الكتاب: تاريخ الطبري
المؤلف: الطبري
الجزء: ١
الوفاة: ٣١٠
المجموعة: مصادر التاريخ
تحقيق: مراجعة وتصحيح وضبط : نخبة من العلماء الأجلاء
الطبعة: الرابعة
سنة الطبع: ١٤٠٣ - ١٩٨٣ م
المطبعة:
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: قوبلت هذه الطبعة على النسخة المطبوعة بمطبعة "بريل" بمدينة لندن في سنة ١٨٧٩ م)

تاريخ الأمم والملوك
للامام أبى جعفر محمد بن جرير الطبري
الجزء الأول
[قوبلت هذه الطبعة على النسخة المطبوعة]
[بمطبعة " بريل " بمدينة ليدن في سنة 1879 م]
راجعه وصححه وضبطه
نخبة من العلماء الاجلاء
1

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الأول قبل كل أول، والآخر بعد كل آخر، والقادر على كل شئ بغير
انتقال، والخالق خلقه من غير شكل ولا مثال، وهو الفرد الواحد من غير
عدد، وهو الباقي بعد كل أحد، إلى غير نهاية ولا أمد، له الكبرياء والعظمة،
والبهاء والعزة، والسلطان والقدرة، تعالى عن أن يكون له شريك في سلطانه
وفى وحدانيته نديد، أو في تدبيره معين أو ظهير، أو أن يكون له ولد، أو صاحبة
أو كفؤا أحد، لا تحيط به الأوهام ولا تحويه الأقطار، ولا تدركه الابصار،
وهو اللطيف الخبير. أحمده على آلائه، وأشكره على نعمائه. حمد من أفرده
بالحمد وشكر من رجا بالشكر منه المزيد، وأستهديه من القول والعمل ما يقربني
منه ويرضيه وأو من به إيمان مخلص له التوحيد، ومفرد له التمجيد، وأشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده النجيب ورسوله
الأمين اصطفاه لرسالته، وابتعثه بوحيه، داعيا خلقه إلى عبادته، فصدع بأمره،
وجاهد في سبيله ونصح لامته، وعبد ه حتى أتاه اليقين من عنده، غير مقصر في
بلاغ ولا وان في جهاد صلى الله عليه أفضل صلاة وأزكاها وسلم (أما بعد)
فإن الله جل جلاله وتقدست أسماؤه خلق خلقه من غير ضرورة كانت به إلى
خلقهم، وأنشأهم من غير حاجة كانت به إلى إنشائهم، بل خلق من خصه منهم بأمره
ونهيه وامتحنه لعبادته ليعبدوه وليحمدوه على نعمه فيزيدهم من فضله ومننه ويسبغ
عليهم فضله وطوله كما قال عز وجل (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون
ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة
المتين) فلم يزده خلقه إياهم إذ خلقهم في سلطانه على ما لم يزل قبل خلقه إياهم مثقال ذرة
ولا هو إن أفناهم وأعدمهم ينقصه إفناؤه إياهم مثقال ذرة لأنه لا تغيره الأحوال،
2

ولا يدخله الملال، ولا ينقص سلطانه الأيام والليال لأنه خالق الدهر والأزمان،
فعم جميعهم في العاجل فضله وجوده وشملهم كرمه وطوله فجعل لهم أسماعا وأبصارا
وأفئدة وخصهم بعقول يعقلون بها التمييز بين الحق والباطل ويعرفون بها المنافع
والمضار وجعل لهم الأرض بساطا ليسلكوا منها سبلا فجاجا والسماء سقفا
محفوظا كما قال وأنزل لهم منها الغيث بالادرار والأرزاق بالمقدار وأجرى لهم قمر
الليل وشمس النهار يتعاقبان بمصالحهم دائبين فجعل لهم الليل لباسا والنهار معاشا
وخالف منا منه عليهم وتطولا بين قمر الليل وشمس النهار فمحا آية الليل وجعل
آية النهار مبصرة كما قال جل جلاله وتقدست أسماؤه (وجعلنا الليل والنهار
آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم
ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شئ فصلناه تفصيلا) ليصلوا بذلك
إلى العلم بأوقات فروضهم التي فرضها عليهم في ساعات الليل والنهار والشهور
والسنين من الصلوات والزكوات والحج والصيام وغير ذلك من فروضهم
وحين حد ديونهم وحقوقهم كما قال عز وجل (يسألونك عن الأهلة قل هي
مواقيت للناس والحج) وقال (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا
وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق
يفصل الآيات لقوم يعلمون * إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله
في السماوات والأرض لآيات لقوم يتقون) إنعاما منه بكل ذلك على
خلقه وتفضلا منه به عليهم وتطولا فشكره على نعمه التي أنعمها عليهم من
خلقه خلق عظيم فزاد كثيرا منهم من آلائه وأياديه على ما ابتدأهم به من فضله
وطوله كما وعدهم جل جلاله بقوله (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم
ولئن كفرتم إن عذابي لشديد) وجمع لهم بين الزيادة التي زادهم في عاجل دنياهم
والفوز بالنعيم المقيم والخلود في جنات النعيم في آجل آخرتهم وأخر لكثير
منهم الزيادة التي وعدهم فمدهم إلى حين مصيرهم ووقت قدومهم عليه توفيرا منه
كرامته عليهم يوم تبلى السرائر; وكفر نعمه خلق منهم عظيم فجحدوا آلاءه
3

وعبدوا سواء فسلبهم ما ابتدأهم به من الفضل والاحسان وأحل بهم النقمة
المهلكة في العاجل، وذخر لهم العقوبة المخزية في الآجل. ومتع كثيرا منهم
بنعمه أيام حياتهم استدراجا منه لهم وتوفيرا منه عليهم أوزارهم ليستحقوا من
عقوبته في الآجل ما قد أعد لهم، نعوذ بالله من عمل يقرب من سخطه ونسأله
التوفيق لما يدنى من رضاه ومحبته
(قال أبو جعفر) وأنا ذاكر في كتابي هذا من ملوك كل زمان من ابتداء
ربنا جل جلاله خلق خلقه إلى حال قيامهم من انتهى إلينا خبره ممن ابتدأه الله
تعالى بآلائه ونعمه فشكر نعمه من رسول له مرسل أو ملك مسلط أو خليفة
مستخلف فزاده إلى ما ابتدأه به من نعمه في العاجل نعما وإلى ما تفضل به عليه
فضلا ومن أخر ذلك له منهم وجعله له عنده ذخرا. ومن كفر منهم نعمه فسلبه
ما ابتدأه به من نعمه وعجل له نقمه، ومن كفر منهم نعمه فمتعه بما أنعم به عليه
إلى حين وفاته وهلاكه مقرونا ذكر كل من أنا ذاكره منهم في كتابي هذا
بذكر نعمائه وجمل ما كان من حوادث الأمور في عصره وأيامه إذ كان
الاستقصاء في ذلك يقصر عنه العمر وتطول به الكتب مع ذكرى مع ذلك
مبلغ مدة أكله وحين أجله بعد تقديمي أمام ذلك ما تقديمه بنا أولى والابتداء
به قبله أحجى من البيان عن الزمان ما هو وكم قدر جميعه وابتداء أوله وانتهاء
آخره، وهل كان قبل خلق الله تعالى إياه شئ غيره وهل هو فان وهل بعد فنائه
شئ غير وجه المسبح الخلاق تعالى ذكره وما الذي كان قبل خلق الله إياه
وما هو كائن بعد فنائه وانقضائه وكيف كان ابتداء خلق الله تعالى إياه وكيف
يكون فناؤه والدلالة على أن لا قديم إلا الله الواحد القهار الذي له ملك السماوات
والأرض وما بينهما وما تحت الثرى بوجيز من الدلالة غير طويل إذ لم نقصد
بكتابنا هذا قصد الاحتجاج لذلك بل لما ذكرنا من تاريخ الملوك الماضين
وجمل من أخبارهم وأزمان الرسل والأنبياء ومقادير أعمارهم وأيام الخلفاء
والسالفين وبعض سيرهم ومبالغ ولاياتهم والكائن الذي كان من الاحداث في
4

أعصارهم ثم أنا متبع آخر ذلك كله إن شاء الله وأيد منه بعون وقوة ذكر
صحابة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأسمائهم وكناهم ومبالغ أنسابهم ومبالغ
أعمارهم ووقت وفاة كل إنسان منهم والموضع الذي كانت به وفاته ثم متبعهم
ذكر من كان بعدهم من التابعين لهم بإحسان على نحو ما شرطنا من ذكرهم ثم
ملحق بهم ذكر من كان بعدهم من الخلف لهم كذلك وزائد في أمورهم للإبانة
عمن حمدت منهم روايته ونقلت أخباره ومن رفضت منهم روايته ونبذت أخباره
ومن وهن منهم نقله وضعف خبره والسبب الذي من أجله نبذ من نبذ منهم
خبره والعلة التي من أجلها وهن من وهن منهم نقل وإلى الله عز وجل أنا راغب
في العون على ما أقصده وأنويه والتوفيق لما ألتمسه وأبغيه فإنه ولى الحول والقوة
وصلى الله على محمد نبيه وآله وسلم تسليما (وليعلم الناظر) في كتابنا هذا أن
اعتمادي في كل ما أحضرت ذكره فيه مما شرطت أنى راسمه فيه إنما هو على
ما رويت من الاخبار التي أنا ذاكرها فيه والآثار التي أنا مسندها إلى رواتها
فيه دون ما أدرك بحجج العقول وأستنبط بفكر النفوس إلا اليسير القليل منه
إذ كان العلم بما كان من أخبار الماضين وما هو كائن من أنباء الحادثين غير
واصل إلى من لم يشاهدهم ولم يدرك زمانهم إلا بإخبار المخبرين ونقل الناقلين
دون الاستخراج بالعقول والاستنباط بفكر النفوس فما يكن في كتابي هذا
من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه أو يستشنعه سامعه من
أجل أنه لم يعرف له وجها في الصحة ولا معنى في الحقيقة فليعلم أنه لم يؤت
في ذلك من قبلنا وإنما أتى من قبل بعض ناقليه إلينا وإنا إنما أدينا ذلك على
نحو ما أدى إلينا
القول في الزمان ما هو؟
قال فالزمان هو ساعات الليل والنهار وقد يقال ذلك للطويل من المدة
والقصير منها والعرب تقول أتيتك زمان الحجاج أمير وزمن الحجاج أمير تعنى
5

به إذا الحجاج أمير وتقول أتيتك زمان الصرام تعنى به وقت الصرام ويقولون
أيضا أتيتك أزمان الحجاج أمير فيجمعون الزمان يريدون بذلك أن يجعلوا كل
وقت من أوقات إمارته زمانا من الأزمنة كما قال الراجز.
جاء الشتاء وقميصي أخلاق * شراذم يضحك منه التواق
فجعل القميص أخلاقا يريد بذلك وصف كل قطعة منه بالأخلاق كما يقولون
أرض سباسب ونحو ذلك * ومن قولهم للزمان زمن قول أعشى بنى قيس
ابن ثعلبة.
وكنت امرأ زمنا بالعراق * عفيف المناخ طويل الثفن
يريد بقوله زمنا زمانا فالزمان اسم لما ذكرت من ساعات الليل والنهار على
ما بينت ووصفت.
القول في كم قدر جميع الزمان
من ابتدائه إلى انتهائه وأوله إلى آخره
اختلف السلف قبلنا من أهل العلم في ذلك فقال بعضهم قدر جميع ذلك سبعة
آلاف سنة.
ذكر من قال ذلك
حدثنا ابن حميد قال حدثنا يحيى بن واضح قال حدثنا يحيى بن يعقوب عن حماد
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الدنيا جمعة من جمع الآخرة سبعة آلاف
سنة فقد مضى ستة آلاف سنة ومئو سنة وليأتين عليها مئون سنين ليس لها
موحد. وقال آخرون قدر جميع ذلك ستة آلاف سنة.
ذكر من قال ذلك
حدثنا أبو هشام قال حدثنا معاوية بن هشام عن سفيان عن الأعمش عن أبي
صالح قال قال كعب الدنيا ستة آلاف سنة،
حدثنا محمد بن سهل بن عسكر قال حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال
6

حدثني عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهبا يقول وقد خلا من الدنيا خمسة آلاف
سنة وستمائة سنة إني لا عرف كل زمان منها ما كان فيه من الملوك والأنبياء قلنا
لوهب بن منبه كم الدنيا قال ستة آلاف سنة * قال أبو جعفر والصواب من القول
في ذلك ما دل على صحته الخبر الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك
ما حدثنا به محمد بن بشار وعلي بن سهل قالا حدثنا مؤمل قال حدثنا سفيان عن
عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
أجلكم في أجل من كان قبلكم من صلاة العصر إلى مغرب الشمس.
حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر
قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ألا إنما أجلكم في أجل من خلا من
الأمم كما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس.
حدثنا الحسن بن عرفة قال حدثني عمار بن محمد بن أخت سفيان الثوري
أبو اليقظان عن ليث بن أبي سليم عن مغيرة بن حكيم عن عبد الله بن عمر قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بقى لامتي من الدنيا إلا كمقدار الشمس
إذا صليت العصر.
حدثني محمد بن عوف قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا شريك قال سمعت سلمة
ابن كهيل عن مجاهد عن ابن عمر قال كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم
والشمس مرتفعة على قعيقعان بعد العصر فقال ما أعماركم في أعمار. من مضى إلا
كما بقى من هذا النهار فيما مضى منه.
حدثنا ابن بشار ومحمد بن المثنى قال ابن بشار حدثني خلف بن موسى وقال ابن
المثنى حدثنا خلف بن موسى قال حدثني أبي عن قتادة عن أنس بن مالك أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم خطب أصحابه يوما وقد كادت الشمس أن تغيب ولم يبق منها إلا
شق يسير قال والذي نفس محمد بيده ما بقى من دنياكم فيما مضى منها إلا كما بقى من يومكم
هذا فيما مضى منه وما ترون من الشمس إلا اليسير.
حدثنا ابن وكيع قال حدثنا ابن عيينة عن علي بن زيد عن أبي نضرة عن
7

أبي سعيد قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم عند غروب الشمس إنما مثل ما بقى
من الدنيا فيما مضى منها كبقية يومكم هذا فيما مضى منه * حدثنا هناد بن
السرى وأبو هشام الرفاعي قالا حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبي حصين عن أبي
صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثت والساعة
كهاتين وأشار بالسبابة والوسطى * حدثنا أبو كريب قال حدثنا يحيى بن
آدم عن أبي بكر عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي بنحوه
* حدثنا هناد قال حدثنا أبو الأحوص وأبو معاوية عن الأعمش عن أبي
خالد الوالبي عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثت أنا
والساعة كهاتين * حدثنا أبو كبير قال حدثنا عثام بن علي عن الأعمش عن أبي
خالد الوالبي عن جابر بن سمرة قال كأني أنظر إلى أصبعي رسول الله صلى
الله عليه وسلم وأشار بالمسبحة التي تليها وهو يقول بعثت أنا والساعة كهذه
من هذه * حدثنا ابن حميد قال حدثني يحيى بن واضح قال حدثنا قطن عن أبي
خالد الوالبي عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثت من
الساعة كهاتين وجمع بين أصبعيه السبابة والوسطى * حدثنا ابن المثنى قال
حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة قال سمعت قتادة يحدث قال حدثنا أنس
ابن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثت أنا والساعة كهاتين قال
شعبة سمعت قتادة يقول في قصصه كفضل إحداهما على الأخرى قال لا أدرى
أذكره عن أنس أو قاله قتادة * حدثنا خلاد بن أسلم قال حدثنا النضر بن
شميل قال حدثنا شعبة عن قتادة قال حدثنا أنس بن مالك قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم بعثت أنا والساعة كهاتين * حدثنا مجاهد بن موسى قال
حدثنا يزيد قال حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه
وسلم مثله وزاد في حديثه وأشار بالوسطى والسبابة * حدثنا محمد بن عبد الله
ابن عبد الحكم قال حدثنا أيوب بن سويد عن الأوزاعي قال حدثنا إسماعيل بن
عبيد الله قال قدم أنس بن مالك على الوليد بن عبد الملك فقال له الوليد ماذا
8

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر به الساعة؟ قال سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول أنتم والساعة كهاتين وأشار بأصبعيه
* حدثني العباس بن الوليد قال أخبرني أبي قال حدثنا الأوزاعي قال حدثني
إسماعيل بن عبيد الله قال قدم أنس بن مالك على الوليد بن عبد الملك فقال له
الوليد ماذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر به الساعة؟ قال سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أنتم والساعة كتين * حدثني ابن عبد الرحيم
البرقي قال حدثنا عمرو بن أبي سلمة عن الأوزاعي حدثني إسماعيل بن عبيد الله
قال قدم أنس بن مالك على الوليد بن عبد الملك فذكر مثله * حدثني محمد بن
عبد الاعلى قال حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه قال حدثني معبد حدث
أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال بعثت أنا والساعة كهاتين وقال
بأصبعيه هكذا * حدثنا ابن المثنى قال حدثنا وهب بن جرير قال حدثنا شعبة
عن أبي التياح عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثت أنا
والساعة كهاتين السبابة والوسطى قال أبو موسى وأشار وهب بالسبابة
والوسطى * حدثني عبد الله بن أبي زياد قال حدثنا وهب بن جرير قال حدثنا
شعبة عن أبي التياح وقتادة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
بعثت أنا والساعة كهاتين وقرن بين أصبعيه * حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع
قال حدثنا الفضيل بن سليمان حدثنا أبو حازم قال حدثنا سهل بن سعد قال
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بأصبعيه هكذا الوسطى والتي تلى
الابهام بعثت أنا الساعة كهاتين * حدثنا محمد بن يزيد الآدمي قال حدثنا أبو
ضمرة عن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي ان رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال بعثت والساعة كهاتين وضم بين أصبعيه الوسطى والتي تلى الابهام
وقال ما مثلي ومثل الساعة إلا كفرسي رهان ثم قال ما مثلي ومثل الساعة إلا
كمثل رجل بعثه قوم طليعة فلما خشى أن يسبق ألاح بثوبه أتيتم أتيتم. أنا
ذاك أنا ذاك * حدثنا أبو كريب قال حدثنا خالد عن محمد بن جعفر عن
9

أبى حازم عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثت أنا والساعة
كهاتين وجمع بين أصبعيه * حدثنا أبو كريب قال حدثنا خالد قال حدثنا
سليمان بن بلال قال حدثني أبو سالم عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم بعثت أنا والساعة هكذا وقرن بين أصبعيه الوسطى والتي تلى
الابهام * حدثني ابن عبد الرحيم البرقي قال حدثنا ابن أبي مريم قال حدثنا
محمد بن جعفر قال حدثني أبو حازم عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم بعثت أنا والساعة كهاتين وجمع بين أصبعيه
* حدثنا أبو كريب قال حدثنا أبو نعيم عن بشير بن المهاجر قال حدثني عبد الله
ابن بريدة عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بعثت أنا
والساعة جميعا إن كادت لتسبقني * حدثني محمد بن عمر بن هياج قال حدثنا
يحيى بن عبد الرحمن قال حدثني عبيدة بن الأسود عن مجالد عن قيس بن أبي
حازم عن المستورد بن شداد الفهري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
بعثت في نفس الساعة سبقتها كما سبقت هذه هذه لأصبعيه السبابة والوسطى
ووصف لنا أبو عبد الله جمعهما * حدثني أحمد بن محمد بن حبيب قال حدثنا
أبو نصر قال حدثنا المسعودي عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن أبي
حبيرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثت مع الساعة كهاتين وأشار
بأصبعيه الوسطى والسبابة كفضل هذه على هذه * حدثنا تميم بن المنتصر
قال أخبرنا يزيد قال أخبرنا إسماعيل عن شبيل بن عوف عن أبي جبيرة عن
أشياخ من الأنصار قالوا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول جئت أنا
والساعة هكذا قال الطبراني وأرانا تميم وضم السبابة والوسطى وقال لنا أشار
يزيد بأصبعيه السبابة والوسطى وضمهما وقال سبقتها كما سبقت هذه هذه في نفس
الساعة أو نفس الساعة فمعلوم إذ كان اليوم أوله طلوع الفجر وآخره غروب
الشمس وكان صحيحا عن نبينا صلى الله عليه وسلم ما رويناه عنه قيل إنه قال بعد
ما صلى العصر ما بقى من الدنيا فيما مضى منها إلا كما بقى من يومكم هذا فيما مضى
10

منه وأنه قال لأصحابه بعثت أنا والساعة كهاتين وجمع بين السبابة والوسطى
سبقتها بقدر هذه من هذه يعنى الوسطى من السبابة وكان قدر ما بين أوسط
أوقات صلاة العصر وذلك إذا صار ظل كل شئ مثليه على التحرى إنما يكون
قدر نصف سبع اليوم يزيد قليلا أو ينقص قليلا وكذلك فصل ما بين الوسطى
والسبابة إنما يكون نحوا من ذلك وقريبا منه وكان صحيحا مع ذلك عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال
حدثني عمى عبد الله بن وهب قال حدثني معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن
جبير بن نفير عن أبيه جبير بن نفير أنه سمع أبا ثعلبة الخشني صاحب النبي صلى
الله عليه وسلم يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لن يعجز الله هذه
الأمة من نصف يوم وكان معنى قول النبي ذلك أن لن يعجز الله هذه الأمة من
نصف يوم الذي مقداره ألف سنة كان بينا أن أولى القولين اللذين ذكرت في
مبلغ قدر مدة جميع الزمان اللذين أحدهما عن ابن عباس والآخر منهما عن
كعب بالصواب وأشبههما بما دلت عليه الأخبار الواردة عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قول ابن عباس الذي روينا عنه أنه قال الدنيا جمعة من جمع
الآخرة سبعة آلاف سنة وإذ كان ذلك كذلك وكان الخبر عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم صحيحا أنه أخبر عن الباقي من ذلك في حياته أنه نصف يوم وذلك
خمسمائة عام إذا كان ذلك نصف يوم من الأيام الذي قدر اليوم الواحد منها
ألف عام كان معلوما أن الماضي من الدنيا إلى وقت قول النبي صلى الله عليه
وسلم ما رويناه عن أبي ثعلبة الخشني عنه وكان قدر ستة آلاف سنة وخمسمائة
سنة أو نحوا من ذلك وقريبا منه والله أعلم
فهذا الذي قلنا في قدر مدة أزمان الدنيا من مبدأ أولها إلى منتهى آخرها
من أثبت ما قيل في ذلك عندنا من القول للشواهد الدالة التي بيناها على صحة ذلك
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر يدل على صحة قول من قال
إن الدنيا كلها ستة آلاف سنة لو كان صحيحا عنده لم نعد القول به إلى غيره
11

وذلك ما حدثني به محمد بن سنان القزاز قال حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث
حدثنا زبان عن عاصم عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال الحقب ثمانون عاما اليوم منها سدس الدنيا فبين في هذا الخبر أن الدنيا
كلها ستة آلاف سنة وذلك أن اليوم الذي هو من أيام الآخرة إذا كان مقداره
ألف سنة من سنى الدنيا وكان اليوم الواحد من ذلك سدس الدنيا كان معلوما
بذلك أن جميعها ستة أيام من أيام الآخرة وذلك ستة آلاف سنة. وقد تزعم
اليهود أن جميع ما ثبت عندهم على ما في التوراة مما بين فيها من لدن خلق الله آدم
إلى وقت الهجرة وذلك التوراة التي هي في أيديهم اليوم أربعة آلاف سنة
وستمائة سنة واثنتان وأربعون سنة وقد ذكروا تفصيل ذلك بولادة رجل
رجل ونبى نبي وموته من عهد آدم إلى هجرة نبينا محمد صلى الله عليه وآله
وسأذكر تفصيلهم ذلك إن شاء الله وتفصيل غيرهم ممن فصله من علماء أهل
الكتاب وغيرهم من أهل العلم بالسير وأخبار الناس إذا انتهيت إليه إن شاء الله
وأما اليونانية من النصارى فإنها تزعم أن الذي ادعته اليهود من ذلك باطل وأن
الصحيح من القول في قدر مدة أيام الدنيا من لدن خلق الله آدم إلى وقت هجرة
نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على سياق ما عندهم في التوراة التي هي في أيديهم
خمسة آلاف سنة وتسعمائة سنة واثنتان وتسعون سنة وأشهر وذكروا تفصيل
ما ادعوه من ذلك بولادة نبي نبي وملك ملك ووفاته من عهد آدم إلى هجرة
رسول الله صلى الله عليه وسلم وزعموا أن اليهود إنما نقصوا ما نقصوا من عدد
سنى ما بين تاريخهم وتاريخ النصارى دفعا منهم لنبوة عيسى بن مريم عليه السلام
إذ كانت صفته ووقت مبعثه مثبتة في التوراة وقالوا لم يأت الوقت الذي وقت
لنا في التوراة أن الذي صفته صفة عيسى يكون فيه وهم ينتظرون بزعمهم خروجه
ووقته فأحسب أن الذي ينتظرونه ويدعون أن صفته في التوراة مثبتة هو
الدجال الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم لامته وذكر لهم أن عامة
أتباعه اليهود فإن كان ذلك هو عبد الله بن صياد فهو من نسل اليهود. وأما المجوس
12

فإنهم يزعمون أن قدر مدة الزمان من لدن ملك جيومرت إلى وقت هجرة نبينا
صلى الله عليه وسلم ثلاثة آلاف سنة ومائة سنة وتسع وثلاثون سنة وهم
لا يذكرون مع ذلك نسبا يعرف فوق جيومرت ويزعمون أنه آدم أبو البشر
صلى الله عليه وسلم وعلى جميع أنبياء الله ورسله. ثم أهل الأخبار بعد في أمره
مختلفون فمن قائل منهم فيه مثل قول المجوس ومن قائل منهم إنه تسمى بآدم بعد
أن ملك الأقاليم السبعة وأنه إنما هو جامر بن يافث بن نوح كان بنوح عليه
السلام برا ولخدمته ملازما وعليه حدبا شفيقا فدعا الله له ولذريته لذلك من بره
به ولخدمته له بطول العمر والتمكين في البلاد والنصر على من ناوأه وإياهم
واتصال الملك له ولذريته ودوامه له ولهم فاستجيب له فيه فأعطى جيومرت
ذلك وولده فهو أبو الفرس ولم يزل الملك فيه وفى ولده إلى أن زال عنهم بدخول
المسلمين مدائن كسرى وغلبة أهل الاسلام إياهم على ملكهم، ومن قائل غير
ذلك، وسنذكر إن شاء الله ما انتهى إلينا من القول فيه إذا انتهينا إلى ذكرنا
تاريخ الملوك ومبالغ أعمارهم وأنسابهم وأسباب ملكهم
القول في الدلالة
على حدوث الأوقات والأزمان والليل والنهار
قد قلنا قبل إن الزمان إنما هو اسم لساعات الليل والنهار وساعات الليل والنهار إنما هي
مقادير من جرى الشمس والقمر في الفلك كما قال الله عزو جل (وآية لهم الليل نسلخ
منه النهار فإذا هم مظلمون. والشمس تجرى لمستقر لها ذلك تقدير العزيز
العليم. والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم. لا الشمس
ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون)
فإذا كان الزمان ما ذكرنا من ساعات الليل والنهار وكانت ساعات الليل
والنهار إنما هي قطع الشمس والقمر درجات الفلك كان بيقين معلوما أن الزمان
محدث والليل والنهار محدثان وأن محدث ذلك الله عز وجل الذي تفرد بإحداث
13

جميع خلقه كما قال جل جلاله (وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس
والقمر كل في فلك يسبحون) ومن جهل حدوث ذلك من خلق الله فإنه لن
يجهل اختلاف أحوال الليل والنهار بأن أحدهما يرد على الخلق وهو الليل بسواد
وظلمة وأن الآخر منهما يرد عليهم بنور وضياء نسخ لسواد الليل وظلمته وهو
النهار فإذا كان ذلك كذلك وكان من المحال اجتماعهما مع اختلاف أحوالهما في
وقت واحد في جزء واحد كان معلوما يقينا أنه لا بد أن يكون أحدهما كان
قبل الآخر منهما، وأيهما كان منهما قبل صاحبه فإن الآخر منهما كان لا شك بعده
وذلك إبانة ودليل على حدوثهما وأنهما خلقان لخالقهما أو من الدلالة أيضا على
حدوث الأيام والليالي أنه لا يوم إلا وهو بعد يوم كان قبله وقبل يوم كائن بعده
فمعلوم أن ما لم يكن ثم كان أنه محدث مخلوق وأن له خالقا ومحدثا والاخرى أن
الأيام والليالي معدودة وما عد من الأشياء فغير خارج من أحد العددين شفع
أو وتر فإن لم يكن شفعا فإن أولها اثنان وذلك تصحيح القول بأن لها ابتداء
وأولا وإن كان وترا فإن أولها واحد وذلك دليل على أن لها ابتداء وأولا وما
كان له ابتداء فإن لابد له من مبتدئ وهو خالقه
القول في: هل كان الله عز وجل خلق قبل خلقه الزمان
والليل والنهار شيئا غير ذلك من الخلق؟
قد قلنا إن الزمان إنما هو ساعات الليل والنهار وإن الساعات إنما هي قطع
الشمس والقمر درجات الفلك فإذا كان ذلك كذلك وكان صحيحا عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم ما حدثنا هناد بن السرى قال حدثنا أبو بكر بن عياش
عن أبي سعد البقال عن عكرمة عن ابن عباس قال هناد وقرأت في سائر
الحديث أن اليهود أتت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته عن خلق السماوات
والأرض فقال خلق الله الأرض يوم الأحد والاثنين وخلق الجبال يوم
الثلاثاء وما فيهن من منافع وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والمدائن
14

والعمران والخراب فهذه أربعة قال (أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض
في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين * وجعل فيها رواسي
من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين)
لمن سأل، قال وخلق يوم الخميس السماء وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس
والقمر والملائكة إلى ثلاث ساعات بقيت منه فخلق في أول ساعة من هذه
الثلاث الساعات الآجال من يحيا ومن يموت وفى الثانية ألقى الآفة على كل
شئ مما ينتفع به الناس. في الثالثة آدم وأسكنه الجنة وأمر إبليس بالسجود له
وأخرجه منها في آخر ساعة ثم قالت اليهود ثم ماذا يا محمد قال ثم استوى على
العرش قالوا قد أصبت لو أتممت قالوا ثم استراح فغضب النبي صلى الله عليه
وسلم غضبا شديدا فنزلت (ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما
في ستة أيام وما مسنا من لغوب فاصبر على ما يقولون) * حدثني القاسم
ابن بشر بن معروف والحسين بن علي الصدائي قال حدثنا حجاج قال ابن جريج
أخبرني إسماعيل بن أمية عن أيوب بن خالد عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة
عن أبي هريرة قال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال خلق الله
التربة يوم السبت وخلق فيها الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الاثنين
وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الأربعاء وبث فيها الدواب يوم
الخميس وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة آخر خلق خلق في آخر ساعة من
ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل * حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيع قال
حدثنا الفضل بن سليمان قال حدثني محمد بن زيد قال حدثني أبو سلمة بن
عبد الرحمن بن عوف قال أخبرني ابن سلام وأبو هريرة فذكرا عن النبي صلى
الله عليه وسلم الساعة التي في يوم الجمعة وذكرا أنه قالها فقال عبد الله بن سلام
أنا أعلم أي ساعة هي: بدأ الله في خلق السماوات والأرض يوم الأحد وفرغ في
آخر ساعة من يوم الجمعة فهي آخر ساعة من يوم الجمعة * حدثني المثنى قال
حدثنا الحجاج حدثنا حماد عن عطاء بن السائب عن عكرمة أن اليهود قالوا للنبي
15

صلى الله عليه وسلم ما يوم الأحد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خلق الله
فيه الأرض وكبسها قالوا فالإثنين قال خلق الله فيه آدم قالوا فالثلاثاء قال خلق
فيه الجبال والماء وكذا وكذا وما شاء الله قالوا فيوم الأربعاء قال الأقوات
قالوا فيوم الخميس قال خلق السماوات قالوا فيوم الجمعة قال خلق الله في ساعتين الليل
والنهار ثم قالوا السبت وذكروا الراحة قال سبحان الله فأنزل الله تبارك وتعالى
(ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من
لغوب) فقد بين هذان الخبران اللذان رويناهما عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن الشمس والقمر خلقا بعد خلق الله أشياء كثيرة من خلقه وذلك أن
حديث ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورد بأن الله خلق الشمس
والقمر يوم الجمعة فإن كان ذلك كذلك فقد كانت الأرض والسماء وما فيهما
سوى الملائكة وآدم مخلوقة قبل خلق الله الشمس والقمر وكان ذلك كله ولا
ليل ولا نهار إذ كان الليل والنهار إنما هو اسم لساعات معلومة من قطع الشمس
والقمر درج الفلك وإذا كان صحيحا أن الأرض والسماء وما فيهما سوى ما ذكرنا
قد كانت ولا شمس ولا قمر كان معلوما أن ذلك كله كان ولا ليل ولا نهار
وكذلك حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه أخبر عنه
أنه قال خلق الله النور يوم الأربعاء يعنى بالنور الشمس إن شاء الله * فإن قال لنا
قائل قد زعمت أن اليوم إنما هو اسم لميقات ما بين طلوع الفجر إلى غروب
الشمس ثم زعمت الآن أن الله خلق الشمس والقمر بعد أيام من أول ابتدائه
خلق الأشياء التي خلقها فأثبت مواقيت وسميتها بالأيام ولا شمس ولا قمر وهذا
أن لم تأت ببرهان على صحته فهو كلام ينقض بعضه بعضا * قيل إن الله سمى
ما ذكرته أياما فسميته بالاسم الذي سماه به وكان وجه تسمية ذلك أياما ولا
شمس ولا قمر نظير قول عز وجل (ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا) ولا
بكرة ولا عشى هنا لك إذا كان لا ليل في الآخرة ولا شمس ولا قمر كما قال جل
وعز (ولا يزال الذين كفروا في مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغتة أو
16

يأتيهم عذاب يوم عقيم) فسمى تعالى ذكره يوم القيامة يوما عقيما إذ كان
يوما لا ليل بعد مجيئه وإنما أريد بتسمية ما سمى أياما قبل خلق الشمس والقمر
قدر مدة الف عام من أعوام الدنيا التي العام منها اثنا عشر شهرا من شهور
أهل الدنيا التي تعد ساعاتها وأيامها بقطع الشمس والقمر درج الفلك كما سمى
بكرة وعشيا لما يرزقه أهل الجنة في قدر المدة التي كانوا يعرفون ذلك من
الزمان في الدنيا بالشمس ومجراها في الفلك ولا شمس عندهم ولا ليل وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال السلف من أهل العلم
ذكر بعض من حضرنا ذكره ممن قال ذلك
* حدثني القاسم قال حدثنا حجاج عن ابن جريج عن مجاهد أنه قال يقضى الله
عز وجل أمر كل شئ ألف سنة إلى الملائكة ثم كذلك حتى يمضى ألف سنة
ثم يقضى أمر كل شئ ألفا ثم كذلك أبدا قال (يوم كان مقداره ألف سنة)
قال اليوم أن يقول لما يقضى إلى الملائكة ألف سنة كن فيكون ولكن سماه
يوما سماه كما شاء كل ذلك عن مجاهد قال وقوله تعالى (وإن يوما عند ربك
كالف سنة مما تعدون) قال هو هو سواء وبنحو الذي ورد عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم من الخبر بأن الله جل جلاله خلق الشمس والقمر بعد خلقه
السماوات والأرض وأشياء غير ذلك ورد الخبر عن جماعة من السلف
أنهم قالوه
ذكر الخبر عمن قال ذلك منهم
* حدثنا أبو هشام الرفاعي حدثنا ابن يمان حدثنا سفيان عن ابن جريج
عن سليمان بن موسى عن مجاهد عن ابن عباس (فقال لها وللأرض ائتيا طوعا
أو كرها قالتا أتينا طائعين) قال قال الله عز وجل للسموات أطلعي شمسي
وقمري ونجومي وقال الأرض شققي أنهارك وأخرجي ثمارك فقالتا أتينا طائعين
* حدثنا بشر بن معاذ حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد عن قتادة (وأوحى في كل
سماء أمرها) خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها وصلاحها فقد بينت هذه
17

الاخبار التي ذكرناها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمن ذكرناها عنه
أن الله عز وجل خلق السماوات والأرض قبل خلقه الزمان والأيام والليالي
وقبل الشمس والقمر والله أعلم
القول في الإبانة عن فناء الزمان والليل والنهار
وأن لا شئ يبقى غير الله تعالى ذكره
والدلالة على صحة ذلك قول الله تعالى ذكره (كل من عليها فان ويبقى
وجه ربك ذو الجلال والاكرام) وقوله تعالى (لا إله إلا هو كل شئ
هالك إلا وجهه) فإن كان كل شئ هالك غير وجهه كما قال عز وجل وكان الليل
والنهار ظلمة أو نورا خلقهما لمصالح خلقه فلا شك أنهما فانيان هالكان كما أخبر
جل ثناؤه وكما قال عز وجل (إذ الشمس كورت) يعنى بذلك أنها عميت فذهب ضوؤها
وذلك عند قيام الساعة وهذا ما لا يحتاج إلى الاكثار فيه إذ كان مما يدين
بالاقرار به جميع أهل التوحيد من أهل الاسلام وأهل التوراة والإنجيل والمجوس
وإنما ينكره قوم من غير أهل التوحيد لم نقصد بهذا الكتاب قصد الإبانة
عن خطا قولهم وكل الذي ذكرنا عنهم أنهم مقرون بفناء جميع العالم حتى لا يبقى
غير القديم الواحد مقرون بأن الله عز وجل محييهم بعد فنائهم وباعثهم بعد هلاكهم
خلا قوم من عبد ة الأوثان فإنهم يقرون بالفناء وينكرون البعث.
القول في الدلالة على أن الله عز وجل القديم الأول قبل كل شئ
وأنه هو المحدث كل شئ بقدرته تعالى ذكره
فمن الدلالة على ذلك أن لا شئ في العالم مشاهد إلا جسم أو قائم بجسم وأنه
لا جسم الا مفترق أو مجتمع وأنه لا مفترق منه إلا وهو موهوم فيه الائتلاف
إلى غيره من اشكاله ولا مجتمع منه الا وهو موهوم فيه الافتراق وأنه متى عدم
أحدهما عدم الآخر معه وأنه إذا اجتمع الجزآن منه بعد الافتراق فمعلوم أن
اجتماعهما حادث فيهما بعد أن لم يكن وأن الافتراق إذا حدث فيهما بعد الاجتماع
18

فمعلوم أن الافتراق فيهما حادث بعد أن لم يكن وإذا كان الامر فيما في العالم من شئ
كذلك وكان حكم ما لم يشاهد وما هو من جنس ما شاهدنا في معنى جسم أو قائم
بجسم وكان ما لم يخل من الحدث لا شك أنه محدث بتأليف مؤلف له إن كان مجتمعا
وتفريق مفرق له إن كان مفترقا وكان معلوما بذلك أن جامع ذلك إن كان مجتمعا
ومفرقه إن كان مفترقا من لا يشبهه ومن لا يجوز عليه الاجتماع والافتراق وهو
الواحد القادر الجامع بين المختلفات الذي لا يشبهه شئ وهو على كل شئ قدير
فبين بما وصفنا أن بارئ الأشياء ومحدثها كان قبل كل شئ وأن الليل والنهار
والزمان والساعات محدثات وأن محدثها الذي يدبرها ويصرفها قبلها إذ كان من
المحال أن يكون شئ يحدث شيئا الا ومحدثه قبله وأن في قوله تعالى ذكره (أفلا
ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف
نصبت وإلى الأرض كيف سطحت) لا بلغ الحجج وأدل الدلائل لمن فكر
بعقل واعتبر بفهم على قدم بارئها وحدوث كل ما جانسها وأن لها خالقا لا يشبهها
وذلك أن كلما ذكر ربنا تبارك وتعالى في هذه الآية من الجبال والأرض والإبل
فان ابن آدم يعالجه ويدبره بتحويل وتصريف وحفر ونحت وهدم غير ممتنع
عليه شئ من ذلك ثم إن ابن آدم مع ذلك غير قادر على إيجاد شئ من ذلك من
غير أصل فمعلوم أن العاجز عن إيجاد ذلك لم يحدث نفسه وأن الذي هو غير
ممتنع ممن أراد تصريفه وتقليبه لم يوجده من هو مثله ولا هو أوجد نفسه وأن
الذي أنشأه وأوجد عينه هو الذي لا يعجزه شئ أراده ولا يمتنع على إحداث
شئ شاء إحداثه وهو الله الواحد القهار * فان قال قائل فما ينكر أن تكون الأشياء
التي ذكرت من فعل قديمين قيل أنكرنا ذلك لوجودنا اتصال التدبير وتمام
الخلق * فقلنا لو كان المدبر اثنين لم يخلو من اتفاق أو اختلاف فان كانا متفقين فمعناهما
واحد وإنما جعل الواحد اثنين من قال بالاثنين وإن كانا مختلفين كان محالا وجود
الخلق على التمام والتدبير على الاتصال لان المختلفين فعل كل واحد منهما خلاف
فعل صاحبه بأن أحدهما إذا أحيا أمات الآخر وإذا أوجد أحدهما أفنى الآخر
19

فكان محالا وجود شئ من الخلق على ما وجد عليه من التمام والاتصال وفى
قول الله عز وجل ذكره (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب
العرش عما يصفون) وقوله عز وجل (ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من
إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما
يصفون. عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون) أبلغ حجة وأوجز بيان
وأدل دليل على بطول ما قاله المبطلون من أهل الشرك بالله وذلك أن السماوات
والأرض لو كان فيهما إله غير الله لم يخل أمرهما مما وصفت من اتفاق
واختلاف وفى القول باتفاقهما فساد القول بالتثنية وإقرار بالتوحيد وإحالة
في الكلام بأن قائله سمى الواحد اثنين وفى القول باختلافهما القول بفساد
السماوات والأرض كما قال ربنا عز وجل " لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا " لان أحدهما
كان إذا أحدث شيئا وخلقه كان من شأن الآخر إعدامه وإبطاله وذلك أن كل
مختلفين فأفعالهما مختلفة كالنار التي تسخن والثلج الذي يبرد ما أسخنته النار وأخرى
أن ذلك لو كان كما قاله المشركون بالله لم يخل كل واحد من الاثنين اللذين أثبتوهما
قديمين من أن يكونا قويين أو عاجزين فإن كانا عاجزين فالعاجز مقهور وغير كائن
إلها وإن كانا قويين فإن كل واحد منهما يعجزه عن صاحبه عاجز والعاجز
لا يكون إلها فإن كان كل واحد منهما قويا على صاحبه فهو بقوة صاحبه عليه
عاجز، تعالى ذكره عما يشرك المشركون * فتبين إذا أن القديم بارئ الأشياء
وصانعها هو الواحد الذي كان قبل كل شئ * وهو الكائن بعد كل شئ والأول
قبل كل شئ والآخر بعد كل شئ وأنه كان ولا وقت ولا زمان * ولا ليل
ولا نهار ولا ظلمة ولا نور إلا نور وجهه الكريم ولا سماء ولا أرض ولا شمس
ولا قمر ولا نجوم وأن كل شئ سواه محدث مدبر مصنوع انفرد بخلق جميعه بغير
شريك ولا معين ولا ظهير سبحانه من قادر قاهر * وقد حدثني علي بن سهل الرملي
قال حدثنا زيد بن أبي الزرقاء عن جعفر عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: انكم تسألون بعدي عن كل شئ حتى يقول القائل هذا
20

الله خلق كل شئ فمن ذا خلقه * حدثني على حدثنا زيد عن جعفر قال قال يزيد
ابن الأصم حدثني نجية بن صبيغ قال كنت عند أبي هريرة فسألوه عن هذا
فكبر وقال ما حدثني خليل بشئ، إلا قد رأيته وأنا أنتظره قال جعفر فبلغني أنه
قال إذا سألكم الناس عن هذا فقولوا: الله خالق كل شئ الله كان قبل كل شئ
والله كائن بعد كل شئ فإذا كان معلوما أن خالق الأشياء وبارئها كان ولا شئ
غيره وأنه أحدث الأشياء فدبرها وأنه قد خلق صنوفا من خلقه قبل خلق الأزمنة
والأوقات وقبل خلق الشمس والقمر اللذين يجريهما في أفلاكهما وبهما عرفت
الأوقات والساعات وأرخت التاريخات وفصل بين الليل والنهار فلنقل في ما ذلك
الخلق الذي خلق قبل ذلك وما كان أوله:
القول في ابتداء الخلق ما كان أوله
صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما حدثني به يونس بن عبد الاعلى
قال أخبرنا ابن وهب قال حدثني معاوية بن صالح وحدثني عبيد بن آدم بن أبي إياس
العسقلاني قال حدثنا أبي قال حدثنا الليث بن سعد عن معاوية بن صالح عن أيوب
ابن زياد قال حدثني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال أخبرني أبي قال قال
أبى عبادة بن الصامت يا بنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أول
ما خلق الله القلم فقال له اكتب فجرى في تلك الساعة بما هو كائن * حدثني أحمد
ابن محمد بن حبيب قال حدثنا علي بن الحسن بن شقيق قال أخبرنا عبد الله بن المبارك
قال أخبرنا رياح بن يزيد عن عمر بن حبيب عن القاسم بن أبي بزة عن سعيد بن جبير
عن ابن عباس أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن أول
شئ خلق الله القلم وأمره أن يكتب كل شئ * حدثني موسى بن سهل الرملي
حدثنا نعيم بن حماد حدثنا ابن المبارك قال أخبرنا رياح بن يزيد عن عمر بن حبيب
عن القاسم بن أبي بزة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم بنحوه * حدثني محمد بن معاوية الأنماطي حدثنا عباد بن العوام حدثنا
21

عبد الواحد بن سليم قال سمعت عطاء قال سألت الوليد بن عبادة بن الصامت كيف
كانت وصية أبيك حين حضره الموت؟ قال دعاني فقال أي بنى اتق الله واعلم أنك
لن تتقى الله ولن تبلغ العلم حتى تؤمن بالله وحده والقدر خيره وشره انى سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أول ما خلق الله عز وجل خلق القلم فقال
له اكتب قال يا رب وما أكتب قال اكتب القدر قال فجرى القلم في تلك الساعة
بما كان وبما هو كائن إلى الأبد * وقد اختلف السلف قبلنا في ذلك فنذكر أقوالهم
ثم نتبع البيان عن ذلك إن شاء الله تعالى. فقال بعضهم في ذلك بنحو الذي روى
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه
ذكر من قال ذلك
* حدثني واصل بن عبد الاعلى الأسدي قال حدثنا محمد بن فضيل عن
الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال أول ما خلق الله من شئ القلم فقال
له اكتب فقال وما أكتب يا رب قال اكتب القدر قال فجرى القلم بما هو كائن
من ذلك إلى قيام الساعة ثم رفع بخار الماء ففتق منه السماوات * حدثنا واصل
ابن عبد الاعلى قال حدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس نحوه
* حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا ابن أبي عدى عن شعبة عن سليمان عن أبي ظبيان
عن ابن عباس قال أول ما خلق الله من شئ القلم فجرى بما هو كائن * حدثنا تميم
ابن المنتصر أخبرنا إسحاق عن شريك عن الأعمش عن أبي ظبيان أو مجاهد عن
ابن عباس بنحوه * حدثنا محمد بن عبد الاعلى قال حدثنا ابن ثور قال حدثنا
معمر حدثنا الأعمش أن ابن عباس قال إن أول شئ خلق القلم * حدثنا ابن حميد
حدثنا جرير عن عطاء عن أبي الضحى مسلم بن صبيح عن ابن عباس قال إن أول
شئ خلق ربي عز وجل القلم فقال له اكتب فكتب ما هو كائن إلى أن تقوم
الساعة. وقال آخرون بل أول شئ خلق الله عز وجل من خلقه: النور والظلمة
ذكر من قال ذلك
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة بن الفضل قال ابن إسحاق كان أول ما خلق
22

خلق السماوات والأرض فلما فرغ من السماء قبل أن يخلق أقوات
الأرض بث أقوات الأرض فيها بعد خلق السماء وأرسى الجبال يعنى بذلك
دحاها ولم تكن تصلح أقوات الأرض ونباتها إلا بالليل والنهار فذلك قوله عز
وجل " والأرض بعد ذلك دحاها " ألم تسمع أنه قال " أخرج منها ماءها ومرعاها "
قال أبو جعفر والصواب من القول في ذلك عندنا ما قاله الذين قالوا إن الله
خلق الأرض يوم الأحد وخلق السماء يوم الخميس وخلق النجوم والشمس
والقمر يوم الجمعة لصحة الخبر الذي ذكرنا قبل عن ابن عباس عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم بذلك وغير مستحيل ما روينا في ذلك عن ابن عباس من
القول وهو أن يكون الله تعالى ذكره خلق الأرض ولم يدحها ثم خلق السماوات
فسواهن ثم دحا الأرض بعد ذلك فأخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها
بل ذلك عندي هو الصواب من القول في ذلك وذلك أن معنى الدحو غير
معنى الخلق وقال الله عز وجل (أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها. رفع
سمكها فسواها. وأغطش ليلها وأخرج ضحاها، والأرض بعد ذلك دحاها
أخرج منها ماءها ومرعاها. والجبال أرساها) * فان قال قائل فإنك قد علمت
أن جماعة من أهل التأويل قد وجهت قول الله " والأرض بعد ذلك دحاها " إلى
معنى مع ذلك دحاها فما برهانك على صحة ما قلت من أن ذلك بمعنى بعد التي هي
خلاف قبل؟ * قيل والمعروف من معنى بعد في كلام العرب هو الذي قلنا من
أنها بخلاف معنى قبل لا بمعنى مع وإنما توجه معاني الكلام إلى الأغلب عليه
من معانيه المعروفة في أهله لا إلى غير ذلك * وقد قيل إن الله خلق البيت العتيق
على الماء على أربعة أركان قبل أن يخلق الدنيا بألفي عام ثم دحيت الأرض
من تحته
ذكر من قال ذلك
حدثنا ابن حميد قال حدثنا يعقوب القمي عن جعفر عن عكرمة عن ابن عباس
قال وضع البيت على الماء على أربعة أركان قبل أن يخلق الدنيا بألفي عام ثم
23

قد فرغ منه، وكذلك قول ابن إسحاق الذي ذكرناه عنه معناه أن الله خلق النور
والظلمة بعد خلقه عرشه والماء الذي عليه عرشه وقول رسول الله صلى الله عليه
وسلم الذي رويناه عنه أولى قول في ذلك بالصواب لأنه كان أعلم قائل في ذلك
قولا يحقيقته وصحته وقد روينا عنه عليه السلام أنه قال: أول شئ خلقه الله عز
وجل القلم من غير استثناء منه شيئا من الأشياء انه تقدم خلق الله إياه خلق
القلم بل عم بقوله صلى الله عليه وسلم أن أول شئ خلقه الله القلم قبل كل
شئ إن القلم مخلوق قبله من غير استثنائه من ذلك عرشا ولا ماء ولا شيئا
غير ذلك * فالرواية التي رويناها عن أبي ظبيان وأبى الضحى عن ابن
ابن عباس أولى بالصحة عن ابن عباس من خبر مجاهد عنه الذي رواه عنه أبو هاشم
إذ كان أبو هاشم قد اختلف في رواية ذلك عنه شعبة وسفيان على ما قد ذكرت
من اختلافهما فيها وأما ابن إسحاق فإنه لم يسند قوله الذي قاله في ذلك إلى أحد
وذلك من الأمور التي لا يدرك علمها إلا بخبر من الله عز وجل أو خبر من
رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذكرت الرواية فيه عن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم
القول في الذي ثنى خلق القلم
ثم إن الله جل جلاله خلق بعد القلم وبعد أن أمره فكتب ما هو كائن إلى قيام
الساعة سحابا رقيقا وهو الغمام الذي ذكره عز وجل ذكره في محكم كتابه فقال
(هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام) وذلك قبل أن يخلق
عرشه وبذلك ورد الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم * حدثنا ابن وكيع
ومحمد بن هارون القطان قال حدثنا يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة عن يعلى
ابن عطاء عن وكيع بن حدس عن عمه أبى رزين قال قلت يا رسول الله أين كان
ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ قال كان في عماء ما تحته هواء وما فوقه هواء ثم خلق
عرشه على الماء * حدثني المثنى بن إبراهيم قال حدثنا الحجاج قال حدثنا حماد
24

عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن حدس عن عمه أبى رزين العقيلي قال قلت يا رسول
الله أين كان ربنا عز وجل قبل أن يخلق السماوات والأرض؟ قال في عماء فوقه
هواء وتحته هواء ثم خلق عرشه على الماء * حدثنا خلاد بن أسلم حدثنا النضر
ابن شميل قال حدثنا المسعودي أخبرنا جامع بن شداد عن صفوان بن محرز عن
ابن حصين وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتى قوم رسول الله
صلى الله عليه وسلم فدخلوا عليه فجعل يبشرهم ويقولون إعطنا حتى ساء ذلك
رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرجوا من عنده وجاء قوم آخرون فدخلوا
عليه فقالوا جئنا نسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ونتفقه في الدين ونسأله
عن بدء هذا الامر قال فاقبلوا البشرى إذ لم يقبلها أولئك الذين خرجوا قالوا
قبلنا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: كان الله عز وجل لا شئ غيره وكان
عرشه على الماء وكتب في الذكر قبل كل شئ ثم خلق سبع سماوات ثم أتاني آت
فقال تلك ناقتك قد ذهبت فخرجت ينقطع دونها السراب ولوددت أنى تركتها
* حدثني أبو كريب حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن جامع بن شداد عن
صفوان بن محرز عن عمران بن الحصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
اقبلوا البشرى يا بنى تميم فقالوا قد بشرتنا فأعطنا فقال اقبلوا البشرى يا أهل اليمن
فقالوا قد قبلنا فأخبرنا عن هذا الامر كيف كان فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم كان الله عز وجل على العرش وكان قبل كل شئ وكتب في اللوح كل شئ
يكون قال فأتاني آت فقال يا عمران هذه ناقتك قد حلت عقالها فقمت فإذا السراب
ينقطع بيني وبينها فلا أدرى ما كان بعد ذلك. ثم اختلف في الذي خلق تعالى
ذكره بعد العماء * فقال بعضهم خلق بعد ذلك عرشه
ذكر من قال ذلك
* حدثني محمد بن سنان حدثنا أبو سلمة قال حدثنا حيان عن عبيد الله عن الضحاك
ابن مزاحم قال: قال ابن عباس إن الله عز وجل خلق العرش أول ما خلق فاستوى
25

عليه وقال آخرون خلق الله عز وجل الماء قبل العرش ثم خلق عرشه فوضعه
على الماء.
ذكر من قال ذلك
* حدثنا موسى بن هارون الهمذاني قال حدثنا عمرو بن حماد قال حدثنا
أسباط بن نصر عن السدى في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن
عباس وعن مرة الهمذاني عن عبد الله بن مسعود وعن ناس من أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم قالوا إن الله عز وجل كان عرشه على الماء ولم يخلق شيئا
غير ما خلق قبل الماء * حدثني محمد بن سهل بن عسكر قال حدثنا إسماعيل
ابن عبد الكريم قال حدثني عبد الصمد بن معقل قال سمعت وهب بن منبه يقول:
إن العرش كان قبل أن يخلق السماوات والأرض على الماء فلما أراد أن
يخلق السماوات والأرض قبض من صفاة الماء قبضة ثم فتح القبضة فارتفعت
دخانا ثم قضاهن سبع سماوات في يومين ودحا الأرض في يومين وفرغ من الخلق
اليوم السابع * وقد قيل إن الذي خلق ربنا عز وجل بعد القلم الكرسي ثم خلق
بعد الكرسي العرش ثم بعد ذلك خلق الهواء والظلمات ثم خلق الماء فوضع
عرشه عليه * قال أبو جعفر وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من
قال إن الله تبارك وتعالى خلق الماء قبل العرش لصحة الخبر الذي ذكرت
قبل عن أبي رزين العقيلي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال حين سئل
أين كان ربنا عز وجل قبل أن يخلق خلقه قال كان في عماء ما تحته وهواء وما فوقه
هواء ثم خلق عرشه على الماء. فأخبر صلى الله عليه وسلم أن الله خلق عرشه على
الماء ومحال إذا كان خلقه على الماء أن يكون خلقه عليه والذي خلقه عليه غير
موجود إما قبله أو معه فإذا كان ذلك كذلك فالعرش لا يخلو من أحد أمرين إما
أن يكون خلق بعد خلق الله الماء وإما أن يكون خلق هو والماء معا وإما أن يكون
خلقه قبل خلق الماء فذلك غير جائز صحته على ما روى عن أبي رزين عن النبي صلى
الله عليه وسلم * وقد قيل إن الماء كان على متن الريح حين خلق عرشه عليه فإن
26

كان ذلك كذلك فقد كان الماء والريح خلقا قبل العرش
ذكر من قال كان الماء على متن الريح
* حدثني ابن وكيع قال حدثنا أبي عن سفيان عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن
سعيد بن جبير قال سئل ابن عباس عن قوله عز وجل (وكان عرشه على الماء)
على أي شئ كان الماء؟ قال على متن الريح * حدثنا محمد بن عبد الاعلى حدثنا
محمد بن ثور عن معمر عن الأعمش عن سعيد بن جبير قال سئل ابن عباس عن
قوله عز وجل (وكان عرشه على الماء) على أي شئ كان الماء قال على متن
الريح * حدثنا القاسم بن الحسن قال حدثنا الحسين بن داود حدثني حجاج عن
ابن جريج عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مثله * قال والسماوات والأرض
وكل ما فيهن من شئ يحيط بها البحار ويحيط بذلك كله الهيكل ويحيط بالهيكل
- فيما قيل - الكرسي
ذكر من قال ذلك
* حدثني محمد بن سهل بن عسكر حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال حدثني
عبد الصمد أنه سمع وهبا يقول وذكر من عظمته فقال إن السماوات والأرض
والبحار لفى الهيكل وإن الهيكل لفى الكرسي وإن قدميه عز وجل لعلى الكرسي
وهو يحمل الكرسي وعاد الكرسي كالنعل في قدميه، وسئل وهب ما الهيكل؟
قال شئ من أطراف السماوات محدق بالأرضين والبحار كأطناب الفسطاط.
وسئل وهب عن الأرضين كيف هي قال هي سبع أرضين ممهدة جزائر بين كل
أرضين بحر والبحر محيط بذلك كله والهيكل من وراء البحر وقد قيل إنه كان
بين خلقه القلم وخلقه سائر خلقه ألف عام
ذكر من قال ذلك
* حدثنا القاسم بن الحسن قال حدثنا الحسين بن داود قال حدثنا مبشر الحلبي
عن أرطاة بن المنذر قال سمعت ضمرة يقول: إن الله خلق القلم فكتب به ما هو
27

خالق وما هو كائن من خلقه ثم إن ذلك الكتاب سبح الله ومجده ألف عام قبل
أن يخلق شيئا من الخلق فلما أراد جل جلاله خلق السماوات والأرض خلق فيما
ذكر أياما ستة فسمى كل يوم منهن باسم غير الذي سمى به الآخر * وقيل إن اسم
أحد تلك الأيام الستة أبجد واسم الآخر منهن هوز واسم الثالث منهن حطي
واسم الرابع كلمن واسم الخامس سعفص واسم السادس منهن قرشت
ذكر من قال ذلك
* حدثني الحضرمي قال حدثنا مصرف بن عمرو الأيامى حدثنا حفص بن
غياث عن العلاء بن المسيب عن رجل من كندة قال سمعت الضحاك بن مزاحم
يقول خلق الله السماوات والأرض في ستة أيام ليس منها يوم إلا له اسم أبجد
هوز حطي كلمن سعفص قرشت * وقد حدث به عن حفص غير مصرف وقال
عنه عن العلاء بن المسيب قال حدثني شيخ من كندة قال لقيت الضحاك بن مزاحم
فحدثني قال سمعت زيد بن أرقم قال إن الله تعالى خلق السماوات والأرض في ستة
أيام لكل يوم منها اسم أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت * وقال آخرون
بل خلق الله واحدا فسماه الاحد وخلق ثانيا فسماه الاثنين وخلق ثالثا فسماه
الثلاثاء ورابعا فسماء الأربعاء وخامسا فسماه الخميس
ذكر من قال ذلك
* حدثنا تميم بن المنتصر قال أخبرنا إسحاق عن شريك عن غالب بن غلاب عن
عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال: إن الله خلق يوما واحدا فسماه الاحد ثم
خلق ثانيا فسماه الاثنين ثم خلق ثالثا فسماه الثلاثاء ثم خلق رابعا فسماه الأربعاء
ثم خلق خامسا فسماه الخميس وهذان القولان غير مختلفين إذ كان ذلك جائزا أن
يكون أسماء ذلك بلسان العرب على ما قاله عطاء وبلسان آخرين على ما قاله
الضحاك بن مزاحم * وقد قيل إن الأيام سبعة لا ستة
ذكر من قال ذلك
* حدثني محمد بن سهل بن عسكر حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم حدثني
28

عبد الصمد بن معقل قال سمعت وهب بن منبه يقول الأيام سبعة * وكلا القولين
اللذين روينا أحدهما عن الضحاك وعطاء من أن الله خلق الأيام الستة والآخر
منهما عن وهب بن منبه من أن الأيام سبعة صحيح مؤتلف غير مختلف وذلك أن
معنى قول عطاء والضحاك في ذلك كان أن الأيام التي خلق الله فيهن الخلق من
حين ابتدائه في خلق السماء والأرض وما فيهن إلى أن فرغ من جميعه ستة أيام
كما قال جل ثناؤه (وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام) وأن معنى
قول وهب بن منبه في ذلك كان أن عدد الأيام التي هي أيام الجمعة سبعة أيام
لا ستة * واختلف السلف في اليوم الذي ابتدأ الله عز وجل فيه في خلق السماوات
والأرض فقال بعضهم ابتدأ في ذلك يوم الأحد
ذكر من قال ذلك
* حدثنا إسحاق بن شاهين حدثنا خالد بن عبد الله عن الشيباني عن عون بن
عبد الله بن عتبة عن أخيه عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال قال عبد الله بن سلام
إن الله تبارك وتعالى ابتدأ الخلق فخلق الأرض يوم الأحد ويوم الاثنين
* حدثني المثنى بن إبراهيم حدثني عبد الله بن صالح حدثني أبو معشر عن سعيد
ابن أبي سعيد عن عبد الله بن سلام أنه قال إن الله عز وجل بدأ الخلق يوم الأحد
فخلق الأرضين في الاحد والاثنين * حدثنا ابن حميد قال حدثنا جرير عن
الأعمش عن أبي صالح عن كعب قال بدأ الله بخلق السماوات والأرض يوم الأحد
والاثنين * حدثني محمد بن أبي منصور الآملي حدثنا علي بن الهيثم عن المسيب
ابن أبي شريك عن أبي روق عن الضحاك في قوله تعالى " وهو الذي خلق السماوات
والأرض في ستة أيام " قال من أيام الآخرة كل يوم مقداره ألف سنة ابتدأ الخلق
يوم الأحد * حدثني المثنى حدثنا الحجاج حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن
مجاهد قال بدأ الخلق يوم الأحد * وقال آخرون اليوم الذي ابتدأ الله فيه في
ذلك يوم السبت
29

ذكر من قال ذلك
حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة بن الفضل قال حدثني محمد بن إسحاق قال يقول
أهل التوراة ابتدأ الله الخلق يوم الأحد وقال أهل الإنجيل ابتدأ الله الخلق يوم
الاثنين ونقول نحن المسلمون فيما انتهى إلينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم
ابتدأ الله الخلق يوم السبت * وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي
قال كل فريق من هذين الفريقين اللذين قال أحدهما ابتدأ الله الخلق في يوم الأحد
وقال الآخر منهما ابتدأ في يوم السبت وقد مضى ذكرنا الخبرين غير أنا نعيد
من ذلك في هذا الموضع بعض ما فيه من الدلالة على صحة قول كل فريق منهما *
فأما الخبر عنه بتحقيق ما قال القائلون كان ابتداء الخلق يوم الأحد فما حدثنا به
هناد بن السرى قال حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبي سعد البقال عن عكرمة
عن ابن عباس قال هناد وقرأت سائر الحديث أن اليهود أتت النبي صلى الله عليه
وسلم فسألته عن خلق السماوات والأرض فقال خلق الله الأرض يوم الأحد
والاثنين * وأما الخبر عنه بتحقيق ما قاله القائلون من أن ابتداء الخلق كان يوم
السبت فما حدثني القاسم بن بشر بن معروف والحسين بن علي الصدائي قالا
حدثنا حجاج قال ابن جريج أخبرنا إسماعيل بن أمية عن أيوب بن خالد عن
عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن أبي هريرة قال أخذ رسول الله صلى الله
تعالى عليه وعلى آله وسلم بيدي فقال خلق الله التربة يوم السبت وخلق
الجبال يوم الأحد وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال اليوم
الذي ابتدأ الله تعالى ذكره فيه خلق السماوات والأرض يوم الأحد لاجماع
السلف من أهل العلم على ذلك فأما ما قال ابن إسحاق في ذلك فإنه إنما استدل بزعمه
على أن ذلك كذلك لان الله عز ذكره فرغ من خلق جميع خلقه يوم الجمعة
وذلك اليوم السابع وفيه استوى على العرش وجعل ذلك اليوم عيدا للمسلمين
ودليله على ما زعم أنه استدل به على صحة قوله فيما حكينا عنه من ذلك هو الدليل
على خطأه فيه وذلك أن الله تعالى أخبر عباده في غير موضع من تنزيله أنه خلق
30

السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام فقال (الله الذي خلق السماوات
والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه
من ولى ولا شفيع أفلا تتذكرون) وقال تعالى ذكره (قل أئنكم لتكفرون
بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل
فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء
للسائلين. ثم استوى إلى السماء وهى دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو
كرها قالتا أتينا طائعين. فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى) الآية
ولا خلاف عند جميع أهل العلم أن اليومين اللذين ذكرهما الله تبارك وتعالى في
قوله " فقضاهن سبع سماوات في يومين " داخلان في الأيام الستة اللاتي ذكرهن
قبل ذلك فمعلوم إذ كان الله عز وجل إنما خلق السماوات والأرضين وما
فيهن من ستة أيام وكانت الاخبار مع ذلك متظاهرة عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم بأن آخر ما خلق الله من خلقه آدم وأن خلقه إياه كان في يوم الجمعة *
إن يوم الجمعة الذي فرغ فيه من خلق خلقه داخل في الأيام الستة التي أخبر
الله تعالى ذكره أنه خلق خلقه فيهن لان ذلك لو لم يكن داخلا في الأيام الستة
كان إنما خلق خلقه في سبعة أيام لا في ستة وذلك خلاف ما جاء به التنزل،
فتبين إذا إذ كان الامر كالذي وصفنا في ذلك أن أول الأيام التي ابتدأ الله فيها
خلق السماوات والأرض وما فيهن من خلقه يوم الأحد إذ كان الآخر يوم
الجمعة وذلك ستة أيام كما قال ربنا جل حلاله * فأما الأخبار الواردة عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه بأن الفراغ من الخلق كان يوم الجمعة فسنذكرها
في مواضعها إن شاء الله تعالى
القول فيما خلق الله في كل يوم من الأيام الستة التي ذكر الله
عز وجل في كتابه أنه خلق فيهن السماوات والأرض وما بينهما
اختلف السلف من أهل العلم في ذلك فقال بعضهم ما حدثني به المثنى بن إبراهيم
31

قال حدثنا عبد الله بن صالح حدثني أبو معشر عن سعيد بن أبي سعيد عن عبد الله
ابن سلام أنه قال إن الله بدأ بالخلق يوم الأحد فخلق الأرضين في الاحد والاثنين
وخلق الأقوات والرواسي في الثلاثاء والأربعاء وخلق السماوات في الخميس
والجمعة وفرغ في آخر ساعة من يوم الجمعة فخلق فيها آدم على عجل فتلك الساعة
التي تقوم فيها الساعة * حدثني موسى بن هارون حدثنا عمرو بن حماد حدثنا
أسباط عن السدى في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس
وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
قالوا جعل يعنون ربنا تبارك وتعالى سبع أرضين في يومين الاحد والاثنين
وجعل فيها رواسي أن تميد بكم وخلق الجبال فيها وأقوات أهلها وشجرها وما
ينبغي لها في يومين في الثلاثاء والأربعاء ثم استوى إلى السماء وهى دخان فجعلها
سماء واحدة ثم فتقها فجعلها سبع سماوات في يومين الخميس والجمعة * حدثنا تميم
ابن المنتصر قال أخبرنا إسحاق عن شريك عن غالب عن عطاء بن أبي رباح
عن ابن عباس قال خلق الله الأرض في يومين الاحد والاثنين * ففي قول
هؤلاء خلقت الأرض قبل السماء لأنها خلقت عندهم في الاحد والاثنين *
وقال آخرون خلق الله عز وجل الأرض قبل السماء بأقواتها من غير أن
يدحوها ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات ثم دحا الأرض بعد ذلك
ذكر من قال ذلك
حدثني علي بن داود قال حدثنا أبو صالح قال حدثني معاوية عن علي بن أبي
طلحة عن ابن عباس قوله عز وجل حيث ذكر خلق الأرض قبل السماء ثم
ذكر السماء قبل الأرض وذلك أن الله خلق الأرض بأقواتها من غير أن
يدحوها قبل السماء ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات ثم دحا الأرض
بعد ذلك فذلك قوله (والأرض بعد ذلك دحاها) * حدثني محمد بن سعد
قال حدثني أبي قال حدثني عمى قال حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس (والأرض
بعد ذلك دحاها. أخرج منها ماءها ومرعاها. والجبال أرساها) يعنى أنه
32

الله عز وجل النور والظلمة ثم ميز بينهما فجعل الظلمة ليلا أسود مظلما وجعل
النور نهارا مضيئا مبصرا * قال أبو جعفر وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب
قول ابن عباس للخبر الذي ذكرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
أول شئ خلق الله القلم * فإن قال لنا قائل فإنك قلت أولى القولين اللذين أحدهما
أن أول شئ خلق الله من خلقه القلم والآخر أنه النور والظلمة قول من قال إن
أول شئ خلق الله من خلقه القلم فما وجه الرواية عن ابن عباس التي حدثكموها
ابن بشار قال حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن أبي هاشم عن مجاهد قال قلت
لابن عباس إن ناسا يكذبون بالقدر فقال إنهم يكذبون بكتاب الله لآخذن بشعر
أحدهم فلا نفضن به إن الله تعالى ذكره كان على عرشه قبل أن يخلق شيئا فكان
أول ما خلق الله القلم فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة وإنما يجرى الناس على أمر
قد فرغ منه وعن ابن إسحاق التي حدثكموها ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق
قال يقول الله عز وجل (وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام
وكان عرشه على الماء) فكان كما وصف نفسه عز وجل إذ ليس الا الماء عليه
العرش وعلى العرش ذو الجلال والاكرام فكان أول ما خلق الله النور والظلمة *
قيل أما قول ابن عباس إن الله تبارك وتعالى كان عرشه على الماء قبل أن يخلق
شيئا فكان أول ما خلق الله القلم إن كان صحيحا عنه أنه قاله فهو خبر منه أن الله
خلق القلم بعد خلقه عرشه وقد روى عن أبي هاشم هذا الخبر شعبة ولم يقل فيه
ما قال سفيان من أن الله عز وجل كان على عرشه فكان أول ما خلق القلم بل روى
ذلك كالذي رواه سائر من ذكرنا من الرواة عن ابن عباس أنه قال أول ما خلق
الله عز وجل القلم
ذكر من قال ذلك
حدثنا ابن المثنى قال حدثني عبد الصمد قال حدثنا شعبة قال حدثنا أبو
هاشم سمع مجاهدا قال سمعت عبد الله لا يدرى ابن عمر أو ابن عباس قال إن أول
ما خلق الله القلم فقال له اجر فجرى القلم بما هو كائن وانما يعمل الناس اليوم فيما
33

دحيت الأرض من تحت البيت * حدثنا ابن حميد قال حدثنا مهران عن سفيان
عن الأعمش عن بكير بن الأخنس عن مجاهد عن عبد الله بن عمر قال خلق الله
البيت قبل الأرض بألفي سنة ومنه دحيت الأرض * وإذا كان الامر كذلك
كان خلق الأرض قبل خلق السماوات ودحو الأرض وهو بسطها بأقواتها
ومراعيها ونباتها بعد خلق السماوات كما ذكرنا عن ابن عباس وقد حدثنا
ابن حميد قال حدثني مهران عن أبي سنان عن أبي بكر قال جاء اليهود إلى النبي
صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمد أخبرنا ما خلق الله من الخلق في هذه الأيام
الستة؟ فقال خلق الأرض يوم الأحد والاثنين وخلق الجبال يوم الثلاثاء
وخلق المدائن والأقوات والأنهار وعمرانها وخرابها يوم الأربعاء وخلق
السماوات والملائكة يوم الخميس إلى ثلاث ساعات بقين من يوم الجمعة وخلق
في أول الثلاث ساعات الآجال وفى الثانية الآفة وفى الثالثة آدم قالوا
صدقت إن أتممت، فعرف النبي صلى الله عليه وسلم ما يريدون فغضب فأنزل الله
تعالى (وما مسنا من لغوب فاصبر على ما يقولون) * فان قال قائل فإن كان
الامر كما وصفت من أن الله تعالى خلق الأرض قبل السماء فما معنى قول ابن
عباس الذي حدثكموه واصل بن عبد الاعلى الأسدي قال حدثنا محمد بن
فضيل عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال أول ما خلق الله تعالى
من شئ القلم فقال له اكتب فقال وما أكتب يا رب قال اكتب القدر قال فجرى
القلم بما هو كائن من ذلك إلى قيام الساعة ثم رفع بخار الماء ففتق منه السماوات
ثم خلق النون فدحيت الأرض على ظهره فاضطرب النون فمادت الأرض
فأثبتت بالجبال فإنها لتفخر على الأرض * حدثني واصل قال حدثنا وكيع عن
الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس نحوه * حدثنا ابن المثنى قال حدثنا ابن أبي
عدى عن شعبة عن سليمان عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال أول ما خلق
الله تعالى القلم فجرى بما هو كائن ثم رفع بخار الماء فخلقت منه السماوات ثم
خلق النون فبسطت الأرض على ظهر النون فتحرك النون فمادت الأرض
34

فأثبتت بالجبال فان الجبال لتفخر على الأرض قال وقرأ " ن والقلم وما يسطرون "
* حدثني تميم بن المنتصر قال أخبرنا إسحاق عن شريك عن الأعمش عن أبي
ظبيان عن مجاهد عن ابن عباس بنحوه إلا أنه قال ففتقت منه السماوات
* حدثنا ابن بشار قال حدثنا يحيى قال حدثنا سفيان قال حدثني سليمان عن أبي
ظبيان عن ابن عباس قال أول ما خلق الله تعالى القلم فقال اكتب فقال ما أكتب قال
اكتب القدر قال فجرى بما هو كائن من ذلك اليوم إلى قيام الساعة ثم خلق النون ورفع
بخار الماء ففتقت منه السماء وبسطت الأرض على ظهر النون فاضطرب النون فمادت
الأرض فأثبتت بالجبال قال فإنها لتفخر على الأرض * حدثنا ابن حميد قال
حدثنا جرير عن عطاء بن السائب عن أبي الضحى مسلم بن صبيح عن ابن عباس
قال أول شئ خلق الله تعالى القلم فقال له اكتب فكتب ما هو كائن إلى أن تقوم
الساعة ثم خلق النون فوق الماء ثم كبس الأرض عليه * قيل ذلك صحيح على
ما روى عنه وعن غيره من معنى ذلك مشروحا مفسرا غير مخالف شيئا مما روينا
عنه في ذلك * فان قال وما الذي روى عنه وعن غيره من شرح ذلك الدال على صحة
كل ما رويت لنا في هذا المعنى عنه * قيل له حدثني موسى بن هارون الهمداني وغيره
قالوا حدثنا عمرو بن حماد حدثنا أسباط بن نصر عن السدى عن أبي مالك وعن أبي
صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن عبد الله بن مسعود وعن ناس
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (هو الذي خلق لكم ما في الأرض
جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات) قال إن الله تعالى كان عرشه
على الماء ولم يخلق شيئا غير ما خلق قبل الماء فلما أراد أن يخلق الخلق أخرج من
الماء دخانا فارتفع فوق الماء فسما عليه فسماه سماء ثم يبس الماء فجعله أرضا واحدة
ثم فتقها فجعلها سبع أرضين في يومين في الاحد والاثنين فخلق الأرض على
حوت والحوت هو النون الذي ذكر الله عز وجل في القرآن (ن والقلم) والحوت
في الماء والماء على ظهر صفاة والصفاة على ظهر ملك والملك على صخرة والصخرة
في الريح وهى الصخرة التي ذكر لقمان ليست في السماء ولا في الأرض فتحرك
35

الحوت فاضطرب فتزلزلت الأرض فأرسى عليها الجبال فقرت فالجبال تفخر على
الأرض فذلك قوله تعالى " ألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم " * قال أبو جعفر فقد
أنبأ قول هؤلاء الذين ذكرت أن الله تعالى أخرج من الماء دخانا حين أراد أن
يخلق السماوات والأرض فسما عليه يعنون بقولهم فسما عليه علا على الماء وكل شئ
كان فوق شئ عاليا فهو له سماء ثم أيبس بعد ذلك الماء فجعله أرضا واحدة أن
الله خلق السماء غير مسواة قبل الأرض ثم خلق الأرض وإن كان الامر كما قال
هؤلاء فغير محال أن يكون الله تعالى أثار من الماء دخانا فعلاه على الماء فكان
له سماء ثم يبس الماء فصار للدخان الذي سما عليه أرضا ولم يدحها ولم يقدر فيها
أقواتها ولم يخرج منها ماءها ومرعاها حتى استوى إلى السماء التي هي الدخان
الثائر من الماء العالي عليه فسواهن سبع سماوات ثم دحا الأرض التي كانت ماء فيبسه
ففتقه فجعلها سبع أرضين وقدر فيها أقواتها وأخرج منها ماءها ومرعاها والجبال
أرساها كما قال عز وجل فيكون كل الذي روى عن ابن عباس في ذلك على
ما رويناه صحيحا معناه * وأما يوم الاثنين فقد ذكرنا اختلاف العلماء فيما خلق
فيه وما روى في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل * وأما ما خلق في يوم
الثلاثاء والأربعاء فقد ذكرنا أيضا بعض ما روى فيه ونذكر في هذا الموضع بعض
ما لم نذكر منه قبل فالذي صح عندنا أنه خلق فيهما ما حدثني به موسى بن هارون
قال حدثنا عمرو بن حماد حدثنا أسباط عن السدى في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي
صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن عبد الله بن مسعود وعن ناس من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلق الجبال فيها يعنى في الأرض وأقوات
أهلها وشجرها وما ينبغي لها في يومين في الثلاثاء والأربعاء وذلك حين يقول
الله عز وجل (أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له
أندادا ذلك رب العالمين، وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر
فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين) يقول من سأل فهكذا الامر ثم
استوى إلى السماء وهى دخان وكان ذلك الدخان من تنفس الماء حين تنفس
36

فجعلها سماء واحدة ثم فتقها فجعلها سبع سماوات في يومين في الخميس والجمعة
* حدثني المثنى قال حدثنا أبو صالح قال حدثني أبو معشر عن سعيد بن أبي سعيد
عن عبد الله بن سلام قال إن الله تعالى خلق الأقوات والرواسي في الثلاثاء والأربعاء
* حدثني تميم بن المنتصر قال أخبرنا إسحاق عن شريك عن غالب بن غلاب عن عطاء
ابن أبي رباح عن ابن عباس قال إن الله تعالى خلق الجبال يوم الثلاثاء فذلك قول
الناس هو يوم ثقيل * قال أبو جعفر والصواب من القول في ذلك عندنا ما رويناه
عن النبي صلى الله عليه وسلم * قال إن الله تعالى خلق يوم الثلاثاء الجبال وما
فيهن من المنافع وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والمدائن والعمران والخراب
* حدثنا بذلك هناد قال حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبي سعيد البقال عن عكرمة
عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله * وقد روى عن النبي صلى الله عليه
وسلم أن الله خلق الجبال يوم الأحد والشجر يوم الاثنين وخلق المكروه يوم
الثلاثاء والنور يوم الأربعاء * حدثني به القاسم بن بشر بن معروف والحسين
ابن علي الصدائي قالا حدثنا حجاج قال ابن جريج أخبرني إسماعيل بن أمية عن
أيوب بن خالد عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه
وسلم * والخبر الأول أصح مخرجا وأولى بالحق لأنه قول أكثر السلف
وأما يوم الخميس فإنه خلق فيه السماوات ففتقت بعد أن كانت رتقا كما حدثني
موسى بن هارون قال حدثنا عمرو بن حماد قال حدثنا أسباط عن السدى في خبر
ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن عبد الله
ابن معسود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ثم استوى إلى السماء وهى
دخان وكان ذلك الدخان من تنفس الماء حين تنفس وجعلها سماء واحدة ثم فتقها
فجعلها سبع سماوات في يومين في الخميس والجمعة وإنما سمى يوم الجمعة لأنه جمع فيه خلق
السماوات والأرض وأوحى في كل سماء أمرها قال خلق في كل سماء خلقها من الملائكة
والخلق الذي فيها من البحار وجبال البرد وما لم يعلم ثم زين السماء الدنيا بالكواكب
فجعلها زينة وحفظا تحفظ من الشياطين فلما فرغ من خلق ما أحب استوى على العرش
37

فذلك حين يقول (خلق السماوات والأرض في ستة أيام) ويقول (كانتا
رتقا ففتقناهما) * حدثني المثنى حدثنا أبو صالح قال حدثني أبو معشر عن
سعيد بن أبي سعيد عن عبد الله بن سلام قال إن الله تعالى خلق السماوات في الخميس
والجمعة وفرغ في آخر ساعة من يوم الجمعة فخلق فيها آدم على عجل فتلك الساعة
التي تقوم فيها الساعة * حدثني تميم قال أخبرنا إسحاق عن شريك عن غالب بن
غلاب عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال إن الله تعالى خلق مواضع
الأنهار والشجر يوم الأربعاء وخلق الطير والوحش والهوام والسباع يوم الخميس
وخلق الانسان يوم الجمعة ففرغ من خلق كل شئ يوم الجمعة وهذا الذي قاله
من ذكرنا قوله من أن الله عز وجل خلق السماوات والملائكة وآدم في يوم الخميس
والجمعة وهو الصحيح عندنا للخبر الذي حدثنا به هناد قال حدثنا أبو بكر بن
عياش عن أبي سعيد البقال عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال هناد وقرأت سائر الحديث قال وخلق يوم الخميس السماء وخلق يوم
الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة إلى ثلاث ساعات بقيت منه فخلق في
أول ساعة من هذه الثلاث ساعات الآجال من يحيا ومن يموت وفى الثانية ألقى
الآفة على كل شئ مما ينتفع به الناس وفى الثالثة آدم وأسكنه الجنة وأمر إبليس
بالسجود وأخرجه منها في آخر ساعة * حدثني القاسم بن بشر والحسين بن علي
الصدائي قالا حدثنا حجاج قال ابن جريج أخبرني إسماعيل بن أمية عن أيوب
ابن خالد عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن أبي هريرة قال أخذ رسول الله
صلى الله عليه وسلم بيدي فقال وبث فيها يعنى في الأرض الدواب يوم الخميس
وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة آخر خلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة
فيما بين العصر إلى الليل * فإذ كان الله تعالى خلق الخلق من لدن ابتداء خلق
السماوات والأرض إلى حين فراغه من خلق جميعهم في ستة أيام وكان كل يوم
من الأيام الستة التي خلقهم فيهن مقداره ألف سنة من أيام الدنيا وكان بين ابتدائه
في خلق ذلك وخلق القلم الذي أمره بكتابة ما هو كائن إلى قيام الساعة ألف عام
38

وذلك يوم من أيام الآخرة التي قدر اليوم الواحد منها ألف عام من أيام الدنيا
كان معلوما أن قدر مدة ما بين أول ابتداء ربنا عز وجل في خلق ما خلق من خلقه
إلى الفراغ من آخرهم سبعة آلاف عام يزيد إن شاء الله شيئا أو ينقص شيئا على
ما قد روينا من الآثار والاخبار التي ذكرناها وتركنا ذكر كثير منها كراهة
إطالة الكتاب بذكرها * وإذا كان ذلك كذلك وكان صحيحا أن مدة ما بين فراغ
ربنا تعالى ذكره من خلق جميع خلقه إلى وقت فناء جميعهم بما قد دللنا قبل
واستشهدنا من الشواهد وبما سنشرح فيما بعد سبعة آلاف سنة تزيد قليلا أو
تنقص قليلا كان معلوما بذلك أن مدة ما بين أول خلق خلقه الله تعالى إلى
قيام الساعة وفناء جميع العالم أربعة عشر ألف عام من أعوام الدنيا * وذلك
أربعة عشر يوما من أيام الآخرة سبعة أيام من ذلك وهى سبعة آلاف عام من
أعوام الدنيا مدة ما بين أول ابتداء الله جل وتقدس في خلق أول خلقه إلى
فراغه من خلق آخرهم وهو آدم أبو البشر صلوات الله عليه وسبعة أيام أخر
وهى سبعة آلاف عام من أعوام الدنيا من ذلك مدة ما بين فراغه جل ثناؤه من
خلق آخر خلقه وهو آدم إلى فناء آخرهم وقيام الساعة وعود الامر إلى ما كان
عليه قبل أن يكون شئ غير القديم البارئ الذي له الخلق والامر الذي كان قبل
كل شئ فلا شئ كان قبله والكائن بعد كل شئ فلا شئ يبقى غير وجهه الكريم *
فإن قال قائل وما دليلك على أن الأيام الستة التي خلق الله فيهن خلقه كان قدر
كل يوم منهن قدر ألف عام من أعوام الدنيا دون أن يكون ذلك كأيام
أهل الدنيا التي يتعارفونها بينهم وإنما قال الله عز وجل في كتابه " الذي خلق
السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام " فلم يعلمنا أن ذلك كما ذكرت بل
أخبرنا أنه خلق ذلك في ستة أيام * والأيام المعروفة عند المخاطبين بهذه المخاطبة
هي أيامهم التي أول اليوم منها طلوع الفجر إلى غروب الشمس ومن قولك إن
خطاب الله عباده بما خاطبهم به في تنزيله إنما هو موجه إلى الأشهر الأغلب عليه
من معانيه وقد وجهت خبر الله في كتابه عن خلقه السماوات والأرض وما بينهما
39

في ستة أيام إلى غير المعروف من معاني الأيام وأمر الله عز وجل إذا أراد شيئا
أن يكونه أنفذ وأمضى من أن يوصف بأنه خلق السماوات والأرض وما بينهما
في ستة أيام مقدارهن ستة آلاف عام من أعوام الدنيا وإنما أمره إذا أراد
شيئا أن يقول له كن فيكون وذلك كما قال ربنا تبارك وتعالى (وما أمرنا إلا
واحدة كلمح بالبصر) * قيل له قد قلنا فيما تقدم من كتابنا هذا أنا إنما نعتمد
في معظم ما نرسمه في كتابنا هذا على الآثار والاخبار عن نبينا صلى الله عليه وسلم
وعن السلف الصالحين قبلنا دون الاستخراج بالعقول والفكر إذ أكثره خبر
عما مضى من الأمور عما هو كائن من الاحداث وذلك غير مدرك علمه
بالاستنباط والاستخراج بالعقول * فإن قال فهل من حجة على صحة ذلك من
جهة الخبر * قيل ذلك مالا نعلم قائلا من أئمة الدين قال خلافه * فان قال فهل من
رواية عن أحد منهم بذلك قبل علم ذلك عند أهل العلم من السلف كان أشهر من
أن يحتاج فيه إلى رواية منسوبة إلى شخص منهم بعينه وقد روى ذلك عن جماعة
منهم مسمين بأعيانهم * فإن قال فاذكر هم لنا * قيل * حدثنا ابن حميد قال حدثنا حكام
عن عيينة عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال خلق الله السماوات والأرض
في ستة أيام فكل يوم من هذه الأيام كألف سنة مما تعدون أنتم * حدثنا ابن
وكيع قال حدثنا أبي عن إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس (في يوم
كان مقداره ألف سنة مما تعدون) قال الستة الأيام التي خلق الله فيها السماوات
والأرض * حدثنا عبد ة حدثني الحسين بن الفرج قال سمعت أبا معاذ يقول
أخبرنا عبيد قال سمعت الضحاك يقول في قوله " في يوم كان مقداره ألف سنة مما
تعدون " يعنى هذا اليوم من الأيام الستة التي خلق الله فيهن السماوات والأرض
وما بينهما * حدثني المثنى حدثنا على عن المسيب بن شريك عن أبي روق عن
الضحاك وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام قال من أيام الآخرة
كل يوم مقداره ألف سنة ابتدأ في الخلق يوم الأحد واجتمع الخلق يوم الجمعة
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن كعب قال
40

بدأ الله خلق السماوات والأرض يوم الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء
والخميس وفرغ منها يوم الجمعة قال فجعل مكان كل يوم ألف سنة * حدثني المثنى
قال حدثنا الحجاج حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن مجاهد قال يوم من الستة
الأيام كألف سنة مما تعدون * فهذا هذا وبعد فلا وجه لقول قائل وكيف
يوصف الله تعالى ذكره بأنه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام
قدر مدتها من أيام الدنيا ستة آلاف سنة وإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له
كن فيكون لأنه لا شئ يتوهمه متوهم في قول قائل ذلك إلا وهو موجود في قول
قائل خلق ذلك كله في ستة أيام مدتها مدة ستة أيام من أيام الدنيا لان أمره جل
جلاله إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون
القول في الليل والنهار أيهما خلق قبل صاحبه
وفى بدء خلق الشمس والقمر وصفتهما إذ كانت الأزمنة بهما تعرف
قد قلنا في خلق الله عز ذكره ما خلق من الأشياء قبل خلقه الأوقات والأزمنة
وبيان أن الأوقات والأزمنة إنما هي ساعات الليل والنهار وأن ذلك إنما هو قطع
الشمس والقمر درجات الفلك فلنقل الآن بأي ذلك كان الابتداء بالليل أم بالنهار
إذ كان الاختلاف في دلك موجودا بين ذوي النظر فيه بأن بعضهم يقول فيه
خلق الله الليل قبل النهار ويستشهد على حقيقة قوله ذلك بأن الشمس إذا غابت
وذهب ضوؤها الذي هو نهار هجم الليل بظلامه فكان معلوما بذلك أن الضياء
هو المتورد على الليل وأن الليل إن لم يبطله النهار المتورد عليه هو الثابت فكان
بذلك من أمرهما دلالة على أن الليل هو الأول خلقا وأن الشمس هو الآخر
منهما خلقا وهذا قول يروى عن ابن عباس * حدثنا ابن بشار حدثنا عبد الرحمن
عن سفيان عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس قال سئل هل الليل كان قبل النهار؟
قال أرأيتم حين كانت السماوات والأرض رتقا هل كان بينهما إلا ظلمة؟ ذلك
لتعلموا أن الليل كان قبل النهار * حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق
41

أخبرنا الثوري عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس قال إن الليل قبل النهار ثم قال
كانتا رتقا ففتقناهما * حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي
قال سمعت يحيى بن أيوب يحدث عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن
عبد الله اليزني قال لم يكن عقبة بن عامر إذا رأى الهلال هلال رمضان يقوم
تلك الليلة حتى يصوم يومها ثم يقوم بعد ذلك فذكرت ذلك لابن حجيرة فقال
الليل قبل النهار أم النهار قبل الليل * وقال آخرون كان النهار قبل الليل واستشهدوا
لصحة قولهم هذا بأن الله عز ذكره كان ولا ليل ولا نهار ولا شئ غيره وأن
نوره كان يضئ به كل شئ خلقه بعد ما خلقه حتى خلق الليل
ذكر من قال ذلك
* حدثنا علي بن سهل حدثنا الحسن بن بلال قال حدثنا حماد بن سلمة عن الزبير بن
عبد السلام عن أيوب بن عبد الله الفهري أن ابن مسعود قال إن ربكم ليس عنده
ليل ولا نهار نور السماوات من نور وجهه وإن مقدار كل يوم من أيامكم هذه عنده
اثنتا عشرة ساعة قال أبو جعفر وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من
قال كان الليل قبل النهار لان النهار هو ما ذكرت من ضوء الشمس وإنما خلق الله
الشمس وأجراها في الفلك بعد ما دحا الأرض فبسطها كما قال عز وجل (أأنتم
أشد خلقا أم السماء بناها. رفع سمكها فسواها. وأغطش ليلها وأخرج
ضحاها). فإذا كانت الشمس خلقت بعد ما سمكت السماء وأغطش ليلها فمعلوم
أنها كانت قبل أن تخلق الشمس وقبل أن يخرج الله من السماء ضحاها مظلمة لا مضيئة
وبعد فان في مشاهدتنا من أمر الليل والنهار ما نشاهده دليلا بينا على أن النهار
هو الهاجم على الليل لان الشمس متى غابت فذهب ضوؤها ليلا أظلم الجو فكان معلوما
بذلك أن النهار هو الهاجم على الليل بضوئه ونوره والله أعلم * فأما القول في بدء خلقهما
فإن الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بوقت خلق الله الشمس والقمر مختلف *
فأما ابن عباس فروى عنه أنه قال خلق الله يوم الجمعة الشمس والقمر والنجوم
والملائكة إلى ثلاث ساعات بقيت منه * حدثنا بذلك هناد بن السرى قال حدثنا
42

أبو بكر بن عياش عن أبي سعد البقال عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى
الله عليه وسلم * وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال خلق الله
النور يوم الأربعاء حدثني بذلك القاسم بن بشر والحسين بن علي قالا حدثنا
حجاج بن محمد عن ابن جريج عن إسماعيل بن أمية عن أيوب بن خالد عن عبد الله
ابن رافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال خلق الله عز وجل
النور يوم الأربعاء * وأي ذلك كان فقد خلق الله قبل خلقه إياهما خلقا كثيرا
غيرهما ثم خلقهما عز وجل لما هو أعلم به من مصلحة خلقه فجعلهما دائبي الجري
ثم فصل بينهما فجعل أحدهما آية الليل والآخر آية النهار فمحا آية الليل وجعل آية
النهار مبصرة وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبب اختلاف
حالتي آية الليل وآية النهار أخبار أنا ذاكر منها بعض ما حضرني ذكره وعن
جماعة من السلف أيضا نحو ذلك، فمما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في
ذلك ما حدثني محمد بن أبي منصور الآملي حدثنا خلف بن واصل قال حدثنا عمر
ابن صبيح أبى نعيم البلخي عن مقاتل بن حيان عبد الرحمن بن أبزى عن أبي ذر
الغفاري قال كنت آخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتماشى جميعا
نحو المغرب وقد طفلت الشمس فما زلنا ننظر إليها حتى غابت قال قلت يا رسول
الله أين تغرب قال تغرب في السماء ثم ترفع من سماء إلى سماء حتى ترفع إلى السماء
السابعة العليا حتى تكون تحت العرش فتخر ساجدة فتسجد معها الملائكة
الموكلون بها ثم تقول يا رب من أين تأمرني أن أطلع أمن مغربي أم من مطلعي؟
قال فذلك قوله عز وجل (والشمس تجرى لمستقر لها) حيث تحبس تحت
العرش (ذلك تقدير العزيز العليم) قال يعنى ذلك صنع الرب العزيز في
ملكه العليم بخلقه * قال فيأتيها جبرائيل عليه السلام بحلة ضوء من نور العرش
على مقادير ساعات النهار في طوله في الصيف أو قصره في الشتاء أو ما بين ذلك
في الخريف والربيع قال فتلبس تلك الحلة كما يلبس أحدكم ثيابه ثم ينطلق بها في
جو السماء حتى تطلع من مطالعها قال النبي صلى الله عليه وسلم فكأنها قد حبست
43

مقدار ثلاث ليال ثم لا تكسى ضوءا وتؤمر أن تطلع من مغربها فذلك قوله
عز وجل (إذ الشمس كورت) قال والقمر كذلك في مطلعه ومجراه في أفق
السماء ومغربه وارتفاعه إلى السماء السابعة العليا ومحبسه تحت العرش وسجوده
واستئذانه ولكن جبرائيل عليه السلام يأتيه بالحلة من نور الكرسي قال فذلك
قوله عز وجل (جعل الشمس ضياء والقمر نورا) قال أبو ذر ثم عدلت مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلينا المغرب، فهذا الخبر عن رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم ينبئ أن سبب اختلاف حالة الشمس والقمر إنما هو أن
ضوء الشمس من كسوة كسيتها من ضوء العرش وأن نور القمر من كسوة كسيها من نور الكرسي * فاما الخبر الآخر الذي يدل على غير هذا المعنى فما
حدثني محمد بن أبي منصور قال حدثنا خلف بن واصل قال حدثنا أبو نعيم عن
مقاتل بن حيان عن عكرمة قال بينا ابن عباس ذات يوم جالس إذ جاءه رجل
فقال يا ابن عباس سمعت العجب من كعب الحبر يذكر في الشمس و القمر قال
وكان متكئا فاحتفز ثم قال وما ذاك؟ قال زعم أنه يجاء بالشمس و القمر يوم القيامة
كأنهما ثوران عقيران فيقذفان في جهنم قال عكرمة فطارت من ابن عباس شفة
ووقعت أخرى غضبا ثم قال كذب كعب كذب كعب كذب كعب ثلاث مرات
بل هذه يهودية يريد ادخالها في الاسلام، الله أجل وأكرم من أن يعذب على
طاعته، ألم تسمع قول الله تبارك وتعالى (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين)
إنما يعنى دؤوبهما في الطاعة فكيف يعذب عبد ين يثنى عليهما إنهما دائبان في
طاعته قاتل الله هذا الحبر وقبح حبريته، ما أجرأه على الله وأعظم فريته على هذين
العبدين المطيعين لله، قال ثم استرجع مرارا وأخذ عويدا من الأرض فجعل ينكته
في الأرض فظل كذلك ما شاء الله ثم إنه رفع رأسه ورمى بالعويد فقال ألا أحدثكم
بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الشمس والقمر وبدء
خلقهما ومصير أمرهما؟ فقلنا بلى رحمك الله فقال إن رسول الله صلى الله عليه
وسلم سئل عن ذلك فقال إن الله تبارك وتعالى لما أبرم خلق إحكاما فلم يبق
44

من خلقه غير آدم خلق شمسين من نور عرشه فاما ما كان في سابق علمه أنه يدعها
شمسا فإنه خلقها مثل الدنيا ما بين مشارقها ومغاربها وأما ما كان في سابق علمه
أنه يطمسها ويحولها قمرا فإنه دون الشمس في العظم ولكن إنما يرى صغرهما
من شدة ارتفاع السماء وبعدها من الأرض قال فلو ترك الله الشمسين كما كان
خلقهما في بدء الامر لم يكن يعرف الليل من النهار ولا النهار من الليل وكان لا يدرى
الأجير إلى متى يعمل ومتى يأخذ أجره ولا يدرى الصائم إلى متى يصوم ولا
تدرى المرأة كيف تعتد ولا يدرى المسلمون متى وقت الحج ولا يدرى الديان
متى تحل ديونهم ولا يدرى الناس متى ينصرفون لمعايشهم ومتى يسكنون لراحة
أجسادهم وكان الرب عز وجل أنظر لعباده وأرحم بهم فأرسل جبرائيل عليه
السلام فأمر جناحه على وجه القمر وهو يومئذ شمس ثلاث مرات فطمس عنه
الضوء وبقى فيه النور فذلك قوله عز وجل (وجعلنا الليل والنهار آيتين
فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة) قال فالسواد الذي ترونه في
القمر شبه الخطوط فيه فهو أثر المحو ثم خلق الله للشمس عجلة من ضوء نور العرش
لها ثلثمائة وستون عروة ووكل بالشمس وعجلتها ثلثمائة وستين ملكا من الملائكة
من أهل السماء الدنيا قد تعلق كل ملك منهم بعروة من تلك العرى ووكل
بالقمر وعجلته ثلثمائة وستين ملكا من الملائكة من أهل السماء قد تعلق بكل عروة
من تلك العرى ملك منهم ثم قال وخلق الله لهما مشارق ومغارب في قطري
الأرض وكنفي السماء ثمانين ومائة عين في المغرب طينة سوداء فذلك قوله عز
وجل (وجدها تغرب في عين حمئة) إنما هي حمئة سوداء من طين وثمانين ومائة عين
في المشرق مثل ذلك طينة سوداء تفور غليا كغلى القدر إذا ما اشتد غليها قال
فكل يوم وليلة لها مطلع جديد ومغرب جديد ما بين أولها مطلعا وآخرها مغربا
أطول ما يكون النهار في الصيف إلى آخرها مطلعا وأولها مغربا أقصر ما يكون
النهار في الشتاء فذلك قوله تعالى (رب المشرقين ورب المغربين) يعنى آخرها
ههنا وآخرها ثم وترك ما بين ذلك من المشارق والمغارب ثم جمعهما فقال (رب
45

المشارق والمغارب) فذكر عدة تلك العيون كلها قال وخلق الله بحرا دون
السماء مقدار ثلاث فراسخ وهو موج مكفوف قائم في الهواء بأمر الله عز وجل
لا يقطر منه قطرة والبحار كلها ساكنة، وذلك البحر جار في سرعة السهم ثم انطلاقه
في الهواء مستويا كأنه حبل ممدود ما بين المشرق والمغرب فتجرى الشمس والقمر
والخنس في لجة غمر ذلك البحر فذلك قوله تعالى (كل في فلك يسبحون)
والفلك دوران العجلة في لجة غمر ذلك البحر والذي نفس محمد بيده لو بدت
الشمس من ذلك البحر لا حرقت كل شئ في الأرض حتى الصخور والحجارة ولو
بدا القمر من ذلك لأفتتن أهل الأرض حتى يعبدوه من دون الله إلا من شاء الله أن
يعصم من أوليائه قال ابن عباس فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه بأبي أنت
وأمي يا رسول الله ذكرت مجرى الخنس مع الشمس والقمر وقد أقسم الله
بالخنس في القرآن إلى ما كان من ذكرك فما الخنس؟ قال يا علي هن خمسة كواكب
البرجيس وزحل وعطارد وبهرام والزهرة فهذه الكواكب الخمس الطالعات
الجاريات مثل الشمس والقمر العاديات معهما فاما سائر الكواكب فمعلقات
من السماء كتعليق القناديل من المساجد وهى تحوم مع السماء دورانا بالتسبيح
والتقديس والصلاة لله ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم فان أحببتم أن تستبينوا
ذلك فانظروا إلى دوران الفلك مرة ههنا ومرة ههنا فذلك دوران السماء ودوران
الكواكب معها كلها سوى هذه الخمس ودورانها اليوم كما ترون وتلك صلاتها
ودورانها إلى يوم القيامة في سرعة دوران الرحا من أهوال يوم القيامة وزلازله
فذلك قوله عز وجل (يوم تمور السماء مورا، وتسير الجبال سيرا، فويل
يومئذ للمكذبين) قال فإذا طلعت الشمس فإنها تطلع من بعض تلك العيون على
عجلتها ومعها ثلثمائة وستون ملكا ناشري أجنحتهم يجرونها في الفلك بالتسبيح
والتقديس والصلاة لله على قدر ساعات الليل وساعات النهار ليلا كان أو نهارا فإذا
أحب الله أن يبتلى الشمس والقمر فيرى العباد آية من الآيات فيستعتبهم رجوعا
عن معصيته واقبالا على طاعته خرت الشمس من العجلة فتقع في غمر ذلك البحر
46

وهو الفلك فإذا أحب الله أن يعظم الآية ويشدد تخويف العباد وقعت الشمس
كلها فلا يبقى منها على العجلة شئ فذلك حين يظلم النهار وتبدوا النجوم وهو المنتهى
من كسوفها فإذا أراد أن يجعل آية دون آية وقع منها النصف أو الثلث أو الثلثان
في الماء ويبقى سائر ذلك على العجلة فهو كسوف دون كسوف وبلاء للشمس
أو للقمر وتخويف للعباد واستعتاب من الرب عز وجل فأي ذلك كان صارت
الملائكة الموكلون بعجلتها فرقتين فرقة منها يقبلون على الشمس فيجرونها نحو
العجلة والفرقة الأخرى يقبلون على العجلة فيجرونها نحو الشمس وهم في ذلك
يجرونها في الفلك بالتسبيح والتقديس والصلاة لله على قدر ساعات النهار أو ساعات
الليل ليلا كان أو نهارا في الصيف كان ذلك أو في الشتاء أو ما بين ذلك في الخريف
والربيع لكيلا يزيد في طولهما شئ ولكن قد ألهمهم الله علم ذلك وجعل لهم تلك
القوة والذي ترون من خروج الشمس أو القمر بعد الكسوف قليلا قليلا
من غمر ذلك البحر الذي يعلوهما فإذا أخرجوها كلها اجتمعت الملائكة كلهم
فاحتملوها حتى يضعوها على العجلة فيحمدون الله على ما قواهم لذلك ويتعلقون
بعرى العجلة ويجرونها في الفلك بالتسبيح والتقديس والصلاة لله حتى يبلغوا بها المغرب
فإذا بلغوا بها المغرب أدخلوها تلك العين فتسقط من أفق السماء في العين ثم قال النبي
صلى الله عليه وسلم وعجب من خلق الله وللعجب من القدرة فيما لم يخلق أعجب من ذلك
وذلك قول جبرائيل عليه السلام لسارة (أتعجبين من أمر الله) وذلك أن الله عز وجل
خلق مدينتين إحداهما بالمشرق والاخرى بالمغرب أهل المدينة التي بالمشرق من
بقايا عاد من نسل مؤمنيهم وأهل التي بالمغرب من بقايا ثمود من نسل الذين آمنوا
بصالح، اسم التي بالمشرق بالسريانية مرقيسيا وبالعربية جابلق واسم التي بالمغرب
بالسريانية برجيسيا وبالعربية جابرس ولكل مدينة منهما عشرة آلاف باب
ما بين كل بابين فرسخ ينوب كل يوم على كل باب من أبو أب هاتين المدينتين
عشرة آلاف ألف رجل من الحراسة عليهم السلاح ولما يلحقهم نوبة الحراسة
بعد ذلك إلى يوم ينفح في الصور فوالذي نفس محمد بيده لولا كثرة هؤلاء القوم
47

وضجيج أصواتهم لسمع الناس من جميع أهل الدنيا هدة وقعة الشمس حين تطلع
وحين تغرب * ومن ورائهم ثلاث أمم منسك وتافيل وتاريس ومن دونهم يأجوج
ومأجوج وإن جبرائيل عليه السلام انطلق بي إليهم ليلة أسرى بي من المسجد
الحرام إلى المسجد الأقصى فدعوت يأجوج ومأجوج إلى عبادة الله عز وجل فأبوا
أن يجيبوني ثم انطلق بي إلى أهل المدينتين فدعوتهم إلى دين الله عز وجل وإلى
عبادته فأجابوا وأنابوا فهم في الدين من أحسن منهم فهو مع محسنكم ومن أساء
منهم فأولئك مع المسيئين منكم ثم انطلق بي إلى الأمم الثلاث فدعوتهم إلى دين الله
إلى عبادته فأنكروا ما دعوتهم إليه فكفروا بالله عز وجل وكذبوا رسله فهم
مع يأجوج ومأجوج وسائر من عصى الله في النار فإذا ما غربت الشمس رفع بها
من سماء إلى سماء في سرعة طيران الملائكة حتى يبلغ بها إلى السماء السابعة العليا
حتى تكون تحت العرش فتخر ساجدة ويسجد معها الملائكة الموكلون بها فتحدر
بها من سماء إلى سماء فإذا وصلت إلى هذه السماء فذلك حين ينفجر الصبح فإذا
انحدرت من بعض تلك العيون فذاك حين يضئ الصبح فإذا وصلت إلى هذا
الوجه من السماء فذاك حين يضئ النهار قال وجعل الله عند المشرق حجابا من
الظلمة على البحر السابع مقدار عدة الليالي منذ يوم خلق الله الدنيا إلى يوم تصرم
فإذا كان عند الغروب أقبل ملك قد وكل بالليل فيقبض قبضة من ظلمة ذلك الحجاب
ثم يستقبل المغرب فلا يزال يرسل من الظلمة من خلل أصابعه قليلا قليلا وهو يراعى
الشفق فإذا غاب الشفق أرسل الظلمة كلها ثم ينشر جناحيه فيبلغان قطري الأرض
وكنفي السماء ويجاوزان ما شاء الله عز وجل خارجا في الهواء فيسوق ظلمة الليل بجناحيه
بالتسبيح والتقديس والصلاة لله حتى يبلغ المغرب فإذا بلغ المغرب انفجر الصبح من
المشرق فضم جناحيه ثم يضم الظلمة بعضها إلى بعض بكفيه ثم يقبض عليها بكف
واحدة نحو قبضته إذا تناولها من الحجاب بالمشرق فيضعها عند المغرب
على البحر السابع من هناك ظلمة الليل فإذا ما نقل ذلك الحجاب من المشرق إلى
المغرب نفخ في الصور وانقضت الدنيا فضوء النهار من قبل المشرق وظلمة
48

الليل من قبل ذلك الحجاب فلا تزال الشمس والقمر كذلك من مطالعهما
إلى مغاربهما إلى ارتفاعهما إلى السماء السابعة العليا إلى مجلسهما تحت العرش
حتى يأتي الوقت الذي ضرب الله لتوبة العباد فتكثر المعاصي في الأرض
ويذهب المعروف فلا يأمر به أحد ويفشو المنكر فلا ينهى عنه أحد فإذا كان
ذلك حبست الشمس مقدار ليلة تحت العرش فكلما سجدت واستأذنت من أين
تطلع لم يحر إليها جواب حتى يوافيها القمر ويسجد معها ويستأذن من أين يطلع
فلا يحار إليه جواب حتى يحبسهما مقدار ثلاث ليال للشمس وليلتين للقمر فلا
يعرف طول تلك الليلة إلا المتهجدون في الأرض وهم حينئذ عصابة قليلة في كل
بلدة من بلاد المسلمين في هو ان من الناس وذلة من أنفسهم فينام أحدهم تلك الليلة
قدر ما كان ينام قبلها من الليالي ثم يقوم فيتوضأ ويدخل مصلاه فيصلى ورده كما
كان يصلى قبل ذلك ثم يخرج فلا يرى الصبح فينكر ذلك ويظن فيه الظنون من
الشر ثم يقول فلعلي خففت قراءتي أو قصرت صلاتي أو قمت قبل حيني قال ثم
يعود أيضا فيصلى ورده كمثل ورده الليلة الثانية ثم يخرج فلا يرى الصبح فيزيده
ذلك إنكارا ويخالطه الخوف ويظن في ذلك الظنون من الشر ثم يقول فلعلي
خففت قراءتي أو قصرت صلاتي أو قمت من أول الليل ثم يعود أيضا الثالثة
وهو وجل مشفق لما يتوقع من هول تلك الليلة فيصلى أيضا مثل ورده الليلة
الثالثة ثم يخرج فإذا هو بالليل مكانه والنجوم قد استدارت وصارت إلى مكانها
من أول الليل فيشفق عند ذلك شفقة الخائف العارف بما كان يتوقع من هول
تلك الليلة فيستلحمه الخوف ويستخفه البكاء ثم ينادى بعضهم بعضا وقبل ذلك
كانوا يتعارفون ويتواصلون فيجتمع المتهجدون من أهل كل بلدة إلى مسجد من
مساجدها ويجأرون إلى الله عز وجل بالبكاء والصراخ بقية تلك الليلة والغافلون
في غفلتهم حتى إذا ماتم لهما مقدار ثلاث ليال للشمس وللقمر ليلتين أتاهما جبرائيل
فيقول إن الرب عز وجل يأمركما أن ترجعا إلى مغاربكما فتطلعا منها لأنه لا ضوء
لكما عندنا ولا نور قال فيبكيان عند ذلك بكاء يسمعه أهل سبع سماوات من
49

دونهما وأهل سرادقات العرش وحملة العرش من فوقهما فيبكون لبكائهما
مع ما يخالطهم من خوف الموت وخوف يوم القيامة قال فبينا الناس ينتظرون
طلوعهما من المشرق إذا هما قد طلعا خلف أقفيتهم من الغرب أسودين مكورين
كالغرابين ولا ضوء للشمس ولا نور للقمر مثلهما في كسوفهما قبل ذلك فيتصايح
أهل الدنيا وتذهل الأمهات عن أولادها والأحبة عن ثمرة قلوبها فتشتغل كل
نفس بما أتاها قال فأما الصالحون والأبرار فإنه ينفعهم بكاؤهم يومئذ ويكتب
ذلك لهم عبادة وأما الفاسقون والفجار فإنه لا ينفعهم بكاؤهم يومئذ ويكتب
ذلك عليهم خسارة قال فيرتفعان مثل البعيرين القرينين ينازع كل واحد منهما
صاحبه استباقا حتى إذا بلغا سرة السماء وهو منصفها أتاها جبرائيل فأخذ بقرونهما
ثم ردهما إلى المغرب فلا يغربهما في مغاربهما من تلك العيون ولكن يغربهما
في باب التوبة فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنا وأهلي فداؤك يا رسول الله
فما باب التوبة قال يا عمر خلق الله عز وجل بابا للتوبة خلف المغرب له مصراعين
من ذهب مكللا بالدر والجوهر ما بين المصراع إلى المصراع الآخر مسيرة أربعين
عاما للراكب المسرع فذلك الباب مفتوح منذ خلق الله خلقه إلى صبيحة تلك الليلة
عند طلوع الشمس والقمر من مغاربهما ولم يتب عبد من عباد الله توبة نصوحا
من لدن آدم إلى صبيحة تلك الليلة إلا ولجت تلك التوبة في ذلك البا ثم ترفع
إلى الله عز وجل قال معاذ بن جبل بأبي أنت وأمي يا رسول الله وما التوبة النصوح
قال أن يندم المذنب على الذنب الذي أصابه فيعتذر إلى الله ثم لا يعود إليه كما
لا يعود اللبن إلى الضرع قال فيرد جبرائيل المصراعين فيلام بينهما ويصيرهما
كأنه لم يكن فيما بينهما صدع قط فإذا غلق باب التوبة لم يقبل بعد ذلك توبة ولم
ينفع بعد ذلك حسنة يعملها في الاسلام إلا من كان قبل ذلك محسنا فإنه يجرى
لهم وعليهم بعد ذلك ما كان يجرى قبل ذلك قال فذلك قوله عز وجل (يوم يأتي
بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت
في إيمانها خيرا) قال أبي بن كعب بأبي أنت وأمي يا رسول الله فكيف بالشمس
50

والقمر بعد ذلك وكيف بالناس والدنيا فقال يا أبى إن الشمس والقمر بعد ذلك
يكسيان النور والضوء ويطلعان على الناس ويغربان كما كان قبل ذلك وأما الناس
فإنهم نظروا إلى ما نظروا إليه من فظاعة الآية فيلحون على الدنيا حتى يجروا
فيها الأنهار ويغرسوا فيها الشجر ويبنوا فيها البنيان وأما الدنيا فإنه لو أنتج رجل
مهرا لم يركبه من لدن طلوع الشمس من مغربها إلى يوم ينفخ في الصور فقال
حذيفة بن اليمان أنا وأهلي فداؤك يا رسول الله فكيف هم عند النفخ في الصور
فقال يا حذيفة والذي نفس محمد بيده لتقومن الساعة ولينفخن في الصور والرجل
قد لط حوضه فلا يسقى منه ولتقومن الساعة والثوب بين الرجلين فلا يطويانه
ولا يتبايعانه ولتقومن الساعة والرجل قد رفع لقمته إلى فيه فلا يطعمها ولتقومن
الساعة والرجل قد انصرف بلبن لقحته من تحتها فلا يشربه ثم تلا رسول الله
صلى الله عليه وسلم هذه الآية (و ليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون) فإذا نفخ في
الصور وقامت الساعة وميز الله بين أهل الجنة وأهل النار ولما يدخلوها بعد إذ
يدعو الله عز وجل بالشمس والقمر فيجاء بهما أسودين مكورين قد وقعا
في زلزال وبلبال ترعد فرائصهما من هول ذلك اليوم ومخافة الرحمن حتى إذا كانا حيال
العرش خرا لله ساجدين فيقولان إلهنا قد علمت طاعتنا ودؤوبنا في عبادتك وسرعتنا
للمضي في أمرك أيام الدنيا فلا تعذبنا بعبادة المشركين إيانا فإنا لم ندع إلى عبادتنا ولم نذهل
عن عبادتك قال فيقول الرب تبارك وتعالى صدقتما وإني قضيت على نفسي أن أبدئ
وأعيد وإني معيدكما فيما بدأتكما منه فارجعا إلى ما خلقتما منه قالا إلهنا ومم خلقتنا
قال خلقتكما من نور عرشي فارجعا إليه قال فيلتمع من كل واحد منهما برقة تكاد
تخطف الابصار نورا فتختلط بنور العرش فذلك قوله عز وجل (يبدئ ويعيد) قال
عكرمة فقمت مع النفر الذين حدثوا به حتى أتينا كعبا فأخبرناه بما كان من
وجد ابن عباس من حديثه وما حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام
كعب معنا حتى أتينا ابن عباس فقال قد بلغني ما كان من وجدك من حديثي
وأستغفر الله وأتوب إليه وإني إنما حدثت عن كتاب دارس قد تداولته
51

الأيدي ولا أدرى ما كان فيه من تبديل اليهود وأنك حدثت عن كتاب جديد
حديث العهد بالرحمن عز وجل وعن سيد الأنبياء وخير النبيين فأنا أحب أن
تحدثني الحديث فأحفظه عنك فإذا حدثت به كان مكان حديثي الأول قال عكرمة
فأعاد عليه ابن عباس الحديث وأنا أستقريه في قلبي بابا بابا فما زاد شيئا ولا
نقص ولا قدم شيئا ولا أخر فزادني ذلك في ابن عباس رغبة وللحديث حفظا
ومما روى عن السلف في ذلك ما حدثناه ابن حميد قال جرير عن عبد العزيز
ابن رفيع عن أبي الطفيل قال: قال ابن الكواء لعلى عليه السلام يا أمير
المؤمنين ما هذه اللطخة التي في القمر فقال ويحك أما تقرأ القرآن (فمحونا
آية الليل) فهذه محوه * حدثنا ابن كريب قال حدثنا طلق عن زائدة عن عاصم
عن علي بن ربيعة قال سأل ابن الكواء عليا عليه السلام فقال ما هذا السواد
في القمر فقال على " فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة " هو المحو
حدثنا ابن بشار قال حدثنا عبد الرحمن قال حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبيد
ابن عمير قال كنت عند علي عليه السلام فسأله ابن الكواء عن السواد الذي في
القمر فقال ذاك آية الليل محيت * حدثنا ابن أبي الشوارب قال حدثنا يزيد
ابن زريع قال حدثنا عمران بن حدير عن رفيع بن أبي كثيرة قال قال علي بن أبي
طالب رضي الله عنه سلوا عما شئتم فقام ابن الكواء فقال ما السواد الذي
في القمر فقال قاتلك الله هلا سألت عن أمر دينك وآخرتك ثم قال ذاك محو
الليل * حدثنا زكريا بن يحيى بن أبان المصري قال حدثنا ابن عفير حدثنا
ابن لهيعة عن حيى بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو بن
العاص أن رجلا قال لعلي رضي الله عنه ما السواد الذي في القمر قال إن الله
يقول " وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة "
* حدثني محمد بن سعد قال حدثني أبي قال حدثني عمى قال حدثني أبي عن أبيه
عن ابن عباس قوله " وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل " قال هو السواد
بالليل * حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال حدثنا حجاج عن ابن جريج قال
52

قال ابن عباس كان القمر يضئ كما تضئ الشمس والقمر آية الليل والشمس
آية النهار فمحونا آية الليل السواد الذي في القمر * حدثنا أبو كريب قال
حدثنا ابن أبي زائدة قال ذكر ابن جريج عن مجاهد في قوله تعالى وجعلنا الليل
والنهار آيتين قال الشمس آية النهار والقمر آية الليل فمحونا آية الليل قال السواد
الذي في القمر كذلك خلقه الله * حدثنا القاسم قال حدثني الحسين قال حدثني
حجاج عن ابن جريج عن مجاهد وجعلنا الليل والنهار آيتين قال ليلا ونهارا
كذلك خلقهما الله عز وجل * قال ابن جريج وأخبرنا عبد الله بن كثير قال
فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة قال ظلمة الليل وسدف النهار
حدثنا بشر بن معاذ قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا سعيد عن قتادة قوله عز وجل
وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل كنا نحدث أن محو آية الليل سواد
القمر الذي فيه وجعلنا آية النهار مبصرة منيرة وخلق الشمس أنور من القمر
وأعظم * حدثنا محمد بن عمرو قال حدثنا أبو عاصم قال حدثنا عيسى وحدثني
الحارث قال حدثنا الحسن قال حدثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد
وجعلنا الليل والنهار آيتين قال ليلا ونهارا كذلك جعلهما الله عز وجل *
قال أبو جعفر والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال إن الله تعالى ذكره
خلق شمس النهار وقمر الليل آيتين فجعل آية النهار التي هي الشمس مبصرة
يبصر بها ومحا آية الليل التي هي القمر بالسواد الذي فيه وجائز أن يكون
الله تعالى ذكره خلقهما شمسين من نور عرشه ثم محا نور القمر بالليل على
نحو ما قاله من ذكرنا قوله فكان ذلك سبب اختلاف حالتيهما وجائز أن
يكون إضاءة الشمس للكسوة التي تكساها من ضوء العرش ونور القمر من
الكسوة التي يكساها من نور الكرسي ولو صح سند أحد الخبرين اللذين ذكرتهما
لقلنا به ولكن في أسانيدهما نظرا فلم نستجز قطع القول بتصحيح ما فيهما من
الخبر عن سبب اختلاف حال الشمس والقمر غير أنا بيقين نعلم أن الله عز
وجل خالف بين صفتيهما في الاضاءة لما كان أعلم به من صلاح خلقه باختلاف
53

أمريهما فخالف بينهما فجعل أحدهما مضيئا مبصرا به والآخر ممحو الضوء *
وإنما ذكرنا قدر ما ذكرنا من أمر الشمس والقمر في كتابنا هذا وإن كنا قد
أعرضنا عن ذكر كثير من أمرهما وأخبارهما مع إعراضنا عن ذكر بدء خلق
الله السماوات والأرض وصفة ذلك وسائر ما تركنا ذكره من جميع خلق الله
في هذا الكتاب لان قصدنا في كتابنا هذا ذكر ما قدمنا الخبر عنه أنا ذاكروه
فيه من ذكر الأزمنة وتاريخ الملوك والأنبياء والرسل على ما قد شرطنا في أول
هذا الكتاب وكانت التأريخات والأزمنة إنما توقت بالليالي والأيام التي إنما
هي مقادير ساعات جرى الشمس والقمر في أفلاكهما على ما قد ذكرنا في
الاخبار التي رويناها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ما كان قبل
خلق الله عز ذكره إياهما من خلقه في غير أوقات ولا ساعات ولا ليل ولا
نهار * وإذ كنا قد بينا مقدار مدة ما بين أول ابتداء الله عز وجل في إنشاء ما
أراد إنشاءه من خلقه إلى حين فراغه من إنشاء جميعهم من سنى الدنيا ومدة
زمانها بالشواهد التي استشهدناها من الآثار والاخبار وأتينا على القول في مدة
ما بعد أن فرغ من خلق جميعه إلى فناء الجميع بالأدلة التي دللنا بها على صحة ذلك
من الأخبار الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة وغيرهم من علماء
الأمة وكان الغرض في كتابنا هذا ذكر ما قد بينا أنا ذاكروه من تاريخ الملوك الجبابرة
العاصية ربها عز وجل والمطيعة ربها منهم وأزمان الرسل والأنبياء وكنا قد أتينا
على ذكر ما به تصح التأريخات وتعرف به الأوقات والساعات وذلك الشمس
والقمر اللذان بإحداهما يدرك معرفة ساعات الليل وأوقاته وبالآخر يدرك علم
ساعات النهار وأوقاته فلنقل الآن في أول من أعطاه الله ملكا وأنعم عليه فكفر
نعمته وجحد ربوبيته وعتا على ربه واستكبر فسلبه الله نعمته وأخزاه وأذله ثم
نتبعه ذكر من استن في ذلك سنته واقتفى فيه أثره فأحل الله به نقمته وجعله من
شيعته وألحقه به في الخزي والذل ونذكر من كان بإزائه أو بعده من الملوك المطيعة
ربها المحمودة آثارها أو من الرسل والأنبياء إن شاء الله عز وجل.
54

فأولهم وإمامهم في ذلك ورئيسهم وقائدهم فيه إبليس لعنه الله
وكان الله عز وجل قد حسن خلقه وشرفه وكرمه وملكه على السماء الدنيا
والأرض فيما ذكر وجعله مع ذلك من خزان الجنة فاستكبر على ربه وادعى
الربوبية ودعا من كان تحت يده فيما ذكر إلى عبادته فمسخه الله تعالى شيطانا رجيما
وشوه خلقه وسلبه ما كان خوله ولعنه وطرده عن سماواته في العاجل ثم جعل
مسكنه ومسكن تباعه وشيعته في الآخرة نار جهنم نعوذ بالله من غضبه ومن عمل
يقرب من غضبه ومن الحور بعد الكور * ونبدأ بذكر جمل من الأخبار الواردة
عن السلف بما كان الله عز وجل أعطاه من الكرامة قبل استكباره عليه وادعائه
ما لم يكن له ادعاؤه ثم نتبع ذلك ما كان من الاحداث في أيام سلطانه وملكه إلى
حين زوال ذلك عنه والسبب الذي به زال عنه ما كان فيه من نعمة الله عليه وجميل
آلائه وغير ذلك من أمره إن شاء الله مختصرا.
ذكر الأخبار الواردة بأن إبليس كان له ملك السماء
الدنيا والأرض وما بين ذلك
* حدثنا القاسم بن الحسن قال حدثنا الحسين بن داود قال حدثني حجاج عن
ابن جريج قال قال ابن عباس كان إبليس من أشراف الملائكة وأكرمهم قبيلة
وكان خازنا على الجنان وكان له سلطان سماء الدنيا وكان له سلطان الأرض
* حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال حدثني حجاج عن ابن جريج عن
صالح مولى التوأمة وشريك بن أبي نمر أحدهما أو كلاهما عن ابن عباس قال إن
من الملائكة قبيلة من الجن وكان إبليس منها وكان يسوس ما بين السماء والأرض
* حدثنا موسى بن هارون الهمداني قال حدثنا عمرو بن حماد قال حدثنا أسباط
عن السدى في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة
الهمداني عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جعل
إبليس على ملك السماء الدنيا وكان من قبيلة من الملائكة يقال لهم الجن وإنما
سموا الجن لانهم خزان الجنة وكان إبليس مع ملكه خازنا * حدثني عبد ان
55

المروزي حدثني الحسين بن الفرج قال سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد قال
أخبرنا عبيد بن سليمان قال سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في قوله عز وجل
(فسجدوا إلا إبليس كان من الجن) قال كان ابن عباس يقول إن إبليس كان
من أشراف الملائكة وأكرمهم قبيلة وكان خازنا على الجنان وكان له سلطان
سماء الدنيا وكان له سلطان الأرض * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثنا
المبارك بن مجاهد أبو الأزهر عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن صالح مولى التوأمة
عن ابن عباس قال إن من الملائكة قبيلا يقال لهم الجن فكان إبليس منهم وكان
يسوس ما بين السماء والأرض فعصى فمسخه الله شيطانا رجيما.
ذكر الخبر عن غمط عدو الله نعمة ربه واستكباره عليه وادعائه الربوبية
* حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال حدثني حجاج عن ابن جريج (ومن يقل
منهم إني إله من دونه) قال قال ابن جريج من يقل من الملائكة إني إله من
دونه فلم يقله إلا إبليس دعا إلى عبادة نفسه فنزلت هذه الآية في إبليس
* حدثنا بشر بن معاذ قال حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد عن قتادة (ومن يقل
منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزى الظالمين) وإنما
كانت هذه الآية خاصة لعدو الله إبليس لما قال ما قال لعنه الله وجعله رجيما فقال
فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزى الظالمين * حدثنا محمد بن عبد الاعلى قال حدثنا
محمد بن ثور عن معمر عن قتادة " ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه
جهنم " قال هي خاصة لإبليس.
القول في الاحداث التي كانت في أيام ملك إبليس - لعنة الله - وسلطانه.
والسبب الذي به هلك وادعى الربوبية.
فمن الاحداث التي كانت في ملك عدو الله - إذ كان لله مطيعا - ما ذكر لنا عن
ابن عباس في الخبر الذي حدثناه أبو كريب قال حدثنا عثمان بن سعيد قال حدثنا
بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس قال كان إبليس من حي
من أحياء الملائكة يقال لهم الجن خلقوا من نار السموم من بين الملائكة قال
56

وكان اسمه الحارث قال وكان خازنا من خزان الجنة قال وخلقت الملائكة كلهم
من نور غير هذا الحي قال وخلقت الجن الذين ذكروا في القرآن من مارج
من نار وهو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا لهبت قال وخلق الانسان من
طين فأول من سكن الأرض الجن فأفسدوا فيها وسفكوا الدماء وقتل بعضهم
بعضا قال فبعث الله إليهم إبليس في جند من الملائكة فهم هذا الحي الذي يقال
لهم الجن فقاتلهم إبليس ومن معه حتى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال
فلما فعل إبليس ذلك اغتر في نفسه وقال قد صنعت شيئا لم يصنعه أحد قال فاطلع الله على
ذلك من قلبه ولم تطلع عليه الملائكة الذين كانوا معه * حدثنا المثنى قال
حدثنا إسحاق بن الحجاج قال حدثنا عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع بن
أنس قال إن الله خلق الملائكة يوم الأربعاء وخلق الجن يوم الخميس وخلق
آدم يوم الجمعة قال فكفر قوم من الجن فكانت الملائكة تهبط إليهم في الأرض
فتقاتلهم فكانت الدماء وكان الفساد في الأرض
ذكر السبب الذي به هلك عدو الله وسولت له نفسه
من أجله الاستكبار على ربه عز وجل
اختلف السلف من الصحابة والتابعين في ذلك فقد ذكرنا أحد الأقوال التي
روى في ذلك عن ابن عباس وذلك ما ذكر الضحاك عنه أنه لما قاتل الجن الذين
عصوا الله وأفسدوا في الأرض وشردهم: أعجبته نفسه ورأى في نفسه أن له بذلك
من الفضيلة ما ليس لغيره (والقول الثاني) من الأقوال المروية في ذلك عن
ابن عباس أنه كان ملك سماء الدنيا وسائسها وسائس ما بينها وبين الأرض وخازن
الجنة مع اجتهاده في العبادة فأعجب بنفسه ورأى أن له بذلك الفضل فاستكبر
على ربه عز وجل
ذكر الرواية عنه بذلك
* حدثنا موسى بن هارون الهمداني قال حدثنا عمرو بن حماد قال حدثنا أسباط
عن السدى في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن
57

مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
لما فرغ الله عز وجل من خلق ما أحب استوى على العرش فجعل إبليس على
ملك سماء الدنيا وكان من قبيلة من الملائكة يقال لهم الجن وإنما سموا الجن لانهم
خزان الجنة وكان إبليس مع ملكه خازنا فوقع في صدره كبر وقال ما أعطاني
الله هذا إلا لمزية، هكذا حدثني موسى بن هارون * وحدثني به أحمد بن أبي خيثمة
عن عمرو بن حماد قال لمزية لي على الملائكة فلما وقع ذلك الكبر في نفسه اطلع الله
عز وجل على ذلك منه فقال الله للملائكة " إني جاعل في الأرض خليفة "
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة بن الفضل عن ابن إسحاق عن خلاد بن عطاء
عن طاووس عن ابن عباس قال كان إبليس قبل أن يركب المعصية من الملائكة
اسمه عزازيل وكان من سكان الأرض وكان من أشد الملائكة اجتهادا وأكثرهم
علما فذلك الذي دعاه إلى الكبر وكان من حي يسمون جنا * وحدثنا به ابن حميد
مرة أخرى قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن خالد بن عطاء عن طاوس أو
مجاهد أبى الحجاج عن ابن عباس وغيره بنحوه إلا أنه قال كان ملكا من الملائكة
اسمه عزازيل وكان من سكان الأرض وعمارها وكان سكان الأرض فيهم يسمون
الجن من بين الملائكة * حدثنا ابن المثنى قال حدثنا شيبان قال حدثنا سلام
ابن مسكين عن قتادة عن سعيد بن المسيب قال كان إبليس رئيس ملائكة سماء الدنيا
(والقول الثالث) من الأقوال المروية عنه أنه كان يقول السبب في ذلك أنه كان
من بقايا خلق خلقهم الله عز وجل فأمرهم بأمر فأبوا طاعته
ذكر الرواية عنه بذلك
* حدثني محمد بن سنان القزاز قال حدثنا أبو عاصم عن شبيب عن عكرمة عن
ابن عباس قال إن الله خلق خلقا فقال اسجدوا لآدم فقالوا لا نفعل قال فبعث الله
عليهم نارا تحرقهم ثم خلق خلقا آخر فقال إني خالق بشرا من طين فاسجدوا لآدم
فأبوا فبعث الله عليهم نارا فأحرقتهم ثم خلق هؤلاء فقال ألا تسجدوا لآدم قالوا
نعم وكان إبليس من أولئك الذين أبو ا أن يسجدوا لآدم * وقال آخرون بل
58

السبب في ذلك أنه كان من بقايا الجن الذين كانوا في الأرض فسفكوا فيها الدماء
وأفسدوا فيها وعصوا ربهم فقاتلتهم الملائكة.
ذكر من قال ذلك
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا يحيى بن واضح قال حدثنا أبو سعيد اليحمدي
إسماعيل بن إبراهيم قال حدثني سوار بن الجعد اليحمدي عن شهر بن حوشب قوله
(كان من الجن) قال كان إبليس من الجن الذين طردتهم الملائكة فأسره بعض الملائكة
فذهب به إلى السماء * حدثني علي بن الحسن قال حدثني أبو نصر أحمد بن محمد
الخلال قال حدثني سنيد بن داود قال حدثنا هشيم قال أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى
عن موسى بن نمير وعثمان بن سعيد بن كامل عن سعد بن مسعود قال كانت الملائكة
تقاتل الجن فسبى إبليس وكان صغيرا وكان مع الملائكة يتعبد معهم
فلما أمروا أن يسجدوا لآدم سجدوا وأبى إبليس فلذلك قال الله عز وجل
(إلا إبليس كان من الجن) قال وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن
يقال كما قال الله عز وجل (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لادم فسجدوا إلا
إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه) وجائز أن يكون فسوقه عن أمر
ربه كان من أجل أنه كان من الجن وجائز أن يكون من أجل إعجابه بنفسه لشدة
اجتهاده كان في عبادة ربه وكثرة علمه وما كان أوتى من ملك السماء الدنيا والأرض
وخزن الجنان وجائز أن يكون كان لغير ذلك من الأمور ولا يدرك علم ذلك
إلا بخبر تقوم به الحجة ولا خبر في ذلك عندنا كذلك والاختلاف في أمره على
ما حكينا وروينا * وقد قيل إن سبب هلاكه كان من أجل أن الأرض كان فيها
قبل آدم الجن فبعث الله إبليس قاضيا يقضى بينهم فلم يزل يقضى بينهم بالحق
ألف سنة حتى سمى حكما وسماه الله به وأوحى إليه اسمه فعند ذلك دخله الكبر فتعظم
وتكبر وألقى بين الذين كان الله بعثه إليهم حكما البأس والعداوة والبغضاء فاقتتلوا عند
ذلك في الأرض ألفى سنة فيما زعموا حتى أن خيولهم تخوض في دمائهم قالوا وذلك قول
الله تبارك وتعالى (أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد) وقول الملائكة
59

(أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) فبعث الله تعالى عند ذلك نارا
فأحرقتهم قالوا فلما رأى إبليس ما نزل بقومه من العذاب عرج إلى السماء فأقام
عند الملائكة يعبد الله في السماء مجتهدا لم يعبده شئ من خلقه مثل عبادته فلم يزل
مجتهدا في العبادة حتى خلق الله آدم فكان من أمره ومعصيته ربه ما كان
وكان مما حدث في أيام سلطانه وملكه خلق الله
تعالى ذكره أبانا آدم أبا البشر
وذلك لما أراد جل جلاله أن يطلع ملائكته على ما قد علم من انطواء إبليس
على الكبر ولم يعلمه الملائكة وأراد إظهار أمره لهم حين دنا أمره للبوار وملكه
وسلطانه للزوال فقال عز ذكره لما أراد ذلك للملائكة " إني جاعل في الأرض
خليفة " فأجابوه بأن قالوا " أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء " فروى عن
ابن عباس أن الملائكة قالت ذلك كذلك للذي قد كانوا عهدوا من أمر الجن
الذين كانوا سكان الأرض قبل ذلك فقالوا لربهم جل ثناؤه لما قال لهم " انى
جاعل في الأرض خليفة ": أتجعل فيها من يكون فيها مثل الجن الذين كانوا فيها
فكانوا يسفكون فيها الدماء ويفسدون فيها ويعصونك ونحن نسبح بحمدك
ونقدس لك فقال الرب تعالى ذكره لهم " إني أعلم ما لا تعلمون " يقول أعلم ما لا
تعلمون من انطواء إبليس على التكبر وعزمه على خلافه أمرى وتسويل نفسه
له الباطل واغتراره وأنا مبد ذلك لكم منه لتروا ذلك منه عيانا * وقيل أقوال
كثيرة في ذلك قد حكينا منها جملا في كتابنا المسمى " جامع البيان عن تأويل آي
القرآن " فكرهنا إطالة الكتاب بذكر ذلك في هذا الموضع. فلما أراد الله عز وجل
أن يخلق آدم عليه السلام أمر بتربته أن تؤخذ من الأرض كما حدثنا أبو كريب
قال حدثنا عثمان بن سعيد قال حدثنا بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك
عن ابن عباس قال ثم أمر - يعنى الرب تبارك وتعالى - بتربة آدم فرفعت فخلق الله
آدم من طين لازب واللازب اللزج الطيب من حمإ مسنون منتن قال وإنما
كان حمئا مسنونا بعد التراب قال فخلق منه آدم بيده * حدثني موسى بن هارون
60

قال حدثنا عمرو بن حماد قال حدثنا أسباط عن السدى في خبر ذكره عن أبي مالك
وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن ناس
من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالت الملائكة " أتجعل فيها من يفسد فيها
ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال انى أعلم ما لا تعلمون " يعنى
من شأن إبليس فبعث الله جبرائيل عليه السلام إلى الأرض ليأتيه بطين منها
فقالت الأرض انى أعوذ بالله منك أن تنقص منى شيئا وتشينني فرجع ولم يأخذ
وقال يا رب إنها عاذت بك فأعذتها فبعث ميكائيل فعاذت منه فأعاذها فرجع فقال
كما قال جبرائيل فبعث ملك الموت فعاذت منه فقال وأنا أعوذ بالله أن أرجع ولم
أنفذ أمره فأخذ من وجه الأرض وخلط فلم يأخذ من مكان واحد وأخذ من
تربة حمراء وبيضاء وسوداء فلذلك خرج بنو آدم مختلفين فصعد به فبل التراب
حتى عاد طينا لازبا واللازب هو الذي يلتزق بعضه ببعض ثم ترك حتى تغير
وأنتن وذلك حين يقول (من حمإ مسنون) قال منتن * حدثنا ابن حميد قال
حدثنا يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس
قال بعث رب العزة عز وجل إبليس فأخذ من أديم الأرض من عذبها وملحها
فخلق منه آدم ومن ثم سمى آدم لأنه خلق من أديم الأرض ومن ثم قال إبليس
(أأسجد لمن خلقت طينا) أي هذه الطينة أنا جئت بها * حدثنا ابن المثنى قال حدثنا
أبو داود قال حدثنا شعبة عن أبي حصين عن سعيد بن جبير قال انما سمى آدم
لأنه خلق من أديم الأرض * حدثني أحمد بن إسحاق الأهوازي قال حدثنا
أبو أحمد قال حدثنا مسعر عن أبي حصين عن سعيد بن جبير قال خلق آدم من
أديم الأرض فسمى آدم * حدثني أحمد بن إسحاق قال حدثنا أبو أحمد قال
حدثنا عمرو بن ثابت عن أبيه عن جده عن علي رضي الله عنه قال إن آدم خلق
من أديم الأرض فيه الطيب والصالح والردئ فكل ذلك أنت راء في ولده الصالح
والردئ * حدثني يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا ابن علية عن عوف * وحدثنا
محمد بن بشار وعمر بن شبة قالا حدثنا يحيى بن سعيد قال حدثنا عوف * وحدثنا
61

ابن بشار قال حدثنا ابن أبي عدى ومحمد بن جعفر وعبد الوهاب الثقفي قالوا
حدثنا عوف * وحدثني محمد بن عمارة الأسدي قال حدثنا إسماعيل بن أبان قال
حدثنا عنبسة عن عوف الأعرابي عن قسامة بن زهير عن أبي موسى الأشعري
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من
جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض جاء منهم الأحمر والأسود والأبيض
وبين ذلك والسهل والحزن والخبيث والطيب ثم بلت طينته حتى صارت طينا
لازبا ثم تركت حتى صارت حمئا مسنونا ثم تركت حتى صارت صلصالا كما قال
الله تعالى (ولقد خلقنا الانسان من صلصال من حمإ مسنون) وحدثنا
ابن بشار قال حدثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي قالا حدثنا سفيان
عن الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال خلق آدم
من ثلاثة من صلصال ومن حمإ ومن طين لازب فأما اللازب فالجيد وأما الحمأ
فالحمئة وأما الصلصال فالتراب المدقق ويعنى تعالى ذكره بقوله (من صلصال) من
طين يابس له صلصلة والصلصلة الصوت * وذكر أن الله تعالى ذكره لما خمر
طينة آدم تركها أربعين ليلة وقيل أربعين عاما جسدا ملقى
ذكر من قال ذلك
حدثنا أبو كريب قال حدثنا عثمان بن سعيد قال حدثنا بشر بن عمارة عن أبي
روق عن الضحاك عن ابن عباس قال أمر الله تبارك وتعالى بتربة آدم فرفعت
فخلق آدم من طين لازب من حمإ مسنون قال وإنما كان حما مسنونا بعد التزاب
قال فخلق منه آدم بيده قال فمكث أربعين ليلة جسدا ملقى فكان إبليس يأتيه
فيضربه برجله فيصلصل فيصوت قال فهو قول الله تبارك وتعالى (من صلصال
كالفخار) يقول كالشئ المنفرج الذي ليس بمصمت قال ثم يدخل في فيه ويخرج
من دبره ويدخل في دبره ويخرج من فيه ثم يقول لست شيئا للصلصلة ولشئ
ما خلقت ولئن سلطت عليك لأهلكنك ولئن سلطت على لأعصينك
حدثني موسى بن هارون قال حدثنا عمرو بن حماد قال حدثنا أسباط عن السدى في خبر
62

ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن
مسعود وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله للملائكة
(إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له
ساجدين) فخلقه الله عز وجل بيديه كيلا يتكبر إبليس عنه ليقول حين يتكبر:
تكبر عما عملت بيدي ولم أتكبر أنا عنه؟ فخلقه بشرا فكان جسدا من طين أربعين
سنة من مقدار يوم الجمعة فمرت به الملائكة ففزعوا منه لما رأوه وكان أشدهم
فزعا إبليس فكان يمر به فيضربه فيصوت الجسد كما يصوت الفخار يكون له
صلصلة وذلك حين يقول من صلصال كالفخار ويقول لأمر ما خلقت ودخل
من فيه وخرج من دبره فقال للملائكة لا ترهبوا من هذا فإن ربكم صمد وهذا
أجوف لئن سلطت عليه لأهلكنه وحدثنا عن الحسن بن بلال حدثنا حماد
ابن سلمة عن سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي قال خمر
الله تعالى طينة آدم عليه السلام أربعين يوما ثم جمعه بيده فخرج طيبه بيمينه
وخبيثه بشماله ثم مسح يديه إحداهما على الأخرى فخلط بعضه ببعض فمن ثم
يخرج الطيب من الخبيث والخبيث من الطيب حدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة عن ابن إسحاق قال يقال والله أعلم خلق الله آدم ثم وضعه ينظر إلى أربعين
يوما قبل أن ينفخ فيه الروح حتى عاد صلصالا كالفخار، ولم تمسه نار قال فلما
مضى له من المدة ما مضى وهو طين صلصال كالفخار وأراد عز وجل أن ينفخ
فيه الروح تقدم إلى الملائكة فقال لهم إذا نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين
فلما نفخ فيه الروح أتته الروح من قبل رأسه فيما ذكر عن السلف قبلنا أنهم قالوه
ذكر من قال ذلك
حدثني موسى بن هارون قال حدثنا عمرو بن حماد قال حدثنا أسباط عن السدى
في خير ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني
عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلما بلغ الحين
الذي أراد الله عز وجل أن ينفخ فيه الروح قال للملائكة إذا نفخت فيه من
63

روحي فاسجدوا له فلما نفخ فيه الروح فدخل الروح في رأسه عطس فقالت
الملائكة قل الحمد لله فقال الحمد لله فقال الله عز وجل رحمك ربك فلما دخل الروح في
عينيه نظر إلى ثمار الجنة فلما دخل في جوفه اشتهى الطعام فوثب قبل أن تبلغ
الروح رجليه عجلان إلى ثمار الجنة فذلك حين يقول (خلق الانسان من عجل)
" فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين " أبى واستكبر
وكان من الكافرين، فقال الله له ما منعك أن تسجد إذ أمرتك لما خلقت بيدي؟
قال أنا خير منه لم أكن لا سجد لبشر خلقته من طين قال الله له (اخرج منها فما يكون
لك - يعنى ما ينبغي لك - أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين) والصغار
الذل * حدثنا أبو كريب قال حدثنا عثمان بن سعيد قال حدثنا بسر بن عمارة
عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس قال فلما نفخ الله عز وجل فيه يعنى في
آدم من روحه أتت النفخة من قبل رأسه فجعل لا يجرى شئ منها في جسده
إلا صار لحما ودما، فلما انتهت النفخة إلى سرته نظر إلى جسده فأعجبه ما رأى من
حسنه، فذهب لينهض فلم يقدر فهو قول الله عز وجل " خلق الانسان من عجل " قال
ضجرا لا صبر له على سراء ولا ضراء فلما تمت النفخة في جسده عطس فقال
الحمد لله رب العالمين بإلهام الله فقال يرحمك الله يا آدم ثم قال للملائكة الذين
كانوا مع إبليس خاصة دون الملائكة الذين في السماوات اسجدوا لآدم فسجدوا
كلهم أجمعون إلا إبليس أبى واستكبر لما كان حدث به نفسه من كبره واغتراره
فقال لا أسجد وأنا خير منه وأكبر سنا وأقوى خلقا (خلقتني من نار وخلقته
من طين). يقول إن النار أقوى من الطين قال فلما أبى إبليس أن يسجد أبلسه الله
تعالى أيأسه من الخير كله وجعله شيطانا رجيما عقوبة لمعصيته * حدثنا ابن حميد
قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال فيقال والله أعلم إنه لما انتهى الروح إلى رأسه
عطس فقال الحمد لله قال فقال له ربه يرحمك ربك ووقعت الملائكة حين استوى
سجودا له حفظا لعهد الله الذي عهد إليهم وطاعة لامره الذي أمرهم به وقام عدو
الله إبليس من بينهم فلم يسجد متكبرا متعظما بغيا وحسدا فقال له (يا إبليس ما منعك
64

أن تسجد لما خلقت بيدي - إلى قوله - لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم
أجمعين) قال فلما فرغ الله تعالى من إبليس ومعاتبته وأبى إلا المعصية أوقع الله
تعالى عليه اللعنة وأخرجه من الجنة * حدثني محمد بن خلف قال حدثنا آدم بن أبي
إياس قال حدثنا أبو خالد سليمان بن حيان قال حدثني محمد بن عمرو عن أبي
سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم * قال أبو خالد وحدثني
داود بن أبي هند عن الشعبي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
أبو خالد وحدثني ابن أبي ذئاب الدوسي قال حدثني سعيد المقبري ويزيد بن هرمز
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال خلق الله عز وجل آدم بيده ونفخ
فيه من روحه وأمر الملا من الملائكة فسجدوا له فجلس فعطس فقال الحمد لله فقال
له ربه يرحمك ربك ائت أولئك الملا من الملائكة فقل لهم السلام عليكم فأتاهم
فقال السلام عليكم فقالوا له وعليك السلام ورحمة الله ثم رجع إلى ربه عز وجل
فقال له هذه تحيتك وتحية ذريتك بينهم فلما أظهر إبليس من نفسه ما كان له مخيفا
فيها من الكبر والمعصية لربه وكانت الملائكة قد قالت لربها عز وجل حين قال
لهم إني جاعل في الأرض خليفة أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن
نسبح بحمدك ونقدس لك فقال لهم ربهم إني أعلم ما لا تعلمون تبين لهم ما كان
عنهم مستترا وعلوا أن فيهم من منه المعصية لله عز وجل والخلاف لامره *
ثم علم الله عز وجل آدم الأسماء كلها واختلف السلف من أهل العلم قبلنا في
الأسماء التي علمها آدم أخاصا من الأسماء علم أم عاما؟ فقال بعضهم علم اسم كل شئ
ذكر من قال ذلك
حدثنا أبو كريب قال حدثنا عثمان بن سعيد قال حدثنا بشر بن عمارة عن أبي
روق عن الضحاك عن ابن عباس قال علم الله تعالى آدم الأسماء كلها وهى هذه
الأسماء التي يتعارف بها الناس إنسان ودابة وأرض وسهل وبحر وجبل وحمار
وأشباه ذلك من الأمم وغيرها * حدثني أحمد بن إسحاق الأهوازي قال حدثنا
أبو أحمد حدثنا شريك عن عاصم بن كليب عن الحسن بن سعد عن ابن عباس في
65

قوله " وعلم آدم الأسماء كلها " قال علمه اسم كل شئ حتى الفسوة والفسية
* حدثني علي بن الحسن وحدثنا مسلم الجرمي قال حدثنا محمد بن مصعب عن قيس
ابن الربيع عن عاصم بن كليب عن سعيد بن معبد عن ابن عباس في قول الله عز وجل
" وعلم آدم الأسماء كلها " قال علمه اسم كل شئ حتى الهنة والهنية والفسوة والضرطة
* حدثنا محمد بن عمرو قال حدثنا أبو عاصم قال حدثنا عيسى بن ميمون عن ابن أبي
نجيح عن مجاهد في قول الله عز وجل " وعلم آدم الأسماء كلها " قال ما خلق الله
تعالى كله * حدثنا ابن وكيع قال حدثنا أبي عن سفيان عن خصيف عن مجاهد
وعلم آدم الأسماء كلها قال علمه اسم كل شئ * حدثنا سفيان قال حدثنا أبي عن
شريك عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير قال علمه اسم كل شئ حتى البعير
والبقرة والشاة * حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر
عن قتادة في قوله عز وجل وعلم آدم الأسماء كلها قال علمه اسم كل شئ هذا جبل
وهذا بحر وهذا كذا وهذا كذا لكل شئ ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني
بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين * حدثنا بشر بن معاذ حدثنا يزيد بن زريع عن
سعيد عن قتادة قوله عز وجل (وعلم آدم الأسماء كلها - حتى بلغ - إنك أنت العليم
الحكيم) قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فأنبأ كل صنف من الخلق باسمه وألجأه إلى
جنسه * حدثنا القاسم بن الحسن قال حدثنا الحسين قال حدثنا حجاج عن جرير بن
حازم ومبارك عن الحسن وأبى بكر عن الحسن وقتادة قالا علمه اسم كل شئ
هذه الخيل وهذه البغال والإبل والجن والوحش وجعل يسمى كل شئ باسمه *
وقال آخرون بل إنما اسما خاصا من الأسماء قالوا والذي علمه أسماء الملائكة
ذكر من قال ذلك
حدثني عبد ة المروزي قال حدثنا عمار بن الحسن قال حدثنا عبد الله بن أبي
جعفر عن أبيه عن الربيع قوله تعالى " وعلم آدم الأسماء كلها " قال أسماء الملائكة
وقال آخرون مثل قول هؤلاء في أن الذي علم آدم الأسماء خاصا من الأشياء غير
أنهم قالوا الذي علم من ذلك أسماء ذريته
66

ذكر من قال ذلك
حدثني يونس قال حدثنا ابن وهب قال قال ابن زيد في قوله عز وجل " وعلم
آدم الأسماء كلها " قال أسماء ذريته * فلما علم الله آدم الأسماء كلها عرض الله
عزو جل أهل الأسماء على الملائكة فقال لهم " أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين "
وإنما قال ذلك عزو جل للملائكة فيما ذكر لقولهم - إذ قال لهم إني جاعل في الأرض
خليفة - أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك
فعرض بعد أن خلق آدم عليه السلام ونفخ فيه الروح وعلمه أسماء كل شئ
ما خلق من الخلق عليهم فقال لهم أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين أنى
إن جعلت منكم خليفتي في الأرض أطعتموني وسبحتموني وقدستموني ولم تعصوني
وإن جعلته من غيركم أفسد فيها وسفك فإنكم إن لم تعلموا ما أسماؤهم وأنتم
مشاهدوهم ومعاينوهم فأنتم بأن لا تعلموا ما يكون من أمركم إن جعلت خليفتي
في الأرض منكم أو من غيركم إن جعلته من غيركم فهم عن أبصاركم غيب
لا ترونهم ولا تعاينونهم ولم تخبروا بما هو كائن منكم ومنهم أحرى * وهذا قول
روى عن جماعة من السلف
ذكر بعض من روى ذلك عنه
حدثني موسى بن هارون قال حدثني عمرو بن حماد قال حدثنا أسباط عن
السدى في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة
الهمداني عن عبد الله بن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
(إن كنتم صادقين) أن بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء
حدثنا أبو كريب قال حدثنا عثمان بن سعيد قال حدثنا بشر بن عمارة عن أبي روق
عن الضحاك عن ابن عباس إن كنتم صادقين إن كنتم تعلمون لم أجعل في
الأرض خليفة * وقد قيل إن الله جل جلاله قال ذلك للملائكة لأنه جل جلاله
لما ابتدأ في خلق آدم قالوا فيما بينهم ليخلق ربنا ما شاء أن يخلق فلن يخلق خلقا
إلا كنا أعلم منه وأكرم عليه منه فلما خلق آدم عليه السلام وعلمه أسماء كل
67

شئ عرض الأشياء التي علم آدم أسماءها عليهم فقال لهم أنبئوني بأسماء هؤلاء
إن كنتم صادقين في قيلكم أن الله لم يخلق خلقا إلا كنتم أعلم منه وأكرم عليه منه
ذكر من قال ذلك
حدثنا بشر بن معاذ قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا سعيد عن قتادة قوله
وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة فاستشار الملائكة في
خلق آدم عليه السلام فقالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء وقد علمت
الملائكة من علم الله أنه لا شئ أكره إلى الله عز وجل من سفك الدماء والفساد
في الأرض ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون وكان في
علم الله عز وجل أنه سيكون من ذلك الخليفة أنبياء ورسل وقوم صالحون
وساكنوا الجنة * قال وذكر لنا أن ابن عباس كان يقول إن الله تعالى لما أخذ
في خلق آدم قالت الملائكة ما الله تعالى بخالق خلقا أكرم عليه منا ولا أعلم
منا فابتلوا بخلق آدم عليه السلام وكل خلق مبتلى كما ابتليت السماوات والأرض
بالطاعة فقال الله تعالى (ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين)
حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين بن داود قال حدثني حجاج عن جرير بن حازم ومبارك
عن الحسن وأبى بكر عن الحسن وقتادة قالا قال الله عز وجل للملائكة
إني جاعل في الأرض خليفة قال لهم إني فاعل فعرضوا برأيهم فعلمهم علما
وطوى منهم علما علمه لا يعلمونه فقالوا بالعلم الذي علمهم (أتجعل فيها من
يفسد فيها ويسفك الدماء) وقد كانت الملائكة علمت من علم الله تعالى أنه
لا ذنب عند الله تعالى أعظم من سفك الدماء (ونحن نسبح بحمدك ونقدس
لك قال إني أعلم ما لا تعلمون) فلما أخذ تعالى في خلق آدم عليه السلام
همست الملائكة فيما بينهم، فقالوا ليخلق ربنا عز وجل ما شاء أن يخلق فلن
يخلق خلقا إلا كنا أعلم منه وأكرم عليه منه فلما خلقه ونفخ فيه من روحه
أمرهم أن يسجدوا له لما قالوا ففضله عليهم فعلموا أنهم ليسوا بخير منه فقالوا
إن لم نكن خيرا منه فنحن أعلم منه لأنا كنا قبله وخلقت الأمم قبله فلما أعجبوا
68

بعلمهم ابتلوا فعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء
هؤلاء إن كنتم صادقين أنى لم أخلق خلقا إلا كنتم أعلم منه فأخبروني بأسماء
هؤلاء إن كنتم صادقين قال ففزع القوم إلى التوبة واليها يفزع كل مؤمن
فقالوا (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم قال
يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم
غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون) لقولهم
ليخلق ربنا ما شاء فلن يخلق خلقا أكرم عليه منا ولا أعلم منا قال علمه اسم كل
شئ هذه الخيل وهذه البغال والإبل والجن والوحش وجعل يسمى كل شئ
باسمه وعرضت عليه أمة أمة قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض
وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون قال أما ما أبدوا فقولهم أتجعل فيها من
يفسد فيها ويسفك الدماء وأما ما كتموا فقولهم بعضهم لبعض نحن خير منه
وأعلم * حدثنا عمار بن الحسن قال حدثنا عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه عن
الربيع بن أنس " ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم
صادقين - إلى قوله - إنك أنت العليم الحكيم " قال وذلك حين قالوا (أتجعل فيها من
يفسد فيها ويسفك الدماء - إلى قوله - ونقدس لك) قال فلما عرفوا أنه جاعل في
الأرض خليفة قالوا بينهم لن يخلق الله تعالى خلقا إلا كنا نحن أعلم منه وأكرم
عليه فأراد الله تعالى أن يخبرهم أنه قد فضل عليهم آدم وعلمه الأسماء كلها وقال
للملائكة " أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين - إلى - أعلم ما تبدون وما كنتم
تكتمون " فكان الذي أبدوا حين قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء
وكان الذي كتموا بينهم لن يخلق ربنا خلقا إلا كنا نحن أعلم منه وأكرم
فعرفوا أن الله عز وجل فضل عليهم آدم في العلم والكرم * فلما ظهر للملائكة
من استكبار إبليس ما ظهر ومن خلافه أمر ربه ما كان مستترا عنهم من ذلك
وعاتبه ربه على ما أظهر من معصيته إياه بتركه السجود لآدم فأصر على معصيته
وأقام على غيه وطغيانه - لعنه الله - فأخرجه من الجنة وطرده منها وسلبه ما كان
69

أتاه من ملك السماء الدنيا والأرض وعزله عن خزن الجنة فقال جل جلاله
(اخرج منها) يعنى من الجنة (فإنك رجيم. وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين) وهو
بعد في السماء لم يهبط إلى الأرض فأسكن الله عز وجل حينئذ آدم جنته كما
حدثني موسى بن هارون قال حدثنا عمرو بن حماد قال حدثنا أسباط عن السدى
في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني
عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرج
إبليس من الجنة حين لعن وأسكن آدم الجنة فكان يمشى فيها وحشا ليس له
زوج يسكن إليها فنام نومة فاستيقظ فإذا عند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله
من ضلعه فسألها ما أنت؟ قالت امرأة قال ولم خلقت؟ قالت لتسكن إلى قالت
له الملائكة ينظرون ما بلغ علمه ما اسمها يا آدم؟ قال حواء قالوا لم سميت حواء؟
قال لأنها خلقت من سئ حي فقال الله تعالى (يا آدم أسكن أنت وزوجك
الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما) حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن
ابن إسحاق قال لما فرغ الله تعالى من معاتبة إبليس أقبل على آدم عليه السلام
وقد علمه الأسماء كلها فقال " يا آدم أنبئهم بأسمائهم - إلى - إنك أنت العليم الحكيم "
قال ثم ألقى السنة على آدم فيما بلغنا عن أهل الكتاب من أهل التوراة وغيرهم
من أهل العلم عن عبد الله بن العباس وغيره ثم أخذ ضلعا من أضلاعه من
شقه الأيسر ولام مكانها لحما وآدم عليه السلام نائم لم يهب من نومته حتى
خلق الله تعالى من ضلعه تلك زوجته حواء فسواها امرأة يسكن إليها فلما
كشف عنه السنة وهب من نومته رآها إلى جنبه فقال فيما يزعمون والله أعلم
لحمي ودمى وزوجتي فسكن إليها فلما زوجه الله عز وجل وجعل له سكنا من نفسه
قال له قيلا " يا آدم أسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا
هذه الشجرة فتكونا من الظالمين " حدثنا محمد بن عمرو قال حدثنا أبو عاصم
قال حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله عز وجل (وخلق منها
زوجها) قال حواء من فصيرى آدم وهو نائم فاستيقظ فقال (أثا) بالنبطية
70

امرأة * حدثنا المثنى قال حدثنا أبو حذيفة قال حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح
عن مجاهد مثله * حدثنا بشر بن معاذ قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا سعيد
عن قتادة " وخلق منها زوجها " يعنى حواء خلقت من آدم من ضلع من أضلاعه
القول في ذكر امتحان الله تعالى أبانا آدم عليه السلام
وابتلائه إياه بما امتحه به من طاعته وذكر ركوب آدم معصية ربه بعد الذي
كان أعطاه من كرامته وشريف المنزلة عنده ومكنه في جنته من رغد العيش
وهنيئه وما أزال ذلك عنه فصار من نعيم الجنة ولذيذ رغد العيش إلى نكد عيش
أهل الأرض وعلاج الحراثة والعمل بالمساحي والزراعة فيها * فلما أسكن
الله عز وجل آدم عليه السلام وزوجته جنته أطلق لهما أن يأكلا كلما شاءا أكله
من كل ما فيها من ثمارها غير ثمر شجرة واحدة ابتلاء منه لهما بذلك وليمضي قضاء
الله فيهما وفى ذريتهما كما قال عز وجل " ويا آدم أسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها
رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين فوسوس لهما الشيطان
حتى زين لهما أكل مانها هما ربهما عن أكله من ثمر تلك الشجرة وحسن لهما معصية
الله في ذلك حتى أكلا منها فبدا لهما من سوآتهما ما كان موارى عنهما منها فكان
وصول عدو الله إبليس إلى تزيين ذلك لهما ما ذكر في الخبر الذي حدثني موسى بن
هارون الهمداني قال حدثنا عمرو بن حماد قال حدثنا أسباط عن السدى في خبر
ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن
مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال لما قال الله عز وجل
لآدم أسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة
فتكونا من الظالمين أراد إبليس أن يدخل عليهما الجنة فمنعته الخزنة فأتى الحية
وهى دابة لها أربع قوائم كأنها البعير وهى كأحسن الدواب فكلمها أن تدخله
في فمها حتى تدخل به إلى آدم فأدخلته في فمها فمرت الحية على الخزنة وهم لا يعلمون
لما أراد الله عز وجل من الامر فكلمه من فمها ولم يبال كلامه فخرج إليه فقال
71

(يا آدم هل أدلك على الشجرة الخلد وملك لا يبلى) يقول هل أدلك على شجرة
إن أكلت منها كنت ملكا مثل الله تبارك وتعالى أو تكونا من الخالدين
فلا تموتان أبدا وحلف لهما بالله إني لكما لمن الناصحين وإنما أراد بذلك أن يبدي لهما
ما توارى عنهما من سوآتهما بهتك لباسهما وكان قد علم أن لهما سوءة لما كان يقرأ
من كتب الملائكة ولم يكن آدم يعلم ذلك وكان لباسهما الظفر فأبى آدم أن يأكل
منها فتقدمت حواء فأكلت ثم قالت يا آدم كل فإني قد أكلت فلم يضرني فلما أكل
بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة * حدثنا ابن حميد
قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن ليث بن أبي سليم عن طاووس اليماني عن
ابن عباس قال إن عدو الله إبليس عرض نفسه على دواب الأرض أيها تحمله
حتى يدخل به الجنة حتى يكلم آدم وزوجته فكل الدواب أبى ذلك عليه حتى
كلم الحية فقال لها أمنعك من بني آدم فأنت في ذمتي إن أنت أدخلتني الجنة فجعلته
بين نابين من أنيابها ثم دخلت به فكلمهما من فمها وكانت كاسية تمشى على أربع
قوائم فأعراها الله تعالى وجعلها تمشى على بطنها قال يقول ابن عباس اقتلوها حيث
وجدتموها واخفروا ذمة عدو الله فيها * حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا
عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن عبد الرحمن بن مهران قال سمعت وهب بن منبه
يقول لما أسكن الله تعالى آدم وزوجته الجنة ونهاه عن الشجرة وكانت شجرة
غصونها متشعب بعضها في بعض وكان لها ثمر تأكله الملائكة يخلدهم وهى الثمرة
التي نهى الله عنها آدم وزوجته فلما أراد إبليس أن يستزلهما دخل في جوف الحية
وكان للحية أربع قوائم كأنها بختية من أحسن دابة خلقها الله تعالى فلما دخلت الجنة
خرج من جوفها إبليس فاخذ من الشجرة التي نهى الله عبها آدم وزوجته فجاء بها
إلى حواء فقال انظري إلى هذه الشجرة ما أطيب ريحها وأطيب طعمها وأحسن
لونها فأخذت حواء فأكلت منها ثم ذهبت بها إلى آدم فقالت انظر إلى هذه
الشجرة ما أطيب ريحها وأطيب طعمها وأحسن لونها فأكل منها آدم فبدت لهما
سوآتهما فدخل آدم في جوف الشجرة فناداه ربه يا آدم أين أنت قال أنا هذا يا رب
72

قال ألا تخرج قال أستحي منك يا رب قال ملعونة الأرض التي خلقت منها لعنة
حتى تتحول ثمارها شوكا قال ولم يكن في الجنة ولا في الأرض شجرة كانت أفضل
من الطلح والسدر ثم قال يا حواء أنت التي غررت عبد ى فإنك لا تحملين حملا
إلا حملته كرها فإذا أردت أن تضعي ما في بطنك أشرفت على الموت مرارا وقال
للحية أنت التي دخل الملعون في بطنك حتى غر عبد ى ملعونة أنت لعنة حتى تتحول
قوائمك في بطنك ولا يكن لك رزق الا التراب أنت عدوة بني آدم وهم أعداؤك
حيث لقيت أحدا منهم أخذت بعقبه وحيث لقيك شدخ رأسك * قيل لوهب
وما كانت الملائكة تأكل قال يفعل الله ما يشاء * حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين
ابن داود قال حدثني حجاج عن أبي معشر عن محمد بن قيس قال نهى الله تعالى
آدم وحواء أن يأكلا من شجرة واحدة في الجنة ويأكلا منها رغدا حيث شاءا
فجاء الشيطان فدخل في جوف الحية فكلم حواء ووسوس إلى آدم فقال مانها كما
ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين و قاسمهما
إني لكما لمن الناصحين قال فقطعت حواء الشجرة فدميت الشجرة وسقط عنهما
رياشهما الذي كان عليهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما
ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين لم
أكلتها وقد نهيتك عنها قال يا رب أطعمتني حواء قال لحواء لم أطعمته؟ قالت
أمرتني الحية قال للحية لم أمرتها قالت أمرني إبليس قال ملعون مدحور أما
أنت يا حواء فكما أدميت الشجرة تدمين في كل هلال وأما أنت يا حية فأقطع
قوائمك فتمشين جريا على وجهك وسيشدخ رأسك من لقيك بالحجر اهبطوا
بعضكم لبعض عدو. حدثت عن عمار بن الحسن قال حدثنا عبد الله بن أبي جعفر عن
أبيه عن الربيع، قال حدثني محدث أن الشيطان دخل الجنة في صورة دابة ذات
قوائم وكان يرى أنه البعير قال فلعن فسقطت قوائمه فصار حية * حدثت عن
عمار قال حدثنا عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع قال وحدثني أبو العالية
قال إن من الإبل ما كان أولها من الجن قال فأبيحت له الجنة كلها - يعنى آدم - إلا
73

الشجرة وقيل لهما لا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين قال فأتى الشيطان
حواء فبدأ بها فقال نهيتما عن شئ قالت نعم عن هذه الشجرة فقال ما نهاكما
ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين قال فبدت
حواء فأكلت منها ثم أمرت آدم فأكل منها قال وكانت شجرة من أكل منها
أحدث قال ولا ينبغي أن يكون في الجنة حدث قال: (فأزلهما الشيطان عنها
فأخرجهما مما كانا فيه) قال فأخرج آدم من الجنة * حدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة قال حدثنا محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم أن آدم عليه السلام حين دخل
الجنة ورأى ما فيها من الكرامة وما أعطاه الله منها قال لو أنا خلدنا فاغتمز فيها
منه الشيطان لما سمعها منه فأتاه من قبل الخلد * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة
عن ابن إسحاق قال حدثت أن أول ما ابتدأهما به من كيده إياهما أنه ناح عليهما
نياحة أحزنتهما حين سمعاها فقالا له ما يبكيك قال أبكى عليكما تموتان فتفارقان
ما أنتما فيه من النعمة والكرامة فوقع ذلك في أنفسهما ثم أتاهما فوسوس إليهما
فقال يا آدم هل أدلك عن شجرة الخلد وملك لا يبلى وقال ما نهاكما ربكما عن هذه
الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين
أي تكونان ملكين أو تخلدان أي إن لم تكونا ملكين في نعمة الجنة فلا تموتان
يقول الله عز وجل (فدلاهما بغرور) * حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال
قال ابن زيد في قوله سبحانه وتعالى (فوسوس) وسوس الشيطان إلى حواء في
الشجرة حتى أتى بها إليها ثم حسنها في عين آدم قال فدعاها آدم لحاجته قالت لا،
إلا أن تأتى هاهنا فلما أتى قالت لا إلا أن تأكل من هذه الشجرة قال فأكلا منها
فبدت لهما سوآتهما قال وذهب آدم هاربا في الجنة فناداه ربه يا آدم أمنى تفر؟
قال لا يا رب ولكن حياء منك قال يا آدم أنى أوتيت قال من قبل حواء يا رب
قال الله عز وجل فإن لها على أن أدميها في كل شهر مرة كما أدمت هذه الشجرة
وأن أجعلها سفيهة وقد كنت خلقتها حليمة وأن أجعلها تحمل كرها وتضع كرها
وقد كنت جعلتها تحمل يسرا وتضع يسرا * قال ابن زيد ولولا البلية التي أصابت
74

حواء لكان نساء أهل الدنيا لا يحضن ولكن حليمات ولكن يحملن يسرا ويضعن
يسرا * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله
ابن قسيط عن سعيد بن المسيب قال سمعته يحلف بالله ما يستثنى ما أكل آدم من
الشجرة وهو يعقل ولكن حواء سقته الخمر حتى إذا سكر قادته إليها فأكل منها
فلما واقع آدم وحواء الخطيئة أخرجهما الله تعالى من الجنة وسلبهما ما كانا فيه
من النعمة والكرامة وأهبطهما وعدويهما إبليس والحية إلى الأرض فقال لهم
ربهم اهبطوا بعضكم لبعض عدو وكالذي قلنا في ذلك قال السلف من أهل العلم
* حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن
إسرائيل عن إسماعيل السدى، قال حدثني من سمع ابن عباس يقول اهبطوا
بعضكم لبعض عدو قال آدم وحواء وإبليس والحية * حدثنا سفيان بن وكيع
وموسى بن هارون قال حدثنا عمرو بن حماد عن أسباط عن السدى في خبر ذكره
عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود
وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اهبطوا بعضكم لبعض
عدو فلعن الحية فقطع قوائمها وتركها تمشى على بطنها وجعل رزقها من التراب
وأهبط إلى الأرض آدم وحواء وإبليس والحية * حدثني محمد بن عمرو قال
حدثنا أبو عاصم قال حدثنا عيسى بن ميمون عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول
الله عز وجل اهبطوا بعضكم لبعض عدو قال آدم وحواء وإبليس والحية
القول في قدر مدة مكث آدم في الجنة ووقت خلق الله عز وجل
إياه ووقت إهباطه إياه من السماء إلى الأرض
قد تظاهرت الاخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الله عز وجل
خلق آدم عليه السلام يوم الجمعة وأنه أخرجه فيه من الجنة وأهبطه إلى الأرض
فيه وأنه فيه تاب عليه وفيه قبضه
75

ذكر الاخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك
حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم قال حدثنا علي بن معبد
قال حدثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن عمرو بن
شرحبيل بن سعيد بن سعد بن عبادة عن سعد بن عبادة عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال إن في الجمعة خمس خلال فيه خلق آدم وفيه أهبط إلى الأرض
وفيه توفى الله آدم وفيه ساعة لا يسأل العبد فيها ربه شيئا إلا أعطاه الله إياه
ما لم يسأل إثما أو قطيعة وفيه تقوم الساعة وما من ملك مقرب ولا سماء ولا جبل ولا
أرض ولا ريح إلا مشفق من يوم الجمعة * حدثني محمد بن بشار ومحمد بن معمر قالا
حدثنا أبو عامر حدثنا زهير بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن عبد الرحمن
بن يزيد الأنصاري عن أبي لبابة بن عبد المنذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
سيد الأيام يوم الجمعة وأعظمها وأعظم عند الله من يوم الفطر ويوم النحر وفيه
خمس خلال خلق الله تعالى فيه آدم وأهبطه فيه إلى الأرض وفيه توفى الله
تعالى آدم وفيه ساعة لا يسأل الله العبد شيئا إلا أعطاه إياه ما لم يكن حراما
وفيه تقوم الساعة ما من ملك مقرب ولا سماء ولا أرض ولا جبال ولا رياح
ولا بحر إلا وهو مشفق من يوم الجمعة أن تقوم فيه الساعة واللفظ لحديث
ابن بشار * حدثنا محمد بن معمر قال حدثنا أبو عامر قال حدثنا زهير بن محمد
عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن عمرو بن شرحبيل بن سعيد بن سعد بن عبادة
عن أبيه عن جده عن سعد بن عبادة أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال يا رسول الله أخبرنا عن يوم الجمعة ماذا فيه من الخير؟ فقال فيه خلق آدم
وفيه أهبط آدم وفيه توفى آدم وفيه ساعة لا يسأل العبد فيها شيئا إلا أعطاه الله
إياه ما لم يسأل مأثما أو قطيعة وفيه تقوم الساعة ما من ملك مقرب ولا سماء
ولا أرض ولا جبال ولا ريح إلا هن يشفقن من يوم الجمع * حدثني عبد الرحمن
ابن عبد الله بن عبد الحكم قال حدثنا أبو زرعة قال أخبرني يونس عن
ابن شهاب عن عبد الرحمن الأعرج أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى
76

الله عليه وسلم خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه
ادخل الجنة وأخرج منها * حدثني بحر بن نصر قال أخبرنا ابن وهب قال
أخبرني ابن أبي الزناد عن أبيه عن موسى بن أبي عثمان عن أبي هريرة قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الأيام يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل
الجنة وفيه أخرج منها ولا تقوم الساعة إلا يوم الجمعة * حدثنا الربيع بن
سليمان قال حدثنا شعيب بن الليث قال حدثنا الليث بن سعد عن جعفر بن
ربيعة عن عبد الرحمن بن هرمز أنه قال سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لم تطلع الشمس على يوم مثل يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه
أخرج من الجنة وفيه أعيد فيها * حدثنا ابن حميد قال حدثنا جرير عن منصور
ومغيرة عن زياد بن كليب أبى معشر عن إبراهيم عن القرثع الضبي وكان
القرثع من القراء الأولين قال قال سلمان قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم
يا سلمان أتدري ما يوم الجمعة قلت الله ورسوله أعلم يقولها ثلاثا يا سلمان أتدري
ما يوم الجمعة؟ فيه جمع أبو ك أو أبو كم * حدثني محمد بن عمارة الأسدي قال حدثنا
عبيد الله بن موسى قال أخبرنا شبيان عن يحيى عن أبي سلمة أنه سمع
أبا هريرة يحدث أنه سمع كعبا يقول خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه
خلق آدم عليه السلام وفيه دخل الجنة وفيه أخرج منها وفيه تقوم الساعة
* حدثني الحسين بن يزيد الآدمي قال حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا زكرياء
ابن إسحاق عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير قال إن أول يوم طلعت فيه
شمسه يوم الجمعة وهو أفضل الأيام فيه خلق الله تعالى ذكره آدم خلقه على
مثل صورته فلما فرغ عطس آدم فألقى الله تعالى عليه الحمد فقال الله يرحمك
ربك * حدثنا أبو كريب قال حدثنا إسحاق بن منصور عن أبي كدينة عن
مغيرة عن زياد عن إبراهيم عن علقمة عن القرثع عن سلمان قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم * أتدري ما يوم الجمعة هو يوم جمع فيه أبو ك أو أبو كم
آدم عليه السلام * حدثنا أبو كريب قال حدثنا عثمان بن سعيد عن أبي الأحوص
77

عن مغيرة عن إبراهيم عن علقمة قال قال سلمان قال لي رسول الله صلى الله عليه
وسلم يا سلمان أتدري ما يوم الجمعة مرتين أو ثلاثا قال هو اليوم الذي جمع فيه
أبو كم آدم أو جمع فيه أبو كم * حدثنا أبو كريب قال حدثنا حسن بن عطية قال
حدثنا قيس عن الأعمش عن إبراهيم عن القرثع عن سلمان قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم أتدري ما يوم الجمعة أو قال كذا فيها جمع أبو كم آدم
حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق قال سمعت أبي يقول أخبرنا أبو حمزة
عن منصور عن إبراهيم عن القرثع عن سلمان قال: قال لي رسول الله صلى الله
عليه وسلم أتدري ما يوم الجمعة قلت لا قال فيه جمع أبوك
ذكر الوقت الذي فيه خلق آدم عليه السلام من يوم الجمعة
والوقت الذي فيه أهبط إلى الأرض
اختلف في ذلك فروى عن عبد الله بن سلام وغيره في ذلك ما حدثنا
أبو كريب قال حدثنا ابن إدريس قال أخبرنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي
هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير يوم طلعت فيه الشمس
يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أسكن الجنة وفيه أهبط وفيه نقوم الساعة وفيه
ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله تعالى فيها خيرا إلا آتاه إياه فقال عبد الله
ابن سلام قد علمت أي ساعة هي، هي آخر ساعات النهار من يوم الجمعة قال الله
عز وجل (خلق الانسان من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلون)
حدثنا أبو كريب قال حدثنا المحاربي وعبد ة بن سليمان وأسد بن عمرو عن محمد بن
عمرو قال حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه وذكر
فيه كلام عبد الله بن سلام بنحوه * حدثنا محمد بن عمرو قال حدثنا أبو عاصم
قال حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله عز وجل " خلق الانسان
من عجل " قال قول آدم حين خلق بعد كل شئ آخر النهار من يوم خلق الخلق
فلما أحيا الروح عينيه ولسانه ورأسه ولم يبلغ أسفله قال يا رب استعجل بخلقي
78

قبل غروب الشمس * حدثني الحارث قال حدثنا الحسن قال حدثنا ورقاء
عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله * حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال حدثنا
حجاج عن ابن جريج قال قال مجاهد خلق الانسان من عجل قال آدم حين
خلق بعد كل شئ ثم ذكره نحوه غيره أنه قال في حديثه استعجل بخلقي قد
غربت الشمس * حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد في
قوله خلق الانسان من عجل قال على عجل خلق آدم آخر ذلك اليوم من ذينك
اليومين يريد يوم الجمعة وخلقه على عجلة وجعله عجولا * وقد زعم بعضهم أن الله
عز وجل أسكن آدم وزوجته الفردوس لساعتين مضتا من نهار يوم الجمعة
وقيل لثلاث ساعات مضين منه، وأهبطه إلى الأرض لسبع ساعات مضين من ذلك
اليوم فكان مقدار مكثهما في الجنة خمس ساعات وقيل كان ذلك ثلاث ساعات
وقال بعضهم أخرج آدم عليه السلام من الجنة للساعة التاسعة أو العاشرة
ذكر من قال ذلك
قال أبو جعفر قرأت على عبد ان بن محمد المروزي قال حدثنا عمار بن الحسن
قال حدثنا عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع عن أنس عن أبي العالية قال
أخرج آدم من الجنة للساعة التاسعة أو العاشرة فقال لي نعم لخمسة أيام مضين من
نيسان * فإن كان قائل هذا القول أراد أن الله تبارك وتعالى أسكن آدم وزوجته
الفردوس لساعتين مضتا من نهار يوم الجمعة من أيام أهل الدنيا التي هي على ما به
اليوم فلم يبعد قوله من الصواب في ذلك لان الاخبار إذا كانت واردة عن السلف
من أهل العلم بأن آدم خلق في آخر ساعة من اليوم السادس من الأيام التي مقدار
اليوم الواحد منها ألف سنة من سنيننا فمعلوم أن الساعة الواحدة من ساعات ذلك
اليوم ثلاثة وثمانون عاما من أعوامنا وقد ذكرنا أن آدم بعد أن خمر ربنا
عز وجل طينته بقى قبل أن ينفخ فيه الروح أربعين عاما وذلك لا شك أنه عنى به
من أعوامنا وسنيننا ثم بعد أن نفخ فيه الروح إلى أن تناهى أمره وأسكن
الفردوس وأهبط إلى الأرض غير مستنكر أن يكون كان مقداره من سنيننا
79

قدر خمس وثلاثين سنة فإن كان أراد أنه أسكن الفردوس لساعتين مضتا من
نهار يوم الجمعة من الأيام التي مقدار اليوم الواحد منها ألف سنة من سنيننا فقد
قال غير الحق وذلك أن جميع من حفظ له قول في ذلك من أهل العلم فإنه كان يقول
إن آدم نفخ فيه الروح في آخر النهار من يوم الجمعة قبل غروب الشمس من ذلك
اليوم ثم الاخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم متظاهرة بأن الله تبارك
وتعالى أسكنه الجنة فيه وفيه أهبطه إلى الأرض فإن كان ذلك صحيحا فمعلوم أن
آخر ساعة من نهار يوم من أيام الآخرة ومن الأيام التي اليوم الواحد منها
مقداره ألف سنة من سنيننا إنما هي ساعة بعد مضى إحدى عشرة ساعة وذلك
ساعة من اثنتي عشرة ساعة وهى ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر من سنيننا
فآدم صلوات الله عليه إذ كان الامر كذلك إنما خلق لمضى إحدى عشرة
ساعة من نهار يوم الجمعة من الأيام التي اليوم الواحد منها ألف سنة من سنيننا
فمكثت جسدا ملقى لم ينفخ فيه الروح أربعين عاما من أعوامنا ثم نفخ فيه الروح
فكان مكثه في السماء بعد ذلك ومقامه في الجنة إلى أن أصاب الخطيئة وأهبط
إلى الأرض ثلاثا وأربعين سنة من سنيننا وأربعة أشهر وذلك ساعة من ساعات
يوم من الأيام الستة التي خلق الله تعالى فيها الخلق، وقد حدثني الحارث بن
محمد قال حدثنا محمد بن سعد قال حدثنا هشام بن محمد قال أخبرني أبي عن أبي صالح
عن ابن عباس قال خرج آدم من الجنة بين الصلاتين صلاة الظهر وصلاة العصر
فأنزل إلى الأرض وكان مكثه في الجنة نصف يوم يوم من أيام الآخرة وهو
خمسمائة سنة من يوم كان مقداره اثنتي عشرة ساعة واليوم ألف سنة مما يعد
أهل الدنيا وهذا أيضا قول خلاف ما وردت به الاخبار عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم وعن السلف من علمائنا
القول في الموضع الذي أهبط آدم وحواء إليه
من الأرض حين أهبطا إليها
ثم إن الله عز وجل أهبط آدم قبل غروب الشمس من اليوم الذي خلقه فيه
80

وذلك يوم الجمعة من السماء مع زوجته وأنزل آدم فيما قال علماء سلف أمة نبينا
صلى الله عليه وسلم بالهند
ذكر من حضرنا ذكره ممن قال ذلك منهم
حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة قال
أهبط الله عز وجل آدم إلى الأرض وكان مهبطه بأرض الهند * حدثنا عمرو
ابن علي قال حدثنا عمران بن بن عيينة قال أخبرنا عطاء بن السائب عن سعيد بن
جبير عن ابن عباس قال إن أول ما أهبط الله تعالى آدم أهبطه بدهناء أرض
الهند حدثت عن عمار قال حدثنا عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع
ابن أنس عن أبي العالية قال أهبط آدم إلى الهند * حدثني ابن سنان قال حدثنا
الحجاج قال حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن
عباس قال قال علي بن أبي طالب عليه السلام * أطيب أرض في الأرض ريحا
أرض الهند أهبط بها آدم فعلق شجرها من ريح الجنة * حدثني الحارث قال حدثنا
ابن سعد قال حدثنا هشام بن محمد عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس قال أهبط
آدم بالهند وحواء بجدة فجاء في طلبها حتى اجتمعا فازدلفت إليه حواء فلذلك
سميت المزدلفة وتعارفا بعرفات فلذلك سميت عرفات واجتمعا بجمع فلذلك سميت
جمعا قال وأهبط آدم على جبل بالهند يقال له بوذ * حدثنا أبو همام قال حدثني أبي
قال حدثنا زياد بن خيثمة عن أبي يحيى بائع ألقت قال قال لي مجاهد لقد حدثنا
عبد الله بن عباس أن آدم نزل حين نزل بالهند * حدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة عن ابن إسحاق قال وأما أهل التوراة فإنهم قالوا أهبط آدم بالهند على جبل
يقال له واسم عند واد يقال له بهيل بين الدهنج والمندل بلدين بأرض الهند قالوا
وأهبطت حواء بجدة من أرض مكة * وقال آخرون بل أهبط آدم بسرنديب
على جبل يدعى بوذ وحواء بجدة من أرض مكة وإبليس بميسان والحية بأصبهان
وقد قيل أهبطت الحية بالبرية وإبليس بساحل بحر الأبلة * وهذا مما لا يوصل
إلا علم صحته لا بخبر يجئ مجئ الحجة ولا يعلم خبر في ذلك ورد كذلك غير ما ورد
81

من خبر هبوط آدم بأرض الهند فإن ذلك مما لا يدفع صحته علماء الاسلام
وأهل التوراة والإنجيل والحجة قد ثبتت بأخبار بعض هؤلاء * وذكر أن الجبل
الذي أهبط عليه آدم عليه السلام ذروته من أقرب ذرى جبال الأرض إلى السماء
وأن آدم حين أهبط عليه كانت رجلاه عليه ورأسه في السماء يسمع دعاء الملائكة
وتسبيحهم فكان آدم يأنس بذلك وكانت الملائكة تهابه فنقص من طول آدم لذلك
ذكر من قال ذلك
حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا هشام بن حسان عن
سوار ختن عطاء عن عطاء بن أبي رباح قال لما أهبط الله عز وجل آدم من
الجنة كان رجلاه في الأرض ورأسه في السماء يسمع كلام أهل السماء ودعاءهم
يأنس إليهم فهابته الملائكة حتى شكت إلى الله تعالى في دعائها وفى صلاتها فخفضه
إلى الأرض فلما فقد ما كان يسمع منهم استوحش حتى شكا ذلك إلى الله عز وجل
في دعائه وفى صلاته فوجه إلى مكة فصار موضع قدمه قرية وخطوته مفازة حتى
انتهى إلى مكة وأنزل الله تعالى ياقوتة من ياقوت الجنة فكانت على موضع البيت
الآن فلم يزل يطوف به حتى أنزل الله تعالى الطوفان فرفعت تلك الياقوتة حتى
بعث الله تعالى إبراهيم الخليل عليه السلام فبناه فذلك قوله تعالى (وإذ بوأنا
لإبراهيم مكان البيت) * حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال
أخبرنا معمر عن قتادة قال وضع الله تعالى البيت مع آدم فكان رأسه في السماء
ورجلاه في الأرض فكانت الملائكة تهابه فنقص إلى ستين ذراعا فحزن آدم
إذ فقد أصوات الملائكة وتسبيحهم فشكا ذلك إلى الله فقال الله يا آدم إني
أهبطت لك بيتا تطوف به كما يطاف حول عرشي وتصلى عنده كما يصلى عند
عرش فانطلق إليه آدم عليه السلام فخرج فمد له في خطوه فكان بين كل خطوة
مفازة فلم تزل تلك المفاوز بعد ذلك فأتى آدم عليه السلام البيت فطاف به ومن
بعده الأنبياء * حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال حدثنا هشام بن محمد قال
أخبرني أبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال لما حط من طول آدم عليه السلام
82

إلى ستين ذراعا أنشأ يقول رب كنت جارك في دارك ليس لي رب غيرك ولا
رقيب دونك آكل فيها رغدا وأسكن حيث أحببت فأهبطتني إلى هذا الجبل
المقدس فكنت أسمع أصوات الملائكة وأراهم كيف يحفون بعرشك وأجد ريح
الجنة وطيبها ثم أهبطتني إلى الأرض وحططتني إلى ستين ذراعا فقد انقطع عنى
الصوت والنظر وذهب عنى ريح الجنة فأجابه الله عز وجل لمعصيتك يا آدم فعلت
ذلك بك فلما رأى الله تعالى عرى آدم وحواء أمره أن يذبح كبشا من الضأن
من الثمانية الأزواج التي أنزل من الجنة فأخذ كبشا فذبحه ثم أخذ صوفه فغزلته
حواء ونسجه هو وحواء فنسج آدم جبة لنفسه وجعل لحواء درعا وخمارا فلبسا
ذلك فأوحى الله تعالى إلى آدم إن لي حرما بحيال عرشي فانطلق فابن لي فيه
بيتا ثم حف به كما رأيت ملائكتي يحفون بعرشي فهنالك أستجيب لك ولولدك
من كان منهم في طاعتي فقال آدم أي رب فكيف لي بذلك لست أقوى عليه ولا
اهتدى له فقيض الله له ملكا فانطلق به نحو مكة فكان آدم إذا مر بروضة ومكان
يعجبه قال للملك انزل بنا ههنا فيقول له الملك مكانك حتى قدم مكة فكان كل
مكان نزل به صار عمرانا وكل مكان تعداه صار مفاوز وقفارا فبنى البيت من
خمسة أجبل من طور سيناء وطور زيتون ولبنان والجودي وبنى قواعده من
حراء فلما فرغ من بنائه خرج به الملك إلى عرفات فأراه المناسك كلها التي تفعلها
الناس اليوم ثم قدم به مكة فطاف بالبيت أسبوعا ثم رجع إلى أرض الهند فمات
على بوذ * حدثنا أبو همام قال حدثني أبي قال حدثني زياد بن خيثمة عن أبي يحيى
بائع ألقت قال قال لي مجاهد لقد حدثني عبد الله بن عباس أن آدم عليه السلام
نزل حين نزل بالهند ولقد حج منها أربعين حجة على رجليه فقلت له يا أبا الحجاج
ألا كان يركب قال فأي شئ كان يحمله فوالله إن خطوه مسيرة ثلاثة أيام وإن
كان رأسه ليبلغ السماء فاشتكت الملائكة نفسه فهمزه الرحمن همزة فتطأطأ مقدار
أربعين سنة * حدثني صالح بن حرب أبو معمر مولى بني هاشم قال حدثنا ثمامة
ابن عبيدة السلمي قال أخبرنا أبو الزبير قال قال نافع سمعت ابن عمر يقول إن
83

الله تعالى أوحى إلى آدم عليه السلام وهو ببلاد الهند أن حج هذا البيت فحج
آدم من بلاد الهند فكان كل ما وضع قدمه صار قرية وما بين خطوتيه مفازة
حتى انتهى إلى البيت فطاف به وقضى المناسك كلها ثم أراد الرجوع إلى بلاد الهند
فمضى حتى إذا كان بمأزمى عرفات تلقته الملائكة فقالوا بر حجك يا آدم فدخله
من ذلك عجب فلما رأت الملائكة ذلك منه قالوا يا آدم إنا قد حججنا هذا البيت
قبل أن تخلق بألفي سنة قال فتقاصرت إلى آدم نفسه * وذكر أن آدم عليه السلام
أهبط إلى الأرض وعلى رأسه إكليل من شجر الجنة فلما صار إلى الأرض ويبس
الإكليل تحات ورقه فنبت منه أنواع الطيب * وقال بعضهم بل كان ذلك ما أخبر
الله عنهما أنهما جعلا يخصفان عليهما من ورق الجنة فلما يبس ذلك الورق الذي
خصفاه عليهما تحات فنبت من ذلك الورق أنواع الطيب والله أعلم * وقال
آخرون لما علم آدم أن الله عز وجل مهبطه إلى الأرض جعل لا يمر بشجرة من
شجر الجنة إلا أخذ غصنا من أغصانها فهبط إلى الأرض وتلك الأغصان معه فلما
يبس ورقها تحات فكان ذلك أصل الطيب
ذكر من قال ذلك
حدثنا أبو همام قال حدثنا أبي قال حدثنا زياد بن خيثمة عن أبي يحيى بائع ألقت
قال قال مجاهد لقد حدثني عبد الله بن عباس أن آدم حين خرج من الجنة كان
لا يمر بشئ إلا عبث به فقيل للملائكة دعوه فليتزود منها ما شاء فنزل حين نزل
بالهند وإن هذا الطيب الذي يجاء به من الهند مما خرج به آدم من الجنة
ذكر من قال كان على رأس آدم عليه السلام
حين أهبط من الجنة إكليل من شجر الجنة
* حدثت عن عمار بن الحسن قال حدثنا عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع
ابن أنس عن أبي العالية قال خرج آدم من الجنة فخرج منها ومعه عصا من شجر الجنة
وعلى رأسه تاج أو إكليل من شجر الجنة قال فأهبط إلى الهند ومنه كل طيب بالهند
84

* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال هبط آدم عليه يعنى على الجبل
الذي هبط عليه ومعه ورق من ورق الجنة فبثه في ذلك الجبل فمنه كان أصل
الطيب كله وكل فاكهة لا توجد إلا بأرض الهند * وقال آخرون بل زوده الله من
ثمار الجنة فثمارنا هذه من تلك الثمار
ذكر من قال ذلك
حدثنا ابن بشار قال حدثنا ابن أبي عدى وعبد الوهاب ومحمد بن جعفر عن
عوف عن قسامة بن زهير عن الأشعري قال إن الله تبارك وتعالى لما أخرج
آدم من الجنة زوده من ثمار الجنة وعلمه صنعة كل شئ فثماركم هذه من ثمار الجنة
غير أن هذه تتغير وتلك لا تتغير * وقال آخرون إنما علق بأشجار الهند طيب ريح
آدم عليه السلام
ذكر من قال انما صار الطيب بالهند
لان آدم حين أهبط إليها علق بأشجارها طيب ريحه
حدثني الحارث بن محمد قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا هشام بن محمد قال أخبرني أبي
عن أبي صالح عن ابن عباس قال نزل آدم عليه السلام معه ريح الجنة فعلق بشجرها
وأوديتها وامتلا ما هنا لك طيبا فمن ثم يؤتى بالطيب من ريح الجنة وقالوا أنزل
معه من طيب الجنة وقال أنزل معه الحجر الأسود وكان أشد بياضا من الثلج وعصا
موسى وكانت من آس الجنة طولها عشرة أذرع على طول موسى ومر ولبان ثم
أنزل عليه بعد ذلك العلاة والمطرقة والكلبتان فنظر آدم حين أهبط على الجبل
إلى قضيب من حديد نابت على الجبل فقال هذا من هذا فجعل يكسر أشجارا قد
عتقت ويبست بالمطرقة ثم أو قد على ذلك الغصن حتى ذاب فكان أول شئ ضربه
مدية فكان يعمل بها ثم ضرب التنور وهو الذي ورثه نوح وهو الذي فار بالعذاب
بالهند وكان آدم حين هبط يمسح رأسه السماء فمن ثم صلع وأورث ولده الصلع
ونفرت من طوله دواب البر فصارت وحشا من يومئذ وكان آدم عليه السلام
85

وهو على ذلك الجبل قائم يسمع أصوات الملائكة ويجد ريح الجنة فحط من طوله
ذلك إلى ستين ذراعا فكان ذلك طوله إلى أن مات ولم يجمع حسن آدم عليه السلام
لاحد من ولده إلا ليوسف عليه السلام * وقيل إن من الثمار التي زود الله عز
وجل آدم عليه السلام حين أهبط إلى الأرض ثلاثين نوعا عشرة منها في القشور
وعشرة لها نوى وعشرة لا قشور لها ولا نوى فأما التي في القشور منه فالجوز واللوز
والفستق والبندق والخشخاش والبلوط والشاهبلوط والرانج والرمان والموز
وأما التي لها نوى منها فالخوخ والمشمش والإجاص والرطب والغبيراء والنبق
والزعرور والعناب والمقل والشاهلوج وأما التي لا قشور لها ولا نوى فالتفاح
والسفرجل والكمثرى والعنب والتوت والتين والأترج والخرنوب والخيار والبطيخ
وقيل كان مما أخرج آدم معه من الجنة صرة من حنطة وقيل أن الحنطة إنما جاء
بها جبرائيل عليه السلام بعد أن جاع آدم واستطعم ربه فبعث الله إليه مع جبرائيل
عليه السلام بسبع حبات من حنطة فوضعها في يد آدم عليه السلام فقال آدم
لجبرائيل ما هذا فقال له جبرائيل هذا الذي أخرجك من الجنة وكان وزن الحبة
منها مائة ألف درهم وثمانمائة درهم فقال آدم ما أصنع بهذا قال انثره في الأرض
ففعل فأنبته الله عز وجل من ساعته فجرت سنة في ولده البذر في الأرض ثم أمره
فحصده ثم أمره فجمعه وفركه بيده ثم أمره أن يذريه ثم أتاه بحجرين فوضع أحدهما
على الآخر فطحنه ثم أمره أن يعجنه ثم أمره أن يخبزه ملة وجمع له جبرائيل عليه
السلام الحجر والحديد فقدحه فخرجت منه النار فهو أول من خبز الملة * وهذا
الذي حكيناه عن قائل هذا القول خلاف ما جاءت به الروايات عن سلف أمة
نبينا صلى الله عليه وسلم وذلك أن المثنى بن إبراهيم حدثني أن إسحاق حدثه قال حدثنا
عبد الرزاق قال أخبرنا سفيان بن عيينة وابن المبارك عن الحسن بن عمارة عن
المنهال بن عمرو وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كانت الشجرة التي نهى الله
عنها آدم وزوجته السنبلة فلما أكلا منها بدت لهما سوآتهما وكان الذي وارى عنهما
من سوآتهما أظفارهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ورق التين يلصقان
86

بعضها إلى بعض فانطلق آدم موليا في الجنة فأخذت برأسه شجرة من الجنة فناداه
يا آدم أمنى تفر قال لا ولكني استحيتك يا رب * قال أما كان لك فيما منحتك
من الجنة وأبحتك منها مندوحة عما حرمت عليك قال بلى يا رب ولكن وعزتك
ما حسبت أن أحدا يحلف بك كاذبا قال وهو قول الله تبارك وتعالى (وقاسمهما إني
لكما لمن الناصحين) قال فبعزتي لأهبطنك إلى الأرض فلا تنال العيش إلا كدا
قال اهبط من الجنة وكانا يأكلان فيها رغدا فأهبط إلى غير رغد من طعام وشراب
فعلم صنعة الحديد وأمر بالحرث فحرث وزرع ثم سقى حتى إذا بلغ حصده ثم
داسه ثم ذراه ثم طحنه ثم عجنه ثم خبزه ثم أكله فلم يبلعه حتى بلغ منه ما شاء الله أن
يبلغ * حدثنا ابن حميد قال حدثنا يعقوب عن جعفر عن سعيد قال أهبط إلى آدم
ثور أحمر فكان يحرث عليه ويمسح العرق عن جبينه فهو الذي قال الله عز وجل
(فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى) فكان ذلك شقاه * فهذا الذي قاله هؤلاء
هو أولى بالصواب وأشبه بما دل عليه كتاب ربنا عز وجل وذلك أن الله عز
ذكره لما تقدم إلى آدم وزوجته حواء بالنهي عن طاعة عدوهما قال لآدم
(يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى. إن لك
أن لا تجوع فيها ولا تعرى. وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى) فكان معلوما أن
الشقاء الذي أعلمه أنه يكون إن أطاع عدوه إبليس هو مشقة الوصول إلى
ما يزيل الجوع والعرى عنه وذلك هي الأسباب التي بها تصل أولاده إلى الغذاء
من حراثة وبذر وعلاج وسقى وغير ذلك من الأسباب الشاقة المؤلمة ولو كان
جبرائيل أتاه بالغذاء الذي يصل إليه ببذره دون سائر المؤن غيره لم يكن هناك
من الشقاء الذي تو عده به ربه على طاعة الشيطان ومعصية الرحمن كبير خطب
ولكن الامر كان والله أعلم على ما روينا عن ابن عباس وغيره * وقد قيل إن
آدم عليه السلام نزل معه السندان والكلبتان والميقعة والمطرقة
ذكر من قال ذلك
حدثنا ابن حميد قال حدثنا يحيى بن واضح قال حدثنا الحسين عن علباء بن
87

أحمر عن عكرمة عن ابن عباس قال ثلاثة أشياء نزلت مع آدم عليه السلام
السندان والكلبتان والميقعة والمطرقة * ثم إن الله عز ذكره فيما ذكر أنزل
آدم من الجبل الذي أهبطه عليه إلى سفحه وملكه الأرض كلها وجميع ما عليها
من الجن والبهائم والدواب والوحش والطير وغير ذلك وأن آدم عليه السلام
لما نزل من رأس ذلك الجبل وفقد كلام أهل السماء وغابت عنه أصوات
الملائكة ونظر إلى سعة الأرض وبسطتها ولم ير فيها أحدا غيره استوحش فقال
يا رب أما لأرضك هذه عامر يسبجك غيري فأجيب بما حدثني المثنى بن إبراهيم
قال أخبرنا إسحاق بن الحجاج قال حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال حدثني
عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهبا يقول إن آدم لما أهبط إلى الأرض فرأى
سعتها ولم ير فيها أحدا غيره قال يا رب أما لأرضك هذه عامر يسبح بحمدك
ويقدس لك غيري قال الله إني سأجعل فيها من ولدك من يسبح بحمدي
ويقدسني وسأجعل فيها بيوتا ترفع لذكرى ويسبح فيها خلقي ويذكر فيها اسمى
وسأجعل من تلك البيوت بيتا أخصه بكرامتي وأوثره باسمي وأسميه بيت أنطقه
بعظمتي وعليه وضعت جلالي ثم أنا مع ذلك في كل شئ ومع كل شئ أجعل
ذلك البيت حرما آمنا يحرم بحرمته من حوله ومن تحته ومن فوقه فمن حرمه
بحرمتي استوجب بذلك كرامتي ومن أخاف أهله فيه فقد أخفر ذمتي وأباح
حرمتي أجعله أول بيت وضع للناس ببطن مكة مباركا يأتونه شعثا غبرا على
كل ضامر من كل فج عميق يرجون بالتلبية رجيجا ويثجون بالبكاء ثجيجا ويعجون
بالتكبير عجيجا فمن اعتمره ولا يريد غيره فقد وفد إلى وزارني وضافني وحق
على الكريم أن يكرم وفده وأضيافه وأن يسعف كلا بحاجته تعمره يا آدم
ما كنت حيا ثم تعمره الأمم والقرون والأنبياء من ولدك أمة بعد أمة وقرنا
بعد قرن ثم أمر آدم عليه السلام فيما ذكر أن يأتي البيت الحرام الذي أهبط
له إلى الأرض فيطوف به كما كان يرى الملائكة تطوف حول عرش الله وكان
ذلك ياقوتة واحدة أو درة واحدة كما حدثني الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق
88

قال أخبرنا معمر عن أبان أن البيت أهبط ياقوتة واحدة أو درة واحدة حتى
إذا أغرق الله قوم نوح رفعه وبقى أساسه فبوأه الله عز وجل لإبراهيم فبناه وقد
ذكرت الأخبار الواردة بذلك فيما مضى قبل * فذكر أن آدم عليه السلام بكى
واشتد بكاؤه على خطيئته وندم عليها وسأل الله عز وجل قبول توبته وغفران
خطيئته فقال في مسألته إياه ما سأل من ذلك كما حدثنا أبو كريب قال حدثنا
ابن عطية عن قيس عن ابن أبي ليلى عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس
(فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه) قال أي رب ألم تخلقني بيدك قال بلى
قال أي رب ألم تنفخ في من روحك قال بلى قال أي رب ألم تسكني جنتك قال
بلى قال أي رب ألم تسبق رحمتك غضبك قال بلى قال أرأيت أن تبت وأصلحت
أراجعي أنت إلى الجنة قال بلى قال فهو قوله تعالى (فتلقى آدم من ربه كلمات)
حدثني بشر بن معاذ قال حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة قوله تعالى
فتلقى آدم من ربه كلمات ذكر لنا أنه قال يا رب أرأيت إن أنا تبت وأصلحت
قال إذا أرجعك إلى الجنة قال وقال الحسن إنهما قالا (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن
لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) * حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي
قال حدثنا أبو أحمد قال حدثنا سفيان وقيس عن خصيف عن مجاهد في قوله
عز وجل " فتلقى آدم من ربه كلمات " قال قوله " ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا
وترحمنا لنكونن من الخاسرين " * حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا
هشام بن محمد قال أخبرنا أبى عن أبي صالح عن ابن عباس قال أنزل آدم معه حين
اهبط من الجنة الحجر الأسود وكان أشد بياضا من الثلج وبكى آدم وحواء على
ما فاتهما يعنى من نعيم الجنة مائتي سنة ولم يأكلا ولم يشربا أربعين يوما ثم أكلا
وشربا وهما يومئذ على بوذ الجبل الذي أهبط على آدم ولم يقرب حواء مائة سنة
* حدثنا أبو همام قال حدثني أبي قال حدثني زياد بن خيثمة عن أبي يحيى بائع ألقت
قال قال لي مجاهد ونحن جلوس في المسجد هل ترى هذا قلت يا أبا الحجاج الحجر
قال كذلك تقول قلت أوليس حجرا قال فوالله لحدثني عبد الله بن عباس أنها ياقوتة
89

بيضاء خرج بها آدم من الجنة كان يمسح بها دموعه أن آدم لم ترقأ دموعه منذ خرج
من الجنة حتى رجع إليها ألفى سنة وما قدر منه إبليس على شئ فقلت له يا أبا الحجاج
فمن أي شئ اسود قال كان الحيض يلمسنه في الجاهلية فخرج آدم عليه السلام من الهند
يؤم البيت الذي أمره الله عز وجل بالمصير إليه حتى أتاه فطاف به ونسك المناسك
فذكر أنه التقى هو وحواء بعرفات فتعارفا بها ثم ازدلف إليها بالمزدلفة ثم رجع إلى
الهند مع حواء فاتخذا مغارة يأويان إليها في ليلهما ونهارهما وأرسل الله إليهما ملكا
يعلهما ما يلبسانه ويستتران به فزعموا أن ذلك كان من جلود الضأن والانعام والسباع
وقال بعضهم إنما كان ذلك لباس أولادهما فأما آدم وحواء فإن لباسهما كان ما كانا
خصفا على أنفسهما من ورق الجنة ثم إن الله عز ذكره مسح ظهر ادم عليه السلام
بنعمان من عرفة وأخرج ذريته فنثرهم بين يديه كالذر فأخذ مواثيقهم وأشهدهم
على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى كما قال عز وجل (وإذ أخذ ربك من بني آدم
من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى) * وقد
حدثني أحمد بن محمد الطوسي قال حدثنا الحسين بن محمد قال حدثنا جرير بن حازم
عن كلثوم بن جبر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال أخذ الله الميثاق من ظهر آدم بنعمان يعنى عرفة فاخرج من صلبه كل ذرية
ذرأها فنثرهم بين يديه كالذر ثم كلمهم قبلا وقال (ألست بربكم قالوا بلى شهدنا
أن تقولوا يوم القيامة - إلى قوله - بما فعل المبطلون) * حدثني عمران بن موسى
القزاز حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال حدثنا كلثوم بن جبر عن سعيد بن جبير
عن ابن عباس في قوله " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم
على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى " قال مسح ربنا ظهر آدم فخرجت كل نسمة
هو خالقها إلى يوم القيامة بنعمان هذه وأشار بيده فأخذ مواثيقهم وأشهدهم على
أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى * حدثنا ابن وكيع ويعقوب بن إبراهيم قالا حدثنا
ابن علية عن كلثوم بن جبر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله عز وجل " وإذ
أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم
90

قالوا بلى " قال مسح ظهر آدم فخرج كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة بنعمان
هذا الذي وراء عرفة وأخذ ميثاقهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا واللفظ لحديث
يعقوب * حدثنا ابن وكيع قال حدثنا عمران بن عيينة عن عطاء عن سعيد
ابن جبير عن ابن عباس قال أهبط آدم حين أهبط فمسح الله ظهره فأخرج منه
كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة ثم قالت ألست بربكم قالوا بلى ثم تلى " وإذا أخذ
ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم " فجف القلم من يومئذ بما هو كائن إلى
يوم القيامة * حدثنا أبو كريب قال حدثنا يحيى بن عيسى عن الأعمش عن حبيب
ابن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وإذ أخذ ربك من بني آدم من
ظهورهم ذريتهم قال لما خلق الله عز وجل آدم عليه السلام أخذ ذريته من ظهره
مثل الذر فقبض قبضتين فقال لأصحاب اليمين ادخلوا الجنة بسلام وقال للآخرين
ادخلوا النار ولا أبالي * حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري قال حدثنا روح
ابن عبادة وسعد بن عبد الحميد بن جعفر عن مالك بن أنس عن زيد بن أبي أنيسة
عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عن مسلم بن يسار الجهني أن عمر
ابن الخطاب رضي الله عنه سئل عن هذه الآية " وإذ أخذ ربك من بني آدم من
ظهورهم ذريتهم " فقال عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله
خلق آدم ثم مسح على ظهره بيمينه واستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء
للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ثم مسح على ظهره بشماله فاستخرج من ذرية
فقال خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون فقال رجل يا رسول الله ففيم
العمل قال إن الله تبارك وتعالى إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة
فيدخل الجنة وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل
من عمل أهل النار فيدخله النار وقيل إنه أخذ ذرية آدم عليه السلام من ظهره بدحنى
ذكر من قال ذلك
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا حكام قال حدثنا عمرو بن أبي قيس عن عطاء عن
سعيد عن ابن عباس " وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم " قال لما خلق
91

الله عز وجل آدم مسح ظهره بدحنى فاخرج من ظهره كل نسمة هو خالقها إلى
يوم القيامة فقال ألست بربكم قالوا بلى قال فيرون يومئذ جف القلم بما هو كائن
إلى يوم القيامة * وقال بعضهم أخرج الله ذرية آدم من صلبه في السماء قبل أن
يهبطه إلى الأرض وبعد أن أخرجه من الجنة.
ذكر من قال ذلك
* حدثنا ابن وكيع قال حدثنا عمرو بن حماد عن أسباط عن السدى وإذ أخذ
ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى
قال أخرج الله آدم من الجنة ولم يهبطه من السماء ثم إنه مسح من آدم صفحة ظهره
اليمنى فاخرج منه ذرية كهيئة الذر بيضاء مثل اللؤلؤ فقال لهم ادخلوا الجنة برحمتي
ومسح صفحة ظهره اليسرى فأخرج منه كهيئة الذر سودا فقال ادخلوا النار ولا
أبالي فذلك حين يقول أصحاب اليمين وأصحاب الشمال ثم أخذ الميثاق فقال ألست
بربكم قالوا بلى فأعطاه طائفة طائعين وطائفة على وجه التقية.
ذكر الاحداث التي كانت في عهد آدم عليه السلام
بعد أن أهبط إلى الأرض
فكان أول ذلك قتل قابيل بن آدم أخاه هابيل وأهل العلم يختلفون في اسم
قابيل فيقول بعضهم هو قين بن آدم ويقول بعضهم هو قابين بن آدم ويقول
بعضهم قاين ويقول بعضهم هو قابيل واختلفوا أيضا في السبب الذي من أجله قتله
فقال بعضهم في ذلك ما حدثني به موسى بن هارون الهمداني قال حدثنا عمرو بن حماد
قال حدثنا أسباط عن السدى في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن
ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال كان لا يولد لآدم مولود إلا ولد معه جارية فكان يزوج غلام هذا
البطن جارية هذا البطن الآخر حتى ولد له ابنان يقال لهما قابيل وهابيل وكان قابيل
صاحب زرع وكان هابيل صاحب ضرع وكان قابيل أكبرهما وكانت له أخت أحسن
من أخت هابيل وإن هابيل طلب أن ينكح أخت قابيل فأبى عليه وقال هي أختي
92

ولدت معي وهى أحسن من أختك وأنا أحق أن أتزوجها فأمره أبو ه أن يزوجها
هابيل فأبى وإنهما قربا قربانا إلى الله أيهما أحق بالجارية وكان آدم يومئذ قد غاب
عنهما وأتى مكة ينظر إليها قال الله لآدم يا آدم هل تعلم أن لي بيتا في الأرض
قال اللهم لا قال فإن لي بيتا بمكة فأته فقال آدم للسماء احفظي ولدى بالأمانة
فأبت وقال للأرض فأبت وقال للجبال فأبت فقال لقابيل قال نعم تذهب وترجع
وتجد أهلك كما يسرك فلما انطلق آدم قربا قربانا وكان قابيل يفخر عليه فيقول
أنا أحق بها منك هي أختي أنا أكبر منك وأنا وصى والدي فلما قربا قرب هابيل
جذعة سمينة وقرب قابيل حزمة سنبل فوجد فيها سنبلة عظيمة ففركها فأكلها
فنزلت النار فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل فغضب وقال لأقتلنك حتى
لا تنكح أختي فقال هابيل (إنما يتقبل الله من المتقين، لئن بسطت إلى يدك
لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لا قتلك - إلى قوله - فطوعت له نفسه قتل
أخيه) فطلبه ليقتله فراغ الغلام منه في رؤس الجبال فأتاه يوما من الأيام وهو
يرعى غنمه في جبل وهو نائم فرفع صخرة فشدخ بها رأسه فمات وتركه بالعراء
لا يعلم كيف يدفن فبعث الله غرابين أخوين فاقتتلا فقتل أحدهما صاحبه فحفر
له ثم حثا عليه فلما رآه قال (يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب
فأوارى سوأة أخي) فهو قوله عز وجل (فبعث الله غرابا يبحث في الأرض
ليريه كيف يوارى سوأة أخيه) فرجع آدم فوجد ابنه قد قتل أخاه فذلك
حين يقول الله عز وجل (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال
- إلى آخر الآية - إنه كان ظلوما جهولا) يعنى قابيل حين حمل أمانة آدم ثم لم يحفظ
له أهله * وقال آخرون كان السبب في ذلك أن آدم كان يولد له من حواء في
كل بطن ذكر وأنثى فإذا بلغ الذكر منهما زوج منه الأنثى التي ولدت مع أخيه
الذي ولد في البطن الآخر قبله أو بعده فرغب قابيل بتوأمته عن هابيل كما حدثني
القاسم بن الحسن قال حدثنا الحسين قال حدثني حجاج عن ابن جريج قال أخبرني
عبد الله بن عثمان بن خثيم قال أقبلت مع سعيد بن جبير أرمى الجمرة وهو متقنع
93

متوكئ على يدي حتى إذا وازينا بمنزل سمرة الصواف وقف يحدثني عن ابن عباس
قال نهى أن تنكح المرأة أخاها توأمها ينكحها غيره من إخوتها وكان يولد في
كل بطن رجل وامرأة فولدت امرأة وسيمة وولدت امرأة قبيحة فقال أخو
الدميمة أنكحني أختك وأنكحك أختي قال لا أنا أحق بأختي فقربا قربانا
فتقبل من صاحب الكبش ولم يتقبل من صاحب الزرع فقتله فلم يزل ذلك الكبش
محبوسا عند الله عز وجل حتى أخرجه في فداء إسحق فذبحه على هذا الصفا في
ثبير عند منزل سمرة الصواف وهو على يمينك حين ترمى الجمار * حدثنا ابن حميد
قال حدثنا سلمة قال حدثنا محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم من أهل الكتاب
الأول أن آدم عليه السلام كان يغشى حواء في الجنة قبل أن يصيب الخطيئة
فحملت له بقين بن آدم وتوأمته فلم تجد عليهما وحما ولا وصبا ولم تجد عليهما
طلقا حين ولدتهما ولم تر معهما دما لطهر الجنة فلما أكلا من الشجرة وأصابا
المعصية وهبطا إلى الأرض واطمأنا بها تغشاها فحملت بهابيل وتوأمته فوجدت
عليهما الوحم والوصب ووجدت حين ولدتهما الطلق ورأت معهما الدم وكانت
حواء فيما يذكرون لا تحمل إلا توأما ذكرا وأنثى فولدت حواء لآدم أربعين
ولدا لصلبه من ذكر وأنثى في عشرين بطنا وكان الرجل منهم أي أخواته شاء
يتزوج إلا توأمته التي ولدت معه فإنها لا تحل له وذلك أنه لم يكن نساء يومئذ
إلا أخواتهم وأمهم حواء * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق
عن بعض أهل العلم من أهل الكتاب الأول أن آدم أمر ابنه قينا أن ينكح
توأمته هابيل وأمر هابيل أن ينكح أخته توأمته قينا فسلم لذلك هابيل ورضى
وأبى ذلك قين وكره تكرما عن أخت هابيل ورغب بأخته عن هابيل وقال نحن
ولادة الجنة وهما من ولادة الأرض وأنا أحق بأختي ويقول بعض أهل العلم
من أهل الكتاب الأول بل كانت أخت قين من أحسن الناس فضن بها عن
أخيه وأرادها لنفسه والله أعلم أي ذلك كان * فقال له أبو ه يا بنى إنها لا تحل لك
فأبى قين أن يقبل ذلك من قول إليه فقال له أبو ه يا بنى فقرب قربانا ويقرب أخوك
94

هابيل قربانا فأيكما قبل الله قربانه فهو أحق بها وكان قين على بذر الأرض وكان
هابيل على رعاية الماشية فقرب قين قمحا وقرب هابيل أبكارا من أبكار غنمه
وبعضهم يقول قرب بقرة فأرسل الله عز وجل نارا بيضاء فأكلت قربان هابيل
وتركت قربان قين وبذلك كان يقبل القربان إذا قبله الله عزو جل فلما قبل الله
قربان هابيل وكان في ذلك القضاء له بأخت قين غضب قين وغلب عليه الكبر
واستحوذ عليه الشيطان فاتبع أخاه هابيل وهو في ماشيته فقتله فهما اللذان قص
الله خبرهما في القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم فقال (واتل عليهم) يعنى
أهل الكتاب (نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما)
إلى آخر القصة قال فلما قتله سقط في يديه ولم يدر كف يواريه وذلك أنه كان
فيما يزعمون أول قتيل من بني آدم (فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه
كيف يوارى سوأة أخيه قال يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب
فأوارى سوأة أخي) إلى قوله (ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون)
قال ويزعم أهل التوراة أن قينا حين قتل أخاه هابيل قال الله له أين أخوك
هابيل قال ما أدرى ما كنت عليه رقيبا فقال الله له إن صوت دم أخيك
ليناديني من الأرض الآن أنت ملعون من الأرض التي فتحت فاها فتلقت
دم أخيك من يدك فإذا أنت عملت في الأرض فإنها لا تعود تعطيك
حرثها حتى تكون فرعا تائها في الأرض فقال قين عظمت خطيئتي من
أن تغفرها قد أخرجتني اليوم عن وجه الأرض من قدامك وأكون فزعا تائها
في الأرض وكل من لقيني قتلني فقال الله عز وجل ليس ذلك كذلك فلا يكون
كل من قتل قتيلا يجزى بواحد سبعة ولكن من قتل قينا يجزى سبعة وجعل
الله في قين آية لئلا يقتله كل من وجده وخرج قين من قدام الله عز وجل من شرقي
عدن الجنة * وقال آخرون في ذلك إنما كان قتل القاتل منهما أخاه أن الله عز وجل
أمرهما بتقريب قربان فتقبل قربان أحدهما ولم يتقبل من الآخر فبغاه الذي لم
يتقبل قربانه فقتله
95

ذكر من قال ذلك
* حدثنا ابن بشار قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا عوف عن أبي المغيرة
عن عبد الله بن عمرو قال إن ابني آدم اللذين قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم
يتقبل من الآخر كان أحدهما صاحب حرث والآخر صاحب غنم وأنهما أمرا
أن يقربا قربانا وأن صاحب الغنم قرب أكرم غنمه وأسمنها وأحسنها طيبة بها
نفسه وأن صاحب الحرث قرب شر حرثه الكوذر والزوان غير طيبة بها نفسه
وأن الله عز وجل تقبل قربان صاحب الغنم ولم يتقبل قربان صاحب الحرث
وكان من قصتهما ما قص الله في كتابه وقال أيم الله إن كان المقتول لاشد الرجلين
ولكن منعه التحرج أن يبسط إلى أخيه * وقال آخرون بما حدثني به محمد بن
سعد قال حدثني أبي قال حدثني عمى قال حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قال
كان من شأنهما أنه لم يكن مسكين يتصدق على وإنما كان القربان يقربه الرجل
فبينا ابنا آدم قاعدان إذ قالا لو قربنا قربانا وكان الرجل إذا قرب قربانا فرضيه
الله عز وجل أرسل إليه نارا فأكلته وإن لم يكن رضيه الله خبت النار فقربا قربانا
وكان أحدهما راعيا والآخر حراثا وإن صاحب الغنم قرب خير غنم وأسمنها
وقرب الآخر بعض زرعه فجاءت النار فنزلت فأكلت الشاة وتركت الزرع وإن
ابن آدم قال لأخيه أتمشى في الناس وقد علموا أنك قربت قربانا فتقبل منك
ورد على قرباني فلا والله لا ينظر الناس إلى وإليك وأنت خير منى فقال لأقتلنك
فقال له أخوه ما ذنبي إنما يتقبل الله من المتقين * وقال آخرون لم يكن قصة هذين
الرجلين في عهد آدم ولا كان القربان في عصره وقالوا إنما كان هذان رجلين من
بني إسرائيل وقالوا إن أول ميت مات في الأرض آدم عليه السلام لم يمت قبله أحد
ذكر من قال ذلك
* حدثنا سفيان بن وكيع قال حدثنا سهل بن يوسف عن عمرو عن الحسن
قال كان الرجلان اللذان في القرآن قال الله عز وجل فيهما (واتل عليهم نبا
ابني آدم بالحق) من بني إسرائيل ولم يكونا ابني آدم لصلبه وإنما كان القربان
96

في بني إسرائيل وكان آدم أول من مات * وقال بعضهم إن آدم غشى حواء بعد
مهبطهما إلى الأرض بمائة سنة فولدت له قابيل وتوأمته قليما في بطن واحد ثم
هابيل وتوأمته في بطن واحد فلما شبوا أراد آدم عليه السلام أن يزوج أخت قابيل
التي ولدت معه في بطن واحد من هابيل فامتنع من ذلك قابيل وقربا بهذا السبب
قربانا فتقبل قربان هابيل ولم يتقبل قربان قابيل فحسده قابيل فقتله عند عقبة
حراء ثم نزل قابيل من الجبل آخذا بيد أخته قليما فهرب بها إلى عدن من أرض
اليمن * حدثني بذلك الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرني هشام قال أخبرني أبي
عن أبي صالح عن ابن عباس قال لما قتل قابيل أخاه هابيل أخذ بيد أخته ثم
هبط بها من جبل بوذ إلى الحضيض فقال آدم لقابيل اذهب فلا تزال مرعوبا لا تأمن
من تراه فكان لا يمر به أحد من ولده إلا رماه فأقبل ابن لقابيل أعمى ومعه ابن
له فقال للأعمى ابنه هذا أبو ك قابيل فرمى الأعمى أباه قابيل فقتله فقال ابن الأعمى
قتلت يا أبتاه أباك فرفع الأعمى يده فلطم ابنه فمات ابنه فقال الأعمى ويل لي قتلت
أبى برميتي وقتلت ابني بلطمتي * وذكر في التوراة أن هابيل قتل وله عشرون
سنة وأن قابيل كان له يوم قتله خمس وعشرون سنة * والصحيح من القول عندنا
أن الذي ذكر الله في كتابه أنه قتل أخاه من ابني آدم هو ابن آدم لصلبه لنقل
الحجة أن ذلك كذلك * وأن هناد بن السرى حدثنا قال حدثنا أبو معاوية ووكيع
جميعا عن الأعمش * وحدثنا ابن حميد قال حدثنا جرير وحدثنا ابن وكيع قال
حدثنا جرير وأبو معاوية عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله
قال قال النبي صلى الله عليه وسلم ما من نفس تقتل ظلما إلا كان عن ابن آدم الأول
كفل منها وذلك لأنه أول من سن القتل * حدثني ابن بشار قال حدثنا عبد الرحمن
ابن مهدي وحدثنا ابن وكيع قال حدثنا أبي جميعا عن سفيان عن الأعمش عن عبد الله
ابن مرة عن مسروق عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه * فقد بين
هذا الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحة قول من قال إن اللذين قص الله
في كتابه قصتهما من ابني آدم كانا ابنيه لصلبه لأنه لا شك أنهما لو كانا من بنى
97

إسرائيل كما روى عن الحسن لم يكن الذي وصف منهما بأنه قتل أخاه أول من
سن القتل إذ كان القتل في بني آدم قد كان قبل إسرائيل وولده * فإن قال قابل
فما برهانك على أنهما ولدا آدم لصلبه وإن لم يكونا من بني إسرائيل * قيل لا خلاف
بين سلف علماء أمتنا في ذلك إذا فسد قول من قال كانا من بني إسرائيل * وذكر
أن قابيل لما قتل أخاه هابيل بكاه آدم عليه السلام فقال فيما حدثنا ابن حميد قال حدثنه
سلمة عن غياث بن إبراهيم عن أبي إسحاق الهمداني قال قال علي بن أبي طالب كرم
الله وجهه لما قتل ابن آدم أخاه بكاه آدم فقال
تغيرت البلاد ومن عليها * فلون الأرض مغبر قبيح
تغير كل ذي طعم ولون * وقل بشاشة الوجه المليح
قال فأجيب آدم عليه السلام
أبا هابيل قد قتلا جميعا * وصار الحي كالميت الذبيح
وجاء بشرة قد كان منها * على خوف فجاء بها يصيح
وذكر أن حواء ولدت لآدم عليه السلام عشرين ومائة بطن أولهم قابيل وتوأمته
قليما وآخرهم عبد المغيث وتوأمته أمة المغيث وأما ابن إسحاق فذكر عنه ما قد ذكرت
قبل وهو أن جميع ما ولدته حواء لآدم لصلبه أربعون من ذكر وأنثى في عشرين
بطنا وقال قد بلغنا أسماء بعضهم ولم يبلغنا بعض * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة
عن ابن إسحاق قال فكان من بلغنا اسمه خمسة عشر رجلا وأربع نسوة منهم قين
وتوأمته وهابيل وليوذا وأشوث بنت آدم وتوأمها وشيث وتوأمته * وحزورة
وتوأمها على ثلاثين ومائة سنة من عمره ثم إياد بن آدم وتوأمته ثم بالغ بن آدم
وتوأمته * ثم أثاثي بن آدم وتوأمته ثم توبة بن آدم وتوأمته ثم بنان بن آدم
وتوأمته ثم شبوبة بن آدم وتوأمته ثم حيان بن آدم وتوأمته ثم ضرابيس بن آدم
وتوأمته ثم هدز بن آدم وتوأمته ثم يحود بن آدم وتوأمته ثم سندل بن آدم وتوأمته ثم
بارق بن آدم وتوأمته كل رجل منهم تولد معه امرأة في بطنه الذي يحمل به فيه *
وقد زعم أكثر علماء الفرس أن جيومرت هو آدم وزعم بعضهم أنه ابن آدم
98

لصلبه من حواء وقال فيه غيرهم أقوالا كثيرة يطول بذكر أقوالهم الكتاب
وتركنا ذكر ذلك إذ كان قصدنا في كتابنا هذا ذكر الملوك وأيامهم وما قد
شرطنا في كتابنا هذا أنا ذاكروه فيه ولم يكن ذكر اختلاف المختلفين في نسب ملك
من جنس ما أنشأ ناله صنعة الكتاب فإن ذكرنا من ذلك شيئا فلتعريف من ذكرنا
ليعرفه من لم يكن به عارفا فأما ذكر الاختلاف في نسبه فإنه غير المقصود به في كتابنا
هذا * وقد خالف علماء الفرس فيما قالوا من ذلك آخرون من غيرهم ممن زعم أنه
آدم ووافق علماء الفرس على اسمه وخالفه في عينه وصفته فزعم أن جيومرت
الذي زعمت الفرس أنه آدم عليه السلام إنما هو جامر بن يافث بن نوح وأنه كان
معمرا سيدا نزل جبل دنباوند من جبال طبرستان من أرض المشرق وتملك بها
وبفارس ثم عظم أمره وأمر ولده حتى ملكوا بابل وملكوا في بعض الأوقات
الأقاليم كلها وأن جيومرت منع من البلاد ما صار إليه وابتنى المدن والحصون
وعمرها وأعد السلاح واتخذ الخيل وأنه تجبر في آخر عمره وتسمى بآدم وقال
من سماني بغير هذا الاسم ضربت عنقه وأنه تزوج ثلاثين امرأة فكثر منهن نسله
وأن ماري ابنه وما ريانة أخته ممن كان ولد له في آخر عمره فأعجب بهما وقدمهما
فصار الملوك بذلك السبب من نسلهما وأن ملكه اتسع وعظم وإنما ذكرت من
أمر جيومرت في هذا الموضع ما ذكرت لأنه لا تدافع بين علماء الأمم أن جيومرت
هو أبو الفرس من العجم وإنما اختلفوا فيه هل هو آدم أبو البشر على ما قاله
الذين ذكرنا قولهم أم هو غيره ثم مع ذلك فلان ملكه وملك أولاده لم يزل منتظما
على سياق متسقا بأرض المشرق وجبالها إلى أن قتل يزدجرد بن شهريار من ولد
ولده بمرو أبعده الله أيام عثمان بن عفان فتأريخ ما مضى من سنى العالم على أعمار
ملوكهم أسهل بيانا وأوضح منارا منه على أعمار ملوك غيرهم من الأمم إذ لا تعلم
أمة من الأمم الذين ينتسبون إلى آدم عليه السلام دامت لها المملكة واتصل لهم
الملك وكانت لهم ملوك تجمعهم ورؤس تحامي عنهم من ناوأهم وتغالب بهم من
عازهم وتدفع ظالمهم عن مظلومهم وتحملهم من الأمور على ما فيه حظهم على
99

اتصال ودوام ونظام يأخذ ذلك آخرهم عن أولهم وغابرهم عن سالفهم سواهم
فالتأريخ على أعمار ملوكهم أصح مخرجا وأحسن وضوحا وأنا ذاكر ما انتهى
إلينا من القول في عمر آدم عليه السلام وأعمار من كان بعده من ولده الذين خلفوه في
النبوة والملك على قول من خالف قول الفرس الذين زعموا أنه جيومرت وعلى
قول من قال إنه هو جيومرت أبو الفرس وذاكر ما اختلفوا فيه من أمرهم إلى
الحال التي اجتمعوا عليها فاتفقوا على من ملك منهم في زمان بعينه أنه كان هو الملك
في ذلك الزمان إن شاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله ثم سائق ذلك كذلك إلى
زماننا هذا ونرجع الآن إلى الزيادة في الإبانة عن خطأ قول من قال إن أول ميت
كان في أول الأرض آدم وانكاره الذين قص الله نبأهما في قوله (واتل عليهم نبأ ابني آدم
بالحق إذ قربا قربانا) أن يكونا من صلب آدم من أجل ذلك * فحدثنا محمد بن بشار
قال حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال حدثنا عمر بن إبراهيم عن قتادة عن الحسن
عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كانت حواء لا يعيش لها
ولد فنذرت لئن عاش لها ولد لتسمينه عبد الحارث فعاش لها ولد فسمته
عبد الحارث وإنما كان ذلك عن وحى الشيطان * وحدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة عن ابن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال كانت
حواء تلد لآدم فتعبده الله عز وجل وتسميهم عبد الله وعبيد الله ونحو ذلك فيصيبهم
الموت فأتاها إبليس وآدم عليه السلام فقال إنكما لو تسميانه بغير الذي تسميانه
به لعاش فولدت له ذكرا فسمياه عبد الحارث ففيه أنزل الله عز ذكره يقول
الله عز وجل (هو الذي خلقكم من نفس واحدة) إلى قوله (جعلا له شركاء
فيما آتاهما) إلى آخر الآية * حدثنا ابن وكيع قال حدثنا ابن فضيل عن سالم
ابن أبي حفصة عن سعيد بن جبير (فلما أثقلت دعوا الله ربهما - إلى قوله - فتعالى
الله عما يشركون) قال لما حملت حواء في أول ولد ولدته حين أثقلت أتاها
إبليس قبل أن تلد فقال يا حواء ما هذا في بطنك فقالت ما أدرى من فقال أين يخرج
من أنفك أو من عينك أو من أذنك قالت لا أدرى قال أرأيت إن خرج سليما
100

أمطيعتي أنت فيما آمرك به قالت نعم قال سميه عبد الحارث وقد كان يسمى إبليس
لعنه الله الحارث فقالت نعم ثم قالت بعد ذلك لآدم أتاني آت في النوم فقال لي كذا
وكذا فقال إن ذلك الشيطان فاحذريه فإنه عدونا الذي أخرجنا من الجنة ثم أتاها
إبليس لعنه الله فأعاد عليها فقالت نعم فلما وضعته أخرجه الله سليما فسمته عبد الحارث
فهو قوله (جعلا له شركاء فيما آتاهما - إلى قوله - فتعالى الله عما يشركون) * حدثنا ابن
وكيع قال حدثنا جرير وابن فضيل عن عبد الملك عن سعيد بن جبير قال قيل له
أشرك آدم قال أعوذ بالله أن أزعم أن آدم عليه السلام أشرك ولكن حواء لما
أثقلت أتاها إبليس فقال لها من أين يخرج هذا من أنفك أو من عينك أو من فيك
فقنطها ثم قال أرأيت إن خرج سويا قال ابن وكيع زاد ابن فضيل لم يضرك
ولم يقتلك أتطيعينني قالت نعم قال فسميه عبد الحارث ففعلت زاد جرير فإنما كان
شركه في الاسم * حدثنا موسى بن هارون قال حدثنا عمرو بن حماد قال حدثنا
أسباط عن السدى فولدت يعنى حواء غلاما فأتاها إبليس فقال سموه عبد ى وإلا
قتلته قال له آدم قد أطعتك وأخرجتني من الجنة فأبى أن يطيعه فسماه عبد الرحمن
فسلط عليه إبليس لعنه الله فقتله فحملت بآخر فلما ولدته قال سميه عبد ى وإلا
قتلته قال له آدم عليه السلام قد أطعتك وأخرجتني من الجنة فأبى فسماه صالحا
فقتله فلما كان الثالث قال لهما فإذا غلبتموني فسموه عبد الحارث وكان اسم إبليس
الحارث وإنما سمى إبليس حين أبلس تحيرا فذلك حين يقول الله عز وجل (جعلا
له شركاء فيما آتاهما) يعنى في الأسماء فهؤلاء الذين ذكرت الرواية عنهم بما ذكرت
من أنه مات لآدم وحواء أولاد قبلهما ومن لم نذكر أقوالهم ممن عددهم أكثر
من عدد من ذكرت قوله والرواية عنه قالوا خلاف قول الحسن الذي روى
عنه أنه قال أول من مات آدم عليه السلام وكان آدم مع ما كان الله عز وجل
قد أعطاه من ملك الأرض والسلطان فيها قد نبأه وجعله رسولا إلى ولده وأنزل
عليه إحدى وعشرين صحيفة كتبها آدم عليه السلام بخطه علمه إياها جبرائيل
عليه السلام * وقد حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال حدثنا عمى قال
101

حدثني الماضي بن محمد عن أبي سليمان عن القاسم بن محمد عن أبي إدريس الخولاني
عن أبي ذر الغفاري قال دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس
وحده فجلست إليه فقال يا أبا ذر إن للمسجد تحية وإن تحيته ركعتان فقم فاركعهما
فلما ركعتهما جلست إليه فقلت يا رسول الله إنك أمرتني بالصلاة فما الصلاة قال
خير موضوع استكثر أو استقل ثم ذكر قصة طويلة قال فيها قلت يا رسول الله
كم الأنبياء قال مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا قال قلت يا رسول الله كم المرسل
من ذلك قال ثلثمائة وثلاثة عشر جما غفيرا يعنى كثيرا طيبا قال قلت يا رسول الله
من كان أولهم قال آدم قال قلت يا رسول الله وآدم نبي مرسل قال نعم خلقه الله
بيده ونفخ فيه من روحه ثم سواه قبلا * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال
حدثني محمد بن إسحاق عن جعفر بن الزبير عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة
عن أبي ذر قال قلت يا نبي الله أنبيا كان آدم قال نعم كان نبيا كلمه الله قبلا *
وقيل إنه كان مما أنزل الله تعالى على آدم تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير
وحروف المعجم في إحدى وعشرين ورقة
ذكر ولادة حواء شيثا
ولما مضى لآدم صلى الله عليه وسلم من عمره مائة وثلاثون سنة وذلك بعد
قتل قابيل هابيل بخمس سنين ولدت له حواء ابنه شيثا فذكر أهل التوراة أن
شيثا ولد فردا بغير توأم وتفسير شيث عندهم هبة الله ومعناه أنه خلف من
هابيل * حدثني الحارث بن محمد قال حدثني ابن سعد قال أخبرنا هشام قال
أخبرني أبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال ولدت حواء لآدم شيثا وأخته
حزورا فسمى هبة الله اشتق له من هابيل قال لها جبرائيل حين ولدته هذا هبة
الله بدل هابيل وهو بالعربية شث وبالسريانية شاث وبالعبرانية شيث وإليه
أوصى آدم وكان آدم يوم ولد له شيث ابن ثلاثين ومائة سنة * حدثنا ابن حميد
قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال لما حضرت آدم الوفاة فيما يذكرون والله
102

أعلم دعا ابنه شيثا فعهد إليه عهده وعلمه ساعات الليل والنهار وأعلمه عبادة الخلق
في كل ساعة منهن فأخبره أن لكل ساعة صنفا من الخلق فيها عبادته وقال له يا بنى
إن الطوفان سيكون في الأرض يلبث فيها سبع سنين وكتب وصيته فكان
شيث فيما ذكر وصى أبيه آدم عليه السلام وصارت الرياسة من بعد وفاة آدم
لشيث فأنزل الله عليه فيما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسين صحيفة
* حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال حدثنا عمى قال حدثنا الماضي بن
محمد عن أبي سليمان عن القاسم بن محمد عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر
الغفاري قال قلت يا رسول الله كم كتاب أنزله الله عز وجل قال مائة كتاب
وأربعة كتب أنزل الله على شيث خمسين صحيفة وإلى شيث أنساب بني آدم كلهم
اليوم وذلك أن نسل سائر ولد آدم غير نسل شيث انقرضوا وبادوا فلم يبق منهم
أحد فأنساب الناس كلهم اليوم إلى شيث عليه السلام * وأما الفرس الذين قالوا
إن جيومرت هو آدم فإنهم قالوا ولد لجيومرت ابنه مشا وتزوج مشا أخته ميشان
فولدت له سيامك بن مشا وسيامى ابنة مشا فولد لسيامك بن مشا بن جيومرت
افرواك وديس وبراسب واجرب وأوراش بنو سيامك وافرى ودذى وبرى
وأوراشى بنات سيامك أمهم جميعا سيامى بنت مشا وهى أخت أبيهم وذكروا
أن الأرض كلها سبعة أقاليم فأرض بابل وما يوصل إليه مما يأتيه الناس برا
أو بحرا فهو إقليم واحد وسكانه نسل ولد افرواك بن سيامك وأعقابهم وأما
الأقاليم الستة الباقية التي لا يوصل إليها اليوم برا أو بحرا فنسل سائر ولد
سيامك من بنيه وبناته فولد لا فرواك بن سيامك من افرى بنت سيامك
هو شتك بيشداذ الملك وهو الذي خلف جده جيومرت في الملك وأول من
جمع له ملك الأقاليم السبعة وسنذكر أخباره إن شاء الله إذا انتهينا إليه وكان
بعضهم يزعم أن أوشهنج هذا هو ابن آدم لصلبه من حواء وأما هشام الكلبي
فإنه فيما حدثت عنه قال بلغنا والله أعلم أن أول ملك ملك الأرض أو شهنق بن عابر بن
شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح قال والفرس تدعيه وتزعم أنه كان بعد وفاة آدم
103

بمائتي سنة قال وإنما كان هذا الملك فيما بلغنا بعد نوح بمائتي سنة فصيره
أهل فارس بعد آدم بمائتي سنة ولم يعرفوا ما كان قبل نوح وهذا الذي قاله
هشام قول لا وجه له لان هو شهنك الملك في أهل المعرفة بأنساب الفرس
أشهر من الحجاج بن يوسف في أهل الاسلام وكل قوم فهم بآبائهم وأنسابهم
ومآثرهم أعلم من غيرهم وإنما يرجع في كل أمر التبس إلى أهله * وقد زعم
بعض نسابة الفرس أن أو شهنج بيشد إذ الملك هذا هو مهلائيل وأن أباه فرواك
هو قينان أبو مهلائيل وأن سيامك هو أنوش أبو قينان وأن مشا هو شيث
أبو أنوش وأن جيومرت هو آدم صلى الله عليه وسلم فإن كان الامر كما قال
فلا شك أن أو شهنج كان في زمان آدم رجلا وذلك أن مهلائيل فيما ذكر في
الكتب الأول كانت ولادة أمه دينه ابنة براكيل بن محويل بن خنوخ بن قين
ابن آدم إياه بعد ما مضى من عمر آدم صلى الله عليه وسلم ثلثمائة سنة وخمس
وتسعون سنة فقد كان له حين وفاة آدم ستمائة سنة وخمس سنين على حساب
ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمر آدم أنه كان عمره ألف سنة
وقد زعمت علماء الفرس أن ملك أو شهنج هذا كان أربعين سنة فإن كان الامر
في هذا الملك كالذي قاله النسابة الذي ذكرت عنه ما ذكرت فلم يبعد من قال
إن ملكه كان بعد وفاة آدم صلى الله عليه وسلم بمائتي سنة
ذكر وفاة آدم عليه السلام
اختلف في مدة عمره وابن كم كان يوم قبضه الله عز وجل إليه * فاما الاخبار
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنها واردة بما حدثني محمد بن خلف
العسقلاني قال حدثنا آدم بن إياس قال حدثنا أبو خالد سليمان بن حيان قال
حدثني محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال أبو خالد وحدثني الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله
عليه وسلم * قال أبو خالد وحدثني أبو داود عن أبي هند عن الشعبي عن
104

أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو خالد وحدثني ابن أبي ذباب الدوسي
قال حدثنا سعيد المقبري ويزيد بن هرمز عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال خلق الله آدم بيده ونفخ فيه من روحه وأمر الملائكة فسجدوا
له فجلس فعطس فقال الحمد لله فقال له ربه يرحمك ربك ائت أولئك الملا
من الملائكة فقل لهم السلام عليكم فأتاهم فقال السلام عليكم قالوا له وعليك السلام
ورحمة الله ثم رجع إلى ربه فقال له هذه تحيتك وتحية ذريتك بينهم ثم قبض
له يديه فقال خذ واختر قال اخترت يمين ربى وكلتا يديه يمين ففتحها له فإذا
فيها صورة آدم وذريته كلهم فإذا كل رجل مكتوب عنده أجله وإذا آدم
قد كتب له عمر ألف سنة وإذا قوم عليهم النور فقال يا رب من هؤلاء
الذين عليهم النور فقال هؤلاء الأنبياء والرسل الذين ارسل إلى عبادي
وإذا فيهم رجل هو أضوأهم نورا ولم يكتب له من العمر إلا أربعون سنة فقال
ذاك ما كتب له فقال يا رب انقص له من عمري ستين سنة فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم فلما أسكنه الله الجنة ثم أهبط إلى الأرض كان يعد أيامه فلما
أتاه ملك الموت ليقبضه قال له آدم عجلت على يا ملك الموت فقال ما فعلت فقال
قد بقى من عمري ستون سنة فقال له ملك الموت ما بقى من عمرك شئ قد سألت
ربك أن يكتبه لابنك داود فقال ما فعلت فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه
وعلى آله وسلم فنسى آدم فنسيت ذريته وجحد آدم فجحدت ذريته فيومئذ
وضع الله الكتاب وأمر بالشهود * حدثني ابن سنان قال حدثنا موسى بن
إسماعيل قال حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران
عن ابن عباس قال لما نزلت آية الدين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن
أول من جحد آدم عليه السلام ثلاث مرات وإن الله تبارك وتعالى لما
خلقه مسح ظهره فأخرج منه ما هو ذار إلى يوم القيامة فجعل يعرضهم على
آدم فرأى فيهم رجل يزهر فقال أي رب أي نبي هذا قال هذا ابنك داود قال
أي رب كم عمره قال ستون سنة قال أي رب زده في عمره قال لا إلا أن تزيده
105

أنت من عمرك وكان عمر آدم ألف سنة فوهب له من عمره أربعين عاما فكتب
الله عليه بذلك كتابا وأشهد عليه الملائكة فلما احتضر آدم أتته الملائكة لتقبض
روحه قال إنه قد بقى من عمري أربعون سنة قالوا إنك قد وهبتها لابنك داود
قال ما فعلت ولا وهبت له شيئا فأنزل الله عليه الكتاب وأقام عليه الملائكة
شهودا فأكمل لآدم ألف سنة وأكمل لداود مائة سنة * حدثني محمد بن سعد قال
حدثنا هشام قال حدثني أبي قال حدثني عمى قال حدثني أبي عن أبيه عن ابن
عباس قوله عز وجل (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم - إلى
قوله - قالوا بلى شهدنا) قال ابن عباس إن الله عز وجل لما خلق آدم مسح ظهره
وأخرج ذريته كلهم كهيئة الذر فأنطقهم فتكلموا وأشهدهم على أنفسهم وجعل
مع بعضهم النور * وأنه قال لآدم هؤلاء ذريتك أخذ عليهم الميثاق أنى أنا ربهم
لئلا يشركوا بي شيئا وعلى رزقهم قال آدم فمن هذا الذي معه النور قال هو
داود قال يا رب كم كتبت له من الاجل؟ قال ستين سنة، قال كم كتبت لي؟ قال ألف
سنة، وقد كتبت لكل إنسان منهم كم يعمر وكم يلبث قال يا رب زده قال
هذا الكتاب موضوع فاعطه إن شئت من عمرك قال نعم وقد جف القلم عن
سائر بني آدم فكتب له من أجل آدم أربعين سنة فصار أجله مائة سنة فلما
عمر تسعمائة سنة وستين سنة جاءه ملك الموت فلما أن رآه آدم قال مالك؟ قال له
قد استوفيت أجلك قال له آدم إنما عمرت تسعمائة سنة وستين سنة وبقى أربعون
سنة فلما قال ذلك للملك قال الملك قد أخبرني بها ربى قال فارجع إلى ربك فسله
فرجع الملك إلى ربه قال مالك قال يا رب رجعت إليك لما كنت أعلم من تكرمتك
إياه قال الله عز وجل ارجع فأخبره أنه قد أعطى ابنه داود أربعين سنة * حدثنا
ابن بشار قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن أبي بشر عن
سعيد بن جبير في هذه الآية (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم
ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم) قال أخرجهم من ظهر آدم
وجعل لآدم عمر ألف سنة قال فعرضوا على آدم فرأى رجلا من ذريته له نور
106

فأعجبه فسأله عنه فقال هو داود قد جعل عمره ستين سنة فجعل له من عمره أربعين
سنة فلما احتضر آدم عليه السلام جعل يخاصمهم في الأربعين سنة فقيل له إنك قد
أعطيتها داود قال فجعل يخاصمهم * حدثنا ابن حميد قال حدثنا يعقوب عن جعفر
عن سعيد في قوله عز وجل وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم قال
أخرج ذريته من ظهره في صورة كهيئة الذر فعرضهم على آدم بأسمائهم وأسماء
آبائهم وآجالهم قال فعرض عليه روح داود في نور ساطع فقال من هذا قال هذا
من ذريتك نبي خلقته قال كم عمره قال ستون سنة قال زيدوه من عمري أربعين
سنة قال فالأقلام رطبة تجرى وأثبتت لداود عليه السلام الأربعون وكان عمر
آدم ألف سنة فلما استكملها إلا الأربعين سنة بعث إليه ملك الموت قال يا آدم
أمرت أن أقبضك قال ألم يبق من عمري أربعون سنة قال فرجع ملك الموت إلى
ربه عز وجل فقال إن آدم يدعى من عمره أربعين سنة قال أخبر آدم أنه جعلها
لابنه داود والأقلام رطبة وأثبتت لداود عليه السلام * حدثنا ابن وكيع قال
حدثنا أبو داود عن يعقوب عن جعفر عن سعيد بنحوه * وذكر أن آدم عليه
السلام مرض قبل موته أحد عشر يوما وأوصى إلى ابنه شيث عليه السلام وكتب
وصيته ثم دفع كتاب وصيته إلى شيث وأمره أن يخفيه من قابيل وولده لان قابيل
قد كان قتل هابيل حسدا منه حين خصه آدم بالعلم فاستخفى شيث وولده بما عندهم
من العلم ولم يكن عند قابيل وولده علم ينتفعون به * ويزعم أهل التوراة أن عمر آدم
عليه السلام كله كان تسعمائة سنة وثلاثين سنة * حدثنا الحارث قال حدثنا ابن سعد
قال أخبرني هشام بن محمد قال أخبرني أبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال كان
عمر آدم تسعمائة سنة وستا وثلاثين سنة والله أعلم * والأخبار الواردة عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم والعلماء من سلفنا ما قد ذكرت ورسول الله صلى الله عليه
وسلم كان أعلم الخلق بذلك * وقد ذكرت الأخبار الواردة عنه أنه قال كان عمره
ألف سنة وأنه بعد ما جعل لابنه داود من ذلك ما جعل له أكمل الله له عدة
ما كان أعطاه من العمر قبل أن يهب لداود ما وهب له من ذلك ولعل ما كان جعل
107

من ذلك آدم عليه السلام لداود عليه السلام لم يحسب في عمر آدم في التوارة
فقيل كان عمرة تسعمائة وثلاثين سنة * فان قال قائل فان الامر وإن كان كذلك
فان آدم إنما كان جعل لابنه داود من عمره أربعين سنة فكان ينبغي أن يكون
في التوراة تسعمائة سنة وستون ليوافق ذلك ما جاءت به الاخبار عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قيل قد روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك أن
الذي كان جعل آدم لابنه داود من عمره ستون سنة وذلك في رواية أبي هريرة
عنه وقد ذكرناها قبل فإن يكن ذلك كذلك فالذي زعموا أنه في التوراة من الخبر
عن مدة حياة آدم عليه السلام وافق لما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
في ذلك * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق أنه قال لما كتب آدم
الوصية مات صلوات الله عليه واجتمعت عليه الملائكة من أجل أنه كان صفى الرحمن
فقبرته الملائكة وشيث وإخوته في مشارق الفردوس عند قرية هي أول قرية كانت
في الأرض وكسفت عليه الشمس والقمر سبعة أيام ولياليهن فلما اجتمعت
عليه الملائكة وجمع الوصية جعلها في معراج ومعها القرن الذي أخرج أبو نا آدم
من الفردوس لكيلا يغفل عن ذكر الله عز وجل * حدثنا ابن حميد قال
حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن يحيى بن عباد عن أبيه قال سمعته يقول
بلغني أن آدم عليه السلام حين مات بعث الله إليه بكفنه وحنوطه من الجنة ثم وليت
الملائكة قبره ودفنه حتى غيبوه * حدثنا علي بن حرب قال حدثنا روح بن أسلم
قال حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال لما توفى آدم غسلته الملائكة بالماء وترا وألحدوا له وقالت هذه سنة آدم
في ولده * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن الحسن بن ذكوان
عن الحسن بن أبي الحسن عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
إن أباكم آدم صلى الله عليه وسلم كان طوالا كالنخلة السحوق ستين ذراعا كثير
الشعر موارى العورة وانه لما أصاب الخطيئة بدت له سوأته فخرج هاربا في الجنة
فتلقاه شجرة وأخذت بناصيته وناداه ربه أفرارا منى يا آدم قال لا والله يا رب
108

ولكن حياء منك مما جنيت فأهبطه الله إلى الأرض فلما حضرته الوفاة بعث الله
إليه بحنوطه وكفنه من الجنة فلما رأت حواء الملائكة ذهبت لتدخل دونهم إليه
فقال خلى عنى وعن رسل ربى فإني ما لقيت ما لقيت إلا منك ولا أصابني ما أصابني
إلا فيك فلما قبض غسلوه بالسدر والماء وترا وكفنوه في وتر من الثياب ثم لحدوا
له فدفنوه ثم قالوا هذه سنة ولد آدم من بعده * حدثني أحمد بن المقدام قال حدثنا
المعتمر بن سليمان قال: قال أبى وزعم قتادة عن صاحب له حدث عن أبي بن كعب
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كان آدم رجلا طوالا كأنه نخلة سحوق
حدثنا الحارث بن محمد قال حدثنا ابن سعد قال أخبرني هشام قال أخبرني أبي
عن أبي صالح عن ابن عباس قال لما مات آدم عليه السلام قال شيث لجبرائيل صلى
الله عليهما صل على آدم قال تقدم أنت فصل على أبيك وكبر عليه ثلاثين تكبيرة
فأما خمس فهي الصلاة وأما خمس وعشرون فتفضيلا لآدم صلى الله عليه وسلم
وقد اختلف في موضع قبر آدم عليه السلام فقال ابن إسحاق ما قد مضى ذكره
وأما غيره فإنه قال دفن بمكة في غار أبى قبيس وهو غار يقال له غار الكنز وروى
عن ابن عباس في ذلك ما حدثني به الحارث قال حدثنا ابن سعد قال حدثنا هشام
قال أخبرنا أبى عن أبي صالح عن ابن عباس قال لما خرج نوح من السفينة دفن آدم عليه
السلام ببيت المقدس * وكانت وفاته يوم الجمعة وقد مضى ذكرنا الرواية بذلك فكرهنا
إعادته وروى عن ابن عباس في ذلك ما حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال
أخبرني هشام بن محمد قال أخبرني أبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال مات
آدم عليه السلام على بوذ، قال أبو جعفر يعنى الجبل الذي أهبط عليه وذكر أن
حواء عاشت بعده سنة ثم ماتت رحمهما الله فدفنت مع زوجها في الغار الذي ذكرت
وأنهما لم يزالا مدفونين في ذلك المكان حتى كان الطوفان فاستخرجهما نوح
وجعلهما في تابوت ثم حملهما معه في السفينة فلما غاضت الأرض الماء ردهما إلى
مكانهما الذي كانا فيه قبل الطوفان وكانت حواء قد غزلت فيما ذكر ونسجت
وعجنت وخبزت وعملت أعمال النساء كلها * ونرجع الآن إلى قصة قابيل وخبره
109

وأخبار ولده وأخبار شيث وخبر ولده إذ كنا قد آتينا من ذكر آدم وعدوه
إبليس وذكر أخبارهما وما صنع الله بإبليس إذ تجبر وتعظم وطغى على ربه عز
وجل فأشر وبطر نعمته التي أنعمها الله عليه وتمادى في جهله وغيه وسأل ربه
النظرة فأنظره إلى يوم الوقت المعلوم وما صنع بآدم صلوات الله عليه إذ خطئ
ونسى عهد الله من تعجيل عقوبته له على خطيئته ثم تغمده إياه بفضله ورحمته
إذ تاب إليه من زلته فتاب عليه وهداه وأنقذه من الضلالة والردى حتى نأتى على
ذكر من سلك سبيل كل واحد منهما من تباع آدم عليه السلام على منهاجه وشيعة
إبليس والمقتدين به في ضلالته إن شاء الله وما كان من صنع الله تبارك وتعالى
بكل فريق منهم * فأما شيث عليه السلام فقد ذكرنا بعض أمره وأنه كان وصى
أبيه آدم عليه السلام في مختلفيه بعد مضيه لسبيله وما أنزل الله عليه من الصحف *
وقيل إنه لم يزل مقيما بمكة يحج ويعتمر إلى أن مات وأنه كان جمع ما أنزل الله
عز وجل عليه من الصحف إلى صحف أبيه آدم عليه السلام وعمل بما فيها وأنه
بنى الكعبة بالحجارة والطين * وأما السلف من علمائنا فإنهم قالوا لم تزل القبة
التي جعل الله لآدم في مكان البيت إلى أيام الطوفان وإنما رفعها الله عز وجل حين
أرسل الطوفان وقيل إن شيث لما مرض أوصى ابنه أنوش ومات فدفن مع أبو يه
في غار أبى قبيس وكان مولده لمضى مائتي سنة وخمس وثلاثين سنة من عمر آدم
عليه السلام وكانت وفاته وقد أتت له تسعمائة سنة واثنتا عشرة سنة وولد لشيث
أنوش بعد أن مضى من عمره ستمائة سنة وخمس سنين فيما يزعم أهل التوراة *
وأما ابن إسحاق فإنه قال فيما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة بن الفضل عنه نكح
شيث بن آدم أخته حزورة ابنة آدم فولدت له يانش بن شيث ونعمة ابنه شيث
وشيث يومئذ ابن مائة سنة وخمس سنين فعاش بعد ما ولد له يانش ثمانمائة سنة
وسبع سنين * وقام أنوش بعد مضى أبيه شيث لسبيله بسياسة الملك وتدبير من
تحت يديه من رعيته مقام أبيه شيث ولم يزل فيما ذكر على منهاج أبيه لا يوقف
منه على تغيير ولا تبديل وكان جميع عمر أنوش فيما ذكر أهل التوراة تسعمائة
110

سنة وخمس سنين * حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال حدثني هشام قال
أخبرني أبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال ولد شيث أنوش ونفرا كثيرا
وإليه أوصى شيث ثم ولد لانوش بن شيث بن آدم ابنه قينان من أخته نعمة ابنة
شيث بعد مضى تسعين سنة من عمر أنوش ومن عمر آدم ثلثمائة سنة وخمس وعشرين
سنة * وأما ابن إسحاق فإنه قال فيما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق
نكح يانش بن شيث أخته نعمة ابنة شيث فولدت له قينان ويانش يومئذ ابن تسعين
سنة فعاش يانش بعد ما ولد له قينان ثمانمائة سنة وخمس عشرة سنة وولد له بنون وبنات فكان كل ما عاش يانش تسعمائة سنة وخمس سنين ثم نكح قينان بن يانش
وهو ابن سبعين سنة دينة ابنة براكيل بن محويل بن خنوخ بن قين بن آدم فولدت
له مهلائيل بن قينان فعاش قينان بعد ما ولد له مهلائيل ثمانمائة سنة وأربعين سنة
فكان كل ما عاش قينان تسعمائة سنة وعشرة سنين * حدثني الحارث قال حدثنا
ابن سعد قال أخبرني هشام قال أخبرني أبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال ولد
أنوش قينان ونفرا كثيرا وإليه الوصية فولد قينان مهلائيل ونفرا معه وإليه
الوصية فولد مهلائيل يرد وهو اليارد ونفرا معه وإليه الوصية فولد يرد خنوخ
وهو إدريس النبي صلى الله عليه وسلم ونفرا معه فولد خنوخ متوشلخ ونفرا معه
وإليه الوصية * وأما التوراة فما ذكره أهل الكتاب أنه فيها أن مولد مهلائيل
بعد أن مضت من عمر آدم ثلثمائة سنة وخمس وتسعون سنة ومن عمر قينان سبعون
سنة ونكح مهلائيل بن قينان وهو ابن خمس وستين سنة فيما حدثنا ابن حميد قال
حدثنا سلمة عن ابن إسحاق خالته سمعن ابنة براكيل بن محويل بن خنوخ بن قين
ابن آدم فولدت له يرد بن مهلائيل فعاش مهلائيل بعد ما ولدت له يرد ثمانمائة سنة
وثلاثين سنة فولد له بنون وبنات فكان كل ما عاش مهلائيل ثمانمائة سنة وخمسا
وتسعين سنة ثم مات * وأما في التوراة فإنه ذكر أن فيها أن يرد ولد لمهلائيل بعد
ما مضى من عمر آدم أربعمائة سنة وستون سنة وأنه كان على منهاح أبيه قينان غير أن
الاحداث بدت في زمانه
111

ذكر الاحداث التي كانت في أيام بني آدم
من لدن ملك شيث بن آدم إلى أيام يرد
ذكر أن قابيل لما قتل هابيل وهرب من أبيه آدم إلى اليمن أتاه إبليس
فقال له إن هابيل إنما قبل قربانه وأكلته النار لأنه كان يخدم النار ويعبدها
فانصب أنت أيضا نارا تكون لك ولعقبك فبنى بيت نار فهو أول من نصب
النار وعبد ها * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة بن إسحاق قال إن قينا نكح
أخته أشوث بنت آدم فولدت له رجلا وامرأة خنوخ بن قين وعدن بنت
قين فنكح خنوخ بن قين أخته عدن بنت قين فولدت له ثلاثة نفر وامرأة
عيرد بن خنوخ ومحويل بن خنوخ وأبو شيل بن خنوخ وموليث بنت خنوخ فنكح
أبو شيل بن خنوخ موليث ابنة خنوخ فولدت لأبو شيل رجلا اسمه لامك
فنكح لامك امرأتين اسم إحداهما عدا واسم الأخرى صلا فولدت له عدا تولين
ابن لامك فكان أول من سكن القباب واقتنى المال وتوبيش وكان أول من
ضرب بالونج والصنج وولدت رجلا اسمه تو بلقين فكان أول من عمل النحاس
والحديد وكان أولادهم جبابرة وفراعنة وكانوا قد أعطوا بسطة في الخلق كان
الرجل فيما يزعمون يكون ثلاثين ذراعا قال ثم انقرض ولد قين ولم يتركوا
عقبا إلا قليلا وذرية آدم كلهم فجهلت أنسابهم وانقطع نسلهم إلا ما كان من
شيث بن آدم فمنه كان النسل وأنساب الناس اليوم كلهم إليه دون أبيه آدم فهو
أبو البشر إلا ما كان من أبيه وإخوته ممن لم يترك عقبا * قال ويقول أهل التوراة
بل نكح قين أشوث فولدت له خنوخ فولد لخنوخ عيرد فولد عيرد محويل فولد
محويل أبو شيل فولد أبو شيل لا مك فنكح لا مك عدا وصلا فولدتا له من سميت
والله أعلم فلم يذكر ابن إسحاق من أمر قابيل وعقبه إلا ما حكيت وأما غيره من
أهل العلم بالتوراة فإنه ذكر أن الذي اتخذ الملاهي من ولد قايين رجل يقال له
توبال اتخذ في زمان مهلائيل بن قينان آلات اللهو من المزامير والطبول والعيدان
112

والطنابير والمعازف فانهمك ولد قايين في اللهو وتناهى خبرهم إلى من بالجبل
من نسل شيث فهم منهم مائة رجل بالنزول إليهم وبمخالفة ما أوصاهم به آباؤهم
وبلغ ذلك يارد فوعظهم ونهاهم فأبوا إلا تماديا ونزلوا إلى ولد قايين فأعجبوا بما
رأوا منهم فلما أرادوا الرجوع حيل بينهم وبين ذلك لدعوة سبقت من آبائهم فلما
أبطأوا بمواضعهم ظن من كان في نفسه زيغ ممن كان بالجبل أنهم أقاموا اعتباطا
فتسايلوا ينزلون عن الجبل ورأوا اللهو فأعجبهم ووافقوا نساء من ولد قايين
متسرعات إليهم وصرن معهم وانهمكوا في الطغيان وفشت الفاحشة وشرب
الخمر * قال أبو جعفر وهذا القول غير بعيد من الحق وذلك أنه قول قد روى
عن جماعة من سلف علماء أمة نبينا صلى الله عليه وسلم نحو منه وإن لم يكونوا
بينوا زمان من حدث ذلك في ملكه سوى ذكرهم أن ذلك كان فيما بين آدم
ونوح صلى الله عليهما وسلم
ذكر من روى ذلك عنه
حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا داود يعنى
ابن أبي الفرات قال حدثنا علباء بن أحمر عن عكرمة عن ابن عباس أنه تلا هذه
الآية (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) قال كانت فيما بين نوح وإدريس
وكانت ألف سنة وأن بطنين من ولد آدم كان أحدهما يسكن السهل والآخر يسكن
الجبل وكان رجال الجبل صباحا وفى النساء دمامة وكان نساء السهل صباحا وفى
الرجال دمامة وأن إبليس أتى رجلا من أهل السهل في صورة غلام فأجر نفسه
منه وكان يخدمه واتخذ إبليس شيئا مثل الذي يزمر فيه الرعاء فجاء فيه بصوت لم
يسمع الناس مثله فبلغ ذلك من حولهم فانتابوهم يسمعون إليه واتخذوا عيدا
يجتمعون إليه في السنة فتتبرج النساء للرجال قال وينزل الرجال لهن وأن رجلا من
أهل الجبل هجم عليهم وهم في عيدهم ذلك فرأى النساء وصباحتهن فأتى أصحابه فأخبرهم
بذلك فتحولوا إليهن فنزلوا عليهن فظهرت الفاحشة فيهن فهو قول الله عز وجل
(ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) * حدثنا ابن وكيع قال حدثنا ابن أبي غنية عن
113

أبيه عن الحكم ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى قال كان بين آدم ونوح ثمانمائة
سنة وكان نساؤهم أقبح ما يكون من النساء ورجالهم حسان فكانت المرأة تريد
الرجل على نفسها فأنزلت هذه الآية ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى
حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرني هشام قال أخبرني أبي عن أبي صالح
عن ابن عباس قال لم يمت آدم حتى بلغ ولده وولد ولده أربعين ألفا ببوذ ورأى
آدم فيهم الزنا وشرب الخمر والفساد فأوصى أن لا يناكح بنو شيث بنى قابيل فجعل
بنو شيث آدم في مغارة وجعلوا عليه حافظا لا يقربه أحد من بني آدم وكان
الذين يأتونه ويستغفر لهم من بنى شيث فقال مائة من بنى شيث صباح لو نظرنا
إلى ما فعل بنو عمنا يعنون بنى قابيل فهبطت المائة إلى نساء صباح من بنى قابيل
فاحتبس النساء الرجال ثم مكثوا ما شاء الله ثم قال مائة آخرون لو نظرنا ما فعل
إخوتنا فهبطوا من الجبل فاحتبسهم النساء ثم هبط بنو شيث كلهم فجاءت المعصية
وتناكحوا فاختلطوا وكثر بنو قابيل حتى ملكوا الأرض وهم الذين غرقوا أيام
نوح. وأما نسابو الفرس فقد ذكرت ما قالوا في مهلائيل بن قينان وأنه هو أو شهنج
الذي ملك الأقاليم السبعة وبينت قول من خالفهم في ذلك من نسابي العرب فإن
كان الامر فيه كالذي قاله نسابو الفرس فإني حدثت عن هشام بن محمد بن
السائب أنه هو أول من قطع الشجر وبنى البناء وأول من استخرج المعادن وفطن
الناس لها وأمر أهل زمانه باتخاذ المساجد وبنى مدينتين كانتا أول ما بنى على ظهر
الأرض من المدائن وهما مدينة بابل بسواد الكوفة ومدينة السوس فكان ملكه
أربعين سنة وأما غيره فإنه قال هو أول من استنبط الحديد في ملكه فاتخذ منه
الأدوات للصناعات وقدر المياه في مواضع المنافع وحض الناس على الحراثة والزراعة
والحصاد واعتمال الأعمال وأمر بقتل السباع الضارية واتخاذ الملابس من جلودها
والمفارش وبذبح البقر والغنم والوحش والاكل من لحومها وأن ملكه كان
أربعين سنة وأنه بنى مدينة الري قالوا وهى أول مدينة بنيت بعد مدينة جيومرت
التي كان يسكنها بدنباوند من طبرستان * وقالت الفرس إن أو شهنج هذا
114

ولد ملكا وكان فاضلا محمودا في سيرته وسياسته رعيته وذكروا أنه أول من
وضع الاحكام والحدود وكان ملقبا بذلك يدعى فيشداذ ومعناه بالفارسية أول
من حكم بالعدل وذلك أن فاش معناه أول وأن داذ عدل وقضاء وذكروا أنه نزل
الهند وتنقل في البلاد فلما استقام أمره واستوثق له الملك عقد على رأسه تاجا وخطب
خطبة فقال في خبطته إنه ورث الملك عن جده جيومرت وإنه عذاب ونقمة على مردة
الانس والشياطين وذكروا أنه قهر إبليس وجنوده ومنعهم الاختلاط بالناس
وكتب عليهم كتابا في طرس أبيض أخذ عليهم فيه المواثيق أن لا يعرضوا لاحد
من الانس وتوعدهم على ذلك وقتل مردتهم وجماعة من الغيلان فهربوا من
خوفه إلى المفاوز والجبال والأودية وأنه ملك الأقاليم كلها وأنه كان بين موت
جيومرت إلى مولد أو شهنج وملكه مائتا سنة وثلاث وعشرون سنة وذكروا
أن إبليس وجنوده فرحوا بموت أو شهنج وذلك أنهم دخلوا بموته مساكن
بني آدم ونزلوا إليهم من الجبال والأودية * ونرجع الآن إلى ذكر يرد وبعضهم
يقول هو يارد فولد يرد لمهلائيل من خالته سمعن ابنة براكيل بن محويل بن
خنوخ بن قين بعدما مضى من عمر آدم أربعمائة وستون سنة فكان وصى أبيه
وخليفته فيما كان والد مهلائيل أوصى إلى مهلائيل واستخلفه عليه بعد وفاته
وكانت ولادة أمه إياه بعد ما مضى من عمر أبيه مهلائيل فيما ذكروا خمس
وستون سنة فقام من بعد مهلك أبيه من وصية أجداده وآبائه بما كانوا
يقومون به أيام حياتهم ثم نكح يرد فيما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة
عن ابن إسحاق وهو ابن مائة سنة واثنتين وستين سنة بركنا ابنة الدرمسيل بن
محويل بن خنوخ بن قين بن آدم فولدت له أخنوخ بن يرد وأخنوخ إدريس النبي
وكان أول بني آدم أعطى النبوة فيما زعم ابن إسحاق وخط بالقلم فعاش يرد بعد
ما ولد له أخنوخ ثمانمائة سنة وولد له بنون وبنات فكان كل ما عاش يرد تسعمائة
سنة وستين سنة ثم مات. وقال غيره من أهل التوراة ولد ليرد أخنوخ وهو
إدريس فنبأه الله عز وجل وقد مضى من عمر آدم ستمائة سنة واثنتان وعشرون
115

سنة وأنزل عليه ثلاثون صحيفة وأول من خط بعد آدم وجاهد في سبيل الله وقطع
الثياب وخاطها وأول من سبى من ولد قابيل فاسترق منهم وكان وصى والده يرد
فيما كان آباؤه أوصوا به إليه وفيما أوصى به بعضهم بعضا وذلك كله من فعله في حياة
آدم قال وتوفى آدم عليه السلام بعد أن مضى من عمر خنوخ ثلثمائة سنة وثماني سنين
تتمة تسعمائة وثلاثين سنة التي ذكرنا أنها عمر آدم قال ودعا خنوخ قومه ووعظهم
وأمرهم بطاعة الله عز وجل ومعصية الشيطان وألا يلابسوا ولد قابيل فلم يقبلوا منه
وكانت العصابة بعد العصابة من ولد شيث تنزل إلى ولد قابيل قال وفى التوراة إن الله
تبارك وتعالى رفع إدريس بعد ثلثمائة سنة وخمس وستين سنة مضت من عمره وبعد
خمسمائة سنة وسبع وعشرين سنة مضت من عمر أبيه فعاش أبو ه بعد ارتفاعه أربعمائة
وخمسا وثلاثين سنة تمام تسعمائة واثنتين وستين سنة وكان عمر يا رد تسعمائة
واثنتين وستين سنة وولد خنوخ وقد مضت من عمر يارد مائة واثنتان وستون
سنة * حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال اخبرني هشام قال اخبرني أبى عن أبي
صالح عن ابن عباس قال في زمان يرد عملت الأصنام ورجع من رجع عن
الاسلام * وقد حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال حدثني عمى قال
حدثني الماضي بن محمد عن أبي سليمان عن القاسم بن محمد عن أبي إدريس الخولاني
عن أبي ذر الغفاري قال قال لي رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم
يا أبا ذر أربعة يعنى من الرسل سريانيون آدم وشيث ونوح وخنوخ وهو
أول من خط بالقلم وأنزل الله تعالى على خنوخ ثلاثين صحيفة * وقد زعم بعضهم
أن الله بعث إدريس إلى جميع أهل الأرض في زمانه وجمع له علم الماضين وإن الله عز
وجل زاده مع ذلك ثلاثين صحيفة قال فذلك قول الله عز وجل (إن هذا لفى
الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى) وقال يعنى بالصحف الأولى التي أنزلت على
ابن آدم هبة الله وإدريس عليهما السلام وقال بعضهم ملك بيو راسب في عهد
إدريس وقد كان وقع إليه كلام من كلام آدم صلوات الله عليه فاتخذه في ذلك الزمان
سحرا وكان بيور أسب يعمل به وكان إذا أراد شيئا من جميع مملكته أو أعجبته دابة
116

أو امرأة نفخ بقصبة كانت له من ذهب وكان يجئ إليه كل شئ يريده فمن ثم تنفخ
اليهود * وأما الفرس فإنهم قالوا ملك بعد الموت أو شهنج طهمورت بن ويونجهان
ابن حنانداذ بن حنادار بن أو شهنج وقد اختلف في نسب طهمورت إلى أو شهنج
فنسبه بعضهم النسبة التي ذكرت وقال بعض نسابة الفرس هو طهمورت بن
ايونكهان بن انكهد بن اسكهد بن أو شهنج * وقال هشام بن محمد الكلبي فيما حدثت
عنه ذكر أهل العلم أن أول ملوك بابل طهمورت قال وبلغنا والله أعلم أن الله
أعطاه من القوة ما خضع له إبليس وشياطينه وأنه كان مطيعا لله وكان ملكه
أربعين سنة وأما الفرس فإنها تزعم أن طهمورت ملك الأقاليم كلها وعقد على
رأسه تاجا وقال يوم ملك نحن دافعون بعون الله عن خليقته المردة الفسدة
وكان محمودا في ملكه حدبا على رعيته وأنه ابتنى سابور من فارس ونزلها وتنقل
في البلدان وأنه وثب بإبليس حتى ركبه فطاف عليه في أداني الأرض وأقاصيها
وأفزعه ومردة أصحابه حتى تطايروا وتفرقوا وأنه أول من اتخذ الصوف
والشعر للباس والفرش وأول من اتخذ زينة الملوك من الخيل والبغال والحمير
وأمر باتخاذ الكلاب لحفظ المواشي وحراستها من السباع والجوارح للصيد
وكتب بالفارسية وأن بوداسب ظهر في أول سنة من ملكه ودعا إلى ملة
الصابئين ثم رجعنا إلى ذكر أخنوخ وهو إدريس عليه السلام ثم نكح فيا حدثنا
به ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق أخنوخ بن يرد هدانة ويقال أدانة
ابنة باويل بن محويل بن خنوخ بن قين بن آدم وهو ابن خمس وستين سنة
فولدت له متوشلخ بن أخنوخ فعاش بعد ما ولد له متوشلخ ثلثمائة سنة
وولد له بنون وبنات فكان كل ما عاش أخنوخ ثلثمائة سنة وخمسا وستين
سنة ثم مات وأما غيره من أهل التوراة فإنه قال فيما ذكر أهل التوراة
ولد لخنوخ بعد ستمائة سنة وسبع وثمانين سنة خلت من عمر آدم متوشلخ
فاستخلفه خنوخ على أمر الله وأوصاه وأهل بيته قبل أن يرفع وأعلمهم أن
الله عز وجل سيعذب ولد قايين ومن خالطهم ومال إليهم ونهاهم عن
117

مخالطتهم وذكر أنه كان أول من ركب الخيل لأنه اقتفى رسم أبيه في الجهاد
وسلك في أيامه العمل بطاعة الله طريق آبائه وكان عمر أخنوخ إلى أن رفع
ثلثمائة سنة وخمسا وستين سنة وولد له متوشلخ بعد ما مضى من عمره خمس وستون
سنة ثم نكح فيما حدثني ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق متوشلخ بن أخنوخ
عربا ابنة عزرائيل بن أبو شيل بن خنوخ بن قين بن آدم وهو ابن مائة سنة وسبع
وثلاثين سنة فولدت له لمك بن متوشلخ فعاش بعد ما ولد له لمك سبعمائة سنة فولد له
بنون وبنات وكان كل ما عاش متوشلخ تسعمائة سنة وتسع عشرة سنة ثم مات
ونكح لمك بن متوشلخ بن أخنوخ قينوش ابنة براكيل بن محويل بن أخنوخ
ابن قين بن آدم عليه السلام وهو ابن مائة سنة وسبع وثمانين سنة فولدت له
نوحا النبي صلى الله عليه وسلم فعاش لملك بعد ما ولد له نوح خمسمائة سنة وخمسا
وتسعين سنة فكان كل ما عاش سبعمائة سنة وثمانين سنة ثم مات ونكح نوح بن
لمك عمرورة ابنة براكيل بن محويل بن أخنوخ بن قين بن آدم وهو ابن خمسمائة
سنة فولدت له بنيه سام وحام ويافث بنى نوح * وقال أهل التوراة ولد لمتوشلخ
بعد ثمانمائة سنة وأربع وسبعين سنة من عمر آدم لمك فأقام على ما كان عليه
آباؤه من طاعة الله وحفظ عهوده قالوا فلما حضرت متوشلخ الوفاة استخلف
لمك على أمره وأوصاه بمثل ما كان آباؤه يوصون به قالوا وكان لمك يعظ
قومه وينهاهم عن النزول إلى ولد قايين فلا يتعظون حتى نزل جميع من كان في
الجبل إلى ولد قايين وقيل إنه كان لمتوشلخ ابن آخر غير لمك يقال له صابئ وقيل
إن الصابئين به سموا صابئين وكان عمر متوشلخ تسعمائة وستين سنة وكان مولد
لمك بعد أن مضى من عمر متوشلخ مائة وسبع وثمانون سنة ثم ولد لمك نوحا
بعد وفاة آدم بمائة سنة وست وعشرين سنة وذلك لألف سنة وست وخمسين
سنة مضت من يوم أهبط الله عز وجل آدم إلى مولد نوح عليه السلام فلما
أدرك نوح قال له لمك قد علمت أنه لم يبق في هذا الموضوع غيرنا فلا تستوحش
ولا تتبع الأمة الخاطئة فكان نوح يدعو إلى ربه ويعظ قومه فيستخفون به
118

فأوحى الله عز وجل إليه أنى قد أمهلتهم فانظرهم ليراجعوا ويتوبوا مدة فانقضت
المدة قبل أن يتوبوا وينيبوا * وقال آخرون غير من ذكرت قوله كان نوح
في عهد بيوراسب وكان قومه يعبدون الأصنام فدعاهم إلى الله عز وجل تسعمائة
سنة وخمسين سنة كل ما مضى قرن تبعهم قرن على ملة واحدة من الكفر حتى أنزل
الله عليهم العذاب فأفناهم * حدثنا الحارث قال حدثنا ابن سعد قال حدثنا هشام
قال أخبرني أبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال ولد متوشلخ لمك ونفرا معه وإليه
الوصية فولد لمك نوحا وكان للمك يوم ولد نوح اثنتان وثمانون سنة ولم يكن أحد
في ذلك الزمان ينهى عن منكر فبعث الله إليهم نوحا وهو ابن أربعمائة سنة وثمانين
سنة ثم دعاهم في نبوته مائة وعشرين سنة ثم أمره بصنعة السفينة فصنعها وركبها
وهو ابن ستمائة سنة وغرق من غرق ثم مكث بعد السفينة ثلاثمائة سنة
وخمسين سنة * وأما علماء الفرس فإنهم قالوا ملك بعد طهمورت جم الشيذ
والشيذ معناه عندهم الشعاع لقبوه بذلك فيما زعموا لجماله وهو جم بن ويونجهان
وهو أخو طهمورت وقيل إنه ملك الأقاليم السبعة كلها وسخر له ما فيها من الجن والإنس
وعقد على رأسه التاج وقال حين قعد في ملكه إن الله تبارك وتعالى
قد أكمل بهاءنا وأحسن تأييدنا وسنوسع رعيتنا خيرا وأنه ابتدع صنعة السيوف
والسلاح ودل على صنعة الإبريسم والقز وغيره مما يغزل فأمر بنسج الثياب
وصبغها ونحت السروج والأكف وتذليل الدواب بها وذكر بعضهم أنه توارى
بعد ما مضى من ملكه ستمائة سنة وست عشرة سنة وستة أشهر فخلت البلاد منه
سنة وأنه أمر لمضى سنة من ملكه إلى سنة خمس منه بصنعة السيوف والدروع
والبيض وسائر صنوف الأسلحة وآلة الصناع من الحديد ومن سنة خمسين من
ملكه إلى سنة مائة بغزل الإبريسم والقز والقطن والكتان وكل ما يستطاع غزله
وحياكة ذلك وصبغته ألوانا وتقطيعه أنواعا ولبسه ومن سنة مائة إلى سنة خمسين
ومائة صنف الناس أربع طبقات طبقة مقاتلة وطبقة فقهاء وطبقة كتابا وصناعا
حراثين واتخذ طبقة منهم خدما وأمر كل طبقة من تلك الطبقات بلزوم العمل
119

الذي ألزمه إياه ومن سنة مائة وخمسين إلى سنة خمسين ومائتين حارب الشياطين
والجن وأثخنهم وأذلهم وسخروا له وانقادوا لامره ومن سنة خمسين ومائتين
إلى سنة ست عشرة وثلثمائة وكل الشياطين بقطع الحجارة والصخور من الجبال
وعمل الرخام والجص والكلس والبناء بذلك وبالطين البنيان والحمامات وصنعة
النورة والنقل من البحار والجبال والمعادن والفلوت كل ما ينتفع به الناس والذهب
والفضة وسائر ما يذاب من الجواهر وأنواع الطيب والأدوية فنفذوا في كل ذلك
لامره ثم أمر فصنعت له عجلة من زجاج فصعد فيها الشياطين وركبها وأقبل عليها
في الهواء من بلده من دنباوند إلى بابل في يوم واحد وذلك يوم هرمز وزفروردين ماه
فاتخذ الناس للأعجوبة التي رأوا من إجرائه ما أجرى على تلك الحال نوروذ
وأمرهم باتخاذ ذلك اليوم وخمسة أيام بعده عيدا والتنعم والتلذذ فيها وكتب إلى
الناس اليوم السادس وهو خرداذروز يخبرهم أنه قد سار فيهم بسيرة ارتضاها
الله فكان من جزائه إياه عليها أن جنبهم الحر والبرد والأسقام والهرم والحسد
فمكث الناس ثلثمائة سنة بعد الثلثمائة والست عشرة سنة التي خلت من ملكه
لا يصيبهم شئ مما ذكر أن الله عز وجل جنبهم إياه ثم إن جما بطر بعد ذلك
نعمة الله عنده وجمع الإنس والجن فأخبرهم أنه وليهم ومالكهم والدافع بقوته
عنهم الأسقام والهرم والموت وجحد إحسان الله عز وجل إليه وتمادى
في غيه فلم يحر أحد ممن حضره له جوابا وفقد مكانه بهاءه وغره وتخلت
عنه الملائكة الذين كان الله أمرهم بسياسة أمره فأحس بذلك بيوراسب
الذي يسمى الضحاك فابتدر إلى جم لينهشه فهرب منه ثم ظفر به بيوراسب
بعد ذلك فامتلخ أمعاءه واشترطها ونشره بمنشار وقال بعض علماء الفرس إن جما
لم يزل محمود السيرة إلى أن بقى من ملكه مائة سنة فخلط حينئذ وادعى الربوبية
فلما فعل ذلك اضطرب عليه أمره ووثب عليه أخوه اسفتوز وطلبه ليقتله فتوارى
عنه وكان في تواريه ملكا ينتقل من موضع إلى موضع ثم خرج عليه بيوراسب
فغلبه على ملكه ونشره بالمنشار وزعم بعضهم أن ملك جم كان سبعمائة سنة وست
120

عشرة سنة وأربعة أشهر وعشرين يوما وقد ذكرت عن وهب بن منبه عن ملك
من ملوك الماضين قصة شبيهة بقصة جم شاذ الملك لولا أن تاريخه خلاف تاريخ جم
لقلت إنها قصة جم وذلك ما حدثني محمد بن سهل بن عسكر قال حدثنا إسماعيل
ابن عبد الكريم قال حدثني عبد الصمد بن معقل عن وهب بن منبه أنه قال إن
رجلا ملك وهو فتى شاب فقال إني لا أجد للملك لذة وطعما فلا أدرى أكذلك
كل الناس أم أنا وجدته من بينهم فقيل له بل الملك كذلك فقال ما الذي يقيمه
لي فقيل له يقيمه لك أن تطيع الله فلا تعصيه فدعا ناسا من خيار من كان في ملكه
فقال لهم كونوا بحضرتي في مجلسي فما رأيتم أنه طاعة لله عز وجل فأمروني أن
أعمل به وما رأيتم أنه معصية لله فازجروني عنه أنزجر ففعل ذلك هو وهم واستقام
له ملكه بذلك أربعمائة سنة مطيعا لله عز وجل ثم إن إبليس انتبه لذلك فقال تركت
رجلا يعبد الله ملكا أربعمائة سنة فجاء فدخل عليه فتمثل له برجل ففزع منه الملك
فقال من أنت قال إبليس لا ترع ولكن أخبرني من أنت قال الملك أنا رجل من
بني آدم فقال له إبليس لو كنت من بني آدم لقد مت كما يموت بنو آدم ألم تر كم
قد مات من الناس وذهب من القرون لو كنت منهم لقد مت كما ماتوا ولكنك
إله فادع الناس إلى عبادتك فدخل ذلك في قلبه ثم صعد المنبر فخطب الناس فقال
أيها الناس إني قد كنت أخفيت عنكم أمرا بان لي إظهاره لكم تعلمون أنى ملكتكم
منذ أربعمائة سنة ولو كنت من بني آدم لقد مت كما ماتوا ولكني إله فاعبدوني
فأرعش مكانه فأوحى الله إلى بعض من كان معه فقال أخبره أنى قد استقمت له
ما استقام لي فإذا تحول عن طاعتي إلى معصيتي فلم يستقم لي فبعزتي حلفت لا سلطن
عليه بخت ناصر فليضر بن عنقه وليأخذن ما في خزائنه وكان في ذلك الزمان
لا يسخط الله على أحد إلا سلط عليه بخت ناصر فلم يتحول الملك عن قوله حتى
سلط الله عليه بخت ناصر فضرب عنقه وأوقر من خزائنه سبعين سفينة ذهبا *
قال أبو جعفر ولكن بين بخت ناصر وجم دهر طويل إلا أن يكون الضحاك كان
يدعى في ذلك الزمان بخت ناصر * وأما هشام بن الكلبي فإني حدثت عنه أنه قال
121

ملك بعد طهمورت جم وكان أصبح أهل زمانه وجها وأعظمهم جسما قال
فذ كروا أنه غبر ستمائة سنة وتسع عشرة سنة مطيعا لله مستعليا أمره مستوثقة له
البلاد ثم إنه طغى وبغى فسلط الله عليه الضحاك فسار إليه في مائتي ألف فهرب
جم منه مائة سنة ثم إن الضحاك ظفر به فنشره بمنشار قال فكان جميع ملك جم
منذ ملك إلى أن قتل سبعمائة وتسع عشرة سنة * وقد روى عن جماعة من السلف
أنه كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على ملة الحق وأن الكفر بالله إنما
حدث في القرن الذين بعث إليهم نوح عليه السلام وقالوا إن أول نبي أرسله الله
إلى قوم بالانذار والدعاء إلى توحيده نوح عليه السلام
ذكر من قال ذلك
حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا أبو داود قال حدثنا همام عن قتادة عن عكرمة
عن ابن عباس قال كان بين نوح وآدم عليهما السلام عشرة قرون كلهم على شريعة
من الحق فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين قال وكذلك هي في قراءة
عبد الله (كان الناس أمة واحدة فاختلفوا) * حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا
عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة قوله عز وجل " كان الناس أمة واحدة "
قال كانوا على الهدى جميعا فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين فكان
أول نبي بعث نوحا عليه السلام
ذكر الاحداث التي كانت في عهد نوح عليه السلام
قد ذكرنا اختلاف المختلفين في ديانة القوم الذين أرسل إليهم نوح عليه
السلام وأن منهم من يقول كانوا قد أجمعوا على العمل بما يكرهه الله من ركوب
الفواحش وشرب الخمور والاشتغال بالملاهي عن طاعة الله عز وجل وأن منهم
من يقول كانوا أهل طاعة بيوراسب وكان بيوراسب أول من أظهر القول بقول
الصابئين وتبعه على ذلك الذين أرسل إليهم نوح عليه السلام وسأذكر إن شاء الله
خبر بيوراسب فيما بعد * فأما كتاب الله فإنه ينبئ عنهم أنهم كانوا أهل أوثان
122

وذلك أن الله عز وجل يقول مخبرا عن نوح (قال نوح رب إنهم عصوني
واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا، ومكروا مكرا كبارا،
وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا، ولا يغوث ويعوق ونسرا،
وقد أضلوا كثيرا) فبعث الله إليهم نوحا مخوفهم بأسه ومحذرهم سطوته وداعيا
لهم إلى التوبة والمراجعة إلى الحق والعمل بما أمر الله به رسله وأنزله في صحف
آدم وشيث وخنوخ ونوح يوم ابتعثه الله نبيا إليهم فيما ذكر ابن خمسين سنة
وقيل أيضا ما حدثنا به نصر بن علي الجهضمي قال حدثنا نوح بن قيس قال حدثنا
عون بن أبي شداد قال إن الله تبارك وتعالى أرسل نوحا إلى قومه وهو ابن
خمسين وثلثمائة سنة فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما ثم عاش بعد ذلك
خمسين وثلثمائة سنة * حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال حدثنا هشام قال
أخبرني أبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال بعث الله نوحا إليهم وهو ابن
أربعمائة سنة وثمانين سنة ثم دعاهم في نبوته مائة وعشرين سنة وركب السفينة
وهو ابن ستمائة سنة ثم مكث بعد ذلك ثلثمائة وخمسين سنة * قال أبو جعفر
فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما كما قال الله عز وجل يدعوهم إلى الله سرا
وجهرا يمضى قرن بعد قرن فلا يستجيبون له حتى مضى قرون ثلاثة على ذلك من
حاله وحالهم فلما أراد الله عز وجل اهلاكهم دعا عليهم نوح عليه السلام فقال " رب
إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا " فأمره الله تعالى ذكره أن
يغرس شجرة فغرسها فعظمت وذهبت كل مذهب ثم أمره بقطعها من بعد ما غرسها
بأربعين سنة فيتخذ منها سفينة كما قال الله له (واصنع الفلك بأعيننا ووحينا)
فقطعها وجعل يعملها * وحدثنا صالح بن مسمار المروزي والمثنى بن إبراهيم قالا
حدثنا ابن أبي مريم قال حدثنا موسى بن يعقوب قال حدثني فائد مولى عبيد الله
ابن علي بن أبي رافع أن إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي ربعية أخبره أن عائشة زوج
النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لو رحم الله
أحدا من قوم نوح لرحم أم الصبى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كان نوح مكث
123

في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله عز وجل حتى كان آخر زمانه غرس
شجرة فعظمت وذهبت كل مذهب ثم قطعا ثم جعل يعمل سفينة فيمرون
فيسألونه فيقول أعملها سفينة فيسخرون منه ويقولون تعمل سفينة في البر فكيف
تجرى فيقول سوف تعلمون فلما فرغ منها وفار التنور وكثر الماء في السكك
خشيت أم الصبى عليه وكانت تحبه حبا شديدا فخرجت إلى الجبل حتى بلغت ثلثه
فلما بلغها الماء خرجت حتى بلغت ثلثي الجبل فلما بلغها الماء خرجت حتى استوت
على الجبل فلما بلغ الماء رقبتها رفعته بيدها حتى ذهب به الماء فلو رحم الله منهم
أحدا لرحم أم الصبى * حدثني ابن أبي منصور قال حدثنا علي بن الهيثم عن
المسيب بن شريك عن أبي روق عن الضحاك قال قال سلمان الفارسي عمل نوح
السفينة أربعمائة سنة وأنبت الساج أربعين سنة حتى كان طوله ثلثمائة ذراع والذراع
إلى المنكب فعمل نوح السفينة بوحي الله إليه وتعليمه إياه عملها فكانت
إن شاء الله كما حدثنا بشر بن معاذ قال حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد عن قتادة قال
ذكر لنا أن طول السفينة ثلثمائة ذراع وعرضها خمسون ذراعا وطولها في السماء
ثلاثون ذراعا وبابها في عرضها * حدثني الحارث قال حدثنا عبد العزيز قال حدثنا
مبارك عن الحسن قال كان طول سفينة نوح ألف ذراع ومائتي ذراع وعرضها
ستمائة ذراع * حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال حدثني حجاج عن مفضل
ابن فضالة عن علي بن زيد بن جدعان عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال
قال الحواريون لعيسى ابن مريم لو بعثت لنا رجلا شهد السفينة فحدثنا عنها فانطلق
بهم حتى انتهى إلى كثيب من تراب فأخذ كفا من ذلك التراب بكفه فقال أتدرون
ما هذا قالوا الله ورسوله أعلم قال هذا قبر حام بن نوح قال فضرب الكثيب بعصاه
وقال قم بإذن الله فإذا هو قائم ينفض التراب عن رأسه وقد شاب فقال له عيسى
عليه السلام هكذا هلكت قال لا ولكني مت وأنا شاب ولكني ظننت أنها الساعة
فمن ثم شبت قال حدثنا عن سفينة نوح قال كان طولها ألف زراع ومائتي ذراع
وعرضها ستمائة ذراع وكانت ثلاث طبقات فطبقة فيها الدواب والوحش وطبقة
124

فيها الانس وطبقة فيها الطير فلما كثر أرواث الدواب أوحى الله إلى نوح أن
اغمز ذنب الفيل فغمز فوقع منه خنزير وخنزيرة فأقبلا على الروث فلما وقع الفأر
بخرز السفينة يقرضه أوحى الله إلى نوح أن اضرب بين عيني الأسد فخرج من
منخره سنور وسنورة فاقبلا على الفأر فقال له عيسى كيف علم نوح أن البلاد
قد غرقت قال بعث الغراب يأتيه بالخبر فوجد جيفة فوقع عليها فدعا عليه بالخوف
فلذلك لا يألف البيوت قال ثم بعث الحمامة فجاءت بورق زيتون بمنقارها وطين
برجليها فعلم أن البلاد قد غرقت قال فطوقها الخضرة التي في عنقها ودعا لها
أن تكون في أنس وأمان فمن ثم تألف البيوت قال فقالت الحواريون يا رسول الله
ألا ننطلق به إلى أهلنا فيجلس معنا ويحدثنا؟ قال كيف يتبعكم من لا رزق له قال
فقال له عد بإذن الله فعاد ترابا * حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرني
هشام قال أخبرني أبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال نجر نوح السفينة بجبل
بوذ ومن ثم تبدأ الطوفان وقال كان طول السفينة ثلثمائة ذراع بذراع جد أبي
نوح وعرضها خمسين ذراعا وطولها في السماء ثلاثين ذراعا وخرج منها من الماء
ستة أذرع وكانت مطبقة وجعل لها ثلاثة أبو أب بعضها أسفل من بعض
حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عمن لا يتهم عن عبيد
ابن عمير الليثي أنه كان يحدث أنه بلغه أنهم كانوا يبطشون به يعنى قوم نوح بنوح
فيخنقونه حتى يغشى عليه فإذا أفاق قال اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون قال ابن
إسحاق حتى إذا تمادوا في المعصية وعظمت في الأرض منهم الخطيئة وتطاول عليه
وعليهم الشأن واشتد عليه منهم البلاء وانتظر النجل بعد النجل فلا يأتي قرن إلا
كان أخبث من الذي قبله حتى إن كان الآخر منهم ليقول قد كان هذا مع آبائنا
ومع أجدادنا هكذا مجنونا لا يقبلون منه شيئا حتى شكا ذلك من أمرهم نوح إلى
الله عز وجل فقال كما قص الله عز وجل علينا في كتابه (رب إني دعوت قومي
ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا) إلى آخر القصة حتى قال (لا تذر على
الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا
125

فاجرا كفارا) إلى آخر القصة فلما شكا ذلك منهم نوح إلى الله عز وجل
واستنصره عليهم أوحى الله إليه (أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا
تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون) قأقبل نوح على عمل الفلك ولهى عن
قومه وجعل يقطع الخشب ويضرب الحديد ويهيئ عدة الفلك من القار وغيره مما
لا يصلحه إلا هو وجعل قومه يمرون به وهو في ذلك من عمله فيسخرون منه ويستهزئون
به فيقول (إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون
من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم) قال ويقولون فيما بلغني
يا نوح قد صرت نجارا بعد النبوة قال وأعقم الله أرحام النساء فلا يولد لهم * قال
ويزعم أهل التوراة أن الله عز وجل أمره أن يصنع الفلك من خشب الساج وأن
يصنعه أزور وأن يطليه بالقار من داخله وخارجه وأن يجعل طول ثمانين ذراعا
وعرضه خمسين ذراعا وطوله في السماء ثلاثين ذراعا وأن يجعله ثلاثة أطباق سفلا
ووسطا وعلوا وأن يجعل فيه كوا ففعل نوح كما أمره الله عز وجل حتى إذا فرغ
منه وقد عهد الله إليه (إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل
زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه
إلا قليل) وقد جعل التنور آية فيما بينه وبينه فقال إذا جاء أمرنا وفار التنور
فاسلك فيها من كل زوجين اثنين واركب فلما فار التنور حمل نوح في الفلك من
أمره الله تعالى به وكانوا قليلا كما قال وحمل فيها من كل زوجين اثنين مما فيه الروح
والشجر ذكرا أو أنثى فحمل فيه بنيه الثلاثة سام وحام ويافث ونساءهم وستة
أناس ممن كان آمن به فكانوا عشرة نفر نوح وبنوه وأزواجهم ثم أدخل ما أمره
الله به من الدواب وتخلف عنه ابنه يام وكان كافرا * حدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة عن ابن إسحاق عن الحسن بن دينار عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران
عن ابن عباس قال سمعته يقول كان أول ما حمل نوح في الفلك من الدواب الذرة
وآخر ما حمل الحمار فلما أدخل الحمار ودخل صدره تعلق إبليس لعنه الله بذنبه فلم
تستقل رجلاه فجعل نوح يقول ويحك أدخل فينهض فلا يستطيع حتى قال نوح
126

ويحك ادخل وإن كان الشيطان معك قال كلمة زلت عن لسانه فلما قالها نوح خلى
الشيطان سبيله فدخل ودخل الشيطان معه فقال له نوح ما أدخلك على يا عدو الله
قال ألم تقل أدخل وإن كان الشيطان معك، قال اخرج عنى يا عدو الله
فقال مالك بد من أن تحملني فكان فيما يزعمون في ظهر الفلك فلما اطمأن نوح
في الفلك وأدخل فيه كل من آمن به وكان ذلك في الشهر من السنة التي دخل فيها
نوح بعد ستمائة سنة من عمره لسبع عشرة ليلة مضت من الشهر فلما دخل وحمل
معه من حمل تحرك ينابيع الغوط الأكبر وفتحت أبو أب السماء كما قال الله لنبيه
صلى الله عليه وسلم (ففتحنا أبو أب السماء بماء منهمر، وفجرنا الأرض
عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر) فدخل نوح ومن معه الفلك وغطاه عليه وعلى
من معه بطبقة فكان بين أن أرسل الله الماء وبين أن احتمل الماء الفلك أربعون يوما
وأربعون ليلة ثم احتمل الماء كما يزعم أهل التوراة وكثر واشتد وارتفع يقول
الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم (وحملناه على ذات ألواح ودسر
تجرى بأعيننا جزاء لمن كان كفر) والدسر، المسامير مسامير الحديد فجعلت
الفلك تجرى به وبمن معه في موج كالجبال ونادى نوح ابنه الذي هلك فيمن هلك
وكان في معزل حين رأى نوح من صدق موعود ربه ما رأى فقال يا بنى اركب
معنا ولا تكن مع الكافرين وكان شقيا قد أضمر كفرا قال سآوي إلى جبل يعصمني
من الماء وكان عهد الجبال وهى حرز من الأمطار إذا كانت فظن أن ذلك كما
كان يكون قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان
من المغرقين وكثر الماء وطغى وارتغع فوق الجبال كما يزعم أهل التوراة خمسة
عشر ذراعا فباد ما على وجه الأرض من الخلق كل شئ فيه الروح أو شجر فلم يبق
شئ من الخلائق إلا نوح ومن معه في الفلك وإلا عوج بن أعنق فيما يزعم أهل
الكتاب فكان بين أن أرسل الله الطوفان وبين أن غاض الماء ستة أشهر وعشر
ليال * حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرني هشام قال أخبرني أبي
عن أبي صالح عن ابن عباس قال أرسل الله المطر أربعين يوما وأربعين ليلة فأقلت
127

الوحوش حين أصابها المطر والدواب والطير كلها إلى نوح وسخرت له فحمل منها
كما أمره الله عز وجل من كل زوجين اثنين وحمل معه جسد آدم فجعله حاجزا بين
النساء والرجال فركبوا فيها لعشر ليال مضين من رجب وخرجوا منها يوم عاشوراء
من المحرم فلذلك صام من صام يوم عاشوراء وأخرج الماء نصفين فذلك قوله
عز وجل " ففتحنا أبو أب السماء بماء منهمر - يقول منصب - وفجرنا الأرض عيونا
- يقول شققنا الأرض - فالتقى الماء على أمر قد قدر " فصار الماء نصفين نصف من السماء
ونصف من الأرض وارتفع الماء على أطول جبل في الأرض خمسة عشر ذراعا
فسارت بهم السفينة فطافت بهم الأرض كلها في ستة أشهر لا تستقر على شئ حتى
أتت الحرم فلم تدخله ودارت بالحرم أسبوعا ورفع البيت الذي بناه آدم عليه
السلام رفع من الغرق وهو البيت المعمور والحجر الأسود على أبى قبيس فلما
دارت بالحرم ذهبت في الأرض تسير بهم حتى انتهت إلى الجودي وهو جبل
بالحضيض من أرض الموصل فاستقرت بعد ستة أشهر لتمام السبع فقيل بعد الستة
الأشهر (بعدا للقوم الظالمين) فلما استقرت على الجودي (قيل يا أرض
ابلعي ماءك) يقول انشفي ماءك الذي خرج منك (ويا سماء أقلعي) يقول احبسي
ماءك (وغيض الماء) نشفته الأرض فصار ما نزل من السماء هذه البحور التي
ترون في الأرض فآخر ما بقى من الطوفان في الأرض ماء بحسمي بقى في الأرض
أربعين سنة بعد الطوفان ثم ذهب وكان التنور الذي جعل الله تعالى ذكره آية
ما بينه وبين نوح فوران الماء منه تنورا كان لحواء من حجارة وصار إلى نوح
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا هشيم عن أبي محمد عن الحسن قال كان تنورا
من حجارة كان لحواء حتى صار إلى نوح قال فقيل له إذا رأيت الماء يفور من
التنور فاركب أنت وأصحابك * وقد اختلف في المكان الذي كان به التنور الذي
جعل الله فوران مائه آية ما بينه وبين نوح فقال بعضهم كان بالهند
ذكر من قال ذلك
حدثنا أبو كريب قال حدثنا عبد الحميد الحماني عن النضر أبى عمر الخزاز عن
128

عكرمة عن ابن عباس في وفار التنور قال فار بالهند * وقال آخرون كان ذلك
بناحية الكوفة
ذكر من قال ذلك
* حدثني الحارث قال حدثنا الحسن قال حدثنا خلف بن خليفة عن ليث عن
مجاهد قال نبع الماء في التنور فعلت به امرأته فأخبرته قال وكان ذلك في ناحية
الكوفة * حدثني الحارث قال حدثنا القاسم قال حدثنا علي بن ثابت عن السرى
ابن إسماعيل عن الشعبي أنه كان يحلف بالله ما فار التنور ألا من ناحية الكوفة *
واختلف في عدد من ركب الفلك من بني آدم فقال بعضهم كانوا ثمانين نفسا
ذكر من قال ذلك
* حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال حدثنا زيد بن الحباب قال حدثني
حسين بن واقد الخراساني قال حدثنا أبو نهيك قال سمعت ابن عباس يقول كان في
سفينة نوح ثمانون رجلا أحدهم جرهم * حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال
حدثني حجاج قال: قال ابن جريج قال ابن عباس حمل نوح معه في السفينة ثمانين
إنسانا * حدثني الحارث قال حدثنا عبد العزيز قال: قال سفيان كان بعضهم
يقول كانوا ثمانين يعنى القليل الذين قال الله عز وجل " وما آمن معه إلا قليل "
* حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرني هشام قال أخبرني أبي عن أبي
صالح عن ابن عباس قال حمل نوح في السفينة بنيه سام وحام ويافث وكنائنه
نساء بنيه هؤلاء وثلاثة وسبعين من بنى شيث ممن آمن به فكانوا ثمانين في السفينة
وقال بعضهم بل كانوا ثمانية أنفس
ذكر من قال ذلك
حدثنا بشر بن معاذ قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا سعيد عن قتادة
قال ذكر لنا أنه لم يتم في السفينة إلا نوح وامرأته وثلاثة بنيه ونساؤهم فجميعهم ثمانية
حدثنا ابن وكيع والحسن بن عرفة قالا حدثنا يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية عن
أبيه عن الحكم وما آمن معه إلا قليل قال نوح وثلاثة بنيه وأربع كنائنه * حدثنا القاسم
129

قال حدثنا الحسين قال حدثني حجاج قال قال ابن جريج حدثت أن نوحا حمل
معه بنيه الثلاثة وثلاث نسوة لبنيه وامرأة نوح فهم ثمانية بأزواجهم وأسماء بنيه
يافث وحام وسام فأصاب حام امرأته في السفينة فدعا نوح أن تغير نطفته فجاء
بالسودان وقال آخرون بل كانوا سبعة أنفس
ذكر من قال ذلك
حدثني الحارث قال حدثني عبد العزيز قال حدثنا سفيان عن الأعمش " وما آمن
معه إلا قليل " قال كانوا سبعة نوح وثلاث كنائن وثلاثة بنين له * وقال آخرون
كانوا عشرة سوى نسائهم
ذكر من قال ذلك
حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال حمل بنيه الثلاثة سام وحام
ويافث ونساءهم وستة أناسي ممن كان آمن به فكانوا عشرة نفر بنوح وبنيه
وأزواجهم، فأرسل الله تبارك وتعالى الطوفان لمضى ستمائة سنة من عمر نوح
فيما ذكره أهل العلم من أهل الكتاب وغيرهم ولتتمة ألفى سنة ومائتي سنة وست
وخمسين سنة من لدن أهبط آدم إلى الأرض وقيل أن الله عز وجل أرسل الطوفان
لثلاث عشرة خلت من آب وإن نوحا أقام في الفلك إلى أن غاض الماء واستوت
الفلك على جبل الجودي بقردى في اليوم السابع عشر من الشهر السادس فلما
خرج نوح منها اتخذ بناحية قردى من أرض الجزيرة موضعا وابتنى هناك قرية
سماها ثمانين لأنه كان بنى فيها بيتا لكل إنسان ممن آمن معه وهم ثمانون فهي إلى
اليوم تسمى سوق ثمانين * حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال حدثني هشام
ابن محمد قال أخبرني أبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال هبط نوح عليه السلام
إلى قرية فبنى كل رجل منهم بيتا فسميت سوق ثمانين فغرق بنو قابيل كلهم وما
بين نوح إلى آدم من الآباء كانوا على الاسلام * قال أبو جعفر فصار هو وأهله
فيه فأوحى الله إليه أنه لا يعيد الطوفان إلى الأرض أبدا * وقد حدثني عباد بن يعقوب
الأسدي قال حدثنا المحاربي عن عثمان بن مطر عن عبد العزيز بن عبد الغفور
130

عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول يوم من رجب ركب
نوح السفينة فصام هو وجميع من معه وجرت بهم السفينة ستة أشهر فانتهى ذلك
إلى المحرم فأرست السفينة على الجودي يوم عاشوراء فصام نوح وأمر جميع من
معه من الوحش والدواب فصاموا شكر الله عز وجل * حدثنا القاسم قال حدثنا
الحسين قال حدثني حجاج عن ابن جريج قال كانت السفينة أعلاها الطير ووسطها
الناس وأسفلها السباع وكان طولها في السماء ثلاثين ذراعا ورفعت من عين
وردة يوم الجمعة لعشر ليال مضين من رجب وأرست على الجودي يوم عاشوراء
ومرت بالبيت فطافت به سبعا وقد رفعه الله من الغرق ثم جاءت اليمن ثم رجعت
حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال حدثنا حجاج عن أبي جعفر الرازي عن
قتادة قال هبط نوح من السفينة يوم العاشر من المحرم فقال لمن معه من كان
منكم صائما فليتم صومه ومن كان منكم مفطر فليصم * حدثنا بشر بن
معاذ قال حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد عن قتادة قال ذكر لنا أنها يعنى الفلك
استقلت بهم في عشر خلون من رجب فكانت في الماء خمسين ومائة يوم
استقرت على الجودي شهرا وأهبط بهم في عشر خلون من المحرم يوم عاشوراء
* حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال حدثني حجاج عن أبي معشر عن محمد
ابن قيس قال ما كان زمان نوح شبر من الأرض إلا إنسان يدعيه * ثم
عاش نوح بعد الطوفان فيما حدثني نصر بن علي الجهضمي قال أخبرنا نوح بن قيس
قال حدثنا عون ابن أبي شداد قال عاش يعنى نوحا بعد ذلك يعنى بعد الألف سنة إلا
خمسين عاما التي لبثها في قومه ثلاثمائة وخمسين سنة وأما ابن إسحاق فإن ابن حميد
حدثنا قال حدثنا سلمة عنه قال وعمر نوح فيما يزعم أهل التوراة بعد أن أهبط
من الفلك ثلثمائة سنة وثمانيا وأربعين سنة قال فكان جميع عمر نوح ألف سنة
إلا خمسين عاما ثم قبضه الله عز وجل إليه وقيل إن سام ولد لنوح قبل الطوفان
بثمان وتسعين سنة وقال بعض أهل التوراة لم يكن التناسل ولا ولد لنوح ولد
إلا بعد الطوفان وبعد خروج نوح من الفلك قالوا وإنما الذين كانوا معه في
131

الفلك قوم كانوا آمنوا به واتبعوه غير أنهم بادوا وهلكوا فلم يبق لهم عقب وإنما
الذين هم اليوم في الدنيا من بني آدم ولد نوح وذريته دون سائر ولد آدم كما قال
الله عز وجل (وجعلنا ذريته هم الباقين) وقيل إنه كان لنوح قبل الطوفان ابنان
هلكا جميعا كان أحدهما يقال له كنعان قال وهو الذي غرق في الطوفان والآخر
منهما يقال له عابر مات قبل الطوفان * حدثنا الحارث قال حدثنا ابن سعد
قال أخبرني هشام قال أخبرني أبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال ولد لنوح
سام وفى ولده بياض وأدم وحام وفى ولده سواد وبياض قليل ويافث وفيهم
الشقرة والحمرة وكنعان وهو الذي غرق والعرب تسميه يام وذلك قول العرب
إنما هام عمنا يام وأم هؤلاء واحدة * فأما المجوس فإنهم لا يعرفون الطوفان
ويقولون لم يزل الملك فينا من عهد جيومرت وقالوا جيومرت هو آدم يتوارثه
آخر عن أول إلى عهد فيروز بن يزدجرد بن شهريار قالوا ولو كان لذلك صحة كان
نسب القوم قد انقطع وملك القوم قد اضمحل وكان بعضهم يقر بالطوفان ويزعم
أنه كان في إقليم بابل وما قرب منه وأن مساكن ولد جيومرت كان المشرق
فلم يصل ذلك إليهم * قال أبو جعفر وقد أخبر الله تعالى ذكره من الخبر عن
الطوفان بخلاف ما قالوا فقال وقوله الحق (ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون.
ونجيناه وأهله من الكرب العظيم. وجعلنا ذريته هم الباقين) فأخبر عز
ذكره أن ذرية نوح هم الباقون دون غيرهم وقد ذكرت اختلاف الناس في
جيومرت ومن يخالف الفرس في عينه ومن هو ومن نسبه إلى نوح عليه السلام
* حدثنا ابن بشار قال حدثنا ابن عثمة قال حدثنا سعيد بن بشير عن قتادة عن
الحسن عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله وجعلنا ذريته
هم الباقين قال سام وحام ويافث * حدثنا بشر قال حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد عن
قتادة في قوله وجعلنا ذريته هم الباقين قال فالناس كلهم من ذرية نوح * حدثني على
ابن داود قال حدثنا أبو صالح قال حدثني معاوية عن علي عن ابن عباس في قوله
تعالى وجعلنا ذريته هم الباقين يقول لم يبق إلا ذرية نوح وروى عن علي بن مجاهد
132

عن ابن إسحاق عن الزهري وعن محمد بن صالح عن الشعبي قالا لما هبط آدم من
الجنة وانتشر ولده أرخ بنوه من هبوط آدم فكان ذلك التأريخ حتى بعث الله
نوحا فأرخوا بمبعث نوح حتى كان الغرق فهلك من هلك ممن كان على وجه
الأرض فلما هبط نوح وذريته وكل من كان في السفينة إلى الأرض قسم الأرض
بين ولده أثلاثا فجعل لسام وسطا من الأرض ففيها بيت المقدس والنيل والفرات
ودجلة وسيحان وجيحان وفيشون وذلك ما بين فيشون إلى شرقي النيل وما بين
منخر ريح الجنوب إلى منخر الشمال وجعل لحام قسمه غربي النيل فما وراءه إلى
منخر ريح الدبور وجعل قسم يافث في فيشون فلما وراءه إلى منخر ريح الصبا
فكان التأريخ من الطوفان إلى نار إبراهيم ومن نار إبراهيم إلى مبعث يوسف
ومن مبعث يوسف إلى مبعث موسى ومن مبعث موسى إلى ملك سليمان ومن ملك
سليمان إلى مبعث عيسى بن مرين ومن مبعث عيسى بن مرين إلى أن بعث
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا الذي ذكر عن الشعبي من التأريخ ينبغي
أن يكون على تأريخ اليهود فأما أهل الاسلام فإنهم لم يؤرخوا إلا من الهجرة ولم
يكونوا يؤرخون بشئ قبل ذلك غير أن قريشا كانوا فيما ذكر يؤرخون قبل
الاسلام بعام الفيل وكان سائر العرب يؤرخون بأيامهم المذكورة كتأريخهم
بيوم جبلة وبالكلاب الأول والكلاب الثاني وكانت النصارى تؤرخ بعهد
الإسكندر ذي القرنين وأحسبهم على ذلك من التأريخ إلى اليوم وأما الفرس
فإنهم كانوا يؤرخون بملوكهم وهم اليوم فيما أعلم يؤرخون بعهد يزدجرد بن شهريار
لأنه كان آخر من كان من ملوكهم له ملك بابل والمشرق
ذكر بيوراسب وهو الازدهاق
والعرب تسميه الضحاك فتجعل الحرف الذي بين السين والزاي في الفارسية
ضادا والهاء حاء والقاف كافا وإياه عنى حبيب بن أوس بقوله ما نال ما قد نال
فرعون ولا هامان في الدنيا ولا قارون بل كان كالضحاك في سطواته بالعالمين
133

وأنت أفريذون وهو الذي افتخر بادعائه أنه منهم الحسن بن هانئ وكان منا
الضحاك يعبده الخابل والجن في مساربها قال واليمن تدعيه حدثت عن هشام
ابن محمد بن السانب فيما ذكر من أمر الضحاك هذا قال والعجم تدعى الضحاك
وتزعم أن جما كان زوج أخته من بعض أشراف أهل بيته وملكه على اليمن فولدت
له الضحاك قال واليمن تدعيه وتزعم أنه من أنفسها وأنه الضحاك بن علوان ابن
عبيد بن عويج وأنه ملك على مصر أخاه سنان بن علوان بن عبيد بن عويج وهو
أولى الفراعنة وأنه كان ملك مصر حين قدمها إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام *
وأما الفرس فإنها تنسب الازدهاق هذا غير النسبة التي ذكر هشام عن أهل
اليمن وتذكر أنه بيوراسب بن أروند أسب بن زينكا بن ويروشك بن تاز بن فرواك
ابن سيامك بن مشا بن جيومرت ومنهم من ينسبه هذه النسبة غير أنه يخالف
النطق بأسماء آبائه فيقول هو الضحاك بن أندر ماسب بن رنحدار بن وندر يسنح
ابن تاج بن فرياك بن ساهمك بن ماذى بن جيومرت والمجوس تزعم أن تاج هذا
هو أبو العرب فيزعمون أن أم الضحاك كانت ودك بنت ويونجهان وأنه قتل أباه
تقربا بقتله إلى الشياطين وأنه كان كثير المقام ببابل وكان له ابنان يقال لأحدهما
سرنفوار وللآخر نفورا * وقد ذكر عن الشعبي أنه كان يقول هو قرشت
مسخه الله ازدهاق
ذكر الرواية عنه بذلك
حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة بن الفضل عن يحيى بن العلاء عن القاسم بن
سلمان عن الشعبي قال أبجد وهوز وحطى وكلمن وسعفص وقرشت كانوا ملوكا
جبابرة فتفكر قرشت يوما فقال تبارك الله أحسن الخالقين فمسخه الله فجعله
أجدهاق وله سبعة أرؤس فهو هذا الذي بدنباوند وجميع أهل الأخبار من
العرب والعجم تزعم أنه ملك الأقاليم كلها وأنه كان ساحرا فاجرا وحدثت
عن هشام بن محمد قال ملك الضحاك بعد جم فيما يزعمون والله أعلم ألف سنة
ونزل السواد في قرية يقال لها نرس في ناحية طريق الكوفة وملك الأرض
134

كلها وسار بالجور والعسف وبسط يده في القتل وكان أول من سن الصلب والقطع
وأول من وضع العشور وضرب الدراهم وأول من تغنى وغنى له قال ويقال
إنه خرج في منكبه سلعتان فكانتا تضربان عليه فيشتد عليه الوجع حتى يطلبهما
بدماغ إنسان فكان يقتل لذلك في كل يوم رجلين ويطلى سلعتيه بدماغيهما فإذا
فعل ذلك سكن ما يجد فخرج عليه رجل من أهل بابل فاعتقد لواء واجتمع إليه
بشر كثير فلما بلغ الضحاك خبره راعه فبعث إليه ما أمرك وما تريد قال ألست تزعم
أنك ملك الدنيا وأن الدنيا لك قال بلى قال فليكن كلبك على الدنيا ولا يكونن
علينا خاصة فإنك إنما تقتلنا دون الناس فأجابه الضحاك إلى ذلك وأمر بالرجلين
اللذين كان يقتلهما في كل يوم أن يقسما على الناس جميعا ولا يخص بهما مكان
دون مكان قال فبلغنا أن أهل أصبهان من ولد ذلك الرجل الذي رفع اللواء وأن
ذلك اللواء لم يزل محفوظا عند ملوك فارس في خزائنهم وكان فيما بلغنا جلد أسد
فألبسه ملوك فارس الذهب والديباج تيمنا به * قال وبلغنا أن الضحاك هو
نمروذ وأن إبراهيم خليل الرحمن صلى الله عليه ولد في زمانه وأنه صاحبه الذي
أراد إحراقه قال وبلغنا أن أفريذون وهو من نسل جم الملك الذي كان قبل
الضحاك ويزعمون أنه التاسع من ولده وكان مولده بدنباوند خرج حتى ورد
منزل الضحاك وهو عنه غائب بالهند فحوى على منزله وما فيه فبلغ الضحاك ذلك
فأقبل وقد سلبه الله قوته وذهبت دولته فوثب به أفريذون فأوثقه وصيره بجبال
دنباوند فالعجم تزعم أنه إلى اليوم موثق في الحديد يعذب هناك وذكر غير
هشام أن الضحاك لم يكن غائبا عن مسكنه ولكن أفريذون بن أثفيان جاء إلى
مسكن له في حصن يدعى زرنج ما مهر روز مهر فنكح امرأتين له تسمى إحداهما
اروناز والاخرى سنوار فوهل بيوراسب لما عاين ذلك وخر مدلها لا يعقل
فضرب افريذون هامته بجرز له ملتوى الرأس فزاد ذلك وهلا وعزوب عقل ثم
توجه به افريذون إلى جبل دنباوند وشده هنا لك وثاقا وأمر الناس باتخاذ مهر ماه
مهر روز وهو المهرجان اليوم الذي أوثق في بيوراسب عيدا وعلا افريذون
135

سرير الملك وذكر عن الضحاك أنه قال يوم ملك وعقد عليه التاج نحن ملوك الدنيا
المالكون لما فيها والفرس تزعم أن الملك لم يكن إلا للبطن الذي منه أو شهنج
وجم وطهمورت وأن الضحاك كان عاصيا وأنه غصب أهل الأرض بسحره
وخبثه وهول عليهم بالحيتين اللتين كانتا على منكبيه وأنه بنى بأرض بابل مدينة
سماها حوب وجعل النبط أصحابه وبطانته فلقى الناس منه كل جهد وذبح الصبيان
ويقول كثير من أهل الكتب إن الذي كان على منكبيه كان لحمتين طويلتين
ناتئتين على منكبيه كل واحدة منهما كرأس الثعبان وأنه كان بخبثه ومكره
يسترهما بالثياب ويذكر على طريق التهويل أنهما حيتان يقتضيانه الطعام وكانتا
تتحركان تحت ثوبه إذا جاع كما يتحرك العضو من الانسان عند التهابه بالجوع
والغضب ومن الناس من يقول كان ذلك حيتين وقد ذكرت ما روى عن الشعبي
في ذلك والله أعلم بحقيقته وصحته وذكر بعض أهل العلم بأنساب الفرس
وأمورهم أن الناس لم يزالوا من بيوراسب هذا في جهد شديد حتى إذا أراد الله
هلاكه وثب به رجل من العامة من أهل أصبهان يقال له كابى بسبب ابنين كانا
له أخذهما رسل بيوراسب بسبب الحيتين اللتين كانتا على منكبيه وقيل إنه لما
بلغ الجزع من كابى هذا على ولده أخذ عصا كانت بيده فعلق بأطرافها جرابا كان
معه ثم نصب ذلك العلم ودعا الناس إلى مجاهدة بيوراسب ومحاربته فأسرع إلى
إجابته خلق كثير لما كانوا فيه معه من البلاء وفنون الجور فلما غلب كابى تفاءل
الناس بذلك العلم فعظموا أمره وزادوا فيه حتى صار عند ملوك العجم علمهم
الأكبر الذي يتبركون به وسموه درفش كابيان فكانوا لا يسيرونه إلا في
الأمور العظام. ولا يرفع إلى لأولاد الملوك إذا وجهوا في الأمور العظام
وكان من خبر كابى أنه شخص عن أصبهان بمن تبعه والتف إليه في طريقه فلما قرب
من الضحاك وأشرف عليه قذف في قلب الضحاك منه الرعب فهرب عن
منازله وخلى مكانه وانفتح للأعاجم منه ما أرادوا فاجتمعوا إلى كابى وتناظروا
فأعلمهم كابى أنه لا يتعرض للملك لأنه ليس من أهله وأمرهم أن يملكوا بعض
136

ولد جم لأنه ابن الملك الأكبر أو شهنق بن فرواك الذي رسم الملك وسبق إلى
القيام به وكان أفريذون بن اثفيان مستخفيا في بعض النواحي من الضحاك
فوافى كابى ومن كان معه فاستبشر القوم بموافاته وذلك أنه كان مرشحا للملك
برواية كانت لهم في ذلك فملكوه وصار كابى والوجوه لا فريذون أعوانا على
أمره فلما ملك وأحكم ما احتاج إليه من أمر الملك واحتوى على منازل الضحاك
اتبعه فأسره بدنباوند في جبالها وبعض المجوس تزعم أنه جعله أسيرا حبيسا في
تلك الجبال موكلا به قوم من الجن ومنهم من يقول إنه قتله وزعموا أنه لم يسمع
من أمور الضحاك شئ يستحسن غير شئ واحد وهو أن بليته لما اشتدت ودام
جوره وطالت أيامه عظم على الناس ما لقوا منه فتراسل الوجوه في أمره فأجمعوا على
المصير إلى بابه فوافى بابه الوجوه والعظماء من الكور والنواحي فتناظروا في
الدخول عليه والتظلم إليه والتأتي لاستعطافه فاتفقوا على أن يقدموا للخطاب
عنهم كابى الأصبهاني فلما صاروا إلى بابه أعلم بمكانهم فأذن لهم فدخلوا وكابى
متقدم لهم فمثل بين يديه وأمسك عن السلام ثم قال أيها الملك أي السلام أسلم
عليك أسلام من يملك هذه الأقاليم كلها أم سلام من يملك هذا الإقليم الواحد
يعنى بابل فقال له الضحاك بل سلام من يملك هذه الأقاليم كلها لانى ملك الأرض
فقال له الأصبهاني فإذا كنت تملك الأقاليم كلها وكانت يدك تنالها أجمع فما بالنا قد
خصصنا بمؤنتك وتحاملك واساءتك من بين أهل الأقاليم وكيف لم تقسم أمر
كذا وكذا بيننا وبين الأقاليم وعدد عليه أشياء كان يمكنه تخفيفها عنهم وجرد
له الصدق والقول في ذلك فقدح في قلب الضحاك قوله وعمل فيه حتى انخزل وأقر
بالإساءة وتألف القوم ووعدهم ما يحبون وأمرهم بالانصراف لينزلوا ويتدعوا
ثم يعودوا ليقضى حوائجهم ثم ينصرفوا إلى بلادهم وزعموا أن أمه ودك
كانت شرا منه وأردى وأنها كانت في وقت معاتبة القوم إياه بالقرب منه تتعرف
ما يقولونه فتغتاظ وتنكره فلما خرج القوم دخلت مستشيطة منكرة عن
الضحاك احتماله القوم وقالت له قد بلغني كل ما كان وجرأة هؤلاء القوم عليك
137

حتى فزعوك بكذا وأسمعوك كذا أفلا دمرت عليهم ودمدمتهم أو قطعت أيديهم فلما أكثرت على الضحاك قال لها مع عتوه يا هذه إنك لم تفكري في شئ إلا وقد
سبقت إليه إلا أن القوم بدهوني بالحق وفزعوني به فلما هممت بالسطوة بهم
والوثوب عليهم تخيل الحق فمثل بيني وبينهم بمنزلة الجبل فما أمكنني فيهم شئ
ثم سكتها وأخرجها ثم جلس لأهل النواحي بعد أيام فوفى لهم بما وعدهم
وردهم وقد لان لهم وقضى أكثر حوائجهم ولا يعرف للضحاك فيما ذكر فعلة
استحسنت غير هذه وقد ذكر أن عمر الأجدهاق هذا كان ألف سنة وأن
ملكه منها كان ستمائة سنة وأنه كان في باقي عمره شبيها بالملك لقدرته ونفوذ
أمره وقال بعضهم إنه ملك ألف سنة وكان عمره ألف سنة ومائة سنة إلى أن
خرج عليه أفريذون فقهره وقتله وقال بعض علماء الفرس لا نعلم أحدا كان
أطول عمرا ممن لم يذكر عمره في التوراة من الضحاك هذا ومن جامر بن يافث
ابن نوح أبى الفرس فإنه ذكر أن عمره كان ألف سنة * وإنما ذكرنا خبر
بيوراسب في هذا الموضع لان بعضهم يزعم أن نوحا عليه السلام كان في زمانه
وأنه إنما كان أرسل إليه وإلى من كان في مملكته ممن دان بطاعته واتبعه على
ما كان عليه من العتو والتمرد على الله فذكرنا إحسان الله وأياديه عند نوح عليه
السلام بطاعته ربه وصبره على ما لقى فيه من الأذى والمكروه في عاجل الدنيا
بأن نجاه ومن آمن معه واتبعه من قومه وجعل ذريته هم الباقين في الدنيا وأبقى
له ذكره بالثناء الجميل مع ما ذخر له عنده في الآجل من النعيم المقيم والعيش الهنئ
وإهلاكه الآخرين بمعصيتهم إياه وتمردهم عليه وخلافهم أمره فسلبهم ما كانوا
فيه من النعيم وجعلهم عبرة وعظة للغابرين مع ما ذخر لهم عنده في الآجل من
العذاب الأليم * ونرجع الآن إلى ذكر نوح عليه السلام والخبر عنه وعن ذريته
إذ كانوا هم الباقين اليوم كما أخبر الله عنهم وكان الآخرون الذين بعث نوح إليهم
خلا ولده ونسله قد بادوا وذريتهم فلم يبق منهم ولا من أعقابهم أحد قد ذكرنا
قبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في قول الله عز وجل " وجعلنا
138

ذريته هم الباقين " أنهم سام وحام ويافث * حدثني محمد بن سهل ابن عسكر
قال حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال حدثنا عبد الصمد بن معقل قال سمعت
وهب بن منبه يقول إن سام بن نوح أبو العرب وفارس والروم وإن حام
أبو السودان وإن يافث أبو الترك وأبو يأجوج ومأجوج وهو بنو عم الترك
وقيل كانت زوجة يافث أربسيسة بنت مرازيل بن الدرمسيل بن محويل بن خنوخ
ابن قين بن آدم عليه السلام فولدت له سبعة نفر وامرأة فممن ولدت له من الذكور
جومر بن يافث وهو فيما حدثنا ابن حميد حدثنا سلمة عن ابن إسحاق أبو يأجوج ومأجوج
ومارح بن يافث ووائل بن يافث وحوان بن يافث وتوبيل بن يافث وهوشل
ابن يافث وترسل بن يافث وشبكة بنت يافث قال فمن بنى يافث كانت يأجوج
ومأجوج والصقالبة والترك فيما يزعمون وكانت امرأة حام بن نوح نحلب بنت
مارب بن الدرمسيل بن محويل بن خنوخ بن قين بن آدم فولدت له ثلاثة نفر
كوش بن حام بن نوح وقوط بن حام وكنعان بن حام فنكح كوش بن حام
ابن نوح قرنبيل ابنة بتأويل بن ترس بن يافث فولدت له الحبشة والسند والهند
فيما يزعمون ونكح قوط بن حام بن نوح بخت ابنة بتأويل ابن ترس بن يافث
بن نوح فولدت له القبط قبط مصر فيما يزعمون ونكح كنعان بن حام بن نوح
أرسل ابنة بتأويل بن ترس بن يافث بن نوح فولدت له الأساود نوبة وفزان
والزنج والزغاوة وأجناس السودان كلها * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن
ابن إسحاق في الحديث قال ويزعم أهل التوراة أن ذلك لم يكن إلا عن دعوة دعاها
نوح على ابنه حام وذلك أن نوحا نام فانكشف عن عورته فرآها حام فلم يغطها ورآها
سام ويافث فألقيا عليها ثوبا فواريا عورته فلما هب من نومته علم ما صنع حام وسام
ويافث فقال ملعون كنعان بن حام عبيدا يكونون لاخوته وقال يبارك الله
ربى في سام ويكون حام عبد أخويه ويقرض الله يافث ويحل في مساكن
سام ويكون حام عبد ا لهم قال وكانت امرأة بن نوح صليب ابنة بتأويل بن
محويل بن خنوخ بن قين بن آدم فولدت له نفرا أفخشد بن سام واشوذ بن سام بن
139

ولاوذ بن سام وعويلم بن سام وكان لسام أرم بن سام قال ولا أدرى أرم لام
أرفخشد وإخوته أم لا * حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرني
هشام بن محمد قال أخبرني أبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال لما ضاقت
ولد نوح سوق ثمانين تحولوا إلى بابل فبنوها وهى بين الفرات والصراة وكانت اثنى
عشر فرسخا في اثنى عشر فرسخا وكان بابها موضع دوران اليوم فوق جسر الكوفة
يسرة إذا عبرت فكثروا بها حتى بلغوا مائة ألف وهم على الاسلام * ورجع
الحديث إلى حديث ابن إسحاق فنكح لاوذ بن سام بن نوح شبكة ابنة يافث بن
نوح فولدت له فارس وجرجان وأجناس فارس وولد للاوذ مع الفرس طسم
وعمليق ولا أدرى أهو لام الفرس أم لا فعمليق أبو العماليق كلهم أمم تفرقت
في البلاد وكان أهل المشرق وأهل عمان وأهل الحجاز وأهل الشأم وأهل مصر
منهم ومنهم كانت الجبابرة بالشام الذين يقال لهم الكنعانيون ومنهم كانت الفراعنة
بمصر وكان أهل البحرين وأهل عمان منهم أمة يسمون جاسم وكانوا ساكنو
المدينة منهم بنو هف وسعد بن هزان وبنو مطر وبنو الأزرق وأهل نجد منهم
بديل وراحل وغفار وأهل تيماء منهم وكان ملك الحجاز منهم بتيماء اسمه الأرقم
وكانوا ساكني نجد مع ذلك وكان ساكني الطائف بنو عبد بن ضخم حي من
عبس الأول قال وكان بنو أميم بن لاوذ بن سام بن نوح أهل وبار بأرض
الرمل رمل عالج وكانوا قد كثروا بها وربلوا فأصابتهم من الله عز وجل نقمة من
معصية أصابوها فهلكوا وبقيت منهم بقية وهم الذين يقال لهم النسناس قال
وكان طسم بن لاوذ ساكن اليمامة وما حولها قد كثروا بها وربلوا إلى البحرين
فكانت طسم والعماليق واميم وجاسم قوما عربا لسانهم الذي جبلوا عليه لسان
عربي وكانت فارس من أهل المشرق ببلاد فارس يتكلمون بهذا اللسان
الفارسي قال وولد إرم بن سام بن نوح عوص بن إرم وغاثر بن ارم وحويل
ابن ارم فولد عوص بن ارم غاثر بن عوص وعاد بن عوص وعبيل بن عوص
وولد غاثر بن ارم ثمود بن غاثر وجديس بن غاثر وكانوا قوما عربا يتكلمون
140

بهذا اللسان المضري فكانت العرب تقول لهذه الأمم العرب العاربة لأنه
لسانهم الذي جبلوا عليه ويقولون لبنى إسماعيل بن إبراهيم العرب المتعربة لانهم
إنما تكلموا بلسان هذه الأمم حين سكنوا بين أظهرهم فعاد وثمود والعماليق
واميم وجاسم وجديس وطسم هم العرب فكانت عاد بهذه الرمل إلى حضرموت
واليمن كله وكانت ثمود بالحجر بين الحجاز والشأم إلى وادى القرى وما حوله
ولحقت جديس بطسم فكانوا معهم باليمامة وما حولها إلى البحرين واسم
اليمامة إذ ذاك جو وسكنت جاسم عمان فكانوا بها * وقال غير ابن إسحاق أن
نوحا دعا لسام بأن يكون الأنبياء والرسل من ولده ودعا ليافث بأن يكون
الملوك من ولده وبدأ بالدعاء ليافث وقدمه في ذلك على سام ودعا على حام
بأن يتغير لونه ويكون ولده عبيدا لولد سام ويافث قال وذكر في الكتب أنه
رق على حام بعد ذلك فدعا له بان يرزق الرأفة من إخوته ودعا من ولد ولده
لكوش بن حام ولجامر بن يافث بن نوح وذلك أن عدة من ولد الولد لحقوا
نوحا فخدموه كما خدمه ولده لصلبه فدعا لعدة منهم قال فولد لسام عابر وعليم
وأشوذ وأرفخشد ولاوذ وارم وكان مقامه بمكة قال فمن ولد ارفخشد الأنبياء
والرسل وخيار الناس والعرب كلها والفراعنة بمصر ومن ولد يافث بن نوح
ملوك الأعاجم كلها من الترك والخزر وغيرهم والفرس الذين آخر من ملك
منهم يزدجرد بن شهريار بن أبرويز ونسبه ينتهى إلى جيومرت بن يافث بن نوح
قال ويقال إن قوما من ولد لاوذ بن سام بن نوح وغيره من اخوته نزعوا إلى
جامر هذا فأدخلهم جامر في نعمته ملكه وان منهم ماذي بن يافث وهو الذي
تنسب السيوف الماذية إليه قال وهو الذي يقال إن كيرش الماوذي قال بلشصر
ابن أو لمرودخ بن بختنصر من ولده قال ومن ولد حام بن نوح النوبة والحبشة
وفزان والهند والسند وأهل السواحل في المشرق والمغرب قال ومنهم نمرود
وهو نمرود بن كوش بن حام قال وولد لارفخشد بن سام ابنه قينان ولا ذكر
له في التوراة وهو الذي قيل إنه لم يستحق أن يذكر في الكتب المنزلة لأنه كان
141

ساحرا وسمى نفسه إلها فسيقت
المواليد في التوراة على أرفخشد بن سام ثم على شالخ
ابن قينان بن أرفخشد من غير أن يذكر قينان في النسب لما ذكر من ذلك قال
وقيل في شالخ إنه شالخ بن أرفخشد من ولد لقينان وولد لشالخ عابر وولد لعابر
ابنان أحدهما فالغ ومعناه بالعربية قاسم وإنما سمى بذلك لان الأرض قسمت
والألسن تبلبلت في أيامه وسمى الآخر قحطان فولد لقحطان يعرب ويقطان ابنا
قحطان بن عابر بن شالخ فنزلا أرض اليمن وكان قحطان أول من ملك اليمن وأول
من سلم عليه بأبيت اللعن كما كان يقال للملوك وولد لفالغ بن عابر أرغوا وولد
لارغوا ساروغ وولد لسارغ ناحورا وولد لناحورا تارخ واسمه بالعربية آزر وولد
لتارخ إبراهيم صلوات الله عليه وولد لارفخشد أيضا نمرود بن أرفخشد وكان منزله
بناحية الحجر وولد للاوذ بن سام طسم وجديس وكان منزلهما اليمامة وولد
للاوذ أيضا عمليق بن لاوذ وكان منزله الحرم وأكناف مكة ولحق بعض ولده
بالشام فمنهم كانت العماليق ومن العماليق الفراعنة بمصر وولد للاوذ أيضا أميم بن
لاوذ بن سام وكان كثير الولد فنزع بعضهم إلى جامر بن يافث بالمشرق وولد
لارم بن سام عوض ابن أرم وكان منزله الأحقاف وولد لعوص عاد بن عوص
وأما حام بن نوح فولد له كوش ومصرايم وقوط وكنعان فمن ولد كوش
نمرود المتجبر الذي كان ببابل وهو نمرود بن كوش بن حام وصارت بقية ولد حام
بالسواحل من المشرق والمغرب والنوبة والحبشة وفزان قال ويقال إن مصرايم
ولد القبط والبربر وإن قوطا صار إلى أرض السند والهند فنزلها وإن أهلها
من ولده وأما يافث بن نوح فولد له جامر وموعع وموداى ويوان وثوبال
وما شج وتيرش ومن ولد جامر ملوك فارس ومن ولد تيرش الترك والخزر
ومن ولد ما شج الاشبان ومن ولد موعع يأجوج ومأجوج وهم في شرقي أرض
الترك والخزر ومن ولديوان الصقالبة وبرجان والاشبان كانوا في القديم بأرض
الروم قبل أن يقع بها من وقع من ولد العيص وغيرهم وقصد كل فريق من هؤلاء
الثلاثة سام وحام ويافث أرضا فسكنوها ودفعوا غيرهم عنها * حدثني الحارث بن
142

محمد قال حدثنا محمد بن سعد قال أخبرنا هشام بن محمد بن السائب عن أبيه عن أبي صالح
عن ابن عباس قال أوحى الله إلى موسى عليه السلام إنك يا موسى وقومك وأهل الجزيرة
وأهل العال من ولد سام بن نوح وقال ابن عباس والعرب والفرس والنبط
والهند والسند من ولد سام بن نوح * حدثني الحارث قال حدثنا محمد بن سعد
قال أخبرنا هشام بن محمد عن أبيه قال الهند والسند بنو نوقين بن يقطن بن عابر
ابن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح ومكران بن البند وجرهم اسمه هذرم بن عابر
ابن سباء بن يقطن بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح وحضرموت بن يقطن
ابن عابر ابن شالخ ويقطن هو قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن سام بن نوح
في قول من نسبه إلى غير إسماعيل والفرس بنو فارس ابن نبرس بن ناسور بن نوح
والنبط بنو نبيط بن ماش بن إرم بن سام بن نوح وأهل الجزيرة والعال من ولد
ماش بن إرم بن سام بن نوح وعمليق وهو عريب وطسم وأميم بنولوذ بن سام بن نوح
وعمليق هو أبو العمالقة ومنهم البربر وهو بنو ثميلا بن مارب بن فاران بن عمرو بن
عمليق بن لوذ بن سام بن نوح ما خلا صنهاجة وكتامة فإنهما بنو فريقيش بن قيس
ابن صيفي بن سبأ ويقال إن عمليق أول من تكلم بالعربية حين ظعنوا من بابل
فكان يقال لهم ولجرهم العرب العاربة وثمود وجديس ابنا عابر بن إرم بن سام
ابن نوح وعاد وعبيل ابنا عوص بن إرم بن سام بن نوح والروم بنو لنطى بن يونان
ابن يافث بن نوح ونمرود بن كوش بن كنعان بن حام بن نوح وهو صاحب بابل
وهو صاحب إبراهيم خليل الرحمن صلى الله عليه وسلم قال وكان يقال لعاد
في دهرهم عاد إرم فلما هلكت عاد قيل لثمود إرم فلما هلكت ثمود قيل لسائر بنى
إرم إرمان فهم النبط فكل هؤلاء كان على الاسلام وهم ببابل حتى ملكهم
نمرود بن كوش بن كنعان بن حام بن نوح فدعاهم إلى عبادة الأوثان ففعلوا فأمسوا
وكلامهم السريانية ثم أصبحوا وقد بلبل الله ألسنتهم فجعل لا يعرف بعضهم
كلام بعص فصار لبنى سام ثمانية عشر لسانا ولبنى حام ثمانية عشر لسانا ولبنى
يافث ستة وثلاثون لسانا ففهم الله العربية عادا وعبيل وثمود وجديس وعمليق
143

وطسم وأميم وبنى يقطن بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح * وكان الذي
عقد لهم الألوية ببابل بو ناظر بن نوح وكان نوح فيما حدثني الحارث قال حدثنا
ابن سعد قال أخبرني هشام قال أخبرني أبي عن أبي صالح عن ابن عباس تزوج
امرأة من بنى قابيل فولدت له غلاما فسماه بوناظر فولده بمدينة بالمشرق يقال لها
معلون شمسا فنزل بنو سام المجدل سرة الأرض وهو ما بين ساتيدما إلى البحر وما
بين اليمن إلى الشأم وجعل الله النبوة والكتاب والجمال والأدمة والبياض فيهم
ونزل بنو حام مجرى الجنوب والدبور ويقال لتلك الناحية الداروم وجعل الله
فيهم أدمة وبياضا قليلا وأعمر بلادهم وسماءهم ورفع عنهم الطاعون وجعل في
أرضهم الأثل والاراك والعشر والغاف والنخل وجرت الشمس والقمر في
سمائهم ونزل بنو يافث الصفون مجرى الشمال والصبا وفيهم الحمرة والشقرة وأخلى
الله أرضهم وأشد بردها وأخلى سماءهم فليس يجرى فوقهم شئ من النجوم السبعة
الجارية لانهم صار واتحت بنات نعش والجدي والفرقدين فابتلوا بالطاعون ثم لحقت
عاد بالشحر فعليه هلكوا بواد يقال له مغيث فلحقهم بعد مهرة بالشحر ولحقت
عبيل بموضع يثرب ولحقت العماليق بصنعاء قبل أن تسمى صنعاء ثم انحدر
بعضهم إلى يثرب فأخرجوا منها عبيلا فنزلوا موضع الجحفة فأقبل السيل فاجتحفهم
فذهب بهم فسميت الجحفة ولحقت ثمود بالحجر وما يليه فهلكوا ثم ولحقت
طسم وجديس باليمامة فهلكوا ولحقت أميم بأرض أبار فهلكوا بها وهى بين
اليمامة والشحر ولا يصل إليها اليوم أحد غلبت عليها الجن وإنما سميت أبار بأبار
ابن أميم ولحقت بنو يقطن بن عابر باليمن فسميت اليمن حيث تيامنوا إليها ولحق قوم
من بنى كنعان بالشام فسميت الشأم حيث تشاءموا إليها وكانت الشأم يقال لها
أرض بنى كنعان ثم جاءت بنو إسرائيل فقتلوهم بها ونفوهم عنها فكانت الشأم
لبنى إسرائيل ثم وثبت الروم على بني إسرائيل فقتلوهم وأجلوهم إلى العراق إلا
قليلا منهم ثم جاءت العرب فغلبوا على الشأم وكان فالغ وهو فالغ بن عابر بن أرفخشد
ابن سام بن نوح هو الذي قسم الأرض بين بنى نوح كما سمينا * وأما الاخبار عن
144

رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن علماء سلفنا في أنساب الأمم التي هي في الأرض
اليوم فعلى ما حدثني أحمد بن بشير بن أبي عبد الله الوراق قال حدثنا يزيد بن زريع
عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
سام أبو العرب ويافث أبو الروم وحام أبو الحبش * حدثني القاسم بن بشر بن
معروف قال حدثنا روح قال حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن
سمرة عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ولد نوح ثلاثة سام وحام
ويافث فسام أبو العرب وحام أبو الزنج ويافث أبو الروم * حدثنا أبو كريب
قال حدثنا عثمان بن سعيد قال حدثنا عباد بن العوام عن سعيد عن قتادة عن الحسن
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سام أبو العرب ويافث أبو الروم وحام
أبو الحبش * حدثني عبد الله بن أبي زياد قال حدثني روح قال حدثني سعيد بن أبي
عروبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ولد نوح
سام وحام ويافث قال عبد الله قال روح احفظ يافث وسمعت مرة يافث وقد
روى هذا الحديث عن عبد الاعلى بن عبد الاعلى عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن
سمرة وعمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم * حدثني عمران بن بكار
الكلاعي قال حدثنا أبو اليمان قال حدثنا إسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد قال
سمعت سعيد بن المسيب يقول ولد نوح ثلاثة وولد كل واحد ثلاثة سام وحام
ويافث فولد سام العرب وفارس والروم وفى كل هؤلاء خير وولد يافث الترك
والصقالبة ويأجوج ومأجوج وليس في واحد من هؤلاء خير وولد حام
القبط والسودان والبربر وروى عن ضمرة بن ربيعة عن ابن عطاء عن أبيه قال
ولد حام كل أسود جعد الشعر وولد يافث كل عظيم الوجه صغير العينين
وولد سام كل حسن الوجه حسن الشعر قال ودعا نوح على حام ألا يعدو شعر
ولده آذانهم وحيث ما لقى ولده ولد سام استعبدوهم وزعم أهل التوراة أن سام
ولد لنوح بعد أن مضى من عمره خمسمائة سنة ثم ولد لسام أرفخشد بعد أن مضى
من عمر سام مائة سنة وسنتان فكان جميع عمر سام فيما زعموا ستمائة سنة ثم ولد
145

لارفخشد قينان وكان عمر أرفخشد أربعمائة سنة وثمانيا وثلاثين سنة وولد قينان
لارفخشد بعد أن مضى من عمره خمس وثلاثون سنة ثم ولد لقينان شالخ بعد أن
مضى من عمره تسع وثلاثون سنة ولم يذكر مدة عمر قينان في الكتب فيما ذكر
لما ذكرنا من أمره قبل ثم ولد لشالخ عابر بعد أن مضى من عمرة ثلاثون سنة
كان عمر شالخ كله أربعمائة سنة وثلاثا وثلاثين سنة ثم ولد لعابر فالغ وأخوه
قحطان وكان مولد فالغ بعد الطوفان بمائة وأربعين سنة فلما كثر الناس بعد
ذلك مع قرب عهدهم بالطوفان هموا ببناء مدينة تجمعهم فلا يتفرقون أو صرح
عال يحرزهم من الطوفان إن كان مرة أخرى فلا يغرقون فأراد الله عز وجل
أن يوهن أمرهم ويخلف ظنهم ويعلمهم أن الحول والقوة له وبددهم وشتت
جمعهم وفرق ألسنتهم وكان عمر عابر أربعمائة سنة وأربعا وسبعين سنة ثم ولد
لفالغ أرغوا وكان عمر فالغ مائتين وتسعا وثلاثين سنة وولد أرغوا لفالغ وقد
مضى من عمره ثلاثون سنة ثم ولد لارغوا ساروغ وكان عمر أرغوا مائتين وتسعا
وثلاثين سنة وولد له ساروغ بعد ما مضى من عمره اثنتان وثلاثون سنة ثم ولد
لساروغ ناحور وكان عمر ساروغ مائتين وثلاثين سنة وولد له ناحور وقد مضى
من عمره ثلاثون سنة ثم ولد لناحور تارخ أبو إبراهيم صلوات الله عليه وكان
هذا الاسم اسمه الذي سماه أبو ه فلما صار مع نمرود قيما على خزانة آلهته سماه
آزر وقد قيل إن آزر ليس باسم أبيه وإنما هو اسم صنم فهذا قول يروى عن
مجاهد وقد قيل إنه عيب عابه به بمعنى معوج بعد ما مضى من عمر ناحور سبع
وعشرون سنة وكان عمر ناحور كله مائتين وثمانيا وأربعين سنة وولد لتارخ
إبراهيم وكان بين الطوفان ومولد إبراهيم ألف سنة وتسع وسبعون سنة وكان
بعض أهل الكتاب يقول كان بين الطوفان ومولد إبراهيم ألف سنة ومائتا سنة
وثلاث وستون سنة وذلك بعد خلق آدم بثلاثة وثلثمائة سنة وسبع وثلاثين
سنة وولد لقحطان بن عابر يعرب فولد يعرب يشجب بن يعرب فولد يشجب
سبابن يشجب فولد سبأ حمير بن سبأ وكهلان بن سبأ وعمرو بن سبأ والأشعر
146

ابن سبأ وأنما بن سبأ ومر بن سبأ وعاملة بن سبأ فولد عمرو بن سبأ عدى
ابن عمرو فولد عدى لحم بن عدي وجذام بن عدي * وقد زعم بعض نسابي
الفرس أن نوحا هو افريذون الذي قهر الازدهاق وسلبه ملكه وزعم بعضهم
أن أفريذون هو ذو القرنين صاحب إبراهيم عليه السلام الذي قضى له ببئر السبع
الذي ذكر الله في كتابه وقال بعضهم هو سليمان بن داود وإنما ذكرته في هذا
الموضع لما ذكرت فيه من قول من قال إنه نوح وأن قصته شبيهة بقصة نوح
في أولاد له ثلاثة وعدله وحسن سيرته وهلاك الضحاك على يده وأنه قيل إن
هلاك الضحاك كان على يد نوح حين أرسل في قول من ذكرت وأن نوحا إنما
كان أرسل إلى قومه وهم كانوا قوم الضحاك * فأما الفرس فإنهم ينسبونه النسبة
التي أنا ذاكرها وذلك أنهم يزعمون أن افريذون من ولد جم شاذ الملك الذي
قتله الازدهاق على ما قد بينا من أمره قبل وأن بينه وبين جم عشرة آباء * وقد
حدثت عن هشام بن محمد بن السائب قال بلغنا أن أفريذون وهو من نسل جم
الملك الذي كان من قبل الضحاك قال ويزعمون أنه التاسع من ولده وكان مولده
بدنباوند خرج حتى ورد منزل الضحاك فأخذه فأوثقه وملك مائتي سنة ورد
المظام وأمر الناس بعبادة الله والانصاف والاحسان ونظر إلى ما كان الضحاك
غصب الناس من الأرضين وغيرها فرد ذلك كله على أهله إلا ما لم يجد له أهلا
فإنه وقفه على المساكين والعامة قال ويقال إنه أول من سمى الصوافي وأول
من نظر في الطب والنجوم وأنه كان له ثلاثة بنين اسم الأكبر سرم والثاني
طوج والثالث ايرج وأن افريذون تخوف أن لا يتفق بنوه وأن يبغي بعضهم
على بعض فقسم ملكه بينهم ثلاثا وجعل ذلك في سهام كتب أسماءهم عليها وأمر
كل واحد منهم فأخذ سهما فصارت الروم وناحية المغرب لسرم وصارت الترك
والصين لطوج وصارت للثالث وهو ايراج العراق والهند فدفع التاج والسرير
إليه ومات افريذون فوثب بايرج أخواه فقتلاه وملكان الأرض بينهما ثلثمائة
سنه قال والفرس تزعم أن لافريذون عشرة آباء كلهم يمسى اثفيان باسم واحد
147

قالوا وإنما فعلوا ذلك خوفا من الضحاك على أولادهم لرواية كانت عندهم بأن
بعضهم يغلب الضحاك على ملكه ويدرك منه ثأر جم وكانوا يعربون ويميزون
بألقاب لقبوها فكان يقال للواحد منهم اثفيان صاحب البقر الحمر واثفيان
صاحب البقر البلق واثفيان صاحب البقر الكذا وهو أفريذون بن اثفيان بر كاو
وتفسيره صاحب البقر الكثير ابن اثفيان نيككاو وتفسيره صاحب البقر الجيال
ابن اثفيان سير كاو وتفسيره صاحب البقر السمان العظام ابن اثفيان بور كاو
وتفسيره صاحب البقر التي بلون حمير الوحش ابن اثفيان أخشين كاو وتفسيره
صاحب البقر الصفر ابن اثفيان سياه كاو وتفسيره صاحب البقر السود ابن ائفيان
اسبيذ كاو وتفسيره صاحب البقر البيض ابن اثفيان كبر كاو وتفسيره صاحب
البقر الرمادية ابن اثفيان رمين وتفسيره كل ضرب من الألوان والقطعان
ابن اثفيان بنفر وسن بن جم الشاذ وقيل أن افريذون أول من سمى بالكيية
فقيل له كي افريذون وتفسير الكيية أنها بمعنى التنزيه كما يقال روحاني يعنون
به أن أمره أمر مخلص منزه يتصل بالروحانية وقيل إن معنى كي أي طالب الدخل
ويزعم بعضهم أن كي من البهاء وأن البهاء تغشى افريذون حين قتل الضحاك
وتذكر العجم من الفرس أنه كان رجلا جسيما وسيما بهيا مجربا وأن أكثر
قتاله كان بالجرز وأن جرزه كان رأسه كرأس الثور وأنه ملك ابنه ايرج العراق
ونواحيها كان في حياته وان أيام ايرج داخلة في ملك افريدون وأنه ملك الأقاليم كلها
وتنقل في البلدان وأنه لما جلس على سريره يوم الملك قال نحن القاهرون بعون
الله وتأييده للضحاك القامعون للشيطان وأحزابه ثم وعظ الناس فأمرهم بالتناصف
وتعاطى الحق وبذل الخير بينهم وحثهم على الشكر والتمسك به ورتب سبعة من
القوهياريين وتفسير ذلك محو لو الجبال سبع مراتب وصير إلى كل واحد منهم
ناحية من دنباوند وغيرها على شبيه بالتمليك قالوا فلما ظفر بالضحاك قال له الضحاك
لا تقتلني بجدك جم فقال له افريذون منكرا لقوله لقد سمت بك همتك وعظمت
في نفسك حين قدرتها لهذا وطمعت لها فيه وأعلمه أن جده كان أعظم قدرا من
148

أن يكون مثله كفؤا له في القود وأعلمه أنه يقتله بثور كان في دار جده وقيل إن
أفريذون أول من ذلل الفيلة وامتطاها ونتج البغال واتخذ الإوز والحمام وعالج
الدرياق وقاتل الأعداء فقتلهم ونفاهم وأنه قسم الأرض بين أولاده الثلاثة طوج
وسلم وايرج فملك طوجا ناحية الترك والخزر والصين فكانوا يسمونها صين بغاو
وجمع إليها النواحي التي اتصلت بها وملك سلما ابنه الثاني الروم والصقالبة والبرجان
وما في حدود ذلك وجعل وسط الأرض وعامرها وهو أقليم بابل وكانوا
يسمونها خنارث بعد أن جمع إلى ذلك ما اتصل به من السند والهند والحجاز
وغيرها لا يرج وهو الأصغر من بنيه الثلاثة وكان أحبهم إليه وبهذا السبب سمى
إقليم بابل إيرانشهر وبه أيضا نشبت العداوة بين ولد افريذون وأولادهم بعد وصار
ملوك خنارث والترك والروم إلى المحاربة ومطالبة بعضهم بعضا بالدماء والترات
وقيل أن طوجا وسلما لما علما أن أباهما قد خص ايرج وقدمه عليهما أظهرا
له البغضاء ولم يزل التحاسد ينمى بينهم إلى أن وثب طوج وسلم على أخيهما ايرج
فقتلاه متعاونين عليه وأن طوجا رماه بوهق فخنقه فمن أجل ذلك استعملت الترك
الوهق وكان لا يرج اثنان يقال لهما وندان واسطوانة وابنة يقال لها خوزك ويقال
خوشك فقتل سلم طوج الاثنين مع أيهما وبقيت الابنة وقيل أن اليوم الذي
غلب فيه افريذون الضحاك وكان روز مهر من مهرماه فاتخذ الناس ذلك اليوم
عيدا لارتفاع بلية الضحاك عن الناس وسماه المهرجان فقيل أن افريذون كان جبارا
عادلا في ملكه وكان طوله تسعة أرماح كل رمح ثلاثة أبو اع وعرض حجزته ثلاثة
أرماح وعرض صدر أربعة أرماح وأنه كان يتبع من كان بقى بالسواد من
آل نمرود والنبط وقصدهم حتى أتى على وجوههم ومحا أعلامهم وآثارهم وكان
ملكه خمسمائة سنة
149

ذكر الاحداث التي كانت بين نوح وإبراهيم
خليل الرحمن عليهما السلام
قد ذكرنا قبل ما كان من أمر نوح عليه السلام وأمر ولده واقتسامهم
الأرض بعده ومساكن كل فريق منهم وأي ناحية سكن من البلاد كان ممن طغا
وعتا على الله عز وجل بعد نوح فأرسل الله إليهم رسولا فكذبوه وتمادوا في غيهم
فأهلكهم الله هذان الحيان من ارم بن سام بن نوح أحدهما عاد بن عوص بن
ارم بن سام بن نوح وهى عاد الأولى والثاني ثمود بن جاثر بن ارم بن سام بن
نوح وهم كانوا العرب العاربة
(فأما عاد) فإن الله عز وجل أرسل إليهم هود بن عبد الله بن رباح بن
الخلود بن عاد بن عوص بن ارم بن سام بن نوح ومن أهل الأنساب من يزعم
أن هودا هو عابر بن شالخ ابن ارفخشد بن سام بن نوح وكانوا أهل أوثان ثلاثة
يعبدونها يقال لأحدهما صدا وللآخر صمود وللثالث الهباء فدعاهم إلى توحيد
الله وإفراده بالعبادة دون غيره وترك ظلم الناس فكذبوه وقالوا من أشد منا
قوة فلم يؤمن بهود منهم إلا قليل فوعظهم هود إذ تمادوا في طغيانهم فقال لهم
(أتبنون بكل ريع آية تعبثون: وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا
بطشتم بطشتم جبارين. فاتقوا الله وأطيعون واتقوا الذي أمدكم بما
تعلمون. أمدكم بأنعام وبنين. وجنات وعيون. إني أخاف عليكم عذاب
يوم عظيم) فكان جوابهم له أن قالوا (سواء عليا أو عظت أم لم تكن
من الواعظين) وقالوا له (يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا
عن قولك وما نحن لك بمؤمنين إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء)
فحبس الله عنهم فيما ذكر القطر سنين ثلاثا حتى جهدوا فأوفدوا وفدا ليستسقوا لهم
فكان من قصتهم ما حدثنا أبو كريب قال حدثنا أبو بكر بن عياش قال حدثنا
عاصم عن أبي وائل عن الحارث بن حسان البكري قال قدمت على رسول الله
150

صلى الله عليه وسلم فمررت بامرأة بالربذة فقالت هل أنت حاملي إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم قلت نعم فحملتها حتى قدمت المدينة فدخلت المسجد فإذا رسول الله
صلى الله عليه وسلم على المنبر وإذا بلال متقلد السيف فإذا رايات سود قال قلت ما هذا
قالوا عمرو بن العاص قدم من غزوته فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن منبره أتيته فاستأذنته فأذن لي فقلت يا رسول الله إن بالباب امرأة من بنى تميم
قد سألتني أن أحملها إليك قال يا بلال إئذن لها قال فدخلت فلما جلست قال لي
رسول الله صلى الله عليه وسلم هل كان بينكم وبين تميم شئ قلت نعم وكانت الدبرة
عليهم فان رأيت أن تجعل الدهناء بيننا وبينهم فعلت قال تقول المرأة فأين تضطر
مضرك يا رسول الله قال قلت مثلي مثل معزى حملت حيفا قال قلت أو حملتك
تكونين على خصما أعوذ بالله أن أكون كوفد عاد قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم وما وفد عاد قال قلت على الخبير سقطت إن عاد أقحطت فبعثت من
يستسقى لها فمروا على بكر بن معاوية بمكة يسقيهم الخمر وتغنيهم الجرادتان
شهرا ثم بعثوا رجلا من عنده حتى أتى جبال مهرة فدعا فجاءت سحابات قال
وكلما جاءت قال اذهبي إلى كذا حتى جاءت سحابة فنودي خذها رمادا رمددا
لا تدع من عاد أحدا قال فسمعه وكتمهم حتى جاءهم العذاب قال أبو كريب قال
أبو بكر بعد ذاك في حديث عاد قال فأقبل الذي أتاهم فأتى جبال مهرة فصعد فقال اللهم
إني لم أجئك لأسير فأفاديه ولا لمريض أشفيه فأسق عادا ما كنت مسقيه قال فرفعت
له سحابا قال فنودي منها اختر فجعل يقول اذهبي إلى بنى فلان قال فمرت آخرها
سحابة سوداء قال اذهبي إلى عاد قال فنودي منها خذها رمادا رمددا لا تدع من
عاد أحدا قال وكتمهم والقوم عند بكر بن معاوية يشربون قال وكره بكر
ابن معاوية أن يقول لهم من أجل أنهم عنده وأنهم في طعامه قال فأخذ في الغناء
وذكرهم * حدثنا أبو كريب قال حدثنا زيد بن حباب قال حدثنا سلام أبو المنذر
النحوي قال حدثنا عاصم عن أبي وائل عن الحارث بن يزيد البكري قال خرجت
لا شكوا العلاء بن الحضرمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمررت بالربذة
151

فإذا عجوز منقطع بها من بنى تميم فقالت يا عبد الله إن لي إلى رسول الله حاجة فهل
أنت مبلغي إليه قال فحملتها فقدمت المدينة قال أبو جعفر أظنه أنا قال فإذا رايات
سود قال قلت ما شأن الناس قالوا يريدون أن يبعث بعمرو بن العاص وجها قال
فجلست حتى فرغ قال فدخل منزله أو قال رحله فاستأذنت عليه فأذن لي قال
فدخلت فقعدت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم هل كان بينكم وبين تميم
شئ قال قلت نعم وكانت الدبرة عليهم وقد مررت بالربذة فإذا عجوز منهم منقطع بها
فسألتني أن أحملها إليك وها هي بالباب فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلت
فقلت يا رسول الله اجعل بيننا وبين تميم الدهناء حاجزا فحميت العجوز واستوفزت
وقالت فأين تضطر مضرك يا رسول الله قال قلت أنا كما قالوا معزى حملت حيفا
حملت هذه ولا أشعر أنها كائنة لي خصما أعوذ بالله ورسوله أن أكون كوافد
عاد قال وما وافد عاد قلت على الخبير سقطت قال وهو يستطعمني الحديث قلت
إن عادا قحطوا فبعثوا قيلا وافدا فنزل على بكر فسقاه الخمر شهرا وتغنيه جاريتان
يقال لهما الجرادتان فخرج إلى جبال مهرة فنادى إني لم أجئ لمريض فأداويه
ولا لأسير فأفاديه اللهم أسق عادا ما كنت تسقيه فمرت به سحابات سود فنودي
منها خذها رمادا رمددا لا تبقى من عاد أحدا قال فكانت المرأة تقول لا تكن
كوافد عاد فما بلغني أنه أرسل عليهم من الريح يا رسول الله إلا قدر ما يجرى في
خاتمي قال أبو وائل وكذلك بلغني * وأما ابن إسحاق فإن قال كما حدثنا ابن حميد
قال حدثنا سلمة عنه أن عادا لما أصابهم من القحط ما أصابهم قالوا جهزوا منكم
وفدا إلى مكة فيستسقوا لكم فبعثوا قيل بن عثر ولقيم بن هزال بن هزيل بن عتيل
ابن ضد بن عاد الأكبر ومرثد بن سعد بن عفير وكان مسلما يكتم إسلامه وجلهمة
ابن الخيبري خال معاوية بن بكر أخا أمه ثم بعثوا لقمان بن عاد بن فلان بن فلان
ابن ضد عاد الأكبر فانطلق كل رجل من هؤلاء القوم معه رهط من قومه حتى
بلغ عدة وفدهم سبعين رجلا فلما قدموا مكة نزلوا على معاوية بن بكر وهم بظاهر
مكة خارجا من الحرم فأنزلهم وأكرمهم وكانوا أخواله وصهره وكانت هزيلة
152

ابنة بكر أخت معاوية بن بكر لأبيه وأمه كلهدة ابنة الخيبري عند لقيم ولدت
له عبيد بن لقيم بن هزال وعمرو بن لقيم بن هزال وعامر بن لقيم بن هزال وعمير
ابن لقيم بن هزال فكانوا في أحوالهم بمكة عند آل معاوية بن بكر وهم عاد الأخيرة
التي بقيت من عاد الأولى فلما نزل وفد عاد على معاوية بن بكر أقاموا عنده شهرا
يشربون الخمر وتغنيهم الجرادتان قينتان لمعاوية بن بكر وكان مسيرهم شهرا
ومقامهم شهرا فلما رأى معاوية بن بكر طول مقامهم وقد بعثهم قومهم يتغوثون
بهم من البلاء الذي أصابهم شق ذلك عليه فقال هلك أخوالي وأصهاري وهؤلاء
مقيمون عندي وهم ضيفي نازلون على والله ما أدرى كيف أصنع بهم أستحي
أن آمرهم بالخروج إلى ما بعثوا إليه فيظنوا أنه ضيق منى بمقامهم عندي وقد هلك
من وراءهم من قومهم جهدا وعطشا أو كما قال فشكا ذلك من أمرهم إلى قينتيه
الجرادتين فقالتا قل شعرا نغنيهم به لا يدرون من قاله لعل ذلك أن يحركهم فقال
معاوية بن بكر حين أشارتا عليه بذلك
ألا يا قيل ويحك قم فهينم * لعل الله يسقينا غماما
فيسقى أرض عاد إن عادا * قد أمسوا لا يبينون الكلاما
من العطش الشديد فليس يرجى * به الشيخ الكبير ولا الغلاما
وقد كانت نساؤهم بخير * فقد أمست نساؤهم عياما
وإن الوحش تأتيهم جهارا * ولا تخشى لعادي سهاما
وأنتم ههنا فيما اشتهيتم * نهاركم وليلكم التماما
فقبح وفدكم من وفد قوم * ولا لقوا التحية والسلاما
فلما قال معاوية ذلك الشعر غنتهم به الجرادتان فلما سمع القوم ما غنتا به قال
بعضهم لبعض يا قوم إنما بعثكم قومكم يتغوثون بكم من هذا البلاء الذي نزل
بهم وقد أبطأتم عليهم فأدخلوا هذا الحرم فاستسقوا لقومكم فقال مرثد بن سعد
ابن عفير إنكم والله لا تسقون بدعائكم ولكن إن أطعتم نبيكم وأنبتم إليه سقيتم
نمأظهر إسلامه عند ذلك فقال لهم جلهمة بن الخيبري خال معاوية بن بكير حين
153

سمع قوله وعرف أنه قد تبع دين هود وآمن به
أبا سعد فإنك من قبيل * ذوي كرم وأمك من ثمود
فإنا لن نطيعك ما بقينا * ولسنا فاعلين لما تريد
أتأمرنا لنترك دين رفد * ورمل وآل ضد والعبود
ونترك دين آباء كرام * ذوي رأى ونتبع دين هود
ورفد ورمل ضد قبائل من عاد والعبود منهم ثم قال لمعاوية بن بكرو أبيه بكر
احبسا عنا مرثد بن سعد فلا يقد من معنا مكة فإنه قد اتبع دين هود وترك ديننا ثم
خرجوا إلى مكة يستسقون بها لعاد فلما ولوا إلى مكة خرج مرثد بن سعد من منزل
معاوية حتى أدركهم بها قبل أن يدعوا الله بشئ مما خرجوا له فلما انتهى إليهم
قام يدعوا الله وبها وفد عاد قد اجتمعوا يدعون فقال اللهم أعطني سؤلي
وحدي ولا تدخلني في شئ مما يدعوك به وفد عاد وكان قيل بن عنز رأس
وفد عاد وقال وفد عاد اللهم أعط قيلا ما سألك واجعل سؤلنا مع سؤله وقد
كان تخلف عن وفد عاد لقمان بن عاد وكان سيد عاد حتى إذا فرغوا من دعوتهم
قال اللهم إني جئتك وحدي في حاجتي فاعطني سؤلي وقال قيل بن عنز حين
دعايا إلهنا إن كان هود صادقا فاسقنا فانا قد هلكنا فأنشأ الله سحائب ثلاثا
بيضاء وحمراء وسوداء ثم ناداه مناد من السحاب يا قيل اختر لنفسك وقومك
من هذا السحاب فقال قد اخترت السحاب السوداء فإنها أكثر السحاب ماء
فناداه مناد اخترت رمادا ارمددا، لا تبقى من عاد أحدا، لا والدا تترك ولا
ولدا، إلا جعلته همدا، إلا بنى اللوذية المهدى وبنو اللوذية بنو لقيم بن هزال
ابن هزيل بن هزيلة ابنة بكر كانوا سكانا بمكة مع أخوالهم لم يكونوا مع عاد
بأرضهم فهم عاد الآخرة ومن كان من نسلهم الذين بقوا من عاد وساق الله
السحابة السوداء فيما يذكرون التي اختار قيل بن عنز بما فيها من النقمة إلى عاد
حتى خرجت عليهم من واد لم يقال له المغيث ولما رأوها استبشروا بها وقالوا
هذا عارض ممطرنا يقول الله عز وجل (بل هو ما استعجلتم به ريح فيها
154

عذاب أليم. تدمر كل شئ بأمر ربها) أي كل شئ أمرت به فكان أول
من أبصر ما فيها عرف أنها ريح فيما يذكرون امرأة من عاد يقال لها مهدد لما
تبينت ما فيها صاحت ثم صعقت فلما أفاقت قالوا ماذا رأيت يا مهدد قالت
رأيت ريحا فيها كشهب النار أمامها رجال يقودونها فسخرها الله عليهم سبع
ليال وثمانية أيام حسوما كما قال الله والحسوم الدائمة فلم تدع من عاد أحدا الا
هلك فاعتزل هود فيما ذكر ومن معه من المؤمنين في حظيرة ما يصيبه ومن معه
منها الا ما تلين عليه الجلود وتلتذ الأنفس وانها لتمر من عاد بالطعن ما بين السماء والأرض وتدمغهم بالحجارة وخرج وفد عاد من مكة حتى مروا بمعاوية بن
بكر وأبيه فنزلوا عليه فبينا هم عنده إذ أقبل رجل على ناقة له في ليلة مقمرة مساء
ثالثة من مصاب عاد فأخبرهم الخبر فقالوا فأين فارقت هودا وأصحابه قال فارقتهم
بساحل البحر فكأنهم شكوا فيما حدثهم فقالت هزيلة ابنة بكر صدق ورب مكة
* ومثوب بن يغفر بن أخي معاوية بن بكر معهم وقد كان قيل فيما يزعمون والله
أعلم لمرثد بن سعد ولقمان بن عاد وقيل بن عنز حين دعوا بمكة قد أعطيتم مناكم
فاختاروا لأنفسكم الا انه لا سبيل إلى الخلد فإنه لابد من الموت فقال مرثد بن
سعد يا رب أعطني برا وصدقا فأعطى ذلك * وقال لقمان بن عاد اعطني عمرا
فقيل له اختر لنفسك الا انه لا سبيل إلى الخلد * بقاء أبعار ضأن عفر في جبل
وعر لا يلقى به الا القطرام سبعة أنسر إذا مضى نسر خلوت إلى نسر فاختار لقمان
لنفسه النسور فعمر فيما يزعمون عمر سبعة أنسر يأخذ الفرخ حين يخرج من
بيضته فيأخذ الذكر منها لقوته حتى إذا مات اخذ غيره فلم نزل يفعل ذلك حتى
اتى على السابع وكان كل نسر فيما زعموا يعيش ثمانين سنة فلما لم يبق غير السابع
قال بن أخ للقمان أي عم ما بقى من عمرك إلا عمر هذا النسر فقال له لقمان أي
ابن أخي هذا لبد ولبد بلسانهم الدهر فلما أدرك نسر لقمان وانقضى عمره طارت
النسور غداة من رأس الجبل ولم ينهض فيها لبد وكانت نسور لقمان تلك لا تغيب
عنه انما هي تتعينه فلما لم ير لقمان لبدا نهض مع النسور نهض إلى الجبل لينظر ما فعل
155

لبد فوجد لقمان في نفسه وهنا لم يكن يجده قبل ذلك فلما انتهى إلى الجبل رأى
نسره واقعا من بين النسور فناداه انهض لبد فذهب لبد لينهض فلم يستطع عريت
قوادمه وقد سقطت فماتا جميعا وقيل لقيل بن عنز حين سمع ما قيل له في السحاب
اختر لنفسك كما اختار صاحباك فقال أختار ان يصيبني ما أصاب قومي فقيل إنه
الهلاك قال لا أبالي لا حاجة لي في البقاء بعدهم فأصابه ما أصاب عادا من العذاب
فهلك فقال مرثد بن سعد بن عفير حين سمع من قول الراكب الذي أخبر عن
عاد بما أخبر من الهلاك
عصت عاد رسولهم فأمسوا * عطاشا ما تبلهم السماء
وسير وفدهم شهرا ليسقوا * فأردفهم مع العطش العماء
بكفرهم بربهم جهارا * على آثار عادهم العفاء
ألا نزع الاله حلوم عاد * فإن قلوبهم قفر هواء
من الخبر المبين أن يعوه * وما تغنى النصيحة والشقاء
فنفسي وابنتاي وأم ولدى * لنفس نبينا هود فداء
أتانا والقلوب مصمدات * على ظلم وقد ذهب الضياء
لنا صنم يقال له صمود * يقابله صداء والهباء
فأبصره الذين له أنابوا * وأدرك من يكذبه الشقاء
فإني سوف ألحق آل هود * وإخوته إذا جن المساء
وقيل إن رئيسهم وكبيرهم في ذلك الزمان الخلجان * حدثني العباس بن الوليد
قال حدثنا أبي عن إسماعيل بن عياش عن محمد بن إسحاق قال لما خرجت الريح على
عاد من الوادي قال سبعة رهط منهم أحدهم الخلجان تعالوا حتى نقوم على شفير
الوادي فنردها فجعلت الريح تدخل تحت الواحد منهم فتحمله ثم ترمى به فتندق
عنقه فتتركهم كما قال الله عز وجل (صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية) حتى لم
يبق منهم الا الخلجان فمال إلى الجبل فأخذ بجانب منه فهزه فاهتز في يده ثم
أنشأ يقول
156

لم يبق إلا الخلجان نفسه * يا لك من يوم دهاني أمسه
بثابت الوطئ شديد وطسه * لو لم يجئني جئته أجسه
فقال له هود ويحك يا خلجان أسلم تسلم فقال له ومالي عند ربك أن أسلمت
قال الجنة قال فما هؤلاء الذين أراهم في هذا السحاب كأنهم البخت قال هود تلك
ملائكة ربى قال فإن أسلمت أيعيذني ربك منهم قال ويلك هل رأيت ملكا يعيذ
من جنده قال لو فعل ما رضيت قال ثم جاءت الريح فألحقته بأصحابه أو كلاما هذا
معناه * قال أبو جعفر فأهلك الله الخلجان وأفنى عادا خلا من بقى منهم ثم بادوا
بعد ونجى الله هودا ومن آمن به وقيل كان عمر هود مائة سنة وخمسين سنة * حدثنا محمد
ابن الحسين قال حدثنا أحمد بن المفضل قال حدثنا أسباط عن السدى قال (وإلى عاد
أخاهم هودا قال يا قوم أعبد وا الله ما لكم من إله غيره) أن عادا أتاهم هود
فوعظهم وذكرهم بما قص الله في القرآن فكذبوه وكفروا وسألوه أن يأتيهم
العذاب فقال لهم (إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به) وإن عادا أصابهم
حين كفروا قحط من المطر حتى جهدوا لذلك جهدا شديدا وذلك أن هودا دعا
عليهم فبعث الله عليهم الريح العقيم وهى الريح التي لا تلقح الشجر فلما نظروا إليها
قالوا هذا عارض ممطرنا فلما دنت منهم نظروا إلى الإبل والرجال تطير بهم الريح
بين السماء والأرض فلما رأوها تبادروا إلى البيوت فلما دخلوا البيوت دخلت
عليهم فأهلكتهم فيها ثم أخرجتهم من البيوت فاصابتهم في يوم نحس والنحس هو
المشؤم مستمر استمر عليهم بالعذاب سبع ليال وثمانية أيام حسوما حسمت كل
شئ مرت به فلما أخرجتهم من البيوت قال الله تبارك وتعالى (تنزع الناس) عن
البيوت (كأنهم أعجاز نخل منقعر) انقعر من أصوله خاوية خوت فسقطت فلما
أهلكهم الله أرسل عليهم طيرا سودا فنقلتهم إلى البحر فألقتهم فيه فذلك قوله عز وجل
(فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم) ولم تخرج الريح قط الا بمكيال الا يومئذ
فإنها عتت على الخزنة فغلبتهم فلم يعلموا كم كان مكيالها فذلك قوله (فأهلكوا
بريح صرصر عاتية) والصرصر ذات الصوت الشديد * حدثني محمد بن سهل
157

ابن عسكر قال حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال حدثني عبد الصمد أنه سمع وهبا
يقول إن عادا لما عذبهم الله بالريح التي عذبوا بها كانت تقلع الشجرة العظيمة
بعروقها وتهدم عليهم بيوتهم فمن لم يكن في بيت هبت به الريح حتى تقطعه بالجبال
فهلكوا بذلك كلهم.
(وأما ثمود) فإنهم عتوا على ربهم وكفروا به وأفسدوا في الأرض فبعث الله
إليهم صالح بن عبيد بن أسف بن ماسخ بن عبيد بن خادر بن ثمود بن جائر بن إرم
ابن سام بن نوح رسولا يدعوهم إلى توحيد الله وافراده بالعبادة * وقيل صالح هو
صالح بن أسف بن كماشج بن إرم بن ثمود بن جاثر بن إرم بن سام بن نوح فكان
من جوابهم له أن قالوا (يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا أتنهانا أن
نعبد ما يعبد آباؤنا وإننا لفى شك مما تدعونا إليه مريب) وكان الله عز وجل
قد مدلهم في الأعمار وكانوا يسكنون الحجر إلى وادى القرى بين الحجاز والشام
ولم يزل صالح يدعوهم إلى الله على تمردهم وطغيانهم فلا يزيدهم دعاؤه إياهم إلى الله
إلا مباعدة من الإجابة فلما طال ذلك من أمرهم وأمر صالح قالوا له إن كنت صادقا
فأتنا بآية فكان من أمرهم وأمره ما حدثنا الحسن بن يحيى قال حدثنا عبد الرزاق
قال أخبرنا إسرائيل عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي الطفيل قال قالت ثمود لصالح
ائتنا بآية إن كنت من الصادقين قال فقال لهم صالح اخرجوا إلى هضبة من
الأرض فإذا هي تتمخض كما تتمخض الحامل ثم تفرجت فخرجت من وسطها
الناقة فقال صالح عليه السلام (هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض
الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم) (لها شرب ولكم شرب يوم
معلوم) فلما ملوها عقروها فقال لهم (تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير
مكذوب) قال عبد العزيز وحدثني رجل آخر أن صالحا قال لهم إن آية العذاب
أن تصبحوا غدا حمرا واليوم الثاني صفرا واليوم الثالث سودا فصبحهم العذاب
فلما رأوا ذلك تحنطوا واستعدوا * حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال حدثني
حجاج عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن ابن حوشب عن عمرو بن خارجة قال قلنا له
158

حدثنا حديث ثمود قال أحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمود
كانت ثمود قوم صالح عمرهم الله عز وجل في الدنيا فأطال أعمارهم حتى جعل
أحدهم يبنى المسكن من المدر فيتهدم والرجل منهم حي فلما رأوا ذلك اتخذوا
من الجبال بيوتا فرهين فنحتوها وجابوها وجوفوها وكانوا في سعة من معايشهم
فقالوا يا صالح ادع لنا ربك يخرج لنا آية نعلم أنك رسول الله فدعا صالح ربه فأخرج
لهم الناقة فكان شربها يوما وشربهم يوما معلوما فإذا كان يوم شربها خلوا عنها وعن
الماء وحلبوها لبنا ملأوا كل إناء ووعاء وسقاء فإذا كان يوم شربهم صرفوها عن
الماء ولم تشرب منه شيئا فملا واكل إناء ووعاء وسقاء فأوحى الله عز وجل إلى صالح
أن قومك سيعقرون ناقتك فقال لهم فقالوا ما كنا لنفعل قال ألا تعقروها أنتم
أو شك أن يولد فيكم مولود يعقرها قالوا ما علامة ذلك المولود فوالله لا نجده الا قتلناه
قال فإنه غلام أشقر أزرق أصهب أحمر قال فكان في المدينة شيخان عزيزان منيعان
لأحدهما ابن يرغب له عن المناكح وللآخر ابنة لا يجد لها كفؤا فجمع بينهما مجلس
فقال أحدهما لصاحبه ما يمنعك أن تزوج ابنك قال لا أجد له كفؤا قال فان ابنتي
كفؤ له وإنما أزوجك فزوجه فولد منهما ذلك المولود وكان في المدينة ثمانية
رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون فلما قال لهم صالح انما يعقرها مولود فيكم
اختاروا ثماني نسوة قوابل من القرية وجعلوا معهن شرطا كانوا يطوفون
في القرية فإذا وجدوا المرأة تمخض نظروا ما ولدها فإن كان غلاما قتلنه وإن
كانت جارية أعرضن عنها فلما وجدوا ذلك المولود صرخن النسوة وقلن هذا
الذي يريد رسول الله صالح فأراد الشرط أن يأخذوها فحال جداه بينه وبينهم
وقالوا إن أراد صالح هذا قتلناه وكان شر مولود وكان يشب في اليوم شباب
غيره في الجمعة ويشب في الجمعة شباب غيره في الشهر ويشب في الشهر شباب غيره
في السنة فاجتمع الثمانية الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون وفيهم الشيخان
فقالوا استعمل علينا هذا الغلام لمنزلته وشرف جديه فصاروا تسعة وكان صالح
عليه السلام لا ينام معهم في القرية بل كان في مسجد يقال له مسجد صالح فيه يبيت
159

بالليل فإذا أصبح أتاهم فوعظهم وذكرهم فإذا أمسى خرج إلى مسجده فبات فيه *
قال حجاج قال ابن جريج لما قال لهم صالح عليه السلام إنه سيولد غلام يكون
هلاكهم على يديه قالوا كيف تأمرنا قال آمركم بقتلهم فقتلوهم إلا واحدا قال فلما
بلغ ذلك المولود قالوا لو كنا لم نقتل أولادنا لكان لكل واحد منا مثل هذا هذا
عمل صالح فائتمروا بينهم بقتله وقالوا نخرج مسافرين والناس يروننا علانية ثم
نرجع من ليلة كذا وكذا من شهر كذا وكذا فنرصده عند مصلاه فنقتله فلا يحسب
الناس إلا أنا مسافرون كما نحن فأقبلوا حتى دخلوا تحت صخرة يرصدونه فأنزل
الله عز وجل عليهم الصخرة فرضختهم فأصبحوا رضخا فانطلق رجال ممن قد
اطلع على ذلك منهم فإذا هم رضخ فرجعوا يصيحون في القرية أي عباد الله أما رضى
صالح أن أمرهم أن يقتلوا أولادهم حتى قتلهم فاجتمع أهل القرية على عقر الناقة
أجمعون فأحجموا عنها إلا ذلك ابن العاشر * قال أبو جعفر ثم رجع الحديث إلى
حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم * قال فأرادوا أن يمكروا بصالح فمشوا
حتى أتوا على سرب على طريق صالح فاختبأ فيه ثمانية فقالوا إذا خرج علينا قتلناه
وأتينا أهله فبيتناهم فأمر الله عز وجل الأرض فاستوت عليهم قال فاجتمعوا
ومشوا إلى الناقة وهى على حوضها قائمة فقال الشقى لأحدهم ائتها فاعقرها فأتاها
فتعاظمه ذلك فاضرب عن ذلك فبعث آخر فأعظم ذلك فجعل لا يبعث أحدا إلا
تعاظمه أمرها حتى مشى إليها وتطاول وضرب عرقوبيها فوقعت تركض فأتى
رجل منهم صالحا فقال أدرك الناقة فقد عقرت فأقبل فخرجوا يتلقونه ويعتذرون إليه
يا نبي الله إنما عقرها فلان إنه لا ذنب لنا قال انظروا هل تدركون فصيلها فان
أدركتموه فعسى الله أن يرفع عنكم العذاب فخرجوا يطلبونه فلما رأى الفصيل أمه
تضطرب أتى جبلا يقال له القارة قصيرا فصعده وذهبوا ليأخذوه فأوحى الله
عز وجل إلى الجبل فطال في السماء حتى ما تناله الطير قال ودخل صالح القرية
فلما رآه الفصيل بكى حتى سالت دموعه ثم استقبل صالحا فرغا رغوة ثم رغا أخرى
ثم رغا أخرى فقال صالح لكل رغوة أجل يوم تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد
160

غير مكذوب إلا أن آية العذاب أن اليوم تصبح وجوهكم مصفرة واليوم الثاني محمرة
واليوم الثالث مسودة فلما أصبحوا إذا وجوههم كأنما طليت بالخلوق صغيرهم
وكبيرهم ذكرهم وأنثاهم فلما أمسوا صاحوا بأجمعهم ألا قد مضى يوم من الاجل
وحضركم العذاب فلما أصبحوا اليوم الثاني إذا وجوههم محمرة كأنما خضبت
بالدماء فصاحوا وضجوا وبكوا وعرفوا أنه العذاب * فلما أمسوا صاحوا بأجمعهم
ألا قد مضى يومان من الاجل وحضركم العذاب فلما أصبحوا اليوم الثالث فإذا
وجوههم مسودة كأنما طليت بالقار فصاحوا جميعا ألا قد حضركم العذاب
فتكفنوا وتحنطوا وكان حنوطهم الصبر والمقر وكانت أكفانهم الأنطاع ثم ألقوا
أنفسهم إلى الأرض فجعلوا يقلبون أبصارهم إلى السماء مرة وإلى الأرض مرة
لا يدرون من حيث يأتيهم العذاب من فوقهم من السماء أو من تحت أرجلهم
من الأرض خشعا وفرقا فلما أصبحوا اليوم الرابع أتتهم صيحة من السماء فيها
صوت كل صاعقة وصوت كل شئ له صوت في الأرض فتقطعت قلوبهم في صدورهم
فأصبحوا في ديارهم جاثمين * حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال حدثنا حجاج
عن ابن جريج قال حدثت أنه لما أخذتهم الصيحة أهلك الله من بين المشارق
والمغارب منهم إلا رجلا واحدا كان في حرم الله منعه حرم الله من عذاب الله
قيل ومن هو يا رسول الله قال أبو رغال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
حين أتى على قرية ثمود لأصحابه لا يدخلن أحد منكم القرية ولا تشربوا من مائهم
وأراهم مر تقى الفصيل حين ارتقى في القارة * قال ابن جريج وأخبرني موسى
ابن عقبة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمران أن النبي صلى الله عليه وسلم حين أتى
على قرية ثمود قال لا تدخلن على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين فإن لم تكونوا
باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم ما أصابهم قال ابن جريج قال جابر بن عبد الله
إن النبي صلى الله عليه وسلم لما أتى على الحجر حمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد
فلا تسألوا رسولكم الآيات هؤلاء قوم صالح سألوا رسولهم الآية فبعث الله لهم
الناقة فكانت ترد من هذا الفج وتصدر من هذا الفج فتشرب ماءهم يوم وردها
161

* حدثني إسماعيل بن المتوكل الأشجعي قال حدثنا محمد بن كثير قال حدثنا عبد الله
ابن واقد عن عبد الله بن عثمان بن خثيم قال حدثنا أبو الطفيل لما غزا رسول
الله صلى الله عليه وسلم غزاة تبوك نزل الحجر فقال أيها الناس لا تسألوا نبيكم
الآيات هؤلاء قوم صالح سألوا نبيهم أن يبعث لهم آية فبعث الله تعالى ذكره لهم
الناقة آية فكانت تلج عليهم يوم وردها من هذا الفج فتشرب ماءهم ويوم وردهم
كانوا يتزودون منه ثم يحلبونها مثل ما كانوا يتزودون من مائهم قبل ذلك لبنآ
ثم تخرج من ذلك الفج فعتوا عن أمر ربهم وعقروها فوعدهم الله العذاب بعد
ثلاثة أيام وكان وعدا من الله غير مكذوب فأهلك الله من كان منهم في مشارق
الأرض ومغاربها إلا رجلا واحدا كان في حرم الله فمنعه حرم الله من عذاب
الله قالوا ومن ذلك الرجل يا رسول الله قال أبو رغال * فأما أهل التوراة فإنهم
يزعمون أنه لا ذكر لعاد وثمود ولا لهود وصالح في التوراة وأمرهم عند العرب
في الشهرة في الجاهلية والاسلام كشهرة إبراهيم وقومه * قال ولولا كراهة إطالة
الكتاب بما ليس من جنسه لذكرت من شعر شعراء الجاهلية الذي قيل في عاد
وثمود وأمورهم بعض ما قيل ما يعلم به من ظن خلاف ما قلنا في شهرة أمرهم في العرب
صحة ذلك ومن أهل العلم من يزعم أن صالحا عليه السلام توفى بمكة وهو ابن ثمان
وخمسين سنة وأنه أقام في قومه عشرين سنة * قال أبو جعفر نرجع الآن إلى
ذكر إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام
وذكر من كان في عصره من ملوك العجم إذ كنا قد ذكرنا من بينه وبين نوح
من الآباء وتأريخ السنين التي مضت قبل ذلك وهو إبراهيم بن تارخ بن ناحور
ابن ساروغ بن ارغوا بن فالغ بن عابر بن شالخ بن قينان بن أرفخشد بن سام بن نوح
واختلف في الموضع الذي كان منه والموضع الذي ولد فيه فقال بعضهم كان مولده
بالسوس من أرض الأهواز وقال بعضهم كان مولده ببابل من أرض السواد
وقال بعضهم كان بالسواد بناحية كوثى وقال بعضهم كان مولده بالوركاء بناحية
162

الزوابي وحدود كسكر ثم نقله أبو ه إلى الموضع الذي كان به نمرود من ناحية
كوثى وقال بعضهم كان مولده بحران ولكن أباه تارخ نقله إلى أرض بابل
وقال عامة السلف من أهل العلم كان مولد إبراهيم عليه السلام في عهد نمرود
ابن كوش ويقول عامة أهل الأخبار كان نمرود عاملا للأزدهاق الذي زعم
بعض من زعم أن نوحا عليه السلام كان مبعوثا إليه على أرض بابل وما حولها
وأما جماعة من سلف العلماء فإنهم يقولون كان ملكا برأسه واسمه الذي هو
اسمه فيما قيل زرهي بن طهماسفان * وقد حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال
حدثني محمد بن إسحاق فيما ذكر لنا والله أعلم أن آزر كان رجلا من أهل كوثى
من قرية بالسواد سواد الكوفة وكان إذ ذاك ملك المشرق لنمرود الخاطئ وكان
يقال له الهاصر وكان ملكه فيما يزعمون قد أحاط بمشارق الأرض ومغاربها
وكان ببابل قال وكان ملكه وملك قومه بالمشرق قبل ملك فارس قال ويقال لم
يجتمع ملك الأرض ولم يجتمع الناس على ملك واحد إلا على ثلاثة ملوك نمرود
ابن ارغو وذى القرنين وسليمان بن داود * وقال بعضهم نمرود هو الضحاك
نفسه * حدثت عن هشام بن محمد قال بلغنا والله أعلم أن الضحاك هو نمرود
وأن إبراهيم خليل الرحمن ولد في زمانه وأنه صاحبه الذي أراد إحراقه
* حدثني موسى بن هارون قال حدثنا عمرو بن حماد قال حدثنا أسباط عن السدى
في خبر ذكره عن أبي صالح وعن أبي مالك عن ابن عباس وعن مرة الهمداني
عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إن أول ملك ملك
في الأرض شرقها وغربها نمرود بن كنعان بن كوش بن سام بن نوح وكانت
الملوك الذين ملكوا الأرض كلها أربعة نمرود سليمان بن داود وذو القرنين
وبخت نصر مؤمنان وكافران * وقال ابن إسحاق فيما حدثني ابن حميد قال حدثنا سلمة
عن ابن إسحاق فلما أراد الله عز وجل أن يبعث إبراهيم عليه السلام خليل الرحمن
حجة على قومه ورسولا إلى عباده ولم يكن فيما بين نوح وإبراهيم عليهما السلام
من نبي قبله إلا هود وصالح فلما تقارب زمان إبراهيم الذي أراد الله تعالى
163

ذكره ما أراد أتى أصحاب النجوم نمرود فقالوا له تعلم أنا نجد في علمنا أن غلاما
يولد في قريتك هذه يقال له إبراهيم يفارق دينكم ويكسر أو ثانكم في شهر كذا
وكذا من سنة كذا وكذا فلما دخلت السنة التي وصف أصحاب النجوم لنمرود بعث
نمرود إلى كل امرأة حبلى بقريته فحبسها عنده إلا ما كان من أم إبراهيم عليه
السلام امرأة آزر فإنه لم يعلم بحبلها وذلك أنها كانت جاريه حدثة فيما يذكر لم
يعرف الحبل في بطنها فجعل لا تلد امرأة غلاما في ذلك الشهر من تلك السنة
إلا أمر به فذبح فلما وجدت أم إبراهيم الطلق خرجت ليلا إلى مغارة كانت
قريبا منها فولدت فيها إبراهيم عليه السلام وأصلحت من شأنه ما يصنع بالمولود
ثم سدت عليه المغارة ثم رجعت إلى بيتها ثم كانت تطالعه في المغارة لتنظر ما فعل
فتجده حيا يمص إبهامه يزعمون والله أعلم أن الله جعل رزق إبراهيم عليه السلام
فيها ما يجيئه من مصه وكان آزر فيما يزعمون قد سأل أم إبراهيم عن حملها ما فعل
فقالت ولدت غلاما فمات فصدقها فسكت عنها وكان اليوم فيما يذكرون على
إبراهيم في الشباب كالشهر والشهر كالسنة ولم يمكث إبراهيم عليه السلام في المغارة
إلا خمسة عشر شهرا حتى قال لامه أخرجيني أنظر فأخرجته عشاء فنظر وتفكر
في خلق السماوات والأرض وقال إن الذي خلقني ورزقني وأطعمني وسقاني
لربى مالي إله غيره ثم نظر في السماء ورأى كوكبا فقال هذا ربى ثم اتبعه ينظر إليه
ببصره حتى غاب فلما أفل قال لا أحب الآفلين ثم أطلع القمر فرآه بازغا قال هذا
ربى ثم اتبعه ببصره حتى غاب فلما افل قال لئن لم يهدني ربى لأكونن من القوم
الضالين فلما دخل عليه النهار وطلعت الشمس رأى عظم الشمس ورأى شيئا
هو أعظم نورا من كل شئ رآه قبل ذلك فقال هذا ربى هذا أكبر فلما أفلت قال
(يا قوم إني برئ مما تشركون. إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات
والأرض حنيفا وما أنا من المشركين) ثم رجع إبراهيم إلى أبيه آزر وقد
استقامت وجهته وعرف ربه وبرئ من دين قومه إلا أنه لم يبادهم بذلك * فأخبره
أنه ابنه فأخبرته أم إبراهيم عليه السلام أنه ابنه فأخبرته بما كانت صنعت في شأنه
164

فسر بذلك آزر وفرح فرحا شديدا وكان آزر يصنع أصنام وقومه التي يعبدون
ثم يعطيها إبراهيم يبيعها فذهب بها إبراهيم عليه السلام فيما يذكرون فيقول
من يشترى ما يضره ولا ينفعه فلا يشتريها منه أحد فإذا بارت عليه ذهب بها إلى
نهر فصوب فيه رؤوسها وقال اشربي استهزاء بقومه وما هم عليه من الضلالة
حتى فشا عيبه إياها واستهزاؤه بها في قومه وأهل قريته من غير أن يكون ذلك
بلغ نمرود الملك ثم إنه لما بدا لإبراهيم أن يبادي قومه بخلاف ما هم عليه وبأمر
الله والدعاء إليه نظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم يقول الله عز وجل (فتولوا
عنه مدبرين) وقوله إني سقيم أي طعين بالسقم كانوا يهربون منه إذ سمعوا
به وإنما يريد إبراهيم أن يخرجوا عنه ليبلغ من أصنامهم الذي يريد فلما خرجوا
عنه خالف إلى أصنامهم التي كانوا يعبدون من دون الله فقرب لها طعاما ثم قال ألا
تأكلون؟ ما لكم لا تنطقون؟ تعييرا في شأنها واستهزاء بها * وقال في ذلك غير ابن
إسحاق ما حدثني موسى بن هارون قال حدثنا عمرو بن حماد قال حدثنا أسباط عن
السدى في خبر ذكره عن أبي صالح وعن أبي مالك عن ابن عباس وعن مرة الهمداني
عن ابن مسعود وعن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان من شأن
إبراهيم عليه السلام أنه طلع كوكب على نمرود فذهب بضوء الشمس والقمر
ففزع من ذلك فزعا شديدا فدعا السحرة والكهنة والقافة والحازة فسألهم عنه
فقالوا يخرج من ملكك رجل يكون على وجهه هلاكك وهلاك ملكك وكان
مسكنه ببابل الكوفة فخرج من قريته إلى قرية أخرى فاخرج الرجال وترك النساء
وأمر أن لا يولد مولود ذكر إلا ذبحه فذبح أولادهم ثم إنه بدت له حاجة في المدينة
لم يأمن عليها إلا آزر أبا إبراهيم فدعاه * فأرسله وقال له انظر لا تواقع أهلك فقال
له آزر أنا أضن بديني من ذلك فلما دخل القرية نظر إلى أهله فلم يملك نفسه أن وقع
عليها ففر بها إلى قرية بين الكوفة والبصرة يقال لها أور فجعلها في سرب فكان
يتعاهدها بالطعام والشراب وما يصلحها وإن الملك لما طال عليه الامر قال قول
سحرة كذا بين ارجعوا إلى بلدكم فرجعوا وولد إبراهيم فكان في كل يوم يمر كأنه
165

جمعة والجمعة كالشهر والشهر كالسنة من سرعة شبابه ونسى الملك ذلك وكبر إبراهيم
لا يرى أن أحدا من الخلق غيره وغير أبيه وأمه فقال أبو إبراهيم لأصحابه إن لي
ابنا قد خبأته أفتخافون عليه الملك إن أنا جئت به قالوا لا فأت به فانطلق فأخرجه
فلما خرج الغلام من السرب نظر إلى الدواب والبهائم والخلق فجعل يسأل أباه
ما هذا فيخبره عن البعير أنه بعير وعن البقرة أنها بقرة وعن الفرس أنه فرس وعن
الشاة أنها شاة فقال ما لهؤلاء الخلق بد من أن يكون لهم رب وكان خروجه
حين خرج من السرب بعد غروب الشمس فرفع رأسه إلى السماء فإذا هو بالكوكب
وهو المشترى فقال هذا ربى فلم يلبث أن غاب فقال لا أحب الآفلين أي لا أحب
ربا يغيب قال ابن عباس وخرج في آخر الشهر فلذلك لم ير القمر قبل الكواكب
فلما كان آخر الليل رأى القمر بازغا قد طلع فقال هذا ربى فلما أفل يقول غاب قال
لئن لم يهدني ربى لأكونن من القوم الضالين فلما أصبح ورأى الشمس بازغة قال
هذا ربى هذا أكبر فلما غابت قال الله له أسلم قال قد أسلمت لرب العالمين فأتى
قومه فدعاهم فقال يا قوم إني برئ مما تشركون أنى وجهت وجهي للذي فطر
السماوات والأرض حنيفا يقول مخلصا فجعل يدعو قومه وينذرهم وكان أبو ه يصنع
الأصنام فيعطيها ولده فيبيعونها وكان يعطيه فينادى من يشترى ما يضره ولا ينفعه
فيرجع إخوته وقد باعوا أصنامهم ويرجع إبراهيم بأصنامه كما هي ثم دعا أباه
فقال يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئا قال (أراغب أنت
عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا) قال أبدا قال له أبو ه
يا إبراهيم إن لنا عيدا لو قد خرجت معنا إليه لأعجبك ديننا فلما كان يوم العيد فخرجوا
إليه خرج معهم إبراهيم فلما كان ببعض الطريق ألقى نفسه وقال إني سقيم يقول
أشتكي رجلي فتوطؤا رجليه وهو صريع فلما مضوا نادى في آخرهم وقد بقوا ضعفي
الناس (تالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين) فسمعوها منه ثم رجع
إبراهيم إلى بيت الآلهة فإذا هو في بهو عظيم مستقبل باب البهو صنم عظيم إلى جنبه
أصغر منه بعضها إلى جنب بعض كل صنم يليه أصغر منه حتى بلغوا باب البهو
166

وإذا هم قد صنعوا طعاما فوضعوه بين يدي الآلهة قالوا إذا كان حين نرجع رجعنا
وقد باركت الآلهة في طعامنا فأكلنا فلما نظر إليهم إبراهيم عليه السلام وإلى ما بين
أيديهم من الطعام قال ألا تأكلون؟ فلما لم تجبه قال ما لكم لا تنطقون؟ فراغ عليهم
ضربا باليمين فأخذ حديدة فبقر كل صنم في حافتيه ثم علق الفأس في عنق الصنم
الأكبر ثم خرج فلا جاء القوم إلى طعامهم ونظروا إلى آلهتهم قالوا (من فعل هذا
بآلهتنا إنه لمن الظالمين، قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم) قال
أبو جعفر رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق ثم أقبل عليهم كما قال الله عز وجل
ضربا باليمين ثم جعل يكسرهن بفأس في يده حتى إذا بقى أعظم صنم منها ربط
الفأس بيده ثم تركهن فلما رجع قومه رأوا ما صنع بأصنامهم فراعهم ذلك فأعظموه
وقالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين ثم ذكروا فقالوا قد سمعنا فتى يذكرهم
يقال له إبراهيم يعنون فتى يسبها ويعيبها ويستهزئ بها لم نسمع أحدا يقول ذلك
غيره وهو الذي نظن صنع هذا بها وبلغ ذلك نمرود وأشراف قومه فقالوا
(فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون) أي ما نصنع به فكان جماعة من
أهل التأويل منهم قتادة والسدي يقولون في ذلك لعلهم يشهدون عليه أنه هو الذي
فعل ذلك وقالوا كرهوا أن يأخذوه بغير بينة * رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق
قال فلما أتى به فاجتمع له قومه عند ملكهم نمرود قالوا (أأنت فعلت هذا بآلهتنا
يا إبراهيم؟ قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون) غضب
من أن تعبدوا معه هذه الصغار وهو أكبر منها فكسرهن فارعووا ورجعوا
عنه فيما ادعوا عليه من كسرهن إلى أنفسهم فيما بينهم فقالوا لقد ظلمناه وما نراه
إلا كما قال ثم قالوا وعرفوا أنها لا تضر ولا تنفع ولا تبطش (لقد علمت ما هؤلاء
ينطقون) أي لا يتكلمون فتخبرنا من صنع هذا بها وما تبطش بالأيدي فنصدقك
يقول الله عز وجل (ثم نكسوا على رؤسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون) أي
تكسوا على رؤسهم في الحجة عليهم لإبراهيم حين جادلهم فقال عند ذلك إبراهيم حين
ظهرت الحجة عليهم بقولهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون قال (أفتعبدون من دون الله
167

مالا ينفعكم شيئا ولا يضركم أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون)
قال وحاجه قومه عند ذلك في الله جل ثناؤه يستوصفونه إياه ويخبرونه أن آلهتهم خير مما
يعبد فقال (أتحاجوني في الله وقد هدان) إلى قوله (فأي الفريقين أحق
بالأمن إن كنتم تعلمون) يضرب لهم الأمثال ويصرف لهم العبر ليعلموا
أن الله هو أحق أن يخاف ويعبد مما يعبدون من دونه * قال أبو جعفر ثم إن
نمرود فيما يذكرون قال لإبراهيم أرأيت إلهك هذا الذي تعبد وتدعوا لي عبادته
وتذكر من قدرته التي تعظمه بها على غيره ما هو؟ قال له إبراهيم ربى الذي يحيى
ويميت فقال نمرود فأنا أحيى وأميت فقال له إبراهيم كيف تحيى وتميت قال آخذ
الرجلين قد استوجبا القتل في حكمي فأقتل أحدهما فأكون قد أمته وأعفو عن
الآخر فأتركه فأكون قد أحييته فقال له إبراهيم عند ذلك (فإن الله يأتي
بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب) اعرف أنه كما تقول فبهت عند
ذلك نمرود ولم يرجع إليه شيئا وعرف انه لا يطيق ذلك يقول الله عز وجل
(فبهت الذي كفر) يعنى وقعت عليه الحجة قال ثم إن نمرود وقومه أجمعوا في
إبراهيم فقالوا (حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين * حدثنا ابن حميد
قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن الحسن بن دينار عن ليث بن أبي سليم
عن مجاهد قال تلوت هذه الآية على عبد الله بن عمر فقال أتدري يا مجاهد من الذي
أشار بتحريق إبراهيم عليه السلام بالنار؟ قال قلت لا قال رجل من أعراب
فارس قال قلت يا أبا عبد الرحمن وهل للفرس أعراب قال نعم الكرد هم أعراب
فارس فرجل منهم هو الذي أشار بتحريق إبراهيم بالنار * حدثني يعقوب قال حدثنا
ابن علية عن ليث عن مجاهد في قوله حرقوه وانصروا آلهتكم، قال قالها رجل من
أعراب فارس يعنى الأكراد * وحدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال حدثنا حجاج عن
ابن جريج قال أخبرني وهب بن سليمان عن شعيب الجبائي قال إن اسم الذي قال
حرقوه " هيزن " فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة * ثم رجع
الحديث إلى حديث ابن إسحاق قال فأمر نمرود فجمع له الحطب فجمعوا له صلاب
168

الحطب من أصناف الخشب حتى أن كانت المرأة من قرية إبراهيم فيما يذكر لتنذر
في بعض ما تطلب مما تحب أن تدرك لئن أصابته لتحطبن في نار إبراهيم التي
يحرق بها احتسابا في دينها حتى إذا أرادوا أن يلقوه فيها قدموه وأشعلوا في كل
ناحية من الحطب الذي جمعوا له حتى إذا اشتعلت النار وأجمعوا لقذفه فيها صاحت
السماء والأرض وما فيها من الخلق إلا الثقلين فيما يذكرون إلى الله عز وجل
صبحة واحدة أي ربنا إبراهيم ليس في أرضك أحد يعبدك غيره يحرق بالنار فيك
فأذن لنا في نصرته فيذكرون والله أعلم أن الله عز وجل حين قالوا ذلك قال إن
استغاث بشئ منكم أو دعاه فلينصره فقد أذن له في ذلك فإن لم يدع غيري فأنا
وليه فخلوا بيني وبينه فأنا أمنعه فلما ألقوه فيها قال (يا نار كوني بردا وسلاما
على إبراهيم) فكانت كما قال الله عز وجل * وحدثني موسى بن هارون قال حدثنا
عمرو بن حماد قال حدثنا أسباط عن السدى قال قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في
الجحيم قال فحبسوه في بيت وجمعوا له حطبا حتى أن كانت المرأة لتمرض فتقول
لئن عافاني الله لا جمعن حطبا لإبراهيم فلما جمعوا له وأكثروا من الحطب حتى أن
كان الطير ليمر بها فيحترق من شدة وهجها وحرها عمدوا إليه فرفعوه على رأس
البنيان فرفع إبراهيم رأسه إلى السماء فقالت السماء والأرض والجبال والملائكة
ربنا إبراهيم يحرق فيك فقال أنا أعلم به فإن دعاكم فأغيثوه وقال إبراهيم حين رفع
رأسه إلى السماء اللهم أنت الواحد في السماء وأنا الواحد في الأرض ليس في
الأرض أحد يعبدك غيري حسبي الله ونعم الوكيل فقذفوه في النار فناداها فقال
يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم وكان جبرائيل هو الذي ناداها وقال ابن
عباس لو لم يتبع بردها سلاما لمات إبراهيم من بردها فلم تبق يومئذ نار في الأرض
إلا طفئت ظنت أنها تعنى فلما طفئت النار نظروا إلى إبراهيم فإذا هو ورجل
آخر معه وإذا رأس إبراهيم في حجره يمسح عن وجهه العرق وذكر أن ذلك
الرجل هو ملك الظل وأنزل الله نارا وانتفع بها بنو آدم فأخرجوا إبراهيم فأدخلوه
على الملك ولم يكن قبل ذلك دخل عليه * ثم رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق
169

قال وبعث الله عزو وجل ملك الظل في صورة إبراهيم فقعد فيها إلى جنبه يؤنسه
فمكث نمرود أياما لا يشك إلا أن النار قد أكلت إبراهيم وفرغت منه ثم ركب
فمر بها وهى تحرق ما جمعوا لها من الحطب فنظر إليها فرأى إبراهيم جالسا فيها إلى
جنبه رجل مثله فرجع من مركبه ذلك فقال لقومه لقد رأيت إبراهيم حيا في النار
ولقد شبه على ابنوا لي صرحا يشرف بي على النار حتى أستثبت فبنوا له صرحا
فأشرف عليه فاطلع من إلى النار فرأى إبراهيم جالسا فيها ورأى الملك قاعدا إلى
جنبه في مثل صورته فناداه نمرود يا إبراهيم كبير إلهك الذي بلغت قدرته وعزته
أن حال بين ما أرى وبينك حتى لم تضرك يا إبراهيم هل تستطيع أن تخرج منها
قال نعم قال هل تخشى إن أقمت فيها أن تضرك قال لا قال فقم واخرج منها فقام
إبراهيم يمشى فيها حتى خرج منها فلما خرج إليه قال يا إبراهيم من الرجل الذي
رأيت معك في مثل صورتك قاعدا إلى جنبك قال ذلك ملك الظل أرسله إلى
ربى ليكون معي فيها ليؤنسني وجعلها على بردا وسلاما فقال نمرود فيما حدثت
يا إبراهيم إني مقرب إلى إلهك قربانا لما رأيت من عزته وقدرته ولما صنع
بك حين أبيت إلا عبادته وتوحيده إني ذابح له أربعة آلاف بقرة فقال له إبراهيم
إذا لا يقبل الله منك ما كنت على شئ من دينك هذا حتى تفارقه إلى ديني فقال
يا إبراهيم لا أستطيع ترك ملكي ولكني سوف أذبحها له فذبحها نمرود ثم كف
عن إبراهيم ومنعه الله عز وجل منه * حدثنا ابن حميد قال حدثنا جرير عن
مغيرة عن الحارث عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال إن أحسن شئ قاله
لإبراهيم لما رفع عنه الطبق وهو في النار وحده يرشح جبينه فقال عند ذلك نعم
الرب ربك يا إبراهيم * حدثنا القاسم قل حدثنا الحسين قال حدثنا معتمر بن سليمان
التيمي عن بعض أصحابه قال جاء جبرائيل إلى إبراهيم عليه السلام وهو يوثق ويقمط
ليلقى في النار قال يا إبراهيم ألك حاجة قال أما إليك فلا * حدثني أحمد بن المقدام *
قال حدثني المعتمر قال سمعت أبي قال حدثنا قتادة عن أبي سليمان قال ما أحرقت
النار من إبراهيم إلا وثاقة * قال أبو جعفر رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق
170

قال واستجاب لإبراهيم عليه السلام رجال من قومه حين رأوا ما صنع الله به
على خوف من نمرود وملاهم فآمن له لوط وكان ابن أخيه وهو لوط بن هاران
ابن تارخ وهاران هو أخو إبراهيم وكان لهما أخ ثالث يقال له ناحور بن تارخ
فهاران أبو لوط وناحور أبو بتويل وبتويل أبو لابان وربقا ابنة بتويل امرأة
إسحاق بن إبراهيم أم يعقوب وليا وراحيل زوجتا يعقوب ابنتا لا بان وآمنت
به سارة وهى ابنة عمه وهى سارة بنت هاران الأكبر عم إبراهيم وكانت لها
أخت يقال لها ملكا امرأة ناحور * وقد قيل إن سارة كانت ابنة ملك حران
ذكر من قال ذلك
حدثني موسى بن هارون قال حدثنا عمرو بن حماد قال حدثنا أسباط عن السدى
قال انطلق إبراهيم ولوط قبل الشأم فلقى إبراهيم سارة وهى ابنة ملك حران وقد
طعنت على قومها في دينهم فتزوجها على أن لا يغيرها ودعا إبراهيم أباه آزر إلى
دينه فقال له يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئا فأبى أبو ه
الإجابة إلى ما دعاه إليه ثم إن إبراهيم ومن كان معه من أصحابه الذين اتبعوا
أمره أجمعوا لفراق قومهم فقالوا إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله
كفرنا بكم أيها المعبودون من دون الله وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا
أيها العابدون حتى تؤمنوا بالله وحده ثم خرج إبراهيم مهاجرا إلى ربه وخرج
معه لوط مهاجرا وتزوج سارة ابنة عمه فخرج بها معه يلتمس الفرار بدينه والأمان
على عبادة ربه حتى نزل حران فمكث بها ما شاء الله أن يمكث ثم خرج منها مهاجرا
حتى قدم مصر وبها فرعون من الفراعنة الأولى وكانت سارة من أحسن الناس
فيما يقال فكانت لا تعصى إبراهيم شيئا وبذلك أكرمها الله عزو جل فلما
وصفت لفرعون ووصف له حسنها وجمالها أرسل إلى إبراهيم فقال ما هذه
المرأة التي معك قال هي أختي وتخوف إبراهيم إن قال هي امرأتي أن يقتله عنها
فقال لإبراهيم زينها ثم أرسلها إلى حتى أنظر إليها فرجع إبراهيم إلى سارة وأمرها
فتهيأت ثم أرسلها إليه فأقبلت حتى دخلت عليه فلما قعدت إليه تناولها بيده فيبست
171

إلى صدره فلما رأى ذلك فرعون أعظم أمرها وقال ادعى الله أن يطلق عنى فوالله
لا أريبك ولأحسنن إليك فقالت اللهم إن كان صادقا فأطلق يده فأطلق الله يده فردها
إلى إبراهيم ووهب لها هاجر جارية كانت له قبطية * حدثنا أبو كريب قال حدثنا
أبو أسامة قال حدثني هشام عن محمد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال لم يكذب إبراهيم عليه السلام غير ثلاث ثنتين في ذات الله قوله
إني سقيم وقوله بل فعله كبيرهم هذا وبينا هو يسير في أرض جبار من الجبابرة
إذ نزل منزلا فأتى الجبار رجل فقال إن في أرضك أو قال ههنا رجلا معه
امرأة من أحسن الناس فأرسل إليه فجاء فقال ما هذه المرأة منك قال هي أختي
قال اذهب فأرسل بها إلى فانطلق إلى سارة فقال إن هذا الجبار قد سألني عنك
فأخبرته أنك أختي فلا تكذبيني عنده فإنك أختي في الله فإنه ليس في الأرض
مسلم غيري وغيرك قال فانطلق بها وقام إبراهيم عليه السلام يصلى قال فلما
دخلت عليه فرآها أهوى إليها يتناولها فاخذ أخذا شديدا فقال ادعى الله ولا
أضرك فدعت له فأرسل * فذهب إليها يتناولها فاخذ أخذ شديدا فقال ادعى
الله فلا أضرك فدعت له فأرسل ثم فعل ذلك الثالثة فأخذ فذكر مثل المرتين فأرسل
فدعا أدنى حجابه فقال إنك لم تأتني بإنسان ولكنك أتيتني بشيطان أخرجها وأعطاها
هاجر فأخرجت وأعطيت هاجر فأقبلت بها فلما أحس إبراهيم بمجيئها انفتل من صلاته
فقال مهيم فقالت كفى الله كيد الفاجر الكافر وأخدم هاجر قال محمد بن سيرين
فكان أبو هريرة إذا حدث هذا الحديث يقول فتلك أمكم يا بنى ماء السماء
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثنا محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن
ابن أبي الزناد عن أبيه عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة قال سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول لم يقل إبراهيم شيئا قط " لم يكن " إلا ثلاثا قوله
إني سقيم ولم يكن به سقم وقوله بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون
وقوله لفرعون حين سأله عن سارة فقال من هذه المرأة معك قال أختي قال
فما قال إبراهيم عليه السلام شيئا قط " لم يكن " إلا ذلك * حدثني سعيد بن يحيى
172

الأموي * قال حدثني أبي قال حدثنا محمد بن إسحاق قال حدثنا أبو الزناد عن
عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكذب
إبراهيم في شئ قط إلا في ثلاث ثم ذكر نحوه * حدثنا أبو كريب قال حدثنا
أبو أسامة قال حدثني هشام عن محمد عن أبي هريرة أن رسول اله صلى الله
عليه وسلم قال لم يكذب إبراهيم غير ثلاث ثنتين في ذات الله قوله إني سقيم
وقوله بل فعله كبيرهم هذا وقوله في سارة هي أختي * حدثني ابن حميد قال
حدثنا جرير عن مغيرة عن المسيب بن رافع عن أبي هريرة قال ما كذب إبراهيم
عليه السلام غير ثلاث كذبات قوله إني سقيم وقوله بل فعله كبيرهم هذا وإنما قاله
موعظة وقوله حين سأله الملك فقال أختي لسارة وكانت امرأته * وحدثني يعقوب
قال حدثني ابن علية عن أيوب عن محمد قال إن إبراهيم لم يكذب إلا ثلاث كذبات
ثنتان في الله وواحدة في ذات نفسه وأما الثنتان فقوله انى سقيم وقوله بل فعله كبيرهم
هذا وقصته في سارة وذكر قصتها وقصة الملك * قال أبو جعفر رجع الحديث إلى
حديث ابن إسحاق وكانت هاجر جارية ذات هيئة فوهبتها سارة لإبراهيم وقالت انى
أراها امرأة وضيئة فخذها لعل الله يرزقك منها ولدا وكانت سارة قد منعت الولد
فلا تلد لإبراهيم حتى أسنت وكان إبراهيم قد دعا الله ان يهب له من الصالحين وأخرت
الدعوة حتى كبر إبراهيم وعقمت سارة ثم إن إبراهيم وقع على هاجر فولدت له إسماعيل
عليهما السلام * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني ابن إسحاق عن الزهري
عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم إذا فتحتم مصر فاستوصوا بأهلها خيرا فان لهم ذمة ورحما *
حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني ابن إسحاق قال سألت الزهري ما الرحم
التي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم قال كانت هاجر أم إسماعيل منهم فيزعمون
والله أعلم ان سارة حزنت عند ذلك على ما فاتها من الولد حزنا شديدا وقد
كان إبراهيم خرج من مصر إلى الشأم وهاب ذلك الملك الذي كان بها وأشفق
من شره حتى قدمها فنزل السبع من أرض فلسطين وهى برية الشأم ونزل لوط
173

بالمؤتفكة وهى من السبع على مسيرة يوم وليلة وأقرب من ذلك فبعثه الله عزو جل
نبيا وأقام إبراهيم فيما ذكر لي بالسبع فاحتفر به بئرا واتخذ به مسجدا فكان ماء
تلك البئر معينا ظاهرا فكانت غنمه تردها ثم إن أهلها آذوه فيها ببعض الأذى
فخرج منها حتى نزل بناحية من أرض فلسطين بين الرملة وإيليا ببلد يقال له قط
أو قط فلما خرج من بين أظهرهم نضب الماء فذهب واتبعه أهل السبع حتى
أدركوه وندموا على ما صنعوا وقالوا أخرجنا من بين أظهرنا رجلا صالحا
فسألوه أن يرجع إليهم فقال ما أنا براجع إلى بلد أخرجت منه قالوا له فان الماء الذي
كنت تشرب منه ونشرب معك منه قد نضب فذهب فأعطاهم سبع أعنز من غنمه
فقال اذهبوا بها معكم فإنكم لو قد أوردتموها البئر قد ظهر الماء حتى يكون معينا
ظاهرا كما كان فاشربوا منها فلا تغترفن منها امرأة حائض فخرجوا بالأعنز فلما
وقفت على البئر ظهر إليها الماء فكانوا يشربون منها وهى على ذلك حتى أتت
امرأة طامث فاغترفت منها فنكص ماؤها إلى الذي هو عليه اليوم ثم ثبت * قال
وكان إبراهيم يضيف من نزل به وكان الله عز وجل قد أوسع عليه وبسط له في
الرزق والمال والخدم فلما أراد الله عز وجل هلاك قوم لوط بعث إليه رسله
يأمرونه بالخروج من بين أظهرهم وكانوا قد عملوا من الفاحشة ما لم يسبقهم به
أحد من العالمين مع تكذيبهم نبيهم وردهم عليه ما جاءهم به من النصيحة من ربهم
وأمرت الرسل ان ينزلوا على إبراهيم وان يبشروه وسارة بإسحاق ومن وراء
إسحاق يعقوب فلما نزلوا على إبراهيم وكان الضيف قد حبس عنه خمس عشرة
ليلة حتى شق ذلك عليه فيما يذكرون لا يضيفه أحد ولا يأتيه فلما رآهم سر هم
رأى ضيفا لم يضفه مثلهم حسنا وجمالا فقال لا يخدم هؤلاء القوم أحد الا أنا
بيدي فخرج إلى أهله فجاء كما قال الله عز وجل بعجل سمين قد حنذه والتحناذ
الانضاج يقول الله جل ثناؤه (فجاء بعجل حنيذ) فقربه إليهم فأمسكوا أيديهم
عنه فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة حين لم يأكلوا من
طعامه قالوا لا تخف انا قد أرسلنا إلى قوم لوط وامرأته سارة قائمة فضحكت لما
174

عرفت من أمر الله عز وجل ولما تعلم من قوم لوط فبشروها بإسحاق ومن وراء
إسحاق يعقوب بابن وابن ابن فقالت وصكت وجهها قال ضربت على جبينها
(يا ويلتي أألد وأنا عجوز) (عقيم - إلى قوله - إنه حميد مجيد) وكانت سارة يومئذ
فيما ذكر لي بعض أهل العلم ابنة تسعين سنة وإبراهيم ابن عشرين ومائة سنة فلما
ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى بإسحاق ويعقوب ولد من صلب إسحاق
وأمن ما كان يخاف قال الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق ان
ربى لسميع الدعاء * حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال حدثني حجاج عن ابن
جريح قال أخبرني وهب بن سليمان عن شعيب الجبائي قال ألقى إبراهيم في النار
وهو ابن ست عشرة سنة وذبح إسحاق وهو ابن سبع سنين وولدته سارة وهى
ابنة تسعين سنة وكان مذبحه من بيت إيليا على ميلين فلما علمت سارة بما أراد
بإسحاق مرضت يومين وماتت اليوم الثالث وقيل ماتت سارة وهى ابنة مائة
وسبع وعشرين سنة * حدثني موسى بن هارون قال حدثنا عمرو بن حماد قال
حدثنا أسباط عن السدى قال بعث الله الملائكة لتهلك قوم لوط فأقبلت تمشى
في صورة رجال شباب حتى نزلوا على إبراهيم فتضيفوه فلما رآهم إبراهيم أجلهم
فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين فذبحه ثم شواه في الرضف وهو الحنيذ حين
شواه وأتاهم فقعد معهم وقامت سارة تخدمهم فذلك حين يقول جل ثناؤه
(وامرأته قائمة وهو جالس) في قراءة ابن مسعود فلما قربه إليهم قال ألا تأكلون
قالوا يا إبراهيم انا لا نأكل طعاما لا بثمن قال فان لهذا ثمنا قالوا وما ثمنه قال
تذكرون اسم الله على أوله وتحمدونه على آخره فنظر جبرائيل إلى ميكائيل فقال
حق لهذا أن يتخذه ربه خليلا فلما رأى أيديهم لا تصل إليه يقول لا يأكلون
فزع منهم وأوجس منهم خيفة فلما نظرت إليه سارة انه قد أكرمهم وقامت هي
تخدمهم ضحكت وقالت عجبا لاضيافنا هؤلاء انا نخدمهم بأنفسنا تكرمة لهم وهم
لا يأكلون طعامنا
175

ذكر أمر بناء البيت
قال ثم إن الله عز وجل أمر إبراهيم بعد ما ولد له إسماعيل وإسحاق فيما ذكر
ببناء بيت له يعبد فيه ويذكر فلم يدر إبراهيم في أي موضع يبنى إذ لم يكن بين له
ذلك فضاق بذلك ذرعا فقال بعض أهل العلم بعث الله إليه السكينة لتدله على موضع
البيت فمضت به السكينة ومع إبراهيم هاجر زوجته وابنه إسماعيل وهو طفل
صغير * وقال بعضهم بل بعث الله إليه جبرائيل عليه السلام حتى دله على موضعه
وبين له ما ينبغي ان يعمل
ذكر من قال الذي بعثه الله إليه لذلك السكينة
حدثنا هناد بن السرى قال حدثنا أبو الأحوص عن سماك بن حرب عن خالد بن عرعرة
ان رجلا قام إلى علي بن أبي طالب فقال ألا تخبرني عن البيت أهو أول بيت وضع في
الأرض فقال لا ولكنه أول بيت وضع في البركة مقام إبراهيم ومن دخله كان
آمنا وإن شئت أنبأتك كيف بنى إن الله عز وجل أوحى إلى إبراهيم أن ابن لي بيتا
في الأرض فضاق إبراهيم بذلك ذرعا فأرسل عز وجل السكينة وهى ريح خجوج
ولها رأسان فاتبع أحدهما صاحبه حتى انتهت إلى مكة فتطوت على موضع البيت
كتطوى الحية وأمر إبراهيم أن يبنى حيث تستقر السكينة فبنى إبراهيم وبقى حجر
فذهب الغلام يبنى شيئا فقال إبراهيم لا أبغي حجرا كما آمرك فانطلق الغلام يلتمس
له حجرا فاتاه به فوجده قد ركب الحجر الأسود في مكانه فقال يا أبت من أتاك
بهذا الحجر فقال أتاني به من لم يتكل على بنائك أتاني به جبرائيل من السماء فأتماه
* حدثنا ابن بشار وابن المثنى قالا حدثنا مؤمل قال حدثنا سفيان عن أبي إسحاق
عن حارثة بن مضرب عن علي عليه السلام قال لما أمر إبراهيم ببناء البيت خرج
معه إسماعيل وهاجر فلما قدم مكة رأى على رأسه في موضع البيت مثل الغمامة
فيه مثل الرأس فكلمه قال يا إبراهيم ابن علي ظلي أو على قدري ولا تزد ولا تنقص
فلما بنى خرج وخلف إسماعيل وهاجر فقالت هاجر يا إبراهيم إلى من تكلنا قال
إلى الله قالت انطلق فإنه لا يضيعنا قال فعطش إسماعيل عطشا شديدا فصعدت
176

هاجر الصفا فنظرت فلم تر شيئا ثم أتت المروة فنظرت فلم تر شيئا ثم رجعت إلى الصفا
فنظرت فلم تر شيئا حتى فعلت ذلك سبع مرات فقالت يا إسماعيل مت حيث لا أراك
فأتته وهو يفحص برجله من العطش فناداها جبرائيل فقال من أنت قالت أنا
هاجر أم ولد إبراهيم قال إلى من وكلكما قالت وكلنا إلى الله قال وكلكما إلى كاف
قال ففحص الغلام الأرض بأصبعه فنبعت زمزم فجعلت تحبس الماء فقال دعيه فإنها
رواء * حدثني موسى بن هارون قال حدثنا عمرو بن حماد قال حدثنا أسباط عن
السدى قال لما عهد الله إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين انطلق إبراهيم
حتى أتى مكة فقام هو وإسماعيل وأخذ المعاول لا يدريان أين البيت فبعث الله عز وجل
ريحا يقال لها ريح الخجوج لها جناحان ورأس في صورة حية فكنست لهما
ما حول الكعبة عن أساس البيت الأول واتبعاها بالمعاول يحفران حتى وضعا
الأساس فذلك حين يقول عز وجل (وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت) *
وحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن الحسن بن عمارة
عن سماك بن حرب عن خالد بن عرعرة عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه كان
يقول لما أمر الله إبراهيم بعمارة البيت والاذان بالحج في الناس خرج من الشأم
ومع ابنه إسماعيل وأم إسماعيل هاجر وبعث الله معه السكينة ريح لها لسان
تكلم به يغدو معها إبراهيم إذا غدت ويروح معها إذا راحت حتى انتهت به إلى
مكة فلما أتت موضع البيت استدارت به ثم قالت لإبراهيم ابن علي ابن علي ابن علي
فوضع إبراهيم الأساس ورفع البيت هو وإسماعيل حتى انتهيا إلى موضع الركن
قال إبراهيم لإسماعيل يا بنى ابغ لي حجرا أجعله علما للناس فجاءه بحجر فلم يرضه
وقال ابغنى غير هذا فذهب إسماعيل ليلتمس له حجرا فجاءه فقد أتى بالركن فوضعه
في موضعه فقال يا أبت من جاءك بهذا الحجر قال من لم يكلني إليك يا بنى * وقال
آخرون إن الذي خرج مع إبراهيم من الشام لدلالته على موضع البيت جبرائيل
عليه السلام وقالوا كان إخراجه هاجر وإسماعيل إلى مكة لما كان من غيرة سارة
بسبب ولادة هاجر منه إسماعيل.
177

ذكر من قال ذلك
* حدثني موسى بن هارون قال حدثنا عمرو بن حماد قال حدثنا أسباط عن
السدى بالاسناد الذي قد ذكرناه أن سارة قالت لإبراهيم تسر بهاجر فقد أذنت
لك فوطئها فحملت بإسماعيل ثم إنه وقع على سارة فحملت بإسحاق فلما ولدته وكبر
افتتل هو وإسماعيل فغضبت سارة على أم إسماعيل وغارت عليها فأخرجتها ثم إنها
دعتها فأدخلتها * ثم غضبت أيضا فأخرجتها ثم أدخلتها وحلفت لتقطعن منها بضعة
فقالت أقطع أنفها أقطع أذنها فيشينها ذلك ثم قالت لابل أخفضها فقطعت ذلك
منها فاتخذت هاجر عند ذلك ذيلا تعفى به عن الدم فلذلك خفضت النساء واتخذت
ذيولا ثم قالت لا تساكني في بلد وأوحى الله إلى إبراهيم أن يأتي مكة وليس يومئذ
بمكة بيت فذهب بها إلى مكة وابنها فوضعهما وقالت له هاجر إلى من تركتنا ههنا ثم
ذكر خبرها وخبر ابنها * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال
حدثنا عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد وغيره من أهل العلم أن الله عز وجل لما بوأ
لإبراهيم مكان البيت ومعالم الحرم فخرج وخرج معه جبرائيل يقال كان لا يمر
بقرية إلا قال بهذه أمرت يا جبرائيل فيقول جبرائيل أمضه حتى قدم به مكة وهى
إذ ذاك عضاه سلم وسمر وبها أناس يقال لهم العماليق خارج مكة وما حولها والبيت
يومئذ ربوة حمراء مدرة فقال إبراهيم لجبرائيل أههنا أمرت أن أضعهما قال نعم
فعمد بهما إلى موضع الحجر فأنزلهما فيه وأمر هاجر أم إسماعيل أن تتخذ فيه عريشا
فقال (رب إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم
- إلى - لعلهم يشكرون) ثم انصرف إلى أهله بالشام وتركهما عند البيت قال فظمئ
إسماعيل ظمئا شديدا فالتمست له أمه ماء فلم تجده فاستمعت هل تسع صوتا لتلتمس له
شرابا فسمعت كالصوت عند الصفا فأقبلت حتى قامت عليه فلم تر شيئا ثم سمعت
صوتا نحو المروة فأقبلت حتى قامت عليه فلم تر شيئا ويقال بل قامت على الصفا
وتدعو الله وتستغيثه لإسماعيل * ثم عمدت إلى المروة ففعلت ذلك ثم أنها
سمعت أصوات سباع الوادي نحو إسماعيل حيث تركته فأقبلت إليه تشتد
178

فوجدته يفحص الماء بيده من عين قد انفجرت من تحت يده فشرب منها وجاءتها
أم إسماعيل فجعلتها حسيا ثم استقت منها في قربتها تذخره لإسماعيل فلولا الذي فعلت
ما زالت زمزم معينا ظاهرا ماؤها أبدا قال مجاهد ولم نزل نسمع أن زمزم هزمه
جبرائيل بعقبه لإسماعيل حين ظمئ * حدثني يعقوب بن إبراهيم والحسن بن
محمد قالا حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب قال نبئت عن سعيد بن جبير أنه حدث
عن ابن عباس أن أول من سعى بين الصفا والمروة لام إسماعيل وأن أول من أحدث
من نساء العرب جر لذيول لام إسماعيل قال لما فرت من سارة أرخت ذيلها لتعفى
أثرها فجاء بها إبراهيم ومعها إسماعيل حتى انتهى بهما إلى موضع البيت فوضعهما
ثم رجع فاتبعته فقالت إلى أي شئ تكلنا إلى طعام إلى شراب تكلنا فجعل لا يرد
عليها شيئا فقالت آلله أمرك بهذا قام نعم قالت إذا لا يضيعنا قال فرجعت ومضى
حتى إذا استوى على ثنية كداء أقبل على الوادي فقال (ربنا إني أسكنت من ذريتي
بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم) الآية قال ومع الإنسانة شنة فيها ماء فنفد
الماء فعطشت فانقطع لبنها فعطش الصبى فنظرت أي الجبال أدنى إلى الأرض
فصعدت الصفا فتسمعت هل تسمع صوتا أو ترى أنيسا فلم تسمع شيئا فانحدرت
فلما أتت على الوادي سعت وما تريد السعي كالانسان المجهود الذي يسعى وما يريد
السعي فنظرت أي الجبال أدنى إلى الأرض فصعدت المروة فتسمعت هل تسمع
صوتا أو ترى أنيسا فسمعت صوتا فقالت كالانسان الذي يكذب سمعه صه حتى
استيقنت فقالت قد أسمعتني صوتك فأغثني فقد هلكت وهلك من معي فجاء
الملك بها حتى انتهى بها إلى موضع زمزم فضرب بقدمه ففارت عينا فعجلت الإنسانة
تفرغ في شنتها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " رحم الله أم إسماعيل لولا أنها
عجلت لكانت زمزم عينا معينا " وقال لها الملك لا تخافي الظمأ على أهل هذا البلد
فإنها عين لشرب ضيفان الله وقال إن أبا هذا الغلام سيجئ فيبنيان لله بيتا هذا
موضعه قال ومرت رفقة من جرهم تريد الشأم فرأوا الطير على الجبل فقالوا إن
هذا الطير لعائف على ماء فهل علمتم بهذا الوادي من ماء فقالوا لا فأشرفوا فاذاهم
179

بالإنسانة فأتوها فطلبوا إليها أن ينزلوا معها فأذنت لهم قال وأتى عليها ما يأتي على
هؤلاء الناس من الموت فماتت وتزوج إسماعيل امرأة منهم فجاء إبراهيم فسأل عن
منزل إسماعيل حتى دل عليه فلم يجده ووجد امرأة له فظة غليظة فقال لها إذا جاء
زوجك فقولي له جاء ههنا شيخ من صفته كذا وكذا وأنه يقول لك إني لا أرضى
لك عتبة بابك فحولها فانطلق فلما جاء إسماعيل أخبرته فقال ذلك أبى وأنت عتبة
بابى فطلقها وتزوج امرأة أخرى منهم فجاء إبراهيم حتى انتهى إلى منزل إسماعيل
فلم يجده ووجد امرأة له سهلة طلقة فقال لها أين انطلق زوجك فقالت انطلق إلى
الصيد قال فما طعامكم قالت اللحم والماء قال اللهم بارك لهم في لحمهم ومائهم ثلاثا
وقال لها إذا جاء زوجك فأخبريه فقولي له جاء ههنا شيخ من صفته كذا وكذا
وإنه يقول لك قد رضيت لك عتبة بابك فاثبتها فلما جاء إسماعيل أخبرته قال ثم
جاء الثالثة فرفعا القواعد من البيت * حدثنا الحسن بن محمد قال حدثني يحيى بن
عباد قال حدثنا حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس
قال جاء إبراهيم نبي الله بإسماعيل وهاجر فوضعهما بمكة في موضع زمزم فلما مضى
نادته هاجر يا إبراهيم أنا أسألك ثلاث مرات من أمرك أن تضعني بأرض ليس
فيها زرع ولا ضرع ولا أنيس ولا ماء ولا زاد قال ربى أمرني قالت فإنه لن يضيعنا
قال فلما قفا إبراهيم قال (ربنا إنك تعلم ما نخفى وما نعلن) يعنى من الحزن
(وما يخفى على الله من شئ في الأرض ولا في السماء) فلما ظمئ إسماعيل جعل
يدحص الأرض بعقبه فذهبت هاجر حتى علت الصفا والوادي يومئذ لأخ يعنى
عميق فصعدت الصفا فأشرفت لتنظر هلى ترى شيئا فلم تر شيئا فانحدرت فبلغت
الوادي فسعت فيه حتى خرجت منه فأتت المروة فصعدت فاستشرفت هل ترى
شيئا فلم تر شيئا ففعلت ذلك سبع مرات ثم جاءت من المروة إلى إسماعيل وهو
يدحص الأرض بعقبه وقد نبعت العين وهى زمزم فجعلت تفحص الأرض بيدها
عن الماء فكلما اجتمع ماء أخذته بقدحها فأفرغته في سقائها قال فقال النبي صلى الله
عليه وسلم يرحمها الله لو تركتها لكانت عينا سائحة تجرى إلى يوم القيامة قال وكانت
180

جرهم يومئذ بواد قريب من مكة قال ولزمت الطير الوادي حين رأت الماء فلما
رأت جرهم الطير لزمت الوادي قالوا ما لزمته إلا وفيه ماء فجاءوا إلى هاجر فقالوا
لو شئت كنا معك وآنسناك والماء ماؤك قالت نعم فكانوا معها حتى شب إسماعيل
وماتت هاجر فتزوج إسماعيل امرأة من جرهم قال فاستأذن إبراهيم سارة أن يأتي
هاجر فأذنت له وشرطت عليه أن لا ينزل وقدم إبراهيم وقد ماتت هاجر إلى بيت
إسماعيل فقال لامرأته أين صاحبك قالت ليس ههنا ذهب يتصيد وكان إسماعيل
يخرج من الحرم فيتصيد ثم يرجع فقال إبراهيم هل عندك ضيافة هل عندك طعام
أو شراب قالت ليس عندي وما عندي أحد قال إبراهيم إذا جاء زوجك فاقرئيه
السلام وقولي له فليغير عتبة بابه وذهب إبراهيم وجاء إسماعيل فوجد ريح أبيه
فقال لامرأته هل جاءك أحد قالت جاءني شيخ صفته كذا وكذا كالمستخفة بشأنه
قال فما قال لك قالت قال لي اقرئي زوجك السلام وقولي له فليغير عتبة بابه فطلقها
وتزوج أخرى فلبث إبراهيم ما شاء الله أن يلبث ثم استأذن سارة أن يزور إسماعيل
فأذنت له واشترطت عليه أن لا ينزل فجاء إبراهيم حتى انتهى إلى باب إسماعيل
فقال لامرأته أين صاحبك قالت ذهب يتصيد وهو يجئ الآن إن شاء الله فأنزل
يرحمك الله قال لها هل عندك ضيافة قالت نعم قال هل عندك خبز أو بر أو شعير
أو تمر قال فجاءت باللبن واللحم فدعا لهما بالبركة فلو جاءت يومئذ بخبز أو بر أو تمر
أو شعير لكان أكثر أرض الله برا أو شعيرا أو تمرا فقالت انزل حتى أغسل رأسك
فلم ينزل فجاءته بالمقام فوضعته عن شقه الأيمن فوضع قدمه عليه فبقى أثر قدمه عليه
فغسلت شق رأسه الأيمن ثم حولت المقام إلى شقة الأيسر فغسلت شقه الأيسر فقال لها
إذا حاء زوجك فاقرئيه السلام وقولي له قد استقامت عتبة بابك فلما جاء إسماعيل وجد
ريح أبيه فقال لامرأته هل جاءك أحد قالت نعم شيخ أحسن الناس وجها وأطيبهم ريحا
فقال لي كذا وكذا وقلت له كذا وكذا وغسلت رأسه وهذا موضع قدميه على المقام
قال وما قال لك قالت قال لي إذا جاء زوجك فاقرئيه السلام وقولي له قد استقامت
عتبة بابك قال ذلك إبرهيم فلبث ما شاء الله أن يلبث فأمره الله عز وجل ببناء
181

البيت فبناه هو وإسماعيل فلما بنياه قيل (أذن في الناس بالحج) فجعل لا يمر
بقوم إلا قال يا أيها الناس إنه قد بنى لكم بيت فحجوه فجعل لا يسمعه أحد لا صخرة
ولا شجرة ولا شئ إلا قال لبيك اللهم لبيك وكان بين قوله ربنا إني أسكنت من
ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم وبين قوله الحمد لله الذي وهب لي على الكبر
إسماعيل وإسحاق كذا وكذا عاما لم يحفظ عطاء * حدثني محمد بن سنان قال
حدثنا عبيد الله بن عبد المجيد أبو علي الحنفي قال أخبرنا إبراهيم بن نافع قال سمعت
كثير بن كثير يحدث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال جاء يعنى إبراهيم
فوجد إسماعيل يصلح نبلا له من وراء زمزم فقال إبراهيم يا إسماعيل إن ربك
قد أمرني أن أبنى له بيتا فقال له إسماعيل فأطع ربك فيما امرك فقال إبراهيم قد
أمرك أن تعينني عليه قال إذا أفعل قال فقام معه فجعل إبراهيم يبنيه وإسماعيل
يناوله الحجارة ويقولان (ربنا تقبل من إنك أنت السميع العليم) فلما
ارتفع البنيان وضعف الشيخ عن رفع الحجارة قام على حجر وهو مقام إبراهيم
فجعل يناوله ويقولان تقبل منا إنك أنت السميع العليم فلما فرغ إبراهيم من بناء
البيت الذي أمره الله عز وجل ببنائه أمره الله أن يؤذن في الناس بالحج فقال له
(وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج
عميق) فقال إبراهيم فيما ذكر لنا ما حدثنا به ابن حميد قال حدثنا جرير عن قابوس
ابن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس قال لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قيل له
أذن في الناس بالحج قال يا رب وما يبلغ صوتي قال أذن وعلى البلاغ فنادى إبراهيم
يا أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق قال فسمعه ما بين السماء والأرض
أفلا ترى الناس يجيئون من أقصى الأرض يلبون * حدثنا الحسن بن عرفة قال
حدثنا محمد بن فضيل بن غزوان الضبي عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير
عن ابن عباس قال لما بنى إبراهيم البيت أوحى الله عز وجل إليه أن أذن في
الناس بالحج قال فقال إبراهيم ألا إن ربكم قد اتخذ بيتا وأمركم أن تحجوه فاستجاب
له ما سمعه من شئ من حجر أو شجر أو أكمة أو تراب أو شئ لبيك اللهم لبيك
182

* حدثنا ابن حميد قال حدثنا يحيى بن واضح قال حدثنا الحسين بن واقد عن أبي
الزبير عن مجاهد عن ابن عباس قوله وأذن في الناس بالحج قال قام إبراهيم عليه
السلام خليل الله على الحجر فنادى يا أيها الناس كتب عليكم الحج فأسمع من في
أصلاب الرجال وأرحام النساء فأجابه من آمن ممن سبق في علم الله أن يحج إلى
يوم القيامة لبيك اللهم لبيك * حدثنا ابن بشار قال حدثنا عبد الرحمن قال حدثنا
سفيان عن سلمة عن مجاهد قال قيل لإبراهيم أذن في الناس بالحج فقال يا رب كيف
أقول قال قل لبيك اللهم لبيك قال فكانت أول التلبية * حدثنا ابن حميد قال
حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن عمر بن عبد الله بن عروة أن عبد الله بن الزبير
قال لعبيد بن عمير الليثي كيف بلغك أن إبراهيم دعا إلى الحج قال بلغني أنه لما رفع
هو إسماعيل قواعد البيت وانتهى إلى ما أراد الله من ذلك وحضر الحج استقبل
اليمن فدعا إلى الله وإلى حج بيته فأجيب أن لبيك اللهم لبيك ثم استقبل المشرق
فدعا إلى الله وإلى حج بيته فأجيب أن لبيك اللهم لبيك ثم إلى المغرب فدعا إلى
الله وإلى حج بيته فأجيب أن لبيك اللهم لبيك ثم إلى الشأم فدعا إلى الله عز
وجل وإلى حج بيته فأجيب أن لبيك اللهم لبيك ثم خرج بإسماعيل وهو معه يوم
التروية فنزل به منى ومن معه من المسلمين فصلى بهم الظهر والعصر والمغرب
والعشاء الآخرة ثم بات بهم حتى أصبح فصلى بهم صلاة الفجر ثم غدا بهم إلى
عرفة فقال بهم هنالك حتى إذا مالت الشمس جمع بين الصلاتين الظهر والعصر
ثم راح بهم إلى الموقف من عرفة فوقف بهم على الأراك وهو الموقف من عرفة
الذي يقف عليه الامام يريه ويعلمه فلما غربت الشمس دفع به وبمن معه حتى أتى
المزدلفة فجمع فيها بين الصلاتين المغرب والعشاء الآخرة ثم بات به وبمن معه حتى
إذا طلع الفجر صلى بهم صلاة الغداة ثم وقف به على قزاح من المزدلفة فيمن معه
وهو الموقف الذي يقف به الامام حتى إذا أسفر دفع به وبمن معه يريه ويعلمه
كيف يصنع حتى رمى الجمرة الكبرى وأراه المنحر من منى ثم نحر وحلق ثم أفاض
به من منى ليريه كيف يطوف ثم عاد به إلى منى ليريه كيف يرمى الجمار حتى فرغ
183

له من الحج وأذن به في الناس * قال أبو جعفر وقد روى عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم وعن بعض أصحابه أن جبرائيل هو الذي كان يرى إبراهيم المناسك إذا حج
ذكر الرواية بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
* حدثنا أبو كريب قال حدثنا عبيد الله بن موسى * وحدثنا محمد بن إسماعيل
الأحمسي قال حدثنا عبيد الله بن موسى قال أخبرنا ابن أبي ليلى عن ابن أبي مليكة
عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أتى جبرائيل إبراهيم يوم
التروية فراح به إلى منى فصلى به الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر
بمنى ثم غدا به إلى عرفات فأنزله الأراك أو حيث ينزل الناس فصلى به الصلاتين
جميعا الظهر والعصر ثم وقف به حتى إذا كان كأعجل ما يصلى أحد من الناس
المغرب أفاض حتى أتى به جمعا فصلى به الصلاتين جميعا المغرب والعشاء ثم
أقام حتى إذا كان كأعجل ما يصلى أحد من الناس الفجر صلى به ثم وقف حتى
إذا كان كأبطأ ما يصلى أحد من المسلمين الفجر أفاض به إلى منى فرمى الجمرة ثم
ذبح وحلق ثم أفاض إلى البيت ثم أوحى الله عز وجل إلى محمد صلى الله عليه وسلم
(أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين) * حدثنا أبو كريب
قال حدثنا عمران بن محمد بن أبي ليلى قال حدثني أبي عن عبد الله بن أبي مليكة
عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه *
ثم إن الله تعالى ذكره ابتلى خليله إبراهيم عليه السلام بذبح ابنه
واختلف السلف من علماء أمة نبينا صلى الله عليه وسلم في الذي أمر إبراهيم
بذبحه من ابنيه فقال بعضهم هو إسحاق بن إبراهيم وقال بعضهم هو إسماعيل بن إبراهيم
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلا القولين لو كان فيهما صحيح لم نعده
إلى غيره غير أن الدليل من القرآن على صحة الرواية التي رويت عنه صلى الله عليه
وسلم أنه قال هو إسحاق أوضح وأبين منه على صحة الأخرى والرواية التي رويت
عنه أنه قال هو إسحاق حدثنا بها أبو كريب قال حدثنا زيد بن الحباب عن الحسن
184

ابن دينار عن علي بن زيد بن جدعان عن الحسن عن الأحنف بن قيس عن العباس
ابن عبد المطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ذكر فيه (وفديناه
بذبح عظيم) قال هو إسحاق * وقد روى هذا الخبر عن غيره من وجه أصلح
من هذا الوجه غير أنه موقوف على العباس غير مرفوع إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم
ذكر من قال ذلك
* حدثنا أبو كريب قال حدثنا ابن يمان عن مبارك عن الحسن عن الأحنف
ابن قيس عن العباس بن عبد المطلب وفديناه بذبح عظيم قال هو إسحاق * وأما
الرواية التي رويت عنه إنه هو إسماعيل فما حدثنا محمد بن عمار الرازي قال حدثنا
إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة قال حدثنا عمر بن عبد الرحيم الخطابي عن عبد الله
ابن محمد العتبى من ولد عتبة بن أبي سفيان عن أبيه قال حدثني عبد الله بن سعيد
عن الصنابحي قال كنا عند معاوية بن أبي سفيان فذكروا الذبيح إسماعيل أو إسحاق
فقال على الخبير سقطتم كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه رجل فقال
يا رسول الله عد على مما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين فضحك رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقيل له وما الذبيحان يا رسول الله فقال إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم
نذر لله لئن سهل الله له أمرها ليذبحن أحد ولده قال فخرج السهم على عبد الله
فمنعه أخواله وقالوا افد ابنك بمائة من الإبل ففداه بمائة من الإبل وإسماعيل الثاني *
ونذكر الآن من قال من السلف إنه إسحاق ومن قال إنه إسماعيل
ذكر من قال هو إسحاق
* حدثنا أبو كريب قال حدثنا ابن يمان عن مبارك عن الحسن عن الأحنف
ابن قيس عن العباس بن عبد المطلب وفديناه بذبح عظيم قال هو إسحاق
* حدثنا الحسين بن يزيد الطحان قال حدثنا ابن إدريس عن داود بن أبي هند
عن عكرمة عن ابن عباس قال الذي أمر بذبحه إبراهيم هو إسحاق * حدثني يعقوب
قال حدثنا ابن علية عن داود عن عكرمة قال قال ابن عباس الذبيح هو إسحاق
185

* حدثنا ابن المثنى قال حدثنا ابن أبي عدى عن داود عن عكرمة عن ابن عباس
وفديناه بذبح عظيم قال هو إسحاق * حدثنا ابن المثنى قال حدثنا محمد بن جعفر قال
حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص قال افتخر رجل عند ابن مسعود فقال
أنا فلان ابن فلان ابن الأشياخ الكرام فقال عبد الله ذاك يوسف بن يعقوب بن إسحاق
ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله * حدثنا ابن حميد قال حدثنا إبراهيم بن المختار قال
حدثنا محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن أبي بكر عن الزهري عن العلاء بن جارية
الثقفي عن أبي هريرة عن كعب في قوله وفديناه بذبح عظيم قال من ابنه إسحاق
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر
عن محمد بن مسلم الزهري عن أبي سفيان ابن العلاء بن جارية الثقفي حليف بنى زهرة
عن أبي هريرة عن كعب الأحبار أن الذي أمر إبراهيم بذبحه من ابنيه إسحاق
* حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب أن عمرو
ابن أبي سفيان بن أسيد بن جارية الثقفي أخبره أن كعبا قال لأبي هريرة ألا أخبرك
عن إسحاق بن إبراهيم النبي قال أبو هريرة بلى قال كعب لما أرى إبراهيم ذبح
إسحاق قال الشيطان والله لئن لم أفتن عند هذا آل إبراهيم لا أفتن أحدا منهم أبدا
فتمثل الشيطان لهم رجلا يعرفونه فأقبل حتى خرج إبراهيم بإسحاق ليذبحه دخل
على سارة امرأة إبراهيم فقال لها أين أصبح إبراهيم غاديا بإسحاق قلت غدا لبعض
حاجته قال الشيطان لا والله ما لذلك غدا به قالت سارة فلم غدا به؟ قال غدا به
ليذبحه قالت سارة ليس من ذلك شئ لم يكن ليذبح ابنه قال الشيطان بلى والله
قالت سارة فلم يذبحه؟ قال زعم أن ربه أمره بذلك قالت سارة فهذا أحسن بأن
يطيع ربه إن كان أمره بذلك فخرج الشيطان من عند سارة حتى أدرك إسحاق وهو
يمشى على أثر أبيه فقال له أين أصبح أبو ك غاديا بك قال غدا بي لبعض حاجته قال
الشيطان لا والله ما غدا بك لبعض حاجته ولكنه غدا بك ليذبحك قال إسحاق
ما كان أبى ليذبحني قال بلى قال لم؟ قال زعم أن ربه أمره بذلك قال إسحاق فوالله لئن
أمره بذلك ليطيعنه فتركه الشيطان وأسرع إلى إبراهيم فقال أين أصبحت غاديا
186

بابنك قال غدوت به لبعض حاجتي قال أما والله ما غدوت به إلا لتذبحه قال لم أذبحه
قال زعمت أن ربك أمرك بذلك قال فوالله لئن كان أمرني ربى لا فعلن قال فلما أخذ
إبراهيم إسحاق ليذبحه وسلم اسحق أعفاه الله وفداه بذبح عظيم قال إبراهيم لإسحاق
قم أي بنى فان الله قد أعفاك فأوحى الله إلى اسحق انى أعطيك دعوة أستجيب
لك فيها قال اسحق اللهم فإني أدعوك أن تستجيب لي أيما عبد لقيك من الأولين
والآخرين لا يشرك بك شيئا فأدخله الجنة * حدثني عمرو بن علي قال حدثنا
أبو عاصم قال حدثنا سفيان عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن
أبيه قال قال موسى يا رب يقولون يا إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب فبم قالوا ذلك
قال إن إبراهيم لم يعدل بي شيئا قط إلا اختارني عليه وإن إسحق جاد لي بالذبح
وهو بغير ذلك أجود وإن يعقوب كلما زدته بلاء زادني حسن ظن * حدثنا ابن
بشار قال حدثنا مؤمل قال حدثنا سفيان عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عبيد بن
عمير عن أبيه قال قال موسى أي رب بم أعطيت إبراهيم وإسحاق ويعقوب
ما أعطيتهم فذكر نحوه * حدثنا أبو كريب قال حدثنا بن يمان عن إسرائيل
عن جابر عن ابن سابط قال هو إسحاق * حدثنا أبو كريب قال حدثنا بن يمان
عن سفيان عن أبي سنان الشيباني عن ابن أبي الهذيل قال الذبيح هو إسحاق *
حدثنا أبو كريب قال حدثنا سفيان بن عقبة عن حمزة الزيات عن أبي إسحاق عن أبي
ميسرة قال قال يوسف للملك في وجهه ترغب أن تأكل معي وأنا والله يوسف
ابن يعقوب نبي الله ابن إسحاق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله * حدثنا أبو كريب
قال حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي سنان عن ابن أبي الهذيل قال قال يوسف
للملك فذكر نحوه * حدثني موسى بن هارون قال حدثنا عمرو بن حماد قال
حدثنا أسباط عن السدى في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن
عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم ان إبراهيم عليه السلام ارى في المنام فقيل له أوف نذرك الذي نذرت
إن رزقك الله غلاما من سارة أن تذبحه * حدثني يعقوب قال حدثنا هشيم قال
187

حدثنا زكرياء وشعبة عن أبي إسحاق عن مسروق في قوله وفديناه بذبح عظيم
قال هو إسحاق
ذكر من قال هو إسماعيل
* حدثنا أبو كريب وإسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال حدثنا
يحيى بن يمان عن إسرائيل عن ثوير عن مجاهد عن ابن عمر قال الذبيح إسماعيل
* حدثنا ابن بشار قال حدثنا يحيى قال حدثنا سفيان قال حدثنا بيان عن الشعبي عن
ابن عباس وفديناه بذبح عظيم قال إسماعيل * حدثنا ابن حميد قال حدثنا يحيى ابن
واضح قال حدثنا أبو حمزة محمد بن ميمون السكري عن عطاء بن السائب عن
سعيد بن جبير عن عباس قال إن الذي أمر بذبحه إبراهيم إسماعيل * حدثني يعقوب
قال حدثنا هشيم عن علي بن زيد عن عمار مولى بني هاشم وعن يوسف بن مهران
عن ابن عباس قال هو إسماعيل يعنى وفديناه بذبح عظيم * حدثني يعقوب قال
حدثنا بن علية قال حدثنا داود عن الشعبي قال قال ابن عباس هو إسماعيل * وحدثني
به يعقوب مرة أخرى قال حدثنا ابن علية قال سئل داود بن أبي هند أي ابني
إبراهيم أمر بذبحه فزعم أن الشعبي قال قال ابن عباس هو إسماعيل * حدثنا ابن
المثنى قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن بيان عن الشعبي عن ابن
عباس أنه قال في الذي فداه الله بذبح عظيم قال هو إسماعيل * حدثنا يعقوب قال
حدثنا ابن علية قال حدثنا ليث عن مجاهد عن ابن عباس قوله وفديناه بذبح عظيم
قال هو إسماعيل * وحدثني يونس بن عبد الاعلى قال حدثنا بن وهب قال أخبرني
عمر بن قيس عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عباس أنه قال المفدى إسماعيل
وزعمت اليهود أنه إسحاق وكذبت اليهود * وحدثني محمد بن سنان القزاز قال
حدثنا أبو عاصم عن مبارك عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن عباس
الذي فداه الله عز وجل قال هو إسماعيل * حدثني محمد بن سنان قال حدثنا حجاج
عن حماد عن أبي عاصم الغنوي عن أبي الطفيل عن ابن عباس مثله * حدثني إسحاق بن
شاهين قال حدثني خالد بن عبد الله عن داود عن عامر قال الذي أراد إبراهيم
188

ذبحه إسماعيل * حدثنا ابن المثنى قال حدثني عبد الاعلى قال حدثنا داود عن
عامر أنه قال في هذه الآية وفديناه بذبح عظيم قال هو إسماعيل قال وكان قرنا الكبش
منوطين بالكعبة * حدثنا أبو كريب قال حدثنا ابن يمان عن إسرائيل عن
جابر عن الشعبي قال الذبيح إسماعيل * حدثنا أبو كريب قال حدثنا ابن يمان عن
إسرائيل عن جابر عن الشعبي قال رأيت قرني الكبش في الكعبة * حدثنا أبو كريب
قال حدثنا ابن يمان عن مبارك بن فضالة عن علي بن زيد بن جدعان عن يوسف
ابن مهران قال هو إسماعيل * حدثنا أبو كريب قال حدثنا ابن يمان قال حدثنا
سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال هو إسماعيل * حدثني يعقوب قال حدثنا
هشيم قال أخبرنا عوف عن الحسن وفديناه بذبح عظيم قال هو إسماعيل * حدثنا
ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال سمعت محمد بن كعب القرظي وهو
يقول إن الذي أمر الله عز وجل إبراهيم بذبحه من ابنيه إسماعيل وانا لنجد ذلك
في كتاب الله عز وجل في قصة الخبر عن إبراهيم وما أمر به من ذبح ابنه أنه
إسماعيل وذلك أن الله عز وجل يقول حين فرغ من قصة المذبوح من بنى إبراهيم
قال (وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين) ويقول (فبشرناها بإسحاق ومن
وراء إسحاق يعقوب) يقول بابن وابن ابن فلم يكن يأمره بذبح إسحق وله فيه
من الله من الموعود ما وعده وما الذي أمر بذبحه إلا إسماعيل * حدثنا ابن حميد
قال حدثنا سلمة قال حدثنا محمد بن إسحاق عن بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي
عن محمد بن كعب القرظي أنه حدثهم أنه ذكر ذلك لعمر بن عبد العزيز وهو خليفة
إذ كان معه بالشام فقال له عمران هذا لشئ ما كنت أنظر فيه وإني لا أراه
كما قلت ثم أرسل إلى رجل كان عنده بالشام كان يهوديا فأسلم فحسن إسلامه
وكان يرى أنه من علماء اليهود فسأله عمر بن عبد العزيز عن ذلك قال محمد بن كعب
القرظي وأنا عند عمر بن عبد العزيز فقال له عمر أي ابني إبراهيم أمر بذبحه فقال
إسماعيل والله يا أمير المؤمنين إن يهود لتعلم بذلك ولكنهم يحسدونكم معشر
العرب على أن يكون أباكم الذي كان من أمر الله فيه والفضل الذي ذكره الله
189

منه لصبره على ما أمر به فهم يجحدون ذلك ويزعمون أنه إسحاق لان إسحاق
أبو هم * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن الحسن بن دينار
وعمرو بن عبيد عن الحسن بن أبي الحسن البصري أنه كان لا يشك في ذلك أن الذي
أمر بذبحه من ابني إبراهيم إسماعيل * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال قال
محمد بن إسحاق سمعت محمد بن كعب القرظي يقول ذلك كثيرا * وأما الدلالة من
القرآن التي قلنا إنها على أن ذلك إسحاق أصح فقوله تعالى مخبرا عن دعاء خليله
إبراهيم حين فارق قومه مهاجرا إلى ربه إلى الشأم مع زوجته سارة قال (إني ذاهب
إلى ربى سيهدين; رب هب لي من الصالحين) وذلك قبل أن يعرف هاجر وقبل
أن تصير له أم إسماعيل ثم أتبع ذلك ربنا عز وجل الخبر عن إجابته دعاءه
وتبشيره إياه بغلام حليم ثم عن رؤيا إبراهيم أنه يذبح ذلك الغلام حين بلغ معه
السعي ولا يعلم في كتاب الله عز وجل تبشير لإبراهيم بولد ذكر إلا بإسحاق وذلك
قوله " وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب " وقوله
" فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم فأقبلت امرأته في صرة
فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم " ثم ذلك كذلك في كل موضع ذكر فيه
تبشير إبراهيم بغلام فإنما ذكر تبشير الله إياه به من زوجته سارة فالواجب أن
يكون ذلك في قوله فبشرناه بغلام حليم نظير ما في سائر سور القرآن من تبشيره
إياه به من زوجته سارة * وأما اعتلال من اعتل بأن الله لم يكن يأمر إبراهيم
يذبح إسحاق وقد أتته البشارة من الله قبل ولادته بولادته وولادة يعقوب منه
من بعده فإنها علة غير موجبة صحة ما قال وذلك أن الله تعالى انما أمر إبراهيم
يذبح إسحاق بعد إدراك إسحاق السعي وجائز أن يكون يعقوب ولد له قبل أن يؤمر
أبو ه بذبحه وكذلك لا وجه لاعتلال من اعتل في ذلك بقرن الكبش أنه رآه معلقا
في الكعبة وذلك أنه غير مستحيل أن يكون حمل من الشأم إلى الكعبة فعلق هنالك
190

ذكر الخبر عن صفه فعل إبراهيم خليل الرحمان
وابنه الذي أمر بذبحه فيما كان أمر به من ذلك
والسبب الذي من أجله أمر إبراهيم عليه السلام بذبحه
والسبب في أمر الله عز وجل إبراهيم بذبح ابنه الذي أمره بذبحه فيما ذكر أنه
إذ فارق قومه هاربا بدينه مهاجرا إلى ربه متوجها إلى الشأم من أرض العراق
دعا الله أن يهب له ولدا ذكرا صالحا من سارة فقال رب هب لي من الصالحين
كما أخبر الله تعالى عنه فقال (وقال إني ذاهب إلى ربى سيهدين، رب هب لي
من الصالحين) فلما نزل به أضيافه من الملائكة الذين كانوا أرسلوا إلى المؤتفكة
قوم لوط بشروه بغلام حليم عن أمر الله تعالى إياهم بتبشيره فقال إبراهيم إذ بشر
به هو إذا لله ذبيح فلما ولد الغلام وبلغ السعي قيل له أوف بنذرك الذي نذرت لله
ذكر من قال ذلك
* حدثني موسى بن هارون قال حدثني عمرو بن حماد قال حدثنا أسباط عن
السدى في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة
الهمداني عن عبد الله وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
قال جبرائيل عليه السلام لسارة أبشري بولد اسمه إسحاق ومن وراء إسحاق
يعقوب فضربت جبهتها عجبا فذلك قوله فصكت وجهها وقالت (أألد وأنا عجوز
وهذا بعلى شيخا إن هذا لشئ عجيب. قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله
وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد) قالت سارة لجبرائيل ما آية ذلك
فأخذ بيده عودا يابسا فلواه بين أصابعه فاهتز أخضر فقال إبراهيم هو إذا لله ذبيح
فلما كبر إسحاق أرى إبراهيم في النوم فقيل له أوف بنذرك الذي نذرت إن رزقك
الله غلاما من سارة أن تذبحه فقال لإسحاق انطلق نقرب قربانا إلى الله وأخذ
سكينا وحبلا ثم انطلق معه حتى إذا ذهب به بين الجبال قال له الغلام يا أبت أين
قربانك قال يا بنى إني أرى في المنام إني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل
191

ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين قال له إسحاق أشد درباطى حتى لا اضطرب
واكفف عن ثيابك حتى لا ينتضح عليها من دمى شئ فتراه سارة فتحزن
وأسرع مر السكين على حلقي ليكون أهون للموت على وإذا أتيت سارة فاقرأ
عليها السلام فأقبل عليه إبراهيم عليه السلام يقبله وقد ربطه وهو يبكى وإسحاق
يبكى حتى استنقع الدموع تحت خد إسحاق ثم إنه جر السكين على حلقه فلم يحك
السكين وضرب الله عز وجل صفيحة من نحاس على حلق إسحاق فلما رأى ذلك
ضرب به على جبينه وحز في قفاه فذلك قوله عز وجل (فلما أسلما وتله للجبين)
يقول سلما لله الامر فنودي يا إبراهيم قد صدقت الرويا بالحق التفت فإذا بكبش
فأخذه وخلى عن ابنه فأكب على ابنه يقبله وبقول يا بنى اليوم وهبت لي فذلك
قوله عز وجل (وفديناه بذبح عظيم) فرجع إلى سارة فأخبرها الخبر فجزعت
سارة وقالت يا إبراهيم أردت أن تذبح ابني ولا تعلمني * حدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة عن محمد ابن إسحاق قال كان إبراهيم فيما يقال إذا زارها يعنى هاجر حمل
على البراق يغدو من الشأم فيقيل بمكة ويروح من مكة فيبيت عند أهله بالشام
حتى إذا بلغ معه السعي وأخذ بنفسه ورجاه لما كان يأمل فيه من عبادة ربه وتعظيم
حرماته أرى في المنام أن يذبحه * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق
عن بعض أهل العلم أن إبراهيم حين أمر بذبح ابنه قال له يا بني خذ الحبل والمدية
ثم انطلق بنا إلى هذا الشعب لنحطب أهلك منه قبل أن يذكر له شيئا مما أمر به فلما
وجه إلى الشعب اعترضه عدو الله إبليس ليصده عن أمر الله في صورة رجل فقال
أين تريد أيها الشيخ قال أريد هذا الشعب لحاجة لي فيه فقال والله انى لارى
الشيطان قد جاءك في منامك فامرك بذبح بنيك هذا فأنت تريد ذبحه فعرفه
إبراهيم فقال إليك عنى أي عدو الله فوالله لا مضين لأمر ربى فيه فلما يئس عدو
الله إبليس من إبراهيم اعترض إسماعيل وهو وراء إبراهيم يحمل الحبل والشفرة
فقال له يا غلام هل تدرى أين يذهب بك أبوك قال يحطب أهلنا من هذا الشعب
قال والله ما يريد الا ان يذبحك قال لم قال زعم أن ربه أمره بذلك قال فليفعل
192

ما أمره به ربه فسمعا وطاعة فلما امتنع منه الغلام ذهب إلى هاجر أم إسماعيل
وهى في منزلها فقال لها يا أم إسماعيل هل تدرين أين ذهب إبراهيم بإسماعيل
قالت ذهب به يحطبنا من هذا الشعب قال ما ذهب به الا ليذبحه قالت كلا هو
أرحم به وأشد حبا له من ذلك قال إنه يزعم أن الله امره بذلك قالت إن كان
ربه أمره بذلك فتسليما لأمر الله فرجع عدو الله بغيظه لم يصب من آل إبراهيم
شيئا ما أراد قد امتنع منه إبراهيم وآل إبراهيم بعون الله وأجمعوا لأمر الله
بالسمع والطاعة فلما خلا إبراهيم بابنه في الشعب وهو فيما يزعمون شعب ثبير قال
له يا بنى انى أرى في المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني
إن شاء الله من الصابرين * قال ابن حميد قال سلمة قال محمد بن إسحاق عن بعض أهل
العلم ان إسماعيل قال له عند ذلك يا أبت ان أردت ذبحي فاشدد رباطي لا يصبك
منى شئ فينقص اجرى فان الموت شديد وانى لا آمن أن اضطرب عنده إذا
وجدت مسه واشحذ شفرتك حتى تجهز على فتريحني وإذا أنت أضجعتني لتذبحني
فكبني لوجهي على جبيني ولا تضجعني لشقي فانى اخشى إن أنت نظرت في وجهي
أن تدركك رقة تحول بينك وبين أمر الله في وان رأيت أن ترد قميصي على أمي
فإنه عسى أن يكون هذا أسلى لها عنى فافعل قال يقول له إبراهيم نعم العون أنت
يا بنى على أمر الله قال فربطه كما أمره إسماعيل فأوثقه ثم شحذ شفرته ثم تله للجبين
واتقى النظر في وجهه ثم أدخل الشفرة لحلقه فقلبها الله لقفاها في يده ثم اجتذبها
إليه ليفرغ منه فنودي أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا هذه ذبيحتك فداء لابنك
فاذبحها دونه يقول الله عز وجل فلما أسلما وتله للجبين وانما تتل الذبائح على
خدودها فكان مما صدق عندنا هذا الحديث عن إسماعيل في إشارته على أبيه بما
أشار إذ قال كبنى على وجهي قوله (وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد
صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزى المحسنين، إن هذا لهو البلاء المبين،
وفديناه بذبح عظيم) * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن
الحسن بن دينار عن قتادة بن دعامة عن جعفر بن اياس عن عبد الله بن عباس قال
193

خرج عليه كبش من الجنة قد رعاها قبل ذلك أربعين خريفا فأرسل إبراهيم ابنه
فاتبع الكبش فأخرجه إلى الجمرة الأولى فرماه بسبع حصيات فأفلته عنده فجاء الجمرة
الوسطى فأخرجه عندها فرماه بسبع حصيات ثم افلته فأدركه عند الجمرة الكبرى
فرماه بسبع حصيات فأخرجه عندها ثم أخذه فاتى به المنحر من منى فذبحه فوالذي
نفس ابن عباس بيده لقد كان أول الاسلام وإن رأس الكبش لمعلق بقرنيه في
ميزاب الكعبة وقد وخش يعنى قد يبس * حدثني محمد بن سنان القزاز قال
حدثني حجاج عن حماد عن أبي عاصم الغنوي عن أبي الطفيل قال قال ابن عباس
ان إبراهيم لما أمر بالمناسك عرض له الشيطان عند المسعى فسابقه فسبقه إبراهيم
ثم ذهب به جبرائيل عليه السلام إلى جمرة العقبة فعرض له الشيطان فرماه بسبع
حصيات حتى ذهب ثم عرض له عند الجمرة الوسطى فرماه بسبع حصيات حتى
ذهب ثم تله للجبين وعلى إسماعيل قميص أبيض فقال له يا أبت انه ليس لي ثوب
تكفنني فيه غير هذا فاخلعه عنى فاكفني فيه فالتفت إبراهيم عليه السلام فإذا هو
بكبش أعين أبيض أقرن فذبحه فقال ابن عباس لقد رأيتنا نتبع هذا الضرب من
الكباش * حدثني محمد بن عمرو قال حدثني أبو عاصم قال حدثنا عيسى * وحدثني
الحارث قال حدثنا الحسن قال حدثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد
قوله وتله للجبين قال وضع وجهه للأرض قال لا تذبحني وأنت تنظر إلى وجهي
عسى أن ترحمني فلا تجهز على اربط يدي إلى رقبتي ثم ضع وجهي للأرض
* حدثنا أبو كريب قال حدثنا ابن يمان عن سفيان عن جابر عن أبي الطفيل عن علي
عليه السام وفديناه بذبح عظيم قال كبش أبيض أقرن أعين مربوط بسمر
في ثبير * حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال أخبرني ابن جريج عن عطاء بن أبي
رباح عن ابن عباس وفديناه بذبح عظيم قال كبش قال عبيد بن عمير ذبح بالمقام
وقال مجاهد ذبح بمنى في المنحر * حدثنا ابن بشار قال حدثنا عبد الرحمن قال حدثنا
سفيان عن ابن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الكبش الذي ذبحه
إبراهيم عليه السلام هو الكبش الذي قربه ابن آدم فتقبل منه * حدثنا ابن حميد
194

قال حدثنا يعقوب عن جعفر عن سعيد بن جبير وفديناه بذبح عظيم قال كان
الكبش الذي ذبحه إبراهيم رعى في الجنة أربعين سنة وكان كبشا أملح صوفه
مثل العهن الأحمر * حدثنا أبو كريب قال حدثنا معاوية بن هشام عن سفيان عن
رجل عن أبي صالح عن ابن عباس وفديناه بذبح عظيم قال كان وعلا * حدثنا
ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن عمرو بن عبيد عن الحسن انه كان
يقول ما فدى إسماعيل إلا بتيس كان من الا روى أهبط عليه من ثبير وما يقول
الله عز وجل وفديناه بذبح عظيم لذبيحته فقط ولكنه الذبح على دينه فتلك السنة
إلى يوم القيامة فاعلموا ان الذبيحة تدفع ميتة السوء فضحوا عباد الله وقد قال
أمية بن أبي الصلت في السبب الذي من أجله أمر إبراهيم بذبح ابنه شعرا ويحقق
بقيله ما قال في ذلك الرواية التي رويناها عن السدى وان ذلك كان من إبراهيم عن
نذر كان منه فأمره الله بالوفاء به فقال
ولإبراهيم الموفى بالنذر * احتسابا وحامل الاحدال
بكره لم يكن ليصبر عنه * أو يراه في معشر أقتال
أبنى إني قد نذرتك * لله شحيطا فاصبر فدى لك حالي
واشدد الصفد لا أحيد عن * السكين حيدا لأسير ذي الأغلال
وله مدية تخايل في اللحم * هذام حنية كالهلال
بينما يخلع السرابيل عنه * فكه ربه بكبش جلال
خذ لهذا فأرسل ابنك إني * للذي قد فعلتما غير قال
والد يتقى وآخر مولود * فطارا منه بسمع فعال
ربما تجزع النفوس من الامر * له فرجة كحل العقال
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا يحيى بن واضح قال حدثنا الحسين يعنى ابن واقد
عن زيد عن عكرمة قوله عز وجل " فلما أسلما " قال أسلما جميعا لأمر الله رضى
الغلام بالذبح ورضى الأب بأن يذبحه قال يا أبت اقذفني للوجه كيلا تنظر إلى
195

فترحمني وأنظر أنا إلى الشفرة فأجزع ولكن أدخل الشفرة من تحتي وامض لأمر
الله فذلك قوله تعالى " فلما أسلما وتله للجبين " فلما فعل ذلك ناديناه أن يا إبراهيم قد
صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزى المحسنين * وكان ممن امتحن الله به إبراهيم عليه
السلام وابتلاه به بعد ابتلائه إياه بما كان من أمره وأمر نمرود بن كوش ومحاولته
احراقه بالنار وابتلائه بما كان من أمره إياه بذبح ابنه بعد أن بلغ معه السعي ورجا
نفعه ومعونته على ما يقربه من ربه عز وجل ورفعه القواعد من البيت ونسكه
المناسك ابتلاؤه جل جلاله بالكلمات التي أخبر الله عنه أنه ابتلاه بهن فقال
(وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن) وقد اختلف السلف من علماء الأمة
في هذه الكلمات التي ابتلاه الله بهن فأتمهن فقال بعضهم ذلك ثلاثون سهما وهى
شرائع الاسلام
ذكر من قال ذلك
* حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا عبد الاعلى قال حدثنا داود عن عكرمة عن
ابن عباس في قوله تعالى " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات " قال قال ابن عباس لم يبتل
أحد بهذا الدين فأقامه إلا إبراهيم عليه السلام ابتلاه الله تعالى بكلمات فأتمهن قال
فكتب الله تعالى له البراءة فقال (وإبراهيم الذي وفى) عشر منها في الأحزاب
وعشر منها في براءة وعشر منها في المؤمنين وسأل سائل وقال إن هذا الاسلام
ثلاثون سهما * حدثنا إسحاق بن شاهين الواسطي قال حدثنا خالد الطحان عن
داود عن عكرمة عن ابن عباس قال ما ابتلى أحد بهذا الدين فقام به كله غير إبراهيم
عليه السلام ابتلى بالاسلام فأتمه فكتب الله له البراءة فقال " وإبراهيم الذي وفى "
فذكر عشرا في براءة (التائبون العابدون الحامدون) وعشرا في
الا حزب (إن المسلمين والمسلمات) وعشرا في سورة المؤمنين إلى قوله تعالى
(والذين هم على صلواتهم يحافظون) وعشرا في سأل سائل (والذين هم على
صلواتهم يحافظون) * وحدثني عبد الله بن أحمد المروزي قال حدثنا علي بن الحسن
قال حدثنا خارجة بن مصعب عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال الاسلام
196

ثلاثون سهما وما ابتلى أحد بهذا الدين فأقامه إلا إبراهيم قال الله تعالى " وإبراهيم
الذي وفى " فكتب الله له براءة من النار * وقال آخرون ذلك عشر خصال من
سنن الاسلام خمس منهن في الرأس وخمس في الجسد
ذكر من قال ذلك
* حدثني الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن ابن
طاوس عن أبيه عن ابن عباس " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات " قال ابتلاه الله
عز وجل بالطهارة خمس في الرأس وخمس في الجسد. في الرأس قص الشارب
والمضمضة والاستنشاق والسواك وفرق الرأس وفى الجسد تقليم الأظفار وحلق
العانة والختان ونتف الإبط وغسل أثر الغائط والبول بالماء * حدثني المثنى قال
حدثنا إسحاق قال حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الحكم بن أبان عن القاسم بن أبي
بزة عن ابن عباس بمثله غير أنه لم يذكر أثر البول * حدثنا ابن بشار قال حدثنا
سليمان بن حرب قال حدثنا أبو هلال قال حدثنا قتادة في قوله تعالى " وإذ ابتلى إبراهيم
ربه بكلمات " قال ابتلاه بالختان وحلق العانة وغسل القبل والدبر والسواك وقص
الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط قال أبو هلال ونسيت خصلة * حدثني عبد ان
المروزي قال حدثنا عمار بن الحسن قال حدثنا عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه عن مطر
عن أبي خالد قال ابتلى إبراهيم عليه السلام بعشرة أشياء هن في الاسلام سنة المضمضة
والاستنشاق وقص الشارب والسواك ونتف الإبط وتقليم الأظفار وغسل البراجم
والختان وحلق العانة وغسل الدبر والفرج * وقال آخرون نحو قول هؤلاء غير
أنهم قالوا ست من العشر في جسد الانسان وأربع منهن في الشاعر
ذكر من قال ذلك
* حدثنا المثنى قال حدثنا إسحاق قال حدثنا محمد بن حرب قال حدثنا ابن لهيعة
عن ابن هبيرة عن حنش عن ابن عباس في قوله عز وجل " وإذ ابتلى إبراهيم ربه
بكلمات فأتمهن " قال ست في الانسان وأربع في المشاعر فالتي في الانسان حلق العانة
والختان ونتف الإبط وتقليم الأظفار وقص الشارب والغسل يوم الجمعة وأربع
197

في المشاعر الطواف والسعي بين الصفا والمروة ورمى الجمار والإفاضة * وقال
آخرون ذلك قوله (إني جاعلك للناس إماما) ومناسك الحج
ذكر من قال ذلك
* حدثنا أبو كريب قال حدثنا ابن إدريس قال سمعت إسماعيل بن أبي خالد
عن أبي صالح قوله " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن " منهن إني جاعلك
للناس إماما وآيات النسك * حدثني أبو السائب قال حدثنا ابن إدريس قال
سمعت ابن أبي خالد عن أبي صالح مولى أم هانئ في قوله تعالى " وإذ ابتلى إبراهيم
ربه بكلمات " قال منهن " إني جاعلك للناس إماما " ومنهن آيات النسك (وإذ يرفع
إبراهيم القواعد من البيت) * حدثني محمد بن عمرو قال أخبرنا أبو عاصم
قال حدثني عيسى بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات
فأتمهن " قال قال الله لإبراهيم إني مبتليك بأمر فما هو قال تجعلني للناس إماما قال نعم
قال ومن ذريتي " قال لا ينال عهدي الظالمين " قال تجعل البيت مثابة للناس قال نعم قال
وتجعل هذا البلد أمنا قال نعم وتجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك قال
نعم وترينا منا سكنا وتتوب علينا قال نعم وترزق أهله من الثمرات من آمن قال
نعم * حدثني القاسم قال حدثنا الحسين قال حدثني حجاج عن ابن جريج عن
مجاهد بنحوه قال ابن جريج فاجتمع على هذا القول مجاهد وعكرمة * حدثنا ابن
وكيع قال حدثنا أبي عن سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد " وإذ ابتلى إبراهيم
ربه بكلمات فأتمهن " قال ابتلى بالآيات التي بعدها إني جاعلك للناس إماما قال
ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين * حدثني المثنى بن إبراهيم قال حدثنا
أبو حذيفة قال حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح قال أخبرني به عكرمة قال فعرضته
على مجاهد فلم ينكره * حدثني موسى بن هارون قال حدثنا عمرو بن حماد قال
حدثنا أسباط عن السدى الكلمات التي ابتلى بهن إبراهيم (ربنا تقبل منا إنك
أنت السميع العليم، ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك
وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، ربنا وابعث فيهم
198

رسولا منهم) * حدثت عن عمار بن الحسن قال حدثنا عبد الله بن أبي جعفر
عن أبيه عن الربيع في قوله " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات " قال الكلمات " إني
جاعلك للناس إماما " وقوله " وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا " وقوله " واتخذوا
من مقام إبراهيم مصلى " وقوله " وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل " الآية وقوله " وإذ
يرفع إبراهيم القواعد من البيت " الآية قال فذلك كله من الكلمات التي ابتلى بهن
إبراهيم * حدثني محمد بن سعد قال حدثني أبي قال حدثني عمى قال حدثني أبي
عن أبيه عن ابن عباس في قوله تعالى " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات " قال منهن
" إني جاعلك للناس إماما " ومنهن " وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت " ومنهن
الآيات في شأن المنسك والمقام الذي جعل لإبراهيم والرزق الذي رزق ساكن
البيت ومحمد صلى الله عليه وسلم بعث في ذريتهما * وقال آخرون بل ذلك
مناسك الحج خاصة
ذكر من قال ذلك
* حدثنا ابن بشار قال حدثنا سلم بن قتيبة قال حدثنا عمر بن نبهان عن قتادة
عن ابن عباس في قوله " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات " قال مناسك الحج * حدثنا بشر
ابن معاذ قال حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد عن قتادة قال كان ابن عباس يقول في
قوله " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات " قال هي المناسك * حدثت عن عمار بن الحسن
قال حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه قال بلغنا عن ابن عباس أنه قال إن الكلمات
التي ابتلى بهن إبراهيم هي المناسك * حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال
حدثنا أبو أحمد الزبيري قال حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن التميمي عن ابن عباس
قوله " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن " قال مناسك الحج * حدثني ابن المثنى
قال حدثني الحماني قال حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن التميمي عن ابن عباس
مثله * حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن
قتادة قال قال ابن عباس ابتلاه بالمناسك * وقال آخرون بل ابتلاه بأمور منهن الختان
199

ذكر من قال ذلك
* حدثنا ابن بشار قال حدثنا سلم بن قتيبة عن يونس بن أبي إسحاق عن الشعبي
وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات " قال منهن الختان * حدثنا ابن حميد قال حدثنا
يحيى بن واضح قال حدثنا يونس بن أبي إسحاق قال سمعت الشعبي يقول
فذكر مثله * حدثني أحمد بن إسحاق قال حدثنا أبو أحمد قال سمعت الشعبي وسأله
أبو إسحاق عن قوله عز وجل " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات " قال منهن الختان يا أبا إسحاق
وقال آخرون ذلك الخلال الست الكوكب والقمر والشمس والنار والهجرة
والختان التي ابتلى بهن أجمع فصبر عليهن
ذكر من قال ذلك
* حدثني يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا ابن علية عن أبي رجاء قال قلت للحسن
وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن " قال ابتلاه بالكوكب فرضى عنه وابتلاه
بالقمر فرضى عنه وابتلاه بالشمس فرضى عنه وابتلاه بالنار فرضى عنه وابتلاه
بالهجرة وابتلاه بالختان * حدثنا بشر قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا
سعيد عن قتادة قال كان الحسن يقول إن الله ابتلاه بأمر فصبر عليه: ابتلاه بالكوكب
والشمس والقمر فأحسن في ذلك وعرف أن ربه دائم لا يزول فوجه وجهه للذي
فطر السماوات والأرض حنيفا وما كان من المشركين وابتلاه بالهجرة فخرج من بلاده
وقومه حتى لحق بالشام مهاجرا إلى الله تعالى ثم ابتلاه بالنار قبل الهجرة فصبر على ذلك
وابتلاه بذبح ابنه والختان فصبر على ذلك * حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا
عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عمن سمع الحسن يقول في قوله " وإذ ابتلى إبراهيم
ربه بكلمات " قال ابتلاه بالكوكب وبالشمس وبالقمر * حدثنا ابن بشار قال حدثنا
سلم بن قتيبة قال حدثنا أبو هلال عن الحسن " وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات " قال
ابتلاه بالكوكب وبالشمس وبالقمر فوجده صابرا * حدثنا أحمد بن إسحاق بن
المختار قال حدثني غسان بن الربيع قال حدثنا عبد الرحمن وهو ابن ثوبان عن
عبد الله بن الفضل عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله
200

صلى الله عليه وسلم " اختتن إبراهيم بعد ثمانين سنة بالقدوم " وقد روى عن النبي
صلى الله عليه وسلم في الكلمات التي ابتلى بهن إبراهيم خبران أحدهما ما حدثنا
أبو كريب قال حدثنا الحسن بن عطية قال حدثنا إسرائيل عن جعفر بن الزبير
عن القاسم عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وإبراهيم الذي
وفى " قال أتدرون ما وفى قالوا الله ورسوله أعلم قال وفى عمل يومه أربع ركعات
في النهار والآخر منهما ما حدثنا به أبو كريب قال حدثنا رشدين بن سعد قال
حدثنا زبان بن فائد عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه قال كان النبي صلى الله عليه
وسلم يقول " ألا أخبركم لم سمى الله إبراهيم خليله الذي وفى لأنه كان يقول كل
ما أصبح وكل ما أمسى (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون) حتى ختم الآية "
* فلما عرف الله تعالى من إبراهيم الصبر على كل ما ابتلاه به والقيام بكل ما ألزمه
من فرائضه وإيثاره طاعته على كل شئ سواها اتخذه خليلا وجعله لمن بعده من
خلقه إماما واصطفاه إلى خلقه رسولا وجعل في ذريته النبوة والكتاب والرسالة
وخصهم بالكتب المنزلة والحكم البالغة وجعل منهم الاعلام والقادة والرؤساء
والسادة كل ما مضى منهم نجيب خلفه سيد رفيع وأبقى لهم ذكرا في الآخرين فالأمم
كلها تتولاه وتثنى عليه وتقول بفضله إكراما من الله له بذلك في الدنيا وما ادخر
له في الآخرة من الكرامة أجل وأعظم من أن يحيط به وصف واصف * ونرجع
الآن إلى الخبر عن عدو الله وعدو إبراهيم الذي كذب بما جاء به من عند الله ورد
عليه النصحية التي نصحها له جهلا منه واغترارا بحلم الله تعالى عليه
نمرود بن كوش
ابن كنعان بن حام بن نوح وما آل إليه أمره في عاجل دنياه حين تمرد على ربه
مع املاء الله إياه وتركه تعجيل العذاب له على كفره به ومحاولته احراق خليله بالنار
حين دعاه إلى توحيد الله والبراءة من الآلهة والأوثان وأن نمرود لما تطاول عتوه
وتمرده على ربه مع املاء الله تعالى له فيما ذكر أربعمائة عام لا تزيده حجج الله التي
يحتج بها عليه وعبره التي يريها إياه إلا تماديا في غيه عذبه الله فيما ذكر في عاجل دنياه
201

قدر إملائه إياه من المدة بأضعف خلقه وذلك بعوضة سلطها عليه
ذكر الأخبار الواردة عنه
بما ذكرت من جهله وما أحل الله عز وجل به من نقمته * حدثني الحسن بن
يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن زيد بن أسلم ان أول جبار كان
في الأرض نمرود وكان الناس يخرجون فيمتارون من عنده الطعام فخرج إبراهيم
يمتار مع من يمتار فإذا مر به ناس قال من ربكم قالوا أنت حتى مر به إبراهيم قال
من ربك قال " ربى الذي يحيى ويميت " قال أنا أحيى وأميت قال إبراهيم " فان الله يأتي
بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر " قال فرده بغير طعام
قال فرجع إبراهيم إلى أهله فمر على كثيب أعفر فقال هلا آخذ من هذا فأتي به
أهلي فتطيب أنفسهم حين أدخل عليهم فأخذ منه فأتى أهله قال فوضع متاعه
ثم نام فقامت امرأته إلى متاعه ففتحته فإذا هي بأجود طعام رآه أحد فصنعت
له منه فقربته إليه وكان عهد أهله ليس عندهم طعام فقال من أين هذا قالت من
الطعام الذي جئت به فعلم أن الله قد رزقه فحمد الله ثم بعث الله إلى الجبار ملكا
أن آمن بي وأتركك على ملكك قال فهل رب غيري فجاءه الثانية فقال له ذلك
فأبى عليه ثم أتاه الثالثة فأبى عليه فقال له الملك أجمع جموعك إلى ثلاثة أيام فجمع
الجبار جموعه فأمر الله الملك ففتح عليهم بابا من البعوض فطلعت الشمس فلم يروها
من كثرتها فبعثها الله عليهم فأكلت لحومهم وشربت دماءهم فلم يبق إلا العظام
والملك كما هو لم يصبه من ذلك شئ فبعث الله عليه بعوضة فدخلت في منخره فمكث
أربعمائة سنة يضرب رأسه بالمطارق وأرحم الناس به من جمع يديه ثم ضرب بهما
رأسه وكان جبارا أربعمائة عاما فعذبه الله أربعمائة سنة كملكه وأماته الله وهو الذي
بنى صرحا إلى السماء فأتى الله بنيانه من القواعد وهو الذي قال الله فيه (فأتى الله
بنيانهم من القواعد * حدثنا موسى بن هارون قال حدثنا عمرو بن حماد قال
حدثنا أسباط عن السدى في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس
وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال
202

أمر الذي حاج إبراهيم في ربه بإبراهيم فأخرج يعنى من مدينته قال فأخرج فلقى لوطا على
باب المدينة وهو ابن أخيه فدعاه فآمن به وقال إني مهاجر إلى ربى وحلف نمرود يطلب
إله إبراهيم فأخذ أربعة أفرخ من فراخ النسور فرباهن باللحم والخمر حتى إذا كبرن
وغلظن واستعلجن قرنهن بتابوت وقعد في ذلك التابوت ثم رفع رجلا من لحم لهن
فطرن به حتى إذا ذهبن في السماء أشرف ينظر إلى الأرض فرأى الجبال تدب كدبيب
النمل ثم رفع لهن اللحم ثم نظر فرأى الأرض محيطا بها بحر كأنها فلكة من ماء ثم رفع طويلا
فوقع في ظلمة فلم ير ما فوقه ولم ير ما تحته ففزع فألقى اللحم فاتبعته منقضات فلما
نظر الجبار إليهن وقد أقبلن منقضات وسمعن حفيفهن فزعت الجبال وكادت أن
تزول من أمكنتها ولم يفعلن وذلك قوله عز وجل (وقد مكروا مكرهم وعند
الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) وهى في قراءة ابن مسعود
وإن كاد مكرهم فكان طيرانهن به من بيت المقدس ووقوعهن في جبل الدخان
فلما رأى أنه لا يطيق شيئا أخذ في بناء الصرح فبنى حتى إذا أسنده إلى السماء ارتقى
فوقه ينظر بزعمه إلى إله إبراهيم فأحدث ولم يكن يحدث وأخذ الله بنيانه من القواعد
(فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون)
يقول من مأمنهم وأخذهم من أساس الصرح فتنقض ثم سقطت فتبلبلت ألسن الناس
من يومئذ من الفزع فتلكموا بثلاثة وسبعين لسانا فلذلك سميت بابل وإنما كان لسان
الناس قبل ذلك السريانة * حدثنا ابن وكيع قال حدثنا أبو داود الحفري عن
يعقوب عن حفص بن حميد أو جعفر عن سعيد بن جبير " وإن كان مكرهم لتزول
منه الجبال " قال نمرود صاحب النسور أمر بتابوت فجعل وجعل معه رجلا ثم أمر
بالنسور فاحتملته لما صعد قال لصاحبه أي شئ ترى قال أرى الماء والجزيرة
يعنى الدنيا ثم صعد وقال لصاحبه أي شئ ترى قال ما نزداد من السماء إلا بعدا
قال اهبط وقال غيره نودي أيها الطاغية أين تريد فسمعت الجبال حفيف النسور
وكانت ترى انه أمر عن السماء فكادت تزول فهو قوله تعالى " وإن كان مكرهم لتزول
منه الجبال * حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا محمد بن أبي عدى عن شعبة عن
203

أبى اسحق قال حدثنا عبد الرحمن بن دانيل أن عليا عليه السلام قال في هذه الآية
" وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال " قال أخذ ذلك الذي حاج إبراهيم في ربه نسرين
صغيرين فرباهما حتى استغلظا واستعلجا فشبا قال فأوثق رجل كل واحد منهما
بوتر إلى تابوت وجوعها وقعد وهو ورجل آخر في التابوت قال ورفع في التابوت
عصا على رأسه اللحم فطارا وجعل يقول لصاحبه انظر ماذا ترى قال أرى كذا
وكذا حتى قال أرى الدنيا كأنها ذباب فقال صوب فصوبها فهبطا قال فهو قوله
عز وجل وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال قال أبو إسحاق ولذلك هي في قراءة
عبد الله وإن كاد مكرهم فهذا ما ذكر من خبر نمرود بن كوش بن كنعان * وقد
قال جماعة إن نمرود بن كوش بن كنعان هذا ملك مشرق الأرض ومغربها وهذا
قول يدفعه أهل العلم بسير الملوك وأخبار الماضين وذلك انهم لا يدفعون ولا
ينكرون أن مولد إبراهيم كان في عهد الضحاك بن أندر ماسب الذي قد ذكرنا بعض
أخباره فيما مضى وأن من ملك شرق الأرض وغربها يومئذ كان الضحاك وقد
قال بعض من أشكل عليه أمر نمرود ممن عرف زمان الضحاك وأسبابه
فلم يدر كيف الامر في ذلك مع سماعه ما انتهى إليه من الاخبار عمن
روى عنه أنه قال ملك الأرض كافران ومؤمنان فأما الكافران فنمرود
وبختنصر وأما المؤمنان فسليمان بن داود وذو القرنين وقول القائلين من أهل الأخبار
إن الضحاك كان هو ملك شرق الأرض وغربها في عهد إبراهيم نمرود
هو الضحاك وليس الامر في ذلك عند أهل العلم بالاخبار الأوائل والمعرفة
بالأمور السوالف كالذي ظن لان نسب نمرود في النبط معروف ونسب الضحاك
في عجم الفرس مشهور ولكن ذوي العلم بأخبار الماضين وأهل المعرفة بأمور السالفين
من الأمم ذكروا أن الضحاك كان ضم إلى نمرود السواد وما اتصل به يمنة ويسرة
وجعله وولده عماله على ذلك وكان هو ينتقل في البلاد وكان وطنه الذي هو وطنه
ووطن أجداده دنباوند من جبال طبرستان وهنالك رمى به افريذون حين ظفر
به وقهره موثوقا بالحديد وكذلك بختنصر كان في اصبهبذ ما بين الأهواز إلى أرض
204

الروم من غربي دجلة من قيل لهراسب وذلك أن لهراسب كان مشتغلا بقتال
الترك مقيما بازائهم ببلخ وهو الذي بناها فيما قبل لما تطاول مكثه هنالك لحرب الترك
فظن من لم يكن عالما بأمور القوم بتطاول مدة ولايتهم أمر الناحية لمن ولوا له
أنهم كانوا هم الملوك ولم يدع أحد من أهل العلم بأمور الأوائل وأخبار الملوك
الماضية وأيام الناس فيما نعلمه أن أحدا من النبط كان ملكا برأسه على شبر من
الأرض فكيف بملك شرق الأرض وغربها ولكن العلماء من أهل الكتاب
وأهل المعرفة باخبار الماضين ومن قد عانى النظر في كتب التأريخات يزعمون أن
ولاية نمرود إقليم بابل من قبل الأزدهاق بيوراسب دامت أربعمائة سنة ثم لرجل
من نسله من بعد هلاك نمرود يقال له نبط بن قعود مائة سنة ثم لداوص بن نبط
من بعد نبط ثمانين سنة ثم من بعد داوص بن نبط لبالش بن داوص مائة وعشرين
سنة ثم لنمرود بن بالش من بعد بالش سنة وأشهرا فذلك سبعمائة سنة وسنة وأشهر
وذلك كله في أيام الضحاك فلما ملك افريذون وقهر الأزدهاق قتل نمرود بن بالش
وشرد النبط وطردهم وقتل منهم مقتلة عظيمة لما كان منهم من معاونتهم بيوراسب
على أموره وعمل نمرود وولد له وقد زعم بعض أهل العلم أن بيوراسب قد كان
قبل هلاكه تنكر لهم وتغير عما كان لهم عليه
(ونعود الآن) إلى ذكر الخبر عن بقية الاحداث التي كانت في أيام إبراهيم
صلى الله عليه وسلم وكان من الكائن أيام حياته من ذلك ما كان من أمر
لوط بن هاران
ابن تارخ ابن أخي إبراهيم عليهما السلام وأمر قومه من سدوم وكان من
أمره فيما ذكر أنه شخص من أرض بابل مع عمه إبراهيم خليل الرحمن مؤمنا به
متبعا له على دينه مهاجرا إلى الشام ومعهما سارة بنت ناحور * وبعضهم يقول
هي سارة بنت هنال بن ناحور وشخص معهم فيما قيل تارخ أبو إبراهيم مخالفا
لإبراهيم في دينه مقيما على كفره حتى صاروا إلى حران فمات تارخ وهو أبو إبراهيم
205

بحران على كفره وشخص إبراهيم لوط وسارة إلى الشام ثم مضوا إلى مصر
فوجدوا بها فرعونا من فراعنتها ذكر أنه كان سنان بن علوان بن عبيد بن عويج
ابن عملاق بن لاوذ بن سام بن نوح وقد قيل إن فرعون مصر يومئذ كان أخا
للضحاك كان الضحاك وجهه إليها عاملا عليها من قبله وقد ذكرت بعض قصته
مع إبراهيم فيما مضى قبل ثم رجعوا عودا على بدئهم إلى الشأم وذكر أن إبراهيم
نزل فلسطين وأنزل ابن أخيه لوطا الأردن وأن الله تعالى أرسل لوطا إلى أهل
سدوم وكانوا أهل كفر بالله وركوب فاحشة كما أخبر الله عن قوم لوط (إنكم
لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين أئنكم لتأتون الرجال
وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر) * وكان قطعهم السبيل فيما ذكر
إتيانهم الفاحشة إلى من ورد بلدهم.
ذكر من قال ذلك
* حدثني يونس بن عبد الاعلى قال أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد في وله
تعالى " وتقطعون السبيل " قال السبيل طريق المسافر إذا مر بهم وهو ابن السبيل
قطعوا به وعملوا به ذلك العمل الخبيث * وأما اتيانهم ما كانوا يأتونه من المنكر
في ناديهم فان أهل العلم اختلفوا فيه فقال بعضهم كانوا يحذفون من مر بهم وقال
بعضهم كانوا يتضارطون في مجالسهم وقال بعضهم كان بعضهم ينكح بعضا فيها *
ذكر من قال كانوا يحذفون من مر بهم
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا يحيى بن واضح قال حدثنا عمر بن أبي زائدة قال
سمعت عكرمة يقول في قوله " وتأتون في ناديكم المنكر " قال كانوا يؤذون أهل
الطريق يحذفون من مر بهم * حدثنا ابن وكيع قال حدثنا أبي عن عمران بن زيد
قال سمعت عكرمة قال الحذف * حدثنا موسى بن هارون قال حدثنا عمرو بن
حماد قال حدثنا أسباط عن السدى في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح
عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم " وتأتون في ناديكم المنكر " قال كانوا كل من مر بهم
206

حذفوه وهو المنكر
ذكر من قال كانوا يتضارطون في مجالسهم
حدثني عبد الرحمن بن الأسود الظفاري قال حدثنا محمد بن ربيعة قال حدثنا
روح ابن غطيف الثقفي عن عمرو بن مصعب عن عروة بن الزبير عن عائشة في
قوله تعالى " وتأتون في ناديكم المنكر " قالت الضراط
ذكر من قال كان يأتي بعضهم بعضا في مجالسهم
حدثنا ابن وكيع وابن حميد قالا حدثنا جرير عن منصور عن مجاهد في قوله " وتأتون
في ناديكم المنكر " قال كان بعضهم يأتي بعضا في مجالسهم * حدثنا سليمان بن عبد
الجبار قال حدثنا ثابت بن محمد الليثي قال حدثنا فضيل بن عياض عن منصور بن
المعتمر عن مجاهد في قوله " وتأتون في ناديكم المنكر " قال كان يجامع بعضهم بعضا في
المجالس * حدثنا ابن حميد قال حدثنا حكام عن عمرو عن منصور عن مجاهد
مثله * حدثنا ابن وكيع قال حدثنا أبي عن سفيان عن منصور عن مجاهد قال كانوا
يجامعون الرجال في مجالسهم * حدثني محمد بن عمرو قال حدثنا أبو عاصم قال
حدثنا عيسى وحدثني الحارث قال حدثنا الحسن قال حدثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي
نجيح عن مجاهد " وتأتون في ناديكم المنكر " قال المجالس والمنكر إتيانهم الرجال
* حدثنا بشر قال حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد عن قتادة قوله " وتأتون في ناديكم
المنكر " قال كانوا يأتون الفاحشة في ناديهم * حدثني يونس قال أخبرنا ابن
وهب قال قال ابن زيد في قوله " وتأتون في ناديكم المنكر " قال ناديهم المجالس والمنكر
عملهم الخبيث الذي كانوا يعملونه كانوا يعترضون الراكب فيأخذونه فيركبونه
وقرأ " أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون " وقرأ " ما سبقكم بها من أحد من العالمين "
وقد حدثنا ابن وكيع قال حدثنا إسماعيل بن علية عن ابن أبي نجيح عن عمرو بن
دينار قوله ما سبقكم بها من أحد من العالمين قال ما نزا ذكر حتى كان قوم لوط *
قال أبو جعفر الصواب من القول في ذلك عندي قول من قال عنى بالمنكر الذي
كانوا يأتونه في ناديهم في هذا الموضع حذفهم من مر بهم وسخريتهم منه للخبر
207

الوارد بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي حدثناه أبو كريب وابن
وكيع قالا حدثنا أبو أسامة عن حاتم بن أبي صغيرة عن سماك بن حرب عن أبي
صالح مولى أم هانئ عن أم هانئ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى
وتأتون في ناديكم المنكر قال كانوا يحذفون أهل الطريق ويسخرون منهم وهو
المنكر الذي كانوا يأتونه * حدثنا أحمد بن عبد ة الضبي قال حدثنا سليمان
ابن حيان قال أخبرنا أبو يونس القشيري عن سماك بن حرب عن أبي صالح عن أم
هانئ قالت سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله وتأتون في ناديكم المنكر
قال كانوا يحذفون أهل الطريق ويسخرون منهم * حدثنا الربيع بن سليمان
قال حدثنا أسد بن موسى قال حدثنا سعيد بن زيد قال حدثنا حاتم بن أبي صغيرة
قال حدثنا سماك بن حرب عن باذ أم أبى صالح مولى أم هانئ عن أم هانئ قالت
سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية وتأتون في ناديكم المنكر فقال كانوا
يجلسون بالطريق فيحذفون أبناء السبيل ويسخرون منهم * فكان لوط عليه
السلام يدعوهم إلى عبادة الله وينهاهم بأمر الله إياه عن الأمور التي كرهها الله
تعالى لهم من قطع السبيل وركوب الفواحش وإتيان الذكور في الادبار
ويتوعدهم على إصرارهم على ما كانوا عليه مقيمين من ذلك وتركهم التوبة
منه العذاب الأليم فلا يزجرهم عن ذلك وعيده ولا يزيدهم وعظه إلا تماديا
وعتوا واستعجالا بعذاب الله تعالى إنكارا منهم وعيده ويقولون له (ائتنا
بعذاب الله إن كنت من الصادقين) حتى سأل لوط ربه عز وجل النصرة عليهم
لما تطاول عليه أمره وأمرهم وتماديهم في غيهم فبعث الله عز وجل - لما أراد
خزيهم وهلاكهم ونصرة رسوله لوط - عليهم جبرائيل عليه السلام وملكين
آخرين معه وقد قيل إن الملكين الآخرين كان أحدهما ميكائيل والآخر إسرافيل
فأقبلوا فيما ذكر مشاة في صورة رجال شباب *
ذكر بعض من قال ذلك
* حدثنا موسى بن هارون قال حدثنا عمرو بن حماد قال حدثنا أسباط عن
208

المدى في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة
الهمداني عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعث
الله الملائكة لتهتك قوم لوط فأقبلت تمشى في صورة رجال شباب حتى نزلوا على
إبراهيم فتضيفوه فكان من أمرهم وأمر إبراهيم ما قد مضى ذكرنا إياه في خبر
إبراهيم وسارة فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى فأطلعته الرسل على
ما جاءوا له وأن الله أرسلهم لهلاك قوم لوط ناظرهم إبراهيم وحاجهم في ذلك
كما أخبر الله تعالى عنه (فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا
في قوم لوط) وكان جداله إياهم في ذلك فيما بلغنا ما حدثنا به ابن حميد قال حدثنا
يعقوب القمي قال حدثنا جعفر عن سعيد يجادلنا في قوم لوط قال لما جاءه
جبرائيل ومن معه قالوا لإبراهيم (إنا مهلكوا أهل هذه القرية إن أهلها
كانوا ظالمين) قال لهم إبراهيم أتهلكون قرية فيها أربعمائة مؤمن قالوا لا قال
أفتهلكون قرية فيها ثلثمائة مؤمن قالوا لا قال أفتهلكون قرية فيها مائتا مؤمن
قالوا لا قال أفتهلكون قرية فيها مائة مؤمن قالوا لا قال أفتهلكون قرية فيها
أربعون مؤمنا قالوا لا قال أفتهلكون قرية فيها أربعة عشر مؤمنا قالوا لا وكان
إبراهيم يعدهم أربعة عشر بامرأة لوط فسكت عنهم واطمأنت نفسه * حدثنا أبو كريب
قال حدثنا الحماني عن الأعمش عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال
قال الملك لإبراهيم إن كان فيها خمسة يصلون رفع عنهم العذاب * حدثنا محمد بن
عبد الاعلى قال حدثنا محمد بن نور عن معمر عن قتادة (يجادلنا في قوم لوط)
قال بلغنا أنه قال لهم يومئذ أرأيتم إن كان فيهم خمسون من المسلمين قالوا وإن كان
فيهم خمسون لن نعذبهم قال وأربعون قالوا وأربعون قال ثلاثون قالوا
وثلاثون حتى بلغ عشرة قالوا وإن كانوا عشرة قال ما من قوم لا يكون فيهم
عشرة فيهم خير فلما علم إبراهيم حال قوم لوط بخبر الرسل قال للرسل (إن فيها
لوطا) إشفاقا منه عليه فقالت الرسل نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله
إلا امرأته كانت من الغابرين) ثم مضت رسل الله نحو أهل سدوم قرية قوم
209

لوط فلما انتهوا إليها ذكر أنهم لقوا لوطا في أرض له يعمل فيها وقيل إنهم لقوا
عند نهرها ابنة لوط تستقى الماء
ذكر من قال لقوا لوطا
* حدثنا بشر بن معاذ قال حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد عن قتادة عن حذيفة
أنه لما جاءت الرسل لوطا أتوه وهو في أرض له يعمل فيها وقد قيل لهم والله
أعلم لا تهلكوهم حتى يشهد عليهم لوط قال فأتوه فقالوا إنا متضيفوك الليلة فانطلق
بهم فلما مشى ساعة التفت فقال ما تعلمون ما يعمل أهل هذه القرية والله ما أعلم
على ظهر الأرض أناسا أخبث منهم قال فمضى معهم ثم قال الثانية مثل ما قال
فانطلق بهم فلما بصرت بهم عجوز السوء امرأته انطلقت فأنذرتهم * حدثنا ابن
حميد قال حدثنا الحكم بن بشير قال حدثنا عمرو بن قبيس الملائي * عن سعيد بن
بشير عن قتادة قال أتت الملائكة لوطا وهو في مزرعة له وقال الله تعالى للملائكة
إن شهد لوط عليهم أربع شهادات فقد أذنت لكم في مهلكتهم فقالوا يا لوط إنا
نريد أن نضيفك الليلة قال وما بلغكم أمرهم قالوا وما أمرهم فقال أشهد بالله انها
لشر قرية في الأرض عملا يقول ذلك أربع مرات فشهد عليهم لوط أربع شهادات
فدخلوا معه منزله
ذكر من قال إنما لقيت الرسل
أول ما لقيت حين دنت من سدوم ابنة لوط دون لوط * حدثني موسى بن
هارون قال حدثنا عمرو بن حماد قال حدثنا أسباط عن السدى في خبر ذكره
عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود
وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله قال لما خرجت الملائكة
من عند إبراهيم نحو قرية لوط فاتوها نصف النهار فلما بلغوا نهر سدوم لقوا ابنة
لوط تستقى من الماء لأهلها وكانت له ابنتان اسم الكبرى ريا واسم الصغرى
رعزيا فقالوا لها يا جارية هل من منزل قالت نعم فمكانكم لا تدخلوا حتى آتيكم
فرقت عليهم من قومها فاتت أباها فقالت يا أبتاه أرادك فتيان على باب المدينة
210

ما رأيت وجوه قوم هي أحسن منهم لا يأخذهم قومك فيفضحوهم وقد كان قومه
نهوه أن يضيف رجلا فقالوا له خل عنا فلنضف الرجال فجاء بهم فلم يعلم أحد
إلا أهل بيت لوط فخرجت امرأته فأخبرت قومها فقالت إن في بيت لوط
رجالا ما رأيت مثلهم ومثل وجوههم حسنا قط فجاءه قومه يهرعون إليه قال
فلما أتوه قال لهم لوط يا قوم اتقوا الله فلا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل
رشيد هؤلاء بناتي هن أطهر لكم مما تريدون فقالوا له أو لم ننهك أن تضيف
الرجال لقد علمت مالنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد فلما لم يقبلوا منه
شيئا مما عرضه عليهم قال (لو أن لي بكم قوة أو آوى إلى ركن شديد) يقول
عليه السلام لو أن لي أنصارا ينصرونني عليكم أو عشيرة تمنعني منكم
لحلت بينكم وبين ما جئتم تريدونه من أضيافي * حدثني المثنى قال حدثنا إسحاق
بن الحجاج قال حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال حدثني عبد الصمد بن
معقل أنه سمع وهبا يقول قال لوط لهم لو أن لي بكم قوة أو آوى إلى ركن شديد فوجد
عليه الرسل وقالوا ان ركنك لشديد فلما يئس لوط من إجابتهم إياه إلى شئ مما
دعاهم إليه وضاق بهم ذرعا قالت الرسل له حينئذ (يا لوط إنا رسل ربك لن
يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد
إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم) فذكر أن لوطا لما علم أن أضيافه رسل
الله وانها أرسلت بهلاك قومه قال لهم أهلكوهم الساعة
ذكر من روى ذلك عنه أنه قاله من أهل العلم
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا يعقوب عن جعفر عن سعيد قال مضت الرسل
من عند إبراهيم إلى لوط فلما أتوا لوطا وكان من أمرهم ما ذكر الله قال جبرائيل للوط
يا لوط أنا مهلكو أهل هذه القرية ان أهلها كانوا ظالمين فقال لهم لوط أهلكوهم
الساعة فقال جبرائيل عليه السلام (إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب)
فأنزلت على لوط أليس الصبح بقريب قال وأمره أن يسرى بأهله بقطع من الليل
ولا يلتفت منهم أحد إلا امرأته قال فسار فلما كانت الساعة التي أهلكوا فيها أدخل
211

جبرائيل جناحه في أرضهم فقلعها ورفعها حتى سمع أهل السماء صياح الديكة
ونباح الكلاب فجعل عاليها سافلها وأمطر عليهم حجارة من سجيل قال وسمعت
امرأة لوط الهدة فقالت وا قوماه فادركها حجر فقتلها * حدثنا ابن حميد قال
حدثنا يعقوب عن حفص بن حميد عن شمر بن عطية قال كان لوط أخذ على امرأته
أن لا تذيع شيئا من سر أضيافه قال فلما دخل جبرائيل عليه ومن معه ورأتهم
في صورة لم تر مثلها قط انطلقت تسعى إلى قومها فاتت النادي فقالت بيدها
هكذا فأقبلوا يهرعون مشيا بين الهرولة والجمز فلما انتهوا إلى لوط قال لهم لوط
ما قال الله تعالى في كتابه قال جبرائيل يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك قال
فقال بيده فطمس أعينهم قال فجعلوا يطلبون يلتمسون الحيطان وهم لا يبصرون
* حدثنا بشر بن معاذ قال حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد عن قتادة عن حذيفة قال
لما بصرت بهم يعنى بالرسل عجوز السوء امرأته انطلقت فأنذرتهم فقالت قد تضيف
لوطا قوم ما رأيت قوما أحسن منهم وجوها قال ولا أعلمه الا قالت وأشد بياضا
وأطيب ريحا منهم قال فأتوه يهرعون إليه كما قال الله عز وجل فاصفق لوط الباب
قال فجعلوا يعالجونه قال فاستأذن جبرائيل ربه عز وجل في عقوبتهم فاذن له
فصفقهم بجناحه فتركهم عميانا يترددون في أخبث ليلة أتت عليهم قط فاخبروه
إنا رسل ربك فأسر بأهلك بقطع من الليل قال ولقد ذكر لنا انه كانت مع لوط
حين خرج من القرية امرأته ثم سمعت الصوت فالتفتت فأرسل الله تعالى حجرا
فأهلكها * حدثنا ابن حميد قال حدثنا الحكم بن بشير قال حدثنا عمرو بن قيس
الملائي عن سعيد بن بشير عن قتادة قال انطلقت امرأته يعنى امرأة لوط حين
رأتهم يعنى حين رأت الرسل إلى قومها فقالت إنه قد ضافه الليلة قوم ما رأيت
مثلهم قط أحسن وجوها ولا أطيب ريحا فجاؤوا يهرعون إليه فبادرهم لوط إلى أن يزحمهم
على الباب فقال (هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين) قالوا (أو لم ننهك عن العالمين)
فدخلوا على الملائكة فتناولتهم الملائكة فطمست أعينهم فقالوا يا لوط جئتنا بقوم
سحرة سحرونا كما أنت حتى تصبح قال فاحتمل جبرائيل قريات لوط الأربع في
212

كل قرية مائة ألف فرفعهم على جناحه بين السماء والأرض حتى سمع أهل السماء
الدنيا أصوات ديكتهم ثم قلبهم فجعل الله عاليها سافلها * حدثنا محمد بن عبد الاعلى
قال حدثنا محمد بن ثور وحدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق جميعا عن
معمر عن قتادة قال قال حذيفة لما دخلوا عليه ذهبت عجوزه عجوز السوء فأتت
قومها فقالت قد تضيف لوطا قوم ما رأيت قوما قط أحسن وجوها منهم قال
فجاؤوا يهرعون إليه فقام ملك فلز الباب يقول فسده فاستأذن جبرائيل في عقوبتهم
فأذن له فصفقهم فضربهم جبرائيل بجناحه فتركهم عميانا فباتوا بشر ليلة ثم
قالوا انا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم
أحد الا امرأتك قال فبلغنا انها سمعت صوتا فالتفتت فأصابها حجر وهى شاذة
من القوم معلوم مكانها * حدثني موسى بن هارون قال حدثنا عمرو بن حماد
قال حدثنا أسباط عن السدى في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن
ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم لما قال لوط لو أن لي بكم قوة أو آوى إلى ركن شديد بسط
حينئذ جبرائيل جناحه ففقأ أعينهم وخرجوا يدوس بعضهم في آثار بعض
عميانا يقولون النجاء النجاء فان في بيت لوط اسحر قوم في الأرض فذلك قوله
تعالى (ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم) وقالوا للوط (إنا رسل ربك
لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل واتبع أدبارهم ولا يلتفت
منكم أحد) يقول سربهم فامضوا حيث تؤمرون فأخرجهم الله تعالى إلى الشأم
وقال لوط أهلكوهم الساعة فقالوا إنا لم نؤمر إلا بالصبح أليس الصبح بقريب
فلما أن كان السحر خرج لوط وأهله معه الا امرأته وذلك قوله تعالى (إلا آل لوط
نجيناهم بسحر) * حدثنا المثنى قال أخبرنا إسحاق قال حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم
قال حدثني عبد الصمد أنه سمع وهب بن منبه يقول كانوا أهل سدوم الذين فيهم
لوط قوم سوء قد استغنوا عن النساء بالرجال فلما رأى الله ذلك منهم بعث الملائكة
ليعذبوهم فأتوا إبراهيم فكان من أمره وأمرهم ما ذكره الله تعالى في كتابه فلما
213

بشروا سارة بالولد قاموا وقام معهم إبراهيم يمشى فقال أخبروني لم بعثتم وما
خطبكم قالوا انا أرسلنا إلى قوم سدوم لندمرها فإنهم قوم سوء قد استغنوا بالرجال
عن النساء قال إبراهيم أرأيتم إن كان فيهم خمسون رجلا صالحا قالوا إذا لا نعذبهم
فلم يزل حتى قال أهل بيت قالوا فإن كان فيهم بيت صالح قال لوط وأهل بيته
قالوا إن امرأته هواها معهم فلما يئس إبراهيم انصرف ومضوا إلى أهل سدوم
فدخلوا على لوط فلما رأتهم امرأته أعجبها حسنهم وجمالهم فأرسلت إلى أهل القرية
أنه قد نزل بنا قوم لم نر قوما قط أحسن منهم ولا أجمل فتسامعوا بذلك فغشوا
دار لوط من كل ناحية وتسوروا عليهم الجدارات فلقيهم لوط فقال يا قوم
لا تفضحون في ضيفي وأنا أزواجكم بناتي فهن أطهر لكم فقالوا لو كنا نريد بناتك
لقد عرفنا مكانهن فقال لو أن لي بكم قوة أو آوى إلى ركن شديد فوجد عليه
الرسل فقالوا إن ركنك لشديد وإنهم آتيهم عذاب غير مردود فمسح أحدهم
أعينهم بجناحيه فطمس أبصارهم فقالوا سحرنا انصرفوا بنا حتى نرجع إليه فكان
من أمرهم ما قد قص الله تعالى في القرآن فأدخل ميكائيل وهو صاحب العذاب
جناحه حتى بلغ أسفل الأرضين فقلبها فنزلت حجارة من السماء فتتبعت من لم
يكن منهم في القرية حيث كانوا فأهلكهم الله ونجى لوطا وأهله إلا امرأته
* حدثنا أبو كريب قال حدثنا جابر بن نوح قال حدثنا الأعمش عن مجاهد قال
أخذ جبرائيل قوم لوط من سرحهم ودورهم حملهم بمواشيهم وأمتعتهم حتى سمع
أهل السماء نباح كلابهم ثم كفأها * وحدثنا أبو كريب مرة أخرى عن مجاهد
قال أدخل جبرائيل جناحه تحت الأرض السفلى من قوم لوط ثم أخذهم بالجناح
الأيمن وأخذهم من سرحهم ومواشيهم ثم رفعها * حدثني المثنى قال حدثنا أبو
حذيفة قال حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال كان يقول (فلما جاء
أمرنا جعلنا عاليها سافلها) قال لما أصبحوا غدا جبرائيل على قريتهم ففتقها
من أركانها ثم أدخل جناحه ثم حملها على خوافي جناحه * حدثني المثنى قال
حدثنا أبو حذيفة قال حدثنا شبل قال وحدثني هذا ابن أبي نجيح عن إبراهيم
214

ابن أبي بكر قال ولم يسمعه ابن أبي نجيح من مجاهد قال فحملها على خوافي جناحه
بما فيها ثم صعد بها إلى السماء حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم ثم قلبها فكان أول
ما سقط منها شرافها فذلك قوله تعالى (فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم
حجارة من سجيل) * حدثنا محمد بن عبد الاعلى قال حدثنا محمد بن ثور عن
معمر عن قتادة قال بلغنا أن جبرائيل عليه السلام أخذ بعروة القرية الوسطى
ثم ألوى بها إلى السماء حتى سمع أهل السماء ضواغي كلابهم ثم دمر بعضها على
بعض فجعل عاليها سافلها ثم اتبعتهم الحجارة قال قتادة وبلغنا أنهم كانوا أربعة
آلاف ألف * حدثنا بشر بن معاذ قال حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد عن قتادة
قال وذكر لنا أن جبرائيل أخذ بعروتها الوسطى ثم ألوى بها إلى جو السماء
حتى سمعت الملائكة ضواغي كلابهم ثم دمر بعضها على بعض ثم أتبع شذان
القوم صخرا قال وهى ثلاث قرى يقال لها سدوم وهى بين المدينة والشأم قال
وذكر لنا أنه كان فيها أربعة آلاف ألف قال وذكر لنا أن إبراهيم كان يشرف
ثم يقول سدوم يوما هالك * حدثني موسى بن هارون قال حدثنا عمرو بن
حماد قال حدثنا أسباط عن السدى بالاسناد الذي قد ذكرناه لما أصبحوا يعنى
قوم لوط نزل جبرائيل عليه السلام واقتلع الأرض من سبع أرضين فحملها حتى
بلغ بها السماء الدنيا حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم وأصوات ديوكهم ثم قلبها
فقتلهم فذلك حين يقول (والمؤتفكة أهوى) المنقلبة حين أهوى بها جبرائيل
عليه السلام الأرض فاقتلعها بجناحه فمن لم يمت حين سقط الأرض أمطر الله
تعالى عليه وهو تحت الأرض الحجارة ومن كان منهم شاذا في الأرض وهو
قول الله تعالى فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل ثم تتبعهم في
القرى فكان الرجل يتحدث فيأتيه الحجر فيقتله فذلك قوله تعالى " وأمطرنا
عليهم حجارة من سجيل " * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني ابن إسحاق
قال حدثني محمد بن كعب القرظي قال حدثت أن الله تعالى بعث جبرائيل إلى
المؤتفكة قرية قوم لوط التي كان لوط فيهم فاحتملها بجناحه ثم صعد بها حتى أن
215

أهل السماء الدنيا يسمعون نانحة كلابها وأصوات دجاجها ثم كفأها على وجهها
ثم اتبعها الله عز وجل بالحجارة يقول الله تعالى " فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا
عليهم حجارة من سجيل فأهلكها الله تعالى وما حولها من المؤتفكات وكن خمس
قريات صبعة وصعرة وعمرة ودوما وسدوم هي القرية العظمى ونجى الله تعالى
لوطا ومن معه من أهله إلا امرأته كانت فيمن هلك
ذكر وفاة سارة بنت هاران وهاجر أم إسماعيل
ذكر أزواج إبراهيم عليه السلام وولده
قد ذكرنا فيما مضى قبل ما قيل في مقدار عمر سارة أم إسحاق فأما موضع
وفاتها فإنه لا يدفع أهل العلم من العرب والعجم أنها كانت بالشام وقيل إنها ماتت
بقرية الجبابرة من أرض كنعان في حبرون فدفنت في مزرعة اشتراها إبراهيم
وقيل إن هاجر عاشت بعد سارة مدة فأما الخبر فبغير ذلك ورد * حدثني موسى
ابن هارون قال حدثنا عمرو بن حماد قال حدثنا أسباط عن السدى بالاسناد
الذي قد ذكرناه قبل ثم إن إبراهيم اشتاق إلى إسماعيل فقال لسارة ائذني لي
أنطلق إلى ابني فأنظر إليه فأخذت عليه عهدا أن لا ينزل حتى يأتيها فركب البراق
ثم أقبل وقد ماتت أم إسماعيل وتزوج إسماعيل امرأة من جرهم وأن إبراهيم
عليه السلام كثر ماله ومواشيه وكان سبب ذلك فيما حدثنا به موسى بن هارون
قال حدثنا عمرو بن حماد قال حدثنا أسباط عن السدى بالاسناد الذي قد ذكرناه
قبل أن إبراهيم عليه السلام احتاج وقد كان له صديق يعطيه ويأتيه فقالت له
سارة لو أتيت خليلك فأصبت لنا منه طعاما فركب حمارا له ثم أتاه فلما أتاه تغيب
منه واستحيى إبراهيم أن يرجع إلى أهله خائبا فمر على بطحاء فملا منها خرجه ثم أرسل
الحمار إلى أهله فاقبل الحمار وعليه حنطة جيدة ونام إبراهيم عليه السلام فاستيقظ
وجاء إلى أهله فوجد سارة قد جعلت له طعاما فقالت ألا تأكل فقال وهل من شئ
قالت نعم من الحنطة التي جئت بها من عند خليلك فقال صدقت من عند خليلي جئت
216

بها فزرعها فنبتت له وزكا زرعه وهلكت زروع الناس فكان أصل ماله منها فكان
الناس يأتونه فيسألونه فيقول من قال لا إله إلا الله فليدخل فليأخذ فمنهم من قال وأخذ
ومنهم من أبى فرجع وذلك قوله تعالى (فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه
وكفى بجهنم سعيرا) فلما كثر مال إبراهيم ومواشيه احتاج إلى السعة في المسكن
والمرعى وكان مسكنه ما بين برية مدين فيما قيل والحجاز إلى أرض الشأم وكان
ابن أخيه لوط نازلا معه فقاسم ماله لوطا فأعطى لوطا شطره فيما قيل وخيره
مسكنا يسكنه ومنزلا ينزله غير المنزل الذي هو به نازل فاختار لوط ناحية
الأردن فصار إليها وأقام إبراهيم عليه السلام بمكانه فصار ذلك فيما قيل سببا لايثاره
بمكة وإسكانه إياها إسماعيل وكان ربما دخل أمصار الشأم * ولما ماتت سارة
بنت هاران زوجة إبراهيم تزوج إبراهيم بعدها فيما حدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة عن ابن إسحاق قطورا بنت يقطن امرأة من الكنعانيين فولدت له ستة
نفريقسان بن إبراهيم وزمران بن إبراهيم ومديان بن إبراهيم ويسبق بن إبراهيم
وسوح بن إبراهيم وبسر بن إبراهيم فكان جميع بنى إبراهيم ثمانية بإسماعيل
وإسحاق وكان إسماعيل بكره أكبر ولده قال فنكح يقسان بن إبراهيم رعوة
بنت زمر بن يقطن بن لوذان بن جرهم بن يقطن بن عابر فولدت له البربر ولفها
وولد زمران بن إبراهيم المزامير الذين لا يعلمون وولد لمديان أهل مدين قوم
شعيب بن ميكائيل النبي فهو وقومه من ولده بعثه الله عز وجل إليهم نبيا *
وحدثني الحارث بن محمد قال حدثنا محمد بن سعد قال حدثنا هشام بن محمد بن السائب
عن أبيه قال كان أبو إبراهيم من أهل حران فاصابته سنة من السنين فأتى هرمز
جرد بالأهواز ومعه امرأته أم إبراهيم واسمها نونا بنت كرينا بن كوثى من بنى
أرفخشد بن سام بن نوح * حدثني الحارث قال حدثنا محمد بن سعد قال حدثنا
محمد بن عمر الأسلمي عن غير واحد من أهل العلم قال اسمها أنموتا من ولد افراهم
ابن أرغوا بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح وكان بعضهم يقول
اسمها انمتلى بنت يكفور * حدثني الحارث قال حدثنا محمد بن سعد قال أخبرنا
217

هشام بن محمد عن أبيه قال نهر كوثى كراه كرينا جد إبراهيم من قبل أمه وكان
أبو ه على أصنام الملك نمرود فولد إبراهيم بهرمزجرد ثم انتقل إلى كوثى من
أرض بابل فلما بلغ إبراهيم وخالف قومه ودعاهم إلى عبادة الله بلغ ذلك الملك
نمرود فحبسه في السجن سبع سنين ثم بنى له الحفر بجص وأوقد له الحطب الجزل
وألقى إبراهيم فيه فقال حسبي الله ونعم الوكيل فخرج منها سليما لم يكلم * حدثني
الحارث قال حدثنا محمد بن سعد قال حدثنا هشام بن محمد عن أبيه عن أبي صالح
عن ابن عباس قال لما هرب إبراهيم من كوثى وخرج من النار ولسانه يومئذ
سرياني فلما عبر الفرات من حران غير الله لسانه فقيل عبراني أي حيث عبر الفرات
وبعث نمرود في أثره وقال لا تدعوا أحدا يتكلم بالسريانية إلا جئتموني به فلقوا
إبراهيم عليه السلام فتكلم بالعبرانية فتركوه ولم يعرفوا لغته * حدثني الحارث
قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا هشام عن أبيه قال هاجر إبراهيم من بابل إلى الشأم
فجاءته سارة فوهبت له نفسها فتزوجها وخرجت معه وهو يومئذ ابن سبع
وثلاثين سنة فأتى حران فأقام بها زمانا ثم أتى الأردن فأقام بها زمانا ثم خرج
إلى مصر فأقام بها زمانا ثم رجع إلى الشأم فنزل السبع أرض بين إيليا وفلسطين
واحتفر بئرا وبنى مسجدا ثم إن بعض أهل البلد آذاه فتحول من عندهم فنزل منزلا
بين الرملة وإيليا فاحتفر به بئرا فأقام به وكان قد وسع عليه في المال والخدم وهو
أول من أضاف الضيف وأول من ثرد الثريد وأول من رأى الشيب قال وولد
لإبراهيم عليه السلام إسماعيل وهو أكبر ولده وأمه هاجر وهى قبطية وإسحاق
وهو ضرير البصر وأمه سارة بنت بتويل بن ناخور بن ساروع بن أرغوا بن فالغ
ابن عابر بن شالح بن أرفخشد بن سام بن نوح ومدن ومدين ويقسان وزمران
ويسبق وسوح وأمهم قنطورا بنت مفطور من العرب العاربة فأما يقسان فلحق
بنوه بمكة وأقام مدن ومدين بأرض مدين فسميت به ومضى سائرهم في البلاد
وقالوا لإبراهيم يا أبانا أنزلت إسماعيل وإسحاق معك وأمرتنا أن ننزل أرض
الغربة والوحشة فقال بذلك أمرت قال فعلمهم اسما من أسماء الله تبارك وتعالى
218

فكانوا يستسقون به ويستنصرون فمنهم من نزل خراسان فجاءتهم الخزر فقالوا
ينبغي للذي علمكم هذا أن يكون خير أهل الأرض أو ملك الأرض قال فسموا
ملوكهم خاقان * قال أبو جعفر ويقال في يسبق يسباق وفى سوح ساح وقال
بعضهم تزوج إبراهيم بعد سارة امرأتين من العرب إحداهما قنطورا بنت يقطان
فولدت له ستة بنين وهم الذين ذكرنا والاخرى منهما حجور بنت ارهير فولدت
له خمسة بنين كيسان وشورخ واميم ولوطان ونافس.
ذكر وفاة إبراهيم خليل الله صلى الله عليه وسلم
فلما أراد الله تبارك وتعالى قبض روح إبراهيم صلى الله عليه وسلم أرسل
إليه ملك الموت في صورة شيخ هرم * فحدثني موسى بن هارون قال حدثنا عمرو بن
حماد قال حدثنا أسباط عن السدى بالاسناد الذي قد ذكرته قبل كان إبراهيم كثير
الطعام يطعم الناس ويضيفهم فبينا هو يطعم الناس إذا هو بشيخ يمشي في الحر
فبعث إليه بحمار فركبه حتى إذا أتاه أطعمه فجعل الشيخ يأخذ اللقمة يريد أن يدخلها
فاه فيدخلها عينه وأذنه ثم يدخلها فاه فإذا دخلت جوفه خرجت من دبره وكان إبراهيم
قد سأل ربه عز وجل أن لا يقبض روحه حتى يكون هو الذي يسأله الموت فقال للشيخ
حين رأى من حاله ما رأى ما بالك يا شيخ تصنع هذا قال يا إبراهيم الكبر قال ابن كم أنت
فزاد على عمر إبراهيم سنتين فقال إبراهيم إنما بيني وبينك سنتان فإذا بلغت ذلك صرت
مثلك قال نعم قال إبراهيم اللهم اقبضني إليك قبل ذلك فقام الشيخ فقبض روحه وكان ملك
الموت ولما مات إبراهيم عليه السلام وكان موته وهو ابن مائتي سنة وقيل ابن مائة وخمس
وسبعين سنة دفن عند قبر سارة في مزرعة جيرون وكان مما أنزل الله تعالى على
إبراهيم عليه السلام من الصحف فيما قيل عشر صحائف كذلك حدثني أحمد بن
عبد الرحمن بن وهب قال أخبرني عمى عبد الله بن وهب قال حدثني الماضي بن محمد
عن أبي سليمان عن القاسم بن محمد عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر الغفاري
قال قلت يا رسول الله كم كتاب أنزله الله قال مائة كتاب وأربع كتب أنزل الله
عز وجل على آدم عليه السلام عشر صحائف وعلى شيث خمسين صحيفة وأنزل على
219

خنوخ ثلاثين صحيفة وأنزل على إبراهيم عشر صحائف وأنزل عز وجل التوراة
والإنجيل والزبور والفرقان قلت يا رسول الله فما كانت صحف إبراهيم قال كانت
أمثالا كلها * أيها الملك المسلط المبتلى المغرور إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها إلى
بعض ولكن بعثتك لترد عنى دعوة المظلوم فإني لا أردها وإن كانت من كافر
وكانت فيها أمثال وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبا على عقله وأن يكون له ساعات
ساعة يناجى فيها ربه وساعة يفكر فيها في صنع الله عز وجل وساعة يحاسب
فيها نفسه فيما قدم وأخر وساعة يخلو فيها لحاجته من الحلال في المطعم والمشرب
وعلى العاقل أن لا يكون ظاعنا إلا في ثلاث تزود لمعاده ومرمة لمعاشه ولذة
في غير محرم وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه مقبلا على شأنه حافظا للسانه ومن
حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه وكان لإبراهيم فيما ذكر أخوان
يقال لأحدهما هاران وهو أبو لوط وقيل إن هاران هو الذي بنى مدينة حران
واليه تنسب والآخر منهما ناحورا وهو أبو بتويل وبتويل هو أبو لايان ورفقا ابنة
بتويل ورفقا امرأة إسحاق بن إبراهيم أم يعقوب ابنة بتويل وليا وراحيل امرأتا
يعقوب ابنتا لايان
ذكر خبر ولد إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام
قد مضى ذكرنا سبب مصير إبراهيم بابنه إسماعيل وأمه هاجر إلى مكة
وإسكانه إياهما بها ولما كبر إسماعيل تزوج امرأة من جرهم فكان من أمرها
ما قد تقدم ذكره ثم طلقها بأمر أبيه إبراهيم بذلك ثم تزوج أخرى يقال لها
السيدة بنت مضاض بن عمرو الجرهمي وهى التي قال لها إبراهيم إذ قدم مكة وهى
زوجة إسماعيل قولي لزوجك إذا جاء قد رضيت لك عتبة بابك * فحدثنا ابن حميد
قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال ولد لإسماعيل بن إبراهيم اثنا عشر رجلا وأمهم
السيدة بنت مضاض بن عمرو الجرهمي: نابت بن إسماعيل وقيدر بن إسماعيل
وادبيل بن إسماعيل ومشيا بن إسماعيل ومسمع بن إسماعيل ودما بن إسماعيل
220

وماس بن إسماعيل وادد بن إسماعيل ووطور بن إسماعيل ونفيس بن إسماعيل
وطما بن إسماعيل وقيدمان بن إسماعيل قال وكان عمر إسماعيل فيما يزعمون ثلاثين
ومائة سنة ومن نابت وقيدر نشر الله العرب ونبأ الله عز وجل إسماعيل فبعثه
إلى العماليق فيما قيل وقبائل اليمن * وقد ينطق أسماء أولاد إسماعيل بغير الألفاظ
التي ذكرت عن ابن إسحاق فيقول بعضهم في قيدر قيدار وفى ادبيل ادبال وفى
ميشا ميشام وفى دماذ وما ومسا وحداد وتيم ويطور ونافس وقادمن وقيل إن
إسماعيل لما حضرته الوفاة أوصى إلى أخيه إسحاق وزوج ابنته من العيص بن
إسحاق وعاش إسماعيل فيما ذكر مائة وسبعا وثلاثين سنة ودفن في الحجر عند قبر
أمه هاجر * حدثني عبد ة بن عبد الله الصفار قال حدثنا خالد بن عبد الرحمن المخزومي
عن مبارك بن حسان صاحب الأنماط عن عمر بن عبد العزيز قال شكا إسماعيل
إلى ربه تبارك وتعالى حر مكة فأوحى الله تعالى إليه إني فاتح لك بابا من الجنة
يجرى عليك روحها إلى يوم القيامة وفى ذلك المكان تدفن ونرجع الآن إلى
ذكر إسحاق بن إبراهيم
عليهما السلام وذكر نسائه وأولاده إذ كان التأريخ غير متصل على سياق
معروف لامة بعد الفرس غيرهم وذلك أن الفرس كان ملكهم متصلا دائما من
عهد جيومرت الذي قد وصفت شأنه وخبره إلى أن زال عنهم بخير أمة أخرجت
للناس أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وكانت النبوة والملك متصلين بالشام
ونواحيها لولد إسرائيل بن إسحاق إلى أن زال ذلك عنهم بالفرس والروم بعد
يحيى بن زكرياء وبعد عيسى بن مريم عليهما السلام وسنذكر إذا نحن انتهينا إلى
الخبر عن يحيى وعيسى عليهما السلام سبب زوال ذلك عنهم إن شاء الله فأما سائر الأمم
غير الفرس فإنه غير ممكن الوصول إلى علم التأريخ بهم إذ لم يكن لهم ملك متصل
في قديم الأيام وحديثه إلا ما لا يمكن معه سياق التأريخ عليه وعلى أعمار ملوكهم
إلا ما ذكرنا من ولد يعقوب إلى الوقت الذي ذكرت فإن ذلك وإن كانت مدته
انقطعت بزواله عنهم فإن قدر مدة زواله عنهم إلى غايتنا هذه معلوم مبلغه وقد
221

كان لليمن ملوك لهم ملك غير أنه كان غير متصل وإنما كان يكون منهم الواحد
بعد الواحد وبين الأول والآخر فترات طويلة لا يقف على مبلغها العلماء لقلة
عنايتهم كانت بها وبمبلغ عمر الأول منهم والآخر إذ لم يكن من الامر الدائم فإن
دام منه شئ فإنما يدوم لمن دام له منهم بأنه عامل لغيره في الموضع الذي هو به
لا يملك بنفسه وذلك كدوامه لآل نصر بن ربيعة بن الحارث بن مالك بن عمم بن
نمارة بن لخم فإنهم كانوا على فرج ثغر العرب للفرس من الحيرة إلى حد اليمن طولا
وإلى حد الشأم وما اتصل به عرضا فلم يزل ذلك دائما لهم من عهد اردشير بابكان
إلى أن قتل كسرى وابرويز بن هرمز بن أنو شروان النعمان بن المنذر فنقل
عنهم ما كان إليهم من العمل على ثغر العرب إلى إياس بن قبيصة الطائي * فحدثنا
ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال نكح إسحاق بن إبراهيم رفقا بنت بتويل بن
الياس فولدت له عيص بن إسحاق ويعقوب بن إسحاق يزعمون أنهما كانا توأمين
وأن عيصا كان أكبرهما ثم نكح عيص بن إسحاق ابنة عمه بسمة بنت إسماعيل بن إبراهيم
فولدت له الروم بن عيص فكل بنى الأصفر من ولده قال وبعض الناس يزعم أن الاشبان
من ولده ولا أدرى أمن ابنة إسماعيل أم لا ونكح يعقوب بن إسحاق وهو إسرائيل
ابنة خاله ليا ابنة ليان بن بتويل بن الياس فولدت له روبيل بن يعقوب وكان
أكبر ولده وشمعون بن يعقوب ولاوي بن يعقوب ويهوذا بن يعقوب وزبالون
ابن يعقوب ويسحر بن يعقوب ودينة ابنة يعقوب وقد قيل في يسحر إن اسمه
يشحر ثم توفيت ليا بنت ليان فخلف يعقوب على أختها راحيل بنت ليان بن بتويل
ابن الياس فولدت له يوسف بن يعقوب وبنيامين بن يعقوب وهو بالعربية شداد
وولد له من سريتين اسم أحدهما زلفة واسم الأخرى بلهة أربعة نفردان بن يعقوب
ونفثالى بن يعقوب وحادر بن يعقوب وأشر بن يعقوب فكان بنو يعقوب اثنى
عشر رجلا * وقد قال بعض أهل التوراة إن رفقا زوجة إسحاق هي ابنة ناهر بن
آزر عم إسحاق وإنها ولدت له ابنيه عيصا ويعقوب في بطن واحد وإن إسحاق أمر
ابنه يعقوب أن لا ينكح امرأة من الكنعانيين وأمره أن ينكح امرأة من بنات
222

خاله لبان بن ناهر وأن يعقوب لما أراد النكاح مضى إلى خاله ليان بن ناهر
خاطبا فأدركه الليل في بعض الطريق فبات متوسدا حجرا فرأى فيما يرى النائم
أن سلما منصوبا إلى باب من أبو أب السماء عند رأسه والملائكة تنزل وتعرج
فيه وأن يعقوب صار إلى خاله فحطب إليه ابنته راحيل وكانت له ابنتان ليا وهى
الكبرى وراحيل وهى الصغرى فقال له هل من مال أزوجك عليه فقال يعقوب
لا إلا أنى أخدمك أجيرا حتى تستوفى صداق ابنتك قال فان صداقها أن تخدمني
سبع حجج قال يعقوب فزوجني راحيل وهى شرطي ولها أخدمك فقال له خاله
ذلك بيني وبينك فرعى له يعقوب سبع سنين فلما وفى له شرطه دفع إليه ابنته
الكبرى ليا وأدخلها عليه ليلا فلما أصبح وجد غير ما شرط فجاءه يعقوب وهو
في نادى قومه فقال له غررتني وخدعتني واستحللت عملي سبع سنين ودلست على
غير امرأتي فقال له خاله يا ابن أختي أردت أن تدخل على خالك العار والسبة وهو
خالك ووالدك ومتى رأيت الناس يزوجون الصغرى قبل الكبرى فهلم فاخدمني
سبع حجج أخرى فأزوجك أختها وكان الناس يومئذ يجمعون بين الأختين إلى
أن بعث موسى عليه السلام وأنزل عليه التوراة فرعى له سبعا فدفع إليه راحيل
فولدت له ليا أربعة أسباط روبيل ويهوذا وشمعان ولاوي وولدت له راحيل
يوسف وأخاه بنيامين وأخوات لهما وكان لا بان دفع إلى ابنتيه حين جهزهما إلى
يعقوب أمتين فوهبتا الأمتين ليعقوب فولدت كل واحدة منهما له ثلاثة رهط
من الأسباط وفارق يعقوب خاله وعاد حتى نازل أخاه عيصا وقال بعضهم ولد
ليعقوب دان ونفثالى من زلفة جارية راحيل وذلك انها وهبتها له وسألته أن
يطلب منها الولد حين تأخر الولد عنها وأن ليا وهبت جاريتها بلها ليعقوب منافسة
لراحيل في جاريتها وسألته أن يطلب منها الولد فولدت له جاد وأشير ثم ولد له
من راحيل بعد اليأس يوسف وبنيامين فانصرف يعقوب ولده هؤلاء وامرأتيه
المذكورتين إلى منزل أبيه من فلسطين على خوف شديد من أخيه العيص فلم ير
منه إلا خيرا وكان العيص فيما ذكر لحق بعمه إسماعيل فتزوج إليه ابنته بسمة
223

وحملها إلى الشام فولدت له عدة أولاد فكثروا حتى غلبوا الكنعانيين بالشام
وصاروا إلى البحر وناحية الإسكندرية ثم إلى الروم وكان العيص فيما ذكر يسمى
آدم لادمته قال ولذلك سمى ولده ولد الأصفر فكانت ولادة رفقا بنت بتويل
لإسحاق بن إبراهيم ابنيه العيص ويعقوب بعد أن خلا من عمر إسحاق ستون سنة
توأمين في بطن واحد والعيص المتقدم منهما خروجا من بطن أمه فكان إسحاق
فيما ذكر يختص العيص فكانت رفقا أمهما تميل إلى يعقوب فزعموا أن يعقوب
ختل العيص في قربان قرباه بأمر أبيهما إسحاق بعد ما كبرت سن إسحاق وضعف
بصره فصار أكثر دعاء إسحاق ليعقوب وتوجهت البركة نحوه بدعاء أبيه إسحاق
له فغاظ ذلك العيص وتوعده بالقتل فخرج يعقوب هاربا منه إلى خاله لابان ببابل
فوصله لابان وزوجه ابنتيه ليا وراحيل وانصرف بهما وبجاريتيهما وأولاده
الأسباط الاثني عشر وأختهم دينا إلى الشأم إلى منزل آبائه وتألف أخاه العيص
حتى ترك له البلاد وتنقل في الشأم حتى صار إلى السواحل ثم عبر إلى الروم
فأوطنها وصار الملوك من ولده وهم اليونانية فيما زعم هذا القائل * حدثنا الحسين
ابن محمد بن عمرو العبقري قال حدثنا أبي قال أخبرنا أسباط عن السدى قال تزوج
إسحاق امرأة فحملت بغلامين في بطن فلما أرادت أن تضعهما افتتل الغلامان في
بطنها فأراد يعقوب أن يخرج قبل عيص فقال عيص والله لئن خرجت قبلي
لأعترضن في بطن أمي ولأقتلنها فتأخر يعقوب فخرج عيص قبله وأخذ يعقوب
بعقب عيص فخرج فسمى عيصا لأنه عصى فخرج قبل يعقوب وسمى يعقوب لأنه
خرج آخذا بعقب عيص وكان يعقوب أكبرهما في البطن ولكن عيصا خرج
قبله وكبر الغلامان فكان عيص أحبهما إلى أبيه وكان يعقوب أحبهما إلى أمه
وكان عيص صاحب صيد فلما كبر إسحاق وعمى قال لعيص يا بنى أطعمني لحم صيد
واقترب منى أدع لك بدعاء دعا لي به أبى وكان عيص رجلا أشعر وكان يعقوب
رجلا أجرد فخرج عيص يطلب الصيد وسمعت أمه الكلام فقالت ليعقوب يا بنى
اذهب إلى الغنم فاذبح منها شاة ثم اشوه والبس جلده وقدمه إلى أبيك وقل له أنا
224

ابنك عيص ففعل ذلك يعقوب فلما جاء قال يا أبتاه كل قال من أنت قال أنا ابنك
عيص قال فمسه فقال المس مس عيص والريح ريح يعقوب قالت أمه هو ابنك
عيص فادع له قال قدم طعامك فقدمه فأكل منه ثم قال أدن متى فدنا منه فدعا له أن
يجعل في ذريته الأنبياء والملوك وقام يعقوب وجاء عيص فقال قد جئتك بالصيد الذي
أمرتني به فقال يا بنى قد سبقك أخوك يعقوب فغضب عيص وقال والله لأقتلنه قال يا بنى
قد بقيت لك دعوة فهلم أدع لك بها فدعا له فقال تكون ذريتك عددا كثيرا كالتراب
ولا تملكهم أحد غيرهم وقالت أم يعقوب ليعقوب الحق بخالك فكن عنده خشية أن
يقتله عيص فانطلق إلى خاله فكان يسرى بالليل ويكمن بالنهار ولذلك سمى
إسرائيل وهو سرى الله فأتى خاله وقال عيص أما إذا غلبتني على الدعوى فلا
تغلبني على القبر أن أدفن عند آبائي إبراهيم وإسحاق فقال لئن فعلت لتدفنن معه
ثم إن يعقوب عليه السلام هوى ابنة خاله وكانت له ابنتان فحطب إلى أبيهما الصغرى
منهما فأنكحها إياه على أن يرعى غنمه إلى أجل مسمى فلما لقضى الاجل زف
إليه أختها ليا قال يعقوب إنما أردت راحيل فقال له خاله إنا لا ينكح فينا
الصغير قبل الكبير ولكن ارع لنا أيضا وانكحها ففعل فلما انقضى الاجل
زوجه راحيل أيضا فجمع يعقوب بينهما فذلك قوله تعالى (وأن تجمعوا بين الأختين
إلا ما قد سلف) يقول جمع يعقوب بين ليا وراحيل فحملت ليا فولدت يهوذا
وروبيل وشمعون وولدت راحيل يوسف وبنيامين وماتت راحيل في نفاسها
ببنيامين يقول من وجع النفاس وقطع خال يعقوب ليعقوب قطيعا من الغنم
فأراد الرجوع إلى بيت المقدس فلما ارتحلوا لم يكن له نفقة فقالت امرأة يعقوب
ليوسف خذ من أصنام أبى لعلنا نستنفق منه فأخذ وكان الغلامان في حجر يعقوب
فأحبهما وعطف عليهما ليتمهما من أمهما وكان أحب الخلق إليه يوسف عليه
السلام فلما قدموا أرض الشأم قال يعقوب لراع من الرعاة إن أتاكم أحد يسألكم
من أنتم فقولوا نحن ليعقوب عبد عيص فلقيهم عيص قال من أنتم قالوا نحن
ليعقوب عبد عيص فكف عيص عن يعقوب ونزل يعقوب بالشام فكان همه
225

يوسف وأخوه فحسده إخوته لما رأوا من حب أبيه له ورأى يوسف في المنام
كأن أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رآهم ساجدين له فحدث أباه بها فقال
يا بنى لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للانسان عدو
مبين ومن ولده فيما قيل
أيوب نبي الله صلى الله عليه وسلم
وهو فيما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن من لا يتهم عن
وهب بن منبه أن أيوب كان رجلا من الروم وهو أيوب بن موص بن رازح
ابن عيص بن إسحاق بن إبراهيم وأما غيرا بن إسحاق فإنه يقول هو أيوب بن موص
ابن رغويل بن عيص بن إسحاق وكان بعضهم يقول هو أيوب بن موص بن رغويل
ويقول كان أبو ه ممن آمن بإبراهيم عليه السلام يوم إحراقه نمرود وكانت زوجته
التي أمر بضربها بالضغث ابنة ليعقوب بن إسحاق يقال لها ليا كان يعقوب زوجها
منه * وحدثني الحسين بن عمرو بن محمد قال وحدثنا أبى قال أخبرنا غياث بن
إبراهيم قال ذكر والله أعلم أن عدو الله إبليس لقى امرأة أيوب وذكر أنها
كانت ليا بنت يعقوب فقال ياليا ابنة الصديق وأخت الصديق وكانت أم أيوب
ابنة للوط بن هاران * وقيل إن زوجته التي أمر بضربها بالضغث هي رحمة بنت
افرائيم بن يوسف بن يعقوب وكانت لها البثنية من الشام كلها بما فيها وكان فيما
ذكر عن وهب بن منبه في الخبر الذي حدثنيه محمد بن سهل بن عسكر البخاري
قال حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم أبو هشام قال حدثني عبد الصمد بن معقل
قال سمعت وهب بن منبه يقول إن إبليس لعنه الله سمع تجاوب الملائكة بالصلاة
على أيوب وذلك حين ذكره الله تعالى وأثنى عليه فأدركه البغى والحسد فسأل
الله أن يسلطه عليه ليفتنه عن دينه فسلطه الله على ماله دون جسده وعقله
وجمع إبليس عفاريت الشياطين وعظماءهم وكان لأيوب البثنية من الشام كلها
بما فيها بين شرقها وغربها وكان له بها ألف شاة برعاتها وخمسمائة فدان يتبعها
226

خمسمائة عبد لكل عبد امرأة وولد ومال ويحمل آلة كل فدان أتان لكل أتان
ولد بين اثنين وثلاثة وأربعة وخمسة وفوق ذلك فلما جمعهم إبليس قال ماذا
عندكم من القوة والمعرفة فإني قد سلطت على مال أيوب فهي المصيبة الفادحة
والفتنة التي لا يصبر عليها الرجال فقال كل من عنده قوة على اهلاك شئ ما عنده
فارسلهم فاهلكوا ماله كله وأيوب في كل ذلك يحمد الله ولا يثنيه شئ أصيب
به من ماله عن الجد في عبادة الله تعالى والشكر له على ما أعطاه والصبر على
ما ابتلاه به فلما رأى ذلك من أمره إبليس لعنه الله سال الله تعالى أن يسلطه على
ولده فسلطه عليهم ولم يجعل له سلطانا على جسده وقلبه وعقله فاهلك ولده كلهم ثم
جاء متمثلا بمعلمهم الذي كان يعلمهم الحكمة جريحا مشدوخا يرققه حتى رق أيوب فبكى
فقبض قبضة من تراب فوضعها على رأسه فسر بذلك إبليس واغتنمه من أيوب عليه
السلام ثم إن أيوب تاب واستغفر فصعدت قرناؤه من الملائكة بتوبته فبدروا
إبليس إلى الله عز وجل فلما لم يثن أيوب عليه السلام ما حل به من المصيبة في ماله
وولده عن عبادة ربه والجد في طاعته والصبر على ما ناله سأل الله عز وجل إبليس
أن يسلطه على جسده فسلطه على جسده خلا لسانه وقلبه وعقله فإنه لم يجعل له
على ذلك منه سلطانا فجاء وهو ساجد فنفخ في منخره نفخة اشتعل منها جسده
فسار من جملة أمره إلى أن أنتن جسده فأخرجه أهل القرية من القرية إلى كناسة
خارج القرية لا يقربه أحد إلا زوجته وقد ذكرت اختلاف الناس في اسمها
ونسبها قبل * ثم رجع الحديث إلى حديث وهب بن منبه وكانت زوجته تختلف
إليه بما يصلحه وتلزمه وكان قد اتبعه ثلاثة نفر على دينه فلما رأوا ما نزل به من
البلاء رفضوه واتهموه من غير أن يتركوا دينه يقال لأحدهم بلدد وللآخر اليفز
وللثالث صافر فانطلقوا إليه وهو في بلائه فبكتوه فلما سمع أيوب عليه السلام كلامهم
أقبل على ربه يستغيثه ويتضرع إليه فرحمه ربه ورفع عنه البلاء ورد عليه أهله
وماله ومثلهم معهم وقال له (اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب) فاغتسل
به فعاد كهيئته قبل البلاء في الحسن والجمال * فحدثني يحيى بن طلحة اليربوعي قال
227

حدثنا فضيل بن عياض عن هشام عن الحسن قال لقد مكث أيوب عليه السلام
مطروحا على كناسة لبنى إسرائيل سبع سنين وأشهرا ما يسأل الله عز وجل أن
يكشف ما به قال فما على وجه الأرض أكرم على الله من أيوب فيزعمون أن بعض
الناس قال لو كان لرب هذا فيه حاجة ما صنع به هذا فعند ذلك دعا * حدثني يعقوب
ابن إبراهيم قال حدثنا ابن علية عن يونس عن الحسن قال بقى أيوب عليه السلام
على كناسة لبنى إسرائيل سبع سنين وأشهرا اختلف فيها الرواة * فهذه جملة من
خبر أيوب صلى الله عليه وسلم وإنما قدمنا ذكر خبره وقصته قبل خبر يوسف
وقصته لما ذكر من أمره وأنه كان نبيا في عهد يعقوب أبى يوسف عليهم السلام
ذكر أن عمر أيوب كان ثلاثا وتسعين سنة وانه أوصى عند موته إلى ابنه حومل
وأن الله عز وجل بعث بعده ابنه بشر بن أيوب نبيا وسماه ذا الكفل وأمره
بالدعاء إلى توحيده وأنه كان مقيما بالشام عمره حتى مات وكان عمره خمسا
وسبعين سنة وأن بشرا أوصى إلى ابنه عبد ان وأن الله عز وجل بعث بعده
شعيب بن صيفون بن عنقا بن ثابت بن مدين بن إبراهيم إلى أهل مدين وقد
اختلف في نسب شعيب فنسبة أهل التوراة النسب الذي ذكرت وكان ابن إسحاق
يقول هو شعيب بن ميكائيل من ولد مدين حدثني بذلك ابن حميد قال حدثنا
سلمة عن ابن إسحاق وقال بعضهم لم يكن شعيب من ولد إبراهيم وإنما هو من
ولد بعض من كان آمن بإبراهيم واتبعه على دينه وهاجر معه إلى الشأم ولكنه
ابن بنت لوط فجدة شعيب ابنة لوط
ذكر خبر شعيب صلى الله عليه وسلم
وقيل إن اسم شعيب يترون وقد ذكرت نسبه واختلاف أهل الأنساب
في نسبه وكان فيما ذكر ضرير البصر * حدثني عبد الاعلى بن واصل الأسدي
قال حدثنا أسيد بن زيد الجصاص قال أخبرنا شريك عن سالم عن سعيد بن جبير
في قوله (وإنا لنراك فينا ضعيفا) قال كان أعمى * حدثنا أحمد بن الوليد
الرملي قال حدثنا إبراهيم بن زياد وإسحاق بن المنذر وعبد الملك بن يزيد قالوا
228

حدثنا شريك عن سالم عن سعيد مثله * حدثني أحمد بن الوليد قال حدثنا
عمرو بن عون ومحمد بن الصباح قالا سمعنا شريكا يقول في قوله " وإنا لنراك فينا
ضعيفا " قال أعمى * حدثني أحمد بن الوليد قال حدثنا سعدويه قال حدثنا عباد
عن شريك عن سالم عن سعيد بن جبير مثله * حدثني المثنى قال حدثنا الحماني
قال حدثنا عباد عن شريك عن سالم عن سعيد " وإنا لنراك فينا ضعيفا " قال كان
ضرير البصر * حدثني العباس بن أبي طالب قال حدثنا إبراهيم بن مهدي المصيصي
قال حدثنا خلف بن خليفة عن سفيان عن سالم عن سعيد بن جبير " وإنا لنراك
فينا ضعيفا " قال كان ضعيف البصر * حدثني المثنى قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا
سفيان قوله تعالى " وإنا لنراك فينا ضعيفا " قال كان ضعيف البصر قال سفيان وكان
يقال له خطيب الأنبياء وإن الله تبارك وتعالى بعثه نبيا إلى أهل مدين وهم أصحاب
الأيكة والأيكة الشجر الملتف وكانوا أهل كفر بالله وبخس للناس في المكاييل
والموازين وإفساد لأموالهم وكان الله عز وجل وسع عليهم في الرزق وبسط
لهم في العيش استدراجا منه لهم مع كفرهم به فقال لهم شعيب عليه السلام
(يا قوم أعبد وا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان
إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط) فكان من قول شعيب
لقومه وجواب قومه له ذكره الله عز وجل في كتابه * فحدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة قال قال ابن إسحاق فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر لي يعقوب
ابن أبي سلمة إذا ذكره قال ذاك خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه فيما
يرادهم به فلما طال تماديهم في غيهم وضلالهم ولم يردهم تذكير شعيب إياهم وتحذيرهم
عذاب الله وأراد الله تبارك وتعالى هلاكهم: سلط عليهم فيما حدثني الحارث
قال حدثنا الحسن بن موسى الأشيب قال حدثني سعيد بن زيد أخو حماد بن زيد
قال حدثنا حاتم بن أبي صغيرة قال حدثني يزيد الباهلي قال سألت عبد الله بن عباس
عن هذه الآية (فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم)
فقال عبد الله بن عباس بعث الله وبدة وحرا شديدا فأخذ بأنفاسهم فدخلوا
229

أجراف البيوت فدخل أجواف البيوت فأخذ بأنفاسهم فخرجوا من البيوت
هرابا إلى البرية فبعث الله عز وجل سحابة فأظلتهم من الشمس فوجدوا لها
بردا ولذة فنادى بعضهم بعضا حتى إذا اجتمعوا تحتها أرسل الله عليهم نارا قال
عبد الله بن عباس فذاك عذاب يوم الظلة " إنه كان عذاب يوم عظيم "
* حدثني يونس بن عبد الاعلى قال حدثنا ابن وهب قال حدثني جرير بن حازم
أنه سمع قتادة يقول بعث شعيب إلى أمتين: إلى قومه أهل مدين وإلى أصحاب
الأيكة وكانت الأيكة من شجر ملتف فلما أراد الله عز وجل أن يعذبهم بعث
عليهم حرا شديدا ورفع لهم العذاب كأنه سحابة فلما دنت منهم خرجوا إليها رجاء
بردها فلما كانوا تحتها مطرت عليهم نارا قال فذلك قوله تعالى " فأخذهم عذاب يوم
الظلة " * حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال حدثني أبو سفيان عن معمر بن
راشد قال حدثني رجل من أصحابنا عن بعض العلماء قال كانوا يعنى قوم
شعيب عطلوا حدا فوسع الله عليهم في الرزق ثم عطلوا حدا فوسع الله عليهم في
الرزق فجعلوا كلما عطلوا حدا وسع الله عليهم في الرزق حتى إذا أراد الله هلاكهم
سلط عليهم حرا لا يستطيعون أن يتقاروا ولا ينفعهم ظل ولا ماء حتى ذهب
ذاهب منهم فاستظل تحت ظلة فوجود روحا فنادى أصحابه هلموا إلى الروح
فذهبوا إليه سراعا حتى إذا اجتمعوا ألهبها الله عليهم نارا فذلك عذاب يوم الظلة
* حدثنا ابن بشار قال حدثنا عبد الرحمن قال حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن
زيد بن معاوية في قولة تعالى " فاخذهم عذاب يوم الظلة " قال أصابهم حر قلقلهم في بيوتهم
فنشأت سحابة كهيئة الظلة فابتدروها فلما ناموا تحتها أخذتهم الرجفة * حدثني محمد
ابن عمر وقال حدثنا أبو عاصم قال حدثنا عيسى، وحدثني الحارث قال حدثنا الحسن
قال حدثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله " عذاب يوم الظلة " قال
ظلال العذاب * حدثني القاسم قال حدثنا الحسين قال حدثني حجاج عن ابن
جريج عن مجاهد في قوله " فأخذهم عذاب يوم الظلة " قال أظل العذاب قوم شعيب
قال ابن جريج لما أنزل الله تعالى عليهم أول العذاب أخذهم منه حر شديد فرفع
230

الله لهم غمامة فخرج إليها طائفة منهم ليستظلوا بها فأصابهم منها برد وروح وريح
طيبة فصب الله عليهم من فوقهم من تلك الغمامة عذابا فذلك قوله عذاب يوم الظلة
إنه كان عذاب يوم عظيم * حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد
في قوله " فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم " قال بعث الله عز وجل
إليهم ظلة من سحاب وبعث الله إلى الشمس فأحرقت ما على وجه الأرض فخرجوا
كلهم إلى تلك الظلة حتى إذا اجتمعوا كلهم كشف الله عنهم الظلة وأحمى عليهم
الشمس فاحترقوا كما يحترق الجراد في المقلى * حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين
قال حدثنا أبو نميلة عن أبي حمزة عن جابر عن عامر عن ابن عباس قال من حدثك
من العلماء ما عذاب يوم الظلة فكذبه * حدثني محمود بن خداش قال حدثنا
حماد بن خالد الخياط قال حدثنا داود بن قيس عن زيد بن أسلم في قوله عز وجل
(أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء)
قال كان مما ينهاهم عنه حذف الدراهم أو قال قطع الدراهم الشك من حماد
* حدثنا سهل بن موسى الرازي قال حدثنا ابن أبي فديك عن أبي مودود
قال سمعت محمد بن كعب القرظي يقول بلغني أن قوم شعيب عذبوا في قطع
الدراهم ثم وجدت ذلك في القرآن أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن
نفعل في أموالنا ما نشاء * حدثنا ابن وكيع قال حدثنا زيد بن حباب عن موسى
ابن عبيدة عن محمد بن كعب القرظي قال عذب قوم شعيب في قطعهم الدراهم
فقالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في
أموالنا ما نشاء
ونرجع الآن إلى ذكر يعقوب وأولاده
ذكروا والله أعلم أن إسحق بن إبراهيم صلى الله عليهما وسلم عاش بعد ما ولد له
العيص ويعقوب مائة سنة ثم توفى وله مائة وستون سنة فقبره ابناه العيص ويعقوب
عند قبر أبيه إبراهيم صلى الله عليه وسلم في مزرعة جيرون وكان عمر يعقوب
231

ابن إسحاق كله مائة سنة وسبعا وأربعين سنة وكان ابنه يوسف صلى الله عليه
وسلم قد قسم له ولامه من الحسن ما لم يقسم لكثير أحد من الناس * وقد حدثني
عبد الله بن محمد وأحمد بن ثابت الرازيان قالا حدثنا عفان بن مسلم قال أخبرنا
حماد بن سلمة قال أخبرنا ثابت عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال
أعطى يوسف وأمه شطر الحسن وأن أمه راحيل لما ولدته دفعه زوجها يعقوب
إلى أخته تحضنه فكان من شأنه وشأن عمته التي كانت تحضنه ما حدثنا ابن حميد
قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد قال كان أول
ما دخل على يوسف من البلاء ما بلغني أن عمته ابنة اسحق * وكانت أكبر ولد
اسحق وكانت إليها صارت منطقة اسحق وكانوا يتوارثونها بالكبر فكان من اختانها
ممن وليها كان له سلما لا ينازع فيه يصنع فيه ما شاء وكان يعقوب حين ولد له يوسف
قد كان حضنه عمته فكان معها واليها فلم يحب أحد شيئا من الأشياء حبها إياه
حتى إذا ترعرع وبلغ سنوات ووقعت نفس يعقوب عليه أتاها فقال يا أخية سلمى
إلى يوسف فوالله ما أقدر على أن يغيب عنى ساعة * قالت فوالله ما أنا بتاركته
قال فوالله ما أنا بتاركه قالت فدعه عندي أياما انظر إليه وأسكن عنه لعل ذلك
يسليني عنه أو كما قالت فلما خرج من عندها يعقوب عمدت إلى منطقة اسحق فحزمتها
على يوسف من تحت ثيابه ثم قالت لقد فقدت منطقة اسحق فانظروا من أخذها
ومن أصابها فالتمست ثم قالت اكشفوا أهل البيت فكشفوهم فوجدوها مع يوسف
فقالت والله انه لي لسلم أصنع فيه ما شئت قال وأتاها يعقوب فأخبرته الخبر فقال
لها أنت وذاك إن كان فعل ذلك فهو سلم لك ما أستطيع غير ذلك فأمسكته فما قدر
عليه يعقوب حتى ماتت قال فهو الذي يقول إخوة يوسف حين صنع بأخيه ما صنع
حين أخذه (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) قال أبو جعفر فلما
رأت اخوة يوسف شدة حب والدهم يعقوب إياه في صباه وطفولته وقلة صبره
عنه حسدوه على مكانه منه وقال بعضهم لبعض (ليوسف وأخوه أحب إلى
أبينا منا ونحن عصبة) يعنون بالعصبة الجماعة وكانوا عشرة (إن أبانا لفى
232

ضلال مبين) ثم كان من أمره وأمر يعقوب ما قد قص الله تبارك وتعالى في
كتابه من مسألتهم إياه إرساله إلى الصحراء معهم ليسعى وينشط ويلعب وضمانهم
له حفظه وإعلام يعقوب إياهم حزنه بمغيبه عنه وخوفه عليه من الذئب وخداعهم
والدهم بالكذب من القول والزور عن يوسف ثم ارساله معهم وخروجهم به
وعزمهم حين برزوا به إلى الصحراء على إلقائه في غيابة الجب فكان من أمره *
حينئذ فيما ذكر ما حدثنا ابن وكيع قال حدثنا عمرو بن محمد العنقزي عن أسباط
عن السدى قال أرسله يعنى يعقوب يوسف معهم فأخرجوه وبه عليهم كرامة فلما
برزوا إلى البرية أظهروا له العداوة وجعل أخوه يضربه فيستغيث بالآخر فيضربه
فجعل لا يرى منهم رحيما فضربوه حتى كادوا يقتلونه فجعل يصيح ويقول يا أبتاه
يا يعقوب لم تعلم ما يصنع بابنك بنو الإماء فلما كادوا يقتلونه فجعل يصيح قال يهوذا
أليس قد أعطيتموني موثقا أن لا تقتلوه فانطلقوا به إلى الجب ليطرحوه فجعلوا يدلونه
في البئر فيتعلق بشفيرها فربطوا يديه ونزعوا قميصه فقال يا اخوتاه ردوا على قميصي
أتوارى به في الجب فقالوا ادع الشمس والقمر والأحد عشر كوكبا تؤنسك قال إني لم أر
شيئا فدلوه في البئر حتى إذا بلغ نصفها القوة إرادة أن يموت فكان في البئر ماء فسقط فيه
ثم أوى إلى صخرة فيها فقام عليها فلما ألقوه في الجب جعل يبكى فنادوه فظن أنها رحمة
أدركتهم فأجابهم فأرادوا أن يرضخوه بصخرة فيقتلوه فقام يهوذا فمنعهم وقال قد
أعطيتموني موثقا أن لا تقتلوه وكان يهوذا يأتيه بالطعام ثم أخبر تبارك وتعالى
عن وحيه إلى يوسف عليه الصلاة والسلام وهو في الجب لينبئن اخوته الذين
فعلوا به ما فعلوا بفعلهم ذلك وهم لا يشعرون بالوحي الذي أوحى إلى يوسف
كذلك روى ذلك عن قتادة * حدثنا محمد بن عبد الاعلى الصنعاني قال حدثنا محمد بن
ثور عن معمر عن قتادة وأوحينا إليه لتنبئنهم بامرهم هذا قال أوحى إلى يوسف
وهو في الجب أن ينبئهم بما صنعوا به وهم لا يشعرون بذلك الوحي * حدثني المثنى
قال حدثنا سويد قال أخبرنا ابن المبارك عن معمر عن قتادة بنحوه إلا أنه قال أن
سينبئهم * وقيل معنى ذلك وهم لا يشعرون أنه يوسف وذلك قول يروى عن
233

ابن عباس * حدثني بذلك الحارث قال حدثنا عبد العزيز قال حدثنا صدقة بن
عبادة الأسدي عن أبيه قال سمعت ابن عباس يقول ذاك وهو قول ابن جريج ثم
خبره تعالى عن اخوة يوسف ومجيئهم إلى أبيه عشاء يبكون يذكرون له أن يوسف
أكله الذئب وقول والدهم (بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل) ثم
خبره جل جلاله عن مجئ السيارة وإرسالهم واردهم وإخراج الوارد يوسف
وإعلامه أصحابه به بقوله (يا بشرى هذا غلام) يبشرهم * حدثنا بشر بن معاذ
قال حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد عن قتادة قال يا بشرى هذا غلام تباشروا به
حين أخرجوه وهى بئر بأرض بيت المقدس معلوم مكانها * وقد قيل إنما نادى
الذي أخرج يوسف من البئر صاحبا له يسمى بشرى فناداه * باسمه الذي هو اسمه
كذلك ذكر عن السدى * حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا خلف بن هشام قال
حدثنا يحيى بن آدم عن قيس بن الربيع عن السدى في قوله يا بشرى قال كان اسم
صاحبه يشرى * حدثني المثنى قال حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد قال حدثنا الحكم
ابن ظهير عن السدى في قوله يا بشرى هذا غلام قال اسم الغلام بشرى كما تقول
يا زيد * ثم خبره عز وجل عن السيارة وواردهم الذي استخرج يوسف من الجب
إذ اشتروه من اخوته (بثمن بخس دراهم معدودة) على زهد فيه واسرارهم
إياه بضاعة خيفة ممن معهم من التجار مسئلتهم الشركة فيه إن هم علموا أنهم اشتروه
كذلك قال في ذلك أهل التأويل * حدثني محمد بن عمرو قال حدثني أبو عاصم
قال حدثنا عيسى بن أبي نجيح عن مجاهد (وأسروه بضاعة) قال صاحب الدلو
ومن معه قالوا لأصحابهم إنا استبضعناه خيفة أن يستشركوهم فيه إن علموا بثمنه
وتبعهم اخوته يقولون للمدلى وأصحابه استوثقوا منه لا يأبق حتى وقفوه بمصر
فقال من يبتاعني وببشر فاشتراه الملك والملك مسلم * حدثنا الحسن بن محمد قال
حدثنا شبابة قال حدثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد بنحوه غير أنه قال خيفة
أن يستشركوهم إن علموا به واتبعهم اخوته يقولون للمدلى وأصحابه استوثقوا
منه لا يأبق حتى وقفوه بمصر * حدثنا ابن وكيع قال حدثنا عمرو بن حماد عن
234

أسباط عن السدى وأسروه بضاعة قال لما اشتراه الرجلان فرقوا من الرفقة أن
يقولوا اشتريناه فيسئلوهم الشركة فيه فقالوا إن سألونا ما هذا قلنا بضاعة اسبضعناها
أهل الماء فذلك قوله وأسروه بضاعة * فكان بيعهم إياه ممن باعوه منه بثمن
بخس وذلك الناقص القليل من الثمن الحرام وقيل أنهم باعوه بعشرين درهما ثم
اقتسموها وهم عشرة درهمين درهمين وأخذوا العشرين معدودة بغير وزن لان
الدراهم حينئذ فيما قيل إذا كانت أقل من أوقية وزنها أربعون درهما لم تكن توزن
لان أقل أوزانهم يومئذ كانت أوقية وقد قيل إنهم باعوه بأربعين درهما وقيل
باعوه باثنين وعشرين درهما وذكر أن بائعه الذي باعه بمصر كان مالك بن دعر
ابن بويب بن عفقان بن مديان بن إبراهيم الخليل عليه السلام حدثنا بذلك ابن حميد
قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن محمد بن السائب عن أبي صالح عن ابن عباس *
وأما الذي اشتراه بها وقال لامرأته أكرمي مثواه فإن اسمه فيما ذكر عن
ابن عباس قطين * حدثني محمد بن سعد قال حدثني أبي قال حدثني عمى قال حدثني أبي
عن أبيه عن ابن عباس قال كان اسم الذي اشتراه قطفير وقيل إن اسمه أطفير
ابن روحيب وهو العزيز وكان على خزائن مصر والملك يومئذ الريان بن الوليد
رجل من العماليق كذلك حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق فاما
غيره فإنه قال كان يومئذ الملك بمصر وفرعونها الريان بن الوليد بن ثروان بن أراشة
ابن قاران بن عمرو بن عملاق بن لاوذ بن سام بن نوح وقد قال بعضهم إن هذا
الملك لم يمت حتى آمن واتبع يوسف على دينه * ثم مات ويوسف بعد حي ثم ملك
بعده قابوس بن مصعب بن معاوية بن نمير بن السلواس بن قاران بن عمرو بن عملاق
ابن لاوذ بن سام بن نوح عليه السلام * وكان كافرا فدعاه يوسف إلى الاسلام
فأبى أن يقبل وذكر بعض أهل التوراة أن في التوراة أن الذي كان من أمر
يوسف واخوته والمصير به إلى مصر وهو ابن سبع عشرة سنة يومئذ وأنه أقام
في منزل العزيز الذي اشتراه ثلاث عشرة سنة وأنه لما تمت له ثلاثون سنة استوزره
فرعون مصر الوليد بن الريان وأنه مات يوم مات وهو ابن مائة سنة وعشر سنين
235

وأوصى إلى أخيه يهوذا وأنه كان بين فراقه يعقوب واجتماعه معه بمصر اثنتان
وعشرون سنة وان مقام يعقوب معه بمصر بعد موافاته بأهله سبع عشرة سنة وأن
يعقوب صلى الله عليه وسلم أوصى إلى يوسف عليه السلام وكان دخول يعقوب مصر
في سبعين انسانا من أهله فلما اشترى أطفير يوسف وأتى به منزله قال لأهله واسمها فيما
حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق راعيل (أكرمي مثواه، عسى أن ينفعنا)
فيكفينا إذا هو بلغ وفهم الأمور بعض ما نحن بسبيله من أمورنا (أو نتخذه ولدا) وذلك
أنه كان فيما حدثنا به ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق رجلا لا يأتي النساء وكانت
امرأته راعيل حسناء ناعمة في ملك ودنيا فلما خلا من عمر يوسف عليه السلام
ثلاث وثلاثون سنة أعطاه الله عز وجل الحكم والعلم * حدثني المثنى قال حدثنا
أبو حذيفة قال حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد (آتيناه حكما وعلما)
قال العقل والعلم قبل النبوة (وراودته) حين بلغ من السن أشده (التي هو في
بيتها عن نفسه) وهى راعيل امرأة العزيز أطفير (وغلقت الأبواب) عليه وعليها
الذي أرادت منه وجعلت فيما ذكر تذكر ليوسف محاسنه تشوقه بذلك إلى نفسها
ذكر من قال ذلك
* حدثنا ابن وكيع قال حدثنا عمرو عمرو بن محمد عن أسباط عن السدى
(ولقد همت به وهم بها) قال قالت له يا يوسف ما أحسن شعرك قال هو أول
ما ينتثر من جسدي قالت يا يوسف ما أحسن عينيك قال هي أول ما يسيل إلى
إلى الأرض من جسدي قالت يا يوسف ما أحسن وجهك قال هو للتراب يأكله
فلم تزل حتى أطمعته فهمت به وهم بها فدخلا البيت وغلقت الأبواب وذهب
ليحل سراويله فإذا هو بصورة يعقوب قائما في البيت قد عض على أصبعه يقول
يا يوسف لا تواقعها فإنما مثلك ما لم تواقعها مثل الطير في جو السماء لا يطاق
ومثلك إن واقعتها مثله إذا مات وقع في الأرض لا يستطيع أن يدفع عن نفسه
ومثلك ما لم يواقعها مثل الثور الصعب الذي لا يعمل عليه ومثلك إن واقعتها مثل
الثور حين يموت فيدخل النمل في أصل قرنيه لا يستطيع أن يدفع عن نفسه فربط
236

سراويله وذهب ليخرج يشتد فأدركته فأخذت بمؤخر قميصه من خلفه فخرقته
حتى أخرجته منه وسقط وطرحه يوسف واشتد نحو الباب * وقد حدثنا
أبو كريب وابن وكيع وسهل بن موسى قالوا حدثنا ابن عيينة عن عثمان بن أبي
سليمان عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس سئل عن هم يوسف ما بلغ قال حل
الهميان وجلس منها مجلس الحائز * حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا حجاج بن
محمد عن ابن جريج قال أخبرنا عبد الله بن أبي مليكة قال قلت لا بن عباس ما بلغ
من هم يوسف قال استلقت له وجلس بين رجليها ينزع ثيابه فصرف الله تعالى
عنه ما كان هم به من السوء بما رأى من البرهان الذي أراه الله فذلك فيما قال
بعضهم صورة يعقوب عاضا على أصبعه وقال بعضهم بل نودي من جانب البيت
أتزني فتكون كالطير وقع ريشه فذهب يطير ولا ريش له وقال بعضهم رأى في الحائط
مكتوبا (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا) فقام حين رأى برهان
ربه هاربا يريد باب البيت فرارا مما أرادته منه وأتبعته راعيل فأدركته قبل
خروجه من الباب فجذبته بقميصه من قبل ظهره فقدت قميصه وألفى يوسف
وراعيل سيدها وهو زوجها أطفير جالسا عند الباب مع ابن عم لراعيل * كذلك
حدثنا ابن وكيع قال حدثنا عمرو بن محمد عن أسباط عن السدى وألفيا سيدها
لدا الباب قال كان جالسا عند الباب وابن عمها معه فلما رأته قالت (ما جزاء من
أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم) إنه راودني عن نفسي فدفعته
عن نفسي فأبيت فشققت قميصه قال يوسف بل هي راودتني عن نفسي فأبيت
وفررت منها فأدركتني فشقت قميصي فقال ابن عمها تبيان هذا في القميص فإن
كان القميص قدمن قبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان القميص قدمن دبر
فكذبت وهو من الصادقين فأتى بالقميص فوجده قدمن دبر قال (إنه من كيدكن
إن كيدكن عظيم يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت
من الخاطئين) * حدثني محمد بن عمارة قال حدثنا عبيد الله بن موسى قال أخبرنا
شيبان عن أبي إسحق عن نوف الشأمي قال ما كان يوسف يريد أن يذكره حتى
237

قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم قال فغضب
وقال هي راودتني عن نفسي * وقد اختلف في الشاهد الذي شهد من أهلها إن
كان قميصه قدمن قبل فصدقت وهو من الكاذبين فقال بعضهم ما ذكرت عن
السدى وقال بعضهم كان صبيا في المهد وقد روى في ذلك عن رسول الله ما حدثنا
الحسن بن محمد قال حدثنا عفان بن مسلم قال حدثنا حماد قال أخبرنا عطاء بن
السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تكلم
أربعة وهم صغار فذكر فيهم شاهد يوسف * حدثنا ابن وكيع قال حدثنا العلاء
ابن عبد الجبار عن حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن
عباس قال تكلم أربعة وهم صغار ابن ماشطة ابنة فرعون وشاهد يوسف وصاحب
جريج وعيسى ابن مريم * وقد قيل إن الشاهد كان هو القميص وقده من دبره
ذكر بعض من قال ذلك
* حدثني محمد بن عمرو قال حدثنا أبو عاصم قال حدثني عيسى عن ابن أبي نجيح
عن مجاهد في قول الله عز وجل (وشهد شاهد من أهلها) قال قميصه مشقوق
من دبره فتلك الشهادة فلما رأى زوج المرأة قميص يوسف قد من دبر قال لراعيل
زوجته إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم ثم قال ليوسف أعرض عن ذكر ما كان
منها من مراودتها إياك عن نفسها فلا تذكره لاحد ثم قال لزوجته استغفري لذنبك
إنك كنت من الخاطئين وتحدث النساء بأمر يوسف وأمر امرأة العزيز بمصر
ومراودتها إياه على نفسها فلم ينكتم وقلن (امرأة العزيز تراود فتاها عن
نفسه قد شغفها حبا) قد وصل حب يوسف إلى شغف قلبها فدخل تحته حتى
غلب على قلبها وشغاف القلب غلافه وحجابه * حدثنا ابن وكيع قال حدثنا
عمرو بن محمد عن أسباط عن السدى (قد شغفها حبا) قال فالشغاف
جلدة على القلب يقال لها لسان القلب يقول دخل الحب الجلد حتى أصاب القلب
فلما سمعت امرأة العزيز بمكرهن وتحدثهن بينهن بشأنها وشأن يوسف
وبلغها ذلك أرسلت إليهن واعتدت لهن متكأ يتكئن عليه إذا حضرنها من
238

وسائد وحضرنها فقدمت إليهن طعاما وشرابا وأترجا وأعطت كل واحدة منهن
سكينا تقطع به الأترج * حدثني سليمان بن عبد الجبار قال حدثنا محمد بن الصلت
قال حدثنا أبو كدينة عن حصين عن مجاهد عن ابن عباس (وأعتدت
لهن متكأ وآتت كل واحدة منهن سكينا) قال أعطتهن أترجا وأعطت كل
واحدة منهن سكينا فلما فعلت امرأة العزيز ذلك بهن وقد أجلست يوسف في
بيت ومجلس غير المجلس الذي هن فيه جلوس قالت ليوسف (أخرج عليهن)
فخرج يوسف عليهن فلما رأينه أجللنه وأكبرنه وأعظمنه وقطعن أيديهن
بالسكاكين التي في أيديهن وهن يحسبن أنهن يقطعن بها الأترج وقلن معاذ الله
ما هذا إنس (إن هذا إلا ملك كريم) فلما حل بهن ما حل من قطع أيديهن
من أجل نظرة نظرنها إلى يوسف وذهاب عقولهن وعرفتهن خطأ قيلهن امرأة
العزيز تراود فتاها عن نفسه وانكارهن ما أنكرن من أمرها أقرت عند ذلك
لهن بما كان من مراودتها إياه على نفسها فقالت (فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد
راودته عن نفسه فاستعصم) بعد ما حل سراويله * حدثنا ابن وكيع قال
حدثنا عمرو بن محمد عن أسباط عن السدى قالت فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد
راودته عن نفسه فاستعصم * تقول بعد ما حل السراويل استعصم لا أدرى ما بدا
له ثم قالت لهن (ولئن لم يفعل ما آمره) من إتيانها (ليسجنن وليكونا من
الصاغرين) فاختار صلى الله عليه وسلم السجن على الزنا ومعصية ربه فقال (رب السجن
أحب إلى مما يدعونني إليه) * حدثنا ابن وكيع قال حدثنا عمرو بن محمد
عن أسباط عن السدى قال رب السجن أحب إلى مما يدعونني إليه من الزنا
واستغاث بربه عز وجل فقال (وإلا تصرف عنى كيدهن أصب إليهن وأكن
من الجاهلين) فأخبر الله عز وجل انه استجاب له دعاءه فصرف عنه كيدهن
ونجاه من ركوب الفاحشة ثم بدا للعزيز من بعد ما رأى من الآيات ما رأى من
قد القميص من الدبر وخمش في الوجه وقطع النسوة أيديهن وعلمه ببراءة يوسف
مما قرف به في ترك يوسف مطلقا وقد قيل إن السبب الذي من أجله بدا له في
239

ذلك ما حدثنا به ابن وكيع قال حدثنا عمرو بن محمد عن أسباط السدى (ثم بدا لهم
من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين قال قالت المرأة لزوجها ان هذا
العبد العبراني قد فضحني في الناس يعتذر إليهم ويخبرهم انى راودته عن نفسه
ولست أطيق ان أعتذر بعذري فاما ان تأذن لي فاخرج فاعتذر وإما ان تحبسه
كما حبستني فذلك قول الله عز وجل " ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه
حتى حين " فذكر أنهم حبسوه سبع سنين
ذكر من قال ذلك
* حدثنا ابن وكيع قال حدثنا المحاربي عن داود عن عكرمة ليسجننه حتى حين
قال سبع سنين فلما حبس يوسف في السجن صاحبه العزيز أدخل معه السجن
الذي حبس فيه فتيان من فتيان الملك صاحب مصر الأكبر وهو الوليد بن الريان
أحدهما كان صاحب طعامه والآخر كان صاحب شرابه * حدثنا ابن وكيع قال
حدثنا عمرو عن أسباط عن السدى قال حبسه الملك وغضب على خبازه بلغه انه
يريد أن يسمه فحبسه وحبس صاحب شرابه ظن أنه مالاه على ذلك فحبسهما
جميعا فذلك قول الله عز وجل ودخل معه السجن فتيان فلما دخل يوسف
قال فيما حدثني به ابن وكيع قال حدثنا عمرو عن أسباط عن السدى قال لما
دخل يوسف السجن قال انى أعبر الأحلام فقال أحد الفتيين لصاحبه هلم
فلنجرب هذا العبد العبراني فتراءيا له فسألاه من غير أن يكونا رأيا شيئا فقال
الخباز (إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا يأكل الطير منه) (وقال الآخر إني
أراني أعصر خمرا) (نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين) فقيل كان إحسانه
ما حدثنا به إسحاق بن أبي إسرائيل قال حدثنا خلف بن خليفة عن سلمة بن نبيط
عن الضحاك قال سأل رجل الضحاك عن قوله " انا نراك من المحسنين " ما كان
احسانه قال كان إذا مرض انسان في السجن قام عليه وإذا احتاج جمع له وإذا
ضاق عليه المكان وسع له فقال لهما يوسف (لا يأتيكما طعام ترزقانه - في
يومكما هذا - إلا نبأتكما بتأويله) في اليقظة وكره صلى الله عليه وسلم ان يعبر لهما
240

ما سألاه عنه وأخذ في غير الذي سألا عنه لما في عبارة ما سألا عنه من المكروه
على أحدهما فقال (يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد
القهار) فكان اسم أحد الفتيين اللذين أدخلا السجن محلب وهو الذي ذكر أنه
رأى فوق رأسه خبزا واسم الآخر نبو وهو الذي ذكر أنه رأى كأنه يعصر
خمرا فلم يدعاه والعدول عن الجواب عما سألاه عنه حتى أخبرهما بتأويل ما سألا
عنه فقال (أما أحدكما فيسقى ربه خمرا) وهو الذي ذكر انه رأى كأنه يعصر
خمرا (وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه) فلما عبر لهما سألاه تعبيره
قالا ما رأينا شيئا * حدثنا ابن وكيع قال حدثنا ابن فضل عن عمارة يعنى ابن
القعقاع عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله في الفتيين اللذين أتيا يوسف في
الرؤيا إنما كانا تحالما ليختبراه فلما أول رؤياهما قالا انما كنا نلعب قال قضى الامر الذي
فيه تستفتيان ثم قال لنبو وهو الذي ظن يوسف أنه ناج منهما اذكرني عند ربك يعنى
عند الملك فأخبره أنى محبوس ظلما فأنساه الشيطان ذكر ربه غفلة عرضت ليوسف
من قبل الشيطان * فحدثني الحارث قال حدثنا عبد العزيز قال حدثنا جعفر بن سليمان
الضبعي عن بسطام بن مسلم عن مالك بن دينار قال قال يوسف للساقي اذكرني عند ربك
قال قيل يا يوسف اتخذت من دوني وكيلا لأطيلن حبسك قال فبكى يوسف وقال
يا رب أنسى قلبي كثرة البلوى فقلت كلمة فويل لاخوتي * حدثنا ابن وكيع قال
حدثنا عمرو بن محمد عن إبراهيم بن يزيد عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن
عباس قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لو لم يقل يوسف يعنى الكلمة التي قال
ما لبث في السجن طول ما لبث حيث يبتغى الفرج من عند غير الله عز وجل فلبث
في السجن فيما حدثني الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا عمران
أبو الهذيل الصنعاني قال سمعت وهبا يقول أصاب أيوب البلاء سبع سنين وترك
يوسف في السجن سبع سنين وعذب بختنصر فحول في السباع سبع سنين. ثم إن
ملك مصر رأى رؤيا هالته * فحدثنا ابن وكيع قال حدثنا عمرو بن محمد عن أسباط
عن السدى قال إن الله عز وجل أرى الملك في منامه رؤيا هالته فرأى سبع بقرات
241

سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات فجمع السحرة
والكهنة والحازة والقافة فقصها عليهم فقالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل
الا حلا بعالمين فقال الذي نجا من الفتيين وهو نبو ادكر حاجة يوسف بعد أمة
يعنى بعد نسيان أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون يقول فأطلقون فأرسلوه فأتى يوسف
فقال أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات
خصر وأخر يابسات فان الملك رأى ذلك في نومه * فحدثنا ابن وكيع قال حدثنا
عمرو عن أسباط عن السدى قال قال ابن عباس لم يكن السجن في المدينة فانطلق
الساقي إلى يوسف فقال أفتنا في سبع بقرات سمان الآيات * فحدثنا بشر بن معاذ
قال حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد عن قتادة أفتنا في سبع بقرات سمان فالسمان
المخاصيب والبقرات العجاف هن السنون المحول الجدوب قوله (وسبع سنبلات
خضر وأخر يابسات) أما الخضر فهن السنون المخاصيب وأما اليابسات فهن
الجدوب المحول فلما أخبر يوسف نبو بتأويل ذلك أتى نبو الملك فأخبره بما قال
له يوسف فعلم الملك أن الذي قال يوسف من ذلك حق قال ائتوني به * فحدثنا
ابن وكيع قال حدثنا عمرو عن أسباط عن السدى قال لما أتى الملك رسوله فأخبره
قال ائتوني به فلما أتاه الرسول ودعاه إلى الملك أبى يوسف الخروج معه وقال
(ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربى بكيدهن عليم)
قال السدى قال ابن عباس لو خرج يوسف يومئذ قبل أن يعلم الملك بشأنه ما زالت
في نفس العزيز منه حاجة يقول هذا الذي راود امرأتي فلما رجع الرسول إلى
الملك من عند يوسف جمع الملك أولئك النسوة فقال لهن ما خطبكن إذ راودتن
يوسف عن نفسه قلن فيما حدثنا ابن وكيع قال حدثنا عمرو عن أسباط عن
السدى قال لما قال الملك لهن ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله
ما علمنا عليه من سوء ولكن امرأة العزيز أخبرتنا أنها راودته عن نفسه ودخل
معها البيت فقالت امرأة العزيز حينئذ الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه
وإنه لمن الصادقين فقال يوسف ذلك هذا الفعل الذي فعلت من ترديدي رسول
242

الملك بالرسالات التي أرسلت في شأن النسوة ليعلم اطفير سيدي أنى لم أخنه
بالغيب في زوجته راعيل وأن الله لا يهدى كيد الخائنين فلما قال ذلك يوسف
قال له جبرائيل ما حدثنا أبو كريب قال حدثنا وكيع عن إسرائيل عن سماك عن
عكرمة عن ابن عباس قال لما جمع الملك النسوة فسألهن هل راودتن يوسف عن
نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق
أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين قال يوسف ذلك ليعلم أنى لم أخنه بالغيب
وأن الله لا يهدى كيد الخائنين قال فقال له حبرائيل ولا يوم هممت بها فقال
وما أبرئ نفسي إن النفس لامارة بالسوء فلما تبين للملك عذر يوسف وأمانته
قال ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما أتى به وكلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين فقال
يوسف للملك اجعلني على خزائن الأرض * فحدثني يونس قال حدثنا ابن وهب
قال قال ابن زيد في قوله اجعلني على خزائن الأرض قال كان لفرعون خزائن
كثيرة غير الطعام فسلم سلطانه كله إليه وجعل القضاء إليه أمره وقضاؤه نافذ
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا إبراهيم بن المختار عن شيبة الضبي في قوله اجعلني
على خزائن الأرض قال على حفظ الطعام إني حفيظ عليم يقول إني حفيظ
لما استودعتني عليم بسنى المجاعة فولاه الملك ذلك * وقد حدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة عن ابن إسحاق قال لما قال يوسف للملك اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ
عليم قال الملك قد فعلت فولاه فيما يذكرون عمل اطفير وعزل اطفير عما كان عليه
يقول الله تبارك وتعالى (وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء
نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين) قال فذكر لي والله أعلم ان اطفير
هلك في تلك الليالي وأن الملك الريان بن الوليد زوج يوسف امرأة اطفير راعيل
وأنها حين دخلت عليه قال أليس هذا خيرا مما كنت تريدين قال فيزعمون أنها قالت
أيها الصديق لا تلمني فانى كنت امرأة كما ترى حسناء جميلة ناعمة في ملك ودنيا
وكان صاحبي لا يأتي النساء وكنت كما جعلك الله في حسنك وهيئتك فغلبتني نفسي
على ما رأيت فيزعمون أنه وجدها عذراء وأصابها فولدت له رجلين افرابيم بن
243

يوسف وميشا بن يوسف * حدثنا ابن وكيع قال حدثنا عمرو عن أسباط عن
السدى " وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء " قال استعمله
الملك على مصر وكان صاحب أمرها وكان يلي البيع والتجارة وأمرها كله فذلك
قوله " وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء " فلما ولى يوسف للملك
خزائن أرضه فاستقر به القرار في عمله ومضت السنون السبع المخصبة التي كان
يوسف أمر بترك ما في سنبل ما حصدوا من الزرع فيها فيه ودخلت السنون
المجذبة وقحط الناس أجدبت بلاد فلسطين فيما أجدب من البلاد ولحق مكروه
ذلك آل يعقوب في موضعهم الذي كانوا فيه فوجه يعقوب بنيه * فحدثنا ابن وكيع
قال حدثنا عمرو عن أسباط عن السدى قال أصاب الناس الجوع حتى أصاب بلاد
يعقوب التي هو بها فبعث بنيه إلى مصر وأمسك أخا يوسف بنيامين فلما دخلوا
على يوسف عرفهم وهم له منكرون فلما نظر إليهم قال أخبروني ما أمركم فإني أنكر
شأنكم قالوا نحن قوم من أرض الشأم قال فما جاء بكم قالوا جئنا نمتار طعاما قال
كذبتم أنتم عيون كم أنتم قالوا عشرة قال أنتم عشرة آلاف كل رجل منكم ألف
فأخبروني خبركم قالوا إنا إخوة بنو رجل صديق وإنا كنا اثنى عشر وكان أبو نا
يحب أخا لنا وإنه ذهب معنا البرية فهلك فيها وكان أحبنا إلى أبينا قال فإلى من
سكن أبو كم بعده قالوا إلى أخ لنا أصغر منه قال فكيف تخبرونني أن أباكم صديق
وهو يحب الصغير منكم دون الكبير ائتوني بأخيكم هذا حتى أنظر إليه فإن لم
تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون، قالوا سنراود عنه أباه
وإنا لفاعلون * قال فضعوا بعضكم رهينة حتى ترجعوا فوضعوا شمعون * وحدثنا
ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال كان يوسف حين رأى ما أصاب الناس
من الجهد قد آسى بينهم فكان لا يحمل للرجل إلا بعيرا واحدا ولا يحمل للرجل
الواحد بعيرين تقسيطا بين الناس وتوسيعا عليهم فقدم عليه إخوته فيمن قدم عليه
من الناس يلتمسون الميرة من مصر فعرفهم وهم له منكرون لما أراد الله تعالى
أن يبلغ بيوسف مما أراد ثم أمر يوسف بأن يوقر لكل رجل من إخوته بعيره
244

فقال لهم ائتوني بأخيكم من أبيكم لا حمل لكم بعيرا آخر فتزدادوا به حمل بعير
ألا ترون أنى أوف الكيل فلا أبخسه أحدا وأنا خير المنزلين وأنا
خير من أنزل ضيفا على نفسه من الناس بهذه البلدة فأنا أضيفكم فإن لم تأتوني
بأخيكم من أبيكم فلا طعام لكم عندي أكيله ولا تقربوا بلادي وقال لفتيانه
الذين يكيلون الطعام لهم اجعلوا بضاعتهم وهى ثمن الطعام الذي اشتروه
به في رحالهم * حدثنا بشر قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا سعيد عن
قتادة اجعلوا بضاعتهم في رحالهم أي ورقهم فجعلوا ذلك في رحالهم وهم لا يعلمون
فلما رجع بنو يعقوب إلى أبيهم قالوا ما حدثنا به ابن وكيع قال حدثنا عمرو عن
أسباط عن السدى فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا إن ملك مصر أكرمنا كرامة
لو كان رجلا من ولد يعقوب ما أكرمنا كرامته وإنه ارتهن شمعون وقال ائتوني
بأخيكم هذا الذي عطف عليه أبو كم بعد أخيكم الذي هلك فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم
عندي ولا تقربوني أبدا قال يعقوب هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه
من قبل فالله خير حفظا وهو أرحم الراحمين قال فقال لهم يعقوب إذا أتيتم
ملك مصر فاقرؤه منى السلام وقولوا له إن أبانا يصلى عليك ويدعو لك بما
أوليتنا * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال خرجوا حتى إذا
قدموا على أبيهم وكان منزلهم فيما ذكرني بعض أهل العلم بالعربات من أرض
فلسطين بغور الشأم وبعضهم يقول بالاولاج من ناحية الشغب أسفل من حسمى
فلسطين وكان صاحب بادبة له ابل وشاء فلما رجع إخوة يوسف إلى والدهم يعقوب
قالوا له يا أبانا منع منا الكيل فوق حمل أباعرنا ولم يكل لكل واحد منا إلا كيل
بعير فأرسل معنا أخانا بنيامين يكتل لنفسه وإنا له لحافظون فقال لهم يعقوب هل
آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل فالله خير حفظا وهو أرحم الراحمين
ولما فتح ولد يعقوب الذين كانوا خرجوا إلى مصر للميرة متاعهم الذي قدموا
به من مصر وجدوا ثمن طعامهم الذي اشتروه به رد إليهم فقالوا لوالدهم (يا أبانا
ما نبغي هذه بضاعتنا ردت إلينا ونمير أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل
245

بعير) آخر على أحمال إبلنا * وقد حدثني الحارث قال حدثنا القاسم قال حدثنا
حجاج عن ابن جريج ونزداد كيل بعير قال كان لكل رجل منهم حمل بعير فقالوا
أرسل معنا أخانا نزدد حمل بعير قال ابن جريج قال مجاهد كيل بعير حمل حمار قال
وهى لغة قال الحارث قال القاسم يعنى مجاهد إن الحمار يقال له في بعض اللغات
بعير * فقال يعقوب (لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني
به إلا أن يحاط بكم) يقول إلا أن تهلكوا جميعا فيكون حينئذ ذلك لكم عذرا
عندي فلما وثقوا له بالايمان قال يعقوب (الله على ما نقول وكيل) ثم أوصاهم
بعد ما أذن لأخيهم من أبيهم بالرحيل معهم أن لا تدخلوا من باب واحد من
أبو أب المدينة خوفا عليهم من العين وكانوا ذوي صورة حسنة وجمال وهيئة
وأمرهم أن يدخلوا من أبو أب متفرقة كما حدثنا محمد بن عبد الاعلى قال حدثنا
محمد بن ثور عن معمر عن قتادة (وادخلوا من أبو أب متفرقة) قال كانوا قد
أوتوا صورة وجمالا فخشى عليهم أنفس الناس فقال الله تعالى (ولما دخلوا من
حيث أمرهم أبو هم ما كان يغنى عنهم من الله من شئ إلا حاجة في نفس
يعقوب قضاها) ما تخوف على أولاده أعين الناس لهيأتهم وجمالهم * ولما دخل
إخوة يوسف على يوسف ضم إليه أخاه لأبيه وأمه فحدثنا ابن وكيع قال حدثنا
عمرو عن أسباط عن السدى (ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه) قال
عرف أخاه وأنزلهم منزلا وأجرى عليهم الطعام والشراب فلما كان الليل جاءهم
بمثل فقال لينم كل أخوين منكم على مثال فلما بقى الغلام وحده قال يوسف هذا ينام معي
على فراشي فبات معه فجعل يوسف يشم ريحه ويضمه إليه حتى أصبح وجعل روبيل
يقول ما رأينا مثل هذا إن نجونا منه * واما ابن إسحاق فإنه قال ما حدثنا به ابن حميد قال
حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال لما دخلوا يعنى ولد يعقوب على يوسف قالوا هذا أخونا الذي
أمرتنا أن نأتيك به قد جئناك فذكر لي أنه قال لهم قد أحسنتم وأصبتم وستجدون
جزاء ذلك عندي أو كما قال ثم قال إني أراكم رجالا وقد أردت أن أكرمكم فدعا
صاحب ضيافته فقال أنزل كل رجلين على حدة ثم أكرمهما وأحسن ضيافتهما
246

ثم قال إني أرى هذا الرجل الذي جئتم به ليس معه ثان فسأضمه إلى فيكون
منزله معي فأنزلهم رجلين رجلين في منازل شتى وأنزل أخاه معه فآواه إليه فلما
خلا به قال إني أنا أخوك أنا يوسف لا تبتئس بشئ فعلوه بنا فيما مضى فإن
الله قد أحسن إلينا فلا تعلمهم شيئا مما أعلمتك قول الله عز وجل (ولما دخلوا
على يوسف آوى إليه أخاه قال إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون)
يقول له فلا تبتئس فلا تحزن فلما حمل يوسف ابن اخوته ما حملها من الميرة
وقضى حاجتهم ووفاهم كيلهم جعل الاناء الذي كان يكيل به الطعام وهو الصواع
في رحل أخيه بنيامين * حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا عفان قال حدثنا عبد الواحد
عن يونس عن الحسن أنه كان يقول الصواع والسقاية سواءهما الاناء الذي يشرب
فيه وجعل ذلك في رحل أخيه والأخ لا يشعر فيما ذكر * حدثنا ابن وكيع
قال حدثنا عمرو عن أسباط عن السدى (فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في
رحل أحيه) والأخ لا يشعر فلما ارتحلوا أذن مؤذن قبل أن ترتحل العير إنكم
لسارقون * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال حمل لهم بعيرا
بعيرا وحمل لأخيه بنيامين بعيرا باسمه كما حمل لهم ثم أمر بسقاية الملك وهو الصواع
وزعموا أنها كانت من فضة فجعلت في رحل أخيه بنيامين ثم أمهلهم حتى إذا
انطلقوا فأمعنوا من القرية أمر بهم فأدركوا واحتبسوا ثم نادى مناد أيتها العير
إنكم لسارقون وانتهى إليهم رسوله فقال لهم فيما يذكرون ألم نكرم ضيافتكم
ونوفكم كيلكم ونحسن منزلكم ونفعل بكم ما لم نفعل بغيركم وأدخلناكم علينا في
بيوتنا وصار لنا علكيم حرمة أو كما قال لهم قالوا بلى وما ذاك قال سقاية الملك
فقدناها ولايتهم عليها غيركم قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض
وما كنا سارقين وكان مجاهد يقول كانت العير حميرا * حدثني بذلك الحارث
قال حدثنا عبد العزيز قال حدثنا سفيان قال أخبرني رجل عن مجاهد * وكان
فيما نادى به منادى يوسف من جاء بصواع الملك فله حمل بعير من الطعام وأنا
بإيفائه ذلك زعيم يعنى كفيل وإنما قال القوم لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض
247

وما كنا سارقين لانهم ردوا ثمن الطعام الذي كان كيل لهم المرة الأولى في
رحالهم فردوه إلى يوسف فقالوا لو كنا سارقين لم نردد ذلك إليكم وقيل إنهم
كانوا معروفين بأنهم لا يتناولون ما ليس لهم فلذلك قالوا ذلك * فقيل لهم فما
جزاء من كان سرق ذلك فقالوا جزاؤه في حكمنا بأن يسلم لفعله ذلك إلى من
سرقه حتى يسترقه * حدثنا ابن وكيع قال حدثنا عمرو عن أسباط عن السدى
قال قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه
تأخذونه فهو لكم فبدأ يوسف بأوعية القوم قبل وعاء أخيه بنيامين ففتشها
ثم استخرجها من وعاء أخيه لأنه أخر تفتيشه * حدثنا بشر بن معاذ قال
حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا سعيد عن قتادة قال ذكر لنا أنه كان لا ينظر في
وعاء إلا استغفر الله تأثما مما قرفهم به حتى بقى أخوه وكان أصغر القوم قال
ما أرى هذا أخذ شيئا قالوا بلى فاستبرئه إلا وقد علموا حيث وضعوا سقايتهم
ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في
دين الملك يعنى في حكم الملك ملك مصر وقضائه لأنه لم يكن من حكم ذلك الملك
وقضائه أن يسترق السارق بما سرق ولكنه أخذه بكيد الله له حتى أسلمه رفقاؤه
وإخوته بحكمهم عليه وطيب أنفسهم بالتسليم * حدثنا الحسن بن محمد قال
حدثنا شبابة قال حدثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله ما كان ليأخذ
أخاه في دين إلا بعلة كادها الله له فاعتل بها يوسف فقال أخوة يوسف حينئذ
إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل يعنون بذلك يوسف * وقد قيل إن يوسف
كان سرق صنما لجده أبى أمه فكسره فعيروه بذلك
ذكر من قال ذلك
* حدثني أحمد بن عمرو البصري قال حدثنا الفيض بن الفضل قال حدثنا
مسعر عن أبي حصين عن سعيد بن جبير إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل قال
سرق يوسف صنما لجده أبى أمه فكسره وألقاه في الطريق فكان اخوته يعيبونه
بذلك * وقد حدثنا أبو كريب قال حدثنا ابن إدريس قال سمعت أبي قال كان
248

بنو يعقوب على طعامه إذ نظر يوسف إلى عرق فحبأه فعيروه بذلك إن يسرق
فقد سرق أخ له من قبل فأسر في نفسه يوسف حين سمع ذلك منه فقال (أنتم
شر مكانا والله أعلم بما تصفون) به أخا بنيامين من الكذب ولم يبد ذلك لهم
قولا * فحدثنا ابن وكيع قال حدثنا عمرو عن أسباط عن السدى قال لما استخرجت
السرقة من رحل الغلام انقطعت ظهورهم وقالوا يا بنى راحيل ما يزال لنا منكم بلاء متى
أخذت هذا الصواع فقال بنيامين بل بنو راحيل الذين لا يزال لهم منكم بلاء ذهبتم بأخي
فأهلكتموه في البرية وضع هذا الصواع في رحلي الذي وضع الدراهم في رحالهم
فقالوا لا تذكر الدراهم فنؤخذ بها فلما دخلوا على يوسف دعا بالصواع فنقر فيه
ثم أدناه من أذنه ثم قال إن صواعي هذا ليخبرني أنكم كنتم اثنى عشر رجلا
وأنكم انطلقتم بأخ لكم فبعتموه فلما سمعها بنيامين قال فسجد ليوسف ثم قال
أيها الملك سل صواعك هذا عن اخى أين هو فنقره ثم قال هو حي وسوف تراه قال
فاصنع بي ما شئت فإنه ان علم بي فسوف يستنقذني قال فدخل يوسف فبكى ثم
توضأ ثم خرج فقال بنيامين أيها الملك إني أريد ان تضرب صواعك هذا فيخبرك
بالحق من الذي سرقه فجعله في رحلي؟ فنقره فقال إن صواعي هذا غضبان وهو يقول
كيف تسألني من صاحبي فقد رأيت مع من كنت قالوا وكان بنو يعقوب إذا غضبوا
لم يطاقوا فغضب روبيل وقال أيها الملك والله لتتركنا أو لأصيحن صيحة لا تبقى بمصر
حامل إلا ألقت ما في بطنها وقامت كل شعرة في جسد روبيل فخرجت من ثيابه
فقال يوسف لابنه ثم إلى جنب روبيل فمسه وكان بنو يعقوب إذا غضب أحدهم
فمسه الآخر ذهب غضبه فقال روبيل من هذا إن في هذا البلد لبزرا من بزر
يعقوب فقال يوسف من يعقوب؟ فغضب روبيل وقال أيها الملك لا تذكر يعقوب
فإنه إسرائيل الله بن ذبيح الله بن خليل الله قال يوسف أنت إذن إن كنت صادقا
قال ولما احتبس يوسف أخاه بنيامين فصار بحكم إخوته أولى به منهم ورأوا
أنه لا سبيل لهم إلى تخليصه صاروا إلى مسئلته تخليته ببذل منهم يعطونه إياه فقالوا
(يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين)
249

في أفعالك فقال لهم يوسف (معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا
إذا الظالمون) أن نأخذ بريئا بسقيم فلما يئس إخوة يوسف من إجابة يوسف
إياهم إلى ما سألوا من إطلاق أخيه بنيامين وأخذ بعضهم مكانه خلصوا نجيا
لا يفترق منهم أحد ولا يختلط بهم غيرهم فقال كبيرهم وهو روبيل وقد قيل إنه
شمعون ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله أن نأتيه بأخينا بنيامين الا
أن يحاط بنا أجمعين ومن قبل هذه المرة ما فرطتم في يوسف فلن أبرح الأرض
التي أنابها حتى يأذن لي أبى في الخروج منها وترك أخي بنيامين بها أو يحكم الله
لي بذلك وهو خير الحاكمين وقد قيل معنى ذلك أو يحكم الله لي بحرب من منعني من
الانصراف بأخي (ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق) فأسلمناه بجريرته
(وما شهدنا إلا بما علمنا) لان صواع الملك لم يوجد إلا في رحله (وما كنا للغيب
حافظين) يعنون بذلك أنا انما ضمنا لك أن نحفظه مما لنا إلى حفظه سبيل ولم نكن
نعلم أنه يسرق فيسترق بسرقته واسأل أهل القرية التي كنا فيها فسرق ابنك فيها
والقافلة التي كنا فيها مقبلة من مصر معنا عن خبر ابنك فإنك تخبر بحقيقة ذلك
فلما رجعوا إلى أبيهم فأخبروه خبر بنيامين وتخلف روبيل قال لهم بل سولت
لكم أنفسكم أمرا أردتموه فصبر جميل لا جزع فيه على ما نالني من فقد ولدى
عسى الله أن يأتيني بهم جميعا بيوسف وأخيه وروبيل ثم أعرض عنهم يعقوب
وقال يا أسفا على يوسف * يقول الله عز وجل " وابيضت عيناه من الحزن فهو
كظيم " مملوء من الحزن والغيظ فقال له بنوه الذين انصرفوا إليه من مصر حين
سمعوا قول ذلك تالله لا تزال تذكر يوسف فلا تفتؤ من حبه وذكره حتى تكون
دنف الجسم مخبول العقل من حبه وذكره هرما باليا أو تموت فأجابهم يعقوب فقال
إنما أشكو بثي وحزني إلى الله لا إليكم وأعلم من الله ما لا تعلمون من صدق
رؤيا يوسف أن تأويلها كائن وأنى وأنتم سنسجد له * وقد حدثنا ابن حميد قال
حدثنا حكام عن عيسى بن يزيد عن الحسن قال قيل ما بلغ وجد يعقوب على ابنه
قال وجد سبعين ثكلى قال فما كان له من الاجر قال أجر مائة شهيد قال وما ساء
250

ظنه بالله ساعة قط من ليل ولانهار * وحدثنا ابن حميد مرة أخرى قال حدثنا
حكام عن أبي معاذ عن يونس عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن المبارك بن مجاهد عن رجل من الأزد
عن طلحة بن مصرف اليامي قال أنبئت أن يعقوب بن إسحاق دخل عليه جار له
فقال يا يعقوب مالي أراك قد انهشمت وفنيت ولم تبلغ من السن ما بلغ أبو ك قال
هشمني وأفناني ما ابتلاني الله به من هم يوسف وذكره فأوحى الله عز وجل إليه
يا يعقوب أتشكوني إلى خلقي قال يا رب خطيئة أخطأتها فاغفرها لي قال فانى قد
غفرت لك فكان بعد ذلك إذا سئل قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم
من الله ما لا تعلمون * حدثنا عمرو بن عبد الحميد الآملي قال حدثنا أبو أسامة
عن هشام عن الحسن قال كان منذ خرج يوسف من عند يعقوب إلى أن رجع
ثمانون سنة لم يفارق الحزن قلبه ولم يزل يبكى حتى ذهب بصره قال الحسن والله
ما على الأرض خليفة أكرم على الله من يعقوب * ثم أمر يعقوب بنيه الذين
قدموا عليه من مصر بالرجوع إليها وتحسس الخبر عن يوسف وأخيه فقال لهم
اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله يفرج به عنا وعنكم
الغم الذي نحن فيه فرجعوا إلى مصر فدخلوا على يوسف فقالوا له حين دخلوا
عليه أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق
علينا إن الله يجزى المتصدقين وكانت بضاعتهم المزجاة التي جاؤوا بها معهم فيما ذكر
دراهم ردية زيوفا لا تؤخذ إلا بوضيعة وكان بعضهم يقول كانت حلق الغرائر
والحبال ونحو ذلك وقال بعضهم كانت سمنا وصوفا وقال بعضهم كانت صنوبرا
وحبة الخضراء وقال بعضهم كانت قليلة دون ما كانوا يشترون به قبل فسألوا
يوسف أن يتجاوز لهم ويوفيهم بذلك من كيل الطعام مثل الذي كان يعطيهم
في المرتين قبل ذلك ولا ينقصهم فقالوا له فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله
يجزى المتصدقين * حدثنا ابن وكيع قال حدثنا عمرو عن أسباط عن السدى
وتصدق علينا قال بفضل ما بين الجياد والردية وقد قيل إن معنى ذلك وتصدق
251

علينا برد أخينا إلينا إن الله يجزى المتصدقين * فحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن
إسحاق قال ذكر أنهم لما كلموه بهذا الكلام غلبته نفسه فارفض دمعه باكيا ثم باح
لهم بالذي كان يكتم منهم فقال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم
جاهلون) ولم يعن بذكر أخيه ما صنعه هو فيه حين أخذه ولكن التفريق بينه وبين أخيه إذ
صنعوا بيوسف ما صنعوا فلما قال لهم يوسف ذلك قالوا له ها أنت يوسف قال أنا يوسف
وهذا أخي قد من الله علينا بأن جميع بيننا بعد تفريقكم بيننا إنه من يتق ويصبر
فإن الله لا يضيع أجر المحسنين * حدثنا ابن وكيع قال حدثنا عمرو عن
أسباط عن السدى قال لما قال لهم يوسف أنا يوسف وهذا أخي اعتذروا وقالوا
تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين قال لهم يوسف لا تثريب
عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين فلما عرفهم يوسف نفسه
سألهم عن أبيه * حدثنا ابن وكيع قال حدثنا عمرو عن أسباط عن السدى قال قال
يوسف ما فعل أبى بعدي قالوا لما فاته بنيامين عمى من الحزن فقال اذهبوا بقميصي
هذا فألقوه على وجه أبى يأت بصيرا وأتوني بأهلكم أجمعين ولما فصلت العير
عير بنى يعقوب قال يعقوب إني لأجد ريح يوسف * فحدثني يونس قال أخبرنا
ابن وهب قال حدثني ابن شريح عن أبي أيوب الهوزني حدثه قال استأذنت الريح
بأن تأتى يعقوب بريح يوسف حين بعث بالقميص إلى أبيه قبل أن يأتيه البشير
ففعلت فقال يعقوب إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون * حدثنا
أبو كريب قال حدثنا وكيع عن إسرائيل عن ابن سنان عن ابن أبي الهذيل عن ابن
عباس في " ولما فصلت العير قال أبو هم إني لأجد ربح يوسف " قال هاجت ريح
فجاءت بريح يوسف من مسيرة ثمان ليال فقال إني لأجد ريح يوسف لولا أن
تفندوني * حدثنا بشر بن معاذ قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا سعيد عن
قتادة عن الحسن قال ذكر لنا انه كان بينهما يومئذ ثمانون فرسخا يوسف بأرض
مصر ويعقوب بأرض كنعان وقد أتى لذلك زمان طويل * حدثنا القاسم قال
حدثنا الحسين قال حدثنا حجاج عن ابن جريج قوله إني لأجد ريح يوسف قد
252

بلغنا أنه كان بينهم يومئذ ثمانون فرسخا وقال إني لأجد ريح يوسف وقد كان فارقه
قبل ذلك سبعا وسبعين سنة ويعنى بقوله لولا أن تفندوني لولا أن تسفهوني
فتنبسونى إلى الهرم وذهاب العقل فقال له من حضره من ولده حينئذ تالله إنك
من ذكر يوسف وحبه لفى ضلالك القديم يعنون في خطئك القديم * فلما أن
جاء البشير يعنى البريد الذي أبرده يوسف إلى يعقوب يبشره بحياة يوسف
وخبره وذكر أن البشير كان يهوذا بن يعقوب * حدثنا ابن وكيع قال حدثنا عمرو
عن أسباط عن السدى قال قال يوسف اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبى
يأت بصيرا وأتوني بأهلكم أجمعين قال يهوذا أنا ذهبت بالقميص ملطخا بالدم
إلى يعقوب فأخبرته أن يوسف أكله الذئب وأنا أذهب اليوم بالقميص فأخبره
بأنه حي فأقر عينه كما أحزنته فهو كان البشير فلما أن جاء البشير يعقوب بقميص
يوسف ألقاه على وجهه فعاد بصيرا بعد العمى فقال لأولاده ألم أقل لكم إني
أعلم من الله ما لا تعلمون وذلك أنه كان قد علم من صدق تأويل رؤيا يوسف
التي رآها أن الأحد عشر كوكبا والشمس والقمر ساجدون ما لم يكونوا يعلمون
فقالوا ليعقوب يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين فقال لهم يعقوب
سوف أستغفر لكم ربى قيل إنه أخر الدعاء لهم إلى السحر وقيل إنه أخر ذلك
إلى ليلة الجمعة * حدثنا أحمد بن الحسن الترمذي قال حدثنا سليمان بن عبد الرحمن
الدمشقي قال حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثنا ابن جريج عن عطاء وعكرمة مولى
ابن عباس عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يعقوب سوف
أستغفر لكم ربى يقول حتى تأتى ليلة الجمعة فلما دخل يعقوب وولده وأهاليهم على
يوسف آوى إليه أبو يه وكان دخولهم عليه قبل دخولهم مصر فيما قيل لان يوسف
تلقاهم * حدثنا ابن وكيع قال حدثنا عمرو عن أسباط عن السدى قال حملوا إليه
أهليهم وعيالهم فلما بلغوا مصر كلم يوسف الملك الذي فوقه فخرج هو والملك
يتلقونهم فلما بلغوا مصر قال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين. فلما دخلوا على
يوسف آوى إليه أبو يه * حدثني الحارث قال حدثنا عبد العزيز قال حدثنا جعفر
253

ابن سليمان عن فرقد السبخي قال لما ألقى القميص على وجهه ارتد بصيرا وقال
ائتوني بأهلكم أجمعين فحمل يعقوب وإخوة يوسف فلما دنا يعقوب أخبر يوسف
انه قد دنا منه فخرج يتلقاه قال وركب معه أهل مصر وكانوا يعظمونه فلما دنا
أحدهما من صاحبه وكان يعقوب يمشى وهو يتوكأ على رجل من ولده يقال له
يهوذا قال فنظر يعقوب إلى الخيل والناس قال يا يهوذا هذا فرعون مصر فقال
لا، هذا ابنك يوسف قال فلما دنا كل واحد منهما من صاحبه ذهب يوسف يبدأه
بالسلام فمنع ذلك وكان يعقوب أحق بذلك منه وأفضل فقال السلام عليك يا مذهب
الأحزان فلما أن دخلوا مصر رفع أبو يه على السرير وأجلسهما عليه وقد اختلف
في اللذين رفعهما يوسف على العرش وأجلسهما عليه فقال بعضهم كان أحدهما
أبو ه يعقوب والآخر أمه راحيل وآخرون بل كان الآخر خالته ليا وكانت أمه
راحيل قد كانت ماتت قبل ذلك وخر له يعقوب وأمه وولد يعقوب سجدا *
حدثنا محمد بن عبد الاعلى قال حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة وخروا له
سجدا قال كانت تحية الناس أن يسجد بعضهم لبعض وقال يوسف لأبيه يا أبت
هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربى حقا يعنى بذلك هذا السجود منكم يدل
على تأويل رؤياي التي رأيتها من قبل صنع إخوتي بي ما صنعوا وتلك الكواكب
الإحدى عشرة والشمس والقمر قد جعلها ربى حقا يقول قد حقق الرؤيا بمجئ
تأويلها وقيل بين ان أرى يوسف رؤياه هذه ومجئ تأويلها أربعون سنة
ذكر بعض من قال ذلك
* حدثنا محمد بن عبد الاعلى قال حدثنا معتمر عن أبي قال حدثنا أبو عثمان عن
سلمان الفارسي قال كان بين رؤيا يوسف إلى أن رأى تأويلها أربعون سنة * وقال
بعضهم كان بين ذلك ثمانون سنة
ذكر بعض من قال ذلك
حدثنا عمرو بن علي قال حدثنا عبد الوهاب الثقفي قال حدثنا هشام عن الحسن
قال كان منذ فارق يوسف يعقوب إلى أن التقيا ثمانون سنة لم يفارق الحزن قلبه
254

ودموعه تجرى على خديه وما على الأرض يومئذ أحب إلى الله عز وجل من
يعقوب * حدثنا الحسن بن محمد قال حدثنا داود بن مهران قال حدثنا عبد الواحد
ابن زياد عن يونس عن الحسن قال ألقى يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة
سنة وكان بين ذلك وبين لقائه يعقوب ثمانون سنة وعاش بعد ذلك ثلاثا وعشرين
سنة ومات وهو ابن عشرين ومائة سنة * حدثني الحارث قال حدثنا عبد العزيز
قال حدثنا مبارك بن فضالة عن الحسن قال ألقى يوسف في الجب وهو ابن سبع
عشرة سنه فغاب عن أبيه ثمانين سنة ثم عاش بعد ما جمع الله شمله ورأى تأويل
رؤياه ثلاثا وعشرين سنة فمات وهو ابن عشرين ومائة سنة * وقال بعض أهل
الكتاب دخل يوسف مصر وله سبع عشر سنة فأقام في منزل العزيز ثلاث
عشرة سنة فلما تمت له ثلاثون سنة استوزره فرعون ملك مصر واسمه الريان بن
الوليد بن ثروان بن اراشة بن قاران بن عمرو بن عملاق بن لاوذ بن سام بن نوح
وان هذا الملك آمن ثم مات ثم ملك بعده قابوس بن مصعب بن معاوية بن نمير
ابن السلواس بن قاران بن عمرو بن عملاق بن لاوذ بن سام بن نوح وكان كافرا
فدعاه يوسف إلى الايمان بالله فلم يستجب إليه وان يوسف أوصى إلى أخيه
يهوذا ومات وقد أتت له مائة وعشرون سنة وان فراق يعقوب إياه كان اثنتين
وعشرين سنة وان مقام يعقوب بمصر كان بعد موافاته بأهله سبع عشرة سنة وان
يعقوب لما حضرته الوفاة أوصى إلى يوسف - وكان دخول يعقوب مصر في سبعين
انسانا من أهله وتقدم إلى يوسف - عند وفاته ان يحمل جسده حتى يدفنه يجنب
أبيه إسحاق ففعل يوسف ذلك به ومضى به حتى دفنه بالشام ثم انصرف إلى مصر
وأوصى يوسف ان يحمل جسده حتى يدفن إلى جنب آبائه فحمل موسى تابوت
جسده عند خروجه من مصر معه * وحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن
إسحاق قال ذكر لي والله أعلم ان غيبة يوسف عن يعقوب كانت ثماني عشرة سنة
قال وأهل الكتاب يزعمون أنها كانت أربعين سنة أو نحوها وان يعقوب بقى
مع يوسف بعد أن قدم عليه مصر سبع عشرة سنة ثم قبضه الله إليه قال وقبر يوسف
255

كما ذكر لي في صندوق من مرمر في ناحية من النيل في جوف الماء وقال بعضهم
عاش يوسف بعد موت أبيه ثلاثا وعشرين سنة ومات وهو ابن مائة وعشرين
سنة قال وفى التوراة انه عاش مائة سنة وعشر سنين وولد ليوسف افراييم بن
يوسف وميشا بن يوسف فولد لافراييم نون فولد لنون بن افراييم يوشع بن نون
وهو فتى موسى * وولد لميشا موسى بن ميشا وقيل إن موسى بن ميشا نبي قبل موسى
ابن عمران ويزعم أهل التوراة انه الذي طلب الخضر
قصة الخضر وخبره
وخبر موسى وفتاه يوشع عليهم السلام
قال أبو جعفر كان الخضر ممن كان في أيام افريذون الملك بن اثفيان في قول
عامة أهل الكتاب الأول وقيل موسى بن عمران صلى الله عليه وسلم وقيل إنه
كان على مقدمة ذي القرنين الأكبر الذي كان أيام إبراهيم خليل الرحمن صلى الله
عليه وسلم وهو الذي قضى له ببئر السبع وهى بئر كان إبراهيم احتفرها لما شيته
في صحراء الأردن وان قوما من أهل الأردن ادعوا الأرض التي كان احتفر بها
إبراهيم بئره فحاكمهم إبراهيم إلى ذي القرنين الذي ذكر أن الخضر كان على
مقدمته أيام سيره في البلاد وانه بلغ مع ذي القرنين نهر الحياة فشرب من مائه
وهو لا يعلم * ولا يعلم به ذو القرنين ومن معه فخلد فهو حي عندهم إلى الآن
وزعم بعضهم انه من ولد من كان آمن بإبراهيم خليل الرحمن واتبعه على دينه
وهاجر معه من أرض بابل حين هاجر إبراهيم منها وقال اسمه بليا بن ملكان بن
فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح قال وكان أبو ه ملكا عظيما وقال
آخرون ذو القرنين الذي كان على عهد إبراهيم صلى الله عليه وسلم هو افريذون
ابن اثفيان قال وعلى مقدمته كان الخضر * وقال عبد الله بن شوذب فيه ما حدثنا
عبد الرحمن بن عبد الله بن المصري قال حدثنا محمد بن المتوكل قال حدثنا
ضمرة بن ربيعة عن عبد الله بن عبد الحكم شوذب قال الخضر من ولد فارس
256

وإلياس من بني إسرائيل يلتقيان في كل عام بالموسم * وقال ابن إسحاق فيه ما حدثنا
ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني ابن إسحاق قال بلغني أنه استخلف الله عز وجل
في بني إسرائيل رجلا منهم يقال له ناشية بن أموص فبعث الله عز وجل لهم الخضر
نبيا قال واسم الخضر فيما كان وهب بن منبه يزعم عن بني إسرائيل أو رميا بن
خلقيا وكان من سبط هارون بن عمران وبين هذا الملك الذي ذكره ابن إسحاق
وبين افريذون أكثر من ألف عام * وقول الذي قال إن الخضر كان في أيام
افريذون وذى القرنين الأكبر قبل موسى بن عمران أشبه بالحق الا أن يكون
الامر كما قاله من قال إنه كان على مقدمة ذي القرنين صاحب إبراهيم فشرب ماء الحياة فلم
يبعث في أيام إبراهيم صلى الله عليه وسلم نبيا وبعث أيام ناشية بن أموص وذلك أن ناشية
ابن اموص الذي ذكره ابن إسحاق انه كان ملكا على بني إسرائيل كان في عهد بشتاسب بن
لهراسب - وبين بشتاسب وبين افريذون من الدهور والأزمان ما لا يجهله ذو علم
بأيام الناس وأخبارهم وسأذكر مبلغ ذلك إذا انتهينا إلى خبر بشتاسب إن شاء الله
تعالى - وانما قلنا قول من قال كان الخضر قبل موسى بن عمران صلى الله عليه وسلم
أشبه بالحق من القول الذي قاله ابن إسحاق وحكاه عن وهب بن منبه للخبر الذي
روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بن كعب ان صاحب موسى بن
عمران وهو العالم الذي أمره الله تبارك تعالى بطلبه إذ ظن أنه لا أحد في الأرض
أعلم منه هو الخضر ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان أعلم خلق الله بالكائن
من الأمور الماضية والكائن منها الذي لم يكن بعد * والذي روى أبي بن كعب
في ذلك عنه صلى الله عليه وسلم ما حدثنا أبو كريب قال حدثنا يحيى بن آدم قال
حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن سعد قال قلت لابن عباس ان نوفا
يزعم أن الخضر ليس بصاحب موسى فقال كذب عدو الله حدثنا أبي بن كعب
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن موسى عليه السلام قام في بني إسرائيل
خطيبا فقيل أي الناس أعلم فقال أنا فعتب الله عليه حين لم يرد العلم إليه فقال بل
عبد لي عند مجمع البحرين فقال يا رب كيف به فقال تأخذ حوتا فتجعله في مكتل
257

فحيث تفقده فهو هناك قال فأخذ حوتا فجعله في مكتل ثم قال لفتاه إذا فقدت هذا
الحوت فأخبرني فانطلقا يمشيان على ساحل البحر حتى أتيا صخرة فرقد موسى
فاضطرب الحوت في المكتل فخرج فوقع في البحر فأمسك الله عنه جرية الماء
فصار مثل الطاق فصار للحوت سربا وكان لهما عجبا ثم انطلقا فلما كان حين الغداء
قال موسى لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا قال ولم يجد
موسى النصب حتى جاوز حيث أمره الله قال فقال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة
فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في
البحر عجبا قال فقال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على أثارهما قصصا قال
يقصان آثارهما قال فأتيا الصخرة فإذا رجل نائم مسجى بثوبه فسلم عليه موسى
فقال وأنى بأرضنا السلام قال أنا موسى بني إسرائيل قال نعم قال
يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه الله لا تعلمه وأنت على علم من علم الله علمكه
الله لا أعلمه قال فانى أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا قال فإن اتبعتني فلا
تسألني عن شئ حق أحدث لك منه ذكرا فانطلقا يمشيان على الساحل فإذا
بملاح في سفينة فعرف الخضر فحمله بغير نول فجاء عصفور فوقع على حرفها فنقر
أو نقد في الماء فقال الخضر لموسى ما ينقص علمي وعلمك من علم الله إلا مقدار
ما نقر أو نقد هذا العصفور من البحر * قال أبو جعفر أنا أشك وهو في كتابي هذا
نقر قال فبينما هم في السفينة لم يفجأ موسى إلا وهو يتدوتدا أو ينزع تختا منها فقال
له موسى حملنا بغير نول وتخرقها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم
أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيب قال فكانت
الأولى من موسى نسيانا قال ثم خرجا فانطلقا يمشيان فأبصرا غلاما يلعب مع
الغلمان فأخذ برأسه فقتله فقال له موسى أقتلت نفسا زاكية بغير نفس لقد
جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا قال إن
سألتك عن شئ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى
إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فلم يجدا أحدا يطعمهم ولا يسقيهم فوجدا فيها
258

جدارا يريد أن ينقض فأقامه بيده قال مسحه بيده فقال له موسى لم يضيفونا ولم
ينزلونا لو شئت لا تخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني وبينك قال فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم لوددت أنه كان صبر حتى يقص علينا قصصهم
* حدثني العباس بن الوليد قال أخبرني أبي قال حدثنا الأوزاعي قال حدثني
الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس أنه تمارى هو
والحر بن قيس بن حصن الفزاري في صاحب موسى فقال ابن عباس هو الخضر
فمر بهما أبي بن كعب فدعاه ابن عباس فقال إني تماريت أنا وصاحبي هذا في
صاحب موسى عليه السلام الذي سأل السبيل إلى لقائه فهل سمعت رسول الله
يذكر شأنه قال نعم إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بينا موسى
عليه السلام في ملا من بني إسرائيل إذ جاءه رجل فقال تعلم مكان أحد أعلم منك
قال موسى لا فأوحى الله إلى موسى بل عبد نا الخضر فسأل موسى السبيل إلى لقائه
فجعل الله الحوت آية وقال إذا افتقدت الحوت فارجع فإنك ستلقاه فكان موسى
يتبع أثر الحوت قال موسى ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثرهما قصصا فوجدا
الخضر فكان من شأنهما ما قص الله في كتابه * حدثني محمد بن مرزوق قال حدثنا
حجاج بن المنهال قال حدثنا عبد الله بن عمر المنيري عن يونس بن يزيد قال سمعت
الزهري يحدث قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس
أنه تمارى هو والحر بن قيس بن حصن الفزاري في صاحب موسى فذكر نحو
حديث العباس عن أبيه * حدثنا محمد بن سعد قال حدثني أبي قال حدثني عمى قال
حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قوله (وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى
أبلغ مجمع البحرين) الآية قال لما ظهر موسى وقومه على مصر نزل قومه مصر
فلما استقرت بهم الدار أنزل الله عز وجل عليه أن ذكرهم بأيام الله فخطب قومه
فذكر ما آتاهم الله من الخير والنعمة وذكرهم إذا نجاهم الله من آل فرعون وذكرهم
هلاك عدوهم وما استخلفهم في الأرض فقال وكلم الله موسى نبيكم تكليما واصطفاني
لنفسه وأنزل على محبة منه وآتاكم الله من كل ما سألتموه فنبيكم أفضل أهل الأرض
259

وأنتم تقرؤن التوراة فلم يترك نعمة أنعمها الله عليهم إلا ذكرها وعرفها إياهم
فقال له رجل من بني إسرائيل هو كذلك يا نبي الله قد عرفنا الذي تقول فهل
على الأرض أحد أعلم منك يا نبي الله قال لا فبعث الله عز وجل جبرائيل عليه السلام
إلى موسى عليه السلام فقال إن الله تعالى يقول وما يدريك أين أضع علمي بلى إن على شط
البحر رجلا أعلم منك فقال ابن عباس هو الخضر فسأل موسى ربه أن يريه إياه فأوحى
الله إليه أن ائت البحر فإنك تجد على شط البحر حوتا فخذه فادفعه إلى فتاك ثم الزم شط
البحر فإذا نسيت الحوت وهلك منك فثم تجد العبد الصالح الذي تطلب فلما طال سفر موسى
نبي الله صلى الله عليه وسلم ونصب فيه سأل فتاه عن الحوت فقال له فتاه وهو غلامه
أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فانى نسيت الحوت وما أنسانيه الا الشيطان أن أذكره
لك قال الفتى لقد رأيت الحوت حين اتخذ سبيله في البحر سربا فأعجب ذلك موسى
فرجع حتى أتى الصخرة فوجد الحوت فجعل الحوت يضرب في البحر ويتبعه موسى
وجعل موسى يقدم عصاه يفرج بها عنه الماء يتبع الحوت وجعل الحوت لا يمس
شيئا من البحر الا يبس حتى يكون صخرة فجعل نبي الله صلى الله عليه وسلم يعجب
من ذلك حتى انتهى به الحوت إلى جزيرة من جزائر البحر فلقى الخضر بها فسلم
عليه فقال الخضر وعليك السلام وأنى يكون هذا السلام بهذه الأرض ومن
أنت قال أنا موسى فقال له الخضر صاحب بني إسرائيل قال نعم فرحب به وقال
ما جاء بك قال جئت على أن تعلمني مما علمت رشدا قال إنك لن تستطيع معي
صبرا يقول لا تطيق ذلك قال موسى ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصى
لك أمرا قال فانطلق به وقال له لا تسألني عن شئ أصنعه حتى أبين لك شأنه فذلك
قوله حتى أحدث لك منه ذكرا فركبا في السفينة يريدان أن يتعديا إلى البر فقام
الخضر فخرق السفينة فقال له موسى أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا
ثم ذكر بقية القصة * حدثنا ابن حميد قال حدثنا يعقوب القمي عن هارون
ابن عنترة عن أبيه عن ابن عباس قال سأل موسى عليه السلام ربه عز وجل
فقال أي رب أي عبادك أحب إليك قال الذي يذكرني ولا ينساني قال فأي
260

عبادك أقضى قال الذي يقضى بالحق ولا يتبع الهوى قال أي رب أي عبادك أعلم
قال الذي يبتغى علم الناس إلى علمه عسى أن يصيب كلمة تهديه إلى هدى أو ترده
عن ردى قال رب فهل في الأرض أحد - قال أبو جعفر أظنه قال أعلم منى - قال
نعم قال رب فمن هو قال الخضر قال وأين أطلبه قال على الساحل عند الصخرة
التي ينفلت عندها الحوت قال فخرج موسى يطلبه حتى كان ما ذكره الله عز وجل
وانتهى موسى إليه عند الصخرة فسلم كل واحد منهما على صاحبه فقال له موسى
إني أريد أن تستصحبني قال لن تطيق صحبتي قال بلى قال فان صحبتني فلا تسئلني
عن شئ حتى أحدث لك منه ذكرا فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال
أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا
قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما
فقتله قال أقتلت نفسا زاكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا إلى قوله لا تخذت
عليه أجرا) قال فكان قول موسى في الجدار لنفسه ولطلب شئ من الدنيا
وكان قوله في السفينة وفى الغلام لله عز وجل قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك
بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا فأخبره أما السفينة الآية وأما الغلام الآية
وأما الجدار الآية قال فسار به في البحر حتى انتهى به إلى مجمع البحرين وليس في
الأرض مكان أكثر ماء منه قال وبعث ربك الخطاف فجعل يستقى منه بمنقاره فقال
لموسى كم ترى هذا الخطاف رزأ من هذا الماء قال ما أقل ما رزأ قال يا موسى فإن
علمي وعلمك في علم الله كقدر ما استقى هذا الخطاف من هذا الماء وكان موسى
عليه السلام قد حدث نفسه أنه ليس أحد أعلم منه أو تكلم به فمن ثم أمر أن
يأتي الخضر * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن الحسن
ابن عمارة عن الحكم بن عتيبة عن سعيد بن جبير قال جلست عند ابن عباس وعنده
نفر من أهل الكتاب فقال بعضهم يا أبا العباس إن نوفا ابن امرأة كعب ذكر
عن كعب أن موسى النبي عليه السلام الذي طلب العالم إنما هو موسى بن ميشا
قال سعيد فقال ابن عباس أنوف يقول هذا قال سعيد فقلت له نعم أنا سمعت نوفا
261

يقول ذلك قال أنت سمعته يا سعيد قال قلت نعم قال كذب نوف نم قال ابن عباس
حدثني أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن موسى بني إسرائيل
سأل ربه تبارك وتعالى فقال أي رب إن كان في عبادك أحد هو أعلم منى فادللني
عليه فقال له نعم في عبادي من هو أعلم منك ثم نعت له مكانه وأذن له في لقائه
فخرج موسى عليه السلام ومعه فتاه ومعه حوت مليح قد قيل له إذا حبى هذا الحوت
في مكان فصاحبك هنا لك وقد أدركت حاجتك فخرج موسى ومعه فتاه ومعه
ذلك الحوت يحملانه فسار حتى جهده السير وانتهى إلى الصخرة وإلا ذلك الماء
وذلك الماء ماء الحياة من شرب منه خلد ولا يقاربه شئ ميت إلى أدركته
الحياة وحيى فلما نزلا منزلا ومس الحوت الماء حيى فاتخذ سبيله في البحر سربا
فانطلق فلما جاوزا بمنقلة قال موسى لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا
قال الفتى وذكر أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فانى نسيت الحوت وما أنسانيه
إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا قال ابن عباس وظهر موسى
على الصخرة حتى انتهيا إليه فإذا رجل ملتف في كساء له فسلم عليه موسى فرد عليه
السلام ثم قال له ومن أنت قال أنا موسى بن عمران قال صاحب بني إسرائيل قال
نعم أنا ذلك قال وما جاء بك إلى هذه الأرض وإن لك في قومك لشغلا قال له
موسى جئتك لتعلمني مما علمت رشدا قال إنك لن تستطيع معي صبرا وكان رجلا
يعمل على الغيب قد علم ذلك فقال موسى بلى قال وكيف تصبر على ما لم تحط به
خبرا أي إنما تعرف ظاهر ما ترى من العدل ولم تحط من علم الغيب بما أعلم
قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصى لك أمرا وإن رأيت ما يخالفني قال فإن
اتبعتني فلا تسألني عن شئ حتى أحدث لك منه ذكرا أي فلا تسألني عن شئ وإن
أنكرته حتى أحدث لك منه ذكرا أي خبرا فانطلقا يمشيان على ساحل البحر يتعرضان الناس يلتمسان من يحملهما حتى مرت بهما سفينة جديدة وثيقة لم يمر بهما شئ
من السفن أحسن ولا أجمل ولا أوثق منها فسألا أهلها أن يحملوهما فحملوهما فلما
اطمأنا فيها ولججت بهما مع أهلها أخرج منقارا له ومطرقة ثم عمد إلى ناحية منها
262

فضرب فيها بالمنقار حتى خرقها ثم أخذ لوحا فطبقه عليها ثم جلس عليها يرقعها
قال له موسى فأي أمر أفظع من هذا أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا
حملونا وآوونا إلى سفينتهم وليس في البحر سفينة مثلها فلم خرقتها قال ألم أقل
إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت أي بما تركت من عهدك
ولا ترهقني من أمري عسرا ثم خرجا من السفينة فانطلقا حتى أتيا أهل قرية
فإذا غلمان يلعبون فيهم غلام ليس في الغلمان غلام أظرف ولا أترف ولا
أوضأ منه فأخذ بيده وأخذ حجرا فضرب به رأسه حتى دمغه فقتله قال فرأى
موسى أمرا فظيعا لا صبر عليه أخذ صبيا صغيرا بغير جناية ولا ذنب له فقال
أقتلت نفسا زكية بغير نفس أي صغيرة بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم
أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا قال إن سألتك عن شئ بعدها فلا تصاحبني
قد بلغت من لدني عذرا أي قد أعذرت في شأني فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية
استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه فهدمه
ثم قعد يبنيه فضجر موسى مما رآه يصنع من التكلف لما ليس عليه صبر فقال
لو شئت لا تخذت عليه أجرا أي قد استطعمناهم فلم يطعمونا واستضفناهم فلم
يضيفونا ثم قعدت تعمل في غير ضيعة ولو شئت لأعطيت عليه أجرا قال هذا
فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا (أما السفينة فكانت
لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ
كل سفينة) وفى قراءة أبي بن كعب (كل سفينة صالحة غصبا) وإنما عبتها
لأرده عنها فسلمت منه حين رأى العيب الذي صنعت بها (وأما الغلام فكان
أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا، فأردنا أن يبدلهما
ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما، وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في
المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبو هما صالحا - إلى - ما لم تستطع عليه
صبرا) فكان ابن عباس يقول ما كان الكنز إلا علما * حدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن الحسن بن عمارة عن أبيه عن عكرمة قال قيل
263

لابن عباس لم نسمع لفتى موسى بذكر من حديث وقد كان معه فقال ابن عباس
فيما يذكر من حديث الفتى قال شرب الفتى من ماء الخلد فخلد فأخذه العالم فطابق
به سفينة ثم أرسله في البحر فإنها لتموج به إلى يوم القيامة وذلك أنه لم يكن له
أن يشرب منه فشرب * حدثنا بشر بن معاذ قال حدثنا يزيد عن شعبة عن
قتادة قوله (فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما) ذكر لنا أن نبي الله موسى
صلى الله عليه وسلم لما قطع البحر وأنجاه الله من آل فرعون جمع بني إسرائيل
فخطبهم فقال أنتم خير أهل الأرض وأعلمهم قد أهلك الله عدوكم وأقطعكم البحر
وأنزل عليكم التوراة قال فقيل له إن ههنا رجلا هو أعلم منكم قال فانطلق هو وفتاه
يوشع بن نون يطلبانه فتزودا مملوحة في مكتل لهما وقيل لهما إذا نسيتما ما معكما لقيتما
رجلا عالما يقال له الخضر فلما أتيا ذلك المكان رد الله إلى الحوت روحه فسرب
له من الجد حتى أفضى إلى البحر ثم سلك فجعل لا يسلك فيه طريقا إلا صار ماء
جامدا قال ومضى موسى وفتاه يقول الله عز وجل (فلما جاوزا قال لفتاه آتنا
غداءنا لقد لفينا من سفرنا هذا نصبا - إلى قوله - وعلمناه من لدنا علما) فلقيا
رجلا عالما يقال له الخضر فذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال إنما
سمى الخضر خضرا لأنه قعد على فروة بيضاء فاهتزت به خضراء * فهذه الأخبار
التي ذكرناها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن السلف من أهل العلم تنبئ
عن أن الخضر كان قبل موسى وفى أيامه ويدل على خطأ قول من قال إنه أو رميا
ابن خلقيا لان أو رميا كان في أيام بختنصر وبين عهدي موسى وبختنصر من المدة
ما لا يشكل قدرها على أهل العلم بأيام الناس وأخبارهم وإنما قدمنا ذكره وذكر
خبره لأنه كان في عهد افريذون فيما قيل وإن كان قد أدرك على هذه الأخبار
التي ذكرت من أمره وأمر موسى وفتاه أيام منوشهر وملكه وذلك أن موسى
نبئ في عهد منوشهر وكان ملك منوشهر بعد ما ملك جده افريذون فكل ما ذكرنا
من أخبار من ذكرنا أخباره من عهد إبراهيم إلى الخبر عن الخضر عليهما السلام
فإن ذلك كله فيما ذكر كان في ملك بيوراسب وافريذون وقد ذكرنا فيما مضى
264

قبل أخبار أعمارهما ومبلغهما ومدة كل واحد منهما ونرجع الآن إلى الخبر عن
منوشهر
وأسبابه والحوادث الكائنة في زمانه
ثم ملك بعد افريذون بن اثفيان بركا ومنوشهر وهو من ولد ايرج بن افريذون
وقد زعم بعضهم أن فارس سميت فارس بمنوشهر هذا وهو منوشهر كيازيه
فيما يقول نسابة الفرس ان منشخورنر بن منشخواربغ بن ويرك بن سروشنك
ابن ايرك بن بتك بن فرزشك بن زشك ابن فركوزك بن كوزك بن يرج بن
افريذون بن اثفيان بن بركاو وقد ينطق بهذه الأسماء بخلاف هذه الألفاظ وقد
يزعم بعض المجوس ان افريذون وطئ ابنة لابنه إيرج يقال لها كوشك فولدت له
جارية يقال لها فركوشك ثم وطئ فركوشك هذه فولدت له جارية يقال لها زوشك
ثم وطئ زوشك هذه فولدت له جارية يقال لها فرزوشك ثم وطئ فرزوشك
هذه فولدت له جارية يقال لها بيتك ثم وطئ بيتك هذه فولدت له جارية يقال لها
إيرك ثم وطئ ايرك فولدت له إيزك ثم وطئ إيزك فولدت له ويرك ثم وطئ ويرك
فولدت له منشخر فاغ ويقول بعضهم منشخواربغ وجارية يقال لها منشجزك
وان منشخرفاغ وطئ منشجزك فولدت له منشخرنر وجارية يقال لها منشراروك
وان منشخرنر وطئ منشراروك فولدت له منوشهر فيقول بعضهم كان مولده
بدنباوند ويقول بعض كان مولده بالري وان منشخرنر ومنشراروك لما ولد
لهما منوشهر أسرا أمره خوفا من طوج وسلم عليه وان منوشهر لما كبر صار إلى جده
افريذون فلما دخل عليه توسم فيه الخير وجعل له ما كان جعل لجده ايرج من
المملكة وتوجه بتاجه وقد زعم بعض أهل الأخبار أن منوشهر هذا هو منوشهر
ابن منشخرنر بن افريقيس بن إسحاق بن إبراهيم وأنه انتقل إليه الملك بعد افريذون
وبعد أن مضى ألف سنة وتسعمائة سنة واثنتان وعشرون سنة من عهد جيومرت
واستشهد لحقيقة ذلك بأبيات لجرير بن عطية وهو قوله:
265

وأبناء إسحاق الليوث إذا ارتدوا * حمائل موت لابسين السنورا
إذا انتسبوا عدوا الصبهبذ منهم * وكسرى وعدو الهرمزان وقيصرا
وكان كتاب فيهم ونبوة * وكانوا بإصطخر الملوك وتسترا
فيجمعنا والغر أبناء سارة * أب لا نبالي بعده من تأخرا
أبو نا خليل الله والله ربنا * رضينا بما أعطى الاله وقدرا
وأما الفرس فإنها تنكر هذا النسب ولا تعرف لها ملكا إلا في أولاد افريذون
ولا تقر بالملك لغيرهم وترى أن داخلا إن كان دخل عليهم في ذلك من غيرهم
في قديم الأيام فإنه دخل فيه بغير حق * وحدثت عن هشام بن محمد قال ملك
طوج وسلم الأرض بينهما بعد قتلهما أخاهما ايرج ثلثمائة سنة ثم ملك منوشهر
ابن ايرج بن افريذون مائة وعشرين سنة ثم إنه وثب به ابن لابن طوج التركي فنفاه
عن بلاد العراق اثنتي عشرة سنة ثم أديل منه منوشهر فنفاه عن بلاده وعاد إلى
ملكه وملك بعد ذلك ثمانيا وعشرين سنة قال وكان منوشهر يوصف بالعدل
والاحسان وهو أول من خندق الخنادق وجمع آلة الحرب وأول من وضع
الدهقنة فجعل لكل قرية دهقانا وجعل أهلها له خولا وعبيدا وألبسهم لباس
المذلة وأمرهم بطاعته قال ويقال إن موسى النبي صلى الله عليه وسلم ظهر في سنة
ستين من ملكه وذكر عن هشام أن منوشهر لما ملك توج بتاج الملك وقال يوم
ملك نحن مقوون مقاتلينا ومعدوهم للانتقام لاسلافنا ودفع العدو عن بلادنا
وأنه سار نحو بلاد الترك طالبا بدم جده ايرج بن افريذون فقتل طوج بن افريذون
أخاه سلما وأدرك ثأره وانصرف وأن فراسيات بن فشنج بن رستم بن ترك الذي
تنسب إليه الأتراك ابن شهراسب ويقال ابن ارشسب بن طوج بن افريذون الملك
وقد يقال لفشك فشنج ابن زاشمين حارب منوشهر بعد أن مضى لقتله طوجا وسلما
ستون سنة وحاصره بطبرستان ثم إن منوشهر وفراسيات اصطلحا على أن يجعلا
حد ما بين مملكتيهما منتهى رمية سهم رجل من أصحاب منوشهر يدعى ارشسياطير
وربما خفف اسمه بعضهم فيقول ايرش فحيث ما وقع سهمه من موضع رميته
266

تلك مما يلي بلاد الترك فهو الحد بينهما لا يجاوز ذلك واحد منهما إلى الناحية
الأخرى وان ارشسياطير نزع بسهم في قوسه ثم أرسله وكان قد أعطى قوة وشدة
فبلغت رميته من طبرستان إلى نهر بلخ ووقع السهم هنالك فصار نهر بلخ حد ما بين
الترك وولد طوج وولد ايرج وعمل الفرس فانقطع بذلك من رمية ارشسياطير
حروب ما بين فراسيات ومنوشهر * وذكروا أن منوشهر اشتق من الصراة
ودجلة ونهر بلخ أنهارا عظاما وقيل إنه هو الذي كرا الفرات الأكبر وأمر الناس
بحراثة الأرض وعمارتها وزاد في مهنة المقاتلة الرمي وجعل الرياسة في ذلك
لارشسياطير لرميته التي رماها وقالوا إن منوشهر لما مضى من ملكه خمس وثلاثون
سنة تناولت الترك من أطراف رعيته فوبخ قومه وقال لهم أيها الناس إنكم لم تلدوا
الناس كلهم وإنما الناس ناس ما عقلوا من أنفسهم ودفعوا العدو عنهم وقد نالت
الترك من أطرافكم وليس ذلك إلا من ترككم جهاد عدوكم وقلة المبالاة وأن الله
تبارك وتعالى أعطانا هذا الملك ليبلونا أنشكر فيزيدنا أم نكفر فيعاقبنا ونحن أهل
بيت غزو معدون لملك الله فإذا كان غدا فأحضروا قالوا نعم واعتذروا فقال
انصرفوا فلما كان من الغد أرسل إلى أهل المملكة وأشراف الأساورة فدعاهم
وأدخل الرؤساء من الناس ودعا موبذ موبذان فأقعد على كرسي مقابل سريره
ثم قال على سريره وقام أشراف أهل بيت المملكة وأشراف الأساورة على أرجلهم
فقال اجلسوا فانى إنما قمت لأسمعكم كلامي فجلسوا فقال أيها الناس إنما الخلق
للخالق والشكر للمنعم والتسليم للقادر ولابد مما هو كائن وإنه لا ضعف من مخلوق
طالبا كان أو مطلوبا ولا أقوى من خالق ولا أقدر ممن طلبته في يده ولا أعجز
ممن هو في يد طالبه وأن التفكر نور والغفلة ظلمة والجهالة ضلالة وقد ورد
الأول ولابد للآخر من اللحاق بالأول وقد مضت قبلنا أصول نحن فروعها
فما بقى فرع بعد ذهاب أصله وأن الله عز وجل أعطانا هذا الملك فله الحمد ونسأله
إلهام الرشد والصدق واليقين وإن للملك على أهل مملكته حقا ولأهل مملكته
عليه حقا فحق الملك على أهل المملكة أن يطيعوه ويناصحوه ويقاتلوا عدوه
267

وحقهم على الملك أن يعطيهم أرزاقهم في أوقاتها إذ لا معتمد لهم على غيرها وانها
تجارتهم وحق الرعية على الملك أن ينظر لهم ويرفق بهم ولا يحملهم ما لا يطيقون
وإن أصابتهم مصيبة تنقص من ثمارهم من آفة من السماء أو الأرض أن يسقط
عنهم خراج ما نقص وإن اجتاحتهم مصيبة أن يعوضهم ما يقويهم على عماراتهم
ثم يأخذ منهم بعد ذلك على قدر ما يجحف به في سنة أو سنتين وأمر الجند للملك
بمنزلة جناحي الطائر فهم أجنحة الملك متى قص من الجناح ريشه كان ذلك نقصا
منه فكذلك الملك إنما هو بجناحه وريشه ألا وإن الملك ينبغي أن يكون فيه ثلاث
خصال أو لها أن يكون صدوقا لا يكذب وأن يكون سخيا لا يبخل وأن يملك نفسه
عند الغضب فإنه مسلط ويده مبسوطة والخراج يأتيه فينبغي أن يستأثر عند جنده
ورعيته بما هم أهل له وأن يكثر العفو فإنه لا ملك أبقى من ملك فيه العفو ولا
أهلك من ملك فيه العقوبة ألا وإن المرء إن يخطئ في العفو فيعفو خير من أن
يخطئ في العقوبة فينبغي للملك أن يتثبت في الامر الذي فيه قتل النفس وبوارها
وإذا رفع إليه من عامل من عماله ما يستوجب به العقوبة فلا ينبغي له أن يحابيه فليجمع
بينه وبين المتظلم فان صح عليه للمظلوم حق خرج إليه منه فان عجز عنه أدى عنه
الملك ورده إلى موضوعه وأخذه باصلاح ما أفسد فهذا لكم علينا ألا ومن سفك
دما بغير حق أو قطع يدا بغير حق فانى لا أعفو عن ذلك حتى يعفو عنه
صاحبه فخذوا هذا عنى وان الترك قد طمعت فيكم فاكفونا فإنما تكفون أنفسكم
وقد أمرت لكم بالسلاح والعدة وأنا شريككم في الرأي وانما لي من هذا الملك
اسمه مع الطاعة منكم ألا وان الملك ملك إذا أطيع فإذا خولف فذلك مملوك ليس
بملك ومهما بلغنا من الخلاف فانا لا نقبله من المبلغ له حتى نتيقنه فإذا صحت
معرفة ذلك وإلا أنزلناه منزلة المخالف ألا وإن أكمل الأداة عند المصيبات الاخذ
بالصبر والراحة إلى اليقين فمن قتل في مجاهدة العدو رجوت له الفوز برضوان
الله وأفضل الأمور التسليم لأمر الله والراحة إلى اليقين والرضا بقضائه وأين
المهرب مما هو كائن وإنما يتقلب في كف الطالب وإنما هذه الدنيا سفر لأهلها
268

لا يحلون عقد الرحال إلا في غيرها وإنما بلغتهم فيها بالعواري فما أحسن الشكر
للمنعم والتسليم لمن القضاء له ومن أحق بالتسليم لمن فوقه ممن لا يجد مهربا الا
إليه ولا معولا إلا عليه فثقوا بالغلبة إذا كانت نياتكم أن النصر من الله وكونوا
على ثقة من درك الطلبة إذا صحت نياتكم واعلموا ان هذا الملك لا يقوم الا
بالاستقامة وحسن الطاعة وقمع العدو وسد الثغور والعدل للرعية وإنصاف
المظلوم فشفاؤكم عندكم والدواء الذي لأداء فيه الاستقامة والامر بالخير والنهى
عن الشر ولا قوة الا بالله انظروا للرعية فإنها مطعمكم ومشربكم ومتى عدلتم فيها
رغبوا في العمارة فزاد ذلك في خراجكم وتبين في زيادة أرزاقكم وإذا خفتم على
الرعية زهدوا في العمارة وعطلوا أكثر الأرض فنقص ذلك من خراجكم وتبين
في نقص أرزاقكم فتعاهدوا الرعية بالأنصاف وما كان من الأنهار والبثوق مما
نفقة ذلك من السلطان فأسرعوا فيه قبل أن يكثر وما كان من ذلك على الرعية
فعجزوا عنه فأقرضوهم من بيت مال الخراج فإذا حان أوقات خراجهم فخذوا
من خراج غلاتهم على قدر ما لا يجحف ذلك بهم ربع في كل سنة أو ثلث أو نصف
لكيلا يتبين ذلك عليهم هذا قولي وأمري يا موبذ موبذان الزم هذا القول وخذ
في هذا الذي سمعت في يومك أسمعتم أيها الناس فقالوا نعم قد قلت فأحسنت ونحن
فاعلون إن شاء الله ثم أمر بالطعام فوضع فأكلوا وشربوا ثم خرجوا وهم له
شاكرون وكان ملكه مائة وعشرين سنة * وقد زعم هشام بن الكلبي فيما
حدثت عنه أن الرائش بن قيس بن صيفي بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان
كان من ملوك اليمن بعد يعرب بن قحطان بن غابر بن شالخ واخوته وان
الرائش كان ملكه باليمن أيام منوشهر وأنه انما سمى الرائش واسمه الحارث بن أبي
سدد لغنيمة غنمها من قوم غزاهم فأدخلها اليمن فسمى لذلك الرائش وانه غزا
الهند فقتل بها وسبى وغنم الأموال ورجع إلى اليمن ثم سار منها فخرج على جبلي طيئ
ثم على الأنبار ثم على الموصل وانه وجه منها خيله وعليها رجل من أصحابه يقال له
شمر بن العطاف فدخل على الترك أرض أذربيجان وهى في أيديهم يومئذ فقتل
269

المقاتلة وسبى الذرية وزبر ما كان من مسيره في حجرين فهما معروفان ببلاد
أذربيجان قال وفى ذلك يقول امرؤ القيس
ألم يخبرك أن الدهر غول * ختور العهد يلتقم الرجالا
أزال عن المصانع ذارياش * وقد ملك السهولة والجبالا
وأنشب في المخالب ذا منار * وللزراد قد نصب الحبالا
قال وذو منار الذي ذكره الشاعر هو ذو منار بن رائش الملك بعد أبيه واسمه
أبرهة بن الرائش قال وانما سمى ذا منار لأنه غزا بلاد المغرب فوغل فيها برا وبحرا
وخاف على جيشه الضلال عند قفوله فبنى المنار ليهتدوا بها قال ويزعم أهل اليمن
أنه كان وجه ابنه العبد بن أبرهة في غزوته هذه إلى ناحية من أقاصي بلاد المغرب
فغنم وأصاب مالا وقدم عليه بنسناس لهم خلق كثيرة وحشة منكرة فذعر الناس
منهم فسموه ذا الأذعار قال فأبرهة أحد ملوكهم الذين توغلوا في الأرض وإنما
ذكرت من ذكرت من ملوك اليمن في هذا الموضع لما ذكرت من قول من زعم أن
الرائش كان ملكا باليمن أيام منوشهر وان ملوك اليمن كانوا عمالا لملوك فارس
بها ومن قبلهم كانت ولايتهم بها
ذكر نسب موسى بن عمران صلى الله عليه وسلم
وأخباره وما كان في عهده وعهد منوشهر بن منشخورنر الملك من الاحداث
قد ذكرنا أولاد يعقوب إسرائيل الله وعددهم وموالدهم * فحدثنا ابن حميد قال
حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق قال ثم إن لاوي بن يعقوب نكح نابتة ابنة
ماري بن يشخر فولدت له غرشون بن لاوي ومررى بن لاوي وقاهث بن لاوي
فنكح قاهث بن لاوي فاهى ابنة مسين بن بتويل بن الياس فولدت له يصهر بن قاهث
ومردى فتزوج يصهر شميث ابنة بتاديد بن بركيا بن يقسان بن إبراهيم فولدت
له عمران بن يصهر وقارون بن يصهر فنكح عمران يحيب ابنة شمويل بن بركيا
ابن يقسان بن إبراهيم فولدت له هارون بن عمران وموسى بن عمران صلى الله
270

عليه وسلم وقال غير ابن إسحاق كان عمر يعقوب بن إسحاق مائة وسبعا وأربعين
سنة وولد لاوي له وقد مضى من عمره تسع وثمانون سنة وولد للاوي قاهث
بعد أن مضى من عمر لاوي ست وأربعون سنة ثم ولد لقاهث يصهر ثم ولد
ليصهر عمرم وهو عمران وكان عمر يصهر مائة وسبعا وأربعين سنة وولد له
عمران بعد ان مضى من عمره ستون سنة ثم ولد لعمران موسى وكانت أمه
يوخابد وقيل كان اسمها اناحيد وامرأته صفورا ابنة يترون وهو شعيب النبي
صلى الله عليه وسلم وولد موسى جرشون وايليعازر وخرج إلى مدين خائفا وله إحدى
وأربعون سنة وكان يدعو إلى دين إبراهيم وتراءى الله له بطور سينا وله ثمانون سنة
وكان فرعون مصر في أيامه قابوس بن مصعب بن معاوية صاحب يوسف الثاني
وكانت امرأته آسية ابنة مزاحم بن عبيد بن الريان بن الوليد فرعون يوسف
الأول فلما نودي موسى أعلم أن قابوس بن مصعب قد مات وقام أخوه الوليد
ابن مصعب مكانه وكان أعتى من قابوس وأكفر وأفجر وامر بأن يأتيه هو
وأخوه هارون بالرسالة قال ويقال إن الوليد تزوج آسية ابنة مزاحم بعد أخيه
وكان عمر عمران مائة سنة وسبعا وثلاثين سنة وولد موسى وقد مضى من عمر
عمران سبعون سنة ثم صار موسى إلى فرعون رسولا مع هارون وكان من
مولد موسى إلى أن خرج ببنى إسرائيل عن مصر ثمانون سنة ثم صار إلى التيه
بعد أن عبر البحر فكان مقامهم هنالك إلى أن خرجوا مع يوشع بن نون
أربعين سنة فكان ما بين مولد موسى إلى وفاته في التيه مائة وعشرين سنة * وأما ابن إسحاق
فإن قال فيما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال قبض الله
يوسف وهلك الملك الذي كان معه الريان بن الوليد وتوارثت الفراعنة من
العماليق ملك مصر فنشر الله بها بني إسرائيل وقبر يوسف حين قبض كما ذكر لي
في صندوق من مرمر في ناحية من النيل في جوف الماء فلم يزل بنو إسرائيل
تحت أيدي الفراعنة وهم على بقايا من دينهم مما كان يوسف ويعقوب وإسحاق
وإبراهيم شرعوا فيهم من الاسلام متمسكين به حتى كان فرعون موسى الذي
271

بعثه الله إليه ولم يكن منهم فرعون أعتى منه على الله ولا أعظم قولا ولا أطول
عمرا في ملكه منه وكان اسمه فيما ذكر والى الوليد بن مصعب ولم يكن من الفراعنة
فرعون أشد غلظة ولا أقسى قلبا ولا أسوأ ملكة لبنى إسرائيل منه يعذبهم فيجعلهم
خدما وخولا وصنفهم في أعماله فصنف يبنون وصنف يحرثون وصنف يزرعون
له فهم في أعماله ومن لم يكن منهم في صنعة له من عمله فعليه الجزية فسامهم كما
قال الله سوء العذاب وفيهم مع ذلك بقايا من أمر دينهم لا يريدون فراقه وقد
استنكح منهم امرأة يقال لها آسية ابنة مزاحم من خيار النساء المعدودات فعمر
فيهم وهم تحت يديه عمرا طويلا يسومهم سوء العذاب فلما أراد الله أن يفرج عنهم
وبلغ موسى الأشد أعطى الرسالة قال وذكر لي أنه لما تقارب زمان موسى أتى
منجمو فرعون وحزاته إليه فقالوا تعلم أنا نجد في علمنا أن مولودا من
بني إسرائيل قد أظلك زمانه الذي يولد فيه يسلبك ملكك ويغلبك على سلطانك
ويخرجك من أرضك ويبدل دينك فلما قالوا له ذلك أمر بقتل كل مولود يولد
من بني إسرائيل من الغلمان وأمر بالنساء يستحيين فجمع القوابل من نساء
أهل مملكته فقال لهن لا يسقطن على أيديكن غلام من بني إسرائيل إلا قتلتموه
فكن يفعلن ذلك وكان يذبح من فوق ذلك من الغلمان ويأمر بالحبالى فيعذبن حتى
يطرحن ما في بطونهن * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن
عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد قال لقد ذكر لي أنه كان يأمر بالقصب فيشق
حتى يجعل أمثال الشفار ثم يصف بعضه إلى بعض ثم يأتي بالحبالى من بني إسرائيل
فيوقفهن عليه فيحز أقدامهن حتى إن المرأة منهن لتمصع بولدها فيقع بين
رجليها فتظل تطؤه تتقى به حز القصب عن رجليها لما بلغ من جهدها حتى أسرف
في ذلك وكاد يفنيهم فقيل له أفنيت الناس وقطعت النسل وأنهم خولك وعمالك
فأمر أن يقتل الغلمان عاما ويستحيوا عاما فولد هارون في السنة التي يستحيا
فيها الغلمان وولد موسى في السنة التي فيها يقتلون فكان هارون أكبر منه بسنة
وأما السدى فإنه قال ما حدثنا موسى بن هارون قال حدثنا أسباط عن السدى في
272

خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن
ابن مسعود وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم
كان من شأن فرعون أنه رأى رؤيا في منامه أن نارا أقبلت من بيت المقدس حتى
اشتملت على بيوت مصر فأحرقت القبط وتركت بني إسرائيل وأخربت بيوت
مصر فدعا السحرة والكهنة والقافة والحازة فسألهم عن رؤياه فقالوا له
يخرج من هذا البلد الذي جاء بنو إسرائيل منه يعنون بيت المقدس رجل يكون
على وجهه هلاك مصر فأمر ببنى إسرائيل أن لا يولد لهم غلام إلا ذبحوه ولا يولد
لهم جارية إلا تركت وقال للقبط انظروا مماليككم الذين يعملون خارجا فادخلوهم
واجعلوا بني إسرائيل يلون تلك الأعمال القذرة فجعل بني إسرائيل في أعمال غلمانهم
وأدخلوا غلمانهم فذلك حين يقول الله (إن فرعون علا في الأرض) يقول
تجبر في الأرض (وجعل أهلها شيعا) يعنى بني إسرائيل حين جعلهم في الأعمال
القذرة (يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم) فجعل لا يولد لبنى إسرائيل
مولود إلا ذبح فلا يكبر الصغير وقذف الله في مشيخة بني إسرائيل الموت فأسرع
فيهم فدخل رؤس القبط على فرعون فكلموه فقالوا ان هؤلاء القوم قد وقع
فيهم الموت فيوشك أن يقع العمل على غلماننا نذبح أبناءهم فلا يبلغ الصغار ونفنى
الكبار فلو أنك تبقى من أولادهم فامر أن يذبحوا سنة ويتركوا سنة فلما كان في
السنة التي لا يذبحون فيها ولد هارون فترك فلما كان في السنة التي يذبحون فيها حملت
أم موسى بموسى فلما أرادت وضعه حزنت من شأنه فأوحى الله إليها (أن أرضعيه
فإذا خفت عليه فألقيه في اليم) وهو النيل (ولا تخافي ولا تحزني إنا
رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين) فلما وضعته أرضعته ثم دعت له نجارا
فجعل له تابوتا وجعل مفتاح التابوت من داخل وجعلته فيه وألقته في اليم (وقالت
لأخته قصيه) تعنى قصي أثره (فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون) أنها
أخته فأقبل الموج بالتابوت يرفعه مرة ويخفضه أخرى حتى أدخله بين أشجار عند
بيت فرعون فخرج جواري آسية امرأة فرعون يغتسلن فوجدن التابوت فأدخلنه
273

إلى آسية وظنوا أن فيه مالا فلما نظرت إليه آسية وقعت عليه رحمتها وأحبته
فلما أخبرت به فرعون أراد أن يذبحه فلم تزل آسية تكلمه حتى تركه لها قال إني
أخاف أن يكون هذا من بني إسرائيل وأن يكون هذا الذي على يديه هلاكنا
فذلك قول الله تعالى (فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا)
فأرادوا له المرضعات فلم يأخذ من أحد من النساء وجعل النساء يطلبن ذلك لينزلن
عند فرعون في الرضاع فأبى أن يأخذ فذلك قول الله (وحرمنا عليه المراضع من
قبل فقالت - أخته - هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون)
فأخذوها وقالوا إنك قد عرفت هذا الغلام فدلينا على أهله فقالت ما أعرفه ولكني
إنما قلت هم للملك ناصحون ولما جاءت أمه أخذ منها ثديها فكادت أن تقول هو
ابني فعصمها الله فذلك قول الله (إن كادت لتبدى به لولا أن ربطنا على قلبها
لتكون من المؤمنين) وإنما سمى موسى لانهم وجدوه في ماء وشجر والماء
بالقبطية مو والشجر شا فذلك قول الله عز وجل (فرددناه إلى امه كي تقر
عينها ولا تحزن) فاتخذه فرعون ولدا فدعى ابن فرعون فلما تحرك الغلام أرته
أمه آسية صبيا فبينما هي ترقصه وتلعب به إذ ناولته فرعون وقالت خذه قرة عين
لي ولك * قال فرعون هو قرة عين لك ولا لي * قال عبد الله بن عباس لو أنه قال
وهو لي قرة عين إذا لآمن به ولكنه أبى فلما أخذه إليه أخذ موسى بلحيته فنتفها
فقال فرعون على بالذباحين هذا هو قالت آسية - لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو
نتخذه ولدا) إنما هو صبي لا يعقل وإنما صنع هذا من صباه وقد علمت أنه
ليس في أهل مصر امرأة أحلى منى أنا أضع له حليا من الياقوت وأضع له جمرا
فإن أخذ الياقوت فهو يعقل فاذبحه وإن أخذ الجمر فإنما هو صبي فأخرجت له
ياقتها فوضعت له طستا من جمر فجاء جبرائيل فطرح في يده جمرة فطرحها موسى في
فيه فأحرق لسانه فهو الذي يقول الله عز وجل (واحلل عقدة من لساني يفقهوا
قولي) فزالت عن موسى من أجل ذلك فكبر موسى فكان يركب مراكب فرعون
ويلبس ما يلبس وكان إنما يدعى موسى ابن فرعون ثم إن فرعون ركب مركبا
274

وليس عنده موسى فلما جاء موسى قيل له إن فرعون قد ركب فركب في أثره
فأدركه المقيل بأرض يقال له منف فدخلها نصف النهار وقد تغلقت أسواقها
وليس في طرقها أحد وهو قول الله عز وجل (ودخل المدينة على حين غفلة
من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته) يقول هذا من
بني إسرائيل (وهذا من عدوه) يقول من القبط (فاستغاثه الذي من شيعته
على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل
الشيطان إنه عدو مضل مبين قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له
إنه هو الغفور الرحيم قال رب بما أنعمت على فلن أكون ظهيرا للمجرمين
فأصبح في المدينة خائفا يترقب) خائفا أن يؤخذ (فإذا الذي استنصره بالأمس
يستصرخه) يقول يستغيثه (قال له موسى إنك لغوى مبين) ثم أقبل لينصره فلما
نظر إلى موسى قد أقبل نحوه ليبطش بالرجل الذي يقاتل الإسرائيلي قال الإسرائيلي
وفرق من موسى أن يبطش به من أجل أنه أغلظ الكلام يا موسى (أتريد أن
تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض
وما تريد أن تكون من المصلحين) فتركه وذهب القبطي فأفشى عليه أن موسى
هو الذي قتل الرجل فطلبه فرعون وقال خذوه فإنه صاحبنا وقال للذين يطلبونه
اطلبوه في بنيات الطريق فإن موسى غلام لا يهتدى إلى الطريق وأخذ موسى
في بنيات الطريق وجاءه الرجل وأخبره (إن الملا يا تمرون بك ليقتلوك
فاخرج) (فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين) فلما
أخذ موسى في بنيات الطريق فجاءه ملك على فرس بيده عنزة فلما رآه موسى
سجد له من الفرق فقال لا تسجد لي ولكن اتبعني فاتبعه فهداه نحو مدين وقال
موسى وهو متوجه نحو مدين (عسى ربى أن يهديني سواء السبيل) فانطلق به الملك
حتى انتهى به إلى مدين * حدثني العباس بن الوليد قال حدثنا يزيد بن هارون قال
حدثنا أصبغ بن زيد الجهني * قال حدثنا القاسم قال حدثني سعيد بن جبير قال
قال ابن عباس تذاكر فرعون وجلساؤه وما وعد الله إبراهيم من أن يجعل في ذريته
275

أنبياء وملوكا فقال بعضهم إن بني إسرائيل لينتظرون ذلك ما يشكون ولقد كانوا
يظنون أنه يوسف بن يعقوب فلما هلك قالوا ليس هكذا كان الله وعد إبراهيم
قال فرعون فكيف ترون قال فائتمروا بينهم وأجمعوا أمرهم على أن يبعث رجالا
معهم الشفار يطوفون في بني إسرائيل فلا يجدون مولودا ذكرا إلا ذبحوه فلما
رأوا أن الكبار من بني إسرائيل يموتون بآجالهم وأن الصغار يذبحون قالوا
توشكون أن تفنوا بني إسرائيل فتصيروا إلى أن تباشروا من الأعمال والخدمة
التي كانوا يكفلونكم فاقتلوا عاما كل مولود ذكر فيقل أبناؤهم ودعوا عاما لا تقتلوا
منهم أحدا فيشب الصغار مكان من يموت من الكبار فإنهم لن يكثروا بمن تستحيون
منهم فتخافوا مكاثرتهم إياكم ولن يقلوا بمن تقتلون فأجمعوا أمرهم على ذلك فحملت
أم موسى بهارون في العام الذي لا يذبح فيه الغلمان فولدته علانية آمنة حتى إذا
كان العام المقبل حملت بموسى فوقع في قلبها الهم والحزن وذلك من الفتون يا ابن جبير
مما دخل عليه في بطن أمه مما يراد به فأوحى الله إليها أن لا تخافي ولا تحزني إنا
رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين وأمرها إذا ولدته أن تجعله في تابوت ثم
تلقيه في اليم فلما ولدته فعلت ما أمرت به حتى إذا توارى عنها ابنها أتاها إبليس فقالت
في نفسها ما صنعت بابني لو ذبح عندي فواريته وكفنته كان أحب إلى من أن
ألقيه بيدي إلى حيتان البحر ودوابه فانطلق به الماء حتى أرفأ به عند فرضة
مستقى جواري آل فرعون فرأينه فأخذنه فهممن أن يفتحن التابوت فقال بعضهن
لبعض إن في هذا مالا وإنا ان فتحناه لم تصدقنا امرأة فرعون بما وجدنا فيه فحملنه
كهيئته لم يحركن منه شيئا حتى دفعنه إليها فلما فتحته رأت فيه الغلام فألقى عليه منها محبة
لم يلق مثلها منها على أحد من الناس وأصبح فؤاد أم موسى فارغا من ذكر كل شئ
إلا من ذكر موسى فلما سمع الذباحون بأمره أقبلوا إلى امرأة فرعون بشفارهم
يريدون أن يذبحوه وذلك من الفتون يا ابن جبير فقالت للذباحين انصرفوا فان
هذا الواحد لا يزيد في بني إسرائيل فأتي فرعون فأستوهبه إياه فان وهبه لي
كنتم قد أحسنتم وأجملتم وإن أمر بذبحه لم ألمكم فلما أتت به فرعون قالت قرة
276

عين لي ولك لا تقتلوه قال فرعون يكون لك فأما أنا فلا حاجة لي فيه فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم والذي يحلف به لو أقر فرعون أن يكون له قرة عين كما
أقرت به لهداه الله بن كما هدى به امرأته ولكن الله حرمه ذلك فأرسلت إلى من
حولها من كل أنثى لها لبن لتختار له ظئرا فجعل كلما أخذته امرأة منهن لترضعه
لم يقبل ثديها حتى أشفقت امرأة فرعون أن يمتنع من اللبن فيموت فحزنها ذلك
فأمرت به فأخرج إلى السوق مجمع الناس ترجو أن تصيب له ظئرا يأخذ منها فلم
يقبل من أحد وأصبحت أم موسى فقالت لأخته قصيه واطلبيه هل تسمعين له
ذكرا أحي ابني أم قد أكلته دواب البحر وحيتانه ونسيت الذي كان الله
وعدها فبصرت به أخته عن جنب وهم لا يشعرون فقالت من الفرح حين أعياهم
الظؤرات هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون فأخذوها فقالوا
ما يدريك ما نصحهم له هل تعرفينه حتى شكوا في ذلك وذلك من الفتون
يا ابن جبير فقالت نصحهم له وشفقتهم عليه رغبتهم في ظؤورة الملك ورجاء منفعته
فتركوها فانطلقت إلى أمها فأخبرتها الخبر فجاءت فلما وضعته في حجرها نزا إلى
ثديها حتى امتلا جنباه فانطلق البشير إلى امرأة فرعون يبشرونها أن قد وجدنا
لابنك ظئرا فأرسلت إليها فأتيت بها وبه فلما رأت ما يصنع بها قالت امكثي عندي
ترضعين ابني هذا فإني لم أحب حبه شيئا قط قال فقالت لا أستطيع أن أدع بيتي
وولدي فيضيع فان طابت نفسك أن تعطينيه فأذهب به إلى بيتي فيكون معي
لا آلوه خيرا فعلت وإلا فانى غير تاركة بيتي وولدي وذكرت أم موسى ما كان
الله وعدها فتعاسرت على امرأة فرعون وأيقنت أن الله عز وجل منجز وعده
فرجعت بابنها إلى بيتها من يومها فأنبته الله نباتا حسنا وحفظه لما قضى فيه فلم تزل
بنو إسرائيل وهم مجتمعون في ناحية المدينة يمتنعون به من الظلم والسخر التي كانت
فيهم فلما ترعرع قالت امرأة فرعون لام موسى أريد أن تريني موسى فوعدتها
يوما تريها إياه فيه فقالت لحواضنها وظؤورها وقهارمتها لا يبقين أحد منكم الا
استقبل ابني بهدية وكرامة ليرى ذلك وأنا باعثة أمينة تحصى ما يصنع كل إنسان
277

منكم فلم تزل الهدية والكرامة والتحف تستقبله من حين خرج من بيت أمه إلى
أن دخل على امرأة فرعون فلما دخل عليها بجلته وأكرمته وفرحت به وأعجبها
ما رأت من حسن أثرها عليه وقالت انطلقن به إلى فرعون فليبجله فليكرمه فلما
دخلن به على فرعون وضعنه في حجره فتناول موسى لحية فرعون حتى مدها
فقال عدو من أعداء الله ألا ترى ما وعد الله إبراهيم إنه سيصرعك ويعلوك فأرسل
إلى الذباحين ليذبحوه وذلك من الفتون يا ابن جبير بعد كل بلاء ابتلى به وأريد
به فجاءت امرأة فرعون تسعى إلى فرعون فقالت ما بدا لك في هذا الصبى الذي وهبته
لي قال ألا ترينه يزعم أنه سيصرعني ويعلوني فقالت اجعل بيني وبينك أمرا
يعرف فيه الحق ائت بجمرتين ولؤلؤتين فقربهن إليه فان بطش باللؤلؤتين
واجتنب الجمرتين علمت أنه يعقل وإن تناول الجمرتين ولم برد اللؤلؤتين فاعلم أن أحدا
لا يؤثر الجمرتين على اللؤلؤتين وهو يعقل فقرب ذلك إليه فتناول الجمرتين فنزعوهما
منه مخافة أن تحرقا يده فقالت المرأة ألا ترى فصرفه الله عنه بعد ما كان قدهم به وكان
الله بالغا فيه أمره فلما بلغ أشده فكان من الرجال لم يمكن أحدا من آل فرعون
يخلص إلى أحد من بني إسرائيل بظلم ولا سخرة حتى امتنعوا كل امتناع فبينما هو
يمشى ذات يوم في ناحية المدينة إذا هو برجلين يقتتلان أحدهما من بني إسرائيل
والآخر من آل فرعون فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني فغضب موسى واشتد
غضبه لأنه تناوله وهو يعلم منزلة موسى من بني إسرائيل وحفظه لهم ولا يعلم
الناس إلا انما ذلك من قبل الرضاعة غير أم موسى إلا أن يكون الله عز وجل
أطلع موسى من ذلك على ما يطلع عليه غيره فوكز موسى الفرعوني فقتله وليس
يراهما إلا الله عز وجل والإسرائيلي فقال موسى قتل الرجل هذا من عمل الشيطان
إنه عدو مضل مبين ثم قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور
الرحيم فأصبح في المدينة خائفا يترقب الاخبار فأتى فرعون فقيل له ان بني إسرائيل
قد قتلوا رجلا من آل فرعون فخذلنا بحقنا ولا ترخص لهم في ذلك فقال ابغونى
قاتله ولم يشهد عليه لأنه لا يستقيم أن نقضي بغير بينة ولا ثبت فطلبوا له ذلك
278

فبينما هم يطوفون لا يجدون بينة إذ مر موسى من الغد فرأى ذلك الإسرائيلي يقاتل
فرعونيا فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني فصادف موسى وقد ندم على ما كان
منه بالأمس وكره الذي رأى فغضب موسى فمد يده وهو يريد أن يبطش بالفرعوني
فقال للإسرائيلي لما فعل بالأمس واليوم إنك لغوى مبين فنظر الإسرائيلي إلى
موسى بعد ما قال فإذا هو غضبان كغضبه بالأمس الذي قتل فيه الفرعوني فخاف
أن يكون بعد ما قال له انك لغوى مبين أن يكون إياه أراد ولم يكن أراده إنما أراد
الفرعوني فخاف الإسرائيلي فحاجز الفرعوني فقال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت
نفسا بالأمس وإنما قال ذلك مخافة أن يكون إياه أراد موسى ليقتله فتتاركا فانطلق
الفرعوني إلى قومه فأخبرهم بما سمع من الإسرائيلي من الخبر حين يقول أتريد أن
تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس فأرسل فرعون الذباحين وسلك موسى الطريق
الأعظم وطلبوه وهم لا يخافون أن يفوتهم وكان رجل من شيعة موسى من
أقصى المدينة فاختصر طريقا قريبا حتى سبقهم إلى موسى فأخبره الخبر وذلك من
الفتون يا ابن جبير * ثم رجع الحديث إلى حديث السدى قال فلما ورد مدين
وجد عليه أمة من الناس يسقون يقول كثرة من الناس يسقون * وقد حدثنا
أبو عمار المروزي قال حدثنا الفضل بن موسى عن الأعمش عن المنهال بن عمرو
عن سعيد بن جبير قال خرج موسى من مصر إلى مدين وبينهما مسيرة ثمان
ليال قال وكان يقال نحو من الكوفة إلى البصرة ولم يكن له طعام إلا ورق الشجر
فخرج حافيا فما وصل إليها حتى وقع خف قدمه * حدثنا أبو كريب قال حدثنا
عثام قال حدثنا الأعمش عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس بنحوه * رجع
الحديث إلى حديث السدى (ووجد من دونهم امرأتين تذودان) قول تحبسان
غنمهما فسألهما (ما خطبكما قالتا لا نسقى حتى يصدر الرعاء وأبو نا شيخ
كبير) فرحمهما موسى فأتى البئر فاقتلع صخرة على البئر كان النفر من أهل مدين
يجتمعون عليها حتى يرفعوها فسقى لهما موسى دلوا فأرويتا غنمهما فرجعتا سريعا
وكانتا إنما يسقيان من فضول الحياض ثم تولى موسى إلى ظل شجرة من السمر
279

فقال (رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير) قال قال ابن عباس لقد قال موسى
ولو شاء إنسان أن ينظر إلى خضرة أمعائه من شدة الجوع ما يسأل الله إلا أكلة
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا حكام بن سلم عن عنبسة عن أبي حصين عن سعيد
ابن جبير عن ابن عباس في قوله عز وجل (ولما ورد ماء مدين) قال ورد الماء
وإنه ليتراءى خضرة البقل في بطنه من الهزال فقال رب إني لما أنزلت إلى من
خير فقير قال شبعة * رجع الحديث إلى حديث السدى فلما رجعت الجاريتان
إلى أبيهما سريعا سألهما فأخبرتاه خبر موسى فأرسل إليه إحداهما فأتته (تمشى
على استحياء قالت إن أبى يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا) فقام
معها وقال لها امضى فمشيت بين يديه فضربتها الرياح فنظر إلى عجيزتها فقال لها
موسى امشي خلفي ودليني على الطريق إن أخطأت فلما أتى الشيخ (وقص عليه
القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين قالت إحداهما يا أبت
استأجره إن خير من استأجرت القوى الأمين) وهى الجارية التي دعته قال
الشيخ هذه القوة قد رأيت حين اقتلع الصخرة أرأيت أمانته ما يدريك ما هي *
قالت إني مشيت قدامه فلم يحب أن يخونني في نفسي وأمرني أن أمشى خلفه قال له
الشيخ (إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني - إلى -
أيما الأجلين قضيت) إما ثمانيا وإما عشرا والله على ما نقول وكيل * قال
ابن عباس الجارية التي دعته هي التي تزوج بها فأمر إحدى ابنتيه أن تأتيه بعصا فاتته
بعصا وكانت تلك العصا استودعها إياه ملك في صورة رجل فدفعها إليه فدخلت
الجارية فأخذت العصا فأتته بها فلما رآها الشيخ قال لها لا ائتيه بغيرها فألقتها
فأخذت تريد أن تأخذ غيرها فلا يقع في يدها إلا هي وجعل يرددها فكل ذلك
لا يخرج في يدها غيرها فلما رأى ذلك عمد إليها فأخرجها معه فرعى بها ثم إن الشيخ
ندم وقال كانت وديعة فخرج يتلقى موسى فلما لقيه قال أعطني العصا قال موسى هي
عصاي فأبى أن يعطيه فاختصما بينهما ثم تراضيا أن يجعلا بينهما أول رجل يلقاهما
فأتاهما ملك يمشى فقضى بينهما فقال ضعاها في الأرض فمن حملها فهي له فعالجها
280

الشيخ فلم يطقها وأخذها موسى بيده فرفعها فتركها له الشيخ فرعى له عشر
سنين * قال عبد الله بن عباس كان موسى أحق بالوفاء * حدثني أحمد بن محمد
الطوسي * قال حدثنا الحميدي بن عبد الله بن الزبير قال حدثنا سفيان قال حدثني
إبراهيم بن يحيى بن أبي يعقوب عن الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سألت جبرائيل أي الأجلين قضى موسى
قال أتمهما وأكملهما * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني ابن إسحاق
عن حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير قال قال لي يهودي بالكوفة وأنا أتجهز للحج
إني أراك رجلا يتبع العلم أخبرني أي الأجلين قضى موسى قلت لا أعلم وأنا
الآن قادم على حبر العرب يعنى ابن عباس فسأسأله عن ذلك فلما قدمت مكة
سألت ابن عباس عن ذلك وأخبرته بقول اليهودي فقال ابن عباس قضى أكثرهما
وأطيبهما ان النبي إذا وعد لم يخلف قال سعيد فقدمت العراق فلقيت اليهودي
فأخبرته فقال صدق وما أنزل الله على موسى هذا والله العالم * حدثنا ابن وكيع
قال حدثنا يزيد قال أخبرنا الأصبغ بن زيد عن القاسم ابن أبي أيوب عن سعيد
ابن جبير قال سألني رجل من أهل النصرانية أي الأجلين قضى موسى قلت لا أعلم
وأنا يومئذ لا أعلم فلقيت ابن عباس فذكرت له الذي سألني عنه النصراني فقال أما كنت
تعلم أن ثمانيا واجبة عليه لم يكن نبي لينقص منها شيئا وتعلم أن الله كان قاضيا عن
موسى عدته التي وعده فإنه قضى عشر سنين * حدثنا القاسم بن الحسن قال حدثنا
الحسين قال حدثني حجاج عن ابن جريج قال أخبرني وهب بن سليمان الذماري
عن شعيب الجبائي قال اسم الجاريتين ليا وصفورة وامرأة موسى صفورة ابنة
يترون كاهن مدين والكاهن حبر * حدثني أبو السائب قال حدثنا أبو معاوية
عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة قال كان الذي استأجر موسى
يترون بن أخي شعيب النبي * حدثنا ابن وكيع قال حدثنا العلاء بن عبد الجبار
عن حماد بن سلمة عن أبي حمزة عن ابن عباس قال الذي استأجر موسى اسمه
يثرى صاحب مدين * حدثني إسماعيل بن الهيثم أبو العالية قال حدثنا أبو قتيبة
281

عن حماد بن سلمة عن أبي حمزة عن ابن عباس قال اسم أبى امرأة موسى يثرى *
رجع الحديث إلى حديث السدى فلما قضى موسى الاجل وسار بأهله فضل الطريق
قال عبد الله بن عباس كان في الشتاء ورفعت له نار فلما ظن أنها نار وكانت من نور
الله قال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلى آتيكم منها بخبر فإن لم أجد خبرا
آتيكم منها بشهاب قبس لعلكم تصطلون قال من البرد فلما أتاها نودي من جانب
الوادي الأيمن من الشجرة في البقعة المباركة أن بورك من في النار ومن حولها فلما
سمع موس النداء فزع وقال الحمد لله رب العالمين فنودي (يا موسى إني أنا الله
رب العالمين وما تلك بيمينك يا موسى قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش
بها على غنمي) يقول أضرب بها الورق فيقع للغنم من الشجر (ولى فيها مآرب
أخرى) يقول حوائج أخرى أحمل عليها المزود والسقاء فقال له ألقها يا موسى
فألقاها فإذا هي حية تسعى فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم
يعقب) يقول لم ينتظر فنودي (يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدى المرسلون
أقبل ولا تخف إنك من الآمنين واضمم إليك جناحك من الرهب فذانك برهانان
من ربك) العصا واليد آيتان فذلك حين يدعو موسى ربه فقال (رب إني
قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون وأخي هارون هو أفصح منى لسانا
فأرسله معي ردءا يصدقني) يقول كيما يصدقني (إني أخاف أن يكذبون)
قال لهم على ذنب فأخاف أن يقتلون يعنى بالقتيل (قال سنشد عضدك
بأخيك ونجعل لكما سلطانا) والسلطان الحجة (فلا يصلون إليكما بآياتنا
أنتما ومن أتبعكما الغالبون) فأتياه فقولا إنا رسولا رب العالمين * حدثنا ابن
حميد قال حدثنا سلمة فلما قضى موسى الاجل خرج فيما ذكر لي ابن إسحاق عن
وهب بن منبه اليماني فيما ذكر له عنه ومعه غنم له ومعه زند له وعصاه في يده
يهش بها على غنمه نهاره فإذا أمسى اقتدح بزنده نارا فبات عليها هو وأهله وغنمه
فإذا أصبح غدا باهله وبغنمه يتوكأ على عصاه وكانت كما وصف لي عن وهب
ابن منبه ذات شعبتين في رأسها ومحجن في طرفها * حدثنا ابن حميد قال حدثنا
282

سلمة عن ابن إسحاق عمن لا يتهم من أصحابه أن كعب الأحبار قدم مكة وبها
عبد الله بن عمرو بن العاص فقال كعب سلوه عن ثلاث فإن أخبركم فإنه عالم
سلوه عن شئ من الجنة وضعه الله للناس في الأرض وسلوه ما أول ما وضع في
الأرض وما أول شجرة غرست في الأرض فسئل عبد الله عنها فقال أما الشئ
الذي وضعه الله للناس في الأرض من الجنة فهو هذا الركن الأسود وأما أول
ما وضع في الأرض فبرهوت باليمن يرده هام الكفار وأما أول شجرة غرسها الله
في الأرض فالعوسجة التي اقتطع منها موسى عصاه فلما بلغ ذلك كعبا قال صدق
الرجل عالم والله * قال فلما كانت الليلة التي أراد الله بموسى كرامته وابتدأه فيها
بنبوته وكلامه أخطأ فيها الطريق حتى لا يدرى أين يتوجه فاخرج زنده ليقدح
نارا لأهله ليبيتوا عليها حتى يصبح ويعلم وجه سبيله فأصلد عليه زنده فلا يورى
له نارا فقدح حتى أعياه لاحت النار فرآها فقال لأهله (امكثوا إني آنست نارا
لعلى آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى) بقبس تصطلون وهدى عن
علم الطريق الذي أضللنا بنعت من خبير فخرج نحوها فإذا هي في شجرة من العليق
وبعض أهل الكتاب يقول في عوسجة فلما دنا استأخرت عنه فلما رأى استئخارها
رجع عنها وأوجس في نفسه منها خيفة فلما أراد الرجعة دنت منه ثم كلم من الشجرة
فلما سمع الصوت استأنس وقال الله يا موسى (اخلع نعليك إنك بالواد المقدس
طوى) فألقاهما ثم قال ما تلك بيمينك يا موسى قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش
بها على غنمي ولى فيها مآرب أخرى أي منافع أخرى قال ألقها يا موسى فألقاها
فإذا هي حية تسعى قد صار شعبتاها فمها وصار محجنها عرفا لها في ظهر تهتز لها
أنياب فهي كما شاء الله أن تكون فرأى أمرا فظيعا فولى مدبرا ولم يعقب فناداه
ربه أن يا موسى أقبل ولا تخف (سنعيدها سيرتها الأولى) أي سيرتها عصا
كما كانت قال فلما أقبل قال (خذها ولا تخف) أدخل بدك في فمها وعلى موسى
جبة من صوف فلف يده بكمه وهم لها هائب فنودي أن ألق كمك عن يدك فألقاه
عنها ثم أدخل يده بين لحييها فلما ادخلها قبض عليها فإذا هي عصاه في يده ويده
283

بين شعبتيها حيث كان يضعها ومحجتها بموضعه الذي كان لا ينكر منها شيئا ثم قيل
(أدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء) أي من غير برص وكان
موسى عليه السلام رجلا آدم أقنى جعدا طوالا فادخل يده في جيبه ثم أخرجها
بيضاء مثل الثلج ثم ردها في جيبه فخرجت كما كانت على لونه ثم قال هذان برهانان
من ربك إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوما فاسقين قال رب إني قتلت منهم
نفسا فأخاف أن يقتلون وأخي هارون هو أفصح منى لسانا فأرسله معي ردءا
يصدقني أي يبين لهم عنى ما أكلمهم به فإنه يفهم عنى ما لا يفهمون قال سنشد
عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون اليكما بآياتنا أنتما ومن أتبعكما
الغالبون * رجع الحديث إلى حديث السدى فاقبل موسى إلى أهله فسار
بهم نحو مصر حتى أتاها ليلا فتضيف على أمه وهو لا يعرفهم فأتاهم في ليلة كانوا
يأكلون فيها الطفشيل فنزل في جانب الدار فجاء هارون فلما أبصر ضيفه سال
عنه أمه فأخبرته أنه ضيف فدعاه فاكل معه فلما أن قعدا تحدثا فسأله هارون من
أنت قال أنا موسى فقام كل واحد منهما إلى صاحبه فاعتنقه فلما أن تعارفا قال له
موسى يا هارون انطلق معي إلى فرعون إن الله قد أرسلنا إليه فقال هارون سمع
وطاعة فقامت أمهما فصاحت وقالت أنشد كما الله أن لا تذهبا إلى فرعون
فيقتلكما فأبيا فانطلقا إليه ليلا فاتيا الباب فضرباه ففزع فرعون وفزع البواب وقال
فرعون من هذا الذي يضرب بابى في هذه الساعة فأشرف عليهما البواب فكلمهما
فقال له موسى إنا رسول رب العالمين ففزع البواب فاتى فرعون فأخبره فقال
إن ههنا إنسانا مجنونا يزعم أنه رسول رب العالمين قال أدخله فدخل فقال
إني رسول رب العالمين أن أرسل مع بني إسرائيل فعرفه فرعون فقال
(ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين وفعلت فعلتك
التي فعلت وأنت من الكافرين) معنا على ديننا هذا الذي تعيب (قال
فعلتها إذا وأنا من الضالين ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي
ربى حكما * والحكم النبوة وجعلني من المرسلين وتلك نعمة تمنها على أن عبد ت
284

بني إسرائيل وربيتني قبل وليدا قال فرعون وما رب العالمين من ربكما يا موسى
قال ربنا الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى يقول أعطى كل دابة زوجها ثم هدى
للنكاح ثم قال له ان كنت جئت بآية فأت بها ان كنت من الصادقين وذلك بعد
ما قال له من الكلام ما ذكر الله تعالى ذكره قال موسى أولو جئتك بشئ مبين
قال فأت به ان كنت من الصادقين فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين والثعبان
الذكر من الحيات فاتحة فاها واضعة لحيها الأسفل في الأرض والأعلى على سور
القصر ثم توجهت نحو فرعون لتأخذه فلما رآها ذعر منها ووثب فأحدث ولم
يكن يحدث قبل ذلك وصاح يا موسى خذها وأنا أو من بك وأرسل معك بني إسرائيل
فاخذها موسى فعادت عصائم نزع بده أخرجها من جيبه فإذا هي بيضاء
للناظرين فخرج موسى من عنده على ذلك وأبى فرعون أن يؤمن به وأن يرسل
معه بني إسرائيل وقال لقومه يا أيها الملا ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي
يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلى أطلع إلى إله موسى فلما بنى له الصرح
ارتقى فوقه فأمر بنشابة فرمى بها نحو السماء فردت إليه وهى ملطخة دما فقال قد
قتلت إله موسى * حدثنا بشر بن معاذ قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا سعيد عن
قتادة فأوقد لي يا هامان على الطين قال كان أول من طبخ الآجر يبنى به الصرح
وأما ابن إسحاق فإنه قال ما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال خرج
موسى لما بعثه الله عز وجل حتى قدم مصر على فرعون هو وأخوه هارون حتى
وقفا على باب فرعون يلتمسان الاذن عليه وهما يقولان إنا رسولا رب العالمين
فآذنوا بنا هذا الرجل فمكثا فيما بلغنا سنتين يغدوان على بابه ويروحان لا يعلم بهما
ولا يجترئ أحد على أن يخبره بشأنهما حتى دخل عليه بطال له يلعبه ويضحكه
فقال له أيها الملك ان على الباب رجلا يقول قولا عجيبا يزعم أن له إلها غيرك قال
أدخلوه فدخل ومعه هارون أخوه وبيده عصاه فلما وقف على فرعون قال له
انى رسول رب العالمين فعرفه فرعون فقال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من
عمرك سنين وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين قال فعلتها إذا وأنا من
285

الضالين أي خطأ لا أريد ذلك ثم أقبل عليه موسى ينكر عليه ما ذكر من يده
عنده فقال وتلك نعمة تمنها على أن عبد ت بني إسرائيل أي اتخذتهم عبيدا تنزع
أبناءهم من أيديهم فتسترق من شئت وتقتل من شئت انى انما صيرني إلى بيتك
واليك ذلك قال فرعون وما رب العالمين أي يستوصفه إلهه الذي أرسله إليه أي
ما إلهك هذا قال رب السماوات والأرض وما بينهما ان كنتم موقنين. قال لمن حوله
من ملئه ألا تستمعون أي انكارا لما قال ليس له إله غيري قال ربكم ورب آبائكم
الأولين الذي خلق آباءكم الأولين وخلقكم من آبائكم قال فرعون إن رسولكم
الذي أرسل إليكم لمجنون أي ما هذا بكلام صحيح إذ يزعم أن لكم اله غيري قال
رب المشرق والمغرب وما بينهما ان كنتم تعقلون أي خالق المشرق والمغرب وما
بينهما من الخلق ان كنتم تعقلون قال لئن اتخذت إلها غيري لتعبد غيري وتترك عبادتي
لأجعلنك من المسجونين قال أو لو جئتك بشئ مبين أي بما تعرف بها صدقي وكذبك
وحقي وباطلك قال فأت به ان كنت من الصادقين فألقى عصاه فإذا هي ثعبان
مبين فملأت ما بين سماطي فرعون فاتحة فاها قد صار محجنها عرفا على ظهرها فارفض
عنها الناس وحال فرعون عن سريره ينشده بربه ثم أدخل يده في جيبه فاخرجها
بيضاء مثل الثلج ثم ردها كهيئتها وأدخل موسى يده في فمها فصارت عصا في يده
ويده بين شعبتيها ومحجنها في أسفلها كما كانت وأخذ فرعون بطنه وكان فيما يزعمون
يمكث الخمس والست ما يلتمس المذهب يريد الخلاء كما يلتمسه الناس وكان ذلك
مما زين له أن يقول ما قال إنه ليس من الناس بشبه * فحدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة عن ابن إسحاق قال حدثت عن وهب بن منبه اليماني قال فمشى بضعا وعشرين
ليلة حتى كادت نفسه أن تخرج ثم استمسك فقال لملئه إن هذا لساحر عليم أي
ما ساحر أسحر منه فماذا تأمرون أقتله فقال مؤمن من آل فرعون العبد الصالح كان
اسمه فيما يزعمون حبرك أتقتلون رجلا أن يقول ربى الله وقد جاءكم بالبينات بعصاه
ويده ثم خوفهم عقاب الله وحذرهم ما أصاب الأمم قبلهم وقال يا قوم لكم الملك
اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا قال فرعون ما أريكم
286

الا ما أرى وما أهديكم الا سبيل الرشاد وقال الملا من قومه قد وهنهم من سلطان
الله ما وهنهم أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين يأتوك بكل سحار عليم
أي كاثره بالسحرة لعلك أن تجد في السحرة من جاء بمثل ما جاء به وقد كان موسى
وهارون خرجا من عنده حين أراهم من سلطان الله ما أراهم وبعث فرعون مكانه
في مملكته فلم يترك في سلطانه ساحرا الا أتى به فذكر لي والله أعلم انه جمع له خمسة
عشر ألف ساحر فلما اجتمعوا إليه أمرهم أمر فقال لهم قد جاءنا ساحر ما رأينا
مثله قط وانكم ان غلبتموه أكرمتكم وفضلتكم وقربتكم على أهل مملكتي قالوا إن
لنا ذلك ان غلبناه قال نعم قالوا فعد لنا موعدا نجتمع نحن وهو فكانوا رؤس
السحرة الذين جمع فرعون لموسى سابور وعادور وحطحط ومصفى أربعة
وهم الذين آمنوا حين رأوا ما رأوا من سلطان الله فآمنت السحرة جميعا
وقالوا لفرعون حين توعدهم القتل والصلب لن نؤثرك على ما جاءنا من
البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض فبعث فرعون إلى موسى أن
اجعل بيني وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى قال موعدكم يوم
الزينة يوم عيد كان فرعون يخرج إليه وأن يحشر الناس ضحى، حتى يحضروا
أمري وأمرك فجمع فرعون الناس لذلك الجمع ثم أمر السحرة فقال ائتوا صفا
وقد أفلح اليوم من استعلى: أي قد أفلح من استعلى اليوم على صاحبه فصف خمسة
عشر ألف ساحر مع كل ساحر حباله وعصيه وخرج موسى صلى الله عليه وسلم
ومعه أخوه يتكئ على عصاه حتى أتى الجمع وفرعون في مجلسه معه أشراف أهل
مملكته وقد استكف له الناس فقال موسى للسحرة حين جاءهم ويلكم لا تفتروا
على الله كذبا. فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى فتراد السحرة بينهم وقال
بعضهم لبعض بتناج: إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما
ويذهبا بطريقتكم المثلى ثم قالوا يا موسى إما أن تلقى وإما أن نكون أول من
ألقى قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى فكان أول
ما اختطفوا بسحرهم بصر موسى وبصر فرعون ثم أبصار الناس بعد ثم ألقى كل
287

رجل منهم ما في يده من العصى والحبال فإذا هي حياة كأمثال الجبال قد ملأت
الوادي يركب بعضها بعضا (فأوجس في نفسه خيفة موسى) وقال والله إن كانت
لعصيا في أيديهم ولقد عادت حياة وما تعدو عصاي هذه أو كما حدث نفسه
فأوحى الله إليه (أن ألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا
يفلح الساحر حيث أتى) وفرج عن موسى فألقى عصاه من يده فاستعرضت ما ألقوا
من حبالهم وعصيهم وهى حياة في عين فرعون وأعين الناس تسعى فجعلت تتلقفها
تبتلعها حية حية حتى ما يرى في الوادي قليل ولا كثير مما ألقوا ثم أخذها موسى
فإذا هي عصاه في يده كما كانت ووقع السحرة سجدا قالوا آمنا برب هارون وموسى
لو كان هذا سحرا ما غلبنا قال لهم فرعون وأسف ورأى الغلبة البينة آمنتم له قبل
أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلا قطعن أيديكم وأرجلكم من
خلاف - إلى قوله - فاقض ما أنت قاض أي فاصنع ما بدا لك إنما تقضى هذه الحياة الدنيا
التي ليس لك سلطان إلا فيها ثم لا سلطان لك بعدها (إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا
وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى) أي خير منك ثوابا وأبقى عقابا
فرجع عدو الله مغلوبا ملعونا ثم أبى إلا الإقامة على الكفر والتمادي في الشر
فتابع الله عليه بالآيات وأخذه بالسنين فأرسل عليه الطوفان * رجع الحديث
إلى حديث السدى وأما السدى فإنه قال في خبره ذكر أن الآيات التي ابتلى الله
بها قوم فرعون كانت قبل اجتماع موسى والسحرة وقال لما رجع إليه السهم
ملطخا بالدم قال لقد قتلنا إله موسى ثم إن الله أرسل عليهم الطوفان وهو المطر
فغرق كل شئ لهم فقالوا يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا ونحن نؤمن لك ونرسل
معك بني إسرائيل فكشفه الله عنهم ونبتت زروعهم فقالوا ما يسرنا أنا لم نمطر
فبعث الله عليهم الجراد فأكل حروثهم فسألوا موسى أن يدعو ربه فيكشفه
ويؤمنوا به فدعا فكشفه وقد بقى من زروعهم بقية فقالوا لن نؤمن وقد بقى
لنا من زروعنا بقية فبعث الله عليهم الدبا وهو القمل فلحس الأرض كلها وكان
يدخل بين ثوب أحدهم وبين جلده فيعضه وكان أحدهم يأكل الطعام فيمتلئ
288

دبا حتى إن أحدهم ليبنه الأسطوانة بالجص والآجر فيزلقه حتى لا يرتقى فوقها
شئ يرفع فوقها الطعام فإذا صعد إليه ليأكله وجده ملآن دبا فلم يصبهم بلاء كان
أشد عليهم من الدبا وهو الرجز الذي ذكره الله في القرآن إنه وقع عليهم فسألوا
موسى أن يدعو ربه فيكشفه عنهم ويؤمنوا به فلما كشفه عنهم أبو ا أن يؤمنوا
فأرسل الله عليهم الدم فكان الإسرائيلي يأتي هو والقبطي يستقيان من ماء
واحد فيخرج ماء هذا القبطي دما ويخرج للإسرائيلي ماء فلما اشتد ذلك عليهم
سألوا موسى أن يكشفه ويؤمنوا به فكشف ذلك عنهم فأبوا أن يؤمنوا فذلك
حين يقول الله (فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون) ما أعطوا من العهود
وهو حين يقول (ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين) وهو الجوع (ونقص من
الثمرات لعلهم يذكرون) ثم إن الله عز وجل أوحى إليهما أن (قولا له قولا
لينا لعله يتذكر أو يخشى) فأتياه فقال له موسى هل لك يا فرعون في أن أعطيك
شبابك ولا يهرم وملكك لا ينزع منك ويرد إليك لذة المناكح والمشارب
والركوب فإذا مت دخلت الجنة تؤمن بي فوقعت في نفسه هذه الكلمات وهى
اللينة فقال كما أنت حتى يأتي هامان فلما جاء هامان قال له إن ذلك الرجل أتاني
قال من هو قال وكان قبل ذلك إنما يسميه الساجر فلما كان ذلك اليوم لم يسمه
الساحر قال فرعون موسى قال وما قال لك قال قال لي كذا وكذا قال هامان
وما رددت عليه قال قلت حتى يأتي هامان فأستشيره فعجزه هامان وقال قد كان
ظني بك خيرا من هذا تصير عبد ا يعبد بعد أن كنت ربا يعبد فذلك حين خرج
عليهم فقال لقومه وجمعهم فقال أنا ربكم الاعلى وكان بين كلمته ما علمت لكم من
إله غيري وبين قوله أنا ربكم الاعلى أربعون سنة وقال لقومه إن هذا لساحر عليم
يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون قالوا أرجه وأخاه وابعث في
المدائن حاشرين يأتوك بكل سحار عليم قال فرعون أجئتنا لتخرجنا من أرضنا
بسحرك يا موسى فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا
أنت مكانا سوى يقول عدلا قال موسى موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى
289

وذلك يوم عيد لهم فتولى فرعون فجمع كيده ثم أنى وأرسل فرعون في المدائن
حاشرين فحشروا عليه السحرة وحشروا الناس ينظرون يقول هل أنتم مجتمعون
لعلنا نتبع السحرة - إلى - أئن لنا لاجرا إن كنا نحن الغالبين يقول عطية تعطينا قال
نعم وإنكم إذا لمن المقربين فقال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم
بعذاب يقول يهلككم بعذاب فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى من دون
موسى وهارون وقالوا في نجواهم إن هذا لساحران يريدان أن يخرجاكم من
أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى يقول يذهبا بأشراف قومكم فالتقى موسى
وأمير السحرة فقال له موسى أرأيتك ان غلبتك أتؤمن بي وتشهد أن ما جئت به
حق قال نعم قال الساحر لآتين غدا بسحر لا يغلبه سحر فوالله لئن غلبتني لأومنن
بك ولأشهدن أنك على حق وفرعون ينظر إليهما وهو قول فرعون ان هذا
لمكر مكرتموه في المدينة إذ التقيتما لتتظاهرا لتخرجوا منها أهلها فقالوا يا موسى
اما أن تلقى واما أن نكون نحن أول من ألقى * قال لهم موسى ألقوا فألقوا
حبالهم وعصيهم وكانوا بضعة وثلاثين الف رجل ليس منهم رجل إلا ومعه حبل
وعصا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم يقول فرقوهم فأوجس في نفسه
خيفة موسى فأوحى الله إليه لا تخف وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا فألقى
موسى عصاه فأكلت كل حية لهم فلما رأوا ذلك سجدوا وقالوا آمنا برب العالمين
رب هارون وموسى قال فرعون لاقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم
في جذوع النخل فقتلهم فقطعهم كما قال عبد الله بن عباس حين قالوا ربنا أفرغ
علينا صبرا وتوفنا مسلمين وقالوا كانوا في أول النهار سحرة وفى آخر النهار شهداء
ثم أقبل على بني إسرائيل فقال له قومه أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض
ويذرك وآلهتك وآلهته فيما زعم ابن عباس كانت البقر كانوا إذا رأوا بقرة حسناء
أمرهم أن يعبدوها فلذلك أخرج لهم عجلا بقرة * ثم إن الله تعالى ذكره أمر
موسى أن يخرج ببنى إسرائيل فقال أن أسر بعبادي ليلا إنكم متبعون فأمر
موسى بني إسرائيل أن يخرجوا وأمرهم أن يستعيروا الحلى من القبط وأمر ألا
290

ينادى انسان صاحبه وأن يسرجوا في بيوتهم حتى الصبح وأن من خرج إذا
قال موسى قال عمرو وأمر من خرج يلطخ بابه بكف من دم حتى يعلم أنه قد
خرج وإن الله أخرج كل ولد زنا في القبط من بني إسرائيل إلى بني إسرائيل
وأخرج كل ولد زنا في بني إسرائيل من القبط إلى القبط حتى أتوا آباءهم ثم خرج
موسى ببنى إسرائيل ليلا والقبط لا يعلمون وقد دعوا قبل ذلك على القبط فقال
موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملاه زينة وأموالا في الحياة الدنيا إلى قوله حتى
يروا العذاب الأليم فقال الله تعالى (قد أجيبت دعوتكما) فزعم السدى أن
موسى هو الذي دعا وأمن هارون فذلك حين يقول الله عز وجل قد أجيبت
دعوتكما وقوله ربنا اطمس على أموالهم فذكر أن طمس الأموال أنه جعل
دراهمهم ودنانيرهم حجارة ثم قال لهما استقيما فخرجا في قومهما وألقى على القبط
الموت فمات كل بكر رجل فأصبحوا يدفنونهم فشغلوا عن طلبهم حتى طلعت
الشمس فذلك حين يقول الله عز وجل (فأتبعوهم مشرقين) وكان موسى على
ساقة بني إسرائيل وكان هارون أمامهم يقدمهم فقال المؤمن لموسى يا نبي الله أين
أمرت قال البحر فأراد أن يقتحم فمنعه موسى وخرج موسى في ستمائة ألف وعشرين
ألف مقاتل لا يعدون ابن العشرين لصغره ولا ابن الستين لكبره وإنما عدوا ما
بين ذلك سوى الذرية وتبعهم فرعون وعلى مقدمته هامان في الف الف وسبعمائة
الف حصان ليس فيها ماذيانة وذلك حين يقول الله (فأرسل فرعون في
المدائن حاشرين إن هؤلاء لشرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون) يعنى بني إسرائيل
(وإنا لجميع حاذرون) يقول قد حذرنا فأجمعنا أمرنا فلما تراء الجمعان
فنظرت بنو إسرائيل إلى فرعون قد ردفهم قالوا إنا لمدركون قالوا يا موسى
أوذينا من قبل أن تأتينا كانوا يذبحون أبناءنا ويستحيون نساءنا ومن بعد
ما جئتنا اليوم يدركنا فرعون فيقتلنا إنا لمدركون البحر من بين أيدينا وفرعون
من خلفنا قال موسى كلا إن معي ربى سيهدين يقول سيكفيني قال عسى ربكم أن
يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون فتقدم هارون فضرب
291

البحر فأبى البحر ان ينفتح وقال من هذا الجبار الذي يضربني حتى أتاه موسى
فكناه أبو خالد وضربه فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم يقول كالجبل العظيم
فدخلت بنو إسرائيل وكان في البحر اثنى عشر طريقا في كل طريق سبط وكأن
الطرق إذا انفلقت بجدران فقال كل سبط قد قتل أصحابنا فلما رأى ذلك موسى
دعا الله فجعلها لهم قناطر كهيئة الطيقان فنظر آخرهم إلى أولهم حتى خرجوا جميعا
ثم دعا فرعون وأصحابه فلما نظر فرعون إلى البحر منفلقا قال ألا ترون البحر فرق
منى وقد تفتح لي حتى أدرك أعدائي فأقتلهم فذلك قول الله عز وجل (وأزلفنا
ثم الآخرين) يقول قربنا ثم الآخرين هم آل فرعون فلما قام فرعون على أفواه
الطرق أبت خيله أن تقتحم فنزل جبرائيل على ماذيانة فشمت الحصن ريح الماذيانة
فاقتحمت في أثرها حتى إذا هم أولهم أن يخرج ودخل آخرهم أمر البحر أن يأخذهم
فالتطم عليهم وتفرد جبرائيل بفرعون بمقلة من مقل البحر فجعل يدسها في فيه
فقال حين أدركه الغرق آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من
المسلمين فبعث الله إليه ميكائيل يعيره فقال الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين
فقال جبرائيل يا محمد ما أبغضت أحدا من الخلق ما أبغضت رجلين أما أحدهما فمن
الجن وهو إبليس حين أبى ان يسجد لآدم وأما الآخر فهو فرعون حين قال انا ربكم
الاعلى ولو رأيتني يا محمد وأنا آخذ مقل البحر فأدخله في فم فرعون مخافة أن يقول
كلمة يرحمه الله بها وقالت بنو إسرائيل لم يغرق فرعون الآن يدركنا فيقتلنا فدعا الله
موسى فأخرج فرعون في ستمائة الف وعشرين ألفا عليهم الحديد فأخذته بنو إسرائيل
يمثلون به وذلك قول الله لفرعون (فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن
خلفك آية) يقول لبنى إسرائيل آية فلما أرادوا أن يسيروا ضرب عليهم تيه فلم
يدروا أين يذهبون فدعا موسى مشيخة بني إسرائيل فسألهم ما بالنا فقالوا له
إن يوسف لما مات بمصر أخذ على اخوته عهدا أن لا تخرجوا من مصر حتى
تخرجوني معكم فذلك هذا الامر فسألهم أين موضع قبره فلم يعلموا فقام موسى
ينادى أنشد الله كل من كان يعلم أين موضع قبر يوسف إلا أخبرني به ومن لم يعلم
292

فصمت أذناه عن قولي وكان يمر بين الرجلين ينادى فلا يسمعان صوته حتى سمعته
عجوز لهم فقالت أرأيتك إن دللتك على قبره أتعطيني كل ما سألتك فأبى عليها وقال
حتى أسال ربى فأمره الله عز وجل أن يعطيها فأتاها فأعطاها فقالت إني أريد ألا
تنزل غرفة من الجنة إلا نزلتها معك قال نعم قالت إني عجوز كبيرة لا أستطيع
أن أمشى فاحملني فحملها فلما دنا من النيل قالت إنه في جوف الماء فادع الله أن
يحسر عنه الماء فدعا الله فحسر الماء عن القبر فقالت احفره ففعل فحمل عظامه ففتح
لهم الطريق فساروا فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل
لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون إن هؤلاء متبر ما هم فيه يقول مهلك
ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون * فاما ابن إسحاق فإنه قال فيما حدثنا ابن حميد قال
حدثنا سلمة عنه فتابع الله عليه بالآيات يعنى على فرعون وأخذه بالسنين إذ أبى
أن يؤمن بعد ما كان من أمره وأمر السحرة ما كان فأرسل عليه الطوفان ثم الجراد
ثم القمل ثم الضفادع ثم الدم آيات مفصلات أي آية بعد آية يتبع بعضها بعضا
فأرسل الطوفان وهو الماء ففاض على وجه الأرض ثم ركد لا يقدرون على أن
يحرثوا ولا يعملوا شيئا حتى جهدوا جوعا فلما بلغهم ذلك قالوا يا موسى ادع لنا
ربك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل فدعا موسى
ربه فكشفه عنهم فلم يفوا له بشئ مما قالوا فأرسل الله عليهم الجراد فاكل الشجر
فيما بلغني حتى إنه كان ليأكل مسامير الأبواب من الحديد حتى تقع دورهم
ومساكنهم فقالوا مثل ما قالوا فدعا ربه فكشفه عنهم فلم يفوا له بشئ مما قالوا
فأرسل الله عليهم القمل فذكر لي أن موسى أمر أن يمشى إلى كثيب فيضربه بعصاه
فمشى إلى كثيب أهيل عظيم فضربه بها فانثال عليهم قملا حتى غلب على البيوت
والأطعمة ومنعهم النوم والقرار فلما جهدهم قالوا له مثل ما قالوا فدعا ربه فكشف
عنهم فلم يفوا له بشئ مما قالوا فأرسل الله عليهم الضفادع فملأت البيوت والأطعمة
والآنية فلا يكشف أحد منهم ثوبا ولا طعاما ولا إناء إلا وجد فيه الضفادع
قد غلبت عليه فلما جهدهم ذلك قالوا له مثل ما قالوا فدعا ربه فكشف عنهم فلم يفوا
293

له بشئ مما قالوا فأرسل الله عليهم الدم فصارت مياه آل فرعون دما لا يستقون من بئر ولا نهر ولا يغترفون من إناء إلا عادت دما عبيطا * حدثنا محمد بن
حميد قال حدثنا سلم قال فحدثني محمد بن إسحاق عن محمد بن كعب القرظي
أنه حدث أن المرأة من آل فرعون كانت تأتى المرأة من بني إسرائيل حين جهدهم
العطش فتقول اسقيني من مائك فتغرف لها من جرتها أو تصيب لها من قربتها
فيعود في الاناء دما حتى أن كانت لتقول لها اجعليه في فيك ثم مجيه في في فتأخذ
في فيها ماء فإذا مجته في فيها صار دما فمكثوا في ذلك سبعة أيام فقالوا ادع لنا ربك
بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل فلما
كشف عنهم الرجز نكثوا ولم يفوا بشئ مما قالوا فأمر الله موسى أن يسير وأخبره
أنه منجيه ومن معه ومهلك فرعون وجنوده وقد دعا موسى عليهم بالطمسة فقال
ربنا انك آتيت فرعون وملاه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن
سبيلك - إلى - ولا تتبعان سبيل الذين لا يعملون فمسخ الله أموالهم حجارة النخل
والرقيق والأطعمة فكانت إحدى الآيات التي أراها الله فرعون * حدثنا ابن حميد
قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي عن محمد
ابن كعب القرظي قال سألني عمر بن عبد العزيز عن التسع الآيات التي أراهن الله
فرعون فقلت الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم وعصاه ويده والطمسة
والبحر فقال عمر فأنى عرفت أن الطمسة إحداهن قلت دعا عليهم موسى وأمن
هارون فمسخ الله أموالهم حجارة فقال كيف يكون الفقه إلا هكذا ثم دعا بخريطة
فيها أشياء مما كان أصيب لعبد العزيز بن مروان بمصر إذ كان عليها من بقايا أموال
آل فرعون فأخرج البيضة مقشورة نصفين وانها لحجر والجوزة مقشورة وانها
لحجر والحمصة والعدسة * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد عن رجل من
أهل الشأم كان بمصر قال قد رأيت النخلة مصروعة وانها لحجر وقد رأيت إنسانا
ما شككت أنه إنسان وإنه لحجر من رقيقهم فيقول الله عز وجل (ولقد آتينا
موسى تسع آيات بينات) إلى قوله (مثبورا) يقول شقيا * حدثنا ابن حميد قال
294

حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن عروة بن الزبير عن أبيه أن الله حين
أمر موسى بالمسير ببنى إسرائيل أمره أن يحتمل يوسف معه حتى يضعه بالأرض
المقدسة فسأل موسى عمن يعرف موضع قبره فما وجد إلا عجوزا من بني إسرائيل
فقالت يا نبي الله أنا أعرف مكانه إن أنت أخرجتني معك ولم تخلفني بأرض مصر
دللتك عليه قال أفعل وقد كان موسى وعد بني إسرائيل أن يسير بهم إذا طلع الفجر
فدعا ربه أن يؤخر طلوعه حتى يفرغ من أمر يوسف ففعل فخرجت به العجوز
حتى أرته إياه في ناحية من النيل في الماء فاستخرجه موسى صندوقا من مرمر
فاحتمله معه قال عروة فمن ذلك تحمل اليهود موتاها من كل أرض إلى الأرض المقدسة
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال كان فيما ذكر لي أن موسى قال
لبنى إسرائيل فيما أمره الله به استعيروا منهم الأمتعة والحلى والثياب فانى منفلكم
أموالهم مع هلاكهم فلما أذن فرعون في الناس كان مما يحرض به على بني إسرائيل أن قال
حين ساروا لم يرضوا أن خرجوا بأنفسهم حتى ذهبوا بأموالكم معهم * حدثنا ابن حميد
قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن محمد بن كعب القرظي عن عبد الله بن شداد
ابن الهاد قال لقد ذكر لي أنه خرج فرعون في طلب موسى على سبعين ألفا من
دهم الخيل سوى ما في جنده من شهب الخيل وخرج موسى حتى إذا قابله البحر
ولم يكن عنه منصرف طلع فرعون في جنده من خلفهم فلما تراءى الجمعان قال
أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا إن معي ربى سيهديني; أي للنجاة وقد وعدني
ذلك ولا خلف لموعوده * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثنا محمد بن
إسحاق قال فأوحى الله تبارك وتعالى فيما ذكر لي إلى البحر إذا ضربك موسى
بعصاه فانفلق له فبات البحر يضرب بعضه بعضا فرقا من الله عز وجل وانتظارا
لامره فأوحى الله عز وجل إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فضربه بها وفيها
سلطان الله الذي أعطاه فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم; أي كالجبل على نشز
من الأرض يقول الله لموسى عليه السلام (أضرب لهم طريقا في البحر يبسا
لا تخاف دركا ولا تخشى) فلما استقر له البحر على طريق قائمة يبس سلك فيه
295

موسى ببنى إسرائيل وأتبعه فرعون بجنوده * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة
قال حدثني محمد بن إسحاق عن محمد بن كعب القرظي عن عبد الله بن شداد بن الهاد
الليثي قال حدثت أنه لما دخلت بنو إسرائيل فلم يبق منهم أحد أقبل فرعون وهو
على حصان له من الخيل حتى وقف على شفير البحر وهو قائم على حاله فهاب
الحصان أن يتقدم فعرض له جبرائيل على فرس أنثى وديق فقربها منه فشمها
الفحل ولما شمها قدمها فتقدم معه الحصان عليه فرعون فلما رأى جند فرعون
أن فرعون قد دخل دخلوا معه وجبرائيل أمامه فهم يتبعون فرعون وميكائيل
على فرس خلف القوم يشحذهم يقول: الحقوا بصاحبكم حتى إذا فصل جبرائيل
من البحر ليس أمامه أحد ووقف ميكائيل على الناحية الأخرى ليس خلفه أحد
طبق عليهم البحر ونادى فرعون حين رأى من سلطان الله وقدرته ما رأى وعرفه
ذله وخذلته نفسه نادى: أن لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من
المسلمين * حدثنا ابن حميد قال حدثنا أبو داود البصري عن حماد بن سلمة عن علي
ابن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال جاء جبرائيل إلى النبي صلى الله
عليه وسلم فقال يا محمد لو قد رأيتني وأنا أدس من حمإ البحر في فم فرعون مخافة
أن تدركه الرحمة يقول الله الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين فاليوم
ننجيك ببدنك أي سويا لم يذهب منك شئ لتكون لمن خلفك آية أي عبرة وبينة
فكان يقال لو لم يخرجه الله ببدنه حتى عرفوه لشك فيه بعض الناس ولما جاوز
ببنى إسرائيل البحر أتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا
إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا
يعملون قال أغير الله أبغيكم إلها وهو فصلكم على العالمين ووعد الله موسى حين
أهلك فرعون وقومه ونجاه وقومه ثلاثين ليلة * رجع الحديث إلى حديث
السدى ثم إن جبرائيل أتى موسى يذهب به إلى الله عز وجل فأقبل على فرس فرآه
السامري فأنكره ويقال إنه فرس الحياة فقال حين رآه ان لهذا لشأنا فأخذ من
تربة الحافر حافر الفرس فانطلق موسى واستخلف هارون على بني إسرائيل
296

وواعدهم ثلاثين ليلة وأتمها الله بعشر فقال لهم هارون يا بني إسرائيل إن الغنيمة
لا تحل لكم وإن حلى القبط إنما هو غنيمة فاجمعوها جميعا فاحفروا لها حفرة
فادفنوها فيها فإن جاء موسى فأحلها أخذتموها وإلا كان شيئا لم تأكلوه فجمعوا
ذلك الحلى في تلك الحفرة وجاء السامري بتلك القبضة فقذفها فأخرج الله من
تلك الحلى عجلا جسدا له خوار وعدت بنو إسرائيل موعد موسى فعدوا الليلة
يوما واليوم يوما فلما كان لعشرين خرج لهم العجل فلما رأوه قال لهم السامري:
هذا إلهكم وإله موسى فنسى يقول ترك موسى إلهه ههنا وذهب يطلبه فعكفوا
عليه يعبدونه وكان يخور ويمشى فقال لهم هارون يا بني إسرائيل إنما فتنتم به يقول
إنما ابتليتم به يقول بالعجل وإن ربكم الرحمن فأقام هارون ومن معه من
بني إسرائيل لا يقاتلونهم وانطلق موسى إلى إلهه يكلمه فلما كلمه قال له ما أعجلك عن
قومك يا موسى قال هم أولاء على أثرى وعجلت إليك رب لترضى قال فإنا قد فتنا
قومك من بعدك وأضلهم السامري فلما أخبره خبرهم قال موسى يا رب هذا
السامري أمرهم أن يتخذوا العجل أرأيت الروح من نفخها فيه قال الرب أنا *
قال رب أنت إذا أضللتهم * ثم إن موسى لما كلمه ربه عز وجل أحب أن ينظر
إليه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر
مكانه فسوف تراني فحف حول الجبل الملائكة وحف حول الملائكة بنار وحف
حول النار بملائكة وحول الملائكة بنار ثم تجلى ربه للجبل * فحدثني موسى بن
هارون قال حدثنا عمرو بن حماد قال حدثنا أسباط قال حدثني السدى عن عكرمة
عن ابن عباس أنه قال تجلى منه مثل طرف الخنصر فجعل الجبل دكا وخر موسى
صعقا فلم يزل صعقا ما شاء الله ثم إنه أفاق فقال سبحانك تبت إليك وأنا أول
المؤمنين يعنى أول المؤمنين من بني إسرائيل فقال يا موسى إني اصطفيتك على الناس
برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين وكتبنا له في الألواح من كل شئ
موعظة وتفصيلا لكل شئ من الحلال والحرام فخذها بقوة يعنى بجد واجتهاد وأمر
قومك يأخذوا بأحسنها أي بأحسن ما يجدون فيها فكان موسى بعد ذلك لا يستطيع
297

أحد أن ينظر في وجهه وكان يلبس وجهه بحريرة فأخذ الألواح ثم رجع إلى قومه
غضبان أسفا يقول حزينا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا - إلى - قالوا ما أخلفنا
موعدك بملكنا يقولون بطاقتنا ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم يقول من حلى
القبط فقذفناها فكذلك ألقى السامري ذلك حين قال لهم هارون احفروا لهذا
الحلى حفرة واطرحوه فيها فطرحوه فقذف السامري تربته فالقى موسى الألواح
وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت
أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي فترك موسى هارون ومال إلى
السامري فقال ما خطبك يا سامري قال السامري بصرت بما لم يبصروا به - إلى -
في اليم نسفا ثم أخذه فذبحه ثم حرقه بالمبرد ثم ذراه في البحر فلم يبق بحر يجرى
إلا وقع فيه شئ منه ثم قال لهم موسى اشربوا منه فشربوا فمن كان يحبه خرج
على شاربه الذهب فذلك حين يقول وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم فلما سقط
في أيدي بني إسرائيل حين جاء موسى ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا
ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين فأبى الله أن يقبل توبة بني إسرائيل إلا بالحال
التي كرهوا أن يقاتلهم حين عبد وا العجل فقال لهم موسى يا قوم إنكم ظلمتم
أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم فاجتلد الذين عبدوه
والذين لم يعبدوه بالسيوف فكان من قتل من الفريقين شهيدا حتى كثر القتل
حتى كادوا أن يهلكوا حتى قتل بينهم سبعون ألفا حتى دعا موسى وهارون ربنا
هلكت بنو إسرائيل ربنا البقية البقية فأمرهم أن يضعوا السلاح وتاب عليهم
فكان من قتل كان شهيدا ومن بقى كان مكفرا عنه فذلك قوله (فتاب
عليكم إنه هو التواب الرحيم) * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني
محمد بن إسحاق عن حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان السامري
رجلا من أهل باجرما وكان من قوم يعبدون البقر فكان حب عبادة البقر في
نفسه وكان قد أظهر الاسلام في بني إسرائيل * فلما فصل هارون في بني إسرائيل
وفصل موسى عنهم إلى ربه تبارك وتعالى قال لهم هارون إنكم قد حملتم أوزارا
298

من زينة القوم آل فرعون وأمتعة وحليا فتطهروا منها فانا نجس وأو قد لهم نارا
وقال اقذفوا ما كان معكم من ذلك فيها قالوا نعم فجعلوا يأتون بما كان فيهم من
تلك الحلى وتلك الأمتعة فيقذفون به فيها حتى إذا انكسرت الحلى فيها رأى
السامري أثر فرس جبرائيل فاخذ ترابا من أثر حافره ثم أقبل إلى الحفرة فقال
لهارون يا نبي الله ألقى ما في يدي قال نعم ولا يظن هارون الا أنه كبعض ما جاء به
غيره من تلك الأمتعة والحلى فقذفه فيها وقال كن عجلا جسدا له خوار فكان للبلاء
والفتنة فقال هذا إلهكم وإله موسى فعكفوا عليه وأحبوه حبا لم يحبوا مثله شيئا
قط فقال الله عز وجل فنسى أي ترك ما كان عليه من الاسلام يعنى السامري
أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا قال وكان اسم السامري
موسى بن ظفر وقع في أرض مصر فدخل في بني إسرائيل فلما رأى هارون ما وقعوا
فيه قال يا قوم إنما فتنتم به - إلى قوله - حتى يرجع إلينا موسى فأقام هارون فيمن معه
من المسلمين ممن لم يفتتن وأقام من يعبد العجل على عبادة العجل وتخوف هارون إن
سار بمن معه من المسلمين أن يقول له موسى فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي
وكان له هائبا مطيعا ومضى موسى ببنى إسرائيل إلى الطور وكان الله عز وجل وعد
بني إسرائيل حين أنجاهم وأهلك عدوهم جانب الطور الأيمن وكان موسى حين
سار ببنى إسرائيل من البحر قد احتاجوا إلى الماء فاستسقى موسى لقومه فأمر أن
يضرب بعصاه الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا لكل سبط عين يشربون منها
قد عرفوها فلما كلم الله موسى طمع في رؤيته فسأل ربه أن ينظر إليه فقال له إنك
لن تراني ولكن انظر إلى الجبل إلى قوله وأنا أول المؤمنين ثم قال الله لموسى
إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك إلى قوله سأريكم دار
الفاسقين وقال له ما أعجلك عن قومك يا موسى إلى قوله فرجع موسى إلى قومه
غضبان أسفا ومعه عهد الله في ألواحه ولما انتهى موسى إلى قومه فرأى ما هم فيه
من عبادة العجل ألقى الألواح من يده وكانت فيما يذكرون من زبرجد أخضر ثم
أخذ برأس أخيه ولحيته ويقول ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعني إلى قوله ولم ترقب
299

قولي وقال يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء
ولا تجعلني مع القوم الظالمين فارعوى موسى وقال رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا
في رحمتك وأنت أرحم الراحمين وأقبل على قومه فقال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا
حسنا إلى قوله عجلا جسدا له خوار فأقبل على السامري فقال ما خطبك يا سامري
قال بصرت بما لم يبصروا به إلى قوله وسع كل شئ علما ثم أخذ الألواح يقول
الله (وأخذ الألواح وفى نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون)
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن صدقة بن يسار عن سعيد
ابن جبير عن ابن عباس قال كان الله تعالى قد كتب لموسى فيها موعظة وتفصيلا
لكل شئ وهدى ورحمة فلما ألقاها رفع الله ستة أسباعها وأبقى سبعا يقول
الله عز وجل وفى نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون ثم أمر موسى بالعجل
فأحرق حتى رجع رمادا ثم أمر به فقذف في البحر * قال ابن إسحاق فسمعت بعض
أهل العلم يقول إنما كان إحراقه سحله ثم ذراه في البحر والله أعلم ثم اختار موسى
منهم سبعين رجلا الخير فالخير وقال انطلقوا إلى الله فتوبوا إليه مما صنعتم وسلوه التوبة
على من تركتم وراءكم من قومكم صوموا وتطهروا وطهروا ثيابكم فخرج بهم إلى طور سينا
لميقات وقته له ربه وكان لا يأتيه إلا بإذن منه وعلم فقال له السبعون فيما ذكر لي حين صنعوا
ما أمرهم به وخرجوا معه للقاء ربه اطلب لنا نسمع كلام ربنا فقال أفعل فلما دنا موسى من
الجبل وقع عليه عمود الغمام حتى تغشى الجبل كله ودنا موسى فدخل فيه وقال للقوم ادنوا
وكان موسى إذا كلمه وقع على جبهته نور ساطع لا يستطيع أحد من بني آدم أن
ينظر إليه فضرب دونه بالحجاب ودنا القوم حتى إذا دخلوا في الغمام وقعوا سجودا
فسمعوه وهو يكلم موسى يأمره وينهاه افعل ولا تفعل فلما فرغ إليه من أمره
انكشف عن موسى الغمام فأقبل إليهم فقالوا لموسى لن نؤمن لك حتى نرى الله
جهرة فأخذتهم الرجفة وهى الصاعقة فانفلتت أرواحهم فماتوا جميعا * وقام موسى
يناشد ربه ويدعوه ويرغب إليه يقول رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي قد
سفهوا فيهلك من ورائي من بني إسرائيل بما فعل السفهاء منا إن هذا لهم هلاك
300

اخترت منهم سبعين رجلا الخير فالخير أرجع إليهم وليس معي رجل واحد فما
الذي يصدقونني به فلم يزل موسى يناشد ربه ويسأله ويطلب إليه حتى رد إليهم
أرواحهم وطلب إليه التوبة لبنى إسرائيل من عبادة العجل فقال لا إلا أن يقتلوا
أنفسهم وقال فبلغني أنهم قالوا لموسى نصبر لأمر الله فأمر موسى من لم يكن عبد
العجل أن يقتل من عبد ه فجلسوا بالأفنية وأصلت عليهم القوم السيوف فجعلوا
يقتلونهم وبكى موسى وبهش إليه الصبيان والنساء يطلبون العفو عنهم فتاب عليهم
وعفا عنهم أمر موسى أن يرفع عنهم السيف * وأما السدى فإنه ذكر في خبره
الذي ذكرت إسناده قبل أن مصير موسى إلى ربه بالسبعين الذين اختارهم من
قومه بعد ما تاب الله على عبد ة العجل من قومه وذلك أنه ذكر بعد القصة التي
قد ذكرتها عنه بعد قوله إنه هو التواب الرحيم قال ثم إن الله أمر موسى أن يأتيه
في ناس من بني إسرائيل يعتذرون إليه من عبادة العجل ووعدهم موعدا فاختار
موسى قومه سبعين رجلا على عينه ثم ذهب بهم ليعتذروا فلما أتوا ذلك المكان
قالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فإنك قد كلمته فأرناه فأخذتهم الصاعقة
فماتوا فقام موسى يبكى ويدعو الله ويقول رب ماذا أقول لبنى إسرائيل إذا أتيتهم
وقد أهلكت خيارهم رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل
السفهاء منا فأوحى الله عز وجل إلى موسى أن هؤلاء السبعين ممن اتخذ العجل
فذلك حين يقول موسى إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدى من تشاء إلى
قوله إنا هدنا إليك يقول تبنا إليك وذلك قوله تعالى (وإذ قلتم يا موسى لن
نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة) والصاعقة نار ثم إن الله أحياهم
فقاموا وعاشوا رجلا رجلا ينظر بعضهم إلى بعض كيف يحيون فقالوا يا موسى
أنت تدعو الله فلا تسأله شيئا إلا أعطاك فادعه يجعلنا أنبياء فدعا الله فجعلهم أنبياء
فذلك قوله (ثم بعثنا كم من بعد موتكم) ولكنه قدم حرفا وأخر حرفا *
ثم أمرهم بالسير إلى أريحا وهى أرض بيت المقدس فساروا حتى إذا كانوا قريبا
منها بعث موسى اثنى عشر نقيبا من جميع أسباط بني إسرائيل فساروا يريدون
301

أن يأتوه بخبر الجبارين فلقيهم رجل من الجبارين يقال له عاج فاخذ الاثني عشر
فجعلهم في حجزته وعلى رأسه حملة حطب فانطلق بهم إلى امرأته فقال انظري
إلى هؤلاء القوم الذين يزعمون أنهم يريدون أن يقاتلونا فطرحهم بين يديها فقال
ألا أطحنهم برجلي فقالت امرأته لابل خل عنهم حتى يخبروا قومهم بما رأوا
ففعل ذلك فلما خرج القوم قال بعضهم لبعض يا قوم إنكم إن أخبرتم بني إسرائيل
بخبر القوم ارتدوا عن نبي الله ولكن اكتموه وأخبروا نبيي الله فيكونان هما
يريان رأيهما فاخذ بعضهم على بعض الميثاق بذلك ليكتموه ثم رجعوا فانطلق
عشرة فنكثوا العهد فجعل الرجل منهم يخبر أخاه وأباه بما رأوا من أمر عاج
وكتم رجلان منهم فاتوا موسى وهارون فاخبروهما الخبر فذلك حين يقول الله
(ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثنى عشر نقيبا) فقال لهم
موسى يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا يملك
الرجل منكم نفسه وأهله وماله يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم
يقول التي أمركم الله بها ولا ترتدوا على أدباركم - إلى - خاسرين قالوا مما سمعوا من
العشرة إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها
فإنا داخلون قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب
وهما اللذان كتما وهما يوشع بن نون فتى موسى وكالوب بن يوفنة * وقيل كلاب
ابن يوفنة ختن موسى فقال يا قوم ادخلوا عليهم الباب قالوا يا موسى إنا لن ندخلها
أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون فغضب موسى فدعا
عليهم فقال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين،
وكانت عجلة من موسى عجلها فقال الله إنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض
فلما ضرب عليهم التيه ندم موسى وأتاه قومه الذين كانوا معه يطيعونه فقالوا له
ما صنعت بنا يا موسى فلما ندم أوحى الله عز وجل إليه " أن لا تأس " أي لا تحزن
على القوم الذين سميتهم فاسقين فلم يحزن فقالوا يا موسى فكيف لنا بماء ههنا أين
الطعام فأنزل الله عليهم المن والسلوى فكان يسقط على الشجر الترنجبين والسلوى
302

وهو طير يشبه السماني فكان يأتي أحدهم فينظر إلى الطير فإن كان سمينا ذبحه وإلا
أرسله فإذا سمن أتاه فقالوا هذا الطعام فأين الشراب فامر موسى فضرب بعصاه
الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا يشرب كل سبط من عين فقالوا هذا الطعام
والشراب فأين الظل فظلل الله عليهم الغمام فقالوا هذا الظل فأين اللباس فكانت
ثيابهم تطول معهم كما تطول الصبيان ولا يتخرق لهم ثوب فذلك قوله (وظللنا عليهم
الغمام وأنزلنا عليهم المن والسلوى) وقوله (وإذ استسقى موسى لقومه
فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل
أناس مشربهم) فاجمعوا ذلك فقالوا يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع
لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وهو الحنطة وعدسها
وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا
من الأمصار فإن لكم ما سألتم فلما خرجوا من التيه رفع المن والسلوى وأكلوا
البقول والتقى موسى وعاج فنزا موسى في السماء عشرة أذرع وكانت عصاه عشرة
أذرع وكان طوله عشرة أذرع وأصاب كعب عاج فقتله * حدثنا ابن بشار
قال حدثنا مؤمل قال حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن نوف قال كان سرير عوج
ثمانمائة ذراع وكان طول موسى عشرة أذرع وعصاه عشرة أذرع ثم وثب
في السماء عشرة أذرع فضرب عوجا فأصاب كعبه فسقط ميتا فكان جسرا
للناس يمرون عليه * حدثنا أبو كريب قال حدثنا ابن عطية قال أخبرنا قيس
عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كانت عصا موسى عشرة
أذرع ووثبته عشرة أذرع وطوله عشرة أذرع فأصاب كعب عوج فقتله فكان
جسر الأهل النيل وقيل إن عوج عاش ثلاث آلاف سنة
ذكر وفاة موسى وهارون بنى عمران عليهما السلام
* حدثنا موسى بن هارون الهمداني قال حدثنا عمرو بن حماد قال حدثنا أسباط
عن السدى في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن
مرة الهمداني عن عبد الله بن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه
303

وسلم ثم إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى موسى إني متوف هارون فأت به
جبل كذا وكذا فانطلق موسى وهارون نحو ذلك الجبل فإذا هما بشجرة لم ير
مثلها وإذا هما ببيت مبنى وإذا هما فبه بسرير عليه فرش وإذا فيه ريح طيبة فلما
نظر هارون إلى ذلك الجبل والبيت وما فيه أعجبه فقال يا موسى إني لأحب أن
أنام على هذا السرير قال له موسى فنم عليه قال إني أخاف أنى يأتي رب هذا
البيت فيغضب على قال له موسى لا ترهب أنا أكفيك رب هذا البيت فنم قال يا موسى
بل نم معي فإن جاء رب البيت غضب على وعليك جميعا فلما ناما أخذ هارون
الموت فلما وجد حسه قال يا موسى خدعتني فلما قبض رفع ذلك البيت وذهبت
تلك الشجرة ورفع السرير إلى السماء فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل وليس معه
هارون قالوا إن موسى قتل هارون وحسده لحب بني إسرائيل له وكان هارون
أكف عنهم وألين لهم من موسى وكان في موسى بعض الغلظ عليهم فلما بلغه
ذلك قال لهم ويحكم كان أخي أفتروني أقتله فلما أكثروا عليه قام فصلى ركعتين
ثم دعا الله فنزل بالسرير حتى نظروا إليه بين السماء والأرض فصدقوه ثم إن
موسى بينما هو يمشى ويوشع فتاه إذ أقبلت ريح سوداء فلما نظر إليها يوشع ظن
أنها الساعة والتزم موسى وقال تقوم الساعة وأنا ملتزم موسى نبي الله فاستل
موسى من تحت القميص وترك القمص في يد يوشع فلما جاء يوشع بالقميص
أخذته بنو إسرائيل وقالوا قتلت نبي الله قال لا والله ما قتلته ولكنه استل منى
فلم يصدقوه وأرادوا قتله قال فإذا لم تصدقوني فأخروني ثلاثة أيام فدعا الله فأتى
كل رجل ممن كان يحرسه في المنام فأخبر أن يوشع لم يقتل موسى وأنا قد
رفعناه إلينا فتركوه ولم يبق أحد ممن أبى أن يدخل قرية الجبارين مع موسى إلا
مات ولم يشهد الفتح * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال كان
صفى الله قد كره الموت وأعظمه فلما كرهه أراد الله تعالى أن يحبب إليه الموت
ويكره إليه الحياة فحولت النبوة إلى يوشع بن نون فكان يغدو عليه ويروح
فيقول له موسى يا نبي الله ما أحدث الله إليك فيقول له يوشع بن نون يا نبي الله ألم
304

أصحبك كذا وكذا سنة فهل كنت أسألك عن شئ مما أحدث الله إليك حتى
تكون أنت الذي تبتدئ به وتذكر فلا يذكر له شيئا فلما رأى موسى ذلك كره
الحياة وأحب الموت * قال ابن حميد قال سلمة قال ابن إسحاق وكان صفى الله فيما
ذكر لي وهب بن منبه إنما يستظل في عريش ويأكل ويشرب في نقير من حجر
إذا أراد أن يشرب بعد أن أكل كرع كما تكرع الدابة في ذلك النقير تواضعا
لله حين أكرمه الله بما أكرمه به من كلامه قال وهب فذكر لي أنه كان من أمر
وفاته أن صفى الله خرج يوما من عريشه ذلك لبعض حاجاته لا يعلم به أحد
من خلق الله فمر برهط من الملائكة يحفرون قبرا فعرفهم وأقبل إليهم حتى
وقف عليهم فإذا هم يحفرون قبرا لم ير شيئا قط أحسن منه ولم ير مثل ما فيه
من الخضرة والنضرة والبهجة فقال لهم يا ملائكة الله لمن تحفرون هذا القبر قالوا
نحفره لعبد كريم على ربه قال أن هذا العبد من الله لبمنزل ما رأيت كاليوم
مضجعا ولا مدخلا وذلك حين حضر من أمر الله ما حضر من قبضه فقالت له الملائكة
يا صفى الله أتحب أن يكون لك قال وددت قالوا فأنزل فاضطجع فيه وتوجه إلى ربك
ثم تنفس أسهل تنفس تنفسته قط فنزل فاضطجع فيه وتوجه إلى ربه ثم تنفس
فقبض الله تعالى روحه ثم سوت عليه الملائكة وكان صفى الله زاهد في الدنيا
راغبا فيما عند الله * حدثنا أبو كريب قال حدثنا مصعب بن المقدام عن حماد
ابن سلمة عن عمار بن أبي عمار مولى بني هاشم عن أبي هريرة قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم أن ملك الموت كان يأتي الناس عيانا حتى أتى موسى فلطمه
ففقأ عينه قال فرجع فقال يا رب إن عبد ك موسى فقأ عيني ولولا كرامته عليك
لشققت عليه فقال ائت عبد ى موسى فقل له فليضع كفه على متن ثور فله بكل شعرة
وارت يده سنة خيره بين ذلك وبين ان يموت الآن قال فاتاه فخيره فقال له
موسى فما بعد ذلك قال الموت قال فالآن إذا قال فشمه شمة قبض روحه قال فجاء
بعد ذلك إلى الناس خفيا * حدثنا ابن حميد قال حدثنا أبو سنان الشيباني عن أبي
إسحاق عن عمرو بن ميمون قال مات موسى وهارون جميعا في التيه مات
305

هارون قبل موسى وكانا خرجا جميعا في التيه إلى بعض الكهوف فمات هارون
فدفنه موسى وانصرف موسى إلى بني إسرائيل فقالوا ما فعل هارون قال مات
قالوا كذبت ولكنك قتلته لحبنا إياه وكان محببا في بني إسرائيل فتضرع موسى
إلى ربه وشكا ما لقي من بني إسرائيل فأوحى الله إليه ان انطلق بهم إلى موضع قبره فإني
باعثه حتى يخبرهم انه مات موتا ولم تقتله قال فانطلق بهم إلى قبر هارون فنادى
يا هارون فخرج من قبره ينفض رأسه فقال أنا قتلتك قال لا والله ولكني مت
قال فعد إلى مضجعك وانصرفوا فكان جميع مدة عمر موسى عليه السلام كلها مائة
وعشرين سنة عشرون من ذلك في ملك افريذون ومائة منها في ملك منوشهر
وكان ابتداء أمره من لدن بعثه الله نبيا إلى أن قبضه إليه في ملك منوشهر * ثم
ابتعث الله عز وجل بعد موسى عليه السلام يوشع بن نون بن افراييم بن يوسف
ابن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم نبيا وأمره بالمسير إلى أريحا لحرب من فيها من
الجبارين فاختلف السلف من أهل العلم في ذلك وعلى يد من كان ذلك ومتى سار
يوشع إليها في حياة موسى بن عمران كان مسيره إليها أم بعد وفاته فقال بعضهم لم
يسر يوشع إلى أريحا ولا أمر بالمسير إليها الا بعد موت موسى وبعد هلاك جميع
من كان أبى المسير إليها مع موسى بن عمران حين أمرهم الله تعالى بقتال من فيها من
الجبارين وقالوا مات موسى وهارون جميعا في التيه قبل خروجهما منه
ذكر من قال ذلك
* حدثني عبد الكريم بن الهيثم قال حدثنا إبراهيم بن بشار قال حدثنا سفيان
قال قال أبو سعيد عن عكرمة عن ابن عباس قال قال الله تعالى لما دعا موسى يعنى
بدعائه قوله رب انى لا أملك الا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين
قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض قال فدخلوا التيه فكل من
دخل التيه ممن جاوز العشرين سنة مات في التيه قال فمات موسى في التيه ومات
هارون قبله قال فلبثوا في تيههم أربعين سنة وناهض يوشع بمن بقى معه مدينة
الجبارين فافتتح يوشع المدينة * حدثنا بشر قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا
306

سعيد عن قتادة قال قال الله تعالى (انها محرمة عليهم أربعين سنة) الآية حرمت
عليهم القرى فكانوا لا يهبطون قرية ولا يقدرون على ذلك أربعين سنة
وذكر لنا ان موسى مات في الأربعين سنة ولم يدخل بيت المقدس منهم الا
أبناؤهم والرجلان اللذان قالا ما قالا * حدثني موسى بن هارون الهمداني قال
حدثنا عمرو قال حدثنا أسباط عن السدى في الخبر الذي ذكرت اسناده فيما مضى
لم يبق أحد ممن أبى أن يدخل مدينة الجبارين مع موسى الا مات ولم يشهد الفتح
ثم إن الله عز وجل لما انقضت الأربعون سنة بعث يوشع بن نون نبيا فأخبرهم انه
نبي وان الله قد امره ان يقاتل الجبارين فبايعوه وصدقوه فهزم الجبارين واقتحموا
عليهم فقتلوهم فكانت العصابة من بني إسرائيل يجتمعون على عنق الرجل يضربونها
لا يقطعونها * حدثنا ابن بشار قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا أبو هلال
عن قتادة في قول الله تعالى فإنها محرمة عليهم قال أبدا * حدثني المثنى قال حدثنا
مسلم بن إبراهيم قال حدثنا هارون النحوي قال حدثنا الزبير بن الخريت عن عكرمة
في قوله فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض قال التحريم التيه * وقال
آخرون انما فتح أريحا موسى ولكن يوشع كان على مقدمة موسى حين سار إليهم
ذكر من قال ذلك
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال لما نشأت النواشي من
ذراريهم يعنى من ذراري الذين أبو ا قتال الجبارين مع موسى وهلك آباؤهم
وانقضت الأربعون سنة التي تيهوا فيها سار بهم موسى ومعه يوشع بن نون
وكلاب بن يوفنا فكان فيما يزعمون على مريم ابنة عمران أخت موسى وهارون
فكان لهم صهرا فلما انتهوا إلى ارض كنعان وبها بلعم بن باعور المعروف وكان
رجلا قد آتاه الله علما وكان فيما أوتى من العلم اسم الله الأعظم فيما يذكرون
الذي إذا دعى الله به أجاب وإذا سئل به أعطى * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة
عن محمد بن إسحاق عن سالم أبى النضر أنه حدث ان موسى لما نزل أرض بنى كنعان
من أرض الشأم وكان بلعم ببالعة قرية من قرى البلقاء فلما نزل موسى ببنى إسرائيل
307

ذلك المنزل أتى قوم بلعم إلى بلعم فقالوا له يا بلعم هذا موسى بن عمران في
بني إسرائيل قد جاء يخرجنا من بلادنا ويقتلنا ويحلها بني إسرائيل ويسكنها وانا
قومك ليس لنا منزل وأنت رجل مجاب الدعوة فاخرج فادع الله عليهم فقال
ويلكم نبي الله معه الملائكة والمؤمنون كيف أذهب أدعو عليهم وأنا أعلم من الله
ما أعلم قالوا مالنا من منزل فلم يزالوا به يرفقونه ويتضرعون إليه حتى فتنوه فافتتن
فركب حمارة له متوجها إلى الجبل الذي يطلعه على عسكر بني إسرائيل وهو جبل
حسان فما سار عليها غير قليل حتى ربضت به فنزل عنها فضربها حتى إذا أذلقها
قامت فركبها فلم تسر به كثيرا حتى ربضت به ففعل بها مثل ذلك فقامت فركبها
فلم تسر به كثيرا حتى ربضت به فضربها حتى إذا اذلقها اذن الله لها فكلمته حجة
عليه فقالت ويحك يا بلعم أين تذهب ألا ترى الملائكة أمامي تردني عن وجهي
هذا أتذهب إلى نبي الله والمؤمنين تدعو عليهم فلم ينزع عنها يضربها فخلى الله
سبيلها حين فعل بها ذلك فانطلقت حتى إذا أشرفت به على جبل حسبان على عسكر
موسى وبنى إسرائيل جعل يدعو عليهم فلا يدعو عليهم بشئ الا صرف الله لسانه
إلى قومه ولا يدعو لقومه بخير الا صرف لسانه إلى بني إسرائيل فقال له قومه
أتدري يا بلعم ما تصنع انما تدعو لهم وتدعو علينا قال فهذا ما لا أملك هذا شئ
قد غلب الله عليه واندلع لسانه فوقع على صدره فقال لهم قد ذهبت الآن منى
الدنيا والآخرة فلم يبق الا المكر والحيلة فسأمكر لكم وأحتال جملوا النساء
واعطوهن السلع ثم أرسلوهن إلى العسكر يبعنها فيه ومروهن فلا تمنع امرأة
نفسها من رجل أرادها فإنه ان زنى رجل واحد منهم كفيتموهم ففعلوا فلما دخل
النساء العسكر مرت امرأة من الكنعانيين اسمها كسبى ابنة صور رأس أمته وبنى أبيه
من كان منهم في مدين هو كان كبيرهم برجل من عظماء بني إسرائيل وهو زمري بن
شلوم رأس سبط شمعون بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم فقام إليها فأخذ بيدها
حين أعجبه جمالها ثم أقبل حتى وقف بها على موسى فقال انى أظنك ستقول هذه
حرام عليك قال أجل هي حرام عليك لا تقربها قال فوالله لا نطيعك في هذا ثم
308

دخل بها قبته فوقع عليها فأرسل الله الطاعون في بني إسرائيل وكان فنحاص بن
العيزار بن هارون صاحب أمر موسى وكان رجلا قد أعطى بسطة في الخلق وقوة
في البطش وكان غائبا حين صنع زمرى بن شلوم ما صنع فجاء والطاعون يحوس
في بني إسرائيل فأخبر الخبر فأخذ حربته وكانت من حديد كلها ثم دخل عليهما
القبة وهما متضاجعان فانتظمهما بحربته ثم خرج بهما رافعا إلى السماء والحربة
قد أخذها بذراعه واعتمد بمرفقه على خاصرته وأسند الحربة إلى لحيته وكان
بكر العيزار فجعل يقول اللهم هكذا نفعل بمن يعصيك ورفع الطاعون فحسب
من يهلك من بني إسرائيل في الطاعون فيما بين أن أصاب زمرى المرأة إلى أن قتله
فنحاص فوجدوا قد هلك منهم سبعون ألفا والمقلل لهم يقول عشرون ألفا في
ساعة من النهار فمن هنالك تعطى بنو إسرائيل ولد فنحاص بن العيزار بن هارون
من كل ذبيحة ذبحوها القبة والذراع واللحى لاعتماده بالحربة على خاصرته وأخذه
إياها بذراعه وإسناده إياها إلى لحيته والبكر من كل أموالهم وأنفسهم لأنه كان
بكر العيزار ففي بلعم بن باعور أنزل الله تعالى على محمد صلى الله عليه وسلم (واتل
عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها) يعنى بلعم بن باعور (فأتبعه
الشيطان - إلى قوله - لعلهم يتفكرون) يعنى بني إسرائيل إني قد جئتهم بخبرهم
ما كان فيهم مما يخفون عليك لعلهم يتفكرون فيعرفون أنه لم يأت بهذا الخبر
عما مضى فيهم إلا نبي يأتيه خبر من السماء ثم إن موسى قدم يوشع بن نون إلى
أريحا في بني إسرائيل فدخلها بهم وقتل بها الجبابرة الذين كانوا فيها وأصاب من
أصاب منهم وبقيت منهم بقية في اليوم الذي أصابهم فيه وجنح عليهم الليل وخشي
إن لبسهم الليل أن يعجزوه فاستوقف الشمس ودعا الله أن يحبسها ففعل عز وجل
حتى استأصلهم ثم دخلها موسى ببنى إسرائيل فقام فيها ما شاء الله أن يقيم ثم قبضه
الله إليه لا يعلم بقبره أحد من الخلائق * فأما السدى في الخبر الذي ذكرت عنه
إسناده فيما مضى فإنه ذكر في خبره ذلك ان الذي قاتل الجبارين يوشع بن نون بعد
موت موسى وهارون وقص من أمره وأمرهم ما أنا ذاكره وهو أنه ذكر فيه ان
309

الله بعث يوشع نبيا بعد ان انقضت الأربعون سنة فدعا بني إسرائيل فأخبرهم
أنه نبي الله وان الله قد أمره أن يقاتل الجبارين فبايعوه وصدقوه وانطلق رجل
من بني إسرائيل يقال له بلعم وكان عالما يعلم الاسم الأعظم المكتوم فكفر وأتى
الجبارين فقال لا ترهبوا بني إسرائيل فانى إذا خرجتم تقاتلونهم أدعو عليهم دعوة
فيهلكون فكان عندهم فيما شاء من الدنيا غير أنه ان لا يستطيع أن يأتي النساء
من عظمهن فكان ينكح أتانا له وهو الذي يقول الله عز وجل واتل عليهم نبأ
الذي آتيناه آياتنا * أي فبصر فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين إلى
قوله ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث
أو تتركه يلهث فكان بلعم يلهث كما يلهث الكلب فخرج يوشع يقاتل الجبارين في
الناس وخرج بلعم مع الجبارين على أتانه وهو يريد أن يلعن بني إسرائيل فكلما
أراد أن يدعو على بني إسرائيل جاء على الجبارين فقال الجبارون إنك انما تدعو
علينا فيقول انما أردت بني إسرائيل فلما بلغ باب المدينة أخذ ملك بذنب الأتان
فامسكها وجعل يحركها فلا تتحرك فلما أكثر ضربها تكلمت فقالت أنت تنكحني
بالليل وتركبني بالنهار ويلي منك ولو أنى أطقت الخروج لخرجت بك ولكن هذا
الملك يحبسني فقاتلهم يوشع يوم الجمعة قتالا شديدا حتى أمسوا وغربت الشمس
ودخل السبت فدعا الله فقال للشمس انك في طاعة الله وأنا في طاعة الله اللهم
أردد على الشمس فردت عليه الشمس فزيد له في النهار يومئذ ساعة فهزم الجبارين
واقتحموا عليهم يقتلونهم فكانت العصابة من بني إسرائيل يجتمعون على عنق الرجل
يضربونها لا يقطعونها وجمعوا غنائمهم وأمرهم يوشع أن يقربوا الغنيمة فقربوها
فلم تنزل النار تأكلها فقال يوشع يا بني إسرائيل إن لله عز وجل عندكم طلبة هلموا
فبايعوني فبايعه فلصقت يد رجل منهم بيده فقال هلم ما عندك فأتاه برأس ثور من
ذهب مكلل بالياقوت والجوهر كان قد غله فجعله في القربان وجعل الرجل معه
فجاءت النار فأكلت الرجل والقربان * وأما أهل التوراة فإنهم يقولون هلك
هارون وموسى في التيه وإن الله أوحى إلى يوشع بعد موسى وأمره أن يعبر
310

الأردن إلى الأرض التي أعطاها بني إسرائيل ووعدها إياهم وأن يوشع جد في
ذلك ووجه إلى أريحا من تعرف خبرها ثم سار ومعه تابوت الميثاق حتى عبر
الأردن وصار له ولأصحابه فيه طريق فأحاط بمدينة أريحا ستة أشهر فلما كان
السابع نفخ في القرون وضج الشعب ضجة واحدة فسقط سور المدينة فأباحوها
وأحرقوها وما كان فيها ما خلا الذهب الفضة وآنية النحاس والحديد فإنهم
أدخلوه بيت المال ثم إن رجلا من بني إسرائيل غل شيئا فغضب الله عليهم
وانهزموا فجزع يوشع جزعا شديدا فأوحى الله إلى يوشع أن يقرع بين الأسباط
ففعل حتى انتهت القرعة إلى الرجل الذي غل فاستخرج غلوله من بيته فرجمه يوشع
وأحرق كل ما كان له بالنار وسموا الموضع باسم صاحب الغلول وهو عاحر فالموضع
إلى هذا اليوم غور عاحر ثم نهض بهم يوشع إلى ملك عايى وشعبه فارشدهم الله إلى حربه
وأمر يوشع أن يكمن لهم كمينا ففعل وغلب على عايى وصلب ملكها على خشبة وأحرق
المدينة وقتل من أهلها اثنى عشر ألفا من الرجال والنساء واحتال أهل عماق جبعون
ليوشع حتى جعل لهم أمانا فلما ظهر على خديعتهم دعا الله عليهم ان يكونوا حطابين
وسقائين فكانوا كذلك وان يكونون بازق ملك اورشلم يتصدق ثم ارسل ملوك
الأرمانيين وكانوا خمسة بعضهم إلى بعض وجمعوا كلهم على جبعون فاستنجد أهل
جبعون يوشع فأنجدهم وهزموا أولئك الملوك حتى حذروهم إلى هبطة حوران
ورماهم الله بأحجار البرد فكان من قتله البرد أكثر ممن قتله بنو إسرائيل
بالسيف وسأل يوشع الشمس أن تقف والقمر ان يقوم حتى ينتقم من أعدائه
قبل دخول السبت ففعلا ذلك وهرب الخمسة ملوك فاختفوا في غار فأمر يوشع
بسد باب الغار حتى فرغ من الانتقام من أعدائه ثم أمر بهم فأخرجوا فقتلهم
وصلبهم ثم أنزلهم من الخشب وطرحهم في الغار الذي كانوا فيه وتتبع سائر
الملوك بالشام فاستباح منهم أحدا وثلاثين ملكا وفرق الأرض التي غلب عليها
ثم مات يوشع فلما مات دفن في جبل افراييم وقام بعده سبط يهوذا وسبط
شمعون بحرب الكنعانيين فاستباحوا حريمهم وقتلوا منهم عشرة آلاف ببازق
311

وأخذوا ملك بازق فقطعوا إبهامي يديه ورجليه فقال عند ذلك ملك بازق قد
كان يلقط الخبز من تحت مائدتي سبعون ملكا مقطعي الأباهيم فقسد جزاني الله
بصنيعي وأدخلوا ملك بازق أورشلم فمات بها وحارب بنو يهوذا سائر الكنعانيين
واستولوا على أرضهم وكان عمر يوشع مائة سنة وستا وعشرين سنة * وتدبيره
أمر بني إسرائيل منذ توفى موسى إلى أن توفى يوشع بن نون سبعا وعشرين
سنة * وقد قيل إن أول من ملك من ملوك اليمن ملك كان لهم في عهد موسى بن عمران
من حمير يقال له شمير بن الاملول وهو الذي بنى مدينة ظفار باليمن وأخرج من
كان بها من العماليق وأن شمير بن الاملول الحميري هذا ما كان من عمال ملك
الفرس يومئذ على اليمن ونواحيها * وزعم هشام بن محمد الكلبي أن بقية بقيت
من الكنعانيين بعد ما قتل يوشع من قتل منهم وأن افريقيس بن قيس بن صيفي
ابن سبأ بن كعب بن زيد بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان مر
بهم متوجها إل إفريقية فاحتملهم من سواحل الشام حتى أتى بهم إفريقية فافتتحها
وقتل ملكها جرجيرا وأسكنها البقية التي كانت بقيت من الكنعانيين الذين كان
احتملهم معه من سواحل الشام قال فهم البرابرة قال وإنما سموا بربرا لان
افريقيس قال لهم ما أكثر بربرتكم فسموا لذلك بربرا وذكر أن افريقيس قال
في ذلك من أمرهم شعرا وهو قوله
بربرت كنعان لما سقتها * من أراضي الهلك للعيش العجب
قال وأقام من حمير في البربر صنهاجة وكتامة فهم فيهم إلى اليوم
ذكر أمر قارون بن يصهر بن قاهث
وكان قارون ابن عم موسى عليه السلام * حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين
قال حدثني حجاج عن ابن جريج قوله (إن قارون كان من قوم موسى) قال
ابن عمه أخي أبيه قال قارون بن يصهر هكذا قال القاسم بن قاهث وموسى بن
عرمر بن قاهث وعرمر بالعربية عمران هكذا قال القاسم وإنما هو عمرم * وأما
312

ابن إسحاق فإنه قال ما حدثنا بن ابن حميد قال حدثنا سلمة عنه تزوج يصهر بن قاهث
شميث ابنة تباويب بن بركيا بن يقسان بن إبراهيم فولدت له عمران بن يصهر
وقارون بن يصهر فقارون على ما قال ابن إسحاق عم موسى أخو أبيه لأبيه وأمه
وأما أهل العلم من سلف أمتنا ومن أهل الكتابين فعلى ما قال ابن جريج
ذكر من حضرنا ذكره ممن قال ذلك من علمائنا الماضين
* حدثنا أبو كريب قال حدثنا جابر بن نوح قال أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد
عن إبراهيم في قوله " إن قارون كان من قوم موسى " قال كان ابن عم موسى
* حدثنا ابن بشار قال حدثنا عبد الرحمن قال حدثنا سفيان عن سماك بن حرب
عن إبراهيم قال كان قارون ابن عم موسى * حدثنا ابن وكيع قال حدثنا أبي عن
سفيان عن سماك عن إبراهيم أن قارون كان من قوم موسى قال كان ابن عمه فبغى
عليه * حدثنا ابن وكيع قال حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن سماك بن حرب عن
إبراهيم قال كان قارون ابن عم موسى * حدثنا ابن وكيع قال حدثنا أبو معاوية عن
ابن أبي خالد عن إبراهيم قال إن قارون كان من قوم موسى قال كان ابن عمه
* حدثنا بشر بن معاذ قال حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد عن قتادة قوله إن قارون
كان من قوم موسى كنا نحدث أنه كان ابن عمه أخي أبيه وكان يسمى المنور
من حسن صورته في التوراة ولكن عدو الله نافق كما نافق السامري فأهلكه البغى
* حدثني بشر بن هلال الصواف قال حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي عن مالك
ابن دينار قال بلغني أن موسى بن عمران كان ابن عم قارون وكان الله قد آتاه
مالا كثيرا كما وصفه الله عز وجل فقال (وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه
لتنوء بالعصبة أولى القوة) يعنى بقوله تنوء تثقل وذكر أن مفاتيح خزائنه
كانت كالذي حدثنا ابن حميد قال حدثنا جرير عن منصور عن خيثمة في قوله
ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولى القوة قال نجد مكتبا في الإنجيل مفاتيح قارون
وقر ستين بغلا غرا محجلة ما يزيد مفتاح منها على أصبع لكل مفتاح منها كنز
* حدثني أبو كريب قال حدثنا هشام قال أخبرنا إسماعيل بن سالم عن أبي صالح
313

ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة قال كانت مفاتيح خزائنه تحمل على أربعين بغلا
* حدثنا أبو كريب قال حدثنا جابر بن نوح قال أخبرنا الأعمش عن خيثمة قال
كانت مفاتيح قارون تحمل على ستين بغلا كل مفتاح منها لباب كنز معلوم مثل
الإصبع من جلود * حدثنا ابن وكيع قال حدثنا أبي عن الأعمش عن خيثمة
قال كانت مفاتيح قارون من جلود كل مفتاح مثل الإصبع كل مفتاح على
خزانة على حدة فإذا ركب حملت المفاتيح على ستين بغلا أغر محجل فبغى عدو
الله لما أراد الله به من الشقاء والبلاء على قومه بكثرة ماله وقيل إن بغيه عليهم
كان بان زاد عليهم في الثياب شبرا كذلك * حدثني علي بن سعيد الكندي
وأبو السائب وابن وكيع قالوا حدثنا حفص بن غياث عن ليث عن شهر بن حوشب
فوعظه قومه على ما كان من بغيه ونهوه عنه وأمروه بإنفاق ما أعطاه الله في سبيله
والعمل فيه بطاعته كما أخبر الله عز وجل عنهم أنهم قالوا له فقال (إذ قال له
قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة
ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد
في الأرض إن الله لا يحب المفسدين) وعنى بقوله ولا تنس نصيبك من الدنيا
لا تنس في دنياك أن تأخذ نصيبك فيها لأخرتك فكان جوابه إياهم جهلا منه
واغترارا بحلم الله عنه ما ذكر الله تعالى في كتابه أن قال لهم إنما أوتيت ما أوتيت
من هذه الدنيا على علم عندي فقيل معنى ذلك على خير عندي كذلك روى ذلك
عن قتادة وقال غيره عنى بذلك لولا رضاء الله عنى ومعرفته بفضلي ما أعطاني
هذا قال الله عز وجل مكذبا قيله (أو لم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من
القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا) للأموال ولو كان الله إنما يعطى
الأموال والدنيا من يعطيه إياها لرضاه عنه وفضله عنده لم يهلك من أهلك من
أرباب الأموال الكثيرة قبله مع كثرة ما كان أعطاهم منها فلم يردعه عن جهله وبغيه
على قومه بكثرة ماله عظة من وعظه وتذكير من ذكره بالله ونصيحته إياه ولكنه
تمادى في غيه وخسارته حتى خرج على قومه في زينته راكبا برذونا أبيض مسرجا
314

بسرج الأرجوان قد لبس ثيابا معصفرة قد حمل معه من الجواري بمثل هيئته
وزينته على مثل برذونه ثلثمائة جارية وأربعة آلاف من أصحابه وقال بعضهم كان
الذين حملهم على مثل هيئته وزينته من أصحابه سبعين ألفا * حدثنا ابن وكيع قال
حدثنا أبو خالد الأحمر عن عثمان بن الأسود عن مجاهد فخرج على قومه في زينته
قال على براذين بيض عليها سروج الأرجوان وعليهم المعصفرة فتمنى أهل الخسار
من الذين خرج عليهم في زينته مثل الذي أوتيه فقالوا يا ليت لنا مثل ما أوتى قارون
إنه لذو حظ عظيم فأنكر ذلك من قولهم عليهم أهل العلم بالله فقالوا لهم ويلكم
أيها المتمنون مثل ما أوتى قارون اتقوا الله واعملوا بما أمركم الله به وانتهوا عما
نهاكم عنه فإن ثواب الله وجزاءه أهل طاعته خير لمن آمن به وبرسله وعمل بما
أمره به من صالح الأعمال يقول الله ولا يلقاها إلا الصابرون يقول لا يلقى قيل
هذه الكلمة إلا الذين صبروا عن طلب زينة الحياة الدنيا وآثروا جزيل ثواب
الله على صالح الأعمال على لذات الدنيا وشهواتها فعملوا له بما يوجب لهم ذلك *
فلما عتا الخبيث وتمادى في غيه وبطر نعمه ابتلاه الله عز وجل من الفريضة
في ماله والحق الذي ألزمه فيه بما ساق إليه شحه به أليم عقابه وصار به عبرة للغابرين
وعظة للباقين * فحدثنا أبو كريب قال حدثنا جابر بن نوح قال أخبرنا الأعمش
عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث عن ابن عباس قال لما نزلت الزكاة
أتى قارون موسى فصالحه على كل ألف دينار دينارا وعلى كل ألف درهم درهما
وعلى كل ألف شئ شيئا أو قال وكل ألف شاة شاة * قال أبو جعفر الطبري
أنا أشك قال ثم أتى بيته فحسبه فوجده كثيرا فجمع بني إسرائيل فقال يا بني إسرائيل
إن موسى قد أمركم بكل شئ فأطعتموه وهو الآن يريد أن يأخذ أموالكم فقالوا
له أنت كبيرنا وسيدنا فمرنا بما شئت فقال آمركم أن تجيئوا بفلانة البغى فتجعلوا
لها جعلا فتقذفه بنفسها فدعوها فجعلوا لها جعلا على أن تقذفه بنفسها ثم أتى موسى
فقال لموسى إن قومك قد اجتمعوا لتأمرهم وتنهاهم فخرج إليهم وهم في براح من
الأرض فقال يا بني إسرائيل من سرق قطعنا يده ومن افترى جلدناه ثمانين ومن
315

زنا وليس له امرأة جلدناه مائة ومن زنا وله امرأة جلدناه حتى يموت أو رجمناه حتى
يموت قال أبو جعفر أنا أشك فقال له قارون وإن كنت أنت قال وإن كنت أنا
قال وإن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة فقال ادعوها فإن قالت فهو
كما قالت فلما أن جاءت قال لها موسى يا فلانة قالت لبيك قال أنا فعلت بك ما يقول
هؤلاء قالت لا كذبوا ولكن جعلوا إلى جعلا على أن أقذفك بنفسي فوثب فسجد وهو
بينهم فأوحى الله إليه مر الأرض بما شئت قال يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى أقدامهم ثم
قال يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى ركبهم ثم قال يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى أعناقهم
قال فجعلوا يقولون يا موسى يا موسى ويتضرعون إليه قال يا أرض خذيهم فأطبقت
عليهم فأوحى الله إليه يقول لك عبادي يا موسى يا موسى فلا ترحمهم أما لو إياي دعوا
لوجدوني قريبا مجيبا قال فذلك قوله فخرج على قومه في زينته وكانت زينته أنه خرج
على دواب شقر عليها سروج أرجوان عليهم ثياب مصبغة بالبهرمان قال الذين
يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتى قارون إلى قوله لا يفلح الكافرون
يا محمد تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة
للمتقين * حدثنا أبو كريب قال حدثنا يحيى بن عيسى عن الأعمش عن المنهال عن
رجل عن ابن عباس بنحوه وزادني فيه قال فأصاب بني إسرائيل بعد ذلك شدة
وجوع شديد فأتوا موسى فقالوا ادع لنا ربك قال فدعا لهم فأوحى الله إليه يا موسى
أتكلمني في قوم قد أظلم ما بيني وبينهم من خطاياهم وقد دعوك فلم تجبهم أما لو إياي
دعا لأجبتهم * حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال حدثنا علي بن هاشم بن البريد
عن الأعمش عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله إن قارون
كان من قوم موسى قال كان ابن عمه وكان موسى يقضى في ناحية بني إسرائيل
وقارون في ناحية قال فدعا بغية كانت في بني إسرائيل فجعل لها جعلا عن أن
ترمى موسى بنفسها فتركه حتى إذا كان يوم يجتمع فيه بنو إسرائيل إلى موسى أتاه
قارون فقال يا موسى ما حد من سرق قال أن تقطع يده قال فإن كنت أنت قال نعم قال
فما حد من زنا قال أن يرجم قال وإن كنت أنت قال نعم قال فإنك قد فعلت قال ويلك بمن
316

قال بفلانة فدعاها موسى فقال أنشدك بالذي أنزل التوراة أصدق قارون قالت اللهم
إذ نشدتني فانى أشهد أنك برئ وانك رسول الله وأن عدو الله قارون جعل لي جعلا
على أن أرميك بنفسي قال فوثب موسى فخر ساجدا فأوحى الله إليه أن ارفع رأسك
فقد أمرت الأرض أن تطيعك فقال موسى خذيهم فأخذتهم حنى بلغوا الحقو قال
يا موسى قال خذيهم فأخذتهم حتى بلغوا الصدور قال يا موسى قال خذيهم قال
فذهبوا قال فأوحى الله إليه يا موسى استغاث بك فلم تغثه أما لو استغاث بي لأجبته
ولأغثته * حدثنا بشر بن هلال الصواف قال حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي
قال حدثنا علي بن زيد بن جدعان قال خرج عبد الله بن الحارث من الدار ودخل
المقصورة فلما خرج منها جلس وتساند عليها وجلسنا إليه فذكر سليمان بن داود
وقال يا أيها الملا أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين إلى قوله إن ربى غنى
كريم قال ثم سكت عن حديث سليمان فقال إن قارون كان من قوم موسى فبغى
عليهم وكان قد أوتى من الكنوز ما ذكره الله في كتابه ما ان مفاتحه لتنوء بالعصبة
أولى القوة فقال إنما أوتيته على علم عندي قال وعاد موسى وكان مؤذيا له فكان
موسى يصفح عنه ويعفو للقرابة حتى بنى دارا وجعل باب داره من ذهب وضرب
على جدر داره صفائح الذهب وكان الملا من بني إسرائيل يغدون عليه ويروحون
فيطعمهم الطعام ويحدثونه ويضحكونه فلم يدعه شقوته والبلاء حتى أرسل إلى
امرأة من بني إسرائيل مشهورة بالخنا مشهورة بالسب فجاءت فقال لها هل لك أن
أمولك وأعطيك وأخلطك بنسائي على أن تأتيني والملا من بني إسرائيل عندي
فتقولي يا قارون ألا تنهى عنى موسى قالت بلى فلما جلس قارون وجاءه الملا من
بني إسرائيل أرسل إليها فجاءت فقامت بين يديه فقلب الله قلبها وأحدث لها توبة
فقالت في نفسها لا أجد اليوم توبة أفضل من أن لا أوذى رسول الله وأعذب
عدو الله فقالت إن قارون قال لي هل لك أن أمولك وأعطيك أخلطك بنسائي
على أن تأتيني والملا من بني إسرائيل عندي فتقولي يا قارون ألا تنهى عنى موسى
فلم أجد توبة أفضل من أن لا أوذى رسول الله وأعذب عدو الله فلما تكلمت
317

بهذا الكلام سقط في يدي قارون ونكس رأسه وسكت عن الملا وعرف أنه
قد وقع في هلكة فشاع كلامها في الناس حتى بلغ موسى فلما بلغ موسى اشتد
غضبه فتوضأ من الماء وصلى وبكى وقال يا رب عدوك لي مؤذ أراد فضيحتي
وشينى يا رب سلطني عليه فأوحى الله إليه أن مر الأرض بما شئت تطعك فجاء
موسى إلى قارون فلما دخل عليه عرف الشر في وجه موسى له فقال له يا موسى
ارحمني قال يا أرض خذيهم قال فاضطربت داره وساخت بقارون وأصحابه إلى
الكعبين وجعل يقول يا موسى ارحمني قال يا أرض خذيهم فاضطربت داره
وساخت وخسف بقارون وأصحابه إلى ركبهم وهو يتضرع إلى موسى يا موسى
ارحمني قال يا أرض خذيهم فاضطربت داره وساخت وخسف بقارون وأصحابه
إلى سررهم وهو يتضرع إلى موسى يا موسى ارحمني قال يا أرض خذيهم فخسف
به وبداره وأصحابه قال وقيل لموسى يا موسى ما أفظك أما وعزتي لو إياي نادى لأجبته
* حدثنا بشر بن هلال قال حدثنا جعفر بن سليمان عن أبي عمران الجوني قال بلغني
انه قيل لموسى لا أعيد الأرض لاحد بعدك أبدا * حدثنا بشر قال حدثنا يزيد
قال حدثنا سعيد عن قتادة فخسفنا به وبداره الأرض ذكر لنا أنه يخسف به كل
يوم قامة وأنه يتجلجل فيها لا يبلغ قعرها إلى يوم القيامة فلما نزلت نقمة الله بقارون
حمد الله على ما أنعم به عليهم المؤمنون الذين وعظوه وأنذروه بأمر الله ونصحوا
له من المعرفة بحقه والعمل بطاعته وندم الذين كانوا يتمنون ما هو فيه من كثرة
المال والسعة في العيش على أمنيتهم وعرفوا خطأ أنفسهم في أمنيتها فقالوا ما أخبر
الله عز وجل عنهم في كتابه (ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده
ويقدر لولا أن من الله علينا) * فصرف عنا ما ابتلى به قارون وأصحابه مما كنا
نتمناه بالأمس لخسف بنا كما خسف به وبهم فنجى الله تعالى من كل هول وبلاء نبيه
موسى والمؤمنين به المتمسكين بعهده من بني إسرائيل وفتاه يوشع بن نون المتبعين
له بطاعتهم ربهم وأهلك أعداءه وأعداءهم فرعون هامان وقارون والكنعانيين
يكفرهم وتمردهم عليه وعتوهم بالغرق بعضا وبالخسف بعضا وبالسيف بعضا وجعلهم
318

عبرا لمن اعتبر بهم وعظة لمن اتعظ بهم مع كثرة أموالهم وكثرة عدد جنودهم وشدة
بطشهم وعظم خلقهم وأجسامهم فلم تغن أموالهم ولا أجسامهم ولا قواهم ولا
جنودهم وأنصارهم عنهم من الله شيئا إذ كانوا يجحدن بآيات الله ويسعون في
الأرض فسادا ويتخذون عباد الله لأنفسهم خولا وحاق بهم ما كانوا منه آمنين
نعوذ بالله من عمل يقرب من سخطه ونرغب إليه في التوفيق لما يدنى من محبته ويزلف
إلى رحمته * وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ما حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن
وهب قال حدثنا عمى قال حدثني الماضي بن محمد عن أبي سليمان عن القاسم بن محمد
عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أول
أنبياء بني إسرائيل موسى وآخرهم عيسى قال قلت يا رسول الله ما كان في صحف
موسى قال كانت عبرا كلها عجبت لمن أيقن بالنار ثم يضحك عجبت لمن أيقن بالموت
ثم يفرح عجبت لمن أيقن بالحساب غدا ثم لم يعمل * وكان تدبير يوشع أمر بني إسرائيل
من لدن مات موسى إلى أن توفى يوشع كله في زمان منوشهر عشرين سنة
وفى زمان افراسيات سبع سنين (ونرجع الآن) إلى ذكر القائم بالملك ببابل
من الفرس بعد منوشهر
ذكر القائم بالملك ببابل من الفرس بعد منوشهر
إذ كان التاريخ إنما تدرك صحته على سياق مدة أعمار ملوكهم ولما هلك
منوشهر الملك ابن منشخورنر بن منشخو أربغ قهر فراسيات بن فشنج بن رستم بن ترك
على خنيارث ومملكة أهل فارس وصار فيما قيل إلى أرض بابل فكان يكثر
المقام ببابل وبمهرجان قذق فأكثر الفساد في مملكة أهل فارس وقيل إنه قال
حين غلب على مملكتهم نحن مسرعون في إهلاك البرية وأنه عظم جوره وظلمه
وخرب ما كان عامرا من بلاد خنارث ودفن الأنهار والقنى وقحط الناس في سنة
خمس من ملكه إلى أن خرج عن مملكة أهل فارس ورد إلى بلاد الترك فغارت
المياه في تلك السنين وحالت الأشجار المثمرة ولم يزل الناس منه في أعظم البلية إلى
319

أن ظهر زو بن طهماسب وقد يلفظ باسم زو بغير ذلك فيقول بعضهم * زاب بن
طهماسفان ويقول بعضهم زاغ ويقول بعضهم راسب بن طهماسب بن كانجو بن
زاب بن أرفس بن هراسف بن وندنج بن أرنج بن بوذجوش بن ميسو بن نوذر بن
منوشهر وأم زو ما دول ابنة وامن بن واذرجا بن قود بن سلم بن أفريذون وقيل إن
منوشهر كان وجد في أيام ملكه على طهماسب بسبب جناية جناها وهو مقيم
في حدود الترك لحرب فراسيات فأراد منوشهر قتله بسبب ذلك فكلمه في الصفح
عنه عظماء أهل مملكته وكان من عدل منوشهر فيما ذكر أنه قد كان يسوى بين
الشريف والوضيع والقريب والبعيد في العقوبة إذا استوجبها بعض رعيته على
ذنب أتاه فأبى إجابتهم إلى ما سألوه من ذلك وقال لهم هذا في الدين وهن
ولكنكم إذ أبيتم على فإنه لا يسكن في شئ من مملكتي ولا يقيم به فنفاه عن
مملكته فشخص إلى بلاد الترك فوقع إلى ناحية وامن فاحتال لابنته وهى محبوسة
في قصر من أجل أن المنجمين كانوا ذكروا لو امن أبيها أنها تلد ولدا يقتله حتى
أخرجها من القصر الذي كانت محبوسة فيه بعد أن حملت منه بن وثم إن منوشهر
أذن لطهماسب بعد أن انقضت أيام عقوبته في العود إلى خنارث مملكة فارس
فأخرج ما دول ابنة وامن بالحيلة منها ومنه في إخراجها من قصرها من بلاد الترك
إلى مملكة أهل فارس فولدت له زوا بعد العود إلى بلاد إيرانكرد ثم إن زوا فيما
ذكر قتل جده وأمن في بعض مغازيه الترك وطرد فراسيات عن مملكة أهل
فارس حتى رده إلى الترك بعد حروب جرت بينه وبينه وقتال فكانت غلبة فراسيات
أهل فارس على أقليم بابل اثنتي عشرة سنة من لدن توفى منوشهر إلى أن طرده
عنه وأخرجه زو بن ظهماسب إلى تركستان وذكر أن طرد زوفراسيات عما كان
عليه من مملكة أهل فارس كان في روز آبان من شهر آبانماه فاتخذ العجم هذا اليوم
عيدا لما رفع عنهم فيه من شر فراسيات وعسفه وجعلوه الثالث من أعيادهم النوروز
والمهرجان وكان زو محمودا في ملكه محسنا إلى رعيته فأمر بإصلاح ما كان
فراسيات أفسد من بلاد خنارث ومملكة بابل وبناء ما كان هدم من حصون
320

ذلك ونثل ما كان طم وغور من الأنهار والقنى وكرى ما كان اندفن من المياه
حتى أعاد كل ذلك فيما ذكر إلى أحسن ما كان ووضع عن الناس الخراج سبع
سنين فرفعه عنهم فعمرت بلاد فارس في ملكه وكثرت المياه فيها ودرت معايش
أهلها واستخرج بالسواد نهرا وسماه الزاب وأمر فبنيت على حافتيه مدينة وهى
التي تسمى المدينة العتيقة وكورها كورة وسماها الزوابى وجعل لها ثلاثة طساسيج
منها طسوج الزاب الاعلى ومنها طسوج الزاب الأوسط ومنها طسوج الراب
الأسفل وأمر بحمل بزور الرياحين من الجبال إليها وأصول الأشجار وبذر ما يبذر
من ذلك وغرس ما يغرس منه وكان أول من اتخذ له ألوان الطبيخ وأمر بها وبأصناف
الأطعمة وأعطى جنوده مما غنم من الخيل والركاب مما أوجف عليه من أموال
الترك وغيرهم وقال يوم ملك وعقد التاج على رأسه نحن متقدمون في عمارة
ما أخر به الساحر فراسيات وكان له كرشاسب بن أثرط بن سهم بن نريمان بن
طورك بن شيراسب بن اروشسب بن طوج بن افريذون الملك وقد نسبه بعض
نسابي الفرس غير هذا النسب فيقول هو كرشاسف بن أساس بن طهموس بن
أشك بن نرس بن رحر بن دورسرو بن منوشهر الملك موازرا له على ملكه ويقول
بعضهم كان زوو كرشاسب مشتركين في الملك والمعروف من أمرهما أن الملك
كان لزو بن طهماسب وأن كرشاسب كان له موازرا ومعينا وكان كرشاسب عظيم
الشأن في أهل فارس غير أنه لم يملك فكان جميع ملك زو إلى أن انقضى ومات
فيما قيل ثلاث سنين * ثم ملك بعد زو كيقباذ وهو كيقباذ بن زاغ بن نوحياه بن ميسو
ابن نوذر بن منوشهر وكان متزوجا بقرتك ابنة تدرسيا التركي وكان تدرسيا
من رؤس الأتراك وعظمائهم فولدت له كي افنه وكى كاوس وكى أرش وكيبه
أرش وكيفا شين وكيبيه وهؤلاء هم الملوك الجبابرة وآباء الملوك الجبابرة وقيل إن
كيقباذ قال يوم ملك وعقد التاج على رأسه نحن مدوخون بلاد الترك ومجتهدون
في إصلاح بلادنا حدبون عليها وأنه قد رمياه الأنهار والعيون لشرب الأرضين
وسمى البلاد بأسمائها حدها بحدودها وكور الكور وبين حين كل وكورة منها
321

وحريمها وأمر الناس باتخاذ الأرض وأخذ العشر من غلاتها لارزاق الجند وكان
فيما ذكر كيقباذ يشبه في حرصه على العمارة ومنعه البلاد من العدو وتكبره
في نفسه بفرعون وقيل إن الملوك الكيبية وأولادهم من نسله وجرت بينه وبين
الترك وغيرهم حروب كثيرة وكان مقيما في حد ما بين مملكة الفرس والترك
بالقرب من نهر بلخ لمنع الترك من تطرق شئ من حدود فارس وكان ملكه مائة
سنة والله أعلم * ونرجع الان إلى
ذكر أمر بني إسرائيل
والقوام كانوا بأمورهم بعد يوشع بن نون والاحداث التي كانت في عهد زوو كيقباذ
ولا خلاف بين أهل العلم بأخبار الماضين وأمور الأمم السالفين من أمتنا وغيرهم
أن القيم بأمور بني إسرائيل بعد يوشع كان كالب بن يوفنا ثم حزقيل بن بوذى
من بعده وهو الذي يقال له ابن العجوز * فحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق
قال انما سمى حزقيل بن بوذى بن العجوز أنها سألت الله الولد وقد كبرت
وعقمت فوهبه الله لها فبذلك قيل له ابن العجوز وهو الذي دعا للقوم الذين ذكر
الله في الكتاب لمحمد صلى الله عليه وسلم كما بلغنا (ألم تر إلى الذين خرجوا من
ديارهم وهم ألوف حذر الموت) * حدثني محمد بن سهل بن عسكر قال حدثنا
إسماعيل بن عبد الكريم قال حدثني عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهب بن منبه
يقول أصاب ناسا من بني إسرائيل بلاء وشدة من الزمان فشكوا ما أصابهم
فقالوا يا ليتنا قدمتنا فاسترحنا مما نحن فيه فأوحى الله إلى حزقيل إن قومك
صاحوا من البلاء وزعموا أنهم ودوا لو ماتوا فاستراحوا وأي راحة لهم في
الموت أيظنون أنى لا أقدر على أن أبعثهم بعد الموت فانطلق إلى جبانة كذا وكذا
فإن فيها أربعة آلاف * قال وهب وهم الذين قال الله تعالى (ألم تر إلى الذين خرجوا
من ديارهم وهم ألوف حذر الموت) فقم فيهم فنادهم وكانت عظامهم قد تفرقت
فرقتها الطير والسباع فناداها حزقيل فقال يا أيتها العظام النخرة إن الله عز وجل
يأمرك أن تجتمعي فاجتمع عظام كل إنسان منهم معا ثم نادى ثانية حزقيل فقال
322

أيتها العظام إن الله يأمرك أن تكتسي اللحم فاكتست اللحم وبعد اللحم جلدا فكانت
أجسادا ثم نادى حزقيل الثالثة فقال أيتها الأرواح إن الله يأمرك أن تعودي في
أجسادك فقاموا بإذن الله وكبروا تكبيرة واحدة * حدثني موسى بن هارون
قال حدثنا عمرو بن حماد قال حدثنا أسباط عن السدى في خبر ذكره عن أبي مالك
وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن ناس من
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف
حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم كانت قرية يقال لها داوردان قبل واسط
فوقع بها الطاعون فهرب عامة أهلها فنزلوا ناحية منها فهلك أكثر من بقى في القرية
وسلم الآخرون فلم يمت منهم كثير فلما ارتفع الطاعون رجعوا سالمين فقال الذين
بقوا أصحابنا هؤلاء كانوا أحزم منا لو صنعنا كما صنعوا بقينا ولئن وقع الطاعون
ثانية لنخرجن معهم فوقع في قابل فهربوا وهم بضعة وثلاثون ألفا حتى نزلوا ذلك
المكان وهو واد أفيح فناداهم ملك من أسفل الوادي وآخر من أعلاه أن موتوا
فماتوا حتى هلكوا وبليت أجسادهم فمر بهم نبي يقال له حزقيل فلما رآهم وقف
عليهم فجعل يتفكر فيهم ويلوى شدقه وأصابعه فأوحى الله إليه يا حزقيل تريد أن
أريك كيف أحييهم قال نعم وإنما كان تفكره انه تعجب من قدرة الله عليهم
فقال نعم فقيل له ناد فنادى يا أيتها العظام إن الله يأمرك أن تجتمعي فجعلت العظام
يطير بعضها إلى بعض حتى كانت أجسادا من عظام ثم أوحى الله أن ناد يا أيتها
العظام إن الله يأمرك أن تكتسي لحما فاكتست لحما ودما وثيابها التي ماتت فيها وهى
عليها ثم قيل له ناد فنادى يا أيتها الأجساد إن الله يأمرك أن تقومي فقاموا
* حدثني موسى قال حدثنا عمرو قال حدثنا أسباط قال فزعم منصور بن المعتمر
عن مجاهد انهم قالوا حين أحيوا سبحانك ربنا وبحمدك لا إله إلا أنت فرجعوا
إلى قومهم أحياء يعرفون انهم كانوا موتى سحنة الموت على وجوههم لا يلبسون
ثوبا إلا عاد دسما مثل الكفن حتى ماتوا لآجالهم التي كتبت لهم * حدثنا ابن حميد
قال حدثنا حكام عن عنبسة عن أشعث عن سالم النصري قال بينما عمر بن الخطاب
323

يصلى ويهوديان خلفه وكان عمر إذا أراد أن يركع خوى فقال أحدهما لصاحبه
أهو هو قال فلما انفتل عمر قال أرأيت قول أحدكما لصاحبه أهو هو فقالا انا
نجد في كتابنا قرنا من حديد يعطى ما أعطى حزقيل الذي أحيا الموتى بإذن الله
فقال عمر ما نجد في كتابنا حزقيل ولا أحيا الموتى بإذن الله إلا عيسى ابن مريم
فقالا أما تجد في كتاب الله (ورسلا لم نقصصهم عليك) فقال عمر بلى قالا وأما
إحياء الموتى فسنحدثك إن بني إسرائيل وقع فيهم الوباء فخرج منهم قوم حتى إذا
كانوا على رأس ميل أماتهم الله فبنوا عليهم حائطا حتى إذا بليت عظامهم بعث
الله حزقيل فقام عليهم فقال ما شاء الله فبعثهم الله له فأنزل الله في ذلك " ألم تر إلى
الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت " الآية * حدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة قال حدثنا محمد بن إسحاق عن وهب بن منبه أن كالب بن يوفنا لما قبضه الله
بعد يوشع خلف فيهم يعنى في بني إسرائيل حزقيل بن بوذى وهو ابن العجوز وهو
الذي دعا للقوم الذين ذكر الله في الكتاب لمحمد صلى الله عليه وسلم كما بلغنا ألم
تر إلى الذين خرجوا من ديارهم الآية * قال ابن حميد قال سلمة قال ابن إسحاق
فبلغني انه كان من حديثهم انهم خرجوا فرارا من بعض الأوباء من الطاعون
أو من سقم كان يصيب الناس حذرا من الموت وهم ألوف حتى إذا نزلوا بصعيد
من البلاد قال الله لهم موتوا فماتوا جميعا فعمد أهل تلك البلاد فحظروا عليهم حظيرة
دون السباع ثم تركوهم فيها وذلك انهم كثروا عن أن يغيبوا فمرت بهم الأزمان والدهور
حتى صاروا عظاما نخرة فمر بهم حزقيل بن بوذى فوقف عليهم فتعجب لأمرهم ودخلته
رحمة لهم فقيل له أتحب أن يحييهم الله فقال نعم فقيل له فقل أيتها العظام الرميم التي قد رمت
وبليت ليرجع كل عظم إلى صاحبه فناداهم بذلك فنظر إلى العظام تتواثب يأخذ
بعضها بعضا ثم قيل له قل أيها اللحم والعصب والجلد اكس العظام بإذن ربك قال
فنظر إليها والعصب يأخذ العظام ثم اللحم والجلد والاشعار حتى استووا خلقا
ليست فيهم الأرواح ثم دعا لهم بالحياة فتغشاه من السماء شئ كربه حتى غشى
عليه منه ثم أفاق والقوم جلوس يقولون سبحان الله فقد أحياهم الله فلم يذكر لنا
324

مدة مكث حزقيل في بني إسرائيل ولما قبض الله حزقيل كثرت الاحداث فيما ذكر في
بني إسرائيل وتركوا عهد الذي عهد إليهم في التوراة وعبد وا الأوثان فبعث الله
إليهم فيما قيل
إلياس
ابن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران * فحدثنا ابن حميد قال
حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق ثم إن الله عز وجل قبض حزقيل وعظمت
في بني إسرائيل الاحداث ونسوا ما كان من عهد الله إليهم حتى نصبوا الأوثان
وعبد وها من دون الله فبعث الله إليهم إلياس بن ياسين بن فنحاص بن العيزار
ابن هارون بن عمران نبيا وإنما كانت الأنبياء من بني إسرائيل بعد موسى يبعثون
إليهم بتجديد ما نسوا من التوراة فكان إلياس مع ملك من ملوك بني إسرائيل
يقال له أحاب وكان اسم امرأته أزبل وكان يسمع منه ويصدقه وكان إلياس يقيم
له أمره وكان سائر بني إسرائيل قد اتخذوا صنما يعبدونه من دون الله يقال له
بعل قال ابن إسحاق وقد سمعت بعض أهل العلم يقول ما كان بعل إلا امرأة
يعبدونها من دون الله يقول الله لمحمد صلى الله عليه وسلم (وإن إلياس لمن
المرسلين إذ قال لقومه ألا تتقون - إلى - ورب آبائكم الأولين) فجعل
الياس يدعوهم إلى الله عز وجل وجعلوا لا يسمعون منه شيئا إلا ما كان من ذلك
الملك والملوك متفرقة بالشام كل ملك له ناحية منها يأكلها فقال ذلك الملك الذي
كان الياس معه يقوم له بأمره ويراه على هدى من بين أصحابه يوما يا الياس والله
ما أرى ما تدعو إليه الا باطلا والله ما أرى فلانا وفلانا يعد ملوكا من ملوك
بني إسرائيل قد عبد وا الاثان من دون الله إلا على مثل ما نحن عليه يأكلون
ويشربون ويتنعمون مملكين ما ينقص دنياهم أمرهم الذي تزعم أنه باطل وما نرى
لنا عليهم من فضل فيزعمون والله أعلم أن الياس استرجع وقام شعر رأسه وجلده
ثم رفضه وخرج عنه ففعل ذلك الملك فعل أصحابه عبد الأوثان وصنع ما يصنعون
325

فقال الياس اللهم ان بني إسرائيل قد أبو ا إلا الكفر بك والعبادة لغيرك فغير
ما بهم من نعمتك أو كما قال * فحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد
ابن إسحاق قال ذكر لي أنه أوحى إليه انا قد جعلنا أمر أرزاقهم بيدك واليك
حتى تكون أنت الذي تأمر في ذلك فقال الياس اللهم فامسك عنهم المطر فحبس
عنهم ثلاث سنين حتى هلكت الماشية والدواب والهوام والشجر وجهد الناس
جهدا شديدا وكان الياس فيما يذكرون حين دعا بذلك على بني إسرائيل قد
استخفى شفقا على نفسه منهم وكان حيث ما كان وضع له رزق فكانوا إذا
وجدوا ريح الخبز في دار أو بيت قالوا لقد دخل الياس هذا المكان فطلبوه ولقى
أهل ذلك المنزل منهم شرا ثم إنه أوى ليلة إلى امرأة من بني إسرائيل لها ابن
يقال له اليسع بن أخطوب به ضر فآوته وأخفت أمره فدعا الياس لأنها فعوفي
من الضر الذي كان به واتبع اليسع الياس فآمن به وصدقه ولزمه فكان يذهب معه
حيثما ذهب وكان الياس قد أسن وكبر وكان اليسع غلاما شابا فيزعمون والله
أعلم أن الله أوحى إلى الياس انك قد أهلكت كثيرا من الخلق ممن لم يعص سوى
بني إسرائيل ممن لم أكن أريد هلاكه بخطايا بني إسرائيل من البهائم والدواب
والطير والهوام والشجر بحبس المطر عن بني إسرائيل فيزعمون والله أعلم أن
الياس قال أي رب دعني أكن انا الذي ادعو لهم به واكن انا الذي آتيهم بالفرج
مما هم فيه من البلاء الذي أصابهم لعلهم ان يرجعوا وينزعوا عماهم عليه من عبادة
غيرك قيل له نعم فجاء الياس إلى بني إسرائيل فقال لهم انكم قد هلكتم جهدا
وهلكت البهائم والدواب والطير والهوام والشجر بخطاياكم وانكم على باطل
وغرور أو كما قال لهم فإن كنتم تحبون ان تعلموا ذلك وتعلموا ان الله عليكم
ساخط فيما أنتم عليه وان الذي أدعوكم إليه الحق فاخرجوا بأصنامكم هذه التي
تعبدون وتزعمون أنها خير مما أدعوكم إليه فان استجابت لكم فذلك كما تقولون
وان هي لم تفعل علمتم انكم على باطل فنزعتم فدعوت الله ففرج عنكم ما أنتم فيه
من البلاء قالوا أنصفت فخرجوا بأوثانهم وما يتقربون به لي الله من احداثهم
326

التي لا يرضى فدعوها فلم يستجب لهم ولم يفرج عنهم ما كانوا فيه من البلاء حتى
عرفوا ما هم عليه من الضلالة والباطل ثم قالوا لإلياس يا الياس إنا قد هلكنا
فادع الله لنا فدعا لهم الياس بالفرج مما هم فيه وان يسقوا فخرجت سحابة مثل الترس
بإذن الله على ظهر البحر وهم ينظرون ثم ترامى إليه السحاب ثم أدجنت ثم ارسل
الله المطر فأغاثهم فحييت بلادهم وفرج عنم ما كانوا فيه من البلاء فلم ينزعوا ولم
يرجعوا وأقاموا على أخبث ما كانوا عليه فلما رأى ذلك الياس من كفرهم دعا ربه أن
يقبضه إليه فيريحه منهم فقل له فيما يزعمون انظر يوم كذا وكذا فاخرج فيه إلى بلد
كذا وكذا فما جاءك من شئ فاركبه ولا تهبه فخرج الياس وخرج معه اليسع بن أخطوب
حتى إذا كان بالبلد الذي ذكر له في المكان الذي أمر به أقبل فرس من نار حتى
وقف بين يديه فوثب عليه فانطلق به فناداه اليسع يا الياس يا الياس ما تأمرني فكان
آخر عهدهم به فكساه الله الريش وألبسه النور وقطع عنه لذة المطعم والمشرب وطار
في الملائكة فكان انسيا ملكيا أرضيا سمائيا * ثم قام بعد الياس بأمر بني إسرائيل فيما
حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال كما ذكر لي عن وهب بن منبه
قال ثم نبئ فيهم يعنى في بني إسرائيل بعده يعنى الياس اليسع فكان فيهم ما شاء
الله أن يكون ثم قبضه الله إليه وخلفت فيهم الخلوف وعظمت فيهم الخطايا
وعندهم التابوت يتوارثونه كابرا عن كابر فيه السكينة وبقية مما ترك آل موسى وآل
هارون فكانوا لا يلقاهم عدو فيقدمون التابوت ويزحفون به معهم إلا هزم
الله ذلك العدو والسكينة فيما ذكر ابن إسحاق عن وهب بن منبه عن بعض
أهل العلم من بني إسرائيل رأس هرة ميتة فإذا صرخت في التابوت بصراخ
هر أيقنوا بالنصر وجاءهم الفتح ثم خلف فيهم ملك يقال له إيلاف وكان الله
قد بارك لهم في جبلهم من إيليا لا يدخله عليهم عدو ولا يحتاجون معه إلى غيره فكان
أحدهم فيما يذكرون يجمع التراب على الصخرة ثم ينبذ فيه الحب فيخرج الله له
ما يأكل سنة هو وعياله ويكون لأحدهم الزيتونة فيعتصر منها ما يأكل هو وعياله
سنة فلما عظمت احداثهم وتركوا عهد الله إليهم نزل بهم عدو فخرجوا إليه
327

وأخرجوا التابوت كما كانوا يخرجونه ثم زحفوا به فقوتلوا حتى استلب من
أيديهم فأتى ملكهم إيلاف فأخبر أن التابوت قد أخذوا استلب فمالت عنقه فمات
كمدا عليه فمرج أمرهم بينهم واختلف ووطئهم عدوهم حتى أصيب من أبنائهم ونسائهم
فمكثوا على اضطراب من أمرهم واختلاف من أحوالهم يتمادون أحيانا في
غيهم وضلالهم فسلط الله عليهم من ينتقم به منهم * ويراجعون التوبة أحيانا
فيكفيهم الله شر من بغاهم سوءا حتى بعث الله فيهم طالوت ملكا ورد عليهم
تابوت الميثاق وكانت مدة ما بين وفاة يوشع بن نون التي كان أمر بني إسرائيل في
بعضها إلى القضاة منهم والساسة وفى بعضا إلى غيرهم ممن يقهرهم فيتملك عليهم
من غيرهم إلى أن ثبت الملك فيهم ورجعت النبوة إليهم بشمويل بن بالى أربعمائة
سنة وستين سنة فكان أول من سلط عليهم فيما قيل رجل من نسل لوط يقال
له كوشان فقهرهم وأذلهم ثماني سنين ثم تنقذهم من يده أخ لكالب الأصغر
يقال له عتنيل بن قيس فقام بأمرهم فيما قيل أربعين سنة ثم سلط عليهم ملك يقال
له عجلون فملكهم ثماني عشرة سنة ثم تنقذهم منه فيما قيل رجل من سبط بنيامين
يقال له اهود بن جيرا الأشل اليمنى فقام بأمرهم ثمانين سنة ثم سلط عليهم ملك
من الكنعانيين يقال له يافين فملكهم عشرين سنة ثم تنقذهم فيما قيل امرأة نبية
من أنبيائهم يقال لها دبورا فدبر أمرهم فيما قيل رجل من قبلها يقال له باراق
أربعين سنة ثم سلط عليهم قوم من نسل لوط كانت منازلهم في تخوم الحجاز
فملكوهم سبع سنين ثم تنقذهم منهم رجل من ولد نفثالى بن يعقوب يقال له
جد عون بن يواش فدبر أمرهم أربعين سنة ثم دبر أمرهم من بعد جد عون
ابنه أبي ملك بن جد عون ثلاث سنين ثم دبرهم من بعد أبي ملك تولغ بن فوا بن
خال أبي ملك وقيل إنه ابن عمه ثلاثا وعشرين سنة ثم دبر أمرهم بعد تولغ رجل
من بني إسرائيل يقال له يائير اثنتين وعشرين سنة ثم ملكهم بنو عمون وهم
قوم من أهل فلسطين ثماني عشرة سنة ثم قام بأمرهم رجل منهم يقال له يفتح
ست سنين ثم دبرهم من بعده بجشون وهو رجل من بني إسرائيل سبع سنين ثم
328

دبرهم بعده ألون عشر سنين ثم بعده كيرون ويسميه بعضهم عكرون ثماني سنين
ثم قهرهم أهل فلسطين وملوكهم أربعين سنة * ثم وليهم شمسون وهو من بني إسرائيل
عشرين سنة ثم بقوا بغير رئيس ولا مدبر لأمرهم بعد شمسون فيما قيل
عشر سنين ثم دبر أمرهم بعد ذلك عالي الكاهن وفى أيامه غلب أهل غزة
وعسقلان على تابوت الميثاق فلما مضى من وقت قيامه بأمرهم أربعين سنة بعث
شمويل نبيا فدبر شمويل أمرهم فيما ذكر عشر سنين ثم سألوا شمويل حين نالهم
بالذل والهوان بمعصيتهم ربهم أعداؤهم أن يبعث لهم ملكا يجاهدون معه في
سبيل الله فقال لهم شمويل ما قد قص الله في كتابه العزيز
ذكر خبر شمويل بن بالى بن علقمة بن يرخام بن اليهو
ابن تهو بن صوف وطالوت وجالوت
كان من خبر شمويل بن بالى أن بني إسرائيل لما طال عليهم البلاء وأذلتهم
الملوك من غيرهم ووطئت بلادهم وقتلوا رجالهم وسبوا ذراريهم وغلبوهم على
التابوت الذي فيه السكينة وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون وبه كانوا
ينصرون إذا لقوا العدو رغبوا إلى الله عز وجل في أن يبعث لهم نبيا يقيم أمرهم
فحدثني موسى بن هارون الهمداني قال حدثنا عمرو بن حماد قال حدثنا أسباط
عن السدى في خبر ذكره عن أبي مالك وأبى صالح عن ابن عباس عن مرة
عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت بنو
إسرائيل يقاتلون العمالقة وكان ملك العمالقة جالوت وأنهم ظهروا على بني إسرائيل
فضربوا عليهم الجزية وأخذوا توراتهم فكانت بنو إسرائيل يسئلون الله أن
يبعث لهم نبيا يقاتلون معه وكان سبط النبوة قد هلكوا فلم يبق منهم إلا امرأة
حبلى فأخذوها فحبسوها في بيت رهبة أن تلد جارية فتبدله بغلام لما ترى من
رغبة بني إسرائيل في ولدها فجعلت المرأة تدعو الله أن يرزقها غلاما فولدت
غلاما فسمته شمعون تقول الله سمع دعائي فكبر الغلام فأسلمته يتعلم التوراة
في بيت المقدس وكفله شيخ من علمائهم وتبناه فلما بلغ الغلام أن يبعثه الله نبيا
329

أتاه جبرائيل والغلام نائم إلى جنب الشيخ وكان لا يأتمن عليه أحدا غيره
فدعا بلحن الشيخ يا شمويل فقام الغلام فزعا إلى الشيخ فقال يا أبتاه دعوتني
فكره الشيخ أن يقول لا فيفزع الغلام فقال يا بنى ارجع فنم فرجع الغلام فنام
ثم دعاه الثانية فأتاه الغلام أيضا فقال دعوتني فقال ارجع فنم فإن دعوتك
الثالثة فلا تجبني فلما كانت الثالثة ظهر له جبرائيل عليه السلام فقال اذهب إلى
قومك فبلغهم رسالة ربك فان الله قد بعثك فيهم نبيا فلما أتاهم كذبوه وقالوا
استعجلت بالنبوة ولم نبالك وقالوا إن كنت صادقا فابعث لنا ملكا يقاتل في
سبيل الله آية من نبوتك قال لهم شمعون عسى إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا
قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا بأداء الجزية
فدعا الله فأتى بعصا تكون مقدارا على طول الرجل الذي يبعث فيهم ملكا فقال
إن صاحبكم يكون طوله طول هذه العصا فقاسوا أنفسهم بها فلم يكونوا مثلها
وكان طالوت رجلا سقاء يستقى على حمار له فضل حماره فانطلق يطلبه في الطريق
فلما رأوه دعوه فقاسوه بها فكان مثلها وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم
طالوت ملكا قال القوم ما كنت قط أكذب منك الساعة ونحن من سبط
المملكة وليس هو من سبط المملكة ولم يؤت أيضا سعة من المال فنتبعه لذلك
فقال النبي إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم فقالوا فان كنت
صادقا فأتيا بآية ان هذا ملك قال إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من
ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون والسكينة طست من ذهب يغسل فيها
قلوب الأنبياء أعطاها الله موسى وفيها وضع الألواح وكانت الألواح فيما بلغنا
من در وياقوت وزبر جد وأما البقية فإنها عصا موسى ورضاضة الألواح فأصبح
التابوت وما فيه في دار طالوت فآمنوا بنبوة شمعون وسلموا الملك لطالوت
* حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال حدثني حجاج عن ابن جريج قال قال
ابن عباس جاءت الملائكة بالتابوت تحمله بين السماء والأرض وهم ينظرون
إليه حتى وضعته عند طالوت * حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال قال
330

ابن زيد نزلت الملائكة بالتابوت نهارا ينظرون إليه عيانا حتى وضعوه بين أظهرهم
قال فأقروا غير راضين وخرجوا ساخطين (رجع الحديث إلى حديث السدى)
فخرجوا معه وهم ثمانون ألفا وكان جالوت من أعظم الناس وأشدهم بأسا فخرج
يسير بين يدي الجند ولا يجتمع إليه أصحابه حتى يهزم هو من لقى فلما خرجوا قال
لهم طالوت إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس منى ومن لم يطعمه فإنه منى
وهو نهر فلسطين فشربوا منه هيبة من جالوت فعبر معه منهم أربعة آلاف ورجع
ستة وسبعون ألفا فمن شرب منه عطش ومن لم يشرب منه إلا غرفة روى فلما
جاوزه هو والذين آمنوا معه فنظروا إلى جالوت رجعوا أيضا وقالوا لا طاقة لنا
اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله الذين يستيقنون كم من
فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين فرجع عنه أيضا ثلاثة آلاف
وستمائة وبضعة وثمانون وخلص في ثلثمائة وتسعة عشر عدة أهل بدر * حدثني
المثنى قال حدثنا إسحاق بن الحجاج قال حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال حدثني
عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهب بن منبه يقول كال لعيلى الذي ربى شمويل ابنان
شابان أحدثا في القربان شيئا لم يكن فيه كان مسوط القربان الذي كانوا يسوطونه
به كلابين فما أخرجا كان للكاهن الذي بسوطه فجعله ابنه كلاليب وكانا إذا جاءت
النساء يصلين في القدس بتشبثان بهن فبينما اشمويل نائم قبل البيت الذي كان ينام
فيه عيلى إذ سمع صوتا يقول اشمويل فوثب إلى عيلى فقال لبيك فقال مالك دعوتني
قال لا إرجع فنم ثم سمع صوتا آخر يقول اشمويل فوثب إلى عيلى أيضا فقال لبيك
مالك دعوتني فقال لم أفعل ارجع فنم فان سمعت شيئا فقل لبيك مكانك مرني
فأفعل فرجع فنام فسمع صوتا أيضا يقول اشمويل فقال لبيك أنا هذا فمرني أفعل
قال انطلق إلى عيلى فقل له منعه حب الولد من أن يزجرا بنيه أن يحدثا في قدسي
وقرباني وان يعصياني فلأنزعن منه الكهانة ومن ولده ولأهلكنه وإياهما فلما
أصبح سأله عيلى فأخبره ففزع لذلك فزعا شديدا فسار إليهم عدو ممن حوله
فأمر ابنيه أن يخرجا بالناس ويقاتلا ذلك العدو فخرجا وأخرجا معهم التابوت
331

الذي فيه الألواح وعصا موسى لينتصروا به فلما تهيؤا للقتال هم وعدوهم جعل
عيلى يتوقع الخبر ماذا صنعوا فجاءه رجل يخبره وهو قاعد على كرسيه ان ابنيك
قد قتلا وإن الناس قد انهزموا قال فما فعل التابوت قال ذهب به العدو قال فشهق
ووقع على قفاه من كرسيه فمات وذهب الذين سبوا التابوت حتى وضعوه في بيت
آلهتهم ولم صنم يعبدونه فوضعوه تحت الصنم والصم من فوقه فأصبح من الغد
الصنم تحته وهو فوق الصنم ثم أخذوه فوضعوه فوقه وسمروا قدميه في التابوت
فأصبح من الغد قد قطعت يد الصنم ورجلاه وأصبح ملقى تحت التابوت فقال
بعضهم لبعض أليس قد علمتم أن إله بني إسرائيل لا يقوم له شئ فأخرجوه من
بيت آلهتكم فأخرجوا التابوت فوضعوه في ناحية من قريتهم فأخذ أهل تلك
الناحية التي وضعوا فيها التابوت وجع في أعناقهم فقالوا ما هذا فقالت لهم جارية
كانت عندهم من سبى بني إسرائيل لا تزالون ترون ما تكرهون ما كان هذا التابوت
فيكم فأخرجوه من قريتكم قالوا كذبت قالت إن آية ذلك أن تأتوا ببقرتين لهما
أولاد لم يوضع عليهما نير قط ثم تضعوا وراءهما العجل ثم تضعوا التابوت على
العجل وتسير وهما وتحبسوا أولادهما فإنهما ينطلقان به مذعنتين حتى إذا خرجتا
من أرضكم ووقعتا في أدنى أرض بني إسرائيل كسر تانيرهما وأقبلتا إلى أولادهما
ففعلوا ذلك فلما خرجتا من أرضهم ووقعتا في أدنى أرض بني إسرائيل كسرتا
نيرهما وأقبلتا إلى أولادهما ووضعتا في حربة فيها حصاد من بني إسرائيل ففزع
إليه بنو إسرائيل وأقبلوا إليه فجعل لا يدنو منه أحد إلا مات فقال لهم نبيهم اشمويل
أعرضوا فمن آنس من نفسه قوة فليدن منه فعرضوا عليه الناس فلم يقدر أحد
على أن يدنو منه إلا رجلان من بني إسرائيل اذن لهما بان يحملاه إلى بيت
أمهما وهى أرملة فكان في بيت أمهما حتى ملك طالوت فصلح أمر بني إسرائيل
مع اشمويل فقالت بنو إسرائيل لا شمويل ابعث لنا ملكا يقاتل في سبيل الله قال قد
كفاكم الله القتال قالوا إنا نتخوف من حولنا فيكون لنا ملك نفزع إليه فأوحى
الله إلى اشمويل ان ابعث لهم طالوت ملكا وادهنه بدهن القدس * فضلت
332

حمر لأبي طالوت فأرسله وغلاما له يطلبانها فجاءا إلى اشمويل يسألانه عنها فقال إن
الله قد بعثك ملكا على بني إسرائيل قال أنا قال نعم قال أو ما علمت أن
سبطي أدنى أسباط بني إسرائيل قال بلى قال أفما علمت أن قبيلتي أدنى قباثل سبطي
قال بلى قال اما علمت أن بيتي أدنى بيوت قبيلتي قال بلى قال فبأية آية قال باية انك
ترجع وقدو جد أبوك حمره وإذا كنت في مكان كذا وكذا نزل عليك الوحي فدهنه
بدهن القدس وقال لبنى إسرائيل ان الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى
يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله
اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم (رجع الحديث إلى حديث السدى)
ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا فعبر يومئذ أبو داود
فيمن عبر في ثلاثة عشر ابنا له وكان داود أصغر بنيه وانه أتاه ذات يوم فقال
يا أبتاه ما أرمى بقذافتي شيئا الا صرعته قال ابشر يا بنى ان الله قد جعل رزقك
في قذافتك ثم أتاه مرة أخرى فقال يا أبتاه لقد دخلت بين الجبال فوجدت أسدا
رابضا فركبت عليه وأخذت بأذنيه فلم يهجني فقال ابشر يا بنى فان هذا خير
يعطيكه الله ثم أتاه يوما آخر فقال يا أبتاه انى لأمشي بين الجبال فأسبح فلا يبقى
جبل الا سبح معي فقال ابشر يا بنى فان هذا خير أعطاكه الله وكان داود راعيا
وكان أبو ه خلفه يأتي إلى أبيه والى اخوته بالطعام فأتى النبي عليه السلام بقرن فيه
دهن وتنور من حديد فبعث به إلى طالوت فقال إن صاحبكم الذي يقتل جالوت
يوضع هذا القرن على رأسه فيغلى حتى يدهن منه ولا يسيل على وجهه ويكون
على رأسه كهيئة الإكليل ويدخل في هذا التنور فيملاه فدعا طالوت بني إسرائيل
فجربهم به فلم يوافقه منهم أحد فلما فرغوا قال طالوت لأبي داود هل بقى لك
ولد لم يشهدنا قال نعم بقى ابني داود وهو يأتينا بطعام فلما أتاه داود مر في
الطريق بثلاثة أحجار فكلمنه وقلن له خذنا يا داود تقتل بنا جالوت فقال فأخذهن
وجعلهن في مخلاته وكان طالوت قد قال من قتل جالوت زوجته ابنتي وأجريت
خاتمه في ملكي فلما جاء داود وضعوا القرن على رأسه فغلى حتى ادهن منه
333

ولبس التنور فملأه وكان رجلا مسقاما مصفارا ولم يلبسه أحد الا تقلقل فيه
فلما لبسه داود تضايق التنور عليه حتى تنفض ثم مشى إلى جالوت وكان جالوت من
أجسم الناس وأشدهم فلما نظر إلى داود قذف في قلبه الرعب منه فقال له يا فتى ارجع
فانى أرحمك أن أقتلك فقال داود لابل أنا أقتلك فأخرج الحجارة فوضعها في القذافة
كلما رفع منها حجر اسماه فقال هذا باسم أبى إبراهيم والثاني باسم أبي إسحاق والثالث باسم
أبى إسرائيل ثم أدار القذافة فعادت الاحجار حجرا واحدا ثم أرسله فصك به بين
عيني جالوت فنقبت رأسه ثم قتلته فلم تزل تقتل كل انسان تصيبه تنفذ فيه حتى
لم يكن بحيالها أحد فهزموهم عند ذلك وقتل داود جالوت ورجع طالوت فأنكح
داود ابنته وأجرى خاتمه في ملكه فمال الناس إلى داود وأحبوه فلما رأى ذلك
طالوت وجد في نفسه وحسده وأراد قتله فعلم داود أنه يريده بذلك فسجى له زق
خمر في مضجعه فدخل طالوت إلى منام داود وقد هرب داود فضرب الزق ضربة
فخرقه سالت الخمر منه فوقعت قطرة من الخمر في فيه فقال يرحم الله داود ما كان
أكثر شرب للخمر ثم إن داود أتاه من القابلة في بيته وهو نائم فوضع سهمين
عند رأسه وعند رجليه وعن يمينه وعن شماله سهمين سهمين ثم نزل لما استيقظ
طالوت بصر بالسهام فعرفها فقال يرحم الله داود هو خير منى ظفرت به فقتلته
وظفر بي فكف عنى ثم إنه ركب يوما فوجده يمشى في البرية وطالوت على فرس
فقال طالوت اليوم أقتل داود وكان داود إذا فزع لم يدرك فركض على أثره
طالوت ففزع داود فاشتد فدخل غارا فأوحى الله إلى العنكبوت فضربت عليه
بيتا فلما انتهى طالوت إلى الغار نظر إلى بناء العنكبوت فقال لو كان دخل ههنا
لخرق بيت العنكبوت فخيل إليه فتركه وطعن العلماء على طالوت في شأن داود
فجعل طالوت لا ينهاه أحد عن داود الا قتله وأغراه الله بالعلماء يقتلهم فلم يكن
يقدر في بني إسرائيل على عالم يطيق قتله الا قتله حتى أتى بامرأة تعلم اسم الله
الأعظم فأمر الجبار أن يقتلها فرحمها الجبار وقال لعلنا نحتاج إلى عالم فتركها
فوقع في قلب طالوت التوبة وندم وأقبل على البكاء حتى رحمه الناس وكان كل
334

ليلة يخرج إلى القبور فيبكى وينادى أنشد الله عبد ا علم أن لي توبة الا أخبرني
بها فلما أكثر عليهم ناداه مناد من القبور أن يا طالوت أما ترضى ان قتلتنا
احياء حتى تؤذينا أمواتا فازداد بكاء وحزنا فرحمه الجبار فكلمه فقال مالك
فقال هل تعلم لي في الأرض عالما أسأله هل لي من توبة فقال له الجبار هل تدرى
ما مثلك انما مثلك مثل ملك نزل قرية عشاء فصاح الديك فتطير منه فقال
لا تتركوا في القرية ديكا الا ذبحتموه فلما أراد أن ينام قال إذا صاح الديك
فايقظونا حتى ندلج فقالوا له وهل تركت ديكا يسمع صوته ولكن هل تركت
عالما في الأرض فازداد حزنا وبكاء فلما رأى الجبار منه الجد قال أرأيتك ان
دللتك على عالم لعلك ان تقتله قال لا فتوثق عليه الجبار فأخبره ان المرأة العالمة
عنده فقال انطلق بي إليها أسألها هل لي من توبة وكان إنما يعلم ذلك الاسم أهل
بيت إذا فنيت رجالهم علمت النساء فقال إنها ان رأتك غشى عليها وفزعت
منك فلما بلغ الباب خلفه خلفه ثم دخل عليها الجبار فقال لها ألست أعظم الناس منة
عليك أنجيتك من القتل وآويتك عندي قالت بلى قال فإن لي إليك حاجة هذا
طالوت يسألك هل له من توبة فغشى عليها من الفرق فقال لها انه لا يريد قتلك
ولكن يسألك هل له من توبة قالت لا والله ما أعلم لطالوت توبة ولكن هل
تعلمون مكان قبر نبي قالوا نعم هذا قبر يوشع بن نون فانطلقت وهما معها إليه
فدعت فخرج يوشع بن نون ينفض رأسه من التراب فلما نظر إليهم ثلاثتهم قال
مالكم أقامت القيامة قالت لا ولكن طالوت يسألك هل له من توبة قال يوشع
ما أعلم لطالوت من توبة الا أن يتخلى من ملكه ويخرج هو وولده
فيقاتلوا بين يديه في سبيل الله حتى إذا قتلوا شد هو فقتل فعسى أن يكون
ذلك له توبة ثم سقط ميتا في القبر ورجع طالوت أحزن ما كان رهبة
ألا يتابعه ولده فبكى حتى سقطت أشفار عينيه ونحل جسمه فدخل عليه بنوه وهم
ثلاثة عشر رجلا فكلموه وسألوه عن حاله فأخبرهم خبره وما قيل له في توبته
فسألهم أن يغزوا معه فجهزهم فخرجوا معه فشدوا بين يديه حتى قتلوا ثم شد بعدهم هو
335

فقتل وملك داود بعد ذلك وجعله الله نبيا فذلك قوله عز وجل " وآتاه الله الملك
والحكمة " قيل هي النبوة آتاه نبوة شمعون وملك طالوت واسم طالوت بالسريانية
شاول بن قيس بن أبيال بن ضرار بن بحرت بن أفيح بن إيش بن بنيامين بن يعقوب
ابن إسحاق بن إبراهيم * وقال ابن إسحاق كان النبي الذي بعث لطالوت من قبره حتى
أخبره بتوبته اليسع بن اخطوب * حدثنا بذلك ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن
إسحاق * وزعم أهل التوراة ان مدة ملك طالوت من أولها إلى أن قتل في الحرب
مع ولده كانت أربعين سنة
(ذكر خبر داود بن ايشى)
ابن عوبد بن باعز بن سلمون بن نحشون بن عمى نادب بن رام بن حصرون
ابن فارص بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام * وكان
داود عليه السلام فيما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن بعض
أهل العلم عن وهب بن منبه قصيرا أزرق قليل الشعر طاهر القلب نقيه * حدثني
يونس بن عبد الاعلى قال أخبرنا ابن وهب قال حدثني ابن زيد في قول الله " ألم
تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت - إلى قوله - والله عليم بالظالمين
قال أوحى الله إلى نبيهم ان في ولد فلان رجلا يقتل الله به جالوت ومن علامته
هذا القرن يضعه على رأسه فيفيض ماء فأتاه فقال إن الله عز وجل أوحى إلى
إن في ولدك رجلا يقتل الله به جالوت فقال نعم يا نبي الله قال فأخرج له اثنى
عشر رجلا أمثال السواري وفيهم رجل بارع فجعل يعرضهم على القرن فلا يرى
شيئا فيقول لذلك الجسيم ارجع فيردده عليه فأوحى الله إليه إنا لا نأخذ الرجال
على صورهم ولكنا نأخذهم على صلاح قلوبهم قال يا رب قد زعم أنه ليس له ولد
غيره فقال كذب فقال إن ربى قد كذبك وقال إن لك ولدا غيرهم قال قد صدق
يا نبي الله ان لي ولدا قصيرا استحييت أن يراه الناس فجعلته في الغنم قال فأين هو
قال في شعب كذا وكذا من جبل كذا وكذا فخرج إليه فوجد الوادي قد سال
بينه وبين البقعة التي كان يريح إليها قال ووجده يحمل شاتين شاتين يجيز بهما السيل
336

ولا يخوض بهما السيل فلما رآه قال هذا هو لا شك فيه هذا يرحم البهائم فهو
بالناس أرحم قال فوضع القرن على رأسه ففاض * حدثني المثنى قال حدثنا
إسحاق قال حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال حدثني عبد الصمد بن معقل عن
وهب بن منبه قال لما سلمت بنو إسرائيل الملك لطالوت أوحى الله إلى نبي بني إسرائيل
أن قل لطالوت فليغز أهل مدين فلا يترك فيها حيا إلا قتله فانى سأظهره
عليهم فخرج بالناس حتى أتى مدين فقتل من كان فيها إلا ملكهم فإنه أسره وساق مواشيهم
فأوحى الله إلى اشمويل ألا تعجب من طالوت إذ أمرته بأمري فاختل فيه فجاء بملكهم
أسيرا وساق مواشيهم فالقه فقل له لأنزعن الملك من بيته ثم لا يعود فيه إلى يوم
القيامة فانى انما أكرم من أطاعني وأهين من هان عليه أمري فلقيه فقال له ما صنعت لم
جئت بملكهم أسيرا ولم سقت مواشيهم قال إنما سقت المواشي لأقربها قال له اشمويل إن
الله قد نزع من بيتك الملك ثم لا يعود فيه إلى يوم القيامة فأوحى الله إلى اشمويل
انطلق إلى إيشى فيعرض عليك بنيه فادهن الذي آمرك بدهن القدس يكن ملكا
على بني إسرائيل فانطلق حتى أتى ايشى فقال اعرض على بنيك فدعا ايشى أكبر
ولده فاقبل رجل جسيم حسن المنظر فلما نظر إليه اشمويل أعجبه فقال الحمد لله إن
الله بصير بالعباد فأوحى الله إليه إن عينيك تبصران ما ظهروانى أطلع على ما في
القلوب ليس بهذا * فقال ليس بهذا اعرض على غيره فعرض عليه ستة في كل
ذلك يقول ليس بهذا اعرض على غير فقال هل لك من ولد غيرهم فقال بلى لي
غلام امغر وهو راع في الغنم قال ارسل إليه فلما أن جاء داود جاء غلام امغر
فدهنه بدهن القدس وقال لأبيه اكتم هذا فان طالوت لو يطلع عليه قتله فسار
جالوت في قومه إلى بني إسرائيل فعسكر وسار طالوت ببنى إسرائيل وعسكر وتهيؤا
للقتال فأرسل جالوت إلى طالوت لم يقتل قومي وقومك ابرزلى أو ابرزلى من شئت
فان قتلتك كان الملك لي وان قتلتني كان لك فأرسل طالوت في عسكره صائحا من يبرز
لجالوت ثم ذكر قصة طالوت وجالوت وقتل داود إياه وما كان من طالوت
إلى داود * قال أبو جعفر وفى هذا الخبر بيان ان داود قد كان الله حول الملك
337

له قبل قتله جالوت وقبل أن يكون من طالوت إليه ما كان من محاولته قتله وأما
سائر من روينا عنه قولا في ذلك فإنهم قالوا إنما ملك داود بعد ما قتل طالوت
وولده * وقد حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق فيما ذكر لي بعض
أهل العلم عن وهب بن منبه قال لما قتل داود جالوت وانهزم جنده قال الناس
قتل داود جالوت وخلع طالوت وأقبل الناس على داود مكانه حتى لم يسمع
لطالوت بذكر * قال ولما اجتمعت بنو إسرائيل على داود أنزل الله عليه الزبور
وعلمه صنعة الحديد وألانه له وأمر الجبال والطير أن يسبحن معه إذا سبح ولم
يعط الله فيما يذكرون أحدا من خلقه مثل صوته كان إذا قرأ الزبور فيما يذكرون
ترنو له الوحوش حتى يؤخذ بأعناقها وانها لمصيخة تسمع لصوته وما صنعت
الشياطين المزامير والبرابط والصنوج إلا على أصناف صوته وكان شديد الاجتهاد
دائب العبادة كثير البكاء وكان كما وصفه الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم
فقال (واذكر عبد نا داود ذا الأيد إنه أواب إنا سخرنا الجبال معه) الآيتين
يعنى بذلك ذا القوة * وقد حدثنا بشر بن معاذ قال حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد عن
قتادة واذكر عبد نا داود ذا الأيد إنه أواب قال أعطى قوة في العبادة وفقها في الاسلام
* فذكر لنا أن داود عليه السلام كان يقوم الليل ويصوم نصف الدهر وكان يحرسه فيما
ذكر في كل يوم وليلة أربعة آلاف * حدثني محمد بن الحسين قال حدثنا أحمد بن
المفضل قال حدثنا أسباط عن السدى في قوله (وشددنا ملكه) قال كان يحرسه كل
يوم وليلة أربعة آلاف * وذكر أنه تمنى يوما من الأيام على ربه منزلة آبائه
إبراهيم وإسحاق ويعقوب وسأله أن يمتحنه بنحو الذي كان امتحنهم ويعطيه
من الفضل نحو الذي كان أعطاهم * فحدثني محمد بن الحسين قال حدثنا أحمد بن
المفضل قال حدثنا أسباط قال قال السدى كان داود قد قسم الدهر ثلاثة أيام يوما
يقضى فيه بين الناس ويوما يخلو فيه لعبادة ربه ويوما يخلو فيه لنسائه وكان له تسع
وتسعون امرأة وكان فيما يقرأ من الكتب أنه كان يجد فيه فضل إبراهيم وإسحاق
ويعقوب فلما وجد ذلك فيما يقرأ من الكتب قال يا رب أرى الخير كله قد ذهب
338

به آبائي الذين كانوا قبلي فاعطني مثل ما أعطيتهم وافعل بي مثل ما فعلت بهم قال
فأوحى الله إليه أن آباءك ابتلوا ببلا يا لم تبتل بها ابتلى إبراهيم بذبح ابنه وابتلى إسحاق
بذهاب بصره وابتلى يعقوب بحزنه على ابنه يوسف وإنك لم تبتل من ذلك بشئ
قال يا رب ابتلني بمثل ما ابتليتهم به وأعطني مثل ما أعطيتهم قال فأوحى إليه إنك
مبتلى فاحترس قال فمكث بعد ذلك ما شاء الله أن يمكث إذ جاءه الشيطان قد تمثل
في صورة حمامة من ذهب حتى وقع عند رجليه وهو قائم يصلى قال فمد يده ليأخذه
فتنحى فتبعه فتباعد حتى وقع في كوة فذهب ليأخذه فطار من الكوة فنظر أين
يقع فيبعث في أثره قال فابصر امرأة تغتسل على سطح لها فرأى امرأة من أجمل
النساء خلقا فحانت منها التفاتة فأبصرته فألقت شعرها فاستترت به قال فزاده ذلك
فيها رغبة قال فسأل عنها فأخبر أن لها زوجا وأن زوجها غائب بمسلحة كذا
وكذا قال فبعث إلى صاحب المسلحة يأمره أن يبعث أوريا إلى عدو كذا وكذا
قال فبعثه ففتح له قال وكتب إليه بذلك فكتب إليه أيضا أن ابعثه إلى عدو
كذا وكذا أشد منهم بأسا قال فبعثه ففتح له أيضا قال فكتب إلى داود بذلك
قال فكتب إليه أن ابعثه إلى عدو كذا وكذا قال فبعثه قال فقتل المرة الثالثة
قال وتزوج داود امرأته فلما دخلت عليه لم تلبث عنده الا يسيرا حتى بعث الله
ملكين في صورة انسيين فطلبا أن يدخلا عليه فوجداه في يوم عبادته فمنعهما
الحرس أن يدخلا عليه فتسورا عليه المحراب قال فما شعر وهو يصلى إذا هو بهما
بين يديه جالسين قال ففزع منهما فقالا لا تخف إنما نحن خصمان بغى بعضنا
على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط يقول لا تحف واهدنا إلى سواء الصراط
إلى عدل القضاء قال قصا على قصتكما قال فقال أحدهما إن هذا أخي له تسع
وتسعون نعجة ولى نعجة واحدة فهو يريد أن يأخذ نعجتي فيكمل بها نعاجه مائة
قال فقال للآخر ما تقول فقال إن لي تسعا وتسعين نعجة ولأخي هذا نعجة واحدة
فأنا أريد أن آخذها منه فاكمل بها نعاجي مائة قال وهو كاره؟ قال وهو كاره قال
إذا لا ندعك وذاك قال ما أنت على ذلك بقادر قال فان ذهبت تروم ذلك أو تريد
339

ذلك ضربنا منك هذا وهذا وفسر أسباط طرف الأنف والجبهة فقال يا داود أنت
أحق أن يضرب منك هذا وهذا حيث لك تسع وتسعون امرأة ولم يكن لاوريا
إلا امرأة واحدة فلم تزل به تعرضه للقتل حتى قتل وتزوجت امرأته قال فنظر
فلم ير شيئا قال فعرف ما قد وقع فيه وما ابتلى به قال فخر ساجدا فبكى قال فمكث
يبكى ساجدا أربعين يوما لا يرفع رأسه الا لحاجة لابد منها ثم يقع ساجدا يبكى
ثم يدعو حتى نبت العشب من دموع عينيه قال فأوحى الله عز وجل إليه بعد أربعين
يوما يا داود ارفع رأسك فقد غفرت لك فقال يا رب كيف أعلم أنك قد غفرت
لي وأنت حكم عدل لا تحيف في القضاء إذا جاء أوريا يوم القيامة آخذا رأسه بيمينه
أو بشماله يشخب أوداجه دما في قبل عرشك يقول يا رب سل هذا فيم قتلني قال
فأوحى الله إليه إذا كان ذلك دعوت أوريا فأستوهبك منه فيهبك لي فأثيبه بذلك
الجنة قال رب الآن علمت أنك قد غفرت لي قال فما استطاع أن يملا عينيه من
السماء حياء من ربه حتى قبض * حدثني علي بن سهل قال حدثنا الوليد بن مسلم
عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال حدثني عطاء الخراساني قال نقش داود خطيئته
في كفه لكيلا ينساها فكان إذا رآها خفقت يده واضطربت * وقد قيل إن
سبب المحنة بما امتحن به أن نفسه حدثته أنه يطيق قطع يوم من الأيام بغير
مقارفة سوء فكان اليوم الذي عرض له فيه ما عرض اليوم الذي ظن أنه يقطعه
بغير اقتراف سوء
ذكر من قال ذلك
* حدثنا بشر قال حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد عن مطر عن الحسن أن داود
جزأ الدهر أربعة أجزاء يوما لنسائه ويوما لعبادته ويوما لقضاء بني إسرائيل
ويوما لبنى إسرائيل يذاكرهم ويذاكرونه ويبكيهم ويبكونه فلما كان يوم بني إسرائيل
قال ذكروا فقالوا هل يأتي على الانسان يوم لا يصيب فيه ذنبا فأضمر
داود في نفسه أنه سيطيق ذلك فلما كان يوم عبادته غلق أبو ابه وأمر ألا يدخل
عليه أحد وأكب على التوراة فبينما هو يقرؤها إذا حمامة من ذهب فيها من كل
340

لون حسن قد وقعت بين يديه فأهوى إليها ليأخذها قال فطارت فوقعت غير بعيد
من غير أن تؤيسه من نفسها قال فما زال يتبعها حتى أشرف على امرأة تغتسل
فأعجبه خلقها وحسنها فلما رأت ظله في الأرض جللت نفسها بشعرها فزاده ذلك
أيضا إعجابا بها وكان قد بعث زوجها على بعض جيوشه فكتب إليه أن يسير
إلى مكان كذا وكذا مكان إذا سار إليه لم يرجع قال ففعل فأصيب فخطبها
فتزوجها قال وقال قتادة بلغنا أنها أم سليمان قال فبينما هو في المحراب إذ تسور
الملكان عليه وكان الخصمان إذا أتوه يأتونه من باب المحراب ففزع منهم ين تسوروا
المحراب فقالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض حتى بلغ ولا تشطط أي ولا تمل
واهدنا إلى سواء الصراط أي أعدله وخيره إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة وكان
لداود تسع وتسعون امرأة ولى نعجة واحدة قال وإنما كان للرجل امرأة واحدة
فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب أي ظلمني وقهرني قال لقد ظلمك بسؤال
نعجتك إلى نعاجه - إلى - وظن داود فعلم أنما أضمر له أي عنى بذلك فخر راكعا
وأناب * حدثني يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا ابن إدريس قال سمعت ليثا يذكر
عن مجاهد قال لما أصاب داود الخطيئة خر لله ساجدا أربعين يوما حتى نبت
من دموع عينيه من البقل ما غطا رأسه ثم نادى يا رب قرح الجبين وجمدت العين
وداود لم يرجع إليه في خطيئته شئ فنودي أجائع فتطعم أم مريض فتشفى أم
مظلوم فينتصر لك قال فنحب نحبة هاج كل شئ كان نبت فعند ذلك غفر له وكانت
خطيئته مكتوبة يقرؤها وكان يؤتى بالاناء ليشرب فلا يشرب إلا ثلثه أو نصفه
وكان يذكر خطيئته فينتحب النحبة تكاد مفاصله تزول بعضها عن بعض ثم
ما يتم شربه حتى يملا الاناء من دموعه وكان يقال إن دمعة داود تعدل دمعة
الخلائق ودمعة آدم تعدل دمعة داود ودمعة الخلائق قال وهو يجئ يوم القيامة
خطيئته مكتوبة بكفه فيقول رب ذنبي ذنبي قدمني قال فيقدم فلا يأمن فيقول
رب أخرني قال فيؤخر فلا يأمن * حدثني يونس بن عبد الاعلى قال أخبرنا ابن
وهب قال أخبرني ابن لهيعة عن ابن صخر عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك
341

يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن داود النبي عليه السلام
حين نظر إلى امرأة فاهم قطع على بني إسرائيل بعثا فأوصى صاحب البعث فقال
إذا حضر العدو فقرب فلانا بين يدي التابوت وكان التابوت في ذلك الزمان
يستنصر به من قدم بين يدي التابوت لم يرجع حتى يقتل أو ينهزم عنه الجيش
فقتل زوج المرأة ونزل الملكان على داود يقصان عليه قصته ففطن داود فسجد
فمكث أربعين ليلة ساجدا حتى نبت الزرع من دموعه على رأسه وأكلت الأرض
من جبينه وهو يقول في سجوده فلم أحص من الرقاشي إلا هؤلاء الكلمات رب
زل داود زلة أبعد مما بين المشرق والمغرب رب إن لم ترحم ضعف داود وتغفر
ذنبه جعلت ذنبه حديثا في الخلوف من بعده فجاءه جبرائيل من بعد أربعين ليلة
فقال يا داو إن الله قد غفر لك الهم الذي هممت به فقال داود قد علمت أن الله
قادر على أن يغفر لي الهم الذي هممت به وقد عرفت أن الله عدل لا يميل فكيف
بفلان إذا جاء يوم القيامة فقال يا رب دمى الذي عند داود فقال جبرائيل
ما سألت ربك عن ذلك ولئن شئت لأفعلن قال نعم قال فعرج جبرائيل وسجد
داود فمكث ما شاء الله ثم نزل فقال قد سألت الله يا داود عن الذي أرسلتني فيه
فقال قل له يا داود إن الله يجمعكما يوم القيامة فيقول هب لي دمك الذي عند
داود فيقول هو لك يا رب فيقول فإن لك في الجنة ما شئت وما اشتهيت عوضا *
ويزعم أهل الكتاب إن داود لم يزل قائما بالملك بعد طالوت إلى أن كان من
أمره وأمر امرأة أوريا ما كان فلما واقع ما واقع من الخطيئة اشتغل بالتوبة منها
فيما زعموا واستخف به بنو إسرائيل ووثب عليه ابن له يقال له إيشا فدعا إلى
نفسه فاجتمع إليه أهل الزيغ من بني إسرائيل قالوا فلما تاب الله على داود ثابت
إليه ثائبة من الناس فحارب ابنه حتى هزمه ووجه في طلبه قائدا من قواده وتقدم
إليه أن يتوقى حتفه ويتلطف لاسره فطلبه القائد وهو منهزم فاضطره إلى شجرة
فركض فيها وكان ذا جمة فتعلق بعض أغصان الشجرة بشعره فحبسه ولحقه القائد
فقتله مخالفا لأمر داود فحزن داود عليه حزنا شديدا وتنكر للقائد وأصاب
342

بني إسرائيل في زمانه طاعون جارف فخرج بهم إلى موضع بيت المقدس يدعون
الله ويسألونه كشف ذلك البلاء عنهم فاستجيب لهم فاتخذوا ذلك الموضع مسجدا *
وكان ذلك فيما قيل لاحد عشرة سنة مضت من ملكه وتوفى قبل أن يستتم بناءه
فأوصى إلى سليمان باستتمامه وقتل القائد الذي قتل أخاه فلما دفنه سليمان نفذ
لامره في القائد وقتله واستتم بناء المسجد وقيل في بناء داود ذلك المسجد ما حدثنا
محمد بن سهل بن عسكر قال حدثني إسماعيل بن عبد الكريم قال حدثني عبد الصمد
ابن معقل أنه سمع وهب بن منبه يقول إن داود أراد أن يعلم عدد بني إسرائيل
كم هم فبعث لذلك عرفاء و نقباء وأمرهم أن يرفعوا إليه ما بلغ عددهم فعتب الله عليه
ذلك وقال قد علمت أنى وعدت إبراهيم أن أبارك فيه وفى ذريته حتى أجعلهم
كعدد نجوم السماء وأجعلهم لا يحصى عددهم فأردت أن تعلم عدد ما قلت إنه لا يحصى
عددهم فاختاروا بين أن أبتليكم بالجوع ثلاث سنين أو أسلط عليكم العدو ثلاثة
أشهر أو الموت ثلاثة أيام فاستشار داود في ذلك بني إسرائيل فقالوا ما لنا بالجوع
ثلاث سنين صبر ولا بالعدو ثلاثة أشهر فليس لهم بقية فإن كان لابد فالموت
بيده لا بيد غيره فذكر وهب بن منبه أنه مات منهم في ساعة من نهار ألوف كبيرة
لا يدرى ما عددهم فلما رأى ذلك داود شق عليه ما بلغه من كثرة الموت فتبتل إلى
الله ودعاه فقال يا رب أنا آكل الحماض وبنو إسرائيل يضرسون أنا طلبت
ذلك فأمرت به بني إسرائيل فما كان من شئ فبي واعف عن بني إسرائيل فاستجاب
الله له ورفع عنهم الموت فرأى داود الملائكة سالين سيوفهم يغمدونها يرتقون
في سلم من ذهب من الصخرة إلى السماء فقال داود هذا مكان ينبغي أن يبنى فيه
مسجد فأراد داود أن يأخذ في بنائه فأوحى الله إليه أن هذا بيت مقدس وأنك
قد صبغت يدك في الدماء فلست ببانيه ولكن ابن لك أملكه بعدك أسميه سليمان
أسلمه من الدماء فلما ملك سليمان بناءه وشرفه وكان عمر داود فيما وردت به
الاخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة سنة وأما بعض أهل الكتب
فإنه زعم أن عمره كان سبعا وسبعين سنة وأن مدة ملكه كانت أربعين سنة
343

ذكر خبر سليمان بن داود عليه السلام
ثم ملك سليمان بن داود بعد أبيه داد أمر بني إسرائيل وسخر الله له الجن والإنس
والطير والريح وآتاه مع ذلك النبوة وسأل ربه أن يؤتيه ملكا لا ينبغي لاحد من
بعده فاستجاب له فأعطاه ذلك وكان فيما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن
إسحاق عن بعض أهل العلم عن وهب بن منبه إذا خرج من بيته إلى مجلسه عكفت
عليه الطير وقام له الإنس والجن حتى يجلس على سريره وكان فيما يزعمون أبيض
جسيما وضيئا كثير الشعر يلبس من الثياب البياض وكان أبو ه في أيام ملك بعد
أن بلغ سليمان مبلغ الرجال يشاوره فيما ذكر في أموره وكان من شأنه وشأن أبيه
داود الحكم في الغنم التي نفشت في حرث القوم الذين قص الله في كتابه خبرهم
وخبرهما فقال (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم
القوم وكنا لحكمهم شاهدين * ففهمناها سليمان وكلا آتيناه حكما
وعلما) فحدثنا أبو كريب وهارون بن إدريس الأصم قالا حدثنا المحاربي عن
أشعث عن أبي إسحاق عن مرة عن ابن مسعود في قوله " وداود وسليمان إذ
يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم " قال كرم قد أنبتت عناقيده فأفسدته
قال فقضى داود بالغنم لصاحب الكرم فقال سليمان غير هذا يا نبي الله قال وما ذاك
قال تدفع الكرم إلى صاحب الغنم فيقوم عليه حتى يعود كما كان وتدفع الغم إلى
صاحب الكرم فيصيب منها حتى إذا كان الكرم كما كان دفعت الكرم إلى صاحبه
ودفعت الغنم إلى صاحبها فذلك قوله ففهمناها سليمان وكان رجلا غزاء لا يكاد
يقعد عن الغزو وكان لا يسمع بملك في ناحية من الأرض إلا أتاه حتى يذله *
وكان فيما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق فيما يزعمون إذا أراد
الغزو أمر بعسكره فضرب له بخشب ثم نصب له على الخشب ثم حمل عليه الناس
والدواب وآلة الحرب كلها حتى إذا حمل معه ما يريد أمر العاصف من الريح
فدخلت تحت ذلك الخشب فاحتملته حتى إذا استقلت به أمر الرخاء فمر به شهرا
في روحته وشهرا في غدوته إلى حيث أراد يقول الله عز وجل (فسخرنا له
344

الريح تجرى بأمره رخاء حيث أصاب) أي حيث أرادوا قال الله (ولسليمان
الريح غدها شهر ورواحها شهر) قال وذكر لي ان منزلا بناحية دجلة
مكتوب فيه كتاب كتبه بعض أصحاب سليمان إما من الجن وإما من الانس نحن
نزلناه وما بنيناه ومبنيا وجدناه غدونا من إصطخر فقلناه ونحن رائحون منه إن شاء الله
فبائتون بالشام قال وكان فيما بلغني لتمر بعسكره الريح والرخاء تهوى به إلى
ما أراد وإنها لتمر بالمزرعة فما تحركها * وقد حدثنا القاسم بن الحسن قال حدثني
الحسين قال حدثني حجاج عن أبي معشر عن محمد بن كعب القرظي قال بلغنا أن
سليمان كان عسكره مائة فرسخ خمسة وعشرون منها للانس وخمسة وعشرون للجن
وخمسة وعشرون للوحش وخمسة وعشرون للطير وكان له ألف بيت من قوارير
على الخشب فيها ثلثمائة صريحة وسبعمائة سرية فأمر الريح العاصف فترفعه وأمر
الرخاء فتسير به فأوحى الله إليه وهو يسير بين السماء والأرض إني قد زدت في
ملكك أنه لا يتكلم أحد من الخلائق بشئ إلا جاءت به الريح وأخبرتك * حدثني
أبو السائب قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن
جبير عن ابن عباس قال كان سليمان بن داود يوضع له ستمائة كرسي ثم يجئ
أشراف الانس فيجلسون مما يليه ثم يجئ أشراف الجن فيجلسون مما يلي
الانس قال ثم يدعو الطير فتظلهم ثم يدعو الريح فتحملهم قال فتسير في الغداة
الواحدة مسيرة شهر
(ذكر ما انتهى إلينا من مغازي سليمان عليه السلام)
(فمن ذلك غزوته التي راسل فيها بلقيس)
وهى فيما يقول أهل الأنساب بلمقة ابنة اليشرح ويقول بعضهم ابنة ايلى شرح
ويقول بعضهم ابنة ذي شرح بن ذي جدن بن ايلى شرح بن الحارث بن قيس بن
صيفي بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ثم صارت إليه سلما بغير حرب
ولا قتال وكان سبب مراسلته إياها فيما ذكر أنه فقد الهدهد يوما في مسير كان
يسيره واحتاج إلى الماء فلم يعلم من حضره بعده وقيل له علم ذلك عند الهدهد فسأل
345

عن الهدهد فلم يجده وقال بعضهم بل إنما سأل سليمان عن الهدهد لا خلاله بالنبوة
فكان من حديثه وحديث مسيره ذلك وحديث بلقيس ما حدثني العباس بن الوليد
الآملي قال حدثنا علي بن عاصم قال حدثنا عطاء بن السائب قال حدثني مجاهد عن
ابن عباس قال كان سليمان بن داود إذا سافر أو أراد سفرا قعد على سريره ووضعت
الكراسي يمينا وشمالا فيأذن للانس ثم يأذن للجن عليه بعد الانس فيكونون
خلف الانس ثم يأذن للشياطين بعد الجن فيكونون خلف الجن ثم يرسل إلى الطير
فتظلهم من فوقهم ثم يرسل إلى الريح فتحملهم وهو على سريره والناس على
الكراسي فتسير بهم غدوها شهر ورواحها شهر رخاء حيث أصاب ليس
بالعاصف ولا اللين وسطا بين ذلك فبينما سليمان يسير وكان سليمان اختار من كل
طير طيرا فجعله رأس تلك الطير فإذا أراد أن يسائل شيئا من تلك الطير عن شئ
سأل رأسها فبينما يسير إذ نزل مفازه فسأل عن بعد الماء ههنا فقال الانس لا ندري
فسأل الجن فقالوا لا ندري فسأل الشياطين فقالوا لا ندري فغضب سليمان فقال
لا أبرح حتى أعلم كم بعد مسافة الماء ههنا قال فقالت له الشياطين يا رسول الله
لا تغضب فان يك شيئا يعلم فالهدهد يعلمه قال سليمان على بالهدهد فلم يوجد فغضب
سليمان فقال مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه
أو ليأتيني بسلطان مبين يقول بعذر مبين غاب عن مسيري هذا وكان عقابه للطير
أن ينتف ريشه ويشمسه فلا يستطيع أن يطير ويكون من هوام الأرض إن أراد
ذلك أو يذبحه فكان ذلك عذابه قال ومر الهدهد على قصر بلقيس فرأى
بستانا لها خلف قصرها فمال إلى الخضرة فوقع عليها فإذا هو بهدهد لها في
البستان فقال هدهد سليمان أين أنت عن سليمان وما تصنع ههنا قال له هدهد
بلقيس ومن سليمان فقال بعث الله رجلا يقال له سليمان رسولا وسخر له الريح والجن
والانس والطير قال فقال له هدهد بلقيس أي شئ تقول قال أقول لك ما تسمع قال إن
هذا لعجب وأعجب من ذاك ان كثرة هؤلاء القوم تملكهم امرأة أوتيت من كل
شئ ولها عرش عظيم جعلوا الشكر لله أن يسجدوا للشمس من دون الله قال
346

وذكر الهدهد سليمان فنهض عنه فلما انتهى إلى العسكر تلقته الطير وقالوا توعدك
رسول الله فأخبروه بما قال قال وكان عذاب سليمان للطير أن ينتف ريشه
ويشمسه فلا يطير أبدا فيصير من هوام الأرض أو يذبحه فلا يكون له نسل
أبدا قال فقال الهدهد أو ما استثنى رسول الله قالوا بل قال أو ليأتيني بعذر مبين
قال فلما أتى سليمان قال ما غيبك عن مسيري قال أحطت بما لم تحط به وجئتك
من سبأ بنبأ يقين حتى بلغ فانظر ماذا يرجعون قال فاعتل له بشئ وأخبره عن
بلقيس وقومها ما أخبره الهدهد فقال له سليمان قد اعتللت سننظر أصدقت أم
كنت من الكاذبين إذهب بكتابي هذا فألقه إليهم قال فوافقها وهى في قصرها
فألقى إليها الكتاب فسقط في حجرها إنه كتاب كريم وأشفقت منه فأخذته
وألقت عليه ثيابها وأمرت بسريرها فأخرج فخرجت فقعدت عليه ونادت في
قومها فقالت لهم يا أيها الملا إني ألقى إلى كتاب كريم إنه من سليمان وانه بسم الله
الرحمن الرحيم، ألا تعلوا على وأتوني مسلمين، ولم أكن لا قطع أمرا حتى
تشهدون قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والامر إليك فانظري ماذا
تأمرين - إلى - وإني مرسلة إليهم بهدية فان قبلها فهذا ملك من ملوك الدنيا وأنا
أعز منه وأقوى وإن لم يقبلها فهذا شئ من الله فلما جاء سليمان الهدية قال لهم
سليمان أتمدونني بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم - إلى قوله - وهم صاغرون يقول
وهم غير محمودين قال بعثت إليه بخرزة غير مثقوبة فقالت أثقب هذه قال فسأل
سليمان الانس فلم يكن عنده علم ذلك ثم سأل الجن فلم يكن عندهم علم ذاك قال فسأل
الشياطين فقالوا ترسل إلى الأرضة فجاءت الأرضة فأخذت شعرة في فيها فدخلت
فيها فنقبتها بعد حين فلما رجع إليها رسلها خرجت فزعة في أول النهار من قومها
وتبعها قومها قال ابن عباس وكان معها ألف قيل قال ابن عباس أهل اليمن
يسمون القائد قيلا مع كل قيل عشرة آلاف قال العباس قال على عشرة آلاف
ألف قال العباس قال على فأخبرنا حصين بن عبد الرحمن قال حدثني عبد الله بن
شداد بن الهاد قال فأقبلت بلقيس إلى سليمان ومعها ثلثمائة قيل واثنا عشر قيلا
347

مع كل قيل عشرة آلاف قال عطاء عن مجاهد عن ابن عباس فكان سليمان
رجلا مهيبا لا يبتدأ بشئ حتى يكون هو الذي يسأل عنه فخرج يومئذ فجلس
على سريره فرأى رهجا قريبا منه فقال ما هذا قالوا بلقيس يا رسول الله قال وقد
نزلت منا بهذا المكان قال مجاهد فوصف لنا ذلك ابن عباس فحذرته ما بين الكوفة
والحيرة قدر فرسخ قال فأقبل على جنوده فقال أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين
قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك الذي أنت فيه إلى
الحين الذي تقوم إلى غدائك قال قال سليمان من يأتيني به قبل ذلك قال الذي عنده علم
من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فنظر إليه سليمان فلما وقع كلامه رد
سليمان بصره على العرش فرأى سريرها قد خرج ونبع من تحت كرسيه فلما رآه مستقرا
عنده قال هذا من فضل ربى ليبلوني أأشكر إذ أتاني به قبل أن يرتد إلى طرفي
أم أكفر إذ جعل من تحت يدي أقدر على المجئ به منى قال فوضعوا لها عرشها
قال فما جاءت قعدت إلى سليمان قيل لها أهكذا عرشك فنظرت إليه فقالت
كأنه هو ثم قالت لقد تركته في حصوني وتركت الجنود محيطة به فكيف جئ
بهذا يا سليمان إني أريد أن أسألك عن شئ فأخبرنيه قال سلى قالت أخبرني عن
ماء رواء لامن سماء ولا من أرض قال وكان إذا جاء سليمان شئ لا يعلمه بدأ
فسأل الانس عنه فإن كان عند الانس فيه علم وإلا سأل الجن فإن لم يكن عند
الجن علم به سأل الشياطين قال فقالت له الشياطين ما أهون هذا يا رسول الله
مر الخيل فلتجر ثم تملأ الآنية من عرقها فقال لها سليمان عرق الخيل قالت
صدقت قالت أخبرني عن لون الرب قال قال ابن عباس فوثب سليمان عن
سريره فخر ساجدا قال العباس قال على فأخبرني عمرو بن عبيد عن الحسن قال
صعق فغشى عليه فخر عن سريره ثم رجع إلى حديثه قال فقامت عنه وتفرقت
عنه جنوده وجاءه الرسول فقال يا سليمان يقول لك ربك ما شأنك قال سألتني
عن أمريكا برني أو يكابدني أن أعيده قال فان الله يأمرك أن تعود إلى سريرك
فتقعد عليه وترسل إليها والى من حضرها من جنودها وترسل إلى جميع جنودك
348

الذين حضروا فيدخلوا عليك فتسألها وتسألهم عما سألتك عنه قال ففعل فلما
دخلوا عليه جميعا قال لها عم سألتني قالت سألتك عن ماء رواء لا من
سماء ولا من أرض قال قلت لك عرق الخيل قالت صدقت قال وعن أي شئ
سألتني قالت ما سألتك عن شئ غير هذا قال قال لها سليمان فلأي شئ خررت
عن سريري قالت قد كان ذاك لشئ لا أدرى ما هو قال العباس قال على نسيته
قال فسأل جنودها فقالوا مثل ما قالت قال فسأل جنوده من الإنس والجن
والطير وكل شئ كان حضره من جنوده فقالوا ما سألتك يا رسول لله إلا عن
ماء رواء قال وقد كان قال له الرسول يقول الله لك عد إلى مكانك فانى قد
كفيتكهم قال وقال سليمان للشياطين ابنوا لي صرحا تدخل على فيه بلقيس
قال فرجع الشياطين بعضهم إلى بعض فقالوا سليمان رسول الله قد سخر الله له
ما سخر وبلقيس ملكة سبا ينكحها فتلد له غلاما فلا ننفك من العبودية أبدا قال وكانت امرأة شعراء الساقين فقالت الشياطين ابنوا له بنيانا ليرى ذلك منها فلا
يتزوجها فبنوا له صرحا من قوارير أخضر وجعلوا له طوابيق من قوارير
كأنه الماء وجعلوا في باطن الطوابيق كل شئ يكون من الدواب في البحر
من السمك وغيره ثم أطبقوه ثم قالوا لسليمان ادخل الصرح قال فألقى
لسليمان كرسي في أقصى الصرح فلما دخله ورأى ما رأى أتى الكرسي فقعد
عليه ثم قال أدخلوا على بلقيس فقيل لها ادخلي الصرح فلما ذهبت تدخله رأت
صورة السمك وما يكون في الماء من الدواب فحسبته لجة حسبته ماء وكشفت
عن ساقيها لتدخل وكان شعر ساقيها ملتويا على ساقيها فلما رآها سليمان ناداها
وصرف بصره عنها إنه صرح ممرد من قوارير فألقت ثوبها قالت رب إني ظلمت
نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين قال فدعا سليمان الانس فقال ما أقبح
هذا ما يذهب هذا قالوا يا رسول الله المواسي قال المواسي تقطع ساقى المرأة قال
ثم دعا الجن فسألهم فقالوا لا ندري ثم دعا الشياطين فقال ما يذهب هذا قالوا مثل
ذلك الموسى فقال إن المواسي تقطع ساقى المرأة قال فتلكؤا عليه ثم جعلوا له
349

النورة قال ابن عباس فإنه لأول يوم رؤيت فيه النورة فاستنكحها سليمان
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن بعض أهل العلم عن وهب
ابن منبه قال لما رجعت الرسل إلى بلقيس بما قال سليمان قالت قد والله عرفت
ما هذا بملك وما لنا به من طاقة وما نصنع بمكاثرته شيئا وبعثت إليه إني قادمة
عليك بملوك قومي حتى أنظر ما أمرك وما تدعو إليه من دينك ثم أمرت بسرير
ملكها الذي كانت تجلس عليه وكان من ذهب مفصص بالياقوت والزبرجد
واللؤلؤ فجعل في سبعة أبيات بعضها في بعض ثم أقفلت على الأبواب فكانت
إنما تخدمها النساء معها ستمائة امرأة تخدمها ثم قالت لمن خلفت على سلطانها
احتفظ بما قبلك وسرير ملكي فلا يخلص إليه أحد ولا يرينه حتى آتيك ثم شخصت
إلى سليمان في اثنى عشر ألف قيل معها من ملوك اليمن تحت يدي كل قيل منهم ألوف
كثيرة فجعل سليمان يبعث الجن فيأتونه بمسيرها ومنتهاها كل يوم وليلة حتى إذا
دنت جمع من عنده من الجن والإنس ممن تحت يديه فقال يا أيها الملا أيكم يأتيني
بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين قال وأسلمت فحسن إسلامها قال فزعم أن سليمان
قال لها حين أسلمت وفرغ من أمرها اختاري رجلا من قومك أزوجكه قالت
ومثلي يا نبي الله ينكح الرجال وقد كان لي في قومي من الملك والسلطان ما كان لي
قال نعم إنه لا يكون في الاسلام إلا ذلك ولا ينبغي لك أن تحرمي ما أحل الله لك
فقالت زوجني إن كان لابد ذابتع ملك همدان فزوجه إياها ثم ردها إلى اليمن
وسلط زوجها ذابتع على اليمن ودعا زوبعة أمير جن اليمن فقال اعمل الذي بتع
ما استعملك لقوم قال فصنع لذي بتع الصنائع باليمن ثم لم يزل بها ملكا يعمل له
فيها ما أراد حتى مات سليمان بن داود صلى الله عليه وسلم فلما حال الحول
وتبينت الجن موت سليمان أقبل رجل منهم فسلك تهامة حتى إذا كان في جوف
اليمن صرخ بأعلى صوته يا معشر الجن ان الملك سليمان قد مات فارفعوا أيديكم قال
فعمدت الشياطين إلى حجرين عظيمين فكتبوا فيهما كتابا بالمسند نحن بنينا سلحين
سبعة وسبعين خريفا دائبين وبنينا صرواح ومرواح وبينون وحاضة أيدين وهند
350

وهنيدة وسبعة أمجلة بقاعة وتلثوم بريدة ولولا صارخ بتهامة لتركنا بالبون إمارة
قال وسلحين وصرواح ومرواح وبينون وهند وهنيدة وتلثوم حصون كانت
باليمن عملتها الشياطين لذي بتع ثم رفعوا أيديهم ثم انطلقوا وانقضى ملك ذي بتع
وملك بلقيس مع ملك سليمان بن داود عليه السلام
ذكر غزوته أبا زوجته جرادة وخبر الشيطان الذي أخذ خاتمه
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن بعض العلماء قال قال وهب
ابن منبه سمع سليمان بمدينة في جزيرة من جزائر البحر يقال لها صيدون بها ملك
عظيم السلطان لم يكن للناس إليه سبيلا لمكانه في البحر وكان الله قد آتي سليمان
في ملكه سلطانا لا يمتنع منه شئ في بر ولا بحر إنما يركب إليه إذا ركب على الريح
فخرج إلى تلك المدينة تحمله الريح على ظهر الماء حتى نزل بها بجنوده من الجن والإنس
فقتل ملكها واستفاء ما فيها وأصاب فيما أصاب ابنة لذلك الملك لم ير
مثلها حسنا وجمالا فاصطفاها لنفسه ودعاها إلى الاسلام فأسلمت على جفاء منها
وقلة ثقة وأحبها حبا لم يحبه شيئا من نسائه ووقعت نفسه عليها فكانت على منزلتها
عنده لا يذهب حزنها ولا يرقأ دمعها فقال لها لما رأى ما بها وهو يشق عليه ما يرى
ويحك ما هذا الحزن الذي لا يذهب والدمع الذي لا يرقأ قالت إن أبى أذكره
وأذكر ملكه وما كان فيه وما أصابه فيحزنني ذلك قال فقد أبدلك الله ملكا هو
أعظم من ملكه وسلطانا هو أعظم من سلطانه وهداك للاسلام وهو خير من
ذلك كله قالت إن ذلك كذلك ولكني إذا ذكرته أصابني ما ترى من الحزن فلو أنك
أمرت الشياطين فصوروا صورة أبى في داري التي أنا فيها أراها بكرة وعشيا
لرجوت أن يذهب ذلك حزني وأن يسلى عنى بعض ما أجد في نفسي فأمر سليمان
الشياطين فقال مثلوا لها صورة أبيها في دارها حتى لا تنكر منه شيئا فمثلوه لها حتى
نظرت إلى أبيها في نفسه إلا أنه لا روح فيه فعمدت إليه حين صنعوه لها فازرته
وقمصته وعممته وردته بمثل ثيابه التي كان يلبس مثل ما كان يكون فيه من هيئته ثم
كانت إذا خرج سليمان من دارها تغدو عليه في ولائدها حتى تسجد له ويسجدن
351

له كما كانت تصنع به في ملكه وتروح كل عشية بمثل ذلك لا يعلم سليمان بشئ من
ذلك أربعين صباحا وبلغ ذلك آصف بن برخيا وكان صديقا وكان لا يرد عن
أبو أب سليمان أي ساعة أراد دخول شئ من بيوته دخل حاضرا كان سليمان
أو غائبا فأتاه فقال يا نبي الله كبرت سنى ودق عظمي ونفد عمري وقد حان منى
الذهاب وقد أحببت أن أقوم مقاما قبل الموت أذكر فيه من مضى من أنبياء الله وأثنى
عليهم بعلمي فيهم وأعلم الناس بعض ما كانوا يجهلون من كثير من أمورهم فقال افعل
فجمع له سليمان الناس فقام فيهم خطيبا فذكر من مضى من أنبياء الله فأثنى على كل نبي بما فيه
وذكر ما فضله الله به حتى انتهى إلى سليمان وذكره فقال ما كان أحلمك في صغرك
وأورعك في صغرك وأفضلك في صغرك وأحكم أمرك في صغرك وأبعدك من كل
ما يكره في صغرك ثم انصرف فوجد سليمان في نفسه حتى ملاه غضبا فلما دخل
سليمان داره أرسل إليه فقال يا آصف ذكرت من مضى من أنبياء الله فأثنيت
عليهم خيرا في كل زمانهم وعلى كل حال من أمرهم فلما ذكرتني جعلت تثنى على
بخير في صغرى وسكت عما سوى ذلك من أمري في كبرى فما الذي أحدثت في
آخر أمري قال إن غير الله ليعبد في دارك منذ أربعين صباحا في هوى امرأة
فقال في داري فقال في دارك قال إنا لله وإنا إليه راجعون لقد عرفت أنك
ما قلت إلا عن شئ بلغك ثم رجع سليمان إلى داره فكسر ذلك الصنم وعاقب
تلك المرأة وولائدها ثم أمر بثياب الطهرة فأتى بها وهى ثياب لا يغزلها إلا
الابكار ولا ينسجها إلا الابكار ولا يغسلها إلا الابكار ولا تمسها امرأة قد رأت
الدم فلبسها ثم خرج إلى فلاة من الأرض وحده فأمر برماد ففرش له ثم أقبل
تائبا إلى الله حتى جلس على ذلك الرماد فتمعك فيه بثيابه تذللا لله وتضرعا إليه
يبكى ويدعو ويستغفر مما كان في داره ويقول فيما يقول فيما ذكر لي والله أعلم
رب ما ذا ببلائك عند آل داود أن يعبدوا غيرك وأن يقروا في دورهم وأهاليهم
عبادة غيرك فلم يزل كذلك يومه حتى أمسى يبكى إلى الله ويتضرع إليه ويستغفره
ثم رجع إلى داره وكانت أم ولد له قال لها الأمينة كان إذا دخل مذهبه أو أراد
352

إصابة امرأة من نسائه وضع خاتمه عندها حتى يتطهر وكان لا يمس خاتمه إلا وهو
طاهر وكان ملكه في خاتمه فوضعه يوما من تلك الأيام عندها كما كان يضعه ثم
دخل مذهبه وأتاها الشيطان صاحب البحر وكان اسمه صخرا في صورة سليمان
لا تنكر منه شيئا فقال خاتمي يا أمينة فناولته إياه فجعله في يده ثم خرج حتى جلس
على سرير سليمان وعكفت عليه الطير والجن والانس وخرج سليمان فأتى الأمينة
وقد غيرت حالته وهيئته عند كل من رآه فقال يا أمينة خاتمي فقالت ومن أنت قال
أنا سليمان بن داود فقالت كذبت لست بسليمان بن داود وقد جاء سليمان فأخذ
خاتمه وهو ذاك جالس على سريره في ملكه فعرف سليمان أن خطيئته قد أدركته
فخرج فجعل يقف على الدار من دور بني إسرائيل فيقول أنا سليمان بن داود
فيحثون عليه التراب ويسبونه ويقولون انظروا إلى هذا المجنون أي شئ يقول
يزعم أنه سليمان بن داود فلما رأى سليمان ذلك عمد إلى البحر فكان ينقل الحيتان
لأصحاب البحر إلى السوق فيعطونه كل يوم سمكتين فإذا أمسى باع إحدى سمكتيه
بأرغفة وشوى الأخرى فأكلها فمكث بذلك أربعين صباحا عدة ما عبد ذلك الوثن
في داره فأنكر آصف وعظماء بني إسرائيل حكم عدو الله الشيطان في تلك الأربعين
صباحا فقال آصف يا معشر بني إسرائيل هل رأيتم من اختلاف حكم ابن داود
ما رأيت قالوا نعم قال أمهلوني حتى أدخل على نسائه فاسألهن على أنكرن منه في
خاصة أمره ما أنكرنا في عامة أمر الناس وعلانيته فدخل على نسائه فقال
ويحكن هل أنكرتن من أمر ابن داود ما أنكرنا فقلن أشد ما يدع امرأة منا في دمها
ولا يغتسل من جنابة فقال إنا لله وإنا إليه راجعون ان هذا لهو البلاء المبين ثم
خرج إلى بني إسرائيل فقال ما في الخاصة أعظم مما في العامة فلما مضى أربعون
صباحا طار الشيطان عن مجلسه ثم مر بالبحر فقذف الخاتم فيه فبلعته سمكة وبصر
بعض الصيادين فاخذها وقد عمل له سليمان صدر يومه ذلك حتى إذا كان العشى
أعطاه سمكتيه فأعطى السمكة التي أخذت الخاتم ثم خرج سليمان بسمكتيه فباع
التي ليس في بطنها الخاتم بالأرغفة ثم عمد إلى السمكة الأخرى فبقرها ليشويها
353

فاستقبله خاتمه في جوفها فأخذه فجعله في يده ووقع ساجدا لله وعكف عليه الطير
والجن وأقبل عليه الناس وعرف ان الذي دخل عليه لما كان أحدث في داره
فرجع إلى ملكه وأظهر التوبة من ذنبه وأمر الشياطين قال أئتوني به فطلبته له
الشياطين حتى أخذوه فأتى به فجاب له صخرة فادخله فيها ثم سد عليه بأخرى ثم
أوثقها بالحديد والرصاص ثم أمر به فقذف في البحر * حدثنا محمد بن الحسين
قال حدثنا أحمد بن المفضل قال حدثنا أسباط عن السدى في قوله (ولقد فتنا سليمان
وألقينا على كرسيه جسدا) قال الشيطان حين جلس على كرسية أربعين يوما
قال كان لسليمان مائة امرأة وكانت امرأة منهن يقال لها جرادة وهى آثر نسائه
عنده وآمنهن عنده وكان إذا أجنب أو أتى حاجة نزع خاتمه ولا يأتمن عليه أحدا
من الناس غيرها فجاءته يوما من الأيام فقالت إن أخي بينه وبين فلان خصومة
وأنا أحب أن تقضى له إذا جاءك فقال نعم ولم يفعل فابتلى فأعطاها خاتمه ودخل
المذهب فخرج الشيطان في صورته فقال هاتي الخاتم فأعطته فجاء حتى جلس على
مجلس سليمان وخرج سليمان بعد فسألها أن تعطيه خاتمه فقالت ألم تأخذه قبل
قال لا وخرج من مكانه تائها قال ومكث الشيطان يحكم بين الناس أربعين يوما
قال فأنكر الناس أحكامه فاجتمع قراء بني إسرائيل وعلماؤهم فجاؤوا حتى دخلوا
على نسائه فقالوا إنا قد أنكرنا هذا فإن كان سليمان فقد ذهب عقله وأنكرنا
أحكامه قال فبكى النساء عند ذلك قال فأقبلوا يمشون حتى أتوه فأحدقوا به
ثم نشروا فقرؤا التوراة قال فطار من بين أيديهم حتى وقع على شرفة والخاتم
معه ثم طار حتى ذهب إلى البحر فوقع الخاتم منه في البحر فابتلعه حوت من
حيتان البحر قال وأقبل سليمان في حاله التي كان فيها حتى انتهى إلى صياد من
صيادي البحر وهو جائع وقد اشتد جوعه فاستطعمه من صيدهم وقال إني أنا
سليمان فقام إليه بعضهم فضربه بعصا فشجه قال فجعل يغسل دمه وهو على
شاطئ البحر فلام الصيادون صاحبهم الذي ضربه وقالوا بئس ما صنعت حيث
ضربته قال إنه زعم أنه سليمان قال فاعطوه سمكتين مما قد ضرب عندهم
354

فلم يشغله ما كان به من الضرب حتى قام على شط البحر فشق بطونهما فجعل
يغلسهما فوجد خاتمه في بطن إحداهما فاخذه فلبسه فرد الله عليه بهاءه وملكه
وجاءت الطير حتى جامت عليه فعرف القوم انه سليمان فقام القوم يعتذرون مما
صنعوا فقال ما أحمدكم على عذركم ولا ألومكم على ما كان منكم كان هذا الامر
لابد منه قال فجاء حتى أتى ملكه فأرسل إلى الشيطان فجئ به وسخرت له الريح
والشياطين يومئذ ولم تكن سخرت له قبل ذلك وهو قوله (وهب لي ملكا لا ينبغي
لاحد من بعدي أنك أنت الوهاب) * وبعث إلى الشيطان فأتى به فأمر به فجعل
في صندوق من حديد ثم أطبق عليه وأقفل عليه بقفل وختم عليه بخاتمه ثم أمر
به فألقى في البحر فهو فيه حتى تقوم الساعة وكان اسمه حبقيق (قال أبو جعفر)
ثم لبث سليمان في ملكه بعد أن رده الله إليه تعمل له الجن ما يشاء من محاريب
وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات وغير ذلك من أعماله ويعذب من
الشياطين ما شاء ويطلق من أحب منهم اطلاقه حتى إذا دنا أجله وأراد الله قبضة
إليه كان من أمره فيما بلغني ما حدثني به أحمد بن منصور قال حدثنا موسى بن
مسعود أبو حذيفة قال حدثنا إبراهيم بن طهمان عن عطاء بن السائب عن سعيد
ابن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كان سليمان نبي الله إذا
صلى رأى شجرة نابتة بين يديه فيقول لها ما اسمك فتقول كذا وكذا فيقول لأي شئ
أنت فإن كانت لغرس غرست وإن كانت لدواء كتبت فبينما هو يصلى ذات يوم
إذ رأى شجرة بين يديه فقال لها ما اسمك قالت الخروب قال لأي شئ أنت قالت
لخراب هذا البيت فقال سليمان اللهم عم على الجن موتى حتى يعلم الانس أن
الجن لا يعلمون الغيب فنحتها عصا فتوكأ عليها حولا ميتا والجن تعمل فأكلتها
الأرضة فسقط فتبينت الانس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب
المهين قال وكان ابن عباس يقرأها حولا في العذاب المهين قال فشكرت الجن
الأرضة فكانت تأتيها بالماء * حدثني موسى بن هارون قال حدثنا عمرو عن
أسباط عن السدى في حديث ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس
355

وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم قال كان سليمان يتجرد في بيت المقدس السنة والسنتين والشهر والشهرين
وأقل من ذلك وأكثر يدخل طعامه وشرابه فأدخله في المرة التي مات فيها فكان
بدء ذلك أنه لم يكن يوم يصبح فيه إلا نبتت في بيت المقدس شجرة فيأتيها فيسألها
ما اسمك فتقول الشجرة اسمى كذا وكذا فيقول لها لأي شئ نبت فتقول نبت
لكذا وكذا * فيأمر بها فتقطع فإن كانت نبتت لغرس غرسها وإن كانت نبتت
دواء قالت نبت دواء لكذا وكذا فيجعلها لذلك حتى نبتت شجرة يقال لها الخروبة
فسألها ما اسمك قالت أنا الخروبة قال لأي شئ نبت قالت نبت لخراب هذا
المسجد قال سليمان ما كان الله ليخربه وأنا حي أنت التي على وجهك هلاكي
وخراب بيت المقدس فنزعها وغرسها في حائط له ثم دخل المحراب فقام يصلى
متكئا على عصاه فمات ولا تعلم به الشياطين وهم في ذلك يعملون له يخافون
أن يخرج فيعاقبهم وكانت الشياطين تجتمع حول المحراب وكان المحراب له
كوى بين يديه وخلفه فكان الشيطان الذي يريد أن يخلع يقول ألست جليدا
إن دخلت فخرجت من ذلك الجانب فيدخل حتى يخرج من الجانب الآخر فدخل
شيطان من أولئك فمر ولم يكن شيطان ينظر إلى سليمان في المحراب إلا احترق
فمر ولم يسمع صوت سليمان ثم رجع فلم يسمع ثم رجع فوقف في البيت فلم يحترق
ونظر إلى سليمان قد سقط ميتا فخرج فأخبر الناس أن سليمان قد مات ففتحوا
عنه فأخرجوه ووجدوا منسأته وهى العصا بلسان الحبشة قد أكلتها الأرضة
ولم يعملوا منذ كم مات فوضعوا الأرضة على العصا فأكلت منها يوما وليلة ثم
حسبوا على ذلك النحو فوجدوه قد مات منذ سنة وهى في قراءة ابن مسعود
فمكثوا يدينون له من بعد موته حولا كاملا فأيقن الناس عند ذلك أن الجن
كانوا يكذبونهم ولو أنهم علموا الغيب لعلموا موت سليمان ولم يلبثوا في العذاب
سنة يعلمون له وذلك قول الله عز وجل ما دلهم على موته إلا دابة الأرض - إلى
قوله - في العذاب المهين يقول بين أمرهم للناس أنهم كانوا يكذبونهم ثم إن
356

الشياطين قالوا للأرضة لو كنت تأكلين الطعام أتيناك بأطيب الطعام ولو كنت
تشربين الشراب سقيناك أطيب الشراب ولكنا سننقل الماء والطين قال فهم
ينقلون إليها ذاك حيث كانت قال ألم تر إلى الطين الذي يكون في جوف الخشب
فهو ما يأتيها به الشياطين شكرا لها * وكان جميع عمر سليمان بن داود فيما ذكر
نيفا وخمسين سنة وفى سنة أربع من ملكه ابتدأ ببناء بيت المقدس فيما ذكر *
قال أبو جعفر ونرجع الآن إلى
الخبر عمن ملك أقليم بابل والمشرق من ملوك الفرس بعد كيقباذ
وملك بعد كيقباذ بن زاغ بن بوجباه
كيقاوس
ابن كيبيه بن كيقباذ الملك فذكر أنه قال يوم ملك أن الله تعالى إنما خولنا
الأرض وما فيها لنسعى فيها بطاعته وأنه قتل جماعة من عظماء البلاد التي
حوله وحمى بلاده ورعيته ممن حواليهم من الأعداء أن يتناولوا منها شيئا وأنه
كان يسكن بلخ وأنه ولد له ابن لم ير مثله في عصره في جماله وكماله وتمام خلقه فسماه
سياوخش وضمه إلى رستم الشديد بن دستان بن برامان بن حورنك بن كر شاسب
ابن أثرط بن سهم بن نريمان وكان اصبهبذ سجستان وما يليه من قبله يربيه ويكفله
وأوصاه به فاخذه منه رستم فمضى به معه إلى موضع عمله سجستان فرباه رستم
ولم يزل في حجره يجمع له وهو طفل الحواضن والمرضعات ويتخيرهن له حتى
إذا ترعرع جمع له المعلمين فتخير له منهم من اختاره ليعلمه حتى إذا قدر على
الركوب علمه الفروسية حتى إذا تكامل فيه فنون الآداب وفاق في الفروسية قدم
به على والده رجلا كاملا فامتحنه والده كيقاوس فوجده نافدا في كل ما أراد
بارعا فسربه وكان كيقاوس تزوج فيما ذكر ابنة فراسيات ملك الترك وقيل بل إنها
بنت ملك اليمن وكان يقال لها سوذابة وكانت ساحرة فهويت سياوخش ودعته إلى
نفسها وأنه امتنع عليها وذكرت لها ولسياوخش قصة يطول بذكرها الكتاب غير أن
357

آخر أمرهما صار في ذلك فيما ذكر لي أن سوذابة لم تزل لما رأت من امتناع
سياوخش عليها فيما أرادت منه من الفاحشة بأبيه كيقاوس حتى أفسدته عليه وتغير
لابنه سياوخش فسأل سياوخش رستم أن يسأل أباه كيقاوس توجيهه لحرب
فراسيات لسبب منعه بعض ما كان ضمن له عند إنكاحه ابنته إياه وصلح جرى
بينه وبينه مريدا بذلك سياوخش البعد عن والده كيقاوس والتنحي عما تكيد
به عنده زوجته سوذابة ففعل ذلك رستم واستأذن له أباه فيما سأله وضم إليه
جندا كثيفا فشخص إلى بلاد الترك للقاء فراسيات فلما صار إليه سياوخش جرى
بينهما صلح وكتب بذلك سياوخش إلى أبيه يعلمه ما جرى بينه وبين فراسيات
من الصلح فكتب إليه والده يأمره بمناهضة فراسيات ومناجزته الحرب إن هو
لم يذعن له بالوفاء يما كان فارقه عليه فرأى سياوخش أن في فعله ما كتب به إليه
أبو ه من محاربة فراسيات بعد الذي جرى بينه وبينه من الصلح والهدنة من غير
نقض فراسيات شيئا من أسباب ذلك عليه عارا ومنقصة ومأثما فامتنع عن إنفاذ
أمر أبيه في ذلك ورأى في نفسه أنه يؤتى في كل ذلك من زوجة أبيه التي دعته
إلى نفسها فامتنع عليها ومال إلى الهرب من أبيه فراسل فراسيات في أخذا الأمان
لنفسه منه واللحاق به وترك والده فأجابه فراسيات إلى ذلك وكان السفير بينهما
في ذلك فيما قيل رجلا من الترك من عظمائهم يقال له فيران بن ويسغان فلما فعل
ذلك سياوخش انصرف عنه من كان معه من جند أبيه كيقاوس فلما صار
سياوخش إلى فراسيات بوأه وأكرمه وزوجه ابنة له ويقال لها وسفا فريد وهى
أم كيخسرونه ثم لم يزل مكرما حتى ظهر له من أدب سياوخش وعقله وكماله
وفروسيته ونجدته ما أشفق على ملكه منه فأفسده ذلك عنده وزاده فسادا عليه
سعى ابنين له وأخ يقال له كيدر بن فشنجان عليه بإفساد أمر سياوخش عنده
حسدا منهم له وحذرا على ملكهم منه حتى مكنهم من قتله فذكر في سبب وصولهم
إلى قتله أمر يطول بشرحه الخطب إلا أنهم قتلوه ومثلوا به وامرأته ابنة
فراسيات حامل منه بابنه كيخسرونه فطلبوا الحيلة لاسقاطها ما في بطنها فلم يسقط
358

وأن فيران الذي سعى في عقد الصلح بين فراسيات وسياوخش لما صح عنده
ما فعل فراسيات من قتله سياوخش أنكر ذلك من فعله وخوفه عاقبة الغدر
وحذره الطلب بالثأر من والده كيقاوس ومن رستم وسأله دفع ابنته وسفا فريد
إليه لتكون عنده إلى أن تضع ما في بطنها ثم يقتله ففعل ذلك فراسيات فلما وضعت
برق فيران لها وللمولود فترك قتله وستر أمره حتى بلغ المولود فوجه فيما ذكر
كيقاوس إلى بلاد الترك بي بن جوذرز وأمره بالبحث عن المولود الذي ولدته
زوجة ابن سياوخش والتأني لاخراجه إليه إذا وقف على خبره مع أمه وأن
بيا شخص لذلك فلم يزل يفحص عن أمر ذلك المولود متنكرا حينا من الزمان
فلا يعرف له خبر ولا يدله عليه أحد ثم وقف بعد ذلك على خبره فاحتال فيه
وفى امه حتى أخرجهما من أرض الترك إلى كيقاوس وقد كان كيقاوس فيما
ذكر حين اتصل به قتل ابنه أشخص جماعة من رؤساء قواده منهم رستم بن دستان
الشديد وطوس بن نوذران وكانا ذوي بأس ونجدة فأثخنا الترك قتلا وأسرا
وحاربا فراسيات حربا شديدا وأن رستم قتل بيده شهر وشهرة ابني فراسيات
وأن طوسا قتل بيده كيدراخا فراسيات وذكر أن الشياطين كانت مسخره
لكيقاوس فزعم بعض أهل العلم بأخبار المتقدمين أن الشياطين الذين كانوا سخروا
له إنما كانوا يطيعونه عن أمر سليمان بن داود إياهم بطاعته وأن كيقاوس أمر
الشياطين فبنوا له مدينة سماها كيكدر ويقال قيقدور وكان طولها فيما يزعمون
ثمانمائة فرسخ وأمرهم فضربوا عليها سورا من صفر وسورا من شبه وسورا من
نحاس وسورا من فخار وسورا من فضة وسورا من ذهب وكانت الشياطين تنقلها
ما بين السماء والأرض وما فيها من الدواب والخزائن والأموال والناس وذكروا
أن كيقاوس كان لا يحدث وهو يأكل ويشرب ثم إن الله تعالى بعث إلى المدينة
التي بناها كذلك من يخربها فأمر كيقاوس شياطينه بمنع من قصد لتخريبها فلم
يقدروا على ذلك فلما رأى كيقاوس الشياطين لا يطيق الدفع عنها عطف عليها فقتل
رؤساءها وكان كيقاوس مظفرا لا يناوئه أحد من الملوك إلا ظفر عليه وقهره ولم
359

يزل ذلك أمره حتى حدثته نفسه لما كان أتى من العز والملك وأنه لا يتناول
شيئا إلا وصل إليه بالصعود إلى السماء * فحدثت عن هشام بن محمد أنه شخص
من خراسان حتى نزل بابل وقال ما بقى شئ من الأرض إلا وقد ملكته ولابد
من أن أعرف أمر السماء والكواكب وما فوقها وأن الله أعطاه قوة ارتفع بها
ومن معه في الهواء حتى انتهوا إلى السحاب ثم إن الله سلبهم تلك القوة فسقطوا
فهلكوا وأفلت بنفسه وأحدث يومئذ وفسد عليه ملكه وتمزقت الأرض وكثرت
الملوك في النواحي فصار يغزوهم ويغزونه فيظفر مرة وينكب أخرى * قال فغزا
بلاد اليمن والملك بها يومئذ ذو الأذعار بن أبرهة ذي المنار بن الرائش فلما ورد
بلاد اليمن خرج عله ذو الأذعار بن أبرهة وكان قد أصابه الفالج فلم يكن يغزو قبل
ذلك بنفسه قال فلما أظله كيقاوس ووطئ بلاده في جموعه خرج بنفسه في جموع
حمير وولد قحطان فظفر بكيقاوس فأسره واستباح عسكره وحبسه في بئر وأطبق
عليه طبقا قال وخرج من سجستان رجل يقال له رستم كان جبارا قويا فيمن
أطاعه من الناس قال فزعمت الفرس أنه وغل بلاد اليمن واستخرج قابوس
من محبسه وهو كيقاوس قال وزعم أهل اليمن أنه لما بلغ ذا الأذعار إقبال رستم
خرج إليه في جنوده وعدده وخندق كل واحد منهما على عسكره وأنهما أشفقا
على جنديهما من البوار وتخوفا إن تزاحفا أن لا تكون لهما بقية فاصطلحا على دفع
كيقاوس إلى رستم ووضع الحرب فانصرف رستم بكيقاس إلى بابل وكتب كيقاوس
لرستم عتقا من عبودة الملك وأقطعه سجستان وزابلستان وأعطاه قلنسوة
منسوجة بالذهب وتوجه وأمره أن يجلس على سرير من فضة قوائمه من ذهب
فلم تزل تلك البلاد بيد رستم حتى هلك كيقاوس وبعده دهرا طويلا قال وكان
ملكه مائة وخمسين سنة * وزعم علماء الفرس أن أول من سود لباسه على وجه
الحداد شادوس بن جوذرز على سياوخش وأنه فعل ذلك يوم ورد على كيقاوس
نعى ابنه سياوخش وقتل فراسيات إياه وغدره به وأنه دخل على كيقاوس وقد
لبس السواد وأعلمه أن فعل ذلك لان يومه يوم إظلام وسواد وقد حقق ما ذكر
360

ابن الكلبي من أسر صاحب اليمن قابوس الحسن بن هانئ في شعر له فقال
وقاظ قابوس في سلاسلنا * سنين سبعا وفت لحاسبها
ثم ملك من بعد كيقاوس ابن ابنه
كيخسرو
ابن سياوخش بن كيقاوس بن كيبيه بن كيقباذ وكان كيقاوس حين سار به
وبأمه وسفا فريد ابنة فراسيات * وربما قيل وسففره بي بن جوذرز إليه من
بلاد الترك ملكه فلما قام بالملك بعد جده كيقاوس وعقد التاج على رأسه خطب
رعيته خطبة بليغة أعلمهم فيها أنه على الطلب بدم أبيه سياوخش قبل فراسيات
التركي ثم كتب إلى جوذرز الاصبهبذ كان بأصبهان ونواحي خراسان يأمره
بالمسير إليه فلما صار إليه أعلمه ما عزم عليه من الطلب بثأره من قتل والده وأمره
بعرض جنده وانتخاب ثلاثين ألف رجل منهم وضمهم إلى طوس بن نوذران
ليتوجه بهم إلى بلاد الترك ففعل ذلك جوذرز وضمهم إلى طوس وكان فيمن
أشخص معه برزافرة بن كيقاوس عم كيخسرو وبي بن جوذرز وجماعة كثيرة
من اخوته وتقدم كيخسرو إلى طوس أن يكون قصده لفراسيات وطراخنته
وألا يمر بناحية من بلاد الترك كان فيها أخ له يقال له فروذ بن سياوخش من
امرأة يقال لها برزافريد كان سياوخش تزوجها في بعض مدائن الترك أيام سار
إلى فراسيات ثم شخص عنها وهى حبلى فولدت فروذ فأقام بموضعه إلى أن شب
فغلظ طوس في أمر فروذ فيما قيل وذلك أنه لما صار بحذاء المدينة التي كان فيها
فروذ هاج بينه وبينه حرب ببعض الأسباب فهلك فروذ فيها فلما اتصل خبره
بكيسخرو كتب إلى برزافره عمه كتابا غليظا يعلمه فيه ما ورد عليه من خبر طوس
ابن نوذران ومحاربته فروذ أخاه وأمره بتوجيه طوس إليه مقيدا مغلولا وتقدم
إليه في القيام بأمر العسكر والنفوذ به لوجهه فلما وصل الكتاب إلى برزافره جمع
رؤساء الأجناد والمقاتلة فقرأه عليهم وأمر بغل طوس وتقييده ووجهه مع ثقات
من رسله إلى كيخسرو وتولى أمر العسكر وعبر النهر المعروف بكاسرود وانتهى
361

الخبر إلى فراسيات فوجه إلى برزافره جماعة من اخوته وطراخنته لمحاربته فالتقوا
بموضع من بلاد الترك يقال له واشن وفيهم فيران بن ويسغان واخوته طراسف
ابن جوذرز صهر فراسيات وهماسف بن فشنجان وقاتلوا قتالا شديدا وظهر من
برزافره في ذلك اليوم فشل لما رأى من شدة الامر وكثرة القتلى حتى انحاز بالعلم
إلى رؤوس الجبال واضطرب على والده جوذرز أمرهم فقتل منهم في تلك الملحمة
في وقعة واحدة سبعون رجلا وقتل من الفريقين بشر كثير وانصرف برزافره
ومن كان معه إلى كيخسرو وبهم من الغم والمصيبة ما تمنوا معه الموت فكان
خوفهم من سطوة كيخسرو أشد فلما دخلوا على كيخسرو أقبل على برزافره
بلائمة شديدة وقال أتيتم في وجهكم لترككم وصيتي ومخالفة وصية الملوك تورد
مورد السوء وتورث الندامة وبلغ ما أصيبوا به من كيخسر وحتى رؤيت الكآبة
في وجهه ولم يلتذ طعاما ولا نوما فلما مضت لموافاتهم أيام أرسل إلى جوذرز فلما
دخل عليه أظهر التوجع له فشكا إليه جوذرز برزافره وأعلمه أنه كان السبب
للهزيمة بالعلم وخذلانه ولده فقال له كيخسرو ان حقك بخدمتك لآبائنا لازم
لنا وهذه جنودنا وخزائننا مبذولة لك في مطالبة ترتك وأمره بالتهيؤ والاستعداد
والتوجه إلى فراسيات والعمل في قتله وتخريب بلاده فلما سمع جوذرز مقالة كيخسرو
نهض مبادرا فقبل يده وقال أبها الملك المظفر نحن رعيتك وعبيدك فإن كانت
آفة أو نازلة فلتكن بالعبيد دون ملوكها وأولادي المقتولون فداؤك ونحن من
وراء الانتقام من فراسيات والاشتفاء من مملكة الترك فلا يغمن الملك ما كان
ولا يدعن لهوه فان الحرب دول وأعلمه أنه على النفوذ لامره وخرج من عنده
مسرورا فلما كان من الغد أمر كيخسرو أن يدخل عليه رؤوساء أجناده والوجوه
من أهل مملكته فلما دخلوا عليه أعلمهم ما عزم عليه من محاربة الأتراك وكتب
إلى عماله في الآفاق يعلمهم ذلك ويأمر بموافاتهم في صحراء تعرف بشاه أسطون
من كورة بلخ في وقت وقته لهم فتوافت رؤساء الأجناد في ذلك الموضع وشخص إليه
كيخسرو باصبهبذته وأصحابهم وفيهم برزافره عمه وأهل بيته وجوذرزو بقية ولده
362

فلما تكاملت الملحمة واجتمعت المرازبة تولى كيخسرو بنفسه عرض الجند حتى
عرف مبلغهم وفهم أحوالهم ثم دعا بجوذرز بن جشوادغان وميلاذ بن جرجين
واغص بن بهذان واغص ابن وصيفة كانت لسياوخش يقال لها شوماهان فأعلمهم
أنه قد أراد إدخال العساكر على الترك من أربعة أوجه حتى يحيطوا بهم برا وبحرا وأنه
قد قود على تلك العساكر وجعل أعظمها إلى جوذرز وصبر مدخله من ناحية خراسان
وجعل فيمن ضم إليه برزافره عمه وبي بن جوذرز وجماعة من الاصبهبذين كثيرة
ودفع إليه يومئذ العلم الأكبر الذي كانوا يسمونه درفش كابيان وزعموا أن ذلك
العلم لم يكن دفعه أحد من الملوك إلى أحد من القواد قبل ذلك وإنما كانوا يسيرونه مع
أولاد الملوك إذا وجهوهم في الأمور العظام وأمر ميلاذ بالدخول مما يلي الصين وضم
إليه جماعة كثيرة دون من ضم إلى جوذرز وأمراغص بالدخول من ناحية الخزر في
مثل من ضم إلى ميلاذ وضم إلى شومهان أخوتها وبنى عمها وتمام ثلاثين ألف
رجل من الجند وأمرها بالدخول من طريق بين طرق جوذرز وميلاذ ويقال
ان كيخسرو انما غزى شومهان لخاصتها بسياوخش وكانت نذرت أتطالب
بدمه فمضى جميع هؤلاء لوجههم ودخل جوذرز بلاد الترك من ناحية خراسان
وبدأ بفيران بن ويسغان فالتحمت بينهما حرب شديدة مذكورة وهى الحرب
التي قتل فيها بيزن بن بي خمان بن ويسغان مبارزة وقتل جوذر زفيران
أيضا ثم قصد جوذرز فراسيات وألحت عليه العساكر الثلاثة كل عسكر من
الوجه الذي دخل منه واتبع القوم بعد ذلك كيخسرو بنفسه وجعل قصده
للوجه الذي كان فيه جوذرز وصير مدخله منه فوافى عسكر جوذرز وقد أثخن
في الترك وقتل فيران رئيس اصبهبذى فراسيات والمرشح للملك من بعده وجماعة
كثيرة من اخوته مثل خمان واوستهن وجلباد وسيامق وبهرام وفرشخاذ وفرخلاد
ومن ولده مثل روين بن فيران وكان مقدما عند فراسيات وجماعة من اخوة
فراسيات مثل رتدراى واندرمان واسفخرم واخست وأسر برو بن فشنجان
قاتل سياوخش ووجد جوذرز قد أحصى القتلى والاسرى وما غنم من الكراع
363

والأموال فوجد مبلغ ما في يده من الاسرى ثلاثين ألفا ومن القتلى خمسمائة ألف
ونيفا وستين ألف رجل ومن الكراع والورق والأموال مالا يحصى كثرة
وأمر كل واحد من الوجوه الذين كانوا معه ان يجعل أسيره أو قتيله من الأتراك
عند علمه لينظر كيخسرو إلى ذلك عند موافاته فلما وافى كيخسرو العسكر
وموضع الملحمة اصطفت له الرجال وتلقاه جوذرز وسائر الاصبهبذين فلما دخل
العسكر جعل يمر بعلم علم فكان أول قتيل رآه جثة فيران عند علم جوذرز فلما
نظر إليها وقف ثم قال أيها الجبل الصعب الذرى المنيع الأركان ألم أنهك عن
هذه المحاربة وعن نصب نفسك لنادون فراسيات في هذه المطالبة ألم أبذل لك
نفسي وأعرض عليك ملكي فلم تحسن الاختيار ألست الصدوق اللسان الحافظ
للاخوان الكاتم للاسرار ألم أعلمك مكر فراسيات وقلة وفاثه فلم تفعل ما أمرتك
بل مضيت في نومك حتى احتوشتك الليوث من مقاتلتنا وأبناء مملكتنا ما أغنى
عنك فراسيات وقد فارقت الدنيا وأفنيت آل ويسغان فويل لعلمك وفهمك
وويل لسخائك وصدقك إنا بك اليوم لمرجعون ولم يزل كيخسرو يرثى فيران
حتى صار إلى علم بي بن جوذرز فلما وقف عليه وجدبروا بن فشنجان حيا أسيرا
في يدي بي فسأل عنه فأخبر ان بروا قاتل سياوخش الماثل به عند قتله إياه فقرب
منه كيخسرو ثم طأطأ رأسه بالسجود شكرا لربه ثم قال الحمد لله الذي أمكنني منك
يابروا أنت الذي قتلت سياوخش ومثلت به وأنت الذي سلبته زينته وتكلفت
من بين الأتراك إبارته فغرست لنا بفعلك هذه الشجرة من العداوة وهيجت
بيننا هذه المحاربة وأشعلت في كلا الفريقين نارا موقدة أنت الذي جرى على يديك
تبديل صورته وتوهين قوته اما تهيبت أيها التركي جماله ألا أبقيت عليه للنور
الساطع على وجهه أين نجدتك وقوتك اليوم وأين أخوك الساحر عن نصرتك
لست أقتلك لقتلك إياه بل لكلفتك وتوليك ما كان صلاحا لك ألا تتولاه
وسأقتل من قتله ببغيه وجرمه ثم أمر أن تقطع أعضاؤه حيا ثم يذبح ففعل ذلك
به بي ولم يزل كيخسرو يمر بعلم علم واصبهبذا صبهبذ فإذا صار إلى الواحد منهم
364

قال له نحو ما ذكرنا ثم صار إلى مضاربه فلما استقر فيها دعا ببرزافره عمه فلما
دخل عليه أجلسه عن يمينه وأظهر له السرور بقتله جلباذ بن ويسغان مبارزة
ثم أجزل جائزته وملكه على كرمان ومكران ونواحيها ثم دعا بجوذرز فلما
دخل عليه قال له أيها الاصبهبذ الرشيد والكهل الشفيق انه مهما كان من هذا
الفتح العظيم فمن ربنا عز وجل وعن غير حيلة منا ولا قوة ثم برعايتك حقنا
وبذلك نفسك وأولادك لنا وذلك مدخور لك عندنا وقد حبوناك بالمرتبة التي
يقال لها بزر جفر مذار وهى الوزارة وجعلنا لك أصبهان وجرجان وجبالهما
فاحسن رعاية أهلها فشكر جوذرز ذلك وخرج من عنده بهجا مسرورا ثم أمر
بالوجوه من اصبهبذته الذين كانوا مع جوذرز ممن حسن بلاؤه وتولى قتل
طراخنة الأتراك ولد فشنجان وويسغان مثل جرجين ابن ميلاذان وبي وشادوس
لخام وجدمير بن جوذرز وبيزن ابن بي وبرازه بن بيفغان وفروذه بن فامدان
وزنده بن شابريغان وبسطام بن كزدهمان وفرته بن تفارغان فدخلوا عليه رجلا
رجلا فمنهم من ملكه على البلدان الشريفة ومنهم من خصه باعمال من أعمال
حضرته ثم لم يلبث أن وردت عليه الكتب من ميلاذ وأغص وشومهان يا ثخانهم
في بلاد الترك وانهم قد هزموا الفراسيات عسكرا بعد عسكر فكتب إليهم ان
يجدوا في محاربة القوم وان يوافوه بموضع سماه لهم من بلاد الترك فزعموا أن
العساكر الأربعة لما أحاطت بفراسيات وأتاه من قتل من قتل وأسر من أسر
وخراب ما خرب ما أتاه ضاقت عليه المذاهب ولم يبق معه من ولده الاشيده
وكان ساحرا فوجهه نحو كيخسرو بالعدة والعتاد فلما وافى كيخسرو أعلم أن
أباه انما وجهه للاحتيال عليه فجمع اصبهذته وتقدم إليهم في الاحتراس من غيلته
وقيل إن كيخسرو أشفق يومئذ من شيده وهابه وظن أن لا طاقه له به وان
القتال اتصل بينهما أربعة أيام وان رجلا من خاصة كيخسرو يقال له جرد بن
جرهمان عبى يومئذ أصحاب كيخسرو فاحسن تعبيتهم فكثرت القتلى بينهم
واستماتت رجال خنيارث وجدت وأيقن شيده ان لا طاقة له بهم فانهزم
365

واتبعه كيخسرو بمن معه ولحقه جرد فضربه على هامته بالعمود ضربة خر منها
ميتا ووقف كيخسرو على جيفته فعاين منها سماجة شنعة وغنم كيخسرو
ما كان من عسكرهم وبلغ الخبر فراسيات فأقبل بجميع طراخنته فلما التقى
وكيخسر ونشبت بينهما حرب شديدة لا يقال إن مثلها كان على وجه
الأرض قبلها فاختلط رجال خنيارث برجال الترك وامتد الامر بينهم حتى لم تقع
العين يومئذ إلا على الدماء والأسر من جورز وولده وجرجين وجرد وبسطام ونظر
فراسيات وهم يحمون كيخسرو كأنهم أسود ضارية فانهزم موليا على وجه هاربا
فأحصيت القتلى فيما ذكر يومئذ فبلغت عدتهم مائة ألف وجد كيخسرو أصحابه
في طلب فراسيات وقد تجرد للهرب فلم يزل يهرب من بلد إلى بلد حتى أتى آذربيجان
فاستتر في غدير هناك يعرف ببئر خاسف ثم ظفر به فلما أتى كيخسرو استوثق منه
بالحديد ثم أقام للاستراحة بموضعه ثلاثة أيام ثم دعاه فسأله عن عذره في أمر
سياوخش فلم يكن له عذر ولا حجة فأمر بقتله فقام إليه بي بن جوذرز فذبحه كما
ذبح سياوخش ثم أتى كيخسرو بدمه فغمس فيه يده وقال هذا بترة سياوخش
وظلمكم إياه واعتدائكم عليه ثم انصرف من آذربيجان ظافرا غانما بهجا * وذكر
أن عدة من أولاد كيبيه جد كيخسرو الأكبر وأولادهم كانوا مع كيخسرو في
حرب الترك وان ممن كان معه كي أرش بن كيبيه وكان مملكا على خوزستان وما
يليها من بابل وكى به أرش وكان مملكا كرمان ونواحيها وكى أوجى بن كيمنوش
ابن كيفاشين بن كيبيه وكان مملكا على فارس وكى أوجى هذا هو أبو كي لهراسف
الملك ويقال ان أخا لفراسيات كان يقال له كي شراسف صار إلى بلاد الترك بعد
قتل كيخسرو أخاه فاستولى على ملكها وكان له ابن يقال له خرزاسف فملك البلاد
بعد أبيه وكان جبارا عاتيا وهو ابن أخي فراسيات ملك الترك الذي كان حارب
منوشهر وجوذرز هو ابن خشوادغان بن يسحره بن قرحين بن حبر بن رسود بن
أورب بن تاج بن رنسنك بن ارس بن ونديج بن رعر بن نودراحاه بن مسواغ بن
نوذر بن منوشهر فلما فرغ كيخسرو من المطالبة بوتره واستقر في مملكته زهد في
366

الملك وتنسك وأعلم الوجوه من أهله وأهل مملكته انه على التخلي من الامر فاشتد
لذلك جزعهم وعظمت له وحشتهم واستغاثوا إليه وطلبوا وتضرعوا وراودوه
على المقام بتدبير ملكهم فلم يجدوا عنده في ذلك شيئا فلما يئسوا قالوا بأجمعهم فإذا
قمت على ما أنت عليه فسم للملك رجلا نقلده إياه وكان لهراسف حاضرا فأشار بيده
إليه وأعلمهم انه خاصته ووصيه فأقبل الناس إلى لهراسف وذلك بعد قبوله الوصية
وفقد كيخسرو فبعض يقول إنه غاب للنسك فلا يدرى أين مات ولا كيف كانت
ميتته وبعض يقول غير ذلك وتقلد لهراسف الملك بعده على الرسم الذي رسم له
وولد كيخسرو جاماس واسبهر ورمى ورمين وكان ملك كيخسرو ستين سنة
(رجع الحديث) إلى الخبر عن
أمر بني إسرائيل بعد سليمان بن داود عليه السلام
ثم ملك بعد سليمان بن داود على جميع بني إسرائيل ابنه رحبعم بن سليمان وكان
ملكه فيما قيل سبع عشرة سنة ثم افترقت ممالك بني إسرائيل فيما ذكر بعد رحبعم
فكان أبيا بن رحبعم ملك سبط يهوذا وبنيامين دون سائر الأسباط وذلك أن
سائر الأسباط ملكوا علبهم يوربعم بن نابط عبد سليمان لسبب القربان الذي
كانت زوجة سليمان قربته في داره وكانت قربت فيها جرادة لصنم فتوعده الله
بإزالة بعض الملك عن ولده فكان ملك رحبعم إلى أن توفى فيما ذكر ثلاث سنين
ثم ملك أسا بن أبيا أمر السبطين اللذين كان أبو ه يملك أمرهما وهما سبط يهوذا
وسبط بنيامين إلى أن توفى إحدى وأربعين سنة
ذكر خبر أسا بن أبيا وزرج الهندي
* حدثني محمد بن سهل بن عسكر قال حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال
حدثني عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهب بن منبه يقول إن ملكا من ملوك بني إسرائيل
يقال له أسا بن أبيا كان رجلا صالحا وكان أعرج وكان ملك من ملوك
الهند يقال له زرج وكان ملكا جبارا فاسقا يدعو الناس إلى عبادته وكان أبيا عابد
أصنام له صنمان يعبدهما من دون الله ويدعو الناس إلى عبادتهما حتى أضل عامة
367

بني إسرائيل وكان يعبد الأصنام حتى توفى ثم ملك ابنه أسا من بعده فلما ملكهم
بعث فيهم مناديا ينادى ألا إن الكفر قد مات وأهله وعاش الايمان وأهله
وانتكست الأصنام وعبادتها وظهرت طاعة الله وأعمالها فليس كافر من بني إسرائيل
يطلع رأسه بعد اليوم بكفر في ولايتي ودهري الا أنى قاتله فان الطوفان لم يغرق
الدنيا وأهلها ولم يخسف بالقرى ولم تمطر الحجارة والنار من السماء إلا بترك طاعة
الله واظهار معصيته فمن أجل ذلك ينبغي لنا أن لا نقر لله معصية يعمل بها ولا نترك
طاعة لله الا أظهرناها جهدنا حتى نطهر الأرض من نجسها وننقيها من دنسها
ونجاهد من خالفنا في ذلك بالحرب والنفي من بلادنا فلما سمع ذلك قوم ضجوا
وكرهوا فأتوا أم أسا الملك فشكوا إليها فعل ابنها بهم وبآلهتهم ودعاءه إياهم إلى
مفارقة دينهم والدخول في عبادة ربهم فتحملت لهم أمه أن تكلمه وتصرفه إلى
عبادة أصنام والده فبينا الملك قاعد وعنده أشراف قومه ورؤسهم وذوو طاعتهم
إذ أقبلت أم الملك فقام لها الملك من مجلسه وأمرها أن تجلس فيه معرفة بحقها
وتوقيرا لها فأبت عليه وقالت لست ابني إن لم تجبني إلى ما أدعوك إليه وتضع
طاعتك في يدي حتى تفعل ما آمرك به وتجيبني إلى أمر إن أطعتني فيه رشدت
وأخذت بحظك وان عصيتني فحظك بخست ونفسك ظلمت إنه بلغني يا بنى انك
بدأت قومك بالعظيم دعوتهم إلى مخالفة دينهم والكفر بآلهتهم والتحويل عما كان عليه
آباؤهم وأحدثت فيهم سنة وأظهرت فيهم بدعة أردت بذلك فيما زعمت تعظيما لو قارك
ومعرفة بمكانك وتشديدا لسلطانك وفى التقصير يا بنى دخلت وبالشين أخذت
ودعوت جميع الناس إلى حربك وانتدبت لقتالهم وحدك أردت بذلك أن تعيد الأحرار
لك عبيدا والضعيف لك شديدا سفهت بذلك رأى العلماء وخالفت الحكماء واتبعت
رأى السفهاء ولعمري ما حملك على ذلك يا بنى إلا كثرة طيشك وحداثة سنك وقلة
علمك فان أنت رددت على كلامي ولم تعرف حقي فلست من نسل والدك ولا
ينبغي الملك لمثلك يا بنى بأي شئ تدل على قومك لعلك أوتيت من الحروف مثل
ما أوتى موسى إلى فرعون إن غرقه وأنجى قومه من الظلمة أو لعلك أوتيت
368

من القوة ما أوتى داود أن قتل الأسد لقومه ولحق الذئب فشق شدقه وقتل
جالوت الجبار وحده أو لعلك أوتيت من الملك والحكمة أفضل مما أوتى سليمان
ابن داود رأس الحكماء إذ صارت حكمته مثلا للباقين بعده يا بنى انه ما يأتك
من حسنة فانا أحظى الناس بها وإن تكن الأخرى فانا أشقاهم بشقوتك فلما
سمعها الملك اشتد غضبه وضاق صدره فقال لها يا أمه إنه لا ينبغي أن آكل على
مائدة واحدة مع حبيبي وعدوى كذلك لا ينبغي أن أعبد غير ربى هلمي إلى أمر
إن أطعتني فيه رشدت وإن تركته غويت أن تعبدي الله وتكفري بكل آلهة
دونه فإنه ليس أحد يرد هذا على إلا هو لله عدو وأنا ناصره لانى عبد ه قالت
له ما كنت لا فارق أصنامي ولا دين آبائي وقومي ولا أترك ذلك لقولك ولا
أعبد الرب الذي تدعوني إليه فقال لها الملك حينئذ يا أمه إن قولك هذا قد قطع
فيما بيني وبينك رحمي وأمر بها الملك عند ذلك فأخرجوها وغربوها ثم أوصى
إلى صاحب شرطته وبابه أن يقتلها إن هي ألمت بمكانه فلما سمع ذلك منه الأسباط
الذين كانوا حوله وقعت في قلوبهم المهابة فأذعنوا له بالطاعة وانقطعت فيما
بينهم وبينه كل حيلة وقالوا قد فعل هذا بأمه فأين نقع نحن منه إذا خالفنا في
أمره ولم نجبه إلى دينه فاحتالوا له كل حيلة فحفظه الله وأباد مكرهم فلما لم يكن
لهم عن ذلك صبر ولا على فراق دينهم قوام ائتمروا بأن يهربوا من بلاده
ويسكنوا بلادا غيرها فخرجوا متوجهين إلى زوج ملك الهند يطلبون أن
يستحملوه على أسا ومن اتبعه فلما دخلوا على زرج سجدوا له فقال لهم من أنتم
قالوا نحن عبيدك قال وأي عبيدي أنتم قالوا نحن من أرضك أرض الشام وإنا
كنا نعتز بملكك حتى ظهر فينا ملك صبي حديث السن سفيه فغير ديننا وسفه
رأينا وكفر آباءنا وهان عليه سخطنا فأتيناك لنعلمك ذلك فتكون أنت أولى
بملكنا ونحن رؤسهم وهى أرض كثير مالها ضعيف أهلها طيبة معيشتها كثيرة
أنصارها وفيهم الكنوز وملك ثلاثين ملكا وهم الذين كان يوشع بن نون خليفة
موسى سار بهم في البحر هو وقومه فنحن وأرضنا لك وبلادنا بلادك وليس أحد
369

فيها يناصبك هم دافعون أيديهم إليك بغير قتال بأموالهم وأنفسهم مسالمة قال
لهم زرج لعمري ما كنت لأجيبكم إلى ما دعوتموني إليه ولا أستجيب إلى مقاتلة
قوم لعلهم أطوع لي منكم حتى أبعث إليهم من قومي أمناء فان وقع الامر على
ما تكلمتم به قدامي نفعكم ذلك عندي وجعلتكم عليها ملوكا وإن كان كلامكم كذبا
فانى منزل بكم العقوبة التي تنبغي لمن كذبني قال القوم تكلمت بالعدل وحكمت
بالقسط ونحن به راضون فأمر عند ذلك بالأرزاق فأجريت عليهم واختار من
قومه أمناء ليبعثهم جواسيس فأوصاهم بوصيته وخوفهم وحذرهم بطشه إن هم
كذبوه ووعدهم المعروف إن هم صدقوه وقال لهم زرج إني مرسلكم لأمانتكم
وشحكم على دينكم وحسن رأيكم في قومكم لتطالعوا لي أرضا من أرضى وتبحثوا إلى عن
شأنها وتعلموني علم أهلها وملكها وجنودها وعددها وعدد مياهها وفجاجها وطرقها
ومداخلها ومخارجها وسهولتها وصعوبتها حتى كأني شاهد ذلك وعالمه وحاضر ذلك
وخابره وخذوا معكم من الخزائن من الياقوت والمرجان والكسوة ما يفرغون
إليه إذا رأوه ويشترون منكم إذا نظروا إليه فأمكنهم من خزائنه حتى أخذوا منها
فجهزهم لبرهم وبحرهم ووصف لهم القوم الذين أتوهم الطرق ودلوهم على مقاصدها
فساروا كالتجار حتى نزلوا ساحل البحر ثم ركبوا منه حتى أرسوا على ساحل إيليا ثم
ساروا حتى دخلوها فحلوا أثقالهم فيها وأظهروا أمتعتهم وبضاعتهم ودعوا الناس إلى
أن يشتروا منهم فلم يفرغوا لبضاعتهم وكسدت تجارتهم فجعلوا يعطون بالشئ القليل
الشئ الكثير لكيلا يخرجوهم من قريتهم حتى يعلموا أخبارهم ويحقوا شأنهم
ويستخرجوا ما أمرهم به ملكهم من أخبارهم وكان أسا الملك قد تقدم إلى نساء
بني إسرائيل أن لا يقدر على امرأة لا زوج لا بهيئة امرأة لها زوج إلا قتلها
أو نفاها من بلاده إلى جزائر البحار فان إبليس لم يدخل على أهل الدين في دينهم
بمكيدة هي أشد من النساء فكانت المرأة التي لا زوج لها لا تخرج إلى منتقبة في
رثة الثياب لئلا تعرف فلما بذل هؤلاء الامناء بضاعتهم ما ثمنه مائة درهم بدرهم
جعل نساء بني إسرائيل يشترين خفية بالليل سرا لا يعلم بهن أحد من أهل
370

دينهن حتى أنفقوا بضاعتهم واشتروا بها حاجتهم واستوعبوا خبر مدينتهم
وحصونهم وعدد مياههم وكانوا قد كتموا رؤس بضاعتهم ومحاسنها من اللؤلؤ
والمرجان والياقوت هدية للملك وجعل الامناء يسألون من رأوا من أهل القرية
عن خبر الملك وشأنه إذ لم يشتر منهم شيئا وقالوا ما شأن الملك لا يشترى منا
شيئا إن كان غنيا فان عندنا من ظرائف البضاعات فنعطيه ما شاء مما لم يدخل
مثله في خزائنه وإن كان محتاجا فما يمنعه أن يشهدنا فنعطيه ما شاء بغير ثمن قال
لهم من حضرهم من أهل القرية إن له من الغناء والخزائن وفنون المتاع ما لم يقدر
على مثله أنه استفرغ الخزائن التي كان موسى سار بها من مصر والحلى الذي كان
بنو إسرائيل أخذوا وما جمع يوشع بن نون خليفة موسى وما جمع سليمان رأس
الحكماء والملوك من الغناء الكثير والآنية التي لا يقدر على مثلها قال الامناء فما
قتاله وبأي شئ عظمته وما جنوده أرأيتم لو أن ملكا انحرف عليه ففتق ملكه
ما كان إذا قتاله إياه وما عدته وعدد جنوده أم بأي الخيل والفرسان غلبته أو
من أجل كثرة جمعه وخزائنه وقعت في قلوب الرجال هيبته فأجابهم القوم وقالوا
إن أسا الملك قليلة عدته ضعيفة قوته غير أن له صديقا لو دعاه واستعان به على أن يزيل
الجبال أزالها فإذ كان معه صديقه فليس شئ من الخلق يطيقه قال لهم الامناء ومن
صديق أساوكم عدد جنوده وكيف مواجهته وقتاله وكم عدد عساكره ومراكبه وأين
قراره ومسكنه فأجابهم القوم أما مسكنه ففوق السماوات العلا مستو على عرشه
لا يحصى عدد جنوده وكل شئ من الخلق له عبد لو أمر البحر لطم على البر ولو
أمر الأنهار لغارت في عنصرها لا يرى ولا يعرف قراره وهو صديق أسا وناصره
فجعل الامناء يكتبون كل شئ أخبروا به من أمر أسا وقضية أمره فدخل بعض
هؤلاء الامناء عليه فقالوا يا أيها الملك إن معنا هدية نريد أن نديها لك من ظرائف
بلادنا أو تشترى منا فنرخصه عليك قال لهم ائتوني بذلك حتى أنظر إليه فلما
أتوه به قال لهم هل يبقى هذا لأهله ويبقون له قالوا بل يفنى هذا ويفنون أهله
قال لهم أسا لا حاجة لي فيه إنما طلبتي ما تبقى بهجته لأهله لا تزول ولا يزولون
371

عنه فخرجوا من عنده ورد عليهم هديتهم فساروا من بيت المقدس متوجهين إلى
زوج الهندي ملكهم فلما أتوه نشروا له كتاب خبرهم أنبؤه بما انتهى إليهم
من أمر ملكهم وأخبروه بصديق أسا فلما سمع زرج كلامهم استحلفهم بعزته
وبالشمس والقمر اللذين يعبدونهما ولهما يصلون أن لا يكتموه من خبر ما رأوا
في بني إسرائيل شيئا فصدقوه فلما فرغوا من خبرهم وخبر أسا ملكهم وصديقه
قال لهم زرج إن بني إسرائيل لما علموا أنكم جواسيس وأنكم قد اطلعتم على
عوراتهم ذكروا لكم صديق أساوهم كاذبون أرادوا بذلك ترهيبكم إن صديق
أسا لا يطيق أن يأتي بأكثر من جندي ولا بأكمل من عدتي ولا بأقسى قلوبا
ولا أجرأ على القتال من قومي إن لقيني بألف لقيته بأكثر من ذلك ثم عمد زرج
عند ذلك فكتب إلى كل من في طاعته أن يجهزوا من كل مخلاب جندا بعدتهم
حتى استمد يأجوج ومأجوج والترك وفارس مع من سواهم من الأمم ممن جرت
عليه لزرج طاعة * كتب من زرج الجبار الهندي ملك الأرضين إلى من بلغته
كتبي أما بعد فان لي أرضا قد دنا حصادها وأينع ثمرها وأردت أن تبعثوا إلى بعمال
أغنمهم ما حصدوا منها وهم قوم قصوا عنى وغلبوا على أطراف من أراضي
وقهروا من تحت أيديهم من رقيقي وقد منحتهم من نهض إليهم معي فان قصرت
بكم قوة فعندي قوتكم فإنه لا تتعطل خزائني فاجتمعوا إليه من كل ناحية وأمدوه
بالخيل والفرسان والرجال والعدة فلما اجتمعوا عنده أمكنهم من السلاح والجهاز
من خزائنه ثم أمر باحصاء عددهم وتعبيتهم فبلغ عددهم ألف ألف ومائة ألف
سوى أهل بلاده وأمر بمائة مركب فقرن له البغال كل أربعة أبغل جميعا عليها
سرير ورقبة وفى كل قبة منها جارية ومع كل مركب عشرة من الخدم وخمسة أفيال
من فيلته فبلغ في كل عسكر من عساكره مائة ألف وجعل خاصته الذين يركبون
معه مائة من رؤوسهم وجعل في كل عسكر عرفاء وخطبهم وحرضهم على القتال
فلما نظر إليهم وسار فيهم تعزز وتعظم شأنه في قلوب من حضره ثم قال زرج
أين صديق أساهل يستطيع أن يعصمه منى أو من يطيق غلبتي فلو أن أسا وصديقه
372

ينظران إلى والى جندي ما اجترآ على قتالي لان عندي بكل واحد من جنده ألفا
من جنودي ليدخلن أسا أرضى أسيرا ولا قدمن بقومه سبيا من جنودي فجعل
زرج ينتقص أسا ويقول فيه ما لا ينبغي فبلغ أسا صنيع زرج وجمعه عليه فدعا ربه
فقال اللهم أنت الذي بقوتك خلقت السماوات والأرض ومن فيهن حتى صار
جميع ذلك في قبضتك أنت ذو الأناة الرفيقة والغضب الشديد أسألك أن لا تذكرنا
بخطايانا فيما بيننا وبينك ولا تعمدنا ولا تجزينا على معصيتك ولكن تذكرنا
برحمتك التي جعلتها للخلائق فانظر إلى ضعفنا وقوة عدونا وانظر إلى قلتنا وكثرة
عدونا وانظر إلى ما نحن فيه من الضيق والغم وانظر إلى ما فيه عدونا من الفرح
والراحة فغرق زرج وجنوده في اليم بالقدرة التي غرقت بها فرعون وجنوده
وأنجيت موسى وقومه وأسألك أن تحل على زرج وقومه عذابك بغتة فأرى أسا
في المنام والله أعلم إني قد سمعت كلامك ووصل إلى جؤارك وانى على عرشي وإني
إن غرقت زرج الهندي وقومه لم يعلم بنو إسرائيل ولا من كان بحضرتهم كيف صنعت
بهم ولكن سأظهر في زرج وقومه لك ولمن اتبعك قدرة من قدرتي حتى أكفيك
مؤنتهم وأهب لك غنيمتهم وأضع في أيديكم عساكرهم حتى يعلم أعداؤك أن صديق
أسا لا يطاق وليه ولا يهزم جنده ولا يخيب مطيعه فأنا أتمهل له حتى يفرغ من
حاجته ثم أسوقه إليك عبد ا وعساكره لك ولقومك خولا فسار زرج ومن معه
حتى حلوا على ساحل ترسيس فلم يكن إلا محلة يوم حتى دفنوا أنهارها ومحلوا مروجها
حتى كان الطير ينقصف عليهم والوحش لا تستطيع الهرب منهم فساروا حتى كانوا
على مرحلتين من إيليا ففرق زرج عساكره منها إلى إيليا وامتلأت منهم تلك
الأرض جبالها وسهولها وامتلأت قلوب أهل الشام منهم رعبا وعاينوا هلكتهم
فسمع بهم أسا الملك فبعث إليهم طليعة من قومه وأمرهم أن يخبروه بعددهم وهيئتهم
فسار القوم الذين بعثهم أسا حتى نظروا إليهم من رأس تل ثم رجعوا إلى أسا
فأخبروه انه لم تر عيون بني آدم ولا سمعت آذنهم مثلهم ومثل أفيالهم وخيولهم
وفرسانهم وما ظننا أن في الناس مثلهم كثرة وعدة قلت من إحصائهم عقولنا
373

وقلت من قتالهم حيلتنا وانقطع فيما بيننا وبينهم رجاؤنا فسمع بذلك أهل القرية
فشقوا ثيابهم وذروا التراب على رؤسهم وعجوا بالعويل في أزقتهم وأسواقهم
وجعل بعضهم يودع بعضا ثم ساروا حي أتوا الملك فقالوا نحن خارجون بأجمعنا
إلى هؤلاء القوم فدافعون إليهم أيدينا لعلهم أن يرحمونا فيقرونا في بلادنا قال لهم
أسا الملك معاذ الله أن نلقى بأيدينا في أيدي الكفرة وأن نخلى بيت الله وكتابه
للفجرة قالوا فاحتل لنا حيلة واطلب إلى صديقك وربك الذي كنت تعدنا بنصره
وتدعونا إلى الايمان به فإن هو كشف عنا هذا البلاء وإلا وضعنا أيدينا في أيدي
عدونا لعلنا نتخلص بذلك من القتل قال لهم أسا ان ربى لا يطاق الا بالتضرع والتبتل
والاستكانة قالوا فأبرز له لعله أن يجيبك فيرحم ضعفنا فإن الصديق لا يسلم صديقه
على مثل هذا فدخل أسا المصلى ووضع تاجه من رأسه وحل ثيابه ولبس المسوح
وافترش الرماد ثم مد يده يدعو ربه بقلب حزين وتضرع كثير ودموع سجال
وهو يقول اللهم رب السماوات السبع ورب العرش العظيم إله إبراهيم وإسماعيل
وإسحاق ويعقوب والأسباط أنت المتخفي من خلقك حيث شئت لا يدرك
قرارك ولا يطاق كنه عظمتك أنت اليقظان الذي لا تنام والجديد الذي لا تبيك
الليالي والأيام أسألك بالمسألة التي سألك بها إبراهيم خليلك فأطفأت بها عنه النار
وألحقته بها بالابرار وبالدعاء الذي دعاك به نجيك موسى فأنجيت بني إسرائيل
من الظلمة وأعتقتهم به من العبودية وسيرتهم في البر والبحر وغرقت فرعون
ومن اتبعه وبالتضرع الذي تضرع إليك عبد ك داود فرفعته ووهبت له من بعد
الضعف القوة ونصرته على جالوت الجبار وهزمته وبالمسألة التي سألك بها سليمان
نبيك فمنحته الحكمة ووهبت له الرفعة وملكته على كل دابة أنت محيى الموتى
ومفنى الدنيا وتبقى وحدك خالدا لا تفنى وجديدا لا تبلى أسألك يا إلهي ان ترحمني
بإجابة دعوتي فانى أعرج مسكين من أضعف عبادك وأقلهم حيله وقد حل بنا
كرب عظيم وحزن شديد لا يطيق كشفه غيرك ولا حول ولا قوة لنا إلا بك
فارحم ضعفنا بما شئت فإنك ترحم من تشاء بما تشاء * وجعل علماء بني إسرائيل
374

يدعون الله خارجا وهم يقولون اللهم أجب اليوم عبد ك فإنه قد اعتصم بك وحدك
ولا تخل بينه وبين عدوك واذكر حبه إياك وفراقه أمه وجميع الخلائق إلا من
أطاعك فألقى الله على اسا النوم وهو في مصلاه ساجدا ثم أتاه من الله آت والله
أعلم فقال يا أسا ان الحبيب لا يسلم حبيبه وإن الله عز وجل يقول إني قد ألقيت
عليك محبتي ووجب لك نصري فأنا الذي أكفيك عدوك فإنه لا يهون من توكل
على ولا يضعف من تقوى كنت تذكرني في الرخاء وأسلمك عند الشدائد
وكنت تدعوني آمنا وأنا أسلمك خائفا ان الله القوى يقول أنا أقسم ان لو كابدتك
السماوات والأرض بمن فيهن لجعلت لك من جميع ذلك مخرجا فأنا الذي أبعث
طرفا من زبانيتي يقتلون أعدائي فانى معك ولن يخلص إليك ولا إلى من معك
أحد فخرج اسا من مصلاه وهو يحمد الله مسفرا وجهه فأخبرهم بما قيل له فأما
المؤمنون فصدقوه وأما المنافقون فكذبوه وقال بعضهم لبعض ان اسا دخل
أعرج وخرج أعرج ولو كان صادقا أن الله قد أجابه إذا لأصلح رجله ولكن
يغرنا ويمنينا حتى تقع الحرب فينا فيهلكنا فبينا الملك يخبرهم عن صنع الله بهم إذ
قدم رسل من زرج فدخلوا إيليا ومعهم كتب من زرج إلى اسا فيها شتم له ولقومه
وتكذيب بالله وكتب فيها أن ادع صديقك الذي أضللت به قومك فليبارزني
بجنوده وليظهر لي مع ما انى أعلم أنه لن يطيقني هو ولا غيره لانى أنا زرج الهندي
الملك فلما قرأ اسا الكتب التي قدم بها عليه هملت عيناه بالبكاء ثم دخل مصلاه
ونشر تلك الكتب بين يدي الله ثم قال اللهم ليس لي شئ من الأشياء أحب إلى
لقائك غير أنى أتخوف أن يطفأ هذا النور الذي أظهرته في أيامى هذه وقد
حضرت هذه الصحائف وعلمت ما فيها ولو كنت المراد بها كان ذلك يسيرا غير
أن عبد ك زرجا يكابدك ويتناولك وفخر بغير فخر وتكلم بغير صدق وأنت حاضر
ذلك وشاهده فأوحى الله إلى اسا والله أعلم أنه لا تبديل لكلماتي ولا خلف
لموعدي ولا تحويل لأمري فاخرج من مصلاك ثم مر خيلك أن تجتمع ثم أخرج
بهم وبمن اتبعك حتى تقفوا على نشز من الأرض فخرج اسا فأخبرهم بما قيل له
375

فخرج اثنا عشر رجلا من رؤسائهم مع كل رجل منهم رهط من قومه فلما ان
خرجوا ودعوا أهاليهم بان لا يرجعون إلى الدنيا فوقفوا لزرج على رابية من
الأرض فابصروا منها زرجا وقومه فلما أبصرهم زرج نفض رأسه ليسخر منهم
وقال إنما نهضت من بلادي وأنفقت أموالي لمثل هؤلاء ودعا عند ذلك بالنفر
الذين كانوا نعتوا عنده اسا وقومه فقال كذبتموني وزعمتم ان قومكم كثير عددهم
فامر بهم وبالامناء الذين كان بعث ليخبروه خبرهم فقتلوا جميعا واسا في
في ذلك كثير التضرع معتصم بربه فقال زرج ما أدرى ما أفعل بهؤلاء القوم
ما أدرى ما قدر قلتهم في كثرتنا إني لأستقلهم عن المحاربة وأرى أن لا أقاتلهم
فأرسل زرج إلى اسا فقال له أين صديقك الذي كنت تعدنا به وتزعم أنه يخلصك
مما يحل بكم من سطواتي أفتضعون أيديكم في يدي فأمضى فيكم حكمي أو تلتمسون
قتالي فاجابه اسا فقال يا شقي إنك لست تعلم ما تقول ولست تدرى أتريد أن
تغالب ربك بضعفك أم تريد أن تكاثره بقلتك هو أعز شئ وأعظمه وأغلب
شئ وأقهره وعباده أذل وأضعف عنده من أن ينظروا إليه معاينة وهو معي
في موقفي هذا ولن يغلب أحد كان الله معه فأجتهد يا شقي بجهدك حتى تعلم ماذا يحل
بك فلما اصطف قوم زرج وأخذوا مراتبهم أمر زرج الرماة من قومه أن يرموهم
بنشابهم فبعث الله ملائكة من كل سماء والله أعلم عونا لاسا وقومه ومادة له
فوقفهم أسا في مواقفهم فلما رموا نشابهم حال المشركون بين ضوء الشمس وبين الأرض
كأنها سحابة طلعت فنحتها الملائكة عن اسا وقومه ثم رمت بها الملائكة قوم زرج
فأصابت كل رجل منهم نشابته التي رمى بها فقتلوا رماتهم بها كلها وأسا وقومه في
كل ذلك يحمدون الله كثيرا ويعجون إليه بالتسبيح وتراءت الملائكة لهم والله أعلم
فلما رآهم الشقى زرج وقع الرعب في قلبه وسقط في يده وقال إن اسا لعظيم
كيده ماض سحره وكذلك بنو إسرائيل حيث كانوا لا يغلب سحرهم ساحر ولا يطيق
مكرهم عالم وانما تعلموه من مصر وبه ساروا في البحر ثم نادى الهندي في قومه
أن سلوا سيوفكم ثم احملوا عليهم حملة واحدة فدقوهم فسلوا سيوفهم ثم حملوا على
376

الملائكة فقتلتهم الملائكة فلم يبق منهم غير زرج ونسائه ورقيقه فلما رأى ذلك
زرج ولى مدبرا فارا هو ومن معه * وهو يقول إن اسا ظهر علانية أهلكني
صديقه سرا وانى كنت أنظر إلى اسا ومن معه واقفين لا يقاتلون والحرب واقعة
في قومي فلما رأى اسا ان زرجا قد ولى مدبرا قال اللهم ان زوجا قد ولى مدبرا وانك ان
لم تخل بيني وبينه استنفر علينا قومه ثانية فأوحى الله إلى اسا انك لم تقتل من قتل منهم
ولكني قتلتهم فقف مكانك فإني لو خليت بينك وبينهم أهلكوكم جميعا إنما يتقلب
زرج في قبضتي ولن ينصره أحد منى وأنا لزرج بالمكان الذي لا يستطيع صدودا
عنه ولا تحويلا وانى قد وهبت لك ولقومك عساكره وما فيها من فضة ومتاع
ودابة فهذا أجرك إذ اعتصمت بي ولا ألتمس منك أجرا على نصرتك فسار زرج
حتى أتى البحر يريد بذلك الهرب ومعه مائة ألف فهيأ وأسفنهم ثم ركبوا فيها
فلما ساروا في البحر بعث الله الرياح من أطراف الأرضين والبحار إلى ذلك البحر
واضطربت من كل ناحية أمواجه وضربت السفن بعضها بعضا حتى تكسرت
فغرق زرج ومن كان معه واضطربت بهم الأمواج حتى فزع لذلك أهل القرى
حولهم ورجفت الأرض فبعث أسا من يعلمه علم ذلك فأوحى الله إليه والله أعلم
أن اهبط أنت وقومك أهل قراكم فخذوا ما غنمكم الله بقوة وكونوا فيه من
الشاكرين فإني قد سوغت كل من أخذ من هذه العساكر شيئا ما أخذه فهبطوا
يحمدون الله ويقدسونه فنقلوا تلك العساكر إلى قراهم ثلاثة أشهر والله أعلم *
ثم ملك بعده يهوشا فاظا بن أسا إلى أن ملك خمسة وعشرين سنة ثم ملكت عتليا
وتسمى غزليا ابنة عمرم أم أخزيا وكانت قتلت أولاد ملوك بني إسرائيل فلم يبق
منهم الايواش بن أخزيا فإنه ستر عنها ثم قتلها يواش وأصحابه وكان ملكها سبع
سنين ثم ملك يواش بن أخزيا إلى أن قتله أصحابه وهو الذي قتل جدته فكان
ملكه أربعين سنة ثم ملك أموصيا بن يواش إلى أن قتله أصحابه تسعا وعشرين
سنة ثم ملك عوزيا بن أموصيا وقد يقال لعوزيا غوزيا إلى أن توفى اثنتين وخمسين
سنة ثم ملك يوتام بن عوزيا إلى أن توفى ست عشرة سنة ثم ملك أحاز بن يوتام
377

إلى أن توفى ست عشرة سنة ثم ملك حزقيا ين أحاز إلى أن توفى وقيل إنه صاحب
شعيا الذي أعلمه شعيا انقضاء عمره فتضرع إلى ربه فزاده وأمهله وأمر شعيا
باعلامه ذلك * وأما محمد بن إسحاق فإنه قال صاحب شعيا الذي هذه القصة
قصته اسمه صديقة
ذكر صاحب قصة شعيا من ملوك بني إسرائيل
حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة بن الفضل قال حدثني ابن إسحاق قال كان فيما
أنزل الله على موسى في خبره عن بني إسرائيل وأحداثهم وما هم فاعلون بعده قال
(وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن
علوا كبيرا - إلى - وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا) فكانت بنو إسرائيل وفيهم
الاحداث والذنوب وكان الله في ذلك متجاوزا عنهم متعطفا عليهم محسنا إليهم وقد
كان مما أنزل الله بهم في ذنوبهم ما كان قدم إليهم في الخبر عنهم على لسان موسى
فكان أول ما أنزل بهم من تلك الوقائع أن ملكا منهم كان يدعى صديقة فكان
الله إذا ملك الملك عليهم بعث نبيا يسدده ويرشده فيكون فيما بينه وبين الله يحدث إليه
في أمرهم لا ينزل عليهم الكتب إنما يؤمرون باتباع التوراة والاحكام التي فيها وينهونهم
عن المعصية ويدعونهم إلى ما تركوا من الطاعة فلما ملك ذلك الملك بعث الله معه
شعيا بن أمصيا وذلك قبل مبعث عيسى وزكرياء ويحيى وشعيا الذي بشر بعيسى
ومحمد فملك ذلك الملك بني إسرائيل وبيت المقدس زمانا فلما انقضى ملكه وعظمت فيهم الاحداث وشعيا معه بعث الله عليهم سنحاريب ملك بابل معه ستمائة ألف
راية فأقبل سائرا حتى نزل حول بيت المقدس والملك مريض في ساقه قرحة فجاءه
النبي شعيا فقال له يا ملك بني إسرائيل إن سنحاريب ملك بابل قد نزل بك هو وجنوده
في ستمائة ألف راية وقد هابهم الناس وفرقوا منهم فكبر ذلك على الملك فقال
يا نبي الله هل أتاك وحى من الله فيما حدث فتخبرنا به كيف يفعل الله بنا
وبسنحاريب وجنوده فقال له النبي عليه الصلاة والسلام لم يأتني وحى حدث إلى
378

في شأنك فبينما هم على ذلك أوحى الله إلى شعيا النبي أن ائت ملك بني إسرائيل فأمره
أن يوصى وصيته ويستخلف على ملكه من يشاء من أهل بيته فاتى النبي شعيا ملك
بني إسرائيل صديقة فقال له إن ربك قد أوحى إلى أن آمرك توصي
وصيتك وتستخلف من شئت على الملك من أهل بيتك فإنك ميت فلما قال ذلك
شعيا لصديقة أقبل على القبلة فصلى وسبح ودعا وبكى وقال وهو يبكى ويتضرع
إلى الله بقلب مخلص وتوكل وصبر وظن صادق اللهم رب الأرباب وإله الآلهة
القدوس المتقدس يا رحمن يا رحيم المترحم الرؤف الذي لا تأخذه سنة ولا نوم
اذكرني بعملي وفعلي وحسن قضائي على بني إسرائيل وذلك كله كان منك فأنت
أعلم به من نفسي وسرى وعلانيتي لك وإن الرحمن استجاب له وكان عبد ا صالحا
فأوحى الله إلى شعيا فأمره أن يخبر صديقه الملك أن ربه قد استجاب له وقبل منه
ورحمه وقد رأى بكاءك وقد أخر أجلك خمس عشرة سنة وأنجاك من عدوك
سنحاريب ملك بابل وجنوده فلما قال له ذلك ذهب عنه الوجع وانقطع عنه الشر
والحزن وخرسا حدا وقال يا إلهي وإله آبائي لك سجدت وسبحت وكرمت وعظمت
أنت الذي تعطى الملك من تشاء وتنزعه ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء
عالم الغيب والشهادة أنت الأول والآخر والظاهر والباطن وأنت ترحم وتستجيب
دعوة المضطرين أنت الذي أجبت دعوتي ورحمت تضرعي فلما رفع رأسه أوحى
الله إلى شعيا أن قل للملك صديقة فيأمر عبد ا من عبيده فيأتيه بماء التين فيجعله
على قرحته فيشفى ويصبح قد برئ ففعل ذلك فشفى وقال الملك لشعيا النبي سل
ربك أن يجعل لنا علما بما هو صانع بعدونا هذا فقال الله لشعيا النبي قل له إني قد
كفيتك عدوك وأنجيتك منهم وإنهم سيصبحون موتى كلهم إلا سنحاريب وخمسة
من كتابه فلما أصبحوا جاءه صارخ فصرخ على باب المدينة يا ملك بني إسرائيل إن الله قد
كفاك عدوك فاخرج فان سنحاريب ومن معه قد هلكوا فلما خرج الملك ألنمس سنحاريب
فلم يوجد في الموتى فبعث الملك في طلبه فأدركه الطلب في مغايرة وخمسة من كتابه أحدهم
بختنصر فجعلوهم في الجوامع ثم أتوا بهم ملك بني إسرائيل فلما رآهم خر ساجدا من
379

حين طلعت الشمس حتى كانت العصر ثم قال لسنحاريب كيف ترى فعل ربنا بكم
ألم يقتلكم بحوله وقوته ونحن وأنتم غافلون فقال سنحاريب له قد أتاني خبر
ربكم ونصره إياكم ورحمته التي رحمكم بها قبل أن أخرج من بلادي فلم أطع مرشدا
ولم يلقني في الشقوة إلا قلة عقلي ولو سمعت أو عقلت ما غزوتكم ولكن
الشقوة غلبت على وعلى من معي فقال ملك بني إسرائيل الحمد لله رب العزة
الذي كفاناكم بما شاء إن ربنا لم يبقك ومن معك لكرامة لك عليه ولكنه
إنما أبقاك ومن معك إلى ما هو شر لك ولمن معك لتزدادوا شقوة في الدنيا وعذابا
في الآخرة ولتخبروا من وراءكم بما رأيتم من فعل ربنا ولتنذروا من بعدكم
ولولا ذلك ما أبقاكم ولدمك ودم من معك أهون على الله من دم قراد لو قتلته
ثم إن ملك بني إسرائيل أمر أمير حرسه فقذف في رقابهم الجوامع وطاف
بهم سبعين يوما حول بيت المقدس وكان يرزقهم كل يوم خبزتين من شعير
لكل رجل منهم فقال سنحاريب لملك بني إسرائيل القتل خير مما تفعل بنا
فافعل ما أمرت فأمر بهم الملك إلى سجن القتل فأوحى الله إلى شعيا النبي أن قل
لملك بني إسرائيل يرسل سنحاريب ومن معه لينذروا من وراءهم وليكرمهم
وليحملهم حتى يبلغوا بلادهم فبلغ النبي شعيا الملك ذلك ففعل فخرج سنحاريب
ومن معه حتى قدموا بابل فلما قدموا جمع الناس فأخبرهم كيف فعل الله بجنوده
فقال له كهانه وسحرته يا ملك بابل قد كنا نقص عليك خبر ربهم وخبر نبيهم
ووحى الله إلى نبيهم فلم تطعنا وهى أمة لا يستطيعها أحد من ربهم فكان
أمر سنحاريب مما خوفوا به ثم كفاهم الله إياه تذكرة وعبرة ثم لبث سنحاريب
بعد ذلك سبع سنين ثم مات * وقد زعم بعض أهل الكتاب أن هذا الملك من
بني إسرائيل الذي سار إليه سنحاريب كان أعرج وكان عرجه من عرق النساء
وأن سنحاريب إنما طمع في مملكته لزمانته وضعفه وأنه قد كان سار إليه قبل
سنحاريب ملك من ملوك بابل يقال له ليفر وكان بختنصر ابن عمه كاتبه أن
الله أرسل عليه ريحا أهلكت جيشه وأفلت هو وكاتبه وأن هذا البابلي قتله
380

ابن له وان بختنصر غضب لصاحبه فقتل ابنه الذي قتل أباه وأن سنحاريب
سار بعد ذلك إليه وكان مسكنه بنينوى مع ملك آذربيجان يومئذ وكان يدعى
سلمان الأعسر وأن سنحاريب وسلمان اختلفا فتحاربا حتى تفانى جنداهما وصار
ما كان معهما غنيمة لبنى إسرائيل * وقال بعضهم بل الذي غزا حزقيا صاحب
شعيا سنحاريب ملك الموصل وزعم أنه لما أحاط ببيت المقدس بجنوده بعث
الله ملكا فقتل من أصحابه في ليلة واحدة مائة ألف وخمسة وثمانين ألف رجل *
وكان ملكه إلى أن توفى تسعا وعشرين سنة ثم ملك بعده فيما قيل أمرهم منشأ
ابن حزقيا إلى أن توفى خمسا وخمسين سنة ثم ملك بعده أمون بن منشأ إلى أن
قتله أصحابه اثنتي عشرة سنة ثم ملك بعده يوشيا بن أمون إلى أن قتله فرعون
الأجدع المقعد ملك مصر أحدى وثلاثين سنة ثم يا هو آحاز بن يوشيا وكان
فرعون الأجدع قد غزاه وأسره وأشخصه إلى مصر وملك فرعون الأجدع
يوياقيم بن ياهواحاز على ما كان عليه أبو ه ووظف عليه خراجا يؤديه إليه فكان
يوياقيم يجبى ذلك فيما زعموا من بني إسرائيل ويحمله فيما زعموا اثنتي عشرة سنة
ثم ملك أمرهم من بعده يوياحين بن يوياقيم فغزاه بختنصر فأسره وأشخصه إلى
بابل بعد ثلاثة أشهر من ملكه وملك مكانه متنيا عمه وسماه صديقيا فخالفه فغزاه
فظفر به فاوثقه وحمله إلى بابل بعد أن ذبح ولده بين يديه وسمل عينيه وخرب
المدينة والهيكل وسبى بني إسرائيل وحملهم إلى بابل فمكثوا بها إلى أن ردهم
إلى بيت المقدس كيرش بن جاماسب بن أسب من أجل القرابة التي كانت
بينه وبينهم وذلك أن أمه اشتر ابنة جاويل وقيل حاويل الإسرائيلي فكان جميع
ما ملك صديقيا مع الثلاثة الأشهر التي ملك فيها يوياحين فيما قيل إحدى عشرة
سنة وثلاثة أشهر ثم صار ملك بيت المقدس والشام لأشتاسب بن لهراسب وعامله
على ذلك كله بخنتصر * وذكر محمد بن إسحاق فيما حدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة عنه أن صديقة ملك بني إسرائيل الذي قد ذكرنا خبره لما قبضه الله مرج
أمر بني إسرائيل وتنافسوا الملك حتى قتل بعضهم بعضا عليه ونبيهم شعيا معهم
381

لا يرجعون إليه ولا يقبلون منه فلما فعلوا ذلك قال الله فيما بلغنا لشعيا قم في
قومك أوح على لسانك فلما قام أنطق الله لسانه بالوحي فوعظهم وذكرهم
وخوفهم الغير بعد أن عدد عليهم نعم الله عليهم وتعرضهم للغير قال فلما فرغ
شعيا إليهم من مقالته عدوا عليه فيما بلغني ليقتلوه فهرب منهم فلقيته شجرة فانفلقت
له فدخل فيها وأدركه الشيطان فأخذ بهدبة من ثوبه فأراهم إياها فوضعوا
المنشار في وسطها فنشروها حتى قطعوها وقطعوه في وسطها * وقد حدثني بقصة
شعيا وقومه من بني إسرائيل وقتلهم إياه محمد بن سهل البخاري قال حدثنا إسماعيل
ابن عبد الكريم قال حدثني عبد الصمد بن معقل عن وهب ابن منبه
ذكر خبر لهراسب وابنه بشتاسب وغزو بختنصر
بني إسرائيل وتخريبه بيت المقدس
ثم ملك بعد كيخسرو من الفرس لهراسب بن كيوجى بن كيمنوش بن كيفاشين
باختيار كيخسرو إياه فلما عقد التاج على رأسه قال نحن مؤثرون البر على غيره
واتخذ سريرا من ذهب مكللا بأنواع الجواهر للجلوس عليه وأمر فبنيت له بأرض
خراسان مدينة بلخ وسماها الحسناء ودون الدواوين وقوى ملكه بانتخابه
لنفسه الجنود وعمر الأرض واجتيى الخراج لارزاق الجنود ووجه بختنصر
وكان اسمه بالفارسية فيما قيل بخترشه * فحدثت عن هشام بن محمد قال ملك لهراسب
وهو ابن أخي قبوس فبنى مدينة بلخ فاشتدت شوكة الترك في زمانه وكان
منزله ببلخ يقاتل الترك قال وكان بختنصر في زمانه وكان أصبهبذ ما بين
الأهواز إلى أرض الروم من غربي دجلة فشخص حتى أتى دمشق فصالحه أهلها
ووجه قائدا له فأتى بيت المقدس فصالح ملك بني إسرائيل وهو رجل من ولد
داود وأخذ منه رهائن وانصرف فلما بلغ طبرية وثبت بنو إسرائيل على ملكهم
فقتلوه وقالوا راهنت أهل بابل وخذلتنا واستعدوا للقتال فكتب قائد بختنصر
إليه بما كان فكتب إليه يأمره أن يقيم بموضعه حتى يوافيه وأن يضرب أعناق
382

الرهائن الذين معه فسار بختنصر حتى أتى بيت المقدس فأخذ المدينة عنوة فقتل
المقاتلة وسبى الذرية قال وبلغنا أنه وجد في سجن بني إسرائيل أرميا النبي وكان الله
تعالى بعثه نبيا فيما بلغنا إلى بني إسرائيل يحذرهم ماحل بهم من بختنصر ويعلمهم
أن الله مسلط عليهم من يقتل مقاتلتهم ويسبي ذراريهم إن لم يتوبوا وينزعوا عن
سئ أعمالهم فقال له بختنصر ما خطبك فأخبره أن الله بعثه إلى قومه ليحذرهم الذي
حل بهم فكذبوه وحبسوه فقال بختنصر بئس القوم قوم عصوا رسول ربهم
وخلى سبيله وأحسن إليه فاجتمع إليه من بقى من ضعفاء بني إسرائيل فقالوا إنا
قد أسأنا وظلمنا ونحن نتوب إلى الله مما صنعنا فادع الله أن يقبل توبتنا فدعا ربه
فأوحى إليه أنهم غير فاعلين فإن كانوا صادقين فليقيموا معك بهذه البلدة فأخبرهم
بما أمرهم الله به فقالوا كيف نقيم ببلدة قد خربت وغضب الله على أهلها فأبوا
أن يقيموا فكتب بختنصر إلى ملك مصر إن عبيدا لي هربوا منى إليك فسرحهم
إلى وإلا غزوتك وأوطأت بلادك الخيل فكتب إليه ملك مصر ما هم بعبيدك
ولكنهم الأحرار أبناء الأحرار فغزاه بختنصر فقتله وسبى أهل مصر ثم سار في
أرض المغرب حتى بلغ أقصى تلك الناحية ثم انطلق بسبي كثير من أهل فلسطين
والأردن فيهم دانيال وغيره من الأنبياء * قال وفى ذلك الزمان تفرقت بنوا إسرائيل
ونزل بعضهم أرض الحجاز بيثرب وادى القرى وغيرها * قال ثم أوحى الله
إلى أرميا فيما بلغنا أنى عامر بيت المقدس فاخرج إليها فانزلها فخرج إليها حتى قدمها
وهى خراب فقال في نفسه سبحان الله أمرني الله أن أنزل هذه البلدة وأخبرني
أنه عامر ها فمتى يعمر هذه ومتى يحييها الله بعد موتها ثم وضع رأسه فنام ومعه حماره
وسلة فيها طعام فمكث في نومه سبعين سنة حتى هلك بختنصر والملك الذي فوقه
وهو لهراسب الملك الأعظم وكان ملك لهراسب مائة وعشرين سنة وملك بعده
بشتاسب ابنه فبلغه عن بلاد الشأم أنها خراب وأن السباع قد كثرت في أرض
فلسطين فلم يبق بها من الانس أحد فنادى في أرض بابل في بني إسرائيل أن من
شاء أن يرجع إلى الشام فليرجع وملك عليهم رجلا من آل داود وأمره أن يعمر
383

بيت القدس ويبنى مسجدها فرجعوا فعمروها وفتح الله لأرميا عينيه فنظر إلى
المدينة كيف تعمر وتبنى ومكث في نومه ذلك حتى تمت له مائة سنة ثم بعثه
الله وهو لا يظن أنه نام أكثر من ساعة وقد عهد المدينة خرابا يبابا فلما نظر إليها
قال أعلم أن الله على كل شئ قدير * قال وأقام بنو إسرائيل ببيت المقدس ورد
إليهم أمرهم وكثروا بها حتى غلبت عليهم الروم في زمان ملوك الطوائف فلم
يكن لهم بعد ذلك جماعة * قال هشام وفى زمان بشتاسب ظهر زرادشت الذي
تزعم المجوس أنه نبيهم وكان زرادشت فيما زعم قوم من علماء أهل الكتاب من
أهل فلسطين خادما لبعض تلامذة أرميا النبي خاصا به أثيرا عنده فخانه فكذب
عليه فدعا الله عليه فبرص فلحق ببلاد آذربيجان فشرع بها دين المجوسية ثم خرج
منها متوجها نحو بشتاسب وهو ببلخ فلما قدم عليه وشرع له دينه أعجبه فقسر
الناس على الدخول فيه وقتل في ذلك من رعيته مقتلة عظيمة ودانوا به فكان
ملك بشتاسب مائة سنة وائنتى شعرة سنة * وأما غيره من أهل الأخبار والعلم
بأمور الأوائل فإنه ذكر أن كي لهراسب كان محمودا في أهل مملكته شديد القمع
للملوك المحيطة بايرانشهر شديد التفقد لأصحابه بعيد الهمة كثير الفكر في تشييد
البنيان وشق الأنهار وعمارة البلاد فكانت ملوك الروم والمغرب والهند وغيرهم
يحملون إليه في كل سنة وظيفة معروفة واتاوة معلومة ويكاتبونه بالتعظيم ويقرون
له أنه ملك الملوك هيبة له وحذرا قال ويقال إن بختنصر حمل إليه من أورى شلم
خزائن وأموالا فلما أحس بالضعف من قوته ملك ابنه بشتاسب واعتزل الملك
وفوضه إليه وكان ملك لهراسب فيما ذكر مائة سنة وعشرين سنة وزعم أن
بختنصر هذا الذي غزا بني إسرائيل اسمه بخترشة وأنه رجل من العجم من ولد
جوذرز وأنه عاش دهرا طويلا جاوزت مدته ثلثمائة سنة وأنه كان في خدمة
لهراسب الملك أبى بشتاسب وأن لهراسب وجهه إلى الشام وبيت المقدس ليجلى
عنها اليهود فسار إليها ثم انصرف وأنه لم يزل من بعد لهراسب في خدمة ابنه بشتاسب ثم
في خدمة بهمن من بعده وأن بهمن كان مقيما بمدينة بلخ وهى التي كانت تسمى
384

لحسناء وأنه أمر بخترشه بالتوجه إلى بيت المقدس ليجلى اليهود عنها وأن السبب
في ذلك وثوب صاحب بيت المقدس على رسل كان بهمن وجههم إليه وقتله بعضهم فلما
ورد الخبر على بهمن دعا بخترشه فملكه على بابل وأمره بالمسير إليها والنفوذ منها
إلى الشام وبيت المقدس والقصد إلى اليهود حتى يقتل مقاتلتهم يسبى ذراريهم
وبسط يده فيمن يختار من الاشراف والقواد فاختار من أهل بيت المملكة
داريوش بن مهرى من ولد ماذى بن يافث بن نوح وكان ابن أخت بخترشه واختار
كيرش كيكوان من ولد غيلم بن سام وكان خازنا على بيت مال بهمن
واخشويرش بن كيرش بن جاماسب الملقب بالعالم وبهرام بن كيرش بن
بشتاسب فضم بهمن إليه من أهله وخاصته هؤلاء الأربعة وضم إليه من
وجوه الأساورة ورؤسائهم ثلثمائة رجل ومن الجند خمسين ألف رجل
وأذن له في أن يفرض ما احتاج إليه وفى إثباتهم ثم أقبل بهم حتى صار إلى
بابل فأقام بها للتجهز والاستعداد سنة والتفت إليه جماعة عظيمة وكان فيمن سار إليه
رجل من ولد سنحاريب الملك الذي كان غزا حزقيا بن أحاز الملك الذي كان بالشام
وببيت المقدس من ولد سليمان بن داود صاحب شعيا يقال له بختنصر بن نبوزرادان
ابن سنحاريب صاحب الموصل وناحيتها ابن داريوش بن عييرى بن تيرى بن رويا
ابن رابيا بن سلامون بن دادو بن طامى بن هامل بن هرمان بن فودى بن همول بن
درمى بن قمائل بن صاما بن رغما بن نمروذ بن كوش بن حام بن نوح عليه السلام
وكان مسيره إليه بسبب ما كان آتي حزقيا وبنو إسرائيل إلى جده سنحاريب عند
غزوه إياهم وتوسل إليه بذلك فقدمه في جماعة كثيرة ثم اتبعه فلما توافت العساكر
ببيت المقدس نصر بخترشة على بني إسرائيل لما أراد الله بهم من العقوبة فسباهم
وهدم البيت وانصرف إلى بابل ومعه يوياحن بن يوياقيم ملك بني إسرائيل في
ذلك الوقت من ولد سليمان بعد أن ملك متتيا عم يوحينا وسماه صدقيا فلما صار
بختنصر ببابل خالفه صدقيا فغزاه بختنصر ثانية فظفر به وأخرب المدينة والهيكل
وأوثق صدقيا وحمله إلى بابل بعد أن ذبح ولده وسمل عينيه فمكث بنو إسرائيل
385

ببابل إلى أن رجعوا إلى بيت المقدس فكان غلبة بختنصر المسمى بخترشه على
بيت المقدس إلى أن مات في قول هذا الذي حكينا قوله أربعين سنة ثم قام من
بعده ابن يقال له أو لمرودخ فملك الناحية ثلاثا وعشرين سنة ثم هلك وملك مكانه
ابن يقال له بلتشصر بن أولمرودخ سنه فلما ملك بلتشصر خلط في أمره فعزله
بهمن وملك مكانه على بابل وما يتصل بها من الشأم وغيرها داريوش الماذوى
المنسوب إلى ماذى بن يافث بن نوح صلى الله عليه وسلم حين صار إلى المشرق
فقتل بلتشصر وملك بابل وناحية الشأم ثلاث سنين ثم عزله بهمن وولى مكانه
كيرش الغيلمي من ولد غيلم بن سام بن نوح الذي كان نزع إلى جامر مع ماذى
عندما مضى جامر إلى المشرق فلما صار الامر إلى كيرش كتب بهمن أن يرفق
ببنى إسرائيل ويطلق لهم النزول حيث أحبوا والرجوع إلى أرضهم وأن يولى
عليهم من يختارونه فاختاروا دانيال النبي عليه السلام فولى أمرهم وكان ملك كيرش
على بابل وما يتصل بها ثلاث سنين فصارت هذه السنون من وقت غلبة بختنصر
إلى انقضاء أمره وأمر ولده وملك كيرش الغيلمي معدودة من خراب بيت
المقدس منسوبة إلى بختنصر ومبلغها سبعون سنة ثم ملك بابل وناحيتها من قبل
بهمن رجل من قرابته يقال له اخشوارش بن كيرش بن جاماسب الملقب بالعالم
من الأربعة الوجوه الذي اختارهم بخترشه عند توجههم إلى الشام من قبل بهمن
وذلك إن اخشوارش انصرف إلى بهمن من عند بختنصر محمودا ولاه ذلك
الوقت بابل وناحيتها وكان السبب في ولايته فيما زعم أن رجلا كان يتولى لبهمن
ناحية السند والهند يقال له كراردشير بن دشكال خالفه ومعه من الاتباع ستمائة
ألف فولى بهمن اخشويرش الناحية وأمره بالمسير إلى كراردشير ففعل ذلك
وحاربه فقتله وقتل أكثر أصحابه فتابع له بهمن الزيادة في العمل وجمع له طوائف
من البلاد فلزم السوس وجمع الاشراف وأطعم الناس اللحم وسقاهم الخمر وملك
بابل إلى ناحية الهند والحبشة وما يلي البحر وعقد لمائة وعشرين قائدا في يوم
واحد الألوية وصير تحت يد كل قائد ألف رجل من أبطال الجند الذين يعدل
386

الواحد منهم في الحرب بمائة رجل وأوطن بابل وأكثر المقام بالسوس وتزوج
من سبى بني إسرائيل امرأة يقال لها اشتر ابنه " أبى " جاويل كان رباها ابن عم
لها يقال له مردخى وكان أخاها من الرضاعة لان أم مردخى أرضعت اشتر
وكان السبب في تزوجه إياها قتله امرأة كانت له جليلة جميلة خطيرة يقال لها
وشتا فأمرها بالبروز ليراها الناس ليعرفوا جلالتها وجمالها فامتنعت من ذلك
فقتلها فلما قتلها جزع لقتلها جزعا شديدا فأشير عليه باعتراض نساء العالم ففعل
ذلك وحببت إليه اشتر صنعا لبنى إسرائيل فتزعم النصارى انها ولدت له عند
مسيره إلى بابل ابنا فسماه كيرش وأن ملك اخشويرش كان أربع عشرة سنة
وقد علمه مردخى التوراة ودخل في دين بني إسرائيل وفهم عن دانيال النبي
صلى الله عليه وسلم ومن كان معه حينئذ مثل حننيا وميشايل وعازريا فسألوه
بأن يأذن لهم في الخروج إلى بيت المقدس فأبى وقال لو كان معي منكم ألف نبي
ما فارقني منكم واحد ما دمت حيا وولى دانيال القضاء وجعل إليه جميع أمره
وأمره أن يخرج كل شئ في الخزائن مما كان بختنصر أخذه من بيت المقدس
ويرده وتقدم في بناء بيت المقدس فبنى وعمر في أيام كيرش بن اخشويرش
وكان ملك كيرش مما دخل في ملك بهمن وخمانى اثنتين وعشرين سنة * ومات
بهمن لثلاث عشرة سنة مضت من ملك كيرش وكان موت كيرش لأربع سنين
مضين من ملك خمانى فكان جميع ملك كيرش بن اخشويرش اثنتين وعشرين
سنة * فهذا ما ذكر أهل السير والاخبار في أمر بختنصر وما كان من أمره
وأمر بني إسرائيل * وأما السلف من أهل العلم فإنهم قالوا في أمرهم أقوالا مختلفة
فمن ذلك ما حدثني القاسم بن الحسن قال حدثنا الحسين قال حدثني حجاج عن
ابن جريج قال حدثني يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير أنه سمعه يقول كان رجل
من بني إسرائيل يقرأ حتى إذا بلغ بعثنا عليكم عبادا لنا أولى بأس شديد بكى وفاضت
عيناه ثم أطبق المصحف فقال ذلك ما شاء الله من الزمان ثم قال أي رب أرنى
هذا الرجل الذي جعلت هلاك بني إسرائيل على يديه فأرى في المنام مسكينا
387

ببابل يقال له بختنصر فانطلق بمال وأعبد له وكان رجلا موسرا فقيل له أين
تريد فقال أريد التجارة حتى نزل دارا ببابل فاستكراها ليس فيها أحد غيره
فجعل يدعو المساكين ويلطف بهم حتى لا يأتيه أحد إلا أعطاه فقال هل بقى
مسكين غيركم فقالوا نعم مسكين بفج آل فلان مريض يقال له بختنصر فقال
لغلمته انطلقوا بنا فانطلق حتى أتاه فقال ما اسمك قال بختنصر فقال لغلمته احتملوه
فنقله إليه فمرضه حتى برئ وكساه وأعطاه نفقه ثم أذن الإسرائيلي بالرحيل فبكى
بختنصر فقال الإسرائيلي ما يبكيك قال أبكى أنك فعلت بي ما فعلت ولا أجد شيئا
أجزيك قال بلى شيئا يسيرا إن ملكت أطعتني فجعل الآخر يتبعه ويقول تستهزئ
بي ولا يمنعه أن يعطيه ما سأله إلا أنه يرى أنه يستهزئ به فبكى الإسرائيلي وقال
لقد علمت ما يمنعك أن تعطيني ما سألتك الا أن الله عز وجل يريد أن ينفذ
ما قضى كتب في كتابه وضرب الدهر من ضربه فقال صيحون وهو ملك فارس
ببابل لو أنا بعثنا طليعة إلى الشأم قالوا وما ضرك لو فعلت قال فمن ترون قالوا
فلان فبعث رجلا وأعطاه مائة ألف وخرج بختنصر في مطبخه لا يخرج إلا
ليأكل في مطبخه فلما قدم الشام رأى صاحب الطليعة أكثر أرض الله فرسا
ورجلا جلدا فكسره ذلك في ذرعه فلم يسئل فجعل بختنصر يجلس مجالس أهل
الشام فيقول ما يمنعكم أن تغزوا بابل فلو غزوتموها فما دون بيت مالها شئ
قالوا لا نحسن القتال ولا نقاتل حتى أنفذ مجالس أهل الشام ثم رجعوا فأخبر
متقدم الطليعة ملكهم بما رأى وجعل بختنصر يقول لفوارس الملك لو دعاني
الملك لأخبرته غير ما أخبره فلان فرفع ذلك إليه فدعاه فأخبره الخبر وقال إن
فلانا لما رأى أكثر أرض الله كراعا ورجلا جلدا كسر ذلك في ذرعه ولم يسألهم عن
شئ وإني لم أدع مجلسا بالشام إلا جالست أهله فقلت لهم كذا وكذا فقالوا لي
كذا وكذا * الذي ذكر سعيد بن جبير أنه قال لهم فقال متقدم الطليعة لبختنصر
فضحتني لك مائة ألف وتنزع عما قلت قال لو أعطيتني بيت مال بابل ما نزعت
وضرب الدهر من ضربه فقال الملك لو بعثنا جريدة خيل إلى الشام فإن وجدوا
388

مساغا ساغوا وإلا امتشوا ما قدموا عليه قالوا ما ضرك لو فعلت قال فمن ترون
قالوا فلان قال بل الرجل الذي أخبرني بما أخبرني فدعا بختنصر فأرسله وانتخب
معه أربعة آلاف من فرسانهم فانطلقوا فجاسوا خلال الديار فسبوا ما شاء الله
ولم يخربوا ولم يقتلوا ورمى في جنازة صيحون قالوا استخلفوا رجلا قال على
رسلكم حتى يأتي أصحابكم فإنهم فرسانكم أن ينغصوا عليكم شيئا فأمهلوا حتى جاء
بختنصر بالسبي وما معه فقسمه في الناس فقالوا ما رأينا أحدا أحق بالملك من
هذا فملكوه * وقال آخرون منهم إنما كان خروج بختنصر إلى بني إسرائيل لحربهم
حين قتلت بنو إسرائيل يحيى بن زكرياء
ذكر بعض من قال ذلك منهم
* حدثني موسى بن هارون قال حدثنا عمرو بن حماد قال حدثنا أسباط عن
السدى في الحديث الذي ذكرنا إسناده قبل أن بختنصر بعثه صيحائين لحرب
بني إسرائيل حين قتل ملكهم يحيى بن زكرياء عليه السلام وبلغ صيحائين قتله
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال فيما بلغني استخلف الله
عز وجل على بني إسرائيل بعد شعيا رجلا منهم يقال له ياشية ابن أموس فبعث
الله لهم الخضر نبيا واسم الخضر فيما كان وهب بن منبه يزعم عن بني إسرائيل
أرميا بن حلقيا وكان من سبط هارون * وأما وهب بن منبه فإنه قال فيه
ما حدثني محمد بن سهل بن عسكر البخاري قال حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم
قال حدثني عبد الصمد بن معقل قال سمعت وهب بن منبه يقول * وحدثنا ابن
حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عمن لا يتهم عن وهب بن منبه اليماني أنه كان
يقول * قال الله عز وجل لأرميا حين بعثه نبيا إلى بني إسرائيل يا إرميا من قبل
أن أخلقك اخترتك ومن قبل أن أصورك في بطن أمك قدستك ومن قبل
أن أخرجك من بطن أمك طهرتك ومن قبل أن تبلغ السعي نبيتك ومن قبل أن
تبلغ الأشد اختبرتك ولامر عظيم اجتبيتك فبعث الله عز وجل أرميا إلى ذلك
الملك من بني إسرائيل يسدده ويرشده ويأتيه بالخبر من قبل الله فيما بينه وبين الله
389

عز وجل قال ثم عظمت الاحداث في بني إسرائيل وركبوا المعاصي واستحلوا
المحارم ونسوا ما كان الله صنع بهم وما نجاهم من عدوهم سنحاريب وجنوده
فأوحى الله عز وجل إلى أرميا أن ائت قومك من بني إسرائيل فاقصص عليهم
ما آمرك به وذكرهم نعمى عليهم وعرفهم أحداثهم فقال أرميا إني ضعيف إن
لم تقوني عاجز إن لم تبلغني مخطئ إن لم تسددني مخذول إن لم تنصرني ذليل إن لم
تعزني قال الله عز وجل ألم تعلم أن الأمور كلها تصدر عن مشيئتي وأن القلوب
كلها والألسن بيدي أقلبها كيف شئت فتطيعني وإني أنا الله الذي لا شئ مثلي
قامت السماوات والأرض وما فيهن بكلمتي وأنا كلمت البحار ففهمت قولي وأمرتها
ففعلت أمري وحددت عليها بالبطحاء فلا تعدى حتى تأتى بأمواج كالجبال حتى
إذا بلغت حدى ألبستها مذلة طاعتي خوفا واعترافا لأمري إني معك ولن يصل
إليك شئ معي وإني بعثتك إلى خلق عظيم من خلقي لتبلغهم رسالاتي وتستحق
بذلك مثل أجرة من اتبعك منهم لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا وأن تقصر
به عنها تستحق بذلك مثل وزر من تركت في عماه لا ينقص ذلك من
أوزارهم شيئا انطلق إلى قومك فقل إن الله ذكر بكم صلاح آبائكم فحمله ذلك
على أن يستتيبكم يا معشر الأبناء وسلهم كيف وجدوا آباءهم مغبة طاعتي وكيف
وجدوا هم مغبة معصيتي وهل علموا أن أحدا قبلهم أطاعني فشقي بطاعتي أو عصاني
فسعد بمعصيتي وأن الدواب مما نذكر أوطانها الصالحة تنتابها وأن هؤلاء القوم
رتعوا في مروج الهلكة أما أحبارهم ورهبانهم فاتخذوا عبادي خولا يتعبدونهم
دوني ويحكمون فيهم بغير كتابي حتى أجهلوهم أمري وأنسوهم ذكرى وغروهم
منى وأما أمراؤهم وقادتهم فبطروا نعمتي وأمنوا مكرى ونبذوا كتابي ونسوا
عهدي وغيروا سنتي وأدان لهم عبادي بالطاعة التي لا تنبغي إلا لي فهم يطيعونهم
في معصيتي ويتابعونهم على البدع التي يبتدعون في ديني جرأة على وغرة وفرية
على وعلى رسلي فسبحان جلالي وعلو مكاني وعظمة شأني وهل ينبغي لبشر أن
يطاع في معصيتي وهل ينبغي أن أخلق عبادا أجعلهم أربابا من دوني وأما قراؤهم
390

وفقهاؤهم فيتعبدون في المساجد ويتدينون بعمارتها لغيري لطلب الدنيا بالدين
ويتفقهون فيها لغير العلم ويتعلمون فيها لغير العمل وأما أولاد الأنبياء
فمكثورون مقهورون مغترون يخوضون مع الخائضين فيتمنون
على مثل نصرة آبائهم والكرامة التي أكرمتهم بها ويزعمون أن لا أحد أولى
يذلك منهم منى بغير صدق ولا تفكر ولا تعبر ولا يذكرون كيف نصر
آبائهم لي وكيف كان جدهم في أمري حين غير المغيرون وكيف بذلوا أنفسهم
ودماءهم فصبروا وصدقوا حتى عز امرى وظهر ديني فتأنيت بهؤلاء القوم لعلهم
يستجيبون فأطولت لهم وصفحت عنهم لعلهم يرجعون فأكثرت ومددت لهم
في العمر لعلهم يتفكرون فأعذرت وفى كل ذلك أمطر عليهم السماء وأنبت لهم
الأرض ألبسهم العافية أظهرهم على العدو فلا يزدادون الا طغيانا وبعدا
منى فحتى متى هذا أبى يتمرسون أم إياي يخادعون فانى احلف بعزتي لأقيضن
لهم فتنة يتحير فيها الحليم ويضل فيها رأى ذي الرأي وحكمة الحكيم ثم لأسلطن
عليهم جبارا قاسيا عاتيا ألبسه الهيبة وأنزع من صدره الرأفة والزحمة والليان يتبعه
عدد مثل سواد الليل المظلم له عساكر مثل قطع السحاب ومراكب أمثال العجاج
كأن خفيق راياته طيران النسور وكأن حملة فرسانه كرير العقبان ثم أوحى الله
عز وجل إلى أرميا إني مهلك بني إسرائيل بيافث ويافث أهل بابل فهم من ولد
يافث بن نوح صلى الله عليه وسلم فلما سمع أرميا وحى ربه صاح وبكى وشق ثيابه
ونبذ الرماد على رأسه فقال ملعون يوم ولدت فيه ويوم لقنت فيه التوراة ومن
شر أيامى يوم ولدت فيه فما أبقيت آخر الأنبياء إلا لما هو شر على لو أراد بي
خيرا ما جعلني آخر الأنبياء من بني إسرائيل فمن أجلى تصيبهم الشقوة والهلاك
فلما سمع الله عز وجل تضرع الخضر وبكاءه وكيف يقول ناداه يا أرميا أشق
عليك ما أوحيت لك قال نعم يا رب أهلكني قبل أن أرى في بني إسرائيل
مالا أسر به فقال الله تعالى وعزتي وجلالي لا أهلك بيت المقدس وبنى إسرائيل
حتى يكون الامر من قبلك في ذلك ففرح عند ذلك أرميا لما قال له ربه وطابت
391

نفسه وقال لا والذي بعث موسى وأنبياءه بالحق لا آمر ربى بهلاك بني إسرائيل
أبدا ثم أتى ملك بني إسرائيل فأخبره بما أوحى الله إليه فاستبشر وفرح وقال إن
يعذبنا ربنا فبذنوب كثيرة قدمناها لأنفسنا وان عفا عنا فبقدرته ثم إنهم لبثوا بعد
هذا الوحي ثلاث سنين لم يزدادوا الا معصية وتماديا في الشر وذلك حين اقترب
هلاكهم فقل الوحي حين لم يكونوا يتذكرون الآخرة وأمسك عنهم حين
ألهتهم الدنيا وشأنها فقال لهم ملكهم يا بني إسرائيل انتهوا عما أنتم عليه قبل ان
يمسكم بأس الله وقبل أن يبعث الله عليكم قوما لا رحمة لهم بكم فان ربكم قريب
التوبة مبسوط اليدين بالخير رحيم بمن تاب إليه فأبوا عليه أن ينزعوا عن شئ
مما هم عليه وان الله ألقى في قلب بختنصر بن نبوزراذان بن سنحاريب بن دارياس
ابن نمروذ بن فالغ بن عابر ونمروذ صاحب إبراهيم صلى الله عليه وسلم الذي حاجه
في ربه أن يسير إلى بيت المقدس ثم يفعل فيه ما كان جده سنحاريب أراد أن
يفعل فخرج في ستمائة ألف راية يريد أهل بيت المقدس فلما فصل سائرا أتى ملك
بني إسرائيل الخبر ان بختنصر قد أقبل هو وجنوده يريدكم فأرسل الملك إلى أرميا
فجاءه فقال يا أرميا الملك أين ما زعمت لنا أن ربك أوحى إليك ألا هلك أهل بيت
المقدس حتى يكون منك الامر في ذلك فقال أرميا الملك ان ربى لا يخلف
الميعاد وأنا به واثق فلما اقترب الاجل ودنا انقطاع ملكهم وعزم الله تعالى
على هلاكهم بعث الله عز وجل ملكا من عنده فقال له اذهب إلى أرميا واستفته
وأمره بالذي يستفتيه فيه فأقبل الملك إلى أرميا قد تمثل له رجلا من بني إسرائيل
فقال له أرميا من أنت قال أنا رجل من بني إسرائيل أستفتيك في بعض أمري
فأذن له فقال له الملك يا نبي الله أتيتك أستفتيك في أهل رحمي وصلت أرحامهم
بما أمرني الله به لم آت إليهم الا حسنا ولم آلهم كرامة فلا تزيدهم كرامتي إياهم
الا إسخاطا لي فأفتني فيهم يا نبي الله فقال له أحسن فيما بينك وبين الله وصل ما أمرك
الله أن تصل وأبشر بخير قال فانصرف عنه الملك فمكث أياما ثم أقبل إليه في
صورة ذلك الرجل الذي كان جاءه فقعد بين يديه فقال له أرميا من أنت قال أنا
392

الرجل الذي أتيتك أستفتيك في شأن أهل فقال له نبي الله أو ما طهرت لك
أخلاقهم بعد ولم تر منهم الذي تحب قال يا نبي الله والذي بعثك بالحق ما أعلم
كرامة يأتيها أحد من الناس إلى أهل رحمه الا وقد أتيتها إليهم وأفضل من ذلك
فقال النبي ارجع إلى أهلك فأحسن إليهم واسأل الله الذي يصلح عباده الصالحين
أن يصلح ذات بينكم وأن يجمعكم على مرضاته ويجنبكم سخطه فقام الملك من
عنده فلبث أياما وقد نزل بختنصر وجنوده حول بيت المقدس بأكثر من الجراد
ففزع منهم بنو إسرائيل فزعا شديدا وشق ذلك على ملك بني إسرائيل فدعا أرميا
فقال يا نبي الله أين ما وعدك الله فقال إني بربي واثق ثم إن الملك أقبل إلى أرميا
وهو قاعد على جدار بيت المقدس يضحك ويستبشر بنصر ربه الذي وعده لقعد
بين يديه فقال له أرميا من أنت قال أنا الذي كنت أتيتك في شأن أهلي مرتين
فقال له النبي أو لم يأن لهم أن يفيقوا من الذي هم فيه فقال الملك يا نبي الله كل شئ
كان يصيبني منهم قبل اليوم كنت أصبر عليه وأعلم ان مآلهم في ذلك سخطي فلما
أتيتهم اليوم رأيتهم في عمل لا يرضاه الله ولا يحبه قال له النبي على أي عمل رأيتهم
قال يا نبي الله رأيتهم على عمل عظيم من سخط الله فلو كانوا على مثل ما كانوا عليه
من قبل اليوم ولم يشتد غضبى عليه وصبرت لهم ورجوتهم ولكني غضبت اليوم
لله ولك فأتيتك لأخبرك خبرهم وانى أسألك بالله الذي هو بعثك بالحق الا ما دعوت
عليهم أن يهلكهم الله قال أرميا يا ملك السماوات والأرض ان كانوا على حق
وصواب فأبقهم وان كانوا على سخطك وعمل لا ترضاه فأهلكم فلما خرجت
الكلمة من في أرميا أرسل الله عز وجل صاعقة من السماء في بيت المقدس فالتهب
مكان القربان وخسف بسبعة أبو أب من أبو ابها فلما رأى ذلك أرميا صاح وشق
ثيابه ونبذ التراب على رأسه وقال يا ملك السماء ويا أرحم الراحمين أين ميعادك الذي
وعدتني فنودي يا أرميا إنه لم يصبهم الذي أصابهم إلا بفتياك التي أفتيت بها رسولنا
النبي انها فتياه التي أفتى بها ثلاث مرات وإنه رسول ربه وطار أرميا حتى خالط
الوحوش ودخل بختنصر وجنوده بيت المقدس فوطئ الشأم وقتل بني إسرائيل
393

حتى أفناهم وخرب بيت المقدس ثم أمر جنوده أن يملا كل رجل منهم ترسه ترابا
ثم يقذفه في بيت المقدس فقذفوا فيه التراب حتى ملؤه ثم انصرف راجعا إلى
أرض بابل واحتمل مع سبايا بني إسرائيل وأمرهم أن يجمعوا من كان في بيت
المقدس كلهم فاجتمع عنده كل صغير وكبير من بني إسرائيل فاختار منهم مائة
ألف صبي فلما خرجت غنائم جنده وأراد أن يقسمهم فيهم قالت له الملوك الذين
كانوا معه أيها الملك لك غنائمنا كلها وأقسم بيننا هؤلاء الصبيان الذي اخترتهم
من بني إسرائيل ففعل فأصاب كل رجل منهم أربعة غلمة وكان من أولئك
الغلمان دانيال وحنانيا وغزاريا وميشايل وسبعة آلاف من أهل بيت داود
وأحد عشر ألفا من سبط يوسف بن يعقوب وأخيه بنيامين وثمانية آلاف من
سبط أشر بن يعقوب وأربعة عشر ألفا من سبط زبالون بن يعقوب ونفثالى بن
يعقوب وأربعة آلاف من سبط روبيل ولاوى ابني يعقوب وأربعة آلاف من
سبط يهوذا بن يعقوب ومن بقى من بني إسرائيل وجعلهم بختنصر ثلاث فرق
فثلثا أقرا بالشام وثلثا سبى وثلثا قتل وذهب بآنية بيت المقدس حتى أقدمها بابل
وذهب بالصبيان السبعين الألف حتى أقدمهم بابل وكانت هذه الوقعة الأولى
التي أنزلها الله ببنى إسرائيل باحداثهم وظلمهم فلما ولى بختنصر عنهم راجعا إلى
بابل بمن معه من سبايا بني إسرائيل أقبل أرميا على حمار له معه عصير من عنب
في ركوة وسلة تين حتى غشى إيليا فلما وقف عليها ورأى ما بها من الخراب دخله
شك فقال أنى يحيى هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام وحماره وعصيره وسلة
تينه عنده حيث أماته الله وأمات حماره معه وأعمى الله عنه العيون فلم يره أحد
ثم بعثه الله فقال له (كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت
مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه) يقول لم يتغير (وانظر إلى
حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها
لحما) فنظر إلى حماره يتصل بعض إلى بعض وقد كان مات معه بالعروق
والعصب ثم كيف كسى ذلك منه اللحم حتى استوى ثم جرى فيه الروح فقام
394

ينهق ثم نظر إلى عصيره وتينه فإذا هو على هيئته حين وضعه لم يتغير فلما عاين
من قدرة الله ما عاين قال أعلم أن الله على كل شئ قدير ثم عمر الله أميا بعد ذلك
فهو الذي يرى بفلوات الأرض والبلدان ثم إن بختنصر أقام في سلطانه ما شاء الله
أن يقيم ثم رأى رؤيا فبينما هو قد أعجبه ما رأى إذ رأى شيئا أصابه فأنساه الذي
كان رأى فدعا دانيال وحنانيا وعزاريا وميشايل من ذراري الأنبياء فقال
أخبروني عن رؤيا رأيتها ثم أصابني شئ فأنسانيها وقد كانت أعجبتني ما هي قالوا له
أخبرنا بها نخبرك بتأويلها قال ما أذكرها وإن لم تخبروني بتأويلها لأنزعن
أكتافكم فخرجوا من عنده فدعوا الله واستغاثوا وتضرعوا إليه وسألوه أن
يعلمهم إياها فأعلمهم الذي سألهم عنه فجاؤه فقالوا له رأيت تمثالا قال صدقتم
قالوا قدماه وساقاه من فخار وركبتاه وفخذاه من نحاس وبطنه من فضة وصدره
من ذهب ورأسه وعنقه من حديد قال صدقتم قالوا فبينما أنت تنظر إليه قد
أعجبك فأرسل الله عليه صخرة من السماء فدقته فهي التي أنستكها قال صدقتم فما
تأويلها قالوا تأويلها أنك رأيت ملك الملوك فكان بعضهم ألين ملكا من
بعض وبعضهم كان أحسن ملكا من بعض وبعضهم كان أشد ملكا من بعض
فكان أول الملك الفخار وهو أضعفه وألينه ثم كان فوقه النحاس وهو أفضل
منه وأشد ثم كان فوق النحاس الفضة وهى أفضل من ذلك وأحسن ثم كان
فوق الفضة الذهب فهو أحسن من الفضة وأفضل ثم كان الحديد ملكك فهو
كان أشد الملوك وأعز مما كان قبله وكانت الصخرة التي رأيت أرسل الله عليه من
السماء فدقته نبيا يبعثه الله من السماء فيدق ذلك أجمع ويصير الامر إليه ثم إن
أهل بابل قالوا لبختنصر أرأيت هؤلاء الغلمان من بني إسرائيل الذين كنا
سألناك ان تعطيناهم ففعلت فانا والله لقد أنكرنا نساءنا منذ كانوا معنا لقد رأينا
نساءنا علقن بهم وصرفن وجوههن إليهم فاخرجهم من بين أظهرنا أو اقتلهم
قال شأنكم بهم فمن أحب منكم ان يقتل من كان في يده فليفعل فاخرجوهم فلما
قربوهم للقتل تضرعوا إلى الله فقالوا يا ربنا أصابنا البلاء بذنوب غيرنا فتحنن الله
395

عليهم برحمته فوعدهم أن يحييهم بعد قتلهم فقتلوا إلا من استبقى بختنصر منهم
وكان ممن استبقى منهم دانيال وحنانيا وعزاريا وميشايل ثم إن الله تبارك
وتعالى حين أراد هلاك بختنصر انبعث فقال لمن كان في يده من بني إسرائيل
أرأيتم هذا البيت الذي أخربت وهؤلاء الناس الذين قتلت من هم وما هذا البيت
قالوا هذا بيت الله ومسجد من مساجده وهؤلاء أهله كانوا من ذراري الأنبياء
فظلموا وتعدوا وعصوا فسلطت عليهم بذنوبهم وكان ربهم رب السماوات
والأرض ورب الخلق كلهم يكرمهم يمنعهم ويعزهم فلما فعلوا ما فعلوا أهلكهم الله
وسلط عليهم غيرهم قال فأخبروني ما الذي يطلع بي إلى السماء العليا لعلى أطلع إليها فاقتل
من فيها وأتخذها ملكا فانى قد فرغت من الأرض ومن فيها قالوا له ما تقدر على ذلك
وما يقدر على ذلك أحد من الخلائق قال لتفعلن أو لأقتلنكم عن آخركم فبكوا إلى الله
وتضرعوا إليه فبعث الله بقدرته ليريه ضعفه وهو انه عليه بعوضة فدخلت في منخره
ثم ساخت في دماغه حتى عضت بأم دماغه فما كان يقر ولا يسكن حتى يوجأ له
رأسه على أم دماغه فلما عرف الموت قال لخاصته من أهله إذا مت فشقوا رأسي
فانظروا ما هذا الذي قتلني فلما مات شقوا رأسه فوجدوا البعوضة عاضة بأم
دماغه ليرى الله العباد قدرته وسلطانه ونجى الله من كان بقى في يديه من
بني إسرائيل وترحم عليهم وردهم إلى الشأم وإلى إيليا المسجد المقدس فبنوا فيه وربوا
وكثروا حتى كانوا على أحسن ما كانوا عليه فيزعمون والله أعلم ان الله أحيا أولئك
الموتى الذين قتلوا فلحقوا بهم ثم إنهم لما دخلوا الشام دخلوها وليس معهم
عهد من الله كانت التوراة قد استلبت منهم فحرقت وهلكت وكان عزيز وكان
من السبايا الذين كانوا ببابل فرجع إلى الشام يبكى عليها ليله ونهاره قد خرج من
الناس فتوحد منهم وإنما هو ببطون الأودية وبالفلوات يبكى فبينما هو كذلك
في حزنه على التوراة وبكائه عليها إذ أقبل إليه رجل وهو جالس فقال يا عزيز
ما يبكيك قال أبكى على كتاب الله وعهده كان بين أظهرنا فبلغت بنا خطايانا
وغضب ربنا علينا أن سلط علينا عدونا فقتل رجالنا وأخرب بلادنا وأحرق كتاب
396

الله الذي بين أظهرنا الذي لا يصلح دنيانا وآخرتنا غيره أو كما قال فعلام أبكى
إذا لم أبك على هذا قال أفتحب أن يرد ذلك عليك قال وهل إلى ذلك من سبيل
قال نعم ارجع فصم وتطهر وطهر ثيابك ثم موعدك هذا المكان غدا فرجع عزير
فصام وتطهر وطهر ثيابه ثم عمد إلى المكان الذي وعده فجلس فيه فاتاه ذلك
الرجل باناء فيه ماء وكان ملكا بعثه الله إليه فسقاه من ذلك الاناء فمثلت التوراة
في صدره فرجع إلى بني إسرائيل فوضع لهم التوراة يعرفونها بحلالها وحرامها
وسننها وفرائضها وحدودها فأحبوه حبا لم يحبوه شيئا قط وقامت التوراة بين
أظهرهم وصلح بها أمرهم وأقام بين أظهرهم عزير مؤديا لحق الله ثم قبضه الله على
ذلك ثم حدثت فيهم الاحداث حتى قالوا لعزير هو ابن الله ودعا الله عليهم فبعث
فيهم نبيا كما كان يصنع بهم يسدد أمرهم ويعلمهم ويأمرهم بإقامة التوراة وما فيها *
وقال جماعة أخر عن وهب بن منبه في أمر بختنصر وبنى إسرائيل وغزوه إياهم
أقوالا غير ذلك تركنا ذكرها كراهة إطالة الكتاب بذكرها
ذكر خبر غزو بختنصر العرب
حدثت عن هشام بن محمد قال كان بدء نزول العرب أرض العراق وثبوتهم
فيها واتخاذهم الحيرة والأنبار منزلا فيما ذكر لنا والله أعلم أن الله عز وجل
أوحى إلى برخيا بن أحنيا بن زر بابل بن شلتيل من ولد يهوذا قال هشام قال
الشرقي وشلتيل أول من اتخذ الطفشيل أن ائت بختنصر وأمره أن يغزو العرب
الذين لا اغلاق لبيوتهم ولا أبو أب ويطأ بلادهم بالجنود فيقتل مقاتلتهم ويستبيح
أموالهم وأعلمه كفرهم بي واتخاذهم الآلهة دوني وتكذيبهم أنبيائي ورسلي قال
فاقبل برخيا من نجران حتى قدم على بختنصر ببابل وهو نبوخذ نصر فعربته
العرب وأخبره بما أوحى الله إليه وقص عليه ما أمره به وذلك في زمان معد
ابن عدنان قال فوثب بختنصر على من كان في بلاده من تجار العرب وكانوا
يقدمون عليهم بالتجارات والبياعات ويمتارون من عندهم الحب والتمر والثياب
وغيرها فجمع من ظفر به منهم فبنى لهم حيرا على النجف وحصنه ثم ضمهم فيه
397

ووكل بهم حرسا وحفظة ثم نادى في الناس بالغزو فتأهبوا لذلك وانتشر الخبر
فيمن يليهم من العرب فخرجت إليه طوائف منهم مسالمين مستأمنين فاستشار
بختنصر فيهم برخيا فقال إن خروجهم إليك من بلادهم قبل نهوضك إليهم
رجوع منهم عما كانوا عليه فاقبل منهم فاحسن إليهم قال فانزلهم بختنصر السواد على
شاطئ الفرات فابتنوا موضع عسكرهم بعد فسموه الأنبار قال وخلى عن أهل
الحيرة فاتخذوها منزلا حياة بختنصر فلما مات انضموا إلى أهل الأنبار وبقى ذلك
الحير خرابا وأما غير هشام من أهل العلم باخبار الماضين فإنه ذكر أن معد بن
عدنان لما ولد ابتدأت بنو إسرائيل بأنبيائهم فقتلوهم فكان آخر من قتلوا يحيى
ابن زكرياء عدا أهل الرس على نبيهم فقتلوه وعدا أهل حضور على نبيهم فقتلوه
فلما اجترؤا على أنبياء الله أذن الله في فناء ذلك القرن الذين معد بن عدنان من
أنبيائهم فبعث الله بختنصر على بني إسرائيل فلما فرغ من اخراب المسجد الأقصى
والمدائن وانتسف بني إسرائيل نسفا فأوردهم أرض بابل أرى فيما يرى النائم
أو أمر بعض الأنبياء أن يأمره أن يدخل بلاد العرب فلا يستحيى فيها إنسيا ولا
بهيمة وأن ينتسف ذلك نسفا حتى لا يبقى لهم أثرا فنظم بختنصر ما بين إيلة والأبلة
خيلا ورجلا ثم دخلوا على العرب فاستعرضوا كل ذي روح أتوا عليه وقدروا
عليه وأن الله تعالى أوحى إلى أرميا وبرخيا أن الله قد أنذر قومكما فلم ينتهوا
فعادوا بعد الملك عبيدا وبعد نعيم العيش عالة يسألون الناس وقد تقدمت إلى
أهل عربة بمثل ذلك فأبوا إلا لجاجة وقد سلطت بختنصر عليهم لأنتقم منهم
فعليكما بمعد بن عدنان الذي من ولده محمد صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه في
آخر الزمان أختم به النبوة وأرفع به من الضعة فخرجا تطوى لهما الأرض حتى
سبقا بختنصر فلقيا عدنان قد تلقاهما فطوياه إلى معد ولمعد يومئذ اثنتا عشرة سنة
فحمله برخيا على البراق وردف خلفه فانتهيا إلى حران من ساعتهما وطويت
الأرض لأرميا فأصبح بحران فالتقى عدنان بختنصر بذات عرق فهزم بختنصر
عدنان وسار في بلاد العرب حتى قدم إلى حضور واتبع عدنان فانتهى بختنصر
398

إليها وقد اجتمع أكثر العرب من أقطار عربة إلى حضور فخندق الفريقان
وضرب بختنصر كمينا وذلك أول كمين كان فيما زعم ثم ناد مناد من جو السماء
يا لثأرات الأنبياء فأخذتهم السيوف من خلفهم ومن بين أيديهم فندموا على
ذنوبهم فنادوا بالويل ونهى عدنان عن بختنصر ونهى بختنصر عن عدنان وافترق
من لم يشهد حضور ومن أفلت قبل الهزيمة فرقتين فرقة أخذت إلى ريسوب
وعليهم عك وفرقة قصدت لوبار وفرقة حضر العرب قال وإياهم عنى الله بقوله
(وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة) كافرة الأهل فان العذاب لما نزل
بالقرى وأحاط بهم في آخر وقعة ذهبوا ليهربوا فلم يطيقوا الهرب فلما أحسوا
بأسنا انتقامنا منهم إذا هم منها يركضون يهربون قد أخذتهم السيوف من بين
أيديهم ومن خلفهم لا تركضوا لا تهربوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه إلى العيشة على
النعم المكفورة ومساكنكم مصيركم لعلكم تسئلون فلما عرفوا أنه واقع بهم أقروا
بالذنوب فقالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا
خامدين موتى وقتلى بالسيف فرجع بختنصر إلى بابل بما جمع من سبايا عربة
فألقاهم بالأنبار فقيل أنبار العرب وبذلك سميت الأنبار وخالطهم بعد ذلك النبط
فلما رجع بختنصر مات عدنان وبقيت بلاد العرب خرابا حياة بختنصر فلما مات
بختنصر خرج معد بن عدنان معه الأنبياء أنبياء بني إسرائيل صلوات الله عليهم
حتى أتى مكة فأقام أعلامها فحج وحج الأنبياء معه ثم خرج معد حتى أتى ريسوب
فاستخرج أهلها وسأل عمن بقى من ولد الحارث بن مضاض الجرهمي وهو الذي
قاتل دوس العتق فأفنى أكثر جرهم على يديه فقيل له بقى جرشم بن جلهمة فتزوج
معد ابنته معانة فولدت له نزار بن معد
رجع الخبر إلى قصة بشتاسب
وذكر ملكه والحوادث التي كانت في أيام ملكه التي جرت على يديه
ويد غيره من عماله في البلاد خلا ما جرى من ذلك على يد بختنصر
ذكر العلماء بأخبار الأمم السالفة من العجم والعرب أن بشتاسب بن كي لهراسب
399

لما عقد له التاج قال يوم ملك نحن صارفون فكرنا وعملنا وعملنا إلى كل ما ينال
به البر وقيل إنه ابتنى بفارس مدينة فسا وببلاد الهند وغيرها بيوتا للنيران ووكل
بها الهرابذة وأنه رتب سبعة نفر من عظماء أهل مملكته مراتب وملك كل واحد
منهم ناحية جعلها له وأن زرادشت بن اسفيمان ظهر بعد ثلاثين سنة من ملكه
فادعى النبوة وأراده على قبول دينه فامتنع من ذلك ثم صدقه وقيل ما دعاه إليه
وأتاه به من كتاب ادعاه وحيا فكتب في جلد اثنى عشرة ألف بقرة حفرا في الجلود
ونقشا بالذهب وصير بشتاسب ذلك في موضع من إصطخر يقال له در بيشت ووكل
به الهرابذة ومنع تعليمه العامة وكان بشتاسب في أيامه تلك مهادنا لخرزاسف بن كي
سواسف أخي فراسيات ملك الترك على ضرب من الصلح وكان من شرط ذلك
الصلح أن يكون لبشتاسب بباب خرزاسف دابة موقوفة بمنزلة الدواب التي تنوب
على أبو أب الملوك فأشار زرادت على بشتاسب بمفاسدة ملك الترك فقبل ذلك
منه وبعث إلى الدابة والموكل بها فصرفهما إليه وأظهر الخبز لخرزاسف فغضب
من ذلك وكان ساحرا عاتيا فأجمع على محاربة بشتاسب وكتب إليه كتابا غليظا
عنيفا أعلمه فيه أنه أحدث حدثا عظيما وأنكر قبوله ما قبل من زرداشت وأمره
بتوجيهه إليه وأقسم إن امتنع أن يغزوه حتى يسفك دمه ودماء أهل بيته فلما ورد
الرسول بالكتاب على بستاسب جمع إليه أهل بيته وعظماء أهل مملكته وفيهم
جاما سف عالمهم وحاسبهم وزرين بن لهراسف فكتب بشتاسب إلى ملك الترك
كتابا غليظا جواب كتابه آذنه فيه بالحرب وأعلمه أنه غير ممسك عنه إن أمسك
فسار بعضهما إلى بعض مع كل واحد منهما من المقاتلة مالا يحصى كثرة ومع بشتاسب
يومئذ زرين أخوه ونسطور ابن زرين واسفنديار وبشوتن ابنا بشتاسب وآل
لهراسب جميعا * ومع خرزاسف جو هرمز واندرمان أخواه وأهل بيته وبيدرفش
الساحر فقتل في تلك الحروب زرين واشتد ذلك على بشتاسب فأحسن الغناء
عنه ابنه اسقنديار وقتل بيدرفش مبارزة فصارت الدبرة على الترك فقتلوا قتلا
ذريعا ومضى خرزاسف هاربا ورجع بشتاسب إلى بلخ فلما مضت لتلك الحروب
400

سنون سعى على اسفنديار رجل يقال له فرزم فافسد قلب بشتاسب عليه فندبه
لحرب بعد حرب ثم أمر بتقييده وصيره في الحصن الذي فيه حبس النساء وشخص
بشتاسب إلى ناحية كرمان وسجستان وصار منها إلى جبل يقال له طميدر لدراسة
دينه والنسك هناك وخلف لهراسب أباه في مدينة بلخ شيخا قد أبطله الكبر وترك
خزائنه وأمواله ونساءه مع خطوس امرأته فحملت الجواسيس الخبر إلى خزاسف
فلما عرف جمع جنود الا يحصون كثرة وشخص من بلاده نحو بلخ وقد أمل أن
يجد فرصة من بشتاسب ومملكته فلما انتهى إلى تخوم ملك فارس قدم أمامه جوهرمز
أخاه وكان مرشحا للملك بعده في جماعة من المقاتلة كثيرة وأمره أن يغذ السير
حتى يتوسط المملكة ويوقع بأهلها ويغير على القرى والمدن ففعل ذلك جوهرمز
وسفك الدماء واستباح من الحرم مالا يحصى واتبعه خرزاسف فاحرق
الدواوين وقتل لهراسف والهرابذة وهدم بيوت النيران واستولى على الأموال
والكنوز وسبى ابنتين لبشتاسب يقال لاحداهما خمانى وللأخرى باذافره وأخذ
فيما أخذ العلم الأكبر الذي كانوا يسمونه درفش كابيان وشخص متبعا لبشتاسب
وهرب منه بشتاسب حتى تحصن في تلك الناحية مما يلي فارس في الجبل الذي يعرف
بطميدر ونزل ببشتاسب ما ضاق به ذرعا فيقال إنه لما اشتد به الامر وجه إلى
اسفنديار جاماسب حتى استخرجه من محبسه ثم صار به إليه فلما أدخل عليه اعتذر
إليه ووعده عقد التاج على رأسه وأن يفعل به مثل الذي فعل لهراسب به وقلده القيام
بأمر عسكره ومحاربة خرزاسف فلما سمع اسفنديار كلام كفر له خاشعا ثم نهض من
عنده فتولى عرض الجند وتمييزهم وتقدم فيما احتاج إلى التقدم فيه وبات ليلته مشغولا
بتعبيته فلما أصبح أمر بنفخ القرون وجمع الجنود ثم سار بهم نحو عسكر الترك فلما
رأت الترك عسكره خرجوا في وجوههم يتسابقون وفى القوم جوهرمز واندرمان
فالتحمت الحرب بينهم وانقض اسفنديار وفي يده الرمح كالبرق الخاطف حتى
خالط القوم وأكب عليهم بالطعن فلم يكن إلا هنيهة حتى ثلم في العسكر ثلمة عظيمة
وفشا في الترك أن اسفنديار قد أطلق من الحبس فانهزموا لا يلوون على شئ وانصرف
401

اسفنديار وقد ارتجع العلم الأعظم وحمله معه منشورا فلما دخل على بشتاسب
استبشر بظفره وأمره باتباع القوم وكان مما أوصاه به أن يقتل خرزاسف إن قدر
عليه بلهراسف وقتل جوهر مز واندر مان بمن قتل من ولده ويهدم حصون الترك
ويحرق مدنها ويقتل أهلها بمن قتلوا من حملة الدين ويستنقذ السبايا ووجه
معه ما احتاج إليه من القواد والعظماء فذكروا أن اسفنديار دخل بلاد الترك من
طريق لم يرمه أحد قبله وأنه قام من حراسة جنده وقتل ما قتل من السباع ورمى
العنقاء المذكورة بما لم يقم به أحد قبله ودخل مدينة الترك التي يسمونها دزرئين
وتفسيرها بالعربية الصفرية عنوة حتى قتل الملك واخوته ومقاتلته واستباح أمواله
وسبى نساءه واستنقذ أختيه وكتب بالفتح إلى أبيه وكان أعظم الغناء في تلك
المحاربة بعد اسفنديار لفشوتن أخيه وإدرنوش ومهرين بن ابنته ويقال إنهم لم
يصلوا إلى المدينة حتى قطعوا أنهارا عظيمة مثل كاسر وذو مهروذ ونهرا آخر لهم
عظيما وأن اسفنديار دخل أيضا مدينة كانت لفراسيات يقال لها وهسكنك
ودوخ البلاد وصار إلى آخر حدودها والى التبت وباب صول ثم قطع البلاد
وصير كل ناحية منها إلى رجل من وجوه الترك بعد أن آمنهم ووظف على كل
واحد منهم خراجا يحمله إلى بشتاسب في كل سنة ثم انصرف إلى بلخ * ثم إن
بشتاسب حسد ابنه اسفنديار لما ظهر منه فوجهه إلى رستم بسجستان * فحدثت
عن هشام بن محمد الكلبي أنه قال قد كان بشتاسب جعل الملك من بعده لابنه اسفنديار
وأغزاه الترك فظفر بهم وانصرف إلى أبيه فقال له هذا رستم متوسطا بلادنا
وليس يعطينا الطاعة لا دعائه ما جعل له قابوس من العتق من رق الملك فسر إليه
فأتني به فسار اسفنديار إلى رستم فقاتله فقتله رستم * ومات بشتاسب وكان ملكه
مائة سنة واثنتي عشرة سنة وذكر بعضهم أن رجلا من بني إسرائيل يقال له سمى
كان نبيا وأنه بعث إلى بشتاسب فصار إليه إلى بلخ ودخل مدينتها فاجتمع هو
وزرادشت صاحب المجوس وجاماسب العالم بن فحد وكان سمى يتكلم بالعبرانية
ويعرف زرادشت ذلك بتلقين ويكتب بالفارسة ما يقول سمى بالعبرانية ويدخل
402

جاماسب معهما في ذلك وبهذا السبب سمى جاماسب العالم * وزعم بعض العجم
أن جاماسب هو ابن فحد بن هو بن حكا بن نذكاو بن فرس بن رج بن خوراسرو بن
منوشهر الملك وأن زرادشت بن يوسنسف بن فرد وأسف بن ارنجد من منجدسف ابن
جخشنش بن فيافيل بن الحدى بن هرداو بن سفمان بن ويدس ابن إدرا بن رج بن
خوراسرو بن متوشهر وقيل إن بشتاسب وأباه لهراسب كانا على دين الصابئين
حتى أتاه سمى ورادشت بما أتياه به وأنهما أتياه بذلك لثلاثين سنة مضت من ملكه
وقال هذا القائل كان ملك بشتاسب مائة وخمسين سنة فكان ممن رتب بشتاسب
من النفر السبعة المراتب الشريفة وسماهم عظماء بهكابيذ ومسكنه دهستان من
أرض جرجان وقارن الفلهوى ومسكنه ماه نهاوند وسورين الفلهوى ومسكنه
سجستان واسفنديار الفلهوى ومسكنه الري * وقال آخرون كان ملك بشتاسب
مائة وعشرين سنة
ذكر الخبر عن ملوك اليمن
في أيام قابوس وبعده إلى عهد بهمن بن اسفنديار
(قال أبو جعفر) قد مضى ذكرنا الخبر عمن زعم أن قابوس كان في عهد سليمان
ابن داود عليه السلام ومضى ذكرنا من كان في عهد سليمان من ملوك اليمن
والخبر عن بلقيس بنت ايليشرح * فحدثت عن هشام بن محمد الكلبي أن الملك
باليمن صار بعد بلقيس إلى ياسر بن عمرو بن يعفر الذي كان يقال له ياسر أنعم
قال وأنما سموه يا سرا نعم لانعامه عليهم بما قوى من ملكهم وجمع من أمرهم
قال فزعم أهل اليمن أنه سار غازيا نحو المغرب حتى بلغ واديا يقال له وادى الرمل
ولم يبلغه أحد قبله فلما انتهى إليه لم يجد وراءه مجازا لكثرة الرمل فبينما هو مقيم عليه
إذ انكشف الرمل فأمر رجلا من أهل بيته يقال له عمرو أن يعبر هو وأصحابه فعبروا
فلم يرجعوا فلما رأى ذلك أمر بصنم نحاس فصنع ثم نصب على صخرة على شفير
الوادي وكتب في صدره بالمسند هذا الصنم لياسر أنعم الحميري وليس وراءه
403

مذهب فلا يتكلفن ذلك أحد فيعطب * قال ثم ملك من بعده تبع وهو تبان أسعد
وهو أبو كرب بن ملكي كرب تبع بن زيد بن عمرو بن تبع وهو ذو الأذعار
ابن أبرهة تبع ذي المنار بن الرائش بن قيس بن صيفي بن سبأ قال وكان يقال له
الرائد قال فكان تبع هذا في أيام بشتاسب واردشير بهمن بن اسفنديار بن
بستاسب وانه شخص متوجها من اليمن في الطريق الذي سلكه الرائش حتى خرج
على جبلي طيئ ثم سار يريد الأنبار فلما انتهى إلى الحيرة وذلك ليلا تحير فأقام
مكانه وسمى ذلك الموضع الحيرة ثم سار وخلف به قوما من الأزد ولخم وجذام
وعاملة وقضاعة فبنوا وأقاموا به ثم انتقل إليهم بعد ذلك ناس من طيئ وكلب
والسكون وبلحارث بن كعب وإياد ثم توجه إلى الأنبار ثم إلى الموصل ثم إلى
آذربيجان فلقى الترك بها فهزمه فقتل المقاتلة وسبى الذرية ثم انكفأ راجعا إلى
اليمن فأقام بها دهرا وهابته الملوك وعظمته وأهدت إليه فقدم عليه رسول ملك
الهند بالهداياء والتحف من الحرير والمسك والعود وسائر طرف بلاد الهند فرأى
ما لم ير مثله فقال ويحك أكل ما رأى في بلادكم فقال أبيت اللعن أقل ما ترى
في بلادنا وأكثره في بلاد الصين ووصف له بلاد الصين وسعتها وخصبها وكثرة
طرفها فآلى بيمين ليغزونها فسار بحمير مساجلا حتى أتى الركائك وأصحاب
القلابس السود ووجه رجلا من أصحابه يقال له ثابت نحو الصين في جمع عظيم
فأصيب فسار تبع حتى دخل الصين فقتل مقاتلها واكتسح ما وجد فيها قال ويزعمون
إن مسيره كان إليها ومقامه بها ورجعته منها في سبع سنين وأن خلف بالتبت اثنى
عشر ألف فارس من حمير فهم أهل التبت وهم اليوم يزعمون أنهم عرب وخلقهم
وألوانهم خلق العرب وألوانها * حدثني عبد الله بن أحمد المروزي قال حدثني أبي
قال حدثني سليمان قال قرأت على عبد الله عن إسحاق بن يحيى عن موسى بن طلحة
ان تبعا خرج في العرب يسير حتى تحيروا بظاهر الكوفة وكان منزلا من منازله
فبقى فيها من ضعفة الناس فسميت الحيرة لتحيرهم وخرج تبع سائرا فرجع إليهم
وقد بنوا وأقاموا وأقبل تبع إلى اليمن وأقاموا هم ففيهم من قبائل العرب كلها من
404

بنى لحيان وهذيل وتميم وجعفى وطيئ وكلب
ذكر خبر أردشير بهمن وابنته خمانى
ثم ملك بعد بشتاسب ابن ابنه أردشير بهمن فذكر أنه قال يوم ملك وعقد
التاج على رأسه نحن محافظون على الوفاء ودائنون رعيتنا بالخير فكان يدعى
أردشير الطويل الباع وإنما لقب بذلك فيما قيل لتناوله كل ما مد إليه يده من الممالك
التي حوله حتى ملك الأقاليم كلها وقيل إنه ابتنى بالسواد مدينة وسماها آباد أردشير
هي القرية المعروفة بمينيا من الزاب الاعلى وابتنى بكور دجلة مدينة وسماها بهمن
أردشير وهى الأبلة وسار إلى سجستان طالبا بثأر أبيه فقتل رستم وأباه دستان
وأخاه ازواره وابنه فرمرز واجتبى الناس لارزاق الجند ونفقات الهرابذة وبيوت
النيران وغير ذلك أموالا عظيمة وهو أبو دارا الأكبر وأبو ساسان أبى ملوك
الفرس الاخر اردشير بن بابك وولده وأم دارا خمانى بنت بهمن * فحدثت عن
هشام بن محمد قال ملك بعد بشتاسب أردشير بهمن بن اسفنديار بن بشتاسب وكان
فيما ذكروا متواضعا مرضيا فيهم وكانت كتبه تخرج من أردشير عبد الله وخادم
الله السائس لامركم قال ويقال إنه غزا الرومية الداخلة في ألف ألف مقاتل وقال
غير هشام هلك بهمن ودارا في بطن أمه فملكوا خمانى شكرا لأبيها بهمن ولم تزل
ملوك الأرض تحمل إلى بهمن الإتاوة والصلح وكان من أعظم ملوك الفرس فيما
قالوا شأنا وأفضلهم تدبيرا وله كتب ورسائل تفوق كتب أردشير وعهد وكانت
أم بهمن استوريا وهى أستار بنت يائير بن شمعى بن قيس بن ميشا بن طالوت الملك
ابن قيس بن ابل بن صارور بن بحرث بن افيح بن ايشى بن بنيامين بن يعقوب بن
إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن صلى الله عليه وسلم وكانت أم ولده راحب بنت
فنحس من ولد رحبعم بن سليمان بن داود صلى الله عليه وسلم وكان بهمن ملك
أخاها زر بابل بن شلتايل على بني إسرائيل وصير له رياسة الجالوت ورده إلى الشام
بمسألة راحب أخته إياه ذلك فتوفى بهمن يوم توفى وله من الولد ابناه دار الأكبر
وساسان وبناته خمانى التي ملكت بعده وفرنك وبهمن دخت تفسير بهمن بالعربية
405

الحسن النية وكان ملكه مائة واثنتي عشرة سنة فأما ابن الكلبي شام فإنه قال كان
ملك ثمانين سنة * ثم ملكت خمانى بنت بهمن وكانوا ملكوها حبا لأبيها
بهمن وشكرا لاحسانه ولكمال عقلها وبهائها وفروسيتها ونجدتها فيما ذكره بعض
أهل الأخبار فكانت تلقب بشهرازاد وقال بعضهم انما ملكت خمانى بعد أبيها
بهمن أنها حين حملت منه دارا الأكبر سألته أن يعقد التاج له في بطنها ويؤثره
بالملك ففعل ذلك بهمن بدارا وعقد عليه التاج حملا في بطنها وساسان بن بهمن
في ذلك الوقت رجل يتصنع للملك لا يشك فيه فلما رأى ساسان ما فعل أبو ه
من ذلك لحق بأصطخر فتزهد وخرج من الحلية الأولى وتعبد فلحق برؤس
الجبال يتعبد فيها واتخذ غنيمة فكان يتولى ما شيته بنفسه واستشنعت العامة ذلك
من فعله وفظعت به وقالوا صار ساسان راعيا فكان ذلك سبب نسبة الناس إياه
إلى الرعى وأم ساسان ابنة شالتيال بن يوحنا بن أوشيا بن أمون بن منشى بن حازقيا
ابن أحاذ بن يوثام بن عوزيا بن يورام بن يوشافط بن أبيا بن رحبعم بن سليمان بن
داود وقيل إن بهمن هلك وابنه دارا في بطن خمانى وانها ولدته بعد أشهر من ملكها
وأنفت من إظهار ذلك فجعلته في تابوت وصيرت معه جوهرا نفيسا وأجرته في نهر
الكر من إصطخر وقال بعضهم بل نهر بلخ وان التابوت صار إلى رجل طحان من أهل
إصطخر كان له ولد صغير فهلك فلما وجده الرجل أتى به امرأته فسرت به لجماله ونفاسة
ما وجد معه فحضنوه ثم أظهر أمر حين شب وأقرت خمانى بإساءتها إليه وتعريضها
إياه للتلف فلما تكامل امتحن فوجد على غاية ما يكون عليه أبناء الملوك فحولت
التاج عن رأسها إليه وتقلد أمر المملكة وتنقلت خمانى وصارت إلى فارس
وبنت مدينة إصطخر وأغزت الروم جيشا بعد جيش وكانت قد أوتيت ظفرا
فقمعت الأعداء وشغلتهم عن تطرف شئ من بلادها ونال رعيتها في ملكها
رفاهة وخفضا وكانت خمانى حين أغزت أرض الروم سبى لها منها بشر كثير
وحملوا إلى بلادها فأمرت من فيهم من بنائي الروم فبنوا لها في كل موضع من
حين مدينة إصطخر بنيانا على بناء الروم منيفا معجبا أحد ذلك البنيان في مدينة
406

إصطخر والثاني على المدرجة التي تسلك فيها إلى دار ابجرد على فرسخ من هذه
المدينة والثالث على أربعة فراسخ منها في المدرجة التي تسلك فيها إلى خراسان
وأنها أجهدت نفسها في طلب مرضاة الله عز وجل فأوتيت الظفر والنصر وخففت
عن رعيتها في الخراج وكان ملكها ثلاثين سنة ثم نرجع الآن إلى
ذكر خبر بني إسرائيل
ومقابلة تأريخ مد أيامهم إلى حين تصرمها بتأريخ مدة من كان في أيامهم من
ملوك الفرس (قد ذكرنا) فيما مضى قبل سبب انصراف من انصرف إلى بيت المقدس
من سبايا بني إسرائيل الذين كان بختنصر سباهم وحملهم معه إلى أرض بابل وأن
ذلك كان في أيام كيرش ابن أخشويرش وملكه ببابل من قبل بهمن بن اسفنديار
في حياته وأربع سنين بعد وفاته في ملك ابنته خمانى * وأن خمانى عاشت بعد
هلاك كيرش بن أخشويرش ستا وعشرين سنة في ملكها تمام ثلاثين سنة وكانت
مدة خراب بيت المقدس من لدن خربه بختنصر إلى أن عمر فيما ذكره أهل
الكتب القديمة والعلماء بالاخبار سبعين سنة كل ذلك في أيام بهمن ابن اسفنديار
ابن بشتاسب بن لهراسب بعضه وبعض في أيام خمانى على ما قد بين في هذا
الكتاب وقد زعم بعضهم أن كيرش هو بشتاسب وأنكر ذلك من قيله بعضهم
وقال كي أرش إنما هو عم لجد بشتاسب وقال هو كي أرش أخو كيقاوس
ابن كيبيه بن كيقباذ الأكبر وبشتاسب الملك هو ابن كيلهراسب بن كيوجى
ابن كيمنوش بن كيقاوس بن كيبيه بن كيقباذ الأكبر قال ولم يملك كي أرش
قط وإنما كان مملكا على خوزستان وما يتصل بها من أرض بابل من قبل كيقاوس
ومن قبل كيخسرو بن سياوخش بن كيقاوس ومن قبل لهراسف من بعده
وكان طويل العمر عظيم الشأن ولما عمر بيت المقدس ورجع إليه أهله من بني إسرائيل
كان فيهم عزيز وقد وصفت ما كان من أمره وأمر بني إسرائيل وكان
الملك عليهم بعد ذلك من قبل الفرس اما رجل منهم وإما رجل من بني إسرائيل
إلى أن صار الملك بناحيتهم لليونانية والروم بسبب غلبة الإسكندر على تلك
407

الناحية حين قتل دارا بن دارا وكانت جملة مدة ذلك فيما قيل ثمانيا وثمانين سنة
نذكر الآن
خبر دارا الأكبر وابنه دارا الأصغر
ابن دارا الأكبر وكيف كان هلاكه مع خبر ذي القرنين
وملك دارا بن بهمن بن اسفنديار بن بشتاسب وكان ينبه بجهر أزاد يعنى به
كريم الطبع فذكروا أنه نزل بابل وكان ضابطا لملكه قاهرا لمن حوله من
الملوك يؤدون إليه الخراج وأنه ابتنى بفارس مدينة سماها دارابحرد * وحذف
دواب البرد ورتبها وكان معجبا بابنه دارا وأنه من حبه إياه سماه باسم نفسه
وصير له الملك من بعده وأنه كان له وزير يسمى رسبين محمودا في عقله وأنه شجر
بينه وبين غلام تربى مع دارا الأصغر يقال له بيرى شر وعداوة فسعى رسبين
عليه عند الملك فقيل إن الملك سقى بيرى شربة مات منها واضطغن دارا على
رسبين الوزير وجماعة من القواد كانوا عاونوه على بيرى ما كان منهم وكان ملك
دارا اثنتي عشرة سنة * ثم ملك من بعده ابنه دارا بن دارا بن بهمن وكانت أمه
ماهيا هند بنت هزار مرد بن بهرادمه فلما عقد التاج على رأسه قال لن ندفع أحدا
في مهوى الهلكة ومن تردى فيها لم نكففه عنها وقيل إنه بنى بأرض الجزيرة
مدينة دارا واستكتب أخابيري واستوزره لأنسه كان به وبأخيه فافسد قلبه
على أصحابه وحمله على قتل بعضهم فاستوحشت لذلك منه الخاصة والعامة ونفروا
عنه وكان شابا غرا حميا حقودا جبارا * وحدثت عن هشام بن محمد قال ملك
من بعد دارا بن أردشير دارا بن دارا أربع عشرة سنة فأساء السيرة في رعيته
وقتل رؤساءهم وغزاه الإسكندر على تإفة ذلك وقد مله أهل مملكته وسأموه وأحبوا
الراحة منه فلحق كثير من وجوههم وأعلامهم بالإسكندر فأطلعوه على عورة دارا
وقووه عليه فالتقيا ببلاد الجزيرة فاقتتلا سنة ثم إن رجلا من أصحاب دارا
وثبوا به فقتلوه وتقربوا برأسه إلى الإسكندر فأمر بقتلهم وقال هذا جزاء
408

من اجترأ على ملكه وتزوج ابنته روشنك بنت دارا وغزا الهند ومشارق
الأرض ثم انصرف وهو يريد الإسكندرية فهلك بناحية السواد فحمل إلى
الاسكندية في تابوت من ذهب وكان ملكه أربع عشرة سنة واجتمع ملك الروم وكان
قبل الإسكندر متفرقا وتفرق ملك فارس وكان قبل الإسكندر مجتمعا * قال
وذكر غير هشام أن دارا بن دارا لما ملك أمر فبنيت له بأرض الجزيرة مدينة واسعة
وسماها دارنوا هي التي تسمى اليوم دارا وأنه عمرها وشحنها من كل ما يحتاج
إليه فيها وأن فيلفوس أبا الإسكندر ليوناني من أهل بلدة من بلاد اليونانيين
تدعى مقدونية كان ملكا عليها وعلى بلاد أخرى احتازها إليها كان صالح
دارا على خراج يحمله إليه في كل سنة وأن فيلفوس ذلك فملك بعده ابنه الإسكندر
فلم يحمل إلى دارا ما كان يحمله إليه أبو ه من الخراج فأسخط ذلك عليه دارا
وكتب إليه يؤنبه بسوء صنيعة في تركه حمل ما كان أبو ه يحمل إليه من الخراج وغيره
وأنه إنما دعاه إلى حبس ما كان أبو ه يحمل إليه من الخراج الصبا والجهل وبعث
اله بصولجان وكرة وقفين من سمسم وأعلمه فيما كتب إليه أنه صبي وأنه إنما ينبغي
له أن يلعب بالصولجان والكرة اللذين بعث بهما إليه ولا يتقلد الملك ولا يتلبس
به وان لم يقتصر على ما أمره به من ذلك وتعاطى الملك واستعصى عليه بعث إليه
من يأتيه به في وثاق وأن عدة جنوده كعدة حب السمسم الذي بعث به إليه
فكتب إليه الإسكندر في جواب كتابه ذلك أن قد فهم ما كتب وأن قد نظر
إلى ما ذكر في كتابه إليه من إرساله الصولجان والكرة وتيمن به لالقاء الملقى
الكرة إلى الصولجان واحترازه إياها وشبه الأرض بالكرة وأنه محتاز ملك دارا
إلى ملكه وبلاده إلى حيزه من الأرض وأن نظره إلى السمسم الذي بعث به إليه
كنظره إلى الصولجان والكرة لدسمه وبعده من المرارة والحرافة وبعث إلى
دارا مع كتابه بصرة من خردل وأعلمه في ذلك الجواب أن ما بعث به إليه قليل
غير أن ذلك مثل الذي بعث به في الحرافة والمرارة والقوة وأن جنوده في كل
ما وصف به منه فلما وصل إلى دارا جواب كتاب الإسكندر جمع إليه جنده
409

وتأهب لمحاربة الإسكندر تأهب الإسكندر وسار نحو بلاد دارا * وبلغ ذلك
دارا فزحف إليه فالتقى الفئتان واقتتلا أشد القتال وصارت الدبرة على جنيد
دارا فلما رأى ذلك رجلان من حرس دارا يقال إنهما كانا من أهل همذان طعنا
دارا من خلفه فأرياه من مركبه وأرادا بطعنهما إياه الحظوة عند الإسكندر
والوسيلة إليه ونادى الإسكندر أن يؤسر دارا أسرا ولا يقتل فأخبر بشأن دارا
فسار الإسكندر وحتى وقف عند فرآه يجود بنفسه فنزل الإسكندر على دابته حتى
جلس عند رأسه وأخبره أنه لم يهم قط بقتله وأن الذي أصابه لم يكن عن رأيه
فقال له سلني ما بدا لك فأسعفك فيه فقال له دارا لي إليك حاجتان إحداهما أن
تنتقم لي من الرجلين اللذين فتكا بي وسماهما وبلادهما والاخرى أن تتزوج ابنتي
روشنك فأجابه إلى الحاجتين وأمر بصلب الرجلين اللذين انتهكا من دارا ما انتهكا
فتزوج روشنك وتوسط بلاد دارا وكان ملكه له وزعم بعض أهل العلم بأخبار
الأولين أن الإسكندر هذا الذي حارب دارا الأصغر هو أخو دارا الأصغر
الذي حاربه وأن أباه دارا الأكبر كان تزوج أم الإسكندر وأنها ابنة ملك الروم
واسمها هلاى وأنها حملت إلى زوجها دارا الأكبر فلما وجد نتن ريحها وعرقها
وسهكها أمر أن يحتال لذلك منها فاجتمع رأى أهل المعرفة في مداواتها على شجرة
يقال لها بالفارسية سندر فطبخت لها فغسلت بها وبمائها فأذهب ذلك كثيرا من
ذلك النتن ولم يذهب كله وانتهت نفسه عنها لبقية ما بها وعافها وردها إلى أهلها
وقد علقت منه فولدت غلاما في أهلها فسمته باسمها واسم الشجرة التي غسلت بها
حتى أذهبت عنها نتنها هلاى سندروس فهذا أصل الإسكندر روس قال وهلك
دارا الأكبر وصار الملك إلى ابنه دارا الأصغر وكانت ملوك الروم تؤدى الخراج
إلى دارا الأكبر في كل سنة فهلك أبو هلاى ملك الروم جد الإسكندر لامه
فلما صار الملك لابن ابنته بعث دارا الأصغر إليه للعادة انك أبطأت علينا
بالخراج الذي كنت تؤديه ويؤديه من كان قبلك فابعث إلينا بخراج بلادك وإلا
نابذناك المحاربة فرجع إليه جوابه أنى قد ذبحت الدجاجة وأكلت لحمها ولم يبق لها
410

بقية وقد بقيت الأطراف فإن أحبت وادعناك وإن أحببت ناجزناك فعند ذلك
نافره دارا وناجزه القتال وجعل الإسكندر لحاجبي دارا حكمهما على الفتك به
فاحتكما شيئا ولم يشترطا أنفسهما فلما التقوا للحرب طعن حاجبا دارا دارا في
الوقعة فلحقه الإسكندر صريعا فنزل إليه وهو بآخر رمق فمسح التراب عن وجهه
ووضع رأسه في حجره ثم قال له إنما قتلك حاجباك ولقد كنت أرغب بك
يا شريف الاشراف وحر الأحرار وملك الملوك عن هذا المصرع فأوصني بما
أحببت فأوصاه دارا أن يتزوج ابنته روشنك ويتخذها لنفسه ويستبقى أحرار
فارس ولا يولى عليهم غيرهم فقبل وصيته وعمل بأمره وجاء اللذان قتلا دارا إلى
الإسكندر فدفع إليهما حكمهما ووفى لهما ثم قال لهما قد وفيت لكما كما اشترطتما ولم
تكونا اشترطتما أنفسكما فأنا قاتلكما فإنه ليس ينبغي لقتلة الملوك أن يستقوا إلا
بذمة لا تخفر فقتلهما وذكر بعضهم أن ملك الروم في أيام دارا الأكبر كان
يؤدى إلى دارا الإتاوة فهلك وملك الروم الإسكندر وكان ر جلا ذا حزم وقوة
ومكر فيقال إنه غزا بعض ملوك المغرب فظفر به وآنس لذلك من نفسه القوة
فنشز على دارا الأصغر وامتنع من حمل ما كان أبو ه يحمله من الخراج فحمى دارا
لذلك وكتب إليه كتبا عنيفة ففسد ما بينهما وسار كل واحد منهما إلى صاحبه
وقد احتشدا والتقيا في الحد واختلفت بينهما الكتب والرسائل ووجل الإسكندر
من محاربة دارا ودعاه إلى الموادعة فاستشار دارا أصحابه في أمره فزينوا له الحرب
لفساد قلوبهم عليه وقد اختلفوا في الحد وموضع التقائهما فذكر بعضهم أن
التقاءهما كان بناحية خراسان مما يلي الخزر فاقتتلوا قتالا شديدا حتى خلص إليهما
السلاح وكان تحت الإسكندر يومئذ فرس له عجيب يقال له بوكفراسب ويقال
إن رجلا من أهل فارس حمل ذلك اليوم حتى تخرق الصفوف وضرب الإسكندر
ضربة بالسيف خيف عليه منها وأنه تعجب من فعله وقال هذا من فرسان فارس
الذين كانت توصف شدتهم وتحركت على دارا ضغائن أصحابه وكان في حرسه
رجلان من أهل همذان فراسلا الإسكندر والتمسا الحيلة لدارا حتى طعناه فكانت
411

منيت من طعنهما إياه ثم هربا فقيل إنه لما وقعت الصيحة وانتهى الخبر إلى
الإسكندر ركب في أصحابه فلما انتهى إلى دارا وجده يجود بنفسه فكلمه ووضع رأسه
في حجره وبكى عليه وقال له أتيت من مأمنك وغدر بك ثقاتك وصرت بين أعدائك
وحيد افسلنى حوائجك فإني على المحافظة على القرابة بيننا يعنى القرابة بين سلم وهيرج ابني
أفريذون فيما زعم هذا القائل وأظهر الجزع لما أصابه وحمد ربه حين لم يبتله بأمره
فسأله دارا أن يتزوج ابنته روشنك ويرعى لها حقها ويعظم قدرها وأن يطلب
بثأره فأجابه الإسكندر إلى ذلك ثم أتاه الرجلان اللذان وثبا على دارا يطلبان
الجزاء فأمر بضرب رقابهما وصلبهما وأن ينادى عليهما هذا جزاء من اجترأ
على ملكه وغش أهل بلده ويقال إن الإسكندر حمل كتبا وعلوما كانت لأهل
فارس من علوم ونجوم وحكمة بعد أن نقل ذلك إلى السريانية ثم إلى الرومية
وزعم بعضهم أن دارا قتل وله من الولد الذكور أشك بن دارا وبنو دارا واردشير
وله من البنات روشنك وكان ملك دارا أربع عشرة سنة وذكر بعضهم أن
الإتاوة التي كان أبو الإسكندر يؤديها إلى ملوك الفرس كان بيضا من ذهب فلما
ملك الإسكندر بعث إليه دارا يطلب ذلك الخراج فبعث إليه إن قد ذبحت تلك
الدجاجة التي كانت تبيض ذلك البيض وأكلت لحمها فأذن بالحرب * ثم ملك
الإسكندر بعد دارا بن دارا وقد ذكرت قول من يقول هو أخو دارا بن دارا
من أبيه دارا الأكبر * وأما الروم وكثير من أهل الأنساب فإنهم يقولون هو
الإسكندر بن فيلسوف وبعضهم يقول هو ابن بيلبوس بن مطريوس ويقال ابن
مصريم بن هرمس بن هردس بن ميطون بن رومي بن ليطى بن يونان بن يافث
ابن ثوبة بن سرحون بن رومية بن نرنط بن نوفيل بن روفى بن الأصفر بن اليفظ
ابن العيص بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن صلى الله عليه وسلم فجمع بعد مهلك دارا
ملك دارا إلى ملكه فملك العراق والروم والشأم ومصر وعرض جنده بعد هلاك
دارا فوجدهم فيما قيل ألف ألف وأربعمائة ألف رجل منهم من جنده ثمانمائة
ألف ومن جند دارا ستمائة ألف * وذكر أنه قال يوم جلس على سريره قد أدالنا
412

الله من دارا ورزقنا خلاف ما كان يتوعدنا به وأنه هدم ما كان في بلاد الفرس
من المدن والحصون وبيوت النيران وقتل الهرابذة وأحرق كتبهم ودواوين دارا
واستعمل على مملكة دارا رجالا من أصحابه وسار قدما إلى أرض الهند فقتل
ملكها وفتح مدينتها ثم سار منها إلى الصين فصنع بها كصنيعة بأرض الهند ودانت
له عامة الأرضين وملك التبت والصين ودخل الظلمات مما يلي القطب الشمالي
والشمس جنوبية في أربعمائة رجل يطلب عين الخلد فسار فيها ثمانية عشر يوما ثم
خرج ورجع إلى العراق وملك ملوك الطوائف ومات في طريقه بشهر زور وكان
عمره ستا وثلاثين سنة في قول بعضهم وحمل إلى أمه بالإسكندرية * وأما الفرس
فإنها تزعم أن ملك الإسكندر كان أربع عشرة سنة والنصارى تزعم أن ذلك كان
ثلاث عشرة سنة وأشهرا ويزعمون أن قتل دارا كان في أول السنة الثالثة من
ملكه وقيل إنه أمر ببناء مدن فبنيت اثنتا عشرة مدينة وسماها كلها إسكندرية منها
مدينة باصبان يقال جى بنيت على مثال الجنة وثلاث مدائن بخراسان منهن مدينة
هراة ومدينة مرو ومدينة سمرقند وبأرض بابل مدينة لروشنك بنت دارا وبأرض
اليونانية في بلاد هيلاقوس مدينة للفرس ومدنا أخر غيرها ولما مات الإسكندر
عرض الملك من بعده على ابنه الاسكندروس فأبى واختار النسك والعبادة فملكت
اليونانية عليهم فيما قيل بطليموس بن لوغوس وكان ملكه ثمانيا وثلاثين سنة فكانت
المملكة أيام اليونان بعد الإسكندر وحياة الإسكندر إلى أن تحول الملك إلى الروم
المصاص لليونانية ولبنى إسرائيل ببيت المقدس ونواحيها الديانة والرياسة على غير وجه
الملك إلى أن خربت بلادهم الفرس والروم وطردوهم عنها بعد قتل يحيى بن زكرياء عليه
السلام ثم كان الملك ببلاد الشأم ومصر ونواحي المغرب بعد بطلميوس بن لوغوس
لبطلميوس دينانوس أربعين سنة ثم من بعده لبطلميوس أو رغاطس أربعا وعشرين
سنة ثم من بعده لبطلميوس فيلا فطر إحدى وعشرين سنة ثم من بعده لبطلميوس أفيفانس
اثنتين وعشرين سنة ثم من بعده لبطلميوس أو رغاطس تسعا وعشرين سنة ثم من
بعده لبطلموس ساطر سبع عشرة سنة ثم من بعده لبطلميوس الا حسندر إحدى عشرة
413

سنة ثم من بعده لبطلميوس الذي اختفى عن ملكه ثماني سنين ثم من بعده لبطلميوس
دونسيوس ست عشرة سنة ثم من بعده لبطلميوس قالو بطرى سبع عشرة سنة فكل
هؤلاء كانوا يونانيين فكل ملك منهم بعد الإسكندر كان يدعى بطلميوس كما كانت
ملوك الفرس يدعون أكاسرة وهم الذين يقال لهم المفقانيون ثم ملك الشأم بعد
قالوا بطرى فيما ذكر الروم المصاصو فكان أول من ملك منهم جايوس يوليوس
خمس سنين ثم ملك الشأم بعده أغوسطوس ستا وخمسين سنة فلما مضى من ملكه
اثنتان وأربعون سنة ولد عيسى ابن مريم عليه السلام وبين مولده وقيام الإسكندر
ثلثمائة سنة وثلاث سنين ونرجع الان إلى
ذكر خبر الفرس بعد مهلك الإسكندر
لسياق التأريخ على ملكهم فاختلف أهل العلم بأخبار الماضين في الملك الذي كان
بسواد العراق بعد الإسكندر وفى عدد ملوك الطوائف الذين كانوا ملكوا أقليم بابل
بعده إلى أن قام بالملك اردشير بابكان فأما هشام بن محمد فإنه قال فيما حدثت عنه
ملك بعد الإسكندر يلاقس سلقيس ثم انطيحس قال وهو الذي بنى مدينة أنطاكية
قال وكان في أيدي هؤلاء الملوك سواد الكوفة قال وكانوا يتطرقون الجبال
وناحية الأهواز وفارس حتى خرج رجل يقال له أشك وهو ابن دارا الأكبر
وكان مولده ومنشأه بالري فجمع جمعا كثيرا وسار يريد انطيحس فزحف إليه
انطيحس فالتقيا ببلاد الموصل فقتل انطيحس وغلب أشك على السواد فصار في
يده من الموصل إلى الري وأصبهان وعظمه سائر ملوك الطوائف لنسبه وشرفه
فيهم ما كان من فعله وعرفوا له فضله وبدؤا به في كتبهم وكتب إليهم فبدأ بنفسه
وسموه ملكا وأهدوا إليه من غير أن يعزل أحدا منهم أو يستعمله * ثم ملك
بعده جوذرز بن اشكان قال وهو الذي غزا بني إسرائيل المرة الثانية وكان
سبب تسليط الله إياه عليهم فيما ذكر أهل العلم قتلهم يحيى بن زكرياء
فأكثر القتل فيهم فلم تعد لهم جماعة كجماعتهم الأولى ورفع الله عنهم النبوة
وأنزل بهم الذل قال وقد كانت الروم غزت بلاد فارس يقودها ملكها الأعظم
414

يلتمس أن يدرك بثأرها في فارس لقتل أشك ملك بابل انطيحس وملك بابل يومئذ
بلاش أبو أرد وان الذي قتله أردشير بن بابك فكتب بلاش إلى ملوك الطوائف
يعلمهم ما اجتمعت عليه الروم من غزو بلادهم وأنه قد بلغه من حشدهم وجمعهم
ما لا كفاء له عنده وأنه إن ضعف عنهم ظفروا بهم جميعا فوجه كل ملك من
ملوك الطوائف إلى بلاش من الرجال والسلاح والمال بقدر قوته حتى اجتمع
عنده أربعمائة ألف رجل فولى عليهم صاحب الحضر وكان ملكا من ملوك الطوائف
يلي ما بين انقطاع السواد إلى الجزيرة فسار بهم حتى لقى ملك الروم فقتله واستباح
عسكره وذلك هيج الروم على بناء القسطنطينية ونقل الملك من رومية إليها
فكان الذي ولى إنشاءها الملك قسطنطين وهو أول ملوك الروم تنصر وهو
أجلى من بقى من بني إسرائيل عن فلسطين والأردن لقتلهم بزعمه عيسى ابن مريم
فأخذ الخشبة التي وجدهم يزعمون أنهم صلبوا المسيح عليها فعظمها الروم فأدخلوها
خزائنهم فهي عندهم إلى اليوم قال ولم يزل ملك فارس متفرقا حتى ملك أردشير
فذكر هشام ما ذكرت عنه ولم يبين مدة ملك القوم * وقال غيره من أهل العلم
باخبار فارس ملك بعد الإسكندر ملك دارا أناس من غير ملوك الفرس غير أنهم
كانوا يضعون لكل من يملك بلاد الجبل ويمنحونه الطاعة قال وهم
الملوك الاشغانون
الذين يدعون ملوك الطوائف قال فكان ملكهم مائتي سنة وستا وستين سنة
فملك من هذه السنين أشك بن أشجان عشر سنين ثم ملك بعده سابور بن أشغان
ستين سنة وفى سنة إحدى وأربعين من ملكه ظهر عيسى ابن مريم بأرض فلسطين
وأن ططوس بن اسفسيانوس ملك رومية غزا بيت المقدس بعد ارتفاع عيسى ابن
مريم بنحو من أربعين سنة فقتل من في مدينة بيت المقدس وسبى ذراريهم وأمرهم
فنسفت مدينة بيت المقدس حتى لم يترك بها حجرا على حجر * ثم ملك جوذو رز
ابن أشغانان الأكبر عشر سنين ثم ملك بيزن الاشغانى إحدى وعشرين سنة ثم
ملك جوذرز الاشغانى تسع عشرة سنة ثم ملك ترسى الاشغانى أربعين سنة ثم
415

ملك هرمز الاشغانى سبع عشرة سنة ثم ملك اردوان الاشغانى اثنتي عشرة سنة
ثم ملك كسرى الاشغانى أربعين سنة ثم ملك بلاش الاشغانى أربعا وعشرين
سنة ثم ملك أردوان الأصغر الاشغانى ثلاث عشرة سنة ثم ملك أردشير بن
بابك * وقال بعضهم ملك بلاد الفرس بعد الإسكندر ملوك الطوائف الذين
فرق الإسكندر المملكة بينهم وتفرد بكل ناحية من ملك عليها من حين ملكه
ما خلا السواد فإنها كانت أربعا وخمسين سنة بعد هلاك الإسكندر في يد الروم
وكان في ملوك الطوائف رجل من نسل الملوك مملكا على الجبال وأصبهان
ثم غلب ولده بعد ذلك على السواد فكانوا ملوكا عليها وعلى الماهات والجبال
وأصبهان كالرئيس على سائر ملوك الطوائف لان السنة جرت بتقديمه وتقديم
ولده ولذلك قصد لذكرهم في كتب سير الملوك فاقتصر على تسميتهم دون غيرهم
قال ويقال إن عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم ولد باورى شلم بعد إحدى
وخمسين سنة من ملوك الطوائف فكانت سنو ملكهم من لدن الإسكندر إلى
وثوب اردشير بن بابك وقتله أردوان واستواء الامر له مائتين وستا وستين
سنة قال فمن الملوك الذين ملكوا الجبال ثم تهيأت لأولادهم بعد ذلك الغلبة على
السواد أشك بن جزه بن رسيبان بن ارتشاخ بن هرمز بن سام بن رزان بن
اسفنديار بن بشتاسب * قال والفرس تزعم أنه أشك بن دارا * وقال بعضهم
أشك بن أشكان الكبير وكان من ولد كيبيه بن كيقباذ وكان ملكه عشر سنين
ثم ملك من بعده أشك بن أشك بن أشكان إحدى وعشرين سنة ثم ملك سابور
ابن أشك بن أشكان إحدى وعشرين سنة ثم ملك سابور بن أشك بن أشكان
ثلاثين سنة ثم ملك جوذرز الأكبر بن سابور بن أشكان عشر سنين ثم ملك
بيزن بن جوذرز إحدى وعشرين سنة ثم جوذرز الأصغر بن بيزن تسع عشرة
سنة ثم نرسه بن جوذرز الأصغر أربعين سنة ثم هرمز بن بلاش بن أشكان سبع
عشرة سنة ثم أردوان الأكبر وهو اردوان بن أشكان اثنتي عشرة سنة ثم
كسرى بن أشكان أربعين سنة ثم بها فريد الاشكانى تسع سنين ثم بلاش
الاشكانى أربعا وعشرين سنة ثم أردوان الأصغر وهو أردوان بن بلاش
416

ابن فيروز بن هرمز بن بلاشر بن سابور بن أشك بن أشكان الأكبر وكان جده
كيبيه بن كيقباذ ويقال إنه كان أعظم الاشكانية ملكا وأظهرهم عزا وأسناهم
ذكرا وأشدهم قهرا لملوك الطوائف وأنه كان قد غلب على كوزة إصطخر لاتصالها
بأصبهان ثم إن تخطى إلى جور وغيرها من فارس حتى غلب عليهما ودانت له
ملوكها لهيبة ملوك الطوائف كانت له وكان ملكه ثلاث عشرة سنة ثم ملك
أردشير * وقال بعضهم ملك العراق وما بين الشأم ومصر بعد الإسكندر تسعون
ملكا على تسعين طائفة كلهم يعئم من يملك المدائن وهم الاشكانيون قال فملك
من الاشكانيين افقورشاه بن بلاش بن سابور بن أشكان بن أرش الجبار بن
سياوش بن كيقاوس الملك اثنتين وستين سنة ثم سابور بن أفقور وعلى عهده
كان المسيح ويحيى عليه السلام ثلاثا وخمسين سنة ثم جوذرز بن سابور بن أفقور
الذي غزا بني إسرائيل طالبا بثأر يحيى بن زكرياء ملك تسعا وخمسين سنة ثم ابن
أخيه أبزان بن بلاش بن سابور سبعا وأربعين سنة ثم جوذرز بن أبزان بن بلاش
إحدى وثلاثين سنة ثم أخوه نرسي بن أبزان أربعا وثلاثين سنة * ثم عمه الهرمزان بن
بلاش ثمانيا وأربعين سنة ثم ابنه الفيروزان بن الهرمزان بن بلاش تسعا وثلاثين سنة
ثم ابنه كسرى بن الفيروزان سبعا وأربعين سنة ثم ابنه اردوان بن بلاش وهو آخرهم
قتله اردشير بن بابك خمسا وخمسين سنة قال وكان ملك الإسكندر وملك سائر
ملوك الطوائف في النواحي خمسمائة وثلاثا وعشرين سنة
(ذكر الاحداث التي كانت في أيام ملوك الطوائف)
فكان من ذلك فيما زعمته الفرس لمضى خمس وستين سنة من غلبة الإسكندر
على أرض بابل ولإحدى وخمسين سنة من ملك الاشكانيين ولادة مريم بنت
عمران عيسى ابن مريم عليه السلام فأما النصارى فإنها تزعمان ولادتها إياه
كانت لمضى ثلثمائة سنة وثلاث سنين من وقت غلبة الإسكندر على أرض بابل
وزعموا أن مولد يحيى بن زكريا كان قبل مولد عيسى عليه السلام بستة أشهر
وذكروا ان مريم حملت بعيسى ولها ثلاث عشرة سنة وأن عيسى عاش إلى أن
417

رفع اثنتين وثلاثين سنة وأياما وأن مريم بقيت بعد رفعه ست سنين وكان
جمع عمرها نيفا وخمسين سنة قال زعموا ان يحيى اجتمع هو وعيسى بنهر
الأردن وله ثلاثون سنة وأن يحيى قتل قبل أن يرفع عيسى وكان زكرياء بن
برخيا أبو يحيى بن زكرياء وعمران بن ما ثان أبو مريم متزوجين بأختين إحداهما
عند زكرياء وهى أم يحيى والاخرى منهما عند عمران بن ما ثان وهى أم مريم
فمات عمران بن مائان وأم مريم حامل بمريم فلما ولدت مريم كفلها زكرياء
بعد موت أمها لان خالتها أخت أمها كانت عنده واسم أم مريم حنة بنت فاقود
ابن قبيل واسم أختها أم يحيى الاشباع ابنة فاقود وكفلها زكرياء وكانت مسماة
بيوسف بن يعقوب بن ما ثان بن اليعاز أر بن اليوذ بن أحين بن صادوق بن عازور
ابن الياقيم بن أبيوذ بن زر بابل بن شلتيل بن يوحنيا بن يوشيا بنأمون بن منشأ
ابن حزقيا بن أحاز بن يوثام بن عوزيا بن يورام بن يهو شافاظ بن أسا بن أبيا بن
رحبعم بن سليمان بن داود بن عم مريم * وأما ابن حميد فإنه حدثنا عن سلمة عن
ابن إسحاق أنه قال مريم فيما بلغني عن نسبها ابنة عمران بن يا شهم بن أمون بن منشأ
ابن حزقيا بن احزيق بن يوثام بن عزريا بن أمصيا بن ياوش بن أحزيهو بن يارم
ابن يهشافاظ بن أسا بن أبيا بن رحبعم بن سليمان فولد لزكرياء يحيى بن خالة عيسى
ابن مريم فنبئ صغيرا فساح ثم دخلا لشأم يدعو الناس ثم اجتمع يحيى وعيسى
ثم افترقا بعد أن عمد يحيى عيسى وقيل إن عيسى بعث يحيى بن زكرياء في اثنى عشر
من الحواريين يعلمون الناس قال وكان فيما نهوهم عنه نكاح بنات الأخ * فحدثني
أبو السائب قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن المنهال عن سعيد بن جبير
عن ابن عباس قال بعث عيسى ابن مريم يحيى بن زكرياء في اثنى عشر من
الحواريين يعلمون الناس قال فكان فيما نهوهم عنه نكاح ابنة الاح قال وكان
لملكهم ابنة أخ تعجبه يريد أن يتزوجها وكانت لها كل يوم حاجة يقضيها فلما
بلغ ذلك أمها قالت لها إذا دخلت على الملك فسألك حاجتك فقولي حاجتي أن
تذبح لي يحيى بن زكرياء فلما دخلت عليه سألها حاجتها قالت حاجتي أن تذبح لي يحيى
418

ابن زكرياء فقال سليني غير هذا قالت ما أسألك إلا هذا قال فلما أبت عليه دعا يحيى
ودعا بطست فذبحه فبذرت قطرة من دمه على الأرض فلم تزل تغلى حتى بعث الله
بختنصر عليهم فجاءته عجوز من بني إسرائيل فدلته على ذلك الدم قال فالقى الله في
قلبه أن يقتل على ذلك الدم منهم حتى يسكن فقتل سبعين ألفا منهم من سن
واحدة فسكن * حدثنا موسى بن هارون الهمداني قال حدثنا عمرو بن حماد قال
حدثنا أسباط عن السدى في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن
عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم أن رجلا من بني إسرائيل رأى في النوم ان خراب بيت المقدس وهلاك
بني إسرائيل على يدي غلام يتيم ابن أرملة من أهل بابل يدعى بختنصر وكانوا
يصدقون فتصدق رؤياهم فاقبل يسأل عنه حتى نزل على أمه وهو يحتطب فلما
جاء وعلى رأسه حزمة حطب ألقاها ثم قعد في جانب البيت فكلمه ثم أعطاه ثلاثة
دراهم فقال اشتر بهذه طعاما وشرابا فاشترى بدرهم لحما وبدرهم خبزا وبدرهم خمرا
فأكلوا وشربوا حتى إذا كان اليوم الثاني فعل به ذلك حتى إذا كان اليوم الثالث
فعل ذلك ثم قال انى أحب أن تكتب لي أمانا إن أنت ملكت يوما من الدهر
قال تسخر بي قال إني لا أسخر بك ولكن ما عليك أن تتخذ بها عندي يدا فكلمته
أمه فقالت وما عليك إن كان وإلا لم ينقصك شيئا فكتب له أمانا فقال أرأيت
ان جئت والناس حولك قد حالوا بيني وبينك فاجعل لي آية تعرفني بها قال ترفع
صحيفتك على قصبة فأعرفك بها فكساه وأعطاه ثم إن ملك بني إسرائيل كان
يكرم يحيى بن زكرياء ويدني مجلسه ويستشيره في أمره ولا يقطع أمرا دونه وانه
هوى أن يتزوج ابنة امرأة له فسأل يحيى عن ذلك فنهاه عن نكاحها وقال لست
أرضاها لك فبلغ ذلك أمها فحقدت على يحيى حين نهاه أن يتزوج ابنتها فعمدت
إلى الجارية حين جلس الملك على شرابه فألبستها ثيابا رقاقا حمرا وطيبتها وألبستا
من الحلى وألبستها فوق ذلك كساء أسود فأرسلتها إلى الملك وأمرتها أن تسقيه
وأن تعرض له فان أرادها على نفسها أبت عليه حتى يعطيها ما سألته فإذا أعطاها
419

ذلك سألته ان تؤتى برأس يحيى بن زكرياء في طست ففعلت فجعلت تسقيه وتعرض
له فلما أخذ فيه الشراب أرادها على نفسها فقال لا افعل حتى تعطيني ما أسألك قال
ما تسأليني قالت أسألك ان تبعث إلى يحيى بن زكرياء فاوتى برأسه في هذا الطست
فقال ويحك سليني غير هذا قالت ما أريد ان أسألك إلا هذا قال فلما أبت عليه بعث
إليه فاتى برأسه والرأس يتكلم حتى وضع بين يديه وهو يقول لا تحل لك فلما أصبح إذا
دمه يغلى فامر بتراب فالقى عليه فرقى الدم فوق التراب يغلى فالقى عليه التراب أيضا
فارتفع الدم فوقه فلم يزل يلقى عليه التراب حتى بلغ سور المدينة وهو في ذلك يغلى وبلغ
صيحائين فنادى في الناس وأراد ان يبعث إليهم جيشا ويؤمر عليهم رجلا
فاتاه بختنصر فكلمه وقال إن الذي كنت أرسلت تلك المرة ضعيف فانى قد دخلت
المدينة وسمعت كلام أهلها فابعثني فبعثه فاسر بختنصر حتى إذا بلغوا ذلك المكان
تحصنوا منه في مدائنهم فلم يطقهم فلما اشتد عليه المقام وجاع أصحابه أراد الرجوع
فخرجت إليه عجوز من عجائز بن إسرائيل فقالت أين أمير الجند فأتى بها إليه فقالت
إنه بلغني أنك تريد أن ترجع بجندك قبل أن تفتح هذه المدينة قال نعم قد طال مقامي
وجاع أصحابي فلست أستطيع المقام فوق الذي كان منى فقالت أرأيتك إن فتحت
لك المدينة أتعطيني ما أسألك فتقتل من أمرتك بقتله وتكف إذا أمرتك أن تكف
قال لها نعم قالت إذا أصبحت فاقسم جندك أربعة أرباع ثم أقم على كل زاوية
ربعا ثم ارفعوا بأيديكم إلى السماء فنادوا إنا نستفتحك يا الله بدم يحيى بن زكريا
فإنها سوف تتساقط ففعلوا فتساقطت المدينة ودخلوا من جوانبها فقالت له كف
يدك أقتل على هذا الدم حتى يسكن فانطلقت به إلى دم يحيى وهو على تراب كثير
فقتل عليه حتى سكن فقتل سبعين ألف رجل وامرأة فلما سكن الدم قالت له كف
يدك فإن الله عز وجل إذا قتل نبي لم يرض حتى يقتل من قتله ومن رضى قتله فأتاه
صاحب الصحيفة بصحيفته فكف عنه وعن أهل بيته وخرب بيت المقدس
أمر به أن تطرح فيه الجيف وقال من طرح فيه جيفة فله جزيته تلك السنة
وأعانه على خرابه الروم من أجل أن بني إسرائيل قتلوا يحيى بن زكريا فلما
420

خربه بختنصر ذهب معه بوجوه بني إسرائيل وسراتهم وذهب بدانيال وعليها
وعزريا وميشائيل هؤلاء كلهم من أولاد الأنبياء وذهب معه برأس الجالوت
فلما قدم أرض بابل وجد صيحائين قد مات فملك مكانه وكان أكرم الناس عليه
دانيال وأصحابه فحسدهم المجوس فوشوا بهم إليه فقالوا إن دانيال وأصحابه
لا يعبدون إلهك ولا يأكلون من ذبيحتك فدعاهم فسألهم فقالوا أجل إن لنا
ربا نعبده ولسنا نأكل من ذبيحتكم وأمر بخد فخد فألقوا فيه وهم ستة وألقى معهم
سبع ضار ليأكلهم فقالوا انطلقوا فلنأكل ولنشرب فذهبوا فأكلوا وشربوا
ثم راحوا فوجدوهم جلوسا والسبع مفترش ذراعيه بينهم لم يخدش منهم أحدا
ولم ينكأه شيئا فوجدوا معهم رجلا فعدوهم فوجدوهم سبعة فقال ما بال هذا
السابع إنما كانوا ستة فخرج إليه السابع وكان ملكا من الملائكة فلطمه لطمة
فصار في الوحش فكان فيهم سبع سنين (قال أبو جعفر) وهذا القول الذي
روى عمن ذكرت في هذه الأخبار التي رويت وعمن لم يذكر في هذا الكتاب
من أن بختنصر هو الذي غزا بني إسرائيل عند قتلهم يحيى بن زكرياء عند أهل السير
والاخبار والعلم بأمور الماضين في الجاهلية وعند غيرهم من أهل الملل غلط وذلك
أنهم بأجمعهم مجمعون غلى أن بختنصر إنما غزا بني إسرائيل عند قتلهم نبيهم شعيا
في عهد أرميا بن حلقيا وبين عهد أرميا وتخريب بختنصر بيت المقدس إلى مولد
يحيى بن زكرياء أربعمائة سنة وإحدى وستون سنة في قول اليهود والنصارى
ويذكرون أن ذلك عندهم في كتبهم وأسفارهم مبين وذلك أنهم يعدون من لدن
تخريب بختنصر بيت المقدس إلى حين عمرانها في عهد كيرش بن اخشويرش
أصبهبذ بابل من قبل اردشير بهمن بن اسفنديار بن بشتاسب ثم من قبل ابنته
خمالى سبعين سنة ثم من بعد عمرانها إلى ظهور الإسكندر عليها وحيازة مملكتها
إلى مملكته ثمانيا وثمانين سنة ثم من بعد مملكة الإسكندر لها إلى مولد يحيى
ابن زكرياء ثلثمائة سنة وثلاث سنين فذلك على قولهم أربعمائة سنة وإحدى وستون
سنة * وأما المجوس فإنها توافق النصارى واليهود في مدة خراب بيت المقدس
421

وأمر بختنصر وما كان من أمره وأمر بين إسرائيل إلى غلبة الإسكندر على بيت
المقدس والشام وهلاك دارا وتخالفهم في مدة ما بين ملك الإسنكدر ومولد
يحيى فتزعم أن مدة ذلك إحدى وخمسون سنة فبين المجوس والنصارى من
الاختلاف في مدة ما بين ملك الإسكندر ومولد يحيى وعيسى ما ذكرت *
والنصارى تزعم أن يحيى ولد قبل عيسى بستة أشهر وأن الذي قتله ملك لبنى إسرائيل
يقال له هيردوس بسبب امرأة يقال لها هيروذيا كانت امرأة أخ له يقال له
فيلفوس عشقها فوافقته على الفجور وكان لها ابنة يقال لها دمنى فأراد هيردوس
أن يطأ امرأة أخيه المسماة هيروذيا فنهاه يحيى وأعلمه أنه لا تحل له فكان هيردوس
معجبا بالابنة فألهته يوما ثم سألته حاجة فأجابها إليها وأمر صاحبا له بالنفوذ
لما تأمره به فأمرته أن يأتيها برأس يحيى ففعل فلما عرف هيردوس الخبر أسقط
في يده وجزع جزعا شديدا * وأما ما قال في ذلك أهل العلم بالاخبار وأمور أهل
الجاهلية فقد حكيت منه ما قاله هشام بن محمد الكلبي * وأما ما قال ابن إسحاق فيه فهو
ما حدثنا به ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال عمرت بنو إسرائيل
بعد ذلك يعنى بعد مرجعهم من أرض بابل إلى بيت المقدس يحدثون الاحداث
ويعود الله عليهم ويبعث فيهم الرسل ففريقا يكذبون وفريقا يقتلون حتى كان
آخر من بعث فيهم من أنبيائهم زكرياء ويحيى بن زكرياء وعيسى ابن مريم وكانوا
من بيت آل داود عليه السلام وهو يحيى بن زكرياء بن أدى بن مسلم بن صدوق
ابن نحشان بن داود بن سليمان بن مسلم بن صديقة بن برخية بن شفاطية بن فاحور
ابن شلوم بن يهفا شاط بن أسا بن أبيا بن رحبعهم بن سليمان بن داود قال فلما رفع
الله عيسى صلى الله عليه وسلم من بين أظهرهم وقتلوا يحيى بن زكرياء صلى الله
تعالى عليه وآله وسلم وبعض الناس يقول وقتلوا زكرياء ابتعث الله عليهم ملكا
من ملوك بابل يقال له خردوس فسار إليهم بأهل بابل حتى دخل عليهم الشام
فلما ظهر عليهم أمر رأسا من رؤس جنوده يدعى نبوزر اذان صاحب
الفيل فقال له إني كنت حلفت بإلهى لئن انا ظهرت على أهل بيت المقدس
422

لأقتلنهم حتى تسيل دماؤهم في وسط عسكري إلا أن لا أجد أحدا أقتله
قامره ان يقتلهم حتى يبلغ ذلك منهم وان نبوزر اذان دخل بيت المقدس فقام في
البقعة التي كانوا يقربون فيها قربانهم فوجد فيها دما يغلى وسألهم فقال يا بني إسرائيل
ما شأن هذا الدم يغلى أخبروني خبره ولا تكتموني شيئا من أمره فقالوا هذا
دم قربان كان لنا كنا قربناه فلم يقبل منا فلذلك هو يغلى كما تراه ولقد قربنا منذ
ثمانمائة سنة القربان فيقبل منا الا هذا القربان قال ما صدقتموني الخبر قالوا له
لو كان كأول زماننا لقبل منا ولكنه قد انقطع منا الملك والنبوة والوحي فلذلك
لم يقبل منا فذبح منهم نبوزر اذان على ذلك الدم سبعمائة وسبعين روحا من رؤسهم
فلم يهدأ فأمر فاتى بسبعمائة غلام من غلمانهم فذبحوا على الدم فلم يهدأ فامر بسبعة
آلاف من بنيهم وأزواجهم فذبحهم على الدم فلم يبرد فلما رأى نبوزر اذان الدم
لا يهدأ قال لهم يا بني إسرائيل ويلكم اصدقوني واصبروا على أمر ربكم فقد
طال ما ملكتم في الأرض تفعلون فيها ما شئتم قبل ان لا أترك منكم نافخ نار
أنثى ولا ذكرا الا قتلته فلما رأوا الجهد وشدة القتل صدقوه الخبر فقالوا ان هذا
دم نبي منا كان ينهانا عن أمور كثيرة من سخط الله فلو أطعناه فيها لكان أرشد لنا
وكان يخبرنا بامركم فلم نصدقه فقتلناه فهذا دمه فقال لهم نبوزر اذان ما كان اسمه
قالوا يحيى بن زكرياء قال الآن صدقتموني لمثل هذا ينتقم ربكم منكم فلما رأى
نبوزر اذان انهم قد صدقوه خر ساجدا وقال لمن حوله اغلقوا أبواب المدينة
وأخرجوا من كان ههنا من جيش خردوس وخلا في بني إسرائيل ثم قال يا يحيى
ابن زكرياء قد علم ربى وربك ما قد أصاب قومك من اجلك وما قتل منهم من
اجلك فاهدأ بإذن الله قبل ان لا أبقى من قومك أحدا فهدأ دم يحيى بإذن الله
ورفع نبوزر اذان عنهم القتل وقال آمنت بما آمنت به بنو إسرائيل وصدقت به
وأيقنت أنه لا رب غيره ولو كان معه آخر لم يصلح * لو كان معه شريك لم
يستمسك السماوات والأرض ولو كان له ولد لم يصلح فتبارك وتقدس وتسبح
وتكبر وتعظم ملك الملوك الذي يملك السماوات السبع بعلم وحكم وجبروت
423

وعزة الذي بسط الأرض وألقى فيها رواسي لا تزول فكذلك ينبغي لربى أن يكون
ويكون ملكه فأوحى إلى رأس من رؤس بقية الأنبياء ان نبوزر اذان
جبور صدوق والحبور بالعبرانية حديث الايمان وان نبوزر اذان قال لبنى إسرائيل
ان عدو الله خردوس امرني ان اقتل منكم حتى تسيل دماؤكم وسط عسكره
وانى فاعل لست أستطيع ان أعصيه قالوا له افعل ما أمرت به فأمرهم فحفروا خندقا
وامر بأموالهم من الخيل والبغال والحمير والبقر والغنم والإبل فذبحها حتى سال
الدم في العسكر وامر بالقتلى الذين كانوا قتلوا قبل ذلك فطرحوا على ما قتل من
مواشيهم حتى كانوا فوقهم فلم يظن خردوس الا ان ما كان في الخندق من
بني إسرائيل فلما بلغ الدم عسكره أرسل إلى نبوزر اذان ارفع عنهم فقد بلغني
دماؤهم وقد انتقمت منهم بما فعلوا ثم انصرف عنهم إلى أرض بابل وقد أفنى
بني إسرائيل أو كاد وهى الوقعة الأخيرة التي انزل الله ببنى إسرائيل يقول
الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب
إلى قوله - وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا) وعسى من الله حق فكانت
الوقعة الأولى بختنصر وجنوده ثم رد الله لهم الكرة عليهم ثم كانت الوقعة
الأخيرة خردوس وجنوده وهى كانت أعظم الوقعتين فيها كان خراب بلادهم
وقتل رجالهم وسبى ذراريهم ونسائهم يقول الله عز وجل (وليتبروا ما علوا
تتبيرا) (رجع الحديث) إلى حديث عيسى ابن مريم وأمه عليهما السلام قال
وكانت مريم ويوسف بن يعقوب ابن عمها يليان خدمة الكنيسة فكانت مريم
إذا نفد ماؤها فيما ذكر وماء يوسف أخذ كل واحد منهما قلته فانطلق إلى المغارة
التي فيها الماء الذي يستعذبانه فيملا قلته ثم يرجعان إلى الكنيسة فلما كان اليوم
الذي لقيها فيه جبريل وكان أطول يوم في السنة وأشده حرا نفد ماؤها فقالت
يا يوسف ألا تذهب بنا نستقي قال إن عندي لفضلا من ماء أكتفي به يومى هذا
إلى غد قالت لكني والله ما عندي ماء فأخذت قلتها ثم انطلقت وحدها حتى دخلت
المغارة فتجد عندها جبريل قد مثله الله لها بشرا سويا فقال لها يا مريم ان الله قد بعثني
424

إليك لا هب لك غلاما زكيا قالت انى أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا وهى
تحسبه رجلا من بني آدم فقال إنما أنا رسول ربك قالت أنى يكون لي غلام
ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا قال كذلك قال ربك هو على هين ولنجعله آية للناس
ورحمة منا وكان أمرا مقضيا أي ان الله قد قضى ان ذلك كائن فلما قال ذلك
استسلمت لقضاء الله فنفخ في جيبها ثم انصرف عنها وملأت قلتها * فحدثني محمد
ابن سهل بن عسكر البخاري قال حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال حدثني
عبد الصمد بن معقل ابن أخي وهب قال سمعت وهبا قال لما أرسل الله عز وجل
جبريل إلى مريم تمثل لها بشرا سويا فقالت انى أعوذ بالرحمن منك ان كنت تقيا
ثم نفخ في جيب درعها حتى وصلت النفخة إلى الرحم واشتملت على عيسى قال
وكان معها ذو قرابة لها يقال له يوسف النجار وكانا منطلقين إلى المسجد الذي
عند جبل صهيون وكان ذلك المسجد يومئذ من أعظم مساجدهم وكانت مريم
ويوسف يخدمان في ذلك المسجد في ذلك الزمان وكان لخدمته فضل عظيم فرغبا
في ذلك فكانا يليان معالجته بأنفسهما وتجميره وكناسته وطهوره وكل عمل يعمل
فيه فكان لا يعلم من أهل زمانهما أحد أشد اجتهادا وعبادة منهما وكان أول
من أنكر حمل مريم صاحبها يوسف فلما رأى الذي بها استعظمه وعظم عليه
وفظع به ولم يدر على ماذا يضع امرها فإذا أراد يوسف ان يتهمها ذكر صلاحها
وبراءتها وانها لم تغب عنه ساعة قط وإذا أراد ان يبرئها رأى الذي ظهر بها فلما
اشتد عليه ذلك كلمها فكان أول كلامه إياها ان قال لها انه قد وقع في نفسي من
امرك أمر قد حرصت على أن أميته واكتمه في نفسي فغلبني ذلك فرأيت أن
الكلام فيه أشفى لصدري قالت فقل قولا جميلا قال ما كنت لا قول الا ذلك
فحدثيني هل ينبت زرع بغير بذر قالت نعم قال فهل تنبت شجرة من
غير غيث يصيبها قالت نعم قال فهل يكون ولد من غير ذكر قالت نعم ألم تعلم أن
الله انبت الزرع يوم خلقه من غير بذر والبذر انما كان من الزرع الذي انبته
الله من غير بذر أولم تعلم أن الله أنبت الشجر من غير غيث وأنه جعل بتلك القدرة
425

الغيث حياة للشجر بعد ما خلق كل واحد منهما وحده أو تقول لم يقدر الله على
أن ينبت الشجر حتى استعان عليه بالماء ولولا ذلك لم يقدر على إنباته قال لها يوسف
لا أقول ذلك ولكني أعلم أن الله بقدرته على ما يشاء يقول لذلك كن فيكون
قالت له مريم أو لم تعلم أن الله عز وجل خلق آدم وامرأته من غير ذكر ولا أنثى
قال بلى فلما قالت له ذلك وقع في نفسه أن الذي بها شئ من الله عز وجل وأنه
لا يسعه أن يسألها عنه وذلك لما رأى من كتمانها لذلك ثم تولى يوسف خدمة
المسجد وكفاها كل عمل كانت تعمل فيه وذلك لما رأى من رقه جسمها واصفرار
لونها وكلف وجهها ونتوء بطنها وضعف قوتها ودأب نظرها ولم تكن مريم قبل
ذلك كذلك فلما دنا نفاسها أوحى الله إليها أن اخرجي من أرض قومك فإنهم
إن ظفروا بك عيروك وقتلوا ولدك فأفضت عند ذلك إلى أختها وأختها حينئذ
حبلى وقد بشرت بيحيى فلما التقيا وجدت أم يحيى ما في بطنها خر لوجهه ساجدا
معترفا بعيسى فاحتملها يوسف إلى أرض مصر على حمار له ليس بينها حين ركبت
الحمار وبين الأكاف شئ فانطلق يوسف بها حتى إذا كان متاخما لأرض مصرفي
منقطع بلاد قومها أدرك مريم النفاس وألجأها إلى آرى حمار يعنى مزود الحمار في
أصل نخلة وذلك في زمان الشتاء فاشتد على مريم المخاض فلما وجدت منه شدة
التجأت إلى النخلة فاحتضنتها واحتوشتها الملائكة قاموا صفوفا محدقين بها فلما
وضعت وهى محزونة قيل لها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا إلى إني نذرت
للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا فكان الرطب يتساقط عليها وذلك في الشتاء
فأصبحت الأصنام التي كانت تعبد من دون الله حين ولدت بكل أرض مقلوبة
منكوسة على رؤسها ففزعت الشياطين وراعها فلم يدروا ما سبب ذلك فساروا
عند ذلك مسرعين حتى جاؤوا إبليس وهو على عرش له في لجة خضراء يتثمل
بالعرش يوم كان على الماء ويحتجب يتمثل بحجب النور التي من دون الرحمن
فأتوه وقد خلا ست ساعات من النهار فلما رأى إبليس جماعتهم فزع من ذلك ولم
يرهم جميعا منذ فرقهم قبل تلك الساعة إنما كان يراهم أشتاتا فسألهم فاخبروه أنه
426

قد حدث في الأرض حدث أصبحت الأصنام منكوسة على رؤسها ولم يكن شئ
أعون على هلاك بني آدم منها كنا ندخل في أجوافها فنكلمهم وندبر أمرهم
فيظنون أنها التي تكلمهم فلما أصابها هذا الحدث صغرها في أعين بني آدم وأذلها
وأدناها ذلك وقد خشينا ألا يعبدوها بعد هذا أبدا واعلم أنا لم نأتك حتى أحصينا
الأرض وقلبنا البحار وكل شئ قوينا عليه فلم نزدد بما أردنا الا جهلا قال لهم
إبليس إن هذا لأمر عظيم لقد علمت بأني كتمته وكونوا على مكانكم هذا فطار
إبليس عند ذلك فلبث عنهم ثلاث ساعات فمر فيهن بالمكان الذي ولد فيه عيسى فلما
رأى الملائكة محدقين بذلك المكان علم أن ذلك الحدث فيه فأراد إبليس أن يأتيه من
فوقه فإذا فوقه رؤس الملائكة ومناكبهم عند السماء ثم أراد أن يأتيه من تحت
الأرض فإذا أقدام الملائكة راسية أسفل مما أراد إبليس ثم أراد أن يدخل من
بينهم فنحوه عن ذلك ثم رجع إبليس إلى أصحابه فقال لهم ما جثتكم حتى أحصيت
الأرض كلها مشرقها ومغربها وبرها وبحرها والخافقين والجو الاعلى وكل هذا
بلغت في ثلاث ساعات وأخبرهم بمولد المسيح وقال لهم لقد كتمت شأنه وما
اشتملت قبله رحم أنثى على ولد إلا بعلمي ولا وضعته قط الاو أنا حاضرها وإني
لأرجو أن أضل به أكثر مما يهتدى به وما كان من نبي قبله أشد على وعليكم
منه وخرج في تلك الليلة قوم يؤمونه من أجل نجم طلع أنكروه وكان قبل ذلك
يتحدثون أن مطلع ذلك النجم من علامات مولود في كتاب دانيال فخرجوا
يريدونه ومعهم الذهب والمر واللبان فمروا بملك من ملوك الشأم فسألهم أين
يريدون فاخبروه بذلك قال فما بال الذهب والمر واللبان اهتديتموه له من بين الأشياء
كلها قالوا تلك أمثاله لان الذهب هو سيد المتاع كله وكذلك هذا النبي هو سيد أهل
زمانه ولان المر يجبر به الجرح والكسر وكذلك هذا النبي يشفى به الله كل سقيم
ومريض ولان اللبان ينال دخانه السماء ولا ينالها دخان غيره كذلك هذا النبي
يرفعه الله إلى السماء لا يرفع في زمانه أحد غيره فلما قالوا ذلك لذلك الملك حدث
نفسه بقتله فقال اذهبوا فإذا علمتم مكانه فأعلموني ذلك فانى أرغب في مثل ما رغبتم
427

فيه من أمره فانطلقوا حتى دفعوا ما كان معهم من تلك الهدية إلى مريم وأرادوا
أن يرجعوا إلى هذا الملك ليعلموه مكان عيسى فلقيهم ملك فقال لهم لا ترجعوا إليه
ولا تعلموه بمكانه فإنه إنما أراد بذلك ليقتله فانصرفوا في طريق آخر واحتملته
مريم على ذلك الحمار ومعها يوسف وردا أرض مصر فهي الربوة التي قال الله
(وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين) فمكثت مريم اثنتي عشرة سنة
تكتمه من الناس لا يطلع عليه أحد وكانت مريم لا تأمن عليه ولا على معيشته أحدا
كانت تلتقط السنبل من حيث ما سمعت بالحصاد والمهد في منكبها والوعاء الذي تجعل
فيه السنبل في منكبها الآخر حتى تم لعيسى صلى الله عليه وسلم اثنتا عشرة سنة فكان
أول آية رآها الناس منه أن أمه كانت نازلة في دارد دهقان من أهل مصر فكان ذلك
الدهقان قد سرقت له خزانة وكان لا يسكن في داره إلا المساكين فلم يتهمهم فحزنت
مريم لمصيبة ذلك الدهقان فلما أن رأى عيسى حزن أمه بمصيبة صاحب ضيافتها
قال لها يا أمه أتحبين أن أدله على ماله قالت نعم يا بنى قال قولي له يجمع لي مساكين
داره فقالت مريم للدهقان ذلك فجمع له مساكين داره فلما اجتمعوا عمد
إلى رجلين منهم أحدهما أعمى والآخر مقعد فحمل المقعد على عاتق الأعمى
ثم قال له قم به قال الأعمى أنا أضعف من ذلك قال عيسى صلى الله عليه وسلم
فكيف قويت على ذلك البارحة فلما سمعوه يقول ذلك بعثوا الأعمى حتى قام
به فلما استقل قائما حاملا هوى المقعد إلى كوة الخزانة قال عيسى هكذا احتالا
لمالك البارحة لأنه استعان الأعمى بقوته والمقعد بعينيه فقال المقعد والأعمى
صدق فردا على الدهقان ماله ذلك فوضعه الدهقان في خزانته وقال يا مريم خذي
نصفه قالت إني لم أخلق لذلك قال الدهقان فاعطيه ابنك قالت هو أعظم منى شأنا
ثم لم يلبث الدهقان أن أعرس ابن له فصنع له عيدا فجمع عليه أهل مصر كلهم
فلما انقضى ذلك زاره قوم من أهل الشأم لم يحذرهم الدهقان حتى نزلوا به وليس
عنده يومئذ شراب فلما رأى عيسى اهتمامه بذلك دخل بيتا من بيوت الدهقان
فيه صفان من جرار فأمر عيسى يده على أفواهها وهو يمشى فكلما أمر يده على
428

جرة امتلأت شرابا حتى أتى عيسى على آخرها وهو يومئذ ابن اثنى عشرة سنة
فلما فعل ذلك عيسى فزع الناس لشأنه وما أعطاه الله من ذلك فأوحى الله عز
وجل إلى أمه مريم أن اطلعي به إلى الشأم ففعلت الذي أمرت به فلم تزل بالشام
حتى كان ابن ثلاثين سنة فجاءه الوحي على ثلاثين سنة وكانت نبوته ثلاث سنين
ثم رفعه الله إليه فلما رآه إبليس يوم لقيه على العقبة لم يطق منه شيئا فتمثل له
برجل ذي سن وهيئة وخرج معه شيطانان ماردان متمثلين كما تمثل إبليس حتى
خالطوا جماعة الناس * وزعم وهب أنه ربما اجتمع على عيسى من المرضى في
الجماعة الواحدة خمسون ألفا فمن أطاق منهم أن يبلغه بلغه ومن لم يطق ذلك منهم
أتاه عيسى صلى الله عليه وسلم يمشى إليه وإنما كان يداويهم بالدعاء إلى الله عز
وجل فجاءه إبليس في هيئة يبهر الناس حسنها وجمالها فلما رآه الناس فرغوا له
ومالوا نحوه فجعل يخبرهم بالأعاجيب فكان في قوله إن شأن هذا الرجل لعجيب
تكلم في المهد وأحيا الموتى وأنبأ عن الغيب وشفى المريض فهذا الله قال أحد
صاحبيه جهلت أيها الشيخ وبئس ما قلت لا ينبغي لله أن يتجلى للعباد ولا
يسكن الأرحام ولا تسعه أجواف النساء ولكنه ابن الله وقال الثالث بئس ما
قلتما كلا كما قد أخطأ وجهل لبس ينبغي لله أن يتخذ ولدا ولكنه إله معه ثم
غابوا حين فرغوا من قولهم فكان ذلك آخر العهد منهم * حدثنا موسى بن
هارون قال حدثنا عمرو بن حماد قال حدثنا أسباط عن السدى في خبر ذكره
عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن
مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال خرجت مريم إلى
جانب المحراب لحيض أصابها فاتخذت من دونهم حجابا من الجدران وهو قوله
(فانتبذت من أهلها مكانا شرقيا فاتخذت من دونهم حجابا) في شرقي
المحراب فلما طهرت إذا هي برجل معها وهو قوله (فأرسلنا إليها روحنا) فهو
جبريل (فتمثل لها بشرا سويا) فلما رأته فزعت منه وقالت (إني أعوذ
بالرحمن منك إن كنت تقيا، قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما
429

زكيا، قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر و لم أك بغيا) تقول
زانية (قال كذلك قال ربك هو على هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا
وكان أمرا مقضيا) فخرجت عليها جلبابها فأخذ بكميها فنفخ في جيب درعها وكان
مشقوقا من قدامها فدخلت النفخة في صدرها فحملت فأتتها أختها امرأة زكرياء
ليلة تزورها فلما فتحت لها الباب التزمتها فقالت امرأة زكرياء يا مريم أشعرت
أنى حبلى قالت مريم أشعرت انى أيضا حبلى قالت امرأة زكرياء فانى وجدت
ما في بطني يسجد لما في بطنك فذلك قوله (مصدقا بكلمة من الله) فولدت
امرأة زكرياء يحيى ولما بلغ أن تضع مريم خرجت إلى جانب المحراب الشرقي
منه فأتت أقصاه فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة يقول ألجأها المخاض إلى جذع
النخلة قالت وهى تطلق من الحبل استحياء من الناس يا ليتني مت قبل هذا وكنت
نسيا منسيا تقول نسيا نسى ذكرى ومنسيا تقول نسى أثرى فلا يرى لي أثر ولا
عين فناداها جبريل من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا والسري هو
النهر وهزي إليك بجذع النخلة وكان جذعا منها مقطوعا فهزته فإذا هو نخلة وأجرى
لها في المحراب نهرا فتساقطت النخلة رطبا جنيا فقال لها كلي واشربي وقرى عينا
فاما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا
فكان من صام في ذلك الزمان لم يتكلم حتى يمسى فقيل لها لا تزيدي على هذا فلما
ولدته ذهب الشيطان فأخبر بني إسرائيل إن مريم قد ولدت فأقبلوا يشتدون
فدعوها فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا يقول عظيما يا أخت
هارون ما كان أبو ك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا فما بالك أنت يا أخت هارون
وكانت من بنى هارون أخي موسى وهو كما تقول يا أخا بنى فلان وانما يعنى قرابته
فقالت لهم ما أمرها الله فلما أرادوها بعد ذلك على الكلام أشارت إليه إلى عيسى
فغضبوا وقالوا لسخريتها بنا حين تأمرنا أن نكلم هذا الصبى أشد علينا من زناها
قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا فتكلم عيسى فقال إني عبد الله آتاني
الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أينما كنت، فقالت بنو إسرائيل ما أحبلها
430

أحد غير زكرياء هو كان يدخل إليها فطلبوه ففر منهم فتشبه له الشيطان في
صورة راع فقال يا زكرياء قد أدركوك فادع الله حتى تنفتح لك هذه الشجرة
فتدخل فيها فدعا الله فانفتحت له الشجرة فدخل فيها وبقى من ردائه هدب
فمرت بنو إسرائيل بالشيطان فقالوا يا راعى هل رأيت رجلا من ههنا قال نعم
سحر هذه الشجرة فانفتحت له فدخل فيها وهذا هدب ردائه فعمدوا فقطعوا
الشجرة وهو فيها بالمناشير وليس تجد يهوديا إلا تلك الهدبة في ردائه فلما ولد
عيسى لم يبق في الأرض صنم يعبد من دون الله إلا أصبح ساقطا لوجهه * حدثني
المثنى قال حدثنا إسحاق بن الحجاج قال حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال حدثني
عبد الصمد بن معقل انه سمع وهبا يقول إن عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم لما أعلمه الله
انه خارج من الدنيا جزع من الموت وشق عليه فدعا الحواريين فصنع لهم طعاما
فقال احضروني الليلة فإن لي إليكم حاجة فلما اجتمعوا إليه من الليل عشاهم وقام
يخدمهم فلما فرغوا من الطعام أخذ يغسل أيديهم ويوضئهم بيده ويمسح أيديهم
بثيابه فتعاظموا ذلك وتكارهوه فقال ألا من رد على شيئا الليلة مما أصنع فليس
منى ولا أنا منه فأقروه حتى إذا فرغ من ذلك قال أما ما صنعت بكم الليلة مما
خدمتكم على الطعام وغسلت أيديكم بيدي فليكن لكم بي أسوة فإنكم ترون أنى
خيركم ولا يتعظم بعضكم على بعض وليبذل بعضكم نفسه لبعض كما بذلت نفسي لكم
وأما حاجتي التي أستعينكم عليها فتدعون الله لي وتجتهدون في الدعاء أن يؤخر
أجلى فلما نصبوا أنفسهم للدعاء وأرادوا أن يجتهدوا أخذهم النوم حتى لم يستطيعوا
دعاء فجعل يوقظهم ويقول سبحان الله ما تصبرون لي ليلة واحدة تعينوني فيها
قالوا والله ما ندري ما لنا لقد كنا نسمر فنكثر السمر وما نطيق الليلة سمرا وما
نريد دعاء إلا حيل بيننا وبينه فقال يذهب بالراعي وتتفرق الغنم وجعل يأتي
بكلام نحو هذا ينعى به نفسه ثم قال الحق ليكفرن بي أحدكم قبل أن يصيح الديك
ثلاث مرات وليبيعني أحدكم بدراهم يسيرة وليأكلن ثمني فخرجوا فتفرقوا وكانت
اليهود تطلبه فأخذوا شمعون أحد الحواريين فقالوا هذا من أصحابه فجحد وقال
431

ما أنا بصاحبه فتركوه ثم أخذه آخر فجحد كذلك ثم سمع صوت ديك فبكى فلما
أصبح أتى أحد الحواريين إلى اليهود فقال ما تجعلون لي إن دللتكم على المسيح
فجعلوا له ثلاثين درهما فاخذها ودلهم عليه وكان شبه عليهم قبل ذلك فأخذوه
فاستوثقوا منه وربطوه بالحبل فجعلوا يقودونه ويقولون أنت كنت تحيى الموتى
وتنتهر الشيطان وتبرئ المجنون أفلا تفتح نفسك من هذا الحبل ويبصقون عليه
ويلقون عليه الشوك حتى أتوا به الخشبة التي أرادوا أن يصلبوه عليها فرفعه الله
إليه وصلبوا ما شبه لهم فمكث سبعا ثم إن أمه والمرأة التي كان عيسى يداويها
فأبرأها الله من الجنون جاءتا تبكيان عند المصلوب فجاءهما عيسى صلى الله عليه
وسلم فقال على من تبكيان فقالتا عليك فقال إني قد رفعني الله إليه ولم يصبني إلا خير
وأن هذا شئ شبه لهم فأمر الحواريين أن يلقوني إلى مكان كذا وكذا فلقوه إلى
ذلك المكان أحد عشر وفقد الذي كان باعه ودل عليه اليهود فسأل عنه أصحابه
فقالوا إنه ندم على ما صنع فاختنق وقتل نفسه فقال لو تاب تاب الله عليه ثم سألهم
عن غلام يتبعهم يقال له يحيى فقال هو معكم فانطلقوا فإنه سيصبح كل إنسان منكم
يحدث بلغة قوم فلينذرهم وليدعهم * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق
عمن لا يتهم عن وهب بن منبه اليماني قال توفى الله عيسى ابن مريم ثلاث ساعات
من النهار حتى رفعه الله إليه * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق
والنصارى يزعمون أنه توفاه الله سبع ساعات من النهار ثم أحياه الله فقال له اهبط
فأنزل على مريم المجدلانية في جبلها فإن لم يبك عليك أحد بكاءها ولم يحزن عليك
أحد حزنها ثم لتجمع لك الحواريين فبثهم في الأرض دعاة إلى الله فإنك لم
تكن فعلت ذلك فأهبطه الله عليها فاشتعل الجبل حين هبط نورا فجمعت له
الحواريين فبثهم وأمرهم أن يبلغوا الناس عنه ما أمره الله به ثم رفعه الله إليه
فكساه الريش وألبسه النور وقطع عنه لذة المطعم والمشرب فطار في الملائكة
وهو معهم حول العرش فكان إنسيا ملكيا سمائيا أرضيا وتفرق الحواريون
حيث أمرهم فتلك الليلة التي أهبط فيها الليلة التي تدخن فيها النصارى وكان ممن
432

وجه من الحواريين والاتباع الذين كانوا في الأرض بعدهم فطرس الحوارى ومعه
بولس وكان من الاتباع ولم يكن من الحواريين إلى رومية وأندراييس ومشى
إلى الأرض التي يأكل أهلها الناس وهى فيما نرى للاساود وتوماس إلى أرض
بابل من أرض المشرق وفيلبس إلى القيروان وقرطاجنة وهى إفريقية ويحنس
إلى دفسوس قرية الفتية أصحاب الكهف ويعقوبس إلى أورى شلم وهى إيليا
بيت المقدس وابن تلما إلى العرابية وهى أرض الحجاز وسيمن إلى أرض البربر
دون أفريقية ويهوذا ولم يكن من الحواريين إلى أريوبس جعل مكان يوذس
زكريا بوطاحين أحدث ما أحدث * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن
إسحاق عن عمر بن عبد الله بن عروة عن الزبير عن ابن سليم الأنصاري ثم الزرقي
قال كان على امرأة منا نذر لتظهرن على رأس الجماء جبل بالعقيق من ناحية
المدينة قال فظهرت معها حتى إذا استوينا على رأس الجبل إذا قبر عظيم عليه
حجران عظيمان حجر عند رأسه وحجر عند رجليه فيهما كتاب بالمسند لا أدرى
ما هو فاحتملت الحجرين معي حتى إذا كنت ببعض الجبل منهبطا ثقلا على فألقيت
أحدهما وهبطت بالآخر فعرضته على أهل السريانية هل يعرفون كتابته فلم
يعرفوه وعرضته على من يكتب بالزبور من أهل اليمن ومن يكتب بالمسند فلم
يعرفوه قال فلما لم أجد أحدا ممن يعرفه ألقيته تحت تابوت لنا فمكث سنين ثم دخل
علينا ناس من أهل ماه من الفرس يبتغون الخرز فقلت لهم هل لكم من كتاب
فقالوا نعم فأخرجت إليهم الحجر فإذا هم يقرءونه فإذا هو بكتابهم هذا قبر رسول الله
عيسى ابن مريم عليه السلام إلى أهل هذه البلاد فإذا هم كانوا أهلها في ذلك الزمان
مات عندهم فدفنوه على رأس الجبل * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن
إسحاق قال ثم عدوا على بقية الحواريين يشمسونهم ويعذبونهم وطافوا بهم فسمع
بذلك ملك الروم وكانوا تحت يديه وكان صاحب وثن فقيل له إن رجلا كان في
هؤلاء الناس الذين تحت يديك من بني إسرائيل عدوا عليه فقتلوه وكان يخبرهم
أنه رسول الله قد أراهم العجائب وأحيا لهم الموتى وأبرأ لهم الأسقام وخلق لهم من
433

الطين كهيئة الطير ونفخ فيه فكان طائرا بإذن الله وأخبرهم بالغيوب قال ويحكم
فما منعكم أن تذكروا هذا لي من أمره وأمرهم فوالله لو علمت ما خليت بينهم وبينه
ثم بعث إلى الحواريين فانتزعهم من أيديهم وسألهم عن دين عيسى وأمره فاخبروه
خبره فتابعهم على دينهم واستنزل سرجس فغيبه وأخذ خشبته التي صلب عليها فأكرمها
وصانها لما مسها منه وعدا على بني إسرائيل فقتل منهم قتلى كثيرة فمن هنالك
كان أصل النصرانية في الروم * وذكر بعض أهل الأخبار أن مولد عيسى
عليه السلام كان لمضى اثنتين وأربعين سنة من ملك أغوسطوس وأن أغوسطوس
عاش بعد ذلك بقية ملكه وكان جميع ملكه ستا وخمسين سنة قال بعضهم وأياما
قال ووثبت اليهود بالمسيح والرياسة ببيت المقدس في ذلك الوقت لقيصر والملك
على بيت المقدس من قبل قيصر هيردوس الكبير الذي دخلت عليه رسل ملك
فارس الذين وجههم الملك إلى المسيح فصاروا إلى هيردوس غلطا وأخبروه أن
ملك الفارس بعث بهم ليقربوا إلى المسيح ألطافا معهم من ذهب ومر ولبان
وأنهم نظروا إلى نجمه قد طلع فعرفوا ذلك بالحساب وقربوا الألطاف إليه
ببيت لحم من فلسطين فلما عرف هيردوس خبرهم كاد المسيح فطلبه ليقتله فامر
الله الملك أن يقول ليوسف الذي كان مع مريم في الكنيسة ما أراد هيردوس
من قتله وأمره أن يهرب بالغلام وأمه إلى مصر فلما مات هيردوس قال الملك
ليوسف وهو بمصر إن هيردوس قد مات وملك مكانه أركلاوس ابنه وذهب
من كان يطلب نفس الغلام فانصرف به إلى ناصرة من فلسطين ليتم قول شعيا
النبي من مصر دعوتك ومات أركلاوس وملك مكانه هيردوس الصغير الذي
صلب شبه المسيح في ولايته وكانت الرياسة في ذلك الوقت لملوك اليونانية والروم
وكان هيردوس وولده من قبلهم إلا أنهم كانوا يلقبون باسم الملك وكان الملوك
الكبار يلقبون بقيصر وكان ملك بيت المقدس في وقت الصلب لهيردوس
الصغير من قبل طيباريوس بن اغوسطوس دون القضاء وكان القضاء لرجل
رومي يقال له فيلاطوس من قبل قيصر وكانت رياسة الجالوت ليونن بن بهبوثن
434

قال وذكروا أن الذي شبه بعيسى وصلب مكانه رجل إسرائيلي يقال له ايشوع
ابن فنديرا وكان ملك طيباريوس ثلاثا وعشرين سنة وأياما منها إلى وقت ارتفاع.
المسيح ثماني عشرة سنة وأيام ومنها بعد ذلك خمس سنين
ذكر من ملك من الروم أرض الشام
بعد رفع المسيح عليه السلام إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم في قول النصارى
(قال أبو جعفر) زعموا أن ملك الشام من فلسطين وغيرها صار بعد
طيباريوس إلى جايوس بن طيباريوس وأن ملكه كان أربع سنين. ثم ملك
بعده ابن له آخر يقال له قلوديوس أربع عشرة سنة. ثم ملك بعده نيرون الذي
قتل فطرس وبولس وصلبه منكسا أربع عشرة سنة. ثم ملك بعده بوطلايوس
أربعة أشهر ثم ملك بعده اسفسيانوس أبو ططوس الذي وجهه إلى بيت المقدس
عشر سنين ولمضى ثلاث سنين من ملكه وتمام أربعين سنة من وقت رفع عيسى
صلى الله عليه وسلم وجه اسفسيانوس ابنه ططوس إلى بيت المقدس حتى هدمه
وقتل من قتل من بني إسرائيل غضبا للمسيح. ثم ملك بعده ططوس بن
اسفسيانوس سنتين. ثم من بعده دومطيانوس ست عشرة سنة. ثم من بعده
نارواس ست سنين. ثم من بعده طرايانوس تسع عشرة سنة. ثم من بعده
هدريانوس إحدى وعشرين سنة. ثم ملك من بعده ططورس بن بطيانوس
اثنتين وعشرين سنة. ثم من بعده مرقوس وأولاده تسع عشرة سنة. ثم من
بعده قوذوموس ثلاث عشرة سنة. ثم من بعده فرطناجوس ستة أشهر. ثم من
بعده سبروس أربع عشرة سنة. ثم من بعده انطنياوس سبع سنين. ثم بعده
مرقيانوس ست سنين. ثم بعده انطنيانوس أربع سنين. ثم الحسندروس ثلاث
عشرة سنة. ثم غسميانوس ثلاث سنين. ثم جورديانوس ست سنين. ثم بعده
فليفوس سبع سنين. ثم داقيوس ست سنين. ثم قالوس ست سنين. ثم بعده
والربيانوس وقال يونس خمس عشرة سنة. ثم قلوديوس سنة. ثم من بعده
435

قريطاليوس شهرين. ثم أورليانوس خمس سنين. ثم طيقطوس ستة أشهر.
ثم فولوريوس خمسة وعشرين يوما. ثم فرابوس ست سنين. ثم قوروس وابناه
سنتين. ثم دوقلطيانوش ست سنين. ثم محسميانوش عشرين سنة. ثم قسطنطينوس
ثلاثين سنة. ثم قسطنطين ثلاثين سنة. ثم قسطنطين عشرين سنة. ثم اليانوس
المنافق سنتين. ثم يويانوس سنة. ثم والمطيانوس وغرطيانوس عشر سنين. ثم
خرطانوس ووالنطيانوس الصغير سنة. ثم تياداسيس الأكبر سبع عشرة سنة.
ثم أرقديوس وأنوريوس. عشرين سنة. ثم تياداسيس الأصغر ووالنطيانوس
ست عشرة سنة. ثم مرقيانوس سبع سنين. ثم لاون ست عشرة سنة. ثم
زانون ثماني عشرة سنة. ثم انسطاس سبعا وعشرين سنة. ثم يوسطنيانوس
سبع سنين. ثم يوسطنيانوس الشيخ عشرين سنة. ثم يوسطينس اثنتي عشرة
سنة. ثم طيباريوس ست سنين. ثم مريقيس وتاذاسيس ابنه عشرين سنة. ثم
فوقا الذي قتل سبع سنين وستة أشهر. ثم هرقل الذي كتب إليه رسول الله
صلى الله عليه وسلم ثلاثين سنة فمن لدن عمر بيت المقدس بعد تخريبه بختنصر
إلى الهجرة على قولهم ألف سنة ونيف ومن ملك الإسكندر إليها تسعمائة سنة
ونيف وعشرون سنة من ذلك من وقت ظهوره إلى مولد عيسى ثلثمائة سنة وثلاث
سنين ومن مولده إلى ارتفاعه اثنتان وثلاثون سنة ومن وقت ارتفاعه إلى الهجرة
خمسمائة وخمس وثمانون سنة وأشهر * وزعم بعض أصحاب الاخبار أن قتل
بني إسرائيل يحيى بن زكرياء كان في عهد أردشير بن بابك لثماني سنين خلت من
ملكه وأن بختنصر إنما صار إلى الشأم لقتال اليهود من قبل سابور الجنودا
ابن أردشير بن بابك * وكان من الاحداث أيام ملوك الطوائف إلى قيام أردشير
ابن بابك بالملك فيما ذكر هشام بن محمد دنو من دنا من قبائل العرب من ريف
العراق ونزول من نزل منهم.
(الحيرة والأنبار وما حوالي ذلك)
فحدثت عن هشام بن محمد قال لما مات بختنصر انضم الذين كان أسكنهم الحيرة
436

من العرب حين أمر بقتالهم إلى أهل الأنبار وبقيت الحيرة خرابا فغبروا بذلك
زمانا طويلا لا تطلع عليهم طالعة من بلاد العرب ولا يقدم عليهم قادم وبالأنبار
أهلها ومن انضم إليهم من أهل الحيرة من قبائل العرب من بنى إسماعيل وبنى معد
ابن عدنان فلما كثر أولاد معد بن عدنان ومن كان معهم من قبائل العرب وملؤا
بلادهم من تهامة وما يليهم فرقتهم حروب وقعت بينهم وأحداث حدثت فيهم
فخرجوا يطلبون المتسع والريف فيما يليهم من بلاد اليمن ومشارق الشأم وأقبلت
منهم قبائل حتى نزلوا البحرين وبها جماعة من الأزد كانوا نزلوها في دهر عمران
ابن عمرو من بقايا بنى عامر وهو ماء السماء بن حارثة وهو الغطريف بن ثعلبة بن
امرئ القيس بن مازن بن الأزد وكان الذين أقبلوا من تهامة من العرب مالك
وعمروا بنا فهم بن تيم الله بن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن
الحاف بن قضاعة ومالك بن زهير بن عمرو بن فهم بن تيم الله بن أسد بن وبرة في
جماعة من قومهم والحيقار بن الحيق بن عمير بن قنص بن معد بن عدنان في قنص
كلها ولحق بهم غطفان بن عمرو بن الطمثان بن عوذ مناة بن يقدم بن أفصى بن
دعمي بن أياد بن نزار بن معد بن عدنان وزهر بن الحارث بن الشلل بن زهر بن
أياد وصنح بن صنح بن الحارث بن أفصى بن دعمي بن أياد فاجتمع بالبحرين
جماعة من قبائل العرب فتحالفوا على التنوخ وهو المقام وتعاقدوا على التوازر
والتناصر فصاروا يدا على الناس وضمهم اسم تنوخ فكانوا بذلك الاسم كأنهم
عمارة من العمائر قال وتنخ عليهم بطون من نمارة بن لخم قال ودعا مالك بن زهير
جذيمة الأبرش بن مالك بن فهم بن غانم بن دوس الأزدي إلى التنوخ معه وزوجه
أخته لميس ابنة زهير فتنخ جذيمة بن مالك وجماعة ممن كان بها من قومهم من
الأزد فصار مالك وعمرو ابنا فهم والأزد حلفاء دون سائر تنوخ وكلمة تنوخ
كلها واحدة وكان اجتماع من اجتمع من قبائل العرب بالبحرين وتحالفهم وتعاقدهم
أزمان ملوك الطوائف الذين ملكهم الإسكندر وفرق البلدان بينهم عند قتله دارا
ابن دارا ملك فارس إلى أن ظهر اردشير بن بابك ملك فارس على ملوك الطوائف
437

وقهرهم ودان له الناس وضبط له الملك قال وإنما سموا ملوك الطوائف لان كل
ملك منهم كان ملكه قليلا من الأرض إنما هي قصور وأبيات وحولها خندق
وعدوه قريب منه له من الأرض مثل ذلك ونحوه يغير أحدهما على صاحبه ثم
يرجع كالخطفة قال فتطلعت أنفس من كان بالبحرين من العرب إلى ريف العراق
وطمعوا في غلبة الأعاجم على ما يلي بلاد العرب منه أو مشاركتهم فيه واهتبلوا
ما وقع بين ملوك الطوائف من الاختلاف فأجمع رؤساؤهم بالمسير إلى العراق
ووطن جماعة ممن كان معهم على ذلك فكان أول من طلع منهم الحيقار بن الحيق
في جماعة قومه وأخلاط من الناس فوجدوا والارمانيين وهم الذين بأرض
بابل وما يليها إلى ناحية الموصل يقاتلون الاردوانيين وهم ملوك الطوائف وهم
فيما بين نفر وهى قرية من سواد العراق إلى الأبلة وأطراف البادية فلم تدن لهم
فدفعوهم عن بلادهم قال وكان يقال لعاد إرم فلما هلكت قيل لثمود إرم ثم سموا
الأرمانيين وهم بقايا ارم وهم نبط السواد ويقال لدمشق ارم قال فارتفعوا عن
سواد العراق وصاروا بعد في عرب الأنبار وعرب الحيرة فهم أشلاء
قنص بن معد واليهم ينسب عمرو بن عدي بن نصر بن ربيعة بن عمرو بن الحارث
ابن مسعود بن مالك بن عمم بن نمارة بن لخم وهذا قول مضر وحماد الرواية وهو
باطل ولم يأت في قنص بن معد شئ أثبت من قول جبير بن مطعم ان النعمان كان
من ولده قال وإنما سميت الأنبار أنبار لأنها كانت تكون فيها أنابير الطعام
وكانت تسمى الاهراء لان كسرى يرزق أصحابه رزقهم منها قال ثم طلع مالك
وعمرو ابنافهم بن تيم الله ومالك بن زهير بن فهم بن تيم الله وغطفان بن عمرو بن
الطمثان وزهر بن الحارث وصنح بن صنح فيمن تنخ عليهم من عشائرهم وحلفائهم على
الأنبار على ملك الأرمانيين فطلع نمارة بن قيس بن نمارة والنجدة وهم قبيلة من العماليق
يدعون إلى كندة وملكان بن كندة ومالك وعمرو ابنافهم ومن حالفهم وتنخ معهم
على نفر على ملك الاردوانيين فأنزلهم الحير الذي كان بناه بختنصر لتجار العرب الذين
وجد بحضرته حين أمر بغزو العرب في بلادهم وإدخال الجيوش عليهم فلم تزل طالعة
438

الأنبار وطالعة نفر على ذلك لا يدينون للأعاجم ولا تدين لهم الأعاجم حتى
قدمها تبع وهو أسعد أبو كرب بن ملكيكرب في جيوشه فخلف بها من لم تكن
به قوة من الناس ومن لم يقو على المضي معه ولا الرجوع إلى بلاده وانضموا إلى
هذا الحير واختلطوا بهم وفى ذلك يقول كعب بن جعيل بن عجرة بن قمير بن ثعلبة بن
عوف بن مالك بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب بن وائل
وغزا تبع في حمير حتى * نزل الحيرة من أهل عدن
وخرج تبع سائرا ثم رجع إليهم وأقاموا فأقرهم على حالهم وانصرف راجعا إلى
اليمن وفيهم من كل القبائل من بنى لحيان وهم بقايا جرهم وفيهم جعفي وطئ وكلب وتميم
وليسوا إلا بالحيرة يعنى بقايا جرهم قال ابن الكلبي لحيان بقايا جرهم ونزل كثير من
تنوخ الأنبار والحيرة وما بين الحيرة إلى طف الفرات وغربيه إلى ناحية الأنبار
وما والاها في المظال والأخبية لا يسكنون بيوت المدر ولا يجامعون أهلها فيها واتصلت
جماعتهم فيما بين الأنبار والحيرة وكانوا يسمون عرب الضاحية فكان أول من ملك
منهم في زمان ملوك الطوائف مالك بن فهم وكان منزله مما يلي الأنبار ثم مات مالك فملك
من بعده أخوه عمرو بن فهم ثم هلك عمرو بن فهم فملك من بعده جذيمة الأبرش بن مالك
ابن فهم بن غانم بن دوس الأزدي قال ابن الكلبي دوس بن عدنان بن عبد الله بن
نصر بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن
الأزد بن الغوث بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ قال ابن الكلبي ويقال إن
جذيمة الأبرش من العاربة الأولى من بنى وبار بن أميم بن لوذ بن سام بن نوح
قال وكان جذيمة من أفضل ملوك العرب رأيا وأبعدهم مغارا وأشدهم نكاية
وأطهرهم حزما وأول من استجمع له الملك بأرض العراق وضم إليه العرب
وغزا بالحيوش وكان به برص * فكنت العرب عنه وهابت العرب أن تسميه
به وتنسبه إليه إعظاما له فقيل جذيمة الوضاح وجذيمة الأبرش وكانت منازله
فيما بين الحيرة والأنبار وبقة وهيت وناحيتها وعين التمر وأطراف البر إلى الغمير
والقطقطانه وخفية وما والاها وتجبى إليه الأموال وتفد إليه الوفود وكان
439

غزاطسما وجديسا في منازلهم من جو وما حولهم وكانت طسم وجديس يتكلمون
بالعربية فأصاب حسان بن تبع أسعد أبى كرب قد أغار على طسم وجديس
باليمامة فانكفأ جذيمة راجعا بمن معه وأتت خيول تبع على سرية لجذيمة
فاجتاحتها وبلغ جذيمة خبرهم فقال جذيمة
ربما أوفيت في علم * ترفعن بردى شمالات
في فتو أنا كالئهم * في بلايا غزوة باتوا
ثم أبنا غانمي نعم * وأناس بعبدنا ماتوا
نحن كنا في ممرهم * إذ ممر القوم خوات
ليت شعري ما أماتهم * نحن أدلجنا وهم باتوا
ولنا كانوا ونحن إذا * قال منا قائل صاتوا
ولنا البيد البعاد التي * أهلها السودان أشتات
ثبوة الأخيار شاهدة * ذاكم قومي وأولات
قد شربت الخمر وسطهم * ناعما في غير أصوات
فعلى ما كان من كرم * فستبكيني بنيات
أنا رب الناس كلهم * غير ربى الكافت الفات
يعنى بالكافت الذي يكفت أرواحهم والفات الذي يفتهم أنفسهم يعنى الله
عز وجل قال ابن الكلبي ثلاثة أبيات منها حق والبقية باطل قال وفى مغازيه
وغاراته على الأمم الخالية من العاربة الأولى بقول الشاعر في الجاهلية
أضحى جذيمة في يبرين منزله * قد حاز ما جمعت في دهرها عاد
فكان جذيمة قد تنبأ وتكهن واتخذ صنمين يقال لهما الضيزنان قال ومكان
الضيزنين بالحيرة معروف وكان يستسقى بهما ويستنصر بهما على العدو وكانت
أيادبعين أباغ وأباغ رجل من العماليق نزل بتلك العين فكان يغازيهم فذكر
لجذيمة غلام من لخم في أخواله من أباذ يقال له عدى بن نصر بن ربيعة بن عمرو
ابن الحارث بن سعود بن مالك بن عمم بن نمارة بن لخم له جمال وظرف فغزاهم
440

جذيمة فبعث أياد قوما فسقوا سدنة الصنمين الخمر وسرقوا الصنمين فأصبحا في
أياد فبعث إلى جذيمة أن صنميك أصبحا فينا زهدا فيك ورغبة فينا فإن أوثقت
لنا أن لا تغزونا رددناهما إليك قال وعدى بن نصر تدفعونه إلى فدفعوه إليه مع
الصنمين فانصرف عنهم وضم عديا إلى نفسه وولاه شرابه فأبصرته رقاش ابنة
مالك أخت جذيمة فعشقته وراسلته وقالت يا عدى اخطبني إلى الملك فإن لك
حسبا وموضعا فقال لا أجترئ على كلامه في ذلك ولا أطمع أن يزوجنيك قالت
إذا جلس على شرابه وحضره ندماؤه فاسقه صرفا واسق القوم مزاجا فإذا أخذت
الخمرة فيه فاخطبني إليه فإنه لن يدرك ولن يمتنع منك فإذا زوجك فأشهد القوم
ففعل الفتى ما أمرته به فلما أخذت الخمرة مأخذها خطبها إليها فأملكه إياها فانصرف
إليها فأعرس بها من ليلته وأصبح مضرجا بالخلوق فقال له جذيمة وأنكر ما رأى
به ما هذه الآثار يا عدى قال آثار العرس قال أي عرس قال عرس رقاش قال
من زوجكها ويحك قال زوجنيها الملك فضرب جذيمة بيده على جبهته وأكب
على الأرض ندامة وتلهفا وخرج عدى على وجهه هاربا فلم ير له أثر ولم يسمع
له بذكر وأرسل إليها جذيمة فقال
حدثيني وأنت لا تكذبيني * أبحر زنيت أم بهجين
أم بعبد فأنت أهل لعبد * أم بدون فأنت أهل لدون
فقالت لابل أنت زوجتني امرأ عربيا معروقا حسيبا ولم تستأمرني في نفسي
ولم أكن مالكة لأمري فكف عنها وعرف عذرها ورجع عدى بن نصر إلى اياد
فكان فيهم فخرج ذات يوم مع فتية متصيدين فرمى به فتى منهم من لهب فيما بين
جبلين فتنكس فمات واشتملت رقاش على حبل فولدت غلاما فسمته عمرا
ورشحته حتى إذا ترعرع عطزته وألبسته وحلته وأزارته خاله جذيمة فلما رآه
أعجب به وألقيت عليه منه مقة ومحبة فكان يختلف مع ولده ويكون معهم
فخرج جذيمة متبديا بأهله وولده في سنة خصبة مكلئة فضربت له أبنية في روضة
ذات زهرة وغدر وخرج ولده وعمرو معهم يجتنون الكمأة فكانوا إذا أصابوا
441

كمأة جيدة أكلوها وإذا أصابها عمرو وخبأها في حجزته فانصرفوا إلى جذيمة
يتعادون وعمرو يقول
هذا جناي وخياره فيه * إذ كل جان يده إلى فيه
فضمه إليه جذيمة والتزمه وسر بقوله وفعله وأمر فجعل له حلى من فضة وطوق
فكان أول عربي ألبس طوقا فكان يسمى عمرو ذا الطوق فبينما هو على أحسن حاله إذ
استطارته الجن فاستهوته فضرب له جذيمة في البلدان والآفاق زمانا لا يقدر عليه قال
وأقبل رجلان أخوان من بلقين يقال لهما مالك وعقيل ابنا فارج بن مالك بن كعب بن
القين بن جسر بن شيع الله بن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف
ابن قضاعة من الشام يريدان جذيمة قد أهديا له ظرفا ومتاعا فلما كانا ببعض
الطريق نزلا منزلا ومعهما قينة لهما يقال لها أم عمرو فقدمت إليهما طعاما فبينما
هما يأكلان إذ أقبل فتى عريان شاحب قد تلبد شعره وطالت أظفاره وساءت
حاله فجاء حتى جلس ناحية منهما فمد يده يريد الطعام فناولته القينة كراعا فأكلها
ثم مد يده إليها فقالت تعطى العبد كراعا فيطمع في الذراع فذهبت مثلا ثم ناولت
الرجلين من شراب كان معها وأوكت زقها فقال عمرو بن عدي
صددت الكاس عنا أم عمر * وكان الكاس مجراها اليمينا
وما شر الثلاثة أم عمرو * بصاحبك الذي لا تصحبينا
فقال مالك وعقيل من أنت يا فتى فقال:
إن تنكراني أو تنكرا نسبي * فانى أنا عمرو بن عدي
ابن تنوخية اللخمي * وغدا ما تريانى في نمارة غير معصى
فنهضا إليه فضماه وغسلا رأسه وقلما أظفاره وأخذا من شعره وألبساه مما
كان معهما من الثياب وقالا ما كنا لنهدي لجذيمة هدية أنفس عنده ولا أحب إليه
من ابن أخته قد رده الله عليه بنا فخرجا به حتى دفعا إلى باب جذيمة بالحيرة فبشراه
فسر بذلك سرورا شديدا وأنكره لحال ما كان فيه فقالا أبيت اللعن أن من
كان في مثل حاله يتغير فأرسل به إلى أمه فمكث عندها أياما ثم أعادته إليه فقال
442

لقد رأيته يوم ذهب وعليه طوق فما ذهب عن عيني ولا قلبي إلى الساعة فأعادوا
عليه الطوق فلما نظر إليه قال شب عمرو عن الطوق فأرسلها مثلا وقال لمالك
وعقيل حكمكما قالا حكمنا منادمتك ما بقينا وبقيت فهما ندمانا جذيمة اللذان
ضربا مثلا في أشعار العرب وفى ذلك يقول أبو خراش الهذلي
لعمرك ما ملت كبيشة طلعتي * وإن ثوائى عندها لقليل
ألم تعلمي أن قد تفرق قبلنا * نديما صفاء مالك وعقيل
وقال متمم بن نويرة
وكنا كندماني جذيمة حقيقة * من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
فلما تفرقنا كأني ومالكا * لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
وكان ملك العرب بأرض الجزيرة ومشارق بلاد الشام
عمرو بن ظرب
ابن حسان بن أذينة بن السميدع بن هوبر العملقي ويقال العمليقي من عاملة العماليق
فجمع جذيمة جموعا من العرب فسار إليه يريد غزاته وأقبل عمرو بن ظرب بجموعه
من الشام فالتقوا فاقتتلوا قتالا شديدا فقتل عمرو بن ظرب وانفضت جموعه
وانصرف جذيمة بمن مع سالمين غانمين فقال في ذلك الأعور بن عمرو بن هناءة
ابن مالك بن فهم الأزدي
كأن عمرو بن ثربا لم يعش ملكا * ولم تكن حولة الرايات تختفق
لاقي جذيمة في جأواء مشعلة * فيها حراشف بالنيران ترتشق
فملكت من بعد عمرو ابنته
الزباء
واسمها نائلة وقال في ذلك القعقاع بن الدرماء الكلبي
أتعرف منزلا بين المنقى * وبين مجر نائلة القديم
وكان جنود الزباء بقايا من العماليق والعاربة الأولى وتزيد وسليح ابني حلوان
ابن عمران بن الحاف بن قضاعة ومن كان معهم من قبائل قضاعة وكانت
443

للزباء أخت يقال لها زبيبة فبنت لها قصرا حصينا على شاطئ الفرات الغربي
وكانت تشتو عند أختها وتربع ببطن النجار وتصير إلى تدمر فلما أن استجمع
لها أمرها واستحكم لها ملكها أجمعت لغزو جذيمة الأبرش تطلب بثأر أبيها
فقالت لها أختها زبيبة وكانت ذات رأى ودهاء وإرب يا زباء إنك إن غزوت
جذيمة فإنما هو يوم له ما بعده إن ظفرت أصبت ثأرك وان قتلت ذهب ملكك
والحرب سجال وعثراتها لا تستقال وإن كعبك لم يزل ساميا على من ناوأك وساماك
ولم ترى بؤسا ولا غيرا ولا تدرين لمن تكون العاقبة وعلى من تكون الدائرة فقالت
لها الزباء قد أديت النصيحة وأحسنت الروية وأن الرأي ما رأيت والقول ما قلت
فانصرفت عما كانت أجمعت عليه من غزو جذيمة ورفضت ذلك وأتت أمرها من
وجوه الختل والخدع والمكر فكتبت إلى جذيمة تدعوه إلى نفسها وملكها وأن
يصل بلاده ببلادها وكان فيما كتبت به انها لم تجد ملك النساء إلا إلى قبيح في السماع
وضعف في السلطان وقلة ضبط المملكة وانها لم تجد لملكها موضعا ولا لنفسها
كفؤا غيرك فاقبل إلى فاجمع ملكي إلى ملكك وصل بلادي ببلادك وتقلد أمري
مع أمرك فلما انتهى كتاب الزباء إلى جذيمة وقدم عليه رسلها استخفه ما دعته إليه
ورغب فيما أطمعته فيه وجمع إليه أهل الحجى والنهى من ثقات أصحابه وهو بالبقة
ما شاطئ الفرات فعرض عليهم ما دعته إليه الزباء واستشارهم في أمره فأجمع
رأيهم على أن يسير إليها ويستولى على ملكها وكان فيهم رجل يقال له قصير بن
سعد بن عمرو بن جذيمة بن قيس بن ربى بن نمارة بن لخم وكان سعد تزوج
أمة لجذيمة فولدت له قصيرا وكان أريبا حازما أثيرا عند جذيمة ناصحا فخالفهم
فيما أشاروا به عليه وقال رأى فاتر وغدر حاضر فذهبت مثلا فرادوه الكلام
ونازعوه الرأي فقال إني لارى أمرا ليس بالخسا ولا الزكا فذهبت مثلا *
وقال لجذيمة أكتب إليها فإن كانت صادقة فلتقبل إليك وإلا لم تمكنها من نفسك
ولم تقع في حبالها وقد وترتها وقتلت أباها فلم يوافق جذيمة ما أشار به عليه قصير
فقال قصير
444

إني امرؤ لا يميل العجز ترويتي * إذا أتت دون شئ مرة الوذم
فقال جذيمة لا ولكنك امرؤ رأيك في الكن لا في الضح فذهبت مثلا فدعا
جذيمة ابن أخته عمرو بن عدي فاستشاره فشجعه على المسير وقال إن نمارة
قومي مع الزباء ولو قدروا لصاروا معك فأطاعه وعصى قصيرا فقال قصير لا يطاع
لقصير أمر وفى ذلك يقول نهشل بن حرى بن ضمرة بن جابر التميمي
ومولى عصاني واستبد برأيه * كما لم يطع بالبقتين قصير
فلما تبين غب أمري وأمره * وولت بأعجاز الأمور صدور
تمنى نئيشا أن يكون أطاعني * وقد حدثت بعد الأمور أمور
وقالت العرب ببقة أبرم الامر فذهبت مثلا واستخلف جذيمة عمرو بن عدي
على ملكه وسلطانه وجعل عمرو بن عبد الجن الجرمي معه على خيوله وسار في
وجوه أصحابه فأخذ على الفرات من الجانب الغربي فلما نزل الفرضة دعا قصيرا
فقال ما الرأي قال ببقة تركت الرأي فذهبت مثلا واستقبلته رسل الزباء بالهدايا
والالطاف فقال يا قصير كيف ترى قال خطر يسير في خطب كبير فذهبت
مثلا وستلقاك الخيول فإن سارت أمامك فإن المرأة صادقة وإن أخذت جنبيك
وأحاطت بك من خلفك فإن القوم غادرون فاركب العصا وكانت فرسا لجذيمة
لا تجارى فإني راكبها ومسايرك عليها فلقيته الخيول والكتائب فحالت بينه وبين
العصا فركبها قصير ونظر إليه جذيمة موليا على متنها فقال ويل امه حزما على ظهر
العصا فذهبت مثلا فقال يا ضل ما تجرى به العصا وجرت به إلى غروب الشمس
ثم نفقت وقد قطعت أرضا بعيدة فبنى عليها برجا يقال له برج العصا وقالت العرب
خير ما جاءت به العصا مثل تضربه وسار جذيمة وقد أحاطت به الخيول حتى
دخل على الزباء فلما رأته تكشفت فإذا هي مضفورة الاسب فقالت يا جذيمة
أدأب عروس ترى فذهبت مثلا فقال بلغ المدى وجف الثرى وأمر غدر أرى
فقالت أما وإلهي ما بنا من عدم مواس ولا قلة أواس ولكنه شيمة من أناس
فذهبت مثلا وقالت إني أنبئت أن دماء الملوك شفاء من الكلب ثم أجلسته على
445

قطع وأمرت بطست من ذهب فأعدته له وشقته من الخمر حتى أخذت مأخذها منه
وأمرت براهشيه فقطعا وقدمت إليه الطست وقد قيل لها إن قطر من دمه شئ
في غير الطست طلب بدمه وكانت الملوك لا تقتل بضرب الأعناق إلا في قتال
تكرمة للملك فلما ضعفت يداه سقطتا فقطر من دمه في غير الطست فقالت لا تضيعوا
دم الملك فقال جذيمة دعوا دما ضيعه أهله فذهبت مثلا فهلك جذيمة واستنشفت
الزباء دمه فجعلته في برس قطن في ربعة لها وخرج قصير من الحي الذي هلكت
العصا بين أظهرهم حتى قدم على عمرو بن عدي وهو بالحيرة فقال له قصير أداثر
أم تائر قال لا تائر سائر فذهبت مثلا ووافق قصير الناس وقد اختلفوا فصارت طائفة
منهم مع عمرو بن عبد الجن الجرمي وجماعة منهم مع عمرو بن عدي فاختلف
بينهما قصير حتى اصطلحا وانقاد عمرو بن عبد الجن لعمرو بن عدي ومال إليه
الناس فقال عمرو بن عدي في ذلك
دعوت ابن عبد الجن للسلم بعد ما * تتابع في غرب السفاه وكلسما
فلما ارعوى عن صدنا باعترامه * مريت هواه مري آم روائما
فقال عمرو بن عبد الجن مجيبا له
أما ودماء مائرات تخالها * على قلة العزى أو النسر عندما
وما قدس الرهبان في كل هيكل * أبيل الأبيلين المسيح بن مريما
قال هكذا وجد الشعر ليس بتام وكان ينبغي أن يكون البيت الثالث لقد
كان كذا وكذا * فقال قصير لعمرو بن عدي تهيأ واستعدد ولا تطل دم خالك
قال وكيف لي بها وهى أمنع من عقاب الجو فذهبت مثلا وكانت الزباء سألت
كاهنة لها عن أمرها وملكها فقالت أرى هلاكك بسبب غلام مهين غير أمين
وهو عمرو بن عدي ولن تموتي بيده ولكن حتفك بيدك ومن قبله ما يكون
ذلك فحذرت عمرا واتخذت نفقا من مجلسها الذي كانت تجلس فيه إلى حصن لها
داخل مدينتها وقالت إن فجئني أمر دخلت النفق إلى حصني ودعت رجلا مصورا
أجود أهل بلادها تصويرا وأحسنهم عملا لذلك فجهزته وأحسنت إليه وقالت
446

له سر حتى تقدم على عمرو بن عدي متنكرا فتخلو بحشمه وتنضم إليهم وتخالطهم
وتعلمهم ما عندك من العلم بالصور والثقافة له ثم أثبت عمرو بن عدي معرفة
وصوره جالسا وقائما وراكبا ومنفصلا ومتسلحا بهيئته ولبسته وثيابه ولونه فإذا
أحكمت ذلك فأقبل إلى فانطلق المصور حتى قدم على عمرو وصنع الذي أمرته
به الزباء وبلغ ما أوصته به ثم رجع إليها بعلم ما وجهته له من الصور على ما وصفت
له وأرادت أن تعرف عمرو بن عدي فلا تراه على حال إلا عرفته وحذرته وعلمت
علمه فقال قصير لعمرو بن عدي اجدع أنفى واضرف ظهري ودعني وإياها فقال
عمرو ما أنا بفاعل وما أنت لذلك بمستحق منى فقال قصير خل عنى إذا وخلاك
ذم فذهبت مثلا قال ابن الكلبي كان أبو الزباء اتخذ النفق لها ولأختها وكان الحصن
لأختها في داخل مدينتها قال فقال له عمرو فأنت أبصر فجدع قصير أنفه وأثر
بظهره فقالت العرب لمكر ما جدع أنفقه قصير وفى ذلك يقول المتلمس
ومن حذر الأوتار ما حز أنفه * قصير وخاض الموت بالسيف بيهس
ويروى ورام الموت وقال عدى بن زيد
كقصير إذ لم يجد غير أن ج * دع أشرافه لشكر قصير
فلما أن جدع قصير أنفه وأثر تلك الآثار بظهره خرج كأنه هارب وأظهر أن عمرا
فعل به ذلك وأنه يزعم أنه مكر بخاله جذيمة وغره من الزباء فسار قصير حتى
قدم على الزباء فقيل لها إن قصيرا بالباب فأمرت به فادخل عليها فإذا أنفه قد
جدع وظهره قد ضرب فقالت ما الذي أرى بك يا قصير فقال زعم عمرو بن عدي
أنى غررت خاله وزينت له السير إليك وغششته ومالاتك عليه ففعل بي ما
ترين فأقبلت إليك وعرفت أنى لا أكون مع أحد هو أثقل على منك فألطفته
وأكرمته وأصابت عنده بعض ما أرادت من الحزم والرأي والتجربة والمعرفة
بأمور الملوك فلما عرف أنها قد استرسلت إليه ووثقت به قال لها إن لي بالعراق
أموالا كثيرة وبها طرائف وثياب وعطر فابعثيني إلى العراق لأحمل مالي وأحمل
إليك من بزوزها وطرائف ثيابها وصنوف ما يكون بها من الأمتعة والطيب
447

والتجارات فتصيبين في ذلك أرباحا عظاما وبعض مالا غنى بالملوك عنه فإنه
لا طرائف كطرائف العراق فلم يزل يزين لها ذلك حتى سرحته ودفعت معه عيرا
فقالت انطلق إلى العراق فبع بها ما جهزناك به وابتع لنا من طرائف ما يكون بها
من الثياب وغيرها فسار قصير بما دفعت إليه حتى قدم العراق وأتى الحيرة متنكرا
فدخل على عمرو بن عدي فأخبره بالخبر وقال جهزني بالبز والطرف والأمتعة لعل
الله يمكن من الزباء فتصيب ثأرك وتقتل عدوك فأعطاه حاجته وجهزه بصنوف
الثياب وغيرها فرجع بذلك كله إلى الزباء فعرضه عليها فأعجبها ما رأت وسرها ما أتاها
به وازدادت به ثقة واليه طمأنينة ثم جهزته بعد ذلك بأكثر مما جهزته في المرة
الأولى فسار حتى قدم العراق ولقى عمرو بن عدي وحمل من عنده ما ظن أنه موافق
للزباء ولم يترك جهدا ولم يدع طرفة ولا متاعا قدر عليه إلا حمله إليها ثم عاد الثالثة
إلى العراق فأخبر عمرا الخبر وقال أجمع لي ثقات أصحابك وجندك وهيئ لهم الغرائر
والمسوح * قال ابن الكلبي وقصير أول من عمل الغرائر واحمل كل رجلين على
بعير في غرارتين واجعل معقد رؤس الغرائر من باطنها فإذا دخلوا مدينة الزباء
أقمتك على باب نفقها وخرجت الرجال من الغرائر فصاحوا باهل المدينة فمن
قاتلهم قتلوه وإن أقبلت الزباء تريد النفق جللتها بالسيف ففعل عمرو بن عدي وحمل
الرجال في الغرائر على ما وصف له قصير ثم وجه الإبل إلى الزباء عليها الرجال
وأسلحتهم فلما كانوا قريبا من مدينتها تقدم قصير إليها فبشرها وأعلمها كثرة ما حمل
إليها من الثياب والطرائف وسألها أن تخرج فتنظر إلى قطرات تلك الإبل وما عليها
من الأحمال فانى جئت بما صاء وصمت فذهبت مثلا وقال ابن الكلبي وكان قصير
يكمن النهار ويسير الليل وهو أول من كمن النهار وسار الليل فخرجت الزباء
فأبصرت الإبل تكاد قوائمها تسوخ في الأرض من ثقل أحمالها فقالت يا قصير
ما للجمال مشيها وئيدا * أجندلا يحملن أم حديدا
أم صرفانا باردا شديدا
فدخلت الإبل المدينة حتى كان آخرها بعيرا مر على بواب المدينة وهو نبطي
448

بيده منخسة فنخس بها الغرائر التي تليه فأصابت خاصرة الرجل الذي فيها فضرط
فقال البواب بالنبطية بشتابسقا يعنى بقوله بشتابسقا في الجوالق شر وأرعب قلبا
فذهبت مثلا فلما توسطت الإبل المدينة أنيخت ودل قصير عمرا على باب النفق
قبل ذلك وأراه إياه وخرجت الرجال من الغرائر وصاحوا بأهل المدينة ووضعوا
فيهم السلاح وقام عمرو بن عدي على باب النفق وأقبلت الزباء مولية مبادرة تريد
النفق لتدخله وأبصرت عمرا قائما فعرفته بالصورة التي كان صورها لها المصور
فمصت خاتما وكان فيها سم وقالت بيدي لا بيدك يا عمرو فذبت مثلا وتلقاها
عمرو بن عدي فجللها بالسيف فقتلها وأصاب ما أصاب من أهل المدينة وانكفأ
راجعا إلى العراق فقال عدى بن زيد في أمر جذيمة وقصير والزباء وقتل عمرو بن عدي
إياها قصيدته
أبدلت المنازل أم عفينا * تقادم عهدها أم قد بلينا
إلى آخرها وقال المخبل وهو ربيعة بن عوف السعدي
يا عمرو إني قد هويت جماعكم * ولكل من يهوى الجماع فراق
بل كم رأيت الدهر زايل بينه * من لا يزايل بينه الأخلاق
طابت به الزبا وقد جعلت لها * دورا ومشربة لها أنفاق
حملت لها عمرا ولا بخشونة * من آل دومة رسلة معناق
حتى تفرعها بأبيض صارم * عضب يلوح كأنه مخراق
وأبو حذيفة يوم ضاق بجمعه * شعب الغبيط فحومة فأفاق
وله معد والعباد وطيى * ومن الجنود كتائب ورفاق
يهب النجائب والبرائع حوله * جردا كان متونها الاطلاق
فأتت عليه ساعة ما إن له * مما أفاء ولا أفاد عتاق
فكأن ذلك يوم حم قضاؤه * رفد أميل إناؤه مهراق
وقال بعض شعراء العرب
نحن قتلنا فقحلا وابن راعن * ونحن خنينا نبت زبا بمنجل
449

فلما أتتها العير قالت أبارد * من التمر هذا أم حديد وجندل
وقال عبد باجر واسمه بهرا من العرب العاربة وهم عشرة أحياء عاد وثمود
والعماليق وطسم وجديس وأميم والمود وجرهم ويقطن والسلف قال والسلف
دخل في حمير
لا ركبت رجلك من بين الدلي * لقد ركبت مركبا غير الوطي
على العراقي بصقا من الطوى * إن كنت غضبى فاغضبي على الركى
وعاتبي القيم عمرو بن عدي
فصار الملك بعد جذيمة لابن أخته عمرو بن عدي بن نصر بن ربيعة بن الحارث بن
مالك بن عمرو بن نمارة بن لخم وهو أول من اتخذ الحيرة منزلا من ملوك العرب
وأول من مجده أهل الحيرة في كتبهم من ملوك العرب بالعراق واليه ينسبون وهم
ملوك آل نصر فلم يزل عمرو بن عدي ملكا حتى مات وهو ابن مائة وعشرين سنة
منفردا بملكه مستبدا بأمره يغزو المغازي ويصب الغنائم وثفد عليه الوفود
دهره الأطول لا يدين لملوك الطوائف بالعراق ولا يدينون له حتى قدم أردشير
ابن بابك في أهل فارس وانما ذكرنا في هذا الموضع ما ذكرنا من أمر جذيمة
وابن أخته عمرو بن عدي لما كنا قدمنا من ذكر ملوك اليمن أنه لم يكن لملكهم نظام
وان الرئيس منهم إنما كان ملكا على مخلافه ومحجره لا يجاوز ذلك فان نزع منهم
نازع أو نبغ منهم نابغ فتجاوز ذلك وإن بعدت مسافة سيره من مخلافه فإنما ذلك
منه عن غير ملك له موطد ولا لآبائه ولا لأبنائه ولكن كالذي يكون من بعض
من يشرد من المتلصصة فيغير على الناحية بعد الناحية باستغفاله أهلها فإذا فصده
الطلب لم يكن له ثبات فكذلك كان أمر ملوك اليمن كان الواحد منهم بعد الواحد
يخرج عن مخلافه ومحجره أحيانا فيصيب مما مر به ثم يتشمر عند خوف الطلب
راجعا إلى موضعه ومخلافه من غير أن يدين له أحد من غير أهل مخلافه بالطاعة
أو يؤدى إليه خرجا حتى كان عمرو بن عدي الذي ذكرنا أمره وهو ابن أخت
جذيمة الذي اقتصصنا خبره فإنه اتصل له ولعقبه ولأسبابه الملك على ما كان
450

بنواحي العراق وبادية الحجاز من العرب باستعمال ملوك فارس إياهم على ذلك
واستكفائهم أمر من وليهم من العرب إلى أن قتل ابرويز بن هرمز النعمان بن
المنذر ونقل ما كانت ملوك فارس يجعلونه إليهم إلى غيرهم فذكرنا ما ذكرنا من
أمر جذيمة وعمرو بن عدي من أجل ذلك إذ كنا نريد أن يسوق تمام التاريخ
على ملك ملوك فارس ونستشهد على صحة ما روى من أمرهم بما وجدنا إلى
الاستشهاد به عليها سبيلا وكان أمر آل نصر بن ربيعة ومن كان من ولاة ملوك
الفرس وعمالهم على ثغر العرب الذين هم ببادية العراق عند أهل الحيرة متعالما
مثبتا عندهم في كنائسهم وأسفارهم * وقد حدثت عن هشام بن محمد الكلبي أنه قال
إني كنت أستخرج أخبار العرب وأنساب آل نصر بن ربيعة ومبالغ أعمار
من عمل منهم لآل كسرى وتاريخ سنيهم من بيع الحيرة وفيها ملكهم وأمورهم
كلها * فأما ابن حميد فإنه حدثنا في أمر ولد نصر بن ربيعة ومصيرهم إلى أرض
العراق غير الذي ذكره هشام والذي حدثنا به من ذلك عن سلمة عن ابن إسحاق
عن بعض أهل العلم أن ربيعة بن نصر اللخمي رأى رؤيا نذكرها بعد عند ذكر
أمر الحبشة وغلبتهم على اليمن وتعبير سطيح وشق وجوابهما عن رؤياه ثم ذكر
في خبره ذلك ان ربيعة بن نصر لما فرغ من مسألة سطيح وشق وجوابهما إياه
وقع في نفسه ان الذي قالا له كائن من أمر الحبشة فجهز بنيه وأهل بيته إلى العراق
بما يصلحهم وكتب لهم إلى ملك من ملوك فارس يقال له سابور بن خرزاذ
فأسكنهم الحيرة قال فمن بقية ربيعة بن نصر كان النعمان ملك حيرة وهو النعمان
ابن المنذر بن النعمان بن المنذر بن عمرو بن عدي بن ربيعة بن نصر ذلك الملك في
نسب أهل اليمن وعلمهم (قال أبو جعفر) ونذكر الآن أمر
طسم وجديس
إذ كان أمرهم أيضا كان في أيام ملوك الطوائف وان فناء جديس كان على
يد حسان بن تبع إذ كنا قدمنا فيما مضى ذكر تبابعة حمير الذين كانوا على عهد
ملوك فارس * وحدثت عن هشام بن محمد وحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن
451

ابن إسحاق وغيرهما من علماء العرب أن طسما وجديسا كانوا من ساكني اليمامة
وهى إذ ذاك من أخصب البلاد وأعمرها وأكثرها خيرا لهم فيها صنوف الثمار
ومعجبات الحدائق والقصور الشامخة وكان عليهم ملك من طسم ظلوم غشوم
لا ينهاه شئ عن هواه يقال له عملوق مضر بجديس مستذلا لهم وكان مما لقوا من
ظلمه واستذلاله أنه أمر بأن لا تهدى بكر من جديس إلى زوجها حتى تدخل عليه
فيفترعها فقال رجل من جديس يقال له الأسود بن غفار لرؤساء قومه قد ترون
ما نحن فيه من العار والذل الذي ينبغي للكلاب أن تعافه وتمتعض منه فأطيعوني
فانى أدعوكم إلى عز الدهر ونفى الذل قالوا وما ذاك قال إني صانع للملك ولقومه
طعاما فإذا جاؤوا نهضنا إليهم بأسيافنا وانفردت به فقتلته وأجهز كل رجل منكم
على جليسه فأجابوه إلى ذلك وأجمع رأيهم عليه فأعد طعاما وأمر قومه فانتضوا
سيوفهم ودفنوها في الرمل وقال إذا أتاكم القوم يرفلون في حللهم فخذوا سيوفهم
ثم شدوا عليهم قبل أن يأخذوا مجالسهم ثم اقتلوا الرؤساء فإنكم إذا قتلتموهم لم
تكن السفلة شيئا وحضر الملك فقتل وقتل الرؤساء فشدوا على العامة منهم فأفنوهم
فهرب رجل من طسم يقال له رياح بن مرة حتى أتى حسان بن تبع فاستغاث به
فخرج حسان في حمير فلما كان من اليمامة على ثلاث قال له رياح أبيت اللعن إن لي
أختا متزوجة في جديس يقال لها اليمامة ليس على وجه الأرض أبصر منها انها
لتبصر الراكب من مسيرة ثلاث وإني أخاف أن تنذر القوم بك فمر أصحابك فليقطع
كل رجل منهم شجرة فليجعلها أمامه ويسير وهى في يده فأمرهم حسان بذلك ففعلوا
ثم سار فنظرت اليمامة فأبصرتهم فقالت لجديس لقد سارت حمير فقالوا وما الذي
ترين قالت أرى رجلا في شجرة معه كتف يتعرقها أو نعل يخصفها فكذبوها وكان
ذلك كما قالت وصبحهم حسان فأبادهم وأخرب بلادهم وهدم قصورهم وحصونهم
وكانت اليمامة تسمى إذ ذاك جوا والقرية وأتى حسان باليمامة ابنة مرة فأمر بها ففقئت
عيناها فإذا فيها عروق سود فقال لها ما هذا السواد في عروق عينيك قالت حجير أسود
يقال له الأثمد كنت أكتحل به وكانت فيما ذكروا أول من اكتحل بالإثمد فأمر حسان
452

بأن تسم يجو اليمامة * وقد قالت الشعراء من العرب في حسان ومسيره هذا فمن
ذلك قول الأعشى
كوني كمثل الذي إذ غاب وافدها * أهدت له من بعيد نظرة جذعا
ما نظرت ذات أشفار كنظرتها * حقا كما صدق الذثبى إذ سجعا
إذ قلبت مقلة ليست بمقرفة * إذ يرفع الآل رأس الكلب فارتفعا
قالت أرى رجلا في كفه كتف * أو يخصف النعل لهفي أية صنعا
فكذبوها بما قالت فصبحهم * ذو آل حسان يزجي الموت والشرعا
فاستنزلوا أهل جو من مساكنهم * وهدموا شاخص البنيان فاتضعا
ومن ذلك قول النمر ابن تولب العكلي
هلا سألت بعادياء وبيته * والخل والخمر التي لم تمنع
وفتاتهم عنز عشية آنست * من بعد مرأى في الفضاء ومسمع
قالت أرى رجلا يقلب كفه * أصلا وجو آمن لم يفزع
ورأت مقدمة الخميس وقبله * رقص الركاب إلى الصياح بتبع
فكأن صالح أهل جو غدوة * صبحوا بذيفان السمام المنقع
كانوا كأنعم من رأيت فأصبحوا * يلوون زاد الراكس المتمتع
قالت يمامة احملوني قائما * إن تبعثوه باركا بي أصرع
وحسان بن تبع الذي أوقع بجديس هو ذو معاهر وهو تبع بن تبع تبان أسعد
أبى كرب بن ملكيكرب بن تبع بن أقرن وهو أبو تبع بن حسان الذي يزعم أهل
اليمن انه قدم مكة وكسا الكعبة وأن الشعب من المطابخ انما سمى هذا الاسم
لنصبه المطابخ في ذلك الموضع واطعامه الناس وأن أجيادا إنما سمى أجيادا لان
خيله كانت هنا لك وأنه قدم يثرب فنزل منزلا يقال له منزل الملك اليوم وقتل
من اليهود مقتلة عظيمة بسبب شكاية من شكاهم إليه من الأوس والخزرج بسوء
الجوار وأنه وجه ابنه حسان إلى السند وسمرا ذا الجناح إلى خراسان وأمرهما أن
يستبقا إلى الصين فمر سمر بسمرقند فأقام عليها حتى افتتحا وقتل مقاتلتها وسبى
453

وحوى ما فيها ونفذ إلى الصين فوافى حسان بها فمن أهل اليمن من يزعم أنهما ماتا
هنالك ومنهم من يزعم أنهما انصرفا إلى تبع بالأموال والغنائم
(ومما كان) في أيام ملوك الطوائف ما ذكره الله عز وجل في كتابه من أمر
الفتية الذين أووا إلى الكهف فضرب على آذانهم
ذكر الخبر عن أصحاب الكهف
وكان أصحاب الكهف فتية آمنوا بربهم كما وصفهم الله عز وجل به من صفتهم في
القرآن المجيد فقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أم حسبت أن أصحاب الكهف
والرقيم كانوا من آياتنا عجبا والرقيم هو الكتاب الذي كان القوم الذين منهم كان
الفتية كتبوه في لوح بذكر خبرهم وقصصهم ثم جعلوه على باب الكهف الذي
أووا إليه أو نقروه في الجبل الذي أووا إليه أو كتبوه في لوح وجعلوه في صندوق
خلفوه عندهم إذ أوى الفتية إلى الكهف وكان عدد الفتية فيما ذكر ابن عباس
سبعة وثامنهم كلبهم * حدثنا ابن بشار قال حدثنا عبد الرحمن قال حدثنا إسرائيل
عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس ما يعلمهم إلا قليل أنا من القليل كانوا سبعة
* حدثنا بشر قال حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد عن قتادة قال ذكر لنا أن ابن عباس
كان يقول أنا من أولئك القليل الذين استثنى الله تعالى كانوا سبعة وثامنهم كلبهم
قال وكان اسم أحدهم وهو الذي كان يلي شرى الطعام لهم الذي ذكره الله عنهم
أنهم قالوا إذ هبوا من رقدتهم (فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة
فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه) * حدثني عبد الله بن محمد
الزهري قال حدثنا سفيان عن مقاتل فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة اسمه
يمنيخ * وأما ابن إسحاق فإنه قال فيما حدثنا به ابن حميد قال حدثنا سلمة عنه اسمه
يمليخا * وكان ابن إسحاق يقول كان عدد الفتية ثمانية فعلى قوله كان كلبهم تاسعهم
وكان فيما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق يسميهم فيقول كان أحدهم
وهو أكبرهم والذي كلم الملك عن سائرهم مكسملنا والآخر محسملينا والثالث
يمليخا والرابع مرطوس والخامس كسوطونس والسادس بيرونس والسابع
454

رسمونس والثامن بطونس والتاسع قالوس وكانوا احداثا * وقد حدثنا ابن حميد
قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد قال لقد حدثت
أنه كان على بعضهم من حداثة أسنانهم وضح الورق وكانوا من قوم يعبدون
الأوثان من الروم فهداهم الله للاسلام وكانت شريعتهم شريعة عيسى في قول جماعة
من سلف علمائنا * حدثنا ابن حميد قال حدثنا الحكم بن بشير قال
حدثنا عمرو يعنى ابن قيس الملائي في قوله إن أصحاب الكهف والرقيم كانت الفتية
على دين عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم على الاسلام وكان ملكهم كافرا
وكان بعضهم يزعم أن أمرهم ومصيرهم إلى الكهف كان قبل المسيح وأن المسيح أخبر
قومه خبرهم فان الله عز وجل ابتعثهم من رقدتهم بعد ما رفع المسيح في الفترة بينه وبين
محمد صلى الله عليه وسلم والله أعلم أي ذلك كن فما الذي عليه علماء أهل الاسلام
فعلى أن أمرهم كان بعد المسيح فاما أنه كان في أيام ملوك الطوائف فإن ذلك مما
لا يدفعه دافع من أهل العلم بأخبار الناس القديمة * وكان لهم في ذلك الزمان ملك
يقال له دقينوس يعبد الأصنام فيما ذكر عنه فبلغه عن الفتية خلافهم إياه في
دينه فطلبهم فهربوا منه بدينهم حتى صاروا إلى جبل لهم يقال له فيما حدثنا سلمة
عن ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس نيحلوس *
وكان سبب إيمانهم وخلافهم به قومهم فيما حدثنا الحسن بن يحيى قال حدثنا
عبد الرزاق قال حدثنا معمر قال أخبرني إسماعيل بن سدوس أنه سمع وهب
ابن منبه يقول جاء حواري عيسى ابن مريم إلى مدينة أصحاب الكهف فأراد أن
يدخلها فقيل له إن على بابها صنما لا يدخلها أحد إلا سجد له فكره أن يدخلها
فأتى حماما وكان فيه قريبا من تلك المدينة فكان يعمل فيه يؤاجر نفسه من
صاحب الحمام ورأى صاحب الحمام في حمامه البركة ورد عليه الرزق فجعل يعرض
عليه وجعل يسترسل إليه وعلقه فتية من أهل المدينة وجعل يخبرهم خبر السماء
والأرض وخبر الآخرة حتى آمنوا به وصدقوه وكانوا على مثل حاله في حسن
الهيئة وكان يشرط على صاحب الحمام أن الليل لي لا تحول بيني وبين الصلاة إذا
455

حضرت فكان على ذلك حتى جاء ابن الملك بامرأة فدخل بها الحمام فعيره
الحوارى فقال أنت ابن الملك وتدخل ومعك هذه الكذى فاستحيى فذهب فرجع
مرة أخرى فقال له مثل ذلك وسبه وانتهره ولم يلتفت حتى دخل ودخلت معه
المرأة فماتا في الحمام جميعا فأتى الملك فقيل له قتل صاحب الحمام ابنك فالتمس
فلم يقدر عليه فهرب قال من كان يصحبه فسموا الفتية فالتمسوا فخرجوا من
المدينة فمروا بصاحب لهم في زرع له وهو على مثل أمرهم فذكروا أنهم التمسوا
وانطلق معهم ومعه الكلب حتى آواهم الليل إلى الكهف فدخلوه فقالوا نبيت
ههنا الليلة ثم نصبح إن شاء الله فترون رأيكم فضرب على آذانهم فخرج الملك في
أصحابه يتبعونهم حتى وجدوهم قد دخلوا الكهف فكلما أراد رجل أن يدخل
أرعب فلم يطق أحد أن يدخل فقال قائل أليس لو كنت قدرت عليهم قتلتهم قال
بلى قال فابن عليهم باب فدعهم فيه يموتوا عطشا وجوعا ففعل فغبروا
بعد ما بنى عليهم باب الكهف زمانا بعد زمان ثم إن راعيا أدركه المطر عند
الكهف فقال لو فتحت هذا الكهف فأدخلته غنمي من المطر فلم يزل يعالجه
حتى فتح ما أدخل فيه ورد الله إليهم أرواحهم في أجسادهم من الغد حين أصبحوا
فبعثوا أحدهم بورق يشترى لهم طعاما فكلما أتى باب مدينتهم رأى شيئا ينكره
حتى دخل على رجل فقال بعني بهذه الدراهم طعاما قال ومن أين لك هذه الدراهم
قال خرجت وأصحاب لي أمس فآوانا الليل حتى أصبحوا فأرسلوني فقال
هذه الدراهم كانت على عهد الملك فلان فرفعه إلى الملك وكان ملكا صالحا
فقال من أين لك هذه الورق قال خرجت أنا وأصحاب لي أمس حتى
أدركنا الليل في كهف كذا وكذا ثم أمروني أن أشترى لهم طعاما قال
وأين أصحابك قال في الكهف قال فانطلقوا معه حتى أتوا باب الكهف فقال
دعوني أدخل إلى أصحابي قبلكم فلما رأوه ودنا منهم ضرب على أذنه وآذانهم
فجعلوا كلما دخل رجل أرعب فلم يقدروا على أن يدخلوا إليهم فبنوا عندهم
كنسة واتخذوها مسجدا يصلون فيه * حدثنا الحسن بن يحيى قال حدثنا عبد الرزاق
456

قال أخبرنا معمر عن قتادة عن عكرمة قال كان أصحاب الكهف أبناء ملوك
الروم رزقهم الله الاسلام فتفردوا بدينهم واعتزلوا قومهم حتى انتهوا إلى الكهف
فضرب الله على سمخانهم فلبثوا دهرا طويلا حتى هلكت أمتهم وجاءت أمة
مسلمة وكان ملكهم مسلما واختلفوا في الروح والجسد فقال قائل تبعث الروح
والجسد جميعا وقال قائل تبعث الروح وأما الجسد فتأكله الأرض فلا يكون
شيئا فشق على ملكهم اختلافهم فانطلق فلبس المسوح وجلس على الرماد ثم دعا
الله عز وجل فقال يا رب قد ترى اختلاف هؤلاء فابعث لهم ما يبين لهم فبعث الله
أصحاب الكهف فبعثوا أحدهم يشترى لهم طعاما فدخل السوق فجعل ينكر
الوجوه ويعرف الطرق ويرى الايمان بالمدينة ظاهرا فانطلق وهو مستخف
حتى أتى رجلا يشترى منه طعاما فلما نظر الرجل إلى الورق أنكرها قال حسبت
أنه قال كأنها أخفاف الربع يعنى الإبل الصغار قال له الفتى أليس ملككم فلان قال
بل ملكنا فلان فلم يزل ذلك بينهما حتى رفعه إلى الملك فسأله فأخبره الفتى خبر
أصحابه فبعث الملك في الناس فجمعهم فقال إنكم قد اختلفتم في الروح والجسد وإن
الله عز وجل قد بعث لكم آية فهذا رجل من قوم فلان يعنى ملكهم الذي مضى
فقال الفتى انطلقوا بي إلى أصحابي فركب الملك وركب معه الناس حتى انتهى إلى
الكهف فقال الفتى دعوتي أدخل إلى أصحابي فلما أبصرهم ضرب الله على أذنه وعلى آذانهم
فلما استبطأوه دحل الملك ودخل الناس معه فإذا أجساد لا ينكرون منها شيئا غير
أنها لا أرواح فيها فقال الملك هذه آية بعثها الله لكم قال قتادة وغزا ابن عباس مع
حبيب بن مسلمة فمروا بالكهف فإذا فيه عظام فقال رجل هذا عظام أصحاب
الكهف فقال ابن عباس لقد ذهبت عظامهم منذ أكثر من ثلثمائة سنة * قال
أبو جعفر فكان منهم.
يونس بن متى
فكان فيما ذكر من أهل قرية من قرى الموصل يقال له نينوى وكان قومه
يعبدون الأصنام فبعث الله إليهم يونس بالنهي عن عبادتها والامر بالتوبة إلى
457

الله من كفرهم والامر بالتوحيد فكان من أمره وأمر الذين بعث إليهم ما قصه الله
في كتابه فقال الله عز وجل (فلو لا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا
قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم
إلى حين) وقال (وذان النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى
في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا
له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين) وقد اختلف السلف من علماء
أمة نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم في ذهابه لربه مغاضبا وظنه أن لن نقدر
عليه وفى حين ذلك * فقال بعضهم كان ذلك منه قبل دعائه القوم الذين أرسل
إليهم وقبل إبلاغه إياهم رسالة ربه وذلك أن القوم الذين أرسل إليهم لما حضرهم
عذاب الله أمر بالمصير إليهم ليعلمهم ما قد أظلهم من ذلك لينيبوا مما هم عليه
مقيمون مما يسخطه الله فاستنظر ربه المصير إليهم فلم ينظره فغضب لاستعجال الله
إياه للنفوذ لامره وترك إنظاره.
ذكر من قال ذلك
* حدثني الحارث قال حدثنا الحسن الأشيب قال سمعت أبا هلال محمد بن سليم
قال حدثنا شهر بن حوشب قال أتاه جبريل عليه السلام يعنى يونس وقال انطلق
إلى أهل نينوى فأنذرهم أن العذاب قد حضرهم قال التمس دابة قال الامر أعجل
من ذلك قال التمس حذاء قال الامر أعجل من ذلك قال فغضب فانطلق إلى السفينة
فركب فلما ركب احتبست السفينة لا تقدم ولا تأخر قال فساهموا قال فسهم
فجاء الحوت يبصبص بذنبه فنودي الحوت أيا حوت انا لم نجعل يونس لك رزقا
إنما جعلناك له حرزا ومسجدا فالتقمه الحوت فانطلق به من ذلك المكان حتى
مر به على دجلة ثم انطلق به حتى ألقاه في نينوى * حدثني الحارث قال حدثنا
الحسن قال حدثنا أبو هلال قال حدثنا شهر بن حوشب عن ابن عباس قال انما
كانت رسالة يونس بعد ما نبذه الحوت * وقال آخرون كان ذلك منه بعد دعائه
من أرسل إليه إلى ما أمره الله بدعائهم إليه وتبليغه إياهم رسالة ربه ولكنه
458

وعدهم نزول ما كان حذرهم من بأس الله في وقت وقته لهم ففارقهم إذ لم يتوبوا
ولم يراجعوا طاعة الله والايمان فلما أظل القوم عذاب الله فغشيهم كما وصف الله
في تنزيله تابوا إلى الله فرفع الله عنهم العذاب وبلغ يونس سلامتهم وارتفاع العذاب
الذي كان وعدهموه فغضب من ذلك وقال وعدتهم وعدا فكذب وعدى فذهب
مغاضبا ربه وكره الرجوع إليهم وقد جربوا عليه الكذب
ذكر بعض من قال ذلك
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن يزيد بن زياد عن
عبد الله بن أبي سلمة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال بعثه الله تعالى يعنى
يونس إلى أهل قريته فردوا عليه ما جاءهم به وامتنعوا منه فلما فعلوا ذلك أوحى
الله إليه انى مرسل عليهم العذاب في يوم كذا وكذا فاخرج من بين أظهرهم
فأعلم قومه الذي وعدهم الله من عذابه إياهم فقالوا ارمقوه فإن هو خرج من
بين أظهركم فهو والله كائن ما وعدكم فلما كانت الليلة التي وعدو العذاب في صبيحتها
أدلج وراءه القوم فحذروا فخرجوا من القرية إلى براز من أرضهم وفرقوا بين كل
دابة وولدها ثم عجوا إلى الله واستقالوه وأقالهم وتنظر يونس الخبر عن القرية
وأهلها حتى مر به مار فقال ما فعل أهل القرية فقال فعلوا أن نبيهم لما خرج من
بين أظهرهم عرفوا أنه صدقهم ما وعدهم من العذاب فخرجوا من قريتهم إلى براز
من الأرض وفرقوا بين كل ذات ولد وولدها ثم عجوا إلى الله وتابوا إليه فقبل
منهم وأخر عنهم العذاب قال فقال يونس عند ذلك وغضب والله لا أرجع إليهم
كذابا أبدا وعدتهم العذاب في يوم ثم رد عنهم ومضى وجهه مغاضبا لربه
فاستزله الشيطان * حدثني المثنى بن إبراهيم قال حدثنا إسحاق بن الحجاج قال حدثنا
عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه عن الربيع قال حدثنا رجل قد قرأ القرآن في
صدره في امارة عمر بن الخطاب فحدث عن قوم يونس حيث أنذر قومه فكذبوه
فأخبرهم أنه مصيبهم العذاب وفارقهم فلما رأوا ذلك وغشيهم العذاب لكنهم
خرجوا من مساكنهم وصعدوا في مكان رفيع وانهم جأروا إلى ربهم ودعوه
459

مخلصين له الدين أن يكشف عنهم العذاب وأن يرجع إليهم رسولهم قال ففي ذلك
أنزل الله تعالى فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا
كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين فلم يكن قرية غشيها
العذاب ثم أمسك عنها إلا قوم يونس خاصة فلما رأى ذلك يونس لكنه ذهب
عاتبا على ربه وانطلق مغاضبا وظن أن لن يقدر عليه حتى ركب سفينة فأصاب
أهلها عاصف من الريح فقالوا هذه بخطيئة أحدكم وقال يونس وقد عرف أنه هو
صاحب الذنب هذه بخيئتى فألقوني في البحر وأنهم أبو ا عليه حتى أفاضوا بسهامهم
فساهم فكان من المدحضين فقال لهم قد أخبرتكم أن هذا الامر بذنبي وأنهم أبو ا
عليه أن يلقوه في البحر حتى أفاضوا بسهامهم الثانية فكان من المدحضين فقال
لهم قد أخبرتكم أن هذا الامر بذنبي وأنهم أبو ا عليه أن يلقوه في البحر حتى
أفاضوا بسهامهم الثالثة فكان من المدحضين فلما رأى ذلك ألقى نفسه في البحر
وذلك تحت الليل فابتلعه الحوت فنادى في الظلمات وعرف الخطيئة أن لا إله
إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين وكان قد سبق له من العمل الصالح
فأنزل الله فيه فقال (فلو لا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون)
وذلك أن العمل الصالح يرفع صاحبه إذا عثر (ونبذناه بالعراء وهو سقيم)
وألقى على ساحل البحر وأنبت الله عليه شجرة من يقطين وهى فيما ذكر
شجرة القرع يتقطر عله من اللبن حتى رجعت إليه قوته ثم رجع ذات يوم
إلى الشجرة فوجدها قد يبست فحزن وبكى عليها فعوتب فقيل له أحزنت
على شجرة وبكيت عليها ولم تحزن على مائة ألف أو زيادة أردت هلاكهم جميعا
ثم إن الله اجتباه من الضلالة فجعله من الصالحين ثم أمر أن يأتي قومه ويخبرهم أن
الله قد تاب عليهم فعمد إليهم حتى لقى راعيا فسأله عن قوم يونس وعن حالهم وكيف
هم فأخبره أنهم بخير وأنهم على رجاء أن يرجع إليهم رسولهم فقال له فأخبرهم انى قد
لقيت يونس فقال لا أستطيع إلا بشاهد فسمى له عنزا من غنمه فقال هذه تشهد
لك أنك قد لقيت يونس قال وما ذا قال وهذه البقعة التي أنت فيها تشهد لك أنك
460

قد لقيت يونس قال وماذا قال وهذه الشجرة نشهد لك أنك قد لقيت يونس وأنه رجع
الراعي إلى قومه فأخبرهم أنه لقى يونس فكذبوه وهموا به شرا فقال لا تعجلوا على حنى
أصبح فلما أصبح غدا بهم إلى البقعة التي لقى فيها يونس وسأل العنز فأخبرتهم أنه لقى يونس
واستنطقوا الشجرة فأخبرتهم إنه قد لقى يونس فاتنطقها فأخبرتهم انه لقى يونس ثم
إن يونس أتاهم بعد ذلك قال وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون فآمنوا فمتعناهم إلى حين
* حدثني الحسين بن عمرو بن محمد العبقري قال حدثنا أبي عن إسرائيل عن أبي إسحاق
عن عمرو بن ميمون الأودي قال حدثنا ابن مسعود في بيت المال قال إن يونس كان
وعد قومه العذاب وأخبرهم انه يأتيهم إلى ثلاثة أيام ففرقوا بين كل والدة وولدها
ثم خرجوا فجأروا إلى الله واستغفروه فكف الله عنهم العذاب وغدا يونس ينتظر
العذاب فلم ير شيئا وكان من كذب ولم يكن له بينة قيل فانطلق مغاضبا فنادى في
الظلمات قال ظلمة بطن الحوت وظلمة الليل وظلمة البحر * حدثنا ابن حميد قال
حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عمن حدثه عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة زوجة
النبي صلى الله عليه وسلم قال سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم لما أراد الله حبس يونس في بطن الحوت أوحى الله إلى الحوت أن خذه
ولا تخدش له لحما ولا تكسر عظما فأخذه ثم هوى به إلى مسكنه من البحر فلما
انتهى به إلى أسفل البحر سمع يونس حسا فقال في نفسه ما هذا فأوحى الله إليه
وهو في بطن الحوت إن هذا تسبيح دواب البحر قال فسبح وهو في بطن الحوت
قال فسمعت الملائكة تسبيحه فقالوا يا ربنا إنا لنسمع صوتا ضعيفا بأرض غريبة
قال ذلك عبد ى يونس عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر قالوا العبد الصالح
الذي كان يصعد إليك منه في كل يوم وليلة عمل صالح قال نعم قال فشفعوا له
عند ذلك فأمر الحوت فقذفه في الساحل كما قال الله وهو سقيم وكان سقمه الذي
وصفه الله به انه ألقاه الحوت على الساحل كالصبي المنفوس قد تنسر اللحم والعظم
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن يزيد بن زياد عن عبد الله
ابن أبي سلمة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال خرج به يعنى الحوت حتى
461

لفظه في ساحل البحر فطرحه مثل الصبى المنفوس لم ينقص من خلقه شئ * حدثني
يونس قال أخبرنا ابن وهب قال حدثني أبو صخر قال أخبرني ابن قسيط انه
سمع أبا هريرة يقول طرح بالعراء فأنبت الله عليه يقطينة فقلنا يا أبا هريرة وما
اليقطينة قال شجرة الدباء هيأ الله له أروية وحشية تأكل من حشاش الأرض
أو هشاش الأرض فتفشح عليه فترويه من لبنها كل عشية وبكرة حتى نبت ومما
كان أيضا في أيام ملوك الطوائف
إرسال الله رسله الثلاثة
الذين ذكرهم في تنزيله فقال (واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها
المرسلون إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا
إليكم مرسلون) الآيات التي ذكر تعالى ذكره في خبرهم واختلف السلف
في أمرهم فقال بعضهم كان هؤلاء الثلاثة الذين ذكرهم الله في هذه الآيات وقص
فيها خبرهم أنبياء ورسلا أرسلهم إلى بعض ملوك الروم وهو انطيخس والقرية
التي كان فيها هذا الملك الذي أرسل الله إليه فيها هؤلاء الرسل أنطاكية
ذكر من قال ذلك
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال كان من حديث صاحب يس فيما حدثنا
محمد إسحاق قال مما بلغه عن كعب الأحبار وعن وهب بن منبه اليماني أنه كان
رجلا من أهل النطاكية وكان اسمه حبيبا وكان يعمل الحرير وكان رجلا سقيما
قد أسرع فيها الجذام وكان منزله عند باب من أبو أب المدينة قاصيا وكان مؤمنا
ذا صدقة يجمع كسبه إذا أمسى فيما يذكرون فيقسمه نصفين فيطعم نصفا عياله
ويتصدق بنصف فلم يهمه سقمه ولا عمله ولا ضعفه حين طهر قلبه واستقامت
فطرته وكان بالمدينة التي هو بها مدينة أنطاكية فرعون من الفراعنة يقال له
انطيخس بن انطيخس بن انطيخس يعبد الأصنام صاحب شرك فبعث الله المرسلين
وهم ثلاثة صادق وصدوق وشلوم فقدم الله إليه وإلى أهل مدينته منهم اثنين
فكذبوهما ثم عزز الله بثالث وقال آخرون بل كانوا من حواريي عيسى ابن مريم
462

ولم يكونوا رسلا لله وانما كانوا رسل عيسى ابن مريم ولكن إرسال عيسى ابن
مريم إياهم لما كان عن أمر الله تعالى ذكره إياه بذلك أضيف إرساله إياهم إلى الله
فقيل إذ أرسلنا إليهم اثقنين فكذبوهما فعززنا بثالث
ذكر من قال ذلك
* حدثنا بشر بن معاذ قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا سعيد عن قتادة
قوله واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون إذ أرسلنا إليهم اثنين
فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون قال ذكر لنا أن عيسى ابن مريم
بعث رجلين من الحواريين إلى أنطاكية مدينة بالروم فكذبوهما فأعزهما بثالث
فقالوا إنا إليكم مرسلون الآية (رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق) فلما
دعته الرسل ونادته بأمر الله وصدعت بالذي أمرت به وعابت دينهم وما هم
عليه قال لهم إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم قالت
لهم الرسل طائركم معكم أي أعمالكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون فلما أجمع
هو وقومه على قتل الرسل بلغ ذلك حبيبا وهو على باب المدينة الأقصى فجاء يسعى
إليهم يذكرهم الله ويدعوهم إلى اتباع المرسلين فقال يا قوم اتبعوا المرسلين
اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون أي لا يسألونكم أموالكم على ما جاؤكم به
من الهدى وهم لكم ناصحون فاتبعوهم تهتدوا بهداهم * حدثنا بشر بن معاذ قال حدثنا
يزيد قال حدثنا سعيد عن قتادة قال لما انتهى يعنى حبيبا إلى الرسل قال هل تسألون
على هذا من أجر قالوا لا فقال عند ذلك يا قوم اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسألكم
أجرا وهم مهتدون (رجع الحدث إلى حديث ابن إسحاق) ثم ناداهم بخلاف
ما هم عليه من عبادة الأصنام وأظهر لهم دينه وعبادة ربه وأخبرهم أنه لا يملك
نفعه ولا ضره غيره فقال ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون * أأتخذ من
دونه آلهة - إلى قوله - إني آمنت بربكم فاسمعون أي آمنت بربكم الذي كفرتم به فاسمعوا
قولي فلما قال لهم ذلك وثبوا عليه وثبة رجل واحد فقتلوه واستعفوه لضعفه
وسقمه ولم يكن أحد يدفع عنه * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني
463

ابن إسحاق عن بعض أصحابه أن عبد الله بن مسعود كان يقول وطؤه بأرجلهم حتى
خرج قصبه من دبره وقال الله له ادخل الجنة فدخلها حيا يرزق فيها قد أذهب
الله عنه سقم الدنيا وحزنها ونصبها فلما أفضى إلى رحمة الله وجنته وكرامته قال
يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربى وجعلني من المكرمين وغضب الله له لاستضعافهم
إياه غضبة لم يبق من القوم شيئا فعجل لهم النقمة بما استحلوا منه وقال (وما أنزلنا
على قومه من بعده من جند من السما وما كنا منزلين) يقول ما كابدناهم بالمجموع
أي الامر أيسر علينا من ذلك إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون فاهلك
الله ذلك الملك وأهل أنطاكية فبادوا عن وجه الأرض فلم يبق منهم باقية
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن الحسن بن عمارة عن الحكم
ابن عتيبة عن مقسم أبى القاسم مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل عن مجاهد عن
عبد الله بن عباس أنه كان يقول كان اسم صاحب يس حبيب وكان الجذام قد أسرع
فيه * حدثنا ابن بشار قال حدثنا مؤمل قال حدثنا سفيان عن عاصم الأحول
عن أبي مخلد قال كان اسم صاحب يس حبيب بن مري كان فيهم
شمسون
وكان من أهل قرية من قرى الروم قد هداه الله لرشده وكان قومه أهل
أوثان يعبدونها فكان من خبره وخبرهم فيما ذكر ما حدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة عن ابن إسحاق عن المغيرة بن أبي لبيد عن وهب بن منبه اليماني أن شمسون
كان فيهم رجلا مسلما وكانت أمه قد جعلته نذيرة وكان من أهل قرية من قراهم
كانوا كفارا يعبدون الأصنام وكان منزله منها على أميال غير كثيرة وكان يغزوهم
وحده ويجاهدهم في الله فيصيب منهم وفيهم حاجته فيقتل ويسبي ويصيب المال
وكان إذا لقيهم لقيهم بلحى بعير لا يلقاهم بغيره فإذا قاتلوه وقاتلهم وتعب
وعطش انفجر له من الحجر الذي في اللحى ماء عذب فيشرب منه حتى يروى
وكان قد أعطى قوة في البطش وكان لا يوثقه حديد ولا غيره وكان على ذلك
يجاهدهم في الله ويغزوهم ويصيب منهم حاجته لا يقدرون منه على شئ حتى قالوا
464

لن تأتوه إلا من قبل امرأته فدخلوا على امرأته فجعلوا لها جعلا فقالت نعم أنا
أوثقه لكم فأعطوها حبلا وثيقا وقالوا إذا نام فأوثقي يده إلى عنقه حتى نأتيه
فنأخذه فلما نام أوثقت يده إلى عنقه بذلك الحبل فلما هب جذبه بيد فوقع من
عنقه فقال لها لم فعلت فقالت أجرب به قوتك ما رأيت مثلك قط فأرسلت إليهم
أنى قد ربطته بالحبل فلم أغن عنه شيئا فأرسلوا إليها بجامعة من حديد فقالوا إذا
نام فاجعليها في عنقه فلما نام جعلتها في عنقه ثم أحكمتها فلما هب جذبها فوقعت
من يده ومن عنقه فقال لها لم فعلت هذا قالت أجرب به قوتك ما رأيت مثلك في
الدنيا يا شمسون أما في الأرض شئ يغلبك قال لا إلا شئ واحد قالت وما هو
قال ما أنا بمخبرك به فلم تزل به تسأله عن ذلك وكان ذا شعر كثيره فقال لها ويحك
إن أمي جعلتني نذيرا فلا يغلبني شئ أبدا ولا يضبطني إلا شعري فلما نام أوثقت
يده إلى عنقه بشعر رأسه فأوثقه ذلك وبعثت إلى القوم فجاءوا فأخذوه فجدعوا
أنفه وأذنيه وفقئوا عينيه ووقفوه للناس بين ظهراني المئذنة وكانت مئذنة ذات
أساطين وكان ملكهم قد أشرف عليها بالناس لينظروا إلى شمسون وما يصنع
به فدعا الله شمسون حين مثلوا به ووقفوه أن يسلطه عليهم فأمر أن يؤخذ بعمودين
من عمد المئذنة التي عليها الملك والناس الذين معه فيجذبهما فجذبهما فرد الله عليه
بصره وما أصابوا من جسده ووقعت المئذنة بالملك ومن عليها من الناس
فهلكوا فيها هدما
ذكر خبر جرجيس
وكان جرجيس فيما ذكر عبد الله صالحا من أهل فلسطين ممن أدرك بقايا
من حواريي عيسى ابن مريم وكان تاجرا يكسب بتجارته ما يستغنى به عن الناس
ويعود بالفضل على أهل المسكنة وأنه تجهز مرة إلى ملك بالموصل مما حدثنا ابن
حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن وهب بن منبه وغيره من أهل العلم أنه
كان بالموصل داذانه وكان قد ملك الشأم كله وكان جبارا عاتيا لا يطيقه إلا الله
تعالى وكان جرجيس رجلا صالحا من أهل فلسطين وكان مؤمنا يكتم أيمانه في
465

عصبة معه صالحين يستخفون بإيمانهم وكانوا قد أدركوا بقايا من الحواريين
فسمعوا منهم وأخذوا عنهم وكان جرجيس كثير المال عظيم التجارة عظيم الصدقة
فكان يأتي عليه الزمان يتلف ماله في الصدقة حتى لا يبقى منه شئ حتى يصير
فقيرا ثم يضرب الضربة فيصيب مثل ماله أضعافا مضاعفة فكانت هذه حاله في
المال وكان إنما يرغب في المال ويعمره ويكسبه من أجل الصدقة لولا ذلك كان
الفقر أحب إليه من الغنى وكان لا يأمن ولاية المشركين عليه مخافة أن يؤذوه في
دينه أو يفتنوه عنه فخرج يؤم ملك الموصل ومعه مال يريد أن يهديه له لئلا يجعل
لاحد من تلك الملوك عليه سلطانا دونه فجاءه حين جاءه وقد برز في مجلس له
وعنده عظماء قومه وملوكهم وقد أوقد نارا وقرب أصنافا من أصناف العذاب
الذي كان يعذب به من خالفه وقد أمر بصنم يقال له أفلون فنصب فالناس يعرضون
عليه فمن لم يسجد له ألقى في تلك النار وعذب بأصناف ذلك العذاب فلما رأى
جرجيس ما يصنع فظع به وأعظمه وحدث نفسه بجهاده وألقى الله في نفسه
بغضه ومحاربته فعمد إلى المال الذي أراد أن يهديه له فقسمه في أهل ملته حتى لم
يبق منه شيئا وكره أن يجاهده بالمال وأحب أن يلي ذلك بنفسه فأقبل عليه عندما
كان أشد غضبا وأسفا فقال له اعلم أنك عبد مملوك لا تملك لنفسك شيئا ولا
لغيرك وأن فوقك ربا هو الذي يملكك وغيرك وهو الذي خلقك ورزقك وهو
الذي يحييك ويميتك ويضرك وينفعك وأنت قد عمدت إلى خلق من خلقه قال
له كن فكان أصم أبكم لا ينطق ولا يبصر ولا يسمع ولا يضر ولا ينفع ولا
يغنى عنك من الله شيئا فزينته بالذهب والفضة لتجعله فتنه للناس ثم عبد ته
دون الله وأجبرت عليه عباد الله ودعوته ربا فكلم الملك جرجيس بنحو هذا
من تعظيم الله وتمجيده وتعريفه أمر الصنم وأنه لا تصلح عبادته فكان من
جواب الملك إياه مسئلته إياه عنه ومن هو ومن أين هو فأجابه جرجيس أن قال
أنا عبد الله وابن عبد ه وابن أمته أذل عباده وأفقرهم إليه من التراب خلقت
وفيه أصير وأخبره ما الذي جاء به وحاله وأنه دعا ذلك الملك جرجيس إلى عبادة
466

الله ورفض عبادة الأوثان وأن الملك دعا جرجيس إلى عبادة الصنم الذي يعبده
وقال لو كان ربك الذي تزعم أنه ملك الملوك كما تقول لرؤى عليك أثره كما ترى
أثرى على من حولي من ملوك قومي فأجابه جرجيس بتمجيد الله وتعظيم أمره
وقال له فيما قال أين تجعل طرقبلينا وما نال بولايتك فإنه عظيم قومك من إلياس
وما نال إلياس بولاية الله فإن إلياس كان بدؤه آدميا يأكل الطعام ويمشى في
الأسواق فلم يتناه به كرامة الله حتى أنبت له الريش وألبسه النور فصار إنسيا
ملكيا سمائيا أرضيا يطير مع الملائكة وحدثني أين تجعل مجليطيس وما نال بولايتك
فإنه عظيم قومك من المسيح ابن مريم وما نال بولاية الله فإن الله فضله على رجال
العالمين وجعله وأمه آية للمعتبرين ثم ذكر من أمر المسيح ما كان الله خصه
به من الكرامة وقال أيضا وحدثني أين تجعل أم هذا الروح الطيب التي اختارها
الله لكلمته وطهر جوفها لروحه وسودها على إمائه فأين تجعلها وما نالت بولاية
الله من أزبيل وما نالت بولايتك فإنها إذ كانت من شيعتك وملتك أسلمها الله
عند عظيم ملكها إلى نفسها حتى اقتحمت عليها الكلاب في بيتها فانتهشت لحمها
وولغت دمها وجرت الثعالب والضباع أوصالها فأين تجعلها وما نالت بولايتك
من مريم ابنة عمران وما نالت بولاية الله فقال له الملك إنك لتحدثنا عن أشياء
ليس لنا بها علم فأتني بالرجلين اللذين ذكرت أمرهما حتى أنظر إليهما وأعتبر
بهما فانى أنكر أن يكون هذا في البشر فقال له جرجيس إنما جاءك الانكار
من قبل الغرة بالله وأما الرجلان فلن تراهما ولن يرياك إلا أن تعمل بعملهما
فتنزل منازلهما فقال له الملك أما نحن فقد أعذرنا إليك وقد تبين لنا كذبك لأنك
فخرت بأمور عجزت عنها ولم تأت بتصديقها ثم خير الملك جرجيس بين العذاب
وبين السجود لأفلون فيثيبه فقال له جرجيس إن كان أفلون هو الذي رفع
السماء وعدد عليه أشياء من قدرة الله فقد أصبت ونصحت وإلا فاخسأ أيها
النحس الملعون فلما سمعه الملك يسبه ويسب آلهته غضب من قوله غضبا شديدا
وامر بخشبه فنصبت له للعذاب وجعلت عليه أمشاط الحديد فخدش بها جسده
467

حتى تقطع لحمه وجلده وعروقه ينضح خلال ذلك بالخل والخردل فلما رأى
ذلك لم يقتله أمر بستة مسامير من حديد فأحميت حتى إذا جعلت نارا أمر بها
فسمر بها رأسه حتى سال منه دماغه فلما رأى ذلك لم يقتله أمر بحوض من نحاس
فأوقد عليه حتى إذا جعله نارا أمر به فادخل في جوفه وأطبق عليه فلم يزل فيه
حتى برد حره فلما رأى ذلك لم يقتله دعا به فقال ألم تجد ألم تجد ألم هذا العذاب الذي
تعذب به فقال له جرجيس أما أخبرتك أن لك ربا هو أولى بك من نفسك
قال بلى قد أخبرتني قال فهو الذي حمل عنى عذابك وصبرني ليحتج عليك فلما
قال له ذلك أيقن بالشر وخافه على نفسه وملكه وأجمع رأيه على أن يخلده
في السجن فقال الملا من قومه إنك إن تركته طليقا يكلم الناس أو شك أن
يميل بهم عليك ولكن مر له بعذاب في السجن يشغله عن كلام الناس فأمر
فبطح في السجن على وجهه ثم أوتد في يديه ورجليه أربعة أوتاد من حديد في
كل ركن منها وتد ثم أمر بأسطوان من رخام فوضع على ظهره حمل ذلك الإسطوان
سبعة رجال فلم يقلوه ثم أربعة عشر رجلا فلم يقلوه ثم ثمانية عشرة رجلا
فأقلوه فظل يومه ذلك موتدا تحت الحجر فلما أدركه الليل أرسل الله إليه
ملكا وذلك أول ما أيد بالملائكة وأول ما جاءه الوحي فقلع عنه الحجر ونزع
الأوتاد من يديه ورجليه وأطعمه وسقاه وبشره وعزاه فلما أصبح أخرجه
من السجن وقال له الحق بعدوك فجاهده في الله حق جهاده فإن الله يقول
لك ابشر واصبر فإني أبتليك بعدوى هذا سبع سنين يعذبك ويقتلك فيهن
أربع مرار في كل ذلك أرد إليك روحك فإذا كانت القتلة الرابعة تقبلت روحك
وأوفيتك أجرك فلم يشعرا الآخرون إلا وقد وقف جرجيس على رؤسهم
يدعوهم إلى الله فقال له الملك أجر جيس قال نعم قال من أخرجك من السجن
قال أخرجني الذي سلطانه فوق سلطانك فلما قال له ذلك ملئ غيظا فدعا بأصناف
العذاب حتى لم يخلف منها شيئا فلما رآها جرجيس تصنف له أوجس في نفسه
خيفة وجزعا ثم أقبل على نفسه يعاتبها بأعلى صوته وهم يسمعون فلما فرغ
468

من عتابه نفسه مدوه بين خشبتين ووضعوا عليه سيفا على مفرق رأسه فنشروه
حتى سقط بين رجليه وصار جزلتين ثم عمدوا إلى جزلتيه فقطعوهما قطعا
وله سبعة أسد ضارية في جب وكانت صنفا من أصناف عذابه ثم رموا
بجسده إليها فلما هوى نحوها أمر الله الأسد فخضعت برؤوسها وأعناقها وقامت على
براثنها لا تألو أن تقيه الأذى فظل يومه ذلك ميتا فكانت أول ميته ذاقها فلما
أدركه الليل جمع الله له جسده الذي قطعوه بعضه على بعض حتى سواه ثم ردفيه
روحه وأرسل ملكا فأخرجه من قعر الجب وأطعمه وسقاه وبشره وعزاه فلما
أصبحوا قال له الملك يا جر جيس قال لبيك قال اعلم أن القدرة التي خلق آدم بها
من تراب هي التي أخرجتك من قعر الجب فالحق بعدوك ثم جاهده في الله حق
جهاده ومت موت الصابرين فلم يشعر الآخرون إلا وقد أقبل جرجيس وهم
عكوف على عيد لهم قد صنعوه فرحا زعموا بموت جرجيس فلما نظروا إلى
جرجيس مقبلا قالوا ما أشبه هذا بجرجيس قالوا كأنه هو قال الملك ما بجرجيس
من خفاء إنه لهو إلا ترون إلى سكون ريحه وقلة هيبته قال جرجيس بلى أنا هو
حقا بئس القوم أنتم قتلتم ومثلتم فكان الله وحق له خيرا وأرحم منكم أحياني ورد
على روحي هلم إلى هذا الرب العظيم الذي أراكم ما أراكم فلما قال لهم ذلك أقبل
بعضهم على بعض فقالوا ساحر سحر أيديكم وأعينكم عنه فجمعوا له من كان ببلادهم
من السحرة فلما جاء السحرة قال الملك لكبيرهم اعرض على من كبير سحرك
ما يسرى به عنى قال له ادع لي بثور من البقر فلما أتى به نفث في إحدى اذنيه
فانشقت باثنتين ثم نفث في الأخرى فإذا هو ثوران ثم أمر ببذر فحرث وبذر
ونبت الزرع وأينع وحصد ثم داس وذرى وطحن وعجن وخبز وأكل ذلك في
ساعة واحدة كما ترون قال له الملك هل تقدر على أن تمسخه لي دابة قال الساحر
أي دابة أمسخه لك قال كلبا قال ادع لي بقدح من ماء فلما أتى بالقدح نفث فيه
الساحر ثم قال للملك اعزم عليه أن يشربه فشربه جرجيس حتى أتى على آخره
فلما فرغ منه قال له الساحر ماذا تجد قال ما أجد إلا خيرا قد كنت عطشت
469

فلطف الله لي بهذا الشراب فقواني به عليكم فلما قال له ذلك أقبل الساحر على
الملك فقال اعلم أيها الملك أنك لو كنت تقاسي رجلا مثلك إذا كنت غلبته ولكنك
تقاسي جبار السماوات وهو الملك الذي لا يرام وقد كانت امرأة مسكينة سمعت
بجرجيس وما يصنع من الأعاجيب فأتته وهو في أشد ما هو فيه من البلاء فقالت
له يا جرجيس إني امرأة مسكينة لم يكن لي مال ولا عيش إلا ثور كنت أحرث
عليه فمات وجئتك لترحمني وتدعو الله أن يحيى لي ثوري فذرفت عيناه ثم دعا الله
أن يحيى لها ثورها وأعطاها عصا فقال اذهبي إلى ثورك فاقر عيه بهذه العصا وقولي
له احى بإذن الله فقالت يا جرجيس مات ثوري منذ أيام وتفرقته السباع وبيني
وبينك أيام فقال لو لم تجدي منه إلا سنا واحدة ثم قرعتها بالعصا لقام بإذن الله
فانطلقت حتى أتت مصرع ثورها فكان أول شئ بدا لها من ثورها أحد روقيه
وشعر ذنبه فجمعت أحدهما إلى الآخر ثم قرعتها بالعصا التي أعطاها وقالت كما
أمرها فعاش ثورها وعملت عليه حتى جاءهم الخبر بذلك فلما قال الساحر للملك
ما قال قال رجل من أصحاب الملك وكان أعظمهم بعد الملك اسمعوا منى أيها القوم
أحدثكم قالوا نعم فتكلم قال إنكم قد وضعتم أمر هذا الرجل على السحر وزعمتم
أنه سحر أيديكم عنه وأعينكم فأراكم انكم تعذبونه ولم يصل إليه عذابكم وأراكم
أنكم قد قتلتموه فلم يمت فهل رأيتم ساحرا قط قدر أن يدرأ عن نفسه الموت أو
أحيى ميتا قط ثم قص عليهم فعل جرجيس وفعلهم به وفعله بالثور وصاحبته
واحتج عليهم بذلك كله فقالوا له إن كلامك لكلام رجل قد أصغى إلى قال ما زال
أمره لي معجبا منذ رأيت منه ما رأيت قالوا له فلعله استهواك قال بل آمنت وأشهد
الله أنى برئ مما تعبدون فقام إليه الملك وصحابته بالخناجر فقطعوا لسانه فلم يلبث
أن مات وقالوا أصابه الطاعون فأعجله الله قبل أن يتكلم فلما سمع الناس بموته
أفزعهم وكتموا شأنه فلما رآهم جرجيس يكتمونه برز للناس فكشف لهم أمره
وقص عليهم كلامه فاتبعه على كلامه أربعة آلاف وهو ميت فقالوا صدق ونعم
ما قال يرحمه الله فعمد إليهم الملك فأوثقهم ثم لم يزل يلون لهم العذاب ويقتلهم
470

بالمثلات حتى أفناهم فلما فرغ منهم أقبل على جرجيس فقال له هلا دعوت ربك
فأحيا لك أصحابك هؤلاء الذين قتلوا بجريرتك فقال له جرجيس ما خلى بينك
وبينهم حتى خار لهم فقال رجل من عظمائهم قال له مجليطيس إنك زعمت
يا جرجيس أن إلهك هو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وإني سائلك أمرا ان فعله
إلهك آمنت بك وصدقتك وكفيتك قومي هؤلاء هذه تحتنا أربعة عشر منبرا
حيث ترى ومائدة بيننا عليها أقداح وصحاف وكل صنع من الخشب اليابس ثم هو
من أشجار شتى فادع ربك ينشئ هذه الآنية وهذه المنابر وهذه المائدة كما بدأها أول
مرة حتى تعود خضرا نعرف كل عود منها بلونه وورقه وزهره وثمره فقال له
جرجيس قد سألت أمرا عزيزا على وعليك وإنه على الله لهين فدعا ربه فما برحوا
مكانهم حتى اخضرت تلك المنابر وتلك الآنية كلها فساخت عروقها وألبست
اللحاء وتشعبت ونبت ورقها وزهرها وثمرها حتى عرفوا كل عود منها باسمه
ولونه وزهره وثمره فلما نظروا إلى ذلك انتدب له مجليطيس الذي تمنى عليه
ما تمنى فقال أنا أعذب لكم هذا الساحر عذابا يضل عنه كيده فعمد إلى نحاس
فصنع منه صورة ثور جوفاء واسعة ثم حشاها نفطا ورصاصا وكبريتا وزرنيخا
ثم أدخل جرجيس مع الحشو في جوفها ثم أوقد تحت الصورة فلم يزل يوقد
حتى التهبت الصورة وذاب كل شئ فيها واختلط ومات جرجيس في جوفها
فلما مات أرسل الله ريحا عاصفا فملأت السماء سحابا أسود مظلما فيه رعد لا يفتر
وبرق وصواعق متداركات وأرسل الله أعصارا فملأت بلادهم عجاجا وقتا ما حتى
اسود ما بين السماء والأرض وأظلم ومكثوا أياما متحيرين في تلك الظلمة لا يفصلون
بين الليل والنهار وأرسل الله ميكائيل فاحتمل الصورة التي فيها جرجيس حتى
إذا أقلها ضرب بها الأرض ضربا فزع من روعتها أهل الشأم أجمعون وكلهم
يسمعها في ساعة واحدة فخروا لوجوههم صعقين من شدة الهول وانكسرت الصورة
فخرج منها جرجيس حيا فلما وقف يكلمهم انكشفت الظلمة وأسفر ما بين السماء
والأرض ورجعت إليهم أنفسهم فقال له رجل منهم يقال له طرقبلينا لا ندري
471

يا جرجيس أنت نصنع هذه العجائب أم ربك فإن كان هو الذي يصنعها فادعه
يحيى لنا موتانا فإن في هذه القبور التي ترى أمواتا من أمواتنا منهم من نعرف
ومنهم من مات قبل زماننا فادعه يحيهم حتى يعودوا كما كانوا ونكلمهم ونعرف
من عرفنا منهم ومن لا نعرف أخبرنا خبره فقال له جرجيس لقد علمت ما يصفح
الله عنكم هذا الصفح ويريكم هذه العجائب إلا ليتم عليكم حججه فتستوجبوا
بذلك غضبه ثم أمر بالقبور فنبشت وهى عظام ورفات ورميم ثم أقبل على الدعاء
فما برحوا مكانهم حتى نظروا إلى سبعة عشر إنسانا تسعة رهط وخمس نسوة
وثلاثة صبية فإذا شيخ منهم كبير فقال له جرجيس أيها الشيخ ما اسمك فقال اسمى
يوبيل فقال متى مت قال في زمان كذا وكذا فحسبوا فإذا هو قد مات منذ أربعمائة
عام فلما نظر إلى ذلك الملك وصحابته قالوا لم يبق من أصناف عذابكم شئ إلا قد
عذبتموه الا الجوع والعطش فعذبوه بهما فعمدوا إلى بيت عجوز كبيرة فقيرة
كان حريزا وكان لها ابن أعمى أبكم مقعد فحصروه في بيتها فلا يصل إليه من عند
أحد طعام ولا شراب فلما بلغه الجوع قال للعجوز هل عندك طعام أو شراب قالت
لا والذي يحلف به ما عهدنا بالطعام منذ كذا وكذا وسأخرج وألتمس لك شيئا
قال لها جرجيس هل تعرفين الله قالت له نعم قال فإياه تعبدين قالت لا قال فدعاها
إلى الله فصدقته وانطلقت تطلب له شيئا وفى بيتها دعامة من خشبة يابسة تحمل خشب
البيت فأقبل على الدعاء فما كان كشئ حتى اخضرت تلك الدعامة فأنبتت كل
فاكهة تؤكل أو تعرف أو تسمى حتى كان فيما أنبتت اللبا واللوبياء (قال أبو جعفر)
اللبا نبت بالشام له حب يؤكل وظهر للدعامة فرع من فوق البيت أظله وما حوله
وأقبلت العجوز وهو فيما شاء يأكل رغدا فلما رأت الذي حدث في بيتها من
بعدها قالت آمنت بالذي أطعمك في بيت الجوع فادع هذا الرب العظيم ليشفى
ابني قال أدنيه منى فأدنته منه فبصق في عينيه فأبصر فنفث في أذنيه فسمع قالت له
أطلق لسانه ورجليه رحمك الله قال أخريه فإن له يوما عظيما وخرج الملك يسير
في مدينته فلما نظر إلى الشجرة قال لأصحابه إني أرى شجرة بمكان ما كنت أعرفها
472

به قالوا له تلك الشجرة نبتت لذلك الساحر الذي أردت أن تعذبه بالجوع فهو فيما
شاء قد شبع منها وأشبعت الفقيرة وشفى لها ابنها فأمر بالبيت فهدم وبالشجرة
لتقطع فلما هموا بقطعها أيبسها الله تعالى كما كانت أول مرة فتركوها وأمر بجرجيس
فبطح على وجهه وأوتد له أربعة أوتاد وأمر بعجل فأوقر أسطوانا ما حمل وجعل
في أسفل العجل خناجر وشفارا ثم دعا بأربعين ثورا فنهضت بالعجل نهضة واحدة
وجرجيس تحتها فتقطع ثلاث قطع ثم أمر بقطعة فأحرقت بالنار حتى إذا عادت
رمادا بعث بذلك الرماد رجالا فذروه في البحر فلم يبرحوا مكانهم حتى سمعوا
صوتا من السماء يقول يا بحر إن الله يأمرك أن تحفظ ما فيك من هذا الجسد الطيب
فانى أريد أن أعيده كما كان ثم أرسل الله الرياح فأخرجته من البحر ثم جمعته حتى
عاد الرماد صبرة كهيئته قبل أن يذروه والذين ذروه قيام لم يبرحوا ثم نظروا إلى
الرماد يثور كما كان حتى خرج منه جرجيس مغبرا ينفض رأسه فرجعوا ورجع
جرجيس معهم فلما انتهوا إلى الملك أخبروه خبر الصوت الذي أحياه والريح
التي جمعته فقال له الملك هل لك يا جرجيس فيما هو خير لي ولك فلو لا أن يقول
الناس أنك قهرتني وغلبتني لا تبعتك وآمنت بك ولكن اسجد لأفلون سجدة واحدة
أو اذبح له شاة واحدة ثم أنا أفعل ما يسرك فلما سمع جرجيس هذا من قوله طمع
أن يهلك الصنم حين يدخله عليه رجاء أن يؤمن له الملك حين يهلك صنمه ويأيس
منه فخدعه جرجيس فقال نعم إذا شئت فأدخلني على صنمك أسجد له وأذبح له
ففرح الملك بقوله فقام إليه فقبل يديه ورجليه ورأسه وقال إني أعزم عليك
أن لا تظل هذا اليوم ولا تبيت هذه الليلة إلا في بيتي وعلى فراشي ومع أهلي حتى
تستريح ويذهب عنك وصب العذاب فيرى الناس كرامتك على فأخلى له بيته
وأخرج منه من كان فيه فظل فيه جرجيس حتى إذا أدركه الليل قام يصلى ويقرأ
الزبور وكان أحسن الناس صوتا فلما سمعته امرأة الملك استجابت له ولم يشعر
إلا وهي خلفه تبكى معه فدعاها جرجيس إلى الايمان فآمنت وأمرها فكتمت
ايمانها فلما أصبح غدا به إلى بيت الأصنام ليسجد لها وقيل للعجوز التي كان سجن
473

في بيتها هل علمت أن جرجيس قد فتن بعدك وأصغى إلى الدنيا وأطمعه الملك في
ملكه وقد خرج به إلى بيت أصنامه ليسجد لها فخرجت العجوز في أعراضهم تحمل ابنها
على عاتقها وتوبخ جرجيس الناس مشتغلون عنها فلما دخل جرجيس بيت الأصنام
ودخل الناس معه نظر فإذا العجوز وابنها على عاتقها أقرب الناس منه مقاما فدعا ابن
العجوز باسمه فنطق بإجابته وما تكلم قبل ذلك قط ثم اقتحم عن عاتق أمه يمشى على
رجليه سويتين وما وطئ الأرض قبل ذلك قط بقدميه فلما وقف بين يدي جرجيس
قال اذهب فادع لي هذه الأصنام وهى حينئذ على منابر من ذهب واحد وسبعون
صنما وهم يعبدون الشمس والقمر معها فقال له الغلام كيف أقول للأصنام قال
تقول لها إن جرجيس يسألك ويعزم عليك بالذي خلقك إلا جئته فلما قال لها
الغلام ذلك أقبلت تدحرج إلى جرجيس فلما انتهت إليه ركض الأرض برجله
فخسف بها وبمنابرها وخرج إبليس من جوف صنم منها هاربا فرقا من الخسف فلما
مر بجرجيس أخذ بناصيته فخضع له برأسه وعنقه وكلمه جرجس فقال له أخبرني
أيتها الروح النجسة والخلق الملعون ما الذي يحملك على أن تهلك نفسك وتهلك
الناس معك وأنت تعلم أنك وجندك تصيرون إلى جنهم فقال له إبليس لو خيرت
بين ما أشرقت عليه الشمس وأظلم عليه الليل وبين هلكة بني آدم وضلالتهم أو واحد
منهم طرفة عين لاخترت طرفة العين على ذلك كله وإنه ليقع لي من الشهوة في
ذلك واللذة مثل جميع ما يتلذذ به جميع الخلق ألم تعلم يا جرجيس ان الله أسجد
لأبيك آدم جميع الملائكة فسجدوا له جبريل وميكائيل وإسرافيل وجميع
الملائكة المقربين وأهل السماوات كلهم وامتنعت من السجود فقلت لا أسجد لهذا
الخلق وأنا خير منه فلما قال هذا خلاه جرجيس فما دخل إبليس منذ يومئذ جوف
صنم مخافة الخسف ولا يدخله بعدها فيما يذكرون أبدا وقال الملك يا جرجيس
خدعتني وغررتني وأهلكت آلهتي فقال له جرجيس انما فعلت ذلك عمدا لتعتبر
ولتعلم أنها لو كانت آلهة كما تقول إذا لامتنعت منى فكيف ثقتك ويلك بآلهة لم
تمنع أنفسها منى وانما أنا مخلوق ضعيف لا أملك الا ما ملكني ربى قال فلما قال
474

هذا جرجيس كلمتهم امرأة الملك وذلك حين كشفت لهم ايمانها وباينتهم بدينها
وعددت عليهم أفعال جرجيس والعبر التي أراهم وقالت لهم ما تنتظرون من هذا
الرجل إلا دعوة فيخسف بكم الأرض فتهلكوا كما هلكت أصنامكم الله الله أيها
القوم في أنفسكم فقال لها الملك ويحا لك اسكندرة ما أسرع ما أضلك هذا الساحر
في ليلة واحدة وأنا أقاسيه منذ سبع سنين فلم يطق منى شيئا قالت له أفما رأيت الله
كيف يظفره بك ويسلطه عليك فيكون له الفلح والحجة عليك في كل موطن
فأمر بها عند ذلك فحملت على خشبة جرجيس التي كان علق عليها فعلقت بها
وجعلت عليها الأمشاط التي جعلت على جرجيس فلما ألمت وجع العذاب قالت
ادع ربك يا جرجيس يخفف عنى فانى قد ألمت العذاب فقال انظري فوقك فلما
نظرت ضحكت فقال لها ما الذي يضحكك قالت أرى ملكين فوقى معهما تاج من
حلى الجنة ينتظران به روحي أن تخرج فإذا خرجت زيناها بذلك التاج ثم صعدا
بها إلى الجنة فلما قبض الله روحها أقبل جرجيس على الدعاء فقال اللهم أنت
الذي أكرمتني بهذا البلاء لتعطيني به فضائل الشهداء اللهم فهذا آخر أيامى الذي
وعدتني فيه الراحة من بلاء الدنيا اللهم فانى أسألك أن لا تقبض روحي ولا
أزول من مكاني هذا حتى ينزل بهذا القوم المتكبرين من سطواتك ونقمتك
مالا قبل لهم به وما تشفى به صدري وتقر به عيني فإنهم ظلموني وعذبوني اللهم
وأسألك أن لا يدعو بعدي داع في بلاء ولا كرب فيذكرني ويسألك باسمي
إلا فرجت عنه ورحمته وأجبته وشفعتني فيه فلما فرغ من هذا الدعاء أمطر الله
عليهم النار فلما احترقوا عمدوا إليه فضربوه بالسيوف غيظا من شدة الحريق
ليعطيه الله تعالى بالقتلة الرابعة ما وعده فلما احترقت المدينة بجميع ما فيها وصارت
رمادا حلها الله من وجه الأرض حتى أقلها ثم جعل عاليها سافلها فلبثت زمانا
من الدهر يخرج من تحتها دخان منتن لا يشمه أحد إلا سقم سقما شديدا إلا أنها
أسقام مختلفة لا يشبه بعضها بعضا فكان جميع من آمن بجرجيس وقتل معه أربعة
وثلاثين ألفا وامرأة الملك رحمهم الله (ونرجع الآن) إلى ذكر الخبر عن
475

ملوك الفرس
وسني ملكهم لسياق تمام التاريخ إذ كنا قد ذكرنا الجلائل من الأمور التي
كانت في أيام ملوك الطوائف في الفرس وبنى إسرائيل والروم والعرب إلى
عهد أردشير
ولما مضى من لدن ملك الإسكندر أرض بابل في قول النصارى وأهل
الكتب الأول خمسمائة سنة وثلاث وعشرون سنة وفى قول المجوس مائتان
وست وستون سنة وثب
أردشير بن بابك شاه
ملك خير بن ساسان الأصغر بن بابك بن ساسان بن بابك بن مهر مس بن ساسان
ابن بهمن الملك ابن اسفنديار بن بشتاسب بن لهراست بن كيوجى بن كيمنش وقيل
في نسبه أردشير بن بابك بن ساسان بن بابك زرار بن بهآفريذ بن ساسان الأكبر
ابن بهمن بن اسفنديار بن بشتاسب بن لهراسب بفارس طالبا بزعمه بدم ابن عمه
دار ابن دار ابن بهمن بن اسفنديار الذي حارب الإسكندر فقتله حاجباه مريدا فيما
يقول رد الملك إلى أهله وإلى ما لم يزل عليه أيام سلفه وآبائه الذين مضوا قبل ملوك
الطوائف وجمعه لرئيس واحد وملك واحد * وذكر أن مولده كان بقرية من
قرى إصطخر يقال لها طيروده من رستاق خير من كورة إصطخر وكان جده ساسان
شجاعا شديد البطش وأنه بلغ من شجاعته وشدة بطشه أنه حارب وحده ثمانين
رجلا من أهل إصطخر ذوي بأس ونجدة فهزمهم وكانت امرأته من نسل قوم
من الملوك كانوا بفارس يعرفون بالبازرنجين يقال لها رامبهشت ذات جمال
وكمال وكان ساسان قيما على بيت نار إصطخر يقال له بيت نار أناهيذ وكان مغرما
بالصيد والفروسية فولدت رامبهشت لساسان بابك وطول شعره حين ولدته
أطول من شبر فلما احتنك قام بأمر الناس بعد أبيه ثم ولد له ابنه أردشير وكان ملك
إصطخر يومئذ رجل من البازرنجين يقال له فيما حدثت عن هشام بن محمد جوزهر
476

وقال غيره كان يسمى جزهر وكان له خصى يقال له تيرى قد صيره أرجبذا بدارا
بجرد فلما أتى لأردشير سبع سنين سار به أبو ه إلى جزهر وهو بالبيضاء فوقفه بين
يديه وسأله أن يضمه إلى تيرى ليكون ربيبا له وأرجبذا من بعده في موضعه فأجابه
إلى ذلك وكتب بما سأله من ذلك سجلا وصار به إلى تيرى فقبله أحسن قبول وتبناه
فلما لك تيرى تقلد أردشير الامر وحسن قيامه به وأعلمه قوم من المنجمين
والعرافين صلاح مولده وأنه يملك البلاد فذكر أن أردشير تواضع واستكان
لذلك ولم يزل يزداد في الخير كل يوم وأنه رأى في نومه ملكا جلس إلى رأسه فقال
له إن الله يملكه البلاد فليأخذ لذلك أهبته فلما استيقظ سر بذلك وأحس من نفسه قوة
وشدة بطش لم يكن يعهد مثله وكان أول ما فعل أنه سار إلى موضع من دار ابجرد يقال
له جوبانان فقتل ملكا كان بها يقال له فاسين ثم سار إلى موضع له كونس فقتل
ملكا كان بها يقال له منوشهر ثم إلى موضع يقال له لروير فقتل ملكا كان بها يقال له
دارا وملك هذه المواضيع قوما من قبله ثم كتب إلى أبيه بما كان منه وأمره بالوثوب
بجزهر وهو بالبيضاء ففعل ذلك وقتل جزهر وأخذ تاجه وكتب إلى أردوان
البهلوي ملك الجبال وما يتصل بها يتضرع له ويسأله الاذن في تتويج سابور ابنه
بتاج جزهر فكتب إليه اردوان كتابا عنيفا وأعلمه أنه وابنه اردشير على الخلاف
بما كان من قتلهما من قتلا فلم يحفل بابك بذلك وهلك في تلك الأيام فتتوج سابور
ابن بابك بالتاج وملك مكان أبيه وكتب إلى أردشير أن يشخص إليه فامتنع
اردشير من ذلك فغضب سابور من امتناعه وجمع جموعا وسار بهم نحوه ليحاربه
وخرج من إصطخر فألفى بها عدة من إخوته كان بعضهم أكبر سنا منه فاجتمعوا
وأحضروا التاج وسرير الملك فسلم الجميع لأردشير فتتوج بالتاج وجلس على
السرير وافتتح أمره بقوة وجدور تب قوما مراتب وصير رجلا يقال له ابرسام
ابن رحفر وزيرا وأطلق يده وفوض إليه وصير رجلا يقال له فاهر موبذان
موبذ وأحس من إخوته وقوم كانوا معه بالفتك به فقتل جماعة منهم كثيرة ثم أتاه
أن أهل دارا بجرد قد فسدوا عليه فعاد إليها حتى افتتحها بعد أن قتل جماعة من
477

أهلها ثم سار إلى كرمان وبها ملك يقال له بلاش فاقتتل وهو قتالا شديدا وقاتل
أردشير بنفسه حتى أسر بلاش واستولى على المدينة فملك اردشير على كرامان
ابنا له يقال له اردشير أيضا وكان في سواحل بحر فارس ملك يقال له ابتنبود
كان يعظم ويعبد فسار إليه اردشير فقتله وقطعه بسيفه نصفين وقتل من كان حوله
واستخرج من مطامير كانت لهم كنوزا مجموعة فيها وكتب إلى مهرك وكان ملك
ابرساس من أردشير خرة والى جماعة من أمثاله في طاعته فلم يفعلوا فسار إليهم
فقتل مهرك ثم سار إلى جور فأسسها وأخذ في بناء الجوسق المعروف بالطربال
وبيت نار هناك فبينا هو كذلك إذ ورد عليه رسول الاردوان بكتاب منه فجمع
اردشير الناس لذلك وقرأ الكتاب بحضرتهم فإذا فيه إنك قد عدوت طورك
واجتلبت حتفك أيها الكردي المربى في خيام الأكراد من أذن لك في التاج الذي
لبسته والبلاد التي احتويت عليها وغلبت ملوكها وأهلها ومن أمرك ببناء المدينة
التي أسستها في صحراء يريد جور مع أنا إن خليناك وبناءها فابتن في صحراء طولها
عشرة فراسخ مدينة وسمها رام اردشير وعلمه أنه قد وجه إليه ملك الأهواز
ليأتيه به في وثاق فكتب إليه اردشير * إن الله حباني بالتاج الذي لبسته وملكني
البلاد التي افتتحتها وأعانني على ما قتلت من الجبابرة والملوك وأما المدينة التي أبنيها
وأسميها رام أردشير فأنا أرجو أن أمكن منك فابعث برأسك وكنوزك إلى بيت
النار الذي أسسته في اردشير خرة ثم شخص اردشير نحو إصطخر وخلف ابرسام
بأردشير خرة فلم يلبث اردشير إلا قليلا حتى ورد عليه كتاب ابرسام بموافاة
ملك الأهواز انصرافه منكوبا ثم سار إلى أصبهان فأسرشاذ سابور ملكها
وقتله ثم عاد إلى فارس وتوجه لمحاربة نيرو وفر صاحب الأهواز وسار إلى الرجان
وإلى سسار وطاشان من رامهرمز ثم إلى سرق فلما سار إلى ما هنا لك ركب في رهط
من أصحابه حتى وقف على شاطئ دجيل فظفر بالمدينة وابتنى مدينة سوق الأهواز
وانصرف إلى فارس بالغنائم ثم ارتحل من فارس راجعا إلى الأهواز على طريق
جره وكازرون ثم سار من الأهواز إلى ميسان فقتل ملكا كان بها يقال له بندو وبنى
478

هنا لك كرخ ميسان ثم انصرف إلى فارس وأرسل إلى اردوان يرتاد موضعا
يقتتلان فيه فأرسل إليه اردوان إني أوافيك في صحراء تدعى هرمز جان لانسلاخ
مهرماه فوافاه اردشر قبل الوقت وتبوأ من الصحراء موضعا وخندق على نفسه
وجنده واحتوى على عين كانت هناك ووافاه اردوان فاصطف القوم للقتال وقد
تقدم سابور بن اردشير دافعا عنه ونشب القتال بينهم فقتل سابور دار بنداذ كاتب
اردوان بيده فانقض اردشير من موضعه إلى اردوان حتى قتله وكثر القتل في
أصحابه وهرب من بقى على وجهه ويقال إن اردشير نزل حتى توطأ رأس اردوان
بقدمه وفى ذلك اليوم سمى اردشير شاهنشاه ثم سار من موضعه إلى همذان
فافتتحها والى الجبل وآذربيجان وأرمينية والموصل عنوة ثم سار من الموصل
إلى سورستان وهى السواد فاجتازا وبنى على شاطئ دجلة قبالة مدينة
طهسبون وهى المدينة التي في شرقي المدائن مدينة غربية وسماها به أردشير
وكورها وضم إليها بهر سيرو الرومقان ونهر درقيط وكوثى ونهر جوبر
واستعمل عليها عمالا ثم توجه من السواد إلى إصطخر وسار منها إلى سجستان ثم
جرجان ثم إلى أبرشهر ومرو وبلخ وخوارزم إلى تخوم بلاد خراسان ثم رجع
إلى مرو وقتل جماعة وبعث رؤوسهم إلى بيت نار أنا هيذ ثم انصرف من مرو إلى
فارس ونزل جور فأتته رسل ملك كوشان وملك طوران وملك مكران بالطاعة
ثم توجه اردشير من جور إلى البحرين فحاصر سنطرق ملكها واضطره الجهد
إلى أن رمى بنفسه من سور الحصن فهلك ثم انصرف إلى المدائن فأقام بها وتوج
سابور ابنه نتاجه في حياته ويقال انه كانت بقرية يقال لها الأرمن رستاق كوجران
من رساتيق سيف اردشير خرة ملكة تعظم وتعبد فاجتمعت لها أموال وكنوز
ومقاتله * فحارب اردشير سدنتها وقتلها وغنم أموالا وكنوزا عظاما كانت لها
وانه كان بنى ثماني مدن منها بفارس مدينة أردشير خرة وهى جور ومدينة رام
اردشير ومدينة ريواردشير وبالأهواز هرمز اردشير وهى سوق الأهواز وبالسواد
به اردشير وهى غربي المدائن واستاباذ اردشير وهى كرخ ميسان وبالبحرين
479

فسا اردشير وهى مدينة الخط وبالموصل بوذاردشير وهى حزة (وذكر) أن
اردشير عند ظهوره كتب إلى ملوك الطوائف كتبا بليغة احتج عليهم فيها ودعاهم إلى طاعته
فلما كان في آخر أمره رسم لمن بعده عهده ولم يزل محمودا مظفرا منصورا لا يفل له جمع
ولا ترد له راية وقهر الملوك حول مملكته وأذلهم وأثخن في الأرض وكور الكور
ومدن المدن ورتب المراتب واستكثر من العمارة وكان ملكه من وقت قتله اردوان
إلى أن هلك أربع عشرة سنة وقال بعضهم كان ملكه أربع عشرة سنة وعشرة أشهر
* وحدثث عن هشام بن محمد قال قدم اردشير في أهل فارس يريد الغلبة على الملك بالعراق
فوافق بابا ملكا على الأرمانيين ووافق اردوان ملكا على الاردوانيين قال هشام
الأرمانيون أنباط السواد والأردوانيون أنباط الشأم قال وكل واحد منهما يقاتل
صاحبه على الملك فاجتمعا على قتال اردشير فقاتلاه متساندين يقاتله هذا يوما وهذا
يوما فإذا كان يوم بابا لم يقم له اردشير وإذا كان يوم اردوان لم يقم لأردشير فلما
رأى ذلك اردشير صالح بابا على أن يكف عنه ويدعه واردوان ويخلى اردشير بين
بابا وبين بلاده وما فيها وتفرغ اردشير لحرب اردوان فلم يلبث أن قتله واستولى
على ما كان له وسمع له وأطاع بابا فضبط اردشير ملك العراق ودانت له ملوكها
وقهر من كان يناوئه من أهلها حتى حملهم على ما أراد مما خالفهم ووافقه ولما استولى
اردشير على الملك بالعراق كره كثير من تنوخ أن يقيموا في مملكته وأن يدينوا له
فخرج من كان منهم من قبائل قضاعة الذين كانوا أقبلوا مع مالك وعمرو ابني فهم
ومالك بن زهير وغيرهم فلحقوا بالشام إلى من هنالك من قضاعة وكان ناس من
العرب يحدثون في قومهم الاحداث أو تضيق بهم المعيشة فيخرجون إلى ريف
العراق وينزلون الحيرة على ثلاثة أثلاث ثلث تنوخ وهو من كان يسكن المظال
وبيوت الشعر والوبر في غربي الفرات فيما بين الحيرة والأنبار وما فوقها والثلث
الثاني العباد وهم الذين كانوا سكنوا الحيرة وابتنوا بها والثلث الثالث الا حلاف وهم
الذين لحقوا بأهل الحيرة ونزلوا فيهم ممن لم يكن من تنوخ الوبر ولا من العباد الذين
دانوا لأردشير وكانت الحيرة والأنبار بنيتا جميعا في زمن بختنصر فخربت الحيرة
480

لتحول أهلها عنها عند هلاك بختنصر إلى الأنبار وعمرت الأنبار خمسمائة سنة
وخمسين سنة إلى أن عمرت الحيرة في زمن عمرو بن عدي باتخاذه إياها منزلا
فعمرت الحيرة خمسمائة سنة وبضعا وثلاثين سنة إلى أن وضعت الكوفة ونزلها
الاسلام فكان جميع ملك عمرو بن عدي مائة سنة وثماني عشرة سنة من ذلك في
زمن اردوان وملوك الطوائف خمس وتسعون سنة وفى زمن ملوك فارس ثلاث
وعشرون سنة من ذلك في زمن اردشير بن بابك أربع عشرة سنة وعشر أشهر
وفي زمن سابور بن اردشير ثماني سنين وشهران (ذكر الخبر عن القائم كان
بملك فارس بعد اردشير بن بابك) ولما هلك اردشير بن بابك قام بملك فارس
من بعده ابنه
سابور
وكان اردشير بن بابك لما أفضى إليه الملك أسرف في قتل الاشكانية الذين
منهم كان ملوك الطوائف حتى أفناهم بسبب الية كان ساسان بن اردشير بن بهمن
ابن اسفنديار الأكبر جد اردشير بن بابك كان آلاها انه ملك يوما من الدهر لم
يستبق من نسل أشك بن خره أحدا وأوجب ذلك على عقبه وأوصاهم بأن لا يبقوا
منهم أحدا إن هم ملكوا أو ملك منهم أحد يوما فكان أول من ملك من ولد ولده
ونسله اردشير بن بابك فقتلهم جميعا نساءهم ورجالهم فلم يستبق منهم أحدا لعزمة
جده ساسان فذكر أنه لم يبق منهم أحد غير أن جارية كان وجدها اردشير في دار
المملكة فأعجبه جمالها وحسنها فسألها وكانت ابنة الملك المقتول عن نسبها فذكرت
انها كانت خادما لبعض نساء الملك فسألها أبكر أنت أم ثيب فأخبرته أنها بكر
فواقعها واتخذها لنفسه فعلقت منه فلما أمنته على نفسها لاستمكانها منه بالحبل أخبرته
انها من نسل أشك فنفر منها ودعا هر جند بن سام وكان شيخا مسنا فأخبره انها
أقرت انها من نسل أشك وقال نحن أولى باستتمام الوفاء بنذر أبينا ساسان وإن كان
موقعها من قلبي على ما قد علمت فانطلق بها فاقتلها فمضى الشيخ ليقتلها فأخبرته
انها حبلى فأتى بها القوابل فشهدن بحبلها فاودعها سربا في الأرض ثم قطع مذاكيره
481

فوضعها في حق ثم ختم عليه ورجع إلى الملك فقال له الملك ما فعلت قال قد استودعتها
بطن الأرض ودفع الحق إليه وسأله أن يختم عليه بخاتمه ويودعه بعض خزائنه
ففعل فأقامت الجارية عند الشيخ حتى وضعت غلاما فكره الشيخ أن يسمى ابن
الملك دونه وكره أن يعلمه به صبيا حتى يدرك ويستكمل الأدب وقد كان الشيخ
أخذ قياس الصبى ساعة ولد وأقام له الطالع فعلم عند ذلك أن سيملك فسماه اسما
جامعا يكون صفة واسما ويكون فيه بالخيار إذا علم به فسماه شاه بور وترجمتها
بالعربية ابن الملك وهو أول من سمى هذا الاسم وهو سابور الجنود بالعربية ابن
اردشير وقال بعضهم بل سماه أشه بور ترجمتها بالعربية ولد أشك الذي كانت أم
الغلام من نسله فعبر اردشير دهرا لا يولد له فدخل على الشيخ الأمين الذي عنده
الصبى فوجده محزونا فقال ما يحزنك أيها الملك فقال له اردشير وكف لا أحزن
وقد ضربت بسيفي ما بين المشرق والمغرب حتى ظفرت بحاجتي وصفا لي الملك ملك
آبائي ثم أهلك لا يعقبني فيه عقب ولا يكون لي فيه بقية فقال له الشيخ سرك
الله أيها الملك وعمرك لك عندي ولد طيب نفيس فادع بالحق الذي استودعتك
وختمته بخاتمك أرك برهان ذلك فدعا اردشير بالحق فنظر إلى نقش خاتمه ثم
فضه وفتح الحق فوجد فيه مذاكير الشيخ وكتابا فيه إنا لما اختبرنا ابنة أشك
التي علقت من ملك الملوك اردشير حين أمرنا بقتلها حين حملها لم نستحل إتواء
زرع الملك الطيب فأودعناها بطن الأرض كما أمرنا ملكنا وتبرأنا إليه من
أنفسنا لئلا يجد عاضه إلى عضهها سبيلا وقمنا بتقوية الحق المزروع حتى لحق
بأهله وذلك في ساعة كذا من عام كذا فأمره اردشير عند ذلك أن يهيئه في مائة
غلام وقال بعضهم في ألف غلام من أترابه وأشباهه في الهيئة والقامة ثم يدخلهم
عليه جميعا لا يفرق بينهم في زي ولا قامة ولا أدب ففعل ذلك الشيخ فلما نظر إليهم
اردشير قبلت نفسه ابنه من بينهم واستحلاه من غير أن يكون أشير له إليه أو لحن
به ثم أمر بهم جميعا فاخرجوا إلى حجرة الايوان فأعطوا صوالجة فلعبوا بالكرة وهو
في الايوان على سريرة فدخلت الكرة في الايوان الذي هو فيه فكاع الغلمان جميعا أن
482

يدخلوا الايوان وأقدم سابور من بينهم فدخل فاستدل اردشير بدخوله عليه واقدامه
وجرأته مع ما كان من قبول نفسه له أول مرة حين رآه ورقته عليه دون أصحابه
أنه ابنه فقال له أردشير بالفارسية ما اسمك فقال الغلام شاه بور فقال اردشير
شاه بور فلما ثبت عند أنه ابنه شهر أمره وعقد له التاج من بعده وكان سابور
قد ابتلى منه أهل فارس قبل أن يفضى إليه الملك في حياة أبيه عقلا وفضلا وعلما
مع شدة بطش وبلاغة منطق ورأفة بالرعية ورقة فلما عقد التاج على رأسه اجتمع
إليه العظماء فدعوا له بطول البقاء وأطنبوا في ذكر والده وذكر فضائله فأعلمهم
أنهم لم يكونوا يستدعون إحسانه بشئ يعدل عنده ذكرهم والده ووعدهم خيرا
ثم أمر بما كان في الخزائن من الأموال فوسع بها على الناس وقسمها فيمن
رآه لها موضعا من الوجوه والجنود وأهل الحاجة وكتب إلى عماله بالكور
والنواحي أن يفعلوا مثل ذلك في الأموال التي في أيديهم فوصل من فضله
وإحسانه إلى القريب والبعيد والشريف والوضيع والخاص والعام ما عمهم
ورفعت به معايشهم ثم تخير لهم العمال وأشرف عليهم وعلى الرعية إشرافا
شديدا فبأن فضل سيرته وبعد صوته وفاق جميع الملوك وقيل إنه سار إلى مدينة
نصيبين لاحدى عشرة سنة مضت من ملكه وفيها جنود من جنود الروم
فحاصرهم حينا ثم أتاه عن ناحية من خراسان ما احتاج إلى مشاهدته فشخص
إليها حتى أحكم أمرها ثم رجع إلى نصيبين وزعموا أن سور المدينة تصدع
وانفرجت له فرجة دخل منها فقتل المقاتلة وسبى وأخذ أموالا عظيمة كانت
لقيصر هنالك ثم تجاوزها إلى الشأم وبلاد الروم فافتتح من مدائنها مدنا كثيرة
وقيل إن فيما افتتح قالوقية وقذوقية وأنه حاصر ملكا كان بالروم يقال له الريانوس
بمدينة أنطاكية فأسره وحمله وجماعة كثيرة معه وأسكنهم جندي سبور * وذكر أنه
أحذ لريانوس ببناء شاذراون تستر على أن يجعل عرضه ألف ذراع فبناه الرومي
بقوم أشخصهم إليه من الروم وحكم سابور في فكا كمه بعد فراغه من الشاذروان
فقيل إنه أخذ منه أموالا عظيمة وأطلقه بعد أن جدع أنفه وقيل إنه قتله وكان
483

بها رجل من الجرامقة يقال له الساطرون وهو الذي يقول فيه أبو دؤاد الأيادي
وأرى الموت قد تدلى من الحضر * على رب أهله الساطرون
والعرب تسميه الضيزن وقيل إن الضيزن من أهل باجرمى وزعم هشام بن
الكلبي أنه من العرب من قضاعة وأنه الضيزن بن معاوية بن العبيد بن الاجرام
ابن عمرو بن النخع بن سليح بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة وأن أمه
من تزيد بن حلوان اسمها جيهلة وأنه إنما كان يعرف بأمه وزعم أنه كان ملك
أرض الجزيرة وكان معه من بنى عبيد بن الاجرام وقبائل قضاعة ما لا يحصى
وأن ملكه كان قد بلغ الشأم وأنه تطرف من بعض السواد في غيبة كان غابها إلى
ناحية خراسان سابور بن أردشير فلما قدم من غيبته أخبر بما كان منه فقال في
ذلك من فعل الضيزن عمرو بن إلة بن الجدي بن الدهاء بن جشم بن حلوان بن
عمران بن الحاف بن قضاعة
لقيناهم بجمع من علاف * وبالخيل الصلادمة الذكور
فلاقت فارس منا نكالا * وقتلنا هرابذ شهرزور
دلفنا للأعاجم من بعيد * بجمع كالجزيرة في السعير
فلما أخبر سابور بما كان منه شخص إليه حتى أناخ على حصنه وتحصن الضيزن
في الحصن فزعم ابن الكلبي أنه أقام سابور على حصنه أربع سنين لا يقدر على
هدمه ولا على الوصول إلى الضيزن وأما الأعشى ميمون بن قيس فإنه ذكر في
شعره أنه إنما أقام عليه حولين فقال
ألم تر للحضر إذ أهله * بنعمى وهل خالد من نعم
أقام به شاهبور الجنو * دحولين يضرب في القدم
فما زاده ربه قوة * ومثل محاوره لم يقم
فلما رأى ربه فعله * أتاه طروقا فلم ينتقم
وكان دعا قومه دعوة * هلموا إلى أمركم قد صرم
فموتوا كراما بأسيافكم * أرى الموت يجشمه من جشم
484

ثم إن ابنة للضيزن يقال لها النضيرة عركت فأخرجت إلى ربض المدينة وكانت
من أجمل نساء زمانها وكذلك كان يفعل بالنساء إذا هن عركن وكان سابور من
أجمل أهل زمانه فيما قيل فرأى كل واحد منهما صاحبه فعشقته وعشقها فأرسلت
إليه ما تجعل لي إن دللتك على ما تهدم به سور هذه المدينة وتقتل أبى قال حكمك
وأرفعك على نسائي وأخصك بنفسي دونهن قالت عليك بحمامة ورقاء مطوقة
فاكتب في رجلها بحيض جارية بكر زرقاء ثم أرسلها فإنها تقع على حائط المدينة
فتداعى المدينة وكان ذلك طلسم المدينة لا يهدمها إلا هذا ففعل وتأهب لهم وقالت
أنا أسقى الحرس الخمر فإذا صرعوا فأقتلهم وأدخل المدينة ففعل وتداعت المدينة
ففتحها عنوة وقتل الضيزن يومئذ وأبيدت أفناء قضاعة الذين كانوا مع الضيزن
فلم يبق منهم باق يعرف إلى اليوم وأصيبت قبائل من بنى حلوان فانقرضوا
ودرجوا فقال عمرو بن إلة وكان مع الضيزن
ألم يحزنك والأنباء تنمى * بما لاقت سراة بنى عبيد
ومصرع ضيزن وبنى أبيه * وأحلاش الكتائب من تزيد
أتاهم بالفيول مجللات * وبالابطال سابور الجنود
فهدم من أواسي الحصن صخرا * كأن ثفاله زبر الحديد
وأخرب سابور المدينة واحتمل النضيرة ابنة الضيزن فأعرس بها بعين التمر
فذكر أنها لم تزل ليلتها تضور من خشونة فرشها وهى من حرير محشوة بالقز
فالتمس ما كان يؤذيها فإذا ورقة آس ملتزقة بعكنة من عكنها قد آثرت فيها قال
وكان ينظر إلى مخها من لين بشرتها فقال لها سابور ويحك بأي شئ كان يغذوك
أبو ك قالت بالزبد والمخ وشهد الابكار من النحل وصفو الخمر قال وأبيك لأنا
أحدث عهدا بك وأوثر لك من أبيك الذي غذاك بما تذكرين فأمر رجلا
فركب فرسا جموحا ثم عصب غدائرها بذنبه ثم استركضها فقطعها قطعا فذلك
قول الشاعر * أقفر الحصن من نضيرة فالمرباع * منها فجانب الثرثار
وقد أكثر الشعراء ذكر ضيزن هذا في أشعارهم وإياه عنى عدى بن زيد بقوله:
485

وأخو الحضر إذ بناه وإذ * دجلة تجبى إليه والخابور
شاده مرمرا وجلله كلسا * فللطير في ذراه وكور
لم يهبه ريب المنون فباد الملك * عنه فبابه مهجور
ويقال إن سابور بنى بميسان شاذ سبور التي تسمى بالنبطية ديما وفى أيام سابور
ظهر مانى الزنديق ويقال إن سابور لما سار إلى موضع جندي سابور ليؤسسها
صادف عندها شيخا يقال له بيل فسأله هل يجوز أن يتخذ في ذلك الموضع مدينة
فقال له بيل إن ألهمت الكتابة مع ما قد بلغت من السن جاز أن يبنى في هذا الموضع
مدينة فقال له سابور بل ليكن الأمران اللذان أنكرت كونهما فرسم المدينة
وأسلم بيل إلى معلم وفرض عليه تعليمه الكتاب والحساب في سنة فخلا به المعلم
وبدأ بحلق رأسه ولحيته لئلا يتشاغل بهما وجاده التعليم ثم أتى به سابور وقد
نفذ ومهر فقلده احصاء النفقة على المدينة واثبات حسابها وكور الناحية وسماها
بهازنديو سابور وتأويل ذلك خير من أنطاكية ومدينة سابور وهى التي تسمى
جندي سابور وأهل الأهواز يسمونها بيل باسم القيم كان على بنائها ولما حضر
سابور الموت ملك ابنه هرمز وعهد إليه عهدا أمره بالعمل به واختلف في سنى
ملكه فقال بعضهم كان ذلك ثلاثين سنة وخمسة عشر يوما وقال آخرون كان
ملك إحدى وثلاثين سنة وستة أشهر وتسعة عشر يوما * ثم قام بالملك بعد سابور
ابن أردشير بن بابك ابنه
(هرمز)
وكان يلقب بالجرئ وكان يشبه في جسمه وخلقه وصورته باردشير غير لا حق
به في رأيه وتدبيره إلا أنه كان من البطش والجرأ وعظم الخلق على أمر عظيم
وكانت أمه فيما قيل من بنات مهرك الملك الذي قتله أردشير باردشير خرة
وذلك أن المنجمين كانوا أخبروا اردشير أنه يكون من نسله من يملك فتتبع أردشير
نسله فقتلهم وأفلتت أم هرمز وكانت ذات عقل وجمال وكمال وشدة خلق فوقعت
486

إلى البادية وأوت إلى بعض الرعاء وأن سابور خرج يوما متصيدا فأمعن في طلب
الصيد واشتد به العطش فارتفعت له الأخبية التي كانت فيها أم هرمز أوت إليها
فقصدها فوجد الرعاء غيبا فطلب الماء فناولته المرأة فعاين منها جمالا فائقا وقواما
عجيبا ووجها عتيقا ثم لم لبث أن حضر الرعاء فسألهم سابور عنها فنسبها بعضهم
إليه فسأله أن يزوجها منه فساعفه فسار بها إلى منازله وأمر بها فنظفت وكسيت
وحليت وأرادها على نفسها فكان إذا خلا بها والتمس منها ما يلتمس الرجل
من المرأة امتنعت وقهرته عند المجاذبة قهرا ينكره وتعجب من قوتها فلما تطاول
ذلك من أمرها أنكره ففحص عن أمرها فأخبرته أنها ابنة مهرك وأنها إنما فعلت
ما فعلت ابقاء عليه من أردشير فعاهدها على ستر أمرها ووطئها فولدت هرمز
فستر أمره حتى أتت له سنون وأن أردشير ركب يوما ثم انكفأ إلى منزل
سابور لشئ أراد ذكره له فدخل منزله مفاجأة فلما استقر به القرار خرج
هرمز وقد ترعرع وبيده صولجان يلعب به وهو يصيح في أثر الكرة فلما وقعت
عين أردشير عليه أنكره ووقف على المشابه التي فيه منهم لان الكيية التي في آل
أردشير كانت لا تخفى ولا يذهب أمرهم على أحد لعلامات كانت فيهم من حسن
الوجوه وعبالة الخلق وأمور كانوا بها مخصوصين في أجسامهم فاستدناه أردشير
وسأل سابور عنه فحر مكفرا على سبيل الاقرار بالخطإ مما كان منه وأخبر أباه
حقيقة الخبر فسر به وأعلمه أنه قد تحقق الذكر المنجمون في ولد مهرك ومن
يملك منهم وأنهم انما ذهبوا فيه إلى هرمز إذ كان من نسل مهرك وأن ذلك
قد سلى ما كان في نفسه وأذهبه فلما هلك أردشير وأفضى الامر إلى سابور ولى
هرمز خراسان وسيره إليها فاستقل بالعمل وقمع من كان يليه من ملوك
الأمم وأظهر تجبرا شديد افوشى به الوشاة إلى سابور ووهموه أنه إن دعاه لم يجب
وأنه على أن يبتزه الملك ونمت الاخبار بذلك إلى هرمز فقيل إنه خلا بنفسه فقطع
يده وحسمها وألقى عليها ما يحفظها وأدرجها في نفيس من الثياب وصيرها في سفط
وبعث بها إلى سابور وكتب إليه بما بلغه وأنه إنما فعل ما فعل إزالة للتهمة عنه
487

ولان في رسمهم أن لا يملكوا ذا عاهة فلما وصل الكتاب بما معه إلى سابور
تقطع أسفا وكتب إليه بما ناله من الغم بما فعل واعتذر وأعلمه أنه لو قطع بدنه
عضوا عضوا لم يؤثر عليه أحدا بالملك فملكه وقيل إنه لما وضع التاج على رأسه
دخل عليه العظماء فدعوا له فأحسن لهم الجواب وعرفوا منه صدق الحديث
وأحسن فيهم السيرة وعدل في رعيته وسلك سبيل آبائه وكور كورة رام هرمز
وكان ملكه سنة وعشرة أيام ثم قام بالملك بعده ابنه
بهرام
وهو بهرام بن هرمز بن سابور بن أردشير بن بابك
وكان من عمال سابور بن أردشير وهرمز بن سابور وبهرام بن سابور بعد مهلك
عمرو بن عدي بن نصر بن ربيعة على فرج العرب من ربيعة ومضر وسائر
من ببادية العراق والحجاز والجزيرة يومئذ ابن لعمرو بن عدي يقال له امرؤ القيس
البدء وهو أول من تنصر من ملوك آل نصر بن ربيعة وعمال ملوك الفرس وعاش
فيما ذكر هشام بن محمد مملكا في عمله مائة سنة وأربع عشرة سنة من ذلك في زمن
سابور بن أردشير ثلاثا وعشرين سنة وشهرا وفى زمن هرمز بن سابور سنة عشرة
أيام وفى زمن بهرام بن هرمز بن سابور ثلاث سنين وثلاثة أشهر وثلاثة أيام
وفى زمن بهرام بن بهرام بن هرمز بن سابور بن أردشير ثمان عشرة سنة وكان
بهرام بن هرمز فيما ذكر رجلا ذا حلم وتؤدة فاستبشر الناس بولايته وأحسن
السيرة فيهم وأتبع في ملكه في سياسة الناس آثار آبائه وكان مانى الزنديق فيما
ذكر يدعوه إلى دينه فاستبرى ما عنده فوجده داعية للشيطان فأمر بقتله وسلخ
جلده وحشوه تبنا وتعليقه على باب من أبو أب مدينة جندي سابور يدعى باب
المانى وقتل أصحابه ومن دخل في ملته وكان ملكه فيما قيل ثلاث سنين وثلاثة
أشهر وثلاثة أيام * ثم قام بالملك بعده ابنه
بهرام
ابن بهرام بن هرمز بن سابور بن أردشير وكان ذا علم فيما قيل بالأمور فلما
488

عقد التاج على رأسه دعا له العظماء بمثل ما كانوا يدعون لآبائه فرد عليهم مردا
حسنا وأحسن فيهم السيرة وقال إن ساعدنا الدهر نقبل ذلك بالشكر وإن
يكن غير ذلك نرض بالقسم واختلف في سنى ملكه فقال بعضهم كان ملكه ثماني
عشرة سنة وقال بعضهم كان سبع عشرة سنة ثم ملك
بهرام
الملقب بشاهنشاه بن بهرام بن هرمز بن سابور بن أردشير فلما عقد التاج
على رأسه اجتمع إليه العظماء فدعوا له ببركة الولاية وطول العمر فرد عليهم
أحسن الرد وكان قبل أن يفضى إليه الملك مملكا على سجستان وكان ملكه أربع
سنين * ثم قام بالملك بعده
نرسي
ابن بهرام وهو أخو بهرام الثالث فلما عقد التاج على رأسه دخلت عليه
الاشراف والعظماء فدعوا له فوعدهم خيرا وأمرهم بمكانفته على أمره وسار
فيهم بأعدل السيرة وقال يوم ملك إنا لن نضيع شكر الله على ما أنعم به علينا
وكان ملكه تسع سنين * تم ملك
هرمز
ابن نرسي بن بهرام بن بهرام بن هرمز بن سابور بن أردشير وكان الناس قد
وجلوا منه وأحسوا بالفظاظة والشدة فأعلمهم أنه قد علم ما كانوا يخافونه من
شدة ولايته وأعلمهم أنه قد أبدل ما كان في خلقه من الغلظة والفظاظة رقة ورأفة
وساسهم بأرفق السياسة وسار فيهم بأعدل السيرة وكان حريصا على انتعاش
الضعفاء وعمارة البلاد والعدل في الرعية ثم هلك ولا ولد له فشق ذلك على الناس
فسألوا بميلهم إليه عن نسائه فذكر لهم أن بعضهن حبلى وقد قال بعضهم إن
هرمز كان أوصى بالملك لذلك الحمل في بطن أمه وأن تلك المرأ ولدت سابور
ذا الأكتاف وكان ملك هرمز في قول بعضهم ست سنين وخمسة أشهر وفى قول
آخرين سبع سنين وخمسة أشهر * ثم ولد
489

سابور ذو الأكتاف
ابن هرمز بن نرسي بن بهرام بن بهرام بن هرمز بن سابور بن أردشير مملكا
بوصية أبيه هرمز له بالملك فاستبشر الناس بولادته وبثوا خبره في الآفاق وكتبوا
الكتب ووجهوا به البرد إلى الآفاق والأطراف وتقلد الوزراء والكتاب
الأعمال التي كانوا يعملونها في ملك أبيه ولم يزالوا على ذلك حتى فشا خبرهم وشاع
في أطراف مملكة الفرس أنه كان لا ملك لهم وأن أهلها إنما يتلومن صبيا في
المهد لا يدرون ما هو كائن من أمره فطمعت في مملكتهم الترك والروم وكانت
بلاد العرب أدنى البلاد إلى فارس وكانوا من أحوج الأمم إلى تناول شئ من
معايشهم وبلادهم لسوء حالهم وشظف عيشهم فسار جمع عظيم منهم في البحر
من ناحية بلاد عبد القيس والبحرين وكاظمة حتى أناخوا على إيرانشهر وسواحل
اردشير خرة وأسياف فارسي وغلبوا أهلها على مواشيهم وحروثهم ومعايشهم
وأكثروا الفساد في تلك البلاد فمكثوا على ذلك من أمرهم حينا لا يغزوهم أحد
من الفرس لعقدهم تاج الملك على طفل من الأطفال وقلة هيبة الناس له حتى تحرك
سابور وترعرع فلما ترعرع ذكر أن أول ما عرف من تدبيره وحسن فهمه أنه
استيقظ ذات ليلة وهو في قصر المملكة بطيسبون من ضوضاء الناس بسحر فسأل
عن ذلك فأخبر أن ذلك ضجة الناس عند ازدحامهم على جسر دجلة مقبلين
ومدبرين فأمر باتخاذ جسر آخر حتى يكون أحدهما معبرا للمقبلين والآخر
معبرا للمدبرين فلا يزدحم الناس في المرور عليهما فاستبشر الناس بما رأوا من
فطنته لما فطن من ذلك على صغر سنه وتقدم فيما أمر به من ذلك فذكر أن
الشمس لم تغرب من يومهم ذلك حتى عقد جسر بالقرب من الجسر الذي كان
فاستراح الناس من المخاطرة بأنفسهم في الجواز على الجسر وجعل الغلام يتزيد
في اليوم ما يتزيد غيره في الحين الطويل وجعل الكتاب والوزراء يعرضون عليه
الامر بعد الامر فكان فيما عرض عليه أمر الجنود التي في الثغور ومن كان منهم
بإزاء الأعداء وأن الاخبار وردت بأن أكثرهم قد أخل وعظموا عليه الامر في ذلك
490

فقال لهم سابور لا يكبرن هذا عندكم فإن الحيلة فيه يسيرة وأمر بالكتاب إلى أولئك
الجنود جميعا بأنه انتهى إليه طول مكثهم في النواحي التي هم بها وعظم غنائهم عن أوليائهم
وإخوانهم فمن أحب أن ينصرف إلى أهله فلينصرف مأذ وناله في ذلك ومن أحب أن
يستكمل الفضل بالصبر في موضعه عرف ذلك له وتقدم إلى من اختار الانصراف
في لزوم أهله وبلاده إلى وقت الحاجة إليه فلما سمع الوزراء ذلك من قوله استحسنوه
وقالوا لو كان هذا قد أطال تجربة الأمور وسياسة الجنود ما زاد رأيه وصحة منطقه
على ما سمعنا منه ثم تتابعت أخباره إلى البلدان والثغور بما قوم أصحابه وقمع أعداءه
حتى تمت له ست عشرة سنة وأطاق حمل السلاح وركوب الخيل واشتد عظمه
جمع إليه رؤساء أصحابه وأجناده ثم قام فيهم خطيبا ثم ذكر ما أنعم الله به عليه
وعليهم بآبائه وما أقاموا من أدبهم ونفوا من أعدائهم وما اختل من أمورهم في
الأيام التي مضت من أيام صباه وأعلمهم أنه يبتدئ العمل في الذب عن البيضة
وأنه يقدر الشخوص إلى بعض الأعداء لمحاربته وأن عدة من يشخص معه من
المقاتلة ألف رجل فنهض إليه القوم داعين متشكرين وسألوه أن يقيم بموضعه
ويوجه القواد والجنود ليكفوه ما قدر من الشخوص فيه فأبى أن يجيبهم إلى المقام
فسألوه الازدياد على العدة التي ذكرها فأبى ثم انتخب ألف فارس من صنا ديد
جنده وأبطالهم وتقدم إليهم في المضي لامره ونهام عن الابقاء على ما لقوا من
العرب والعرجة على إصابة مال ثم سار بهم فأوقع بمن انتجع بلاد فارس من
العرب وهم غارون وقتل منهم أبرح القتل وأسر أعنف الأسر وهرب بقيتهم ثم
قطع البحر في أصحابه فورد الخط واستقرى بلاد البحرين يقتل أهلها ولا يقبل
فداء ولا يعرج على غنيمة ثم مضى عليه وجهه فورد هجر وبها ناس من أعراب
تميم وبكر بن وائل وعبد القيس فأفشى فهم القتل وسفك فيهم من الدماء سفكا
سالت كسيل المطر حتى كان الهارب منهم يرى أنه لن ينجيه منه غار في جبل ولا
جزيرة في بحر ثم عطف إلى بلاد عبد القيس فأباد أهلها إلا من هرب منهم فلحق
بالرمال ثم أتى اليمامة فقتل بها مثل تلك المقتله ولم يمر بماء من مياه العرب إلا
491

غوره ولا جب من جبابهم إلا طمه ثم أتى قرب المدينة فقتل من وجد هنالك من
العرب وأسر ثم عطف نحو بلاد بكر وتغلب فيما بين مملكة فارس ومناظر الروم
بأرض الشام فقتل من وجد بها من العرب وسبى وطتم مياههم وأنه أسكن من
بنى تغلب من البحرين دارين واسمهما هيج والخط ومن كان من عبد القيس
وطوائف من بنى تميم هجر ومن كان من بكر بن وائل كومان وهم الذين يدعون
بكر أبان ومن كان منهم من بين حنظلة بالرملية من بلاد الأهواز أنه أمر فبنيت
بأرض السواد مدينة وسماها بزرج سابور وهى الأنبار وبأرض الأهواز مدينتان
إحداهما ايرانخزهسابور وتأويلها سابور وبلاده وتسمى بالسريانية الكرخ
والاخرى السوس وهى مدينة بناها إلى جانب الحصن الذي في جوفه تابوت
فيه جثة دانيال النبي صلى الله عليه وسلم وأنه غزا أرض الروم فسبى منها سبيا
كثيرا فأسكن مدينة ايرانخرهسابور وسمتها العرب السوس بعد تخفيفها في
التسمية وأمر فبنيت بباجرمى مدينة سماها خنى سابور وكور كورة وبأرض
خراسان مدينة وسماها نيسابور وكور كورة * وأن سابور كان هادن قسطنطين
ملك الروم وهو الذي بنى مدينة قسطنطينية وكان أول من تنصر من ملوك الروم
وهلك قسطنطين وفرق ملكه بين ثلاثة بنين كانوا له فهلك بنوه الثلاثة فملكت
الروم عليهم رجلا من أهل بيت قسطنطين يقال له لليانوس كان يدين بملة الروم
التي كانت قبل النصرانية ويسر ذلك ويظهر النصرانية قبل أن يملك حتى إذا ملك
أظهر ملة الروم وأعادها كهيئتها وأمرهم بإحيائها وأمر بهدم البيع وقتل الأساقفة
وأحبار النصارى وأنه جمع جموعا من الروم والخزر ومن كان في مملكته من العرب
ليقاتل بهم سابور وجنود فارس وانتهزت العرب بذلك السبب الفرصة من
الانتقام من سابور وما كان من قتله العرب واجتمع في عسكر لليانوس من العرب
مائة ألف وسبعون ألف مقاتل فوجههم مع رجل من بطارقة الروم بعثه على
مقدمته يسمى يوسانوس وأن لليانوس سار حتى وقع ببلاد فارس وانتهى إلى
سابور كثرة من معه من جنود الروم والعرب والخزر فهاله ذلك ووجه عيونا
492

تأتيه بخبرهم ومبلغ عددهم وحالهم في شجاعتهم وعيثهم فاختلف أقاويل أولئك
العيون فيما أتوه به من الاخبار عن لليانوس وجنده فتنكر سابور وسار في أناس
من ثقاته ليعاين عسكرهم فلما اقترب من عسكر يوسانوس صاحب مقدمة لليانوس
وجه رهطا ممن كان معه إلى عسكر يوسانوس ليتجسسوا الاخبار ويأتوه بها
على حقائقها فنذرت الروم بهم فأخذوهم ودفعوهم إلى يوسانوس فلم يقر أحد
منهم بالامر الذي توجهوا له إلى عسكره ما خلا رجلا منهم أخبره بالقصة على
وجهه وبمكان سابور حيث كان وسأله أن يوجه معه جندا فيدفع إليهم سابور
فأرسل يوسانوس حيث سمع هذه المقالة إلى سابور رجلا من بطانته يعلمه ما لقي
من أمره وينذره فارتحل سابور من الموضع الذي كان فيه إلى عسكره وأن من
كان في عسكر لليانوس من العرب سألوه أن يأذن لهم في محاربة سابور فأجابهم إلى
ما سألوه فزحفوا إلى سابور فقاتلوه فقضوا جمعه وقتلوا منهم مقتلة عظيمة وهرب
سابور فيمن بقى من جنده واحتوى لليانوس على مدينة طيسبون محلة سابور
وظفر ببيوت أموال سابور وخزائنه فيها فكتب سابور إلى من في الآفاق من
جنوده يعلمهم الذي لقى من لليانوس ومن معه من العرب ويأمر من كان فيهم من
القواد أن يقدموا عليه فيمن قبلهم من جنوده فلم يلبث أن اجتمعت إليه الجيوش
من كل أفق فانصرف فحارب لليانوس واستنقذ منه مدينة طيسون ونزل لليانوس
مدينة بهاردشير وما والاها بعسكره وكانت الرسل تختلف فيما بينه وبين سابور
وأن لليانوس كان جالسا ذات يوم في حجرته فأصابه سهم غرب في فؤاده فقتله
فاسقط في روع جنده وهالهم الذي نزل به ويئسوا من التفصي من بلاد فارس
وصاروا شورى لا ملك عليهم ولا سائس لهم فطلبوا إلى يوسانوس أن يتولى
الملك لهم فيملكوه عليهم فأبى ذلك وألحوا عليه فيه فاعلمهم أنه على ملة
النصرانية وأنه لا يلي ناسا له مخالفون في الملة فأخبرته الروم أنهم على ملته
وأنهم إنما كانوا يكتمونها مخافة لليانوس فأجابهم إلى ما طلبوا وملكوه
عليهم وأظهروا النصرانية وأن سابور علم بهلاك لليانوس فأرسل إلى قواد
493

جنود الروم يقول إن الله قد أمكننا منكم وأدالنا عليكم بظلمكم إيانا وتخطيكم إلى
بلادنا وإنا نرجو أن تهلكوا بها جوعا من غير أن نهيئ لقتالكم سيفا ونشرع
له رمحا فسرحوا إلينا رئيسا إن كنتم رأستموه عليكم فعزم يوسانوس على إتيان
سابور فلم يتابعه على رأيه أحد من قواد جنده فاستبد برأيه وجاء إلى سابور في
ثمانين رجلا من أشراف من كان في عسكره وجنده وعليه تاجه فبلغ سابور مجيئه
إليه فتلقاه وتساجدا فعانقه سابور شكرا لما كان منه في أمره وطعم عنده يومئذ
ونعم وأن سابور أرسل إلى قواد جند الروم وذوي الرئاسة منهم يعلمهم أنهم لو
ملكوا غير يوسانوس لجرى هلاكهم في بلاد فارس وأن تمليكهم إياه ينجيهم
من سطوته وقوى أمر يوسانوس بجهده ثم قال إن الروم قد شنوا الغارة على بلادنا
وقتلوا بشرا كثيرا وقطعوا ما كان بأرض السواد من نخل وشجر وخربوا عمارتها
فاما أن يدفعوا إلينا قيمة ما أفسدوا وخربوا وإما أن يعوضونا من ذلك نصيبين
وحيزها عوضا منه وكانت من بلاد فارس فغلبت عليها الروم فأجاب يوسانوس
وأشراف جنده سابور إلى ما سأل من العوض ودفعوا إليه نصيبين فبلغ ذلك
أهلها فجلوا منها إلى مدن في مملكة الروم مخافة على أنفسهم. من ملك الملك المخالف
ملتهم فبلغ ذلك سابور فنقل اثنى عشر ألف أهل بيت من أهل إصطخر وإصبهان
وكور أخر من بلاده وحيزه إلى نصيبين وأسكنهم إياها وانصرف يوسانوس
ومن معه من الجنود إلى الروم وملكها زمنا يسيرا ثم هلك وان سابور ضري
بقتل العرب ونزع أكتاف رؤسائهم إلى أن هلك وكان ذلك سبب تسميتهم إياه
ذا الأكتاف * وذكر بعض أهل الأخبار أن سابور بعد أن أثخن في العرب
وأجلاهم عن النواحي التي كانوا صاروا إليها مما قرب من نواحي فارس
والبحرين واليمامة ثم هبط إلى الشأم وسار إلى حد الروم أعلم أصحابه انه على
دخول الروم حتى يبحث عن أسرارهم ويعرف أخبار مدنهم وعدد جنودهم
فدخل إلى الروم فجال فيها حينا وبلغه أن قيصر أو لم وأمر بجمع الناس ليحضروا
طعامه فانطلق سابور بهيئة السؤال حتى شهد ذلك الجمع لينظر إلى قيصر ويعرف
494

هيئته وحاله في طعامه ففطن له فأخذ وأمر به قيصر فأدرج في جلد ثور ثم سار
بجنوده إلى أرض فارس ومعه سابور على تلك الحالة فأكثر من القتل وخراب
المدائن والقرى وقطع النخل والأشجار حتى انتهى إلى مدينة جندي سابور وقد
تحصن أهلها فنصب المجانيق وهدم بعضها فبينا هم كذلك ذات ليلة إذ غفل الروم
الموكلون بحراسة سابور وكان بقربه قوم من سبى الأهواز فأمرهم أن يلقوا على
القد الذي كان عليه زيتا من زقاق كانت بقربهم ففعلوا ذلك ولان الجلد وانسل
منه فلم يزل يدب حتى دنا من باب المدينة وأخبر حراسهم باسمه فلما دخل على
أهلها اشتد سرورهم به وارتفعت أصواتهم بالحمد والتسبيح فانتبه أصحاب قيصر
بأصواتهم وجمع سابور من كان في المدينة وعبأهم وخرج إلى الروم في تلك الليلة
سحرا فقتل الروم وأخذ قيصر أسيرا وغنم أمواله ونساءه ثم أثقل قيصر بالحديد
وأخذه بعمارة ما أخرب ويقال إنه أخذ قيصر بنقل التراب من أرض الروم
إلى المدائن وجندي سابور حتى يرم به ما هدم منها وبان يغرس الزيتون مكان
النخل والشجر الذي عقره ثم قطع عقبه ورتقه وبعث به إلى الروم على حمار
وقال هذا جزاؤك ببغيك علينا فلذلك تركت الروم اتخاذ الأعقاب ورتقت
الذؤاب ثم أقام سابور في مملكته حينا ثم غزا الروم فقتل من أهلها وسبى سبيا
كثيرا وأسكن من سبى مدينة بناها بناحية السوس وسماها ايرانشهر سابور ثم
استصلح العرب وأسكن بعض قبائل تغلب وعبد الشمس وبكر بن وائل كرمان
وتوج والأهواز وبنى مدينة نيسابور ومدائن أخر بالسند وسجستان ونقل طبيبا
من الهند فأسكنه الكرخ من السوس فلما مات ورث طبه أهل السوس ولذلك
صار أهل تلك الناحية أطب العجم وأوصى بالملك لأخيه أردشير وكان ملك
سابور اثنتين وسبعين سنة (وهلك في عهد سابور) عامله على ضاحية مضر
وربيعة امرؤ القيس البدء بن عمرو بن عدي بن ربيعة بن نصر فاستعمل سابور
على عمله ابنه عمرو بن امرئ القيس فيما ذكر فبقى في عمله بقية ملك سابور
وجميع أيام أخيه أردشير بن هرمز بن نرسي وبعض أيام سابور بن سابور وكان
495

جميع عمله على ما ذكرت من العرب وولايته عليهم فيما ذكر ابن الكلبي ثلاثين سنة
ثم قام بالملك بعد سابور ذي الأكتاف أخوه
أردشير
ابن هرمز بن نرسي بن بهرام بن هرمز بن سابور بن أردشير بن بابك
فلما عقد التاج على رأسه جلس للعظماء فلما دخلوا عليه دعوا له بالنصر وشكروا
عنده أخاه سابور فأحسن جوابهم وأعلمهم موقع ما كان من شكرهم لأخيه عنده
فلما استقر به الملك قراره عطف على العظماء وذوي الرئاسة فقتل منهم خلقا كثيرا
فخلعه الناس بعد أربع سنين من ملكه * ثم ملك
سابور
ابن سابور ذي الأكتاف بن هرمز بن نرسي فاستبشرت الرعية بذلك وبرجوع
ملك أبيه إليه فلقيهم أحسن اللقاء وكتب الكتب إلى العمال في حسن السيرة
والرفق بالرعية وأمر بمثل ذلك وزراءه وكتابه وحاشيته وخطبهم خطبة بليغة ولم
يزل عادلا على رعيته متحننا عليهم لما كان تبين من مودتهم ومحبتهم وطاعتهم
وخضع له عمه أردشير المخلوع ومنحه الطاعة وان العظماء وأهل البيوتات قطعوا
أطناب فسطاط كان ضرب عليه في حجرة من حجره فسقط عليه الفسطاط وكان
ملكه خمس سنين * ثم ملك بعده أخوه
بهرام
ابن سابور ذي الأكتاف وكان يلقب كرمان شاه وذلك أن أباه سابور
كان ولاه في حياته كرمان فكتب إلى قواده كتابا يحثهم فيه على الطاعة ويأمرهم
بتقوى الله والنصيحة للملك وبنى بكرمان مدينة وكان حسن السياسة لرعيته
محمودا في أمره وكان ملكه إحدى عشرة سنة وأن ناسا من الفتاك ثاروا إليه
فقتله رجل منهم برمية رماها إياه بنشابة * ثم قام بالملك بعده
يزدجرد
الملقب بالأثيم بن بهرام الملقب بكرمان شاه بن سابور ذي الأكتاف *
496

ومن أهل العلم بأنساب الفرس من يقول إن يزد جرد الأثيم هذا هو أخو بهرام
الملقب بكرمان شاه وليس بابنه ويقول هو يزدجرد بن سابور ذي الأكتاف
وممن نسبه هذا النسب وقال هذا القول هشام بن محمد وكان فيما ذكر فظا
غليظا ذا عيوب كثيرة وكان من أشد غيوبه وأعظمها فيما قيل وضعه ذكاء ذهن
وحسن أدب كان له وصنوفا من العلم قد مهرها وعلمها غير موضعه وكثرة رؤيته
في الضار من الأمور واستعمال كل ما عنده من ذلك في المؤاربة والدهاء والمكايدة
والمخاتلة مع فطنته كانت بجهات الشر وشدة عجبه بما عنده من ذلك واستخفافه
بكل ما كان في أيدي الناس من علم وأدب واحتقاره له وقلة اعتداده به
واستطالته على الناس بما عنده منه وكان مع ذلك غلقا سيئ الخلق ردئ
الطعمة حتى بلغ من شدة غلقه وحدته أن الصغير من الزلات كان عنده كبيرا
واليسير من السقطات عظيما ثم لم يقدر أحد وإن كان لطيف المنزلة منه أن
يكون لمن ابتلى عنده بشئ من ذلك شفيعا وكان دهره كله للناس متهما ولم يكن
يأتمن أحدا على شئ من الأشياء ولم يكن يكافئ على حسن البلاء وإن هو
أولى الخسيس من العرف استجزل ذلك وإن جسر على كلامه في أمر كلمه فيه
رجل لغيره قال له ما قدر جعالتك في هذا الامر الذي كلمتنا فيه وما أخذت عليه
فلم يكن يكلمه في ذلك وما أشبهه إلا الوفود القادمون عليه من قبل ملوك الأمم
وأن رعيته إنما سلموا من سطوته وبليته وما كان جمع من الخلال السيئة
بتمسكهم بمن كان قبل مملكته بالسنن الصالحة وبأدبهم وكانوا لسوء أدبه ومخافة
سطوته متواصلين متعاونين وكان من رأيه أن يعاقب كل من زل عنده وأذنب
إليه من شدة العقوبة بما لا يستطاع أن يبلغ منه مثلها في مدة ثلثمائة وكان لذلك
لا يقرعه بسوط انتظارا منه للمعاقبة له بما ليس وراءه أفظع منه وكان إذا
بلغه أن أحدا من بطانته صافي رجلا من أهل صناعته أو طبقته نحاه عن خدمته
وكان استوزر عند ولايته نرسي حكيم دهره وكان نرسي كاملا في أدبه فاضلا في
جميع مذاهبه متقدما لأهل زمانه وكانوا يسمونه مهر نرسي ومهر نرسه ويلقب
497

بالهزار بنده * فأملت الرعية بما كان منه أن ينزع عن أخلاقه وأن يصلح نرسي
منه فلما استوى له الملك واشتدت اهانته الاشراف والعظماء وحمل على الضعفاء
وأكثر من سفك الدماء وتسلط تسلطا لم يبتل الرعية بمثله في أيامه فلما رأى
الوجوه والاشراف أنه لا يزداد إلا تتابعا في الجور اجتمعوا فشكوا ما ينزل
بهم من ظلمه وتضرعوا إلى ربهم ابتهلوا إلى بتعجيل انقاذهم منه فزعموا أنه
كان بجرجان فرأى ذات يوم في قصره فرسا عائرا لم ير مثله في الخيل في حسن
صورة وتمام خلق أقبل حتى وقف على بابه فتعجب الناس منه لأنه كان متجاوز
الحال فأخبر يزدجرد خبره فأمر به أن يسرج ويلجم ويدخل عليه فحاول ساسته
وصاحب مراكبه إلجامه وإسراجه فلم يمكن أحدا منهم من ذلك فأنهى إليه
امتناع الفرس عليهم فخرج ببدنه إلى الوضع الذي كان فيه ذلك الفرس فألجمه
بيده وألقى لبدا على ظهره ووضع فوقه سرجا وشد حزامه ولببه فلم يتحرك
الفرس بشئ من ذلك حتى إذا رفع ذنبه ليثفره استدبره الفرس فرمحه على
فؤاده رمحة هلك منها مكانه ثم لم يعاين ذلك الفرس ويقال إن الفرس ملا
فروجه جريا فلم يدرك ولم يوقف على السبب فيه وخاضت الرعية بينها وقالت
هذا من صنع الله لنا ورأفته بنا وكان ملك يزدجرد في قول بعضهم اثنتين
وعشرين سنة وخمسة أشهر وستة عشر يوما وفى قول آخرين إحدى وعشرين
سنة وخمسة أشهر وثانية عشر يوما
(ولما هلك عمرو بن امرئ القيس) البدء بن عمرو بن عدي في عهد
سابور بن سابور استخلف سابور بن سابور على عمله أوس بن قلام في قول
هشام قال وهو من العماليق من بنى عمرو بن عمليق فثار به حججبا بن عتيك بن
لخم فقتله فكان جميع ولاية أوس خمس سنين وهلك في عهد بهرام بن سابور
ذي الأكتاف واستخلف بعده في عمله امرؤ القيس البدء بن عمرو بن امرئ
القيس البدء بن عمرو خمسا وعشرين سنة وكان هلاكه في عهد يزدجرد الأثيم
ثم استخلف يزدجرد مكانه ابنه النعمان بن امرئ القيس البدء بن عمرو بن امرئ
498

القيس بن عمرو بن عدي وأمه شقيقة ابنة أبى ربيعة بن ذهل بن شيبان وهو
فارس حليمة وصاحب الخورنق وكان سبب بنائه الخورنق فيما ذكر أن يزدجرد
الأثيم بن بهرام كرمان شاه بن سابور ذي الأكتاف كان لا يبقى له ولد فسأل
عن منزل برئ مرئ صحيح من الأدواء والأسقام فدل على ظهر الحيرة فدفع
ابنه بهرام جور إلى النعمان هذا وأمره ببناء الخورنق مسكنا له وأنزله إياه وأمره
باخراجه إلى بوادي العرب وكان الذي بنى الخورنق رجلا يقال له سنمار فلما
فرغ من بنائه تعجبوا من حسنه واتقان عمله فقال لو علمت أنكم توفونني أجرى
وتصنعون بي ما أنا أهله بنيته بناء يدور مع الشمس حيثما دارت فقال وإنك
لتقدر على أن تبنى ما هو أفضل منه ثم لم تبنه فامر به فطرح من رأس الخورنق
ففي ذلك يقول أبو الطمحان القيني
جزاء سنمار جزاها وربها * وباللات والعزى جزاء المكفر
وقال سليط بن سعد
جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر * وحسن فعل كما يجزى سنمار
وقال يزيد بن إياس النهشلي
جزى الله كما لا بأسوإ فعله * جزاء سنمار جزاء موفرا
وقال عبد العزى بن امرئ القيس الكلبي وكان اهدى أفراسا إلى الحارث بن
مارية الغساني ووفد إليه فأعجبته وأعجب بعبد العزى وحديثه وكان للملك ابن
مسترضع في بنى الحميم بن عوف من بنى عبد ود من كلب فنهشته حية فظن الملك
أنهم اغتالوه فقال لعبد العزى جئني بهؤلاء القوم فقال هم قوم أحرار وليس لي
عليهم فضل في نسب ولا فعال فقال لتأتيني بهم أو لأفعلن ولا فعلن فقال رجونا
من حبائك أمرا حال دونه عقابك ودعا ابني شراحيل وعبد الحارث فكتب
معهما إلى قوله
جزاني جزاه الله شر جزائه * جزاء سنماروما كان ذا ذنب
سوى رصه البنيان عشرين حجة * يعل عليه بالقراميد والسكب
499

فلما رأى البنيان تم سحوقه * وآض كمثل الطودذى الباذخ الصعب
فاتهمه من بعد حرش وحقبة * وقد هره أهل المشارق والغرب
وظن سنمار به كل حبرة * وفاز لديه بالمودة والقرب
فقال اقذفوا بالعلج من فوق برجه * فهذا لعمر الله من أعجب الخطب
وما كان لي عند ابن جفنة فاعلموا * من الذنب ما آلى يمينا على كلب
ليلتمسن بالخيل عقر بلادهم * تجلل أبيت اللعن من قولك المزبى
ودون الذي منى منى ابن جفنة نفسه * رجال يردون الظلوم عن الشعب
وقد رامنا من قبلك المرء حارث * فغودر مسلولا لدا اأكم الصهب
قال هشام وكان النعمان هذا قد غزا الشأم مرارا وأكثر المصائب في أهلها وسبى
وغنم وكان من أشد الملوك نكاية في عدوه وأبعدهم مغارا فيهم وكان ملك فارس
جعل معه كتيبتين يقال لاحداهما دوسر وهي لتنوخ وللأخرى الشهباء وهى لفارس
وهما اللتان يقال لهما القبيلتان فكان يغزو بهما بلاد الشأم ومن لم يدن له من العرب
قال فذكر لنا والله أعلم أنه جلس يوما في مجلسه من الخورنق فأشرف منه على
النجف وما يليه من البساتين والنخل والجنان والأنهار مما يلي المغرب وعلى
الفرات مما يلي المشرق وهو على متن النجف في يوم من أيام الربيع فأعجبه ما رأى
من الخضرة والنور والأنهار فقال لوزيره وصاحبه هل رأيت مثل هذا المنظر
قط فقال لا لو كان يدوم قال فما الذي يدوم قال ما عند الله في الآخرة قال فبم
ينال ذاك قال بترك الدنيا وعبادة الله والتماس ما عنده فترك ملكه من ليلته ولبس
المسوح وخرج مستخفيا هاربا لا يعلم به وأصبح الناس لا يعلمون بحاله فحضروا
بابه فلم يؤذن لهم عليه كما كان يفعل فلما أبطأ الاذن عليهم سألوا عنه فلم يجدوه
وفى ذلك يقول عدى بن زيد العبادي
وتفكر رب الخورنق إذ أشرف * يوما وللهدى تبصير
سره حاله وكثرة ما يملك * والبحر معرض والسدير
500

فارعوى قلبه فقال وما غبطه * حي إلى الممات يصير
ثم بعد الفلاح والملك والأمة * وارتهم هناك القبور
ثم أضحوا كأنهم ورق ج * ف فألوت به الصبا والدبور
فكان ملك النعمان إلى أن ترك ملكه وساح في الأرض تسعا وعشرين سنة
وأربعة أشهر قال ابن الكلبي من ذلك في زمن يزدجرد خمس عشرة سنة وفى زمن
بهرام جور بن يزدجرد أربع عشرة سنة وأما العلماء من الفرس باخبارهم وأمورهم
فإنهم يقولون في ذلك ما انا ذاكره ثم ملك بعد يزدجرد الأثيم ابنه
بهرام جور
ابن يزدجرد الخشن ابن بهرام كرمان شاه بن سابور ذي الأكتاف وذكر أن
مولده كان هرمز درز فروردين ماه لسبع ساعات مضين من النهار فإن أباه يزدجرد
دعا ساعة ولد بهرام بمن كان ببابه من المنجمين فأمرهم بإقامة كتاب مولده وتبينه
بيانا يدل على الذي يؤول إليه كل أمره فقاسوا الشمس ونظروا في مطالع
النجوم ثم أخبروا يزدجرد أن الله مورث بهرام ملك أبيه وان رضاعه بغير
أرض يسكنها الفرس وأن من الرأي أن يربى بغير بلاده فاجال يزدجرد الرأي في
دفعه في الرضاع والتربية إلى بعض من ببابه من الروم والعرب أو غيرهم ممن لم
يكن من الفرس فبدا له في اختيار العرب لتربيته وحضانته فدعا بالمنذر بن النعمان
واستحضنه بهرام وشرفه وأكرمه وملكه على العرب وحباه بمرتبتين سنيتين
تدعى أحدهما رام أبروذ يزدجرد وتأويله زاد سرور يزدجرد والاخرى تدعى
بمهشت وتأويلها أعظم الخول وأمر له بصلة وكسوة بقدر استحقاقه لذلك في
منزلته وأمره أن يسير ببهرام إلى بلاد العرب فسار به المنذر إلى محلته منها واختار
لرضاعه ثلاث نسوة ذوات أجسام صحيحة وأذهان ذكية وآداب رضية من بنات
الاشراف منهن امرأتان من بنات العرب وامرأة من بنات العجم وأمر لهن بما
أصلحهن من الكسوة والفرش والمطعم والمشرب وسائر ما احتجن إليه فتداولن رضا
ثلاث سنين وفطم في السنة الرابعة حتى إذا أتت له خمس سنين قال للمنذر احضرني
501

مؤدبين ذوي علم مدربين بالتعليم ليعلموني الكتابة والرمي والفقه فقال له المنذر إنك بعد
صغير السن ولم يأن لك أن تأخذ في التعليم فالزم ما يلزم الصبيان الاحداث حتى تبلغ
من السن ما تطيق التعلم والتأدب وأحضر من يعلمك كل ما سألت تعلمه فقال بهرام
للمنذر أنا لعمري صغير ولكن عقلي عقل محتنك وأنت كبير السن وعقلك
عقل ضرع أما تعلم أيها الرجل أن كل ما يتقدم في طلبه ينال في وقته وما يطلب
في وقته ينال في غير وقته وما يفرط في طلبه يفت فلا ينال وإني من ولد الملوك
والملك صائر إلى بإذن الله وأولى ما كلف به الملوك وطلبوه صالح العلم لأنه لهم
زين ولملكهم ركن به يقوون فعجل على بمن سألتك من المؤدبين فوجه المنذر
ساعة سمع مقالة بهرام هذه إلى باب الملك من أتاه برهط من فقهاء الفرس ومعلمي
الرمي والفروسية ومعلمي الكتابة وحصة ذوي أدب وجمع له حكماء من حكماء
فارس ومحدثين من العرب فالزمهم بهرام ووقت لأصحاب كل مذهب من تلك
المهن وقتا يأتونه فيه وقدر لهم قدرا يفيدونه ما عندهم فتفرغ بهرام لتعلم كل
ما سأل أن يتعلم وللاستماع من أهل الحكمة وأصحاب الحديث ووعى كل
ما استمع وثقف كل ما علم بأيسر تعليم وألفى بعد أن بلغ اثنتي عشرة سنة وقد
استفاد كل ما أفيد وحفظه وفاق معلميه ومن حضره من أهل الأدب حتى اعترفوا
له بفضله عليهم وأثاب بهرام المنذر ومعلميه أمرهم بالانصراف عنه وأمر
معلمي الرمي والفروسية بالإقامة عنده ليأخذ عنهم كل ما ينبغي له التدرب به
والاحكام له ثم دعا بهرام بالنعمان بن المنذر وأمره أن يؤذن العرب بإحضار
خيلهم من الذكور والإناث على أنسابها فآذن النعمان للعرب بذلك وبلغ المنذر
الذي كان من رأى بهرام في اختيار الخيل لمركبه فقال لبهرام لا تجشمن العرب
إجراء خيلهم ولكن مر من يعرض الخيل عليك واختر منها رضاك وارتبط
لنفسك فقال له بهرام قد أحسنت القول ولكني أفضل الرجال سؤددا وشرفا
وليس ينبغي أن يكون مركبي إلا أفضل الخيل وإنما يعرف فضل بعضها على
بعض بالتجربة ولا تجربة بلا اجراء فرضى المنذر مقالته وأمر النعمان العرب
502

فاحضروا خيولهم وركب بهرام والمنذر لحضور الحلبة وسرحت الخيل من
فرسخين فبدر فرس أشقر للمنذر تلك الخيل جميعا سابقا ثم أقبل بعده بقيتها بداد
بداد من بين فرسين تاليين أو ثلاثة موزعة أو سكيتا فقرب المنذر بيده ذلك
الأشقر إلى بهرام وقال يبارك الله لك فيه فأمر بهرام بقبضه وعظم سروره به
وتشكر للمنذر وأن بهرام ركب ذات يوم الفرس الأشقر الذي حمله عليه المنذر
إلى الصيد فبصر بعانة فرمى عليها وقصد نحوها فإذا هو بأسد قد شد على عير كان
فيها فتناول ظهره بفيه ليقصمه ويفترسه فرماه بهرام رمية في ظهره فنفذت
النشابة من بطنه وظهر العير وسرته حتى أفضت إلى الأرض فساخت فيها إلى
قريب من ثلثها فتحرك طويلا وكان ذلك بمشهد ناس من العرب وحرس بهرام
وغيرهم فأمر بهرام فصور ما كان منه في أمر الأسد والعير في بعض مجالسه ثم إن
بهرام أعلم المنذر أنه على الالمام بأبيه فشخص إلى أبيه وكان أبو ه يزدجرد لسوء
خلقه لا يحفل بولد له فاتخذ بهرام للخدمة فلقى بهرام من ذلك عناء ثم إن يزدجرد
وفد عليه أخ لقيصر يقال له ثياذوس في طلب الصلح والهدنة لقيصر والروم
فسأله بهرام أن يكلم يزدجرد في الاذن له في الانصراف إلى المنذر فانصرف
إلى بلاد العرب فأقبل على التنعم والتلذذ فهلك أبو ه يزدجرد وبهرام غائب فتعاقد
ناس من العظماء وأهل البيوتات أن لا يملكوا أحدا من ذرية يزدجرد لسوء
سيرته وقالوا إن يزدجرد لم يخلف ولدا يحتمل الملك غير بهرام ولم يل بهرام ولاية
قط يتلى بها خبره ويعرف بها حاله ولم يتأدب بأدب العجم وإنما أدبه أدب العرب
وخلق كخلقهم لنشئه بين أظهرهم واجتمعت كلمتهم وكلمة العامة على صرف الملك
عن بهرام إلى رجل من عترة أردشير بن بابك يقال له كسرى ولم يقيموا
أن ملكوه فانتهى هلاك يزدجرد والذي كان من تمليكهم كسرى إلى بهرام وهو
ببادية العرب فدعا بالمنذر والنعمان ابنه وناس من علية العرب وقال لهم إني
لا أحسبكم تجحدون خصيصي والدي كان أتاكم معشر العرب بإحسانه وإنعامه
كان عليكم مع فظاظته وشدته كانت على الفرس وأخبرهم بالذي أتاه من نعى أبيه
503

وتمليك الفرس من ملكوا عن تشاور منهم في ذلك قال المنذر لا يهولنك ذلك
حتى الطف للحيلة فيه وأن المنذر جهز عشرة آلاف رجل من فرسان العرب
ووجههم مع ابنه إلى طيسبون وبها أردشير مدينتي الملك وأمره أن يعسكر قريبا
منهما ويد من إرسال طلائعه إليهما فإن تحرك أحد لقتاله قاتله وأغار على ما والاهما
وأسر وسبى ونهاه عن سفك الدماء فسار النعمان حتى نزل قريبا من المدينتين
ووجه طلائعه إليهما واستعظم قتال الفرس وأن من بالباب من العظماء وأهل
البيوتات أوفدوا جوانى صاحب رسائل يزدجرد إلى المنذر وكتبوا إليه يعلمونه
أمر النعمان فلما ورد جوانى على المنذر وقرأ الكتاب الذي كتب إليه قال له الق
الملك بهرام ووجه معه من يوصله إليه فدخل جوانى على بهرام فراعه ما رأى
من وسامته وبهائه وأغفل السجود دهشا فعرف بهرام أنه إنما ترك السجود لما
راعه من روائه فكلمه بهرام ووعده من نفسه أحسن الوعد ورده إلى المنذر وأرسل
إليه أن يجيب في الذي كتب فقال المنذر لجوانى قد تدبرت الكتاب الذي أتيتني
به وإنما وجه النعمان إلى ناحيتكم الملك بهرام حيث ملكه الله بعد أبيه وخوله
إياكم فلما سمع جوانى مقالة المنذر وتذكر ما عاين من رواء بهرام وهيبته عند نفسه
وأن جميع من شاور في صرف الملك عن بهرام مخصوم محجوج قال للمنذر
إني لست مخبرا جوابا ولكن سران رأيت إلى محلة الملوك فيجتمع إليك من بها
من العظماء وأهل البيوتات وتشاوروا في ذلك وأت فيه ما يجمل فإنهم لن
يخالفوك في شئ مما تشير به فرد المنذر جوانى إلى من أرسله إليه واستعد وسار
بعد فصول جوانى من عنده بيوم ببهرام في ثلاثين ألف رجل من فرسان العرب
وذوي البأس والنجدة منهم إلى مدينتي الملك حتى إذا وردهما أمر فجمع الناس وجلس
بهرام على منبر من ذهب مكلل بجوهر وجلس المنذر عن يمينه وتكلم عظماء
الفرس وأهل البيوتات وفرشوا للمنذر بكلامهم فظاظة يزدجرد أبى بهرام كانت
وسوء سيرته وأنه أخرب بسوء رأيه الأرض وأكثر القتل ظلما حتى قد قتل
الناس في البلاد التي كان يملكها وأمروا غير ذلك فظمعة وذكروا أنهم إنما تعاقدوا
504

وتواثقوا على صرف الملك عن ولد يزدجرد لذلك وسألوا المنذر أن لا يجبرهم
في أمر الملك على ما يكرهونه فوعى المنذر ما بثوا من ذلك وقال لبهرام أنت أولى
بإجابة القوم منى فقال بهرام إني لست أكذبكم معشر المتكلمين في شئ مما نسبتم
إليه يزدجرد لما استقر عندي من ذلك ولقد كنت زاريا عليه لسوء هديه
ومتنكبا لطريقه ودينه ولم أزل أسأل الله أن يمن على بالملك فأصلح كل ما أفسد
وأرأب ما صدع فان أتت لملكي سنة ولم أف لكم بهذه الأمور التي عددت لكم
تبرأت من الملك طائعا وقد أشهدت بذلك على الله وملائكته وموبذان موبذ
وليكن هو فيها حكما بيني وبينكم وأنا مع الذي بينت على ما أعلمكم من رضاي
بتمليككم من تناول التاج الزينة من بين أسدين ضاريين مشبلين فهو الملك فلما
سمع القوم مقالة بهرام هذه وما وعد من نفسه استبشروا بذلك انبسطت آمالهم
وقالوا فيما بينهم إنا لسنا نقدر على رد قول بهرام مع انا ان تممنا على صرف الملك
عنه نتخوف أن يكون في ذلك هلاكنا لكثرة من استمد واستجاش من العرب
ولكنا نمتحنه بما عرض علينا مما لم يدعه إليه إلا ثقة بقوته وبطشه وجرأته فان
يكن على ما وصف به نفسه فليس لنا رأى إلا تسليم الملك إليه والسمع والطاعة
له وأن يهلك ضعفا ومعجزة فنحن من هلكته برآء ولشره وغائلته آمنون وتفرقوا
على هذا الرأي فعاد بهرام بعد أن تكلم بهذا الكلام وجلس كمجلسه الذي كان
فيه بالأمس وحضره من كان يحاده فقال لهم إما أن تجيبوني فيما تكلمت أمس
وإما أن تسكتوا باخعين لي بالطاعة فقال القوم أما نحن فقد اخترنا لتدبير الملك
كسرى ولم نر منه إلا ما نحب ولكنا قد رضينا مع ذلك أن يوضع التاج والزينة
كما ذكرت بين أسدين وتتنازعانهما أنت وكسرى فأيكما تناولها من بينهما سلمنا
له الملك فرضى بهرام بمقالتهم فاتى بالتاج والزينة موبذان موبذ الموكل كان بعقد
التاج على رأس كل ملك يملك فوضعهما في ناحية وجاء بسطام اصبهبذ بأسدين
ضاريين مجوعين مشبلين فوقف أحدهما عن جانب الموضع الذي وضع فيه التاج
والزينة والآخر بحذائه وأرخى وثاقهما ثم قال بهرام لكسرى دونك التاج
505

والزينة فقال كسرى أنت أولى بالبدء وبتناولهما منى لأنك تطلب الملك بوراثة
وأنا فيه مغتصب فلم يكره بهرام قوله لثقته كانت ببطشه وقوته وحمل جرزا وتوجه
نحو التاج والزينة فقال له موبذان موبذ استماتتك في هذا الامر الذي أقدمت
عليه إنما هو تطوع منك لا عن رأى أحد من الفرس ونحن برآء إلى الله من
اتلافك نفسك فقال بهرام أنتم من ذلك برآء ولا وزر عليكم فيه ثم أسرع نحو
الأسدين فلما رأى موبذان موبذ جده في لقائهما هتف به وقال بح بذنوبك وتب
منها ثم أقدم إن كنت لا محالة مقدما فباح بهرام بما سلف من ذنوبه ثم مشى نحو
الأسدين فبدر إليه أحدهما فلما دنا من بهرام وثب وثبة فعلا ظهره وعصر جنبي
الأسد بفخذيه عصرا أثخنه وجعل يضرب على رأسه بالجرز الذي كان حمل ثم
شد الأسد الآخر عليه فقبض على أذنيه وعركهما بكلتى يديه فلم يزل يضرب رأسه
برأس الأسد الذي كان راكبه حتى دمغهما ثم قتلهما كليهما على رأسهما بالجرز
الذي كان حمله وكان ذلك من صنيعه بمرأى من كسرى ومن حضر ذلك المحفل
فتناول بهرام بعد ذلك التاج والزينة فكان كسرى أول من هتف به وقال عمرك
الله بهرام الذي من حوله سامعون له مطيعون ورزقه ملك أقاليم الأرض السبعة
ثم هتف به جميع الحضر وقالوا قد أذعنا للملك بهرام وخضعنا له ورضينا به ملكا
وأكثروا الدعاء له وإن العظماء وأهل البيوتات وأصحاب الولايات والوزراء
لقوا المنذر بعد ذلك اليوم وسألوه أن يكلم بهرام في التغمد لاساءتهم في أمره
والصفح والتجاوز عنهم فكلم المنذر بهرام فيما سألوه من ذلك واستوهبه ما كان
احتمل عليهم في نفسه فأسعفه بهرام فيما سأل وبسط آمالهم وان بهرام ملك وهو
ابن عشرين سنة وأمر من يومه ذلك أن يلزم رعيته راحة ودعة وجلس للناس
بعد ذلك سبعة أيام متوالية يعدهم الخير من نفسه ويأمرهم بتقوى الله وطاعته ثم
لم يزل بهرام حيث ملك مؤثرا اللهو على ما سواه حتى كثرت ملامة رعيته إياه على
ذلك وطمع من حوله من الملوك في استباحة بلاده والغلبة على ملكه وكان أول
من سبق إلى المكاثرة له عليه خاقان ملك الترك فإنه غزاه في مائتين وخمسين ألف
506

رجل من الترك فبلغ الفرس اقبال خاقان فيجمع عظيم إلى بلادهم فتعاظمهم ذلك
وهالهم ودخل عليه من عظمائهم أناس لهم رأى أصيل وعندهم نظر للعامة فقالوا
له انه قدر أزفك أيها الملك من بائقة هذا العدو ما قد شغلك عما أنت عليه من اللهو
والتلذذ فتأهب له كيلا يلحقنا منه أمر يلزمك فيه مسبة وعار فقال لهم بهرام إن
الله ربنا قوى ونحن أولياؤه ولم يزدد إلا مثابرة على اللهو والتلذذ والصيد وإنه
تجهز فسار إلى آذربيجان لينسك في بيت نارها ويتوجه منها إلى أرمينية ويطلب
الصيد في آجامها ويلهو في مسيره في سبعة رهط من العظماء وأهل البيوتات
وثلثمائة رجل من رابطته ذوي باس ونجدة واستخلف أخا له يسمى نرسي على
ما كان يدبر من ملكه فلم يشك الناس حين بلغهم مسير بهرام فيمن سار واستخلافه
أخاه على ما استخلف في أن ذلك هرب من عدوه واسلام لملكه وتآمروا في انفاذ وفد إلى
خاقان والاقرار له بالخراج مخافة منه لاستباحة بلادهم واصطلامة مقاتلتهم ان هم لم
يذعنوا له بذلك فبلغ خاقان الذي أجمع عليه الفرس من الانقياد والخضوع له فآمن
ناحيتهم وأمر جنده بالتورع فاتى بهرام عين كان وجهه ليأتيه بخبر خاقان فأخبره
بأمر خاقان وعزمه فسار إليه بهرام في العدة الذين كانوا معه فبيته وقتل خاقان بيده
وأفشى القتل في جنده وانهزم من سلم من القتل منهم ومنحوه أكتافهم وخلفوا
عسكرهم وذراريهم وأثقالهم وأمعن بهرام في طلبهم يقتلهم ويحوى ما غنم منهم
ويسبي ذراريهم وانصرف وجنده سالمين وظفر بهرام بتاج خاقان وإكليله وغلب
على بلاده من بلاد الترك واستعمل على ما غلب عليه منها مرزبانا حباه سريرا من
فضة وأتاه أناس من أهل البلاد المتاخمة لما غلب عليه من بلاد الترك خاضعين
باخعين له بالطاعة وسألوه أن يعلمهم حد ما بينه وبينهم فلا يتعدوه فحد لهم حدا وأمر
فبنيت منارة وهى المنارة التي أمر بها فيروز الملك ابن يزدجرد فقدمت إلى بلاد
الترك ووجه بهرام قائدا من قواده إلى ما وراء النهر منهم وأمره بقتالهم فقاتلهم
وأثخنهم حتى أقرو البهرام بالعبودية وأداء الجزية وأن بهرام انصرف إلى آذربيجان
راجعا إلى محلته من السواد وأمر بما كان في إكليل خاقان من ياقوت أحمر
507

وسائر الجوهر فعلق على بيت نار آذربيجان ثم سار وورد مدينة طيسبون فنزل
دار المملكة بها ثم كتب إلى جنده وعماله بقتله خاقان وما كان من أمره وأمر جنده
ثم ولى أخاه نرسي خراسان وأمره أن يسير إليها وينزل بلخ وتقدم إليه بما آراد
ثم إن بهرام سار في آخر ملكه إلى ماه للصيد بها فركب ذات يوم للصيد فشد على
عير وأمعن في طلبه فارتطم في جب فغرق فبلع والدته فسارت إلى ذلك الجب بأموال
عظيمة وأقامت قريبة منه وأمرت بانفاق تلك الأموال عالي من يخرجه منه فنقلوا
من الجب طينا كثيرا وحمئة حتى جمعوا من ذلك آكاما عظاما ولم يقدروا على
جثة بهرام وذكر أن بهرام لما انصرف إلى مملكته من غزوة الترك خطب أهل
مملكته أياما متوالية حثهم في خطبته على لزوم الطاعة وأعلمهم أن نيته التوسعة
عليهم وإيصال الخير إليهم وأنهم إن زالوا عن الاستقامة نالهم من غلظته أكثر
مما كان نالهم من أبيه وان أباه كل افتتح أمرهم باللين والمعدلة فجحدوا ذلك
أو من جحده منهم ولم يخضعوا له خضوع الخول والعبيد للملوك فاصاره ذلك
إلى الغلظة وضرب الأبشار وسفك الدماء وان انصراف بهرام من غزوة ذلك
كان على طريق آذربيجان وأنه نحل بيت نار الشيز ما كان في أكليل خاقان من
اليواقيت والجوهر وسيفا كان لخاقان مفصصا بدر وجوهر وحلية كثيرة وأخدمه
خاتون امرأة خاقان ورفع عن الناس الخراج لثلاث سنين شكرا عل ما لقى من
النصر في وجهه وقسم في الفقراء والمساكين ما لا عظيما وفى البيوتات وذوي
الأحساب عشرين ألف ألف درهم وكتب بخبر خاقان إلى الآفاق كتبا يذكر
فيها أن الخبر ورد عليه بورود خاقان بلاده وأنه مجد الله وعظمه وتوكل عليه وسار
نحوه في سبعة رهط من أهل البيوتات وثلثمائة فارس من نحبة رابطته على
طريق آذربيجان وجبل القبق حتى نفذ على براري خوارزم ومفاوزها فأبلاه
الله أحسن بلاء وذكر لهم ما وضع عنهم من الخراج وكان كتابه في ذلك كتابا
بليغا وقد كان بهرام حين أفضى إليه الملك أمر أن يرفع عن أهل الخراج البقايا التي
بقيت عليهم من الخراج فأعلم أن ذلك سبعون ألف ألف درهم فأمر بتركها وبترك
508

ثلث خراج السنة التي ولى فيها وقيل إن بهرام جور لما انصرف إلى طيسبون
من مغزاه خاقان النركى ولى نرسي أخاه خراسان وأنزله بلخ واستوزر مهر نرسي
ابن برازة وخصه وجعله بزر جفر مذار وأعلمه أنه ماض إلى بلاد الهند ليعرف
أخبارها والتلطف لحيازة بعض مملكة أهلها إلى مملكته ليخفف بذلك بعض
مؤونة عن أهل مملكته وتقدم إلى بما أراد التقدم إليه فيما خلفه عليه إلى أو ان
انصرافه وأنه شخص من مملكته حتى دخل أرض الهند متنكرا مكث بها حينا
لا يسأله أحد من أهلها عن شئ من أمره غير ما يرون من فروسيته وقتله السباع
وجماله وكمال خلقه ما يعجبون منه فلم يزل كذلك حتى بلغه أن في ناحية من أرضهم
فيلا قد قطع السبل وقتل ناسا كثيرا فسأل بعضهم أن يدله عليه ليقتله واننهى
أمره إلى الملك فدعا به وأرسل معه رسولا ينصرف إليه بخبره فلما انتهى بهرام
والرسول إلى الأجمة التي فيها الفيل رقا الرسول إلى شجرة لينظر إلى صنع بهرام ومضى
بهرام ليستخرج الفيل فصاح به فخرج إليه مزبدا وله صوت شديد ومنظر هائل فلما قرب
من بهرام رماه رمية وقعت بين عينيه حتى كادت تغيب ووقذه بالنشاب حتى بلغ
منه ووثب عليه فأخذه بمشفره فاجتذبه جذبة جثا لها الفيل على ركبتيه فلم يزل
يطعنه حتى أمكن من نفسه فاحتز رأسه وحمله على ظهره حتى أخرجه إلى الطريق
ورسول الملك ينظر إليه فلما انصرف الرسول اقتص خبره على الملك فعجب من
شدته وجرأته وحباه حباء عظيما واستفهمه أمره فقال له بهرام أنا رجل من عظماء
الفرس وكان ملك فارس سخط على في شئ فهربت منه إلى جوارك وكان لذلك
الملك عدو قد نازعه ملكه وسار إليه بجنود عظيمة فاشتد وجل الملك صاحب بهرام
منه لما كان يعرف من قوته وأراده على الخضوع له وحمل الخراج إليه وهم صاحب
بهرام بإجابته إلى ذلك فنهاه بهرام عن ذلك وضمن له كفاية أمره فسكن إلى قوله
وخرج بهرام مستعدا له فلما التقوا قال لأساورة الهند احرسوا ظهري ثم حمل
عليهم فجعل يضرب الرجل على رأسه فتنتهي ضربته إلى فمه ويضرب وسط الرجل
فيقطعه باثنين ويأتي الفيل فيقذ مشفره بالسيف ويحتمل الفارس عن سرجه والهند
509

قوم لا يحسنون الرمي وأكثرهم رجالة لا دواب لهم وكان بهرام إذا رمى أحدهم
أنفذ السهم فيه فلما عاينوا نمه ما عاينوا ولوا منهزمين لا يلوون على شئ وغنم
صاحب بهرام ما كان في عسكر عدوه وانصرف محبورا مسرورا ومعه بهرام
فكان في مكافأته إياه أن أنكحه ابنته ونحله الديبل ومكران وما يليها من
أرض السند وكتب له بذلك كتابا وأشهد له على نفسه شهودا وأمر بتلك البلاد
حتى ضمت إلى أرض العجم وحمل خراجها إلى بهرام وانصرف بهرام مسرورا
ثم إنه أغزى مهر نرسي بن برازة بلاد الروم في أربعين ألف مقاتل وأمره أن
يقصد عظيمها ويناظره في أمر الإتاوة وغيرها مما لم يكن يقوم بمثله الأمثل
مهر نرسي فتوجه في تلك العدة ودخل القسطنطينية وقام مقاما مشهورا وهادنه عظيم
الروم وانصرف بكل الذي أراد بهرام ولم يزل لمهر نرسي مكرما وربما خفف
اسمه فقيل نرسي وربما قيل مهر نرسه وهو مهر نرسي بن برازة بن فرخزاذ بن
خورهباذ بن سيسفاذ بن سيسنابروه بن كي أشك بن دارا بن دارا بن بهمن
ابن اسفنديار بن بشتاسب وكان مهر نرسي معظما عند جميع ملوك فارس بحسن أدبه
وجودة آرائه وسكون العامة إليه وكان له أولاد مع ذلك قد قاربوه في القدر وعملوا
للملوك من الأعمال ما كادوا يلحقون بمرتبته وان منهم ثلاثة قد كانوا برزوا أحدهم
زر واند إذ كان مهر نرسي قصد به للدين والفقه فأدرك من ذلك أمرا عظيما حتى
صيره بهرام جور هربذان هربذ مرتبة شبيهة بمرتبة موبذان موبذ وكان يقال للآخر
ما جشنس ولم يزل متوليا ديوان الخراج أيام بهرام جور وكان اسم مرتبته بالفارسية
راستراى وشانسلان وكان الثالث اسمه كارد صاحب الجيش الأعظم واسم مرتبته
بالفارسية اسطران سلان وهذه مرتبة فوق مرتبة الاصبهبذ تقارب مرتبة
الارجبذ وكان اسم مهر نرسي بمرتبته بالفارسية بزر جفر مذار وتفسيره بالعربية
وزير الوزراء أو رئيس الرؤساء وقيل إنه كان من قرية يقال لها ابروان من
رستاق دشبارين من كورة أردشير خرة فابتنى فيه وفى جره من كورة سابور
لاتصال ذلك ودشتبارين أبنية رفيعة واتخذ فيها بيت نار هو باق فيما ذكر إلى
510

اليوم وتارة توقد إلى هذه الغاية يقال لها مهر نرسيان واتخذ بالقرب من ابروان
أربع قرى وجعل كل واحدة منها بيت نار فجعل واحدا منها لنفسه وسماه
فرازمرا آور خذايان وتفسير ذلك اقبلي إلى سيدتي على وجه التعظيم للنار وجعل
الآخر لزرا ونداذ وسماه زراونداذان والآخر لكارد وسماه كار داذان والآخر
لما جشنس وسماه ما جشنسفان واتخذ في هذه الناحية ثلاث باغات جعل في كل
باغ منها اثنى عشر ألف نخلة وفى باغ اثنى عشر ألف أصل زيتون وفى باغ اثنى
عشر ألف سروة ولم تزل هذه القرى والباغات وبيوت النيران في يد قوم من
ولده معروفين إلى اليوم وإن ذلك فيما ذكر إلى اليوم باق على أحسن حالاته
وذكر أن بهرام بعد فراغه من أمر خاقان وأمر ملك الروم مضى إلى بلاد
السودان من ناحية اليمن فأوقع بهم فقتل منهم مقتلة عظيمة وسبى منهم خلقا ثم
انصرف إلى مملكته ثم كان من أمر هلاكه ما قد وصفت واختلفوا في مدة
ملكه فقال بعضهم كان ملكه ثماني عشرة سنة وعشرة أشهر وعشرين يوما
وقال آخرون كان ملكه ثلاثا وعشرين سنة وعشرة أشهر وعشرين يوما * ثم
قام بالملك من بعده
يزدجرد
ابن بهرام جور فلما عقد التاج على رأسه دخل عليه العظماء والاشراف
فدعوا له وهنؤوه بالملك فرد عليهم ردا حسنا وذكر أباه ومناقبه وما كان منه
إلى الرعية وطول جلوسه كان لها وأعلمهم أنهم إن فقدوا منه مثل الذي كانوا
يعهدونه من أبيه فلا ينبغي لهم أن يستنكروه فان خلواته إنما تكون في مصلحة
للملكة وكيد للأعداء وأنه قد استوزر مهر نرسي بن برازة صاحب أبيه وأنه
سائر فيهم بأحسن السيرة ومستن لهم أفضل السنن ولم يزل قامعا لعدوه رؤفا
برعيته وجنوده محسنا إليهم وكان له ابنان يقال لأحدهما هرمز وكان ملكا
على سجستان والآخر يقال له فيروز فغلب هرمز على الملك من بعد هلاك أبيه
يزدجرد فهرب فيروز منه ولحق ببلاد الهياطلة وأخبر ملكها بقصته وقصة
511

هرمز أخيه وانه أولى بالملك منه وسأله ان يمده بجيش يقاتل بهم هرمز ويحتوى
على ملك أبيه فأبى ملك الهياطلة أن يجيبه إلى ما سأل من ذلك حتى أخبر أن
هرمز ملك ظلوم جائر فقال ملك الهياطلة إن الجور لا يرضاه الله ولا يصلح
عمل أهله ولا يستطاع أن ينتصف ويحترف في ملك الملك الجائر إلا بالجور
والظلم فأمد فيروز بعد أن دفع إليه الطالقان بحيش فأقبل بهم وقاتل هرمز أخاه
فقتله وشتت جمعه وغلب على الملك وكان الروم التاثوا على يزدجرد بن بهرام في
الخراج الذي كانوا يحملونه إلى أبيه فوجه إليهم مهر نرسي بن برازة في مثل العدة
التي كان بهرام وجهه إليهم عليها فبلغ له إرادته وكان ملك يزدجرد ثماني عشرة
سنة وأربعة أشهر في قول بعضهم وفى قول آخرين سبع عشرة سنة * ثم ملك
فيروز
ابن بزدجرد بن بهرام جور بعد أن قتل أخاه وثلاثة نفر من أهل بيته
وحدثت عن هشام بن محمد قال استعد فيروز من خراسان واستنجد بأهل
طخارستان وما يليها وسار إلى أخيه هرمز بن يزدجرد وهو بالري وكانت أمهما
واحدة واسمها دينك وكانت بالمدائن تدبر ما يليها من الملك فظفر فيروز بأخيه
فحبسه وأظهر العدل وحسن السيرة وكان يتدين وقحط الناس في زمانه سبع
سنين فأحسن تدبير الامر حتى قسم ما في بيوت الأموال وكف عن الجباية وساسهم
أحسن السياسة فلم يهلك في تلك السنين أحد ضياعا إلا رجل واحد وسار إلى قوم
كانوا قد غلبوا على طخارستان يقال لهم الهياطلة وقد كان قواهم في أول ملكه
لمعونتهم إياه على أخيه وكانوا فيما زعموا يعملون عمل قوم لوط فلم يستحل ترك
البلاد في أيديهم فقاتلهم فقتلوه في المعركة وأربعة بنين له وأربعة إخوة كلهم كان
يتسمى بالملك وغلبوا على عامة خراسان حتى سار إليهم رجل من أهل فارس يقال
له سوخرا من أهل شيراز وكان فيهم عظيما فخرج فيمن تبعه شبه المحتسب المتطوع
حتى لقى صاحب الهياطلة فأخرجه من بلاد خراسان فافترقا على الصلح ورد ما لم
يضع مما في عسكر فيروز من الاسراء والسبي وملك سبعا وعشرين سنة * وقال غير
512

هشام من أهل الأخبار كان فيروز ملكا محدودا محارفا مشؤما على رعيته وكان جل
قوله وفعله فيما هو ضرر وآفة عليه وعلى أهل مملكته وان البلاد قحطت في ملكه سبع سنين
متوالية فغارت الأنهار والقنى والعيون وقحلت الأشجار والغياض وهاجت عامة
الزروع والآجام في السهل والجبل من بلاده وموتت فيها الطير والوحوش
وجاعت الانعام والدواب حتى كانت لا تقدر أن تحمل حمولة وقل ماء دجلة وعم
أهل بلاده اللزبات والمجاعة والجهد والشدائد فكتب إلى جميع رعيته يعلمهم أنه
لا خراج عليهم ولا جزية ولا نائبة ولا سحرة وأن قد ملكهم أنفسهم ويأمرهم
بالسعي فيما يقوتهم ويقيمهم ثم أعاد الكتاب إليهم في إخراج كل من كان له
منهم مطمورة أو هرى أو طعام أو غيره مما يقوت الناس والتآسي فيه وترك
الاستئثار فيه وأن يكون حال أهل الغنى والفقر وأهل الشرف والضعة في التأسي
واحدا وأخبرهم أنه إن بلغه أن إنسيا مات جوعا عاقب أهل المدينة أو أهل القرية
أو الموضع الذي يموت فيه ذلك الانسى جوعا ونكل بهم أشد النكال فساس
فيروز رعيته في تلك اللزبة والمجاعة سياسة لم يعطب أحد منهم جوعا ما خلا
رجلا واحدا من رستاق كورة اردشير خرة يدعى بديه فتعظم ذلك عظماء الفرس
وجميع أهل أردشير خرة وفيروز وأنه ابتهل إلى ربه في نشر رحمته له ولرعيته
وإنزال غيثه عليهم فأغاثه الله وعادت بلاده في كثرة المياه على ما كانت تكون
عليه وصلحت الأشجار وأن فيروز أمر فبنيت بالري مدينة سماها رام فيروز
وفيما بين جرجان وباب صول مدينة وسماها روشن فيروز وبناحية آذربيجان
مدينة وسماها شهرام فيروز ولما حييت بلاد فيروز واستوثق له الملك وأثخن
في أعدائه وقهرهم وفرغ من بناء هذه المدن الثلاث سار بجنوده نحو خراسان
مريدا حرب اخشنوار ملك الهياطلة فلما بلغ اخشنوار خبره اشتد منه رعبه فذكر
أن رجلا من أصحاب اخشنوار بذل له نفسه وقال له اقطع يدي ورجلي والقني
على طريق فيروز وأحسن إلى ولدى وعيالي يريد بذلك فيما ذكر الاحتيال لفيروز
ففعل ذلك اخشنوار بذلك الرجل وألقاه على طريق فيروز فلما مر به أنكر
513

حاله وسأله عن أمره فأخبره أن اخشنوار فعل ذلك به لأنه قال له لاقوام لك
بفيروز وجنود الفرس فرق له فيروز ورحمه وأمر يحمله معه فأعلمه على وجه
النصح منه له فيما زعم أنه يدله وأصحابه على طريق مختصر لم يدخل إلى ملك الهياطلة
منه أحد فاغتر فيروز بذلك منه وأخذ بالقوم في الطريق الذي ذكره له الاقطع
فلم يزل يقطع بهم مفازة بعد مفازة فكلما شكوا عطشا أعلمهم انهم قد قربوا من
الماء ومن قطع المفازة حتى إذا بلغ بهم موضعا علم أنهم لا يقدرون فيه على تقدم
ولا تأخر بين لهم أمره فقال أصحاب فيروز قد كنا حذر ناك هذا أيها الملك فلم
تحذر فاما الآن فلا بد من المضي قدما حتى نوا في القوم على الحالات كلها فمضوا
لوجوههم وقتل العطش أكثرهم وصار فيروز بمن نجا معه إلى عدوهم فلما أشرفوا
عليهم على الحال التي هم فيها دعوا اخشنوار إلى الصلح على أن يخلى سبيلهم حتى
ينصرفوا إلى بلادهم على أن يجعل فيروز له عهد الله وميثاقه أن لا يغزوهم ولا يروم
أرضهم ولا يبعث إليهم جندا يقاتلونهم ويجعل بين مملكتهما حدا لا يجوزه فرضى
اخشنوار بذلك وكتب له به فيروز كتابا مختوما وأشهد له على نفسه شهودا ثم خلى
سبيله وانصرف فلما صار إلى مملكته حمله الانف والحمية على معاودة اخشنوار
فغزاه بعد أنه نهاه وزراؤه وخاصته عن ذلك لما فيه من نقض العهد فلم يقبل مهم
وأبى إلا ركوب رأيه وكان فيمن نهاه عن ذلك رجل كان يخصه ويجتبى رأيه يقال
له مزدبوذ فلما رأى مزدبوذ لجاجته كتب ما دار بينهما في صحيفة وسأله الختم عليها
ومضى فيروز لوجهه نحو بلاد اخشنوار وقد كان اخشنوار حفر خندقا بينه وبين بلاد
فيروز عظيما فلما انتهى إليه فيروز عقد عليه القناطر ونصب عليها رايات جعلها
أعلاما له ولأصحابه في انصرافهم وجاز إلى القوم فلما التقى معسكرهم احتج عليه
اخشنوار بالكتاب الذي كتبه له ووعظه بعهده وميثاقه فأبى فيروز إلا لجاجا
ومحكا وتواقفا فكلم كل واحد منهما صاحبه كلاما طويلا ونشبت بينهما بعد ذلك
الحرب وأصحاب فيروز على فتور من أمرهم للعهد الذي كان بينهم وبين الهياطلة
وأخرج اخشنوار الصحيفة التي كتبها له فيروز فرفعها على رمح وقال اللهم خذ
514

بما في هذا الكتاب فانهزم فيروز وسها عن موضع الرايات وسقط في الخندق
فهلك وأخذ اخشنوار أثقال فيروز ونساءه وأمواله ودواوينه وأصاب جند
فارس شئ لم يصبهم مثله قط وكان بسجستان رجل من أهل كورة أردشير خرة
من الأعاجم ذو علم وبأس وبطش يقال له سوخرا ومعه جماعة من الأساورة
فلما بلغه خبر فيروز ركب من ليلته فأغذ السير حتى انتهى إلى اخشنوار فأرسل
إليه وآذنه بالحرب وتوعده بالجائحة والبوار فبعث إليه اخشنوار جيشا عظيما
فلما التقوا ركب إليهم سوخرا فوجدهم مدلين فيقال إنه رمى بعض من ورد
عليه منهم رمية فوقعت بين عيني فرسه حتى كادت النشابة تغيب في رأسه فسقط
الفرس وتمكن سوخرا من راكبه فاستبقاه وقال له انصرف إلى صاحبك
فأخبره بما رأيت فانصرفوا إلى اخشنوار وحملوا الفرس معهم فلما رأى أثر
الرمية بهت وأرسل إلى سوخرا أن سل حاجتك فقال له حاجتي أن ترد على
الديوان وتطلق الاسرى ففعل ذلك فلما صار الديوان في يده واستنقذ الاسرى
استخرج من الديوان بيوت الأموال التي كانت مع فيروز فكتب إلى اخشنوار
أنه غير منصرف إلا بها فلما تبين الجد افتدى نفسه وانصرف سوخرا بعد
استنقاذ الأسارى وأخذ الديوان وارتجاع الأموال وجميع ما كان مع فيروز
من خزائنه إلى أرض فارس فلما صار إلى الأعاجم شرفوه وعظموا أمره وبلغوا
به من المنزلة ما لم يكن بعده إلا الملك وهو سوخرا بن ويسابور بن زهان بن
نرسي بن ويسابور بن قارن بن كروان بن أبيد بن أو بيد بن تيرويه بن
كردنك بن ناور بن طوس بن نودكا بن منشور بن نودر بن منوشهر * وذكر
بعض أهل العلم بأخبار الفرس من خبر فيروز وخبر اخشنوار نحوا
مما ذكرت غير أنه ذكر أن فيروز لما خرج متوجها إلى اخشنوار استخلف
على مدينة طيسون ومدينة بهر سير وكانتا محلة الملوك سوخرا هذا قال وكان يقال
لمرتبته قارن وكان يلي معهما سجستان وأن فيروز لما بلغ منارة كان بهرام جور ابتناها
فيما بين تخوم بلاد خراسان وبلاد الترك لئلا يجوزها الترك إلى خراسان لميثاق
515

كان بين الترك والفرس على ترك الفريقين التعدي لها وكان فيروز عاهد اخشنوار
أن لا يجاوزها إلى بلاد الهياطلة أمر فيروز فضمد فيها خمسون فيلا وثلثمائة
رجل فجرت أمامه جرا واتبعها أراد بذلك زعم الوفاء لا خشنوار بما عاهده عليه
فبلغ اخشنوار ما كان من فيروز في أمر تلك المنارة فأرسل إليه يقول انته
يا فيروز عما انتهى عنه أسلافك ولا تقدم على ما لم يقدموا عليه فلم يحفل فيروز
بقوله ولم تكرثه رسالته وجعل يستطعم محاربة اخشنوار ويدعوه إليها وجعل
اخشنوار يمتنع من محاربته ويستكرهها لان جل محاربة الترك انما هو بالخداع
والمكر والمكايدة وأن اخشنوار أمر فحفر خلف عسكره خندق عرضه عشرة
أذرغ وعمقه عشرون ذراعا وغمى بخشب ضعاف وألقى عليه ترابا ثم ارتحل في جنده
فمضى غير بعيد فبلغ فيروز رحلة اخشنوار بجنده من عسكره فلم يشك في أن ذلك
منهم انكشاف وهرب فأمر بضرب الطبول وركب في جنده في طلب اخشنوار
وأصحابه فاغذوا السير وكان مسلكهم على ذلك الخندق فلما بلغوه أقحموا على
غمائه فتردى فيها فيروز وعامة جنده وهلكوا من عنده آخرهم وأن اخشنوار
عطف على عسكر فيروز فاحتوى على كل شئ فيه وأسر موبذان موبذ وصارت
فيروزدخت ابنة فيروز فيمن صار في يده من نساء فيروز وأمر اخشنوار
فاستخرجت جثة فيروز وجثة كل من سقط معه في ذلك الخندق فوضعت في
النواويس ودعا اخشنوار فيروز دخت إلى أن يباشرها فأبت عليه وأن خبر
هلاك فيروز سقط إلى بلاد فارس فارتجوا له وفزعوا حتى إذا استقرت حقيقة
خبره عند سوخرا تأهب وسار في عظم من كان قبله من الجند إلى بلاد الهياطلة
فلما بلغ جرجان بلغ اخشنوار خبر مسيره لمحاربته فاستعدو أقبل متلقيا له وأرسل
إليه يستخبره عن خبره ويسأله عن اسمه ومرتبته * فأرسل أنه رجل يقال له
سوخرا ولمريبته قارن وأنه إنما سار إليه لينتقم منه لفيروز فأرسل إليه اخشنوار
يقول إن سبيلك في الامر الذي قدمت له كسبيل فيروز إذ لم يعقبه في كثرة جنوده
من محاربته إياي إلا الهلكة والبوار فلم ينهنه سوخرا قول اخشنوار ولم يعبأ به
516

وامر جنوده فاستعدوا وتسلحوا وزحف إلى اخشنوار لشدة اقدامه وحدة قلبه
فطلب موادعته وصلحه فلم يقبل منه سوخرا صلحا دون أن يصير في يده كل شئ
صار عنده من عسكر فيروز فسلم اخشنوار إليه ما أصاب من أموال فيروز
وخزائنه ومرابطه ونسائه وفيهن فيروز دخت ودفع إليه موبذان موبذ وكل
أحد كان عنده من عظماء الفرس فانصرف سوخرا بذلك كله إلى بلاد الفرس
واختلف في مدة ملك فيروز فقال بعضم كانت ستا وعشرين سنة وقال آخرون
كانت إحدى وعشرين سنة
ذكر ما كان من الاحداث في أيام يزدجرد بن بهرام وفيروز
بين عمالهما على العرب وأهل اليمن
حدثت عن هشام بن محمد قال كان يخدم الملوك من حمير في زمان ملكهم أبناء
الاشراف من حمير وغيرهم من القبائل فكان ممن يخدم حسان بن تبع عمرو
ابن حجر الكندي وكان سيد كندة في زمانه فلما سار حسان بن تبع إلى جديس
خلفه على بعض أموره فلما قتل عمرو بن تبع أخاه حسان بن تبع وملك مكانه اصطنع
عمرو بن حجر الكندي وكان ذا رأى ونبل وكان مما أراد عمرو اكرامه به
وتصغير بنى أخيه حسان أن زوجه ابنة حسان بن تبع فتكلمت في ذلك حمير
وكان عندهم من الاحداث التي ابتلوا بها لأنه لم يكن يطمع في التزويج إلى أهل
ذلك البيت أحد من العرب وولدت ابنة حسان بن تبع لعمرو بن حجر الحارث
ابن عمرو وملك بعد عمرو بن تبع عبد كلال بن مثوب وذلك أن ولد حسان كانوا
صغارا إلا ما كان من تبع بن حسان فإن الجن استهامته فأخذ الملك عبد كلال بن
مثوب مخافة أن يطمع في الملك غير أهل بيت المملكة فوليه بسن وتجربة وسياسة
حسنة وكان فيما ذكروا على دين النصرانية الأولى وكان يسر ذلك من قومه وكان
الذي دعاه إليه رجل من غسان قدم عليه من الشأم فوثبت حمير بالغساني فقتلته
فرجع تبع بن حسان من استهامة الجن إياه صحيحا وهو أعلم الناس بنجم وأعقل
517

من يعلم في زمانه وأكثره حديثا عما كان قبله وما يكون في الزمان بعده فملك تبع
ابن حسان بن تبع بن ملكيكرب بن تبع الأقرن فهابته حمير والعرب هيبة شديدة
فبعث بابن أخته الحارث بن عمرو بن حجر الكندي في جيش عظيم إلى بلاد
معد والحيرة وما والاها فسار إلى النعمان بن امرئ القيس ابن الشقيقة فقاتله
فقتل النعمان وعدة من أهل بيته وهزم أصحابه وأفلته المنذر بن النعمان الأكبر وأمه
ماء لسماء امرأة من النمر فذهب ملك آل النعمان وملك الحارث بن عمرو الكندي
ما كانوا يملكون وقال هشام ملك بعد النعمان ابنه المنذر بن النعمان وأمه هند ابنة
زيد مناة بن زيد الله بن عمر الغساني أربعا وأربعين سنة من ذلك في زمن بهرام
جور بن يزدجرد ثماني سنين وتسعة أشهر وفى زمن يزدجرد بن بهرام ثماني
عشرة سنة وفى زمن فيروز بن يزدجرد سبع عشرة سنة ثم ملك بعده ابنه الأسود
ابن المنذر وأمه هرابنة النعمان من بنى الهيجمانة ابنة عمرو بن أبي ربيعة بن ذهل
ابن شيبان وهو الذي أسرته فارس عشرين سنة من ذلك في زمن فيروز بن
يزدجرد عشر سنين وفى زمن بلاش بن يزدجرد أربع سنين وفى زمن قباذ بن
فيروز ست سنين (ثم قام بالملك) بعد فيروز بن يزدجرد ابنه
بلاش
ابن فيروز بن يزدجرد بن بهرام جور وكان قباذ أخوه قد نازعه الملك فغلب
بلاش وهرب قباذ إلى خاقان ملك الترك يسأله المعونة والمدد فلما عقد التاج لبلاش
على رأسه اجتمع إليه العظماء والاشراف فهنؤه ودعوا له وسألوه أن يكافئ
سوخرا بما كان منه فخصه وأكرمه وحباه ولم يزل بلاش حسن السيرة حريصا
على العمارة وكان بلغ من حسن نظره أنه كان لا يبلغه أن بيتا خرب وجلا أهله
عنه إلا عاقب صاحب القرية التي فيها ذلك البيت على تركه انتعاشهم وسد فاقتهم
حتى لا يضطروا إلى الجلاء عن أوطانهم وبنى بالسواد مدينة سماها بلاشاواذ
وهى مدينة ساباط التي بقرب المدائن وكان ملكه أربع سنين * ثم ملك
518

قباذ
ابن فيروز بن يزدجرد بن بهرام جور وكان قباذ قبل أن يصير الملك إليه قد
سار إلى خاقان مستنصرا به على أخيه بلاش فمر في طريقه بحدود نيسابور
ومعه جماعة يسيرة ممن شايعه على الشخوص متنكرين وفيهم زرمهر بن سوخرا
فتاقت نفس قباذ إلى الجماع فشكا ذلك إلى زرمهر وسأله أن يلتمس له امرأة
ذات حسب ففعل ذلك وصار إلى امرأة صاحب منزله وكان رجلا من الأساورة
وكانت له ابنة بكر فائقة في الجمال فتنصح لها في ابنتها وأشار عليها أن تبعث بها
إلى قباذ فأعلمت ذلك زوجها ولم يزل زرمهر يرغب المرأة وزوجها ويشير عليهما
بما يرغبهما فيه حتى فعلا وصارت الابنة إلى قباذ واسمها نيوندخت فغشيها
قباذ في تلك الليلة فحملت أنو شروان فامر لها بجائزة حسنة وحباها حباء جزيلا
وقيل إن أم تلك الجارية سألتها عن هيئة قباذ وحاله فأعلمتها أنها لا تعرف من
ذلك غير أنها رأت سراويله منسوجا بالذهب فعلمت أمها أنه من أبناء الملوك
وسرها ذلك ومضى قباذ إلى خاقان فلما وصل إليه أعلمه أنه ابن ملك فارس وأن
أخاه ضاده في الملك وغلبه وأنه أتاه يستنصره فوعده أحسن العدة ومكث قباذ
عند خاقان أربع سنين يدافعه بما وعده فلما طال الامر على قباذ أرسل إلى امرأة
خاقان يسألها أن تتخذه ولدا وأن تكلم فيه زوجها وتسأله انجاز عدته ففعلت
ولم تزل تحمل على خاقان حتى وجه مع قباذ جيشا فلما انصرف قباذ بذلك الجيش
وصار في ناحية نيسابور سأل الرجل الذي كان أتاه بالجارية عن أمرها فاستخبر
ذلك من أمها فأخبرته أنها قد ولدت غلاما فأمر قباذان يؤتى بها فاتته ومعها
أنو شروان تقوده بيدها فلما دخلت عليه سألها عن قصة الغلام فأخبرته أنه ابنه
وإذا هو قد نزع إليه في صورته وجماله ويقال إن الخبر ورد عليه في ذلك الموضع
بهلاك بلاش فتيمن بالمولود وأمر بحمله وحمل أمه على مراكب نساء الملوك
فلما صار إلى المدائن واستوثق له أمر الملك خص سوخرا وفوض إليه أمره
وشكر له ما كان من خدمة ابنه إياه ووجه الجنود إلى الأطراف ففتكوا في
519

الأعداء وسبوا سبايا كثيرة وبنى بين الأهواز وفارس مدينة الرجان وبنى أيضا
مدينة حلوان وبنى بكورة أردشير خرة في ناحية كارزين مدينة يقال لها قباذ
خرة وذلك سوى مدائن وقرى أنشأها وسوى أنهار احتفرها وجسور عقدها
فلما مضت أكثر أيامه وتولى سوخرا تدبير ملكه وسياسة أموره مال الناس
عليه وعاملوه واستخفوا بقباذ وتهاونوا بأمره فلما احتنك لم يحتمل ذلك ولم
يرض به وكتب إلى سابور الرازي الذي يقال للبيت الذي هو منه مهران وكان
إصبهبذ البلاد في القدوم عليه في من قبله من الجند فقدم سابور بهم عليه
فواصفه قباذ حالة سوخرا وأمره بأمره فيه فغدا سابور على قباذ فوجد عنده
سوخرا جالسا فمضى نحو قباذ متجاوزا له متغافلا لسوخرا فلم يأبه سوخرا
لذلك من أرب سابور حتى القى وهقا كان معه في عنقه ثم اجتذبه فأخرجه فأوثقه
واستودعه السجن فحينئذ قيل نقصت ريح سوخرا وهبت لمهران ريح وذهب
ذلك مثلا وأن قباذ أمر بعد ذلك بقتل سوخرا فقتل وأنه لما مضى لملك قباذ
عشر سنين اجتمعت كلمة موبذان موبذ والعظماء على إزالته عن ملكه فأزالوه
عنه وحبسوه لمتابعته لرجل يقال له مزدك مع أصحاب له قالوا إن الله إنما جعل
الأرزاق في الأرض ليقسمها العبد بينهم بالتآسي ولكن الناس تظالموا فيها
وزعموا أنهم يأخذون للفقراء من الأغنياء ويردون من المكثرين على المقلين
وأنه من كان عنده فضل من الأموال والنساء والأمتعة فليس هو بأولى به من
غيره فافترص السفلة ذلك واغتنموه وكانفوا مزدك وأصحابه وشايعوهم فابتلى
الناس بهم وقوى أمرهم حتى كانوا يدخلون على الرجل في داره فيغلبونه على منزله
ونسائه وأمواله لا يستطيع الامتناع منهم وحملوا قباذ على تزيين ذلك وتوعدوه
بخلعه فلم يلبثوا إلا قليلا حتى صاروا لا يعرف الرجل منهم ولده ولا المولود أباه
ولا يملك الرجل شيئا مما يتسع به وصيروا قباذ في مكان لا يصل إليه أحد
سواهم وجعلوا أخا له قال له جاماسب مكانه وقالوا لقباذ إنك قد أثمت فيما عملت
به فيما مضى وليس يطهرك من ذلك إلا إباحة نسائك وأرادوه على أن يدفع
520

إليهم نفسه فيذبحوه ويجعلوه قربانا للنار فلما رأى ذلك زرمهر بن سوخر اخرج
بمن شايعه من الاشراف باذلا نفسه فقتل من المزدكية ناسا كثيرا وأعاد قباذ
إلى ملكه وطرح أخاه جاماسب ثم لم يزل المزدكية بعد ذلك إنما يحرشون قباذ
على زرمهر حتى قتله ولم يزل قباذ من خيار ملوكهم حتى حمله مزدك على ما حمله
عليه فانتشرت الأطراف وفسدت الثغور * وذكر بعض أهل العلم بأخبار
الفرس أن العظماء من الفرس هم حبسوا قباذ حين اتبع مزدك وشايعه على
ما دعاه إليه من أمره وملكوا مكانه أخاه جاماسب بن فيروز وأن أختا لقباذ أتت
الحبس الذي كان فيه قباذ محبوسا فحاولت الدخول عليه فمنعها إياه الرجل الموكل
كان بالحبس ومن فيه وطمع الرجل أن يفضحها بذلك السبب وألقى إليها طمعه فيها
فأخبرته أنها غير مخالفته في شئ مما يهوى منها فأذن لها فدخلت السجن فأقامت
عند قباذ يوما وأمرت فلف قباذ في بساط من البسط التي كانت معه في الحبس
وحمل على غلام من غلمانه قوى ضابط وأخرج من الحبس فلما مر الغلام
بوالي الحبس سأله عما كان حامله فأفحم واتبعته أخت قباذ فأخبرته أنه فراش
كانت افترشته في عراكها وأنها إنما خرجت لتتطهر وتنصرف فصدفها الرجل
ولم يمس البساط ولم يدن منه استقذارا له وخلى عن الغلام الحامل لقباذ فمضى
بقباذ ومضت على أثره وهرب قباذ فلحق بأرض إلهيا طلة ليستمد ملكها ويستجيشه
فيحارب من خالفه وخلعه وأنه نزل في مبدئه إليها بأبر شهر برجل من عظماء أهلها
له ابنة معصر وأن نكاحه أم كسرى أنو شروان وإن كان في سفره هذا وأن قباذ
رجع من سفره ذلك معه ابنه أنو شروان وأمه فغلب أخاه جاماسب على ملكه
بعد أن ملك أخوه جاماسب ست سنين وأن قباذ غزا بعد ذلك بلاد الروم وافتتح
منها مدينة من مدن الجزيرة تدعى آمد وسبى أهلها وأمر فبنيت في حد ما بين
فارس وأرض الأهواز ومدينة وسماها رام قباذ وهى التي تسمى برمقباذ وتدعى
أيضا أرجان وكور كورة وجعل لها رساتيق من كورة سرق وكورة رام هرمز
وملك قباذ ابنه كسرى وكتب له بذلك كتابا وختمه بخاتمه فلما هلك قباذ وكان
521

ملكه بسنى ملك أخيه جاماسب ثلاثا وأربعين سنة فنفذ كسرى ما أمر به
قباذ من ذلك
ذكر ما ذكر من الحوادث التي كانت بين العرب
في أيام قباذ في مملكته وإلى عماله
وحدثت عن هشام بن محمد قال لما لقى الحارث بن عمرو بن حجر بن عدي
الكندي النعمان بن المنذر بن امرئ القيس بن الشقيقة فقتله وأفلته المنذر بن
النعمان الأكبر وملك الحارث بن عمرو الكندي ما كان يملك بعث قباذ بن
فيروز ملك فارس إلى الحارث بن عمرو الكندي أنه قد كان بيننا وبين الملك
الذي قد كان قبلك عهد وإني أحب أن ألقاك وكان قباذ زنديقا يظهر الخير
ويكره الدماء ويدارى أعداءه فيما يكره من سفك الدماء وكثرت الأهواء
في زمانه واستضعفه الناس فخرج إليه الحارث بن عمرو الكندي في عدد
وعدة حتى التقوا بقنطرة الفيوم فأمر قباذ بطبق من تمر فنزع نواه وأمر بطبق
فجعل فيه تمر فيه نواه ثم وضعا بين أيديهما فجعل الذي فيه النوى يلي الحارث بن عمرو
والذي لا نوى فيه يلي قباذ فجعل الحارث يأكل التمر ويلقى النوى وجعل قباذ
يأكل ما يليه وقال للحارث مالك لا تأكل مثل ما آكل فقال إنما يأكل النوى
إبلنا وغنمنا وعلم أن قباذ يهزأ به ثم اصطلحا على أن يورد الحارث بن عمرو ومن
أحب من أصحابه خيولهم الفرات إلى ألبابها ولا يجاوزوا أكثر من ذلك فلما رأى
الحارث ما عليه قباذ بن الضعف طمع في السواد فأمر أصحاب مسالحه أن يقطعوا
الفرات فيغيروا في السواد فأتى قباذ الصريح وهو بالمدائن فقال هذا من تحت
كنف ملكهم ثم أرسل إلى الحارث بن عمرو أن لصوصا من لصوص العرب
قد أغاروا وأنه يحب لقاءه فلقبيه فقال له قباذ لقد صنعت صنيعا ما صنعه أحد قبلك
فقال له الحارث ما فعلت ولا شعرت ولكنها لصوص من لصوص العرب ولا
أستطيع ضبط العرب إلا بالمال والجنود قال له قباذ فما الذي تريد قال أريد
522

أن تطعمني من السواد ما أتخذ به سلاحا فامر له بما يلي جانب العرب من أسفل
الفرات وهى ستة طساسيج فأرسل الحارث بن عمرو الكندي إلى تبع وهو باليمن
إني قد طمعت في ملك الأعاجم وقد أخذت منه ستة طساسيج فاجمع الجنود وأقبل
فإنه ليس دون ملكهم شئ لان الملك لا يأكل اللحم ولا يستحل هراقة الدماء
لأنه زنديق فجمع تبع الجنود وسار حتى نزل الحيرة وقرب من الفرات فآذاه البق
فامر الحارث بن عمرو أن يشق له نهرا إلى النجف ففعل وهو نهر الحيرة فنزل
عليه ووجه ابن أخيه شمرا ذا الجناح إلى قباذ فقاتله فهزمه شمر حتى لحق بالري ثم
أدركه بها فقتله وأمضى تبع شمرا ذا الجناح إلى خراسان ووجه تبع ابنه حسان
إلى الصغد وقال أيكما سبق إلى الصين فهو عليها وكان كل واحد منهما في جيش
عظيم يقال كانا في ستمائة ألف وأربعين ألفا وبعث ابن أخيه يعفر إلى الروم وهو
الذي يقول:
يا صاح عجبك للداهيه * لحمير إذ نزلوا الجابيه
ثمانون ألف روايا همو * لكل ثمانية راويه
فسار يعفر حتى أتى القسطنطينية فأعطوه الطاعة والإتاوة ثم مضى إلى رومية
وبينهما مسيرة أربعة أشهر فحاصرها وأصاب من معه جوع ووقع فيهم طاعون
فرقوا فأبصرهم الروم ومالقوا فوثبوا عليهم فقتلوهم فلم يفلت منهم أحد وسار
شمر ذو الجناح حتى أتى سمرقند فحاصرها فلم يظفر بشئ منها فلما رأى ذلك أطاف
بالحرس حتى أخذ رجلا من أهلها فسأله عن المدينة وملكها فقال له أما ملكها
فأحمق الناس ليس له هم إلا الشراب والاكل وله ابنة هي التي تقضى أمر الناس
فبعث معه بهدية إليها فقال له أخبرها أنى إنما جئت من أرض العرب للذي
بلغني من عقلها لتنكحني نفسها فأصيب منها غلاما يملك العجم والعرب وأنى لم
أجئ ألتمس المال وأن معي أربعة آلاف تابوت من ذهب وفضة ههنا فأنا أدفعها
إليها وأمضى إلى الصين فإن كانت لي الأرض كانت امرأتي وإن هلكت كان ذلك
المال لها فلما أنهيت إليها رسالته قالت قد أجبته فليبعث بما ذكر فأرسل إليها
523

أربعة آلاف تابوت في كل تابوت رجلان فكان لسمرقند أربعة أبو أب على كل
باب منها أربعة آلاف رجل وجعل العلامة بينه وبينهم أن يضرب لهم بالجلجل
وتقدم في ذلك إلى رسله الذين وجه معهم فلما صاروا في المدينة ضرب لهم بالجلجل
فخرجوا فأخذوا بالأبواب ونهد شمر في الناس فدخل المدينة فقتل أهلها وحوى
ما فيها ثم سار إلى الصين فلقى زحوف الترك فهزمهم ومضى إلى الصين فوجد
حسان بن تبع قد كان سبقه إليها بثلاث سنين فأقاما بها فيما ذكر بعض الناس
حتى ماتا وكان مقامهما إحدى وعشرين سنة قال وقال من زعم أنهما أقاما
بالصين حتى هلكا إن تبعا جعل المنار فيما بينه وبينهم فكان إذا حدث حدث
أو قدوا النار بالليل فأتى الخبر في ليلة وجعل آية ما بينه وبينهم أن إذا
أو قدت نارين من عندي فهو هلاك يعفر وإن أو قدت ثلاثا فهو هلاك تبع وإن
كانت من عندهم نار فهو هلاك حسان وإن كانت نارين فهو هلاكهما فمكثوا
بذلك ثم إنه أو قد نارين فكان هلاك يعفر ثم أو قد ثلاثا فكان هلاك تبع قال
وأما الحديث المجتمع عليه فان شمر أو حسان انصرفا في الطريق الذي كانا أخذا
فيه حيث أبدآ حتى قدما على تبع بما حازا من الأموال بالصين وصنوف
الجوهر والطيب والسبي ثم انصرفوا جميعا إلى بلادهم وسار تبع حتى قدم مكة
فنزل بالشعب من المطابخ وكانت وفاة تبع باليمن فلم يخرج أحد من ملوك اليمن
بعده عنها غازيا إلى شئ من البلاد وكان ملكه مائة واحدى وعشرين سنة قال
ويقال إنه كان دخل في دين اليهود للأحبار الذين كانوا خرجوا من يثرب مع
تبع إلى مكة عدة كثيرة قال ويقولون إن علم كعب الأحبار كان من بقية
ما أورثت تلك الأحبار وكان كعب الأحبار رجلا من حمير * وأما ابن إسحاق
فإنه ذكر أن الذي سار إلى المشرق من التبابعة تبع الآخر وأنه تبع تبان أسعد
أبو كرب بن ملكيكرب بن زيد بن عمرو ذي الأذعار وهو أبو حسان حدثنا بذلك
ابن حميد قال حدثنا سلمة عنه * ثم ملك
524

كسرى أنوشروان
ابن قباذ بن فيروز بن يزدجرد بن بهرام جور فلما ملك كتب إلى أربعة فإذ
وسبانين كان كل واحد منهم على ناحية من نواحي بلاد فارس ومن قبلهم كتبا
نسخة كتابه منها إلى فاذوسبان آذربيجان بسم الله الرحمن الرحيم من الملك كسرى
ابن قباذ إلى وارى بن النخيرجان فاذوسبان آذربيجان وأرمينية وحيزها ودنباوند
وطبرستان وحيزها ومن قبله سلام فان أحرى ما استوحش له الناس فقد
من تخوفوا في فقدهم إياه زوال النعم ووقوع الفتن وحلول المكاره بالأفضل
فالأفضل منهم في نفسه أو حشمه أو ماله أو كريمه وإنا لا نعلم وحشة ولا فقد شئ
أجل رزيئة عند العامة ولا أحرى أن تعم به البلية من فقد ملك صالح وأن كسرى
لما استحكم له الملك أبطل ملة رجل منافق من أهل فسا يقال له زرأذشث بن خركان
ابتدعها في المجوسية فتابعه الناس على بدعته تلك وفاق أمره فيها وكان ممن
دعا العامة إليها رجل من أهل مذرية يقال له مزدق بن بامداذ وكان مما أمر به
الناس وزينه لهم وحثهم عليه التأسي في أموالهم وأهليهم وذكر أن ذلك من البر
الذي يرضاه الله ويثيب عليه أحسن الثواب وأنه لو لم يكن الذي أمرهم به وحثهم
عليه من الدين كان مكرمة في الفعال ورضى في التفاوض فحض بذلك السفلة على
العلية واختلط له أجناس اللؤماء بعناصر الكرماء وسهل السبيل للغصبة إلى
الغصب وللظلمة إلى الظلم وللعهار إلى قضاء نهمتهم والوصول إلى الكرائم اللائي
لم يكونوا يطمعون فيهن وشمل الناس بلاء عظيم لم يكن لهم عهد بمثله فنهى الناس
كسرى عن السيرة بشئ مما ابتدع زراذشت خر كان ومزدق بن بامداذ وأبطل
بدعتهما وقتل بشرا كثيرا ثبتوا عليها ولم ينتهوا عما نهاهم عنه منها وقوما من المنانبة
وثبت للمجوس ملتهم التي لم يزالوا عليها وكان يلي الاصبهبذة وهى الرياسة على
الجنود قبل ملكه رجل وكان إليه اصبهبذة البلاد ففرق كسرى هذه الولاية
والمرتبة بين أربعة اصبهبذين منهم أصبهبذ المشرق وهو خراسان وما والاها
وأصبهبذ المغرب وأصبهبذ نيمروز وهى بلاد اليمن وأصبهبذ آذربيجان وما والاها
525

وهى بلاد الخزر لما رأى في ذلك من النظام لملكه وقوى المقاتلة بالأسلحة والكراع
وارتجع بلادا كانت من مملكة فارس خرج بعضها من يد الملك قباذ إلى ملوك
الأمم لعلل شتى وأسباب منها السند وبست والرخج وزابلستان وطخارستان
ودردستان وكابلستان وأعظم القتل في أمة يقال لها البارز وأجلى بقيتهم عن
بلادهم وأسكنهم مواضع من بلاد مملكته وأذعنوا له بالعبودية واستعان بهم في
حروبه وأمر فأسرت أمة أخرى يقال لها صول وقدم بهم عليه وأمر بهم فقتلوا ما خلا
ثمانين رجلا من كماتهم استحياهم وأمر بانزالهم شهرام فيروز يستعين بهم في حروبه وأن
أمة يقال لها أبخز وأمة يقال لها بنجر وأمة يقال لها بالنجر وأمة يقال لها ألان تمالئوا
على غزو بلاده وأقبلوا إلى أرمينية ليغيروا على أهلها وكان مسلكهم إليها يومئذ
سهلا ممكنا فاغضى كسرى على ما كان منهم حتى إذا تمكنوا في بلاده وجه إليهم
جنودا فقاتلوهم واصطلموهم ما خلا عشرة آلاف رجل منهم أسروا فأسكنوا
آذربيجان وما والاها وكان الملك فيروز بنى في ناحية صول والآن بناء بصخر
إرادة أن يحصن بلاده عن تناول تلك الأمم إياها وأحدث الملك قباذ بن فيروز
من بعد أبيه في تلك المواطن بناء كثيرا حتى إذا ملك كسرى أمر فبنيت في ناحية صول
بصخر منحوت في ناحية جرجان مدن وحصون وآكام وبنيان كثيرا ليكون
حرزا لأهل بلاده يلجؤون إليها من عدو إن دهمهم وإن سنجبوا خاقان كان أمنع
الترك وأشجعهم وأعزهم وأكثرهم جنودا وهو الذي قاتل وزر ملك الهياطلة
غير خائف كثرة الهياطلة ومنعتهم فقتل وزر ملكها وعامة جنوده وغنم أموالهم
واحتوى على بلادهم إلا ما كان كسرى غلب عليه منها وأنه استمال أبخز وبنجر وبلنجر
فمنحوه طاعتهم وأعلموه أن ملوك فارس لم يزالوا يتقونهم بفداء يكفونهم به عن
غزو بلادهم وأنه أقبل في مائة ألف وعشرة آلاف مقاتل حتى شارف ما والى بلاد
صول وأرسل إلى كسرى في توعد منه إياه واستطالة عليه أن يبعث إليه بأموال
وإلى أبخز وبنجر وبلنجر بالفداء الذي كانوا يعطونه إياها قبل ملك كسرى
وأنا إن لم يعجل بالبعثة إليه بما سأل وطئ بلاده وناجزه فلم يحفل كسرى بوعيده
526

ولم يجبه إلى شئ مما سأله لتحصينه كان ناحية باب صول ومناعة السبل والفجاج التي كان
سنجبوا خاقان سالكها إياه ولمعرفته كانت بمقدرته على ضبط ثغر أرمينية بخمسة آلاف
مقاتل من الفرسان والرجالة فبلغ سنجبوا خاقان تحصين كسرى ثغر صول فانصرف
بمن كان معه إلى بلاده خائبا ولم يقدر من كان بإزاء جرجان من العدو للحصون التي كان
أمر كسرى فبنيت حواليها أن يشنوها بغارة ويغلبوا عليها وكان كسرى أنوشروان قد
عرف الناس منه فضلا في رأيه وعلمه وعقله وبأسه وحزمه مع رأفته ورحمته بهم
فلما عقد التاج على رأسه دخل إليه العظماء والاشراف فاجتهدوا في الدعاء له فلما
قضوا مقالتهم قام خطيبا فبدأ بذكر نعم الله على خلقه عند خلقه إياهم وتوكله
بتدبير أمورهم وتقديرا لأقوات والمعايش لهم ولم يدع شيئا إلا ذكر في خطبته
ثم أعلم الناس ما ابتلوا به من ضياع أمورهم وامحاء دينهم وفساد حالهم في أولادهم
ومعايشهم وأعلمهم انه ناظر فيما يصلح ذلك ويحسمه وحث الناس على معاونته
ثم أمر برؤس المزدكية فضربت أعناقهم وقسمت أموالهم في أهل الحاجة وقتل
جماعة كثيرة ممن كان دخل على الناس في أموالهم ورد الأموال إلى أهلها وأمر
بكل مولود اختلف فيه عنده أن يلحق بمن هو منهم إذا لم يعرف أبو ه وأن
يعطى نصيبا من مال الرجل الذي يسند إليه إذا قبله الرجل وبكل امرأة غلبت
على نفسها أن يؤخذ الغالب لها حتى يغرم لها مهرها وبرضى أهلها ثم تخير المرأة
بين الإقامة عنده وبين تزويج من غيره إلا أن يكون كان لها زوج أول فترد إليه
وأمر بكل من كان أضر برجل في ماله أو ركب أحدا بمظلمة أن يؤخذ منه الحق
ثم يعاقب الظالم بعد ذلك بقدر جرمه وأمر بعيال ذوي الأحساب الذين مات
قيمهم فكتب له فانكح بناتهم الأكفاء وجعل جهازهم من بيت المال وأنكح
شبانهم من بيوتات الاشراف وساق عنهم وأغناهم وأمرهم بملازمة بابه ليستعان
بهم في أعماله وخير نساء والده بين أن يقمن مع نسائه فيواسين ويصرن في الاجر
إلى أمثالهن أو يبتغى لهن أكفاءهن من البعولة وأمر بكري الأنهار وحفر القنى
واسلاف أصحاب العمارات وتقويتهم وأمر بإعادة كل جسر قطع أو قنطرة
527

كسرت أو قرية خربت أن يرد ذلك إلى أحسن ما كان عليه من الصلاح وتفقد
الأساورة فمن لم يكن له منهم يسار قواه بالدواب والعدة وأجرى لهم ما يقويهم
ووكل ببيوت النيران وسهل سبل الناس وبنى في الطرق القصور والحصون وتخير
الحكام والعمال والولاة وتقدم إلى من ولى منهم أبلغ التقدم وعمد إلى سير اردشير
وكتبه وقضاياه فاقتدى بها وحمل الناس عليها فلما استوثق له الملك ودانت له البلاد
سار نحو أنطاكية بعد سنين من ملكه وكان فيها عظماء جنود قيصر فافتتحها ثم
أمر ان تصور له مدينة أنطاكية على ذرعها وعدد منازلها وطرقها وجميع ما فيها وأن
يبتنى له على صورتها مدينة إلى جنب المدائن فبنيت المدينة المعرفة بالرومية على
صورة أنطاكية ثم حمل أهل أنطاكية حتى أسكنهم إياها فلما دخلوا باب المدينة
مضى أهل كل بيت منهم إلى ما يشبه منازلهم التي كانوا فيها بأنطاكية كأنهم لم
يخرجوا عنها ثم قصد لمدينة هرقل فافتتحها ثم الإسكندرية وما دونها وخلف
طائفة من جنوده بأرض الروم بعد أن أذعن له قيصر وحمل إليه الفدية ثم انصرف
من الروم فأخذ نحو الخزر فأدرك فيهم تبله وما كانوا وتروه به في رعيته ثم
انصرف نحو عدن فسكر ناحية من البحر هناك بين جبلين مما يلي أرض الحبشة
بالسفن العظام والصخور وعمد الحديد والسلاسل وقتل عظماء تلك البلاد ثم
انصرف إلى المدائن وقد استقام له ما دون هرقلة من بلاد الروم وأرمينية وما بينه
وبين البحرين من ناحية عدن وملك المنذر بن النعمان على العرب وأكرمه ثم أقام
في ملكه بالمدائن وتعاهد ما كان يحتاج إلى تعاهده ثم سار بعد ذلك إلى الهياطلة
مطالبا بوتر فيروز جده وقد كان انو شروان صاهر خاقان قبل ذلك فكتب إليه
قبل شخوصه يعلمه ما عزم عليه ويأمره بالمسير إلى الهياطلة فأتاهم فقتل ملكهم
واستأصل أهل بيته وتجاوز بلخ وما وراءها وأنزل جنوده فرغانة ثم انصرف
من خراسان فلما صار بالمدائن وافاه قوم يستنصرونه على الحبشة فبعث معهم
قائدا من قواده في جند من أهل الديلم وما يليها فقتلوا مسروقا الحبشي باليمن
وأقاموا بها ولم يزل مظفرا منصورا تهابه جميع الأمم ويحضر بابه من وفودهم
528

عدد كثير من الترك والصين والخزر ونظرائهم وكان مكرما للعلماء وملك ثمانيا
وأربعين سنة وكان مولد النبي صلى الله عليه وسلم في آخر ملك أنو شروان * قال
هشام وكان ملك أنوشروان سبعا وأربعين سنة قال وفى زمانه ولد عبد الله بن
عبد المطلب أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة اثنتين وأربعين من سلطانه
قال هشام لما قوى شأن أنوشروان بعث المنذر بن النعمان الأكبر وأمه ماء السماء
امرأ من النمر فملكه الحيرة وما كان يلي آل الحارث بن عمرو آل المرار فلم
يزل على ذلك حتى هلك قال وأنوشروان غزا برجان ثم رجع فبنى الباب والأبواب
وقال هشام ملك العرب من قبل ملوك الفرس بعد الأسود بن المنذر أخوه المنذر
ابن المنذر بن النعمان وأمه هرابنة النعمان سبع سنين ثم ملك بعده النعمان بن الأسود بن
المنذر وأمه أم الملك ابنة عمرو بن حجر أخت الحارث بن عمرو الكندي أربع
سنين ثم استخلف أبو يعفر بن علقمة بن مالك بن عدي بن الذميل بن ثور بن أسس
ابن ربى بن نمارة بن لخم ثلاث سنين ثم ملك المنذر بن امرئ القيس البدء وهو
ذو القرنين قال وإنما سمى بذلك لضفرين كانا له من شعره وأمه ماء السماء وهى
مارية ابنة عوف بن جشم بن هلال بن ربيعة بن زيد مناة بن عامر الضيحان بن سعد
ابن الخزرج بن تيم الله بن النمر بن قاسط فكان جميع ملكه تسعا وأربعين سنة
ثم ملك ابنه عمرو بن المنذر وأمه هند ابنة الحارث بن عمرو بن حجر آكل المرار
ست عشرة سنة قال ولثماني سنين وثمانية أشهر من ملك عمرو بن هند ولد رسول
الله صلى الله عليه وسلم وذلك في زمن أنوشروان وعام الفيل الذي غزا فيه الأشرم
أبو يكسوم البيت
ذكر بقية خبر تبع أيام قباذ وزمن أنوشروان وتوجيه الفرس
الجيش إلى اليمن لقتال الحبشة وسبب توجيهه إياهم إليها
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق قال كان تبع الآخر
وهو تبان أسعد أبو كرب حين أقبل من المشرق جعل طريقه على المدينة وقد كان
(34)
529

حين مر بها في بدأته لم يهج أهلها وخلف بين أظهرهم ابنا فقتل غيلة فقدمها
وهو مجمع لا خرابها واستئصال أهلها وقطع نخلها فجمع له هذا الحي من الأنصار
حين سمعوا بذلك من أمره ليمتنعوا منه ورئيسهم يومئذ عمرو بن الطلة أحد بنى
النجار ثم أحد بنى عمرو بن مبذول فخرجوا لقتاله وكان تبع حين نزل بهم قد
قتل رجل منهم من بنى عدى بن النجار يقال له أحمر رجلا من أصحاب تبع وجده
في عذق له يجذه فضربه بمنجله فقتله وقال إنما الثمر لمن أبره ثم ألقاه حين قتله
في بئر من آبارهم معروفة يقال لها ذات تومان فزاد ذلك تبعا عليهم حنقا
فبينا تبع على ذلك من حربه وحربهم يقاتلهم ويقاتلونه قال فتزعم الأنصار أنهم
كانوا يقاتلونه بالنهار ويقرونه بالليل فيعجبه ذلك منهم ويقول والله إن قومنا
هؤلاء لكرام إذ جاءه حبران من أحبار يهود من بني قريظة عالمان راسخان
حين سمعا منه ما يريد من إهلاك المدينة وأهلها فقالا أيها الملك لا تفعل فإنك
إن أبيت إلا ما تريد حيل بينك وبينها ولم نأمن عليك عاجل العقوبة فقال لهما
ولم ذاك فقالا هي مهاجر نبي يخرج من هذا الحي من قريش في آخر الزمان
تكون داره وقراره فتناهى عند ذلك من قولهما عما كان يريد بالمدينة ورأى أن
لهما علما وأعجبه ما سمع منهما فانصرف عن المدينة وخرج بهما معه إلى اليمن
واتبعهما على دينهما وكان اسم الحبرين كعب وأسد وكانا من بني قريظة وكانا ابني
عم وكانا أعلم أهل زمانهما كما ذكر لي ابن حميد عن سلمة عن ابن إسحاق عن
يزيد بن عمرو عن أبان بن أبي عياش عن أنس بن مالك عن أشياخ من قومه ممن
أدرك الجاهلية فقال شاعر من الأنصار وهو خالد بن عبد العزى بن غزية بن عمرو
ابن عبد بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار في حربهم وحرب تبع يفتخر بعمرو
ابن طلة ويذكر فضله وامتناعه
أصحا أم انتهى ذكره * أم قضى من لذة وطره
أم تذكرت الشباب وما * ذكرك الشباب أو عصره
إنها حرب رباعية * مثلها أتى الفتى عبره
530

فسلا عمران أو فسلا * أسدا إذ يغدو مع الزهرة
فيلق يها أبو كرب * سابغا أبدانها ذفره
ثم قالوا من يأم بها * أبنى عوف أم النجره
يا بنى النجار إن لنا * فيهم قبل الاوان تره
فتلقتهم عشنقة * مدها كالغيبة النثره
سيد سامي الملوك ومن * يغز عمرا لا يجد قدره
وقال رجل من الأنصار يذكر امتناعهم من تبع
تكلفني من تكاليفها * نخيل الأساويف والمنصعه
نخيلا حمتها بنو مالك * خيول أبى كرب المفظعه
قال وكان تبع وقومه أصحاب أوثان يعبدونها فوجه إلى مكة وهى طريقه إلى
اليمن حتى إذا كان بالدف من جمدان بين عسفان وأمج في طريقه بين مكة
والمدينة أتاه نفر من هذيل فقالوا له أيها الملك ألا ندلك على بيت مال داثر قد
أغفلته الملوك قبلك فيه اللؤلؤ والزبرجد والياقوت والذهب والفضة قال بلى
قالوا بيت بمكة يعبده أهله ويصلون عنده وإنما يريد الهذليون بذلك هلاكه لما
قد عرفوا من هلاك من أراده من الملوك وبغى عنده فلما أجمع لما قالوا أرسل
إلى الحبرين فسألهما عن ذلك فقالا له ما أراد القوم إلا هلاكك وهلاك جندك
ولئن فعلت ما دعوك إليه لتهلكن وليهكن من معك جميعا قال فماذا تأمرانني أن أصنع
إذا قدمت عليه قالا تصنع عنده ما يصنع أهله تطوف به وتعظمه وتكرمه وتحلق
عنده رأسك وتتذلل له حتى تخرج من عنده قال فما يمنعكما أنتما من ذلك قالا
أما والله إنه لبيت أبينا إبراهيم وإنه لكما أخبرناك ولكن أهله حالوا بيننا وبينه
بالأوثان التي نصبوا حوله وبالدماء التي يهريقون عنده وهم نجس أهل شرك أو
كما قالا له فعرف نصحهما وصدق حديثهما فقرب النفر من هذيل فقطع أيديهم
وأرجلهم ثم مضى حتى قدم مكة وأرى في المنام أن يكسو البيت فكساه
531

الخصف ثم أرى أن يكسوه أحسن من ذلك فكساه المعافر ثم أرى أن يكسوه
أحسن من ذلك فكساه الملاءة والوصائل فكان تبع فيما يزعمون أول من
كساه وأوصى به ولاته من جرهم وأمرهم بتطهيره وأن لا يقربوه دما ولا ميتة
ولا ميلاثا وهى الحائض وجعل له بابا ومفتاحا ثم خرج متوجها إلى اليمن بمن
معه من جنوده وبالحبرين حتى إذا دخل اليمن دعا قومه إلى الدخول فيما دخل فيه
فأبوا عليه حتى يحاكموه إلى النار التي كانت باليمن * حدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة عن ابن إسحاق عن أبي مالك بن ثعلبة بن أبي مالك القرظي قال سمعت إبراهيم
ابن محمد بن طلحة بن عبيد الله يحدث ان تبعا لما دنا من اليمن ليدخلها حالت
حمير بينه وبين ذلك وقالوا لا تدخلها علينا وقد فارقت ديننا فدعاهم إلى دينه
وقال إنه دين خير من دينكم قالوا فحاكمنا إلى النار قال نعم قال وكانت باليمن
فيما يزعم أهل اليمن نار تحكم بينهم فيما يختلفون فيه تأكل الظالم ولا تضر
المظلوم فلما قالوا ذلك لتبع قال أنصفتم فخرج قومه بأوثانهم وما يتقربون به في
دينهم وخرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما متقلديها حتى قعدوا للنار عند
مخرجها الذي تخرج النار منه فخرجت النار إليهم فلما أقبلت نحوهم حادوا عنها
وهابوها فذمرهم من حضرهم من الناس وأمروهم بالصبر فصبروا حتى غشيتهم
وأكلت الأوثان وما قربوا معا ومن حمل ذلك من رجال حمير وخرج الحبران
بمصاحفهما في أعناقهما تعرق جباههما لم تضرهما فاصفقت حمير عند ذلك على
دينه فمن هناك وعن ذلك كان أصل اليهودية باليمن * حدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة عن ابن إسحاق عن بعض أصحابه أن الحبرين ومن خرج معهما من حمير إنما
اتبعوا النار ليردوها وقالوا من ردا فهو أولى بالحق فدنا منها رجال من حمير بأوثانهم
ليردوها فدنت منهم لتاكلهم فحادوا عنها فلم يستطيعوا ردها ودنا منها الحبران بعد
ذلك وجعلا يتلوان التوراة وتنكص حتى رداها إلى مخرجها الذي خرجت منه
فأصفقت عند ذلك حمير على دينهما وكان رئام بيتا لهم يعظمونه وينحرون عنده
ويكلمون منه إذ كانوا على شركهم فقال الحبران لتبع إنما هو شيطان يفتنهم
532

ويلعب بهم فخل بيننا وبينه قال فشأنكما به فاستخرجا منه فيما يزعم أهل اليمن كلبا
أسود فذبحاه وهدما ذلك البيت فبقاياه اليوم باليمن كما ذكر لي وهو رئام به آثار
الدماء التي كانت تهراق عليه فقال تبع في مسيره ذلك وما كان هم به من أمر المدينة
وشأن البيت وما صنع برجال هذيل الذين قالوا له ما قالوا وما صنع بالبيت حين
قدم مكة من كسوته وتطهيره وما ذكر له الحبران من أمر رسول الله
صلى الله عليه وسلم
ما بال نومك مثل نوم الأرمد * أرقا كأنك لا تزال تسهد
حنقا على سبطين حلا يثربا * أولى لهم بعقاب يوم مفسد
ولقد نزلت من المدينة منزلا * طاب المبيت بها وطاب المرقد
وجعلت عرصة منزل برباوة * بين العقيق إلى بقيع الغرقد
ولقد تركنا لابها وقرارها * وسباخها فرشت بقاع أجرد
ولقد هبطنا يثربا وصدورنا * تغلى بلابلها بقتل محصد
ولقد حلفت يمين صبر مؤليا * قسما لعمرك ليس بالمتردد
إن جئت يثرب لا أغادر وسطها * عذقا ولا بسرا بيثرب يخلد
حتى أتاني من قريظة عالم * حبر لعمرك في اليهود مسود
قال ازدجر عن قرية محفوظة * لنبي مكة من قريش مهتد
فعفوت عنهم عفو غير مثرب * وتركتهم لعقاب يوم سرمد
وتركتهم لله أرجو عفوه * يوم الحساب من الجحيم الموقد
ولقد تركت بها له من قومنا * نفرا أولى حسب وبأس يحمد
نفرا يكون النصر في أعقابهم * أرجو بذاك ثواب رب محمد
ما كنت أحسب أن بيتا طاهرا * لله في بطحاء مكة يعبد
حتى أتاني من هذيل أعبد * بالدف من جمدان فوق المسند
533

قالوا بمكة بيت مال داثر * وكنوزه من لؤلؤ وزبرجد
فأردت أمرا حال ربى دونه * والله يدفع عن خراب المسجد
فرددت ما أملت فيه وفيهم * وتركتهم مثلا لأهل المشهد
قد كان ذو القرنين قبلي مسلما * ملكا تدين له الملوك وتحشد
ملك المشارق والمغارب يبتغى * أسباب علم من حكيم مرشد
فرأى مغيب الشمس عند غروبها * في عين ذي خلب وثأط حرمد
من قبله بلقيس كانت عمتي * ملكتهم حتى أتاها الهدهد
حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني ابن إسحاق قال هذا الحي من الأنصار
يزعمون أنه إنما كان حنق تبع على هذا الحي من يهود الذين كانوا بين أظهرهم
وأنه أراد هلاكهم حين قدم عليهم المدينة فمنعوه منهم حتى انصرف عنهم ولذلك
قال في شعره حنقا على سبطين حلا يثربا أولى لهم بعقاب يوم مفسد حدثنا ابن حميد
قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال وقد كان قدم على تبع قبل ذلك شافع بن كليب
الصدفي وكان كاهنا فأقام عنده فلما أراد توديعه قال تبع ما بقى من علمك قال بقى
خبر ناطق وعلم صادق قال فهل تجد لقوم ملكا يوازى ملكي قال لا إلا لملك
غسان نجل قال فهل تجد ملكا يزيد عليه قال نعم قال ولمن قال أجده لبار مبرور
أيد بالقهور ووصف في الزبور وفضلت أمته في السفور يفرج الظلم بالنور
أحمد النبي طوبى لامته حين يجئ أحد بنى لؤي ثم أحد بنى قصي فبعث تبع إلى
الزبور فنظر فيها فإذا هو يجد صفة النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا ابن حميد قال
حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عمن حدثه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وغيره
من علماء أهل اليمن ممن يروى الأحاديث فحدث بعضهم بعض الحديث وكل ذلك
قد اجتمع في هذا الحديث أن ملكا من لخم كان باليمن فيما بين التبابعة من حمير يقال
له ربيعة بن نصر وقد كان قبل ملكه باليمن ملك تبع الأول وهو زيد بن عمر
وذي الأذعار بن أبرهة ذي المنار بن الرائش بن قيس بن صيفي بن سبأ الأصغر
534

ابن كهف الظلم بن زيد بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن وائل
ابن الغوث بن قطن بن عريب بن زهير بن أيمن بن هميسع بن العرنجج حمير
ابن سبأ الأكبر بن يعرب بن يشجب بن قحطان وكان اسم سبأ عبد شمس وإنما
سمى سبأ فيما يزعمون أنه كان أول من سبى في العرب فهذا بيت مملكة حمير الذي
فيه كانت التبابعة ثم كان بعد تبع الأول زيد بن عمر وشمر يرعش بن ياسر ينعم
ابن عمرو ذي الأذعار ابن عمه وشمر يرعش الذي غز الصين وبنى سمرقند وحير
الحيرة وهو الذي يقول:
أنا شمر أبو كرب اليماني * جلبت الخيل من يمن وشام
لآتى أعبد ا مردوا علينا * وراء الصين في عثم ويام
فنحكم في بلادهم بحكم * سواء لا يجاوزه غلام
القصيدة كلها قال ثم كان بعد شمرير عش بن ياسر ينعم تبع الأصغر وهو تبان
أسعد أبو كرب بن ملكيكرب بن زيد بن تبع الأول ابن عمرو ذي الأذعار وهو
الذي قدم المدينة وساق الحبرين من يهود إلى اليمن وعمر البيت الحرام وكساه
وقال ما قال من الشعر فكل هؤلاء ملكه قبل ملك ربيعة بن نصر اللخمي فلما
هلك ربيعة بن نصر رجع ملك اليمن كل إلى حسان بن تبان أسعد أبى كرب بن
ملكيكرب بن زيد بن عمرو ذي الاعذار * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال
حدثني ابن إسحاق عن بعض أهل العلم إن ربيعة بن نصر رأى رؤيا هالته وفظع بها
فلما رآها بعث في أهل مملكته فلم يدع كاهنا ولا ساحرا ولا عائفا ولا منجما إلا
جمعه إليه ثم قال لهم إني قد رأيت رؤيا هالتني وفظعت بها فاخبروني بتأويلها قالوا
له اقصصها علينا لنخبرك بتأويلها قال إني إن أخبرتكم بها لم أطمئن إلى خبركم عن
تأويلها إنه لا يعرف تأويلها إلا من يعرفها قبل أن أخبره بها فلما قال لهم ذلك
قال رجل من القوم الذين جمعوا لذلك فإن كان الملك يريد هذا فليبعث إلى سطيح
وشق فإنه ليس أحد أعلم منهما فهما بخبرانك بما سألت واسم سطيح ربيع بن
ربيعة بن مسعود بن مازن بن ذئب بن عدي بن مازن بن غسان وكان يقال لسطيح
535

الذئبي لنسبته إلى ذئب بن عدي وشق بن صعب بن يشكر بن رهم بن أفرك بن نذير
ابن قيس بن عبقر بن أنمار فلما قالوا له ذلك بعث إليهما فقدم عليه قبل شق
سطيح ولم يكن في زمانهما مثلهما من الكهان فلما قدم عليه سطيح دعاه فقال له
يا سطيح إني قد رأيت رؤيا هالتني وفظعت بها فأخبرني بها فإنك إن أصبتها أصبت
تأويلها قال افعل رأيت جمجمة (قال أبو جعفر) وقد وجدته في مواضع أخر
رأيت حممه خرجت من ظلمه فوقعت بأرض تهمه فأكلت منها كل ذات جمجمه
فقال له الملك ما أخطأت منها شيئا يا سطيح فما عندك في تأويلها فقال احلف بما
بين الحرتين من حنش ليهبطن أرضكم الحبش فليملكن ما بين أبين إلى جرش
قال له الملك وأبيك يا سطيح إن هذا لغائظ موجع فمتى هو كائن يا سطيح أفى
زماني أم بعده قال لابل بعده بحين أكثر من ستين أو سبعين يمضين من السنين
قال فهل يدوم ذلك من ملكهم أو ينقطع قال بل ينقطع لبضع وسبعين يمضين
من السنين ثم يقتلون بها أجمعون ويخرجون منها هاربين قال الملك وما الذي
يلي ذلك من قتلهم وإخراجهم قال يليه إرم ذي يزن يخرج عليهم من عدن
فلا يترك منهم أحدا باليمن قال أفيدوم ذلك من سلطانه أو ينقطع قال بل ينقطع
قال ومن يقطعه قال نبي زكى يأتيه الوحي من العلى قال وممن هذا النبي قال رجل
من ولد غالب بن فهر بن مالك بن النضر يكون الملك في قومه إلى آخر الدهر قال
وهل للدهر يا سطيح من آخر قال نعم يوم يجمع فيه الأولون والآخرون ويسعد
فيه المحسنون ويشقى فيه المسيئون قال أحق ما تخبرنا يا سطيح قال نعم والشفق
والغسق والغلق إذا اتسق إن ما أنبأتك به لحق فلما فرغ قدم عليه شق فدعاه
فقال له ياشق إني قد رأيت رؤيا هالتني وفظعت بها فأخبرني عنها فإنك إن أصبتها
أصبت تأويلها كما قال لسطيح وقد كتمه ما قال سطيح لينظر أيتفقان أم يختلفان
قال نعم رأيت جمجمه خرجت من ظلمه فوقعت بين روضة وأكمه فأكلت منها
كل ذات نسمه فلما رأى ذلك الملك من قولهما شيئا واحدا قال له ما أخطأت
ما شق منها شيئا فما عندك في تأويلها قال احلف مما بين الحرتين من إنسان لينزلن
536

أرضكم السودان فلتغلبن على كل طفلة البنان ولتملكن ما بين أبين إلى نجران
فقال له الملك وأبيك ياشق إن هذا لنا لغائظ موجع فمتى هو كائن أفى زماني أم
بعده قال بل بعدك بزمان ثم يستنقذكم منه عظيم ذو شأن ويذيقهم أشد الهوان
قال ومن هذا العظيم الشأن قال غلام ليس بدني ولا مدن يخرج من بيت ذي
يزن قال فهل يدوم سلطانه أو ينقطع قال بل ينقطع برسول مرسل يأتي بالحق
والعدل بين أهل الدين والفضل يكون الملك في قومه إلى يوم الفصل قال وما
يوم الفصل قال يوم يجزى فيه الولاة يدعى من السماء بدعوات يسمع منها
الاحياء والأموات ويجمع فيه الناس للميقات يكون فيه لمن اتقى الفوز والخيرات
قال أحق ما تقول ياشق قال أي ورب السماء والأرض وما بينهما من رفع
وخفض إن ما نبأتك لحق ما فيه أمض فلما فرغ من مسألتهما وقع في نفسه أن
الذي قالا له كائن من أمر الحبشة فجهز بنيه وأهل بيته إلى العراق بما يصلحهم
وكتب لهم إلى ملك من ملوك فارس يقال له سابور بن خرزاد فأسكتهم الحيرة
فمن بقية ربيعة بن نصر كان النعمان بن المنذر ملك الحيرة وهو النعمان بن المنذر
ابن النعمان بن المنذر بن عمرو بن عدي بن ربيعة بن نصر ذلك الملك في نسب أهل
اليمن وعلمهم * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال ولما قال
سطيح وشق لربيعة بن نصر ذلك وصنع ربيعة بولده وأهل بيته ما صنع ذهب
ذكر ذلك في العرب وتحدثوا حتى فشا ذكره وعلمه فيهم فلما نزلت الحبشة اليمن
ووقع الامر الذي كانوا يتحدثون به من أمر الكاهنين قال الأعشى أعشى بن
قيس بن ثعلبة البكري في بعض ما يقول وهو يذكر ما وقع من أمر ذينك
الكاهنين سطيح وشق
ما نظرت ذات أشفار كنظرتها * حقا كما نطق الذئبي إذ سجعا
وكان سطيح إنما يدعوه العرب الذئبي لأنه من ولد ذئب بن عدي فلما هلك
ربيعة بن نصر واجتمع ملك اليمن إلى حسان بن تبان أسعد أبى كرب بن
ملكيكرب بن زيد بن عمرو ذي الأذعار كان مما هاج أمر الحبشة وتحول الملك
537

عن حمير وانقطاع مدة سلطانهم ولكل أمر سبب أن حسان بن تبان أسعد أبى
كرب سار بأهل اليمن يريد أن يطأ بهم أرض العرب وأرض العجم كما كانت
التتابعة قبله تفعل حتى إذا كان ببعض أرض العراق كرهت حمير وقبائل اليمن السير
معه وأرادوا الرجعة إلى بلادهم وأهليهم فكلموا أخا له كان معه في جيشه يقال له عمرو
فقالوا له أقتل أخاك حسان نملكك علينا مكانه وترجع بنا إلى بلادنا فتابعهم على ذلك
فاجمع أخوه ومن معه من حمير وقبائل اليمن على قتل حسان إلا ما كان من ذي رعين
الحميري فإنه نهاه عن ذلك وقال له إنكم أهل بيت مملكتنا لا تقتل أخاك ولا تشتت
أمر أهل بيتك أو كما قال له فلما لم يقبل منه قوله وكان ذورعين شريفا من حمير
عمد إلى صحيفة فكتب فيها
ألا من يشترى سهرا بنوم * سعيد من يبيت قرير عين
فإما حمير غدرت وخانت * فمعذرة الاله لذي رعين
ثم ختم عليها ثم أتى بها عمرا فقال له ضع لي عندك هذا الكتاب فإن لي فيه
بغية وحاجة ففعل فلما بلغ حسان ما أجمع عليه أخوه عمرو وحمير وقبائل
اليمن من قتله قال لعمرو
يا عمرو لا تعجل على منيتي * فالملك تأخذه بغير حشود
فأبى إلا قتله فقتله ثم رجع بمن معه من جنده إلى اليمن فقال قائل من حمير
إن لله من رأى مثل حسا * ن قتيلا في سالف الأحقاب
قتلته الأقيال من خشية الجيش * وقالوا له لباب لباب
ميتكم خيرنا وحيكم ر * ب علينا وكلكم أرباب
فلما نزل عمرو بن تبان أسعد أبى كرب اليمن منع منه النوم وسلط عليه السهر
فيما يزعمون فجعل لا ينام فلما جهده ذلك جعل يسأل الأطباء والحزاة من الكهان
والعرافين عما به ويقول منع منى النوم فلا أقدر على وقد جهدني السهر فقال له
قائل منهم والله ما قتل رجل أخاه قط أو ذا رحم بغيا على مثل ما قتلت عليه أخاك
538

إلا ذهب نومه وسلط عليه السهر فلما قيل له: ذلك جعل يقتل كل من كان أمره
بقتل أخيه حسان من أشراف حمير وقبائل اليمن حتى خلص إلى ذي رعين فلما
أراد قتله قال إن لي عندك براءة مما تريد أن تصنع بي قال له وما براءتك عندي
قال أخرج الكتاب الذي كنت استودعتك ووضعته عندك فأخرج له الكتاب
فإذا فيه ذانك البيتان من الشعر
ألا من يشترى سهرا بنوم * سعيد من يبيت قرير عين
فإما حمير غدرت وخانت * فمعذرة الاله لذي رعين
فلما قرأهما عمرو قال له ذو رعين قد كنت نهيتك عن قتل أخيك فعصيتني فلما
أبيت على وضعت هذا الكتاب عندك حجة لي عليك وعذرا لي عندك وتخوفت
أن يصيبك إن أنت قتلته الذي أصابك فإن أردت بي ما أراك تصنع بمن كان
أمرك بقتل أخيك كان هذا الكتاب نجاة لي عندك فتركه عمرو بن تبان
أسعد فلم يقتله من بين أشراف حمير ورأى أن قد نصحه لو قبل منه نصيحته
وقال عمرو بن تبان أسعد حين قتل من قتل من حمير وأهل اليمن ممن كان أمره
بقتل أخيه حسان فقال
شرينا النوم إذ عصبت علاب * بتسهيد وعقد غير بين
تنادوا عند غدرهم لباب * وقد برزت معاذر ذي رعين
قتلنا من تولى المكر منهم * بواء بابن رهم غير دين
قتلناهم بحسان بن رهم * وحسان قتيل الثائرين
قتلناهم فلا بقيا عليهم * وقرت عند ذاكم كل عين
عيون نوادب يبكين شجوا * حرائر من نساء الفيلقين
أو انس بالعشاء وهن حور * إذا طلعت فروع الشعريين
فنعرف بالوفاء إذا انتمينا * ومن يغدر نباينه ببين
فضلنا الناس كلهم جميعا * كفضل الإبرزى على اللجين
539

ملكنا الناس كلهم جميعا * لنا الأسباب بعد التابعين
ملكنا بعد داؤود زمانا * وعبد نا ملوك المشرقين
زبرنا في ظفار زبور مجد * ليقرأه قروم القريتين
فنحن الطالبون لكل وتر * إذا قال المقاول أين أين
سأشفى من ولاة المكر نفسي * وكان المكر حينهم وحينى
أطعتهم فلم أرشد وكانوا * غواة أهلكوا حسبي وزيني
قال ثم لم يلبث عمرو بن تبان أسعد أن هلك قال هشام بن محمد عمرو بن تبع هذا
يدعى موثبان لأنه وثب على أخيه حسان بفرضة نعم فقتله قال وفرضة نعم
رحبة طوق بن مالك وكانت نعم سرية تبع حسان بن أسعد (رجع الحديث إلى
حديث ابن إسحاق) قال فمرج أمر حمير عند ذلك وتفرقوا فوثب عليهم رجل
من حمير لم يكن من بيوت المملكة منهم يقال له لخنيعة ينوف ذوشناتر فملكهم
فقتل خيارهم وعبث ببيوت أهل المملكة منهم فقال قائل من حمير يذكر ما ضيعت
حمير في أمرها وفرقت جماعتها ونفت من خيارها
تقتل أبناها وتنفى سراتها * وتبنى بأيديهم لها الذل حمير
تدمر دنياها بطيش حلومها * وما ضيعت من دينها فهو أكثر
كذاك القرون قبل ذاك بظلمها * وإسرافها تأتى الشرور فتخسر
وكان لخنيعة ينوف ذو شناتر يصنع ذلك بهم وكان أمر أفاسقا يزعمون أنه كان
يعمل عمل قوم لوط ثم كان مع الذي قد بلغ منهم من القتل والبغي إذا سمع
بالغلام من أبناء الملوك قد بلغ أرسل إليه فوقع عليه في مشربة له قد صنعها
لذلك لثلا يملك بعد ذلك أبدا ثم يطلع من مشربته تلك إلى حرسه ومن
حضر من عنده وهم أسفل منه قد أخذ سواكا فجعله في فيه أي ليعلمهم أنه قد فرغ
منه ثم يخلى سبيله فيخرج على حرسه وعلى الناس وقد فضحه حتى إذا كان آخر أبناء
تلك الملوك زرعة ذونواس بن تبان أسعد أبى كرب بن ملكيكرب بن زيد بن
540

عمرو ذي الأذعار أخو حسان وزرعة كان صبيان صغيرا حين أصيب أخوه فشب
غلاما جميلا وسيما ذا هيئة وعقل فبعث إليه لخنيعة ينوف ذو شناتر ليفعل به كما
كان يفعل بأبناء الملوك قبله فلما أتاه رسوله عرف الذي يريد به فأخذ سكينا حديدا
لطيفا فجعله بين نعله وقدمه ثم انطلق إليه مع رسوله فلما خلا به في مشربته تلك
أغلقها عليه وعليه ثم وثب عليه وواثبه ذو نواس بالسكين فطعنه به حتى قتله ثم
احتز رأسه فجعله في كوة مشربته تلك التي يطلع منها إلى حرسه وجنده ثم أخذ
سواكه ذلك فجعله في فيه ثم خرج على الناس فقالوا له ذو نواس أرطب أم يباس
فقال سل نخماس استرطبان ذو نواس استرطبان ذو نواس لا باس فذهبوا ينظرون
حين قال لهم ما قال فإذا رأس لخنيعة ينوف ذي شناتر في الكوة مقطوع في فيه
سواكه قد وضعه ذو نواس فيها فخرجت حمير والاحراس في أثر ذي نواس حتى
أدركوه فقالوا له ما ينبغي لنا أن يملكنا إلا أنت إذ أرحتنا من هذا الخبيث فملكوه
واستجمعت عليه حمير وقبائل اليمن فكان آخر ملوك حمير وتهود وتهودت معه حمير
وتسمى يوسف فأقام في ملكه زمانا وبنجران بقايا من أهل دين عيسى على الإنجيل
أهل فضل واستقامة لهم من أهل دينهم رأس يقال له عبد الله بن الثامر وكان موقع
أصل ذلك الدين بنجران وهى بأوسط أرض العرب في ذلك الزمان وأهلها وسائر
العرب كلها أهل أوثان يعبدونها ثم إن رجلا من بقايا أهل ذلك الدين وقع بين
أظهرهم يقال له فيميون فحملهم عليه فدانوا به قال هشام زرعة ذو نواس فلما
تهود سمى يوسف وهو الذي خد الأخدود بنجران وقتل النصارى
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثنا محمد ابن إسحاق عن المغيرة بن أبي لبيد
مولى الأخنس عن وهب بن منبه اليماني انه حدثهم أن موقع ذلك الدين بنجران
كان أن رجلا من بقايا أهل دين عيسى ابن مريم يقال له فيميون وكان رجلا صالحا
مجتهدا زاهدا في الدنيا مجاب الدعوة وكان سائحا ينزل القرى لا يعرف بقرية إلا خرج
منها إلى قرية لا يعرف فيها وكان لا يأكل إلا من كسب يده وكان بناء يعمل الطين
وكان يعظم الا حدا إذا كان الاحد لم يعمل فيه شيئا وخرج إلى فلاة من الأرض
541

فصلى بها حتى يمسى وكان في قرية من قرى الشأم يعمل عمله ذلك مستخفيا إذ فطن
لشأنه رجل من أهلها يقال له صالح فأحبه صالح حبا لم يحبه شيئا كان قبله فكان
يتبعه حيث ذهب ولا يفطن له فيميون حتى خرج مرة في يوم الأحد إلى فلاة
من الأرض كما كان يصنع وقد اتبعه صالح وفيميون لا يدرى فجلس صالح منه
منظر العين مستخفيا منه لا يحب أن يعلم مكانه وقام فيميون يصلى فبينا هو يصلى
إذ أقبل نحوه التنين الحية ذات الرؤس السبعة فلما رآها فيميون دعا عليها فماتت
ورآها صالح ولم يدر ما أصابها فخافها عليه فعول عليه عولة فصرخ يا فيميون التنين
قد أقبل نحوك فلم يلتفت إليه وأقبل على صلاته حتى فرغ وأمسى وانصرف
وعرف أنه قد عرف وعرف صالح أن قد رأى مكانه فكلمه فقال يا فيميون يعلم
الله ما أحببت شيئا حبك قط وقد أردت صحبتك والكينونة معك حيثما كنت قال
ما شئت أمري كما ترى فان ظننت أنك تقوى عليه فنعم فلزمه صالح وقد كاد أهل
القرية يفطنوا لشأنه وكان إذا فاجأه العبد به ضر دعا له فشفى وإذا دعا إلى أحد
به الضر لم يأته وكان لرجل من أهل القرية ابن ضرير فسأل عن شأن فيميون فقيل
له إنه لا يأتي أحدا إذا دعاه ولكنه رجل يعمل للناس بالاجر البنيان فعمد الرجل
إلى ابنه ذلك فوضعه في حجرته وألقى عليه ثوبان ثم جاءه فقال له يافيميون إني
قد أردت أن أعمل في بيتي عملا فانطلق معي حتى تنظر إليه فأشاطرك عليه فانطلق
معه حتى دخل حجرته ثم قال ما تريد أن تعمل في بيتك قال كذا وكذا ثم انتشط
الرجل الثوب عن الصبى ثم قال يا فيميون عبد من عباد الله أصابه ما ترى فادع الله له
فقال فيميون حين رأى الصبى اللهم عبد من عبادك دخل عليه عدوك في نعمتك
ليفسدها عليه فاشفه وعافه وامنعه منه فقام الصبى ليس به بأس وعرف فيميون
أنه قد عرف فخرج من القرية واتبعه صالح فبينما هو يمشى في بعض الشأم مر
بشجرة عظيمة فناداه منها رجل فقال أفيميون قال نعم قال ما زلت أنتظرك وأقول
متى هو جاء حتى سمعت صوتك فعرفت أنك هو لا تبرح حتى تقوم على فانى ميت
الآن قال فمات وقام عليه حتى واراه ثم انصرف ومعه صالح حتى وطئا بعض
542

أرض العرب فعدى عليهما فاختطفتهما سيارة من بعض العرب فخرجوا بهما حتى
باعوهما بنجران وأهل نجران يومئذ على دين العرب تعبد نخلة طويلة بين أظهرهم
لهم عيد كل سنة إذا كان ذلك العيد علقوا عليها كل ثوب حسن وجدوه وحلى النساء
ثم خرجوا فعكفوا عليها يوما فابتاع رجل من أشرافهم فيميون وابتاع رجل آخر
صالحا فكان فيميون إذا قام من الليل في بيت له أسكنه إياه سيده الذي ابتاعه
يصلى استسرج له البيت نورا حتى يصبح من غير مصباح فرأى ذلك سيده فأعجبه
ما رأى فسأله عن دينه فأخبره به فقال له فيميون إنما أنتم في باطل وإن هذه النخلة
لا تضر ولا تنفع لو دعوت عليها الذي أعبد أهلكها وهو الله وحده لا شريك له
قال فقال له سيده فافعل فإنك إن فعلت دخلنا في دينك وتركنا ما كنا عليه قال
فقام فيميون فتطهر ثم صلى ركعتين ثم دعا الله عليها فأرسل الله ريحا فجعفتها من
أصلها فألقتها فاتبعه عند ذلك أهل نجران على دينه فحملهم على الشريعة من دين عيسى
ابن مريم ثم دخل عليهم بعد ذلك الاحداث التي دخلت على أهل دينهم بكل أرض فمن
هنالك كانت النصرانية بنجران في أرض العرب فهذا حديث وهب بن منبه في خبر أهل
نجران * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن يزيد بن زياد مولى
لبنى هاشم عن محمد بن كعب القرظي قال وحدثني محمد بن إسحاق أيضا عن بعض أهل نجران
أن أهل نجران كانوا أهل شرك يعبدون الأوثان وكان في قرية من قراها قريبا
من نجران ونجران القرية العظمى التي جماع أهل تلك البلاد ساحر يعلم غلمان أهل
نجران السحر فلما أن نزلها فيميون قال ولم يسموه باسمه الذي سماه به وهب بن
منبه قالوا رجل نزلها ابتنى خيمة بين نجران وبين تلك القرية التي بها الساحر فجعل
أهل نجران يرسلون غلمانهم إلى ذلك الساحر يعلمهم السحر فبعث الثامر ابنه
عبد الله بن الثامر مع غلمان أهل نجران فكان إذا مر بصاحب الخيمة أعجبه ما يرى
من صلاته وعبادته فجعل يجلس إليه ويسمع منه حتى أسلم فوحد الله وعبد ه
وجعل يسأله عن الاسم الأعظم وكان يعلمه فكتمه إياه وقال يا ابن أخي إنك
لن نحتمله أخشى ضعفك عنه فلما أتى عليه والثامر أبو عبد الله لا يظن إلا أن
543

ابنه عبد الله يختلف إلى الساحر كما يختلف الغلمان فلما رأى عبد الله أن صاحبه قد
ضن به عنه وتخوف ضعفه فيه عمد إلى قداح فجمعها ثم لم يبق لله اسما يعلمه إلا
كتبه في قدح لكل اسم قدح حتى إذا أحصاها أو قد لها نارا ثم جعل يقذفها فيها
قدحا قدحا حتى إذا مر بالاسم الأعظم قذف فيها بقدحه فوثب القدح حتى خرج
منها لم يضره شئ فقام إليه فأخذه ثم أتى صاحبه فأخبره أنه قد علم الاسم الذي
كتمه فقال له ما هو قال كذا وكذا قال وكيف علمته فأخبره كيف صنع قال
فقال يا ابن أخي قد أصبته فأمسك على نفسك وما أظن أن تفعل فجعل عبد الله
ابن الثامر إذا أتى نجران لم يلق أحدا به ضر إلا قال له يا عبد الله أتوحد الله
وتدخل في ديني فأدعو الله فيعافيك مما أنت فيه من البلاء فيقول نعم فيوحد الله
ويسلم ويدعو له فيشفى حتى لم يبق أحد بنجران به ضر إلا أتاه فاتبعه على أمره
ودعا له فعوفي حتى رفع شأنه إلى ملك نجران فدعاه فقال له أفسدت على أهل
قريتي وخالفت ديني ودين آبائي لأمثلن بك قال لا تقدر على ذلك فجعل يرسل
به إلى للجبل الطويل فيطرح عن رأسه فيقع على الأرض ليس به بأس وجعل
يبعث به إلى مياه بنجران بحور لا يقع فيها شئ إلا هلك فيلقى فيها فيخرج ليس
به باس فلما غلبه قال عبد الله بن الثامر إنك والله لا تقدر على قتلى حتى توحد
الله فتؤمن بما آمنت به فإنك إن فعلت ذلك سلطت على فقتلتني فوحد الله ذلك
الملك وشهد بشهادة عبد الله بن الثامر ثم ضربه بعصا في يده فشجه شجة غير كبيرة
فقتله فهلك الملك مكانه واستجمع أهل نجران على دين عبد الله بن الثامر وكان
على ما جاء به عيسى ابن مريم من الإنجيل وحكمه ثم أصابهم ما أصاب أهل دينهم
من الاحداث فمن هنا لك كان أصل النصرانية بنجران فهذا حديث محمد بن كعب
القرظي وبعض أهل نجران عن ذلك والله أعلم قال فسار إليهم ذو النواس
بجنوده من حمير وقبائل اليمن فجمعهم ثم دعاهم إلى دين اليهودية فخيرهم بين القتل
والدخول فيها فاختاروا القتل فخد لهم الأخدود فحرق بالنار وقتل بالسيف
ومثل بهم كل مثلة حتى قتل منهم قريبا من عشرين ألفا وأفلت منهم رجل يقال
544

له دوس ذو ثعلبان على فرس له فسلك الرمل فأعجزهم قال وقد سمعت بعض أهل
اليمن يقول إن الذي أفلت منهم رجل من أهل نجران يقال له جبار بن فيض قال
وأثبت الحديثين عندي الذي حدثني أنه دوس ذو ثعلبان ثم رجع ذو نواس بمن
معه من جنوده إلى صنعاء من أرض اليمن ففي ذي نواس وجنوده تلك حدثنا
ابن حميد قال حدثنا سلمة بن الفضل قال حدثني محمد بن إسحاق قال أنزل الله على
رسوله قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود إلى قوله بالله العزيز الحميد ويقال
كان فيمن قتل ذو نواس عبد الله بن الثامر رئيسهم وإمامهم ويقال عبد الله
ابن الثامر قتل قبل ذلك قتله ملك كان قبله هو كان أصل ذلك الدين وإنما قتل
ذو نواس من كان بعده من أهل دينه وأما هشام بن محمد فإنه قال لم يزل ملك
اليمن متصلا لا يطمع فيه طامع حتى ظهرت الحبشة على بلادهم في زمن أنو شروان
قال وكان سبب ظهورهم أن ذا نواس الحميري ملك اليمن في ذلك الزمان وكان
يهوديا فقدم عليه يهودي يقال له دوس من أهل نجران فأخبره أن أهل نجران
قتلوا ابنين له ظلما واستنصره عليهم وأهل نجران نصارى فحمى ذو نواس لليهودية
فغزا أهل نجران فأكثر فيهم القتل فخرج رجل من أهل نجران حتى قدم على
ملك الحبشة فاعلمه ما ركبوا به وأتاه بالإنجيل قد أحرقت النار بعضه فقال له
الرجال عندي كثير وليست عندي سفن وأنا كاتب إلى قيصر في البعثة إلى بسفن
أحمل فيها الرجال فكتب إلى قيصر في ذلك وبعث إليه بالإنجيل المحرق فبعث
إليه قيصر بسفن كثيرة (رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق) حدثنا ابن حميد
قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو
ابن حزم أنه حدث أن رجلا من أهل نجران في زمن عمر بن الخطاب حفر
خربة من خرب نجران لبعض حاجاته فوجد عبد الله بن الثامر تحت دفن منها
قاعدا واضعا يده على ضربة في رأسه ممسكا عليها بيده فإذا أخرت يده عنها انبعثت
دما وإذا أرسلت يده ردها عليها فامسك دمها في يده خاتم مكتوب فيه ربى الله
فكتب فيه إلى عمر يخبره بأمره فكتب إليهم عمر أن أقروه على حاله وردوا
545

عليه الدفن الذي كان عليه ففعلوا وخرج دوس ذو ثعلبان حين أعجز القوم على
وجهه ذلك حتى تقدم على قيصر صاحب الروم فاستنصره على ذي نواس وجنوده
وأخبره بما بلغ منهم فقال له قيصر بعدت بلادك من بلادنا ونأت عنا فلا نقدر على
أن نتناولها بالجنود ولكني سأكتب لك إلى ملك الحبشة فإنه على هذا الدين وهو
أقرب إلى بلادك منا فينصرك ويمنعك ويطلب لك بثأرك ممن ظلمك واستحل
منك ومن أهل دينك ما استحل فكتب معه قيصر إلى ملك الحبشة يذكر له حقه
وما بلغ منه ومن أهل دينه ويأمره بنصره وطلب ثأره ممن بغى عليه وعلى أهل
دينه فلما قدم دوس ذو ثعلبان بكتاب قيصر على النجاشي صاحب الحبشة بعث
معه سبعين ألفا من الحبشة وأمر عليهم رجلا منهم من أهل الحبشة يقال له أرياط
وعهد إليه إن أنت ظهرت عليهم فاقتل ثلث رجالهم واخرب ثلث
بلادهم واسب ثلث نسائهم وأبنائهم فخرج أرياط ومعه جنوده وفى جنوده
أبرهة الأشرم فركب البحر ومعه دوس ذو ثعلبان حتى نزلوا بساحل اليمن وسمع
بهم ذو نواس فجمع إليه حمير ومن أطاعه من قبائل اليمن فاجتمعوا إليه على
اختلاف وتفرق لانقطاع المدة وحلول البلاء والنقمة فلم يكن له حرب غير
أنه ناوش ذو نواس شيئا من قتال ثم انهزموا ودخلها إرياط بجموعه فلما رأى
ذو نواس ما رأى مما نزل به وبقومه وجه فرسه إلى البحر ثم ضربه فدخل فيه
فخاض به ضحضاح البحر حتى أفضى به إلى غمره فأقحمه فيه فكان آخر العهد به
ووطئ إرياط اليمن بالحبشة فقتل ثلث رجالها وأخرب ثلث بلادها وبعث إلى
النجاشي بثلث سباياها ثم أقام بها قد ضبطها وأذلها فقال قائل من أهل اليمن وهو
يذكر ما ساق إليهم دوس ذو ثعلبان من أمر الحبشة فقال
لا كدوس ولا كإعلاق رحله
يعنى ما ساق إليهم من الحبشة فهي مثل باليمن إلى اليوم وقال ذو جدن الحميري
وهو يذكر حمير وما دخل عليها من الذل بعد العز الذي كانوا فيه وما هدم من
حصون اليمن وكان إرياط قد أخرب مع ما أخرب من أرض اليمن سلحين
546

وبينون وغمدان حصونا لم يكن في الناس مثلها فقال
هونك ليس يرد الدمع ما فاتا * لا تهلكي أسفا في ذكر من ماتا
أبعد بينون لا عين ولا أثر * وبعد سلحين يبنى الناس أبياتا
وقال ذوجدن الحميري في ذلك
دعيني لا أبالك لن تطيقي * لحاك الله قد أنزفت ريقي
لدى عزف القيان إذ انتشينا * وإذ نسقى من الخمر الرحيق
وشرب الخمر ليس على عارا * إذا لم يشكني فيها رفيقي
فإن الموت لا ينهاه ناه * ولو شرب الشفاء مع النشوق
ولا مترهب في أسطوان * يناطح جدره بيض الأنوق
وغمدان الذي حدثت عنه * بنوه ممسكا في رأس نيق
بمنهمة وأسفله جروب * وحر الموحل اللثق الزليق
مصابيح السليط تلوح فيه * إذا يمسى كتوماض البروق
ونخلته التي غرست إليه * يكاد البسر يهرز بالعذوق
فأصبح بعد جدته رمادا * وغير حسنه لهب الحريق
وأسلم ذو نواس مستميتا * وحذر قومه ضنك المضيق
وقال ابن الذئبة الثقفي وهو يذكر حمير حين نزل بها السودان وما أصابوا منهم
لعمرك ما للفتى من مفر * مع الموت يلحقه والكبر
لعمرك ما للفتى صحرة * لعمرك ما إن له من وزر
أبعد قبائل من حمير * أتوا ذا صباح بذات العبر
بألف ألوف وحرابة * كمثل السماء قبيل المطر
يصم صياحهم المقربات * ينفون من قاتلوا بالزمر
سعالى كمثل عديد التراييبس * منهم رطاب الشجر
547

وأما هشام بن محمد فإنه زعم أن السفن لما قدمت على النجاشي من عند قيصر
حمل جيشه فيها فخرجوا في ساحل المندب قال فلما سمع بهم ذو نواس كتب إلى
المقاول يدعوهم إلى مظاهرته وأن يكون أمرهم في محاربة الحبشة ودفعهم عن
بلادهم واحدا فأبوا وقالوا يقاتل كل رجل عن مقولته وناحيته فلما رأى ذلك
صنع مفاتيح كثيرة ثم حملها على عدة من الإبل وخرج حتى لقى جمعهم فقال
هذه مفاتيح خزائن اليمن قد جئتكم بها فلكم المال والأرض واستبقوا الرجال
والذرية فقال عظيمهم كتب بذلك إلى الملك فكتب إلى النجاشي فكتب إلى
أمره بقبول ذلك منهم فسار بهم ذو نواس حتى إذا دخل بهم صنعاء قال لعظيمهم
وجه ثقات أصحابك في قبض هذه الخزائن ففرق أصحابه في قبضها ودفع إليهم
المفاتيح وسبقت كتب ذي نواس إلى كل ناحية أن اذبحوا كل ثور أسود في بلدكم
فقتلت الحبشة فلم يبق منهم إلا الشريد وبلغ النجاشي ما كان من ذي نواس فجهز
إليه سبعين ألفا عليهم قائدان أحدهما أبرهة الأشرم فلما صاروا إلى صنعاء
ورأى ذونواس أن لا طاقة له بهم ركب فرسه واعترض البحر فاقتحمه فكان
آخر العهد به وأقام أبرهة ملكا على صنعاء ومخاليفها ولم يبعث إلى النجاشي بشئ
فقيل للنجاشي إنه قد خلع طاعتك ورأى أنه قد استغنى بنفسه فوجه إليه جيشا
عليه رجل من أصحابه يقال له إرياط فلما حل بساحته بعث إليه أبرهة أنه يجمعني
وإياك البلاد والدين والواجب على وعليك أن ننظر لأهل بلادنا وديننا ممن
معي ومعك فإن شئت فبارزني فأينا ظفر بصاحبه كان الملك له ولم يقتل الحبشة فيما
بيننا فرضى بذلك إرياط وأجمع أبرهة على المكر به فاتعدا موضعا يلتقيان فيه
وأكمل أبرهة لارياط عبد ا له يقال له أرنجده في وهدة قريب من الموضع الذي
التقيا فيه فلما التقيا سبق إرياط فزرق أبرهة بحربته فزالت الحربة عن رأسه
وشرمت أنفه فسمى الأشرم ونهض أرنجده من الحفرة فزرق إرياط فأنفذه
فقتله فقال أبرهة لارنجده احتكم فقال لا تدخل امرأة اليمن على زوجها
حتى يبدأ بي قال لك ذاك فعبر بذلك زمانا ثم إن أهل اليمن عدوا عليه فقتلوه
548

فقال أبرهة قد أنى لكم أن تكونوا أحرارا وبلغ النجاشي قتل ارياط فآل أن لا يكون
له ناهية دون أن يهريق دم أبرهة ويطأ بلاده وبلغ أبرهة اليته فكتب إليه أيها الملك
انما كان ارياط عبد ك وأنا عبد ك قدم على يريد توهين ملكك وقتل جندك فسألته
أن يكف عن قتالي إلى أن أوجه إليك رسولا فان أمرته بالكف عنى وإلا سلمت
إليه جميع ما أنا فيه فأبى إلا محاربتي فحاربته فظهرت عليه وإنما سلطاني لك وقد
بلغني أنك حلفت أن لا تنتهى حتى تهريق دمى وتطأ بلادي وقد بعثت إليك
بقارورة من دمى وجراب من تراب أرضى وفى ذلك خروجك من يمينك فاستتم
أيها الملك يدك عندي فإنما أنا عبد ك وعزى عزك فرضى عنه النجاشي وأقره على
عمله (رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق) قال فأقام ارياط باليمن سنين في
سلطانه ذلك ثم نازعه في أمر الحبشة باليمن أبرهة الحبشي وكان في جنده حتى تفرقت
الحبشة عليهما فانحار إلى كل واحد منهما طائفة منهم ثم سار أحدهما إلى الآخر
فلما تقارب الناس ودنا بعضهم من بعض أرسل أبرهة إلى ارياط إنك لن تصنع
بأن تلقى الحبشة بعضها ببعض حتى تفنيها شيئا فأبرز لي وأبرز لك فأينا ما أصاب
صاحبه انصرف إليه جنده فأرسل إليه ارياط ان قد أنصفتني فاخرج فخرج إليه
أبرهة وكان رجلا قصيرا لحيما حادرا وكان ذا دين في النصرانية وخرج إليه
ارياط وكان رجلا عظيما طويلا وسيما وفى يده حربة وخلف أبرهة ربوة تمنع
ظهره وفيها غلام له يقال له عتودة فلما دنا أحدهما من صاحبه رفع ارياط الحربة
فضرب بها على رأس أبرهة يريد يافوخه فوقعت الحربة على جبهة أبرهة فشرمت
حاجبه وعينه وأنفه وشفته فبذلك سمى أبرهة الأشرم وحمل غلام أبرهة عتودة
على ارياط من خلف أبرهة فقتله وانصرف جند ارياط إلى أبرهة فاجتمعت
عليه الحبشة باليمن فقال عتودة في قتله ارياط " أنا عتوده من فرقة أرده لا أب
ولا أم نجده " أي يقول قتلك عبد ه قال فقال الأشرم عند ذلك لعتودة حكمك
يا عتودة وإن كنت قتلته ولا ينبغي لنا ذلك إلا ديته فقال عتودة حكمي أن لا تدخل
عروس من أهل اليمن على زوجها منهم حتى أصيبها قبله فقال ذلك لك ثم اخرج
549

دية ارياط وكان كل ما صنع أبرهة بغير علم النجاشي ملك الحبشة فلما بلغه ذلك
غضب غضبا شديدا وقال عدا على أميري فقتله بغير أمري ثم حلف لا يدع أبرهة
حتى يطأ بلاد ويجز ناصيته فلما بلغ ذلك أبرهة حلق رأسه ثم ملا جرابا من تراب
اليمن ثم بعث به إلى النجاشي وكتب إليه أيها الملك انما كان ارياط عبد ك وأنا عبد ك
فاختلفنا في أمرك وكل طاعته لك الا انى كنت أقوى منه على أمر الحبشة وأضبط
لها وأسوس لها وقد حلقت رأسي كله حين بلغني قسم الملك وبعثت إليه بجراب
من تراب أرض اليمن ليضعه تحت قدميه فيبر قسمه فلما انتهى ذلك إلى النجاشي
رضى عنه وكتب إليه أن أثبت على عملك بأرض اليمن حتى يأتيك أمري فلما رأى
أبرهة ان النجاشي قد رضى عنه وملكه على الحبشة وأرض اليمن بعث إلى أبى مرة
ابن ذي يزن فنزع منه امرأته ريحانة ابنة علقمة بن مالك بن زيد بن كهلان
وأبو مرة ذو جدن وقد كانت ولدت لأبي مرة معد يكرب بن أبي مرة فولدت
لأبرهة بعد أبي مرة مسروق بن أبرهة وبسباسة ابنة أبرهة وهرب منه أبو مرة
فأقام أبرهة باليمن وغلامه عتودة يصنع باليمن ما كان أعطاه من حكمه حينا ثم عدا
على عتودة رجل من حمير أو من خثعم فقتله فلما بلغ أبرهة قتله وكان رجلا حليما
سيدا شريفا ورعا في دينه من النصرانية قال قد أنى لكم يا أهل اليمن أن يكون فيكم
رجل حازم يأنف مما يأنف منه الرجال إني والله لو علمت حين حكمته انه يسأل
الذي سأل ما حكمته ولا أنعمته عينا وأيم الله لا يؤخذ منكم فيه عقل ولا يتبعكم
منى في قتله شئ تكرهون قال ثم إن أبرهة بنى القليس بصنعاء فبنى كنيسة لم ير
مثلها في زمانها بشئ من الأرض ثم كتب إلى النجاشي ملك الحبشة انى قد بنيت
لك أيها الملك كنيسة لم يبن مثلها لملك كان قبلك ولست بمنته حتى أصرف إليها حاج
العرب فلما تحدثت العرب بكتاب أبرهة ذلك إلى النجاشي غضب رجل من النساك
أحد بنى فقيم ثم أحد بنى مالك فخرج حتى أتى القليس فقعد فيها ثم خرج فلحق
بأرضه فأخبر بذلك أبرهة فقال من صنع هذا فقيل صنعه رجل من أهل هذا
البيت الذي تحج العرب إليه بمكة لما سمع من قولك أصرف إليه حاج العرب
550

فغضب فجاه فقعد فيها أي انها ليست لذلك بأهل فغضب عند ذلك أبرهة وحلف
ليسيرن إلى البيت فيهدمه وعند أبرهة رجال من العرب قد قدموا عليه يلتمسون
فضله منهم محمد بن خزاعي بن حزابة الذكواني ثم السلمي في نفر من قومه معه أخ
له يقال له قيس بن خزاعي فبينا هم عنده غشيهم عيد لإبرهة فبعث إليهم فيه بغذائه
وكان يأكل الخصي فلما أتى القوم بغذائه قالوا والله لئن أكلنا هذا لا تزال تعيبنا به
العرب ما بقينا فقام محمد بن خزاعي فجاء أبرهة فقال أيها الملك هذا يوم عيد لنا
لا نأكل فيه إلا الجنوب والأيدي فقال له أبرهة فسنبعث إليكم ما أحببتم فإنما
أكرمتكم بغذائي لمنزلتكم منى ثم إن أبرهة توج محمد بن خزاعي وأمره على مضر
وأمره أن يسير في الناس يدعوهم إلى حج القليس كنيسته التي بناها فسار محمد بن
خزاعي حتى إذا نزل ببعض أرض بنى كنانة وقد بلغ أهل تهامة أمره وما جاء له
بعثوا إليه رجلا من هذيل يقال له عروة بن حياض الملاصي فرماه بسهم فقتله
وكان مع محمد بن خزاعي أخوه قيس فهرب حين قتل أخوه فلحق بإبرهة فأخبره
بقتله فزاد ذلك أبرهة غضبا وحنقا وحلف ليغزون بنى كنانة وليهد من البيت (وأما
هشام بن محمد) فإنه قال بنى أبرهة بعد أن رضى عنه النجاشي وأقره على عمله كنيسة
صنعاء فبناها بناء معجبا لم ير مثله بالذهب والأصباغ المعجبة وكتب إلى قيصر يعلمه
أنه يريد بناء كنيسة بصنعاء يبقى أثرها وذكرها وسأله المعونة له على ذلك فاعانه
بالصناع والفسيفساء والرخام وكتب أبرهة إلى النجاشي حين استتم بناؤها إني
أريد أن أضرف إليها حاج العرب فلما سمعت بذلك العرب أعظمته وكبر عليها
فخرج رجل من بنى مالك بن كنانة حتى قدم اليمن فدخل الهيكل فأحدث فيه فغضب
أبرهة وأجمع على غزو مكة وهدم البيت فخرج سائرا بالحبشة ومعه الفيل فلقيه
ذو نفر الحميري فقاتله فاسره فقال أيها الملك إنما أنا عبد ك فاستبقني فان حياتي
خير لك من قتلى فاستبقاه ثم سار فلقيه نفيل بن حبيب الخثعمي فقاتله فهزم
أصحابه وأسره فسأله أن يستبقيه ففعل وجعله دليله في أرض العرب (رجع الحديث
إلى حديث ابن إسحاق) قال ثم إن أبرهة حين أجمع السير إلى البيت أمر الحبشان
551

فتهيأت وتجهزت وخرج معه بالفيل قال وسمعت العرب بذلك فأعظموه وفظعوا
به ورأوا جهاده حقا عليهم حين سمعوا أنه يريد هدم الكعبة بيت الله الحرام
فخرج له رجل كان من أشراف أهل اليمن وملوكهم يقال له ذو نفر فدعا قومه
ومن أجابه منهم من سائر العرب إلى حرب أبرهة وجهاده عن بيت الله وما يريد من
هدمه وإخرابه فأجابه من أجابه إلى ذلك وعرض له فقاتله فهزم ذو نفر وأصحابه وأخذ
له ذو نفر أسيرا فأتى به فلما أراد قتله قال له ذو نفر أيها الملك لا تقتلني فإنه عسى أن
يكون كوني معك خيرا لك من قتلى فتركه من القتل وحبسه عنده في وثاق وكان
أبرهة رجلا حليما ثم مضى أبرهة على وجهه ذلك يريد ما خرج له حتى إذا كان
بأرض خثعم عرض له نفيل بن حبيب الخثعمي في قبيلي خثعم شهران وناهس
ومن تبعه من قبائل العرب فقاتله فهزمه أبرهة وأخذ له نفيل أسيرا فأتى به فلما هم
بقتله قال له نفيل أيها الملك لا تقتلني فإني دليلك بأرض العرب وهاتان يداي لك
على قبيلي خثعم شهران وناهس بالسمع والطاعة فأعفاه وخلى سبيله وخرج به معه
يد له على الطريق حتى إذا مر بالطائف خرج إليه مسعود بن معتب في رجال ثقيف
فقال له أيها الملك إنما نحن عبيدك سامعون لك مطيعون ليس لك عندنا خلاف
وليس بيتنا هذا بالبيت الذي تريد يعنون اللات إنما تريد البيت الذي بمكة
يعنون الكعبة ونحن نبعث معك من بدلك فتجاوز عنهم وبعثوا معه أبار غال
فخرج أبرهة ومعه أبو رغال حتى أنزله المغمس فلما أنزله به مات أبو رغال هنالك
فرجمت العرب قبره فهو القبر الذي يرجم الناس بالغمس ولما نزل أبرهة المغمس
بعث رجلا من الحبشة يقال له الأسود بن مقصود على خيل له حتى انتهى إلى مكة
فساق إليه أموال أهل مكة من قريش وغيرهم وأصاب فيها مائتي بعير لعبد المطلب
ابن هاشم وهو يومئذ كبير قريش وسيدها فهمت قريش وكنانة وهذيل ومن كان
بالحرم من سائر الناس بقتاله ثم عرفوا أنه لا طاقة لهم به فتركوا ذلك وبعث أبرهة
حناطة الحميري إلى مكة فقال له سل عن سيد هذا البلد وشريفهم ثم قل له إن الملك
يقول لكم إني لم آت لحربكم إنما جئت لهدم البيت فإن لم تعوضوا دونه بحرب فلا
552

حاجة لي بدمائكم فإن لم يرد حربي فأتني به فلما دخل حناطة مكة سأل عن سيد
قريش وشريفها فقيل له عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي فجاءه فقال له
ما أمره به أبرهة فقال له عبد المطلب والله ما نريد حربه وما لنا بذلك من طاقة هذا
بيت الله الحرام وبيت خليله إبراهيم أو كما قال فان يمنعه فهو بيته وحرمه وإن يخل
بينه وبينه فوالله ما عندنا من دفع عنه أو كما قال له فقال له حناطة فانطلق إلى الملك
فإنه قد أمرني أن آتيه بك فانطلق معه عبد المطلب ومعه بعض بنيه حتى أتى العسكر
فسأل عن ذي نفر وكان له صديقا حتى دل عليه وهو في محبسه فقال له يا ذا نفر
هل عندك غناء فيما نزل بنا فقال له ذو نفر وما غناء رجل أسير بيدي ملك ينتظر
أن يقتله غدوا أو عشيا ما عندي غناء في شئ مما نزل بك الا أن أنيسا سائس الفيل
لي صديق فسأرسل إليه فاوصيه بك وأعظم عليه حقك وأسأله أن يستأذن لك
على الملك فتكلمه بما تريد ويشفع لك عنده بخير إن قدر على ذلك قال حسبي
فبعث ذو نفر إلى أنيس فجاء به فقال يا أنيس إن عبد المطلب سيد قريش وصاحب
غير مكة يطعم الناس بالسهل والوحوش في رؤس الجبال وقد أصاب له الملك
مائتي بعير فاستأذن له عليه وأنفعه عنده بما استطعت قال افعل فكلم أنيس
أبرهة فقال أيها الملك هذا سيد قريش ببابك يستأذن عليك وهو صاحب غير
مكة يطعم الناس بالسهل والوحوش في رؤس الجبال فاذن له عليك فيكلمك
بحاجته وأحسن إليه قال فأذن له أبرهة وكان عبد المطلب رجلا عظيما وسيما جسيما
فلما رآه أبرهة أجله وأكرمه أن يجلس تحته وكره أن تراه الحبشة يجلسه معه
على سرير ملكه فنزل أبرهة عن سريره فجلس على بساطه وأجلسه معه عليه إلى جنبه
ثم قال لترجمانه قل له حاجتك إلى الملك فقال له ذلك الترجمان فقال عبد المطلب
حاجتي إلى الملك أن يرد على مائتي بعير أصابها لي فلما قال له ذلك قال أبرهة لترجمانه
قل له قد كنت أعجبتني حين رأيتك ثم زهدت فيك حين كلمتني أتكلمني في
مائتي بعير قد أصبتها لك وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه لا تكلمني
فيه قال له عبد المطلب انى أنا رب الإبل وإن للبيت ربا سيمنعه قال ما كان ليمنع
553

منى قال أنت وذاك أردد إلى أبلى وكان فيما زعم بعض أهل العلم قد ذهب عبد المطلب
إلى أبرهة حين بعث إليه حناطة بعمرو بن نفاثة بن عدي بن الدئل بن بكر بن عبد مناة
ابن كنانة وهو يومئذ سيد بنى كنانة وخويلد بن واثلة الهذلي وهو يومئذ سيد
هذيل فعرضوا على أبرهة ثلث أموال تهامة على أن يرجع عنهم ولا يهدم البيت
فأبى عليهم والله أعلم وكان أبرهة قد رد على عبد المطلب الإبل التي أصاب له فلما
انصرفوا عنه انصرف عبد المطلب إلى قريش فأخبرهم الخبر وأمرهم بالخروج
من مكة والتحرز في شعف الجبال والشعاب تخوفا عليهم معرة الجيش ثم قام
عبد المطلب فأخذ بحلقة الباب باب الكعبة وقام معه نفر من قريش يدعون الله
ويستنصرونه على أبرهة وجنده فقال عبد المطلب وهو آخذ بحلقة باب الكعبة
يا رب لا أرجوا لهم سواكا * يا رب فامنع منهم حماكا
إن عدو الييت من عاداكا * إمنعهم أن يخربوا قراكا
ثم قال أيضا
لأهم إن العبد يمنع * رحله فامنع حلالك
لا يغلبن صليبهم * ومحالهم عدوا محالك
فلئن فعلت فربما * أولى فأمر ما بدا لك
ولئن فعلت فإنه * أمر تتم به فعالك
وكنت إذا أتى باغ بسلم * نرجى أن تكون لنا كذلك
فولوا لم ينالوا غير خزى * وكان الحين يهلكهم هنالك
ولم أسمع بأرجس من رجال * أرادوا العز فانتهكوا حرامك
جروا جموع بلادهم * والفيل كي يسبوا عيالك
عمدوا حماك بكيدهم * جهلا وما رقبوا جلالك
ثم أرسل عبد المطلب حلقة الباب باب الكعبة وانطلق هو ومن معه من
قريش إلى شعف الجبال فتحرزوا فيها ينتظرون ما أبرهة فاعل بمكة إذ دخلها
554

فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة وهيأ فيله وعبى جيشه وكان اسم الفيل محمود
وإبرهة مجمع لهدم البيت ثم الانصراف إلى اليمن فلما وجهوا الفيل أقبل نفيل
ابن حبيب الخثعمي حتى قام إلى جنبه ثم أخذ بإذنه فقال ابرك محمود وارجع
راشدا من حيث جئت فإنك في بلد الله الحرام ثم أرسل أذنه فبرك الفيل
وخرج نفيل بن حبيب يشتد حتى صعد في الجبل وضربوا الفيل ليقوم فأبى
وضربوا في رأسه بالطبرزين ليقوم فأبى فأدخلوا محاجن لهم في مرافه فبزغوه
ليقوم فأبى فوجهوه راجعا إلى اليمن فقام يهرول ووجهوه إلى الشأم ففعل مثل
ذلك ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك ووجهوه إلى مكة فبرك وأرسل الله
عليهم طيرا من البحر أمثال الخطاطيف مع كل طير منها ثلاثة أحجار يحملها حجر
في منقاره وحجران في رجليه مثل الحمص والعدس لا تصيب منهم أحدا الا هلك
وليس كلهم أصابت وخروا هاربين يبتدرون الطريق الذي منه جاؤوا ويسألون
عن نفيل بن حبيب ليدلهم على الطريق إلى اليمن فقال نفيل بن حبيب حين رأى
ما أنزل الله بهم من نقمته
أين المفر والاله الطالب * والأشرم المغلوب غير الغالب
وقال نفيل أيضا
ألا حييت عنا يا ردينا * نعمناكم مع الاصباح عينا
أتانا قابس منكم عشاء * فلم يقدر لقابسكم لدينا
ردينة لو رأيت ولم تريه * لدى جنب المحصب ما رأينا
إذا لعذرة وحمدت رأيي * ولم تأسي على ما فات بينا
حمدت الله إذ عاينت طيرا * وخفت حجارة تلقى علينا
فكل القوم يسأل عن نفيل * كأن على للحبشان دينا
فخرجوا يتساقطون بكل طريق ويهلكون على كل منهل وأصيب أبرهة
في جسده وخرجوا به معهم تسقط أنا مله أنملة أنملة كلما سقطت منه أنملة اتبعتها
منه مدة تمث قيحا ودما حتى قدموا به صنعاء وهو مثل فرخ الطير فما مات
555

حتى انصدع صدره عن قلبه فيما يزعمون * حدثني الحارث قال حدثنا محمد
ابن سعد قال حدثنا محمد بن عمر قال حدثنا عبد الله بن عثمان بن أبي سليمان عن
أبيه قال وحدثنا محمد بن عبد الرحمن بن السلماني عن أبيه قال وحدثنا عبد الله
ابن عمرو بن زهير الكعبي عن أبي مالك الحميري عن عطاء بن يسار قال وحدثنا
محمد بن أبي سعيد الثقفي عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن عدس عن عمه أبى
رزين العقيلي قال وحدثنا سعيد بن مسلم عن عبد الله بن كثير بن مجاهد عن
ابن عباس دخل حديث بعضهم في حديث بعض قالوا كان النجاشي قد وجه
أرياط أبا صحم في أربعة آلاف إلى اليمن فأداخها وغلب عليها فأعطى الملوك
واستذل الفقراء فقام رجل من الحبشة يقال له أبرهة الأشرم أبو يكسوم
فدعا إلى طاعته فأجابوه فقتل أرياط وغلب على اليمن فرأى الناس يتجهزون أيام
الموسم للحج إلى البيت الحرام فسال أين يذهب الناس فقالوا يحجون إلى بيت
الله بمكة قال مم هو قالوا من حجارة قال فما كسوته قالوا ما يأتي من ههنا الوصائل
قال والمسيح لابنين لكم خيرا منه فبنى لهم بيتا عمله بالرخام الأبيض والأحمر
والأصفر والأسود وحلاه بالذهب والفضة وحفه بالجوهر وجعل له أبو أبا
عليها صفائح الذهب ومسامير الذهب وفصل بينها بالجوهر وجعل فيها ياقوتة
حمراء عظيمة وجعل لها حجابا وكان يوقد بالمندل ويلطخ جدره بالمسك فيسوده
حتى يغيب الجوهر وأمر الناس فحجوه فحجه كثير من قبائل العرب سنين ومكث
فيه رجال يتعبدون ويتألهون ونسكوا له وكان نفيل الخثعمي يؤرض له ما يكره
فلما كان ليلة من الليالي لم ير أحدا يتحرك فقام فجاء بعذرة فلطخ بها قبلته
وجمع جيفا فألقاها فيه فأخبر أبرهة بذلك فغضب غضبا شديدا وقال إنما فعلت
هذا العرب غضبا لبيتهم لا نقضنه حجرا حجرا وكتب إلى النجاشي يخيره بذلك
ويسأله ان يبعث إليه بفيله محمود وكان فيلا لم ير مثله في الأرض عظما وجسما
وقوة فبعث به إليه فلما قدم عليه الفيل سار أبرهة بالناس ومعه ملك حمير ونفيل
ابن حبيب الخثعمي فلما دنا من الحرم أمر أصحابه بالغارة على نعم الناس
556

فأصابوا إبلا لعبد المطلب وكان نفيل صديقا لعبد المطب فكلمه في إبله فكلم
نفيل إبرهة فقال أيها الملك قد اتاك سيد العرب وأفضلهم قدرا وأقدمهم
شرفا يحمل على الجياد ويطعم الأموال ويطعم ما هبت الريح فادخله على أبرهة
فقال حاجتك قال ترد على إبلي فقال ما أرى ما بلغني عنك إلا الغرور وقد
ظننت انك تكلمني في بيتكم الذي هو شرفكم فقال عبد المطلب أردد على إبلي
ودونك البيت فإن له ربا سيمنعه فامر برد إبله عليه فلما قبضها قلدها النعال
وأشعرها وجعلها هديا وبثها في الحرم لكي يصاب منها شئ فيغضب رب الحرم
وأوفى عبد المطلب على حرى ومعه عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم ومطعم بن عدي
وأبو مسعود الثقفي فقال عبد المطلب
لأهم إن المرء يمنع * رحله فامنع حلالك
لا يغلبن صليبهم * ومحالهم عدوا محالك
إن كنت تاركهم وقبالتنا * فأمر ما بدا لك
قال فأقبلت الطير من البحر أبابيل مع كل طير ثلاثة أحجار حجران في رجليه
وحجر في منقاره فقذفت الحجارة عليهم لا تصيب شيئا إلا هشمته والا نفط ذلك
الموضع فكان ذلك أول ما كان الجدري والحصبة والأشجار المرة فأهمدتهم الحجارة
وبعث الله سبيلا آتيا فذهب بهم فألقاهم في البحر قال وولى أبرهة ومن بقى معه
هرابا فجعل أبرهة يسقط عضوا عضوا وأما محمود فيل النجاشي فربض ولم يشجع
على الحرم فنجا وأما الفيل الآخر فشجع فحصب ويقال كانت ثلاثة عشر فيلا ونزل
عبد المطلب من حرى فأقبل رجلان من الحبشة فقبلا رأسه وقالا أنت كنت أعلم
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن يعقوب بن عتبة بن المغيرة
ابن الأخنس أنه حدث أن أول ما رؤيت الحصبة والجدري بأرض العرب ذلك
العام وانه أول ما رؤى بها مرار الشجر الحرمل والحنظل والعشر ذلك العام
* قال ابن إسحاق ولما هلك أبرهة ملك اليمن ابنه في الحبشة يكسوم بن أبرهة وبه
كان يكنى فذلت حمير وقبائل اليمن ووطئتهم الحبشة فنكحوا نساءهم وقتلوا رجالهم
557

واتخذوا أبناءهم تراجمة بينهم وبين العرب قال ولما رد الله الحبشة عن مكة فأصابهم
ما أصابهم من النقمة عظمت العرب قريشا وقالوا أهل الله قاتل الله عنهم فكفاهم
مؤونة عدوهم قال ولما هلك يكسوم بن أبرهة ملك اليمن في الحبشة أخوه مسروق
ابن أبرهة فلما طال البلاء على أهل اليمن وكان ملك الحبشة باليمن فيما بين أن دخلها
ارياط إلى أن قتلت الفرس مسروقا وأخرجوا الحبشة من اليمن ثنتين وسبعين سنة
توارث ذلك منهم أربعة ملوك أرياط ثم أبرهة ثم يكسوم بن أبرهة ثم مسروق
ابن أبرهة فخرج سيف بن ذي يزن الحميري وكان يكنى بأبي مرة حتى قدم على قيصر
ملك الروم فشكا ما هم فيه وطلب إليه أن يخرجهم عنه ويليهم هو ويبعث إليهم
من شاء من الروم فيكون له ملك اليمن فلم يشكه ولم يجد عنده شيئا مما يريد فخرج
حتى قدم الحيرة على النعمان بن المنذر وهو عامل كسرى على الحيرة وما يليها من
أرض العرب من العراق فشكا إليه ما هم فيه من البلاء والذل فقال له النعمان إن
لي على كسرى وفادة في كل عام فأقم عندي حتى يكون ذلك فاخرج بك معي قال
فأقام عنده حتى خرج النعمان إلى كسرى فخرج معه إلى كسرى فلما قدم النعمان
على كسرى وفرغ من حاجته ذكر له سيف بن ذي يزن وما قدم له وسأل أن
يأذن له عليه ففعل وكان كسرى إنما يجلس في إيوان مجلسه الذي فيه تاجه
وكان تاجه مثل القنقل العظيم مضروبا فيه الياقوت والزبرجد واللؤلؤ والذهب
والفضة معلقا بسلسلة من ذهب في رأس طاق مجلسه ذلك كانت عنقه لا تحمل
تاجه انما يستر بالثياب حتى يجلس في مجلسه ذلك ثم يدخل رأسه في تاجه فإذا
استوى في مجلسه كشف الثياب عنه فلا يراه رجل لم يره قبل ذلك إلا برك هيبة
له فلما دخل عليه سيف بن ذي يزن برك ثم قال أيها الملك غلبتنا على بلادنا
الأغربة فقال كسرى أن الأغربة الحبشة أم السند قال بل الحبشة فجئتك لتنصرني
عليهم وتخرجهم عنى ويكون ملك بلادي لك فأنت أحب إلينا منهم قال بعدت
أرضك من أرضنا وهى أرض قليلة الخير انما بها الشاء والبعير وذلك مما لا حاجة
لنا به فلم أكن لأورط جيشا من فارس بأرض العرب لا حاجة لي بذلك ثم
558

أمر فأجيز بعشرة آلاف درهم واف وكساه كسوة حسنة فلما قبض ذلك سيف
أين ذي يزن خرج فجعل ينثر الورق للناس ينهبها الصبيان والعبيد والإماء فلم
يلبث ذلك أن دخل على كسرى فقيل له العربي الذي أعطيته ما أعطيته ينثر
دراهمه للناس ينهبها العبيد والصبيان والإماء فقال كسرى إن لهذا الرجل لشأنا
ائتوني به فلما دخل عليه قال عمدت إلى حباء الملك الذي حباك به تنثره للناس
قال وما أصنع بالذي أعطاني الملك ما جبال أرضى التي جئت منها إلا ذهب
وفضة يرغبه فيها لا رأى من زهادته فيها إنما جئت الملك ليمنعني من الظلم ويدفع
عنى الذل فقال له كسرى أقم عندي حتى أنظر في أمرك فأقام عنده وجمع كسرى
مرازبته وأهل الرأي ممن كان يستشيره في أمره فقال ما ترون في أمر هذا الرجل
وما جاء له فقال قائل منهم أيها الملك ان في سجونك رجالا قد حبستهم للقتل
فلو أنك بعثتهم معه فان هلكوا كان الذي أردت به وإن ظفروا على بلاده كان
ملكا ازددته إلى ملكك فقال إن هذا الرأي أحصوا لي كم في سجوني من الرجال
فحسبوا له فوجدوا في سجونه ثمانمائة رجل فقال انظروا إلى أفضل رجل منهم
حسبا وبيتا اجعلوه عليهم فوجدوا أفضلهم حسبا وبيتا وهرز وكان ذا سن فبعثه
مع سيف وأمره على أصحابه ثم حملهم في ثماني سفائن في كل سفينة مائة رجل
وما يصلحهم في البحر فخرجوا حتى إذا لججوا في البحر غرقت من السفن
سفينتان بما فيهما فخلص إلى ساحل اليمن من أرض عدن ست سفائن فيهن
ستمائة رجل فيهم وهرز وسيف بن ذي يزن فلما اطمأنا بأرض اليمن قال وهرز
لسيف ما عندك قال ما شئت من رجل عربي وفرس عربي ثم اجعل رجلي مع
رجلك حتى نموت جميعا أو نظهر جميعا قال وهرز أنصفت وأحسنت فجمع إليه
سيف من استطاع من قومه وسمع بهم مسروق بن أبرهة فجمع إليه جنده من الحبشة
* ثم سار إليهم حتى إذا تقارب العسكران نزل الناس بعضهم إلى بعض بعث
وهرز ابنا له كان معه يقال له نوزاذ على جريدة خيل فقال له ناوشهم القتال حتى ننظر
كيف قتالهم فخرج إليهم فناوشهم شيئا من قتال ثم تورط في مكان لم يستطع الخروج
559

منه فقتلوه فزاد ذلك وهرز حنقا عليهم وجدا على قتالهم فلما تواقف الناس على
مصافهم قال وهرز أروني ملكهم فقالوا ترى رجلا على الفيل عاقدا تاجه على
رأسه بين عينيه ياقوتة حمراء قال نعم قالوا ذاك ملكهم قال اتركوه فوقفوا
طويلا ثم قال على ما هو قالوا قد تحول على الفرس فقال اتركوه فوقفوا طويلا ثم
قال على ما هو قالوا قد تحول على البغلة قال ابنة الحمار ذل وذل ملكه هل تسمعون
أنى سأرميه فإن رأيتم أصحابه وقوفا لم يتحركوا فاثبتوا حتى أوذنكم فإني قد
أخطأت الرجل وإن رأيتم القوم قد استداروا ولا ثوابه فقد أصبت الرجل فاحملوا
عليهم ثم أوتر قوسه وكانت فيما زعموا لا يوترها غيره من شدتها ثم أمر بحاجبيه
فعصبا لم ثم وضع في قوسه نشابة فمغط فيها حتى إذا ملاها أرسلها فصك بها
الياقوتة التي بين عينيه فتغلغلت النشابة في رأسه حتى خرجت من قفاه وتنكس
عن دابته واستدارت الحبشة ولاثت به وحملت عليهم الفرس وانهزمت الحبشة
فقتلوا وهرب شريدهم في كل وجه فأقبل وهرز يريد صنعاء يدخلها حتى إذا أتى
بابها قال لا تدخل رايتى منكسة أبدا اهدموا الباب فهدم باب صنعاء ثم دخلها
ناصبا رايته يسار بها بين يديه فلما ملك اليمن ونفى عنها الحبشة كتب إلى كسرى
إني قد ضبطت لك اليمن وأخرجت من كان بها من الحبشة وبعث إليه بالأموال
فكتب إليه كسرى يأمره أن يملك سيف بن ذي يزن على اليمن وأرضها وفرض كسرى
على سيف بن ذي يزن جزية وخرج يؤديه إليه في كل عام معلوم يبعث إليهم في كل عام
وكتب إلى وهرز أن يتصرف إليه فانصرف إليه وهرز وملك سيف بن ذي يزن
على اليمن وكان أبو ه ذو يزن من ملوك اليمن * فهذا ما حدثنا به ابن حميد عن سلمة
عن ابن إسحاق من أمر حمير والحبشة وملكهم وتوجيه كسرى من وجه لحرب
الحبشة باليمن (وأما هشام بن محمد) فإنه قال ملك بعد أبرهة يكسوم ثم مسروق
قال وهو الذي قتله وهرز في ملك كسرى بن قباذ ونفى الحبشة عن اليمن قال
وكان من حديثه أن أبا مرة الفياض ذايزن كان من أشراف اليمن وكانت تحته
ريحانة ابنة ذي جدن فولدت له غلاما سماه معديكرب وكانت ذات جمال
560

فانتزعها الأشرم من أبى مرة فاستنكحها فخرج أبو مرة من اليمن فلحق ببعض ملوك
بنى المنذر أظنه عمرو بن هند فسأله أن يكتب له إلى كسرى كتابا يعلمه فيه قدره
وشرفه ونزوعه إليه فيما نزع إليه فيه فقال لا تعجل فإن لي عليه في كل سنة وفادة
وهذا وقتها فأقام قبله حتى وفد عليه معه فدخل عمرو بن هند على كسرى فذكر
له شرف ذي يزن وحاله واستأذن له فدخل فأوسع له عمرو فلما رأى ذلك كسرى
علم أن عمرا لم يصنع به ذلك بين يديه إلا لشرفه فأقبل عليه فألطفه وأحسن
مسألته وقال له ما الامر الذي نزع بك قال أيها الملك إن السودان قد غلبونا على
بلادنا وركبوا منا أمورا شنعة أجل الملك عن ذكرها فلو أن الملك تناولنا بنصره
من غير أن نستنصره لكان حقيقا بذلك لفضله وكرمه وتقدمه لسائر الملوك
فكيف وقد نزعنا إليه مؤلمين له راجين لان يقصم الله عدونا وينصرنا عليهم
وينتقم لنا به منهم فإن رأى الملك أن يصدق ظننا ويحقق رجاءنا ويوجه معي
جيشا ينفون هذا العدو عن بلادنا فيزدادها إلى ملكه فإنها من أخصب البلدان
وأكثرها خيرا وليست كما يلي الملك من بلاد العرب فعل قال قد علمت أن
بلادكم كما وصفت فأي السودان غلبوا عليها الحبشة أم السند قال بل الحبشة قال
أنو شروان إني لا أحب أن أصدق ظنك وأن تنصرف بحاجتك ولكن المسلك
للجيش إلى بلادك صعب وأكره أن أغرره بجندي ولى فيما سألت نظر وأنت
على ما تحب فأمر بإنزاله وإكرامه فلم يزل مقيما عنده حتى هلك وقد كان أبو مرة
قال قصيدة بالحميرية يمتدح فيها كسرى فلما ترجمت له أعجب بها وولدت ريحانة
ابنة ذي جدن لإبرهة الأشرم غلاما فسماه مسروقا ونشأ معديكرب بن ذي يزن
مع أمه ريحانة في حجر أبرهة فسبه ابن لإبرهة فقال له لعنك الله ولعن أباك
وكان معديكرب لا يحسب إلا أن الأشرم أبو ه فأتى أمه فقال لها من أبى
قالت الأشرم قال لا والله ما هو أبى ولو كان أبى ما سبني فلان فأخبرته أن أباه
أبو مرة الفياض واقتصت عليه خبره فوقع ذلك في نفس الغلام ولبث بعد ذلك
ليثا ثم إن الأشرم مات ومات ابنه يكسوم فخرج ابن ذي يزن قاصدا إلى ملك
561

الروم وتجنب كسرى لابطائه عن نصر أبيه فلم يجد عند ملك الروم ما يحب ووجده
يحامي عن الحبشة لموافقتهم إياه على الدين فانكفأ راجعا إلى كسرى فاعترضه
يوما وقد ركب فصاح به أيها الملك إن لي عندك ميراثا فدعا به كسرى لما نزل
وقال من أنت وما ميراثك قال أنا ابن الشيخ اليماني ذي يزن الذي وعدته أن
تنصره فمات ببابك وحضرتك فتلك العدة حق لي وميراث يجب عليك الخروج
لي منه فرق له كسرى وأمر له بمال فخرج الغلام فجعل ينثر الدراهم فانتهبها
الناس فأرسل إليه كسرى ما الذي حملك على ما صنعت قال إني لم آتك للمال إنما
جئتك للرجال ولتمنعني من الذل فأعجب ذلك كسرى فبعث إليه أن أقم حتى أنظر
في أمرك ثم إن كسرى استشار وزراءه في توجيه الجند معه فقال له الموبذان إن لهذا
الغلام حقا بنزوعه وموت أبيه بباب الملك وحضرته وما تقدم من عدته إياه وفى سجون
الملك رجال ذو نجدة وبأس فلو أن الملك وجههم معه فإن أصابوا ظفرا كان له وإن
هلكوا كان قد استراح وأراح أهل مملكته منهم ولم يكن ذلك ببعيد من الصواب
قال كسرى هذا الرأي وأمر بمن كان في السجون من هذا الضرب فاحصوا فبلغوا
ثمانمائة نفر فقود عليهم قائدا من أساورته يقال له وهرزكان كسرى يعدله
بألف أسوار وقواهم وجهزهم وأمر بحملهم في ثماني سفائن في كل سفينة مائة رجل
فركبوا البحر فغرفت من الثماني السفن سفينتان وسلمت ست فخرجوا بساحل
حضر موت وسار إليهم مسروق في مائة ألف من الحبشة وحمير والاعراب ولحق بابن
ذي يزن بشر كثير ونزل وهرز على سيف البحر وجعل البحر وراء ظهره فلما نظر
مسروق إلى قلتهم طمع فيهم فأرسل إلى وهرز ما جاء بك وليس معك إلا من
أرى ومعي من ترى لقد غررت بنفسك وأصحابك فإن أحببت أذنت لك فرجعت
إلى بلادك ولم أهجك ولم ينلك ولا أحدا من أصحابك منى ولا من أحد من أصحابي
مكروه وان أحببت ناجزتك الساعة وان أحببت أجلتك حتى تنظر في أمرك
وتشاور أصحابك فاعظم وهرز أمرهم ورأى أنه لا طاقة له بهم فأرسل إلى مسروق
بل تضرب بيني وبينك أجلا وتعطيني موثقا وعهدا وتأخذ مثله منى أن لا يقاتل
562

بعضنا بعضا حتى ينقضى الاجل ونرى رأينا ففعل ذلك مسروق ثم أقام كل واحد منهما
في عسكره حتى إذا مضى من الاجل عشرة أيام خرج ابن وهرز يسير على فرس له حتى
دنا من عسكرهم وحمله فرسه فتوسط به عسكرهم فقتلوه ووهرز لا يشعر به فلما بلغه
قتل ابنه أرسل إلى مسروق قد كان بيني وبينكم ما قد علمتم فلم قتلتم ابني فأرسل
إليه مسروق إن ابنك حمل علينا وتوسط عسكرنا فثار إليه سفهاء من سفهائنا فقتلوه
وقد كنت لقتله كارها قال وهرز للرسول قل له إنه لم يكن ابني إنما كان ابن زانية
ولو كان ابني لصبر ولم يغدر حتى ينقضى الاجل الذي بيننا ثم أمر فرمى به في الصعيد
حيث ينظر إلى جثمانه وحلف أن لا يشرب خمرا ولا يدهن رأسه حتى ينقضى الاجل
بينه وبينهم فلما انقضى الاجل إلا يوما واحدا أمر بالسفن التي كانوا فيها فأحرقت
بالنار وأمر بما كان معهم من فضل كسوة فأحرق ولم يدع منه إلا ما كان على
أجسادهم ثم دعا بكل زاد معهم فقال لأصحابه كلوا هذا الزاد فأكلوه فلما انتهوا أمر
بفضله فألقى في البحر ثم قام فيهم خطيبا فقال أما ما حرقت من سفنكم فإني أردت
أن تعلموا أنه لا سبيل إلى بلادكم أبدا وأما ما حرقت من ثيابكم فإنه كان يغيظني
إن ظفرت بكم الحبش أن يصير ذلك إليهم وأما ما ألقيت من زادكم في البحر فإني
كرهت أن يطمع أحد منكم أن يكون معه زاد يعيش به يوما واحدا فإن كنتم
قوما تقاتلون معي وتصبرون أعلمتموني ذلك وإن كنتم لا تفعلون اعتمدت على
سيفي هذا حتى يخرج من ظهري فإني لم أكن لأمكنهم من نفسي أبدا فانظروا
ما تكون حالكم إذا كنت رئيسكم وفعلت هذا بنفسي فقالوا لابل نقاتل معك
حتى نموت عن آخرنا أو نظفر فلما كان صبح اليوم الذي انقضى فيه الاجل
عبى أصحابه وجعل البحر خلفه وأقبل عليهم يحضهم على الصبر ويعلمهم أنهم منه
بين خلتين إما ظفروا بعدوهم وإما ماتوا كراما وأمرهم أن تكون قسيهم موترة
وقال إذا أمرتكم أن ترموا فارموهم رشقا بالبنجكان ولم يكن أهل اليمن رأوا
النشاب قبل ذلك وأقبل مسروق في جمع لا يرى طرفاه على فيل على رأسه تاج بين
عينيه ياقوتة حمراء مثل البيضة لا يرى أن دون الظفر شيئا وكان وهرزقد كل بصره
563

فقال أروني عظيمهم فقالوا هو صاحب الفيل ثم لم يلبث مسروق أن نزل فركب
فرسا فقالوا قد ركب فرسا فقال ارفعوا لي حاجبي وقد كانا سقطا على عينيه من
الكبر فرفعوهما بعصابة ثم أخرج نشابة فوضعها في كبد قوسه وقال أشيروا لي
إلى مسروق فأشاروا له إليه حتى أثبته ثم قال لهم ارموا فرموا ونزع في قوسه حتى
إذا ملاها سرح النشابة فأقبلت كأنها رشاء حتى صكت جبهة مسروق فسقط عن
دابته وقتل في ذلك الرشق منهم جماعة كثير وانفض صفهم لما رأوا صاحبهم
صريعا فلم يكن دون الهزيمة شئ وأمر وهرز بجثة ابنه من ساعته فوريت وأمر
بجثة مسروق فألقيت مكانها وغنم من عسكرهم مالا يحصى ولا يعد كثرة وجعل
الأسوار يأخذ من الحبشة ومن حمير والاعراب الخمسين والستين فيسوقهم مكتفين
لا يمتنعون منه فقال وهرز أما حمير والاعراب فكفوا عنهم واقصدوا قصد
السودان فلا تبقوا منهم أحدا فقتلت الحبشة يومئذ حتى لم يبق منهم كثير أحد
وهرب رجل من الاعراب على جمل له فركضه يوما وليلة ثم التفت فإذا في الحقيبة
نشابة فقال لامك الويل أبعد أم طول مسير حسب إن النشابة لحقته وأقبل وهرز
حتى دخل صنعاء وغلب على بلاد اليمن وفرق عماله في المخاليف وفى ابن ذي يزن
وما كان منه ومن وهرز والفرس يقول أبو الصلت أبو أمية بن أبي الصلت الثقفي
ليطلب الوتر أمثال ابن ذي يزن * ريم في البحر للأعداء أحوالا
أتى هرقل وقد شالت نعامتهم * فلم يجد عنده بعض الذي قالا
ثم انتحى نحو كسرى بعد سابعة * من السنين لقد أبعدت إيغالا
حتى أتى ببنى الأحرار يحملهم * إنك لعمري لقد أطولت قلقالا
من مثل كسرى شهنشاه الملوك له * أو مثل وهرز يوم الجيش إذ صالا
لله درهم من عصبة خرجوا * ما إن ترى لهم في الناس أمثالا
غر جحا جحة بيض مرازبة * أسد تربب في الغيضات أشبالا
يرمون عن شدف كأنها عبط * في زمخر يعجل المرمى اعجالا
564

أرسلت أسدا على سود الكلاب فقد * أضحى شريدهم في الأرض فلالا
فأشرب هنيئا عليك التاج متكئا * في رأس غمدان دارا منك محلالا
وأطل بالمسك إذ شالت نعامتهم * وأسبل اليوم في برديك إسبالا
تلك المكارم لاقعبان من لبن * شيبا بماء فعادا بعد أبو الا
رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق قال فلما انصرف وهرز إلى كسرى
وملك سيفا على اليمن عدا على الحبشة فجعل يقتلها ويبقر النساء عما في بطونها حتى
إذا أفناها إلا بقايا ذليلة قليلة فاتخذهم خولا واتخذ منهم جمازين يسعون بين يديه
بحرابهم فمكث بذلك حينا غير كثير ثم إنه خرج يوما والحبشة تسعى بين يديه
بحرابهم حتى إذا كان في وسط منهم وجؤوه بالحراب حتى قتلوه ووثب بهم
رجل من الحبشة فقتل باليمن وأوعث فافسد فلما بلغ ذلك كسرى بعث إليهم
وهرز في أربعة آلاف من الفرس وأمره أن لا يترك باليمن أسود ولا ولد عربية
من أسود إلا قتله صغيرا أو كبيرا ولا يدع رجلا جعدا قططا قد شرك فيه السودان
إلا قتله فاقبل وهرز حتى دخل اليمن ففعل ذلك ولم يترك بها حبشيا إلا قتله ثم كتب
إلى كسرى بذلك فأمره كسرى عليها فكان عليها وكان يجيبها إلى كسرى حتى هلك
وأمر كسرى بعده ابنه المرزبان بن وهرز فكان عليها حتى هلك فامر كسرى بعده
البينجان بن المرزبان بن وهرز حتى هلك ثم أمر كسرى بعده خر خسره بن
البينجان بن المرزبان بن وهرز فكان عليها ثم إن كسرى غضب عليه فحلف ليأتينه
به أهل اليمن يحملونه على أعناقهم ففعلوا فلما قدم على كسرى تلقاه رجل من عظماء
فارس فألقى عليه سيفا لأبي كسرى فأجاره كسرى بذلك من القتل ونزعه وبعث
بأذان إلى اليمن فلم يزل عليها حتى بعث الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم وكان فيما
ذكر بين كسرى أنو شروان وبين يخطيانوس ملك الروم موادعة وهدنة فوقع
بين رجل من العرب كان ملكه يخطيانوس على عرب الشأم يقال له خالد بن جبلة
وبين رجل من لخم كان ملكه كسرى على ما بين عمان والبحرين واليمامة إلى الطائف
وسائر الحجاز ومن فيها من العرب يقال له المنذر بن النعمان نائرة فأغار خالد بن
565

جبلة على حيز المنذر فقتل من أصحابه مقتلة عظيمة وغنم أموالا من أمواله فشكا
ذلك المنذر إلى كسرى وسأله الكتاب إلى ملك الروم في إنصافه من خالد فكتب
كسرى إلى يخطيانوس يذكر ما بينهما من العهد على الهدنة والصلح ويعلمه ما لقي
المنذر عامله على العرب من خالد بن جبلة الذي ملكه على من في بلاده من العرب
ويسأله أن يأمر خالد أن يرد على المنذر ما غنم من حيزه وبلاده ويدفع إليه دية من
قتل من عربها وينصف المنذر من خالد وأن لا يستخف بما كتب به من ذلك
فيكون انتقاض ما بينهما من العهد والهدنة بسببه وواتر الكتب إلى يخطيانوس
في إنصاف المنذر فلم يحفل بها فاستعد كسرى فغزا بلاد يخطيانوس في بضعة
وتسعين ألف مقاتل فأخذ مدينة دارا ومدينة الرهاء ومدينة منبج ومدينة قنسرين
ومدينة حلب ومدينة أنطاكية وكانت أفضل مدينة بالشام ومدينة فامية ومدينة
حمص ومدنا كثيرة متاخمة لهذه المدائن عنوة واحتوى على ما كان فيها من الأموال
والعروض وسبى أهل مدينة أنطاكية ونقلهم إلى أرض السواد وأمر فبنيت لهم
مدينة إلى جنب مدينة طيسبون على بناء مدينة أنطاكية على ما قد ذكرت قبل
وأسكنهم إياها وهى التي تسمى الرومية وكور لها كورة وجعل لها خمسة طساسيج
طسوج نهروان الاعلى وطسوج نهروان الأوسط وطسوج نهروان الأسفل
وطسوج بادرايا وطسوج باكسايا وأجرى على السبي الذين نقلهم من أنطاكية
إلى الرومية الأرزاق وولى القيام بأمورهم رجلا من نصارى أهل الأهواز كان
ولاه الرئاسة على أصحاب صناعانه يقال له برازرقة منه لذلك السبي إرادة أن
يستأنسوا ببراز لحال ملته ويسكنوا إليه وأما سائر مدن الشام ومصر فإن يخطيانوس
ابتاعها من كسرى بأموال عظيمة حملها إليه وضمن له فدية يحملها إليه في كل سنة
على أن يغزو بلاده وكتب لكسرى بذلك كتابا وختم هو وعظماء الروم عليه
فكانوا يحملونها إليه في كل عام * وكان ملوك فارس يأخذون من كور من كورهم
قبل ملك كسرى أنوشروان في خراجها الثلث ومن كور الربع ومن كور الخمس
ومن كور السدس على قدر شربها وعمارتها ومن جزية الجماجم شيئا معلوما فامر
566

الملك قباذ بن فيروز في آخر ملكه بمسح الأرض سهلها وجبلها ليصبح الخراج عليها
فمسحت غير أن قباذ هلك قبل أن يستحكم له أمر تلك المساحة حتى إذا ملك ابنه
كسرى أمر باستتمامها وإحصاء النخل والزيتون والجماجم ثم أمر كتابه فاستخرجوا
جمل ذلك وأذن للناس إذنا عاما وأمر كاتب خراجه أن يقرأ عليهم الجمل التي
استخرجت من أصناف غلات الأرض وعدد النخل والزيتون والجماجم فقرأ
ذلك عليهم ثم قال لهم كسرى إنا قد رأينا أن نضع على ما أحصى من جربان هذه
المساحة من النخل والزيتون والجماجم وضائع ونامر بانجامها في السنة في ثلاثة
أنجم وتجمع في بيوت أموالنا من الأموال ما لو أتانا عن ثغر من ثغورنا أو طرف
من أطرافنا فتق أو شئ نكرهه واحتجنا إلى تداركه أو حسمه ببذلنا فيه ما لو
كانت الأموال عندنا معدة موجودة ولم نرد استئناف اجتبائها على تلك الحال
فما ترون فيما رأينا من ذلك وأجمعنا عليه فلم يشر عليه أحد منهم فيه بمشورة ولم
ينبس بكلمة فكرر كسرى هذا القول عليهم ثلاث مرات فقام رجل من عرضهم
وقال لكسرى أتضع أيها الملك عمرك الله الخالد من هذا الخراج على الفاني من
كريم بموت وزرع يهيج ونهر يغور وعين أو قناة ينقطع ماؤها فقال له كسرى
يا ذا الكلفة المشئوم من أي طبقات الناس أنت قال أنا رجل من الكتاب فقال
كسرى اضربوه بالدوى حتى يموت فضربه بها الكتاب خاصة تبرءا منهم إلى
كسرى من رأيه وما جاء منه حتى قتلوه وقال الناس نحن راضون أيها الملك
بما أنت ملزمنا من خراج وأن كسرى اختار رجالا من أهل الرأي والنصيحة
فأمرهم بالنظر في أصناف ما ارتفع إليه من المساحة وعدة النخل والزيتون
ورؤوس أهل الجزية ووضع الوضائع على ذلك بقدر ما يرون أن فيه صلاح
رعيته ورفاغة معاشهم ورفعه إليه فتكلم كل امرئ منهم بمبلغ رأيه في ذلك من
تلك الوضائع وأداروا الامر بينهم فاجتمعت كلمتهم على وضع الخراج على ما يعصم
الناس والبهائم وهو الحنطة والشعير والأرز والكرم والرطاب والنخل والزيتون
وكان الذي وضعوا على كل جريب أرض من مزارع الحنطة والشعير درهما وعلى
567

كل جريب أرض كرم ثمانية دراهم وعلى كل جريب أرض رطاب سبعة
دراهم وعلى كل أربع نخلات فارسي درهما وعلى كل ست نخلات دقل مثل
ذلك وعلى كل ستة أصول زيتون مثل ذلك ولم يضعوا إلا على كل نخل حديقة أو
مجتمع غير شاذ وتركوا ما سوى ذلك من الغلات السبع فقوى الناس في معاشهم
وألزموا الناس الجزية ما خلا أهل البيوتات والعظماء والمقاتلة والهرابذة
والكتاب ومن كان في خدمة الملك وصيروها على طبقات اثنى عشر درهما
وثمانية وستة وأربعة كقدر إكثار الرجل وإقلاله ولم يلزموا الجزية من كان
أتى له من السن دون العشرين أو فوق الخمسين ورفعوا وضائعهم إلى كسرى
فرضيها وأمر بامضائها والاجتباء عليها في السنة في ثلاثة أنجم كل نجم أربعة أشهر
وسماها أبراسيار وتأويله الامر المتراضي وهى الوضائع التي اقتدى بها عمر بن
الخطاب حين افتتح بلاد الفرس وأمر باجتباء أهل الذمة عليها الا أنه وضع
على كل جريب أرض غامر على قدر احتماله مثل الذي وضع على الأرض المزروعة
وزاد على كل جريب أرض مزارع حنطة أو شعير قفيزا من حنطة إلى القفيزين
ورزق منه الجند ولم يخالف عمر بالعراق خاصة وضائع كسرى على جربان الأرض
وعلى النخل والزيتون والجماجم وألغى ما كان كسرى ألغاه من معايش الناس
وأمر كسرى فدونت وضائعه نسخا فاتخذت نسخة منها في ديوانه قبله ودفعت
نسخة إلى عمال الخراج ليجتبوا خراجهم عليها ونسخة إلى قضاة الكور وأمر القضاة
أن يحولوا بين عمال الكور والزيادة على أهل الخراج فوق ما في الديوان الذي
دفعت إليه نسخته وأن يرفعوا الخراج عن كل من أصاب زرع أو شيئا من غلاته
آفة بقدر مبلغ تلك الآفة وعمن هلك من أهل الجزية أو جاز خمسين سنة ويكتبوا
إليه يما يرفعون من ذلك ليأمر بحسبه للعمال ولا يخلوا بين العمال وبين اجتباء
من أتى له دون عشرين سنة وكان كسرى ولى رجلا من الكتاب نابها بالنبل والمروءة
والغناء والكفاية يقال له بابك بن البيروان ديوان المقاتلة فقال لكسرى إن
أمري لا يتم الا بإزاحة علتي في كل ما بي إليه الحاجة من صلاح أمر الملك في جنده
568

فأعطاه ذلك فأمر بابك فبنيت له في الموضع الذي كان يعرض فيه الجند مصطبة
وفرش له عليها بساط سوسنجرد ونمط صوف فوقه ووضعت له وسائد لتكأته
ثم جلس على ما فرش له ثم نادى منادى في شاهد عسكر كسرى من الجند أن يحضره
الفرسان على كراعهم وأسحلتهم والرجالة على ما يلزمهم من السلاح فاجتمع إليه
الجند على ما أمرهم أن يحضروه عليه ولم يعاين كسرى فيهم فأمرهم بالانصراف
ونادى مناديه في اليوم الثاني بمثل ذلك فاجتمع إليه الجند فلما لم ير كسرى فيهم أمرهم
أن ينصرفوا ويغدوا إليه وأمر مناديه أن ينادى في اليوم الثالث أن لا يتخلف
عنه من شاهد العسكر أحد ولا من أكرم بتاج وسرير فإنه عزم لا رخصة فيه
ولا محاباة فبلغ ذلك كسرى فوضع تاجه على رأسه وتسلح بسلاح المقاتلة ثم أتى
بابك ليعترض عليه وكان الذي يؤخذ به الفارس من الجند تجافيف ودرعا وجوشنا
وساقين وسيفا ورمحا وترسا وجرزا تلزمه منطقة وطبرزينا أو عمودا وجعبة فيها
قوسان بوتريهما وثلاثين نشابة ووترين مضفورين يعلقهما الفارس في مغفر له ظهريا
فاعترض كسرى على بابك بسلاح تام ما حلا الوترين اللذين كان يستظهر بهما فلم يجز
بابك عن اسمه وقال له إنك أيها الملك واقف في موضع المعدلة التي لا محاباة تكون
منى معها ولا هوادة فهلم كل ما يلزمك من صنوف الأسلحة فذكر كسرى قصة
الوترين فتعلقهما ثم غرد داعى بابك بصوته وقال للكمي سيد الكماة أربعة آلاف
درهم وأجاز بابك عن اسمه ثم انصرف وكان يفضل الملك في العطاء على أكثر
المقاتلة عطاء بدرهم فلما قام بابك من مجلسه ذلك أتى كسرى فقال إن غلظتي في
الامر الذي أغلظت فيه عليك اليوم أيها الملك إنما هي لان ينفذ لي عليه الامر
الذي وضعتني بسبيله وسبب من أوثق الأسباب لما يريد الملك أحكامه لمكاني
فقال كسرى ما غلظ علينا أمر أريد به صلاح رعيتنا وأقيم عليه أودذى الأود
منهم ثم إن كسرى وجه مع رجل من أهل اليمن يقال له سيفان بن معديكرب
ومن الناس من يقول إنه كان يسمى سيف بن ذي يزن جيشا إلى اليمن فقتلوا من
بها من السودان واستولوا عليها فلما دانت لكسرى بلاد اليمن وجه إلى سرنديب
569

من بلاد الهند وهى أرض الجوهر قائدا من قواده في جند كثيف فقاتل ملكها
فقتله واستولى عليها وحمل إلى كسرى منها أموالا عظيمة وجوهرا كثيرا ولم
يكن ببلاد الفرس بنات آوى فتساقطت إليها من بلاد الترك في ملك كسرى
أنوشروان فبلغ ذلك كسرى فبلغ ذلك منه مشقة فدعا بموبذان موبذ فقال إنه بلغنا
تساقط هذه السباع إلى بلادنا وقد تعاظم الناس ذلك فتعجبنا من استعظامهم أمرها
لهوانها فأخبرنا برأيك في ذلك فقال له موبذان موبذ فإني سمعت أيها الملك عمرك
الله فقهاءنا يقولون متى لا يغمر في بلدة العدل الجور ويمحق بلى أهلها بغزو أعدائهم
لهم وتساقط إليهم ما يكرهون وقد تخوفت أن يكون تساقط هذه السباع إلى
بلادك لما أعلمتك من هذا الخطب فلم يلبث كسرى أن تناهى إليه أن فتيانا من
الترك قد غزوا أقصى بلاده فأمر وزراءه وأصحاب أعماله أن لا يتعدوا فيما هم بسبيله
العدل ولا يعملوا في شئ منه إلا به فصرف الله لما حرى من العدل ذلك العدو
عن بلاده من غير أن يكون حاربهم أو كلف مؤنة في أمرهم * وكان لكسرى
أولاد متأدبون فجعل الملك من بعده لهرمز ابنه الذي كانت أمه ابنة خاتون وخاقان
لمعرفة كسرى إياه بالاقتصاد والاخذ بالوثيقة ومارجا بذلك من ضبط هرمز
الملك وقدرته على تدبير الملك ورعيته ومعاملتهم * وكان مولد رسول الله صلى
الله عليه وسلم في عهد كسرى أنوشروان عام قدم أبرهة الأشرم أبو يكسوم مع
الحبشة إلى مكة وساق فيه إليها الفيل يريد هدم بيت الله الحرام وذلك لمضى اثنتين
وأربعين سنة من ملك كسرى أنوشروان وفى هذا العام كان يوم جبلة وهو
يوم من أيام العرب مذكور
ذكر مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم
* حدثنا ابن المثنى قال حدثنا وهب بن جرير قال حدثنا أبي قال سمعت محمد
ابن إسحاق يحدث عن المطلب بن عبد الله بن قيس بن مخرمة عن أبيه عن
جده قال ولدت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل * قال وسأل عثمان
570

ابن عفان قباث بن أشيم أخا بنى بنى عمرو بن ليث أنت أكبر أم رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر منى وأنا أقدم منه في
الميلاد ورأيت خذق الفيل أخضر محيلا بعده بعام ورأيت أمية بن عبد شمس
شيخا كبيرا يقوده عبد ه فقال ابنه يا قباث أنت أعلم وما تقول * حدثنا ابن حميد
قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن المطلب بن عبد الله بن قيس بن مخرمة عن أبيه عن
جده قيس بن مخرمة قال ولدت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل
فنحن لدان * وحدثت عن هشام بن محمد قال ولد عبد الله بن عبد المطلب
أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم لأربع وعشرين مضت من سلطان كسرى
أنوشروان وولد رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة اثنتين وأربعين من سلطانه
* وحدثت عن يحيى بن معين قال حدثنا حجاج بن محمد قال حدثنا يونس بن أبي
إسحاق عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال ولد رسول الله
صلى الله عليه وسلم عام الفيل * حدثت عن إبراهيم بن المنذر قال حدثنا
عبد العزيز بن أبي ثابت قال حدثنا الزبير بن موسى عن أبي الحويرث قال سمعت
عبد الملك بن مروان يقول لقباث بن أشيم الكناني الليثي يا قباث أنت أكبر أم
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر منى وأنا
أسن منه ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل ووقفت بي أمي على روث
الفيل محيلا أعقله * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني ابن إسحاق قال
ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين عام الفيل لاثنتي عشرة مضت من
شهر ربيع الأول وقيل إنه ولد صلى الله عليه وسلم في الدار التي تعرف بدار
ابن يوسف وقيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وهبها لعقيل بن أبي طالب
فلم تزل في يد عقيل حتى توفى فباعها ولده من محمد بن يوسف أخي الحجاج بن
يوسف فبنى داره التي يقال لها دار ابن يوسف وأدخل ذلك البيت في الدار حتى
أخرجته الخيزران فجعلته مسجدا يصلى فيها * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة
عن ابن إسحاق قال يزعمون فيما يتحدث الناس والله أعلم ان آمنة بنت وهب أم
571

رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تحدث أنها أتيت لما حملت برسول الله صلى
الله عليه وسلم فقيل لها انك قد حملت بسيد هذه الأمة فإذا وقع بالأرض فقولي
أعيذه بالواحد من شر كل حاسد ثم سميه محمدا ورأت حين حملت به أنه خرج
منها نور رأت منه قصور بصرى من أرض الشام فلما وضعته أرسلت إلى جده
عبد المطلب أنه وقد ولد لك غلام فأته فانظر إليه فأتاه فنظر إليه وحدثته بما رأت
حين حملت به وما قيل لها فيه وما أمرت أن تسميه * حدثني محمد بن سنان القزاز
قال حدثنا يعقوب بن محمد الزهري قال حدثنا عبد العزيز بن عمران قال حدثني
عبد الله بن عثمان بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم عن أبيه عن أبن أبى سويد الثقفي
عن عثمان بن أبي العاص قال حدثتني أمي أنها شهدت ولادة آمنة بنت وهب أم
رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ذلك ليلا ولدته قالت فما شئ أنظر إليه من
البيت إلا نور وإني لا نظر إلى النجوم تدنو حتى إني لاقول لتقعن على * حدثنا
ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال فيزعمون أن عبد المطلب أخذه
فدخل به على هبل في جوف الكعبة فقام عنده يدعو الله ويشكر ما أعطاه ثم
ثم خرج به إلى أمه فدفعه إليها والتمس له الرضعاء فاسترضع له امرأة من بنى سعد
ابن بكر يقال لها حليمة ابنة أبى ذؤيب وأبو ذؤيب عبد الله بن الحارث بن شجنة
ابن جابر بن رزام بن ناصرة بن قصية بن سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن
عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر واسم الذي أرضعه الحارث بن
عبد العزى بن رفاعة بن ملان بن ناصرة بن قصية بن سعد بن بكر بن هوازن بن
منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر واسم اخوته من
الرضاعة عبد الله بن الحارث وأنيسة ابنة الحارث وجذامة ابنة الحارث وهى
الشماء غلب ذلك على اسمها فلا تعرف في قومها إلا به وهى حليمة ابنة عبد الله بن
الحارث أم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويزعمون أن الشماء كانت تحضنه مع
أمها إذ كان عندهم صلى الله عليه وسلم * وأما غير ابن إسحاق فإنه قال في ذلك
ما حدثني به الحارث قال حدثنا ابن سعد قال حدثنا محمد بن عمر قال حدثني موسى
572

ابن شيبة عن عميرة ابنة عبيد الله بن كعب بن مالك عن برة ابنة بي تجرأت قالت
أول من أرضع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثويبة بلبن ابن لها يقال له مسروح
أياما قبل أن تقدم حليمة وكانت قد أرضعت قبل حمزة بن عبد المطلب وأرضعت
بعده أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني
ابن إسحاق وحدثنا هناد بن السرى قال حدثنا يونس بن بكير قال حدثنا ابن إسحاق
وحدثني هارون بن إدريس الأصم قال حدثنا المحاربي عن ابن إسحاق وحدثنا
سعيد بن يحيى الأموي قال حدثني عمى محمد بن سعيد قال حدثنا محمد ابن إسحاق عن
الجهم بن أبي الجهم مولى عبد الله بن جعفر عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب
قال كانت حليمة ابنة أبى ذؤيب السعدية أم رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أرضعته
تحدث أنها خرجت من بلدها معها زوجها وابن لها ترضعه في نسوة من بنى سعد بن
بكر تلتمس الرضعاء قالت وذلك في سنة شهباء لم تبق شيئا فخرجت على أتان لي قمراء معنا
شارف لنا والله ما تبض بقطرة وما ننام ليلنا أجمع من صبينا الذي معي من بكائه من
الجوع وما في ثديي ما يغنيه وما في شار فنا ما يغذوه ولكنا نرجو الغيث والفرج فخرجت
على أتاني تلك فلقد أذمت بالركب حتى شق ذلك عليهم ضعفا وعجفا حتى قدمنا
مكة نلتمس الرضعاء فما منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه
وسلم فتأباه إذا قيل لها انه يتيم وذلك انا إنما نرجو المعروف من أبى الصبى
فكنا نقول يتيم ما عسى أن تصنع أمه وجده فكنا نكرهه لذلك فما بقيت امرأة
قدمت معي إلا أخذت رضيعا غيري فلما أجمعنا الانطلاق قلت لصاحبي إني
لأكره أن أرجع من بين صواحباتي ولم آخذ رضيعا والله لأذهبن إلى ذلك
اليتيم فلآخذنه قال لا عليك أن تفعلي فعسى الله أن يجعل لنا فيه بركة قالت
فذهبت إليه فأخذته وما حملني على ذلك إلا أنى لم أجد غيره قالت فلما أخذته
رجعت به إلى رحلي فلما وضعته في حجري أقبل عليه ثدياي بما شاء من
لبن فشرب حتى روى وشرب معه أخوه حتى روى ثم ناما وما كان ينام قبل
ذلك وقام زوجي إلى شارفنا تلك فنظر إليها فإذا إنها لحافل فحلب منها حتى
573

شرب وشربت حتى انتهيناريا وشبعا فبتنا بخير ليلة قالت يقول لي صاحبي حين
أصبحت أتعلمين والله يا حليمة لقد أخذت نسمة مباركة قلت والله إني لأرجو
ذلك قالت ثم خرجنا وركبت أتاني تلك وحملته عليها معي فوالله لقطعت بنا
الركب ما يقدم عليها شئ من حمرهم حتى إن صواحيى ليقلن لي يا ابنة أبى
ذؤيب أربعي علينا أليس هذه أتانك التي كنت خرجت عليها فأقول لهن بلى والله
إنها لهى هي فيقلن والله إن لها لشأنا قالت ثم قدمنا منازلنا من بلاد بنى سعد
وما أعلم أرضا من أرض الله أجدب منها فكانت غنمي تروح على حين قدمنا به
معنا شباعا لبنا فنحلب ونشرب وما يحلب إنسان قطرة ولا يجدها في ضرع حتى
إن كان الحاضر من قومنا يقولون لرعيانهم ويلكم اسرحوا حيث يسرح راعى
ابنة أبى ذؤيب فتروح أغنامهم جياعا ما تبض بقطرة لبن وتروح غنمي شباعا
لبنا فلم نزل نتعرف من الله زيادة الخير به حتى مضت سنتان وفصلته وكان
يشب شبابا لا يشبه الغلمان فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلاما جفرا فقدمنا به
على أمه ونحن أحرص شئ على مكثه فينا لما كنا نرى من بركته فكلمنا أمه
وقلنا لها يا ظئر لو تركت بنى عندي حتى يغلظ فإني أخشى عليه وباء مكة قالت
فلم نزل بها حتى رددناه معنا قالت فرجعنا به فوالله إنه بعد مقدمنا به بأشهر مع
أخيه في بهم لنا خلف بيوتنا إذ أتانا أخوه يشتد فقال لي ولأبيه ذاك أخي القرشي
قد جاءه رجلان عليهما ثياب بياض فأضجعاه وشقا بطنه وهما يسوطانه قالت
فخرجت أنا وأبو ه نشتد فوجدناه قائما منتقعا وجهه قالت فالتزمته والتزمه أبو ه
وقلنا له مالك يا بنى قال جاءني رجلان عليهما ثياب بياض فأضجعاني فشقا بطني
فالتمسا فيه شيئا لا أدرى ما هو قالت فرجعنا إلى خبائنا قالت وقال لي أبو ه
والله يا حليمة لقد خشيت أن يكون هذا الغلام قد أصيب فالحقيه بأهله قبل
أن يظهر به ذلك قالت فاحتملناه فقدمنا به على أمه فقالت ما أقدمك به ياظئر وقد
كنت حريصة عليه وعلى مكثه عندك قالت قلت قد بلغ الله بابني وقضيت الذي
على وتخوفت الاحداث عليه فأديته إليك كما تحبين قالت ما هذا بشأنك فأصدقيني
574

خبرك قالت فلم تدعني حتى أخبرتها الخبر قالت فتخوفت عليه الشيطان قالت
فقلت نعم قالت كلا والله ما للشيطان عليه سبيل وإن لبنى لشأنا أفلا أخبرك خبره
قالت قلت بلى قالت رأيت حين حملت به أنه خرج منى نور أضاء لي قصور بصرى
من أرض الش \ ام ثم حملت به فوالله ما رأيت من حمل قط كان أخف منه ولا
أيسر منه ثم وقع حين ولدته وإنه لواضع يديه بالأرض رافع رأسه إلى السماء
دعيه عنك وانطلقي راشدة * حدثنا نصر بن عبد الرحمن الأزدي قال حدثنا
محمد بن يعلى عن عمرو بن صبيح عن ثور بن يزيد الشامي عن مكحول الشامي
عن شداد بن أوس قال بينا نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذ أقبل شيخ من بنى عامر وهو مدره قومه وسيدهم من شيخ كبير يتوكأ على
عصا فمثل بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم قائما ونسبه إلى جده فقال يا ابن
عبد المطلب انى أنبئت انك تزعم انك رسول الله إلى الناس أرسلك بما أرسل
به إبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم من الأنبياء ألا وانك فوهت بعظيم وانما كانت
الأنبياء والخلفاء في بيتين من بني إسرائيل وأنت ممن يعبد هذه الحجارة
والأوثان فمالك وللنبوة ولكن لكل قول حقيقة فانبئنى بحقيقة قولك وبدء شأنك
قال فأعجب النبي صلى الله عليه وسلم بمسئلته ثم قال يا أخا بنى عامر إن لهذا الحديث
الذي تسألني عنه نبأ ومجلسا فاجلس فثنى رجليه ثم برك كما يبرك البعير فاستقبله
النبي صلى الله عليه وسلم بالحديث فقال يا أخا بنى عامر ان حقيقة قولي وبدء
شأني انى دعوة أبى إبراهيم وبشرى أخي عيسى ابن مريم وانى كنت بكرامى
وانها حملت بي كأثقل ما تحمل وجعلت تشتكى إلى صواحبها ثقل ما تجد ثم إن
أمي رأت في المنام ان الذي في بطنها نور قالت فجعلت اتبع بصرى النور والنور
يسبق بصرى حتى أضاءت لي مشارق الأرض ومغاربها ثم إنها ولدتني فنشأت
فلما أن نشأت بغضت إلى أوثان قريش وبغض إلى الشعر وكنت مسترضعا في
بنى ليث بن بكر فبينا انا ذات يوم منتبذ من أهلي في بطن واد مع اتراب لي من
الصبيان نتقاذف بيننا بالجلة إذ أتانا رهط ثلاثة معهم طست من ذهب ملئ ثلجا
575

فأخذوني من بين أصحابي فخرج أصحابي هرابا حتى انتهوا إلى شفير الوادي ثم أقبلوا
على الرهط فقالوا ما أربكم إلى هذا الغلام فإنه ليس منا هذا ابن سيد قريش وهو
مسترضع فينا من غلام يتيم ليس له أب فماذا يرد عليكم قتله وماذا تصيبون من
ذلك ولكن ان كنتم لا بد قاتليه فاختاروا منا أينا شئتم فليأتكم مكانه فاقتلوه ودعوا
هذا الغلام فإنه يتيم فلما رأى الصبيان القوم لا يحيرون إليهم جوابا انطلقوا
هرابا مسر عين إلى الحي يؤذنونهم ويستصر خونهم على القوم فعمد أحدهم فاضجعني
على الأرض اضجاعا لطيفا ثم شق ما بين مفرق صدري إلى منتهى عانتي وأنا
انظر إليه لم أجد لذلك مسا ثم أخرج أحشاء بطني ثم غسلها بذلك الثلج فانعم
غسلها ثم أعادها مكانها ثم قام الثاني منهم فقال لصاحبه تنح فنحاه عنى ثم أدخل
يده في جوفي فأخرج قلبي وأنا أنظر إليه فصدعه ثم أخرج منه مضغة سوداء
فرمى بها ثم قال بيده يمنه منه كأنه يتناول شيئا فإذا أنا بخاتم في يده من نور يخار
الناظرون دونه فختم به قلبي فامتلأ نورا وذلك نور النبوة والحكمة ثم اعاده مكانه
فوجدت برد ذلك الخاتم في قلبي دهرا ثم قال الثالث لصاحبه تنح عنى فامر يده
ما بين مفرق صدري إلى منتهى عانتي فالتأم ذلك الشق بإذن الله ثم أخذ بيدي
فانهضني من مكاني إنهاضا لطيفا ثم قال للأول الذي شق بطني زنه بعشرة من أمته
فوزنوني بهم فرجحتهم ثم قال زنه بمائة من أمته فوزنوني بهم فرجحتهم ثم قال
زنه بألف من أمته فوزنوني بهم فرجحتهم فقال دعوه فلو وزنتموه بأمته كلها
لرجحهم قال ثم ضموني إلى صدورهم وقبلوا رأسي وما بين عيني ثم قالوا يا حبيب
لم ترع إنك لو تدرى ما يراد بك من الخير لقرت عيناك قال فبينا نحن كذلك إذ أنا
بالحي قد جاؤوا بحذافيرهم وإذا أمي وهى ظئري أمام الحي تهتف بأعلى صوتها
وتقول يا ضعيفاه قال فانكبوا على فقبلوا رأسي وما بين عيني فقالوا حبذا أنت من
ضعيف ثم قالت ظئري يا وحيداه فانكبوا على فضموني إلى صدورهم وقبلوا
رأسي وما بين عيني ثم قالوا حبذا أنت من وحيد وما أنت بوحيد إن الله معك
وملائكته والمؤمنين من أهل الأرض ثم قالت ظئري يا يتيماه استضعفت من بين
576

أصحابك فقتلت لضعفك فانكبوا على فضموني إلى صدورهم وقبلوا رأسي وما بين
عيني وقالوا حبذا أنت من يتيم ما أكرمك على الله لو تعلم ماذا يراد بك من الخير
قال فوصلوا بي إلى شفير الوادي فلما بصرت بي أمي وهى ظئري قالت يا بنى ألا
أراك حيا بعد فجاءت حتى انكبت على وضمتني إلى صدرها فوالذي نفسي بيده
إني لفى حجرها وقد ضمتني إليها وإن يدي في يد بعضهم فجعلت ألتفت إليهم وظننت
أن القوم يبصرونهم فإذا هم لا يبصرونهم يقول بعض القوم إن هذا الغلام قد
أصابه لمم أو طائف من الجن فانطلقوا به إلى كاهننا حتى ينظر إليه ويداويه فقلت
يا هذا ما بي شئ مما تذكر إن آرائى سليمة وفؤادي صحيح ليس بي قلبة فقال أبى
وهو زوج ظئري ألا ترون كلامه كلام صحيح إني لأرجو أن لا يكون بابني بأس
فاتفقوا على أن يذهبوا بي إلى الكاهن فاحتملوني حتى ذهبوا بي إليه فلما قصوا
عليه قصتي قال اسكتوا حتى أسمع من الغلام فإنه أعلم بأمره منكم فسألني فاقتصصت
عليه أمري ما بين أوله وآخره فلما سمع قولي وثب إلى فضمني إلى صدره ثم نادى
بأعلى صوته يا للعرب يا للعرب اقتلوا هذا الغلام واقتلوني معه فواللات والعزى
لئن تركتموه وأدرك ليبدلن دينكم وليسفهن عقولكم وعقول آبائكم وليخالفن
أمركم وليأتينكم بدين لم تسمعوا بمثله قط فعمدت ظئري فانتزعتني من حجره
وقالت لانت أعته وأجن من ابني هذا فلو علمت أن هذا يكون من قولك ما
أتيتك به فاطلب لنفسك من يقتلك فانا غير قاتلي هذا الغلام ثم احتملوني فادوني
إلى أهلي فأصبحت مفزعا مما فعل بي وأصبح أثر الشق ما بين صدري إلى منتهى
عانتي كأنه الشراك فذلك حقيقة قولي وبدء شأني يا أخا بنى عامر فقال العامري
أشهد بالله الذي لا إله غيره ان أمرك حق فأنبئني بأشياء أسألك عنها قال سل
عنك وكان النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك يقول للسائل سل عما شئت وعما
بدالك فقال للعامري يومئذ سل عنك لأنها لغة بنى عامر فكلمه بما علم فقال
له العامري أخبرني يا ابن عبد المطلب ما يزيد في العلم قال التعلم قال فأخبرني
ما يدل على العلم قال النبي صلى الله عليه وسلم السؤال قال فأخبرني ماذا يزيد في
577

الشر قال التمادي قال فأخبرني هل ينفع البر بعد الفجور قال نعم التوبة تغسل
الحوبة والحسنات يذهبن السيئات وإذا ذكر العبد ربه عند الرخاء أغاثه عند
البلاء قال العامري وكيف ذلك يا ابن عبد المطلب قال ذلك بان الله يقول
لا وعزتي وجلالي لا أجمع لعبدي أمنين ولا أجمع له أبدا خوفين إن هو خافني
في الدنيا أمنني يوم أجمع فيه عبادي عندي في حظيرة القدس فيدوم له أمنه
ولا أمحقه فيمن أمحق وإن هو أمنني في الدنيا خافني يوم أجمع فيه عبادي لميقات
يوم معلوم فيدوم له خوفه قال يا ابن عبد المطلب أخبرني إلى ما تدعو قال أدعو
إلى عبادة الله وحده لا شريك له وأن تخلع الأنداد وتكفر باللات والعزى
وتقر بما جاء من الله من كتاب أو رسول وتصلى الصلوات الخمس بحقائقهن
وتصوم شهرا من السنة وتؤدى زكاة مالك يطهرك الله بها ويطيب لك مالك
وتحج البيت إذا وجدت إليه سبيلا وتغتسل من الجنابة وتؤمن بالموت وبالبعث
بعد الموت وبالجنة والنار قال يا ابن عبد المطلب فإذا فعلت ذلك فمالي قال النبي
صلى الله عليه وسلم جنات عدن تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء
من تزكى قال يا ابن عبد المطلب هل مع هذا من الدنيا شئ فإنه يعجبني الوطاءة
من العيش قال النبي صلى الله عليه وسلم نعم النصر والتمكن في البلاد قال فأجاب
وأناب * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن ثور بن يزيد عن
خالد بن معدان الكلاعي أن نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا
يا رسول الله أخبرنا عن نفسك قال نعم أنا دعوة أبى إبراهيم وبشرى عيسى ورأت
أمي حين حملت بي انه خرج منها نور أضاء لها قصور بصرى من أرض الشام
واسترضعت في بنى سعد بن بكر فبينا أنا مع أخ لي خلف بيوتنا نرعى بهما لنا أتاني
رجلان عليهما ثياب بيض بطست من ذهب مملوءة ثلجا فأخذاني فشقا بطني ثم
استخرجا منه قلبي فشقاه فاستخرجا منه علقة سوداء فطرحاها ثم غسلا بطني
وقلبي بذلك الثلج حتى أنقياه ثم قال أحدهما لصاحبه زنه بعشرة من أمته فوزنني
بهم فوزنتهم ثم قال زنه بمائة من أمته فوزنني بهم فوزنتهم ثم قال زنه بألف
578

من أمته فوزنني بهم فوزنتهم ثم قال دعه عنك فلو وزنته بأمته لوزنها (قال
ابن إسحاق) هلك عبد الله بن عبد المطلب أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأم رسول الله آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة حامل به * وأما هشام
فإنه قال توفى عبد الله أبو رسول الله بعد ما أتى على رسول الله صلى الله عليه
وسلم ثمانية وعشرون شهرا * حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال قال
محمد بن عمر الواقدي الثبت عندنا مما ليس بين أصحابنا فيه اختلاف أن
عبد الله بن عبد المطلب أقبل من الشام في عير لقريش فنزل بالمدينة وهو
مريض فأقام بها حتى توفى ودفن في دار النابغة في الدار الصغرى إذا دخلت
الدار على يسارك في البيت * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن
عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري أن أم رسول الله
صلى الله عليه وسلم آمنة توفيت ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن ست سنين
بالابواء بين مكة والمدينة كانت قدمت به المدينة على أخواله من بنى عدى ابن
النجار تزيره إياهم فماتت وهى راجعة به إلى مكة * وقد حدثني الحارث قال حدثنا
محمد بن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني ابن جريج عن عثمان بن صفوان
أن قبر آمنة بنت وهب في شعب أبي ذر بمكة * حدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة عن ابن إسحاق عن العباس بن عبد الله بن معبد بن العباس عن بعض أهله أن
عبد المطلب توفى ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن ثماني سنين وكان بعضهم
يقول توفى عبد المطلب ورسول الله ابن عشر سنين * حدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة قال حدثنا طلحة بن عمرو الحضرمي عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس
قال كان النبي صلى الله عليه وسلم في حجر أبى طالب بعد جده عبد المطلب فيصبح
ولد عبد المطلب غمصا رمصا ويصبح صلى الله عليه وسلم صقيلا دهينا (رجع
الحديث إلى تمام أمر كسرى بن قباذ أنوشروان) * حدثنا علي بن حرب
الموصلي قال حدثنا أبو أيوب يعلى بن عمران البجلي قال حدثني مخزوم بن هانئ
المخزومي عن أبيه وأتت له خمسون ومائة سنة قال لما كانت ليلة ولد فيها رسول الله
579

صلى الله عليه وسلم ارتجس إيوان كسرى وسقطت منه أربع عشرة شرفة وخمدت
نار فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام وغاضت بحيرة ساوة ورأى الموبذان
إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها فلما أصبح
كسرى أفزعه ما رأى فصبر تشجعا ثم رأى أن لا يكتم ذلك عن وزرائة ومرازبته
فلبس تاجه وقعد على سريره وجمعهم إليه فلما اجتمعوا إليه أخبرهم بالذي بعث
إليهم فيه ودعاهم فبينا هم كذلك إذ ورد عليه كتاب بخمود النار فازداد غما إلى غمه
فقال الموبذان وأنا أصلح الله الملك قد رأيت في هذه الليلة وقص عليه الرؤيا في
الإبل فقال أي شئ يكون هذا يا موبذان وكان أعلمهم عند نفسه بذلك فقال
حادث يكون من عند العرب فكتب عند ذلك من كسرى ملك الملوك إلى النعمان
ابن المنذر أما بعد فوجه إلى رجلا عالما بما أريد أن أسأله عنه فوجه إليه
عبد المسيح بن عمرو بن حيان بن بقيلة الغساني فلما قدم عليه قال له أعندك علم
بما أريد أن أسألك عنه قال ليخبرني الملك فإن كان عندي منه علم وإلا أخبرته
بمن يعلمه له فأخبره بما رأى فقال علم ذلك عند خال لي يسكن مشارف الشأم
يقال له سطيح قال فأته فاسأله عما سألتك وأتني بجوابه فركب عبد المسيح راحلته
حتى قدم على سطيح وقد أشفى على الموت فسلم عليه وحياه فلم يحر سطيح
جوابا فأنشأ عبد المسيح يقول
أصم أم يسمع غطريف اليمن * يا فاصل الخط أعيت من ومن
أم فاز فازلم به شأو العنن * أتاك شيخ الحي من آل سنن
وأمه من آل ذئب بن حجن * أزرق ممهى الناب صرار الاذن
أبيض فضفاض الرداء والبدن * رسول قيل العجم يسرى للوسن
يجوب بالأرض علنداة شجن * يرفعني وجنا ويهوى بي وجن
لا يرهب الرعد ولا ريب الزمن * حتى أتى عاري الجآجى والقطن
تلفه في الريح بوغاء الدمن * كأنما حثحث من حضنى ثكن
580

فلما سمع سطيح شعره رفع رأسه وقال عبد المسيح على جمل يسيح إلى سطيح
وقد أوفى على الضريح بعثك ملك بنى ساسان لارتجاس الايوان وخمود النيران
ورؤيا الموبذان رأى إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجله وانتشرت في
بلادها يا عبد المسيح إذا كثرت التلاوة وبعث صاحب الهراوه وفاض وادى
السماوه وغاضت بحيرة ساوه وخمدت نار فارس فليست الشام لسطيح شأما
يملك منهم ملوك وملكات على عدد الشرفات وكل ما هو آت آت ثم قضى سطيح
مكانه فقام عبد المسيح إلى رحله وهو يقول
شمر فإنك ماضي الهم شمير * لا يفزعنك تفريق وتغيير
إن يك ملك بنى ساسان أفرطهم * فإن ذا الدهر أطوار دهارير
فربما ربما أضحوا بمنزلة * تهاب صولهم الأسد المهاصير
منهم أخو الصرح مهران وإخوته * والهرمزان وسابور وسابور
والناس أولاد علات فمن علموا * أن قد أقل فمهجور ومحقور
وهم بنو الام لما أن رأوا نشبا * فذاك بالغيب محفوظ ومنصور
والخير والشر مقرونان في قرن * فالخير متبع والشر محذور
فلما قدم عبد المسيح على كسرى أخبره بقول سطيح فقال إلى أن يملك منا أربعة
عشر ملكا قد كانت أمور فملك منهم عشرة أربع سنين وملك الباقون إلى ملك
عثمان بن عفان * وحدثت عن هشام بن محمد قال بعث وهرز بأموال وطرف
من طرف اليمن إلى كسرى فلما صارت ببلاد بنى تميم دعا صعصعة بن ناجية
ابن عقال المجاشعي بنى تميم إلى الوثوب عليه فأبوا ذلك فلما صارت في بلاد
بنى يربوع دعاهم إلى ذلك فهابوه فقال يا بنى يربوع كأني بهذه العير قد مرت ببلاد
بكر بن وائل فوثبوا عليها فاستعانوا بها على حربكم فلما سمعوا ذلك انتهبوها
وأخذ رجل من بنى سليط يقال له النطف خرجا فيه جوهر فكان يقال أصاب
كنز النطف فصار مثلا وأخذ صعصعة خصفة فيها سبائك فضة وصار أصحاب
العير إلى هوذة بن علي الحنفي باليمامة فكساهم وزودهم وحملهم وسار معهم
581

حتى دخل على كسرى وكان لهوذة جمال وبيان فاعجب به كسرى وحفظ له ما كان
منه ودعا بعقد من در فعقد على رأسه وكساه قباء ديباج مع كسوة كثيرة فمن ثم
سمى هوذة ذا التاج وقال كسرى لهوذة أرأيت هؤلاء القوم الذين صنعوا ما صنعوا
من قومك هم قال لا قال أصلح هم لك قال بيننا الموت قال قد أدركت بعص
حاجتك وعزم على توجيه الخيل إلى بنى تميم فقيل له إن بلادهم بلاد سوء إنما
هي مفاوز وصحارى لا يهتدى لمسالكها وماؤهم من الآبار ولا يؤمن أن يعوروها
فلك جندك وأشير إليه أن يكتب إلى عامله بالحرين وهو آزاذ فروز بن جشنس
الذي سمته العرب المكعبر وإنما سمى المكعبر لأنه كان يقطع الأيدي والأرجل
وآلى أن لا يدع من بنى تميم عينا تطرف ففعل ووجه له رسولا ودعا بهوذة فجدد
له كرامة وصلة وقال سر مع رسولي هذا فاشفني واشتف فأقبل هوذة والرسول
معه حتى صار إلى المكعبر وذلك قريب من أيام اللقاط وكان بنو تميم يصيرون
في ذلك الوقت إلى هجر للميرة واللقاط فنادى منادى المكعبرة من كان ههنا من
بنى تميم فليحضر فإن الملك قد أمر لهم بميرة وطعام يقسم فيهم فحضروا فأدخلهم
المشقر وهو حصن حيا له حصن يقال له الصفا وبينهما نهر يقال له محلم وكان الذي
بنى المشقر رجلا من أساورة كسرى يقال له بسك بن ماهبوذ كان كسرى وجهه
لنائه فلما ابتدأه قيل له إن هؤلاء الفعلة لا يقيمون بهذا الموضع إلا أن تكون
معهم نساء فإن فعلت ذلك بهم تم بناؤك وأقاموا عليه حتى يفرغوا منه فنقل إليهم
الفواجر من ناحية السواد والأهواز وحملت إليهم روايا الخمر من أرض فارس
في البحر فتناكحوا وتوالدوا فكانوا جل أهل مدينة هجر وتكلم القوم بالعربية
وكانت دعوتهم إلى عبد القيس فلما جاء الاسلام قالوا لعبد القيس قد علمتم عددنا
وعدتنا وعظيم غنائنا فأدخلونا فيكم وزوجونا قالوا لا ولكن أقيموا على حالكم
فأنتم إخواننا وموالينا فقال رجل من عبد القيس يا معاشر عبد القيس أطيعوني
وألحقوهم فإنه ليس عن مثل هؤلاء مرغب فقال رجل من القوم أما تستحى
أتأمرنا أن ندخل فينا من قد عرفت أوله وأصله قال إنكم إن لم تفعلوا ألحقهم
582

غيركم من العرب قال إذا لا نستوحش لهم فتفرق القوم في العرب وبقيت في
عبد القيس منهم بقية فانتموا إليهم فلم يردوهم عن ذلك فلما أدخل المكعبر بنى تميم
المشقر قتل رجالهم واستبقى الغلمان وقتل يومئذ قعنب الرياحي وكان فارس بنى
يربوع قتله رجلا من شن كانا ينوبان الملوك وجعل الغلمان في السفن فعبر بهم إلى
فارس فخصوا منهم بشرا قال هبيرة بن حدير العدوي رجع إلينا بعد ما فتحت
إصطخر عدة منهم أحدهم خصى والآخر خياط وشد رجل من بنى تميم يقال له
عبيد بن وهب على سلسلة الباب فقطعها وخرج فقال:
تذكرت هندا لات حين تذكر * تذكرتها ودونها سير أشهر
حجازية علوية حل أهلها * مصاب الخريف بين زور ومنور
ألا هل أتى قومي على النأي انني * حميت ذمارى يوم باب المشقر
ضربت رتاج الباب بالسيف ضربة * تفرج منها كل باب مضبر
وكلم هوذة بن علي المكعبر يومئذ في مائة من أسرى بنى تميم فوهبهم له يوم
الفصح فأعتقهم ففي ذلك يقول الأعشى
سائل تميما به أيام صفقتهم * لما أتوه أسارى كلهم ضرعا
وسط المشقر في غبراء مظلمة * لا يستطيعون بعد الضر منتفعا
فقال للملك أطلق منهم مائة * رسلا من القول مخفوضا وما رفعا
ففك عن مائة منهم إسارهم * وأصبحوا كلهم من غلة خلعا
بهم تقرب يوم الفصح ضاحية * يرجوا لاله بما أسدى وما صنعا
فلا يرون بذا كم نعمة سبقت * إن قال قائلها حقا بها وسعا
يصف بنى تميم بالكفر لنعمته * قال فلما حضرت وهرز الوفاة وذلك في آخر ملك
أنوشروان دعا بقوسه ونشابه ثم قال أجلسوني فأجلسوه فرمى وقال انظروا
حيث وقعت نشابتى فاجعلوا ناؤوسى هناك فوقعت نشابته من وراء الدير وهى
الكنيسة التي عند نعم وهى تسمى اليوم مقبرة وهرز فلما بلغ كسرى موت وهرز
583

بعث إلى اليمن أسوارا يقال له زين وكان جبارا مسرفا فعزله هرمز بن كسرى
واستعمل مكانه المروزان فأقام باليمن حتى ولد له بها وبلغ ولده ثم هلك كسرى
أنوشروان وكان ملكه ثمانيا وأربعين سنة * ثم ملك
هرمز
ابن كسرى أنوشروان وكانت أمه ابنة خاقان الأكبر فحدثت عن هشام بن محمد
قال كان هرمز بن كسرى هذا كثير الأدب ذانية في الاحسان إلى الضعفاء
والمساكين والحمل على الاشراف فعادوه وأبغضوه وكان في نفسه عليهم مثل
ذلك ولما عقد التاج على رأسه اجتمع إليه أشراف أهل مملكته واجتهدوا في الدعاء
له والشكر لوالده فوعدهم خيرا وكان متحريا للسيرة في رعيته بالعدل شديدا على
العظماء لاستطالتهم كانت على الوضعاء وبلغ من عدله أنه كان يسيرا لي مياه ليصيف
فأمر فنودي في مسيره ذلك في جنده وسائر من كان في عسكره أن يتحاموا مواضع
الحروث ولا يضروا بأحد من الدهاقين فيها ويضبطوا دوابهم عن الفساد فيها ووكل
بتعاهد ما يكون في عسكره من ذلك ومعاقبة من تعدى أمره وكان ابنه كسرى في
عسكره فعار مركب من مراكبه ووفع في محرثة من المحارث التي كانت على طريقه فرتع
فيها وأفسد منها فاخذ ذلك المركب ودفع إلى الرجل الذي كل هرمز بمعاقبة من أفسدوا
دابته شيئا من المحارث وتغريمه فلم يقدر الرجل على إنفاذ أمر هرمز في كسرى ولا في أحد
ممن كان معه في حشمه فرفع ما رأى من افساد ذلك المركب إلى هرمز فأمر أن يجذع
أذنيه ويبتر ذنبه ويغرم كسرى فخرج الرجل من عند هرمز لينفذ أمره في
كسرى ومركبه ذلك فدس له كسرى رهطا من العظماء ليسألوه التغبيب في أمره
فلقوه وكلموه في ذلك فلم يجب إليه فسألوه أن يؤخر ما أمره به هرمز في المركب
حتى يكلموه فيأمر بالكف عنه ففعل فلقى أولئك الرهط هرمز وأعلموه أن
بالمركب الذي أفسد ما أفسد زعارة وأنه عار فوقع في محرثة فأخذ من ساعة وقع
فيها وسألوه أن يأمر بالكف عن جذعه وتبتيره لما فيها من سوء الطيرة على كسرى
فلم يجبهم إلى ما سألوه من ذلك وأمر بالمركب فجذع أذناه وبتر ذنبه وغرم كسرى
584

مثل ما كان يغرم غيره في هذا الحد ثم ارتحل من معسكره وكان هرمز ركب ذات
يوم في أوان ايناع الكرم إلى ساباط المدائن وكان ممره على بساتين وكروم وأن
رجلا ممن ركب معه من أساورته اطلع في كرم فرأى فيه حصرما فأصاب منه
عناقيد ودفعا إلى غلام كان معه وقال له اذهب بها إلى المنزل واطبخها بلحم واتخذ
منها مرقة فإنها نافعة في هذا الا بان فأتاه حافظ ذلك الكرم فلزمه وصرخ فبلغ
اشفاق الرجل من عقوبة هرمز على تناوله من ذلك الكرم أن دفع إلى حافظ
الكرم منطقة محلاة بذهب كانت عليه عوضا له من الحصرم الذي رزأ من كرمه
وافتدى نفسه بها ورأى أن قبض الحافظ إياها منه وتخليته عنه منة من بها عليه
ومعروفا أسداه إليه وقيل إن هرمز كان مظفرا منصورا لا يمد يده إلى شئ إلا
ناله وكان مع ذلك أديبا أريبا داهيا ردئ النية قد نزعه أخواله الأتراك وكان
مقصيا للاشراف وأنه قتل من العلماء وأهل البيوتات والشرف ثلاثة عشر ألف
رجل وستمائة رجل وأنه لم يكن له رأى إلا في تألف السفلة واستصلاحهم وأنه
جبس ناسا كثيرا من العظماء وأسقطهم وحط مراتبهم ودرجاتهم وجهز الجنود
وقصر بالأساورة ففسد عليه كثير ممن كان حوله لما أراد الله من تغيير أمرهم
وتحويل ملكهم ولكل شئ سبب وأن الهرابذة رفعوا إليه قصة يبغون فيها على
النصارى فوقع فيها أنه كما لا قوام لسرير ملكنا بقائمتيه المقدمتين دون قائمتيه
المؤخرتين فكذلك لا قوام لملكنا ولا ثبات له مع استفسادنا من في بلادنا في
النصارى وأهل سائر المخالفة لنا فاقصروا عن البغى على النصارى وواظبوا على
البرليرى ذلك النصارى وغيرهم من أهل الملل فيحمدوكم عليه وتتوق أنفسهم إلى
ملتكم * وحدثت عن هشام بن محمد قال خرج على هرمز الترك وقال غيره أقبل
عليه شابة ملك الترك الأعظم في ثلثمائة ألف مقاتل في سنة إحدى عشرة من ملكه
حتى صار إلى باذغيس وهراة وأن ملك الروم صار إلى الضواحي في ثمانين ألف
مقاتل قاصدا له وأن ملك الخزر صار في جمع عظيم إلى الباب والأبواب فعاث
وأخرب وأن رجلين من العرب يقال لأحدهما عباس الأحول والآخر عمرو
585

الأزرق نزلا في جمع عظيم من العرب بشاطئ الفرات وشنوا الغارة على أهل
السواد واجترأ أعداؤه عليه وغزوا بلاده وبلغ من اكتنافهم إياها أن سميت
منخلا كثير السمام وقيل قد اكتنف بلاد الفرس الأعداء من كل وجه كاكتناف
الوتر سيتى القوس وأرسل شابة ملك الترك إلى هرمز وعظماء الفرس يؤذنهم
بإقباله في جنوده ويقول رموا قناطر أنهار وأودية اجتاز عليها إلى بلادكم واعقدوا
القناطر على كل نهر من تلك الأنهار لا قنطرة له وافعلوا ذلك في الأنهار والأودية
التي عليها مسلكي من بلادكم من بلاد الروم لا جماعي بالمسير إليها من بلادكم
فاستفظع هرمز ما ورد عليه من ذلك وشاور فيه فاجمع له على القصد لملك الترك
فوجه إليه رجلا من أهل الري يقال لهم بهرام بن بهرام جشنس ويعرف بجوبين
في اثنى عشر ألف رجل اختاره بهرام على عينيه من الكهول دون الشباب ويقال
ان هرمز عرض ذلك الوقت من كان بحضرته من الديوانية فكانت عدتهم سبعين
ألف مقاتل فمضى بهرام بمن ضم إليه مغذا حتى جاز هراة وباذغيس ولم يشعر
شابة ببهرام حتى نزل بالقرب منه معسكرا فجرت بينهما رسائل وحروب وقتل
بهرام شابة برمية رماه إياها وقيل إن الرمي في ملك العجم كان لثلاثة نفر منها
رمية ارشياطين بين منوشهر وفراسيات ومنها رمية سوخرا في الترك ومنها
رمية بهرام هذه واستباح عسكره وأقام بموضعه فوافاه برموذة بن شابة وكان
يعدل بأبيه فحاربه فهزمه وحصره في بعض الخصون ثم ألح عيه حتى استسلم له
فوجهه إلى هرمز أسيرا وغنم مما كان في الحصن كنوزا عظيمة ويقال إنه حمل إلى
هرمز من الأموال والجوهر والآنية والسلاح وسائر الأمتعة مما غنمه وقرمائتى
ألف وخمسين ألف بعير فشكر هرمز لبهرام ما كان منه بسبب الغنائم التي صارت
إليه وخاف بهرام سطوة هرمز وخاف مثل ذلك من كان معه من الجنود فخلعوا
هرمز وأقبلوا نحو المدائن وأظهروا الامتعاض مما كان من هرمز وأن ابنه أبرويز
أصلح للملك منه وساعدهم على ذلك بعض من كان يحضرة هرمز فهرب ابرويز
بهذا السيب إلى آذربيجان خوفا من هرمز فاجتمع إليه هناك عدة من المرازبة
586

والاصبهبذين فأعطوه بيعتهم ووثب العظماء والاشراف بالمدائن وفيهم بندى
وبسطام خالا ابرويز فخلعوا هرمز وسملوا عينيه وتركوه تحرجا من قتله وبلغ
الخبر ابرويز فأقبل بمن شايعه من آذربيجان إلى دار الملك مسابقا لبهرام فلما صار
إليها استولى على الملك وتحرز من بهرام والتقى هو وهو على شاطئ النهروان
فجرت بينهما مناظرة ومواقفة ودعا ابرويز بهرام إلى أن يؤمنه ويرفع مرتبته ويسني
ولايته فلم يقبل ذلك وجرت بينهما حروب اضطرت ابرويز إلى الهرب إلى
الروم مستغيثا بملكها بعد حرب شديدة وبيات كان من يعضهم لبعض وقيل إنه
كان مع بهرام جماعة من الأشداء وكان فيهم ثلاثة نفر من وجوه الأتراك لا يعدل
بهم في فروسيتهم وشدتهم من الأتراك أحد قد جعلوا لبهرام قتل ابرويز فلما
كان الغد من ليلة البيات ووقف ابرويز ودعا الناس إلى حرب بهرام فتثاقلوا عليه
قصده النفر الثلاثة من الأتراك فخرج إليهم ابرويز فقتلهم بيده واحدا واحدا ثم انصرف
من المعركة وقد أحس من أصحابه بالفتور والتغير فصار إلى أبيه بطيسبون حتى
دخل عليه وأعلمه ما قد تبينه من أصحابه وشاوره فأشار عليه بالمسير إلى موريق
ملك الروم ليستنجده فاحرز حرمه في موضع أمن عليهم بهرام ومضى في عدة
يسيرة منهم بندى وبسطام وكردي أخو بهرام جوبين حتى صار إلى أنطاكية
وكاتب موريق فقبله وزوجه ابنة له كانت عزيزة عليه يقال لها مريم وكان جميع
مدة ملك هرمز بن كسرى في قول بعضهم إحدى عشر سنة وتسعة أشهر وعشرة
أيام وأما هشام بن محمد فإنه قال كان ملكه اثنتي عشرة سنة * ثم ملك
كسرى أبرويز
ابن هرمز بن كسرى أنوشروان وكان من أشد ملوكهم بطشا وأنفذهم رأيا
وأبعدهم غورا وبلغ فيما ذكر من البأس والنجدة والنصر والظفر وجمع الأموال
والكنوز ومساعدة القدر ومساعدة الدهر إياه ما لم يتهيأ لملك أكثر منه ولذلك
سمى أبرويز وتفسيره بالعربية المظفر وذكر أنه لما استوحش من أبيه هرمز
لما كان من احتيال بهرام جوبين في ذلك حتى أوهم هرمز أنه على أن يقوم
587

بالملك لنفسه دونه سار إلى آذربيجان مكتتما ثم أظهر أمره بعد ذلك فلما صار في
الناحية اجتمعت إليه جماعة ممن كان هناك من الاصبهبذين وغيرهم فاعطوه بيعتهم
على نصرته فلم يحدث في الامر شيئا وقيل إنه لما قتل آذينجشنس الوجه لمحاربة
بهرام جوبين انفض الجمع الذي كان معه حتى وافوا المدائن واتبعهم جوبين فاضطرب
أمر بهرام وكتبت أخت آذينجشنس إلى أبرويز وكانت تربه تخبره بضعف هرمز
للحادث في آذينجشنس وأن العظماء قد أجمعوا على خلعه وأعلمته أن جوبين إن
سبقه إلى المدائن قبل موافاته احتوى عليها فلما ورد الكتاب على ابرويز جمع من
أمكنه من أرمينية وآذربيجان وصار بهم إلى المدائن واجتمع إليه الوجوه
والاشراف مرورين بموافاته فتتوج بتاج الملك وجلس على سريره وقال إن
من ملتنا إيثار البر ومن رأينا العمل بالخير وإن جدنا كسرى بن قباذ كان لكم
بمنزلة الوالد وإن هرمز أبانا كان لكم قاضيا عادلا فعليكم بلزوم السمع والطاعة
فلما كان في اليوم الثالث أتى أباه فسجد له وقال عمرك الله أيها الملك إنك تعلم أنى
برئ مما آتي إليك المنافقون وانى إنما تواريت ولحقت بآذربيجان خوفا من
أقدامك على القتل فصدقه هرمز وقال له إن لي إليك يا بنى حاجتين فاسعفني بهما
إحداهما أن تنتقم لي ممن عاون على خلعي والسمل لعيني ولا تأخذك فيهم رأفة
والاخرى أن تؤنسني كل يوم بثلاثة نفر لهم أصالة رأى وتأذن لهم في الدخول
على فتواضع له أبرويز وقال عمرك الله أيها الملك إن المارق بهرام قد أطلنا ومعه
الشجاعة والنجدة ولسنا نقدر أن نمد يدا إلى من آتي إليك ما آتي فان أدالني الله
على المنافق فانا خليفتك وطوع يدك وبلغ بهرام قدوم كسرى وتمليك الناس
إياه فاقبل بجنده حثيثا نحو المدائن وأذكى أبرويز العيون عليه فلما قرب منه رأى
أبرويز أن الترفق به أصلح فتسلح وأمر بندوية وبسطام وناسا كان يثق بهم
من العظماء وألف رجل من جنده فتزينوا وتسلحوا وخرج بهم أبرويز من
قصره نحو بهرام والناس يدعون له وقد احتوشه بندوية وبسطام وغيرهما من
الوجوه حتى وقف على شاطئ النهروان فلما عرف بهرام مكانه ركب برذونا
588

له أبلق كان معجبا به وأقبل حاسرا ومعه ايزذجشنس وثلاثة نفر من قرابة ملك
الترك كانوا جعلوا لبهرام على أنفسهم أن يأتوه بابرويز أسيرا وأعطاهم بهرام على
ذلك أموالا عظيمة ولما رأى بهرام بزة كسرى وزينته والتاج يسايره معه درفش
كابيان علمهم الأعظم منشورا وأبصر بندوية وبسطام وسائر العظماء وحسن
تسلحهم وفراهة دوابهم اكتأب لذلك وقال لمن معه ألا ترون ابن الفاعلة قد ألحم
وأشحم وتحول من الحداثة إلى الحنكة واستوت لحيته وكمل شبابه وعظم بدنه
فبينا هو يتكلم بهذا وقد وقف على شاطئ النهروان إذ قال كسرى لبعض من
كان واقفا أي هؤلاء بهرام فقال أخ لبهرام يسمى كردي لم يزل مطيعا لابرويز
مؤثرا له عمرك الله صاحب البرذون الأبلق فبدأ كسرى فقال إنك يا بهرام
ركن لمملكتنا وسناد لرعيتنا وقد حسن بلاؤك عندنا وقد رأينا أن نختار لك يوما
صالحا لنوليك فيه إصبهبذة بلاد الفرس جميعا فقال له بهرام وازداد من كسرى
قربا لكني اختار لك يوما أصلبك فيه فامتلأ كسرى حزنا من غيران يبدو في
وجهه من ذلك شئ وامتد بينهما الكلام فقال بهرام لابرويز يا ابن الزانية المربى
في خيام الأكراد هذا ومثله ولم يقبل شيئا مما عرضه عليه وجرى ذكر أيرش
جد بهرام فقرعه ابرويز بطاعة أيرش كانت لمنوشهر جده وتفرقا وكل واحد منهما
على غاية الوحشة لصاحبه وكانت لبهرام أخت يقال لها كردية من أتم النساء
وأكملهن وكان تزوجها فعاتبت بهرام على سوء ملافظته كانت لكسرى وارادته
على الدخول في طاعته فلم يقبل ذلك وكانت بين كسرى وبهرام مبايتة فيقال إنه
لما كان من غد الليلة التي كانت البيات فيها أبرز كسرى نفسه فلما رآه الأتراك
الثلاثة قصدوه فقتلهم بيده أبرويز وحرض الناس على القتال فتبين فشلا فأجمع
أبرويز على اتيان بعض الملوك للاستجاشة به فصار إلى أبيه وشاوره فرأى له المصير
إلى ملك الروم فأحرز نساءه وشخص في عدة يسيرة فيهم بندوية وبسطام وكردي
أخو بهرام فلما خرجوا من المدائن خاف القوم من بهرام أن يرد هرمز إلى الملك
ويكتب إلى ملك الروم عنه في ردهم فيتلفوا فأعلموا ابرويز ذلك واستأذنوه في
589

اتلاف هرمز فلم يحر جوابا فانصرف بندوية وبسطام وبعض من كان معهم
إلى هرمز حتى اتلفوه خنقا ثم رجعوا إلى كسرى وقالوا سر على خير طائر فحثوا
دوابهم وصاروا إلى الفرات فقطعوه وأخذوا طريق المفازة بدلالة رجل يقال
له خرشيذان وصاروا إلى بعض الديارات التي في أطراف العمارة فلما أوطنوا
الراحة غشيتهم خيل بهرام برأسها رجل يقال له بهرام بن سياوش فلما نذروا بهم
أنبه بندوية أبرويز من ومه وقال له احتل لنفسك فإن القوم قد أطلوك قال
كسرى ما عندي حيلة فاعلمه بندوية أنه يبذل نفسه دونه وسأله أن يدقع إليه بزته
ويخرج ومن معه من الدير ففعلوا ذلك وبادروا القوم حتى تواروا بالجبل فلما
وافى بهرام بن سياوش اطلع عليه من فوق الدير بندوية وعليه بزة ابرويز فوهمه
بذلك انه ابرويز وسأله أن ينظره إلى غده ليصير في يده سلما فامسك عنه ثم ظهر
بعد ذلك على حيلته فانصرف به إلى جوبين فحبسه في يدي بهرام بن سياوش
ويقال إن بهرام دخل دور الملك بالمدائن وقعد على سريره واجتمع إليه الوجوه
والعظماء فخاطبهم ووقع في ابرويز وذمه ودار بينه وبين الوجوه مناظرات كان
كلهم منصرفا عنه إلا أن بهرام جلس على سرير الملك وتتوج وانقاد له الناس
خوفا ويقال إن بهرام بن سياوش واطأ بندوية على الفتك بجوبين وأن جوبين
ظهر على ذلك فقتله وأفلت بندوية فلحق بآذربيجان وصار ابرويز حتى أتى
أنطاكية وكاتب موريق ملك الروم منها وأرسل إليه بجماعة ممن كان معه وسأله
نصرتة فاجابه إلى ذلك وقادته الأمور إلى أن زوجه مريم ابنته وحملها إليه
وبعث إليه بثياذوس أخيه ومعه ستون ألف مقاتل عليهم رجل يقال له سرجس
يتولى تدبير أمرهم ورجل آخر كانت قوته تعدل بقوة ألف رجل واشترط عليه
حياطته وأن لا يسأله الإتاوة التي كان آباؤه يسألونها ملوك الروم فلما ورد
القوم على ابرويز اغتبط وأراحهم بعد موافاتهم خمسة أيام ثم عرضهم وعرف
عليهم العرفاء وفى القوم ثياذوس وسرجس والكمي الذي يعدل بألف رجل
وسار بهم حتى صار إلى آذربيجان ونزل صحراء تدعى الدنق فوافاه هناك بندوية
590

ورجل من اصبهبذى الناحية يقال له موسيل في أربعين ألف مقاتل وانفض
الناس من فارس وأصبهان وخراسان إلى ابرويز وانتهى إلى بهرام مكانه
بصحراء الدنق فشخص نحوه من المدائن فجرت بينهما حرب شديدة قتل فيها
الكمي الرومي ويقال إن ابروير حارب بهرام منفردا من العسكر بأربعة عشر
رجلا منهم كردي أخو بهرام وبندوية وبسطام وسابور انديان وأبادر وفرخراذ
وفرخهرمز حربا شديدا وصل فيها بعضهم إلى بعض والمجوس تزعم أن ابرويز
صار إلى مضيق واتبعه بهرام فلما ظن إنه قد تمكن منه رفعه إلى الجبل شئ
لا يوقف عليه وذكر ان المنجمين أجمعت أن ابرويز يملك ثمانيا وأربعين سنة وقد
كان ابرويز بارز بهرام فاختطف رمحه من يده وضرب به على رأسه حتى تقصف
فاضطرب على بهرام أمره ووجل وعلم أنه لا حيلة له في ابرويز فانحاز نحو
خراسان ثم صار إلى الترك وصار ابرويز إلى المدائن بعد أن فرق في جنود الروم
عشرين ألف ألف وصرفهم إلى موريق ويقال إن أبرويز كتب للنصارى كتابا
أطلق لهم فيه عمارة بيعهم وأن يدخل في ملتهم من أحب الدخول فيها من غير
المجوس واحتج في ذلك أن أنوشروان كان هادن قيصر في الإتاوة التي أخذها
منه على استصلاح من في بلده من أهل بلده واتخاذ بيوت النيران هنالك وأن
قيصر اشترط مثل ذلك في النصارى ولبث بهرام في الترك مكرما عند الملك حتى
احتال له ابرويز بتوجيه رجل يقال له هرمز وجهه إلى الترك بجوهر نفيس وغيره
حتى احتال لخاتون امرأة الملك ولاطفها بذلك الجوهر وغيره حتى دست لبهرام
من قتله فيقال إن خاقان اغتم لقتله وأرسل إلى كردية أخته وامرأته يعلمها بلوغ
الحادث ببهرام منه ويسألها أن تزوج نفسها نظرا أخاه وطلق خاتون بهذا السبب
فيقال إن كردية أجابت خاقان جوابا لينا وصرفت نطرا وانها ضمت إليها من كان
مع أخيها من المقاتلة وخرجت بهم من بلاد الترك إلى حدود مملكة فارس وان
نطرا التركي اتبعها في اثنى عشر ألف مقاتل وان كردية قتلت نطرا بيدها ومضت
لوجهها وكتبت إلى أخيها كردي فأخذ لها أمانا من ابرويز فلما قدمت عليه تزوجها
591

ابرويز واغتبط بها وشكر لها ما كان من عتابها لبهرام وأقبل ابرويز على بر موريق
وألطافه وأن الروم خلعوا بعد أن ملك كسرى أربع عشرة سنة موريق وقتلوه
وأبادوا ورثته خلا ابن له هرب إلى كسرى وملكوا عليهم رجلا يقال له قوفا
فلما بلغ كسرى نكث الروم عهد موريق وقتلهم إياه امتعض من ذلك وأنف منه
وأخذته الحفيظة فآوى ابن موريق اللاجئ إليه وتوجه وملكه على الروم ووجه
معه ثلاثة نفر من قواده في جنوده كثيفة أما أحدهم فكان يقال له رميوزان
وجهه إلى بلاد الشام فدوخها حتى انتهى إلى أرض فلسطين وورد مدينة بيت
المقدس فأخذ أسقفها ومن كان فيها من القسيسين وسائر النصارى بخشبة الصليب
وكانت وضعت في تابوت من ذهب وطمر في بستان وزرع فوقه مبقلة وألح
عليهم حتى دلوه على موضعها فاحتفر عنها بيده واستخرجها وبعث بها إلى كسرى
في أربع وعشرين من ملكه وأما القائد الآخر وكان يقال له شاهين وكان
فاذوسبان المغرب فإنه سار حتى احتوى على مصر والإسكندرية وبلاد نوبة
وبعث إلى كسرى بمفاتيح مدينة إسكندرية في سنة ثمان وعشرين من ملكه
وأما القائد الثالث فكان يقال له فرهان وتدعى مرتبته شهر براز وانه قصد
القسطنطينية حتى أناخ على ضفة الخليج القريب منها وخيم هنالك فأمره كسرى
فخرب بلاد الروم غضبا مما انتهكوا من موريق وانتقاما له منهم ولم يخضع لابن
موريق من الروم أحد ولم يمنحه الطاعة غير أنهم قتلوا قوفا الملك الذي كانوا
ملكوه عليهم لما ظهر لهم من فجوره وجرأته على الله وسوء تدبيره وملكوا عليهم
رجلا يقال له هرقل فلما رأى هرقل عظيم ما فيه بلاد الروم من تخريب جنود
فارس إياها وقتلها مقاتلتهم وسبيهم ذراريهم واستباحتهم أموالهم وانتهاكهم
ما بحضرتهم بكى إلى الله وتضرع إليه وسأله أن ينقذه وأهل مملكته من جنود
فارس فرأى في منامه رجلا ضخم الجثة رفيع المجلس عليه بزة قائما في ناحية
عنه فدخل عليهما داخل فألقى ذلك الرجل عن مجلسه وقال لهرقل إني قد أسلمته
في يدك فلم يقصص رؤياه تلك في يقظته على أحد ورأى الثانية في منام أن الرجل
592

الذي رآه في حلمه جالس في مجلس رفيع وان الرجل الداخل عليهما أتاه وبيده
سلسلة طويلة فألقاها في عنق صاحب المجلس وأمكنه منه وقال له ها أنا ذا قد
دفعت إليك كسرى برمته فاغزه فإن الظفر لك وإنك مدال عليه ونائل أمنيتك
في غزاتك فلما تتابعت عليه هذه الأحلام قصها على عظماء الروم وذوي الرأي
منهم فأخبروه أنه مدال عليه وأشاروا عليه أن يغزوه فاستعد هرقل واستخلف
ابنا له على مدينة قسطنطينية وأخذ غير الطريق الذي فيه شهربراز وسار حتى وغل
في بلاد أرمينية ونزل نصيبين بعد سنة وكان شاهين فاذوسبان المغرب بباب كسرى
حين ورد هرقل نصيبين لموجدة كانت من كسرى عليه وعزله إياه عن ذلك
الثغر وكان شهر براز مرابطا للموضع الذي كان فيه لتقدم كسرى كان إليه في
الجثوم فيه وترك البراح منه فبلغ كسرى خبر تساقط هرقل في جنوده إلى نصيبين
فوجه لمحاربة هرقل رجلا من قواده يقال له راهزار في اثنى عشر ألف مقاتل
وأمره أن يقيم بنينوى من مدينة الموصل على شاطئ دجلة ويمنع الروم أن
تجوزوها وكان كسرى حين بلغه خبر هرقل مقيما بدسكرة الملك فنفذ راهزار
لأمر كسرى وعسكر حيث أمره فقطع هرقل دجلة في موضع آخر إلى الناحية
التي كان فيها جند فارس فأذكى راهزار العيون عليه فانصرفوا إليه وأخبروه أنه في
سبعين ألف مقاتل وأيقن راهزار أنه ومن معه من الجنود عاجزون عن مناهضة
سبعين ألف مقاتل فكتب إلى كسرى غير مرة دهم هرقل إياه بمن لا طاقة له
ولمن معه بهم لكثرتهم وحسن عدتهم كل ذلك يجيبه كسرى في كتابه أنه إن عجز
عن أولئك الروم فلن يعجز عن استقتالهم وبذل دمائهم في طاعته فلما تتابعت
على راهزار جوابات كتبه إلى كسرى بذلك عبى جنده وناهض الروم فقتلت
الروم راهزار وستة آلاف رجل وانهزم بقيتهم وهربوا على وجوههم وبلغ
كسرى قتل الروم راهزار وما نال هرقل من الظفر فهده ذلك وانحاز من
دسكره الملك إلى المدائن ونحصن فيها لعجزه كان عن محاربة هرقل وسبار هرقل
متى كان قريبا من المدائن فلما تساقط إلى كسرى خبره واستعد لقتاله انصرف
593

إلى أرض الروم وكتب كسرى إلى قواد الجند الذين انهزموا بامرهم أن يدلوه
على كل رجل منهم ومن أصحابهم ممن فشل في تلك الحرب ولم يرابط مركزه فيها
فيأمر أن يعاقب بقدر ما استوجب فأخرجهم بهذا الكتاب إلى الخلاف عليه
وطلب الحيل لنجاة أنفسهم منه وكتب إلى شهر براز يأمره بالقدوم عليه ويستعجله
في ذلك ويصف ما كان من أمر الروم في عمله وقد قيل إن قول الله (ألم غلبت
الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله
الامر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من
يشاء وهو العزيز الرحيم، وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر
الناس لا يعلمون) إنما نزل في أمر أبرويز ملك فارس وملك الروم هرقل
وما كان بينهما مما قد ذكرت من هذه الأخبار
ذكر من قال ذلك
* حدثني القاسم بن الحسن قال حدثني الحسين قال حدثني حجاج عن أبي بكر
ابن عبد الله عن عكرمة أن الروم وفارس اقتتلوا في أدنى الأرض قال وأدنى الأرض
يوم أذرعات بها التقوا فهزمت الروم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه
وهم بمكة قشق ذلك عليهم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكره أن يظهر الأميون
من المجوس على أهل الكتاب من الروم وفرح الكفار بمكة وشمتوا فلقوا أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا إنكم أهل كتاب والنصارى أهل كتاب ونحن
أميون وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من أهل الكتاب وإنكم إن
قاتلتمونا لنظهرن عليكم فأنزل الله " ألم غلبت الروم - إلى - وهم عن الآخرة هم غافلون "
فخرج أبو بكر الصديق إلى الكفار فقال أفرحتم بظهور إخوانكم على إخواننا
فلا تفرحوا ولا يقرن الله عليكم أعينكم فوالله ليظهرن الروم على فارس أخبرنا
بذلك نبينا فقام إليه أبي بن خلف الجمحي فقال كذبت يا أبا فضيل فقال له أبو بكر
أنت أكذب يا عدو الله فقال أنا حبك عشر قلائص منى وعشر قلائص منك فإن
أظهرت الروم على فارس غرمت وإن ظهرت فارس غرمت إلى ثلاث سنين ثم
594

جاء أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال ما هكذا ذكرت إنما
البضع ما بين الثلاث إلى التسع فزايده في الخطر وماده في الاجل فخرج أبو بكر
فلقى أبيا فقال لعلك ندمت قال لا تعال أزايدك في الخطر وأمادك في الاجل
فاجعلها مائة قلوص إلى تسع سنين قال قد فعلت * حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين
قال حدثنا حجاج عن أبي بكر عن عكرمة قال كانت في فارس امرأة لا تلد
إلا الملوك الابطال فدعاها كسرى فقال إني أريد أن أبعث إلى الروم جيشا
وأستعمل عليهم رجلا من بنيك فأشيري على أيهم أستعمل قالت هذا فلان وهو
أروغ من ثعلب وأحذر من صقر وهذا فرخان وهو أنفذ من سنان وهذا شهر براز
وهو أحلم من كذا فاستعمل أيهم شئت قال فإني قد استعملت الحليم فاستعمل
شهربراز فسار إلى الروم باهل فارس وظهر عليهم فقتلهم وخرب مدائنهم وقطع
زيتونهم قال أبو بكر فحدثت هذا الحديث عطاء الخراساني فقال أما رأيت بلاد
الشام قلت لا قال أما إنك لو أتيتها لرأيت المدائن التي خربت والزيتون الذي
قطع فأتيت الشام بعد ذلك فرأيته قال عطاء الخراساني حدثني يحيى بن يعمر أن
قيصر بعث رجلا يدعى قطمة بجيش من الروم وبعث كسرى بشهر براز
فالتقيا باذرعات وبصرى وهى أدنى الشام إليكم فلقيت فارس الروم فغلبتهم فارس
ففرح بذلك كفار قريش وكرهه المسلمون فأنزل الله " ألم غلبت الروم " الآيات
ثم ذكر مثل حديث عكرمة وزاد فلم يبرح شهر براز يطأهم ويخرب
مدائنهم حتى بلغ الخليج ثم مات كسرى فبلغهم موته فانهزم شهر براز
وأصحابه وأديلت عليهم الروم عند ذلك فاتبعوهم يقتلونهم قال وقال عكرمة في
حديثه لما ظهرت فارس على الروم جلس فرخان يشرب فقال لأصحابه لقد
رأيت كأني جالس على سرير كسرى فبلغت كسرى فكتب إلى شهر براز إذا
أتاك كتابي فابعث إلى برأس فرخان فكتب إليه أيها الملك إنك لن تجد مثل
فرخان إن له نكاية وصوتا في العدو فلا تفعل فكتب إليه إن في رجال فارس
خلفا منه فعجل على برأسه فراجعه فغضب كسرى فلم يجبه وبعث بريدا إلى أهل
595

فارس إني قد نزعت عنكم شهر براز واستعلمت عليكم فرخان ثم دفع
إلى البريد صحيفة صغيرة وقال إذا ولى فرخان الملك وانقاد له أخوه فأعطه هذه
الصحيفة فلما قرأ شهر براز الكتاب قال سمعا وطاعة ونزل عن سريره وجلس
فرخان ودفع الصحيفة إليه فقال ائتوني بشهر براز فقدمه ليضرب عنقه فقال
لا تعجل حتى أكتب وصيتي قال نعم فدعا بالسفط فأعطاه ثلاث صحائف وقال
كل هذا راجعت فيك كسرى وأنت أردت أن تقتلني بكتاب واحد فرد الملك
إلى أخيه وكتب شهر براز إلى قيصر ملك الروم إن لي إليك حاجة لا تحملها
البرد ولا تبلغها الصحف فالقني ولا تلقني الا في خمسين روميا فإني ألقاك في
خمسين فارسيا فاقبل قيصر في خمسمائة ألف رومي وجعل يضع العيون بين يديه
في الطريق وخاف أن يكون قد مكر به حتى أتاه عيونه أنه ليس معه إلا خمسون
رجلا ثم بسط لهما والتقيا في قبة ديباج ضربت لهما مع كل واحد منهما سكين
فدعوا ترجمانا بينهما فقال شهر براز إن الذين خربوا مدائنك أنا وأخي بكيدنا
وشجاعتنا وأن كسرى حسدنا فأراد أن أقتل أخي فأبيت ثم أمر أخي أن يقتلني
فقد خلعناه جميعا فنحن نقاتله معك قال قد أصبتما ثم أشار أحدهما إلى صاحبه
أن السر بين اثنين فإذا جاوز اثنين فشا قال أجل فقتلا الترجمان جميعا بسكينيهما
فأهلك الله كسرى وجاء الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بوم الحديبية
ففرح ومن معه * وحدثت عن هشام بن محمد أنه قال في سنة عشرين من ملك
كسرى ابروبز بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم فأقام بمكة ثلاث عشرة سنة
وهاجر في سنة ثلاث وثلاثين من ملكه إلى المدينة
ذكر الخبر عن الأسباب التي حدثت عند إرادة الله إزالة ملك فارس
عن أهل فارس ووطأتها العرب بما أكرمهم به بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم
من النبوة والخلافة والملك والسلطان في أيام كسرى ابرويز
فمن ذلك ما روى عن وهب بن منبه وهو ما حدثنا به ابن حميد قال حدثنا
596

سلمة عن محمد بن إسحاق قال كان من حديث كسرى كما حدثني بعض أصحابي عن
وهب بن منبه أنه كان سكر دجلة العوراء وأنفق عليها من الأموال ما لا يدرى
ما هو وكان طاق مجلسه قد بنى بنيانا لم ير مثله وكان يعلق تاجه فيجلس فيه إذا
جلس للناس وكان عنده ستون وثلثمائة رجل من الحزاة والحزاة العلماء
من بين كاهن وساحر ومنجم قال وكان فيهم رجل من العرب يقال له السائب
يعتاف اعتياف العرب قلما يخطئ بعث به إليه بإذان من اليمن فكان كسرى
إذا حزبه أمر جمع كهانه وسحاره ومنجميه فقال انظروا في هذا الامر ما هو
فلما أن بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أصبح كسرى ذات غداة وقد
انقصمت طاق ملكه من وسطها من غير ثقل وانخرقت عليه دجلة العوراء
فلما رأى ذلك أحزنه وقال انقصمت طاق ملكي من وسطها من غير ثقل
وانخرقت على دجلة العوراء شاه بشكست يقول الملك انكسر ثم دعا كهانه
وسحاره ومنجميه ودعا السائب معهم فقال لهم انقصمت طاق ملكي من غير
ثقل وانخرقت على دجلة العوراء شاه بشكست انظروا في هذا الامر ما هو
فخرجوا من عنده فنظروا في أمره فأخذ عليهم باقطار السماء وأظلمت عليهم
لأرض وتسكعوا في علمهم فلا يمضى لساحر سحره ولا لكاهن كهانته ولا
يستقيم لمنجم علم نجومه وبات السائب في ليلة ظلماء على ربوة من الأرض يرمق
برقا نشأ من قبل الحجاز ثم استطار حتى بلغ المشرق فلما أصبح ذهب ينظر إلى
ما تحت قدميه فإذا روضة خضراء فقال فيما يعتاف لئن صدق ما أرى ليخرجن
من الحجاز سلطان يبلغ المشرق تخصب عنه الأرض كأفضل ما أخصبت من ملك
كان قبله فلما خلص الكهان والمنجمون بعضهم إلى بعض ورأوا ما قد أصابهم
ورأى السائب ما رأى قال بعضهم لبعض تعلمون والله ما حيل بينكم وبين علمكم
إلا لأمر جاء من السماء وإنه لنبي قد بعث أو هو مبعوث يسلب هذا الملك ويكسره
ولئن نعيتم لكسرى ملكه ليقتلنكم فأقيموا بينكم أمرا تقولونه له تؤخرونه عنكم
إلى أمر ما ساعة فجاؤوا كسرى فقالوا له إنا قد نظرنا في هذا الامر فوجدنا
597

حسابك الذين وضعت على حسابهم طاق ملكك وسكرت دجلة العوراء وضعوه
على النحوس فلما اختلف علهما الليل والنهار وقعت النحوس على مواقعها فزال
كل ما وضع عليهما وإنا سنحسب لك حسابا تضع عليه بنيانك فلا يزول قال
فاحسبوا فحسبوا له ثم قالوا له ابنه فبنى فعمل في دجلة ثمانية أشهر وأنفق فيها
من الأموال ما لا يدرى ما هو حتى إذا فرغ قال لهم أجلس على سورها قالوا نعم
فامر بالبسط والفرش والرياحين فوضعت عليها وأمر بالمرازبة فجمعوا له واجتمع
إليه اللعابون ثم خرج حتى جلس عليها فبينا هو هنا لك انتسفت دجلة البنيان من
تحته فلم يستخرج الا بآخر رمق فلما أخرجوه جمع كهانه وسحاره ومنجميه فقتل
منهم قريبا من مائة وقال سمنتكم وأدنيتكم دون الناس وأجريت عليكم أرزاقي ثم
تلعبون بي قالوا أيها الملك أخطأنا كما أخطأ من كان قبلنا ولكنا سنحسب لك حسابا
فتثبت حتى تضعها على الوثاق من السعود قال انظروا ما تقولون قالوا فإنا
نفعل قال فاحسبوا فحسبوا له ثم قالوا له ابنه فبنى وأنفق من الأموال ما لا
يدرى ما هو ثمانية أشهر من ذي قبل ثم قالوا قد فرغنا قال أفأخرج فاقعد عليها
قالوا نعم فهاب الجلوس عليها وركب برذونا له وخرج يسير عليها فبينا هو يسير
فوقها إذ انتسفته دجلة بالبنيان فلم يدرك إلا بآخر رمق فدعاهم فقال والله لامرن
على آخركم ولا نزعن أكتافكم ولأطرحنكم تحت أيدي الفيلة أو لتصدقني
ما هذا الامر الذي تلفقون على قالوا لا نكذبك أيها الملك أمرتنا حين انخرقت
عليك دجلة وانقصمت عليك طاق مجلسك من غير ثقل أن ننظر في علمنا لم ذلك
فنظرنا فأظلمت علينا الأرض وأخذ علينا بأقطار السماء فتردد علينا علمنا في أيدينا
فلا يستقيم لساحر سحره ولا لكاهن كهانته ولا لمنجم علم نجوم فعرفنا أن هذا
الامر حدث من السماء وأنه قد بعث نبي أو هو مبعوث فلذلك حيل بيننا وبين
علمنا فخشينا إن نعينا لك ملكك أن تقتلنا وكرهنا من الموت ما يكره الناس فعللناك
عن أنفسنا بما رأيت قال ويحكم فهلا تكونون بينتم لي هذا فأرى فيه رأيي قالوا
منعنا من ذلك ما تخوفنا منك فتركهم ولها عن دجلة حين غلبته * حدثنا ابن حميد
598

قال حدثنا سلمة عن ممد بن إسحاق عن الفضل بن عيسى الرقاشي عن الحسن
البصري أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا يا رسول الله ما حجة الله
على كسرى فيك قال بعث إليه ملكا فأخرج يده من سور جدار بيته الذي هو
فيه تلألأ نورا فلما رآها فزع فقال لم ترع يا كسرى إن الله قد بعث رسولا
وأنزل عليه كتابا فاتبعه تسلم دنياك آخرتك قال سأنظر حدثنا ابن حميد
قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن الزهري عن أبي
سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال بعث الله إلى كسرى ملكا وهو في بيت إيوانه
الذي لا يدخل عليه فيه فلم يرعه إلا به قائما على رأسه في يده عصا بالهاجرة في
ساعته التي كان يقبل فيها فقال يا كسرى أتسلم أو أكسر هذه العصا فقل بهل
بهل فانصرف عنه ثم دعا أحراسه وحجابه فتغيظ عليهم وقال من أدخل هذا
الرجل على فقالوا ما دخل عليك أحد ولا رأيناه حتى إذا كان العام القابل أتاه
في الساعة التي أتاه فيها فقال له كما قال له ثم قال له أتسلم أو أكسر هذه العصا
فقال بهل بهل بهل ثلاثا فخرج عنه فدعا كسرى حجابه وحراسه وبوابيه فتغيظ
عليهم وقال لهم كما قال أول مرة فقالوا ما رأينا أحدا دخل عليك حتى إذا كان
في العام الثالث أتاه في الساعة التي جاءه فيها فقال له كما قال أتسلم أو أكسر هذه
العصا فقال بهل بهل قال فكسر العصا ثم خرج فلم يكن إلا تهور ملكه وانبعاث
ابنه والفرس حتى قتلوه قال عبد الله بن أبي بكر فقال الزهري حدثت عمر بن
عبد العزيز هذا الحديث عن أبي سلمة بن عبد الرحمن فقال ذكر لي أن الملك إنما
دخل عليه بقارورتين في يديه ثم قال له أسلم فلم يفعل فضرب إحداهما على
الأخرى فرضضهما ثم خرج فكان من هلاكه ما كان * حدثني يحيى بن جعفر
قال أخبرنا علي بن عاصم قال أخبرنا خالد الحذاء قال سمعت عبد الرحمن بن أبي
بكرة يقول بينما كسرى بن هرمز نائم ليلة في هذا الايوان إيوان المدائن
والأساورة محدقون بقصره إذ أقبل رجل يمشى معه عصا حتى قام على رأسه
فقال يا كسرى بن هرمز إني رسول الله إليك أن تسلم قالها ثلاث مرات وكسرى
599

مستلق ينظر إليه لا يجيبه ثم انصرف عنه قال فأرسل كسرى إلى صاحب
حرسه فقال أنت أدخلت على هذا الرجل قال لم أفعل ولم يدخل من قبلنا أحد
قال فلما كان العام المقبل خاف كسرى تلك الليلة فأرسل إليه أن أحدق بقصري
ولا يدخل على أحد قال ففعل فلما كان تلك الساعة إذا هو قائم على رأسه ومعه
عصا وهو يقول له يا كسرى بن هرمز إني رسول الله إليك أن تسلم فأسلم خير
لك قال وكسرى ينظر إليه لا يجيبه فانصرف عنه قال فأرسل كسرى إلى صاحب
الحرس ألم آمرك أن لا يدخل على أحد قال أيها الملك إنه والله ما دخل عليك
من قبلنا أحد فانظر من أين دخل عليك قال فلما كان العام المقبل فكأنه خاف
تلك الليلة فأرسل إلى صاحب الحرس والحرس أن أحدقوا بي الليلة ولا تدخل
امرأة ولا رجل ففعلوا فلما كان تلك الساعة إذا هو قائم على رأسه وهو يقول
يا كسرى بن هرمز إني رسول الله إليك أن تسلم فأسلم حير لك قالها ثلاث مرات
وكسرى ينظر إليه لا يجيبه قال يا كسرى إنك قد أبيت على والله ليكسرنك
الله كما أكسر عصاي هذه ثم كسرها وخرج فأرسل كسرى إلى الحرس فقال ألم
آمركم أن لا يدخل على الليلة أحد أهل ولا ولد قالوا ما دخل عليك من قبلنا أحد
قال فلم يلبث أن وثب عليه ابنه فقتله ومن ذلك ما كان من أمر ربيعة والجيش
الذي كان أنفذه إليهم كسرى أبرويز لحربهم فالتقوا بذى قار * وذكر عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه لما بلغه ما كان من هزيمة ربيعة جيش كسرى قال هذا
أول يوم انتصفت العرب من العجم وبي نصروا وهو يوم قراقر ويوم الحنو
حنوذى قار ويوم حنو قراقر ويوم الجبابات ويوم ذي العجرم ويوم الغذوان
ويوم البطحاء بطحاء ذي قار وكلهن حول ذي قار * فحدثت عن أبي عبيدة
معمر بن المثنى قال حدثني أبو المختار فراس بن حندق وعدة من علماء العرب
قد سماهم إن الذي جر يوم ذي قار قتل النعمان بن المنذر اللخمي عدى بن زيد
العبادي وكان عدى من تراجمة ابرويز كسرى بن هرمز وكان سبب قتل النعمان
ابن المنذر عدى بن زيد ما ذكر لي عن هشام بن محمد قال سمعت إسحاق بن الجصاص
600

وأخذته من كتاب حماد وقد ذكر أبى بعضه قال ولد زيد بن حماد بن زيد بن
أيوب بن محروف بن عامر بن عصية بن امرئ القيس بن زيد مناة بن تميم ثلاثة
عديا الشاعر وكان جميلا شاعرا خطيبا وقد قرأ كتب العرب والفرس وعمارا
وهو أبى وعمرا وهو سمى ولهم أخ من أمهم يقال له عدى بن حنظلة من طيئ
وكان عمار يكون عند كسرى فكان أحدهما يشتهى هلاك عدى بن زيد وكان
الآخر يتدين في نصرانيته وكانوا أهل بيت يكونون مع الأكاسرة لهم
معهم أكل وناحية يقطعونهم القطائع وكان المنذر بن المنذر لما ملك جعل
ابنه النعمان في حجر عدى فهم الذين أرضعوه ورباه قوم من أهل الحيرة يقال
لهم بنو مرينا ينسبون إلى لخم وكانوا أشرافا وكان للمنذر بن المنذر سوى هذين
من الولد عشرة وكان يقال لولده كلهم الأشاهب من جمالهم فذلك قول الأعشى
وبنو المنذر الأشاهب بالحيرة * يمشون غدوة بالسيوف
وكان النعمان أحمر أبرش قصيرا وكانت أمه يقال لها سلمى بنت وائل بن عطية
الصائغ من أهل فدك وكانت أمة للحارث بن حصن بن ضمضم بن عدي بن جناب من
كلب وكان قابوس بن المنذر الأكبر عم النعمان وإخوته بعث إلى كسرى بن
هرمز بعدي بن زيد وإخوته فكانوا في كتابه يترجمون له فلما مات المنذر بن المنذر
وترك ولده هؤلاء الثلاثة عشر جعل على أمره كله إياس بن قبيصة الطائي فكان
عليه أشهرا وكسرى في طلب رجل يملكه على العرب ثم إن كسرى بن هرمز
دعا عدى بن زيد فقال له من بقى من بنى المنذر وما هم وهل فيهم خير فقال بقيتهم
في ولد هذا الميت المنذر بن المنذر وهم رجال فقال ابعث إليهم فكتب فيهم فقدموا
عليه فأنزلهم على عدى بن زيد فكان عدى يفضل إخوة النعمان عليه في النزل وهو
يريهم أنه لا يرجوه ويخلو بهم رجلا رجلا ويقول لهم إن سألكم الملك أتكفونني
العرب فقولوا نكفيكهم إلا النعمان وقال للنعمان إن سألك الملك عن إخوتك
فقل له إن عجزت عنهم فأنا عن غيرهم أعجز وكان من بنى مرينا رجل يقال له عدى
ابن أوس بن مرينا وكان ماردا شاعرا وكان يقول للأسود إنك قد عرفت أنى
601

لك راج وإن طلبتي ورغبتي إليك أن تخالف عدى بن زيد فإنه والله لا ينصح لك
أبدا فلم يلتفت إلى قوله فلما أمر كسرى عدى بن زيد أن يدخلهم عليه جعل
يدخلهم عليه رجلا رجلا فيكلمه فكان يرى رجالا قل ما رأى مثلهم فإذا سألهم
هل تكفونني ما كنتم تلون قالوا نكفيك العرب إلا النعمان فلما دخل عليه النعمان
رأى رجلا دميما فكلمه وقال له أتستطيع أن تكفيني العرب قال نعم قال فكيف
تصنع بإخوتك قال إن عجزت عنهم فأنا عن غيرهم أعجز فملكه وكساه وألبسه
تاجا قيمته ستون ألف درهم فيه اللؤلؤ والذهب فلما خرج وقد ملك قال عدى
ابن أوس بن مرينا للأسود دونك فإنك قد خالفت الرأي ثم إن عدى بن زيد
صنع طعاما في بيعة ثم أرسل إلى ابن مرينا أن ائتنى بمن أحببت فإن لي حاجة فأتاه
في ناس فتغدوا في البيعة وشربوا فقال عدى لعدى بن مرينا يا عدي إن أحق
من عرف الحق ثم لم يلم عليه من كان مثلك إني قد عرفت أن صاحبك الأسود
ابن المنذر كان أحب إليك أن يملك من صاحبي النعمان فلا تلمني على شئ كنت على
مثله وأنا أحب أن لا تحقد على شيئا لو قدرت عليه ركبته وأنا أحب أن تعطيني
من نفسك ما أعطيتك من نفسي فإن نصيبي من هذا الامر ليس بأوفر من نصيبك
فقام عدى بن زيد إلى البيعة فحلف أن لا يهجوه ولا يبغيه غائلة أبدا ولا يزوى
عنه خبرا أبدا فلما فرغ عدى بن زيد قام عدى بن مرينا فحلف على مثل يمينه أن
لا يزال يهجوه أبدا ويبغيه الغوائل ما بقى وخرج النعمان حتى نزل منزله بالحيرة
فقال عدى بن مرينا لعدى بن زيد
ألا أبلغ عديا عن عدى * فلا تجزع وإن رثت قواكا
هياكلنا تبر لغير فقر * لتحمد أو يتم به غناكا
فإن تظفر فلم تظفر حميدا * وإن تعطب فلا يبعد سواكا
ندمت ندامة الكسعى لما * رأت عيناك ما صنعت يداكا
وقال عدى بن مرينا للأسود إذ لم تظفر فلا تعجز أن تطلب بثأرك من هذا
المعدى الذي عمل بك ما عمل فقد كنت أخبرك أن معدا لا ينام مكرها وأمرتك
602

أن تعصيه فخالفتني قال فما تريد قال أريد أن لا يأتيك فائدة من مالك وأرضك
إلا عرضتها على ففعل وكان ابن مرينا كثير المال والضيعة فلم يك في الأرض
يوم إلا على باب النعمان هدية من ابن مرينا فصار من أكرم الناس عليه وكان لا يقضى
في ملكه شيئا إلا بأمر عدى بن مرينا وكان إذا ذكر عدى بن زيد عنده أحسن
عليه الثناء وذكر فضله وقال إنه لا يصلح المعدى إلا أن يكون في مكر وخديعة
فلما رأى من يطيق بالنعمان منزلة ابن مرينا عنده لزموه وتابعوه فجعل يقول لمن
يثق به من أصحابه إذا رأيتموني أذكر عدى بن زيد عند الملك بخير فقولوا إنه
لكما تقول ولكنه لا يسلم عليه أحد وإنه لا يقول إن الملك يعنى النعمان عامله وإنه
ولاه ما ولاه فلم يزالوا بذلك حتى أضغنوه عليه وكتبوا كتابا على لسان عدى إلى
قهرمان لعدى ثم دسوا له حتى أخذوا الكتاب ثم أتى به النعمان فقرأه فأغضبه
فأرسل إلى عدى بن زيد عزمت عليك إلا زرتني فإني قد اشتقت إلى رؤيتك وهو
عند كسرى فاستأذن كسرى فأذن له فلما أتاه لم ينظر إليه حين حبس في محبس
لا يدخل عليه فيه أحد فجعل عدى بن زيد يقول الشعر وهو في السجن فكان
أول ما قال في السجن من الشعر
ليت شعري عن الهمان ويأتيك * بخبر الانباء عطف السؤال
فقال أشعارا وكان كلما قال عدى من الشعر بلغ النعمان وسمعه ندم على
حبسه إياه فجعل يرسل إليه ويعده ويمنيه ويفرق أن يرسله فيبغيه الغوائل فقال عدى
أرقت لمكفهر بات فيه * بوارق يرتقين رؤوس شيب
وقال أيضا طال ذا الليل علينا واعتكر *
وقال أيضا ألا طال الليالي والنهار
وقال حين أعياه ما يتضرع إلى النعمان أشعارا يذكره فيها الموت ويخبره
من هلك من الملوك قبله فقال
أرواح مودع أم بكور
وأشعارا كثيرة قال وخرج النعمان يريد البحرين فأقبل رجل من غسان
603

فأصاب في الحيرة ما أحب ويقال الذي أغار على الحيرة فحرق فيها جفنة بن
النعمان الجفني فقال عدى:
سما صقر فأشعل جانبيها * وألهاك المروح والعزيب
فلما طال سجن عدى كتب إلى أخيه أبى وهو مع كسرى بشعر فقال:
أبلغ أبيا على نأيه * فهل ينفع المرء ما قد علم
بان أخاك شقيق الفؤاد * كنت به والهاما سلم
لدى ملك موثق بالحديد * إما بحق وإما ظلم
فلا أعرفنك كدأب الغلا * م ما لم يجد عارما يعترم
فأرضك أرضك إن تأتنا * تنم نومة ليس فيها حلم
فكتب إليه أخوه:
إن يكن خانك الزمان فلاعا * جزباع ولا ألف ضعيف
ويمين الاله لو أن جاوا * ء طحونا تضئ فيها السيوف
ذات رز مجتابة غمرة الموت * صحيح سربا لها مكفوف
كنت في حميها لجئتك أسعى * فأعلمن لو سمعت إذ تستضيف
أو بمال سئلت دونك لم يمنع * تلاد لحاجة أو طريف
أو بأرض أستطيع آتيك فيها * لم يهلنى بعيدها أو مخوف
في الأعادي وأنت منى بعيد * عز هذا الزمان والتعريف
إن تفتني والله إلفا فجوعا * لا يعقبك ما يصوب الخريف
فلعمري لئن جزعت عليه * لجزوع على الصديق أسوف
ولعمري لئن ملكت عزائي * لقليل شرواك فيما أطوف
فزعموا أن أبيا لما قرأ كتاب عدى قام إلى كسرى فكلمه فكتب وبعث معه رجلا
وكتب خليفة النعمان إليه إنه قد كتب إليك فأتاه أعداء عدى من بنى بقيلة من غسان
فقالوا اقتله الساعة فأبى عليهم وجاء الرجل وقد تقدم أخو عدى إليه ورشاه وأمره
604

أن يبدأ بعدي فدخل عليه وهو محبوس بالصنين فقال ادخل عليه فانظر ما يأمرك
به فدخل الرسول على عدى فقال إني قد جئت بارسالك فما عندك قال عندي
الذي تحب ووعده عدة وقال لا تخرجن من عندي وأعطني الكتاب حتى أرسل
به فإنك والله إن خرجت من عندي لأقتلن فقال لا أستطيع إلا أن آتي الملك
بالكتاب فأدخله عليه فانطلق مخبر حتى أتى النعمان فقال إن رسول كسرى قد
دخل على عدى وهو ذاهب به وإن فعل لم يستبق منا أحدا أنت ولا غيرك فبعث
إليه النعمان أعداءه فغموه حتى مات ثم دفنوه ودخل الرسول على النعمان بالكتاب
فقال نعم وكرامة وبعث إليه بأربعة آلاف مثقال وجارية وقال له إذا أصبحت
فادخل عليه فأخرجه أنت بنفسك فلما أصبح ركب فدخل السجن فقال له الحرس
إنه قد مات منذ أيام فلم نجترئ على أن نخبر الملك للفرق منه وقد علمنا كراهته لموته
فرجع إلى النعمان فقال إني قد دخلت عليه وهو حي فقال له النعمان يبعثك الملك
إلى فتدخل إليه قبلي كذبت ولكنك أردت الرشوة والخبث فتهدده ثم زاده جائزة
وأكرمه واستوثق منه أن لا يخبر كسرى إلا إنه قد مات قبل أن يقدم عليه فرجع
الرسول إلى كسرى فقال إنه قد مات قبل أن أدخل عليه وندم النعمان على موت عدى
واجترأ أعداء عدى على النعمان وهابهم النعمان هيبة شديدة فخرج النعمان في بعض
صيده ذات يوم فلقى ابنا لعدى يقال له زيد فلما رآه عرف شبهه فقال من أنت قال
أنا زيد بن عدي بن زيد فكلمه فإذا غلام ظريف ففرح به فرحا شديدا وقربه
وأعطاه واعتذر إليه من أمر أبيه وجهزه ثم كتب إلى كسرى إن عديا كان ممن
أعين به الملك في نصحه ولبه فأصابه ما لابد منه وانقضت مدته وانقطع أكله ولم
يصب به أحد أشد من مصيبتي وأما الملك فلم يكن ليفقد رجلا إلا جعل الله له
منه خلفا لما عظم الله له من ملكه وشأنه وقد أدرك له ابن ليس دونه وقد سرحته
إلى الملك فان رأى الملك أن يجعله مكان أبيه فليفعل فلما قدم الغلام على كسرى
جعله مكان أبيه وصرف عمه إلى عمل آخر فكان هو الذي يلي ما كتب به إلى
أرض العرب وخاصة الملك وكانت له من العرب وظيفة موظفة في كل سنة مهران
605

أشقران والكمأة الرطبة في حينها واليابسة والأقط والأدم وسائر تجارات
العرب فكان زيد بن عدي بن زيد يلي ذلك وكان هذا عمل عدى فلما وقع عند
الملك بهذا الموقع سأله كسرى عن النعمان فأحسن عليه الثناء فمكث سنوات بمنزلة
أبيه وأعجب به كسرى وكان يكثر الدخول عليه وكانت لملوك الأعاجم صفة من
النساء مكتوبة عندهم فكانوا يبعثون في تلك الأرضين بتلك الصفة غير أنهم لم
يكونوا يتناولون أرض العرب بشئ من ذلك ولا يريدونه فبدأ الملك في طلب
النساء فكتب بتلك الصفة ثم دخل على كسرى فكلمه فيما دخل فيه ثم قال إني
رأيت الملك كتب في نسوة يطلبن له فقرأت الصفة وقد كنت بآل المنذر عالما
وعند عبد ك النعمان من بناته وبنات عمه وأهله أكثر من عشرين امرأة على هذه
الصفة قال فتكتب فيهن قال أيها الملك إن شر شئ في العرب وفى النعمان أنهم يتكرمون
زعموا في أنفسهم عن العجم فأنا أكره أن يغيبهن وإن قدمت أنا عليه لم يقدر أن
يغيبهن فابعثني وابعث معي رجلا من حرسك يفقه العربية فبعث معه رجلا جليدا
فخرج به زيد فجعل يكرم ذلك الرجل ويلطفه حتى بلغ الحيرة فلما دخل عليه أعظم
الملك فقال إنه قد احتاج إلى نساء لأهله وولده وأراد كرامتك فبعث إليك فقال
وما هؤلاء النسوة فقال هذه صفتهن قد جئنا بها وكانت الصفة أن المنذر الأكبر
أهدى إلى أنوشروان جارية كان أصابها إذ أغار على الحارث الأكبر الغساني
ابن أبي شمر فكتب إلى أنوشروان يصفها له معتدلة الخلق نقية اللون
والثغر بيضاء قمراء وطفاء دعجاء حوراء عيناء قنواء شماء زجاء برجاء أسيلة الخد
شهية القد جثلة الشعر عظيمة الهامة بعيدة مهوى القرط عيطاء عريضة الصدر
كاعب الثدي ضخمة مشاشة المنكب والعضد حسنة المعصم لطيفة الكف سبطة
البنان لطيفة طي البطن خميصة الخصر غرثى الوشاح رداح القبل رابية الكفل لفاء
الفخذ بن ريا الروادف ضخمة المأكمتين عظيمة الركبة مفعمة الساق مشبعة الخلخال
لطيفة الكعب والقدم قطوف المشي مكسال الضحى بصة المتجرد سموع للسيد
ليست بخنساء ولا سعفاء ذليلة الانف عزيزة النفر لم تغذ في بؤس حيية رزينة
606

حليمة ركينة كريمة الحال تقتصر بنسب أبيها دون فصيلتها وبفصيلتها دون
جماع قبيلتها قد أحكمتها الأمور في الأدب فرأيها رأى أهل الشرف وعملها
عمل أهل الحاجة صناع الكفين قطيعة اللسان رهوة الصوت تزين البيت وتشين
العدو إن أردتها اشتهت وإن تركها انتهت تحملق عيناها وتحمر وجنتاها
وتذبذب شفتاها وتبادرك الوثبة فقبلها كسرى وأمر باثبات هذه الصفة في
دواوينه فلم يزالوا يتوارثونها حتى أفضى ذلك إلى كسرى بن هرمز فقرأ عليه
زيد هذه الصفة فشق عليه فقال لزيد والرسول يسمع أما في عين السواد وفارس
ما تبلغون حاجتكم قال الرسول لزيد ما العين قال البقر فقال زيد للنعمان إنما
أراد كرامتك ولو علم أن هذا يشق عليك لم يكتب إليك به فانزلهما يومين ثم
كتب إلى كسرى أن الذي طلب الملك ليس عندي وقال لزيد أعذرني عنده فلما
رجع إلى كسرى قال زيد للرسول الذي جاء معه أصدق الملك الذي سمعت منه
فانى سأحدثه بحديثك ولا أخالفك فيه فلما دخلا على كسرى قال زيد هذا
كتابه فقرأه عليه فقال كسرى فأين الذي كنت خبرتني قال قد كنت أخبرتك
بضنهم بنسائهم على غيرهم وإن ذلك من شقائهم واختيارهم الجوع والعرى على
الشبع والرياش واختيارهم السموم والرياح على طيب أرضك هذه حتى أنهم
ليسمونها السجن فسل هذا الرسول معي عن الذي قال فانى أكرم الملك عن الذي
قال ورد عليه أن أقوله فقال للرسول وما قال قال قال أيها الملك أما في بقر السواد
ما يكفيه حتى يطلب ما عندنا فعرف الغضب في وجهه ووقع في قلبه منه ما وقع
ولكنه قد قال رب عبد قد أراد ما هو أشد من هذا فيصير أمره إلى التباب وشاع
هذا الكلام فبلغ النعمان وسكت كسرى على ذلك أشهرا وجعل النعمان يستعد
ويتوقع حتى أتاه كتابه أن أقبل فان للملك إليك حاجة فانطلق حين أتاه كتابه
فحمل سلاحه وما قوى عليه ثم لحق بجبلي طيئ وكانت فرعة ابنة سعد بن حارثة
ابن لام عنده وقد ولدت له رجلا وامرأة وكانت أيضا عنده زينب ابنة أوس
ابن حارثة فأراد النعمان طيئا على أن يدخلوه ويمنعوه فأبوا ذلك عليه وقالوا
607

لولا صهرك قاتلناك فإنه لا حاجة لنا في معاداة كسرى فاقبل ليس أحد من الناس
يقبله غير أن بنى رواحة بن سعد من بنى عبس قالوا إن شئت قاتلنا معك لمنة كانت
له عندهم في أمر مروان القرظ فقال لا أحب أن أهلككم فإنه لا طاقة لكم بكسرى
فاقبل حتى نزل بذى قار في بنى شيبان سرا فلقى هانئ بن مسعود بن عامر بن عمرو
ابن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان وكان سيدا منيعا والبيت يومئذ من ربيعة في آل
ذي الجدين لقيس بن مسعود بن قيس بن خالد بن ذي الجدين وكان كسرى قد أطعم
قيس بن مسعود الأبلة فكره النعمان أن يدفع إليه أهله لذلك وعلم أن هانئا مانعه
مما يمنع منه نفسه وتوجه النعمان إلى كسرى فلقى زيد بن عدي على قنطرة ساباط
فقال انج نعيم فقال أنت يا زيد فعلت هذا أما والله لئن انفلت لأفعلن بك ما فعلت
بأبيك فقال له زيد امض نعيم فقد والله وضعت لك عنده آخية لا يقطعها المهر
الارن فلما بلغ كسرى أنه بالباب بعث إليه فقيده وبعث به إلى خانقين فلم يزل
في السجن حتى وقع الطاعون فمات فيه والناس يظنون أنه مات بساباط لبيت
قاله الأعشى
فذاك وما أنجى من الموت ربه * بساباط حتى مات وهو محرزق
وإنما هلك بخانقين وهذا قبيل الاسلام فلم يلبث الا يسيرا حتى بعث الله
نبيه صلى الله عليه وسلم وكان سبب وقعة ذي قار بسبب النعمان * وحدثت عن أبي
عبيدة معمر بن المثنى قال حدثنا أبو المختار فراس بن خندق وعدة من علماء
العرب قد سماهم أن النعمان لما قتل عد؟؟ ا كاد أخو عدى وابنه النعمان عند كسرى
وحرفا كتاب اعتذاره إليه بشئ غضب منه كسرى فأمر بقتله وكان النعمان
لما خاف كسرى استودع هانئ بن مسعود بن عامر بن الخصيب بن عمرو المزدلف
ابن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة حلقته ونعمه وسلاحا غير ذلك وذاك
أن النعمان كان بناه ابنتين له قال أبو عبيدة وقال بعضهم لم يدرك هانئ بن مسعود
هذا الامر * إنما هو هانئ بن قبيصة بن هانئ بن مسعود وهو الثبت عندي فلما
قتل كسرى النعمان استعمل إياس بن قبيصة الطائي على الحيرة وما كان عليه
608

النعمان قال أبو عبيدة كان كسرى لما هرب من بهرام مر باياس بن قبيصة
فاهدى له فرسا وجزورا فشكر ذلك له كسرى فبعث كسرى إلى إياس أين تركة
النعمان قال قد أحرزها في بكر بن وائل فأمر كسرى أياسا أن يضم ما كان
للنعمان ويبعث إليه فبعث إياس إلى هانئ أن أرسل إلى ما استودعك النعمان
من الدروع وغيرها والمقلل يقول كانت أربعمائة درع والمكثر يقول كانت
ثمانمائة درع فأبى هانئ أن يسلم خفارته قال فلما منعها هانئ غضب كسرى
وأظهر أنه يستأصل بكر بن وائل وعنده يومئذ النعمان بن زرعة التغلبي وهو
يحب هلاك بكر بن وائل فقال لكسرى يا خير الملوك أدلك على غرة بكر قال
نعم قال أمهلها حتى تقيظ فإنهم لو قد قاظوا تساقطوا على ماء لهم يقال له ذو قار
تساقط الفراش في النار فأخذتهم كيف شئت وأنا أكفيكهم فترجموا
له قوله تساقطوا تساقط الفراش في النار فأقرهم حتى قاظوا جاءت بكر بن
وائل فنزلت الحنو حنوذى قار وهى من ذي قار ليلة فأرسل إليهم كسرى
النعمان بن زرعة أن اختاروا واحدة من ثلاث خصال فنزل النعمان على هانئ
ثم قال له أنا رسول الملك إليكم أخيركم ثلاث خصال إما أن تعطوا بأيديكم فيحكم
فيكم الملك بما شاء وإما أن تعروا الديار وإما أن تأذنوا بحرب فتآمروا فولوا
أمرهم حنظلة بن ثعلبة بن سيار العجلي وكانوا يتيمنون به فقال لهم لا أرى إلا القتال
لأنكم إن أعطيتم بأيديكم قتلتم وسبيت ذراريكم وإن هربتم قتلكم العطش وتلقاكم
تميم فتهلككم فآذنوا الملك بحرب فبعث الملك إلى إياس وإلى الهامرز التستري
وكان مسلحه بالقطقطانة وإلى جلا بزين وكان مسلحه ببارق وكتب كسرى إلى
قيس بن مسعود بن قيس بن خالد بن ذي الجدين وكان كسرى استعمله على
طف سفوان أن يوافوا إياسا فإذا اجتمعوا فأياس على الناس وجاءت الفرس
معها الجنود والفيول عليها الأساورة وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم ورق
أمر فارس وقال النبي صلى الله عليه وسلم اليوم انتصفت العرب من العجم فحفظ
ذلك اليوم فإذا هو يوم الوقعة فلما دنت جيوش الفرس بمن معهم انسل قيس
609

ابن مسعود ليلا فأتى هانئا فقال له أعط قومك سلاح النعمان فيقووا فإن
هلكوا كان تبعا لأنفسهم وكنت قد أخذت بالحزم وإن ظفروا ردوه عليك
ففعل الدروع والسلاح في ذي القوى والجلد من قومه فلما دنا الجمع من بكر قال
لهم هانئ يا معشر بكر إنه لا طاقة لكم بجنود كسرى ومن معهم من العرب
فاركبوا الفلاة فتسارع الناس إلى ذلك فوثب حنظلة بن ثعلبة بن سيار فقال
له إنما أردت نجاتنا فلم تزد على أن ألقيتنا في الهلكة فرد الناس وقطع وضن
الهوادج لئلا يستطيع بكر أن تسوق يساءهم إن هربوا فسمى مقطع الوضن وهى
حزم الرحال ويقال مقطع البطن والبطن حزم الأقتاب وضرب حنظلة على
نفسه قبة ببطحاء ذي قار وآلى أن لا يفر حتى تفر القبة فمضى من مضى من
الناس ورجع أكثرهم واستقوا ماء لنصف شهر فأتتهم العجم فقاتلتهم بالحنو
فجزعت العجم من العطش فهربت ولم تقم لمحاصرتهم فهربت إلى الجبابات فنبعتهم
بكر وعجل أوائل بكر فتقدمت عجل وأبلت يومئذ بلاء حسنا واضطمت عليهم
جنود العجم فقال الناس هلكت عجل ثم حملت بكر فوجدوا عجلا ثابتة تقاتل
امرأة منهم تقول
إن يظفروا يحرزوا فينا الغرل * إيها فداء لكم بنى عجل
وتقول أيضا تحضض الناس
إن تهزموا نعانق * ونفرش النمارق
أو تهربوا نفارق * فراق غير وامق
فقاتلوهم بالجبابات يوما ثم عطش الأعاجم فمالوا إلى بطحاء ذي قار فأرسلت
إياد إلى بكر سرا وكانوا أعوانا على بكر مع إياس بن قبيصة أي الامرين أعجب
إليكم أن نطير تحت ليلتنا فنذهب أو نقيم ونفر حين تلاقوا القوم قالوا بل
تقيمون فإذا التقى القوم انهزمتم بهم قال فصبحتهم بكر بن وائل والظعن واقفة
يذمرن الرجال على القتال وقال يزيد بن حمار السكوني وكان حليفا لبنى شيبان
يا بنى شيبان أطيعوني وأكمنوني لهم كمينا ففعلوا وجعلوا يزيد بن حمار رأسهم
610

فكمنوا في مكان من ذي قار يسمى إلى اليوم الجب فاجتلدوا وعلى ميمنة اياس
ابن قبيصة الهامرز وعلى ميسرته الجلا بزين وعلى ميمنة هانئ بن قبيصة رئيس
بكر يزيد بن مسهر الشيباني وعلى ميسرته حنظلة بن ثعلبة بن سيار العجلي وجعل
الناس يتحاضون ويرجزون فقال حنظلة بن ثعلبة
قد شاع أشياعكم فجدوا * ما علتي وأنا مؤد جلد
والقوس فيها وتر عرد * مثل ذراع البكر أو أشد
قد جعلت اخبار قومي تبدو * إن المنايا ليس منها بد
هذا عمير حيه ألد * يقدمه ليس له مرد
حتى يعود كالكميت الورد * خلوا بنى شيبان واستبدوا
نفسي فداكم وأبى والجد
وقال حنظلة أيضا
يا قوم طيبوا بالقتال نفسا * أجدر يوم أن تفلوا الفرسا
وقال يزيد بن المكسر بن حنظلة بن ثعلبة بن سيار
من فر منكم فر عن حريمه * وجاره وفر عن نديمه
أنا ابن سيار على شكيمه * إن الشراك قد من أديمه
وكلهم يجرى على قديمه * من قارح الهجنة أو صميمه
قال فراس ثم صيروا الامر بعد هانئ إلى حنظلة فمال إلى مارية ابنته
وهى أم عشرة نفر أحدهم جابر بن أبجر فقطع وضينها فوقعت إلى الأرض
وقطع وضن النساء فوقعن إلى الأرض ونادت ابنة القرين الشيبانية حين وقعت
النساء إلى الأرض
ويها بنى شيبان صفا بعد صف * إن تهزموا يصبغوا فينا القلف
فقطع سبعمائة من بنى شيبان أيدي أقبيتهم من قبل مناكبهم لان تخف
أيديهم بضرب السيوف فجالدوهم قال ونادى الهامر زمرد ومرد فقال برد بن
حارثه اليشكري ما يقول قالوا يدعو إلى البراز رجل ورجل قال وأبيكم لقد أنصف
611

فبرز له فقتله برد فقال سويد بن أبي كاهل
ومنا بريد إذ تخدى جموعكم * فلم تقربوه المرزبان المسورا
أي لم تجعلوه ونادى حنظلة بن ثعلبة بن سيار يا قوم لا تقفوا لهم فيستغرقكم النشاب فحملت
ميسرة بكر وعليها حنظلة على ميمنة الجيش وقد قتل برد منهم رئيسهم الهامرز
وحملت ميمنة بكر وعليها يزيد بن مسهر على ميسرة الجيش وعليهم جلا بزين وخرج
الكمين من جب ذي قار من ورائهم وعليهم يزيد بن حمار فشدوا على قلب الجيش
وفيهم إياس بن قبيصة وولت اياد منهزمة كما وعدتهم وانهزمت الفرس قال سليط
فحدثنا أسراؤنا الذين كانوا فيهم يومئذ قالوا فلما التقى الناس ولت بكر منهزمة
فقلنا يريدون الماء فلما قطعوا الوادي فصاروا من ورائه وجاوزوا الماء قلنا
هي الهزيمة وذاك في حر الظهيرة وفى يوم قائظ فأقبلت كتيبة عجل كأنهم طن قصب
لا يفوت بعضهم بعضا لا يمنعون هربا ولا يخالطون القوم ثم تذامروا فزحفوا
فرموهم بحباههم فلم تكن إلا إياها فأمالوا بأيديهم فولوا فقتلوا الفرس ومن
معهم ما بين بطحاء ذي قار حتى بلغوا الراحضة قال فراس فخبرت أنهم أتبعوا
فارس يسعون لم ينظروا إلى سلب ولا إلى شئ حتى تعارفوا بأدم موضع قريب
من ذي قار فوجد ثلاثون فارسا من بنى عجل ومن سائر بكر ستون فارسا وقتلوا
جلا بزين قتله حنظلة بن ثعلبة وقال ميمون بن قيس يمدح بنى شيبان خاصة في قوله
فدى لبنى ذهل بن شيبان ناقتي * وراكبها يوم اللقاء وفلت
هم ضربوا بالحنو حنو قراقر * مقدمة الهامرز حتى تولت
وأفلتنا قيس وقلت لعله * هنالك لو كانت به النعل زلت
فهذا يدل على أن قيسا قد شهد ذا قار وقال بكير أصم بنى الحارث بن عباد
يمدح بنى شيبان
إن كنت ساقية المدامة أهلها * فاسقى على كرم بنى همام
وأبا ربيعة كلها ومحلما * سبقا بغاية أمجد الأيام
ضربوا بنى الأحرار يوم لقوهم * بالمشرفي على مقيل الهام
612

عربا ثلاثة آلف وكتيبة * ألفين أعجم من بنى الفدام
شد ابن قيس شدة ذهبت له * ذكرا له في معرق وشآم
عمرو وما عمرو بقحم داله * فيها ولا غمر ولا بغلام
فلما مدح الأعشى والأصم بنى شيبان خاصة غضبت اللهازم فقال أبو كلبة
أحد بنى قيس يؤنبها بذلك
جد عتما شاعري قوم أولى حسب * حزت أنوفهما حزا بمنشار
أعنى الأصم وأعشانا إذا اجتمعا * فلا استعانا على سمع بإبصار
لولا فوارس لا ميل ولا عزل * من اللهازم ما قاظوا بذى قار
نحن أتيناهم من عند أشملهم * كما تلبس وراد بصدار
قال أبو عمرو بن العلاء فلما بلغ الأعشى قول أبى كلبة قال صدق وقال معتذرا مما قال
متى يقرن أصم بحبل أعشى * يتيها في الضلال وفى الخسار
فلست بمبصر ما قد يراه * وليس بسامع أبدا حواري
وقال الأعشى في ذلك اليوم
أتانا عن بنى الا حرا * ر قول لم يكن أمما
أرادوا نحت أثلتنا * وكنا نمنع الخطما
وقال أيضا لقيس بن مسعود
أقيس بن مسعود بن قيس بن خالد * وأنت امرؤ ترجو شبابك وائل
أتجمع في عام غزاة ورحلة * ألا ليت قيسا غرقته القوابل
وقال أعشى بن ربيعة
ونحن غداة ذي قار أقمنا * وقد شهد القبائل محلبينا
وقد جاؤوا بها جأواء فلقا * ململمة كتائبها طحونا
ليوم كريهة حتى تجلت * ظلال دجاه عنا مصلتينا
فولونا الدوابر واتقونا * بنعمان بن زرعة أكتعينا
وذدنا عارض الأحرار وردا * كما ورد القطا الثمد المعينا
613

ذكر من كان على ثغر العرب من قبل ملوك الفرس
بالحيرة بعد عمرو بن هند
قد مضى ذكرنا من كان يلي ذلك من قبل ملوك الفرس من آل نصر بن ربيعة
إلى حين هلاك عمرو بن هند وقدر مدة ولاية كل من ولى منهم ذلك ونذكر
الآن من ولى ذلك لهم بعد عمرو بن هند إلى أن ولى ذلك لهم النعمان بن المنذر
والذي ولى لهم ذلك بعد عمرو بن هند أخوه قابوس ابن المنذر وأمه هند ابنة
الحارث بن عمرو فولى ذلك أربع سنين من ذلك في زمن أنو شروان ثمانية
أشهر وفى زمن هرمز بن أنوشروان ثلاث سنين وأربعة أشهر ثم ولى بعد
قابوس بن المنذر السهرب ثم ولى بعده المنذر أبو النعمان بن المنذر أربع سنين ثم
ولى بعده النعمان بن المنذر أبو قابوس اثنتين وعشرين سنة من ذلك في زمن
هرمز بن أنوشروان سبع سنين وثمانية أشهر وفى زمن كسرى أبرويز بن
هرمز أربع عشرة سنة وأربعة أشهر ثم ولى إياس بن قبيصة الطائي ومعه النخير جان
تسع سنين في زمن كسرى بن هرمز ولسنة وثمانية أشهر من ولاية إياس بن قبيصة بعث
النبي صلى الله عليه وسلم فيما زعم هشام بن محمد ثم استخلف آزاذ به بن يابيان
ابن مهر بنداذ الهمذاني سبع عشرة سنة من ذلك في زمن كسرى بن هرمز أربع
عشرة سنة ثمانية أشهر وفى زمن شيرويه بن كسرى ثمانية أشهر وفى زمن
أردشير بن شيرويه سنة وسبعة أشهر وفى زمن بوران دخت بنت كسرى شهرا
ثم ولى المنذر بن النعمان بن المنذر وهو الذي تسميه العرب الغرور الذي قتل
بالبحرين يوم جواثا إلى أن قدم خالد بن الوليد الحيرة ثمانية أشهر فكان آخر
من بقى من آل نصر بن ربيعة فانقرض أمرهم مع زوال ملك فارس فجميع ملوك
آل نصر فيما زعم هشام ومن استخلف من العباد والفرس عشرون ملكا قال
وعدة ما ملكوا خمسمائة سنة واثنتان وعشرون سنة وثمانية أشهر (رجع
الحديث) إلى ذكر المروزان وولايته اليمن من قبل هرمز وابنه ابرويز ومن
614

وليها بعده * حدثت عن هشام بن محمد قال عزل هرمز بن كسرى زين عن اليمن
واستعمل مكانه المروزان فأقام باليمن حتى ولد له بها وبلغ ولده ثم إن أهل جبل
من جبال اليمن يقال له المصانع خالفوه وامتنعوا من حمل الخراج إليه والمصانع
جبل طويل ممتنع إلى جانبه جبل آخر قريب منه بينهما فضاء ليس بالبعيد إلا أنه
لا يرام ولا يطمع فيه فسار المروزان إلى المصانع فلما انتهى إليه نظر إلى جبل لا
يطمع في دخوله إلا من باب واحد يمنع ذلك الباب رجل واحد فلما رأى أن لا سبيل
له إليه صعد الجبل الذي يحاذي حصنهم فنظر إلى أضيق مكان منه وتحته هواء
ذاهب فلم ير شيئا أقرب إلى افتتاح الحصن من ذلك الموضع فأمر أصحابه أن
يصطفوا له صفين ثم يصيحوا به صيحة واحدة فضرب فرسه فاستجمع حضرا
ثم رمى به فوثب المضيق فإذا هو على رأس الحصن فلما نظرت إليه حمير وإلى
صنيعه قالوا هذا أيم والأيم بالحيرية شيطان فانتهرهم وزيرهم بالفارسية وأمرهم
أن يكف بعضهم بعضا فاستنزلهم من حصنهم وقتل طائفة منهم وسبى بعضهم
وكتب بالذي كان من أمره إلى كسرى بن هرمز فتعجب من صنيعه وكتب إليه
أن استخلف من شئت وأقبل إلى قال وكان للمروزان ابنان أحدهما تعجبه العربية
ويروى الشعر يقال له خرخسرة والآخر أسوار يتكلم بالفارسية ويتدهقن
فاستخلف المروزان ابنه خر خسرة وكان أحب ولده إليه على اليمن وسار حتى إذا
كان في بعض بلاد العرب هلك فوضع في تابوت وحمل حتى قدم به على كسرى فأمر
بذلك التابوت فوضع في خزاتته وكتب عليه في هذا التابوت فلان الذي صنع
كذا وكذا قصته في الجبلين ثم بلغ كسرى تعرب خر خسرة وروايته الشعر وتأدبه
بأدب العرب فعزله وولى باذان وهو آخر من قدم اليمن من ولاة العجم وكان
كسرى قد طغى لكثرة ما قد جمع من الأموال وأنواع الجوهر والأمتعة والكراع
وافتتح من بلاد العدو وساعده من الأمور ورزق من مؤاتاته وبطر وشره شرها
فاسدا وحسد الناس على ما في أيديهم من الأموال فولى جباية البقايا علجا من
أهل قرية تدعى خندق من طسوج بهرسير يقال له فرخزاذ بن سمى فسام الناس
615

سوء العذاب وظلمهم واعتدى عليهم وغصبهم أموالهم في غير حله بسبب بقايا
الخراج واستفسدهم بذلك وضيق عليهم المعاش وبغض إليهم كسرى وملكه
* وحدثت عن هشام بن محمد أنه قال كان ابرويز كسرى هذا قد جمع من
الأموال ما لم يجمع أحد من الملوك وبلغت خيله القسطنطينية وأفريقية وكان
يشتو بالمدائن ويتصيف ما بينها وبين همذان وكان يقال إنه كانت له اثنتا عشرة
ألف امرأة وجارية وألف فيل إلا واحدا وخمسون ألف دابة بين فرس وبرذون
وبغل وكان أرغب الناس في الجوهر والأواني وغير ذلك وأما غير هشام فإنه
قال كان في قصره ثلاثة آلاف امرأة يطأهن وألوف جوار اتخذهن للخدمة
والغناء وغير ذلك وثلاثة آلاف رجل يقومون بخدمته وكانت له ثمانية آلاف
وخمسمائة دابة لمركبه وسبعمائة وستون فيلا واثنا عشر ألف بغل لثقله وأمر
فبنيت بيوت النيران وأقام فيها اثنى عشر ألف هربذ للزمزمة وانه أمر أن
يحصى ما اجتبى من خراج بلاده وتوابعه وسائر أبو أب المال سنة ثماني عشرة
من ملكه فرفع إليه أن الذي اجتبى في تلك السنة من الخراج وسائر أبو ابه من
الورق أربعمائة ألف ألف مثقال وعشرون ألف ألف مثقال يكون ذلك وزن
سبعة وستمائة ألف ألف درهم وأمر فحول إلى بيت مال بنى بمدينة طيسبون وسماه
بهار حفرد خسرو وأموال له أخرى من ضرب فيروز بن بزدجرد وقباذ بن
فيروذ اثنى عشر ألف بدرة في كل بدرة منها من الورق أربعة آلاف مثقال
يكون جميع ذلك ثمانية وأربعين ألف ألف مثقال وهو وزن سبعة ثمانية وستون
ألف ألف وخمسمائة ألف وأحد وسبعون ألفا وأربعمائة وعشرون درهما
ونصف وثلث ثمن درهم في أنواع لا يحصى مبلغها إلا الله من الجواهر والكسي
وغير ذلك وان كسرى احتقر الناس واستخف بما لا يستخف به الملك الرشيد
الحازم وبلغ من عتوه وجرأته على الله أنه أمر رجلا كان على حرس بابه الخاصة
يقال له زاذان فروخ أن يقتل كل مقيد في سجن من سجونه فأحصوا فبلغوا ستة
وثلاثين ألفا فلم يقدم زاذان فروخ على قتلهم وتقدم لتأخير ما أمر به كسرى
616

فيهم لعلل أعدها له فكسب كسرى عداوة أهل مملكته من غير وجه أحد ذلك
احتقاره إياهم وتصغيره عظمائهم والثاني تسليط العلج فرخان زاذ بن سمى عليهم
والثالث أمره بقتل من كان في السجن والرابع إجماعه على قتل الفل الذين
انصرفوا إليه من قبل هرقل والروم فمضى ناس من العظماء إلى عقر بابل وفيه
شيرى بن ابرويز مع إخوته بها قد وكل بهم مؤدبون يؤدبونهم وأساورة يحولون
بينهم وبين براح ذلك الموضع فاقبلوا به ودخل مدينة بهرسير ليلا فخلى عمن كان
في سجونها وخرج من كان فيها واجتمع إليه الفل الذين كان كسرى أجمع على قتلهم
فنادوا قباذ شاهنشاه وصاروا حين أصبحوا إلى رحبة كسرى فهرب من كان في
قصره من حرسه وانحاز كسرى بنفسه إلى باغ له قريب من قصره يدعى باغ الهندوان
فارا مرعوبا وطلب فاخذ ماه آذر وروز آذر وحبس في دار المملكة ودخل
شيرويه دار الملك واجتمع إليه الوجوه فملكوه وأرسل إلى أبيه يقرعه بما كان منه
* وحدثت عن هشام بن محمد قال ولد لكسرى ابرويز ثمانية عشر ولدا
ذكرا أكبرهم شهريار وكانت شيرين تبنته فقال المنجمون لكسرى إنه سيولد
لبعض ولدك غلام يكون خراب هذا المجلس وذهاب هذا الملك على يديه وعلامته
نقص في بعض بدنه فحصر ولده لذلك عن النساء فمكثوا حينا لا يصلون إلى امرأة
حتى شكا ذلك شهريار إلى شيرين وبعث إليها يشكو الشبق ويسألها أن تدخل
عليه امرأة وإلا قتل نفسه فأرسلت إليه إني لا أصل إلى ادخال النساء عليك إلا
أن تكون امرأة لا يؤبه لها ولا يجمل بك أن تمسها فقال لها لست أبالي ما كانت
بعد أن تكون امرأة فأرسلت إليه بجارية كانت تحجمها وكانت فيما يزعمون من
بنات أشرافهم إلا أن شيرين كانت غضبت عليها في بعض الأمور فأسلمتها في
الحجامين فلما أدخلتها على شهريار وثب عليها فحملت بيزدجرد فأمرت بها شيرين
فقصرت حتى ولدت وكتمت أمر الولد خمس سنين ثم إنها رأت من كسرى رقة
للصبيان حين كبر فقالت له هل يسرك أيها الملك أن ترى ولدا لبعض بنيك على
ما كان في ذلك من المكروه فقال لا أبالي فأمرت بيزد جرد فطيب وحلى وأدخلته
617

عليه وقالت هذا يزدجرد بن شهريار فدعا به فأجلسه في حجره وقبله وعطف
عليه وأحبه حبا شديدا وجعل يبيته معه فبينا هو يلعب ذات يوم بين يديه إذ
ذكر ما قيل فدعا به فعراه من ثيابه واستقبله واستدبره فاستبان النقص في أحد
وركيه فاستشاط غضبا وأسفا واحتمله ليجلد به الأرض فتعلقت به شيرين
وناشدته الله أن لا يقتله وقالت له انه إن يكن أمر قد حضر في هذا الملك فليس له
مرد قال إن هذا المشؤم الذي أخبرت عنه فاخرجيه فلا أنظر إليه فأمرت به
فحمل إلى سجستان وقال آخرون بل كان بالسواد عند ظؤرته في قرية يقال لها
خمانية ووثبت فارس على كسرى فقتلته وساعدهم على ذلك ابنه شيرويه ابن مريم
الرومية وكان ملكه ثمانيا وثلاثين سنة ولمضى اثنتين وثلاثين سنة وخمسة أشهر
وخمسة عشر يوما من ملكه هاجر النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة
ثم ملك من بعده ابنه
شيرويه واسمه قباذ
ابن ابرويز بن هرمز بن كسرى أنوشروان فذكر أن شيرويه لما ملك دخل
عظماء الفرس عليه بعد حبسه أباه فقالوا له انه لا يستقيم أن يكون لنا ملكان
اثنان فإما أن تقتل كسرى ونحن خولك الباخعون لك بالطاعة وإما أن نخلعك
ونعطيه الطاعة على ما لم نزل نعطيه قبل أن تملك فهدت هذه المقالة شيرويه
وكسرته وأمر بتحويل كسرى من دار المملكة إلى دار رجل يقال له مارسفند
فحمل كسرى على برذون وقنع رأسه وسير به إلى تلك الدار ومعه ناس من الجند
فمروا به في مسيرهم على اسكاف جالس في حانوت شارع على الطريق فلما بصر
بفرسان من الجند معهم فارس مقنع عرف أن المقنع كسرى فحذفه بقالب فعطف
إليه رجل ممن كان مع كسرى من الجند فاخترط سيفه فضرب عنق الإسكاف
ثم لحق بأصحابه فلما صار كسرى في دار مارسفند جمع شيرويه من كان بالباب من
العظماء وأهل البيوتات فقال إنا قد رأينا أن نبدأ بالارسال إلى الملك أبينا بما
كان من إساءته في تدبيره وتوقفه على أشياء منها ثم دعا برجل من أهل أردشير
618

خرة يقال له أسفاذ جشنس ولمرتبته رئيس الكتيبة كان يلي تدبير المملكة فقال
له انطلق إلى الملك أبينا فقل له عن رسالتنا إنا لم نكن للبلية التي أصبحت فيها
ولا أحد من رعيتنا سببا ولكن الله قضاها عليك جزاء منه لك بسيئ أعمالك منها
اجترامك إلى هرمز أبيك وفتكك به وازالتك الملك عنه وسملك عينيه وقتلك إياه
شر قتلة وما قارفت في أمره من الاثم العظيم ومنها سوء صنيعك إلينا معشر
أبنائك في حظرك علينا مثافنة الأخيار ومجالستهم وكل أمر يكون لنا فيه دعة
وسرور وغبطة ومنها إساءتك كانت بمن خلدت السجون منذ دهر حتى شقوا
بشدة الفقر وضيق المعاش والغربة عن بلادهم وأهاليهم وأولادهم ومنها سوء
نظرك في استخلاصك كان لنفسك من النساء وتركك العطف عليهن بمودة منك
والصرف لهن إلى معاشرة من كن يرزقن منه الولد والنسل وحبسك إياهن قبلك
مكرهات ومنها ما آتيت إلى رعيتك عامة في اجتنابك إياهم الخراج وما انتهكت
منهم في غلظتك وفظاظتك عليهم ومنها جمعك الأموال التي اجتبيتها الناس في
عنف شديد واستفساد منك إياهم وادخالك البلاء والمضار عليهم فيه ومنها تجميرك
من جمرت في ثغور الروم وغيرهم من الجنود وتفريقك بينهم وبين أهاليهم ومنها
غدرك بمورق ملك الروم وكفرك إنعامه عليك فيما كان من ايوائه إياك وحسن
بلائه عندك ودفعه عنك شر عدوك وتنويهه باسمك في تزويجه إياك أكرم النساء
من بناته عليه وآثرهن عنده واستخفافك بحقه وتركك اطلابه ما طلب إليك من
رد خشبة الصليب التي لم يكن بك ولا بأهل بلادك إليها حاجة علمته فإن كانت لك
حجج تدلى بها عندنا وعند الرعية فأدل بها وإن لم تكن لك حجة فتب إلى
الله من قريب وأنب إليه حتى نأمر فيك بأمرنا فوعى اسفاذ جشنس رسالة
كسرى شيرويه هذه وتوجه من عنده إلى كسرى ليبلغه إياها فلما توجه إلى
الموضع الذي كان حبس فيه كسرى ألقى رجلا يقال له جيلنوس كان قائد الجند
قد وكل بحراسة كسرى جالسا فتحاورا ساعة ثم سأل أسفاذ جشنس جيلنوس
أن يستأذن له على كسرى ليلقاه برسالة من شيرويه فرجع جيلنوس فرفع الستر
619

الذي كان دون كسرى فدخل عليه وقال له عمرك الله ان اسفاذ جشنس
بالباب وذكر ان الملك شيرويه أرسله إليك في رسالة وهو يستأذن عليك
فرأيك في الامر فيه برأيك فتبسم كسرى وقال مازحا يا جيلنوس أسفاذان
كلامك مخالف كلام أهل العقل وذلك أنه إن كانت الرسالة التي ذكرت من
شيرويه الملك فليس لنا مع ملكه اذن وإن كان لنا اذن وحجب فليس شيرويه بملك
ولكن المثل في ذلك كما قيل يشاء الله الشئ فيكون ويأمر الملك بأمر فينفذ فأذن
لاسفاذ جشنس يبلغ الرسالة التي حملها فلما سمع جيلنوس هذه المقالة خرج من
عند كسرى وأخذ بيد اسفاذ جشنس وقال له قم فادخل إلى كسرى راشدا فنهض
اسفاذ جشنس ودعا بعض من كان معه من خدمه ودفع إليه كساءا كان لابسه
وأخرج من كمه ششتقة بيضاء نقية فمسح بها وجهه ثم دخل على كسرى فلما عاين
كسرى خر له ساجدا فأمره كسرى بالانبعاث فانبعث وكفر بين يديه وكان
كسرى جالسا على ثلاثة أنماط ديباج خسرواني منسوج بذهب قد فرشت على
بساط من إبريسم متكئا على ثلاث وسائد منسوجة بذهب وكان بيده سفرجلة
صفراء شديدة الاستدارة فلما عاين اسفاذ جشنس تربع جالسا ووضع السفرجلة
التي كانت بيده على تكأته فتدحرجت من أعلى الوسائد الثلاث لشدة استدارتها
واملساس الوسادة التي كانت عليها بامتلاء حشوها إلى أعلى تلك الأنماط الثلاثة
ومن النمط إلى البساط ولم تلبث على البساط تدحرجت إلى الأرض ووقعت بعيدا
متلطخة بتراب فتناولها إسفاذ جشنس فمسحها بكمه وذهب ليضعها بين يدي كسرى
فأشار إليه أن ينحيها عنه وقال له أعزبها عنى فوضعها اسفاذ جشنس عند طرف
البساط إلى الأرض ثم عاد فقام مقامه وكفر بيده فنكس كسرى ثم قال متمثلا
الامر إذا أدبر فأتت الحيلة في الاقبال به وإذا أقبل أعيت الحيلة في الادبار به
وهذان الأمران متداولان على ذهاب الحيل فيهما ثم قال لاسفاذ جشنس
إنه قد كان من تدحرج هذه السفرجلة وسقوطها حيث سقطت وتلطخها بالتراب
وهو عندنا كالاخبار لنا بما حملت من الرسالة وما أنتم عاملون به وعاقبته فإن
620

السفرجلة التي تأويلها الخير سقطت من علو إلى سفل ثم لم تلبث على مفرشنا أن
سقطت إلى الأرض ووقعت بعيدا متلطخة بتراب وذلك منها دليل في حال الطيرة
إن مجد الملوك قد صار عند السوق وإنا قد سلبنا الملك وانه لا يلبث في أيدي
عقبنا أن يصير إلى من ليس من أهل المملكة فدونك فتكلم بما حملت من رسالة
وزودت من الكلام فاندفع اسفاذ جشنس في تبليغ الرسالة التي حمله إياها
شيرويه ولم يغادر منها كلمة ولم يزلها عن نسقها فقال كسرى في مرجوع تلك
الرسالة بلغ عنى شيرويه القصير العمر أنه لا ينبغي لذي عقل أن يبث من أحد
الصغير من الذنب ولا اليسير من السيئة إلا بعد تحقق ذلك عنده وتيقنه إياه منه
فضلا عن عظيم ما بثثت ونشرت وادعيت منا ونسبتنا إليه من الذنوب والجرائم
مع أن أولى الناس بالرد عن ذي ذنب وتوبيخ ذي جرمة من قد ضبط نفسه
عن الذنوب والجرائم ولو كنا على ما أضفتنا إليه لم يكن ينبغي أن تنشره وتؤنبنا
أيها القصير العمر القليل العلم فإن كنت جاهلا بما يلزمك من العيوب ببثك
منا ما بثثت ونسبتك إيانا إلى ما نسبت فاستثبت عيوبك فاقتصر في الزرى علينا
والعيب لنا على ما لا يزيدك بسوء مقالتك فيه الا اشتهارا بالجهل ونقص الرأي
أيها العازب العقل العديم العلم فإنه إن كان لاجهادك نفسك في شهرك إيانا من
الذنوب بما يوجب علينا القتل حقيقة وكان لك على ذلك برهان فقضاة أهل
ملتك ينفون ولد المستوجب للقتل من أبيه وينحونه عن مضامة الأخيار ومجالستهم
ومخالطتهم إلا في أقل المواطن فضلا عن أن يملك مع أنه قد بلغ بحمد الله ونعمته
من إصلاحنا أنفسنا ونيتنا فيما بيننا وبين الله وبيننا وبين أهل ملتنا وديننا وبيننا
وبينك وبين معشر أبنائنا ما ليس لنا في شئ من ذلك تقصير ولا علينا
فيه من أحد حجة ولا توبيخ ونحن نشرح الحال فيما ألزمتنا من الذنوب وألحقت
بنا من الجرائم عن غير التماس منا لذلك نقصا فيما أدلينا به من حجة أو أوتينا عليه
من برهان لتزداد علما بجهالتك وعزوب عقلك وسوء صنيعك أما ما ذكرت
من أمر أبينا هرمز فمن جوابنا فيه أن الأشرار والبغاة كانوا أغروا هرمز بنا
621

حتى اتهمنا واحتمل علينا غمرا ووغرا ورأينا من ازوراره عنا وسوء رأيه فينا
ما تخوفنا ناحيته فاعتزلنا بابه لاشفاقنا منه ولحقنا بآذربيجان وقد استفاض فانتهك
من الملك ما انتهك فلما انتهى إلينا خبر ما بلغ منه شخصنا من آذربيجان إلى بابه فهجم
علينا المنافق بهرام في جنود عظيمة من العصاة المستوجبة القتل ما رقا من الطاعة
فأجلانا عن موضع المملكة فلحقنا ببلاد الروم فأقبلنا منها بالجنود والعدة وحاربناه
فهرب منا وصار من أمره في بلاد الترك من الهلكة والبوار إلى ما قد اشتهر في
الناس حتى إذا صفا لنا الملك واستحكم لنا أمره ودفعنا بعون الله عن رعيتنا البلاء
والآفات التي كانوا أشفوا عليها قلنا إن من خير ما نحن بادئون به في سياستنا
ومفتتحون به ملكنا الانتقام لأبينا والثأر به والقتل لكل من شرك في دمه فإذا
أحكمنا ما نوينا من ذلك وبلغنا منه ما نريد تفرغنا لغيره من تدبير الملك فقتلنا كل
من شرك في دمه وسعى فيه ومالا عليه وأما ما ذكرت من أمر أبنائنا فمن
جوابنا أنه ليس من ولد ولدناه ما خلا من استأثر الله به منهم إلا صحيحة أعضاء
جسده غير أنا وكلنا بالحراسة لكم وكفكم عن الانتشار فيما لا يعنيكم إرادة كف
ما تخوف من ضرركم على البلاد والرعية ثم كنا أقمنا من النفقات الواسعة في
كسوتكم ومراكبكم وجميع ما تحتاجون إليه ما قد علمت وأما أنت خاصة فمن
قصتك أن المنجمين كانوا قضوا في كتاب مولدك أنك مثرب علينا أو يكون
ذلك بسببك فلم نأمر بقتلك ولكن ختمنا على كتاب قضية مولدك ودفعنا إلى
شرين صاحبتنا ومع ثقتنا بتلك القضية وجدنا فرميشا ملك الهند كتب إلينا
في سنة ست وثلاثين من ملكنا وقد أوفدهم إلينا فكتب في أمور شتى وأهدى
لنا ولكم معشر أبنائنا هدايا وكتب إلى كل واحد منكم كتابا وكانت هديته لك
فاذكرها فيلا وسيفا وبازيا أبيض وديباجة منسوجة بذهب فلما نظرنا فيما
أهدى لكم وكتب إليكم وجدته قد وقع على كتاب إليك بالهندية اكتم ما فيه
فأمرنا أن يصرف إلى كل واحد منكم ما بعث إليه من هدية أو كتاب واحتبسنا
كتابه إليك لحال التوقيع الذي كان عليه ودعونا بكاتب هندي وأمرنا بفض
622

خاتم الكتاب وقراءته فكان فيه أبشر وقر عينا وأنعم بالافإنك متوج ماه
آذروزد يبآذر سنة ثمان وثلاثين من ملك كسرى ومملك على ملكه وبلاده
فوثقنا أنك لم تكن لتملك إلا بهلكنا وبوارنا فلم ننتقصك بما استقر عندنا من
ذلك مما كنا أمرنا بإجرائه عليك من الأرزاق والمعاون والصلاة وغير ذلك
شيئا فضلا عن أمرنا بقتلك وأما كتاب فرميشا فقد ختمنا عليه بخاتمنا واستودعناه
شيرين صاحبتنا وهى في الاحياء صحيحة العقل والبدن فإن أحببت أن تأخذ منها
قضية مولدك وكتاب فرميشا إليك وتقرأهما لتكسبك قراءتك إياهما ندامة
وثبورا فافعل وأما ما ذكرت من حال من خلد السجن فمن جوابنا فيه أن الملوك
الماضين من لدن جيومرت إلى ملك بشتاسب كانوا يدبرون ملكهم بالمعدلة
ولم يزالوا من لدن بشتاسب إلى أن ملكنا يدبرونه بمعدلة معها ورع الدين فسل
إن كنت عديم عقل وعلم وأدب حملة الدين وهم أوتاد هذه الملة عن حال
من عصى من الملوك وخالفهم ونكث عهدهم والمستوجبين بذنوبهم القتل فيخبروك
أنهم لا يستحقون أن يرحموا أيعفى عنهم واعلم مع ذلك أنا لم نأمر بالحبس في سجوننا
ولا من قد وجب عليه في القضاء العدل أن يقتل أو تسمل عينه وتقطع يده ورجله
وسائر أعضائه وكثيرا ما كان الموكلون بهم وغيرهم من وزرائنا يذكرون استيجاب
من استوجب منهم القتل ويقولون عاجلهم بالقتل قبل أن يحتالوا لأنفسهم حيلا
يقتلونك بها فكنا لحبنا استبقاء النفوس وكراهتنا سفك الدماء نتأنى بهم ونكلهم
إلى الله ولا نقدم على عقوبتهم بعد الحبس الذي اقتصرنا عليه إلا على منعهم أكل اللحم
وشرب الشراب وشم الرياحين ولم نعد في ذلك في سنن الملة من الحول بين
المستوجبين للقتل وبين التلذذ والتنعم بشئ مما منعناهم إياه وكنا أمرنا لهم من
المطعم والمشرب وسائر ما يقيمهم بالذي يصلحهم في اقتصاد ولم نأمر بالحول بينهم
وبين نسائهم والتوالد والتناسل في حال حبسهم وقد بلغنا أنك أجمعت على التخلية
عن أولئك الدعار المنافقين المستوجبين للقتل والامر بهدم محبسهم ومتى تخل
عنهم تأثم بالله ربك وتسئ إلى نفسك وتخل بدينك وما فيه من الوصايا والسنن
623

التي فيها صرف الرحمة والعفو عن المستوجبين للقتل مع أن أعداء الملوك لا يحبون
الملك أبدا والعاصين لهم لا يمنحونهم الطاعة وقد وعظ الحكماء وقالوا لا تؤخرون
معاقبة المستوجبي العقوبة فإن في تأخيرها مدفعة للعدل ومضرة على المملكة في
حال التدبير ولئن نالك بعض السرور إن أنت خليت عن أولئك الدعار المنافقين
العصاة المستوجبين للقتل لتجدن غب ذلك في تدبيرك ودخول أعظم المضرة
والبلية على أهل الملة وأما قولك إنا إنما كسبنا وجمعنا وادخرنا الأموال والأمتعة
والبزور وغيرها من بلاد مملكتنا بأعنف اجتباء وأشد إلحاح على رعيتنا وأشد
ظلم لا من بلاد العدو بالمجاهدة لهم والقهر عن غلبة منا إياهم على ما في أيهم فمن
جوابنا فيه أن من إصابة الجواب في كل كلام يتكلم بجهل وعنجهية ترك الجواب
فيه ولكن لم ندع إذ صار ترك الجواب كالاقرار وكانت حجتنا فيما غشينا أن
نحتج به قوية وعذرنا واضحا شرح ما سألتنا عنه من ذلك اعلم أيها الجاهل أنه إنما
يقيم ملك الملوك بعد الله الأموال والجنود وبخاصة ملك فارس الذي قد اكتنفت
بلاده أعداء فاغرة أفواههم لالتقام ما في يديه وليس يقدر على كفهم عنها وردعهم
عما يريدون من اختلاس ما يرومون اختلاسه منه إلا بالجنود الكثيفة والأسلحة
والعدد الكثيرة ولا سبيل له إلى الكثيف من الجنود والكثير مما يحتاج إليه
إلا بكثرة الأموال ووفورها ولا يستكثر من الأموال ولا يقدر على جمعها
لحاجة إن عرضت له إليها إلا بالجد والتشمير في اجتباء هذا الخراج وما نحن
ابتدعنا جمع الأموال بل اقتدينا في ذلك بآبائنا والماضين من أسلافنا فإنهم
جمعوها كجمعنا إياها وكثروها ووفروها لتكون ظهريا لهم على تقوية جنودهم
وإقامة أمورهم وغير ذلك مما لم يستغنوا عن جمعها له فأغار على تلك الأموال
وعلى جوهر كان في خزائننا المنافق بهرام في عصابة مثله وفتاك مستوجبين للقتل
فشذبوها وبذروها وذهبوا بما ذهبوا به منها ولم يتركوا في بيوت أموالنا وخزائننا
إلا أسلحة من أسلحتنا لم يقدروا على تشذيبها والذهاب بها ولم يرغبوا فيها فلما
ارتجعنا بحمد الله ملكنا واستحكمت أمورنا وأذعن لنا الرعية بالطاعة ودفعنا
624

عنهم البوائق التي كانت حلت بهم ووجهنا إلى نواحي بلادنا أصبهبذين وولينا
دونهم على تلك النواحي فاذوسبانين واستعملنا على ثغورنا مرازبة وولاة ذوي
صرامة ومضاء وجلد وقوينا من ولينا من هؤلاء بالكثيف من الجنود أثخن هؤلاء
الولاة ما كان بإزائهم من الملوك المخالفين لنا والعدو وبلغ من غاراتهم عليهم وقتلهم من
قتلوا وأسرهم من أسروا منهم من سنة ثلاث عشرة من ملكنا ما لم يقدر الرجل
من أولئك على إطلاع رأسه في حرم بلاده إلا بخفير أو خائفا أو بأمان منا فضلا
عن الاغارة على شئ من بلادنا والتعاطي لشئ مما كرهنا ووصل في مدة هذه
السنين إلى بيوت أموالنا وخزائننا مما غنمنا من بلاد العدو من الذهب والفضة
وأنواع الجوهر ومن النحاس والفرند والحرير والاستبرق والديباج والكراع
والأسلحة والسبي والاسراء ما لم يخف عظم خطر ذلك وقدره على العامة فلما أمرنا
في آخر سنة ثلاث عشرة من ملكنا بنقش سكك حديثة لنأمر فيستأنف ضرب
الورق بها وجد في بيوت أموالنا على ما رفع إلينا المحصون لما كان فيها من
الورق سوى ما أمرنا بعزله من الأموال لارزاق جنودنا من الورق مائتا ألف
بدرة فيها ثمانمائة ألف ألف مثقال فلما رأينا أنا قد حصنا ثغورنا وردعنا
العدو عنها وعن رعيتنا وكعمنا أفواههم الفاغرة كانت لالتقام ما في أيديهم وبسطنا
فيهم الامن وأمنا على نواحي بلادنا الأربع ما كان أهلها فيه من البوائق والمغار أمرنا
باجتباء بقايا السنين وما انتهب من بيوت أموالنا من ذهب وفضة ومن خزائننا
من جواهر أو نحاس ورد ذلك كله إلى موضعه حتى إذا كان في آخر سنة ثلاثين من
ملكنا أمرنا بنقش سكك حديثة يضرب عليها الورق فوجد في بيوت أموالنا
سوى ما أمرنا بعزله من الأموال لارزاق جندنا والأموال التي أحصيت لنا قبل
ذلك من الورق أربعمائة ألف بدرة يكون ما فيها ألف ألف ألف مثقال وستمائة
ألف ألف مثقال وذلك سوى ما زادنا الله إلى تلك الأموال مما أفاء الله بمنه وطوله
علينا من أموال ملوك الروم في سفن أقبلت بها إلينا الريح فسميناها فئ الرياح
ولم تزل أموالنا من سنة ثلاثين من ملكنا إلى سنة ثماني وثلاثين من ملكنا التي هي
625

هذه السنة تزداد كثرة ووفورا وبلادنا عمارة ورعيتنا أمنا وطمأنينة وثغورنا
وأطرافنا مناعة وحصانة وقد بلغنا أنك همت لرذولة مروءتك أن تبذر هذه
الأموال وتنويها عن رأى الأشرار العتاة المستوجبين للقتل ونحن نعلمك أن
هذه الكنوز والأموال لم تجمع إلا بعد المخاطرة بالنفوس وبعد كد وعناء شديد
لندفع بها العدو المكتنفين لبلاد هذه المملكة المتقلبين إلى غلبتهم على ما في أيديهم
وإنما يقدر على كف أولئك العدو في الأزمان والدهور كلها بعد عون الله
بالأموال والجنود ولن تقوى الجنود إلا بالأموال ولا ينتفع بالأموال إلا على
كثرتها ووفورها فلا تهمن بتفرقة هذه الأموال ولا تجسرن عليها فإنها كهف
لملكك وبلادك وقوة لك على عدوك ثم انصرف اسفاذ جشنس إلى شيرويه
فقص عليه ما قال له كسرى ولم يسقط منه حرفا وإن عظماء الفرس عادوا فقالوا
لشيروية إنه لا يستقيم أن يكون لنا ملكا فإما أن تأمر بقتل كسرى ونحن خولك
المانحوك الطاعة وإما أن نخلعك ونعطيه الطاعة فهدت شيرويه هذه المقالة وكسرته
وأمر بقتل كسرى فانتدب لقتله رجال كان وترهم كسرى فكلما أتاه الرجل منهم
شتمه كسرى وزبره فلم يقدم على قتله أحد حتى أتاه شاب يقال له مهر هرمز بن
مردانشاه ليقتله وكان مردانشاه فاذو سبانا لكسرى على ناحية نيمروذ وكان
من أطوع الناس لكسرى وأنصحهم له وإن كسرى سأل قبل أن يخلع بنحو
من سنتين منجمية وعافته عن عاقبة أمره وأخبروه أن منيته آتية من قبل نيمروذ
فاتهم مردانشاه وتخوف ناحيته لعظم قدره وأنه لم يكن في تلك الناحية من يعد له
في القوة والقدرة فكتب إليه أن يعجل القدوم عليه حتى إذا قدم عليه أجال الرأي
في طلب علة يقتله بها فلم يجد عليه عثرة وتذمم من قتله لما علم من طاعته إياه ونصيحته
له وتحريه مرضاته فرأى أن يستبقيه ويأمر بقطع يمينه ويعوضه منها أموالا عظيمة
يجود له بها فبغى عليه من العلل ما قطع يمينه وإنما كانت تقطع الأيدي والأرجل
وتقطع الأعناق في رحبة الملك وإن كسرى أرسل يوم أمر بقطع يده عينا ليأتيه
بخبر ما يسمع من مردانشاه وممن بحضرته من النظارة وإن مردانشاه لما قطعت
626

يمينه قبض عليها بشماله فقبلها ووضعها في حجره وجعل يندبها بدمع له دار
ويقول وا سمحتاه وا راميتاه وا كاتبتاه وا ضاربتاه وا لاعبتاه وا كريمتاه فانصرف
إلى كسرى الرجل الذي كان وجهه عينا عليه فأخبره بما رأى وسمع منه فرق له
كسرى وندم على اتيانه في أمره ما أتى فأرسل إليه مع رجل من العظماء يعمله ندامته
على ما كان منه وإنه لن يسأله شيئا يجد السبيل إلى بذله له إلا أجابه إليه وأسعفه به
فأرسل إلى كسرى مع ذلك الرسول يدعو له ويقول إني لم أزل أعرف تفضلك
على أيها الملك واشكره لك وقد تيقنت أن الذي آتيت إلى مع كراهتك إياه إنما
كان سببه القضاء ولكني سائلك أمرا فاعطني من الايمان على إسعافك إياي به
ما أطمئن إليه وليأتني بيقين حلفك على ذلك رجل من النساك فأفرشك إياه وأبثه
لك فانصرف رسول كسرى إلى كسرى بهذه الرسالة فسارع إلى ما سأله مردانشاه
وحلف بالايمان المغلظة ليجيبنه إلى ما هو سائله ما لم تكن مسألته أمرا يوهن
ملكه وأرسل إليه بهذه الرسالة مع رئيس المزمزمين فأرسل إليه مردانشاه يسأله
أن يأمر بضرب عنقه ليمتحى بذلك العار الذي لزمه فأمر كسرى فضربت عنقه
كراهة منه الحنث زعم وإن كسرى سأل مهر هرمز بن مردانشاه حيث دخل عليه
عن اسمه وعن اسم أبيه ومرتبته فأخبره أنه مهر هرمز بن مردانشاه فاذوسبان
نيمروذ فقال كسرى أنت ابن رجل شريف كثير الغماء قد كافأناه على طاعته إيانا
ونصيحته لنا وغنائه عنا بغير ما كان يستحقه فشأنك وما أمرت به فضرب مهر هرمز
على حبل عاتقه بطبرزين كان بيده ضربات فلم يحك فيه ففتش كسرى فوجد قد
شد في عضده حرزة لا يحيك السيف في كل من تعلقها فنزعت من عضده ثم
ضربه بعد ذلك مهر هرمز ضربة فهلك منها وبلغ شيرويه فخرق جيبه وبكى منتحبا
وأمر بحمل جثته إلى الناؤوس فحملت وشيعها العظماء وافناء الناس وأمر فقتل
قاتل كسرى وكان ملكه ثمانيا وثلاثين سنة وكان قتله ماه آذر روز ماه وقتل شيرويه
سبعة عشر أخاله ذوي أدب وشجاعة ومروءة بمشورة وزيره فيروز وتحريض ابن
ليزدين والى عشور الآفاق كان لكسرى يقال له شمطا إياه على قتلهم فابتلى بالاهقام
627

ولم يلتذ بشئ من لذات الدنيا وكان هلاكه بد سكرة الملك وكان مشؤما على آل ساسان
فلما قتل اخوته جزع جزعا شديدا ويقال انه لما كان اليوم الثاني من اليوم الذي
قتلهم فيه دخلت عليه بوران وآزرميدخت أختاه فأسمعتاه وأغلظتا له وقالتا حملك
الحرص على ملك لا يتم على قتل أبيك وجميع اخوتك وارتكبت المحارم فلما سمع
ذلك منهما بكى بكاء شديدا ورمى بالتاج عن رأسه ولم يزل أيامه كلها مهموما
مدنفا ويقال إنه أباد من قدر عليه من أهل بيته وإن الطاعون فشا في أيامه حتى
هلك الفرس إلا قليلا منهم وكان ملكه ثمانية أشهر * ثم ملك
أردشير
ابن شيرويه بن أبرويز بن هرمز بن أنوشروان وكان طفلا صغيرا قيل إنه كان ابن سبع
سنين لأنه لم يكن من أهل بيت المملكة محتنك فملكته عظماء فارس وحضنه رجل يقال
له مهآذر جشنس وكانت مرتبته رئاسة أصحاب المائدة فاحسن سياسة الملك فبلغ إحكامه
ذلك ما لم يحس بحداثة سن أردشير وكان شهر براز بثغر الروم في جند ضمهم إليه
كسرى وسما هم السعداء وكان كسرى وشيروية لا يزالان يكتبان إليه في الامر
يهمهما فيستشير انه فيه فلما لم يشاوره عظماء فارس في تمليك أردشير اتخذ ذلك
ذريعة إلى التعتب والتبغي عليهم وبسط يده في القتل وجعله سببا للطمع في الملك
والاعتلاء عند ذلك من ضعة العبودية إلى رفعة الملك واحتقر أردشير لحداثة سنه
واستطال عليهم وأجمع على دعاء الناس إلى التشاور في الملك ثم أقبل بجنده وقد
عمد مهآذر جشنس فحصن سور مدينة طيسبون وأبو ابها وحول أردشير ومن
بقى من نسل الملك ونسائهم وما كان في بيت مال أردشير من ماله وخزائنه وكراعه
إلى مدينة طيسبون وكان الذين أقبل فيهم من الجند شهر براز ستة آلاف رجل
من جند فارس بثغر الروم فأناخ إلى جانب مدينة طيسبون وحاصر من فيها
وقاتلهم عنها ونصب المجانيق عليها فلم يصل إليها فلما رأى عجزه عن افتتاحها أتاها
من قبل المكيدة فلم يزل يخدع رجلا يقال له نيوخسروا وكان رئيس حرس
أردشير ونامدار جشنس بن آذر جشنس اصبهبذ نيمروذ حتى فتحا له باب المدينة
628

فدخلها فأخذ جماعة من الرؤساء فقتلهم واستصفى أموالهم وفضح نساءهم وقتل
ناس بامرشهر براز أردشير بن شيرويه سنة اثنتين ماه بهمن ليلة روز آبان في
إيوان خسرو شاه قباذ وكان ملكه سنة وستة أشهر * ثم ملك
شهر براز
وهو فرخان ماه إسفندار ولم يكن من أهل بيت المملكة ودعا نفسه ملكا وإنه
حين جلس على سرير الملك ضرب عليه بطنه وبلغ من شدة ذلك عليه أنه لم يقدر
على إتيان الخلاء فدعا بطست فوضع أمام ذلك السرير فتبرز فيه وأن رجلا من
أهل إصطخر يقال له فسفروخ بن ما خر شيذان وأخوين له امتعضوا من قتل
شهر براز اردشير وغلبته على الملك وأنفوا من ذلك وتحالوا وتعاقدوا على قتله
وكانوا جميعا في حرس الملوك وكان من السنة إذا ركب الملك أن يقف له حرسه
سماطين عليهم الدروع والبيض والترسة والسيوف وبأيديهم الرماح فإذا حاذى
بهم الملك وضع كل رجل منهم ترسه على قربوس سرجه ثم وضع جبهته عليه كهيئة
السجود وأن شهر براز ركب بعد أن ملك بأيام فوقف فسفروخ وأخواه قريبا
بعضهم من بعض فلما حاذى بهم شهر براز طعنه فسفروخ ثم طعنه أخواه وكان
ذلك إسفندرا مذماه ورزد يبدين فسقط عن دابته ميتا فشدوا في رجله حبلا
وجروه إقبالا وإدبارا وساعدهم على قتله رجل من العظماء يقال له زاذان فروخ
ابن شهر داران ورجل يقال له ماهياى كان مؤدب الأساورة وكثير من العظماء
وأهل البيوتات وعاونوهم على قتل رجال فتكوا بأردشير بن شيرويه وقتلوا
رجالا من العظماء وأنهم ملكوا بوران بنت كسرى وكان جميع ما ملك
شهر براز أربعين يوما * ثم ملكت
بوران
بنت كسرى ابرويز بن هرمز بن كسرى أنو شروان فذكر أنها قالت يوم
ملكت البر أنوى وبالعدل آمر وصيرت مرتبة شهر براز لفسفروخ وقلدته
وزارتها وأحسنت السيرة في رعيتها وبسطت العدل فيهم وأمرت بضرب الورق
629

ورم القناطر والجسور ووضعت بقايا بقيت من الخراج على الناس عنهم
وكتبت إلى الناس عامة كتبا أعلمتهم ما هي عليه من الاحسان إليهم وذكرت
حال من هلك من أهل بيت المملكة وانها ترجو أن يريهم الله من الرفاهة
والاستقامة بمكانها ما يعرفون به إنه ليس ببطش الرجال تدوخ البلاد ولا ببأسهم
تستباح العساكر ولا بمكايدهم ينال الظفر وتطفى النوائر ولكن كل ذلك يكون
بالله عز وجل وأمرتهم بالطاعة وحضتهم على المناصحة وكانت كنبها جماعة لكل
ما يحتاج إليه وأنها ردت خشبة الصليب على ملك الروم مع جاثليق يقال له
إيشو عهب وكان ملكها سنة وأربعة أشهر ثم ملك بعدها رجل يقال له
جشنسده
من بنى عم ابرويز الأبعدين وكان ملكه أقل من شهر * ثم ملكت
آزرميدخت
بنت كسرى أبرويز بن هرمز بن كسرى أنو شروان ويقال إنها كانت من
أجمل نسائهم وأنها قالت حين ملكت منهاجنا منهاج أبينا كسرى المنصور فان
خالفنا أحد هرقنا دمه ويقال إنه كان عظيم فارس يومئذ فرخهرمز اصبهبذ
خراسان فأرسل إليها يسألها أن تزوجه نفسها فراسلت إليه أن التزويج للملكة
غير جائز وقد علمت أن دهرك فيما ذهبت إليه قضاء حاجتك وشهوتك منى فصر
إلى ليلة كذا وكذا ففعل فرخهرمز وركب إليها في تلك الليلة وتقدمت آزر ميدخت
إلى صاحب حرسها أن يترصده في الليلة التي تواعدا الالتقاء فيها حتى يقتله فنفذ
صاحب حرسها لأمرها وأمرت به فجر برجله وطرح في رحبة دار المملكة فلما
أصبحوا وجدوا فرخهرمز قتيلا فأمرت بجثته فغيبت وعلم أنه لم يقتل إلا لعظيمة
وكان رستم بن فرخهرمز صاحب يزدجرد الذي وجه بعد لقتال العرب خليفة
أبيه بخراسان فلما بلغه الخبر أقبل في جند عظيم حتى نزل المدائن وسمل عيني
آزر ميدخت وقتلها وقال بعضهم بل سمت وكان ملكها ستة أشهر * ثم أتى برجل
من عقب أردشير بن بابك كان ينزل الأهواز يقال له
630

كسرى
ابن مهر جشنس فملكه العطاء ولبس التاج وجلس على سرير الملك وقتل بعد أن
ملك بأيام وقيل أن الذي ملك بعد آزرميدخت
خرزاذ خسروا
من ولد إبرويز وقيل إنه وجد بحصن يعرف بالحجارة بالقرب من نصيبين
فلما صار إلى المدائن مكث أياما يسيرة ثم استعصوا عليه وخالفوه وقال الذين
قالوا ملك بعد آزرميدخت كسرى بن مهر جشنس لما قتل كسرى بن مهر جشنس
طلب عظماء فارس من يملكونه أهل بيت المملكة فطلبوا من له عنصر من أهل
ذلك البيت ولو من قبل النساء فأتوا برجل كان يسكن ميسان يقال له
فيروز
ابن مهرا نجشنس ويسمى أيضا جشنسده قد ولدته صهار بخت بنت يزداندار
ابن كسرى أنو شروان فملكوه كرها وكان رجلا ضخم الرأس فلما توج قال
ما أضيق هذا التاج فتطير العظماء من افتتحاه كلامه بالضيق وقتلوه بعد أن ملك
أياما ومن الناس من يقول قتل ساعة تكلم بما تكلم به وقال قائل هذا القول
ثم شخص رجل من العظماء يقال له زاذى ولمرتبته رئيس الخول إلى موضع في
ناحية المغرب قريب من نصيبين يقال له حصن الحجارة فأقبل بابن لكسرى
كان نجا إلى ذلك القصر حين قتل شيرويه بنى كسرى يقال له
فرخزاذ خسروا
إلى مدينة طيسبون فانقاد له الناس زمنا يسيرا ثم استعصوا عليه وخالفوه
فقال بعضهم قتلوه وكان ملكه ستة أشهر * وقال بعضهم كان أهل إصطخر ظفروا
بيزدجرد
ابن شهريار بن كسرى بأصطخر قد هرب به إليها حيث قتل شيرويه إخوته
فلما بلغ عظماء أهل إصطخر أن من بالمدائن خالفوا فرخزاذ خسروا أتوا بيزدجرد
بيت نار يدعى بيت نار أردشير فتوجوه هنا لك وملكوه وكان حدثا ثم أقبلوا
631

به إلى المدائن وقتلوا فرخزاد خسروا بحيل احتالوها لقتله بعد أن ملك سنة وساغ
الملك ليزدجرد غير أن ملكه كان عند ملك آبائه كالخيال والحلم وكانت العظماء والوزراء
يدبرون ملكه لحداثة سنه وكان أشدهم نباهة في وزرائه وأذكاهم رئيس الخول
وضعف أمر مملكة فارس واجترأ عليه أعداؤه من كل وجه وتطرفوا بلاده
وأخربوا منها وغزت العرب بلاده بعد أن مضت سنتان من ملكه وقيل بعد
أن مضى أربع سنين من ملكه وكان عمره كله إلى أن قتل ثمانيا وعشرين سنة وقد
بقى من أخبار يزدجرد هذا وولده أخبار سأذكرها إن شاء الله بعد في مواضعها
من فتوح المسلمين ما فتحوا من بلاد العجم وما آل إليه أمره وأمر ولده فجميع
ما مضى من السنين من لدن أهبط آدم إلى الأرض إلى وقت هجرة النبي صلى الله
عليه وسلم على ما يقوله أهل الكتاب من اليهود وتزعم أنه في التوراة الصورة مثبت
من أعمار الأنبياء والملوك أربعة آلاف سنة وستمائة سنة واثنتان وأربعون سنة
وأشهر * وأما على ما تقوله النصارى مما تزعم أ؟؟ في توراة اليونانية فإن ذلك خمسة
آلاف سنة وتسعمائة سنة واثنتان وتسعون سنة وأشهر * وأما جميع ذلك على
قول المجوس من الفرس فإنه أربعة آلاف سنة ومائة سنة واثنتان وثمانون سنة
وعشرة أشهر وتسعة عشر يوما على أنه داخل في ذلك مدة ما بين وقت الهجرة
ومقتل يزدجرد وذلك ثلاثون سنة وشهران وخمسة عشر يوما وعلى أن حسابهم
ذلك وابتداء تأريخهم من عهد جيومرت وجيومرت هو آدم أبو البشر الذي إليه
نسبة كل منتسب من الانس على ما قد بينت في كتابي هذا وأما علماء الاسلام فقد
ذكرت قبل ما قال فيه بعضهم وأذكر بعض من لم يمض ذكره منهم الآن فإنهم
قالوا كان بين آدم ونوح عشرة قرون والقرن مائة سنة وبين نوح وإبراهيم عشرة
قرون والقرن مائة سنة وبين إبراهيم وموسى بن عمران عشرة قرون والقرن مائة سنة
ذكر من قال ذلك
* حدثنا ابن بشار قال حدثنا أبو داود قال حدثنا همام عن قتادة عن عكرمة
عن ابن عباس قال كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق
632

* حدثني الحارث بن محمد قال حدثنا محمد بن سعد قال حدثنا محمد بن عمر بن واقد
الأسلمي عن غير واحد من أهل العلم قالوا كان بين آدم ونوح عشرة قرون والقرن
مائة سنة وبين نوح وإبراهيم عشرة قرون والقرن مائة سنة وبين إبراهيم وموسى
ابن عمران عشرة قرون والقرن مائة سنة * وروى عن عبد الرحمن بن مهدي عن أبي
عوانة عن عاصم الأحول عن أبي عثمان عن سلمان قال الفترة بن محمد وعيسى
عليهما السلام ستمائة سنة وروى عن فضيل بن عبد الوهاب عن جعفر بن سليمان
عن عوف قال كان بن عيسى وموسى ستمائة سنة * حدثني يعقوب بن إبراهيم
قال حدثنا ابن علية عن سعيد بن أبي صدقة عن محمد بن سيرين قال نبئت أن كعبا
قال إن قوله يا أخت هارون ليس بهارون أخي موسى قال فقالت له عائشة كذبت
قال يا أم المؤمنين أن كان النبي صلى الله عليه وسلم قال فهو أعلم وخير وإلا فإني
أجد بينهما ستمائة سنة قال فسكتت * حدثني الحارث قال حدثنا محمد بن سعد قال
أخبرنا هشام عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس قال كان بين موس بن عمران
وعيسى بن مريم ألف سنة وتسعمائة سنة ولم يكن بينهما فترة وأنه أرسل بينهما
ألف نبي من بني إسرائيل سوى من أرسل من غيرهم وكان بين ميلاد عيسى
والنبي خمسمائة وتسع وستون سنة بعث في أولها ثلاثة أنبياء وهو قوله (إذ
أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث) والذي عزز به شمعون وكان من
الحواريين وكانت الفترة التي لم يبعث الله فيها رسولا أربعمائة وأربعا وثلاثين سنة وأن
عيسى حين رفع كان ابن اثنتين وثلاثين سنة وستة أشهر وكانت نبوته ثلاثين شهرا
وأن الله رفعه بجسده وأنه حي الآن * حدثني محمد بن سهل بن عسكر قال حدثنا
إسماعيل بن عبد الكريم قال حدثني عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهبا يقول قد
خلا من الدنيا خمسة آلاف سنة وستمائة سنة * حدثني إبراهيم بن سعيد الجوهري
قال حدثنا يحيى بن صالح عن الحسن بن أيوب الحضرمي قال حدثنا عبد الله بن بسر
قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم لتدركن قرنا فعاش مائة سنة فهذا
ما روى عن علماء الاسلام في ذلك وفى ذلك من قولهم تفاوت شديد وذلك أن
633

الواقدي حكى عن جماعة من أهل العلم أنهم قالوا ما ذكرت عنه أنه رواه عنهم
وعلى ذلك من قوله ينبغي أن يكون جميع سنى الدنيا إلى مولد نبينا صلى الله عليه
وسلم أربعة آلاف سنة وستمائة سنة وعلى قول ابن عباس الذي رواه هشام
ابن محمد عن أبيه عن أبي صالح عنه ينبغي أن يكون إلى مولد النبي صلى الله عليه
وسلم خمسة آلاف سنة وخمسمائة سنة وأما وهب بن منبه فقد ذكر جملة من قوله
من غير تفصيل وأن ذلك إلى زمنه خمس آلاف سنة وستمائة سنة وجميع مدة
الدنيا عند وهب ستة آلاف سنة وقد كان مضى عنده من ذلك إلى زمانه خمسة
آلاف سنة وستمائة سنة وكانت وفاة وهب بن منبه سنة أربع عشرة ومائة من
الهجرة فكان الباقي من الدنيا على قول وهب من وقتنا الذي نحن فيه مائتا سنة
وخمس عشرة سنة وهذا القول الذي قاله وهب بن منبه موافق لما رواه أبو صالح
عن ابن عباس وقال بعضهم من وقت هبوط آدم صلى الله عليه وسلم إلى أن بعث
نبينا صلى الله عليه وسلم ستة آلاف سنة ومائة وثلاثة عشرة سنة وذلك أن عنده
من مهبط آدم إلى الأرض إلى الطوفان ألفى سنة ومائتي سنة وستا وخمسين سنة
ومن الطوفان إلى مولد إبراهيم خليل الرحمن ألف سنة وتسعا وسبعين سنة ومن
مولد إبراهيم إلى خروج موسى ببنى إسرائيل من مصر خمسمائة سنة وخمسا وستين
سنة ومن خروج موسى ببنى إسرائيل من مصر إلى بناء بيت المقدس وذلك لأربع
سنين من ملك سليمان بن داود ستمائة سنة وستا وثلاثين سنة ومن بناء بيت المقدس
إلى ملك الإسكندر سبعمائة سنة وسبع عشرة سنة ومن ملك الإسكندر إلى مولد
عيسى ابن مريم عليه السلام ثلثمائة سنة وتسعا وستين سنة ومن مولد عيسى إلى
مبعث محمد صلى الله عليه وسلم خمسمائة سنة واحدى وخمسين سنة ومن مبعثه إلى
هجرته من مكة إلى المدينة ثلاث عشرة سنة * وقد حدث بعضهم عن هشام بن محمد
الكلبي عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس أنه قال كان من آدم إلى نوح ألفا
سنة ومائتا سنة ومن نوح إلى إبراهيم ألف سنة ومائة سنة وثلاث وأربعون سنة
ومن إبراهيم إلى موسى خمسمائة سنة وخمس وسبعون سنة ومن موسى إلى داود مائة
634

سنة وتسع وسبعون سنة ومن داود إلى عيسى ألف سنه وثلاث وخمسون سنة ومن
عيسى إلى محمد ستمائة سنة * وحدث الهيثم بن عدي عن بعض أهل الكتب
أنه قال من آدم إلى الطوفان ألفا سنة ومائتا سنة وست وخمسون سنة ومن الطوفان
إلى وفاة إبراهيم ألف سنة وعشرون سنة ومن وفاة إبراهيم إلى دخول بني إسرائيل
مصر خمس وسبعون سنة ومن دخول يعقوب مصر إلى خروج موسى
منها أربعمائة سنة وثلاثون سنة ومن خروج موسى من مصر إلى بناء بيت المقدس
خمسمائة سنة وخمسون سنة ومن بناء بيت المقدس إلى ملك بختنصر وخراب بيت
المقدس أربعمائة سنة ومن ملك بختنصر إلى ملك الإسكندر أربعمائة سنة وست
وثلاثون سنة ومن ملك الإسكندر إلى سنة ست ومائتين من الهجرة ألف سنة
ومائتان وخمس وأربعون سنة
(تم الجزء الأول ويليه الجزء الثاني وأوله)
(ذكر نسب رسول اله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم)
635