معه من قواده وخاصة أصحابه
بالنزول فنزلوا إليهم بالسيوف والرماح وصدقوهم القتال وكشفوهم حتى تفرقوا
عن باب الخلد قال فخلع الحسين بن علي محمدا يوم الأحد لاحدى عشرة ليلة خلت
من رجب سنة 196 وأخذ البيعة لعبد الله المأمون من غد يوم الاثنين إلى الليل
وغدا إلى محمد يوم الثلاثاء فوثب بعد الوقعة التي كانت بين الحسين وبين أصحاب
محمد العباس بن موسى بن عيسى الهاشمي على محمد ودخل عليه فأخرجه من قصر
الخلد إلى قصر أبى جعفر فحبسه هناك إلى صلاة الظهر ثم وثب العباس بن موسى
ابن عيسى على أم جعفر فأمرها بالخروج من قصرها إلى مدينة أبى جعفر فأبت
فدعا لها بكرسي وأمرها بالجلوس فيه فقنعها بالسوط وساءها وأغلظ لها القول
فجلست فيه ثم أمر بها فأدخلت المدينة مع ابنها وولدها فلما أصبح الناس من الغد
طلبوا من الحسين بن علي الأرزاق وماج الناس بعضهم في بعض وقام محمد بن أبي
خالد بباب الشأم فقال أيها الناس والله ما أدرى بأي سبب يتأمر الحسين
ابن علي علينا ويتولى هذا الامر دوننا ما هو بأكبرنا سنا ولا أكرمنا حسبا ولا
أعظمنا منزلة وإن فينا من لا يرضى بالدنية ولا يقاد بالمخادعة وإني أولكم نقض
عهده وأظهر التعيير عليه والانكار لفعله فمن كان رأيه رأيي فليعتزل معي وقام
أسد الحربي فقال يا معشر الحربية هذا يوم له ما بعده إنكم قد نمتم وطال نومكم
وتأخرتم فقدم عليكم غيركم وقد ذهب أقوام بذكر خلع محمد وأسره فاذهبوا
بذكر فكه وإطلاقه فأقبل شيخ كبير من أبناء الكفاية على فرس فصاح بالناس
36

أسكتوا فسكتوا فقال أيها الناس هل تعتدون على محمد بقطع منه لارزاقكم قالوا
لا قال فهل قصر بأحد منكم أو من رؤسائكم وكبرائكم قالوا ما علمنا قال فهل
عزل أحدا من قوادكم قالوا معاذ الله أن يكون فعل ذلك قال فما بالكم خذلتموه
وأعنتم عدوه على اضطهاده وأسره أما والله ما قتل قوم خليفتهم قط إلا
سلط الله عليهم السيف القاتل والحتف الجارف انهضوا إلى خليفتكم
وادفعوا عنه وقاتلوا من أراد خلعه والفتك به ونهضت الحربية ونهض معهم
عامة أهل الأرباض في المشتهرات والعدة الحسنة فقاتلوا الحسين بن علي
وأصحابه قتالا شديدا منذ ارتفاع النهار إلى انكسار الشمس وأكثروا في
أصحابه الجراح وأسر الحسين بن علي ودخل أسد الحربي على محمد فكسر
قيوده وأقعده في مجلس الخلافة فنظر محمد إلى قوم ليس عليهم لباس الحرب
والجند ولا عليهم سلاح فأمرهم فأخذوا من السلاح الذي في الخزائن حاجتهم
ووعدهم ومناهم وانتهب الغوغاء بذلك السبب سلاحا كثيرا ومتاعا من خز وغير
ذلك وأتى بالحسين بن علي فلامه محمد على خلافه وقال ألم أقدم أباك على الناس
وأوله أعنة الخيل وأملا يده من الأموال وأشرف أقداركم في أهل خراسان
وأرفع منازلكم على؟ كم من القواد قال بلى قال فما الذي استحققت به منك
أن تخلع طاعتي وتؤلب الناس على وتندبهم إلى قتالي قال الثقة بعفو أمير المؤمنين
وحسن الظن بصفحة وتفضله قال فإن أمير المؤمنين قد فعل ذلك بك وولاك
الطلب بثأرك ومن قتل من أهل بيتك ثم دعا له بخلعة فخلعها عليه وحمله على
مراكب وأمره بالمسير إلى حلوان وولاه ما وراء بابه * وذكر عن عثمان بن
سعيد الطائي قال كانت لي من الحسين بن علي ناحية خاصة فلما رضى عنه محمد
ورد إليه قيادته ومنزلته عبرت إليه مع المهنئين فوجدته واقفا بباب الجسر فهنأته
ودعوت له ثم قلت له إنك قد أصبحت سيد العسكرين وثقة أمير المؤمنين فاشكر
العفو والإقالة ثم داعبته ومازحته ثم أنشأت أقول
هم قتلوه حين تم تمامه * وصار معزا بالندى والتمجد
37

أغر كأن البدر سنة وجهه * إذا جاء يمشى في الحديد المسرد
إذا جشأت نفس الجنان وهللت * مضى قدما بالمشرفي المهند
حليم لدى النادي جهول لدى الوغا * عكور على الأعدا قليل التزيد
فثارك أدركه من القوم إنهم * رموك على عمد بشنعا مزند
فضحك ثم قال ما أحرصني على ذاك إن ساعدني عمر وأيدت بفتح ونصر ثم
وقف على باب الجسر وهرب في نفر من خدمه ومواليه فنادى محمد في الناس
فركبوا في طلبه فأدركوه بمسجد كوثر فلما بصر بالخيل نزل وقيد فرسه وصلى
ركعتين وتحرم ثم لقيهم فحمل عليهم حملات في كلها يهزمهم ويقتل فيهم ثم إن
فرسه عثر به وسقط وابتدره الناس طعنا وضربا وأخذوا رأسه وفى ذلك يقول
علي بن جبلة وقيل الخزيمي
ألا قاتل الله الالى كفروا به * وفادوا برأس الهرثمي حسين
لقد أوردوا منه قناة صليبه * بشطب يماني ورمح ردين
رجا في خلاف الحق عزا وإمرة * فألبسه التأميل خف حنين
وقيل إن محمدا لما صفح عن الحسين استوزره ودفع إليه خاتمه وقتل
الحسين بن علي بن عيسى بن ماهان للنصف من رجب من هذه السنة في مسجد
كوثر وهو على فرسخ من بغداد في طريق النهر بين وجدد البيعة لمحمد يوم
الجمعة لست عشرة خلت من رجب من هذه السنة وكان حبس الحسين محمدا
في قصر أبى جعفر يومين * وفى الليلة التي قتل فيها حسين بن علي هرب الفضل
ابن الربيع (وفى هذه السنة) توجه طاهر بن الحسين حين قدم عليه هرثمة من
حلوان إلى الأهواز فقتل عامل محمد عليها وكان عامله عليها محمد بن يزيد
المهلبي بعد تقديم طاهر جيوشا أمامه إليها قبل انفصاله إليه لحربه
* ذكر الخبر عن مقتل محمد بن يزيد المهلبي ودخول طاهر إلى الأهواز *
ذكر عن يزيد بن الحارث قال لما نزل طاهر شلاشان وجه الحسين بن
عمر الرستمي إلى الأهواز وأمره أن يسير سيرا مقتصدا ولا يسير إلا بطلائع
38

ولا ينزل إلا في موضع حصين يأمن فيه على أصحابه فلما توجه أتت طاهرا عيونه
فأخبروه أن محمد بن يزيد المهلبي وكان عاملا لمحمد على الأهواز قد توجه في جمع
عظيم يريد نزول جندي سابور وهو حد ما بين الأهواز والجبل ليحمى الأهواز
ويمنع من أراد دخولها من أصحاب طاهر وإنه في عدة وقوة فدعا طاهر عدة من
أصحابه منهم محمد بن طالوت ومحمد بن العلاء والعباس بن بخار اخذاه والحارث
ابن هشام وداود بن موسى وهادي بن حفص وأمرهم أن يكمشوا السير حتى
يتصل أولهم بآخر أصحاب الحسين بن عمر الرستمي فان احتاج إلى إمداد أمدوه
أو لقيه جيش كانوا ظهرا له فوجه تلك الجيوش فلم يلقهم أحد حتى شارفوا
الأهواز وبلغ محمد بن يزيد خبرهم فعرض أصحابه وقوى ضعفاءهم وحمل الرجالة
على البغال وأقبل حتى نزل سوق عسكر مكرم وصير العمران والماء وراء ظهره
وتخوف طاهر أن يعجل إلى أصحابه فأمدهم بقريش بن شبل وتوجه هو بنفسه
حتى كان قريبا منهم ووجه الحسن بن علي المأموني وأمره بمضامة قريش بن
شبل والحسين بن عمر الرستمي وسارت تلك العساكر حتى قاربوا محمد بن يزيد
بعسكر مكرم فجمع أصحابه فقال ما ترون أطاول القوم القتال وأماطلهم اللقاء أم
أناجزهم كانت لي أم على فوالله ما أرى أن أرجع إلى الأهواز فنتحصن بها ونعادى
طاهرا القتال ونبعث إلى البصرة فقال له بعض أصحابه ترجع إلى الأهواز فتفرض
بها الفروض وتستجيش بمن قدرت عليه وبايعك من قومك فقبل ما أشاروا
عليه وتابعه قومه فرجع حتى صار بسوق الأهواز وأمر طاهر قريش بن شبل
أن يتبعه وأن يعاجله قبل أن يتحصن بسوق الأهواز وأمر الحسن بن علي
المأموني والحسين بن عمر الرستمي أن يسيرا بعقبه فان احتاج إلى معونتهما
أعاناه ومضى قريش بن شبل يقفو محمد بن يزيد كلما ارتحل محمد بن يزيد من قرية
نزلها قريش حتى صاروا إلى سوق الأهواز وسبق محمد بن يزيد إلى المدينة
فدخلها واستند إلى العمران فصيره وراء ظهره وعبى أصحابه وعزم على
مواقعهم ودعا بالأموال فصبت بين يديه وقال لأصحابه من أحب منكم الجائزة
39

والمنزلة فليعرفني أثره وأقبل قريش بن شبل حتى صار قريبا منه وقال لأصحابه
الزموا موضعكم ومصافكم وليكن أكثر ما قاتلتموهم وأنتم مريحبون فقاتلوهم
بنشاط وقوة فلم يبق أحد من أصحابه إلا جمع بين يديه ما قدر عليه من الحجارة فلم
يعبر إليهم محمد بن يزيد حتى أوهنوهم بالحجارة وجرحوهم جرحات كثيرة بالنشاب
أو عبرت طائفة من أصحاب محمد بن يزيد فأمر قريش أصحابه أن ينزلوا إليهم
فنزلوا إليهم فقاتلوهم قتالا شديدا حتى رجعوا وتراد الناس بعضهم إلى بعض
والتفت محمد بن يزيد إلى نفر كانوا معه من مواليه فقال ما رأيكم قالوا فيماذا قال إني
أرى من معي قد انهزم ولست آمن من خذلانهم ولا آمل رجعتهم وقد عزمت
على النزول والقتال بنفسي حتى يقضى الله ما أحب فمن أراد منكم الانصراف
فلينصرف فوالله لان تبقوا أحب إلى من أن تعطبوا وتهلكوا فقالوا والله
ما أنصفناك إذا تكون أعتقتنا من الرق ورفعتنا من الضعة ثم أغنيتنا بعد القلة
ثم نخذلك على هذه الحال بل نتقدم أمامك ونموت تحت ركابك فلعن الله الدنيا
والعيش بعدك ثم نزلوا فعرقبوا دوابهم وحملوا على أصحاب قريش حملة منكرة
فأكثروا فيهم القتل وشدخوهم بالحجارة وغير ذلك وانتهى بعد أصحاب طاهر إلى
محمد بن يزيد فطعنه بالرمح فصرعه وتبادروا إليه بالضرب والطعن حتى قتلوه فقال
بعض أهل البصرة يرثيه
من ذاق طعم الرقاد من فرح * فإنني قد أضر بي سهري
ولى فتى الرشد فافتقدت به * قلبي وسمعي وعزني بصرى
كان غياثا لدى المحول فقد * ولى غمام الربيع والمطر
وفى العييني للامام ولم * يرهبه وقع المشطب الذكر
ساور ريب المنون داهية * لولا خضوع العباد للقدر
فامض حميدا فكل ذي أجل * يسعى إلى ما سعيت بالأثر
وقال بعض المهالبة وجرح في تلك الوقعة جراحات كثيرة وقطعت يده
فما لمت نفسي غير أنى لم اطق * حراكا وأنى كنت بالضرب مثخنا
40

ولو سلمت كفاي قاتلت دونه * وضاربت عنه الطاهري الملقنا
فتى لا يرى أن يخذل السيف في الوغا * إذا ادرع الهيجاء في النقع واكتنى
* وذكر عن الهيثم بن عدي قال لما دخل ابن أبي عيينة على طاهر فأنشده قوله
من آنسته البلاد لم يرم * منها ومن أوحشته لم يقم
حتى انتهى إلى قوله
ما ساء ظني إلا لواحدة * في الصدر محصورة عن الكلم
فتبسم طاهر ثم قال أما والله لقد ساءني من ذلك ما ساءك والمنى ما آلمك ولقد
كنت كارها لما كان غير أن الحتف واقع والمنايا نازلة ولابد من قطع الأواصر
والشكر للأقارب في تأكيد الخلافة والقيام بحق الطاعة فظننا أنه يريد محمد بن
يزيد بن حاتم * وذكر عمر بن أسد قال أقام طاهر بالأهواز بعد قتله محمد بن
يزيد بن حاتم وأنفذ عماله في كورها وولى على اليمامة والبحرين وعمان مما يلي الأهواز ومما
يلي عمل البصرة ثم أخذ على طريق البر متوجها إلى واسط وبها يومئذ السندي بن يحيى
ابن الحرشي والهيثم خليفة خزيمة بن خازم فجعلت المسالح والعمال تتقوض مسلحة
مسلحة وعاملا عاملا كلما قرب طاهر منهم تركوا أعمالهم وهربوا عنها حتى قرب
من واسط فنادى السندي بن يحيى والهيثم بن شعبة في أصحابهما فجمعاهم إليهما وهما
بالقتال وأمر الهيثم بن شعبة صاحب مراكبه أن يسرج له دوابه فقرب إليه فرسا
فأقبل يقسم طرفه بينها واستقبلته عدة فرأى المراكبى التغير والفزع في وجهه
فقال إن أردت الهرب فعليك بها فإنها أبسط في الركض وأقوى على السفر
فضحك ثم قال قرب فرس الهرب فإنه طاهر ولا عار علينا في الهرب منه فتركا
واسطا وهربا عنها ودخل طاهر واسطا وتخوف إن سبق الهيثم والسندي إلى فم الصلح
فيتحصنا بها فوجه محمد بن طالوت وأمره أن يبادرهما إلى فم الصلح ويمنعهما من
دخولها إن أرادا ذلك ووجه قائدا من قواده يقال له أحمد بن المهلب نحو الكوفة
وعليها يومئذ العباس بن موسى الهادي فلما بلغ العباس خبر أحمد بن المهلب خلع
محمدا وكتب بطاعته إلى طاهر وببيعته للمأمون ونزلت خيل طاهر فم النيل وغلب
41

على ما بين واسط والكوفة وكتب المنصور بن المهدى وكان عاملا لمحمد على
البصرة إلى طاهر بطاعته ورحل طاهر حتى نزل طرنايا فأقام بها يومين فلم يرها
موضعا للعسكر فأمر بجسر فعقد وخندق له وأنفذ كتبه بالتولية إلى العمال وكانت
بيعة المنصور بن المهدى بالبصرة وبيعة العباس بن موسى الهادي بالكوفة وبيعة
المطلب بن عبد الله بن مالك بالموصل للمأمون وخلعهم محمدا في رجب من سنة 196
وقيل إن الذي كان على الكوفة حين نزل طاهر من قبل محمد الفضل بن العباس
ابن موسى بن عيسى ولما كتب من ذكرت إلى طاهر ببيعتهم للمأمون وخلعهم
محمدا أقرهم طاهر على أعمالهم وولى داود بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي الهاشمي مكة
والمدينة ويزيد بن جرير البجلي اليمن ووجه الحارث بن هشام وداود بن موسى
إلى قصر ابن هبيرة (وفى هذه السنة) أخذ طاهر بن الحسين من أصحاب محمد
المدائني ثم صار منها إلى صرصر فعقد جسرا ومضى إلى صرصر
* ذكر الخبر عن سبب دخوله المدائن ومصيره إلى صرصر *
* ذكر أن طاهرا لما وجه إلى قصر ابن هبيرة الحارث بن هشام وداود بن
موسى وبلغ محمدا خبر عامله بالكوفة وخلعه إياه وبيعته للمأمون وجه محمد بن
سليمان القائد ومحمد بن حماد البربري وأمرهما أن يبيتا الحارث وداود بالقصر فقيل
لهما إن سلكتما الطريق الأعظم لم يخف ذلك عليهما ولكن اختصر الطريق إلى فم الجامع
فإنه موضع سوق ومعسكر فأنزلاه وبيتاهما إن أردتما ذلك وقد قربتما منهما فوجها
الرجال من الياسرية إلى فلم الجامع وبلغ الحارث وداود الخبر فركبا في خيل
مجرد وتهيآ للرجالة فعبرا من مخاضة في سوراء إليهم وقد نزلوا إلى جنبها فأوقعا بهم وقعة
شديدة ووجه طاهر محمد بن زياد ونصير بن الخطاب مددا للحارث وداود
فاجتمعت العساكر بالجامع وساروا حتى لقوا محمد بن سليمان ومحمد بن حماد في ما بين
نهر درقيط والجامع فاقتتلوا قتالا شديدا وانهزم أهل بغداد وهرب محمد بن سليمان
حتى صار إلى قرية شاهي وعبر الفرات وأخذ على طريق البرية إلى الأنبار ورجع
محمد بن حماد إلى بغداد وقال أبو يعقوب الخزيمي في ذلك
42

هما عدوا بالنكث كي يصدعا به * صفا الحق فانفضا بجمع مبدد
وأفلتنا ابن البربري مضمر * من الخيل يسمو للجياد ويهتدى
وذكر يزيد بن الحارث أن محمد بن حماد البربري لما دخل بغداد وجه محمد
المخلوع الفضل بن موسى بن عيسى الهاشمي إلى الكوفة وولاه عليها وضم إليه
أبا السلاسل وإياس الحرابي وجمهورا النجاري وأمره بسرعة السير فتوجه
الفضل فلما عبر نهر عيسى عثر به فرسه فتحول منه إلى غيره وتطير وقال اللهم
إني أسألك بركة هذا الوجه وبلغ طاهرا الخبر فوجه محمد بن العلاء وكتب إلى
الحارث بن هشام وداود بن موسى بالطاعة له فلقى محمد بن العلاء الفضل بقرية
الاعراب فبعث إليه الفضل إني سامع مطيع لطاهر وانما كان مخرجي بالكيد
منى لمحمد فخل لي الطريق حتى أصبر إليه فقال له محمد لست أعرف ما تقول ولا أقبله
ولا أنكره فان أردت الأمير طاهرا فارجع وراءك فخذ أسهل الطريق وأقصدها
فرجع وقال محمد لأصحابه كونوا على حذر فانى لست آمن مكر هذا فلم يلبث أن
كبر وهو يرى أن محمد بن العلاء قد أمنه فوجده على عدة وأهبة واقتتلوا كأشد
ما يكون من القتال وكبا بالفضل فرسه فقاتل عنه أبو السلاسل حتى ركب وقال
أذكر هذا الموقف لأمير المؤمنين وحمل أصحاب محمد بن العلاء على أصحاب الفضل
فهزموهم ولم يزالوا يقتلونهم إلى كؤثى وأسر في تلك الوقعة إسماعيل بن محمد القرشي
وجمهور النجاري وتوجه طاهر إلى المدائن وفيها جند كثير من خيول محمد
عليهم البرمكي قد تحصن بها والمدد يأتيه في كل يوم والصلات والخلع من قبل
محمد فلما قرب طاهر من المدائن وكان منها على رأس فرسخين نزل فصلى ركعتين
وسبح فأكثر التسبيح فقال اللهم إنا نسألك نصرا كنصرك المسلمين يوم المدائن
ووجه الحسن بن علي المأموني وقريش بن شبل ووجه الهادي بن حفص على
مقدمته وسار فلما سمع أصحاب البرمكي صوت طبوله أسرجوا الدواب وأخذوا
في تعبيتهم وجعل من في أوائل الناس ينضم إلى أواخرهم وأخذ البرمكي في
تسوية الصفوف فكلما سوى صفا انتقض واضطرب عليه أمرهم فقال اللهم
43

إنا نعوذ بك من الخذلان ثم التفت إلى صاحب ساقته فقال خل سبيل
الناس فإني أرى جندا لاخير عندهم فركب بعضهم بعضا نحو بغداد فنزل
طاهر المدائن وقدم منها قريش بن شبل والعباس بن بخاراخذاه إلى الدرزيجان
وأحمد بن سعيد الحرشي ونصر بن منصور بن نصر بن مالك معسكران بنهر ديالى
فمنعا أصحاب البرمكي من الجواز إلى بغداد وتقدم طاهر حتى صار إلى الدرزيجان
حيال أحمد ونصر بن منصور فسير إليهما الرجال فلم يجر بينهما كثير قتال حتى انهزموا
وأخذ طاهر ذات اليسار إلى نهر صرصر فعقد بها جسرا ونزلها (وفى هذه السنة)
خلع داود بن عيسى عامل مكة والمدينة محمدا وهو عامله يومئذ عليهما وبايع
للمأمون وأخذ البيعة بهما على الناس له وكتب بذلك إلى طاهر والمأمون ثم
خرج بنفسه إلى المأمون
* ذكر الخبر عن ذلك وكيف جرى الامر فيه *
ذكر أن الأمين لما أفضت الخلافة إليه بعث إلى مكة والمدينة داود بن
عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس وعزل عامل الرشيد على
مكة وكان عامله عليها محمد بن عبد الرحمن بن محمد المخزومي وكان إليه الصلاة
بها وأحداثها والقضاء بين أهلها فعزل محمد عن ذلك كله بداود بن عيسى
سوى القضاء فإنه أقره على القضاء فأقام داود واليا على مكة والمدينة لمحمد
وأقام للناس أيضا الحج سنة ثلاث وأربع وخمس وتسعين ومائة فلما دخلت سنة
196 بلغه خلع عبد الله المأمون أخاه وما كان فعل طاهر بقواد محمد وقد كان محمد
كتب إلى داود بن عيسى يأمره بخلع عبد الله المأمون والبيعة لابنه موسى وبعث
محمد إلى الكتابين اللذين كان الرشيد كتبهما وعلقهما في الكعبة فأخذهما فلما
فعل ذلك جمع داود حجبة الكعبة والقرشيين والفقهاء ومن كان شهد على ما في
الكتابين من الشهود وكان داود أحدهم فقال داود قد علمتم ما أخذ علينا وعليكم
الرشيد من العهد والميثاق عند بيت الله الحرام حين بايعنا لابنيه لتكونن مع
المظلوم منهما على الظالم ومع المبغى عليه على الباغي ومع المغدور به على الغادر
44

فقد رأينا ورأيتم أن محمدا قد بدأ بالظلم والبغي والغدر على أخويه عبد الله المأمون
والقاسم المؤتمن وخلعهما وبايع لابنه الطفل رضيع صغير لم يفطم واستخرج
الشرطين من الكعبة عاصيا فحرقهما بالنار وقد رأيت خلعه وان أبايع لعبد الله
المأمون بالخلافة إذ كان مظلوما مبغيا عليه فقال له أهل مكة رأينا تبع لرأيك ونحن
خالعوه معك فوعدهم صلاة الظهيرة وأرسل في فجاج مكة صائحا يصيح الصلاة
جامعة فلما جاء وقت صلاة الظهر وذلك يوم الخميس لسبع وعشرين ليلة
خلت من رجب سنة 196 خرج داود بن عيسى فصلى بالناس صلاة الظهر وقد
وضع له المنبر بين الركن والمقام فصعد فجلس عليه وأمر بوجوه الناس
وأشرافهم فقربوا من المنبر وكان داود خطيبا فصيحا جهر الصوت فلما اجتمع
الناس قام خطيبا فقال الحمد لله مالك الملك يؤتى الملك من يشاء وينزع الملك ممن
يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير وهو على كل شئ قدير وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم وأشهد أن محمدا
عبده ورسوله أرسله بالدين وختم به النبيين وجعله رحمة للعالمين صلى الله عليه
في الأولين والآخرين أما بعد يا أهل مكة فأنتم الأصل والفرع والعشيرة
والأسرة والشركاء في النعمة إلى بلدكم نفذ وفد الله وإلى قبلتكم يأتم المسلمون
وقد علمتم ما أخذ عليكم الرشيد هارون رحمة الله عليه وصلاته حين بايع
لابنيه محمد وعبد الله بين أظهركم من العهد والميثاق لتنصرن المظلوم منهما على
الظالم والمبغى عليه على الباغي والمغدور به على الغادر ألا وقد علمتم وعلمنا
أن محمد بن هارون قد بدأ بالظلم والبغي والغدر وخالف الشروط التي أعطاها
من نفسه في بطن البيت الحرام وقد حل لنا ولكم خلعه من الخلافة وتصييرها
إلى المظلوم المبغى عليه المغدور به ألا وإني أشهدكم أنى قد خلعت محمد بن هارون
من الخلافة كما خلعت قلنسوتي هذه من رأسي وخلع قلنسوته عن رأسه فرمى
بها إلى بعض الخدم تحته وكانت من برود حبرة مسلسلة حمراء وأتى بقلنسوة
سوداء هاشمية فلبسها ثم قال قد بايعت لعبد الله عبد الله المأمون أمير المؤمنين
45

بالخلافة ألا فقوموا إلى البيعة لخليفتكم فصعد جماعة من الوجوه إليه إلى المنبر
رجل فرجل فبايعه لعبد الله المأمون بالخلافة وخلع محمدا ثم نزل عن المنبر وحانت
صلاة العصر فصلى بالناس ثم جلس في ناحية المسجد وجعل الناس يبايعونه
جماعة بعد جماعة يقرأ عليهم كتاب البيعة ويصافحونه على كفه ففعل ذلك أياما
وكتب إلى سليمان بن داود بن عيسى وهو خليفته على المدينة يأمره أن يفعل
بأهل المدينة مثل ما فعل هو بأهل مكة من خلع محمد والبيعة لعبد الله المأمون
فلما رجع جواب البيعة من المدينة إلى داود وهو بمكة رحل من فوره بنفسه
وجماعة من ولده يريد المأمون بمرو على طريق البصرة ثم على فارس ثم على
كرمان حتى صار إلى المأمون بمرو فأعلمه ببيعته وخلعه محمد أو مسارعة أهل مكة
وأهل المدينة إلى ذلك فسر بذلك المأمون وتيمن ببركة مكة والمدينة إذ كانوا أول
من بايعه وكتب إليهم كتابا لينا لطيفا يعدهم فيه الخير وبسط أملهم وأمر أن
يكتب لداود عهد على مكة والمدينة وأعمالها من الصلاة والمعاون والجباية وزيد
له ولاية عك وعقد له على ذلك ثلاثة ألوية وكتب له إلى الري بمعونة خمسمائة
ألف درهم وخرج داود بن عيسى مسرعا مغذا مبادرا لادراك الحج ومعه ابن أخيه
العباس بن موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس وقد عقد
المأمون للعباس بن موسى بن عيسى على ولاية الموسم فسار هو وعمه داود حتى نزلا بغداد
على طاهر بن الحسين فاكرمهما وقربهما وأحسن معونتهما ووجه معهما يزيد
ابن جرير بن يزيد بن خالد بن عبد الله القسري وقد عقد له طاهر على ولاية اليمن
وبعث معه خيلا كثيفة وضمن لهم يزيد بن جرير بن يزيد بن خالد بن
عبد الله القسري أن يستميل قومه وعشيرته من ملوك أهل اليمن وأشرافهم
ليخلعوا محمدا ويبايعوا عبد الله المأمون فساروا جميعا حتى دخلوا مكة وحضر
الحج فحج بأهل الموسم العباس بن موسى بن عيسى فلما صدروا عن الحج انصرف
العباس حتى أتى طاهر بن الحسين وهو على حصار محمد وأقام داود بن عيسى
على عمله بمكة والمدينة ومضى يزيد بن جرير إلى اليمن فدعا أهلها إلى خلع محمد
46

وبيعة عبد الله المأمون وقرأ عليهم كتابا من طاهر بن الحسين يعدهم العدل والانصاف
ويرغبهم في طاعة المأمون ويعلمهم ما بسط المأمون من العدل في رعيته فأجاب
أهل اليمن إلى بيعة المأمون واستبشروا بذلك وبايعوا للمأمون وخلعوا محمدا فسار
فيهم يزيد بن جرير بن يزيد بأحسن سيرة وأظهر عدلا وإنصافا وكتب بإجابتهم
وبيعتهم إلى المأمون وإلى طاهر بن الحسين (وفى هذه السنة) عقد محمد في رجب
وشعبان منها نحوا من أربعمائة لواء لقواد شتى وأمر على جميعهم علي بن محمد بن
عيسى بن نهيك وأمرهم بالمسير إلى هرثمة بن أعين فساروا فالتقوا بجللتا في رمضان
على أميال من النهروان فهزمهم هرثمة وأسر علي بن محمد بن عيسى بن نهيك
وبعث به هرثمة إلى المأمون وزحف هرثمة فنزل النهروان (وفى هذه السنة)
أستأمن إلى محمد من طاهر جماعة كثيرة وشغب الجند على طاهر ففرق محمد
فيمن صار إليه من أصحاب طاهر مالا عظيما وقود رجالا وغلف لحاهم بالغالية
فسموا بذلك قواد الغالية
* ذكر الخبر عن سبب ذلك وإلى ما آل إليه الامر فيه *
ذكر عن يزيد بن الحارث قال أقام طاهر على نهر صرصر لما صار إليها
وشمر في محاربة محمد وأهل بغداد فكان لا يأتيه جيش إلا هزمه فاشتد على
أصحابه ما كان محمد يعطى من الأموال والكسى فخرج من عسكره نحو من خمسة
آلاف رجل من أهل خراسان ومن التف إليهم فسر بهم محمد ووعدهم ومناهم
وأثبت أسماءهم في الثمانين قال فمكثوا بذلك أشهرا وقود جماعة من الحربية وغيرهم
ممن تعرض لذلك وطلبه وعقد لهم ووجههم إلى دسكرة الملك والنهروان ووجه
إليهم حبيب بن جهم النمري الأعرابي في أصحابه فلم يكن بينهم كثير قتال وندب
محمد قوادا من قواد بغداد فوجههم إلى الياسرية والكوثرية والسفيانيين
وحمل إليهم الأطعمة وقواهم بالأرزاق وصيرهم ر؟ ءا لمن خلفهم وفرق الجواسيس
في أصحاب طاهر ودس إلى رؤساء الجند الكتب بالاطماع والترغيب فشغبوا
على طاهر واستأمن كثير منهم إلى محمد ومع كل عشرة أنفس منهم طبل
47

فأرعدوا وأبرقوا وأجلبوا ودبوا حتى أشرفوا على نهر صرصر فعبى لطاهر
أصحابه كراديس ثم جعل يمر على كل كردوس منهم فيقول لا يغرنكم كثرة
من ترون ولا يمنعكم استئمان من استأمن منهم فان النصر مع الصدق والثبات
والفتح مع الصبر ورب فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين ثم
أمرهم بالتقدم فتقدموا واضطربوا بالسيوف مليا ثم إن الله ضرب أكتاف أهل بغداد
فولوا منهزمين وأخلوا موضع عسكرهم فانتهب أصحاب طاهر كل ما كان فيه من
سلاح ومال وبلغ الخبر محمدا فأمر بالعطاء فوضع وأخرج خزائنه وذخائره وفرق
الصلات وجمع أهل الأرباض واعترض الناس على عينه فكان لا يرى أحدا وسيما
حسن الرؤاء إلا خلع عليه وقوده وكان لا يقود أحدا إلا غلفت لحيته بالغالية وهم
الذين يسمون قواد الغالية قال وفرق في قواده المحدثين لكل رجل منهم خمسمائة
درهم وقارورة غالية ولم يعط جند القواد وأصحابهم شيئا وأتت عيون طاهر
وجواسيسه طاهزا بذلك فراسلهم وكاتبهم ووعدهم واستمالهم وأغرى أصاغرهم
بأكابرهم فشغبوا على محمد يوم الأربعاء لست خلون من ذي الحجة سنة 196 فقال
رجل من أبناء أهل بغداد في ذلك:
قل للأمين الله في نفسه * ما شتت الجند سوى الغالية
وطاهر نفسي تقى طاهرا * برسله والعدة الكافية
أضحى زمام الملك في كفه * مقاتلا للفئة الباغية
يا ناكثا أسلمه نكثه * عيوبه من خبثه فاشيه
قد جاءك الليث بشداته * مستكلبا في أسد ضاريه
فأهرب ولا مهرب من مثله * إلا إلى النار أو الهاويه
قال ولما شغب الجند وصعب الامر على محمد شاور قواده فقيل له تدارك القوم
فتلاف أمرك فان بهم قوام ملكك وهم بعد الله أزالوه عنك أيام الحسين وهم
ردوه عليك وهم من قد عرفت نجدتهم وبأسهم فلج في أمرهم وأمر بقتالهم فوجه
إليهم التنوخي وغيره من المستأمنة والاجناد الذين كانوا معه فعاجل القوم القتال
48

وراسلهم طاهر وراسلوه فأخذ رهائنهم على بذل الطاعة له وكتب إليهم فأعطاهم
الأمان وبذل لهم الأموال ثم قدم فصار إلى البستان الذي على باب الأنبار يوم الثلاثاء
لاثنتي عشرة ليلة خلت من ذي الحجة فنزل البستان بقواده وأجناده وأصحابه ونزل
من لحق بطاهر من المستأمنة من قواد محمد وجنده في البستان وفى الأرباض
وألحقهم جميعا بالثمانين في الأرزاق وأضعف للقواد وأبناء القواد الخواص
وأجرى عليهم وعلى كثير من رجالهم الأموال ونقب أهل السجون السجون
وخرجوا منها وفتن الناس ووثب على أهل الصلاح الدعار والشطار فعز الفاجر
وذل المؤمن واحتل الصالح وساءت حال الناس إلا من كان في عسكر طاهر لتفقده
أمرهم وأخذه على أيدي سفهائهم وفساقهم واشتد في ذلك عليهم وغادى القتال وراحه
حتى تواكل الفريقان وخربت الدار (وحج) بالناس في هذه السنة العباس بن
موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي من قبل طاهر ودعا للمأمون بالخلافة و؟
أول موسم دعى له فيه بالخلافة بمكة والمدينة
* ثم دخلت سنة سبع وتسعين ومائة *
*؟ كر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
ففي هذه السنة لحق القاسم بن هارون الرشيد ومنصور بن المهدى بالمأمون من
العراق فوجه المأمون القاسم إلى جرجان (وفيها) حاصر طاهر وهرثمة وزهير بن
المسيب محمد بن هارون ببغداد
ذكر الخبر عما آل إليه أمر حصارهم في هذه السنة وكيف كان الحصار فيها
ذكر محمد بن يزيد التميمي وغيره أن زهير بن المسيب الضبي نزل قصر رقة
كلواذى ونصب المجانيق والعرادات واحتفر الخنادق وجعل يخرج في الأيام عند
اشتغال الجند بحرب طاهر فيرمى بالعرادات من أقبل وأدبر ويعشر أموال التجار
ويجبى السفن وبلغ من الناس كل مبلغ وبلغ أمره طاهرا وأتاه الناس فشكوا إليه
ما نزل بهم من زهير بن المسيب وبلغ ذلك هرثمة فأمده بالحند وقد كاد يؤخذ (4 - 7)
49

فأمسك عنه الناس فقال شاعر من أهل الجانب الشرقي لم يعرف اسمه في زهير
وقتله الناس بالمجانيق
لا تقرب المنجنيق والحجرا * فقد رأيت القتيل إذ قبرا
باكر كي لا يفوته خبر * راح قتيلا وخلف الخبرا
ماذا كان به من نشاط ومن * صحة جسم به إذا ابتكرا
أراد ألا يقال كان له * أمر فلم يدر من به أمرا
يا صاحب المنجنيق ما فعلت * كفاك لم تبقيا ولم تذرا
كان هواه سوى الذي قدرا * هيهات لن يغلب الهوى القدرا
ونزل هرثمة نهر بين وجعل عليه حائطا وخندقا وأعد المجانيق والعرادات وأنزل
عبيد الله بن الوضاح الشماسية ونزل طاهر البستان بباب الأنبار فذكر عن الحسين
الخليع أنه قال لما تولى طاهر البستان بباب الأنبار دخل محمدا أمر عظيم من دخوله
بغداد وتفرق ما كان في يده من الأموال وضاق ذرعا وتحرق صدرا فأمر
ببيع كل ما في الخزائن من الأمتعة وضرب آنية الذهب والفضة دنانير ودراهم
وحملها إليه لأصحابه وفى نفقاته وأمر حينئذ برمى الحربية بالنفط والنيران والمجانيق
والعرادات يقتل بها المقبل والمدبر ففي ذلك يقول عمرو بن عبد الملك العتري الوراق
يا رماة المنجنيق * كلكم غير شفيق
ما تبالون صديقا * كان أو غير صديق
ويلكم تدرون ما تر * مون مرار الطريق
رب خود ذات دل * وهى كالغصن الوريق
أخرجت من جوف دنيا * ها ومن عيش أنيق
لم تجد من ذاك بدا * أبرزت يوم الحريق
وذكر عن محمد بن منصور الباوردي قال لما اشتدت شوكة طاهر على محمد
وهزمت عساكره وتفرق قواده كان فيمن استأمن إلى طاهر سعيد بن مالك بن
قادم فلحق به فولاه ناحية البغيين والأسواق هنالك وشاطئ دجلة وما اتصل به أمامه
50

إلى جسور دجلة وأمره بحفر الخنادق وبناء الحيطان في كل ما غلب عليه من
الدور والدروب وأمده بالنفقات والفعلة والسلاح وأمر الحربية بلزومه على
النوائب ووكل بطريق دار الرقيق وباب الشأم واحدا بعد واحد وأمر بمثل
الذي أمر به سعيد بن مالك وكثر الخراب والهدم حتى درست محاسن بغداد ففي
ذلك يقول العتري
من ذا أصابك يا بغداد بالعين * ألم تكوني زمانا قرة العين
ألم يكن فيك قوم كان مسكنهم * وكان قربهم زينا من الزين
صا؟ الغراب بهم بالبين فافترقوا * ماذا لقيت بهم من لوعة البين
أستودع الله قوما ما ذكرتهم * إلا تحدر ماء العين من عيني
كانوا ففرقهم دهر وصدعهم * والدهر يصدع ما بين الفريقين
قال ووكل محمد عليا فراهمرد فيمن ضم إليه من المقاتلة بقصر صالح وقصر
سليمان بن أبي جعفر إلى قصور دجلة وما والاها فألح في إحراق الدور والدروب
وهدمها بالمجانيق والعرادات على يدي رجل كان يعرف بالسمرقندي فكان
يرمى بالمنجنيق وفعل طاهر مثل ذلك وأرسل إلى أهل الأرباض من طريق الأنبار
وباب الكوفة وما يليها وكلما أجابه أهل ناحية خندق عليهم ووضع مسالحه
وأعلامه ومن أبى اجابته والدخول في طاعته ناصبه وقاتله وأحرق منزله فكان كذلك
يغدو ويروح بقواده وفرسانه ورجالته حتى أوحشت بغداد وخاف الناس أن
تبقى خرابا وفى ذلك يقول الحسين الخليع
أتسرع الرجلة أغذاذا * عن جانبي بغداد أم ماذا
ألم تر الفتنة قد ألفت * إلى أولى الفتنة شذاذا
وانتقضت بغداد عمرانها * عن رأى لا ذاك ولا هذا
هدما وحرقا قد أبيد أهلها * عقوبة لاذت بمن لاذا
ما أحسن الحالات إن لم تعد * بغداد في القلة بغداذا
قال وسمى طاهر الأرباض التي خالفه أهلها ومدينة أبى جعفر الشرقية وأسواق
51

الكرخ والخلد وما والاها دار النكث وقبض ضياع من لم ينجز إليه من بني هاشم
والقواد والموالي وغلاتهم حيث كانت من عمله فذلوا وانكسروا وانقادوا
وذلت الأجناد وتواكلت عن القتال إلا باعة الطريق والعراة وأهل السجون
والأوباش والرعاع والطرارين وأهل السوق وكان حاتم بن الصقر قد أباحهم
النهب وخرج الهرش والأفارقة فكان طاهر يقاتلهم لا يفتر عن ذلك ولا يمله
ولا ينى فيه فقال الخزيمي يذكر بغداد ويصف ما كان فيها
قالوا ولم يلعب الزمان ببغداد * وتعثر بها عواثرها
إذ هي مثل العروس باديها * مهول للفتى وحاضرها
جنة دنيا ودار مغبطة * قل من النائبات وائرها
درت خلوف الدنيا لساكنها * وقل معسورها وعاسرها
وانفرجت بالنعيم وانتجعت * فيها بلذاتها حواضرها
فالقوم منها في روضة أنق * أشرق غب القطان زائرها
من غره العيش في بلهنية * لو أن دنيا يدوم عامرها
دار ملوك رست قواعدها * فيها وقرت بها منابرها
أهل العلى والثرى وأندية ال‍ * فخر إذا عددت مفاخرها
أفراخ نعمى في إرث مملكة * شد عراها لها أكابرها
فلم يزل والزمان ذو غير * يقدح في ملكها أصاغرها
حتى تساقت كأسا مثملة * من فتنة لا يقال عاثرها
وافترقت بعد ألفة شيعا * مقطوعة بينها أياصرها
ياهل رأيت الاملاك ما صنعت * إذ لم يزغها بالنصح زاجرها
أورد أملاكنا نفوسهم * هوة غي أعيت مصادرها
ما ضرها لو وفت بموثقها * واستحكمت في التقى بصائرها
ولم تسافك دماء شيعتها * وتبتعل فتية تكابرها
وأقنعتها الدنيا التي جمعت * لها ورغب النفوس ضائرها
52

ما زال حوض الاملاك مسجورها *... بالهوى وساجرها
تبقى فضول الدنيا مكاثرة * حتى أبيحت كرها ذخائرها
تبيع ما جمع الأبوة للأبناء * لا أربحت متاجرها
يا هل رأيت الجنان زاهرة * يروق عين البصير زاهرها
وهل رأيت القصور شارعة * تكن مثل الدمى مقاصرها
وهل رأيت القرى التي غرس ال‍ * أملاك مخضرة دسا كرها
محفوفة بالكروم والنخل والريحان * قد دميت محاجرها
فإنها أصبحت خلايا من ال‍ * إنسان قد دميت محاجرها
قفرا خلاء تعوى الكلاب بها * ينكر منها الرسوم داثرها
وأصبح البؤس ما يفارقها * إلفا لها والسرور هاجرها
بزندورد والياسرية والشطين * حيث انتهت معابرها
وبالرحى والخيزرانية ال‍ * عليا التي أشرفت قناطرها
وقصر عبدويه عبرة وهدى * لكل نفس زكت سرائرها
فأين حراسها وحارسها * وأين مجبورها وجابرها
وأين خصيانها وحشوتها * وأين سكانها وعامرها
أين الجرادية الصقالب والأحبش * تعدو هدلا مشافرها
ينصدع الجند عن مواكبها * تعدو بها سربا ضوامرها
بالسند والهند والصقالب النوبة * شيبت بها برابرها
طيرا أبابيل أرسلت عبثا * يقدم سودانها أحامرها
أين الظباء الابكار في روضة ال‍ * ملك تهادى بها غرائرها
أين غضاراتها ولذتها * وأين محبورها وحابرها
بالمسك والعنبر اليماني والأنجوج * مشبوبة مجامرها
يرفلن في الخز والمجاسد والموشى * محطومة مزامرها
فأين رقاصها وزامرها * يجبن حيث انتهت حناجرها
53

تكاد أسماعهم تسل إذا * عارض عيدانها مزامرها
أمست كجوف الحمار خالية * يسعرها بالجحيم ساعرها
كأنما أصبحت بساحتهم * عاد ومستهم صراصرها
لا تعلم النفس ما يبايتها * من حادث الدهر أو يباكرها
تضحى وتمسى درية غرضا * حيث استقرت بها شراشرها
لا سهم الدهر وهو يرشقها * محنطها مرة وباقرها
يا بؤس بغداد دار مملكة * دارت على أهلها دوائرها
أمهلها الله ثم عاقبها * لما أحاطت بها كبائرها
بالخسف والقذف والحريق وبالحرب * التي أصبحت تساورها
كم قد رأينا من المعاصي بها * كالعاهر السوء...
حلت ببغداد وهى آمنة * داهية لم تكن تحاذرها
طالعها السوء من مطالعه * وأدركت أهلها جرائرها
رق بها الدين واستخف بذى ال‍ * فضل وعز النساك فاجرها
وخطم العبد أنف سيده * بالرغم واستعبدت مخادرها
وصار رب الجيران فاسقهم * وابتز أمر الدروب ذاعرها
من ير بغداد والجنود بها * قد ربقت حولها عساكرها
كل طحون شهباء باسلة * تسقط أحبالها زماجرها
تلقى بغى الردى أوانسها * يرهقها للقاء طاهرها
والشيخ يعدو حزما كتائبه * يقدم أعجازها يعاورها
ولزهير بالقول ماسدة * مرقومة صلبة مكاسرها
كتائب الموت تحت ألوية * أبرح منصورها وناصرها
يعلم أن الاقدار واقعة * وقعا على ما أحب قادرها
فتلك بغداد ما يبنى من ال‍ * دله في دورها عصافرها
محفوفة بالردى منطقة * بالصغر محصورة جبابرها
54

وبين شط الفرات منه إلى * دجلة حيث انتهت معابرها
كهادي السفراء نافره * تركض من حولها أشاقرها
يحرقها ذا وذاك يهدمها * ويشتفي بالنهاب شاطرها
والكرخ أسواقها معطلة * يستن عيارها وعائرها
أخرجت الحرب من سواقطها * آساد غيل غلبا تساورها
من البواري تراسها ومن ال‍ * خوص إذا استلامت مغافرها
تغدو إلى الحرب في جواشنها ال‍ * صوف إذا ما عدت أساورها
كتائب الهرش تحت رايته * ساعد طرارها مقامرها
لا الرزق تبغى ولا العطاء ولا * يحشرها للقاء حاشرها
في كل درب وكل ناحية * خطارة يستهل خاطرها
بمثل هام الرجال من فلق ال‍ * صخر يزود المقلاع بائرها
كأنما فوق هامها عدف * من القطا الكدر هاج نافرها
والقوم من تحتها لهم زجل * وهى ترامى بها خواطرها
بل هل رأيت السيوف مصلتة * أشهرها في الأسواق شاهرها
والخيل تستن في أزقتها * بالترك مسنونة خناجرها
والنفط والنار في طرائقها * وهابيا للدخان عامرها
والنهب تعدو به الرجال وقد * أبدت خلاخيلها حرائرها
معصوصبات وسط الأزقة قد * أبرزها للعيون ساترها
كل رقود الضحى مخبأة * لم تبد في أهلها محاجرها
بيضة خدر مكنونة برزت * للناس منشورة غدائرها
تعثر في ثوبها وتعجلها * كبة خيل زيعت حوافرها
تسأل أين الطريق والهة * والنار من خلفها تبادرها
لم تجتل الشمس حسن بهجتها * حتى اختلتها حرب تباشرها
يا هل رأيت الثكلى مولولة * في الطرق تسعى والجهد باهرها
55

في إثر نعش عليه واحدها * في صدره طعنة يساورها
فرغاء ينقى الشنار مريدها * يهزها بالسنان شاجرها
تنظر في وجهه وتهتف بال‍ * ثكل وعز الدموع خامرها
غرغر بالنفس ثم أسلمها * مطلولة لا يخاف ثائرها
وقد رأيت الفتيان في عرصة ال‍ * معرك معفورة مناخرها
كل فتى مناع حقيقته * تشقى به في الوغا مساعرها
باتت عليه الكلاب تنهشه * مخضوبة من دم أظافرها
أما رأيت الخيول جائلة * بالقوم منكوبة دوائرها
تعثر بالأوجه الحسان من ال‍ * قتلى وغلت دما أشاعرها
يطأن أكباد فتية نجد * يفلق هاماتهم حوافرها
أما رأيت النساء تحت المجا * نيق تعادى شعثا ضفائرها
عقائل القوم والعجائز والعنس * لم تخير معاصرها
يحملن قوتا من الطحين على ال‍ * أكتاف معصوبة معاجرها
وذات عيش ضنك ومقعسة * تشدخها صخرة تعاورها
تسأل عن أهلها وقد سلبت * وابتز عن رأسها غفائرها
يا ليت ما وللدهر ذو دول * يرجى وأخرى تخشى بوادرها
هل ترجعن أرضنا كما غنيت * وقد تناهت بنا مصايرها
من مبلغ ذا الرئاستين رسا * لات تأتى للنصح شاعرها
بأن خير الولاة قد علم الناس * إذا عددت مآثرها
خليفة الله من بريته ال‍ * مأمون سائسها وجابرها
سمت إليه آمال أمته * منقادة برها وفاجرها
شاموا حيا العدل من مخايله * وأصحرت بالتقى بصائرها
وأحمدوا منك سيرة جلت ال‍ * شك وأخرى صحت معاذرها
واستجمعت طاعة برفقك للمأمون * نجديها وغائرها
56

وأنت سمع في العالمين له * ومقلة ما يكل ناظرها
فاشكر لذي العرش فضل نعمته * أوجب فضل المزيد شاكرها
واحذر فداء لك الرعية والأجناد * مأمورها وآمرها
لا تردن غمرة بنفسك لا * يصدر عنها بالرأي صادرها
عليك ضحضاحها فلا تلج ال‍ * غمرة ملتجمة زواخرها
والقصد إن الطريق ذو شعب * أشأمها وعثها وجائرها
أصبحت في أمة أوائلها * قد فارقت هديها أواخرها
وأنت سرسورها وسائسها * فهل على الحق أنت قاسرها
أدب رجالا رأيت سيرتهم * خالف حكم الكتاب سائرها
وامدد إلى الناس كف مرحمة * تسد منهم بها مفاقرها
أمكنك العدل إذ هممت به * ووافقت مده مقادرها
وأبصر الناس قصد وجههم * وملكت أمة أخايرها
تشرع أعناقها إليك إذا * السادات يوما جمت عشائرها
كم عندنا من نصيحة لك في الله * وقربى عزت زوافرها
وحرمة قربت أياصرها * منك وأخرى هل أنت ذاكرها
سعى رجال في العلم مطلبهم * رائحها باكر وباكرها
دونك غراء كالوذيلة لا * تفقد في بلدة سوائرها
لا طمعا قلتها ولا بطرا * لكل نفس نفس تؤامرها
سيرها الله بالنصيحة والخشية * فاستدمجت مرائرها
جاءتك تحكى لك الأمور كما * ينشر بز التجار ناشرها
حملتها صاحبا أخا ثقة * يظل عجبا بها يحاضرها
(وفى هذه السنة) استأمن الموكلون بقصر صالح من قبل محمد (وفيها)
كانت الوقعة التي كانت على أصحاب طاهر بقصر صالح
57

* ذكر الخبر عن هذه الوقعة *
ذكر عن محمد بن الحسين بن مصعب أن طاهرا لم يزل مصابرا محمدا وجنده
على ما وصفت من أمره حتى مل أهل بغداد من قتاله وأن على فراهمرد الموكل
بقصري صالح وسليمان بن أبي جعفر من قبل محمد كتب إلى طاهر يسأله الأمان
ويضمن له أن يدفع ما في يده من تلك الناحية إلى الجسور وما فيها من المجانيق
والعرادات إليه وأنه قبل ذلك منه وأجابه إلى ما سأل ووجه إليه أبا العباس
يوسف بن يعقوب الباذغيسي صاحب شرطه فيمن ضم إليه من قواده وذوي
البأس من فرسانه ليلا فسلم إليه كل ما كان محمد وكله به من ذلك ليلة السبت للنصف
من جمادى الآخرة سنة 197 واستأمن إليه محمد بن عيسى صاحب شرطة محمد
وكان يقاتل مع الأفارقة وأهل السجون والأوباش وكان محمد بن عيسى غير مداهن
في أمر محمد وكان مهيبا في الحرب فلما استأمن هذان إلى طاهر أشفى محمد على الهلاك
ودخله من ذلك ما أقامه وأقعده حتى استسلم وصار على باب أم جعفر يتوقع
ما يكون وأقبلت الغواة من العيارين وباعة الطرق والاجناد فاقتتلوا داخل قصر
صالح وخارجه إلى ارتفاع النهار قال فقتل في داخل القصر أبو العباس يوسف
ابن يعقوب الباذغيسي ومن كان معه من القواد والرؤساء المعدودين وقاتل فراهمرد
وأصحابه خارجا من القصر حتى فل وانحاز إلى طاهر ولم تكن وقعة قبلها ولا بعدها
أشد على طاهر وأصابه منها ولا أكثر قتيلا وجريحا معقورا من أصحاب طاهر
من تلك الوقعة فأكثرت الحزب فيها القول من الشعر وذكر ما كان فيها من شدة
الحرب وقال فيها الغوغاء والرعاع وكان مما قيل في ذلك قول الخليع
أمين الله ثق بالله * تعط الصبر والنصرة
كل الامر إلى الله * كلاك الله ذو القدرة
لنا النصر بعون الله * والكرة لا الفره
وللمراق أعدائك * يوم السوء والدبره
وكاس تلفظ الموت * كريه طعمها مره
58

سقينا وسقيناهم * ولكن بهم الحرة
كذاك الحرب أحيانا * علينا ولنا مره
فذكر عن بعض الأبناء أن طاهرا بث رسله وكتب إلى القواد والهاشميين
وغيرهم بعد أن حاز ضياعهم وغلاتهم يدعوهم إلى الأمان والدخول في خلع
محمد والبيعة للمأمون فلحق به جماعة منهم عبد الله بن حميد بن قحطبة الطائي وإخوته
ولد الحسن بن قحطبة ويحيى بن علي بن ماهان ومحمد بن أبي العاص وكاتبه قوم
من القواد والهاشميين في السر وصارت قلوبهم وأهواؤهم معه قال ولما كانت
وقعة قصر صالح أقبل محمد على اللهو والشرب ووكل الامر إلى محمد بن عيسى
ابن نهيك وإلى الهرش فوضعا مما يليهما من الدروب والأبواب وكلاءهما بأبواب
المدينة والأرباض وسوق الكرخ وفرض دجلة وباب المحول والكناسة فكان
لصوصها وفساقها يسلبون من قدروا عليه من الرجال والنساء والضعفاء من الملة
والذمة فكان منهم في ذلك ما لم يبلغنا أن مثله كان في شئ من سائر بلاد الحروب
قال ولما طال ذلك بالناس وضاقت بغداد بأهلها وخرج عنها من كانت به قوة
بعد الغرم الفادح والمضايقة الموجعة والخطر العظيم فأخذ طاهر أصحابه بخلاف
ذلك واشتد فيه وغلظ على أهل الريب وأمر محمد بن أبي خالد بحفظ الضعفاء
والنساء وتجويزهم وتسهيل أمرهم فكان الرجل والمرأة إذا تخلص من أيدي
أصحاب الهرش وصار إلى أصحاب طاهر ذهب عنه الروع وأمن وأظهرت المرأة
ما معها من ذهب وفضة أو متاع أو بز حتى قيل إن مثل أصحاب طاهر ومثل أصحاب
الهرش وذويه ومثل الناس إذا تخلصوا مثل السور الذي قال الله تعالى ذكره (فضرب
بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب فلما طال على الناس
ما بلوا به ساءت حالهم وضاقوا به ذرعا وفى ذلك يقول بعض فتيان بغداد:
بكيت دما على بغداد لما * فقدت غضارة العيش الأنيق
تبدلنا هموما من سرور * ومن سعة تبدلنا بضيق
أصابتها من الحساد عين * فأفنت أهلها بالمنجيق
فقوم أحرقوا بالنار قسرا * ونائحة تنوح على غريق
59

وصائحة تنادى واصباحا * وباكية لفقدان الشفيق
وحوراء المدامع ذات دل * مضمخة المجاسد بالخلوق
تفر من الحريق إلى انتهاب * ووالدها يفر إلى الحريق
وسالبة الغزالة مقلتيها * مضاحكها كلالاة البروق
حيارى كالهدايا مفكرات * عليهن القلائد في الحلوق
ينادين الشفيق ولا شفيق * وقد فقد الشقيق من الشقيق
وقوم خرجوا من ظل دنيا * متاعهم يباع بكل سوق
ومغترب قريب الدار ملقى * بلا رأس بقارعة الطريق
توسط من قتالهم جميعا * فما يدرون من أي الفريق
فلا ولد يقيم على أبيه * وقد هرب الصديق بلا صديق
ومهما أنس من شئ تولى * فإني ذاكر دار الرقيق
وذكر أن قائد من قواد أهل خراسان ممن كان مع طاهر من أهل النجدة
والبأس خرج يوما إلى القتال فنظر إلى قوم عراة لا سلاح معهم فقال لأصحابه
ما يقاتلنا إلا من أرى استهانة بأمرهم واحتقارا لهم فقيل له نعم هؤلاء الذين ترى
هم الآفة فقال أف لكم حين تنكصون عن هؤلاء وتخيمون عنهم وأنتم في السلاح
الظاهر والعدة والقوة ولكم مالكم من الشجاعة والنجدة وما عسى أن يبلغ كيد
من أرى من هؤلاء ولا سلاح معهم ولا عدة لهم ولا جنة تقيهم فأوتر قوسه
وتقدم وأبصر بعضهم فقصد نحوه وفى يده بارية مقبرة وتحت إبطه مخلاة فيها
حجارة فجعل الخراساني كلما رمى بسهم استتر منه العيار فوقع في باريته أو قريبا
منه فيأخذه فيجعله في موضع من باريته قد هيأه لذلك وجعله شبيها بالجعبة وجعل
كلما وقع سهم أخذه وصاح دانق أي ثمن النشابة دانق قد أحرزه ولم يزل تلك
حالة الخراساني وحال العيار حتى أنفذ الخراساني سهامه ثم حمل على العيار ليضربه
بسيفه فأخرج من مخلاته حجرا فجعله في مقلاع ورماه فما أخطأ به عينه ثم ثناه
بآخر فكاد يصرعه عن فرسه لولا تحاميه وكر راجعا وهو يقول ليس هؤلاء
60

بإنس قال فحدثت أن طاهرا حدث بحديثه فاستضحك وأعفى الخراساني من
الخروج إلى الحرب فقال بعض شعراء بغداد في ذلك
خرجت هذه الحروب رجالا * لا لقحطانها ولا لنزار
معشرا في جواشن الصوف يغدو * ن إلى الحرب كالأسود الضواري
وعليهم مغافر الخوص تجزيهم * عن البيض والتراس البوارى
ليس يدرون ما الفرار إذا الأبطال * عاذوا من القنا بالفرار
واحد منهم يشد على ألفين * عريان ماله من إزار
ويقول الفتى إذا طعن الطعنة * خذها من الفتى العيار
كم شريف قد أخملته وكم قد * رفعت من مقامر طرار
* ذكر الخبر عما كان منه ومن أصحاب محمد المخلوع في ذلك *
* وعن السبب الذي من أجله فعل ذلك طاهر *
أما السبب في ذلك فإنه فيما ذكر كان أن طاهرا لما قتل من قتل في قصر
صالح من أصحابه ونالهم فيه من الجراح ما نالهم مضه ذلك وشق عليه لأنه لم يكن
له وقعة إلا كانت له لا عليه فلما شق عليه أمر بالهدم والاحراق عند ذلك فهدم
دور من خالفه ما بين دجلة ودار الرقيق وباب الشأم وباب الكوفة إلى الصراة
وأرجاء أبى جعفر وربض حميد ونهر كرخايا والكناسة وجعل يبايت أصحاب
محمد ويدالجهم ويحوى في كل يوم ناحية من بعد ناحية ويخندق عليها المراصد
من المقاتلة وجعل أصحاب محمد ينقصون ويزيدون حتى لقد كان أصحاب طاهر
يهدمون الدار وينصرفون فتقلع أبوابها وسقوفها أصحاب محمد ويكونون أضر
على أصحابهم من أصحاب طاهر تعديا فقال شاعر منهم وذكر أنه عمرو بن عبد الملك
الوراق العتري في ذلك
لنا كل يوم ثلمة لا نسدها * يزيدون فيما يطلبون وننقص
إذا هدموا دارا أخذنا سقوفها * ونحن لاخرى غيرها نتربص
وإن حرصوا يوما على الشر جهدهم * فغوغاؤنا منهم على الشر أحرص
61

فقد ضيقوا من أرضنا كل واسع * وصار لهم أهل بها وتعرصوا
يثيرون بالطبل القنيص فإن بدا * لهم وجه صيد من قريب تقنصوا
لقد أفسدوا شرق البلاد وغربها * علينا فما ندري إلى أين نشخص
إذا حضروا قالوا بما يعرفونه * وإن يروا شيئا قبيحا تخرصوا
وما قتل الابطال مثل مجرب * رسول المنايا ليلة يتلصص
ترى البطل المشهور في كل بلدة * إذا ما رأى العريان يوما يبصبص
إذا ما رآه الشمري مقزلا * على عقبيه للمخافة ينكص
يبيعك رأسا للصبي بدرهم * فإن قال إني مرخص فهو مرخص
فكم قاتل منا لآخر منهم * بمقتله عنه الذنوب تمحص
تراه إذا نادى الأمان مبارزا * ويغمزنا طورا وطورا يخصص
وقد رخصت قراؤنا في قتالهم * وما قتل المقتول إلا المرخص
وقال أيضا في ذلك
الناس في الهدم وفى الانتقال * قد عرض الناس بقيل وقال
يا أيها السائل عن شأنهم * عينك تكفيك مكان السؤال
قد كان للرحمن تكبيرهم * فاليوم تكبيرهم للقتال
اطرح بعينيك إلى جمعهم * وانتظر الروح وعد الليال
لم يبق في بغداد إلا امرؤ * حالفه الفقر كثير العيال
لا أم تحمى عن حماها ولا * خال له يحمى ولا غير خال
ليس له مال سوى مطرد * مطرده في كفه رأس مال
هان على الله فأجرى على * كفيه للشقوة قتل الرجال
إن صار ذا الامر إلى واحد * صار إلى القتل على كل حال
ما بالنا نقتل من أجلهم * سبحانك اللهم يا ذا الجلال
وقال أيضا
ولست بتارك بغداد يوما * ترحل من ترحل أو أقاما
62

إذا ما العيش ساعدنا فلسنا * نبالي بعد من كان الاماما
قال عمرو بن عبد الملك العتري لما رأى طاهر أنهم لا يحفلون بالقتل والهدم
والحرق أمر عند ذلك بمنع التجارات وأن يحرزوا الدقيق وغيره من المنافع من
ناحيته إلى مدينة أبى جعفر والشرقية والكرخ وأمر بصرف سفن البصرة
وواسط بطربايا إلى الفرات ومنه إلى المحول الكبير وإلى الصراة ومنها إلى
خندق باب الأنبار فما كان زهير بن المسيب يبذرقه إلى بغداد أخذ من كل سفينة
فيها حمولة ما بين الألف درهم إلى الألفين والثلاثة وأكثر وأقل وفعل عمال
طاهر وأصحابه ببغداد في جميع طرقها مثل ذلك وأشد فغلت الأسعار وصار الناس
في أشد الحصار فيئسوا كثير منهم من الفرج والروح واغتبط من كان خرج
منها وأسف على مقامه من أقام (وفى هذه السنة) استأمن ابن عائشة إلى طاهر
وكان قد قاتل مع محمد حينا بالياسرية (وفيها) جعل طاهر قوادا من قواده
بنواحي بغداد فجعل العلاء بن الوضاح الأزدي في أصحابه ومن ضم إليه بالرباضة
على المحول الكبير وجعل نعيم بن الوضاح أخاه فيمن كان معه من الأتراك وغيرهم
مما يلي ربض أبى أيوب على شاطئ الصراة ثم غادى القتال وراوح أشهرا وصبر
الفريقان جميعا فكانت لهم فيها وقعة بالكناسة باشرها طاهر بنفسه قتل فيها بشر
كثير من أصحاب محمد فقال عمرو بن عبد الملك
وقعة يوم الأحد * صارت حديث الأبد
كم جسد أبصرته * ملقى وكم من جسد
وناظر كانت له * منية بالرصد
أتاه سهم عائر * فشك جوف الكبد
وصائح يا والدي * وصائح يا ولدى
وكم غريق سابح * كان متين الجلد
لم يفتقده أحد * غير بنات البلد
وكم فقيد بئس * عز على المفتقد
63

كان من النظارة ال‍ * أولى شديد الخرد
لو أنه عاين ما * عاينه لم يعد
لم يبق من كهل لهم * فات ولا من أمرد
وطاهر ملتهم * مثل التهام الأسد
خيم لا يبرح في ال‍ * عرصة مثل اللبد
تقذف عيناه لدى ال‍ * حرب بنار الوقد
فقائل قد قتلوا * ألفا ولما يزد
وقائل أكثر بل * مالهم من عدد
وهارب نحوهم * يرهب من خوف غد
هيهات لا تبصر م‍ * من قد مضى من أحد
لا يرجع الماضي إلى ال‍ * باقي طول الأبد
قلت لمطعون وفيه * روحه لم تؤد
من أنت يا ويلك يا * مسكين من محمد
فقال لا من نسب * دان ولا من بلد
لم أره قط ولم * أجد له من صفد
وقال لا للغى قاتلت * ولا للرشد
إلا لشئ عاجل * يصير منه في يدي
* وذكر عن عمرو بن عبد الملك ان محمدا أمر زريحا غلامه بتتبع الأموال
وطلبها عند أهل الودائع وغيرهم وأمر الهرش بطاعته فكان يهجم على الناس في
منازلهم ويبيتهم ليلا ويأخذ بالظنة فجبى بذلك السبب أموالا كثيرة وأهلك خلقا
فهرب الناس بعلة الحج وفر الأغنياء فقال القراطيسي في ذلك
أظهروا الحج وما ينوونه * بل من الهرش يريدون الهرب
كم أناس أصبحوا في غبطة * وكل الهرش عليهم بالعطب
كل من راد زريح بيته * لقى الذل ووافاه الحرب
(وفيها) كانت وقعة درب الحجارة
64

* ذكر الخبر عنها *
* ذكر أن هذه الوقعة كانت بحضرة درب الحجارة وكانت لأصحاب محمد
على أصحاب طاهر قتل فيها خلق كثير فقال في ذلك عمر بن عبد الملك العتري
وقعة السبت يوم درب الحجارة * قطعت قطعة من النظاره
ذاك من بعد ما تفانوا ولكن * أهلكتهم غوغاؤنا بالحجارة
قدم الشورجين... عمدا * قال إني لكم أريد الاماره
فتلقاه كل لص مريب * عمر السجن دهره بالشطاره
ما عليه شئ يواريه منه * أيره قائم كمثل المنارة
فتولوا عنهم وكانوا قديما * يحسنون الضراب في كل غاره
هؤلاء مثل هؤلاك لدينا * ليس يرجون.. حقا وجاره
كل من كان خاملا صار رأسا * من نعيم في عيشه وغضاره
حامل في يمينه كل يوم * مطردا فوق رأسه طياره
أخرجته من بيتها أم سوء * طلب النهب أمه العياره
يشتم الناس ما يبالي بإفصاح * لذي الشتم لا يشير إشارة
ليس هذا زمان حر كريم * ذا زمان الأنذال أهل الزعاره
كان فيما مضى القتال قتالا * فهو اليوم يا علي تجاره
وقال أيضا بارية قد قيرت ظهرها * محمد فيها ومنصور
العز والامن أحاديثهم * وقولهم قد أخذ السور
وأي نفع لك في سورهم * وأنت مقتول وماسور
قد قتلت فرسانكم عنوة * وهدمت من دوركم دور
هاتوا لكم من قائد واحد * مهذب في وجهه نور
يا أيها السائل عن شأننا * محمد في القصر محصور
(وفيها) أيضا كانت وقعة بباب الشماسية أسر فيها هرثمة
(5 - 7)
65

* ذكر الخبر عن سبب ذلك وكيف كان والى ما آل الامر فيه *
ذكر عن علي بن زيد أنه قال كان ينزل هرثمة نهر بين وعليه حائط وخندق
وقد أعد المجانيق والعرادات وأنزل عبيد الله بن الوضاح الشماسية وكان يخرج
أحيانا فيقف بباب خراسان مشفقا من أهل العسكر كارها للحرب فيدعو الناس
إلى ما هو عليه فيشتمه ويستخف به فيقف ساعة ثم ينصرف وكان حاتم بن الصقر
من قواد محمد وكان قد وافق أصحابه العراة والعيارين أن يواقفوا عبيد الله بن
الوضاح ليلا فمضوا إلى عبيد الله مفاجأة وهو لا يعلم فأوقعوا به وقعة أزالوه عن
موضعه وولى منهزما فأصابوا له خيلا وسلاحا ومتاعا كثيرا وغلب على الشماسية
حاتم بن الصقر وبلغ الخبر هرثمة فأقبل في أصحابه لنصرته وليرد العسكر عنه
إلى موضعه فوافاه أصحاب محمد ونشب الحرب بينهم وأسر رجل من العراة هرثمة
ولم يعرفه فحمل بعض أصحاب هرثمة على الرجل فقطع يده وخلصه فمر منهزما
وبلغ خبره أهل عسكره فتقوض بما فيه وخرج أهله هاربين على وجوههم نحو
حلوان وحجز أصحاب محمد الليل عن الطلب وما كانوا فيه من النهب والأسر
فحدثت أن عسكر هرثمة لم يتراجع أهله يومين وقويت العراة بما سار في أيديهم
وقيل في تلك الوقعة أشعار كثيرة فمن ذلك قول عمرو الوراق
عريان ليس بذى قميص * يغدو على طلب القميص
يغدو على ذي جوشن * يعمى العيون من البصيص
في كفه طرادة * حمراء تلمع كالفصوص
حرصا على طلب القتال * أشد من حرص الحريص
سلس القياد كأنما * يغدو على أكل الخبيص
ليثا مغيرا لم يزل * رأسا يعد من اللصوص
أجرى وأثبت مقدما * في الحرب من أسد رهيص
يدنو على سنن الهوان * وعيصه من شر عيص
ينجو إذا كان النجا * ء على أخف من القلوص
66

ما للكمى إذا بمقتله * تعرض من محيص
كم من شجاع فارس * قد باع بالثمن الرخيص
يدعو ألا من يشترى * رأس الكمي بكف شيص
وقال بعض أصحاب هرثمة
يفنى الزمان وما يفنى قتالهم * والدور تهدم والأموال تنتقص
والناس لا يستطيعون الذي طلبوا * لا يدفعون الردى عنهم وإن حرصوا
يأتوا؟ حديث لا ضياء له * في كل يوم لأولاد الزنى قصص
قال ولما بلغ طاهرا ما صنع العراة وحاتم بن الصقر بعبيد الله بن الوضاح وهرثمة
شتد ذلك عليه وبلغ منه وأمر بعقد جسر على دجلة فوق الشماسية ووجه أصحابه
وعبأهم وخرج معهم إلى الجسر فعبروا إليهم وقاتلوهم أشد القتال وأمدهم بأصحابه
ساعة بعد ساعة حتى ردوا أصحاب محمد وأزالوهم عن الشماسية ورد المهاجر
عبيد الله بن الوضاح وهرثمة قال وكان محمد أعطى بنقض قصوره ومجالسه
والخيزرانية بعد ظفر العراة ألفى ألف درهم فحرقها أصحاب طاهر كلها وكانت
السقوف مذهبة وقتلوا من العراة والمنتهبين بشرا كثيرا وفى ذلك يقول عمرو الوراق
ثقلان وطاهر بن الحسين * صبحونا صبيحة الاثنين
جمعوا جمعهم بليل ونادوا * اطلبوا اليوم ثأركم بالحسين
ضربوا طلبهم فثار إليهم * كل صلب القناة والساعدين
يا قتيلا بالقاع ملقى على الشط * هواه بطئ الجبلين
ما الذي في يديك أنت إذا ما اصطلح * الناس أنت بالخلتين
أوزير أم قائد بل بعيد * أنت من ذين موضع الفرقدين
كم بصير غدا بعينين كي يبصر * ما حالهم فعاد بعين
ليس يخطون ما يريدون ما يعمد * راميهم سوى الناظرين
سائلي عنهم هم شر من أبصرت * في الناس ليس غير كذين
شر باق وشر ماض من ألنا * س مضى أو رأيت في الثقلين
67

قال وبلغ ذلك من فعل طاهر محمدا فاشتد عليه وغمه وأجزعه فذكر كاتب لكوثر
أن محمدا قال أو قيل على لسانه هذه الأبيات
منيت بأشجع الثقلين قلبا * إذا ما طال ليس كما يطول
له مع كل ذي بدد رقيب * يشاهده ويعلم ما يقول
فليس بمغفل أمرا عنادا * إذا ما الامر ضيعه الغفول
(وفى هذه السنة) ضعف أمر محمد وأيقن بالهلاك وهرب عبد الله بن خازم
ابن خزيمة من بغداد إلى المدائن فذكر عن الحسين بن الضحاك أن عبد الله بن خازم
ابن خزيمة ظهرت له التهمة من محمد والتحامل عليه من السفلة والغوغاء فهم على
نفسه وماله فلحق بالمدائن ليلا في السفن بعياله وولده فأقام بها ولم يحضر شيئا من
القتال وذكر غيره أن طاهرا كاتبه وحذره قبض ضياعه واستئصاله فحذره ونجا
من تلك الفتنة وسلم فقال بعض قرائبه في ذلك:
وما جبن ابن خازم من رعاع * وأوباش الطغام من الأنام
ولكن خاف صولة ضيغمي * هصور الشد مشهور العرام
فذاع أمره في الناس ومشى تجار الكرخ بعضهم إلى بعض فقالوا ينبغي لنا أن
نكشف أمرنا لطاهر ونظهر له براءتنا من المعونة عليه فاجتمعوا وكتبوا كتابا
أعلموه فيه أنهم أهل السمع والطاعة والحب له لما يبلغهم من إيثاره طاعة الله والعمل
بالحق والاخذ على يد المريب وأنهم غير مستحلى النظر إلى الحرب فضلا عن القتال
وأن الذي يكون حزبه من جانبهم ليس منهم قد ضاقت بهم طرق المسلمين حتى إن
الرجل ولالهم بالكرخ دور ولا عقار وإنما هم بين طرار وسواط ونطاف وأهل
السجون إنما مأواهم الحمامات والمساجد والتجار منهم إنما هم باعة الطريق يتجرون
في محقرات تستقل المرأة في رحمه قلتبان ساعة قبل التخلص وحتى إن الشيخ ليسقط
لوجهه ضعفا وحتى إن الحامل الكيس في حجزته وكفه ليطر منه وما لنا بهم بدان
ولا طاقة ولا نملك لأنفسنا معهم شيئا وإن بعضنا يرفع الحجر عن الطريق لما جاء
فيه من الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فكيف لو اقتدرنا على من في اقامته
68

عن الطريق وتخليده السجن وتنفيته عن البلاد وجسم الشر والشغب ونفى الدعارة
والطر والسرق صلاح الدين والدنيا وحاش لله أن يحاربك منا أحد * فذكر أنهم
كتبوا بهذا قصة وأنفذوا قوما على الانسلال إليه بها فقال لهم أهل الرأي منهم والحزم
لا تظنوا أن طاهرا؟ عن هذا أو قصر عن إذكاء العيون فيكم وعليكم حتى كأنه
شاهدكم والرأي ألا تشهروا أنفسكم بهذا فانا لا نأمن إن رأكم أحد من السفلة أن
يكون به هلاككم وذهاب أموالكم والحزب في تعرضكم لهؤلاء السفلة أعظم من
طلبكم براءة الساحة عند طاهر خوفا بل لو كنتم من أهل الآثام والذنوب لكنتم
إلى صفحه وتغمده وغفره أقرب فتوكلوا على الله تبارك وتعالى وأمسكوا فأجابوهم
وأمسكوا وقال ابن أبي طالب المكفوف
دعوا أهل الطريق فعن قليل * تنالهم مخاليب الهصور
فتهتك حجب أفئدة شداد * وشيكا ما تصير إلى القبور
فإن الله مهلكهم جميعا * بأسباب التمني والفجور
وذكر أن الهرش خرج ومعه الغوغاء والعراة ولفيفهم حتى صار إلى جزيرة
العباس وخرجت عصابة من أصحاب طاهر فاقتتلوا قتالا شديدا وكانت ناحية لم
يقاتل فيها فصار ذلك الوجه بعد ذلك اليوم موضعا للقتال حتى كان الفتح منه وكان
أول يوم قاتلوا فيه استعلى أصحاب محمد على أصحاب طاهر حتى بلغوا بهم دار
أبى يزيد السروي وخاف أهل الأرباض في تلك النواحي مما يلي طريق؟ ب الأنبار
فذكر أن طاهرا لما رأى ذلك وجه إليهم قائدا من أصحابه وكان مشتغلا بوجوه
كثيرة يقاتل منها أصحاب محمد فأوقع لهم فيها وقعة صعبة وغرق في الصراة بشر
كثير وقتل آخرون فقال في هزيمة طاهر في أول عمرو الوراق
نادى منادى طاهر عندنا * يا قوم كفوا واجلسوا في البيوت
فسوف يأتيكم غد فاحذروا *.....
فثارت الغوغاء في وجهه * بعد انتصاف الليل قبل القنوت
في يوم سبت تركوا جمعه * في ظلمة الليل سمودا خفوت
69

وقال في الوقعة التي كانت على أصحاب محمد
كم قتيل ما رأينا * ما سألناه لايش
دراعا يلقاه عريا * ن بجهل وبطيش
إن تلقاه برمح * يتلقاه بفيش
حبشيا يقتل ألنا * س على قطعة خيش
مرتدا بالشمس راض * بالمنى من كل عيش
يحمل الحملة لا يقتل إلا رأس جيش
كعلى أفراهمرد * أو علاء أو قريش
احذر الرمية يا طاهر * من كف الجيشي
وقال أيضا عمرو الوراق في ذلك
ذهبت بهحة بغداد * وكانت ذات بهجة
فلها في كل يوم * رجة من بعد رجه
ضجت الأرض إلى * الله من المنكر ضجه
أيها المقتول ما أنت * على دين المحجه
ليت شعري ما الذي نلت * وقد أدلجت دلجه
أإلى الفردوس وجهت * أم النار توجه
حجر أرداك أم * أرديت قسرا بالازجه
إن تكن قاتلت برا * فعلينا ألف حجه
وذكر عن علي بن يزيد أن بعض الخدم حدثه أن محمدا أمر ببيع ما بقى في
الخزائن التي كانت أنهبت فكم ولاتها ما فيها ليسرق فتضايق على محمد أمره وفقد
ما كان عنده وطلب الناس الأرزاق فقال يوما وقد ضجر مما يرد عليه وددت
أن الله عز وجل قتل الفريقين جميعا وأراح الناس منهم فما منهم إلا عدو ممن معنا
ومما علينا أما هؤلاء فيريدون مالي وأما أولئك فيريدون نفسي وذكرت أبياتا
قيل إنه قالها
70

تفرقوا ودعوني * يا معشر الأعوان
فكلكم ذو وجوه * كخلقة الانسان
وما أرى غير إفك * وترهات الأماني
ولست أملك شيئا * فسائلوا خزاني
فالويل لي ما دهاني * من ساكن البستان
قال وضعف أمر محمد وانتشر جنده وارتاع في عسكره وأحس من طاهر
بالعلو عليه وبالظفر به (وحج الناس) في هذه السنة العباس بن موسى بن عيسى
بتوجيه طاهر إياه على الموسم بأمر المأمون بذلك وكان على مكة في هذه السنة
داود بن عيسى
* ثم دخلت سنة ثمان وتسعين ومائة *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمن ذلك ما كان من خلاف خزيمة بن خازم محمد بن هارون ومفارقته إياه
واستئمانه إلى طاهر بن الحسين ودخول هرثمة الجانب الشرقي
ذكر الخبر عن سبب فراقه إياه وكيف كان الامر في مصيره والدخول في طاعة طاهر
ذكر أن السبب في ذلك كان أن طاهرا كتب إلى خزيمة يذكر له أن الامر
إن يقطع بينه وبين محمد لم يكن له أثر في نصرته ولم يقصر في أمره فلما وصل كتابه
إليه شاور ثقات أصحابه وأهل بيته فقالوا له نرى والله أن هذا الرجل أخذ بقفا
صاحبنا فاحتل لنفسك ولنا فكتب إلى طاهر بطاعته وأخبره أنه لو كان هو البازل
في الجانب الشرقي مكان هرثمة لكان يحمل نفسه له على كل هول وأعلمه قلة ثقته
بهرثمة ويناشده ألا بحمله على مكروه من أمره إلا أن يضمن له القيام دونه وإدخال
هرثمة إليه ليقطع الجسور ويتبع هو أمرا يؤثر رأيه ورضاه وأنه لم يضمن له
ذلك فليس يسعه تعريضه للسفلة والغوغاء والرعاع والتلف فكتب طاهر إلى
هرثمة يلومه ويعجزه ويقول جمت الأجناد وأتلفت الأموال وأقطعتها دون
71

أمير المؤمنين ودوني وفى مثل حاجتي إلى الكلف والنفقات وقد وقفت على قوم
هينة شوكتهم يسير أمرهم وقوف المحجم الهائب ان في ذلك جرما فاستعد للدخول
فقد أحكمت الامر على دفع العسكر وقطع الجسور وأرجو ألا يختلف عليك في ذلك
اثنان إن شاء الله قال وكتب إليه هرثمة أنا عارف ببركة رأيك ويمن مشورتك
فمر بما أحببت فلن أخالفك قال فكتب طاهر بذلك إلى خزيمة وقد ذكر أن
طاهرا لما كاتب خزيمة كتب أيضا إلى محمد بن علي بن عيسى بن ماهان بمثل ذلك
قيل فلما كانت ليلة الأربعاء لثمان بقين من المحرم سنة 198 وثب خزيمة بن خازم
ومحمد بن علي بن عيسى على جسر دجلة فقطعاه وركزا أعلامهما عليه وخلعا محمدا
ودعوا لعبد الله المأمون وسكن أهل عسكر المهدى ولزموا منازلهم وأسواقهم
في يومهم ذلك ولم يدخل هرثمة حتى مضى إليه نفر يسير غيرهما من القواد فحلفوا
له أنه لا يرى منهم مكروها فقبل ذلك منهم فقال حسين الخليع في قطع خزيمة الجسر
علينا جميعا من خزيمة منة * بها أخمد الرحمن ثائرة الحرب
تولى أمور المسلمين بنفسه * فذب وحامى عنهم أشرف الذب
ولولا أبو العباس ما انفك دهرنا * يبيت على عتب ويغدو على عتب
خزيمة لم ينكر له مثل هذه * إذ اضطربت شرق البلاد مع الغرب
أناخ بجسري دجلة القطع والقنا * شوارع والأرواح في راحة العضب
وأم المنايا بالمنايا مخيلة * تفجع عن خطب وتضحك عن خطب
فكانت كنار ماكرتها سحابة * فأطفأت اللهب الملفف باللهب
وما قتل نفس في نفوس كثيرة * إذا صارت الدنيا إلى الامن والخصب
بلاء أبى العباس غير مكفر * إذا فزع الكرب المقيم إلى الكرب
فذكر عن يحيى بن سلمة الكاتب أن طاهرا غدا يوم الخميس على المدينة
الشرقية وأرباضها والكرخ وأسواقها وهدم قنطرتي الصراة العتيقة والحديثة
واشتد عندهما القتال واشتد طاهر على أصحابه وباشر القتال بنفسه وقاتل من
كان معه بدار الرقيق فهزمهم حتى ألحقهم بالكرخ وقاتل طاهر بباب الكرخ
72

وقصر الوضاح فهزمهم أصحاب محمد وردوا على وجوههم ومر طاهر لا يلوى
على أحد حتى دخل قسرا بالسيف وأمر مناديه فنادى بالأمان لمن لزم منزله
ووضع بقصر الوضاح وسوق الكرخ والأطراف قوادا وجندا في كل موضع
على قدر حاجته منهم وقصد إلى مدينة أبى جعفر فأحاط بها وبقصر زبيدة وقصر
الخلد من لدن باب الجسر إلى باب خراسان وباب الشأم وباب الكوفة وباب
البصرة وشاطئ الصراة إلى مصبها في دجلة بالخيول والعدة والسلاح وثبت على
قتال طاهر حاتم بن الصقر والهرش والأفارقة فنصب المجانيق خلف السور على
المدينة وبإزاء قصر زبيدة وقصر الخلد ورمى وخرج محمد بأمه وولده إلى مدينة
أبى جعفر وتفرق عنه عامة جنده وخصانه وجواريه في السكك والطرق لا يلوى
منهم أحد على أحد وتفرق الغوغاء والسفلة وفى ذلك يقول عمرو الوراق
يا طاهر الظهر الذي * مثاله لم يوجد
يا سيد بن السيد ب‍ * ن السيد بن السيد
رجعت إلى أعمالها الا * ولى عراة محمد
من بين نطاف وسواط * وبين مقرد
ومجرد يأوى إلى * عيارة ومجرد
ومقيد نقب السجون * فعاد غير مقيد
ومسود بالنهب ساد * وكان غير مسود
ذلوا لعزك واستكانوا * بعد طول تمرد
وذكر عن علي بن يزيد أنه قال كنت يوما عند عمرو الوراق أنا وجماعة
فجاء رجل فحدثنا وقعة طاهر بباب الكرخ وانهزام الناس عنه فقال عمرو
ناولني قدحا وقال في ذلك
خذها فللخمرة أسماء * لها دواء ولها داء
يصلحها الماء إذا صفقت * يوما وقد يفسدها؟
وقائل كانت لهم وقعة * في يومنا هذا وأشياء
73

قلت له أنت أمرؤ جاهل * فيك عن الخيرات إبطاء
اشرب ودعنا من أحاديثهم * يصطلح الناس إذا شاؤوا
قال ودخل علينا آخر فقال قاتل فلان العراة وأقدم فلان وانتهب فلان
قال فقال أيضا
أي دهر نحن فيه * مات فيه الكبراء
هذه السفلة والغوغاء * فينا أمناء
ما لنا شئ من الأشياء * إلا ما يشاء
ضجت الأرض وقد ضجت * إلى الله السماء
رفع الدين وقد هانت * على الله الدماء
يا أبا موسى لك الخيرات * قد حان اللقاء
هاكها صرفا عقارا * قد أتاك الندماء
وقال أيضا عمرو الوراق في ذلك
إذا ما شئت أن تغصب * جنديا وتستأمر
فقل يا معشر الأجناد * قد جاءكم طاهر
قال وتحصن محمد بالمدينة هو ومن يقاتل معه وحصره طاهر وأخذ عليه
الأبواب ومنع منه ومن أهل المدينة الدقيق والماء وغيرهما فذكر عن الحسين
ابن أبي سعيد أن طارقا الخادم وكان من خاصة محمد وكان المأمون بعد مقدمه
أخبره أن محمدا سأله يوما من الأيام وهو محصورا أو قال في آخر يوم من أيامه
ان يطعمه شيئا قال فدخلت المطبخ فلم أجد شيئا فجئت إلى حمرة العطارة وكانت
جارية الجوهر فقلت لها إن أمير المؤمنين جائع فهل عندك شئ فانى لم أجد في المطبخ
شيئا فقالت لجارية لها يقال لها بنان أي شئ عندك فجاءت بدجاجة ورغيف فأتيته
بهما فأكل وطلب ماء يشربه فلم يوجد في خزانة الشراب فأمسى وقد كان عزم
على لقاء هرثمة فما شرب ماء حتى أتى عليه وذكر عن محمد بن راشد أن إبراهيم
ابن المهدى أخبره أنه كان نازلا مع محمد المخلوع في مدينة المنصور في قصر بباب
74

الذهب لما حصره طاهر قال فخرج ذات ليلة من القصر يريد أن يتفرج من الضيق
الذي هو فيه فصار إلى قصر القرار في قرن الصراة أسفل من قصر الخلد في جوف
الليل ثم أرسل إلى فصرت إليه فقال يا إبراهيم أما ترى طيب هذه الليلة وحسن
القمر في السماء وضوئه في الماء ونحن حينئذ في شاطئ دجلة فهل لك في الشرب
فقلت شأنك جعلني الله فداك فدعا برطل نبيذ فشربه ثم أمر فسقيت مثله قال فابتدأت
أغنيه من غير أن يسألني لعلمي بسوء خلقه فغنيت ما كنت أعلم أنه يحبه فقال لي
ما تقول فيمن يضرب عليك فقلت ما أحوجني إلى ذلك فدعا بجارية متقدمة عنده
يقال لها ضعف فتطيرت من اسمها ونحن في تلك الحال التي هو عليها فلما صارت
بين يديه قال تغنى فغنت بشعر النابغة الجعدي
كليب لعمري كان أكثر ناصرا * وأيسر ذنبا منك ضرج بالدم
قال فاشتد ما غنت به عليه وتطاير منه وقال لها غنى غير هذا فتغنت
أبكى فراقهم عيني وأرقها * إن التفرق للأحباب بكاء
ما زال يعدو عليهم ريب دهرهم * حتى تفانوا وريب الدهر عداء
فقال لها لعنك الله أما تعرفين من الغناء شيئا غير هذا قالت يا سيدي ما تغنيت
إلا بما ظننت أنك تحبه وما أردت ما تكرهه وما هو إلا شئ جاءني ثم أخذت
في غناء آخر
أما ورب السكون والحرك * إن المنايا كثيرة الشرك
ما اختلف الليل والنهار ولا * دارت نجوم السماء في الفلك
إلا لنقل النعيم من ملك * عان بحب الدنيا إلى ملك
وملك ذي العرش دائم أبدا * ليس بفان ولا بمشترك
فقال لها قومي غضب الله عليك قال فقامت وكان له قدح بلور حسن الصنعة
وكان محمد يسميه زب رباح وكان موضوعا بين يديه فقامت الجارية منصرفة
فتعثرت بالقدح فكسرته قال إبراهيم والعجب أنا لم نجلس مع هذه الجارية قط
إلا رأينا ما نكره في مجلسنا ذلك فقال لي ويحك يا إبراهيم ما نرى ما جاءت به هذه
75

الجارية ثم ما كان من أمر القدح والله ما أظن أمرى إلا وقد قرب فقلت يطيل
الله عمرك ويعز ملكك ويديم لك ويكبت عدوك فما استتم الكلام حتى سمعنا
صوتا من دجلة قضى الامر الذي فيه تستفتيان فقال يا إبراهيم ما سمعت ما سمعت
قلت لا والله ما سمعت شيئا وقد كنت سمعت قال تسمع حسا قال فدنوت من
الشط فلم أر شيئا ثم عاودنا الحديث فعاد الصوت قضى الامر الذي فيه تستفتيان
فوثب من مجلسه ذلك مغتما ثم ركب فرجع إلى موضعه بالمدينة فما كان بعد هذا
إلا ليلة أو ليلتان حتى حدث ما حدث من قتله وذلك يوم الأحد لست أو لأربع
خلون من صفر سنة 198 وذكر عن أبي الحسن المدائني قال لما كان ليلة الجمعة
لسبع بقين من المحرم سنة 198 دخل محمد بن هارون مدينة السلام هاربا من
القصر الذي كان يقال له الخلد مما كان يصل إليه من حجارة المنجنيق وأمر بمجالسه
وبسطه أن تحرق فأحرقت ثم صار إلى المدينة وذلك لأربع عشرة شهرا منذ ثارت
الحرب مع طاهر إلا اثنى عشر يوما (وفى هذه السنة) قتل محمد بن هارون
* ذكر الخبر عن مقتله *
ذكر عن محمد بن عيسى الجلودي أنه قال لما صار محمد إلى المدينة وقر فيها
وعلم قواده أنه ليس لهم ولا له فيها عدة للحصار وخافوا أن يظفر بهم دخل على
محمد حاتم بن الصقر ومحمد بن إبراهيم بن الأغلب الإفريقي وقواده فقالوا قد
آلت حالك وحالنا إلى ما ترى وقد رأينا رأيا نعرضه عليك فانظر فيه واعتزم
عليه فانا نرجو أن يكون صوابا ويجعل الله فيه الخيرة إن شاء الله قال ما هو قالوا
قد تفرق عنك الناس وأحاط بك عدوك من كل جانب وقد بقى من خيلك معك
ألف فرس من خيارها وجيادها فنرى أن نختار من قد عرفناه بمحبتك من الأبناء
سبعمائة رجل فنحملهم على هذه الخيل ونخرج ليلا على باب من هذه الأبواب
فان الليل لأهله ولن يثبت لنا أحد إن شاء الله فنخرج حتى نلحق بالجزيرة والشأم
فتفرض الفروض وتجبى الخراج وتصير في مملكة واسعة وملك جديد فيسارع
إليك الناس وينقطع عن طلبك الجنود وإلى ذاك ما قد أحدث الله عز وجل في
76

مكر الليل والنهار أمورا فقال لهم نعم ما رأيتم واعتزم على ذلك وخرج الخبر إلى
طاهر فكتب إلى سليمان بن أبي جعفر وإلى محمد بن عيسى بن نهيك وإلى السندي
ابن شاهك والله لئن تقروه وتردوه عن هذا الرأي لا تركت لكم ضيعة إلا قبضتها
ولا تكون لي همة إلا أنفسكم فدخلوا على محمد فقالوا قد بلغنا الذي عزمت عليه
فنحن نذكرك الله في نفسك ان هؤلاء صعاليك وقد بلغ الامر إلى ما ترى من الحصار
وضاق عليهم المذهب وهم يرون ألا أمان لهم على أنفسهم وأموالهم عند أخيك
وعند طاهر وهرثمة لما قد انتشر عنهم من مباشرة الحرب والجد فيها ولسنا نأمن
إذا برزوا بك وحصلت في أيديهم أن يأخذوك أسيرا ويأخذوا رأسك
فيتقربوا بك ويجعلوك سبب أمانهم وضربوا له فيه الأمثال قال محمد بن عيسى الجلودي
وكان أبى وأصحابه قعودا في رواق البيت الذي محمد وسليمان وأصحابه فيه قال فلما سمعوا
كلامهم ورأوا أنه قد قبله مخافة أن يكون الامر على ما قالوا له هموا أن يدخلوا عليهم
فيقتلوا سليمان وأصحابه ثم بدا لهم وقالوا حرب من داخل وحرب من خارج
فكفوا وأمسكوا قال محمد بن عيسى فلما نكت ذلك في قلب محمد ووقع في نفسه
ما وقع منه أضرب عما كان عزم عليه ورجع إلى قبول ما كانوا بذلوا له من
الأمان والخروج فأجاب سليمان والسندي ومحمد بن عيسى إلى ما سألوه من ذلك فقالوا
إنما غايتك اليوم السلامة واللهو وأخوك يتركك حيث أحببت ويفردك في موضع
ويجعل لك كل ما يصلحك وكل ما تحب وتهوى وليس عليك منه بأس ولا مكروه
فركن إلى ذلك وأجابهم إلى الخروج إلى هرثمة قال محمد بن عيسى وكان أبى وأصحابه
يكرهون الخروج إلى هرثمة لانهم كانوا من أصحابه وقد عرفوا مذاهبه وخافوا أن
يجفوهم ولا يخصهم ولا يجعل لهم مراتب فدخلوا على محمد فقالوا له إذ أبيت أن تقبل
منا ما أشرنا عليك به وهو الصواب وقبلت من هؤلاء المداهنين فالخروج إلى طاهر خير
لك من الخروج إلى هرثمة قال محمد بن عيسى فقال لهم ويحكم أنا أكره طاهرا
وذلك أنى رأيت في منامي كأني قائم على حائط من آجر شاهق في السماء عريض
الأساس وثيق لم أر حائطا يشبهه في الطول والعرض والوثاقة وعلى سوادي
77

ومنطقتي وسيفي وقلنسوتي وخفى وكان طاهر في أصل ذلك الحائط فما زال يضرب
أصله حتى سقط الحائط وسقطت وندرت قلنسوتي من رأسي وأنا أتطير من
طاهر وأستوحش منه وأكره الخروج إليه لذلك وهرثمة مولانا وبمنزلة الوالد
وأنا به أشد أنسا وأشد ثقة وذكر عن محمد بن إسماعيل عن حفص بن أرميائيل أن
محمدا لما أراد أن يعبر من الدار بالقرار إلى منزل كان في بستان موسى وكان له جسر
في ذلك الموضع أمر أن يفرش في ذلك المجلس ويطيب قال فمكثت ليلتي أنا
وأعواني نتخذ الروائح والطيب ونكثب التفاح والرمان والأترج ونضعه في
البيوت فسهرت ليلتي أنا وأعواني ولما صليت الصبح دفعت إلى عجوز قطعة بخور
من عنبر فيها مائة مثقال كالبطيخة وقلت لها إني سهرت ونعست نعاسا شديدا
ولابد لي من نومة فإذا نظرت إلى أمير المؤمنين قد أقبل على الجسر فضعي هذا
العنبر على الكانون وأعطيتها كانونا من فضة صغيرا عليه جمر وأمرتها أن تنفخ
حتى تحرقها كلها ودخلت حرافة فنمت فما شعرت إلا وبالعجوز قد جاءت فزعة
حتى أيقظتني فقالت لي قم يا حفص فقد وقعت في بلاء قلت وما هو قالت نظرت
إلى رجل مقبل على الجسر منفرد شبيه الجسم بجسم أمير المؤمنين وبين يديه جماعة
وخلفه جماعة فلم أشك أنه هو فأحرقت العنبرة فلما جاء فإذا هو عبد الله بن موسى
وهذا أمير المؤمنين قد أقبل قال فشتمتها وعنفتها قال وأعطيتها أخرى مثل تلك
لتحرقها بين يديه ففعلت وكان هذا من أوائل الادبار وذكر علي بن يزيد قال لما
طال الحصار على محمد فارقه سليمان بن أبي جعفر وإبراهيم بن المهدى ومحمد بن
عيسى بن نهيك ولحقوا جميعا بعسكر المهدى ومكث محمد محصورا في المدينة يوم
الخميس ويوم الجمعة والسبت وناظر محمد أصحابه ومن بقى معه في طلب الأمان
وسألهم عن الجهة في النجاة من طاهر فقال له السندي والله يا سيدي لئن ظفر بنا
المأمون لعلى رغم منا وتعس جدودنا وما أرى فرجا إلا هرثمة قال له وكيف
بهرثمة وقد أحاط الموت بي من كل جانب وأشار عليه آخرون بالخروج إلى طاهر
وقالوا لو حلفت له بما يتوثق به منك أنك مفوض إليه ملكك فلعله كان سيركن
78

إليك فقال لهم أخطأتهم وجه الرأي وأخطأت في مشاورتكم هل كان عبد الله
أخي لو جهد نفسه وولى الأمور برأيه بالغا عشر ما بلغه له طاهر وقد محصته
وبحثت عن رأيه فما رأيته يميل إلى غدر به ولا طمع فيما سواه ولو أجاب إلى
طاعتي وانصرف إلى ثم ناصبني أهل الأرض ما اهتممت بأمر ولوددت أنه أجاب
إلى ذلك فمنحته خزائني وفوضت إليه أمرى ورضيت أن أعيش في كنفه ولكني
لا أطمع في ذلك منه فقال له السندي صدقت يا أمير المؤمنين فبادر بنا إلى هرثمة
فإنه يرى ألا سبيل عليك إذا خرجت إليه من الملك وقد ضمن إلى أنه مقاتل دونك
إن هم عبد الله بقتلك فاخرج ليلا في ساعة قد نوم الناس فيها فانى أرجو أن يغبى
على الناس أمرنا وقال أبو الحسن المدائني لما هم محمد بالخروج إلى هرثمة وأجابه إلى ما
أراد اشتد ذلك على طاهر وأبى أن يرفه عنه ويدعه يخرج وقال هو في حيزى
والجانب الذي أنا فيه وأنا أخرجته بالحصار والحرب حتى صار إلى طلب الأمان
ولا أرضى أن يخرج إلى هرثمة دوني فيكون الفتح له ولما رأى هرثمة والقواد
ذلك اجتمعوا في منزل خزيمة بن خازم فصار إليهم طاهر وخاصة قواده وحضرهم
سليمان بن المنصور ومحمد بن عيسى بن نهيك والسندي بن شاهك وأداروا الرأي
بينهم ودبروا الامر وأخبروا طاهرا انه لا يخرج إليه أبدا وانه إن لم يجب إلى
ما سأل لم يؤمن أن يكون الامر في أمره مثله في أيام الحسين بن علي بن عيسى
ابن ماهان فقالوا له يخرج ببدنه إلى هرثمة إذ كان يأمن به ويثق بناحيته وكان
مستوحشا منك ويدفع إليك الخاتم والقضيب والبردة وذلك الخلافة ولا تفسد
هذا الامر واغتنمه إذ يسره الله فأجاب إلى ذلك ورضى به ثم قيل إن الهرش
لما علم بالخبر أراد التقرب إلى طاهر فخبره ان الذي جرى بينهم وبينه مكر وان
الخاتم والبردة والقضيب تحمل مع محمد إلى هرثمة فقبل طاهر ذلك منه وظن أنه
كما كتب به إليه فاغتاظ وكمن حول قصر أم جعفر وقصور الخلد كمناء بالسلاح
ومعهم العتل والفؤوس وذلك ليلة الأحد لخمس بقين من المحرم سنة 198 وفى
الشهر السرياني خمسة وعشرون من أيلول فذكر الحسن بن أبي سعيد قال أخبرني
79

طارق الخادم قال لما هم محمد بالخروج إلى هرثمة عطش قبل خروجه فطلبت له
في خزانة شرابه ماء فلم أجده قال وأمسى فبادر يريد هرثمة للوعد الذي كان بينه
وبينه ولبس ثياب الخلافة دراعة وطيلسانا والقلنسوة الطويلة وبين يديه شمعة
فلما انتهينا إلى دار الحرس من باب البصرة قال اسقنى من جباب الحرس فناولته
كوزا من ماء فعافه لزهو كته فلم يشرب منه وصار إلى هرثمة فوثب به طاهر
وأكمن له نفسه في الخلد فلما صار إلى الحراقة خرج طاهر وأصحابه فرموا الحراقة
بالسهام والحجارة فمالوا ناحية الماء وانكفأت الحراقة فغرق محمد وهرثمة ومن
كان فيها فسبح محمد حتى عبر وصار إلى بستان موسى وظن أن غرقه انما كان حيلة من
هرثمة فعبر دجلة حتى صار إلى قرب الصراة وكان على المسلحة إبراهيم بن جعفر البلخي
ومحمد بن حميد هو ابن أخي شكلة أم إبراهيم بن المهدى وكان طاهر ولاه وكان
إذا ولى رجلا من أصحابه خراسانيا ضم إليه قوما فعرفه محمد بن حميد وهو المعروف
بالطاهري وكان طاهر يقدمه في الولايات فصاح بأصحابه فنزلوا فأخذوه فبادر
محمدا لما فاخذ بساقيه فجذبه وحمل على برذون وألقى عليه أزار من أزر
الجند غير مفتول وصار به إلى منزل إبراهيم بن جعفر البلخي وكان ينزل بباب
الكوفة وأردف رجلا خلفه يمسكه لئلا يسقط كما يفعل بالأسير فذكر عن الحسن
ابن أبي سعيد أن خطاب بن زياد حدثه ان محمدا وهرثمة لما غرقا بادر طاهر
إلى بستان مؤنسة بإزاء باب الأنبار موضع معسكره لئلا يتهم بغرق هرثمة قال
فلما انتهى طاهر ونحن معه في الموكب والحسن بن علي المأموني والحسن
الكبير الخادم للرشيد إلى باب الشأم لحقنا محمد بن حميد فترجل ودنا من
طاهر فأخبره انه قد أسر محمدا ووجه به إلى باب الكوفة إلى منزل إبراهيم
البلخي قال فالتفت إلينا طاهر فأخبرنا الخبر وقال ما تقولون فقال له المأموني مكن
أي لا تفعل فعل حسين بن علي قال فدعا طاهر بمولى له يقال له قريش الدنداني
فأمره بقتل محمد قال وأتبعه طاهر يريد باب الكوفة إلى الموضع وأما المدائني
فإنه ذكر عن محمد بن عيسى الجلودي قال لما تهيأ للخروج وكان بعد عشاء
80

الآخرة من ليلة الأحد خرج إلى صحن القصر فقعد على كرسي وعليه ثياب
بيض وطيلسان أسود فدخلنا عليه فقمنا بين يديه بالأعمدة قال فجاء كتلة الخادم
فقال يا سيدي أبو حاتم يقرئك السلام ويقول يا سيدي وافيت للميعاد لحملك
ولكني أرى ألا تخرج الليلة فانى رأيت في دجلة على الشط أمرا قد رابني
وأخاف أن أغلب فتؤخذ من يدي أو تذهب نفسك ولكن أقم بمكانك حتى
أرجع ثم أستعد ثم آتيك القابلة فأخرجك فان حوربت حاربت دونك ومعي
عدتي قال فقال له محمد ارجع إليه فقل له لا تبرح فانى خارج إليك الساعة
لا محالة ولست أقيم إلى غد قال وقلق وقال قد تفرق عنى الناس ومن على بابى
من الموالى والحرس ولا آمن إن أصبحت وانتهى الخبر بتفريقهم إلى طاهر أن
يدخل على فيأخذني ودعا بفرس له أدهم محذوف أغر محجل كان يسميه الزهري
ثم دعا بابنيه فضمهما إليه وشمهما وقبلهما وقال أستودعكما الله ودمعت عيناه
وجعل يمسح دموعه بكمه ثم قام فوثب على الفرس وخرجنا بين يديه إلى باب
القصر حتى ركبنا دوابنا وبين يديه شمعة واحدة فلما صرنا إلى الطاقات مما يلي
باب خراسان قال لي أبى يا محمد ابسط يدك عليه فانى أخاف أن يضربه إنسان
بالسيف فان ضرب كان الضرب بك دونه قال فألقيت عنان فرسى بين معرفته
وبسطت يدي عليه حتى انتهينا إلى باب خراسان فأمرنا به ففتح ثم خرجنا إلى
المشرعة فإذا حراقة هرثمة فرقى إليها فجعل الفرس يتلكأ وينفر وضربه بالسوط
وحمله عليها حتى ركبها في دجلة فنزل في الحراقة وأخذنا الفرس ورجعنا إلى
المدينة فدخلناها وأمرنا بالباب فأغلق وسمعنا الواعية فصعدنا على القبة التي على
الباب فوقفنا فيها نسمع الصوت * فذكر عن أحمد بن سلام صاحب المظالم أنه
قال كنت فيمن ركب مع هرثمة من القواد في الحراقة فلما نزلها محمد قمنا على أرجلنا
إعظاما وجثى هرثمة على ركبتيه وقال له يا سيدي ما أقدر على القيام لمكان النقرس
الذي بي ثم احتضنه وصيره في حجره ثم جعل يقبل يديه ورجليه وعينيه ويقول
يا سيدي ومولاي وابن سيدي ومولاي قال وجعل يتصفح وجوهنا قال ونظر إلى
(6 - 7)
81

عبيد الله بن الوضاح فقال له أيهم أنت قال أنا عبيد الله بن الوضاح قال نعم فجزاك الله خيرا
فما أشكرني لما كان منك من أمر الثلج ولو قد لقيت أخي أبقاه الله لم أدع أن
أشكرك عنده وسألته مكافأتك عنى قال فبينا نحن كذلك وقد أمر هرثمة بالحراقة
أن تدفع إذ شد علينا أصحاب طاهر في الزواريق والشذوات وعطعطوا وتعلقوا
بالسكان فبعض يقطع السكان وبعض ينقب الحراقة وبعض يرمى بالآجر
والنشاب قال فنقبت الحراقة فدخلها الماء فغرقت وسقط هرثمة إلى الماء فأخرجه
ملاح وخرج كل واحد منا على حيله ورأيت محمدا حين صار إلى تلك الحال قد
شق عليه ثيابه ورمى بنفسه إلى الماء قال فخرجت إلى الشط فعلقني رجل من
أصحاب طاهر فمضى بي إلى رجل قاعد على كرسي من حديد على شط دجلة في
ظهر قصر أم جعفر بين يديه نار توقد فقال بالفارسية هذا رجل خرج من الماء
ممن غرق من أهل الحراقة فقال لي من أنت قلت من أصحاب هرثمة أنا أحمد بن
سلام صاحب شرطة مولى أمير المؤمنين قال كذبت فاصدقني قال قلت قد صدقتك
قال فما فعل المخلوع قلت قد رأيته حين شق عليه ثيابه وقذف بنفسه في الماء قال
قدموا دابتي فقدموا دابته فركب وأمر بي أن أجنب قال فجعل في عنقي حبل
وجنبت وأخذ في درب الرشدية فلما انتهى إلى مسجد أسد بن المرزبان انبهرت
من العدو فلم أقدر أن أعدو فقال الذي يجنبنى قد قام هذا الرجل وليس يعد
وقال أنزل فخذ رأسه فقلت له جعلت فداك لم تقتلني وأنا رجل على من الله نعمة
ولم أقدر على العدو وأنا أفدى نفسي بعشرة آلاف درهم قال فلما سمع ذكر العشرة
آلاف درهم قلت تحبسني عندك حتى تصبح وتدفع إلى رسولا حتى أرسله إلى
وكيلي في منزلي في عسكر المهدى فإن لم يأتك بالعشرة آلاف فاضرب عنقي قال
قد أنصفت فأمر بحملي فحملت ردفا لبعض أصحابه فمضى بي إلى دار صاحبه دار
أبى صالح الكاتب فأدخلني الدار وأمر غلمانه أن يحتفظوا بي وتقدم إليهم وأوعز
وتفهم منى خبر محمد ووقوعه في الماء ومضى إلى طاهر ليخبره خبره فإذا هو
إبراهيم البلخي قال فصيرني غلمانه في بيت من بيوت الدار فيه بوار ووسادتان
82

أو ثلاث وفى رواية حصر مدرجة قال فقعدت في البيت وصيروا فيه سراجا
وتوثقوا من باب الدار وقعدوا يتحدثون قال فلما ذهب من الليل ساعة إذا نحن
بحركة الخيل فدقوا الباب ففتح لهم فدخلوا وهم يقولون يسر زبيدة قال في أدخل
على رجل عريان عليه سراويل وعمامة متلثم بها وعلى كتفيه خرقة خلقة فصيروه
معي وتقدموا إلى من في الدار في حفظه وخلفوا معهم قوما آخرين أيضا منهم
قال فلما استقر في البيت حسر العمامة عن وجهه فإذا هو محمد فاستعبرت
واسترجعت فيما بيني وبين نفسي قال وجعل ينظر إلى ثم قال أيهم أنت قال قلت
أنا مولاك يا سيدي قال وأي الموالى قلت أحمد بن سلام صاحب المظالم فقال
وأعرفك بغير هذا كنت تأتيني بالرقة قال قلت نعم قال كنت تأتيني وتلطفني
كثيرا لست مولاي بل أنت أخي ومنى ثم قال يا أحمد قلت لبيك يا سيدي قال ادن
منى وضمني إليك فإني أجد وحشة شديدة قال فضممته إلى فإذا قلبه يخفق خفقا
شديدا كاد أن يفرج عن صدره فيخرج قال فلم أزل أضمه إلى وأسكنه قال ثم قال
يا أحمد ما فعل أخي قال قلت هو حي قال قبح الله صاحب بريدهم ما أكذبه كان
يقول قد مات شبه المعتذر من محاربته قال قلت بل قبح الله وزراءك قال لا تقل
لوزرائي إلا خيرا فما لهم ذنب ولست بأول من طلب أمرا فلم يقدر عليه قال ثم
قال يا أحمد ما تراهم يصنعون بي أتراهم يقتلوني أو يفون لي بأيمانهم قال قلت بل
يفون لك يا سيدي قال وجعل يضم على نفسه الخرقة التي على كتفيه ويضمها
ويمسكها بعضده يمنة ويسرة قال فنزعت مبطنة كانت على ثم قلت يا سيدي ألق
هذه عليك قال ويحك دعني هذا من الله عز وجل لي في هذا الموضع خير قال
فبينا نحن كذلك إذ دق باب الدار ففتح فدخل علينا رجل عليه سلاحه فتطلع في
وجهه مستثبتا له فلما أثبته معرفة انصرف وغلق الباب وإذا هو محمد بن حميد
الطاهري قال فعلمت أن الرجل مقتول قال وكان بقى على من صلاتي الوتر فخفت
أن أقتل معه ولم أوتر قال فقمت أوتر فقال لي يا أحمد لا تتباعد منى وصل إلى
جانبي أجد وحشة شديدة قال فاقتربت منه فلما انتصف الليل أو قارب سمعت
83

حركة الخيل ودق الباب ففتح فدخل الدار قوم من العجم بأيديهم السيوف مسللة
فلما رآهم قام قائما وقال إنا لله وإنا إليه راجعون ذهبت والله نفسي في سبيل الله
أما من حيلة أما من مغيث أما من أحد من الأبناء قال وجاءوا حتى قاموا على
باب البيت الذي نحن فيه فأحجموا عن الدخول وجعل بعضهم يقول لبعض تقدم
ويدفع بعضهم بعضا قال فقمت فصرت خلف الحصر المدرجة في زاوية البيت
وقام محمد فأخذه بيده وسادة وجعل يقول ويحكم إني ابن عم رسول الله صلى
الله عليه وسلم أنا ابن هارون وأنا أخو المأمون الله الله في دمى قال فدخل عليه رجل
منهم يقال له خمارويه غلام لقريش الدنداني مولى طاهر فضربه بالسيف ضربة
وقعت على مقدم رأسه وضرب محمد وجهه بالوسادة التي كانت في يده واتكأ
عليه ليأخذ السيف من يده فصاح خمارويه قتلني قتلني بالفارسية قال فدخل منهم
جماعة فنخسه واحد منهم بالسيف في خاصرته وركبوه فذبحوه ذبحا من قفاه
وأخذوا رأسه فمضوا به إلى طاهر وتركوا جثته قال ولما كان في وقت السحر
جاءوا إلى جثته فأدرجوها في جل وحملوها قال فأصبحت فقيل لي هات العشرة
آلاف درهم وإلا ضربنا عنقك قال فبعثت إلى وكيلي فأتاني فأمرته فأتاني بها
فدفعتها إليه قال وكان دخول محمد المدينة يوم الخميس وخرج إلى دجلة يوم الأحد
وذكر عن أحمد بن سلام في هذه القصة أنه قال قلت لمحمد لما دخل على البيت
وسكن لاجزى الله وزراءك خيرا فإنهم أوردوك هذا المورد فقال لي يا أخي
ليس بموضع عتاب ثم قال أخبرني عن المأمون أخي أحي هو قلت نعم هذا القتال
عمن إذا هو إلا عنه قال فقال لي أخبرني يحيى أخو عامر بن إسماعيل بن عامر وكان
يلي الخبر في عسكر هرثمة أن المأمون مات فقلت له كذب قال ثم قلت له هذا الازار
الذي عليك إزار غليظ فالبس إزاري وقميصي هذا فإنه لين فقال لي من كانت حاله
مثل حالي فهذا له كثير قال فلقنته ذكر الله والاستغفار فجعل يستغفر قال وبينا
نحن كذلك إذ هدة تكاد الأرض ترجف منها وإذا أصحاب طاهر قد دخلوا الدار
وأرادوا البيت وكان في الباب ضيق فدافعهم محمد بمجنة كانت معه في البيت فما
84

وصلوا إليه حتى عرقبوه ثم هجموا عليه فحزوا رأسه واستقبلوا به طاهرا وحملوا
جثته إلى بستان مؤنسة إلى معسكره إذ أقبل عبد السلام بن العلاء صاحب حرس هرثمة
فأذن له وكان عبر إليه على الجسر الذي كان بالشماسية فقال له أخوك يقرئك
السلام فما خبرك قال يا غلام هات الطس فجاؤوا به وفيه رأس محمد فقال هذا خبري
فاعلمه فلما أصبح نصب رأس محمد على باب الأنبار وخرج من أهل بغداد للنظر
إليه ما لا يحصى عددهم وأقبل طاهر يقول رأس المخلوع محمد * وذكر محمد بن
عيسى أنه رأى المخلوع على ثوبه قملة فقال ما هذا فقالوا شئ يكون في ثياب
الناس فقال أعوذ بالله من زوال النعمة فقتل من يومه * وذكر عن الحسن بن أبي
سعيد أن الجندين جند طاهر وجند أهل بغداد ندموا على قتل محمد لما كانوا
يأخذون من الأموال * وذكر عنه أنه ذكر أن الخزانة التي كان فيها رأس محمد
ورأس عيسى بن ماهان ورأس أبى السرايا كانت إليه قال فنظرت في رأس محمد
فإذا فيه ضربة في وجهه وشعر رأسه ولحيته صحيح لم ينجاب منه شئ ولونه على
حاله قال وبعث طاهر برأس محمد إلى المأمون مع البردة والقضيب والمصلى وهو
من سعف مبطن مع محمد بن الحسن بن مصعب ابن عمه فأمر له بألف ألف
درهم فرأيت ذا الرئاستين وقد أدخل رأس محمد على ترس بيده إلى المأمون فلما
رآه سجد قال الحسن فأخبرني ابن أبي حمزة قال حدثني علي بن حمزة العلوي قال
قدم جماعة من آل أبي طالب على طاهر وهو بالبستان حين قتل محمد بن زبيدة
ونحن بالحضرة فوصلهم ووصلنا وكتب إلى المأمون بالاذن لنا أو ولبعضنا فخرجنا
إلى مرو وانصرفنا إلى المدينة فهنؤنا بالنعمة ولقينا من بها من أهلها وسائر أهل
المدينة فوصفنا لهم قتل محمد وأن طاهر بن الحسين دعا مولى له يقال له قريش
الدنداني وأمره بقتله قال فقال لنا شيخ منهم كيف قلت فأخبرته فقال الشيخ
سبحان الله كنا نرى هذا أن قريشا يقتله فذهبنا إلى القبيلة فوافق الاسم الاسم *
وذكر عن محمد بن أبي الوزير أن علي بن محمد بن خالد بن برمك أخبره أن
إبراهيم بن المهدى لما بلغه قتل محمد استرجع وبكى طويلا ثم قال
85

عوجا بمغنى طلل داثر * بالخلد ذات الصخر والآجر
والمرمر المسنون يطلى به * والباب باب الذهب الناضر
عوجا بها فاستيقنا عندها * على يقين قدرة القادر
وأبلغا عنى مقالا إلى ال‍ * مولى على المأمور والآمر
قولا له يا ابن ولى الهدى * طهر بلاد الله من طاهر
لم يكفه أن حز أوداجه * ذبح الهدايا بمدى الجازر
حتى أتى يسحب أوصاله * في شطن يفنى مدى الشابر
قد برد الموت على جنبه * وطرفه منكسر الناظر
قال وبلغ ذلك المأمون فاشتد عليه * وذكر عن المدائني أن طاهرا كتب إلى
المأمون بالفتح أما بعد فالحمد لله المتعالى ذي العزة والجلال والملك والسلطان الذي
إذا أراد أمرا فإنما يقول له كن فيكون لا إله إلا هو الرحمن الرحيم كان فيما
قدر الله فأحكم ودبر فأبرم انتكاث المخلوع ببيعته وانتقاضه بعهده وارتكاثه في
فتنته وقضاؤه عليه القتل بما كسبت يداه وما الله بظلام للعبيد وقد كتبت إلى
أمير المؤمنين أطال الله بقاءه في إحاطة جند الله بالمدينة والخلد وأخذهم بأفواهها
وطرقها ومسالكها في دجلة نواحي أزقة مدينة السلام وانتظام المسالح حواليها
وحدرى السفن والزواريق بالعرادات والمقاتلة إلى ما واجه الخلد وباب خراسان
تحفظا بالمخلوع وتخوفا من أن يروغا مراعا ويسلك مسلكا يجد به السبيل إلى إثارة
فتنة وإحياء ثائرة أو يهايج قتالا بعد أن حصره الله عز وجل وخذله ومتابعة
الرسل بما يعرض عليه هرثمة بن أعين مولى أمير المؤمنين ويسألني من تخلية
الطريق له في الخروج إليه واجتماعي وهرثمة بن أعين لنتناظر في ذلك وكراهتي
ما أحدث وراءه من أمره بعد إرهاق الله إياه وقطعه رجاءه من كل حيلة ومتعلق
وانقطاع المنافع عنه وحيل بينه وبين الماء فضلا عن غيره حتى هم به خدمه وأشياعه
من أهل المدينة ومن نجا معه إليها وتحزبوا على الوثوب به للدفع عن أنفسهم
والنجاة بها وغير ذلك مما فسرت لأمير المؤمنين أطال الله بقاءه مما أرجو أن
86

يكون قد أتاه وإني أخبر أمير المؤمنين أنى رويت فيما دبر هرثمة بن أعين مولى
أمير المؤمنين في المخلوع وما عرض عليه وأجابه إليه فوجدت الفتنة في تخلصه
من موضعه الذي قد أنزله الله فيه بالذلة والصغار وصيره فيه إلى الضيق والحصار
تزداد ولا يزيد أهل التربص في الأطراف إلا طمعا وانتشارا وأعلمت ذلك هرثمة
ابن أعين وكراهتي ما أطعمه فيه وأجابه إليه فذكر أنه لا يرى الرجوع عما أعطاه
فصادرته بعد يأس من انصرافه عن رأيه على أن يقدم المخلوع رداء رسول الله
صلى الله عليه وسلم وسيفه وقضيبه قبل خروجه ثم أخلى له طريق الخروج إليه
كراهة أن يكون بيني وبينه اختلاف نصير منه إلى أمر يطمع الأعداء فينا أو
فراق القلوب بخلاف ما نحن عليه من الائتلاف والاتفاق على ذلك وعلى أن
نجتمع لميعادنا عشية السبت فتوجهت في خاصة ثقاتي الذين اعتمدت عليهم وأثق
بهم بربط الجأش وصدق البأس وصحة المناصحة حتى طالعت جميع أمر كل من
كنت وكلت بالمدينة والخلد برا وبحرا والتقدمة إليهم في التحفظ والتيقظ والحراسة
والحذر ثم انكفأت إلى باب خراسان وكنت أعددت حراقات وسفنا سوى العدة
التي كانت لأركبها بنفسي لوقت ميعادي بيني وبين هرثمة فنزلتها في عدة ممن ركب معي
من خاصة ثقاتي وشاكريتي وصيرت عدة منهم فرسانا ورجالة بين باب خراسان
والمشرعة وعلى الشط وأقبل هرثمة بن أعين حتى صار بقرب باب خراسان معدا
مستعدا وقد خاتلني بالرسالة إلى المخلوع إلى أن يخرج إليه إذا وافى المشرعة ليحمله
قبل أن أعلم أو يبعث إلى بالرداء والسيف والقضيب على ما كان فارقني عليه من
ذلك فلما وافى خروج المخلوع على من وكلت بباب خراسان نهضوا عند طلوعه
عليهم ليعرفوا الطابع لأمري كان أتاهم وتقدمي إليهم ألا يدعوا أحدا يجوزهم الا
بأمري فبادرهم نحو المشرعة وقرب هرثمة إليه الحراقة فسبق الناكث أصحابي
إليها وتأخر كوثر فظفر به قريش مولاي ومعه الرداء والقضيب والسيف فأخذه
وما معه فنفر أصحاب المخلوع عندما رأوا من إرادة أصحابي منع مخلوعهم من
الخروج فبادر بعضهم حراقة هرثمة فتكفأت بهم حتى أغرقت في الماء ورسبت
87

فانصرف بعضهم إلى المدينة ورمى المخلوع عند ذلك بنفسه من الحراقة في دجلة
متخلصا إلى الشط نادما على ما كان من خروجه ناقضا للعهد داعيا بشعاره فابتدره
عدة من أوليائي الذين كنت وكلتهم بما بين مشرعة باب خراسان وركن الصراة
فأخذوه عنوة قهرا بلا عهد ولا عقد فدعا بشعاره وعاد في نكثه فعرض عليهم
مائة حبة ذكر أن قيمة كل حبة مائة ألف درهم فأبوا الا الوفاء لخليفتهم أبقاه الله
وصيانة لدينهم وايثارا للحق الواجب عليهم فتعلقوا به قد أسلمه وأفرده كل
يرغبه ويريد أن يفوز بالحظوة عندي دون صاحبه حتى اضطربوا فيما بينهم وتناولوه
بأسيافهم منازعة فيه وتشاحا عليه إلى أن أتيح له مغيظا لله ودينه ورسوله
وخليفته فأوتى عليه وأتاني الخبر بذلك فأمرت بحمل رأسه إلى فلما أتيت به
تقدمت إلى من كنت وكلت بالمدينة والخلد وما حواليها وسائر من في المسالح في
لزوم مواضعهم والاحتفاظ بما يليهم إلى أن يأتيهم أمرى ثم انصرفت فأعظم
الله لأمير المؤمنين الصنع والفتح عليه وعلى الاسلام به وفيه فلما أصبحت هاج
الناس واختلفوا في المخلوع فمصدق بقتله ومكذب وشاك وموقن فرأيت
أن أطرح عنهم الشبهة في أمره فمضيت برأسه لينظروا إليه فيصح بعينهم
وينقطع بذلك بعل قلوبهم ودخل التياث المستشرفين للفساد والمستوفزين للفتنة
وغدوت نحو المدينة فاستسلم من فيها وأعطى أهلها الطاعة واستقام لأمير المؤمنين
شرقي ما يلي مدينة السلام وغربيه وأرباعه وأرباضه ونواحيه وقد وضعت
الحرب أوزارها وتلافي بالسلام والاسلام أهله وبعد الله الدغل عنهم وأصارهم ببركة
أمير المؤمنين إلى الامن والسكون والدعة والاستقامة والاغتباط والصنع من الله جل
وعز والخيرة والحمد لله على ذلك فكتبت إلى أمير المؤمنين حفظه الله وليس
قبلي داع إلى فتنة ولا متحرك ولا ساع في فساد ولا أحد إلا سامع مطيع باخع
حاضر قد أذاقه الله حلاوة أمير المؤمنين ودعة ولايته فهو يتقلب في ظلها يغدو
في متجره ويروح في معايشه والله ولى ما صنع من ذلك والمتمم له والمان بالزيادة
فيه برحمته وأنا أسأل الله ان يهنئ أمير المؤمنين نعمته ويتابع له فيها مزيده
88

ويوزعه عليها شكره وأن يجعل منته لديه متواليا دائما متواصلا حتى يجمع الله
له خير الدنيا والآخرة ولأوليائه وأنصار حقه ولجماعة المسلمين ببركته وبركة
ولايته ويمن خلافته إنه ولى ذلك منهم وفيه انه سميع لطيف لما يشاء وكتب
يوم الأحد لأربع بقين من المحرم سنة 198 وذكر عن محمد المخلوع أنه قبل
مقتله وبعد ما صار في المدينة ورأى الامر قد تولى عنه وأنصاره يتسللون
فيخرجون إلى طاهر قعد في الجناح الذي كان عمله على باب الذهب وكان تقدم
في بنائه قبل ذلك وأمر بإحضار كل من كان معه في المدينة من القواد والجند
فجمعوا في الرحبة فأشرف عليهم وقال الحمد لله الذي يرفع ويضع ويعطى ويمنع
ويقبض ويبسط واليه المصير أحمده على نوائب الزمان وخذلان الأعوان وتشتت
الرجال وذهاب الأموال وحلول النوائب وتوفد المصائب حمدا يدخر لي به
أجزل الجزاء ويرفدني أحسن العزاء وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له كما شهد لنفسه وشهدت له ملائكته وأن محمدا عبده الأمين ورسوله إلى
المسلمين صلى الله عليه وسلم آمين رب العالمين أما بعد يا معشر الأبناء وأهل
السبق إلى الهدى فقد علمتم غفلتي كانت أيام الفضل بن الربيع وزير على ومشير
فمادت به الأيام بما لزمني به من الندامة في الخاصة والعامة إلى أن نبهتموني
فانتبهت واستعنتموني في جميع ما كرهتم من نفسي وفيكم فبذلت لكم ما حواه
ملكي ونالته مقدرتي مما جمعته وورثته عن آبائي فقودت من لم يجز واستكفيت
من لم يكف واجتهدت علم الله في طلب رضاكم بكل ما قدرت عليه واجتهدتم
علم الله في مساءتي في كل ما قدرتم عليه من ذلك توجيهي إليكم علي بن عيسى
شيخكم وكبيركم وأهل الرأفة بكم والتحنن عليكم فكان منكم ما يطول ذكره
فغفرت الذنب وأحسنت واحتملت وعزيت نفسي عند معرفتي بشذوذ الظفر
وحرصي على مقامكم مسلحة بحلوان مع ابن كبير صاحب دعوتكم ومن على
يدي أبيه كان فخركم وبه تمت طاعتكم عبد الله بن حميد بن قحطبة فصرتم
من التألب عليه إلى مالا طاقة له به ولا صبر عليه يقودكم رجل منكم وأنتم
89

عشرون ألفا إلى عامين وعلى سيدكم متوثبين مع سعيد الفرد سامعين له مطيعين
ثم وثبتم مع الحسين على فخلعتموني وشتمتموني وانتهبتموني وحبستموني
وقيدتموني وأشياء منعتموني من ذكرها حقد قلوبكم وتلكى طاعتكم أكبر وأكثر
فالحمد لله حمد من أسلم لامره ورضى بقدره والسلام (وقيل) لما قتل محمد
وارتفعت الثائرة وأعطى الأمان الأبيض والأسود وهدأ الناس ودخل طاهر المدينة
يوم الجمعة فصلى بالناس وخطبهم خطبة بليغة نزع فيها من قوارع القرآن فكان
مما حفظ من ذلك أن قال الحمد لله مالك الملك يوتى الملك من يشاء وينزع الملك
ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير وهو على كل شئ قدير في
آي من القرآن أتبع بعضها بعضا وحض على الطاعة ولزوم الجماعة ورغبهم في
التمسك بحبل الطاعة وانصرف إلى معسكره * وذكر أنه لما صعد المنبر يوم الجمعة
وحضره من بني هاشم والقواد وغيرهم جماعة كثيرة قال الحمد لله مالك الملك يؤتيه
من يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير وهو على كل شئ قدير لا
يصلح عمل المفسدين ولا يهدى كيد الخائين ان ظهور غلبتنا لم يكن من أيدينا
ولا كيدنا بل اختار الله للخلافة إذ جعلها عمادا لدينه وقواما لعباده وضبط
الأطراف وسد الثغور وإعداد العدة وجمع الفئ وإنفاذ الحكم ونشر العدل
وإحياء السنة بعد إذبال البطالات والتلذذ بموبق الشهوات والمخلد إلى الدنيا
مستحسن لداعى غرورها محتلب درة نعمتها ألف لزهرة روضتها كلف برونق
نهجتها وقد رأيتم من وفاء موعود الله عز وجل لمن بغى عليه وما أحل به من بأسه
ونقمته لما نكب عن عهده وارتكب معصيته وخالف أمره وغيره ناهيه وعظته
مردية فتمسكوا بدقائق عصم الطاعة واسلكوا مناحى سبيل الجماعة واحذروا
مصارع أهل الخلاف والمعصية الذين قدحوا زناد الفتنة وصدعوا شعب الألفة
فأعقبهم الله خسار الدنيا والآخرة ولما فتح طاهر بغداد كتب إلى أبي إسحاق
المعتصم وقد ذكر بعضهم أنه إنما كتب بذلك إلى إبراهيم بن المهدى وقال الناس
كتبه إلى أبي إسحاق المعتصم أما بعد فإنه عزيز على أن أكتب إلى رجل من أهل
90

بيت الخلافة بغير التأمير ولكنه بلغني أنك تميل بالرأي وتصغى بالهوى إلى
الناكث المخلوع وإن كان كذلك فكثير ما كتبت به إليك وإن كان غير ذلك
فالسلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته وكتب في أسفل الكتاب هذه الأبيات
ركوبك الامر ما لم تبل فرصته * جهل ورأيك بالتغرير تغرير
أقبح بدنيا ينال المخطئون بها * حظ المصيبين والمغرور مغرور
(وفى هذه السنة) وثب الجند بعد مقتل محمد بطاهر فهرب منهم وتغيب
أياما حتى أصلح أمرهم
* ذكر الخبر عن سبب وثوبهم به وإلى ما آل أمره وأمرهم *
ذكر عن سعيد بن حميد أنه ذكر أن أباه حدثه أن أصحاب طاهر بعد مقتل محمد
بخمسة أيام وثبوا به ولم يكن في يديه مال فضاق به أمره وظن أن ذلك عن
مواطأة من أهل الأرباض إياهم وأنهم معهم عليه ولم يكن تحرك في ذلك من أهل
الأرباض أحد فاشتدت شوكة أصحابه وخشي على نفسه فهرب من البستان
وانتهبوا بعض متاعه ومضى إلى عاقرقوف وكان قد أمر بحفظ أبواب المدينة
وباب القصر على أم جعفر وموسى وعبد الله ابني محمد ثم أمر بتحويل زبيدة
وموسى وعبد الله ابني محمد معها من قصر أبى جعفر إلى قصر الخلد
فحولوا ليلة الجمعة لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ربيع الأول ثم مضى بهم من ليلتهم
في حراقة إلى همينيا على الغربي من الزاب الاعلى ثم أمر بحمل موسى وعبد الله
إلى عمهما بخراسان على طريق الأهواز وفارس قال ولما وثب الجند بطاهر
وطلبوا الأرزاق أحرقوا باب الأنبار الذي على الخندق وباب البستان وشهروا
السلاح وكانوا كذلك يومهم ومن الغد ونادوا موسى يا منصور وصوب الناس
إخراج طاهر موسى وعبد الله وقد كان طاهر انحاز ومن معه من القواد وتعبأ
لقتالهم ومحاربتهم فلما بلغ ذلك القواد والوجوه صاروا إليه واعتذروا وأحالوا
على السفهاء والاحداث وسألوه الصفح عنهم وقبول عذرهم والرضى عنهم وضمنوا
له ألا يعود والمكروه له ما أقام معهم فقال لهم طاهر والله ما خرجت عنكم إلا لوضع
91

سيفي فيكم وأقسم بالله لئن عدتم لمثلها لأعودن إلى رأيي فيكم ولأخرجن إلى
مكروهكم فكسرهم بذلك وأمر لهم برزق أربعة أشهر فقال في ذلك بعض الأبناء
آلى الأمير وقوله وفعاله * حق بجمع معاشر الذعار
إن هاج هائجهم وشغب شاغب * من كل ناحية من الأقطار
ألا يناظر معشرا من جمعهم * إمهال ذي عدل وذي إنظار
حتى ينيخ عليهم بعظيمة * تدع الديار بلاقع الآثار
فذكر عن المدائني أن الجند لما شغبوا وانحاز طاهر ركب إليه سعيد بن مالك
ابن قادم ومحمد بن أبي خالد وهبيرة بن خازم في مشيخة من أهل الأرباض
فحلفوا بالمغلظة من الايمان أنه لم يتحرك في هذه الأيام أحد من أبناء الأرباض
ولا كان ذلك عن رأيهم ولا أرادوه وضمنوا له صلاح نواحيهم من الأرباض
وقيام كل انسان منهم في ناحيته بكل ما يجب عليه حتى لا يأتيه من ناحية أمر
يكرهه وأتاه عميرة أبو شيخ بن عميرة الأسدي وعلي بن يزيد في مشيخة من الأبناء
فلقوه بمثل ما لقبه به ابن أبي خالد وسعيد بن مالك وهبيرة وأعلموه حسن رأى
من خلفهم من الأبناء ولين طاعتهم له وأنهم لم يدخلوا في شئ مما صنع أصحابه في
البستان فطابت نفسه الا أنه قال لهم إن القوم يطلبون أرزاقهم وليس عندي مال
فضمن لهم سعيد بن مالك عشرين ألف دينار وحملها إليه فطابت بها نفسه وانصرف
إلى معسكره بالبستان وقال طاهر لسعيد إني أقبلها منك على أن تكون على دينا
فقال له بل هي انما صلة وقليل لغلامك وفيما أوجب الله من حقك فقبلها منه
وأمر للجند برزق أربعة أشهر فرضوا وسكنوا (قال المدائني) وكان مع محمد رجل
يقال له السمرقندي وكان يرمى عن مجانيق كانت في سفن من باطن دجلة وربما
كان يشتد أمر أهل الأرباض على من بإزائهم من أصحاب محمد في الخنادق فكان
يبعث إليه فيجئ به فيرميهم وكان راميا لم يكن حجره يخطئ ولم يقتل الناس يومئذ
بالحجارة كما قيل فلما قتل محمد قطع الجسر وأحرقت المجانيق التي كانت في دجلة يرمى
عنها فأشفق على نفسه وتخوف من بعض من وتره أن يطلبه فاستخفى وطلبه
92

الناس فتكارى بغلا وخرج إلى ناحية خراسان هاربا فمضى حتى إذا كان في بعض
الطريق استقبله رجل فعرفه فلما جازه قال الرجل للمكارى ويحك أين تذهب مع
هذا الرجل والله لئن ظفر بك معه لتقتلن وأهون ما هو مصيبك أن تحبس قال
إنا لله وإنا إليه راجعون قد والله عرفت اسمه وسمعت به قتله الله فانطلق المكارى
إلى أصحابه أو مسلحة انتهى إليها فأخبرهم خبره وكانوا من أصحاب كندغوش من
أصحاب هرثمة فأخذوه وبعثوا به إلى هرثمة وبعث به هرثمة إلى خزيمة بن خازم
بمدينة السلام فدفعه خزيمة إلى بعض من وتره فأخرجه إلى شاطئ دجلة من
الجانب الشرقي فصلب حيا * فذكروا أنه لما أرادوا شده على خشبته اجتمع
خلق كثير فجعل يقول قبل أن يشدوه أنتم بالأمس تقولون لا قطع الله يا سمرقندي
يدك واليوم قد هيأتم حجارتكم ونشابكم لترموني فلما رفعت الخشبة أقبل الناس
عليه رميا بالحجارة والنشاب وطعنا بالرماح حتى قتلوه وجعلوا يرمونه بعد موته
ثم أحرقوه من غد وجاؤا بنار ليحرقوه بها وأشعلوها فلم تشتعل وألقوا عليه
قصبا وحطبا فأشعلوها فيه فاحترق بعضه وتمزقت الكلاب بعضه وذلك يوم
السبت لليلتين خلتا من صفر
* ذكر الخبر عن صفة محمد بن هارون وكنيته وقدر ما ولى ومبلغ عمره *
(قال) هشام بن محمد وغيره ولى محمد بن هارون وهو أبو موسى يوم الخميس
لاحدى عشرة بقيت من جمادى الأولى سنة 193 وقتل ليلة الأحد لست بقين
من صفر سنة 197 وأمه زبيدة ابنة جعفر الأكبر بن أبي جعفر فكانت خلافته
أربع سنين وثمانية أشهر وخمسة أيام وقد قيل كانت كنيته أبا عبد الله * وأما محمد
ابن موسى الخوارزمي فإنه ذكر عنه أنه قال أتت الخلافة محمد بن هارون للنصف
من جمادى الآخرة سنة 193 وحج بالناس في هذه السنة التي ولى فيها داود بن
عيسى بن موسى وهو على مكة وأبو البختري على ولايته وبعد ولايته بعشرة
أشهر وخمسة أيام وجهه عصمة بن أبي عصمة إلى ساوة وعقد ولايته لابنه موسى
بولاية العهد لثلاث خلون من شهر ربيع الأول وكان على شرطه علي بن
93

عيسى بن ماهان وحج بالناس سنة 194 علي بن الرشيد وعلى المدينة إسماعيل بن
العباس بن محمد وعلى مكة داود بن عيسى وكان بين أن عقد لابنه إلى التقاء
علي بن عيسى بن ماهان وطاهر بن الحسين وقتل علي بن عيسى بن ماهان
سنة 195 ستة وثلاثة أشهر وتسعة وعشرين يوما قال وقتل المخلوع ليلة الأحد لخمس
بقين من المحرم قال فكانت ولايته مع الفتنة أربع سنين وسبعة أشهر وثلاثة أيام ولما
قتل محمد ووصل خبره إلى المأمون في خريطة من طاهر يوم الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة
خلت من صفر سنة 198 وأظهر المأمون الخبر وأذن للقواد فدخلوا عليه وقام الفضل بن
سهل فقرأ الكتاب بالخبر فهنئ بالظفر ودعوا الله له وورد الكتاب من المأمون بعد قتل
محمد على طاهر وهرثمة بخلع القاسم بن هارون فأظهرا ذلك ووجها كتبهما به وقرئ
الكتاب بخلعه يوم الجمعة لليلتين بقيتا من شهر ربيع الأول سنة 197 وكان عمر
محمد كله فيما بلغني ثمانيا وعشرين سنة وكان سبطا أنزع أبيض صغير العينين أقنى
جميلا عظيم الكراديس بعيد ما بين المنكبين وكان مولده بالرصافة وذكر أن
طاهرا قال حين قتله
قتلت الخليفة في داره * وأنهيت بالسيف أمواله
وقال أيضا
ملكت الناس قسرا واقتدارا * وقتلت الجبابرة الكبارا
ووجهت الخلافة نحو مرو * إلى المأمون تبتدر ابتدارا
* ذكر ما قيل في محمد بن هارون ومرثيته *
فما قيل في هجائه
لم نبكيك لماذا للطرب * يا أبا موسى وترويج اللعب
ولترك الخمس في أوقاتها * حرصا منك على ماء العنب
وشنيف أنا لا أبكى له * وعلى كوثر لا أخشى العطب
لم يكن تعرف ما حد الرضى * لا ولا تعرف ما حد الغضب
لم تكن تصلح للملك ولم * تعطك الطاعة بالملك العرب
94

أيها الباكي عليه لا بكت * عين من أبكاك إلا للعجب
لم نبكيك لما عرضتنا * للمجانيق وطورا للسلب
ولقوم صيرونا أعبدا * لهم يبدو على الرأس الذنب
في عذاب وحصار مجهد * سدد الطرق فلا وجه طلب
زعموا أنك حي حاشر * كل من قال هذا قد كذب
ليت من قد قاله في وحدة * من جميع ذاهب حيث ذهب
أوجب الله علينا قتله * فإذا ما أوجب الامر وجب
كان والله علينا فتنة * غضب الله عليه وكتب
وقال عمرو بن عبد الملك الوراق يبكى بغداد ويهجو طاهرا ويعرض به
من ذا أصابك يا بغداد بالعين * ألم تكوني زمانا قرة العين
ألم يكن فيك أقوام لهم شرف * بالصالحات وبالمعروف يلقوني
ألم يكن فيك قوم كان مسكنهم * وكان قرهم زينا من الزين
صاح الزمان بهم بالبين فانقرضوا * ما ذا الذي فجعتني لوعة البين
أستودع الله قوما ما ذكرتهم * إلا تحدر ماء العين من عيني
كانوا ففرقهم دهر وصدعهم * والدهر يصدع ما بين الفريقين
كم كان لي مسعد منهم على زمني * كم كان منهم على المعروف من عون
لله در زمان كان يجمعنا * أين الزمان الذي ولى ومن أين
يا من يخرب بغداد ليعمرها * أهلكت نفسك ما بين الطريقين
كانت قلوب جميع الناس واحدة * عينا وليس لكون العين كالدين
لما أشتهم فرقتهم فرقا * والناس طرا جميعا بين قلبين
وذكر عمر بن شبة أن محمد بن أحمد الهاشمي حدثه أن لبابة ابنة علي بن المهدى قالت
أبكيك لا للنعيم والانس * بل للمعالي والرمح والترس
أبكى على هالك فجعت به * أرملني قبل ليلة العرس
وقد قيل إن هذا الشعر لابنة عيسى بن جعفر وكانت مملكة بمحمد وقال الحسين
95

ابن الضحاك الأشقر مولى باهلة يرثى محمدا وكان من ندمائه وكان لا يصدق بقتله
ويطمع في رجوعه
يا خير أسرته وإن زعموا * إني عليك لمثبت أسف
الله يعلم أن لي كبدا * حرى عليك ومقلة تكف
ولئن شجيت بما رزيت به * إني لأضمر فوق ما أصف
هلا بقيت لسد فاقتنا * أبدا وكان لغيرك التلف
فلقد خلفت خلائفا سلفوا * ولسوف يعوز بعدك الخلف
لأبات رهطك بعد هفوتهم * إني لرهطك بعدها شنف
هتكوا بحرمتك التي هتكت * حرم الرسول ودونها السجف
وثبت أقاربك التي خذلت * وجميعها بالذل معترف
لم يفعلوا بالشط إذ حضروا * ما تفعل الغيرانة الانف
تركوا حريم أبيهم نفلا * والمحصنات صوارخ هتف
أبدت مخلخلها على دهش * أبكارهن ورنت؟
سلبت معاجرهن واجتليت * ذات النقاب ونوزع الشنف
فكأنهن خلال منتهب * در تكشف دونه الصدف
ملك تخون ملكه قدر * فوهى وصرف الدهر مختلف
هيهات بعدك أن يدوم لنا * عز وأن يبقى لنا شرف
لا هيبوا صحفا مشرفة * للغادرين تحتها الجدف
أفبعد عهد الله تقتله * والقتل بعد أمانة سرف
فستعرفون غدا بعاقبة * عز الاله فأوردوا وقفوا
يامن يخون نومه أرق * هدت الشجون وقلبه لهف
قد كنت لي أملا غنيت به * فمضى وحل محله الأسف
مرج النظام وعاد منكرنا * عرفا وأنكر بعدك العرف
فالشمل منتشر لفقدك والدنيا * سدى والبال منكثف
96

وقال أيضا يرثيه:
إذا ذكر الأمين نعى الأمينا * وإن رقد الخلى حمى الجفونا
وما برحت منازل بين بصرى * وكلواذى تهيج لي شجونا
عراص الملك خاوية تهادى * بها الأرواح تنسجها فنونا
تخون عز ساكنها زمان * تلعب بالقرون الاولينا
فشتت شملهم بعد اجتماع * وكنت بحسن ألفتهم ضنينا
فلم أر بعدهم حسنا سواهم * ولم ترهم عيون الناظرينا
فوا أسفا وإن شمت الأعادي * وآه على أمير المؤمنينا
أضل العرف بعدك متبعوه * ورفه عن مطايا الراغبينا
وكن إلى جنابك كل يوم * يرحن على السعود ويغتدينا
هو الجبل الذي هوت المعالي * لهدته وريع الصالحونا
ستندب بعدك الدنيا جوارا * وتندب بعدك الدين المصونا
فقد ذهب بشاشة كل شئ * وعاد الدين مطروحا مهينا
تعقد عز متصل بكسرى
وملته وذل المسلمونا
وقال أيضا يرثيه:
أسفا عليك سلاك أقرب قربة * منى وأحزاني عليك تزيد
وقال عبد الرحمن بن أبي الهداهد يرثى محمدا:
يا غرب جودي قد بت من وذمه * فقد فقدنا العزيز من ديمه
ألوت بدنياك كف نائبة * وصرت مغضى لنا على نقمه
أصبح للموت عندنا علم * يضحك سن المنون من علمه
ما استنزلت درة المنون على * أكرم من حل في ثرى رحمه
خليفة الله في بريته * تقصر أيدي الملوك عن شيمة
يفتر عن وجهه سنا قمر * ينشق عن نوره دجى ظلمه
زلزلت الأرض من جوانبها * إذا أولغ السيف من نجيع دمه
(7 - 7)
97

من سكتت نفسه لمصرعة * من عمم الناس أو ذوي رحمه
رأيته مثل ما رآه به * حتى تذوق الامر من سقمه
كم قد رأينا عزيز مملكة * ينقل عن أهله وعن خدمه
يا ملكا ليس بعده ملك * لخاتم الأنبياء في أممه
جادى وحى الذي أقمت به * سح عزيز الوكيف من ديمه
لو أحجم الموت عن أخي ثقة * أسوى في العز مستوى قدمه
أو ملك لا ترام سطوته * إلا مرام الشتيم في أجمه
خلدك العز ما سرى سدف * أو قام طفل العشى في قدمه
أصبح ملك إذا اتزرت به * يقرع سن الشقاة من ندمه
أثر ذوي العرش في عداك كما * أثر في عاده وفى إرمه
لا يبعد الله صيورة تليت * لخير داع دعاه في حرمه
ما كنت إلا كحلم ذي حلم * أولج باب السرور في حلمه
حتى إذا أطلقته رقدته * عاد إلى ما اعتراه من عدمه
وقال أيضا يرثيه:
أقول وقد دنوت من الفرار * سقيت الغيث يا قصر القرار
رمتك يد الزمان بسهم عين * فصرت ملوحا بدخان نار
أبن لي عن جميعك أين حلوا * وأين زمرهم بعد المزار
وأين محمد وابناه مالي * أرى أطلالهم سود الديار
كأن لم يؤنسوا بأنيس ملك * يصون على الملوك بخير جار
إمام كان في الحدثان عونا * لنا والغيث يمنح بالقطار
لقد ترك الزمان بنى أبيه * وقد غمرتهم سود البحار
أضاعوا شمسهم فجرت بنحس * فصاروا في الظلام بلا نهار
وأجلوا عنهم قمرا منيرا * وداستهم خيول بنى الشرار
ولو كانوا لهم كفؤا ومثلا * إذا ما توجوا تيجان عار
98

ألا بان الامام ووارثاه * لقد ضرما الحشا منا بنار
وقالوا الخلد بيع فقلت ذلا * يصير ببائعيه إلى صغار
كذاك الملك يتبع أوليه * إذا قطع القرار من القرار
وقال مقدس بن صيفي يرثيه:
خليلي ما أتتك به الخطوب * فقد أعطتك طاعته النحيب
تدلت من شماريخ المنايا * منايا ما تقوم لها القلوب
خلال مقابر البستان قبر * يجاور قبره أسد غريب
لقد عظمت مصيبته على من * له في كل مكرمة نصيب
على أمثاله العبرات تذرى * وتهتك في مآتمه الجيوب
وما اذحرت زبيدة عنه دمعا * تخص به النسيبة والنسيب
دعوا موسى ابنه لبكاء دهر * على موسى ابنه دخل الحزيب
رأيت مشاهد الخلفاء منه * خلاء ما بساحتها مجيب
ليهنك أنني كهل عليه * أذوب وفى الحشا كبد تذوب
أصيب به البعيد فخر حزنا * وعاين يومه فيه المريب
أنادى من بطون الأرض شخصا * يحركه النداء فما يجيب
لئن نعت الحروب إليه نفسا * لقد فجعت بمصرعه الحروب
وقال خزيمة بن الحسن يرثيه على لسان أم جعفر
لخير إمام قام من خير عنصر * وأفضل سام فوق أعواد منبر
لوارث علم الأولين وفهمهم * وللملك المأمون من أم جعفر
كتبت وعينى مستهل دموعها * إليك ابن عمى من جفوني ومحجري
وقد مسني ضر وذل كآبة * وأرق عيني يا ابن عمى تفكري
وهمت لما لاقيت بعد مصابه * فأمري عظيم منكر حد منكر
سأشكوا الذي لافيته بعد فقده * إليك شكاة المستهام المقهر
وأرجو لما قد مربى مذ فقدته * فأنت لبثى خير رب مغير
99

أتى طاهر لا طهر الله طاهرا * فما طاهر فيما أتى بمطهر
فأخرجني مكشوفة الوجه حاسرا * وأنهب أموالي وأحرق آدرى
يعز على هارون ما قد لقيته * وما مر بي من ناقص الخلق أعور
فإن كان ما أسدى بأمر أمرته * صبرت لأمر من قدير مقدر
تذكر أمير المؤمنين قرابتي * فديتك من ذي حرمة متذكر
وقال أيضا يرثيه:
سبحان ربك رب العزة الصمد * ماذا أصبنا به في صبحة الاحد
وما أصيب به الاسلام قاطبة * من التضعضع في ركنية والاود
من لم يصب بأمير المؤمنين ولم * يصبح بمهلكة والهم في صعد
فقد أصبت به حتى تبين في * عقلي وديني وفى دنياي وجسدي
يا ليلة يشتكى الاسلام مدتها * والعالمون جميعا آخر الأبد
غدرت بالملك الميمون طائره * وبالامام وبالضرغامة الأسد
سارت إليه المنايا وهى ترهبه * فواجهته بأوغاد ذوي عدد
بشورجين وأغتام يقودهم * قريش بالبيض في قمص من الزرد
فصادفوه وحيدا لا معين له * عليهم غائب الأنصار بالمدد
فجرعوه المنايا غير ممتنع * فردا فيالك من مستسلم فرد
يلقى الوجوه بوجه غير مبتذل * أبهى وأنقى من القوهية الجدد
وا حسرتا وقريش قد أحاط به * والسيف مرتعد في كف مرتعد
فما تحرك بل ما زال منتصبا * منكس الرأس لم يبدي ولم يعد
حتى إذا السيف وافى وسط مفرقه * أذرته عنه يداه فعل متئد
وقام فاعتلقت كفاه لبته * كضيغم شرس مستبسل لبد
فاجتره ثم أهوى فاستقل به * للأرض من كف ليث مخرج حرد
فكاد يقتله لو لم يكاثره * وقام منفلتا منه ولم يكد
هذا حديث أمير المؤمنين وما * نقصت من أمره حرفا ولم أزد
100

لا زلت أندبه حتى الممات وإن * أخنى عليه الذي أخنى على لبد
* وذكر عن الموصلي أنه قال لما بعث طاهر برأس محمد إلى المأمون بكى
ذو الرئاستين وقال سل علينا سيوف الناس وألسنتهم أمرناه أن يبعث به أسيرا
فبعث به عقيرا وقال له المأمون قد مضى ما مضى فاحتل في الاعتذار منه فكتب
الناس فأطالوا وجاء أحمد بن يوسف بشبر من قرطاس فيه أما بعد فان المخلوع
كان قسيم أمير المؤمنين في النسب واللحمة وقد فرق الله بينه وبينه في الولاية والحرمة
بمفارقته عصم الدين وخروجه من الامر الجامع للمسلمين يقول الله عز وجل
حين اقتص علينا نبأ ابن نوح إنه ليس من أهلك " إنه عمل غير صالح " فلا طاعة
لاحد في معصية الله ولا قطيعة إذا كانت القطيعة في جنب الله وكتابي إلى أمير
المؤمنين وقد قتل الله المخلوع ورداه رداء نكثه وأحصد لأمير المؤمنين أمره وأنجز
له وعده وما ينتظر من صادق وعده حين رد به الألفة بعد فرقتها وجمع الأمة
بعد شتاتها وأحيا به أعلام الاسلام بعد دروسها
* ذكر الخبر عن بعض سير المخلوع محمد بن هارون *
ذكر عن حميد بن سعيد قال لما ملك محمد وكاتبه المأمون وأعطاه بيعته طلب
الخصيان وابتاعهم وغالى بهم وصيرهم لخلوته في ليله ونهاره وقوام طعامه وشرابه
وأمره ونهيه وفرض لهم فرضا سماهم الجرادية وفرضا من الحبشان سماهم الغرابية
ورفض النساء الحرائر والإماء حتى رمى بهن ففي ذلك يقول بعضهم
ألا يا مزمن المثوى بطوس * عزيبا ما يفادى بالنفوس
لقد أبقيت للخصيان بعلا * تحمل منهم شؤم البسوس
فأما نوفل فالشأن فيه * وفى بدر فيالك من جليس
وما العصمي بشار لديه * إذا ذكروا بذى سهم خسيس
وما حسن الصغير أخس حالا * لديه عند محترق الكؤوس
لهم من عمره شطر وشطر * يعاقر فيه شرب الخندريس
وما للغانيات لديه حظ * سوى التقطيب بالوجه العبوس
101

إذا كان الرئيس كذا سقما * فكيف صلاحنا بعد الرئيس
فلو علم المقيم بدار طوس * لعز على المقيم بدار طوس
قال حميد ولما ملك محمد وجه إلى جميع البلدان في طلب الملهين وضمهم إليه
وأجرى لهم الأرزاق ونافس في ابتياع فره الدواب وأخذ الوحوش والسباع
والطير وغير ذلك واحتجب عن اخوته وأهل بيته وقواده واستخف بهم وقسم
ما في بيوت الأموال وما بحضرته من الجوهر في خصيانه وجلسائه ومحدثيه وحمل
إليه ما كان في الرقة من الجوهر والخزائن والسلاح وأمر ببناء مجالس لمتنزهاته
ومواضع خلوته ولهوه ولعبه بقصر الخلد والخيزرانية وبستان موسى وقصر عبدويه
وقصر المعلى ورقة كلواذى وباب الأنبار ونبارى والهوب وأمر بعمل خمس
حرافات في دجلة على خلقة الأسد والفيل والعقاب والحية والفرس وأنفق في عملها
مالا عظيما فقال أبو نواس يمدحه
سخر الله للأمين مطايا * لم تسخر لصاحب المحراب
فإذا ما ركابه سرن برا * سار في الماء راكبا ليث غاب
أسدا باسطا ذراعيه يهوى * أهوب الشدق كالح الأنياب
لا يعانيه باللجام ولا السوط * ولا غمز رجله في الركاب
عجب الناس إذ رأوك على صورة * ليث تمر مر السحاب
سبحوا إذ رأوك سرت عليه * كيف لو أبصروك فوق العقاب
ذات زور ومنسر وجناحين * تشق العباب بعد العباب
تسبق الطير في السماء إذا ما * استعجلوها بجيئة وذهاب
بارك الله للأمير وأبقاه * وأبقى له رداء الشباب
ملك تقصر المدائح عنه * هاشمي موفق للصواب
* وذكر عن الحسين بن الضحاك قال ابتنى الأمير سفينة عظمية أنفق عليها
ثلاثة آلاف ألف درهم واتخذ أخرى على خلقة شئ يكون في البحر يقال له الدلفين
فقال في ذلك أبو نواس الحسن بن هاني
102

قد ركب الدلفين بدر الدجى * مقتحما في الماء قد لججا
فأشرقت دجلة في حسنه * وأشرق السكان واستبهجا
لم تر عيني مثله مركبا * أحسسن إن سار وإن أحنجا
إذا استحثته مجاديفه * أعنق فوق الماء أو هملجا
خص به الله الأمين الذي * أضحى بتاج الملك قد توجا
* وذكر عن أحمد بن إسحاق بن برصوما المغنى الكوفي أنه قال كان العباس
ابن عبد الله بن جعفر بن أبي جعفر من رجالات بني هاشم جلدا وعقلا وصنيعا
وكان يتخذ الخدم وكان له خادم من أثر خدمه عنده يقال له منصور فوجد الخادم
عليه فهرب إلى محمد وأتاه وهو بقصر أم جعفر المعروف بالقرار فقبله محمد أحسن
قبول وحظي عنده حظوة عجيبة قال فركب الخادم يوما في جماعة خدم كانوا لمحمد
يقال لهم السيافة فمر بباب العباس بن عبد الله يريد بذلك أن يرى خدم العباس
هيئته وحاله التي هو عليها وبلغ ذلك الخبر العباس فخرج محضرا في قميص حاسرا
في يده عمود عليه كيمخت فلحقه في سويقة أبى الورد فعلق بلجامه ونازعه أولئك الخدم
فجعل لا يضرب أحدا منهم الا أوهنه حتى تفرقوا عنه وجاء به يقوده حتى أدخله داره
وبلغ الخبر محمدا فبعث إلى داره جماعة فوقفوا أحيا لها وصف العباس غلمانه ومواليه على
سور داره ومعهم الترسة والسهام فقال أحمد بن إسحاق فخفنا والله النار أن تحرق منازلنا
وذلك أنهم أرادوا أن يحرقوا دار العباس قال وجاء رشيد الهاروني فاستأذن عليه
فدخل إليه فقال ما تصنع أتدري ما أنت فيه وما قد جاءك لو أذن لهم لاقتلعوا دارك
بالأسنة ألست في الطاعة قال بلى قال فقم فاركب قال فخرج في سواده فلما صار
على باب داره قال يا غلام هلم دابتي فقال رشيد لا ولا كرامة ولكن تمضى
راجلا قال فمضى فلما صار إلى الشارع نظر فإذا العالمون قد جاؤوا وجاءه الجلودي
والإفريقي وأبو البط وأصحاب الهرش قال فجعل ينظر إليهم وأنا أراه راجلا
ورشيد راكب قال وبلغ أم جعفر الخبر فدخلت على محمد وجعلت تطلب إلى
محمد فقال لها نفيت من قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم أقتله وجعلت
103

تلح عليه فقال لها والله إني لأظنني سأسطو بك قال فكشفت شعرها فقالت
ومن يدخل على وأنا حاسر قال فبينا محمد كذلك ولم يأت العباس بعد إذ قدم
صاعد الخادم عليه بقتل علي بن عيسى بن ماهان فاشتغل بذلك وأقام العباس في
الدهليز عشرة أيام ونسيه ثم ذكره فقال يحبس في حجرة من حجر داره ويدخل
عليه ثلاثة رجال من مواليه من مشايخهم يخدمونه ويجعل له وظيفة في كل يوم
ثلاثة ألوان قال فلم يزل على هذه الحال حتى خرج حسين بن علي بن عيسى بن
ماهان ودعا إلى المأمون وحبس محمدا قال فمر إسحاق بن عيسى بن علي ومحمد بن
محمد المعبدي بالعباس بن عبد الله وهو في منظره فقالا له ما قعودك اخرج إلى
هذا الرجل يعنيان حسين بن علي قال فخرج فأتى حسينا ثم وقف عند باب الجسر
فما ترك لام جعفر شيئا من الشتم إلا قاله وإسحاق بن موسى يأخذ البيعة للمأمون
قال ثم لم يكن إلا يسيرا حتى قتل الحسين وهرب العباس إلى نهر بين إلى هرثمة
ومضى ابنه الفضل بن العباس إلى محمد فسعى إليه بما كان لأبيه ووجه محمد إلى
منزله فأخذ منه أربعة آلاف ألف درهم وثلثمائة ألف دينار وكانت في قماقم في
بئر وأنسوا قمقمين من تلك القماقم فقال ما بقى من ميراث أبى سوى هذين القمقمين
وفيها سبعون ألف دينار فلما انقضت الفتنة وقتل محمد رجع إلى منزله فأخذ
القمقمين وجعلهما... وحج في تلك السنة وهى 198 قال أحمد بن إسحاق وكان
العباس بن عبد الله يحدث بعد ذلك فيقول قال لي سليمان بن جعفر ونحن في دار
المأمون أما قتلت ابنك بعد فقلت يا عم جعلت فداك ومن يقتل ابنه فقال لي اقتله
فهو الذي سعى بك وبمالك فأفقرك * وذكر عن أحمد بن إسحاق بن برصوما قال
لما حصر محمد وضغطه الامر قال ويحكم ما أحد يستراح إليه فقيل له بلى رجل
من العرب من أهل الكوفة يقال له وضاح بن حبيب بن بديل التميمي وهو بقية
من بقايا العرب وذو رأى أصيل قال فأرسلوا إليه قال فقدم علينا فلما صار إليه
قال له إني قد خبرت بمذهبك ورأيك فأشر علينا في أمرنا قال له يا أمير المؤمنين
قد بطل الرأي اليوم وذهب ولكن استعمل الأراجيف فإنها من آلة الحرب
104

فنصب رجلا كان ينزل دجيلا يقال له بكير بن المعتمر فكان إذا نزلت بمحمد
نازلة وحادثة هزيمة قال له هات فقد جاءنا نازلة فيضع له الاخبار فإذا مشى
الناس تبينوا بطلانها قال أحمد بن إسحاق كأني أنظر إلى بكير بن المعتمر شيخ عظيم
الخلق * وذكر عن العباس بن أحمد بن أبان الكتاب قال حدثنا إبراهيم بن الجراح
قال حدثني كوثر قال أمر محمد بن زبيدة يوما أن يفرش له على دكان في الخلد
فبسط له عليه بساط زرعي وطرحت عليه نمارق وفرش مثله و؟ له من آنية
الفضة والذهب والجوهر أمر عظيم وأمر قيمة جواريه أن؟ له مائة جارية
صانعة فتصعد إليه عشرا عشرا بأيديهن العيدان يغنين بصوت واحد فأصعدت
إليه عشرا فلما استوين على الدكان اندفعن فغنين
هم قتلوه كي يكونوا مكانه * كما غدرت يوما بكسرى مراز به
قال فتأفف من هذا ولعنها ولعن الجواري فأمر بهن فأنزلن ثم لبث هنيهة
وأمرها أن تصعد عشرا فلما استوين على الدكان اندفعن فغنين
من كان مسرورا بمقتل مالك * فليأت نسوتنا بوجه نهار
يجد النساء حواسرا يندبنه * يلطمن قبل تبلج الأسحار
قال فضجر وفعل مثل فعلته الأولى وأطرق طويلا ثم قال أصعدى عشرا
فأصعدتهن فلما وقفن على الدكان اندفن يغنين بصوت واحد
كليب لعمري كان أكثر ناصرا * وأيسر ذنبا منك ضرج بالدم
قال فقام من مجلسه وأمر بهدم ذلك المكان تطيرا مما كان * وذكر عن محمد
ابن عبد الرحمن الكندي قال حدثني محمد بن دينار قال كان محمد المخلوع قاعدا
يوما وقد اشتد عليه الحصار فاشتد اغتمامه وضاق صدره فدعا بندمائه والشراب
ليتسلى به في أتى به وكانت له جارية يتحظاها من جواريه فأمرها أن تغنى وتناول
كأسا ليشربه فحبس الله لسانها عن كل شئ فغنت
كليب لعمري كان أكثر ناصرا * وأيسر ذنبا منك ضرج بالدم
فرماها بالكأس الذي في يده وأمر بها فطرحت للأسد ثم تناول كأسا أخرى
105

ودعا بأخرى فغنت
هم قتلوه كي يكونوا مكانه * كما غدرت يوما بكسرى مرازبه
فرمى وجهها بالكأس ثم تناول كأسا أخرى ليشربها وقال لاخرى غنى فغنت
قومي هم قتلوا أميم أخي
قال فرمى وجهها بالكأس ورمى الصينية برجله وعاد إلى ما كان فيه من
همه وقتل بعد ذلك بأيام يسيرة. وذكر عن أبي سعيد أنه قال ماتت فطيم وهى
أم موسى بن محمد بن هارون المخلوع فجزع عليها جزعا شديدا وبلغ أم جعفر
فقالت احملوني إلى أمير المؤمنين قال فحملت إليه فاستقبلها فقال يا سيدتي ماتت
فطيم فقالت
نفسي فداؤك لا يذهب بك اللهف * ففي بقائك ممن قد مضى خلف
عوضت موسى فهانت كل مرزئة * ما بعد موسى على مفقود أسف
وقالت أعظم الله أجرك ووفر صبرك وجعل العزاء عنها ذخرك * وذكر
عن إبراهيم بن إسماعيل بن هانئ ابن أخي أبى نواس قال حدثني أبي قال هجا عمك
أبو نواس مضر في قصيدته التي يقول فيها
أما قريش فلا افتخار لها * إلا التجارات من مكاسبها
وإنها إن ذكرت مكرمة * جاءت قريش تسعى بغالبها
إن قريشا إذا هي انتسبت * كان لها الشطر من مناسبها
قال يريد أن أكرمها تغالب قال فبلغ ذلك الرشيد في حياته فأمر بحبسه
فلم يزل محبوسا حتى ولى محمد فقال يمدحه وكان انقطاعه إليه أيام إمارته فقال
تذكر أمين الله والعهد يذكر * مقامي وإنشاديك والناس حضر
ونثرى عليك الدر يا در هاشم * فيامن رأى درا على الدر ينثر
أبوك الذي لم يملك الأرض مثله * وعمك موسى عد له المتخير
وجدك مهدى الهدى وشقيقه * أبو أمك الأدنى أبو الفضل جعفر
وما مثل منصوريك منصور هاشم * ومنصور قحطان إذا عد مفخر
106

فمن ذا الذي يرمى بسهميك في العلى * وعبد مناف والداك وحمير
قال فتغنت بهذه الأبيات جارية بين يدي محمد فقال لها لمن الأبيات فقيل
له لأبي نواس فقال وما فعل فقيل له محبوس فقال ليس عليه بأس قال فبعث
إليه إسحاق بن فراشة وسعيد بن جابر أخا محمد من الرضاعة فقال إن أمير المؤمنين
ذكرك البارحة فقال ليس عليه بأس فقال أبياتا وبعث بها إليه وهى هذه الأبيات
أرقت وطار عن عيني النعاس * ونام السامرون ولم يؤاسوا
أمين الله قد ملكت ملكا * عليك من التقى فيه لباس
ووجهك يستهل ندى فيحيا * به في كل ناحية أناس
كأن الخلق في تمثال روح * له جسد وأنت عليه رأس
أمين الله إن السجن بأس * قد أرسلت ليس عليك باس
فلما أنشده قال صدق على به فجئ به في الليل فكسرت قيوده وأخرج حتى أدخل
عليه فأنشأ يقول
مرحبا مرحبا بخير إمام * صيغ من جوهر الخلافة نحتا
يا أمين الاله يكلاك الله * مقيما ظاعنا حيث سرتا
إنما الأرض كلها دار * فلك الله صاحب حيث كنتا
قال فخلع عليه وخلى سبيله وجعله في ندمائه * وذكر عن عبد الله بن عمرو
التميمي قال حدثني أحمد بن إبراهيم الفارسي قال شرب أبو نواس الخمر فرفع ذلك
إلى محمد في أيامه فأمر بحبسه فحبسه الفضل بن الربيع ثلاثة أشهر ثم ذكره محمد
فدعا به وعنده بنو هاشم وغيرهم ودعا له بالسيف والنطع يهدده بالقتل فأنشده
أبو نواس هذه الأبيات
تذكر أمين الله والعهد يذكر
الشعر الذي ذكرناه قبل وزاد فيه
تحسنت الدنيا بحسن خليفة * هو البدر إلا أنه الدهر مقمر
إمام يسوس الناس سبعين حجة * عليه له منها لباس ومئزر
107

يشير إليه الجود من وجناته * وينظر من أعطافه حين ينظر
أيا خير مأمول يرجى أنا أمرؤ * رهين أسير في سجونك مقفر
مضى أشهر لي مذ حبست ثلاثة * كأني قد أذنبت ما ليس يغفر
فإن كنت لم أذنب ففيم تعقبي * إن كنت ذا ذنب فعفوك أكثر
قال فقال له محمد فان شربتها قال دمى لك حلال يا أمير المؤمنين فأطلقه
قال فكان أبو نواس يشمها ولا يشربها وهو قوله * لا أذوق المدام إلا شميما *
وذكر عن مسعود بن عيسى العبدي قال أخبرني يحيى بن المسافر القرقسائي قال
أخبرني دحيم غلام أبى نواس أن أبا نواس عتب عليه محمد في شرب الخمر
فطبق به وكان للفضل بن الربيع خال يستعرض أهل السجون ويتعاهدهم ويتفقدهم
ودخل في حبس الزنادقة فرأى فيه أبا نواس ولم يكن يعرفه فقال له يا شاب
أنت مع الزنادقة قال معاذ الله قال فلعلك ممن يعبد الكبش قال أنا آكل الكبش
بصوفه قال فلعلك ممن يعبد الشمس قال إني لأتجنب القعود فيها بغضا لها قال
فبأي جرم حبست قال حبست بتهمة أنا منها برئ قال ليس إلا هذا قال والله
لقد صدقتك قال فجاء إلى الفضل فقال له يا هذا لا تحسنون جوار نعم الله عز
وجل أيحبس الناس بالتهمة قال وما ذاك فأخبره بما ادعى من جرمه فتبسم الفضل
ودخل على محمد فأخبره بذلك فدعا به وتقدم إليه أن يجتنب الخمر والسكر إن قال
نعم قيل له فبعهد الله قال نعم قال فأخرج فبعث إليه فتيان من قريش فقال لهم
إني لا أشرب قالوا وإن لم تشرب فآنسنا بحديثك فأجاب فلما دارت الكأس
بينهم قالوا ألم ترتح لها قال لا سبيل والله إلى شربها فأنشأ يقول
أيها الرائحان باللوم لوما * لا أذوق المدام إلا شميما
نالني بالملام فيها إمام * لا أرى في خلافه مستقيما
فاصرفاها إلى سواي فإني * لست إلا على الحديث نديما
إن حظى منها إذا هي دارت * أن أراها وأن أشم النسيما
فكأني وما أحسن منها * قعدى يزين التحكيما
108

كل عن حملة السلاح إلى الحر * ب فأوصى المطيق ألا يقيما
وذكر عن أبي الورد السبعي أنه قال كنت عند الفضل بن سهل بخراسان فذكر
الأمين فقال كيف لا يستحل قتال محمد وشاعره يقول في مجلسه
ألا سقني خمرا وقل لي هي الخمر * ولا تسقني سرا إذا أمكن الجهر
قال فبلغت القصة محمدا فأمر الفضل بن الربيع فأخذ أبا نواس فحبسه * وذكر
كامل بن جامع عن بعض أصحاب أبي نواس ورواته قال كان أبو نواس قال أبياتا
بلغت الأمين في آخرها
وقد زادني تيها على الناس أنني * أراني أغناهم إذا كنت ذا عسر
ولو لم أنل فخرا لكانت صيانتي * فمي عن جميع الناس حسبي من الفخر
ولا يطمعن في ذاك منى طامع * ولا صاحب التاج المحجب في القصر
قال فبعث إليه الأمين وعنده سليمان بن أبي جعفر فلما دخل عليه قال يا عاض
بظر أمه العاهرة يا ابن اللخناء وشتمه أقبح الشتم أنت تكسب بشعرك أوساخ
أيدي اللئام ثم تقول ولا صاحب التاج المحجب في القصر أما والله لا نلت منى شيئا
أبدا فقال له سليمان بن أبي جعفر والله يا أمير المؤمنين وهو من كبار الثنوية فقال
محمد هل يشهد عليه بذلك شاهد فاستشهد سليمان جماعة فشهد بعضهم أنه شرب في
يوم مطير ووضع قدحه تحت السماء فوقع فيه القطر وقال يزعمون أنه ينزل مع كل
قطرة ملك فكم ترى انى أشرب الساعة من الملائكة ثم شرب ما في القدح فأمر
محمد بحبسه فقال أبو نواس في ذلك
يا رب إن القوم قد ظلموني * وبلا اقتراف تعطل حبسوني
وإلى الجحود بما عرفت خلافه * منى إليه بكيدهم نسبوني
ما كان إلا الجري في ميدانهم * في كل جرى والمخافة ديني
لا العذر يقبل لي فيفرق شاهدي * منهم ولا يرضون حلف يميني
ولكان كوثر كان أولى محبسا * في دار منقصة ومنزل هون
أما الأمين فلست أرجو دفعه * عنى فمن لي اليوم بالمأمون
109

قال وبلغت المأمون أبياته فقال والله لئن لحقته لأغنيته غنى لا يؤمله قال فمات
قبل دخول المأمون مدينة السلام قال ولما طال حبس أبى نواس قال في حبسه
فيما ذكر عن دعامة
احمدوا الله جميعا * يا جميع المسلمينا
ثم قولوا لا تملوا * ربنا أبق الأمينا
صير الخصيان حتى * صير التعنين دينا
فاقتدى الناس جميعا * بأمير المؤمنينا
قال وبلغت هذه الأبيات أيضا المأمون وهو بخراسان فقال إني لا توكفه أن
يهرب إلى وذكر يعقوب بن إسحاق عمن حدثه عن كوثر خادم المخلوع أن محمدا
أرق ذات ليلة وهو في حربه مع طاهر فطلب من يسامره فلم يقرب إليه أحد
من حاشيته فدعا حاجبه فقال ويلك قد خطرت بقلبي خطرات فأحضرني شاعرا
ظريفا أقطع به بقية ليلتي فخرج الحاجب فاعتمد أقرب من بحضرته فوجد أبا نواس
فقال له أجب أمير المؤمنين فقال له لعلك أردت غيري قال لم أرد أحدا سواك
فأتاه به فقال من أنت قال خادمك الحسن بن هانئ وطليقك بالأمس قال لا ترع
أنه عرضت بقلبي أمثال أحببت أن تجعلها في شعر فان فعلت ذلك أجزت حكمك
فيما تطلب فقال وما هي يا أمير المؤمنين قال قولهم عفا الله عما سلف وبئس والله
ما جرى فرسى واكسري عودا على أنفك وتمنعي أشهى لك قال فقال أبو نواس
حكمي أربع وصائف مقدودات فأمر بإحضارهن فقال
فقدت طول اعتلالك * وما أرى في مطالك
لقد أردت جفائي * وقد أردت وصالك
ما ذا أردت بهذا * تمنعي أشهى لك
وأخذ بيد وصيفة فعزلها ثم قال
قد صحت الايمان من حلفك * وصحت حتى مت من خلفك
بالله يا سني احنثي مرة * ثم اكسري عودا على أنفك
110

ثم عزل الثانية ثم قال
فديتك ماذا الصلف * وشتمك أهل الشرف
صلى عاشقا مدنفا * قد أعتب مما اقترف
ولا تذكري ما مضى * عفا الله عما سلف
ثم عزل الثالثة وقال
وباعثات إلى في الغلس * أن ائتنا واحترس من العسس
حتى إذا نوم العداة ولم * أخش رقيبا ولا سنا قبس
ركبت مهرى وقد طربت إلى * حور حسان نواعم لعس
فجئت والصبح قد نهض له * فبئس والله ما جرى فرسى
فقال خذهن لا بارك الله لك فيهن وذكر عن الموصلي عن حسين خادم الرشيد
قال لما صارت الخلافة إلى محمد هيئ له منزل من منازله على الشط بفرش أجود
ما يكون من فرش الخلافة وأسواه فقال يا سيدي لم يكن لأبيك فرش يباهى به
الملوك والوفود الذين يردون عليه أحسن من هذا فأحببت أن أفرشه لك قال
فأحببت أن يفرش لي في أول خلافتي المردراج وقال مزقوه قال فرأيت والله
الخدم والفراشين قد صيروه ممزقا وفرقوه وذكر عن محمد بن الحسن قال
حدثني أحمد بن محمد البرمكي ان إبراهيم بن المهدى غنى محمد بن زبيدة
هجرتك حتى قيل لا يعرف القلى * وزرتك حتى قيل ليس له صبر
فطرب محمد وقال أوقروا زورقه ذهبا وذكر عن علي بن محمد بن إسماعيل
عن مخارق قال انى لعند محمد بن زبيدة يوما ماطرا وهو مصطبح وأنا جالس
بالقرب منه وأنا أغنى وليس معه أحد وعليه جبة وشى لا والله ما رأيت أحسن
منها فأقبلت أنظر إليها فقال كأنك استحسنتها يا مخارق قلت نعم يا سيدي عليك
لان وجهك حسن فيها فأنا أنظر إليه وأعوذك قال يا غلام فأجابه الخادم قال
فدعا بجبة غير تلك فلبسها وخلع التي عليه على ومكثت هنيهة ثم نظرت إليه
فعاودني بمثل ذلك الكلام وعاودته فدعا بأخرى حتى فعل ذلك بثلاث جبات
111

ظاهرت بينها قال فلما رآها على ندم وتغير وجهه وقال يا غلام اذهب إلى
الطباخين فقل لهم يطبخوا لنا مصلية ويجدوا صنعتها وأتنى بها الساعة فما هو إلا
أن ذهب الغلام حتى جاء الخوان وهو لطيف صغير في وسطه غضارة ضخمة
ورغيفان فوضعت بين يديه فكسر لقمة فأهوى بها إلى الصحيفة ثم قال كل
يا مخارق قلت يا سيدي أعفني من الاكل قال لست أعفيك فكل فكسرت لقمة ثم
تناولت شيئا فلما وضعته في فمي قال لعنك الله ما أشرهك نغصتها على وأفسدتها
وأدخلت يدك فيها ثم رفع للغضارة بيده فإذا هي في حجري وقال قم لعنك الله
فقمت وذاك الودق والمرق يسيل من الجباب فخلعتها وأرسلت بها إلى منزلي
ودعوت القصارين والوشائين فجهدت جهدي أن تعود كما كانت فما عادت
(وذكر) عن البحتري أبى عبادة عن عبيد الله بن أبي غسان قال كنت عند محمد
في يوم شات شديد البرد وهو في مجلس له مفرد مفروش بفرش قلما رأيت
أرفع قيمة مثله ولا أحسن وأنا في ذلك اليوم طاو ثلاثة أيام ولياليهن إلا من النبيذ
والله لا أستطيع أن أتكلم ولا أعقل فنهض نهضة البول فقلت لخادم من خدم
الخاصة ويلك قد والله مت فهل من حيلة إلى شئ تلقيه في جوفي يبرد عنى ما أنا
فيه فقال دعني حتى أحتال لك وأنظر ما أقول وصدق مقالتي فلما رجع محمد وجلس
نظر الخادم إلى نظرة فتبسم فرآه محمد فقال مم تبسمت قال لا شئ يا سيدي
فغضب قال البحتري فقال شئ في عبيد الله بن أبي غسان لا يستطيع أن يشم رائحة
البطيخ ولا يأكله ويجزع منه جزعا شديدا فقال يا عبيد الله هذا فيك قال قلت
أي والله يا سيدي ابتليت به قال ويجك مع طيب البطيخ وطيب ريحه قال فقلت أنا
كذا قال فتعجب ثم قال على ببطيخ فأتى منه بعدة فلما رأيته أظهرت القشعريرة منه
وتنحيت قال خذوه وضعوا البطيخ بين يديه قال فأقبلت أريه الجزع والاضطراب
من ذلك وهو يضحك ثم قال كل واحدة قال فقلت يا سيدي تقتلني وترمى بكل
شئ في جوفي وتهيج على العلل الله الله في قال كل بطيخة ولك فرش هذا البيت
على عهد الله بذلك وميثاقه قلت ما أصنع بفرش بيت وأنا أموت إن أكلت
112

قال فتأبيت وألح على وجاء الخادم بالسكاكين فقطعوا بطيخة فجعلوا يحشونها
في فمي وأنا أصرخ وأضطرب وأنا مع ذلك أبلع وأنا أريه أنى بكره أفعل ذلك
وألطم رأسي وأصيح وهو يضحك فلما فرغت تحول إلى بيت آخر ودعا الفراشين
فحملوا فرش ذلك البيت إلى منزلي ثم عاودني في فرش ذلك البيت في بطيخة
أخرى ثم فعل كفعله الأول وأعطاني فرش البيت حتى أعطاني فرش ثلاثة
أبيات وأطعمني ثلاث بطيخات قال وحسنت والله حالي واشتد ظهري قال
وكان منصور بن المهدى يريه أنه ينصح له فجاء وقد قام محمد يتوضأ وعلمت أن
محمدا سيعفيني بشر ندامة على ما خرج من يديه فأقبل على منصور ومحمد غائب
عن المجلس وقد بلغه الخبر فقال يا ابن الفاعلة تخدع أمير المؤمنين فتأخذ متاعه
والله لقد هممت أفعل وأفعل فقلت يا سيدي قد كان ذاك وكان السبب فيه كذا
وكذا فان أحببت أن تقتلني فتأثم فشأنك وإن تفضلت فأهل لذلك أنت ولست
أعود قال فإني أتفضل عليك قال وجاء محمد فقال افرشوا لنا على تلك البركة
ففرشوا له عليها فجلس وجلسنا وهى مملوءة ماء فقال يا عم اشتهيت أن أصنع شيئا
أرمى بعبيد الله إلى البركة وتضحك منه قال يا سيدي إن فعلت هذا قتلته لشدة
برد الماء وبرد يومنا هذا ولكني أدلك على شئ خيرت به طيب قال ما هو قال
تأمر به يشد في تخت ويطرح على باب المتوضأ ولا يأتي باب المتوضأ أحد
إلا بال على رأسه قال طيب والله ثم أتى بتخت فأمر فشددت فيه ثم أمر
فحملت وألقيت على باب المتوضأ وجاء الخدم فأرخوا الرباط عنى وأقبلوا
يرونه أنهم يبولون على وأنا أصرخ فمكث بذلك ما شاء الله وهو يضحك
ثم أمر بي فحللت وأريته أنى تنظفت وأبدلت ثيابي وجاوزت عليه *
وذكر عن عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع عن أبيه وكان حاجب المخلوع
قال كنت قائما على رأسه فأتى بغداء فتغدى وحده وأكل أكلا عجيبا وكان يوما
يعد للخلفاء قبله على هيئة ما كان يهيأ لكل واحد منهم يأكل من كل طعام ثم يؤتى
بطعامه قال فأكل حتى فرغ ثم رفع رأسه إلى أبى العنبر خادم كان لامه فقال اذهب
(8 - 7)
113

إلى المطبخ فقل لهم يهيئون لي بزماورد ويتركونه طوالا لا يقطعونه ويكون
حشوه شحوم الدجاج والسمن والبقل والبيض والجبن والزيتون والجوز
ويكثرون منه ويعجلونه فما مكث إلا يسيرا حتى جاؤوا به في خوان مربع وقد
جعل عليه البزماورد الطوال على هيئة القبة العبد صمدية حتى صير أعلاها
بزماوردة واحدة فوضع بين يديه فتناول واحدة فأكلها ثم لم يزل كذلك حتى لم يبق
على الخوان شيئا * وذكر عن علي بن محمد أن جابر بن مصعب حدثه قال حدثني
مخارق قال مرت بي ليلة ما مرت بي مثلها قط إني لفى منزلي بعد ليل إذ أتاني رسول
محمد وهو خليفة فركض بي ركضا فانتهى بي إلى داره فأدخلت فإذا إبراهيم بن
المهدى قد أرسل إليه كما أرسل إلى فوافينا جميعا فانتهى إلى باب مفض إلى
صحن فإذا الصحن مملوء شمعا من شمع محمد العظام وكأن ذلك الصحن في نهار وإذا
محمد في كرج وإذا الدار مملوءة وصائف وخدما وإذا اللعابون يلعبون ومحمد
وسطهم في الكرج يرقص فيه فجاءنا رسول يقول قال لكما قوما في هذا الموضع على
هذا الباب مما يلي الصحن ثم ارفعا أصواتكما معبرا ومقصرا عن السور ناى واتبعاه
في لحنه قال وإذا السور ناى والجواري واللعابون في شئ واحد
* هذى دنانير تنساني وأذكرها * تتبع الزمار قال فوالله ما زلت وإبراهيم
قائمين نقولها نشق بها حلوقنا حتى انفلق الصبح ومحمد في الكرج ما يسأمه ولا
يمله حتى أصبح يدنو منا أحيانا نراه وأحيانا يحول بيننا وبينه الجواري والخدم
وذكر الحسين بن فراس مولى بني هاشم قال غزا الناس في زمان محمد على أن
يرد عليهم الخمس فرد عليهم فأصاب الرجل ستة دنانير وكان ذلك مالا عظيما وذكر
عن ابن الأعرابي قال كنت حاضر الفضل بن الربيع وأتى بالحسن بن هانئ فقال
رفع إلى أمير المؤمنين انك زنديق فجعل يبرأ من ذلك ويحلف وجعل الفضل يكرر
عليه وسأل أن يكلم الخليفة فيه ففعل وأطلقه فخرج وهو يقول
أهلي أتيتكم من القبر * والناس محتبسون للحشر
لولا أبو العباس ما نظرت * عيني إلى ولد ولا وفر
فالله ألبسني به نعما * شغلت حسابتها يدي شكري
114

لقيتها من مفهم فهم * فمددتها بأنامل عشر
وذكر عن الرياشي أن أبا حبيب الموشى حدثه قال كنت مع مؤنس بن عمران
ونحن نريد الفضل بن الربيع ببغداد فقال لي مؤنس لو دخلنا على أبى نواس فدخلنا
عليه السجن فقال لمؤنس يا أبا عمران أين تريد قال أردت أبا العباس الفضل بن
الربيع قال فتبلغه رقعة أعطيكها قال نعم قال فأعطاه رقعة فيها
ما من يد في الناس واحدة * إلا أبو العباس مولاها
نام الثقات على مضاجعهم * وسرى إلى نفسي فأحياها
قد كنت خفتك ثم أمنني * من أن أخافك خوفك الله
فعفوت عنى عفو مقتدر * وجبت له نقم فألغاها
قال فكانت هذه الأبيات سبب خروجه من الحبس وذكر عن محمد بن خلاد
الشروري قال حدثني أبي قال سمع محمد شعر أبى نواس وقوله * ألا اسقنى خمرا
وقل لي هي الخمر - وقوله
اسقنيها يا ذفافه * مرة الطعم سلافه
ذل عندي من قلاها * لرجاء أو مخافة
مثل ما ذلت وضاعت * بعد هارون الخلافة
قال ثم أنشد له
فجاء بها زيتية ذهبية * فلم نستطع دون السجود لها صبرا
قال فحبسه محمد على هذا وقال إيه أنت كافر وأنت زنديق فكتب في ذلك
إلى الفضل بن الربيع
أنت يا ابن الربيع علمتني الخير * وعودتنيه والخير عاده
فارعوى باطلي وأقصر جهلي * وأظهرت رهبة وزهادة
لو تراني شبهت بي الحسن البصري * في حال نسكه وقتاده
بركوع أزينه بسجود * واصفرار مثل اصفرار الجراده
فادع بي لاعدمت تقويم مثلي * فتأمل بعينك السجادة
115

لو رآها بعض المرائين يوما * لاشتراها يعدها للشهادة
* خلافة المأمون عبد الله بن هارون *
(وفى هذه السنة) وضعت الحرب بين محمد وعبد الله ابني هارون الرشيد
أوزارها واستوثق الناس بالمشرق والعراق والحجاز لعبد الله المأمون بالطاعة
(وفيها) خرج الحسن الهرش وذي الحجة منها يدعو إلى الرضى من آل محمد
بزعمه في سفلة الناس وجماعة كثيرة من الاعراب حتى أتى النيل فجبى الأموال وأغار
على التجار وانتهب القرى واستاق المواشي (وفيها) ولى المأمون كل ما كان طاهر
ابن الحسين افتتحه من كور الجبال وفارس والأهواز والبصرة والكوفة
والحجاز واليمن الحسن بن سهل أخا الفضل بن سهل وذلك بعد مقتل محمد المخلوع
ودخول الناس في طاعة المأمون (وفيها) كتب المأمون إلى طاهر بن الحسين وهو
مقيم ببغداد بتسليم جميع ما بيده من الأعمال في البلدان كلها إلى خلفاء الحسن بن
سهل وأن يشخص عن ذلك كلها إلى الرقة وجعل إليه حرب نصر بن شبث وولاه
الموصل والجزيرة والشأم والمغرب (وفيها) قدم علي بن أبي سعيد العراق خليفة
للحسن بن سهل على خراجها فدافع طاهر عليا بتسليم الخراج إليه حتى وفى الجند
أرزاقهم فلما وفاهم سلم إليه العمل (وفيها) كتب المأمون إلى هرثمة يأمره
بالشخوص إلى خراسان (وحج) بالناس في هذه السنة العباس بن موسى
ابن عيسى بن موسى بن محمد بن علي
* ثم دخلت سنة تسع وتسعين ومائة *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث المشهورة *
فمن ذلك قدوم الحسن بن سهل فيها بغداد من عند المأمون واليه الحرب والخراج
فلما قدمها فرق عماله في الكور والبلدان (وفيها) شخص طاهر إلى الرقة في
جمادى الأولى ومعه عيسى بن محمد بن أبي خالد (وفيها) شخص أيضا هرثمة
116

إلى خراسان (وفيها) خرج أزهر بن زهير بن المسيب إلى الهرش فقتله في
المحرم (وفيها) خرج بالكوفة محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن
ابن الحسن بن علي بن أبي طالب يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الآخرة
يدعو إلى الرضى من آل محمد والعمل بالكتاب والسنة وهو الذي يقال له ابن
طباطبا وكان القيم بأمره في الحرب وتدبيرها وقيادة جيوشه أبا السرايا واسمه
السرى بن منصور وكان يذكر أنه من ولد هانئ بن قبيصة بن هانئ بن مسعود
ابن عامر بن عمرو بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان
* ذكر الخبر عن سبب خروج محمد بن إبراهيم ابن طباطبا *
(اختلف) في ذلك فقال بعضهم كان سبب خروجه صرف المأمون
طاهر بن الحسين عما كان إليه من أعمال البلدان التي افتتحها وتوجيهه إلى ذلك
الحسن بن سهل فلما فعل ذلك تحدث الناس بالعراق بينهم ان الفضل بن سهل
قد غلب على المأمون وأنه قد أنزله قصرا حجبه فيه عن أهل بيته ووجوه قواده
من الخاصة والعامة وأنه يبرم الأمور على هواه ويستبد بالرأي دونه فغضب
لذلك بالعراق من كان بها من بني هاشم ووجوه الناس وأنفوا من غلبة الفضل بن
سهل على المأمون واجترأوا على الحسن بن سهل بذلك وهاجت الفتن في الأمصار
فكان أول من خرج بالكوفة ابن طباطبا الذي ذكرت وقيل كان سبب خروجه ان
أبا السرايا كان من رجال هرثمة فمطله بأرزاقه وأخره بها فغضب أبو السرايا من ذلك
ومضى إلى الكوفة فبايع محمد بن إبراهيم وأخذ الكوفة واستوثق له أهلها بالطاعة
وأقام محمد بن إبراهيم بالكوفة وأتاه الناس من نواحي الكوفة والاعراب وغيرهم
(وفيها) وجه الحسن بن سهل زهير بن المسيب في أصحابه إلى الكوفة وكان عامل
الكوفة يومئذ حين دخلها ابن طباطبا سليمان بن أبي جعفر المنصور من قبل الحسن
ابن سهل وكان خليفة سليمان بن أبي جعفر بها خالد بن محجل الضبي فلما بلغ الخبر
الحسن بن سهل عنف سليمان وضعفه ووجه زهير بن المسيب في عشرة آلاف فارس
وراجل فلما توجه إليهم وبلغهم خبر شخوصه إليهم تهيؤا للخروج إليه فلم تكن
117

له قوة على الخروج فأقاموا حتى إذا بلغ زهير قرية شاهي خرجوا فأقاموا حتى إذا
بلغ القنطرة أتاهم زهير فنزل عشية الثلاثاء صعنبا ثم واقعهم من الغد فهزموه واستباحوا
عسكره وأخذوا ما كان معه من مال وسلاح ودواب وغير ذلك يوم الأربعاء فلما
كان من غد اليوم الذي كانت فيه الوقعة بين أهل الكوفة وزهير بن المسيب وذلك
يوم الخميس لليلة خلت من رجب سنة 199 مات محمد بن إبراهيم بن طباطبا فجاءة
فذكر أن أبا السرايا سمه وكان السبب في ذلك فيما ذكر أن ابن طباطبا لما أحرز
ما في عسكر زهير من المال والسلاح والدواب وغير ذلك منعه أبا السرايا وحظره
عليه وكان الناس له مطيعين فعلم أبا السرايا أنه لا أمر له معه فسمه فلما مات ابن
طباطبا أ؟ م أبو السرايا مكانه غلاما أمرد حدثا يقال له محمد بن محمد بن زيد بن
علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فكان أبو السرايا هو الذي ينفذ الأمور
ويولى من رأى ويعزل من أحب واليه الأمور كلها ورجع زهير من يومه الذي
هزم فيه إلى قصر ابن هبيرة فأقام به وكان الحسن بن سهل قد وجه عبدوس بن
محمد بن أبي خالد المروروذي إلى النيل حين وجه زهير إلى الكوفة فخرج بعد
ما هزم زهير عبوس يريد الكوفة بأمر الحسن بن سهل حتى بلغ الجامع هو وأصحابه
وزهير مقيم بالقصر فتوجه أبو السرايا إلى عبدوس فواقعه بالجامع يوم الأحد
لثلاث عشرة بقيت من رجب فقتله وأسر هارون بن محمد بن أبي خالد واستباح
عسكره وكان عبدوس فيما ذكر في أربعة آلاف فارس فلم يفلت منهم أحد كانوا
بين قتيل وأسير وانتشر الطالبيون في البلاد وضرب أبو السرايا الدراهم بالكوفة
ونقش عليها إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ولما
بلغ زهير قتل أبى السرايا عبدوسا وهو بالقصر انحاز بمن معه إلى نهر الملك ثم
إن أبا السرايا أقبل حتى نزل قصر ابن هبيرة بأصحابه وكانت طلائعه تأتى كوثى
ونهر الملك فوجه أبو السرايا جيوشا إلى البصرة وواسط فدخلوهما وكان بواسط
ونواحيها عبد الله بن سعيد الحرشي واليا عليها من قبل الحسن بن سهل فواقعه
جيش أبى السرايا قريبا من واسط فهزموه فانصرف راجعا إلى بغداد وقد قتل
118

من أصحابه جماعة وأسر جماعة فلما رأى الحسن بن سهل أن أبا السرايا ومن معه
لا يلقون له عسكرا إلا هزموه ولا يتوجهون إلى بلدة إلا دخلوها ولم يجد فيمن
معه من القواد من يكفيه حربه اضطر إلى هرثمة وكان هرثمة حين قدم عليه الحسين
ابن سهل العراق واليا عليها من قبل المأمون سلم له ما كان بيده من الأعمال وتوجه
نحو خراسان مغاضبا للحسن فسار حتى بلغ حلوان فبعث إليه السندي وصالحا
صاحب المصلى يسأله الانصراف إلى بغداد لحرب أبى السرايا فامتنع وأبى
وانصرف الرسول إلى الحسن بإبائه فأعاد إليه السندي بكتب لطيفة فأجاب وانصرف
إلى بغداد فقدمها في شعبان فتهيأ للخروج إلى الكوفة وأمر الحسن بن سهل على
ابن أبي سعيد أن يخرج إلى ناحية المدائن وواسط والبصرة فتهيؤا لذلك وبلغ الخبر
أبا السرايا وهو بقصر ابن هبيرة فوجه إلى المدائن فدخلها أصحابه في رمضان
وتقدم هو بنفسه وبمن معه حتى نزل نهر صرصر مما يلي طريق الكوفة في شهر
رمضان وكان هرثمة لما احتبس قدومه على الحسن ببغداد أمر المنصور بن
المهدى أن يخرج فيعسكر بالياسرية إلى قدم هرثمة فخرج فعسكر فلما قدم هرثمة
خرج فعسكر بالسفينيين بين يدي منصور ثم مضى حتى عسكر بنهر صرصر بإزاء
أبى السرايا والنهر بينهما وكان علي بن أبي سعيد معسكرا بكلواذى فشخص يوم
الثلاثاء بعد الفطر بيوم ووجه مقدمته إلى المدائن فقاتل بها أصحاب أبي السرايا
غداة الخميس إلى الليل قتالا شديدا فلما كان الغد غدا وأصحابه على القتال فانكشف
أصحاب أبي السرايا وأخذ ابن أبي سعيد المدائن وبلغ الخبر أبا السرايا وأخذ ابن أبي
سعيد المدائن فلما كان ليلة السبت لخمس خلون من شوال رجع أبو السرايا
من نهر صرصر إلى قصر ابن هبيرة فنزل به وأصبح هرثمة فجد في طلبه فوجد
جماعة كثيرة من أصحابه فقتلهم وبعث برؤوسهم إلى الحسن بن سهل ثم صار هرثمة
إلى قصر ابن هبيرة فكانت بينه وبين أبى السرايا وقعة قتل فيها من أصحاب أبي
السرايا خلق كثير فانحاز أبو السرايا إلى الكوفة فوثب محمد بن محمد ومن معه من
الطالبيين على دور بنى العباس ودور مواليهم وأتباعهم بالكوفة فانتهبوها وخربوها
119

وأخرجوهم من الكوفة وعملوا في ذلك عملا قبيحا واستخرجوا الودائع التي
كانت لهم عند الناس فأخذوها وكان هرثمة فيما ذكر يخبر الناس أنه يريد الحج
فكان قد حبس من يريد الحج من خراسان والجبال والجزيرة وحاج بغداد
وغيرهم فلم يدع أحدا يخرج رجاء أن يأخذ الكوفة ووجه أبو السرايا إلى مكة
والمدينة من يأخذهما ويقيم الحج للناس وكان الوالي على مكة والمدينة داود بن
عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس وكان الذي وجهه أبو السرايا
إلى مكة حسين بن حسن الأفطس بن علي بن أبي طالب والذي وجهه إلى المدينة
محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب فدخلها ولم
يقاتله بها أحد ومضى حسين بن حسن يريد مكة فلما قرب منها وقف هنيهة لمن فيها
وكان داود بن عيسى لما بلغه توجيه أبى السرايا حسين بن حسن إلى مكة لإقامة
الحج للناس جمع موالى بنى العباس وعبيد حوائطهم وكان مسرور الكبير الخادم
قد حج في تلك السنة في مائتي فارس من أصحابه فتعبأ لحرب من يريد دخول مكة
وأخذها من الطالبيين فقال لداود بن عيسى أقم لي شخصك أو شخص بعض ولدك
وأنا أكفيك قتالهم فقال له داود لا أستحل القتال في الحرم والله لئن دخلوا من
هذا الفج لأخرجن من هذا الفج الآخر فقال له مسرور تسلم ملكك وسلطانك
إلى عدوك ومن لا يأخذ فيك لومة لائم في دينك ولا حرمك ولا مالك قال له داود
أي ملك لي والله لقد أقمت معهم حتى شيخت فما ولوني ولاية حتى كبرت سنى وفنى
عمري فولوني من الحجاز ما فيه القوت إنما هذا الملك لك وأشباهك فقاتل إن شئت
أودع فانحاز داود من مكة إلى ناحية المشاش وقد شد أثقاله على الإبل فوجه بها
في طريق العراق وافتعل كتابا من المأمون بتولية ابنه محمد بن داود على صلاة
الموسم فقال له اخرج فصل بالناس الظهر والعصر بمنى والمغرب والعشاء وبت
بمنى وصل بالناس الصبح ثم اركب دوابك فأنزل طريق عرفة وخذ على يسارك في
شعب عمرو حتى تأخذ طريق المشاش حتى تلحقني ببستان ابن عامر ففعل ذلك
وافترق الجمع الذي كان داود بن عيسى معهم بمكة من موالى بنى العباس وعبيد
120

الحوائط وقت ذلك في عضد مسرور الخادم وخشي إن قاتلهم أن يميل أكثر
الناس معهم فخرج في أثر داود راجعا إلى العراق وبقى الناس بعرفة فلما زالت
الشمس وحضرت الصلاة تدافعها قوم من أهل مكة فقال أحمد بن محمد بن الوليد
الردمي وهو المؤذن وقاضي الجماعة والامام بأهل المسجد الحرام إذا لم تحضر الولاة
لقاضي مكة محمد بن عبد الرحمن المخزومي تقدم فاخطب بالناس وصل بهم الصلاتين
فإنك قاضى البلد قال فلمن أخطب وقد هرب الامام وأطل هؤلاء القوم على
الدخول قال لا تدع لاحد قال له محمد بل أنت فتقدم واخطب وصل بالناس
فأبى حتى قدموا رجلا من عرض أهل مكة فصلى بالناس الظهر والعصر بلا خطبة
ثم مضوا فوقفوا جميعا بالموقف من عرفة حتى غربت الشمس فدفع الناس لأنفسهم
من عرفة بغير إمام حتى أتوا مزدلفة فصلى بهم المغرب والعشاء رجل أيضا من
عرض الناس وحسين بن حسن يتوقف بسرف يرهب أن يدخل مكة فيدفع
عنها ويقاتل دونها حتى خرج إليه قوم من أهل مكة ممن يميل إلى الطالبيين ويتخوف
من العباسيين فأخبروه أن مكة ومنى وعرفة قد خلت ممن فيها من السلطان وأنهم
قد خرجوا متوجهين إلى العراق فدخل حسين بن حسن مكة قبل المغرب من يوم
عرفة وجميع من معه لا يبلغون عشرة فطافوا بالبيت وسعوا بين الصفا والمروة
ومضوا إلى عرفة في الليل فوقفوا بها ساعة من الليل ثم رجع إلى مزدلفة فصلى
بالناس الفجر ووقف على قزح ودفع بالناس منه وأقام بمنى أيام الحج فلم يزل
مقيما بها حتى انقضت سنة 199 وأقام محمد بن سليمان بن داود الطالبي بالمدينة
السنة أيضا فانصرف الحاج ومن كان شهد مكة والموسم على أن أهل الموسم قد
أفاضوا من عرفة بغير إمام وقد كان هرثمة لما تخوف أن يفوته الحج وقد نزل
قرية شاهي واقع أبا السرايا وأصحابه في المكان الذي واقعه فيه زهير فكانت
الهزيمة على هرثمة في أول النهار فلما كان آخر النهار كانت الهزيمة على أصحاب أبي
السرايا فلما رأى هرثمة أنه لم يصر إلى ما أراد أقام بقرية شاهي وود الحاج وغيرهم
وبعث إلى المنصور بن المهدى فأتاه بقرية شاهي وصار يكاتب رؤساء أهل الكوفة
121

وقد كان علي بن أبي سعيد لما أخذ المدائن توجه إلى واسط فأخذها ثم إنه توجه
إلى البصرة فلم يقدر على أخذها حتى انقضت سنة 199
* ثم دخلت سنة مائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمما كان فيها من ذلك هرب أبى السرايا من الكوفة ودخول هرثمة إليها: ذكر أن
أبا السرايا هرب هو ومن معه من الطالبيين من الكوفة ليلة الأحد لأربع عشرة
ليلة بقية من المحرم من سنة 200 حتى أتى القادسية ودخل منصور بن المهدى
وهرثمة الكوفة صبيحة تلك الليلة وآمنوا أهلها ولم يعرضوا لاحد منهم فأقاموا بها يومهم
إلى العصر ثم رجعوا إلى معسكرهم وخلفوا بها رجلا منهم يقال له غسان بن أبي الفرج
أبو إبراهيم بن غسان صاحب حرس صاحب خراسان فنزل في الدار التي كان فيها
محمد بن محمد وأبو السرايا ثم إن أبا السرايا خرج من القادسية هو ومن معه حتى
أتوا ناحية واسط وكان بواسط علي بن أبي سعيد وكانت البصرة بيد العلويين
بعد فجاء أبو السرايا حتى عبر دجلة أسفل من واسط فأتى عبدسى فوجد بها
مالا كان حمل من الأهواز فأخذه ثم مضى حتى أتى السوس فنزلها ومن معه وأقام
بها أربعة أيام وجعل يعطى الفارس ألفا والراجل خمسمائة فلما كان اليوم الرابع
أتاهم الحسن ابن علي الباذغيسي المعروف بالمأموني فأرسل إليهم اذهبوا حيث
شئتم فإنه لا حاجة لي في قتالكم وإذا خرجتم من عملي فلست أتبعكم فأبى أبو السريا
الا القتال فقاتلهم فهزمهم الحسن واستباح عسكرهم وجرح أبو السرايا جراحة
شديدة فهرب واجتمع هو ومحمد بن محمد وأبو الشوك وقد تفرق أصحابهم فأخذوا
ناحية طريق الجزيرة يريدون منزل أبى السرايا برأس العين فلما انتهوا إلى جلولاء
عثر بهم فأتاهم حماد الكندغوش فأخذهم فجاء بهم إلى الحسن بن سهل وكان مقيما
بالنهروان حين طردته الحربية فقدم بأبي السرايا فضرب عنقه يوم الخميس لعشر
خلون من ربيع الأول وذكر أن الذي تولى ضرب عنقه هارون بن محمد بن
122

أبى خالد وكان أسيرا في يدي أبى السرايا وذكر أنه لم يروا أحدا عند القتل أشد
جزعا من أبى السرايا كان يضطرب بيديه ورجليه ويصيح أشد ما يكون من
الصياح حتى جعل في رأسه حبل وهو في ذلك يضطرب ويلتوى ويصيح حتى
ضربت عنقه ثم بعث برأسه فطيف به في عسكر الحسن بن سهل وبعث بجسده إلى
بغداد فصلب نصفين على الجسر في كل جانب نصف وكان بين خروجه بالكوفة
وقتله عشرة أشهر وكان علي بن أبي سعيد حين عبر أبو السرايا توجه إليه فلما
فاته توجه إلى البصرة فافتتحها والذي كان بالبصرة من الطالبيين زيد بن موسى
ابن جعفر بن محمد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب ومعه جماعة من أهل
بيته رهو الذي يقال له زيد النار وانما سمى زيد النار لكثرة ما حرق من الدور
بالبصرة من دور بنى العباس وأتباعهم وكان إذا أتى برجل من المسودة كان
عقوبته عنده أن يحرقه بالنار وانتهبوا بالبصرة أموالا فأخذه علي بن أبي سعيد
أسيرا وقيل إنه طلب الأمان فآمنه وبعث علي بن أبي سعيد ممن كان معه من القواد
عيسى بن يزيد الجلودي وورقاء بن جميل وحمدويه بن علي بن عيسى بن ماهان
وهارون بن المسيب إلى مكة والمدينة واليمن وأمرهم بمحاربة من بها من الطالبيين
وقال التميمي في قتل الحسن بن سهل أبا السرايا
ألم تر ضربة الحسن بن سهل * بسيفك يا أمير المؤمنينا
أدارت مرو رأس أبى السرايا * وأبقت عبرة للعابرينا
وبعث الحسن بن سهل محمد بن محمد حين قتل أبو السرايا إلى المأمون بخراسان
(وفى هذه السنة) خرج إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن حسين
ابن علي بن أبي طالب باليمن
* (ذكر الخبر عنه وعن أمره) *
وكان إبراهيم بن موسى فيما ذكر وجماعة من أهل بيته بمكة حين خرج
أبو السرايا وأمره وأمر الطالبيين بالعراق ما ذكر وبلغ إبراهيم بن موسى خبرهم
فخرج من مكة مع من كان معه من أهل بيته؟ يد اليمن ووالى اليمن يومئذ المقيم
123

بها من قبل المأمون إسحاق بن موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله
ابن عباس فلما سمع بإقبال إبراهيم بن موسى العلوي وقربه من صنعاء خرج منصرفا
عن اليمن في الطريق النجدية بجميع من في عسكره من الخيل والرجل وخلى
لإبراهيم بن موسى بن جعفر اليمن وكره قتاله وبلغه ما كان من فعل عمه داود بن
عيسى بمكة والمدينة ففعل مثل فعله وأقبل يريد مكة حتى نزل المشاش فعسكر
هناك وأراد دخول مكة فمنعه من كان بها من العلويين وكانت أم إسحاق بن موسى
ابن عيسى متوارية بمكة من العلويين وكانوا يطلبونها فتوارت منهم ولم يزل إسحاق
ابن موسى معسكرا بالمشاش وجعل من كان بمكة مستخفيا يتسللون من رؤوس
الجبال فأتوا بها ابنها في عسكره وكان يقال لإبراهيم بن موسى الجزار لكثرة
من قتل باليمن من الناس وسبى وأخذ من الأموال (وفى هذه السنة) في أول
يوم من المحرم منها بعد ما تفرق الحاج من مكة جلس حسين بن حسن الأفطس
خلف المقام على نمرقة مثنية فأمر بثياب الكعبة التي عليها فجردت منها حتى لم يبق
عليها من كسوتها شيئا وبقيت حجارة مجردة ثم كساها ثوبين من قز رقيق كان
أبو السرايا وجه بها معه مكتوب عليها أمر به الأصفر بن الأصفر أبو السرايا
داعية آل محمد لكسوة بيت الله الحرام وأن يطرح عنه كسوة الظلمة من ولد
العباس ليطهر من كسوتهم وكتب في سنة تسع وتسعين ومائة ثم أمر حسين بن
حسن بالكسوة التي كانت على الكعبة فقسمت بين أصحابه من العلويين وأتباعهم
على قدر منازلهم عنده وعمد إلى ما في خزانة الكعبة من مال فأخذه ولم يسمع
بأحد عنده وديعة لاحد من ولد العباس وأتباعهم إلا هجم عليه في داره فان وجد
من ذلك شيئا أخذه وعاقب الرجل وان لم يجد عنده شيئا حبسه وعذبه حتى يفتدى
نفسه بقدر طوله ويقر عند الشهود أن ذلك للمسودة من بنى العباس وأتباعهم
حتى عم هذا خلقا كثيرا وكان الذي يتولى العذاب لهم رجلا من أهل الكوفة
يقال له محمد بن مسلمة كان ينزل في دار خالصة عند الحناطين فكان يقال لها
دار العذاب وأخافوا الناس حتى هرب منهم خلق كثير من أهل النعم
124

فتعقبوهم بهدم دورهم حتى صاروا من أمر الحرم وأخذ أبناء الناس في أمر
عظيم وجعلوا يحكون الذهب الرقيق الذي في رؤوس أساطين المسجد فيخرج من
الأسطوانة بعد التعب الشديد قدر مثقال ذهب أو نحوه حتى عم ذلك أكثر
أساطين المسجد الحرام وقلعوا الحديد الذي على شبابيك زمزم ومن خشب الساج
فبيع بالثمن الخسيس فلما رأى حسين بن حسن ومن معه من أهل بيته تغير الناس
لهم بسيرتهم وبلغهم أن أبا السرايا قد قتل وأنه قد طرد من الكوفة والبصرة
وكور العراق من كان بها من الطالبيين ورجعت الولاية بها لولد العباس اجتمعوا
إلى محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب وكان شيخا وداعا
محببا في الناس مفارقا لما عليه كثير من أهل بيته من قبح السيرة وكان يروى
العلم عن أبيه جعفر بن محمد وكان الناس يكتبون عنه وكان يظهر سمتا وزهدا
فقالوا له قد تعلم حالك في الناس فأبرز شخصك نبايع لك بالخلافة فإنك إن فعلت
ذلك لم يختلف عليك رجلان فأبى ذلك عليهم فلم يزل به ابنه علي بن محمد بن جعفر
وحسين بن حسن الأفطس حتى غلبا الشيخ على رأيه فأجابهم فأقاموه يوم
صلاة الجمعة بعد الصلاة لست خلون من ربيع الآخر فبايعوه بالخلافة وحشروا
إليه الناس من أهل مكة والمجاورين فبايعوه طوعا وكرها وسموه بإمرة المؤمنين
فأقام بذلك أشهرا وليس له من الامر الا اسمه وابنه على وحسين بن حسن وجماعة
منهم أسوأ ما كانوا سيرة وأقبح ما كانوا فعلا فوثب حسين بن حسن على امرأة
من قريش من بنى فهر وزوجها رجل من بنى مخزوم وكان لها جمال بارع فأرسل
إليها لتأتيه فامتنعت عليه فأخاف زوجها وأمر بطلبه فتوارى منه فأرسل ليلا جماعة
من أصحابه فكسروا باب الدار واغتصبوها نفسها وذهبوا بها إلى حسين فلبثت
عنده إلى قرب خروجه من مكة فهربت منه ورجعت إلى أهلها وهم يقاتلون بمكة
ووثب علي بن محمد بن جعفر على غلام من قريش ابن قاض بمكة يقال له إسحاق
ابن محمد وكان جميلا بارعا في الجمال فاقتحم عليه بنفسه نهارا جهارا في داره على الصفا
مشرفا على المسعى حتى حمله على فرسه في السرج وركب علي بن محمد على عجز الفرس
125

وخرج به يشق السوق حتى أتى بئر ميمون وكان ينزل في دار داود بن عيسى
في طريق منى فلما رأى ذلك أهل مكة ومن بها من المجاورين خرجوا فاجتمعوا
في المسجد الحرام وغلقت الدكاكين ومال معهم أهل الطواف بالكعبة حتى أتوا
محمد بن جعفر بن محمد وهو نازل دار داود فقالوا والله لنخلعنك ولنقتلنك أو تردن
إلينا هذا الغلام الذي ابنك أخذه جهرة فأغلق باب الدار وكلمهم من الشباك الشارع
في المسجد فقال والله ما علمت وأرسل إلى حسين بن حسن يسأله أن يركب إلى ابنه على
فيستنقذ الغلام منه فأبى ذلك حسين وقال والله إنك لتعلم أنى لا أقوى على ابنك ولو
جئته لقاتلني وحاربني في أصحابه فلما رأى ذلك محمد قال لأهل مكة آمنوني حتى أركب
إليه وآخذ الغلام منه فآمنوه وأذنوا له في الركوب فركب بنفسه حتى صار إلى ابنه
فأخذ الغلام منه وسلمه إلى أهله قال فلم يلبثوا الا يسيرا حتى أقبل إسحاق بن موسى
ابن عيسى العباس مقبلا من اليمن حتى نزل المشاش فاجتمع العلويون إلى محمد بن جعفر
ابن محمد فقالوا له يا أمير المؤمنين هذا إسحاق بن موسى مقبلا إلينا في الخيل والرجال
وقد رأينا أن نخندق خندقا بأعلى مكة وتبرز شخصك ليراك الناس ويحاربوا
معك وبعثوا إلى من حولهم من الاعراب ففرضوا لهم وخندقوا على مكة ليقاتلوا
إسحاق بن موسى من ورائه فقاتلهم إسحاق أياما ثم إن إسحاق كره القتال والحرب
وخرج يريد العراق فلقيه ورقاء بن جميل في أصحابه ومن كان معه من أصحاب
الجلودي فقالوا لإسحاق ارجع معنا إلى مكة ونحن نكفيك القتال فرجع معهم حتى
أتوا مكة فنزلوا المشاش واجتمع إلى محمد بن جعفر من كان معه من غوغائها ومن
سودان أهل المياه ومن فرض له من الاعراب فعبأهم ببئر ميمون وأقبل إليهم
إسحاق بن موسى وورقاء بن جميل بمن معه من القواد والجند فقاتلهم ببئر ميمون
فوقعت بينهم قتلى وجراحات ثم رجع إسحاق وورقاء إلى معسكرهم ثم عاودهم بعد
ذلك بيوم فقاتلهم فكانت الهزيمة على محمد بن جعفر وأصحابه فلما رأى ذلك محمد
بعث رجالا من قريش فيهم قاضى مكة يسألون لهم الأمان حتى يخرجوا من مكة
ويذهبوا حيث شاءوا فأجابهم إسحاق وورقاء بن جميل إلى ذلك وأجلوهم ثلاثة أيام
126

فلما كان في اليوم الثالث دخل إسحاق وورقاء إلى مكة في جمادى الآخرة وورقاء
الوالي على مكة للجلودي وتفرق الطالبيون من مكة فذهب كل قوم ناحية فأما
محمد بن جعفر فاخذ ناحية جدة ثم خرج الجحفة فعرض له رجل من
موالى بنى العباس يقال له محمد بن حكيم بن مروان قد كان الطالبيون انتهبوا
داره بمكة وعذبوه عذابا شديدا وكان يتوكل لبعض العباسيين بمكة لآل جعفر
ابن سليمان فجمع عبيد الحوائط من عبيد العباسيين حتى لحق محمد بن جعفر
بين جدة وعسفان فانتهب جميع ما معه مما خرج به من مكة وجرده حتى تركه في
سراويل وهم بقتله ثم طرح عليه بعد ذلك قميصا وعمامة ورداء ودريهمات يتسبب
بها فخرج محمد بن جعفر حتى أتى بلاد جهينة على الساحل فلم يزل مقيما هنالك حتى
انقضى الموسم وهو في ذلك يجمع الجموع وقد وقع بينه وبين هارون بن المسيب
والى المدينة وقعات عند الشجرة وغيرها وذلك أن هارون بعث ليأخذه فلما رأى
ذلك أتاه بمن اجتمع إليه حتى بلغ الشجرة فخرج إليه هارون فقاتله فهزم محمد بن
جعفر وفقئت عينه بنشابة وقتل من أصحابه بشر كثير فرجع حتى أقام بموضعه
الذي كان فيه ينتظر ما يكون من أمر الموسم فلم يأته من كان وعده فلما رأى ذلك
وانقضى الموسم طلب الأمان من الجلودي ومن رجاء ابن عم الفضل ابن سهل وضمن
له رجاء على المأمون وعلى الفضل بن سهل ألا يهاج وأن يوفى له بالأمان فقبل ذلك
ورضيه ودخل به إلى مكة يوم الأحد بعد النفر الأخير بثمانية أيام لعشر بقين من
ذي الحجة فأمر عيسى بن يزيد الجلودي ورجاء بن أبي الضحاك ابن عم الفضل بن سهل
بالمنبر فوضع بين الركن والمقام حيث كان محمد بن جعفر بويع له فيه وقد جمع الناس من
القريشيين وغيرهم فصعد الجلودي رأس المنبر وقام محمد بن جعفر تحته بدرجة وعليه
قباء أسود وقلنسوة سوداء وليس عليه سيف ليخلع نفسه ثم قام محمد فقال أيها الناس
من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن حسين
ابن علي بن أبي طالب فإنه كان لعبد الله عبد الله أمير المؤمنين في رقبتي بيعة بالسمع
والطاعة طائعا غير مكروه وكنت أحد الشهود الذين شهدوا في الكعبة في الشرطين
127

لهارون الرشيد على ابنيه محمد المخلوع وعبد الله المأمون أمير المؤمنين ألا وقد
كانت فتنة غشيت عامة الأرض منا ومن غيرنا وكان نمى إلى خبر أن عبد الله
عبد الله المأمون أمير المؤمنين كان توفى فدعاني ذلك إلى أن بايعوا لي بإمرة
المؤمنين واستحللت قبول ذلك لما كان على من العهود والموا؟ في بيعتي
لعبد الله عبد الله الامام المأمون فبايعتموني أو من فعل منكم ألا وقد بلغني وصح
عندي أنه حي سوى ألا وإني أستغفر الله مما دعوتكم إليه من البيعة وقد خلعت
نفسي من بيعتي التي بايعتموني عليها كما خلعت خاتمي هذا من أصبعي وقد صرت
كرجل من المسلمين فلا بيعة لي في رقابهم وقد أخرجت نفسي من ذلك وقد رد
الله الحق إلى الخليفة المأمون عبد الله عبد الله المأمون أمير المؤمنين والحمد لله رب
العالمين والصلاة على محمد خاتم النبيين والسلام عليكم أيها المسلمون ثم نزل فخرج به
عيسى بن يزيد الجلودي إلى العراق واستخلف على مكة ابنه محمد بن عيسى في
سنة 201 وخرج عيسى ومحمد بن جعفر حتى سلمه إلى الحسن بن سهل فبعث به
الحسن بن سهل إلى المأمون بمرو مع رجاء بن أبي الضحاك (وفى هذه السنة)
وجه إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد الطالبي بعض ولد عقيل بن أبي طالب
من اليمن في جند كثيف إلى مكة ليحج بالناس فحورب العقيلي فهزم ولم يقدر
على دخول مكة
* ذكر الخبر عن أمر إبراهيم والعقيلي الذي ذكرنا أمره *
ذكر أن أبا إسحاق بن هارون الرشيد حج بالناس في سنة 200 فسار حتى
دخل مكة ومعه قواد كثير فيهم حمدويه بن علي بن عيسى بن ماهان وقد استعمله
الحسن بن سهل على اليمن ودخلوا مكة وبها الجلودي في جنده وقواده ووجه
إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد العلوي من اليمن رجلا من ولد عقيل بن أبي
طالب وأمره أن يحج بالناس فلما صار العقيلي إلى بستان ابن عامر بلغه
أن أبا إسحاق بن هارون الرشيد قد ولى الموسم وأن معه من القواد والجنود
مالا قبل لاحد به في أقام ببستان ابن عامر فمرت به قافلة من الحاج والتجار وفيها
128

كسوة الكعبة وطيبها فأخذ أموال التجار وكسوة الكعبة وطيبها وقدم الحاج
والتجار مكة عراة مسلبين فبلغ ذلك أبا إسحاق بن الرشيد وهو نازل بمكة في دار
القوارير فجمع إليه القواد فشاورهم فقال له الجلودي وذلك قبل التروية بيومين
أو ثلاثة أصلح الله الأمير أنا أكفيكهم أخرج إليهم في خمسين من نخبة أصحابي
وخمسين انتخبهم من سائر القواد فأجابوه إلى ذلك فخرج الجلودي في مائة حتى
صبح العقيلي وأصحابه ببستان ابن عامر فأحدق بهم فأسر أكثرهم وهرب من
هرب منهم يسعى على قدميه فأخذ كسوة الكعبة إلا شيئا كان هرب به من هرب
قبل ذلك بيوم واحد وأخذ الطيب وأموال التجار والحاج فوجه به إلى مكة
ودعا بمن أسر من أصحاب العقيلي فأمر بهم فقنع كل رجل منهم عشرة أسواط
ثم قال اعزبوا يا كلاب النار فوالله ما قتلكم وعر ولا في أسركم جمال وخلى سبيلهم
فرجعوا إلى اليمن يستطعمون في الطريق حتى هلك أكثرهم جوعا وعريا (وخالف)
ابن أبي سعيد على الحسن بن سهل فبعث المأمون بسراج الخادم وقال له إن وضع
على يده في يد الحسن أو شخص إلى بمرو وإلا اضرب عنقه فشخص إلى المأمون
مع هرثمة بن أعين (وفى هذه السنة) شخص هرثمة في شهر ربيع الأول منها من
معسكره إلى المأمون بمرو
* ذكر الخبر عن شخوص هرثمة إلى المأمون وما آل إليه أمره في مسيره ذلك *
ذكر أن هرثمة لما فرغ من أمر أبى السرايا ومحمد بن محمد العلوي ودخل
الكوفة أقام في معسكره إلى شهر ربيع الأول فلما أهل الشهر خرج حتى أتى
نهر صرصر والناس يرون أنه يأتي الحسن بن سهل بالمدائن فلما بلغ نهر صرصر
خرج على عقرقوف ثم خرج حتى أتى البردان ثم أتى النهروان ثم خرج حتى
أتى إلى خراسان وقد أتته كتب المأمون في غير منزل أن يرجع فيلي
الشأم أو الحجاز فأبى وقال لا أرجع حتى ألقى أمير المؤمنين إدلالا منه عليه
لما كان يعرف من نصيحته له ولآبائه وأراد أن يعرف المأمون ما يدبر عليه الفضل
ابن سهل وما يكتم عنه من الاخبار وألا يدعه حتى يرده إلى بغداد دار خلافة
(9 - 7)
129

آبائه وملكهم ليتوسط سلطانه ويشرف على أطرافه فعلم الفضل ما يريد فقال
للمأمون إن هرثمة قد أنغل عليك البلاد والعباد وظاهر عليك عدوك وعادى
وليك ودس أبا السرايا وهو جندي من جنده حتى عمل ما عمل ولو شاء هرثمة
ألا يفعل ذلك أبو السرايا ما فعله وقد كتب إليه أمير المؤمنين عدة كتب أن يرجع
فيلي الشأم أو الحجاز فأبى وقد رجع إلى باب أمير المؤمنين عاصيا مشاقا يظهر
القول الغليظ ويتواعد بالامر الجليل وإن أطلق وهذا كان مفسدة لغيره
فأشرب قلب أمير المؤمنين عليه وأبطأ هرثمة في المسير فلم يصل إلى خراسان حتى
كان ذو القعدة فلما بلغ مرو خشى أن يكتم المأمون قدومه فضرب بالطبول
لكي يسمعها المأمون فسمعها فقال ما هذا قالوا هرثمة قد أقبل يرعد ويبرق وظن
هرثمة أن قوله المقبول فأمر بإدخاله فلما أدخل وقد أشرب قلبه ما أشرب قال
له المأمون مالات أهل الكوفة والعلويين وداهنت ودسست إلى أبى السرايا
حتى خرج وعمل ما عمل وكان رجلا من أصحابك ولو أردت أن تأخذهم
جميعا لفعلت ولكنك أرخيت خناقهم وأجررت لهم رسنهم فذهب هرثمة ليتكلم
ويعتذر ويدفع عن نفسه ما قرف به فلم يقبل ذلك منه وأمر به فوجئ على أنفه
وديس بطنه وسحب من بين يديه وقد تقدم الفضل بن سهل إلى الأعوان بالغلظ عليه
والتشديد حتى حبس فمكث في الحبس أياما ثم دسوا إليه فقتلوه وقالوا له إنه مات
(وفى هذه السنة) هاج الشغب ببغداد بين الحربية والحسن بن سهل
* ذكر الخبر عن ذلك وكيف كان *
ذكر أن الحسن بن سهل كان بالمدائن حين شخص هرثمة إلى خراسان ولم
؟ ل مقيما بها إلى أن اتصل بأهل بغداد والحربية ما صنع به فبعث الحسن بن
سهل إلى علي بن هشام وهو والى بغداد من قبله أن أمطل الجند من الحربية
والبغداديين أرزاقهم ومنهم ولا تعطهم وقد كان الحسن قبل ذلك أتعدهم أن
يعطيهم أرزاقهم وكانت الحربية حين خرج هرثمة إلى خراسان وثبوا وقالوا
لا نرضى حتى نطرد الحسن بن سهل عن بغداد وكان من عماله بها محمد بن أبي خالد
130

وأسد بن أبي الأسد فوثبت الحربية عليهم فطردوهم وصيروا إسحاق بن موسى
ابن المهدى خليفة للمأمون ببغداد فاجتمع أهل الجانبين على ذلك ورضوا به
فدس الحسن إليهم وكاتب قوادهم حتى وثبوا من جانب عسكر المهدى وجعل
يعطى الجند أرزاقهم لستة أشهر عطاء نزرا فحول الحربية إسحاق إليهم وأنزلوه
على دجيل وجاء زهير بن المسيب فنزل في عسكر المهدى وبعث الحسن بن سهل
علي بن هشام فجاء من الجانب الآخر حتى نزل نهر صرصر ثم جاء هو ومحمد بن أبي
خالد وقوادهم ليلا حتى دخلوا بغداد فنزل علي بن هشام دار العباس بن
جعفر بن محمد الأشعث الخزاعي على باب المحول لثمان خلون من شعبان وقبل
ذلك ما كان الحربية حين بلغهم أن أهل الكرخ يريدون أن يدخلوا زهيرا وعلى
ابن هشام شدوا على باب الكرخ فأحرقوه وانتهبوا من حد قصر الوضاح إلى
داخل باب الكرخ إلى أصحاب القراطيس ليلة الثلاثاء ودخل علي بن هشام
صبيحة تلك الليلة فقاتل الحربية ثلاثة أيام على قنطرة الصراة العتيقة والجديدة
والأرحاء ثم إنه وعد الحربية أن يعطيهم رزق ستة أشهر إذا أدركت الغلة فسألوه
أن يعجل لهم خمسين درهما لكل رجل لينفقوها في شهر رمضان فأجابهم إلى ذلك
وجعل يعطى فلم يتم لهم اعطاءهم حتى خرج زيد بن موسى بن جعفر بن محمد بن
علي بن حسين بن علي بن أبي طالب الخارج بالبصرة المعروف بزيد النار كان
أفلت من الحبس عند علي بن أبي سعيد فخرج في ناحية الأنبار ومعه أخو
أبى السرايا في ذي القعدة سنة 200 فبعثوا إليه فأخذ فأتى به علي بن هشام فلم
يلبث إلا جمعة حتى هرب من الحربية فنزل نهر صرصر وذلك أنه كان يكذبهم
ولم يف لهم باعطاء الخمسين إلى أن جاء الأضحى وبلغهم خبر هرثمة وما صنع
به فشدوا على على فطردوه وكان المتولي ذلك والقائم بأمر الحرب محمد بن أبي
خالد وذلك أن علي بن هشام لما دخل بغداد كان يستخف به فوقع بين محمد
ابن أبي خالد وبين زهير بن المسيب إلى أن قنعه زهير بالسوط فغضب محمد من
ذلك وتحول إلى الحربية في ذي القعدة ونصب لهم الحرب واجتمع إليه الناس
131

فلم يقوبهم علي بن هشام حتى أخرجوه من بغداد ثم اتبعه حتى هزمهم من نهر
صرصر (وفى هذه السنة) وجه المأمون رجاء بن أبي الضحاك وفرناس الخادم
لاشخاص علي بن موسى بن جعفر بن محمد ومحمد بن جعفر * وأحصى في هذه السنة
ولد العباس فبلغوا ثلاثة وثلاثين ألفا ما بين ذكر وأنثى (وفى هذه السنة) قتلت
الروم ملكها ليون فكان قد ملك عليهم سبع سنين وستة أشهر وملكوا عليهم ميخائيل
ابن جورجس ثانية (وفيها) قتل المأمون يحيى بن عامر بن إسماعيل وذلك أن
يحيى أغلظ له فقال له يا أمير الكافرين فقتل بين يديه وأقام للناس الحج في هذه
السنة أبو إسحاق بن الرشيد
* ثم دخلت سنة إحدى ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمما كان فيها من ذلك مراودة أهل بغداد منصور بن المهدى على الخلافة
وامتناعه عليهم فلما امتنع من ذلك راودوه على الامرة عليهم على أن يدعوا للمأمون
بالخلافة فأجابهم إلى ذلك
* ذكر الخبر عن سبب ذلك وكيف كان الامر فيه *
قد ذكرنا قبل ذلك سبب إخراج أهل بغداد علي بن هشام من بغداد ويذكر عن الحسن
ابن سهل أن الخبر عن إخراج أهل بغداد علي بن هشام من بغداد لما اتصل به وهو
بالمدائن انهزم حتى صار إلى واسط وذلك في أول سنة 201 وقد قيل إن سبب إخراج
أهل بغداد علي بن هشام من بغداد كان أن الحسن بن سهل وجه محمد بن خالد المروروزي
بعد ما قتل أبو السرايا أفسده وولى علي بن هشام الجانب الغربي من بغداد وزهير
ابن المسيب يلي الجانب الشرقي وأقام هو بالخيزرانية وضرب الحسن عبد الله
ابن علي بن عيسى بن ماهان حدا بالسياط فغضب الأبناء فشغب الناس فهرب إلى
بربخا ثم إلى باسلاما وأمر بالأرزاق لأهل عسكر المهدى ومنع أهل الغربي واقتتل
أهل الجانبين ففرق محمد بن أبي خالد على الحربية مالا فهزم علي بن هشام فان؟ م
132

الحسن بن سهل بانهزام علي بن هشام فلحق بواسط فتبعه محمد بن أبي خالد بن
الهند وان مخالفا له وقد تولى القيام بأمر الناس وولى سعيد بن الحسن بن قحطبة
الجانب الغربي ونصر بن حمزة بن مالك الشرقي وكنفه ببغداد منصور بن المهدى
وخزيمة بن خازم والفضل بن الربيع وقد قيل إن عيسى بن محمد بن أبي خالد قدم
في هذه السنة من الرقة وكان عند طاهر بن الحسين فاجتمع هو وأبوه على قتال
الحسن فمضيا حتى انتهيا ومن معهما من الحربية وأهل بغداد إلى قرية أبى قريش قرب
واسط وكان كلما أتيا موضعا فيه عسكر من عساكر الحسن فيكون بينهما فيه وقعة تكون
الهزيمة فيه على أصحاب الحسن ولما انتهى محمد بن خالد إلى دير العاقول أقام به ثلاثا وزهير
ابن المسيب حينئذ مقيم بإسكاف بنى الجنيد وهو عامل الحسن على جوخى مقيم في عمله
فكان يكاتب قواد أهل بغداد فبعث ابنه الأزهر فمضى حتى انتهى إلى نهر النهروان
فلقى محمد بن أبي خالد فركب إليه فأتاه باسكاف فأحاط به فأعطاه الأمان وأخذه
أسيرا فجاء به إلى عسكره بدير العاقول وأخذ أمواله ومتاعه وكل قليل وكثير
وجد له ثم تقدم محمد بن أبي خالد فلما صار إلى واسط بعث به إلى بغداد فحبسه
عند ابن له مكفوف يقال له جعفر فكان الحسن مقيما بجر جرايا فلما بلغه خبر زهير
وأنه قد صار في يد محمد بن أبي خالد ارتحل حتى دخل واسط فنزل بفم
الصلح ووجه محمد من دير العاقول ابنه هارون إلى النيل وبها سعيد بن الساجور
الكوفي فهزمه هارون ثم تبعه حتى دخل الكوفة فأخذها هارون وولى عليها
وقدم عيسى بن يزيد الجلودي من مكة ومعه محمد بن جعفر فخرجوا جميعا حتى
أتوا واسط في طريق البر ثم رجع هارون إلى أبيه فاجتمعوا جميعا في قرية أبى
قريش ليدخلوا واسط وبها الحسن بن سهل فتقدم الحسن بن سهل فنزل خلف
واسط في أطرافها وكان الفضل بن الربيع مختفيا من حين قتل المخلوع فلما رأى
أن محمد بن أبي خالد قد بلغ واسط بعث إليه يطلب الأمان منه فأعطاه إياه وظهر
ثم تعبأ محمد بن أبي خالد للقتال فتقدم هو وابنه عيسى وأصحابهما حتى صاروا على
ميلين من واسط فوجه إليهم الحسن أصحابه وقواده فاقتتلوا قتالا شديدا عند أبيات
133

واسط فلما كان بعد العصر هبت ريح شديدة وغبرة حتى اختلط القوم بعضهم
ببعض وكانت الهزيمة على أصحاب محمد بن أبي خالد فثبت للقوم فأصابته جراحات
شديدة في جسده فانهزم هو وأصحابه هزيمة شديده قبيحة فهزم أصحابه الحسن
وذلك يوم الأحد لسبع بقين من شهر ربيع الأول سنة 201 فلما بلغ محمد فم الصلح
خرج عليهم أصحاب الحسن فصافهم للقتال فلما جنهم الليل ارتحل هو وأصحابه
حتى نزلوا المبارك فأقاموا به فلما أصبحوا غدا عليهم أصحاب الحسن فصافوهم
واقتتلوا فلما جنهم الليل ارتحلوا حتى أتوا جبل فأقاموا بها ووجه ابنه هارون
إلى النيل فأقام بها وأقام محمد بجر جرايا فلما اشتدت به الجراحات خلف قواده في
عسكره وحمل ابنه أبو زنبيل حتى أدخله بغداد ليلة الاثنين لست خلون من شهر
ربيع الآخر فدخل أبو زنبيل ليلة الاثنين ومات محمد بن أبي خالد من ليلته من
تلك الجراحات ودفن من ليلته في داره سرا وكان زهير بن المسيب محبوسا عند
جعفر بن محمد بن أبي خالد فلما قدم أبو زنبيل أتى خزيمة بن خازم يوم الاثنين لثمان
خلون من شهر ربيع الآخر فأعلمه أمر أبيه فبعث خزيمة إلى بني هاشم والقواد
وأعلمهم ذلك وقرأ عليهم كتاب عيسى بن محمد بن أبي خالد وأنه يكفيهم الحرب فرضوا
بذلك فصار عيسى مكان أبيه على الحرب وانصرف أبو زنبيل من عند خزيمة حتى أتى
زهير بن المسيب فأخرجه من حبسه فضرب عنقه ويقال إنه ذبحه ذبحا وأخذ رأسه
فبعث به إلى عيسى في عسكره فنصبه على رمح وأخذوا جسده فشدوا في رجليه
حبلا ثم طافوا به في بغداد ومروا به على دوره ودور أهل بيته عند باب الكوفة
ثم طافوا به في الكرخ ثم ردوه إلى باب الشأم بالعشي فلما جنهم الليل طرحوه
في دجلة وذلك يوم الاثنين لثمان خلون من شهر ربيع الآخر ثم رجع أبو زنبيل
حتى انتهى إلى عيسى فوجهه عيسى إلى فم الصراة وبلغ الحسن بن سهل موت محمد
ابن أبي خالد فخرج من واسط حتى انتهى إلى المبارك فأقام بها فلما كان جمادى
الآخرة وجه حميد بن عبد الحميد الطوسي ومعه عركوا الأعرابي وسعيد بن
الساجور وأبو البط ومحمد بن إبراهيم الإفريقي وعدة سواهم من القواد فلقوا
134

أبا زنبيل بفم الصراة فهزموه وانحاز إلى أخيه هارون بالنيل فالتقوا عند بيوت
النيل فاقتتلوا ساعة فوقعت الهزيمة على أصحاب هارون وأبى زنبيل فخرجوا هاربين
حتى أتوا المدائن وذلك يوم الاثنين لخمس بقين من جمادى الآخرة ودخل حميد
وأصحابه النيل فانتهبوها ثلاثة أيام فانتهبوا أموالهم وأمتعتهم وانتهبوا ما كان
حولهم من القرى وقد كان بنو هاشم والقواد حين مات محمد بن أبي خالد تكلموا
في ذلك وقالوا نصير بعضنا خليفة ونخلع المأمون فكانوا يتراضون في ذلك إذ
بلغهم خبر هارون وأبى زنبيل وهزيمتهم فجدوا فيما كانوا فيه وأداروا منصور
ابن المهدى على الخلافة فأبى ذلك عليهم فلم يزالوا به حتى صيروه أميرا خليفة
للمأمون ببغداد والعراق وقالوا لا نرضى بالمجوسي ابن المجوسي الحسن بن سهل
ونطرده حتى يرجع إلى خراسان (وقد قيل) إن عيسى بن محمد بن أبي خالد لما
اجتمع إليه أهل بغداد وساعدوه على حرب الحسن بن سهل رأى الحسن أنه لا طاقة
له بعيسى فبعث إليه وهب بن سعيد الكاتب وبذل له المصاهرة ومائة ألف دينار
والأمان له ولأهل بيته ولأهل بغداد وولاية أي النواحي أحب فطلب كتاب
المأمون بذلك بخطه فرد الحسن بن سهل وهبا بإجابته فغرق وهب بين المبارك
وجبل فكتب عيسى إلى أهل بغداد إني مشغول بالحرب عن جباية الخراج فولوا
رجلا من بني هاشم فولوا منصور بن المهدى وعسكر منصور بن المهدى بكلواذى
وأرادوه على الخلافة فأبى وقال أنا خليفة أمير المؤمنين حتى يقدم أو يولى من أحب
فرضى بذلك بنو هاشم والقواد والجند وكان القيم بهذا الامر خزيمة بن خازم
فوجهه القواد في كل ناحية وجاء حميد الطوسي من فوره في طلب بنى محمد حتى انتهى
إلى المدائن فأقام بها يومه ثم انصرف إلى النيل فلما بلغ منصورا خبره خرج حتى
عسكر بكلواذى وتقدم يحيى بن علي بن عيسى بن ماهان إلى المدائن ثم إن
منصورا وجه إسحاق بن العباس بن محمد الهاشمي من الجانب الآخر فعسكر بنهر
صرصر ووجه غسان بن عباد بن أبي الفرج أبا إبراهيم بن غسان صاحب حرس
خراسان ناحية الكوفة فتقدم حتى أتى قصر ابن هبيرة فأقام به فلما بلغ حميدا
135

الخبر فلم يعلم غسان إلا وحميد قد أحاط بالقصر فأخذ غسان أسيرا وسلب أصحابه وقتل
منهم وذلك يوم الاثنين لأربع خلون من رجب ثم لم يزل كل قوم مقيمين في عساكرهم
إلا أن محمد بن يقطين بن موسى كان مع الحسن بن سهل فهرب منه إلى عيسى فوجهه عيسى
إلى منصور فوجه منصور إلى ناحية حميد وكان حميد مقيما بالنيل إلا أن له خيلا
بالقصر وخرج ابن يقطين من بغداد يوم السبت لليلتين خلتا من شعبان حتى أتى
كوثى وبلغ حميد الخبر فلم يعلم ابن يقطين حتى أتاه حميد وأصحابه إلى كوثى فقاتلوه
فهزموه وقتلوا من أصحابه وأسروا وغرق منهم بشر كثير وانتهب حميد وأصحابه
ما كان حول كوثى من القرى وأخذوا البقر والغنم والحمير وما قدروا عليه من
حلى ومتاع وغير ذلك ثم انصرف حتى النيل ورجع ابن يقطين فأقام بنهر صرصر
وفى محمد بن أبي خالد قال أبو الشداخ
هوى خيل الأبناء بعد محمد * وأصبح منها كاهل العز أخضعا
فلا تشمتوا يا آل سهل بموته * فإن لكم يوما من الدهر مصرعا
(وأحصى) عيسى بن محمد بن أبي خالد ما كان في عسكره فكانوا مائة ألف
وخمسة وعشرين ألفا بين فارس وراجل فأعطى الفارس أربعين درهما والراجل
عشرين درهما (وفى هذه السنة) تجردت المطوعة للنكير على الفساق ببغداد
ورئيسهم خالد الدريوش وسهل بن سلامة الأنصاري أبو حاتم من أهل خراسان
* ذكر الخبر عن السبب الذي من أجله فعلت المطوعة ما ذكرت *
كان السبب في ذلك أن فساق الحربية والشطار الذين كانوا ببغداد والكرخ
آذوا الناس أذى شديدا وأظهروا الفسق وقطع الطريق وأخذ الغلمان والنساء
علانية من الطرق فكانوا يجتمعون فيأتون الرجل فيأخذون ابنه فيذهبون به
فلا يقدر أن يمتنع وكانوا يسألون الرجل أن يقرضهم أو يصلهم فلا يقدر أن
يمتنع عليهم وكانوا يجتمعون فيأتون القرى فيكاثرون أهلها ويأخذون ما قدروا
عليه من متاع ومال وغير ذلك لا سلطان يمنعهم ولا يقدر على ذلك منهم لان السلطان
كان يعتز بهم وكانوا بطانته فلا يقدر أن يمنعهم من فسق يركبونه وكان يجبون
136

المارة في الطرق وفى السفن وعلى الظهر ويخفرون البساتين ويقطعون الطرق
علانية ولا أحد يعدو عليهم وكان الناس منهم في بلاء عظيم ثم كان آخر أمرهم
أنهم خرجوا إلى قطر بل فانتهبوها علانية وأخذوا المتاع والذهب والفضة والغنم
والبقر والحمير وغير ذلك وأدخلوها بغداد وجعلوا يبيعونها علانية وجاء أهلها فاستعدوا
السلطان عليهم فلم يمكنه تعديهم عليهم ولم يرد عليهم شيئا مما كان أخذ منهم وذلك
آخر شعبان فلما رأى الناس ذلك وما قد أخذ منهم من بيع متاع الناس وفى أسواقهم
وما قد أظهروا من الفساد في الأرض والظلم والبغي وقطع الطريق وأن السلطان لا يغير
عليهم قام صلحاء كل ربض وكل درب فمشى بعضهم إلى بعض وقالوا إنما في الدرب
الفاسق والفاسقان إلى العشرة وقد غلبوكم وأنتم أكثر منهم فلو اجتمعتم حتى يكون
أمركم واحد لقمعتم هؤلاء الفساق وصاروا لا يفعلون ما يفعلون من إظهار الفسق
بين أظهركم فقام رجل من ناحية طريق الأنبار يقال له خالد الدريوش فدعا جيرانه
وأهل بيته وأهل محلته على أن يعاونوه على الامر بالمعروف والنهى عن المنكر
فأجابوه إلى ذلك وشد على من يليه من الفساق والشطار فمنعهم مما كانوا يصنعون
فامتنعوا عليه وأرادوا قتاله فقاتلهم فهزمهم وأخذ بعضهم فضربهم وحبسهم
ورفعهم إلى السلطان الا أنه كان لا يرى أن يغير على السلطان شيئا ثم قام من بعده
رجل من أهل الحربية يقال له سهل بن سلامة الأنصاري من أهل خراسان يكنى أبا
حاتم فدعا الناس إلى الامر بالمعروف والنهى عن المنكر والعمل بكتاب الله عز وجل
وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وعلق مصحفا في عنقه ثم بدأ بجيرانه وأهل محلته
فأمرهم ونهاهم فقبلوا منه ثم دعا الناس جميعا إلى ذلك الشريف منهم والوضيع بني هاشم
ومن دونهم وجعل له ديوانا يثبت فيه اسم من أتاه منهم فبايعه على ذلك
وقتال من خالفه وخالف ما دعا إليه كائنا من كان فأتاه خلق كثير فبايعوا ثم
إنه طاف ببغداد وأسواقها وأرباضها وطرقها ومنع كل من يخفر ويجبى المارة
والمختلفة وقال لا خفارة في الاسلام والخفارة أنه كان يأتي الرجل بعض أصحاب
البساتين فيقول بستانك في خفرى أدفع عنه من أراده بسوء ولى في عنقك كل
137

شهر كذا وكذا درهما فيعطيه ذلك شائيا وآبيا فقوى على ذلك الا أن الدريوش
خالفه وقال أنا لا أعيب على السلطان شيئا ولا أغيره ولا أقاتله ولا آمره بشئ
ولا أنهاه وقال سهل بن سلامة لكني أقاتل كل من خالف الكتاب والسنة كائنا
من كان سلطانا أو غيره والحق قائم في الناس أجمعين فمن بايعني على هذا قبلته ومن
خالفني قاتلته فقام في ذلك سهل يوم الخميس لأربع خلون من شهر رمضان سنة 201
في مسجد طاهر بن الحسين الذي كان بناه في الحربية وكان خالد الدريوش قام قبله
بيومين أو ثلاثة وكان منصور بن المهدى مقيما بعسكره بجبل فلما كان من ظهور
سهل بن سلامة وأصحابه ما كان وبلغ ذلك منصورا وعيسى وإنما كان عظم أصحابهما
الشطار ومن لاخير فيه كسرهما ذلك ودخل منصور بغداد وقد كان عيسى يكاتب
الحسن بن سهل فلما بلغه خبر بغداد سأل الحسن بن سهل أن يعطيه الأمان له
ولأهل بيته ولأصحابه على أن يعطى الحسن أصحابه وجنده وسائر أهل بغداد رزق
ستة أشهر إذا أدركت له الغلة فأجابه الحسن وارتحل عيسى من معسكره فدخل
بغداد يوم الاثنين لثلاث عشرة خلت من شوال وتقوضت جميع عساكرهم فدخلوا
بغداد فأعلمهم عيسى ما دخل لهم فيه من الصلح فرضوا بذلك ثم رجع عيسى إلى
المدائن وجاءه يحيى بن عبد الله ابن عم الحسن بن سهل حتى نزل دير العاقول
فولوه السواد وأشركوا بينه وبين عيسى في الولاية وجعلوا لكل عدة من
الطساسيج وأعمال بغداد فلما دخل عيسى فيما دخل فيه وكان أهل عسكر
المهدى مخالفين له وثب المطلب بن عبد الله بن مالك الخزاعي يدعى إلى المأمون
وإلى الفضل والحسن ابني سهل فامتنع عليه سهل بن سلامة وقال ليس على هذا
بايعتني * وتحول منصور بن المهدى وخزيمة بن خازم والفضل بن الربيع وكانوا يوم
تحولوا بايعوا سهل بن سلامة على ما يدعو إليه من العمل بالكتاب والسنة
فنزلوا بالحربية فرارا من الطلب وجاء سهل بن سلامة إلى الحسن وبعث إلى المطلب
أن يأتيه وقال ليس على هذا بايعني فأبى المطلب أن يجيئه فقاتله سهل يومين
أو ثلاثة قتالا شديدا حتى اصطلح عيسى والمطلب فدس عيسى إلى سهل من اغتاله
138

فضربه ضربة بالسيف إلا أنها لم تعمل فيه فلما اغتيل سهل رجع إلى منزله وقام
عيسى بأمر الناس فكفوا عن القتال وقد كان حميد بن عبد الحميد مقيما بالنيل
فلما بلغه هذا الخبر دخل الكوفة فأقام بها أياما ثم إنه خرج منها حتى أتى قصر
ابن هبيرة فأقام به واتخذ منزلا وعمل عليه سورا وخندقا وذلك في آخر ذي القعدة
وأقام عيسى ببغداد يعرض الجند ويصححهم إلى أن تدرك الغلة وبعث إلى سهل
ابن سلامة فاعتذر إليه مما كان صنع به وبايعه وأمره أن يعود إلى ما كان عليه من
الامر بالمعروف والنهى عن المنكر وأنه عونه على ذلك فقام سهل بما كان قام به
أولا من الدعاء إلى العمل بالكتاب والسنة (وفى هذه السنة) جعل المأمون
علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه
ولى عهد المسلمين والخليفة من بعده وسماه الرضى من آل محمد صلى
الله عليه وآله وسلم وأمر جنده بطرح السواد ولبس ثياب الخضرة وكتب
بذلك إلى الآفاق
* ذكر الخبر عن ذلك وعما كان سبب ذلك وما آل الامر فيه إليه *
(ذكر) أن عيسى بن محمد بن أبي خالد بينما هو فيما هو فيه من عرض
أصحابه بعد منصرفه من عسكره إلى بغداد إذ ورد عليه كتاب من الحسن بن سهل
يعلمه أن أمير المؤمنين المأمون قد جعل علي بن موسى بن جعفر بن محمد ولى
عهده من بعده وذلك أنه نظر في بنى العباس وبنى على فلم يجد أحدا هو أفضل
ولا أورع ولا أعلم منه وأنه سماه الرضى من آل محمد وأمره بطرح لبس الثياب
السود ولبس ثياب الخضرة وذلك يوم الثلاثاء لليلتين خلتا من شهر رمضان
سنة 201 ويأمره أن يأمر من قبله من أصحابه والجند والقواد وبنى هاشم بالبيعة
له وأن يأخذهم بلبس الخضرة في أقبيتهم وقلانسهم وأعلامهم ويأخذ أهل بغداد
جميعا بذلك فلما أتى عيسى الخبر دعا أهل بغداد إلى ذلك على أن يعجل لهم رزق
شهر والباقي إذا أدركت الغلة فقال بعضهم نبايع ونلبس الخضرة وقال بعضهم
لا نبايع ولا نلبس الخضرة ولا نخرج هذا الامر من ولد العباس وإنما هذا دسيس
139

من الفضل بن سهل فمكثوا بذلك أياما وغضب ولد العباس من ذلك واجتمع
بعضهم إلى بعض وتكلموا فيه وقالوا نولي بعضنا ونخلع المأمون وكان المتكلم
في هذا والمختلف فيه والمتقلد له إبراهيم ومنصور ابنا المهدى (وفى هذه السنة)
بايع أهل بغداد إبراهيم بن المهدى بالخلافة وخلعوا المأمون
* ذكر السبب في ذلك *
قد ذكرنا سبب إنكار العباسيين ببغداد على المأمون ما أنكروا عليه واجتماع
من اجتمع على محاربة الحسن بن سهل منهم حتى خرج عن بغداد ولما كان من
بيعة المأمون لعلي بن موسى بن جعفر وأمره الناس بلبس الخضرة ما كان وورد
كتاب الحسن على عيسى بن محمد بن أبي خالد يأمره بذلك وأخذ الناس به ببغداد
وذلك يوم الثلاثاء لخمس بقين من ذي الحجة أظهر العباسيون ببغداد أنهم قد
بايعوا إبراهيم بن المهدى بالخلافة ومن بعده ابن أخيه إسحاق بن موسى بن المهدى
وأنهم قد خلعوا المأمون وأنهم يعطون عشرة دنانير كل إنسان أول يوم من
المحرم أول يوم من السنة المستقبلة فقبل بعض ولم يقبل بعض حتى يعطى فلما
كان يوم الجمعة وأرادوا الصلاة أرادوا أن يجعلوا إبراهيم خليفة للمأمون مكان
منصور فأمروا رجلا يقول حين أذن المؤذن إنا نريد أن ندعو للمأمون ومن
بعده لإبراهيم يكون خليفة وكانوا قد دسوا قوما فقالوا لهم إذا قام يقول ندعو
للمأمون فقوموا أنتم فقولوا لا نرضى إلا أن تبايعوا لإبراهيم ومن بعده
لإسحاق وتخلعوا المأمون أصلا ليس نريد أن تأخذوا أموالنا كما صنع منصور
ثم تجلسوا في بيوتكم فلما قام من يتكلم أجابه هؤلاء فلم يصل بهم تلك الجمعة
صلاة الجمعة ولا خطب أحد إنما صلى الناس أربع ركعات ثم انصرفوا
وذلك يوم الجمعة لليلتين بقيتا من ذي الحجة سنة 201 (وفى هذه السنة)
افتتح عبد الله بن حرداذ به وهو والى طبرستان اللارز والشيرز من بلاد
الديلم وزادهما في بلاد الاسلام وافتتح جبال طبرستان وأنزل شهريار بن
شروين عنها فقال سلام الخاسر:
140

إنا لنأمل فتح الروم والصين * بمن أذل لنا من ملك شروين
فاشدد يديك لعبد الله إن له * مع الأمانة رأى غير موهون
وأشخص مازيار بن قارن إلى المأمون وأسر أبا ليلى الديلم بغير عهد
في هذه السنة (وفيها) مات محمد بن محمد صاحب أبى السرايا (وفيها) تحرك
بابك الخرمي في الجويذانية أصحاب جاويذان بن سهل صاحب البذ وادعى أن روح
جاويذان دخلت فيه وأخذ في العيث والفساد وفيها أصاب أهل خراسان والري
وأصبهان مجاعة وعز الطعام ووقع الموت (وحج) بالناس فيها إسحاق بن موسى بن
عيسى بن موسى بن محمد بن علي
* ثم دخلت سنة اثنين ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمما كان فيها من ذلك بيعة أهل بغداد لإبراهيم بن المهدى بالخلافة وتسميتهم
إياه المبارك وقيل إنهم بايعوه في أول يوم من المحرم بالخلافة وخلعوا المأمون فلما
كان يوم الجمعة صعد إبراهيم المنبر فكان أول من بايعه عبيد الله بن العباس بن محمد
الهاشمي ثم منصور بن المهدى ثم سائر بني هاشم ثم القواد وكان المتولي لاخذ البيعة
المطلب بن عبد الله بن مالك وكان الذي سعى في ذلك وقام به السندي وصالح صاحب
المصلى ومنجاب ونصير الوصيف وسائر الموالى إلا أن هؤلاء كانوا الرؤساء والقادة
غضبا منهم على المأمون حين أراد إخراج الخلافة من ولد العباس إلى ولد على
ولتركه لباس آبائه من السواد ولبسه الخضرة ولما أفرغ من البيعة وعد الجند
أن يعطيهم أرزاق الستة أشهر فدافعهم بها فلما رأوا ذلك شغبوا عليه فأعطاهم
مائتي درهم لكل رجل وكتب لبعضهم إلى السواد بقيمة بقية مالهم حنطة وشعيرا
فخرجوا في قبضها فلم يمروا بشئ إلا انتهبوه فأخذوا النصيبين جميعا نصيب أهل
البلاد ونصيب السلطان وغلب إبراهيم مع أهل بغداد على أهل الكوفة والسواد
كله وعسكر بالمدائن وولى الجانب الشرقي من بغداد العباس بن موسى الهادي
141

والجانب الغربي إسحاق بن موسى الهادي وقال إبراهيم بن المهدى
ألم تعلموا يا آل فهر بأنني * شريت بنفسي دونكم في المهالك
(وفى هذه السنة) حكم مهدى بن علوان الحروري وكان خروجه بزرجسابور
وغلب على طساسيج هنالك وعلى نهر بوق والراذانين وقد قيل إن خروج
مهدى كان في سنة 203 في شوال منها فوجه إليه إبراهيم بن المهدى أبا إسحاق
ابن الرشيد في جماعة من القواد منهم أبو البط وسعيد بن الساجور ومع أبي إسحاق
غلمان له أتراك فذكر عن شبيل صاحب السلبة أنه كان معه وهو غلام فلقوا
الشراة فطعن رجل من الاعراب أبا إسحاق فحامى عنه غلام له تركي وقال له
أشناس مرا أي اعرفني فسماه يومئذ أشناس وهو أبو جعفر أشناس وهزم
مهدى إلى حولايا وقال بعضهم إنما وجه إبراهيم إلى مهدى بن علوان الدهقاني
الحروري المطلب فسار إليه فلما قرب منه أخذ رجلا من قعد الحرورية يقال
له أقذى فقتله واجتمعت الاعراب فقاتلوه فهزموه حتى أدخلوه بغداد (وفى
هذه السنة) وثب أخو أبى السرايا بالكوفة فبيض واجتمعت إليه جماعة فلقيه
غسان بن أبي الفرج في رجب فقتله وبعث برأسه إلى إبراهيم بن المهدى
* ذكر الخبر عن تبييض أخي أبى السرايا وظهوره بالكوفة *
ذكر أن الحسن بن سهل أتاه وهو مقيم بالمبارك في معسكره كتاب المأمون
يأمره بلبس الخضرة وأن يبايع لعلي بن موسى بن جعفر بن محمد بولاية العهد من
بعده ويأمره أن يتقدم إلى بغداد حتى يحاصر أهلها فارتحل حتى نزل سمر وكتب
إلى حميد بن عبد الحميد أن يتقدم إلى بغداد حتى يحاصر أهلها من ناحية أخرى
ويأمره بلباس الخضرة ففعل ذلك حميد وكان سعيد بن الساجور وأبو البط وغسان
ابن أبي الفرج ومحمد بن إبراهيم الإفريقي وعدة من قواد حميد كاتبوا إبراهيم بن
المهدى على أن يأخذوا له قصر ابن هبيرة وكان قد تباعد ما بينهم وبين حميد فكانوا
يكتبون إلى الحسن بن سهل يخبرونه أن حميدا يكاتب إبراهيم وكان حميد يكتب فيهم
بمثل ذلك وكان الحسن يكتب إلى حميد يسأله أن يأتيه فلم يفعل وخاف إن هو خرج
142

إلى الحسن أن يثب الآخرون بعسكره فكانوا يكتبون إلى الحسن انه ليس يمنعه
من إتيانك إلا أنه مخالف لك وأنه قد اشترى الضياع بين الصراة وسورا والسواد
فلما ألح عليه الحسن بالكتب خرج إليه يوم الخميس لخمس خلون من ربيع الآخر
فكتب سعيد وأصحابه إلى إبراهيم يعلمونه ويسألون أن يبعث إليهم عيسى بن محمد
ابن أبي خالد حتى يدفعوا إليه القصر وعسكر حميد وكان إبراهيم قد خرج من بغداد
يوم الثلاثاء حتى عسكر بكلواذى يريد المدائن فلما أتاه الكتاب وجه عيسى إليهم
فلما بلغ أهل عسكر حميد خروج عيسى ونزوله قرية الاعراب على فرسخ من
القصر تهيؤا للهرب وذلك ليلة الثلاثاء وشد أصحاب سعيد وأبى البط والفضل بن
محمد بن الصباح الكندي الكوفي على عسكر حميد فانتهبوا ما فيه أخذوا لحميد فيما
ذكر مائة بدرة أموالا ومتاعا وهرب ابن لحميد ومعاذ بن عبد الله فأخذ بعضهم
نحو الكوفة وبعض نحو النيل فأما ابن حميد فإنه انحدر بجواري أبيه إلى الكوفة
فلما أتى الكوفة اكترى بغالا ثم أخذ الطريق ثم لحق بأبيه بعسكر الحسن ودخل
عيسى القصر وسلمه له سعيد وأصحابه وصار عيسى وأخذه منهم وذلك يوم الثلاثاء
لعشر خلون من ربيع الآخر وبلغ الحسن بن سهل وحميد عنده فقال له حميد
ألم أعلمك بذلك ولكن خدعت وخرج من عنده حتى أتى الكوفة فأخذ
أموالا له كانت هنالك ومتاعا وولى على الكوفة العباس بن موسى بن جعفر
العلوي وأمره بلباس الخضرة وأن يدعو للمأمون ومن بعده لأخيه على
ابن موسى وأعانه بمائة ألف درهم وقال له قاتل عن أخيك فان أهل الكوفة
يجيبونك إلى ذلك وأنا معك فلما كان الليل خرج حميد من الكوفة وتركه وقد كان
الحسن وجه حكيما الحارثي حين بلغه الخبر إلى النيل فلما بلغ ذلك عيسى وهو
بالقصر تهيأ هو وأصحابه حتى خرجوا إلى النيل فلما كان ليلة السبت لأربع عشرة
ليلة خلت من ربيع الآخر طلعت حمرة في السماء ثم ذهبت الحمرة وقى عمودان
أحمران في السماء إلى آخر الليل وخرج غداة السبت عيسى وأصحابه من القصر إلى
النيل فواقعهم حكيم وأتاهم عيسى وسعيد وهم في الوقعة فانهزم حكيم ودخلوا النيل
143

فلما صاروا بالنيل بلغهم خبر العباس بن موسى بن جعفر العلوي وما يدعو إليه
أهل الكوفة وأنه قد أجابه قوم كثير منهم وقال له قوم آخرون إن كنت تدعو
للمأمون ثم من بعده لأخيك فلا حاجة لنا في دعوتك وإن كنت تدعو إلى أخيك
أو بعض أهل بيتك أو إلى نفسك أجبناك فقال أنا أدعو إلى المأمون ثم من بعده
لاخى فقعد عنه الغالية من الرافضة وأكثر الشيعة وكان يظهر أن حميدا يأتيه
فيعينه ويقويه وأن الحسن يوجه إليه قوما من قبله مددا فلم يأته منهم أحد
وتوجه إليه سعيد وأبو البط من النيل إلى الكوفة فلما صاروا بدير الأعور أخذوا
طريقا يخرج بهم إلى عسكر هرثمة عند قرية شاهي فلما التأم إليه أصحابه خرجوا
يوم الاثنين لليلتين خلتا من جمادى الأولى فلما صاروا قرب القنطرة خرج عليهم
علي بن محمد بن جعفر العلوي بن المبايع كان له بمكة وأبو عبد الله أخو أبى السرايا ومعهم
جماعة كثيرة وجههم مع علي بن محمد ابن عمه صاحب الكوفة العباس بن موسى بن جعفر
فقاتلوهم ساعة فانهزم على وأصحابه حتى دخلوا الكوفة وجاء سعيد وأصحابه حتى
نزلوا الحيرة فلما كان يوم الثلاثاء غدوا فقاتلوهم مما يلي دار عيسى بن موسى
وأجابهم العباسيون ومواليهم فخرجوا إليهم من الكوفة فاقتتلوا يومهم إلى الليل
وشعارهم يا إبراهيم يا منصور لا طاعة للمأمون وعليهم السواد وعلى العباس وأصحابه
من أهل الكوفة الخضرة فلما كان يوم الأربعاء اقتتلوا في ذلك الموضع فكان كل
فريق منهم إذا ظهروا على شئ أحرقوه فلما رأى ذلك رؤساء أهل الكوفة أتوا
سعيدا وأصحابه فسألوه الأمان للعباس بن موسى بن جعفر وأصحابه على أن يخرج
من الكوفة فأجابوهم إلى ذلك ثم أتوا العباس فأعلموه وقالوا إن عامة من معك
غوغاء وقد ترى ما يلقى الناس من الحرق والنهب والقتل فاخرج من بين أظهرنا
فلا حاجة لنا فيك فقبل منهم وخاف أن يسلموه وتحول من منزله الذي كان فيه
بالكناسة ولم يعلم أصحابه بذلك وانصرف سعيد وأصحابه إلى الحيرة وشد أصحاب
العباس بن موسى على من بقى من أصحاب سعيد وموالى عيسى بن موسى العباسي
فهزموهم حتى بلغوا بهم الخندق ونهبوا ربض عيسى بن موسى فأحرقوا الدور
144

وقتلوا من ظهروا به فبعث العباسيون ومواليهم إلى سعيد يعلمونه بذلك
وأن العباس قد رجع عما كان طلب من الأمان فركب سعيد وأبو البط
وأصحابهما حتى أتوا الكوفة عتمة فلم يظفروا بأحد منهم ينتهب إلا قتلوه ولم
يظهروا على شئ مما كان في أيدي أصحاب العباس إلا أحرقوه حتى بلغوا الكناسة
فمكثوا بذلك عامة الليل حتى خرج إليهم رؤساء أهل الكوفة فأعلموهم أن هذا
من عمل الغوغاء وأن العباس لم يرجع عن شئ فانصرفوا عنهم فلما كان غداة
الخميس لخمس خلون من جمادى الأولى جاء سعيد وأبو البط حتى دخلوا الكوفة
ونادى مناديهم أمن الأبيض والأسود ولم يعرضوا لاحد من الخلق إلا بسبيل
خير وولوا على الكوفة الفضل بن محمد بن الصباح الكندي من أهلها فكتب
إليهم إبراهيم بن المهدى يأمرهم بالخروج إلى ناحية واسط وكتب إلى سعيد
أن يستعمل على الكوفة غير الكندي لميله إلى أهل بلده فولاها غسان بن أبي
الفرج ثم عزله بعد ما قتل أبا عبد الله أخا أبى السرايا فولاها سعيد ابن
أخيه الهول فلم يزل واليا عليها حتى قدمها حميد بن عبد الحميد وهرب الهول
منها وأمر إبراهيم بن المهدى عيسى بن محمد بن أبي خالد أن يسير إلى ناحية
واسط على طريق النيل وأمر ابن عائشة الهاشمي ونعيم بن خازم أن يسيرا جميعا فخرجا
مما يلي جوخى وبذلك أمرهما وذلك في جمادى الأولى ولحق بهما سعيد وأبو البط
والإفريقي حتى عسكروا بالصيادة قرب واسط فاجتمعوا جميعا في مكان واحد
وعليهم عيسى بن محمد بن أبي خالد فكانوا يركبون حتى يأتوا عسكر الحسن وأصحابه
بواسط في كل يوم فلا يخرج إليهم من أصحاب الحسن أحد وهم متحصنون بمدينة
واسط ثم إن الحسن أمر أصحابه بالتهئ للخروج للقتال فخرجوا إليهم يوم السبت
لأربع بقين من رجب فاقتتلوا قتالا شديدا إلى قريب الظهر ثم وقعت الهزيمة على
عيسى وأصحابه فانهزموا حتى بلغوا طرنايا والنيل وأخذ أصحاب الحسن جميع
ما كان في عسكرهم من سلاح ودواب وغير ذلك (وفى هذه السنة) ظفر إبراهيم
ابن المهدى بسهل بن سلامة المطوعي فحبسه وعاقبه
(10 - 7)
145

* ذكر الخبر عن سبب ظفره به وحبسه إياه *
* ذكر أن سهل بن سلامة كان مقيما ببغداد يدعو إلى العمل بكتاب الله وسنة
نبيه صلى الله عليه وسلم فلم يزل كذلك حتى اجتمع إليه عامة أهل بغداد ونزلوا عنده
سوى من هو مقيم في منزله وهواه ورأيه معه وكان إبراهيم قدهم بقتاله قبل
الوقعة ثم أمسك عن ذلك فلما كانت هذه الوقعة وصارت الهزيمة على أصحاب
عيسى ومن معه أقبل على سهل بن سلامة فدس إليه وإلى أصحابه الذين بايعوه على
العمل بالكتاب والسنة وألا طاعة لمخلوق في معصية الخالق فكان كل من أجابه
إلى ذلك قد عمل على باب داره برجا بجص وآجر ونصب عليه السلاح والمصاحف
حتى بلغوا قرب باب الشأم سوى من أجابه من أهل الكرخ وسائر الناس فلما
رجع عيسى من الهزيمة إلى بغداد أقبل هو وإخوته وجماعة أصحابه نحو سهل بن سلامة
لأنه كان يذكرهم بأسوء أعمالهم وفعالهم ويقول الفساق لم يكن لهم عنده اسم غيره فقاتلوه
أياما وكان الذي تولى قتاله عيسى بن محمد بن أبي خالد فلما صار إلى الدروب التي قرب سهل
أعطى أهل الدروب الألف درهم والألفين على أن يتنحوا له عن الدروب فأجابوه إلى
ذلك فكان نصيب الرجل الدرهم والدرهمان ونحو ذلك فلما كان يوم السبت
لخمس بقين من شعبان تهيؤا له من كل وجه وخذله أهل الدروب حتى وصلوا
إلى مسجد طاهر بن الحسين وإلى منزله وهو بالقرب من المسجد فلما وصلوا إليه
اختفى منهم وألقى سلاحه واختلط بالنظارة ودخل بين النساء فدخلوا منزله فلما
لم يظفروا به جعلوا عليه العيون فلما كان الليل أخذوه في بعض الدروب التي قرب
منزله فأتوا به إسحاق بن موسى الهادي وهو ولى العهد بعد عمه إبراهيم بن المهدى
وهو بمدينة السلام فكلمه وحاجه وجمع بينه وبين أصحابه وقال له حرضت علينا
الناس وعبت أمرنا فقال له انما كانت دعوتي عباسية وانما كنت أدعو إلى العمل
بالكتاب والسنة وأنا على ما كنت عليه أدعوكم إليه الساعة فلم يقبلوا ذلك منه ثم
قالوا له اخرج إلى الناس فقل لهم إن ما كنت أدعوكم إليه باطل فأخرج إلى الناس
وقال قد علمتم ما كنت أدعوكم إليه من العمل بالكتاب والسنة وأنا أدعوكم إليه
146

الساعة فلما قال لهم هذا وجؤا عنقه وضربوا وجهه فلما صنعوا ذلك به قال المغرور
من غررتموه يا أصحاب الحربية فأخذ فأدخل إلى إسحاق فقيده وذلك يوم الأحد
فلما كان ليلة الاثنين خرجوا به إلى إبراهيم بالمدائن فلما دخل عليه كلمه بما كلم
به إسحاق فرد عليه مثل ما رد على إسحاق وقد كانوا أخذوا رجلا من أصحابه
يقال له محمد الرواعي فضربه إبراهيم ونتف لحيته وقيده وحبسه فلما أخذ
سهل بن سلامة حبسوه أيضا وادعوا أنه كان دفع إلى عيسى وأن عيسى
قتله وإنما أشاعوا ذلك تخوفا من الناس أن يعلموا بمكانه فيخرجوه فكان بين
خروجه وبين أخذه وحبسه اثنا عشر شهرا (وفى هذه السنة) شخص المأمون
من مرو يريد العراق
* ذكر الخبر عن شخوصه منها *
ذكر أن علي بن موسى بن جعفر بن محمد العلوي أخبر المأمون بما فيه الناس
من الفتنة والقتال منذ قتل أخوه وبما كان الفضل بن سهل يستر عنه من الاخبار
وأن أهل بيته والناس قد نقموا عليه أشياء وأنهم يقولون إنه مسحور مجنون وأنهم
لما رأوا ذلك بايعوا لعمه إبراهيم بن المهدى بالخلافة فقال المأمون إنهم لم يبايعوا
له بالخلافة وإنما صيروه أميرا يقوم بأمرهم على ما أخبره به الفضل فأعلمه أن
الفضل قد كذبه وغشه وأن الحرب قائمة بين إبراهيم والحسن بن سهل وأن الناس
ينقمون عليك مكانه ومكان أخيه ومكاني ومكان بيعتك لي من بعدك فقال ومن
يعلم هذا من أهل عسكري فقال له يحيى بن معاذ وعبد العزيز بن عمران وعدة
من وجوه أهل العسكر فقال له أدخلهم على حتى أسائلهم عما ذكرت فأدخلهم
عليه وهم يحيى بن معاذ وعبد العزيز بن عمران وموسى وعلي بن أبي سعيد وهو ابن
أخت الفضل وخلف المصري فسألهم عما أخبره فأبوا أن يخبروه حتى يجعل لهم
الأمان من الفضل بن سهل ألا يعرض لهم فضمن ذلك لهم وكتب لكل رجل
منهم كتابا بخطه ودفعه إليهم فأخبروه بما فيه الناس من الفتن وبينوا ذلك له
وأخبروه بغضب أهل بيته ومواليه وقواده عليه في أشياء كثيرة وبما موه عليه
147

الفضل من أمر هرثمة وأن هرثمة إنما جاء لينصحه وليبين له ما يعمل عليه وأنه
إن لم يتدارك أمره خرجت الخلافة منه ومن أهل بيته وأن الفضل دس إلى هرثمة
من قتله وأنه أراد نصحه وأن طاهر بن الحسين قد أبلى في طاعته ما أبلى وافتتح
ما افتتح وقاد إليه الخلافة مزمومة حتى إذا وطأ الامر أخرج من ذلك كله وصير
في زاوية من الأرض بالرقة قد حظرت عليه الأموال حتى ضعف أمره فشغب
عليه جنده وأنه لو كان على خلافتك ببغداد لضبط الملك ولم يجترئ عليه بمثل ما اجترأ
به على الحسن بن سهل وأن الدنيا قد تفتقت من أقطارها وأن طاهر بن الحسين
قد تنوسى في هذه السنين منذ قتل محمد في الرقة لا يستعان به في شئ من
هذه الحروب وقد أستعين بمن هو دونه أضعافا وسألوا المأمون الخروج إلى بغداد في
بني هاشم والموالي والقواد والجند لو رأوا عزتك سكنوا إلى ذلك وبخعوا بالطاعة لك
فلما تحقق ذلك عند المأمون أمر بالرحيل إلى بغداد فلما أمر بذلك علم الفضل
ابن سهل ببعض ذلك من أمرهم فتعنتهم حتى ضرب بعضهم بالسياط وحبس
بعضا ونتف لحى بعض فعاوده علي بن موسى في أمرهم وأعلمه ما كان من
ضمانه لهم فأعلمه أنه يدارى ما هو فيه ثم ارتحل من مرو فلما أتى سرخس شد
قوم على الفضل بن سهل وهو في الحمام فضربوه بالسيوف حتى مات وذلك
يوم الجمعة لليلتين خلتا من شعبان سنة 202 فأخذوا وكان الذين قتلوا الفضل
من حشم المأمون وهم أربعة نفر أحدهم غالب المسعودي الأسود وقسطنطين
الرومي وفرج الديلمي وموفق الصقلبي وقتلوه وله ستون سنة وهربوا فبعث
المأمون في طلبهم وجعل لمن جاء بهم عشرة آلاف دينار فجاء بهم العباس بن الهيثم
ابن بزرجمهر الدينوري فقالوا للمأمون أنت أمرتنا بقتله فأمر بهم فضربت
أعناقهم وقد قيل إن الذين قتلوا الفضل لما أخذوا سألهم المأمون فمنهم من قال
إن علي بن أبي سعيد بن أخت الفضل دسهم ومنهم من أنكر ذلك وأمر بهم
فقتلوا ثم بعث إلى عبد العزيز بن عمران وعلى وموسى وخلف فسألهم فأنكروا
أن يكونوا علموا بشئ من ذلك فلم يقبل ذلك منهم وأمر بهم فقتلوا وبعث برؤوسهم
148

إلى الحسن بن سهل إلى واسط وأعلمه ما دخل عليه من المصيبة بقتل الفضل وأنه
قد صيره مكانه ووصل الكتاب بذلك إلى الحسن في شهر رمضان فلم يزل
الحسن وأصحابه بواسط حتى أدركت الغلة وجبى بعض الخراج ورحل المأمون
من سرخس نحو العراق يوم الفطر وكان إبراهيم بن المهدى بالمدائن
وعيسى وأبو البط وسعيد بالنيل وطرنايا يراوحون القتال ويغادونه وقد كان
المطلب بن عبد الله بن مالك بن عبد الله قدم من المدائن فاعتل بأنه مريض
وجعل يدعو في السر إلى المأمون على أن المنصور بن المهدى خليفة المأمون
ويخلعون إبراهيم فأجابه إلى ذلك منصور وخزيمة بن خازم وقواد كثير من
أهل الجانب الشرقي وكتب المطلب إلى حميد وعلي بن هشام أن يتقدما فينزل
حميد نهر صرصر وعلى النهروان فلما تحقق عند إبراهيم الخبر خرج من المدائن
إلى بغداد فنزل زندورد يوم السبت لأربع عشرة خلت من صفر وبعث إلى
المطلب ومنصور وخزيمة فلما أتاهم رسوله اعتلوا عليه فلما رأى ذلك بعث
إليهم عيسى بن محمد بن أبي خالد وإخوته فأما منصور وخزيمة فأعطوا بأيديهما
وأما المطلب فإن مواليه وأصحابه قاتلوا عن منزله حتى كثر الناس عليهم وأمر
إبراهيم مناديا فنادى من أراد النهب فليأت دار المطلب فلما كان وقت الظهر
وصلوا إلى داره فانتهبوا ما وجدوا فيها وانتهبوا دور أهل بيته وطلبوه فلم
يظفروا به وذلك يوم الثلاثاء لثلاث عشرة بقيت من صفر فلما بلغ حميدا وعلي بن
هشام الخبر بعث حميد قائدا فأخذ المدائن وقطع الجسر ونزل بها وبعث علي بن هشام
قائدا فنزل المدائن وأتى نهر ديالى فقطعه وأقاموا بالمدائن وندم إبراهيم حيث صنع
بالمطلب ما صنع ثم لم يظفر به (وفى هذه السنة) تزوج المأمون بوران بنت الحسن
ابن سهل (وفيها) زوج المأمون علي بن موسى الرضى ابنته أم حبيب وزوج
محمد بن علي بن موسى ابنته أم الفضل (وحج) بالناس في هذه السنة إبراهيم بن
موسى بن جعفر بن محمد فدعا لأخيه بعد المأمون بولاية العهد وكان الحسن بن
سهل كتب إلى عيسى بن يزيد الجلودي وكان بالبصرة فوافى مكة في أصحابه فشهد
149

الموسم ثم انصرف ومضى إبراهيم بن موسى إلى اليمن وكان قد غلب عليها حمدويه
ابن علي بن عيسى بن ماهان
* ثم دخلت سنة ثلاث ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
ذكر أن مما كان فيها موت علي بن موسى بن جعفر
* ذكر الخبر عن سبب وفاته *
ذكر أن المأمون شخص من سرخس حتى صار إلى طوس فلما صار بها أقام بها
عند قبر أبيه أياما ثم إن علي بن موسى أكل عنبا فأكثر منه فمات فجأة وذلك في
آخر صفر فأمر به المأمون فدفن عند قبر الرشيد وكتب في شهر ربيع الأول إلى
الحسن بن سهل يعلمه أن علي بن موسى بن جعفر مات ويعلمه ما دخل عليه من
الغم والمصيبة بموته وكتب إلى بنى العباس والموالي وأهل بغداد يعلمهم موت
علي بن موسى وأنهم إنما نقموا بيعته له من بعده ويسألهم الدخول في طاعته فكتبوا
إليه وإلى الحسن جواب الكتاب بأغلظ ما يكتب به إلى أحد وكان الذي صلى
على علي بن موسى المأمون ورحل المأمون في هذه السنة من طوس يريد بغداد
فلما صار إلى الري أسقط من وظيفتها ألفى ألف درهم (وفي هذه السنة) غلبت
السوداء على الحسن بن سهل فذكر سبب ذلك أنه كان مرض مرضا شديدا
فهاج به من مرضه تغير عقله حتى شد في الحديد وحبس في بيت وكتب بذلك
قواد الحسن إلى المأمون فأتاهم جواب الكتاب أن يكون على عسكره دينار بن
عبد الله ويعلمهم أنه قادم على أثر كتابه (وفي هذه السنة) ضرب إبراهيم بن
المهدى عيسى بن محمد بن أبي خالد وحبسه
* ذكر الخبر عن سبب ذلك *
ذكر أن عيسى بن محمد بن أبي خالد كان يكاتب حميدا والحسن وكان الرسول
بينهم محمد بن محمد المعبدي الهاشمي وكان يظهر لإبراهيم الطاعة والنصيحة ولم يكن
150

يقاتل حميدا ولا يعرض له في شئ من عمله وكان كلما قال إبراهيم تهيأ للخروج
لقتال حميد يعتل عليه بأن الجند يريدون أرزاقهم ومرة يقول حتى تدرك الغلة
فما زال بذلك حتى إذا توثق مما يريد مما بينه وبين الحسن وحميد فارقهم على أن
يدفع إليهم إبراهيم بن المهدى يوم الجمعة لانسلاخ شوال وبلغ الخبر إبراهيم فلما كان
يوم الخميس جاء عيسى إلى باب الجسر فقال للناس إني قد سالمت حميدا وضمنت له
ألا أدخل عمله وضمن لي ألا يدخل عملي ثم أمر أن يحفر خندق بباب الجسر
وباب الشأم وبلغ إبراهيم ما قال وما صنع وقد كان عيسى سأل إبراهيم أن يصلى
الجمعة بالمدينة فأجابه إلى ذلك فلما تكلم عيسى بما تكلم به وبلغ إبراهيم الخبر
وأنه يريد أخذه حذر وذكر أن هارون أخا عيسى أخبر إبراهيم بما يريد أن
يصنع به عيسى فلما أخبره بعث إليه ان يأتيه حتى يناظره في بعض ما يريد فاعتل
عليه عيسى فلم يزل إبراهيم يعيد إليه الرسل حتى أتاه إلى قصره بالرصافة فلما
دخل عليه حجب الناس وخلا إبراهيم وعيسى وجعل يعاتبه وأخذ عيسى
يعتذر إليه مما يعتبه به وينكر بعض ما يقول فلما قرره بأشياء أمر به فضرب ثم إنه
حبسه وأخذ عدة من قواده فحبسهم وبعث إلى منزله فأخذ أم ولده وصبيانا
له صغارا فحبسهم وذلك ليلة الخميس لليلة بقيت من شوال وطلب خليفة له يقال
له العباس فاختفى فلما بلغ حبس عيسى أهل بيته وأصحابه مشى بعضهم إلى بعض
وحرض أهل بيته وإخوته الناس على إبراهيم واجتمعوا وكان رأسهم عباس
خليفة عيسى فشدوا على عامل إبراهيم على الجسر فطردوه وعبر إلى إبراهيم
فأخبره الخبر وأمر بقطع الجسر فطردوا كل عامل كان لإبراهيم في الكرخ وغيره
وظهر الفساق والشطار فعقدوا في المسالح وكتب عباس إلى حميد يسأله أن يقدم
إليهم حتى يسلموا إليه بغداد فلما كان يوم الجمعة صلوا في مسجد المدينة أربع ركعات
صلى بهم المؤذن بغير خطبة (وفى هذه السنة) خلع أهل بغداد إبراهيم بن المهدى
ودعوا للمأمون بالخلافة
151

* ذكر الخبر عن سبب ذلك *
قد ذكرنا قبل ما كان من إبراهيم وعيسى بن محمد بن أبي خالد وحبس
إبراهيم إياه واجتماع عباس خليفة عيسى وإخوة عيسى على إبراهيم وكتابهم
إلى حميد يسألونه المصير إليهم ليسلموا بغداد إليه فذكر أن حميدا لما أتاه
كتابهم وفيه شرط منهم عليه أن يعطى جند أهل بغداد كل رجل منهم خمسين
درهما فأجابهم إلى ذلك وجاء حتى نزل صرصر بطريق الكوفة يوم الأحد وخرج
إليه عباس وقواد أهل بغداد فلقوه غداء الاثنين فوعدهم ومناهم وقبلوا ذلك
منه فوعدهم أن يضع لهم العطاء يوم السبت في الياسرية على أن يصلوا الجمعة
فيدعوا للمأمون ويخلعوا إبراهيم فأجابوه إلى ذلك فلما بلغ إبراهيم الخبر أخرج
عيسى وإخوته من الحبس وسأله أن يرجع إلى منزله ويكفيه أمر هذا الجانب
فأبى ذلك عليه فلما كان يوم الجمعة بعث عباس إلى محمد بن أبي رجاء الفقيه فصلى
بالناس الجمعة ودعا للمأمون فلما كان يوم السبت جاء حميد إلى الياسرية فعرض
حميد جند أهل بغداد وأعطاهم الخمسين التي وعدهم فسألوه أن ينقصهم عشرة
عشرة فيعطيهم أربعين أربعين درهما لكل رجل منهم لما كانوا تشاءموا به من على
ابن هشام حين أعطاهم الخمسين فغدر بهم وقطع العطاء عنهم فقال لهم حميد لابل
أزيدكم وأعطيكم ستين درهما لكل رجل فلما بلغ ذلك إبراهيم دعا عيسى فسأله
أن يقاتل حميدا فأجابه إلى ذلك فخلى سبيله وأخذ منه كفلاء فكلم عيسى الجند أن
يعطيهم مثل ما أعطى حميد فأبوا ذلك عليه فلما كان يوم الاثنين عبر إليهم عيسى
وإخوته وقواد أهل الجانب الشرقي فعرضوا على أهل الجانب الغربي أن يزيدوهم
على ما أعطى حميد فشتموا عيسى وأصحابه وقالوا لا نريد إبراهيم فخرج عيسى
وأصحابه حتى دخلوا المدينة وأغلقوا الأبواب وصعدوا السور وقاتلوا الناس ساعة
فلما كثر عليهم الناس انصرفوا راجعين حتى أتوا باب خراسان فركبوا في السفن
ورجع عيسى كأنه يريد أن يقاتلهم ثم احتال حتى صار في أيديهم شبه الأسير
فأخذه بعض قواده فأتى به منزله ورجع الباقون إلى إبراهيم فأخبروه الخبر فاغتم
152

لذلك غما شديدا وقد كان المطلب بن عبد الله بن مالك اختفى من إبراهيم فلما قدم
حميد أراد العبور إليه فاخذه المعبر فذهب إلى إبراهيم فحبسه عنده ثلاثة أيام أو
أربعة ثم إنه خلى عنه ليلة الاثنين لليلة خلت من ذي الحجة (وفى هذه السنة)
اختفى إبراهيم بن المهدى وتغيب بعد حرب جرت بينه وبين حميد بن عبد الحميد
وبعد أن أطلق سعد بن سلامة من حبسه
* ذكر الخبر عن اختفائه والسبب في ذلك *
ذكر أن سهل بن سلامة كان الناس يذكرون أنه مقتول وهو عند إبراهيم
محبوس فلما صار حميد إلى بغداد ودخلها أخرجه إبراهيم وكان يدعو في مسجد
الرصافة كما كان يدعو فإذا كان الليل رده إلى حبسه فمكث بذلك أياما فأتاه أصحابه
ليكونوا معه فقال لهم الزموا بيوتكم فانى أرزى هذا يعنى إبراهيم فلما كان ليلة
الاثنين لليلة خلت من ذي الحجة خلى سبيله فذهب فاختفى فلما رأى أصحاب إبراهيم
وقواده أن حميدا قد نزل في أرحاء عبد الله بن مالك تحول عامتهم إليه وأخذوا
له المدائن فلما رأى ذلك إبراهيم أخرج جميع من عنده حتى يقاتلوا فالتقوا على
جسر نهر ديالى فاقتتلوا فهزمهم حميد فقطعوا الجسر فتبعهم أصحابه حتى أدخلوهم
بيوت بغداد وذلك يوم الخميس لانسلاخ ذي القعدة فلما كان يوم الأضحى أمر إبراهيم
القاضي أن يصلى بالناس في عيساباذ فصلى بهم فانصرف الناس واختفى الفضل بن
الربيع ثم تحول إلى حميد ثم تحول علي بن ريطة إلى عسكر حميد وجعل الهاشميون
والقواد يلحقون بحميد واحدا بعد واحد فلما رأى ذلك إبراهيم أسقط في يديه
فشق عليه وكان المطلب يكاتب حميدا على أن يأخذ له الجانب الشرقي وكان سعيد
ابن الساجور وأبو البط وعبدويه وعدة معهم من القواد يكاتبون علي بن هشام على
أن يأخذوا له إبراهيم فلما علم إبراهيم بأمرهم وما اجتمع عليه كل قوم من أصحابه وانهم
قد أحدقوا به جعل يداريهم فلما جنه الليل اختفى ليلة الأربعاء لثلاث عشرة بقيت من
ذي الحجة سنة 203 وبعث المطلب إلى حميد يعلمه أنه قد أحدق بدار إبراهيم هو
وأصحابه فإن كان يريده فليأته وكتب ابن الساجور وأصحابه إلى علي بن هشام فركب
153

حميد من ساعته وكان نازلا في أرحاء عبد الله فأتى باب الجسر وجاء علي بن
هشام حتى نزل نهر بين وتقدم إلى مسجد كوثر وخرج إليه بن الساجور وأصحابه
وجاء المطلب إلى حميد فلقوه بباب الجسر فقربهم ووعدهم ونبأهم أن يعلم المأمون
ما صنعوا فأقبلوا إلى دار إبراهيم وطلبوه فيها فلم يجدوه فلم يزل إبراهيم متواريا
حتى قدم المأمون وبعد ما قدم حتى كان من أمره ما كان وقد كان سهل بن سلامة
حيث اختفى تحول إلى منزله وظهر وبعث إليه حميد فقربه وأدناه وحمله على بغل
ورده إلى أهله فلم يزل مقيما حتى قدم المأمون فأتاه فأجازه ووصله وأمره أن
يجلس في منزله (وفى هذه السنة) انكسفت الشمس يوم الأحد لليلتين بقيتا من
ذي الحجة حتى ذهب ضوؤها وكان غاب أكثر من ثلثيها وكان انكسافها ارتفاع
النهار فلم يزل كذلك حتى قرب الظهر ثم انجلت (فكانت) أيام إبراهيم بن المهدى
كلها سنة وأحد عشر شهرا واثنى عشر يوما وغلب علي بن هشام على شرقي بغداد
وحميد بن عبد الحميد على غربيها وصار المأمون إلى همذان في آخر ذي الحجة
(وحج) بالناس في هذه السنة سليمان بن عبد الله بن سليمان بن علي
* ثم دخلت سنة أربع ومائتين *
* ذكر الاحداث التي كانت فيها *
فمما كان فيها من ذلك قدوم المأمون العراق وانقطاع مادة الفتن ببغداد
* ذكر الخبر عن مقدمه العراق وما كان فيه بها عند مقدمه *
ذكر عن المأمون أنه لما قدم جرجان أقام بها شهرا ثم خرج منها فصار إلى الري
في ذي الحجة فأقام بها أياما ثم خرج منها فجعل يسير المنازل ويتم اليوم واليومين
حتى صار إلى النهروان وذلك يوم السبت فأقام فيه ثمانية أيام وخرج إليه أهل
بيته والقواد ووجوه الناس فسلموا عليه وقد كان كتب إلى طاهر بن الحسين من
الطريق وهو بالرقة أن يوافيه إلى النهروان فوافاه بها فلما كان السبت الآخر دخل
بغداد ارتفاع النهار لأربع عشرة ليلة بقيت من صفر سنة 204 ولباسه ولباس
154

أصحابه أقبيتهم وقلانسهم وطراداتهم وأعلامهم كلها الخضرة فلما قدم نزل
الرصافة وقدم معه طاهر فأمره بنزول الخيزرانية مع أصحابه ثم تحول فنزل
قصره على شط دجلة وأمر حميد بن عبد الحميد وعلي بن هشام وكل قائد
كان في عسكره أن يقيم في عسكره فكانوا يختلفون إلى دار المأمون في كل يوم
ولم يكن يدخل عليه أحد إلا في الثياب الخضر ولبس ذلك أهل بغداد وبنو هاشم
أجمعون فكانوا يخرقون كل شئ يرونه من السواد على إنسان إلا القلنسوة فإنه كان
يلبسها الواحد بعد الواحد على خوف ووجل في أما قباء أو علم فلم يكن أحد يجترئ
ولبست الخضرة وكتب إليه في ذلك قواد أهل خراسان وقيل أنه أمر طاهر
ابن الحسين أن يسأله حوائجه فكان أول حاجة سأله أن يطرح لباس الخضرة
ويرجع إلى لبس السواد وزي دولة الآباء فلما رأى طاعة الناس له في لبس
الخضرة وكراهتهم لها وجاء السبت قعد لهم وعليه ثياب خضر فلما اجتمعوا عنده
دعا بسواد فلبسه ودعا بخلعة سواد فألبسها طاهرا ثم دعا بعدة من قواده فألبسهم
أقبية وقلانس سود فلما خرجوا من عنده وعليهم السواد طرح سائر القواد والجند
لبس الخضرة ولبسوا السواد وذلك يوم السبت لسبع بقين من صفر (وقد
قيل) أن المأمون لبس الثياب الخضر بعد دخوله بغداد سبعة وعشرين ثم مزقت
(وقيل) أنه لم يزل مقيما ببغداد في الرصافة حتى بنى منازل على شط دجلة عند
قصره الأول وفى بستان موسى وذكر عن إبراهيم بن العباس الكاتب عن عمرو
ابن مسعدة أن أحمد بن أبي خالد الأحول قال لما قدمنا من خراسان مع المأمون
وصرنا في عقبة حلوان وكنت زميله قال لي يا أحمد إني أجد رائحة العراق فأجبت
بغير جوابه وقلت ما أخلقه قال ليس هذا جوابي ولكني أحسبك سهوت أو كنت
مفكرا قال قلت نعم يا أمير المؤمنين قال فيم فكرت قال قلت يا أمير المؤمنين
فكرت في هجومنا على أهل بغداد وليس معنا إلا خمسون ألف درهم مع فتنة غلبت
على قلوب الناس فاستعذبوها فكيف يكون حالنا إن هاج هائج أو تحرك متحرك
قال فأطرق مليا ثم قال صدقت يا أحمد ما أحسن ما فكرت ولكني أخبرك الناس
155

على طبقات ثلاث في هذه المدينة ظالم ومظلوم ولا ظالم ولا مظلوم فأما الظالم فليس يتوقع
إلا عفونا وامساكنا وأما المظلوم فليس يتوقع أن ينتصف إلا بنا ومن كان لا ظالما
ولا مظلوما فبيته يسعه فوالله ما كان إلا كما قال وأمر المأمون في هذه السنة بمقاسمة
أهل السواد على الخمسين وكانوا يقاسمون على النصف واتخذ القفيز الملجم وهو
عشرة مكاكيك بالمكوك الهاروني كيلا مرسلا (وفى هذه السنة) واقع يحيى
ابن معاذ بابك فلم يظفر واحد منهما بصاحبه (وولى) المأمون صالح بن الرشيد
البصرة وولى عبيد الله بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب
الحرمين (وحج بالناس) في هذه السنة عبيد الله بن الحسن
* ثم دخلت سنة خمس ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان في هذه السنة من الاحداث *
فمن ذلك تولية المأمون فيها طاهر بن الحسين من مدينة السلام إلى أقصى
عمل المشرق وقد كان قبل ذلك ولاه الجزيرة والشرط وجانبي بغداد ومعاون
السواد وقعد للناس
* ذكر الخبر عن سبب توليته *
وكان سبب توليته إياه خراسان والمشرق ما ذكر عن حماد بن الحسن عن
بشر بن غياث المريسي قال حضرت عبد الله المأمون أنا وثمامة ومحمد بن أبي العباس
وعلي بن الهيثم فتناظروا في التشيع فنصر محمد بن أبي العباس الامامية ونصر على
ابن الهيثم الزيدية وجرى الكلام بينهما إلى أن قال محمد لعلى يا نبطي ما أنت والكلام
قال فقال المأمون وكان متكئا فجلس الشتم على والبذاء لؤم إنا قد أبحنا الكلام
وأظهرنا المقالات فمن قال بالحق حمدناه ومن جهل ذلك وقفناه ومن جهل الامرين
حكمنا فيه بما يجب فاجعلا بينكما أصلا فان الكلام فروع فإذا افترعتم شيئا رجعتم
إلى الأصول قال فانا نقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله
وذكر الفرائض والشرائع في الاسلام وتناظرا بعد ذلك فأعاد محمد لعلى بمثل
156

المقالة الأولى فقال له على والله لولا جلالة مجلسه وما وهب الله من رأفته ولولا
ما نهى عنه لأعرقت جبينك وبحسبك من جهلك غسلك المنبر بالمدينة * قال فجلس
المأمون وكان متكئا فقال وما غسلك المنبر التقصير منى في أمرك أو لتقصير
المنصور كان في أمر أبيك لولا أن الخليفة إذا وهب شيئا استحى أن يرجع فيه
لكان أقرب شئ بيني وبينك إلى الأرض رأسك قم وإياك ما عدت قال فخرج
محمد بن أبي العباس ومضى إلى طاهر بن الحسين وهو زوج أخته فقال له كان من
قصتي كيت وكيت وكان يحجب المأمون على النبيذ فتح الخادم وياسر يتولى الخلع
وحسين يسقى وأبو مريم غلام سعيد الجوهري يختلف في الحوائج فركب طاهر
إلى الدار فدخل فتح فقال طاهر بالباب فقال إنه ليس من أوقاته ائذن له فدخل طاهر
فسلم عليه فرد عليه السلام وقال اسقوه رطلا فأخذه في يده اليمنى وقال له اجلس فخرج
فشربه ثم عاد وقد شرب المأمون رطلا آخر فقال اسقوه ثانيا ففعل كفعله الأول ثم
دخل فقال له المأمون اجلس فقال يا أمير المؤمنين ليس لصاحب الشرطة أن يجلس
بين يدي سيده فقال له المأمون ذلك في مجلس العامة فأما مجلس الخاصة فطلق قال وبكى
المأمون وتغرغرت عيناه فقال له طاهر يا أمير المؤمنين لم تبكى لا أبكى الله عينيك فوالله
لقد دانت لك البلاد وأذعن لك العباد وصرت إلى المحبة في كل أمرك فقال أبكى لأمر
ذكره ذل وستره حزن ولن يخلو أحد من شجن فتكلم بحاجة إن كانت لك قال يا أمير
المؤمنين محمد بن أبي العباس أخطأ فأقله عثرته وارض عنه قال قد رضيت عنه وأمرت
بصلته وردت عليه مرتبته ولولا أنه ليس من أهل الانس لأحضرته * قال وانصرف
طاهر فأعلم ابن أبي العباس ذلك ودعا بهارون بن جيغويه فقال له إن للكتاب عشيرة وإن
أهل خراسان يتعصب بعضهم لبعض فخذ معك ثلثمائة ألف درهم فأعط الحسين الخادم
مائنى ألف وأعط كاتبه محمد بن هارون مائة ألف وسله أن يسأل المأمون لما بكى
قال ففعل ذلك قال فلما تغدى قال يا حسين اسقنى قال لا والله لا أسقينك أو تقول لي
لم بكيت حين دخل عليك طاهر قال يا حسين وكيف عنيت بهذا حتى سألتني عنه قال
لغمي بذاك قال يا حسين هو أمر إن خرج من رأسك قتلتك قال يا سيدي ومتى
157

أخرجت لك سرا قال إني ذكرت محمدا أخي وما ناله من الذلة فخنقتني العبرة
فاسترحت إلى الإفاضة ولن يفوت طاهرا منى ما يكره قال فأخبر حسين طاهرا
بذلك فركب طاهر إلى أحمد بن بي خالد فقال له إن الثناء منى ليس برخيص وإن
المعروف عندي ليس بضائع فغيبني عن عينه فقال له سأفعل فبكر إلى غدا قال
فركب ابن أبي خالد إلى المأمون فلما دخل عليه قال ما نمت البارحة قال لم ويحك
فقال لأنك وليت غسان خراسان وهو ومن معه أكلة رأس فأخاف أن يخرج
عليه خارجة من الترك فتصطلمه فقال له لقد فكرت فيما فكرت فيه قال فمن ترى
قال طاهر بن الحسين قال ويلك يا أحمد هو والله خالع قال أنا الضامن له قال فأنفذه
قال فدعا بطاهر من ساعته فعقد له فشخص من ساعته فنزل في بستان خليل بن
هاشم فحمل إليه في كل يوم ما أقام فيه مائة ألف فأقام شهرا فحمل إليه عشرة آلاف
ألف التي تحمل إلى صاحب خراسان قال أبو حسان الزيادي وكان عقد له على
خراسان والجبال من حلوان إلى خراسان وكان شخوصه من بغداد يوم الجمعة
لليلة بقيت من ذي القعدة سنة 205 وقد كان عسكر قبل ذلك بشهرين فلم يزل مقيما
في عسكره قال أبو حسان وكان سبب ولايته فيما اجتمع الناس عليه أن عبد الرحمن
المطوعي جمع جموعا بنيسابور ليقاتل بهم الحرورية بغير أمر والى خراسان فتخوفوا
أن يكون ذلك لأصل عمل عليه وكان غسان بن عباد يتولى خراسان من قبل
الحسن بن سهل وهو ابن عم الفضل بن سهل وذكر عن علي بن هارون أن طاهر
ابن الحسين قبل خروجه إلى خراسان وولايته لها ندبه الحسن بن سهل للخروج
إلى محاربة نصر بن شبث فقال حاربت خليفة وسقت الخلافة إلى خليفة وأومر
بمثل هذا وإنما كان ينبغي أن توجه لهذا قائدا من قوادي فكان سبب المصارمة
بين الحسن وطاهر قال وخرج طاهر إلى خراسان لما تولاها وهو لا يكلم الحسن
ابن سهل فقيل له في ذلك فقال ما كنت لأحل عقدة عقدها لي في مصارمته (وفى
هذه السنة) ورد عبد الله بن طاهر بغداد منصرفا من الرقة وكان أبوه طاهرا
استخلفه عليها وأمره بقتال نصر بن شبث وقدم يحيى بن معاذ فولاه المأمون الجزيرة
158

(وفيها) ولى المأمون عيسى بن محمد بن أبي خالد أرمينية وآذربيجان ومحاربة
بابك (وفيها) مات السرى بن الحكم بمصر وكان واليها (وفيها) مات داود بن
يزيد عامل السند فولاها المأمون بشر بن داود على أن يحمل إليه في كل سنة ألف
ألف درهم (وفيها) ولى المأمون عيسى بن يزيد الجلودي محاربة الزط (وفيها)
شخص طاهر بن الحسين إلى خراسان في ذي القعدة وأقام شهرين حتى بلغه خروج
عبد الرحمن النيسابوري المطوعي بنيسابور فشخص ووافى التغزغزية أشر وسنة
(وفيها) أخذ فرج الرخجي عبد الرحمن بن عمار النيسابوري (وحج بالناس)
في هذه السنة عبيد الله بن الحسن وهو والى الحرمين
* ثم دخلت سنة ست ومائتين *
* ذكر ما كان فيها من الاحداث *
فمما كان فيها من ذلك تولية المأمون داود بن ماسجور محاربة الزط وأعمال
البصرة وكور دجلة واليمامة والبحرين (وفيها) كان المد الذي غرق منه السواد
وكسكر وقطيعة أم جعفر وقطيعة العباس وذهب بأكثرها (وفيها) نكب
بابك بعيسى بن محمد بن أبي خالد (وفيها) ولى المأمون عبد الله بن طاهر الرقة
لحرب نصر بن شبث ومضر
* ذكر الخبر عن سبب توليته إياه *
وكان السبب في ذلك فيما ذكر أن يحيى بن معاذ كان المأمون ولاه الجزيرة
فمات في هذه السنة واستخلف ابنه أحمد على عمله * فذكر عن يحيى بن الحسن بن
عبد الخالق أن المأمون دعا عبد الله بن طاهر في شهر رمضان فقال بعض كان ذلك
في سنة 205 وقال بعض في سنة بضع وقال بعض في سنة 7 فلما دخل عليه قال
يا عبد الله استخير الله منذ شهر وأرجو أن يخير الله لي ورأيت الرجل يصف ابنه
ليطريه لرأيه فيه وليرفعه ورأيتك فوق ما قال أبوك فيك وقد مات يحيى بن معاذ
وأستخلف ابنه أحمد بن يحيى وليس بشئ وقد رأيت توليتك مضر ومحاربة
159

نصر بن شبث فقال السمع والطاعة يا أمير المؤمنين وأرجو أن يجعل الله الخيرة
لأمير المؤمنين وللمسلمين قال فعقد له ثم أمر أن تقطع حبال القصارين عن طريقه
وتنحى عن الطرقات المظال كيلا يكون في طريقه ما يرد لواءه ثم عقد له لواء
مكتوبا عليه بصفرة ما يكتب على الألوية وزاد فيه المأمون يا منصور وخرج ومعه
الناس فصار إلى منزله ولما كان من غد ركب إليه الناس وركب إليه الفضل بن
الربيع فأقام عنده إلى الليل فقام الفضل فقال عبد الله يا أبا العباس قد تفضلت
وأحسنت وقد تقدم أبى وأخوك إلى ألا أقطع أمرا دونك وأحتاج أن أستطلع
رأيك وأستضئ بمشورتك فإن رأيت أن تقيم عندي إلى أن نفطر فافعل فقال له
إن لي حالات ليس يمكنني معها الافطار ههنا قال إن كنت تكره طعام أهل
خراسان فابعث إلى مطبخك يأتوا بطعامك فقال له إن لي ركعات بين العشاء والعتمة
قال ففي حفظ الله وخرج معه إلى صحن داره يشاوره في خاص أموره (وقيل)
كان خروج عبد الله الصحيح إلى مضر لقتال نصر بن شبث بعد خروج أبيه إلى
خراسان بستة أشهر وكان طاهر حين ولى ابنه عبد الله ديار ربيعة كتب إليه كتابا
نسخته * عليك بتقوى الله وحده لا شريك له وخشيته ومراقبته ومزايلة سخطه
وحفظ رعيتك والزم ما ألبسك الله من العافية بالذكر لمعادك وما أنت صائر
إليه وموقوف عليه ومسؤول عنه والعمل في ذلك كله بما يعصمك الله وينجيك يوم
القيامة من عذابه وأليم عقابه فان الله قد أحسن إليك وأوجب عليك الرأفة بمن استرعاك
أمرهم من عباده وألزمك العدل عليهم والقيام بحقه وحدوده فيهم والذب عنهم
والدفع عن حريمهم وبيضتهم والحقن لدمائهم والامن لسبيلهم وإدخال الراحة
عليهم في معايشهم ومؤاخذك بما فرض عليك من ذلك وموقفك عليه ومسائلك
عنه ومثيبك عليه بما قدمت وأخرت ففرغ لذلك فكرك وعقلك وبصرك
ورؤيتك ولا يذهلك عنه ذاهل ولا يشغلك عنه شاغل فإنه رأس أمرك وملاك
شأنك وأول ما يوفقك الله به لرشدك وليكن أول ما تلزم به نفسك وتنسب
إليه فعالك المواظبة على ما افترض الله عليك من الصلوات الخمس والجماعة عليها
160

بالناس قبلك في مواقيتها على سننها في إسباغ الوضوء لها وافتتاح ذكر الله فيها
وترتل في قراءتك وتمكن في ركوعك وسجودك وتشهدك ولتصدق فيها لربك
نيتك واحضض عليها جماعة من معك وتحت يدك وادأب عليها فإنها كما قال الله
تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ثم أتبع ذلك الاخذ بسنن رسول الله صلى الله
عليه وسلم والمثابرة على خلائقه واقتفاء آثار السلف الصالح من بعده وإذا ورد
عليك أمر فاستعن عليه باستخارة الله وتقواه ولزوم ما أنزل الله في كتابه من
أمره ونهيه وحلاله وحرامه وائتمام ما جاءت به الآثار عن النبي صلى الله عليه
وسلم ثم قم فيه بما يحق لله عليك ولا نمل عن العدل فيما أحببت أو كرهت لقريب
من الناس أو بعيد وآثر الفقه وأهله والدين وحملته وكتاب الله والعاملين به فان
أفضل ما تزين به المرء الفقه في دين الله والطلب له والحث عليه والمعرفة بما يتقرب
فيه منه إلى الله فإنه الدليل على الخير كله والقائد له والآمر به والناهي عن المعاصي
والموبقات كلها وبها مع توفيق الله تزداد العباد معرفة بالله عز وجل وإجلالا له
ودركا للدرجات العلى في المعاد مع ما في ظهوره للناس من التوقير لأمرك والهيبة
لسلطانك والانسة بك والثقة بعدلك وعليك بالاقتصاد في الأمور كلها فليس
شئ أبين نفعا ولا أحضر أمنا ولا أجمع فضلا من القصد والقصد داعية إلى
الرشد والرشد دليل على التوفيق والتوفيق منقاد إلى السعادة وقوام الدين
والسنن الهادية بالاقتصاد فآثره في دنياك كلها ولا تقصر في طلب الآخرة والاجر
والأعمال الصالحة والسنن المعروفة ومعالم الرشد فلا غاية للاستكثار من البر
والسعي له إذا كان يطلب به وجه الله ومرضاته ومرافقة أوليائه في دار كرامته
واعلم أن القصد في شأن الدنيا يورث العز ويحصن من الذنوب وإنك لن تحوط
نفسك ومن يليك ولا تستصلح أمورك بأفضل منه فأته واهتد به تتم أمورك
وتزد مقدرتك وتصلح خاصتك وعامتك وأحسن الظن بالله عز وجل
يستقم لك رعيتك والتمس الوسيلة إليه في الأمور كلها تستدم به النعمة
عليك ولا تنهض أحدا من الناس فيما توليه من عملك قبل تكشف أمره
(11 - 7)
161

بالتهمة فان إيقاع التهم بالبراء والظنون السيئة بهم مأثم واجعل من شأنك حسن
الظن بأصحابك واطرد عنهم سوء الظن بهم وارفضه عنهم يعنك ذلك على اصطناعهم
ورياضتهم ولا يجدن عدو الله الشيطان في أمرك مغمزا فإنه إنما يكتفى بالقليل
من وهنك فيدخل عليك من الغم في سوء الظن ما ينغصك لذاذة عيشك واعلم أنك
تجد بحسن الظن قوة وراحة وتكفى به ما أحببت كفايته من أمورك وتدعو به
الناس إلى محبتك والاستقامة في الأمور كلها لك ولا يمنعك حسن الظن بأصحابك
والرأفة برعيتك أن تستعمل المسألة والبحث عن أمورك والمباشرة لأمور الأولياء
والحياطة للرعية والنظر فيما يقيمها وبصلحها بل لتكن المباشرة لأمور الأولياء
والحياطة للرعية والنظر في حوائجهم وحمل مؤناتهم آثر عندك مما سوى ذلك فإنه
أقوم للدين وأحيا للسنة وأخلص نيتك في جميع هذا وتفرد بتقويم نفسك تفرد
من يعلم أنه مسؤول عما صنع ومجزى بما أحسن ومأخوذ بما أساء فان الله جعل
الدين حرزا وعزا ورفع من اتبعه وعززه فاسلك بمن تسوسه وترعاه نهج الدين
وطريقة الهدى وأقم حدود الله في أصحاب الجرائم على قدر منازلهم وما استحقوه
ولا تعطل ذلك ولا تهاون به ولا تؤخر عقوبة أهل العقوبة فان في تفريطك في
ذلك لما يفسد عليك حسن ظنك واعزم على أمرك في ذلك بالسنن المعروفة وجانب
الشبه والبدعات يسلم لك دينك وتقم لك مروتك وإذا عاهدت عهدا فف به وإذا
وعدت الخير فأنجزه واقبل الحسنة وادفع بها واغمض عن عيب كل ذي عيب من
رعيتك واشدد لسانك عن قول الكذب والزور وابغض أهله وأقص أهل النميمة
فان أول فساد أمرك في عاجل الأمور وآجلها تقريب الكذوب والجرأة على
الكذب لان الكذب رأس المآثم والزور والنميمة خاتمتها لان النميمة لا يسلم صاحبها
وقائلها لا يسلم له صاحب ولا يستقيم لمطيعها أمر وأحب أهل الصدق والصلاح وأعن
الاشراف بالحق وواصل الضعفاء وصل الرحم وابتغ بذلك وجه الله وعزة أمره
والتمس فيه ثوابه والدار الآخرة واجتنب سوء الأهواء والجور واصرف عنهما
رأيك وأظهر براءتك من ذلك لرعيتك وأنعم بالعدل سياستهم وقم بالحق فيهم
162

وبالمعرفة التي تنتهى بك إلى سبيل الهدى واملك نفسك عند الغضب وآثر الوقار
والحلم وإياك والحدة والطيرة والغرور فيما أنت بسبيله وإياك أن تقول إني مسلط
أفعل ما أشاء فان ذلك سريع فيك إلى نقص الرأي وقلة اليقين بالله وحده لا شريك
له وأخلص لله النية فيه واليقين به واعلم أن الملك لله يعطيه من يشاء وينزعه ممن يشاء
ولن تجد تغير النعمة وحلول النقمة إلى أحد أسرع منه إلى حملة النعمة من أصحاب السلطان
والمبسوط لهم في الدولة إذا كفروا بنعم الله وإحسانه واستطالوا بما آتاهم الله من
فضله ودع عنك شره نفسك ولتكن ذخائرك وكنوزك التي تذخر وتكنز البر
والتقوى و؟ واستصلاح الرعية وعمارة بلادهم والتفقد لأمورهم والحفظ
لدهمائهم والإغاثة لملهوفهم واعلم أن الأموال إذا كثرت وذخرت في الخزائن
لا تثمر وإذا كانت في اصلاح الرعية وإعطاء حقوقهم وكف المؤنة عنهم
نمت وربت وصلحت به العامة وتزينت الولاة وطاب به الزمان وأعتقد
فيه العز والمنعة فليكن كنز خزائنك تفريق الأموال في عمارة الاسلام وأهله
ووفر منه على أولياء أمير المؤمنين قبلك حقوقهم وأوف رعيتك من ذلك
حصصهم وتعهد ما يصلح أمورهم ومعايشهم فإنك إذا فعلت ذلك قرت النعمة
عليك واستوجبت المزيد من الله وكنت بذلك على جباية خراجك وجمع أموال
رعيتك وعملك أقدر وكان الجمع لما شملهم من عدلك وإحسانك أسلس لطاعتك
وأطيب أنفسا لكل ما أردت فاجهد نفسك فيما حددت لك في هذا الباب ولتعظم
حسبتك فيه فإنما يبقى من المال ما أنفق في سبيل حقه واعرف للشاكرين شكرهم
وأثبهم عليه وإياك أن تنسيك الدنيا وغرورها هول الآخرة فتتهاون بما يحق عليك
فان التهاون يوجب التفريط والتفريط يورث البوار وليكن عملك لله وفيه
تبارك وتعالى وارج الثواب فان الله قد أسبغ عليك نعمته في الدنيا وأظهر لديك
فضله فاعتصم بالشكر وعليه فاعتمد يزدك الله خيرا وإحسانا فان الله يثيب بقدر
شكر الشاكرين وسيرة المحسنين وقضى الحق فيما حمل من النعم وألبس من العافية
والكرامة ولا تحقرن ذنبا ولا تمايلن حاسدا ولا ترحمن فاجرا ولا تصلن كفورا
163

ولا تداهنن عدوا ولا تصدقن نماما ولا تأمنن غدار أولا توالين فاسقا ولا تتبعن غاويا
ولا تحمدن مرائيا ولا تحقرن إنسانا ولا تردن سائلا فقيرا ولا تجيبن باطلا ولا تلاحظن
مضحكا ولا تخلفن وعدا ولا ترهبن فجرا ولا تعملن غضبا ولا تأتين بذخا ولا تمشين
مرحا ولا تركبن سفها ولا تفرطن في طلب الآخرة ولا تدفع الأيام عيانا ولا تغمضن
عن الظالم رهبة منه أو مخافة ولا تطلبن ثواب الآخرة بالدنيا وأكثر مشاورة الفقهاء
واستعمل نفسك بالحلم وخذ عن أهل التجارب وذوي العقل والرأي والحكمة
ولا تدخلن في مشورتك أهل الدقة والبخل ولا تسمعن لهم قولا فان ضررهم
أكثر من منفعتهم وليس شئ أسرع فسادا لما استقبلت في أمر رعيتك من الشح
واعلم أنك إذا كنت حريصا كنت كثير الاخذ قليل العطية وإذا كنت كذلك لم
يستقم لك أمرك إلا قليلا فإن رعيتك إنما تعتقد على محبتك بالكف عن أموالهم
وترك الجور عنهم ويدوم صفاء أوليائك لك بالافضال عليهم وحسن العطية لهم
فأجتنب الشح وأعلم أنه أول ما عصى به الا؟ ن ربه وأن العاصي بمنزلة خزى وهو
قول الله عز وجل (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) فسهل طريق الجود
بالحق واجعل للمسلمين كلهم من نيتك حظا ونصيبا وأيقن أن الجود من أفضل أعمال
العباد فاعدده لنفسك خلقا وارض به عملا ومذهبا وتفقد أمور الجند في دواوينهم
ومكاتبهم وأدرر عليهم أرزاقهم ووسع عليهم في معايشهم ليذهب بذلك الله فاقتهم
ويقوم لك أمرهم ويزيد به قلوبهم في طاعتك وأمرك خلوصا وانشراحا وحسب
ذي سلطان من السعادة أن يكون على جنده ورعيته رحمة في عدله وحيطته
وانصافه وعنايته وشفقته وبره وتوسعته فزايل مكروه إحدى البليتين باستشعار
تكملة الباب الآخر ولزوم العمل به تلق إن شاء الله نجاحا وصلاحا وفلاحا واعلم
أن القضاء من الله بالمكان الذي ليس به شئ من الأمور لأنه ميزان الله الذي
يعتدل عليه الأحوال في الأرض وبإقامة العدل في القضاء والعمل تصلح الرعية
وتأمن السبل وينتصف المظلوم ويأخذ الناس حقوقهم وتحسن المعيشة ويؤدى
حق الطاعة ويرزق الله العافية والسلامة ويقوم الدين وتجرى السنن والشرائع
164

وعلى مجاريها ينتجز الحق والعدل في القضاء واشتد في أمر الله وتورع عن النطف
وأمض لإقامة الحدود وأقلل العجلة وابعد من الضجر والقلق وأقنع بالقسم ولتسكن
ريحك ويقر جدك وانتفع بتجربتك وانتبه في صمتك واسدد في منطقك وانصف
الخصم وقف عند الشبهة وأبلغ في الحجة ولا يأخذك في أحد من رعيتك محاباة
ولا محاماة ولالوم لائم وتثبت وتأن وراقب وانظر وتدبر وتفكر واعتبر وتواضع
لربك وارأف بجميع الرعية وسلط الحق على نفسك ولا تسرعن إلى سفك دم فإن
الدماء من الله بمكان عظيم انتهاكا لها بغير حقها وانظر هذا الخراج الذي قد استقامت
عليه الرعية وجعله الله للاسلام عزا ورفعة ولأهله سعة ومنعة ولعدوه وعدوهم
كبتا وغيظا ولأهل الكفر من معاهدتهم ذلا وصغارا فوزعه بين أصحابه بالحق
والعدل والتسوية والعموم فيه ولا ترفعن منه شيئا عن شريف لشرفه وعن غنى
لغناه ولا عن كاتب لك ولا أحد من خاصتك ولا تأخذن منه فوق الاحتمال له
ولا تكلفن أمرا فيه شطط واحمل الناس كلهم على مر الحق فإن ذلك أجمع لألفتهم
وألزم لرضى العامة واعلم انك جعلت بولايتك خازنا وحافظا وراعيا وإنما سمى
أهل عملك رعيتك لأنك راعيهم وقيمهم تأخذ منهم ما أعطوك من عفوهم ومقدرتهم
وتنفقه في قوام أمرهم وصلاحهم وتقويم أودهم فاستعمل عليهم في كور عملك
ذوي الرأي والتدبير والتجربة والخبرة بالعمل والعلم بالسياسة والعفاف ووسع
عليهم في الرزق فإن ذلك من الحقوق اللازمة لك فيما تقلدت وأسند إليك ولا يشغلنك
عنه شاغل ولا يصرفنك عنه صارف فإنك متى آثرته وقمت فيه بالواجب استدعيت به
زيادة النعمة من ربك وحسن الأحدوثة في أعمالك واحترزت النصيحة من رعيتك
وأعنت على الصلاح فدرت الخيرات ببلدك وفشت العمارة بناحيتك وظهر الخصب
في كورك فكثر خراجك وتوفرت أموالك وقويت بذلك على ارتباط جندك وإرضاء
العامة بإقامة العطاء فيهم من نفسك وكنت محمود السياسة مرضى العدل في ذلك عند
عدوك وكنت في أمورك كلها ذا عدل وقوة وآلة وعدة فنافس في هذا ولا تقدم عليه
شيئا تحمد مغبة أمرك إن شاء الله واجعل في كل كورة من عملك أمينا يخبرك أخبار
165

عمالك ويكتب إليك بسيرتهم وأعمالهم حتى كأنك مع كل عامل في عمله معاين لامره كله
وإن أردت أن تأمره بأمر فانظر في عواقب ما أردت من ذلك فإن رأيت السلامة فيه
والعافية ورجوت فيه حسن الدفاع والنصح والصنع فأمضه وإلا فتوقف عنه
وراجع أهل البصر والعلم ثم خذ فيه عدته فإنه ربما نظر الرجل في أمر من أمره قد
واتاه على ما يهوى فقواه ذلك وأعجبه وإن لم ينظر في عواقبه أهلكه ونقض عليه أمره
فاستعمل الحزم في كل ما أردت وباشره بعد عون الله بالقوة وأكثر استخارة ربك في
جميع أمورك وافرغ من عمل يومك ولا تؤخره لغدك وأكثر مباشرته بنفسك فان لغد
أمورا وحوادث تلهيك عن عمل يومك الذي أخرت واعلم أن اليوم إذا مضى
ذهب بما فيه وإذا أخرت عمله اجتمع عليك أمر يومين فشغلك ذلك حتى تعرض
عنه فإذا أمضيت لكل يوم عمله أرحت نفسك وبدنك وأحكمت أمور سلطانك
وانظر أحرار الناس وذوي الشرف منهم ثم استيقن صفاء طويتهم وتهذيب مودتهم
لك ومظاهرتهم بالنصح والمخالصة على أمرك فاستخلصهم وأحسن إليهم وتعاهد
أهل البيوتات ممن قد دخلت عليهم الحاجة فاحتمل مؤنتهم وأصلح حالهم حتى لا
يجدوا لخلتهم مسا وأفرد نفسك للنظر في أمور الفقراء والمساكين ومن لا يقدر
على رفع مظلمة إليك والمحتقر الذي لا علم له بطلب حقه فاسأل عنه أحفى مسألة
ووكل بأمثاله أهل الصلاح من رعيتك ومرهم برفع حوائجهم وحالاتهم إليك
لتنظر فيها بما يصلح الله أمرهم وتعاهد ذوي البأساء ويتاماهم وأراملهم واجعل
لهم أرزاقا من بيت المال اقتداء بأمير المؤمنين أعزه الله في العطف عليهم والصلة
لهم ليصلح الله بذلك عيشهم ويرزقك به بركة وزيادة وأجر للأضراء من بيت المال
وقدم حملة القرآن منهم والحافظين لا كثره في الجراية على غيرهم وانصب لمرضى
المسلمين دورا تؤويهم وقواما يرفقونهم وأطباء يعالجون أسقامهم وأسعفهم
بشهواتهم ما لم يؤد ذلك إلى سرف في بيت المال واعلم أن الناس إذا أعطوا حقوقهم
وأفضل أمانهم لم يرضهم ذلك ولم تطب أنفسهم دون رفع حوائجهم إلى ولاتهم
طمعا في نيل الزيادة وفضل الرفق منهم وربما برم المتصفح لأمور الناس لكثرة
166

ما يرد عليه ويشغل فكره وذهنه منها ما يناله به مؤنة ومشقة وليس من يرغب
في العدل ويعرف محاسن أموره في العاجل وفضل ثواب الآجل كالذي يستقبل
ما يقربه إلى الله ويلتمس رحمته به وأكثر الاذن للناس عليك وأبرز لهم وجهك
وسكن لهم أحراسك واخفض لهم جناحك وأظهر لهم بشرك ولن لهم في المسألة
والمنطق واعطف عليهم بجودك وفضلك وإذا أعطيت فأعط بسماحة وطيب نفس
والتمس الصنيعة والاجر غير مكدر ولامنان فان العطية على ذلك تجارة مربحة
إن شاء الله واعتبر بما ترى من أمور الدنيا ومن مضى من قبلك من أهل السلطان
والرئاسة في القرون الخالية والأمم البائدة ثم اعتصم في أحوالك كلها بأمر الله
والوقوف عند محبته والعمل بشريعته وسنته وإقامة دينه وكتابه واجتنب ما فارق
ذلك وخالفه ودعا إلى سخط الله واعرف ما تجمع عمالك من الأموال وينفقون
منها ولا تجمع حراما ولا تنفق إسرافا وأكثر مجالسة العلماء ومشاورتهم ومخالطتهم
وليكن هواك اتباع السنن وإقامتها وإيثار مكارم الأمور ومعاليها وليكن أكرم
دخلائك وخاصتك عليك من إذا رأى عيبا فيك لم يمنعه هيبتك من إنهاء ذلك
إليك في سر وإعلامك ما فيه من النقص فان أولئك أنصح أوليائك ومظاهريك
وانظر عمالك الذين بحضرتك وكتابك فوقت لكل رجل منهم في كل يوم وقتا
يدخل عليك فيه بكتبه ومؤامرته وما عنده من حوائج عمالك وأمر كورك
ورعيتك ثم فرغ لما يورده عليك من ذلك سمعك وبصرك وفهمك وعقلك
وكرر النظر إليه والتدبير له فما كان موافقا للحزم والحق فأمضه واستخر الله فيه
وما كان مخالفا لذلك فاصرفه إلى التثبت فيه والمسألة عنه ولا تمنن على رعيتك
ولا على غيرهم بمعروف تأتيه إليهم ولا تقبل من أحد منهم إلا الوفاء والاستقامة
والعون في أمور أمير المؤمنين ولا تضعن المعروف إلا على ذلك وتفهم كتابي
إليك وأكثر النظر فيه والعمل به واستعن بالله على جميع أمورك واستخره فان
الله مع الصلاح وأهله وليكن أعظم سيرتك وأفضل رغبتك ما كان لله رضى
ولدينه نظاما ولأهله عزا وتمكينا وللذمة والملة عدلا وصلاحا وأنا أسأل الله أن
167

يحسن عونك وتوفيقك ورشدك وكلاءك وأن ينزل عليك فضله ورحمته بتمام
فضله عليك وكرامته لك حتى يجعلك أفضل أمثالك نصيبا وأوفرهم حظا وأسناهم
ذكرا وأمرا وأن يهلك عدوك ومن ناوأك وبغى عليك ويرزقك من رعيتك
العافية ويحجز الشيطان عنك ووساوسه حتى يستعلى أمرك بالعز والقوة والتوفيق
إنه قريب مجيب * وذكر أن طاهرا لما عهد إلى ابنه عبد الله هذا العهد تنازعه
الناس وكتبوه وتدارسوه وشاع أمره حتى بلغ المأمون فدعا به وقرئ عليه فقال
ما بقى أبو الطيب شيئا من أمر الدين والدنيا والتدبير والرأي والسياسة وإصلاح
الملك والرعية وحفظ البيضة وطاعة الخلفاء وتقويم الخلافة إلا وقد أحكمه
وأوصى به وتقدم وأمر أن يكتب بذلك إلى جميع العمال في نواحي الأعمال وتوجه
عبد الله إلى عمله فسار بسيرته واتبع أمره وعمل بما عهد إليه (وفى هذه السنة)
ولى عبد الله بن طاهر إسحاق بن إبراهيم الجسرين وجعله خليفته على ما كان
طاهر أبوه استخلفه فيه من الشرط وأعمال بغداد وذلك حين شخص إلى الرقة
لحرب نصر بن شبث (وحج) بالناس في هذه السنة عبيد الله بن الحسن وهو
والى الحرمين
* ثم دخلت سنة سبع ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمن ذلك خروج عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي
طالب ببلاد عك من اليمن يدعو إلى الرضى من آل محمد صلى الله عليه وسلم
* ذكر الخبر عن سبب خروجه *
وكان السبب في خروجه أن العمال باليمن أساؤا السيرة فبايعوا عبد الرحمن
هذا فلما بلغ ذلك المأمون وجه إليه دينار بن عبد الله في عسكر كثيف وكتب
معه بأمانة فحضر دينار بن عبد الله الموسم وحج فلما فرغ من حجه سار إلى اليمن
حتى أتى عبد الرحمن فبعث إليه بأمانة من المأمون فقبل ذلك ودخل ووضع يده
168

في يد دينار فخرج به إلى المأمون فمنع المأمون عند ذلك الطالبيين من الدخول
عليه وأمر بأخذهم بلبس السواد وذلك يوم الخميس لليلة بقيت من ذي القعدة
(وفى هذه السنة) كانت وفاة طاهر بن الحسين
* ذكر الخبر عن وفاته *
ذكر عن مطهر بن طاهر أن وفاة ذي اليمينين كانت من حمى وحرارة أصابته
وأنه وجد في فراشه ميتا * وذكر أن عميه علي بن مصعب وأخاه أحمد بن
مصعب صارا إليه يعودانه فسألا الخادم عن خبره وكان يغلس بصلاة الصبح
فقال الخادم هو نائم لم ينتبه فانتظراه ساعة فلما انبسط الفجر وتأخر عن الحركة
في الوقت الذي كان يقوم فيه للصلاة أنكرا ذلك وقالا للخادم أيقظه فقال
الخادم لست أجسر على ذلك فقالا له أطرق لنا لندخل إليه فدخلا فوجداه
ملتفا في دواج قد أدخله تحته وشده عليه من عند رأسه ورجليه فحركاه فلم يتحرك
فكشفا عن وجهه فوجداه قد مات ولم يعلما الوقت الذي توفى فيه ولا وقف
أحد من خدمه على وقت وفاته وسألا الخادم عن خبره وعن آخر ما وقف
عليه منه فذكر أنه صلى المغرب والعشاء الآخرة ثم التف في دواجه قال
الخادم فسمعته يقول بالفارسية كلاما وهو درمرك نيز مردى ويد تفسيره أنه
؟ في الموت أيضا إلى الرجلة * وذكر عن كلثوم بن ثابت بن أبي سعد
وكان يكنى أبا سعدة قال كنت على بريد خراسان ومجلسي يوم الجمعة في أصل
المنبر فلما كان في سنة 207 بعد ولاية طاهر بن الحسين بسنتين حضرت الجمعة
فصعد طاهر المنبر فخطب فلما بلغ إلى ذكر الخليفة أمسك عن الدعاء له فقال
اللهم أصلح أمة محمد بما أصلحت به أولياءك واكفها مؤونة من بغى فيها
وحشد عليها بلم الشعث وحقن الدماء وإصلاح ذات البين قال فقلت في نفسي
أنا أول مقتول لانى لا أكتم الخبر فانصرفت واغتسلت بغسل الموتى وائتزرت
بازار الموتى ولبست قميصا وارتديت رداء وطرحت السواد وكتبت إلى المأمون
قال فلما صلى العصر دعاني وحدث به حادث في جفن عينه وفى مأقه فخر ميتا
169

قال فخرج طلحة بن طاهر فقال ردوه ردوه وقد خرجت فردوني فقال هل
كتبت بما كان قلت نعم قال فاكتب بوفاته وأعطاني خمسمائة ألف ومائتي
ثوب فكتبت بوفاته وبقيام طلحة بالجيش قال فوردت الخريطة على المأمون
بخلعه غدوة فدعا ابن أبي خالد فقال له اشخص فأت به كما زعمت وضمنت قال
أبيت ليلتي قال لا لعمري لا تبيت إلا على ظهر فلم يزل يناشده حتى أذن له
في المبيت قال ووافت الخريطة بموته ليلا فدعاه فقال قد مات فمن ترى قال
ابنه طلحة قال الصواب ما قلت فاكتب بتوليته فكتب بذلك وأقام طلحة واليا
على خراسان في أيام المأمون سبع سنين بعد موت طاهر ثم توفى وولى عبد الله
خراسان وكان يتولى حرب بابك فأقام بالدينور ووجه الجيوش ووردت وفاة
طلحة على المأمون فبعث إلى عبد الله يحيى بن أكتم يعزيه عن أخيه ويهنئه بولاية
خراسان وولى علي بن هشام حرب بابك * وذكر عن العباس أنه قال
شهدت مجلسا للمأمون وقد أتاه نعى الطاهر فقال لليدين وللفم الحمد لله الذي
قدمه وأخرنا (وقد ذكر) في أمر ولاية طلحة خراسان بعد أبيه طاهر غير
هذا القول والذي قيل من ذلك أن طاهرا لما مات وكان موته في جمادى الأولى
وثب الجند فانتهبوا بعض خزائنه فقام بأمرهم سلام الأبرش الخصي فأمر
فأعطوا رزق ستة أشهر فصير المأمون عمله إلى طلحة خليفة لعبد الله بن طاهر
وذلك أن المأمون ولى عبد الله في قول هؤلاء بعد موت طاهر عمل طاهر كله
وكان مقيما بالرقة على حرب نصر بن شبث وجمع له مع ذلك الشأم وبعث إليه بعهده
على خراسان وعمل أبيه فوجه عبد الله أخاه طلحة بخراسان واستخلف بمدينة
السلام إسحاق بن إبراهيم وكاتب المأمون طلحة باسمه فوجه المأمون أحمد بن أبي
خالد إلى خراسان للقيام بأمر طلحة فشحص أحمد إلى ما وراء النهر فافتتح
أشر وسنة وأسر كاوس بن خاراخره وابنه الفضل وبعث بهما إلى المأمون
ووهب طلحة لابن أبي خالد ثلاثة آلاف ألف درهم وعروضا بألفي ألف
ووهب لإبراهيم بن العباس كاتب أحمد بن أبي خالد خمسمائة ألف درهم
170

(وفى هذه السنة) غلا السعر ببغداد والبصرة والكوفة حتى بلغ سعر القفيز
من الحنطة بالهاروني أربعين درهما إلى الخمسين بالقفيز الملجم (وفى هذه السنة)
ولى موسى بن حفص طبرستان والرويان ودنباوند (وحج) بالناس في هذه
السنة أبو عيسى بن الرشيد
* ثم دخلت سنة ثمان ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمما كان فيها من ذلك مصير الحسن بن الحسين بن مصعب من خراسان إلى
كرماني ممتنعا بها ومصير أحمد بن خالد إليه حتى أخذه فقدم به على المأمون
فعفا عنه (وفيها) ولى المأمون محمد بن عبد الرحمن المخزومي قضاء عسكر
المهدى في المحرم (وفيها) استعفى محمد بن سماعة القاضي من القضاء فأعفي
وولى مكانه إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة (وفيها) عزل محمد بن عبد الرحمن
عن القضاء بعد أن وليه فيها في شهر ربيع الأول ووليه بشر بن الوليد
الكندي فقال بعضهم
يا أيها الملك الموحد ربه * قاضيك بشر بن الوليد حمار
ينفى شهادة من يدين بما ب‍ * نطق الكتاب وجاءت الاخبار
ويعد عدلا من يقول بأنه * شيخ يحيط بجسمه الأقطار
ومات موسى بن محمد المخلوع في شعبان ومات الفضل بن الربيع في ذي القعدة
(وحج) بالناس في هذه السنة صالح بن الرشيد
* ثم دخلت سنة تسع ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمن ذلك ما كان من حصر عبد الله بن طاهر نصر بن شبث وتضييقه عليه حتى
طلب الأمان * فذكر عن جعفر بن محمد العامري أنه قال قال المأمون لثمامة ألا
تدلني على رجل من أهل الجزيرة له عقل وبيان ومعرفة يؤدى عنى ما أوجهه به
171

إلى نصر بن شبت قال بلى يا أمير المؤمنين رجل من بنى عامر يقال له جعفر بن محمد
قال له أحضرنيه قال جعفر فأحضرني ثمامة فأدخلني عليه فكلمني بكلام كثير
ثم أمرني أن أبلغه نصر بن شبث قال فأتيت نصرا وهو بكفر عزون بسروج فأبلغته
رسالته فأذعن وشرط شروطا منها ألا يطأ له بساطا قال فأتيت المأمون فأخبرته
فقال لا أجيبه والله إلى هذا أبدا ولو أفضيت إلى بيع قميصي حتى يطأ بساطي وما
باله ينفر منى قال قلت لجرمه وما تقدم منه فقال أتراه أعظم جرما عندي من الفضل
ابن الربيع ومن عيسى بن أبي خالد أتدري ما صنع بي الفضل أخذ قوادي وجنودي
وسلاحي وجميع ما أوصى به لي أبى فذهب به إلى محمد وتركني بمرو وحيدا فريدا
وأسلمني وأفسد على أخي حتى كان من أمره ما كان وكان أشد على من كل شئ
أتدري ما صنع بي عيسى بن أبي خالد طرد خليفتي من مدينتي ومدينة آبائي وذهب
بخراجي وفيئي وأخرب على دياري وأقعد إبراهيم خليفة دوني ودعاه باسمي
قال قلت يا أمير المؤمنين أتأذن لي في الكلام فأتكلم قال تكلم قلت الفضل
ابن الربيع رضيعكم ومولاكم وحال سلفه حالكم وحال سلفكم حاله ترجع عليه
بضروب كلها تردك إليه وعيسى بن أبي خالد فرجل من أهل دولتك وسابقته
وسابقة من مضى من سلفه سابقتهم ترجع عليه بذلك وهذا رجل لم تكن له يد قط
فيحمل عليها ولا لمن مضى من سلفه إنما كانوا من جند بنى أمية قال إن كان ذلك
كما تقول فكيف بالحنق والغيظ ولكني لست أقلع عنه حتى يطأ بساطي قال فأتيت
نصرا فأخبرته بذلك كله قال فصاح بالخيل صيحة فجالت ثم قال ويلي عليه هو لم
يقو على أربعمائة ضفدع تحت جناحه يعنى الزظ يقوى على حلبة العرب * فذكر
أن عبد الله بن طاهر لما جاده القتال وحصره وبلغ منه طلب الأمان فأعطاه وتحول
من معسكره إلى الرقة سنة 209 وصار إلى عبد الله بن طاهر وكان المأمون قد كتب
إليه قبل ذلك بعد أن هزم عبد الله بن طاهر جيوشه كتابا يدعوه إلى طاعته ومفارقة
معصيته فلم يقبل فكتب عبد الله إليه وكان كتاب المأمون إليه من المأمون كتبه
عمرو بن مسعدة أما بعد فإنك يا نصر بن شبث قد عرفت الطاعة وعزها وبرد ظلها
172

وطيب مرتعها وما في خلافها من الندم والخسار وإن طالت مدة الله بك فإنه
انما يملى لمن يلتمس مظاهرة الحجة عليه لتقع عبره بأهلها على قدر إصرارهم
واستحقاقهم وقد رأيت إذ كارك وتبصيرك لما رجوت أن يكون لما أكتب به
إليك موقع منك فان الصدق صدق والباطل باطل وإنما القول بمخارجه وبأهله
الذين يعنون به ولم يعاملك من عمال أمير المؤمنين أحد أنفع لك في مالك ودينك
ونفسك ولا أحرص على استنقاذك والانتياش لك من خطائك منى فبأي أول
أو آخر أو سطة أو إمرة إقدامك يا نصر على أمير المؤمنين تأخذ أمواله وتتولى دونه
ما ولاه الله وتريد أن تبيت آمنا أو مطمئنا أو وادعا أو ساكنا أو هادئا فو عالم السر
والجهر لئن لم تكن للطاعة مراجعا وبها خانعا لتستوبلن وخم العاقبة ثم لابد أن
بك قبل كل عمل فان قرون الشيطان إذا لم تقطع كانت في الأرض فتنة وفسادا
كبيرا ولأطأن بمن معي من أنصار الدولة كواهل رعاع أصحابك ومن تأشب
إليك من أداني البلدان وأقاصيها وطغامها وأوباشها ومن انضوى إلى حوزتك
من خراب الناس ومن لفظه بلده ونفته عشيرته لسوء موضعه فيهم وقد أعذر
من أنذر والسلام وكان مقام عبد الله بن طاهر على نصر بن شبث محاربا له فيما
ذكر خمس سنين حتى طلب الأمان فكتب عبد الله إلى المأمون يعلمه أنه حصره
وضيق عليه وقتل رؤساء من معه وأنه قد عاذ بالأمان وطلبه فأمره أن يكتب له
كتاب أمان فكتب إليه أمانا نسخته أما بعد فان الاعذار بالحق حجة الله المقرون
بها النصر والاحتجاج بالعدل دعوة الله الموصول بها العز ولا يزال المعذر بالحق
المحتج بالعدل في استفتاح أبواب التأييد واستدعاء أسباب التمكين حتى يفتح الله
وهو خير الفاتحين ويمكن وهو خير الممكنين ولست تعدو أن تكون فيما لهجت به
أحد ثلاثة طالب دين أو ملتمس دنيا أو متهورا يطلب الغلبة ظلما فان كنت للدين
تسعى بما تصنع فأوضح ذلك لأمير المؤمنين يغتنم قبوله إن كان حقا فلعمري ما همته
الكبرى ولا غايته القصوى الا الميل مع الحق حيث مال والزوال مع العدل حيث زال
وإن كنت للدنيا تقصد فأعلم أمير المؤمنين غايتك فيها والامر الذي تستحقها به فان
173

استحققتها وأمكنه ذلك فعله بك فلعمري ما يستجيز منع خلق ما يستحقه وإن عظم وان
كنت متهورا فسيكفى الله أمير المؤمنين مؤنتك ويعجل ذلك كما عجل كفايته مؤن
قوم سلكوا مثل طريقك كانوا أقوى يدا وأكثف جندا وأكثر جمعا وعددا
ونصرا منك فيما أصارهم إليه من مصارع الخاسرين وأنزل بهم من جوائح
الظالمين وأمير المؤمنين يختم كتابه بشهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وضمانه لك في دينه وذمته الصفح
عن سوالف جرائمك ومتقدمات جرائرك وانزالك ما تستأهل من منازل العز والرفعة
إن أتيت وراجعت إن شاء الله والسلام ولما خرج نصر بن شبث إلى عبد الله بن
طاهر بالأمان هدم كيسوم وخربها (وفى هذه السنة) ولى المأمون صدقة بن علي
المعروف بزريق أرمينية وآذربيجان ومحاربة بابك وانتدب للقيام بأمره أحمد بن
الجنيد بن فرزندى الإسكافي ثم رجع أحمد بن الجنيد بن فرزندى إلى بغداد ثم
رجع إلى الخرمية فأسره بابك فولى إبراهيم بن الليث بن الفضل التجيبي آذربيجان
(وحج) بالناس في هذه السنة صالح بن العباس بن محمد بن علي وهو والى مكة
(وفيها) مات ميخائيل بن جورجس صاحب الروم وكان ملكه تسع سنين
وملكت الروم عليهم ابنه توفيل بن ميخائيل
* ثم دخلت سنة عشر ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمن ذلك وصول نصر بن شبث فيها إلى بغداد وجه به عبد الله بن طاهر إلى المأمون
فكان دخوله إليها يوم الاثنين لسبع خلون من صفر فأنزل مدينة أبى جعفر
ووكل به من يحفظه (وفيها) ظهر المأمون على إبراهيم بن محمد بن عبد الوهاب
ابن إبراهيم الامام الذي يقال له ابن عائشة ومحمد بن إبراهيم الإفريقي ومالك بن
شاهي وفرج البعواري ومن كان معهم ممن كان يسعى في البيعة لإبراهيم المهدى
وكان الذي أطلعه عليهم وعلى ما كانوا يسعون فيه من ذلك عمران القطربلي
174

فأرسل إليهم المأمون يوم السبت فيما ذكر لخمس خلون من صفر سنة 210 فأمر
المأمون بإبراهيم بن عائشة أن يقام ثلاثة أيام في الشمس على باب دار المأمون
ثم ضربه يوم الثلاثاء بالسياط ثم حبسه في المطبق ثم ضرب مالك بن شاهي وأصحابه
وكتبوا للمأمون أسماء من دخل معهم في هذا الامر من القواد والجند وسائر
الناس فلم يعرض المأمون لاحد ممن كتبوا به ولم يأمن أن يكونوا قد قذفوا أقواما
براء وكانوا اتعدوا أن يقطعوا الجسر إذا خرج الجند يتلقون نصر بن شبث فغمز
بهم فأخذوا ودخل نصر بن شبث بعد ذلك وحده ولم يوجه إليه أحد من الجند
فأنزل عند إسحق بن إبراهيم ثم حول إلى مدينة أبى جعفر (وفيها) أخذ إبراهيم بن
المهدى ليلة الأحد لثلاث عشرة من ربيع الآخر وهو متنقب مع امرأتين في زي
امرأة أخذه حارس أسود ليلا فقال من أنتن وأين تردن في هذا الوقت فأعطاه
إبراهيم فيما ذكر خاتم ياقوت كان في يده له قدر عظيم ليخليهن ولا يسألهن فلما
نظر الحارس إلى الخاتم استراب بهن وقال هذا خاتم رجل له شأن فرفعهن إلى
صاحب المسلحة فأمرهن أن يسفرن فتمنع إبراهيم فجبذه صاحب المسلحة فبدت
لحيته فرفعه إلى صاحب الجسر فعرفه فذهب به إلى باب المأمون فأعلم به فأمر
بالاحتفاظ به في الدار فلما كان غداة الاحد أقعد في دار المأمون لينظر إليه بنو هاشم
والقواد والجند وصيروا المقنعة التي كان متقبا بها في عنقه والملحفة التي كان
ملتحفا بها في صدره ليراه الناس ويعلموا كيف أخذ فلما كان يوم الخميس حوله
المأمون إلى منزل أحمد بن أبي خالد فحبسه عنده ثم أخرجه المأمون معه حيث
خرج إلى الحسن بن سهل بواسط فقال الناس ان الحسن كلمه فيه فرضى عنه
وخلى سبيله وصيره عند أحمد بن أبي خالد وصير معه ابن يحيى بن معاذ وخالد بن
يزيد بن مزيد يحفظانه الا أنه موسع عليه عنده أمه وعياله ويركب إلى دار المأمون
وهؤلاء معه يحفظونه (وفى هذه السنة) قتل المأمون إبراهيم بن عائشة وصلبه
* ذكر الخبر عن سبب قتله إياه *
كان السبب في ذلك أن المأمون حبس ابن عائشة ومحمد بن إبراهيم الإفريقي
175

ورجلين من الشطار يقال لأحدهما أبو مسمار وللآخر عمار وفرج البغواري
ومالك بن شاهي وجماعة معهم ممن كان سعى في البيعة لإبراهيم بعد أن ضربوا
بالسياط ما خلا عمارا فإنه أو من لما كان من اقراره على القوم في المطبق فرفع
بعض أهل المطبق أنهم يريدون أن يشغبوا وينقبوا السجن وكانوا قبل ذلك بيوم
قد سدوا باب السجن من داخل فلم يدعوا أحدا يدخل عليهم فلما كان الليل وسمعوا
شغبهم بلغ المأمون خبرهم فركب إليهم من ساعته بنفسه فدعا بهؤلاء الأربعة
فضرب أعناقهم صبرا وأسمعه ابن عائشة شتما قبيحا فلما كانت الغداة صلبوا على
الجسر الأسفل فلما كان من الغداة يوم الأربعاء أنزل إبراهيم بن عائشة فكفن
وصلى عليه ودفن في مقابر قريش وأنزل ابن الإفريقي فدفن في مقابر الخيزران
وترك الباقون * وذكر أن إبراهيم بن المهدى لما أخذ صير به إلى دار أبى إسحق
ابن الرشيد وأبو إسحق عند المأمون فحمل رديفا لفرج التركي فلما أدخل على المأمون
قال له هيه يا إبراهيم فقال يا أمير المؤمنين ولى الثأر محكم في القصاص والعفو
أقرب للتقوى ومن تناوله الاغترار بما مد له من أسباب الشقاء أمكن عادية
الدهر من نفسه وقد جعلك الله فوق كل ذي ذنب فما جعل كل ذنب دونك فان
تعاقب فبحقك وإن تعف فبفضلك قال بل أعفو يا إبراهيم فكبر ثم خر ساجدا
(وقيل) إن إبراهيم كتب بهذا الكلام إلى المأمون وهو مختف فوقع المأمون في
حاشية رقعته القدرة تذهب الحفيظة والندم توبة وبينهما عفو الله وهو أكبر
ما نسأله فقال إبراهيم يمدح المأمون
يا خير من ذملت يمانية به * بعد الرسول لآيس ولطامع
وأبر من عبد الاله على التقى * عينا وأقوله بحق صادع
عسل الفوارع ما أطعت فإن تهج * فالصاب يمزج بالسمام الناقع
متيقظا حذرا وما يخشى العدى * نبهان من وسنات ليل الهاجع
ملئت قلوب الناس منك مخافة * وتبيت تكلؤهم بقلب خاشع
بأبي وأمي فدية وبنيهما * من كل معضلة وريب واقع
176

ما ألين الكنف الذي بوأتنى * وطنا وأمرع رتعه للراتع
للصالحات أخا جعلت وللتقى * وأبا رؤفا؟ القانع
نفسي فداؤك إذ تضل معاذرى * وألوذ منك بفضل حلم واسع
أملا لفضلك والفواضل شيمة * رفعت بناءك بالمحل اليافع
فبذلت أفضل ما يضيق ببذله * وسع النفوس من الفعال البارع
وعفوت عمن لم يكن عن مثله * عفو ولم يشفع إليك بشافع
إلا العلو عن العقوبة بعدما * ظفرت يداك بمستكين خاضع
فرحمت أطفالا كأفراخ القطا * وعويل عانسة كقوس النازع
وعطفت آصرة على كما وعى * بعد انهياض الوثى عظم الظالع
الله يعلم ما أقول فإنها * جهد الالية من حنيف راكع
ما إن عصيتك والغواة تقودني * أسبابها إلا بنية طائع
حتى إذا علقت حبائل شقوتي * بردى إلى حفر المهالك هائع
لم أدر أن لمثل جرمي غافرا * فوقفت أنظر أي حتف صارعي
رد الحياة على بعد ذهابها * ورع الامام القادر المتواضع
أحياك من ولاك أطول مدة * ورمى عدوك في الوتين بقاطع
كم من يد لك لم تحدثني بها * نفسي إذا آلت إلى مطامعي
أسديتها عفوا إلى هنيئة * فشكرت مصطنعا لأكرم صانع
إلا يسيرا عندما أوليتني * وهو الكثير لدى غير الضائع
إن أنت جدت بها على تكن لها * أهلا وإن تمنع فأعدل مانع
إن الذي قسم الخلافة حازها * في صلب آدم للامام السابع
جمع القلوب عليك جامع أمرها * وحوى رداؤك كل خير جامع
فذكر أن المأمون حين أنشده إبراهيم هذه القصيدة قال أقول ما قال يوسف لاخوته
لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين (وفى هذه السنة) بنى
المأمون ببوران بنت الحسن بن سهل في شهر رمضان منها
(12 - 7)
177

* ذكر الخبر عن أمر المأمون في ذلك وما كان في أيام بنائه *
ذكر أن المأمون لما مضى إلى فم الصلح إلى معسكر الحسن بن سهل حمل
معه إبراهيم بن المهدى وشخص المأمون من بغداد حين شخص إلى ما هنالك للبناء
ببوران راكبا زورقا حتى أرسى على باب الحسن وكان العباس بن المأمون قد
تقدم أباه على الظهر فتلقاه الحسن خارجا عسكره في موضع قد اتخذ له على شاطئ
دجلة بنى له فيه جوسق فلما عاينه العباس ثنى رجله لينزل فحلف عليه الحسن
ألا يفعل فلما ساواه ثنى رجله الحسن لينزل فقال له العباس بحق أمير المؤمنين
لا تنزل فاعتنقه الحسن وهو راكب ثم أمر أن يقدم إليه دابته ودخلا جميعا منزل
الحسن ووافى المأمون في وقت العشاء وذلك في شهر رمضان من سنة 210
فأفطر هو والحسن والعباس ودينار بن عبد الله قائم على رجله حتى فرغوا من
الافطار وغسلوا أيديهم فدعا المأمون بشراب فأتى بجام ذهب فصب فيه وشرب
ومد يده بجام فيه شراب إلى الحسن فتباطأ عنه الحسن لأنه لم يكن يشرب قبل ذلك
فغمز دينار بن عبد الله الحسن فقال له الحسن يا أمير المؤمنين أشربه بإذنك وأمرك
فقال له المأمون لولا أمرى لم أمدد يدي إليك فأخذ الجام فشربه فلما كان في الليلة
الثانية جمع بين محمد بن الحسن بن سهل والعباسة بنت الفضل ذي الرئاستين فلما
كان في الليلة الثالثة دخل على بوران وعندها حمدونة وأم جعفر وجدتها فلما
جلس المأمون معها نثرت عليها جدتها ألف درة كانت في صينية ذهب فأمر
المأمون أن تجمع وسألها عن عدد ذلك الدر كم هو فقالت ألف حبة فأمر بعدها
فنقصت عشرا فقال من أخذها منكم فليردها فقالوا حسين زجلة فأمره بردها
فقال يا أمير المؤمنين إنما نثر لنأخذه قال ردها فانى أخلفها عليك فردها وجمع
المأمون ذلك الدر في الآنية كما كان فوضع في حجرها وقال هذه نحلتك وسلى
حوائجك فأمسكت فقالت لها جدتها كلمى سيدك وسليه حوائجك فقد أمرك
فسألته الرضى عن إبراهيم بن المهدى فقال قد فعلت وسألته الاذن لام جعفر
في الحج فأذن لها وألبستها أم جعفر البدنة الأموية وابتنى بها في ليلته وأوقد
178

في تلك الليلة شمعة عنبر فيها أربعون منافى تور ذهب فأنكر المأمون ذلك عليهم
وقال هذا سرف فلما كان من الغد دعا بإبراهيم بن المهدى فجاء يمشى من شاطئ
دجلة عليه مبطنة ملحم وهو معتم بعمامة حتى دخل فلما رفع الستر عن المأمون
رمى بنفسه فصاح المأمون يا عم لا بأس عليك فدخل فسلم عليه تسليم الخلافة
وقبل يده وأنشد شعره ودعا بالخلع فخلع عليه خلعة ثانية ودعا له بمركب وقلده
سيفا وخرج فسلم على الناس ورد إلى موضعه * وذكر أن المأمون أقام عند
الحسن بن سهل سبعة عشر يوما يعد له في كل يوم لجميع من معه جميع ما يحتاج
إليه وأن الحسن خلع على القواد على مراتبهم وحملهم ووصلهم وكان مبلغ النفقة
عليهم خمسين ألف ألف درهم قال وأمر المأمون غسان بن عباد عند منصرفه أن
يدفع إلى الحسن عشرة آلاف ألف من مال فارس وأقطعه الصلح فحملت إليه على
المكان وكانت معدة عند غسان بن عباد فجلس الحسن ففرقها في قواده وأصحابه
وحشمه وخدمه فلما انصرف المأمون شيعه الحسن ثم رجع إلى فم الصلح * فذكر عن
أحمد بن الحسن بن سهل قال كان أهلنا يتحدثون أن الحسن بن سهل كتب رقاعا فيها أسماء
ضياعه ونثرها على القواد وعلى بني هاشم فمن وقعت في يده رقعة منها فيها اسم ضيعة بعث
فتسلمها * وذكر عن أبي الحسن علي بن الحسين بن عبد الاعلى الكاتب قال حدثني
الحسن بن سهل يوما بأشياء كانت في أم جعفر ووصف رجاحة عقلها وفهمها ثم
قال سألها يوما المأمون بفم الصلح حيث خرج إلينا عن النفقة على بوران وسأل حمدونة
بنت غضيض عن مقدار ما أنفقت في ذلك الامر قال فقالت حمدونة أنفقت خمسة
وعشرين ألف ألف قال فقلت أم جعفر ما صنعت شيئا قد أنفقت ما بين خمسة
وثلاثين ألف ألف إلى سبعة وثلاثين ألف ألف درهم قال وأعددنا له شمعتين
من عنبر قال فدخل بها ليلا فأوقدتا بين يديه فكثر دخانهما فقال ارفعوهما قد
أذانا الدخان وهاتوا الشمع قال ونحلتها أم جعفر في ذلك اليوم الصلح قال فكان
سبب عود الصلح إلى ملكي وكانت قبل ذلك لي فدخل على يوما حميد الطوسي
فأقرأني أربعة أبيات امتدح بها ذا الرئاستين فقلت له ننفذها لك إلى ذي الرئاستين
179

وأقطعك الصلح في العاجل إلى أن تأتى مكفأتك من قبله فأقطعته إياها ثم ردها
المأمون على أم جعفر فنحلتها بوران * وروى علي بن الحسين أن الحسن بن سهل
كان لا ترفع الستور عنه ولا يرفع الشمع من بين يديه حتى تطلع الشمس ويتبينها إذا
نظر إليها وكان متطيرا يحب أن يقال له إذا دخل عليه انصرفنا من فرح وسرور
ويكره أن يذكر له جنازة أو موت أحد قال ودخلت عليه يوما فقال له قائل إن
علي بن الحسين أدخل ابنه الحسن اليوم الكتاب قال فدعا لي وانصرفت فوجدت
منزلي عشرين ألف درهم هبة للحسن وكتابا بعشرين ألف درهم قال وكان قد
وهب لي من أرضه بالبصرة ما قوم بخمسين ألف دينار فقبضه عنى بغا الكبير
وأضافه إلى أرضه * وذكر عن أبي حسان الزيادي أنه قال لما صار المأمون إلى
الحسن بن سهل أقام عنده أياما بعد البناء ببوران وكان مقامه في مسيره وذهابه
ورجوعه أربعين يوما ودخل إلى بغداد يوم الخميس لاحدى عشرة ليلة خلت
من شوال وذكر عن محمد بن موسى الخوارزمي أنه قال خرج المأمون نحو الحسن
ابن سهل إلى فم الصلح لثمان خلون من شهر رمضان ورحل من فم الصلح لتسع
بقين من شوال سنة 201 (وهلك) حميد بن عبد الحميد يوم الفطر من هذه السنة
وقالت جاريته عذل
من كان أصبح يوم الفطر مغتبطا * فما غبطنا به والله محمود
أو كان منتظرا في الفطر سيده * فإن سيدنا في الترب ملحود
(وفى هذه السنة) افتتح عبد الله بن طاهر مصر واستأمن إليه عبيد الله بن
السرى بن الحكم
* ذكر الخبر عن سبب شخوص عبد الله بن طاهر من الرقة إلى مصر *
* وسبب خروج ابن السرى إليه في الأمان *
ذكر أن عبد الله بن طاهر لما فرغ من مصر بن شبث العقيلي ووجهه إلى المأمون
فوصل إليه ببغداد كتب المأمون يأمره بالمصير إلى مصر فحدثني أحمد بن محمد بن
مخلد أنه كان يومئذ بمصر وأن عبد الله بن طاهر لما قرب منها وصار منها على
180

مرحلة قدم قائدا من قواده إليها ليرتاد لمعسكره موضعا يعسكر فيه وقد خندق
ابن السرى عليها خندقا فاتصل الخبر بابن السرى عن مصير القائد إلى ما قرب
منها فخرج بمن استجاب له من أصحابه إلى القائد الذي كان عبد الله بن طاهر وجهه
لطلب موضع معسكره فالتقى جيش ابن السرى وقائد عبد الله وأصحابه وهم في قلة
فجال القائد وأصحابه جولة وأبرد القائد إلى عبد الله بريدا يخبره بخبره وخبر ابن
السرى فحمل رجاله على البغال على كل بغل رجلين بآلتها وأدواتها وجنبوا الخيل
وأسرعوا السير حتى لحقوا القائد وابن السرى فلم تكن من عبد الله وأصحابه
إلا حملة واحدة حتى انهزم ابن السرى وأصحابه وتساقطت عامة أصحابه يعنى ابن السرى
في الخندق فمن هلك منهم بسقوط بعضهم على بعض في الخندق كان أكثر ممن قتله
الجند بالسيف وانهزم ابن السرى فدخل الفسطاط وأغلق على نفسه وأصحابه
ومن فيها الباب وحاصره عبد الله بن طاهر فلم يعاوده ابن السرى الحرب بعد
ذلك حتى خرج إليه في الأمان * وذكر عن ابن ذي القلمين قال بعث ابن السرى
إلى عبد الله بن طاهر لما ورد مصر ومانعه من دخولها بألف وصيف ووصيفة
مع كل وصيف ألف دينار في كيس حرير وبعث بهم ليلا قال فرد ذلك عليه
عبد الله وكتب إليه لو قبلت هديتك نهارا لقبلتها ليلا بل أنتم بهديتكم تفرحون
ارجع إليهم فلتأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون قال
فحينئذ طلب الأمان منه وخرج إليه * وذكر أحمد بن حفص بن عمر عن أبي
السمراء قال خرجنا مع الأمير عبد الله بن طاهر متوجهين إلى مصر حتى إذا كنا بين
الرملة ودمشق إذا نحن بأعرابي قد اعترض فإذا شيخ فيه بقية على بعير له أورق
فسلم علينا فرددنا عليه السلام قال أبو السمراء وأنا وإسحاق بن إبراهيم الرافقي
وإسحاق بن أبي ربعي ونحن نساير الأمير وكنا يومئذ أفره من الأمير
دواب وأجود منه كسا قال فجعل الأعرابي ينظر في وجوهنا قال فقلت
يا شيخ قد ألححت في النظر أعرفت شيئا أم أنكرته قال لا والله ما عرفتكم قبل
يومى هذا ولا أنكرتكم لسوء أراه فيكم ولكني رجل حسن الفراسة في الناس
181

جيد المعرفة بهم قال فأشرت له إلى إسحاق بن أبي ربعي فقلت ما تقول في هذا فقال
أرى كاتبا هي الكتابة بين * عليه وتأديب العراق منير
له حركات قد يشاهدن أنه * عليم بتقسيط الخراج بصير
ونظر إلى إسحاق بن إبراهيم الرافقي فقال
ومظهر نسك ما عليه ضميره * يحب الهدايا بالرجال مكور
أخال به جنبا وبخلا وشيمة * تخبر عنه أنه لوزير
ثم نظر إلى وأنشأ يقول
وهذا نديم للأمير ومؤنس * يكون له بالقرب منه سرور
أخاله للاشعار والعلم راويا * فبعض نديم مرة وسمير
ثم نظر إلى الأمير وأنشأ يقول
وهذا الأمير المريجي سيب كفه * فما إن له فيمن رأيت نظير
عليه رداء من جمال وهيبة * ووجه بإدراك النجاح بشير
لقد عصم الاسلام منه بدابد * به عاش معروف ومات نكير
ألا إنما عبد الاله بن طاهر * لنا والد بر بنا وأمير
قال فوقع ذلك من عبد الله أحسن موقع وأعجبه ما قال الشيخ فأمر له بخمسمائة
دينار وأمره أن يصحبه وذكر عن الحسن بن يحيى الفهري قال لقينا البطين الشاعر
الحمصي ونحن مع عبد الله بن طاهر فيما بين سلمية وحمص فوقف على الطريق فقال
لعبد الله بن طاهر
مرحبا مرحبا وأهلا وسهلا * بابن ذي الجود طاهر بن الحسين
مرحبا مرحبا وأهلا وسهلا * بابن ذي الغرتين في الدعوتين
مرحبا مرحبا بمن كفه البحر * إذا فاض مزبد الرجوين
ما يبالي المأمون أيده الله * إذا كنتما له باقيين
أنت غرب وذاك شرق مقيما * أي فتق أتى من الجانبين
وحقيق إذ كنتما في قديم * لزريق ومصعب وحسين
182

أن تنالا ما نلتماه من المجد * وأن تعلوا على الثقلين
قال من أنت ثكلتك أمك قال أنا البطين الشاعر الحمصي قال اركب يا غلام
وانظر كم بيت قال قال سبعة فأمر له بسبعة آلاف درهم أو بسبعمائة دينار ثم لم
يزل معه حتى دخلوا مصر والإسكندرية حتى انخسف به وبدابته مخرج فمات فيه
بالإسكندرية (وفى هذه السنة) فتح عبد الله بن طاهر الإسكندرية وقيل كان فتحه
إياها في سنة 211 وأجلى من كان تغلب عليها من أهل الأندلس عنها
* ذكر الخبر عن أمره وأمرهم *
* حدثني غير واحد من أهل مصر أن مراكب أقبلت من بحر الروم من قبل
الأندلس فبها جماعة كبيرة أيام شغل الناس قبلهم بفتنة الجروي وابن السرى
حتى أرسوا مراكبهم بالإسكندرية ورئيسهم يومئذ رجل يدعى أبا حفص فلم يزالوا
بها مقيمين حتى قدم عبد الله بن طاهر مصر قال لي يونس بن عبد الاعلى قدم علينا
من قبل المشرق فتى حدث يعنى عبد الله بن طاهر والدنيا عندنا مفتونة قد غلب على
كل ناحية من بلادنا غالب والناس منهم في بلاء فأصلح الدنيا وأمن البرئ وأخاف
السقيم واستوثقت له الرعية بالطاعة ثم قال أخبرنا عبد الله بن وهب قال أخبرني
عبد الله بن لهيعة قال لا أدرى رفعه إلى قبل أم لا فلم نجد فيما قرأنا من الكتب إن
لله بالمشرق جندا لم يطغ عليه أحد من خلقه إلا بعثهم عليه وانتقم بهم منه أو كلاما
هذا معناه فلما دخل عبد الله بن طاهر بن الحسين مصر أرسل إلى من كان بها من
الأندلسيين وإلى من كان انضوى إليهم يؤذنهم بالحرب إن هم لم يدخلوا في الطاعة
فأخبروني أنهم أجابوه إلى الطاعة وسألوه الأمان على أن يرتحلوا من الإسكندرية
إلى بعض أطراف الروم التي ليست من بلاد الاسلام فأعطاهم الأمان على ذلك
وأنهم رحلوا عنها فنزلوا جزيرة من جزائر البحر يقال لها إقريطش فاستوطنوها
وأقاموا بها وفيها بقايا أولادهم إلى اليوم (وفى هذه السنة) خلع أهل قم السلطان
ومنعوا الخراج
183

* ذكر الجبر عن سبب خلعهم السلطان ومآل أمرهم في ذلك *
ذكر أن سبب خلعهم إياه كان أنهم كانوا استكثروا ما عليهم من الخراج وكان
خراجهم ألفى ألف درهم وكان المأمون قد حط عن أهل الري حين دخلها منصرفا
من خراسان إلى العراق ما قد ذكرت قبل فطمع أهل قم من المأمون في الفعل بهم
في الحط عنهم والتخفيف مثل الذي فعل من ذلك بأهل الري فرفعوا إليه
يسألونه الحط ويشكون إليه ثقله عليهم فلم يجيهم المأمون إلى ما سألوه فامتنعوا من
أدائه فوجه المأمون إليهم علي بن هشام ثم أمده بعجيف بن عنبسة وقدم قائد
لحميد يقال له محمد بن يوسف الكح بقوص من خراسان فكتب إليه بالمصير
إلى قم لحرب أهلها مع علي بن هشام فحاربهم على فظفر بهم وقتل يحيى بن عمران
وهدم سور قم وجباها سبعة آلاف ألف درهم بعد ما كانوا يتظلمون من ألفى
ألف درهم (ومات في هذه السنة) شهريار وهو ابن شروين وصار في
موضعه ابنه سابور فنازعه مازيار بن قارن فأسره وقتله وصارت الجبال في يدي
مازيار بن قارن (وحج) بالناس في هذه السنة صالح بن العباس بن محمد وهو
يومئذ والى مكة
* ثم دخلت سنة إحدى عشرة ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمن ذلك خروج عبيد الله بن السرى إلى عبد الله بن طاهر بالأمان ودخول
عبد الله بن طاهر مصر وقيل إن ذلك في سنة 210 وذكر بعضهم أن ابن السرى
خرج إلى عبد الله بن طاهر يوم السبت لخمس بقين من صفر سنة 211 وأدخل
بغداد لسبع بقين من رجب سنة 211 وأنزل مدينة أبى جعفر وأقام عبد الله بن
طاهر بمصر واليا عليها وعلى سائر الشأم والجزيرة فذكر عن طاهر بن خالد
ابن نزار الغساني قال كتب المأمون إلى عبد الله بن طاهر وهو بمصر حين فتحها
في أسفل كتاب له
184

أخي أنت ومولاي * ومن أشكر نعماه
فما أحببت من أمر * فإني الدهر أهواه
وما تكره من شئ * فإني لست أرضاه
لك الله على ذاك * لك الله لك الله
وذكر عن عطاء صاحب مظالم عبد الله بن طاهر قال قال رجل من إخوة المأمون
للمأمون يا أمير المؤمنين ان عبد الله بن طاهر يميل إلى ولد أبى طالب وكذا كان
أبوه قبله قال فدفع المأمون ذلك وأنكره ثم عاد بمثل هذا القول فدس إليه رجلا
ثم قال له امض في هيئة القراء والنساك إلى مصر فادع جماعة من كبرائها إلى القاسم
ابن إبراهيم بن طباطبا واذكر مناقبه وعلمه وفضائله ثم صر بعد ذلك إلى بعض
بطانة عبد الله بن طاهر ثم ائته فادعه ورغبه في استجابته له وابحث عن دفين نيته
بحثا شافيا وائتني بما تسمع منه قال ففعل الرجل ما قال له وأمره به حتى إذا دعا
جماعة من الرؤساء والأعلام قعد يوما بباب عبد الله بن طاهر وقد ركب إلى
عبيد الله بن السرى بعد صلحه وأمانه فلما انصرف قام إليه الرجل فأخرج من
كمه رقعة فدفعها إليه فأخذها بيده فما هو إلا أن دخل فخرج الحاجب إليه فأدخله
عليه وهو قاعد على بساطه ما بينه وبين الأرض غيره وقد مد رجليه وخفاه
فيهما فقال له قد فهمت ما في رقعتك من جملة كلامك فهات ما عندك قال ولى أمانك
وذمة الله معك قال لك ذلك قال فأظهر له ما أراد ودعاه إلى القاسم وأخبره بفضائله
وعلمه وزهده فقال له عبد الله أتنصفني قال نعم قال هل يجب شكر الله على العباد
قال نعم قال فهل يجب شكر بعضهم لبعض عند الاحسان والمنة والتفضل
قال نعم قال فتجئ إلى وأنا في هذه الحالة التي ترى لي خاتم في المشرق جائز وفى
المغرب كذلك وفيما بينهما أمرى مطاع وقولي مقبول ثم ما التفت يميني ولا شمالي
وورائي وقدامي إلا رأيت نعمة لرجل أنعمها على ومنة ختم بها رقبتي ويدا لائحة بيضاء
ابتدأني بها تفضلا وكرما فتدعوني إلى الكفر بهذه النعمة وهذا الاحسان وتقول
غدر بمن كان أولا لهذا وآخرا واسع في إزالة خيط عنقه وسفك دمه تراك لو
185

دعوتني إلى الجنة عيانا من حيث أعلم أكان الله يحب أن أغدر به وأكفر احسانه
ومنته وأنكث بيعته فسكت الرجل فقال له عبد الله أما انه قد بلغني أمرك وتالله
ما أخاف عليك إلا نفسك فارحل عن هذا البلد فان السلطان الأعظم إن بلغه
أمرك وما آمن ذلك عليك كنت الجاني على نفسك ونفس غيرك فلما أيس الرجل
مما عنده جاء إلى المأمون فأخبره الخبر فاستبشر وقال ذلك غرس يدي وإلف أدبى
وترب تلقيحي ولم يظهر من ذلك لاحد شيئا ولاعلم به عبد الله إلا بعد موت
المأمون وذكر عن عبد الله بن طاهر أنه قال وهو محاصر بمصر عبيد الله بن السرى
بكرت تسبل دمعا * إن رأت وشك براحى
وتبدلت صقيلا * يمنيا بوشاحي
وتماديت بسير * لغدو ورواح
زعمت جهلا بأني * تعب غير مراح
أقصرى عنى فإني * سالك قصد فلاحى
أنا للمأمون عبد * منه في ظل جناح
إن يعاف الله يوما * فقريب مستراحى
أو يكن هلك فقولي * بعويل وصياح
حل في مصر قتيل * ودعى عنك التلاحى
وذكر عن عبد الله بن أحمد بن يوسف أن أباه كتب إلى عبد الله بن طاهر
عند خروج عبيد الله بن السرى إليه يهنئه بذلك الفتح بلغني أعز الله الأمير
ما فتح الله عليك وخروج ابن السرى إليك فالحمد لله الناصر لدينه المعز لدولة خليفته
على عباده المذل لمن عند عنه وعن حقه ورغب عن طاعته ونسأل الله أن يظاهر له
النعم ويفتح له بلدان الشرك والحمد لله على ما وليك به مذ ظعنت لوجهك فإنا ومن
قبلنا نتذاكر سيرتك في حربك وسلمك ونكثر التعجب لما وفقت له من الشدة
والليان في مواضعهما ولا نعلم سائس جند ورعية عدل بينهم عدلك ولا عفا بعد
القدرة عمن آسفه وأضغنه عفوك ولقل ما رأينا ابن شرف لم يلق بيده متكلا على
186

ما قدمت له أبوته ومن أوتى حظا وكفاية وسلطانا وولاية لم يخلد إلى ما عفا له حتى يخل
بمساماة ما أمامه ثم لا نعلم سائسا استحق النجح لحسن السيرة وكف معرة الاتباع
استحقاقك وما يستجيز أحد ممن قبلنا أن يقدم عليك أحدا يهوى عند الحاقة
والنازلة المعضلة فليهنك منة الله ومزيده ويسوغك الله هذه النعمة التي حواها
لك بالمحافظة على ما به تمت لك من التمسك بحبل إمامك ومولاك ومولى جميع
المسلمين وملاك وإيانا العيش ببقائه وأنت تعلم أنك لم تزل عندنا وعند من قبلنا
مكرما مقدما معظما وقد زادك الله في أعين الخاصة والعامة جلالة وبجالة
فأصبحوا يرجونك لأنفسهم ويعدونك لأحداثهم ونوائبهم وأرجو أن يوفقك
الله لمحابه كما وفق لك صنعه وتوفيقه فقد أحسنت جوار النعمة فلم تطغك ولم تزدد
إلا تذللا وتواضعا فالحمد لله على ما أنالك وأبلاك وأودع فيك والسلام (وفى
هذه السنة) قدم عبد الله بن طاهر بن الحسين مدينة السلام من المغرب فتلقاه العباس
ابن المأمون وأبو إسحاق المعتصم وسائر الناس وقدم معه بالمتغلبين على الشأم
كابن السرج وابن أبي الجمل وابن أبي الصقر ومات موسى بن حفص فولى محمد
ابن موسى طبرستان مكان أبيه وولى حاجب بن صالح الهند فهزمه بشر بن داود
فانحاز إلى كرمان (وفيها) أمر المأمون مناديا فنادى برئت الذمة ممن ذكر
معاوية بخير أو فضله على أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (وحج)
بالناس في هذه السنة صالح بن العباس وهو والى مكة (وفيها) مات
أبو العتاهية الشاعر
* ثم دخلت سنة اثنتي عشرة ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمن ذلك ما كان من توجيه المأمون محمد بن حميد الطوسي إلى بابك لمحاربته على
طريق الوصل وتقويته إياه فأخذ محمد بن حميد يعلى بن مرة ونظراءه من المتغلبة
بآذربيجان فبعث بهم إلى المأمون (وفيها) خلع أحمد بن محمد العمرى المعروف
187

بالأحمر العين باليمن (وفيها) ولى المأمون محمد بن عبد الحميد المعروف بأبي الرازي
اليمن (وفيها) أظهر المأمون القول بخلق القرآن وتفضيل علي بن أبي طالب
عليه السلام وقال هو أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذلك
في شهر ربيع الأول منها (وحج) بالناس في هذه السنة عبد الله بن عبيد الله بن
العباس بن محمد
* ثم دخلت سنة ثلاث عشرة ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمن ذلك ما كان من خلع عبد السلام وابن جليس بمصر في القيسية واليمانية
ووثوبهما بها (وفيها) مات طلحة بن طاهر بخراسان (وفيها) ولى المأمون أخاه
أبا إسحاق الشأم ومصر وولى ابنه العباس بن المأمون الجزيرة والثغور والعواصم
وأمر لكل واحد منهما ومن عبد الله بن طاهر بخمسمائة ألف دينار وقيل إنه لم
يفرق في يوم من المال مثل ذلك (وفيها) ولى غسان بن عباد السند
* ذكر الخبر عن سبب توليته إياه السند *
وكان السبب في ذلك فيما بلغني أن بشر بن داود بن يزيد خالف المأمون وجبا
الخراج فلم يحمل إلى المأمون شيئا منه فذكر أن المأمون قال يوما لأصحابه أخبروني
عن غسان بن عباد فإني أريده لأمر جسيم وكان قد عزم على أن يوليه السند لما
كان من أمر بشر بن داود فتكلم من حضر وأطنبوا في مدحه فنظر المأمون إلى
أحمد بن يوسف وهو ساكت فقال له ما تقول يا أحمد قال يا أمير المؤمنين ذاك
رجل محاسنه أكثر من مساويه لا تصرف به إلى طبقة إلا انتصف منهم فمهما
تخوفت عليه فإنه لن يأتي أمرا يعتذر منه لأنه قسم أيامه بين أيام الفضل فجعل
لكل خلق نوبة إذا نظرت في أمره لم تدر أي حالاته أعجب إما هداه إليه عقله أم
إما اكتسبه بالأدب قال لقد مدحته على سوء رأيك فيه قال لأنه فيما قلت كما
قال الشاعر
188

كفى شكرا بما أسديت أنى * مدحتك في الصديق وفى عداتي
قال فأعجب المأمون كلامه واسترجح أدبه (وحج) بالناس في هذه السنة
عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن محمد
* ثم دخلت سنة أربع عشرة ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمما كان فيها من ذلك مقتل محمد بن حميد الطوسي قتله بابك بهشتادسر يوم
السبت لخمس ليال بقين من شهر ربيع الأول وفض عسكره وقتل جمعا كثيرا
ممن كان معه (وفيها) قتل أبو الرازي باليمن (وفيها) قتل عمير بن الوليد
الباذغيسي عامل أبي إسحاق بن الرشيد بمصر بالحوف في شهر ربيع الأول فخرج
أبو إسحاق إليها فافتتحها وظفر بعبد السلام وابن جليس فقتلهما فضرب المأمون
ابن الحروري ورده إلى مصر (وفيها) خرج بلال الضبابي الشاري فشخص
المأمون إلى العلث ثم رجع إلى بغداد فوجه عباسا ابنه في جماعة من القواد فيهم
علي بن هشام وعجيف وهارون بن محمد بن أبي خالد فقتل هارون بلالا (وفيها)
خرج عبد الله بن طاهر إلى الدينور فبعث المأمون إليه إسحاق بن إبراهيم ويحيى بن
أكثم يخيرانه بين خراسان والجبال وأرمينية وآذربيجان ومحاربة بابك فاختار
خراسان وشخص إليها (وفيها) تحرك جعفر بن داود القمي فظفر به عزيز مولى
عبد الله بن طاهر وكان هرب من مصر فرد إليها (وفيها) ولى علي بن هشام
الجبل وقم وأصبهان وآذربيجان (وحج) بالناس في هذه السنة إسحاق
ابن العباس بن محمد
* ثم دخلت سنة خمس عشرة ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
(وفى هذه السنة) شخص المأمون من مدينة السلام لغزو الروم وذلك
يوم السبت فيما قيل لثلاث بقين من المحرم وقيل كان ارتحاله من الشماسية إلى
189

البردان يوم الخميس بعد صلاة الظهر لست بقين من المحرم سنة 215 واستخلف
حين رحل عن مدينة السلام عليها إسحاق بن إبراهيم بن مصعب وولى مع ذلك
السواد وحلوان وكور دجلة فلما صار المأمون بتكريت قدم عليه محمد بن علي
ابن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رحمه الله
من المدينة في صفر ليلة الجمعة من هذه السنة ولقيه بها فأجازه وأمره أن يدخل
بابنته أم الفضل وكان زوجها منه فأدخلت عليه في دار أحمد بن يوسف التي
على شاطئ دجلة فأقام بها فلما كان أيام الحج خرج بأهله وعياله حتى أتى
مكة ثم أتى منزله بالمدينة فأقام بها ثم سلك المأمون طريق الموصل حتى صار إلى
منبج ثم إلى دابق ثم إلى أنطاكية ثم إلى المصيصة ثم خرج منها إلى طرسوس ثم
دخل من طرسوس إلى بلاد الروم للنصف من جمادى الأولى ورحل العباس
ابن المأمون من ملطية فأقام المأمون على حصن يقال له قرة حتى فتحه عنوة وأمر
بهدمه وذلك يوم الأحد لأربع بقين من جمادى الأولى وكان قد افتتح قبل ذلك
حصنا يقال له ماجدة فمن على أهلها وقيل إن المأمون لما أناخ على قرة فحارب أهلها
طلبوا الأمان فآمنهم المأمون فوجه أشناس إلى حصن سندس فأتاه برئيسه
ووجه عجيفا وجعفرا الخياط إلى صاحب حصن سنان فسمع وأطاع (وفى
هذه السنة) انصرف أبو إسحاق بن الرشيد من مصر فلقى المأمون
قبل دخوله الموصل ولقيه منويل وعباس ابنه برأس العين (وفيها) شخص المأمون
بعد خروجه من أرض الروم إلى دمشق (وحج) بالناس في هذه السنة عبد الله
ابن عبيد الله بن العباس بن محمد
* ثم دخلت سنة ست عشرة ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمن ذلك كر المأمون إلى أرض الروم
190

* ذكر السبب في كره إليها *
اختلف في ذلك فقيل كان السبب فيه ورود الخبر على المأمون بقتل ملك
الروم قوما من أهل طرسوس والمصيصة وذلك فيما ذكر ألف وستمائة فلما بلغه
ذلك شخص حتى دخل أرض الروم يوم الاثنين لاحدى عشرة بقيت من جمادى
الأولى من هذه السنة فلم يزل مقيما فيها إلى النصف من شعبان * وقيل إن سبب
ذلك أن توفيل بن ميخائيل كتب إليه فبدأ بنفسه فلما ورد الكتاب عليه لم يقرأه
وخرج إلى أرض الروم فوافاه رسل توفيل بن ميخائيل بأذنه ووجه بخمسمائة
رجل من أسارى المسلمين إليه فلما دخل المأمون أرض الروم ونزل على أنطيغوا
فخرج أهلها على صلح وصار إلى هرقلة فخرج أهلها إليه على صلح ووجه أخاه
أبا إسحاق فافتتح ثلاثين حصنا ومطمورة ووجه يحيى بن أكثم من طوانة فأغار
وقتل وحرق وأصاب سبيا ورجع إلى العسكر ثم خرج المأمون إلى كيسوم فأقام
بها يومين أو ثلاثة ثم ارتحل إلى دمشق (وفى هذه السنة) ظهر عبدوس الفهري
فوثب بمن معه على عمال أبي إسحاق فقتل بعضهم وذلك في شعبان فشخص المأمون
من دمشق يوم الأربعاء لأربع عشرة بقيت من ذي الحجة إلى مصر (وفيها) قدم
الأفشين من برقة منصرفا عنها فأقام بمصر (وفيها) كتب المأمون إلى إسحاق بن
إبراهيم يأمره بأخذ الجند بالتكبير إذا صلوا فبدأوا بذلك في مسجد المدينة
والرصافة يوم الجمعة لأربع عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان من هذه السنة حين
قضوا الصلاة فقاموا قياما فكبروا ثلاث تكبيرات ثم فعلوا ذلك في كل صلاة
مكتوبة (وفيها) غضب المأمون على علي بن هشام فوجه إليه عجيف بن عنبسة
وأحمد بن هشام وأمر بقبض أمواله وسلاحه (وفيها) ماتت أم جعفر ببغداد
في جمادى الأولى (وفيها) قدم غسان بن عباد من السند وقد استأمن إليه بشر
ابن داود المهلبي وأصلح السند واستعمل عليها عمران بن موسى البرمكي فقال الشاعر
سيف غسان رونق الحرب فيه * وسمام الحتوف في ظبتيه
فإذا جره إلى بلد السند * فألقى المقاد بشر إليه
191

مقسما لا يعود ما حج لله * مصل وما رمى جمرتيه
غادرا يخلع الملوك ويغتال * جنودا تأوى إلى ذروتيه
فرجع غسان إلى المأمون * وهرب جعفر بن داود القمي إلى قم وخلع بها
(وفى هذه السنة) كان البرد الشديد (وحج) بالناس في قول بعضهم في هذه
السنة سليمان بن عبد الله بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس وفى قول بعضهم
حج بهم في هذه السنة عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن محمد بن علي بن عبد الله
ابن العباس وكان المأمون ولاه اليمن وجعل إليه ولاية كل بلدة يدخلها حتى يدخل
إلى اليمن فخرج من دمشق حتى قدم بغداد فصلى بالناس بها يوم الفطر فشخص
من بغداد يوم الاثنين لليلة خلت من ذي القعدة وأقام الحج للناس
* ثم دخلت سنة سبع عشرة ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمن ذلك ظفر الأفشين فيها بالبيما وهى من أرض مصر ونزل أهلها بأمان على
حكم المأمون، قرئ كتاب فتحها لليلة بقيت من شهر ربيع الآخر * وورد المأمون
فيها مصر في المحرم فأتى بعبدوس الفهري فضرب عنقه وانصرف إلى الشأم
(وفيها) قتل المأمون ابني هشام عليا وحسينا بأذنة في جمادى الأولى
* ذكر الخبر عن سبب قتله عليا *
وكان سبب ذلك أن المأمون للذي بلغه من سوء سيرته في أهل عمله الذي كان
المأمون ولاه وكان ولاه كور الجبال وقتله الرجال وأخذه الأموال فوجه إليه
عجيف فأراد أن يفتك به ويلحق ببابك فظفر به عجيف فقدم به على المأمون فأمر
بضرب عنقه فتولى قتله ابن الجليل وتولى ضرب عنق الحسين محمد بن يوسف
ابن أخيه بأذنة يوم الأربعاء لأربع عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى ثم بعث
رأس علي بن هشام إلى بغداد وخراسان فطيف به ثم رد إلى الشأم والجزيرة
فطيف به كورة كورة فقدم به دمشق في ذي الحجة ثم ذهب به إلى مصر ثم ألقى بعد
192

ذلك في البحر * وذكر أن المأمون لما قتل علي بن هشام أمر أن يكتب رقعة
وتعلق على رأسه ليقرأها الناس فكتب أما بعد فان أمير المؤمنين كان دعا علي بن
هشام فيمن دعا من أهل خراسان أيام المخلوع إلى معاونته والقيام بحقه وكان فيمن
أجاب وأسرع الإجابة وعاون فأحسن المعاونة فرعى أمير المؤمنين ذلك له
واصطنعه وهو يظن به تقوى الله وطاعته والانتهاء إلى أمر أمير المؤمنين في
عمل إن أسند إليه في حسن السيرة وعفاف الطعمة وبدأه أمير المؤمنين بالافضال
عليه فولاه الأعمال السنية ووصله بالصلات الجزيلة التي أمر أمير المؤمنين بالنظر
في قدرها فوجدها أكثر من خمسين ألف ألف درهم فمد يده إلى الخيانة
والتضييع لما استرعاه من الأمانة فباعده عنه وأقصاه ثم استقال أمير المؤمنين عثرته
فأقاله إياها وولاه الجبل وآذربيجان وكور أرمينية ومحاربة أعداء الله الخرمية
على أن لا يعود لما كان منه فعاود أكثر ما كان بتقديمه الدينار والدرهم على العمل
لله ودينه وأساء السيرة وعسف الرعية وسفك الدماء المحرمة فوجه أمير المؤمنين
عجيف بن عنبسة مباشرا لامره وراعيا إلى تلافى ما كان منه فوثب بعجيف يريد
قتله فقوى الله عجيفا بنيته الصادقة في طاعة أمير المؤمنين حتى دفعه عن نفسه ولو
تم ما أراد بعجيف لكان في ذلك مالا يستدرك ولا يستقال ولكن الله إذا أراد
أمرا كان مفعولا فلما أمضى أمير المؤمنين حكم الله في علي بن هشام رأى أن لا يؤاخذ
من خلفه بذنبه فأمر أن يجرى لولده ولعياله ولمن اتصل بهم ومن كان يجرى عليهم
مثل الذي كان جاريا لهم في حياته ولولا أن علي بن هشام أراد العظمى بعجيف
لكان في عداد من كان في عسكره ممن خالف وخان كعيسى بن منصور ونظرائه
والسلام (وفى هذه السنة) دخل المأمون أرض الروم فأناخ على لؤلؤة مائة يوم
ثم رحل عنها وخلف عليها عجيفا فاختدعه أهلها وأسروه فمكث أسيرا في أيديهم
ثمانية أيام ثم أخرجوه وصار توفيل إلى لؤلؤة فأحاط بعجيف فصرف المأمون
الجنود إليه فارتحل توفيل قبل موافاتهم وخرج أهل لؤلؤة إلى عجيف بأمان
(وفيها) كتب توفيل صاحب الروم إلى المأمون يسأله الصلح وبدأ بنفسه في
(13 - 7)
193

كتابه وقدم بالكتاب الفصل وزير توفيل يطلب الصلح وعرض الفدية وكانت
نسخة كتاب توفيل إلى المأمون أما بعد فإن اجتماع المختلفين على حفظهما أولى
بهما في الرأي مما عاد بالضرر عليهما ولست حريا أن تدع لحظ يصل إلى غيرك
حظا تحوزه إلى نفسك وفى علمك كاف عن اخبارك وقد كنت كتبت إليك
داعيا إلى المسالمة راغبا في فضيلة المهادنة لتضع أوزار الحرب عنا ونكون كل
واحد لكل واحد وليا وحزبا مع اتصال المرافق والفسح في المتاجر وفك
المستأسر وأمن الطرق والبيضة فإن أبيت فلا أدب لك في الخمر ولا أزخرف لك
في القول فإني لخائض إليك غمارها آخذ عليك أسدادها شان خيلها ورجالها
وأن افعل فبعد أن قدمت المعذرة وأقمت بيني وبينك علم الحجة والسلام فكتب
إليه المأمون أما بعد فقد بلغني كتابك فيما سألت من الهدنة ودعوت إليه من الموادعة
وخلطت فيه من اللين والشدة مما استعطفت به من شرح المتاجر واتصال المرافق وفك
الأسارى ورفع القتل والقتال فلولا ما رجعت إليه من اعمال التؤدة والاخذ بالحظ في
تقليب الفكرة وألا أعتقد الرأي في مستقبله الا في استصلاح ما أوثره في معتقبه لجعلت
جواب كتابك لخيلا تحمل رجالا من أهل البأس والنجدة والبصيرة ينازعونكم عن
ثكلكم ويتقربون إلى الله بدمائكم ويستقلون في ذات الله ما نالهم من ألم شوكتكم ثم
أوصل إليهم من الامداد وأبلغ لهم كافيا من العدة والعتاد هم أظمأ إلى موارد المنايا منكم
إلى السلامة من مخوف معرتهم عليكم موعدهم إحدى الحسنيين عاجل غلبة أو
كريم منقلب غير أنى رأيت أن أتقدم إليك بالموعظة التي يثبت الله بها عليك الحجة
من الدعاء لك ولمن معك إلى الوحدانية والشريعة الحنيفية فإن أبيت ففدية توجب
ذمة وتثبت نظرة وان تركت ذلك ففي يقين المعاينة لنعوتنا ما يغنى عن الابلاغ
في القول والاغراق في الصفة والسلام على من اتبع الهدى (وفيها) صار المأمون
إلى سلغوس (وفيها) بعث علي بن عيسى القمي جعفر بن داود القمي فضرب
أبو إسحاق بن الرشيد عنقه (وحج) بالناس في هذه السنة سليمان بن عبد الله
ابن سليمان بن علي
194

* ثم دخلت سنة ثمان عشرة ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمن ذلك ما كان من شخوص المأمون من سلغوس إلى الرقة وقتله بها ابن
أخت الداري (وفيها) أمر بتفريغ الرافقة لينزلها حشمه فضج من ذلك أهلها
فأعفاهم (وفيها) وجه المأمون ابنه العباس إلى أرض الروم وأمره؟ ول
الطوانة وبنائها وكان قد وجه الفعلة والفروض فابتدأ البناء وبناها ميلا في ميل
وجعل سوزها على ثلاثة فراسخ وجعل لها أربعة أبواب وبنى على كل باب
حصنا وكان توجيهه ابنه العباس في ذلك في أول يوم من جمادى * وكتب إلى
أخيه أبي إسحاق بن الرشيد أنه قد فرض على جند دمشق وحمص والأردن
وفلسطين أربعة آلاف رجل وأنه يجرى على الفارس مائة درهم وعلى الراجل
أربعين درهما وفرض على مصر فرضا وكتب إلى العباس بمن فرض على قنسرين
والجزيرة وإلى إسحاق بن إبراهيم بمن فرض على أهل بغداد وهم ألفا رجل وخرج
بعضهم حتى وافى طوانة ونزلها مع العباس (وفى هذه السنة) كتب المأمون
إلى إسحاق بن إبراهيم في امتحان القضاة والمحدثين وأمر بإشخاص جماعة منهم
إليه إلى الرقة وكان ذلك أول كتاب كتب في ذلك ونسخة كتابه إليه أما بعد فان
حق الله على أئمة المسلمين وخلفائهم الاجتهاد في إقامة دين الله الذي استحفظهم
ومواريث النبوة التي أورثهم وأثر العلم الذي استودعهم والعمل بالحق في رعيتهم
والتشمير لطاعة الله فيهم والله يسأل أمير المؤمنين أن يوفقه لعزيمة الرشد وصريمته
والاقساط فيما ولاه الله من رعيته برحمته ومنته وقد عرف أمير المؤمنين أن الجمهور
الأعظم والسواد الأكبر من حشو الرعية وسفلة العامة ممن لأنظر له ولا روية
ولا استدلال له بدلالة الله وهدايته واللإستضاء بنور العلم وبرهانه في جميع الأقطار
والآفاق أهل جهالة بالله وعمى عنه وضلالة عن حقيقة دينه وتوحيده والايمان
به ونكوب عن واضحات أعلامه وواجب سبيله وقصور أن يقدروا الله حق
195

قدره ويعرفوه كنه معرفته ويفرقوا بينه وبين خلقه لضعف آرائهم ونقص عقولهم
وجفائهم عن التفكر والتذكر وذلك أنهم ساووا بين الله تبارك وتعالى وبين ما أنزل
من القرآن فأطبقوا مجتمعين واتفقوا غير متعاجمين على أنه قديم أول لم يخلقه الله
ويحدثه ويخترعه وقد قال الله عز وجل في محكم كتابه الذي جعله لما في الصدور
شفاء وللمؤمنين رحمة وهدى " إنا جعلناه قرآنا عربيا " فكل ما جعله الله فقد خلقه
وقال " الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور " وقال
عز وجل " كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق " فأخبر أنه قصص لأمور
أحدثه بعدها وتلا به متقدمها وقال " الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن
حكيم خبير " وكل محكم مفصل فله محكم مفصل والله محكم كتابه ومفصله فهو خالفه
ومبتدعه ثم هم الذين جادلوا بالباطل فدعوا إلى قولهم ونسبوا أنفسهم إلى السنة
وفى كل فصل من كتاب الله قصص من تلاوته مبطل قولهم ومكذب دعواهم
يرد عليهم قولهم ونحلتهم ثم أظهروا مع ذلك أنهم أهل الحق والدين والجماعة
وأن من سواهم أهل الباطل والكفر والفرقة فاستطالوا بذلك على الناس وغروا
به الجهال حتى مال قوم من أهل السمت الكاذب والتخشع لغير الله والتقشف
لغير الدين إلى موافقتهم عليه ومواطأتهم على سيئ آرائهم تزينا بذلك عندهم
وتصنعا للرئاسة والعدالة فيهم فتركوا الحق إلى باطلهم واتخذوا دون الله وليجة
إلى ضلالتهم فقبلت بتزكيتهم لهم شهادتهم ونفذت أحكام الكتاب بهم على
دغل دينهم ونغل أديمهم وفساد نياتهم ويقينهم وكان ذلك غايتهم التي إليها
أجروا وإياها طلبوا في متابعتهم والكذب على مولاهم وقد أخذ عليهم ميثاق
الكتاب ألا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه أولئك الذين أصمهم الله
وأعمى أبصارهم أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها فرأى أمير المؤمنين أن
أولئك شر الأمة ورؤس الضلالة المنقوصون من التوحيد حظا والمخسوسون
من الايمان نصيبا وأوعية الجهالة وأعلام الكذب ولسان إبليس الناطق
في أوليائه والهائل على أعدائه من أهل دين الله وحق من يتهم في صدقه وتطرح
196

شهادته لا يوثق بقوله ولا عمله فإنه لاعمل إلا بعد يقين ولا يقين إلا بعد استكمال
حقيقة الاسلام وإخلاص التوحيد ومن عمى عن رشده وحظه من الايمان بالله
وبتوحيده كان عما سوى ذلك من عمله والقصد في شهادته أعمى وأضل سبيلا
ولعمر أمير المؤمنين إن أحجى الناس بالكذب في قوله وتخرص الباطل في شهادته
من كذب على الله ووحيه ولم يعرف الله حقيقة معرفته وإن أولاهم برد شهادته
في حكم الله ودينه من رد شهادة الله على كتابه وبهت حق الله بباطله فأجمع من
بحضرتك من القضاة واقرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين هذا إليك فابدأ
بامتحانهم فيما يقولون وتكشيفهم عما يعتقدون في خلق الله القرآن وإحداثه
وأعلمهم أن أمير المؤمنين غير مستعين في عمله ولا واثق فيما قلده الله واستحفظه
من أمور رعيته بمن لا يوثق بدينه وخلوص توحيده ويقينه فإذا أقروا بذلك
ووافقوا أمير المؤمنين فيه وكانوا على سبيل الهدى والنجاة فمرهم بنص من يحضرهم
من الشهود على الناس ومسألتهم عن علمهم في القرآن وترك إثبات شهادة من لم يقرأنه
مخلوق محدث ولم يره والامتناع من توقيعها عنده واكتب إلى أمير المؤمنين بما
يأتيك عن قضاة أهل عملك في مسألتهم والامر لهم بمثل ذلك ثم أشرف عليهم
وتفقد آثارهم حتى لا تنفذ أحكام الله الا بشهادة أهل البصائر في الدين والاخلاص
للتوحيد واكتب إلى أمير المؤمنين بما يكون في ذلك إن شاء الله وكتب في شهر
ربيع الأول سنة 218 وكتب المأمون إلى إسحاق بن إبراهيم في إشخاص سبعة
نفر منهم محمد بن سعد كاتب الواقدي وأبو مسلم مستملى يزيد بن هارون ويحيى بن
معين وزهير بن حرب أبو خيثمة وإسماعيل بن داود وإسماعيل بن أبي مسعود
وأحمد بن الدورقي فأشخصوا إليه فامتحنهم وسألهم عن خلق القرآن فأجابوا جميعا
إن القرآن مخلوق فأشخصهم إلى مدينة السلام وأحضرهم إسحاق بن إبراهيم داره
فشهر أمرهم وقولهم بحضرة الفقهاء والمشايخ من أهل الحديث فأقروا بمثل
ما أجابوا به المأمون فخلى سبيلهم وكان ما فعل من ذلك إسحاق بن إبراهيم بأمر
المأمون * وكتب المأمون بعد ذلك إلى إسحاق بن إبراهيم * أما بعد فان من حق
197

الله على خلفائه في أرضه وأمنائه على عباده الذين ارتضاهم لإقامة دينه وحملهم رعاية
خلقه وإمضاء حكمه وسننه والائتمام بعدله في بريته أن يجهدوا لله أنفسهم وينصحوا
له فيما استحفظهم وقلدهم ويدلوا عليه تبارك اسمه وتعالى بفضل العلم الذي
أودعهم والمعرفة التي جعلها فيهم ويهدوا إليه من زاغ عنه ويردوا من أد؟ عن
أمره وينهجوا لرعاياهم سمت نجاتهم ويقفوهم على حدود ايمانهم وسبيل فوزهم
وعصمتهم ويكشفوا لهم عن مغطيات أمورهم ومشتبهاتها عليهم بما يدفعون
الريب عنهم ويعود بالضياء والبينة على كافتهم وأن يؤثروا ذلك من ارشادهم
وتبصيرهم إذ كان جامعا لفنون مصانعهم ومنتظما لحظوظ عاجلتهم وآجلتهم
ويتذكروا ما الله مرصد من مساءلتهم عما حملوه ومجازاتهم بما أسلفوه وقدموا
عنده وما توفيق أمير المؤمنين إلا بالله وحده وحسبه الله وكفى به ومما بينه
أمير المؤمنين برويته وطالعه بفكره فتبين عظيم خطره وجليل ما يرجع في الدين
من وكفه وضرره ما ينال المسلمون بينهم من القول في القرآن الذي جعله الله إماما
لهم وأثرا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفيه محمد صلى الله عليه وسلم
باقيا لهم واشتباهه على كثير منهم حتى حسن عندهم وتزين في عقولهم ألا يكون
مخلوقا فتعرضوا بذلك لدفع خلق الله الذي بان به عن خلقه وتفرد بجلالته من
ابتداع الأشياء كلها بحكمته وانشائها بقدرته والتقدم عليها بأوليته التي لا يبلغ
أولاها ولا يدرك مداها وكان كل شئ دونه خلقا من خلقه وحدثا هو المحدث
له وإن كان القرآن ناطقا به ودالا عليه وقاطعا للاختلاف فيه وضاهوا به قول
النصارى في ادعائهم في عيسى ابن مريم انه ليس بمخلوق إذ كان كلمة الله والله عز وجل
يقول " إنا جعلناه قرآنا عربيا " وتأويل ذلك أنا خلقناه كما قال جل جلاله " وجعل
منها زوجها ليسكن إليها " وقال " وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا " وجعلنا من
الماء كل شئ حي " فسوى عز وجل بين القرآن وبين هذه الخلائق التي ذكرها
في شية الصنعة وأخبر أنه جاعله وحده فقال " إنه لقرآن مجيد في لوح محفوظ " فقال
ذلك على إحاطة اللوح بالقرآن ولا يحاط الا بمخلوق وقال لنبيه صلى الله عليه
198

وسلم " لا تحرك به لسانك لتعجل به " وقال " ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث " وقال
" ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته " وأخبر عن قوم ذمهم بكذبهم
أنهم قالوا " ما أنزل الله على بشر من شئ " ثم أكذبهم على لسان رسوله فقال لرسوله
" قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى " فسمى الله تعالى القرآن قرآنا وذكرا
وإيمانا ونورا وهدى ومباركا وعربيا وقصصا فقال " نحن نقص عليك أحسن
القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن " وقال " قل لئن اجتمعت الإنس والجن على
أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله " وقال " قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات "
وقال " لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه " فجعل له أولا وآخرا ودل عليه
أنه محدود مخلوق وقد عظم هؤلاء الجهلة بقولهم في القرآن الثلم في دينهم والحرج
في أمانتهم وسهلوا السبيل لعدو الاسلام واعترفوا بالتبديل والالحاد على قلوبهم
حتى عرفوا ووصفوا خلق الله وفعله بالصفة التي هي لله وحده وشبهوه به والاشباه
أولى بخلقه وليس يرى أمير المؤمنين لمن قال بهذه المقالة حظا في الدين ولا نصيبا
من الايمان واليقين ولا يرى أن يحل أحدا منهم محل الثقة في أمانة ولا عدالة
ولا شهادة ولا صدق في قول ولا حكاية ولا تولية لشئ من أمر الرعية وإن ظهر
قصد بعضهم وعرف بالسداد مسدد فيهم فان الفروع مردودة إلى أصولها ومحمولة
في الحمد والذم عليها ومن كان جاهلا بأمر دينه الذي أمره الله به من وحدانيته
فهو بما سواه أعظم جهلا وعن الرشد في غيره أعمى وأضل سبيلا فاقرأ على جعفر
ابن عيسى وعبد الرحمن بن إسحاق القاضي كتاب أمير المؤمنين بما كتب به إليك
وأنصصهما عن علمهما في القرآن وأعلمهما أن أمير المؤمنين لا يستعين على شئ
من أمور المسلمين الا بمن وثق باخلاصه وتوحيده وأنه لا توحيد لمن لم يقر بأن
القرآن مخلوق فان قالا بقول أمير المؤمنين في ذلك فتقدم إليهما في امتحان من يحضر
مجالسهما بالشهادات على الحقوق ونصهم عن قولهم في القرآن فمن لم يقل منهم أنه
مخلوق أبطلا شهادته ولم يقطعا حكما بقوله وإن ثبت عفافه بالقصد والسداد في
أمره وافعل ذلك بمن في سائر عملك من القضاة وأشرف عليهم إشرافا يزيد الله
199

به ذا البصيرة في بصيرته ويمنع المرتاب من اغفال دينه واكتب إلى أمير المؤمنين
بما يكون منك في ذلك إن شاء الله (قال) فأحضر إسحاق بن إبراهيم لذلك
جماعة من الفقهاء والحكام والمحدثين وأحضر أبا حسان الزيادي وبشر بن الوليد
الكندي وعلي بن أبي مقاتل والفضل بن غانم والذيال بن الهيثم وسجادة والقواريري
وأحمد بن حنبل وقتيبة وسعدويه الواسطي وعلي بن الجعد وإسحاق بن أبي إسرائيل
وابن الهرش وابن علية الأكبر ويحيى بن عبد الرحمن العمرى وشيخا آخر من
ولد عمر بن الخطاب كان قاضى الرقة وأبا نصر التمار وأبا معمر القطيعي ومحمد بن
حاتم بن ميمون ومحمد بن نوح المضروب وابن الفرخان وجماعة منهم النضر بن شميل
وابن علي بن عاصم وأبو العوام البزاز وابن شجاع وعبد الرحمن بن إسحاق فأدخلوا
جميعا على إسحاق فقرأ عليهم كتاب المأمون هذا مرتين حتى فهموه ثم قال لبشر
ابن الوليد ما تقول في القرآن فقال قد عرفت مقالتي لأمير المؤمنين غير مرة قال
فقد تجدد من كتاب أمير المؤمنين ما قد ترى فقال أقول القرآن كلام الله قال
لم أسألك عن هذا أمخلوق هو قال الله خالق كل شئ قال ما القرآن شئ قال هو
شئ قال فمخلوق قال ليس بخالق قال ليس أسألك عن هذا أمخلوق هو قال ما أحسن
غير ما قلت لك وقد استعهدت أمير المؤمنين أن لا أتكلم فيه وليس عندي غير
ما قلت لك فأخذ إسحاق بن إبراهيم رقعة كانت بين يديه فقرأها عليه ووقفه
عليها فقال أشهد أن لا إله إلا الله أحدا فردا لم يكن قبله شئ ولا بعده شئ ولا يشبهه
شئ من خلقه في معنى من المعاني ولا وجه من الوجوه قال نعم وقد كنت
أضرب الناس على دون هذا فقال للكاتب اكتب ما قال ثم قال لعلي بن أبي
مقاتل ما؟ يا علي قال قد سمعت كلامي لأمير المؤمنين في هذا غير مرة وما عندي
غير ما سمع فامتحنه بالرقعة فأفر بما فيها ثم قال القرآن مخلوق قال القرآن كلام
الله قال لم أسألك عن هذا قال هو كلام الله وإن أمرنا أمير المؤمنين بشئ سمعنا
وأطعنا فقال للكاتب اكتب مقالته ثم قال للذيال نحوا من مقالته لعلي بن أبي
مقاتل فقال له مثل ذلك ثم قال لأبي حسان الزيادي ما عندك قال سل عما شئت فقرا
200

عليه الرقعة ووقفه عليها فأقر بما فيها ثم قال من لم يقل هذا القول فهو كافر فقال
القرآن مخلوق هو قال القرآن كلام الله والله خالق كل شئ وما دون الله مخلوق
وأمير المؤمنين إما سنا وبسببه سمعنا عامة العلم وقد سمع ما لم نسمع وعلم ما لم نعلم
وقد قلده الله أمرنا فصار يقيم حجنا وصلاتنا ونؤدي إليه زكاة أموالنا ونجاهد
معه ونرى إمامته إمامة وإن أمرنا إئتمرنا وإن نهانا انتهينا وإن دعانا أجبنا قال
القرآن مخلوق هو فأعاد عليه أبو حسان مقالته قال إن هذه مقالة أمير المؤمنين قال
قد تكون مقالة أمير المؤمنين ولا يأمر بها الناس ولا يدعوهم إليها وإن أخبرتني
أن أمير المؤمنين أمرك أن أقول قلت ما أمرتني به فإنك الثقة المأمون عليه فيما
أبلغتني عنه من شئ فان أبلغتني عنه بشئ صرت إليه قال ما أمرني أن أبلغك
شيئا قال علي بن أبي مقاتل قد يكون قوله كاختلاف أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم في الفرائض والمواريث ولم يحملوا الناس عليها قال له أبو حسان
ما عندي الا السمع والطاعة فمرني آتمر قال ما أمرني أن آمرك وإنما أمرني
أن أمتحنك ثم عاد إلى أحمد بن حنبل فقال له ما تقول في القرآن قال هو كلام الله
قال أمخلوق هو قال هو كلام الله لا أزيد عليها فامتحنه بما في الرقعة فلما أتى إلى " ليس
كمثله شئ وهو السميع البصير " وأمسك عن لا يشبهه شئ من خلقه في معنى من المعاني
ولا وجه من الوجوه فاعترض عليه ابن البكاء الأصفر فقال أصلحك الله إنه يقول
سميع من أذن بصير من عين فقال إسحاق لأحمد بن حنبل ما معنى قوله سميع بصير
قال هو كما وصف نفسه قال فما معناه قال لا أدرى هو كما وصف نفسه ثم دعا بهم رجلا
رجلا كلهم يقول القرآن كلام الله إلا هؤلاء النفر قتيبة وعبيد الله بن محمد بن الحسن
وابن علية الأكبر وابن البكاء وعبد المنعم بن إدريس بن بنت وهب بن منبه والمظفر
ابن مرجا ورجلا ضريرا ليس من أهل الفقه ولا يعرف بشئ منه إلا أنه دس في
ذلك الموضع ورجلا من ولد عمر بن الخطاب قاضى الرقة وابن الأحمر فأما ابن
البكاء الأكبر فإنه قال القرآن مجعول لقول الله تعالى " إنا جعلناه قرآنا عربيا " والقرآن
محدث لقوله " ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث " قال له إسحاق فالمجعول مخلوق قال
201

نعم قال فالقرآن مخلوق قال لا أقول مخلوق ولكنه مجعول فكتب مقالته فلما فرغ من
امتحان القوم وكتب مقالاتهم اعترض ابن البكاء الأصغر فقال أصلحك الله إن
هذين القاضيين أئمة فلو أمرتهما فأعادا الكلام قال له اسحق هما من يقوم بحجة أمير
المؤمنين قال فلو أمرتهما أن يسمعانا مقالتهما لنحكى ذلك عنهما قال له اسحق إن
شهدت عندهما بشهادة فستعلم مقالتهما إن شاء الله فكتب مقالة القوم رجلا رجلا
ووجهت إلى المأمون فمكث القوم تسعة أيام ثم دعا بهم وقد ورد كتاب المأمون
جواب كتاب إسحاق بن إبراهيم في أمرهم ونسخته (بسم الله الرحمن الرحيم) أما بعد
فقد بلغ أمير المؤمنين كتابك جواب كتابه كان إليك فيما ذهب إليه متصنعة أهل
القبلة وملتمسو الرئاسة فيما ليسوا له بأهل من أهل الملة من القول في القرآن وأمرك
به أمير المؤمنين من امتحانهم وتكشيف أحوالهم واحلالهم محالهم تذكر احضارك
جعفر بن عيسى وعبد الرحمن بن إسحاق عند ورود كتاب أمير المؤمنين مع من
أحضرت ممن كان ينسب إلى الفقه ويعرف بالجلوس للحديث وينصب نفسه للفتيا
بمدينة السلام وقراءتك عليهم جميعا كتاب أمير المؤمنين ومسألتك إياهم عن اعتقادهم
في القرآن والدلالة لهم على حظهم واطباقهم على نفى التشبيه واختلافهم في القرآن
وأمرك من لم يقل منهم إنه مخلوق بالامساك عن الحديث والفتوى في السر والعلانية
وتقدمك إلى السندي وعباس مولى أمير المؤمنين بما تقدمت به فيهم إلى القاضيين
يمثل ما مثل لك أمير المؤمنين من امتحان من يحضر مجالسهما من الشهود وبث الكتب
إلى القضاة في النواحي من عملك بالقدوم عليك لتحملهم وتمتحنهم على ما حده أمير
المؤمنين وتثبيتك في آخر الكتاب أسماء من حضر ومقالاتهم وفهم أمير المؤمنين
ما اقتصصت وأمير المؤمنين يحمد الله كثيرا كما هو أهله ويسأله أن يصلى على عبده
ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ويرغب إلى الله في التوفيق لطاعته وحسن المعونة
على صالح نيته برحمته وقد تدبر أمير المؤمنين ما كتبت به من أسماء من سألت عن
القرآن وما رجع إليك فيه كل امرئ منهم وما شرحت من مقالتهم فأما ما قال المغرور
202

بشر بن الوليد في نفى التشبيه وما أمسك عنه من أن القرآن مخلوق وادعى من تركه
الكلام في ذلك واستعهاده أمير المؤمنين فقد كذب بشر في ذلك وكفر وقال الزور
والمنكر ولم يكن جرى بين أمير المؤمنين وبينه في ذلك ولا في غيره عهد ولا نظر
أكثر من إخباره أمير المؤمنين من اعتقاده كلمة الاخلاص والقول بأن القرآن
مخلوق فادع به إليك وأعلمه ما أعلمك به أمير المؤمنين من ذلك وأنصصه عن قوله
في القرآن واستتبه منه فإن أمير المؤمنين يرى أن تستتيب من قال بمقالته إذ كانت
تلك المقالة الكفر الصراح والشرك المحض عند أمير المؤمنين فإن تاب منها فأشهر
أمره وأمسك عنه وإن أصر على شركه ودفع أن يكون القرآن مخلوقا بكفره وإلحاده
فاضرب عنقه وابعث إلى أمير المؤمنين برأسه إن شاء الله وكذلك إبراهيم بن المهدى
فامتحنه بمثل ما تمتحن به بشرا فإنه كان يقول بقوله وقد بلغت أمير المؤمنين عنه
بوالغ فإن قال إن القرآن مخلوق فأشهر أمره واكشفه وإلا فاضرب عنقه وابعث
إلى أمير المؤمنين برأسه إن شاء الله وأما علي بن أبي مقاتل فقل له ألست القائل
لأمير المؤمنين إنك تحلل وتحرم والمكلم له بمثل ما كلمته به مما لم يذهب عنه ذكره
وأما الذيال بن الهيثم فأعلمه أنه كان في الطعام الذي كان يسرقه في الأنبار وفيما
يستولى عليه من أمر مدينة أمير المؤمنين أبى العباس ما يشغله وأنه لو كان مقتفيا
آثار سلفه وسالكا مناهجهم ومحتديا سبيلهم لما خرج إلى الشرك بعد إيمانه وأما
أحمد بن يزيد المعروف بأبي العوام وقوله أنه لا يحسن الجواب في القرآن فأعلمه
أنه صبي في عقله لافى سنه جاهل وأنه إن كان لا يحسن الجواب في القرآن
فيسحسنه إذا أخذه التأديب ثم إن لم يفعل كان السيف من وراء ذلك إن شاء
الله وأما أحمد بن حنبل وما تكتب عنه فأعلمه أن أمير المؤمنين قد عرف فحوى
تلك المقالة وسبيله فيها واستدل على جهله وآفته بها وأما الفضل بن غانم فأعلمه أنه
لم يخف على أمير المؤمنين ما كان منه بمصر وما اكتسب من الأموال في أقل من سنة
وما شجر بينه وبين المطلب بن عبد الله في ذلك فإنه من كان شأنه شأنه وكانت رغبته
في الدينار والدرهم رغبته فليس بمستنكر أن يبيع إيمانه طمعا فيهما وإيثارا لعاجل
203

نفعهما وأنه مع ذلك القائل لعلي بن هشام ما قال والمخالف له فيما خالفه فيه فما الذي
حال به عن ذلك ونقله إلى غيره وأما الزيادي فأعلمه أنه كان منتحلا ولا أول دعى كان
في الاسلام خولف فيه حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان جديرا أن يسلك
مسلكه فأنكر أبو حسان أن يكون مولى لزياد أو يكون مولى لاحد من الناس
(وذكر أنه إنما نسب إلى زياد لأمر من الأمور) وأما المعروف بأبي نصر التمار
فإن أمير المؤمنين شبه خساسة عقله بخساسة متجره وأما الفضل بن الفرخان فأعلمه أنه
حاول بالقول الذي قاله في القرآن أخذ الودائع التي أودعها إياه عبد الرحمن بن إسحاق
وغيره تربصا بمن استودعه وطمعا في الاستكثار لما صار في يده ولا سبيل عليه
عن تقادم عهده وتطاول الأيام به فقل لعبد الرحمن بن إسحاق لا جزاك الله خيرا عن
تقويتك مثل هذا وإيمانك إياه وهو معتقد للشرك منسلخ من التوحيد وأما محمد
ابن حاتم وابن نوح والمعروف بأبي معمر فأعلمهم أنهم مشاغيل بأكل الربا عن
الوقوف على التوحيد وأن أمير المؤمنين لو لم يستحل محاربتهم في الله ومجاهدتهم
إلا لاربائهم وما نزل به كتاب الله في أمثالهم لاستحل ذلك فكيف بهم وقد
جمعوا مع الارباء شركا وصاروا للنصارى مثلا وأما أحمد بن شجاع في أعلمه أنك
صاحبه بالأمس والمستخرج منه ما استخرجته من المال الذي كان استحله من مال
علي بن هشام وأنه ممن الدينار والدرهم دينه وأما سعدويه الواسطي فقل له قبح
الله رجلا بلغ به التصنع للحديث والتزين به والحرص على طلب الرئاسة فيه أن
يتمنى وقت المحنة فيقول بالتقرب بها منى يمتحن فيجلس للحديث وأما المعروف
بسجادة وإنكاره أن يكون سمع ممن كان يجالس من أهل الحديث وأهل الفقه
القول بأن القرآن مخلوق فأعلمه أنه في شغله بإعداد النوى وحكه لاصلاح سجادته
وبالودائع التي دفعها إليه علي بن يحيى وغيره ما أذهله عن التوحيد وألهاه ثم سله
عما كان يوسف بن أبي يوسف ومحمد بن الحسن يقولانه إن كان شاهدهما وجالسهما
وأما القواريري ففيما تكشف من أحواله وقبوله الرشا والمصانعات ما أبان عن
مذهبه وسوء طريقته وسخافة عقله ودينه وقد انتهى إلى أمير المؤمنين انه يتولى
204

لجعفر بن عيسى الحسنى مسائله فتقدم إلى جعفر بن عيسى في رفضه وترك الثقة
به والاستنامة إليه وأما يحبى بن عبد الرحمن العمرى فإنه كان من ولد عمر بن
الخطاب فجوابه معروف وأما محمد بن الحسن بن علي بن عاصم فإنه لو كان مقتديا
بمن مضى من سلفه لم ينتحل النحلة التي حكيت عنه وانه بعد صبي يحتاج إلى تعلم
وقد كان أمير المؤمنين وجه إليك المعروف بأبي مسهر بعد أن نصه أمير المؤمنين
عن محنته في القرآن فجمجم عنها ولجلج فيها حتى دعى له أمير المؤمنين بالسيف فأقر
ذميما فأنصصه عن اقراره فإن كان مقيما عليه فأشهر ذلك وأظهره إن شاء الله ومن
لم يرجع عن شركه ممن سميت لأمير المؤمنين في كتابك وذكره أمير المؤمنين لك
أو أمسك عن ذكره في كتابه هذا ولم يقل ان القرآن مخلوق بعد بشر بن الوليد
وإبراهيم بن المهدى فاحملهم أجمعين موثقين إلى عسكر أمير المؤمنين مع من يقوم
بحفظهم وحراستهم في طريقهم حتى يؤديهم إلى عسكر أمير المؤمنين ويسلمهم إلى
من يؤمن بتسليمهم إليه لينصهم أمير المؤمنين فإن لم يرجعوا ويتوبوا حملهم
جميعا على السيف إن شاء الله ولا قوة الا بالله وقد أنفذ أمير المؤمنين كتابه هذا
في خريطة بندارية ولم ينظر به اجتماع الكتب الخرائطية معجلا به تقربا إلى الله
عز وجل بما أصدر من الحكم ورجاء ما اعتمد وادراك ما أمل من جزيل ثواب
الله عليه فأنفذ لما أتاك من أمر المؤمنين وعجل إجابة أمير المؤمنين بما يكون منك
في خريطة بندارية مفردة عن سائر الخرائط لتعرف أمير المؤمنين ما يعلمونه إن شاء الله
وكتب سنة 218 فأجاب القوم كلهم حين أعاد القول عليهم إلى أن القرآن
مخلوق الا أربعة نفر منهم أحمد بن حنبل وسجادة والقواريري ومحمد بن نوح
المضروب فامر بهم إسحاق بن إبراهيم فشدوا في الحديد فلما كان من الغد دعا بهم
جميعا يساقون في الحديد فأعاد عليهم المحنة فاجابه سجادة إلى أن القرآن مخلوق
فأمر باطلاق قيده وخلى سبيله وأصر الآخرون على قولهم فلما كان من بعد الغد
عاودهم أيضا فأعاد عليهم القول فأجاب القواريري إلى أن القرآن مخلوق فأمر
بإطلاق قيده وخلى سبيله وأصر أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح على قولهما ولم يرجعا
205

فشدا جميعا في الحديد ووجها إلى طرسوس وكتب معهما كتابا باشخاصهما وكتب
كتابا مفردا بتأويل القوم فيما أجابوا إليه فمكثوا أياما ثم دعا بهم فإذا كتاب
قد ورد من المأمون على إسحاق بن إبراهيم أن قد فهم أمير المؤمنين ما أجاب القوم
إليه وذكر سليمان بن يعقوب صاحب الخبر أن بشر بن الوليد تأول الآية التي
أنزلها الله تعالى في عمار بن ياسر إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان وقد أخطأ
التأويل إنما عنى الله عز وجل بهذه الآية من كان معتقد الايمان مظهر الشرك
فاما من كان معتقد الشرك مظهر الايمان فليس هذه له فاشخصهم جميعا إلى
طرسوس ليقيموا بها إلى خروج أمير المؤمنين من بلاد الروم فاخذ إسحاق بن
إبراهيم من القوم الكفلاء ليوافوا العسكر بطرسوس فأشخص أبا حسان وبشر
ابن الوليد والفضل بن غانم وعلي بن أبي مقاتل والذيال بن الهيثم ويحيى بن عبد الرحمن
العمرى وعلي بن الجعد وأبا العوام وسجادة والقواريري وابن الحسن بن علي
ابن عاصم وإسحاق بن أبي إسرائيل والنضر بن شميل وأبا نصر التمار وسعدويه
الواسطي ومحمد بن حاتم بن ميمون وأبا معمر وابن الهرش وابن الفرخان وأحمد ابن
شجاع وأبا هارون بن البكاء فلما صاروا إلى الرقة بلغتهم وفاة المأمون فامر
بهم عنبسة بن إسحاق وهو والى الرقة أن يصيروا إلى الرقة ثم أشخصهم إلى إسحاق
ابن إبراهيم بمدينة السلام مع الرسول المتوجه بهم إلى أمير المؤمنين فسلمهم إليه
فأمرهم إسحاق بلزوم منازلهم ثم رخص لهم بعد ذلك في الخروج فاما بشر بن الوليد
والذيال وأبو العوام وعلي بن أبي مقاتل فإنهم شخصوا من غير أن يؤذن لهم حتى
قدموا بغداد فلقوا من إسحاق بن إبراهيم في ذلك أذى وقدم الآخرون مع رسول
إسحاق بن إبراهيم فخلى سبيلهم (وفى هذه السنة) نفذت كتب المأمون إلى عماله
في البلدان من عبد الله عبد الله الامام المأمون أمير المؤمنين وأخيه الخليفة من
بعده أبي إسحاق ابن أمير المؤمنين الرشيد وقيل إن ذلك لم يكتبه المأمون كذلك وانما
كتب في حال افاقة من غشية أصابته في مرضه بالبدندون عن أمر المأمون إلى العباس
ابن المأمون وإلى إسحاق وعبد الله بن طاهر انه إن حدث به حدث الموت
206

في مرضه هذا فالخليفة من بعده أبو إسحاق ابن أمير المؤمنين الرشيد فكتب
بذلك محمد بن داود وختم الكتب وأنفذها فكتب أبو إسحاق إلى عماله من أبي إسحاق
أخي أمير المؤمنين والخليفة من بعد أمير المؤمنين فورد كتاب من أبي إسحاق
محمد بن هارون الرشيد إلى إسحاق بن يحيى بن معاذ عامله على جند دمشق يوم الأحد
لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب عنوانه من عبد الله عبد الله الامام
المأمون أمير المؤمنين والخليفة من بعد أمير المؤمنين أبي إسحاق بن أمير المؤمنين
الرشيد * أما بعد فان أمير المؤمنين أمر بالكتاب إليك في التقدم إلى عمالك في
حسن السيرة وتخفيف المؤنة وكف الأذى عن أهل عملك فتقدم إلى عمالك في
ذلك أشد التقدمة واكتب إلى عمال الخراج بمثل ذلك وكتب إلى جميع عماله في
أجناد الشأم جند حمص والأردن وفلسطين بمثل ذلك فلما كان يوم الجمعة لاحدى
عشرة بقيت من رجب صلى الجمعة إسحاق بن يحيى بن معاذ في مسجد دمشق فقال
في خطبته بعد دعائه لأمير المؤمنين اللهم وأصلح الأمير أخا أمير المؤمنين
والخليفة من بعد أمير المؤمنين أبا إسحاق ابن أمير المؤمنين الرشيد (وفى هذه
السنة) توفى المأمون
* ذكر الخبر عن سبب المرض الذي كانت فيه وفاته *
ذكر عن سعيد العلاف القارئ قال أرسل إلى المأمون وهو ببلاد الروم
وكان دخلها من طرسوس يوم الأربعاء لثلاث عشرة بقيت من جمادى الآخرة
فحملت إليه وهو في البدندون فكان يستقرئني فدعاني يوما فجئت فوجدته جالسا
على شاطئ البدندون وأبو إسحاق المعتصم جالس عن يمينه فأمرني فجلست نحوه
منه فإذا هو وأبو إسحاق مدليان أرجلهما في ماء البدندون فقال يا سعيد دل رجليك
في هذا الماء وذقه فهل رأيت ماء قط أشد بردا ولا أعذب ولا أصفى صفاء منه
ففعلت وقلت يا أمير المؤمنين ما رأيت مثل هذا قط قال أي شئ يطيب أن يؤكل
ويشرب هذا الماء عليه فقلت أمير المؤمنين أعلم فقال رطب الآزاذ فبينا هو
يقول هذا إذ سمع وقع لجم البريد فالتفت فنظر فإذا بغال من بغال البريد على
207

أعجازها حقائب فيها الألطاف فقال لخادم له اذهب فانظر هل في هذه الألطاف
رطب فانظر فإن كان آزاذ فأت به فجاء يسعى بسلتين فيهما رطب آزاذ كأنما جنى
من النخل تلك الساعة فأظهر شكرا لله تعالى وكثر تعجبا منه فقال ادن فكل
فأكل هو وأبو إسحاق وأكلت معهما وشربنا جميعا من ذلك الماء فما قام منا
أحد إلا وهو محموم فكانت منية المأمون من تلك العلة ولم يزل المعتصم عليلا حتى
دخل العراق ولم أزل عليلا حتى كان قريبا ولما اشتدت بالمأمون علته بعث إلى ابنه
العباس وهو يظن أن لن يأتيه فأتاه وهو شديد المرض متغير العقل وقذ نفذت
الكتب بما نفذت له في أمر أبي إسحاق بن الرشيد فأقام العباس عند أبيه أياما وقد أوصى
قبل ذلك إلى أخيه أبي إسحاق وقيل لم يوص إلا والعباس حاضر والقضاة والفقهاء
والقواد والكتاب وكانت وصيته هذا ما أشهد عليه عبد الله بن هارون أمير المؤمنين
بحضرة من حضره أشهدهم جميعا على نفسه أنه يشهد ومن حضره أن الله عز وجل وحده
لا شريك له في ملكه ولا مدبر لامره غيره وأنه خالق وما سواه مخلوق ولا يخلو
القرآن أن يكون شيئا له مثل ولا شئ مثله تبارك وتعالى وأن الموت حق والبعث
حق والحساب حق وثواب المحسن الجنة وعقاب المسئ النار وأن محمدا صلى
الله عليه وسلم قد بلغ عن ربه شرائع دينه وأدى نصيحته إلى أمته حتى قبضه الله
إليه صلى الله عليه أفضل صلاة صلاها على أحد من ملائكته المقربين وأنبيائه
والمرسلين وأنى مقر مذنب أرجو وأخاف إلا أنى إذا ذكرت عفو الله رجوت فإذا
أنا مت فوجهوني وغمضوني وأسبغوا وضوئي وطهوري وأجيدوا كفني ثم
أكثروا حمد الله على الاسلام ومعرفة حقه عليكم في محمد إذ جعلنا من أمته المرحومة
ثم أضجعوني على سريري ثم عجلوا بي فإذا أنتم وضعتموني للصلاة فليتقدم بها من هو
أقربكم بي نسبا وأكبركم سنا فليكبر خمسا يبدأ في الأولى في أولها بالحمد لله والثناء
عليه والصلاة على سيدي وسيد المرسلين جميعا ثم الدعاء للمؤمنين والمؤمنات
الاحياء منهم والأموات ثم الدعاء للذين سبقونا بالايمان ثم ليكبر الرابعة فيحمد
الله ويهلله ويكبره ويسلم في الخامسة ثم أقلوني فأبلغوا بي حفرتي ثم لينزل أقربكم
208

إلى قرابة وأودكم محبة وأكثروا من حمد الله وذكره ثم ضعوني على شقى الأيمن
واستقبلوا بي القبلة وحلوا كفني عن رأسي ورجلي ثم سدوا اللحد باللبن واحثوا
ترابا على وأخرجوا عنى وخلوني وعملي فلكلكم لا يغنى عنى شيئا ولا يدفع عنى
مكروها ثم قفوا بأجمعكم فقولوا خيرا إن علمتم وأمسكوا عن ذكر شر إن كنتم
عرفتم فإني مأخوذ من بينكم بما تقولون وما تلفظون به ولا تدعوا باكية عندي
فان المعول عليه يعذب رحم الله أمرءا اتعظ وفكر فيما حتم الله على جميع خلقه
من الفناء وقضى عليهم من الموت الذي لابد منه فالحمد لله الذي توحد بالبقاء وقضى
على جميع خلقه الفناء ثم لينظر ما كنت فيه من عز الخلافة هل أغنى ذلك عنى
شيئا إذ جاء أمر الله لا والله ولكن أضعف على به الحساب فياليت عبد الله بن
هارون لم يكن بشرا بل ليته لم يكن خلقا يا أبا إسحاق ادن منى واتعظ بما ترى
وخذ بسيرة أخيك في القرآن واعمل في الخلافة إذا طوقكها الله عمل المريد لله
الخائف من عقابه وعذابه ولا تغتر بالله ومهلته فكان قد نزل بك الموت ولا
تغفل أمر الرعية الرعية الرعية العوام العوام فان الملك بهم وبتعهدك المسلمين
والمنفعة لهم الله الله فيهم وفى غيرهم من المسلمين ولا ينهين إليك أمر فيه صلاح
للمسلمين ومنفعة لهم إلا قدمته وآثرته على غيره من هواك وخذ من أقويائهم لضعفائهم
ولا تحمل عليهم في شئ وأنصف بعضهم من بعض بالحق بينهم وقربهم وتأتهم وعجل
الرحلة عنى والقدوم إلى دار ملكك بالعراق وانظر هؤلاء القوم الذين أنت بساحتهم
فلا تغفل عنهم في كل وقت والخرمية فأغزهم ذا حزامة وصرامة وجلد وأكنفه
بالأموال والسلاح والجنود من الفرسان والرجالة فان طالت مدتهم فنجرد لهم بمن
معك من أنصارك وأوليائك واعمل في ذلك عمل مقدم النية فيه راجيا ثواب
الله عليه واعلم أن العظة إذا طالت أوجبت على السامع لها والموصى بها الحجة
فاتق الله في أمرك كله ولا تفتن ثم دعا أبا إسحاق بعد ساعة حين اشتد به الوجع
وأحس بمجئ أمر الله فقال له يا أبا إسحاق عليك عهد الله وميثاقه وذمة رسول الله
صلى الله عليه وسلم لتقومن بحق الله في عباده ولتؤثرن طاعته على معصيته إذ أنا
(14 - 7)
209

نقلتها من غيرك إليك قال اللهم نعم قال فانظر من كنت تسمعني أقدمه على لساني
فأضعف له التقدمة عبد الله بن طاهر أقره على عمله ولا تهجه فقد عرفت الذي
سلف منكما أيام حياتي وبحضرتي استعطفه بقلبك وخصه ببرك فقد عرفت بلاءه
وغناءه عن أخيك وإسحاق بن إبراهيم فأشركه في ذلك فإنه أهل له وأهل بيتك
فقد علمت أنه لا بقية فيهم وإن كان بعضهم يظهر الصيانة لنفسه عبد الوهاب
عليك به من بين أهلك فقدمه عليهم وصير أمرهم إليه وأبو عبد الله بن أبي داود
فلا يفارقك وأشركه في المشورة في كل أمرك فإنه موضع لذلك منك ولا تتخذن
بعدي وزيرا تلقى إليه شيئا فقد علمت ما نكبني به يحيى بن أكثم في معاملة الناس
وخبث سيرته حتى أبان الله ذلك منه في صحة منى فصرت إلى مفارقته قاليا له
غير راض بما صنع في أموال الله وصدقاته لاجزاه الله عن الاسلام خيرا
وهؤلاء بنو عمك من ولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأحسن
صحبتهم وتجاوز عن مسيئهم واقبل من محسنهم وصلاتهم فلا تغفلها في كل سنة
عند محلها فان حقوقهم تجب من وجوه شتى اتقوا الله ربكم حق تقاته ولا تموتن
إلا وأنتم مسلمون اتقوا الله واعملوا له اتقوا الله في أموركم كلها أستودعكم الله
ونفسي وأستغفر الله مما سلف وأستغفر الله مما كان؟ إنه كان غفارا فإنه ليعلم
كيف ندمي على ذنوبي فعليه توكلت من عظيمها وإليه أنيب ولا قوة إلا بالله حسبي
الله ونعم الوكيل وصلى الله على محمد نبي الهدى والرحمة
ذكر الخبر عن وقت وفاته والموضع الذي دفن فيه ومن صلى عليه
* ومبلغ سنه وقدر مدة خلافته *
أما وقت وفاته فإنه اختلف فيه فقال بعضهم توفى يوم الخميس لاثنتي عشرة
ليلة بقيت من رجب بعد العصر سنة 218 وقال آخرون بل توفى في هذا اليوم
مع الظهر ولما توفى حمله ابنه العباس وأخوه أبو إسحاق محمد بن الرشيد إلى
طرسوس فدفناه في دار كانت لخاقان خادم الرشيد وصلى عليه أخوه أبو إسحاق
المعتصم ثم وكلوا به حرسا من أبناء أهل طرسوس وغيرهم مائة رجل وأجرى
210

على كل رجل منهم تسعون درهما وكانت خلافته عشرين سنة وخمسة أشهر
وثلاثة وعشرين يوما وذلك سوى سنتين كان دعى له فيهما بمكة وأخوه الأمين
محمد بن رشيد محصور ببغداد وكان ولد للنصف من ربيع الأول سنة 170 وكان
يكنى فيما ذكر ابن الكلبي أبا العباس وكان ربعة أبيض جميلا طويل اللحية قد
وخطه الشيب وقيل كان أسمر تعلوه صفرة أخنى أعين طويل اللحية رقيقها
أشيب ضيق الجبهة بخده خال أسود واستخلف يوم الخميس لخمس ليال
بقين من المحرم
* ذكر بعض أخبار المأمون وسيره *
ذكر عن محمد بن الهيثم بن عدي أن إبراهيم بن عيسى بن بريهة بن المنصور
قال لما أراد المأمون الشخوص إلى دمشق هيأت له كلاما مكثت فيه يومين
وبعض آخر فلما مثلت بين يديه قلت أطال الله بقاء أمير المؤمنين في أدوم العز
وأسبغ الكرامة وجعلني من كل سوء فداه إن من أمسى وأصبح يتعرف من
نعمة الله له الحمد كثيرا عليه برأي أمير المؤمنين أيده الله فيه وحسن تأنيسه له
حقيق بأن يستديم هذه النعمة ويلتمس الزيادة فيها بشكر الله وشكر أمير المؤمنين
مد الله في عمره عليها وقد أحب أن يعلم أمير المؤمنين أيده الله أنى لا أرغب
بنفسي عن خدمته أيده الله بشئ من الخفض والدعة إذ كان هو أيده الله بتجشم
خشونة السفر ونصب الظعن وأولى الناس بمواساته في ذلك وبذل نفسه فيه أنا
لما عرفني الله من رأيه وجعل عندي من طاعته ومعرفة ما أوجب الله من حقه
فان رأى أمير المؤمنين أكرمه الله أن يكرمني بلزوم خدمته والكينونة معه
فعل فقال لي مبتدئا من غير تروية لم يعزم أمير المؤمنين في ذلك على شئ وإن
استصحب أحدا من أهل بيتك بدأ بك وكنت المقدم عنده في ذلك ولا سيما
إذ أنزلت نفسك بحيث أنزلك أمير المؤمنين من نفسه وإن ترك ذلك فمن غير قلى
لمكانك ولكن بالحاجة إليك قال فكان والله ابتداؤه أكثر من ترويتي وذكر
عن محمد بن علي بن صالح السرخسي قال تعرض رجل للمأمون بالشام مرارا فقال
211

له يا أمير المؤمنين انظر لعرب الشأم كما نظرت لعجم أهل خراسان فقال
أكثرت على يا أخا أهل الشأم والله ما أنزلت قيسا عن ظهور الخيل إلا وأنا
أرى أنه لم يبق في بيت مالي درهم واحد وأما اليمن فوالله ما أحببتها ولا أحبتني
قط وأما قضاعة فسادتها تنتظر السفياني وخروجه فتكون من أشياعه وأما
ربيعة فساخطة على الله منذ بعث نبيه من مضر ولم يخرج اثنان إلا خرج أحدهما
شاريا أعزب فعل الله بك وذكر عن سعيد بن زياد أنه لما دخل على المأمون
بدمشق قال له أرنى الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لكم قال
فأريته قال فقال إني لاشتهى ان أدرى أي شئ هذا الغشاء على هذا الخاتم قال
فقال له أبو إسحاق حل العقد حتى تدرى ما هو قال فقال ما أشك ان النبي صلى الله
عليه وسلم عقد هذا العقد وما كنت لأحل عقدا عقده رسول الله صلى الله عليه
وسلم ثم قال للواثق خذه فضعه على عينك لعل الله أن يشفيك قال وجعل المأمون
يضعه على عينه ويبكى وذكر عن العيشي صاحب إسحاق بن إبراهيم أنه قال كنت
مع المأمون بدمشق وكان قد قل المال عنده حتى ضاق وشكا ذلك إلى أبي إسحاق
المعتصم فقال له يا أمير المؤمنين كأنك بالمال وقد وافاك بعد جمعة قال وكان حمل إليه
ثلاثون ألف ألف من خراج ما يتولاه له قال فلما ورد عليه ذلك المال قال
المأمون ليحيى بن أكثم اخرج بنا ننظر إلى هذا المال قال فخرج حتى أصحرا ووقفا
ينظرانه وكان قد هيئ بأحسن هيئة وحليت أباعره وألبست الأحلاس الموشاة
والجلال المصبغة وقلدت العهن وجعلت البدر بالحرير الصيني الأحمر والأخضر
والأصفر وأبديت رؤوسها قال فنظر المأمون إلى شئ حسن واستكثر ذلك فعظم
في عينه واستشرفه الناس ينظرون إليه ويعجبون منه فقال المأمون ليحيى يا أبا محمد
ينصرف أصحابنا هؤلاء الذين تراهم الساعة خائبين إلى منازلهم وننصرف بهذه
الأموال قد ملكناها دونهم إنا إذا للئام ثم دعا محمد بن يزداد فقال له وقع لآل فلان
بألف ألف ولآل فلان بمثلها ولآل فلان بمثلها قال فوالله إن زال كذلك حتى
فرق أربعة وعشرين ألف ألف درهم ورجله في الركاب ثم قال ادفع الباقي إلى المعلى
212

يعطى جندنا قال العيشي فجئت حتى قمت نصب عينه فلم أرد طرفي عنها لا يلحظني
إلا رآني بتلك الحال فقال يا أبا محمد وقع لهذا بخمسين ألف درهم من الستة الآلاف
ألف لا يختلس ناظري قال فلم يأت على ليلتان حتى أخذت المال وذكر عن محمد
ابن أيوب بن جعفر بن سليمان أنه كان بالبصرة رجل من بنى تميم وكان شاعرا
ظريفا خبيثا منكرا وكنت أنا والى البصرة آنس به وأستحليه فأردت أن أخدعه
وأستنزله فقلت له أنت شاعر وأنت ظريف والمأمون أجود من السحاب الحافل
والريح العاصف فما يمنعك منه قال ما عندي ما يقلني قلت فأنا أعطيك نجيبا فارها
ونفقة سابغة وتخرج إليه وقد امتدحته فإنك إن حظيت بلقائه صرت إلى أمنيتك
قال والله أيها الأمير ما أخالك أبعدت فأعد لي ما ذكرت قال فدعوت له بنجيب
فاره فقلت شأنك به فامتطه قال هذه إحدى الحسنيين فما بال الأخرى فدعوت له
بثلثمائة درهم وقلت هذه نفقتك قال أحسبك أيها الأمير قصرت في النفقة قلت
لا هي كافية وإن قصرت عن السرف قال ومتى رأيت في أكابر سعد سرفا حتى
تراه في أصاغرها فأخذ النجيب والنفقة ثم عمل أرجوزة ليست بالطويلة فأنشدنيها
وحذف منها ذكرى والثناء على وكان ماردا فقلت له ما صنعت شيئا قال وكيف قلت
تأتى الخليفة ولا تثنى على أميرك قال أيها الأمير أردت أن تخدعني فوجدتني خداعا
ولمثلها ضرب هذا المثل من ينك العير ينك نياكا أما والله ما لكرامتي حملتني على
نجيبك ولا جدت لي بمالك الذي ما رامه أحد قط إلا جعل الله حده الأسفل
ولكن لأذكرك في شعري وأمدحك عند الخليفة افهم هذا قلت قد صدقت
فقال أما إذا أبديت ما في ضميرك فقد ذكرتك وأثنيت عليك قلت فأنشدني ما قلت
فأنشدنيه فقلت أحسنت ثم ودعني وخرج فأتى الشأم وإذا المأمون بسلغوس قال
فأخبرني قال بينا أنا في غزاة فرة قد ركبت نجيبي ذاك ولبست مقطعاتي وأنا
أروم العسكر فإذا أنا بكهل على بغل فاره ما يقر قراره ولا يدرك خطاه قال فتلقاني
مكافحة ومواجهة وأنا أردد نشيد أرجوزتي فقال سلام عليكم بكلام جهوري
ولسان بسيط فقلت وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته قال قف إن شئت فوقفت
213

قتضوعت منه رائحة العنبر والمسك الأذفر فقال ما أولك قلت رجل من مضر
قال ونحن من مضر ثم قال ثم ماذا قلت رجل من بنى تميم قال وما بعد تميم قلت
من بنى سعد قال هيه فما أقدمك هذا البلد قال قلت قصدت هذا الملك الذي ما سمعت
بمثله أندى رائحة ولا أوسع راحة ولا أطول باعا ولا أمد يافعا منه قال فما الذي
قصدته به قلت شعر طيب يلذ على الأفواه وتقتفيه الرواة ويحلو في آذان المستمعين
قيل فأنشدنيه فغضبت وقلت يا ركيك أخبرتك أنى قصدت الخليفة بشعر قلته ومديح
حبرته تقول أنشدنيه قال فتغافل والله عنها وتطأ من لها وألغى عن جوابها قال
وما الذي تأمل منه قلت إن كان على ما ذكر لي عنه فألف دينار قال فأنا أعطيك
ألف دينار إن رأيت الشعر جيدا والكلام عذبا وأضع عنك العناء وطول
الترداد ومتى تصل إلى الخليفة وبينك وبينه عشرة آلاف رامح ونابل قلت فلى الله
عليك أن تفعل قال نعم لك الله على أن أفعل قلت ومعك الساعة مال قال هذا
بغلي وهو خير من ألف دينار أنزل لك عن ظهره قال فغضبت أيضا وعارضني
؟ ق سعد وخفة أحلامه فقلت ما يساوى هذا البغل هذا النجيب قال فدع عنك
البغل ولك الله على أن أعطيك الساعة ألف دينار قال فأنشدته
مأمون يا ذا المنن الشريفة * وصاحب المرتبة المنيفة
وقائد الكتيبة الكثيفة * هل لك في أرجوزة ظريفه
أظرف من فقه أبي حنيفة * لا والذي أنت له خليفه
ما ظلمت في أرضنا ضعيفه * أميرنا مؤنته خفيفه
وما اجتبى شيئا سوى الوظيفة * فالذئب والنعجة في سقيفة
واللص والتاجر في قطيفه
قال فوالله ما عدا أن أنشدته فإذا زها عشرة آلاف فارس قد سدوا الأفق
يقولون السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته قال فأخذني أفكل
ونظر إلى بتلك الحال فقال لا بأس عليك أي أخي قلت يا أمير المؤمنين جعلني الله
فداك أتعرف لغات العرب قال أي لعمر الله قلت فمن جعل الكاف منهم مكان
214

القاف قال هذه حمير قلت لعنها الله ولعن من استعمل هذه اللغة بعد اليوم فضحك
المأمون وعلم ما أردت والتفت إلى خادم إلى جانبه فقال أعطه ما معك فاخرج
إلى كيسا فيه ثلاثة آلاف دينار فقال هاك ثم قال السلام عليك ومضى فكان
آخر العهد به وقال أبو سعيد المخزومي
هل رأيت النجوم أغنت عن الماء * مون شيئا أو ملكه المأسوس
خلفوه بعرصتي طرسوس * مثل ما خلفوا أباه بطوس
وقال علي بن عبيدة الريحاني
ما أقل الدموع للمأمون * لست أرضى إلا دما من جفوني
وذكر أبو موسى هارون بن محمد بن إسماعيل بن موسى الهادي أن على
ابن صالح حدثه قال: قال لي المأمون يوما أبغني رجلا من أهل الشأم له أدب
يجالسني ويحدثني فالتمست ذلك فوجدته فدعوته فقلت له إني مدخلك على أمير
المؤمنين فلا تسأله عن شئ حتى يبتديك فانى أعرف الناس بمسئلتكم يا أهل
الشأم فقال ما كنت متجاوز ما أمرتني به فدخلت على المأمون فقلت له قد أصبت
الرجل يا أمير المؤمنين فقال أدخله فدخل فسلم ثم استدناه وكان المأمون على
شغله من الشراب فقال له إني أردتك لمجالستي ومحادثتي فقال الشأمى يا أمير
المؤمنين إن الجليس إذا كان ثيابه دون ثياب جليسه دخله لذلك غضاضة قال
فأمر المأمون أن يخلع عليه قال فدخلني من ذلك ما الله به أعلم قال فلما خلع
عليه ورجع إلى مجلسه قال يا أمير المؤمنين إن قلبي إذا كان متعلقا بعيالي لم تنتفع
بمحادثتي قال خمسون ألفا تحمل إلى منزله ثم قال يا أمير المؤمنين وثالثة قال وما
هي قال قد دعوت بشئ يحول بين المرء وعقله فإن كانت منى هنة فاغتفرها قال
وذاك قال على فكأن الثالثة جلت عنى ما كان بي * وذكر أبو حشيشة محمد بن
علي بن أمية بن عمرو قال كنا قدام أمير المؤمنين المأمون بدمشق فغنى علوية
برئت من الاسلام إن كان ذا الذي * أتاك به الواشون عنى كما قالوا
ولكنهم لما رأوك سريعة * إلى تواصوا بالنميمة واحتالوا
215

فقال يا علوية لمن هذا الشعر فقال للقاضي قال أي قاض ويحك قال قاضى
دمشق فقال يا أبا إسحاق اعزله قال قد عزلته قال فيحضر الساعة قال فأحضر
شيخ مخضوب قصير فقال له المأمون من تكون قال فلان بن فلان الفلاني قال
تقول الشعر قال قد كنت أقوله فقال يا علوية أنشده الشعر فأنشده فقال هذا
الشعر لك قال نعم يا أمير المؤمنين ونساؤه طوالق وكل ما يملك في سبيل الله إن
كان قال الشعر منذ ثلاثون سنة إلا في زهد أو معاتبة صديق فقال يا أبا إسحاق
اعزله فما كنت أولى رقاب المسلمين من يبدأ في هزله بالبراءة من الاسلام
ثم قال اسقوه فأتى بقدح فيه شراب فأخذه وهو يرتعد فقال يا أمير المؤمنين
ما ذقته قط قال فلعلك تريد غيره قال لم أذق منه شيئا قط قال فحرام هو قال نعم
يا أمير المؤمنين قال أولى لك بها نجوت اخرج ثم قال يا علوية لا تقل برئت
من الاسلام ولكن قل
حرمت مناي منك إن كان ذا الذي * أتاك به الواشون عنى كما قالوا
قال وكنا مع المأمون بدمشق فركب يريد جبل الثلج فمر ببركة عظيمة من
برك بنى أمية وعلى جوانبها أربع سروات وكان الماء يدخلها سيحا ويخرج منها
فاستحسن المأمون الموضع فدعا ببز ما ورد ورطل وذكر بنى أمية فوضع منهم
وتنقصهم فأقبل علوية على العود واندفع يغنى
أولئك قومي بعد عز وثروة * تفانوا فألا أذرف العين أكمدا
فضرب المأمون الطعام برجله ووثب وقال لعلويه يا ابن الفاعلة لم يكن
لك وقت تذكر فيه مواليك إلا في هذا الوقت فقال مولاكم زرياب عند موالى
يركب في مائة غلام وأنا عندكم أموت من الجوع فغضب عليه عشرين يوما ثم
رضى عنه قال وزرياب مولى المهدى صار إلى الشأم ثم صار إلى المغرب إلى بنى
أمية هناك * وذكر السليطي أبو علي عن عمارة بن عقيل قال أنشدت المأمون
قصيدة فيها مديح له هي مائة بيت فابتدئ بصدر البيت فيبادرني إلى قافيته كما
قفيته فقلت والله يا أمير المؤمنين ما سمعها منى أحد قط قال هكذا ينبغي أن يكون
216

ثم أقبل على فقال لي أما بلغك أن عمر بن أبي ربيعة أنشد عبد الله بن العباس
قصيدته التي يقول فيها * تشط غدا دار جيراننا * فقال ابن العباس * وللدار بعد
غد أبعد * حتى أنشده القصيدة يقفيها ابن عباس ثم قال أنا ابن ذاك * وذكر
عن أبي مروان كازر بن هارون أنه قال: قال المأمون
بعثتك مرتادا ففزت بنظرة * وأغفلتني حتى أسأت بك الظنا
فناجيت من أهوى وكنت مباعدا * فياليت شعري عن دنوك ما أغنا
أرى أثرا منه بعينيك بينا * لقد أخذت عيناك من عينه حسنا
قال أبو مروان وإنما عول المأمون في قوله في هذا المعنى على قول العباس
ابن الأحنف فإنه اخترع
إن تشق عيني بها فقد سعدت * عين رسولي وفزت بالخبر
وكلما جاءني الرسول لها * رددت عمدا في طرفه نظري
يظهر في وجهه محاسنها * قد أثرت فيه أحسن الأثر
خذ مقلتي يا رسول عارية * فانظر بها واحتكم على بصرى
قال أبو العتاهية وجه إلى المأمون يوما فصرت إليه فألفيته مطرقا مفكرا
فأحجمت عن الدنو منه في تلك الحال فرفع رأسه فنظر إلى وأشار بيده أن ادن
فدنوت ثم أطرق مليا ورفع رأسه فقال يا أبا إسحاق شأن النفس الملل وحب
الاستطراف تأنس بالوحدة كما تأنس بالألفة قلت أجل يا أمير المؤمنين ولى في
هذا بيت قال وما هو قلت
لا يصلح النفس إذ كانت مقسمة * إلا التنقل من حال إلى حال
وذكر عن أبي نزار الضرير الشاعر أنه قال قال لي علي بن جبلة قلت لحميد
ابن عبد الحميد يا أبا غانم قد امتدحت أمير المؤمنين بمدح لا يحسن مثله أحد من أهل
الأرض فاذكرني له فقال أنشدنيه فأنشدته فقال أشهد أنك صادق فأخذ المديح
فأدخله على المأمون فقال يا أبا غانم الجواب في هذا واضح ان شاء عفونا عنه وجعلنا ذلك
ثوابا بمديحه وإن شاء جمعنا بين شعره فيك وفى أبى دلف القاسم بن عيسى فان
217

كان الذي قال فيك وفيه أجود من الذي مدحنا به ضربنا ظهره وأطلنا حبسه وإن كان
الذي قال فينا أجود أعطيته بكل بيت من مديحه ألف درهم وإن شاء أقلناه فقلت
يا سيدي ومن أبو دلف ومن أنا حتى يمدحنا بأجود من مديحك فقال ليس هذا
الكلام من الجواب عن المسألة في شئ فاعرض ذلك على الرجل قال علي بن
جبلة فقال لي حميد ما ترى قلت الإقالة أحب إلى فأخبر المأمون فقال هو أعلم
قال حميد فقلت لعلي بن جبلة إلى أي شئ ذهب في مدحك أبا دلف وفى مدحك
لي قال إلى قولي في أبى دلف
إنما الدنيا أبو دلف * بين معراه ومحتضره
فإذا ولى أبو دلف * ولت الدنيا على أثره
وإلى قولي فيك
لولا حميد لم يكن * حسب يعد ولا نسب
يا واحد العرب الذي * عزت بعزته العرب
قال فأطرق حميد ساعة ثم قال يا أبا الحسن لقد انتقد عليك أمير المؤمنين وأمر
لي بعشرة آلاف درهم وحملان وخلعة وخادم وبلغ ذلك أبا دلف فأضعف لي
العطية وكان ذلك منهما في ستر لم يعلم به أحد إلى أن حدثتك يا أبا نزار بهذا قال
أبو نزار وظننت أن المأمون تعقد عليه هذا البيت؟ أبى دلف
تحدر ماء الجود من صلب آدم * فأثبته الرحمن في صلب قاسم
وذكر عن سليمان بن رزين الخزاعي بن أخي دعبل قال هجا دعبل
المأمون فقال
ويسومني المأمون حطة عارف * أو ما رأى بالأمس رأس محمد
يوفى على هام الخلائف مثل ما * يوفى الجبال على رؤس القردد
ويحل في أكناف كل ممنع * حتى يذلل شاهقا لم يصعد
إن التراث مسهد طلابها * فاكفف لعابك عن لعاب الأسود
فقيل للمأمون إن دعبلا هجاك فقال هو يهجو أبا عباد لا يهجوني يريد حدة
218

أبى عباد وكان أبو عباد إذا دخل على المأمون كثيرا ما يضحك المأمون ويقول
له ما أراد دعبل منك حين يقول
وكأنه من دير هرقل مفلت * حرد يجر سلاسل الأقياد
وكان المأمون يقول لإبراهيم بن شكلة إذا دخل عليه لقد أوجعك دعبل حين يقول
إن كان إبراهيم مضطلعا بها * فلتصلحن من بعده لمخارق
ولتصلحن من بعد ذاك لزلزل * ولتصلحن من بعده للمارق
أنى يكون ولا يكون ولم يكن * لينال ذلك فاسق عن فاسق
وذكر محمد بن الهيثم الطائي أن القاسم بن محمد الطيفوري حدثه قال شكا
اليزيدي إلى المأمون خلة أصابته ودينا لحقه فقال ما عندنا في هذه الأيام ما إن
أعطينا كمه بلغت به ما تريد فقال يا أمير المؤمنين إن الامر قد ضاق على وإن غرمائي
قد أرهقوني قال فرم لنفسك أمرا تنال به نفعا فقال لك منادمون فيهم من إن
حركته نلت منه ما أحب فأطلق لي الحيلة فيهم قال قل ما بدا لك قال فإذا حضروا
وحضرت فمر فلانا الخادم أن يوصل إليك رقعتي فإذا قرأتها فأرسل إلى دخولك
في هذا الوقت متعذر ولكن اختر لنفسك من أحببت قال فلما علم أبو محمد بجلوس
المأمون واجتماع ندمائه إليه وتيقن أنهم قد ثملوا من شربهم أتى الباب فدفع إلى
ذلك الخادم رقعة قد كتبها فأوصلها له إلى المأمون فقرأها فإذا فيها
يا خير إخواني وأصحابي * هذا الطفيلي لدى الباب
خبر أن القوم في لذة * يصبو إليها كل أواب
فصيروني واحدا منكم * أو أخرجوا إلى بعض أترابي
قال فقرأها المأمون على من حضره فقالوا ما ينبغي أن يدخل هذا الطفيلي على
مثل هذه الحال فأرسل إليه المأمون دخولك في هذا الوقت متعذر فاختر لنفسك
من أحببت تنادمه فقال ما أرى لنفسي اختيارا غير عبد الله بن طاهر فقال له المأمون
قد وقع اختياره عليك فصر إليه قال يا أمير المؤمنين فأكون شريك الطفيلي
قال ما يمكن رد أبى محمد عن أمرين فان أحببت أن تخرج وإلا فافتد نفسك قال
219

فقال يا أمير المؤمنين له على عشرة آلاف درهم قال لا أحسب ذلك يقنعه منك
ومن مجالستك قال فلم يزل يزيده عشرة عشرة والمأمون يقول له لا أرضى له بذلك
حتى بلغ المائة ألف قال فقال له المأمون فعجلها له قال فكتب له بها إلى وكيله
ووجه معه رسولا فأرسل إليه المأمون قبض هذه في هذه الحال أصلح لك من
منادمته على مثل حاله وأنفع عاقبة وذكر عن محمد بن عبد الله صاحب المراكب
قال أخبرني أبي عن صالح بن الرشيد قال دخلت على المأمون ومعي بيتان للحسين
ابن الضحاك فقلت يا أمير المؤمنين أحب أن تسمع منى بيتين قال أنشدهما
قال فأنشده صالح
حمدنا الله شكرا إذ حبانا * بنصرك يا أمير المؤمنينا
فأنت خليفة الرحمن حقا * جمعت سماحة وجمعت دينا
فاستحسنهما المأمون وقال لمن هذان البيتان يا صالح قلت لعبدك يا أمير المؤمنين
الحسين بن الضحاك قال قد أحسن قلت وله يا أمير؟ ما هو أجود من هذا
قال وما هو فأنشدته
أيبخل فرد الحسن فرد صفاته * على وقد أفردته بهوى فرد
رأى الله عبد الله خير عباده * فملكه والله أعلم بالعبد
وذكر عن عمارة بن عقيل أنه قال قال لي عبد الله بن أبي السمط علمت أن
المأمون لا يبصر الشعر قال قلت ومن ذا يكون أعلم به منه فوالله إنك لترانا
ننشده أول البيت فيسبقنا إلى آخره قال أنشدته بيتا أجدت فيه فلم أره تحرك له
قال قلت وما الذي أنشدته قال أنشدته
أضحى إمام الهدى المأمون مشتغلا * بالدين والناس بالدنيا مشاغيل
قال فقلت له إنك والله ما صنعت شيئا وهل زدت على أن جعلته عجوزا في محرابها
في يدها سبحتها فمن القائم بأمر الدنيا إذا تشاغل عنها وهو المطوق بها هلا قلت فيه
كما قال عمك جرير في عبد العزيز بن الوليد
فلا هو في الدنيا مضيع نصيبه * ولا عرض الدنيا عن الدين شاغله
220

فقال الآن علمت أنى قد أخطأت * وذكر عن محمد بن إبراهيم السباري قال
لما قدم العتابي على المأمون مدينة السلام أذن له فدخل عليه وعنده إسحاق بن إبراهيم
الموصلي وكان شيخا جليلا فسلم عليه فرد عليه السلام وأدناه وقربه حتى
قرب منه فقبل يده ثم أمره بالجلوس فجلس وأقبل عليه يسائله عن حاله فجعل يجيبه
بلسان طلق فاستظرف المأمون ذلك فأقبل عليه بالمداعبة والمزاح فظن الشيخ أنه
استخف به فقال يا أمير المؤمنين ألا بساس قبل الايناس قال فاشتبه على المأمون
الابساس فنظر إلى إسحاق بن إبراهيم ثم قال نعم يا غلام ألف دينار فأتى بها ثم صبت
بين يدي العتابي ثم أخذوا في المفاوضة والحديث وغمز عليه إسحاق بن إبراهيم
فأقبل لا يأخذ العتابي في شئ إلا عارضه إسحاق بأكثر منه فبقى متعجبا ثم قال
يا أمير المؤمنين ائذن لي في مسألة هذا الشيخ عن اسمه قال نعم سله قال يا شيخ من
أنت وما اسمك قال أنا من الناس واسمى كل بصل قال أما النسبة فمعروفة وأما
الاسم فمنكر وما كل بصل من الأسماء فقال له اسحق ما أقل انصافك وما كل ثوم
من الأسماء البصل أطيب من الثوم فقال العتابي لله درك ما أحجك يا أمير المؤمنين
ما رأيت كالشيخ قط أتأذن لي في صلته بما وصلني به أمير المؤمنين فقد والله غلبني
فقال المأمون بل هذا موفر عليك ونأمر له بمثله فقال له اسحق أما إذا أقررت
بهذه فتوهمني تجدني فقال والله ما أظنك إلا الشيخ الذي يتناهى إلينا خبره
من العراق ويعرف بابن الموصلي قال أنا حيث ظننت فأقبل عليه بالتحية
والسلام فقال المأمون وقد طال الحديث بينهما أما إذا نفقتما على الصلح
والمودة فقوما فانصرفا متنادمين فانصرف العتابي إلى منزل اسحق فأقام عنده
وذكر عن محمد بن عبد الله بن جشم الربعي أن عمارة بن عقيل قال قال لي المأمون
يوما وأنا أشرب عنده ما أخبثك يا أعرابي قال قلت وما ذاك يا أمير المؤمنين
وهمتني نفسي قال كيف قلت
قالت مفداة لما أن رأت أرقي * والهم يعتادني من طيفه لمم
نهبت مالك في الأدنين آصرة * وفى الأباعد حتى حفك العدم
221

فاطلب إليهم ترى ما كنت من حسن * تسدى إليهم فقد باتت لهم صرم
فقلت عذلك قد أكثرت لائمتي * ولم يمت حاتم هزلا ولا هرم
فقال لي المأمون أين رميت بنفسك إلى هرم بن سنان سيد العرب وحاتم
الطائي فعلا كذا وفعلا كذا وأقبل ينثال على بفضلهما قال فقلت يا أمير المؤمنين
أنا خير منهما أنا مسلم وكانا كافرين وأنا رجل من العرب * وذكر عن محمد بن
زكرياء بن ميمون الفزعاني قال قال المأمون لمحمد بن الجهم أنشدني ثلاثة أبيات
في المديح والهجاء والمراثي ولك بكل بيت كورة فأنشده في المديح
يجود بالنفس إذ ضن الجواد بها * والجود بالنفس أقصى غاية الجود
وأنشده في الهجاء
قبحت مناظرهم فحين خبرتهم * حسنت مناظرهم لقبح المخبر
وأنشده في المراثي
أرادوا ليخفوا قبره عن عدوه * فطيب تراب القبر دل على القبر
وذكر عن العباس بن أحمد بن أبان بن القاسم الكاتب قال أخبرني الحسين
ابن الضحاك قال قال لي علوية أخبرك أنه مر بي مرة ما أيست من نفسي معه
لولا كرم المأمون فإنه دعا بنا فلما أخذ فيه النبيذ قال غنوني فسبقني مخارق فاندفع
فغنى صوتا لا بن سريج في شعر جرير
لما تذكرت بالديرين أرقني * صوت الدجاج وضرب بالنواقيس
فقلت للركب إذ جد المسير بنا * يا بعد يبرين من باب الفراديس
قال فحين لي ان تغنيت وكان قد هم بالخروج إلى دمشق يريد الثغر
الحين ساق إلى دمشق وما * كانت دمشق لأهلها بلدا
فضرب بالقدح الأرض وقال مالك عليك لعنة الله ثم قال يا غلام أعط مخارقا
ثلاثة آلاف درهم وأخذ بيدي فأقمت وعيناه تدمعان وهو يقول للمعتصم هو والله
آخر خروج ولا أحسبني أن أرى العراق أبدا قال فكان والله آخر عهده بالعراق
عند خروجه كما قال
222

* خلافة أبي إسحاق المعتصم محمد بن هارون الرشيد *
(وفى هذه السنة) بويع لأبي إسحاق محمد بن هارون الرشيد بن محمد المهدى
ابن عبد الله المنصور بالخلافة وذلك يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقيت من
رجب سنة 218 وذكر أن الناس كانوا قد أشفقوا من منازعة العباس
ابن المأمون له في الخلافة فسلموا من ذلك * ذكر أن الجند شغبوا لما بويع
لأبي إسحاق بالخلافة فطلبوا العباس ونادوه باسم الخلافة فأرسل أبو إسحاق
إلى العباس فأحضره فبايعه ثم خرج إلى الجند فقال ما هذا الحب البارد قد بايعت
عمى وسلمت الخلافة إليه فسكن الجند (وفيها) أمر المعتصم بهدم ما كان
المأمون أمر ببنائه بطوانة وحمل ما كان بها من السلاح والآلة وغير ذلك مما قدر
على حمله وأحرق ما لم يقدر على حمله وأمر بصرف من كان المأمون أسكن ذلك
من الناس إلى بلادهم (وفيها) انصرف المعتصم إلى بغداد ومعه العباس بن المأمون
فقدمها فيما ذكر يوم السبت مستهل شهر رمضان (وفيها) دخل فيما ذكر جماعة
كثيرة من أهل الجبال من همذان وأصبهان وماسبذان ومهر جانقذق في دين
الخريمة وتجمعوا فعسكروا في عمل همذان فوجه المعتصم إليهم عساكر فكان
آخر عسكر وجه إليهم عسكر وجهه مع إسحاق بن إبراهيم بن مصعب وعقد
له على الجبال في شوال في هذه السنة فشخص إليهم في ذي القعدة وقرئ كتابه
بالفتح يوم التروية وقتل في عمل همذان ستين ألفا وهرب باقيهم إلى بلاد الروم
(وحج) بالناس في هذه السنة صالح بن العباس بن محمد وضحى أهل مكة يوم
الجمعة وأهل بغداد يوم السبت
* ثم دخلت سنة تسع عشرة ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمن ذلك ما كان من ظهور محمد بن القاسم بن عمر بن علي بن الحسين بن علي
ابن أبي طالب بالطالقان من خراسان يدعو إلى الرضى من آل محمد صلى الله
223

عليه وسلم فاجتمع إليه بها ناس كثير وكانت بينه وبين قواد عبد الله بن طاهر
وقعات بناحية الطالقان جبالها فهزم هو وأصحابه فخرج هاربا يريد بعض كور خراسان
كان أهله كاتبوه فلما صار بنساوبها والد لبعض من معه مضى الرجل معه من أهل
نسا إلى والده ليسلم عليه فلما لقى أباه سأله عن الخبر فأخبره بأمرهم وأنهم يقصدون
كورة كذا فمضى أبو ذلك الرجل إلى عامل نسا فأخبره بأمر محمد بن القاسم
فذكر أن العامل بذل له عشرة آلاف درهم على دلالته عليه فدله عليه فجاء العامل
إلى محمد بن القاسم فأخذه واستوثق منه وبعث به إلى عبد الله بن طاهر فبعث به
عبد الله بن طاهر إلى المعتصم فقدم به عليه يوم الاثنين لأربع عشرة ليلة خلت
من شهر ربيع الآخر فحبس فيما ذكر بسامرا عند مسرور الخادم الكبير في
محبس ضيق يكون قدر ثلاث أذرع في ذراعين فمكث فيه ثلاثة أيام ثم حول
إلى موضع أوسع من ذلك وأجرى عليه طعام ووكل به قوم يحفظونه فلما
كان ليلة الفطر واشتغل الناس بالعيد والتهنئة احتال للخروج ذكر أنه هرب
من الحبس بالليل وأنه دلى إليه حبل من كوة كانت في أعلى البيت يدخل عليه
منها الضوء فلما أصبحوا أتوا بالطعام للغداء ففقد * فذكر أنه جعل لمن دل عليه
مائة ألف درهم وصاح بذلك الصائح فلم يعرف له خبر (وفى هذه السنة) قدم
إسحاق بن إبراهيم بغداد من الجبل يوم الأحد لاحدى عشرة ليلة خلت من جمادى
الأولى ومعه الاسرى من الخرمية والمستأمنة وقيل إن إسحق بن إبراهيم قتل
منهم في محاربته إياهم نحوا من مائة ألف سوى النساء والصبيان (وفى هذه السنة)
وجه المعتصم عجيف بن عنبسة في جمادى الآخرة منها لحرب الزط الذين كانوا
قد عاثوا في طريق البصرة فقطعوا فيه الطريق واحتملوا الغلات من البيادر
بكسكر وما يليها من البصرة وأخافوا السبيل ورتب الخيل في كل سكة من سكك
البرد تركض بالاخبار فكان الخبر يخرج من عند عجيف فيصل إلى المعتصم من
يومه وكان الذي يتولى النفقة على عجيف من قبل المعتصم محمد بن منصور كاتب
إبراهيم بن البختري فلما صار عجيف إلى واسط ضرب عسكره بقرية أسفل واسط
224

يقال لها الصافية في خمسة آلاف رجل وصار عجيف إلى نهر يحمل من دجلة
يقال له بردودا فلم يزل مقيما عليه حتى سده وقيل إن عجيفا إنما ضرب عسكره
بقرية أسفل واسط يقال لها نجيدا ووجه هارون بن نعيم بن الوضاح القائد
الخراساني إلى موضع يقال له الصافية في خمسة آلاف رجل ومضى عجيف في
خمسة آلاف إلى بردودا فأقام عليه حتى سده وسد أنهارا أخر كانوا يدخلون منها
ويخرجون فحصرهم من كل وجه وكان من الأنهار التي سدها عجيف نهر يقال له
العروس فلما أخذ عليهم طرقهم حاربهم وأسر منهم خمسمائة رجل وقتل منهم في
المعركة ثلثمائة رجل فضرب أعناق الاسرى وبعث برؤس جميعهم إلى باب
المعتصم ثم أقام عجيف بإزاء الزط خمسة عشر يوما فظفر منهم بخلق كثير وكان
رئيس الزط رجلا يقال له محمد بن عثمان وكان صاحب أمره والقائم بالحرب
سملق ومكث عجيف يقاتلهم فيما قيل تسعة أشهر (وحج) بالناس في هذه السنة
صالح بن العباس بن محمد
* ثم دخلت سنة عشرين ومائتين *
* ذكر ما كان فيها من الاحداث *
فمن ذلك ما كان من دخول عجيف بالزط بغداد وقهره إياهم حتى طلبوا منه
الأمان فآمنهم فخرجوا إليه في ذي الحجة سنة 219 على أنهم آمنون على دمائهم
وأموالهم وكانت عدتهم فيما ذكر سبعة وعشرين ألفا المقاتلة منهم اثنا عشر ألفا
وأحصاهم عجيف سبعة وعشرين ألف إنسان بين رجل ومرأة وصبي ثم جعلهم
في السفن وأقبل بهم حتى نزل الزعفرانية فأعطى أصحابه دينارين دينارين جائزة
وأقام بها يوما وعبأهم في زواريقهم على هيئتهم في الحرب معهم البوقات حتى دخل بهم
بغداد يوم عاشوراء سنة 220 والمعتصم بالشماسية في سفينة يقال لها الزو حتى
مر به الزط على تعبئتهم ينفخون بالبوقات فكان أولهم بالقفص وآخرهم بحذاء
الشماسية وأقاموا في سفنهم ثلاثة أيام ثم عبر بهم إلى الجانب الشرقي فدفعوا إلى
(10 - 7)
225

بشر بن السميدع فذهب بهم إلى خانقين ثم نقلوا إلى الثغر إلى عين زربة فأغارت
عليهم الروم فاجتاحوهم فلم يفلت منهم أحد فقال شاعرهم
يا أهل بغداد موتوا دام غيظكم * شوقا إلى تمر برني وسهريز
نحن الذين ضربناكم مجاهرة * قسرا وسقناكم سوق المعاجيز
لم تشكروا الله نعماه التي سلفت * ولم تحوطوا أياديه بتعزيز
فاستنصروا العبد من أبناء دولتكم * من يا زمان ومن بلج ومن توز
ومن شناس وأفشين ومن فرج * المعلمين بديباج وابريز
واللابسى كمخان الصين قد خرطت * أردانه درز برواز الدخاريز
والخاملين الشكى نيطت علائقها * إلى مناطق خاص غير مخروز
يفرى ببيض من الهندي هامهم * بنو بهيلة في أبناء فيروز
فوارس خيلها دهم مودعة * على الخراطيم منها والفراريز
مسخرات لها في الماء أجنحة * كالابنوس إذا استحضرن والشيز
متى تروموا لنا في غمر لجتنا * حذرا نصيدكم صيد المقاقيز
أو اختطافا وإرهابا كما اختطفت * طير الرجال حثاثا بالشناقيز
ليس الجلاد جلاد الزط فاعترفوا * أكل الثريد ولاشرب القواقيز
نحن الذين سقينا الحرب درتها * ونققينها مقاساة الكواليز
لنسفعنكم سفعا يدل له * رب السرير ويشجى صاحب التيز
فابكوا على التمر أبكى الله أعينكم * في كل أضحى وفى فطر ونيروز
(وفى هذه السنة) عقد المعتصم للافشين حيدر بن كاوس على الجبال ووجه به
لحرب بابك وذلك يوم الخميس لليلتين خلتا من جمادى الآخرة فعسكر بمصلى بغداد
ثم صار إلى برزند ذكر الخبر عن أمر بابك ومخرجه
* ذكر أن ظهور بابك كان في سنة 201 وكانت قريته ومدينته البد وهزم
من جيوش السلطان وقتل من قواده جماعة فلما أفضى الامر إلى المعتصم وجه
أبا سعيد محمد بن يوسف إلى أردبيل وأمره أن يبنى الحصون التي خربها بابك
226

فيما بين زنجان وأردبيل ويجعل فيها الرجال مسالح لحفظ الطريق لمن يجلب الميرة
إلى أردبيل فتوجه أبو سعيد لذلك وبنى الحصون التي خربها بابك ووجه بابك
سرية له في بعض غاراته وصير أميرهم رجلا يقال له معاوية فخرج فأغار على بعض
النواحي ورجع منصرفا فبلغ ذلك أبا سعيد محمد بن يوسف فجمع الناس وخرج
إليه يعترضه في بعض الطريق فواقعه فقتل من أصحابه جماعة وأسر منهم جماعة
واستنقذ ما كان حواه فهذه أول هزيمة كانت على أصحاب بابك ووجه أبو سعيد
الرؤس والاسرى إلى المعتصم بالله ثم كانت الأخرى لمحمد بن البعيث وذلك أن
محمد بن البعيث كان في قلعة له حصينة تسمى شاهي كان ابن البعيث أخذها من
الوجناء بن الرواد عرضها نحو من فرسخين وهى من كورة آذربيجان وله حصن
آخر في بلاد آذربيجان يسمى تبريز وشاهى أمنعهما وكان ابن البعيث مصالحا
لبابك إذا توجهت سراياه نزلت به في أضافهم وأحسن إليهم حتى أنسوا به وصارت
له عادة ثم إن بابك وجه رجلا من أصحابه يقال له عصمة من أصبهبذيه في سرية
فنزل بابن البعيث فأنزل إليه ابن البعيث على العادة الجارية الغنم والانزال وغير
ذلك وبعث إلى عصمة أن يصعد إليه في خاصته ووجوه أصحابه فصعد فغداهم
وسقاهم حتى أسكرهم ثم وثب على عصمة فاستوثق منه وقتل من كان معه من
أصحابه وأمره أن يسمى رجلا رجلا من أصحابه باسمه فكان يدعى بالرجل باسمه
فيصعد ثم يأمر به فيضرب عنقه حتى علموا بذلك فهربوا ووجه ابن البعيث بعصمة
إلى المعتصم وكان البعيث أبو محمد صعلوكا من صعاليك ابن الرواد فسأل المعتصم
عصمة عن بلاد بابك فأعلمه طرقها ووجوه القتال فيها ثم لم يزل عصمة محبوسا
إلى أيام الواثق ولما صار الأفشين إلى برزند عسكر بها ورم الحصون فيما بين برزند
وأردبيل وأنزل محمد بن يوسف بموضع يقال له خش فاحتفر فيه خندقا وأنزل
الهيثم الغنوي القائد من أهل الجزيرة في رستاق يقال له أرشق فرم حصنه وحفر
حوله خندقا وأنزل علوية الأعور من قواد الأبناء في حصن مما يلي أردبيل
يسمى حصن النهر فكانت السابلة والقوافل تخرج من أردبيل معها من يبذرقها
227

حتى تصل إلى حصن النهر ثم يبذرقها صاحب حصن النهر إلى الهيثم الغنوي ويخرج
هيثم فيمن جاء من ناحيته حتى يسلمه إلى أصحاب حصن النهر ويبذرق من جاء
من أردبيل حتى يصير الهيثم وصاحب حصن النهر في منتصف الطريق فيسلم
صاحب حصن النهر من معه إلى هيثم ويسلم هيثم من معه إلى صاحب حصن النهر
فيسير هذا مع هؤلاء وهذا مع هؤلاء وإن سبق أحدهما صاحبه إلى الموضع لم
يجزه حتى يجئ الآخر فيدفع كل واحد منهما من معه إلى صاحبه ليبذرقهم هذا
إلى أردبيل وهذا إلى عسكر الأفشين ثم يبذرق الهيثم الغنوي من كان معه إلى
أصحاب أبي سعيد وقد خرجوا فوقفوا على منتصف الطريق معهم قوم فيدفع أبو سعيد
وأصحابه من معهم إلى الهيثم ويدفع الهيثم من معه إلى أصحاب أبي سعيد فيصير أبو سعيد
وأصحابه بمن في القافلة إلى خش وينصرف الهيثم وأصحابه بمن صار في أيديهم إلى
أرشق حتى يصيروا به من غد فيدفعونهم إلى علوية الأعور وأصحابه ليوصلوهم
إلى حيث يريدون ويصير أبو سعيد ومن معه إلى خش ثم إلى عسكر الأفشين
فتلقاه صاحب سيارة الأفشين فيقبض منه من في القافلة فيؤديهم إلى
عسكر الأفشين فلم يزل الامر جاريا على هذا وكلما صار إلى أبي سعيد أو إلى
أحد من المسالح أحد من الجواسيس وجهوا به إلى الأفشين فكان الأفشين
لا يقتل الجواسيس ولا يضربهم ولكن يهب لهم ويصلهم ويسألهم ما كان بابك
يعطيهم فيضعفه لهم ويقول للجاسوس كن جاسوسا لنا (وفيها) كانت وقعة
بين بابك وأفشين بأرشق قتل فيها الأفشين من أصحاب بابك خلقا كثيرا قيل أكثر
من ألف وهرب بابك إلى موقان ثم شخص منها إلى مدينته التي تدعى البذ
* ذكر الخبر عن سبب هذه الوقعة بين الأفشين وبابك *
ذكر أن سبب ذلك أن المعتصم وجه مع بغا الكبير بمال إلى الأفشين
عطاء لجنده وللنفقات فقدم بغا بذلك المال إلى أردبيل فلما نزل أردبيل بلغ بابك
وأصحابه خبره فتهيأ بابك وأصحابه ليقطعوا عليه قبل وصوله إلى الأفشين فقدم
صالح الجاسوس على الأفشين فأخبره أن بغا الكبير قد قدم بمال وأن بابك
228

وأصحابه قد تهيئوا ليقتطعوه قبل وصوله إليك (وقيل) كان مجئ صالح إلى
أبي سعيد فوجه به أبو سعيد إلى الأفشين وهيأ بابك كمينا في مواضع فكتب
الأفشين إلى أبي سعيد يأمره أن يحتال لمعرفة صحة خبر بابك فمضى أبو سعيد متنكرا
هو وجماعة من أصحابه حتى نظروا إلى النيران والوقود في المواضع التي وصفها
لهم صالح فكتب الأفشين إلى بغا أن يقيم بأردبيل حتى يأتيه رأيه وكتب أبو سعيد
إلى الأفشين بصحة خبر صالح فوعد الأفشين صالحا وأحسن إليه ثم كتب الأفشين
إلى بغا أن يظهر أنه يريد الرحيل ويشد المال على الإبل ويقطرها ويسير متوجها
من أردبيل كأنه يريد برزند فإذا صار إلى مسلحة النهر أو سار شبيها بفرسخين
احتبس القطار حتى يجوز من صحب المال إلى برزند فإذا جازت القافلة رجع
بالمال إلى أردبيل ففعل ذلك بغا وسارت القافلة حتى نزلت النهر وانصرف
جواسيس بابك إليه يعلمونه أن المال قد حمل وعاينوه محمولا حتى صار إلى النهر
ورجع بغا بالمال إلى أردبيل وركب الأفشين في اليوم الذي وعد فيه بغا عند
العصر من برزند فوافى خش مع غروب الشمس فنزل معسكرا خارج خندق
أبي سعيد فلما أصبح ركب في سر لم يضرب طبلا ولا نشر علما وأمر أن يلف
الاعلام وأمر الناس بالسكوت وجد في السير ورحلت القافلة التي كانت توجهت
في ذلك اليوم من النهر إلى ناحية الهيثم الغنوي ورحل الأفشين من خش يريد
ناحية الهيثم ليصادفه في الطريق ولم يعلم الهيثم فرحل بمن كان معه من القافلة
يريد بها النهر وتعبأ بابك في خيله ورجاله وعساكره وصار على طريق النهر
وهو يظن أن المال موافيه وخرج صاحب النهر ببذرق من قبله إلى الهيثم فخرجت
عليه خيل بابك وهم لا يشكون أن المال معه فقاتلهم صاحب النهر فقتلوه وقتلوا
من كان معه من الجند والسابلة وأخذوا جميع ما كان معهم من المتاع وغيره
وعلموا أن المال قد فاتهم وأخذوا علمه وأخذوا لباس أهل النهر ودراريعهم
وطراداتهم وخفاتينهم فلبسوها وتنكروا ليأخذوا الهيثم الغنوي ومن معه أيضا
ولا يعلمون بخروج الأفشين وجاؤا كأنهم أصحاب النهر فلما جاؤوا لم يعرفوا
229

الموضع الذي كان يقف فيه علم صاحب النهر فوقفوا في غير موضع صاحب النهر
وجاء الهيثم فوقف في موقفه فأنكر ما رأى فوجه ابن عم له فقال له اذهب إلى
هذا البغيض فقل له لأي شئ وقوفك فجاء ابن عم الهيثم فلما رأى القوم أنكرهم
لما دنا منهم فرجع إلى الهيثم فقال له ان هؤلاء القوم لست أعرفهم فقال
له الهيثم أخزاك الله ما أجبنك ووجه خمسة فرسان من قبله فلما جاؤوا وقربوا
من بابك خرج من الخرمية رجلان فتلقوهما وأنكروهما وأعلموهما أنهم قد
عرفوهما ورجعوا إلى الهيثم ركضا فقالوا إن الكافر قد قتل علوية وأصحابه
وأخذوا أعلامهم ولباسهم فرحل هيثم منصرفا فأتى القافلة التي جاء بها معه
وأمرهم أن يركضوا ويرجعوا لئلا يؤخذوا ووقف هو في أصحابه يسير بهم قليلا
قليلا ويقف بهم قليلا ليشغل الخرمية عن القافلة وصار شبيها بالحامية لهم حتى
وصلت القافلة إلى الحصن الذي يكون فيه الهيثم وهو أرشق وقال لأصحابه من يذهب
منكم إلى الأمير وإلى أبي سعيد فيعلمهما وله عشرة آلاف درهم وفرس بدل فرسه
إن نفق فرسه فله مثل فرسه على مكانه فتوجه رجلان من أصحابه على فرسين فارهين
يركضان ودخل الهيثم الحصن وخرج بابك فيمن معه فنزل بالحصن ووضع له كرسي
وجلس على شرف بحيال الحصن وأرسل إلى الهيثم خل عن الحصن وانصرف
حتى أهدمه فأبى الهيثم وحاربه وكان مع الهيثم في الحصن ستمائة راجل وأربعمائة
فارس وله خندق حصين فقاتله وقعد بابك فيمن معه ووضع الخمر بين يديه ليشربها
والحرب مشتبكة كعادته ولقى الفارسان الأفشين على أقل من فرسخ من أرشق
فساعة نظر إليهما من بعيد قال لصاحب مقدمته أرى فارسين يركضان ركضا
شديدا ثم قال اضربوا الطبل وانشروا الاعلام واركضوا نحو الفارسين ففعل
أصحابه ذلك وأسرعوا السير وقال لهم صيحوا بهما لبيك لبيك فلم يزل الناس في
طلق واحد متراكضين يكسر بعضهم بعضا حتى لحقوا بابك وهو جالس فلم يتدارك
أن يتحول ويركب حتى وافته الخيل والناس واشتبكت الحرب فلم يفلت من
رجالة بابك أحد وأفلت هو في نفر يسير ودخل موقان وقد تقطع عنه أصحابه وأقام
230

الأفشين في ذلك الموضع وبات ليلته ثم رجع إلى معسكره ببرزند فأقام بابك بموقان أياما
ثم إنه بعث إلى البذ فجاءه في الليل عسكر فيه رجالة فرحل بهم من موقان حتى دخل
البذ فلم يزل الأفشين معسكرا ببرزند فلما كان في بعض الأيام مرت به قافلة من خش
إلى برزند ومعها رجل من قبل أبي سعيد يسمى صالح آب كش تفسيره السقاء
فخرج عليه اصبهبذ بابك فاخذ القافلة وقتل من فيها وقتل من كان مع صالح وأفلت
صالح بلا خف مع من أفلت وقتل جميع أهل القافلة وانتهب متاعهم فقحط
عسكر الأفشين من أجل تلك القافلة التي أخذت من الأب كش وذلك
أنها كانت تحمل الميرة فكتب الأفشين إلى صاحب المراغة يأمره بحمل الميرة
وتعجيلها عليه فان الناس قد قحطوا وجاعوا فوجه إليه صاحب المراغة بقافلة
ضخمة فيها قريب من ألف ثور سوى الحمر والدواب وغير ذلك تحمل الميرة
ومعها جند يبذرقونها فخرجت عليهم أيضا سرية لبابك كان عليك طرخان أو آذين
فاستباحوها عن آخرها بجميع ما فيها وأصاب الناس ضيق شديد فكتب الأفشين
إلى صاحب السيروان أن يحمل إليه طعاما فحمل إليه طعاما كثيرا وأغاث الناس
في تلك السنة وقدم بغا على الأفشين بمال ورجال (وفى هذه السنة) خرج المعتصم
إلى القاطول وذلك في ذي القعدة منها
* ذكر الخبر عن سبب خروجه إليها *
ذكر عن أبي الوزير أحمد بن خالد أنه قال بعثني المعتصم في سنة 219 وقال لي
يا أحمد اشتر لي بناحية سامرا موضعا أبنى فيه مدينة فإني أتخوف أن يصيح هؤلاء
الحربية صيحة فيقتلون غلماني حتى أكون فوقهم فإن رابني منهم ريب أتيتهم في
البر والبحر حتى آتي عليهم وقال لي خذ مائة ألف دينار * قال قلت آخذ خمسة
آلاف دينار فكلما احتجت إلى زيادة بعثت إليك فاستزدت قال نعم فأتيت الموضع
فاشتريت سامرا بخمسمائة درهم من النصارى أصحاب الدير واشتريت موضع
البستان الخاقاني بخمسة آلاف درهم واشتريت عدة مواضع حتى أحكمت ما أردت
ثم انحدرت فأتيته بالصكاك فعزم على الخروج إليها في سنة 220 فخرج حتى إذا
231

قارب القاطول ضربت له فيه القباب والمضارب وضرب الناس الأخبية ثم لم يزل
يتقدم وتضرب له القباب حتى وضع البناء بسامرا في سنة 221 * فذكر عن أبي
الحسن بن أبي عباد الكاتب أن مسرور الخادم الكبير قال سألني المعتصم أين
كان الرشيد يتنزه إذا ضجر من المقام ببغداد (قال) قلت له بالقاطول وقد كان
بنى هناك مدينة آثارها وسورها قائم وقد كان خاف من الجند ما خاف المعتصم
فلما وثب أهل الشأم بالشام وعصوا خرج الرشيد إلى الرقة فأقام بها وبقيت مدينة
القاطول لم تستتم ولما خرج المعتصم إلى القاطول استخلف ببغداد ابنه هارون
الواثق * وقد حدثني جعفر بن محمد بن بوازة الفراء أن سبب خروج المعتصم إلى
القاطول كان أن غلمانه الأتراك كانوا لا يزالون يجدون الواحد بعد الواحد منهم
قتيلا في أرباضها وذلك أنهم كانوا عجما جفاة يركبون الدواب فيتراكضون في
طرق بغداد وشوارعها فيصدمون الرجل والمرأة ويطؤن الصبى فيأخذهم الأبناء
فينكسونهم عن دوابهم ويجرحون بعضهم فربما هلك من الجراح بعضهم فشكت
الأتراك ذلك إلى المعتصم وتأذت بهم العامة فذكر أنه رأى المعتصم راكبا منصرفا
من المصلى في يوم عيد أضحى أو فطر فلما صار في مربعة الحرشي نظر إلى شيخ
قد قام إليه فقال له يا أبا إسحاق قال فابتدره الجند ليضربوه فأشار إليهم المعتصم
فكفهم عنه فقال للشيخ مالك قال لاجزاك الله عن الجوار خيرا جاورتنا جئت
بهؤلاء العلوج فأسكنتهم بين أظهرنا فأيتمت بهم صبياننا وأرملت بهم نسواننا
وقتلت بهم رجالنا والمعتصم يسمع ذلك كله قال ثم دخل داره فلم ير راكبا إلى
السنة القابلة في مثل ذلك اليوم فلما كان في العام المقبل في مثل ذلك اليوم خرج فصلى
بالناس العيد ثم لم يرجع إلى منزله ببغداد ولكنه صرف وجه دابته إلى ناحية
القاطول وخرج من بغداد ولم يرجع إليها (وفى هذه السنة) غضب المعتصم على
الفضل بن مروان وحبسه
* ذكر الخبر عن سبب غضبه عليه وحبسه إياه وسبب اتصاله بالمعتصم *
ذكر أن الفضل بن مروان وهو رجل من أهل البردان كان متصلا برجل
232

من العمال يكتب له وكان حسن الخط ثم صار مع كاتب كان للمعتصم يقال له يحيى
الجرمقاني وكان الفضل بن مروان يخط بين يديه فلما مات الجرمقاني صار
الفضل في موضعه وكان يكتب للفضل علي بن حسان الأنباري فلم يزل كذلك
حتى بلغ المعتصم الحال التي بلغها والفضل كاتبه ثم خرج معه إلى معسكر المأمون
ثم خرج معه إلى مصر فاحتوى على أموال مصر ثم قدم الفضل قبل موت المأمون
بغداد ينفذ أمور المعتصم ويكتب على لسانه بما أحب حتى قدم المعتصم خليفة
فصار الفضل صاحب الخلافة وصارت الدواوين كلها تحت يديه وكنز الأموال
وأقبل أبو إسحاق حين دخل بغداد يأمره بإعطاء المغنى والملهى فلا ينفذ الفضل
ذلك فثقل على أبي إسحاق فحدثني إبراهيم بن جهرويه أن إبراهيم المعروف بالهفتى
وكان مضحكا أمر له المعتصم بمال وتقدم إلى الفضل بن مروان في اعطائه
ذلك فلم يعطه الفضل ما أمر له به المعتصم فبينا الهفتي يوما عند المعتصم بعد ما بنيت
له داره التي ببغداد واتخذ له فيها بستان قام المعتصم تمشى في البستان ينظر إليه وإلى
ما فيه من أنواع الرياحين والغروس ومعه الهفتي وكان الهفتي يصحب المعتصم قبل أن
يفضى الخلافة إليه فيقول فيما يداعبه والله لا تفلح أبدا قال وكان الهفتي رجلا مربوعا
ذا كدنة والمعتصم رجلا معرفا خفيف اللحم فجعل المعتصم يسبق الهفتي في المشي فإذا تقدمه
ولم ير الهفتي معه التفت إليه فقال له مالك لا تمشى يستعجله المعتصم في المشي ليلحق به فلما
كثر ذلك من أمر المعتصم على الهفتي قال له الهفتي مداعبا له كنت أصلحك الله أراني
أماشي خليفة ولم أكن أراني أماشي فيجا والله لا أفلحت فضحك منها المعتصم وقال ويلك
هل بقى من الفلاح شئ لم أدركه أبعد الخلافة تقول هذا لي فقال له الهفتي أتحسب أنك قد
أفلحت الآن انما لك من الخلافة الاسم والله ما يجاوز أمرك أذنيك وإنما الخليفة الفضل
ابن مروان الذي يأمر فينفذ أمره من ساعته فقال له المعتصم وأي أمر لي لا ينفذ فقال له
الهفتي أمرت لي بكذا وكذا منذ شهرين فما أعطيت مما أمرت به منذ ذاك حبة (قال)
فاحتجنها على الفضل المعتصم حتى أوقع به (فقيل) إن أول ما أحدثه في أمره حين
تغير له أن صير أحمد بن عمار الخرساني زماما عليه في نفقات الخاصة ونصر بن منصور
233

ابن بسام زماما عليه في الخراج وجميع الأعمال فلم يزل كذلك وكان محمد بن عبد الملك
الزيات يتولى ما كان أبوه يتولاه للمأمون من عمل المشمس والفساطيط وآلة
الجمازات ويكتب على ذلك مما جرى على يدي محمد بن عبد الملك وكان يلبس إذا
حضر الدار دراعة سوداء وسيفا بحمائل فقال له الفضل بن مروان انما أنت
تاجر فمالك وللسواد والسيف فترك ذلك محمد فلما تركه أخذه الفضل برفع حسابه
إلى دليل بن يعقوب النصراني فرفعه فأحسن دليل في أمره ولم يرزأه شيئا وعرض
عليه محمد هدايا فأبى دليل أن يقبل منها شيئا فلما كانت سنة 219 وقيل سنة 20
وذلك عندي خطأ خرج المعتصم يريد القاطول ويريد البناء بسامرا فصرفه كثرة
زيادة دجلة فلم يقدر على الحركة فانصرف إلى بغداد إلى الشماسية ثم خرج بعد
ذلك فلما صار بالقاطول غضب على الفضل بن مروان وأهل بيته في صفر وأمرهم
برفع ما جرى على أيدهم وأخذ الفضل وهو مغضوب عليه في عمل حسابه فلما فرغ
من الحساب لم يناظر فيه وأمر بحبسه وأن يحمل إلى منزله ببغداد في شارع الميدان
وحبس أصحابه وصير مكانه محمد بن عبد الملك الزيات فحبس دليلا ونفى الفضل إلى
قرية في طريق الموصل يقال لها السن فلم يزل بها مقيما فصار محمد بن عبد الملك وزيرا
كاتبا وجرى على يديه عامة ما بنى المعتصم بسامرا من الجانبين الشرقي والغربي
ولم يزل في مرتبته حتى استخلف المتوكل فقتل محمد بن عبد الملك * وذكر أن المعتصم
لما استوزر الفضل بن مروان حل من قبله الحل الذي لم يكن أحد يطمع في
ملاحظته فضلا عن منازعته ولا في الاعتراض في أمره ونهيه وارادته وحكمه
فكانت هذه صفته ومقداره حتى حملته الدالة وحركته الحرمة على خلافه في بعض
ما كان يأمره به ومنعه ما كان يحتاج إليه من الأموال في مهم أموره فذكر عن
ابن أبي دؤاد أنه قال كنت أحضر مجلس المعتصم فكثيرا ما كنت أسمعه يقول
للفضل بن مروان أحمل إلى كذا وكذا من المال فيقول ما عندي فيقول فاحتلها
من وجه من الوجوه فيقول ومن أين احتالها ومن يعطيني هذا القدر من المال
وعند من أجده فكان ذلك يسوؤه وأعرفه في وجهه فلما كثر هذا من فعله ركبت
234

إليه يوما فقلت له مستخليا به يا أبا العباس إن الناس يدخلون بيني وبينك بما
أكره وتكره وأنت أمرؤ قد عرفت أخلاقك وقد عرفها الداخلون بيننا فإذا
حركت فيك بحق فاجعله باطلا وعلى ذلك فما أدع نصيحتك وأداء ما يجب على
في الحق لك وقد أراك كثيرا ما ترد على أمير المؤمنين أجوبة غليظة ترمضه وتقدح
في قلبه والسلطان لا يحتمل هذا لابنه لا سيما إذا كثر ذلك وغلظ قال وما ذاك يا أبا
عبد الله قلت أسمعه كثيرا ما يقول لك نحتاج إلى كذا من المال لنصرفه في وجه كذا
فتقول ومن يعطيني هذا وهذا مالا يحتمله الخلفاء قال فما أصنع إذا طلب منى ما ليس
عندي قلت تصنع أن تقول يا أمير المؤمنين نحتال في ذاك بحيلة فتدفع عنك أياما
إلى أن يتهيأ وتحمل إليه بعض ما يطلب وتسوفه بالباقي قال نعم أفعل وأصير إلى
ما أشرت به قال فوالله لكأني كنت أغريه بالمنع فكان إذا عاوده بمثل ذلك من
القول عاد إلى مثل ما يكره من الجواب قال فلما كثر ذلك عليه دخل يوما إليه وبين
يديه حزمة نرجس غض فأخذها المعتصم فهزها ثم قال حياك الله يا أبا العباس
فأخذها الفضل بيمينه وسل المعتصم خاتمه من أصبعه بيساره وقال له بكلام خفى
أعطني خاتمي فانتزعه من يده ووضعه في يد ابن عبد الملك (وحج بالناس) في هذه
السنة صالح بن العباس بن محمد
* ثم دخلت سنة إحدى وعشرين ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمن ذلك الوقعة التي كانت بين بابك وبغا الكبير من ناحية هشتادسر فهزم بغا
واستبيح عسكره (وفيها) واقع الأفشين بابك وهزمه
* ذكر الخبر عن هذه الوقعة وكيف كان السبب فيها *
ذكر أن بغا الكبير قدم بالمال الذي قد مضى ذكره وأن المعتصم وجهه معه
إلى الأفشين عطاء للجند الذي كان معه ولنفقات الأفشين على الأفشين وبالرجال
الذين توجهوا معه إليه فأعطى الأفشين أصحابه وتجهز بعد النيروز ووجه بغا في
235

عسكر ليدور حول هشتادسر وينزل في خندق محمد بن حميد ويحفره ويحكمه وينزله
فتوجه بغا إلى خندق محمد بن حميد وصار إليه ورحل الأفشين من برزند ورحل
أبو سعيد من حش يريد بابك فتوافوا بموضع يقال له دروذ فاحتفر الأفشين
بها خندقا وبنى حوله سورا ونزل هو وأبو سعيد في الخندق مع من كان صار إليه
من المطوعة فكان بينه وبين البذ ستة أميال ثم إن بغا تجهز وحمل معه الزاد من
غير أن يكون الأفشين كتب إليه ولا أمره بذلك فدار حول هشتادسر حتى
دخل إلى قرية البذ فنزل في وسطها وأقام بها يوما واحدا ثم وجه ألف رجل في
علافة له فخرج عسكر من عساكر بابك فاستباح العلافة وقتل جميع من قاتله منهم
وأسر من قدر عليه وأخذ بعض الاسرى فأرسل منهم رجلين مما يلي الأفشين
وقال لهما اذهبا إلى الأفشين وأعلماه ما نزل بأصحابكم فأشرف الرجلان فنظر إليهما
صاحب الكوهبانية فحرك العلم فصاح أهل العسكر السلاح السلاح وركبوا
يريدون البذ فتلقاهم الرجلان عريانين فأخذهما صاحب المقدمة فمضى بهما إلى
الأفشين فأخبراه بقضيتهما فقال فعل شيئا من غير أن نأمره ورجع بغا إلى خندق
محمد بن حميد شبيها بالمنهزم وكتب إلى الأفشين يعلمه ذلك ويسأله المدد ويعلمه أن
العسكر مفلول فوجه إليه الأفشين أخاه الفضل بن كاوس وأحمد بن الخليل بن
هشام وابن جوشن وجناحا الأعور السكري وصاحب شرطة الحسن بن سهل
وأحد الأخوين قرابة الفضل بن سهل فداروا حول هشتادسر قسروا أهل
عسكره بهم ثم كتب الأفشين إلى بغا يعلمه أنه يغزو بابك في يوم سماه له ويأمره
أن يغزوه في ذلك اليوم بعينه ليحاربه من كلا الوجهين فخرج الأفشين في ذلك اليوم
من دروذ يريد بابك وخرج بغا من خندق محمد بن حميد فصعد إلى هشتادسر فعسكر
على دعوة بجنب قبر محمد بن حميد فهاجت ريح باردة ومطر شديد فلم يكن للناس
عليها صبر لشدة البرد وشدة الريح فانصرف بغا إلى عسكره وواقعهم الأفشين
من الغد وقد رجع بغا إلى عسكره فهزمه الأفشين وأخذ عسكره وخيمته وامرأة
كانت معه في العسكر ونزل الأفشين في معسكر بابك ثم تجهز بغا من الغد وصعد
236

هشتادسر فأصاب العسكر الذي كان مقيما بإزائه بهشتادسر قد انصرف إلى بابك
ورحل بغا إلى موضعه فأصاب خرثيا وقماشا وانحدر من هشتادسر يريد البذ
فأصاب رجلا وغلاما نائمين فأخذهما داود سياه وكان على مقدمته فساءلهما فذكر
أن رسول بابك أتاهم في الليلة التي انهزم فيها بابك فأمرهم أن يوافوه بالبذ فكان
الرجل والغلام سكرانين فذهب بهما النوم فلا يعرفان من الخبر غير هذا وكان
ذلك قبل صلاة العصر فبعث بغا إلى داود سياه قد توسطنا الموضع الذي نعرفه
يعنى الذي كنا فيه في المرة الأولى وهذا وقت المساء وقد تعب الرجالة فانظر جبلا
حصينا يسع عسكرنا حتى نعسكر فيه ليلتنا هذه فالتمس داود سياه ذلك فصعد إلى
بعض الجبال فالتمس أعلاه فأشرف فرأى أعلام الأفشين ومعسكره شبه الحيال
فقال هذا موضعنا إلى غدوة وننحدر من الغد إلى الكافر إن شاء الله فجاءهم في
تلك الليلة سحاب وبرد ومطر وثلج كثير فلم يقدر أحد حين أصبحوا أن ينزل من
الجبل يأخذ ماء ولا يسقى دابته من شدة البرد وكثرة الثلج وكأنهم كانوا في ليل
من شدة الظلمة والضباب فلما كان اليوم الثالث قال الناس لبغاقد فنى ما معنا من
الزاد وقد أضر بنا البرد فأنزل على أي حالة كانت إما راجعين وإما إلى الكافر
وكان في أيام الضباب فبيت بابك الأفشين ونقض عسكره وانصرف الأفشين
عنه إلى معسكره فضرب بغا بالطبل وانحدر يريد البذ حتى صار إلى البطن فنظر
إلى السماء منجلية والدنيا طيبة غير رأس الجبل الذي كان عليه بغا فعبى بغا أصحابه
ميمنة وميسرة ومقدمة وتقدم يريد البذ وهو لا يشك أن الأفشين في موضع معسكره
فمضى حتى صار بلزق جبل البذ ولم يبق بينه وبين أن يشرف على أبيات البذ
الا صعود قدر نصف ميل وكان على مقدمته جماعة فيهم غلام لابن البعيث له قرابة
بالبذ فلقيتهم طلائع لبابك فعرف بعضهم الغلام فقال له فلان فقال من هذا ههنا
فسمى له من كان معه من أهل بيته فقال ادن حتى أكلمك فدنا الغلام منه فقال
له ارجع وقل لمن تعنى به يتنحى فإنا قد بيتنا الأفشين وانهزم إلى خندقه وقد هيأنا
لكم عسكرين فعجل الانصراف لعلك أن تفلت فرجع الغلام فأخبر ابن البعيث
237

بذلك وسمى له الرجل فعرفه ابن البعيث فأخبر ابن البعيث بغا بذلك فوقف بغا
وشاور أصحابه فقال بعضهم هذا باطل هذه خدعة ليس من هذا شئ فقال بعض
الكوهبانيين ان هذا رأس جبل أعرفه من صعد إلى رأسه نظر إلى عسكر الأفشين
فصعد بغا والفضل بن كاوس وجماعة منهم ممن نشط فأشرفوا على الموضع فلم يروا
فيه عسكر الأفشين فتيقنوا أنه قد مضى وتشاوروا فرأوا أن ينصرف الناس
راجعين في صدر النهار قبل أن يجنهم الليل فأمر بغا داود سياه بالانصراف فتقدم
داود وجد في السير ولم يقصد الطريق الذي كان دخل منه إلى هشتادسر مخافة
المضايق والعقاب وأخذ الطريق الذي كان دخل منه في المرة الأولى يدور حول
هشتادسر وليس فيه مضيق إلا في موضع واحد فسار بالناس وبعث بالرجالة
فطرحوا رماحهم وأسلحتهم في الطريق ودخلتهم وحشة شديدة ورعب وصار
بغا والفضل بن كاوس وجماعة القواد في الساقة وظهرت طلائع بابك فكلما نزل
هؤلاء جبلا صعدته طلائع بابك يتراءون لهم مرة ويغيبون عنهم مرة وهم في ذلك
يقفون آثارهم وهم قدر عشرة فرسان حتى كان بين الصلاتين الظهر والعصر فنزل
بغا ليتوضأ ويصلى فتدانت منه طلائع بابك فبرزوا لهم وصلى بغا ووقف في
وجوههم فوقفوا حين رأوه فتخوف بغا على عسكره أن يواقعه الطلائع من ناحية
ويدور عليهم في بعض الجبال والمضايق قوم آخرون فشاور من حضره وقال
لست آمن أن يكونوا جعلوا هؤلاء مشغلة يحبسوننا عن المسير ويقدمون أصحابهم
ليأخذوا على أصحابنا المضايق فقال له الفضل بن كاوس ليس هؤلاء أصحاب نهار
وإنما هم أصحاب ليل وإنما يتخوف على أصحابنا من الليل فوجه إلى داود سياه
ليسرع السير ولا ينزل ولو صار إلى نصف الليل حتى يجاوز المضيق ونقف نحن
ههنا فان هؤلاء ما داموا يروننا في وجوههم لا يسيرون فنماطلهم وندافعهم
قليلا قليلا حتى تجئ الظلمة فإذا جاءت الظلمة لم يعرفوا لنا موضعا وأصحابنا يسيرون
فينفذون أولا فأولا فان أخذ علينا نحن المضيق تخلصنا من طريق هشتادسر أو من
طريق آخر وأشار غيره على بغا فقال إن العسكر قد تقطع وليس يدرك أوله
238

آخره والناس قد رموا بسلاحهم وقد بقى المال والسلاح على البغال وليس معه
أحد ولا نأمن أن يخرج عليه من يأخذ المال والأسير وكان ابن جويدان معهم
أسيرا أرادوا أن يفادوا به كاتبا لعبد الرحمن بن حبيب أسره بابك فعزم بغا على
أن يعسكر بالناس حين ذكر له المال والسلاح والأسير فوجه إلى داود سياه
حيث ما رأيت جبلا حصينا فعسكر عليه فعدل داود إلى جبل مؤرب لم يكن للناس
موضع يقعدون فيه من شدة هبوطه فعسكر عليه فضرب مضربا لبغا على طرف
الجبل في موضع شبيه بالحائط ليس فيه مسلك وجاء بغا فنزل وأنزل الناس وقد
تعبوا وكلوا وفنيت أزوادهم فباتوا على تعبئة وتحارس من ناحية المصعد فجاءهم
العدو من الناحية الأخرى فتعلقوا بالجبل حتى صاروا إلى مضرب بغا
فكبسوا المضرب وبيتوا العسكر وخرج بغا راجلا حتى نجا وجرح الفضل
ابن كاوس وقتل جناح السكري وقتل ابن جوشن وقتل أحد الأخوين قرابة
الفضل بن سهل وخرج بغا من العسكر راجلا فوجد دابة فركبها ومر بابن
البعيث فأصعده على هشتادسر حتى انحدر به على عسكر محمد بن حميد فوافاه في
جوف الليل وأخذ الخرمية المال والمعسكر والسلاح والأسير ابن جويدان
ولم يتبعوا الناس ومر الناس منهزمين منقطعين حتى وافوا بغا وهو في خندق محمد
ابن حميد فأقام بغا في خندق محمد بن حميد خمسة عشر يوما فأتاه كتاب الأفشين
يأمره بالرجوع إلى المراغة وأن يرد إليه المدد الذي كان أمده به فمضى بغا إلى
المراغة وانصرف الفضل بن كاوس وجميع من كان جاء معه من عسكر الأفشين
إلى الأفشين وفرق الأفشين الناس في مشاتيهم تلك السنة حتى جاء الربيع من
السنة المقبلة (وفى هذه السنة) قتل قائد لبابك كان يقال له طرخان
* ذكر سبب قتله *
ذكر أن طرخان هذا كان عظيم المنزلة عند بابك وكان أحد قواده فلما دخل الشتاء
من هذه السنة استأذن بابك في الاذن له أن يشتو في قرية له بناحية المراغة وكان الأفشين
يرصده ويحب الظفر به لمكانه من بابك فأذن له بابك فصار إلى قريته ليشتو بها
239

بناحية هشتادسر فكتب الأفشين إلى ترك مولى إسحق بن إبراهيم بن مصعب وهو
بالمراغة يأمره أن يسرى إلى تلك القرية ووصفها له حتى يقتل طرخام أو يبعث
به إليه أسيرا فأسرى ترك إلى طرخان فصار إليه في جوف الليل فقتل طرخان
وبعث برأسه إلى الأفشين (وفى هذه السنة) قدم صول أرتكين وأهل بلاده
في قيود فنزعت قيودهم وحمل على الدواب منهم نحو من مائتي رجل (وفيها)
غضب الأفشين على رجاء الحضاري وبعث به مقيدا (وحج) بالناس في
هذه السنة محمد بن داود بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن
عباس وهو والى مكة
* ثم دخلت سنة اثنتين وعشرين ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمن ذلك ما كان من توجيه المعتصم جعفر بن دينار الخياط إلى الأفشين مددا
له ثم اتباعه بعد ذلك بايتاخ وتوجيهه معه ثلاثين ألف ألف درهم عطاء للجند
وللنفقات (وفيها) كانت وقعة بين أصحاب الأفشين وقائد لبابك يقال له آذين
* ذكر الخبر عن هذه الوقعة وما كان سببها *
ذكر أن الشتاء لما انقضى من سنة 221 وجاء الربيع ودخلت معه سنة 222
ووجه المعتصم إلى الأفشين ما وجهه إليه من المدد والمال فوافاه ذلك كله ببرزند سلم ايتاخ
إلى الأفشين المال والرجال الذين كانوا معه وانصرف وأقام جعفر الخياط مع الأفشين
مدة ثم رحل الأفشين عند إمكان الزمان فصار إلى موضع يقال له كلان روذ
فاحتفر فيه خندقا وكتب إلى أبي سعيد فرحل من برزند إلى إزائه على طرف
رستاق كلان روذ وتفسيره نهر كبير بينهما قدر ثلاثة أميال فأقام معسكرا في
خندق فأقام بكلان روذ خمسة أيام فأتاه من أخبره أن قائدا من قواد بابك يدعى
آذين قد عسكر بإزاء الأفشين وأنه قد صير عياله في جبل يشرف على روذ الروذ
وقال لا أتحصن من اليهود يعنى المسلمين ولا أدخل عيالي حصنا وذلك أن بابك
240

قال له أدخل عيالك الحصن قال أنا أتحصن من اليهود والله لا أدخلتهم حصنا أبدا
فنقلهم إلى هذا الجبل فوجه الأفشين ظفر بن العلاء السعدي والحسين بن خالد
المدائني من قواد أبي سعيد في جماعة من الفرسان والكوهبانية فساروا ليلتهم
من كلان روذ حتى انحدرا في مضيق لا يمر فيه راكب واحد إلا بجهد فأكثر
الناس قادوا دوابهم وانسلوا رجلا خلف رجل فأمرهم أن يصيروا قبل طلوع
الفجر على روذ الروذ فيعبر الكوهبانية رجالة لأنه لا يمكن الفارس أن يتحرك
هناك ويتسلقوا الجبل فصاروا على روذ الروذ قبل السحر ثم أمر من أطاف
من الفرسان أن يترجل وينزع ثيابه فترجل عامة الفرسان وعبروا وعبر معهم
الكوهبانية جميعا وصعدوا الجبل فأخذوا عيال آذين وبعض ولده وعبروا بهم
وبلغ آذين الخبر بأخذ عياله وكان الأفشين عند توجه هؤلاء الرجالة ودخولهم
المضيق يخاف أن يؤخذ عليهم المضيق فأمر الكوهبانية أن يكون معهم أعلام
وأن يكونوا على رؤس الجبال الشواهق في المواضع التي يشرفون منها على ظفر
ابن العلاء وأصحابه فإن رأوا أحدا يخافونه حركوا الاعلام فبات الكوهبانية
على رؤوس الجبال فلما رجع ابن العلاء والحسين بن خالد بمن أخذوا من عيال
آذين وصاروا في بعض الطريق قبل أن يصيروا إلى المضيق انحدر عليهم رجالة
آذين فحاربوهم قبل أن يدخلوا المضيق فوقع بينهم قتلى واستنقذوا بعض النساء
ونظر إليهم الكوهبانية الذين رتبهم الأفشين وكان آذين قد وجه عسكرين عسكرا
يقاتلهم وعسكرا يأخذ عليهم المضيق فلما حرك الاعلام وجه الأفشين مظفر
ابن كيدر في كردوس من أصحابه فأسرع الركض ووجه أبا سعيد خلف المظفر
واتبعهما ببخار اخذاه فوافوا فلما نظر إليهم رجالة آذين الذين كانوا على المضيق
انحدروا عن المضيق وانضموا إلى أصحابهم ونجا ظفر بن العلاء والحسين بن خالد
ومن معهما من أصحابهما ولم يقتل منهم إلا من قتل في الوقعة الأولى وجاؤا جميعا
إلى عسكر الأفشين ومعهم بعض النساء اللواتي أخذوهن (وفى هذه السنة) فتحت
البذ مدينة بابك ودخلها المسلمون واستباحوها وذلك في يوم الجمعة لعشر بقين
(16 - 8)
241

من شهر رمضان في هذه السنة
* ذكر الخبر عن أمرها وكيف فتحت والسبب في ذلك *
ذكر أن الأفشين لما عزم على الدنو من البذ والارتحال من كلان روذ
جعل يزحف قليلا قليلا على خلاف زحفه قبل ذلك إلى المنازل التي كان
ينزلها فكان يتقدم الأميال الأربعة فيعسكر في موضع على طريق
المضيق الذي ينحدر إلى روذ الروذ ولا يحفر خندقا ولكنه يقيم معسكرا في
الحسك وكتب إليه المعتصم يأمره أن يجعل الناس نوائب كراديس تقف على
ظهور الخيل كما يدور العسكر بالليل فبعض القوم معسكرون وبعض وقوف على ظهور
دوابهم على ميل كما يدور العسكر بالليل والنهار مخافة البيات كي إن دهمهم أمر
يكون الناس على تعبية والرجالة في العسكر فضخ الناس من التعب وقالوا كم
نقعد ههنا في المضيق ونحن قعود في الصحراء وبيننا وبين العدو أربع فراسخ
ونحن نفعل فعالا كأن العدو بإزائنا قد استحينا من الناس والجواسيس الذين
يمرون بيننا وبين العدو أربعة فراسخ ونحن قد متنا من الفزع أقدم بنا فإما لنا
وإما علينا فقال أنا والله أعلم أن ما تقولون حق ولكن أمير المؤمنين أمرني بهذا
ولا أجد منه بدا فلم يلبث أن جاءه كتاب المعتصم يأمره أن يتحرى بدراجه الليل
على حسب ما كان فلم يزل كذلك أياما ثم انحدر في خاصته حتى نزل إلى روذ الروذ
وتقدم حتى شارف الموضع الذي به الركوة التي واقعه عليها بابك في العام
الماضي فنظر إليها ووجد عليها كردوسا من الخرمية فلم يحاربوه ولم يحاربهم
فقال بعض العلوج مالكم تجيئون وتقرون أما تستحيون فأمر الأفشين ألا يجيئوهم
ولا يبرز إليهم أحد فلم يزل مواقفهم إلى قريب من الظهر ثم رجع إلى عسكره
فمكث فيه يومين ثم انحدر أيضا في أكثر مما كان انحدر في المرة الأولى فأمر
أبا سعيد أن يذهب فيواقفهم على حسب ما كان واقفهم في المرة الأولى ولا يحركهم
ولا يهجم عليهم وأقام الأفشين بروذ الروذ وأمر الكوهبانية أن يصعدوا إلى
رؤس الجبال التي يظنون أنها حصينة فيتراؤا له فيها ويختاروا له في رؤس الجبال
242

مواضع يتحصن فيها الرجالة فاختاروا له ثلاثة أجبل قد كانت عليها حصون فيما
مضى فخربت فعرفها ثم بعث إلى أبي سعيد فصرفه يومه ذلك فلما كان بعد يومين
انحدر من معسكره إلى روذ الروذ وأخذ معه الكلغرية وهم الفعلة وحملوا معهم
شكاء الماء والكعك فلما صاروا إلى روذ الروذ وجه أبا سعيد وأمره أن يواقفهم
أيضا على حسب ما كان أمره به في اليوم الأول وأمر الفعلة بنقل الحجارة وتحصين
الطرق التي تسلك إلى تلك الثلاثة الا جبل حتى صارت شبه الحصون وأمر
فاحتفر على كل طريق وراء تلك الحجارة إلى المصعد خندقا فلم يترك مسلكا
إلى جبل منها إلا مسلكا واحدا ثم أمر أبا سعيد بالانصراف فانصرف ورجع الأفشين
إلى معسكره قال فلما كان في اليوم الثامن من الشهر واستحكم القصر دفع إلى الرجالة
كعكا وسويقا ودفع إلى الفرسان الزاد والشعير ووكل بمعسكره ذلك من يحفظه
وانحدروا وأمر الرجالة أن يصعدوا إلى رؤس تلك الجبال وأن يصعدوا معهم
بالماء وبجميع ما يحتاجون إليه ففعلوا ذلك وعسكر ناحية ووجه أبا سعيد ليواقف
القوم على حسب ما كان يواقفهم وأمر الناس بالنزول في سلاحهم وألا
يأخذ الفرسان سروج دوابهم ثم خط الخندق وأمر الفعلة بالعمل فيه ووكل
بهم من يستحثهم ونزل هو والفرسان فوقفوا تحت الشجر في ظل يرعون دوابهم
فلما صلى العصر أمر الفعلة بالصعود إلى رؤس الجبال التي حصنها مع الرجالة وأمر
الرجالة أن يتحارسوا ولا يناموا ويدعوا الفعلة فوق الجبال ينامون وأمر
الفرسان بالركوب عند اصفرار الشمس فصيرهم كراديس وقفها حيالهم بين كل
كردوس وكردوس قدر رمية سهم وتقدم إلى جميع الكراديس أن لا يلتفتن
كل واحد منكم إلى الآخر ليحفظ كل واحد منكم ما يليه فان سمعتم هدة فلا يلتفتن
أحد منكم إلى أحد وكل كردوس منكم قائم بما يليه فإنه لا بهدة يأخذ فلم يزل
الكراديس وقوفا على ظهور دوابهم إلى الصباح والرجالة فوق رؤس الجبال
يتحارسون وتقدم إلى الرجالة متى ما أحسوا في الليل بأحد فلا يكترثوا وليلزم
كل قوم منهم المواضع التي لهم وليحفظوا جبلهم وخندقهم فلا يلتفتن أحد إلى
243

أحد فلم يزالوا كذلك إلى الصباح ثم أمر من يتعاهد الفرسان والرجالة بالليل فينظر
إلى حالتهم فلبثوا في حفر الخندق عشرة أيام ودخله اليوم العاشر فقسمه بين الناس
وأمر القواد أن يبعثوا إلى أثقالهم وأثقال أصحابهم على الرفق وأتاه رسول بابك
ومعه قثاء وبطيخ وخيار يعلمه أنه في أيامه هذه في جفاء انما يأكل الكعك والسويق
هو وأصحابه وأنه أحب أن يلطفه بذلك فقال الأفشين للرسول قد عرفت أي شئ
أراد أخي بهذا انما أراد أن ينظر إلى العسكر وأنا أحق من قبل بره وأعطاه شهوته
فقد صدق أنا في جفاء وقال للرسول اما أنت فلا بدلك أن تصعد حتى ترى معسكرنا
فقد رأيت ما ههنا وترى ما وراءنا أيضا فأمر بحمله على دابة وأن يصعد به حتى يرى
الخندق ويرى خندق كلان روذ وخندق برزند ولينظر إلى الخنادق الثلاثة ويتأملها
ولا يخفى عليه منها شئ ليخبر به صاحبه ففعل به ذلك حتى صار إلى برزند ثم رده
إلى عنده فأطلقه وقال له اذهب فأقره منى السلام وكان من الخرمية الذين يتعرضون
لمن يجلب الميرة إلى العسكر ففعل ذلك مرة أو مرتين ثم جاءت الخرمية بعد ذلك
في ثلاثة كراديس حتى صاروا قريبا من سور خندق الأفشين يصيحون فأمر
الأفشين الناس ألا ينطق أحد منهم ففعلوا ذلك ليلتين أو ثلاث ليال وجعلوا يركضون
دوابهم خلف السور ففعلوا ذلك غير مرة فلما أنسوا هيأ لهم الأفشين أربعة كراديس
من الفرسان والرجالة فكانت الرجالة ناشبة فكمنوا لهم في الأودية ووضع
عليهم العيون فلما انحدروا في وقتهم الذين كانوا ينحدرون فيه في كل مرة وصاحوا
وجلبوا كعادتهم شد عليهم الخيل والرجالة الذين رتبوا فأخذوا عليهم طريقهم
وأخرج الأفشين إليهم كردوسين من الرجالة في جوف الليل فأحسوا ان قد
أخذت عليهم العقبة فتفرقوا في عدة طرق حتى أقبلوا يتسلقون الجبال فمروا فلم
يعودوا إلى ما كانوا يفعلون ورجع الناس من الطلب مع صلاة الغداة إلى
الخندق بروذ الروذ ولم يلحقوا من الخرمية أحدا ثم إن الأفشين كان في كل
أسبوع يضرب بالطبول نصف الليل ويخرج بالشمع والنفاطات إلى باب الخندق
وقد عرف كل إنسان منهم كردوسه من كان في الميمنة ومن كان في الميسرة
244

فيخرج الناس فيقفون في مواقفهم ومواضعهم وكان الأفشين يحمل اعلاما سودا
كبارا اثنى عشر علما يحملها على البغال ولم يكن يحملها على الخيل لئلا تزعزع بحملها
على اثنى عشر بغلا وكانت طبوله الكبار أحدا وعشرين طبلا وكانت الاعلام
الصغار نحوا من خمسمائة علم فيقف أصحابه كل فرق على مرتبتهم من ربع الليل
حتى إذا طلع الفجر ركب الأفشين من مضربه فيؤذن المؤذن بين يديه ويصلى ثم
يصلى الناس بغلس ثم يأمر بضرب الطبول ويسير زحفا وكانت علامته في المسير
والوقوف تحريك الطبول وسكونها لكثرة الناس ومسيرهم في الجبال والأزقة
على مصافهم كلما استقبلوا جبلا صعدوه وإذا هبطوا إلى واد مضوا فيه إلا أن يكون
جبلا منيعا لا يمكنهم صعوده وهبوطه فإنهم كانوا ينضمون إلى العساكر ويرجعون
إذا جاؤوا إلى الجبل إلى مصافهم ومواضعهم وكانت علامة المسير ضرب الطبول
فان أراد أن يقف أمسك عن ضرب الطبول فيقف الناس جميعا من كل ناحية
على جبل أو في واد أو في مكانه وكان يسير قليلا قليلا كلما جاءه كوهباني بخبر
وقف قليلا وكان يسير هذه الستة الأميال التي بين روذ الروذ بين البذما بين طلوع
الفجر إلى الضحى الأكبر فإذا أراد أن يصعد إلى الركوة التي كانت الحرب تكون
عليها في العام الماضي خلف بخاراخذاه على رأس العقبة مع الف فارس وستمائة
راجل يحفظون عليه الطريق لا يخرج أحد من الخرمية فيأخذ عليه الطريق وكان
بابك إذا أحس بالعسكر أنه وارد عليه وجه عسكرا له فيه رجالة إلى واد تحت تلك
العقبة التي كان عليها بخار اخذاه ويمكنون لمن يريد أن يأخذ عليه الطريق وكان
الأفشين يقف بخار اخذاه يحفظ هذه العقبة التي وجه بابك عسكره إليها ليأخذها
على الأفشين وكان بخاراخذاه يقف بها أبدا ما دام الأفشين داخل البذ على الركوة
وكان الأفشين يتقدم إلى بخاراخذاه أن يقف على واد فيما بينه وبين البذ شبه
الخندق وكان يأمر أبا سعيد محمد بن يوسف أن يعبر ذلك الوادي في كردوس
من أصحابه ويأمر جعفرا الخياط أن يقف أيضا في كردوس من أصحابه ويأمر
أحمد بن الخليل فيقف في كردوس آخر فيصير في ذلك جانب الوادي ثلاثة
245

كراديس في طرف أبياتهم وكان بابك يخرج عسكرا مع آذين فيقف على تل بإزاء هؤلاء
الثلاثة الكراديس خارجا من البذ لئلا يتقدم أحد من عساكر الأفشين إلى باب البذ
وكان الأفشين يقصد إلى باب البذ وبأمرهم إذا عبروا بالوقوف فقط وترك المحاربة وكان
بابك إذا أحس بعساكر الأفشين أنها قد تحركت من الخندق تريده فرق أصحابه كمناء
ولم يبق معه إلا نفير يسير وبلغ ذلك الأفشين ولم يكن يعرف المواضع التي يكمنون
فيها ثم أتاه الخبر بأن الخرمية قد خرجوا جميعا ولم يبق مع بابك الا شرذمة من
أصحابه وكان الأفشين إذا صعد إلى ذلك الموضع بسط له نطع ووضع له كرسي
وجلس على تل مشرف يشرف على باب قصر بابك والناس كراديس وقوف
من كان معه من هذا جانب الوادي أمره بالنزول عن دابته ومن كان من ذاك
الجانب مع أبي سعيد وجعفر الخياط وأصحابه وأحمد بن الخليل لم ينزل لقربه
من العدو فهم وقوف على ظهور دوابهم ويفرق رجالته الكوهبانية ليفتشوا
الأودية طمع أن يقع على مواضع الكمناء فيعرفها فكانت هذه حالته في التفتيش
إلى بعد الظهر والخرمية بين يدي بابك يشربون النبيذ ويزمرون بالسرنايات
ويضربون بالطبول حتى إذا صلى الأفشين الظهر تقدم فانحدر إلى خندقه بروذ الروذ
فكان أول من ينحدر أبو سعيد ثم أحمد بن الخليل ثم جعفر بن دينار ثم
ينصرف الأفشين وكان مجيئه ذلك مما يغيظ بابك وانصرافه فإذا دنا الانصراف
ضربوا بصنوجهم ونفخوا بوقاتهم استهزاء ولا يبرح بخار اخذاه من العقبة التي
هو عليها حتى تجوزه الناس جميعا ثم ينصرف في آثارهم فلما كان في بعض أيامهم
ضجرت الخرمية من المعادلة والتفتيش الذي كان يفتش عليهم فانصرف الأفشين
كعادته وانصرفت الكراديس أولا فأولا وعبر أبو سعيد الوادي وعبر أحمد بن
الخليل وعبر بعض أصحاب جعفر الخياط فتح الخرمية باب خندقهم وخرج منهم
عشرة فوارس وحملوا على من بقى من أصحاب جعفر الخياط في ذلك الموضع
وارتفعت الضجة في العسكر فرجع جعفر مع كردوس من أصحابه بنفسه فحمل
على أولئك الفرسان حتى ردهم إلى باب البذ ثم وقعت الضجة في العسكر فرجع
246

الأفشين وجعفر وأصحابه من ذلك الجانب يقاتلون وقد خرج من أصحاب جعفر
عدة وخرج بابك بعدة فرسان لم يكن معهم رجالة لا من أصحاب الأفشين ولا
من أصحاب بابك كان هؤلاء يحملون وهؤلاء يحملون فوقعت بينهم جراحات
ورجع الأفشين حتى طرح له النطع والكرسي فجلس في موضعه الذي كان يجلس فيه
وهو يتلظى على جعفر ويقول قد أفسد على تعبيتي وما أريد وارتفعت الضجة وكان
مع أبي دلف في كردوس قوم من المطوعة من أهل البصرة وغيرهم فلما نظروا إلى
جعفر يحارب انحدر أولئك المطوعة بغير أمر الأفشين وعبروا إلى ذلك جانب
الوادي حتى صاروا إلى جانب البذ فتعلقوا به وأثروا فيه آثارا وكادوا يصعدونه
فيدخلون البذ ووجه جعفر إلى الأفشين أن أمدني بخمسمائة راجل من الناشبة
فإني أرجوا أن أدخل البذ إن شاء الله ولست أرى في وجهي كثير أحد إلا هذا
الكردوس الذي تراه أنت فقط يعنى كردوس آذين فبعث إليه الأفشين أن قد
أفسدت على أمرى فتخلص قليلا قليلا وخلص أصحابك وانصرف وارتفعت
الضجة من المطوعة حين تعلقوا بالبذ وظن الكمناء الذين أخرجهم بابك أنها حرب
قد اشتبكت فنعروا ووثبوا من تحت عسكر بخاراخذاه ووثب كمين آخر من
وراء الركوة التي كان الأفشين يقعد عليها فتحركت الخرمية والناس
وقوف على رؤسهم لم يزل منهم أحد فقال الأفشين الحمد الله الذي بين
لنا مواضع هؤلاء ثم انصرف جعفر وأصحابه والمطوعة فجاء جعفر
إلى الأفشين فقال له إنما وجهني سيدي أمير المؤمنين للحرب التي ترى
ولم يوجهني للقعود ههنا وقد قطعت بي في موضع حاجتي ما كان يكفيني
الا خمسمائة راجل حتى أدخل البذ أو جوف داره لانى قد رأيت من بين
يدي فقال له الأفشين لا تنظر إلى ما بين يديك ولكن انظر إلى ما خلفك وما قد
وثبوا ببخار اخذاه وأصحابه فقال الفضل بن كاوس لجعفر الخياط لو كان الامر
إليك ما كنت تقدر أن تصعد إلى هذا الموضع الذي أنت عليه واقف حتى تقول
كنت وكنت فقال له جعفر هذه الحرب وها أنا واقف لمن جاء فقال له الفضل
247

لولا مجلس الأمير لعرفتك نفسك الساعة فصاح بهما الأفشين فأمسكا وأمر
أبا دلف أن يرد المطوعة عن السور فقال أبو دلف للمطوعة انصرفوا فجاء رجل
منهم ومعه صخرة فقال أتردنا وهذا الحجر أخذته من السور فقال له الساعة إذا
انصرفت تدرى من على طريقك جالس يعنى العسكر الذي وثب على بخاراخذاه
من وراء الناس ثم قال الأفشين لأبي سعيد في وجه جعفر أحسن الله جزاءك عن
نفسك وعن أمير المؤمنين فإني ما علمتك عالما بأمر هذه العساكر وسياستها ليس
كل من حف رأسه يقول إن الوقوف في الموضع الذي يحتاج إليه خير من المحاربة
في الموضع الذي لا يحتاج إليه لو وثب هؤلاء الذين تحتك وأشار إلى الكمين الذي
تحت الجبل كيف كنت ترى هؤلاء المطوعة الذين لهم في القمص أي شئ كان يكون
حالهم ومن كان يجمعهم الحمد لله الذي سلمهم فقف ههنا فلا تبرح حتى لا يبقى ههنا
أحد وانصرف الأفشين وكان من سنته إذا بدأ بالانصراف ينحدر علم الكراديس
وفرسانه ورجالته والكردوس الآخر واقف بينه وبينه قدر رمية سهم لا يدنو
من العقبة ولا من المضيق حتى يرى أنه قد عبر كل من في الكردوس الذي بين يديه
وخلا به الطريق ثم يدنو بعد ذلك فينحدر في الكروس الآخر بفرسانه ورجالته
ولا يزال كذلك وقد عرف كل كردوس من خلف من ينصرف فلم يكن يتقدم
أحد منهم بين يدي صاحبه ولا يتأخر هكذا حتى إذا نفذت الكراديس كلها
ولم يبق أحد غير بخاراخذاه انحدر بخاراخذاه وخلى العقبة فانصرف ذلك اليوم
على هذه الهيئة وكان أبو سعيد آخر من انصرف وكلما مر العسكر بموضع بخاراخذاه
ونظروا إلى الموضع الذي كان فيه الكمين علموا ما كان وطئ لهم وتفرق أولئك
الأعلاج الذين أرادوا أخذ الموضع الذي كان بخاراخذاه يحفظه ورجعوا إلى
مواضعهم فأقام الأفشين في خندقه بروذ الروذ أياما فشكا إليه المطوعة الضيق
في العلوفة والأزواد والنفقات فقال لهم من صبر منكم فليصبر ومن لم يصبر فالطريق
واسع فلينصرف بسلام معي جند أمير المؤمنين ومن هو في أرزاقة يقيمون معي
في الحر والبرد ولست أبرح من ههنا حتى يسقط الثلج فانصرف المطوعة وهم
248

يقولون لو ترك الأفشين جعفرا وتركنا لأخذنا البذ هذا لا يشتهى إلا المماطلة
فبلغه ذلك وما كثر المطوعة فيه ويتناولونه بألسنتهم وأنه لا يحب المناجزة وإنما
يريد التطويل حتى قال بعضهم إنه رأى في المنام أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال له قل للافشين إن أنت حاربت هذا الرجل وجددت في أمره وإلا
أمرت الجبال أن ترجمك بالحجارة فتحدث الناس بذلك في العسكر علانية كأنه
مستور فبعث الأفشين إلى رؤساء المطوعة فأحضرهم وقال لهم أحب أن تروني
هذا الرجل فان الناس يرون في المنام أبوابا فأتوه بالرجل في جماعة من الناس
فسلم عليه فقربه وأدناه وقال له قص على رؤياك لا تحتشم ولا تستحى فإنما تؤدى
قال رأيت كذا ورأيت كذا فقال الله يعلم كل شئ قبل كل أحد وما أريد بهذا
الخلق ان الله تبارك وتعالى لو أراد أن يأمر الجبال أن ترجم أحدا لرجم الكافر
وكفانا مؤنته كيف يرجمني حتى أكفيه مؤنة الكافر كان يرجمه ولا يحتاج أن أقاتله
أنا وأنا أعلم أن الله عز وجل لا يخفى عليه خافية فهو مطلع على قلبي وما أريد بكم
يا مساكين فقال رجل من المطوعة من أهل الدين يا أيها الأمير لا تحرمنا شهادة
إن كانت قد حضرت وإنما قصدنا وطلبنا ثواب الله ووجهه فدعنا وحدنا حتى
نتقدم بعد أن يكون بإذنك فلعل الله أن يفتح علينا فقال الأفشين إني أرى
نياتكم حاضرة وأحسب هذا الامر يريده الله وهو خير إن شاء الله وقد نشطتم
ونشط الناس والله أعلم ما كان هذا رأيي وقد حدث الساعة لما سمعت من
كلامكم وأرجو أن يكون أراد هذا الامر وهو خير اعزموا على بركة الله أي
يوم أحببتم حتى نناهضهم ولا حول ولا قوة إلا بالله فخرج القوم مستبشرين
فبشروا أصحابهم فمن كان أراد أن ينصرف أقام ومن كان في القرب وقد خرج
مسيرة أيام فسمع بذلك رجع ووعد الناس ليوم وأمر الجند والفرسان والرجالة
وجميع الناس بالاهبة وأظهر أنه يريد الحرب لا محالة وخرج الأفشين وحمل
المال والزاد ولم يبق في العسكر بغل إلا وضع عليه محمل للجرحى وأخرج معه
المتطببين وحمل الكعك والسويق وغير ذلك وجميع ما يحتاج إليه وزحف الناس
249

حتى صعد إلى البذ وخلف بخاراخذاه في موضعه الذي كان يخلفه عليه على العقبة
ثم طرح النطع ووضع له الكرسي وجلس عليه كما كان يفعل وقال لأبي
دلف قل للمطوعة أي ناحية هي أسهل عليكم فاقتصروا عليها وقال لجعفر
العسكر كله بين يديك والناشبة والنفاطون فان أردت رجالا دفعتهم إليك
فخذ حاجتك وما تريد واعزم على بركة الله فادن من أي موضع تريد قال أريد
أن أقصد الموضع الذي كنت عليه قال امض إليه ودعا أبا سعيد فقال له قف
بين يدي أنت وجميع أصحابك ولا يبرحن منكم أحد ودعا أحمد بن الخليل فقال
له قف أنت وأصحابك ههنا ودع جعفرا يعبر وجميع من معه من الرجال فان أراد
رجالا أو فرسانا أمددناه ووجهنا بهم إليه ووجه أبا دلف وأصحابه من المطوعة
فانحدروا إلى الوادي وصعدوا إلى حائط البذ من الموضع الذي كانوا صعدوا
عليه تلك المرة وعلقوا بالحائط على حسب ما كانوا فعلوا ذلك اليوم وحمل جعفر
حملة حتى ضرب باب البذ على حسب ما كان فعل تلك المرة الأولى ووقف على الباب
وواقفه الكفرة ساعة صالحة فوجه الأفشين برجل معه بدرة دنانير وقال اذهب
إلى أصحاب جعفر فقل من تقدم فأحث له ملء كفك ودفع بدرة أخرى إلى رجل من
أصحابه وقال له اذهب إلى المطوعة ومعك هذا المال وأطواق وأسورة وقل لأبي
دلف كل من رأيته محسنا من المطوعة وغيرهم فأعطه ونادى صاحب الشراب فقال
له اذهب فتوسط الحرب معهم حتى أراك بعييني معك السويق والماء لئلا يعطش
القوم فيحتاجوا إلى الرجوع وكذلك فعل بأصحاب جعفر في الماء والسويق ودعا
الكلغرية فقال له من رأيته في وسط الحرب من المطوعة في يده فأس فله عندي
خمسون درهما ودفع إليه بدرة دراهم وفعل مثل ذلك بأصحاب جعفر ووجه إليهم
الكلغرية بأيديهم الفؤوس ووجه إلى جعفر بصندوق فيه أطواق وأسورة فقال له
ادفع إلى من أردت من أصحابك هذا سوى مالهم عندي وما تضمن لهم على من
الزيادة في أرزاقهم والكتاب إلى أمير المؤمنين بأسمائهم فاشتبكت الحرب على
الباب طويلا ثم فتح الخرمية الباب وخرجوا على أصحاب جعفر فنحوهم عن الباب
250

وشدوا على المطوعة من الناحية الأخرى فأخذوا منهم علمين وطرحوهم عن
السور وجرحوهم بالصخر حتى أثروا فيهم فرقوا عن الحرب ووقفوا وصاح جعفر
بأصحابه فبدر منهم نحو من مائة رجل فبركوا خلف تراسهم التي كانت معهم
وواقفوهم متحاجزين لا هؤلاء يقدمون على هؤلاء ولا هؤلاء يقدمون على هؤلاء
فلم يزالوا كذلك حتى صلى الناس الظهر وكان الأفشين قد حمل عرادات فنصب
عرادة منها مما يلي جعفرا على الباب وعرادة أخرى من طرف الوادي من ناحية
المطوعة فأما العرادة التي من ناحية جعفر فدافع عنها جعفر حتى صارت العرادة
فيما بينهم وبين الخرمية ساعة طويلة ثم تخلصها أصحاب جعفر بعد جهد فعلقوها
وردوها إلى العسكر فلم يزل الناس متواقفين متحاجزين يختلف بينهم النشاب
والحجارة أولئك على سورهم والباب وهؤلاء قعود تحت أتراسهم ثم تناجز وابعد
ذلك فلما نظر الأفشين إلى ذلك كره أن يطمع العدو في الناس فوجه الرجالة الذين
كان أعدهم قبله حتى وقفوا في موضع المطوعة وبعث إلى جعفر بكردوس فيه رجالة
فقال جعفر لست أوتى من قلة الرجالة معي رجال فرة ولكني لست أرى للحرب
موضعا يتقدمون إنما ههنا موضع مجال رجل أو رجلين قد وقفوا عليه وانقطعت
الحرب فبعث إليه انصرف على بركة الله فانصرف جعفر وبعث الأفشين بالبغال
التي كان جاء بها معه عليها المحامل فجعلت فيها الجرحى ومن كان به وهن من الحجارة
ولا يقدر على المشي وأمر الناس بالانصراف فانصرفوا إلى خندقهم بروذ الروذ
وأيس الناس من الفتح في تلك السنة وانصرف أكثر المطوعة * ثم إن الأفشين
تجهز بعد جمعتين فلما كان في جوف الليل بعث الرجالة الناشبة وهم مقدار ألف
رجل فدفع إلى كل واحد منهم شكوة وكعكا ودفع إلى بعضهم أعلاما سودا وغير
ذلك وأرسلهم عند مغيب الشمس وبعث معهم أدلاء فساروا ليلتهم في جبال منكرة
صعبة على غير الطريق حتى داروا فصاروا خلف التل الذي يقف آذين عليه
وهو جبل شاهق وأمرهم ألا يعلم بهم أحد حتى إذا رأوا أعلام الأفشين وصلوا
الغداة ورأوا الوقعة ركبوا تلك الاعلام في الرماح وضربوا الطبول وانحدروا
251

من فوق الجبل ورموا بالنشاب والصخر على الخرمية وإن هم لم يروا الاعلام لم
يتحركوا حتى يأتيهم خبره ففعلوا ذلك فوافوا رأس الجبل عند السحر وجعلوا
في تلك الشكاء الماء من الوادي وصاروا فوق الجبل فلما كان في بعض الليل وجه
الأفشين إلى القواد أن يتهيئوا في السلاح فإنه يركب في السحر فلما كان في بعض
الليل وجه بشيرا التركي وقوادا من الفراغنة كانوا معه فأمرهم أن يسيروا حتى
يصيروا تحت التل من أسفل الوادي الذي حملوا منه الماء وهو تحت الجبل الذي
كان عليه آذين وقد كان الأفشين علم أن الكافر يكمن تحت ذلك الجبل كلما جاءه
العسكر فقصد يشير والفراغنة إلى ذلك الموضع الذي علم أن للخرمية فيه عسكرا كامنين
فساروا في بعض الليل ولا يعلم بهم أكثر أهل العسكر ثم بعث للقواد تأهبوا
للركوب في السلاح فان الأمير يعدو في السحر فلما كان السحر خرج وأخرج
الناس وأخرج النفاطين والنفاطات والشمع على حسب ما كان يخرج فصلى الغداة
وضرب الطبل وركب حتى وافى الموضع الذي كان يقف فيه في كل مرة وبسط
له النطع ووضع له الكرسي كعادته وكان بخاراخذاه يقف على العقبة التي كان
يقف عليها في كل يوم فلما كان ذلك اليوم صير بخاراخذاه في المقدمة مع أبي سعيد
وجعفر الخياط وأحمد بن الخليل فأنكر الناس هذه التعبية في ذلك الوقت وأمرهم
أن يدنوا من التل الذي عليه آذين فيحدقوا به وقد كان ينهاهم عن هذا قبل ذلك
اليوم فمضى الناس مع هؤلاء القواد الأربعة الذين سمينا حتى صاروا حول التل
وكان جعفر الخياط مما يلي باب البذوكان أبو سعيد مما يليه وبخار اخذاه مما يلي أبا سعيد
وأحمد بن الخليل بن هشام مما يلي بخاراخذاه فصاروا جميعا حلقة حول التل
وارتفعت الضجة من أسفل الوادي وإذا الكمين الذي تحت التل الذي كان يقف
عليه آذين قد وثب ببشير التركي والفراغنة فحاربوهم واشتبكت الحرب بينهم
ساعة وسمع أهل العسكر ضجتهم فتحرك الناس فأمر الأفشين أن ينادوا أيها
الناس هذا بشير التركي والفراغنة قد وجهتهم فأثاروا كمينا فلا تتحركوا فلما سمع
الرجالة الناشبة الذين كانوا تقدموا وصاروا فوق الجبل ركبوا الاعلام كما أمرهم
252

الأفشين فنظر الناس إلى أعلام تجئ من جبل شاهق أعلام سود وبين العسكر وبين
الجبل نحو من فرسخ وهم ينحدرون على جبل آذين من فوقهم قد ركبوا الاعلام
وجعلوا ينحدرون يريدون آذين فلما نظر إليهم أهل عسكر آذين وجه آذين إليهم
بعض رجالته الذين معه من الخرمية ولما نظر الناس إليهم راعوهم فبعث إليهم
الأفشين أولئك رجالنا أنجدتنا على آذين فحمل جعفر الخياط وأصحابه على آذين
وأصحابه حتى صعدوا إليهم فحملوا عليهم حملة شديدة قلبوه وأصحابه في الوادي وحمل
عليهم رجل ممن في ناحية أبي سعيد من أصحاب أبي سعيد يقال له معاذ بن محمد
أو محمد بن معاذ في عدة معه فإذا تحت حوافر دوابهم آبار محفورة تدخل أيدي
الدواب فيها فتساقطت فرسان أبي سعيد فيها فوجه الأفشين الكلغرية يقلعون حيطان
منازلهم ويطمون بها تلك الآبار ففعلوا ذلك فحمل الناس عليهم حملة واحدة وكان
آذين قد تهيأ فوق الجبل عجلا عليها صخر فلما حمل الناس عليه دفع العجل على الناس
فأفرجوا عنها قد تدحرجت ثم حمل الناس من كل وجه فلما نظر بابك إلى أصحابه قد
أحدق بهم خرج من طرف البذ من باب مما يلي الأفشين يكون بين هذا الباب وبين
التل الذي عليه الأفشين قدر ميل فأقبل بابك في جماعة معه يسألون عن الأفشين
فقال لهم أصحاب أبي دلف من هذا فقالوا هذا بابك يريد الأفشين فأرسل أبو دلف
إلى الأفشين يعلمه ذلك فأرسل الأفشين رجلا يعرف بابك فنظر إليه ثم عاد إلى
الأفشين فقال نعم هو بابك فركب إليه الأفشين فدنا منه حتى صار في موضع يسمع
كلامه وكلام أصحابه والحرب مشتبكة في ناحية آذين فقال له أريد الأمان من أمير المؤمنين
فقال له الأفشين قد عرضت عليك هذا وهو لك مبذول متى شئت فقال قد شئت
الآن على أن تؤجلني أجلا أحمل فيه عيالي وأتجهز فقال له الأفشين قد والله نصحتك
غير مرة فلم تقبل نصيحتي وأنا أنصحك الساعة خروجك اليوم في الأمان خير من
غد قال قد قبلت أيها الأمير وأنا على ذلك فقال له الأفشين فابعث بالرهائن الذين
كنت سألتك قال نعم أما فلان وفلان فهم على ذلك التل فمر أصحابك بالتوقف *
قال فجاء رسول الأفشين ليرد الناس فقيل له إن أعلام الفراغنة قد دخلت البذ
253

وصعدوا بها القصور فركب وصاح بالناس فدخل ودخلوا وصعد الناس بالأعلام
فوق قصور بابك وكان قد كمن في قصوره وهى أربعة ستمائة رجل فوافاهم الناس
فصعدوا بالأعلام فوق القصور وامتلا شوارع البذ وميدانها من الناس وفتح أولئك
الكمناء أبواب القصور وخرجوا رجالة يقاتلون الناس ومر بابك حتى دخل الوادي
الذي يلي هشتادسر واشتغل الأفشين وجميع قواده بالحرب على أبواب القصور فقاتل
الخرمية قتالا شديدا وأحضر النفاطين فجعلوا يصبون عليهم النفط والنار والناس
يهدمون القصور حتى قتلوا عن آخرهم وأخذ الأفشين أولاد بابك ومن كان معهم
في البذ من عيالاتهم حتى أدركهم المساء فأمر الأفشين بالانصراف فانصرفوا وكان
عامة الخرمية في البيوت فرجع الأفشين إلى الخندق بروذ الروذ * فذكر أن بابك
وأصحابه الذين نزلوا معه الوادي حين علموا أن الأفشين قد رجع إلى خندقه رجعوا
إلى البذ فحملوا من الزاد ما أمكنهم حمله وحملوا أموالهم ثم دخلوا الوادي الذي يلي
هشتادسر فلما كان في الغد خرج الأفشين حتى دخل البذ فوقف في القرية وأمر بهدم
القصور ووجه الرجالة يطوفون في أطراف القرية فلم يجدوا فيها أحدا من العلوج
فاصعد الكلغرية فهدموا القصور وأحرقوها فعل ذلك ثلاثة أيام حتى أحرق خزائنه
وقصوره ولم يدع فيها بيتا ولا قصرا إلا أحرقه وهدمه ثم رجع وعلم أن بابك قد
أفلت في بعض أصحابه فكتب الأفشين إلى ملوك أرمينية وبطارقها يعلمهم أن بابك قد
هرب وعدة معه وصار إلى واد وخرج منه إلى ناحية أرمينية وهو مار بكم وأمرهم أن
يحفظ كل واحد منهم ناحيته ولا يسلكها أحد إلا أخذوه حتى يعرفوه فجاء الجواسيس
إلى الأفشين فأخبروه بموضعه في الوادي وكان واديا كثير العشب والشجر طرفه
بأرمينية وطرفه الآخر بآذربيجان ولم يمكن الخيل أن تنزل إليه ولا يرى من
يستخفى فيه لكثرة شجره ومياهه إنما كانت غيضة واحدة ويسمى هذا الوادي
غيضة فوجه الأفشين إلى كل موضع يعلم أن منه طريقا ينحدر منه إلى تلك الغيضة
أو يمكن بابك أن يخرج من ذلك الطريق فصير على كل طريق وموضع من هذه
المواضع عسكرا فيه ما بين أربعمائة إلى خمسمائة مقاتل ووجه معهم الكوهبانية
254

ليقفوهم على الطريق وأمرهم بحراسة الطريق في الليل لئلا يخرج منه أحد وكان
يوجه إلى كل عسكر من هذه العساكر الميرة من عسكره وكانت هذه العساكر
خمسة عشر عسكرا فكانوا كذلك حتى ورد كتاب أمير المؤمنين المعتصم بالذهب
مختوما فيه أمان لبابك فدعا الأفشين من كان استأمن إليه من أصحاب بابك وفيهم
ابن له كبيرا كبر ولده فقال له وللاسرى هذا ما لم أكن أرجوه من أمير المؤمنين
ولا أطمع له فيه أن يكتب إليه وهو في هذه الحال بأمان فمن يأخذه منكم ويذهب
به إليه فلم يجسر على ذلك أحد منهم فقال بعضهم أيها الأمير ما فينا أحد يجترئ
أن يلقاه بهذا فقال له الأفشين ويحك إنه يفرح بهذا قال أصلح الله الأمير نحن
أعرف بهذا منك قال فلا بد لكم من أن تهبوا لي نفسكم وتوصلوا هذا الكتاب
إليه فقام رجلان منهم فقالا له اضمن لنا أنك تجرى على عيالاتنا فضمن لهما
الأفشين ذلك وأخذ الكتاب وتوجها فلم يزالا يدوران في الغيضة حتى أصاباه
وكتب معهما ابن بابك بكتاب يعلمه الخبر ويسأله أن يصير إلى الأمان فهو أسلم له
وخير فدفعا إليه كتاب ابنه فقرأه وقال أي شئ كنتم تصنعون قالا أسر عيالاتنا
في تلك الليلة وصبياننا ولم نعرف موضعك فنأتيك وكنا في موضع تخوفنا أن
يأخذونا فطلبنا الآمان فقال للذي كان الكتاب معه هذا لا أعرفه ولكن أنت
يا ابن الفاعلة كيف اجترأت على هذا أن تجيئني من عند ذاك ابن الفاعلة فأخذه
وضرب عنقه وشد الكتاب على صدره مختوما لم يفضه ثم قال للآخر اذهب وقل
لذاك ابن الفاعلة يعنى ابنه حيث يكتب إلى وكتب إليه لو أنك لحقت بي واتبعت
دعوتك حتى يجيئك الامر يوما كنت ابني وقد صح عندي الساعة فساد أمك الفاعلة
يا ابن الفاعلة عسى أن أعيش بعد اليوم قد كنت باسم هذه الرياسة وحيث ما كنت
أو ذكرت كنت ملكا ولكنك من جنس لاخير فيه وأنا أشهد أنك لست يا بني
تعيش يوما واحدا وأنت رئيس خير أو تعيش أربعين سنة وأنت عبد ذليل ورحل
من موضعه ووجه مع الرجل ثلاثة نفر حتى أصعدوه من موضع من المواضع ثم لحقوا
ببابك فلم يزل في تلك الغيضة حتى فنى زاده وخرج مما يلي طريقا كان عليه بعض
255

العساكر وكان موضع الطريق جبلا ليس فيه ماء فلم يقدر العسكر أن يقيم على الطريق
لبعده عن الماء فتنحى العسكر عن الطريق إلى قرب الماء وصيروا كوهبانيين وفارسين
على طرف الطريق يحرسونه والعسكر بينه وبين الطريق نحو من ميل ونصف كان
ينوب على الطريق كل يوم فارسان وكوهبانيان فبينا هم ذات يوم نصف النهار إذ
خرج بابك وأصحابه فلم يروا أحدا ولم يروا الفارسين والكوهبانيين وظنوا أن
ليس هناك عسكر فخرج هو وأخواه عبد الله ومعاوية وأمه وامرأة له يقال لها
ابنة الكلندانية فخرجوا من الطريق وساروا يريدون أرمينية ونظر إليهم الفارسان
والكوهبانيان فوجهوا إلى العسكر وعليه أبو الساج انا قد رأينا فرسانا يمرون
ولا ندري من هم فركب الناس وساروا فنظروا إليهم من بعد وقد نزلوا على عين
ماء يتغدون عليها فلما نظروا إلى الناس بادر الكافر فركب وركب من كان معه
فأفلت وأخذ معاوية وأم بابك والمرأة التي كانت معه ومع بابك غلام له فوجه
أبو الساج بمعاوية والمرأتين إلى العسكر ومر بابك متوجها حتى دخل جبال أرمينية
يسير في الجبال متكمنا فاحتاج إلى طعام وكان جميع بطارقة أرمينية قد تحفظوا
بنواحيهم وأطرافهم وأوصوا مسالحهم ألا يجتاز عليهم أحد إلا أخذوه حتى
يعرفوه فكان أصحاب المسالح كلهم متحفظين وأصاب بابك الجوع فأشرف فإذا
هو بحراث يحرث على فدان له في بعض الأودية فقال لغلامه انزل إلى هذا
الحراث وخذ معك دنانير ودراهم فإن كان معه خبز فخذه وأعطه وكان للحراث
شريك ذهب لحاجته فنزل الغلام إلى الحراث فنظر إليه شريكه من بعيد
فوقف بالبعد يفرق من أن يجئ إلى شريكه وهو ينظر ما يصنع شريكه
فدفع الغلام إلى الحراث شيئا فجاء الحراث فأخذ الخبز فدفعه إلى الغلام وشريكه
قائم ينظر إليه ويظن أنما اغتصبه خبزه ولم يظن أنه أعطاه شيئا فعدا إلى
المسلحة فأعلمهم أن رجلا جاءهم عليه سيف وسلاح وأنه أخذ خبز شريكه من
الوادي فركب صاحب المسلحة وكان في جبال ابن سنباط ووجه إلى سهل بن
سنباط بالخبر فركب ابن سنباط وجماعة معه حتى جاء مسرعا فوافى الحراث والغلام
256

عنده فقال له هذا قال له الحراث هذا رجل مر بي فطلب منى خبزا فأعطيته فقال
للغلام وأين مولاك قال ههنا وأومى إليه فاتبعه فأدركه وهو نازل فلما رأى وجهه
عرفه فترجل له ابن سنباط عن دابته ودنا منه فقبل يده ثم قال له يا سيداه إلى
أين قال أريد بلاد الروم أو موضعا سماه فقال له لا تجد موضعا ولا أحدا أعرف
بحقك ولا أحق أن تكون عنده منى تعرف موضعي ليس بيني وبين السلطان عمل
ولا تدخل على أحد من أصحاب السلطان وأنت عارف بقضيتي وبلدي وكل من ههنا
من البطارقة إنما هم أهل بيتك قد صار لك منهم أولاد وذلك أن بابك كان إذا علم أن عند
بعض البطارقة ابنة أو أختا جميلة وجه إليها يطلبها فان بعث بها إليه وإلا بيته وأخذها
وأخذ جميع ماله من متاع وغير ذلك وصار به إلى بلده غصبا ثم قال ابن سنباط له
صر عندي في حصني فإنما هو منزلك وأنا عبدك كن فيه شتوتك هذه ثم ترى رأيك
وكان بابك قد أصابه الضر والجهد فركن إلى كلام سهل بن سنباط وقال له ليس يستقيم
أن أكون أنا وأخي في موضع واحد فلعله أن يعثر بأحدنا فيبقى الآخر ولكن أقيم
عندك أنا ويتوجه عبد الله أخي إلى ابن اصطفانوس لا ندري ما يكون وليس لنا
خلف يقوم بدعوتنا فقال له ابن سنباط ولدك كثير قال ليس فيهم خير وعزم على
أن يصير أخاه في حصن ابن اصطفانوس وكان يثق به فصار هو مع ابن سنباط في حصنه
فلما أصبح عبد الله مضى إلى حصن ابن اصطفانوس وأقام بابك عند ابن سنباط وكتب
ابن سنباط إلى الأفشين يعلمه أن بابك عنده في حصنه فكتب إليه إن كان هذا صحيحا
فلك عندي وعند أمير المؤمنين أيده الله الذي تحب وكتب يجزيه خيرا ووصف
الأفشين صفة بابك لرجل من خاصته ممن يثق به ووجه به إلى ابن سنباط وكتب
إليه يعلمه أنه قد وجه إليه برجل من خاصته يحب أن يرى بابك ليحكى للافشين
ذلك فكره ابن سنباط أن يوحش بابك فقال للرجل ليس يمكن أن تراه إلا في
الوقت الذي يكون منكبا على طعامه يتغدى فإذا رأيتنا قد دعونا بالغداء فالبس
ثياب الطباخين الذين معنا على هيئة علوجنا وتعال كأنك تقدم الطعام أو تناول
شيئا فإنه يكون منكبا على الطعام فتفقد منه ما تريد فاذهب فاحكه لصاحبك ففعل
(18 - 7)
257

ذلك في وقت الطعام فرفع بابك رأسه فنظر إليه فأنكره فقال من هذا الرجل
فقال له ابن سنباط هذا رجل من أهل خراسان منقطع إلينا منذ زمان نصراني
فلقن ابن سنباط الأشر وسني ذلك فقال له بابك منذ كم أنت ههنا قال منذ كذا وكذا
سنة قال وكيف أقمت ههنا قال تزوجت ههنا قال صدقت إذا قيل للرجل من أين
أنت قال من حيث امرأتي ثم رجع إلى الأفشين فأخبره ووصف له جميع ما رأى
ثم من بابك ووجه الأفشين أبا سعيد وبوزباره إلى ابن سنباط وكتب إليه معهما
وأمرهما إذا صارا إلى بعض الطريق قدما كتابه إلى ابن سنباط مع علج من الأعلاج
وأمرهما ألا يخالفا ابن سنباط فيما يشير به عليهما ففعلا ذلك فكتب إليهما ابن سنباط
في المقام بموضع قد سماه ووصفه لهما إلى أن يأتيهما رسوله فلم يزالا مقيمين بالموضع
الذي وصفه لهما ووجه إليهما ابن سنباط بالميرة والزاد حتى تحرك بابك للخروج
إلى الصيد فقال له ههنا واد طيب وأنت مغموم في جوف هذا الحصن فلو خرجنا
ومعنا بازى وباشق وما يحتاج إليه فنتفرج إلى وقت الغداء بالصيد فقال له بابك إذا
شئت فانفذ ليركبا بالغداة وكتب ابن سنباط إلى أبي سعيد وبوزباره يعلمهما ما قد عزم
عليه ويأمرهما أن يوافياه واحد من هذا الجانب من الجبل والآخر من الجانب الآخر
في عسكرهما وأن يسيرا متكمنين مع صلاة الصبح فإذا جاءهما رسوله أشرفا
على الوادي فانحدروا عليه إذا رأوهم وأخذوهم فلما ركب ابن سنباط وبابك
بالغداة وجه ابن سنباط رسولا إلى أبي سعيد ورسولا إلى بوزباره وقال لكل رسول
جئ بهذا إلى موضع كذا وجئ بهذا إلى موضع كذا فأشرنا علينا فإذا رأيتمونا فقولوا هم
هؤلاء خذوهما وأراد أن يشبه على بابك فيقول هذه خيل جاءتنا فأخذتنا ولم يحب
أن يدفعه إليهما من منزله فصار الرسولان إلى أبي سعيد وبوزباره فمضيا بهما حتى
أشرفا على الوادي فإذا هما ببابك وابن سنباط فنظرا إليه وانحدرا وأصحابهما عليه
هذا من ههنا وهذا من ههنا وأخذاهما ومعهما البواشيق وعلى بابك دراعة بيضاء
وعمامة بيضاء وخف قصير ويقال كان بيده بأشق فلما نظر إلى العساكر قد أحدقت
به وقف فنظر إليهما فقالا له انزل فقال ومن أنتما فقال أحدهما أنا أبو سعيد
258

والآخر أنا بوزبارة فقال نعم وثنى رجله فنزل وكان ابن سنباط ينظر إليه فرفع
رأسه إلى ابن سنباط فشتمه وقال إنما بعتني لليهود بالشئ اليسير لو أردت المال
وطلبته لأعطيتك أكثر مما يعطيك هؤلاء فقال له أبو سعيد قم فاركب قال نعم
فحملوه وجاؤا به إلى الأفشين فلما قرب من العسكر صعد الأفشين برزند فضربت
له خيمة على برزند وأمر الناس فاصطفوا صفين وجلس الأفشين في فازة وجاؤا
به وأمر الأفشين ألا يتركوا عربيا يدخل بين الصفين فرقا أن يقتله إنسان أو
يجرحه ممن قتل أولياءه أو صنع به داهية وكان قد صار إلى الأفشين نساء كثير
وصبيان ذكروا أن بابك كان أسرهم وأنهم أحرار من العرب والدهاقين فأمر
الأفشين فجعلت لهم حظيرة كبيرة وأسكنهم فيها وأجرى لهم الخبز وأمرهم أن يكتبوا
إلى أوليائهم حيث كانوا فكان كل من جاء فعرف امرأة أو صبيا أو جارية وأقام
شاهدين أنه يعرفها أو أنها حرمة له أو قرابة دفعها إليه فجاء الناس فأخذوا منهم
خلقا كثيرا وبقى منهم ناس كثير ينتظرون أن يجئ أولياؤهم ولما كان ذلك اليوم
الذي أمر الأفشين الناس أن يصطفوا فصار بين بابك وبينه قدر نصف ميل أنزل
بابك يمشى بين الصفين في دراعته وعمامته وخفيه حتى جاء فوقف بين يدي الأفشين
فنظر إليه الأفشين ثم قال أنزلوا به إلى العسكر فنزلوا به راكبا فلما نظر النساء
والصبيان الذين في الحظيرة إليه لطموا على وجوههم وصاحوا وبكوا حتى
ارتفعت أصواتهم فقال لهم الأفشين أنتم بالأمس تقولون أسرنا وأنتم اليوم تبكون
عليه عليكم لعنة الله قالوا كان يحسن إلينا فأمر به الأفشين فأدخل بيتا ووكل به
رجالا من أصحابه وكان عبد الله أخو بابك لما أقام بابك عند ابن سنباط صار إلى
عيسى بن يوسف بن اصطفانوس فلما أخذ الأفشين بابك وصيره معه في عسكره
ووكل به أعلم بمكان عبد الله أنه عند ابن اصطفانوس فكتب الأفشين إلى ابن
اصطفانوس أن يوجه إليه بعبد الله فوجه به ابن اصطفانوس إلى الأفشين فلما
صار في يد الأفشين حبسه مع أخيه في بيت واحد ووكل بهما قوما يحفظونهما
وكتب الأفشين إلى المعتصم بأخذه بابك وأخاه فكتب المعتصم إليه يأمره بالقدوم
259

بهما عليه فلما أراد أن يسير إلى العراق وجه إلى بابك فقال إني أريد أن أسافر
بك فانظر ما تشتهى من بلاد آذربيجان فقال أشتهي أن أنظر إلى مدينتي فوجه معه
الأفشين قوما في ليلة مقمرة إلى البذ حتى دار فيه ونظر إلى القتلى والبيوت إلى وقت
الصبح ثم رده إلى الأفشين وكان الأفشين قد وكل به رجلا من أصحابه فاستعفاه
منه بابك فقال له الأفشين لم استعفيت منه قال يجئ ويده ملاى غمرا حتى ينام
عند رأسي فيؤذيني ريحها فأعفاه منه وكان وصول بابك إلى الأفشين ببرزند
لعشر خلون من شوال بين بوزباره وديوداذ (وحج) بالناس في هذه
السنة محمد بن داود
* ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمن ذلك قدوم الأفشين على المعتصم ببابك وأخيه: ذكر أن قدومه عليه به
كان ليلة الخميس لثلاث خلون من صفر بسامرا وأن المعتصم كان يوجه إلى الأفشين
كل يوم من حين فصل من برزند إلى أن وافى سامرا فرسا وخلعة وأن المعتصم
لعنايته بأمر بابك وأخباره ولفساد الطريق بالثلج وغيره جعل من سامرا إلى
عقبة حلوان خيلا مضمرة على رأس كل فرسخ فرسا معه مجر مرتب فكان
يركض بالخبر ركضا حتى يؤديه من واحد إلى واحد يدا بيد وكان ما خلف حلوان
إلى آذربيجان قد رتبوا فيه دواب المرج فكانت يركض بها يوما أو يومين ثم تبدل
ويصير غيرها ويحمل عليها غلمان من أصحاب المرج كل دابة على رأس فرسخ
وجعل لهم ديادبة على رؤوس الجبال بالليل والنهار وأمرهم أن ينعروا إذا جاءهم
الخبر فإذا سمع الذي يليه النعير تهيأ فلا يبلغ إليه صاحبه الذي نعر حتى يقف له
على الطريق فيأخذ الخريطة منه فكانت الخريطة تصل من عسكر الأفشين إلى
سامرا في أربعة أيام وأقل فلما صار الأفشين بقناطر حذيفة تلقاه هارون بن
المعتصم وأهل بيت المعتصم فلما صار الأفشين ببابك إلى سامرا أنزله الأفشين في
260

قصره بالمطيرة فلما كان في جوف الليل ذهب أحمد بن أبي دؤاد متنكرا فرآه وكلمه
ثم رجع إلى المعتصم فوصفه له فلم يصبر المعتصم حتى ركب إليه بين الحائطين في
الحير فدخل إليه متنكرا ونظر إليه وتأمله وبابك لا يعرفه فلما كان من غد قعد
له المعتصم يوم اثنين أو خميس واصطف الناس من باب العامة إلى المطيرة وأراد
المعتصم أن يشهره ويريه الناس فقال على أي شئ يحمل هذا وكيف يشهر فقال
حزام يا أمير المؤمنين لا شئ أشهر من الفيل فقال صدقت فأمر بتهيئة الفيل وأمر
به فجعل في قباء ديباج وقلنسوة سمور ومدورة وهو وحده فقال محمد بن
عبد الملك الزيات
قد خضب الفيل كعاداته * يحمل شيطان خراسان
والفيل لا تخضب أعضاؤه * إلا الذي شأن من الشأن
فاستشرفه الناس من المطيرة إلى باب العامة فأدخل دار العامة إلى أمير المؤمنين وأحضر
جزارا ليقطع يديه ورجليه ثم أمر أن يحضر سيافه فخرج الحاجب من باب العامة وهو
ينادى نودنود وهو اسم سياف بابك فارتفعت الصيحة بنودنود حتى حضر فدخل دار
العامة فأمره أمير المؤمنين أن يقطع يديه ورجليه فقطعهما فسقط وأمر أمير المؤمنين
بذبحه وشق بطنه أحدهما ووجه برأسه إلى خراسان وصلب بدنه بسامرا عند
العقبة فموضع خشبته مشهور وأمر بحمل أخيه عبد الله مع بن شروين الطبري
إلى إسحاق بن إبراهيم خليفته بمدينة السلام وأمره بضرب عنقه وأن يفعل به
مثل ما فعل بأخيه وصلبه فلما صار به الطبري إلى البردان نزل به ابن شروين في
قصر البردان فقال عبد الله أخو بابك لابن شروين من أنت فقال ابن شروين
ملك طبرستان فقال الحمد لله الذي وفق لي رجلا من الدهاقين يتولى قتلى قال إنما
يتولى قتلك هذا وكان عنده نودنود وهو الذي قتل بابك فقال له أنت صاحبي
وانما هذا علج فأخبرني أأمرت أن تطعمني شيئا أم لا قال قل ما شئت قال اضرب
لي فالوذجة قال فأمر فضربت له فالوذجة في جوف الليل فأكل منها حتى تملأ ثم
قال يا أبا فلان ستعلم غدا انى دهقان إن شاء الله ثم قال تقدر أن تسقيني نبيذا قال
261

نعم ولا بكثير قال فإني لا أكثر قال فأحضر أربعة أرطال خمر فقعد فشربها على
مهل إلى قريب من الصبح ثم رحل في السحر فوافى به مدينة السلام ووافى به
رأس الجسر وأمر إسحاق بن إبراهيم بقطع يديه ورجليه فلم ينطق ولم يتكلم وأمر
بصلبه فصلب في الجانب الشرقي بين الجسرين بمدينة السلام وذكر عن طوق بن
أحمد أن بابك لما هرب صار إلى سهل بن سنباط فوجه الأفشين أبا سعيد وبوزباره
فأخذاه منه فبعث سهل مع بابك بمعاوية ابنه إلى الأفشين فأمر لمعاوية بمائة ألف
درهم وأمر لسهل بألف ألف درهم استخرجها له من أمير المؤمنين ومنطقة مغرقة
بالجوهر وتاج البطرقة فبطرق سهل بهذا السبب والذي كان عنده عبد الله أخو بابك
عيسى بن يوسف المعروف بابن أخت اصطفانوس ملك البيلقان * وذكر عن
محمد بن عمران كاتب علي بن مر قال حدثني علي بن مر عن رجل من الصعاليك
يقال له مطر قال كان والله يا أبا الحسن بابك ابني قلت وكيف قال كنا مع ابن
الرواد وكانت أمه بروميد العوراء من علوج ابن الرواد فكنت أنزل عليها وكانت
مصكة فكانت تخدمني وتغسل ثيابي فنظرت إليها يوما فواثبتها بشبق السفر وطول
الغربة فأقررته في رحمها ثم قال غبنا غيبة بعد ذلك ثم قدمنا فإذا هي تطلق فنزلت
في منزل آخر فصارت إلى يوما فقالت حين ملأت بطني تنزل ههنا وتتركني
فاذاعت أنه منى فقلت والله لئن ذكرتني لأقتلنك فأمسكت عنى فهو والله ابني وكان
يجزى الأفشين في مقامه بإزاء بابك سوى الأرزاق والانزال والمعاون في كل يوم
يركب فيه عشرة آلاف درهم وفي كل يوم لا يركب فيه خمسة آلاف درهم وكان
جميع من قتل بابك في عشرين سنة مائتي ألف وخمسة وخمسين ألفا وخمسمائة انسان
وغلب يحيى بن معاذ وعيسى بن محمد بن أبي خالد وأحمد بن الجنيد وأسره وزريق بن علي
ابن صدقة ومحمد بن حميد الطوسي وإبراهيم بن الليث وأسر مع بابك ثلاثة آلاف
وثلثمائة وتسعة أناسي واستنقذ ممن كان في يده من المسلمات وأولادهم سبعة
آلاف وستمائة إنسان وعدة من صار في يد الأفشين من بنى بابك سبعة عشر
رجلا ومن البنات والكنات ثلاث وعشرون امرأة فتوج المعتصم الأفشين
262

وألبسه وشاحين بالجوهر ووصله بعشرين ألف ألف درهم منها عشرة آلاف
ألف صلة وعشرة آلاف ألف درهم يفرقها في أهل عسكره وعقد له على السند
وأدخل عليه الشعراء يمدحونه وأمر للشعراء بصلات وذلك يوم الخميس لثلاث
عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الآخر وكان مما قيل فيه قول أبى تمام الطائي
بذ الجلاد البذ فهو دفين * ما إن بها إلا الوحوش قطين
لم يقر هذا السيف هذا الصبر في * هيجاء إلا عز هذا الدين
قد كان عذرة سؤدد فافتضها * بالسيف فحل المشرق الأفشين
فأعادها تعوى الثعالب وسطها * ولقد ترى بالأمس وهى عرين
هطلت عليها من جماجم أهلها * ديم إمارتها طلى وشؤون
كانت من المهجات قبل مفازة * عسرا فأضحت وهى منه معين
(وفى هذه السنة) أوقع توفيل بن ميخائيل صاحب الروم بأهل زبطرة
فأسرهم وخرب بلدهم ومضى من فوره إلى ملطية فأغار على أهلها وعلى أهل
حصون من حصون المسلمين إلى غير ذلك وسبا من المسلمات فيما قيل أكثر من
ألف امرأة ومثل بمن صار في يده من المسلمين وسمل أعينهم وقطع آذانهم وآنافهم
* ذكر الخبر عن سبب فعل صاحب الروم بالمسلمين ما فعل من ذلك *
ذكر أن السبب في ذلك كان ما لحق بابك من تضيق الأفشين عليه وإشرافه على
الهلاك وقهر الأفشين إياه فلما أشرف على الهلاك وأيقن بالضعف من نفسه عن حربه
كتب إلى ملك الروم توفيل بن ميخائيل بن جورجس يعلمه أن ملك العرب قد وجه
عساكره ومقاتلته إليه حتى وجه خياطه يعنى جعفر بن دينار وطباخه يعنى إيتاخ ولم
يبق على بابه أحد فان أردت الخروج إليه فاعلم أنه ليس في وجهك أحد يمنعك
طمعا منه بكتابه ذلك إليه في أن ملك الروم إن تحرك انكشف عنه بعض ما هو
فيه بصرف المعتصم بعض من بإزائه من جيوشه إلى ملك الروم واشتغاله به عنه
فذكر أن توفيل خرج في مائة ألف وقيل أكثر فيهم من الجند نيف وسبعون
ألفا وبقيتهم اتباع حتى صار إلى زبطرة ومعه من المحمرة الذين كانوا خرجوا بالجبال
263

فلحقوا بالروم حين قاتلهم إسحاق بن إبراهيم بن مصعب جماعة رئيسهم بارسيس
وكان ملك الروم قد فرض لهم وزوجهم وصيرهم مقاتلة يستعين بهم في أهم
أموره إليه فلما دخل ملك الروم زبطرة وقتل الرجال الذين فيها وسبى الذراري
والنساء التي فيها وأحرقها بلغ النفير فيما ذكر إلى سامرا وخرج أهل ثغور الشأم
والجزيرة وأهل الجزيرة إلا من لم يكن عنده دابة ولا سلاح واستعظم المعتصم
ذلك فذكر أنه لما انتهى إليه الخبر بذلك صاح في قصره النفير ثم ركب دابته وسمط
خلفه شكالا وسكة حديد وحقيبة فلم يستقم له أن يخرج إلا بعد التعبية فجلس فيما
ذكر في دار العامة وقد أحضر من أهل مدينة السلام قاضيها عبد الرحمن بن إسحاق
وشعيب بن سهل ومعهما ثلثمائة وثمانية وعشرون رجلا من أهل العدالة فأشهدهم
على ما وقف من الضياع فجعل ثلثا لولده وثلثا لله وثلثا لمواليه ثم عسكر بغربي
دجلة وذلك يوم الاثنين لليلتين خلتا من جمادى الأولى ووجه عجيف بن عنبسة
وعمرا الفرغاني ومحمد كوته وجماعة من القواد إلى زبطرة إعانة لأهلها فوجدوا
ملك الروم قد انصرف إلى بلاده بعد ما فعل ما قد ذكرناه فوقفوا قليلا حتى
تراجع الناس إلى قراهم واطمأنوا فلما ظفر المعتصم ببابك قال أي بلاد الروم
أمنع وأحصن فقيل عمورية لم يعرض لها أحد من المسلمين منذ كان الاسلام
وهى عين النصرانية وبنكها وهى أشرف عندهم من القسطنطينية (وفى هذه
السنة) شخص المعتصم غازيا إلى بلاد الروم وقيل كان شخوصه إليها من سامرا
في سنة 224 وقيل في سنة 222 بعد قتله بابك * فذكر أنه تجهز جهازا لم يتجهز
مثله قبله خليفة قط من السلاح والعدد والآلة وحياض الأدم والبغال والروايا
والقرب وآلة الحديد والنفط وجعل على مقدمته أشناس ويتلوه محمد بن إبراهيم وعلى
ميمنته ايتاخ وعلى ميسرته جعفر بن دينار بن عبد الله الخياط وعلى القلب عجيف بن
عنبسة ولما دخل بلاد الروم أقام على نهر اللمس وهو على سلوقية قريبا من البحر بينه
وبين طرسوس مسيرة يوم وعليه يكون الفداء إذا فودى بين المسلمين والروم وأمضى
المعتصم الأفشين حيدر بن كاوس إلى سروج وأمره بالبروز منها والدخول من
264

درب الحدث وسمى له يوما أمره أن يكون دخوله فيه وقدر لعسكره وعسكر أشناس
يوما جعله بينه وبين اليوم الذي يدخل فيه الأفشين بقدر ما بين المسافتين إلى الموضع
الذي رأى أن يجتمع العساكر فيه وهو أنقرة ودبر النزول على أنقرة فإذا فتحها
الله عليه صار إلى عمورية إذ لم يكن شئ مما يقصد له من بلاد الروم أعظم من
هاتين المدينتين ولا أحرى أن تجعل غايته التي يؤمها وأمر المعتصم أشناس أن
يدخل من درب طرسوس وأمره بانتظاره بالصفصاص فكان شخوص أشناس
يوم الأربعاء لثمان بقين من رجب وقدم المعتصم وصيفا في أثر أشناس على
مقدمات المعتصم ورحل المعتصم يوم الجمعة لست بقين من رجب فلما صار أشناس
بمرج الأسقف ورد عليه كتاب المعتصم من المطامير يعلمه أن الملك بين يديه وأنه يريد
أن يجوز العساكر اللمس فيقف على المخاضة فيكبسهم ويأمره بالمقام بمرج الأسقف
وكان جعفر بن دينار على ساقة المعتصم وأعلم المعتصم أشناس في كتابه أن ينتظر
موافاة الساقة لان فيها الأثقال والمجانيق والزاد وغير ذلك وكان ذلك بعد في
مضيق الدرب لم يخلص ويأمره بالمقام إلى أن يتخلص صاحب الساقة من مضيق
الدرب بمن معه ويصحر حتى يصير في بلاد الروم فأقام اشناس بمرج الأسقف
ثلاثة أيام حتى ورد كتاب المعتصم يأمره أن يوجه قائدا من قواده في سرية
يلتمسون رجلا من الروم يسألونه عن خبر الملك ومن معه فوجه اشناس عمرا
الفرغاني في مائتي فارس فساروا ليلتهم حتى أتوا حصن قرة فخرجوا يلتمسون رجلا
من حول الحصن فلم يمكن ذلك و؟ بهم صاحب قرة فخرج في جميع فرسانه الذين
كانوا معه بالقرة وكمن في الجبل الذي فيما بين قرة ودرة وهو جبل كبير يحيط
برستاق يسمى رستاق قرة وعلم عمرو الفرغاني أن صاحب قرة قد نذر بهم فتقدم
إلى درة فكمن بها ليلته فلما انفجر عمود الصبح صير عسكره ثلاثة كراديس وأمرهم
أن يركضوا ركضا سريعا بقدر ما يأتونه بأسير عنده وخبر الملك ووعدهم أن
يوافوه به في بعض المواضع التي عرفها الأدلاء ووجه مع كل كردوس دليلين
وخرجوا مع الصبح فتفرقوا في ثلاثة وجوه فأخذوا عدة من الروم بعضهم من
265

أهل عسكر الملك وبعضهم من الضواحي وأخذ عمرو رجلا من الروم من فرسان
أهل القرة فسأله عن الخبر فأخبره أن الملك وعسكره بالقرب منه وراء اللمس بأربعة
فراسخ وأن صاحب قرة نذر بهم في ليلتهم هذه وأنه ركب فكمن في هذا الجبل فوق
رؤسهم فلم يزل عمرو في الموضع الذي كان وعد فيه أصحابه وأمر الأدلاء الذين معه ان
يتفرقوا في رؤس الجبال وأن يشرفوا على الكراديس الذين وجههم اشفاقا أن يخالفهم
صاحب قرة إلى أحد الكراديس فرآهم الأدلاء ولو حوالهم فأقبلوا فتوافوا هم وعمرو
في موضع غير الموضع الذي كانوا اتعدوا له ثم نزلوا قليلا ثم ارتحلوا يريدون العسكر
وقد أخذوا عدة ممن كان في عسكر الملك فصاروا إلى اشناس في اللمس فسألهم عن الخبر
فأخبره أن الملك مقيم منذ أكثر من ثلاثين يوما ينتظر عبور المعتصم ومقدمته باللمس
فيواقعهم من وراء اللمس وأنه جاءه الخبر قريبا أنه قد رحل من ناحية الارمنياق
عسكر ضخم وتوسط البلاد يعنى عسكر الأفشين وأنه قد صار خلفه فأمر الملك
رجلا من أهل بيته ابن خاله فاستخلفه على عسكره وخرج ملك الروم في طائفة
من عسكره يريد ناحية الأفشين فوجه اشناس بذلك الرجل الذي أخبره بهذا
الخبر إلى المعتصم فأخبره بالخبر فوجه المعتصم من عسكره قوما من الأدلاء وضمن
لهم لكل رجل منهم عشرة آلاف درهم على أن يوافوا بكتابه الأفشين وأعلمه
فيه أن أمير المؤمنين مقيم فليقم إشفاقا من أن يواقعه ملك الروم وكتب إلى اشناس كتابا
يأمره أن يوجه من قبله رسولا من الأدلاء الذين يعرفون الجبال والطرق والمشبهة
بالروم وضمن لكل رجل منهم عشرة آلاف درهم ان هو أوصل الكتاب ويكتب إليه
أن ملك الروم قد أقبل نحوه فليقم مكانه حتى يوافيه كتاب أمير المؤمنين فتوجهت
الرسل إلى ناحية الأفشين فلم يلحقه أحد منهم وذلك أنه كان وغل في بلاد الروم
وتوافت آلات المعتصم وأثقاله مع صاحب الساقة إلى العسكر فكتب إلى أشناس
يأمره بالتقدم فتقدم أشناس والمعتصم من ورائه بينهم مرحلة ينزل هذا ويرحل
هذا ولم يرد عليهم من الأفشين خبر حتى صاروا من أنقرة على مسيرة ثلاث
مراحل وضاق عسكر المعتصم ضيقا شديدا من الماء والعلف وكان أشناس قد
266

أسر عدة أسرى في طريقه فأمر بهم فضربت أعناقهم حتى بقى منهم شيخ كبير
فقال الشيخ ما ينتفع بقتلى وأنت في هذا الضيق وعسكرك أيضا في ضيق من الماء
والزاد وههنا قوم قد هربوا من أنقرة خوفا من أن ينزل بهم ملك العرب وهم
بالقرب منا ههنا معهم من الميرة والطعام والشعير شئ كثير فوجه معي قوما
لأدفعهم إليهم وخل سبيلي فنادى منادى أشناس من كان به نشاط فليركب
فركب معه قريب من خمسمائة فارس فخرج أشناس حتى صار من العسكر على
ميل وبرز معه من نشط من الناس ثم برز فضرب دابته بالسوط فركض قريبا
من ميلين ركضا شديدا ثم وقف ينظر إلى أصحابه خلفه فمن لم يلحق بالكردوس
لضعف دابته رده إلى العسكر ودفع الرجل الأسير إلى مالك بن كيدر وقال له متى
ما أراك هذا سبيا وغنيمة كثيرة؟ سبيله على ما ضمنا له فسار بهم الشيخ إلى
وقت العتمة فأوردهم على واد وحشيش كثير فأمرج الناس دوابهم في الحشيش
حتى شبعت وتعشى الناس وشربوا حتى رووا ثم سار بهم حتى أخرجهم من
الغيضة وسار أشناس من موضعه الذي كان به متوجها إلى أنقرة وأمر مالك بن
كيدر والأدلاء الذين معه أن يوافوه بأنقرة فسار بهم الشيخ العلج بقية ليلتهم
يدور بهم في جبل ليس يخرجهم منه فقال الأدلاء لمالك بن كيدر هذا الرجل
يدور بنا فسأله مالك عما ذكر الأدلاء فقال صدقوا القوم الذين تريدهم خارج الجبل
وأخاف أن أخرج من الجبل بالليل فيسمعوا صوت حوافر الخيل على الصخر
فيهربوا فإذا خرجنا من الجبل ولم نر أحدا قتلتني ولكن أدور بك في هذا الجبل
إلى الصبح فإذا أصبحنا خرجنا إليهم فأريتك إياهم حتى آمن أن تقتلني فقال له
مالك ويحك فأنزلنا في هذا الجبل حتى نستريح فقال رأيك فنزل مالك ونزل
الناس على الصخرة وأمسكوا لجم دوابهم حتى انفجر الصبح فلما طلع الفجر
قال وجهوا رجلين يصعدان هذا الجبل فينظران ما فوقه فيأخذان من أدركا فيه
فصعد أربعة من الرجال فأصابوا رجلا وامرأة فأنزلوهما فساءلهما العلج
أين بات أهل أنقرة فسموا لهم الموضع الذي باتوا فيه فقال لمالك خل
267

عن هذين فإنا قد أعطيناهما الأمان حتى دلونا فخلى مالك عنهما ثم سار
بهم العلج إلى الموضع الذي سماه لهم فأشرف بهم على العسكر عسكر أهل أنقرة وهم
في طرف ملاحة فلما رأوا العسكر صاحوا بالنساء والصبيان فدخلوا الملاحة ووقفوا
لهم على طرف الملاحة يقاتلون بالقنا ولم يكن موضع حجارة ولا موضع خيل وأخذوا
منهم عدة أسرى وأصابوا في الاسرى عدة بهم جراحات عنق من جراحات
متقدمة فساءلوهم عن تلك الجراحات فقالوا كنا في وقعة الملك مع الأفشين فقالوا
لهم حدثونا بالقضية فأخبروهم أن الملك كان معسكرا على أربعة فراسخ من اللمس
حتى جاءه رسول أن عسكرا ضخما قد دخل من ناحية الارمنياق فاستخلف على
عسكره رجلا من أهل بيته وأمره بالمقام في موضعه فان ورد عليه مقدمة ملك العرب
واقعه إلى أن يذهب هو فيواقع العسكر الذي دخل الارمنياق يعنى عسكر الأفشين
فقال أميرهم نعم وكنت ممن سار مع الملك فواقعناهم صلاة الغداة فهزمناهم وقتلنا
رجالتهم كلهم وتقطعت عساكرنا في طلبهم فلما كان الظهر رجع فرسانهم فقاتلونا
قتالا شديدا حتى حرقوا عسكرنا واختلطوا بنا واختلطنا بهم فلم ندر في أي
كردوس الملك فلم نزل كذلك إلى وقت العصر ثم رجعنا إلى موضع عسكر الملك
الذي كنا فيه فلم نصادفه فرجعنا إلى موضع معسكر الملك الذي خلفه على اللمس
فوجدنا العسكر قد انتقض وانصرف الناس عن الرجل قرابة الملك الذي كان
الملك استخلفه على العسكر فأقمنا على ذلك ليلتنا فلما كان الغد وافانا الملك في جماعة
يسيرة فوجد عسكره قد اختل وأخذ الذي استخلفه على العسكر فضرب عنقه
وكتب إلى المدن والحصون ألا يأخذوا رجلا ممن انصرف من عسكر الملك إلا ضربوه
بالسياط ويرجع إلى موضع سماه لهم الملك انحاز إليه ليجتمع إليه الناس ويعسكر
به ليناهض ملك العرب ووجه خادما له خصيا إلى أنقرة على أن يقيم بها ويحفظ
أهلها إن نزل بها ملك العرب قال الأسير فجاء الخصي إلى أنقرة وجئنا معه فإذا
أنقرة قد عطلها أهلها وهربوا منها فكتب الخصي إلى ملك الروم يعلمه ذلك فكتب
إليه الملك يأمره بالمسير إلى عمورية قال وسألت عن الموضع الذي قصد إليه أهلها
268

يعنى أهل أنقرة فقالوا لي انهم بالملاحة فلحقنا بهم قال مالك بن كيدر فدعوا الناس
كلهم خذوا ما أخذتم ودعوا الباقي فترك الناس السبى والمقاتلة وانصرفوا
راجعين يريدون عسكر اشناس وساقوا في طريقهم غنما كثيرا وبقرا وأطلق
ذلك الشيخ الأسير مالك وسار إلى عسكر اشناس بالأسرى حتى لحق بأنقرة
فمكث أشناس يوما واحدا ثم لحقه المعتصم من غد فأخبره بالذي أخبره به
الأسير فسر المعتصم بذلك فلما كان اليوم الثالث جاءت البشرى من ناحية الأفشين
يخبرون بالسلامة وانه وارد على أمير المؤمنين بأنقرة * قال ثم ورد على
المعتصم الأفشين بعد ذلك اليوم بيوم بأنقرة فأقاموا بها أياما ثم صير العسكر
ثلاثة عساكر عسكر فيه أشناس في الميسرة والمعتصم في القلب والأفشين في
الميمنة وبين كل عسكر وعسكر فرسخان وأمر كل عسكر منهم أن يكون له ميمنة
وميسرة وأن يحرقوا القرى ويخربوها ويأخذوا من لحقوا فيها من السبى وإذا
كان وقت النزول توافي كل أهل عسكر إلى صاحبهم ورئيسهم يفعلون ذلك فيما
بين أنقرة إلى عمورية وبينهما سبع مراحل حتى توافت العساكر بعمورية * قال فلما
توافت العساكر بعمورية كان أول من وردها اشناس وردها يوم الخميس ضحوة
فدار حولها دورة ثم نزل على ميلين منها بموضع فيه ماء وحشيش فلما طلعت
الشمس من الغد ركب المعتصم فدار حولها دورة ثم جاء الأفشين في اليوم الثالث
فقسمها أمير المؤمنين بين القواد كما تدور صير إلى كل واحد منهم أبراجا منها
على قدر كثرة أصحابه وقلتهم وصار لكل قائد منهم ما بين البرجين إلى عشرين
برجا وتحصن أهل عمورية وتحرزوا * وكان رجل من المسلمين قد أسره أهل
عمورية فتنصر وتزوج فيهم فحبس نفسه عند دخولهم الحصن فلما رأى أمير المؤمنين
ظهر وصار إلى المسلمين وجاء إلى المعتصم وأعلمه أن موضعا من المدينة حمل
الوادي عليه من مطر جاءهم شديد فحمل الماء عليه فوقع السور من ذلك الموضع
فكتب ملك الروم إلى عامل عمورية أن يبنى ذلك الموضع فتوانى في بنائه حتى
كان خروج الملك من القسطنطينية إلى بعض المواضع فتخوف الوالي أن يمر الملك
269

على تلك الناحية فيمر بالسور فلا يراه بنى فوجه خلف الصناع فبنى وجه السور
بالحجارة حجرا حجرا وصير وراءه من جانب المدينة حشوا ثم عقد فوقه الشرف
كما كان فوقف ذلك الرجل المعتصم على هذه الناحية التي وصف فأمر المعتصم
فضرب مضربه في ذلك الموضع ونصب المجانيق على ذلك البناء فانفرج السور من
ذلك الموضع فلما رأى أهل عمورية انفراج السور علقوا عليه الخشب الكبار كل
واحد بلزق الأخرى فكان حجر المنجنيق إذا وقع على الخشب تكسر فعلقوا خشبا غيره
وصيروا فوق الخشب البراذع ليترسوا السور فلما ألحت المجانيق على ذلك الموضع
وانصدع السور فكتب ياطس والخصي إلى ملك الروم كتابا يعلمانه أمر السور
ووجها الكتاب مع رجل فصيح بالعربية وغلام رومي وأخرجاهما من الفصيل
فعبرا الخندق ووقعا إلى ناحية أبناء الملوك المضمومين إلى عمرو الفرغاني فلما
خرجا من الخندق أنكروهما فسألوهما من أين أنتما قالا لهم نحن من أصحابكم قالوا
من أصحاب من أنتم فلم يعرفا أحدا من قواد أهل العسكر يسميانه لهم فأنكروهما
وجاؤا بهما إلى عمرو الفرغاني بن أربخا فوجه بهما عمرو إلى أشناس فوجه بهما
أشناس إلى المعتصم فساءلهما المعتصم وفتشهما فوجد معهما كتابا من ياطس إلى
ملك الروم يعلمه فيه أن العسكر قد أحاط بالمدينة في جمع كثير وقد ضاق بهما الموضع
وقد كان دخوله ذلك الموضع خطأ وأنه قد اعتزم على أن يركب ويحمل خاصة
أصحابه على الدواب التي في الحصن ويفتح الأبواب ليلا غفلة ويخرج فيحمل
على العسكر كائنا فيه ما كان أفلت فيه من أفلت وأصيب فيه من أصيب حتى يتخلص
من الحصار ويصير إلى الملك فلما قرأ المعتصم الكتاب أمر للرجل الذي يتكلم
منهما بالعربية والغلام الرومي الذي معه ببدرة فأسلما وخلع عليهما وأمر بهما حين
طلعت الشمس فأداروهما حول عمروية فقالا ياطس يكون في هذا البرج فامر بهما
فوقفا بحذاء البرج الذي فيه ياطس طويلا وبين أيديهما رجلان يحملان لهما
الدراهم وعليهما الخلع ومعهما الكتاب حتى فهمهما ياطس وجميع الروم
وشتموهما من فوق السور ثم أمر بهما المعتصم فنحوهما وأمر المعتصم أن تكون
270

الحراسة بينهم نوائب في كل ليلة يحضرها الفرسان يبيتون على دوابهم بالسلاح
وهم وقوف عليها لئلا يفتح الباب ليلا فيخرج من عمورية إنسان فلم يزل الناس
يبيتون كذلك نوائب على ظهور الدواب في السلاح ودوابهم بسروجها حتى
انهدم السور ما بين برجين من الموضع الذي وصف للمعتصم أنه لم يحكم عمله
وسمع أهل العسكر الوجبة فتشوفوا وظنوا أن العدو قد خرج على بعض
الكراديس حتى أرسل المعتصم من طاف على الناس في العسكر يعلمهم أن ذلك
صوت السور وقد سقط فطيبوا نفسا وكان المعتصم حين نزل عمورية ونظر إلى
سعة خندقها وطول سورها وكان قد استاق في طريقه غنما كثيرة فدبر في ذلك
أن يتخذ مجانيق كبارا على قدر ارتفاع السور يسع كل؟ منها أربعة رجال
وعملها أوثق ما يكون وأحكمه وجعلها على كراسي تحتها عجل ودبر في ذلك أن
يدفع الغنم إلى أهل العسكر إلى كل رجل شاة فيأكل لحمها ويحشو جلدها ترابا
ثم يؤتى بالجلود مملوءة ترابا حتى تطرح في الخندق ففعل ذلك بالخندق وعمل
دبابات كبارا تسع كل دبابة عشرة رجال وأحكمها على أن يدحرجها على الجلود
المملوءة ترابا حتى يمتلئ الخندق ففعل ذلك وطرحت الجلود فلم تقع الجلود
مستوبة منضدة خوفا منهم من حجارة الروم فوقعت مختلفة ولم يمكن تسويتها
فأمر أن يطرح فوقها التراب حتى استوت ثم قدمت دبابة فدحرجها فلما صارت
من الخندق في نصفه تعلقت بتلك الجلود وبقى القوم فيها فما تخلصوا منها إلا بعد
جهد ثم مكثت تلك العجلة مقيمة هناك لم يمكن فيها حيلة حتى فتحت عمورية
وبطلت الدبابات والمنجنيقات والسلاليم وغير ذلك حتى أحرقت فلما كان من
الغد قاتلهم على الثلمة وكان أول من بدأ بالحرب اشناس وأصحابه وكان الموضع
ضيقا فلم يمكنهم الحرب فيه فأمر المعتصم بالمنجنيقات الكبار التي كانت متفرقة
حول السور فجمع بعضها إلى بعض وصيرها حول الثلمة وأمر أن يرمى ذلك
الموضع وكانت الحرب في اليوم الثاني على الأفشين وأصحابه فأجادوا الحرب
وتقدموا وكان المعتصم واقفا على دابته بإزاء الثلمة وأشناس وأفشين وخواص
271

القواد معه وكان باقي القواد الذين دون الخاصة وقوفا رجالة فقال المعتصم ما
كان أحسن الحرب اليوم فقال عمرو الفرغاني الحرب اليوم أجود منها أمس
وسمعها اشناس فأمسك فلما انتصف النهار وانصرف المعتصم إلى مضربه يتغدى
وانصرف القواد إلى مضاربهم يتغدون وقرب أشناس من باب مضربه ترجل
له القواد كما كانوا يفعلون وفيهم عمرو الفرغاني وأحمد بن الخليل بن هشام فمشوا
بين يديه كعادتهم عند مضربه فقال لهم اشناس يا أولاد الزنا أين تمشون بين
يدي كان ينبغي أن تقاتلوا أمس حيث تقفون بين يدي أمير المؤمنين فتقولون
إن الحرب اليوم أحسن منها أمس كأن أمس يقاتل غيركم انصرفوا إلى
مضاربكم فلما انصرف عمر والفرغاني وأحمد بن الخليل بن هشام قال أحدهما
للآخر أما ترى هذا العبد ابن الفاعلة يعنى اشناس ما صنع بنا اليوم أليس الدخول
إلى بلاد الروم أهون من هذا الذي سمعناه اليوم فقال عمرو الفرغاني لأحمد بن
الخليل وكان عند عمرو خبر يا أبا العباس سيكفيك الله أمره عن قريب أبشر
فأوهم أحمد أن عنده خبرا فألح عليه أحمد يسأله فأخبره بما هم فيه وقال إن العباس
ابن المأمون قد تم أمره وسنبايع له ظاهرا ونقتل المعتصم واشناس وغيرهما
عن قريب ثم قال له أشير عليك أن تأتى العباس فتقدم فتكون في عداد من مال
إليه فقال له أحمد هذا أمر لا أحسبه ينم فقال له عمر وقد تم وفرغ وأرشده
إلى الحارث السمرقندي قرابة سلمة بن عبيد الله بن الوضاح وكان المتولي لايصال
الرجال إلى العباس وأخذ البيعة عليهم فقال له عمرو أنا أجمع بينك وبين الحارث
حتى تصير في عداد أصحابنا فقال له أحمد أنا معكم إن كان هذا الامر يتم فيما بيننا
وبين عشرة أيام وإن جاوز ذلك فليس بيني وبينكم عمل فذهب الحارث فلقى
العباس فأخبره أن عمرا قد ذكره لأحمد بن الخليل فقال له ما كنت أحب أن
يطلع الخليل على شئ من أمرنا أمسكوا عنه ولا تشركوه في شئ من أمركم
دعوه بينهما فأمسكوا عنه * فلما كان في اليوم الثالث كانت الحرب على أصحاب
أمير المؤمنين خاصة ومعهم المغاربة والأتراك والقيم بذلك إيتاخ فقاتلوا فأحسنوا
272

واتسع لهم الموضع المنثلم فلم تزل الحرب كذلك حتى كثرت في الروم الجراحات
وكان قواد ملك الروم عندما نزل بهم عسكر المعتصم اقتسموا البروج لكل قائد
وأصحابه عدة أبرجة وكان الموكل بالموضع الذي انثلم من السور رجلا من قواد
الروم يقال له وندوا وتفسيره بالعربية ثور فقاتل الرجل وأصحابه قتالا شديدا
بالليل والنهار والحرب عليه وعلى أصحابه لم يمده ياطس ولا غيره بأحد من
الروم فلما كان بالليل مشى القائد الموكل بالثلمة إلى الروم فقال إن الحرب على
وعلى أصحابي ولم يبق معي أحد إلا قد جرح فصيروا أصحابكم على الثلمة يرمون
قليلا وإلا افتضحتم وذهبت المدينة فأبوا أن يمدوه بأحد فقالوا سلم السور من
ناحيتنا وليس نسألك أن تمدنا فشأنك وناحيتك فليس لك عندنا مدد فاعتزم
هو وأصحابه على أن يخرجوا إلى أمير المؤمنين المعتصم ويسألوه الأمان على الذرية
ويسلموا إليه الحصن بما فيه من الخرثى والمتاع والسلاح وغير ذلك فلما أصبح
وكل أصحابه بجنبي الثلمة وخرج فقال إني أريد أمير المؤمنين وأمر أصحابه ألا يحاربوا
حتى يعود إليهم فخرج حتى وصل إلى المعتصم فصار بين يديه والناس يتقدمون
إلى الثلمة وقد أمسك الروم عن الحرب حتى وصلوا إلى السور والروم يقولون
بأيديهم لاتحيوا وهم يتقدمون ووندوا بين يدي المعتصم جالس فدعا المعتصم بفرس
فحمله عليه وقابل حتى صار الناس معهم على حرف الثلمة وعبد الوهاب بن علي
بين يدي المعتصم فأومأ إلى الناس بيده أن ادخلوا فدخل الناس المدينة فالتفت
وندوا وضرب بيده إلى لحيته فقال له المعتصم مالك قال جئت أريد أن أسمع
كلامك وتسمع كلامي فغدرت بي فقال المعتصم كل شئ تريد أن تقوله فهو لك
على قل ما شئت فإني لست أخالفك قال إيش لا تخالفني وقد دخلوا المدينة فقال
المعتصم اضرب بيدك إلى ما شئت فهو لك وقل ما شئت فإني أعطيكه فوقف في
مضرب المعتصم وكان ياطس في برجه الذي هو فيه وحوله جماعة من الروم
مجتمعين وصارت طائفة منهم إلى كنيسة كبيرة في زاوية عمورية فقاتلوا قتالا
شديدا فأحرق الناس الكنيسة عليهم فاحترقوا عن آخرهم وبقى ياطس في برجه
م (18 - 7)
273

حوله أصحابه وباقي الروم وقد أخذتهم السيوف فبين مقتول ومجروح فركب
المعتصم عند ذلك حتى جاء فوقف حذاء ياطس وكان مما يلي عسكر أشناس فصاحوا
يا ياطس هذا أمير المؤمنين فصاح الروم من فوق البرج ليس ياطس ههنا قالوا
بلى قولوا له إن أمير المؤمنين واقف فقالوا ليس ياطس ههنا فمر أمير المؤمنين
مغضبا فلما جاوز صاح الروم هذا ياطس هذا ياطس فرجع المعتصم إلى حيال
البرج حتى وقف ثم أمر بتلك السلاليم التي هيئت فحمل سلم منها فوضع على البرج
الذي هو فيه وصعد عليه الحسن الرومي غلام لأبي سعيد محمد بن يوسف وكلمه
ياطس فقال هذا أمير المؤمنين فأنزل على حكمه فنزل الحسن فأخبر المعتصم أنه
قد رآه وكلمه فقال المعتصم قل له فلينزل فصعد الحسن ثانية فخرج ياطس من البرج
متقلدا سيفا حتى وقف على البرج والمعتصم ينظر إليه فخلع سيفه من عنقه فدفعه
إلى الحسن ثم نزل ياطس فوقف بين يدي المعتصم فقنعه سوطا وانصرف المعتصم
إلى مضربه وقال هاتوه فمشى قليلا ثم جاءه رسول المعتصم أن احملوه فحملوه فذهب
به إلى مضرب أمير المؤمنين * ثم أقبل الناس بالأسرى والسبي من كل وجه حتى
امتلا العسكر فأمر المعتصم بسيل الترجمان أن يميز الاسرى فيعزل منهم أهل الشرف
والقدر من الروم في ناحية ويعزل الباقين في ناحية ففعل ذلك بسيل ثم أمر
المعتصم فوكل بالمقاسم قواده ووكل أشناس بما يخرج من ناحيته وأمره أن
ينادى عليه ووكل الأفشين بما يخرج من ناحيته وأمره أن ينادى ويبيع وأمر
إيتاخ بناحيته مثل ذلك وجعفر الخياط بمثل ذلك في ناحيته ووكل مع كل قائد من هؤلاء
رجلا من قبل أحمد بن أبي دؤاد يحصى عليه فبيعت المقاسم في خمسة أيام بيع منها ما استباع
وأمر بالباقي فضرب بالنار وارتحل المعتصم منصرفا إلى أرض طرسوس * ولما
كان يوم إيتاخ قبل أن يرتحل المعتصم منصرفا وثب الناس على المغنم الذي كان إيتاخ
على بيعه وهو اليوم الذي كان عجيف وعد الناس فيه أن يثب بالمعتصم فركب المعتصم
بنفسه ركضا وسل سيفه فتنحى الناس عنه من بين يديه وكفوا عن انتهاب المغنم فرجع إلى
مضربه فلما كان من الغد أمر ألا ينادى على السبى إلا ثلاثة أصوات ليتروج البيع فمن زاد
274

بعد ثلاثة أصوات وإلا بيع العلق فكان يفعل ذلك في اليوم الخامس فكان
ينادى على الرقيق خمسة خمسة وعشرة عشرة والمتاع الكثير جملة واحدة
قال وكان ملك الروم قد وجه رسولا في أول ما نزل المعتصم على عمورية فأمر
به المعتصم فأنزل على موضع الماء الذي كان الناس يستقون منه وكان بينه وبين
عمورية ثلاثة أميال ولم يأذن له في المصير إليه حتى فتح عمورية فلما فتحها أذن له
في الانصراف إلى ملك الروم فانصرف وانصرف المعتصم يريد الثغور وذلك
أنه بلغه أن ملك الروم يريد الخروج في أثره أو يريد التعبث بالعسكر فمضى في
طريق الجادة مرحلة ثم رجع إلى عمورية وأمر الناس بالرجوع ثم عدل عن طريق
الجادة إلى طريق وادى الجور ففرق الاسرى على القواد ودفع إلى كل قائد من
القواد طائفة منهم يحفظهم ففرقهم القواد على أصحابهم فساروا في طريق نحوا من
أربعين ميلا ليس فيه ماء فكان كل من امتنع من الاسرى أن يمشى معهم لشدة
العطش الذي أصابهم ضربوا عنقه فدخل الناس في البرية في طريق وادى الجور
فأصابهم العطش فتساقط الناس والدواب وقتل بعض الاسرى بعض الجند
وهرب وكان المعتصم قد تقدم العسكر فاستقبل الناس ومعه الماء قد حمله من الموضع
الذي نزله وهلك الناس في هذا الوادي من العطش وقال الناس للمعتصم إن
هؤلاء الاسرى قد قتلوا بعض جندنا فأمر عند ذلك بسيل الرومي بتمييز من له
القدر منهم فعزلوا ناحية ثم أمر بالباقين فأصعدوا إلى الجبال وأنزلوا إلى الأودية
فضربت أعناقهم جميعا وهم مقدار ستة آلاف رجل قتلوا في موضعين بوادي
الجور وموضع آخر ورحل المعتصم من ذلك الموضع يريد الثغر حتى دخل طرسوس
وكان قد نصب له الحياض من الأدم حول العسكر من الماء إلى العسكر بعمورية
والحياض مملؤة والناس يشربون منها لا يتعبون في طلب الماء وكانت الوقعة التي
وقعت بين الأفشين وملك الروم فيما ذكر يوم الخميس لخمس بقين من شعبان
وكانت اناخة المعتصم على عمورية يوم الجمعة لست خلون من شهر رمضان وقفل
بعد خمسة وخمسين يوما وقال الحسين بن الضحاك الباهلي يمدح الأفشين ويذكر
275

وقعته التي كانت بينه وبين ملك الروم
أثبت المعصوم عزا لأبي * حسن أثبت من ركن إضم
كل مجد دون ما أثله * لبنى كاوس أملاك العجم
إنما الأفشين سيف سله * قدر الله بكف المعتصم
لم يدع بالبذ من ساكنة * غير أمثال كأمثال إرم
ثم أهدى سلما بابكة * رهن حجلين نجيا للندم
وقرا توفيل طعنا صادقا * فض جمعيه جميعا وهزم
قتل الأكثر منهم ونجا * من نجا لحما على ظهر وضم
(وفى هذه السنة) حبس المعتصم العباس بن المأمون وأمر بلعنه
* ذكر الخبر عن سبب فعله ذلك *
ذكر أن السبب كان في ذلك أن عجيف بن عنبسة حين وجهه المعتصم إلى
بلاد الروم لما كان من أمر ملك الروم بزبطرة مع عمرو بن أربخا الفرغاني ومحمد
كوته لم يطلق يد عجيف في النفقات كما أطلقت يد الأفشين واستقصر المعتصم أمر
عجيف وأفعاله واستبان ذلك لعجيف فوبخ عجيف العباس على ما تقدم من فعله عند
وفاة المأمون حين بايع أبا إسحاق وعلى تفريطه فيما فعل وشجعه على أن يتلافى ما كان منه
فقبل العباس ذلك ودس رجلا يقال له الحارث السمرقندي قرابة عبيد الله ابن الوضاح
وكان العباس يأنس به وكان الحارث رجلا أديبا له عقل ومداراة فصيره العباس رسوله
وسفيره إلى القواد فكان يدور في العسكر حتى تألف له جماعة من القواد وبايعوه وبايعه
منهم خواص وسمى لكل رجل من قواد المعتصم رجلا من ثقات أصحابه ممن بايعه ووكله
بذلك وقال إذا أمرنا بذلك فليثب كل رجل منكم على من ضمناه أن يقتله فضمنوا له ذلك
فكان يقول للرجل ممن بايعه عليك يا فلان أن تقتل فلانا فيقول نعم فوكل من بايعه من
خاصة المعتصم بالمعتصم ومن خاصة الأفشين بالافشين ومن خاصة أشناس بأشناس
ممن بايعه من الأتراك فضمنوا ذلك جميعا فلما أرادوا أن يدخلوا الدرب وهم
يريدون أنقرة وعمورية ودخل الأفشين من ناحية ملطية أشار عجيف على العباس
276

أن يثب على المعتصم في الدرب وهو في قلة من الناس وقد تقطعت عنه
العساكر فيقتله ويرجع إلى بغداد فكان الناس يفرحون بانصرافهم من الغزو
فأبى العباس عليه وقال لا أفسد هذه الغزاة حتى دخلوا بلاد الروم وافتتحوا
عمورية فقال عجيف للعباس يا نائم كم تنام قد فتحت عمورية والرجل ممكن دس
قوما ينتهبون هذا الخرثى فإنه إذا بلغه ذلك ركب بسرعة فتأمر بقتله هناك فأبى
عليه العباس وقال أنتظر حتى يصير إلى الدرب فيخلو كما خلا في البدأة فهو أمكن
منه ههنا وكان عجيف قد أمر من ينتهب المتاع فانتهب بعض الخرثى في عسكر ايتاخ
فركب المعتصم وجاء ركضا فسكن الناس ولم يطلق العباس أحدا من أولئك
الرجال الذين كان واعدهم فلم يحدثوا شيئا وكرهوا أن يفعلوا شيئا بغير أمره وكان
عمرو الفرغاني قد بلغه الخبر ذلك اليوم ولعمرو الفرغاني قرابة غلام أمرد في
خاصة المعتصم فجاء الغلام إلى ولد عمرو يشرب عندهم في تلك الليلة فأخبرهم أن
أمير المؤمنين ركب مستعجلا وأنه كان يعدو بين يديه وقال إن أمير المؤمنين قد
غضب اليوم فأمرني أن أسل سيفي وقال لا يستقبلك أحد إلا ضربته فسمع
عمرو ذلك من الغلام فأشفق عليه أن يصاب فقال له يا بنى أنت أحمق أقل من
الكينونة عند أمير المؤمنين بالليل والزم خيمتك فان سمعت صيحة مثل هذه الصيحة
أو شغبا أو شيئا فلا تبرح من خيمتك فإنك غلام غر لست تعرف بعد العساكر فعرف
الغلام مقالة عمرو وارتحل المعتصم من عمورية يريد الثغر ووجه الأفشين بن الاقطع في
طريق خلاف طريق المعتصم وأمره أن يغير على موضع سماه له وأن يوافيه في بعض
الطريق فمضى ابن الاقطع وتوجه المعتصم يريد الثغر فسار حتى صار إلى موضع
أقام فيه ليريح ويستريح وليسلك الناس من المضيق الذي بين أيديهم ووافى ابن
الاقطع عسكر الأفشين بما أصاب من الغنائم وكان عسكر المعتصم على حدة
وعسكر الأفشين على حدة بين كل عسكر قدر ميلين أو أكثر واعتل أشناس
فركب المعتصم صلاة الغداة يعوده فجاء إلى مضربه فعاده ولم يكن الأفشين لحقه
بعد ثم خرج المعتصم منصرفا فتلقاه الأفشين في الطريق فقال له المعتصم تريد
277

أبا جعفر وكان عمرو الفرغاني وأحمد بن الخليل عند منصرف المعتصم من عيادة
أشناس توجها إلى ناحية عسكر الأفشين لينظرا ما جاء به ابن الاقطع من السبى
فيشتريا منه ما أعجبهما فتوجها ناحية عسكر الأفشين ولقيهما الأفشين يريد
أشناس فترجلا وسلما عليه ونظر إليهما حاجب أشناس من بعد فدخل الأفشين
إلى أشناس ثم انصرف وتوجها إلى عسكر الأفشين فلم يكن السبى أخرج بعد
فوقفا ناحية ينتظران أن ينادى على السبى فيشتريا منه ودخل حاجب أشناس
على أشناس فقال إن عمرا الفرغاني وأحمد بن الخليل تلقيا الأفشين وهما يريدان
عسكره فترجلا وسلما عليه وتوجها إلى عسكره فدعا أشناس محمد بن سعيد السعدي
فقال له اذهب إلى عسكر الأفشين فانظر هل ترى هناك عمرا الفرغاني وأحمد
ابن الخليل وانظر عند من نزلا وأي شئ قصتهما فجاء محمد بن سعيد فأصابهما
واقفين على ظهور دوابهما فقال ما أوقفكما ههنا قالا وقفنا ننتظر سبى ابن
الاقطع يخرج فنشتري بعضه فقال لهما محمد بن سعيد وكلا وكيلا يشترى لكما
فقالا لا نحب أن نشترى إلا ما نراه فرجع محمد فأخبر أشناس بذلك فقال لحاجبه
قل لهؤلاء الزموا عسكركم فهو خير لكم يعنى عمرا وابن الخليل ولا تذهبوا ههنا
وههنا فذهب الحاجب إليهما فأعلمهما فاغتما لذلك واتفقا على أن يذهبا إلى صاحب
خبر العسكر فيستعفياه من أشناس فصارا إلى صاحب الخبر فقالا نحن عبيد
أمير المؤمنين يضمنا إلى من شاء فان هذا الرجل يستخف بنا قد شتمنا وتوعدنا
ونحن نخاف ان يقدم علينا فليضمنا أمير المؤمنين إلى من أحب فأنهى صاحب
الخبر ذلك إلى المعتصم من يومه واتفق الرحيل صلاة الغداة وكان إذا ارتحل
الناس سارت العساكر على حيالها وسار أشناس والأفشين وجميع القواد في
عسكر أمير المؤمنين ووكلوا خلفاءهم بالعساكر فيسيرون بها وكان الأفشين على
الميسرة وأشناس على الميمنة فلما ذهب أشناس إلى المعتصم قال له أحسن أدب
عمرو الفرغاني وأحمد بن الخليل فإنهما قد حمقا أنفسهما فجاء أشناس ركضا إلى
معسكره فسأل عن عمرو وابن الخليل فأصاب عمرا وكان ابن الخليل قد مضى في
278

الميسرة يبادر الروم فجاؤه بعمرو الفرغاني وقال هاتوا سياطا فمكث طويلا مجردا
ليس يؤتى بالسياط فتقدم عمه إلى أشناس فكلمه في عمرو وكان عمه أعجميا
وعمرو واقف فقال احملوه فألبسوه قباطاق فحملوه على بغل في قبة وساروا به
إلى العسكر وجاء أحمد بن الخليل وهو يركض فقال احبسوا هذا معه فأنزل عن
دابته وصير عديله ودفعا إلى محمد بن سعيد السعدي يحفظهما فكان يضرب
لهما مضربا في فازة وحجرة ومائدة ويفرش لهما فرشا وطية وحوضا من ماء
وأثقالهما وغلمانهما في العسكر لم يحرك منها شئ فلم يزالا كذلك حتى صارا
إلى جبل الصفصاف وكان أشناس على الساقة وكان بغا على ساقة عسكر المعتصم
فلما صار بالصفصاف وسمع الغلام الفرغاني قرابة عمرو بحبس عمرو ذكر
الغلام للمعتصم ما دار بينه وبين عمرو من الكلام في تلك الليلة مما قال له عمرو
إذا رأيت شغبا فالزم خيمتك فقال المعتصم لبغا لا ترحل غدا حتى تجئ أشناس
فتأخذ منه عمرا وتلحقني به وكان هذا بالصفصاف فوقف بغا بأعلامه ينتظر
أشناس وجاء محمد بن سعيد ومعه عمرو وأحمد بن الخليل فقال بغا لاشناس أمرني
أمير المؤمنين ان أوافيه بعمرو الساعة فأنزل عمرو وجعل مع أحمد بن الخليل في
القبة رجل يعادله ومضى بغا بعمرو إلى المعتصم فأرسل أحمد بن الخليل غلاما
من غلمانه إلى عمرو لينظر ما يصنع به فرجع الغلام فأخبره انه أدخل على أمير
المؤمنين فمكث ساعة ثم دفع إلى ايتاخ وكان أمير المؤمنين لما دخل ساءله عن
الكلام الذي قاله للغلام قرابته فأنكر وقال هذ الغلام كان سكران ولم يفهم
ولم أقل شيئا مما ذكره فأمر به فدفع إلى ايتاخ وسار المعتصم حتى صار إلى باب
مضايق البدندون وأقام أشناس ثلاثة أيام على مضيق البدندون ينتظر أن تتخلص
عساكر أمير المؤمنين لأنه كان على الساقة فكتب أحمد بن الخليل إلى أشناس رقعة
يعلمه أن لأمير المؤمنين عنده نصيحة وأشناس مقيم على مضيق البدندون فبعث
إليه أشناس بأحمد بن الخصيب وأبى سعيد محمد بن يوسف يسألانه عن النصيحة
فذكر أنه لا يخبر بها الا أمير المؤمنين فرجعا فأخبرا أشناس بذلك فقال ارجعا
279

فاحلفا له أنى حلفت بحياة أمير المؤمنين إن هو لم يخبرني بهذه النصيحة أن أضربه
بالسياط حتى يموت فرجعا فاخبرا أحمد بن الخليل بذلك فأخرج جميع من
عنده وبقى أحمد بن الخصيب وأبو سعيد فأخبرهما بما ألقى إليه عمرو الفرغاني من
أمر العباس وشرح لهما جميع ما كان عنده وأخبرهما بخبر الحارث السمرقندي
فانصرفا إلى أشناس فأخبراه بذلك فبعث أشناس في طلب الحدادين فجاؤوا
بحدادين من الجند فدفع إليهما حديدا فقال اعملا لي قيدا مثل قيد أحمد بن الخليل
وعجلا به الساعة ففعلا ذلك فلما كان عند عتمة وكان حاجب أشناس يبيت
عند أحمد بن الخليل مع محمد بن سعيد السعدي فلما كان تلك الليلة عند
العتمة ذهب الحاجب إلى خيمة الحارث السمرقندي فأخرجه منها وجاء به
إلى أشناس فقيده وأمر الحاجب أن يحمله إلى أمير المؤمنين فحمله الحاجب
إليه واتفق رحيل أشناس صبة الغداة فجاء أشناس إلى موضع معسكره فتلقاه
الحارث معه رجل من قبل المعتصم وعليه خلع فقال له أشناس مه فقال القيد الذي
كان في رجلي صار في رجل العباس وسأل المعتصم الحارث حين صار إليه عن أمره
فأقر أنه كان صاحب خبر العباس وأخبره بجميع أمره وجميع من بايع العباس
من القواد فأطلق المعتصم الحارث وخلع عليه ولم يصدق على أولئك القواد لكثرتهم
وكثرة من سمى منهم وتحير المعتصم في أمر العباس فدعا به حين خرج إلى الدرب
فأطلقه ومناه وأوهمه أنه قد صفح عنه وتغدى معه وصرفه إلى مضربه ثم دعاه
بالليل فنادمه على النبيذ وسقاه حتى أسكره واستحلفه أن لا يكتمه من أمره شيئا
فشرح له قصته وسمى له جميع من كان دب في أمره وكيف كان السبب في ذلك
في كل واحد منهم فكتبه المعتصم وحفظه ثم دعا الحارث السمرقندي بعد ذلك
فسأله عن الأسباب فقص عليه مثل ما قص عليه العباس ثم أمر بعد ذلك بتقييد
العباس ثم قال للحارث قد رضتك على أن تكذب فأجد السبيل إلى سفك دمك
فلم تفعل فقد أفلت فقال له يا أمير المؤمنين لست بصاحب كذب ثم دفع العباس
إلى الأفشين ثم تتبع المعتصم أولئك القواد فأخذوا جميعا فأمر أن يحمل أحمد
280

ابن الخليل على بغل بإكاف بلا وطاء ويطرح في الشمس إذا نزل ويطعم في كل يوم
رغيفا واحدا وأخذ عجيف بن عنبسة فيمن أخذ من القواد فدفع من سائر القواد
إلى إيتاخ ودفع ابن الخليل إلى أشناس فكان عجيف وأصحابه يحملون في الطريق
على بغال بأكف بلا وطاء وأخذ الشاه بن سهل وهو الرأس ابن الرأس من أهل
قرية من خراسان يقال لها سجستان فدعا به المعتصم والعباس بين يديه فقال
له يا ابن الزانية أحسنت إليك فلم تشكر فقال له الشاه بن سهل ابن الزانية هذا الذي
بين يديك يعنى العباس لو تركني هذا كنت أنت الساعة لا تقدر أن تقعد في هذا
المجلس وتقول لي يا ابن الفاعلة فأمر به المعتصم فضربت عنقه وهو أول من قتل
من القواد ومعه صحبه ودفع عجيف إلى ايتاخ فعلق عليه حديدا كثيرا وحمله على
بغل في محمل بلا وطاء وأما العباس فكان في يدي الأفشين فلما نزل المعتصم منبج
وكان العباس جائعا سأل الطعام فقدم إليه طعام كثير فأكل فلما طلب الماء منع
وأدرج في مسح فمات بمنبج وصلى عليه بعض اخوته وأما عمرو الفرغاني فإنه لما
نزل المعتصم بنصيبين في بستان دعا صاحب البستان فقال له احفر بئرا في موضع
أومأ إليه بقدر قامة فبدأ صاحب البستان فحفرها ثم دعا بعمرو والمعتصم جالس في
البستان قد شرب أقداحا من نبيذ فلم يكلمه المعتصم ولم يتكلم عمرو حتى مثل بين
يديه فقال جردوه فجرد وضرب بالسياط ضربه الأتراك والبئر تحفر حتى إذا فرغ
من حفرها قال صاحب البستان قد حفرتها فأمر المعتصم عند ذلك فضرب وجه
عمرو وجسده بالخشب فلم يزل يضرب حتى سقط ثم قال جروه إلى البئر فاطرحوه
فيها فلم يتكلم عمرو ولم ينطق يومه ذلك حتى مات فطرح في البئر وطمت عليه
وأما عجيف بن عنبسة فلما صار بباعيناثا فوق بلد قليلا مات في المحمل فطرح عند
صاحب المسلحة وأمر أن يدفن فيها فجاء به إلى جانب حائط خرب فطرحه عليه
فقبر هناك وذكر عن علي بن حسن الريدانى أنه قال كان عجيف في يد محمد بن إبراهيم
ابن مصعب فسأله المعتصم عنه فقال له يا محمد لم يمت عجيف قال يا سيدي اليوم يموت
ثم أتى محمد مضربه فقال لعجيف يا أبا صالح أي شئ تشتهى قال أسفيد باج وحلوى
281

فالوذج فامر أن يعمل له من كل طعام فأكل وطلب الماء فمنع فلم يزل بطلب وهو
يسوق حتى مات فدفن بباعيناثا قال وأما التركي الذي كان ضمن للعباس قتل أشناس
متى ما أمره العباس وكان كريما على أشناس ينادمه ولا يحجب عنه في ليل ولا نهار
فإنه أمر بحبسه فحبسه أشناس قبله في بيت وطين عليه الباب وكان يلقى إليه في كل
يوم رغيفا وكوز ماء فأتاه ابنه في بعض أيامه فكلمه من وراء الحائط فقال له
يا بنى لو كنت تقدر لي على سكين كنت أقدر أن أتخلص من موضعي هذا فلم يزل
ابنه يتلطف في ذلك حتى أوصل إليه سكينا فقتل به نفسه وأما السندي بن بختاشه
فامر المعتصم أن يوهب لأبيه بختاشه لان بختاشه لم يكن يتلطخ بشئ من أمر العباس
فقال المعتصم لا يفجع هذا الشيخ بابنه فأمر بتخلية سبيله وأما أحمد بن الخليل فإنه دفعه
أشناس إلى محمد بن سعيد السعدي فحفر له بئرا في الجزيرة بسامرا فسأل عنه
المعتصم يوما من الأيام فقال لاشناس ما فعل أحمد بن الخليل فقال له أشناس هو
عند محمد بن سعيد السعدي قد حفر له بئرا وأطبق عليه وفتح له فيها كوة ليرمى
إليه بالخبز والماء فقال المعتصم هذا أحسبه قد سمن على هذه الحال فأخبر أشناس
محمد بن سعيد بذلك فأمر محمد بن سعيد أن يسقى الماء ويصب عليه في البئر حتى
يموت ويمتلئ البئر فلم يزل يصب عليه الماء والرمل ينشف الماء فلم يغرق ولم يمتلئ
البئر فأمر أشناس بدفعه إلى غطريف الخجندي فدفع إليه فمكث عنده أياما ثم مات
فدفن وأما هرثمة بن النضر الختلي فكان واليا على المراغة وكان في عداد من سماه
العباس أنه من أصحابه فكتب في حمله في الحديد فتكلم فيه الأفشين واستوهبه
من المعتصم فوهبه له فكتب الأفشين كتابا إلى هرثمة بن النضر يعلمه أن أمير
المؤمنين قد وهبه له وأنه قد ولاه البلد الذي يصل إليه الكتاب فيه فورد به الدينور
عند العشاء مقيدا فطرح في الخان وهو موثق في الحديد فوافاه الكتاب في جنح
الليل فأصبح وهو والى الدينور وقتل باقي القواد ومن لم يحفظ اسمه من الأتراك
والفراغنة وغيرهم قتلوا جميعا وورد المعتصم سامرا سالما بأحسن حال فسمى
العباس اللعين يومئذ ودفع ولد سندس من ولد المأمون إلى ايتاخ فحبسوا في سرادب
282

من داره ثم ماتوا بعد وجرح في هذه السنة في شوال إسحاق بن إبراهيم جرحه خادم
له (وحج) بالناس فيها محمد بن داود
* ثم دخلت سنة أربع وعشرين ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمما كان فيها من ذلك اظهار مازيار بن قارن بن ونداهر مز بطبرستان الخلاف
على المعتصم ومحاربته أهل السفح والامصار منها
* ذكر الخبر عن سبب إظهاره الخلاف على المعتصم *
* وفعله ما فعل من الوثوب بأهل السفح *
ذكر أن السبب في ذلك كان أن مازيار بن قارن كان منافرا لآل طاهر
لا يحمل إليهم الخراج وكان المعتصم يكتب إليه يأمره بحمله إلى عبد الله بن طاهر
فيقول لا أحمله إليه ولكني أحمله إلى أمير المؤمنين فكان المعتصم إذا حمل المازيار
إليه الخراج يأمر إذا بلغ المال همذان رجلا من قبله أن يستوفيه ويسلمه إلى
صاحب عبد الله بن طاهر ليرده إلى خراسان فكانت هذه حاله في السنين كلها
ونافر آل طاهر حتى تفاقم الامر بينهم وكان الأفشين يسمع من المعتصم أحيانا
كلاما يدل على أنه يريد عزل آل طاهر عن خراسان فلما ظفر الأفشين ببابك
ونزل من المعتصم المنزلة التي لم يتقدمه فيها أحد طمع في ولاية خراسان وبلغته
منافرة مازيار آل طاهر فرجا أن يكون ذلك سببا لعزل عبد الله بن طاهر فدس
الأفشين الكتب إلى المازيار يستميله بالدهقنة ويعلمه ما هو عليه من المودة له
وأنه قد وعد ولاية خراسان فدعا ذلك المازيار إلى ترك حمل خراجه إلى عبد الله
ابن طاهر وواتر عبد الله بن طاهر الكتب فيه إلى المعتصم حتى أوحش المعتصم
منه وأغضبه عليه وحمل ذلك المازيار إلى أن وثب وخالف ومنع الخراج وضبط
جبال طبرستان وأطرافه وكان ذلك مما يسر الأفشين ويطمعه في الولاية فكتب
المعتصم إلى عبد الله بن طاهر يأمره بمحاربة مازيار وكتب الأفشين إلى المازيار
283

يأمره بمحاربة عبد الله بن طاهر ويعلمه أنه يقوم له عند المعتصم بما يحب وكاتبه
المازيار أيضا فلا يشك الأفشين أن المازيار سيواقف عبد الله بن طاهر ويقاومه
حتى يحتاج المعتصم إلى أن يوجهه وغيره إليه فذكر عن محمد بن حفص الثقفي
الطبري أن المازيار لما عزم على الخلاف دعا الناس إلى البيعة فبايعوه كرها
وأخذ منهم الرهائن فحبسهم في برج الاصبهبذ وأمر أكرة الضياع بالوثوب
بأرباب الضياع وانتهاب أموالهم وكان المازيار يكاتب بابك ويحرضه ويعرض
عليه النصرة فلما فرغ المعتصم من أمر بابك أشاع الناس أن أمير المؤمنين يريد
المسير إلى قرماسين ويوجه الأفشين إلى الري لمحاربة مازيار فلما سمع المازيار
بإرجاف الناس بذلك أمر أن يمسح البلد خلا من قاطع على ضياعه بزيادة العشرة
ثلاثة ومن لم يقاطع رجع عليه فحسب ما عليه من الفضل ولم يحسب له النقصان ثم
أنشأ كتابا إلى عامله على الخراج وكان عامله عليه رجلا يقال له شاذان بن الفضل
نسخته (بسم الله الرحمن الرحيم) إن الاخبار تواترت علينا وصحت عندنا بما
يرجف به جهال أهل خراسان وطبرستان فينا ويولدون علينا من الاخبار
ويحملون عليه رؤسهم من التعصب لدولتنا والطعن في تدبيرنا والمراسلة لأعدائنا
وتوقع الفتن وانتظار الدوائر فينا جاحدين للنعم مستقلين للأمن والدعة والرفاهية
والسعة التي آثرهم الله بها فما يرد الري قائد ولا مشرف ولا يأتينا رسول صغير
ولا كبير إلا قالوا كيت وكيت ومدوا أعناقهم نحوه وخاضوا فيما قد كذب الله
أحدوثتهم وخيب أمانيهم فيه مرة بعد مرة فلا ينهاهم الأولى عن الآخرة ولا
يزجرهم عن ذلك تقية ولا خشية كل ذلك نغضى عليه ونتجرع مكروهه استبقاء
على كافتهم وطلبا للصلاح والسلامة لهم فلا يزيدهم استبقاؤنا إلا لجاجا ولا كفنا
عن تأديبهم إلا إغراء ان أخرنا عنهم افتتاح الخراج نظرا لهم ورفقا بهم قالوا
معزول وإن بادرنا به قالوا لحادث أمر لا يزدجرون عن ذلك بالشدة ان أغلظنا
ولا برفق ان أنعمنا والله حسبنا وهو ولينا عليه نتوكل واليه ننيب وقد أمرنا
بالكتاب إلى بندار آمل والرويان في استغلاق الخراج في عملهما وأجلناهما في ذلك
284

إلى سلخ تير ماه فاعلم ذلك وجرد جبايتك واستخرج ما على أهل ناحيتك كملا
ولا يمضين عنك تيرماه ولك درهم باق فإنك إن خالفت ذلك إلى غيره لم يكن
جزاؤك عندنا الا الصلب فانظر لنفسك وحام عن مهجتك وشمر في أمرك وتابع
كتابك إلى العباس وإياك والتعذير واكتب بما يحدث منك من الانكماش والتشمير
فانا قد رجونا أن يكون في ذلك مشغلة لهم عن الأراجيف ومانع عن التسويف
فقد أشاعوا في هذه الأيام أن أمير المؤمنين أكرمه الله صائر إلى قرماسين
وموجه الأفشين إلى الري ولعمري لئن فعل أيده الله ذلك إنه لمما يسرنا الله به
ويؤنسنا بجواره ويبسط الأمل بما قد عودنا من فوائده وأفضاله ويكبت
أعداءه وأعداءنا ولن يهمل أكرمه الله أموره ويرفض ثغوره والتصرف
في نواحي ملكه لأراجيف مرجف بعماله وقول قائل في خاصته فإنه لا يسرب
أكرمه الله جنده إذا سرب ولا يندب قواده إذا ندب إلا إلى المخالف فاقرأ
كتابنا هذا على من بحضرتك من أهل الخراج ليبلغ شاهدهم غائبهم فاعنف عليهم
في استخراجه ومن هم بكسره فليبد بذلك صفحته لينزل الله به ما أنزل بأمثاله
فان لهم أسوة في الوظائف وغيرها بأهل جرجان والري وما والاهما فإنما
خفف الخلفاء عنهم خراجهم ورفعت الرفائع عنهم للحاجة التي كانت إليهم في
محاربة أهل الجبال ولمغازى الديلم الضلال وقد كفى الله أمير المؤمنين أعزه الله
ذلك كله وجعل أهل الجبال والديلم جندا وأعوانا والله المحمود * قال فلما ورد
كتاب المازيار على شاذان بن الفضل عامله على الخراج أخذ الناس بالخراج فجبى
جميع الخراج في شهرين وكان يجبى في اثنى عشر شهرا في كل أربعة أشهر الثلث
وأن رجلا يقال له علي بن يزداد العطار وهو ممن أخذ منه رهينة هرب وخرج
من عمل المازيار فأخبر أبو صالح سرخاستان بذلك وكان خليفة المازيار
على سارية فجمع وجوه أهل مدينة سارية وأقبل يوبخهم ويقول كيف يطمئن
الملك إليكم أم كيف يثق بكم وهذا علي بن يزداد ممن قد حلف وبايع وأعطى الرهينة
ثم نكث وخرج وترك رهينته وأنتم لا تفون بيمين ولا تكرهون الخلف والحنث
285

فكيف يثق بكم الملك أم كيف يرجع لكم إلى ما تحبون فقال بعضهم نقتل الرهينة
حتى لا يعود غيره إلى الهرب فقال لهم أتفعلون ذلك قالوا نعم فكتب إلى صاحب الرهائن
فأمره أن يوجه بالحسن بن علي بن يزداد وهو رهينة أبيه فلما صاروا به إلى سارية
ندم الناس على ما قالوا لأبي صالح وجعلوا يرجعون على الذي أشار بقتله بالتعنيف
ثم جمعهم سرخاستان وقد أحضر الرهينة فقال لهم إنكم قد ضمنتم شيئا وهذا
الرهينة فاقتلوه فقال له عبد الكريم بن عبد الرحمن الكاتب أصلحك الله إنك
أجلت من خرج من هذا البلد شهرين وهذا الرهينة قبلك نسألك أن تؤجله
شهرين فان رجع أبوه وإلا أمضيت فيه رأيك * قال فغضب على القوم ودعا
بصاحب حرسه وكان يقال له رستم بن بارويه فأمره بصلب الغلام وأن الغلام
سأله أن يأذن له أن يصلى ركعتين فأذن له فطول في صلاته وهو يرعد وقد مد
له جذع فجذبوا الغلام من صلاته ومدوه فوق الجذع وشدوا حلقه معه حتى
اختنق وتوفى فوقه وأمره سرخاستان أهل مدينة سارية أن يخرجوا إلى آمل
وتقدم إلى أصحاب المسالح في إحضار أهل الخنادق من الأبناء والعرب فأحضروا
ومضى مع أهل سارية إلى آمل وقال لهم إني أريد أن أشهدكم على أهل آمل وأشهد
أهل آمل عليكم وأرد ضياعكم وأموالكم فان لزمتم الطاعة والمناصحة زدناكم من
عندنا ضعف ما كنا أخذنا منكم فلما وافوا آمل جمعهم بقصر الخليل بن وند اسنجان
وصير أهل سارية ناحية عن غيرهم ووكل بهم اللوزجان وكتب أسماء جميع أهل
آمل حتى لم يخف منهم أحد عليه ثم عرضهم بعد ذلك على الأسماء حتى اجتمعوا
ولم يتخلف منهم أحد وأحدق الرجال في السلاح بهم وصفوا جميعا ووكل بكل
واحد منهم رجلين بالسلاح وأمر الموكل بهم أن يحمل رأس كل من كاع عن
المشي وساقهم مكتفين حتى وافى بهم جبلا يقال له هرمز داباذ على ثمانية فراسخ
من آمل وثمانية فراسخ من مدينة سارية وكبلهم بالحديد وحبسهم وبلغت عدتهم
عشرين ألفا وذلك في سنة 225 فيما ذكر عن محمد بن حفص فأما غيره من أهل الأخبار
وجماعة ممن أدرك ذلك فإنهم قالوا كان ذلك في سنة 224 وهذا القول
286

عندي أولى بالصواب وذلك أن مقتل مازيار كان في سنة 225 وكان فعله ما فعل
بأهل طبرستان قبل ذلك بسنة (رجع الحديث) إلى الخبر عن قصة مازيار وفعله
بأهل آمل على ما ذكر عن محمد بن حفص * قال وكتب إلى الدري ليفعل ذلك
بوجوه العرب والأبناء ممن كان معه بمرو وكبلهم بالحديد وحبسهم ووكل بهم
الرجال في حبسهم فلما تمكن المازيار واستوى له أمره وأمر القوم جمع أصحابه
وأمر سرخاستان بتخريب سور مدينة آمل فخربه بالطبول والمزامير ثم سار إلى
مدينة سارية ففعل بها مثل ذلك ثم وجه مازيار أخاه فوهيار إلى مدينة طميس
وهى على حد جرجان من عمل طبرستان فخرب سورها ومدينتها وأباح أهلها
فهرب منهم من هرب وبلى من بلى ثم توجه بعد ذلك إلى طميس سرخاستان
وانصرف عنها فوهيار فلحق بأخيه المازيار فعمل سرخاستان سورا من طميس
إلى البحر ومده في البحر مقدار ثلاثة أميال وكانت الأكاسرة بنته بينها وبين الترك
لان الترك كانت تغير على أهل طبرستان في أيامها ونزل معسكرا بطميس سرخاستان
وصير حولها خندقا وثيقا وأبراجا للحرس وصير عليها بابا وثيقا ووكل به الرجال
الثقات ففزع أهل جرجان وخافوا على أموالهم ومدينتهم فهرب منها نفر إلى
نيسابور وانتهى الخبر إلى عبد الله بن طاهر وإلى المعتصم فوجه إليه عبد الله بن
طاهر عمه الحسن بن الحسين بن مصعب وضم إليه جيشا كثيفا يحفظ جرجان
وأمره أن يعسكر على الخندق فنزل الحسن بن الحسين معسكرا على الخندق الذي
عمله سرخستان وصار بين العسكرين عرض الخندق ووجه أيضا عبد الله بن طاهر
حيان بن جبلة في أربعة آلاف إلى قومس معسكرا على حد جبال شروين ووجه
المعتصم من قبله محمد بن إبراهيم بن مصعب أخا إسحاق بن إبراهيم في جمع كثيف
وضم إليه الحسن بن قارن الطبري القائد ومن كان بالباب من الطبرية ووجه
منصور بن الحسن هار صاحب دنباوند إلى مدينة الري ليدخل طبرستان من
ناحية الري ووجه أبا الساج إلى اللارز ودنباوند فلما أحدقت الخيل بالمازيار من
كل جانب بعث عند ذلك إبراهيم بن مهران صاحب شرطته وعلي بن ربن الكاتب
287

النصراني ومعهما خليفة صاحب الحرس إلى أهل المدن المحتبسين عنده أن الخيل
قد زحفت إلى من كل جانب وإنما حبستكم ليبعث إلى هذا الرجل فيكم يعنى
المعتصم فلم يفعل وقد بلغني أن الحجاج بن يوسف غضب على صاحب السند في
امرأة أسرت من المسلمين وأدخلت إلى بلاد السند حتى غزا السند وأنفق بيوت
الأموال حتى استنفذ المرأة وردها إلى مدينتها وهذا الرجل لا يكترث بعشرين
ألفا ولا يبعث إلى يسأل فيكم وإني لا أقدم على حربه وأنتم ورائي فأدوا إلى خراج
سنتين وأخلى سبيلكم ومن كان منكم شابا قويا قدمته للقتال فمن وفى لي منكم رددت
عليه ماله ومن لم يف أكون قد أخذت ديته ومن كان شيخا أو ضعيفا صيرته
من الحفظة والبوابين فقال رجل يقال له موسى بن هرمز الزاهد كان يقال إنه
لم يشرب الماء منذ عشرين سنة أنا أؤدى إليك خراج سنتين وأقوم به فقال
خليفة صاحب الحرس لأحمد بن الصقير لم لا تتكلم وقد كنت أحظى القوم
عند الاصبهبذ وقد كنت أراك تتغذى معه وتتكئ على وسادته وهذا شئ
لم يفعله الملك بأحد غيرك فأنت أولى بالقيام بهذا الامر من موسى قال
أحمد إن موسى لا يقدر على القيام بجباية درهم واحد وإنما أجابكم بجهل
وبما هو عليه وعلى الناس أجمع ولو علم صاحبكم أن عندنا درهما واحدا لم
يحبسنا وإنما حبسنا بعد ما استنظف كل ما عندنا من الأموال والذخائر فان
أراد الضياع بهذا المال أعطيناه فقال له علي بن ربن الكاتب الضياع للملك
لا لكم فقال له إبراهيم بن مهران أسألك بالله يا أبا محمد لما سكت عن هذا الكلام
فقال له أحمد لم أزل ساكتا حتى كلمني هذا بما قد سمعت ثم انصرفت الرسل على
ضمان موسى الزاهد وأعلموا المازيار ضمانه وانضم إلى موسى الزاهد قوم من السعاة
فقالوا فلان يحتمل عشرة آلاف وفلان يحتمل عشرين ألفا وأقل وأكثر وجعلوا
يستأكلون الناس أهل الخراج وغيرهم فلما مضى لذلك أيام رد مازيار الرسل
مقتضيا المال ومتنجزا ما كان من ضمان موسى الزاهد ولم يزلف لذلك أثرا
ولا تحقيقا وتحقق قول أحمد وألزمه الذنب وعلم المازيار أن ليس عند القوم
288

ما يؤدون وإنما أراد أن يلقى الشر بين أصحاب الخراج ومن لاخراج عليه من
التجار والصناع * قال ثم إن سرخاستان كان معه ممن أختار من أبناء القواد
وغيرهم من أهل آمل فتيان لهم جلد وشجاعة فجمع منهم في داره مائتين وستين
فتى ممن يخاف ناحيته وأظهر أنه يريد جمعهم للمناظرة وبعث إلى الأكرة المختارين
من الدهاقين فقال لهم إن الأبناء هواهم مع العرب والمسودة ولست آمن غدرهم
ومكرهم وقد جمعت أهل الظنة ممن أخاف ناحيته فاقتلوهم لتأمنوا ولا يكون في
عسكركم ممن يخالف هواه هواكم ثم أمر بكتفهم ودفعهم إلى الأكرة ليلا فدفعوهم
إليهم وصاروا بهم إلى قتادة هناك فقتلوهم ورموا بهم في آبار تلك القناة وانصرفوا
فلما ثاب إلى الأكرة عقولهم ندموا على فعلهم وفزعوا من ذلك فلما علم المازيار
أن القوم ليس عندهم ما يؤدونه إليه بعث إلى الأكرة المختارين وهم الذين قتلوا
المائتين والستين فتى فقال لهم إني قد أبحتكم منازل أرباب الضياع وحرمهم إلا
ما كان من جارية جميلة من بناتهم فإنها تصير للملك وقال لهم صيروا إلى الحبس
فاقتلوا أرباب الضياع جميعهم قبل ذلك ثم حوزوا بعد ذلك ما وهبت لكم من
المنازل والحرم فجبن القوم عن ذلك وخافوا وحذروا فلم يفعلوا ما أمرهم به قال
وكان الموكلون بالسور من أصحاب سرخاستان يتحدثون ليلا مع حرس الحسن
ابن الحسين بن مصعب وبينهم عرض الخندق حتى استأنس بعضهم ببعض
وتآمروا وحرس سرخاستان بتسليم السور إليهم فسلموه ودخل أصحاب الحسن
ابن الحسين من ذلك الموضع إلى عسكر سرخاستان في غفلة من الحسن بن الحسين
ومن سرخاستان فنظر أصحاب الحسن إلى قوم يدخلون من الحائط فدخلوا معهم
فنظر الناس بعضهم إلى بعض فثاروا وبلغ الحسن بن الحسين بن مصعب فجعل يصيح
بالقوم ويمنعهم ويقول يا قوم إني أخاف عليكم أن تكونوا مثل قوم داوندان
ومضى أصحاب قيس بن زنجويه وهو من أصحاب الحسن بن الحسين
حتى نصبوا العلم على السور في معسكر سرخاستان وانتهى الخبر إلى سرخاستان أن
العرب قد كسروا السور ودخلوا بغتة فلم تكن له همة إلا الهرب وكان سرخاستان
(19 - 7)
289

في الحمام فسمع الصياح فخرج هاربا في غلالة وقال الحسن بن الحسين حين لم يقدر
على رد أصحابه اللهم إنهم قد عصوني وأطاعوك اللهم فأحفظهم وانصرهم ولم
يزل أصحاب الحسن يتبعون القوم حتى صاروا إلى الدرب الذي على السور فكسروه
ودخل الناس من غير مانع حتى استولوا على جميع ما في العسكر ومضى قوم في
الطلب * وذكر عن زرارة بن يوسف السجزي أنه قال مررت في الطلب فبينا أنا
كذلك إذ صرت إلى موضع عن يسرة الطريق فوجلت من الممر فيه ثم تقحمته
بالرمح من غير أن أرى أحدا وصحت من أنت ويلك فإذا شيخ جسيم قد صاح
زينهار يعنى الأمان قال فحملت عليه فأخذته وشددت كتافه فإذا هو شهريار أخو
أبى صالح سرخاستان صاحب العسكر قال فدفعته إلى قائدي يعقوب بن منصور
وحال الليل بيننا وبين الطلب فرجع الناس إلى المعسكر وأتى بشهريار إلى الحسن
ابن الحسين فضرب عنقه وأما أبو صالح فمضى حتى صار على خمسة فراسخ من
معسكره وكان عليلا فجهده العطش والفزع فنزل في غيضة يمنة الطريق إلى سفح
جبل وشد دابته واستلقى فبصر به غلام له ورجل من أصحابه يقال له جعفر
ابن ونداميد فنظر إليه نائما فقال سرخاستان يا جعفر شربة ماء فقد جهدني العطش
قال فقلت ليس معي إناء أغرف به من هذا الموضع فقال سرخاستان خذ رأس
جعبتي فاسقني به قال جعفر وملت إلى عداد من أصحابي فقلت لهم هذا الشيطان
قد أهلكنا فلم لا تتقرب به إلى السلطان ونأخذ لأنفسنا الأمان فقالوا لجعفر كيف
لنا به قال فوقفهم عليه وقال لهم أعينوني ساعة وأنا أثاوره فأخذ جعفر خشبة
عظيمة وسرخاستان مستلق فألقى نفسه عليه وملكوه وشدوه كتافا مع الخشبة
فقال لهم أبو صالح خذوا منى مائة ألف درهم واتركوني فان العرب لا تعطيكم
شيئا قالوا له أحضرها قال هاتوا ميزانا قالوا ومن أين ههنا ميزان قال فمن أين
ههنا ما أعطيكم ولكن صيروا معي إلى المنزل وأنا أعطيكم العهود والمواثيق
أنى أفى لكم بذلك وأوفر عليكم فصاروا به إلى الحسن بن الحسين فاستقبلهم خيل
للحسن بن الحسين فضربوا رؤسهم وأخذوا سرخاستان منهم فهمتهم أنفسهم
290

ومضى أصحاب الحسن بأبي صالح إلى الحسن فلما وقفوه بين يديه دعا الحسن
قواد طبرستان مثل محمد بن المغيرة بن شعبة الأزدي وعبد الله بن محمد القطقطي
الضبي والفتح بن قراط وغيرهم فسألهم هذا سرخاستان قالوا نعم قال لمحمد بن المغيرة
قم فاقتله بابنك وأخيك فقام إليه فضربه بالسيف وأخذته السيوف فقتل
* (ذكر خبر أبي شاس الشاعر) *
وكان أبو شاس الشاعر وهو الغطريف بن حصين بن حنش فتى من أهل
العراق ربى بخراسان أديبا فهما وكان سرخاستان ألزمه نفسه يتعلم منه أخلاق
العرب ومذاهبها فلما نزل بسرخاستان ما نزل به وأبو شاس في معسكره ومعه
دواب وأثقال فهجم عليه قوم من البخارية من أصحاب الحسن فانتهبوا جميع
ما كان معه وأصابته جراحات فبادر أبو شاس فأخذ جرة كانت معه فوضعها
على عاتقه وأخذ بيده قدحا وصاح الماء للسبيل حتى أصاب غفلة من القوم فهرب
من مضربه وقد أصابته جراحة فبصر به غلام وقد كان مر بمضرب عبد الله بن محمد
ابن حميد القطقطي الطبري وكان كاتب الحسن بن الحسين فعرفوه عرفه خدمه
وعلى عاتقه الجرة وهو يسقى الماء فأدخلوه خيمتهم وأخبروا صاحبهم بمكانه فأدخل
عليه فحمله وكساه وأكرمه غاية الاكرام ووصفه للحسن بن الحسين وقال له قل
في الأمير قصيدة فقال أبو شاس والله لقد امتحى ما في صدري من كتاب الله من
الهول فكيف أحسن الشعر ووجه الحسن برأس أبى صالح سرخاستان إلى عبد الله
ابن طاهر ولم يزل من معسكره * وذكر عن محمد بن حفص أن حيان بن جبلة مولى
عبد الله بن طاهر كان أقبل مع الحسن بن الحسين إلى ناحية طميس فكاتب قارن
ابن شهريار ورغبه في الطاعة وضمن له أن يملكه على جبال أبيه وجده وكان قارن
من قواد مازيار وهو ابن أخيه وكان مازيار صيره مع أخيه عبد الله بن قارن وضم
إليهما عدة من ثقات قواده وقراباته فلما استماله حيان وكان قارن قد ضمن له أن
يسلم له الجبال ومدينة سارية إلى حد جرجان على أن يملكه على جبال أبيه وجده
إذا وفى له بالضمان وكتب بذلك حيان إلى عبد الله بن طاهر فسجل له عبد الله بن
291

طاهر بكل ما سأل وكتب إلى حيان بأن يتوقف ولا يدخل الجبل ولا يوغل
حتى يكون من قارن ما؟ به على الوفاء لئلا يكون منه مكر فكتب حيان
إلى قارن بذلك فدعا قارن بعبد الله بن قارن وهو أخو مازيار ودعا جميع قواده
إلى طعامه فلما أكلوا ووضعوا سلاحهم واطمأنوا أحدق بهم أصحابه في السلاح
الشاك وكتفهم ووجه بهم إلى حيان بن جبلة فلما صاروا إليه استوثق منهم وركب
حيان في جمعه حتى دخل جبال قارن وبلغ مازيار الخبر فاغتم لذلك وقال له القوهيار
أخوه في حبسك عشرون ألفا من المسلمين ما بين إسكاف وخياط وقد شغلت
نفسك بهم وإنما أتيت من مأمنك وأهل بيتك وقرابتك فما تصنع بهؤلاء المحبسين
عندك قال فأمر مازيار بتخلية جميع من في حبسه ثم دعا إبراهيم بن مهران صاحب
شرطته وعلي بن ربن النصراني كاتبه وشاذان بن الفضل صاحب خراجه ويحيى
ابن الروذبهار جهبذه وكان من أهل السهل عنده فقال لهم إن حرمكم ومنازلكم
وضياعكم بالسهل وقد دخلت العرب إليه وأكره أن أشومكم فاذهبوا إلى منازلكم
وخذوا لأنفسكم الأمان ثم وصلهم وأذن لهم في الانصراف فصاروا إلى منازلهم
وأخذوا الأمان لأنفسهم ولما بلغ أهل مدينة سارية أخذ سرخاستان واستباحة
عسكره ودخول حيان بن جبلة جبل شروين وثبوا على عامل مازيار بسارية وكان
يقال له مهريستانى بن شهريز فهرب منهم ونجا بنفسه وفتح الناس باب السجن
وأخرجوا من فيه ووافى حيان بعد ذلك مدينة سارية وبلغ قوهيار أخا مازيار
موافاة حيان سارية فأطلق محمد بن موسى بن حفص الذي كان عامل طبرستان
من حبسه وحمله على بغل بسرج ووجه به إلى حيان ليأخذ له الأمان ويجعل له
جبال أبيه وجده على أن يسلم له مازيار ويوثق له بذلك بضمان محمد بن موسى بن
حفص وأحمد بن الصقير فلما صار محمد بن موسى إلى حيان وأخبره برسالة قوهيار
إليه قال له حيان من هذا يعنى أحمد قال شيخ البلاد يعرفه الخلفاء والأمير عبد الله
ابن طاهر بن عارف فبعث حيان إلى أحمد فأتاه فأمره بالخروج إلى مسلحة خرماباذ
مع محمد بن موسى وكان لأحمد ابن يقال له إسحاق وكان قد هرب من مازيار يأوى
292

نهاره الغياض ويصير بالليل إلى ضيعة يقال لها ساوا شريان وهى على طريق الجادة
من قدح الاصبهبذ الذي فيه قصر مازيار * فذكر عن إسحاق أنه قال كنت في هذه
الضيعة فمر بي عدة من أصحاب مازيار معهم دواب تقاد وغير ذلك قال فوثبت على
فرس منها هجين ضخم فركبته عريا وصرت إلى مدينة سارية فدفعته إلى أبى فلما
أراد أحمد الخروج إلى خرماباذ ركب ذلك الفرس فنظر إليه حيان فأعجبه فالتفت
حيان إلى اللوزجان وكان من أصحاب قارن فقال رأيت هذا الشيخ على فرس نبيل
قل ما رأيت مثله فقال له اللوزجان هذا الفرس كان لمازيار فبعث حيان إلى أحمد
يسأله البعثة بالفرس إليه لينظر إليه فبعث به إليه فلما تأمل النظر وفتشه وجده
مشطب اليدين فزهد فيه ودفعه إلى اللوزجان وقال لرسول أحمد هذا لمازيار
ومال مازيار لأمير المؤمنين فرجع الرسول فأخبر أحمد فغضب على اللوزجان من
ذلك فبعث إليه أحمد بالشتيمة فقال اللوزجان مالي في هذا ذنب ورد الفرس إلى
أحمد ومعه برذون وشهرى فأمر رسوله فدفعهما إليه وغضب أحمد من فعل حيان
به وقال هذا الحائك يبعث إلى شيخ مثلي فيفعل به ما فعل ثم كتب إلى قوهيار
ويحك لم تغلط في أمرك وتترك مثل الحسن بن الحسين عم الأمير عبد الله بن طاهر
وتدخل في أمان هذا العبد الحائك وتدفع أخاك وتضع قدرك وتحقد عليك الحسن
ابن الحسين بتركك إياه وميلك إلى عبد من عبيده فكتب إليه قوهيار قد غلطت
في أول الأمر وواعدت الرجل أن أصير إليه بعد غد ولا آمن إن خالفته أن
يناهضني ويحاربني ويستبيح منازلي وأموالي وان قاتلته فقتلت من أصحابه وجرت
الدماء بيننا ووقعت الشحناء ويبطل هذا الامر الذي التمسته فكتب إليه أحمد إذا
كان يوم الميعاد فابعث إليه رجلا من أهل بيتك واكتب إليه أنه قد عرضت لك
علة منعتك من الحركة وأنك تتعالج ثلاثة أيام فإن عوفيت وإلا صرت إليه في محمل
وسنحمله نحن على قبول ذلك منك والمصير في الوقت وأن أحمد بن الصقير ومحمد بن موسى
ابن حفص كتبا إلى الحسن بن الحسين وهو في معسكره بطميس ينتظر أمر
عبد الله بن طاهر وجواب كتابه بقتل سرخاستان وفتح طميس فكتبا إليه أن
293

اركب إلينا لندفع إليك مازيار والجبل وإلا فاتك فلا نقم ووجها الكتاب مع
شاذان بن الفضل الكاتب وأمراه أن يعجل السير فلما وصل الكتاب إلى الحسن
ركب من ساعته وسار مسيرة ثلاثة أيام في ليلة حتى انتهى إلى سارية فلما أصبح
سار إلى خرماباذ وهو يوم موعد قوهيار وسمع حيان وقع طبول الحسن فركب
فتلقاه على فرسخ فقال له الحسن ما تصنع ههنا ولم توجه إلى هذا الموضع وقد
فتحت جبال شروين وتركتها وصرت إلى ههنا فما يؤمنك أن يبدو للقوم فيغدروا
بك فينتقض عليك جميع ما عملت ارجع إلى الجبل فصير مسالحك في النواحي
والأطراف وأشرف على القوم إشرافا لا يمكنهم الغدر إن هموا به فقال له حيان
أنا على الرجوع وأريد أن أحمل أثقالي وأتقدم إلى رجالي بالرحلة فقال له الحسن
امض أنت فأنا باعث بأثقالك ورجالك خلفك وبت الليلة بمدينة سارية حتى
يوافوك ثم تبكر من غد فخرج حيان من فوره كما أمره الحسن إلى سارية ثم ورد
عليه كتاب عبد الله بن طاهر أن يعسكر بلبورة وهى من جبال وندا هرمز وهى
احصن موضع من جباله وكان أكثر مال مازيار بها وأمره عبد الله أن لا يمنع
قارن مما يريد من تلك الجبال والأموال فاحتمل قارن ما كان لمازيار هنالك من
المال والذي كان بأسباندرة من ذخائر مازيار وما كان لسرخاستان بقدح السلتان
واحتوى على ذلك كله فانتقض على حيان جميع ما كان سنح له بسبب ذلك الفرس
وتوفى بعد ذلك حيان بن جبلة فوجه عبد الله مكانه على أصحابه محمد بن الحسين بن
مصعب وتقدم إليه عبد الله أن لا يضرب على يدي قارن شئ يريده وصار الحسن
ابن الحسين إلى خرماباذ فأتاه محمد بن موسى بن حفص وأحمد بن الصقير فناظرا
سرا فجزاهما خيرا وكتب هو إلى قوهيار فوافى خرماباذ وصار إلى الحسن فبره
وأكرمه وأجابه إلى كل ما سأل واتعدا على يوم ثم صرفه وصار قوهيار إلى
مازيار فأعلمه أنه قد أخذ له الأمان واستوثق له وكان الحسن بن قارن قد كاتب
قوهيار من ناحية محمد بن إبراهيم بن مصعب وضمن له الرغائب عن أمير المؤمنين
فأجابه قوهيار وضمن له ما ضمن لغيره كل ذلك ليردهم عن الحرب ومال إليه
294

فركب محمد بن إبراهيم من مدينة آمل وبلغ الحسن بن الحسين الخبر فذكر عن
إبراهيم بن مهران أنه كان يتحدث عند أبي السعدي فلما قرب الزوال انصرف يريد
منزله وكان طريقه على باب مضرب الحسن قال فلما حاذيت مضربه إذا بالحسن
راكب وحده لم يتبعه إلا ثلاثة غلمان له أتراك قال فرميت بنفسي وسلمت عليه
فقال اركب فلما ركبت قال أين طريق آرم قلت هي على هذا الوادي فقال لي
أمض أمامي قال فمضيت حتى بلغت دربا على ميلين من آرم قال ففزعت وقلت
أصلح الله الأمير هذا موضع مهول ولا يسلكه إلا الألف فارس فأرى لك أن
تنصرف ولا تدخله قال فصاح بي امض فمضيت وأنا طائش العقل ولم نر في
طريقنا أحدا حتى وافينا آرم فقال لي أين طريق هرمزداباذ قلت على هذا الجبل
في هذا الشراك قال فقال لي سر إليها أعز الله الأمير الله الله في نفسك وفينا وفى
هذا الخلق الذي معك قال فصاح بي امض يا ابن اللخناء قال فقلت له أعزك الله
اضرب أنت عنقي فإنه أحب إلى من أن يقتلني مازيار ويلزمني الأمير عبد الله
ابن طاهر الذنب قال فانتهرني حتى ظننت أنه سيبطش بي ومضيت وأنا خليع الفؤاد
وقلت في نفسي الساعة نؤخذ جميعا وأوقف بين يدي مازيار فيوبخني ويقول جئت
دليلا على فبينا نحن كذلك إذ وافينا هرمزداباذ مع اصفرار الشمس فقال لي أين كان
سجن المسلمين ههنا فقلت له في هذا الموضع قال فنزل فجلس ونحن صيام والخيل
تلحقنا متقطعة وذلك أنه ركب من غير علم الناس فعلموا بعد ما مضى فدعا الحسن
بيعقوب بن منصور فقال له يا أبا طلحة أحب أن تصير إلى الطالقانية فتلطف
بحيلك لجيش أبى عبد الله محمد بن إبراهيم بن مصعب هنالك ساعتين أو ثلاث ساعات
أو أكثر ما أمكنك وكان بينه وبين الطالقانية فرسخان أو ثلاثة فراسخ قال إبراهيم
فبينا نحن وقوف بين يدي الحسن إذ؟ عا بقيس بن زنجويه فقال له امض إلى درب
لبورة وهو على أقل من فرسخ فأبرز بأصحابك على الدرب قال فلما صلينا المغرب
وأقبل الليل إذا أنا بفرسان بين أيديهم الشمع مشتعلا مقبلين من طريق لبورة
فقال لي يا إبراهيم أين طريق لبورة فقلت أرى نيرانا وفرسانا قد أقبلوا من ذلك
295

الطريق قال وأنا داهش لا أقف على ما نحن فيه حتى قربت النيران منا فأنظر فإذا
المازيار مع القوهيار فلم أشعر حتى نزلا وتقدم المازيار فسلم على الحسن بالامرة
فلم يرد عليه وقال لطاهر بن إبراهيم وأوس البلخي خذاه اليكما وذكر عن أخي
وميدوار بن خواست جيلان أنه في تلك الليلة صار مع نفر إلى قوهيار وقال له
اتق الله قد خلفت سرواتنا فأذن لي أكنف هؤلاء العرب كلهم فان الجند حيارى
جياع وليس لهم طريق يهربون فتذهب بشرفها ما بقى الدهر ولا تثق بما يعطيك
العرب فليس لهم وفاء فقال قوهيار لا تفعلوا وإذا قوهيار قد عبى علينا العرب
ودفع مازيار وأهل بيته إلى الحسن لينفرد بالملك ولا يكون أحد ينازعه ويضاده
فلما كان في السحر وجه الحسن بالمازيار مع طاهر بن إبراهيم وأوس البلخي
إلى خرماباذ وأمرهما أن يمرا به إلى مدينة سارية وركب الحسن وأخذ على وادى
بابك إلى الكانية مستقبل محمد بن إبراهيم بن مصعب فالتقيا ومحمد يريد المصير إلى
هرمزداياذ لاخذ المازيار فقال له الحسن يا أبا عبد الله أين تريد قال أريد المازيار
فقال هو بسارية وقد صار إلى ووجهت به إلى هنالك فبقى محمد بن إبراهيم متحيرا
وكان القوهيار قد هم بالغدر بالحسن ودفع المازيار إلى محمد بن إبراهيم فسبق الحسن
إلى ذلك وتخوف القوهيار منه أن يحاربه حين رآه متوسطا الجبل وأن أحمد بن
الصقير كتب إلى القوهيار لا أرى لك التخليط والمناصبة لعبد الله بن طاهر وقد كتب
إليه بخبرك وضمانك فلا تكن ذا قلبين فعند ذلك حذره ودفعه إلى الحسن وصار
محمد بن إبراهيم والحسن بن الحسين إلى هرمزداباذ فأحرقا قصر المازيار بها وأنهبا
ماله ثم صارا إلى معسكر الحسن بخرماباذ ووجها إلى اخوة المازيار فحبسوا هنالك
في داره ووكل بهم ثم رحل الحسن إلى مدينة سارية فأقام بها وحبس المازيار
بقرب خيمة الحسن وبعث الحسن إلى محمد بن موسى بن حفص يسأله عن
القيد الذي كان قيده به المازيار فبعث به محمد إليه فقيد المازيار بذلك القيد ووافى
محمد بن إبراهيم الحسن بمدينة سارية ليناظره في مال المازيار وأهل بيته فكتبا
بذلك إلى عبد الله بن طاهر وانتظرا أمره فورد كتاب عبد الله إلى الحسن
296

بتسليم المازيار واخوته وأهل بيته إلى محمد بن إبراهيم ليحملهم إلى أمير المؤمنين
المعتصم ولم يعرض عبد الله لأموالهم وأمره أن يستصفى جميع ما للمازيار
ويحرزه فبعث الحسن إلى المازيار فأحضره وسأله عن أمواله فذكر أن ماله عند
قوم سماهم من وجوه أهل سارية وصلحائهم عشرة نفر وأحضر القوهيار وكتب
عليه كتابا وضمنه توفير هذه الأموال التي ذكرها المازيار أنها عند خزانه وأصحاب
كنوزه فضمن القوهيار ذلك وأشهد على نفسه ثم إن الحسن أمر الشهود
الذين أحضرهم أن يصيروا إلى المازيار فيشهدوا عليه فذكر عن بعضهم أنه
قال لما دخلنا على المازيار تخوفت من أحمد بن الصقير ان يفزعه بالكلام فقلت
له أحب أن تمسك عنه ولا تذكر ما كنت أشرت به فسكت أحمد عند ذلك فقال
المازيار اشهدوا أن جميع ما حملت من أموالي وصحبني ستة وتسعون ألف دينار
وسبع عشرة قطعة زمرد وست عشرة قطعة ياقوت أحمر وثمانية أوقار سلال
مجلدة فيها ألوان الثياب وتاج وسيف من ذهب وجوهر وخنجر من ذهب
مكلل بالجوهر وحق كبير مملوء جواهرا وقد وضعه بين أيدينا وقد سلمت ذلك
إلى محمد بن الصباح وهو خازن عبد الله بن طاهر وصاحب خبره على العسكر
وإلى القوهيار قال فخرجنا إلى الحسن بن الحسين فقال أشهدتم على الرجل
قال قلنا نعم قال هذا شئ كنت اخترته لي فأحببت ان يعلم قتلته وهو انه عندي
وذكر عن علي بن ربن النصراني الكاتب أن ذلك الحق كان شرى جوهره على
المازيار وجده وشروين وشهريار ثمانية عشر ألف ألف درهم وكان المازيار
حمل ذلك كله إلى الحسن بن الحسين على أن يظهر أنه خرج إليه في الأمان وأنه
قد آمنه على نفسه وماله وولده وجعل له جبال أبيه فامتنع الحسن بن الحسين
من هذا وعف عنه وكان أعف الناس عن أخذ درهم أو دينار فلما أصبح أنفذ
المازيار مع طاهر بن إبراهيم وعلي بن إبراهيم الحربي وورد كتاب عبد الله بن
طاهر في إنفاذه مع يعقوب بن منصور وقد ساروا بالمازيار ثلاث مراحل فبعث
الحسن فرده وأنفذ مع يعقوب بن منصور ثم أمر الحسن بن الحسين القوهيار أخا
297

المازيار أن يحمل الأموال التي ضمنها ودفع إليه بغالا من العسكر وأمر بإنفاذ
جيش معه فامتنع القوهيار وقال لا حاجة لي بهم وخرج بالبغال هو وغلمانه فلما
ورد الجبل وفتح الخزائن وأخرج الأموال وعباها ليحملها وثب عليه مماليك
المازيار من الديالمة وكانوا ألفا ومائتين فقالوا له غدرت بصاحبنا وأسلمته إلى
العرب وجئت لتحمل أمواله فأخذوه وكبلوه بالحديد فلما جنه الليل قتلوه
وانتهبوا تلك الأموال والبغال فانتهى الخبر إلى الحسن فوجه جيشا إلى الذين
قتلوا القوهيار ووجه قارن جيشا من قبله في أخذهم فأخذ منهم صاحب قارن
عدة منهم ابن عم للمازبار يقال له شهريار بن المصمغان وكان رأس العبيد
ومحرضهم فوجه به قارن إلى عبد الله بن طاهر فلما صار بقومس مات وكان جماعة
أولئك الديالمة أخذوا على السفح والغيضة يريدون الديلم فنذر بهم محمد بن إبراهيم
ابن مصعب فوجه من قبله الطبرية وغيرهم حتى عارضوهم وأخذوا عليهم الطريق
فأخذوا فبعث بهم إلى مدينة سارية مع علي بن إبراهيم وكان مدخل محمد بن إبراهيم
حين دخل من شلنبة على طريق الروذبار إلى الرويان (وقيل) إن فساد أمر مازيار
وهلاكه كان من قبل ابن عم له يقال له... كان في يديه جبال طبرستان كلها
وكان في يد المازيار السهل وكان ذلك كالقسمة بينهم يتوارثونه فذكر عن محمد بن
حفص الطبري أن الجبال بطبرستان ثلاثة جبل وندا هرمز في وسط جبال طبرستان
والثاني جبل أخيه ونداسنجان بن الأنداد بن قارن والثالث جبل شروين بن سرخاب
ابن باب فلما قوى أمر المازيار بعث إلى ابن عمه ذلك وقيل هو أخوه القوهيار
فألزمه بابه وولى الجبل واليا من قبله يقال له درى فلما احتاج المازيار إلى الرجال لمحاربة
عبد الله بن طاهر دعا بابن عمه أو أخيه القوهيار فقال له أنت أعرف بجبلك من غيرك
وأظهره على أمر الأفشين ومكاتبته له وقال له صر في ناحية الجبل فاحفظ على الجبل
وكتب المازيار إلى الدري يأمره بالقدوم عليه فقدم عليه فضم إليه العساكر
ووجهه في وجه عبد الله بن طاهر وظن أنه قد توثق من الجبال بابن عمه أو أخيه
القوهيار وذلك أن الجبل لم يظن أنه يؤتى منه لأنه ليس فيه للعساكر والمحاربة
298

طريق لكثرة المضايق والشجر الذي فيه وتوثق من المواضع التي يتخوف منها
بالدرى وأصحابه وضم إليه المقاتلة وأهل عسكره فوجه عبد الله بن طاهر عمه الحسن
ابن الحسين بن مصعب في جيش كثيف من خراسان إلى المازيار ووجه المعتصم محمد
ابن إبراهيم بن مصعب ووجه معه صاحب خبر يقال له يعقوب بن إبراهيم البوشنجي
مولى الهادي ويعرف بقو صرة يكتب بخبر العسكر فوافى محمد بن إبراهيم الحسن
ابن الحسين وزحفت العساكر نحو المازيار حتى قربوا منه والمازيار لا يشك أنه قد
توثق من الموضع الذي قد تلقاه الجبل فيه وكان المازيار في مدينته في نفر يسير فدعا ابن
عم المازيار الحقد الذي كان في قلبه على المازيار وصنيعه به وتنحيته إياه عن جبلة أن
كاتب الحسن بن الحسين وأعلمه جميع ما في عساكره وأن الأفشين كاتب المازيار
فأنفذ الحسن كتاب ابن عم المازيار إلى عبد الله بن طاهر فوجه به عبد الله برجل
إلى المعتصم وكاتب عبد الله والحسن بن الحسين ابن عم المازيار وقيل
القوهيار وضمنا له جميع ما يريد وكان ابن عم المازيار أعلم عبد الله بن طاهر أن الجبل
الذي هو عليه كان له ولأبيه ولآبائه من قبل المازيار وأن المازيار عند تولية
الفضل بن سهل إياه طبرستان انتزع الجبل من يديه وألزمه بابه واستخف به فشرط
له عبد الله بن طاهر إن هو وثب بالمازيار واحتال له أن يصير الجبل في يديه على
حسب ما لم يزل ولا يعرض له فيه ولا يحارب فرضى بذلك ابن عم المازيار فكتب له
عبد الله بن طاهر بذلك كتابا وتوثق له فيه فوعد ابن عم المازيار الحسن بن الحسين
ورجالهم أن يدخلهم الجبل فلما كان وقت الميعاد أمر عبد الله بن طاهر الحسن بن
الحسين أن يزحف للقاء الدري ووجه عسكرا ضخما عليه قائد من قواده في
جوف الليل فوافوا ابن عم المازيار في الجبل فسلم الجبال إليهم وأدخلهم إليها
وصاف الدري العسكر الذي بإزائه فلم يشعر المازيار وهو في قصره حتى وقفت
الرجالة والخيل على باب قصره والدرى يحارب العسكر الآخر فحصروا المازيار
وأنزلوه على حكم أمير المؤمنين المعتصم وذكر عمرو بن سعيد الطبري أن المازيار
كان يتصيد فوافته الخيل في الصيد فأخذ أسيرا ودخل قصره عنوة وأخذ جميع
299

ما فيه وتوجه الحسن بن الحسين بالمازيار والدرى يقاتل العسكر الذي بإزائه لم
يعلم بأخذ المازيار فلم يشعر إلا وعسكر عبد الله بن طاهر من ورائه فتقطعت
عساكره فانهزم ومضى يريد الدخول إلى بلاد الديلم فقتل أصحابه واتبعوه فلحقوه
في نفر من أصحابه فرجع يقاتلهم فقتل وأخذ رأسه فبعث به إلى عبد الله بن طاهر
وقد صار المازيار في يده فوعده عبد الله بن طاهر إن هو أظهره على كتب الأفشين
أن يسأل أمير المؤمنين الصفح عنه وأعلمه عبد الله أنه قد علم أن الكتب عنده
فأقر المازيار بذلك فطلبت الكتب فوجدت وهى عدة كتب فأخذها عبد الله بن
طاهر فوجه بها مع المازيار إلى إسحاق بن إبراهيم وأمره أن لا يخرج الكتب من
يده ولا المازيار إلا إلى يد أمير المؤمنين لئلا يحتال للكتب والمازيار ففعل إسحاق
ذلك في أوصلها من يده إلى يد المعتصم فسأل المعتصم المازيار عن الكتب فلم يقر بها
فأمر بضرب المازيار حتى مات وصلب إلى جانب بابك وكان المأمون يكتب إلى
المازيار من عبد الله المأمون إلى جيل جيلان أصبهبذ أصبهبذان بشوار خرشاد
محمد بن قارن مولى أمير المؤمنين (وقد ذكر) أن بدء وهى أمر الدري كان أنه
لما بلغه بعد ما ضم إليه المازيار الجيش نزول جيش محمد بن إبراهيم دنباوند وجه
أخاه بزرجشنس وضم إليه محمدا وجعفرا ابني رستم الكلارى ورجالا من أهل
الثغر وأهل الرويان وأمرهم أن يصيروا إلى حد الرويان والري لمنع الجيش وكان
الحسن بن قارن قد كاتب محمدا وجعفرا ابني رستم ورغبهما وكانا من رؤساء أصحاب
الدري فلما التقى جيش الدري وجيش محمد بن إبراهيم انقلب ابنا رستم وأهل
الثغرين وأهل الرويان على بزرجشنس أخي الدري فأخذوه أسيرا وصاروا مع
محمد بن إبراهيم على مقدمته وكان الدري بموضع يقال له مرو في قصره مع أهله
وجميع عسكره فلما بلغه غدر محمد وجعفر ابني رستم ومتابعة أهل الثغرين والرويان
لهما وأسر أخيه بزرجشنس اغتم لذلك غما شديدا وأذعن أصحابه وهمتهم أنفسهم
وتفرق عامتهم يطلبون الأمان ويحتالون لأنفسهم فبعث الدري إلى الديالمة فصار
ببابه مقدار أربعة آلاف رجل منهم فرغبهم ومناهم ووصلهم ثم ركب وحمل
300

الأموال معه ومضى كأنه يريد أن يستنقذ أخاه ويحارب محمد بن إبراهيم وإنما
أراد الدخول إلى الديلم والاستظهار بهم على محمد بن إبراهيم فاستقبله محمد بن إبراهيم
في جيشه فكانت بينهم وقعة صعبة فلما مضى الدري هرب الموكلون بالسجن وكسر
أهل السجن أقيادهم وخرجوا هاربين ولحق كل إنسان ببلده واتفق خروج أهل
سارية الذين كانوا في حبس المازيار وخروج هؤلاء الذين كانوا في حبس الدري
في يوم واحد وذلك في شعبان لثلاث عشرة ليلة خلت منه سنة 225 في قول محمد
ابن حفص وقال غيره كان ذلك في سنة 224 وذكر عن داود بن قحذم أن محمد
ابن رستم قال لما التقى الدري ومحمد بن إبراهيم بساحل البحر بين الجبل والغيضة
والبحر والغيضة متصلة بالديلم وكان الدري شجاعا بطلا فكان يحمل بنفسه على
أصحاب محمد حتى يكشفهم ثم يحمل معارضة من غير هزيمة يريد دخول الغيضة
فشد عليه رجل من أصحاب محمد بن إبراهيم يقال له فند بن حاجبة فأخذه أسيرا
واسترجع واتبع الجند أصحابه وأخذ جميع ما كان معه من الأثاث والمال والدواب
والسلاح فأمر محمد بن إبراهيم بقتل بزرجشنس أخي الدري ودعى بالدرى فمد
يده فقطعت من مرفقه ومدت رجله فقطعت من الركبة وكذا باليد الأخرى
والرجل الأخرى فقعد الدري على استه ولم يتكلم ولم يتزعزع فأمر بضرب عنقه
وظفر محمد بن إبراهيم بأصحاب الدري فحملهم مكبلين (وفى هذه السنة) ولى جعفر
ابن دينار اليمن (وفيها) تزوج الحسن بن الأفشين أترنجة بنت أشناس ودخل
بها في العمرى قصر المعتصم في جمادى الآخر وأحضر عرسها عامة أهل سامرا
فحدثت أنهم كانوا يغلفون العامة فيها بالغالية في تغار من فضة وأن المعتصم كان
يباشر بنفسه تفقد من حضرها (وفيها) امتنع عبد الله الورثانى بورثان (وفيها)
خالف منكجور الأشروسني قرابة الأفشين بآذربيجان
* ذكر الخبر عن سبب خلافه *
ذكر أن الأفشين عند فراغه من أمر بابك ومنصرفه من الجبال ولى آذربيجان
وكانت من عمله واليه منكجور هذا فأصاب في قرية بابك في بعض منازله مالا
301

عظيما فاحتجنه لنفسه ولم يعلم به الأفشين ولا المعتصم وكان على البريد بآذربيجان
رجل من الشيعة يقال له عبد الله بن عبد الرحمن فكتب إلى المعتصم بخبر ذلك
المال وكتب منكجور يكذب ذلك فوقعت المناظرة بين منكجور وعبد الله بن
عبد الرحمن حتى هم منكجور بقتل عبد الله بن عبد الرحمن فاستغاث عبد الله بأهل
أردبيل فمنعوه مما أراد به منكجور فقاتلهم منكجور وبلغ ذلك المعتصم فأمر الأفشين
أن يوجه رجلا بعزل منكجور فوجه رجلا من قواده في عسكر ضخم فلما بلغ
منكجور ذلك خلع وجمع إليه الصعاليك وخرج من أردبيل فرآه القائد فواقعه
فانهزم منكجور وصار إلى حصن من حصون آذربيجان التي كان بابك أخربها حصين في
جبل منيع فبناه وأصلحه وتحصن فيه فلم يلبث إلا أقل من شهد حتى وثب به أصحابه الذين
كانوا معه في الحصن فأسلموه ودفعوه إلى القائد الذي كان يحاربه فقدم به إلى سامرا فأمر
المعتصم بحبسه فاتهم الأفشين في أمره (وقيل) إن القائد الذي وجه لحرب منكجور
هذا كان بغا الكبير وقيل إن بغا لما لقى منكجور خرج منكجور إليه بأمان
(وفيها) مات ياطس الرومي وصلب بسامرا إلى جانب بابك (وفيها) مات
إبراهيم بن المهدى في شهر رمضان وصلى عليه المعتصم (وحج) بالناس في هذه
السنة محمد بن داود
* ثم دخلت سنة خمس وعشرين ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمن ذلك كان قدوم الورثاني على المعتصم في المحرم بالأمان (وفيها) قدم
بغا الكبير بمنكجور سامرا (وفيها) خرج المعتصم إلى السن واستخلف أشناس
(وفيها) أجلس المعتصم أشناس على كرسي وتوجه ووشحه في شهر ربيع الأول
(وفيها) أحرق غنام المرتد (وفيها) غضب المعتصم على جعفر بن دينار وذلك
من أجل وثوبه على من كان معه من الشاكرية وحبسه عند أشناس خمسة عشر
يوما وعزله عن اليمن وولاها إيتاخ ثم رضى عن جعفر (وفيها) عزل الأفشين
302

عن الحرس ووليه إسحاق بن معاذ (وفيها) وجه عبد الله بن طاهر بمازيار فخرج
إسحاق بن إبراهيم إلى الدسكرة فأدخله سامرا في شوال وأمر بحمله على الفيل
فقال محمد بن عبد الملك الزيات
قد خضب الفيل كعاداته * يحمل جيلان خراسان
والفيل لا تخضب أعضاؤه * إلا الذي شأن من الشأن
فأبى مازيار أن يركب الفيل فأدخله على بغل بإكاف فجلس المعتصم في دار
العامة لخمس ليال خلون من ذي القعدة وأمر فجمع بينه وبين الأفشين وقد كان
الأفشين حبس قبل ذلك بيوم فأقر المازيار أن الأفشين كان يكاتبه ويصوب له
الخلاف والمعصية فأمر برد الأفشين إلى محبسه وأمر بضرب مازيار فضرب
أربعمائة سوط وخمسين سوطا وطلب ماء فسقى فمات من ساعته (وفيها) غضب
المعتصم على الأفشين فحبسه
* ذكر الخبر عن سبب غضبه عليه وحبسه إياه *
ذكر أن الأفشين كان أيام حربه بابك ومقامه بأرض الخرمية لا يأتيه هدية
من أهل أرمينية إلا وجه بها إلى أشر وسنة فيجتاز ذلك بعبد الله بن طاهر فيكتب
عبد الله إلى المعتصم بخبره فكتب المعتصم إلى عبد الله بن طاهر يأمر بتعريف
جميع ما يوجه به الأفشين من الهدايا إلى أشر وسنة ففعل عبد الله بذلك وكان
الأفشين كلما تهيأ عنده مال حمله أوساط أصحابه من الدنانير والهما بين بقدر طاقتهم
كان الرجل يحمل من الألف فما فوقه من الدنانير في وسطه فأخبر عبد الله
بذلك فبينا هو في يوم من الأيام وقد نزل رسل الأفشين معهم الهدايا نيسابور
وجه إليهم عبد الله بن طاهر وأخذهم ففتشهم فوجد في أساطهم همايين فأخذها
منهم وقال لهم من أين لكم هذا المال فقالوا هذه هدايا الأفشين وهذه أمواله
فقال كذبتم لو أراد أخي الأفشين أن برسل بمثل هذه الأموال لكتب إلى يعلمني
ذلك لآمر بحراسته وبذرقته لان هذا مال عظيم وإنما أنتم لصوص فأخذ
عبد الله بن طاهر المال وأعطاه الجند قبله وكتب إلى الأفشين يذكر له ما قال
303

القوم وقال أنا أنكر أن تكون وجهت بمثل هذا المال إلى أشر وسنة ولم
تكتب إلى تعلمني لا بذرقه فإن كان هذا المال ليس لك فقد أعطيته الجند مكان
المال الذي يوجهه إلى أمير المؤمنين في كل سنة وإن كان المال لك كما زعم القوم
فإذا جاء المال من قبل أمير المؤمنين رددته إليك وإن يكن غير ذلك فأمير المؤمنين
أحق بهذا المال وإنما دفعته إلى الجند لانى أريد أن أوجههم إلى بلاد الترك
فكتب إليه الأفشين يعلمه أن ماله ومال أمير المؤمنين واحد ويسأله إطلاق القوم
ليمضوا إلى أشر وسنة فأطلقهم عبد الله بن طاهر فمضوا فكان ذلك سبب الوحشة
بين عبد الله بن طاهر وبين الأفشين ثم جعل عبد الله يتتبع عليه وكان الأفشين
يسمع أحيانا من المعتصم كلاما يدل على أنه يريد أن يعزل آل طاهر عن خراسان
فطمع الأفشين في ولايتها فجعل يكاتب مازيار ويبعثه على الخلاف ويضمن له
القيام بالدفع عنه عند السلطان ظنا منه أن مازيار إن خالف احتاج المعتصم إلى
أن يوجهه لمحاربته ويعزل عبد الله بن طاهر ويوليه خراسان فكان من أمر مازيار
ما قد مضى ذكره * وكان من أمر منكجور بآذربيجان ما قد وصفنا قبل فتحقق
عند المعتصم بما كان من أمر الأفشين ومكاتبته مازيار بما كان يكاتبه به ما كان
اتهمه به من أمر منكجور وأن ذلك كان عن رأى الأفشين وأمره إياه به فتغير
المعتصم للافشين لذلك وأحس الأفشين بذلك وعلم تغير حاله عنده فلم يدر
ما يصنع فعزم فيما ذكر على أن يهيئ أطوافا في قصره ويحتال في يوم شغل المعتصم
وقواده أن يأخذ طريق الموصل ويعبر الزاب على تلك الأطواف حتى يصير
إلى بلاد أرمينية ثم إلى بلاد الخزر فعسر ذلك عليه فهيأ سما كثيرا وعزم على
أن يعمل طعاما ويدعو المعتصم وقواده فيسقيهم فإن لم يجبه المعتصم استأذنه في
قواده الأتراك مثل أشناس وايتاخ وغيرهم في يوم تشاغل أمير المؤمنين فإذا صاروا
إليه أطعمهم وسقاهم وسمهم فإذا انصرفوا من عنده خرج من أول الليل وحمل تلك
الأطواف والآلة التي يعبر بها على ظهور الدواب حتى يجئ إلى الزاب فيعبر بأثقاله
على الأطراف ويعبر الدواب سباحة كما أمكنه ثم يرسل الأطواف حتى يعبر في دجلة
304

ويدخل هو بلاد أرمينية وكانت ولاية أرمينية إليه ثم يصير هو إلى بلاد الخزر مستأمنا
ثم يدور من بلاد الخزر إلى بلاد الترك ويرجع من بلاد الترك إلى بلاد أشر وسنة
ثم يستميل الخزر على أهل الاسلام فكان في تهيئة ذلك وطال به الامر فلم يمكنه ذلك
وكان قواد الأفشين ينوبون في دار أمير المؤمنين كما ينوب القواد فكان واجن الأشروسني
قد جرى بينه وبين من قد اطلع على أمر الأفشين حديث فذكر له واجن ان
هذا الامر لا أراه يمكن ولا يتم فذهب ذلك الرجل الذي سمع قول واجن فحكاه
للافشين وسمع بعض من يميل إلى واجن من خدم الأفشين وخاصته ما قال الأفشين
في واجن فلما انصرف واجن من النوبة في بعض الليل أتاه فأخبره أن قد لقى
ذلك إلى الأفشين فحذر واجن على نفسه فركب من ساعته في جوف الليل حتى
أتى دار أمير المؤمنين وقد نام المعتصم فصار إلى ايتاخ فقال إن لأمير المؤمنين
عندي نصيحة فقال له ايتاخ أليس الساعة كنت ههنا قد نام أمير المؤمنين فقال
له واجن ليس يمكنني أن أصبر إلى غد فدق ايتاخ الباب على بعض من يعلم المعتصم
بالذي قال واجن فقال المعتصم قل له ينصرف الليلة إلى منزله ويبكر على في غد
فقال واجن إن انصرفت الليلة ذهبت نفسي فأرسل المعتصم إلى ايتاخ بيته الليلة
عندك فبيته ايتاخ عنده فلما أصبح بكر به مع صلاة الغداة فأوصله إلى المعتصم
فأخبره بجميع ما كان عنده فدعا المعتصم محمد بن حماد بن دنقش الكاتب فوجهه
يدعو الأفشين فجاء الأفشين في سواد فأمر المعتصم بأخذ سواده وحبسه فحبس
في الجوسق ثم بنى له حبسا مرتفعا وسماه لؤلؤة داخل الجوسق وهو يعرف
بالافشين فكتب المعتصم إلى عبد الله بن طاهر في الاحتيال للحسن بن الأفشين
وكان الحسن قد كثرت كتبه إلى عبد الله بن طاهر في نوح بن أسد يعلمه ما كتب
به أمير المؤمنين في أمره وأمره بجمع أصحابه والتأهب له فإذا قدم عليه الحسن
ابن الأفشين بكتاب ولايته استوثق منه وحمله إليه وكتب عبد الله بن طاهر إلى
الحسن بن الأفشين يعلمه أنه عزل نوح بن أسد وأنه قد ولاه الناحية ووجه إليه
بكتاب عزل نوح بن أسد فخرج الحسن بن الأفشين في قلة من أصحابه وسلاحه حتى
305

ورد على نوح بن أسد وهو يظن أنه والى الناحية فأخذه نوح بن أسد وشده وثاقا
ووجه به إلى عبد الله بن طاهر فوجه به عبد الله إلى المعتصم وكان الحبس الذي بنى
للافشين شبيها بالمنارة وجعل في وسطها مقدار مجلسه وكان الرجال ينوبون تحتها
كما يدور * وذكر عن هارون بن عيسى بن المنصور أنه قال شهدت دار المعتصم
وفيها أحمد بن أبي داود وإسحاق بن إبراهيم بن مصعب ومحمد بن عبد الملك الزيات
فأتى بالافشين ولم يكن بعد في الحبس الشديد فاحضر قوم من الوجوه لتبكيت
الأفشين بما هو عليه ولم يترك في الدار أحد من أصحاب المراتب إلا ولد المنصور
وصرف الناس وكان المناظر له محمد بن عبد الملك الزيات وكان الذين حضروا
المازيار صاحب طبرستان والموبذ والمرزبان بن تركش وهو أحد ملوك السغد
ورجلان من أهل السغد فدعا محمد بن عبد الملك بالرجلين وعليهما ثياب رثة فقال
لهما محمد بن عبد الملك ما شأنكما فكشفا عن ظهورهما وهى عارية من اللحم فقال له
محمد تعرف هذين قال نعم هذا مؤذن وهذا إمام بنيا مسجدا باشروسنة فضربت
كل واحد منهما ألف سوط وذلك أن بيني وبين ملوك السغد عهدا وشرطا أن
أترك كل قوم على دينهم وما هم عليه فوثب هذان على بيت كان فيه أصنامهم يعنى
أهل أشر وسنة فأخرجا الأصنام واتخذاه مسجدا فضربتهما على هذا ألفا ألفا
لتعديهما ومنعهما القوم من بيعتهم فقال له محمد ما كتاب عندك قد زينته بالذهب
والجوهر والديباج فيه الكفر بالله قال هذا كتاب ورثته عن أبي فيه أدب من
آداب العجم وما ذكرت من الكفر فكنت أستمتع منه بالأدب وأترك ما سوى
ذلك ووجدته محلى فلم تضطرني الحاجة إلى أخذ الحلية منه فتركته على حاله ككتاب
كليلة ودمنة وكتاب مزدك في منزلك فما ظننت أن هذا يخرج من الاسلام * قال
ثم تقدم الموبذ فقال إن هذا كان يأكل المخنوقة ويحملني على أكلها ويزعم أنها
أرطب لحما من المذبوحة وكان يقتل شاة سوداء كل يوم أربعاء يضرب وسطها
بالسيف يمشى بين نصفيها ويأكل لحمها وقال لي يوما انى قد دخلت لهؤلاء القوم
في كل شئ أكرهه حتى اكلت لهم الزيت وركبت الجمل ولبست النعل غير انى إلى
306

هذه الغاية لم تسقط عنى شعرة يعنى لم يطل ولم يختتن فقال الأفشين خبروني عن
هذا الذي يتكلم بهذا الكلام ثقة هو في دينه وكان الموبذ مجوسيا أسلم بعد على يد
المتوكل ونادمه قالوا لا قال فما معنى قبولكم شهادة من لا تثقون به ولا تعدلونه ثم
أقبل على الموبذ فقال هل كان بين منزلي ومنزلك باب أو كوة تطلع على منها
وتعرف أخباري منها قال لا قال أفليس كنت أدخلك إلى وأبثك سرى وأخبرك
بالأعجمية وميلي إليها وإلى أهلها قال نعم قال فلست بالثقة في دينك ولا بالكريم
في عهدك إذا أفشيت على سرا أسررته إليك ثم تنحى الموبذ وتقدم المرزبان بن
تركش فقالوا للافشين هل تعرف هذا قال لا فقيل للمرزبان هل تعرف هذا قال
نعم هذا الأفشين قالوا له هذا المرزبان فقال له المرزبان يا ممخرق كم تدافع وتموه
قال له الأفشين يا طويل اللحية ما تقول قال كيف يكتب إليك أهل مملكتك قال
كما كانوا يكتبون إلى أبى وجدى قال فقل قال لا أقول فقال المرزبان أليس يكتبون إليك
بكذا وكذا بالاشروسنية قال بلى قال أفليس تفسيره بالعربية إلى إله الآلهة من
عبده فلان بن فلان قال بلى قال محمد بن عبد الملك والمسلمون يحتملون أن يقال لهم
هذا فما بقيت لفرعون حين قال لقومه أنا ربكم الاعلى قال كانت هذه عادة القوم
لأبي وجدى ولى قبل أن أدخل في الاسلام فكرهت أن أضع نفسي دونهم
فتفسد على طاعتهم فقال له إسحاق بن إبراهيم بن مصعب ويحك يا حيدر كيف
تحلف بالله لنا فنصدقك ونصدق يمينك ونجريك مجرى المسلمين وأنت تدعى
ما ادعى فرعون قال يا أبا الحسين هذه سورة قرأها عجيف على علي بن هشام
وأنت تقرأها على فأنظر غدا من يقرأها عليك * قال ثم قدم مازيار صاحب
طبرستان فقالوا للافشين تعرف هذا قال لا قالوا للمازيار تعرف هذا قال نعم هذا
الأفشين فقالوا له هذا المازيار قال نعم قد عرفته الآن قالوا هل كاتبته قال لا قالوا للمازيار
هل كتب إليك قال نعم كتب أخوه خاش إلى أخي قوهيار أنه لم يكن ينصر هذا الدين
الأبيض غيري وغيرك وغير بابك فأما بابك فإنه بحمقه قتل نفسه ولقد جهدت أن أصرف
عنه الموت فأبى حمقه إلا أن دلاه فيما وقع فيه فان خالفت لم يكن للقوم من يرمونك
307

به غيري ومعي الفرسان وأهل النجدة والبأس فإن وجهت إليه لم يبق أحد يحاربنا
إلا ثلاثة العرب والمغاربة والأتراك والعربي بمنزلة الكلب أطرح له كسرة ثم
اضرب رأسه بالدبوس وهؤلاء الذباب يعنى المغاربة إنما هم أكلة رأس وأولاد
الشياطين يعنى الأتراك فإنما هي ساعة حتى تنفذ سهامهم ثم تجول الخيل عليهم جولة
فتأتى على آخرهم ويعود الدين إلى ما لم يزل عليه أيام العجم فقال الأفشين هذا يدعى
على أخيه وأخي دعوى لا يجب على ولو كنت كتبت بهذا الكتاب إليه لأستميله
إلى ويثق بناحيتي كان غير مستنكر لانى إذا نصرت الخليفة بيدي كنت بالحيلة
أحرى أن أنصره لآخذ بقفاه وآتى به الخليفة لأحظى به عنده كما حظى به عبد الله
ابن طاهر عند الخليفة ثم نحى المازيار ولما قال الأفشين للمرزبان التركشي ما قال
وقال لإسحاق بن إبراهيم ما قال زجر بن أبي دؤاد الأفشين فقال له الأفشين أنت
يا أبا عبد الله ترفع طيلسانك بيدك فلا تضعه على عاتقك حتى تقتل به جماعة فقال له
ابن أبي دؤاد أمطهر أنت قال لا قال فما منعك من ذلك وبه تمام الاسلام والطهور
من النجاسة قال أوليس في دين الاسلام استعمال التقية قال بلى قال خفت أن أقطع
ذلك العضو من جسدي فأموت قال أنت تطعن بالرمح وتضرب بالسيف فلا يمنعك
ذلك من أن تكون في الحرب وتجزع من قطع قلفة قال تلك ضرورة تعنيني فأصبر
عليها إذا وقعت وهذا شئ أستجلبه فلا آمن معه خروج نفسي ولم أعلم أن في
تركها الخروج من الاسلام فقال ابن أبي دؤاد قد بان لكم أمره يابغا (لبغا الكبير
أبى موسى التركي) عليك به * قال فضرب بيده بغا على منطقته فجذبها فقال قد
كنت أتوقع هذا منكم قبل اليوم فقلب بغا ذيل القباء على رأسه ثم أخذ بمجامع
القباء من عند عنقه ثم أخرجه من باب الوزيري إلى محبسه (وفى هذه السنة) حمل
عبد الله بن طاهر الحسن بن الأفشين وأترنجة بنت أشناس إلى سامرا (وحج
بالناس) في هذه السنة محمد بن داود
308

* ثم دخلت سنة ست وعشرين ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمن ذلك ما كان فيها من وثوب علي بن إسحاق بن يحيى بن معاذ وكان على المعونة
بدمشق من قبل صول أرتكين برجاء بن أبي الضحاك وكان على الخراج فقتله
وأظهر الوسواس ثم تكلم أحمد بن أبي دؤاد فيه فأطلق من محبسه فكان الحسن
ابن رجاء يلقاه في طريق سامرا فقال البحتري الطائي
عفا علي بن إسحاق بفتكته * على غرائب تيه كن في الحسن
أنسته تنقيعه في اللفظ نازلة * لم تبق فيه سوى التسليم للزمن
فلم يكن كابن حجر حين ثار ولا * أخي كليب ولا سيف بن ذي يزن
ولم يقل لك في وتر طلبت به * تلك المكارم لاقعبان من لبن
(وفيها) مات محمد بن عبد الله بن طاهر بن الحسين فصلى عليه المعتصم في دار
محمد (وفيها) مات الأفشين
* ذكر الخبر عن موته وما فعل به عند موته وبعده *
ذكر عن حمدون بن إسماعيل أنه قال لما جاءت الفاكهة الحديثة جمع المعتصم
من الفواكه الحديثة في طبق وقال لابنه هارون الواثق اذهب بهذه الفاكهة
بنفسك إلى الأفشين فأدخلها إليه فحملت مع هارون الواثق حتى صعد بها إليه في
البناء الذي بنى له فحبس فيه الذي يسمى لؤلؤة فنظر إليه الأفشين فافتقد بعض
الفاكهة إما الأجاص وإما الشاهلوج فقال للواثق لا إله إلا الله ما أحسنه من طبق
ولكن ليس لي فيه إجاص ولا شاهلوج فقال له الواثق هو ذا أنصرف أوجه به
إليك ولم يمس من الفاكهة شيئا فلما أراد الواثق الانصراف قال له الأفشين أقرى
سيدي السلام وقل له أسألك أن توجه إلى ثقة من قبلك يؤدى عنى ما أقول فأمر
المعتصم حمدون بن إسماعيل وكان حمدون في أيام المتوكل في حبس سليمان بن وهب
في حبس الأفشين هذا فحدث بهذا الحديث وهو فيه * قال حمدون فبعث بي المعتصم
309

إلى الأفشين فقال لي إنه سيطول عليك فلا تحتبس * قال فدخلت عليه وطبق
الفاكهة بين يديه لم يمس منه واحدة فما فوقها فقال لي اجلس فجلست فاستمالني
بالدهقنة فقلت لا تطول فان أمير المؤمنين قد تقدم إلى ألا أحتبس عندك
فأوجز فقال قل لأمير المؤمنين أحسنت إلى وشرفتني وأوطأت الرجال عقبى ثم
قبلت في كلاما لم يتحقق عندك ولم تتدبره بعقلك كيف يكون هذا وكيف يجوز
لي أن أفعل هذا الذي بلغك تخبر بأني دسست إلى منكجور أن يخرج وتقبله
وتخبراني قلت للقائد الذي وجهته إلى منكجور لا تحاربه واعذر وإن أحسست
بأحد منا فانهزم من بين يديه أنت رجل قد عرفت الحرب وحاربت الرجال وسست
العساكر هذا يمكن رأس عسكر يقول لجند يلقون قوما أفعلوا كذا وكذا هذا
مالا يسوغ لاحد أن يفعله ولو كان هذا يمكن ما كان ينبغي أن تقبله من عدو قد
عرفت سببه وأنت أولى بي انما أنا عبد من عبيدك وصنيعك ولكن مثلي ومثلك
يا أمير المؤمنين مثل رجل ربى عجلا له حتى أسمنه وكبر وحسنت حاله وكان له
أصحاب اشتهوا أن يأكلوا من لحمه فعرضوا له بذبح العجل فلم يجيهم إلى ذلك فاتفقوا
جميعا على أن قالوا له ذات يوم ويحك لم تربى هذا الأسد هذا سبع وقد كبر
والسبع إذا كبر يرجع إلى جنسه فقال لهم ويحكم هذا عجل بقر ما هو سبع فقالوا
هذا سبع سل من شئت عنه وقد تقدموا إلى جميع من يعرفونه فقالوا له ان سألكم
عن العجل فقولوا له هذا سبع فكلما سأل الرجل انسانا عنه وقال له أما ترى هذا
العجل ما أحسنه قال الآخر هذا سبع هذا أسد ويحك فأمر بالعجل فذبح ولكني أنا
ذلك العجل كيف أقدر أن أكون أسدا الله الله في أمرى اصطنعتني وشرفتني وأنت
سيدي ومولاي أسأل الله أن يعطف بقلبك على * قال حمدون فقمت فانصرفت
وتركت الطبق على حاله لم يمس منه شيئا ثم ما لبثنا الا قليلا حتى قيل إنه يموت
أو قد مات فقال المعتصم أروه ابنه فأخرجوه فطرحوه بين يديه فنتف لحيته وشعره
ثم أمر به فحمل إلى منزل ايتاخ * قال وكان أحمد بن أبي دؤاد دعا به في دار العامة
من الحبس فقال له قد بلغ أمير المؤمنين إنك يا حيدر أقلف قال نعم وانما أراد ابن
310

أبى دؤاد أن يشهد عليه فان تكشف نسب إلى الخرع وإن لم يتكشف صح عليه
أنه أقلف فقال نعم أنا أقلف وحضر الدار ذلك اليوم جميع القواد والناس وكان
ابن أبي دؤاد أخرجه إلى دار العامة قبل مصير الواثق إليه بالفاكهة وقبل مصير
حمدون بن إسماعيل إليه * قال حمدون فقلت له أنت أقلف كما زعمت فقال الأفشين
أخرجني إلى مثل ذلك الموضع وجميع القواد والناس قد اجتمعوا فقال لي ما قال
وانما أراد أن يفضحني إن قلت له نعم لم يقبل قولي وقال لي تكشف فيفضحني
بين الناس فالموت كان أحب إلى من أن أتكشف بين يدي الناس ولكن يا حمدون
إن أحببت أن أتكشف بين يديك حتى تراني فعلت قال حمدون فقلت له أنت عندي
صدوق وما أريد أن تكشف فلما انصرف حمدون فابلغ المعتصم رسالته أمر بمنع
الطعام منه الا القليل فكان يدفع إليه في كل يوم رغيف حتى مات فلما ذهب به
بعد موته إلى دار ايتاخ أخرجوه فصلبوه على باب العامة ليراه الناس ثم طرح
بباب العامة مع حشبته فأحرق وحمل الرماد وطرح في دجلة وكان المعتصم حين
أمر بحبسه وجه سليمان بن وهب الكاتب يحصى جميع ما في دار الأفشين ويكتبه
في ليلة من الليالي وقصر الأفشين بالمطيرة فوجد في داره بيت فيه تمثال انسان من
خشب عليه حلية كثيرة وجوهر وفى أذنيه حجران أبيضان مشتبكان عليهما ذهب
فأخذ بعض من كان مع سليمان أحد الحجرين وظن أنه جوهر له قيمة وكان ذلك
ليلا فلما أصبح ونزع عنه شباك الذهب وجده حجرا شبيها بالصدف الذي يسمى
الحبرون من جنس الصدف الذي يقال له البوق من صدف أخرج من منزله
صور السماجة وغيرها وأصنام وغير ذلك والأطواف والخشب التي كان أعدها
وكان له متاع بالوزيرية فوجد فيه أيضا صنم آخر ووجدوا في كتبه كتابا من كتب
المجوس يقال له زراوه وأشياء كثيرة من الكتب فيها ديانته التي كان يدين بها ربه
وكان موت الأفشين في شعبان من سنة 226 (وحج) بالناس في هذه السنة محمد
ابن داود بأمر أشناس وكان أشناس حاجا في هذه السنة فولى كل بلدة يدخلها
فدعى له على جميع المنابر التي مر بها من سامرا إلى مكة والمدينة وكان الذي دعا له
311

على منبر الكوفة محمد بن عبد الرحمن بن عيسى بن موسى وعلى منبر فيد هارون بن محمد
ابن أبي خالد المروروذي وعلى منبر المدينة محمد بن أيوب بن جعفر بن سليمان وعلى منبر
مكة محمد بن داود بن عيسى بن موسى وسلم عليه في هذه الكور كلها بالامارة وكانت
له ولايتها إلى أن رجع إلى سامرا
* ثم دخلت سنة سبع وعشرين ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمن ذلك ما كان من خروج أبى حرب المبرقع اليماني بفلسطين وخلافه
على السلطان
* ذكر الخبر عن سبب خروجه وما آل إليه أمره *
ذكر لي بعض أصحابي ممن ذكر أنه خبير بأمره أن سبب خروجه على
السلطان كان أن بعض الجند أراد النزول في داره وهو غائب عنها وفيها إما
زوجته وإما أخته فما نعته ذلك فضربها بسوط كان معه فاتقته بذراعها فأصاب
السوط ذراعها فأثر فيها فلما رجع أبو حرب إلى منزله بكت وشكت إليه ما فعل
بها وأرته الأثر الذي بذراعها من ضربه فأخذ أبو حرب سيفه ومشى إلى الجندي
وهو غار فضربه به حتى قتله ثم هرب وألبس وجهه برقعا كي لا يعرف فصار
إلى جبل من جبال الأردن فطلبه السلطان فلم يعرف له خبر وكان أبو حرب
يظهر بالنهار فيقعد على الجبل الذي أوى إليه متبرقعا فيراه الرائي فيأتيه فيذكره
ويحرضه على الامر بالمعروف والنهى عن المنكر ويذكر السلطان وما يأتي إلى
الناس ويعيبه فما زال ذلك دأبه حتى استجاب له قوم من حراثي أهل تلك الناحية
وأهل القرى وكان يزعم أنه أموي فقال الذين استجابوا له هذا هو السفياني
فلما كثرت غاشيته وتباعه من هذه الطبقة من الناس دعا أهل البيوتات من أهل
تلك الناحية فاستجاب له منهم جماعة من رؤساء اليمانية منهم رجل يقال له ابن
بيهس كان مطاعا في أهل اليمن ورجلان آخران من أهل دمشق فاتصل الخبر
312

بالمعتصم وهو عليل علته التي مات فيها فبعث إليه رجاء بن أيوب الحضاري في
زهاء ألف من الجند فلما صار رجاء إليه وجده في عالم من الناس فذكر الذي
أخبرني بقصته أنه كان في زهاء مائة ألف فكره رجاء مواقعته وعسكر بحذائه
وطاوله حتى كان أول عمارة الناس الأرضين وحراثتهم وانصرف من كان
من الحراثين مع أبي حرب إلى الحراثة وأرباب الأرضين إلى أرضيهم وبقى
أبو حرب في نفر زهاء ألف أو ألفين ناجزه رجاء الحرب فالتقى العسكران
عسكر رجاء وعسكر المبرقع فلما التقوا تأمل رجاء عسكر المبرقع فقال لأصحابه
ما أرى في عسكره رجلا له فروسية غيره وإنه سيظهر لأصحابه من نفسه بعض
ما عنده من الرجلة فلا تعجلوا عليه قال وكان الامر كما قال رجاء فما لبث المبرقع
أن حمل على عسكر رجاء فقال رجاء لأصحابه أفرجوا له فأفرجوا له حتى جاوزهم
ثم كر راجعا فأمر رجاء أصحابه أن يفرجوا له فأفرجوا له حتى حاوزهم ورجع
إلى عسكر نفسه ثم أمهل رجاء وقال لأصحابه إنه سيحمل عليكم مرة أخرى فأفرجوا
له فإذا أراد الرجوع فحولوا بينه وبين ذلك وخذوه ففعل المبرقع ذلك فحمل على
أصحاب رجاء فأفرجوا له حتى جاوزهم ثم كر راجعا فأحاطوا به فأخذوه فأنزلوه
عن دابته قال وقد كان قدم على رجاء حين ترك معاجلة المبرقع الحرب من قبل
المعتصم مستحث فأخذ الرسول فقيده إلى أن كان من أمره وأمر أبى حرب
ما كان مما ذكرنا ثم أطلقه قال فلما كان يوم قدوم رجاء بأبي حرب على المعتصم
عزله المعتصم على ما فعل برسوله فقال له رجاء يا أمير المؤمنين جعلني الله فداك
وجهتني في ألف إلى مائة ألف فكرهت أن أعاجله فأهلك ويهلك من معي ولا
نغنى شيئا فتمهلت حتى خف من معه ووجدت فرصة ورأيت لحربه وجها وقياما
فناهضته وقد خف من معه وهو في ضعف ونحن في قوة وقد جئتك بالرجل
أسيرا (قال أبو جعفر) وأما غير من ذكرت أنه حدثني حديث أبي حرب على
ما وصفت فإنه زعم أن خروجه إنما كان في سنة 226 وإنه خرج بفلسطين أو
بالرملة فقالوا إنه سفياني فصار في خمسين ألفا من أهل اليمن وغيرهم وأعتقد ابن
313

بيهس وآخر ان معه من أهل دمشق فوجه إليهم المعتصم رجاء الحضاري في جماعة
كبيرة فواقعهم بدمشق فقتل من أصحاب ابن بيهس وصاحبيه نحوا من خمسة آلاف
وأخذ ابن بيهس أسيرا وقتل صاحبيه وواقع أبا حرب بالرملة فقتل من أصحابه
نحوا من عشرين ألفا وأسر أبا حرب فحمل إلى سامرا فجعل وابن بيهس في المطبق
(وفى هذه السنة) أظهر جعفر بن مهرجش الكردي الخلاف فبعث إليه
المعتصم في المحرم ايتاخ إلى جبال الموصل لحربه فوثب بجعفر بعض أصحابه فقتله
(وفيها) كانت وفاة بشر بن الحارث الحافي في شهر ربيع الأول وأصله من
مرو (وفيها) كانت وفاة المعتصم وذلك فيما ذكر يوم الخميس فقال بعضهم
لثماني عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول لساعتين مضتا من النهار
* ذكر الخبر عن العلة التي كانت منها وفاته وقدر مدة عمره وصفته *
ذكر أن بدء علته أنه احتجم أول يوم من المحرم واعتل عندها فذكر عن
محمد بن أحمد بن رشيد عن زنام الزامر قال قد وجد المعتصم في علته التي توفى
فيها إفاقة فقال هيؤ إلى الزلال لأركب غدا قال فركب وركبت معه فمر في دجلة
بإزاء منازله فقال يا زنام ازمر لي
يا منزلا لم تبل أطلاله * حاشى لاطلالك أن تبلى
لم أبك أطلالك لكنني * بكيت عيشي فيك إذ ولى
والعيش أولى ما بكاه الفتى * لابد للمحزون أن يسلى
قال فما زلت أزمر هذا الصوت حتى دعا برطلية فشرب منها قدحا
وجعلت أزمره وأكرره وقد تناول منديلا بين يديه فما زال يبكى ويمسح
دموعه فيه وينتحب حتى رجع إلى منزله ولم يستتم شرب الرطلية * وذكر
عن علي بن الجعدانه قال لما احتضر المعتصم جعل يقول ذهبت الحيل
ليست حيلة حتى أصمت * وذكر عن غيره أنه جعل يقول إني أخذت من
بين هذا الخلق * وذكر عنه أنه قال لو علمت أن عمري هكذا قصير ما فعلت
ما فعلت فلما مات دفن بسامرا فكانت خلافته ثماني سنين وثمانية أشهر ويومين
314

وقيل كان مولده سنة 180 في شعبان وقيل كان في سنة 179 فإن كان مولده سنة 180
فان عمره كله كان ستا وأربعين سنة وسبعة أشهر وثمانية عشر يوما وإن كان مولده سنة
179 فان عمره كان سبعا وأربعين سنة وشهرين وثمانية عشر يوما وكان فيما ذكر
أبيض أصهب اللحية طويلها مربوعا مشرب اللون حمرة حسن العينين وكان مولده
بالخلد وقال بعضهم ولد سنة 180 في الشهر الثامن وهو ثامن الخلفاء والثامن من
ولد العباس وعمره كان ثمانيا وأربعين سنة ومات عن ثمانية بنين وثمان بنات
وملك ثمان سنين وثمانية أشهر فقال محمد بن عبد الملك الزيات
قد قلت إذ غيبوك واصطفقت * عليك أيد بالترب والطين
اذهب فنعم الحفيظ كنت على ال‍ * دنيا ونعم الظهير للدين
لا جبر الله أمة فقدت * مثلك إلا بمثل هارون
وقال مروان بن أبي الجنوب وهو ابن أبي حفصة
أبو إسحاق مات ضحى فمتنا * وأمسينا بهارون حيينا
لئن جاء الخميس بما كرهنا * لقد جاء الخميس بما هوينا
* (ذكر الخبر عن بعض أخلاق المعتصم وسيره) *
ذكر عن ابن أبي دؤاد أنه ذكر المعتصم بالله فأسهب في ذكره وأكثر في
وصفه وأطنب في فضله وذكر من سعة أخلاقه وكرم اعراقه وطيب مركبه
ولين جانبه وجميل عشرته فقال قال لي يوما ونحن بعمورية ما تقول في البسر
يا أبا عبد الله قلت يا أمير المؤمنين نحن ببلاد الروم واليسر بالعراق قال صدقت
قد وجهت إلى مدينة السلام؟ بكباستين وعلمت أنك تشتهيه ثم قال يا إيتاخ
هات إحدى الكباستين فجاء بكباسة بسر فمد ذراعه وقبض عليها بيده وقال كل
بحياتي عليك من يدي فقلت جعلني الله فداك يا أمير المؤمنين بل تضعها فآكل
كما أريد قال لا والله إلا من يدي قال فوالله ما زال حاسرا عن ذراعه ومادا يده
وأنا أجتني من العذق وآكل حتى رمى به خاليا ما فيه بسرة قال وكنت كثيرا
ما أزامله في سفره ذلك إلى أن قلت له يوما يا أمير المؤمنين لو زاملك بعض
مواليك وبطانتك فاسترحت منى إليهم مرة ومنهم إلى مرة أخرى كان ذلك
315

أنشط لقلبك وأطيب لنفسك وأشد لراحتك قال فان سيما الدمشقي يزاملني اليوم
فمن يزاملك أنت قلت الحسن بن يونس قال فأنت واذك قال فدعوت الحسن
فزاملني وتهيأ ان ركب المعتصم بغلا فاختار أن يكون منفردا قال فجعل يسير
بسير بعيري فإذا أراد أن يكلمني رفع رأسه إلى وإذا أردت أن أكلمه خفضت رأسي
قال فانتهينا إلى واد ولم نعرف غوره وقد خلفنا العسكر وراءنا فقال لي مكانك
حتى أتقدم فأعرف غور الماء وأطلب قلته واتبع أنت موضع سيرى قال فتقدم
فدخل الوادي وجعل يطلب قلة الماء فمرة ينحرف عن يمينه ومرة ينحرف عن
شماله وتارة يمشى لسننه وأنا خلفه متبع لاثره حتى قطعنا الوادي قال واستخرجت
منه لأهل الشاش ألفى ألف درهم لكرى نهر لهم اندفن في صدر الاسلام فأضر
ذلك بهم فقال لي يا أبا عبد الله مالي ولك تأخذ مالي لأهل الشاش ويرغانة قلت هم
رعيتك يا أمير المؤمنين والأقصى والأدنى في حسن نظر الامام سواء وقال غيره
إنه إذا غضب لا يبالي من قتل ولا ما فعل * وذكر عن الفضل بن مروان أنه
قال لم يكن للمعتصم لذة في تزيين البناء وكانت غايته فيه الاحكام قال ولم يكن
بالنفقة على شئ أسمح منه بالنفقة في الحرب * وذكر محمد بن راشد قال قال لي
أبو الحسين إسحاق بن إبراهيم دعاني أمير المؤمنين المعتصم يوما فدخلت عليه وعليه
صدرة وشى ومنطقة ذهب وخف أحمر فقال لي يا إسحاق أحببت أن أضرب
معك بالصوالجة فبحياتي عليك إلا لبست مثل لباسي فاستعفيته من ذلك فأبى
فلبست مثل لباسه ثم قدم إليه فرس محلاة بحلية الذهب ودخلنا الميدان فلما ضرب
ساعة قال لي أراك كسلان وأحسبك تكره هذا الزي فقلت هو ذاك يا أمير
المؤمنين فنزل وأخذ بيدي ومضى يمشى وأنا معه إلى أن صار إلى حجرة الحمام
فقال خذ ثيابي يا إسحاق فأخذت ثيابه حتى تجرد ثم أمرني بنزع ثيابي ففعلت
ثم دخلنا أنا وهو الحمام وليس معنا غلام فقمت عليه ودلكته وتولى أمير المؤمنين
المعتصم منى مثل ذلك وأنا في كل ذلك أستعفيه فيأبى على ثم خرج من الحمام
فأعطيته ثيابه ولبست ثيابي ثم أخذ بيدي ومضى يمشى وأنا معه حتى صار إلى
316

مجلسه فقال يا إسحاق جئني بمصلى ومخدتين فجئته بذلك فوضع المخدتين ونام على
وجهه ثم قال هات مصلى ومخدتين فجئت بهما فقال ألقه ونم عليه بحذائي فحلفت
ألا أفعل فجلست عليه ثم حضر إيتاخ التركي واشناس فقال لهما امضيا إلى حيث
إذا صحت سمعتما ثم قال يا إسحاق في قلبي أمر أنا مفكر فيه منذ مدة طويلة وانما
بسطتك في هذا الوقت لافشيه إليك فقلت قل يا سيدي يا أمير المؤمنين فإنما أنا
عبدك وابن عبدك قال نظرت إلى أخي المأمون وقد اصطنع أربعة أنجبوا
واصطنعت أنا أربعة لم يفلح أحد منهم قلت ومن الذين اصطنعهم أخوك قال
طاهر بن الحسين فقد رأيت وسمعت وعبد الله بن طاهر فهو الرجل الذي لم ير
مثله وأنت فأنت والله لا يعتاض السلطان منك أبدا وأخوك محمد بن
إبراهيم وأين مثل محمد وأنا فاصطنعت الأفشين فقد رأيت إلى ما صار أمره واشناس
ففشل أيه وايتاخ فلا شئ ووصيف فلا مغنى فيه فقلت يا أمير المؤمنين جعلني
الله فداك أجيب على أمان من غضبك قال قلت يا أمير المؤمنين أعزك الله نظر
أخوك إلى الأصول فاستعملها فأنجبت فروعها واستعمل أمير المؤمنين فروعا لم
تنجب إذ لا أصول لها قال يا إسحاق لمقاساة ما مر بي في طول هذه المدة أسهل
على من هذا الجواب * وذكر عن إسحاق بن إبراهيم الموصلي أنه قال أتيت أمير
المؤمنين المعتصم بالله يوما وعنده قينة كان معجبا بها وهى تغنيه فلما سلمت وأخذت
مجلسي قال لها خذي فيما كنت فيه فغنت فقال لي كيف تراها يا إسحاق قلت يا أمير
المؤمنين أراها تقهره بحذق وتختله برفق ولا تخرج من شئ إلا إلى أحسن منه وفى صوتها
قطع شذور أحسن من نظم الدر على النحور فقال يا إسحاق لصفتك لها أحسن منها
ومن غنائها فقال لابنه هارون اسمع هذا الكلام * وذكر عن إسحاق بن إبراهيم
الموصلي أنه قال قلت للمعتصم في شئ فقال لي يا إسحاق إذا نصر الهوى بطل الرأي
فقلت له كنت أحب يا أمير المؤمنين أن يكون معي شبابي فأقوم من خدمتك بما
أنويه قال لي أو لست كنت تبلغ إذ ذاك جهدك قلت بلى قال فأنت الآن تبلغ جهدك
فسيان إذا * وذكر عن أبي حسان أنه قال كانت أم أبي إسحاق المعتصم من مولدات
317

الكوفة يقال لها ماردة * وذكر عن الفضل بن مروان أنه قال كانت أم المعتصم
ماردة سغدية وكان أبوها نشأ بالسواد قال أحسبه بالبندنيجين وكان للرشيد من
ماردة مع أبي إسحاق أبو إسماعيل وأم حبيب وآخران لم يعرف أسماؤهما *
وذكر عن أحمد بن أبي دؤاد أنه قال تصدق المعتصم ووهب على يدي وبسببي بقيمة
مائة ألف ألف درهم
* خلافة هارون الواثق أبى جعفر *
وبويع في يوم توفى المعتصم ابنه هارون الواثق بن محمد المعتصم وذلك في
يوم الأربعاء لثمان ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة 227 وكان يكنى أبا جعفر
وأمه أم ولد رومية تسمى قراطيس وهلك هذه السنة توفيل ملك الروم وكان
ملكه اثنتي عشرة سنة (وفيها) ملكت بعده امرأته تدورة وابنها ميخائيل بن
توفيل صبي (وحج) بالناس فيها جعفر بن المعتصم وكانت أم الواثق خرجت
معه تريد الحج فماتت بالحيرة لأربع خلون من ذي القعدة ودفنت بالكوفة في
دار داود بن عيسى
* ثم دخلت سنة ثمان وعشرين ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمن ذلك ما كان من الواثق إلى أشناس أن توجه وألبسه وشاحين بالجوهر
في شهر رمضان (وفيها) مات أبو الحسن المدائني في منزل إسحاق بن إبراهيم
الموصلي (وفيها) مات حبيب بن أوس الطائي أبو تمام الشاعر (وفيها) حج
سليمان بن عبد الله بن طاهر (وفيها) غلا السعر بطريق مكة فبلغ رطل خبز بدرهم
وراوية ماء بأربعين درهما وأصاب الناس في الموقف حر شديد ثم مطر شديد
فيه برد فأضر بهم شدة الحر ثم شدة البرد في ساعة واحدة ومطروا بمنى في يوم
النحر مطرا شديدا لم؟ مثله وسقطت قطعة من الجبل عند جمرة العقبة قتلت عدة
من الحاج (وحج) بالناس في هذه السنة محمد بن داود
318

* ثم دخلت سنة تسع وعشرين ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمن ذلك ما كان من حبس الواثق بالله الكتاب وإلزامهم أموالا فدفع أحمد بن
إسرائيل إلى إسحاق بن يحيى بن معاذ صاحب الحرس وأمر بضربه كل يوم عشرة
أسواط فضربه فيما قيل نحوا من ألف سوط فأدى ثمانين ألف دينار وأخذ من
سليمان بن وهب كاتب ايتاخ أربعمائة ألف دينار ومن الحسن بن وهب أربعة عشر
ألف دينار وأخذ من أحمد بن الخصيب وكنا به ألف ألف دينار ومن إبراهيم بن
رباح وكتابه مائة ألف دينار ومن نجاح ستين ألف دينار ومن أبى الوزير صلحا
مائة ألف وأربعين ألف دينار وذلك سوى ما أخذ من العمال بسبب عمالاتهم
ونصب محمد بن عبد الملك لابن أبي دؤاد سائر أصحاب المظالم العداوة فكشفوا
وحبسوا وأجلس إسحاق بن إبراهيم فنظر في أمرهم وأقيموا للناس ولقوا كل جهد
(ذكر الخبر عن السبب الذي بعث الواثق على فعله ما ذكرت بالكتاب في هذه السنة)
* ذكر عن عزون بن عبد العزيز الأنصاري أنه قال كنا ليلة في هذه السنة عند
الواثق فقال لست أشتهي الليلة النبيذ ولكن هلموا نتحدث الليلة فجلس في رواقه
الأوسط في الهاروني في البناء الأول الذي كان إبراهيم بن رباح بناه وقد كان في
أحد شقى ذلك الرواق قبة مرتفعة في السماء بيضاء كأنها بيضة إلا قدر ذراع فيما ترى
العين حولها في وسطها ساج منقوش مغشى باللازورد والذهب وكانت تسمى
قبة المنطقة وكان ذلك الرواق يسمى رواق قبة المنطقة قال فتحدثنا عامة الليل
فقال الواثق من منكم يعلم السبب الذي به وثب جدي الرشيد على البرامكة فأزال
نعمتهم قال عزون فقلت أنا والله أحدثك يا أمير المؤمنين كان سبب ذلك أن
الرشيد ذكرت له جارية لعون الخياط فأرسل إليها فاعترضها فرضى جمالها وعقلها
وحسن أدبها فقال لعون ما تقول في ثمنها قال يا أمير المؤمنين أمر ثمنها واضح
مشهور حلفت بعتقها وعتق رقيقي جميعا وصدقة مالي الايمان المغلظة التي لا
319

مخرج منها لي وأشهدت على بذلك العدول أن لا أنقص ثمنها عن مائة ألف دينار ولا
أحتال في ذلك بشئ من الحيل هذه قضيتها فقال أمير المؤمنين قد أخذتها
منك بمائة ألف دينار ثم أرسل إلى يحيى بن خالد يخبره بخبر الجارية
ويأمره أن يرسل إليه بمائة ألف دينار فقال يحيى هذا مفتاح سوء إذا اجترأ في
ثمن جارية واحدة على طلب مائة ألف دينار فهو أحرى أن يطلب المال على قدر
ذلك فأرسل يخبره أنه لا يقدر على ذلك فغضب عليه الرشيد وقال ليس في بيت مالي
مائة ألف دينار فأعاد عليه لابد منها فقال يحيى اجعلوها دراهم ليراها فيستكثرها
فلعله يردها فأرسل بها دراهم وقال هذه قيمة مائة ألف دينار وأمر أن توضع في
رواقه الذي يمر فيه إذا أراد المتوضأ لصلاة الظهر قال فخرج الرشيد في ذلك
الوقت فإذا جبل من بدر فقال ما هذا قالوا ثمن الجارية لم تحضر دنانير فأرسل
قيمتها دراهم فاستكثر الرشيد ذلك ودعا خادما له فقال اضمم هذه إليك واجعل
لي بيت مال لأضم إليه ما أريده وسماه بيت مال العروس وأمر برد الجارية إلى
عون وأخذ في التفتيش عن المال فوجد البرامكة قد استهلكوه فأقبل يهم بهم
ويمسك فكان يرسل إلى الصحابة وإلى قوم من أهل الأدب من غيرهم فيسامرهم
ويتعشى معهم فكان فيمن يحضر إنسان كان معروفا بالأدب وكان يعرف بكنيته
يقال له أبو العود فحضر ليلة فيمن حضره فأعجبه حديثه فأمر خادما له أن يأتي
يحيى بن خالد إذا أصبح فيأمره أن يعطيه ثلاثين ألف درهم ففعل فقال يحيى
لأبي العود أفعل وليس بحضرتنا اليوم مال يجئ المال ونعطيك إن شاء الله ثم
دافعه حتى طالت به الأيام قال فأقبل أبو العود يحتال أن يجد من الرشيد وقتا
يحرضه فيه على البرامكة وقد كان شاع في الناس ما كان يهم به الرشيد في
أمرهم فدخل عليه ليلة فتحدثوا فلم يزل أبو العود يحتال للحديث حتى وصله
بقول عمر بن أبي ربيعة
وعدت هند وما كانت تعد * ليت هندا أنجزتنا ما تعد
واستبدت مرة واحدة * إنما العاجز من لا يستبد
320

فقال الرشيد أجل والله إنما العاجز من لا يستبد حتى انقضى المجلس وكان
يحيى قد اتخذ من خدم الرشيد خادما يأتيه بأخباره وأصبح يحيى غاديا على الرشيد
فلما رآه قال قد أردت البارحة أن أرسل إليك بشعر أنشدنيه بعض من كان عندي
ثم كرهت أن أزعجك فأنشده البيتين فقال ما أحسنهما يا أمير المؤمنين وفطن لما
أراد فلما انصرف أرسل إلى ذلك الخادم فسأله عن إنشاد ذلك الشعر فقال
أبو العود أنشده فدعا الوزير يحيى بأبي العود فقال له إنا كنا قد لويناك بمالك
وقد جاءنا مال ثم قال لبعض خدمه اذهب فأعطه ثلاثين ألف درهم من بيت
مال أمير المؤمنين وأعطه من عندي عشرين ألف درهم لمطلنا إياه واذهب إلى
الفضل وجعفر فقل لهما هذا رجل مستحق أن يبر وقد كان أمير المؤمنين أمر
له بمال فأطلت مطله ثم حضر المال فأمرت أن يعطى ووصلته من عندي صلة
وقد أحببت أن تصلاه فسألا بكم وصله قال بعشرين ألف درهم فوصله كل واحد
منهما بعشرين ألف درهم فانصرف بذلك المال كله إلى منزله وجد الرشيد في أمرهم
حتى وثب عليهم وأزال نعمتهم وقتل جعفرا وصنع ما صنع فقال الواثق صدق
والله جدي إنما العاجز من لا يستبد وأخذ في ذكر الخيانة وما يستحق أهلها قال
عزون أحسبه سيوقع بكتابه فما مضى أسبوع حتى أوقع بكتابه وأخذ إبراهيم
ابن رباح وسليمان بن وهب وأبا الوزير وأحمد بن الخصيب وجماعتهم قال وأمر
الواثق بحبس سليمان بن وهب كاتب إيتاخ وأخذه بمائتي ألف درهم وقيل
دينار فقيد وألبس مدرعة من مدارع الملاحين فأدى مائة ألف درهم وسأل أن
يؤخذ بالباقي عشرين شهرا فأجابه الواثق إلى ذلك وأمر بتخلية سبيله ورده إلى
كتابة إيتاخ وأمره بلبس السواد (وفى هذه السنة) ولى شارباميان لايتاخ اليمن
وشخص إليها في شهر ربيع الآخر (وفيها) ولى محمد بن صالح بن العباس المدينة
(وحج) بالناس في هذه السنة محمد بن داود
(21 - 7)
321

* ثم دخلت سنة ثلاثين ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمن ذلك ما كان من توجيه الواثق بغا الكبير إلى الاعراب الذين عاثوا
بالمدينة وما حواليها
* ذكر الخبر عن ذلك *
ذكر أن بدء ذلك كان أن بنى سليم كانت تطاول على الناس حول المدينة بالشر
وكانوا إذا وردوا سوقا من أسواق الحجاز أخذوا سعرها كيف شاؤوا ثم تراقى
بهم الامر إلى أن أوقعوا بالجار بناس من بنى كنانة وباهلة فأصابوهم وقتلوا
بعضهم وذلك في جمادى الآخر سنة 230 وكان رأسهم عزيزة بن قطاب السلمي
فوجه إليهم محمد بن صالح بن العباس الهاشمي وهو يومئذ عامل المدينة مدينة
الرسول صلى الله عليه وسلم حماد بن جرير الطبري وكان الواثق وجه حمادا مسلحة
للمدينة لئلا يتطرقها الاعراب في مائتي فارس من الشاكرية فتوجه إليهم حماد
في جماعة من الجند ومن تطوع للخروج من قريش والأنصار ومواليهم وغيرهم
من أهل المدينة فسار إليهم فلقيته طلائعهم وكانت بنو سليم كارهة للقتال فأمر
حماد بن جرير بقتالهم وحمل عليهم بموضع يقال له الرويثة من المدينة على ثلاث
مراحل وكانت بنو سليم يومئذ وأمدادها جاؤوا من البادية في ستمائة وخمسين وعامة
من لقيهم من بنى عوف من بنى سليم ومعهم أشهب بن دويكل بن يحيى بن
حمير العوفي وعمه سلمة بن يحيى وعزيزة بن قطاب اللبيدي من بنى لبيد بن
سليم فكان هؤلاء قوادهم وكانت خيلهم مائة وخمسين فرسا فقاتلهم
حماد وأصحابه ثم أتت بنى سليم أمدادها خمسمائة من موضع فيه بدوهم وهو
موضع يسمى أعلى الرويثة بينها وبين موضع القتال أربعة أميال فاقتتلوا قتالا
شديدا فانهزمت سودان المدينة بالناس وثبت حماد وأصحابه وقريش
والأنصار فصلوا بالقتال حتى قتل حماد وعامة أصحابه وقتل ممن ثبت من قريش
322

والأنصار عدد صالح وحازت بنو سليم الكراع والسلاح والثياب وغلظ
أمر بنى سليم فاستباحت القرى والمناهل فيما بينها وبين مكة والمدينة حتى لم يمكن
أحدا أن يسلك ذلك الطريق وتطرقوا من يليهم من قبائل العرب فوجه إليهم الواثق
بغا الكبير أبا موسى التركي في الشاكرية والأتراك والمغاربة فقدمها بغا في شعبان
سنة 230 وشخص إلى حرة بنى سليم لأيام بقين من شعبان وعلى مقدمته طردوش
التركي فلقيهم ببعض مياه الحرة وكانت الوقعة بشق الحرة من وراء السوارقية
وهى قريتهم التي كانوا يأوون إليها والسوارقية حصون وكان جل من لقيه منهم
بنو عوف قيهم عزيزة بن قطاب والأشهب وهما رأسا القواد يومئذ فقتل بغا منهم
نحوا من خمسين رجلا وأسر مثلهم فانهزم الباقون وانكشف بنو سليم لذلك
ودعاهم بغا بعد الوقعة إلى الأمان على حكم أمير المؤمنين الواثق وأقام بالسوارقية
فأتوه واجتمعوا إليه وجمعهم من عشرة واثنين وخمسة وواحد وأخذ من جمعت
السوارقية من غير بنى سليم من أفناء الناس وهربت خفاف بنى سليم إلا أقلها
وهى التي كانت تؤذى الناس وتطرق الطريق وجل من صار في يده ممن ثبت
من بنى عوف كان آخر من أخذ منهم من بنى حبشي من بنى سليم فاحتبس عنده
من وصف بالشر والفساد وهم زهاء ألف رجل وخلى سبيل سائرهم ثم رحل
عن السوارقية بمن صار في يده من أسارى بنى سليم ومستأمنيهم إلى المدينة في
ذي القعدة سنة 230 فحبسهم فيها في الدار المعروفة بيزيد بن معاوية ثم شخص إلى
مكة حاجا في ذي الحجة فلما انقضى الموسم انصرف إلى ذات عرق ووجه إلى بنى
هلال من عرض عليهم مثل الذي عرض على بنى سليم فأقبلوا فأخذ من مردتهم
وعتاتهم نحوا من ثلثمائة رجل وخلى سائرهم ورجع من ذات عرق وهى على مرحلة
من البستان بينها وبين مكة مرحلتان (وفى هذه السنة) مات أبو العباس عبد الله
ابن طاهر بنيسابور يوم الاثنين لاحدى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول
بعد موت اشناس التركي بتسعة أيام ومات عبد الله بن طاهر واليه الحرب
والشرطة والسواد وخراسان وأعمالها والري وطبرستان وما يتصل بها وكرمان
323

وخراج هذه الأعمال كان يوم مات ثمانية وأربعين ألف ألف درهم فولى الواثق
أعمال عبد الله بن طاهر كلها ابنه طاهرا (وحج) في هذه السنة إسحاق بن إبراهيم
ابن مصعب فولى احداث الموسم (وحج) بالناس في هذه السند محمد بن داود
* ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمن ذلك ما كان من أمر الفداء الذي جرى على يد خاقان الخادم بين المسلمين
والروم في المحرم منها فبلغت عدة المسلمين فيما قيل أربعة آلاف وثلثمائة واثنين
وستين إنسانا (وفيها) قتل من قتل من بنى سليم بالمدينة في حبس بغا
* ذكر الخبر عن سبب قتلهم وما كان من أمرهم *
ذكر أن بغا لما صار إليه بنو هلال بذات عرق فأخذ منهم من ذكرت أنه
أخذ منهم شخص معتمرا عمرة المحرم ثم انصرف إلى المدينة فجعل كل من أخذ
من بنى هلال واحتبسهم عنده مع الذين كان أخذ من بنى سليم وجمعهم جميعا في
دار يزيد بن معاوية في الأغلال والأقياد وكانت بنو سليم حبست قبل ذلك بأشهر
ثم سار بغا إلى بنى مرة وفي حبس المدينة نحو من ألف وثلثمائة رجل من بنى سليم وهلال
فنقبوا الدار ليخرجوا فرأت امرأة من أهل المدينة النقب فاستصرخت أهل المدينة
فجاؤوا فوجدوهم قد وثبوا على الموكلين بهم فقتلوا منهم رجلا أو رجلين وخرج بعضهم أو
عامتهم فأخذوا سلاح الموكلين بهم واجتمع عليهم أهل المدينة أحرارهم وعبيدهم وعامل
المدينة يومئذ عبد الله بن أحمد بن داود الهاشمي فمنعوهم الخروج وباتوا محاصريهم
حول الدار حتى أصبحوا وكان وثوبهم عشية الجمعة وذلك أن عزيزة بن قطاب
قال لهم إني أتشأم بيوم السبت ولم يزل أهل المدينة يعتقبون القتال وقاتلتهم بنو
سليم فظهر أهل المدينة عليهم فقتلوهم أجمعين وكان عزيزة يرتجز ويقول
لا بد من زحم وإن ضاق الباب * إني أنا عزيزة بن القطاب
للموت خير للفتى من العاب * هذا وربى عمل للبواب
324

وقيده في يده قد فكه فرمى به رجلا فخر صريعا وقتلوا جميعا وقتلت سودان
المدينة من لقيت من الاعراب في أزقة المدينة ممن دخل يمتار حتى لقوا أعرابيا
خارجا من قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقتلوه وكان أحد بنى أبى بكر بن كلاب
من ولد عبد العزيز بن زرارة وكان بغا غائبا عنهم فلما قدم فوجدهم قد قتلوا شق
ذلك عليه ووجد وجدا شديدا * وذكر أن البواب كان قد ارتشى منهم ووعدهم
أن يفتح لهم الباب فعجلوا قبل ميعاده فكانوا يرتجزون ويقولون وهم يقاتلون
الموت خير للفتى من العار * قد أخذ البواب ألف دينار
وجعلوا يقولون حين أخذهم بغا
يا بغية الخير وسيف المنتبه * وجانب الجور البعيد المشتبه
من كان منا جانيا فلست به * إفعل هداك الله ما أمرت به
فقال أمرت أن أقتلكم وكان عزيزة بن قطاب رأس بنى سليم حين قتل أصحابه
صار إلى بئر فدخلها فدخل عليه رجل من أهل المدينة فقتله وصفت القتلى على
باب مروان بن الحكم بعضها فوق بعض * وحدثني أحمد بن محمد أن مؤذن أهل
المدينة أذن ليلة حراستهم بنى سليم بليل ترهيبا لهم بطلوع الفجر وأنهم قد أصبحوا
فجعل الاعراب يضحكون ويقولون يا شربة السويق تعلموننا بالليل ونحن أعلم
به منكم فقال رجل من بنى سليم
متى كان ابن عباس أميرا * يصل لصقل نابيه صريف
يجور ولا يرد الجور منه * ويسطو ما لوقعته ضعيف
وقد كنا نرد الجور عنا * إذا انتضيت بأيدينا السيوف
أمير المؤمنين سما إلينا * سمو الليث ثار من الغريف
فإن يمنن فعفو الله نرجو * وإن يقتل فقاتلنا شريف
وكان سبب غيبة بغا عنهم أنه توجه إلى فدك لمحاربة من فيها ممن كان تغلب
عليها من بنى فزارة ومرة فلما شارفهم وجه إليهم رجلا من فزارة يعرض عليهم
الأمان ويأتيه بأخبارهم فلما قدم عليهم الفزاري حذرهم سطوته وزين لهم الهرب
325

فهربوا ودخلوا في البر وخلوا فدك إلا نفرا بقوافيها منهم وكان قصدهم خيبر
وجنفا ونواحيها فظفر ببعضهم واستأمن بعضهم وهرب الباقون مع رأس لهم
يقال له الركاض إلى موضع من البلقاء من عمل دمشق وأقام بغا بجنفاء وهى قرية
من حد عمل الشأم مما يلي الحجاز نحوا من أربعين ليلة ثم انصرف إلى المدينة بمن
صار في يديه من بنى مرة وفزارة (وفى هذه السنة) صار إلى بغا من بطون
غطفان وفزارة وأشجع جماعة وكان وجه إليهم وإلى بنى ثعلبة فلما صاروا إليه فيما
ذكر أمر محمد بن يوسف الجعفري فاستحلفهم الايمان الموكدة ألا يتخلفوا عنه
متى دعاهم فحلفوا ثم شخص إلى ضرية لطلب بنى كلاب ووجه إليهم رسله فاجتمع
إليه منهم فيما قيل نحو من ثلاثة آلاف رجل فاحتبس منهم من أهل الفساد نحوا
من ألف رجل وثلثمائة رجل وخلى سائرهم ثم قدم بهم المدينة في شهر رمضان سنة
231 فحبسهم في دار يزيد بن معاوية ثم شخص إلى مكة بغا وأقام بها حتى شهد الموسم
فبقى بنو كلاب في الحبس لا يجرى عليهم شئ مدة غيبة بغا حتى رجع إلى المدينة فلما
صار إلى المدينة أرسل إلى من كان استحلف من ثعلبة وأشجع وفزارة فلم يجيبوه
وتفرقوا في البلاد فوجه في طلبهم فلم يلحق منهم كثير أحد (وفى هذه السنة)
تحرك ببغداد قوم في ربض عمرو بن عطاء فأخذوا على أحمد بن نصر الخزاعي البيعة
ذكر الخبر عن سبب حركة هؤلاء القوم وما آل إليه أمرهم أمر أحمد بن نصر
وكان السبب في ذلك أن أحمد بن نصر بن مالك بن الهيثم الخزاعي ومالك بن
الهيثم أحد نقباء بنى العباس وكان ابنه أحمد يغشاه أصحاب الحديث كيحيى بن معين
وابن الدورقي وابن خيثمة وكان يظهر المباينة لمن يقول القرآن مخلوق مع منزلة
أبيه كانت من السلطان في دولة بنى العباس ويبسط لسانه فيمن يقول ذلك مع غلظة
الواثق كانت على من يقول ذلك وامتحانه إياهم فيه وغلبة أحمد بن أبي دؤاد عليه
فحدثني بعض أشياخنا عمن ذكره أنه دخل على أحمد بن نصر في بعض تلك الأيام
وعنده جماعة من الناس فذكر عنده الواثق فجعل يقول ألا فعل هذا الخنزير أو
قال هذا الكافر وفشا ذلك من امره فخوف بالسلطان وقيل له قد اتصل أمرك
326

به فخافه وكان فيمن يغشاه رجل فيما ذكر يعرف بأبي هارون السراج وآخر يقال
له طالب وآخر من أهل خراسان من أصحاب إسحاق بن إبراهيم بن مصعب صاحب
الشرطة ممن يظهر له القول بمقالته فحرك المطيفون به يعنى أحمد بن نصر من أصحاب الحديث
وممن ينكر القول بخلق القرآن من أهل بغداد أحمد وحملوه على الحركة لانكار
القول؟ القرآن وقصدوه بذلك دون غيره لما كان لأبيه وجده في دولة بنى
العباس من الأثر ولما كان له ببغداد وأنه كان أحد من بايع له أهل الجانب الشرقي
على الامر بالمعروف والنهى عن المنكر والسمع له في سنة 201 لما كثر الدعار
بمدينة السلام وظهر بها الفساد والمأمون بخراسان وقد ذكرنا خبره فيما مضى
وأنه لم يزل أمره على ذلك ثابتا إلى أن قدم المأمون بغداد في سنة 204 فرجوا استجابة
العامة له إذا هو تحرك للأسباب التي ذكرت * فذكر أنه أجاب من سأله ذلك وأن
الذي كان يسعى له في دعاء الناس له الرجلان اللذان ذكرت أسماءهما قبل وأن
أبا هارون السراج وطالبا فرقا في قوم مالا فأعطيا كل رجل منهم دينارا دينارا
وواعدهم ليلة يضربون فيها الطبل للاجتماع في صبيحتها للوثوب بالسلطان فكان
طالب بالجانب الغربي من مدينة السلام فيمن عاقده على ذلك وأبو هارون
بالجانب الشرقي فيمن عاقده عليه وكان طالب وأبو هارون أعطيا فيمن أعطيا
رجلين من بنى أشرس القائد دنانير يفرقانها في جيرانهم فانتبذ بعضهم نبيذا واجتمع
عدة منهم على شربه فلما ثملوا ضربوا بالطبل ليلة الأربعاء قبل الموعد بليلة وكان
الموعد لذلك ليلة الخميس في شعبان سنة 231 لثلاث تخلو منه وهم يحسبونها ليلة
الخميس التي اتعدوا لها فأكثروا ضرب الطبل فلم يجبهم أحد وكان إسحاق بن إبراهيم
غائبا عن بغداد وخليفته بها اخوه محمد بن إبراهيم فوجه إليه محمد بن إبراهيم غلاما
له يقال له رحش فأتاهم فسألهم عن قصتهم فلم يظهر له أحد ممن ذكر بضرب
الطبل فدل على رجل يكون في الحمامات مصاب بعينه يقال له عيسى الأعور فهدده
بالضرب فأقر على ابني أشرس وعلى أحمد بن نصر بن مالك وعلى آخرين سماهم
فتتبع القوم من ليلتهم فأخذ بعضهم وأخذ طالبا ومنزله في الربض من الجانب
327

الغربي وأخذ أبا هارون السراج ومنزله في الجانب الشرقي وتتبع من سماه عيسى
الأعور في أيام وليال فصير وافى الحبس في الجانب الشرقي والغربي كل قوم في
ناحيتهم التي أخذوا فيها وقيد أبو هارون وطالب بسبعين رطلا من الحديد كل
واحد منهما وأصيب في منزل ابني أشرس علمان أخضران فيهما حمرة في بئر فتولى
إخراجهما رجل من أعوان محمد بن عياش وهو عامل الجانب الغربي وعامل
الجانب الشرقي العباس بن محمد بن جبريل القائد الخراساني ثم أخذ خصى لأحمد
ابن نصر فتهدد فأقر بما أقر به عيسى الأعور فمضى إلى أحمد بن نصر وهو في الحمام
فقال لأعوان السلطان هذا منزلي فإن أصبتم فيه علما أو عدة أو سلاحا لفتنة
فأنتم في حل منه ومن دمى ففتش فلم يوجد فيه شئ فحمل إلى محمد بن إبراهيم بن مصعب
وأخذوا خصيين وابنين له ورجلا ممن كان يغشاه يقال له إسماعيل بن محمد بن معاوية
ابن بكر الباهلي ومنزله بالجانب الشرقي فحمل هؤلاء الستة إلى أمير المؤمنين
الواثق وهو بسامرا على بغال بأكف ليس تحتهم وطاء فقيد أحمد بن نصر بزوج
قيود وأخرجوا من بغداد يوم الخميس لليلة بقيت من شعبان سنة 231 وكان
الواثق قد أعلم بمكانهم وأحضر ابن أبي دؤاد وأصحابه وجلس لهم مجلسا عاما
ليمتحنوا امتحانا مكشوفا فحضر القوم واجتمعوا عنده وكان أحمد بن أبي دؤاد
فيما ذكر كارها قتله في الظاهر فلما أتى بأحمد بن نصر لم يناظره الواثق في الشغب
ولا فيا رفع عليه من ارادته الخروج عليه ولكنه قال له يا أحمد ما تقول في القرآن
قال كلام الله وأحمد بن نصر مستقتل قد تنور وتطيب قال أفمخلوق هو قال هو
كلام الله قال فما تقول في ربك أتراه يوم القيامة قال يا أمير المؤمنين جاءت الآثار
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر
لا تضامون في رؤيته فنحن على الخبر قال وحدثني سفيان بن عيينة بحديث يرفعه
أن قلب ابن آدم بين إصبعين من أصابع الله يقلبه وكان النبي صلى الله عليه وسلم
يدعو يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك فقال له إسحاق بن إبراهيم ويلك انظر
ماذا تقول قال أنت أمرتني بذلك فأشفق إسحاق من كلامه وقال أنا أمرتك بذلك
328

قال نعم أمرتني أن أنصح له إذ كان أمير المؤمنين ومن نصيحتي له ألا يخالف
حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الواثق لمن حوله ما تقولون فيه فأكثروا
فقال عبد الرحمن بن إسحاق وكان قاضيا على الجانب الغربي فعزل وكان حاضرا
وكان أحمد بن نصر ودا له يا أمير المؤمنين هو حلال الدم وقال أبو عبد الله
الأرمني صاحب ابن أبي دؤاد اسقنى دمه يا أمير المؤمنين فقال الواثق القتل يأتي
على ما تريد وقال ابن أبي دؤاد يا أمير المؤمنين كافر يستتاب لعل به عاهة أو تغير
عقلي كأنه كره أن يقتل بسببه فقال الواثق إذا رأيتموني قد قمت إليه فلا يقومن
أحد معي فإني أحتسب خطاي إليه ودعا بالصمصامة سيف عمرو بن معد يكرب
الزبيدي وكان في الخزانة كان أهدى إلى موسى الهادي فأمر سلما الخاسر الشاعر
أن يصفه له فوصفه فأجازه فأخذ الواثق الصمصامة وهى صفيحة موصولة من
أسفلها مسمورة بثلاثة مسامير تجمع بين الصفيحة والصلة فمشى إليه وهو في
وسط الدار ودعا بنطع فصير في وسطه وحبل فشد رأسه ومد الحبل فضربه
الواثق ضربة فوقعت على حبل العاتق ثم ضربه أخرى على رأسه ثم انتضى سيما
الدمشقي سيفه فضرب عنقه وحز رأسه * وقد ذكر أن بغا الشرابي ضربه ضربة
أخرى وطعنه الواثق بطرف الصمصامة في بطنه فحمل معترضا حتى أتى به الحظيرة
التي فيها بابك فصلب فيها وفى رجله زوج قيود وعليه سراويل وقميص وحمل
رأسه إلى بغداد فنصب في الجانب الشرقي أياما وفى الجانب الغربي أياما ثم حول
إلى الشرقي وحظر على الرأس حظيرة وضرب عليه فسطاط وأقيم عليه الحرس
وعرف ذلك الموضع برأس أحمد بن نصر وكتب في أذنه رقعة هذا رأس الكافر
المشرك الضال وهو أحمد بن نصر بن مالك ممن قتله الله على يدي عبد الله هارون
الامام الواثق بالله أمير المؤمنين بعد أن أقام عليه الحجة في خلق القرآن ونفى
التشبيه وعرض عليه التوبة ومكنه من الرجوع إلى الحق فأبى إلا المعاندة والتصريح
والحمد لله الذي عجل به إلى ناره وأليم عقابه وإن أمير المؤمنين سأله عن ذلك
فأقر بالتشبيه وتكلم بالكفر فاستحل بذلك أمير المؤمنين دمه ولعنه * وأمر أن
329

يتتبع من وسم بصحبة أحمد بن نصر ممن ذكر أنه كان متشايعا له فوضعوا في الحبوس
ثم جعل نيف وعشرون رجلا وسموا في حبوس الظلمة ومنعوا من أخذ الصدقة
التي يعطاها أهل السجون ومنعوا من الزوار وثقلوا بالحديد وحمل أبو هارون
السراج وأخر معه إلى سامرا ثم ردوا إلى بغداد فجعلوا في المحابس وكان سبب
أخذ الذين أخذوا بسبب أحمد بن نصر أن رجلا قصارا كان في الربض جاء
إلى إسحاق بن إبراهيم بن مصعب فقال أنا أدلك على أصحاب أحمد بن نصر فوجه
معه من يتبعهم فلما اجتمعوا وجدوا على القصار سببا حبسوه معهم وكان له في
المهرزار نخل فقطع وانتهب منزله وكان ممن حبس بسببه قوم من ولد عمرو بن
اسفنديار فماتوا في الحبس فقال بعض الشعراء في أحمد بن أبي دؤاد
ما إن تحولت من إياد * صرت عذابا على العباد
أنت كما قلت من إياد * فارفق بذا الخلق يا إيادى
(وفى هذه السنة) أراد الواثق الحج فاستعد له ووجه عمر بن فرج إلى الطريق
لاصلاحه فرجع فأخبره بقلة الماء فبدأ له (وحج) بالناس فيها محمد بن داود
(وفيها) ولى الواثق جعفر بن دينار اليمن فشخص إليها في شعبان وحج هو وبغا
الكبير وعلى أحداث الموسم بغا الكبير وكان شخوص جعفر إلى اليمن في أربعة
آلاف فارس وألفى راجل وأعطى رزق ستة أشهر (وعقد) محمد بن عبد الملك
الزيات لإسحاق بن إبراهيم بن أبي خميصة مولى بنى قشير من أهل أضاخ فيها على
اليمامة والبحرين وطريق مكة مما يلي البصرة في دار الخلافة ولم يذكر أن
أحدا عقد لاحد في دار الخلافة إلا الخليفة غير محمد بن عبد الملك الزيات (وفى هذه
السنة) نقب قوم من اللصوص بيت المال الذي في دار العامة في جوف القصر
وأخذوا اثنين وأربعين ألفا من الدراهم وشيئا من الدنانير يسيرا فأخذوا بعد
وتتبع أخذهم يزيد الحلواني صاحب الشرطة خليفة إيتاخ (وفيها) خرج محمد بن
عمرو الخارجي من بنى زيد بن تغلب في ثلاثة عشر رجلا في ديار ربيعة فخرج إليه
غانم بن أبي مسلم بن حميد الطوسي وكان على حرب الموصل في مثل عدته فقتل من
330

الخوارج أربعة وأخذ محمد بن عمرو أسيرا فبعث به إلى سامرا فبعث به إلى مطبق
بغداد ونصبت رؤس أصحابه وأعلامه عند خشبة بابك (وفى هذه السنة) قدم
وصيف التركي من ناحية أصبهان والجبال وفارس وكان شخص في طلب الأكراد
لانهم قد كانوا تطرقوا إلى هذه النواحي وقدم معه منهم بنحو من خمسمائة نفس فيهم
غلمان صغار جمعهم في قيود وأغلال فأمر بحبسهم وأجيز وصيف بخمسة وسبعين
ألف دينار وقلد سيفا وكسى (وفى هذه السنة) تم الفداء بين المسلمين وصاحب
الروم واجتمع فيها المسلمون والروم على نهر يقال له اللامس على سلوقية على
مسيرة يوم من طرسوس
* ذكر الخبر عن سبب هذا الفداء وكيف كان *
ذكر عن أحمد بن أبي قحطبة صاحب خاقان الخادم وكان خادم الرشيد
وكان قد نشأ بالثغر أن خاقان هذا قدم على الواثق وقدم معه نفر من وجوه
أهل طرسوس وغيرها يشكون صاحب مظالم كان عليهم يكنى أبا وهب فأحضر
فلم يزل محمد بن عبد الملك يجمع بينه وبينهم في دار العامة عند انصراف الناس
يوم الاثنين والخميس فيمكثون إلى وقت الظهر وينصرف محمد بن عبد الملك
وينصرفون فعزل عنهم وأمر الواثق بامتحان أهل الثغور في القرآن فقالوا
بخلقه جميعا إلا أربعة نفر فأمر الواثق بضرب أعناقهم إن لم يقولوه وأمر لجميع
أهل الثغور بجوائز على ما رأى خاقان وتعجل أهل الثغور إلى ثغورهم وتأخر
خاقان بعدهم قليلا فقدم على الواثق رسل صاحب الروم وهو ميخائيل بن توفيل
ابن ميخائيل بن اليون بن جورجس يسأله أن يفادى بمن في يده من أسارى
المسلمين فوجه الواثق خاقان في ذلك فخرج خاقان ومن معه في فداء أسارى
المسلمين في آخر سنة 230 على موعد بين خاقان ورسل صاحب الروم الالتقاء
للفداء في يوم عاشوراء وذلك في العاشر من المحرم سنة 231 ثم عقد الواثق لأحمد
ابن سعيد بن سلم بن قتيبة الباهلي على الثغور والعواصم وأمره بحضور الفداء
فخرج على سبعة عشر من البرد وكان الرسل الذين قدموا في طلب الفداء قد جرى
331

بينهم وبين ابن الزيات اختلاف في الفداء قالوا لا نأخذ في الفداء امرأة عجوزا
ولا شيخا كبيرا ولا صبيا فلم يزل ذلك بينهم أياما حتى رضوا عن كل نفس بنفس
فوجه الواثق إلى بغداد والرقة في شرى من يباع من الرقيق من مماليك فاشترى
من قدر عليه منهم فلم تتم العدة فأخرج الواثق من قصره من النساء الروميات
العجائز وغيرهن حتى تمت العدة ووجه ممن مع ابن أبي دؤاد رجلين يقال
لأحدهما يحيى بن آدم الكرخي ويكنى أبا رملة وجعفر بن الحداء ووجه معهما
كاتبا من كتاب العرض يقال له طالب بن داود وأمره بامتحانهم هو وجعفر
فمن قال القرآن مخلوق فودى به ومن أبى ذلك ترك في أيدي الروم وأمر لطالب
بخمسة آلاف درهم وأمر أن يعطوا جميع من قال إن القرآن مخلوق ممن فودى به
دينارا لكل إنسان من مال حمل معهم فمضى القوم * فذكر عن أحمد بن الحارث
أنه قال سألت ابن أبي قحطبة صاحب خاقان الخادم وكان السفير الموجه بين
المسلمين والروم وجه ليعرف عدة المسلمين في بلاد الروم فاتى ملك الروم
وعرف عدتهم قبل الفداء فذكر أنه بلغت عدتهم ثلاثة آلاف رجل وخمسمائة
امرأة فأمر الواثق بفدائهم وعجل أحمد بن سعيد على البريد ليكون الفداء على
يديه ووجه من يمتحن الاسراء من المسلمين فمن قال منهم إن القرآن مخلوق وإن
الله عز وجل لا يرى في الآخرة فودى به ومن لم يقل ذلك ترك في أيدي الروم
ولم يكن فداء منذ أيام محمد بن زبيدة في سنة 4 أو 195 * قال فلما كان يوم
عاشوراء لعشر خلون من المحرم سنة 231 اجتمع المسلمون ومن معهم من العلوج
وقائدان من قواد الروم يقال لأحدهما القاس وللآخر طلسيوس والمسلمون
والمطوعة في أربعة آلاف بين فارس وراجل فاجتمعوا بموضع يقال له اللامس
فذكر عن محمد بن أحمد بن سعيد بن سلم بن قتيبة الباهلي أن كتاب أبيه أتاه أن
من فودى به من المسلمين ومن كان معهم من أهل ذمتهم أربعة آلاف وستمائة
إنسان منهم صبيان ونساء ستمائة ومنهم من أهل الذمة أقل من خمسمائة والباقون
رجال من جميع الآفاق * وذكر أبو قحطبة وكان رسول خاقان الخادم إلى ملك
332

الروم لينظر كم عدد الاسرى ويعلم صحة ما عزم عليه ميخائيل ملك الروم أن
عدد المسلمين قبل الفداء كان ثلاثة آلاف رجل وخمسمائة امرأة وصبى ممن كان
بالقسطنطينية وغيرها إلا من أحضره الروم ومحمد بن عبد الله الطرسوسي وكان
عندهم فأوفده أحمد بن سعيد بن سلم وخاقان مع نفر من وجوه الاسرى على
الواثق فحملهم الواثق على فرس فرس وأعطى لكل رجل منهم ألف درهم وذكر
محمد هذا أنه كان أسيرا في أيدي الروم ثلاثين سنة وأنه كان أسر في غزاة رامية
كان في العلافة فأسر وكان فيمن فودى به في هذا الفداء وقال فودى بنا في
يوم عاشوراء على نهر يقال له اللامس على سلوقية قريبا من البحر وأن عدتهم
كانت أربعة آلاف وأربعمائة وستين نفسا النساء وأزواجهن وصبيانهن ثمانمائة
وأهل ذمة المسلمين مائة أو أكثر فوقع الفداء كل نفس عن نفس صغيرا أو كبيرا
فاستفرغ خاقان جميع من كان في بلد الروم من المسلمين ممن علم موضعه قال فلما
جمعوا للفداء وقف المسلمون من جانب النهر الشرقي والروم من الجانب الغربي
وهو مخاضة فكان هؤلاء يرسلون من ههنا رجلا وهؤلاء من ههنا رجلا فيلتقيان
في وسط النهر فإذا صار المسلم إلى المسلمين كبر وكبروا وإذا صار الرومي إلى الروم
تكلم بكلامهم وتكلموا شبيها بالتكبير وذكر عن السندي مولى حسين الخادم أنه قال
عقد المسلمون جسرا على النهر وعقد الروم جسرا فكنا نرسل الرومي على جسرنا
ويرسلون الروم المسلم على جسرهم فيصير هذا إلينا وذاك إليهم وأنكر أن يكون
مخاضة وذكر عن محمد بن كريم أنه قال لما صرنا في أيدي المسلمين امتحننا جعفر
ويحيى فقلنا وأعطينا دينارين دينارين قال وكان البطريقان اللذان قدما بالأسرى
لا بأس بهما في معاشرتهما قال وخاف الروم عدد المسلمين لقلتهم وكثرة المسلمين فآمنهم
خاقان من ذلك وضرب بينهم وبين المسلمين أربعين يوما لا يغزون حتى
يصلون إلى بلادهم ومأمنهم وكان الفداء في أربعة أيام ففضل مع خاقان ممن كان
أمير المؤمنين أعد لفداء المسلمين عدة كبيرة وأعطى خاقان صاحب الروم ممن كان
قد فضل في يده مائة نفس ليكون عليهم الفضل استظهارا مكان من يخشى أن
333

يأسروه من المسلمين إلى انقضاء المدة ورد الباقين إلى طرسوس فباعهم قال
وكان خرج معنا ممن كان تنصر ببلاد الروم من المسلمين نحو من ثلاثين رجلا
فودى بهم قال محمد بن كريم ولما انقضت المدة بين خاقان والروم الأربعون
يوما غزا أحمد بن سعيد بن سلم بن قتيبة شاتيا فأصاب الناس الثلج والمطر فمات
منهم قدر مائتي انسان وغرق منهم في البدندون قوم كثير وأسر منهم نحو من
مائتين فوجد أمير المؤمنين الواثق عليه لذلك وحصل جميع من مات وغرق خمسمائة
انسان وكان أقبل إلى أحمد بن سعيد وهو في سبعة آلاف بطريق من عظمائهم
فحيز عنه فقال له وجوه الناس إن عسكرا فيه سبعة آلاف لا يتخوف عليه فإن
كنت لا تواجه القوم فتطرق بلادهم فأخذ نحوا من ألف بقرة وعشرة آلاف
شاة وخرج فعزله الواثق وعقد لنصر بن حمزة الخزاعي يوم الثلاثاء لأربع عشرة
ليلة بقيت من جمادى الأولى من هذه السنة (وفى هذه السنة) مات الحسن بن
الحسين أخو طاهر بن الحسين بطبرستان في شهر رمضان (وفيها) مات الخطاب
ابن وجه الفلس (وفيها) مات أبو عبد الله بن الأعرابي الراوية يوم الأربعاء
لثلاث عشرة خلت من شعبان وهو ابن ثمانين سنة (وفيها) ماتت أم أبيها بنت
موسى أخت علي بن موسى الرضا (وفيها) مات مخارق المغنى وأبو نصر أحمد
ابن حاتم راوية الأصمعي وعمرو بن أبي عمرو الشيباني ومحمد بن سعدان النحوي
* ثم دخلت سنة اثنتين وثلاثين ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمن ذلك ما كان من مسير بغا الكبير إلى بنى نمير حتى أوقع بهم
ذكر الخبر عن سبب مسيره إليهم وكيف كان الامر بينه وبينهم
حدثني أحمد بن محمد بن خالد بمعظم خبرهم وذكر أنه كان مع بغا في ذلك السفر
وأما سياق الكلام فلغيره ذكر أن سبب شخوص بغا إلى بنى نمير كان أن عمارة
ابن عقيل بن بلال بن جرير بن الخطفى امتدح الواثق بقصيدة فدخل عليه فأنشده
334

إياها فأمر له بثلاثين ألف درهم وبنزل فكلم عمارة الواثق في بنى نمير وأخبره
بعبثهم وفسادهم في الأرض واغارتهم على الناس وعلى اليمامة وما قرب منها
فكتب الواثق إلى بغا يأمره بحربهم فذكر أحمد بن محمد أن بغا لما أراد الشخوص
من المدينة إليهم حمل معه محمد بن يوسف الجعفري دليلا له على الطريق فمضى
نحو اليمامة يريدهم فلقى منهم جماعة بموضع يقال له الشريف فحاربوه فقتل بغا منهم
نيفا وخمسين رجلا وأسر نحوا من أربعين ثم سار إلى حظيان ثم سار إلى قرية لبنى
تميم من عمل اليمامة تدعى مرأة فنزل بها ثم تابع إليهم رسله يعرض عليهم الأمان
ودعاهم إلى السمع والطاعة وهم في ذلك يمتنعون عليه ويشتمون رسله ويتفلتون إلى
حربه حتى كان آخر من وجه إليهم رجلين أحدهما من بنى عدى من تميم والآخر
من بنى نمير فقتلوا التميمي وأثبتوا النميري جراحا فسار بغا إليهم من مرأة وكان
مسيره إليهم في أول صفر من سنة 232 فورد بطن نخل وسار حتى دخل نخيلة
وأرسل إليهم أن ائتوني فاحتملت بنو ضبة من نمير فركبت جبالها مياسر جبال
السود وهو جبل خلف اليمامة أكثر أهله باهلة فأرسل إليهم فأبوا أن يأتوه
فأرسل إليهم سرية فلم تدركهم فوجه سرايا فأصابت فيهم وأسرت منهم ثم إنه
أتبعهم بجماعة من معه وهم نحو من ألف رجل سوى من تخلف في العسكر من
الضعفاء والاتباع فلقيهم وقد جمعوا له وحشدوا لحربه وهم يومئذ نحو من ثلاثة
آلاف بموضع يقال له روضة الا بان وبطن السر من القرنين على مرحلتين ومن
أضاخ على مرحلة فهزموا مقدمته وكشفوا ميسرته وقتلوا من أصحابه نحوا من
مائة وعشرين أو مائة وثلاثين رجلا وعقروا من ابل عسكره نحوا من سبعمائة
بعير ومائة دابة وانتهبوا الأثقال وبعض ما كان مع بغا من الأموال قال لي أحمد
لقيهم بغا وهجم عليهم وغلبه الليل فجعل بغا يناشدهم ويدعوهم إلى الرجوع وإلى
طاعة أمير المؤمنين ويكلمهم بذلك محمد بن يوسف الجعفري فجعلوا يقولون له يا محمد
ابن يوسف قد والله ولدناك فما رعيت حرمة الرحم ثم جئتنا بهؤلاء العبيد والعلوج
تقاتلنا بهم والله لنرينك العبر ونحو ذلك من القول فلما دنا الصبح قال محمد بن يوسف
335

لبغا أوقع بهم من قبل أن يضئ الصبح فيروا قلة عددنا فيجترئوا علينا فأبى بغا
عليه فلما أضاء الصبح ونظروا إلى عدد من مع بغا وكانوا قد جعلوا رجالتهم
أمامهم وفرسانهم وراءهم ونعمهم ومواشيهم من ورائهم حملوا علينا فهزمونا حتى
بلغت هزيمتنا معسكرنا وأيقنا بالهلكة قال وكان قد بلغ بغا أن خيلا لهم بمكان من
بلادهم فوجه من أصحابه نحوا من مائتي فارس إليها قال فبينا نحن فيما نحن فيه من
الاشراف على العطب وقد هزم بغا ومن معه إذ خرجت الجماعة التي كان بغا وجهها
من الليل إلى تلك الخيل وقد أقبلت منصرفة من الموضع الذي وجهت إليه من العسكر
في ظهور بنى نمير وقد فعلوا ما فعلوا ببغا وأصحابه فنفخوا في صفاراتهم فلما سمعوا نفخ
الصفارات ونظروا إلى من خرج عليهم في أدبارهم قالوا عذر والله العبد وولوا
هاربين وأسلم فرسانهم رجالتهم بعد أن كانوا على غاية المحاماة عليهم قال لي أحمد
ابن محمد فلم يفلت من؟ كثير أحد حتى قتلوا عن آخرهم وأما الفرسان فطاروا
هرابا على ظهور الخيل وأما غير أحمد بن محمد فإنه قال لم تزل الهزيمة على بغا وأصحابه
منذ غدوة إلى انتصاف النهار وذلك يوم الثلاثاء لثلاث عشرة خلت من جمادى
الآخرة سنة 232 ثم تشاغلوا بالنهب وعقر الإبل والدواب حتى تاب إلى بغا من
كان انكشف من أصحابه واجتمع إليه من كان تفرق عنه فكروا على بنى نمير فهزمهم
وقتل منهم منذ زوال الشمس إلى وقت العصر زهاء ألف وخمسمائة رجل وأقام بغا بموضع
الوقعة على الماء المعروف ببطن السر حتى جمعت له رؤس من قتل من بنى نمير واستراح
هو وأصحابه ثلاثة أيام فحدثني أحمد بن محمد أن من هرب من فرسان بنى نمير من
الوقعة أرسلوا إلى بغا يطلبون منه الأمان فأعطاهم الأمان فصاروا إليه فقيدهم
وأشخصهم معه وأما غيره فإنه قال سار بغا من موضع الوقعة في طلب من شذ عنه
منهم فلم يدرك إلا الضعيف ممن لم يكن له نهوص منهم وبعض المواشي والنعم
ورجع إلى حصن باهلة قال وإنما قاتل بغا من بنى نمير بنو عبد الله بن نمير وبنو
بسرة وبلحجاج وبنو قطن وبنو سلاه وبنو شريح وبطون من الخوالف وهم من
بنى عبد الله بن نمير ولم يكن في القتال من بنى عامر بن نمير إلا القليل وبنو عامر
336

ابن نمير أصحاب نخل وشاء وليسوا أصحاب خيل وعبد الله بن نمير هي التي تحارب
العرب فقال عمارة بن عقيل لبغا
تركت الاعقفين وبطن قو * وملأت السجون من القماش
فحدثني أحمد بن محمد أن الذين دخلوا إلى بغا بالأمان من بنى نمير لما قيدهم
وحبسهم وأشخصهم معه شغبوا في الطريق وحاولوا كسر قيودهم والهرب
فأمر باحضارهم واحدا بعد واحد فكان إذا حضر الواحد يضربه ما بين الأربعمائة
إلى الخمسمائة وأقل من ذلك وأكثر فزعم أحد أنه حضر ضربهم ولم ينطق منهم
ناطق يتوجع من الضرب وأنه أحضر منهم شيخ قد علق في عنقه مصحفا ومحمد
ابن يوسف جالس إلى جنب بغا فضحك منه محمد بن يوسف وقال لبغا هذا
أخبث ما كان أصلحك الله حين علق المصحف في عنقه فضربه أربعمائة أو خمسمائة
فما توجع وما استغاث * وذكر أن فارسا من بنى نمير لقى بغا في وقعتهم التي ذكرت
أمرها بدعاء المجنون فطعن بغا ورمى المجنون رجل من الأتراك فأفلت وعاش
أياما ثلاثة ثم مات من رميته * قال ثم قدم عليه واجن الأشروسني الصغدي
في سبعمائة رجل مددا له من الأشر وسنيه الا؟ فوجهه بغا ومحمد بن
يوسف الجعفري في أثرهم فلم يزل يتبعهم حتى وغلوا في البلاد وصاروا بتبالة
وما يليها من حد عمل اليمن وفاتوه فانصرف ولم يصر في يديه منهم إلا ستة نفر
أو سبعة وأقام بحصن باهلة ووجه إلى جبال بنى نمير وسهلها من هلان والسود
وغيرها من عمل اليمامة سرايا في محاربة من امتنع ممن قبل الأمان منهم فقتلوا جماعة
وأسروا جماعة وأقبل عدة من ساداتهم كلهم يطلب الأمان لنفسه والبطن الذي
هو منه فقبل ذلك منهم وبسطهم وآنسهم ولم يزل مقيما إلى أن جمع إليه كل من
ظن أنه كان في هذه النواحي منهم وأخذ منهم زهاء ثمانمائة رجل فأثقلهم بالحديد
وحملهم إلى البصرة في ذي القعدة من سنة 232 وكتب إلى صالح العباسي بالمسير
بمن قبله في المدينة من بنى كلاب وفزارة ومرة وثعلبة وغيرهم واللحاق به فوافاه
صالح العباسي ببغداد وصاروا جميعا في المحرم إلى سامرا سنة 233 وكانت عدة من
(22 - 7)
337

قدم به بغا وصالح العباسي من الاعراب سوى من مات منهم وهرب وقتل في هذه
الوقائع التي وصفناها ألفى رجل ومائتي رجل من بنى نمير ومن بنى كلاب ومن
مرة وفزارة ومن ثعلبة وطيئ (وفى هذه السنة) أصاب الحاج في المرجع عطش
شديد في أربعة منازل إلى الربذة فبلغت الشربة عدة دنانير ومات خلق كثير
من العطش (وفيها) ولى محمد بن إبراهيم بن مصعب فارس (وفيها) أمر الواثق
بترك جباية أعشار سفن البحر (وفيها) اشتد البرد في نيسان حتى جمد الماء لخمس
خلون منه (وفيها) مات الواثق
* ذكر الخبر عن العلة التي كانت بها وفاته *
ذكر لي جماعة من أصحابنا أن علته التي توفى منها كانت الاستسقاء فعولج
بالاقعاد في تنور مسخن فوجد لذلك راحة وخفة مما كان به فأمرهم من غد ذلك
اليوم بزيادة في إسخان التنور ففعل ذلك وقعد فيه أكثر من قعوده في اليوم
الذي قبله فحمى عليه فأخرج منه وصير في محفة وحضره الفضل بن إسحاق الهاشمي
وعمر بن فرج وغيرهم ثم حضر ابن الزيات وابن أبي دؤاد فلم يعلموا بموته حتى
ضرب بوجهه المحفة فعلموا أنه قد مات (وقد قيل) إن أحمد بن أبي دؤاد حضره
وقد أغمي عليه فقضى وهو عنده فأقبل يغمضه ويصلح من شأنه. وكانت وفاته
لست بقين من ذي الحجة ودفن في قصره بالهاروني وكان الذي صلى عليه وأدخله
قبره وتولى أمره أحمد بن أبي دؤاد وكان الواثق أمر أحمد بن أبي دؤاد أن يصلى
بالناس يوم الأضحى في المصلى فصلى بهم العيد لان الواثق كان شديد العلة فلم يقدر على
الحضور إلى المصلى ومات من علته تلك
* ذكر الخبر عن صفة الواثق وسنه وقدر مدة خلافته *
ذكر من رآه وشاهده أنه كان أبيض مشربا حمرة جميلا ربعة حسن الجسم
قائم العين اليسرى وفيها نكت بياض وتوفى فيما زعم بعضهم وهو ابن ست
وثلاثين سنة وفى قول بعضهم وهو ابن اثنتين وثلاثين سنة فقال الذين زعموا
أنه كان ابن ست وثلاثين كان مولده سنة 196 وكانت خلافته خمس سنين وتسعة
338

أشهر وخمسة أيام وقال بعضهم وسبعة أيام واثنتي عشرة ساعة وكان ولد بطريق
مكة وأمه أم ولد رومية يقال لها قراطيس واسمه هارون وكنيته أبو جعفر.
وذكر أنه لما اعتل علته التي مات فيها وسقى بطنه أمر باحضار المنجمين فاحضروا
وكان ممن حضر الحسن بن سهل أخو الفضل بن سهل والفضل بن إسحاق الهاشمي
وإسماعيل بن نوبخت ومحمد بن موسى الخوارزمي المجوسي القطر بلى وسند صاحب
محمد بن الهيثم وعامة من ينظر في النجوم فنظروا في علته ونجمه ومولده فقالوا يعيش
دهرا طويلا وقدروا له خمسين سنة مستقبلة فلم يلبث إلا عشرة أيام حتى مات
* ذكر بعض أخباره *
ذكر الحسن بن الضحاك أنه شهد الواثق بعد أن مات المعتصم بأيام وقد قعد
مجلسا كان أول مجلس قعده فكان أول ما تغنى به من الغناء في ذلك المجلس أن تغنت
شارية جارية إبراهيم بن المهدى
ما درى الحاملون يوم استقلوا * نعشه للثواء أم للفناء
فليقل فيك أبا كياتك ما شئ‍ * ن صباحا ووقت كل مساء
قال فبكى والله وبكينا حتى شغلنا البكاء عن جميع ما كنا فيه ثم اندفع
بعض المغنيين فغنى:
ودع هريرة إن الركب مرتحل * وهل تطيق وداعا أيها الرجل
* قال فازداد والله في البكاء وقال ما سمعت كاليوم قط تعزية بأب وبغى
نفس ثم ارفض ذلك المجلس * وذكر عن عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع
أن علي بن الجهم قال في الواثق بعد أن ولى الخلافة
قد فاز ذو الدنيا وذو الدين * بدولة الواثق هارون
أفاض من عدل ومن نائل * ما أحسن الدنيا مع الدين
قد عم بالاحسان في فضله * فالناس في خفض وفى لين
ما أكثر الداعي له بالبقا * وأكثر التالي بآمين
وقال علي بن الجهم أيضا فيه
339

وثقت بالملك الواثق * بالله النفوس
ملك يشقى به ألما * ل ولا يشقى الجليس
أنس السيف به واستوحش * العلق النفيس
أسد تضحك عن شدادته * الحرب العبوس
يا بنى العباس يأبى الله * إلا أن تسوسوا
فغنت قلم جارية صالح بن عبد الوهاب في هذين الشعرين وغنت في شعر
محمد بن كناسة:
في انقباض وحشمة فإذا * جالست أهل الوفاء والكرم
أرسلت نفسي على سجيتها * وقلت ما شئت غير محتشم
فغنته الواثق فاستحسنه فبعث إلى ابن الزيات ويحك من صالح بن عبد الوهاب
هذا فابعث إليه فأشخصه وليحمل جاريته فغدا بها صالح إلى الواثق فأدخلت عليه
فلما تغنت ارتضاها فبعث إليه فقال قل فقال مائة ألف دينار يا أمير المؤمنين
وولاية مصر فردها ثم قال أحمد بن عبد الوهاب أخو صالح في الواثق
أبت دار الأحبة أن تبينا * أجدك ما رأيت لها معينا
تقطع حسرة من حب ليلى * نفوس ما أثبن ولا جزينا
فصنعت فيه قلم جارية صالح فغناه زرزر الكبير للواثق فقال لمن ذا فقال
لقلم فبعث إلى ابن الزيات فأشخص صالحا ومعه قلم فلما دخلت عليه قال هذا لك
قالت نعم يا أمير المؤمنين قال بارك الله عليك وبعث إلى صالح استم وقل قولا
يتهيأ أن تعطاه فبعث إليه قد أهديتها إلى أمير المؤمنين فبارك الله لأمير المؤمنين
فيها قال قد قبلتها يا محمد عوضه خمسة آلاف دينار وسماها اغتباط فمطله ابن
الزيات فأعادت الصوت وهو * أبت دار الأحبة * البيت فقال لها بارك الله عليك
وعلى من رباك فقالت يا سيدي وما ينتفع من رباني وقد أمرت له بشئ لم يصل
إليه فقال الواثق يا سيمانة الدواة فكتب إلى ابن الزيات ادفع إلى صالح بن
عبد الوهاب ما عوضناه من ثمن اغتباط خمسة آلاف دينار وأضعفها قال صالح
340

فصرت إلى ابن الزيات فقربني وقال هذه الخمسة الأولى خذها والخمسة آلاف
الأخرى أدفعها إليك بعد جمعة فان سئلت فقل إني قبضت المال قال فكرهت أن
أسأل فأقر بالقبض فاختفيت في منزلي حتى دفع إلى المال فقال لي سيمانة قبضت
المال قلت نعم وترك عمل السلطان وتجر بها حتى توفى
* خلافة جعفر المتوكل على الله *
(وفى هذه السنة) بويع لجعفر المتوكل على الله بالخلافة وهو جعفر بن محمد
ابن هارون بن محمد بن عون الله بن محمد ذي الثفنات بن علي السجاد بن عبد الله بن
العباس بن عبد المطلب
* ذكر الخبر عن سبب خلافته ووقتها *
حدثني غير واحد أن الواثق لما توفى حضر الدار أحمد بن أبي دؤاد وإيتاخ
ووصيف وعمر بن فرج وابن الزيات وأحمد بن خالد أبو الوزير فعزموا على
البيعة لمحمد بن الواثق وهو غلام أمرد فألبسوه دراعة سوداء وقلنسوة
رصافية فإذا هو قصير فقال لهم وصيف أما تتقون الله تولون مثل هذا
الخلافة وهو لا يجوز معه الصلاة * قال فتناظروا فيمن يولونها فذكروا عدة
فذكر عن بعض من حضر الدار مع هؤلاء أنه قال خرجت من الموضع الذي
كنت فيه فمررت بجعفر المتوكل فإذا هو في قميص وسروال قاعد مع أبناء الأتراك
فقال لي ما الخبر فقلت لم ينقطع أمرهم ثم دعوا به فأخبره بغا الشرابي الخبر وجاء به
فقال أخاف أن يكون الواثق لم يمت قال فمر به فنظر إليه مسجى فجاء فجلس فألبسه
أحمد بن أبي دؤاد الطويلة وعممه وقبله بين عينيه وقال السلام عليك يا أمير
المؤمنين ورحمة الله وبركاته ثم غسل الواثق وصلى عليه ودفن ثم صاروا من
فورهم إلى دار العامة ولم يكن لقب المتوكل * وذكر أنه كان يوم بويع له ابن ست
وعشرين سنة ووضع العطاء للجند لثمانية أشهر وكان الذي كتب البيعة له محمد بن
عبد الملك الزيات وهو إذ ذاك على ديوان الرسائل واجتمعوا بعد ذلك على اختيار
341

لقب له فقال ابن الزيات نسميه المنتصر بالله وخاض الناس فيها حتى لم يشكوا
فيها فلما كان غداة يوم بكر أحمد بن أبي دؤاد إلى المتوكل فقال قد رويت في
لقب أرجوا أن يكون موافقا حسنا إن شاء الله وهو المتوكل على الله أمر بإمضائه
وأحضر محمد بن عبد الملك فأمر بالكتاب بذلك إلى الناس فنفذت إليهم الكتب
نسخة ذلك بسم الله الرحمن الرحيم أمر أبقاك الله أمير المؤمنين أطال الله بقاءه أن يكون
الرسم الذي يجرى به ذكره على أعواد منابره وفى كتبه إلى قضاته وكتابه وعماله وأصحاب
قضاته وكتابه وعماله وأصحاب دواوينه وغيرهم من سائر من تجرى المكاتبة بينه
وبينه من عبد الله جعفر الامام المتوكل على الله أمير المؤمنين فرأيك في العمل
بذلك واعلامي بوصول كتابي إليك موفقا إن شاء الله وذكر أنه لما أمر للأتراك
برزق أربعة أشهر وللجند والشاكرية ومن يجرى مجراهم من الهاشميين برزق
ثمانية أشهر أمر للمغاربة برزق ثلاثة أشهر فأبوا أن يقبضوا فأرسل إليهم من
كان منكم مملوكا فليمض إلى أحمد بن أبي دؤاد حتى يبيعه ومن كان حرا صيرناه
أسوة الجند فرضوا بذلك وتكلم وصيف فيهم حتى رضى عنهم فأعطوا ثلاثة
ثم أجروا بعد ذلك مجرى الأتراك وبويع للمتوكل ساعة مات الواثق بيعة الخاصة
وبايعته العامة حين زالت الشمس من ذلك اليوم * وذكر عن سعيد الصغير
أن المتوكل قبل أن يستخلف ذكر له ولجماعة معه أنه رأى في المنام أن سكرا
سليمانيا يسقط عليه من السماء مكتوبا عليه جعفر المتوكل على الله فعبرها علينا
فقلنا هي والله أيها الأمير أعزك الله الخلافة قال وبلغ الواثق ذلك فحبسه وحبس
سعيدا معه وضيق على جعفر بسبب ذلك (وحج) بالناس في هذه السنة
محمد بن داود
* ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمن ذلك ما كان من غضب المتوكل على محمد بن عبد الملك الزيات وحبسه إياه
342

* ذكر الخبر عن سبب ذلك وإلى ما آل إليه الامر *
أما السبب في غضبه عليه فإنه كان فيما ذكر أن الواثق كان استوزر محمد
ابن عبد الملك الزيات وفوض إليه الأمور وكان الواثق قد غضب على أخيه
جعفر المتوكل لبعض الأمور فوكل عليه عمر بن فرج الرخجي ومحمد بن العلاء
الخادم فكانا يحفظانه ويكتبان بأخباره في كل وقت فصار جعفر إلى محمد بن
عبد الملك يسأله أن يكلم له أخاه الواثق ليرضى عنه فلما دخل عليه مكث واقفا
بين يديه مليا لا يكلمه ثم أشار إليه أن يقعد فقعد فلما فرغ من نظره في الكتب
التفت إليه كالمتهدد له فقال ما جاء بك قال جئت لتسأل أمير المؤمنين الرضى عنى
فقال لمن حوله انظروا إلى هذا يغضب أخاه ويسألني أن أسترضيه له اذهب
فإنك إذا صلحت رضى عنك فقام جعفر كئيبا حزينا لما لقيه به من قبح اللقاء
والتقصير به فخرج من عنده فأتى عمر بن فرج ليسأله أن يختم له صكه ليقبض
أرزاقه فلقيه عمر بن فرج بالخيبة وأخذ الصك فرمى به إلى صحن المسجد وكان
عمر يجلس في مسجد وكان أبو الوزير أحمد بن خالد حاضرا فقام لينصرف فقام
معه جعفر فقال يا أبا الوزير أرأيت ما صنع بي عمر بن فرج قال جعلت فداك
أنا زمام عليه وليس يختم صكى بأرزاق إلا بالطلب والترفق به فابعث إلى بوكيلك
فبعث جعفر بوكيله فدفع إليه عشرين ألفا وقال أنفق هذا حتى يهيئ الله أمرك
فأخذها ثم أعاد إلى أبى الوزير رسوله بعد شهر يسأله اعانته فبعث إليه بعشرة
آلاف درهم ثم صار جعفر من فوره حين خرج من عند عمر إلى أحمد بن أبي دؤاد
فدخل عليه فقام له أحمد واستقبله على باب البيت وقبله والتزمه وقال ما جاء
بك جعلت فداك قال قد جئت لتسترضي لي أمير المؤمنين قال أفعل ونعمة عين
وكرامة فكلم أحمد بن أبي دؤاد الواثق فيه فوعده ولم يرض عنه فلما كان يوم
الحلبة كلم أحمد بن أبي دؤاد الواثق وقال معروف المعتصم عندي معروف وجعفر
ابنه فقد كلمتك فيه ووعدت الرضى فبحق المعتصم يا أمير المؤمنين إلا رضيت
عنه فرضى عنه من ساعته وكساه وانصرف الواثق وقد قلد أحمد بن أبي دؤاد
343

جعفرا بكلامه حتى رضى عنه أخوه شكرا فأحظاه ذلك عنده حين ملك وذكر
أن محمد بن عبد الملك كان كتب إلى الواثق حين خرج جعفر من عنده يا أمير
المؤمنين أتاني جعفر بن المعتصم يسألني ان أسأل أمير المؤمنين الرضى عنه في
زي المخنثين له شعر قفا فكتب إليه الواثق ابعث إليه فأحضره ومر من يجز شعر
قفاه ثم مر من يأخذ من شعره ويضرب به وجهه واصرفه إلى منزله * فذكر
عن المتوكل أنه قال لما أتاني رسوله لبست سوادا لي جديدا وأتيته رجاء أن
يكون قد أتاه الرضى عنى فأتيته فقال يا غلام ادع لي حجاما فدعى به فقال خذ
شعره واجمعه فأخذه على السواد الجديد ولم يأته بمنديل فأخذ شعره وشعر قفاه
وضرب به وجهه قال المتوكل فما دخلني من الجزع على شئ مثل ما دخلني حين
أخذني على السواد الجديد وقد جئته فيه طامعا في الرضى فاخذ شعري عليه ولما
توفى الواثق أشار محمد بن عبد الملك بابن الواثق وتكلم في ذلك وجعفر في حجرة
غير الحجرة التي يتشاورون فيها فيمن يقعدون حتى بعث إليه فعقد له هناك فكان
سبب هلاك ابن الزيات وكان بغا الشرابي الرسول إليه يدعوه فسلم عليه بالخلافة
في الطريق فعقدوا له وبايعوا فأمهل حتى إذا كان يوم الأربعاء لسبع خلون من
صفر وقد عزم المتوكل على مكروه أن يناله به أمر ايتاخ بأخذه وعذابه فبعث
إليه ايتاخ فظن أنه دعى به فركب بعد غدائه مبادرا يظن أن الخليفة دعا به فلما
حاذى منزل ايتاخ قيل له اعدل إلى منزل أبى منصور فعدل وأوجس في نفسه خيفة
فلما جاء إلى الموضع الذي كان ينزل فيه ايتاخ عدل به عنه فأحس بالشر ثم أدخل
حجرة وأخذ سيفه ومنطقته وقلنسوته ودراعته فدفع إلى غلمانه وقيل لهم
انصرفوا فانصرفوا لا يشكون انه مقيم عند ايتاخ ليشرب النبيذ قال وقد
كان ايتاخ أعد له رجلين من وجوه أصحابه يقال لهما يزيد بن عبد الله
الحلواني وهرثمة شارباميان فلما حصل محمد بن عبد الملك خرجا يركضان في
جندهما وشاكريتهما حتى أتيا دار محمد بن عبد الملك فقال لهم غلمان محمد أين
تريدون قد ركب أبو جعفر فهجما على داره وأخذا جميع ما فيها فذكر عن ابن
344

الحلواني أنه قال أتيت البيت الذي كان لمحمد بن عبد الملك يجلس فيه فرأيته رث
الهيئة قليل المتاع ورأيت فيه طنافس أربعة وقناني رطليات فيها شراب ورأيت
بيتا ينام فيه جواريه فرأيت فيه بوريا ومخاد منضدة في جانب البيت على أن
جواريه كن ينمن فيه بلا فرش * وذكر أن المتوكل وجه في هذا اليوم من
قبض ما في منزله من متاع ودواب وجوار وغلمان فصير ذلك كله في الهاروني
ووجه راشدا المغربي إلى بغداد في قبض ما هنالك من أمواله وخدمه وأمر
أبا الوزير يقبض ضياعه وضياع أهل بيته حيث كانت فأما ما كان بسامرا فحمل
إلى خزائن مسرور سيمانة بعد أن اشترى للخليفة وقيل لمحمد بن عبد الملك وكل
ببيع متاعك وأتوه بالعباس بن أحمد بن رشيد كاتب عجيف فوكله بالبيع عليه
فلم يزل أياما في حبسه مطلقا ثم أمر بتقييده فقيد وامتنع من الطعام وكان لا
يذوق شيئا وكان شديد الجزع في حبسه كثير البكاء قليل الكلام كثير التفكر
فمكث أياما ثم سوهر ومنع من النوم يساهر وينخس بمسلة ثم ترك يوما وليلة
فنام وانتبه فاشتهى فاكهة وعنبا فأتى به فأكل ثم أعيد إلى المساهرة ثم أمر
بتنور من خشب فيه مسامير حديد * فذكر عن ابن أبي دؤاد وأبى الوزير
أنهما قالا هو أول من أمر بعمل ذلك فعذب به ابن أسباط المصري حتى
استخرج منه جميع ما عنده ثم ابتلى به فعذب به أياما * فذكر عن الدنداني عن
الموكل بعذابه أنه قال كنت أخرج وأقفل الباب عليه فيمد يديه إلى السماء جميعا
حتى يدق موضع كتفيه ثم يدخل التنور فيجلس والتنور فيه مسامير حديد وفى
وسطه خشبة معترضة يجلس عليها المعذب إذا أراد أن يستريح فيجلس على الخشبة
ساعة ثم يجئ الموكل به فإذا هو سمع صوت الباب يفتح قام قائما كما كان ثم
شددوا عليه قال المعذب له خاتلته يوما وأريته أنى أقفلت الباب ولم أقفله إنما
أغلقته بالقفل ثم مكثت قليلا ثم دفعت الباب غفلة فإذا هو قاعد في التنور على
الخشبة فقلت أراك تعمل هذا العمل فكنت إذا خرجت بعد ذلك شددت خناقه
فكان لا يقدر على القعود واستللت الخشبة حتى كانت تكون بين رجليه فما مكث
345

بعد ذلك إلا أياما حتى مات * واختلف في الذي قتل به فقيل بطح فضرب على
بطنه خمسين مقرعة ثم قلب فضرب على استه يثلها فمات وهو يضرب وهم لا
يعلمون فأصبح ميتا قد التوت عنقه ونتفت لحيته وقيل مات بغير ضرب * وذكر
عن مبارك المغربي أنه قال ما أظنه أكل في طول حبسه إلا رغيفا واحدا وكان
يأكل العنبة والعنبتين قال وكنت أسمعه قبل موته بيومين أو ثلاثة يقول لنفسه
يا محمد بن عبد الملك لم يقنعك النعمة والدواب الفرة والدار النظيفة والكسوة
الفاخرة وأنت في عافية حتى طلبت الوزارة ذق ما عملت بنفسك فكان يكرر
ذلك على نفسه فلما كان قبل موته بيوم ذهب عنه عتاب نفسه فكان لا يزيد على
التشهد وذكر الله فلما مات أحضره ابناه سليمان وعبيد الله كانا محبوسين وقد
طرح على باب من خشب في قميصه الذي حبس فيه وقد اتسخ فقالا الحمد الله الذي
أراح من هذا الفاسق فدفعت جثته إليهما فغسلاه على الباب الخشب ودفناه
وحفرا له فلم يعمقا فذكر أن الكلاب نبشته وأكلت لحمه وكان إبراهيم بن العباس
على الأهواز وكان محمد بن عبد الملك له صديقا فوجه إليه محمد أحمد بن يوسف
أبا الجهم فأقامه للناس فصالحه عن نفسه بألف ألف درهم وخمسمائة ألف درهم
فقال إبراهيم
وكنت أخي بإخاء الزمان * فلما أبى عدت حربا عوانا
وكنت أذم إليك الزمان * فأصبحت منك أذم الزمانا
وكنت أعدك للنائبات * فها أنا أطلب منك الامانا
وقال: أصبحت من رأى أبى جعفر * في هيئة تنذر بالصيلم
من غير ما ذنب ولكنها * عداوة الزنديق للمسلم
وأحدر بعد ما قبض عليه مع راشد المغربي إلى بغداد لاخذ ماله بها فوردها
فأخذ روحا غلامه وكان قهرمانه في يده أمواله يتجر بها وأخذ عدة من أهل بيته
وأخذ معهم حمل بغل ووجدت له بيوت فيها أنواع التجارة من الحنطة والشعير
والدقيق والحبوب والزيت والزبيب والتين وبيت مملوء ثوما فكان جميع ما قبض
346

له مع قيمة ما وجد قمية تسعين ألف دينار وكان حبس المتوكل إياه يوم الأربعاء
لسبع خلون من صفر ووفاته يوم الخميس لاحدى عشرة بقيت من شهر ربيع
الأول (وفيها) غضب المتوكل على عمر بن فرج وذلك في شهر رمضان فدفع
إلى إسحاق بن إبراهيم بن مصعب فحبس عنده وكتب في قبض ضياعه وأمواله
وصار نجاح بن سلمة إلى منزله فلم يجد فيه إلا خمسة عشر ألف درهم وحضر مسرور
سمانة فقبض جواريه وقيد عمر ثلاثين رطلا وأحضر مولاه نصر من بغداد فحمل
ثلاثين ألف دينار وحمل نصر من مال نفسه أربعة عشر ألف دينار وأصيب له
بالأهواز أربعون ألف دينار ولأخيه محمد بن فرج مائة ألف دينار وخمسون ألف
دينار وحمل من داره من المتاع ستة عشر بعيرا فرشا ومن الجوهر قيمة أربعين
ألف دينار وحمل من متاعه وفرشه على خمسين جملا كرت مرارا وألبس فرجية
صوف وقيد فمكث بذلك سبعا ثم أطلق عنه وقبض قصره وأخذ عياله ففتشوا
وكن مائة جارية ثم صولح على عشرة آلاف ألف درهم على أن يرد عليه ما حين
عنه من ضياع الأهواز فقط ونزعت عنه الجبة الصوف والقيد وذلك في شوال
وقال علي بن الجهم بن بدر لنجاح بن سلمة يحرضه على عمر بن فرج
أبلغ نجاحا فتى الكتاب مألكة * يمضى بها الريح إصدرا وإيرادا
لا يخرج المال عفوا من يدي عمر * أو يغمد السيف في فوديه إغمادا
الرخجيون لا يوفون ما وعدوا * والرخجيات لا يخلفن ميعادا
وقال أيضا يهجوه
جمعت أمرين ضاع الحزم بينهما * تيه الملوك وأفعال المماليك
أردت شكرا بلا بر ومرزئة * لقد سلكت سبيلا غير مسلوك
ظننت عرضك لم يقرع بقارعة * وما أراك على حال بمتروك
(وفى هذه السنة) أمر المتوكل بإبراهيم بن الجنيد النصراني أخي أيوب كاتب
سمانة فضرب له بالأعمدة حتى أقر بسبعين ألف دينار فوجه معه مباركا المغربي إلى
بغداد حتى استخرجها من منزله وجئ به فحبس (وفيها) غضب المتوكل على أبى
347

الوزيز في ذي الحجة وأمر بمحاسبته فحمل نحوا من ستين ألف دينار وحمل بدور
دراهم وحليا وأخذ له من متاع مصر اثنين وستين سفطا واثنين وثلاثين غلاما
وفرشا كثيرا وحبس بخيانته محمد بن عبد الملك أخو موسى بن عبد الملك والهيثم
ابن خالد النصراني وابن أخيه سعدون بن علي وصولح سعدون على أربعين ألف
دينار وصولح ابنا أخيه عبد الله وأحمد على نيف وثلاثين ألف دينار وأخذت
ضياعهم بذلك (وفى هذه السنة) استكتب المتوكل محمد بن الفضل الجرجرائي
(وفى هذه السنة) عزل المتوكل يوم الأربعاء لثلاث عشرة بقيت من شهر رمضان
عن ديوان الخراج الفضل بن مروان وولاه يحيى بن خاقان الخراساني مولى الأزد
وولى إبراهيم بن العباس بن محمد بن صول في هذا اليوم ديوان زمام النفقات
وعزل عنه أبا الوزير (وفيها) ولى المتوكل ابنه محمدا المنتصر الحرمين واليمن
والطائف وعقد له يوم الخميس لاحدى عشرة ليلة خلت من شهر رمضان (وفيها فلج)
أحمد بن أبي دؤاد لست خلون من جمادى الآخرة (فيها) قدم يحيى بن هرثمة
مكة وهو والى طريق مكة بعلى بن محمد بن علي الرضى بن موسى بن جعفر من
المدينة (وفيها) وثب ميخائيل بن توفيل على أمه تذورة فشمسها وأدخلها الدير
وقتل اللغثيط لأنه اتهمها به وكان ملكها ست سنين (وحج) بالناس في هذه
السنة محمد بن داود
* ثم دخلت سنة أربع وثلاثين ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمن ذلك ما كان من هرب محمد بن البعيث بن حلبس جئ به أسيرا من قبل
آذربيجان فحبس
* ذكر الخبر عن سبب هربه وما كان آل إليه أمره *
* ذكر أن السبب في ذلك كان أن المتوكل كان اعتل في هذه السنة وكان
مع ابن البعيث رجل يخدمه يسمى خليفة فأخبره بأن المتوكل قد توفى وأعد له
348

دواب فهرب هو وخليفة الذي أخبره الخبر إلى موضعه من آذربيجان وموضعه
منها مرند وقيل كانت له قلعتان تدعى إحداهما شاهي والاخرى يكدر
ويكدر خارج البحيرة وشاهى في وسط البحيرة والبحيرة قدر خمسين فرسخا من
حد أرمية إلى رستاق داخرقان بلاد محمد بن الرواد وشاهى قلعة ابن البعيث
حصينة يحيط بها ماء قائم ثم يركب الناس من أطراف المراغة إلى أرمية وهى
بحيرة لاسمك فيها ولا خير * وذكر أن ابن البعيث كان في حبس إسحاق بن إبراهيم
ابن مصعب فتكلم فيه بغا الشرابي وأخذ منه الكفلاء نحوا من ثلاثين كفيلا
منهم محمد بن خالد بن يزيد ابن مزيد الشيباني فكان يتردد بسامرا فهرب إلى
مرند فجمع بمرند الطعام وفيها عيون ماء فرم ما كان وهى من سورها وأتاه من
أراد الفتنة من كل ناحية من ربيعة وغيرهم فصار في نحو من ألفين ومائتي رجل
وكان الوالي بآذربيجان محمد بن حاتم بن هرثمة فقصر في طلبه فولى المتوكل حمدويه
ابن علي بن الفضل السعدي آذربيجان ووجهه من سامرا على البريد فلما صار إليها
جمع الجند والشاكرية ومن استجاب له فصار في عشرة آلاف فزحف إلى ابن
البعيث فألجأه إلى مدينة مرند وهى مدينة استدارتها فرسخان وفى داخلها بساتين
كثيرة ومن خارجها كما تدور شجر الا في موضع أبوابها وقد جمع فيها ابن البعيث
آلة الحصار وفيها عيون ماء فلما طالت مدته وجه المتوكل زيرك التركي في مائتي
ألف فارس من الأتراك فلم يصنع شيئا فوجه إليه المتوكل عمرو بن سيسل بن كال
في تسعمائة من الشاكرية فلم يغن شيئا فوجه إليه بغا الشرابي في أربعة آلاف
ما بين تركي وشاكري ومغربي وكان حمدويه بن علي وعمر بن سيسل وزيرك زحفوا
إلى مدينة مرند وقطعوا ما حولها من الشجر فقطعوا نحوا من مائة ألف شجرة وغير
ذلك من شجر الغياض ونصبوا عليها عشرين منجنيقا وبنوا بحذاء المدينة ما يستكنون
فيه ونصب عليهم ابن البعيث من المجانيق مثل ذلك وكان من معه من علوج
رساتيقه يرمون بالمقاليع فكان الرجل لا يقدر على الدنو من سور المدينة فقتل
من أولياء السلطان في حربه في ثمانية أشهر نحو من مائة رجل وجرح نحو من
349

أربعمائة وقتل وجرح من أصحابه مثل ذلك وكان حمدويه وعمرو وزيرك يغادونه
القتال ويراوحونه وكان السور من قبل المدينة ذليلا ومن القرار نحوا من
عشرين ذراعا وكانت الجماعة من أصحاب ابن البعيث يتدلون بالحبال معهم الرماح
فيقاتلون فإذا حمل عليهم من أصحاب السلطان لجؤا إلى الحائط وكانوا ربما فتحوا
بابا يقال له باب الماء فيخرج منه العدة يقاتلون ثم يرجعون ولما قرب بغا
الشرابي من مرند بعث فيما ذكر عيسى بن الشيخ بن السليل الشيباني ومعه أمانات
لوجوه أصحاب ابن البعيث ولابن البعيث أن ينزلوا وينزل على حكم أمير المؤمنين
وإلا قاتلهم فان ظفر بهم لم يستبق منهم أحدا ومن نزل فله الأمان وكان عامة من مع
ابن البعيث من ربيعة من قوم عيسى بن الشيخ فنزل منهم قوم كثير بالحبال ونزل ختن
ابن البعيث على أخته أبو الأغر * وذكر عن أبي الأغر هذا أنه قال ثم فتحوا باب
المدينة فدخل أصحاب حمدويه وزيرك وخرج ابن البعيث من منزله هاربا يريد
أن يخرج من وجه آخر فلحقه قوم من الجند معهم منصور قهرمانه وهو راكب
دابة يريد أن يصير إلى نهر عليه رحى ليستخفى في الرحى وفى عنقه السيف فأخذه أسيرا
وانتهب الجند منزله ومنازل أصحابه وبعض منازل أهل المدينة ثم نودي بعد ما انتهب
الناس برئت الذمة ممن انتهب وأخذوا له أختين وثلاث بنات وخالته والبواقي سراري
فحصل في يد السلطان من حرمه ثلاث عشرة امرأة وأخذ من وجوه أصحابه المذكورين
نحو من مائتي رجل وهرب الباقون فوافاهم بغا الشرابي من غد فنادى مناديه بالمنع من
النهب فكتب بغا الشرابي بالفتح لنفسه * وخرج المتوكل فيها إلى المدائن في جمادى
الأولى (وحج) في هذه السنة إيتاخ وكان والى مكة والمدينة والموسم ودعى له على المنابر
* ذكر الخبر عن سبب حجه في هذه السنة *
ذكر أن إيتاخ كان غلاما خزريا لسلام الأبرش طباخا فاشتراه منه المعتصم
في سنة 199 وكان لايتاخ رجلة وبأس فرفعه المعتصم ومن بعده الواثق حتى ضم
إليه من أعمال السلطان أعمالا كثيرة وولاه المعتصم معونة سامرا مع إسحاق بن
إبراهيم وكان من قبله رجل ومن قبل إسحاق رجل وكان من أراد المعتصم أو
350

الواثق قتله فعند إيتاخ يقتل وبيده يحبس منهم محمد بن عبد الملك الزيات وأولاد
المأمون من سندس وصالح بن عجيف وغيرهم فلما ولى المتوكل كان إيتاخ في
مرتبته إليه الجيش والمغاربة والأتراك والموالي والبريد والحجابة ودار الخلافة
فخرج المتوكل بعد ما استوت له الخلافة متنزها إلى ناحية القاطول فشرب ليلة
فعربد على إيتاخ فهم إيتاخ بقتله فلما أصبح المتوكل قيل له فاعتذر إليه والتزمه وقال له
أنت أبى وربيتني فلما صار المتوكل إلى سامرادس إليه من يشير عليه بالاستئذان
للحج ففعل وأذن له وصيره أمير كل بلدة يدخلها وخلع عليه وركب جميع القواد
معه وخرج معه من الشاكرية والقواد والغلمان سوى غلمانه وحشمه بشر كثير
فحين خرج صيرت الحجابة إلى وصيف وذلك يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة بقيت
من ذي القعدة وقد قيل إن هذه القصة من أمر إيتاخ كانت في سنة 233 وأن
المتوكل إنما صير إلى وصيف الحجابة لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة من سنة
233 (وحج) بالناس في هذه السنة محمد بن داود بن موسى بن عيسى
* ثم دخلت سنة خمس وثلاثين ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمن ذلك مقتل إيتاخ الخزري
* ذكر الخبر عن صفة مقتله *
ذكر عن إيتاخ أنه لما؟ من مكة راجعا إلى العراق وجه المتوكل إليه
سعيد بن صالح الحاجب مع كسوة والطاف وأمره أن يلقاه بالكوفة أو ببعض
طريقه وقد تقدم المتوكل إلى عامله على الشرطة ببغداد بأمره فيه * فذكر عن
إبراهيم بن المدبر أنه قال خرجت مع إسحاق بن إبراهيم حين قرب إيتاخ من بغداد
وكان يريد أن يأخذ طريق الفرات إلى الأنبار ثم يخرج إلى سامر فكتب إليه
إسحاق بن إبراهيم إن أمير المؤمنين أطال الله بقاءه قد أمر أن تدخل بغداد وأن يلقاك
بنو هاشم ووجوه الناس وأن تقعد لهم في دار خزيمة بن خازم فتأمر لهم بجوائز
351

قال فخرجنا حتى إذا كنا بالياسرية وقد شحن ابن إبراهيم الجسر بالجند والشاكرية
وخرج في خاصته وطرح له بالياسرية صفة فجلس عليها حتى قالوا قد قرب منك
فركب فاستقبله فلما نظر إليه أهوى إسحاق لينزل فحلف عليه إيتاخ ألا يفعل
قال وكان إيتاخ في ثلثمائة من أصحابه وغلمانه عليه قباء أبيض متقلدا سيفا بحمائل
فسارا جميعا حتى إذا صارا عند الجسر تقدمه إسحاق عند الجسر وعبر حتى
وقف على باب خزيمة بن خازم وقال لايتاخ تدخل أصلح الله الأمير وكان
الموكلون بالجسر كلما مر بهم غلام من غلمانه قدموه حتى بقى في خاصة غلمانه
ودخل بين يديه قوم وقد فرشت له دار خزيمة وتأخر إسحاق وأمر ألا يدخل
الدار من غلمانه الا ثلاثة أو أربعة وأخذت عليه الأبواب وأمر بحراسته من
ناحية الشط وكسرت كل درجة في قصر خزيمة بن خازم فحين دخل أغلق الباب
خلفه فنظر فإذا ليس معه الا ثلاثة غلمان فقال قد فعلوها ولو لم يؤخذ ببغداد
ما قدروا على أخذه ولو دخل إلى سامرا فأراد بأصحابه قتل جميع من خالفه أمكنه
ذلك قال فأتى بطعام قرب الليل فأكل فمكث يومين أو ثلاثة ثم ركب إسحاق
في حراقة وأعد لايتاخ أخرى ثم أرسل إليه أن يصير إلى الحراقة وأمر بأخذ
سيفه فحدروه إلى الحراقة وصير معه قوم بالسلاح وصاعد إسحاق حتى صار إلى
منزله وأخرج ايتاخ حين بلغ دار إسحاق فأدخل ناحية منها ثم قيد فأثقل بالحديد
في عنقه ورجليه ثم قدم بابنيه منصور ومظفر وبكاتبيه سليمان بن وهب وقدامة
ابن زياد النصراني بغداد وكان سليمان على أعمال السلطان وقدامة على ضياع إيتاخ
خاصة فحبسوا ببغداد فأما سليمان وقدامة فضربا فأسلم قدامة وحبس منصور
ومظفر * وذكر عن ترك مولى اسحق أنه قال وقفت على باب البيت الذي فيه
ايتاخ محبوس فقال لي يا ترك قلت ما تريد يا منصور قال أقرئ الأمير السلام وقل له قد
علمت ما كان يأمرني به المعتصم والواثق في أمرك فكنت أدفع عنك ما أمكنني
فلينفعني ذلك عندك أما أنا فقد مر بي شدة ورخاء فما أبالى ما أكلت وما شربت
وأما هذان الغلامان فإنهما عاشا في نعمة ولم يعرفا البؤس فصير لهما مرقة ولحما وشيئا
352

يأكلان منه قال ترك فوقفت على باب مجلس إسحاق قال لي مالك يا ترك أتريد أن
تتكلم بشئ قلت نعم قال لي إيتاخ كذا وكذا قال وكانت وظيفة إيتاخ رغيفا
وكوزا من ماء ويأمر لابنيه بخوان فيه سبعة أرغفة وخمس غرف فلم يزل ذلك
قائما حياة إسحاق ثم لا أدرى ما صنع بهما فأما إيتاخ فقيد وصير في عنقه ثمانون
رطلا وقيد ثقيل فمات يوم الأربعاء لخمس خلون من جمادى الآخرة سنة 235
وأشهد إسحاق على موته أبا الحسن إسحاق بن ثابت بن أبي عباد وصاحب بريد
بغداد والقضاة وأراهم إياه لا ضرب به ولا أثر * وحدثني بعض شيوخنا أن إيتاخ
كان موته بالعطش وأنه أطعم فاستسقى فمنع الماء حتى مات عطشا وبقى ابناه في
الحبس حياة المتوكل فلما أفضى الامر إلى المنتصر أخرجهما فأما مظفر فإنه لم
يعش بعد أن أخرج من السجن إلا ثلاثة أشهر حتى مات وأما منصور فعاش
بعده (وفى هذه السنة) قدم بغا الشرابي بابن البعيث في شوال وبخليفته أبى الأغر
وبأخوى ابن البعيث صقر وخالد وكانا نزلا بأمان وبابن لابن البعيث يقال له
العلاء خرج بأمان وقدم من الاسرى بنحو من مائة وثمانين رجلا ومات باقيهم
قبل أن يصلوا فلما قربوا من سامرا حملوا على الجمال يستشرفهم الناس فأمر المتوكل
بحبسه وحبسهم وأثقله حديدا * فذكر عن علي بن الجهم أنه قال أتى المتوكل بمحمد
ابن البعيث فأمر بضرب عنقه فطرح على نطع وجاء السيافون فلوحوا له فقال
المتوكل وغلظ عليه ما دعاك يا محمد إلى ما صنعت قال الشقوة وأنت الحبل الممدود
بين الله وبين خلقه وإن لي فيك لظنين أسبقهما إلى قلبي أولاهما بك وهو العفو
ثم اندفع بلا فصل فقال
أبى الناس إلا أنك اليوم قاتلي * إمام الهدى والصفح بالناس أجمل
وهل أنا إلا جبلة من خطية * وعفوك من نور النبوة يجبل
فإنك خير السابقين إلى العلى * ولا شك أن خير الفعالين تفعل
قال على ثم التفت إلى المتوكل فقال إن معه لادبا وبادرت فقلت بل يفعل أمير
المؤمنين خيرهما ويمن عليك فقال ارجع إلى منزلك * وحدثني... أنه أنشدني
(23 - 7)
353

بالمراغة جماعة من أشياخها أشعارا لابن البعيث بالفارسية ويذكرون أدبه وشجاعته
وله أخبار وأحاديث وحدثني بعض من ذكر أنه شهد المتوكل حين أتى بابن البعيث
وكلمه ابن البعيث بما كلمه به فتكلم فيه المعتز وهو جالس مع أبيه المتوكل فاستوهبه
فوهب له وعفى عنه * وكان ابن البعيث حين هرب قال
كم قد قضيت أمورا كان أهملها * غيري وقد أخذ الافلاس بالكظم
لا تعذليني فيما ليس ينفعني * إليك عنى جرى المقدار بالقلم
ساتلف المال في عسر وفى يسر * إن الجواد الذي يعطى على العدم
وكان ابن البعيث حين هرب خلف في منزله ثلاثة بنين له يقال لهم البعيث وجعفر
وحلبس وجواري فحبسوا ببغداد في قصر الذهب فتكلم بغا الشرابي بعد موت
ابن البعيث ومات بعد دخوله سامرا بشهر في أبى الأغر ختنه فأطلق وأطلقت خالة
لابن البعيث فخرجت من السجن فماتت فرحا من يومها وبقى الباقون في الحبس *
وذكر أن ابن البعيث صير في عنقه مائة رطل فلم يزل مكبوبا على وجهه حتى مات
* ولما أخذ ابن البعيث أخرج من الحبس من كان محبوسا بسبب كفالته به وقد
كان بعضهم مات في الحبس فأخرج بعد باقي عياله وصير بنوه حلبس والبعيث
وجعفر في عداد الشاكرية مع عبيد الله بن يحيى بن خاقان وأجريت عليهم الانزال
(وفى هذه السنة) أمر المتوكل بأخذ النصارى وأهل الذمة كلهم بلبس الطيالسة
العسلية والزنانير وركوب السروج بركب الخشب وبتصيير كرتين على مؤخر
السروج وبتصيير زرين على قلانس من لبس منهم قلنسوة مخالفة لون القلنسوة
التي يلبسها المسلمون وبتصيير رقعتين على ما ظهر من لباس مماليكهم مخالف لونهما
لون الثوب الظاهر الذي عليه وأن تكون إحدى الرقعتين بين يديه عند صدره
والاخرى منهما خلف ظهره وتكون كل واحدة من الرقعتين قدر أربع أصابع
ولونهما عسليا ومن لبس منهم عمامة فكذلك يكون لونها لون العسلي ومن خرج
من نسائهم فبرزت فلا تبرز إلا في ازار عسلي وأمر بأخذ مماليكهم بلبس الزنانير
وبمنعهم لبس المناطق وأمر بهدم بيعهم المحدثة وبأخذ العشر من منازلهم وإن كان
354

الموضع واسعا صير مسجدا وإن كان لا يصلح أن يكون مسجدا صير فضاء وأمر
أن يجعل على أبواب دورهم صور شياطين من خشب مسمورة تفريقا بين منازلهم
وبين منازل المسلمين ونهى أن يستعان بهم في الدواوين وأعمال السلطان التي
يجرى أحكامهم فيها على المسلمين ونهى أن يتعلم أولادهم في كتاتيب المسلمين ولا
يعلمهم مسلم ونهى أن يظهروا في شعانينهم صليبا وأن يشمعلوا في الطريق وأمر
بتسوية قبورهم مع الأرض لئلا تشبه قبور المسلمين * وكتب إلى عماله في الآفاق
بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإن الله تبارك وتعالى بعزته التي لا تحاول وقدرته
على ما يريد اصطفى الاسلام فرضيه لنفسه وأكرم به ملائكته وبعث به رسله وأيد
به أولياءه وكنفه بالبر وحاطه بالنصر وحرسه من العاهة وأظهره على الأديان
مبرءا من الشبهات معصوما من الآفات محبوا بمناقب الخير مخصوصا من الشرائع
بأطهرها وأفضلها ومن الفرائض بأزكاها وأشرفها ومن الاحكام بأعدلها وأقنعها
ومن الأعمال بأحسنها وأقصدها وأكرم أهله بما أحل لهم من حلاله وحرم عليهم
من حرامه وبين لهم من شرائعه وأحكامه وحد لهم من حدوده ومناهجه وأعد لهم من سعة
جزائه وثوابه فقال في كتابه فيما أمر به ونهى عنه وفيما حض عليه فيه ووعظ " إن الله يأمر
بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم
لعلكم تذكرون " وقال فيما حرم على أهله مما غمط فيه من ردئ المطعم والمشرب
والمنكح لينزههم عنه وليظهر به دينهم ليفظهم عليهم تفضيلا " حرمت عليكم الميتة
والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة " إلى آخر الآية ثم ختم ما حرم
عليهم من ذلك في هذه الآية بحراسة دينه ممن عند عنه وبإتمام نعمته على أهله الذين
اصطفاهم فقال عز وجل (اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم
واخشوني اليوم أكملت لكم دينكم الآية) وقال عز وجل (حرمت عليكم
أمهاتكم وبناتكم الآية) وقال (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام
رجس من عمل الشيطان الآية) فحرم على المسلمين من مآكل أهل الأديان أرجسها
وأنجسها ومن شرابهم أدعاه إلى المداوة والبغضاء وأصده عن ذكر الله وعن
355

الصلاة ومن مناكحهم أعظمها عنده وزرا وأولاها عند ذوي الحجى والالباب
تحريما ثم حباهم محاسن الأخلاق وفضائل الكرامات فجعلهم أهل الايمان
والأمانة والفضل والتراحم واليقين والصدق ولم يجعل في دينهم التقاطع والتدابر
ولا الحمية ولا التكبر ولا الخيانة ولا الغدر ولا التباغي ولا التظالم بل أمر بالأولى
ونهى عن الأخرى ووعد وأوعد عليها جنته وناره وثوابه وعقابه فالمسلمون بما
اختصهم الله من كرامته وجعل لهم من الفضيلة بدينهم الذي اختاره لهم بائنون
على الأديان بشرائعهم الزاكية وأحكامهم المرضية الطاهرة وبراهينهم المنيرة
وبتطهير الله دينهم بما أحل وحرم فيه لهم وعليهم قضاء من الله عز وجل في اعزاز
دينه حتما ومشيئة منه في اظهار حقه ماضية وإرادة منه في اتمام نعمته على أهله
نافذة ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وليجعل الله الفوز والعاقبة
للمتقين والخزي في الدنيا والآخرة على الكافرين * وقد رأى أمير المؤمنين وبالله
توفيقه وإرشاده أن يحمل أهل الذمة جميعا بحضرته وفى نواحي أعماله أقربها
وأبعدها وأخصهم وأخسهم على تصيير طيالستهم التي يلبسونها من لبسها من
تجارهم وكتابهم وكبيرهم وصغيرهم على ألوان الثياب العسلية لا يتجاوز ذلك منهم
متجاوز إلى غيره ومن قصر عن هذه الطبقة من أتباعهم وأرذالهم ومن يقعد به
حاله عن لبس الطيالسة منهم أخذ بتركيب خرقتين صبغهما ذلك الصبغ يكون
استدارة كل واحدة منهما شبرا تاما في مثله على موضع أمام ثوبه الذي يلبسه تلقاء
صدره ومن وراء ظهره وأن يؤخذ الجميع منهم في قلانسهم بتركيب أزرة عليها
يخالف ألوانها ألوان القلانس ترتفع في أماكنها التي تقع بها لئلا تلصق فتستر
ولا ما يركب منها على حباك فيخفى وكذلك في سروجهم باتخاذ ركب خشب لها
ونصب أكر على قرابيسها تكون ناتئة عنها وموفية عليها لا يرخص لهم في ازالتها
عن قرابيسهم وتأخيرها إلى جوانبها بل تتفقد ذلك منهم ليقع ما وقع من الذي
أمر أمير المؤمنين بحملهم عليه ظاهرا يبينه الناظر من غير تأمل وتأخذه الأعين
من غير طلب وأن نؤخذ عبيدهم وإماؤهم ومن يلبس المناطق من تلك الطبقة بشد
356

الزنانير والكساتيج مكان المناطق التي كانت في أوساطهم وأن توعز إلى عمالك
فيما أمر به أمير المؤمنين في ذلك إيعازا تحدوهم به إلى استقصاء ما تقدم إليهم فيه
وتحذرهم إدهانا وميلا وتتقدم إليهم في إنزال العقوبة بمن خالف ذلك من جميع
أهل الذمة عن سبيل عناد وتهوين إلى غيره ليقتصر الجميع منهم على طبقاتهم وأصنافهم
على السبيل التي أمر أمير المؤمنين بحملهم عليها وأخذهم بها إن شاء الله فاعلم ذلك
من رأى أمير المؤمنين وأمره وأنفذ إلى عمالك في نواحي عملك ما ورد عليك من
كتاب أمير المؤمنين بما تعمل به إن شاء الله وأمير المؤمنين يسأل الله ربه ووليه أن يصلى
على محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وملائكته وأن يحفظه فيما استخلفه عليه
من أمر دينه ويتولى ما ولاه مما لا يبلغ حقه فيه إلا بعونه حفظا يحمل به ما حمله
وولاية يقضى بها حقه منه ويوجب بها له أكمل ثوابه وأفضل مزيده إنه كريم
رحيم وكتب إبراهيم بن العباس في شوال سنة خمس وثلاثين ومائتين * فقال
علي بن الجهم:
العسليات التي فرقت * بين ذوي الرشدة والغى
وما على العاقل إن يكثروا * فإنه أكثر للفى
(وفى هذه السنة) ظهر بسامرا رجل يقال له محمود بن الفرج النيسابوري
فزعم أنه ذو القرنين ومعه سبعة وعشرون رجلا عند خشبة بابك وخرج من
أصحابه بباب العامة رجلان وببغداد في مسجد مدينتها آخران وزعما أنه
نبي وأنه ذو القرنين فأتى به وبأصحابه المتوكل فأمر بضربه بسياط فضرب
ضربا شديدا فمات من بعد من ضربه ذلك وحبس أصحابه وكانوا قدموا من نيسابور
ومعهم شئ يقرأونه وكان معهم عيالاتهم وفيهم شيخ يشهد له بالنبوة ويزعم أنه
بوحي إليه وأن جبريل يأتيه بالوحي فضرب محمود مائة ضرب فلم ينكر نبوته حين
ضرب وضرب الشيخ الذي كان يشهد له أربعين سوطا فأنكر نبوته حين ضرب وحمل
محمود إلى باب العامة فأكذب نفسه وقال الشيخ قد اختدعني وأمر أصحاب محمود أن
يصفعوه فصفعوه كل واحد منهم عشر صفعات وأخذ له مصحف فيه كلام قد جمعه
357

ذكر أنه قرآنه وأن جبريل عليه السلام كان يأتيه به ثم مات يوم الأربعاء لثلاث خلون
من ذي الحجة في هذه السنة ودفن في الجزيرة (وفى هذه السنة) عقد المتوكل البيعة لبنيه
الثلاثة لمحمد وسماه المنتصر ولأبي عبد الله بن قبيحة ويختلف في اسمه فقيل إن اسمه محمد
وقيل اسمه الزبير ولقبه المعتز ولإبراهيم وسماه المؤيد بولاية العهد وذلك فيما قيل
يوم السبت لثلاث بقين من ذي الحجة وقيل لليلتين بقيتا منه وعقد لكل واحد
منهم لواءين أحدهما أسود وهو لواء العهد والآخر أبيض وهو لواء العمل وصم
إلى كل واحد من العمل ما أنا ذاكره فكان ما ضم إلى ابنه محمد المنتصر من ذلك أفريقية
والمغرب كله من عريش مصر إلى حيث بلغ سلطانه من المغرب وجند قنسر بن
والعواصم والثغور الشأمية والجزرية وديار مضر وديار ربيعة والموصل وهيت
وعانات والخابور وقرقيسيا وكور باجرمى وتكريت وطساسيج السواد وكور
دجلة والحرمين واليمن وعك وحضرموت واليمامة والبحرين والسند ومكران
وقندابيل وفرج بيت الذهب وكور الأهواز والمستغلات بسامرا وماه الكوفة
وماه البصرة وماسبذان ومهرجان قذق وشهر زور ودراباذ والصامغان
وأصبهان وقم وقاشان وقزوين وأمور الجبل والضياع المنسوبة إلى الجبال
وصدقات العرب بالبصرة وكان ما ضم إلى ابنه المعتز كور خراسان وما يضاف
إليها وطبرستان والري وأرمينية وآذربيجان وكور فارس ضم إليه في سنة 40
خزن بيوت الأموال في جميع الآفاق ودور الضرب وأمر بضرب اسمه على
الدراهم وكان ما ضم إلى ابنه المؤيد جند دمشق وجند حمص وجند الأردن وجند
فلسطين فقال أبو الغصن الأعرابي
إن ولاة المسلمين الجله * محمد ثم أبو عبد الله
ثمت إبراهيم آبى الذله * بورك في بنى خليفة الله
وكتب بينهم كتابا نسخته هذا كتاب كتبه عبد الله جعفر الامام المتوكل على
الله أمير المؤمنين وأشهد الله على نفسه بجميع ما فيه ومن حضر من أهل بيته وشيعته
وقواده وقضاته وكفاته وفقهائه وغيرهم من المسلمين لمحمد المنتصر بالله ولأبي
358

عبد الله المعتز بالله وإبراهيم المؤيد بالله بنى أمير المؤمنين في أصالة من رأيه وعموم
من عافية بدنه واجتماع من فهمه مختارا لما شهد به متوخيا بذلك طاعة ربه وسلامة
رعيته واستقامتها وانقياد طاعتها واتساع كلمتها وصلاح ذات بينها وذلك في ذي
الحجة سنة خمس وثلاثين ومائتين إلى محمد المنتصر بالله بن جعفر الامام المتوكل
على الله أمير المؤمنين ولاية عهد المسلمين في حياته والخلافة عليهم من بعده
وأمره بتقوى الله التي هي عصمة من اعتصم بها ونجاة من لجأ إليها وعز من
اقتصر عليها فان بطاعة الله تتم النعمة وتجب من الله الرحمة والله غفور رحيم
وجعل عبد الله جعفر الامام المتوكل على الله أمير المؤمنين الخلافة من بعد محمد
المنتصر بالله ابن أمير المؤمنين إلى أبى عبد الله المعتز بالله ابن أمير المؤمنين ثم من
بعد أبي عبد الله المعتز بالله ابن أمير المؤمنين الخلافة إلى إبراهيم المؤيد بالله ابن
أمير المؤمنين وجعل عبد الله جعفر الامام المتوكل على الله أمير المؤمنين لمحمد
المنتصر بالله ابن أمير المؤمنين على أبى عبد الله المعتز بالله وإبراهيم المؤيد بالله ابني
أمير المؤمنين السمع والطاعة والنصيحة والمشايعة والموالاة لأوليائه والمعاداة
لأعدائه في السر والجهر والغضب والرضا والمنع والاعطاء والتمسك ببيعته والوفاء
بعهده لا يبغيانه غائلة ولا يحاولانه مخاتلة ولا يمالئان عليه عدوا ولا يستبدان
دونه بأمر يكون فيه نقض لما جعل إليه أمير المؤمنين من ولاية العهد في حياته
والخلافة من بعده وجعل عبد الله جعفر الامام المتوكل على الله أمير المؤمنين
على محمد المنتصر بالله ابن أمير المؤمنين لأبي عبد الله المعتز بالله وإبراهيم المؤيد
بالله ابني أمير المؤمنين الوفاء بما عقده لهما وعهد به إليهما من الخلافة بعد محمد
المنتصر بالله أبن أمير المؤمنين وإبراهيم المؤيد بالله ابن أمير المؤمنين الخليفة من
بعد أبي عبد الله المعتز بالله ابن أمير المؤمنين والاتمام على ذلك ولا يخلعهما
ولا واحدا منهما ولا يعقد دونهما ولادون واحد منهما بيعة لولد ولا لاحد من
جميع البرية ولا يؤخر منهما مقدما ولا يقدم منهما مؤخرا ولا ينقصهما ولا واحدا
منهما شيئا من أعمالهما التي ولاهما عبد الله جعفر الامام المتوكل على الله أمير المؤمنين
359

وكل واحد منهما من الصلاة والمعاون والقضاء والمظالم والخراج والضياع والغنيمة
والصدقات وغير ذلك من حقوق أعمالهما وما في عمل كل واحد منهما من البريد
والطرز وخزن بيوت الأموال والمعاون ودور الضرب وجميع الأعمال التي
جعلها أمير المؤمنين ويجعلها إلى كل واحد منهما ولا ينقل عن واحد منهما أحدا
من ناحيته من القواد والجند والشاكرية والموالي والغلمان وغيرهم ولا يعترض
عليه في شئ من ضياعه وأقطاعاته وسائر أمواله وذخائره وجميع ما في يده وما حواه
وملكت يده من تالد وطارف وقديم ومستأنف وجميع ما يستفيده ويستفاد له
بنقص ولا يحرم ولا يجنف ولا يعرض لاحد من عماله وكتابه وقضاته وخدمه
ووكلائه وأصحابه وجميع أسبابه بمناظرة ولا محاسبة ولا غير ذلك من الوجوه
والأسباب كلها ولا يفسخ فيما وكده أمير المؤمنين لهما في هذا العقد والعهد بما يزيل
ذلك عن جهته أو يؤخره عن وقته أو يكون ناقضا لشئ منه وجعل عبد الله جعفر
المتوكل على الله أمير المؤمنين على أبى عبد الله المعتز بالله ابن أمير المؤمنين إن أفضت
إليه الخلافة بعد محمد المنتصر بالله ابن أمير المؤمنين لإبراهيم المؤيد بالله ابن
أمير المؤمنين مثل الشرائط التي اشترطها على محمد المنتصر بالله ابن أمير المؤمنين
بجميع ما سمى فيه ووصف في هذا الكتاب وعلى ما بين وفسر مع الوفاء من أبى عبد الله
المعتز بالله ابن أمير المؤمنين بما جعله أمير المؤمنين لإبراهيم المؤيد بالله ابن أمير المؤمنين
من الخلافة وتسليم ذلك رضيا ممضيا له مقدما ما فيه حق الله عليه وما أمره به
أمير المؤمنين غير ناكث ولا ناكب بذلك ولا مبدل فإن الله تعالى جده وعز ذكره
يتوعد من خالف أمره وعند عن سبيله في محكم كتابه " فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه
على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم " على أن لأبي عبد الله المعتز بالله ابن
أمير المؤمنين ولإبراهيم المؤيد بالله ابن أمير المؤمنين على محمد المنتصر بالله ابن
أمير المؤمنين وهما مقيمان بحضرته أو أحدهما أو كانا غائبين عنه مجتمعين كانا
أو متفرقين وليس أبو عبد الله المعتز بالله ابن أمير المؤمنين في ولايته بخراسان
وأعمالها المتصلة بها والمضمومة إليها وليس إبراهيم المؤيد بالله ابن أمير المؤمنين
360

في ولايته بالشام وأجنادها فعلى محمد المنتصر بالله ابن أمير المؤمنين أن يمضى أبا
عبد الله المعتز بالله ابن أمير المؤمنين إلى خراسان وأعمالها المتصلة بها والمضمومة
إليها وأن يسلم له ولايتها وأعمالها كلها وأجنادها والكور الداخلة فيما ولى جعفر الامام
المتوكل على الله أمير المؤمنين أبا عبد الله المعتز بالله ابن أمير المؤمنين فلا يعوقه
عنها ولا يحبسه قبله ولا في شئ من البلدان دون خراسان والكور والأعمال
المضمومة إليها وأن يعجل إشخاصه إليها واليا عليها وعلى جميع أعمالها مفردا بها
مفوضا إليه أعمالها كلها لينزل حيث أحب من كور عمله ولا ينقله عنها وأن
يشخص معه جميع من ضم إليه أمير المؤمنين ويضم من مواليه وقواده وشاكريته
وأصحابه وكتابه وعماله وخدمه ومن اتبعه من صنوف الناس بأهاليهم وأولادهم
وعيالهم وأموالهم ولا يحبس عنه أحدا ولا يشرك في شئ من أعماله أحدا ولا يوجه
عليه أمينا ولا كاتبا ولا بريدا ولا يضرب على يده في قليل ولا كثير وأن يطلق
محمد المنتصر بالله لإبراهيم المؤيد بالله ابن أمير المؤمنين الخروج إلى الشأم وأجنادها
فيمن ضم أمير المؤمنين ويضمه إليه من مواليه وقواده وخدمه وجنوده وشاكريته
وصحابته وعماله وخدامه ومن اتبعه من صنوف الناس بأهاليها وأولادهم وأموالهم
ولا يحبس عنهم أحدا ويسلم إليه ولايتها وأعمالها وجنودها كلها لا يعوقه عنها
ولا يحبسه قبله ولا في شئ من البلدان دونها وأن يعجل إشخاصه إلى الشأم
وأجنادها واليا عليها ولا ينقله عنها وأن عليه له فيمن ضم إليه من القواد والموالي
والغلمان والجنود والشاكرية وأصناف الناس وفى جميع الأسباب والوجوه مثل
الذي اشترط على محمد المنتصر بالله ابن أمير المؤمنين لأبي عبد الله المعتز بالله ابن
أمير المؤمنين في خراسان وأعمالها على ما رسم من ذلك وبين ولخص وشرح في
هذا الكتاب ولإبراهيم المؤيد بالله ابن أمير المؤمنين على أبى عبد الله المعتز بالله
ابن أمير المؤمنين إذا أفضت الخلافة إليه وإبراهيم المؤيد بالله مقيم بالشام أن يقره
بها أو كان بحضرته أو كان غائبا عنه أن يمضيه إلى عمله من الشأم ويسلم إليه أجنادها
وولايتها وأعمالها كلها ولا يعوقه عنها عنها ولا يحبسه قبله ولا في شئ من البلدان
361

دونها وأن يعجل إشخاصه إليها واليا عليها وعلى جميع أعمالها على مثل الشرط الذي
أخذ لأبي عبد الله المعتز بالله ابن أمير المؤمنين على محمد المنتصر بالله ابن أمير المؤمنين
في خراسان وأعمالها على ما رسم ووصف وشرط في هذا الكتاب لم يجعل أمير
المؤمنين لواحد ممن وقعت عليه وله هذه الشروط من محمد المنتصر بالله وأبى
عبد الله المعتز بالله وإبراهيم المؤيد بالله بنى أمير المؤمنين أن يزيل شيئا مما اشترطنا
في هذا الكتاب ووكدنا وعليهم جميعا الوفاء به لا يقبل الله منهم إلا ذلك ولا
التمسك إلا بعهد الله فيه وكان عهد الله مسؤلا أشهد الله رب العالمين جعفر الامام
المتوكل على الله أمير المؤمنين ومن حضره من المسلمين بجميع ما في هذا الكتاب
على إمضائه إياه على محمد المنتصر بالله وأبى عبد الله المعتز بالله وإبراهيم المؤيد بالله
بنى أمير المؤمنين بجميع ما سمى ووصف فيه وكفى بالله شهيدا ومعينا لمن أطاعه
راجيا ووفى بعهده خائفا وحسيبا ومعاقبا من خالفه معاندا أو صدف عن أمره
مجاهدا وقد كتب هذا الكتاب أربع نسخ وقعت شهادة الشهود بحضرة أمير
المؤمنين في كل نسخة منها في خزانة أمير المؤمنين نسخة وعند محمد المنتصر ابن
أمير المؤمنين نسخة وعند أبى عبد الله المعتز بالله ابن أمير المؤمنين نسخة ونسخة
عند إبراهيم المؤيد بالله ابن أمير المؤمنين وقد ولى جعفر الامام المتوكل على الله
أبا عبد الله المعتز بالله ابن أمير المؤمنين أعمال فارس وأرمينية وآذربيجان إلى
ما يلي أعمال خراسان وكورها والأعمال المتصلة بها والمضمومة إليها على أن يجعل له
على محمد المنتصر بالله ابن أمير المؤمنين في ذلك الذي جعل له في الحياطة في نفسه
والوثاق في أعماله والمضمومين إليه وسائر من يستعين به من الناس جميعا في خراسان
والكور المضمومة إليها والمتصلة بها على ما سمى ووصف في هذا الكتاب * وقال
إبراهيم بن العباس بن محمد بن صول يمدح بنى المتوكل الثلاثة المنتصر والمعتز والمؤيد
أضحت عرى الاسلام وهى منوطة * بالنصر والاعزاز والتأييد
بخليفة من هاشم وثلاثة * كنفوا الخلافة من ولاة عهود
قمر توالت حوله أقماره * يكنفن مطلع سعده بسعود
362

كنفتهم الآباء واكتنفت بهم * فسعوا بأكرم أنفس وجدود
وله في المعتز بالله
أشرق المشرق بالمعتز * بالله ولاحا
إنما المعتز طيب * بث في الناس ففاحا
وله أيضا فيها
الله أظهر دينه * وأعزه بمحمد
والله أكرم بالخلافة * جعفر بن محمد
والله أيد عهده * بمحمد ومحمد
ومؤيد لمؤيدين * إلى النبي محمد
(وفيها) كانت وفاة إسحاق بن إبراهيم صاحب الجسر في يوم الثلاثاء لست
بقين من ذي الحجة وقيل كانت وفاته لسبع بقين منه وصير ابنه مكانه وكسى
خمس خلع وقلد سيفا وبعث المتوكل حين انتهى إليه خبر مرضه بابنه المعتز
لعيادته مع بغا الشرابي وجماعة من القواد والجند * وذكر أن ماء دجلة تغير في
هذه السنة إلى الصفرة ثلاثة أيام ففزع الناس لذلك ثم صار في لون ماء المدود
وذلك في ذي الحجة (وفيها) أتى المتوكل بيحيى بن عمر بن يحيى بن زيد بن علي
ابن أبي طالب عليه السلام من بعض النواحي وكان فيما ذكر قد جمع قوما فضربه
عمر بن فرج ثمان عشرة مقرعة وحبس ببغداد في المطبق (وحج) بالناس في
هذه السنة محمد بن داود
* ثم دخلت سنة ست وثلاثين ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمن ذلك ما كان من مقتل محمد بن إبراهيم بن مصعب بن زريق أخي إسحاق
ابن إبراهيم بفارس
363

* ذكر الخبر عن مقتله وكيف قتل *
* حدثني غير واحد عن محمد بن إسحاق بن إبراهيم ان أباه إسحاق بلغه عنه
انه أكول لا يملا جوفه شئ وانه أمر باتخاذ الطعام والاكثار منه ثم أرسل
إليه فدعاه ثم أمره أن يأكل وقال له إني أحب أن أرى أكلك فأكل وأكثر حتى
عجب إسحاق منه ثم قدم إليه بعد ما ظن أنه شبع وامتلا من الطعام حمل مشوى
فأكل منه حتى لم يبق منه إلا عظامه فلما فرغ من أكله قال يا بنى مال أبيك لا يقوم
بطعام بطنك فالحق أمير المؤمنين فان ماله أحمل لك من مالي فوجهه إلى الباب
وألزمه الباب فكان في خدمة السلطان حياة أبيه وخليفة أبيه ببابه حتى مات
أبوه إسحاق فعقد له المعتز على فارس وعقد المنتصر له على اليمامة والبحرين وطريق
مكة في المحرم من هذه السنة وضم إليه المتوكل أعمال أبيه كلها وزاده المنتصر
ولاية مصر وذلك أنه كان فيما ذكر حمل إلى المتوكل وأولياء عهده مما كان في
خزائن أبيه من الجوهر والأشياء النفيسة ما حظى به عندهم فرفعوه ورفعوا مرتبته
فلما بلغ محمد بن إبراهيم ما فعل بابن أخيه محمد بن إسحاق تنكر للسلطان وبلغ المتوكل
عنه أمور أنكرها * قاخبرنى بعضهم أن تنكر محمد بن إبراهيم إنما كان لابن
أخيه محمد بن إسحاق واعتلاله عليه بحمل خراج فارس إليه وأن محمدا شكا إلى
المتوكل ما كان من تنكر عمه محمد بن إبراهيم في ذلك فبسط يده عليه وأطلق له
العمل فيه بما أحب فوق محمد بن إسحاق الحسين بن إسماعيل بن إبراهيم بن مصعب
فارس وعزل عمه وتقدم محمد إلى الحسين بن إسماعيل في قتل عمه محمد بن إبراهيم
فذكر انه لما صار إلى فارس أهدى إليه في يوم النيروز هدايا فكان فيما أهدى
إليه حلوى فأكل محمد بن إبراهيم منها ثم دخل الحسين بن إسماعيل عليه فأمر
بإدخاله إلى موضع آخر وإعادة الحلوى عليه فأكل أيضا منها فعطش فاستسقى فمنع
الماء ورام الخروج من الموضع الذي أدخل إليه فإذا هو محبوس لا سبيل له إلى
الخروج فعاش يومين وليلتين ومات فحمل ماله وعياله إلى سامرا على مائة جمل
ولما ورد نعى محمد بن إبراهيم على المتوكل أمر بالكتاب منه إلى طاهر بن عبد الله
364

ابن طاهر فكتب * أما بعد فان أمير المؤمنين يوجب لك مع كل فائدة ونعمة
تهنئتك بمواهب الله وتعزيتك عن ملمات اقداره وقد قضى الله في محمد بن إبراهيم
مولى أمير المؤمنين ما هو قضاؤه في عباده حتى يكون الفناء لهم والبقاء له وأمير
المؤمنين يعزيك عن محمد بما أوجب الله لمن عمل بما امره به في مصائبه من جزيل
ثوابه وأجره فليكن الله وما قربك منه أولى بك في أحوالك كلها فان مع شكر
الله مزيده ومع التسليم لأمر الله رضاه وبالله توفيق أمير المؤمنين والسلام (وفى
هذه السنة) توفى الحسن بن سهل في قول بعضهم في أول ذي الحجة منها وقال
قائل هذه المقالة مات محمد بن إسحاق بن إبراهيم في هذا الشهر لأربع بقين منه *
وذكر عن القاسم بن أحمد الكوفي قال كنت في خدمة الفتح بن خاقان في
سنة 235 وكان الفتح يتولى للمتوكل أعمالا منها أخبار الخاصة والعامة بسامرا
والهاروني وما يليها فورد كتاب إبراهيم بن عطاء المتولي الاخبار بسامرا يذكر
وفاة الحسن بن سهل وأنه شرب شربة دواء في صبيحة يوم الخميس لخمس ليال
بقين من ذي القعدة من سنة 235 أفرطت عليه وانه توفى في هذا اليوم وقت
الظهر وان المتوكل أمر بتجهيز جهازه من خزائنه فلما وضع على سريره تعلق
به جماعة من التجار من غرماء الحسن بن سهل ومنعوه من دفنه فتوسط أمرهم
يحيى بن خاقان وإبراهيم بن عتاب ورجل يعرف ببرغوث فقطعوا أمرهم ودفن
فلما كان من الغد ورد كتاب صاحب البريد بمدينة السلام بوفاة محمد بن إسحاق
ابن إبراهيم بعد الظهر يوم الخميس لخمس خلون من ذي الحجة فجزع عليه المتوكل
جزعا وقال تبارك الله وتعالى كيف توافت منية الحسن ومحمد بن إسحاق في
وقت واحد (وفيها) أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي وهدم ما حوله
من المنازل والدور وأن يحرث ويبذر ويسقى موضع قبره وان يمنع الناس
من اتيانه فذكر ان عامل صاحب الشرطة نادى في الناحية من وجدناه عند قبره
بعد ثلاثة بعثنا به إلى المطبق فهرب الناس وامتنعوا من المصير إليه وحرث ذلك
الموضع وزرع ما حواليه (وفيها) استكتب المتوكل عبيد الله بن يحيى بن خاقان
365

وصرف محمد بن الفضل الجرجرائي (وفيها) حج محمد المنتصر وحجت معه
جدته شجاع أم المتوكل فشيعها المتوكل إلى النجف (وفيها) هلك أبو سعيد
محمد بن يوسف المروزي الكبح فاه ذكر أن فارس بن بغا الشرابي وهو خليفة
أبيه عقد لأبي سعيد هذا وهو مولى طيئ على آذربيجان وأرمينية فعسكر بالكرخ
كرخ فيروز فلما كان لسبع بقين من شوال وهو بالكرخ مات فجاءة لبس أحد
خفيه ومد الآخر ليلبسه فسقط ميتا فولى المتوكل ابنه يوسف ما كان أبوه وليه
من الحرب وولاه بعد ذلك خراج الناحية وضياعها فشخص إلى الناحية فضبطها
ووجه عماله في كل ناحية (وحج) بالناس في هذه السنة المنتصر محمد بن
جعفر المتوكل
* ثم دخلت سنة سبع وثلاثين ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمن ذلك ما كان من وثوب أهل أرمينية بيوسف بن محمد فيها
* ذكر الخبر عن سبب وثوبهم به *
قد ذكرنا فيما مضى قبل سبب استعمال المتوكل يوسف بن محمد هذا على أرمينية فأما
سبب وثوب أهل أرمينية به فإنه كان فيما ذكر أنه لما صار إلى عمله من أرمينية
خرج رجل من البطارقة يقال له بقراط بن أشوط وكان يقال له بطريق البطارقة
يطلب الامارة فأخذه يوسف بن محمد وقيده وبعث به إلى باب الخليفة فأسلم
بقراط وابنه فذكر أن يوسف لما حمل بقراط بن أشوط اجتمع عليه ابن أخي
بقراط بن أشوط وجماعة من بطارقة أرمينية وكان الثلج قد وقع في المدينة التي
فيها يوسف وهى فيما قيل طرون فلما سكن الثلج أناخوا عليها من كل ناحية
وحاصروا يوسف ومن معه في المدينة فخرج يوسف إلى باب المدينة فقاتلهم
فقتلوه وكل من قاتل معه فأما من لم يقاتل معه فإنهم قالوا له ضع ثيابك وانج
عريانا فطرح قوم منهم كثير ثيابهم ونجوا عراة حفاة فمات أكثرهم من البرد
366

وسقط أصابع قوم منهم ونجوا وكانت البطارقة لما حمل يوسف بقراط بن
أشوط تحالفوا على قتله ونذروا دمه ووافقهم على ذلك موسى بن زرارة وهو
على ابنة بقراط فنهى سوادة بن عبد الحميد الجحافي يوسف بن أبي سعيد عن
المقام بموضعه وأعلمه بما أتاه من أخبار البطارقة فأبى أن يفعل فوافاه القوم
في شهر رمضان فأحدقوا بسور المدينة والثلج ما بين عشرين ذراعا إلى أقل حول
المدينة إلى خلاط إلى دبيل والدنيا كلها ثلج وكان يوسف قبل ذلك قد فرق
أصحابه في رساتيق عمله فتوجه إلى كل ناحية منها قوم من أصحابه فوجه إلى كل
طائفة منهم من البطارقة وممن معهم جماعة فقتلوهم وقتلوا في يوم واحد وكانوا
قد حاصروه في المدينة أياما فخرج إليهم فقاتل حتى قتل فوجه المتوكل بغا
الشرابي إلى أرمينية طالبا بدم يوسف فشخص إليها من ناحية الجزيرة فبدأ
بأرزن بموسى بن زرارة وهو... وله إخوة إسماعيل وسليمان وأحمد وعيسى
ومحمد وهارون فحمل بغا موسى بن زرارة إلى باب الخليفة ثم سار فأناخ بجبل
الخويثية وهم جمة أهل أرمينية وقتلة يوسف بن محمد فحاربهم فظفر بهم فقتل
زهاء ثلاثين ألفا وسبى منهم خلقا كثيرا فباعهم بأرمينية ثم سار إلى بلاد الباق
فأسر أشوط بن حمزة أبا العباس وهو صاحب الباق والباق من كور البسفرجان
وبنى النشوي ثم سار إلى مدينة دبيل من أرمينية فأقام بها شهرا ثم سار إلى
تفليس (وفى هذه السنة) ولى عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم بغداد ومعاون
السواد (وفيها) قدم محمد بن عبد الله بن طاهر من خراسان لثمان بقين من
شهر ربيع الآخر فولى الشرطة والجزية وأعمال السواد وخلافة أمير المؤمنين
بمدينة السلام ثم صار إلى بغداد (وفيها) عزل المتوكل محمد بن أحمد بن أبي دؤاد
عن المظالم وولاها محمد بن يعقوب المعروف بأبي الربيع (وفيها) رضى عن ابن
أكثم وكان ببغداد فأشخص إلى سامرا فولى القضاء على القضاة ثم ولى أيضا
المظالم وكان عزل المتوكل محمد بن أبي دؤاد عن مظالم سامرا لعشر بقين
من صفر من هذه السنة (وفيها) غضب المتوكل على ابن أبي دؤاد وأمر بالتوكيل
367

على ضياع أحمد بن أبي دؤاد لخمس بقين من صفر وحبس يوم السبت لثلاث خلون
من شهر ربيع الأول ابنه أبو الوليد محمد بن أحمد بن أبي دؤاد في ديوان الخراج
وحبس إخوته عند عبيد الله بن السرى خليفة صاحب الشرطة فلما كان يوم الاثنين
حمل أبو الوليد مائة ألف دينار وعشرين ألف دينار وجواهر بقيمة عشرين
ألف دينار ثم صولح بعد ذلك على ستة عشر ألف ألف درهم وأشهد عليهم
جميعا ببيع كل ضيعة لهم وكان أحمد بن أبي دؤاد قد فلج فلما كان يوم الأربعاء
لسبع خلون من شعبان أمر المتوكل بولد أحمد بن أبي دؤاد فحدروا إلى بغداد
فقال أبو العتاهية
لو كنت في الرأي منسوبا إلى رشد * وكان عزمك عزما فيه توفيق
لكان في الفقه شغل لو قنعت به * عن أن تقول كلام الله مخلوق
ماذا عليك وأصل الدين يجمعهم * ما كان في الفرع لولا الجهل والموق
وأقيم فيها الخلنجي للناس في جمادى الآخرة (وفيها) ولى ابن أكثم قضاء
الشرقية حيان بن بشر وولى سوار بن عبد الله العنبري قضاء الجانب الغربي وكلاهما
أعور فقال الجماز;
رأيت من الكبائر قاضيين * هما أحدوئة في الخافقين
هما اقتسما العمى نصفين قدا * كما اقتسما قضاء الجانبين
وتحسب منهما من هز رأسا * لينظر في مواريث ودين
كأنك قد وضعت عليه دنا * فتحت بزاله من فرد عين
هما فأل الزمان بهلك يحيى * إذا افتتح القضاء بأعورين
(وفيها) أمر المتوكل في يوم الفطر منها بإنزال جثة أحمد بن نصر بن مالك
الخزاعي ودفعه إلى أوليائه
* ذكر الخبر عما فعل به وما كان من الامر بسبب ذلك *
ذكر أن المتوكل لما أمر بدفع جثته إلى أوليائه لدفنه فعل ذلك فدفع إليهم
وقد كان المتوكل لما أفضت إليه الخلافة نهى عن الجدال في القرآن وغيره
368

ونفذت كتبه بذلك إلى الآفاق وهم بإنزال أحمد بن نصر عن خشبته فاجتمع
الغوغاء والرعاع إلى موضع تلك الخشبة وكثروا و؟ فبلغ ذلك المتوكل
فوجه إليهم نصر بن الليث فأخذ منهم نحوا من عشرين رجلا فضربهم وحبسهم
وترك إنزال أحمد بن نصر من خشبته لما بلغه من تكثير العامة في أمره وبقى
الذين أخذوا بسببه في الحبس حينا ثم أطلقوا فلما دفع بدنه إلى أوليائه في الوقت
الذي ذكرت حمله ابن أخيه موسى إلى بغداد وغسل ودفن وضم رأسه إلى بدنه
وأخذ عبد الرحمن بن حمزة جسده في منديل مصري فمضى به إلى منزله فكفنه وصلى
عليه وتولى ادخاله القبر مع بعض أهله رجل من التجار يقال له الأبزاري فكتب
صاحب البريد ببغداد وكان يعرف بابن الكلبي من موضع بناحية واسط يقال له الكلتانية
إلى المتوكل بخبر العامة وما كان من اجتماعها وتمسحها بالجنازة جنازة أحمد بن نصر
ومجسة رأسه فقال المتوكل ليحيى بن أكثم كيف دخل ابن الأبزاري القبر على
كبرة خزاعة فقال يا أمير المؤمنين كان صديقا له فأمر المتوكل بالكتاب إلى محمد
ابن عبد الله بن طاهر بمنع العامة من الاجتماع والحركة في مثل هذا وشبهه وكان
بعضهم أوصى ابنه عند موته أن يرهب العامة فكتب المتوكل ينهى عن الاجتماع *
وغزا الصائفة في هذه السنة علي بن يحيى الأرمني (وحج) بالناس فيها علي بن عيسى
ابن جعفر بن أبي جعفر المنصور وكان والى مكة
* ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمن ذلك ما كان من ظفر بغا بإسحاق بن إسماعيل مولى بنى أمية بتفليس وإحراقه
مدينة تفليس
* ذكر الخبر عما كان من بغا في ذلك *
* ذكر أن بغا لما صار إلى دبيل بسبب قتل القاتلين من أهل أرمينية
يوسف بن محمد أقام بها شهرا فلما كان يوم السبت لعشر خلون من شهر ربيع الأول
(24 - 7)
369

من سنة 238 وجه بغازيرك التركي فجاوز الكر وهو نهر عظيم مثل الصراة ببغداد
وأكبر وهو ما بين المدينة وتفليس في الجانب الغربي وصغدبيل في الجانب
الشرقي وكان معسكر بغا في الشرقي فجاوز زيرك الكر إلى ميدان تفليس ولتفليس
خمسة أبواب باب الميدان وباب قريش وباب الصغير وباب الربض وباب صغدبيل
والكر نهر ينحدر مع المدينة ووجه بغا أيضا أبا العباس الواثى النصراني إلى
أهل أرمينية عربها وعجمها فأتاهم زيرك مما يلي الميدان وأبو العباس مما يلي باب
الربض فخرج إسحاق بن إسماعيل إلى زيرك فناوشه القتال ووقف بغا على تل مطل
على المدينة مما يلي صغدبيل لينظر ما يصنع زيرك وأبو العباس فبعث بغا النفاطين
فضربوا المدينة بالنار وهى من خشب الصنوبر فهاجت الريح في الصنوبر فأقبل
إسحاق بن إسماعيل إلى المدينة لينظر فإذا النار قد أخذت في قصره وجواريه وأحاطت
به النار ثم أتاه الأتراك والمغاربة فأخذوه أسيرا وأخذوا ابنه عمرا فأتوا بهما بغا
فأمر بغا به فرد إلى باب الحسك فضربت عنقه هناك صبرا وحمل رأسه إلى بغا
وصلب جيفته على الكر وكان شيخا محدورا ضخم الرأس يخضب بالوسمة آدم
أصلع أحول فنصب رأسه على باب الحسك وكان الذي تولى قتله غامش خليفة
بغا واحترق في المدينة نحو من خمسين ألف إنسان فطفئت النار في يوم وليلة
لأنها نار الصنوبر لابقاء لها وصبحهم المغاربة فأسروا من كان حيا وسلبوا الموتى
وكانت امرأة إسحاق نازلة بصغدبيل وهى حذاء تفليس في الجانب الشرقي وهى
مدينة بناها كسرى أنو شروان وكان إسحاق قد حصنها وحفر خندقها وجعل فيها
مقاتلة من الخويثية وغيرهم وأعطاهم بغا الأمان على أن يضعوا أسلحتهم ويذهبوا
حيث شاءوا وكانت امرأة إسحاق ابنة صاحب السرير ثم وجه بغا فيما ذكر زيرك
إلى قلعة الجردمان وهى بين برذعة وتفليس في جماعة من جنده ففتح زيرك الجردمان
وأخذ بطريقها القطريج أسيرا فحمله إلى العسكر ثم نهض بغا إلى عيسى بن يوسف
ابن أخت اصطفانوس وهو في قلعة كثيش من كورة البيلقان وبينها وبين البيلقان
عشرة فراسخ وبينها وبين برذعة خمسة عشر فرسخا فحاربه ففتحها وأخذه وحمله
370

وحمل ابنه معه وأباه وحمل أبا العباس الواثى واسمه سنباط بن أشوط وحمل معه
معاوية بن سهل بن سنباط بطريق أران وحمل أذرنرسى بن إسحاق الخاشنى (وفى
هذه السنة) جاءت للروم ثلثمائة مركب مع عرفا وابن قطونا وأمر دنافة وهم
كانوا الرؤساء في البحر مع كل واحد منهم مائة مركب فأناخ ابن قطونا بدمياط
وبينها وبين الشط شبيه بالبحيرة يكون فيها الماء إلى صدر الرجل فمن جازها إلى
الأرض أمن من مراكب البحر فجازها قوم فسلموا وغرق قوم كثير من نساء
وصبيان واحتمل من كانت له قوة في السفن فنجوا إلى ناحية الفسطاط وبينها وبين
الفسطاط مسيرة أربعة أيام وكان والى معونة مصر عنبسة بن إسحاق الضبي فلما
قرب العيد أمر الجند الذين بدمياط أن يحضروا الفسطاط ليتجمل بهم في العيد
وأخلى دمياط من الجند فانتهى مراكب الروم من ناحية شطا التي يعمل فيها
الشطوي فأناخ بها مائة مركب من الشلندية يحمل كل مركب ما بين الخمسين رجلا
إلى المائة فخرجوا إليها وأحرقوا ما وصلوا إليها من دورها وأخصاصها واحتملوا
سلاحا كان فيها أرادوا حمله إلى أبى حفص صاحب أقريطش نحو من ألف قناة
وآلتها وقتلوا من أمكنهم قتله من الرجال وأخذوا من الأمتعة والقند والكتان
ما كان عبى ليحمل إلى العراق وسبوا من المسلمات والقبطيات نحوا من ستمائة
امرأة ويقال إن المسلمات منهن مائة وخمس وعشرون امرأة والباقي من نساء
القبط ويقال إن الروم الذين كانوا في الشلنديات التي أناخت بدمياط كانوا نحوا من
خمسة آلاف رجل فأوقروا سفنهم من المتاع والأموال والنساء وأحرقوا خزانة
القلوع وهى شرع السفن وأحرقوا مسجد الجامع بدمياط وأحرقوا كنائس وكان
من حذر منهم ممن غرق في بحيرة دمياط من النساء والصبيان أكثر ممن سباه الروم
ثم رحل الروم عنها * وذكر أن ابن الاكشف كان محبوسا في سجن دمياط حبسه
عنبسة فكسر قيده وخرج فقاتلهم وأعانه قوم فقتل من الروم جماعة ثم صاروا
إلى أشتوم تنيس فلم يحمل الماء سفنهم إليها فخشوا أن توحل فلما لم يحملهم الماء
صاروا إلى اشتومها وهى مرسى بينه وبين تنيس أربعة فراسخ وأقل وله سور
371

وباب حديد كان المعتصم أمر بعمله فخربوا عامته وأحرقوا ما فيه من المجانيق والعرادات
وأخذوا بأبيه الحديد فحملوهما ثم توجهوا إلى بلادهم لم يعرض لهم أحد وخرج المتوكل
في هذه السنة يوم الاثنين لخمس خلون من جمادى الآخرة من سامرا يريد المدائن
فصار إلى الشماسية يوم الثلاثاء لثلاث عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة فأقام
هنالك إلى يوم السبت وعبر بالعشي إلى قطربل ثم رجع ودخل بغداد يوم الاثنين
لاحدى عشرة ليلة بقيت منه فمضى في سوقها وشارعها حتى نزل الزعفرانية ثم
صار إلى المدائن * وغزا الصائفة فيها علي بن يحيى الأرمني (وحج) بالناس فيها
علي بن عيسى بن جعفر بن أبي جعفر
* ثم دخلت سنة تسع وثلاثين ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمما كان فيها من ذلك أمر المتوكل بأخذ أهل الذمة بلبس دراعتين عسليتين
على الأقبية والدراريع في المحرم منها ثم أمره في صفر بالاقتصار في مراكبهم على
ركوب البغال والحمر دون الخيل والبراذين (وفيها) نفى المتوكل علي بن الجهم
ابن بدر إلى خراسان (وفيها) قتل صاحب الصنارية بباب العامة في جمادى الآخرة
منها (وفيها) أمر المتوكل بهدم البيع المحدثة في الاسلام (وفيها) مات أبو الوليد
محمد بن أحمد بن أبي دؤاد ببغداد في ذي الحجة (وفيها) غزا الصائفة علي بن يحيى
الأرمني (وحج) بالناس فيها عبد الله بن محمد بن داود بن عيسى بن موسى بن محمد
ابن علي وكان والى مكة (وفيها) حج جعفر بن دينار وكان والى طريق مكة
مما يلي الكوفة فولى أحداث الموسم (وفيها) اتفق شعانين النصارى ويوم
النيروز وذلك يوم الأحد لعشرين ليلة خلت من ذي القعدة فذكر أن النصارى
زعمت أنهما لم يجتمعا في الاسلام قط
372

* ثم دخلت سنة أربعين ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمما كان فيها من ذلك وثوب أهل حمص بعاملهم على المعونة
* ذكر الخبر عن سبب ذلك وما آل إليه أمرهم ووثوبهم
ذكر أن عاملهم على المعونة قتل رجلا كان من رؤسائهم وكان العامل يومئذ
أبو المغيث الرافعي موسى بن إبراهيم فوثب أهل حمص في جمادى الآخرة من هذه
السنة فقتلوا جماعة من أصحابه ثم أخرجوه وأخرجوا صاحب الخراج من مدينتهم
فبلغ ذلك المتوكل فوجه إليهم عتاب بن عتاب ووجه معه محمد بن عبدويه كرداس
الأنباري وأمره أن يقول لهم إن أمير المؤمنين قد أبدلكم رجلا مكان رجل
فان سمعوا وأطاعوا ورضوا فول عليهم محمد بن عبدويه وإن أبوا وثبتوا على الخلاف
فأقم بمكانك واكتب إلى أمير المؤمنين حتى يوجه إليك رجاء أو محمد بن رجاء
الحضاري أو غيره من الخيل لمحاربتهم فخرج عتاب بن عتاب من سامرا يوم الاثنين
لخمس بقين من شهر جمادى الآخرة فرضوا بمحمد بن عبدويه فولاه عليهم فعمل
فيهم الأعاجيب (وفيها) مات أحمد بن أبي دؤاد ببغداد في المحرم بعد ابنه أبى
الوليد محمد وكان ابنه محمد توفى قبله بعشرين يوما في ذي الحجة ببغداد (وفيها)
عزل يحيى بن أكثم عن القضاء في صفر وقبض منه ما كان له ببغداد ومبلغه خمسة
وسبعون ألف دينار ومن أسطوانة في داره ألفا دينار وأربعة آلاف جريب
بالبصرة (وفيها) ولى جعفر بن عبد الواحد بن جعفر بن سليمان بن علي القضاء
على القضاة في صفر (وحج) بالناس في هذه السنة عبد الله بن محمد بن داود وحج
جعفر بن دينار وهو والى الاحداث بالموسم
* ثم دخلت سنة إحدى وأربعين ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمن ذلك ما كان من وثوب أهل حمص بعاملهم على المعونة وهو محمد بن عبدويه
373

* ذكر الخبر عما كان من أمرهم فيها وما آل إليه الامر بينهم *
ذكر أن أهل حمص وثبوا في جمادى الآخرة من هذه السنة بمحمد بن عبدويه
عاملهم على المعونة وأعانهم على ذلك قوم من نصارى حمص فكتب بذلك إلى المتوكل
فكتب إليه يأمره بمناهضتهم وأمده بجند من راتبة دمشق مع صالح العباسي التركي
وهو عامل دمشق وجند من جند الرملة فأمره أن يأخذ من رؤسائهم ثلاثة نفر
فيضربهم بالسياط ضرب التلف فإذا ماتوا صلبهم على أبوابهم وأن يأخذ بعد ذلك
من وجوههم عشرين انسانا فيضربهم ثلثمائة سوط كل واحد منهم ويحملهم في الحديد
إلى باب أمير المؤمنين وأن يخرب ما بها من الكنائس والبيع وأن يدخل البيعة
التي إلى جانب مسجدها في المسجد وأن لا يترك في المدينة نصرانيا الا أخرجه منها
وينادى فيهم قبل ذلك فمن وجده فيها بعد ثلاثة أحسن أدبه وأمر لمحمد بن عبدويه
بخمسين ألف درهم وأمر لقواده ووجوه أصحابه بصلات وأمر لخليفته علي بن
الحسين بخمسة عشر ألف درهم ولقواده بخمسة آلاف خمسة آلاف درهم وأمر
بخلع فأخذ محمد بن عبدويه عشرة منهم فكتب بأخذهم وأنه قد حملهم إلى دار
أمير المؤمنين ولم يضربهم فوجه المتوكل رجلا من أصحاب الفتح بن خاقان يقال
له محمد بن رزق الله ليرد من الذين وجه بهم ابن عبدويه محمد بن عبد الحميد الحيدى
والقاسم بن موسى بن فوعوس إلى حمص وأن يضربهما ضرب التلف ويصلبهما
على باب حمص فردهما وضربهما بالسياط حتى ماتا وصلبهما على باب حمص وقدم
بالآخرين سامرا وهم ثمانية فلما صاروا مات واحد منهم فأخذ المتوكل بهم رأسه
وقدم بسبعة منهم سامرا وبرأس الميت ثم كتب محمد بن عبدويه أنه أخذ عشرة
نفر منهم بعد ذلك وضرب منهم خمسة نفر بالسياط فماتوا ثم ضرب خمسة فلم يموتوا
ثم كتب محمد بن عبدويه بعد ذلك أنه ظفر برجل منهم من المخالفين يقال له عبد الملك
ابن إسحاق بن عمارة وكان فيما ذكر رأسا من رؤس الفتنة فضربه بباب حمص
بالسياط حتى مات وصلبه على حصن يعرف بتل العباس (وفى هذه السنة)
مطر الناس فيما ذكر بسامرا مطرا جوادا في آب (وفيها) ولى القضاء بالشرقية
374

في المحرم أبو حسان الزيادي (وفيها) ضرب عيسى بن جعفر بن محمد بن عاصم
صاحب خان عاصم ببغداد ضرب فيما قيل ألف سوط
* ذكر الخبر عن سبب ضربه وما كان من أمره في ذلك *
وكان السبب في ذلك أنه شهد عند أبي حسان الزيادي قاضى الشرقية عليه
أنه شتم أبا بكر وعمر وعائشة وحفصة سبعة عشر رجلا شهاداتهم فيما ذكر مختلفة
من هذا النحو فكتب بذلك صاحب بريد بغداد إلى عبيد الله بن يحيى بن خاقان
فأنهى عبيد الله ذلك إلى المتوكل فأمر المتوكل أن يكتب إلى محمد بن عبد الله بن
طاهر يأمره بضرب عيسى هذا بالسياط فإذا مات رمى به في دجلة ولم تدفع جيفته
إلى أهله فكتب عبيد الله إلى الحسن بن عثمان جواب كتابه إليه في عيسى
(بسم الله الرحمن الرحيم) أبقاك الله وحفظك وأتم نعمته عليك وصل كتابك
في الرجل المسمى عيسى بن جعفر بن محمد بن عاصم صاحب الخانات وما شهد به
الشهود عليه من شتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعنهم وإكفارهم
ورميهم بالكبائر ونسبتهم إلى النفاق وغير ذلك مما خرج به إلى المعاندة لله ولرسوله
صلى الله عليه وسلم وتثبتك في أمر أولئك الشهود وما شهدوا به وما صح عندك
من عدالة من عدل منهم ووضح لك من الامر فيما شهدوا به وشرحك ذلك في
رقعة درج كتابك فعرضت على أمير المؤمنين أعزه الله ذلك فأمر بالكتاب إلى
أبى العباس محمد بن عبد الله بن طاهر مولى أمير المؤمنين أبقاه الله بما قد نفذ إليه
مما يشبه ما عنده أبقاه الله من نصرة دين الله وإحياء سنته والانتقام ممن ألحد
فيه وأن يضرب الرجل حدا في مجمع الناس حد الشتم وخمسمائة سوط بعد الحد
للأمور العظام التي اجترأ عليها فإن مات ألقى في الماء من غير صلاة ليكون ذلك ناهيا
لكل ملحد في الدين خارج من جماعة المسلمين وأعلمتك ذلك لتعرفه إن شاء الله
تعالى والسلام عليك ورحمة الله وبركاته * وذكر أن عيسى بن جعفر بن محمد بن
عاصم هذا وقد قال بعضهم إن اسمه أحمد بن محمد بن عاصم لما ضرب ترك في
الشمس حتى مات ثم رمى به في دجلة (وفى هذه السنة) انقضت الكواكب
375

ببغداد وتناثرت وذلك ليلة الخميس لليلة خلت من جمادى الآخرة (وفيها) وقع
بها الصدام فنفقت الدواب والبقر (وفيها) أغارت الروم على عين زربة فأسرت
من كان بها من الزط مع نسائهم وذراريهم وجواميسهم وبقرهم (وفيها) كان
الفداء بين المسلمين والروم
* ذكر الخبر عن السبب الذي كان من أجله *
ذكر أن تذورة صاحبة الروم أم ميخائيل وجهت رجلا يقال له جورجس
ابن فرنافس يطلب الفدى لمن في أيدي الروم من المسلمين وكان المسلمون قد
قاربوا عشرين ألفا فوجه المتوكل رجلا من الشيعة يقال له نصر بن الأزهر بن
فرج ليعرف صحة من في أيدي الروم من أسارى المسلمين ليأمر بمفاداتهم وذلك
في شعبان من هذه السنة..... بعد أن أقام عندهم حينا فذكر أن تذورة
أمرت بعد خروج نصر بعرض أسراها وإعراض التنصر عليهم فمن تنصر منهم
كان أسوة من تنصر قبل ذلك ومن أبى عليها قتلته فذكر أنها قتلت من الاسرى
اثنى عشر ألفا ويقال إن قنقلة الخصي كان يقتلهم من غير أمرها ونفذ كتاب
المتوكل إلى عمال الثغور الشامية والجزرية أن شنيفا الخادم قد جرى بينه وبين
جورجس رسول عظيم الروم في أمر الفداء قول وقد اتفق الامر بينهما وسأل
جورجس هذا هدنة لخمس ليال تخلو من رجب سنة 241 إلى سبع ليال بقين من
شوال من هذه السنة ليجمعوا الاسرى ولتكون مدة لهم إلى انصرافهم إلى مأمنهم
فنفذ الكتاب بذلك يوم الأربعاء لخمس خلون من رجب وكان الفداء يقع في يوم
الفطر من هذه السنة وخرج جورجس رسول ملكة الروم إلى ناحية الثغور
يوم السبت لثمان بقين من رجب على سبعين بغلا اكتريت له وخرج معه أبو قحطبة
المغربي الطرطوسي لينظروا وقت الفطر وكان جورجس قدم معه جماعة من
البطاركة وغلمانه بنحو من خمسين إنسانا وخرج شنيف الخادم للفداء في النصف
من شعبان معه مائة فارس ثلاثون من الأتراك وثلاثون من المغاربة
وأربعون من فرسان الشاكرية فسأل جعفر بن عبد الواحد وهو
376

قاضى القضاة أن يؤذن له في حضور الفداء وأن يستخلف رجلا يقوم مقامه
فأذن له وأمر له بمائة وخمسين ألفا معونة وأرزاق ستين ألفا فاستخلف ابن أبي
الشوارب وهو يومئذ فتى حدث السن وخرج فلحق شنيفا وخرج أهل بغداد
من أوساط الناس فذكر أن الفداء وقع من بلاد الروم على نهر اللامس
يوم الأحد لاثنتي عشرة ليلة خلت من شوال سنة 241 فكان أسرى المسلمين
سبعمائة وخمسة وثمانين إنسانا ومن النساء مائة وخمس وعشرين امرأة (وفى هذه
السنة) جعل المتوكل كورة شمشاط عشرا ونقلهم من الخراج إلى العشر وأخرج
لهم بذلك كتابا (وفى هذه السنة) غارت البجة على حرس من أرض مصر فوجه
المتوكل لحربهم محمد بن عبد الله القمي
* ذكر الخبر عن أمرهم وما آلت إليه حالهم *
ذكر أن البجة كانت لا تغزو المسلمين ولا يغزوهم المسلمون لهدنة بينهم قديمة
قد ذكرنا فيما مضى قبل من كتابنا هذا وهم جنس من أجناس الحبش بالمغرب
وبالمغرب من السودان البجة والنوبة وأهل غانة الغافر وبينور ورعوين والفروية
ويكسوم ومكاره أكرم والخمس وفى بلاد البجة معادن ذهب فهم يقاسمون من يعمل
فيها ويؤدون إلى عمال السلطان من مصر في كل سنة عن معادنهم أربعمائة مثقال تبر
قبل أن يطبخ ويصفى فلما كان أيام المتوكل امتنعت البجة عن أداء ذلك الخراج سنين
متوالية فذكر أن المتوكل ولى بريد مصر رجلا من خدمه يقال له يعقوب بن إبراهيم
الباذغيسي مولى الهادي وهو المعروف بقوصرة وجعل إليه بريد مصر والإسكندرية
وبرقة ونواحي المغرب فكتب يعقوب إلى المتوكل أن البجة قد نقضت العهد الذي كان
بينها وبين المسلمين وخرجت من بلادها إلى معادن الذهب والجوهر وهى على
التخوم فيما بين أرض مصر وبلاد البجة فقتلوا عدة من المسلمين ممن كان يعمل في
المعادن ويستخرج الذهب والجوهر وسبوا عدة من ذراريهم ونسائهم وذكروا
أن المعادن لهم في بلادهم وأنهم لا يأذنون للمسلمين في دخولها وأن ذلك أوحش
جميع من كان يعمل في المعادن من المسلمين فانصرفوا عنها خوفا على أنفسهم وذراريهم
377

فانقطع بذلك ما كان يؤخذ للسلطان بحق الخمس من الذهب والفضة والجوهر
الذي يستخرج من المعادن فاشتد انكار المتوكل لذلك وأحفظه وشاور في أمر
البجة فأنهى إليه بأنهم قوم أهل بدو وأصحاب ابل وماشية وان الوصول إلى بلادهم
صعب لا يمكن أن يسلك إليهم الجيوش لأنها مفاوز وصحارى وبين أرض الاسلام
وبينها مسيرة شهر في أرض قفر وجبال وعرة لا ماء فيها ولازرع ولا معقل ولا
حصن وأن من يدخلها من أولياء السلطان يحتاج أن يتزود لجميع المدة التي يتوهم
أن يقيمها في بلادهم إلى أن يخرج إلى أرض الاسلام فان امتد به المقام حتى يتجاوز
تلك المدة هلك وجميع من معه وأخذتهم البجة بالأيدي دون المحاربة وأن أرضهم
أرض لا ترد على السلطان شيئا من خراج ولاغيره فامسك المتوكل عن التوجيه
إليهم وجعل أمرهم يتزيد وجرأتهم على المسلمين تشتد حتى خاف أهل الصعيد من
أرض مصر على أنفسهم وذراريهم منهم فولى المتوكل محمد بن عبد الله المعروف
بالقمي محاربتهم وولاه معاون تلك الكور وهى قفط والأقصر وإسنا وأرمنت
وأسوان وتقدم إليه في محاربة البجة وأن يكاتب عنبسة بن إسحاق الضبي العامل على
حرب مصر وكتب إلى عنبسة باعطائه جميع ما يحتاج إليه من الجند والشاكرية
المقيمين بمصر فازاح عنبسة علته في ذلك وخرج إلى أرض البجة وانضم إليه جميع
من كان يعمل في المعادن وقوم كثير من المطوعة فكانت عدة من معه نحوا من
عشرين ألف انسان بين فارس وراجل ووجه القلزم فحمل في البحر سبعة مراكب
موقرة بالدقيق والزيت والتمر والسويق والشعير وأمر قوما من أصحابه أن يلججوا
بها في البحر حتى يوافوه في ساحل البحر من أرض البجة فلم يزل محمد بن عبد الله
القمي يسير في أرض البجة حتى جاوز المعادن التي يعمل فيها الذهب وصار إلى
حصونهم وقلاعهم وخرج إليه ملكهم واسمه على بابا واسم ابنه لعيسى في جيش
كثير وعدد أضعاف من كان مع القمي من الناس وكانت البجة على ابلهم ومعهم
الحراب وابلهم فره تشبه بالمهارى في النجابة فجعلوا يلتقون أياما؟ الية فيتناوشون
ولا يصححون المحاربة وجعل ملك البجة يتطارد للقمي لكي تطول الأيام طمعا
378

في نفاد الزاد والعلوفة التي معهم فلا يكون لهم قوة ويموتون هزلا فيأخذهم البجة
بالأيدي فلما توهم عظيم البجة أن الأزواد قد نفدت أقبلت السبع المراكب التي حملها
القمي حتى خرجت إلى ساحل من سواحل البحر في موضع يعرف بصنجة فوجه
القمي إلى هنالك جماعة من أصحابه يحمون المراكب من البجة وفرق ما كان فيها
على أصحابه واتسعوا في الزاد والعلوفة فلما رأى ذلك على بابا رئيس البجة قصد
لمحاربتهم وجمع لهم فالتقوا فاقتتلوا قتالا شديدا وكانت الإبل التي يحاربون عليها
إبلا زعرة تكثر الفزع والرعب من كل شئ فلما رأى ذلك القمي جمع أجراس
الإبل والخيل التي كانت في عسكره كلها فجعلها في أعناق الخيل ثم حمل على البجة
فنفرت ابلهم لأصوات الأجراس واشتد رعبها فحملتهم على الجبال والأودية
فمزقتهم كل ممزق واتبعهم القمي بأصحابه فأخذهم قتلا وأسرا حتى أدركه الليل وذلك
في أول سنة 241 ثم رجع إلى معسكره ولم يقدر على احصاء القتلى لكثرتهم فلما
أصبح القمي وجدهم قد جمعوا جمعا من الرجالة ثم صاروا إلى موضع أمنوا فيه طلب
القمي فوافاهم القمي في الليل في خيله فهرب ملكهم فأخذ تاجه ومتاعه ثم طلب
على بابا الأمان على أن يرد إلى مملكته وبلاده فأعطاه القمي ذلك فأدى إليه
الخراج للمدة التي كان منعها وهى أربع سنين لكل سنة أربعمائة مثقال واستخلف
على بابا على مملكته ابنه لعيسى وانصرف القمي بعلى بابا إلى باب المتوكل فوصل إليه
في آخر سنة 241 فكسا على بابا هذا دراعة ديباج وعمامة سوداء وكسا جمله
رجلا مدبجا وجلال ديباج ووقف بباب العامة مع قوم من البجة نحو من سبعين
غلاما على الإبل بالرحال ومعهم الحراب في رؤس القوم الذين قتلوا من عسكرهم
قتلهم القمي فأمر المتوكل أن يقبضوا من القمي يوم الأضحى من سنة 241 وولى
المتوكل البجة وطريق ما بين مصر ومكة سعدا الخادم الايتاخى فولى سعد محمد
ابن عبد الله القمي فخرج القمي بعلى بابا وهو مقيم على دينه فذكر بعضهم أنه رأى
معه صنما من حجارة كهيئة الصبى يسجد له (ومات) في هذه السنة يعقوب بن
إبراهيم المعروف بقوصرة في جمادى الآخرة (وحج) بالناس في هذه السنة عبد الله
379

ابن محمد بن داود وحج جعفر بن دينار فيها وهو والى طريق مكة واحداث الموسم
* ثم دخلت سنة اثنتين وأربعين ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمما كان فيها من ذلك الزلازل الهائلة التي كانت بقومس ورساتيقها في شعبان فتهدمت فيها
الدور ومات من الناس به مما سقط عليهم من الحيطان وغيرها بشر كثير ذكر أنه بلغت
عدتهم خمسة وأربعين ألفا وستة وتسعين نفسا وكان عظم ذلك بالدامغان وذكر أنه
كان بفارس وخراسان والشأم في هذه السنة زلازل وأصوات منكرة وكان
باليمن أيضا مثل ذلك مع خسف بها (وفيها) خرجت الروم من ناحية شمشاط
بعد خروج علي بن يحيى الأرمني من الصائفة حتى قاربوا آمد ثم خرجوا من
الثغور الجزرية فانتهبوا عدة قرى وأسروا نحوا من عشرة آلاف إنسان وكان
دخولهم من ناحية إبريق قرية قربياس ثم انصرفوا راجعين إلى بلادهم فخرج
قربياس وعمر بن عبد الله الاقطع وقوم من المتطوعة في أثرهم فلم يلحقوا منهم
أحدا فكتب إلى علي بن يحيى أن يسير إلى بلادهم شاتيا (وفيها) قتل المتوكل
عطاردا رجلا كان نصرانيا فأسلم فمكث مسلما سنين كثيرة ثم ارتد فاستتيب
فأبى الرجوع إلى الاسلام فضربت عنقه لليلتين خلتا من شوال وأحرق بباب
العامة (وفى هذه السنة) مات أبو حسان الزيادي قاضى الشرقية في رجب
(وفيها) مات الحسن بن علي بن الجعد قاضى مدينة المنصور (وحج) بالناس
فيها عبد الصمد بن موسى بن محمد بن إبراهيم الإمام ابن محمد بن علي وهو والى مكة
وحج فيها جعفر بن دينار وهو والى طريق مكة وأحداث الموسم
* ثم دخلت سنة ثلاث وأربعين ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
(ففيها) كان شخوص المتوكل إلى دمشق لعشر بقين من ذي القعدة
فضحى ببلد فقال يزيد بن محمد المهلبي حين خرج
380

أظن الشأم تشمت بالعراق * إذا عزم الامام على انطلاق
فإن تدع العراق وساكنيها * فقد تبلى المليحة بالطلاق
(وفيها) مات إبراهيم بن العباس فولى ديوان الضياع الحسن بن مخلد
ابن الجراح خليفة إبراهيم في شعبان ومات هاشم بن بنجور في ذي الحجة
(وحج) بالناس فيها عبد الصمد بن موسى وحج جعفر بن دينار وهو والى
طريق مكة وأحداث الموسم
* ثم دخلت سنة أربع وأربعين ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمن ذلك دخول المتوكل دمشق في صفر وكان من لدن شخص من سامرا
إلى أن دخلها سبعة وتسعون يوما وقيل سبعة وسبعون يوما وعزم على المقام بها ونقل
دواو بن الملك إليها وأمر بالبناء بها فتحرك الأتراك في أرزاقهم وأرزاق عيالاتهم
فامر لهم بما أرضاهم. ثم استوبأ البلد وذلك أن الهواء بها بارد ندى والماء
ثقيل والريح تهب فيها مع العصر فلا تزال تشتد حتى يمضى عامة الليل وهى كثيرة
البراغيث وغلت فيها الأسعار وحال الثلج بين السابلة والمبرة (وفيها) وجه
المتوكل بغا من دمشق لغزو الروم في شهر ربيع الآخر فغزا الصائفة فافتتح صمله
وأقام المتوكل بدمشق شهرين وأياما ثم رجع إلى سامرا فأخذ في منصرفه على
الفرات ثم عدل إلى الأنبار ثم عدل من الأنبار على طريق الحرف إليها فدخلها يوم
الاثنين لسبع بقين من جمادى الآخرة (وفيها) عقد المتوكل لأبي الساج على
طريق مكة مكان جعفر بن دينار فيما زعم بعضهم والصواب عندي أنه عقد له
على طريق مكة في سنة 242 (وفيها) أتى المتوكل فيما ذكر بحربة كانت
للنبي صلى الله عليه وسلم تسمى العنزة ذكر أنها كانت للنجاشي ملك الحبشة
فوهبها للزبير بن العوام فأهداها الزبير لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت
عند المؤذنين وكان يمشى بها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في العيدين
381

وكانت تركز بين يديه في الفناء فيصلى إليها فأمر المتوكل بحملها بين يديه فكان
يحملها بين يديه صاحب الشرطة ويحمل حربته خليفة صاحب الشرطة (وفيها)
غضب المتوكل على بختيشوع وقبض ماله ونفاه إلى البحرين فقال أعرابي
يا سخطة جاءت على مقدار * ثار له الليث على اقتدار
منه وبختيشوع في اغترار * لما سعى بالسادة الأقمار
بالأمراء القادة الأبرار * ولاة عهد السيد المختار
وبالموالى وبنى الأحرار * رمى به في موحش القفار
بساحل البحرين للصغار
(وفى هذه السنة) اتفق عيد المسلمين الأضحى وشعانين النصارى وعيد
الفطر لليهود (وحج) بالناس فيها عبد الصمد بن موسى
* ثم دخلت سنة خمس وأربعين ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
(ففيها) أمر المتوكل ببناء الماحوزة وسماها الجعفري وأقطع القواد وأصحابه
فيها وجد في بنائها وتحول إلى المحمدية ليتم أمر الماحوزة وأمر بنقض القصر
المختار والبديع وحمل ساجهما إلى الجعفري وأنفق عليها فيما قيل أكثر من
ألفى ألف دينار وجمع فيها القراء فقرؤا وحضر أصحاب الملاهي فوهب لهم ألفى ألف
درهم وكان يسميها هو وأصحابه الخاصة المتوكليه وبنى فيها قصرا سماه لؤلؤة لم
ير مثله في علوه وأمر بحفر نهر يأخذ رأسه خمسة فراسخ فوق الماحوزة من
موضع يقال له كرمى يكون شربا لما حولها من فوه النهر إليها وأمر بأخذ جبلتا
والخصاصة العليا والسفلى وكرمى وحمل أهلها على بيع منازلهم وأرضهم فأجبروا
على ذلك حتى تكون الأرض والمنازل في تلك القرى كلها له ويخرجهم عنها وقدر
للنهر من النفقة مائتي ألف دينار وصير النفقة عليه إلى دليل بن يعقوب النصراني
كاتب بغا في ذي الحجة من سنة 245 وألقى في حفر النهر اثنى عشر
ألف رجل يعملون فيه فلم يزل دليل يعتمل فيه ويحمل المال بعد المال
382

ويقسم عامته في الكتاب حتى قتل المتوكل فبطل النهر وأخربت الجعفرية ونقضت
ولم يتم أمر النهر (وزلزلت) في هذه السنة بلاد المغرب حتى تهدمت الحصون
والمنازل والقناطر فأمر المتوكل بتفرقة ثلاثة آلاف ألف درهم في الذين أصيبوا
بمنازلهم وزلزل عسكر المهدى ببغداد فيها وزلزلت المدائن (وبعث) ملك الروم
فيها بأسرى من المسلمين وبعث يسأل المفاداة بمن عنده وكان الذي قدم من قبل
صاحب الروم رسولا إلى المتوكل شيخا يدعى أطروبيليس معه سبعة وسبعون
رجلا من أسرى المسلمين أهداهم ميخائيل بن توفيل ملك الروم إلى المتوكل
وكان قدومه عليه لخمس بقين من صفر من هذه السنة فأنزل على شنيف الخادم ثم
وجه المتوكل نصر بن الأزهر الشيعي مع رسول صاحب الروم فشخص في هذه
السنة ولم يقع الفداء إلا في سنة 46 * وذكر أنه كانت في هذه السنة بأنطاكية
زلزلة ورجفة في شوال قتلت خلقا كثيرا وسقط منها ألف ألف وخمسمائة دار
وسقط من سورها نيف وتسعون برجا وسمعوا أصواتا هائلة لا يحسنون وصفها
من كوى المنازل وهرب أهلها إلى الصحارى وتقطع جبلها الأقرع وسقط في
البحر فهاج البحر في ذلك اليوم وارتفع منه دخان أسود مظلم منتن وغار منها نهر
على فرسخ لا يدرى أين ذهب وسمع فيها فيما قيل أهل تنيس في مصر ضجة دائمة
هائلة فمات منها خلق كثير (وفيها) زلزلت بالس والرقة وحران ورأس
عين وحمس ودمشق والرها وطرسوس والمصيصة وأدنة وسواحل الشأم
ورجفت اللاذقية فما بقى منها منزل ولا أفلت من أهلها إلا اليسير وذهبت جبلة
بأهلها (وفيها) غارت مشاش عين مكة حتى بلغ ثمن القربة بمكة ثمانين درهما
فبعثت أم المتوكل فأنفق عليها (وفيها) مات إسحاق بن أبي إسرائيل وسوار بن
عبد الله وهلال الرازي (وفيها) هلك نجاح بن سلمة
* ذكر الخبر عن سبب هلاكه *
* حدثني الحارث بن أبي أسامة ببعض ما أنا ذاكره من أخباره وببعض
ذلك غيره أن نجاح بن سلمة كان على ديوان التوقيع والتتبع على العمال وكان قبل
383

ذلك كاتب إبراهيم بن رباح الجوهري وكان على الضياع فكان جميع العمال يتقونه
ويقضون حوائجه ولا يقدرون على منعه من شئ يريده وكان المتوكل ربما نادمه
وكان انقطاع الحسن بن مخلد وموسى بن عبد الملك إلى عبيد الله بن يحيى بن خاقان وهو
وزير المتوكل وكانا يحملان إليه كل ما يأمرهما به وكان الحسن بن مخلد على ديوان الضياع
وموسى على ديوان الخراج فكتب نجاح بن سلمة رقعة إلى المتوكل في الحسن وموسى
يذكر أنهما قد خانا وقصرا فيما هما بسبيله وأنه يستخرج منهما أربعين ألف ألف درهم
فأدناه المتوكل وشاربه تلك العشية وقال يا نجاح خذل الله من يخذلك فبكر إلى
غدا حتى أدفعهما إليك فغدا وقد رتب أصحابه وقال يا فلان خذ أنت الحسن
ويا فلان خذ أنت موسى فغدا نجاح إلى المتوكل فلقى عبيد الله وقد أمر عبيد الله
أن يحجب نجاح عن المتوكل فقال له يا أبا الفضل انصرف حتى ننظر وتنظر في
هذا الامر وأنا أشير عليك بأمر لك فيه صلاح قال وما هو قال أصلح بينك
وبينهما وتكتب رقعة تذكر فيها أنك كنت شاربا وأنك تكلمت بأشياء تحتاج
إلى معاودة النظر فيها وأنا أصلح الامر عند أمير المؤمنين فلم يزل يخدعه حتى
كتب رقعة بما أمره به فأدخلها على المتوكل وقال يا أمير المؤمنين قد رجع نجاح
عما قال البارحة وهذه رقعة موسى والحسن يتقبلان به بما كتبا فتأخذ ما ضمنا
عنه ثم تعطف عليهما فتأخذ منهما قريبا مما ضمن لك عنهما فسر المتوكل وطمع
فيما قال له عبيد الله فقال ادفعه إليهما فانصرفا به وأمرا بأخذ قلنسوته عن رأسه
وكانت خزا فوجد البرد فقال ويحك يا حسن قد وجدت البرد فأمر بوضع
قلنسوته على رأسه وصار به موسى إلى ديوان الخراج ووجها إلى ابنيه أبى الفرج
وأبى محمد فأخذ أبو الفرج وهرب أبو محمد ابن بنت حسن بن شنيف وأخذ
كاتبه إسحاق بن سعد بن مسعود القطربلي وعبد الله بن مخلد المعروف بابن البواب
وكان انقطاعه إلى نجاح فأقر لهما نجاح وابنه بنحو من مائة وأربعين ألف دينار
سوى قيمة قصورهما وفرشهما ومستغلاتهما بسامرا وبغداد وسوى ضياع لهما
كثيرة فأمر بقبض ذلك كله وضرب مرارا بالمقارع في غير موضع الضرب نحوا
384

من مائتي مقرعة وغمز وخنق خنقه موسى الفرانق والمعلوف * فأما الحارث
فإنه قال عصر خصيتيه حتى مات فأصبح ميتا يوم الاثنين لثمان بقين من ذي القعدة
من هذه السنة فأمر بغسله ودفنه فدفن ليلا وضرب ابنه محمد وعبد الله بن مخلد
وإسحاق بن سعد نحوا من خمسين خمسين فأقر إسحاق بخمسين ألف دينار وأقر
عبد الله بن مخلد بخمسة عشر ألف دينار وقيل عشرين ألف دينار وكان ابنه أحمد
ابن بنت حسن قد هرب فظفر به بعد موت نجاح فحبس في الديوان وأخذ جميع
ما في دار نجاح وابنه أبى الفرج من متاع وقبضت دورهما وضياعهما حيث كانت
وأخرجت عيالهما وأخذ وكيله بناحية السواد وهو ابن عياش فأقر بعشرين ألف
دينار وبعث إلى مكة في طلب الحسن بن سهل بن نوح الأهوازي وحسن بن
يعقوب البغدادي وأخذ بسببه قوم فحبسوا (وقد ذكر) في سبب هلاكه غير
ما قد ذكرناه ذكر أنه كان يضاد عبيد الله بن يحيى بن خاقان وكان عبيد الله متمكنا
من المتوكل واليه الوزارة وعامة أعماله وإلى نجاح توقيع العامة فلما عزم المتوكل
على بناء الجعفري قال له نجاح وكان في الندماء وقال يا أمير المؤمنين أسمى لك
قوما تدفعهم إلى حتى أستخرج لك منهم أموالا؟ بها مدينتك هذه فإنه يلزمك
من الأموال في بنائها ما يعظم قدره ويجل ذكره فقال له سمهم فرفع رقعة يذكر
فيها موسى بن عبد الملك وعيسى بن فرخانشاه خليفة الحسن بن مخلد والحسن
ابن مخلد وزيدان بن إبراهيم خليفة موسى بن عبد الملك وعبيد الله بن يحيى وأخويه
عبد الله بن يحيى وزكرياء وميمون بن إبراهيم ومحمد بن موسى المنجم وأخاه أحمد
ابن موسى وعلي بن يحيى بن أبي منصور وجعفر المعلوف مستخرج ديوان الخراج
وغيرهم نحوا من عشرين رجلا فوقع ذلك من المتوكل موقعا أعجبه وقال له اغد
غدوة فلما أصبح لم يشك في ذلك وناظر عبيد الله بن يحيى المتوكل فقال له يا أمير المؤمنين
أراد أن لا يدع كاتبا ولا قائدا ولا عاملا إلا أوقع بهم فمن يقوم بالاعمال يا أمير المؤمنين
وغدا نجاح فأجلسه عبيد الله في مجلسه ولم يؤذن له وأحضر موسى بن عبد الملك
والحسن بن مخلد فقال لهما عبيد الله إنه إن دخل إلى أمير المؤمنين دفعكما إليه
(25 - 7)
385

فقتلكما وأخذ ما تملكان ولكن اكتبا إلى أمير المؤمنين رقعة تقبلان به فيها بألفي
ألف دينار فكتبا رقعة بخطوطهما وأوصلها عبيد الله بن يحيى وجعل يختلف بين
أمير المؤمنين ونجاح وموسى بن عبد الملك والحسن بن مخلد فلم يزل يدخل ويخرج
ويعين موسى والحسن ثم أدخلهما على المتوكل فضمنا ذلك وخرج معهما فدفعه
إليهما جميعا والناس جميعا الخواص والعوام وهما لا يشكان أنهما وعبيد الله
ابن يحيى مدفوعون إلى نجاح للكلام الذي دار بينه وبين المتوكل فأخذاه وتولى
تعذيبه موسى بن عبد الملك فحبسه في ديوان الخراج بسامرا وضربه دررا وأمر
المتوكل بكاتبه إسحاق بن سعد وكان يتولى خاص أموره وأمر ضياع بعض الولد
أن يغرم واحدا وخمسين ألف دينار وحلف على ذلك وقال إنه أخذ منى في أيام
الواثق وهو يخلف عن عمر بن فرج خمسين دينارا حتى أطلق أرزاقي فخذوا لكل
دينار ألفا وزيادة ألف فضلا كما أخذ فضلا فحبس ونجم عليه في ثلاثة أنجم ولم يطلق
حتى أدى تعجيل سبعة عشر ألف دينار وأطلق بعد أن أخذ منه كفلاء بالباقي وأخذ
عبد الله بن مخلد فأغرم سبعة عشر ألف دينار ووجه عبيد الله الحسين بن إسماعيل وكان
أحد حجاب المتوكل وعتاب بن عتاب عن رسالة المتوكل أن يضرب نجاح خمسين
مقرعة إن هو لم يقر ويؤد ما وصف عليه فضربه ثم عاوده في اليوم الثاني بمثل
ذلك ثم عاوده في اليوم الثالث بمثل ذلك فقال أبلغ أمير المؤمنين أنى ميت وأمر
موسى بن عبد الملك جعفرا المعلوف ومعه عونان من أعوان ديوان الخراج فعصروا
مذاكيره حتى برد فمات فأصبح فركب إلى المتوكل فأخبره بما حدت من وفاة
نجاح فقال لهما المتوكل إني أريد مالي الذي ضمنتماه فاحتالاه فقبضا من أمواله
وأموال ولده جملة وحبسا أبا الفرج وكان على ديوان زمام الضياع من قبل
أبى صالح بن يزداد وقبضا أمتعته كلها وجميع ملكه وكتبا على ضياعه لأمير المؤمنين
وأخذا ما أخذا من أصحابه فكان المتوكل كثيرا ما يقول لهما كلما شرب ردوا على
كاتبي وإلا فهاتوا المال وضم توقيع ديوان العامة إلى عبيد الله بن يحيى فاستخلف
عليه يحيى بن عبد الرحمن بن خاقان ابن عمه ومكث موسى بن عبد الملك والحسن
386

ابن مخلد على ذلك يطالبهما المتوكل بالأموال التي ضمناها من قبل نجاح فما أتى على
ذلك إلا يسيرا حتى ركب موسى بن عبد الملك يشيع المنتصر من الجعفري وهو
يريد سامرا إلى منزله الذي ينزله بالجوسق فبلغه معه ساعة ثم انصرف راجعا
فبينا هو يسير إذ صاح بمن معه خذوني فبدروه فسقط على أيديهم مفلوجا فحمل
إلى منزله فمكث يومه وليلته ثم توفى فصير على ديوان الخراج أيضا عبيد الله
ابن يحيى بن خاقان فاستخلف عليه أحمد بن إسرائيل كاتب المعتز وكان أيضا خليفته
على كتابة المعتز فقال القصافى
ما كان؟ نجاح صولة الزمن * حتى أديل لموسى منه والحسن
غدا على نعم الأحرار يسلبها * فراح وهو سليب المال والبدن
(وفيها) ضرب بختيشوع المتطيب مائة وخمسين مقرعة وأثقل بالحديد وحبس
في المطبق في رجب (وفيها) أغارت الروم على سميساط فقتلوا وسبوا نحوا
من خمسمائة وغزا علي بن يحيى الأرمني والصائفة ومنع أهل لؤلؤة رئيسهم من
الصعود إليها ثلاثين يوما فبعث ملك الروم إليهم بطريقا يضمن لكل رجل منهم
ألف دينار على أن يسلموا إليه لؤلؤة فأصعدوه إليهم ثم أعطوا أرزاقهم الفائتة
وما أرادوا فسلموا لؤلؤة والبطريق إلى بلكاجور في ذي الحجة وكان البطريق
الذي كان صاحب الروم وجهه إليهم يقال له لغثيط فلما دفعه أهل لؤلؤة إلى
بلكاجور وقيل إن علي بن يحيى الأرمني حمله إلى المتوكل فدفعه المتوكل إلى الفتح
ابن خاقان فعرض عليه الاسلام فأبى فقالوا نقتلك فقال أنتم أعلم وكتب ملك
الروم يبذل مكانه ألف رجل من المسلمين (وحج) بالناس في هذه السنة محمد
ابن سليمان بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم الامام وهو يعرف بالزينبي وهو والى
مكة * وكان نيروز المتوكل الذي أرفق أهل الخراج بتأخيره إياه عنهم فيها يوم السبت
لاحدى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول ولسبع عشرة ليلة خلت من
حزيران ولثمان وعشرين من أرديوهشت ماه فقال البحتري الطائي
إن يوم النيروز عاد إلى العهد * الذي كان سنه أردشير
387

* ثم دخلت سنة ست وأربعين ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمن ذلك غزو عمر بن عبد الله الاقطع الصائفة فأخرج سبعة آلاف رأس وغزوة
قربياس فأخرج خمسة آلاف رأس وغزو الفضل بن قارن بحرا في عشرين مركبا
فافتتح حصن أنطاكية وغزوة بلكاجور فغنم وسبى وغزو علي بن يحيى الأرمني
الصائفة فأخرج خمسة آلاف رأس ومن الدواب والرمك والحمير نحوا من
عشرة آلاف (وفيها) تحول المتوكل إلى المدينة التي بناها الماحوزة فنزلها
يوم عاشوراء من هذه السنة (وفيها) كان الفداء في صفر على يدي علي بن يحيى
الأرمني ففودى بألفين وثلثمائة وسبعة وستين نفسا وقال بعضهم لم يتم الفداء في
هذه السنة إلا في جمادى الأولى * وذكر عن نصر بن الأزهر الشيعي وكان
رسول المتوكل إلى ملك الروم في أمر الفداء أنه قال لما صرت إلى القسطنطينية
حضرت دار ميخائيل الملك بسوادي وسيفي وخنجري وقلنسوتي فجرت بيني وبين
خال الملك بطرناس المناظرة وهو القيم بشأن الملك وأبوا أن يدخلون بسيفي
وسوادي فقلت أنصرف فانصرفت فرددت من الطريق ومعي الهدايا نحو من ألف
نافجة مسك وثياب حرير وزعفران كثير وطرائف وقد كان أذن لوفود برجان
وغيرهم ممن ورد عليه وحملت الهدايا التي معي فدخلت عليه فإذا هو على سرير فوق
سرير وإذا البطارقة حوله قيام فسلمت ثم جلست على طرف السرير الكبير وقد
هيئ لي مجلس ووضعت الهدايا بين يديه وبين يديه ثلاثة تراجمة غلام فراش كان
لمسرور الخادم وغلام لعباس بن سعيد الجوهري وترجمان له قديم يقال له سرحون
فقالوا لي ما نبلغه قلت لا تزيدون على ما أقول لكم شيئا فأقبلوا يترجمون ما أقول
فقبل الهدايا ولم يأمر لاحد منها بشئ وقربني وأكرمني وهيأ لي منزلا بقربه
فخرجت فنزلت في منزلي وأتاه أهل لؤلؤة برغبتهم في النصرانية وأنهم معه ووجهوا
برجلين ممن فيها رهينة من المسلمين * قال فتغافل عنى نحوا من أربعة أشهر حتى
388

أتاه كتاب مخالفة أهل لؤلؤة وأخذهم رسله واستيلاء العرب عليها فراجعوا مخاطبتي
وانقطع الامر بيني وبينهم في الفداء على أن يعطوا جميع من عندهم وأعطى جميع
من عندي وكانوا أكثر من ألف قليلا وكان جميع الاسرى الذين في أيديهم أكثر
من ألفين منهم عشرون امرأة معهن عشرة من الصبيان فأجابوني إلى المحالفة
فاستخلفت خاله فحلف عن ميخائيل فقلت أيها الملك قد حلف لي خالك فهذه اليمين
لازمة لك فقال برأسه نعم ولم أسمعه يتكلم بكلمة منذ دخلت بلاد الروم إلى
أن خرجت منها إنما يقول الترجمان وهو يسمع فيقول برأسه نعم أولا وليس
يتكلم وخاله المدبر أمره ثم خرجت من عنده بالأسرى بأحسن حال حتى إذا جئنا
موضع الفداء أطلقنا هؤلاء جملة وهؤلاء جملة وكان عداد من صار في أيدينا من
المسلمين أكثر من ألفين منهم عدة ممن كان تنصر وصار في أيديهم أكثر من ألف
قليلا وكان قوم تنصروا فقال لهم ملك الروم لا أقبل منكم حتى تبلغوا موضع الفداء
فمن أراد أن أقبله في النصرانية فليرجع من موضع الفداء وإلا فليضمن ويمض مع
أصحابه وأكثر من تنصر أهل المغرب وأكثر من تنصر بالقسطنطينية وكان هنالك
صائغان قد تنصرا فكانا يحسنان إلى الاسرى فلم يبق في بلاد الروم من المسلمين
ممن ظهر عليه الملك إلا سبعة نفر خمسة؟ بهم من سقلية أعطيت فداءهم على أن
يوجه بهم إلى سقلية ورجلين كانا من رهائن لؤلؤة فتركتهما قلت اقتلوهما فإنهما
رغبا في النصرانية * ومطر أهل بغداد في هذه السنة واحدا وعشرين يوما في
شعبان ورمضان حتى نبت العشب فوق الأجاجير وصلى المتوكل فيها صلاة الفطر
بالجعفرية وصلى عبد الصمد بن موسى في مسجد جامعها ولم يصل بسامرا أحد *
وورد فيها الخبر أن سكة بناحية بلخ تنسب إلى الدهاقين مطرت دما عبيطا
(وحج) بالناس في هذه السنة محمد بن سليمان الزينبي وحج فيها محمد بن عبد الله
ابن طاهر فولى أعمال الموسم وضحى أهل سامرا فيها يوم الاثنين على الرؤية وأهل
مكة يوم الثلاثاء
389

* ثم دخلت سنة سبع وأربعين ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمما كان فيها من ذلك مقتل المتوكل
* (ذكر الخبر عن سبب مقتله وكيف قتل) *
(قال أبو جعفر) ذكر لي أن سبب ذلك كان أن المتوكل كان أمر بانشاء
الكتب بقبض ضياع وصيف بأصبهان والجبل وأقطاعها الفتح بن خاقان فكتبت
الكتب بذلك وصارت إلى الخاتم على أن تتقدم يوم الخميس لخمس خلون من
شعبان فبلغ ذلك وصيفا واستقر عنده الذي أمر به في أمره وكان المتوكل أراد
أن يصلى بالناس يوم الجمعة في شهر رمضان في آخر جمعة منه وكان قد شاع في
الناس في أول رمضان أن أمير المؤمنين يصلى في آخر جمعة من الشهر بالناس فاجتمع الناس
لذلك واحتشدوا وخرج بنو هاشم من بغداد لرفع القصص وكلامه إذا هو ركب
فلما كان يوم الجمعة أراد الركوب للصلاة فقال له عبيد الله بن يحيى والفتح
ابن خاقان يا أمير المؤمنين إن الناس قد اجتمعوا وكثروا من أهل بيتك وبعض
متظلم وبعض طالب حاجة وأمير المؤمنين يشكو ضيق الصدر ووعكة فان
رأى أمير المؤمنين أن يأمر بعض ولاة العهود بالصلاة ونكون معه جميعا فليفعل
فقال قد رأيت ما رأيتما فأمر المنتصر بالصلاة فلما نهض المنتصر ليركب للصلاة
قالا يا أمير المؤمنين قد رأينا رأيا وأمير المؤمنين أعلى عينا قال وما هو اعرضاه
على قالا يا أمير المؤمنين مر أبا عبد الله المعتز بالله بالصلاة لتشرفه بذلك في هذا
اليوم الشريف فقد اجتمع أهل بيته والناس جميعا فقد بلغ الله به * قال وقد كان
ولد للمعتز قبل ذلك بيوم فأمر المعتز فركب وصلى بالناس فأقام المنتصر في منزله
وكان بالجعفرية وكان ذلك مما زاد في إغرائه فلما فرغ المعتز من خطبته قام إليه
عبيد الله بن يحيى والفتح بن خاقان فقبلا يديه ورجليه وفرغ المعتز من الصلاة
فانصرف وانصرفا معه ومعهم الناس في موكب الخلافة والعالم بين يديه حتى دخل
390

على أبيه وهما معه ودخل معه داود بن محمد بن أبي العباس الطوسي فقال داود
يا أمير المؤمنين ائذن لي فأتكلم قال قل فقال والله يا أمير المؤمنين لقد رأيت الأمين
والمأمون والمعتصم صلوات الله عليهم ورأيت الواثق بالله فوالله ما رأيت رجلا
على منبر أحسن قواما ولا أحسن بديها ولا أجهر صوتا ولا أعذب لسانا ولا
أخطب من المعتز بالله أعزه الله يا أمير المؤمنين ببقائك وأمتعك الله وإيانا بحياته فقال له
المتوكل أسمعك الله خيرا وأمتعنا بك فلما كان يوم الأحد وذلك يوم الفطر وجد المتوكل
فترة فقال مروا المنتصر فليصل بالناس فقال له عبيد الله بن يحيى بن خاقان يا أمير
المؤمنين قد كان الناس تطلعوا إلى رؤية أمير المؤمنين في يوم الجمعة فاجتمعوا
واحتشدوا فلم يركب أمير المؤمنين ولا نأمن إن هو لم يركب أن يرجف الناس
بعلته ويتكلموا في أمره فان رأى أمير المؤمنين أن يسر الأولياء ويكبت الأعداء
بركوبه فعل فأمرهم بالتأهب والتهيئ لركوبه فركب فصلى بالناس وانصرف
إلى منزله فأقام يومه ذلك ومن الغد لم يدع بأحد من ندمائه * وذكر أنه ركب
يوم الفطر وقد ضرب له المصاف نحوا من أربعة أميال وترجل الناس بين يديه
فصلى بالناس ورجع إلى قصره فأخذ حفنة من تراب فوضعها على رأسه فقيل له
في ذلك فقال انى رأيت كثرة هذا الجمع ورأيتهم تحت يدي فأحببت أن أتواضع
لله عز وجل فلما كان من غد يوم الفطر لم يدع بأحد من ندمائه فلما كان اليوم الثالث
وهو يوم الثلاثاء لثلاث خلون من شوال أصبح نشيطا فرحا مسرورا فقال كأني
أجد مس الدم فقال الطيفوري وابن الأبرش وهما طبيباه يا أمير المؤمنين عزم الله
لك على الخير افعل ففعل واشتهى لحم جزور فأمر به فأحضر بين يديه فاتخذه
بيده * وذكر عن ابن الحفصي المغنى أنه كان حاضر المجلس قال ابن الحفصي
ما كان أحد ممن يأكل حاضرا غيري وغير عثعث وزنام وبنان غلام أحمد بن يحيى
ابن معاذ فإنه جاء مع المنتصر * وكان المتوكل والفتح بن خاقان يأكلان معا ونحن
في ناحية بإزائهم والندماء مفترقون في حجرهم لم يدع بأحد منهم بعد قال ابن الحفصي
فالتفت إلى أمير المؤمنين فقال كل أنت وعثعث بين يدي ويأكل معكما نصر بن
391

سعيد الجهبذ قال فقلت يا سيدي نصر والله يأكلني فكيف ما يوضع بين أيدينا
فقال كلوا بحياتي فأكلنا ثم علقنا أيدينا بحذائه قال فالتفت أمير المؤمنين التفاتة
فنظر إلينا معلقي الأيدي فقال مالكم لا تأكلون قلت يا سيدي قد نفد ما بين أيدينا
فأمر أن يزاد فغرف لنا من بين يديه قال ابن الحفصي ولم يكن أمير المؤمنين في يوم
من الأيام أسر منه في ذلك اليوم قال وأخذ مجلسه ودعا بالندماء والمغنين فحضروا
وأهدت إليه قبيحة أم المعتز مطرف خز أخضر لم ير الناس مثله حسنا فنظر إليه فأطال
النظر فاستحسنه وكثر تعجبه منه وأمر به فقطع نصفين وأمر برده عليها ثم قال
لرسولها أذكرتني به ثم قال والله إن نفسي لتحدثني انى لا ألبسه وما أحب أن
يلبسه أحد بعدي وإنما أمرت بشقه لئلا يلبسه أحد بعدي فقلنا له يا سيدنا هذا
يوم سرور يا أمير المؤمنين نعيذك بالله أن تقول هذا يا سيدنا قال وأخذ في الشراب
واللهو ولهج يقول أنا والله مفارقكم عن قليل قال فلم يزل في لهوه وسروره إلى
الليل (وذكر بعضهم) أن المتوكل عزم هو والفتح أن يصيرا غداهم عند عبد الله
ابن عمر البازيار يوم الخميس لخمس ليال خلون من شوال على أن يفتك بالمنتصر
ويقتل وصيفا وبغا وغيرهما من قواد الأتراك ووجوههم فكثر عبثه يوم الثلاثاء
قبل ذلك بيوم فيما ذكر ابن الحفصي بابنه المنتصر مرة يشتمه ومرة يسقيه فوق
طاقته ومرة يأمر بصفعه ومرة يتهدده بالقتل فذكر عن هارون بن محمد بن سليمان
الهاشمي أنه قال حدثني بعض من كان في الستارة من النساء أنه التفت إلى الفتح
فقال له برئت من الله ومن قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم تلطمه
يعنى المنتصر فقام الفتح ولطمه مرتين يمر يده على قفاه ثم قال المتوكل لمن حضر
اشهدوا جميعا أنى قد خلعت المستعجل فقال المنتصر يا أمير المؤمنين ثم التفت إليه فقال
سميتك المنتصر فسماك الناس لحمقك المنتظر ثم صرت الآن المستعجل فقال المنتصر
يا أمير المؤمنين لو أمرت بضرب عنقي كان أسهل على مما تفعله بي فقال اسقوه
ثم أمر بالعشاء فأحضر وذلك في جوف الليل فخرج المنتصر من عنده وأمر بنانا
غلام أحمد بن يحيى أن يلحقه فلما خرج وضعت المائدة بين يدي المتوكل وجعل
392

يأكلها ويلقم وهو سكران * وذكر عن ابن الحفصي أن المنتصر لما خرج إلى
حجرته أخذ بيد زرافة فقال له امض معي فقال يا سيدي إن أمير المؤمنين لم يقم
فقال إن أمير المؤمنين قد أخذه النبيذ والساعة يخرج بغا والندماء وقد أحببت أن
تجعل أمر ولدك إلى فان أو تامش سألني أن أزوج ابنه من ابنتك وابنك من ابنته
فقال له زرافة نحن عبيدك يا سيدي فمرنا بأمرك وأخذ المنتصر بيده وانصرف به
معه قال وكان زرافة قد قال لي قبل ذلك ارفق بنفسك فان أمير المؤمنين سكران
والساعة يفيق وقد دعاني تمرة وسألني أن أسألك أن تصير إليه فنصير جميعا إلى
حجرته قال فقلت له أنا أتقدمك إليه قال ومضى زرافة مع المنتصر إلى حجرته
فذكر بنان غلام أحمد بن يحيى أن المنتصر قال له قد أملكت ابن زرافة من ابنة
أوتامش وابن أوتامش من ابنة زرافة قال بنان فقلت للمنتصر يا سيدي فأين
النثار فهو يحسن الاملاك فقال غدا إن شاء الله فان الليل قد مضى قال وانصرف
زرافة إلى حجرة تمرة فلما دخل دعا بالطعام فأتى به فما أكل الا أيسر ذلك حتى
سمعنا الضجة والصراخ فقمنا فقال بنان فما هو إلا أن خرج زرافة من منزل تمرة
إذا بغا قد استقبل المنتصر فقال المنتصر ما هذه الضجة قال خير يا أمير المؤمنين قال
ما تقول ويلك قال أعظم الله أجرك في سيدنا أمير المؤمنين كان عبد الله دعاه فأجابه
قال فجلس المنتصر وأمر بباب البيت الذي قتل فيه المتوكل والمجلس فأغلق وأغلقت
الأبواب كلها وبعث إلى وصيف يأمره باحضار المعتز والمؤيد عن رسالة المتوكل *
وذكر عن عثعث أن المتوكل دعا بالمائدة بعد قيام المنتصر وخروجه
ومعه زرافة وكان بغا الصغير المعروف بالشرابي قائما عند الستر وذلك اليوم
كان نوبة بغا الكبير في الدار وكان خليفته في الدار ابنه موسى وموسى هذا هو
ابن خالة المتوكل وبغا الكبير يومئذ بسميساط فدخل بغا الصغير إلى المجلس
فأمر الندماء بالانصراف إلى حجرهم فقال له الفتح ليس هذا وقت انصرافهم
وأمير المؤمنين لم يرتفع فقال له بغا إن أمير المؤمنين أمرني إذا جاوز السبعة
أن لا أترك في المجلس أحدا وقد شرب أربعة عشر رطلا فكره الفتح قيامهم
393

فقال له بغا ان حرم أمير المؤمنين خلف الستارة وقد سكر فقوموا وأخرجوا
فخرجوا جميعا فلم يبق الا الفتح وعثعث وأربعة من خدم الخاصة منهم شفيع
وفرج الصغير ومؤنس وأبو عيسى مارد المحرزي قال ووضع الطباخ المائدة
بين يدي المتوكل فجعل يأكل ويلقم ويقول لمارد كل معي حتى أكل بعض
طعامه وهو سكران ثم شرب أيضا بعد ذلك * فذكر عثعث أن أبا أحمد بن
المتوكل أخا المؤيد لامه كان معهم في المجلس فقام إلى الخلاء وقد كان بغا الشرابي
أغلق الأبواب كلها غير باب الشط ومنه دخل القوم الذين عينوا القتلة فبصر بهم
أبو أحمد فصاح بهم ما هذا يا سفل وإذا بسيوف مسللة قال وقد كان تقدم النفر
الذين تولوا قتله بغلون التركي وباغر وموسى بن بغا وهارون بن صوار تكين
وبغا الشرابي فلما سمع المتوكل صوت أبى أحمد رفع رأسه فرأى القوم فقال
يا بغا ما هذا قال هؤلاء رجال النوبة التي تبيت على باب سيدي أمير المؤمنين
فرجع القوم إلى ورائهم عند كلام المتوكل لبغا ولم يكن واجن وأصحابه وولد
وصيف حضروا معهم بعد قال عثعث فسمعت بغا يقول لهم يا سفل أنتم مقتولون
لا محالة فموتوا كراما فرجع القوم إلى المجلس فابتدره بغلون فضربه ضربة على
كتفه وأذنه فقده فقال مهلا قطع الله يدك ثم قام وأراد الوثوب به فاستقبله بيده
فأبانها وشركه باغر فقال الفتح ويلكم أمير المؤمنين فقال بغا يا جلفي لا تسكت
فرمى الفتح بنفسه على المتوكل فبعجه هارون بسيفه فصاح الموت واعتوره
هارون وموسى بن بغا بأسيافهما فقتلاه وقطعاه وأصابت عثعث ضربة في رأسه
وكان مع المتوكل خادم صغير فدخل تحت الستارة فنجا وتهارب الباقون قال
وقد كانوا قالوا لوصيف في وقت ما جاؤوا إليه كن معنا فانا نتخوف أن لا يتم
ما نريد فنقتل فقال لا بأس عليكم فقالوا له فأرسل معنا بعض ولدك فأرسل معهم
خمسة من ولده صالحا وأحمد وعبد الله ونصرا وعبيد الله حتى صاروا إلى ما أرادوا
ودكر عن زرقان خليفة زرافة على البوابين وغيرهم ان المنتصر لما أخذ بيد
زرافة فأخرجه من الدار ودخل القوم نظر إليهم عثعث فقال للمتوكل قد فرغنا
394

من الأسد والحيات والعقارب وصرنا إلى السيوف وذلك أنه كان ربما أشلى
الحية والعقرب أو الأسد فلما ذكر عثعث السيوف قال له ويلك أي شئ تقول
فما استتم كلامه حتى دخلوا عليه فقام الفتح في وجوههم فقال لهم يا كلاب وراءكم
وراءكم فبدر إليه بغا الشرابي فبعج بطنه بالسيف وبدر الباقون إلى المتوكل وهرب
عثعث على وجهه وكان أبو أحمد في حجرته فلما سمع الضجة خرج فوقع على
أبيه فبادره بغلون فضربه ضربتين فلما رأى السيوف تأخذه خرج وتركهم وخرج
القوم إلى المنتصر فسلموا عليه بالخلافة وقالوا مات أمير المؤمنين وقاموا على رأس
زرافة بالسيوف فقالوا له بايع فبايعه وأرسل المنتصر إلى وصيف ان الفتح قتل
أبى فقتلته به فاحضر في وجوه أصحابك فحضر وصيف وأصحابه فبايعوا قال وكان
عبيد الله بن يحيى في حجرته لا يعلم بشئ من أمر القوم ينفذ الأمور (وقد ذكر)
أن امرأة من نساء الأتراك ألقت رقعة تخبر ما عزم عليه القوم فوصلت الرقعة
إلى عبيد الله فشاور الفتح فيها وكان ذلك وقع إلى أبى نوح عيسى بن إبراهيم
كاتب الفتح بن خاقان فأنهاه إلى الفتح فاتفق رأيهم على كتمان المتوكل لما رأوا
من سروره فكرهوا أن ينغصوا عليه يومه وهان عليهم أمر القوم ووثقوا بأن
ذلك لا يجسر عليه أحد ولا يقدر * فذكر ان أبا نوح احتال في الهرب من ليلته
وعبيد الله جالس في عمله ينفذ الأمور وبين يديه جعفر بن حامد إذ طلع عليه
بعض الخدم فقال يا سيدي ما يجلسك قال وما ذاك قال الدار سيف واحد فأمر
جعفر بالخروج فخرج وعاد فأخبره ان أمير المؤمنين والفتح قد قتلا فخرج فيمن
معه من خدمه وخاصته فأخبر ان الأبواب مغلقة فأخذ نحو الشط فإذا أبوابه
أيضا مغلقة فأمر بكسر ما كان مما يلي الشط فكسرت ثلاثة أبواب حتى خرج
إلى الشط فصار إلى زورق فقعد فيه ومعه جعفر بن حامد وغلام له فصار إلى
منزل المعتز فسأل عنه فلم يصادفه فقال إنا لله وإنا إليه راجعون قتلني وقتل نفسه
فتلهف عليه واجتمع إلى عبيد الله أصحابه غداة يوم الأربعاء من الأبناء والعجم
والأرمن والزواقيل والاعراب والصعاليك وغيرهم فقال بعضهم كانوا زهاء
395

عشرين ألف فارس وقال آخرون كان معه ثلاثة عشر ألف رجل وقال آخرون
كان معه ثلاثة عشر ألف لجام وقال المقللون ما بين الخمسة آلاف إلى العشرة
آلاف فقالوا له إنما كنت تصطنعنا لهذا اليوم فأمر بأمرك وأذن لنا نمل على القوم
ميلة نقتل المنتصر ومن معه من الأتراك وغيرهم فأبى ذلك وقال ليس في هذا
حيلة والرجل في أيديهم يعنى المعتز * وذكر عن علي بن يحيى المنجم أنه قال كنت
أقرأ على المتوكل قبل قتله بأيام كتابا من كتب الملاحم فوقفت على موضع من
الكتاب فيه ان الخليفة العاشر يقتل في مجلسه فتوقفت عن قراءته وقطعته فقال
لي مالك قد وقفت قلت خير قال لابد والله من أن تقرأه فقرأته وحدت عن
ذكر الخلفاء فقال المتوكل ليت شعري من هذا الشقى المقتول * وذكر عن سلمة
ابن سعيد النصراني ان المتوكل رأى أشوط بن حمزة الأرمني قبل قتله بأيام
فتأفف برؤيته وأمر بإخراجه فقيل له يا أمير المؤمنين أليس قد كنت تحب
خدمته قال بلى ولكني رأيت في المنام منذ ليال كأني قد ركبته فالتفت إلى وقد
صار رأسه مثل رأس البغل فقال لي إلى كم تؤذينا انما بقى من أجلك تمام خمسة
عشر سنة غير أيام قال كان بعدد أيام خلافته * وذكر عن ابن أبي ربعي أنه
قال رأيت في منامي كأن رجلا دخل من باب الرستن على عجلة ووجهه إلى الصحراء
وقفاه إلى المدينة وهو ينشد
يا عين ويلك فاهملي * بالدمع سحا واسبلي
دلت على قرب القيامة * قتلة المتوكل
* وذكر أن حبشي بن أبي ربعي مات قبل قتل المتوكل بسنتين * وذكر
عن محمد بن سعيد قال قال أبو الوارث قاضى نصيبين رأيت في النوم آتيا أتاني
وهو يقول:
يا ناثم العين في جثمان يقظان * ما بال عينك لا تبكي بتهتان
أما رأيت صروف الدهر ما فعلت * بالهاشمي وبالفتح بن خاقان
وسوف يتبعهم قوم لهم غدروا * حتى يصيروا كأمس الذاهب الفاني
396

فأتى البريد بعد أيام بقتلهما جميعا (قال أبو جعفر) وقتل ليلة الأربعاء بعد
العتمة بساعة لأربع خلون من شوال وقيل بل قتل ليلة الخميس فكانت خلافته
أربع عشرة سنة وعشرة أشهر وثلاثة أيام وقتل يوم قتل وهو فيما قيل ابن أربعين
سنة وكان ولد بفم الصلح في شوال من سنة 206 وكان أسمر حسن العينين خفيف
العارضين نحيفا
* ذكر الخبر عن بعض أمور المتوكل وسيرته *
* ذكر عن مروان بن أبي الجنوب أبى السمط أنه قال أنشدت أمير المؤمنين
فيه شعرا وذكرت الرافضة فيه فعقد لي على البحرين واليمامة وخلع على أربع
خلع في دار العامة وخلع على المنتصر وأمر لي بثلاثة آلاف دينار فنثرت على
رأسي وأمر ابنه المنتصر وسعدا الايتاخى يلقطانها لي ولا أمس منها شيئا
فجمعاها فانصرفت بها قال والشعر الذي قال فيه
ملك الخليفة جعفر * للدين والدنيا سلامه
لكم تراث محمد * وبعدلكم تنفى الظلامة
يرجو التراث بنو البنات * وما لهم فيها قلامه
والصهر ليس بوارث * والبنت لا ترث الإمامة
ما للذين تنحلوا * ميراثكم إلا الندامة
أخذ الوراثة أهلها * فعلام لومكم علامه
لو كان حقكم لها * قامت على الناس القيامة
ليس التراث لغيركم * لا والاله ولا كرامة
أصبحت بين محبكم * والمبغضين لكم علامه
ثم نثر على رأسي بعد ذلك لشعر قلته في هذا المعنى عشرة آلاف درهم *
وذكر عن مروان بن أبي الجنوب أنه قال لما استخلف المتوكل بعثت بقصيدة
مدحت فيها ابن أبي دؤاد إلى ابن أبي دؤاد وكان في آخرها بيتان ذكرت فيهما
أمر ابن الزيات وهما
397

وقيل لي الزيات لاقي حمامه * فقلت أتاني الله بالفتح والنصر
لقد حفر الزيات بالغدر حفرة * فألقى فيها بالخيانة والغدر
قال فلما صارت القصيدة إلى ابن أبي دؤاد ذكرها للمتوكل وأنشده البيتين
فأمره باحضاره فقال هو باليمامة كان الواثق نفاه لمودته لأمير المؤمنين قال يحمل
قال عليه دين قال كم هو قال ستة آلاف دينار قال يعطاها فأعطى وحمل من
اليمامة فصار إلى سامرا وامتدح المتوكل بقصيدة يقول فيها
رحل الشباب وليته لم يرحل * والشيب حل وليته لم يحلل
فلما صار إلى هذين البيتين من القصيدة
كانت خلافة جعفر كنبوة * جاءت بلا طلب ولا بتنحل
وهب الاله له الخلافة مثل ما * وهب النبوة للنبي المرسل
أمر له بخمسين ألف درهم * وذكر عن أبي يحيى بن مروان بن محمد الشني
الكلبي قال أخبرني أبو السمط مروان بن أبي الجنوب قال لما صرت إلى
أمير المؤمنين المتوكل على الله مدحت ولاة العهود وأنشدته
سقى الله نجدا والسلام على نجد * ويا حبذا نجد على النأى والبعد
نظرت إلى نجد وبغداد دونها * لعلى أرى نجدا وهيهات من نجد
ونجد بها قوم هواهم زيارتي * ولا شئ أحلى من زيارتهم عندي
قال فلما استتممت إنشادها أمر لي بعشرين ومائة ألف درهم وخمسين ثوبا
وثلاثة من الظهر فرس وبغلة وحمار فما برحت حتى قلت في شكره
تخير رب الناس للناس جعفرا * فملكه أمر العباد تخيرا
قال فلما صرت إلى هذا البيت
فأمسك ندى كفيك عنى ولا تزد * فقد خفت أن أطغى وأن أتجبرا
قال لا والله لا أمسك حتى أعرفك بجودي ولا برحت حتى تسأل حاجة قلت
يا أمير المؤمنين الضيعة التي أمرت باقطاعي إياها باليمامة ذكر ابن المدبر أنها وقف
من المعتصم على ولده ولا يجوز إقطاعها قال فانى أقبلكها بدرهم في السنة مائة
398

سنة قلت لا يحسن يا أمير المؤمنين أن يؤدى درهم في الديوان قال فقال ابن
المدبر بألف درهم فقلت نعم فأنفذها لي ولعقبي ثم قال ليس هذه حاجة هذه
قبالة قلت فضياعي التي كانت لي كان الواثق أمر باقطاعي إياها فنفاني ابن الزيات
وحال بيني وبينها فتنفذها لي فأمر بانفاذها بمائة درهم في السنة وهى السيوح
وذكر عن أبي حشيشة أنه كان يقول كان المأمون يقول إن الخليفة بعدي في اسمه
عين فكان يظن أنه العباس ابنه فكان المعتصم وكان يقول وبعده هاء فيظن
أنه هارون فكان الواثق وكان يقول وبعده أصفر الساقين فكان يظن أنه
أبو الجنائز العباس فكان المتوكل ذلك فلقد رأيته إذا جلس على السرير
يكشف ساقيه فكانا أصفرين كأنما صبغا بزعفران * وذكر عن يحيى بن
أكثم أنه قال حضرت المتوكل فجرى بيني وبينه ذكر المأمون وكتبه إلى الحسن بن
الحسن بن سهل فقلت بتفضيله وتقريظه ووصف محاسنه وعلمه ومعرفته ونباهته
قولا كثيرا لم يقع بموافقة بعض من حضر فقال له المتوكل كيف كان يقول في
القرآن قلت كان يقول ما مع القرآن حاجة إلى علم فرض ولا مع سنة الرسول
صلى الله عليه وسلم وحشة إلى فعل أحد ولا مع البيان والافهام حجة لتعلم ولا
بعد الجحود للبرهان والحق إلا السيف لظهور الحجة فقال له المتوكل لم أرد منك
ما ذهبت إليه من هذا المعنى قال له يحيى القول بالمحاسن في المغيب فريضة على ذي
نعمة قال فما كان يقول خلال حديثه فإن المعتصم بالله يرحمه الله كان يقوله وقد
أنسيته فقال كان يقول اللهم إني أحمدك على النعم التي لا يحصيها غيرك وأستغفرك
من الذنوب التي لا يحيط بها إلا عفوك قال فما كان يقول إذا استحسن شيئا أو بشر
بشئ فقد كان المعتصم بالله أمر علي بن يزداد أن يكتبه لنا فكتبه فعلمناه ثم أنسيناه
قال كان يقول إن ذكر آلاء الله ونشرها وتعداد نعمه والحديث بها فرض من الله
على أهلها وطاعة لامره فيها وشكر له عليها فالحمد لله العظيم الآلاء السابغ النعماء
بما هو أهله ومستوجبه من محامده القاضية حقه البالغة شكره الموجبة مزيده على
مالا يحصيه تعدادنا ولا يحيط به ذكرنا من ترادف مننه وتتابع فضله ودوام
399

طوله حمد من يعلم أن ذلك منه والشكر له عليه فقال المتوكل صدقت هذا هو
الكلام بعينه وهذا كله حكم من ذي حنكة وعلم وانقضى المجلس * وقدم في هذه
السنة محمد بن عبد الله بن طاهر بغداد منصرفا من مكة في صفر فشكا ما ناله من
الغم بما وقع من الخلاف في يوم النحر فأمر المتوكل بانفاذ خريطة صفراء من الباب
إلى أهل الموسم برؤية هلال ذي الحجة وأن يسار بها كما يسار بالخريطة الواردة
بسلامة الموسم وأمر أن يقام على المشعر الحرام وسائر المشاعر الشمع مكان
الزيت والنفط (وفيها) ماتت أم المتوكل بالجعفرية لست خلون من شهر ربيع
الآخر وصلى عليها المنتصر ودفنت عند المسجد الجامع (وفيها) بويع للمنتصر محمد
ابن جعفر بالخلافة في يوم الأربعاء لأربع خلون من شوال وقيل لثلاث خلون
منه وهو ابن خمس وعشرين سنة وكنيته أبو جعفر بالجعفرية فأقام بها بعدما بويع
له عشرة أيام ثم تحول منه بعياله وقواده وجنوده إلى سامرا
* خلافة المنتصر محمد بن جعفر *
وكان قد بايعه ليلة الأربعاء الذين ذكرناهم قبل فذكر عن بعضهم أنه قال لما
كان صبيحة يوم الأربعاء حضر الناس الجعفرية من القواد والكتاب والوجوه
والشاكرية والجند وغيرهم فقرأ عليهم أحمد بن الخصيب كتابا يخبر فيه عن أمير
المؤمنين المنتصر أن الفتح بن خاقان قتل أباه جعفر المتوكل فقتله به فبايع الناس
وحضر عبيد الله بن يحيى بن خاقان فبايع وانصرف * وذكر عن أبي عثمان سعيد
الصغير أنه قال لما كانت الليلة التي قتل فيها المتوكل كنا في الدار مع المنتصر فكان
كلما خرج الفتح خرج معه وكلما رجع قام لقيامه وجلس لجلوسه وخرج في أثره
وكلما ركب أخذ بركابه وسوى عليه ثيابه في سرج دابته وكان اتصل بنا الخبر أن
عبيد الله بن يحيى قد أعد له قوما في طريقه ليغتالوه عند انصرافه وقد كان المتوكل
أسمعه وأحفظه قبل انصرافه ووثب به فانصرف على غضب وانصرفنا معه فلما صار
إلى داره أرسل إلى ندمائه وخاصته وقد كان واعد الأتراك على قتل المتوكل قبل
انصرافه إذا ثمل من النبيذ قال فلم ألبث أن جاءني الرسول أن أحضر فقد جاءت
400

رسل أمير المؤمنين إلى الأمير وهو على الركوب فوقع في نفسي ما كان دار بيننا
أنهم على اغتيال المنتصر وأنه إنما يدعى لذلك فركبت في سلاح وعدة وصرت
إلى باب الأمير فإذا هم يموجون وإذا واجن قد جاءه فأخبره أنه قد فزع من أمره
فركب فلحقته في بعض الطريق وأنا مرعوب فرأى ما بي فقال ليس عليك أن أمير
المؤمنين قد شرق بقدح شربه بعد انصرافنا فمات رحمه الله فأكبرت ذلك وشق
على ومضينا وأحمد بن الخصيب وجماعة من القواد معنا حتى دخلنا الحير وتتابعت
الاخبار بقتل المتوكل فأخذت الأبواب ووكل بها وقلت يا أمير المؤمنين وسلمت
عليه بالخلافة وقلت لا ينبغي أن نفارقك لموضع الشفقة عليك من مواليك في هذا
الوقت قال أجل فكن أنت من ورائي وسليمان الرومي وألقى له منديل فجلس
عليه وأحطنا به وحضر أحمد بن الخصيب وكاتبه سعيد بن حميد لاخذ البيعة * فذكر
عن سعيد بن حميد أن أحمد بن الخصيب قال له ويلك يا سعيد معك كلمتان أو ثلاث
تأخذ بها البيعة قلت نعم وكلمات وعملت كتاب البيعة وأخذتها على من حضر وكل
من جاء حتى جاء سعيد الكبير فأرسله إلى المؤيد وقال لسعيد الصغير امض أنت
إلى المعتز حتى تحضره قال سعيد الصغير فقلت أما ما دمت يا أمير المؤمنين في قلة ممن
معك فلا أبرح والله من وراء ظهرك حتى يجتمع الناس قال أحمد بن الخصيب ههنا
من يكفيك فامض فقلت لا أمضى حتى يجتمع من يكفي فانى الساعة أولى به منك
فلما كثر القواد وبايعوا ومضيت وأنا آيس من نفسي ومعي غلامان فلما صرت إلى
باب أبى نوح والناس يموجون ويذهبون ويجيئون وإذا على الباب جمع كبير في سلاح
وعدة فلما أحسوا بي لحقني فارس منهم فسألني وهو لا يعرفني من أنت فعميت عليه
خبري وأخبرته أنى من بعض أصحاب الفتح ومضيت حتى صرت إلى باب المعتز فلم أجد
به أحدا من الحرس والبوابين والمكترين ولا خلقا من خلق الله حتى صرت إلى الباب
الكبير فدققته دقا عنيفا مفرطا فأجبت بعد مدة طويلة فقيل لي من هذا فقلت سعيد
الصغير رسول أمير المؤمنين المنتصر فمضى الرسول وأبطأ على وأحسست بالمنكر
وضاقت على الأرض ثم فتح الباب فإذا ببيدون الخادم قد خرج وقال لي ادخل وأغلق
(26 - 7)
401

الباب دوني فقلت ذهبت والله نفسي ثم سألني عن الخبر فأخبرته أن أمير المؤمنين
شرق بكأس شربه ومات من ساعته وأن الناس قد اجتمعوا وبايعوا المنتصر
وأنه أرسلني إلى الأمير أبى عبد الله المعتز بالله ليحضر البيعة فدخل ثم خرج إلى
فقال ادخل فدخلت على المعتز فقال لي ويلك يا سعيد ما الخبر فأخبرته بمثل ما أخبرت
به بيدون وعزيته وبكيت وقلت تحضر يا سيدي وتكون في أوائل من بايع
فتستدعى بذلك قلب أخيك فقال لي ويلك حتى يصبح فما زلت أفتله الحبل
والغارب ويعينني عليه بيدون الخادم حتى تهيأ للصلاة ودعا بثيابه فلبسها وأخرج
له دابة وركب وركبت معه وأخذت طريقا غير طريق الجادة وجعلت أحدثه
وأسهل الامر عليه وأذكره أشياء يعرفها من أخيه حتى إذا صرنا إلى باب عبيد الله
ابن يحيى بن خاقان سألني عنه فقلت هو يأخذ البيعة على الناس والفتح قد بايع فتأنس
حينئذ وإذا بفارس قد لحق بنا وصار إلى بيدون الخادم فساره بشئ لا أعلمه فصاح
به بيدون فمضى ثم رجع ثلاثا كل ذلك يرده بيدون ويصيح به دعنا حتى وافينا باب الحير
فاستفتحته فقيل لي من أنت قلت سعيد الصغير والأمير المعتز ففتح لي الباب وصرنا إلى
المنتصر فلما رآه قربه وعانقه وعزاه وأخذ البيعة عليه ثم وافى المؤيد مع سعيد الكبير
ففعل به مثل ذلك وأصبح الناس وصار المنتصر إلى الجعفري فأمر بدفن المتوكل
والفتح وسكن الناس فقال سعيد الصغير ولم أزل أطالب المعتز بالبشرى بخلافة
المنتصر وهو محبوس في الدار حتى وهب لي عشرة آلاف درهم وكانت نسخة
البيعة التي أخذت للمنتصر (بسم الله الرحمن الرحيم) تبايعون عبد الله المنتصر
بالله أمير المؤمنين بيعة طوع واعتقاد ورضى ورغبة بإخلاص من سرائركم
وانشراح من صدوركم وصدق من نياتكم لا مكرهين ولا مجبرين بل مقرين عالمين
بما في هذه البيعة وتأكيدها من طاعة الله وتقواه وإعزاز دين الله وحقه ومن
عموم صلاح عباد الله واجتماع الكلمة ولم الشعث وسكون الدهماء وأمن
العواقب وعز الأولياء وقمع الملحدين على أن محمدا الامام المنتصر بالله عبد الله
وخليفته المفترض عليكم طاعته ومناصحته والوفاء بحقه وعقده لا تشكون
402

ولا تدهنون ولا تميلون ولا ترتابون وعلى السمع له والطاعة والمسالمة والنصرة
والوفاء والاستقامة والنصيحة في السر والعلانية والخفوف والوقوف عند كل
ما يأمر به عبد الله الامام المنتصر بالله أمير المؤمنين وعلى أنكم أولياء أوليائه وأعداء
أعدائه من خاص وعام وأبعد وأقرب وتتمسكون ببيعته بوفاء العقد وذمة العهد
سرائركم في ذلك مثل علانيتكم وضمائركم مثل ألسنتكم راضين بما يرضاه لكم
أمير المؤمنين في عاجلكم وآجلكم وعلى إعطائكم أمير المؤمنين بعد تجديدكم بيعته
هذه على أنفسكم وتأكيدكم إياها في أعناقكم صفقة أيمانكم راغبين طائعين عن
سلامة من قلوبكم وأهوائكم ونياتكم وعلى أن لا تسعوا في نقض شئ مما أكد
لله عليكم وعلى أن لا يميل بكم مميل في ذلك عن نصرة وإخلاص ونصح وموالاة
وعلى أن لا تبدلوا ولا يرجع منكم راجع عن نيته وانطوائه إلى غير علانيته وعلى
أن تكون بيعتكم التي أعطيتم بها ألسنتكم وعهودكم بيعة يطلع الله من قلوبكم على
اجتبائها واعتقادها وعلى الوفاء بذمته بها وعلى اخلاصكم في نصرتها وموالاة
أهلها لا يشوب ذلك منكم دغل ولا ادهان ولا احتيال ولا تأول حتى تلقوا الله
موفين بعهده ومؤدين حقه عليكم غير مستشرفين ولا ناكثين إذ كان الذين يبايعون
منكم أمير المؤمنين انما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على
نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما عليكم بذلك وبما أكدت
هذه البيعة في أعناقكم وأعطيتم بها من صفقة أيمانكم وبما اشترط عليكم بها من
وفاء ونصر وموالاة واجتهاد ونصح وعليكم عهد الله إن عهده كان مسؤولا
وذمة الله وذمة رسوله وأشد ما أخذ على أنبيائه ورسله وعلى أحد من عباده من
متأكد وثائقه أن تسمعوا ما أخذ عليكم في هذه البيعة ولا تبدلوا وأن تطيعوا
ولا تعصوا وأن تخلصوا ولا ترتابوا وأن تتمسكوا بما عاهدتم عليه تمسك
أهل الطاعة بطاعتهم وذوي العهد والوفاء بوفائهم وحقهم لا يلفتكم عن ذلك
هوى ولا مميل ولا يزيغ بكم فيه ضلال عن هدى باذلين في ذلك أنفسكم واجتهادكم
ومقدمين فيه حق الدين والطاعة بما جعلتم على أنفسكم لا يقبل الله منكم في هذه
403

البيعة الا الوفاء بها فمن نكث منكم ممن بايع أمير المؤمنين هذه البيعة عما أكد عليه
مسرا أو معلنا أو مصرحا أو محتالا فادهن فيما أعطى الله من نفسه وفيما أخذت به مواثيق
أمير المؤمنين وعهود الله عليه مستعملا في ذلك الهوينا دون الجد والركون إلى
الباطل دون نصرة الحق وزاغ عن السبيل التي يعتصم بها أولو الوفاء منهم بعهودهم
فكل ما يملك كل واحد ممن خان في ذلك بشئ نقض عهده من مال أو عقار أو
سائمة أو زرع أو ضرع صدقة على المساكين في وجوه سبيل الله محرم عليه أن
يرجع شئ من ذلك إلى ماله عن حيلة يقدمها لنفسه أو يحتال بها وما أفاد في بقية
عمره من فائدة مال يقل خطرها أو يجل قدرها فتلك سبيله إلى أن توافيه منيته
ويأتي عليه أجله وكل مملوك يملكه اليوم إلى ثلاثين سنة من ذكر أو أنثى أحرار
لوجه الله ونساؤه في يوم يلزمه الحنث ومن يتزوجه بعدهن إلى ثلاثين سنة
طوالق البتة طلاق الحرج والسنة لا مثنوية فيه ولا رجعة وعليه المشي إلى
بيت الله الحرام ثلاثين حجة لا يقبل الله منه الا الوفاء بها وهو برئ من الله
ورسوله والله ورسوله منه بريئان ولا قبل الله منه صرفا ولا عدلا والله عليكم
بذلك شهيد وكفى بالله شهيدا * وذكر أنه لما كانت صبيحة اليوم الذي بويع فيه
المنتصر شاع الخبر في الماحوزة وهى المدينة التي كان جعفر بناها في أهل سامرا
بقتل جعفر وتوافى الجند والشاكرية بباب العامة بالجعفري وغيرهم من الغوغاء
والعوام وكثر الناس وتسامعوا وركب بعضهم بعضا وتكلموا في أمر البيعة فخرج
إليهم عتاب بن عتاب وقيل إن الذي خرج إليهم زرافة فأبلغهم عن المنتصر ما
يحبون فأسمعوه فدخل إلى المنتصر فأخبره فخرج وبين يديه جماعة من المغاربة فصاح
بهم يا كلاب خذوهم فحملوا على الناس فدفعوهم إلى الثلاثة الأبواب فازدحم الناس
ووقع بعضهم على بعض ثم تفرقوا عن عدة قد ماتوا من الزحمة والدوس فمنهم من
ذكر أنهم كانوا ستة نفر ومنهم من قال كانوا ما بين الثلاثة إلى الستة (وفيها)
ولى المنتصر أبا عمرة أحمد بن سعيد مولى بني هاشم بعد البيعة له بيوم المظالم فقال قائل
يا ضيعة الاسلام لما ولى * مظالم الناس أبو عمره
404

صير مأمونا على أمة * وليس مأمونا على بعره
(وفى ذي الحجة) من هذه السنة أخرج المنتصر علي بن المعتصم من سامرا
إلى بغداد ووكل به (وحج) بالناس فيها محمد بن سليمان الزينبي
* ثم دخلت سنة ثمان وأربعين ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
(فمن ذلك) ما كان من اغزاء المنتصر وصيفا التركي صائفة أرض الروم
* (ذكر الخبر عن سبب ذلك وما كان في ذلك من وصيف) *
ذكر أن السبب في ذلك أنه كان بين أحمد بن الخصيب ووصيف شحناء
وتباغض فلما استخلف المنتصر وابن الخصيب وزيره حرض أحمد بن الخصيب
المنتصر على وصيف وأشار عليه باخراجه من عسكره غازيا إلى الثغر فلم يزل به
حتى أحضره المنتصر فأمره بالغزو * وقد ذكر عن المنتصر أنه لما عزم على أن
يغزى وصيفا الثغر الشأمى قال له أحمد بن الخصيب ومن يجترئ على الموالى حتى
تأمر وصيفا بالشخوص فقال المنتصر لبعض من الحجبة ائذن لمن حضر الدار فأذن
له وفيهم وصيف فأقبل عليه فقال له يا وصيف أتانا عن طاغية الروم أنه أقبل يريد
الثغور وهذا أمر لا يمكن الامساك عنه فإما شخصت وإما شخصت فقال وصيف بل
أشخص يا أمير المؤمنين قال يا أحمد انظر ما يحتاج إليه على أبلغ ما يكون فأقمه له قال نعم
يا أمير المؤمنين قال ما نعم قم الساعة لذلك يا وصيف مر كاتبك يوافقه على ما يحتاج
إليه ويلزمه حتى يزيح علتك فيه فقام أحمد بن الخصيب وقام وصيف فلم يزل في
جهازه حتى خرج فما أفلح ولا أنجح * وذكر أن المنتصر لما أحضر وصيفا
وأمره بالغزو قال له إن الطاغية يعنى ملك الروم قد تحرك ولست آمنه أن يهلك
كل ما يمر به من بلاد الاسلام ويقتل ويسبي الذراري فإذا غزوت وأردت
الرجعة انصرفت إلى باب أمير المؤمنين من فورك وأمر جماعة من القواد وغيرهم
بالخروج معه وانتخب له الرجال فكان معه من الشاكرية والجند والموالي زهاء
405

عشرة آلاف رجل فكان على مقدمته في بدأته مزاحم بن خاقان أخو الفتح بن خاقان
وعلى الساقة محمد بن رجاء وعلى الميمنة السندي بن بختاشة وعلى الدراجة نصر
ابن سعيد المغربي واستعمل على الناس والعسكر أبا عون خليفته وكان على الشرطة
بسامرا وكتب المنتصر عند اغزائه وصيفا مولاه إلى محمد بن عبد الله بن طاهر
كتابا نسخته (بسم الله الرحمن الرحيم) من عبد الله محمد المنتصر بالله أمير المؤمنين
إلى محمد بن عبد الله مولى أمير المؤمنين سلام عليك فان أمير المؤمنين يحمد إليك
الله الذي لا إله إلا هو ويسأله أن يصلى على محمد عبده ورسوله صلى الله عليه
وعلى آله * أما بعد فان الله وله الحمد على آلائه والشكر بجميل بلائه اختار الاسلام
وفضله وأتمه وأكمله وجعله وسيلة إلى رضاه ومثوبته وسبيلا نهجا إلى رحمته
وسببا إلى مذخور كرامته فقهر له من خالفه وأذل له من عند عن حقه وابتغى
غير سبيله وخصه بأتم الشرائع وأكملها وأفضل الاحكام وأعدلها وبعث به خيرته
من خلقه وصفوته من عباده محمدا صلى الله عليه وسلم وجعل الجهاد أعظم فرائضه
منزلة عنده وأعلاها رتبة لديه وأنجحها وسيلة إليه لان الله عز وجل أعز دينه
وأذل عتاة الشرك قال الله عز وجل آمرا بالجهاد ومفترضا له " انفروا خفافا
وثقالا وجاهدوا في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم
تعلمون " وليست تمضى بالمجاهد في سبيل الله حال لا يكابد في الله نصبا ولا أذى
ولا ينفق نفقة ولا يقارع عدوا ولا يقطع بلدا ولا يطأ أرضا إلا وله بذلك
أمر مكتوب وثواب جزيل وأجر مأمول قال الله عز وجل " ذلك بأنهم لا يصيبهم
ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطؤون موطئا يغيظ الكفار
ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر
المحسنين ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم
ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون " ثم أثنى عز وجل بفضل منزلة المجاهدين على
القاعدين عنده وما وعدهم من جزائه ومثوبته ومالهم من الزلفى عنده فقال " لا يستوى
القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم
406

وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله
الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما " فبالجهاد اشترى الله من
المؤمنين أنفسهم وأموالهم وجعل جنته ثمنا لهم ورضوانه جزاء لهم على بذلها
وعدا منه حقا لا ريب فيه وحكما عدلا لا تبديل له قال الله عز وجل " إن الله
اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون
ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من
الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم وحكم الله عز وجل
لاحياء المجاهدين بنصره والفوز برحمته وأشهد لموتاهم بالحياة الدائمة والزلفى
لديه والحظ الجزيل من ثوابه فقال ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا
بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون
بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولاهم يحزنون "
وليس من شئ يتقرب به المؤمنون إلى الله عز وجل من أعمالهم ويسعون به
في حط أوزارهم وفكاك رقابهم ويستوجبون به الثواب من ربهم الا والجهاد
عنده أعظم منه منزلة وأعلى لديه رتبة وأولى بالفوز في العاجلة والآجلة لان
أهله بذلوا لله أنفسهم لتكون كلمة الله هي العليا وسمحوا بها دون من وراءهم
من اخوانهم وحريم المسلمين وبيضتهم ووقموا بجهادهم العدو وقد رأى أمير
المؤمنين لما يحبه من التقرب إلى الله بجهاد عدوه وقضاء حقه عليه فيما استحفظه
من دينه والتماس الزلفى له في اعزاز أوليا؟ واحلال البأس والنقمة بمن حاد
عن دينه وكذب رسله وفارق طاعته أن ينهض وصيفا مولى أمير المؤمنين في
هذا العام إلى بلاد أعداء الله الكفرة الروم غازيا لما عرف الله أمير المؤمنين
من طاعته ومناصحته ومحمود تعبئته وخلوص نيته في كل ما قربه من الله ومن
خليفته وقد رأى أمير المؤمنين والله ولى معونته وتوفيقه أن يكون موافاة وصيف
فيمن أنهض أمير المؤمنين معه من مواليه وجنده وشاكريته ثغر ملطية لاثنتي
عشرة ليلة تخلو من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين ومائتين وذلك من
شهور العجم للنصف من حزيران ودخوله بلاد أعداء الله في أول يوم من تموز
407

فاعلم ذلك واكتب إلى عمالك على نواحي عملك بنسخة كتاب أمير المؤمنين
هذا ومرهم بقراءته على من قبلهم من المسلمين وترغيبهم في الجهاد وحثهم عليه
واستنفارهم إليه وتعريفهم ما جعل الله من الثواب لأهله ليعمل ذوو النيات
والحسبة والرغبة في الجهاد على حسب ذلك في النهوض إلى عدوهم والخفوف
إلى معاونة اخوانهم والذياد عن دينهم والرمي من وراء حوزتهم بموافاة عسكر
وصيف مولى أمير المؤمنين ملطية في الوقت الذي حده أمير المؤمنين لهم إن شاء
الله والسلام عليك ورحمة الله وبركاته وكتب أحمد بن الخصيب لسبع ليال خلون
من المحرم سنة ثمان وأربعين ومائتين وصير على ما ذكر على نفقات عسكر وصيف
والمغانم والمقاسم المعروف بأبي الوليد الجريري البجلي وكتب معه المنتصر كتابا
إلى وصيف يأمره بالمقام ببلاد الثغر إذا هو انصرف من غزاته أربع سنين
يغزو في أوقات الغزو منها إلى أن يأتيه رأى أمير المؤمنين (وفى هذه السنة)
خلع المعتز والمؤيد أنفسهم وأظهر المنتصر خلعهما في القصر الجعفري المحدث
* ذكر الخبر عن خلعهما أنفسهما *
ذكر أن محمدا المنتصر بالله لما استقامت له الأمور قال أحمد بن الخصيب
لوصيف وبغا انا لا نأمن الحدثان وأن يموت أمير المؤمنين فيلي الامر المعتز
فلا يبقى منا باقية ويبيد خضراءنا والرأي أن نعمل في خلع هذين الغلامين قبل
أن يظفرا بنا فجد الأتراك في ذلك وألحوا على المنتصر وقالوا يا أمير المؤمنين
تخلعهما من الخلافة وتبايع لابنك عبد الوهاب فلم يزالوا به حتى فعل ولم يزل
مكرما المعتز والمؤيد على ميل منه شديد إلى المؤيد فلما كان بعد أربعين يوما
من ولايته أمر بإحضار المعتز والمؤيد بعد انصرافهما من عنده فأحضرا وجعلا
في دار فقال المعتز للمؤيد يا أخي لم ترانا أحضرنا فقال يا شقي للخلع فقال
لا أظنه يفعل بنا ذلك فبينا هم كذلك إذ جاءهم الرسل بالخلع فقال المؤيد السمع
والطاعة وقال المعتز ما كنت لافعل فان أردتم القتل نشأنكم فرجعوا إليه فأعلموه
ثم عادوا بغلظة شديدة فأخذوا المعتز بعنف وأدخلوه إلى بيت وأغلقوا عليه
408

الباب * فذكر عن يعقوب بن السكيت أنه قال حدثني المؤيد قال لما رأيت
ذلك قلت لهم بجرأة واستطالة ما هذا يا كلاب فقد ضربتم على دمائنا تثبون على
مولاكم هذا الوثوب اعزثوا قبحكم الله دعوني أكلمه فكاعوا عن جوابي بعد
تسرع كان منهم وأقاموا ساعة ثم قالوا لي القه إن أحببت فظننت انهم استأمروا
فقمت إليه فإذا هو في البيت يبكى فقلت يا جاهل تراهم قد نالوا من أبيك
وهو هو ما نالوا ثم تمتنع عليهم اخلع ويلك ولا تراجعهم قال سبحان الله أمر
قد مضيت عليه وجرى في الآفاق أخلعه من عنقي فقلت هذا الامر قتل أباك
فليته لا يقتلك اخلعه ويلك فوالله لئن كان في سابق علم الله أن تلى لتلين قال
أفعل * قال فخرجت فقلت قد أجاب فأعلموا أمير المؤمنين فمضوا ثم عادوا
فجزوني خيرا ودخل معهم كاتب قد سماه ومعه دواة وقرطاس فجلس ثم أقبل
على أبى عبد الله فقال اكتب بخطك خلعك فتلكأ فقلت للكاتب هات قرطاسا
أملل ما شئت فأملى على كتابا إلى المنتصر أعلمه فيه ضعفي عن هذا الامر وأنى علمت
أنه لا يحل أن أتقلده وكرهت أن يأثم المتوكل بسببي إذ لم أكن موضعا له وأسأله
الخلع وأعلمه أنى خلعت نفسي وأحللت الناس من بيعتي فكتبت كلما أراد ثم قلت
اكتب يا أبا عبد الله فامتنع فقلت اكتب ويلك فكتب وخرج الكاتب عنا ثم دعانا
فقلت نجدد ثيابنا أو نأتى في هذه فقال بل جدد فدعوت بثياب فلبستها وفعل
أبو عبد الله كذلك وخرجنا فدخلنا وهو في مجلسه والناس على مراتبهم فسلمنا
فردوا وأمر بالجلوس ثم قال هذا كتابكما فسكت المعتز فبدرت فقلت نعم يا أمير
المؤمنين هذا كتابي بمسألتي ورغبتي وقلت للمعتز تكلم فقال مثل ذلك ثم أقبل
علينا والأتراك وقوف وقال أترياني خلعتكما طمعا في أن أعيش حتى يكبر ولدى
وأبايع له والله ما طمعت في ذلك ساعة قط وإذا لم يكن في ذلك طمع فوالله لان
يليها بنو أبى أحب إلى من أن يليها بنو عمى ولكن هؤلاء وأومأ إلى سائر الموالى
ممن هو قائم وقاعد ألحوا على في خلعكما فخفت إن لم أفعل أن يعترضكما بعضهم
بحديدة فيأتي عليكما فما ترياني صانعا أقتله فوالله ما تفي دماؤهم كلهم بدم بعضكم فكانت
409

إجابتهم إلى ما سألوا أسهل على * قال فأكبا عليه فقبلا يده قضمهما إليه ثم انصرفا
وذكر أنه لما كان يوم السبت لسبع بقين من صفر سنة 248 خلع المعتز والمؤيد
أنفسهما وكتب كل واحد منهما رقعة بخطه أنه خلع نفسه من البيعة
التي بويع له وأن الناس في حل من حلها ونقضها وأنهما يعجزان عن القيام
بشئ منها ثم قاما بذلك على رؤس الناس والأتراك والوجوه والصحابة والقضاة
وجعفر بن عبد الواحد قاضى القضاة والقواد وبنى هاشم وولاة الدواوين والشيعة
ووجوه الحرس ومحمد بن عبد الله بن طاهر ووصيف وبغا الكبير وبغا الصغير
وجميع من حضر دار الخاصة والعامة ثم انصرف الناس بعد ذلك والنسخة التي
كتباها (بسم الله الرحمن الرحيم) إن أمير المؤمنين المتوكل على الله رضي الله عنه
قلدني هذا الامر وبايع لي وأنا صغير من غير إرادتي ومحبتي فلما فهمت أمرى
علمت أنى لا أقوم بما قلدني ولا أصلح لخلافة المسلمين فمن كانت بيعتي في عنقه فهو
من نقضها في حل وقد حللتكم منها وأبرأتكم من أيمانكم ولا عهد لي في رقابكم
ولا عقد وأنتم برآء من ذلك وكان الذي قرأ الرقاع أحمد بن الخصيب ثم قام كل
واحد منهما قائما فقال لمن حضر هذه رقعتي وهذا قولي فاشهدوا على وقد أبرأتكم
من أيمانكم وحللتكم منها فقال لهما المنتصر عند ذلك قد خار الله لكما وللمسلمين وقام
فدخل وكان قد قعد للناس وأقعدهما بالقرب منه فكتب كتابا إلى العمال بخلعهما
وذلك في صفر سنة 248 نسخة كتاب المنتصر بالله إلى أبى العباس محمد بن عبد الله
ابن طاهر مولى أمير المؤمنين في خلع أبى عبد الله المعتز وإبراهيم المؤيد من عبد الله
محمد الامام المنتصر بالله أمير المؤمنين إلى محمد بن عبد الله مولى أمير المؤمنين أما
بعد فان الله وله الحمد على آلائه والشكر بجميل بلائه جعل ولاة الامر من خلفائه
القائمين بما بعث به رسوله صلى الله عليه وسلم والذابين عن دينه والداعين إلى حقه
والممضين لاحكامه وجعل ما اختصهم به من كرامته قواما لعباده وصلاحا لبلاده
ورحمة غمر بها خلقه وافترض طاعتهم ووصلها بطاعته وطاعة رسوله محمد صلى الله
عليه وسلم وأوجبها في محكم تنزيله لما جمع فيها من سكون الدهماء واتساق الأهواء
410

ولم الشعث وأمن السبل ووقم العدو وحفظ الحريم وسد الثغور وانتظام الأمور
فقال أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فمن الحق على خلفاء الله
الذين حباهم بعظيم نعمته واختصهم بأعلى رتب كرامته واستحفظهم فيما جعله
وسيلة إلى رحمته وسببا لرضاه ومثوبته لان يؤثروا طاعته في كل حال تصرفت
بهم ويقيموا حقه في أنفسهم والأقرب فالأقرب منهم وأن يكون محلهم من
الاجتهاد في كل ما قرب من الله عز وجل حسب موقعهم من الدين وولاية أمر
المسلمين وأمير المؤمنين يسأل الله مسألة رغبة إليه وتذللا لعظمته أن يتولاه فيما
استرعاه ولاية يجمع له بها صلاح ما قلده ويحمل عنه أعباء ما حمله ويعينه بتوفيقه
على طاعته إنه سميع قريب وقد علمت ما حضرت من رفع أبى عبد الله وإبراهيم
ابني أمير المؤمنين المتوكل على الله رضي الله عنه إلى أمير المؤمنين رقعتين بخطوطهما
يذكران فيهما ما عرفهما الله من عطف أمير المؤمنين عليهما ورأفته بهما وجميل
نظره لهما وما كان أمير المؤمنين المتوكل على الله عقده لأبي عبد الله من ولاية عهد
أمير المؤمنين ولإبراهيم من ولاية العهد بعد أبي عبد الله وأن ذلك العقد كان
وأبو عبد الله طفل لم يبلغ ثلاث سنين ولم يفهم ما عقد له ولا وقف على ما قلده
وإبراهيم صغير لم يبلغ الحلم ولم يجر أحكامهما ولاجرت أحكام الاسلام عليهما
وأنه قد يجب عليهما إذ بلغا ووقفا على عجزهما عن القيام بما عقد لهما من العهد وأسند إليهما
من الأعمال أن ينصحا لله ولجماعة المسلمين بأن يخرجا من هذا الامر الذي عقد
لهما أنفسهما ويعتزلا الأعمال التي قلداها ويجعلا كل من في عنقه لهما بيعة وعليه
بمين في حل إذ كانا لا يقومان بما رشحا له ولا يصلحان لتقلده وأن يخرج من كان
ضم إليهما ممن في نواحيهما من قواد أمير المؤمنين ومواليه وغلمانه وجنده وشاكريته
وجميع من مع أولئك القواد بالحضرة وخراسان وسائر النواحي عن رسومهما
ويزال عنهم جميعا ذكر الضم إليهما وأن يكونا سوقة من سوق المسلمين وعامتهم
ويصفان ما لم يزالا يذكران لأمير المؤمنين من ذلك ويسألانه فيه منذ أفضى الله
بخلافته إليه وأنهما قد خلعا أنفسهما من ولاية العهد وخرجا منها وجعلا كل من لهما
411

عليه بيعة ويمين من قواد أمير المؤمنين وجميع أوليائه ورعيته قريبهم وبعيدهم
وحاضرهم وغائبهم في حل وسعة من بيعتهم وأيمانهم ليخلعوهما كما خلعا أنفسهما
وجعلا لأمير المؤمنين على أنفسهما عهد الله وأشد ما أخذ على ملائكته وأنبيائه
وعباده من عهد وميثاق وجميع ما أكده أمير المؤمنين عليهما من الايمان باقامتهما
على طاعته ومناصحته وموالاته في السر والعلانية ويسألان أمير المؤمنين أن يظهر
ما فعلاه وينشره ويحضر جميع أوليائه ليسمعوا ذلك منهما طالبين راغبين طائعين
غير مكرهين ولا مجبرين ويقرأ عليهم الرقعتان اللتان رفعاهما بخطوطهما بما ذكرا
من وقوع الامر لهما من ولاية العهد وهما صبيان وخلعهما أنفسهما بعد بلوغهما
وما سألا من صرفهما عن الأعمال التي يتوليانها وإخراج من كان بها ممن ضم
إليهما في نواحيهما من قواد أمير المؤمنين وجنده وغلمانه وشاكريته وجميع من مع
أولئك القواد بالحضرة وخراسان وسائر النواحي عن رسومهما وإزالة ذكر الضم
إليهما عنهم وأن يكتب بالكتاب بذلك إلى جميع عمال النواحي وأن أمير المؤمنين وقف
على صدقهما فيما ذكرا ورفعا وتقدم في احضار جميع اخوته ومن بحضرته من أهل
بيته وقواده ومواليه وشيعته ورؤساء جنده وشاكريته وكتابه وقضاته والفقهاء
وغيرهم وسائر أوليائه الذين كانت وقعت البيعة لهما بذلك عليهم وحضر أبو عبد الله
وإبراهيم ابنا أمير المؤمنين المتوكل على الله رضي الله عنه وقرئت رقعتاهما
بخطوطهما بحضرتهما إلى مجلس أمير المؤمنين عليهما وعلى جميع من حضر
وأعادا من القول بعد قراءة الرقعتين مثل الذي كتبا به ورأى أمير المؤمنين أن
يجمع في اجابتهما إلى نشر ما فعلاه وإظهاره وامضائه ذلك قضاء حقوق ثلاثة منها
حق الله عز وجل فيما استحفظه من خلافته وأوجب عليه من النظر لأوليائه فيما يجمع
لهم كلمتهم في يومهم وغدهم ويؤلف بين قلوبهم ومنها حق لراعية الذين هم ودائع الله عنده
حتى يكون المتقلد لأمورهم ممن يراعيهم آناء الليل والنهار بعنايته ونظره وتفقده وعدله
ورأفته ومن يقوم بأحكام الله في خلقه ومن يضطلع بثقل السياسية وصواب التدبير
ومنها حق أبى عبد الله وإبراهيم فيما يوجبه أمير المؤمنين لهما بإخوتهما وماس
412

رحمهما لأنهما لو أقاما على ما خرجا منه مع عجزهما عنه لم يؤمن تأدى ذلك إلى ما يعظم
في الدين ضرره ويعم المسلمين مكروهه ويرجع عليهما عظيم الوزر فيه فخلعهما
أمير المؤمنين إذ خلعا أنفسهما من ولاية العهد وخلعهما جميع اخوة أمير المؤمنين
ومن بحضرته من أهل بيته وخلعهما جميع من حضر من قواد أمير المؤمنين
ومواليه وشيعته ورؤساء جنده وشاكريته وكتابه وقضاته والفقهاء وغيرهم من
سائر أولياء أمير المؤمنين الذين كانت أخذت لهما البيعة عليهم وأمر أمير المؤمنين
بانشاء الكتب بذلك إلى جميع العمال ليتقدموا في العمل بحسب ما فيها ويخلعوا
أبا عبد الله وإبراهيم من ولاية العهد إذ كانا قد خلعا أنفسهما من ذلك وحللا الخاص
والعام والحاضر والغائب والداني والقاصي منه ويسقطوا ذكرهما بولاية العهد
وذكر ما نسبا إليه من نسب ولاية العهد من المعتز بالله والمؤيد بالله من كتبهم
وألفاظهم والدعاء لهما على المنابر ويسقطوا كلما ثبت في دواوينهم من رسومهما
القديمة والحديثة الواقعة على من كان مضموما إليهما ويزيلوا ما على الاعلام والمطارد
من ذكرهما وما وسمت به دواب الشاكرية والرابطة من أسمائهما ومحلك من
أمير المؤمنين وحالك عنده على حسب ما أخلص الله لأمير المؤمنين من طاعتك
ومناصحتك وموالاتك ومشايعتك ما أوجب الله لك بسلفك ونفسك وما عرف
الله أمير المؤمنين من طاعتك ويمن نقيبتك واجتهادك في قضاء الحق وقد أفردك
أمير المؤمنين بقيادتك وإزالة الضم إلى أبى عبد الله عنك وعمن في ناحيتك بالحضرة
وسائر النواحي ولم يجعل أمير المؤمنين بينك وبينه أحدا يرأسك وخرج أمره
بذلك إلى ولاة دواوينه فاعلم ذلك واكتب إلى عمالك بنسخة كتاب أمير المؤمنين
هذا إليك وأوعز إليهم في العمل على حسبه إن شاء الله والسلام وكتب أحمد بن
الخصيب يوم السبت لعشر بقين من صفر سنة ثمان وأربعين ومائتين (وفى
هذه السنة) توفى المنتصر
413

* ذكر الخبر عن العلة التي كانت فيها وفاته والوقت الذي توفى فيه *
* وقدر المدة التي كانت فيها حياته *
فأما العلة التي كانت بها وفاته فإنه اختلف فيها فقال بعضهم أصابته الذبحة في حلقه
يوم الخميس لخمس بقين من شهر ربيع الأول ومات مع صلاة العصر من يوم الأحد
لخمس ليال خلون من شهر ربيع الآخر * وقيل توفى يوم السبت وقت العصر
لأربع خلون من شهر ربيع الآخر وإن علته كانت من ورم في معدته ثم تصعد
إلى فؤاده فمات وإن علته كانت ثلاثة أيام أو نحوها * وحدثني بعض أصحابنا أنه
كان وجد حرارة فدعا بعض من كان يتطبب له وأمره بفصده ففصده بمبضع
مسموم فكان فيه منيته وإن الطبيب الذي فصده انصرف إلى منزله وقد وجد
حرارة فدعا تلميذا له فأمره بفصده ووضع مباضعه بين يديه ليتخير أجودها وفيها
المبضع المسموم الذي فصد به المنتصر وقد نسيه فلم يجد التلميذ في المباضع التي
وضعت بين يديه مبضعا أجود من المبضع المسموم ففصد به أستاذه وهو لا يعلم
أمره فلما فصده به نظر إليه صاحبه فعلم أنه هالك فأوصى من ساعته وهلك من
يومه * وقد ذكر أنه وجد في رأسه علة فقطر ابن الطيفوري في أذنه دهنا فورم
رأسه وعوجل فمات (وقد قيل) إن ابن الطيفوري انما سمه في محاجمه ولم أزل
أسمع الناس حين أفضت إليه الخلافة من لدن ولى إلى أن مات يقولون إنما مدة
حياته ستة أشهر مدة شيرويه بن كسرى قاتل أبيه مستفيضا ذلك على ألسن العامة
والخاصة وذكر عن يسر الخادم وكان فيما ذكر يتولى بيت المال للمنتصر في
أيام إمارته أنه قال كان المنتصر يوما من الأيام في خلافته نائما في ايوانه فانتبه
وهو يبكى وينتحب قال فهبته أن أسأله عن بكائه ووقفت وراء الباب فإذا عبد الله
ابن عمر البازيار قد وافى فسمع نحيبه وشهيقه فقال لي ماله ويحك يا يسر فأعلمته
أنه كان نائما فانتبه باكيا فدنا منه فقال له مالك يا أمير المؤمنين تبكى لا أبكى الله
عينك قال ادن منى يا عبد الله فدنا منه فقال له كنت نائما فرأيت فيما يرى النائم
كأن المتوكل قد جاءني فقال لي ويلك يا محمد قتلتني وظلمتني وغبنتني خلافتي والله
414

لا تمتعت بها بعدي الا أياما يسيرة ثم مصيرك إلى النار فانتبهت وما أملك عيني
ولا جزعي فقال له عبد الله هذه رؤيا وهى تصدق وتكذب بل يعمرك ويسرك
الله فادع الآن بالنبيذ وخذ في اللهو ولا تعبأ بالرؤيا قال ففعل ذلك وما زال منكسرا
إلى أن توفى * وذكر أن المنتصر كان شاور في قتل أبيه جماعة من الفقهاء وأعلمهم
بمذاهبه وحكى عنه أمورا قبيحة كرهت ذكرها في الكتاب فأشاروا عليه بقتله
فكان من أمره ما ذكرنا بعضه * وذكر عنه أنه لما اشتدت به علته خرجت إليه
أمه فسألته عن حاله فقال ذهبت والله منى الدنيا والآخرة * وذكر عن ابن دهقانة
أنه قال كنا في مجلس المنتصر يوما بعد ما قتل المتوكل فتحدث المسدود الطنبوري
بحديث فقال المنتصر متى كان هذا فقال ليلة لاناه ولا زاجر فاحفظ ذلك المنتصر
وذكر عن سعيد بن سلمة النصراني أنه قال خرج علينا أحمد بن الخصيب مسرورا
يذكر أن أمير المؤمنين المنتصر رأى في ليلة في المنام أنه صعد درجة حتى انتهى
إلى خمس وعشرين مرقاة منها فقيل له هذا ملكك وبلغ الخبر ابن المنجم فدخل
عليه محمد بن موسى وعلي بن يحيى المنجم مهنئين له بالرؤيا فقال لم يكن الامر
على ما ذكر لكم أحمد بن الخصيب ولكني حين بلغت آخر المراقي قيل لي قف
فهذا آخر عمرك واغتم لذلك غما شديدا فعاش بعد ذلك أياما تتمة سنة ثم
مات وهو ابن خمس وعشرين سنة (وقيل) توفى وهو ابن خمس وعشرين سنة وستة
أشهر (وقيل) بل كان عمره أربعا وعشرين سنة وكانت مدة خلافته ستة أشهر في قول
بعضهم ويومين (وقيل) كانت ستة أشهر سواء وقيل كانت مائة يوم وتسعة
وسبعين يوما وكان وفاته بسامرا بالقصر المحدث بعد أن أظهر في إخوته ما أظهر
بأربع وأربعين ليلة وذكر أنه لما حضرته الوفاة قال
فما فرحت نفسي بدنيا أخذتها * ولكن إلى الرب الكريم أصير
وصلى عليه أحمد بن محمد بن المعتصم بسامرا وبها كان مولده وكان أعين أقنى قصيرا
جيد البضعة وكان فيما ذكر مهيبا وهو أول خليفة من بنى العباس فيما قيل عرف
قبره وذلك أن أمه طلبت إظهار قبره وكانت كنيته أبا جعفر واسم أمه حبشية
415

وهى أم ولد رومية
* ذكر بعض سيره *
* ذكر أن المنتصر لما ولى الخلافة كان أول شئ أحدث من الأمور عزل
صالح عن المدينة وتولية علي بن الحسين بن إسماعيل بن العباس بن محمد إياها
فذكر عن علي بن الحسين أنه قال دخلت عليه أودعه فقال لي يا علي إني أوجهك
إلى لحمي ودمى ومد جلد ساعده وقال إلى هذا وجهتك فانظر كيف تكون للقوم
وكيف تعاملهم يعنى آل أبي طالب فقلت أرجو أن أمتثل رأى أمير المؤمنين
أيده الله فيهم إن شاء الله فقال إذا تسعد بذلك عندي. وذكر عن محمد بن هارون
كاتب محمد بن علي برد الخيار وخليفته على ديوان ضياع إبراهيم المؤيد أنه أصيب
مقتولا على فراشه به عدة ضربات بالسيف فأحضر ولده خادما أسود كان له
ووصيفا ذكر أن الوصيف أقر على الأسود فأدخل على المنتصر وأحضر جعفر
ابن عبد الواحد فسئل عن قتله مولاه فأقر به ووصف فعله به. وسبب قتله إياه
فقال له المنتصر ويلك لم قتلته فقال له الأسود لما قتلت أنت أباك المتوكل فسأل
الفقهاء في أمره فأشاروا بقتله فضرب عنقه وصلبه عند خشبة بابك (وفى هذه
السنة) حكم محمد بن عمرو الشاري وخرج بناحية الموصل فوجه إليه المنتصر إسحاق
ابن ثابت الفرغاني فأخذه أسيرا مع عدة من أصحابه فقتلوا وصلبوا (وفيها)
تحرك يعقوب بن الليث الصفار من سجستان فصار إلى هراة. وذكر عن أحمد بن
عبد الله بن صالح صاحب المصلى أنه قال كان لأبي مؤذن فرآه بعض أهلنا في المنام
كأنه أذن أذانا لبعض الصلوات ثم دنا من بيت فيه المنتصر فنادى يا محمد
يا منتصر إن ربك لبالمرصاد. وذكر عن بنان المغنى وكان فيما قيل أخص الناس
بالمنتصر في حياة أبيه وبعد ما ولى الخلافة أنه قال سألت المنتصر أن يهب لي ثوب
ديباج وهو خليفة فقال أو خير لك من الثوب الديباج قلت وما هو قال تتمارض
حتى أعودك فإنه سيهدي لك أكثر من الثوب الديباج قال فمات في تلك الأيام ولم
يهب لي شيئا (وفى هذه السنة) بويع بالخلافة أحمد بن محمد بن المعتصم
416

* خلافة أحمد بن المعتصم وهو المستعين ويكنى أبا العباس *
* حدثني أبو عبد الله الحسين بن عبد الله بن حفص بن عمر الاخباري قال
حدثني علي بن الحسين بن عبد الاعلى الإسكافي قال لما مات المنتصر بالله وذلك
في يوم السبت وقت العصر لأربع خلون من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين
ومائتين اجتمع الموالى وفيهم بغا الكبير وأنا أكتب له وبغا الصغير وأتامش
فحلفوا قواد الأتراك والمغاربة على أن يرضوا بمن رضوا به فحلفوا على ذلك قال
علي بن الحسين وكنت أنا آخذ البيعة والايمان عليهم وذلك بتدبير أحمد بن الخصيب فأجمع
رأيهم على أن لا يولوا أحدا من ولد المتوكل على الله لئلا يغتالهم بدم أبيه ثم اجتمعوا
على أحمد بن المعتصم فقالوا ابن مولانا المعتصم فجاء محمد بن موسى المنجم فسار إلى
أحمد بن الخصيب وبغا وقال أتولون رجلا عنده أنه أحق الناس بالخلافة قبل المتوكل
وأنكم دفعتموها عنه وأنه أحق بالامر من المتوكل والمنتصر فبأي عين يراكم وأي
قدر يكون لكم عنده ولكن أطيعوا إنسانا يعرف لكم ذلك قال وإنما فعل
محمد بن موسى المنجم هذا لان أحمد بن المعتصم صاحب الكندي الفيلسوف والكندي
عدو لمحمد وأحمد ابني المنجم فقبلوا رأيه إلا بغا الكبير فإنه قال نجئ بمن نهابه ونفرقه
فنبقى معه وإن جئنا بمن يخافنا حسد بعضنا بعضا فقتلنا أنفسنا ثم ذكروا أبا العباس
أحمد بن محمد بن المعتصم وقالوا هو من ولد مولانا المعتصم ولم نخرجها عنهم ونصطنعه
فيعرف لنا ذلك ولم يزالوا ببغا الكبير حتى وافقهم عليه فأحضروا أحمد بن محمد
ليلة الاثنين لست خلون من شهر ربيع الآخر وهو ابن ثمان وعشرين سنة
* ذكر الخبر عن سبب ولايته والوقت الذي بويع له فيه *
ذكر أن المنتصر لما توفى وذلك يوم السبت عند العصر لأربع خلون من
شهر ربيع الآخر من سنة 248 اجتمع الموالى إلى الهاروني يوم الأحد وفيهم
بغا الصغير وبغا الكبير وأتامش ومن معهم فاستحلفوا قواد الأتراك والمغاربة
والأشروسنية وكان الذي يستحلفهم علي بن الحسين بن عبد الاعلى الإسكافي
(27 - 7)
417

كاتب بغا الكبير على أن يرضوا بمن يرضى به بغا الكبير وبغا الصغير وأتامش
وذلك بتدبير أحمد بن الخصيب فحلف القوم وتشاوروا بينهم وكرهوا أن يتولى
الخلافة أحمد من ولد المتوكل لقتلهم أباه وخوفهم أن يغتالهم من يتولى الخلافة
منهم فأجمع أحمد بن الخصيب ومن حضر من الموالى على أحمد بن محمد بن المعتصم
فقالوا لا يخرج الخلافة من ولد مولانا المعتصم وقد كانوا قبله ذكروا جماعة من
بني هاشم فبايعوه وقت العشاء الآخرة من ليلة الاثنين لست خلون من شهر ربيع
الآخر من هذه السنة وهو ابن ثمان وعشرين سنة ويكنى أبا العباس فاستكتب
أحمد بن الخصيب واستوزر أتامش فلما كان يوم الاثنين لست خلون من شهر
ربيع الآخر صار إلى دار العامة من طريق العمرى بين البساتين وقد ألبسوه
الطويلة وزي الخلافة وحمل إبراهيم بن إسحاق بين يديه الحربة قبل طلوع الشمس
ووافى واجن الأشروسني باب العامة من طريق الشارع على بيت المال فصف
أصحابه صفين وقام في الصف هو وعدة من وجوه أصحابه وحضر الدار أصحاب
المراتب من ولد المتوكل والعباسيين والطالبيين وغيرهم ممن لهم مرتبة فبينا هم كذلك
وقد مضى من النهار ساعة ونصف جاءت صيحة من ناحية الشارع والسوق فإذا
نحو من خمسين فارسا من الشاكرية ذكروا أنهم من أصحاب أبي العباس محمد بن
عبد الله ومعهم قوم من فرسان طبرية وأخلاط من الناس ومعهم من الغوغاء
والسوقة نحو من ألف رجل فشهروا السلاح وصاحوا معتز يا منصور وشدوا
على صفى الأشر وسنية اللذين صفهما واجن فصعصعوا وانضم بعضهم إلى
بعض ونفر من على باب العامة من المبيضة مع الشاكرية فكثروا فشد عليهم المغاربة
والأشروسنية فهزموهم حتى أدخلوهم الدرب الكبير المعروف بزرافة وعزون
وحمل قوم منهم على المعتزية فكشفوهم حتى جاوزوا بهم دار أخي عزون بن إسماعيل
وهم في مضيق الطريق فوقف المعتزية هنالك ورمى الأشروسنية عدة منهم
بالنشاب وضربوهم بالسيوف ونشبت الحرب بينهم وأقبلت المعتزية والغوغاء
يكبرون فوقعت بينهم قتلى كثيرة إلى أن مضى من النهار ثلاث ساعات ثم انصرف
418

الأتراك وقد بايعوا أحمد بن محمد بن المعتصم وانصرفوا مما يلي العمرى والبساتين
وأخذ الموالى قبل انصرافهم البيعة على من حضر الدار من الهاشميين وغيرهم
وأصحاب المراتب وخرج المستعين من باب العامة منصرفا إلى الهاروني فبات
هنالك ومضى الأشروسنية إلى الهاروني وقد قتل من الفريقين عدد كثير ودخل قوم
من الأشروسنية دورا فظفرت بهم الغوغاء فأخذوا دروعهم وسلاحهم وجواشنهم
ودوابهم ودخل الغوغاء والمنتهبة دار العامة منصرفين إلى الهاروني فانتهبوا الخزانة
التي فيها السلاح والدروع والجواشن والسيوف واللجم الثغرية وأكثروا منها
وربما مر أحدهم بالجواشن والحراب فأكثر وانتهبوا في دار أرمش بن أبي
أيوب بحضرة أصحاب الفقاع تراس خيزران وقنابلا أسنة فكثرت الرماح والتراس
في أيدي الغوغاء وأصحاب الحمامات وغلمان الباقلي ثم جاءتهم جماعة من الأتراك
منهم بغا الصغير من درب زرافة فأجلوهم من الخزانة وقتلوا منهم عدة وأمسكوا
قليلا ثم انصرف الفريقان وقد كثرت القتلى بينهم وأقبل الغوغاء لا يمر أحد من
الأتراك من أسافل سامرا يريد باب العامة إلا انتهبوا سلاحه وقتلوا جماعة منهم
عند دار مبارك المغربي وعند دار حنش أخي يعقوب قوصرة في شوارع سامرا
وعامة من انتهب فيما ذكر هذا السلاح أصحاب الفقاع والناطف وأصحاب الحمامات
والسقاءون وغوغاء الأسواق فلم يزل ذلك أمرهم إلى نصف النهار وتحرك أهل
السجن بسامرا في هذا اليوم فهرب منهم جماعة ثم وضع العطاء على البيعة وبعث
بكتاب البيعة إلى محمد بن عبد الله بن طاهر في اليوم الذي بويع له فيه وكان وصوله
إلى محمد في اليوم الثاني ووافى به أخ لاتامش ومحمد بن عبد الله في نزهة له فوجه
الحاجب إليه وأعلمه مكانه فرجع من ساعته وبعث إلى الهاشميين والقواد والجند
ووضع لهم الأرزاق وورد في هذه السنة على المستعين وفاة طاهر عبد الله بن طاهر
بخراسان في رجب فعقد المستعين لابنه محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر على
خرسان ولمحمد بن عبد الله على العراق وجعل إليه الحرمين والشرطة ومعاون
السواد برأسه وأفرده به وعقد في الجوسق لمحمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر
419

على خراسان والأعمال المضمومة إليها خاصة يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة خلت
من شعبان ومرض بغا الكبير في جمادى الآخرة فعاده المستعين في النصف منها
ومات بغا من يومه فعقد لموسى ابنه على أعماله وعلى أعمال أبيه كلها وولى
ديوان البريد (وفى هذه السنة) وجه أنوجور التركي إلى أبى العمود الثعلبي
فقتله يوم السبت بكفر توثى لخمس بقين من شهر ربيع الآخر (وفيها) خرج
عبيد الله بن يحيى بن خاقان إلى الحج فوجه خلفه رسول من الشيعة اسمه شعيب
بنفيه إلى برقة ومنعه من الحج (وفيها) ابتاع المستعين من المعتز والمؤيد في جمادى
الأولى منها جميع ما كان لهما خلا شيئا استثنى منه المعتز قيمته مائة ألف دينار
وأخذ له ولإبراهيم غلة بثمانين ألف دينار في السنة فلما كان يوم الاثنين لاثنتي
عشرة ليلة خلت من رمضان ابتيع من المعتز والمؤيد جميع مالهما من الدور والمنازل
والضياع والقصور والفرش والآلة وغير ذلك بعشرين ألف دينار وأشهدا
عليهما بذلك الشهود والعدول والقضاة وغيرهم وقيل ابتيع مالهما من الضياع وترك
إلى أبى عبد الله ما يكون غلته من العين في السنة عشرين ألف دينار ولإبراهيم
ما تبلغ قيمة غلته في السنة خمسة آلاف دينار فكان ما ابتيع من أبى عبد الله بعشرة
آلاف ألف دينار وعشر حبات لؤلؤ ومن إبراهيم بثلاثة آلاف ألف درهم
وثلاث حبات لؤلؤ وأشهدا عليهما بذلك الفقهاء والقضاة وكان الشرى باسم
الحسن بن مخلد للمستعين وذلك في شهر ربيع الآخر سنة 248 وحبسا في حجرة
الجوسق ووكل بهما وجعل أمرهما إلى بغا الصغير وكان الأتراك قد أرادوا
حين شغب الغوغاء والشاكرية قتلهما فمنعهم من ذلك أحمد بن الخصيب وقال
ليس لهما ذنب ولا المشغبة من أصحابهما وإنما المشغبة من أصحاب ابن طاهر
ولكن احبسوهما فحبسا (وفيها) غضب الموالى على أحمد بن الخصيب وذلك في
جمادى الأولى منها واستصفى ماله ومال ولده ونفى إلى افريطش (وفيها) صرف
علي بن يحيى عن الثغور الشأمية وعقد له على أرمينية وآذربيجان في شهر رمضان
من هذه السنة (وفيها) شغب أهل حمص على كيدر بن عبيد الله عامل المستعين
420

عليها فأخرجوه منها فوجه إليهم الفضل بن قارن فمكر بهم حتى أخذهم وقتل منهم
خلقا كثيرا وحمل منهم مائة رجل من عيونهم إلى سامرا وهدم سورهم (وفيها)
غزا الصائفة وصيف وكان مقيما بالثغر الشأمى حتى ورد عليه موت المنتصر ثم
دخل بلاد الروم فافتتح حصنا يقال له فرورية وعقد المستعين فيها لاتامش
على مصر والمغرب واتخذه وزيرا (وفيها) عقد لبغا الشرابي على حلوان
وماسبذان ومهرجان قذق وصير المستعين شاهك الخادم على داره وكراعه
وحرمه وخزائنه وخاص أموره وقدمه أتامش على جميع الناس (وحج) بالناس
في هذه السنة محمد بن سليمان الزينبي
* ثم دخلت سنة تسع وأربعين ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمما كان فيها من ذلك غزو جعفر بن دينار الصائفة فافتتح حصنا ومطامير
واستأذنه عمر بن عبيد الله الاقطع في المصير إلى ناحية من بلاد الروم فأذن
له فسار ومعه خلق كثير من أهل ملطية فلقيه الملك في جمع من الروم عظيم
بموضع يقال له أرز من مرج الأسقف فحاربه بمن معه محاربة شديدة قتل فيها
خلق كثير من الفريقين ثم أحاطت به الروم وهم خمسون ألفا فقتل عمر
وألفا رجل من المسلمين وذلك في يوم الجمعة للنصف من رجب (وفيها)
قتل علي بن يحيى الأرمني
* ذكر الخبر عن سبب قتله *
ذكر أن الروم لما قتلت عمر بن عبيد الله خرجوا إلى الثغور الجزرية وكلبوا عليها وعلى
حرم المسلمين بها فبلغ ذلك علي بن يحيى وهو قافل من أرمينية إلى ميافارقين فنفر
إليهم في جماعة من أهل ميافارقين والسلسلة فقتل في نحو من أربعمائة رجل
وذلك في شهر رمضان (وشغب) الجند والشاكرية ببغداد في هذه السنة في
أول يوم من صفر
421

* ذكر الخبر عن السبب في ذلك *
وكان السبب في ذلك أن الخبر لما اتصل بأهل مدينة السلام وسامرا
وسائر ما قرب منهما من مدن الاسلام بمقتل عمر بن عبيد الله الاقطع وعلي بن
يحيى الأرمني وكانا نابين من أنياب المسلمين شديدا بأسهما عظيما غناؤهما عنهم
في الثغور التي هما بها شق ذلك عليهم وعظم مقتلهما في صدورهم مع قرب مقتل
أحدهما من مقتل الآخر ومع ما لحقهم من استفظاعهم من الأتراك قتل المتوكل
واستيلائهم على أمور المسلمين وقتلهم من أرادوا قتله من الخلفاء واستخلافهم
من أحبوا استخلافه من غير رجوع منهم إلى ديانة ولانظر للمسلمين فاجتمعت
العامة ببغداد بالصراخ والنداء بالنفير وانضمت إليها الأبناء والشاكرية تظهر
أنها تطلب الأرزاق وذلك أول يوم من صفر ففتحوا سجن نصر بن مالك
وأخرجوا من فيه وفى القنطرة بباب الجسر وكان فيها جماعة فيما ذكر من رفوغ
خراسان والصعاليك من أهل الجبال والمحمرة وغيرهم وقطعوا أحد الجسرين
وضربوا الآخر بالنار وانحدرت سفنه وانتهب ديوان قصص المحبسين وقطعت
الدفاتر وألقيت في الماء وانتهبوا دار بشر وإبراهيم ابني هارون النصرانيين
كاتبي محمد بن عبد الله وذلك كله بالجانب الشرقي من بغداد وكان والى الجانب
الشرقي حينئذ أحمد بن محمد بن خالد بن هرثمة ثم أخرج أهل اليسار من أهل بغداد
وسامرا أموالا كثيرة من أموالهم فقووا من خف للنهوض إلى الثغور لحرب
الروم بذلك وأقبلت العامة من نواحي الجبل وفارس والأهواز وغيرها لغزو
الروم فلم يبلغنا أنه كان للسلطان فيما كان من الروم إلى المسلمين من ذلك تغيير
ولا توجيه جيش إليهم لحربهم في تلك الأيام ولتسع بقين من شهر ربيع الأول
وثب نفر من الناس لا يدرى من هم يوم الجمعة بسامرا ففتحوا السجن بها وأخرجوا
من فيه فوجه في طلب النفر الذين فعلوا ذلك زرافة في جماعة من الموالى فوثب
بهم العامة فهزموهم ثم ركب في ذلك أتامش ووصيف وبغا وعامة الأتراك فقتلوا
من العامة جماعة وألقى على وصيف فيما ذكر لي قدر مطبوخ ويقال بل رماه قوم
422

من العامة عند الشريحة بحجر فأمر وصيف النفاطين فقذفوا ما هنالك من حوانيت
التجار ومنازل الناس بالنار فأنا رأيت ذلك الموضع محترقا وذلك بسامرا عند
دار إسحاق * وذكر أن المغاربة انتهبت منازل جماعة من العامة في ذلك اليوم ثم
سكن الامر في آخر ذلك اليوم وعزل بسبب ما كان من العامة والنفر الذين
ذكرت في ذلك اليوم من الحركة أحمد بن جميل عما كان إليه من المعونة بسامرا
وولى مكانه إبراهيم بن سهل الدارج (وفى هذه السنة) قتل أتامش وكاتبه
شجاع وذلك يوم السبت لأربع عشرة خلون من شهر ربيع الآخر منها
* ذكر الخبر عن سبب مقتله *
ذكر أن المستعين لما أفضت إليه الخلافة أطلق يد أتامش وشاهك الخادم
في بيوت الأموال وأباحهما فعل ما أرادا فعله فيها وفعل ذلك أيضا بأم نفسه فلم
يمنعها من شئ تريده وكان كاتبها سلمة بن سعيد النصراني فكانت الأموال التي
ترد على السلطان من الآفاق إنما يصير معظمها إلى هؤلاء الثلاثة الأنفس فعمد
أتامش إلى ما في بيوت الأموال من الأموال فاكتسحه وكان المستعين قد جعل
ابنه العباس في حجر أتامش فكان ما فضل من الأموال عن هؤلاء الثلاثة الأنفس
يؤخذ للعباس فيصرف في نفقاته وأسبابه وصاحب ديوان ضياعه يومئذ دليل
فاقتطع من ذلك أموالا جليلة لنفسه وجعلت الموالى تنظر إلى الأموال تستهلك
وهم في ضيقة وجعل أتامش وهو صاحب المستعين وصاحب أمره والمستولى
عليه ينفذ أمور الخلافة ووصيف وبغا من ذلك كله بمعزل فأغريا الموالى به ولم
يزالا يدبران الامر عليه حتى أحكما التدبير فتذمرت الأتراك والفراغنة على
أتامش وخرج إليه منهم يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الآخر
من هذه السنة أهل الدور والكرخ فعسكروا وزحفوا إليه وهو في الجوسق
مع المستعين وبلغه الخبر فأراد الهرب فلم يمكنه واستجار بالمستعين فلم يجره
فأقاموا على ذلك من أمرهم يوم الخميس ويوم الجمعة فلما كان يوم السبت دخلوا
الجوسق فاستخرجوا أتامش من موضعه الذي توارى فيه فقتل وقتل كاتبه
423

شجاع بن القاسم وانتهبت دار أتامش فأخذ منها فيما بلغني أموال جليلة ومتاع
وفرش وآلة ولما قتل أتامش استوزر المستعين أبا صالح عبد الله بن محمد بن
يزداد وعزل الفضل بن مروان عن ديوان الخراج ووليه عيسى بن فرخانشاه
وولى وصيف الأهواز وبغا الصغير فلسطين في شهر ربيع الآخر ثم غضب بغا
الصغير وحزبه على أبى صالح بن يزداد فهرب أبو صالح إلى بغداد في شعبان وصير
المستعين مكانه محمد بن الفضل الجرجرائي فصير ديوان الرسائل إلى سعيد بن حميد
رياسة فقال في ذلك الحمدوني
لبس السيف سعيد بعدما * عاش ذا طمرين لا نوبة له
إن لله لآيات وذا * آية لله فينا منزله
(وفيها) قتل علي بن الجهم بن بدر وكان سبب ذلك أنه توجه من بغداد
إلى الثغر فلما كان بقرب حلب بموضع يقال له خساف لقيته خيل لكلب فقتلته
وأخذ الاعراب ما كان معه فقال وهو في السياق
أزيد في الليل ليل * أم سال بالصبح سيل
ذكرت أهل دجيل * وأين منى دجيل
وكان منزله في شارع الدجيل (وفيها) عزل جعفر بن عبد الواحد عن القضاء
ووليه جعفر بن محمد بن عمار البرجمي من أهل الكوفة وقد قيل إن ذلك في سنة 250
(وفيها) أصاب أهل الري في ذي الحجة زلزلة شديدة ورجفة تهدمت منها الدور
ومات خلق من أهلها وهرب الباقون من أهلها من المدينة فنزلوا خارجها ومطر
أهل سامرا يوم الجمعة لخمس بقين من جمادى الأولى وذلك يوم السادس عشر من
تموز مطر جود برعد وبرق فأطبق الغيم ذلك اليوم ولم يزل المطر جودا سائلا
يومئذ إلى اصفرار الشمس ثم سكن (وتحركت) المغاربة في هذه السنة يوم الخميس
لثلاث خلون من جمادى الأولى وكانوا يجتمعون قرب الجسر بسامرا ثم تفرقوا
يوم الجمعة (وحج) بالناس في هذه السنة عبد الصمد بن موسى بن محمد بن إبراهيم
الامام وهو والى مكة
424

* ثم دخلت سنة خمسين ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمن ذلك ما كان من ظهور يحيى بن عمر بن يحيى بن حسين بن زيد بن علي
ابن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه المكنى بأبي الحسين بالكوفة
وفيها كان مقتله
* ذكر الخبر عن سبب ظهوره وما آل إليه أمره *
ذكر أن أبا الحسين يحيى بن عمر وأمه أم الحسين فاطمة بنت الحسين بن
عبد الله بن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب نالته ضيقة شديدة ولزمه
دين ضاق به ذرعا فلقى عمر بن فرج وهو يتولى أمر الطالبيين عند مقدمه من خراسان
أيام المتوكل فكلمه في صلته فأغلظ عليه عمر القول فقذفه يحيى بن عمر في مجلسه
فحبس فلم يزل محبوسا إلى أن كفل به أهله فأطلق بشخص إلى مدينة السلام فأقام
بها بحال سيئة ثم صار إلى سامرا فلقى وصيفا في رزق يجرى له فأغلظ له وصيف
في القول وقال لأي شئ يجرى على مثلك فانصرف عنه * فذكر ابن أبي طاهر
أن ابن الصوفي الطالبي حدثه أنه أتاه في الليلة التي كان خروجه في صبيحتها فبات
عنده ولم يعلمه بشئ مما عزم عليه وأنه عرض عليه الطعام وتبين فيه أنه جائع فأبى
أن يأكل وقال إن عشنا أكلنا قال فتبينت أنه قد عزم على فتكة وخرج من
عندي فجعل وجهه إلى الكوفة وبها أيوب بن الحسن بن موسى بن جعفر بن
سليمان عاملا عليها من قبل محمد بن عبد الله بن طاهر فجمع يحيى بن عمر جمعا كثيرا
من الاعراب وضوى إليه جماعة من أهل الكوفة فأتى الفلوجة فصار إلى قرية
تعرف بالعمد فكتب صاحب؟ بخبره فكتب محمد بن عبد الله بن طاهر إلى
أيوب بن الحسن وعبد الله بن محمود السرخسي وكان عامل محمد بن عبد الله على
معاون السواد يأمرهما بالاجتماع على محاربة يحيى بن عمر وكان على الخراج
بالكوفة بدر بن الأصبغ فمضى يحيى بن عمر في سبعة نفر من الفرسان إلى الكوفة
425

فدخلها وصار إلى بيت مالها فأخذ ما فيه والذي وجد فيه ألفا دينار وزيادة شئ
ومن الورق سبعون ألف درهم وأظهر أمره بالكوفة وفتح السجنين وأخرج
جميع من كان فيهما وأخرج عمالها عنها فلقيه عبد الله بن محمود السرخسي وكان
في عداد الشاكرية فضربه يحيى بن عمر ضربة على قصاص شعره في وجهه أثخنته
فانهزم ابن محمود مع أصحابه وحوى يحيى ما كان مع ابن محمود من الدواب والمال
ثم خرج يحيى بن عمر من الكوفة إلى سوادها فصار إلى موضع يقال له بستان أو
قريبا منه على ثلاثة فراسخ من جنبلاء ولم يقم بالكوفة وتبعته جماعة من الزيدية
فاجتمعت على نصرته جماعة من قرب من تلك الناحية من الاعراب وأهل الطفوف
والسيب الأسفل وإلى ظهر واسط ثم أقام بالبستان فكثر جمعه فوجه محمد بن
عبد الله لمحاربته الحسين بن إسماعيل بن إبراهيم بن مصعب وضم إليه من ذوي البأس
والنجدة من قواده جماعة مثل خالد بن عمران وعبد الرحمن بن الخطاب المعروف
بوجه الفلس وأبى السنا الغنوي وعبد الله بن نصر بن حمزة وسعد الضبابي ومن
الإسحاقية أحمد بن محمد بن الفضل وجماعة من خاصة الخراسانية وغيرهم وشخص
الحسين بن إسماعيل فنزل بإزاء هفندى في وجه يحيى بن عمر لا يقدم عليه الحسين
ابن إسماعيل ومن معه وقصد يحيى نحو البحرية وهى قرية بينها وبين قسين خمس
فراسخ ولو شاء الحسين أن يلحقه لحقه ثم مضى يحيى بن عمر في شرقي السيب والحسين
في غربيه حتى صار إلى أحمداباذ فعبر إلى ناحية سورا وجعل الجند لا يلحقون
ضعيفا عجز عن اللحاق بيحيى إلا أخذوه وأوقفوا بمن صار إلى يحيى بن عمر من أهل
تلك القرى وكان أحمد بن الفرج المعروف بابن الفزاري يتولى معونة السيب لمحمد
ابن عبد الله فحمل ما اجتمع عنده من حاصل السيب قبل دخول يحيى بن عمر أحمداباذ
فلم يظفر به ومضى يحيى بن عمر نحو الكوفة فلقيه عبد الرحمن بن الخطاب
وجه الفلس فقاتله بقرب جسر الكوفة قتالا شديدا فانهزم عبد الرحمن
ابن الخطاب وانحاز إلى ناحية شاهي ووافاه الحسين بن إسماعيل فعسكر بها
ودخل يحيى بن عمر الكوفة واجتمعت إليه الزيدية ودعا إلى الرضى من آل محمد
426

وكثف أمره واجتمعت إليه جماعة من الناس وأحبوه وتولاه العامة من
أهل بغداد ولا يعلم أنهم تولوا من أهل بيته غيره وبايعه بالكوفة جماعة لهم
بصائر وتدبير في تشيعهم ودخل فيهم أخلاط لاديانة لهم وأقام الحسين بن إسماعيل
بشاهى واستراح وأراح أصحابه دوابهم ورجعت إليهم أنفسهم وشربوا العذب
من ماء الفرات واتصلت بهم الامداد والميرة والأموال وأقام يحيى بن عمر بالكوفة
يعد العدد ويطبع السيوف ويعرض الرجال ويجمع السلاح وإن جماعة من
الزيدية ممن لا علم له بالحرب أشاروا على يحيى بمعالجة الحسين وألحت عليه عوام
أصحابه بمثل ذلك فزحف إليه من ظهر الكوفة من وراء الخندق ليلة الاثنين
لثلاث عشرة خلت من رجب ومعه الهيضم العجلي في فرسان من بنى عجل وأناس
من بنى أسد ورجالة من أهل الكوفة ليسوا بذوي علم ولا تدبير ولا شجاعة
في أسروا ليلتهم ثم صبحوا حسينا وأصحابه وأصحاب حسين متسريحون ومستعدون
فثاروا إليهم في الغلس فرموا ساعة ثم حمل عليهم أصحاب الحسين فانهزموا
ووضع فيهم السيف فكان أول أسير الهيضم بن العلاء بن جمهور العجلي فانهزم
رجالة أهل الكوفة وأكثرهم عزل بغير سلاح ضعفي القوى خلقان الثياب
فداستهم الخيل وانكشف العسكر عن يحيى بن عمر وعليه جوشن تبتى وقد
تقطر به البرذون الذي أخذه من عبد الله بن محمود فوقف عليه ابن لخالد بن عمران
يقال له خير فلم يعرفه وظن أنه رجل من أهل خراسان لما رأى عليه الجوشن
ووقف عليه أيضا أبو الغور بن خالد بن عمران فقال لخير بن خالد يا أخي هذا
والله أبو الحسين قد انفرج قلبه وهو نازل لا يعرف القصة لانفراج قلبه فأمر
خير رجلا من أصحابه المواصلين من العرفاء يقال له محسن بن المنتاب فنزل إليه
فذبحه وأخذ رأسه وجعله في قوصرة ووجهه مع عمر بن الخطاب أخي عبد الرحمن
ابن الخطاب إلى محمد بن عبد الله بن طاهر وادعى قتله غير واحد * فذكر عن
العرس بن عراهم أنهم وجدوه باركا ووجدوا خاتمه مع رجل يعرف بالعسقلاني
مع سيفه وادعى أنه طعنه وسلبه وادعى سعد الضبابي أنه قتله وذكر عن
427

أبى الحسين خال أبى السنا أنه طعن في الغلس رجلا في ظهره لا يعرفه فأصابوا في
ظهر أبى الحسين طعنة ولا يدرى من قتله لكثرة من ادعاه وورد الرأس دار
محمد بن عبد الله بن طاهر وقد تغير فطلبوا من يقور ذلك اللحم ويخرج الحدقة
والغلصمة فلم يوجد وهرب الجزارون وطلب ممن في السجن من الخرمية الذباحين
من يفعل ذلك فلم يقدم عليه أحد إلا رجل من عمال السجن الجديد يقال له سهل
ابن الصغدي فإنه تولى إخراج دماغه وعينيه وقوره بيديه وحشى بالصبر والمسك
والكافور بعد أن غسل وصير في القطن وذكروا أنهم رأوا بجبينه ضربة بالسيف
منكرة ثم إن محمد بن عبد الله بن طاهر أمر بحمل رأسه إلى المستعين من غد اليوم
الذي وافاه فيه وكتب إليه بالفتح بيده ونصب رأسه بباب العامة بسامرا واجتمع
الناس لذلك وكثروا وتذمروا وتولى إبراهيم الديرج نصبه لان إبراهيم بن إسحاق
خليفة محمد بن عبد الله أمره فنصبه لحظة ثم حط ورد إلى بغداد لينصب بها
بباب الجسر فلم يتهيأ ذلك لمحمد بن عبد الله لكثرة من اجتمع من الناس
وذكر لمحمد بن عبد الله أنهم على أخذه اجتمعوا فلم ينصبه وجعله
في صندوق في بيت السلاح في داره ووجه الحسين بن إسماعيل بالأسرى
ورؤوس من قتل معه مع رجل يقال له أحمد بن عصمويه ممن كان مع إسحاق
ابن إبراهيم فكدهم وأجاعهم وأساء بهم فأمر بهم فحبسوا في سجن الجديد وكتب
فيهم محمد بن عبد الله يسأل الصفح عنهم فأمر بتخليتهم وأن تدفن الرؤس ولا
تنصب فدفنت في قصر بباب الذهب * وذكر عن بعض الطاهريين أنه حضر
مجلس محمد بن عبد الله وهو يهنئ بمقتل يحيى بن عمر وبالفتح وجماعة من الهاشميين
والطالبيين وغيرهم حضور فدخل عليه داود بن الهيثم أبو هاشم الجعفري فيمن
دخل فسمعهم يهنونه فقال أيها الأمير إنك لتهنئ بقتل رجل لو كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم حيا لعزى به فما رد عليه محمد بن عبد الله شيئا فخرج أبو هاشم
الجعفري وهو يقول
يا بنى طاهر كلوه وبيا * إن لحم النبي غير مري
428

إن وترا يكون طالبه الله * لوتر نجاحه بالحرى
وكان المستعين قد وجه كلباتكين مددا للحسين ومستظهرا به فلحق حسينا
بعد ما هزم القوم وقتل يحيى بن عمر فمضى ومعهم صاحب بريد الكوفة فلقى جماعة
ممن كان مع يحيى بن عمر ومعهم أسوقة وأطعمة يريدون عسكر يحيى فوضع فيهم
السيف فقتلهم ودخل الكوفة فأراد أن ينهبها ويضع السيف في أهلها فمنعه الحسين
وآمن الأسود والأبيض بها وأقام أياما ثم انصرف عنها (وفى هذه السنة)
كان خروج الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي
ابن أبي طالب في شهر رمضان منها
* (ذكر الخبر عن سبب خروجه) *
حدثني جماعة من أهل طبرستان وغيرهم أن سبب ذلك كان أن محمد بن عبد الله
ابن طاهر لما جرى على يده ما جرى من قتل يحيى بن عمر ودخول أصحابه وجيشه
الكوفة بعد فراغهم من قتل يحيى أقطعه المستعين من صوافي السلطان بطبرستان
قطائع وأن من تلك القطائع التي أقطعها قطيعة فيما قرب من ثغرى طبرستان
مما يلي الديلمي وهما كلار وسالوس كان بحذائها أرض لأهل تلك الناحية فيها
مرافق منها محتطبهم ومراعي مواشيهم ومسرح سارحتهم وليس لاحد عليها
ملك وإنما هي صحراء من موتان الأرض غير أنها ذات غياض وأشجار وكلا
فوجه فيما ذكر لي محمد بن عبد الله بن طاهر أخا لكاتبه بشر بن هارون النصراني
يقال له جابر بن هارون لحيازة ما أقطع هنالك من الأرض وعامل طبرستان
يومئذ سليمان بن عبد الله خليفة محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر أخو محمد
ابن عبد الله بن طاهر والمستولى على سليمان والغالب على أمره محمد بن أوس
البلخي وقد فرق محمد بن أوس ولده في مدن طبرستان وجعلهم ولاتها وضم
إلى كل واحد منهم مدينة منها وهم أحداث سفهاء قد تأذى بهم وبسفههم من
تحت أيديهم والرعية واستنكروا منهم ومن والدهم ومن سليمان بن عبد الله
سفههم وسيرهم فيهم وغلظ عليهم سوء أثرهم فيهم بقصص يطول الكتاب بشرح
أكثرها ووتر مع ذلك فيما ذكر لي محمد بن أوس الديلم بدخوله إلى ما قرب من
429

بلادهم من؟ طبرستان وهم أهل سلم وموادعة لأهل طبرستان على اغترار
من الديلم بما يلتمس بدخوله إليهم بغارة فسبى منهم وقتل ثم انكفى راجعا إلى
طبرستان فكان ذلك مما زاد أهل طبرستان عليه حنقا وغيظا فلما صار رسول
محمد بن عبد الله وهو جابر بن هارون النصراني إلى طبرستان لحيازة ما أقطعه
هنالك محمد عمد فيما قيل لي جابر بن هارون إلى ما أقطع محمد بن عبد الله من صوافي
السلطان فحازه وحازما اتصل به من موات الأرض التي يرتفق بها أهل تلك
الناحية فيما ذكر فكان فيما رام حيازته من ذلك الموات الذي بقرب من الثغرين
اللذين يسمى أحدهما كلار والآخر سالوس وكان في تلك الناحية يومئذ رجلان
معروفان بالبأس والشجاعة وكانا مذكورين قديما بضبط تلك الناحية ممن رامها
من الديلم وباطعام الناس بها وبالافضال على من ضوي إليهما يقال لأحدهما
محمد وللآخر جعفر وهما ابنا رستم أخوان فأنكرا ما فعل جابر بن هارون من
حيازته الموات الذي وصفت أمره ومانعاه ذلك وكان ابنا رستم في تلك الناحية
مطاعين فاستنهضا من أطاعهما ممن في ناحيتهما لمنع جابر بن هارون من حيازة
ما رام حيازته من الموات الذي هو مرفق لأهل تلك الناحية فيما ذكر وغير داخل
فيما أقطعه صاحبه محمد بن عبد الله فنهضوا معهما وهرب جابر بن هارون خوفا
على نفسه منهما وممن قد نهض معهما لانكار ما رام جابر النصراني فعله فلحق
بسليمان بن عبد الله بن طاهر وأيقن محمد وجعفر ابنا رستم ومن نهض معهما في منع
جابر عما حاول من حيازة ما حاول حيازته من الموات الذي ذكرت بالشر وذلك
أن عامل طبرستان كلها سليمان بن عبد الله وهو أخو محمد بن عبد الله وعم محمد
ابن طاهر بن عبد الله عامل المستعين على خراسان وطبرستان والري والمشرق
كله يومئذ فلما أيقن القوم بذلك راسلوا جيرانهم من الديلم وذكروهم وفاءهم
لهم بالعهد الذي بينهم وبينهم وما ركبهم به محمد بن أوس من الغدر والقتل والسبي
وانهم لا يأمنون من ركوبه إياهم بمثل الذي ركبهم به ويسألونهم مظاهرتهم عليه
وعلى من معه فأعلمهم الديلم أن ما يلي أرضهم من جميع نواحيها من الأرضين
والبلاد انما عمالها إما عمال لطاهر وإما عمال من ينجد آل طاهر ان احتاجوا
430

إلى انجادهم وان ما سألوا من معاونتهم لا سبيل لهم إليه إلا بزوال الخوف عنهم
من أن يؤتوا من قبل ظهورهم إذا هم اشتغلوا بحرب من بين أيديهم من عمال
سليمان بن عبد الله فأعلمهم الذين سألوهم المظاهرة على حرب سليمان وعماله
أنهم لا يغفلون عن كفايتهم ذلك حتى يأمنوا مما خافوا منه فأجابهم الديلم إلى ما
سألوهم من ذلك وتعاقدوا هم وأهل كلار وسالوس على معاونة بعضهم بعضا على
حرب سليمان بن عبد الله وابن أوس وغيرهم ممن قصدهم بحرب ثم أرسل ابنا رستم
محمد وجعفر فيما ذكر إلى رجل من الطالبيين المقيمين كانوا يومئذ بطبرستان
يقال له محمد بن إبراهيم يدعونه إلى البيعة له فأبى وامتنع عليهم وقال لهم لكني
أدلكم على رجل منا هو أقوم بما دعوتموه إليه منى فقالوا من هو فأخبرهم أنه
الحسن بن زيد ودلهم على منزله ومسكنه بالري فوجه القوم إلى الري عن
رسالة محمد بن إبراهيم العلوي إليه من يدعوه إلى الشخوص معه إلى طبرستان
فشخص معه إليها فوافاهم الحسن بن زيد وقد صارت كلمة الديلم وأهل كلار
وسالوس ورويان على بيعته وقتال سليمان بن عبد الله واحدة فلما وافاهم
الحسن بن زيد بايع له ابنا رستم وجماعة أهل الثغور ورؤساء الديلم كجايا
ولا شام ووهسودان بن جستان ومن أهل رويان عبد الله بن ونداميد وكان
عندهم من أهل التأله والتعبد ثم ناهضوا من في تلك النواحي من عمال ابن أوس
فطردوهم عنها فلحقوا بابن أوس وسليمان بن عبد الله وهما مدينة سارية وانضم
إلى الحسن بن زيد مع من بايعه من أهل النواحي التي ذكرت لما بلغهم ظهوره
بها حوزية جبال طبرستان كما صمغان وفادسبان وليث بن قباذ ومن أهل السفح
خشكجستان بن إبراهيم بن الخليل بن ونداسفجان خلا ما كان من سكان جبل
فريم فإن رئيسهم كان يومئذ والمتملك عليهم قارن بن شهريار فإنه كان ممتنعا بجبله
وأصحابه فلم ينقد للحسن بن زيد ولا من معه حتى مات ميتة نفسه مع موادعة
كانت بينهما في بعض الأحوال ومحاببة ومصاهرة كفا من قارن بذلك من فعله
عادية الحسن بن زيد ومن معه ثم زحف الحسن بن زيد وقواده من أهل النواحي
431

التي ذكرت نحو مدينة آمل وهى أول مدن طبرستان مما يلي كلار وسالوس
من السفح وأقبل ابن أوس من سارية إليها يريد دفعه عنها فالتقى جيشاهما في بعض
نواحي آمل ونشبت الحرب بينهم وخالف الحسن بن زيد وجماعة ممن معه من
أصحابه موضع معركة القوم إلى ناحية أخرى فدخلوها فاتصل الخبر بدخوله مدينة
آمل بابن أوس وهو مشتغل بحرب من هو في وجهه من رجال الحسن بن زيد
فلم يكن له هم إلا النجاء بنفسه واللحاق بسليمان بسارية فلما دخل الحسن بن زيد
آمل كثف جيشه وغلظ أمره وانقض إليه كل طالب نهب ومريد فتنة من الصعاليك
والحوزية وغيرهم فأقام فيما حدثت الحسن بن زيد بآمل أياما حتى جبى الخراج
من أولها واستعد ثم نهض بمن معه نحو سارية مريدا سليمان ابن عبد الله فخرج
سليمان وابن أوس بمن معهما من جيوشهما فالتقى الفريقان خارج مدينة
سارية ونشبت الحرب بينهم فخالف الوجه الذي التقى فيه الجيشان بعض قواد
الحسن بن زيد إلى وجه آخر من وجوه مدينة سارية فدخلها برجاله وأصحابه
فانتهى الخبر إلى سليمان بن عبد الله ومن معه من الجند فلم يكن لهم هم غير النجاء
بأنفسهم * ولقد حدثني جماعة من أهل تلك الناحية وغيرها أن سليمان بن
عبد الله هرب وترك أهله وعياله وثقله وكل ما كان له بسارية من مال وأثاث
وغير ذلك بغير مانع ولا دافع فلم يكن له ناهية دون جرجان وغلب على ما كان
له ولغيره بها من جنده الحسن بن زيد وأصحابه فأما عيال سليمان وأهله وأثاثه فإنه
بلغني أن الحسن بن زيد أمر لهم بمركب حملهم فيه حتى ألحقهم بسليمان وهو
بجرجان وأما ما كان لأصحابه فان من كان مع الحسن بن زيد من التبع انتهبه فاجتمع
للحسن بن زيد بلحاق سليمان بن عبد الله بجرجان أمر طبرستان كلها فلما اجتمعت
للحسن بن زيد طبرستان وأخرج عنها سليمان بن عبد الله وأصحابه وجه إلى الري
خيلا مع رجل من أهل بيته يقال له الحسن بن زيد فصار إليها فطرد عنها عاملها
من قبل الطاهرية فلما دخل الموجه به من قبل الطالبيين الري هرب منها عاملها
فاستخلف بها رجلا من الطالبيين يقال له محمد بن جعفر وانصرف عنها فاجتمعت
432

للحسن بن زيد مع طبرستان الري إلى حد همذان وورد الخبر بذلك على المستعين
ومدبر أمره يومئذ وصيف التركي وكاتبه أحمد بن صالح بن؟ واليه خاتم
المستعين ووزارته فوجه إسماعيل بن فراشه في جمع إلى همذان وأمره بالمقام بها
وضبطها أن يتجاوز إليها خيل الحسن بن زيد وذلك أن ما وراء عمل همذان كان
إلى محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر وبه عماله وعليه صلاحه فلما استقر بمحمد
ابن جعفر الطالبي القرار بالري ظهرت منه فيما ذكر أمور كرهها أهل الري فوجه
محمد بن طاهر بن عبد الله قائدا له من قبله يقال له محمد بن ميكال وهو أخو الشاه
ابن ميكال في جمع من الخيل والرجالة إلى الري فالتقى هو ومحمد بن جعفر الطالبي
خارج الري فذكر أن محمد بن ميكال أسر محمد بن جعفر الطالبي وفض جيشه
ودخل الري فأقام بها ودعا بها للسلطان فلم يتطاول بها مكثه حتى وجه الحسن بن
زيد إليه خيلا عليها قائد له من أهل اللارز يقال له واجن فلما صار واجن إلى الري
خرج إليه محمد بن ميكال فاقتتلا فهزم واجن وأصحابه محمد بن ميكال وجيشه والتجأ
محمد بن ميكال إلى مدينة الري معتصما بها فاتبعه واجن وأصحابه حتى قتلوه وصارت
الري إلى أصحاب الحسن بن زيد فلما كان يوم عرفة من هذه السنة بعد مقتل
محمد بن ميكال ظهر بالري أحمد بن عيسى بن علي بن حسين الصغير ابن علي بن
حسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وإدريس بن موسى بن عبد الله بن موسى
ابن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب فصلى أحمد بن عيسى بأهل الري
صلاة العيد ودعا للرضي من آل محمد فحاربه محمد بن علي بن طاهر فهزمه أحمد بن عيسى
فصار إلى قزوين (وفى هذه السنة) غضب على جعفر بن عبد الواحد لأنه كان
بعث إلى الشاكرية فزعم وصيف أنه أفسدهم فنفى إلى البصرة لسبع بقين من شهر
ربيع الأول (وفيها) أسقطت مرتبة من كانت له مرتبة في دار العامة من بنى
أمية كابن أبى الشوارب والعثمانيين (وأخرج) في هذه السنة من الحبس الحسن
ابن الأفشين (وأجلس) فيها العباس بن أحمد بن محمد فعقد لجعفر بن الفضل بن
عيسى بن موسى المعروف ببشاشات على مكة في جمادى الأولى (فيها) وثب (28 - 7)
433

أهل حمص وقوم من كلب عليهم رجل يقال له عطيف بن نعمة الكلبي بالفضل
ابن قارن أخي مازيار بن قارن وهو يومئذ عامل السلطان على حمص فقتلوه في رجب
فوجه المستعين إليهم موسى بن بغا الكبير فشخص موسى من سامرا يوم الخميس
لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر رمضان فلما قرب موسى تلقاه أهلها فيما بينها وبين
الرستن فحاربهم فهزمهم وافتتح حمص وقتل من أهلها مقتلة عظيمة وأحرقها وأسر
جماعة من رؤساء أهلها وكان عطيف قد لحق بالبدو (وفيها) مات جعفر بن أحمد
ابن عمار القاضي يوم الأحد لسبع بقين من شهر رمضان (وفيها) مات أحمد بن
عبد الكريم الجواري والتيمي قاضى البصرة (وفيها) ولى أحمد بن الوزير قضاء
سامرا (وفيها) وثبت الشاكرية والجند بفارس بعبد الله ابن إسحاق بن إبراهيم
فانتهبوا منزله وقتلوا محمد بن الحسن ابن قارن وهرب عبد الله بن إسحاق (وفيها)
وجه محمد بن طاهر من خراسان بفيلين كان وجه بهما إليه من كابل وأصنام وفوائح
(وغزا) الصائفة فيها بلكاجور (وحج) بالناس في هذه السنة جعفر بن الفضل
بشاشات وهو والى مكة
* ثم دخلت سنة إحدى وخمسين ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمما كان فيها من ذلك قتل وصيف وبغا الصغير باغر التركي واضطراب أمر الموالى
* ذكر الخبر عن قتلهما باغر *
ذكر أن سبب ذلك كان أن باغر كان أحد قتلة المتوكل فزيد لذلك في أرزاقه
وأقطع قطائع فكان مما أقطع ضياع بسواد الكوفة فتضمن تلك الضياع التي
أقطعها باغر هنالك من كاتب كان لباغر يهودي رجل من دهاقين باروسما ونهر
الملك بألفي دينار في السنة فعدا رجل بتلك الناحية يقال له ابن مارمة على وكيل
لباغر هنالك فتناوله أو دس إليه من تناوله فحبس ابن مارمة وقيد ثم عمل حتى
مخلص من الحبس فصار إلى سامرا فلقى دليل بن يعقوب النصراني وهو يومئذ
434

كاتب بغا الشرابي وصاحب أمره واليه أمر العسكر يركب إليه القواد والعمال لمكانه
من بغا وكان ابن مارمة صديقا لدليل وكان باغر أحد قواد بغا فمنع دليل باغر من ظلم
أحمد بن مارمة وانتصف له منه فأوغر ذلك من فعله بصدر باغر وباين كل واحد من
دليل وباغر صاحبه بذلك السبب وباغر شجاع بطل معروف القدر في الأتراك
يتوقاه بغا وغيره ويخافون شره فذكر أن باغر جاء يوم الثلاثاء لأربع بقين من
ذي الحجة سنة 250 إلى بغا وبغا في الحمام وباغر سكران شديد السكر وانتظره
حتى خرج من الحمام ثم دخل عليه فقال له والله ما من قتل دليل بد ثم سبه فقال له
بغا لو أردت قتل ابني فارس ما منعتك فكيف دليل النصراني ولكن أمرى
وأمر الخلافة في يديه فتنتظر حتى أصير مكانه انسانا فشأنك به ثم وجه بغا إلى
دليل يأمره ألا يركب وقيل بل تلقاه طبيب لبغا يقال له ابن سرجويه فأخبره بالقصة
فرجع إلى منزله فاستخفى وبعث بغا إلى محمد بن يحيى بن فيروز وكان ابن فيروز يكتب له
قبل ذلك فجعله مكان دليل فيوهم باغر أنه قد عزل دليلا فسكن باغر ثم أصلح بغا
بين دليل وباغر وباغر يتهدد دليلا بالقتل إذا خلا بأصحابه ثم تلطف باغر
للمستعين ولزم الخدمة في الدار وكره المستعين مكانه فلما كان يوم نوبة بغا في
منزله قال المستعين أي شئ كان إلى إيتاخ من الأعمال فأخبره وصيف فقال ينبغي
أن تصيروا هذه الأعمال إلى أبى محمد باغر فقال وصيف نعم وبلغت القصة دليلا
فركب إلى بغا فقال له أنت في بيتك وهم في تدبير عزلك عن كل أعمالك فإذا
عزلت فما بقاؤك إلا أن يقتلوك فركب بغا إلى دار الخلافة في اليوم الذي نوبته
في منزله بالعشى فقال لوصيف أردت أن تزيلني عن مرتبتي وتجئ بباغر فتصيره
مكاني وإنما باغر عبد من عبيدي ورجل من أصحابي فقال له وصيف ما علمت ما أراد
الخليفة من ذلك فتعاقد وصيف وبغا على تنحية باغر من الدار والاحتيال له
فأرجفوا له أنه يؤمر ويضم إليه جيش سوى جيشه ويخلع عليه ويجلس في الدار
مجلس بغا ووصيف وهما يسميان الأميرين ودافعوه بذلك وإنما كان المستعين
تقرب إليه بذلك ليأمن ناحيته فأحس هو ومن في ناحيته بالشر فجمع إليه الجماعة
435

الذين كانوا بايعوه على قتل المتوكل أو بعضها مع غيرهم فلما جمعهم ناظرهم ووكد
البيعة عليهم كما وكدها في قتل المتوكل فقالوا نحن على بيعتنا فقال الزموا الدار حتى
نقتل المستعين وبغا ووصيفا ونجئ بعلى بن المعتصم أو بابن الواثق فنقعده خليفة
حتى يكون الامر لنا كما هو لهذين اللذين قد استوليا على أمر الدنيا وبقينا نحن في
غير شئ فأجابوه إلى ذلك وانتهى الخبر إلى المستعين فبعث إلى بغا ووصيف وذلك
يوم الاثنين فقال لهما ما طلبت اليكما أن تجعلاني خليفة وإنما جعلتماني وأصحابكما ثم
تريدان أن تقتلاني فحلفا له أنهما ما علما بذلك فأعلمهما الخبر وقيل إن امرأة لباغر
كانت مطلقة منه سعت إلى أم المستعين وإلى بغا بذلك وبكر دليل إلى بغا وحضر
وصيف إلى منزل بغا ومع وصيف أحمد بن صالح كاتبه فاتفق رأيهم على أخذ باغر
واثنين من الأتراك معهم وحبسهم حتى يروا رأيهم فيهم فأحضروا باغر فأقبل
في عدة حتى دخل الدار إلى بغا * فذكر عن بشر بن سعيد المرثدي أنه قال كنت
حاضرا دخوله فمنع من الوصول إلى بغا ووصيف وعطف به إلى حمام لبغا ودعى له
بالقيود فامتنع عليهم فحبسوه في الحمام وبلغ ذلك الأتراك في الهاروني والكرخ
والدور فوثبوا على اصطبل السلطان فأخذوا ما كان فيه من الدواب فانتهبوها
وركبوها وحضروا الجوسق بالسلاح فلما أمسوا أمر وصيف وبغا رشيد بن
سعاد أخت وصيف أن يقتل باغر فأتاه في عدة فشدخوه بالطبر زينات حتى
أسكنوه فلما علم المستعين باجتماعهم ركب ووصيف وبغا حراقة وصاروا إلى
دار وصيف جميعا وتراكض الناس يومهم وهو يوم الثلاثاء وليلته بالسلاح
جائين وذاهبين فقال لهم وصيف ترفقوا حتى تنظروا فإن ثبتوا على المقاومة رمينا
إليهم برأسه فلما انتهى قتله إلى الأتراك المشغبة أقاموا على ما هم عليه من الشغب
حتى علموا أن المستعين وبغا ووصيف قد انحدروا إلى بغداد وقد كان وصيف
أعطى قوما من المغاربة فرسانا ورجالة السلاح والرماح ووجه بهم إلى هؤلاء
المشغبة وبعث إلى الشاكرية أن يكونوا على عدة إن احتيج إليهم وسكن الناس
عند الظهر وهدأت الأمور وقد كان عدة من قواد الأتراك صاروا إلى هؤلاء
436

المشغبين وسألوهم الانصراف فقالوا يوق يوق أي لا لا. فذكر عن بشر بن سعيد
عن جامع بن خالد وكان أحد خلفاء وصيف من الأتراك أنه كان المتولي مخاطبتهم
مع عدة ممن يعرف التركية فأعلموهم أن المستعين وبغا ووصيف قد خرجوا إلى
بغداد فأظهروا التندم وانصرفوا منكسرين فلما انتشر الخبر بخروج المستعين
صار الأتراك إلى دور دليل بن يعقوب ودور أهل بيته ممن قرب منه وجيرانه
فانتهبوا ما فيها حتى صاروا إلى الخشب والدروندات وقتلوا ما فدروا عليه من
البغال وانتهبوا علف الدواب والخمر التي في خزانة الشراب ودفع عن دار سلمة
ابن سعيد النصراني جماعة كان وكلهم بها من المصارعين وغيرهم من جيرانهم ومنعوهم
من دخول الدار لانهم أرادوا دار إبراهيم بن مهران النصراني العسكري فدفعوهم
عنها وسلم سلمة وإبراهيم من النهب وقال في قتل باغر والفتنة التي هاجت بسببه
بعض الشعراء ذكر أن قائله أحمد بن الحارث اليمامي
لعمري لئن قتلوا باغرا * لقد هاج باغر حربا طحونا
وفر الخليفة والقائدان * بالليل يلتمسان السفينا
وصاحوا بميسان ملاحهم * فجاءهم يسبق الناظرينا
فألزمهم بطن حراقة * وصرت مجاذيفهم سائرينا
وما كان قدر ابن مارمة * فنكسب فيه الحروب الزبونا
ولكن دليل سعى سعية * فأخزى الاله بها العالمينا
فحل ببغداد قبل الشروق * فحل بها منه ما يكرهونا
فليت السفينة لم تأتنا * وغرقها الله والراكبينا
وأقبلت الترك والمغربون * وجاء الفراغنة الدار عونا
تسير كراديسهم في السلاح * يروحون خيلا ورجلا ثبينا
فقام بحربهم عالم * بأمر الحروب تولاه حينا
فجدد سورا على الجانبين * حتى أحاطهم أجمعينا
وأحكم أبوابها المصمتات * على السور يحمى بها المستعينا
437

وهيا مجانيق خطارة * تفيت النفوس وتحمى العرينا
وعبى فروضا وجيشية * ألوف ألوف إذا تحسبونا
وعبى المجانيق منظومة * على السور حتى أعار العيونا
فذكر أنهم لما قدموا بغداد اعتل ابن مارمة فعاده دليل بن يعقوب فقال له
ما سبب علتك قال عقر القيد انتقض على فقال دليل لئن عقرك القيد لقد نقضت
الخلافة وبعثت فتنة ومات ابن مارمة في تلك الأيام فقال أبو علي اليمامي الحنفي
في شخوص المستعين إلى بغداد
ما زال إلا لزوال ملكه * وحتفه من بعده وهلكه
ومنع الأتراك الناس من الانحدار إلى بغداد فذكر أنهم أخذوا ملاحا قد
أكرى سفينته فضربوه مائتي سوط وصلبوه على دقل سفينته فامتنع أصحاب السفن
من الانحدار إلا سرا أو بمؤنة ثقيلة (وفى هذه السنة) هاجت الفتنة ووقعت
الحرب بين أهل بغداد وجند السلطان الذين كانوا بسامرا فبايع كل من كان بسامرا
منهم المعتز وأقام من ببغداد منهم على الوفاء ببيعة المستعين
ذكر الخبر عن سبب هيج هذه الفتنة وسبب بيعة من كان بسامرا من الجند
المعتز وخلعهم المستعين ونصبهم الحرب لمن أقام على الوفاء ببيعته
قذ ذكرنا موافاة المستعين وشاهك الخادم ووصيف وبغا وأحمد بن صالح
ابن شيرزاد بغداد وكانت موافاتهم إياها يوم الأربعاء لثلاث ساعات مضين من
النهار لأربعة أيام وقيل لخمسة أيام خلون من المحرم من هذه السنة فلما وافاها نزل
المستعين على محمد بن عبد الله بن طاهر في داره ثم وافى بعداد خليفة لوصيف على
أعماله يعرف بسلام فاستعلم ما عنده ثم انصرف راجعا إلى منزله بسامرا فوافى
القواد خلا جعفر الخياط وسليمان بن يحيى بن معاذ بغداد مع جلة الكتاب والعمال
وبنى هاشم ثم وافى بعد ذلك من قواد الأتراك الذين في ناحية وصيف كلباتكين
القائد وطيغج الخليفة تركي وابن عجوز الخليفة نسائي وممن في ناحية بغا بايكباك
القائد من غلمان الخدمة مع عدة من خلفاء بغا وكان فيما ذكر وجه إليهم وصيف
438

وبغا قبل قدومهم رسولا يأمرانهم أن يصيروا إذا قدموا بغداد إلى الجزيرة التي
حذاء دار محمد بن عبد الله بن طاهر ولا يصيروا إلى الجسر فيرعبوا العامة
بدخولهم ففعلوا وصاروا إلى الجزيرة فنزلوا عن دوابهم فوجهت إليهم زواريق
حتى عبروا فيها فصعد كلباتكين وبايكباك والقواد من أهل الدور وارناتجور
التركي فدخلوا على المستعين فرموا بأنفسهم بين يديه وجعلوا مناطقهم في أعناقهم
تذللا وخضوعا وكلموا المستعين وسألوه الصفح عنهم والرضا فقال لهم أنتم أهل
بغى وفساد واستقلال للنعم ألم ترفعوا إلى في أولادكم فألحقتهم بكم وهم نحو من
ألفى غلام وفى بناتكم فأمرت بتصييرهن في عداد المتزوجات وهن نحو من أربعة
آلاف امرأة في المدركين والمولودين وكل هذا قد أجبتكم إليه وأدررت لكم الأرزاق
حتى سبكت لكم آنية الذهب والفضة ومنعت نفسي لذتها وشهوتها كل ذلك إرادة
لصلاحكم ورضاكم وأنتم تزدادون بغيا وفسادا وتهددا وإبعادا فتضرعوا وقالوا
قد أخطأنا وأمير المؤمنين الصادق في كل قوله ونحن نسأله العفو عنا والصفح عن
زلتنا فقال المستعين قد صفحت عنكم ورضيت فقال له بايكباك فان كنت قد
رضيت عنا وصفحت فقم فاركب معنا إلى سامرا فان الأتراك ينتظرونك فأومأ
محمد بن عبد الله إلى محمد بن أبي عون فلكز في حلق بايكباك وقال له محمد بن عبد الله
هكذا يقال لأمير المؤمنين قم فاركب معنا فضحك المستعين من ذلك وقال هؤلاء
قوم عجم ليس لهم معرفة بحدود الكلام وقال لهم المستعين تصيرون إلى سامرا فان
أرزاقكم دارة عليكم وأنظر أنا في أمرى ههنا ومقامي فانصرفوا آيسين منه
وأغضبهم ما كان من محمد بن عبد الله وأخبروا من وردوا عليه من الأتراك خبرهم
وخالفوا فيما رد عليهم تحريضا لهم على خلعه والاستبدال به وأجمع رأيهم على
إخراج المعتز والبيعة له وكان المعتز والمؤيد في حبس في الجوسق في حجرة صغيرة
مع كل واحد منهما غلام يخدمه موكل بهم رجل من الأتراك يقال له عيسى خليفة
بلبان ومعه عدة من الأعوان فأخرجوا المعتز من يومهم فأخذوا من شعره وقد
كان بويع له بالخلافة وأمر للناس برزق عشرة أشهر للبيعة فلم يتم المال فأعطوا
439

شهرين لقلة المال عندهم وكان المستعين خلف بسامرا في بيت المال مما كان طلمجور
وأساتكين القائدان قدما به من ناحية الموصل من مال الشأم نحوا من خمسمائة
ألف دينار وفى بيت مال أم المستعين قيمة ألف ألف دينار وفى بيت مال العباس
ابن المستعين قيمة ستمائة ألف دينار * فذكر أن نسخة البيعة التي أخذت (بسم
الله الرحمن الرحيم) تبايعون عبد الله الامام المعتز بالله أمير المؤمنين بيعة طوع
واعتقاد ورضى ورغبة وإخلاص من سرائركم وانشراح من صدوركم وصدق
من نياتكم لا مكرهين ولا مجبرين بل مقرين عالمين بما في هذه البيعة وتأكيدها
من تقوى الله وإيثار طاعته وإعزاز حقه ودينه ومن عموم صلاح عباد الله
واجتماع الكلمة ولم الشعث وسكون الدهماء وأمن العواقب وعز الأولياء وقمع
الملحدين على أن أبا عبد الله المعتز بالله عبد الله وخليفته المفترض عليك طاعته
ونصيحته والوفاء بحقه وعهده لا تشكون ولا تدهنون ولا تميلون ولا ترتابون
وعلى السمع والطاعة والمشايعة والوفاء والاستقامة والنصيحة في السر والعلانية
والخفوف والوقوف عند كل ما يأمر به عبد الله أبو عبد الله الامام المعتز بالله أمير
المؤمنين من موالاة أوليائه ومعاداة أعدائه من خاص وعام وقريب وبعيد متمسكين
ببيعته بوفاء العقد وذمة العهد سرائركم في ذلك كعلانيتكم وضمائركم فيه كمثل ألسنتكم
راضين بما يرضى به أمير المؤمنين بعد بيعتكم هذه على أنفسكم وتأكيدكم إياها
في أعناقكم صفقة راغبين طائعين عن سلامة من قلوبكم وأهوائكم
ونياتكم وبولاية عهد المسلمين لإبراهيم المؤيد بالله أخي أمير المؤمنين وعلى
ألا تسعوا في نقض شئ مما أكد عليكم وعلى أن لا يميل بكم في ذلك مميل عن
نصرة وإخلاص وموالاة وعلى أن لا تبدلوا ولا تغيروا ولا يرجع منكم راجع
عن بيعته وانطوائه على غير علانيته وعلى أن تكون بيعتكم التي أعطيتموها
بألسنتكم وعهودكم بيعة يطلع الله من قلوبكم على اجتبائها واعتمادها وعلى الوفاء
بذمة الله فيها وعلى إخلاصكم في نصرتها وموالاة أهلها لا يشوب ذلك منكم
نفاق ولا ادهان ولا تأول حتى تلقوا الله موفين بعهده مؤدين حقه عليكم غير
440

مستريبين ولا ناكثين إذ كان الذين يبايعون منكم أمير المؤمنين بيعة خلافته
وولاية العهد من بعهده لإبراهيم المؤيد بالله أخي أمير المؤمنين " إنما يبايعون الله
يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه
الله فسيؤتيه أجرا عظيما " عليكم بذلك وبما أكدت عليكم به هذه البيعة في أعناقكم
وأعطيتم بها من صفقة أيمانكم وبما أشترط عليكم من وفاء ونصرة وموالاة
واجتهاد وعليكم عهد الله إن عهده كان مسؤولا وذمة الله عز وجل وذمة محمد
صلى الله عليه وسلم وما أخذ الله على أنبيائه ورسله وعلى أحد من عباده من مواكيده
ومواثيقه أن تسمعوا ما أخذ عليكم في هذه البيعة ولا تبدلوا ولا تميلوا وأن
تمسكوا بما عاهدتم الله عليه تمسك أهل الطاعة بطاعتهم وذوي الوفاء والعهد
بوفائهم ولا يلفتكم عن ذلك هوى ولا ميل ولا يزيغ قلوبكم فتنة أو ضلالة
عن هدى باذلين في ذلك أنفسكم واجتهادكم ومقدمين فيه حق الدين والطاعة
والوفاء بما جعلتم على أنفسكم لا يقبل الله منكم في هذه البيعة إلا الوفاء بها فمن
نكث منكم ممن بايع أمير المؤمنين وولى عهد المسلمين أخا أمير المؤمنين هذه
البيعة على ما أخذ عليكم مسرا أو معلنا مصرحا أو محتالا أو متأولا وادهن فيما
أعطى الله من نفسه وفيما أخذ عليه من مواثيق الله وعهوده وزاغ عن السبيل
التي يعتصم بها أولوا الرأي فكل ما يملك كل واحد منكم ممن ختر في ذلك منكم
عهده من مال أو عقار أو سائمة أو زرع أو ضرع صدقة على المساكين في وجوه
سبيل الله محبوس محرم عليه أن يرجع شيئا من ذلك إلى ماله عن حيلة يقدمها
لنفسه أو يحتال له بها وما أفاد في بقية عمره من فائدة مال يقل خطرها أو يجل
فذلك سبيلها إلى أن توافيه منيته ويأتي عليه أجله وكل مملوك يملكه اليوم وإلى
ثلاثين سنة ذكر أو أنثى أحرار لوجه الله ونساؤه يوم يلزمه فيه الحنث ومن
يتزوج بعدهن إلى ثلاثين سنة طوالق طلاق الحرج لا يقبل الله منه إلا الوفاء بها
وهو برئ من الله ورسوله والله ورسوله منه بريئان ولا قبل الله منه صرفا
ولا عدلا والله عليكم بذلك شهيد ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وحسبنا
441

الله ونعم الوكيل وأحضر فيما ذكر البيعة أبو أحمد بن الرشيد وبه النقرس محمولا
في محفة فأمر بالبيعة فامتنع وقال للمعتز خرجت إلينا خروج طائع فخلعتها وزعمت
أنك لا تقوم بها فقال المعتز أكرهت على ذلك وخفت السيف فقال أبو أحمد
ما علمنا أنك أكرهت وقد بايعنا هذا الرجل فتريد أن نطلق نساءنا ونخرج من
أموالنا ولا ندري ما يكون ان تركتني على أمرى حتى يجتمع الناس والا فهذا
السيف فقال المعتز اتركوه فرد إلى منزله من غير بيعة وكان ممن بايع إبراهيم الديرج
وعتاب بن عتاب فهرب فصار إلى بغداد وأما الديرج فخلع عليه وأقر على
الشرطة وخلع على سليمان بن يسار الكاتب وصير على ديوان الضياع وأقام يومه
يأمر وينهى وينفذ الأعمال ثم توارى في الليل وصار إلى بغداد ولما بايع الأتراك
المعتز ولى عماله فولى سعيد بن صالح الشرطة وجعفر بن دينار الحرس وجعفر
ابن محمود الوزارة وأبا الخمار ديوان الخراج ثم عزل وجعل مكانه محمد بن إبراهيم
منقار وولى ديوان جيش الأتراك المعروف بأبي عمر كاتب سيما الشرابي وولى
مقلدا كيد الكلب أخا أبى عمر بيوت الأموال وإعطاء الأتراك والمغاربة
والشاكرية وولى بريد الآفاق والخاتم سيما السارباني واستكتب أبا عمر فكان
في حد الوزارة ولما اتصل بمحمد بن عبد الله خبر البيعة للمعتز وتوجيهه العمال
أمر بقطع الميرة عن أهل سامرا وكتب إلى ملك بن طوق في المصير إلى بغداد
هو ومن معه من أهل بيته وجنده وإلى نجوبة بن قيس وهو على الأنبار
في الاحتشاد والجمع وإلى سليمان بن عمران الموصلي في جمع أهل بيته ومنع
السفن أو شئ من الميرة أن ينحدر إلى سامرا ومنع أن يصعد شئ من الميرة
من بغداد إلى سامرا وأخذت سفينة فيها أرز وسقط فهرب الملاح منها
وبقيت السفينة حتى غرقت وأمر المستعين محمد بن عبد الله بن طاهر بتحصين
بغداد فتقدم في ذلك فأدير عليها السور من دجلة من باب الشماسية إلى سوق
الثلاثاء حتى أورده دجلة ومن دجلة من باب قطيعة أم جعفر حتى أورده قصر
حميد بن عبد الحميد ورتب على كل باب قائدا في جماعة من أصحابه وغيرهم
442

وأمر بحفر الخنادق حول السورين كما يدوران في الجانبين جميعا ومظلات
يأوى إليها الفرسان في الحر والأمطار فبلغت النفقة فيما ذكر على السورين
وحفر الخنادق والمظلات ثلثمائة ألف دينار وثلاثين ألف دينار وجعل
على باب الشماسية خمس شداخات بعرض الطريق فيها العوارض والألواح
والمسامير الطوال الظاهرة وجعل من خارج الباب الثاني باب معلق بمقدار
الباب ثخين قد ألبس بصفائح الحديد وشد بالحبال كي إن وافى أحد ذلك الباب
أرسل عليه الباب المعلق فقتل من تحته وجعل على الباب الداخل عرادة وعلى
الباب الخارج خمس مجانيق كبار وفيها واحد كبير سموه الغضبان وست
عرادات ترمى بها إلى ناحية رقة الشماسية وصير على باب البردان ثماني
عرادات في كل ناحية أربع وأربع شداخات وكذلك على كل باب من أبواب
بغداد في الجانب الشرقي والغربي وجعل لكل باب من أبوابها دهليزا بسقائف
تسع مائة فارس ومائة راجل ولكل منجنيق وعرادة رجالا مرتبين يمدون بحباله
وراميا يرمى إذا كان القتال وفرض فروضا ببغداد ومن قوم من أهل خراسان
قدموا حجاجا فسألوهم المعونة على قتال الأتراك فأعانوا وأمر محمد بن عبد الله بن
طاهر أن يفرض من العيارين فرض وأن يجعل عليهم عريف ويعمل لهم تراس
من البواري المقيرة وأن يعمل لهم مخال تملأ الحجارة ففعل ذلك وتولى فيما ذكر
عمل البواري المقيرة محمد بن أبي عون وكان الرجل منهم يقوم خلف البارية ولا
يرى منها عملت نسائجات أنفق عليها زيادة على مائة دينار وكان العريف على أصحاب
البواري المقيرة من العيارين رجل يقال له ينتويه وكان الفراغ من عمل السور يوم
الخميس لسبع بقين من المحرم وكتب المستعين إلى عمال الخراج بكل بلدة وموضع
أن يكون حملهم ما يحملون من الأموال إلى السلطان إلى بغداد ولا يحملون إلى
سامرا شيئا وإلى عمال المعاون في رد كتب الأتراك وأمر بالكتاب إلى الأتراك
والجند الذين بسامرا يأمرهم بنقض بيعة المعتز ومراجعة الوفاء ببيعتهم إياه
ويذكرهم أياديه عندهم وينهاهم عن معصيته ونكث بيعته وكان كتابه بذلك إلى سيما
443

الشرابي ثم جرت بين المعتز ومحمد بن عبد الله بن طاهر مكاتبات ومراسلات يدعو
المعتز محمدا إلى الدخول فيما دخل فيه من بايعه بالخلافة وخلع المستعين ويذكره
ما كان أبوه المتوكل أخذ له عليه بعد أخيه المنتصر من العهد وعقد الخلافة ودعوة
محمد بن عبد الله المعتز إلى ما عليه من الأوبة إلى طاعة المستعين واحتجاج كل واحد
منهما على صاحبه فيما يدعوه إليه من ذلك بما يراه حجة له تركت ذكرها كراهة
الإطالة بذكرها وأمر محمد بن عبد الله بكسر القناطر وبثق المياه بطسوج الأنبار
وما قرب منه من طسوج بادوريا ليقطع طريق الأتراك حين تخوف من ورودهم
الأنبار وكان الذي تولى ذلك نجوبة بن قيس ومحمد بن حمد بن منصور السعدي
وبلغ محمد بن عبد الله توجيه الأتراك لاستقبال الشمسة التي كانت مع البينوق
الفرغاني من يحميها من أصحابه فوجه محمد ليلة الأربعاء لعشر بقين من المحرم خالد
ابن عمران وبندار الطبري إلى ناحية الأنبار ثم وجه بعدهما رشيد بن كاوس
فصادفوا البينوق ومن معه من الأتراك والمغاربة وطالبهم خالد وبندار بالشمسة
فصار البينوق وأصحابه مع خالد وبندار إلى بغداد إلى المستعين وكان محمد بن الحسن
ابن جيلويه الكردي يتولى معونة عكبراء وكان على الراذان رجل من المغاربة
قد اجتمع عنده مال فتوجه إليه ابن جيلويه ودعاه إلى حمل مال الناحية فامتنع عليه
ونصب له الحرب فأسر ابن جيلويه المغربي وحمله إلى باب محمد بن عبد الله ومعه
من مال الناحية اثنا عشر ألف دينار وثلاثون ألف درهم فأمر محمد بن عبد الله
لابن جيلويه بعشرة آلاف درهم وكتب كل واحد من المستعين والمعتز إلى موسى
ابن بغا وهو مقيم بأطراف الشأم قرب الجزيرة وكان خرج إلى حمص لحرب أهلها
يدعوه إلى نفسه وبعث كل واحد منهما إليه بعدة ألوية يعقدها لمن أحب ويأمره
المستعين بالانصراف إلى مدينة السلام ويستخلف على عمله من رأى فانصرف
إلى المعتز وصار معه وقدم عبد الله بن بغا الصغير بغداد وكان قد تخلف بسامرا
حين خرج أبوه منها مع المستعين وصار إلى المستعين واعتذر إليه وقال لأبيه انما
قدمت إليك لأموت تحت ركابك وأقام ببغداد أياما ثم استأذن ليخرج إلى قرية
444

بقرب بغداد على طريق الأنبار فاذن له فأقام فيها إلى الليل ثم هرب من تحت ليلته
فمضى في الجانب الغربي إلى سامرا مجانيا لأبيه ومماليا عليه واعتذر إلى المعتز من
مصيره إلى بغداد وأخبره أنه انما صار إليها ليعرف أخبارهم وليصير إليه فيعرفه
صحيحا فقبل ذلك منه ورده إلى خدمته وورد الحسن بن الأفشين بغداد فخلع عليه
المستعين وضم إليه من الاشروسنية وغيرهم جماعة كثيرة وزاد في أرزاقه ستة
عشر ألف درهم في كل شهر ولم يزل أسد بن داود سياه مقيما بسامرا حتى هرب
منها فذكر أن الأتراك بعثوا في طلبه إلى ناحية الموصل والأنبار والجانب الغربي
في كل ناحية خمسين فارسا فوافى مدينة السلام فدخل على محمد بن عبد الله فضم إليه
من أصحاب إبراهيم الديرج مائة فارس ومائتي راجل ووكله بباب الأنبار مع عبد الله
ابن موسى بن أبي خالد وعقد المعتز لأخيه أبى أحمد بن المتوكل يوم السبت لسبع
بقين من المحرم من هذه السنة وهى سنة 251 على حرب المستعين وابن طاهر وولاه
ذلك وضم إليه الجيش وجعل إليه الامر والنهى وجعل التدبير إلى كلباتكين التركي
فعسكر بالقاطول في خمسة آلاف من الأتراك والفراغنة وألفين من المغاربة وضم
المغاربة إلى محمد بن راشد المغربي فوافوا عكبراء ليلة الجمعة لليلة بقيت من المحرم
فصلى أبو أحمد ودعا للمعتز بالخلافة وكتب بذلك نسخا إلى المعتز فذكر جماعة من
أهل عكبراء انهم رأوا الأتراك والمغاربة وسائر أتباعهم وهم على خوف شديد
يرون أن محمد بن عبد الله قد خرج إليهم فسبقهم إلى حربهم وجعلوا ينتهبون القرى
ما بين عكبراء وبغداد وأوانا وسائر القرى من الجانب الغربي تخوفا على أنفسهم
وخلوا عن الغلات والضياع فخربت الضياع وانتهبت الغلات والأمتعة وهدمت
المنازل وسلب الناس في الطريق ولما وافى أبو أحمد عكبراء ومن معه خرج جماعة
من الأتراك الذين كانوا مع بغا الشرابي بمدينة السلام من مواليه والمضمومين إليه
فهربوا ليلا فاجتازوا بباب الشماسية وكان على الباب عبد الرحمن بن الخطاب ولم يعلم
بخبرهم وبلغ محمد بن عبد الله ذلك فأنكره عليه وعنفه وتقدم في حفظ الأبواب وحراستها
والنفقة على من يتولاها ولما وافى الحسن بن الأفشين مدينة السلام وكل بباب
445

الشماسية ثم وافى أبو أحمد وعسكره الشماسية ليلة الأحد لسبع خلون من صفر
ومعه كاتبه محمد بن عبد الله بن بشر بن سعد المرثدي وصاحب خبر العسكر من قبل
المعتز الحسن بن عمرو بن قماش ومن قبله صاحب خبر له يقال له جعفر بن
أحمد البنان يعرف بابن الخبازة فقال رجل من البصريين كان في عسكره
ويعرف بباذنجانة:
يا بنى طاهر أتتكم جنود الله * والموت بينها منثور
وجيوش أمامهن أبو أحمد * نعم المولى ونعم النصير
ولما صار أبو أحمد بباب الشماسية ولى المستعين الحسين بن إسماعيل باب
الشماسية وصير من هناك من القواد تحت يده فلم يزل مقيما هناك مدة الحرب
إلى أن شخص إلى الأنبار فولى مكانه إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم ولثلاث
عشرة مضت من صفر صار إلى محمد بن عبد الله جاسوس له فأعلمه أن أبا أحمد قد عبى
قوما يحرقون ظلال الأسواق من جانبي بغداد فكشطت في ذلك اليوم *
وذكر أن محمد بن عبد الله وجه محمد بن موسى المنجم والحسين بن إسماعيل
وأمرهما أن يخرجا من الجانب الغربي وأن يرتفعا حتى يجاوزا عسكر أبى أحمد
ويحزراكم في عسكره فزعم محمد بن موسى أنه حزرهم ألفى إنسان معهم ألف
دابة فلما كان يوم الاثنين لعشر خلون من صفر وافت طلائع الأتراك إلى باب
الشماسية فوقفوا بالقرب منه فوجه محمد بن عبد الله الحسين بن إسماعيل والشاة
ابن ميكال وبندار الطبري فيمن معهم وعزم على الركوب لمقاتلتهم فانصرف
إليه الشاه فأعلمه أنه وافى بمن معه باب الشماسية فلما عاين الأتراك الاعلام
والرايات وقد أقبلت نحوهم انصرفوا إلى معسكرهم فانصرف الشاه والحسين
وترك محمد الركوب يومئذ فلما كان يوم الثلاثاء لاحدى عشرة ليلة خلت من صفر
عزم محمد بن عبد الله على توجيه الجيوش إلى القفص ليعرض جنده هناك ويرهب
بذلك الأتراك وركب معه وصيف وبغا في الدروع وعلى محمد درع فوق الدرع
صدرة من درع طاهر وعليه ساعد حديد ومضى معه بالفقهاء والقضاة وعزم
446

على دعائهم إلى الرجوع عما هم عليه من التمادي في الطغيان واللجاج والعصيان
وبعث يبذل لهم الأمان على أن يكون أبو عبد الله ولى العهد بعد المستعين فان
قبلوا الأمان وإلا باكرهم بالقتال يوم الأربعاء لاثنتي عشرة ليلة تخلو
من صفر فمضى نحو باب قطربل فنزل على شاطئ دجلة هو ووصيف وبغا ولم
يمكنه التقدم لكثرة الناس وعارضهم من جانب دجلة الشرقي محمد بن راشد
المغربي ثم انصرف محمد فلما كان من الغد وافته رسل عبد الرحمن بن الخطاب
وجه الفلس وعلك القائد ومن معهما من القواد يعلمونه بأن القوم قد دنوا
منهم وأنهم قد رجعوا إلى عسكرهم إلى رقة الشماسية فنزلوا وضربوا مضاربهم
فأرسل إليهم ألا تبدأوهم وإن قاتلوكم فلا تقاتلوهم وادفعوهم اليوم فوافى باب
الشماسية اثنا عشر فارسا من عسكر الأتراك وكان على باب الشماسية باب وسرب
وعلى السرب باب فوقف الاثنا عشر الفارس بإزاء الباب وشتموا من عليه ورموا
بالسهام ومن بباب الشماسية سكوت عنهم فلما أكثروا أمر علك صاحب المنجنيق أن
يرميهم فرماهم فأصاب منهم رجلا فقتله فنزل أصحابه إليه فحملوه وانصرفوا إلى عسكرهم
بباب الشماسية وقدم عبد الله بن سليمان خليفة وصيف التركي الموجه إلى طريق
مكة لضبط الطريق مع أبي الساج في ثلثمائة رجل من الشاكرية فدخل على محمد
ابن عبد الله فخلع عليه خمس خلع وعلى آخر ممن معه أربع خلع ودخل أيضا في هذا
اليوم رجل من الاعراب من أهل الثعلبية يطلب الفرض معه خمسون رجلا وورد
الشاكرية القادمون من سامرا من قيادات شتى وهم أربعون رجلا فأمر بإعطائهم
وإنزالهم فأعطوا ووافى الأتراك في هذا اليوم باب الشماسية فرموا بالسهام والمنجنيق
والعرادات وكان بينهم قتلى وجرحى وكثير وكان الأمير الحسين بن إسماعيل
لمحاربتهم ثم أمد بأربعمائة رجل من المطلبيين مع رجل يعرف بأبي السنا الغنوي ثم
أمدهم بقوم من الاعراب نحو من ثلثمائة رجل وحمل في هذا اليوم من الصلات
لمن أبلى في الحرب خمسة وعشرين ألف درهم وأطوقة وأسورة من ذهب فصار
ذلك إلى الحسين بن إسماعيل وعبد الرحمن بن الخطاب وعلك ويحيى بن
447

هرثمة والحسن بن الأفشين وصاحب الحرب الحسين بن إسماعيل فكان الجرحى
من أهل بغداد أكثر من مائتي إنسان والقتلى عدة وكذلك الجراحات في الأتراك
والقتلى أكثرهم بالمجانيق وانهزم أكثر عامة أهل بغداد وثبت أصحاب البوارى
وانصرفوا جميعا وهم في القتلى والجرحى شبيه بالسواء وجرح من هؤلاء فيما ذكر
مائتان ومن هؤلاء مائتان وقتل جماعة من الفريقين وجاء كردوس من
الفراغنة والأتراك في هذا اليوم إلى باب خراسان من الجانب الشرقي ليدخلوا
منه وأتى الصريح محمد بن عبد الله وثبت لهم المبيضة والغوغاء فردوهم وقد كان
محمد أمر أن يمخر تلك الناحية فلما أرادوا الانصراف وحلت عامة دوابهم ونجا
أكثرهم وأحضر الأتراك منجنيقا فغلبهم الغوغاء عليه والمبيضة وكسروا قائمة
من قوائمه وقتل اثنان من الشاشية من الحجاج وأمر بحمل الآجر من قصر
الطين وتلك الناحية إلى باب الشماسية وفتحوا باب الشماسية وأخرجوا إلى
الآجر من لقطه وردوه إلى هذا الجانب من السور وكان محمد بن عبد الله اتصل
به أن جماعة من الأتراك قد صاروا إلى ناحية النهروان فوجه قائدين من قواده
يقال لهما عبد الله بن محمود السرخسي ويحيى بن حفص المعروف بحبوس في خمسمائة
من الفرسان والرجالة إلى هذه الناحية ثم أردفهم بسبعمائة رجل أيضا وأمرهم بالمقام
هناك ومنع من أراده من الأتراك فتوجه آخرهم إلى هذه الناحية يوم الجمعة
لسبع خلون من صفر فلما كان ليلة الاثنين لثلاث عشرة بقيت من صفر
صار قوم من الأتراك إلى النهروان فخرج جماعة ممن كان مع عبد الله بن
محمود فرجعوا هرابا وأخذت دوابهم وانصرف من نجا منهم إلى مدينة السلام مفلولين
وقتل زهاء خمسين رجلا وأخذوا ستين دابة وعدة من البغال قد كانت جاءت من
ناحية حلوان عليها السلح فوجهوا بها إلى سامرا ووجهوا برؤس من قتلوا من الجند
فكانت أول رؤس وافت في تلك الحرب سامرا وانصرف عبد الله بن محمود مفلولا في
شرذمة وصار طريق خراسان في أيدي لأتراك ولقطع الطريق من بغداد إلى خراسان
وكان إسماعيل بن فراشة وجه إلى همذان للمقام بها فكتب إليه بالانصراف فانصرف
448

فأعطى هو وأصحابه استحقاقهم ووجه المعتز عسكرا من الأتراك والمغاربة والفراغنة
ومن هو في عدادهم وعلى الأتراك والفراغنة الدرغمان الفرغاني وعلى المغاربة ربلة
المغربي فساروا إلى مدينة السلام من الجانب الغربي فجازوا قطربل إلى بغداد
وضربوا عسكرهم بين قطربل وقطيعة أم جعفر وذلك عشية الثلاثاء لاثنتي عشرة
ليلة بقيت من صفر فلما كان يوم الأربعاء من غد هذه الليلة وجه محمد بن عبد الله
ابن طاهر الشاه بن ميكال من باب القطيعة وبندار وخالد بن عمران فيمن معهم
من أصحابهم من الفرسان والرجالة فصافهم الشاه وأصحابه فتراموا بالحجارة والسهام
وألجأوا الشاه إلى مضيق عند باب القطيعة وكثر المبيضة من أهل بغداد ثم حمل
الشاه والمبيضة حملة واحدة أزالوا بها الأتراك والمغاربة ومن معهم عن موضعهم
وحمل عليهم المبيضة وأصحروا بهم وحمل عليهم الطبرية فخالطوهم وخرج عليهم
بندار وخالد بن عمران من الكمين وكانوا كمنوا في ناحية قطربل فوضعوا في
أصحاب أبي أحمد الأتراك منهم وغيرهم السيف فقتلوهم أبرح قتل فلم يفلت منهم
إلا القليل وانتهب المبيضة عسكرهم وما كان فيه من المتاع والاهل والأثقال
والمضارب والخرثي فكل من أفلت منهم من السيف رمى بنفسه في دجلة ليعبر إلى
عسكر أبى أحمد فأخذه أصحاب الشبارات وكانت الشبارات قد شحنت بالمقاتلة فقتلوا
وأسروا وجعل القتلى والرؤس من الأتراك والمغاربة وغيرهم في الزواريق فنصبت
بعضها في الجسرين وعلى باب محمد بن عبد الله فأمر محمد بن عبد الله لمن أبلى في
هذا اليوم بالأسورة فسور قوم كثير من الجند وغيرهم فطلب المنهزمة فبلغ بعضهم
أوانا وبلغ بعضهم ناحية عسكر أبى أحمد عبر دجلة وبعضهم نفذ إلى سامرا وذكر
أن عسكر الأتراك يوم هزموا بباب القطيعة كانوا أربعة آلاف فقتل منهم يوم
الوقعة هنالك ألفان وكان وضع فيهم السيف من باب القطيعة إلى القفص فقتلوا
من قتلوا وغرق من غرق وأسر منهم جماعة فخلع محمد بن عبد الله على بندار أربع
خلع ملحم ووشى وسواد وخز وطوقه طوقا من ذهب وخلع على أبى السنا أربع
خلع وعلى خالد بن عمران وجميع القواد كل رجل أربع خلع وكان انصرافهم من
(29 - 7)
449

الوقعة مع المغرب وسخرت البغال وأخذ لها الجواليق لتحمل فيها الرؤس إلى
بغداد وكان كل من وافى دار محمد برأس تركي أو مغربي أعطوه خمسين درهما وكان
أكثر ذلك العمل للمبيضة والعيارين ثم وافى عيار وبغداد قطربل فانتهبوا ما تركه
الأتراك من متاع أهل قطربل وأبواب دورهم فوجه محمد في آخر هذا اليوم أخاه
أبا أحمد عبيد الله بن عبد الله والمظفر بن سيسل في أثر المنهزمين حياطة لأهل
بغداد لأنه لم يأمن رجعتهم عليه فبلغا القفص وانصرفا سالمين وزعجا من أقام من
الرجالة والعيارين بناحية قطربل وأشير على محمد بن عبد الله أن يتبعهم بعسكر في
اليوم الثاني وفى تلك الليلة ليوغل في آثارهم فأبى ذلك ولم يتبع موليا ولم يأمر أن
يجهز على جريح وقبل أمان من استأمن وأمر سعيد بن حميد فكتب كتابا يذكر
فيه هذه الوقعة فقرئ على أهل بغداد في مسجد جامعها نسخته (بسم الله الرحمن
الرحيم) أما بعد فالحمد لله المنعم فلا يبلغ أحد شكر نعمته والقادر فلا يعارض
في قدرته والعزيز فلا يذل في أمره والحكم العادل فلا يرد حكمه والناصر فلا
يكون نصره إلا للحق وأهله والمالك لكل شئ فلا يخرج أحد عن أمره والهادي
إلى الرحمة فلا يضل من انقاد لطاعته والمقدم إعذاره ليظاهر به حجته الذي
جعل دينه لعباده رحمة وخلافته لدينه عصمة وطاعة خلفائه فرضا واجبا على كافة
الأمة فهم المستحفظون في أرضه على ما بعث به رسله وأمناؤه على خلقه فيما دعاهم
إليه من دينه والحاملون لهم على منهاج حقه لئلا يتشعب بهم الطريق إلى المخالفة
لسبيله والهادي لهم إلى صراطه ليجمعهم على الجادة التي ندب إليها عباده الذين
بهم يحمى الدين من الغواة والمخالفين محتجين على الأمم بكتاب الله الذي استعملهم
به ودعاة الأمة بحق الله الذي اختارهم له إن جاهدوا كانت حجة الله معهم وإن
حاربوا حكم بالنصر لهم وإن بغاهم عدو كانت كفاية الله حائلة دونهم ومعقلا لهم
وإن كادهم كائد فالله من وراء عونهم نصبهم الله لاعزاز دينه فمن عاداهم فإنما
عادى الدين الذي أعزه وحرسه بهم ومن ناوأهم فإنما طعن على الحق الذي
يكلؤه بحراستهم جيوشهم بالنصر والعز منصورة وكتائبهم بسلطان الله من عدوهم
450

محفوظة وأيديهم عن دين الله دافعة وأشياعهم بتناصرهم في الحق عالية وأحزاب
أعدائهم ببغيهم مقموعة وحجتهم عند الله وعند خلقه راخصة ووسائلهم إلى
النصر مردودة تجمعهم مواطن التحاكم وأحكام الله بخذلانهم واقعة وأقداره
بإسلامهم إلى أوليائه جارية وعاداتهم إلى الأمم السالفة والقرون الخالية ماضية
ليكون أهل الحق على ثقة من إنجاز سابق الوعد وأعداؤه محجوبون بما قدم
إليهم من الانذار معجلة لهم نقمة الله بأيدي أوليائه معد لهم العذاب عند ربهم
والخزي موصول بنواصيهم في دنياهم وعذاب الآخرة من ورائهم وما الله بظلام
للعبيد وصلى الله على نبيه المصطفى ورسوله المرتضى والمنقذ من الضلالة إلى الهدى
صلاة تامة نامية بركاتها دائمة اتصالها وسلم تسليما والحمد لله تواضعا لعظمته والحمد
لله إقرارا بربوبيته والحمد لله اعترافا بقصور أقصى منازل الشكر على أدنى منزلة
من منازل كرامته والحمد لله الهادي إلى حمده والموجب به مزيده والمحصى به عوائد
إحسانه حمدا يرضاه ويتقبله ويوجب طوله وافضاله والحمد لله الذي حكم
بالخذلان على من بغى على أهل دينه وسبق وعده بالنصر لمن بغى عليه من أنصار
حقه وأنزل بذلك كتابه العزيز موعظة للباغين فإن أقلعوا كانت التذكرة نافعة لهم
والحجة عند الله لمن قام بها فيهم ثم أوجب بعد التذكرة والإصرار جهادهم فقال فيما
قدم من وعده وأبان من برهانه " ثم بغى عليه لينصرنه الله " وعدا من الله حقا
نهى به أعداءه عن معصيته وثبت به أولياءه على سبيله والله لا يخلف الميعاد ولله
عند أمير المؤمنين في رئيس دعوته وسيف دولته والمحامي عن سلطانه ومحل ثقته
والمتقدم في طاعته ونصيحته لأوليائه والذاب عن حقه والقائم بمجاهدة أعدائه
محمد بن عبد الله مولى أمير المؤمنين نعمة يرغب إلى الله في اتمامها والتوفيق
لشكرها والتطول بمن أراد المزيد فيها فإن الله قدر لآبائه القيام بالدعوة الأولى
لآباء أمير المؤمنين ثم جمع له آثارهم بقيامه بالدولة الثانية حين حاول أعداء الله
أن يطمسوا معالم دينه ويعفوها فقام بحق الله وحق خليفته محاميا عنها ومراميا
من ورائها متناولا للبعيد برأيه ونظره مباشرا للقريب بإشرافه وتفقده باذلا
451

نفسه في كل ما قربه من الله وأوجب له الزلفة عنده وسيمتع الله أمير المؤمنين
به وليا مكانفا على الحق وناصرا موازرا على الخير وظهيرا مجاهدا لعدو الدين
وقد علمتم ما كان كتاب أمير المؤمنين تقدم به إليكم فيما أحدثته الفرقة الضالة عن
سبيل ربها المفارقة لعصمة دينها الكافرة لنعم الله ونعم خليفته عندها المباينة لجماعة
الأمة التي ألف الله بخلافته نظامها المحاولة لتشتيت الكلمة بعد اجتماعها الناكثة
لبيعته الخالعة لربقة الاسلام من أعناقها الموالى الأتراك وما صارت إليه من نصر
الغلام المعروف بأبي عبد الله بن المتوكل لاقامتها عند مصير أمير المؤمنين إلى
مدينة السلام محل سلطانه ومجتمع أنصاره وأبناء أنصار آبائه وما قابل به أمير
المؤمنين خيانتهم وآثره من الأناة في أمرهم ثم إن هؤلاء الناكثين جمعوا جمعا
من الأتراك والمغاربة ومن ولج في سوادهم ودخل في غمارهم مؤاتيا للفتنة من الفاف
الغى ورأسوا عليهم المعروف بأبي أحمد بن المتوكل ثم ساروا نحو مدينة السلام
في الجانب الشرقي معلنين للبغي والاقتدار مظهرين للغى والإصرار فتأناهم أمير
المؤمنين وفسح لهم في النظرة لهم وأمر بالكتاب إليهم بما فيه تصيرهم الرشد
وتذكيرهم بما قدموا من البيعة وافهامهم ما لله عليهم وله في ذلك من الحق وأن
خروجهم مما دخلوا فيه من بيعتهم طوعا الخروج من دين الله والبراءة منه ومن
رسوله وتحريمهم أموالهم ونساءهم عليهم وأن في تمسكهم به سلامة أديانهم وبقاء
نعمتهم والاحتراس من حلول النقم بهم وأن يبين لهم ما سلف من بلائه عندهم
من أسنى المواهب وأرفع الرغائب والاختصاص بسني المراتب والتقدم في المحافل
فأبوا إلا تماديا ونفارا وتمسكا بالغي وإصرارا فقلد أمير المؤمنين نصيحة المؤتمن
ووليه محمد بن عبد الله مولى أمير المؤمنين بتدبير أمورهم ودعائهم إلى الحق ما
كانت الإنابة أو محاربتهم إن جنح بهم غيهم وتتابعوا في ضلالهم فلم يألهم نظرا
وإفهاما وتبيينا وإرشادا وهم في ذلك رافعون أصواتهم بالتوعد لأهل مدينة
السلام بسفك دمائهم وسبى نسائهم وتغنم أموالهم وقبل ذلك ما كانوا في مسيرهم
على السبيل التي يستعملها أهل الشرك في غاراتهم ويميلون إليها عند إمكان النهزة
452

لهم لا يجتازون بعامر إلا أخرجوه ولا بحريم لمسلم ولا غيره إلا أباحوه ولا
بمسلم يعجز عنهم إلا قتلوه ولا بمال لمسلم ولا ذمي إلا أخذوه حتى انتقل كثير
ممن سبقت إليه أخبارهم ممن أمامهم عن أوطانهم وفارقوا منازلهم ورباعهم
وفزعوا إلى باب أمير المؤمنين تحصنا من معرتهم لا يمرون بغنى إلا خلعوا عنه
لباس الغنى ولا بمستور إلا هتكوا عن الذرية والنساء ستره لا يرقبون في
مؤمن إلا ولا ذمة ولا يتوقفون عن مسلم بهتك ولا مثلة ولا يرغبون عما
حرم الله من دم ولا حرمة ثم تلقوا التذكرة بالحرب وقابلوا الموعظة بالاصرار
على الذنب وعارضوا التبصير بالاستبصار في الباطل فدلفوا نحو باب الشماسية
وقد رتب محمد بن عبد الله ولى أمير المؤمنين بذلك الباب والأبواب التي سبيلها
سبيله من أبواب مدينة السلام الجيوش في العدة الكاملة والعدة المتظاهرة
معاقلهم التوكل على ربهم وحصونهم الاعتصام بطاعته وشعارهم التكبير والتهليل
أمام عدوهم ومحمد بن عبد الله مولى أمير المؤمنين يأمرهم بتحصين ما يليهم والامساك
عن الحرب ما كانت مندوحة لهم فبادأهم الأولياء بالموعظة وبدأهم الغواة
الناكثون بحربهم وعادوهم أياما بجموعهم وعدادهم مدلين بعدتهم ومقدرين
ألا غالب لهم ولا يعلمون بالله أن قدرته فوق قدرتهم وأن أقداره نافذة بخلاف
إرادتهم وأحكامه عادلة ماضية لأهل الحق عليهم حتى إذا كان يوم السبت
للنصف من صفر وافوا باب الشماسية بأجمعهم قد نشروا أعلامهم وتنادوا بشعارهم
وتحصنوا بأسلحتهم وبدا الامر منهم لمن عاينهم ليس لهم وعيد دون سفك الدماء
وسبى النساء واستباحة الأموال فبدأهم الأولياء بالموعظة فلم يسمعوا وقاتلوهم
بالتذكرة فلم يصغوا إليها وبدأوا بالحرب منابذين لها فتسرع الأولياء عند ذلك إليهم
واستنصروا الله عليهم واستحكمت بالله ثقتهم ونفذت به بصائرهم فلم تزل الحرب
بينهم إلى وقت العصر من هذا اليوم فقتل الله من حماتهم وفرسانهم ورؤسائهم وقادة
باطلهم جماعة كثيرة عددها ونالت الجراحة المثخنة التي تأتى على من نالته أكثر
عامتهم فلما رأى أعداء الله وأعداء دينه أن قد أكذب ظنونهم وحال بينهم وبين
453

أمانيهم وجعل عواقبها حسرات عليهم استنهضوا جيشا من سامرا من الأتراك
والمغاربة في العتاد والعدة والجلد والأسلحة في الجانب الغربي طالبين المعرة ومؤملين
أن ينالوا نيلا من أهله باشتغال إخوانهم في الجانب الشرقي بأعدائهم وقد كان
مخمد بن عبد الله مولى أمير المؤمنين شحن الجانبين جميعا بالرجال والعدة ووكل
بكل ناحية من يقوم بحفظها وحراستها ويكف عن الرعية بوائق أعدائهم ووكل
بكل باب من الأبواب قائدا في جمع كثيف ورتب على السور من يراعيه في
الليل والنهار وبث الرجال ليعرف أخبار أعداء الله في حركاتهم ونهوضهم ومقامهم
وتصرفهم فيعامل كل حال لهم بحال يفت الله في أعضادهم بها فلما كان يوم الأربعاء
لاحدى عشرة ليلة بقيت من صفر وافى الجيش الذي أنهضوه من الجانب
الغربي الباب المعروف بباب قطربل فوقفوا بإزاء الناكثين المعسكرين بالجانب
الشرقي من دجلة في عدد لا يسعه الا الفضاء ولا يحمله الا المجال الفسيح وقد تواعدوا
أن يكون دنوهم من الأبواب معا لشغل الأولياء بحربهم من الجهات فيضعفوا
عنهم ويغلبوا حقهم بباطلهم أملا كادهم الله فيه غير صادق وظنا خائبا لله فيه
قضاء نافذ وأنهض محمد بن عبد الله نحوهم محمد بن أبي عون وبندار بن موسى الطبري
مولى أمير المؤمنين وعبد الله بن نصر بن حمزة من باب قطربل وأمرهم بتقوى الله
وطاعته والاتباع لامره والتصرف مع كتابه والتوقف عن الحرب حتى يسبق
التذكرة والاسماع وينزل الحجة بالتتابع منهم والإصرار فنفذوا في جمع يقابل
جمعهم مستبصرين في حق الله عليهم مسارعين إلى لقاء عدوهم محتسبين خطاهم
ومسيرهم واثقين بالثواب الآجل والجزاء العاجل فتلقاهم ومن معهم أعداء الله
قد أطلقوا نحوهم أعنتهم وأشرعوا لنحورهم أسنتهم لا يشكون أنهم نهزة المختلس
وغنيمة المنتهب فنادوهم بالموعظة نداء مسمعا فمجتها أسماعهم وعميت عنها أبصارهم
وصدقهم أولياء الله في لقائهم بقلوب مستجمعة لهم وعلم بأن الله لا يخلف وعده
فيهم فجالت الخيل بهم جولة وعاودت كرة بعد كرة عليهم طعنا بالرماح وضربا
بالسيوف ورشقا بالسهام فلما مسهم ألم جراحها وكلمتهم الحرب بأنيابها ودارت
454

عليهم رحاها وصمم عليهم أبناؤها ظمأ إلى دمائهم ولوا أدبارهم ومنح الله أكتافهم
وأوقع بأسه بهم فقتلت منهم جماعة لم يحترسوا من عذاب الله بتوبة ولم يتحصنوا
من عقابه بأمانة ثم ثابت ثانية فوقفوا بإزاء الأولياء وعبر إليهم أشياعهم الغاوون
من عسكرهم بباب الشماسية ألف رجل من أنجادهم في السفن معاونين لهم على ضلالتهم
فأنهض محمد بن عبد الله خالد بن عمران والشاه بن ميكال مولى طاهر نحوهم فنفذوا
ببصيرة لا يتخونها فتور ونية لا يلحقها تقصير ومعهما العباس بن قارن مولى أمير
المؤمنين فلما وافى الشاه فيمن معه أعداء الله وكل بالمواضع التي يتخوف منها مدخل
الكمناء ثم حمل ومن توجه معه من القواد المسمين ماضين لا يغويهم الوعيد
ولا يشكون من الله في النصر والتأييد فوضعوا أسيافهم فيهم تمضى أحكام الله
عليهم حتى ألحقوهم بالمعسكر الذي كانوا عسكروا فيه وجاوزوه وسلبوهم كل
ما كان من سلاح وكراع وعتاد الحرب فمن قتيل غودرت جثته بمصرعه ونقلت
هامته إلى مصير فيه معتبر لغيره ومن لاجئ من السيف إلى الغرق لم يجره الله
من حذاره ومن أسير مصفود يقاد إلى دار أولياء الله وحزبه ومن هارب بحشاشة
نفسه قد أسكن الله الخوف قلبه فكانت النقمة بحمد الله واقعة بالفريقين ممن
وافى الجانب الغربي قادما ومن عبر إليهم من الجانب الشرقي منجدا لم ينج منهم
ناج ولم يعتصم منهم بالتوبة معتصم ولا أقبل إلى الله مقبل فرقا أربعا يجمعها النار
ويشملها عاجل النكال عظة ومعتبرا لاولى الابصار فكانوا كما قال الله عز وجل
(ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم
يصلونها وبئس القرار) ولم تزل الحرب بين الأولياء وبين الفرقة التي كانت
في الجانب الشرقي والقتل محتفل في أعلامهم والجراح فاشية فيهم حتى إذا عاينوا
ما أنزل الله بأشياعهم من البوار وأحل بهم من النقمة والاستئصال مالهم من الله
من عاصم ولا من أوليائه ملجأ ولا موئل ولوا منهزمين مفلولين منكوبين قد
أراهم الله العبر في إخوانهم الغاوية وطوائفهم المضلة وضل ما كان في أنفسهم لما
رأوا من نصر الله لجنده واعزازه لأوليائه والحمد لله رب العالمين قامع الغواة
455

الناكبين عن دينه والبغاة الناقضين لعهده والمراق الخارجين من جملة أهل حقه
حمدا مبلغا رضاه وموجبا أفضل مزيده وصلى الله أولا وآخرا على محمد عبده ورسوله
الهادي إلى سبيله والداعي إليه بإذنه وسلم تسليما وكتب سعيد بن حميد يوم السبت
لسبع خلون من صفر سنة 251 وركب محمد بن عبد الله بن طاهر يوم الثلاثاء
لاثنتي عشرة ليلة بقيت من صفر إلى باب الشماسية وأمر بهدم ما وراء سور بغداد
من الدور والحوانيت والبساتين وقطع النخل والشجر من باب الشماسية إلى ثلاثة
أبواب ليتسع الناحية على من يحارب فيها وكان وجه من ناحية فارس والأهواز
نيف وسبعون حمارا بمال إلى بغداد قدم به فيما ذكر منكجور بن قارن الأشروسني
القائد فوجه الأتراك وأبو أحمد بن بابك إلى طرارستان في ثلثمائة فارس وراجل
ليتلقى ذلك المال إذا صار إليها فوجه محمد بن عبد الله قائدا له يقال له يحيى بن حفص يحمل
ذلك المال فعدل به عن طرارستان خوفا من ابن بابك فلما علم ابن بابك أن المال قد فاته
صار بمن معه إلى النهروان فأوقع من كان معه من الجند بأهلها وأخرج أكثرهم وأحرق
سفن الجسر وهى أكثر من عشرين سفينة وانصرف إلى سامرا وقدم محمد بن خالد
ابن يزيد وكان المستعين قلده الثغور الجزرية وكان مقيما بمدينة بلد ينتظر من يصير
إليه من الجند والمال فلما كان من اضطراب أمر الأتراك ودخول المستعين بغداد
ما كان لم يمكنه المصير إلى بغداد الا من طريق الرقة فصار إليها بمن معه من خاصته
وأصحابه وهم زهاء أربعمائة فارس وراجل ثم انحدر منها إلى مدينة السلام فدخلها
يوم الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة بقيت من صفر فصار إلى دار محمد بن عبد الله بن
طاهر فخلع عليه خمس خلع دبيقى وملحم وخزووشى وسواد ثم وجهه في جيش
كثيف لمحاربة أيوب بن أحمد فأخذ على ظهر الفرات فحاربه في نفر يسير فهزم
وصار إلى ضيعته بالسواد * فذكر عن سعيد بن حميد أنه قال لما انتهى خبر
هزيمة محمد بن خالد إلى محمد بن عبد الله قال ليس يفلح أحد من العرب الا أن
يكون معه نبي ينصره الله به وفى هذا اليوم كانت للأتراك وقعة بباب الشماسية
كانوا صاروا إلى الباب فقاتلوا عليه قتالا شديدا حتى كشفوا من عليه ورموا
456

المنجنيق المنصوب بسرة الباب بالنفط والنار فلم يعمل فيه نارهم وكثرهم من على
الباب من الجند حتى أزالوهم عن موقفهم ودفعوهم عن الباب بعد قتلهم عدة
يسيرة من أهل بغداد وجرحهم منهم جماعة كثيرة بالسهام فوجه محمد بن عبد الله
إليهم عند ذلك العرادات التي كانت تحمل في السفن والزواريق فرموهم بها رميا
شديدا فقتلوا منهم جماعة كثيرة نحوا من مائة إنسان فتنحوا عن الباب وكان بعض
المغاربة صار في هذا اليوم إلى سور الشماسية فرمى بكلاب إلى السور وتعلق به
وصعد فأخذه الموكلون بالسور فقتلوه ورموا برأسه في المنجنيق إلى عسكر الأتراك
وانصرفوا عند ذلك إلى معسكرهم. وذكر أن بعض الموكلين بسور باب الشماسية
من الأبناء هاله ما رأى من كثرة من ورد باب الشماسية في هذا اليوم من الأتراك
والمغاربة وكانوا قربوا من الباب باعلامهم وطبولهم ووضع بعض المغاربة كلابا على
السور فأراد بعض الموكلين بالسور أن يصيح يا مستعين يا منصور بغلط فصاح
يا معتز يا منصور فظنه بعض الموكلين بالباب من المغاربة فقتلوه وبعثوا برأسه إلى
دار محمد بن عبد الله فأمر بنصبه فجاءت أمه وأخوه في عشية هذا اليوم بجثته في
محمل يصيحان ويطلبان رأسه فلم يدفع إليهما ولم يزل منصوبا على الجسر إلى أن
أنزل مع ما أنزل من الرؤس ووافى ليلة الجمعة لسبع بقين من صفر جماعة من الأتراك
باب البردان وكان الموكل به محمد بن رجاء وذلك قبل شخوصه إلى ناحية واسط
فقتل منهم ستة نفر وأسر أربعة وكان الدرغمان شجاعا بطلا وصار في بعض الأيام
مع الأتراك إلى باب الشماسية فرمى بحجر منجنيق فأصاب صدره فانصرف به إلى
سامرا فمات بين بصرى وعكبراء فحمل إلى سامرا. فذكر يحيى بن العكي القائد
المغربي أنه كان إلى جنب الدرغمان في يوم من أيامهم إذ وافاه باوكى فأصاب
عينه ثم أصابه بعد ذلك حجر فأطار رأسه فحمل ميتا * وذكر عن علي بن حسن
الرامي أنه قال كنا قد جمعنا على السور على باب الشماسية من الرماة جماعة وكان
مغربي يجئ حتى يقرب من الباب ثم يكشف استه ثم يضرط ويصيح قال فانتخبت
له سهما فأنفذته في دبره حتى خرج من حلقه وسقط ميتا وخرج من الباب جماعة
457

فنصبوه كالمصلوب وجاءت المغاربة بعد ذلك فاحتملوه * وذكر أن الغوغاء
اجتمعوا بسامرا بعد هزيمة الأتراك يوم قطربل ورأوا ضعف أمر المعتز فانتهبوا
سوق أصحاب الحلى والسيوف والصيارفة وأخذوا جميع ما وجدوا فيها من متاع
وغيره فاجتمع التجار إلى إبراهيم المؤيد أخي المعتز فشكوا ذلك إليه وأعلموه
أنهم قد كانوا ضمنوا لهم أموالهم وحفظها عليهم قال فقال لهم كان ينبغي لكم أن
تحولوا متاعكم إلى منازلكم وكبر عنده ذلك وقدم نجوبة بن قيس بن أبي السعدي
يوم السبت لثمان بقين من صفر بمن فرض من الاعراب وهم ستمائة راجل ومائتا
فارس وقدم في هذا اليوم عشرة نفر من وجوه أهل طرسوس يشكون بلكاجور
ويزعمون أن بيعة المعتز وردت عليه فخرج بعد ساعتين من وصول الكتاب
ودعا إلى بيعة المعتز وأخذ القواد وأهل الثغر بذلك فبايع أكثرهم وامتنع بعض
فأقبل على من امتنع بالضرب والقيد والحبس وذكر أنهم امتنعوا وهربوا لما
أخذهم بالبيعة كرها فقال وصيف ما أظن الرجل إلا اغتر..... وأن
الوارد عليه بكتاب المعتز هو الليث بن بابك وذكر له أن المستعين مات وأقاموا
المعتز مكانه فكثر هؤلاء النفر يشكون بلكاجور ويشيرون إلى أنه فعل ذلك
على عمد ورفعوا عليه أنه كان يرى في بنى الواثق وقد ورد كتاب بلكاجور
يوم الأربعاء لأربع بقين من صفر مع رجل يقال له على الحسين المعروف بابن
الصعلوك يذكر فيه أنه ورد عليه كتاب من أبى عبد الله بن المتوكل أنه قد ولى
الخلافة وبايع له فلما ورد عليه كتاب المستعين بصحة الامر جدد أخذ البيعة
على من قبله وأنه على السمع والطاعة له فأمر للرسول بألف درهم فقبضها وقد
كان أمر بالكتاب إلى محمد بن علي الأرمني المعروف بأبي نصر بولايته على الثغور
الشأمية فلما ورد كتاب بلكاجور بالطاعة أمسك عن إنفاذ كتاب ابن علي الأرمني
بالولاية وفى يوم الاثنين لست بقين من صفر من هذه السنة قدم إسماعيل بن فراشة من
ناحية همدان في نحو ثلثمائة فارس وكان جنده ألفا وخمسمائة فتقدم بعضهم وتأخر
458

بعض وتفرقوا وقدم معه برسول للمعتز كان وجه إليه لاخذ البيعة فقيد الرسول
وصار به إلى مدينة السلام على بغل بلا إكاف فجمع على إسماعيل خمس خلع
وورد برجل ذكر أنه علوي أخذ بناحية الري وطبرستان متوجها إلى من هناك
من العلوية وكان معه دواب وغلمان فأمر به فحبس في دار العامة أشهرا ثم أخذ
منه كفيل وأطلق وقرئ في هذا اليوم كتاب موسى بن بغا يذكر فيه أنه ورد
كتاب المعتز وأنه دعا أصحابه وأخبرهم بما حدث وأمرهم بالانصراف معه إلى
مدينة السلام فامتنعوا وأجابه الشاكرية والأبناء واعتزله الأتراك ومن كانفهم
وحاربوه فقتل منهم جماعة وأسر أسرى فهم قادمون معه فكبروا في دار ابن
طاهر عند قراءتهم كتابه (ولخمس) بقين من صفر دخل من البصرة عشر سفائن
بحرية تسمى البوارج في كل سفينة اشتيام وثلاثة نفاطين ونجار وخباز وتسعة
وثلاثون رجلا من الجذافين والمقاتلة فذلك في كل سفينة خمسة وأربعون
رجلا فمدت إلى الجزيرة التي بحذاء دار ابن طاهر ثم مدت إلى ناحية الشماسية
في هذه الليلة فرمى من فيها من الأتراك بالنيران فعزموا على الانتقال من معسكرهم
برقة الشماسية إلى بستان أبى جعفر بالجسر ثم بدا لهم فارتفعوا فوق عسكرهم
في موضع لا ينالهم شئ من النار (ولليلة) بقيت من صفر صار الأتراك
والمغاربة إلى أبواب مدينة السلام من الجانب الشرقي فأغلقت الأبواب
في وجوههم ورموا بالسهام والمنجنيقات والعرادات فقتل من الفريقين
وجرح جماعة كثيرة فلم يزالوا كذلك إلى العصر (وفى هذه السنة) كر سليمان بن
عبد الله راجعا من جرجان إلى طبرستان وشخص من آمل وخرج بجمع كثير وخيل
وسلاح فتنحى الحسن بن زيد ولحق بالديلم فكتب إلى السلطان ابن أخيه محمد بن
طاهر بدخوله طبرستان فقرئ كتابه ببغداد وكتب نسخة ذلك المستعين إلى بغا
الصغير مولى أمير المؤمنين بفتح طبرستان على يدي محمد بن طاهر وهزيمة الحسن
ابن زيد وأن سليمان بن عبد الله دخل سارية على حال من السلامة وأنه ورد عليه
ابنان لقارن بن شهريار مولى أمير المؤمنين يقال لهما مازيار ورستم في خمسمائة
459

رجل إلى ما ذكر من غير ذلك في الفتح وأن أهل آمل أتوه منيبين مظهرين
انابتهم مستقيلين عثراتهم فلقيهم بما زاد في سكونهم وثقتهم ونهض بعسكره على
تعبيته مستقريا للقرى والطرق وتقدم بالنهي عن القتل وترك العرض لاحد في
سلب وغيره وتوعد من جاوز ذلك وأن كتاب أسد بن جندان وافاه بهزيمة على
ابن عبد الله الطالبي المسمى بالمرعشي فيمن كان معه وهم أكثر من ألفى رجل
ورجلين من رؤساء الجيل في جمع عظيم عند تأدى الخبر إليهم بانهزام الحسن بن
زيد ودخوله بالأولياء إلى تلك الناحية وأنه دخل مدينة آمل في أحسن هيئة
وأظهر عزة وسلامة وانقطعت عنه أسباب الفتنة (ولخمس) بقين من المحرم
من هذه السنة ورد كتاب العلاء بن أحمد عامل بغا الشرابي على الخراج والضياع
بأرمينية بما كان من خروج رجلين بتلك الناحية سماهما وذكر إيقاعه بهما وأنهما
التجآ إلى قلعة فوضع عليها المجانيق حتى جهدها وأنهما خرجا من القلعة هاربين
وخفى أمرهما وصارت القلعة في أيدي الأولياء (وفيها) أيضا ورد كتاب مؤرخ
لاحدى عشرة ليلة بقيت من المحرم بانتقاض أهل أردبيل وكتاب الطالبي إليهم
وأنه بعث أربعة عساكر على أربعة أبواب مدينتهم ليحاصروهم (وفيها) ورد
كتاب مخبر عن الحرب التي كانت بين عيسى بن الشيخ والموفق؟ وأسر
عيسى الموفق ومسألة عيسى المستعين توجيه ما يحتاج إليه من السلاح ليكون
عدة له في البلد يقوى به الجند على الغزو وأن يكتب إلى صاحب الصور في
توجيه أربع مراكب إليه بجميع آلتها تكون قبله مع ما قبله منها (وفيها)
أيضا ورد كتاب محمد بن طاهر بخبر الطالبي الذي ظهر بالري ونواحيها
وما أعد له من العساكر ووجه إليه من المقاتلة وبهرب الحسن بن زيد عند مصيره
إلى المحمدية وإحاطة عسكره بها وأنه عند دخوله المحمدية وكل بالمسالك والطرق
وبث أصحابه وأن الله أظفره بمحمد بن جعفر أسيرا على غير عقد ولا عهد والذي
صار إلى الري من العلوية في المرة الثانية بعد ما أسر محمد بن جعفر أحمد بن عيسى
ابن علي بن حسين الصغير بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وإدريس
460

ابن موسى بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن حسن بن علي بن أبي طالب وهو
الذي خرج في مصعد الحاج والذي بطبرستان الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل
ابن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب رحمة الله عليه ورضوانه
(وفيها) أيضا ورد كتاب من محمد بن طاهر على المستعين يذكر فيه انهزام
الحسن بن زيد منه وأنه لقيه في زهاء ثلاثين ألفا فجرت فيما بينه وبينه حرب
وأنه قتل من رؤس أصحابه ثلثمائة ونيفا وأربعين رجلا وأمر المستعين أن يقرأ
نسخة كتابه في الآفاق (وفيها) خرج يوسف بن إسماعيل العلوي ابن أخت
موسى بن عبد الله الحسيني * وفى شهر ربيع الأول منها أمر محمد بن عبد الله
أن يتخذ لعيارى أهل بغداد كافر كوبات وأن يصير فيها مسامير الحديد ويجعل
ذلك في دار المظفر بن سيسل لانهم كانوا يحضرون القتال بغير سلاح وكانوا
يرمون بالآجر ثم أمر مناديا فنادى من أراد السلاح فليحضر دار المظفر فوافاها
العيارون من كل جانب فقسم ذلك فيهم وأثبت أسماءهم ورأس العيارون عليهم
رجلا يدعى ينتويه ويكنى أبا جعفر وعدة أخر يدعى أحدهم دونل والآخر
دمحال والآخر أبا نملة والآخر أبا عصارة فلم يثبت منهم إلا ينتويه فإنه لم يزل
رئيسا على عياري الجانب الغربي حتى انقضى أمر هذه الفتنة ولما أعطى العيارون
الكافر كوبات تفرقوا على أبواب بغداد فقتلوا من الأتراك ومن أتباعهم نحوا
من خمسين نفسا في ذلك اليوم وقتل منهم عشرة أنفس وخرج منهم خمسمائة
بالنشاب وأخذوا من الأتراك علمين وسلمين (وفيها) كانت لنجوبة بن قيس
وقعة مع جماعة من الأتراك بناحية بزغى لقيهم هو ومحمد بن أبي عون وغيرهما
فأسروا منهم سبعة وقتلوا ثلاثة ورمى بعضهم بنفسه في الماء فغرق بعضهم ونجا
بعضهم * وذكر عن أحمد بن صالح بن شير زاد أنه سأل رجلا من الاسرى عن عدة القوم
الذين لقيهم نجوبة قال كنا أربعين رجلا فلقينا نجوبة وأصحابه سحرا فقتل منا ثلاثة وغرق
ثلاثة وأسر ثمانية وأفلت الباقون وأخذ ثمانية عشر دابة وجواشن وراية لعامل
أوانا وهو أخو هارون بن شعيب وكانت الوقعة بأوانا يوم الأربعاء وأقام جند
461

نجوبة وعبد الله بن نصر بن حمزة بقطربل مسلحة (وخرج) فيما ذكر ينتويه
وأصحابه من العيارين في بعض هذه الأيام من باب قطربل فمضوا يشتمون
الأتراك حتى جازوا قطربل فعبر من عبر إليهم من الأتراك ناشبة في الزواريق
فقتلوا منهم رجلا وجرحوا منهم عشرة وكاثرهم العيارون بالحجارة فأثخنوهم
فرجعوا إلى معسكرهم فأحضر ينتويه دار ابن طاهر فأمر ألا يخرج إلا في يوم
قتال وسور وأمر له بخمسمائة درهم (ولأربع عشرة) خلت من ربيع الأول
منها قدم من ناحية الرقة مزاحم بن خاقان وأمر القواد وبنى هاشم وأصحاب
الدواوين بتلقيه وقدم معه من كان معه من أصحابه الخراسانية والأتراك والمغاربة
وكانوا زهاء ألف رجل معهم عتاد الحرب من كل صنف ودخل بغداد
ووصيف عن يمينه وبغا عن شماله وعبيد الله بن عبد الله بن طاهر عن يسار بغا
وإبراهيم بن إسحاق خلفهم وهو بوقار ظاهر فلما وصل خلع عليه سبع خلع
وقلد سيفا وخلع على ابنيه على كل واحد منهما خمس خلع ثم أمر أن يفرض
له ثلاثة آلاف رجل من الفرسان والرجالة ووجه المعتز موسى بن اشناس
ومعه حاتم بن داود بن بنحور في ثلاثة آلاف رجل من الفرسان والرجالة فعسكر
بإزاء عسكر أبى أحمد من الجانب الغربي بباب قطربل لليلة خلت من ربيع الأول
وخرج رجل من العيارين يعرف بديكويه على حمار وخليفته على حمار ومعهم
ترسة وسلاح وخرج آخر في الجانب الشرقي يكنى أبا جعفر ويعرف بالمخرمي
في خمسمائة رجل في سلاح ظاهر ومعهم الترسة وبواري مقيرة وسيوف
وسكاكين في مناطقهم ومعهم كافر كوبات وقرب العسكر الوارد من سامرا
إلى الجانب الغربي من بغداد فركب محمد بن عبد الله ومعه أربعة عشر قائدا من
قواده في عدة كاملة وخرج من المبيضة والنظارة خلق كثير فسار حتى حاذى عسكر
أبى أحمد وكانت بينهم في الماء جولة قتل من عسكر أبى أحمد أكثر من خمسين
رجلا ومضى المبيضة حتى جازت العسكر بأكثر من نصف فرسخ فعبرت إليهم
شبارات من عسكر أبى أحمد فكانت بينهم مناوشة وأخذوا عدة من الشبارات
462

بما فيها من المقاتلة والملاحين فاستوثق منهم وانصرف محمد بن عبد الله وأمر ابن أبي
عون أن يصرف الناس فوجه ابن أبي عون إلى النظارة والعامة من صرفهم
وأغلظ لهم القول وشتمهم وشتموه وضرب رجلا منهم فقتله وحملت عليه
العامة فانكشف من بين أيديهم وقد كان أربع شبارات من شبارات أهل بغداد
تخلفت فلما انصرف ابن أبي عون منهزما من العامة نظر إليها أهل عسكر أبى أحمد
فوجهوا في طلبها شبارات فأخذوها وأحرقوا سفينة فيها عرادة لأهل بغداد
وصار العامة من فورهم إلى دار ابن أبي عون لينهبوها وقالوا مايل الأتراك وأعانهم
وانهزم بأصحابه وكلموا محمد بن عبد الله في صرفه وضجوا فوجه المظفر بن سيسل
في أصحابه وأمره أن يصرف العامة ويمنعهم أن يأخذوا لابن أبي عون شيئا من
متاعه وأعلمهم أنه قد عزله عن أمر الشبارات والبحريات والحرب وصير ذلك
إلى أخيه عبيد الله بن عبد الله فمضى مظفر فصرف الناس عن دار محمد بن أبي عون
وفى يوم الخميس لاحدى عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأول وافى عسكر
الأتراك الشاخص من سامرا إلى بغداد عكبراء فأخرج ابن طاهر بندار الطبري
وأخاه عبيد الله وأبا السنا ومزاحم بن خاقان وأسد بن داود سياه وخالد بن عمران
وغيرهم من قواده فمضوا حتى بلغوا قطربل وفيها كمين الأتراك فأوقع بهم ونشبت
الحرب بينهم فدفعهم الأتراك حتى بلغوا الحائطين بطريق قطربل وقاتل أبو السنا
وأسد بن داود قتالا شديدا وقتل كل واحد منهما عدة من الأتراك والمغاربة ومال
أبو السناميلة وتبعه الناس وتبعه الناس وقتل قائدا من قواد الأتراك يقال له سور
ورفع رأسه فصار من فوره إلى دار ابن طاهر وأعلمه هزيمة الناس وسأله المدد
فأمر ابن طاهر به فطوق وكان وزن الأطواق كل طوق ثلاثين دينارا وكل سوار
سبعة مثاقيل ونصف وانصرف أبو السنا راجعا إلى الناس فيمن أخرج إليهم
من المدد من جميع الأبواب * فذكر أن محمد بن عبد الله عنف أبا السنا بإخلاله
بموضعه ومجيئه نفسه بالرأس وقال له أخللت بالناس فقبح الله هذا الرأس ومجيئك
به ولما انصرف محمد بن عبدوس قاتل أسد بن داود أشد قتال بعد تفرق الناس
463

عنه فقتل وثاب إلى موضعه قوم من أهل بغداد بعدما أخذ الأتراك رأسه فدافعوهم
عن جثته فحملوه إلى بغداد في زورق وبلغ الأتراك باب قطربل فخرج الناس إليهم
فدفعوهم عن الباب دفعا شديدا واتبعوهم حتى نحوهم فأتى دار ابن طاهر بعده
رؤوس ممن قتل من الأتراك والمغاربة في هذا اليوم فأمر بنصبها بباب الشماسية
فنصبت هنالك ثم رجع الأتراك والمغاربة على أهل بغداد من ناحية قطربل فقتل
من أهل بغداد خلق كثير وقتل من الأتراك جمع كثير ولم يزل بندار ومن معه
يقاتلونهم حتى أمسوا وانصرف بندار بالناس وغلقت الأبواب وأمر ابن طاهر
المظفر بن سيسل ورشيد بن كاوس وقائدا معهم فتوجهوا في نحو من خمسمائة
فارس من باب قطربل إلى ناحية عسكر ابن أشناس فوافوهم على حال سكون وأمن
فقتلوا منهم نحوا من ثلثمائة وأسروا عدة وانصرفوا * وذكر أن الأتراك والمغاربة
وافوا في هذا اليوم باب القطيعة فنقبوا نقبا بقرب الحمام الذي يعرف بباب
القطيعة فقتل أول من خرج منهم من النقب وكان القتل في هذا اليوم أكثر في
الأتراك والمغاربة والجراح بالسهام في أهل بغداد * وسمعت جماعة يذكرون أنه
حضر هذه الوقعة غلام لم يبلغ الحلم ومعه مخلاة فيها حجارة ومقلاع في يده يرمى
عنه فلا يخطئ وجوه الأتراك ووجوه دوابهم وأن أربعة من فرسان الأتراك الناشبة
جعلوا يرمونه فيخطؤونه وجعل يرميهم فلا يخطئ وتقطر بهم دوابهم فمضوا حتى
جاءوا معهم بأربعة من رجالة المغاربة بأيديهم الرماح والتراس فجعلوا يحملون عليه
ثم داخله اثنان منهم فرمى بنفسه في الماء ودخلا خلفه فلم يلحقاه وعبر إلى الجانب
الشرقي وصيح بهما وكبر الناس فرجعوا ولم يصلوا إليه * وذكر أن عبيد الله بن
عبد الله دعا القواد في هذا اليوم وهم خمسة نفر فأمر كل واحد منهم بناحية ثم مضى
الناس إلى الحرب وانصرف هو إلى الباب فقال لعبد الله بن جهم وهو موكل
بباب قطربل إياك أن تدع منهم أحدا يدخل منهزما من الباب ونشبت الحرب
وتشتت الناس ووقعت الهزيمة وثبت أسد بن داود حتى قتل وقتل بيده ثلاثة
ثم أتاه سهم غرب فوقع في حلقه فولى وجاء سهم آخر فوقع في كفل دابته
464

فشبت به فصرعته ولم يثبت معه أحد إلا ابنه فجرح وكان إغلاق الباب على
المنهزمين أشد من عدوهم وحمل فيما ذكر إلى سامرا من أهل بغداد سبعون
أسيرا ومن الرؤوس ثلثمائة رأس * وذكر أن الاسرى لما قربوا من سامرا
أمر الذي وجه به معهم ألا يدخلهم سامرا الا مغطى الوجوه وأن أهل سامرا
لما رأوهم كثر ضجيجهم وبكاؤهم وارتفعت أصواتهم وأصوات نسائهم بالصراخ
والدعاء فبلغ ذلك المعتز فكره أن يغلظ قلوب من بحضرته من الناس عليه فأمر
لكل أسير بدينارين وتقدم إليهم بترك معاودة القتال وأمر بالرؤوس فدفنت وكان
في الاسرى ابن لمحمد بن نصر بن حمزة وأخ لقسطنطينية جارية أم حبيب وخمسة
من وجوه بغداد ممن كان في النظارة فأما ابن محمد بن نصر فذكر أنه قتل وصلب
بإزاء باب الشماسية لمكان أبيه وفى يوم الخميس لأربع بقين من شهر ربيع الأول
قدم أبو الساج من طريق مكة في نحو من سبعمائة فارس ومعه ثمانية عشر محملا
فيها ستة وثلاثون أسيرا من أسارى الاعراب في الأغلال ودخل هو وأصحابه
بغداد في زي حسن وسلاح ظاهر فصار إلى الدار فخلع عليه خمس خلع و؟
سيفا وانصرف إلى منزله مع أصحابه وقد خلع على أربع نفر من أصحابه وفى يوم
الاثنين لانسلاخ شهر ربيع الأول وافى باب الشماسية فيما قيل جماعة من
الأتراك معهم من المعتز كتاب إلى محمد بن عبد الله وسألوا ايصاله إليه فامتنع الحسين
ابن إسماعيل من قبوله حتى استأمر فأمر بقبوله فوافى يوم الجمعة ثلاثة فوارس
فأخرج إليهم الحسين بن إسماعيل رجلا معه سيف وترس فأخذ الكتاب من
خريطة فأخرج فأوصل إلى محمد فإذا فيه تذكير محمد بما يجب عليه من حفظه
لقديم العهد بينه وبين المعتز والحرمة وأن الواجب كان عليه أن يكون أول من
سعى في أمره وتوجيه خلافته وذكر أن ذلك أول كتاب ورد عليه من المعتز
بعد الحرب * وفى يوم السبت لخمس خلون من ربيع الآخر وافى بغداد حبشون
ابن بغا الكبير ومعه يوسف بن يعقوب قوصرة مولى الهادي فيمن كان مع موسى
ابن بغا من الشاكرية وانضم إليهم عامة الشاكرية المقيمين بالرقة وهم في نحو من
(30 - 7)
465

ألف وثلثمائة فخلع عليه خمس خلع وعلى يوسف أربع خلع وعلى نحو من عشرين
من وجوه الشاكرية وانصرفوا إلى منازلهم وقدم بغداد رجل ذكر أن عدة
الأتراك والمغاربة وحشوهم في الجانب الغربي اثنا عشر ألف رجل ورأسهم
بايكباك القائد وأن عدة من مع أبي أحمد في الجانب الشرقي سبعة آلاف رجل
خليفته عليهم الدرغمان الفرغاني وأنه ليس بسامرا من قواد الأتراك ولا من
قواد المغاربة إلا ستة نفر وكلوا بحفظ الأبواب وكانت بين الفريقين وقعة يوم
الأربعاء لسبع خلون من شهر ربيع الآخر فقتل فيما ذكر فيها من أصحاب المعتز
مع من غرق منهم أربعمائة رجل وقتل من أصحاب ابن طاهر مع من غرق ثلثمائة
رجل لم يكن فيهم إلا جندي وذلك أنه لم يخرج في ذلك اليوم من الغوغاء أحد
وقتل الحسن بن علي الحربي وكان يوما صعبا على الفريقين جميعا * وذكر أن
مزاحم بن خاقان رمى فيه موسى بن أشناس بسهم فأصابه فانصرف مجروحا
وافتقد من عسكر أبى أحمد نحو من عشرين قائدا من الأتراك والمغاربة ولما
كان يوم الخميس لأربع عشرة بقيت من شهر ربيع الآخر خلع على أبى الساج
خمس خلع وعلى ابن فراشة أربع خلع وعلى يحيى بن حفص جبوس ثلاث
خلع وعسكر أبو الساج في سوق الثلاثاء وأعطى الجند بغالا من بغال السلطان
يحمل عليها الرجالة وحول مزاحم بن خاقان من باب حرب إلى باب السلامة
وصار مكان مزاحم خالد بن عمران الطائي الموصلي * وذكر أن أبا الساج لما
أمره ابن طاهر بالشخوص قال له أيها الأمير عندي مشورة أشير بها قال
قل يا أبا جعفر فإنك غير متهم قال إن كنت تريد أن تجاد هؤلاء القوم فالرأي
لك أن لا تفارق قوادك ولا تفرقهم واجمعهم حتى تفض هذا العسكر المقيم
بإزائك فإنك إذا فرغت من هؤلاء فما أقدرك على من وراءك فقال إن
لي تدبيرا ويكفى الله إن شاء فقال أبو الساج السمع والطاعة ومضى لما
أمر به * وذكر أن المعتز كتب إلى أبى أحمد يلومه للتقصير في قتال أهل
بغداد فكتب إليه:
466

لأمر المنايا علينا طريق * وللدهر فيه اتساع وضيق
فأيامنا عبر للأنام * فمنها البكور ومنها الطروق
ومنها هنات تشيب الوليد * ويخذل فيها الصديق الصديق
وسور عريض له ذروة * تفوت العيون وبحر عميق
قتال مبيد وسيف عتيد * وخوف شديد وحصن وثيق
وطول صياح لداعى الصباح ال‍ * سلاح السلاح فما يستفيق
فهذا قتيل وهذا جريح * وهذا حريق وهذا غريق
وهذا قتيل وهذا تليل * وآخر يشدخه المنجنيق
هناك اغتصاب وثم انتهاب * ودور خراب وكانت تروق
إذا ما سمونا إلى مسلك * وجدناه قد سد عنا الطريق
فبالله نبلغ ما نرتجيه * وبالله ندفع مالا نطيق
فأجابه محمد بن عبد الله أو قيل على لسانه
ألا كل من زاغ عن أمره * وجار به عن هداه الطريق
ملاق من الامر ما قد وصفت * وهذا بأمثال هذا خليق
ولا سيما ناكث بيعة * وتوكيدها فيه عهد وثيق
يسد عليه طريق الهدى * ويلقى من الامر مالا يطيق
وليس ببالغ ما يرتجيه * ومن كان عن غيه لا يفيق
أتانا به خبر سائر * رواه لنا عن خلوق خلوق
وهذا الكتاب لنا شاهد * يصدقه ذا النبي الصدوق
أما الشعر الأول فإنه ينشد لعلي بن أمية في فتنة المخلوع والمأمون والجواب لا يعرف قائله
وفى ربيع الآخر من هذه السنة ذكر أن مائتي نفس من بين فارس وراجل مضوا من قبل
المعتز إلى ناحية البندنيجين ورئيسهم تركي يدعى أبلج فقصدوا الحسن بن علي فانتهبوا
داره وأغاروا على قريته ثم صاروا إلى قرية قريبة منها فأكلوا وشربوا فلما اطمأنوا
استصرخ عليهم الحسن بن علي أكرادا من أخواله وقوما من قرى حوله فصاروا
467

إليهم وهم غارون فأوقع بهم وقتل أكثرهم وأسر سبعة عشر رجلا منهم وقتل
أبلج وهرب من بقى منهم ليلا ثم بعث الحسن بن علي الاسرى ورأس أبلج
ورؤس من قتل معه إلى بغداد والحسن بن علي هذا رجل من شيبان كان يخلف
فيما ذكر يحيى بن حفص في عمله وأمه من الأكراد
* ذكر خبر المدائن في هذه الفتنة *
ذكر أن أبا الساج وإسماعيل بن فراشة ويحيى بن حفص لما خلع عليهم
للشخوص نحو المدائن عسكروا بسوق الثلاثاء فلما كان يوم الأحد لعشر بقين
من شهر ربيع الأول حمل رجالته على البغال وصار إلى المدائن ثم إلى الصيادة
وابتدأ في حفر خندق المدائن وهو خندق كسرى وكتب يستمد فوجه إليه خمسمائة
رجل من رجالة الجيشية وكان شخوصه في ثلاثة آلاف فارس وراجل ثم استمده
فأمده فحصل في عسكره ثلاثة آلاف فارس وألفا راجل ثم أمد بمائتي راجل
من الشاكرية القدماء وحملوا في السفن وانحدروا إليه يوم الأحد لأربع خلون
من جمادى الآخرة
* ذكر الخبر عن أمر الأنبار وما كان فيها من هذه الفتنة *
فمما كان بها أن محمد بن عبد الله وجه نجوبة بن قيس في الاعراب إلى الأنبار
وأمره بالمقام بها والفرض لاعراب الناحية ففرض قوما منهم ومن المشبهة بهم
نحوا من ألفى راجل فأقام بالأنبار وضبطها فبلغه أن قوما من الأتراك قد قصدوه
فبثق الماء من الفرات إلى خندق الأنبار فامتلأ الخندق لزيادة الماء وفاض على
ما يليه من الصحارى فصار الماء إلى السالحين فصار ما يلي الأنبار بطيحة واحدة
وقطع القناطر التي توصل إلى الأنبار وكتب يستمد فندب للخروج إليه رشيد
ابن كاوس أخو الأفشين وضم إليه ممن كان معه من رجاله تتمة ألف رجل خمسمائة
فارس وخمسمائة راجل فشخص وعسكر في قصر عبدويه وأمده ابن طاهر بثلثمائة
راجل من الملطيين القادمين من الثغور وانتخبوا ودفع إليهم استحقاقهم ونفذوا
إليه يوم الثلاثاء ورحل من قصر عبدويه يوم الاثنين سلخ ربيع الآخر في نحو
468

من ألف وخمسمائة راجل وأخرج المعتز أبا نصر بن بغا من سامرا على طريق
الإسحاقي يوم الثلاثاء فسار يومه وليلته فصبح الأنبار ساعة نزلها رشيد بن كاوس
وكان نجوبة نازلا في المدينة ورشيد خارجها فلما وافى أبو نصر عاجل رشيدا
وأصحابه وهم غارون على غير تعبية فوضع أصحابه فيهم السيف ورموهم بالنشاب
فقتلوا عدة وثار بعض أصحاب رشيد إلى أسلحتهم فقاتلوا الأتراك والمغاربة قتالا
شديدا وقتلوا منهم جماعة ثم انهزم الشاكرية ورشيد على الطريق الذي جاؤوا فيه
منصرفين إلى بغداد ولما بلغ نجوبة ما لقيه أصحاب رشيد وأن الأتراك قد مالوا عند
انهزام رشيد إلى الأنبار عبر إلى الجانب الغربي وقطع جسر الأنبار وعبر معه جماعة
من أصحابه وصار رشيد إلى المحول في ليلته وسار نجوبة في الجانب الغربي حتى وافى
بغداد يوم الخميس بالعشى ثم دخل رشيد في هذه العشية إلى دار ابن طاهر فأعلم نجوبة
محمد بن عبد الله أنه عند مصير الأتراك إلى الأنبار وجه إلى رشيد يسأله أن يوجه
إليه مائة رجل من الناشبة ليرتبهم قدام أصحابه فامتنع من ذلك وسأله أن يضم
إليه ناشبة من الفرسان والرجالة ليصير إلى بنى عمه وذكر أنهم مقيمون هنالك
في الجانب الغربي على الطاعة وانتظار أمير المؤمنين وضمن أن يتلافى ما كان
منه فضم إليه ثلثمائة رجل من فرسان الشاكرية الناشبة ورجالتهم وخلع عليه
خمس خلع ومضى إلى قصر ابن هبيرة يستعد هنالك ثم اختار محمد بن عبد الله
الحسين بن إسماعيل للأنبار ووجه محمد بن رجاء الحضاري معه وعبد الله بن نصر
ابن حمزة ورشيد بن كاوس ومحمد بن يحيى وجماعة من الناس وأمر باخراج المال
لمن يخرج مع الحسين ومع هؤلاء القوم فامتنع من كان قدم من ملطية من
الشاكرية وهم عظم الناس من قبض رزق أربعة أشهر لان أكثرهم كان بغير
دواب وقالوا نحتاج إلى أن نقوى في أنفسنا ونشتري الدواب وكان الذي أطلق
لهم أربعة آلاف دينار ثم رضوا بقبض أربعة أشهر فجلس الحسين في مجلس على
باب محمد بن عبد الله وتقدم في تصحيح الجرائد ليكون عرضه الناس وأصحابه
في مدينة أبى جعفر فأعطى في ذلك اليوم جماعة من خاصته ثم صار الحسين
469

وأصحاب الدواوين بعد ذلك إلى مدينة أبى جعفر ووضع العطاء لمن يخرج معه
من الجند في ثلاثة مجالس واستتم إعطاؤهم يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة بقيت من
جمادى الأولى فلما كان يوم الاثنين أحضر الحسين بن إسماعيل الدار ومعه القواد
الخارجون معه رشيد بن كاوس ومحمد بن رجاء وعبد الله بن نصر بن حمزة
وأرمس الفرغاني ومحمد بن يعقوب أخو حزام ويوسف بن منصور بن يوسف
البرم والحسين بن علي بن يحيى الأرمني والفضل بن محمد بن الفضل ومحمد بن هرثمة
ابن النضر وخلع على الحسين وقدمت مرتبته إلى الفوج الثاني وكان في الفوج
الرابع وخلع على هؤلاء القواد وصير رشيد بن كاوس على المقدمة ومحمد بن
رجاء على الساقة ومضى الحسين ومن ضم إليه من عشيرته وقواده إلى معسكرهم
وأمر وصيف وبغا أن يسبقا الحسين إلى معسكره وشيعه عبيد الله بن عبد الله وجميع
قواد ابن طاهر وكتابه وبنو هاشم والوجوه إلى الياسرية وأخرج لأهل العسكر من
المال ستة وثلاثون ألف دينار وحمل إلى معسكر الياسرية بعد لاعطاء من بقى ألف
وثمانمائة دينار تمام استحقاقهم فلما كان يوم الخميس سارت مقدمة الحسين والمقلد
لها عبد الله بن نصر ومحمد بن يعقوب في ألف فارس وراجل فنزلوا البثق المعروف
بالقاطوفة وكان الأتراك قد وجهوا إلى المنصورية على خمسة فراسخ من بغداد
جماعة منهم ومن المغاربة والغوغاء زهاء مائة إنسان فظفر بسبعة من المغاربة فوجه بهم
إلى الحسين فأنفذهم إلى الباب وسار الحسين يوم الجمعة لسبع بقين من جمادى الأولى
وقد كان أهل الأنبار حين تنحى نجوبة ورشيد وصار الأتراك والمغاربة إلى
الأنبار نادوا الأمان فأعطوه وأمروا بفتح حوانيتهم والتسوق فيها والانتشار
في أمورهم واطمأنوا إلى ذلك منهم وسكنوا وأطمعوا منهم أن يفوا لهم فأقاموا
بذلك يومهم وليلتهم حتى أصبحوا وكان في وقت غلبتهم عليها وافتهم سفن من
الرقة فيها دقيق وأطواف فيها زيت وغير ذلك فأخذوه وجمعوا ما وجدوا فيها من
إبل ودواب وبغال وحمير ووجهوا بذلك مع من يؤديه إلى منازلهم بسامرا وانتهبوا
ما وجدوا ووجهوا برؤس من قتل من أصحاب رشيد ونجوبة وأهل بغداد وبمن
470

أسروا وكانوا مائة وعشرين رجلا والرؤوس سبعون رأسا وحملوا الاسرى في
الجوالقات قد أخرجوا منها رؤسهم حتى صاروا إلى سامرا وصار الأتراك إلى فم
لا؟ وحاولوا سدها ليقطعوا ماء الفرات عن بغداد فوجهوا رجلا ودفعوا
إليه مالا لآلة السكر وسده مع القلوس والصواري ففطن به وهو يبتاع ذلك فحمل
إلى دار ابن طاهر بعد أن نالته العامة بالضرب والشتم حتى أشفى على الموت فسئل
عن أمره فصدق فوجه به إلى الحبس وكان ابن طاهر قد وجه الحارث خليفة
أبى الساج فكان على طريق مكة إلى قصر ابن هبيرة وضم إليه خمسمائة رجل من فرسان
الشاكرية القادمين معه فنفذ ومن معه لسبع خلون من جمادى الأولى ووجه ابن أبي
دلف هاشم بن القاسم في مائتي راجل وفارس إلى السيبين ليقيم هناك فلما توجه
الحسين إلى الأنبار كتب إليه باللحاق بعسكر الحسين ليصير معه إلى الأنبار ونودي
ببغداد في أصحاب الحسين ومزاحم بن خاقان أن يلحقوا بقوادهم فسار الحسين وتقدم
خالد بن عمران حتى نزل دمما فأراد أن يعقد على نهرانق جسرا ليعبر عليه أصحابه
فمانعه الأتراك فعبر إليهم جماعة من الرجالة فكشفوهم وعقد خالد الجسر فعبر هو
وأصحابه وصار الحسين إلى دمما فعسكر خارجها وأقام في معسكره يوما ووافته
طلائع الأتراك مما يلي نهرانق ونهر رفيل فوق قرية دمما فصف الحسين أصحابه من
جانب النهر والأتراك من الجانب الآخر وهم زهاء ألف رجل وتراشقوا بالسهام
فجرح بينهم عداد وانصرف الأتراك إلى الأنبار وكان نجوبة مقيما بقصر ابن هبيرة
فانضم إلى الحسين في جميع من كان معه من الاعراب وغيرهم وكتب نجوبة يسأل
مالا لاعطاء أصحابه فأمر أن يحمل إلى معسكر الحسين لاعطاء أصحاب نجوبة ثلاثة
آلاف دينار وحمل إلى الحسين مال وأطواق وأسورة وجوائر لمن أبلى في الحرب
وكان الحسين وعد أن يمد بالرجال حتى يكمل عسكره عشرة آلاف رجل
فكتب ينجز ذلك فأمر بتوجيه أبى السنا محمد بن عبدوس الغنوي والجحاف بن
سواد في ألف فارس وراجل من الملطيين وجند انتخبوا من قيادات شتى فقبضوا
أنزالهم لليلتين بقيتا من جمادى وساروا مع أبي السنا والجحاف على نهر كرخايا إلى
471

المحول ثم إلى دمما ونزل الحسين بعسكره في موضع يعرف بالقطيعة واسع يحتمل
العسكر فأقام فيه يومه ثم عزم على الرحلة منه إلى قرب الأنبار فأشار عليه رشيد
والقواد أن ينزل عسكره بهذا الموضع لسعته وحصانته ويسير هو وقواده في خيل
جريدة فإن كان الامر له كان قادرا أن ينقل عسكره وإن كان عليه انحاز إلى
عسكره وراجع عدوه فلم يقبل الرأي وحملهم على المسير من موضعهم فساروا
وبين الموضعين فرسخان أو نحوهما فلما بلغوا الموضع الذي أراد الحسين النزول
فيه أمر الناس بالنزول وكان جواسيس الأتراك في؟ الحسين فساروا إليهم
وأعلموهم رحلة الحسين وضيق العسكر بالموضع الذي نزل فيه فوافوهم والناس
يحطون أثقالهم فثار أهل العسكر ونادوا السلاح فصافوهم فكانت بينهم قتلى من
الفريقين وحمل أصحاب الحسين عليهم فكشفوهم كشفا قبيحا وقتلوا منهم مقتلة
عظيمة وغرق منهم خلق كثير في الفرات وكان الأتراك قد كمنوا قوما فخرج
الكمين عند ذلك على بقية العسكر فلم يكن لهم ملجأ إلا الفرات وغرق من أصحاب
الحسين خلق كثير وقتل جماعة وأسر من الرجالة جماعة وأما الفرسان فضربوا
دوابهم هرابا لا يلوون على شئ والقواد ينادونهم يسألونهم الرجعة فلم يرجع منهم
أحد وأبلى محمد بن رجاء ورشيد يومئذ بلاء حسنا ولم يكن لمن انهزم معقل دون
الياسرية على باب بغداد فلم يملك القواد أمور أصحابهم فأشفقوا حينئذ على أنفسهم
فانثنوا راجعين وراءهم يحمونهم من أدبارهم أن يتبعوا وجوى الأتراك جميع عسكر
الحسين بما فيه من المضارب وأثاث الجند وتجارات أهل السوق وكان معه في السفن
سلاح سلم لان الملاحين حرزوا سفنهم فسلم ما كان معهم من السلاح ومن تجارة التجار
وذكر عن ابن زنبور كاتب الحسين أنه أخذ للحسين اثنا عشر صندوقا فيها كسوة ومال
من مال السلطان مبلغه ثمانية آلاف دينار ونحو من أربعة آلاف دينار لنفسه ونحو من
مائة بغل وانتهب فروض الحسين مضارب الحسين وأصحابه وطاروا مع من طار فوافوا
الياسرية وكان أكثر النهب مع أصحاب أبي السنا ووافى الحسين والفل الياسرية يوم
الثلاثاء لست خلون من جمادى الآخرة ولقى الحسين رجل من التجار في جماعة ممن
472

ذهبت أموالهم في عسكره فقال الحمد لله الذي بيض وجهك أصعدت في اثنى عشر
يوما وانصرفت في يوم واحد فتغافل عنه (قال أبو جعفر) ومما انتهى إلينا من خبر
الحسين بن إسماعيل ومن كان معه من القواد والجند الذين كان محمد بن
عبد الله بن طاهر استنهضهم من بغداد في هذه السنة لحرب من كان قصد
الأنبار وما اتصل بها من البلاد من الأتراك والمغاربة أنه لما صار إلى
الياسرية منصرفه مهزوما من دمما أقام بها في بستان ابن الحروري وأقام من وافى
الياسرية من المنهزمة في الجانب الغربي من الياسرية ومنعوا من العبور ونودي
ببغداد فيمن قد دخلها من الجند الذين في عسكر الحسين أن يلحقوا بالحسين في
معسكره وأجلوا ثلاثة أيام فمن وجد منهم ببغداد بعد ثلاثة ضرب ثلاثمائة سوط
ومحى اسمه من الديوان فخرج الناس وأمر خالد بن عمران في الليلة التي قدم فيها
الحسين أن يعسكر في أصحابه بالمحول وأعطى أصحابه أرزاقهم في تلك الليلة في السرج
ونودي في أصحابه بالمحول باللحاق به ونودي في الفرض القدماء الذين كانوا فرضوا
بسبب أبى الحسين يحيى بن عمر بالكوفة وهم خمسمائة رجل وأصحاب خالد وهم
نحو من ألف رجل فعسكروا بالمحول يوم الثلاثاء لسبع خلون من جمادى الآخرة
وأمر ابن طاهر الشاه بن ميكال في صبيحة الليلة التي وافى فيها الحسين أن يتلقاه
ويمنعه من دخول بغداد فلقيه في الطريق فرده إلى بستان ابن الحروري وأقاموا
يومهم فلما كان الليل صاروا إلى دار ابن طاهر فوبخه ابن طاهر وأمره بالرجوع
إلى الياسرية لينفذ إلى الأنبار مع من ينفذ إليها من الجند فصار من ليلته إلى الياسرية
ثم أمر باخراج مال لاعطاء شهر واحد لآل هذا العسكر فحمل تسعة آلاف دينار
وصار كتاب ديوان العطاء وديوان العرض إلى الياسرية لعرض الجند واعطائهم
فلما كان يوم الجمعة لسبع خلون من جمادى الآخرة توجه خالد بن عمران مصعدا
إلى قنطرة بهلايا وهى موضع السكر وخرجت نحو من عشرين سفينة وركب
عبيد الله بن عبد الله وأحمد بن إسرائيل والحسن بن مخلد إلى عسكر الحسين بن
إسماعيل بالياسرية فقرؤا على الحسين والقواد كتابا كتب به عن المستعين يخبرهم
473

فيه بسوء طاعتهم وما ركبوا من العصيان والتخاذل فقرئ عليهم والعسكر مقيم
والعراض يعرضونهم ليتعرفوا من قتل ومن غرق من كل قيادة ونودي باللحاق
بعسكرهم فخرجوا وأتاهم كتاب بعض عيونهم بالأنبار يخبر أن القتلى كانت من
الأتراك أكثر من مائتين والجرحى نحوا من أربعمائة وان جميع من أسره الأتراك
من أهل بغداد الجيشية والفروض من الرجالة مائتان وعشرون إنسانا وانه عد
رؤس من قتل فوجدها سبعين رأسا وكانوا أخذوا جماعة من أهل الأسواق
فصاحوا لأبي نصر نحن أهل السوق فقال ما بالكم معهم فقالوا أكرهنا فخرجنا
تسببا أو... فأطلق من كان منهم يشبه السوقة وأمر بحبس الاسرى في القطيعة
وذكر عن صاحب بغال السلطان أن جميع ما ذهب من بغال السلطان مائة وعشرون
بغلا ورحل الحسين يوم الاثنين لاثنتي عشرة بقيت من جمادى الآخرة وكتب
إلى خالد بن عمران وهو مقيم على السكر أن يرحل متقدما أمامه فامتنع خالد من
ذلك وذكر أنه لا يبرح من موضعه إلا أن يأتيه قائد في جند كثيف فيقيم مكانه
لأنه يتخوف أن يأتيه الأتراك من خلفه من عسكرهم بناحية قطربل وأمر ابن
طاهر بمال فحمل إلى الحسين بن إسماعيل لاعطاء جميع من في عسكره رزق شهر
واحد ليفرق فيهم بدمما وأمر أن يخرج معه الكتاب والعراض لأصحابه إلى هنالك
وقلد أمر نفقات عسكره واعطاء الجند من قبل ديوان الخراج الفضل بن مظفر
السبعي وحمل المال مع السعي إلى معسكر الحسين لينفذ معه إذا نفذ وقد قيل إن
الحسين ارتحل إلى الأنبار في النصف من ليلة الأربعاء لعشر بقين من جمادى الآخرة
فسار وتبعه من في عسكره يوم الأربعاء ونودي في أصحابه باللحاق به فسار حتى
نزل دمما وأراد أن يعقد على نهرانق جسرا ليعبر عليه فمانعه الأتراك فعبر إليهم جماعة
من أصحابه من الرجالة فحاربوهم حتى كشفوهم وعقد خالد الجسر فعبر أصحابه
ووجه محمد بن عبد الله بكاتبه محمد بن عيسى بشئ شافهه به فيقال انه حمل معه أطوافا
وأسورة وانصرف إلى منزله وصار إلى الحسين يوم السبت لثمان خلون من رجب
رجل فأخبره أن الأتراك قد دلوا على عدة مواضع في الفرات تخاض إلى عسكره
474

فأمر بضرب الرجل مائتي سوط ووكل بالمخاوض رجلا من قواده يقال له الحسين
ابن علي يحيى الأرمني في مائة راجل ومائة فارس فطلع أول القوم فخرج عليهم وقد
أتاه منهم أربعة عشر علما فقاتل أصحابه ساعة ووكل بالقنطرة أبا السنا وأمره
أن يمنع من انهزم من العبور فأتى الأتراك المخاضة فرأوا الموكل بها فتركوه واقفا
وصاروا إلى مخاضة أخرى خلف الموكل فقاتلوهم فصبر الحسين بن علي وقاتل فقيل
للحسين بن إسماعيل فقصد نحوه ولم يصل إليه حتى انهزم وانهزم خالد بن عمران
معه ومن معه ومنعهم أبو السنا من العبور على القنطرة فرجع الرجالة والخراسانية
فرموا بأنفسهم في الفرات فغرق من لم يحسن السباحة وعبر من كان يحسن السباحة
فنجا عريانا وخرج إلى جزيرة لا يصل منها إلى الشط لما على الشط من الأتراك
فذكر بعض جند الحسين قال بعث الحسين بن علي الأرمني إلى الحسين بن إسماعيل
أن الأتراك قد وافوا المخاضة فأتاه الرسول فقيل الأمير نائم فرجع الرسول
فأعلمه فرد آخر فقال له الحاجب الأمير في المخرج فرجع فأخبره فرد رسولا ثالثا
فقال قد خرج من المخرج ونام فعلت الصبيحة فعبر الأتراك فقعد الحسين في زورق
أو شبارة وانحدر واستأسر قوم من الخراسانية ورموا ثيابهم وسلاحهم وقعدوا
على الشط عراة وشد أصحاب أعلام الأتراك حتى ضربوا أعلامهم على مضرب
الحسين بن إسماعيل واقتطعوا السوق وانحدرت عامة السفن فسلمت إلا ما كان
موكلا به منها ولحق الأتراك أصحاب الحسين فوضعوا فيهم السيف فقتلوا وأسروا
نحوا من مائتين وغرق خلق كثير ووافى الحسين والمنهزمة بغداد نصف الليل
ووافى فلهم وبقيتهم في النهار وفيهم جرحى كثيرة فلم يزالوا إلى نصف النهار
يتتابعون عراة مجرحين وفقد من قواد الحسين ابن يوسف البرم وغيره ثم جاء
كتابه أنه أسير في أيدي الأتراك عند مفلح وان عدة الاسرى من وقعة الحسين
الثانية مائة ونيف وسبعون انسانا والقتلى مائة والدواب نحو من ألفى دابة ومائتي
بغل وقيمة السلاح والثياب وغير ذلك أكثر من مائة ألف دينار فقال الهندواني
في الحسين بن إسماعيل
475

يا أحزم الناس رأيا في تخلفه * عن القتال خلطت الصفو بالكدر
لما رأيت سيوف الترك مصلتة * علمت ما في سيوف الترك من قدر
فصرت منحجزا ذلا ومنقصة * والنجح يذهب بين العجز والضجر
(ولحق) بالمعتز في جمادى الآخرة منها من بغداد جماعة من الكتاب وبنى هاشم
ومن القواد مزاحم بن خاقان أرطوج ومن الكتاب عيسى بن إبراهيم بن نوح
ويعقوب بن إسحاق ونمارى ويعقوب بن صالح بن مرشد ومقلة وابن لأبي
مزاحم بن يحيى بن خاقان ومن بني هاشم على ومحمد ابنا الواثق ومحمد بن هارون
ابن عيسى بن جعفر ومحمد بن سليمان من ولد عبد الصمد بن علي (وفيها) كانت
وقعة بين محمد بن خالد بن يزيد وأحمد المولد وأيوب بن أحمد بالسكير من أرض
بنى تغلب قتل بين الفريقين جماعة كثيرة وانهزم محمد بن خالد وانتهب الآخرون
متاعه وهدم أيوب دور آل هارون بن معمر وقتل من ظفر به من رجالهم
(وفيها) كانت لبلكاجور غزوة فتح فيما ذكر فيها مطمورة أصاب فيها غنيمة
كثيرة وأسر جماعة من الأعلاج وورد بذلك على المستعين كتاب تاريخه يوم
الأربعاء لثلاث ليال بقين من شهر ربيع الآخر سنة 251 (وفى) يوم السبت
لثمان بقين من رجب من هذه السنة كانت وقعة بين محمد بن رجاء وإسماعيل بن
فراشة وبين جعلان التركي بناحية بادرايا وباكسايا فهزم ابن رجاء وابن
فراشة جعلان وقتلا من أصحابه جماعة وأسرا جماعة (وفى) رجب منها كان
فيما ذكر وقعة بين ديوداد أبى الساج وبين بايكباك بناحية جرجرايا قتل فيها
أبو الساج بايكباك وقتل من رجاله جماعة وأسر منهم جماعة وغرق منهم في
النهروان جماعة (وفى) النصف من رجب منها اجتمع من كان ببغداد من بني هاشم
من العباسيين فصاروا إلى الجزيرة التي بإزاء دار محمد بن عبد فصاحوا
بالمستعين وتناولوا محمد بن عبد الله بالشتم القبيح وقالوا قد منعنا أرزاقنا
وتدفع الأموال إلى غيرنا ممن لا يستحقها ونحن نموت هزلا وجوعا فان دفعت
إلينا أرزاقنا وإلا قصدنا إلى الأبواب ففتحناها وأدخلنا الأتراك فليس يخالفنا
476

أحد من أهل بغداد فعبر إليهم الشاه بن ميكال فكلمهم ورفق بهم وسألهم أن
يعبر معه منهم ثلاثة أنفس ليدخلهم على ابن طاهر فامتنعوا من ذلك وأبوا
إلا الصياح وشتم محمد بن عبد الله فانصرف عنهم الشاه فلم يزلوا على حالهم إلى
قرب الليل ثم انصرفوا واجتمعوا من غد ذلك اليوم فوجه إليهم محمد بن عبد الله
فأمرهم بحضور الدار يوم الاثنين ليأمر من يناظرهم فصاروا إلى الدار فأمر محمد
ابن داود الطوسي بمناظرتهم وبذل لهم رزق شهر واحد وأمرهم أن يقبضوا ذلك
ولا يكلفوا الخليفة أكثر من هذا فأبوا أن يقبضوا رزق شهر وانصرفوا
(وفيها) خرج بالكوفة رجل من الطالبيين يقال له الحسين بن محمد بن حمزة بن
عبد الله بن الحسين بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب فاستخلف بها رجلا
منهم يقال له محمد بن جعفر بن الحسين بن جعفر بن الحسين بن حسن ويكنى
أبا أحمد فوجه إليه المستعين مزاحم بن خاقان أرطوج وكان العلوي بسواد
الكوفة في ثلثمائة رجل من بنى أسد وثلثمائة رجل من الجارودية والزيدية
وعامتهم صوافية وكان العامل يومئذ بالكوفة أحمد بن نصر بن مالك الخزاعي
فقتل العلوي من أصحاب ابن نصر أحد عشر رجلا منهم من جند الكوفة أربعة
وهرب أحمد بن نصر إلى قصر ابن هبيرة فاجتمع هو وهشام بن أبي دلف وكان
يلي بعض سواد الكوفة فلما صار مزاحم إلى قرية شاهي كتب إليه في المقام
حتى يوجه إلى العلوي من يرده إلى الفيئة والرجوع فوجه إليه داود بن القاسم
الجعفري وأمر له بمال فتوجه إليه وأبطأ داود وخبره على مزاحم فزحف
مزاحم إلى الكوفة من قرية شاهي فدخلها وقصد العلوي فهرب فوجه في طلبه
قائدا وكتب بفتحه الكوفة في خريطة مريشة (وقد ذكر) أن أهل الكوفة
عند ورود مزاحم حملوا العلوي على قتاله ووعدوه النصر فخرج في غربي الفرات
فوجه مزاحم قائدا من قواده في الشرقي من الفرات وأمره أن يمضى حتى يعبر
قنطرة الكوفة ثم يرجع فمضى القائد لذلك وأمر مزاحم بعض أصحابه الذين بقوا
معه أن يعبروا مخاضة الفرات في قرية شاهي وأن يتقدموا حتى يحاربوا أهل
477

الكوفة ويصافوهم من أمامهم فساروا ومعهم مزاحم وعبر الفرات وخلف
أثقاله ومن بقى معه من أصحابه فلما رآهم أهل الكوفة ناوشوهم الحرب ووافاهم
قائد مزاحم فقاتلهم من ورائهم ومزاحم من امامهم فأطبقوا عليهم جميعا فلم
يفلت منهم أحد * وذكر عن ابن الكردية أن مزاحما قتل من أصحابه قبل
دخول الكوفة ثلاثة عشر رجلا وقتل من الزيدية أصحاب الصوف سبعة عشر
رجلا ومن الاعراب ثلثمائة رجل وأنه لما دخل الكوفة رمى بالحجارة فضرب
ناحيتي الكوفة بالنار وأحرق سبعة أسواق حتى خرجت النار إلى السبيع
وهجم على الدار التي فيها العلوي فهرب ثم أتى به وقتل في المعركة من العلوية
رجل وذكر أنه حبس جميع من بالكوفة من العلوية وحبس أبناء هاشم وكان
العلوي فيهم * وذكر عن أبي إسماعيل العلوي أن مزاحما أحرق بالكوفة ألف
دار وأنه أخذ ابنة الرجل منهم فعنفها * وذكر أنه أخذ للعلوي جواري فيهم
امرأة حرة مضمومة فأقامها على باب المسجد ونادى عليها (وفى) النصف من
رجب من هذه السنة ورد على مزاحم كتاب من المعتز يأمره بالمصير إليه ويعده
وأصحابه ما يحب ويحبون فقرأ الكتاب مزاحم على أصحابه فأجابه الأتراك والفراغنة
والمغاربة وأبى الشاكرية ذلك فمضى فيمن أطاعه منهم وهم زهاء أربعمائة إنسان وقد
كان أبو نوح؟ إلى سامرا فأشار بالكتاب إليه وكان مزاحم ينتظر أمر الحسين
ابن إسماعيل فلما انهزم الحسين مضى إلى سامرا وقد كان المستعين وجه إلى مزاحم
عند فتح الكوفة عشرة آلاف دينار وخمس خلع وسيفا ونفذ الرسول إليه وألفى
الجند الذين كانوا معه في الطريق فردوا جميع ذلك معهم وصاروا إلى باب محمد بن عبد الله
وأعلموه ما فعل مزاحم وكان في الجند والشاكرية خليفة الحسين بن يزيد الحراني
وهشام بن أبي دلف والحارث خليفة أبى الساج فأمر ابن طاهر أن يخلع على كل
واحد منهم ثلاث خلع * وذكر أن هذا العلوي كان ظهر بنينوى في آخر جمادى
الآخرة من هذه السنة فاجتمع إليه جماعة من الاعراب وفيهم قوم ممن كان خرج
مع يحيى بن عمر في سنة 250 وقد كان قدم إلى تلك الناحية هشام بن أبي دلف
478

فواقعهم العلوي في جماعة نحو من خمسين رجلا فهزمه وقتل عدة من أصحابه وأسر
عشرين رجلا وغلاما وهرب العلوي إلى الكوفة فاختفى بها ثم ظهر بعد ذلك
وحمل الاسرى والرؤوس إلى بغداد فعرف خمسة نفر ممن كان مع أصحاب أبي الحسين
يحيى بن عمر فأطلقوا وأمر محمد بن عبد الله أن يضرب كل واحد ممن أطلق وعاد
خمسمائة سوط فضربوا في آخر يوم من جمادى الآخرة * وذكر أن كتب أبى
الساج لما وردت بما كان من إيقاعه ببايكباك وذلك لاثنتي عشرة بقيت من رجب
من هذه السنة وجه إليه بعشرة آلاف دينار معونة له بخلعة فيها خمسة أثواب
وسيف (وفيها) كانت وقعة فيما ذكر بين منكجور بن حندروس بجماعة من
الأتراك بباب المدائن هزمهم فيها منكجور وقتل منهم جماعة (وفيها) كانت
لبلكاجور صائفة فتح فيها فتوحا فيما ذكر (وفيها) كانت وقعة بين يحيى بن هرثمة
وأبى الحسين بن قريش قتل من الفريقين جماعة ثم انهزم أبو الحسين بن قريش
(وفى يوم) الخميس لاثنتي عشرة ليلة خلت من شعبان كانت بباب بغواريا وقعة
بين الأتراك وأصحاب ابن طاهر وكان السبب في ذلك أن الموكل كان بباب بغواريا
إبراهيم بن محمد بن حاتم والقائد المعروف بالنساوي في نحو من ثلثمائة فارس
وراجل فجاءت الأتراك والمغاربة في جمع كثير فنقبوا السور في موضعين فدخلوا
منهما فقاتلهم النساوي فهزموه ووافوا باب الأنبار وعليه إبراهيم بن مصعب
وابن أبي خالد وابن أسد بن داود سياه وهم لا يعلمون بدخولهم باب بغواريا فقاتلهم
قتالا شديدا فقتل من الفريقين جماعة ثم إن من كان على باب الأنبار من أهل
بغداد انهزموا لا يلوون على شئ فضرب الأتراك والمغاربة باب الأنبار بالنار
فاحترق وأحرقوا ما كان على باب الأنبار من المجانيق والعرادات ودخلوا بغداد
حتى صاروا إلى باب الحديد ومقابر الرهينة ومن ناحية الشارع إلى موضع أصحاب
الدواليب وأحرقوا كلما قرب من ذلك من أمامهم ووراءهم ونصبوا أعلامهم على
الحوانيت التي تقرب من ذلك الموضع وانهزم الناس حتى لم يقف بين أيديهم أحد
وكان ذلك مع صلاة الغداة فوجه ابن طاهر إلى القواد ثم ركب في السلاح فوقف
479

على باب درب صالح المسكين ووافاه القواد فوجههم إلى باب الأنبار وباب بغواريا
وجميع الأبواب التي في الجانب الغربي وشحنها بالرجال وركب بغا ووصيف
فتوجه بغا في أصحابه وولده إلى باب بغواريا وصار الشاه بن ميكال والعباس
ابن قارن والحسين بن إسماعيل إلى باب الأنبار والغوغاء فالتقوا الأتراك في
داخل الباب فبادرهم العباس ابن حازن فقتل فيما ذكر في مقام واحد جماعة من
الأتراك ووجه برؤوسهم إلى باب ابن طاهر وكاثرهم الناس على هذه الأبواب
فدفعوهم حتى أخرجوهم بعد أن قتل منهم جماعة وكان بغا الشرابي خرج إلى باب
بغواريا في جمع كثير فوافاهم وهم غارون فقتل منهم جماعة كثيرة وهرب الباقون
فخرجوا من الباب فلم يزل بغا يحاربهم إلى العصر ثم انهزموا وانصرفوا ووكل
بالباب من يحفظه وانصرف إلى باب الأنبار ووجه في حمل الجص والآجر وأمر
بسده وفى هذا اليوم أيضا كانت حرب شديدة بباب الشماسية قتل من الفريقين فيما
ذكر جماعة كثيرة وجرح آخرون وكان الذي قاتل الأتراك في هذا اليوم فيما
ذكر يوسف بن يعقوب قوصرة (وفيها) أمر محمد بن عبد الله المظفر بن سيسل
أن يعسكر بالياسرية ففعل ذلك ثم انتقل إلى الكناسة إلى أن وافاه بالفردل إذ
ابن مكحونفحل الأشروسني فأمر له بفرض وضم إليه رجالا من الشاكرية وغيرهم
وأمر أن يضام المظفر ويعسكر بالكناسة ويكون أمرهما واحدا ويضبط تلك
الناحية فأقاما هنالك حينا ثم أمر بالفردل المظفر بالمضي ليعرف خبر الأتراك
ليدبر في أمرهم بما يراه فامتنع من ذلك المظفر وزعم أن الأمير لم يأمره بشئ
مما سأله وكتب كل واحد منهما يشكو صاحبه وكتب المظفر يستعفى من المقام
بالكناسة ويزعم أنه ليس بصاحب حرب فأعفي وأمر بالانصراف ولزوم البيت
وقلد أمر ذلك العسكر ومن فيه من الجند النائبة والاثبات بالفردل وضم إليه
أثبات المظفر وأفرد بالناحية (وفى شهر) رمضان من هذه السنة التقى هشام بن أبي
دلف والعلوي الخارج بنينوى ومعه رجل من بنى أسد فاقتتلوا فقتل من أصحاب
العلوي فيما ذكر نحو من أربعين رجلا ثم افترقا فدخل العلوي الكوفة فبايع
480

أهلها المعتز ودخل هشام بن أبي دلف بغداد (وفى شهر رمضان) من هذه السنة
كانت بين أبى الساج والأتراك وقعة بناحية جرجرايا هزمهم فيها أبو الساج وقتل
منهم جماعة كثيرة وأسر منهم جماعة أخر (ولليلة) بقيت من شهر رمضان منها
قتل بالفردل وكان سبب قتله أن أبا نصر بن بغا لما غلب على الأنبار وما قرب منها
وهزم جيوش ابن طاهر من تلك الناحية وأجلاهم عنها بث خيله ورجاله في
أطراف بغداد من الجانب الغربي وصار إلى قصر ابن هبيرة وبها نجوبة بن قيس
من قبل ابن طاهر فهرب منه من غير قتال جرى بينه وبينه ثم صار أبو نصر إلى
نهر صرصر واتصل بابن طاهر خبره وخبر الوقعة التي كانت بين أبى الساج والأتراك
بجرجرايا وخذلان من معه من الفروض إياه عند احمرار البأس فندب بالفردل
إلى اللحاق بأبي الساج والمصير بمن معه إليه فسار بالفردل فيمن معه غداة
يوم الثلاثاء لليلتين بقيتا من شهر رمضان فسار يومه وصبح المدائن فوافاها مع
موافاة الأتراك ومن هو مضموم إليهم من غيرهم وبالمدائن رجال ابن طاهر
وقواده فقاتلهم الأتراك فانهزموا ولحق من فيها من القواد بأبي الساج
وقاتل بالفردل قتالا شديدا ولما رأى انهزام من هنالك من أصحاب ابن طاهر
مضى متوجها نحو أبى الساج بمن معه فأدرك فقتل * وذكر عن ابن القواريري
وكان أحد القواد قال كنت وأبو الحسين بن هشام موكلين بباب بغداد ومنك جور
منفرد بباب ساباط وكان بقرب بابه ثلمة في سور المدائن فسألت منكجور أن
يسدها فأبى فدخل الأتراك منها وتفرق أصحابه * قال وبقيت في نحو من عشرة
أنفس ووافى بالفردل هو وأصحابه فقال أنا الأمير أنا فارس ومعي فرسان نمضى
على الشط وتكون الرجالة على السفن فدافع ساعة ثم مضى لوجهه وعسكره في
السفن على حالهم يريد أبا لساج أو تلك الناحية وأقمت بعده ساعة تامة وتحتي أشقر
عليه حلية فصرت إلى نهر فعثر بي فسقطت عنه وقصدوني يقولون صاحب الأشقر
فخرجت من النهر راجلا قد طرحت عنى السلاح فنجوت وغضب ابن طاهر على
ابن القواريري وأصحابه وأمرهم بلزوم منازلهم وغرق بالفردل (ولأربع خلون)
(31 - 7)
481

من شوال من هذه السنة جمع فيما ذكر محمد بن عبد الله بن طاهر جميع قواده
الموكلين بأبواب بغداد وغيرهم فشاورهم جميعا في الأمور وأعلمهم ما ورد عليهم
من الهزائم فكل أجاب بما أحب من بذل النفس والدم والأموال فجزاهم خيرا
وأدخلهم إلى المستعين وأعلمه ما ناظرهم فيه وما ردوا عليه من الجواب فقال لهم
المستعين والله يا معشر القواد لئن قاتلت عن نفسي وسلطاني ما أقاتل إلا عن دولتكم
وعامتكم وأن يرد الله إليكم أموركم قبل مجئ الأتراك وأشباههم فقد يجب عليكم
المناصحة والجهد في قتال هؤلاء الفسقة فردوا أحسن مرد وجزاهم الخير وأمرهم
بالانصراف إلى مراكزهم فانصرفوا (وفى) يوم الاثنين لأيام خلت من ذي
القعدة من هذه السنة كانت وقعة عظيمة لأهل بغداد هزموا فيها الأتراك وانتهبوا
عسكرهم وكان سبب ذلك أن الأبواب كلها من الجانبين فتحت ونصبت المجانيق
والعرادات في الأبواب كلها والشبارات في دجلة وخرج منها الجند كلهم وخرج
ابن طاهر وبغا ووصيف حين تزاحف الفريقان واشتدت الحرب إلى باب القطيعة
ثم عبروا إلى باب الشماسية وقعد ابن طاهر في قبة ضربت له وأقبلت الرماة من
بغداد بالناوكية في الزواريق ربما انتظم السهم الواحد عدة منهم فقتلهم فهزمت
الأتراك وتبعهم أهل بغداد حتى صاروا إلى عسكرهم وانتهبوا سوقهم هنالك
وضربوا زورقا لهم كان يقال له الحديدي كان آفة على أهل بغداد بالنار وغرق من
فيه وأخذوا لهم شبارتين وهرب الأتراك على وجوههم لا يلوون على شئ وجعل
وصيف بغا يقولون كلما جئ برأس ذهب والله الموالى واتبعهم أهل بغداد إلى
الروذبار ووقف أبو أحمد بن المتوكل يرد الموالى ويخبرهم أنهم إن لم يكروا لم يبق
لهم بقية وأن القوم يتبعونهم إلى سامرا فتراجعوا وثاب بعضهم وأقبلت العامة
تحز رؤوس من قتل وجعل محمد بن عبد الله يطوق كل من جاء برأس ويصله حتى
كثر ذلك وبدت الكراهة في وجوه من مع بغا ووصيف من الأتراك والموالي ثم
ارتفعت غبرة من ريح جنوب وارتفع الدخان مما احترق وأقبلت أعلام الحسن
ابن الأفشين مع أعلام الأتراك يقدمها علم أحمر قد استلبه غلام لشاهك فنسى أن
482

ينكسه فلما رأى الناس العلم الأحمر ومن خلفه توهموا أن الأتراك قد رجعوا
عليهم وانهزموا وأراد بعض من وقف أن يقتل غلام شاهك ففهمه فنكس العلم
والناس قد ازدحموا منهزمين وتراجع الأتراك إلى معسكرهم ولم يعلموا بهزيمة أهل
بغداد فتحملوا عليهم فانصرف الفريقان بعضهم عن بعض (وفيها) كانت وقعة
لأبي السلاسل وكيل وصيف بناحية الجبل مع المغاربة وكان سبب ذلك فيما ذكر
أن رجلا من المغاربة يقال له نصر سلهب صار بجماعة من المغاربة إلى عمل بعض
ما إلى أبى الساج من الأرض وانتهب هو وأصحابه ما هنالك من القوى فكتب
أبو السلاسل إلى أبى الساج يعلمه ذلك فوجه أبو الساج إليه فيما ذكر بنحو من مائة
نفس بين فارس وراجل فلما صاروا إليه كبس أولئك المغاربة فقتل منهم تسعة
وأسر عشرين وأفلت نصر سلهب ساريا (ووضعت) الحرب أوزارها بعد هذه
الوقعة بين الموالى وابن طاهر فلم يعودوا لها وكان السبب في ذلك فيما ذكر أن ابن
طاهر قد كان كاتب المعتز قبل ذلك في الصلح فلما كانت هذه الوقعة أنكرت عليه
فكتب إليه فذكر أنه لا يعود بعدها لشئ يكرهه ثم أغلقت بعد ذلك على أهل
بغداد أبوابها فاشتد عليهم الحصار فصاحوا في أول ذي القعدة من هذه السنة في
يوم الجمعة الجوع ومضوا إلى الجزيرة التي هي تلقاء دار ابن طاهر فأرسل إليهم
ابن طاهر وجهوا إلى منكم خمسة مشايخ فوجهوا بهم فأدخلوا عليه فقال لهم إن
من الأمور أمورا لا يعلم بها العامة وأنا عليل ولعلى أعطى الجند أرزاقهم ثم أخرج
بهم إلى عدوكم فطابت أنفسهم وخرجوا عن غير شئ وعادت العامة والتجار بعد
إلى الجزيرة التي بحذاء دار ابن طاهر فصاحوا وشكوا ما هم فيه من غلاء السعر
فبعث إليهم فسكنهم ووعدهم ومناهم وأرسل ابن طاهر إلى المعتز في الصلح
واضطرب أمر أهل بغداد فوافى بغداد للنصف من ذي القعدة من هذه السنة حماد
ابن إسحاق بن حماد بن زيد ووجه مكانه أبو سعيد الأنصاري إلى عسكر أبى أحمد
رهينة فلقى حماد بن إسحاق ابن طاهر فخلا به فلم يذكر ما جرى بينهما ثم انصرف
حماد إلى عسكر أبى أحمد ورجع أبو سعيد الأنصاري ثم رجع حماد إلى ابن طاهر فجرت
483

بين ابن طاهر وبين أبى أحمد رسائل مع حماد (ولتسع) بقين من ذي القعدة خرج
أحمد بن إسرائيل إلى عسكر أبى أحمد مع حماد وأحمد بن إسحاق وكيل عبيد الله بن
يحيى بإذن ابن طاهر لمناظرة أبى أحمد في الصلح (ولسبع) بقين من ذي القعدة
أمر ابن طاهر بإطلاق جميع من في الحبوس ممن كان حبس بسبب ما كان بينه
وبين أبى أحمد من الحروب ومعاونته إياه عليه فأطلقه ومن غد هذا اليوم
اجتمع قوم من رجالة الجند وكثير من العامة فطلب الجند أرزاقهم وشكت
العامة سوء الحال التي هم بها من الضيق وغلاء السعر وشدة الحصار وقالوا
إما خرجت فقاتلت وإما تركتنا فوعدهم أيضا الخروج أو فتح الباب للصلح
ومناهم فانصرفوا فلما كان بعد ذلك وذلك لخمس بقين من ذي القعدة شحن
السجون والجسر وباب داره والجزيرة بالجند والرجال فحضر الجزيرة بشر كثير
فطردوا من كان ابن طاهر صيرهم فيها ثم صاروا إلى الجسر من الجانب الشرقي
ففتحوا سجن النساء وأخرجوا من فيه ومنعهم علي بن جهشيار ومن معه من
الطبرية من سجن الرجال ومانعهم أبو مالك الموكل بالجسر الشرقي فشجوه وجرحوا
دابتين لأصحابه فدخل داره وخلاهم فانتهبوا ما في مجلسه وشد عليهم الطبرية
فنحوهم حتى أخرجوهم من الأبواب وأغلقوها دونهم وخرج منهم جماعة ثم عبر
إليهم محمد بن أبي عون فضمن للجند رزق أربعة أشهر فانصرفوا على ذلك وأمر
ابن طاهر بإعطاء أصحاب ابن جهشيار أرزاقهم لشهرين من يومهم فأعطوا (ووجه)
أبو أحمد خمس سفائن من دقيق وحنطة وشعير وقت وتبن إلى ابن طاهر في
هذه الأيام فوصلت إليه ولما كان يوم الخميس لأربع خلون من ذي الحجة علم
الناس ما عليه ابن طاهر من خلعه المستعين وبيعته للمعتز ووجه ابن طاهر قواده
إلى أبى أحمد حتى بايعوه للمعتز فخلع على كل واحد منهم أربع خلع وظنت العامة
أن الصلح جرى بإذن الخليفة المستعين وأن المعتز ولى عهده * ولما كان يوم الأربعاء
خرج رشيد بن كاوس وكان موكلا بباب السلامة مع قائد يقال له نهشل بن صخر
ابن خزيمة بن خازم وعبد الله بن محمود ووجه إلى الأتراك بأنه على المصير إليهم
484

ليكون معهم فوافاه من الأتراك زهاء ألف فارس فخرج إليهم على سبيل التسليم
عليهم على أن الصلح قد وقع فسلم عليهم وعانق من عرف منهم وأخذوا بلجام
دابته ومضوا به وبابنه في أثره فلما كان يوم الاثنين صار رشيد إلى باب الشماسية
فكلم الناس وقال إن أمير المؤمنين وأبا أحمد يقرئان عليكم السلام ويقولان لكم
من دخل في طاعتنا قربناه ووصلناه ومن آثر غير ذلك فهو أعلم فشتمه العامة
ثم طاف على جميع أبواب الشرقية بمثل ذلك وهو يشتم في كل باب ويشتم المعتز
فلما فعل رشيد ذلك علمت العامة ما عليه ابن طاهر فمضت إلى الجزيرة التي بحذاء
دار ابن طاهر فصاحوا به وشتموه أقبح شتم ثم صاروا إلى بابه ففعلوا مثل ذلك
فخرج إليهم راغب الخادم فحضهم على ما فعلوا وسألهم الزيادة فيما هم فيه من نصرة
المستعين ثم مضى إلى الحظيرة التي فيها الجيش فمضى بهم وجماعة أخر غيرهم وهم
زهاء ثلثمائة في السلاح فصاروا إلى باب ابن طاهر فكشفوا من عليه وردوهم
فلم يبرحوا يقاتلونهم حتى صاروا إلى دهليز الدار وأرادوا إحراق الباب الداخل
فلم يجدوا نارا وقد كانوا باتوا بالجزيرة الليل كله يشتمونه ويتناولونه بالقبيح *
وذكر عن ابن شجاع البلخي أنه قال كنت عند الأمير وهو يحدثني ويسمع
ما يقذف به من كل إنسان حتى ذكروا اسم أمه فضحك وقال يا أبا عبد الله
ما أدرى وكيف عرفوا اسم أمي ولقد كان كثير من جواري أبى العباس عبد الله
ابن طاهر لا يعرفون اسمها فقلت له أيها الأمير ما رأيت أوسع من حلمك فقال
لي يا أبا عبد الله ما رأيت أوفق من الصبر عليهم ولابد من ذلك فلما أصبحوا
وافوا الباب فصاحوا فصار ابن طاهر إلى المستعين يسأله أن يطلع إليهم ويسكنهم
ويعلمهم ما هو عليه لهم فأشرف عليهم من أعلى الباب وعليه البردة والطويلة وابن
طاهر إلى جانبه فحلف لهم بالله ما أتهمه وإني لفى عافية ما على منه بأس وإنه لم يخلع
ووعدهم أنه يخرج في غد يوم الجمعة ليصلى بهم ويظهر لهم فانصرف عامتهم بعد
قتلى وقعت ولما كان يوم الجمعة بكر الناس بالصياح يطلبون المستعين وانتهبوا
دواب علي بن جهشيار وكانت في الخراب على باب الجسر الشرقي وانتهب جميع
485

ما كان في منزله وهرب وما زال الناس وقوفا على ما هم عليه إلى ارتفاع النهار
فوافى وصيف وبغا وأولادهما ومواليهما وقوادهما وأخوال المستعين فصار
الناس جميعا إلى الباب فدخل وصيف وبغا في خاصتهما ودخل أخوال المستعين
معهم إلى الدهليز ووقفوا على دوابهم وأعلم ابن طاهر بمكان الأخوال فأذن لهم
بالنزول فأبوا وقالوا ليس هذا يوم نزولنا عن ظهور دوابنا حتى نعلم نحن والعامة
ما نحن عليه ولم تزل الرسل تختلف إليهم وهم يأبون فخرج إليهم محمد بن عبد الله
نفسه فسألهم النزول والدخول إلى المستعين فأعلموه أن العامة قد ضجت مما
بلغها وصح عندها ما أنت عليه من خلع المستعين والبيعة للمعتز وتوجيهك القواد
للبيعة للمعتز وارادتك التهويل ليصير الامر إليه وادخاله الأتراك والمغاربة بغداد
فيحكموا فيهم بحكمهم فيمن ظهروا عليه من أهل المدائن والقرى واستراب بك
أهل بغداد واتهموك على خليفتهم وأموالهم وأولادهم وأنفسهم وسألوا اخراج
الخليفة إليهم ليروه ويكذبوا ما بلغهم عنه فلما تبين محمد بن عبد الله صحة قولهم
ونظر إلى كثرة اجتماع الناس وضجيجهم سأل المستعين الخروج إليهم فخرج إلى دار
العامة التي كان يدخلها جميع الناس فنصب له فيها كرسي وأدخل إليه جماعة
من الناس فنظروا إليه ثم خرجوا إلى من وراءهم فأعلموهم صحة أمره فلم يقنعوا
بذلك فلما تبين له أنهم لا يسكنون دون أن يخرج إليهم وقد كان عرف كثرة
الناس أمر باغلاق الباب الحديد الخارج فأغلق وصار المستعين وأخواله ومحمد
ابن موسى المنجم ومحمد بن عبد الله إلى الدرجة التي تفضى إلى سطوح دار العامة
وخزائن السلاح ثم نصب لهم سلاليم على سطح المجلس الذي يجلس فيه محمد بن
عبد الله والفتح بن سهل فأشرف المستعين على الناس وعليه سواد وفوق السواد
بردة النبي صلى الله عليه وسلم ومعه القضيب فكلم الناس وناشدهم وسألهم بحق
صاحب البردة إلا انصرفوا فإنه في أمن وسلامة وإنه لا بأس عليه من محمد بن
عبد الله وسألوه الركوب معهم والخروج من دار محمد بن عبد الله لانهم لا يأمنونه
عليه فأعلمهم أنه على النقلة منها إلى دار عمته أم حبيب ابنة الرشيد بعد أن يصلح له
486

ما ينبغي أن يسكن فيه وبعد أن يحول أمواله وخزائنه وسلاحه وفرشه وجميع ماله
في دار محمد بن عبد الله فانصرف أكثر الناس وسكن أهل بغداد ولما فعل أهل بغداد
ما فعلوا من اجتماعهم على ابن طاهر مرة بعد مرة واسماعهم إياه المكروه
تقدم إلى أصحاب المعاون ببغداد بتسخير ما قدروا عليه من الإبل والبغال والحمير
لينتقل عنها * وذكروا أنه أراد أن يقصد المدائن واجتمع على بابه جماعة من
مشايخ الحربية والأرباض جميعا يعتذرون إليه ويسألونه الصفح عما كان منهم
ويذكرون أن الذي فعل ذلك الغوغاء والسفهاء لسوء الحال التي كانوا بها والفاقة
التي نالتهم فرد عليهم فيما ذكر مردا جميلا وقال لهم قولا حسنا وأثنى عليهم
وصفح عما كان منهم وتقدم إليهم بالتقدم إلى شبابهم وسفهائهم في الاخذ على
أيديهم وأجابهم إلى ترك النقلة وكتب إلى أصحاب المعاون بترك السخرة * ولأيام
خلون من ذي الحجة انتقل المستعين من دار محمد بن عبد الله وركب منها فصار
إلى دار رزق الخادم في الرصافة ومر بدار علي بن المعتصم فخرج إليه على فسأله
النزول عنده فأمره بالركوب فلما صار إلى دار رزق الخادم نزلها فوصل إليها
فيما ذكر مساء فأمر الفرسان من الجند حين صار إليها بعشرة دنانير لكل فارس
منهم وبخمسة دنانير لكل راجل وركب بركوب المستعين ابن طاهر وبيده
الحربة يسير بها بين يديه والقواد خلفه وأقام فيما ذكر مع المستعين ليلة انتقل
إلى دار رزق محمد بن عبد الله إلى ثلث الليل ثم انصرف وبات عنده وصيف وبغا
حتى السحر ثم انصرفا إلى منازلهما * ولما كان صبيحة الليلة التي انتقل المستعين
فيها من دار ابن طاهر اجتمع الناس في الرصافة وأمر القواد وبنو هاشم بالمصير
إلى ابن طاهر والسلام عليه وأن يسيروا معه إذا ركب إلى الرصافة فصاروا
إليه فلما كان الضحى الأكبر من ذلك اليوم ركب ابن طاهر وجميع قواده في تعبية
وحوله ناشبة رجالة فلما خرج من داره وقف للناس فعاتبهم وحلف أنه ما أضمر
لأمير المؤمنين أعزه الله ولا لولى له ولا لاحد من الناس سوءا وأنه ما يريد
إلا اصلاح أحوالهم وما تدوم به النعمة عليهم وأنهم قد توهموا عليه مالا يعرفه
487

حتى أبكى الناس فدعا له من حضر وعبر الجسر وصار إلى المستعين وبعث
فأحضر جيرانه ووجوه أهل الأرباض من الجانب الغربي فخاطبوهم بكلام
عاتبهم فيه واعتذر إليهم مما بلغهم ووجه وصيف وبغا من طاف على أبواب
بغداد ووكلا صالح بن وصيف بباب الشماسية * وذكر أن المستعين كان كارها
لنقله عن دار محمد ولكنه انتقل عنها من أجل أن الناس ركبوا الزواريق بالنفاطين
ليضربوا روشن ابن طاهر بالنار لما صعب عليهم فتح بابه يوم الجمعة * وذكر
أن قوما منهم كنجور وقفوا بباب الشماسية من قبل أبى أحمد فطلبوا ابن طاهر
ليكلموه فكتب إلى وصيف يعلمه خبر القوم ويسأله أن يعلم المستعين ذلك
ليأمر فيه بما يرى فرد المستعين الامر في ذلك إليه وأن التدبير في جميع ذلك
مردود إليه فيتقدم في ذلك بما رأى * وذكر أن علي بن يحيى بن أبي منصور
المنجم كلم محمد بن عبد الله في ذلك بكلام غليظ فوثب عليه محمد بن أبي عون
فأسمعه وتناوله * وذكر عن سعيد بن حميد أن أحمد بن إسرائيل والحسن بن
مخلد وعبيد الله بن يحيى خلوا بابن طاهر فما زالوا يفتلونه في الذروة والغارب
فيشيرون عليه في الصلح وأنه ربما كان عنده قوم فأجروا الكلام في
خلاف الصلح فنكس في وجوههم وتعرض عنهم فإذا حضر هؤلاء الثلاثة
أقبل عليهم وحادثهم وشاورهم * وذكر عن بعضهم أنه قال قلت لسعيد بن
حميد يوما ما ينبغي إلا أن يكون قد كان انطوى على المداهنة في أول أمره
قال وددت أنه كان كذلك لا والله ما هو إلا أن هزم أصحابه من المدائن والأنبار
حتى كاتب القوم وأجابهم بعد أن كان قد جادهم * وحدثني أحمد بن يحيى النحوي
وكان يؤدب ولد ابن طاهر أن محمد بن عبد الله لم يزل جادا في نصرة المستعين حتى
أحفظه عبيد الله بن يحيى بن خاقان فقال له أطال الله بقاءك إن هذا الذي تنصره
وتجد في أمره من أشد الناس نفاقا وأخبثهم دينا والله لقد أمر وصيفا وبغا
بقتلك فاستعظما ذلك ولم يفعلاه وإن كنت شاكا فيما وصفت من أمره فسل
تخبره وأن من ظاهر نفاقه أنه كان وهو بسامرا لا يجهر في صلاته ببسم الله
488

الرحمن الرحيم فلما صار إلى ما قبلك جهر بها مراءاة لك وتترك نصرة وليك
وصهرك وتربيتك ونحو ذلك من كلام كلمه به فقال محمد بن عبد الله أخزى الله
هذا لا يصلح لدين ولا دنيا قال وكان أول من تقدم على صرف محمد بن عبد الله
عن الجد في أمر المستعين عبيد الله بن يحيى في هذا المجلس ثم ظاهر عبيد الله بن
يحيى على ذلك أحمد بن إسرائيل والحسن بن مخلد فلم يزالوا به حتى صرفوه عما
كان عليه من الرأي في نصرة المستعين (وفى يوم الأضحى) من هذه السنة صلى
بالناس المستعين صلاة الأضحى في الجزيرة التي بحذاء دار ابن طاهر وركب وبين
يديه عبيد الله بن عبد الله معه الحربة التي لسليمان وبيد الحسين بن إسماعيل حربة
السلطان وبغا ووصيف يكنفانه ولم يركب محمد بن عبد الله بن طاهر وصلى
عبد الله بن إسحاق في الرصافة (وفى يوم الخميس) ركب محمد بن عبد الله إلى
المستعين وحضره عدة من الفقهاء والقضاة فذكر أنه قال للمستعين قد كنت
فارقتني على أن تنفذ أمرى في كل ما أعزم عليه ولك عندي بخطك رقعة بذلك
فقال المستعين أحضر الرقعة فأحضرها فإذا فيها ذكر الصلح وليس فيها ذكر
الخلع فقال نعم أنفذ الصلح فقام الخلنجي فقال يا أمير المؤمنين إنه يسألك أن
تخلع قميصا قمصك به الله وتكلم علي بن يحيى المنجم فأغلظ لمحمد بن عبد الله ثم
ركب بعد ذلك محمد بن عبد الله وذلك للنصف من ذي الحجة إلى المستعين
بالرصافة ثم انصرف ومعه وصيف وبغا فمضوا جميعا حتى صاروا إلى باب
الشماسية فوقف محمد بن عبد الله على دابته ومضى وصيف وبغا إلى دار الحسن
ابن الأفشين وانحدرت المبيضة والغوغاء من السور ولم يطلق لاحد فتح
الأبواب وقد كان خرج قبل ذلك جماعة كثيرة إلى عسكر أبى أحمد فاشتروا
ما أرادوا فلما خرج من ذكرنا إلى باب الشماسية نودي في أصحاب أبي أحمد
ألا يباع من أحد من أهل بغداد شئ فمنعوا من الشرى وكان قد ضرب لمحمد
ابن عبد الله بباب الشماسية مضرب كبير أحمر وكان مع ابن طاهر بندار الطبري
وأبو السنا ونحو من مائتي فارس ومائتي راجل وجاء أبو أحمد في زلال حتى
489

قرب من المضرب ثم خرج ودخل المضرب مع محمد بن عبد الله ووقف الذين مع
كل واحد منهما من الجند ناحية فتناظر ابن طاهر وأبو أحمد طويلا ثم خرجا
من المضرب وانصرف ابن طاهر من مضربه إلى داره في زلال فلما صار إليها
خرج من الزلال فركب ومضى إلى المستعين ليخبره بما دار بينه وبين أبى أحمد
وأقام عنده إلى العصر ثم انصرف فذكر أنه فارقه على أن يعطى خمسين ألف دينار
ويقطع غلة ثلاثين ألف دينار في السنة وأن يكون مقامه بغداد حتى يجتمع لهم
مال يعطون الجند وعلى أن يولى بغا مكة والمدينة والحجاز ووصيف الجبل وما والاه
ويكون ثلث ما يجئ من المال لمحمد بن عبد الله وجند بغداد والثلثان للموالي
والأتراك * وذكر أن أحمد بن إسرائيل لما صار إلى المعتز ولاه ديوان البريد
وفارقه على أن يكون هو الوزير وعيسى بن فرخانشاه على ديوان الخراج وأبو نوح
على الخاتم والتوقيع فاقتسموا الأعمال فوردت خريطة الموسم إلى بغداد بالسلامة
فبعث بها إلى أبى أحمد ثم ركب ابن طاهر فيما قيل لأربع عشرة بقيت من ذي الحجة
من هذه السنة إلى المستعين لمناظرته في الخلع فناظره فامتنع عليه المستعين وظن
المستعين أن بغا ووصيفا معه فكاشفاه فقال المستعين هذا عنقي والسيف والنطع
فلما رأى امتناعه انصرف عنه فبعث المستعين إلى ابن طاهر بعلى بن يحيى المنجم
وقوم من ثقاته وقال قولوا له اتق الله فإنما جئتك لتدفع عنى فإن لم تدفع عنى فكف
عنى فرد عليه أما أنا فأقعد في بيتي ولكن لابد لك من خلعها طائعا أو مكرها *
وذكر عن علي بن يحيى أنه قال له قل له إن خلعتها فلا بأس فوالله لقد تمزقت تمزقا
لا يرقع وما تركت فيها فضلا فلما رأى المستعين ضعف أمره وخذلان ناصريه
أجاب إلى الخلع فلما كان يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة وجه
ابن طاهر ابن الكردية وهو محمد بن إبراهيم بن جعفر الأصغر بن المنصور والخلنجي
وموسى بن صالح بن شيخ وأبا سعيد الأنصاري وأحمد بن إسرائيل ومحمد بن موسى
المنجم إلى عسكر ابن أحمد ليوصلوا كتاب محمد إليه بأشياء سألها المستعين من
حين ندب إلى أن يخلع نفسه فأوصلوا الكتاب فأجاب إلى ما سأل وكتب الجواب
490

بأن يقطع وينزل مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم وأن يكون مضطربه من مكة
إلى المدينة ومن المدينة إلى مكة فأجابه إلى ذلك فلم يقنع المستعين إلا بخروج ابن
الكردية بما سأل إلى المعتز حتى يكتب بإجابته بذلك بخطه بعد مشافهة ابن الكردية
المعتز بذلك فتوجه ابن الكردية بها وكان سبب إجابة المستعين إلى الخلع فيما ذكر
أن وصيفا وبغا وابن طاهر ناظروه في ذلك وأشاروا عليه فأغلظ لهم فقال له
وصيف أنت أمرتنا بقتل باغر فصرنا إلى ما نحن فيه وأنت عرضتنا لقتل أتامش
وقلت إن محمدا ليس بناصح وما زالوا يفزعونه ويحتالون له فقال محمد بن عبد الله
وقد قلت لي إن أمرنا لا يصطلح إلا باستراحتنا من هذين فلما اجتمعت كلمتهم
أذعن لهم بالخلع وكتب بما اشترط لنفسه عليهم وذلك لاحدى عشرة ليلة بقيت من
ذي الحجة ولما كان يوم السبت لعشر بقين من ذي الحجة ركب محمد بن عبد الله
إلى الرصافة وجميع القضاة والفقهاء وأدخلهم على المستعين فوجا فوجا وأشهدهم
عليه أنه قد صير أمره إلى محمد بن عبد الله بن طاهر ثم أدخل عليه البوابين والخدم
وأخذ منه جوهر الخلافة وأقام عنده حتى مضى هوى من الليل وأصبح الناس
يرجفون بألوان الأراجيف وبعث ابن طاهر إلى قواده في موافاته مع كل قائد
منهم عشرة نفر من وجوه أصحابه فوافوه فأدخلهم ومناهم وقال لهم انما أردت
بما فعلت صلاحكم وسلامتكم وحقن الدماء وأعد للخروج إلى المعتز في الشروط
التي اشترطها للمستعين ولنفسه ولقواده قوما ليوقع المعتز في ذلك بخطه ثم أخرجهم
إلى المعتز فمضوا إليه حتى وقع في ذلك بخطه إمضاء كل ما سأل المستعين وابن طاهر
لأنفسهما من الشروط وشهدوا عليه باقراره بذلك كله وخلع المعتز على الرسل
وقلدهم سيوفا وانصرفوا بغير جائزة ولا نظر في حاجة لهم ووجه معهم لاخذ البيعة
له على المستعين جماعة من عنده ولم يأمر للجند بشئ وحمل إلى المستعين أمه وابنته
وعياله بعد ما فتش عياله وأخذ منهم بعض ما كان معهم مع سعيد بن صالح فكان
دخول الرسل بغداد بعد منصرفهم من عند المعتز يوم الخميس لثلاث خلون من
المحرم سنة 252 وذكر أن رسل المعتز لما صاروا بالشماسية قال ابن سجادة أنا
491

أخاف من أهل بغداد فإما أن يحمل المستعين إلى الشماسية أو إلى دار محمد بن عبد الله
ليبايع المعتز ويخلع نفسه ويؤخذ منه القضيب والبردة * وفى شهر ربيع الأول من
هذه السنة كان ظهور المعروف بالكوكبي بقزوين وزنجان وغلبته عليها وطرده
عنها آل طاهر واسم الكوكبي الحسين بن أحمد بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل
الأرقط بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه (وفيها)
قطعت بنو عقيل طريق جدة فحاربهم جعفر بشاشات فقتل من أهل مكة نحو من
ثلثمائة رجل وبعض بنى عقيل القائل
عليك ثوبان وأمي عاريه * فألق لي ثوبك يا ابن الزانية
فلما فعل بنو عقيل ما فعلوا غلت بمكة الأسعار وأغارت الاعراب على القرى
(وفيها) ظهر إسماعيل بن يوسف بن إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن
ابن علي بن أبي طالب بمكة فهرب جعفر بن الفضل بن عيسى بن موسى العامل على
مكة فانتهب إسماعيل بن يوسف منزل جعفر ومنزل أصحاب السلطان وقتل
الجند وجماعة من أهل مكة وأخذ ما كان حمل لاصلاح العين من المال وما كان
في الكعبة من الذهب وما في خزائنها من الذهب والفضة والطيب وكسوة الكعبة
وأخذ من الناس نحوا من مائتي ألف دينار وأنهب مكة وأحرق بعضها في
شهر ربيع الأول منها ثم خرج منها بعد خمسين يوما ثم صار إلى المدينة فتوارى
علي بن الحسين بن إسماعيل العامل عليها ثم رجع إسماعيل إلى مكة في
رجب فحصرهم حتى تماوت أهلها جوعا وعطشا وبلغ الخبز ثلاثة أواق بدرهم
واللحم رطل بأربعة دراهم وشربة ماء ثلاثة دراهم ولقى أهل مكة منه كل بلاء
ثم رحل بعد مقام سبعة وخمسين يوما إلى جدة فحبس عن الناس الطعام وأخذ
أموال التجار وأصحاب المراكب فحمل إلى مكة الحنطة والذرة من اليمن ثم وافت
المراكب من القلزم ثم وافى إسماعيل بن يوسف الموقف وذلك يوم عرفة وبه
محمد بن أحمد بن عيسى بن المنصور الملقب كعب البقر وعيسى بن محمد المخزومي
صاحب جيش مكة وكان المعتز وجههما إليها فقاتلهم فقتل نحو من ألف ومائة من
492

الحاج وسلب الناس وهربوا إلى مكة ولم يقفوا بعرفة ليلا ولا نهارا ووقف إسماعيل
وأصحابه ثم رجع إلى جدة فأفنى أموالها
* ثم دخلت سنة اثنتين وخمسين ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمن ذلك ما كان من خلع المستعين أحمد بن محمد بن المعتصم نفسه من الخلافة
وبيعته للمعتز محمد بن جعفر المتوكل بن محمد المعتصم والدعاء للمعتز على منبري بغداد
ومسجدي جانبيها الشرقي منها والغربي يوم الجمعة لأربع خلون من المحرم من
هذه السنة وأخذ البيعة له بها على من كان يومئذ بها من الجند * وذكر أن
ابن طاهر دخل على المستعين ومعه سعيد بن حميد حين كتب له بشروط الأمان
فقال له يا أمير المؤمنين قد كتب سعيد كتب الشروط وأكد غاية التأكيد فنقرأه
عليك فتسمعه فقال له المستعين لا عليك لا عليك ألا تركتها يا أبا العباس فما القوم
بأعلم بالله منك وقد أكدت على نفسك قبلهم فكان ما قد علمت فما رد عليه
محمد شيئا ولما بايع المستعين المعتز وأخذ عليه البيعة ببغداد وأشهد عليه الشهود من
بني هاشم والقضاة والفقهاء والقواد نقل من الموضع الذي كان به من الرصافة إلى
قصر الحسن بن سهل بالمخرم هو وعياله وولده وجواريه فأنزلوهم فيه جميعا ووكل
بهم سعيد بن رجاء الحضاري في أصحابه وأخذ من المستعين البردة والقضيب والخاتم
ووجه مع عبيد الله بن عبد الله بن طاهر وكتب معه أما بعد فالحمد لله متمم النعم
برحمته والهادي إلى شكره بفضله وصلى الله على محمد عبده ورسوله الذي جمع
له ما فرق من الفضل في الرسل قبله وجعل تراثه راجعا إلى من خصه بخلافته وسلم
تسليما كتابي إلى أمير المؤمنين وقد تمم الله له أمره وتسلمت تراث رسول الله صلى
الله عليه وسلم ممن كان عنده وأنفذته إلى أمير المؤمنين مع عبيد الله بن عبد الله مولى
أمير المؤمنين وعبده ومنع المستعين الخروج إلى مكة واختار أن ينزل البصرة
فذكر عن سعيد بن حميد أن محمد بن موسى بن شاكر قال البصرة وبية فكيف
اخترت أن تنزلها فقال المستعين هي أوبى أو ترك الخلافة * وذكر أن قرب جارية
493

قبيحة جاءت برسالة إلى المستعين من المعتز يسأله أن ينزل عن ثلاث جوار كان
المستعين تزوجهن من جواري المتوكل فنزل عنهن وجعل أمرهن إليهن وكان
أحتبس عنده من الجوهر خاتمين يقال لأحدهما البرج وللآخر الجبل فوجه إليه
محمد بن عبد الله بقرب خاصية المعتز وجماعة فدفعهما إليهم وانصرفوا بذلك إلى
محمد بن عبد الله فوجه به إلى المعتز ولست خلون من المحرم دخل فيما قيل بغداد
أكثر من مائتي سفينة فيها من صنوف التجارات وغنم كثير وأشخص المستعين
مع محمد بن مظفر بن سيسل وابن أبي حفصة إلى واسط في نحو من أربعمائة فرسان
ورجالة وقدم بعد ذلك على ابن طاهر عيسى بن فرخانشاه وقرب فأخبراه أن
ياقوتة من جوهر الخلافة قد حبسها أحمد بن محمد عنده فوجه ابن طاهر الحسين
ابن إسماعيل فأخرجها فإذا ياقوتة بهية أربع أصابع طولا في عرض مثل ذلك
وإذا هو قد كتب عليه اسمه فدفعت إلى قرب فبعثت بها إلى المعتز واستور المعتز
أحمد بن إسرائيل وخلع عليه ووضع تاجا على رأسه وشخص أبو أحمد إلى سامرا
يوم السبت لاثنتي عشرة خلت من المحرم منها وشيعه محمد بن عبد الله والحسن
ابن مخلد فخلع على محمد بن عبد الله خمس خلع وسيفا ورجع من الروذباز وقال
بعض الشعراء في خلع المستعين
خلع الخلافة أحمد بن محمد * وسيقتل التالي له أو يخلع
ويزول ملك بنى أبيه ولا يرى * أحد تملك منهم يستمتع
إيها بنى العباس إن سبيلكم * في قتل أعبدكم طريق مهيع
رقعتم دنياكم فتمزقت * بكم الحياة تمزقا لا يرقع
وقال بعض البغداديين
إني أراك من الفراق جزوعا * أضحى الامام مسيرا مخلوعا
كانت به الآفاق تضحك بهجة * وهو الربيع لمن أراد ربيعا
لا تنكري حدث الزمان وريبه * إن الزمان يفرق المجموعا
لبس الخلافة واستجد محبة * يقضى أمور المسلمين جميعا
494

فجنت عليه يد الزمان بصرفه * حربا وكان عن الحروب شسوعا
وتجانف الأتراك عنه تمردا * أضحى وكان لا يراع مروعا
فنزا بهم فنزوا به وتعاورت * يدي الكماة من الرؤس نجيعا
فأزاله المقدار عن رتب العلا * فثوى بواسط لا يحس رجوعا
غدروا به مكروا به خانوا به * لزم الفراش وحالف التضجيعا
وتكنفوا بغداد من أقطارها * قد ذللوا ما كان قبل منيعا
ولو أنه سعر الحروب بنفسه * متلبسا للقائهن دروعا
حتى يصادم بالكماة كماته * فيكون من قصد الحروب صريعا
لغدا على ريب الزمان محرما * ولكان إذ غدر اللئام منيعا
لكن عصى رأى الشفيق وعذله * وغدا لأمر الناكثين مطيعا
والملك ليس بمالك سلطانه * من كان للرأي السديد مضيعا
ما زال يخدع نفسه عن نفسه * حتى غدا عن ملكه مخدوعا
باع ابن طاهر دينه عن بيعة * أمسى بها ملك الإمام منيعا
خلع الخلافة والرعية فاغتدى * من دين رب محمد مخلوعا
فليجرعن بذاك كأسا مرة * وليلفين لتابعيه تبيعا
وقال محمد بن مروان بن أبي الجنوب بن مروان حين خلع المستعين وصار
إلى واسط
إن الأمور إلى المعتز قد رجعت * والمستعان إلى حالاته رجعا
وكان يعلم أن الملك ليس له * وأنه لك لكن نفسه خدعا
ومالك الملك مؤتيه ونازعه * آتاك ملكا ومنه الملك قد نزعا
إن الخلافة كانت لا تلائمه * كانت كذات حليل زوجت متعا
ما كان أقبح عند الناس بيعته * وكان أحسن قول الناس قد خلعا
ليت السفين إلى قاف دفعن به * نفسي الفداء لملاح به دفعا
كم ساس قبلك أمر الناس من ملك * لو كان حمل ما حملته ظلعا
495

أمسى بك الناس بعد الضيق في سعة * والله يجعل بعد الضيق متسعا
والله يدفع عنك السوء من ملك * فإنه بك عنا السوء قد دفعا
ما ضاع مدحي ولاضاع اصطناعك لي * وقد وجدت بحمد الله مصطنعا
فاردد على بنجد ضيعة قبضت * فإن مثلك مثلي يقطع الضيعا
فإن رددت إمام العدل غلتها * فالله آنف حسادي به جدعا
وقال يمدح المعتز بعد خلع المستعين
قد عادت الدنيا إلى حالها * وسرنا الله بإقبالها
دنيا بك الله كفى أهلها * ما كان من شدة أهوالها
وكان قد ملكها جاهل * لا تصلح الدنيا لجهالها
قد كانت الدنيا به قفلت * فكنت مفتاحا لاقفالها
إن التي فزت بها دونه * عادت إلى أحسن أحوالها
خلافة كنت حقيقا بها * فضلك الله بسربالها
فرده الله إلى حاله * وردها الله إلى حالها
ولم تكن أول عارية * ردت على رغم إلى آلها
والله لو كان على قرية * ما كان يجزى بعض أعمالها
أدخل في الملك يدار عدة * خرجها من بعد إدخالها
بدلنا الله به سيدا * أسكن دنيا بعد زلزالها
بدلت الأمة هذا بذا * كأنها في وقت دجالها
وقام بالملك وأثقاله * وقام بالحرب وأثقالها
أبطل ما كان العدا أملوا * رميك بالخيل وأبطالها
تعمل خيلا طال ما أنجحت * ما عملت خيل كأعمالها
وقال الوليد بن عبيد البحتري في خلع المستعين ومدح المعتز
ألا هل أتاها أن مظلمة الدجى * تجلت وأن العيش سهل جانبه
وأنا رددنا المستعار مذمما * على أهله واستأنف الحق صاحبه
496

عجبت لهذا الدهر أعيت صروفه * وما الدهر إلا صرفه وعجائبه
متى أمل الذيال أن يصطفى له * عرى التاج أو يثنى عليه عصائبه
وكيف ادعى حق الخلافة غاصب * حوى دونه إرث النبي أقاربه
بكى المنبر الشرقي إذ خار فوقه * على الناس ثور قد تدلت غباغبه
ثقيل على جنب الثريد مراقب * لشخص الخوان يبتدى فيواثبه
إذا ما احتشى من حاضر الزاد لم يبل * أضاء شهاب الملك أم كل ثاقبه
إذا بكر الفراش ينثو حديثه * تضاءل مطريه وأطنب عائبه
تخطى إلى الامر الذي ليس أهله * فطورا يناغيه وطورا يشاغبه
فكيف رأيت الحق قر قراره * وكيف رأيت الظلم زالت عواقبه
ولم يكن المعتز بالله إذ سرى * ليعجز والمعتز بالله طالبه
رمى بالقضيب عنوة وهو صاغر * وعرى من برد النبي مناكبه
وقد سرنى أن قيل وجه مسرعا * إلى الشرق يحدى سفنه وركائبه
إلى كسكر خلف الدجاج ولم يكن * لينشب إلا في الدجاج مخالبه
وما لحية القصار حيث تنفشت * بجالبة خيرا على من يناسبه
يحوز ابن خلاد على الشعر عنده * ويضحى شجاع وهو للجهل كاتبه
فأقسمت بالوادي الحرام وما حوت * أباطحه من محرم وأخاشبه
لقد حمل المعتز أمة أحمد * على سنن يسرى إلى الحق لاحبه
تدارك دين الله من بعد ما عفت * معالمه فينا وغارت كواكبه
وضم شعاع الملك حتى تجمعت * مشارقه موفورة ومغاربه
وانصرف أبو الساج ديوداد بن ديودست إلى بغداد لسبع بقين من المحرم من
هذه السنة فقلده محمد بن عبد الله معاون ما سقى الفرات من السراد فوجه أبو الساج
خليفة له يقال له كربه إلى الأنبار ووجه قوما من أصحابه إلى قصر ابن هبيرة مع
خليفة له ووجه الحارث بن أسد في خمسمائة فارس وراجل؟ أعماله ويطرد
الأتراك والمغاربة عنها وقد كانوا عاثوا في النواحي وتلصصوا ثم شخص أبو الساج
(32 - 7)
497

من بغداد لثلاث خلون من ربيع الأول ففرق أصحابه في طساسيج الفرات
ونزل قصر ابن هبيرة ثم صار إلى الكوفة ووافى أبو أحمد سامرا منصرفا من
معسكره إليها لاحدى عشرة بقيت من المحرم فخلع المعتز عليه ستة أثواب وسيفا
وتوج تاج ذهب بقلنسوة مجوهرة وشح وشاحي ذهب بجوهر وقلد سيفا آخر
مرصعا بالجوهر وأجلس على كرسي وخلع على الوجوه من القواد (وفيها)
قتل شريح الحبشي وكان سبب ذلك أنه حين وقع الصلح هرب في عدة من الحبشة
فقطع الطريق فيما بين واسط وناحية الجبل والأهواز ونزل قرية من قرى أم
المتوكل يقال لها ديرى فنزل في خانها في خمسة عشر رجلا فشربوا وسكروا فوثب
عليهم أهل القرية فكتفوهم وحملوهم إلى واسط إلى منصور بن نصر فحملهم منصور
إلى بغداد فأنفذهم محمد بن عبد الله إلى العسكر فلما وصلوا قام بايكباك إلى شريح
فوسطه بالسيف وصلب على خشبة بابك وضرب أصحابه بالسياط ما بين الخمسمائة
إلى الألف * وفى شهر ربيع الآخر منها توفى عبيد الله بن يحيى بن خاقان في مدينة
أبى جعفر (وفيها) كتب المعتز إلى محمد بن عبد الله في إسقاط اسم بغا ووصيف
ومن كان في رسمهما من الدواوين * وذكر أن محمد بن أبن عون أحد قواد
محمد بن عبد الله ناظره لما صار أبو أحمد إلى سامرا في قتل بغا ووصيف فوعده
أن يقتلهما فبعث المعتز إلى محمد بن عبد الله بلواء وعقد لمحمد بن أبي عون لواء على
البصرة واليمامة والبحرين فكتب قوم من أصحاب بغا ووصيف إليهما بذلك
وحذروهما محمد بن عبد الله فركب وصيف وبغا إليه يوم الثلاثاء لخمس بقين من
ربيع الأول فقال له بغا بلغنا أيها الأمير ما ضمنه ابن أبي عون من قتلنا والقوم قد
غدروا وخالفوا ما فارقونا عليه والله لو أرادوا أن يقتلونا ما قدروا عليه فحلف
لهما أنه ما علم بشئ من ذلك وتكلم بغا بكلام شديد ووصيف يكفه وقال
وصيف أيها الأمير قد غدر القوم ونحن نمسك ونقعد في منازلنا حتى يجئ
من يقتلنا وكانا دخلا مع جماعة ثم رجعا إلى منازلهما فجمعا جندهما ومواليهما وأخذا
في الاستعداد وشرى السلاح وتفريق الأموال في جيرانهما إلى سلخ ربيع الأول
498

وكان وصيف وبغا عند قدوم قرب وجه إليهما محمد بن عبد الله كاتبه محمد بن عيسى
فأقبلا معه حتى صارا عند دار محمد بن عبد الله بقرب الجسر فلقيهما جعفر الكردي
وابن خالد البرمكي فتعلق كل واحد منهما بلجام واحد منهما وقال لهما انما دعيتما
لتحملا إلى العسكر وقد أعد لكما لذلك قوم أو لتقتلا فرجعا وجمعا جمعا وأجريا
على كل رجل كل يوم درهمين فأقاما في منازلهما وكان وصيف وجه أخته سعاد
إلى المؤيد وكان المؤيد في حجرها فأخرجت من قصر وصيف ألف ألف دينار
كانت مدفونة فيه فدفعتها إلى المؤيد فكلم المؤيد المعتز في الرضا عن وصيف
فكتب إليه بالرضا عنه فضرب مضاربه بباب الشماسية على أن يخرج وتكلم أبو أحمد
ابن المتوكل في الرضا عن بغا فكتب إليه بالرضا واضطرب أمرهما وهما مقيمان
ببغداد ثم اجتمع على المعتز الأتراك فسألوه الامر باحضارهما وقالوا هما
كبيرانا ورئيسانا فكتب إليهما بذلك فجاء بالكتاب بايكباك في نحو من
ثلثمائة رجل فأقام بالبردان ووجه إليهما الكتاب لسبع بقين من شهر رمضان
من هذه السنة فكتب إلى محمد بن عبد الله يمنعهما فوجها بكاتبيهما أحمد بن
صالح ودليل بن يعقوب إلى محمد بن عبد الله ليستأذناه في أتاهما جيش من
الأتراك فنزلوا بالمصلى وخرج وصيف وبغا وأولادهما وفرسانهما في نحو من
أربعمائة انسان وخلفا في دورهما الثقل والعيال ودعا أهل بغداد لهما ودعوا لهم * وقد
كان ابن طاهر وجه محمد بن يحيى الواثقي وبندار الطبري إلى باب الشماسية وباب
البردان ليمنعوهما ومضيا من باب خراسان ونفذا ولم يعلم كاتباهما حتى قال محمد
ابن عبد الله لأحمد ودليل ما صنع صاحباكما فقال أحمد بن صالح خلفت وصيفا
في منزله قال فإنه قد شخص الساعة قال ما علمت فلما صار إلى سامرا بكر أحمد بن
إسرائيل يوم الأحد لتسع بقين من شوال من هذه السنة في السحر إلى وصيف
وأقام عنده مليا ثم انصرف إلى بغا فأقام عنده مليا ثم صار إلى الدار فاجتمع الموالى
وسألوا ردهما إلى مراتبهما فأجيبوا إلى ذلك وبعث إليهما فحضرا ورتبا في مرتبتهما
التي كانت قبل مصيرهما إلى بغداد وأمر برد ضياعهما وخلع عليهما خلع المرتبة ثم
499

ركب المعتز إلى دار العامة وعقد لبغا ووصيف على أعمالهما ورد ديوان البريد كما
كان قبل إلى موسى بن بغا الكبير فقبل موسى ذلك * وفى شهر رمضان من هذه
السنة كانت وقعة بين جند بغداد وأصحاب محمد بن عبد الله بن طاهر ورئيس الجند
يومئذ ابن الخليل وكان السبب في ذلك فيما ذكر أن المعتز كتب إلى محمد بن عبد الله
في بيع غلة طساسيج ضياع بادوريا وقطربل ومسكن وغيرها كل كرين بالمعدل
بخمسة وثلاثين دينارا من غلة سنة 252 وكان المعتز ولى بريد بغداد رجلا يقال
له صالح بن الهيثم وكان أخوه منقطعا إلى أتامش أيام المتوكل فارتفع أمر صالح
هذا أيام المستعين وكان ممن أقام بسامرا وهو من أهل المخرم وكان أبوه حائكا
ثم صار يبيع الغزل ثم انتقل أخوه إليه لما ارتفع فلما أقام ببغداد كتب إليه يؤمر
أن يقرأ الكتاب على قواد أهل بغداد كعتاب بن عتاب ومحمد بن يحيى الواثقي
ومحمد بن هرثمة ومحمد بن رجاء وشعيب بن عجيف ونظرائهم فقرأه عليهم فصاروا
إلى محمد بن عبد الله في أخبروه فأمر محمد بن عبد الله فأحضر صالح بن الهيثم وقال
ما حملك على هذا بغير علمي وتهدده وأسمعه وقال للقواد انتظروا حتى أرى رأيي
وآمركم بما أعزم عليه فانصرفوا من عنده على ذلك وشخص بعد ذلك واجتمع
الفروض والشاكرية والنائبة إلى باب محمد بن عبد الله يطلبون أرزاقهم لعشر
خلون من شهر رمضان فأخبرهم أن كتاب الخليفة ورد عليه جواب كتاب له كان
كتب بمسألة أرزاق جند بغداد إن كنت فرضت الفروض لنفسك فاعطهم أرزاقهم
وإن كنت فرضت لنا فلا حاجة لنا فيهم فلما ورد الكتاب عليه أخرج لهم بعد
شغبهم بيوم ألفى دينار فوضعت لهم ثم سكنوا ثم اجتمعوا لاحدى عشرة خلت
من شهر رمضان ومعهم الاعلام والطبول وضربوا المضارب والخيم على باب
حرب وباب الشماسية وغيرهما وبنوا بيوتا من بواري وقصب وباتوا ليلتهم فلما
أصبحوا كثر جمعهم وبيت ابن طاهر قوما من خاصته في داره وأعطاهم درهما درهما
فلما أصبحوا مضوا من داره إلى المشغبة فصاروا معهم فجمع ابن طاهر جنده القادمين
معه من خراسان وأعطاهم لشهرين وأعطى جند بغداد القدماء الفارس دينارين
500

والراجل دينارا وشحن داره بالرجال فلما كان يوم الجمعة اجتمع من المشغبة خلق
كثير بباب حرب بالسلاح والاعلام والطبول ورئيسهم رجل يقال له عبدان بن
الموفق ويكنى أبا القاسم وكان من اثبات عبيد الله بن يحيى بن خاقان وكان ديوان
عبدان في ديوان وصيف فقدم بغداد فباع دارا له بمائة ألف دينار فشخص إلى
سامرا فلما وثبت الشاكرية بباب العامة كان معهم فضربه سعيد الحاجب خمسمائة
سوط وحبسه حبسا طويلا ثم أطلق فلما كان فتنة المستعين صار إلى بغداد وانضم
إليه هؤلاء المشغبة فحضهم على الطلب بأرزاقهم وفائتهم وضمن لهم أن يكون لهم
رأسا يدبر أمرهم فأجابوه إلى ذلك فأنفق عليهم يوم الأربعاء ويوم الخميس ويوم
الجمعة نحوا من ثلاثين دينارا فيما أقام لهم من الطعام ومن كانت لهم كفاية لم يحتج
إلى نفقته فكان ينصرف إلى منزله فلما كان يوم الجمعة اجتمعت منهم جماعة كثيرة
وعزموا على المصير إلى المدينة ليمضوا إلى الامام فيمنعوه من الصلاة والدعاء للمعتز
فساروا على تعبية في شارع باب حرب حتى انتهوا إلى باب المدينة في شارع باب
الشأم وجعل أبو القاسم هذا على كل درب يمر به قوما من المشغبة من بين رامح
وصاحب سيف ليحفظوا الدروب كيلا يخرج منها أحد لقتالهم ولما انتهى إلى باب
المدينة دخل معهم المدينة جماعة كثيرة فصاروا بين البابين وبين الطاقات فأقاموا
هناك ساعة ثم وجهوا جماعة منهم يكونون نحوا من ثلثمائة رجل بالسلاح إلى رحبة
الجامع بالمدينة ودخل معهم من العامة خلق كثير فأقاموا في الرحبة وصاروا إلى
جعفر بن العباس الامام فأعلموه أنهم لا يمنعونه من الصلاة وأنهم يمنعونه من الدعاء
للمعتز فأعلمهم جعفر أنه مريض لا يقدر على الخروج إلى الصلاة فانصرفوا عنه
وصاروا إلى درب أسد بن مرزبان فشحنوا الشارع النافذ إلى درب الرقيق
ووكلوا بباب درب سليمان بن أبي جعفر جماعة ثم مضوا يريدون الجسر في شارع
الحدادين فوجه إليهم ابن طاهر عدة من قواده فيهم الحسين بن إسماعيل والعباس
ابن قارن وعلي بن جهشيار وعبد الله بن الأفشين في جماعة من الفرسان فناظروهم
ودفعوهم دفعا رفيقا وحمل عليهم الجند والشاكرية حملة جرحوا فيها جماعة من قواد
501

ابن طاهر وأخذوا دابة ابن قار وابن جهشيار ورجل من فرض عبيد الله بن يحيى
من الشأميين يقال له سعد الضبابي وجرحوا المعرف بأبي السنا ودفعوهم عن
الجسر حتى صيروهم إلى باب عمرو بن مسعدة فلما رأى الذين بالجانب الشرقي
منهم أن أصحابهم قد أزالوا أصحاب ابن طاهر عن الجسر كبروا وحملوا يريدون
العبور إلى أصحابهم وكان ابن طاهر قد أعد سفينة فيها شوك وقصب
ليضرم فيها النار ويرسلها على الجسر الاعلى ففعل ذلك فأحرقت عامة سفنه
وقطعته وصارت إلى الآخر فأدركها أهل الجانب الغربي ففرقوها وأطفؤا
النار التي تعلقت بسفن الجسر وعبر من الجانب الشرقي إلى الجانب الغربي خلق
كثير ودفعوا أصحاب ابن طاهر عن ساباط عمرو بن مسعدة وصاروا إلى باب
ابن طاهر وصار الشاكرية والجند إلى ساباط عمرو بن مسعدة وقتل من الفريقين
إلى الظهر نحو من عشرة نفر وصار جماعة من الغوغاء والعامة إلى المجلس الذي
يعرف بمجلس الشرطة في الجسر من الجانب الغربي إلى بيت يقال له بيت الرفوع
فكسروا الباب وانتهبوا ما فيه وكان فيه أصناف من المتاع فاقتتلوا عليه فلم يتركوا
فيه شيئا وكان كثيرا جليلا وأحرق ابن طاهر الجسرين لما رأى الجند قد ظهروا
على أصحابه وأمر بالحوانيت التي على باب الجسر التي تتصل بدرب سليمان أن تحرق
يمنة ويسرة ففعل فاحترق فيها للتجار متاع كثير وتهدم حيطان مجلس صاحب الشرطة
فلما ضربت الحوانيت بالنار حالت النار بين الفريقين وكبرت الجند عند ذلك
تكبيرة شديدة ثم انصرفوا إلى معسكرهم بباب حرب وصار الحسين بن إسماعيل
مع جماعة من القواد والشاكرية إلى باب الشأم فوقف على التجار والعامة فوبخهم
على معونتهم الجند وقال هؤلاء قاتلوا على خبزهم وهم معذورون وأنتم جيران
الأمير ومن يجب عليه نصرته فلم فعلتم ما فعلتم وأعنتم الشاكرية عليه ورميتم
بالحجارة والأمير متحول عنكم ثم صار محمد بن أبي عون إليهم فقال لهم مثل
ذلك وانصرف إلى ابن طاهر فمكث الجند المشتغبون في مواضعهم ومعسكرهم وانضم
إلى ابن طاهر جماعة من الاثبات وجمع جميع أصحابه فجعل بعضهم في داره وبعضهم
502

في الشارع النافذ من الجسر إلى داره قد عبأهم تعبية الحرب حذارا من كرة الجند
عليه أياما فلم يكن لهم عودة فصار في بعض الأيام التي كان من عودتهم ابن طاهر على
وجل فيما ذكر رجلان من المشغبة استأمنا إليه فأخبره بعورة أصحابهما فأمر لهما
بمائتي دينار ثم أمر الشاه بن ميكال والحسين بن إسماعيل بعد العشاء الآخرة
بالمصير في جماعة من أصحابهما إلى باب حرب فتلطفا لأبي القاسم رئيس القوم
وابن الخليل وكان من أصحاب محمد بن أبي عون فصاروا إلى ما هناك وكان أبو القاسم
وابن الخليل قد صار كل واحد منهما عند مفارقة الرجلين اللذين صارا إلى ابن
طاهر ورجل آخر يقال له القمي وتفرق الشاكرية عنهما إلى ناحية خوفا على
أنفسهما فمضى الشاه والحسين في طلبهما حتى خرجا من باب الأنبار وتوجها نحو
جسر بطاطيا فذكر أن ابن الخليل استقبلهما قبل أن يصيرا إلى جسر بطاطيا
فصاح بهما ابن الخليل وبمن معهما من هؤلاء وصاحوا به فلما عرفهم حمل عليهم
فجرح منهم عدة فأحدقوا به وصار في وسط القوم فطعنه رجل من أصحاب الشاه
فرمى به إلى الأرض فبعجه علي بن جهشيار بالسيف وهو في الأرض ثم حمل على
بغل وبه رمق فلم يصلوا به إلى ابن طاهر حتى قضى وأمر الشاه بطرحه في كنيف
في دهليز الدار إلى أن حمل إلى الجانب الشرقي وأما عبدان بن الموفق فإنه كان قد
صار إلى منزله وإلى موضع اختفى فيه فدل عليه وأخذ وحمل إلى ابن طاهر وتفرق
الشاكرية الذين كانوا بباب حرب وصاروا إلى منازلهم وقيد عبدان بن الموفق
بقيدين فيهما ثلاثون رطلا ثم صار الحسين بن إسماعيل إلى الحبس الذي هو فيه
في دار العامة وقعد على كرسي ودعا به فسأله هل هو دسيس لاحد أو فعل ما فعل
من قبل نفسه فأخبره أنه لم يدسه أحد وإنما هو رجل من الشاكرية طلب بخبزه
فرجع الحسين إلى ابن طاهر فأعلمه ذلك فخرج طاهر بن محمد وأخوه إلى دار العامة
الداخلة فقعدا وأحضرا من بات في الدار من القواد والحسين بن إسماعيل والشاه
ابن ميكال وأحضرا عبدان فحمله رجلان فكان المخاطب له الحسين فقال أنت
رئيس القوم فقال لا إنما أنا رجل منهم طلبت ما طلبوا فشتمه الحسين وقال حرب
503

ابن محمد بن عبد الله بن حرب كذبت بل أنت رئيس القوم وقد رأيناك تعبيهم
بباب حرب وفى المدينة وباب الشأم فقال ما كنت لهم برأس وانما أنا رجل
منهم طلبت ما طلبوا فأعاد عليه الحسين الشتم وأمر بصفعه فصفع وأمر بسحبه
فسحب بقيوده إلى أن أخرج من الدار وشتمه كل من لحقه ودخل طاهر بن محمد
إلى أبيه فأخبره خبره وحمل عبدان على بغل ومضى به إلى الحبس وحمل ابن
الخليل في زورق عبر به إلى الجانب الشرقي وصلب وأمر بعبدان فجرد وضرب
مائة سوط بثمارها وأراد الحسين قتله فقال لمحمد بن نصر ما ترى في ضربه خمسين
سوطا على خاصرته فقال له محمد هذا شهر عظيم ولا يحل لك أن تصنع به هذا
فأمر به فصلب حيا وحمل على سلم حتى صلب على الجسر وربط بالحبال فاستسقى
بعد ما صلب فمنعه الحسين فقيل له ان شرب الماء مات قال فاسقوه إذا فسقوه
فترك مصلوبا إلى وقت العصر ثم حبس فلم يزل في الحبس يومين ثم مات اليوم
الثالث مع الظهر وأمر بصلبه على الخشبة التي كان صلب عليها ابن الخليل ودفع ابن
الخليل إلى أوليائه فدفن (وفى رجب) من هذه السنة خلع المعتز المؤيد أخاه
من ولاية العهد بعده
* ذكر الخبر عن سبب خلعه إياه *
كان السبب في ذلك فيما بلغنا أن العلاء بن أحمد عامل أرمينية بعث إلى إبراهيم
المؤيد بخمسة آلاف دينار ليصلح بها أمره فبعث ابن فرخانشاه إليها فأخذها فأغرى
المؤيد الأتراك بعيسى بن فرخانشاه وخالفهم المغاربة فبعث المعتز إلى أخويه
المؤيد وأبى أحمد فحبسهما في الجوسق وقيد المؤيد وصيره في حجرة ضيقة وأدر
العطاء للأتراك والمغاربة وحبس كنجور حاجب المؤيد وضربه خمسين مقرعة
وضرب خليفته أبا الهول خمسمائة سوط وطوف به على جمل ثم رضى عنه وعن
كنجور فصرف إلى منزله * وقد ذكر أنه ضرب أخاه المؤيد أربعين مقرعة ثم
خلع بسامرا يوم الجمعة لسبع خلون من رجب وخلع ببغداد يوم الأحد لاحدى
عشرة خلت من رجب وأخذت رقعة بخطه بخلع نفسه ولست بقين من رجب
504

من هذه السنة وقيل لثمان بقين منه كانت وفاة إبراهيم بن جعفر المعروف بالمؤيد
* ذكر الخبر عن سبب وفاته *
ذكر أن امرأة من نساء الأتراك جاءت محمد بن راشد المغربي فأخبرته ان
الأتراك يريدون اخراج إبراهيم المؤيد من الحبس وركب محمد بن راشد إلى
المعتز فأعلمه ذلك فدعا بموسى بن بغا فسأله فأنكر وقال يا أمير المؤمنين انما
أرادوا أن يخرجوا أبا أحمد بن المتوكل لانسهم به كان في الحرب التي كانت وأما
المؤيد فلا فلما كان يوم الخميس لثمان بقين من رجب دعا بالقضاة والفقهاء والشهود
والوجوه فأخرج إليهم إبراهيم المؤيد ميتا لا أثر به ولا جرح وحمل إلى أمه إسحاق
وهى أم أبى أحمد على حمار وحمل معه كفن وحنوط وأمر بدفنه وحول أبو أحمد
إلى الحجرة التي كان فيها المؤيد * وذكر أن المؤيد أدرج في لحاف سمور ثم أمسك
طرفاه حتى مات * وقيل إنه أقعد في حجر من ثلج ونضدت عليه حجارة الثلج
فمات بردا (وفى شوال) منها قتل أحمد بن محمد المستعين
* ذكر الخبر عن قتله *
ذكر ان المعتز لما هم بقتل المستعين ورد كتابه على محمد بن عبد الله بن طاهر
بنكبته وأمره بتوجيه أصحاب معاونه في الطساسيج ثم ورد عليه منه بعد ذلك
كتاب مع خادم يدعى سيما يؤمر فيه بالكتاب إلى منصور بن نصر بن حمزة وهو
على واسط بتسليم المستعين إليه وكان المستعين بها مقيما وكان الموكل به ابن أبي
خميصة وابن المظفر بن سيسل ومنصور بن نصر بن حمزة وصاحب البريد فكتب
محمد في تسليم المستعين إليه ثم وجه فيما قيل أحمد بن طولون التركي في جيش
فأخرج المستعين لست بقين من شهر رمضان فوافى به القاطول لثلاث خلون من
شوال وقيل إن أحمد بن طولون كان موكلا بالمستعين فوجه سعيد بن صالح إلى
المستعين في حمله فصار إليه سعيد فحمله وقيل إن سعيدا إنما تسلم المستعير من ابن
طولون في القاطول بعد ما صار به ابن طولون إليها ثم اختلف في أمرهما فقال
بعضهم قتله سعيد بالقاطول فلما كان غد اليوم الذي قتله فيه أحضر جواريه
505

وقال انظرن إلى مولا كن قد مات وقد قال بعضهم بل أدخله سعيد وابن طولون
سامرا ثم صار به سعيد إلى منزلة له فعذبه حتى مات * وقيل بل ركب معه في
زورق ومعه عدة حتى حاذى به فم دجيل وشد في رجله حجرا وألقاه في الماء
وذكر عن متطبب كان مع المستعين نصراني يقال له فضلان أنه قال كنت معه حين
حمل وأنه أخذ به على طريق سامرا فلما انتهى إلى نهر نظر إلى موكب وأعلام
وجماعة فقال لفضلان تقدم فانظر من هذا فإن كان سعيدا فقد ذهبت نفسي قال
فضلان فتقدمت إلى أول الجيش فسألتهم فقالوا سعيد الحاجب فرجعت إليه فأعلمته
وكان في قبة تعادله امرأة فقال إنا لله وإنا إليه راجعون ذهبت نفسي والله وتأخرت
عنه قليلا * قال فلقيه أول الجيش فأقاموا عليه وأنزلوه ودابته فضربوه ضربة
بالسيف فصاح وصاحت ديته ثم قتل فلما قتل انصرف الجيش * قال فصرت إلى
الموضع فإذا هو مقتول في سراويل بلا رأس وإذا المرأة مقتولة وبها عدة ضربات
فطرحنا عليهما نحن تراب النهر حتى واريناهما ثم انصرفنا قال وأتى المعتز برأسه
وهو يلعب بالشطرنج فقيل هذا رأس المخلوع فقال ضعوه هنالك ثم فرغ من
لعبه ودعا به فنظر إليه ثم أمر بدفنه وأمر لسعيد بخمسين ألف درهم وولى معونة
البصرة * وذكر عن بعض غلمان المستعين أن سعيدا لما استقبله أنزله ووكل به
رجلا من الأتراك يقتله فسأله أن يمهله حتى يصلى ركعتين وكانت عليه جبة فسأل
سعيد التركي الموكل بقتله أن يطلبها منه قبل قتله ففعل ذلك فلما سجد في الركعة
الثانية قتله واحتز رأسه وأمر بدفنه وخفى مكانه وقال محمد بن مروان بن أبي الجنوب
ابن مروان بن أبي حفصة في أمر المؤيد ويمدح المعتز
أنت الذي يمسك الدنيا إذا اضطربت * يا ممسك الدين والدنيا إذا اضطربا
إن الرعية أبقاك الاله لها * ترجو بعدلك أن تبقى لها حقبا
لقد عنيت بحرب غير هينة * وكان عودك نبعا لم يكن غربا
ما كنت أول رأس خانه ذنب * والرأس كنت وكان الناكث الذنبا
لو كان تم له ما كان دبره * لأصبح الملك والاسلام قد ذهبا
506

أراد يهلك دنيانا ويعطبها * وقد أراد هلاك الدين والعطبا
لما أراد وثوبا من سفاهته * أمسى عليه إمام العدل قد وثبا
لقد رماك بسهم لم يصبك به * ومن رماك عليه سهمه انقلبا
لقد رعيت له ما كان من سبب * فما رعى لك إحسانا ولا سببا
كحسن فعلك لم يفعل أخ بأخ * كنا لذاك شهودا لم نكن غيبا
قد كنت مشتغلا بالحرب ذا تعب * وكان يلعب ما كلفته تعبا
قد كان يا ذا الندى يعطى بلا طلب * وكنت يا ذا الندى تعطيه ما طلبا
وكنت أكثر برا من أبيه به * ولم تكن بأخ في البر كنت أبا
وكان قرب سرير الملك مجلسه * فقد تباعد منه بعد ما اقتربا
وكان في نعم زالت وكان له * باب يزار فأمسى اليوم محتجبا
أمسى وحيدا وقد كانت مواكبه * عشرين ألفا تراهم خلفه عصبا
أين الصفوف التي كانت تقوم له * كما يقوم إذا ما جاء أو ذهبا
وذل بعد تماديه ونخوته * كالحوت أصبح عنه الماء قد نضبا
وقد فسخت عن الأعناق بيعته * فلا خطيب له يدعو إذا اختطبا
لقبته لقبا من بعد إمرته * والله بدله بالامرة اللقبا
كسوته ثوب عز فاستهان به * ولم يصنه فأمسى عنه مغتصبا
كم نعمة لك فيها كنت تشركه * والله أخرجه منها بما اكتسبا
شبهته بسراج كان ذا لهب * فما تركت له نورا ولا لهبا
أمست قطيعة إبراهيم قد قطعت * حبل الصفاء وحبل الود فانقضبا
وما تؤاخذ يا حلف الندى أحدا * حتى تبين فيه النكث والريبا
إني بمدح بنى العباس ذو حسب * وكان مدح بنى العباس لي حسبا
إن التقى يا بنى العباس أدبكم * حتى استفادت قريش منكم الادبا
من كان مقتضبا في حول مدحكم * فلست فيه بحمد الله مقتضبا
ذكر عن أبي عبد الرحمن الفاني أن فتى من أهل سامرا أملى عليه مما عمله
507

بعض أهلها على ألسن الأتراك أن المعتز لما أفضت إليه الخلافة وقلده الله القيام
بأمر عباده في المشارق والمغارب والبر والبحر والبدو والحضر والسهل والجبل
تألم بسوء اختيار أهل بغداد وفتنتهم فأمر المعتز بالله بإحضار جماعة ممن صفت
أذهانهم ورقت طبائعهم ولطف ظنهم وصحت نحائزهم وجادت غرائزهم وكملت
عقولهم بالمشورة فقال أمير المؤمنين أما تنظرون إلى هذه العصابة التي ذاع نفاقهم
وغار شأوهم الهمج الطغام والأوغاد الذين لا مسكة بهم ولا اختيار لهم ولا تمييز
معهم قد زين لهم تقحم الخطا سوء أعمالهم فهم الأقلون وإن كثروا
والمذمومون إن ذكروا وقد علمت أنه لا يصلح لقود الجيوش وسد الثغور
وإبرام الأمور وتدبير الأقاليم إلا رجل قد تكاملت فيه خلال أربع
حزم يقيف به عند موارد الأمور حقائق مصادرها وعلم يحجزه
عن التهور والتغرير في الأشياء إلا مع إمكان فرصتها وشجاعة لا ينقصها الملمات
مع تواتر حوائجها وجود يهون به تبذير جلائل الأموال عند سؤالها وأما الثلاث
فسرعة مكافأة الاحسان إلى صالح الأعوان وثقل الوطأة على أهل الزيغ والعدوان
والاستعداد للحوادث إذ لا تؤمن نوائب الزمان وأما الاثنتان فإسقاط الحاجب
عن الرعية والحكم بين القوى والضعيف بالسوية وأما الواحدة فالتيقظ في الأمور
مع عدم تأخير عمل اليوم لغد فما ترون وقد اخترت رجالا لهم من موالى أحدهم
شديد الشكيمة ماضي العزيمة لا تبطره السراء ولا تدهشه الضراء لا يهاب ما وراءه
ولا يهوله ما تلقاءه وهو كالحريش في أصل السلام إن حرك حمل وان نهش قتل
عدته عتيدة ونقمته شديدة يلقى الجيش في النفر القليل العدد بقلب أشد من الحديد
طالب للثأر لا يفله العساكر باسل البأس مقتضب الأنفاس لا يعوذه ما طلب
ولا يفوته من هرب وارى الزناد مطلع العماد لا يشرهه الرغائب ولا يعجزه
النوائب إن ولى كفى وان وعد وفى وان نازل فبطل وان قال فعل ظله لوليه
ظليل وبأسه في الهياج عليه دليل يفوق من ساماه ويعجز من ناواه ويتعب من
جاراه وينعش من والاه فقام إليه رجل من القوم فقال قد جمع الله لك يا أمير المؤمنين
508

فضائل الأدب وخصك بإرث النبوة وألقى إليك أزمة الحكمة ووفر نصيبك من
حباء الكرامة وفسح لك في الفهم ونور قلبك بأنفس العلوم وصفاء الذهن
فأفصح عن القلب البيان وأدرك فهمك يا أمير المؤمنين ما والله خبئ على من لم
يحب بما حبيت من المنن العظام والأيادي الجسام والفضائل المحمودة وشرف
الطباع فنطقت الحكمة على لسانك فما ظننته فهو صواب وما فهمته فهو الحق الذي
لا يعاب وأنت والله يا أمير المؤمنين نسيج وحده وقريع دهره لا يبلغ كلية فضله
الوصف ولا يحصر أجزاء شرف فضله النعت ثم أمر أمير المؤمنين بالعقد لانصاره على
النواحي وأطلقهم في أشعار أعدائهم وأبشارهم ودمائهم فلما بلغ محمد بن عبد الله ما أمر به
في النواحي أنشأ كتابا نسخته أما بعد فان زيغ الهوى صدف بكم عن حزم الرأي
فأقحمكم حبائل الخطا ولو ملكتم الحق عليكم وحكمتم به فيكم لأوردكم البصيرة
ونفى عنكم غيابة الحيرة والآن فان تجنحوا للسلم تحقنوا دماءكم وترغدوا عيشكم
ويصفح أمير المؤمنين عن جريرة جارمكم وأخلى لكم ذروة سبوغ النعمة عليكم
وان مضيتم على غلوائكم وسول لكم الأمل أسوأ أعمالكم فأذنوا بحرب من الله
ورسوله بعد نبذ المعذرة إليكم وإقامة الحجة عليكم ولئن شنت الغارات وشب
ضرام الحرب ودارت رحاها على قطبها وحسمت الصوارم أوصال حماتها
واستجرت العوالي من نهمها ودعيت نزال والتحم الابطال وكلحت الحرب عن أنيابها
أشداقها وألقت للتجرد عنها قناعها واختلفت أعناق الخيل وزحف أهل النجدة إلى
أهل البغى لتعلمن أي الفريقين أسمح بالموت نفسا وأشد عند اللقاء بطشا ولات حين
معذرة ولا قبول فدية وقد أعذر من أنذر وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون
فبلغ كتاب محمد بن عبد الله الأتراك فكتبوا جواب كتابه ان شخص الباطل
تصور لك في صورة الحق فتخيل لك الغى رشدا كسراب بقيعة يحسبه الظمآن
ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ولو راجعت غروب عقلك أنار لك برهان البصيرة
وحسم عنك مواد الشبهة لكن حصت عن سنة الحقيقة ونكصت على عقبيك
لما ملك طباعك من دواعي الحيرة فكنت في الاصغاء لهتافه والتجرد إلى وروده
509

كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران ولعمرك يا محمد لقد ورد وعدك لنا
ووعيدك إيانا فلم يدننا منك ولم ينئنا عنك إذ كان فحص اليقين قد كشف عن
مكنون ضميرك وألفاك كالمكتفي بالبرق نهجا إذا أضاء له مشى فيه وإذا أظلم عليه
قام ولعمرك لئن اشتد في البغى شاؤك ومتعت بضبابة من الأمل ليكون أمرك
عليك غمة ولنأتينك بجنود لا قبل لك بها ولنخرجنك منها ذليلا وأنت من
الصاغرين ولولا انتظارنا كتاب أمير المؤمنين بإعلامنا ما نعمل في شاكلته بلغنا
بالسياط النياط وغمدنا السيوف وهى كآلة وجعلنا عاليها سافلها وجعلناها مأوى
الظلمات والحيات والبوم وقد ناديناك من كثب وأسمعناك إن كنت حيا فإن تجب
تفلح وإن تأب إلا غيا نخزيك به وعما قليل لتصبحن نادمين (وفى) أول يوم
من رجب من هذه السنة كانت بين المغاربة والأتراك ملحمة وذلك أن المغاربة
اجتمعت فيه مع محمد بن راشد ونصر بن سعيد فغلبوا الأتراك على الجوسق
وأخرجوهم منه وقالوا لهم في كل يوم تقتلون خليفة وتخلعون آخر وتقتلون
وزيرا وكانوا قد وثبوا على عيسى بن فرخانشاه فتناولوه بالضرب وأخذوا دوابه
ولما أخرجت المغاربة الأتراك من الجوسق وغلبوهم على بيت المال أخذوا
خمسين دابة مما كان الأتراك يركبونها فاجتمع الأتراك وأرسلوا إلى من بالكرخ
والدور منهم فتلاقوا هم والمغاربة فقتل من المغاربة رجل فأخذت المغاربة قاتله
وأعانت المغاربة الغوغاء والشاكرية فضعفت الأتراك وانقادوا للمغاربة فأصلح
جعفر بن عبد الواحد بين الفريقين فاصلحوا على أن لا يحدثوا شيئا ويكون
في كل موضع بكون فيه رجل من قبل أحد الفريقين يكون فيه آخر من
الفريق الآخر فمكثوا على ذلك مدة وبلغ الأتراك اجتماع المغاربة إلى محمد بن
راشد ونصر بن سعيد واجتمع الأتراك إلى بايكباك فقالوا نطلب هذين الرأسين
فإن ظفرنا بهما فلا أحد ينطق وكان محمد بن راشد ونصر بن سعيد قد اجتمعا في
صدر اليوم الذي عزم الأتراك فيه على الوثوب بهما ثم انصرفا إلى منازلهما فبلغهما
أن بايكباك قد صار إلى منزل ابن راشد فعدل محمد بن راشد ونصر بن سعيد إلى
510

منزل محمد بن عزون ليكونا عنده حتى يسكن الأتراك ثم يرجعا إلى جمعهما فغمز
بهما بايكباك رجل ودله عليهما وقيل إن ابن عزون هو الذي دس من دل بايكباك
والأتراك عليهما فأخذهما الأتراك فقتلوهما فبلغ ذلك المعتز فأراد قتل ابن عزون
فكلم فيه فنفاه إلى بغداد (وفيها) حمل محمد بن علي بن خلف العطار وجماعة من الطالبيين
من بغداد إلى سامرا فيهم أبو أحمد محمد بن جعفر بن حسن بن جعفر بن حسن بن
حسن بن علي بن أبي طالب وحمل معهم أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري وذلك
لثمان خلون من شعبان منها
* ذكر السبب في حملهم *
وكان السبب فيما ذكر أن رجلا من الطالبيين شخص من بغداد في جماعة من
الجيشية والشاكرية إلى ناحية الكوفة وكانت الكوفة وسوادها من عمل أبى الساج
في تلك الأيام وكان مقيما ببغداد لمناظرة ابن طاهر إياه في الخروج إلى الري فلما
بلغ ابن طاهر خبر الطالبي الشاخص من بغداد إلى ناحية الكوفة أمر أبا الساج
بالشخوص إلى عمله بالكوفة فقدم أبو الساج خليفته عبد الرحمن إلى الكوفة
فلقى أبا الساج أبو هاشم الجعفري مع جماعة معه من الطالبيين ببغداد فكلموه في
أمر الطالبي الشاخص إلى الكوفة فقال لهم أبو الساج قولوا له يتنحى عنى ولا أراه
فلما صار عبد الرحمن خليفة أبى الساج إلى الكوفة ودخلها رمى بالحجارة حتى
صار إلى المسجد فظنوا أنه جاء لحرب العلوي فقال لهم إني لست بعامل إنما أنا رجل
وجهت لحرب الاعراب فكفوا عنه وأقام بالكوفة وكان أبو أحمد بن جعفر
الطالبي الذي ذكرت أنه حمل من الطالبيين إلى سامرا كان المعتز ولاه الكوفة
بعد ما هزم مزاحم بن خاقان العلوي الذي كان وجه لقتاله بها الذي قد مضى ذكره
قبل في موضعه فعاث فيما ذكر أبو أحمد هذا في نواحي الكوفة وأذى الناس
وأخذ أموالهم وضياعهم فلما أقام خليفة أبى الساج بالكوفة لطف لأبي أحمد العلوي
هذا وآنسه حتى خالطه في المؤاكلة والمشاربة وداخله ثم خرج متنزها معه إلى
بستان من بساتين الكوفة فأمسى وقد عبى له عبد الرحمن أصحابه فقيده وحمله مقيدا
511

بالليل على بغال الدخول حتى ورد به بغداد في أول شهر ربيع الآخر فلما أتى به
محمد بن عبد الله حبسه عنده ثم أخذ منه كفيلا وأطلقه ووجدت مع ابن أخ لمحمد
ابن علي بن خلف العطار كتب من الحسن بن زيد فكتب بخبره إلى المعتز فورد
الكتاب بحمله مع عتاب بن عتاب وحمل هؤلاء الطالبيين فحملوا جميعا مع خمسين
فارسا وحمل أبو أحمد هذا وأبو هاشم الجعفري وعلي بن عبيد الله بن عبد الله
ابن حسن بن جعفر بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب * وتحدث الناس في
علي بن عبيد الله أنه إنما استأذن في المصير إلى منزله بسامرا فأذن له ووصله فيما
قيل محمد بن عبد الله بألف درهم لأنه شكا إليه ضيقه وودع أبو هاشم أهله وقيل
إن سبب حمل أبى هاشم إنما كان ابن الكردية وعبد الله بن داود بن عيسى بن
موسى قالا للمعتز إنك إن كتبت إلى محمد بن عبد الله في حمل داود بن القاسم لم
يحمله فاكتب إليه وأعلمه أنك تريد توجيهه إلى طبرستان لاصلاح أمرها فإذا
صار إليك رأيت فيه رأيك فحمل على هذا السبيل ولم يعرض له بمكروه (وفيها)
ولى الحسن بن أبي الشوارب قضاء القضاة وكان محمد بن عمران الضبي مؤدب
المعتز قد سمى رجالا للمعتز للقضاء نحو ثمانية رجال فيهم الخلنجي والخصاف
وكتب كتبهم فوقع فيه شفيع الخادم ومحمد بن إبراهيم بن الكردية وعبد السميع
ابن هارون بن سليمان بن أبي جعفر وقالوا انهم من أصحاب ابن أبي داود وهم
رافضة وقدرية وزيدية وجهمية فأمر المعتز بطردهم واخراجهم إلى بغداد ووثب
العامة بالخصاف وخرج الآخرون إلى بغداد وعزل الضبي الا عن المظالم وذكر
أن أرزاق الأتراك والمغاربة والشاكرية قدرت في هذه السنة فكان مبلغ
ما يحتاجون إليه في السنة مائتي ألف ألف دينار وذلك خراج المملكة كلها لسنتين
(وفيها) توجه أبو الساج إلى طريق مكة وكان سبب ذلك فيما قيل أن وصيفا
لما صلح أمره ودفع المعتز إليه خاتمه كتب إلى أبى الساج يأمره بالخروج إلى طريق
مكة ليصلحه ووجه إليه من المال ما يحتاج إليه فأخذ في الجهاز فكتب محمد بن
عبد الله يسأل أن يصير طريق مكة إليه فأجيب إلى ذلك فوجه أبو الساج من قبله
512

وفى أول ذي الحجة عقد لعيسى بن الشيخ بن السليل على الرملة فأنفذ خليفته
أبا المغراء إليها فقيل إنه أعطى بغا أربعين ألف دينار على ذلك أو ضمنها إليه (وفيها)
كتب وصيف إلى عبد العزيز بن أبي دلف بتوليته الجبل وبعث إليه بخلع فتولى ذلك
من قبله (وفيها) قتل محمد بن عمرو الشاري بديار ربيعة قتله خليفة لأيوب بن
أحمد في ذي القعدة (وفيها) سخط على كنجور وأمر بحبسه في الجوسق ثم حمل
إلى بغداد مقيدا ثم وجه به إلى اليمامة فحبس هنالك (وفيها) أغار ابن جستان
صاحب الديلم مع أحمد بن عيسى العلوي والحسن بن أحمد الكوكبي على الري
فقتلوا وسبوا وكان بها حين قصدوها عبد الله بن عزيز فهرب منها فصالحهم أهل
الري على ألفى ألف درهم فأدوها وارتحل عنها ابن جستان وعاد إليها ابن عزيز
فأسر أحمد بن عيسى وبعث به إلى نيسابور (وفيها) مات إسماعيل بن يوسف
الطالبي الذي كان فعل بمكة ما فعل (وحج) فيها بالناس محمد بن أحمد بن عيسى بن
المنصور من قبل المعتز
* ثم دخلت سنة ثلاث وخمسين ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمن ذلك ما كان من عقد المعتز في اليوم الرابع من رجب لموسى بن بغا الكبير
على الجبل ومعه من الجيش يومئذ من الأتراك ومن يجرى مجراهم ألفان وأربعمائة
وثلاثة وأربعون رجلا منهم مع مفلح ألف ومائة وثلاثون رجلا (وفيها) أوقع
مفلح وهو على مقدمة موسى بن بغا بعبد العزيز بن أبي دلف لثمان ليال بقين من
رجب من هذه السنة وعبد العزيز في زهاء عشرين ألفا من الصعاليك
وغيرهم وكانت الوقعة بينهما فيما قيل خارج همذان على نحو من ميل فهزمه مفلح
ثلاثة فراسخ يقتلون ويأسرون ثم رجع مفلح ومن معه سالمين وكتب بالفتح في
ذلك اليوم فلما كان في شهر رمضان عبأ مفلح خيله نحو الكرج وجعل لهم كمينين
ووجه عبد العزيز عسكرا فيه أربعة آلاف فقاتلهم مفلح وخرج كمين مفلح على
(33 - 7)
513

أصحاب عبد العزيز فانهزموا ووضع أصحاب مفلح فيهم السيف فقتلوا وأسروا
وأقبل عبد العزيز معينا لأصحابه فانهزم بانهزام أصحابه وترك الكرج ومضى إلى
قلعة له في الكرج يقال له دز متحصنا بها ودخل مفلح الكرج فأخذ جماعة من آل أبي
دلف أسرا وأخذ نساء من نسائهم يقال إنه كان فيهم أم عبد العزيز فأوثقهم
وذكر أنه وجه سبعين حملا من الرؤس إلى سامرا واعلاما كثيرة * وشخص
فيها موسى بن بغا من سامرا إلى همذان فنزلها (وفيها) خلع المعتز على بغا الشرابي
في شهر رمضان وألبسه التاج والوشاحين فخرج فيهما إلى منزله (وفيها) قتل
وصيف التركي وذلك لثلاث بقين من شوال منها وكان السبب في ذلك فيما ذكر
أن الأتراك والفراغنة والأشروسنية شغبوا وطلبوا أرزاقهم لأربعة أشهر فخرج
إليهم بغا ووصيف وسيما الشرابي في نحو من مائة انسان من أصحابهم فكلمهم
وصيف وقال ما تريدون قالوا أرزاقنا فقال خذوا ترابا وهل عندنا مال وقال بغا
نعم نسأل أمير المؤمنين في ذلك ونتناظر في دار اشناس وينصرف عنكم من ليس
منكم فدخلوا دار اشناس ومضى سيما الشرابي منصرفا إلى سامرا ثم تبعه بغا
لاستثمار الخليفة في اعطائهم وكان وصيف في أيديهم فوثب عليه بعضهم فضربه
بالسيف ضربتين ووجأه آخر بسكين فاحتمله نوشرى بن طاجبك وهو أحد
قواده إلى منزله فلما أبطأ عليهم بغا ظنوا أنهم في التعبية عليهم فاستخرجوه من
منزل نوشرى فضربوه بالطبرزينات حتى كسروا عضديه ثم ضربوا عنقه ونصبوا
رأسه على محراك تنور وقصدت العامة بسامرا الانتهاب لمنازل وصيف وولده فرجع
بنو وصيف فمنعوا منازلهم ثم جعل المعتز ما كان إلى وصيف من الأمور إلى بغا الشرابي
وفى يوم الفطر من هذه السنة قتل بندار الطبري
* ذكر سبب قتله *
فكان سبب ذلك أنه حكم بالبوازيج محكم يدعى مساور بن عبد الحميد في رجب
من هذه السنة فوجه المعتز إليه في شهر رمضان ساتكين فمال إلى ناحية طريق
خراسان فوجه محمد بن عبد الله إليه وذلك أن طريق خراسان كان إليه بندار
514

ومظفر بن سيسل مسلحة فلما صارا بدسكرة الملك أقاما فذكر أن بندار خرج في
آخر يوم من شهر رمضان متصيدا فبعد في طلب الصيد حتى جاوز دور الدسكرة
بنحو فرسخ فبينا هو كذلك إذ نظر إلى علمين مقبلين معهما جماعة مقبلة نحو الدسكرة
فوجه بعض أصحابه لينظر ما الاعلام فأخبره صاحب الجماعة أنه عامل كرخ جدان
وأنه انتهى إليه أن رجلا يقال له مساور بن عبد الحميد من الدهاقين من أهل
البوازيج شرى وأنه بلغه أنه يصير إلى كرخ جدان فلما بلغه ذلك خرج هاربا إلى
الدسكرة ليأنس بقرب بندار ومظفر فانصرف بندار من ساعته إلى المظفر فقال له
إن الشاري يقصد كرخ جدان ويريدنا فامض بنا نتلقاه فقال له المظفر قد أمسينا ونريد
أن نصلى الجمعة وغدا العيد فإذا انقضى العيد قصدناه فأبى بندار ومضى من
ساعته طمعا بالمظفر بالشارى وحده دون مظفر فأقام مظفر ولم يبرح من
الدسكرة وبين الدسكرة وتل عكبراء ثمانية فراسخ وبين تل عكبراء وموضع
الوقعة أربعة فراسخ فصار بندار إلى تل عكبراء فوافاها عند العتمة ليلة الفطر
فعلف دوابه شيئا ثم ركب فسار حتى أشرف على عسكر الشاري ليلا وهم يصلون
ويقرأون القرآن فأشار عليه بعض أصحابه وخاصته ان يبيتهم وهم غارون فأبى
وقال لا حتى أنظر إليهم وينظرون إلى فوجه فارسين أو ثلاثة ليأتوه بخبرهم
فلما قربوا من عسكرهم نذروا بهم فصاحوا السلاح وركبوا فتواقفوا إلى أن
أصبحوا ثم اقتتلوا فلم يمكن أصحاب بندار أن يرموا بسهم واحد وكانوا زهاء
ثلثمائة فارس وراجل فعباهم ميمنة وميسرة وساقة وأقام هو في القلب فحمل عليهم
مساور وأصحابه فثبت لهم بندار وأصحابه ثم انحدر لهم الشراة عن موضع عسكرهم
ومبيتهم ليطمع بندار وأصحابه في النهب فلم يعرض بندار وأصحابه لعسكرهم ثم كر
الشراة عليهم بالسيوف والرماح وهم زهاء سبعمائة فصبر الفريقان فصار الشراة
إلى السيوف دون الرماح فقتل من الشراة نحو من خمسين رجلا ومن أصحاب
بندار مثلهم ثم حمل الشراة حملة فاقتطعوا من أصحاب بندار نحوا من مائة رجل
فصبر لهم المائة ساعة ثم قتلوا جميعا وانهزم بندار وأصحابه فجعلوا يقتطعونهم
515

قطعة بعد قطعة فيقتلونهم وأمعن بندار في الهرب فطلبوه فلحقوه بقرب تل عكبراء
على قدر أربعة فراسخ من موضع الوقعة فقتلوه ونصبوا رأسه ونجا من أصحاب
بندار نحو من خمسين رجلا وقيل مائة رجل انحازوا عن الوقعة عند اشتغال الخوارج
بمن كانوا يقتطعون منهم وانتهى خبره إلى مظفر وهو مقيم بالدسكرة فتنحى من
الدسكرة إلى ما قرب من بغداد ووصل خبر مقتله إلى محمد بن عبد الله بعد الفطر
فذكر أنه لم يشرب ولم يله كما كان يفعل غما بما ورد عليه من مقتله ثم مضى
مساور من فوره إلى حلوان فخرج إليه أهلها فقاتلوه فقتل منهم أربعمائة إنسان
وقتلوا جماعة من أصحاب الشاري وقتل عدة من حجاج خراسان كانوا بحلوان
فأعانوا أهل حلوان ثم انصرفوا عنهم (وليلة) أربع عشرة من ذي القعدة
منها انخسف القمر فغرق كله أو غاب أكثره ومات محمد بن عبد الله بن طاهر مع
انتهاء خسوفه فيما ذكر وكانت علته التي مات فيها قروحا أصابته في حلقه ورأسه
فذبحته وذكر أن القروح التي كانت في حلقه ورأسه كانت تدخل فيها الفتائل
فلما مات تنازع الصلاة عليه أخوه عبيد الله وابنه طاهر فصلى عليه ابنه
وكان أوصى بذلك فيما قيل ثم وقع بين عبيد الله بن عبد الله أخي محمد بن
عبد الله وبين حشم محمد بن عبد الله تنازع حتى سلوا السيوف عليه ورمى
بالحجارة ومالت الغوغاء والعامة وموالى إسحاق بن إبراهيم مع طاهر بن محمد
ابن عبد الله بن طاهر ثم صاحوا طاهر يا منصور فعبر عبيد الله إلى ناحية الشرقية
إلى داره ومال معه القواد لاستخلاف محمد بن عبد الله كان إياه على أعماله ووصيته
بذلك وكتابه بذلك إلى عماله ثم وجه المعتز الخلع وولاية بغداد إلى عبيد الله
وأمر عبيد الله الذي أتاه بالخلع من قبل المعتز فيما قيل بخمسين ألف درهم (نسخة
الكتاب) الذي كتبه محمد بن عبد الله إلى عماله باستخلافه أخاه عبيد الله بعده
(أما بعد) فان الله عز وجل جعل الموت حتما مقضيا جاريا على الباقين من
خلقه حسبما جرى على الماضين وحقيق على من أعطى حظا من توفيق الله أن
يكون على استعداد لحلول مالا بد منه ولا محيص عنه في كل الأحوال وكتابي
516

هذا وأنا في علة قد اشتد الاشفاق منها وكاد الأياس يغلب على الرجاء فيها فان
يبل الله ويدفع فبقدرته وكريم عادته وإن يحدث بي الحدث الذي هو سبيل
الأولين والآخرين فقد استخلفت عبيد الله بن عبد الله مولى أمير المؤمنين أخي
الموثوق باقتفائه أثرى وأخذه بسد ما أنا بسبيله من سلطان أمير المؤمنين إلى أن
يأتيه من أمره ما يعمل بحسبه فاعلم ذلك وائتمر فيما تتولاه بما يرد به كتب
عبيد الله وأمره إن شاء الله وكتب يوم الخميس لثلاث عشرة خلت من ذي القعدة
سنة 253 (وفيها) نفى المعتز أبا أحمد بن المتوكل إلى واسط ثم إلى البصرة ثم
رد إلى بغداد وأنزل إلى الجانب الشرقي في قصر دينار بن عبد الله (وفيها) نفى
أيضا علي بن المعتصم إلى واسط ثم رد إلى بغداد فيها (وفيها) مات مزاحم بن
خاقان بمصر في ذي الحجة (وحج) بالناس في هذه السنة عبد الله بن محمد بن
سليمان الزينبي (وفيها) غزا محمد بن معاذ بالمسلمين في ذي القعدة من ناحية
ملطية فهزموا وأسر محمد بن معاذ (وفيها) التقى موسى بن بغا والكوكبي
الطالبي على فرسخ من قزوين يوم الاثنين سلخ ذي القعدة منها فهزم موسى
الكوكبي فلحق بالديلم ودخل موسى بن بغا قزوين * وذكر لي بعض من شهد
الوقعة أن أصحاب الكوكبي من الديلم لما التقوا بموسى وأصحابه صفوا صفوفا
وأقاموا ترستهم في وجوههم يتقون بذلك سهام أصحاب موسى فلما رأى موسى
أن سهام أصحابه لا تصل إليهم مع ما قد فعلوا أمر بما معه من النفط أن يصب
في الأرض التي التقى هو وهم فيها ثم أمر أصحابه بالاستطراد لهم واظهار هزيمة
منهم ففعل ذلك أصحابه فلما فعلوا ذلك ظن الكوكبي وأصحابه أنهم انهزموا
فتبعوهم فلما علم موسى أن أصحاب الكوكبي قد توسطوا النفط أمر بالنار
فاشتعلت فيه في فأخذت فيه النار وخرجت من تحت أصحاب الكوكبي فجعلت
تحرقهم وهرب الآخرون وكان هزيمة القوم عند ذلك ودخول موسى
قزوين (وفيها) لقى خطارمش مساور الشاري بناحية جلولاء في ذي الحجة
فهزمه مساور
517

* ثم دخلت سنة أربع وخمسين ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمن ذلك ما كان من مقتل بغا الشرابي
* ذكر الخبر عن سبب مقتله *
* ذكر أن السبب في ذلك كان أنه كان يحض المعتز على المصير إلى بغداد والمعتز
يأبى ذلك عليه ثم إن بغا اشتغل مع صالح بن وصيف في خاصته بعرس جمعة بنت
بغا كان صالح بن وصيف تزوجها للنصف من ذي القعدة فركب المعتز ليلا ومعه
أحمد بن إسرائيل إلى كرخ سامرا يريد بايكباك ومن كان معه على مثل ما هو عليه
من انحرافه عن بغا وكان سبب انحرافه عنه فيما ذكر أنهما كانا في شراب لهما يشربانه
فعربد أحدهما على صاحبه فتهاجرا لذلك وكان بايكباك بسبب ذلك هاربا من بغا
مستخفيا منه فلما وافى المعتز بمن معه الكرخ اجتمع مع بايكباك أهل الكرخ
وأهل الدور ثم أقبلوا مع المعتز إلى الجوسق بسامرا وبلغ ذلك بغا فخرج في غلمانه
وهم زهاء خمسمائة ومثلهم من ولده وأصحابه وقواده وصار إلى نهر نيزك ثم تنقل
إلى مواضع ثم صار إلى السن ومعه من العين تسع عشرة بدرة دنانير ومائة بدرة
دراهم أخذها من بيت ماله وبيوت أموال السلطان فأنفق منها شيئا يسيرا حتى قتل *
وذكر أنه لما بلغه أن المعتز قد صار إلى موضع الكرخ مع أحمد بن إسرائيل
خرج في خاصة قواده حتى صار إلى تل عكبراء ثم مضى فصار إلى السن
فشكا أصحابه بعضهم إلى بعض ما هم فيه من العسف وانهم لم يخرجوا معهم
بمضارب ولا ما يتدفأون به من البرد وانهم في شتاء وكان بغا في مضرب له صغير
على دجلة كان يكون فيه فأتاه ساتكين فقال أصلح الله الأمير قد تكلم
أهل العسكر وخاضوا في كذا وأنا رسولهم إليك فقال كلهم يقول مثل قولك قال
نعم وإن شئت فابعث إليهم حتى يقولوا مثل قولي قال دعني الليلة حتى أنظر ويخرج
إليكم أمرى بالغداة فلما جن عليه الليل دعا بزورق فركبه مع خادمين معه وحمل
518

معه شيئا من المال ولم يحمل معه سلاحا ولا سكينا ولا عمودا ولا يعلم أهل عسكره
بذلك من أمره والمعتز في غيبة بغا لا ينام إلا في ثيابه وعليه السلاح ولا يشرب
نبيذا وجميع جواريه على رجل فصار بغا إلى الجسر في الثلث الأول من الليل فلما
قارب الزورق الجسر بعث الموكلون به من ينظر من في الزورق فصاح بالغلام فرجع
إليهم وخرج بغا في البستان الخاقاني فلحقه عدة منهم فوقف لهم وقال أنا بغا ولحقه
وليد المغربي فقال له مالك جعلت فداك فقال إما أن تذهب بي إلى منزل صالح بن وصيف
واما أن تصيروا معي إلى منزلي حتى أحسن إليكم فوكل به وليد المغربي ومر يركض
إلى الجوسق فاستأذن على المعتز فأذن له فقال يا سيدي هذا بغا قد أخذته ووكلت به قال
ويلك جئني برأسه فرجع وليد فقال للموكلين به تنحوا عنه حتى أبلغه الرسالة فتنحوا
عنه فضربه ضربة على جبهته ورأسه ثم تناهى على يديه فقطعهما ثم ضربه حتى صرعه
وذبحه وحمل رأسه في بركة قبائه وأتى به المعتز فوهب له عشرة آلاف دينار وخلع عليه
خلعة ونصب رأسه بسامرا ثم ببغداد ووثبت المغاربة على جثته فأحرقوه بالنار
وبعث المعتز من ساعته إلى أحمد بن إسرائيل والحسن بن مخلد وأبى نوح فأحضرهم
وأخبرهم وتتبع عبيد الله بن عبد الله بن طاهر بنيه ببغداد وكانوا صاروا إليها هرابا
مع قوم يثقون بهم فاستتروا عندهم * فذكر أنه حبس في قصر الذهب من ولده
وأصحابه خمسة عشر إنسانا وفى المطبق عشرة وقيل إن بغا لما انحدر إلى سامرا
ليلة أخذ شاور أصحابه في الانحدار إليها مكتتما فيصير إلى منزل صالح بن وصيف
وإذا قرب العيد دخل أهل العسكر وخرج هو وصالح بن وصيف وأصحابه فوثبوا
بالمغاربة فوثبوا بالمعتز (وفيها) عقد صالح بن وصيف لديوداد على ديار مضر
وقنسرين والعواصم في ربيع الأول منها (وفيها) عقد بايكباك لأحمد بن طولون
على مصر (وفيها) أوقع مفلح وباجور بأهل قم فقتلا منهم مقتلة عظيمة وذلك
في شهر ربيع الأول منها (وفيها) مات علي بن محمد بن علي بن موسى الرضى يوم
الاثنين لأربع بقين من جمادى الآخرة وصلى عليه أبو أحمد بن المتوكل في الشارع
المنسوب إلى أبى أحمد ودفن في داره (وفيها) في جمادى الآخرة وافى الأهواز
519

دلف بن عبد العزيز بن أبي دلف بتوجيه والده عبد العزيز إياه إليها وجندي سابور
وتستر فجباها مائتي ألف دينار ثم انصرف * وفى شهر رمضان منها شخص نوشرى
إلى مساور الشاري فلقيه وهزمه وقتل من أصحابه جماعة كثيرة (وحج) بالناس
في هذه السنة علي بن الحسين بن إسماعيل بن العباس بن محمد
* ثم دخلت سنة خمس وخمسين ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث *
فمن ذلك ما كان من دخول مفلح طبرستان ووقعة كانت بينه وبين الحسن بن
زيد الطالبي هزم فيها مفلح الحسن بن زيد فلحق بالديلم ثم دخل مفلح آمل وأحرق
منازل الحسن بن زيد ثم توجه نحو الديلم في طلب الحسن بن زيد (وفيها) كانت
وقعة بين يعقوب بن الليث وطوق بن المغلس خارج كرمان أسر فيها يعقوب طوقا
وكان السبب في ذلك فيما ذكر أن علي بن الحسين بن قريش بن شبل كتب إلى
السلطان يخطب كرمان وكان قبل من عمال آل طاهر وكتب يذكر ضعف آل
طاهر وقلة ضبطهم بما إليهم من البلاد وأن يعقوب بن الليث قد غلبهم على
سجستان وتباطأ على السلطان بتوجيه خراج فارس فكتب السلطان إليه بولاية
كرمان وكتب إلى يعقوب بولايتها يلتمس بذلك إغراء كل واحد منهما بصاحبه
ليسقط مؤنة الهالك منهما عنه ويتفرد بمؤنة الآخر إذ كان كل واحد منهما عنده
حزبا له وفى غير طاعته فلما فعل ذلك بهما زحف يعقوب بن الليث من سجستان
يريد كرمان ووجه علي بن الحسين طوق بن المغلس وقد بلغه خبر يعقوب
وقصده كرمان في جيش عظيم من فارس فصار طوق بكرمان وسبق يعقوب
إليها فدخلها وأقبل يعقوب من سجستان فصار من كرمان على مرحلة * فحدثني من
ذكر أنه كان شاهدا أمرهما أن يعقوب بقى مقيما في الموضع الذي أقام به من
كرمان على مرحلة لا يرتحل عنه شهرا أو شهرين يتجسس أخبار طوق ويسأل
عن أمره كل من مر به خارجا من كرمان إلى ناحيته ولا يدع أحدا يجوز عسكره
من ناحيته إلى كرمان ولا يزحف طوق إليه ولا هو إلى طوق فلما طال ذلك من
520

أمرهما كذلك أظهر يعقوب الارتحال عن معسكره إلى ناحية سجستان فارتحل عنه
مرحلة وبلغ طوقا ارتحاله فظن أنه قد بدا له في حربه وترك عليه كرمان وعلى على
ابن الحسين فوضع آلة الحرب وقعد للشرب ودعا بالملاهي ويعقوب في كل ذلك
لا يغفل عن البحث عن أخباره فاتصل به وضع طوق آلة الحرب وإقباله على
الشراب واللهو بارتحاله فكر راجعا فطوى المرحلتين إليه في يوم واحد فلم يشعر
طوق وهو في لهوه وشربه في آخر نهاره إلا بغبرة قد ارتفعت من خارج المدينة
التي هو فيها من كرمان فقال لأهل القرية ما هذه الغبرة فقيل له هذه غبرة مواشي
أهل القرية منصرفة إلى أهلها ثم لم يكن إلا كلا ولا حتى وفاه يعقوب في أصحابه
فأحاط به وبأصحابه فذهب أصحاب طوق لما أحيط بهم يريدون المدافعة عن
أنفسهم فقال يعقوب لأصحابه أفرجوا للقوم فأفرجوا لهم فمروا هاربين على
وجوههم وخلوا كل شئ لهم مما كان معهم في معسكرهم وأسر يعقوب طوقا
فحدثني ابن حماد البربري أن علي بن الحسين لما وجه طوقا حمله صناديق في
بعضها أطوقة وأسورة ليطوق ويسور من أبلى معه من أصحابه وفى بعضها
أموال ليجيز من استحق الجائزة منهم وفى بعضها قيود وأغلال ليقيد بها من أخذ
من أصحاب يعقوب فلما أسر يعقوب طوقا ورؤساء الجيش الذين كانوا معه أمر
بحيازة كل ما كان مع طوق وأصحابه من المال والأثاث والكراع والسلاح فحيز
ذلك كله وجمع إليه فلما أتى الصناديق أتى بها مقفلة فأمر ببعضها أن يفتح ففتح
فإذا فيه القيود والأغلال فقال لطوق يا طوق ما هذه القيود والأغلال قال حملنيها
علي بن الحسين لأقيد بها الاسرى وأغلهم بها فقال يا فلان انظر أكبرها وأثقلها
فاجعله في رجلي طوق وغله بغل ثم جعل يفعل مثل ذلك بمن أسر من أصحاب
طوق قال ثم أمر بصناديق أخر ففتحت فإذا فيها أطوقة وأسورة فقال يا طوق
ما هذه قال حملنيها على لأطوق بها وأسور أهل البلاء من أصحابي قال يا فلان
خذ من ذلك طوق كذا وسوار كذا فطوق فلانا وسوره ثم جعل يفعل
ذلك بأصحاب نفسه حتى طوقهم وسورهم ثم جعل يفعل كذلك بالصناديق
521

قال ولما أمر يعقوب بمد يد طوق ليضعها في الغل إذا على ذراعه عصابة فقال
له ما هذا يا طوق قال أصلح الله الأمير إني وجدت حرارة ففصدتها فدعا بعض
من معه فأمره بمد خفه من رجله ففعل ذلك فلما نزعه من رجله تناثر من خفه كسر
خبز يابسة فقال يا طوق هذا خفى لم أنزعه من رجلي منذ شهرين وخبزي في
خفى منه آكل لا أطأ فراشا وأنت جالس في الشرب والملاهي بهذا التدبير أردت
حربي وقتالي فلما فرغ يعقوب بن الليث من أمر طوق دخل كرمان وحازها
وصارت مع سجستان من عمله (وفيها) دخل يعقوب بن الليث فارس وأسر
علي بن الحسين بن قريش
* ذكر الخبر عن سبب أسره إياه وكيف وصل إليه *
* حدثني ابن حماد البربري قال كنت يومئذ بفارس عند علي بن الحسين
بن قريش فورد عليه خبر وقعة يعقوب بن الليث بصاحبه طوق بن المغلس
ودخول يعقوب كرمان واستيلائه عليها ورجع إليه الفل فأيقن بإقبال يعقوب
إلى فارس وعلى يومئذ بشيراز من أرض فارس فضم إليه جيشه ورجالة الفل
من عند طوق وغيرهم وأعطاهم السلاح ثم برز من شيراز فصار إلى كر خارج
شيراز بين آخر طرفه عرضا مما يلي أرض شيراز وبين عرض جبل بها من
الفضاء قدر ممر رجل أو دابة لا يمكن من ضيقه أن يمر فيه أكثر من رجل واحد
فأقام في ذلك الموضع وضرب عسكره على شط ذلك الكر مما يلي شيراز وأخرج
معه المتسوقة والتجار من مدينة شيراز إلى معسكره وقال إن جاء يعقوب لم
يجد موضعا يجوز الفلاة إلينا لأنه لا طريق له الا الفضاء الذي بين الجبل والكر
وانما هو قدر ممر رجل إذا أقام عليه رجل واحد منع من يريد أن يجوزه وان
لم يقدر أن يجوز إلينا بقى في البر بحيث لاطعام له ولا لأصحابه ولا علف لدوابهم
قال ابن حماد فأقبل يعقوب حتى قرب من الكر فأمر أصحابه بالنزول أول يوم
على نحو من ميل من الكر مما يلي كرمان ثم أقبل هو وحده وبيده رمح عشارى
يقول ابن حماد كأني أنظر إليه حين أقبل وحده على دابته ما معه إلا رجل واحد
522

فنظر إلى الكر والجبل والطريق وقرب من الكر وتأمل عسكر علي بن الحسين
فجعل أصحاب على يشتمونه ويقولون لنردنك إلى شعب المراجل والقماقم يا صفار
وهو ساكت لا يرد عليهم شيئا قال فلما تأمل ما أراد من ذلك ورآه انصرف
راجعا إلى أصحابه قال فلما كان من الغد عند الظهر أقبل بأصحابه ورجاله حتى
صار على شط كر مما يلي بر كرمان فأمر أصحابه فنزلوا عن دوابهم وحطوا
أثقالهم قال ثم فتح صندوقا كان معه (قال ابن حماد) كأني أنظر إليهم
وقد أخرجوا كلبا ذئبيا ثم ركبوا دوابهم اعراء وأخذوا رماحهم بأيديهم
قال وقبل ذلك كان قد عبأ علي بن الحسين أصحابه فأقامهم صفوفا على الممر
الذي بين الجبل والكر وهم يرون أنه لا سبيل ليعقوب ولا طريق
له يمكنه أن يجوزه غيره قال ثم جاؤوا بالكلب فرموا به في الكر ونحن وأصحاب
على ينظرون إليهم يضحكون منهم ومنه قال فلما رموا بالكلب فيه جعل الكلب
يسبح في الماء إلى جانب عسكر علي بن الحسين وأقحم أصحاب يعقوب دوابهم
خلف الكلب وبأيديهم رماحهم يسيرون في أثر الكلب فلما رأى علي بن الحسين
أن يعقوب قد قطع عامة الكر إليه وإلى أصحابه انتقض عليه تدبيره وتحير
في أمره ولم يلبث أصحاب يعقوب الا أيسر ذلك حتى خرجوا من الكر من وراء
أصحاب علي بن الحسين فلم يكن بأسرع من أن خرج أوائلهم منه حتى هرب أصحاب
على يطلبون مدينة شيراز لانهم كانوا يصيرون إذا خرج أصحاب يعقوب من
الكر بين جيش يعقوب وبين الكر ولا يجدون ملجأ إن هزموا وانهزم علي بن
الحسين بانهزام أصحابه وقد خرج أصحاب يعقوب من الكر فكبت به دابته فسقط
إلى الأرض ولحقه بعض السجزية فهم عليه بسيفه ليضربه فبلغ إليه خادم له فقال
الأمير فنزل إليه السجزي فوضع في عنقه عمامته ثم جره إلى يعقوب فلما أتى به
أمر بتقييده وأمر بما كان في عسكره من آلة الحرب من السلاح والكراع وغير
ذلك فجمع إليه ثم أقام بموضعه حتى أمسى وهجم عليه الليل ثم رحل من موضعه
ودخل مدينة شيراز ليلا وأصحابه يضربون بالطبول فلم يتحرك في المدينة أحد
523

فلما أصبح أنهب أصحابه دار علي بن الحسين ودور أصحابه ثم نظر إلى ما اجتمع في
بيت المال من مال الخراج والضياع فاحتمله ووضع الخراج فجباه ثم شخص منها
متوجها إلى سجستان وحمل معه ابن قريش ومن أسر معه (وفيها) وجه يعقوب
ابن الليث إلى المعتز بدواب وبزاة ومسك هدية (وفيها) ولى سليمان بن عبد الله
ابن طاهر شرطة بغداد والسواد وذلك لست خلون من شهر ربيع الآخر وكانت
موافاته سامرا من خراسان فيما ذكر يوم الخميس لثمان خلون من شهر ربيع الأول
وصار إلى الايتاخية ثم دخل على المعتز يوم السبت فخلع عليه وانصرف (وفيها)
كانت وقعة بين مساور الشاري ويارجوخ فهزمه الشاري وانصرف إلى سامرا
مفلولا * ومات المعلى بن أيوب في شهر ربيع الآخر منها (وفيها) أخذ صالح
ابن وصيف أحمد بن إسرائيل والحسن بن مخلد وأبا نوح عيسى بن إبراهيم فقيدهم
وطالبهم بأموال وكان سبب ذلك فيما ذكر أن هؤلاء الكتاب الذين ذكرت
كانوا اجتمعوا يوم الأربعاء لليلتين خلتا من جمادى الآخرة من هذه السنة على شراب
لهم يشربونه فلما كان يوم الخميس غد ذلك اليوم ركب ابن إسرائيل في جمع عظيم إلى
دار السلطان التي يقعد فيها وركب ابن مخلد إلى دار قبيحة أم المعتز وهو كاتبها
وحضر أبو نوح الدار والمعتز نائم فانتبه قريبا من انتصاف النهار فأذن لهم فحمل
صالح بن وصيف على أحمد بن إسرائيل وقال للمعتز يا أمير المؤمنين ليس للأتراك
عطاء ولافى بيت المال مال وقد ذهب ابن إسرائيل وأصحابه بأموال الدنيا فقال
له أحمد يا عاصي يا ابن العاصي ثم لم يزالا يتراجعان الكلام حتى سقط صالح مغشيا
عليه فرش على وجهه الماء وبلغ ذلك أصحابه وهم على الباب فصاحوا صيحة
واحدة واخترطوا سيوفهم ودخلوا على المعتز مصلتين فلما رأى ذلك المعتز
دخل وتركهم وأخذ صالح بن وصيف ابن إسرائيل وابن مخلد وعيسى بن
إبراهيم فقيدهم وأثقلهم بالحديد وحملهم إلى داره فقال المعتز لصالح قبل أن
يحملهم هب لي أحمد فإنه كاتبي وقد رباني فلم يفعل ذلك صالح ثم ضرب ابن
إسرائيل حتى كسرت أسنانه وبطح ابن مخلد فضرب مائة سوط وكان عيسى بن
524

إبراهيم محتجما فلم يزل يصفع حتى جرت الدماء من محاجمه ثم لم يتركوا حتى أخذت
رقاعهم بمال جليل قسط عليهم وتوجه قوم من الأتراك إلى إسكاف ليأتوا
بجعفر بن محمود فقال المعتز أما جعفر فلا أرب لي فيه ولا يعمل لي فمضوا فبعث
المعتز إلى أبى صالح عبد الله بن محمد بن يزداد المروزي فحمل ليصيره وزيرا وبعث
إلى إسحاق بن منصور فأشخص وبعثت قبيحة إلى صالح بن وصيف في ابن إسرائيل
إما حملته إلى المعتز وإما ركبت إليك فيه (وقد ذكر) أن السبب في ذلك كان أن
الأتراك طلبوا أرزاقهم وأنهم جعلوا ذلك سببا لما كان من أمرهم وأن الرسل لم
تزل تختلف بينهم وبين هؤلاء الكتاب إلى أن قال أبو نوح لصالح بن وصيف
هذا تدبيرك على الخليفة فغشى على صالح حينئذ مما داخله من الحرد والغيظ حتى
رشوا على وجهه الماء فلما أفاق جرى بين يدي المعتز كلام كثير ثم خرجوا إلى
الصلاة وخلا صالح بالمعتز ثم دعى بالقوم فلم يلبثوا إلا قليلا حتى أخرجوا إلى
قبة في الصحن ثم دعى بأبي نوح وابن مخلد فأخذت سيوفهما وقلانسهما ومزقت
ثيابهما ولحقهما ابن إسرائيل فألقى نفسه عليهما فثلث به ثم أخرجوا إلى الدهليز
وحملوا على الدواب والبغال وارتدف خلف كل واحد منهم تركي وبعث بهم
إلى دار صالح على طريق الحير وانصرف صالح بعد ساعة وتفرق الأتراك فانصرفوا
فلما كان بعد ذلك بأيام جعل في رجل كل واحد منهم ثلاثون رطلا وفى عنق كل
واحد منهم عشرون رطلا من حديد وطولبوا بالأموال فلم يجب واحد منهم إلى
شئ ولم ينقطع أمرهم إلى أن دخل رجب فوجهوا في قبض ضياعهم ودورهم
وضياع أسبابهم وأموالهم وسموا الكتاب الخونة فقدم جعفر بن محمود يوم الخميس
لعشر خلون من جمادى الآخرة فولى الامر والنهى (ولليلتين) خلتا من رجب
ظهر بالكوفة عيسى بن جعفر وعلي بن زيد الحسنيان فقتلا بها عبد الله بن محمد
ابن داود بن عيسى (ولثلاث) بقين من رجب منها خلع المعتز * ولليلتين خلتا من
شعبان أظهر موته وكان سبب خلعه فيما ذكر أن الكتاب الذي ذكرنا أمرهم لما
فعل بهم الأتراك ما فعلوا ولم يقروا لهم بشئ صاروا إلى المعتز يطلبون أرزاقهم
525

وقالوا له أعطنا أرزاقنا حتى نقتل لك صالح بن وصيف فأرسل المعتز إلى أمه
يسألها أن تعطيه مالا ليعطيهم فأرسلت إليه ما عندي شئ فلما رأى الأتراك ومن
بسامرا من الجند أن قد امتنع الكتاب من أن يعطوهم شيئا ولم يجدوا في بيت
المال شيئا والمعتز وأمه قد امتنعا من أن يسمحا لهم بشئ صارت كلمة الأتراك
والفراغنة والمغاربة واحدة فاجتمعوا على خلع المعتز فصاروا إليه لثلاث بقين من
رجب فذكر بعض أسباب السلطان أنه كان في اليوم الذي صاروا إليه عند نحرير
الخادم في دار المعتز فلم يرعه إلا صياح القوم من أهل الكرخ والدور وإذا
صالح بن وصيف وبايكباك ومحمد بن بغا المعروف بأبي نصر قد دخلوا في السلاح
فجلسوا على باب المنزل الذي ينزله المعتز ثم بعثوا إليه اخرج إلينا فبعث إليهم انى
أخذت الدواء أمس وقد أجفلني اثنتي عشرة مرة ولا أقدر على الكلام من الضعف
فإن كان أمرا لابد منه فليدخل إلى بعضكم فليعلمني وهو يرى أن أمره واقف على
حاله فدخل إليه جماعة من أهل الكرخ والدور من خلفاء القواد فجروا برجله
إلى باب الحجرة قال وأحسبهم كانوا قد تناولوه بالضرب بالدبابيس فخرج وقميصه
مخرق في مواضع وآثار الدم على منكبه فأقاموه في الشمس في الدار في وقت شديد
الحر قال فجعلت أنظر إليه يرفع قدمه ساعة بعد ساعة من حرارة الموضع الذي قد
أقيم فيه قال فرأيت بعضهم يلطمه وهو يتقى بيده وجعلوا يقولون اخلعها فأدخلوه
حجرة على باب حجرة المعتز كان موسى بن بغا يسكنها حين كان حاضرا ثم بعثوا إلى ابن أبي
الشوارب فأحضروه مع جماعة من أصحابه فقال له صالح وأصحابه اكتب عليه كتاب
خلع فقال لا أحسنه وكان معه رجل أصبهاني فقال أنا أكتب فكتب وشهدوا عليه
وخرجوا وقال ابن أبي الشوارب لصالح قد شهدوا أن له ولأخته وابنه وأمه
الأمان فقال صالح بكفه أي نعم ووكلوا بذلك المجلس وبأمه نساء يحفظنها * فذكر
أن قبيحة كانت اتخذت في الدار التي كانت فيها سربا وأنها احتالت هي وقرب
وأخت المعتز فخرجوا من السرب وكانوا أخذوا عليها الطرق ومنعوا الناس أن
526

يجوزوا من يوم فعلوا بالمعتز ما فعلوا وذلك يوم الاثنين إلى يوم الأربعاء لليلة بقيت
من رجب * فذكر أنه لما خلع دفع إلى من يعذبه ومنع الطعام والشراب ثلاثة
أيام فطلب حسوة من ماء البئر فمنعوه ثم جصصوا سردابا بالجص الثخين ثم أدخلوه
فيه وأطبقوا عليه بابه فأصبح ميتا وكانت وفاته لليلتين خلتا من شعبان من هذه
السنة فلما مات أشهد على موته بنو هاشم والقواد وأنه صحيح لا أثر فيه فدفن مع
المنتصر في ناحية قصر الصوامع فكانت خلافته من يوم بويع له بسامرا إلى أن
خلع أربع سنين وستة أشهر وثلاثة وعشرين يوما وكان عمره كله أربعا وعشرين
سنة وكان أبيض أسود الشعر كثيفة حسن العينين والوجه ضيق الجبين أحمر
الوجنتين حسن الجسم طويلا وكان مولده بسامرا
* خلافة ابن الواثق المهتدى بالله *
وفى يوم الأربعاء لليلة بقيت من رجب من هذه السنة بويع محمد بن الواثق
فسمى بالمهتدى بالله وكان يكنى أبا عبد الله وأمه رومية وكانت تسمى قرب *
وذكر عن بعض من كان شاهدا أمرهم أن محمد بن الواثق لم يقبل بيعة أحد حتى
أتى بالمعتز فخلع نفسه وأخبر عن عجزه عن القيام بما أسند إليه ورغبته في تسليمها
إلى محمد بن الواثق وأن المعتز مد يده فبايع محمد بن الواثق فسموه بالمهتدى ثم
تنحى وبايع خاصة الموالى وكانت نسخة الرقعة بخلع المعتز نفسه (بسم الله الرحمن
الرحيم) هذا ما أشهد عليه الشهود المسمون في هذا الكتاب شهدوا أن أبا عبد الله
ابن أمير المؤمنين المتوكل على الله أقر عندهم وأشهدهم على نفسه في صحة من عقله
وجواز من أمره طائعا غير مكره أنه نظر فيما كان تقلده من أمر الخلافة والقيام
بأمور المسلمين فرأى أنه لا يصلح لذلك ولا يكمل له وأنه عاجز عن القيام بما
يجب عليه منها ضعيف عن ذلك فأخرج نفسه وتبرأ منها وخلعها من رقبته وخلع
نفسه منها وبرأ كل من كانت له في عنقه بيعة من جميع أوليائه وسائر الناس مما
كان له في رقابهم من البيعة والعهود والمواثيق والايمان بالطلاق والعتاق والصداقة
والحج وسائر الايمان وحللهم من جميع ذلك وجعلهم في سعة منه في الدنيا
527

والآخرة بعد أن تبين له أن الصلاح له وللمسلمين في خروجه عن الخلافة والتبرئ
منها وأشهد على نفسه بجميع ما سمى ووصف في هذا الكتاب جميع الشهود المسمين
فيه وجميع من حضر بعد أن قرئ عليه حرفا حرفا فأقر بفهمه ومعرفته جميع ما فيه
طائعا غير مكره وذلك يوم الاثنين لثلاث بقين من رجب سنة 255 فوقع المعتز
في ذلك أقر أبو عبد الله بجميع ما في هذا الكتاب وكتب بخطه وكتب الشهود
شهاداتهم شهد الحسن بن محمد ومحمد بن يحيى وأحمد بن جناب ويحيى بن زكرياء بن أبي
يعقوب الأصبهاني وعبد الله بن محمد العامري وأحمد بن الفضل بن يحيى وحماد
ابن إسحاق وعبد الله بن محمد وإبراهيم بن محمد وذلك يوم الاثنين لثلاث بقين من
رجب سنة 255 وفى سلخ رجب من هذه السنة كان ببغداد شغب ووثوب العامة
بسليمان بن عبد الله بن طاهر
* ذكر الخبر عن سبب ذلك وإلى ما آل الامر إليه *
وكان السبب في ذلك أن الكتاب من محمد بن الواثق ورد يوم الخميس سلخ
رجب على سليمان ببغداد ببيعة الناس له وبها أبو أحمد بن المتوكل وكان أخوه المعتز
سيره إلى البصرة حين سخط على أخيه من أمه المؤيد فلما وقعت العصبية بالبصرة
نقله إلى بغداد فكان مقيما بها فبعث سليمان بن عبد الله بن طاهر واليه الشرطة
يومئذ ببغداد فأحضره داره وسمع من ببغداد من الجند والغوغاء بأمر المعتز
وابن الواثق فاجتمعوا إلى باب سليمان وضجوا هنالك ثم انصرفوا على أنه قيل
لهم لم يرد علينا من الخبر ما نعلم به ما عمل به القوم فغدوا يوم الجمعة على ذلك من
الصياح والقول الذي كان قيل لهم يوم الخميس وصلى الناس في المسجدين ودعى
فيهما للمعتز فلما كان يوم السبت غدا القوم فهجموا على دار سليمان وهتفوا باسم
أبى أحمد ودعوا إلى بيعته وخلصوا إلى سليمان في داره وسألوه أن يريهم أبا أحمد
ابن المتوكل فأظهره لهم ووعدهم المصير إلى محبتهم إن تأخر عنهم ما يحبون فانصرفوا
عنه بعد أن أكدوا عليه في حفظه وقدم يارجوخ فنزل البردان ومعه ثلاثون
ألف دينار لاعطاء الجند ممن بمدينة السلام ثم صار إلى الشماسية ثم غدا
528

ليدخل بغداد فبلغ الناس الخبر فضجوا وتبادروا بالخروج إليه وبلغ يارجوخ
الخبر فرجع إلى البردان فأقام بها وكتب إلى السلطان واختلفت الكتب حتى وجه
إلى أهل بغداد بمال رضوا به ووقعت بيعة الخاصة ببغداد للمهتدي يوم الخميس
لسبع ليال خلون من شعبان ودعى له يوم الجمعة لثمان خلون من شعبان بعد
أن كانت ببغداد فتنة قتل فيها وغرق في دجلة قوم وجرح آخرون لان سليمان
كان يحفظ داره قوم من الطبرية بالسلاح فحاربهم أهل بغداد في شارع دجلة
وعلى الجسر ثم استقام الامر بعد ذلك وسكنوا * وفى شهر رمضان من هذه
السنة ظهرت قبيحة للأتراك ودلتهم على الأموال التي عندها والذخائر والجوهر
وذلك أنها فيما ذكر قد قدرت الفتك بصالح وواطأت على ذلك النفر من الكتاب
الذين أوقع بهم صالح فلما أوقع بهم صالح وعلمت أنهم لم يطووا عن صالح شيئا
من الخبر بسبب ما نالهم من العذاب أيقنت بالهلاك فعملت في التخلص فأخرجت
ما في الخزائن داخل الجوسق من الأموال والجواهر وفاخر المتاع فأودعت ذلك
كله مع ما كانت أودعت قبل ذلك مما هو في هذا المعنى ثم لم تأمن المعاجلة إلى
ما نزل بها وبابنها فاحتالت للهرب وجها فحفرت سربا من داخل القصر من حجرة
لها خاصة ينفذ إلى موضع يفوت التفتيش فلما علمت بالحادثة بادرت من غير
تلبث ولا تلوم حتى صارت في ذلك السرب ثم خرجت من القصر فلما فرغ
الذين شغبوا في أمر ابنها مما أرادوا احكامه فصاروا إلى طلبها غير شاكين
في القدرة عليها وجدوا القصر منها خاليا وأمرها عنهم مستترا لا يقفون منه
على شئ ولا ما يؤديهم إلى معرفته حتى وقفوا على السرب فعلموا حينئذ انهم
منه أوتوا فسلكوه وانتهوا إلى موضع لا يوقف منه على خبر ولا أثر فأيقنوا
بالفوت ثم رجموا الظنون فلم يجدوا لها معقلا أعز ولا أمنع إن هي لجأت إليه
من حبيب حرة موسى بن بغا التي تزوجها من جواري المتوكل فأحالوا على تلك
الناحية وكرهوا التعرض لشئ من أسبابها ووضعوا العيون والأرصاد عليها
وأظهروا التوعد لمن وقفوا على معرفته بأمرها ثم لم يظهرهم عليها فلم يزل الامر
(34 - 7)
529

منطويا عنهم حتى ظهرت في شهر رمضان وصارت إلى صالح بن وصيف
ووسطت بينها وبين صالح العطارة وكانت تثق بها وكانت لها أموال ببغداد
فكتبت في حملها فاستخرج وحمل منها إلى سامرا * فذكر أنه وافى سامرا يوم الثلاثاء
لاحدى عشرة ليلة خلت من شهر رمضان من هذه السنة قدر خمسمائة ألف دينار
ووقعوا لها على خزائن ببغداد فوجه في حملها فاستخرج وحمل منها فحمل إلى السلطان
من ذلك متاع كثير وأحيل من ببغداد من الجند والشاكرية المرتزقة بمال عظيم
عليه ولم تزل تباع تلك الخزائن متصلا ببغداد وسامرا عدة شهور حتى نفدت
ولم تزل قبيحة مقيمة إلى أن شخص الناس إلى مكة في هذه السنة فسيرت إليها
مع رجاء الربابي ووحش مولى المهتدى فذكر عمن سمعها في طريقها وهى تدعو الله
على صالح بن وصيف بصوت عال اللهم اخز صالح بن وصيف كما هتك سترى وقتل
ولدى وبدد شملى وأخذ مالي وغربني عن بلدي وركب الفاحشة منى فانصرف الناس
عن الموسم واحتبست بمكة * وذكر أن الأتراك لما تحركوا وثاروا بالمعتز أرسلوا إليه
يطلبون منه خمسين ألف دينار على أن يقتلوا صالحا ويستوى لهم الامر فأرسل
إلى أمه يعلمها اضطرابهم عليه وأنه خائف على نفسه منهم فقالت ما عندي مال وقد
وردت لنا سفاتج فلينتظروا حتى نقبض ونعطيهم فلما قتل المعتز أرسل صالح إلى
رجل جوهري قال الرجل فدخلت إليه وعنده أحمد بن خاقان فقال ويحك هوذا
ترى ما أنا فيه وكان صالح قد أخافوه وطالبوه بالمال ولم يكن عنده شئ فقال لي
قد بلغني أن لقبيحة خزانة في موضع يرشدك إليه هذا الرجل وإذا رجل بين يديه
فامض ومعك أحمد بن خاقان فإن أصبتم شيئا فأثبته عندك وسلمه إلى أحمد بن
خاقان وصر إلى معه قال فمضيت إلى الصفوف بحضرة المسجد الجامع فجاء بنا ذلك
الرجل إلى دار صغيرة معمورة نظيفة فدخلناها ففتشنا كل موضع فيها فلم نجد شيئا
وجعل ذلك يغلظ على أحمد بن خاقان وهو يتهدد الرجل ويتوعده ويغلظ له وأخذ
الرجل فأسا فجعل ينقر به الحيطان يطلب موضعا قد ستر فيه المال فلم يزل كذلك
حتى وقع الفأس على مكان في الحائط استدل بصوته على أن فيه شيئا فهدمه وإذا
530

من ورائه باب ففتحناه ودخلنا إليه فأدانا إلى سرب وصرنا إلى دار تحت الدار
التي دخلناها على بنائها وقسمتها فوجدنا من المال على رفوف في اسفاط زهاء
ألف ألف دينار فأخذ أحمد منها ومن كان معه قدر ثلثمائة ألف دينار ووجدنا
ثلاثة أسفاط سفطا فيه مقدار مكوك زمرد إلا أنه من الزمرد الذي لم أر
للمتوكل مثله ولا لغيره وسفطا دونه فيه نصف مكوك حب لم أر والله للمتوكل
ولا لغيره مثله وسفطا دونه فيه مقدار كيلجة ياقوت أحمر لم أر مثله ولا
ظننت أن مثله يكون في الدنيا فقومت الجميع على البيع فكانت قيمته ألفى ألف
دينار فحملناه كله إلى صالح فلما رآه جعل لا يصدق ولا يوقن حتى أحضر بحضرته
ووقف عليه فقال عند ذلك فعل الله بها وفعل عرضت ابنها للقتل في مقدار
خمسين ألف دينار وعندها مثل هذا في خزانة واحدة من خزائنها (وكانت) أم
محمد بن الواثق توفيت قبل أن يبايع وكانت تحت المستعين فلما قتل المستعين صيرها
المعتز في قصر الرصافة الذي فيه الحرم فلما ولى الخلافة المهتدى قال يوما لجماعة من
الموالى أما أنا فليس لي أم أحتاج لها إلى غلة عشرة آلاف ألف في كل سنة لجواريها
وخدمها والمتصلين بها وما أريد لنفسي وولدي إلا القوت وما أريد فضلا إلا لاخوتي
فإن الضيقة قد مستهم (ولثلاث) بقين من رمضان من هذه السنة قتل أحمد بن إسرائيل
وأبو نوح
* ذكر الخبر عن صفة القتلة التي قتلا بها *
فأما السبب الذي أداهما إلى القتل فقد ذكرناه قبل وأما القتلة التي قتلا
بها فإنه ذكر أن صالح بن وصيف لما استصفى أموالهما ومال الحسن بن
مخلد وعذبهم بالضرب والقيد وقرب كوانين الفحم في شدة الحر منهم
ومنعهم كل راحة وهم في يده على حالهم ونسبهم إلى أمور عظام من الخيانة
والقصد لذل السلطان والحرص على دوام الفتن والسعي في شق عصا المسلمين فلم
يعارضه المهتدى في شئ من أمورهم ولم يوافقه على شئ أنكره من فعله بهم ثم
وجه إليهم الحسن بن سليمان الدوشابي في شهر رمضان ليتولى استخراج شئ إن كان
زوى عنه من أموالهم قال فأخرج إلى أحمد بن إسرائيل فقلت له يا فاجر تظن
531

أن الله يمهلك وان أمير المؤمنين لا يستحل قتلك وأنت السبب في الفتن والشريك
في الدماء مع عظيم الخيانة وفساد النية والطوية إن في أقل من هذا ما تستوجب
به المثلة كما استوجب من كان قبلك والقتل في العاجلة والعذاب والخزي في الآجلة
ان لم تسعد من الله بعفو وامهال ومن إمامك بصفح واحتمال فاستر نفسك من
نزول ما تستحق بالصدق عما عندك من المال فإنك ان تفعل ويوقف على صدقك
تسلم بنفسك * قال فذكر أنه لا شئ عنده ولاترك له إلى هذا الوقت مال ولا
عقدة * قال فدعوت بالمقارع وأمرت أن يقام في الشمس وأرعدت وأبرقت
وإن كاد ليفوتني الظفر منه بشئ من صرامة ورجلة حتى أومى إلى قدر تسعة
عشر ألف دينار فأخذت رقعته بها * قال ثم أحضرت أبا نوح عيسى بن إبراهيم
فقلت له مثل الذي قلت لأحمد أو نحوه وزدت في ذلك بأن قلت وأنت مع هذا
مقيم على دينك النصرانية مرتكب فروج المسلمات تشفيا من الاسلام وأهله
ولا دلالة أدل على ذلك ممن لم يزل في منزلك على حال النصرانية من أهل وولد
ومن كان ذا عقده فقد أباح الله دمه * قال فلم يجب إلى شئ وأظهر ضعفا وفقرا
* قال وأما الحسن بن مخلد فأخرجته فلما خاطبته خاطبت رجلا موضعا رخوا قال
فبكته بما ظهر منه وقلت من كان له الراضة بين يديه إذا سار على الشهارى وقدر
ما قدرت وأراد ما أردت لم يكن موضعا رطبا ولا مخنثا رخوا * قال ولم أزل به
حتى كتب رقعة بجوهر قيمته نيف وثلاثون ألف دينار قال وردوا جميعا إلى
موضعهم وانصرفت فكانت مناظرة الحسن بن سليمان الدوشابي لهم آخر مناظرة
كانت معهم ولم يناظروا أيام المهتدى فيما بلغني مناظرة غيرها * فلما كان يوم
الخميس لثلاث بقين من شهر رمضان أخرج أحمد بن إسرائيل وأبو نوح عيسى بن
إبراهيم إلى باب العامة فقعد صالح بن وصيف في الدار ووكل بضربهما حماد بن
محمد بن حماد بن دنقش فأقام أحمد بن إسرائيل وابن دنقش يقول أوجع وكان كل
جلاد يضربه سوطين ويتنحى حتى وفوه خمسمائة سوط ثم أقاموا أبا نوح أيضا
فضرب خمسمائة سوط ضرب التلف ثم حملا على بغلين من بغال السقائين على
532

بطونهما منكسة رؤسهما ظاهرة ظهورهما للناس فاما أحمد فحين بلغ خشبة بابك
مات وحين وصلوا بأبي نوح مات فدفن احمد بين الحائطين ويقال إن أبا نوح
مات من يومه في حبس السرخسي خليفة طلمجور على شرط الخاصة وبقى الحسن
ابن مخلد في الحبس * وذكر عن بعض من حضر أنه قال لقد رأيت حماد بن محمد
ابن حماد بن دنقش وهو يقول للجلادين أنفسكم يا بنى الفاعلة لا يكنى ويقول أوجعوا
وغيروا السياط وبدلوا الرجال وأحمد بن إسرائيل وعيسى يستغيثان فذكر أن المهتدى
لما بلغه ذلك قال أما عقوبة إلا السوط أو القتل أما يقوم مقام هذا شئ أما يكفي
إنا لله وإنا إليه راجعون يقول ذلك ويسترجع مرارا * وذكر عن الحسن بن مخلد
أنه قال لم يكن الامر فينا عند صالح إذا لم يحضره عبد الله بن محمد بن يزداد على
ما كان يكون عليه من الغلظة إذا حضر قال وكان يقول لصالح اضرب وعذب
فان الأصلح من وراء ذلك القتل فإنهم إن أفلتوا لم تؤمن بوائقهم في الأعقاب
فضلا عن الواترين ويذكره قبيح ما بلغه عنهم وكان يسر بذلك قال وكان داود
ابن العباس الطوسي يحضرنا عند صالح فيقول وما هؤلاء أعزك الله فبلغ منك
الغضب بسببهم هذا المبلغ فنظنه يرفقه علينا حتى يقول على إني والله أعلم أنهم إن تخلصوا
تخلص منهم شر كبير وفساد في الاسلام عظيم فينصرف وقد أفتاه بقتلنا وأشار عليه
بإهلاكنا فيزداد برأيه وما قال له علينا غيظا وإلى الإساءة بنا أنسا فسئل بعض من
كان يخبر أمرهم كيف نجا الحسن بن مخلد مما صلى به صاحباه فقال بخصلتين إحداهما
أنه صدقه عن الخبر في أول وهلة وأوجده الدلائل على ما قاله له أنه حق وقد كان
وعده العفو إن صدقه وحلف له على ذلك والاخرى أن أمير المؤمنين كلمه فيه
وأعلمه حرمة أهله به وأومأ إلى محبته لاصلاح شأنه فرده عن عظيم المكروه فيه
وقد كنت أرى أنه لو طالت لصالح مدة وهو في يده أطلقه واصطنعه ولم يكن
صالح بن وصيف اقتصر في أمر الكتاب على أخذ أموالهم وأموال أولادهم حتى
أخاف أسبابهم وقراباتهم بأخذ أموالهم وتخطى إلى المتصلين بهم (ولثلاث)
عشرة خلت من شهر رمضان منها فتح السجن ببغداد ووثبت الشاكرية والنائبة
533

ببغداد من جندها بمحمد بن أوس البلخي
* ذكر الخبر عن سبب ذلك وما آل الامر إليه فيه *
ذكر أن السبب في ذلك كان أن محمد بن أوس قدم بغداد مع سليمان بن عبد الله
ابن طاهر وهو على الجيش القادمين من خراسان مع سليمان والصعاليك
الذين تألفهم سليمان بالري ولم يكن أسماؤهم في ديوان السلطان بالعراق ولا أمر
سليمان فيهم بشئ وكانت السنة فيهم أن يقام لمن قدم معه من خراسان بالعراق
حسب ما يقام بخراسان لنظرائهم من مال ضياع ورثة ذي اليمينين ويكتب بذلك
إلى خراسان ليعارض الورثة هناك من مال العامة بدل ما كان دفع من مالهم
بالعراق فلما قدم سليمان بن عبد الله العراق وجد بيت مال الورثة فارغا وعبيد الله
ابن عبد الله بن طاهر قد تقدم عندما صح عنده من الخبر بتصيير الامر فيما كان
يتولاه إلى أخيه سليمان بن عبد الله فأخذ ما كان حاصلا لورثة أبيه وجده
في بيت مالهم واستسلف على ما لم يرتفع وتعجل من المتقبلين أموال نجوم لم تحل
حتى استنظف ذلك أجمع وشخص فأقام بالجويث في شرقي دجلة ثم عبر حتى صار
في غربيها فضاقت بسليمان الدنيا وتحرك الشاكرية والجند في طلب الأرزاق
وكتب سليمان إلى أبى عبد الله المعتز بذلك وقدر أموالهم وأدخل في المال تقدير
القادمين معه ووجه محمد بن عيسى بن عبد الرحمن الكاتب الخراساني كاتبه في ذلك
فأجيب بعد مناظرات إلى أن سبب له على عمال السواد مال صودر عليه لطمع
من بمدينة السلام وشحن السواد لا يقوم بما يجب للنائبة فضلا عن القادمين مع
النائبة فلم يتهيأ لسليمان الوصول إلى شئ من المال وقدم ابن أوس والصعاليك
وأصحابه فقصر المال عنه وعمن كان يقدر وصوله إليه من النائبة فوقفوا على
ذلك وعلى السبب المضر بهم فيه وكان القادمون مع سليمان من الصعاليك وغيرهم
لما قدموا بغداد أساءوا المجاورة لأهلها وجاهروا بالفاحشة وتعرضوا للحرم
والعبيد والغلمان وعادوهم لمكانهم من السلطان حتى امتلأ وا عليهم غيظا وحنقا وقد
كان سليمان بن عبد الله وجر على الحسين بن إسماعيل بن إبراهيم بن مصعب بن
534

رزيق لمكانه كان من عبيد الله بن عبد الله ونصرته له وكفايته إياه وانصرافه
عن سليمان وأسبابه فلما انصرف الحسين بن إسماعيل إلى بغداد بعقب ما كان
يتولاه لعبيد الله من أمر الجند والشاكرية فحبس كاتبه في المطبق وحاجبه في سجن
باب الشأم ووكل بباب الحسين بن إسماعيل جندا من قبل إبراهيم بن إسحاق بن
إبراهيم لان سليمان ولى إبراهيم ما كان الحسين بن إسماعيل يتولاه لعبيد الله من
أمر جسري بغداد وطساسيج قطربل ومسكن والأنبار فلما حدث ما حدث من
بيعة المهتدى وشغب الجند والشاكرية بمدينة السلام ووقعت الحرب في تلك
الأيام شد محمد بن أوس على رجل من المراوزة كان من الشيعة فضربه في دار
سليمان ثلثمائة سوط ضربا مبرحا وحبسه بباب الشأم وكان هذا الرجل من خاصة
الحسين بن إسماعيل فلما حدث هذا الحادث احتيج إلى الحسين بن إسماعيل لفضل
جلده واقدامه فنحى من كان ببابه موكلا فظهر فتراجع إليه أصحابه من غير أمر
وقد كانوا فرقوا على القواد وضم منهم جمع كبير إلى محمد بن أبي عوز القائد فذكر
أن المضمومين إلى ابن أبي عون لما صاروا إلى بابه فرق فيهم من ماله للراجل
عشرة دراهم وللفارس دينارا فلما رجعوا إلى الحسين رفع ابن أبي عون بذكر
ذلك فلم يخرج في ذلك تعيين ولا أمر فلم يزل الحال على هذا والجند والشاكرية
يصيحون في طلب مال البيعة وما بقى لهم من مال الطمع المتقدم وقد رد أمرهم
في تقسيط مالهم وقبضهم إلى الحسين على ما كان الامر عليه أيام عبيد الله بن عبد الله
ابن طاهر وكان الحسين لا يزال يلقى إليهم ما عليه محمد بن أوس ومن قدم مع
سليمان من القصد لاخذ أموالهم والفوز بها دونهم حتى امتلأت قلوبهم فلما كان
يوم الجمعة لثلاث عشرة خلت من شهر رمضان اجتمع جماعة من الجند
والشاكرية ومعهم جماعة من العامة حتى صاروا إلى سجن باب الشأم ليلا
فكسروا بابه وأطلقوا في تلك الليلة أكثر من كان فيه ولم يبق فيه من أصحاب
الجرائم أحد الا الضعيف والمريض والمثقل فكان ممن خرج في تلك الليلة
نفر من أهل بيت مساور بن عبد الحميد الشاري وخرج معهم المروزي مضروب محمد
535

ابن أوس وجماعة ممن قد لزم السلطان إلى أن صاروا إلى قبضته زهاء خمسين ألف ألف
وأصبح الناس في يوم الجمعة وباب الحبس مفتوح فمن قدر أن يمشى مشى ومن لم
يقدر اكترى له ما يركبه وما يمنع من ذلك مانع ولا يدفع دافع فكان ذلك من
أقوى الأمور التي بعثت الخاصة والعامة على دفع؟ بينهم وبين سليمان بن
عبد الله وسد باب السجن بباب الشأم بآجر وطين ولم يعلم أنه كان لإبراهيم
ابن إسحاق في هذه الليلة ولا لاحد من أصحابه حركة أصلا فتحدث الناس أن الذي
جنى على سجن باب الشأم بمكان المروزي الذي ضربه ابن أوس فيه حتى يخلص
ثم لم يمض بعد ذلك خمسة أيام حتى نافر ابن أوس الحسين بن إسماعيل في أمره
مال النائبة أراده محمد بن أوس لأصحابه ومنعه الحسين وتجاريا في ذلك كلاما غلظ
بينهما فخرج محمد متنكرا فلما كان الغد من ذلك اليوم غدا محمد بن أوس إلى دار
سليمان وغدا الحسين بن إسماعيل والشاه بن ميكال مولى طاهر وحضر الناس
باب سليمان وكان بين من حضر من أصحاب ابن أوس وبين النائبة محادثة علت
فيها الأصوات فتبادر أصحاب ابن أوس والقادمون إلى الجزيرة وعبر إليهم
ابن أوس وولده وتصايح الناس بالسلاح وخرج الحسين بن إسماعيل والشاه بن
ميكال والمظفر بن سيسل في أصحابهم وصاح الناس بالعامة من أراد النهب فليلحق
بنا فقيل إنه عبر الجسرين من العامة في ذلك الوقت مائة ألف إنسان في الزواريق
وتوافى الجند والشاكرية بالسلاح فوافى أوائل الناس الجزيرة فلم يكن إلا قدر
اللحظة حتى حمل رجل من أهل سرخس على الكبير من ولد محمد بن أوس وطعنه
فأراده عن شهري كان تحته ثم أخذته السيوف فانهزم عنه أصحابه فلم يعمل أحد
منهم شيئا وسلب الجريح وحمل في زورق حتى عبر به إلى دار سليمان بن عبد الله
ابن طاهر فألقى هناك * فذكر بعض من حضر سليمان أنه لما رآه اغرورقت
عيناه من الدمع ومهد له وأحضر له الأطباء ومضى ابن أوس من وجهه إلى
منزله وكان ينزل في دار لآل أحمد بن صالح بن شيرزاد بالدور مما يلي قصر جعفر
ابن يحيى بن خالد بن برمك وجد أهل بغداد في آئارهم والقواد معهم حتى تلقوهم
536

فكانت بينهم وقعة بالدور أولها في آخر الساعة الثانية وآخرها في أول الساعة
السابعة فلم يزالوا يتراشقون بالنشاب ويتطاعنون بالرماح ويتخابطون بالسيوف
وأعان ابن أوس جيرانه من أهل سويقة قطوطا وأصحاب الزواريق من ملاحى الدور
واشتدت الحرب ووجه أهل بغداد يطلبون نفاطين من دار سليمان فذكروا أن
حاجبه دخل فأعلمه ذلك فأمر بمنعهم منه وقاتل ابن أوس بنفسه قتالا شديدا فناله
جراح من سهام وطعن فانهزم وأصحابه وقد كان أخرج حرمه من داره فلم يزل
أهل بغداد يتبعونهم حتى أخرجوهم من باب الشماسية ووصل الناس إلى منزل ابن
أوس فانتهبوا جميع ما كان فيه فذكر أنه انتهب له بقيمة ألفى ألف درهم والمقلل يقول
ألف ألف وخمسين ألفا وأنه انتهب له زهاء مائة سراويل مبطن بسمور سوى ما كان
مبطنا بغيره من الوبر مما يشاكل ذلك وانتهب له من الفرش الطبري الخام والمقصور
والمدرج والمقطوع ما يكون قيمته ألف ألف درهم وانصرف الناس فجعل الجند
يدخلون دار سليمان وهم يكثرون ومعهم النهب وهم يصيحون ومالهم مانع ولا
زاجر وأقام ابن أوس ليلته تلك بالشماسية مع من لحق به من أصحابه وقد كان أهل
بغداد وثبوا بمنازل الصعاليك التي كانوا فيها سكانا فنهبوها وتعرضوا لمن كان
تخلف منهم فتلاحق القوم هرابا ولم يبق منهم في اليوم الثاني ببغداد أحد ظاهرا *
فذكر أن سليمان وجه تلك الليلة إلى ابن أوس ثيابا وفرشا وطعاما فيقال إن
محمدا قبله وقيل إنه رده وأصبح الناس في اليوم الثاني وغدا الحسين بن إسماعيل
والمظفر بن سيسل إلى دار الشاه بن ميكال ولحق به وجوه الشاكرية والنائبة
وغيرهم فأقاموا هناك مراغمين سليمان بن عبد الله بن طاهر وخلت دار سليمان
فلم يحضرها إلا جميعة فبعث إليهم سليمان مع محمد بن نصر بن حمزة بن مالك
الخزاعي وهو لا يعلم ما عليه عقد القوم يعلمهم قبح ما ركبوا من محمد بن أوس وما
يجب لمحمد بحرمته وقديمه وانهم لو أنهوا إليه ما أنكروا منه لتقدم في ذلك بما
يكفيهم معه الحال التي ركبوها فضج الشاكرية الذين حضروا دار الشاه جميعا
وقالوا لا نرضى بمجاورة ابن أوس ولا بمجاورة أحد من أصحابه ولا من الصعاليك
537

المنضمين إليه وأنهم إن أكرهوا على ذلك تعاقدوا مباينته وخلع من يسومهم إياه
وأحال الشاه بن ميكال والحسين بن إسماعيل والمظفر بن سيسل على كراهة القوم
فرجع الرسول بذلك إلى سليمان فرده إليهم بكلام دون ذلك ووعدهم وقال أنا
أثق بقولكم وضمانكم دون أيمانكم وعهودكم ثم استوى جالسا وذكر أنه لم يزل
مستثقلا محمد بن أوس ومن لحق به من الصعاليك وغيرهم عارفا بسوء رغبتهم
ورداءة مذاهبهم وبسوم محمد بن أوس في نفسه خاصة ومحبته وشروعه في كل
ما دعا إلى خلاف وفرقة وأسبغ هذا المعنى وكثر فيه حتى خرج به إلى الاغراق
فيه إلى أن قال لقد كنت أدخل في قنوتي في الصلاة طلب الراحة من ابن أوس
ثم التفت إلى محمد بن علي بن طاهر فأمره بالمصير إلى ابن أوس والتقدم إليه في
العزم على الانصراف إلى خراسان وأن يعلمه أنه لا سبيل له إلى الرجوع إلى
مدينة السلام ولا إلى تولى شئ من الأمور التي يتولاها لسليمان فلما تناهى الخبر
إلى ابن أوس رحل من الشماسية فصار في رقة البردان على دجلة فأقام بها أياما
حتى اجتمع إليه من تفرق من أصحابه ثم رحل فنزل النهروان فلم يزل بها مقيما
وقد كان كتب إلى بايكباك وصالح بن وصيف يعرض عليهما نفسه ويشكو
إليهما ما نزل به فلم يجد عندهما شيئا مما قصد وقد كان محمد بن عيسى بن عبد الرحمن
مقيما بسامرا لينجز أمور سليمان وكان كا؟ ها لابن أوس منحرفا عنه وكان ابن
أوس مضطرب الامر لسوء محضر محمد بن عيسى الكاتب فلما انقطعت عن ابن
أوس وأصحابه المادة تعبثوا بأهل القرى والسابلة وأكثروا الغارات والنهب
ورحل حتى نزل النهروان * فذكر عن بعض من قصدوه لينتهبوه فذكرهم
المعاد وخوفهم الله أنهم ردوا عليه ان قالوا له إن كان النهب والقتل جائزا في
مدينة السلام وهى قبة الاسلام ودار عز السلطان فما استنكار ذلك في الصحارى
والبراري ثم رحل ابن أوس عن النهروان بعد أن أثر في تلك الناحية آثارا قبيحة
وأخذ أهل البلاد بأداء الأموال وحمل منها الطعام في السفن في بطن النهروان
إلى إسكاف بنى جنيد لبيعه هناك وكان محمد بن المظفر بن سيسل بالمدائن فلما بلغه
538

مصير ابن أوس إلى النهروان صير اقامته بالنعمانية من عمل الزوابي خوفا على
نفسه منه لحضور أبيه كان في يوم الوقعة * فذكر عن محمد بن نصر بن منصور
ابن بسام وعبرتا ضيعته أن وكيله انصرف عنها هاربا بعد أن أدى إلى ابن أوس
تحت العذاب وخوف الموت قريبا من ألف وخمسمائة دينار ولم يزل ابن أوس
مقيما هناك يقرب ويباعد ويقبض ويبسط ويشتد ويلين ويرهب حتى أتاه كتاب
بايكباك بولاية طريق خراسان من قبله فكان من وقت خروجه من مدينة السلام
إلى وقت ورود الكتاب عليه بالولاية شهران وخمسة عشر يوما * وذكر عن
بعض ولد عاصم بن يونس العجلي أن أباه كان يتولى ضياعا للنوشري بناحية طريق
خراسان وأنه كتب إلى النوشري يذكر ما عاين من قوة عسكر ابن أوس وظاهر
عدتهم ويشير بأن يذكر ذلك لبايكباك ويصف خلاء طريق خراسان من سلطان
يتولاه ويحوط أهله وأن هذا عسكر مشحن بالرجال والعدة والعتاد مقيم في
العمل وأن النوشري ذكر ذلك لبايكباك وأشار عليه بتوليته طريق خراسان
وتخفيف المؤنة عن السلطان فقبل ما أشار به عليه وأمر بكتبه فكتبت وولى
طريق خراسان في ذي القعدة من هذه السنة وهى سنة 255 وكان موسى خليفة
مساور بن عبد الحميد الشاري مقيما بالدسكرة ونواحيها في زهاء ثلثمائة رجل قد
ولاه مساور ما بين حلوان إلى السوس على طريق خراسان وبطن جوخى وما قرب
ذلك من طساسيج السواد (وفيها) أمر المهتدى بإخراج القيان والمغنين والمغنيات
من سامرا ونفيهم منها إلى بغداد بعد أمر كان قد تقدم من قبيحة في ذلك قبل أن
ينزل بابنها ما نزل وأمر بقتل التي كانت في دار السلطان وطرد الكلاب وإبطال
الملاهي ورد المظالم وجلس لذلك للعامة وكانت ولايته والدنيا كلها من أرض الاسلام
مفتونة (وفيها) شخص موسى بن بغا ومن معه من الموالى وجند السلطان من الري
وانصرف مفلح عن طبرستان بعد أن دخلها وهزم الحسن بن زيد وأخرجه
عنها إلى أرض الديلم
539

* ذكر الخبر عن شخوصه عنها *
ذكر أن السبب في ذلك أن قبيحة أم المعتز لما رأت من الأتراك اضطرابا
وأنكرت أمرهم كتبت إلى موسى بن بغا تسأله القدوم إلى ما قبلها وأملت وروده
عليها قبل حدوث ما حدث عليها وعلى ابنها المعتز فعزم موسى على الانصراف
إليها وكان ورود كتابها عليه ومفلح بطبرستان وكتب موسى إلى مفلح يأمره
بالانصراف إليها وهو بالري فحدثني بعض أصحابنا من أهل طبرستان أن كتاب
موسى ورد على مفلح بذلك وقد توجه نحو أرض الديلم في طلب الحسن بن زيد
الطالبي فلما ورد عليه الكتاب انصرف راجعا إلى حيث توجه منه فعظم ذلك على
قوم كانوا معه من رؤساء أهل طبرستان ممن كان هاربا قبل مقدم مفلح عليهم من
الحسن بن زيد لما كانوا قد رجوا من مقدمه عليهم وكفايتهم أمر الحسن بن زيد
والرجوع إلى منازلهم وأوطانهم وذلك أن مفلحا كان يعدهم اتباع الحسن بن زيد
حيث توجه حتى يظفر به أو يخترم دونه ويقول لهم فيما ذكر لي لو رميت قلنسوتي
في أرض الديلم ما اجترأ أحد منهم أن يدنو منها فلما رأى القوم انصرافه عن
الوجه الذي توجه له من غير عسكر للحسن بن زيد ولا أحد من الديلم صده سألوه
فيما ذكر لي عن السبب الذي صرفه عما كان يعدهم به من اتباع ابن زيد فجعلوا
يكلمونه فيما أخبرت وهو كالمسبوت لا يجيبهم بشئ فلما أكثروا عليه قال لهم
ورد على كتاب الأمير موسى بعزمة منه ألا أضع كتابه من يدي بعد ما يصل إلى
حتى أقبل إليه وأتا مغموم بأمركم ولكن لا سبيل إلى مخالفة الأمير فلم يتهيأ لموسى
الشخوص من الري إلى سامرا حتى وافاه الكتاب بهلاك المعتز وقيام المهتدى
بعده بالامر ففثأه ذلك عما كان عزم عليه من الشخوص لفوته ما قدر ادراكه من
أمر المعتز ولما ورد عليه بيعة المهتدى امتنع أصحابه عليه من بيعته ثم بايعوا فورد
خبر بيعتهم سامرا لثلاث عشرة خلت من شهر رمضان من هذه السنة ثم إن
الموالى الذين في عسكر موسى بلغهم ما استخرج صالح بن وصيف من أموال
الكتاب وأسباب المعتز والمتوكل فشحوا بذلك على المقيمين بسامرا فدعوا موسى
إلى الانصراف بهم إلى سامرا وقدم مفلح على موسى بالري تاركا طبرستان على
540

الحسن بن زيد * فذكر عن القاشاني أنه قال كتب إلى ابن أخي من الري يذكر
أنه لقى مفلحا بالري فسأله عن سبب انصرافه فذكر أن الموالى قد أبوا أن يقيموا
وأنهم إذا انصرفوا لم يغن مقامه شيئا ثم إن موسى افتتح خراج سنة 256 يوم الأحد
مستهل شهر رمضان سنة 255 فاجتبى فيما ذكر في يوم الأحد قدر خمسمائة
ألف درهم فاجتمع أهل الري فقالوا أعز الله الأمير إنك تزعم أن الموالى يرجعون
إلى سامرا لما يقدرونه من كثرة العطاء هناك وأنت وأصحابك في أكثر وأوسع
مما القوم هناك فيه فإن رأيت أن تسد هذا الثغر وتحتسب في أهله الأجر والثواب
وتلزمنا من خراجنا في خاص أموالنا لمن معك ما ترى أن نحتمله فعلت فلم يجبهم
إلى ما سألوا فقالوا أصلح الله الأمير فإذا كان الأمير عزم على تركنا والانصراف
عنا فما معنى أخذنا بالخراج لسنة لم نبتدئ بعمارتها وأكثر غلة سنة 255 التي قد أخذ الأمير
خراجها في الصحارى لا يمكننا الوصول إليها إن رحل الأمير عنا فلم يلتفت إلى شئ
مما وصفوه له وسألوه إياه واتصل خبر انصرافه بالمهتدى فكتب إليه في ذلك كتبا
كثيرة لم تؤثر أثرا فلما انتهى إليه قفول موسى من الري ولم تغن الكتب شيئا وجه رجلين
من بني هاشم يقال لأحدهما عبد الصمد بن موسى ويعرف الآخر بأبي عيسى يحيى
ابن إسحاق بن موسى بن عيسى بن علي بن عبد الله بن عباس وحملا رسالة إلى موسى
وإلى من ضم عسكره من الموالى يصدقونهم فيها عن الحال بالحضرة وضيق الأموال
بها وما يحاذر من ذهاب ما يخلفونه وراء ظهورهم وغلبة الطالبيين عليه واتساع
آثارهم إلى ناحية الجبل فشخص بذلك الهاشميان في جماعة من الموالى وأقبل موسى
ومن معه وصالح بن وصيف في ذلك يعظم على المهتدى انصرافه وينسبه إلى المعصية
والخلاف ويبتهل عليه في أكثر ذلك ويبرأ إلى الله من فعله * فذكر أن كتاب
صاحب البريد بهمذان لما ورد على المهتدى بفصول موسى عنها رفع المهتدى يديه
إلى السماء ثم قال بعد أن حمد الله وأثنى عليه اللهم إني أبرأ إليك من فعل موسى بن
بغا واخلاله بالثغر واباحته العدو فانى قد أعذرت فيما بيني وبينه اللهم تول كيد
من كايد المسلمين اللهم انصر جيوش المسلمين حيث كانوا اللهم إني شاخص بنيتي
541

واختياري إلى حيث نكب المسلمون فيه ناصرا لهم ودافعا عنهم اللهم فآجرني
بنيتي إذ عدمت صالح الأعوان ثم انحدرت دموعه يبكى * وذكر عن بعض من
حضر المهتدى في بعض مجالسه التي يقول فيها هذا القول وحضره سليمان بن وهب
فقال أيأمرني أمير المؤمنين أن أكتب إلى موسى بما أسمع منه فقال له نعم اكتب
بما تسمع منى وإن أمكنك أن تنقشه في الصخر فافعل فلقياه الهاشميان في الطريق
ولم يغنيا شيئا وضج الموالى وكادوا يثبون بالرسل ورد موسى في جواب الرسالة يعتذر
بتخلف من معه عن الرجوع إلى قوله دون ورود باب أمير المؤمنين وأنه ان رام
التخلف عنهم لم يأمنهم على نفسه ويحتج بما عاين الرسل الموجهون إليه فورد الرسل
بذلك وأوفد مع الرسل موسى وفدا من عسكره فوافوا سامرا لأربع خلون من
المحرم سنة 256 (وفى هذه السنة) فارق كنجور علي بن الحسين بن قريش وكان
قد نفى أيام المعتز إلى فارس فوكل به علي بن الحسين وحبسه فلما أراد علي بن
الحسين محاربة يعقوب بن الليث أخرجه من الحبس وضم إليه خيلا ورجالا فلما
انهزم الناس عن علي بن الحسين لحق كنجور بناحية الأهواز فأثر في ناحية رامهرمز
أثرا ثم لحق بابن أبى دلف فوافاه بهمذان وأساء السيرة في أسباب وصيف وضياعه
ووكلائه في تلك الناحية ثم لحق بعد ذلك بعسكر موسى فلما أقبل موسى فيمن ضمه
العسكر بلغ ذلك صالحا فكتب عن المهتدى في حمل كنجور إلى الباب مقيدا فأبى
ذلك الموالى ثم لم تزل الكتب تختلف فيه إلى أن نزل العسكر القاطول ثم ظهر
أن صالحا قعد لمراغمته وان موسى ترحل إلى سامرا على المباينة لصالح ومن مال
إليه ولحق بايكباك بعسكر موسى وأقام موسى هناك يومين ووجه المهتدى إليه أخاه
إبراهيم لامه في أمر كنجور يعلمه أن الموالى بسامرا قد أبوا أن يقاروا على دخول
كنجور ويأمره بتقييده وحمله إلى مدينة السلام فلم يتهيأ في ذلك ما قدره صالح
وكان جوابهم أن قالوا إذا دخلنا سامرا امتثلنا ما أمر به أمير المؤمنين
في كنجور وغيره
542

* أول خروج علوي البصرة *
(وللنصف) من شوال من هذه السنة ظهر في فرات البصرة رجل زعم
أنه علي بن محمد بن أحمد بن علي بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي
طالب وجمع إليه الزنج الذين كانوا يكسحون السباخ ثم عبر دجلة فنزل الديناري
* ذكر الخبر عن أمره والسبب الذي بعثه على الخروج هنالك *
وكان اسمه ونسبه فيما ذكر علي بن محمد بن عبد الرحيم ونسبه في عبد القيس
وأمه قرة ابنة علي بن رحيب بن محمد بن حكيم من بنى أسد بن خزيمة من ساكني
قرية من قرى الري يقال لها ورزنين بها مولده ومنشأه فذكر عنه أنه كان يقول
جدي محمد بن حكيم من أهل الكوفة أحد الخارجين على هشام بن عبد الملك مع
زيد بن علي بن الحسين فلما قتل زيد هرب فلحق بالري فلجأ إلى ورزنين فأقام بها
وأن أبا أبيه عبد الرحيم رجل من عبد القيس كان مولده بالطالقان وأنه قدم العراق
فأقام بها واشترى جارية سندية فأولدها محمدا أباه فهو علي بن محمد هذا وانه
كان متصلا قبل بجماعة من آل المنتصر منهم غانم الشطرنجي وسعيد الصغير
ويسر الخادم وكان منهم معاشه ومن قوم من أصحاب السلطان وكتابه يمدحهم
ويستميحهم بشعره ثم إنه شخص فيما ذكر من سامرا سنة 249 إلى البحرين فادعى
بها أنه علي بن محمد بن الفضل بن حسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي
طالب ودعا الناس بهجر إلى طاعته واتبعه جماعة كثيرة من أهلها وأبته جماعة أخر
فكانت بسببه بين الذين اتبعوه والذين أبوه عصبية قتلت بينهم جماعة فانتقل
عنهم لما حدث ذلك إلى الأحساء وضوى إلى حي من بنى تميم ثم من بنى سعد يقال
لهم بنو الشماس فكان بينهم مقامه وقد كان أهل البحرين أحلوه من أنفسهم محل النبي
فيما ذكر حتى جبى له الخراج هنالك ونفذ حكمه بينهم وقاتلوا أسباب السلطان بسببه
ووتر منهم جماعة كثيرة فتنكروا له فتحول عنهم إلى البادية ولما انتقل إلى البادية صحبه
جماعة من أهل البحرين منهم رجل كيال من أهل الأحساء يقال له يحيى بن محمد الأزرق
المعروف بالبحراني مولى لبنى دارم ويحيى بن أبي ثعلب وكان تاجرا من أهل هجر
543

وبعض موالى بنى حنظلة أسود يقال له سليمان بن جامع وهو قائد جيشه ثم كان ينتقل
في البادية من حي إلى حي * فذكر عنه أنه كان يقول أوتيت في تلك الأيام
آيات من آيات إمامتي ظاهرة للناس منها فيما ذكر عنه أنه قال انى لقيت سورا من
القرآن لا أحفظها فجرى بها لساني في ساعة واحدة منها سبحان والكهف
وص قال ومن ذلك أنى ألقيت نفسي على فراشي فجعلت أفكر في الموضع الذي أقصد
له وأجعل مقامي به إذ نبت بي في البادية وضقت بسوء طاعة أهلها فأظلتني سحابة
فبرقت ورعدت واتصل صوت الرعد منها بسمعي فخوطبت فيه فقيل اقصد
البصرة فقلت لأصحابي وهم يكنفونني انى أمرت بصوت هذا الرعد بالمصير إلى
البصرة * وذكر أنه عند مصيره إلى البادية أوهم أهلها أنه يحيى بن عمر أو الحسين
المقتول بناحية الكوفة فاختدع بذلك قوما منهم حتى اجتمع بها منهم جماعة كثيرة
فزحف بهم إلى موضع بالبحرين يقال له الردم فكانت بينهم وقعة عظيمة
كانت الدائرة فيها عليه وعلى أصحابه قتلوا فيها قتلا ذريعا فنفرت عنه العرب
وكرهته وتجنبت صحبته فلما تفرقت عنه العرب ونبت به البادية شخص عنها
إلى البصرة فنزل بها في بنى ضبيعة فاتبعه بها جماعة منهم علي بن أبان المعروف بالمهلبي
وأخواه محمد والخليل وغيرهم وكان قدومه البصرة في سنة 254 ومحمد بن رجاء
الحضاري عامل السلطان بها ووافق ذلك فتنة أهل البصرة بالبلالية والسعدية
فطمع في أحد الفريقين أن يميل إليه فأمر أربعة نفر من أصحابه فخرجوا بمسجد
عباد أحدهم يسمى محمد بن سلم القصاب الهجري والآخر بريش القريعي والثالث
على الضراب والرابع الحسين الصيدناني وهم الذين كانوا صحبوه بالبحرين فدعوا
إليه فلم يجبه من أهل البلد أحد وثاب إليهم الجند فتفرقوا ولم يظفر بأحد منهم
فخرج من البصرة هاربا فطلبه ابن رجاء فلم يقدر عليه وأخبر ابن رجاء بميل جماعة
من أهل البصرة إليه فأخذهم فحبسهم فكان فيمن حبس يحيى بن أبي ثعلب ومحمد
ابن الحسن الأيادي وابن صاحب الزنج علي بن محمد الأكبر وزوجته أم ابنه
ومعها ابنة له وجارية حامل فحبسهم ومضى هو لوجهه يريد بغداد ومعه من أصحابه
544

محمد بن سلم ويحيى بن محمد وسليمان بن جامع وبريش القريعي فلما صاروا بالبطيحة
تذر بهم بعض موالى الباهليين كان يلي أمر البطيحة يقال له عمير بن عمار فأخذهم
وحملهم إلى محمد بن أبي عون وهو عامل السلطان بواسط فاحتال لابن أبي عون
حتى تخلص هو وأصحابه من يده ثم صار إلى مدينة السلام فأقام بها حولا وانتسب
فيها إلى أحمد بن عيسى بن زيد وكان يزعم أنه ظهر له أيام مقامه بها آيات وعرف
ما في ضمائر أصحابه وما يفعله كل واحد منهم وأنه سأل ربه بها آية أن يعلم حقيقة
أمره فرأى كتابا يكتب له وهو ينظر إليه على حائط ولا يرى شخص كاتبه *
وذكر عن بعض أتباعه أنه بمقامه بمدينة السلام استمال جماعة منهم جعفر بن محمد
الصوحاني كان ينتسب إلى زيد بن صوحان ومحمد بن القاسم وغلاما يحيى بن عبد الرحمن
ابن خاقان مشرق ورفيق فسمى مشرقا حمزة وكناه أبا أحمد وسمى رفيقا جعفرا
وكناه أبا الفضل ثم لم يزل عامه ذلك بمدينة السلام حتى عزل محمد بن رجاء عن
البصرة فخرج عنها فوثب رؤساء الفتنة من البلالية والسعدية ففتحوا المحابس
وأطلقوا من كان فيها فتخلصوا فيمن تخلص فلما بلغه خلاص أهله شخص إلى
البصرة فكان رجوعه إليها في شهر رمضان سنة 255 ومعه علي بن أبان وقد كان
لحق به وهو بمدينة السلام ويحيى بن محمد ومحمد بن سلم وسليمان بن جامع وغلاما
يحيى بن عبد الرحمن مشرق ورفيق وكان يحضر هؤلاء الستة رجل من الجند يكنى
أبا يعقوب ولقب نفسه بعد ذلك بجربان فساروا جميعا حتى وافوا برنخل فنزلوا
قصرا هنالك يعرف بقصر القرشي على نهر يعرف بعمود ابن المنجم كان بنو موسى
ابن المنجم احتفروه وأظهر أنه وكيل الولد الواثق في بيع السباخ وأمر أصحابه
أن ينحلوه ذلك فأقام هنالك * فذكر عن ريحان بن صالح أحد غلمان الشورجيين
وهو أول من صحبه منهم أنه قال كنت موكلا بغلمان مولاي أنقل الدقيق إليهم من
البصرة وأفرقه فيهم فحملت ذلك إليهم كما كنت أفعل فمررت به وهو مقيم ببرنخل
في قصر القرشي فأخذني أصحابه فصاروا بي إليه وأمروني بالتسليم عليه بالامرة
ففعلت ذلك فسألني عن الموضع الذي جئت منه فأخبرته أنى أقبلت من البصرة
(35 - 7)
545

فقال هل سمعت لنا بالبصرة خبرا قلت لا قال فما خبر الزينبي قلت لا علم لي به
قال فخبر البلالية والسعدية قلت ولا أعرف أخبارهم أيضا فسألني عن أخبار غلمان
الشورجيين وما يجرى لكل غلام منهم من الدقيق والسويق والتمر وعمن يعمل
في الشورج من الأحرار والعبيد فأعلمته ذلك فدعاني إلى ما هو عليه فأجبته فقال لي
احتل فيمن قدرت عليه من الغلمان فأقبل بهم إلى ووعدني أن يقودني على من
آتيه به منهم وأن يحسن إلى واستحلفني ألا أعلم أحدا بموضعه وأن أرجع إليه فخلى
سبيلي فأتيت بالدقيق الذي معي الموضع الذي كنت قصدته به وأقمت عنه يومى ثم
رجعت إليه من غد فوافيته وقد قدم عليه رفيق غلام يحيى بن عبد الرحمن وكان
وجه إلى البصرة في حوائج من حوائجه ووافاه بشبل بن سالم وكان من غلمان
الدباسين وبحريرة كان أمره بابتياعها ليتخذها لواء فكتب فيها بحمرة وخضرة
إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله
إلى آخر الآية وكتب اسمه واسم أبيه وعلقها في رأس مردى وخرج في السحر
من ليلة السبت لليلتين بقيتا من شهر رمضان فلما صار إلى مؤخر القصر الذي كان
فيه لقيه غلمان رجل من الشورجيين يعرف بالعطار متوجهين إلى أعمالهم فأمر بأخذهم
فأخذوا وكتف وكيلهم وأخذ معهم وكانوا خمسين غلاما ثم صار إلى الموضع الذي
يعمل فيه السنائى فأخذ منه خمسمائة غلام فيهم المعروف بأبي حديد وأمر بوكيلهم
فأخذ معهم مكتوفا وكانوا في نهر يعرف بنهر المكاثر ثم مضى إلى موضع السيرافي
فأخذ منه خمسين ومائة غلام فيهم زريق وأبو الخنجر ثم صار إلى موضع ابن عطاء فأخذ
طريقا وصبيحا الأعسر وراشد المغربي وراشد القرماطي وأخذ معهم ثمانين غلاما
ثم أتى موضع إسماعيل المعروف بغلام سهل الطحان ثم لم يزل يفعل ذلك كذلك في يومه
حتى اجتمع إليه بشر كثير من غلمان الشورجيين ثم جمعهم وقام فيهم خطيبا فمناهم ووعدهم
أن يقودهم ويرأسهم ويملكهم الأموال وحلف لهم الايمان الغلاظ ألا يغدر بهم ولا
يخذلهم ولا يدع شيئا من الاحسان إلا أتى إليهم ثم دعا مواليهم فقال قد أردت ضرب
أعناقكم لما كنتم تأتون إلى هؤلاء الغلمان الذين استضعفتموهم وقهرتموهم
546

وفعلتم بهم ما حرم الله عليكم أن تفعلوه بهم وجعلتم عليهم مالا يطيقون فكلمني
أصحابي فيكم فرأيت إطلاقكم فقالوا إن هؤلاء الغلمان إباق وهم يهربون منك
فلا يبقون عليك ولا علينا فخذ منا مالا وأطلقهم لنا في أمر غلمانهم فأحضروا شطبا
ثم بطح كل قوم مولاهم ووكيلهم فضرب كل رجل منهم خمسمائة شطبة وأحلفهم
بطلاق نسائهم ألا يعلموا أحدا بموضعه ولا بعدد أصحابه وأطلقهم فمضوا نحو البصرة
ومضى رجل منهم يقال له عبد الله ويعرف بكريخا حتى عبر دجيلا فأنذر
الشورجيين ليحرزوا غلمانهم وكان هناك خمسة عشر ألف غلام ثم سار بعد
ما صلى العصر حتى وافى دجيلا فوجد سفن سماد تدخل في المد فقدمها فركب
فيها وركب أصحابه حتى عبروا دجيلا وصاروا إلى نهر ميمون فنزل المسجد الذي
في وسط السوق الشارع على نهر ميمون وأقام هناك ولم يزل ذلك دأبه يجتمع
إليه السودان إلى يوم الفطر فلما أصبح نادى في أصحابه بالاجتماع لصلاة الفطر
فاجتمعوا وركز المردي الذي عليه لواؤه وصلى بهم وخطب خطبة ذكر فيها
ما كانوا عليه من سوء الحال وأن الله قد استنقذهم به من ذلك وأنه يريد أن يرفع
أقدارهم ويملكهم العبيد والأموال والمنازل ويبلغ بهم أعلى الأموال ثم حلف
لهم على ذلك فلما فرغ من صلاته وخطبته أمر الذين فهموا عنه قوله أن يفهموه
من لا فهم له من عجمهم لتطيب بذلك أنفسهم ففعلوا ذلك ودخل القصر فلما كان
بعد يوم قصد نهربور فوافى جماعة من أصحابه هناك الحميري في جماعة فدفعوهم
حتى أخرجوهم إلى الصحراء فلحقهم صاحب الزنج فيمن معه فأوقع بالحميري
وأصحابه فانهزموا حتى صاروا إلى بطن دجلة واستأمن إليه رجل من رؤساء الزنج
يكنى بأبي صالح يعرف بالقصير في ثلثمائة من الزنج فمناهم ووعدهم خيرا فلما كثر
من اجتمع إليه من الزنج قود قواده وقال لهم كل من أتى منكم برجل فهو مضموم
إليه وقيل أنه لم يقود قواده إلا بعد مواقعة الخول ببيان ومصيره إلى سبخة القندل
وكان ابن أبي عون نقل عن ولاية واسط إلى ولاية الأيلة وكور دجلة فذكر
أنه انتهى إليه في اليوم الذي قود فيه قواده أن الحميري وعقيلا مع خليفة ابن
547

أبى عون المقيم كان بالأبلة قد أقبلوا نحوه ونزلوا نهر طين فأمر أصحابه بالمصير إلى
الرزيقية وهى في مؤخر الباذاورد فصار إليها في وقت صلاة الظهر فصلوا بها
واستعدوا للقتال وليس في عسكره يومئذ إلا ثلاثة أسياف سيفه وسيف على
ابن أبان وسيف محمد بن سلم ونهض بأصحابه فيما بين الظهر والعصر راجعا نحو
المحمدية وجعل علي بن أبان في آخر أصحابه وأمره أن يعرف خبر من يأتيه من
ورائه وتقدم في أوائل الناس حتى وافى المحمدية فقعد على النهر وأمر الناس
فشربوا منه وتوافى إليه أصحابه فقال له علي بن أبان قد كنا نرى من ورائنا بارقة
ونسمع حس قوم يتبعونا فلسنا ندري أرجعوا عنا أم هم قاصدون إلينا فلم يستتم
كلامه حتى لحق القوم وتنادى الزنج السلاح فبدر مفرج النوبي المكنى بأبي
صالح وريحان بن صالح وفتح الحجام وكان فتح يأكل فلما نهض تناول طبقا
كان بين يديه وتقدم أصحابه فلقيه رجل من الشورجيين يقال له بلبل فلما رآه
فتح حمل عليه وحذفه بالطبق الذي كان في يده فرمى بلبل بسلاحه وولى هاربا
وانهزم أصحابه وكانوا أربعة آلاف رجل فذهبوا على وجوههم وقتل من قتل
منهم ومات بعضهم عطشا وأسر منهم قوم فأتى بهم صاحب الزنج فأمر بضرب
أعناقهم فضربت وحملت الرؤوس على بغال كان أخذها من الشورجيين كانت
تنقل الشورج ومضى حتى وافى القادسية وذلك وقت المغرب فخرج من القرية
رجل من موالى بعض الهاشميين على أصحابه فقتل رجلا من السودان فأتاه الخبر
فقال له أصحابه ائذن لنا في انتهاب القرية وطلب قاتل صاحبنا فقال لا سبيل
إلى ذلك دون أن نعرف ما عند القوم وهل فعل القاتل ما فعل عن رأيهم ونسألهم
أن يدفعوه إلينا فان فعلوا وإلا ساغ لنا قتالهم وأعجلهم المسير فصاروا إلى نهر
ميمون راجعين فأقام في المسجد الذي كان أقام فيه في بدأته وأمر بالرؤوس
المحمولة معه فنصبت وأمر بالاذان أبا صالح النوبي فأذن وسلم عليه بالامرة
فقام فصلى بأصحابه العشاء الآخرة وبات ليلته بها ثم مضى من الغد حتى مر
بالكرخ فطواها وأتى قرية تعرف بجبى في وقت صلاة الظهر فعبر دجيلا من
548

مخاضة دل عليها ولم يدخل القرية وأقام خارجا منها وأرسل إلى من فيها فأتاه
كبراؤهم وكبراء أهل الكرخ فأمرهم بإقامة الانزال له ولأصحابه فأقيم له ما أراد
وبات عندهم ليلته تلك فلما أصبح أهدى له رجل من أهل جبى فرسا كميتا فلم
يجد سرجا ولا لجاما فركبه بحبل وسنفه بليف وسار حتى انتهى إلى المعروف
بالعباسي العتيق فأخذ منه دليلا إلى السيب وهو نهر القرية المعروفة بالجعفرية
ونذر به أهل القرية فهربوا عنها ودخلها فنزل دار جعفر بن سليمان وهى في السوق
وتفرق أصحابه في القرية فأتوه برجل وجدوه فسأله عن وكلاء الهاشميين
فأخبره أنهم في الأجمة فوجه الملقب بجربان فأتاه برئيسهم وهو يحيى بن يحيى المعروف
بالزبيري أحد موالى الزياديين فسأله عن المال فقال لا مال عندي فأمر بضرب
عنقه فلما خاف القتل أقر بشئ قد كان أخفاه فوجه معه فأتاه بمائتي دينار
وخمسين دينارا وألف درهم فكان هذا أول ما صار إليه ثم سأله عن دواب وكلاء
الهاشميين فدله على ثلاثة براذين كميت وأشقر وأشهب فدفع أحدها إلى ابن سلم
والآخر إلى يحيى بن محمد وأعطى مشرقا غلام يحيى بن عبد الرحمن الثالث وكان
رفيق يركب بغلا كان يحمل عليه النقل ووجد بعض السودان دارا لبعض بني هاشم
فيها سلاح فانتهبوه فجاء النوبي الصغير بسيف فأخذه صاحب الزنج فدفعه
إلى يحيى بن محمد فصار في أيدي الزنج سيوف وبالات وزقايات وتراس وبات ليلته
تلك بالسيب فلما أصبح أتاه الخبر أن رميسا والحميري وعقيلا الابلى قد وافوا
السيب فوجه يحيى بن محمد في خمسمائة رجل فيهم سليمان وريحان بن صالح
وأبو صالح النوبي الصغير فلقوا القوم فهزموهم وأخذوا سميرية وسلاحا وهرب
من كان هنالك ورجع يحيى بن محمد فأخبره الخبر فأقام يومه وسار من غد يريد
المذار بعد أن اتخذ على أهل الجعفرية ألا يقاتلوه ولا يعينوا عليه أحدا ولا
يستروا عنه فلما عبر السيب صار إلى قرية تعرف بقرية اليهود شارعة على دجلة
فوافق هنالك رميسا في جمع فلم يزل يقاتلهم يومه ذلك وأسر من أصحابه عدة
وعقر منهم جماعة بالنشاب وقتل غلام لمحمد بن أبي عون كان مع رميس وغرقت
549

سميرية كان فيها ملاحها فأخذ وضربت عنقه وسار من ذلك الموضع يريد المذار
فلما صار إلى النهر المعروف بباب مداد جاوزه حتى أصحر فرأى بستانا وتلا
يعرف بجبل الشياطين فقصد للتل فقعد عليه وأثبت أصحابه في الصحراء وجعل
لنفسه طليعة * فذكر عن شبل أنه قال أنا كنت طليعته على دجلة فأرسلت إليه
أخبره أن رميسا بشاطئ دجلة يطلب رجلا يؤدى عنه رسالة فوجه إليه على
ابن أبان ومحمد بن سلم وسليمان بن جامع فلما أتوه قال لهم اقرؤا على صاحبكم
السلام وقولوا له أنت آمن على نفسك حيث سلكت من الأرض لا يعرض
لك أحد واردد هؤلاء العبيد على مواليهم وخذ لك عن كل رأس خمسة دنانير
فأتوه فأعلموه ما قال لهم رميس فغضب من ذلك وآلى ليرجعن فليبقرن بطن
امرأة رميس وليحرقن داره وليخوضن الدماء هنالك فانصرفوا إليه فأجابوه بما
أمروا به فانصرف إلى مقابل الموضع الذي هو به من دجلة فأقام به فوافاه في
ذلك اليوم إبراهيم بن جعفر المعروف بالهمداني ولم يكن لحق به إلا في ذلك الوقت
وأتاه بكتب فقرأها فلما صلى العشاء الآخرة أتاه إبراهيم فقال له ليس الرأي لك
اتيان المذار قال فما الرأي قال ترجع فقد بايع لك أهل عبادان وميان روذان
وسليمانان وخلفت جمعا من البلالية بفوهة القندل وابرسان ينتظرونك فلما سمع
السودان ذلك من قول إبراهيم مع ما كان رميس عرض عليه في ذلك اليوم
خافوا أن يكون احتال عليهم ليردهم إلى مواليهم فهرب بعضهم واضطرب الباقون
فجاءه محمد بن سلم فأعلمه اضطرابهم وهرب من هرب منهم فأمر بجمعهم في ليلته
تلك ودعا مصلحا وميز الزنج من الفراتية ثم أمر مصلحا أن يعلمهم أنه لا يردهم
ولا أحدا منهم إلى مواليهم وحلف لهم على ذلك بالايمان الغلاظ وقال ليحط
بي منكم جماعة فإن أحسوا منى غدرا فتكوا بي ثم جمع الباقين وهم الفراتية
والقرماطيون والنوبة وغيرهم ممن يفصح بلسان العرب فحلف لهم على مثل ذلك
وضمن ووثق من نفسه وأعلمهم أنه لم يخرج لعرض من أعراض الدنيا وما خرج
إلا غضبا لله ولما رأى عليه الناس من الفساد في الدين وقال ها أنا ذا معكم في
550

كل حرب أشرككم فيها بيدي وأخاطر معكم فيها بنفسي فرضوا ودعوا له بخير فلما
أسحر أمر غلاما من الشورجيين يكنى أبا منارة فنفخ في بوق لهم كانوا يجتمعون
بصوته وسار حتى أتى السيب راجعا فألقى هناك الحميري ورميسا وصاحب ابن أبي
عون فوجه إليهم مشرقا برسالة أخفاها فرجع إليه بجوابها فصار صاحب الزنج
إلى النهر فتقدم صاحب محمد بن أبي عون فسلم عليه وقال له لم يكن جزاء صاحبنا
منك أن تفسد عليه عمله وقد كان منه إليك ما قد علمت بواسط فقال لم آت لقتالكم
فقل لأصحابك يوسعون لي في الطريق حتى أجاوزكم فخرج من النهر إلى دجلة ولم
يلبث أن جاء الجند ومعهم أهل الجعفرية في السلاح الشاك فتقدم المكتنى بأبي
يعقوب المعروف بحربان فقال لهم يا أهل الجعفرية أما علمتم ما أعطيتمونا من
الايمان المغلظة ألا تقاتلونا ولا تعينوا علينا أحدا وأن تعينونا متى اجتاز بكم أحد
منا فارتفعت أصواتهم بالنعير والضجيج ورموه بالحجارة والنشاب وكان هناك
موضع فيه زهاء ثلثمائة زرنوق فأمر بأخذها فأخذت وقرن بعضها ببعض
حتى صارت كالشاشات وطرحت إلى الماء وركبها المقاتلة فلحقوا القوم فقال
بعضهم عبر علي بن أبان يومئذ قبل أخذ الزرانيق سباحة ثم جمعت الزرانيق وعبر
الزنج وقد زالوا عن شاطئ النهر فوضعوا فيهم السيف فقتل منهم خلق كثير وأتى
منهم بأسرى فوبخهم وخلى سبيلهم ووجه غلاما من غلمان الشورجيين يقال له
سالم يعرف بالزغاوي إلى من كان دخل الجعفرية من أصحابه فوردهم ونادى ألا برئت
الذمة ممن انتهب شيئا من هذه القرية أو سبى منها أحدا فمن فعل ذلك فقد حلت به
العقوبة الموجعة ثم عبر من غربي السيب إلى شرقيه واجتمع أصحابه الرؤساء حتى
إذا جاوز القرية بمقدار غلوة سمع النعير من ورائه في بطن النهر فتراجع الزنج فإذا رميس
والحميري وصاحب ابن أبي عون قد وافوه لما بلغهم حال أهل الجعفرية فألقى السودان
أنفسهم عليهم فأخذوا منهم أربع سميريات بملاحيها ومقاتليها فأخرجوا السميريات
بمن فيها ودعا بالمقاتلة فسألهم فأخبره أن رميسا وصاحب ابن أبي عون لم يدعهم حتى
حملاهم على المصير إليه وأن أهل القرى حرضوا رميسا وضمنوا له ولصاحب ابن
551

أبى عون مالا جليلا وضمن له الشورجيون على رد غلمانهم لكل غلام خمسة دنانير
فسألهم عن الغلام المعروف بالنميري المأسور والمعروف بالحجام فقالوا أما النميري
فأسير في أيديهم وأما الحجام فان أهل الناحية ذكروا أنه كان يتلصص في ناحيتهم
ويسفك الدماء فضربت عنقه وصلب على نهر أبى الأسد فلما عرف خبرهم أمر
بضرب أعناقهم فضربت إلا رجلا يقال له محمد بن الحسن البغدادي فإنه حلف له
أنه جاء في الأمان لم يشهر عليه سيفا ولا نصب له حربا فأطلقه وحمل الرؤوس والاعلام
على البغال وأمر باحراق سفنهم فأحرقت وسار حتى أتى بنهر فريد فانتهى إلى نهر
يعرف بالحسن بن محمد القاضي وعليه مسناة تعترض بين الجعفرية ورستاق القفص
فجاءه قوم من أهل القرية من بنى عجل فعرضوا عليه أنفسهم وبذلوا له ما لديهم فجزاهم خيرا
وأمر بترك العرض لهم وسار حتى أتى نهرا يعرف بباقثا فنزل خارجا من القرية
التي على النهر وهى قرية تشرع على دجيل فأتاه أهل الكرخ فسلموا عليه ودعوا
له بخير وأمدوه من الانزال بما أراد وجاءه رجل يهودي خيبري يقال له ماندويه
فقبل يده وسجد له زعم شكرا لرؤيته إياه ثم سأله عن مسائل كثيرة فأجابه عنها
فزعم أنه يجد صفته في التوراة وأنه يرى القتال معه وسأله عن علامات في بدنه
ذكر أنه عرفها فيه فأقام معه ليلته تلك يحادثه وكان إذا نزل اعتزل عسكره بأصحابه
الستة ولم يكن يومئذ ينكر النبيذ على أحد من أصحابه وكان يتقدم إلى محمد بن سلم
في حفظ عسكره فلما كان في تلك الليلة أتاه في آخر الليل رجل من أهل الكرخ
فاعلمه أن رميسا وأهل المفتح والقرى التي تتصل بها وعقيلا وأهل الأبلة قد أتوه
ومعهم الدبيلا بالسلاح الشاك وأن الحميري في جمع من أهل الفرات وقد صاروا
في تلك الليلة إلى قنطرة نهر ميمون فقطعوها ليمنعوه العبور فلما أصبح أمر فصيح
بالزنج فعبروا دجيلا وأخذ في مؤخر الكرخ حتى وافى نهر ميمون فوجد القنطرة
مقطوعة والناس في شرقي النهر والسميريات في بطنه والدبيلا في السميريات وأهل
القرى في الجريبيات والمجونحات فأمر أصحابه بالامساك عنهم وأن يرحلوا عن
النهر توقيا للنشاب ورجع فقعد على مائة ذراع من القرية فلما لم يروا أحدا يقاتلهم
552

خرج منهم قوم ليعرفوا الخبر وقد كان أمر جماعة من أصحابه فأتوا القرية فكمنوا
فيها مخفين لاشخاصهم فلما أحسوا خروج من خرج منهم شدوا عليهم فأسروا
اثنين وعشرين رجلا وسعوا نحو الباقين فقتلوا منهم جماعة على شاطئ النهر ورجعوا
إليه بالرؤس والاسرى فأمر بضرب أعناقهم بعد مناظرة جرت بينه وبينهم وأمر
بالاحتفاظ بالرؤس وأقام إلى نصف النهار وهو يسمع أصواتهم فأتاه رجل من أهل
البادية مستأمنا فسأله عن غور النهر فاعلمه أنه يعرف موضعا منه يخاض وأعلمه أن القوم
على معاودته بجمعهم يقاتلونه فنهض مع الرجل حتى أتى به موضعا على مقدار ميل من
المحمدية فخاض النهر بين يديه وخاض الناس خلفه وحمله ناصح المعروف بالرملي وعبر
بالدواب فلما صار في شرقي النهر كر راجعا نحو نهر ميمون حتى أتى المسجد فنزل فيه
وأمر بالرؤوس فنصبت وأقام يومه وانحدر جيش رميس بجمعه في بطن دجيل
فأقاموا بموضع يعرف بأقشى بإزاء النهر المعروف ببرد الخيار ووجه طليعة فرجع
إليه فأخبره بمقام القوم هناك فوجه من ساعته ألف رجل فأقاموا بسبخة هناك
على فوهة هذا النهر وقال لهم إن أتوكم إلى المغرب وإلا فأعلموني وكتب كتابا إلى
عقيل يذكره فيه أنه قد كان بايعه في جماعة من أهل الأبلة وكتب إلى رميس
يذكره حلفه له بالسيب أنه لا يقاتله وأنه ينهى أخبار السلطان إليه ووجه
بالكتابين إليهما مع بعض الأكرة بعد أن أحلفه أن يوصلهما وسار من نهر ميمون
يريد السبخة التي كان هيأ فيها طليعة فلما صار إلى القادسية والشيفيا سمع هناك نعيرا
ورأى رميا وكان إذا سار يتنكب القرى فلم يدخلها وأمر محمد بن سلم أن يصير
إلى الشيفيا في جماعة فيسأل أهلها أن يسلموا إليه قاتل الرجل من أصحابه في ممره
كان بهم فرجع إليه فأخبره أنهم زعموا أنه لا طاقة لهم بذلك الرجل لولائه من
الهاشميين ومنعهم له فصاح بالغلمان وأمرهم بانتهاب القريتين فانتهب منهما مالا
عظيما عينا وورقا وجوهرا وحليا وأواني ذهب وفضة وسبى منهما يومئذ غلمانا
ونسوة وذلك أول سبى سبى ووقفوا على دار فيها أربعة عشر غلاما من غلمان
الشورج قد سد عليهم باب فأخذهم وأتى بمولى الهاشميين القاتل صاحبه فأمر محمد
553

ابن سلم بضرب عنقه ففعل ذلك وخرج من القريتين في وقت العصر فنزل السبخة
المعروفة ببرد الخيار فلما كان في وقت المغرب أتاه أحد أصحابه الستة فأعلمه أن
أصحابه قد شغلوا بخمور وأنبذة وجدوها في القادسية فصار ومعه محمد بن سلم
ويحيى بن محمد إليهم فاعلمهم أن ذلك مما لا يجوز لهم وحرم النبيذ في ذلك اليوم
عليهم وقال لهم إنكم تلاقون جيوشا تقاتلونهم فدعوا شرب النبيذ والتشاغل به
فأجابوه إلى ذلك فلما أصبح جاءه غلام من السودان يقال له قاقويه فأخبره أن
أصحاب رميس قد صاروا إلى شرقي دجيل وخرجوا إلى الشط فدعا علي بن أبان
فتقدم إليه أن يمضى بالزنج فيوقع بهم ودعا مشرقا فأخذ منه أصطرلابا فقاس به
الشمس ونظر في الوقت ثم عبر وعبر الناس خلفه القنطرة التي على النهر المعروف
ببرد الخيار فلما صاروا في شرقيه تلاحق الناس بعلى بن أبان فوجدوا أصحاب
رميس وأصحاب عقيل على الشط والدبيلا في السفن يرمون بالنشاب فحملوا عليهم
فقتلوا منهم مقتلة عظيمة وهبت ريح من غربي دجيل فحملت السفن فأدنتها
من الشط فنزل السودان إليها فقتلوا من وجدوا فيها وانحاز رميس ومن كان
معه إلى نهر الدير على طريق أقشى وترك سفنه لم يحركها ليظن أنه مقيم وخرج
عقيل وصاحب ابن أبي عون إلى دجلة مبادرين لايلويان على شئ وأمر صاحب
الزنج بإخراج ما في السفن التي فيها الدبيلا وكانت مقرونا بعضها ببعض فنزل فيها
قاقويه ليفتشها فوجد رجلا من الدبيلا فحاول إخراجه فامتنع عليه وأهوى إليه
بسرنى كان معه فضربه ضربة على ساعده فقطع بها عرقا من عروقه وضربه
ضربة على رجله فقطعت عصبة من عصبه وأهوى له قاقويه فضربه ضربة على
هامته فسقط فأخذ بشعره واحتز رأسه فأتى به صاحب الزنج فأمر له بدينار
خفيف وأمر يحيى بن محمد أن يقوده على مائة من السودان ثم سار صاحب
الزنج إلى قرية تعرف بالمهلبي تقابل قياران ورجع السودان الذين كانوا اتبعوا
عقيلا وخليفة ابن أبي عون وقد أخذ سميرية فيها ملاحان فسألهم عن الخبر فقالوا أتبعناهم
فطرحوا أنفسهم إلى الشط وتركوا هذه السميرية فجئنا بها فسأل الملاحين فأخبراه
554

أن عقيلا حملهما على اتباعه قهرا وحبس نساءهما حتى اتبعاه وفعل ذلك بجميع من
تبعه من الملاحين فسألهما عن سبب مجئ الدبيلا فقال أن عقيلا وعدهم مالا فتبعوه
فسألهما عن السفن الواقعة بأقشى فقالا هذه سفن رميس وقد تركها وهرب في
أول النهار فرجع حتى إذا حاذاها أمر السودان فعبروا فأتوه بها فأنهبهم ما كان
فيها وأمر بها فأحرقت ثم صار إلى القرية المعروفة بالمهلبية واسمها تنغت فنزل قريبا
منها وأمر بانتهابها واحراقها فانتهبت وأحرقت وسار على نهر الماديان فوجد
فيها تمورا فأمر باحراقها وكان لصاحب الزنج بعد ذلك أمور من عيثه هو وأصحابه
في تلك الناحية تركنا ذكرها إذ لم تكن عظيمة وإن كان كل أموره كانت عظيمة
ثم كان من عظيم ما كان له من الوقائع مع أصحاب السلطان وقعة كانت مع رجل
من الأتراك يكنى أبا هلال في سوق الريان ذكر عن قائد من قواده يقال له ريحان
أن هذا التركي وافاهم في هذا السوق ومعه زهاء أربعة آلاف رجل أو يزيدون
وفى مقدمته قوم عليهم ثياب مشهرة وأعلام وطبول وأن السودان حملوا عليه حملة
صادقة وأن بعض السودان ألقى صاحب علم القوم فضربه بخشبتين كانتا معه
في يده فصرعه وانهزم القوم وتلاحق السودان فقتلوا من أصحاب أبي هلال زهاء
ألف وخمسمائة وأن بعضهم اتبع أبا هلال ففاته بنفسه على دابة عرى وحال بينهم
وبين من أفلت ظلمة الليل وأنه لما أصبح أمر بتتبعهم ففعلوا ذلك فجاؤوا بأسرى
ورؤوس فقتل الاسرى كلهم ثم وكانت له وقعة أخرى بعد هذه الوقعة مع أصحاب
السلطان هزمهم فيها وظفر بهم وكان مبتدأ الامر في ذلك فيما ذكر عن قائد
لصاحب الزنج من السودان يقال له ريحان أنه قال لما كان في بعض الليل من ليالي
هذه السنة التي ذكرنا أنه ظهر فيها سمع نباح كلب في أبواب تعرف بعمر بن مسعدة
فأمر بتعرف الموضع الذي يأتي منه النباح فوجه لذلك رجل من أصحابه ثم رجع
فأخبره أنه لم ير شيئا وعاد النباح قال ريحان فدعاني فقال لي صر إلى موضع هذا
الكلب النابح فإنه انما نبح شخصا يراه فصرت فإذا أنا بالكلب على المسناة ولم
أر شيئا فأشرفت فإذا أنا برجل قاعد في درجات هنالك فكلمته فلما سمعني أفصح
555

بالعربية كلمني فقال أنا سيران بن عفو الله أتيت صاحبكم بكتب من شيعته بالبصرة
وكان سيران هذا أحد من صحب صاحب الزنج أيام مقامه بالبصرة فأخذته
فأتيته به فقرأ الكتب التي كانت معه وسأله عن الزينبي وعن عدة من كان معه
فقال إن الزينبي قال أعدلك الخول والمطوعة والبلالية والسعدية وهم خلق كثير
وهو على لقائك بهم ببيان فقال له اخفض صوتك لئلا يرتاع الغلمان بخبرك وسأله
عن الذي يقود الجيش فقال قد ندب لذلك المعروف بأبي منصور وهو أحد
موالى الهاشميين قال له أفرأيت جمعهم قال نعم وقد أعدوا الشروط لكتف من
ظفروا به من السودان فأمره بالانصراف إلى الموضع الذي يكون فيه مقامه فانصرف
سيران إلى علي بن أبان ومحمد بن سلم ويحيى بن محمد فجعل يحدثهم إلى أن أسفر
الصبح ثم سار صاحب الزنج إلى أن أشرف عليهم فلما انتهى إلى مؤخر ترسى
وبرسونا وسندادان بيان عرض له قوم يريدون قتله فأمر علي بن أبان فأتاهم
فهزمهم وكان معهم مائة أسود فظفر بهم قال ريحان فسمعته يقول لأصحابه من
أمارات تمام أمركم ما ترون من اتيان هؤلاء القوم بعبيدهم فيسلمونهم إليكم
فيزيد الله في عددكم ثم سار حتى صار إلى بيان قال ريحان فوجهني وجماعة من
أصحابه إلى الحجر لطلب الكاروان وعسكرهم في طرف النخل في الجانب
الغربي من بيان فوجهنا إلى الموضع الذي أمرنا بالمصير إليه فألفينا هناك ألفا
وتسعمائة سفينة ومعها قوم من المطوعة قد احتبسوها فلما رأونا خلوا عن
السفن وعبروا سلبان عرايا ماضين نحو جوبك وسقنا السفن حتى وافيناه بها
فلما أتيناه بها أمر فبسط له على نشز من الأرض وقعد وكان في السفن قوم
حجاج أرادوا سلوك طريق البصرة فناظرهم بقية يومه إلى وقت غروب الشمس
فجعلوا يصدقونه في جميع قوله وقالوا لو كان معنا فضل نفقة لأقمنا معك فردهم
إلى سفنهم فلما أصبحوا أخرجهم فأحلفهم ألا يخبروا أحدا بعدة أصحابه وأن
يقللوا أمره عند من سألهم عنه وعرضوا عليه بساطا كان معهم فأبدله ببساط
كان معه واستحلفهم أنه لا مال للسلطان معهم ولا تجارة فقالوا معنا رجل
556

من أصحاب السلطان فامر بإحضاره فأحضر فحلف الرجل أنه ليس من أصحاب
السلطان وأنه رجل معه نقل أراد به البصرة فأحضر صاحب السفينة التي وجد
فيها فحلف له أنه إنما أتجر فيه فحمله فخلى سبيله وأطلق الحجاج فذهبوا وشرح
أهل سليمانان على بيان بإزائه في شرق النهر فكلمهم أصحابه وكان فيهم حسين
الصيدناني الذي كان صحبه بالبصرة وهو أحد الأربعة الذين ظهروا بمسجد
عباد فلحق به يومئذ فقال له لم أبطأت عنى إلى هذه الغاية قال كنت مختفيا
فلما خرج هذا الجيش دخلت في سواده قال فأخبرني عن هذا الجيش ما هم
وما عدة أصحابه قال خرج من الخول بحضرتي ألف ومائتا مقاتل ومن
أصحاب الزينبي ألف ومن البلالية والسعدية زهاء ألفين والفرسان مائتا فارس
ولما صاروا بالأبلة وقع بينهم وبين أهلها اختلاف حتى تلاعنوا وشتم الخول
محمد بن أبي عون وخلفتهم بشاطئ عثمان وأحسبهم مصبحيك في غد قال
فكيف يريدون أن يفعلوا إذا أتونا قال هم على إدخال الخيل من سندادان
بيان ويأتيك رجالتهم من جنبتي النهر فلما أصبح وجه طليعة ليعرف الخبر
واختاره شيخا ضعيفا زمنا لئلا يعرض له فلم يرجع إليه طليعته فلما أبطأ عنه
وجه فتحا الحجام ومعه ثلثمائة رجل ووجه يحيى بن محمد إلى سندادان وأمره
أن يخرج في سوق بيان فجاءه فتح فأخبره أن القوم مقبلون إليه في جمع كثير
وأنهم قد أخذوا جنبتي النهر فسأل عن المد فقيل لم يأت بعد فقال لم تدخل
خيلهم بعد وأمر محمد بن سلم وعلي بن أبان أن يقعدا لهم في النخل وقعد هو
على جبل مشرف عليهم فلم يلبث أن طلعت الاعلام والرجال حتى صاروا إلى
الأرض المعروفة بأبي العلاء البلخي وهو عطفة على دبيران فأمر الزنج فكبروا
ثم حملوا عليهم فوافوا بهم دبيران ثم حمل الخول يقدمهم أبو العباس بن أيمن
المعروف بأبي الكباش وبشير القيسي فتراجع الزنج حتى بلغوا الجبل الذي هو
عليه ثم رجعوا عليهم فثبتوا لهم وحمل أبو الكباش على فتح الحجام فقتله وأدرك
غلاما يقال له دينار من السودان فضربه ضربات ثم حمل السودان عليهم فوافوا
557

بهم شاطئ بيان وأخذتهم السيوف قال ريحان فعهدي بمحمد بن سلم وقد ضرب
أبا الكباش فألقى نفسه في الطين فلحقه بعض الزنج فاحتز رأسه وأما علي بن
أبان فإنه كان ينتحل قتل أبى الكباش وبشير القيسي وكان يتحدث عن ذلك اليوم
فيقول كان أول من لقيني بشير القيسي فضربني وضربته فوقعت ضربته في ترسى
ووقعت ضربتي في صدره وبطنه فانتظمت جوانح صدره وفريت بطنه وسقط
فأتيته فاحتززت رأسه ولقيني أبو الكباش فشغل بي وأتاه بعض السودان من
ورائه فضربه بعصا كانت في يده على ساقيه فكسرهما فسقط فأتيته ولا امتناع
به فقتلته واحتززت رأسه فأتيت بالرأسين صاحب الزنج قال محمد بن الحسن بن
سهل سمعت صاحب الزنج يخبر أن عليا أتاه برأس أبى الكباش ورأس بشير
القيسي قال ولا أعرفهما فقال كان هذا يقدمان القوم فقتلتهما نهزم أصحابهما لما
رأوا مصرعهما قال ريحان فيما ذكر عنه وانهزم الناس فذهبوا كل مذهب واتبعهم
السودان إلى نهر بيان وقد جزر النهر فلما وافوه انغمسوا في الوحل فقتل
أكثرهم قال وجعل السودان يمرون بصاحبهم دينار الأسود الذي كان أبو الكباش
ضربه وهو جريح ملقى فيحسبونه من الخول فيضربونه بالمناجل حتى أثخن ومر
به من عرفه فحمل إلى صاحب الزنج فأمر بمداواة كلومه قال ريحان فلما صار القوم
إلى فوهة نهر بيان وغرق من غرق وأخذت السفن التي كانت فيها الدواب إذا
ملوح يلوح من سفينة فأتيناه فقال ادخلوا النهر المعروف بشريكان فان لهم كمينا
هناك فدخل يحيى بن محمد وعلي بن أبان فأخذ يحيى في غربي النهر وسلك علي بن
أبان في شرقيه فإذا كمين في زهاء ألف من المغاربة ومعهم حسين الصيداني أسيرا
قال فلما رأونا شدوا على الحسين فقطعوه قطعا ثم أقبلوا إلينا ومدوا رماحهم
فقاتلوا إلى صلاة الظهر ثم أكب السودان عليهم فقتلوهم أجمعين وحووا سلاحهم
ورجع السودان إلى عسكرهم فوجدوا صاحبهم قاعدا على شاطئ بيان وقد أتى
بنيف وثلاثين علما وزهاء ألف رأس فيها رؤس أنجاد الخول وأبطالهم ولم
يلبث أن أتوه بزهير يومئذ قال ريحان فلم أعرفه فأتى يحيى وهو بين يديه فعرفه
558

فقال لي هذا زهير الخول فما استبقاؤك أباه فأمر به فضربت عنقه وأقام صاحب
الزنج يومه وليلته فلما أصبح وجه طليعة إلى شاطئ دجلة فأتاه طليعته فأ؟ أن
بدجلة شذاتين لاصقتين بالجزيرة والجزيرة يومئذ على فوهة القندل فرد الطليعة
بعد العصر إلى دجلة ليعرف الخبر فلما كان وقت المغرب أتاه المعروف بأبي العباس
خال ابنه الأكبر ومعه رجل من الجند يقال له عمران وهو زوج أم أبى العباس
هذا فصف لهما أصحابه ودعا بهما فأدى إليه عمران رسالة ابن أبي عون وسأله أن
يعبر بيانا ليفارق عمله وأعلمه أنه قد نحى الشذا عن طريقه فأمر بأخذ السفن التي
تخترق بيانا من جبى فصار أصحابه إلى الحجر فوجدوا في سلبان مائتي سفينة فيها
أعدال دقيق فأخذت ووجد فيها أكسية وبركانات وفيها عشرة من الزنج وأمر
الناس بركوب السفن فلما جاء المد وذلك في وقت المغرب عبر وعبر أصحابه حيال
فوهة القندل واشتدت الريح فانقطع عنه من أصحابه المكنى بأبي دلف وكانت معه
السفن التي فيها الدقيق فلما أصبح وافاه أبو دلف فأخبره أن الريح حملتك إلى حسك
عمران وأن أهل القرية هموا به وبما كان معه فدافعهم عن ذلك وأتاه من السودان
خمسون؟ فسار عند موافاة السفن والسودان إياه حتى دخل القندل فصار
إلى قرية للمعلى بن أيوب فنزلها وانبث أصحابه إلى دبا فوجدوا هناك ثلثمائة رجل
من الزنج فأتوه بهم ووجدوا وكيلا للمعلى بن أيوب فطالبه بمال فقال أعبر إلى
برسان فأتيك بالمال فأطلقه فذهب ولم يعد إليه فلما أبطأ عليه أمر بانتهاب القرية
فانتهبت قال ريحان فيما ذكر عنه فلقد رأيت صاحب الزنج يومئذ ينتهب معنا ولقد
وقعت يدي ويده على جبة صوف مضربة فصار بعضها في يده وبعضها في يدي وجعل
يجاذبني عليها حتى تركتها له ثم سار حتى صار إلى مسلحة الز؟ على شاطئ القندل
في غربي النهر فثبت له القوم الذين كانوا في المسلحة وهم يرون أنهم يطيقونه
فعجزوا عنه فقتلوا أجمعين وكانوا زهاء مائتين وبات ليلته في القصر ثم غدا في
وقت المد قاصدا إلى سبخة القندل واكتنف أصحابه حافتي النهر حتى وافوا منذران
فدخل أصحابه القرية فانتهبوها ووجدوا فيها جمعا من الزنج فأتوه بهم ففرقهم
559

على قواده ثم صار إلى مؤخر القندل فأدخل السفن النهر المعروف بالحسنى
النافذ إلى النهر المعروف بالصالحي وهو نهر يؤدى إلى دبا فأقام بسبخة هناك *
فذكر عن بعض أصحابه أنه قال ههنا قود القواد وأنكر أن يكون قود قبل ذلك
وتفرق أصحابه في الأنهار حتى صاروا إلى مربعة دبا فوجدوا رجلا من التمارين
من أهل كلاء البصرة يقال له محمد بن جعفر المريدي فأتوه به فسلم عليه وعرفه
وسأله عن البلالية فقال إنما أتيتك برسالتهم فلقيني السودان فأتوك بي وهم
يسألونك شروطا إذا أعطيتهم إياها سمعوا لك وأطاعوا فأعطاه ما سأل لهم وضمن
القيام له بأمرهم حتى يصيروا في حيزه ثم خلى سبيله ووجه معه من صيره إلى الفياض
ورجع عنه فأقام أربعة أيام ينتظره فلم يأته فسار في اليوم الخامس وقد سرح السفن
التي كانت معه في النهر وأخذ هو على الظهر فيما بين نهر يقال له الداوردانى والنهر
المعروف بالحسنى والنهر المعروف بالصالحي فلم يتعد حتى رأى خيلا مقبلة من نحو
نهر الأمير زهاء ستمائة فارس فأسرع أصحابه إلى النهر الداوردانى وكان الخيل
في غربيه فكلموهم طويلا وإذا هم قوم من الاعراب فيهم عنترة بن حجنا وثمال
فوجه إليهم محمد بن سلم فكلم ثمالا وعنترة وسأل عن صاحب الزنج فقال هاهو
ذا فقال نريد كلامه فأتاه فأخبره بقولهما وقال له كلمتهما فزجره وقال إن هذا
مكيدة وأمر السودان بقتلهم فعبروا النهر فعدلت الخيل عن السودان ورفعوا
علما أسود وظهر سليمان أخو الزينبي وكان معهم ورجع أصحاب صاحب الزنج
وانصرف القوم فقال لمحمد بن سلم ألم أعلمك أنهم إنما أرادوا كيدنا وسار حتى
صار إلى دبا وانبث أصحابه في النخل فجاؤوا بالغنم والبقر فجعلوا يذبحون ويأكلون
وأقام ليلته هناك فلما أصبح سار حتى دخل الارخنج المعروف بالمطهري وهو
أرخنج ينفذ إلى نهر الأمير المقابل للفياض من جانبيه فوجدوا هناك شهاب بن
العلاء العنبري ومعه قوم من الخول فأوقعوا به وأفلت شهاب في نفير ممن كان
معه وقتل من أصحابه جماعة ولحق شهاب بالمنصب من الفياض ووجد أصحاب
صاحب الزنج ستمائة غلام من غلمان الشورجيين هناك فأخذوهم وقتلوا وكلاءهم
560

وأتوه بهم ومضى حتى انتهى إلى قصر يعرف بالجوهري على السبخة المعروفة
بالبرامكة فأقام فيه ليلته تلك ثم سار حيث أصبح حتى وافى الشبخة التي تشرع
على النهر المعروف بالديناري ومؤخرها يفضى إلى النهر المعروف بالمحدث
فأقام بها وجمع أصحابه وأمرهم ألا يعجلوا بالذهاب إلى البصرة حتى يأمرهم
وتفرق أصحابه في انتهاب كل ما وجدوا وبات هناك ليلته تلك
* ذكر الخبر عن مسير صاحب الزنج بزنوجه وجيوشه فيها إلى البصرة *
ذكر أنه سار من السبخة التي تشرع على النهر المعروف بالديناري
ومؤخرها يفضى إلى النهر المعروف بالمحدث بعد ما جمع بها أصحابه يريد البصرة
حتى إذا قابل النهر المعروف بالرياحي أتاه قوم من السودان فأعلموه أنهم رأوا
في الرياحي بارقة فلم يلبث إلا يسيرا حتى تنادى الزنج السلاح فأمر علي بن أبان
بالعبور إليهم وكان القوم في شرقي النهر المعروف بالديناري فعبر في زهاء
ثلاثة آلاف وحبش صاحب الزنج عنده أصحابه وقال لعلى إن احتجت إلى
مزيد في الرجال فاستمدني فلما مضى صاح الزنج السلاح لحركة رأوها من غير
الجهة التي صار إليها على فسأل عن الخبر فأخبر أنه قد أتاه قوم من ناحية القرية
الشارعة على نهر حرب المعروفة بالجعفرية فوجه محمد بن سلم إلى تلك الناحية
فذكر عن صاحبه المعروف بريحان أنه قال كنت فيمن توجه مع محمد
وذلك في وقت صلاة الظهر فوافينا القوم بالجعفرية فنشب القتال بيننا وبينهم
إلى آخر وقت العصر ثم حمل السودان عليهم حملة صادقة فولوا منهزمين
وقتل من الجند والاعراب وأهل البصرة البلالية والسعدية خمسمائة رجل
وكان فتح المعروف بغلام أبى شيث معهم يومئذ فولى هاربا فأتبعه فيروز
الكبير فلما رآه جادا في طلبه رماه ببيضة كانت على رأسه فلم يرجع عنه فرماه بترسه
فلم يرجع عنه فرماه بتنور حديد كان عليه فلم يرجع عنه ووافى به نهر حرب فألقى فتح
نفسه فيه فأفلت ورجع فيروز ومعه ما كان فتح ألقاه من سلاحه حتى أتى به صاحب
الزنج قال محمد بن الحسن قال شبل حكى لنا ان فتحا ظفر يومئذ نهر حرب قال فحدثت
561

هذا الحديث الفضل بن عدي الدارمي فقال أنا يومئذ مع السعدية ولم يكن على
فتح تنور حديد وما كان عليه إلا صدرة حرير صفراء ولقد قاتل يومئذ حتى لم يبق
أحد يقاتل وأتى نهر حرب فوثبه حتى صار إلى الجانب الغربي منه ولم يعرف ما
حكى ريحان من خبر فيروز * قال وقال ريحان لقيت فيروز قبل انتهائه إلى صاحب
الزنج فاقتص على قصته وقصة فتح وأراني السلاح وأقبل الزنج على أخذ الأسلاب
وأخذت على النهر المعروف بالديناري فإذا أنا برجل تحت نخلة عليه قلنسوة خز
وخف أحمر ودراعة فأخذته فأراني كتبا معه وقال لي هذه كتب لقوم من أهل
البصرة وجهوني بها فألقيت في عنقه عمامة وقدته إليه وأعلمته خبره فسأله عن اسمه
فقال أنا محمد بن عبد الله وأكنى بأبي الليث من أهل أصبهان وانما أتيتك راغبا في
صحبتك فقبله ولم يلبث ان سمع تكبيرا فإذا علي بن أبان قد وافاه ومعه رأس
البلالي المعروف بأبي الليث القواريري * قال وقال شبل الذي قتل أبا الليث القواريري
وصيف المعروف بالزهري وهو من مذكوري البلالية ورأس المعروف بعبدان
الكسبي وكان له في البلالية صوت في رؤوس جماعة منهم فسأله عن الخبر فأخبره
انه لم يكن فيمن قاتله أشد قتالا من هذين يعنى أبا الليث وعبدان وأنه هزمهم حتى
ألقاهم في نهر نافذ وكانت معهم شذاة فغرقها ثم جاءه محمد بن سلم ومعه رجل من
البلالية أسيرا أسره شبل يقال له محمد الأزرق القواريري ومعه رؤس كثيرة فدعا
الأسير فسأله عن أصحاب هذين الجيشين فقال له أما الذين كانوا في الرياحي فان
قائدهم كان أبا منصور الزينبي وأما الذين كانوا مما يلي نهر حرب فان قائدهم كان
سليمان أخا الزينبي من ورائهم مصحرا فسأله عن عددهم فقال له لا أحصيهم إلا
أنى أعلم أنهم كثير عددهم فأطلق محمد القواريري وضمه إلى شبل وسار حتى وافى
سبخة الجعفرية فأقام ليلته بين القتلى فلما أصبح جمع أصحابه فحذرهم أن يدخل أحد
منهم البصرة وسار فتسرع منهم انكلويه وزريق وأبو الخنجر ولم يكن قود
يومئذ وسليم ووصيف الكوفي فوافوا النهر المعروف بالشاذانى وأتاهم أهل
البصرة وكثروا عليهم وانتهى الخبر إليه فوجه محمد بن سلم وعلي بن أبان ومشرقا
562

غلام يحيى في خلق كثير وجاء هو يسايرهم ومعه السفن التي فيها الدواب المحمولة
ونساء الغلمان حتى أقام بقنطرة نهر كثير * قال ريحان فأتيته وقد رميت بحجر
فأصاب ساقى فسألني عن الخبر فأخبرته أن الحرب قائمة فأمرني بالرجوع وأقبل
معي حتى أشرف على نهر السبابجة ثم قال لي امض إلى أصحابنا فقل لهم يستأخروا عنهم
فقلت له أبعد عن هذا الموضع فإني لست آمن عليك الخول فتنحى ومضيت
فأخبرت القواد بما أمر به فتراجعوا وأكب أهل البصرة عليهم وكانت هزيمة
وذلك عند العصر ووقع الناس في النهرين نهر كثير ونهر شيطان فجعل يهتف بهم
ويردهم فلا يرجعون وغرق جماعة من أصحابه في نهر كثير وقتل منهم جماعة على
شط النهر وفى الشاذاني فكان ممن غرق يومئذ من قواده أبو الجون ومبارك
البحراني وعطاء البربري وسلام الشأمى ولحقه غلام أبى شيث وحارث القيسي
وسحيل فعلوا القنطرة فرجع إليهم وانهزموا عنه حتى صاروا إلى الأرض وهو
يومئذ في دراعة وعمامة و؟ وسيف وترسه في يده ونزل عن القنطرة وصعدها
البصريون يطلبونه فرجع فقتل منهم بيده رجلا على خمس مراق من القنطرة
وجعل يهتف بأصحابه ويعرفهم مكانه ولم يكن بقى معه في ذلك الموضع من
أصحابه إلا أبو الشوك ومصلح ورفيق غلام يحيى * قال ريحان فكنت معه
فرجع حتى صار إلى المعلى فنزل في غربي نهر شيطان * قال محمد بن الحسن فسمعت
صاحب الزنج يحدث قال لقد رأيتني في بعض نهار هذا اليوم وقد ضللت عن
أصحابي وضلوا عنى فلم يبق معي إلا مصلح ورفيق وفى رجلي نعل سندى وعلى
عمامة قد انحل كور منها فأنا أسحبها من ورائي ويعجلني المشي عن رفعها ومعي سيفي
وترسي وأسرع مصلح ورفيق في المشي وقصرت فغابا عنى ورأيت في أثرى رجلين
من أهل البصرة في يد أحدهما سيف وفى يد الآخر حجارة فلما رأياني عرفاني
فجدا في طلبي فرجعت إليهما فانصرفا عنى ومضيت حتى خرجت إلى الموضع
الذي فيه مجمع أصحابي وكانوا قد تحيروا لفقدي فلما رأوني سكنوا إلى رؤيتي *
قال ريحان فرجع بأصحابه إلى موضع يعرف بالمعلى في غربي نهر شيطان فنزل
563

به وسأل عن الرجال فإذا قد هرب كثير منهم ونظر فإذا هو من جميع أصحابه في
مقدار خمسمائة رجل فأمر بالنفخ في البوق الذي كانوا يجتمعون لصوته فلم يرجع
إليه أحد وبات ليلته فلما كان في بعض الليل جاء الملقب بجربان وقد كان هرب
فيمن هرب ومعه ثلاثون غلاما فسأله أين كانت غيبته فقال ذهبت إلى الزوارقة
طليعة * قال ريحان ووجهني لا تعرف له من في قنطرة نهر حرب فلم أجد هناك
أحدا وقد كان أهل البصرة انتهبوا السفن التي كانت معه وأخذوا الدواب التي
كانت فيها في هذا اليوم وظفروا بمتاع من متاعه وكتب من كتبه واصطرلابات كانت
معه فلما أصبح من غد هذا اليوم نظر في عدة أصحابه فإذا هم ألف رجل قد كانوا ثابوا
إليه في ليلتهم تلك * قال ريحان فكان فيمن هرب شبل وكان ناصح الرملي ينكر هرب
شبل قال ريحان فرجع شبل من غد ومعه عشرة غلمان فلامه وعنقه وسأل عن غلام كان
يقال له نادر يكنى بأبي نعجة وعن عنبر البربري فأخبر أنهما هربا فيمن هرب فأقام في
موضعه وأمر محمد بن سلم أن يصير إلى قنطرة نهر كثير فيعظ الناس ويعلمهم ما الذي
دعاه إلى الخروج فصار محمد بن سلم وسليمان بن جامع ويحيى بن محمد فوقف سليمان
ويحيى وعبر محمد بن سلم حتى توسط أهل البصرة وجعل يكلمهم ورأوا منه غرة
فانطووا عليه فقتلوه * قال الفضل بن عدي عبر محمد بن سلم إلى أهل البصرة
ليعظهم وهم مجتمعون في أرض تعرف بالفضل بن ميمون فكان أول من بدر
إليه وضربه بالسيف فتح غلام أبى شيث وأتاه ابن التومني السعدي فاحتز رأسه
فرجع سليمان ويحيى إليه فأخبراه الخبر فأمرهما بطى ذلك عن الناس حتى يكون
هو الذي يقوله لهم فلما صلى العصر نعى محمد بن سلم لأصحابه وعرف خبره من
لم يكن عرفه فقال لهم إنكم تقتلون به في غد عشرة آلاف من أهل البصرة ووجه
زريقا وغلاما له يقال له سقلبتويا وأمرهما بمنع الناس من العبور وذلك في يوم الأحد
لثلاث عشرة ليلة خلت من ذي القعدة سنة 255 قال محمد بن الحسن
فحدثني محمد بن سمعان الكاتب قال لما كان في يوم الاثنين لأربع عشرة ليلة خلت
من ذي القعدة جمع له أهل البصرة وحشدوا له لما رأوا من ظهورهم عليه في
564

يوم الأحد وانتدب لذلك رجل من أهل البصرة يعرف بحماد الساجي وكان من
غزاة البحر في الشذا وله علم بركوبها والحرب فيها فجمع المطوعة ورماة الأهداف
وأهل المسجد الجامع ومن خف معه حزبي البلالية والسعدية ومن أحب النظر
من غير هذه الأصناف من الهاشميين والقريشيين وسائر أصناف الناس فشحن
ثلاثة مراكب من الشذا من الرماة وجعلوا يزدحمون في الشذا حرصا على حضور
ذلك المشهد ومضى جمهور الناس رجالة منهم من معه السلاح ومنهم نظارة لا سلاح
معهم فدخلت الشذا والسفن النهر المعروف بأم حبيب بعد زوال الشمس من
ذلك اليوم في المد ومرت الرجالة والنظارة على شاطئ النهر قد سدوا ما ينفذ فيه
البصر تكاثفا وكثرة وكان صاحب الزنج مقيما بموضعه من النهر المعروف
بشيطان * قال محمد بن الحسن فأخبرنا صاحب الزنج انه لما أحس بمصير الجمع
إليه وأتته طلائعه بذلك وجه زريقا وأبا الليث الأصبهاني في جماعة معهما
في الجانب الشرقي من النهر كمينا وشبلا وحسينا الحمامي في جماعة من أصحابه
في الجانب الغربي بمثل ذلك وأمر علي بن أبان ومن بقى معه من جمعه
بتلقي القوم وأن يجثو لهم فيمن معه ويستتروا بتراسهم فلا يثور إليهم منهم
ثائر حتى يوافيهم القوم ويوموا إليهم بأسيافهم فإذا فعلوا ذلك ثاروا إليهم وتقدم
إلى الكمينين إذا جاوزهما الجمع وأحسا بثورة أصحابهم إليهم أن يخرجا من جنبتي
النهر ويصيحا بالناس وأمر نساء الزنج بجمع الآجر وإمداد الرجال به * قال وكان
يقول لأصحابه بعد ذلك لما أقبل إلى الجمع يومئذ وعاينته رأيت أمرا هائلا
راعني وملا صدري رهبة وجزعا وفزعت إلى الدعاء وليس معي من أصحابي
إلا نفر يسير منهم مصلح وليس منا أحد إلا وقد خيل له مصرعه في ذلك
فجعل مصلح يعجبني من كثرة ذلك الجمع وجعلت أومى إليه أن يمسك فلما قرب
القوم منى قلت اللهم إن هذه ساعة العسرة فأعنى فرأيت طيورا بيضا تلقت ذلك الجمع
فلم أستتم كلامي حتى بصرت بسميرية قد انقلبت بمن فيها فغرقوا ثم تلتها الشذا وثار
أصحابي إلى القوم الذين قصدوا لهم فصاحوا بهم وخرج الكمينان عن جنبتي النهر
565

من وراء السفن والرجالة وخبطوا من ولى من الرجالة والنظارة الذين كانوا على
شاطئ النهر المعروف فغرقت طائفة وقتلت طائفة وهربت طائفة نحو الشط
طمعا في النجاة فأدركها السيف فمن ثبت قتل ومن رجع إلى الماء غرق ولجأ
من كان على شاطئ النهر من الرجالة إلى النهر فغرقوا وقتلوا حيت أبير أكثر ذلك
الجمع ولم ينج منهم إلا الشريد وكثرت المفقودون بالبصرة وعلا العويل من
نسائهم وهذا يوم الشذا الذي ذكره الناس وأعظموا ما كان فيه من القتل وكان
فيمن قتل من بني هاشم جماعة من ولد جعفر بن سليمان وأربعون رجلا من الرماة
المشهورين في خلق كثير لا يحصى عددهم وانصرف الخبيث وجمعت له الرؤس فذهب
إليه جماعة من أولياء القتلى فعرضها عليهم فأخذوا ما عرفوا منها وعبأ ما بقى عنده
من الرؤس التي لم يأت لها طالب في جريبية ملاها منها وأخرجها من النهر المعروف
بأم حبيب في الجزر وأطلقها فوافت البصرة فوقفت في مشرعة تعرف بمشرعة
القيار فجعل الناس يأتون تلك الرؤس فيأخذ رأس كل رجل أولياؤه وقوى
عدو الله بعد هذا اليوم وتمكن الرعب في قلوب أهل البصرة منه وأمسكوا عن
حربه وكتب إلى السلطان بخبر ما كان منه فوجه جعلان التركي مددا لأهل البصرة
وأمر أبا الأحوص الباهلي بالمصير إلى الأبلة واليا وأمده برجل من الأتراك
يقال له جريح. فزعم الخبيث ان أصحابه قالوا له بعقب هذه الوقعة إنا قد قتلنا
مقاتلة أهل البصرة ولم يبق فيها إلا ضعفاؤهم ومن لا حراك به فأذن لنا في تقحمها
فزبرهم وهجن آراءهم وقال لهم لابل ابعدوا عنها فقد أرعبناهم وأخفناهم وأمنتم
جانبهم فالرأي الآن أن تدعوا حربهم حتى يكونوا هم الذين يطلبونكم ثم انصرف
بأصحابه إلى سبخة بمآخير أنهارهم إردب يقارب النهر المعروف بالحاجر. قال
شبل هي سبخة أبى قرة وقعها بين النهرين نهر أبى قرة والنهر المعروف بالحاجر
فأقام هناك وأمر أصحابه باتخاذ الأكواخ وهذه السبخة متوسطة النخل والقرى
والعمارات وبث أصحابه يمينا وشمالا يغير بهم على القرى ويقتل بهم الأكرة
وينهب أموالهم ويسوق مواشيهم فهذا ما كان من خبره وخبر الناس الذين قربوا
566

من موضع مخرجه في هذه السنة (ولليلتين) بقيتا من ذي القعدة منها حبس الحسن
ابن محمد بن أبي الشوارب القاضي وولى عبد الرحمن بن نائل البصري قضاء
سامرا في ذي الحجة منها (وحج) بالناس فيها علي بن الحسن بن إسماعيل بن
العباس بن محمد بن علي
* ثم دخلت سنة ست وخمسين ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث الجليلة *
فمن ذلك ما كان من موافاة موسى بن بغا سامرا واختفاء صالح بن وصيف
لمقدمه وحمل من كان مع موسى من قواده المهتدى من الجوسق إلى دارياجور *
ذكر أن دخول موسى بن بغا سامرا بمن معه كان يوم الاثنين لاحدى عشرة
ليلة خلت من المحرم من هذه السنة فلما دخلها أخذ في الحير وعبأ أصحابه ميمنة
وميسرة وقلبا في السلاح حتى صار إلى باب الحير مما يلي الجوسق والقصر الأحمر
وكان ذلك يوما جلس فيه المهتدى للناس للمظالم فكان ممن أحضره في ذلك اليوم
بسبب المظالم أحمد بن المتوكل بن فتيان فكان في الدار إلى أن دخل الموالى فحملوا
المهتدى إلى دار ياجور واتبعه أحمد بن المتوكل إلى ما هناك فلم يزل موكلا به في
مضرب مفلح إلى أن انقطع الامر ورد المهتدى إلى الجوسق ثم أطلق وكان القيم
بأمر دار الخلافة بايكباك فصيرها إلى ساتكين قبل ذلك بأيام فظن الناس أنه إنما
فعل ذلك لثقته بساتكين وأنه على أن يغلب على الدار والخليفة وقت قدوم موسى
فلما كان في ذلك اليوم لزم منزله وترك الدار خالية وصار موسى في جيشه إلى الدار
والمهتدى جالس للمظالم فأعلم بمكانه فأمسك ساعة عن الاذن ثم أذن لهم فدخلوا
فجرى من الكلام نحو ما جرى يوم قدوم الوفد والرسل فلما طال الكلام تراطنوا
فيما بينهم بالتركية وأقاموه في مجلسه وحملوه على دابة من دواب الشاكرية وانتهبوا
ما كان في الجوسق من دواب الخاصة ومضوا يريدون الكرخ فلما صاروا عند باب
الحير في القطائع عند دار ياجور أدخلوه دار ياجور * فذكر عن بعض الموالى
567

ممن حضرهم ذلك اليوم أن سبب أخذهم المهتدى ذلك اليوم كان أن بعضهم قال لبعض
إن هذه المطاولة إنما هي حيلة عليكم حتى يكبسكم صالح بن وصيف بجيشه فخافوا
ذلك فحملوه وذهبوا به إلى الموضع الآخر فذكر عمن سمع المهتدى يقول لموسى ما تريد
ويحك اتق الله وخفه فإنك تركب أمرا عظيما * قال فرد عليه موسى انا ما نريد
إلا خيرا ولا وتربة المتوكل لا نالك منا شر البتة * قال الذي ذكر فقلت في نفسي
لو أراد خيرا لحلف بتربة المعتصم أو الواثق ولما صاروا به إلى دار ياجور أخذوا
عليه العهود والمواثيق ألا يمايل صالحا عليهم ولا يضمن لهم إلا مثل ما يظهر ففعل
ذلك فجحدوا له البيعة ليلة الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة خلت من المحرم وأصبحوا يوم
الثلاثاء فوجهوا إلى صالح أن يحضرهم للمناظرة فوعدهم ان يصير إليهم * فذكر
عن بعض رؤساء الفراغنة أنه قيل له ما الذي تطالبون به صالح بن وصيف فقال
دماء الكتاب وأموالهم ودم المعتز وأمواله وأسبابه. ثم أقبل القوم على إبرام
الأمور وعسكرهم خارج بباب الحير عند باب ياجور فلما كانت ليلة الأربعاء
استتر صالح فذكر عن طلمجور أنه قال كانت ليلة الأربعاء اجتمعنا عند صالح
وقد أمر ان يفرق أرزاق أصحاب النوبة عليهم فقال لبعض من حضره أخرج
فأعرض من حضر من الناس فكانوا بالغداة زهاء خمسة آلاف. قال فعاد إليه وقال
يكونون ثمانمائة رجل أكثرهم غلمانك ومواليك فأطرق مليا ثم قام وتركنا ولم يأمر بشئ
وكان آخر العهد به وذكر عمن سمع بختيشوع يقول وهو يعرض بصالح قبل قدوم
موسى حركنا هذا الجيش الخشن وراغمناه حتى إذا اقبل إلينا تشاغلنا بالنرد والشرب
كأنا بنا وقد اختفينا إذا ورد القاطول فكان الامر كذلك * وغدا طغتا إلى باب
ياجور سحر يوم الأربعاء فلقيه مفلح فضربه بطبرزين فشجه في جانب جبينه
الأيمن فكان الذين أقاموا مع صالح الليلة التي استتر فيها من القواد الكبار طغتا بن
الصيغون وطلمجور صاحب المؤيد ومحمد بن تركش وخموش والنوشري ومن
الكتاب الكبار أبو صالح عبد الله بن محمد بن يزداد وعبد الله بن منصور وأبو الفرج
وأصبح الناس يوم الأربعاء عشرة خلت من المحرم وقد استتر صالح وغدا
568

أبو صالح إلى دار ياجور وجاء عبد الله بن منصور فدخل الدار مع سليمان بن وهب
وتنصح إليهم أن عنده سفاتج بخمسة آلاف دينار وذكر أن صالحا أراده على
حملها فأبى الا أن يقر الامر قراره وخلع في هذا اليوم على كنجور ليتولى أمر دار
صالح وتفتيشها ومضى ياجور صاحب موسى فأتى الحسن بن مخلد من الموضع
الذي كان فيه محبوسا من دار صالح (وفى) هذا اليوم من هذا الشهر ولى سليمان
ابن عبد الله بن طاهر مدينة السلام والسواد ووجه إليه بخلع وزيد على ما كان يخلع
على عبيد الله بن عبد الله بن طاهر (وفيه) رد المهدى إلى الجوسق ودفع عبد الله
ابن محمد بن يزداد إلى الحسن بن مخلد (وفيه) أظهر النداء على صالح * ولثمان بقين
من صفر من هذه السنة قتل صالح بن وصيف
* ذكر الخبر عن سبب قتله وسبب الوصول إليه بعد اختفائه *
ذكر أن سبب ذلك كان أن المهتدى لما كان يوم الأربعاء لثلاث بقين من
المحرم سنة 256 أظهر كتابا ذكر أن سيما الشرابي زعم أن امرأة جاءت به مما
يلي القصر الأحمر ودفعته إلى كافور الخادم الموكل بالحرم وقالت له إن فيه نصيحة
وإن منزلي في موضع كذا فان أردتموني فاطلبوني هناك فأوصل الكتاب إلى المهتدى
فلما طلبت في الموضع الذي وصفت حين احتيج إلى بحثها عن الكتاب لم توجد
ولم يعرف لها خبر * وقد ذكر أن المهتدى أصاب ذلك الكتاب ولم يدر من
رمى به * فذكر أن المهتدى دعا سليمان بن وهب بحضرة جماعة من الموالى فيهم
موسى بن بغا ومفلح وبايكباك وياجور وبكالبا وغيرهم فدفع الكتاب إلى سليمان
وقال له تعرف هذا الخط قال نعم هذا خط صالح بن وصيف فأمره أن يقرأه
عليهم فإذا صالح يذكر فيه أنه مستخف بسامرا وأنه انما استتر متخيرا للسلامة
وابقاء على الموالى وخوفا من ايصال الفتن بحرب إن حدثت بينهم وقصدا لان
يبيت القوم ويكون ما يأتونه بعد بصيرة مما ذكر في هذا الباب ثم ذكر ما صار
إليه من أموال الكتاب وقال إن علم ذلك عند الحسن بن مخلد وهو أحدهم وهو
في أيديكم ثم ذكر من وصل إليه ذلك المال وتولى تفريقه وذكر ما صار إليه
569

من أمر قبيحة وأشار إلى أن علم ذلك عند أبي صالح بن يزداد وصالح العطار ثم
ذكر أشياء في هذا المعنى بعضها يعتذر به وبعضها يحتج به ومخرج القول في ذلك
يدل على قوة في نفسه فلما فرغ سليمان من قراءة الكتاب وصله المهتدى بقول منه
يحث على الصلح والهدنة والألفة والاتفاق ويكره إليهم الفرقة والتفاني والتباغض
فدعا ذلك القوم إلى تهمته وأنه يعلم بمكان صالح وأنه يتقدمهم عنده فكان بينهم
في ذلك كلام كثير ومناظرات طويلة ثم أصبحوا يوم الخميس لليلتين بقيتا من
المحرم سنة 256 فصاروا جميعا إلى دار موسى بن بغا في داخل الجوسق يتراطنون
ويتكلمون واتصل الخبر بالمهتدى * فذكر عن أحمد بن خاقان الواثقي أنه قال
من ناحيتي انتهى الخبر إلى المهتدى وذلك أنى سمعت بعض من كان حاضرا المجلس
وهو يقول أجمع القوم على خلع الرجال * قال فصرت إلى أخيه إبراهيم فأعلمته
بذلك فدخل عليه فأعلمه ذلك وحكاه عنى فلم أزل خائفا أن يعجل أمير المؤمنين
فيخبرهم عنى بالخبر فرزق الله السلامة. وذكر أن أخا بايكباك قال لهم في هذا
المجلس لما أطلعوه على ما كانوا عزموا عليه انكم قتلتم ابن المتوكل وهو حسن
الوجه سخى الكف فاضل النفس وتريدون أن تقتلوا هذا وهو مسلم يصوم ولا
يشرب النبيذ من غير ذنب والله لئن قتلتم هذا لألحقن بخراسان ولأشيعن أمركم
هناك فلما اتصل الخبر بالمهتدى خرج إلى مجلسه متقلدا سيفا وقد لبس ثيابا نظافا
وتطيب ثم أمر بإدخالهم إليه فأبوا ذلك مليا ثم دخلوا عليه فقال لهم إنه قد بلغني
ما أنتم عليه من أمرى ولست كمن تقدمني مثل أحمد بن محمد المستعين ولا مثل ابن
قبيحة والله ما خرجت إليكم الا وأنا متحنط وقد أوصيت إلى أخي بولدي وهذا
سيفي والله لأضربن به ما استمسك قائمه بيدي والله لئن سقط من شعري شعرة
ليهلكن أو ليذهبن بها أكثركم أما دين أما حياء أما رعة كم يكون هذا الخلاف
على الخلفاء والاقدام والجرأة على الله سواء عليكم من قصد الابقاء عليكم ومن
كان إذا بلغه مثل هذا عنكم دعا بأرطال الشراب فشربها سرورا بمكروهكم وحبا
لبواركم خبروني عنكم هل تعلمون أنه وصل إلى من دنياكم هذه شئ أما إنك تعلم
570

يا بايكباك أن بعض المتصلين بك أيسر من جماعة إخوتي وولدي وإن أحببت أن
تعرف ذلك فانظر هل ترى في منازلهم فرشا أو وصائف أو خدما أو جواري أولهم
ضياع أو غلات سوأة لكم ثم تقولون إني أعلم علم صالح وهل صالح إلا رجل من
الموالى وكواحد منكم فكيف الإقامة معه إذا ساء رأيكم فيه فإن آثرتم الصلح كان
ذلك ما أهوى لجمعكم وإن أبيتم الا الإقامة على ما أنتم عليه فشأنكم فاطلبوا صالحا
ثم أبلغوا شفاء أنفسكم وأما أنا فما أعلم علمه قالوا فاحلف لنا على ذلك قال أما
اليمين فإني أبذلها لكم ولكني أؤخرها حتى تكون بحضرة الهاشميين والقضاة
والمعدلين وأصحاب المراتب غدا إذا صليت الجمعة فكأنهم لانوا قليلا ووجه في احضار
الهاشميين فحضروا في عشيتهم فأذن لهم فسلموا ولم يذكر لهم شيئا وأمروا بالمصير إلى الدار
لصلاة الجمعة فانصرفوا وغدا الناس يوم الجمعة ولم يحدثوا شيئا وصلى المهتدى وسكن
الناس انصرفوا هادنين. وذكر عن بعض من سمع الكلام في يوم الأربعاء يقول إن
المهتدى لما خرن صالح قال إن بايكباك قد كان حاضرا ما عمل به صالح في أمر الكتاب
ومال ابن قبيحة فإن كان صالح قد أخذ من ذلك شيئا فقد أخذ مثل ذلك بايكباك فكان
ذلك الذي أحفظ بايكباك (وقال آخر) إنه سمع هذا القول وإنه ذكر محمد بن
بغا وقال قد كان حاضرا وعالما بما أجروا عليه الامر والشريك في ذلك أجمع
فأحفظ ذلك أبا نصر (وقد قيل) إن القوم من لدن قدم موسى كانوا مضمرين
هذا المعنى منطوين على الغل وإنما كان يمنعهم منه خوف الاضطراب وقلة
الأموال فلما ورد عليهم مال فارس والأهواز تحركوا وكان ورود ذلك عليهم
يوم الأربعاء لثلاث بقين من المحرم ومبلغه سبعة عشر ألف ألف درهم وخمسمائة
ألف درهم * فلما كان يوم السبت انتشر الخبر في العامة أن القوم على أن يخلعوا
المهتدى ويفتكوا به وأنهم إنما أرادوه على ذلك وأرهقوه وكتبوا الرقاع
وألقوها في المسجد الجامع والطرقات فذكر بعض من زعم أنه قرأ رقعة منها فيها
(بسم الله الرحمن الرحيم) يا معشر المسلمين ادعوا الله لخليفتكم العدل الرضى
المضاهى لعمر بن الخطاب أن ينصره على عدوه ويكفيه مؤنة ظالمة ويتم النعمة
571

عليه وعلى هذه الأمة ببقائه فان الموالى قد أخذوه بأن يخلع نفسه وهو يعذب
منذ أيام والمدبر لذلك أحمد بن محمد بن ثوابة والحسن بن مخلد رحم الله من أخلص
النية ودعا وصلى على محمد صلى الله عليه وسلم فلما كان يوم الأربعاء لأربع خلون
من صفر من هذه السنة تحرك الموالى بالكرخ والدور ووجهوا إلى المهتدى
على لسان رجل منهم يقال له عيسى إنا نحتاج أن نلقى إلى أمير المؤمنين شيئا وسألوا
أن يوجه أمير المؤمنين إليهم أحد إخوته فوجه إليهم أخاه عبد الله أبا القاسم وهو
أكبر إخوته ووجه معه محمد بن مباشر المعروف بالكرخي فمضيا إليهم فسألاهم
عن شأنهم فذكروا أنهم سامعون مطيعون لأمير المؤمنين وأنه بلغهم أن موسى
ابن بغا وبايكباك وجماعة من قوادهم يريدونه على الخلع وأنهم يبذلون دماءهم
دون ذلك وأنهم قد قرؤا بذلك رقاعا ما ألقيت في المسجد والطرقات وشكوا مع
ذلك سوء حالهم وتأخر أرزاقهم وما صار من الاقطاعات إلى قوادهم التي قد
أجحفت بالضياع والخراج وما صار لكبرائهم من المعاون والزيادات من الرسوم
القديمة مع أرزاق النساء والدخلاء الذين قد استغرقوا أكثر أموال الخراج
وكثر كلامهم في ذلك فقال لهم أبو القاسم عبد الله بن الواثق اكتبوا هذا في كتاب
إلى أمير المؤمنين أتولى إيصاله لكم فكتبوا ذلك وكاتبهم في الذي يكتبون محمد
ابن ثقيف الأسود وكان يكتب لعيسى صاحب الكرخ أحيانا وانصرف أبو القاسم
ومحمد بن مباشر فأوصلا الكتاب إلى المهتدى فكتب جوابه بخطه وختمه بخاتمه
وغدا أبو القاسم إلى الكرخ فوافاهم به إلى دار أشناس وقد صيروها
مسجد جامع لهم فوقف ووقفوا له في الرحبة واجتمع منهم زهاء مائة وخمسين
فارسا ونحو من خمسمائة راجل فأقرأهم من المهتدى السلام وقال يقول لكم
أمير المؤمنين هذا كتابي إليكم بخطى وخاتمي فاسمعوه وتدبروه ثم دفع الكتاب
إلى كاتبهم فقرأه فإذا فيه (بسم الله الرحمن الرحيم) والحمد لله وصلى الله على محمد
النبي وعلى آله وسلم تسليما كثيرا أرشدنا الله وإياكم وكان لنا ولكم وليا وحافظا
فهمت كتابكم وسرني ما ذكرتم من طاعتكم وما أنتم عليه فأحسن الله جزاءكم
572

وتولى حياطتكم فأما ما ذكرتم من خالاتكم وحاجتكم فعزيز على ذلك فيكم ولوددت
والله أن صلاحكم يهيأ بأن لا آكل ولا أطعم ولدى وأهلي إلا القوت الذي
لا يسع شئ دونه ولا ألبس أحدا من ولدى إلا ما ستر العورة ولا والله حاطكم
الله ما صار إلى منذ تقلدت أمركم لنفسي وأهلي وولدي ومتقدمي غلماني وحشمى
إلا خمسة عشر ألف دينار وأنتم تقفون على ما ورد ويرد كل ذلك مصروف إليكم
غير مدخر عنكم وأما ما ذكرتم مما بلغكم وقرأتم به الرقاع التي ألقيت في المساجد
والطرق وما بذلتم من أنفسكم فأنتم أهل ذلك وأين تعتذرون مما ذكرتم ونحن
وأنتم نفس واحدة فجزاكم الله عن أنفسكم وعهودكم وأمانتكم خيرا وليس الامر
كما بلغكم فعلى ذلك فليكن عملكم إن شاء الله وأما ما ذكرتم من الاقطاعات والمعاون
وغيرها فأنا أنظر في ذلك وأصير منه إلى محبتكم إن شاء الله والسلام عليكم أرشدنا
الله وإياكم وكان لنا ولكم حافظا والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد النبي
وآله وسلم تسليما كثيرا فلما بلغ القارئ من الكتاب إلى الموضع الذي قال ولم
يصل إلى إلا قدر خمسة عشر ألف دينار أشار أبو القاسم إلى القارئ فسكت
ثم قال وهذا ما قدر هذا قد كان أمير المؤمنين في أيام إمارته يستحق في أقل من هذه المدة
ما هو أكثر منه بأرزاقه وانزاله ومعونته وقد تعلمون ما كان من تقدمه يصرفه
في صلات المخنثين والمغنين وأصحاب الملاهي وبناء القصور وغير ذلك فادعوا
الله لأمير المؤمنين ثم قرأ الكتاب حتى أتى على الكتاب فلما فرغ كثر الكلام
وقالوا قولا فقال لهم أبو القاسم اكتبوا بذلك كتابا صدروه على مجارى الكتب
إلى الخلفاء واكتبوه عن القواد وخلفائهم والعرفاء بالكرخ والدور وسامرا
فكتبوا بعد أن دعوا الله فيه لأمير المؤمنين ان الذي يسألون أن ترد الأمور إلى أمير
المؤمنين في الخاص والعام ولا يعترض عليه معترض وأن ترد رسومهم إلى ما كانت
عليه أيام المستعين بالله وهو أن يكون على كل تسعة منهم عريف وعلى كل خمسين خليفة
وعلى كل مائة قائد وأن تسقط النساء والزيادات والمعاون ولا يدخل مولى في
قبالة ولاغيرها وأن يوضع لهم العطاء في كل شهرين على ما لم يزل وأن تبطل
573

الاقطاعات وأن يكون أمير المؤمنين يزيد من شاء ويرفع من شاء وذكروا أنهم
صائرون في أثر كتابهم إلى باب أمير المؤمنين ومقيمون هناك إلى أن تقضى حوائجهم وأنه
ان بلغهم أن أحدا اعترض على أمير المؤمنين في شئ من الأمور أخذوا رأسه وإن سقط
من رأس أمير المؤمنين شعرة قتلوا به موسى بن بغا وبايكباك وفلحا وياجور وبكالبا
وغيرهم ودعوا الله لأمير المؤمنين ودفعوا الكتاب إلى أبى القاسم فانصرف به حتى
أوصله وتحرك الموالى بسامرا واضطرب القواد جدا قد كان المهتدى قعد للمظالم
وأدخل الفقهاء والقضاة وأخذوا مجالسهم وقام القواد في مراتبهم وسبق دخول أبى
القاسم دخول المتظلمين فقرأ المهتدى الكتاب قراءة ظاهرة وخلا بموسى بن بغا ثم
أمر سليمان بن وهب أن يوقع في رقعتهم بإجابتهم إلى ما سألوا فلما فعل ذلك في
فصل من الكتاب أو فصلين قال أبو القاسم يا أمير المؤمنين لا يقنعهم إلا خط
أمير المؤمنين وتوقيعه فأخذ المهتدى كتابهم فضرب على ما كان سليمان وقع في
ذلك ووقع في كل باب بإجابتهم إلى ما سألوا وبأن يفعل ذلك ثم كتب كتابا مفردا
بخطه وختمه بخاتمه ودفعه إلى أبى القاسم فقال أبو القاسم لموسى وبايكباك ومحمد
ابن بغا وجهوا إليهم معي رسلا يعتذرون إليهم مما بلغهم عنكم فوجه كل واحد
منهم رجلا وصار أبو القاسم إليهم وهم في مواضعهم وقد صاروا زهاء ألف فارس
وثلاثة آلاف راجل وذلك في وقت الظهر من يوم الخميس لخمس ليال خلون من صفر
من هذه السنة فأقرأهم من أمير المؤمنين السلام وقال لهم إن أمير المؤمنين قد
أجابكم إلى كل ما سألتم فادعوا الله لأمير المؤمنين ثم دفع كتابهم إلى كاتبهم فقرأه
عليهم بما فيه من التوقيعات ثم قرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين فإذا فيه بسم الله
الرحمن الرحيم الحمد لله وحده وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم أرشدكم الله
وحاطكم وأمتع بكم وأصلح أموركم وأمور المسلمين بكم وعلى أيديكم فهمت كتابكم
وقرأته على رؤسائكم فذكروا مثل الذي ذكرتم وسألوا مثل الذي سألتم وقد
أجبتكم إلى جميع ما سألتم محبة لصلاحكم وألفتكم واجتماع كلمتكم وقد أمرت
بتقرير أرزاقكم وأن تصير دارة عليكم فليست لكم حاجة إلى حركة فطيبوا
574

نفسا والسلام أرشدكم الله وحاطكم وأمتع بكم وأصلح أموركم وأمور المسلمين
بكم وعلى أيديكم فلما فرغ القارئ من الكتاب قال لهم أبو القاسم وهؤلاء رسل
رؤسائكم يعتذرون إليكم من شئ إن كان بلغكم عنهم وهم يقولون إنما أنتم
إخوة وأنتم منا والينا وتكلم الرسل بمثل ذلك فتكلموا أيضا كلاما كثيرا ثم كتبوا
كتابا يعتذرون فيه بمثل العذر الأول إلى أمير المؤمنين وذكروا فيه خصالا مما
ذكروه في الكتاب الذي قبله ووصفوا أنه لا يقنعهم إلا أن ينفذ إليهم خمس
توقيعات توقيعا بحط الزيادات وتوقيعا برد الاقطاعات وتوقيعا بإخراج الموالى
البوابين من الخاصة إلى عداد البرانيين وتوقيعا برد الرسوم إلى ما كانت عليه
أيام المستعين وتوقيعا برد التلاجئ حتى يدفعوها إلى رجل يضمون إليه خمسين
رجلا من أهل الدور وخمسين رجلا من أهل سامرا ينتجزون من الدواوين ثم
يصير أمير المؤمنين الجيش إلى أحد إخوته أو غيرهم ممن يرى ليسفر بينه وبينهم
بأمورهم ولا يكون رجلا من الموالى وأن يؤمر صالح بن وصيف فيحاسب هو
وموسى بن بغا على ما عندهم من الأموال وأنه لا يرضيهم دون ما سألوا في كتبهم
كلها مع تعجيل العطاء وإدرار أرزاقهم عليهم في كل شهرين وأنهم قد كتبوا إلى
أهل سامرا والمغاربة في موافاتهم وأنهم صائرون إلى باب أمير المؤمنين لينجز
ذلك لهم ودفعوا الكتاب إلى أبى القاسم أخي أمير المؤمنين وكتبوا كتابا آخر إلى
موسى بن بغا وبايكباك ومحمد بن بغا ومفلح وياجور وبكالبا وغيرهم من القواد
الذين ذكروا أنهم كتبوا كتابا ذكروا فيه أنهم قد كتبوا إلى أمير المؤمنين بما
كتبوا وان أمير المؤمنين لا يمنعهم ما سألوا إلا أن يعترضوا عليه وأنهم إن فعلوا
ذلك وخالفوهم لم يوافقوهم على شئ وان أمير المؤمنين إن شاكته شوكة أو أخذ
من رأسه شعرة أخذوا رؤسهم جميعا وأنهم ليس يقنعهم إلا أن يظهر صالح بن
وصيف حتى يجمع بينه وبين موسى بن بغا حتى ينظر أين موضع الأموال فان
صالحا قد كان وعدهم قبل استتاره أن يعطيهم أرزاق ستة أشهر ثم دفعوا هذا
الكتاب إلى رسول موسى ووجهوا مع أبي القاسم عدة نفر منهم ليوصلوا إلى
575

أمير المؤمنين كتابهم وليستمعوا كلامه. فلما رجع أبو القاسم وجه موسى زهاء
خمسمائة فارس فوقفوا على باب الحير بين الجوسق والكرخ فمال إليهم أبو القاسم
ورسل القوم ورسل أنفسهم فدفع رسول موسى إلى موسى كتاب القوم إليه وإلى
أصحابه وفى الجماعة سليمان بن وهب وولده وأحمد بن محمد بن ثوابة وغيرهم من
الكتاب فلما قرأ الكتاب عليهم أعلمهم أبو القاسم ان معه كتابا من القوم
إلى أمير المؤمنين ولم يدفعه إليهم فركبوا جميعا وانصرفوا إلى المهتدى فوجدوه
في الشمس قاعدا على لبد قد صلى المكتوبة وكسر جميع ما كان في القصر من الملاهي
وآلاتها وآلات اللعب والهزل فدخلوا فأوصلوا إليه الكتب وخلوا مليا ثم أمر
المهتدى سليمان بن وهب بإنشاء الكتب على ما سألوا في خمس رقاع فأنفذها المهتدى
في درج كتاب منه بخطه ودفعه إلى أخيه وكتب القواد إليهم جواب كتابهم ودفعوه
إلى صاحب موسى فصار إليهم أبو القاسم في وقت المغرب فأقرأهم من المهتدى
السلام وقرأ عليهم كتابه فإذا فيه (بسم الله الرحمن الرحيم) وفقنا الله وإياكم
لطاعته وما يرضيه فهمت كتابكم حاطكم الله وقد أنفذت إليكم التوقيعات الخمس على
ما سألتم فوكلوا من يتنجزها من الدواوين إن شاء الله وأما ما سألتم من تصيير أمركم
إلى أحد إخوتي ليوصل إلى أخباركم ويؤدى إلى حوائجكم فوالله انى لأحب أن
أتفقد ذلك بنفسي وأن أطلع على كل أمركم وما فيه مصلحتكم وأنا مختار لكم الرجل
الذي سألتم من إخوتي أو غيرهم إن شاء الله فاكتبوا إلى بحوائجكم وما تعلمون
أن فيه صلاحكم فانى صائر من ذلك إلى ما تحبون إن شاء الله وفقنا الله وإياكم لطاعته
وما يرضيه وأوصل إليهم رسول موسى كتاب موسى وأصحابه فإذا فيه (بسم الله الرحمن
الرحيم) أبقاكم الله وحفظكم وأتم نعمته عليكم فهمنا كتابكم وانما أنتم اخواننا وبنو
عمنا ونحن صائرون إلى ما تحبون وقد أمر أمير المؤمنين أعزه الله في كل ما سألتم بما تحبون
وأنفذ التوقيعات به إليكم وأما ما ذكرتم من أمر صالح مولى أمير المؤمنين وتغيرنا له فهو
الأخ وابن العم وما أردنا من ذلك ما تكرهون فان وعدكم أن يعطيكم أرزاق ستة أشهر فقد
رفعنا إلى أمير المؤمنين رقاعا نسأله مثل الذي سألتم وأما ما قلتم من ترك الاعتراض على
576

أمير المؤمنين وتفويض الامر إليه فنحن سامعون مطيعون لأمير المؤمنين والأمور
مفوضة إلى الله وهو مولانا ونحن عبيده وما نعترض عليه في شئ من الأمور
أصلا وأما ما ذكرتم أنا نريد بأمير المؤمنين سوءا فمن أراد ذلك فجعل الله دائرة
السوء عليه وأخزاه في دنياه وآخرته أبقاكم الله وحفظكم وأتم نعمته عليكم
فلما قرأ الكتابات عليهم قالوا لأبي القاسم هذا المساء قد أقبل ننظر في أمرنا
الليلة ونعود بالغداة لنعرفك رأينا فافترقوا وانصرف أبو القاسم إلى أمير المؤمنين
ثم أصبح القوم من غداة يوم الجمعة فلما كان في آخر الساعة الأولى ركب موسى
ابن بغا من دار أمير المؤمنين وركب الناس معه وهم قدر ألف وخمسمائة رجل
حتى خرج من باب الحير الذي يلي القطائع من الجوسق والكرخ فعسكر هناك
وخرج أبو القاسم أخو المهتدى ومعه الكرخي حتى صار إلى القوم وهم زهاء
خمسمائة فارس وثلاثة آلاف راجل وقد كان أبو القاسم انصرف في الليل ومعه
التوقيعات فلما صار بينهم أخرج كتابا من المهتدى نسخته شبيه بالكتاب الذي في
درجه التوقيعات فلما قرأ الكتاب ضجوا واختلفت أقاويلهم وكثر من يلحق
بهم من رجالة الموالى من ناحية سامرا في الحير فلم يزل أبو القاسم ينتظر أن ينصرف
من عندهم بجواب يحصله يؤديه إلى أمير المؤمنين فلم يتهيأ ذلك إلى الساعة الرابعة
وانصرفوا فطائفة يقولون نريد ان يعز الله أمير المؤمنين ويوفر علينا أرزاقنا فإنا
قد هلكنا بتأخيرها عنا وطائفة يقولون لا نرضى حتى يولى علينا أمير المؤمنين
إخوته فيكون واحد بالكرخ وآخر بالدور وآخر بسامرا ولا نريد أحدا من
الموالى يكون علينا رأسا وطائفة تقول نريد أن يظهر صالح بن وصيف وهى الأقل
فلما طال الكلام بهذا منهم انصرف أبو القاسم إلى المهتدى بجملة من الخبر وبدأ
بموسى في الموضع الذي هو معسكر فيه فانصرف بانصرافه فلما صلى المهتدى الجمعة
صير الجيش إلى محمد بن بغا وأمره بالمصير إلى القوم مع أخيه أبى القاسم فركب
معه محمد بن بغا في زهاء خمسمائة فارس ورجع موسى إلى الموضع الذي كان فيه
بالغداة ومضى أبو القاسم ومحمد بن بغا حتى خالطا القوم وأحاط الجميع به فقال
(؟ 37 - 7)
577

أبو القاسم لهم إن أمير المؤمنين يقول قد أخرجت التوقيعات لكم بجميع ما سألتم
ولم يبق لكم مما تحبون شئ إلا وأمير المؤمنين يبلغ فيه الغاية وهذا أمان لصالح
ابن وصيف بالظهور وقرأ عليهم أمانا لصالح بأن موسى وبايكباك سألا أمير
المؤمنين أعزه الله ذلك فأجابهما إليه وأكده بغاية التأكيد ثم قال فعلام اجتماعكم
فأكثروا الكلام فكان الذي حصله عند انصرافه أن قالوا نريد أن يكون موسى
في مرتبة بغا الكبير وصالح في مرتبة وصيف أيام بغا وبايكباك في مرتبته الأولى
ويكون الجيش في يد من هو في يده إلى أن يظهر صالح بن وصيف فيوضع لهم
العطاء وتتنجز لهم الأرزاق بما في التوقيعات قالوا نعم فانصرف القوم فلما صاروا
على قدر خمسمائة ذراع اختلفوا فقال قوم قد رضينا وقال قوم لم نرض وانصرف
رسل المهتدى إلى أن القوم قد تفرقوا وهم على أن ينصرفوا فانصرف عند ذلك
وتفرق الناس إلى مواضعهم من الكرخ والدور وسامرا فلما كان غداة يوم
السبت ركب ولد وصيف وجماعة من مواليهم وغلمانهم وتنادى الناس السلاح
وانتهب دواب العامة الرجالة رجالة أصحاب صالح بن وصيف ومضوا فعسكروا
بسامرا في طرف وادى إسحاق بن إبراهيم عند مسجد لجين أم ولد المتوكل وركب
أبو القاسم عند ذلك يريد دار المهتدى فمر بهم في طريقه فتعلقوا به وبمن كان
معه من حشمه وغلمانه فقالوا له تؤدى إلى أمير المؤمنين عنا رسالة فقال لهم قولوا
فخلطوا ولم يتحصل من قولهم شيئا الا أنا نريد صالحا فمضى حتى أدى إلى أمير
المؤمنين ذلك والى موسى وجماعة القواد حضور * فذكر عن من حضر المجلس
أن موسى بن بغا قال يطلبون صالحا منى كأني أنا أخفيته وهو عندي فإن كان
عندهم فينبغي لهم أن يظهروه وتأكد عندهم الخبر باجتماع القوم وتحلب الناس
إليهم وتهايجوا من دار أمير المؤمنين فركبوا في السلاح وأخذوا في الحير حتى
اجتمعوا ما بين الدكة وظهر المسجد الجامع فاتصل الخبر بالأتراك ومن كان ضوي
إليهم فانصرفوا ركضا وعدوا لا يلوى فارس على راجل ولا كبير على صغير
حتى دخلوا ألد؟ وب والأزقة ولحقوا بمنازلهم وزحف موسى وأصحابه جميعا فان
578

يبق بسامرا قائد؟ كب إلى دار أمير المؤمنين الا ركب معه ولزموا الحير حتى
خرجوا مما يلي الحائطين ثم خرجوا فأما مفلح وواجن ومن انضم إليهما فسلكوا
شارع بغداد حتى بلغوا سوق الغتم ثم عطفوا إلى شارع أبى أحمد حتى لحقوا بجيش
موسى وأما موسى وجماعة القواد الذين كانوا معه مثل ياجور وساتكين ويارجوخ
وعيسى الكرخي فإنهم سلكوا على سمت شارع أبى أحمد حتى صاروا إلى الوادي
وانصرفوا إلى الجوسق فكان تقدير الجيش الذين كانوا مع موسى في هذا اليوم
وهو يوم السبت أربعة آلاف فارس في السلاح والقسي الموترة والدروع
والجواشن والرماح والطبرزينات وكان أكثر القواد الذين كانوا بالكرخ يطلبون
صالحا مع موسى في هذا الجيش يريدون محاربة من يطلب صالحا (وقد ذكر)
عن بعض من تخبر أمرهم أن أكثر من كان راكبا مع موسى كان هواه مع صالح
ولم يكن للكرخيين والدوريين في هذا اليوم حركة فلما وصل القوم إلى الجوسق
كان أول ما ظهر منهم النداء بأن من لم يحضر دار أمير المؤمنين في غداة يوم الأحد
من قواد صالح وأهله وغلمانه وأصحابه أسقط اسمه وخرب منزله وضرب وقيد وحدر
إلى المطبق ومن وجد بعد ثالثة من هذه الطبقة ظاهرا بعد استتار فقد حل به مثل ذلك
ومن أخذ دابة لعامي أو تعرض له في طريق فقد حلت به العقوبة الموجعة وبات الناس
ليلة الأحد لثمان خلون من صفر على ذلك فلما كان غداة يوم الاثنين انتهى إلى
المهتدى أن مساورا الشاري صار إلى بلد فقتل بها وحرق فنادى في مجلسه بالنفير
وأمر موسى ومفلحا وبايكباك بالخروج وأخرج موسى مضاربه فلما كان يوم
الأربعاء لاحدى عشرة مضت من صفر بطل أمر موسى ومحمد بن بغا ومفلح في
الخروج وقالوا لا يبرح أحد منا حتى ينقطع أمرنا وأمر صالح وهم مجمعون على
ذلك يخافون من صالح أن يخلفهم بمكروه * وذكر عن بعض الموالى أنه قال رأيت
بعض بنى وصيف وهو الذي كان جمع تلك الجموع يلعب مع موسى وبايكباك
بالصوالجة في ميدان بغا الصغير يوم الأربعاء لاحدى عشرة ليلة خلت من
صفر ثم جد هؤلاء في طلب صالح بن وصيف فهجم بسببه على جماعة ممن كان
579

متصلا به قبل ذلك وممن اتهموه أنه آواه منهم إبراهيم بن سعدان النحوي وإبراهيم
الطالبي وهارون بن عبد الرحمن بن الأزهر الشيعي وأبو الأحوص بن أحمد بن
سعيد بن سلم بن قتيبة وأبو بكر ختن أبى حرملة الحجام وشارية المغنية والسرخسي
صاحب الشرطة الخاصة وجماعة غيرهم * فذكر عن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن
مصعب بن زريق قال حدثني صاحب ربع القبة وهو ربع تلقاء دار صالح بن وصيف
قال بينا نحن قعود يوم الأحد إذا غلام قد خرج من زقاق وأراه مذعورا
فأنكرناه فأردنا مسألته عن شأنه ففاتنا فلم نلبث أن أقبل عيار من موالى صالح
ابن وصيف يعرف بروزبه ومعه ثلاثة نفر أو أربعة فدخلوا الزقاق فأنكرناهم
فلم يلبثوا ان خرجوا وأخرجوا صالح بن وصيف فسألنا عن الخبر فإذا الغلام
قد دخل دارا في الزقاق يطلب ماء ليشربه قال فسمع قائلا يقول بالفارسية أيها
الأمير تنح فان غلاما قد جاء يطلب ماء فسمع الغلام ذلك وكان بينه وبين هذا
العيار معرفة فجاء فأخبر فجمع العيار ثلاثة أناسي وهجم عليه فأخرجه * وذكر
عن العيار الذي هجم عليه أنه قال قال لي الغلام ما قال فأقبلت ومعي ثلاثة نفر
فإذا بصالح بن وصيف بيده مرآة ومشط وهو يسرح لحيته فلما رآني بادر فدخل
بيتا فخفت أن يكون قصد لاخذ سيف أو سلاح فتلومت ثم نظرت إليه فإذا هو
قد لجأ إلى زاوية فدخلت إليه فاستخرجته فلم يزدني على التضرع شيئا قال فلما
تضرع إلى قلت ليس إلى تركك سبيل ولكني أمر بك على أبواب إخوتك
وأصحابك وقوادك وصنائعك فان اعترض لي منهم اثنان أطلقتك في أيديهم قال
فأخرجته فما لقيت إلا من هو عوني على مكروهه * فذكر أنه لما أخذ مضى
به نحو ميلين ليس معه إلا أقل من خمسة نفر من أصحاب السلطان * وذكر أنه
أخذ حين أخذ وعليه قميص ومبطنة ملحم وسراويل وليس على رأسه شئ وهو
حاف (وقيل) إنه حمل على برذون صنابى والعامة تعدو خلفه وخمسة من الخاصة
يمنعون منه حتى انتهوا به إلى دار موسى بن بغا فلما صاروا به إلى دار موسى
ابن بغا أتاه بايكباك ومفلح وياجور وساتكين وغيرهم من القواد ثم أخرجوه
580

من باب الحير الذي يلي قبلة المسجد الجامع ليذهبوا به إلى الجوسق وهو على
بغل بإكاف فلما صاروا به إلى حد المنارة ضربه رجل من أصحاب مفلح ضربة
من ورائه على عاتقه كاد يقذه منه ثم احتزوا رأسه وتركوا جيفته هناك وصاروا
به إلى دار المهتدى فوافوا به قبيل المغرب وهو في بركة قباء رجل من غلمان
مفلح يقطر دما فوصلوا به إليه وقد قام لصلاة المغرب فلم يره فأخرجوه ليصلح
فلما قضى المهتدى صلاته وخبروه أنهم قتلوا صالحا وجاؤا برأسه لم يزدهم على
أن قال واروه وأخذ في تسبيحه ووصل الخبر إلى منزله فارتفعت الواعية
وباتوا ليلتهم فلما كان يوم الاثنين لسبع بقين من صفر حمل رأس صالح بن
وصيف على قناة وطيف به ونودي عليه هذا جزاء من قتل مولاه ونصب
بباب العامة ساعة ثم نحى وفعل به ذلك ثلاثة أيام تتابعا وأخرج رأس بغا
الصغير في وقت صلب رأس صالح يوم الاثنين فدفع إلى أهله ليدفنوه * فذكر
عن بعض الموالى أنه قال رأيت مفلحا وقد نظر إلى رأس بغا فبكى وقال قتلني
الله ان لم أقتل قاتلك فلما كان يوم الخميس لأربع بقين من صفر وجه موسى
بالرأس إلى أم الفضل ابنة وصيف وهى امرأة النوشري وكانت قبله عند
سلمة بن خاقان. يذكر عن بعض بني هاشم أنه قال هنأت موسى بن بغا بقتل صالح فقال كان عدو أمير المؤمنين استحق القتل قال وهنأت بايكباك
بذلك فقال مالي أنا وهذا إنما كان صالح أخي فقال السلولي لموسى إذ قتل
صالح بن وصيف
ونلت وترك من فرعون حين طغى * وجئت إذ جئت يا موسى على قدر
ثلاثة كلهم باغ أخو حسد * يرميك بالظلم والعدوان عن وتر
وصيف بالكرخ ممثول به وبغا * بالجسر محترق بالجمر والشرر
وصالح بن وصيف بعد منعفر * في الحير جيفته والروح في سقر
(وفى مستهل) جمادى الأولى من هذه السنة رحل موسى بن بغا وبايكباك
إلى مساور وشيعهم محمد بن الواثق (وفى جمادى) الأولى أيضا منها التقى مساور
581

ابن عبد الحميد وعبيدة العمروسي الشاري بالكحيل وكانا مختلفي الآراء فظفر
مساور بعبيدة فقتله. وفى هذا الشهر من هذه السنة التقى مساور الشاري ومفلح
فحدثت عن مساور أنه انصرف من الكحيل بعد قتله العمروسي وقد كلم كثير
من أصحابه فلم يندمل كلومهم ولغبوا من الحرب التي كانت جرت بين الفريقين
إلى عسكر موسى ومن ضمه ذلك العسكر وهم حامون فأوقع بهم فلما لم يصل إلى
ما أراد منهم من الظفر بهم وكان التقاؤهم بجبل زيني تعلق هو وأصحابه بالجبل
فصاروا إلى ذروته ثم أوقدوا النيران وركزوا رماحهم وعسكر موسى بسفح
الجبل ثم هبط مساور وأصحابه من الجبل من غير الوجه الذي عسكر به موسى
فمضى وموسى وأصحابه يحسبون أنهم فوق الجبل ففاتوهم (وفى رجب) من هذه
السنة لأربع عشرة ليلة خلت منه خلع المهتدى وتوفى يوم الخميس لاثنتي عشرة
ليلة بقيت من رجب
* ذكر الخبر عن سبب خلعه ووفاته *
ذكر أن ساكني الكرخ بسامرا والدور تحركوا لليلتين خلتا من رجب من هذه
السنة يطلبون أرزاقهم فوجه إليهم المهتدى طبايغو الرئيس عليهم وعبد الله
أخا المهتدى فكلمهم فلم يقبلوا منهما وقالوا نحن نريد أن نكلم أمير المؤمنين مشافهة
وخرج أبو نصر بن بغا تحت ليلته إلى عسكر أخيه وهو بالسن بالقرب من
الشاري ودخل دار الجوسق جماعة منهم وذلك يوم الأربعاء فكلمهم المهتدى
بكلام كثير وقطع العطاء عن الناس يوم الأربعاء والخميس والناس متوقفون
حتى يعرفوا ما يصنع موسى بن بغا وكان موسى وضع العطاء في عسكره لشهر
وكان على مناجزة الشاري إذ استوى أصحابه فوقع الاختلاف ومضى موسى
يريد طريق خراسان واختلف في سبب الاختلاف الذي جرى فصار من أجله
موسى إلى طريق خراسان والسبب الذي من أجله خرج المهتدى لحرب من
حاربه من الأتراك فقال بعضهم كان السبب الذي من أجله تنحى موسى عن وجه
الشاري وترك حربه وصار إلى طريق خراسان أن المهتدى واستمال بايكباك وهو
582

مع موسى مقيم في وجه الشاري مساور وكتب إليه يأمره ان يضم العسكر الذي مع
موسى إلى نفسه وأن يكون هو الأمير عليهم وأن يقتل موسى بن بغا ومفلحا أو
يحملهما إليه مقيدين فلما وصل الكتاب إلى بايكباك أخذه ومضى به إلى موسى
ابن بغا فقال إني لست أفرح بهذا وإنما هذا تدبير علينا جميعا وإذا فعل بك اليوم
شئ فعل بي غدا مثله فما ترى قال أرى أن تصير إلى سامرا فتخبره أنك في طاعته
وناصره على موسى ومفلح فإنه يطمئن إليك ثم ندبر في قتله فقدم بايكباك
فدخل على المهتدى وقد مضوا إلى منازلهم كما قدموا من عند الشاري فأظهر له
المهتدى الغضب وقال تركت العسكر وقد أمرتك أن تقتل موسى ومفلحا وداهنت
في أمرهما قال يا أمير المؤمنين وكيف لي بهما وكيف يتهيأ لي قتلهما وهما أعظم
جيشا منى وأعز منى ولقد جرى بيني وبين مفلح شئ في بعض الامر فما انتصفت
منه ولكني قد قدمت بجيشي وأصحابي ومن أطاعني لأنصرك عليهما وأقوى أمرك
وقد بقى موسى في أقل العدد قال ضع سلاحك وأمر بادخاله دارا فقال يا أمير المؤمنين
ليس هذا سبيل مثلي إذا قدم من مثل هذا الوجه حتى أصير إلى منزلي وآمر أصحابي
وأهلي بأمري قال ليس إلى ذلك سبيل أحتاج إلى مناظرتك فأخذ سلاحه فلما أبطأ
خبره على أصحابه سعى فيهم أحمد بن خاقان حاجب بايكباك فقال اطلبوا صاحبكم
قبل أن يحدث به حدث فجاشت الترك وأحاطوا بالجوسق فلما رأى ذلك المهتدى
وعنده صالح بن علي بن يعقوب بن أبي جعفر المنصور شاوره وقال ما ترى قال
يا أمير المؤمنين إنه لم يبلغ أحد من آبائك ما بلغته من الشجاعة والاقدام وقد
كان أبو مسلم أعظم شأنا عند أهل خراسان من هذا التركي عند أصحابه فما كان الا
أن طرح رأسه إليهم حتى سكنوا وقد كان فيهم من يعبده ويتخذه ربا فلو فعلت مثل
ذلك سكنوا فأنت أشد من المنصور إقداما وأشجع قلبا فأمر المهتدى الكرخي واسمه
محمد بن المباشر وكان حدادا بالكرخ يطرق المسامير فانقطع إلى المهتدى ببغداد فوثق
به ولزمه فأمره بضرب عنق بايكباك فضرب عنقه والأتراك مصطفون في الجوسق
في السلاح يطلبون بايكباك فأمر المهتدى عتاب بن عتاب القائد أن يرميهم برأسه
583

فأخذ عتاب الرأس فرمى به ليهم فتأخروا وجاشوا ثم شد رجل منهم على عتاب
فقتله فوجه المهتدى إلى الفراغنة والمغاربة والأوكشية والأشروسنية والأتراك
الذين كانوا بايعوا على الدرهمين والسويق فجاءوا فكانت بينهم قتلى كثيرة كثر
فيها الناس فقيل قتل من الأتراك الذين قاتلوا نحو من أربعة آلاف وقيل ألفان
وقيل ألف وذلك يوم السبت لثلاث عشرة خلت من رجب من هذه السنة ثم
تتام القوم يوم الأحد فاجتمع جميع الأتراك فصار أمرهم واحدا فجاء منهم زهاء
عشرة آلاف رجل وجاء طوغتيا أخو بايكباك وأحمد بن خاقان حاجب بايكباك
في نحو من خمسمائة مع من جاء مع طغوتيا من الأتراك والعجم وخرج المهتدى
ومعه صالح بن علي والمصحف في عنقه يدعو الناس إلى أن ينصروا خليفتهم فلما
التحم الشر مال الأتراك الذين مع المهتدى إلى أصحابهم الذين مع أخي بايكباك وبقى
المهتدى في الفراغنة والمغاربة ومن خف معه من العامة فحمل عليهم طغوتيا أخو
بايكباك حملة ثائر حران موتور فنقض تعبيتهم وهزمهم وأكثر فيهم القتل
وولوا منهزمين ومضى المهتدى يركض منهزما والسيف في يده مشهور وهو
ينادى يا معشر الناس انصروا خليفتكم حتى صار إلى دار أبى صالح عبد الله بن محمد
ابن يزداد وهو بعد خشبة بابك وفيها أحمد بن جميل صاحب المعونة فدخلها ووضع
سلاحه ولبس البياض ليعلو دارا وينزل أخرى ويهرب فطلب فلم يوجد وجاء
أحمد بن خاقان في ثلاثين فارسا يسأل عنه حتى وقف على خبره في دار ابن جميل
فبادرهم ليصعد فرمى بسهم وبعج بالسيف ثم حمله أحمد بن خاقان على دابة أو بغل
وأردف خلفه سائسا حتى صار به إلى داره فدخلوا عليه فجعلوا يصفعونه ويبزقون
في وجهه وسألوه عن ثمن ما باع من المتاع والخرثي فأقر لهم بستمائة ألف قد أودعها
الكرخي الناس ببغداد وأصابوا عنده خسف الواضحة معنية فأخذوا رقعته
بستمائة ألف دينار ودفعوه إلى رجل فوطئ على خصييه حتى قتله (وقال؟
بعضهم) كان السبب وأول الخلاف أن اللاحقين من أولاد الأتراك
اجتمعوا وقالوا لا نرضى أن يكون علينا رئيس غير أمير المؤمنين وكتبوا
584

إلى موسى بن بغا وبايكباك وهما في وجه الشاري فوافى موسى في رجاله حتى
صار إلى قنطرة في ناحية الوزيرية يوم الجمعة وعسكر المهتدى في الحير وقرب
منهم ثم خرج إلى الجوسق وعليه السلاح فلما كان يوم السبت لثلاث
عشرة خلت من رجب دخل بايكباك طائعا ومضى موسى إلى ناحية طريق
خراسان في نحو من ألفى رجل وجاء المهتدى رجل من الموالى فقال له إن بايكباك
قد وعد موسى أن يفتك بك في الجوسق فأخذ المهتدى بايكباك وأمر بنزع
سلاحه وحبسه فحبس يوم السبت إلى وقت العصر ثم خرج أهل الكرخ وأهل
الدور يطلبونه وانصرفوا وبكروا يوم الأحد فلم يتخلف منهم أحد إلا حضر
راكبا وراجلا في السلاح فلما صاروا إلى الجوسق صلى المهتدى الظهر وخرج
إليهم في الفراغنة والمغاربة فتطارد لهم الأتراك فحملوا عليهم فلما تبعوهم خرج كمين
لهم فقتل من الفراغنة والمغاربة جماعة كبيرة وهرب المهتدى ومر على باب أبى
الوزير وغلام له يصيح يا معشر الناس هذا خليفتكم وتراكض الأتراك خلفه
فدخل دار أحمد بن جميل وتسلق المهتدى من دار إلى دار وأحدق الأتراك بتلك
الناحية كلها فأخرجوه من دار غلام لعبد الله بن عمر البازيار وحملوه وبه طعنة في
خاصرته على برذون أعجف في قميص وسراويل وانتهبوا دار الكرخي ودور بنى
ثوابة وجماعة من الناس فلما كان يوم الاثنين حمل أحمد بن المتوكل المعروف بابن
فتيان إلى دار يارجوخ والأتراك يدورون في الشوارع ويحمدون العامة إذ لم
يتعرضوا لهم (وقال آخرون) بل كان السبب في ذلك أن أهل دور سامرا والكرخ
تحركوا في يوم الاثنين لليلة خلت من رجب من هذه السنة واجتمعوا بالكرخ
وفوقها فوجه المهتدى إليهم كيغلغ وطبايغوا بن صول ارتكين وعبد الله أخا
نفسه فلم يزالوا بهم حتى سكنوا ورجعوا إلى الدار وبلغ أبا نصر محمد بن بغا الكبير
أن المهتدى قد تكلم فيه وفى أخيه موسى وقال للموالي إن الأموال عندهم
فتخوفه واياهم فهرب في ليلة الأربعاء لثلاث خلون من رجب فكتب إليه المهتدى
أربعة كتب يعطيه فيها الأمان على نفسه ومن معه ووصل كتابان إليه وهو بالمحمدية
585

مع ابرتكين بن برنمكاتكين ووصل الآخران إليه مع فرج الصغير فوثق بذلك
فرجع حتى دخل الدار هو وأخوه حبشون وبكالبا فحبسوا وحبس معهم كيغلغ
فأفرد أبو نصر عنهم فطلب منه المال فقبض من وكيله خمسة عشر ألف دينار وقتل
يوم الثلاثاء لثلاث خلون من رجب ورمى به في بئر من آبار القناة وأخرج من
البئر يوم الاثنين للنصف من رجب ومضى به إلى منزله وقد أراح فاشترى له
ثلثمائة مثقال مسك وستمائة مثقال كافور وصير عليه فلم ينقطع الرائحة وصلى عليه
الحسن بن المأمون وكتب المهتدى إلى موسى بن بغا عند حبسه أبا نصر يأمره
بتسليم العسكر إلى بايكباك والاقبال إلى سامرا في مواليه وكتب إلى بايكباك في
تسلم العسكر والقيام بقتال الشاري فصار بايكباك بالكتاب إلى موسى فقرأه
فاجتمعوا على الانصراف إلى سامرا وبلغ المهتدى ذلك وأنهم على خلافه فجمع
الموالى فحضهم على الطاعة وأمرهم بلزومه في الدار وترك الاخلال به وأجرى
على كل رجل من الأتراك ومن يجرى مجراهم في كل يوم درهمين وعلى كل رجل من
المغاربة درهما فاجتمع له من الفريقين وأخدانهم زهاء خمسة عشر ألف انسان
منهم من الأتراك المعروف بالكاملي في الجوسق وغيره من المقاصير وكان القيم بأمر
الدار بعد حبس كيغلغ مسرور البلخي والرئيس من القواد طبايغوا والقيم بحبس
من حبس من هؤلاء عبد الله بن تكين وبلغ موسى ومفلحا وبايكباك حبس أبى نصر
وحبشون ومن حبس فاخذوا حذرهم وجرت الرسل والكتب بينهم وبين المهتدى
يوم الخميس وخرج المهتدى يوم الخميس لاحدى عشرة ليلة خلت من رجب بجمعه
متوقعا ورود القوم عليه فلم يأت أحد فلما كان يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خلت
من رجب صح الخبر بأن موسى قد عرج عن طريق سامراء إلى ناحية الجبل مع
مفلح ودخل يوم السبت بايكباك ويارجوخ واساتكين وعلي بن بارس وسيما
الطويل وخطارمش إلى الدار فحبس بايكباك وأحمد بن خا؟ ن خليفته وصرف
الباقون فاجتمع أصحاب بايكباك وغيره من الأتراك وقالوا لم يحبس قائدنا ولم
قتل أبو نصر فخرج إليهم المهتدى يوم السبت ولم يكن بينهم حرب فرجع وخرج
586

يوم الأحد وقد اجتمعوا له وجمع هو المغاربة والأتراك البرانيين والفراغنة فصير
على الميمنة مسرور البلخي وعلى الميسرة يارجوخ والمهتدى في القلب مع اساتكين
وطبايغوا وغيرهما من القواد فلما حميت الشمس قرب القوم بعضهم من بعض
وهاجت الحرب وطلبوا بايكباك فرمى إليهم المهتدى برأسه وكان عتاب بن عتاب
أخرجه من بركة قبائه فلما رأوه شد أخوه طغوتيا في جماعة من خاصته على جمع
المهتدى وعطفت الميمنة والميسرة من عسكر المهتدى فصاروا معهم وانهزم الباقون
عن المهتدى وقتل جماعة من الفريقين * فذكر عن حبشون بن بغا أنه قال قتل
سبعمائة وثمانون إنسانا وتفرق الناس ودخل المهتدى الدار فأغلق الباب الذي
دخل منه وخرج من باب المصاف حتى خرج من الباب المعروف بايتاخ ثم إلى
سويقة مسرور ثم درب الواثق حتى خرج إلى باب العامة وهو ينادى يا معشر
الناس أنا أمير المؤمنين قاتلوا عن خليفتكم فلم تجبه العامة إلى ذلك وهو يمر في
الشارع وينادى فلم يرهم ينصرونه فصار إلى باب السجن فأطلق من فيه وهو يظن
أنهم يعينونه فلم يكن منهم إلا الهرب ولم يجبه أحد فلما لم يجيبوه صار إلى دار أبى
صالح عبد الله بن محمد بن يزداد وفيها أحمد بن جميل صاحب الشرطة نازل فدخل
عليه فأخرج من ناحية ديوان الضياع ثم صير به إلى الجوسق فحبس فيه عند أحمد
ابن خاقان وانتهب دار أحمد بن جميل وكان ممن قتل في المعركة من قواد المغاربة
نصر بن أحمد الزبيري ومن قواد الشاكرية عتاب بن عتاب حين جاء برأس
بايكباك إليهم وقتل المهتدى فيما قيل في الوقعة عدة كثيرة بيده ثم جرى
بينهم وبينه بعد أن حبس كلام شديد وأرادوه على الخلع فأبى واستسلم
للقتل فقالوا إنه كان كتب رقعة بيده لموسى بن بغا وبايكباك وجماعة من
القواد أنه لا يغدر بهم ولا يغتالهم ولا يفتك بهم ولا يهم بذلك وانه متى فعل
ذلك بهم أو بأحد منهم ووقفوا عليه فهم في حل من بيعته والامر إليهم يقعدون من
شاءوا فاستحلوا بذلك نقض أمره وقد كان يارجوخ بعد انهزام الناس صار إلى الدار
فأخرج من ولد المتوكل جماعة فصار بهم إلى داره فبايعوا أحمد بن المتوكل
587

المعروف بابن فتيان يوم الثلاثاء لثلاث عشرة خلت من رجب وسمى المعتمد
على الله وأشهد يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقيت من رجب على وفاة المهتدى محمد
ابن الواثق وأنه سليم به الا الجراحتان اللتان نالتاه يوم الأحد في الوقعة
إحداهما من سهم والاخرى من ضربة وصلى عليه جعفر بن عبد الواحد وعدة
من اخوة أمير المؤمنين ودفن في مقبرة المنتصر ودخل موسى بن بغا ومفلح سامرا
يوم السبت لعشر بقين من رجب فسلم على المعتمد فخلع عليه وصار إلى منزله
وسكن الناس (وقال بعضهم) وذكر أنه كان شاهدا أمرهم لما كان ليلة الاثنين
لليلة خلت من رجب ثار أهل الكرخ والدور جميعا فاجتمعوا وكان المهتدى يوجه
إليهم إذا تحركوا أخاه عبد الله فوجه إليهم في هذا اليوم عبد الله أخاه كما كان يوجهه
فصار إليهم فوجدهم قد أقبلوا يريدون الجوسق فكلمهم وضمن لهم القيام بحوائجهم
فأبوا وقالوا لا نرجع حتى نصير إلى أمير المؤمنين ونشكوا إليه قصتنا فانصرف
منهم عبد الله وفى الدار في هذا الوقت أبو نصر محمد بن بغا وحبشون وكيغلغ
ومسرور البلخي وجماعة فلما أدى عبد الله إلى المهتدى ما دار بينه وبينهم أمره
بالرجوع إليهم وأن يأتي بجماعة منهم فيوصلهم إليه فخرج فتلقاهم قريبا من الجوسق
فأدارهم على أن يقفوا بموضعهم ويوجهوا معه جماعة منهم فأبوا فلما تناهى الخبر
إلى أبى نصر ومن كان معه في الدار بأن جمعهم قد أقبل خرجوا جميعا من الدار
مما يلي النزالة فلم يبق في الدار إلا مسرور البلخي وألطون خليفة كيغلغ ومن
الكتاب عيسى بن فرخانشاه ودخل الموالى مما يلي باب القصر الأحمر فملأوا الدار
زهاء أربعة آلاف فصاروا إلى المهتدى فشكوا إليه حالهم وكان اعتمادهم في
مسألتهم أن يعزل عنهم أمراؤهم ويضم أمورهم إلى إخوة أمير المؤمنين وأن يؤخذ
الامراء والكتاب بالخروج مما اختانوه من أموال السلطان وذكروا أن قدره
خمسون ومائة ألف ألف فوعدهم النظر في أمرهم وإجابتهم إلى ما سألوا فأقاموا
يومهم ذلك في الدار فوجه المهتدى محمد بن مباشر الكرخي فاشترى لهم الأسوقة
ومضى أبو نصر بن بغا من فوره ذلك حتى عسكر في الحير بالقرب من موضع الحلبة
588

فلحق به زهاء خمسمائة رجل ثم تفرقوا عنه في ليلتهم فلم يبق إلا في أقل من مائة
ومضى فصار إلى المحمدية وأصبح الموالى في غداة يوم الأربعاء يطالبون بما
كانوا يطالبون به أولا فقيل لهم إن هذا الامر الذي تريدونه أمر صعب واخراج
الامر عن أيدي هؤلاء الامراء ليس بسهل عليكم فكيف إذا جمع إلى ذلك أخذهم
بالأموال فانظروا في أموركم فإن كنتم تظنون أنكم تصبرون على هذا الامر
حتى يبلغ منه غايته أجابكم إليه أمير المؤمنين و؟ تكن الأخرى فان أمير المؤمنين
يحسن لكم النظر فأبوا الا ما سألوه أولا فدعوا إلى أيمان البيعة على أن يقيموا على
هذا القول ولا يرجعوا عنه أن يقاتلوا من قاتلهم فيه وينصحوا لأمير المؤمنين ويوالوه
فأجابوه إلى ذلك فأخذت عليهم أيمان البيعة فبايع في ذلك اليوم زهاء ألف رجل
وعيسى بن فرخانشاه الذي يجرى على يده الأمور ومقامه مقام الوزير ثم كتبوا
إلى أبى نصر كتابا عن أنفسهم كتبه لهم عيسى بن فرخانشاه يذكرون فيه إنكارهم
خروجه من الدار عن غير سبب وأنهم انما قصدوا أمير المؤمنين ليشكوا إليه
حاجتهم وإنهم لما وجدوا الدار فارغة أقاموا فيها وأنهم إذا عاد ردوه إلى حاله
ولم يهيجوه وكتب عيسى عن الخليفة بمثل ذلك إليه فاقبل من المحمدية بين العصر
والعشاء فدخل الدار ومعه أخوه حبشون وكيغلغ وبكالبا وجماعة منهم فقام
الموالى في وجوههم معهم السلاح وقعد المهتدى فوصل إليه أبو نصر ومن معه
فسلم عليه ودنا فقبل يد المهتدى ورجله والبساط وتأخر فخاطبه المهتدى بأن قال
له يا محمد ما عندك فيما يقول الموالى قال وما يقولون قال يذكرون أنكم احتجنتم
الأموال واستبددتم بالاعمال فما تنظرون في شئ من أمورهم ولا فيما عاد لمصلحتهم
فقال محمد يا أمير المؤمنين وما أنا والأموال ما كنت كاتب ديوان ولاجرت على يدي
أعمال فقال له فأين هي الأموال وهل هي إلا عندك وعند أخيك وكتابكم
وأصحابكم ودنا الموالى فتقدم عبد الله بن تكين وجماعة منهم فأخذوا بيد أبى نصر
وقالوا هذا عدو أمير المؤمنين يقوم بين يديه بسيف فأخذوا سيفه ودخل
غلام لأبي نصر كان حاضرا يقال له ثيتل فسل سيفه وخطا ليمنعهم من أبى نصر
589

وكانت خطوته تلى الخليفة فسبقه عبد الله بن تكين فضرب رأسه بالسيف فما بقى
في الدار أحد إلا سل سيفه وقام المهتدى فدخل بيتا كان بقربه وأخذ محمد بن بغا
فأدخل حجرة في الدار وحبس أصحابه الباقون وأراد القوم قتل الغلام فمنعهم
المهتدى وقال إن لي في هذا نظر ثم أمر فأعطى قميصا من الخزانة وأمر بغسل
رأسه من الدم وحبس فأصبح الناس يوم الأربعاء وقد كثروا والبيعة تؤخذ ثم
أمر عبد الله بن الواثق بالخروج إلى الرفيف في ألف رجل من الشاكرية والفراغنة
وغيرهم وكان ممن أمر بالخروج من قواد خراسان محمد بن يحيى الواثقي وعتاب
ابن عتاب وهارون بن عبد الرحمن بن الأزهر وإبراهيم أخو أبى عون يحيى بن
محمد بن داود وولد نصر بن شيث وعبد الرحمن بن دينار وأحمد بن فريدون
وغيرهم ثم إن عبد الله بن الواثق بلغه عن هؤلاء القواد أنهم يقولون إنه ليس بصواب
شخوصهم إلى تلك الناحية فترك الخروج إليها ثم إنهم أرادوا أن يكتبوا إلى موسى
ومفلح بالانصراف وتسليم العسكر إلى من فيه من القواد فأجمعوا على أن يكتبوا
إليهما بذلك كتابا وكتبا إلى بعض القواد في تسلم العسكر منهما وكتبا إلى الصغار بما سأل
أصحابهم بسامرا وما أجيبوا إليه وأمر بنسخ الكتب التي كتبت إلى القواد وأن ينظروا
فان سارع موسى ومفلح إلى ما أمرا به من الاقبال إلى الباب في غلمانهم وتسليم العسكر
إلى من أمرا بتسليمه إليه والا شدوهما وثاقا وحملوهما إلى الباب ووجهوا هذه
الكتب مع ثلاثين رجلا منهم فشخصوا عن سامرا ليلة الجمعة لخمس خلون من رجب
من هذه السنة وأجرى على من أخذت عليه البيعة في الدار على كل رجل منهم
في اليوم درهمان فكان المتولي لتفرقة ذلك عليهم عبد الله بن تكين وهو خال
ولد كنجور ولما تناهى الخبر إلى موسى وأصحابه اتهم كنجور وأمر بحبسه بعد
أن ناله بالضرب وموسى حينئذ بالسن ولما انتهى الخبر إلى بايكباك وهو بالحديثة
أقبل إلى السن فاستخرج كنجور من الحبس واجتمع العسكر بالسن ووصل إليهم
الرسل وأوصلوا الكتب وقرأوا بعضها على أهل العسكر وأخذوا عليهم البيعة
بالنصرة لهم فارتحلوا حتى نزلوا قنطرة الرفيف يوم الخميس لاحدى عشرة ليلة
590

خلت من رجب وخرج المهتدى في هذا اليوم إلى الحير وعرض الناس وسار
قليلا ثم عاد وأمر أن تخرج الخيام والمضارب فتضرب في الحير وأصبح الناس
يوم الجمعة وقد انصرف من عسكر موسى زهاء ألف رجل منهم كوتكين وخشنج
ثم خرج المهتدى إلى الحير ثم صير ميمنته عليها كوتكين وميسرته عليها خشنج
وصار هو في القلب ثم رجع الرسل تختلف بين العسكرين والذي يريد موسى بن
بغا أن يولى ناحية ينصرف إليها والذي يريد القوم من موسى أن يقبل في غلمانه
ليناظرهم فلم يتهيأ بينهم في ذلك اليوم شئ فلما كان ليلة السبت انصرف من أراد
الانصراف عن موسى ورجع موسى ومفلح يريدان طريق خراسان في زهاء
ألف رجل ومضى بايكباك وجماعة من قواده في ليلتهم مع عيسى الكرخي فباتوا
معه ثم أصبحوا يوم السبت وأقبل بايكباك ومن معه حتى دخلوا الدار فأخذت
سيوفهم بايكباك ويارجوخ وأساتكين وأحمد بن خاقان وخطارمش وغيرهم
فوصلوا جميعا إلى المهتدى فسلموا فأمروا بالانصراف إلا بايكباك فإن المهتدى
أمر أن يوقف بين يديه ثم أقبل يعدد عليه ديونه وما ركب من المسلمين والاسلام
ثم إن الموالى اعترضوه فأدخلوه حجرة في الدار وأغلقوا عليه الباب ثم لم يلبث إلا قدر
خمس ساعات حتى قتل يوم السبت مع الزوال واستوى الامر فلم تكن حركة
ولا تكلم أحد إلا نفر يسير أنكروا أمر بايكباك ولم يظهروا كل الجزع فلما
كان يوم الأحد أنكر الأتراك مساواة الفراغنة لهم في الدار ودخولهم معهم
ووضع عندهم أن التدبير إنما جرى في قتل رؤسائهم حتى يقدم عليهم الفراغنة
والمغاربة فخرجوا من الدار بأجمعهم وبقيت الدار على الفراغة والمغاربة وأنكر
الأتراك بناحية الكرخ ذلك وأضافوا إليه طلب بايكباك لاجتماع أصحاب
بايكباك معهم فأدخل المهتدى إليه جماعة من الفراغنة وأخبرهم بما أنكره الأتراك
وقال لهم إن كنتم تعلمون أنكم تقومون بهم فما يكره أمير المؤمنين قربكم وان كنتم
بأنفسكم تظنون عجزا عنهم أرضيناهم بالمصير إلى محبتهم من قبل تفاقم الامر فذكر
الفراغنة أنهم يقومون بهم ويقهرونهم إذا اجتمعت كلمتهم وكلمة المغاربة وعددوا
591

أشياء كثيرة من تقديمهم عليهم وأرادوا المهتدى على الخروج إليهم فلم يزل كذلك
إلى الظهر ثم ركب وأكثر الفرسان الفراغنة وأكثر الرجالة المغاربة ووجه
إليهم وهم بين الكرخ والقطائع والأتراك زهاء عشرة آلاف وهم في ستة آلاف
لم يكن معهم من الأتراك الا أقل من ألف وهم أصحاب صالح بن وصيف وجماعة
مع يارجوخ فلما التقى الزحفان انحاز يارجوخ بمن معه من الأتراك وانهزم أصحاب
صالح بن وصيف فرجعوا إلى منازلهم وخرج طاشتمر من خلف الدكة وكانوا
جعلوا كمينا وتصادم القوم فكانت الحرب بينهم ساعة من النهار ضربا وطعنا
ورميا ثم وقعت الهزيمة على أصحاب المهتدى فثبت وأقبل يدعوهم إلى نفسه ويقاتل
حتى يئس من رجوعهم ثم انهزم وبيده سيف مشطب وعليه درع وقباء ظاهر
به حرير أبيض معين فمضى حتى صار إلى موضع خشبة بابك وهو يحث الناس على
مجاهدة القوم ونصرته فلم يتبعه أحد الا جماعة من العيارين فلما صار؟ ا إلى باب
السجن تعلقوا بلجامه وسألوه اطلاق من في السجن فانصرف بوجهه عنهم فلم
يتركوه حتى أمر بإطلاقهم فانصرفوا عنه واشتغلوا بباب السجن وبقى وحده فمر
حتى صار إلى موضع دار أبى صالح بن يزداد وفيها أحمد بن جميل فدخل الدار
وأغلقت الأبواب فنزع ثيابه وسلاحه وكانت به طعنة في وركه فطلب قميصا
وسراويل فأعطاه أحمد بن جميل وغسل الدم عن نفسه وشرب ماء وصلى فأقبل
جماعة من الأتراك مع يارجوخ نحو من ثلاثين رجلا حتى صاروا إلى دار أبى
صالح فضربوا الباب حتى دخلوها فلما أحس بهم أخذ السيف وسعى فصعد على
درجة في الدار ودخل القوم وقد علا السطح فأراد بعضهم الصعود لاخذه فضربه
بالسيف فأخطأه وسقط الرجل عن الدرجة فرموه بالنشاب فوقعت نشابة في
صدره فجرحته جراحة خفيفة وعلم أنه الموت فأعطى بيده ونزل فرمى بسيفه
فأخذوه فجعلوه على دابة بين يدي أحدهم وسلكوا الطريق الذي جاء منه حتى
صيروه إلى داريارجوخ في القطائع وأنهبوا الجوسق فلم يبق فيه شئ وأخرجوا
أحمد بن المتوكل المعروف بابن فتيان وكان محبوسا في؟ لجوسق وكتبوا إلى موسى
592

؟ بغا وسألوه الانصراف إليهم فأقام المهتدى عندهم لم يحدثوا في أمره شيئا فلما
كان يوم الثلاثاء بايعوا أحمد بن المتوكل في القطائع وصاروا به يوم الأربعاء إلى الجوسق
فبايعه الهاشميون والخاصة وأرادوا المهتدى على الخلع في هذه الأيام فأبى ولم يجبهم
ومات يوم الأربعاء وأظهروه يوم الخميس لجماعة الهاشميين والخاصة فكشفوا عن
وجهه وغسلوه وصلى عليه جعفر بن عبد الواحد يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقيت
من رجب سنة 256 وقدم موسى بن بغا يوم السبت لعشر بقين من رجب وركب أحمد
ابن فتيان إلى دار العامة يوم الاثنين لثمان بقين من رجب فبايعوه بيعة العامة * فذكر
عن محمد بن عيسى القرشي أنه قال لما صار المهتدى في أيديهم أبى أن يخلع نفسه فخلعوا
أصابع يديه ورجليه من كفيه وقدميه حتى ورمت كفاه وقدماه وفعلوا به غير شئ حتى
مات (وقد ذكر) في سبب قتل أبى نصر محمد بن بغا أنه كان خرج من سامرا
يريد أخاه موسى فوجه إليه المهتدى أخاه عبد الله في جماعة من المغاربة والفراغنة
فلحقوه بالرفيف فجئ به فحبس وكان قد دخل على المهتدى مسلما قبل خلافهم فقال
له يا محمد إنما قدم أخوك موسى في جيشه وعبيده حتى يقتل صالح بن وصيف وينصرف
قال يا أمير المؤمنين أعيذك بالله موسى عبدك وفى طاعتك وهو مع هذا في وجه
عدو كلب قال قد كان صالح أنفع لنا منه وأحسن سياسة للملك وهذا العلوي قد رجع
إلى الري قال وما حيلته يا أمير المؤمنين قد هزمه وقتل أصحابه وشرد به كل مشرد
فلما انصرف عاد وهذا فعله أبدا اللهم إلا أن تأمره بالمقام بالري دهره قال دع هذا
عنك فان أخاك ما صنع شيئا أكثر من أخذ الأموال واحتجانها لنفسه فأغلظ له
أبو نصر وقال ينظر فيما صار إليه وإلى أهل بيته منذ وليت الخلافة فيرد وينظر
ما صار إليك وإلى اخوتك فيرد فأمر به فأخذ وضرب وحبس وانتهبت داره ودار
ابن ثوابة ثم أباح دم الحسن بن مخلد وابن ثوابة وسليمان بن وهب القطان كاتب
مفلح فهربوا فانتهبت دورهم ثم جاء المهتدى بالفراغنة والأشروسنية والطبرية
والديالمة والاشتاخنية ومن بقى من أتراك الكرخ وولد وصيف فسألهم النصرة
على موسى ومفلح وضرب بينهم وقال قد أخذوا الأموال واستأثروا بالفئ وأنا
أخاف أن يقتلوني وإن نصرتموني أعطيتكم جميع ما فاتكم وزدتكم في أرزاقكم فأجابوه
(38 - 7)
593

إلى نصره والخلاف على موسى وأصحابه ولزموا الجوسق وبايعوه بيعة جديدة
وأمر بالسوق والسكر فاشترى لهم واجري على كل رجل منهم في كل يوم درهمين
وأطعموا في بعض أيامهم الخبز واللحم وتولى أمر جيشه أحمد بن وصيف وعبد الله
ابن بغا الشرابي التفت معهم بنو هاشم وجعل يركب في بني هاشم ويدور
في الأسواق ويسأل الناس النصرة ويقول هؤلاء الفساق يقتلون الخلفاء ويثبون
على مواليهم * وقد استأثروا بالفئ فأعينوا أمير المؤمنين وانصروه وتكلم صالح
ابن علي بن يعقوب بن المنصور وغيره من بني هاشم ثم كتب بعد إلى بايكباك يأمره
أن يضم الجيش كله إليه وأنه الأمير على الجيش أجمع ويأمره بأخذ موسى ومفلح
ولما هلك المهتدى طلبوا أبا نصر بن بغا وهم يظنون أنه حي فدلوا على موضعه
فنبش فوجدوه مذبوحا فحمل إلى أهله وحملت جثة بايكباك فدفنت وكسرت
الأتراك على قبر محمد بن بغا ألف سيف وكذلك يفعلون بالسيد منهم إذا مات. قيل
إن المهتدى لما أبى أن يخلعها أمروا من عصر خصيته حتى مات وقيل إن المهتدى
لما احتضر قال أهم بأمر الحزم لو أستطيعه * وقد حيل بين العير والنزوان
وقيل إن محمد بن بغا لم يحدثوا في أمره يوم حبس شيئا وطالبوه بالأموال فدفع
إليهم نيفا وعشرين ألف دينار ثم قتلوه بعد: بعجوا بطنه وعصروا حلقه وألقى في
بئر من القناة فلم يزل هنالك حتى أخرجه الموالى بعد أسرهم المهتدى بيوم فدفن
وكانت خلافة المهتدى كلها إلى أن انقضى أمره أحد عشر شهرا وخمسة وعشرين
يوما وعمره كله ثمان وثلاثون سنة وكان رحب الجبهة أجلى جهم الوجه أشهل
عظيم البطن عريض المنكبين قصير طويل اللحية وكان ولد بالقاطول (وفى هذه
السنة) وافى جعلان البصيرة لحرب صاحب الزنج
* ذكر الخبر عما كان من أمرهما هنالك *
ذكر أن جعلان لما صار إلى البصرة زحف بعسكره منها حتى صار بينه وبين
عسكر صاحب الزنج فرسخ فخندق على نفسه ومن معه فأقام ستة أشهر في خندقه
فوجه الزينبي وبريه وبنو هاشم ومن خف لحرب الخبيث من أهل البصرة في
اليوم الذي توعدهم جعلان للقائه فلما التقوا لم يكن بينهم إلا الرمي بالحجارة
594

والنشاب ولم يجد جعلان إلى لقائه سبيلا لضيق الموضع بما فيه من النخل والدغل
عن مجال الخيل وأصحابه أكثرهم فرسان * فذكر عن محمد بن الحسن أن صاحب
الزنج قال لما طال مقام جعلان في خندقه رأيت أن أخفى له من أصحابي جماعة
يأخذون عليه مسالك الخندق ويبيتونه فيه ففعل ذلك وبيته في خندقه فقتل جماعة
من رجاله وريع الباقون روعا شديدا فترك جعلان عسكره ذلك وانصرف إلى
البصرة وقد كان الزينبي قبل بيات الخبيث جعلان جمع مقاتلة البلالية والسعدية ثم
وجه لهم من ناحية نهر نافذ وناحية هزاردر فواقعوه من وجهين ولقيهم الزنج فلم
يثبتوا لهم وقهرهم الزنج فقتلوا منهم مقتلة عظيمة وانصرفوا مفلولين وانحاز جعلان
إلى البصرة فأقام بها وظهر عجزه للسلطان (وفيها) صرف جعلان عن حرب
الخبيث وأمر سعيد الحاجب بالشخوص إليها لحربه (وفيها) تحول صاحب الزنج
من السبخة التي كان ينزلها إلى الجانب الغربي من النهر المعروف بأبي الخصيب
(وفيها) أخذ صاحب الزنج فيما ذكر أربعة وعشرين مركبا من مراكب البحر
كانت اجتمعت تريد البصرة فلما انتهى إلى أصحابها خبره وخبر من معه من الزنج
وقطعهم السبيل اجتمعت آراؤهم على أن يشدوا مراكبهم بعضها إلى بعض حتى
تصير كالجزيرة يتصل أولها بآخرها ثم يسيروا بها في دجلة فاتصل به خبرها
فندب إليها أصحابه وحرضهم عليها وقال لهم هذه الغنيمة الباردة قال أبو الحسن
فسمعت صاحب الزنج يقول لما بلغني قرب المراكب منى نهضت للصلاة
وأخذت في الدعاء والتضرع فخوطبت بأن قيل لي قد أطلك فتح عظيم والتفت
فلم ألبث أن طلعت المراكب فنهض أصحابي إليها في الجريبيات فلم يلبثوا أن حووها
وقتلوا مقاتلتها وسبوا ما فيها من الرقيق وغنموا منها أموالا عظاما لا تحصى ولا
؟ قدرها فأنهب ذلك أصحابه ثلاثة أيام ثم أمر بما بقى فحيز له (ولخمس
بقين) من رجب من هذه السنة دخل الزنج الأبلة فقتلوا بها خلقا كثيرا وأحرقوها
* ذكر الخبر عنها وعن سبب الوصول إليها *
ذكر أن صاحب الزنج لما تنحى جعلان عن خندقه بشاطئ عثمان الذي كان
فيه وانحاز إلى البصرة ألح بالسرايا على أهل الأبلة فجعل يحاربهم من ناحية شاطئ
595

عثمان بالرجالة وبما خف له من السفن من ناحية دجلة وجعلت سراياه تضرب
إلى ناحية نهر معقل * فذكر عن صاحب الزنج أنه قال ميلت بين عبادان والأبلة
فملت إلى التوجه إلى عبادان وندبت الرجالة لذلك فقيل لي إن أقرب العدو دارا
وأولاه بألا تتشاغل بغيره عنه أهل الأبلة فرددت الجيش الذي كنت سيرت
نحو عبادان إلى الأبلة فلم يزالوا يحاربون أهل الأبلة إلى ليلة الأربعاء لخمس بقين
من رجب سنة 256 فلما كان في هذه الليلة اقتحمها الزنج مما يلي دجلة ونهر
الأبلة فقتل بها أبو الأحوص وابنه وأضرمت نارا وكانت مبنية بالساج محفوفة
بناء متكاثفا فأسرعت فيها النار ونشأت ريحا عاصفا فأطارت شرر ذلك الحريق
حتى وصلت بشاطئ عثمان فاحترق وقتل بالأبلة خلق كثير وغرق خلق كثير
وحويت الأسلاب فكان ما احترق من الأمتعة أكثر مما انتهب وقتل في هذه
الليلة عبد الله بن حميد الطوسي وابن له كانا في شذاة بنهر معقل مع نصير المعروف
بأبي حمزة (وفيها) استسلم أهل عبادان لصاحب الزنج فسلموا إليه حصنهم
* ذكر الخبر عن السبب الذي دعاهم إلى ذلك *
ذكر أن السبب في ذلك أن الخبيث لما فعل من أصحابه من الزنج بأهل الأبلة
ما فعلوا ضعفت قلوبهم وخافوهم على أنفسهم وحرمهم فأعطوا بأيديهم وسلموا
إليه بلدهم فدخلها أصحابه فأخذوا من كان فيها من العبيد وحملوا ما كان فيها من
السلاح إليه ففرقه عليهم (وفيها) دخل أصحابه الأهواز وأسروا إبراهيم بن المدبر
* ذكر الخبر عن سبب ذلك *
وكان الخبيث لما أوقع أصحابه بالأبلة وفعلوا بها ما فعلوا واستسلم له أهل عبادان
فأخذ مماليكهم فضمهم إلى أصحابه من الزنج وفرق بينهم ما أخذ من السلاح الذي
كان بها طمع في الأهواز فاستنهض أصحابه نحو جبى فلم يثبت لهم أهلها وهربوا منهم
فدخلوا فقتلوا وأحرقوا ونهبوا وأخربوا ما وراءها حتى وافوا الأهواز وبها
يومئذ سعيد بن يكسين وال واليه حربها وإبراهيم بن محمد بن المدبر واليه الخراج
والضياع فهرب الناس منهم أيضا فلم يقاتلهم كثير أحد وانحاز سعيد بن يكسين
فيمن كان معه من الجند وثبت إبراهيم بن المدبر فيمن كان معه من غلمانه وخدمه
596

فدخلوا المدينة فاحتووها وأسروا إبراهيم بن محمد بعد أن ضرب ضربة على وجهه
وحووا كل ما كان يملك من مال وأثاث ورقيق وذلك يوم الاثنين لاثنتي عشرة
ليلة خلت من شهر رمضان سنة 256 ولما كان من أمره ما كان بالأهواز
بعد الذي كان منه بالأبلة رعب أهل البصرة رعبا شديدا فانتقل كثير من أهلها
عنها وتفرقوا في بلدان شتى وكثرت الأراجيف من عوامها * وفى ذي الحجة من
هذه السنة وجه صاحب الزنج إلى شاهين بن بسطام جيشا عليهم يحيى بن محمد
البحراني لحربه فلم ينل يحيى من شاهين ما أمل وانصرف عنه (وفى رجب)
من هذه السنة وافى البصرة سعيد بن صالح المعروف بالحاجب من قبل السلطان
لحرب صاحب الزنج (وفيها) كانت بين موسى بن بغا الذين كانوا توجهوا معه
إلى ناحية الجبل مخالفين لمحمد بن الواثق وبين مساور بن عبد الحميد الشاري وقعة
بناحية خانقين ومساور في جمع كثير وموسى وأصحابه في مائتين فهزموا مساورا
وقتلوا من أصحابه جماعة كثيرة
* خلافة المعتمد على الله *
(وفيها) بويع أحمد بن أبي جعفر المعروف بابن فتيان وسمى المعتمد على الله
وذلك يوم الثلاثاء لأربع عشرة بقيت من رجب (وفيها) بعث إلى موسى بن
بغا وهو بخانقين بموت محمد بن الواثق وبيعة المعتمد فوافى سامرا لعشر بقين من
رجب (ولليلتين) خلتا من شعبان ولى الوزارة عبد الله بن يحيى بن خافان
(وفيها) ظهر بالكوفة علي بن زيد الطالبي فوجه إليه الشاه بن ميكال في عسكر
كثيف فلقيه علي بن زيد في أصحابه فهزمه وقتل جماعة كثيرة من أصحابه ونجا الشاه
(وفيها) وثب محمد بن واصل بن إبراهيم التميمي وهو من أهل فارس ورجل
من أكرادها يقال له أحمد بن الليث بالحارث بن سيما الشرابي عامل فارس فحارباه
فقتل الحارث وغلب محمد بن واصل على فارس (وفيها) وجه مفلح لحرب مساور
الشاري وكنجور لحرب علي بن زيد الطالبي بالكوفة (وفيها) غلب جيش
الحسن بن زيد الطالبي على الري في شهر رمضان منها (وفيها) شخص موسى
597

ابن بغا لاحدى عشرة ليلة خلت من شوال منها من سامرا إلى الري وشيعه
المعتمد (وفيها) كانت بين أما جور وابن لعيسى بن الشيخ على باب دمشق وقعة
فسمعت من ذكر أنه حضر أما جور وقد خرج في اليوم الذي كانت فيه هذه
الوقعة من مدينة دمشق مرتادا لنفسه عسكرا وابن عيسى بن الشيخ وقائد لعيسى يقال له
أبو الصهباء في عسكر لهما بالقرب من مدينة دمشق فاتصل بهما خبر خروج أما جور وأنه
خرج في نفر من أصحابه يسير فطمعا فيه فزحفا بمن معهما إليه ولا يعلم أما جور
بزحوفهما إليه حتى لقياه والتحمت الحرب بين الفريقين فقتل أبو الصهباء وهزم
الجمع الذي كان معه ومع ابن عيسى ولقد سمعت من يذكر أن ابن عيسى وأبا الصهباء
كانا يومئذ في زهاء عشرين ألفا من رجالهما وأن أما جور في مقدار مائتين إلى
أربعمائة * وفى يوم الأربعاء لثلاث عشرة خلت من ذي الحجة منها قوم أبو أحمد
ابن المتوكل من مكة إلى سامرا (وفيها) وجه إلى عيسى بن الشيخ إسماعيل
ابن عبد الله المروزي المعروف بأبي النصر ومحمد بن عبيد الله الكريزي القاضي
والحسين الخادم المعروف بعرق الموت بولاية أرمينية على أن ينصرف عن
الشأم آمنا فقبل ذلك وشخص عن الشأم إليها (وحج بالناس) في هذه السنة
محمد بن أحمد بن عيسى بن أبي جعفر المنصور
* ثم دخلت سنة سبع وخمسين ومائتين *
* ذكر الخبر عما كان فيها من الأمور الجليلة *
فمن ذلك ما كان من مصيره يعقوب بن الليث إلى فارس وبعثة المعتمد إليه
طغتا وإسماعيل بن إسحاق وأبا سعيد الأنصاري في شعبان منها وكتاب أبى أحمد
ابن المتوكل إليه بولاية بلخ وطخارستان إلى ما يلي ذلك من كرمان وسجستان
والسند وغيرها وما جعل له من المال في كل سنة وقبوله ذلك وانصرافه *
وفى ربيع الآخر منها قدم رسول يعقوب بن الليث بأصنام ذكر أنه أخذها من
كابل (ولاثنتي عشرة) خلت من صفر عقد المعتمد لأخيه أبى أحمد على الكوفة
وطريق مكة والحرمين واليمن ثم عقد له أيضا بعد ذلك لسبع خلون من شهر
598

رمضان على بغداد والسواد وواسط وكور دجلة والبصرة والأهواز وفارس
وأمر أن يولى صاحب بغداد أعماله وأن يعقد ليارجوخ على البصرة وكور دجلة
واليمامة والبحرين مكان سعيد بن صالح فولى يارجوخ منصور بن جعفر بن
دينار البصرة وكور دجلة إلى ما يلي الأهواز (وفيها) أمر بغراج باستحثاث
سعيد الحاجب في المصير إلى دجلة والاناخة بإزاء عسكر صاحب الزنج ففعل
ذلك بغراج فيما قيل ومضى سعيد الحاجب لما أمر به من ذلك في رجب من
هذه السنة * فذكر أن سعيدا لما صار إلى نهر معقل وجد هنالك جيشا لصاحب
الزنج بالنهر المعروف بالمرغاب وهو أحد الأنهار المعترضة في نهر معقل فأوقع
بهم فهزمهم واستنقذ ما في أيديهم من النساء والنهب وأصابت سعيدا في تلك
الوقعة جراحات منها جراحة في فيه ثم سار سعيد حتى صار إلى الموضع المعروف
بعسكر أبى جعفر المنصور فأقام به ليلة ثم سار حتى أناخ بموضع يقال له هطمة
من أرض الفرات فأقام هنالك أياما يعبى أصحابه ويستعد للقاء صاحب الزنج
وبلغه في أيام مقامه هنالك أن جيشا لصاحب الزنج بالفرات فقصد لهم بجماعة
من أصحابه فهزمهم وكان فيهم عمران زوج جدة ابن صاحب الزنج المعروف
بانكلاى فاستأمن عمران هذا إلى بغراج وتفرق ذلك الجمع قال محمد بن الحسن
فلقد رأيت المرأة من سكان الفرات تجد الزنجي مستترا بتلك الأدغال فتقبض
عليه حتى تأتى به عسكر سعيد ما به منها امتناع ثم قصد سعيد حرب الخبيث
فعبر إلى غربي دجلة فأوقع به وقعات في أيام متوالية ثم انصرف سعيد إلى
معسكره بهطمة فأقام به يحاربه باقي رجب وعامة شعبان (وفيها) تخلص إبراهيم
ابن محمد بن المدبر من حبس الخبيث وكان سبب تخلصه منه فيما ذكر أنه كان
محبوسا في غرفة في منزل يحيى بن محمد البحراني فضاق مكانه على البحراني فأنزله
إلى بيت من أبيات داره فحبسه فيه وكان موكلا به رجلان ملاصق مسكنهما
المنزل الذي فيه إبراهيم فبذل لهما ورغبهما فسربا له سربا إلى الموضع الذي فيه
إبراهيم من ناحيتهما فخرج هو وابن أخ له يعرف بأبي غالب ورجل من بني هاشم
كان محبوسا معهما (وفيها) أوقع أصحاب الخبيث بسعيد وأصحابه فقتلوه ومن معه
599

* ذكر الخبر عن هذه الوقعة *
ذكر أن الخبيث وجه إلى يحيى بن محمد البحراني وهو مقيم بنهر معقل في
جيش كثيف يأمره بالتوجه بألف رجل من أصحابه يرأس عليهم سليمان بن
جامع وأبا الليث ويأمرهما بالقصد لعسكر سعيد ليلا حتى يوقعا به في وقت
طلوع الفجر ففعل ذلك فصارا إلى عسكر سعيد فصادفا منهم غرة وغفلة فأوقعا
بهم وقعة فقتلا منهم مقتلة عظيمة وأحرق الزنج يومئذ عسكر سعيد فضعف
سعيد ومن معه ودخل أمرهم للبيات الذي تهيأ عليهم ولاحتباس الأرزاق
عنهم وكانت سببت لهم من مال الأهواز فأبطأ بها عليهم منصور بن جعفر الخياط
وكان إليه يومئذ حرب الأهواز وله مع ذلك يد في الخراج ولما كان من أمر
سعيد بن صالح ما كان أمر بالانصراف إلى باب السلطان وتسليم الجيش الذي
معه وما إليه من العمل هنالك إلى منصور بن جعفر وذلك أن سعيدا نزل بعد
ما كان من بيات الزنج أصحابه وإحراقهم عسكره فلم يكن له حركة إلى أن صرف
عما كان إليه من العمل هنالك (وفيها) كانت وقعة بين منصور بن جعفر الخياط
وبين صاحب الزنج قتل فيها من أصحاب منصور جماعة كثيرة
* ذكر الخبر عن صفة هذه الوقعة *
ذكر أن سعيدا الحاجب لما صرف عن البصرة أقام بغراج بها يحمى أهلها
وجعل منصور يجمع السفن التي تأتى بالميرة ثم يبذرقها في الشذا إلى البصرة
فضاق بالزنج الميرة ثم عبأ منصور أصحابه وجمع إلى الشذا التي كانت معه الشذا
الجنابيات والسفن وقصد صاحب الزنج في عسكره فصعد قصرا على دجلة فأحرقه
وما حوله ودخل عسكر الخبيث من ذلك الوجه ووافاه الزنج وكمنوا له كمينا
فقتلوا من أصحابه مقتلة عظيمة وألجئ الباقون إلى الماء فغرق منهم خلق كثير
وحمل من الرؤس يومئذ فيما ذكر زهاء خمسمائة رأس إلى عسكر يحيى بن محمد
البحراني بنهر معقل وأمر بنصبها هنالك (وفيها) ظهر من بغداد بموضع يقال
له بركة زلزل على خناق وقد قتل خلقا كثيرا من النساء ودفنهن في دار كان فيها
ساكنا فحمل إلى المعتمد فبلغني أنه أمر بضربه فضرب ألفى سوط وأربعمائة أرزن
600

فلم يمت حتى ضرب الجلادون أنثييه بخشب العقابين فمات فرد إلى بغداد
فصلب بها ثم أحرقت جثته (وفيها) قتل شاهين بن بسطام وهزم إبراهيم بن سيما
* ذكر الخبر عن سبب مقتل شاهين وانهزام إبراهيم *
ذكر أن البحراني كان كتب إلى الخبيث يشير عليه بتوجيه جيش إلى
الأهواز للمقام بها ويرغبه في ذلك وأن يبدأ بقطع قنطرة أربك لئلا يصل الخيل
إلى الجيش وأن الخبيث وجه علي بن أبان لقطع القنطرة فلقيه إبراهيم بن سيما
منصرفا من فارس وكان بها مع الحارث بن سيما في الصحراء المعروفة بدست أربك
وهى صحراء بين الأهواز والقنطرة فلما انتهى علي بن أبان إلى القنطرة أقام مخفيا
نفسه ومن معه فلما أصحرت الخيل خرجت عليه من جهات فقتلت من الزنج خلقا
كثيرا وانهزم على وتبعته الخيل إلى الفندم وأصابته طعنة في أخمصه فأمسك عن
التوجيه إلى الأهواز وانصرف على وجهه إلى جبى وصرف سعيد بن يكسين
وولى إبراهيم بن سيما وكاتبه شاهين فأقبلا جميعا إبراهيم بن سيما على طريق الفرات
قاصد الذنابة نهر جبى وعلي بن أبان بالخيزرانية فأقبل شاهين بن بسطام على طريق
نهر موسى يقدر لقاء إبراهيم في الموضع الذي قصد إليه وقد اتعد المواقعة علي بن
أبان فسبق شاهين وأتى علي بن أبان رجل من نهر موسى فأخبره باقبال شاهين
إليه فوجه على نحوه فالتقيا في وقت العصر على نهر يعرف بأبي العباس وهو نهر
بين نهر موسى ونهر جبى ونشبت الحرب بينهما وثبت أصحاب شاهين وقاتلوا
قتالا شديدا ثم صدمهم الزنج صدمة صادقة فولوا منهزمين فكان أول من قتل
يومئذ شاهين وابن عم له يقال له حيان وذلك أنه كان في مقدمة القوم وقتل
معه من أصحابه بشر كثير وأتى علي بن أبان مخبر فأخبره بورود إبراهيم بن سيما
وذلك بعد فراغه من أمر شاهين فسار من فوره إلى نهر جبى وإبراهيم بن سيما
معسكر هنالك لا يعلم خبر شاهين فوافاه على في وقت العشاء الآخرة فأوقع بهم
وقعة غليظة قتل فيها جمعا كثيرا وكان قتل شاهين والإيقاع بإبراهيم فيما بين العصر
والعشاء الآخرة * قال محمد بن الحسن فسمعت علي بن أبان يحدث عن ذلك قال
لقد رأيتني يومئذ وقد ركبني حمى نافض كانت تعتادني وقد كان أصحابي حين نالوا
601

ما نالوا من شاهين تفرقوا عنى فلم يصر إلى عسكر إبراهيم بن سيما معي الا نحو
من خمسين رجلا فوصلت إلى العسكر فألقيت نفسي قريبا منه وجعلت أسمع
ضجيج أهل العسكر وكلامهم فلما سكنت حركتهم نهضت فأوقعت بهم * ثم
انصرف علي بن أبان عن جبى لما قتل شاهين وهزم إبراهيم بن سيما لورود
كتاب الخبيث عليه بالمصير إلى البصرة لحرب أهلها (وفيها) دخل أصحاب
الخبيث البصرة
* ذكر الخبر عن سبب وصولهم إلى ذلك وما عملوا بها حين دخولها *
ذكر أن سعيد بن صالح لما شخص من البصرة ضم السلطان عمله إلى منصور
ابن جعفر الخياط وكان من أمر منصور وأمر أصحاب الخبيث ما قد ذكرناه قبل
وضعف أمر منصور ولم بعد لقتال الخبيث في عسكره واقتصر على بذرقة القيروانات
واتسع أهل البصرة لوصول المير إليهم وكان انقطاع ذلك عنهم قد أضر بهم وانتهى
إلى الخبيث الخبر بذلك واتساع أهل البصرة فعظم ذلك على الخبيث فوجه على
ابن أبان إلى نواحي جبى فعسكر بالخيزرانية وشغل منصور بن جعفر عن بذرقة
القيروانات إلى البصرة فعاد حال أهل البصرة إلى ما كانت عليه من الضيق وألح
أصحاب الخبيث على أهل البصرة بالحرب صباحا ومساء فلما كان في شوال من
هذه السنة أزمع الخبيث على جمع أصحابه للهجوم على أهل البصرة والجد في خرابها
وذلك لعلمه بضعف أهلها وتفرقهم واضرار الحصار بهم وخراب ما حولها من
القرى وكان قد نظر في حساب النجوم ووقف على انكساف القمر ليلة الثلاثاء
لأربع عشرة ليلة تخلو من الشهر فذكر عن محمد بن الحسن بن سهل أنه قال سمعته
يقول اجتهدت في الدعاء على أهل البصرة وابتهلت إلى الله في تعجيل خرابها
فخوطبت فقيل لي انما البصرة خبزة لك تأكلها من جوانبها فإذا انكسر نصف
الرغيف خربت البصرة فأولت انكسار نصف الرغيف انكساف القمر المتوقع
في هذه الأيام وما أخلق أمر البصرة أن يكون بعده. قال فكان يحدث بهذا
حتى أفاض فيه أصحابه وكثر تردده في اسماعهم واحالته إياه بينهم. ثم ندب محمد
ابن يزيد الدارمي وهو أحد من كان صحبه بالبحرين للخروج إلى الاعراب
602

وأنفذه فأتاه منم خلق كثير فأناخوا بالقندل ووجه إليهم الخبيث سليمان بن موسى
الشعراني وأمرهم بتطرق البصرة والإيقاع بها وتقدم إلى سليمان بن موسى في تمرين
الاعراب على ذلك فلما وقع الكسوف أنهض علي بن أبان وضم إليه طائفة من
الاعراب وأمره بإتيان البصرة مما يلي بنى سعد وكتب إلى يحيى بن محمد البحراني
وهو يومئذ محاصر أهل البصرة في اتيانها مما يلي نهر عدى وضم سائر الاعراب
إليه. قال محمد بن الحسن قال شبل فكان أول من واقع أهل البصرة علي بن أبان
وبغراج يومئذ بالبصرة في جماعة من الجند فأقام يقاتلهم يومين ومال الناس نحوه
وأقبل يحيى بمن معه مما يلي قصر أنس قاصدا نحو الجسر فدخل علي بن أبان المهلبي
وقت صلاة الجمعة لثلاث عشرة ليلة بقيت من شوال فأقام يقتل ويحرق يوم الجمعة
وليلة السبت ويوم السبت وغادى يحيى البصرة يوم الأحد فتلقاه بغراج وبريه
في جمع فرداه فرجع فأقام يومه ذلك ثم غاداهم يوم الاثنين فدخل وقد تفرق الجند
وهرب بريه وانحاز بغراج بمن معه فلم يكن في وجهه أحد يدافعه ولقيه إبراهيم
ابن يحيى المهلبي فاستأمنه لأهل البصرة فآمنهم ونادى منادى إبراهيم بن يحيى من
أراد الأمان فليحضر دار إبراهيم فحضر أهل البصرة قاطبة حتى ملأوا الرحاب فلما
رأى اجتماعهم انتهز الفرصة في ذلك منهم فأمر بأخذ السكك والطرق والدروب
لئلا يتفرقوا وغدر بهم وأمر أصحابه بقتلهم فقتل كل من شهد ذلك المشهد إلا الشاذ
ثم انصرف يومه ذلك فأقام بقصر عيسى بن جعفر بالخريبة. قال محمد وحدثني
الفضل بن عدي الدارمي قال أنا حين وجه الخائن لحرب أهل البصرة في حيز أهل
البصرة مقيم في بنى سعد * قال فأتانا آت في الليل فذكر أنه رأى خيلا مجتازة
تؤم قصر عيسى بالخريبة فقال لي أصحابي اخرج فتعرف لنا خبر هذه الخيل فخرجت
فإذا جماعة من بنى تميم وبنى أسد فسألتهم عن حالهم فزعموا أنهم أصحاب العلوي
المضمومون إلى علي بن أبان وأن عليا يوافي البصرة في غد تلك الليلة وأن قصده
لناحية بنى سعد وأن يحيى بن محمد بجمعه قاصد لناحية آل المهلب فقالوا قل لأصحابك
من بنى سعد إن كنتم تريدون تحصين حرمكم فبادروا إخراجهم قبل إحاطة
الجيش بكم (قال الفضل) فرجعت إلى أصحابي فأعلمتهم خبر الاعراب فاستعدوا
603

فوجهوا إلى بريه يعلمونه الخبر فوافاهم فيمن كان بقى من الخول وجماعة من الجند
وقت طلوع الفجر فساروا حتى انتهوا إلى خندق يعرف ببنى حمان ووافاهم بنو تميم
ومقاتلة السعدية فلم يلبثوا أن طلع عليهم علي بن أبان جماعة الزنج والاعراب
على متون الخيل فذهل بريه قبل لقاء القوم فرجع إلى منزله فكانت هزيمة وتفرق
من كان اجتمع من بنى تميم ووافى على فلم يدافعه أحد ومر قاصدا إلى المربد
ووجه بريه إلى بنى تميم يستصرخهم فنهض إليه منهم جماعة فكان القتال بالمربد
بحضرة دار بريه ثم انهزم بريه عن داره وتفرق الناس لانهزامه فأحرقت الزنج
داره وانتهبوا ما كان فيها فأقام الناس يقتلون هنالك وقد ضعف أهل البصرة
وقوى عليهم الزنج واتصلت الحرب بينهم إلى آخر ذلك اليوم ودخل على المسجد
الجامع فأحرقه وأدركه فتح غلام أبى شيث في جماعة من البصريين فانكشف
على وأصحابه عنهم وقتل من الزنج قوم ورجع على فعسكر في الموضع المعروف
بمقبرة بنى شيبان فطلب الناس سلطانا يقاتلون معه فلم يجدوه وطلبوا بريها فوجدوه
قد هرب وأصبح أهل البصرة يوم السبت فلم يأتهم علي بن أبان وغاداهم يوم الأحد
فلم يقف له أحد وظفر بالبصرة * قال محمد بن الحسن وحدثني محمد بن
سمعان قال كنت مقيما بالبصرة في الوقت الذي دخلها الزنج وكنت أحضر مجلس
إبراهيم بن محمد بن إسماعيل المعروف ببريه فحضرته وحضر يوم الجمعة لعشر ليال
خلون من شوال سنة 257 وعنده شهاب بن العلاء العنبري فسمعت شهابا يحدثه
أن الخائن قد وجه بالأموال إلى البادية ليعرض بها رجال العرب وأنه قد جمع
جمعا كثيرا من الخيل وهو يريد تورد البصرة بهم وبرجالته من الزنج وليس
بالبصرة يومئذ من جند السلطان إلا نيف وخمسون فارسا مع بغراج فقال بريه
لشهاب إن العرب لا تقدم على بمساءة وكان بريه مطاعا في العرب محببا إليهم
قال ابن سمعان فانصرفت من مجلس بريه فلقيت أحمد بن أيوب الكاتب فسمعته
يحكى عن هارون بن عبد الرحيم الشيعي وهو يومئذ يلي بريد البصرة أنه صح
عنده أن الخائن جمع لثلاث خلون من شوال في تسعة أنفس فكان وجوه أهل
البصرة وسلطانها المقيم بها من الغبا عن حقيقة خبر الخائن على ما وصفت وقد كان
604

الحصار عض أهل البصرة وكثر الوباء بها واستعرت الحرب فيها بين الحزبين
المعروفين بالبلالية والسعدية فلما كان يوم الجمعة لثلاث عشرة بقيت من شوال
من هذه السنة أغارت خيل الخائن على البصرة صبحا في هذا اليوم من ثلاثة أوجه
من ناحية بنى سعد والمربد والخريبة فكان يقود الجيش الذي سار إلى المربد على
ابن أبان وقد جعل أصحابه فرقتين فرقة ولى عليها رفيقا غلام يحيى بن عبد الرحمن
ابن خاقان وأمرهم بالمصير إلى بنى سعد والفرقة الأخرى سار هو فيها إلى المربد
وكان يقود الخيل التي أتت من ناحية الخريبة يحيى بن محمد الأزرق البحراني وقد
جمع أصحابه من جهة واحدة وهو فيهم فخرج إلى كل فرقة من هؤلاء من خف
من ضعفاء أهل البصرة وقد جهدهم الجوع والحصار وتفرقت الخيل التي كانت
مع بغراج فرقتين فرقة صارت إلى ناحية المربد وفرقة صارت إلى ناحية الخريبة
وقاتل من ورد ناحية بنى سعد جماعة من مقاتلة السعدية فتح غلام أبى شيث وصحبه
فلم يغن قليل من خرج من أهل البصرة إلى جموع الخبيث شيئا وهجم القوم
بخيلهم ورجلهم * قال ابن سمعان فإني يومئذ لفى المسجد الجامع إذ ارتفعت
نيران ثلاث من ثلاثة أوجه زهران والمربد وبنى حمان في وقت واحد كأن
موقديها كانوا على ميعاد وذلك صدر يوم الجمعة وجل الخطب وأيقن أهل
البصرة بالهلاك وسعى من كان في المسجد الجامع إلى منازلهم ومضيت مبادرا إلى
منزلي وهو يومئذ في سكة المربد فلقيني منهزمو أهل البصرة في السكة راجعين
نحو المسجد الجامع وفى أخراهم القاسم بن جعفر بن سليمان الهاشمي وهو على بغل
متقلد سيفا يصيح بالناس ويحكم أتسلمون بلدكم وحرمكم هذا عدوكم قد دخل البلد
فلم يلووا عليه ولم يسمعوا منه فمضى وانكشفت سكة المربد فصار بين المنهزمين
والزنج فيها فضاء يسافر فيه البصر * قال محمد فلما رأيت ذلك دخلت منزلي
وأغلقت بابى وأشرفت فإذا خيل من الاعراب ورجالة الزنج تقدمهم رجل
على حصان كميت بيده رمح عليه عذبة صفراء فسألت بعد أن صير بي إلى مدينة
الخائن عن ذلك الرجل فادعى علي بن أبان أنه ذلك الرجل وأن الراية الصفراء
رايته ودخل القوم فغابوا في سكة المربد إلى أن بلغوا باب عثمان وذلك
605

بعد الزوال ثم انصرفوا فظن الناس من رعاع أهل البصرة وجهالهم أن القوم
قد مضوا لصلاة الجمعة وكان الذي صرفهم أنهم خشوا أن يخرج عليهم جمع
السعدية والبلالية من المربعة وخافوا الكمناء هناك فانصرفوا وانصرف من
كان بناحية زهران وبنى حصن وذلك بعد أن أحرقوا وأنهبوا واقتدروا على
البلد وعلموا أنه لا مانع لهم منه فأغبوا السبت والاحد ثم غادوا البصرة يوم
الاثنين فلم يجدوا عنها مدافعا وجمع الناس إلى باب إبراهيم بن يحيى المهلبي
وأعطوا الأمان قال محمد بن سمعان فحدثني الحسن بن عثمان المهلبي الملقب
بمندلقة وكان من أصحاب يحيى بن محمد قال أمرني يحيى في تلك الغداة بالمصير
إلى مقبرة بنى يشكر وحمل ما كان هناك من التنانير فصرت إليها فحملت نيفا
وعشرين تنورا على رؤس الرجال حتى أتيت بها دار إبراهيم بن يحيى والناس
يظنون أنها تعد لاتخاذ طعام لهم وهم من الجوع وشدة الحصار والجهد على أمر
عظيم وكثر الجمع بباب إبراهيم بن يحيى وجعلوا ينوبون ويزدادون حتى أصبحوا
وارتفعت الشمس قال ابن سمعان وأنا يومئذ قد انتقلت من سكة المربد من منزلي
إلى دار جد أمي هشام المعروف بالداف وكانت في بنى تميم وذلك للذي استفاض
في الناس من دخول بنى تميم في سلم الخائن فإني لهناك إذ أتى المخبرون بخبر الوقعة
بحضرة دار إبراهيم بن يحيى فذكروا أن يحيى بن محمد البحراني أمر الزنج فأحاطوا
بذلك الجمع ثم قال من كان من آل المهلب فليدخل دار إبراهيم بن يحيى فدخلت
جماعة قليلة وأغلقوا الباب دونهم ثم قيل للزنج دونكم الناس فاقتلوهم ولا تبقوا
منهم أحدا فخرج إليهم محمد بن عبد الله المعروف بأبي الليث الأصبهاني فقال للزنج
كيلوا وهى العلامة التي كانوا يعرفونها فيمن يؤمرون بقتله فأخذ الناس السيف *
قال الحسن بن عثمان فانى لاسمع تشهدهم وضجيجهم وهم يقتلون ولقد ارتفعت
أصواتهم بالتشهد حتى لقد سمعت بالطفاوة وهم على بعد من الموضع الذي كانوا
به * قال ولما أتى على الجمع الذي ذكرنا أقبل الزنج على قتل من أصابوا ودخل
علي بن أبان يومئذ فأحرق المسجد الجامع وراح إلى الكلأ فأحرقه من الحبل إلى
الجسر والنار في كل ذلك تأخذ في كل شئ مرت به من إنسان وبهيمة وأثاث
606

ومتاع ثم ألحوا بالغدو والرواح على من وجدوا يسوقونهم إلى يحيى بن محمد وهو
يومئذ نازل بسيحان فمن كان ذا مال قرره حتى يستخرج ماله ويقتله ومن كان
مملقا قتله وذكر عن شبل أنه قال باكر يحيى البصرة يوم الثلاثاء بعد قتل من قتل
بباب إبراهيم بن يحيى فجعل ينادى بالأمان في الناس ليظهروا فلم يظهر له أحد
وانتهى الخبر إلى الخبيث فصرف علي بن أبان عن البصرة وأفرد يحيى بها لموافقة
ما كان أتى يحيى من القتل إياه ووقوعه لمحبته وأنه استقصر ما كان من علي بن
أبان المهلبي من الامساك عن العيث بناحية بنى سعد وقد كان علي بن أبان أوفد إلى
الخبيث من بنى سعد وفدا فصاروا إليه فلم يجدوا عنده خيرا فخرجوا إلى عبادان
وأقام يحيى بالبصرة فكتب إليه الخبيث يأمره بإظهار استخلاف شبل على البصرة
ليسكن الناس ويظهر المستخفى ومن قد عرف بكثرة المال فإذا ظهروا أخذوا
بالدلالة على ما دفنوا وأخفوا من أموالهم ففعل ذلك يحيى فكان لا يخلو في يوم
من الأيام من جماعة يؤتى بهم فمن عرف منهم باليسار استنظف ما عنده وقتله ومن
ظهرت له خلته عاجله بالقتل حتى لم يدع أحدا ظهر له إلا أتى عليه وهرب الناس
على وجوههم وصرف الخبيث جيشه عن البصرة * قال محمد بن الحسن ولما
أخرب الخائن البصرة وانتهى إليه عظيم ما فعل أصحابه فيها سمعته يقول دعوت على
أهل البصرة في غداة اليوم الذي دخلها أصحابي واجتهدت في الدعاء وسجدت
وجعلت أدعو في سجودي فرفعت إلى البصرة فرأيتها ورأيت أصحابي يقاتلون
فيها ورأيت بين السماء والأرض رجلا واقفا في الهواء في صورة جعفر المعلوف
المتولي كان للاستخراج في ديوان الخراج بسامرا وهو قائم قد خفض يده اليسرى
ورفع يده اليمنى يريد قلب البصرة بأهلها فعلمت أن الملائكة تولت اخرابها دون
أصحابي ولو كان أصحابي تولوا ذلك لما بلغوا هذا الامر العظيم الذي يحكى عنها
وأن الملائكة لتنصرني وتؤيدني في حربي وتثبت من ضعف قلبه من أصحابي *
قال محمد بن الحسن وانتسب الخبيث إلى يحيى بن زيد بن علي بعد إخرابه البصرة
وذلك لمصير جماعة من العلوية الذين كانوا بالبصرة إليه وأنه كان فيمن أتاه منهم
علي بن أحمد بن عيسى بن زيد وعبد الله بن علي في جماعة من نسائهم وحرمهم فلما
607

جاءوه ترك الانتساب إلى أحمد بن عيسى وانتسب إلى يحيى بن زيد * قال محمد بن
الحسن سمعت الخبيث وقد حضره جماعة من النوفليين فقال القاسم بن الحسن
النوفلي إنه قد كان انتهى إلينا أنك من ولد أحمد بن عيسى بن زيد فقال لست من
ولد عيسى أنا من ولد يحيى بن زيد وهو في ذلك كاذب لان الاجماع في يحيى أنه لم يعقب
إلا بنتا ماتت وهى ترضع (وفيها) أشخص السلطان محمدا المولد إلى البصرة لحرب
صاحب الزنج فشخص من سامرا يوم الجمعة لليلة خلت من ذي القعدة
* ذكر الخبر عما كان من أمر المولد هناك *
ذكر أن محمدا المعروف بالمولد لما صار إلى ما هنالك نزل الأبلة وجاء بريه
فنزل البصرة واجتمع إلى بريه من أهل البصرة خلق كثير ممن كان هرب وكان
يحيى حين انصرف عن البصرة أقام بالنهر المعروف بالغوثي * قال محمد قال شبل
فلما قدم محمد المولد كتب الخبيث إلى يحيى يأمره بالمصير إلى نهرأوا فصار إليه
بالجيش وأقام يحارب المولد عشرة أيام ثم أوطن المولد المقام واستقر وفتر عن
الحرب فكتب الخبيث إلى يحيى؟ مره بتبييته ووجد إليه الشذا مع المعروف بأبي
الليث الأصبهاني فبيته ونهض المولد بأصحابه فقاتلهم بقية ليلته ومن غدا إلى العصر
ثم ولى منصرفا ودخل الزنج عسكره فغنموا ما فيه فكتب يحيى إلى الخبيث بخبره
فكتب إليه يأمره باتباعه فاتبعه إلى الحوانيت وانصرف فمر بالجامدة فأوقع
بأهلها وانتهب كل ما كان في تلك القرى وسفك ما قدر على سفكه من الدماء ثم
عسكر بالجالة فأقام هناك مدة ثم عاد إلى نهر معقل (وفيها) أخذ محمد المولد سعيد
ابن أحمد بن سعيد بن سلم الباهلي وكان قد تغلب على البطائح هو وأصحابه من باهلة
وأفسدوا الطريق (وفيها) خالف محمد بن واصل السلطان بفارس وغلب عليها
(وحج) بالناس في هذه السنة الفضل بن إسحاق بن الحسن بن إسماعيل بن العباس
ابن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس (وفيها) وثب بسيل المعروف بالصقلبي
وقيل له الصقلبي وهو من أهل بيت المملكة لان أمه صقلبية على ميخائيل بن
توفيل ملك الروم فقتله وكان ميخائيل منفردا بالمملكة أربعا وعشرين سنة
وتملك الصقلبي بعده على الروم
(تم الجزء السابع ويليه الجزء الثامن، وأوله سنة 258)
608