الكتاب: تاريخ الطبري
المؤلف: الطبري
الجزء: ٢
الوفاة: ٣١٠
المجموعة: مصادر التاريخ
تحقيق: مراجعة وتصحيح وضبط : نخبة من العلماء الأجلاء
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: قوبلت هذه الطبعة على النسخة المطبوعة بمطبعة "بريل" بمدينة لندن في سنة ١٨٧٩ م)

تاريخ الأمم والملوك
للامام أبى جعفر محمد بن جرير الطبري
الجزء الثاني
[قوبلت هذه الطبعة على النسخة المطبوعة]
بمطبعة " بريل " بمدينة ليدن في سنة 1879 م]
راجعه وصححه وضبطه
نخبه من العلماء الاجلاء
منشورات
مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
بيروت - لبنان
ص. ب 7120
1

بسم الله الرحمن الرحيم
ذكر نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم
وذكر بعض أخبار آبائه وأجداده
اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد وهو ابن عبد الله بن عبد المطلب وكان
عبد الله أبو رسول الله أصغر ولد أبيه وكان عبد الله والزبير وعبد مناف وهو أبو طالب بنو عبد المطلب لام واحدة وأمهم جميعا فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران
ابن مخزوم حدثنا بذلك ابن حميد قال حدثنا سلمة بن الفضل عن ابن إسحاق
* وحدثت عن هشام بن محمد عن أبيه أنه قال عبد الله بن عبد المطلب أبو رسول الله
وأبو طالب واسمه عبد مناف والزبير وعبد الكعبة وعاتكة وبرة وأميمة ولد
عبد المطلب إخوة أم جميعهم فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران ابن مخزوم بن
يقظة * وكان عبد المطلب فيما حدثني يونس بن عبد الاعلى قال أخبرنا ابن وهب
قال أخبرنا يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب أنه أخبره أن امرأة
نذرت أن تنحر ابنها عند الكعبة في أمر إن فعلته ففعلت ذلك الامر فقدمت المدينة
لتستفتي عن نذرها فجاءت عبد الله بن عمر فقال لها عبد الله بن عمر لا أعلم الله
أمر في النذر الا الوفاء به فقالت المرأة أفأنحر ابني قال ابن عمر قد نهاكم الله أن تقتلوا
أنفسكم فلم يزدها عبد الله بن عمر على ذلك فجاءت عبد الله بن عباس فاستفتته فقال أمر الله
بوفاء النذر ونهاكم أن تقتلوا أنفسكم وقد كان عبد المطلب بن هاشم نذر إن توافي له
عشرة رهط أن ينحر أحدهم فلما توافي له عشرة أقرع بينهم أيهم ينحر فطارت القرعة
على عبد الله بن عبد المطلب وكان أحب الناس إلى عبد المطلب فقال عبد المطلب اللهم
هو أو مائة من الإبل ثم أقرع بينه وبين الإبل فطارت القرعة على المائة من الإبل
2

فقال ابن عباس للمرأة فأرى أن تنحري مائة من الإبل مكان ابنك فبلغ الحديث
مروان وهو أمير المدينة فقال ما أرى ابن عمر ولا ابن عباس أصاب الفتيا إنه لا نذر في
معصية الله استغفري الله وتوبي إلى الله وتصدقي واعملي ما استطعت من الخير
فاما أن تنحري ابنك فقد نهاك الله عن ذلك فسر الناس بذلك وأعجبهم قول
مروان ورأوا أن قد أصاب الفتيا فلم يزالوا يفتون بألا نذر في معصية الله
وأما ابن إسحاق فإنه قص من أمر نذر عبد المطلب هذا قصة هي أشبع مما في هذا
الخبر الذي ذكرناه عن ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب وذلك ما حدثنا به ابن
حميد قال حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق قال كان عبد المطلب بن هاشم
فيما يذكرون والله أعلم قد نذر حين لقى من قريش في حفر زمزم ما لقى لئن ولد
له عشرة نفر ثم بلغوا معه حتى يمنعوه لينحرن أحدهم لله عند الكعبة فلما توافي
له بنو عشرة وعرف انهم سيمنعونه جمعهم ثم أخبرهم بنذره الذي نذر ودعاهم إلى
الوفاء لله بذلك فأطاعوه وقالوا كيف نصنع قال يأخذ كل رجل منكم قدحا ثم ليكتب
فيه اسمه ثم ائتوني به ففعلوا ثم أتوه فدخل على هبل في جوف الكعبة وكانت
هبل أعظم أصنام قريش بمكة وكانت على بئر في جوف الكعبة وكانت تلك
البئر هي التي يجمع فيها ما يهدى للكعبة وكان عند هبل سبعة أقدح كل قدح منها
فيه كتاب قدح فيه العقل إذا اختلفوا في العقل من يحمله منهم ضربوا بالقداح
السبعة وقدح فيه نعم للامر إذا أرادوه يضرب به فإن خرج قدح نعم عملوا به
وقدح فيه لا فإذا أرادوا أمرا ضربوا به في القداح فإذا خرج ذلك القدح لم يفعلوا
ذلك الامر وقدح فيه منكم وقدح فيه ملصق وقدح فيه من غيركم وقدح فيه
المياه إذا أرادوا أن يحفروا للماء ضربوا بالقداح وفيها ذلك القدح فحيثما خرج
عملوا به وكانوا إذا أرادوا أن يختنوا غلاما أو ينكحوا منكحا أو يدفنوا
ميتا أو شكوا في نسب أحد منهم ذهبوا به إلى هبل وبمائة درهم وجزور فأعطوها
صاحب القداح الذي يضربها ثم قربوا صاحبهم الذي يريدون به ما يريدون
ثم قالوا يا إلهنا هذا فلان بن فلان قد أردنا به كذا وكذا فأخرج الحق فيه
3

ثم يقولون لصاحب القداح اضرب فيضرب فإن خرج عليه منكم كان وسيطا
وان خرج عليه من غيركم كان حليفا وإن خرج عليه ملصق كان على منزلته منهم
لا نسب له ولا حلف وان خرج في شئ سوى هذا مما يعملون به نعم عملوا
به وان خرج لا أخروه عامهم ذلك حتى يأتوا به مرة أخرى ينتهون في أمورهم
إلى ذلك مما خرجت به القداح فقال عبد المطلب لصاحب القداح اضرب على بنى
هؤلاء بقداحهم هذه وأخبره بنذره الذي نذر فأعطى كل رجل منهم قدحه الذي
فيه اسمه وكان عبد الله بن عبد المطلب أصغر بنى أبيه وكان فيما يزعمون أحب ولد
عبد المطلب إليه وكان عبد المطلب يرى أن السهم إذا أخطأه فقد أشوى وهو
أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أخذ صاحب القداح القداح ليضرب بها
قام عبد المطلب عند هبل في جوف الكعبة يدعو الله ثم ضرب صاحب القداح
فخرج القدح على عبد الله فاخذ عبد المطلب بيده وأخذ الشفرة ثم أقبل إلى إساف
ونائلة وهما وثنا قريش اللذان تنحر عندهما ذبائحها ليذبحه فقامت إليه قريش
من أنديتها فقالوا ماذا تريد يا عبد المطلب قال أذبحه فقالت له قريش وبنوه والله
لا تذبحه أبدا حتى تعذر فيه لئن فعلت هذا لا يزال الرجل يأتي بابنه حتى يذبحه
فما بقاء الناس على هذا فقال له المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وكان
عبد الله ابن أخت القوم والله لا تذبحه أبدا حتى تعذر فيه فإن كان فداؤه بأموالنا
فديناه وقالت له قريش وبنوه لا تفعل وانطلق به إلى الحجاز فإن به عرافة لها
تابع فسلها ثم أنت على رأس أمرك ان أمرتك ان تذبحه ذبحته وان أمرتك
بأمر لك وله فيه فرج قبلته فانطلقوا حتى قدموا المدينة فوجدوها فيما يزعمون
بخيبر فركبوا إليها حتى جاؤوها فسألوها وقص عليها عبد المطلب خبره وخبر
ابنه وما أراد به ونذره فيه فقالت لهم ارجعوا عنى اليوم حتى يأتيني تابعي فأسأله
فرجعوا عنها فلما خرجوا من عندها قام عبد المطلب يدعوا الله ثم غدوا عليها
فقالت نعم قد جاءني الخبر كم الدية فيكم قالوا عشر من الإبل وكانت كذلك
قالت فارجعوا إلى بلادكم ثم قربوا صاحبكم وقربوا عشرا من الإبل ثم اضربوا
4

عليها وعليه بالقداح فإن خرجت على صاحبكم فزيدوا في الإبل حتى يرضى ربكم
وان خرجت على الإبل فانحروها فقد رضى ربكم ونجا صاحبكم فخرجوا حتى
قدموا مكة فلما أجمعوا لذلك من الامر قام عبد المطلب يدعو الله ثم قربوا
عبد الله وعشرا من الإبل * وعبد المطلب في جوف الكعبة عند هبل يدعو
فخرج القدح على عبد الله فزادوا عشرا فكانت الإبل عشرين وقام عبد المطلب
في مكانه ذلك يدعو الله ثم ضربوا فخرج السهم على عبد الله فزادوا عشرا من
الإبل فكانت ثلاثين ثم لم يزالوا يضربون بالقداح ويخرج القدح على عبد الله
فكلما خرج عليه زادوا من الإبل عشرا حتى ضربوا عشر مرات وبلغت الإبل
مائة وعبد المطلب قائم يدعو ثم ضربوا فخرج القدح على الإبل فقالت قريش
ومن حضر قد انتهى رضا ربك يا عبد المطلب فزعموا أن عبد المطلب قال لا والله
حتى أضرب عليها ثلاث مرات فضربوا على الإبل وعلى عبد الله وقام عبد المطلب
يدعو فخرج القدح على الإبل ثم عادوا الثانية وعبد المطلب قائم يدعو ثم
عادوا الثالثة فضربوا فخرج القدح على الإبل فنحرت ثم تركت لا يصد عنها
انسان ولا سبع ثم انصرف عبد المطلب آخذا بيد ابنه عبد الله فمر فيما
يزعمون على امرأة من بنى أسد يقال لها أم قتال بنت نوفل بن أسد بن عبد العزى
وهى أخت ورقة بن نوفل بن أسد وهى عند الكعبة فقالت له حين نظرت إلى
وجهه أين تذهب يا عبد الله قال مع أبي قالت لك عندي مثل الإبل التي نحرت
عنك وقع على الآن قال إن معي أبى ولا أستطيع خلافه ولا فراقه فخرج به
عبد المطلب حتى أتى به وهب بن عبد مناف بن زهرة ووهب يومئذ سيد بنى
زهرة سنا وشرفا فزوجه آمنة بنت وهب وهى يومئذ أفضل امرأة في قريش
نسبا وموضعا وهى لبرة بنت عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي وبرة
لام حبيب بنت أسد بن عبد العزى بن قصي وأم حبيب بنت أسد لبرة بنت
عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب بن لؤي فزعموا أنه دخل عليها حين
ملكها مكانه فوقع عليها فحملت بمحمد صلى الله عليه وسلم ثم خرج من عندها حتى
5

أتى المرأة التي عرضت عليه ما عرضت فقال لها مالك لا تعرضين على اليوم
ما كنت عرضت علي بالأمس فقالت له فارقك النور الذي كان معك بالأمس
فليس لي بك اليوم حاجة وقد كانت تسمع من أخيها ورقة بن نوفل وكان قد تنصر
واتبع الكتب حتى أدرك فكان فيما طلب من ذلك أنه كائن لهذه الأمة نبي من
بنى إسماعيل * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن أبيه
إسحاق بن يسار أنه حدث ان عبد الله انما دخل على امرأة كانت له مع آمنة بنت
وهب بن عبد مناف بن زهرة وقد عمل في طين له وبه آثار من الطين فدعاها إلى
نفسه فأبطأت عليه لما رأت به من آثار الطين فخرج عنها فتوضأ وغسل عنه ما كان
به من ذلك وعمد إلى آمنة فدخل عليها فأصابها فحملت بمحمد صلى الله عليه وسلم
ثم مر بامرأته تلك فقال هل لك فقالت لا مررت بي وبين عينيك غرة فدعوتني
فأبيت ودخلت على آمنة فذهبت بها فزعموا أن امرأته تلك كانت تحدث أنه مر بها
وبين عينيه مثل غرة الفرس قالت فدعوته رجاء أن يكون بي فأبى على ودخل على
آمنة بنت وهب فأصابها فحملت برسول الله صلى الله عليه وسلم * حدثني علي بن
حرب الموصلي قال حدثنا محمد بن عمارة القرشي قال حدثنا الزنجي بن خالد عن
ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال لها خرج عبد المطلب بعبد الله ليزوجه مر
به على كاهنة من خثعم يقال له فاطمة بنت مر متهودة من أهل تبالة قد قرأت
الكتب فرأت في وجهه نورا فقالت له يا فتى هل لك أن تقع على الآن وأعطيك
مائة من الإبل فقال:
أما الحرام فالممات دونه * والحل لا حل فأستبينه
فكيف بالامر الذي تبغينه
ثم قال أنا مع أبي ولا أقدر أن أفارقه فمضى به فزوجه آمنة بنت وهب بن
عبد مناف بن زهرة فأقام عندها ثلاثا ثم انصرف فمر بالخثعمية فدعته نفسه إلى
ما دعته إليه فقال لها هل لك فيما كنت أردت فقالت يا فتى إني والله ما أنا بصاحبة
ريبة ولكني رأيت في وجهك نورا فأردت أن يكون في وأبى الله إلا أن يجعله
6

حيث أراد فما صنعت بعدي قال زوجني أبى آمنة بنت وهب فأقمت عندها ثلاثا
فأنشأت فاطمة بنت مر تقول:
إني رأيت محيلة لمعت * فتلألأت بحناتم القطر
فلمأتها نورا يضئ له * ما حوله كإضاءة البدر
فرجوتها فخرا أبوء به * ما كل قادح زنده يورى
لله ما زهرية سلبت * ثوبيك ما استلبت وما تدرى
وقالت أيضا:
بني هاشم قد غادرت من أخيكم * أمينة إذ للباه يعتركان
كما غادر المصباح عند خموده * فتائل قد ميهت له بدهان
وما كل ما يحوى الفتى من تلاده * لعزم ولا ما فاته لتوان
فأجمل إذا طالبت أمرا فإنه * سيكفيكه جدان يعتلجان
سيكفيكه إما يد مقفعلة * وإما يد مبسوطة ببنان
ولما حوت منه أمينة ما حوت * حوت منه فخرا ما لذلك ثان
* حدثني الحارث بن محمد قال حدثنا محمد بن سعد قال حدثنا محمد بن عمر قال
حدثنا معمر وغيره عن الزهري أن عبد الله بن عبد المطلب كان أجمل رجال
قريش فذكر لآمنة بنت وهب جماله وهيئته وقيل لها هل لك أن تزوجيه فتزوجته
آمنة بنت وهب فدخل بها وعلقت برسول الله صلى الله عليه وسلم وبعثه أبوه إلى
المدينة في ميرة يحمل لهم تمرا فمات بالمدينة فبعث عبد المطلب ابنه الحارث في طلبه
حين أبطأ فوجده قد مات * قال الواقدي هذا غلط والمجتمع عليه عندنا في نكاح
عبد الله بن عبد المطلب ما حدثنا به عبد الله بن جعفر الزهري عن أم بكر بنت
المسور أن عبد المطلب جاء بابنه عبد الله فخطب على نفسه وعلى ابنه فتزوجا في
مجلس واحد فتزوج عبد المطلب هالة بنت أهيب بن عبد مناف بن زهرة وتزوج
عبد الله بن عبد المطلب آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة * قال الحارث
7

قال ابن سعد قال الواقدي والثبت عندنا ليس بين أصحابنا فيه اختلاف أن
عبد الله بن عبد المطلب أقبل من الشأم في عير لقريش فنزل بالمدينة وهو
مريض فأقام بها حتى توفى ودفن في دار النابغة وقيل التابعة في الدار الصغرى
إذا دخلت الدار عن يسارك ليس بين أصحابنا في هذا اختلاف
ابن عبد المطلب
وعبد المطلب اسمه شيبة سمى بذلك لأنه فيما حدثت عن هشام بن محمد عن أبيه
كان في رأسه شيبة وقيل له عبد المطلب وذلك أن أباه هاشما كان شخص في تجارة له
إلى الشأم فسلك طريق المدينة إليها فلما قدم المدينة نزل فيما حدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة عن ابن إسحاق وفيما حدثت عن هشام بن محمد عن أبيه وفيما حدثني الحارث عن
محمد بن سعد عن محمد بن عمر ودخل حديث بعضهم في بعض وبعضهم يزيد على بعض
على عمرو بن زيد بن لبيد الخزرجي فرأى ابنته سلمى بنت عمرو * وأما ابن حميد
فقال في حديثه عن سلمة عن ابن إسحاق سلمى بنت زيد بن عمرو بن لبيد بن
حرام بن خداش بن جندب بن عدي بن النجار فأعجبته فخطبها إلى أبيها عمرو
فأنكحه إياها وشرط عليه ألا تلد ولدا إلا في أهلها ثم مضى هاشم لوجهته قبل
أن يبنى بها ثم انصرف راجعا من الشأم فبنى بها في أهلها بيثرب فحملت منه ثم
ارتحل إلى مكة وحملها معه فلما أثقلت ردها إلى أهلها ومضى إلى الشأم فمات بها
بغزة فولدت له سلمى عبد المطلب فمكث بيثرب سبع سنين أو ثماني سنين ثم إن
رجلا من بنى الحارث بن عبد مناة مر بيثرب فإذا غلمان ينتضلون فجعل شيبة إذا
خسق قال أنا ابن هاشم أنا ابن سيد البطحاء فقال له الحارثي من أنت قال أنا شيبة بن هاشم
ابن عبد مناف فلما أتى الحارثي مكة قال للمطلب وهو جالس في الحجر يا أبا الحارث
تعلم أنى وجدت غلمانا ينتضلون بيثرب وفيهم غلام إذا خسق قال أنا ابن هاشم
أنا ابن سيد البطحاء فقال المطلب والله لا ارجع إلى أهلي حتى آتي به فقال له
الحارثي هذه ناقتي بالفناء فاركبها فجلس المطلب عليها فورد يثرب عشاء حتى أتى
بنى عدى بن النجار فإذا غلمان يضربون كرة بين ظهري مجلس فعرف ابن أخيه
8

فقال للقوم أهذا ابن هاشم قالوا نعم هذا ابن أخيك فإن كنت تريد أخذه فالساعة
قبل أن تعلم به أمه فإنها ان علمت لم تدعه وحلنا بينك وبينه فدعاه فقال يا ابن أخي
أنا عمك وقد أردت الذهاب بك إلى قومك وأناخ راحلته فما كذب أن جلس
على عجز الناقة فانطلق به ولم تعلم به أمه حتى كان الليل فقامت تدعو بحربها على
ابنها فأخبرت أن عمه ذهب به وقدم به المطلب ضحوة والناس في مجالسهم فجعلوا
يقولون من هذا وراءك فيقول عبد لي حتى أدخله منزله على امرأته خديجة بنت
سعيد بن سهم فقالت من هذا قال عبد لي ثم خرج المطلب حتى أتى الحزورة فاشترى
حلة فألبسها شيبة ثم خرج به حين كان العشى إلى مجلس بنى عبد مناف فجعل بعد ذلك
يطوف في سكك مكة في تلك الحلة فيقال هذا عبد المطلب لقوله وهذا عبدي حين
سأله قومه فقال المطلب
عرفت شيبة والنجار قد جعلت * أبناؤها حوله بالنبل تنتضل
وقد حدثني هذا الحديث علي بن حرب الموصلي قال حدثني أبو معن عيسى
من ولد كعب بن مالك عن محمد بن أبي بكر الأنصاري عن مشايخ الأنصار قالوا
تزوج هاشم بن عبد مناف امرأة من بنى عدى بن النجار ذات شرف تشرط على
من خطبها المقام بدار قومها فتزوجت بهاشم فولدت له شيبة الحمد فربى في أخواله
مكرما فبينا هو يناضل فتيان الأنصار إذا أصاب خصلة فقال أنا ابن هاشم وسمعه
رجل مجتاز فلما قدم مكة قال لعمه المطلب بن عبد مناف قد مررت بدار بنى قيلة
فرأيت فتى من صفته ومن صفته يناضل فتيانهم فاعتزى إلى أخيك وما ينبغي ترك
مثله في الغربة فرحل المطلب على ورد المدينة فأراده على الرحلة فقال ذاك إلى
الوالدة فلم يزل بها حتى أذنت له وأقبل به قد أردفه فإذا لقيه اللاقي وقال من هذا
يا مطلب قال عبد لي فسمى عبد المطلب فلما قدم مكة وقفه على ملك أبيه وسلمه
إليه فعرض له نوفل بن عبد مناف في ركح له فاغتصبه إياه فمشى عبد المطلب إلى
رجالات قومه فسألهم النصرة على عمه فقالوا لسنا بداخلين بينك وبين عمك فلما
رأى ذلك كتب إلى أخواله يصف لهم حال نوفل وكتب في كتابه
9

أبلغ بنى النجار إن جئتهم * أنى منهم وابنهم والخميس
رأيتهم قوما إذا جئتهم * هووا لقائي وأحبوا حسيس
فإن عمى نوفلا قد أبى * إلا التي يغضي عليها الخسيس
قال فخرج أبو أسعد بن عدس النجاري في ثمانين راكبا حتى أتى الأبطح
وبلغ عبد المطلب فخرج يتلقاه فقال المنزل يا خال فقال اما حتى ألقى نوفلا فلا قال
تركته جالسا في الحجر في مشايخ قريش فأقبل حتى وقف على رأسه ثم استل سيفه
ثم قال ورب هذه البنية لتردن على ابن أختنا ركحه أو لأملأن منك السيف قال
فإني ورب هذه البنية أرد ركحه فاشهد عليه من حضر ثم قال المنزل يا ابن أختي
فأقام عنده ثلاثا وأعتمر وأنشأ عبد المطلب يقول
تأبى مازن وبنو عدى * ودينار بن تيم اللات ضيمي
وسادة مالك حتى تناهى * ونكب بعد نوفل عن حريمي
بهم رد الاله على ركحى * وكانوا في التنسب دون قومي
وقال في ذلك سمرة بن عمير أبو عمرو الكناني
لعمري لأخوال لشيبة قصرة * من أعمامه دنيا أبر وأوصل
أجابوا على بعد دعاء ابن أختهم * ولم يثنهم إذ جاوز الحق نوفل
جزى الله خيرا عصبة خزرجية * تواصوا على بر وذو البر أفضل
قال فلما رأى ذلك نوفل حالف بنى عبد شمس كلها على بني هاشم قال محمد بن أبي
بكر فحدثت بهذا الحديث موسى بن عيسى فقال يا ابن أبي بكر هذا شئ ترويه
الأنصار تقربا إلينا إذ صير الله الدولة فينا عبد المطلب كان أعز في قومه من
أن يحتاج إلى أن تركب بنو النجار من المدينة إليه قلت أصلح الله الأمير قد
احتاج إلى نصرهم من كان خيرا من عبد المطلب قال وكان متكئا فجلس مغضبا
وقال من خير من عبد المطلب قلت محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
قال صدقت وعاد إلى مكانه وقال لبنيه اكتبوا هذا الحديث من أبى بكر * وقد
حدثت هذا الحديث في أمر عبد المطلب وعمه نوفل بن عبد مناف عن هشام
10

ابن محمد عن أبيه قال حدثنا زياد بن علاقة التغلبي وكان قد أدرك الجاهلية
قال كان سبب بدء الحلف الذي كان بين بني هاشم وخزاعة الذي افتتح
رسول الله صلى الله عليه وسلم بسببه مكة وقال لتنصب هذه السحابة بنصر بنى كعب
أن نوفل بن عبد مناف وكان آخر من بقى من بنى عبد مناف ظلم عبد المطلب بن
هاشم بن عبد مناف على أركاح له وهى الساحات وكانت أم عبد المطلب سلمى بنت
عمرو النجارية من الخزرج قال فتنصف عبد الملك عمه فلم ينصفه فكتب إلى أخواله
يا طول ليلى لاحزاني وأشغالي * هل من رسول إلى النجار أخوالي
ينبى عديا ودينارا ومازنها * ومالكا عصمة الجيران عن حالي
قد كنت فيكم ولا أخشى ظلامة ذي * ظلم عزيزا منيعا ناعم البال
حتى ارتحلت إلى قومي وأزعجني * عن ذاك مطلب عمى بترحال
وكنت ما كان حيا ناعما جذلا * أمشى العرضنة سحابا لأذيالي
فغاب مطلب في قعر مظلمة * وقام نوفل كي يعدو على مالي
أأن رأى رجلا غابت عمومته * وغاب أخواله عنه بلا وال
أنحى عليه ولم يحفظ له رحما * ما أمنع المرء بين العم والخال
فاستنفروا امنعوا ضيم ابن أختكم * لا تخذلوه وما أنتم بخذال
ما مثلكم في بنى قحطان قاطبة * حي لجار وإنعام وإفضال
أنتم ليان لمن لانت عريكته * سلم لكم وسمام الابلخ الغالي
قال فقدم عليه منهم ثمانون راكبا فأناخوا بفناء الكعبة فلما رآهم نوفل بن
عبد مناف قال لهم أنعموا صباحا فقالوا له لا نعم صباحك أيها الرجل انصف ابن
أختنا من ظلامته قال أفعل بالحب لكم والكرامة فرد عليه الاركاح وأنصفه قال
فانصرفوا عنه إلى بلادهم قال فدعا ذلك عبد المطلب إلى الحلف فدعا عبد المطلب
بسر بن عمرو وورقاء بن فلان ورجالا من رجالات خزاعة فدخلوا الكعبة
11

وكتبوا كتابا * وكان إلى عبد المطلب بعد مهلك عمه المطلب بن عبد مناف ما كان
إلى من قبله من بنى عبد مناف من أمر السقاية والرفادة وشرف في قومه وعظم
فيهم خطره فلم يكن يعدل به منهم أحد وهو الذي كشف عن زمزم بئر إسماعيل
ابن إبراهيم واستخرج ما كان فيها مدفونا وذلك غزالان من ذهب كانت جرهم
دفنتهما فيما ذكر حين أخرجت من مكة وأسياف قلعية وأدراع فجعل الأسياف
بابا للكعبة وضرب في الباب الغزالين صفائح من ذهب فكان أول ذهب حليته
فيما قيل الكعبة وكانت كنية عبد المطلب أبا الحارث كنى بذلك لان الأكبر
من ولده الذكور كان اسمه الحارث وهو شيبة
ابن هاشم
واسم هاشم عمرو وإنما قيل له هاشم لأنه أول من هشم الثريد لقومه بمكة
وأطعمه وله يقول مطرود بن كعب الخزاعي وقال ابن الكلبي انما قاله ابن الزبعرى
عمرو الذي هشم الثريد لقومه * ورجال مكة مسنتون عجاف
ذكر أن قومه من قريش كانت أصابتهم لزبة وقحط فرحل إلى فلسطين
فاشترى منها الدقيق فقدم به مكة فأمر به فخبز له ونحر جزورا ثم اتخذ لقومه
مرقة ثريد بذلك الخبز * وذكر أن هاشما هو أول من سن الرحلتين لقريش
رحلة الشتاء والصيف * وحدثت عن هشام بن محمد عن أبيه قال كان هاشم
وعبد شمس وهو أكبر ولد عبد مناف والمطلب وكان أصغرهم أمهم عاتكة
بنت مرة السلمية ونوفل وأمه واقدة بنت عبد مناف فسادوا بعد أبيهم جميعا
وكان يقال لهم المجبرون قال ولهم يقال
يا أيها الرجل المحول رحله * ألا نزلت بآل عبد مناف
فكانوا أول من أخذ لقريش العصم فانتشروا من الحرم أخذ لهم هاشم
حبلا من ملوك الشام الروم وغسان وأخذ لهم عبد شمس حبلا من النجاشي
الأكبر فاختلفوا بذلك السبب إلى أرض الحبشة وأخذ لهم نوفل حبلا من
الأكاسرة فاختلفوا بذلك السبب إلى العراق وأرض فارس وأخذ لهم المطلب
12

حبلا من ملوك حمير فاختلفوا بذلك السبب إلى اليمن فجبر الله بهم قريشا فسموا
المجبرين * وقيل إن عبد شمس وهاشما توأمان وإن أحدهما ولد قبل صاحبه
وأصبع له ملتصقة بجبهة صاحبه فنحيت عنها فسال من ذلك دم فتطير من ذلك
فقيل تكون بينهما دماء وولى هاشم بعد أبيه عبد مناف السقاية والرفادة
* حدثني الحارث قال حدثنا محمد بن سعد قال أخبرنا هشام بن محمد قال حدثني
معروف بن الخربوذ المكي قال حدثني رجل من آل عدى بن الخيار بن عدي بن نوفل بن
عبد مناف عن أبيه قال وقال وهب بن عبد قصي في ذلك يعنى في إطعام هاشم قومه الثريد
تحمل هاشم ما ضاق عنه * وأعيا أن يقوم به ابن بيض
أتاهم بالغرائر متأقات * من ارض الشأم بالبر النفيض
فأوسع أهل مكة من هشيم * وشاب الخبز باللحم الغريض
فظل القوم بين مكللات * من الشيزى وحائرها يفيض
قال فحسده أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وكان ذا ما فتكلف أن يصنع
صنيع هاشم فعجز عنه فشمت به ناس من قريش فغضب ونال من هاشم ودعاه
إلى المنافرة فكره هاشم ذلك لسنه وقدره ولم تدعه قريش واحفظوه قال فانى
أنافرك على خمسين ناقة سود الحدق تنحرها ببطن مكة والجلاء عن مكة عشر
سنين فرضى بذلك أمية وجعلا بينهما الكاهن الخزاعي فنفر هاشما عليه فأخذ
هاشم الإبل فنحرها وأطعمها من حضره وخرج أمية إلى الشام فأقام بها عشر سنين
فكانت هذه أول عداوة وقعت بين هاشم وأمية * حدثني الحارث قال حدثنا محمد
ابن سعد قال أخبرنا هشام بن محمد قال أخبرني رجل من بنى كنانة يقال له ابن أبي
صالح ورجل من أهل الرقة مولى لبنى أسد وكان عالما قالا تنافر عبد المطلب بن
هاشم وحرب ابن أمية إلى النجاشي الحبشي فأبى أن ينفر بينهما فجعل بينهما نفيل
ابن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب فقال
لحرب يا أبي عمرو أتنافر رجلا هو أطول منك قامة وأعظم منك هامة وأوسم
منك وسامة وأقل منك لامة وأكثر منك ولدا وأجزل منك صفدا وأطول
13

منك مذودا فنفره عليه فقال حرب إن من انتكاث الزمان أن جعلناك حكما *
فكان أول من مات من ولد عبد مناف ابنه هاشم مات بغزة من أرض الشأم
ثم مات عبد شمس بمكة فقبر بأجياد ثم مات نوفل بسلمان من طريق العراق
ثم مات المطلب بردمان من أرض اليمن وكانت الرفادة والسقاية بعد هاشم
إلى أخيه المطلب
ابن عبد مناف
واسمه المغيرة وكان يقال له القمر من جماله وحسنه وكان قصي يقول فيما زعموا
ولد لي أربعة فسميت اثنين بصنمي وواحدا بداري وواحدا بنفسي وهم عبد مناف
وعبد العزى ابنا قصي وعبد العزى والد أسد وعبد الدار بن قصي وعبد قصي
ابن قصي درج ولده وبرة بنت قصي أمهم جميعا حبى بنت حليل بن حبشية بن
سلول بن كعب بن عمرو بن خزاعة * وحدثت عن هشام بن محمد عن
أبيه قال وكان يقال لعبد مناف القمر واسمه المغيرة وكانت أمه حتى
دفعته إلى مناف وكان أعظم أصنام مكة تدينا بذلك فغلب عليه عبد مناف وهو
كما قيل له
كانت قريش بيضة فتفلقت * فالمخ خالصة لعبد مناف
ابن قصي
وقصي اسمه زيد وإنما قيل له قصي لان أباه كلاب بن مرة كان تزوج أم قصي
فاطمة بنت سعد بن سيل واسم سيل خير بن حمالة بن عوف بن غنم بن عامر الجادر
ابن عمرو بن جعثمة بن يشكر من أزد شنوءة حلفاء في بنى الديل فولدت لكلاب
زهرة وزيدا فهلك كلاب وزيد صغير وقد شب زهرة وكبر فقدم ربيعة بن حرام
أبى ضنة بن عبد بن كبير بن عذرة بن سعد بن زيد أحد قضاعة فتزوج فيما حدثنا
ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق وحدثت عن هشام بن محمد عن أبيه
فاطمة أم زهرة وقصي وزهرة رجل قد بلغ وقصي فطيم أو قريب من ذلك
فاحتملها إلى بلاده من أرض بنى عذرة من أشراف الشأم فاحتملت معها قصيا
14

لصغره وتخلف زهرة في قومه فولدت فاطمة بنت سعد بن سيل لربيعة بن حرام
رزاح بن ربيعة فكان أخاه لأمه وكان لربيعة بن حرام ثلاثة نفر من امرأة أخرى
وهم حن بن ربيعة ومحمود بن ربيعة وجلهمة بن ربيعة وشب زيد في حجر ربيعة
فسمى زيد قصيا لبعد داره عن دار قومه ولم يبرح زهرة مكة فبينا قصي بن كلاب
بأرض قضاعة لا ينتمى فيما يزعمون إلا إلى ربيعة بن حزام إذ كان بينه وبين رجل
من قضاعة شئ وقد بلغ قصي وكان رجلا شابا فأنبه القضاعي بالغربة وقال له
ألا تلحق بقومك ونسبك فإنك لست منا فرجع قصي إلى أمه وقد وجد في نفسه
مما قال له القضاعي فسألها عما قال له ذلك الرجل فقالت له أنت والله يا بنى أكرم
منه نفسا ووالدا أنت ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك
ابن النضر بن كنانة القرشي وقومك بمكة عند البيت الحرام وفيما حوله فأجمع
قصي الخروج إلى قومه واللحوق بهم وكره الغربة بأرض قضاعة فقالت له أمه
يا بنى لا تعجل بالخروج حتى يدخل عليك الشهر الحرام فتخرج في حاج العرب
فإني أخشى عليك أن يصيبك بعض البأس فأقام قصي حتى إذا دخل الشهر الحرام
خرج حاج قضاعة فخرج فيهم حتى قدم مكة فلما فرغ من الحج أقام بها وكان
رجلا جليدا نسيبا فخطب إلى حليل بن حبشية الخزاعي ابنته حبى بنت حليل
فعرف حليل النسب ورغب فيه فزوجه وحليل يومئذ فيما يزعمون يلي الكعبة
وأمر مكة (فأما ابن إسحاق) فإنه قال في خبره فأقام قصي معه يعنى مع حليل
وولدت له ولده عبد الدار وعبد مناف وعبد العزى وعبد ابني قصي فلما انتشر
ولده وكثر ماله وعظم شرفه هلك حليل بن حبشية فرأى قصي أنه أولى بالكعبة
وأمر مكة من خزاعة وبنى بكر وأن قريشا فرعة إسماعيل بن إبراهيم وصريح
ولده فكلم رجالا من قريش وبنى كنانة ودعاهم إلى إخراج خزاعة وبنى بكر من
مكة فلما قبلوا منه ما دعاهم إليه وبايعوه عليه كتب إلى أخيه من أمه رزاح بن ربيعة
ابن حرام وهو ببلاد قومه يدعوه إلى نصرته والقيام معه فقام رزاح بن ربيعة
في قضاعة فدعاهم إلى نصر أخيه والخروج معه إليه فأجابوه إلى ما دعاهم من ذلك
15

وقال هشام في خبره قدم قصي على أخيه زهرة وقومه فلم يلبث أن ساد وكانت
خزاعة بمكة أكثر من بنى النضر فاستنجد قصي أخاه رزاحا وله ثلاثة أخوة من
أبيه من امرأة أخرى فأقبل بهم وبمن أجابه من احياء قضاعة ومع قصي قومه
بنو النضر فنفوا خزاعة فتزوج قصي حبى بنت حليل بن أحبشية من خزاعة فولدت
له أولاده الأربعة وكان حليل آخر من ولى البيت فلما ثقل جعل ولاية البيت
إلى ابنته حبى فقالت قد علمت أنى لا أقدر على فتح الباب واغلاقه قال فانى أجعل
الفتح والاغلاق إلى رجل يقوم لك به فجعله إلى أبى غبشان وهو سليم بن عمرو بن
بوى بن ملكان بن أفصى فاشترى قصي ولاية البيت منه بزق خمر وبعود فلما
رأت ذلك خزاعة كثروا على قصي فاستنصر أخاه فقاتل خزاعة فبلغنا والله أعلم
أن خزاعة أخذتها العدسة حتى كادت تفنيهم فلما رأت ذلك جلت عن مكة
فمنهم من وهب مسكنه ومنهم من باع ومنهم من أسكن فولى قصي البيت
وأمر مكة والحكم بها وجمع قبائل قريش فأنزلهم أبطح مكة وكان بعضهم في
الشعاب ورؤوس جبال مكة فقسم منازلهم بينهم فسمى مجمعا وله يقول مطرود
وقيل إن قائله حذافة بن غانم
أبوكم قصي كان يدعى مجمعا * به جمع الله القبائل من فهر
وملكه قومه عليهم (وأما ابن إسحاق) فإنه ذكر أن رزاحا أجاب قصيا إلى
ما دعاه إليه من نصرته وخرج إلى مكة مع إخوته الثلاثة ومن تبعه لذلك من قضاعة
في حاج العرب وهم مجمعون لنصر قصي والقيام معه قال وخزاعة تزعم أن حليل
ابن حبشية أوصى بذلك قصيا وأمره به حين انتشر له من ابنته من الأولاد ما انتشر
وقال أنت أولى بالكعبة والقيام عليها وبأمر مكة من خزاعة فعند ذلك طلب
قصي ما طلب فلما اجتمع الناس بمكة وخرجوا إلى الموقف وفرغوا من الحج
ونزلوا منى وقصي مجمع لما أجمع له ومن تبعه من قومه من قريش وبنى كنانة ومن
معه من قضاعة ولم يبق الا أن ينفروا للصدر وكانت صوفة تدفع بالناس من عرفة
وتجيزهم إذا نفروا من منى إذا كان يوم النفر أتوا لرمي الجمار ورجل من صوفة
16

يرمى للناس لا يرمون حتى يرمى فكان ذوو الحاجات المعجلون يأتونه فيقولون
له قم فارم حتى نرمي معك فيقول لا والله حتى تميل الشمس فيظل ذوو الحاجات
الذين يحبون التعجيل يرمونه بالحجارة ويستعجلونه بذلك ويقولون ويلك
قم فارم فيأبى عليهم حتى إذا مالت الشمس قام فرمى ورمى الناس معه * حدثنا ابن
حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق هذا الحديث عن يحيى بن عباد بن عبد الله
ابن الزبير عن أبيه عباد فإذا فرغوا من رمى الجمار وأرادوا النفر من منى أخذت
صوفة بناحيتي العقبة فحبسوا الناس وقالوا أجيزى صوفة فلم يحز أحد من الناس
حتى أنفذوا فإذا نفرت صوفة ومضت خلى سبيل الناس فانطلقوا بعدهم فلما كان
ذلك العام فعلت ذلك صوفة كما كانت تفعل قد عرفت ذلك لها العرب وهو دين
في أنفسهم في عهد جرهم وخزاعة وولايتهم أتاهم قصي بن كلاب بمن معه من قومه
من قريش وكنانة وقضاعة عند العقبة فقالوا نحن أولى بهذا منكم فناكروه
فناكرهم فقاتلوه فاقتتل الناس قتالا شديدا ثم انهزمت صوفة وغلبهم قصي على
ما كان بأيديهم من ذلك وحال بينهم وبينه قال وانحازت عند ذلك خزاعة
وبنو بكر عن قصي بن كلاب وعرفوا أنه سيمنعهم كما منع صوفة وأنه سيحول
بينهم وبين الكعبة وأمر مكة فلما انحازوا عنه باداهم وأجمع لحربهم وثبت معه أخوه
رزاح بن ربيعة بمن معه من قومه من قضاعة وخرجت لهم خزاعة وبنو بكر
وتهيئوا لحربهم والتقوا فاقتتلوا قتالا شديدا حتى كثرت القتلى من الفريقين
جميعا وفشت فيهم الجراحة ثم إنهم تداعوا إلى الصلح وإلى أن يحكموا بينهم
رجلا من العرب فيما اختلفوا فيه ليقضى بينهم فحكموا يعمر بن عوف بن كعب بن ليث
ابن بكر بن عبد مناة بن كنانة فقضى بينهم بأن قصيا أولى بالكعبة وأمر مكة من
خزاعة وأن كل دم أصابه قصي من خزاعة وبنى بكر موضوع يشدخه تحت
قدميه وأن ما أصابت خزاعة وبنو بكر من قريش وبنى كنانة وقضاعة ففيه الدية
مؤداة وأن يخلى بين قصي بن كلاب وبين الكعبة ومكة فسمى يعمر بن عوف
يومئذ الشداخ لما شدخ من الدماء ووضع منها فولى قصي البيت وأمر مكة
17

جميع قومه من منازلهم إلى مكة وتملك على قومه وأهل مكة فملكوه فكان قصي
أول ولد كعب بن لؤي أصاب ملكا أطاع له به قومه فكانت إليه الحجابة
والسقاية والرفادة والندوة واللواء فحاز شرف مكة كله وقطع مكة أرباعا بين
قومه فأنزل كل قوم من قريش منازلهم من مكة التي أصبحوا عليها * حدثنا ابن
حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال ويزعم الناس أن قريشا هابت قطع
شجر الحرم في منازلهم فقطعها قصي بيده وأعانوه فسمته العرب مجمعا لما جمع من
أمرها وتيمنت بأمره فما تنكح امرأة ولا رجل من قريش الا في دار قصي
ابن كلاب وما يتشاورون في أمر ينزل بهم إلا في داره ولا يعقدون لواء الحرب
قوم من غيرهم الا في داره يعقدها لهم بعض ولده وما تدرع جارية إذا بلغت أن
تدرع من قريش الا في داره يشق عليها فيها درعها ثم تدرعه ثم ينطلق بها إلى
أهلها فكان أمره في قومه من قريش في حياته وبعد موته كالدين المتسع لا يعمل
بغيره تيمنا بأمره ومعرفة بفضله وشرفه واتخذ قصي لنفسه دار الندوة وجعل
بابها إلى مسجد الكعبة ففيها كانت قريش تقضى أمورها * حدثنا ابن حميد قال
حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن عبد الملك بن راشد عن أبيه قال سمعت
السائب بن خباب صاحب المقصورة يحدث أنه سمع رجلا يحدث عمر بن الخطاب
وهو خليفة حديث قصي بن كلاب هذا وما جمع من أمر قومه واخراجه خزاعة
وبنى بكر من مكة وولايته البيت وأمر مكة فلم يردد ذلك عليه ولم ينكره قال فأقام
قصي بمكة على شرفه ومنزلته في قومه لا ينازع في شئ من أمر مكة إلا أنه قد أقر
للعرب في شأن حجهم ما كانوا عليه وذلك لأنه كان يراه دينا في نفسه لا ينبغي
له تغييره وكانت صوفة على ما كانت عليه حتى انقرضت صوفة فصار ذلك من
أمرهم إلى آل صفوان بن الحارث بن شجنة وراثة وكانت عدوان على ما كانت
عليه وكانت النسأة من بنى مالك بن كنانة على ما كانوا عليه ومرة بن عوف على
ما كانوا عليه فلم يزالوا على ذلك حتى قام الاسلام فهدم الله به ذلك كله وابتنى
قصي دارا بمكة وهى دار الندوة وفيها كانت قريش تقضى أمورها فلما كبر قصي
18

ورق وكان عبد الدار بكره هو كان أكبر ولده وكان فيما يزعمون ضعيفا وكان
عبد مناف قد شرف في زمان أبيه وذهب كل مذهب وعبد العزى بن قصي وعبد
ابن قصي فقال قصي لعبد الدار فيما يزعمون أما والله لألحقنك بالقوم وإن كانوا
قد شرفوا عليك لا يدخل رجل منهم الكعبة حتى تكون أنت تفتحها ولا يعقد
لقريش لواء لحربهم الا أنت بيدك ولا يشرب رجل بمكة ماء إلا من سقايتك
ولا يأكل أحد من أهل الموسم طعاما الا من طعامك ولا تقطع قريش أمورها
إلا في دارك فأعطاه داره دار الندوة التي لا تقضى قريش أمرا الا فيها وأعطاه الحجابة
واللواء والندوة والسقاية والرفادة وكانت الرفادة خرجا تخرجه قريش في كل موسم من
أموالها إلى قصي بن كلاب فيصنع به طعاما للحاج يأكله من لم يكن له سعة ولا زاد
ممن يحضر الموسم وذلك أن قصيا فرضه على قريش فقال لهم حين أمرهم به يا معشر
قريش إنكم جيران الله وأهل بيته وأهل الحرام وأن الحاج ضيف الله وزوار
بيته وهم أحق الضيف بالكرامة فاجعلوا لهم شرابا وطعاما أيام هذا الحج حتى
يصدروا عنكم ففعلوا فكانوا يخرجون لذلك كل عام من أموالهم فيدفعونه إليه فيصنعه
طعاما للناس أيام منى فجرى ذلك من أمره على قومه في الجاهلية حتى قام الاسلام
ثم جرى في الاسلام إلى يومك هذا فهو الطعام الذي يصنعه السلطان كل عام
بمنى حتى ينقضى الحج * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني من أمر قصي
ابن كلاب وما قال لعبد الدار فيما دفع إليه ابن إسحاق بن يسار عن أبيه عن الحسن
ابن محمد بن علي بن أبي طالب قال سمعته يقول ذلك لرجل من بنى عبد الدار يقال
له نبيه بن وهب بن عامر بن عكرمة بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار قال
الحسن بن محمد فجعل إليه قصي ما كان بيده من أمر قومه كله وكان قصي لا يخالف
ولا يرد شئ صنعه ثم إن قصيا هلك فأقام أمره في قومه من بعده بنوه
ابن كلاب
وأم كلاب فيما ذكر هند بنت سرير بن ثعلبة بن الحارث بن فهر بن مالك بن
النضر بن كنانة له اخوان من أبيه من غير أمه وهما تيم ويقظة أمهما فيما قال
19

هشام بن الكلبي أسماء بنت عدى بن حارثة بن عمرو بن عامر بن بارق وأما ابن
إسحاق فإنه قال أمهما هند بنت حارثة البارقية قال ويقال بل يقظة لهند بنت
سرير أم كلاب
ابن مرة
وأم مرة وحشية بنت شيبان بن محارب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة
وأخواه لأبيه وأمه عدى وهصيص وقيل إن أم هؤلاء الثلاثة مخشية وقيل إن أم
مرة وهصيص مخشية بنت شيبان بن محارب بن فهر وأم عدى رقاش بنت ركبة بن
نائلة بن كعب بن حرب بن تيم بن سعد بن فهم بن عمرو بن قيس بن عيلان
ابن كعب
وأم كعب ماوية فيما قال ابن إسحاق وابن الكلبي ماوية بنت كعب بن القين
ابن جسر بن شيع الله بن أسد بن وبرة بن تعلب بن حلوان بن عمران بن الحاف
ابن قضاعة وله اخوان من أبيه وأمه أحدهما يقال له عامر والآخر سامة وهم
بنو ناجية ولهم من أبيهم أخ قد انتمى ولده إلى غطفان ولحقوا بهم كان يقال له
عوف أمه الباردة بنت عوف بن غنم بن عبد الله بن غطفان ذكر أن الباردة لما
مات لؤي بن غالب خرجت بابنها عوف إلى قومها فتزوجها سعد بن ذبيان بن
بغيض فتبنى عوفا وفيه يقول فيما ذكر فزارة بن ذبيان
عرج على ابن لؤي جملك * تركك القوم ولا منزل لك
ولكعب اخوان آخران أيضا من أبيه من غير أمه أحدهما خزيمة وهو عائذة
قريش وعائذة أمه وهى عائذة بنت الخمس بن قحافة من خثعم والآخر سعد ويقال
له بنانة وبنانة أمهم فأهل البادية منهم اليوم فيما قيل في بنى أسعد بن همام في
بنى شيبان بن ثعلبة وأهل الحاضرة ينتمون إلى قريش
ابن لؤي
وأم لؤي فيما قال هشام عاتكة بنت يخلد بن النضر بن كنانة وهى أول
العواتك اللاتي ولدن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش وله أخوان من
20

أبيه وأمه يقال لأحدهما تيم وهو الذي كان يقال له تيم الأدرم والدرم نقصان
في الذقن قيل إنه كان ناقص اللحى وقيس قيل لم يبق من قيس أخي لؤي أحد وأن
آخر من كان بقى منهم رجل هلك في زمان خالد بن عبد الله القسري فبقى ميراثه لا يدرى
من يستحقه وقد قيل إن أم لؤي واخوته سلمى بنت عمرو بن ربيعة وهو لحى
ابن حارثة بن عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء من خزاعة
ابن غالب
وأم غالب ليلى بنت الحارثة بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة واخوته
من أبيه وأمه الحارث ومحارب وأسد وعوف وجون وذئب وكانت محارب
والحارث من قريش الظواهر فدخلت الحارث الأبطح
ابن فهر
وفهر فيما حدثت عن هشام بن محمد أنه قال هو جماع قريش قال وأمه جندلة بنت
عامر بن الحارث بن مضاض الجرهمي وقال ابن إسحاق فيما حدثنا ابن حميد قال
حدثنا سلمة عن ابن إسحاق أمه جندلة بنت الحارث بن مضاض بن عمرو
الجرهمي وكان أبو عبيدة معمر بن المثنى يقول فيما ذكر عنه أمه سلمى بنت أد بن
طابخة بن الياس بن مضر وقيل إن أمه جميلة بنت عدوان من بارق من الأزد
وكان فهر في زمانه رئيس الناس بمكة فيما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن
إسحاق في حربهم حسان بن عبد كلال بن مثوب ذي حرث الحميري وكان حسان فيما
قيل أقبل من اليمن مع حمير وقبائل من اليمن عظيمة يريد أن ينقل أحجار الكعبة
من مكة إلى اليمن ليجعل حج الناس عنده ببلاده فأقبل حتى نزل بنخلة فأغار على سرح
الناس ومنع الطريق وهاب أن يدخل مكة فلما رأت ذلك قريش وقبائل كنانة وخزيمة
وأسد وجذام ومن كان معهم من افناء مضر خرجوا إليه ورئيس الناس يومئذ فهر بن
مالك فاقتتلوا قتالا شديدا فهزمت حمير وأسر حسان بن عبد كلال ملك حمير
أسره الحارث بن فهر وقتل في المعركة فيمن قتل من الناس ابن ابنه قيس بن
غالب بن فهر وكان حسان عندهم بمكة أسيرا ثلاث سنين حتى افتدى منهم نفسه
21

فخرج به فمات بين مكة واليمن
ابن مالك
وأمه عكرشة بنت عدوان وهو الحارث بن عمرو بن قيس بن عيلان
في قول هشام * وأما ابن إسحاق فإنه قال أمه عاتكة بنت عدوان بن عمرو بن
قيس بن عيلان وقيل إن عكرشة لقب عاتكة بنت عدوان واسمها عاتكة وقيل
إن أمه هند بنت فهم بن عمرو بن قيس بن عيلان وكان لمالك اخوان يقال
لأحدهما يخلد فدخلت يخلد في بنى عمرو بن الحارث بن مالك بن كنانة فخرجوا
من جماع قريش والاخر منهما يقال له الصلت لم يبق من ذريته أحد وقيل
سميت قريش قريشا بقريش بن بدر بن يخلد بن الحارث بن يخلد بن النضر بن
كنانة وبه سميت قريش قريشا لان عير بنى النضر كانت إذا قدمت قالت العرب
قد جاءت عير قريش قالوا وكان قريش هذا دليل بنى النضر في أسفارهم وصاحب
ميرتهم وكان له ابن يسمى بدرا احتفر بدرا قالوا فبه سميت البئر التي تدعى بدرا
بدرا * وقال ابن الكلبي إنما قريش جماع نسب ليس بأب ولا أم ولا حاضن
ولا حاضنة وقال آخرون إنما سمى بنو النضر بن كنانة قريشا لان النضر بن
كنانة خرج يوما على نادى قومه فقال بعضهم لبعض انظروا إلى النضر كأنه
جمل قريش وقيل إنما سميت قريش قريشا بدابة تكون في البحر تأكل دواب
البحر تدعى القرش فشبه بنو النضر بن كنانة بها لأنها أعظم دواب البحر قوة
وقيل إن النضر بن كنانة كان يقرش عن حاجة الناس فيسدها بماله والقرش
فيما زعموا التفتيش وكان بنوه يقرشون أهل الموسم عن الحاجة فيسدونها بما
يبلغهم واستشهدوا لقولهم إن التقريش هو التفتيش بقول الشاعر
أيها الناطق المقرش عنا * عند عمرو فهل لهن انتهاء
وقيل إن النضر بن كنانة كان اسمه قريشا وقيل بل لم تزل بنو النضر بن كنانة
يدعون بنى النضر حتى جمعهم قصي بن كلاب فقيل لهم قريش من أجل أن
التجمع هو التقرش فقالت العرب تقرش بنو النضر أي قد تجمعوا وقيل إنما
22

قيل قريش من أجل أنها تقرشت عن الغارات * حدثني الحارث قال حدثنا
محمد بن سعد قال حدثنا محمد بن عمر قال حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة
عن سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم أن عبد الملك بن مروان سأل محمد بن
جبير متى سميت قريش قريشا قال حين اجتمعت إلى الحرم من تفرقها فذلك
التجمع التقرش فقال عبد الملك ما سمعت هذا ولكن سمعت ان قصيا كان يقال
له القرشي ولم تسم قريش قبله * حدثني الحارث قال حدثنا محمد بن سعد
قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن
عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن
عوف قال لما نزل قصي الحرم وغلب عليه فعل أفعالا جميلة فقيل له القرشي فهو
أول من سمى به * حدثني الحارث قال حدثنا محمد بن سعد قال أخبرنا محمد
ابن عمر قال حدثني أبو بكر بن أبي سبرة عن أبي بكر بن عبيد الله بن أبي جهم
قال النضر بن كنانة كان يسمى القرشي * حدثني الحارث قال حدثنا محمد بن
سعد قال: قال محمد بن عمرو قصي أحدث وقود النار بالمزدلفة حيث وقف بها
حتى يراها من دفع من عرفة فلم تزل تلك النار تلك الليلة في الجاهلية
* حدثني الحارث قال حدثنا محمد بن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال فأخبرني
كثير بن عبد الله المزني عن نافع عن ابن عمر قال كانت تلك النار توقد على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر وعثمان قال محمد بن عمر وهى
توقد إلى اليوم
ابن النضر
واسم النضر قيس وأمه برة بنت مر بن أد بن طابخة وإخوته لأبيه وأمه
نضير ومالك وملكان وعامر والحارث وعمرو وسعد وعوف وغنم ومخرمة
وجرول وغزوان وحدال وأخوهم من أبيهم عبد مناة وأمه فكيهة وقيل فكهة
وهى الذفراء بنت هنى بن بلى بن عمرو بن الحاف بن قضاعة وأخو عبد مناة
لامه علي بن مسعود بن مازن بن ذئب بن عدي بن عمرو بن مازن الغساني
23

وكان عبد مناة بن كنانة تزوج هند بنت بكر بن وائل فولدت له ولده ثم خلف
عليها أخوه لامه علي بن مسعود فولدت له فحضن على بنى أخيه فنسبوا إليه فقيل
لبنى عبد مناة بنو على وإياهم عنى الشاعر بقوله
لله در بنى على * أيم منهم وناكح
وكعب بن زهير بقوله
صدموا عليا يوم بدر صدمة * دانت على بعدها لنزار
ثم وثب مالك بن كنانة على علي بن مسعود فقتله فوداه أسد بن خزيمة
ابن كنانة
وأم كنانة عوانة بنت سعد بن قيس بن عيلان وقد قيل إن أمه هند بنت
عمرو بن قيس واخوته من أبيه أسد وأسدة يقال إنه أبو جذام والهون وأمهم
برة بنت مر بن أد بن طابخة وهى أم النضر بن كنانة خلف عليها بعد أبيه
ابن خزيمة
وأمه سلمى بنت أسلم بن الحاف بن قضاعة وأخوه لأبيه وأمه هذيل وأخوهما
لامه ما تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة وقد قيل إن أم خزيمة
وهذيل سلمى بنت أسد بن ربيعة
ابن مدركة
واسمه عمرو وأمه خندف وهى ليلى بنت حلوان بن عمران بن الحاف بن
قضاعة وأمها ضرية بنت ربيعة بن نزار قيل بها سمى حمى ضرية وإخوة مدركة
لأبيه وأمه عامر وهو طابخة وعمير وهو قمعة ويقال إنه أبو خزاعة * حدثنا ابن
حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق أنه قال أم بنى الياس خندف وهى امرأة
من أهل اليمن فغلبت على نسب بنيها فقيل بنو خندف قال وكان اسم مدركة عامرا
واسم طابخة عمرا قال وزعموا انهما كانا في إبل لهما يرعيانها فاقتنصا صيدا فقعدا
عليه يطبخانه وعدت عادية على إبلهما فقال عامر لعمرو أتدرك الإبل أو تطبخ
هذا الصيد فقال عمرو بل أطبخ الصيد فلحق عامر الإبل فجاء بها فلما راحا على
24

أبيهما فحدثاه شأنهما قال لعامر أنت مدركة وقال لعمرو أنت طابخة * وحدثت
عن هشام بن محمد قالوا خرج إلياس في نجعة له فنفرت إبله من أرنب فخرج
إليها عمرو فادركها فسمى مدركة وأخذها عامر فطبخها فسمى طابخة وانقمع عمير
في الخباء فلم يخرج فسمى قمعة وخرجت أمهم تمشى فقال لها الياس أين تخندفين
فسميت خندف والخندفة ضرب من المشي قال وقال قصي بن كلاب
* أمهتى خندف وإلياس أبى * قال وقال الياس لعمرو ابنه * إنك قد
أدركت ما طلبتا * ولعامر * وأنت قد أنضجت ما طبختا، ولعمير *
وأنت قد أسأت وانقمعتا *
ابن إلياس
وأمه الرباب بنت حيدة بن معد وأخوه لأبيه وأمه الياس وهو عيلان
وسمى عيلان فيما ذكر لأنه كان يعاتب على جوده فيقال له لتغلبن عليك العيلة
يا عيلان فلزمه هذا الاسم وقيل بل سمى عيلان بفرس كانت له تدعى عيلان
وقيل سمى بذلك لأنه ولد في جبل يسمى عيلان وقيل سمى بذلك لأنه حضنه عبد
لمضر يدعى عيلان
ابن مضر
وأمه سودة بنت عك وأخوه لأبيه وأمه إياد ولهما اخوان من أبيهما
من غير أمهما وهما ربيعة وإنمار أمهما جدالة بنت وعلان بن جوشم بن
جلهمة بن عمرو من جرهم وذكر بعضهم أن نزار بن معد لما حضرته الوفاة
أوصى بنيه وقسم ماله بينهم فقال يا بنى هذه القبة وهى قبة من أدم حمراء وما أشبهها
من مالي لمضر فسمى مضر الحمراء وهذا الخباء الأسود وما أشبهه من مالي لربيعة
فخلف خيلا دهما فسمى الفرس وهذه الخادم وما أشبهها من مالي لأياد وكانت
شمطاء فأخذ البلق والنقد من غنمه وهذه البدرة والمجلس لإنمار يجلس فيه فيأخذ
إنمار ما أصابه فإن أشكل عليكم في ذلك شئ واختلفتم في القسمة فعليكم بالأفعى
الجرهمي فاختلفوا في القسمة فتوجهوا إلى الأفعى فبينما هم يسيرون في مسيرهم إذ
25

رأى مضر كلا قد رعى فقال إن البعير الذي رعى هذا الكلأ لأعور وقال
ربيعة هو أزور وقال أياد هو أبتر وقال إنما هو شرود فلم يسيروا إلا قليلا
حتى لقيهم رجل توضع به راحلته فسألهم عن البعير فقال مضر هو أعور
قال نعم قال ربيعة هو أزور قال نعم قال إياد هو أبتر قال نعم قال إنما هو شرود
قال نعم قال هذه صفة بعيري دلوني عليه فحلفوا له ما رأوه فلزمهم وقال كيف
أصدقكم وأنتم تصفون بعيري بصفته فساروا جميعا حتى قدموا نجران فنزلوا
بالأفعى الجرهمي فنادى صاحب البعير هؤلاء أصحاب بعيري وصفوا لي صفته
ثم قالوا لم نره فقال الجرهمي كيف وصفتموه ولم تروه فقال مضر رأيته يرعى
جانبا ويدع جانبا فعرفت أنه أعور وقال ربيعة رأيت إحدى يده ثابتة الأثر والاخرى
فاسدة الأثر فعرفت أنه أفسدها بشدة وطئه لازوراره وقال إياد عرفت انه أبتر
باجتماع بعره ولو كان ذبالا لمصع به وقال إنمار انما عرفت انه شرود لأنه يرعى المكان
الملتف نبته ثم يجوزه إلى مكان آخر أرق منه نبتا وأخبث فقال الجرهمي ليسوا
بأصحاب بعيرك فاطلبه ثم سألهم من هم فأخبروه فرحب بهم فقال أتحتاجون إلى
وأنتم كما أرى فدعا لهم بطعام فأكلوا وأكل وشربوا وشرب فقال مضر لم أر
كاليوم خمرا أجود لولا أنها نبتت على قبر وقال ربيعة لم أر كاليوم لحما أطيب لولا
أنه ربى بلبن كلب وقال إياد لم أر كاليوم رجلا أسرى لولا أنه لغير أبيه الذي
يدعى له وقال إنما لم أر كاليوم قط كلاما أنفع في حاجتنا وسمع الجرهمي الكلام
فتعجب لقولهم وأتى أمه فسألها فأخبرته أنها كانت تحت ملك لا يولد له فكرهت
أن يذهب الملك فأمكنت رجلا من نفسها كان نزل بها فوطئها فحملت به وسأل
القهرمان عن الخمر فقال من حبلة غرستها على قبر أبيك وسأل الراعي عن اللحم
فقال شاة أرضعتها لبن كلبة ولم يكن ولد في الغنم شاة غيرها فقيل لمضر من أين
عرفت الخمر ونباتها على قبر قال لأنه أصابني عليها عطش شديد وقيل لربيعة بم
عرفت فذكر كلاما فأتاهم الجرهمي فقال صفوا لي صفتكم فقصوا عليه ما أوصاهم
به أبوهم فقضى بالقبة الحمراء والدنانير والإبل وهى حمر لمضر وقضى بالخباء الأسود
26

وبالخيل الدهم لربيعة وقضى بالخادم وكانت شمطاء وبالخيل البلق لأياد وقضى
بالأرض والدراهم لإنمار
ابن نزار
وقيل إن نزار كان يكنى أبا إياد وقيل بل كان يكنى أبا ربيعة أمه معانة
بنت جوشم بن جلهمة بن عمرو وإخوته لأبيه وأمه قنص وقناصة وسنام وحيدان
وحيدة وحيادة وجنيد وجنادة والقحم وعبيد الرماح والعرف وعوف وشك
وقضاعة وبه كان معد يكنى وعدة درجوا
ابن معد
وأم معد فيما زعم هشام مهدد بنت اللهم ويقال اللهم بن جلحب بن جديس
وقيل ابن طسم وقيل ابن الطوسم من ولد يقشان بن إبراهيم خليل الرحمن
* حدثنا الحارث بن محمد قال حدثنا محمد بن سعد قال حدثنا هشام بن محمد قال
حدثني محمد بن عبد الرحمن العجلاني وإخوته من أبيه وأمه الديث وقيل إن الديث
هو عك وقيل إن عكا هو ابن الديث بن عدنان وعدن بن عدنان فزعم بعض أهل
الأنساب أنه صاحب عدن. إليه تنسب وأن أهلها كانوا ولده فدرجوا وأبين
وأبى بن عدنان وزعم بعضهم أنه صاحب أبين وأنها إليه تنسب وأن أهلها كانوا
ولده فدرجوا وأد بن عدنان درج والضحاك والعى وأم جميعهم أم معد وقال
بعض النسابة كان عك انطلق إلى سموان من أرض اليمن وترك أخاه معدا وذلك
أن أهل حضور لما قتلوا شعيب بن ذي مهدم الحضوري بعث الله عليهم بختنصر
عذابا فخرج أرميا وبرخيا فحملا معدا فلما سكنت الحرب رداه إلى مكة فوجد معد
إخوته وعمومته من بنى عدنان قد لحقوا بطوائف اليمن وتزوجوا فيهم وتعطفت
عليهم اليمن بولادة جرهم إياهم واستشهدوا في ذلك قول الشاعر
تركنا الديث إخوتنا وعكا * إلى سمران فانطلقوا سراعا
وكانوا من بنى عدنان حتى * أضاعوا الامر بينهم فضاعا
27

ابن عدنان
ولعدنان أخوان لأبيه يدعى أحدهما نبتا والآخر منهما عمرا فنسب نبينا
محمد صلى الله عليه وسلم لا يختلف النسابون فيه إلى معد بن عدنان وأنه على
ما بينت من نسبه * حدثني يونس بن عبد الاعلى قال أخبرنا ابن وهب قال حدثني
ابن لهيعة عن أبي الأسود وغيره عن نسبة رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن
عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب
ابن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة ابن خزيمة بن مدركة بن
الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أدد ثم يختلفون فيما بعد ذلك *
وقال الزبير بن بكار حدثني يحيى بن المقداد الزمعي عن عمه موسى بن يعقوب بن
عبد الله بن وهب بن زمعة عن عمته أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول معد بن عدنان بن أدد بن زند بن يرى
ابن إعراق الثرى قالت أم سلمة فزند هو الهميسع ويرى هو نبت وإعراق الثرى
هو إسماعيل بن إبراهيم * حدثني الحارث قال حدثنا محمد بن سعد قال أخبرنا هشام
ابن محمد قال حدثني محمد بن عبد الرحمن العجلاني عن موسى بن يعقوب الزمعي
عن عمته عن جدتها ابنة المقداد بن الأسود البهراني قالت قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم معد بن عدنان بن أدد بن يرى بن أعراق الثرى وقال ابن إسحاق فيما
حدثنا ابن حميد عن سلمة بن الفضل عنه عدنان فيما يزعم بعض النساب ابن أدد
ابن مقوم بن ناحور بن تيرح بن يعرب بن يشجب بن نابت بن إسماعيل بن إبراهيم
وبعض يقول بل عدنان بن أدد بن أيتحب بن أيوب بن قيذر بن إسماعيل بن
إبراهيم * قال وقد انتمى قصي بن كلاب إلى قيذر في شعره قال ويقول بعض
النساب بل عدنان بن ميدع ابن منيع بن أدد بن كعب بن يشجب بن يعرب بن
الهميسع بن قيذر بن إسماعيل بن إبراهيم قال وذلك أنه علم قديم أخذ من أهل الكتاب
الأول * وأما الكلبي محمد بن السائب فإنه فيما حدثني الحارث عن محمد بن سعد عن
هشام قال أخبرني مخبر عن أبي ولم أسمعه منه أنه كان ينسب معد بن عدنان بن أدد
28

ابن الهميسع بن سلامان بن عوص بن بوز بن قموال بن أبي بن العوام بن ناشد بن
حزا بن بلداس بن يدلاف بن طابخ بن جاحم بن تاحش بن ماخى بن عيفى بن
عبقر بن عبيد بن الدعا بن حمدان بن سنبر بن يثربي بن يحزن بن يلحن بن أرعوى
ابن عيفى بن ديشان بن عيصر بن اقناد بن إيهام بن مقصر بن ناحث بن زارح بن
شمي بن مزى بن عوص بن عرام بن قيذر بن إسماعيل بن إبراهيم صلوات الله عليهما
* حدثني الحارث قال حدثنا محمد بن سعد قال حدثنا هشام بن محمد قال وكان
رجل من أهل تدمر يكنى أبا يعقوب من مسلمة بني إسرائيل قد قرأ من كتبهم
وعلم علما فذكر أن بروخ ناريا كاتب أرميا أثبت نسب معد بن عدنان عنده ووضعه
في كتبه وأنه معروف عند أحبار أهل الكتاب مثبت في أسفارهم وهو مقارب
لهذه الأسماء ولعل خلاف ما بينهم من قبل اللغة لأن هذه الأسماء ترجمت من
العبرانية * قال الحارث محمد بن سعد وأنشدني هشام عن أبيه شعر قصي
فلست لحاضن إن لم تأثل * بها أولاد قيذر والنبيت
قال أراد نبت بن إسماعيل * وقال الزبير بن بكار حدثني عمر بن أبي بكر
المؤملي عن زكرياء بن عيسى عن ابن شهاب قال معد بن عدنان بن أد بن الهميسع
ابن أسحب بن نبت بن قيذار بن إسماعيل وقال بعضهم هو معد بن عدنان بن أدد
ابن أمين بن شاجب بن ثعلبة بن عتر بن يربح بن محلم بن العوام بن المحتمل ابن رائمة
ابن العيقان بن علة بن الشحدود بن الظريب بن عبقر بن إبراهيم بن إسماعيل بن
يزن بن أعوج بن المطعم بن الطمح بن القسور بن عتود بن دعدع بن محمود بن
الزائد بن ندوان بن أتامة بن دوس بن حصن بن النزال بن القمير بن المجشر بن
معد مر بن صيفي بن نبت بن قيذار بن إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن * وقال
آخرون هو معد بن عدنان بن أدد بن زيد بن يقدر بن يقدم بن هميسع بن نبت
ابن قيذر بن إسماعيل بن إبراهيم وقال آخرون هو معد بن عدنان بن أد بن الهميسع
ابن نبت بن سلمان وهو سلامان بن حمد بن نبت بن قيدر بن إسماعيل بن إبراهيم * وقال
آخرون هو معد بن عدنان بن أدد بن المقوم بن ناحور بن مشرح بن يشجب بن
29

ملك بن أيمن بن النبيت بن قيذر بن إسماعيل بن إبراهيم * وقال آخرون هو معد
ابن عدنان بن أد بن أدد بن الهميسع بن أسحب بن سعد بن بريح بن نضير بن
حميل بن منحم بن لافث بن الصابوح بن كنانة بن العوام بن نبت بن قيدر بن
إسماعيل * وأخبرني بعض النساب أنه وجد طائفة من علماء العرب قد حفظت
لمعد أربعين أبا بالعربية إلى إسماعيل واحتجت لقولهم ذلك بأشعار العرب وأنه
قابل بما قالوا من ذلك ما يقول أهل الكتاب فوجد العدد متفقا واللفظ مختلفا
وأملى ذلك على فكتبته عنه فقال هو معد بن عدنان بن أدد بن هميسع وهميسع
هو سلمان وهو أمين بن هميتع وهو هميدع وهو الشاجب بن سلامان وهو منجر
نبيت سمى بذلك فيما زعم لأنه كان منجر العرب لان الناس عاشوا في زمانه واستشهد
لقوله ذلك بقول قعنب بن عتاب الرياحي
تناشدني طي وطى بعيدة * وتذكرني بالوذ أزمان نبيت
قال نبيت بن عوص وهو ثعلبة قال وإليه تنسب الثعلبية بن بورا وهو بوز
وهو عتر العتائر وأول من سن العتيرة للعرب ابن شوحا وهو سعد رجب وهو
أول من سن الرجبية للعرب وهو بن يعمانا وهو قموال وهو بريح الناصب وكان في
عصر سليمان بن داود النبي صلى الله عليه وسلم ابن كسدانا وهو محلم ذو العين
ابن حرانا وهو العوام بن بلداسا وهو المحتمل بن بلدلانا وهو يدلاف وهو
رائمة ابن طهبا وهو طاهب وهو العيقان بن جهمي وهو جاحم وهو علة ابن
محشي وهو تاحش وهو الشحدود ابن معجالى وهو ماخى وهو الظريب خاطم
النار بن عقارا وهو عافى وهو عبقر أبو الجن قال وإليه تنسب جنة عبقر بن
عاقارى وهو عاقر وهو إبراهيم جامع الشمل * قال وإنما سمى جامع الشمل
لأنه أمن في ملكه كل خائف ورد كل طريد واستصلح الناس ابن بيداعى وهو
الدعا وهو إسماعيل ذو المطابخ سمى بذلك لأنه حين ملك أقام بكل بلدة من
بلدان العرب دار ضيافة ابن ابداعى وهو عبيد وهو يزن الطعان وهو أول
من قاتل بالرماح فنسبت إليه ابن همادى وهو حمدان وهو إسماعيل ذو الأعوج
30

وكان فرسا له وإليه تنسب الأعوجية من الخيل ابن بشمانى وهو بشمين وهو
المطعم في المحل ابن بثرانى وهو بثرم وهو الطمح ابن بحراني وهو بحرن وهو
القسور بن بلحانى وهو يلحن وهو العنود بن رعوانى وهو رعوى وهو
الدعدع بن عاقارى وهو عاقر بن داسان وهو الزائد بن عاصار وهو عاصر
وهو النيدوان ذو الأندية وفى ملكه تفرق بنى القاذور وهو القادور وخرج
الملك من ولد النبيت بن القادور إلى بنى جاوان بن القادور ثم رجع إليهم ثانية
ابن قنادى وهو قنار وهو ايامة بن ثامار وهو بهامى وهو دوس العتق وهو
دوس أجمل الخلق زعم في زمانه فلذلك تقول العرب أعتق من دوس لامرين
أما أحدهما فلحسنه وعتقه والآخر لقدمه وفى ملكه أهلكت جرهم بن فالج
وقطورا وذلك أنهم بغوا في الحرم فقتلهم دوس واتبع الذر آثار من بقى منهم
فولج في أسماعهم فأفناهم ابن مقصر وهو مقاصرى وهو حصن ويقال له ناحث
وهو النزال بن زارح وهو قمير بن سمى وهو سما وهو المجشر وكان فيما زعم
أعدل ملك ولى وأحسنه سياسة وفيه يقول أمية بن أبي الصلت لهرقل ملك الروم
كن كالمجشر إذ قالت رعيته * كان المجشر أوفانا بما حملا
ابن مزرا ويقال مرهر بن صنفا وهو السمر وهو الصفي وهو أجود ملك
رؤى على وجه الأرض وله يقول أمية بن أبي الصلت
إن الصفي بن النبيت مملكا * أعلى وأجود من هرقل وقيصرا
ابن جعثم وهو عرام وهو النبيت وهو قيذر قال وتأويل قيذر صاحب ملك
كان أول من ملك من ولد إسماعيل بن إسماعيل صادق الوعد ابن إبراهيم
خليل الرحمن بن تارح وهو آزر بن ناحور بن ساروع بن بالغ وتفسير
بالغ القاسم بالسريانية لأنه الذي قسم الأرضين بين ولد آدم وبالغ فهو فالج بن
عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ وهو
إدريس النبي صلى الله عليه وسلم بن برد وهو بارد الذي عملت الأصنام في زمانه
ابن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث وهو هبة الله بن آدم عليه السلام وكان
31

وصى أبيه بعد مقتل هابيل فقال هبة الله من هابيل فاشتق اسمه من اسمه وقد مضى
من ذكرنا الاخبار عن إسماعيل بن إبراهيم وآبائه وأمهاته فيما بينه وبين آدم
ومما كان من الاخبار والاحداث في كل زمان من ذلك بعض ما انتهى إلينا بوجيز
من القول مختصر في كتابنا هذا فكرهنا إعادته * وحدثت عن هشام بن محمد
قال كانت العرب تقول انما خدش الخدوش منذ ولد أبونا أنوش وانما حرم
الحنث منذ ولد أبو ناشت وهو بالسريانية شيث ونعود الآن إلى
ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنسابه
فتوفى عبد المطلب بعد الفيل بثماني سنين كذلك حدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي يكر وكان عبد المطلب
يوصى برسول الله صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب وذلك أن أبا طالب وعبد الله
أبا رسول الله صلى الله عليه وسلم كانا لام فكان أبو طالب هو الذي يلي أمر رسول
الله صلى الله عليه وسلم بعد جده وكان يكون معه ثم إن أبا طالب خرج في ركب
من قريش إلى الشام تاجرا فلما تهيأ للرحيل وأجمع السير صب به رسول الله صلى الله عليه
وسلم فيما يزعمون فرق له أبو طالب فقال والله لأخرجن به معي ولا يفارقني ولا أفارقه
أبدا وكما قال فخرج به معه فلما نزل الركب بصرى من أرض الشام وبها راهب يقال له
بحيرا في صومعة له وكان ذا علم من أهل النصرانية ولم يزل في تلك الصومعة مذ قط
راهب إليه يصير علمهم عن كتاب فيما يزعمون يتوارثونه كابرا عن كابر فلما نزلوا
ذلك العام ببحيرا صنع لهم طعاما كثيرا ودلك انه رأى رسول الله صلى الله عليه
وسلم وهو في صومعته عليه غمامة تظله من بين القوم ثم أقبلوا حتى نزلوا في ظل
شجرة قريبا منه فنظر إلى الغمامة حين أظلت الشجرة وهصرت أغصان الشجرة
على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استظل تحتها فلما رأى ذلك بحيرا نزل من
صومعته ثم أرسل إليهم فدعاهم جميعا فلما رأى بحيرا رسول الله صلى الله عليه وسلم
جعل يلحظه لحظا شديدا وينظر إلى أشياء من جسده قد كان يجدها عنده من
صفته فلما فرغ القوم من الطعام وتفرقوا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
32

أشياء في حاله في يقظته وفى نومه فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره
فيجدها بحيرا موافقة لما عنده من صفته ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين
كتفيه ثم قال بحيرا لعمه أبى طالب ما هذا الغلام منك قال ابني فقال له بحيرا
ما هو بابنك وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا قال فإنه ابن أخي قال فما
فعل أبوه قال مات وأمه حبلى به قال صدقت ارجع به إلى بلدك واحذر عليه يهود
فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغنه شرا فإنه كائن له شأن عظيم فأسرع
به إلى بلده فخرج به عمه سريعا حتى أقدمه مكة * وقال هشام بن محمد خرج
أبو طالب برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بصرى من أرض الشأم وهو ابن
تسع سنين * حدثني العباس بن محمد قال حدثنا أبو نوح قال حدثنا يونس بن أبي
إسحاق عن أبي بكر بن أبي موسى عن أبي موسى قال خرج أبو طالب إلى الشأم
وخرج معه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أشياخ من قريش فلما أشرفوا
على الراهب هبطوا فحلوا رحالهم فخرج إليهم الراهب وكانوا قبل ذلك يمرون به
فلا يخرج إليهم ولا يلتفت قال فهم يحلون رحالهم فجعل يتخللهم حتى جاء فاخذ بيد
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هذا سيد العالمين هذا رسول رب العالمين
هذا يبعثه الله رحمة للعالمين فقال له أشياخ قريش ما علمك قال إنكم حين أشرفتم
من العقبة لم تبق شجرة ولا حجر إلا خر ساجدا ولا يسجدون إلا لنبي وانى أعرفه
بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة ثم رجع فصنع لهم طعاما فلما
أتاهم به كان هو في رعية الإبل قال أرسلوا إليه فأقبل وعليه غمامة فقال انظروا
إليه عليه غمامة تظله فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوه إلى فئ الشجرة فلما جلس
مال فئ الشجرة عليه فقال انظروا إلى فئ الشجرة مال عليه قال فبينما هو قائم
عليهم وهو يناشدهم ألا يذهبوا به إلى الروم فان الروم إن رأوه عرفوه بالصفة
فقتلوه فالتفت فإذا هو بسبعة نفر قد أقبلوا من الروم فاستقبلهم فقال ما جاء بكم
قالوا جئنا إن هذا النبي خارج في هذا الشهر فلم يبق طريق إلا بعث إليها ناس وإنا
أخبرنا خبره بعثنا إلى طريقك هذا قال لهم هل خلفتم خلفكم أحدا هو خير منكم
33

قالوا لا إنما اخترنا خيرة لطريقك هذا قال أفرأيتم أمرا أراد الله أن يقضيه هل
يستطيع أحد من الناس رده قالوا لا فتابعوه وأقاموا معه قال فأتاهم فقال أنشدكم
الله أيكم وليه قالوا أبو طالب فلم يزل يناشده حتى رده وبعث معه أبو بكر رضى
الله تعالى عنه بلالا وزوده الراهب من الكعك والزيت * حدثنا ابن حميد قال
حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن محمد بن عبد الله بن قيس بن مخرمة عن
الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب عن أبيه محمد بن علي عن جده علي بن أبي
طالب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما هممت بشئ مما كان أهل
الجاهلية يعملون به غير مرتين كل ذلك يحول الله بيني وبين ما أريد من ذلك ثم
ما هممت بسوء حتى أكرمني الله عز وجل برسالته فانى قد قلت ليلة لغلام من قريش
كان يرعى معي بأعلى مكة لو أبصرت لي غنمي حتى أدخل مكة فأسمر بها كما يسمر
الشباب فقال افعل فخرجت أريد ذلك حتى إذا جئت أول دار من دور مكة سمعت
عزفا بالدفوف والمزامير فقلت ما هذا قالوا فلان بن فلان تزوج بفلانة بنت فلان
فجلست أنظر إليهم فضرب الله على أذني فنمت فما أيقظني إلا مس الشمس قال فجئت
صاحبي فقال ما فعلت قلت ما صنعت شيئا ثم أخبرته الخبر قال ثم قلت له ليلة
أخرى مثل ذلك فقال افعل فخرجت فسمعت حين جئت مكة مثل ما سمعت حين
دخلت مكة تلك الليلة فجلست أنظر فضرب الله على أذني فوالله ما أيقظني إلا
مس الشمس فرجعت إلى صاحبي فأخبرته الخبر ثم ما هممت بعدها بسوء حتى
أكرمني الله عز وجل برسالته
ذكر تزويج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة رضي الله عنها
قال هشام بن محمد نكح رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة وهو ابن خمس
وعشرين سنة وخديجة يومئذ ابنة أربعين سنة * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة
عن ابن إسحاق قال كانت خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي
امرأة تاجرة ذات شرف ومال تستأجر الرجال في مالها وتضاربهم إياه بشئ
تجعله لهم منه وكانت قريش قوما تجارا فلما بلغها عن رسول الله صلى الله عليه
34

وسلم ما بلغها من صدق حديثه وعظم أمانته وكرم أخلاقه بعثت إليه فعرضت
عليه أن يخرج في مالها إلى الشأم تاجرا وتعطيه أفضل ما كانت تعطى غيره من
التجار مع غلام لها يقال له ميسرة فقبله منها رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج
في مالها ذلك وخرج معه غلامها ميسرة حتى قدما الشأم فنزل رسول الله صلى
الله عليه وسلم في ظل شجرة قريبا من صومعة راهب من الرهبان فاطلع الراهب
رأسه إلى ميسرة فقال من هذا الرجل الذي نزل تحت هذه الشجرة فقال له
ميسرة هذا رجل من قريش من أهل الحرم فقال له الراهب ما نزل تحت هذه
الشجرة قط إلا نبي ثم باع رسول الله صلى الله عليه وسلم سلعته التي خرج بها
واشترى ما أراد أن يشترى ثم أقبل قافلا إلى مكة ومعه ميسرة فكان ميسرة فيما يزعمون
إذا كانت الهاجرة واشتد الحريري ملكين يظلانه من الشمس وهو يسير على
بعيره فلما قدم مكة على خديجة بمالها باعت ما جاء به فأضعفت أو قريبا من
ذلك وحدثها ميسرة عن قول الراهب وعما كان يرى من إظلال الملكين إياه وكانت
خديجة امرأة حازمة لبيبة شريفة مع ما أراد الله بها من كرامته فلما أخبرها ميسرة
بما أخبرها بعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له فيما يزعمون يا ابن
عم إني قد رغبت فيك لقرابتك وسطتك في قومك وأمانتك وحسن خلقك
وصدق حديثك ثم عرضت عليه نفسها وكانت خديجة يومئذ أوسط نساء قريش
نسبا وأعظمهن شرفا وأكثرهن مالا كل قومها كان حريصا على ذلك منها لو يقدر
عليها فلما قالت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك لأعمامه فخرج معه حمزة
ابن عبد المطلب عمه حتى دخل على خويلد بن أسد فخطبها إليه فتزوجها فولدت له ولده
كلهم إلا إبراهيم: زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة والقاسم وبه كان يكنى صلى الله
عليه وسلم والطاهر والطيب فأما القاسم والطاهر والطيب فهلكوا في الجاهلية وأما بناته
فكلهن أدركن الاسلام فأسلمن وهاجرن معه صلى الله عليه وسلم * حدثني الحارث
قال حدثنا محمد بن سعد قال حدثنا محمد بن عمر قال حدثنا معمر وغيره عن ابن
شهاب الزهري وقد قال ذلك غيره من أهل البلدان خديجة إنما كانت استأجرت
35

رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلا آخر من قريش إلى سوق حباشة بتهامة
وكان الذي زوجها إياه خويلد وكان الذي مشت في ذلك مولاة مولدة من مولدات
مكة قال الحارث قال محمد بن سعد قال الواقدي فكل هذا غلط قال الواقدي
ويقولون أيضا إن خديجة أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تدعوه إلى نفسها
تعنى التزويج وكانت امرأة ذات شرف وكان كل قريش حريصا على نكاحها
قد بذلوا الأموال لو طمعوا بذلك فدعت أباها فسقته خمرا حتى ثمل ونحرت بقرة
وخلقته بخلوق وألبسته حلة حبرة ثم أرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في
عمومته فدخلوا عليه فزوجه فلما صحا قال ما هذا العقير وما هذا العبير وما هذا
الحبير قالت زوجتني محمد بن عبد الله قال ما فعلت إني أفعل هذا وقد خطبك أكابر
قريش فلم أفعل قال الواقدي وهذا غلط والثبت عندنا المحفوظ من حديث محمد
ابن عبد الله بن مسلم عن أبيه عن محمد بن جبير بن مطعم ومن حديث ابن أبي الزناد
عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ومن حديث ابن أبي حبيبة عن داود
ابن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس أن عمها عمرو بن أسد زوجها رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأن أباها مات قبل الفجار (قال أبو جعفر) وكان منزل
خديجة يومئذ المنزل الذي يعرف بها اليوم فيقال منزل خديجة فاشتراه معاوية
فيما ذكر فجعله مسجدا يصلى فيه الناس وبناه على الذي هو عليه اليوم لم يغير وأما
الحجر الذي على باب البيت عن يسار من يدخل البيت فإن رسول الله صلى الله
عليه وسلم كان يجلس تحته ويستتر به من الرمي إذا جاءه من دار أبى لهب ودار
عدى بن حمراء الثقفي خلف دار ابن علقمة والحجر ذراع وشبر في ذراع
ذكر باقي الاخبار عن الكائن من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
قبل أن ينبأ وما كان بين مولده ووقت نبوته من الاحداث في بلده
(قال أبو جعفر) قد ذكرنا قبل سبب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة
واختلاف المختلفين في ذلك ووقت نكاحه صلى الله عليه وسلم إياه وبعد السنة
36

التي نكحها فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم هدمت قريش الكعبة بعشر سنين
ثم بنتها وذلك في قول ابن إسحاق في سنة خمس وثلاثين من مولد رسول الله صلى
عليه وسلم وكان سبب هدمهم إياها فيما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن
إسحاق أن الكعبة كانت رضمة فوق القامة فأرادوا رفعها وتسقيفها وذلك أن نفرا
من قريش وغيرهم سرقوا كنز الكعبة وإنما كان يكون في بئر في جوف الكعبة
وكان أمر غزالي الكعبة فيما حدثت عن هشام بن محمد عن أبيه أن الكعبة كانت
رفعت حين غرق قوم نوح فأمر الله إبراهيم خليله عليه السلام وابنه إسماعيل
أن يعيدا بناء الكعبة على أسها الأول فأعادا بناءها كما أنزل في القرآن " وإذ يرفع
إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم " فلم
يكن له ولاة منذ زمن نوح عليه السلام وهو مرفوع ثم أمر الله عز وجل إبراهيم
أن ينزل ابنه إسماعيل البيت لما أراد الله من كرامة من أكرمه بنبيه محمد صلى الله
عليه وسلم فكان إبراهيم خليل الرحمن وابنه إسماعيل يليان البيت بعد عهد نوح
ومكة يومئذ بلاقع ومن حول مكة يومئذ جرهم والعماليق فنكح إسماعيل عليه
السلام امرأة من جرهم فقال في ذلك عمرو بن الحارث بن مضاض
وصاهرنا من أكرم الناس والدا * فأبناؤه منا ونحن الأصاهر
فولى البيت بعد إبراهيم إسماعيل وبعد إسماعيل نبت وأمه الجرهمية ثم مات نبت ولم
يكثر ولد إسماعيل فغلبت جرهم على ولاية البيت فقال عمرو بن الحارث بن مضاض
وكنا ولاة البيت من بعد نابت * نطوف بذاك البيت والخير ظاهر
فكان أول من ولى من جرهم البيت مضاض ثم وليته بعده بنوه كابرا عن كابر حتى
بغت جرهم بمكة واستحلوا حرمتها وأكلوا مال الكعبة الذي يهدى لها وظلموا
من دخل مكة ثم لم يتناهوا حتى جعل الرجل منهم إذا لم يجد مكانا يزنى فيه يدخل
الكعبة فزنى فزعموا أن أسافا بغى بنائلة في جوف الكعبة فمسخا حجرين وكانت
مكة في الجاهلية لا ظلم ولا بغى فيها ولا يستحل حرمتها ملك إلا هلك مكانه فكانت
تسمى الناسة وتسمى بكة كانت تبك أعناق البغايا إذا بغوا فيها والجبابرة قال ولما
37

لم تتناه جرهم عن بغيها وتفرق أولاد عمرو بن عامر من اليمن فانخزع بنو حارثة
ابن عمرو فأوطنوا تهامة سميت خزاعة وهم بنو عمرو بن ربيعة بن حارثة وأسلم
ومالك وملكان بنو أفصى بن حارثة فبعث الله على جرهم الرعاف والنمل فأفناهم
فاجتمعت خزاعة ليجلوا من بقى ورئيسهم عمرو بن ربيعة بن حارثة وأمه فهيرة
بنت عامر بن الحارث بن مضاض فاقتتلوا فلما أحس عامر بن الحارث بالهزيمة
خرج بغزالي الكعبة وحجر الركن يلتمس التوبة وهو يقول:
لأهم إن جرهما عبادك * الناس طرف وهم تلادك
بهم قديما عمرت بلادك
فلم تقبل توبته فالقى غزالي الكعبة وحجر الركن في زمزم ثم دفنها وخرج
من بقى من جرهم إلى أرض من أرض جهينة فجاءهم سيل أتى فذهب بهم فذلك
قول أمية بن أبي الصلت
وجرهم دمنوا تهماة في ال‍ * دهر فسالت بجمعهم إضم
وولى البيت عمرو بن ربيعة وقال بنو قصي بل وليه عمرو بن الحارث الغبشاني
وهو يقول
ونحن ولينا البيت من بعد جرهم * لنعمره من كل باغ وملحد
وقال: واد حرام طيره ووحشه * نحن ولاته فلا نغشه
وقال عامر بن الحارث
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا * أنيس ولم يسمر بمكة سامر
بلى نحن كنا أهلها فأبادنا * صروف الليالي والجدود العواثر
وقال: يا أيها الناس سيروا إن قصركم * أن تصبحوا ذات يوم لا تسيرونا
كنا أناسا كما كنتم فغيرنا * دهرا فأنتم كما كنا تكونونا
حثوا المطي وأرخوا من أزمتها * قبل الممات وقضوا ما تقضونا
يقول اعملوا لآخرتكم وافرغوا من حوائجكم في الدنيا فوليت خزاعة البيت
غير أنه كان في قبائل مضر ثلاث خلال الإجازة بالحج للناس من عرفة وكان
38

ذلك إلى الغوث بن مر وهو صوفة فكانت إذا كانت الإجازة قالت العرب
أجيزى صوفة والثانية الإفاضة من جمع غداة النحر إلى منى فكان ذلك إلى بنى
زيد بن عدوان فكان آخر من ولى ذلك منهم أبو سيارة عميلة بن الأعزل بن
خالد بن سعد بن الحارث بن وابش بن زيد والثالثة النسئ للشهور الحرم فكان
ذلك إلى القلمس وهو حذيفة بن فقيم بن عدي من بنى مالك بن كنانة ثم بنيه حتى
صار ذلك إلى آخرهم أبى ثمامة وهو جنادة بن عوف بن أمية بن قلع بن حذيفة
وقام عليه الاسلام وقد عادت الحرم إلى أصلها فأحكمها الله وأبطل النسئ فلما
كثرت معد تفرقت فذلك قول مهلهل
غنيت دارنا تهامة في الدهر * وفيها بنو معد حلولا
وأما قريش فلم يفارقوا مكة فلما حفر عبد المطلب زمزم وجد الغزالين
غزالي الكعبة اللذين كانت جرهم دفنتهما فيه فاستخرجهما وكان من أمره وأمرهما
ما قد ذكرت في موضع ذلك فيما مضى من هذا الكتاب قبل (رجع الحديث
إلى حديث ابن إسحاق) قال وكان الذي وجد عنده الكنز دويك مولى لبنى مليح
ابن عمرو من خزاعة فقطعت قريش يده من بينهم وكان ممن اتهم في ذلك الحارث
ابن عامر بن نوفل وأبو إهاب بن عزيز بن قيس بن سويد التميمي وكان أخا الحارث
ابن عامر بن نوفل بن عبد مناف لامه وأبو لهب بن عبد المطلب وهم الذين تزعم
قريش انهم وضعوا كنز الكعبة حين أخذوه عند دويك مولى بنى مليح فلما
اتهمتهم قريش دلوا على دويك فقطع ويقال هم وضعوه عنده وذكروا أن قريشا
حين استيقنوا بأن ذلك كان عند الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف
خرجوا به إلى كاهنة من كهان العرب فسجعت عليه من كهانتها بأن لا يدخل
مكة عشر سنين بما استحل من حرمة الكعبة فزعموا أنهم أخرجوه من مكة
فكان فيما حولها عشر سنين وكان البحر قد رمى بسفينة إلى جدة لرجل من
تجار الروم فتحطمت فأخذوا خشبها فأعدوه لسقفها وكان بمكة رجل قبطي
نجار فتهيأ لهم في أنفسهم بعض ما يصلحها وكانت حية تخرج من بئر الكعبة
39

التي يطرح فيها ما يهدى لها كل يوم فتشرف على جدار الكعبة فكانوا يهابونها وذلك
أنه كان لا يدنو منها أحد إلا احزالت وكشت وفتحت فاها فبينا هي يوما تشرف
على جدار الكعبة كما كانت تصنع بعث الله عليها طائرا فاختطفها فذهب بها
فقالت قريش إنا لنرجو أن يكون الله عز وجل قد رضى ما أردنا عندنا
عامل رفيق وعندنا خشب وقد كفانا الله الحية وذلك بعد الفجار بخمس عشرة
سنة ورسول الله صلى الله عليه وسلم عامئذ ابن خمس وثلاثين سنة فلما أجمعوا
أمرهم في هدمها وبنائها قام أبو وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم فتناول
من الكعبة حجرا فوثب من يده حتى رجع إلى موضعه فقال يا معشر قريش
لا تدخلوا في بنيانها من كسبكم إلا طيبا ولا تدخلوا فيها مهر بغى ولا بيع
ربا ولا مظلمة أحد من الناس قال والناس ينحلون هذا الكلام الوليد بن المغيرة
حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثنا محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي
نجيح المكي أنه حدث عن عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف أنه رأى ابنا
لجعدة بن هبيرة بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم يطوف
بالبيت فسأل عنه فقيل له هذا ابن لجعدة بن هبيرة فقال عند ذلك عبد الله بن صفوان
جد هذا يعنى أبا وهب الذي أخذ من الكعبة حجرا حين اجتمعت قريش
لهدمها فوثب من يده حتى رجع إلى موضعه فقال عند ذلك يا معشر قريش
لا تدخلوا في بنيانها من كسبكم إلا طيبا لا تدخلوا فيها مهر بغى ولا بيع ربا
ولا مظلمة أحد وأبو وهب خال أبى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان شريفا
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثنا محمد بن إسحاق قال ثم إن قريشا
تجزأت الكعبة فكان شق الباب لبنى عبد مناف وزهرة وكان ما بين الركن
الأسود والركن اليماني لبنى مخزوم وتيم وقبائل من قريش ضموا إليهم وكان ظهر
الكعبة لبنى جمح وبنى سهم وكان شق الحجر وهو الحطيم لبنى عبد الدار بن قصي
ولبنى أسد بن عبد العزى بن قصي وبنى عدى بن كعب ثم إن الناس هابوا هدمها
وفرقوا منه فقال الوليد بن المغيرة أنا أبدأكم في هدمها فأخذ المعول ثم قام عليها
40

وهو يقول اللهم لم ترع اللهم لا نريد إلا الخير ثم هدم من ناحية الركنين فتربص
الناس به تلك الليلة وقالوا ننظر فإن أصيب لم نهدم منها شيئا ورددناها كما كانت
وإن لم يصبه شئ فقد رضى الله ما صنعنا هدمنا فأصبح الوليد من ليلته غاديا على
عمله فهدم والناس معه حتى انتهى الهدم إلى الأساس فأفضوا إلى حجارة خضر
كأنها أسنة آخذ بعضها ببعض * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثنا محمد
ابن إسحاق عن بعض من يروى الحديث أن رجلا من قريش ممن كان يهدمها أدخل
عتلة بين حجرين منها ليقلع بها أحدهما فلما تحرك الحجر انتقضت مكة بأسرها فانتهوا
عند ذلك إلى الأساس قال ثم إن القبائل جمعت الحجارة لبنائها جعلت كل قبيلة
تجمع على حدتها ثم بنوا حتى إذا بلغ البنيان موضع الركن اختصموا فيه كل قبيلة
تريد أن ترفعه إلى موضعه دون الأخرى حتى تحاوزوا وتحالفوا وتواعدوا للقتال
فقربت بنو عبد الدار جفنة مملوءة دما ثم تعاقدوا هم وبنو عدى بن كعب على الموت
وأدخلوا أيديهم في ذلك الدم في الجفنة فسموا لعقة الدم بذلك فمكثت قريش أربع
ليال أو خمس ليال على ذلك ثم إنهم اجتمعوا في المسجد فتشاوروا وتناصفوا
فزعم بعض الرواة أن أبا أمية بن المغيرة كان عامئذ أسن قريش كلها قال يا معشر قريش
اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه أول من يدخل من باب هذا المسجد يقضى بينكم
فيه فكان أول من دخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأوه قالوا هذا
الأمين قد رضينا به هذا محمد فلما انتهى إليهم وأخبروه الخبر قال هلم لي ثوبا فأتى
به فأخذ الركن فوضعه فيه بيده ثم قال لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه
جميعا ففعلوا حتى إذا بلغوا به موضعه وضعه بيده ثم بنى عليه وكانت قريش تسمى
رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن ينزل عليه الوحي الأمين (قال أبو جعفر)
وكان بناء قريش الكعبة بعد الفجار بخمس عشرة سنة وكان بين عام الفيل وعام
الفجار عشرون سنة * واختلف السلف في سن رسول الله صلى الله عليه وسلم
حين نبي كم كانت فقال بعضهم نبي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما بنت قريش
الكعبة بخمس سنين وبعد ما تمت له من مولده أربعون سنة
41

ذكر من قال ذلك
* حدثني محمد بن خلف العسقلاني قال حدثنا آدم قال حدثنا حماد بن سلمة
قال حدثنا أبو جمرة الضبعي عن ابن عباس قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
لأربعين سنة * حدثنا عمرو بن علي وابن المثنى قالا حدثنا يحيى بن محمد بن قيس
قال سمعت ربيعة بن أبي عبد الرحمن يذكر عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم بعث على رأس أربعين * حدثنا العباس بن الوليد قال أخبرني أبي
قال حدثنا الأوزاعي قال حدثني ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال حدثني أنس بن مالك
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث على رأس أربعين * حدثني ابن عبد الرحيم
البرقي قال حدثنا عمرو بن أبي سلمة عن الأوزاعي قال حدثني ربيعة بن أبي عبد الرحمن
قال حدثني أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث على رأس أربعين
* حدثني أبو شرحبيل الحمصي قال حدثني أبو اليمان قال حدثنا إسماعيل بن عياش عن
يحيى بن سعيد عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أنس بن مالك قال أنزل على النبي صلى الله
عليه وسلم وهو ابن أربعين * حدثنا ابن المثنى قال حدثنا الحجاج بن المنهال قال حدثنا حماد
قال حدثنا عمرو بن دينار عن عروة بن الزبير قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو ابن أربعين * حدثنا ابن المثنى قال حدثنا الحجاج عن حماد قال أخبرنا عمرو
عن يحيى بن جعدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة إنه كان يعرض
على القرآن كل عام مرة وإنه قد عرض على العام مرتين وإنه قد خيل إلى أن
أجلى قد حضر وإن أول أهلي لحاقا بي أنت وانه لم يبعث نبي إلا بعث الذي بعده
بنصف من عمره وبعث عيسى لأربعين وبعثت لعشرين * حدثني عبيد بن محمد
الوراق قال حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا هشام قال حدثنا عكرمة عن ابن عباس
قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لأربعين سنة فمكث بمكة ثلاث عشرة سنة
* حدثنا أبو كريب قال حدثنا أبو أسامة ومحمد بن ميمون الزعفراني عن هشام
ابن حسان عن عكرمة عن ابن عباس قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأنزل عليه وهو ابن أربعين سنة فمكث بمكة ثلاث عشرة سنة * وقال آخرون
42

بل نبي حين نبي وهو ابن ثلاث وأربعين سنة
ذكر من قال ذلك
* حدثنا أحمد بن ثابت الرازي قال حدثنا أحمد قال حدثنا يحيى بن سعيد عن
هشام عن عكرمة عن ابن عباس قال أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن
ثلاث وأربعين سنة * حدثنا ابن حميد قال حدثنا جرير عن يحيى بن سعيد عن
سعيد بن المسيب قال أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي وهو ابن ثلاث
وأربعين سنة * حدثنا ابن المثنى قال حدثنا عبد الوهاب قال حدثنا يحيى بن سعيد
قال سمعت سعيدا يعنى ابن المسيب يقول أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم
الوحي وهو ابن ثلاث وأربعين سنة
ذكر اليوم الذي نبي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم
من الشهر الذي نبي فيه وما جاء في ذلك
قال أبو جعفر صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما حدثنا به ابن
المثنى قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن غيلان بن جرير أنه سمع عبد الله
ابن معبد الزماني عن أبي قتادة الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
سئل عن صوم الاثنين فقال ذلك يوم ولدت فيه ويوم بعثت فيه أو أنزل على فيه
* حدثنا أحمد بن منصور قال حدثنا الحسن بن موسى الأشيب قال حدثنا أبو هلال
قال حدثنا غيلان بن جرير المعولي قال حدثنا عبد الله بن معبد الزماني عن أبي
قتادة عن عمر رحمه الله أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم يا نبي الله صوم يوم
الاثنين قال ذاك يوم ولدت فيه ويوم أنزلت على فيه النبود * حدثنا إبراهيم ابن
سعيد قال حدثنا موسى بن داود عن ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران عن حنش
الصنعاني عن ابن عباس قال ولد النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين واستنبئ
يوم الاثنين (قال أبو جعفر) وهذا مما لا خلاف فيه بين أهل العلم واختلفوا
في أي الاثانين كان ذلك فقال بعضهم نزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه
43

وسلم لثماني عشرة خلت من رمضان.
ذكر من قال ذلك
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن الحسن
ابن دينار عن أيوب عن أبي قلابة عبد الله بن زيد الجرمي أنه كان يقول فيما بلغه
وانتهى إليه من العلم أنزل الفرقان على رسول الله صلى الله عليه وسلم لثماني عشرة
ليلة خلت من رمضان * وقال آخرون بل أنزل لأربع وعشرين ليلة خلت منه
ذكر من قال ذلك
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق قال حدثني من
لا يتهم عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بن دعامة السدوسي عن أبي الجلد
قال نزل الفرقان لأربع وعشرين ليلة خلت من رمضان * وقال آخرون بل نزل
لسبع عشرة خلت من شهر رمضان واستشهدوا لتحقيق ذلك بقول الله عز وجل
(وما أنزلنا على عبد نا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان) وذلك ملتقى رسول الله صلى
الله عليه وسلم والمشركين ببدر وأن التقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم
والمشركين ببدر كان صبيحة سبع عشرة من رمضان * قال أبو جعفر وكان رسول الله
صلى الله عليه وسلم من قبل أن يظهر له جبريل عليه السلام برسالة الله عز وجل
إليه فيما ذكر عنه يرى ويعاين آثارا وأسبابا من يريد الله أكرامه
واختصاصه بفضله فكان من ذلك ما قد ذكرت فيما مضى من خبره عن الملكين
اللذين أتياه فشقا بطنه واستخرجا ما فيه من الغل والدنس وهو عند أمه من
الرضاعة حليمة ومن ذلك أنه كان إذا مر في طريق لا يمر فيما ذكر عنه بشجر ولا
حجر فيه إلا سلم عليه * حدثني الحارث بن محمد قال حدثنا محمد بن سعد قال أخبرنا
محمد بن عمر قال حدثنا علي بن محمد بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن
منصور بن عبد الرحمن عن أمه عن برة بنت أبي تجراة قالت إن رسول الله صلى
الله عليه وسلم حين أراد الله كرامته وابتداءه بالنبوة كان إذا خرج لحاجته أبعد
حتى لا يرى بيتا ويفضى إلى الشعاب وبطون الأودية فلا يمر بحجر ولا شجرة إلا
44

قالت السلام عليك يا رسول الله فكان يلتفت عن يمينه وشماله وخلفه فلا يرى
أحدا (قال أبو جعفر) وكانت الأمم تتحدث بمبعثه وتخبر علماء كل أمة منها
قومها بذلك وقد حدثني الحارث قال حدثنا محمد بن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر
قال حدثني علي بن عيسى الحكمي عن أبيه عن عامر بن ربيعة قال سمعت زيد
ابن عمرو بن نفيل يقول أنا أنتظر نبيا من ولد إسماعيل ثم من بنى عبد المطلب
ولا أراني أدركه وأنا أو من به وأصدقه وأشهد أنه نبي فان طالت بك مدة فرأيته
فأقرئه منى السلام وسأخبرك ما نعته حتى لا يخفى عليك قلت هلم قال هو رجل
ليس بالقصير ولا بالطويل ولا بكثير الشعر ولا بقليله وليست تفارق عينيه حمرة
وخاتم النبوة بين كتفيه واسمه أحمد وهذا البلد مولده ومبعثه ثم يخرجه قومه
منها ويكرهون ما جاء به حتى يهاجر إلى يثرب فيظهر أمره فإياك أن تخدع عنه
فانى طفت البلاد كلها لطلب دين إبراهيم فكل من أسأل من اليهود والنصارى
والمجوس يقولون هذا الدين وراءك وينعتونه مثل ما نعته لك ويقولون لم يبق نبي
غيره قال عامر فلما أسلمت أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم قول زيد بن عمرو
وأقرأته منه السلام فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ورحم عليه وقال قد
رأيته في الجنة يسحب ذيولا * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق
عن من لا يتهم عن عبد الله بن كعب مولى عثمان أنه حدث أن عمر بن الخطاب
بينا هو جالس في الناس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل رجل من
العرب داخل المسجد يريد عمر يعنى ابن الخطاب فلما نظر إليه عمر قال إن الرجل
لعلى شركه ما فارقه * أو لقد كان كاهنا في الجاهلية فسلم عليه الرجل ثم جلس
فقال له عمر هل أسلمت فقال نعم فقال هل كنت كاهنا في الجاهلية فقال الرجل
سبحان الله لقد استقبلتني بأمر ما أراك قلته لاحد من رعيتك منذ وليت فقال عمر
اللهم غفرا قد كنا في الجاهلية على شر من ذلك نعبد الأصنام ونعتنق الأوثان
حتى أكرمنا الله بالاسلام فقال نعم والله يا أمير المؤمنين لقد كنت كاهنا في الجاهلية
قال فأخبرنا ما أعجب ما جاءك به صاحبك قال جاءني قبل الاسلام بشهر أو سنة
45

فقال لي ألم تر إلى الجن وابلاسها وإياسها من دينها ولحوقها بالقلاص وأحلاسها
قال فقال عمر عند ذلك يحدث الناس والله إني لعند وثن من أوثان الجاهلية في نفر من
قريش قد ذبح له رجل من العرب عجلا فنحن ننظر قسمه ليقسم لنا منه إذ سمعت من
حوف العجل صوتا ما سمعت صوتا قط أنفذ منه وذلك قبل الاسلام بشهر أو سنة
يقول يا آل ذريح أمر نجيح رجل يصيح يقول لا إله إلا الله * حدثنا ابن حميد قال
حدثنا علي بن مجاهد عن ابن إسحاق عن الزهري عن عبد الله بن كعب مولى عثمان
ابن عفان مثله * حدثنا الحارث قال حدثنا محمد بن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر
قال حدثني محمد بن عبد الله عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعلم عن أبيه
قال كنا حلوسا عند صنم ببوانة قبل أن يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
بشهر نحرنا جزورا فإذا صائح يصيح من جوف واحدة اسمعوا إلى العجب
ذهب استراق الوحي ونرمى بالشهب لنبي بمكة اسمه أحمد مهاجره إلى يثرب قال
فأمسكنا وعجبنا وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم * حدثني أحمد بن سنان القطان
الواسطي قال حدثنا أبو معاوية قال حدثنا الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس
أن رجلا من بنى عامر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أرنى الخاتم الذي بين
كتفيك فإن بك بك طب داويتك فإني أطب العرب قال أتحب أن أريك آية
قال نعم ادع ذاك العذق قال فنظر إلى عذق في نخلة فدعاه فجعل ينقر حتى قام بين
يديه قال قل له فليرجع فرجع فقال العامري يا بنى عامر ما رأيت كاليوم أسحر
(قال أبو جعفر) والاخبار عن الدلالة على نبوته صلى الله عليه وسلم أكثر من
من أن تحصى ولذلك كتاب يفرد إن شاء الله ونرجع الآن إلى
ذكر الخبر عما كان من أمر نبي الله صلى الله عليه وسلم
عند ابتداء الله تعالى ذكره إياه بإكرامه بإرسال جبريل عليه السلام إليه بوحيه
(قال أبو جعفر) قد ذكرنا قبل بعض الأخبار الواردة عن أول وقت إتيان
مجئ جبريل نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم بالوحي من الله وكم كان سن النبي صلى الله
عليه وسلم يومئذ ونذكر الآن صفة ابتداء جبريل إياه بالمصير إليه وظهوره له
46

بتنزيل ربه * فحدثني أحمد بن عثمان المعروف بأبي الجوزاء قال حدثنا وهب بن جرير
قال حدثنا أبي قال سمعت النعمان بن راشد يحدث عن الزهري عن عروة عن عائشة
أنها قالت كان أول ما ابتدئ به رسول صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا
الصادقة كانت تجئ مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء فكان بغار بحراء يتحنث
فيه الليالي ذوات العدد قبل أن يرجع إلى أهله ثم يرجع إلى أهله فيتزود لمثلها حتى
فجأه الحق فأتاه فقال يا محمد أنت رسول الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
فجثوت لركبتي وأنا قائم ثم زحفت ترجف بوادري ثم دخلت على خديجة فقلت
زملوني زملوني حتى ذهب عنى الروع ثم أتاني فقال يا محمد أنت رسول الله قال
فلقد هممت أن أطرح نفسي من حالق من جبل فتبدى لي حين هممت بذلك فقال
يا محمد أنا جبريل وأنت رسول الله ثم قال اقرأ قلت ما اقرأ قال فأخذني فغتنى
ثلاث مرات حتى بلغ منى الجهد ثم قال اقرأ باسم ربك الذي خلق فقرأت فأتيت
خديجة فقلت لقد أشفقت على نفسي فأخبرتها خبري فقالت أبشر فوالله لا يخزيك
الله أبدا ووالله إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتؤدى الأمانة وتحمل الكل
وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق ثم انطلقت بي إلى ورقة بن نوفل بن أسد
قالت اسمع من ابن أخيك فسألني فأخبرته خبري فقال هذا الناموس الذي أنزل
على موسى بن عمران ليتني فيها جذع ليتني أكون حيا حين يخرجك قومك قلت
أمخرجي هم؟ قال نعم إنه لم يجئ رجل قط بما جئت به إلا عودي ولئن أدركني
يومك أنصرك نصرا مؤزرا ثم كان أول ما نزل على من القرآن بعد اقرأ ن والقلم
وما يسطرون ما أنت بنعمة ربك بمجنون وإن لك لاجرا غير ممنون وإنك
لعلى خلق عظيم فستبصر ويبصرون ويا أيها المدثر قم فأنذر والضحى والليل إذا
سجى * حدثني يونس بن عبد الاعلى قال أخبرنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن
ابن شهاب قال حدثني عروة أن عائشة أخبرته ثم ذكر نحوه غير أنه لم يقل ثم كان
من أول ما أنزل على من القرآن إلى آخره * حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب
قال حدثنا عبد الواحد بن زياد قال حدثنا سليمان الشيباني قال حدثنا عبد الله بن
47

شداد قال أتى جبريل محمدا صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد اقرأ فقال ما أقرأ قال
فغمه ثم قال يا محمد اقرأ قال ما أقرأ قال فغمه ثم قال يا محمد اقرأ قال وما أقرأ
قال اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق حتى بلغ علم الانسان ما لم
يعلم قال فجاء إلى خديجة فقال يا خديجة ما أراني إلا قد عرض لي قالت كلا والله
ما كان ربك يفعل ذلك بك ما أتيت فاحشة قط قال فأتت خديجة ورقة بن نوفل
فأخبرته الخبر فقال لئن كنت صادقة إن زوجك لنبي وليلقين من أمته شدة ولئن
أدركته لأومنن به قال ثم أبطأ عليه جبريل فقالت له خديجة ما أرى ربك إلا قد
قلاك قال فأنزل الله عز وجل والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال حدثني وهب بن كيسان
مولى آل الزبير قال سمعت عبد الله بن الزبير وهو يقول لعبيد بن عمير بن قتادة
الليثي حدثنا يا عبيد كيف كان بدء ما ابتدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من
النبوة حين جاء جبريل عليه السلام فقال عبيد وأنا حاضر يحدث عبد الله بن الزبير
ومن عنده من الناس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في حراء من كل سنة
شهرا وكان ذلك مما تحنث به قريش في الجاهلية والتحنث التبرر وقال أبو طالب *
وراق ليرقى في حراء ونازل * فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور ذلك
الشهر من كل سنة يطعم من جاء من المساكين فإذا قضى رسول الله صلى الله
عليه وسلم جواره من شهره ذلك كان أول ما يبدأ به إذا انصرف من جواره
الكعبة قبل أن يدخل بيته فيطوف بها سبعا أو ما شاء الله من ذلك ثم يرجع إلى
بيته حتى إذا كان الشهر الذي أراد الله عز وجل فيه ما أراد من كرامته
من السنة التي بعثه فيها وذلك في شهر رمضان خرج رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلى حراء كما كان يخرج لجواره معه أهله حتى إذا كانت الليلة التي أكرمه
الله فيها برسالته ورحم العباد بها جاءه جبريل بأمر الله فقال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم فجاءني وأنا نائم بنمط من ديباج فيه كتاب فقال اقرأ فقلت ما أقرأ
فغتني حتى ظننت أنه الموت ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ماذا أقرأ وما أقول ذلك
48

إلا افتداء منه أن يعود إلى بمثل ما صنع بي قال اقرأ باسم ربك الذي خلق إلى قوله
علم الانسان ما لم يعلم قال فقرأته قال ثم انتهى ثم انصرف عنى وهببت من
نومي وكأنما كتب في قلبي كتابا قال ولم يكن من خلق الله أحد أبغض إلى من
شاعر أو مجنون كنت لا أطيق أن أنظر إليهما قال قلت إن الابعد يعنى نفسه
لشاعر أو مجنون لا تحدث بها عني قريش أبدا لأعمدن إلى حالق من الجبل
فلأطرحن نفسي منه فلأقلنها فلأستريحن قال فخرجت أريد ذلك حتى إذا كنت
في وسط من الجبل سمعت صوتا من السماء يقول يا محمد أنت رسول الله وأنا
جبريل قال فرفعت رأسي إلى السماء فإذا جبريل في صورة رجل صاف قدميه في
أفق السماء يقول يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل قال فوقفت أنظر إليه وشغلني
ذلك عما أردت فما أتقدم وما أتأخر وجعلت أصرف وجهي عنه في آفاق السماء
فلا أنظر في ناحية منها إلا رأيته كذلك فما زلت واقفا ما أتقدم أمامي ولا أرجع
ورائي حتى بعثت خديجة رسلها في طلبي حتى بلغوا مكة ورجعوا إليها وأنا واقف
في مكاني ثم انصرف عنى وانصرفت راجعا إلى أهلي حتى أتيت خديجة فجلست
إلى فخذها مضيفا فقالت يا أبا القاسم أين كنت فوالله لقد بعثت رسلي في طلبك حتى
بلغوا مكة ورجعوا إلى قال قلت لها أن الابعد لشاعر أو مجنون فقالت أعيذك
بالله من ذلك يا أبا القاسم ما كان الله ليصنع ذلك بك ما أعلم منك من صدق
حديثك وعظم أمانتك وحسن خلقك وصلة رحمك وما ذاك يا ابن عم لعلك رأيت
شيئا قال فقلت لها نعم ثم حدثتها بالذي رأيت فقالت أبشر يا ابن عم وأثبت فوالذي
نفس خديجة بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة ثم قامت فجمعت عليها
ثيابها ثم انطلقت إلى ورقة بن نوفل بن أسد وهو ابن عمها وكان ورقة قد تنصر
وقرأ الكتب وسمع من أهل التوراة والإنجيل فأخبرته بما أخبرها به رسول الله
صلى الله عليه وآله أنه رأى وسمع فقال ورقة قدوس قدوس والذي نفس
ورقة بيده لئن كنت صدقتني يا خديجة لقد جاءه الناموس الأكبر يعنى بالناموس
جبريل عليه السلام الذي كان يأتي موسى وإنه لنبي هذه الأمة فقولي له فليثبت
49

فرجعت خديجة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبرته بقول ورقة
فسهل ذلك عليه بعض ما هو فيه من الهم فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم جواره وانصرف صنع كما كان يصنع بدأ بالكعبة فطاف بها فلقيه ورقة
ابن نوفل وهو يطوف بالبيت فقال يا ابن أخي أخبرني بما رأيت أو سمعت
فأخبره رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له ورقة والذي نفسي بيده
إنك لنبي هذه الأمة ولقد جاءك الناموس الأكبر الذي جاء إلى موسى ولتكذبنه
ولتؤذينه ولتخرجنه ولتقاتلنه ولئن أنا أدركت ذلك لأنصرن الله نصرا يعلمه ثم
أدنى رأسه فقبل يافوخه ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله
وقد زاده ذلك من قول ورقة ثباتا وخفف عنه بعض ما كان فيه من الهم
* فحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن إسماعيل بن أبي
حكيم مولى آل الزبير أنه حدث عن خديجة أنها قالت لرسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم فيما يثبته فيما أكرمه الله به من نبوته يا ابن عم أتستطيع أن تخبرني
بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك قال نعم قالت فإذا جاءك فأخبرني به فجاءه
جبريل عليه السلام كما كان يأتيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخديجة
يا خديجة هذا جبريل قد جاءني فقالت نعم فقم يا ابن عم فاجلس على فخذي
اليسرى فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجلس عليها قالت هل تراه قال
نعم قالت فتحول فاقعد على فخذي اليمنى فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم
فجلس عليها فقالت هل تراه قال نعم قالت فتحول فاجلس في حجري فتحول فجلس
في حجرها قالت هل تراه قال نعم فتحسرت فألقت خمارها ورسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم جالس في حجرها ثم قالت هل تراه قال لا فقالت يا ابن عم أثبت
وأبشر فوالله إنه لملك وما هو بشيطان * فحدثنا ابن حميد حدثنا سلمة قال
حدثني محمد بن إسحاق قال وحدثت بهذا الحديث عبد الله بن الحسن فقال قد سمعت
أمي فاطمة بنت الحسين تحدث بهذا الحديث عن خديجة إلا أنى قد سمعتها تقول
أدخلت رسول الله صلى الله عليه وسلم بينها وبين درعها فذهب عند ذلك جبريل
50

فقالت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن هذا لملك وما هو بشيطان * حدثنا
ابن المثنى قال حدثنا عثمان بن عمر بن فارس قال حدثنا علي بن المبارك عن يحيى
يعنى بن أبي كثير قال سألت أبا سلمة أي القرآن أنزل أول فقال يا أيها المدثر فقلت
يقولون اقرأ باسم ربك فقال أبو سلمة سألت جابر بن عبد الله أي القرآن أنزل
أول فقال يا أيها المدثر فقلت اقرأ باسم ربك الذي خلق فقال لا أخبرك إلا ما حدثنا
النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال جاورت في حراء فلما قضيت جواري هبطت
فاستبطنت الوادي فنوديت فنظرت عن يميني وعن شمالي وخلفي وقدامي فلم أر
شيئا فنظرت فوق رأسي فإذا هو جالس على عرش بين السماء والأرض فخشيت
منه قال ابن المثنى هكذا قال عثمان بن عمرو إنما هو فجئثت منه فلقيت خديجة
فقلت دثروني فدثروني وصبوا على ماء وانزل على يا أيها المدثر قم فأنذر
* حدثنا أبو كريب قال حدثنا وكيع عن علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير
قال سألت أبا سلمة عن أول ما نزل من القرآن قال نزلت يا أيها المدثر
أول قال قلت إنهم يقولون اقرأ باسم ربك الذي خلق فقال سألت جابر بن
عبد الله فقال لا أحدثك إلا ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم قال جاورت بحراء فلما قضيت جواري هبطت فسمعت صوتا فنظرت عن يميني
فلم أر شيئا وعن شمالي فلم أر شيئا ونظرت أمامي فلم أر شيئا ونظرت خلفي فلم أر شيئا
فرفعت رأسي فرأيت شيئا فأتيت خديجة فقلت دثروني وصبوا على الماء قال
فدثروني وصبوا على ماء باردا فنزلت يا أيها المدثر * وحدثت عن هشام بن
محمد قال أتى جبريل رسول الله صلى الله وسلم أول ما أتاه ليلة السبت وليلة
الاحد ثم ظهر له برسالة الله عز وجل يوم الاثنين فعلمه الوضوء وعلمه الصلاة
وعلمه اقرأ باسم ربك الذي خلق وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين
يوم أوحى إليه أربعون سنة * حدثني أحمد بن محمد بن حبيب الطوسي قال حدثنا
أبو داود الطيالسي قال أخبرنا جعفر بن عبد الله بن عثمان القرشي قال أخبرني
عمر بن عروة بن الزبير قال سمعت عروة بن الزبير يحدث عن أبي ذر الغفاري
51

قال قلت يا رسول الله كيف علمت أنك نبي أول ما علمت حتى علمت ذلك واستيقنت
قال يا أبا ذر أتاني ملكان وأنا ببعض بطحاء مكة فوقع أحدهما في الأرض
والاخر بين السماء والأرض فقال أحدهما لصاحبه أهو هو قال هو هو قال
فزنه برجل فوزنت برجل فرجحته ثم قال زنه بعشرة فوزنني بعشرة فرجحتهم ثم
قال زنه بمائة فوزنني بمائة فرجحتهم ثم قال زنه بألف فوزنني بألف فرجحتهم
فجعلوا ينتثرون علي من كفة الميزان قال فقال أحدهما للآخر لو وزنته بأمته
رجحها ثم قال أحدهما لصاحبه شق بطنه فشق بطني ثم قال أحدهما أخرج قلبه
أو قال شق قلبه فشق قلبي فأخرج منه مغمز الشيطان وعلق الدم فطرحها ثم قال
أحدهما للآخر أغسل بطنه غسل الإناء واغسل قلبه غسل الإناء أو اغسل قلبه
غسل الملاءة ثم دعا بالسكينة كأنها وجه هرة بيضاء فأدخلت قلبي ثم قال أحدهما
لصاحبه خط بطنه فخاطا بطني وجعلا الخاتم بين كتفي فما هو إلا أن وليا عنى
فكأنما أعاين الامر معاينة * حدثنا محمد بن عبد الاعلى قال حدثنا ابن ثور عن
معمر عن الزهري قال فتر الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فترة فحزن
حزنا شديدا جعل يغدو إلى رؤوس شواهق الجبال ليتردى منها فكلما أوفى بذروة
جبل تبدى له جبريل فيقول إنك نبي الله فيسكن لذلك جأشه وترجع إليه نفسه
فكان النبي صلى الله عليه وسلم يحدث عن ذلك قال فبينما أنا أمشى يوما إذ رأيت
الملك الذي كان يأتيني بحراء على كرسي بين السماء والأرض فجئثت منه رعبا
فرجعت إلى خديجة فقلت زملوني فزملناه أي دثرناه فأنزل الله عز وجل (يا أيها
المدثر قم فأنذر وربك فكبر ثيابك فطهر) قال الزهري فكان أول شئ
أنزل عليه اقرأ باسم ربك الذي خلق حتى بلغ ما لم يعلم * حدثني يونس بن عبد الاعلى
قال أخبرنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب قال أخبرني أبو سلمة بن
عبد الرحمن أن جابر بن عبد الله الأنصاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو يحدث عن فترة الوحي بينا أنا أمشى سمعت صوتا من السماء فرفعت رأسي
فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض قال رسول الله
52

صلى الله عليه وسلم فجئثت منه فرقا وجئت فقلت زملوني زملوني فدثروني فأنزل
الله عز وجل (يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر - إلى قوله -
والرجز فاهجر) قال ثم تتابع الوحي (قال أبو جعفر) فلما أمر الله عز وجل
نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يقوم بإنذار قومه عقاب الله على ما كانوا عليه
مقيمين من كفرهم بربهم وعبادتهم الآلهة والأصنام دون الذي خلقهم ورزقهم
وأن يحدث بنعمة ربه عليه بقوله (وأما بنعمة ربك فحدث) وذلك فيما زعم ابن
إسحاق النبوة * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق وأما بنعمة ربك
فحدث أي ما جاءك من الله من نعمته وكرامته من النبوة فحدث اذكرها وادع
إليها قال فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر ما أنعم الله عليه وعلى العباد
به من النبوة سرا إلى من يطمئن إليه من أهله فكان أول من صدقه وآمن به
واتبعه من خلق الله فيما ذكر زوجته خديجة رحمها الله * حدثني الحارث قال
حدثنا ابن سعد قال قال الواقدي أصحابنا مجمعون على أن أول أهل القبلة استجاب
لرسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد رحمها الله * قال أبو جعفر ثم
كان أول شئ فرض الله عز وجل من شرائع الاسلام عليه بعد الاقرار بالتوحيد
والبراءة من الأوثان والأصنام وخلع الأنداد الصلاة فيما ذكر * حدثنا ابن
حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق قال وحدثني بعض أهل العلم أن
الصلاة حين افترضت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتاه جبريل وهو
بأعلى مكة فهمز له بعقبه في ناحية الوادي فانفجرت منه عين فتوضأ جبريل عليه
السلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه ليريه كيف الطهور للصلاة ثم
توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رأى جبريل عليه السلام توضأ ثم
قام جبريل عليه السلام فصلى به وصلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بصلاته
ثم انصرف جبريل عليه السلام فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خديجة
فتوضأ لها يريها كيف الطهور للصلاة كما أراه جبريل عليه السلام فتوضأت
كما توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صلى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم
53

كما صلى به جبريل عليه السلام فصلت بصلاته * حدثنا ابن حميد قال حدثنا
هارون بن المغيرة وحكام بن سلم عن عنبسة عن أبي هاشم الواسطي عن ميمون
ابن سياه عن أنس بن مالك قال لما كان حين نبئ النبي صلى الله عليه وسلم وكان
ينام حول الكعبة وكانت قريش تنام حولها فأتاه ملكان جبريل وميكائيل
فقالا بأيهم أمرنا فقالا أمرنا بسيدهم ثم ذهبا ثم جاءا من القبلة وهم ثلاثة فألفوه
وهو نائم فقلبوه لظهره وشقوا بطنه ثم جاءوا بماء من ماء زمزم فغسلوا
ما كان في بطنه من شك أو شرك أو جاهلية أو ضلابة (1) ثم جاءوا بطست
من ذهب ملئ إيمانا وحكمة فملئ بطنه وجوفه إيمانا وحكمة ثم عرج به
إلى السماء الدنيا فاستفتح جبريل فقالوا من هذا فقال جبريل فقالوا من معك
فقال محمد قالوا وقد بعث قال نعم قالوا مرحبا فدعوا له في دعائهم فلما دخل فإذا
هو برجل جسيم وسيم فقال من هذا يا جبريل فقال هذا أبوك آدم ثم أتوا به إلى السماء
الثانية فاستفتح جبريل فقيل له مثل ذلك وقالوا في السماوات كلها كما قال وقيل له
في السماء الدنيا فلما دخل إذا برجلين فقال من هؤلاء يا جبريل فقال يحيى وعيسى
ابنا الخالة ثم أتى به السماء الثالثة فلما دخل إذا هو برجل فقال من هذا يا جبريل
قال هذا أخوك يوسف فضل بالحسن على الناس كما فضل القمر ليلة البدر على
الكواكب ثم أتى به السماء الرابعة فإذا هو برجل فقال من هذا يا جبريل فقال
هذا إدريس ثم قرأ (ورفعناه مكانا عليا) ثم أتى به السماء الخامسة فإذا هو برجل
فقال من هذا يا جبريل قال هذا هارون ثم أتى به السماء السادسة فإذا هو برجل
فقال من هذا يا جبريل فقال هذا موسى ثم أتى به السماء السابعة فإذا هو برجل
فقال من هذا يا جبريل قال هذا أبوك إبراهيم ثم انطلق إلى الجنة فإذا هو بنهر أشد
بياضا من اللبن وأحلى من العسل بجنبتيه قباب الدر فقال ما هذا يا جبريل فقال
هذا الكوثر الذي أعطاك ربك وهذه مساكنك قال وأخذ جبريل بيده من
تربته فإذا هو مسك أذفر ثم خرج إلى سدرة المنتهى وهى سدرة نبق أعظمها

(1) قوله ما كان في بطنه الخ: مثل هذا ليس في الصحيح وهو كما ترى لا يليق برسول الله صلى الله عليه وسلم
54

أمثال الجرار وأصغرها أمثال البيض فدنا ربك عز وجل (فكان قاب قوسين
أو أدنى) فجعل يتغشى السدرة من دنو ربها تبارك وتعالى أمثال الدر والياقوت
والزبرجد واللؤلؤ ألوان (فأوحى إلى عبده) وفهمه وعلمه وفرض عليه خمسين
صلاة فمر على موسى فقال ما فرض على أمتك فقال خمسين صلاة قال ارجع إلى
ربك فسله التخفيف لامتك فإن أمتك أضعف الأمم قوة وأقلها عمرا وذكر
ما لقى من بني إسرائيل فرجع فوضع عنه عشرا ثم مر على موسى فقال ارجع إلى
ربك فسله التخفيف كذلك حتى جعلها خمسا قال ارجع إلى ربك فسله التخفيف
فقال لست براجع غير عاصيك وقذف في قلبه أن لا يرجع فقال الله عز وجل
لا يبدل كلامي ولا يرد قضائي وفرضي وخفف عن أمتي الصلاة لعشر قال أنس
وما وجدت ويحا قط ولا ريح عروس قط أطيب ريحا من جلد رسول الله صلى
الله عليه وسلم ألزقت جلدي بجلده وشمته * قال أبو جعفر ثم اختلف السلف فيمن
اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمن به وصدقه على ما جاء به من عند الله من
الحق بعد زوجته خديجة بنت خويلد وصلى معه فقال بعضهم كان أول ذكر آمن
برسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى معه وصدقه بما جاءه من عند الله علي بن
أبي طالب عليه السلام
ذكر بعض من قال ذلك ممن حضرنا ذكره
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا إبراهيم بن المختار عن شعبة عن أبي بلج عن عمرو
ابن ميمون عن ابن عباس قال أول من صلى علي * حدثنا زكريا بن يحيى الضرير
قال حدثنا عبد الحميد بن بحر قال أخبرنا شريك عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن
جابر قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين وصلى علي يوم الثلاثاء * حدثنا ابن المثنى قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة
عن أبي حمزة عن زيد بن أرقم قال أول من أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
علي بن أبي طالب قال فذكرته للنخعي فأنكره وقال أبو بكر أول من أسلم
* حدثنا أبو كريب قال حدثنا وكيع عن شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي حمزة
55

مولى الأنصار عن زيد بن أرقم قال أول من أسلم مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم علي بن أبي طالب عليه السلام * حدثنا أبو كريب قال حدثنا عبيد بن سعيد
عن شعبة عن عمرو بن مرة قال سمعت أبا حمزة رجلا من الأنصار يقول سمعت
زيد بن أرقم يقول أول رجل صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم علي عليه
السلام * حدثنا أحمد بن الحسن الترمذي قال حدثنا عبيد الله بن موسى قال أخبرنا
العلاء عن المنهال بن عمرو عن عباد بن عبد الله قال سمعت عليا يقول أنا عبد الله
وأخو رسوله وأنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلا كاذب مفتر صليت مع
رسول الله قبل الناس بسبع سنين * حدثني محمد بن عبيد المحاربي قال حدثنا سعيد
بن خثيم عن أسد بن عبد ة البجلي عن يحيى بن عفيف عن عفيف قال جئت في
الجاهلية إلى مكة فنزلت على العباس بن عبد المطلب قال فلما طلعت الشمس وحلقت
في السماء وأنا أنظر إلى الكعبة أقبل شاب فرمى ببصره إلى السماء ثم استقبل
الكعبة فقام مستقبلها فلم يلبث حتى جاء غلام فقام عن يمينه قال فلم يلبث حتى
جاءت امرأة فقامت خلفهما فركع الشاب فركع الغلام والمرأة فرفع الشاب فرفع
الغلام والمرأة فخر الشاب ساجدا فسجدا معه فقلت يا عباس أمر عظيم فقال أمر
عظيم أتدري من هذا فقلت لا قال هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن أخي
أتدري من هذا معه قلت لا قال هذا علي بن أبي طالب بن عبد المطلب ابن أخي
أتدري من هذه المرأة التي خلفهما قلت لا قال هذه خديجة بنت خويلد زوجة ابن
أخي وهذا حدثني إن ربك رب السماء أمرهم بهذا الذي تراهم عليه وأيم الله ما أعلم
على ظهر الأرض كلها أحدا على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة * حدثنا أبو كريب
قال حدثنا يونس بن بكير قال حدثنا محمد بن إسحاق قال حدثني يحيى بن أبي الأشعث
الكندي من أهل الكوفة قال حدثني إسماعيل بن اياس بن عفيف عن أبيه عن
جده قال كنت امرءا تاجرا فقدمت أيام الحج فأتيت العباس فبينا نحن عنده إذ
خرج رجل يصلى فقام تجاه الكعبة ثم خرجت امرأة فقامت معه تصلى وخرج
غلام فقام يصلى معه فقلت يا عباس ما هذا الدين إن هذا الدين ما أدرى ما هو
56

قال هذا محمد بن عبد الله يزعم أن الله أرسله به وأن كنوز كسرى وقيصر ستفتح
عليه وهذه امرأته خديجة بنت خويلد آمنت به وهذا الغلام ابن عمه علي بن أبي طالب
آمن به قال عفيف فليتني كنت آمنت يومئذ فكنت أكون ثالثا * حدثنا ابن حميد
قال حدثنا سلمة بن الفضل وعلي بن مجاهد قال سلمة حدثني محمد بن إسحاق عن يحيى
ابن أبي الأشعث قال أبو جعفر وهو في موضع آخر من كتابي عن يحيى بن الأشعث
عن إسماعيل بن اياس بن عفيف الكندي وكان عفيف أخا الأشعث بن قيس
الكندي لامه وكان ابن عمه عن أبيه عن جده عفيف قال كان العباس بن عبد المطلب
لي صديقا وكان يختلف إلى اليمن يشترى العطر فيبيعه أيام الموسم فبينا أنا عند
العباس بن عبد المطلب بمنى فاتاه رجل مجتمع فتوضأ فأسبغ الوضوء ثم قام يصلى
فخرجت امرأة فتوضأت وقامت تصلى ثم خرج غلام قد راهق فتوضأ ثم قام إلى
جنبه يصلى فقلت ويحك يا عباس ما هذا قال هذا ابن أخي محمد بن عبد الله بن عبد
المطلب يزعم أن الله بعثه رسولا وهذا ابن أخي علي بن أبي طالب قد تابعه على دينه
وهذه امرأته خديجة ابنة خويلد قد تابعته على دينه قال عفيف بعد ما أسلم ورسخ
الاسلام في قلبه يا ليتني كنت رابعا * حدثنا ابن حميد قال حدثنا عيسى بن سوادة
ابن الجعد قال حدثنا محمد بن المنكدر وربيعة بن أبي عبد الرحمن وأبو حازم المدني
والكلبي قالوا علي أول من أسلم قال الكلبي أسلم وهو ابن تسع سنين * حدثنا ابن
حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال كان أول ذكر آمن برسول الله صلى الله
عليه وسلم وصلى معه وصدقه بما جاءه من عند الله علي بن أبي طالب وهو يومئذ
ابن عشر سنين وكان مما أنعم الله به على علي بن أبي طالب عليه السلام أنه كان في
حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الاسلام * حدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق قال فحدثني عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد بن جبر
أبى الحجاج قال كان من نعمة الله على علي بن أبي طالب وما صنع الله له وأراده
به من الخير أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة وكان أبو طالب ذا عيال كثير فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس عمه وكان من أيسر بني هاشم يا عباس ان
57

أخاك أبا طالب كثير العيال وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة فانطلق بنا
فلنخفف عنه من عياله آخذ من بنيه رجلا وتأخذ من بنيه رجلا فنكفهما عنه قال
العباس نعم انطلقا حتى أتيا أبا طالب فقالا إنا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى
ينكشف عن الناس ما هم فيه فقال لهما أبو طالب أذا تركتما لي عقيلا فاصنعا ما شئتما
فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا فضمه إليه وأخذ العباس جعفرا فضمه
إليه فلم يزل علي بن أبي طالب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بعثه الله نبيا
فاتبعه علي فآمن به وصدقه ولم يزل جعفر عند العباس حتى أسلم واستغنى عنه
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال فحدثني محمد بن إسحاق قال وذكر بعض
أهل العلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حضرت الصلاة خرج إلى
شعاب مكة وخرج معه علي بن أبي طالب مستخفيا من عمه أبى طالب وجميع
أعمامه وسائر قومه فيصليان الصلوات فيها فإذا أمسيا رجعا فمكثا كذلك ما شاء
الله أن يمكثا ثم إن أبا طالب عثر عليهما يوما وهما يصليان فقال لرسول الله
صلى الله عليه وسلم يا ابن أخي ما هذا الدين الذي أراك تدين به قال أي عم
هذا دين الله ودين ملائكته ودين رسله ودين أبينا إبراهيم أو كما قال بعثني
الله به رسولا إلى العباد وأنت يا عم أحق من بذلت له النصيحة ودعوته إلى
الهدى وأحق من أجابني إليه وأعانني عليه أو كما قال فقال أبو طالب يا ابن أخي
إني لا أستطيع إن أفارق ديني ودين آبائي وما كانوا عليه ولكن والله لا يخلص
إليك بشئ تكرهه ما حييت * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد
ابن إسحاق قال وزعموا أنه قال لعلي بن أبي طالب أي بنى ما هذا الدين الذي
أنت عليه قال يا أبه آمنت بالله وبرسوله وصدقته بما جاء به وصليت معه لله
فزعموا أنه قال له أما انه لا يدعوك إلا إلى خير فالزمه * حدثني الحارث قال
حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال أخبرنا إبراهيم بن نافع عن ابن أبي نجيح
عن مجاهد قال أسلم علي وهو ابن عشر سنين * قال الحارث قال ابن سعد قال الواقدي
واجتمع أصحابنا على أن عليا أسلم بعدما تنبئ رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنة فأقام
58

بمكة اثنتي عشرة سنة وقال آخرون أول من أسلم من الرجال أبو بكر رضي الله عنه
ذكر من قال ذلك
* حدثنا سهل بن موسى الرازي قال حدثنا عبد الرحمن بن مغراء عن
مجالد عن الشعبي قال قلت لابن عباس من أول الناس إسلاما فقال أما سمعت
قول حسان بن ثابت
إذا تذكرت شجوا من أخي ثقة * فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا
خير البرية أتقاها وأعدلها * بعد النبي وأوفاها بما حملا
الثاني التالي المحمود مشهده * وأول الناس منهم صدق الرسلا
* وحدثني سعيد بن عنبسة الرازي قال حدثنا الهيثم بن عدي عن مجالد
عن الشعبي عن ابن عباس نحوه * حدثنا ابن حميد قال حدثنا يحيى بن واضح قال
حدثنا الهيثم بن عدي عن مجالد عن الشعبي عن ابن عباس نحوه * حدثنا بحر بن
نصر الخولاني قال حدثنا عبد الله بن وهب قال أخبرني معاوية بن صالح قال
حدثني أبو يحيى وضمرة بن حبيب وأبو طلحة عن أبي أمامة الباهلي قال حدثني
عمرو بن عبسة قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بعكاظ
قلت يا رسول الله من تبعك على هذا الامر قال اتبعني عليه رجلان حر وعبد
أبو بكر وبلال قال فأسلمت عند ذلك قال فلقد رأيتني إذ ذاك ربع الاسلام
* حدثني ابن عبد الرحيم البرقي قال حدثنا عمرو بن أبي سلمة قال حدثنا صدقة
عن نصر بن علقمة عن أخيه عن ابن عائذ عن جبير بن نفير قال كان أبو ذر وابن
عبسة كلاهما يقول لقد رأيتني ربع الاسلام ولم يسلم قبلي إلا النبي وأبو بكر
وبلال كلاهما لا يدرى متى أسلم الآخر * حدثنا ابن حميد قال حدثنا جرير عن
مغيرة عن إبراهيم قال أول من أسلم أبو بكر * حدثنا أبو كريب قال حدثنا
وكيع قال حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة قال قال إبراهيم النخعي أبو بكر أول
من أسلم * وقال آخرون أسلم قبل أبى بكر جماعة
59

ذكر من قال ذلك
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا كنانة بن جبلة عن إبراهيم بن طهمان عن الحجاج
ابن الحجاج عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن محمد بن سعد قال قلت لأبي
أكان أبو بكر أو لكم اسلاما فقال لا ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين ولكن
كان أفضلنا اسلاما * وقال آخرون كان أول من آمن واتبع النبي صلى الله عليه
وسلم من الرجال زيد بن حارثة مولاه
ذكر من قال ذلك
* حدثني الحارث قال حدثنا محمد بن سعد قال قال الواقدي حدثني ابن أبي
ذؤيب قال سألت الزهري من أول من أسلم قال من النساء خديجة ومن
الرجال زيد بن حارثة * حدثني الحارث قال حدثنا محمد بن سعد قال أخبرنا محمد
ابن عمر قال حدثنا مصعب بن ثابت عن أبي الأسود عن سليمان بن يسار قال أول
من أسلم زيد بن حارثة * حدثني الحارث قال حدثنا محمد بن سعد قال أخبرنا محمد
يعنى ابن عمر قال حدثنا ربيعة بن عثمان عن عمران بن أبي أنس مثله * وحدثني
عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم قال حدثنا عبد الملك بن مسلمة قال حدثنا
ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة قال أول من أسلم زيد بن حارثة * وأما
ابن إسحاق فإنه قال في ذلك ما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عنه ثم أسلم زيد بن
حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أول ذكر أسلم وصلى بعد علي
ابن أبي طالب ثم أسلم أبو بكر بن أبي قحافة الصديق فلما أسلم أظهر اسلامه ودعا
إلى الله عز وجل وإلى رسوله قال وكان أبو بكر رجلا مألفا لقومه محببا سهلا
وكان أنسب قريش لقريش وأعلم قريش بها وبما كان فيها من خير أو شر وكان
رجلا تاجرا ذا خلق ومعروف وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد
من الامر لعلمه وتجارته وحسن مجالسته فجعل يدعو إلى الاسلام من وثق به من
قومه ممن يغشاه ويجلس إليه فأسلم على يديه فيما بلغني عثمان بن عفان والزبير بن
العوام وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله فجاء بهم
60

إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استجابوا له فاسلموا وصلوا فكان هؤلاء
الثمانية نفر الذين سبقوا إلى الاسلام فصلوا وصدقوا برسول الله صلى الله عليه
وسلم وآمنوا بما جاء به من عند الله ثم تتابع الناس في الدخول في الاسلام الرجال
منهم والنساء حتى فشا ذكر الاسلام بمكة وتحدث به الناس * وقال الواقدي في
ذلك ما حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد عنه اجتمع أصحابنا على أن أول أهل
القبلة استجاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد ثم اختلف
عندنا في ثلاثة نفر في أبى بكر وعلى وزيد بن حارثة أيهم أسلم أول قال وقال
الواقدي أسلم معهم خالد بن سعد بن العاص خامسا وأسلم أبو ذر قالوا رابعا أو
خامسا وأسلم عمرو بن عبسة السلمي فيقال رابعا أو خامسا قال فإنما اختلف عندنا
في هؤلاء النفر أيهم أسلم أول وفى ذلك روايات كثيرة قال فيختلف في الثلاثة
المتقدمين وفي هؤلاء الذين كتبنا بعدهم * حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد
قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني مصعب بن ثابت قال حدثنا أبو الأسود محمد
ابن عبد الرحمن بن نوفل قال كان اسلام الزبير بعد أبي بكر كان رابعا أو خامسا *
وأما ابن إسحاق فإنه ذكر ان خالد بن سعيد بن العاص وامرأته همينة بنت خلف
ابن أسعد بن عامر بن بياضة من خزاعة أسلما بعد جماعة كثيرة غير الذين ذكرتهم
بأسمائهم انهم كانوا من السابقين إلى الاسلام ثم إن الله عز وجل أمر نبيه محمدا
صلى الله عليه وسلم بعد مبعثه بثلاث سنين أن يصدع بما جاءه منه وأن يبادي
الناس بأمره ويدعو إليه فقال له اصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين وكان
قبل ذلك في السنين الثلاث من مبعثه إلى أن أمر باظهار الدعاء إلى الله مستسرا
مخفيا أمره صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه (وأنذر عشيرتك الأقربين واخفض
جناحك لمن اتبعك من المؤمنين فإن عصوك فقل إني برئ مما تعملون) قال
وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلوا ذهبوا إلى الشعاب فاستخفوا
من قومهم فبينا سعد بن أبي وقاص في نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
في شعب من شعاب مكة إذ ظهر عليهم نفر من المشركين وهم يصلون فناكروهم
61

وعابوا عليهم ما يصنعون حتى قاتلوهم فاقتتلوا فضرب سعد بن أبي وقاص يومئذ
رجلا من المشركين بلحى جمل فشجه فكان أول دم أهريق في الاسلام * فحدثنا
أبو كريب وأبو السائب قالا حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمرو بن مرة
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات
يوم الصفا فقال يا صباحاه فاجتمعت إليه قريش فقالوا مالك قال أرأيت إن أخبرتكم
أن العدو مصبحكم أو ممسيكم أما كنتم تصدقونني قالوا بلى قال فإني نذير لكم
بين يدي عذاب شديد فقال أبو لهب تبا لك ألهذا دعوتنا أو جمعتنا فأنزل الله عز
وجل (تبت يدا أبى لهب وتب) إلى آخر السورة * حدثنا أبو كريب قال حدثنا
أبو أسامة عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال
لما نزلت هذه الآية وأنذر عشيرتك الأقربين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم
حتى صعد الصفاف هتف يا صباحاه فقالوا من هذا الذي يهتف قالوا محمد فقال يا بنى فلان
يا بنى عبد المطلب يا عبد مناف فاجتمعوا إليه فقال أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا
تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي قالوا ما جربنا عليك كذبا قال فانى نذير لكم
بين يدي عذاب شديد فقال أبو لهب تبا لك ما جمعتنا إلا لهذا ثم قام فنزلت هذه
السورة تبت يدا أبى لهب وتب إلى آخر السورة * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة
قال حدثني محمد بن إسحاق عن عبد الغفار بن القاسم عن المنهال بن عمرو عن
عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب عن عبد الله
ابن عباس عن علي بن أبي طالب قال لما نزلت هذه الآية على رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأنذر عشيرتك الأقربين دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال لي يا علي إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين فضقت بذلك ذرعا وعرفت
أنى متى أباديهم بهذا الامر أرى منهم ما أكره فصمت عليه حتى جاءني جبريل
فقال يا محمد إنك إلا تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك فاصنع لنا صاعا من طعام
واجعل عليه رحل شاة واملا لنا عسا من لبن ثم أجمع لي بنى عبد المطلب حتى
أكلمهم وأبلغهم ما أمرت به ففعلت ما أمرني به ثم دعوتهم له وهم يومئذ أربعون
62

رجلا يزيدون رجلا أو ينقصونه فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو
لهب فلما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم فجئت به فلما وضعته تناول
ورسول الله صلى الله عليه وسلم حذية من اللحم فشقها بأسنانه ثم ألقاها في
نواحي الصفحة ثم قال خذوا بسم الله فأكل القوم حتى مالهم بشئ حاجة وما
أرى الا موضع أيديهم وأيم الله الذي نفس علي بيده وإن كان الرجل الواحد
منهم ليأكل ما قدمت لجميعهم ثم قال اسق القوم فجئتهم بذلك العس فشربوا منه
حتى رووا منه جميعا وأيم الله إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله فلما أراد
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكلمهم بدره أبو لهب إلى الكلام فقال لقد
ما سحركم صاحبكم فتفرق القوم ولم يكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
الغد يا علي إن هذا الرجل سبقني إلى ما قد سمعت من القول فتفرق القوم قبل أن
أكلمهم فعد لنا من الطعام بمثل ما صنعت ثم اجمعهم إلى * قال ففعلت ثم جمعتهم
ثم دعاني بالطعام فقربته لهم ففعل كما فعل بالأمس فأكلوا حتى ما لهم بشئ حاجة
ثم قال أسقهم فجئتهم بذلك العس فشربوا حتى رووا منه جميعا ثم تكلم رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال يا بنى عبد المطلب إني والله ما أعلم شابا في العرب جاء
قومه بأفضل مما قد جئتكم به إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة وقد أمرني
الله تعالى أن أدعوكم إليه فأيكم يوازرني على هذا الامر على أن يكون أخي ووصيي
وخليفتي فيكم قال فأحجم القوم عنها جميعا وقلت وإني لأحدثهم سنا وأرمصهم
عينا وأعظمهم بطنا وأحمشهم ساقا أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه فاخذ برقبتي
ثم قال إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا قال فقام القوم
يضحكون ويقولون لأبي طالب قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع * حدثني
زكرياء بن يحيى الضرير قال حدثنا عفان بن مسلم قال حدثنا أبو عوانة عن عثمان
ابن المغيرة عن أبي صادق عن ربيعة بن ناجد أن رجلا قال لعلي عليه السلام
يا أمير المؤمنين بم ورثت ابن عمك دون عمك فقال على هاؤم ثلاث مرات حتى
اشرأب الناس ونشروا آذانهم ثم قال جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أو دعا
63

رسول الله بنى عبد المطلب منهم رهطه كلهم يأكل الجذعة ويشرب الفرق قال
فصنع لهم مدا من طعام فأكلوا حتى شبعوا وبقى الطعام كما هو كأنه لم يمس قال
ثم دعا بغمر فشربوا حتى رووا وبقى الشراب كأنه لم يمس ولم يشربوا قال ثم قال
يا بنى عبد المطلب إني بعثت إليكم بخاصة وإلى الناس بعامة وقد رأيتم من هذا الامر
ما قد رأيتم فأيكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووارثي فلم يقم إليه أحد
فقمت إليه وكنت أصغر القوم قال فقال اجلس قال ثم قال ثلاث مرات كل
ذلك أقوم إليه فيقول لي اجلس حتى كان في الثالثة فضرب بيده على يدي قال فبذلك
ورثت ابن عمى دون عمى * فحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة حدثنا محمد بن إسحاق
عن عمرو بن عبيد عن الحسن بن أبي الحسن قال لما نزلت هذه الآية على رسول الله
صلى الله عليه وسلم (وأنذر عشيرتك الأقربين) قام رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالأبطح ثم قال يا بنى عبد المطلب يا بنى عبد مناف يا بنى قصي قال ثم فخذ قريش قبيلة
قبيلة حتى مر على آخرهم إني أدعوكم إلى الله وأنذركم عذابه * حدثنا الحارث قال
حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثنا جارية بن أبي عمران عن عبد الرحمن
ابن القاسم عن أبيه قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصدع بما
جاءه من عند الله وأن يبادي الناس بأمره وان يدعوهم إلى الله فكان يدعو
من أول ما نزلت عليه النبوة ثلاث سنين مستخفيا إلى أن أمر بالظهور للدعاء *
قال ابن إسحاق فيما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عنه فصدع رسول الله صلى الله
عليه وسلم بأمر الله وبادي قومه بالاسلام فلما فعل ذلك لم يبعد منه قومه ولم
يردوا عليه بعض الرد فيما بلغني حتى ذكر آلهتهم وعابها فلما فعل ذلك ناكروه
وأجمعوا على خلافه وعداوته إلا من عصم الله منهم بالاسلام وهم قليل مستخفون
وحدب عليه أبو طالب عمه ومنعه وقام دونه ومضى رسول الله صلى الله عليه
وسلم على أمر الله مظهرا لامره لا يرده عنه شئ فلما رأت قريش أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم لا يعتبهم من شئ أنكروه عليه من فراقهم وعيب آلهتهم
ورأوا أن أبا طالب قد حدب عليه وقام دونه فلم يسلمه لهم مشى رجال من أشراف
64

قريش إلى أبى طالب عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو البختري بن هشام
والأسود بن المطلب والوليد بن المغيرة وأبو جهل بن هشام والعاص بن وائل
ونبيه ومنبه ابنا الحجاج أو من مشى إليه منهم فقالوا يا أبا طالب إن ابن أخيك قد
سب آلهتنا وعاب ديننا وسفه أحلامنا وضلل آباءنا فاما أن تكفه عنا وإما أن
تخلى بيننا وبينه فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه فنكفيكه فقال لهم أبو طالب
قولا رفيقا وردهم ردا جميلا فانصرفوا عنه ومضى رسول الله صلى الله عليه
وسلم على ما هو عليه يظهر دين الله ويدعو إليه قال ثم سرى الامر بينه وبينهم
حتى تباعد الرجال وتضاغنوا وأكثرت قريش ذكر رسول الله صلى الله
عليه وسلم بينها وتذامروا فيه وحض بعضهم بعضا عليه ثم إنهم مشوا إلى أبى طالب
مرة أخرى فقالوا يا أبا طالب إن لك سنا وشرفا ومنزلة فينا وإنا قد استنهيناك
من ابن أخيك فلم تنهه عنا وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا
وتسفيه أحلامنا وعيب آلهتنا حتى تكفه عنا أو ننازله وإياك في ذلك حتى
يهلك أحد الفريقين أو كما قالوا ثم انصرفوا عنه فعظم على أبى طالب فراق قومه
وعداوتهم له ولم يطب نفسا بإسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ولا
خذلانه * حدثني محمد بن الحسين قال حدثنا أحمد بن المفضل قال حدثنا
أسباط عن السدى أن ناسا من قريش اجتمعوا فيهم أبو جهل بن هشام والعاص
ابن وائل والأسود بن المطلب والأسود بن عبد يغوث في نفر من مشيخة قريش
فقال بعضهم لبعض انطلقوا بنا إلى أبى طالب فنكلمه فيه فلينصفنا منه فيأمره
فليكف عن شتم آلهتنا وندعه وإلهه الذي يعبد فإنا نخاف أن يموت هذا الشيخ
فيكون منا شئ فتعيرنا العرب يقولون تركوه حتى إذا مات عمه تناولوه قال
فبعثوا رجلا منهم يدعى المطلب فاستأذن لهم على أبى طالب فقال هؤلاء مشيخة
قومك وسرواتهم يستأذنون عليك قال أدخلهم فلما دخلوا عليه قالوا يا أبا طالب
أنت كبيرنا وسيدنا فانصفنا من ابن أخيك فمره فليكف عن شتم آلهتنا وندعه
وإلهه قال فبعث إليه أبو طالب فلما دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم
65

قال يا ابن أخي هؤلاء مشيخة قومك وسرواتهم وقد سألوك النصف أن تكف
عن شتم آلهتهم ويدعوك وإلهك قال أي عم أو لا أدعوهم إلى ما هو خير لهم
منها قال وإلى ما تدعوهم قال ادعوهم إلى أن يتكلموا بكلمة تدين لهم بها العرب
ويملكون بها العجم قال فقال أبو جهل من بين القوم ما هي وأبيك لنعطينكها
وعشر أمثالها قال تقول لا إله إلا الله قال فنفروا وقالوا سلنا غير هذه فقال
لو جئتموني بالشمس حتى تضعوها في يدي ما سألتكم غيرها قال فغضبوا وقاموا
من عنده غضابى وقالوا والله لنشتمنك وإلهك الذي يأمرك بهذا (وانطلق الملا
منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا الشئ يراد - إلى قوله - إلا
اختلاق) وأقبل على عمه فقال له عمه يا ابن أخي ما شططت عليهم فأقبل على عمه
فدعاه فقال قل كلمة أشهد لك بها يوم القيامة تقول لا إله إلا الله فقال لولا
أن تعيبكم بها العرب يقولون جزع من الموت لأعطيتكها ولكن على ملة الأشياخ
قال فنزلت هذه الآية (إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء)
* حدثنا أبو كريب وابن وكيع قال حدثنا أبو أسامة قال حدثنا الأعمش قال
حدثنا عباد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما مرض أبو طالب دخل عليه
رهط من قريش فيهم أبو جهل فقال إن ابن أخيك يشتم آلهتنا ويفعل ويفعل
ويقول ويقول فلو بعثت إليه فنهيته فبعث إليه فجاء النبي صلى الله عليه وسلم
فدخل البيت وبينهم وبين أبى طالب قدر مجلس رجل قال فخشى أبو جهل إن
جلس إلى جنب أبى طالب أن يكون أرق له عليه فوثب فجلس في ذلك المجلس
ولم يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا قرب عمه فجلس عند الباب فقال
له أبو طالب أي ابن أخي ما بال قومك يشكونك يزعمون أنك تشتم آلهتهم
وتقول وتقول قال وأكثروا عليه من القول وتكلم رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال يا عم إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها تدين لهم بها العرب وتؤدى
إليهم بها العجم الجزية ففزعوا لكلمته ولقوله فقال القوم كلمة واحدة نعم وأبيك
عشرا قالوا فما هي فقال أبو طالب وأي كلمة هي يا ابن أخي قال لا إله الا الله قال
66

فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم وهم يقولون (أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا
لشئ عجاب) قال نزلت من هذا الموضع - إلى قوله - (لما يذوقوا عذاب) لفظ
الحديث لأبي كريب (رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق) فحدثنا ابن حميد
قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق قال فحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة
ابن الأخنس أنه حدث أن قريشا حين قالت لأبي طالب هذه المقالة بعث إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له يا ابن أخي إن قومك قد جاؤني فقالوا
لي كذا وكذا فأبق على وعلى نفسك ولا تحملني من الامر ما لا أطيق فظن رسول
الله صلى الله عليه وسلم انه قد بدا لعمه فيه بداء وانه خاذله ومسلمه وانه قد ضعف
عن نصرته والقيام معه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عماه لو وضعوا
الشمس في يميني والقمر في يسارى على أن أترك هذا الامر حتى يظهره الله أو
أهلك فيه ما تركته ثم استعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى ثم قام فلما
ولى ناداه أبو طالب فقال أقبل يا ابن أخي فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال اذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت فوالله لا أسلمك لشئ أبدا قال
ثم إن قريشا لما عرفت ان أبا طالب أبى خذلان رسول الله صلى الله عليه وسلم
واسلامه واجماعه لفراقهم في ذلك وعداوتهم مشوا إليه بعمارة بن الوليد
ابن المغيرة فقالوا له فيما بلغني يا أبا طالب هذا عمارة بن الوليد أنهد فتى في قريش
وأشعره وأجمله فخذه فلك عقله ونصرته واتخذه ولدا فهو لك وأسلم لنا ابن
أخيك هذا الذي قد خالف دينك ودين آبائك وفرق جماعة قومك وسفه
أحلامهم فنقتله فإنما رجل كرجل فقال والله لبئس ما تسومونني أتعطونني
ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه هذا والله ما لا يكون أبدا فقال المطعم
ابن عدي بن نوفل بن عبد مناف والله يا أبا طالب لقد أنصفك قومك وجهدوا
على التخلص مما تكرهه فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئا فقال أبو طالب للمطعم
والله ما أنصفوني ولكنك قد أجمعت خذلاني ومظاهرة القوم علي فاصنع ما بدا لك
أو كما قال أبو طالب قال فحقب الامر عند ذلك وحميت الحرب وتنابذ القوم وبادى
67

بعضهم بعضا قال ثم إن قريشا تذمروا على من في القبائل منهم من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أسلموا معه فوثبت كل قبيلة على من فيها
من المسلمين يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم ومنع الله رسوله منهم بعمه أبى طالب
وقد قام أبو طالب حين رأى قريشا تصنع ما تصنع في بني هاشم وبني المطلب
فدعاهم إلى ما هو عليه من منع رسول الله صلى الله عليه وسلم والقيام دونه
فاجتمعوا إليه وقاموا معه وأجابوا إلى ما دعاهم إليه من الدفع عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم الا ما كان من أبى لهب فلما رأى أبو طالب من يومه ما سره
من جدهم معه وحدبهم عليه جعل يمدحهم ويذكر فضل رسول الله صلى الله
عليه وسلم فيهم ومكانه ليشد لهم رأيهم * حدثنا علي بن نصر بن علي
الجهضمي وعبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث قال علي بن نصر حدثنا
عبد الصمد بن عبد الوارث وقال عبد الوارث حدثني أبي قال حدثنا أبان العطار
قال حدثنا هشام بن عروة عن عروة أنه كتب إلى عبد الملك بنى مروان * أما بعد
فإنه يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا قومه لما بعثه الله من الهدى والنور
الذي أنزل عليه لم يبعدوا منه أول ما دعاهم وكادوا يسمعون له حتى ذكر طواغيتهم
وقدم ناس من الطائف من قريش لهم أموال أنكروا ذلك عليه واشتدوا عليه
وكرهوا ما قال وأغروا به من أطاعهم فانصفق عنه عامة الناس فتركوه إلا من
حفظه الله منهم وهم قليل فكث بذلك ما قدر الله أن يمكث ثم ائتمرت رؤوسهم
بأن يفتنوا من تبعه عن دين الله من أبنائهم وإخوانهم وقبائلهم فكانت فتنة شديدة
الزلزال على من اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل الاسلام فافتتن من
أفتتتن وعصم الله منهم من شاء فلما فعل ذلك بالمسلمين أمرهم رسول الله صلى الله
عليه وسلم أن يخرجوا إلى أرض الحبشة وكان بالحبشة ملك صالح يقال له النجاشي
لا يظلم أحد بأرضه وكان يثنى عليه من ذلك صلاح وكانت أرض الحبشة متجرا
لقريش يتجرون فيها يجدون فيها رفاغا من الرزق وأمنا ومتجرا حسنا فأمرهم بها
رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب إليها عامتهم لما قهروا بمكة وخاف عليهم
68

الفتن ومكث هو فلم يبرح فمكث بذلك سنوات يشتدون على من أسلم منهم ثم إنه
فشا الاسلام فيها ودخل فيها رجال من أشرافهم (قال أبو جعفر) فاختلف
في عدد من خرج إلى ارض الحبشة وهاجر إليها هذه الهجرة وهى الهجرة الأولى
فقال بعضهم كانوا أحد عشر رجلا وأربع نسوة
ذكر من قال ذلك
* حدثنا الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثنا
يونس بن محمد الظفري عن أبيه عن رجل من قومه قال وأخبرنا عبيد الله بن العباس
الهذلي عن الحارث بن الفضيل قالا خرج الذين هاجروا الهجرة الأولى متسللين
سرا وكانوا أحد عشر رجلا وأربع نسوة حتى انتهوا إلى الشعيبة منهم الراكب
والماشي ووفق الله للمسلمين ساعة جاءوا سفينتين للتجار حملوهم فيهما إلى أرض
الحبشة بنصف دينار وكان مخرجهم في رجب من السنة الخامسة من حين نبئ رسول الله
صلى الله عليه وسلم وخرجت قريش في آثارهم حتى جاءوا البحر حيث ركبوا
فلم يدركوا منهم أحدا قالوا وقدمنا أرض الحبشة فجاورنا بها خير جار أمنا على ديننا
وعبدنا الله لا نؤذى ولا نسمع شيئا نكرهه * حدثني الحارث قال حدثنا محمد
ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني يونس بن محمد عن أبيه قال وحدثني
عبد الحميد عن محمد بن يحيى بن حبان قالا تسمية القوم الرجال والنساء عثمان بن
عفان معه امرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو حذيفة بن عتبة
ابن ربيعة معه امرأته سهلة بنت سهيل بن عمرو والزبير بن العوام بن خويلد
ابن أسد ومصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار وعبد الرحمن بن
عوف بن عبد عوف بن الحارث بن زهرة وأبو سلمة بن عبد الأسد بن هلال
ابن عبد الله بن عمر بن مخزوم معه امرأته أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة بن
عبد الله بن عمر بن مخزوم وعثمان بن مظعون الجمحي وعامر بن ربيعة العنزي
من عنز بن وائل ليس من عنزة حليف بنى عدى بن كعب معه امرأته ليلى بنت أبي
حثمة وأبو سبرة بن أبي رهم بن عبد العزى العامري وحاطب بن عمرو بن
69

عبد شمس وسهيل بن بيضاء من بنى الحارث بن فهر وعبد الله بن مسعود حليف
بنى زهرة (قال أبو جعفر) وقال آخرون كان الذين لحقوا بأرض الحبشة وهاجروا
إليها من المسلمين سوى أبنائهم الذين خرجوا بهم صغارا وولدوا بها اثنين وثمانين
رجلا إن كان عمار بن ياسر فيهم وهو يشك فيه
ذكر من قال ذلك
حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال لما رأى رسول الله
صلى الله عليه وسلم ما يصيب أصحابه من البلاء وما هو فيه من العافية بمكانه من الله
وعمه أبى طالب وأنه لا يقدر على أن يمنعهم مما هم فيه من البلاء قال لهم لو خرجتم
إلى أرض الحبشة فإن بها ملكا لا يظلم أحد عنده وهى أرض صدق حتى يجعل الله
لكم فرجا مما أنتم فيه فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلى أرض الحبشة مخافة الفتنة وفرارا إلى الله عز وجل بدينهم فكانت أول
هجرة كانت في الاسلام فكان أول من خرج من المسلمين من بنى أمية ابن عبد شمس
ابن عبد مناف عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية ومعه امرأته رقية ابنة رسول الله
صلى الله عليه وسلم ومن بنى عبد شمس أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس
ابن عبد مناف ومعه امرأته سهلة بنت سهيل بن عمرو أحد بنى عامر بن لؤي ومن
بنى أسد بن عبد العزى بن قصي بن الزبير بن العوام فعد النفر الذين ذكرهم الواقدي
غير أنه قال من بنى عامر بن لؤي بن غالب بن فهر أبو سبرة بن أبي رهم بن عبد العزى
ابن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي يقال بل أبو
حاطب بن عمر بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي قال
ويقال هو أول من قدمها فجعلهم ابن إسحاق عشرة وقال كان هؤلاء العشرة أول
من خرج من المسلمين إلى أرض الحبشة فيما بلغني قال ثم خرج جعفر بن أبي
طالب وتتابع المسلمون حتى اجتمعوا بأرض الحبشة فكانوا بها منهم
من خرج بأهله معه ومنهم من خرج بنفسه لا أهل معه ثم عد بعد ذلك تمام
اثنين وثمانين رجلا بالعشرة الذين ذكرت بأسمائهم ومن كان منهم معه أهله
وولده ومن ولد له بأرض الحبشة ومن كان منهم لا أهل له (قال أبو جعفر)
70

ولما خرج من خرج من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض الحبشة
مهاجرا إليها ورسول الله صلى الله عليه وسلم مقيم بمكة يدعو إلى الله سرا وجهرا
قد منعه الله بعمه أبى طالب وبمن استجاب لنصرته من عشيرته ورأت قريش
أنهم لا سبيل لهم إليه رموه بالسحر والكهانة والجنون وأنه شاعر وجعلوا
يصدون عنه من خافوا منه أن يسمع قوله فيتبعه فكان أشد ما بلغوا منه حينئذ
فيما ذكر ما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن يحيى بن
عروة بن الزبير عن أبيه عروة عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال قلت له ما أكثر
ما رأيت قريشا أصابت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كانت تظهر من
عداوته قال قد حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم يوما في الحجر فذكروا رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقالوا ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل قط سفه
أحلامنا وشتم آباءنا وعاب ديننا وفرق جماعتنا وسب آلهتنا لقد صبرنا منه على
أمر عظيم أو كما قال فبينا هم كذلك إذ طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل
يمشى حتى استلم الركن ثم مر بهم طائفا بالبيت فلما مر غمزوه ببعض القول
قال فعرفت ذلك في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مضى فلما مر بهم
الثانية غمزوه مثلها فعرفت ذلك في وجهه ثم مضى ثم مر بهم الثالثة فغمزوه
بمثلها فوقف فقال أتسمعون يا معشر قريش أما والذي نفس محمد بيده لقد
جئتكم بالذبح قال فأخذت القوم كلمته حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه
طائر واقع وحتى ان أشدهم فيه وصاة قبل ذلك ليرفأه بأحسن ما يجد من القول
حتى إنه ليقول انصرف يا أبا القاسم راشدا فوالله ما كنت جهولا قال فانصرف
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى إذا كان الغد اجتمعوا في الحجر وأنا
معهم فقال بعضهم لبعض ذكرتم ما بلغ منكم وما بلغكم عنه حتى إذا باداكم بما
تكرهون تركتموه فبينا هم كذلك إذ طلع رسول الله صلى الله عليه وآله
فوثبوا إليه وثبة رجل واحد وأحاطوا به يقولون له أنت الذي تقول كذا وكذا
لما يبلغهم من عيب آلهتهم ودينهم فيقول رسول الله صلى الله عليه وآله
71

نعم أنا الذي أقول ذلك قال فلقد رأيت رجلا منهم آخذا بجمع ردائه قال وقام
أبو بكر الصديق دونه يقول وهو يبكى ويلكم أتقتلون رجلا أن يقول ربى الله
ثم انصرفوا عنه فان ذلك أشد ما رأيت قريشا بلغت منه قط * حدثنا يونس بن
عبد الاعلى قال حدثنا بشر بن بكر قال حدثنا الأوزاعي قال حدثنا يحيى بن أبي
كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال قلت لعبد الله بن عمرو حدثني بأشد شئ
رأيت المشركين صنعوا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال أقبل عقبة بن أبي
معيط ورسول الله صلى الله عليه وسلم عند الكعبة فلوى ثوبه في عنقه وخنقه
خنقا شديدا فقام أبو بكر من خلفه فوضع يده على منكبه فدفعه عن رسول الله
صلى الله عليه وآله ثم قال أبو بكر يا قوم (أتقتلون رجلا أن يقول ربى الله - إلى
قوله - إن الله لا يهدى من هو مسرف كذاب) قال ابن إسحاق وحدثني رجل من
أسلم كان واعية أن أبا جهل بن هشام مر برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس
عند الصفا فآذاه وشتمه ونال منه بعض ما يكره من العيب لدينه والتضعيف له
فلم يكلمه رسول الله صلى الله عليه وآله ومولاة لعبد الله جدعان التيمي
في مسكن لها فوق الصفا تسمع ذلك ثم انصرف عنه فعمد إلى نادى قريش عند
الكعبة فجلس معهم فلم يلبث حمزة بن عبد المطلب أن أقبل متوشحا قوسه راجعا
من قنص له وكان صاحب قنص يرميه ويخرج له وكان إذا رجع من قنصه لم يصل
إلى أهله حتى يطوف بالكعبة وكان إذا فعل ذلك لم يمر على ناد من قريش إلا وقف
وسلم وتحدث معهم وكان أعز قريش وأشدها شكيمة فلما مر بالمولاة وقد قام
رسول الله صلى الله عليه وآله ورجع إلى بيته فقالت يا أبا عمارة لو رأيت
ما لقى ابن أخيك محمد آنفا قبل أن تأتى من أبى الحكم بن هشام وجده ههنا جالسا
فسبه وآذاه وبلغ منه ما يكره ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمد قال فاحتمل حمزة
الغضب لما أراد الله من كرامته فخرج سريعا لا يقف على أحد كما كان يصنع
يريد الطواف بالكعبة معدا لأبي جهل إذا لقيه أن يقع به فلما دخل المسجد
نظر إليه جالسا في القوم فأقبل نحوه حتى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه
72

بها ضربة فشجه بها شجة منكرة وقال أتشتمه وأنا على دينه أقول ما يقول فرد
ذلك على إن استطعت وقامت رجال بنى مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل منه
فقال أبو جهل دعوا أبا عمارة فإني والله لقد سببت ابن أخيه سبا قبيحا وتم
حمزة على إسلامه فلما أسلم حمزة عرفت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قد عز وأن حمزة سيمنعه فكفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض ما كانوا
ينالون منه * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال حدثني يحيى
ابن عروة بن الزبير عن أبيه قال كان أول من جهر بالقرآن بعد رسول الله
صلى الله عليه وسلم بمكة عبد الله بن مسعود قال اجتمع يوما أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا والله ما سمعت قريش بهذا القرآن يجهر لها به
قط فمن رجل يسمعهموه فقال عبد الله بن مسعود أنا قالوا إنا نخشاهم عليك إنما
نريد رجلا له عشيرة يمنعونه من القوم إن أرادوه فقال دعوني فإن الله سيمنعني
قال فغدا ابن مسعود حتى أتى المقام في الضحى وقريش في أنديتها حتى قام عند المقام
ثم قال (بسم الله الرحمن الرحيم - رافعا بها صوته - الرحمن علم القرآن خلق الانسان علمه
البيان) قال ثم استقبلها يقرأ فيها قال وتأملوا وجعلوا يقولون ما يقول ابن
أم عبد ثم قالوا إنه ليتلو بعض ما جاء به محمد فقاموا إليه فجعلوا يضربون في
وجهه وجعل يقرأ حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ ثم انصرف إلى أصحابه وقد أثروا
بوجهه فقالوا هذا الذي خشينا عليك قال ما كان أعداء الله أهون على منهم اليوم
لئن شئتم لأغادينهم غدا بمثلها قالوا لا حسبك فقد أسمعتهم ما يكرهون (قال
أبو جعفر) ولما استقر بالذين هاجروا إلى أرض الحبشة القرار بأرض النجاشي
واطمأنوا تآمرت قريش فيما بينها في الكيد بمن ضوي إليها من المسلمين فوجهوا
عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي إلى النجاشي مع
هدايا كثيرة أهدوها إليه وإلى بطارقته وأمروهما أن يسألا النجاشي تسليم من
قبله وبأرضه من المسلمين إليهم فشخص عمرو وعبد الله إليه في ذلك فنفذا لما
أرسلهما إليه قومهما فلم يصلا إلى ما أمل قومهما من النجاشي فرجعا مقبوحين
73

وأسلم عمر بن الخطاب رحمه الله فلما أسلم وكان رجلا جلدا جليدا منيعا وكان قد
أسلم قبل ذلك حمزة بن عبد المطلب ووجد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
في أنفسهم قوة وجعل الاسلام يفشو في القبائل وحمى النجاشي من ضوي إلى
بلده منهم اجتمعت قريش فائتمرت بينها أن يكتبوا بينهم كتابا يتعاقدون فيه على
ألا ينكحوا إلى بني هاشم وبني المطلب ولا ينكحوهم ولا يبيعوهم شيئا ولا يبتاعوا
منهم فكتبوا بذلك صحيفة وتعاهدوا وتواثقوا على ذلك ثم علقوا الصحيفة في
جوف الكعبة توكيدا بذلك الامر على أنفسهم فلما فعلت ذلك قريش انحازت
بنو هاشم وبنو المطلب إلى أبى طالب فدخلوا معه في شعبه واجتمعوا إليه في
شعبه وخرج من بني هاشم أبو لهب عبد العزى بن عبد المطلب إلى قريش وظاهرهم
عليه فأقاموا على ذلك من أمرهم سنتين أو ثلاثا حتى جهدوا لا يصل إلى أحد منهم
شئ إلا سرا مستخفيا به ممن أراد صلتهم من قريش وذكر أن أبا جهل لقى حكيم
ابن حزام بن خويلد بن أسد معه غلام يحمل قمحا يريد به عمته خديجة بنت خويلد
وهى عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه في الشعب فتعلق به وقال أتذهب
بالطعام إلى بني هاشم والله لا تبرح أنت وطعامك حتى أفضحك بمكة فجاء أبو البختري
ابن هشام بن الحارث بن أسد فقال مالك وله قال يحمل الطعام إلى بني هاشم فقال
له أبو البختري طعام لعمته عنده بعثت إليه أفتمنعه أن يأتيها بطعامها خل سبيل
الرجل فأبى أبو جهل حتى نال أحدهما من صاحبه فأخذ أبو البختري لحى بعير
فضربه فشجه ووطئه وطئا شديدا وحمزة بن عبد المطلب قريب يرى ذلك وهم
يكرهون أن يبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيشمتوا بهم ورسول
الله صلى الله عليه وسلم في كل ذلك يدعو قومه سرا وجهرا آناء الليل وآناء
النهار والوحي عليه من الله متتابع بأمره ونهيه ووعيد من ناصبه العداوة والحجج
لرسول الله صلى الله عليه وسلم على من خالفه فذكر أن أشراف قومه اجتمعوا
له يوما فيما حدثني محمد بن موسى الحرشي قال حدثنا أبو خلف عبد الله بن عيسى
قال حدثنا داود عن عكرمة عن ابن عباس أن قريشا وعدوا رسول الله صلى الله
74

عليه وسلم أن يعطوه مالا فيكون أغنى رجل بمكة ويزوجوه ما أراد من النساء
ويطؤا عقبه فقالوا هذا لك عندنا يا محمد وكف عن شتم آلهتنا فلا تذكرها بسوء
فإن لم تفعل فانا نعرض عليك خصلة واحدة فهي لك ولنا فيها صلاح قال ما هي
قالوا تعبد آلهتنا سنة اللات والعزى ونعبد إلهك سنة قال حتى أنظر ما يأتي من
عند ربى فجاء الوحي من اللوح المحفوظ قل (يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون)
السورة وأنزل الله عز وجل (قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون
- إلى قوله - بل الله فاعبد وكن من الشاكرين) * حدثني يعقوب بن
إبراهيم قال حدثنا ابن علية عن محمد بن إسحاق قال حدثني سعيد بن مينا مولى
أبى البختري قال لقى الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسود بن المطلب وأمية
ابن خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمد هلم فلنعبد ما تعبد وتعبد
ما نعبد ونشركك في أمرنا كله فإن كان الذي جئت به خيرا مما في أيدينا كنا قد
شركناك فيه وأخذنا بحظنا منه، وإن كان الذي بأيدينا خيرا مما في يدك كنت قد
شركتنا في أمرنا وأخذت بحظك منه فأنزل الله عز وجل قل يا أيها الكافرون
حتى انقضت السورة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصا على صلاح
قومه محبا مقاربتهم بما وجد إليه السبيل قد ذكر أنه تمنى السبيل إلى مقاربتهم
فكان من أمره في ذلك ما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن
إسحاق عن يزيد بن زياد المدني عن محمد بن كعب القرظي قال لما رأى رسول الله
صلى الله عليه وسلم تولى قومه عنه وشق عليه ما يرى من مباعدتهم ما جاءهم به من
الله تمنى في نفسه أن يأتيه من الله ما يقارب بينه وبين قومه وكان يسره مع حبه
قومه وحرصه عليهم أن يلين له بعض ما قد غلظ عليه من أمرهم حتى حدث بذلك
نفسه وتمناه وأحبه فأنزل الله عز وجل (والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم
وما غوى وما ينطق عن الهوى - فلما انتهى إلى قوله - أفرأيتم اللات والعزى
ومناة الثالثة الأخرى) ألقى الشيطان على لسانه لما كان يحدث به نفسه ويتمنى
أن يأتي به قومه تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن ترتضي فلما سمعت قريش
فرحوا وسرهم وأعجبهم ما ذكر به آلهتهم فأصاخوا له والمؤمنون مصدقون نبيهم
75

فيما جاءهم به عن ربهم ولا يتهمونه على خطأ ولا وهم ولا زلل فلما انتهى إلى السجدة
منها وختم السورة سجد فيها فسجد المسلمون بسجود نبيهم تصديقا لما جاء به واتباعا
لامره وسجد من في المسجد من المشركين من قريش وغيرهم لما سمعوا من ذكر
آلهتهم فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد إلا الوليد بن المغيرة فإنه كان شيخا
كبيرا فلم يستطع السجود فاخذ بيده حفنة من البطحاء فسجد عليها ثم تفرق الناس
من المسجد وخرجت قريش وقد سرهم ما سمعوا من ذكر آلهتهم يقولون قد ذكر
محمد آلهتنا بأحسن الذكر قد زعم فيما يتلو إنها الغرانيق العلى وإن شفاعتهن ترتضي
وبلغت السجدة من بأرض الحبشة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل
أسلمت قريش فنهض منهم رجال وتخلف آخرون وآتى جبريل رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد ماذا صنعت لقد تلوت على الناس ما لم
آتك به عن الله عز وجل وقلت ما لم يقل لك فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم
عند ذلك حزنا شديدا وخاف من الله خوفا كثيرا فأنزل الله عز وجل وكان به
رحيما يعزيه ويخفض عليه الامر ويخبره أنه لم يك قبله نبي ولا رسول تمنى كما
تمنى ولا أحب كما أحب الا والشيطان قد ألقى في أمنيته كما ألقى على لسانه صلى
الله عليه وسلم فنسخ الله ما ألقى الشيطان وأحكم آبائه أي فإنما أنت كبعض
الأنبياء والرسل فأنزل الله عز وجل (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي
إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم) فاذهب الله عز وجل عن نبيه الحزن وآمنه من
الذي كان يخاف ونسخ ما ألقى الشيطان على لسانه من ذكر آلهتهم إنها الغرانيق
العلى وإن شفاعتهن ترتضي بقول الله عز وجل ذكر اللات والعزى ومناة
الثلاثة الأخرى (ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى) أي عوجاء
(إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم - إلى قوله - لمن يشاء
ويرضى) أي فكيف تنفع شفاعة آلهتكم عنده فلما جاء من الله ما نسخ ما كان
الشيطان ألقى على لسان نبيه قالت قريش ندم محمد على ما ذكر من منزلة آلهتكم
76

عند الله فغير ذلك وجاء بغيره وكان ذانك الحرفان اللذان ألقى الشيطان على
لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وقعا في فم كل مشرك فازدادوا شرا
إلى ما كانوا عليه وشدة على من أسلم واتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم
وأقبل أولئك النفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين خرجوا من
أرض الحبشة لما بلغهم من اسلام أهل مكة حين سجدوا مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم حتى إذا دنوا من مكة بلغهم أن الذي كانوا تحدثوا به من اسلام أهل
مكة كان باطلا فلم يدخل منهم أحد إلا بجوار أو مستخفيا فكان من قدم مكة منهم
فأقام بها حتى هاجر إلى المدينة فشهد معه بدرا من بنى عبد شمس بن عبد مناف بن قصي
عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية معه امرأته رقية بنت رسول الله صلى الله
عليه وسلم وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس معه امرأته سهلة بنت سهيل
وجماعة أخر معهم عددهم ثلاثة وثلاثون رجلا * حدثني القاسم بن الحسن قال
حدثنا الحسين بن داود قال حدثني حجاج عن أبي معشر عن محمد بن كعب
القرظي ومحمد بن قيس قالا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناد من أندية
قريش كثير أهله فتمنى يومئذ أن لا يأتيه من الله شئ فينفروا عنه فأنزل الله عز وجل
والنجم إذا هوى مل ضل صاحبكم وما غوى فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم
حتى إذا بلغ أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألقى الشيطان عليه كلمتين
تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترجى فتكلم بها ثم مضى فقرأ السورة كلها فسجد في
آخر السورة وسجد القوم معه جميعا ورفع الوليد بن المغيرة ترابا إلى جبهته فسجد عليه
وكان شيخا كبيرا لا يقدر على السجود فرضوا بما تكلم به وقالوا قد عرفنا أن
الله يحيى ويميت وهو الذي يخلق ويرزق ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده فإذا
جعلت لها نصيبا فنحن معك قالا فلما أمسى أتاه جبريل عليه السلام فعرض
عليه السورة فلما بلغ الكلمتين اللتين ألقى الشيطان عليه قال ما جئتك بهاتين فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم افتريت على الله وقلت على الله ما لم يقل فأوحى الله
إليه وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره - إلى قوله
77

ثم لا تجد لك علينا نصيرا) فما زال مغموما مهموما حتى نزلت (وما أرسلنا من
قبلك من رسول ولا نبي - إلى قوله - والله عليم حكيم) قال فسمع من كان بأرض
الحبشة من المهاجرين أن أهل مكة قد أسلموا كلهم فرجعوا إلى عشائرهم وقالوا هم
أحب إلينا فوجدوا القوم قد ارتكسوا حين نسخ الله ما ألقى الشيطان ثم قام فيما
حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق في نقض الصحيفة التي كانت قريش
كتبت بينها على بني هاشم وبني المطلب نفر من قريش وكان أحسنهم بلاء فيه هشام
ابن عمرو بن الحارث العامري من عامر بن لؤي وكان ابن أخي نضلة بن هاشم بن
عبد مناف لامه وأنه مشى إلى زهير بن أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن
مخزوم وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب فقال يا زهير أرضيت أن تأكل الطعام
وتلبس الثياب وتنكح النساء وأخوالك حيث قد علمت لا يبايعون ولا يبتاع
منهم ولا ينكحون ولا ينكح إليهم أما إني أحلف بالله لو كان أخوال أبى الحكم
ابن هشام ثم دعوته إلى مثل ما دعاك إليه منهم ما أجابك إليه أبدا قال ويحك
يا هشام فماذا أصنع إنما أنا رجل واحد والله لو كان معي رجل آخر لقمت
في نقضها حتى أنقضها قال قد وجدت رجلا قال من هو قال أنا قال له زهير ابغنا
ثالثا فذهب إلى المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف فقال له يا مطعم أقد رضيت
أن يهلك بطنان من بنى عبد مناف وأنت شاهد على ذلك موافق لقريش فيه أما
والله لئن أمكنتموهم من هذه لتجدنهم إليها منكم سريعا قال ويحك فماذا أصنع
إنما أنا رجل واحد قال قد وجدت ثانيا قال من هو قال أنا قال أبغنا ثالثا قال
قد فعلت قال من هو قال زهير بن أبي أمية قال ابغنا رابعا فذهب إلى أبى البختري
ابن هشام فقال له نحوا مما قال للمطعم بن عدي فقال وهل من أحد يعين على هذا
قال نعم قال من هو قال زهير بن أبي أمية والمطعم بن عدي وأنا معك قال ابغنا
خامسا فذهب إلى زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد فكلمه وذكر له قرابتهم
وحقهم فقال له وهل على هذا الامر الذي تدعوني إليه من أحد قال نعم ثم سمى
له القوم فاتعدوا له خطم الحجون التي بأعلى مكة فاجتمعوا هنالك وأجمعوا
78

أمرهم وتعاهدوا على القيام في الصحيفة التي ينقضوها وقال زهير أنا أبدأكم
فأكون أولكم يتكلم فلما أصبحوا غدوا إلى أنديتهم وغدا زهير بن أبي
أمية عليه حلة له فطاف بالبيت سبعا ثم أقبل على الناس فقال يا أهل مكة
أنأكل الطعام ونشرب الشراب ونلبس الثياب وبنو هاشم هلكى لا يبايعون
ولا يبتاع منهم والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة قال
أبو جهل وكان في ناحية المسجد كذبت والله لا تشق قال زمعة بن الأسود أنت والله
أكذب ما رضينا كتابها حين كتبت قال أبو البختري صدق زمعة لا نرضى ما كتب
فيها ولا نقر به قال المطعم بن عدي صدقتما وكذب من قال غير ذلك نبرأ إلى الله
منها ومما كتب فيها قال هشام بن عمرو نحوا من ذلك قال أبو جهل هذا أمر قضى
بليل وتشوور فيه بغير هذا المكان وأبو طالب جالس في ناحية المسجد وقام المطعم
ابن عدي إلى الصحيفة ليشقها فوجد الأرضة قد أكلتها إلا ما كان من باسمك اللهم
وهى فاتحة ما كانت تكتب قريش تفتتح بها كتابها إذا كتبت قال وكان كاتب صحيفة
قريش فيما بلغني التي كتبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورهطه من بني هاشم
وبني المطلب منصور بن عكرمة بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي
فشلت يده وأقام بقيتهم بأرض الحبشة حتى بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلى النجاشي عمرو بن أمية الضمري فحملهم في سفينتين فقدم بهم على رسول الله
صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بعد الحديبية وكان جميع من قدم في السفينتين ستة
عشر رجلا ولم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مقيما مع قريش بمكة يدعوهم
إلى الله سرا وجهرا صابرا على أذاهم وتكذيبهم إياه واستهزائهم به حتى إن كان
بعضهم فيما ذكر يطرح عليه رحم الشاة وهو يصلى ويطرحها في برمته إذا نصبت
له حتى اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم فيما بلغني حجرا يستتر به منهم
إذا صلى * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني ابن إسحاق قال حدثني عمر
ابن عبد الله بن عروة بن الزبير عن عروة بن الزبير قال كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يخرج بذلك إذا رمى به في داره على العود فيقف على بابه ثم يقول يا بنى
79

عبد مناف أي جوار هذا ثم يلقيه بالطريق ثم إن أبا طالب وخديجة هلكا في عام
واحد وذلك فيما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قبل هجرته إلى
المدينة بثلاث سنين فعظمت المصيبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بهلاكهما
وذلك أن قريشا وصلوا من أذاه بعد موت أبى طالب إلى ما لم يكونوا يصلون إليه
في حياته منه حتى نثر بعضهم على رأسه التراب * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة
عن ابن إسحاق قال حدثني هشام بن عروة عن أبيه قال لما نثر ذلك السفيه التراب
على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته
والتراب على رأسه فقامت إليه إحدى بناته تغسل عنه التراب وهى تبكى ورسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول لها يا بنية لا تبكى فإن الله مانع أباك قال ويقول رسول
الله صلى الله عليه وسلم ما نالت منى قريش شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب ولما
هلك أبو طالب خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف يلتمس من ثقيف
النصر والمنعة من قومه وذكر أنه خرج إليهم وحده فحدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة قال حدثنا ابن إسحاق قال حدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال
لما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف عمد إلى نفر من ثقيف هم
يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم وهم إخوة ثلاثة عبد يا ليل بن عمرو بن عمير ومسعود
ابن عمرو بن عمير وحبيب بن عمرو بن عمير وعندهم امرأة من قريش من بنى جمح
فجلس إليهم فدعاهم إلى الله وكلمهم بما جاء لهم من نصرته على الاسلام والقيام معه
على من خالفه من قومه فقال أحدهم هو يمرط بباب الكعبة إن كان الله أرسلك
وقال الآخر ما وجد الله أحدا يرسله غيرك وقال الثالث والله لا أكلمك كلمة أبدا
لئن كنت رسولا من الله كما تقول لانت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام
ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلمك فقام رسول الله صلى الله عليه
وسلم من عندهم وقد يئس من خير ثقيف وقد قال لهم فيما ذكر لي إن فعلتم ما فعلتم
فاكتموا على وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ قومه عنه فيذئرهم ذلك
عليه فلم يفعلوا وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به حتى اجتمع عليه الناس
80

وألجؤوه إلى حائط لعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وهما فيه ورجع عنه من سفهاء
ثقيف من كان يتبعه فعمد إلى ظل حبلة من عنب فجلس فيه وابنا ربيعة ينظران إليه
ويريان ما لقى من سفهاء ثقيف وقد لقى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر
لي تلك المرأة من بنى جمح فقال لها ماذا لقينا من أحمائك فلما اطمأن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال فيما ذكر لي اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني
على الناس يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربى إلى من تكلني إلى
بعيد يتجهمني أو إلى عدو ملكته أمري إن لم يكن بك على غضب فلا أبالي ولكن
عافيتك هي أوسع لي أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر
الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك أو يحل علي سخطك لك العتبى حتى ترضى
لا حول ولا قوة إلا بك فلما رأى ابنا ربيعة عتبة وشيبة ما لقى تحركت له رحمهما
فدعوا له غلاما لهما نصرانيا يقال له عداس فقالا له خذ قطفا من هذا العنب
وضعه في ذلك الطبق ثم اذهب به إلى ذلك الرجل فقل له يأكل منه ففعل عداس
ثم أقبل به حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما وضع رسول الله
صلى الله عليه وسلم يده قال بسم الله ثم أكل فنظر عداس إلى وجهه ثم قال والله
إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلدة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن
أهل أي البلاد أنت يا عداس وما دينك قال أنا نصراني وأنا رجل من أهل نينوى
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أمن قرية الرجل الصالح يونس بن متى
قال له وما يدريك ما يونس بن متى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك أخي
كان نبيا وأنا نبي فأكب عداس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل رأسه
ويديه ورجليه قال يقول ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه أما غلامك فقد أفسده عليك
فلما جاءهما عداس قالا له ويلك يا عداس مالك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه
قال يا سيدي ما في الأرض خير من هذا الرجل لقد خبرني بأمر لا يعلمه إلا
نبي فقالا ويحك يا عداس لا يصرفنك عن دينك فإن دينك خير من دينه ثم إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من الطائف راجعا إلى مكة حين يئس من
81

خير ثقيف حتى إذا كان بنخلة قام من جوف الليل يصلى فمر به نفر من الجن الذين
ذكر الله عز وجل * قال محمد بن إسحاق وهم فيما ذكر لي سبعة نفر من جن أهل
نصيبين اليمن فاستمعوا له فلما فرغ من صلاته ولوا إلى قومهم منذرين قد آمنوا
وأجابوا إلى ما سمعوا فقص الله عز وجل خبرهم عليه (وإذ صرفنا إليك نفرا
من الجن يستمعون القرآن - إلى قوله - ويجركم من عذاب أليم) وقال
(قل أوحى إلى أنه استمع نفر من الجن) إلى آخر القصة من خبرهم في هذه
السورة قال محمد وتسمية النفر من الجن الذين استمعوا الوحي فيما بلغني حسا ومسا
وشاصر وناصر وأينا الأردواينين والأحقم قال ثم قدم رسول الله صلى الله
عليه وسلم مكة وقومه أشد ما كانوا عليه من خلافه وفراق دينه إلا قليلا مستضعفين
ممن آمن به وذكر بعضهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف من
الطائف مريدا مكة به بعض أهل مكة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم
هل أنت مبلغ عنى رسالة أرسلك بها قال نعم قال فأتاه الأخنس بن شريق فقل له يقول
لك محمد هل أنت مجيري حتى أبلغ رسالة ربى قال فأتاه فقال له ذلك فقال الأخنس إن
الحليف لا يجير على الصريح قال فأتى النبي صلى الله على وسلم فأخبره قال تعود قال نعم
قال ائت سهيل بن عمرو فقل له أن محمدا يقول لك هل أنت مجيري حتى أبلغ
رسالات ربى فأتاه فقال له ذلك قال فقال إن بنى عامر بن لؤي لا تجير على بنى كعب
قال فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره قال تعود قال نعم قال ائت المطعم
ابن عدي فقل له إن محمدا يقول لك هل أنت مجيري حتى أبلغ رسالات ربى قال
نعم فليدخل قال فرجع الرجل إليه فأخبره وأصبح المطعم بن عدي قد لبس سلاحه
هو وبنوه وبنو أخيه فدخلوا المسجد فلما رآه أبو جهل قال أمجير أم متابع قال
بل مجير قال فقال قد أجرنا من أجرت فدخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة وأقام
بها فدخل يوما المسجد الحرام والمشركون عند الكعبة فلما رآه أبو جهل قال
هذا نبيكم يا بنى عبد مناف قال عتبة بن ربيعة وما تنكر أن يكون منا نبي أو ملك
فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم أو سمعه فأتاهم فقال أما أنت يا عتبة بن ربيعة
82

فوالله ما حميت لله ولا لرسوله ولكن حميت لأنفك وأما أنت يا أبا جهل بن
هشام فوالله لا يأتي عليك غير كبير من الدهر حتى تضحك قليلا وتبكى كثيرا
وأما أنتم يا معشر الملا من قريش فوالله لا يأتي عليكم غير كبير من الدهر حتى
تدخلوا فيما تنكرون وأنتم كارهون وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض
نفسه في الموسم إذا كانت على قبائل العرب يدعوهم إلى الله ويخبرهم أنه نبي مرسل
ويسألهم أن يصدقوه ويمنعوه حتى يبين عن الله ما بعثه به * حدثنا ابن حميد قال
حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق قال حدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله
ابن عباس قال سمعت ربيعة بن عباد يحدث أبى قال إني لغلام شاب مع أبي
بمنى ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقف على منازل القبائل من العرب فيقول
يا بنى فلان إني رسول الله إليكم يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وأن
تخلعوا ما تعبدون من دونه من هذه الأنداد وأن تؤمنوا بي وتصدقوني وتمنعوني
حتى أبين عن الله ما بعثني به قال وخلفه رجل أحول وضئ له غديرتان عليه حلة
عدنية فإذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله وما دعا إليه قال الرجل يا بنى
فلان إن هذا إنما يدعوكم إلى أن تسلخوا اللات والعزى من أعناقكم وحلفاءكم
من الجن من بنى مالك بن أقيش إلى ما جاء به من البدعة والضلالة فلا تطيعوه
ولا تسمعوا له قال فقلت لأبي يا أبت من هذا الرجل الذي يتبعه يرد عليه ما يقول
قال هذا عمه عبد العزى أبو لهب بن عبد المطلب * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة
قال وحدثني محمد بن إسحاق قال حدثنا محمد بن مسلم بن شهاب الزهري أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أتى كندة في منازلهم وفيهم سيد لهم يقال له مليح فدعاهم
إلى الله عز وجل وعرض عليهم نفسه فأبوا عليه * حدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق قال حدثني محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن
حصين أنه أتى كلبا في منازلهم إلى بطن منهم يقال لهم بنو عبد الله فدعاهم إلى الله
عز وجل وعرض عليهم نفسه حتى إنه ليقول لهم يا بنى عبد الله إن الله قد أحسن
اسم أبيكم فلم يقبلوا منه ما عرض عليهم * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال
83

محمد بن إسحاق حدثني بعض أصحابنا عن عبد الله بن كعب بن مالك أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أتى بنى حنيفة في منازلهم فدعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه
فلم يكن أحد من العرب أقبح ردا عليه منهم * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة
قال قال محمد بن إسحاق وحدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري أنه أتى بنى عامر
ابن صعصعة فدعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه فقال رجل منهم يقال له بيحرة
ابن فراس والله لو أنى أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب ثم قال له
أرأيت إن نحن تابعناك على أمرك ثم أظهرك الله على من خالفك أيكون لنا الامر
من بعدك قال الامر إلى الله يصنعه حيث يشاء قال فقال له أفنهدف نحورنا للعرب
دونك فإذا ظهرت كان الامر لغيرنا لا حاجة لنا بأمرك فأبوا عليه فلما صدر
الناس رجعت بنو عامر إلى شيخ لهم قد كانت أدركته السن حتى لا يقدر على أن
يوافي معهم الموسم فكانوا إذا رجعوا إليه حدثوه بما يكون في ذلك الموسم فلما قدموا
عليه ذلك العام سألهم عما كان في موسمهم فقالوا جاءنا فتى من قريش ثم أحد بنى
عبد المطلب يزعم أنه نبي ويدعو إلى أن نمنعه ونقوم معه ونخرج به معنا إلى بلادنا قال فوضع
الشيخ يده على رأسه ثم قال يا بنى عامر هل لها من تلاف هل لذناباها من مطلب والذي
نفس فلان بيده ما تقولها إسماعيلي قط وانها لحق فأين كان رأيكم عنه فكان رسول الله صلى
الله عليه وسلم على ذلك من أمر كلما اجتمع له الناس بالموسم أتاهم يدعو القبائل
إلى الله وإلى الاسلام ويعرض عليهم نفسه وما جاء به من الله من الهدى والرحمة
لا يسمع بقادم يقدم من العرب له اسم وشرف إلا تصدى له فدعاه إلى الله
وعرض عليه ما عنده * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثنا محمد بن
إسحاق قال حدثني عاصم بن عمر بن قتادة الظفري عن أشياخ من قومه قالوا قدم
سويد بن صامت أخو بنى عمرو بن عوف مكة حاجا أو معتمرا قال وكان سويد
إنما يسميه قومه فيهم الكامل لجلده وشعره ونسبه وشرفه وهو الذي يقول
ألا رب من تدعو صديقا ولو ترى * مقالته بالغيب ساءك ما يفرى
مقالته كالشحم ما كان شاهدا * وبالغيب مأثور على ثغره النحر
84

يسرك باديه وتحت أديمه * نميمة غش تبترى عقب الظهر
تبين لك العينان ما هو كاتم * ولا جن بالبغضاء والنظر الشزر
فرشني بخير طال ما قد بريتنى * وخير الموالى من يريش ولا يبرى
مع أشعار له كثيرة يقولها قال فتصدى له رسول الله صلى الله عليه وسلم
حين سمع به فدعاه إلى الله وإلى الاسلام قال فقال له سويد فلعل الذي معك
مثل الذي معي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم وما الذي معك قال مجلة
لقمان يعنى حكمة لقمان فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اعرضها على
فعرضها عليه فقال إن هذا لكلام حسن، معي أفضل من هذا، قرآن أنزله الله
على هدى ونور قال فتلا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن ودعاه إلى
الاسلام فلم يبعد منه وقال إن هذا لقول حسن ثم انصرف عنه وقدم المدينة
فلم يلبث أن قتله الخزرج فإن كان قومه ليقولون قد قتل وهو مسلم وكان
قتله قبل بعاث * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال حدثني
الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ أخو بنى عبد الأشهل عن
محمود بن لبيد أخي بنى عبد الأشهل قال لما قدم أبو الحيسر أنس بن رافع مكة
ومعه فتنة من بنى عبد الأشهل فيهم إياس بن معاذ يلتمسون الحلف من قريش
على قومهم من الخزرج سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاهم فجلس إليهم
فقال لهم هل لكم إلى خير مما جئتم له قالوا وما ذاك قال أنا رسول الله بعثني
إلى العباد أدعوهم إلى الله أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا وأنزل على الكتاب
ثم ذكر لهم الاسلام وتلا عليهم القرآن فقال إياس بن معاذ وكان غلاما حدثا
أي قوم هذا والله خير مما جئتم له قال فأخذ أبو الحيسر أنس بن رافع حفنة
من البطحاء فضرب بها وجه إياس بن معاذ وقال دعنا منك فلعمري لقد جئنا
لغير هذا قال فصمت إياس وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم وانصرفوا
إلى المدينة فكانت وقعة بعاث بين الأوس والخزرج قال ثم لم يلبث إياس بن
معاذ أن هلك قال محمود بن لبيد فأخبرني من حضره من قومي عند موته
85

إنهم لم يزالوا يسمعونه يهلل الله ويكبره ويحمده ويسبحه حتى مات فكانوا
يشكون أن قد مات مسلما لقد كان استشعر الاسلام في ذلك المجلس حين سمع من
رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سمع * قال فلما أراد الله عز وجل إظهار دينه
وإعزاز نبيه وإنجاز موعده له خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم الذي لقى
فيه النفر من الأنصار فعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في كل موسم
فبينا هو عند العقبة إذ لقى رهطا من الخزرج أراد الله بهم خيرا * قال ابن حميد
قال سلمة قال محمد بن إسحاق فحدثني عاصم بن عمرو بن قتادة عن أشياخ من قومه
قالوا لما لقيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم من أنتم قالوا نفر من
الخزرج قال أمن موالى يهود قالوا نعم قال أفلا تجلسون حتى أكلمكم قالوا بلى قال
فجلسوا معه فدعاه إلى الله عز وجل وعرض عليهم الاسلام وتلا عليهم القرآن
قال وكان مما صنع الله لهم به في الاسلام أن يهودا كانوا معهم ببلادهم وكانوا أهل
كتاب وعلم وكانوا أهل شرك أصحاب أوثان وكانوا قد غزوهم ببلادهم فكانوا
إذا كان بينهم شئ قالوا لهم إن نبيا الآن مبعوث قد أظل زمانه نتبعه ونقتلكم معه
قتل عاد وإرم فلما كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك النفر ودعاهم إلى
الله قال بعضهم لبعض تعلمن والله إنه للنبي الذي توعدكم به يهود فلا يسبقنكم إليه
فأجابوه فيما دعاهم إليه بأن صدقوه وقبلوا منه ما عرض عليهم من الاسلام وقالوا له
إنا قد تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم وعسى الله أن يجمعهم
بك وسنقدم عليهم فندعوهم إلى أمرك ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من
هذا الدين فإن يجمعهم الله عليه فلا رجل أعز منك ثم انصرفوا عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم راجعين إلى بلادهم قد آمنوا وصدقوا وهم فيما ذكر لي ستة
نفر من الخزرج منهم من بنى النجار وهم تيم الله ثم من بنى مالك بن النجار بن ثعلبة
ابن عمرو بن الخزرج بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر أسعد ابن زرارة بن عدس
ابن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار وهو أبو أمامة وعوف بن الحارث بن
رفاعة بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن النجار وهو ابن عفراء ومن بنى زريق
86

ابن عامر بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج بن حارثة بن ثعلبة
ابن عمرو بن عامر رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق ومن
بنى سلمة ابن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن يزيد بن جشم بن الخزرج بن حارثة
ابن ثعلبة بن عمرو بن عامر ثم من بنى سواد قطبة بن عامر بن حديدة بن عمرو
ابن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة ومن بنى حرام بن كعب بن غنم
ابن كعب بن سلمة عقبة بن عامر بن نابى بن زيد بن حرام ومن بنى عبيد
ابن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة جابر بن عبد الله بن رئاب بن النعمان بن
سنان بن عبيد قال فلما قدموا المدينة على قومهم ذكروا لهم رسول الله صلى الله
عليه وسلم ودعوهم إلى الاسلام حتى فشا فيهم فلم تبق دار من دور الأنصار إلا
وفيها ذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان العام المقبل وافى الموسم
من الأنصار اثنى عشر رجلا فلقوه بالعقبة الأولى فبايعوا رسول الله
صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء وذلك قبل أن يفترض عليهم الحرب منهم
من بنى النجار أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار
وهو أبو أمامة وعوف ومعاذ ابنا الحارث بن رفاعة بن سواد بن مالك بن غنم بن
مالك بن النجار وهما ابنا عفراء ومن بنى زريق بن عامر بن مالك بن العجلان
ابن عمرو بن عامر بن زريق وذكوان بن عبد قيس بن خلدة بن محلد بن عامر بن
زريق ومن بنى عوف بن الخزرج ثم من بنى غنم بن عوف وهم القوافل عبادة بن
الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن غنم بن عوف بن الخزرج
وأبو عبد الرحمن وهو يزيد بن ثعلبة بن خزمة بن أصرم بن عمرو بن عمارة
من بنى غضينة من بلى حليف لهم ومن بنى سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن
الخزرج عباس بن عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان بن زيد بن غنم بن سالم بن
عوف ومن بنى سلمة ثم من بنى حرام عقبة بن عامر بن نابى بن زيد بن حرام بن
كعب بن غنم بن كعب بن سلمة ومن بنى سواد قطبة بن عامر بن حديدة بن عمرو
ابن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة وشهدها من الأوس ابن حارثة بن ثعلبة بن عمرو
87

ابن عامر ثم من بنى عبد الأشهل أبو الهيثم بن التيهان اسمه مالك حليف لهم ومن
بنى عمرو بن عوف عويم بن ساعدة بن صعلجة حليف لهم * حدثنا ابن حميد قال
حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق قال حدثني يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن
عبد الله اليزني عن أبي عبد الله عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي عن عبادة بن الصامت
قال كنت فيمن حضر العقبة الأولى وكنا اثنى عشر رجلا فبايعنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم على بيعة النساء وذلك قبل أن تفترض الحرب على أن لا نشرك
بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتى ببهتان نفتريه بين أيدينا
وأرجلنا ولا نعصيه في معروف فان وفيتم فلكم الجنة وإن غشيتم شيئا من ذلك
فأخذتم بحده في الدنيا فهو كفارة له وإن سترتم عليه إلى يوم القيامة فأمركم إلى
الله إن شاء عذبكم وإن شاء غفر لكم * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن
ابن إسحاق أن ابن شهاب ذكر عن عائذ الله بن عبد الله أبى إدريس الخولاني عن
عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله * حدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة عن ابن إسحاق قال فلما انصرف عنه القوم بعث معهم رسول الله صلى الله
عليه وسلم مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي وأمره أن
يقرئهم القرآن ويعلمهم الاسلام ويفقههم في الدين فكان يسمى مصعب بالمدينة
المقرئ وكان منزله على أسعد بن زرارة بن عدس أبى أمامة * حدثنا ابن حميد قال
حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال وحدثني عبيد الله بن المغيرة بن معيقيب وعبد الله
ابن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ان أسعد بن زرارة خرج بمصعب بن عمير
يريد به دار بنى عبد الأشهل ودار بنى ظفر وكان سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ
القيس ابن خالة أسعد بن زرارة فدخل به حائطا من حوائط بنى ظفر على بئر
يقال لها بئر مرق فجلسا في الحائط واجتمع إليهما رجال ممن أسلم وسعد بن معاذ
وأسيد بن حضير يومئذ سيدا قومهما من بنى عبد الأشهل وكلاهما مشرك على
دين قومه فلما سمعا به قال سعد بن معاذ لأسيد بن حضير لا أبا لك انطلق إلى هذين
الرجلين اللذين قد أتيا دارنا ليسفها ضعفاءنا فازجرهما وانههما أن يأتيا دارنا فإنه
88

لولا أن أسعد بن زرارة منى حيث قد علمت كفيتك ذلك هو ابن خالتي ولا أجد
عليه مقدما فأخذ أسيد بن حضير حربته ثم أقبل إليهما فلما رآه أسعد بن زرارة
قال لمصعب هذا سيد قومه قد جاءك فاصدق الله فيه قال مصعب أن يجلس أكلمه
قال فوقف عليهما متشتما فقال ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا اعتزلانا إن
كانت لكما في أنفسكما حاجة فقال له مصعب أو تجلس فتسمع فان رضيت أمرا
قبلته وإن كرهته كف عنك ما تكره قال أنصفت ثم ركز حربته وجلس إليهما
فكلمه مصعب بالاسلام وقرأ عليه القرآن فقالا فيما يذكر عنهما والله لعرفنا في
وجهه الاسلام قبل أن يتكلم في اشراقه وتسهله ثم قال ما أحسن هذا وأجمله
كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين قالا له تغتسل فتطهر ثوبيك
ثم تشهد شهادة الحق ثم تصلى ركعتين قال فقام فاغتسل وطهر ثوبيه وشهد شهادة
الحق ثم قام فركع ركعتين ثم قال لهما إن ورائي رجلا إن أتبعكما لم يتخلف عنه
أحد من قومه وسأرسله اليكما الآن سعد بن معاذ ثم أخذ حربته وانصرف إلى
سعد وقومه وهم جلوس في ناديهم فلما نظر إليه سعد بن معاذ مقبلا قال أحلف
بالله لقد جاءكم أسيد بن حضير بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم فلما وقف على
النادي قال له سعد ما فعلت قال كلمت الرجلين فوالله ما رأيت بهما بأسا وقد نهيتهما
فقالا نفعل ما أحببت * وقد حدثت أن بنى حارثة قد خرجوا إلى أسعد بن زرارة
ليقتلوه وذلك انهم عرفوا انه ابن خالتك ليخفروك قال فقام سعد مغضبا مبادرا تخوفا
للذي ذكر له من بنى حارثة فأخذ الحربة من يده ثم قال والله ما أراك أغنيت شيئا
ثم خرج إليهما فلما رآهما سعد مطمئنين عرف أن أسيدا إنما أراد أن يسمع منهما
فوقف عليهما متشتما ثم قال لأسد بن زرارة يا أبا أمامة لولا ما بيني وبينك من القرابة
ما رمت هذا منى تغشانا في دارنا بما نكره وقد قال أسعد لمصعب أي مصعب
جاءك والله سيد من وراءه من قومه أن يتبعك لم يخالف عليك منهم اثنان فقال
له مصعب أو تقعد فتسمع فان رضيت أمرا ورغبت فيه قبلته وإن
كرهته عزلنا عنك ما تكره قال سعد أنصفت ثم ركز الحربة فجلس فعرض
89

عليه الاسلام وقرأ عليه القرآن قالا فعرفنا والله في وجهه الاسلام قبل أن
يتكلم به في اشراقه وتسهله ثم قال لهما كيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم ودخلتم
في هذا الدين قالا تغتسل فتطهر ثوبيك ثم تشهد شهادة الحق ثم تصلى ركعتين
قال فقام فاغتسل وطهر ثوبيه وشهد شهادة الحق وركع ركعتين ثم أخذ حربته
فأقبل عامدا إلى نادى قومه ومعه أسيد بن حضير فلما رآه قومه مقبلا قالوا
نحلف بالله لقد رجع سعد إليكم بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم فلما وقف
عليهم قال يا بنى عبد الأشهل كيف تعلمون أمري فيكم قالوا سيدنا وأفضلنا رأيا
وأيمننا نقيبة قال فان كلام رجالكم ونسائكم على حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله
قال فوالله ما أمسى في دار عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلما أو مسلمة
ورجع أسعد مصعب إلى منزل أسعد بن زرارة فأقام عنده يدعو الناس إلى الاسلام
حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون إلا ما كان من
دار بنى أمية بن زيد وخطمة ووائل وواقف وتلك أوس الله وهم من أوس بن حارثة
وذلك أنه كان فيهم أبو قيس بن الأسلت وهو صيفي وكان شاعرا لهم وقائدا يسمعون
منه ويطيعونه فوقف بهم عن الاسلام فلم يزل على ذلك حتى هاجر رسول الله
صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ومضى بدر وأحد والخندق قال ثم إن مصعب
ابن عمير رجع إلى مكة وخرج من خرج من الأنصار من المسلمين إلى الموسم مع
حجاج قومهم من أهل الشرك حتى قدموا مكة فواعدوا رسول الله صلى الله عليه
وسلم العقبة من أوسط أيام التشريق حين أراد الله بهم ما أراد من كرامته
والنصر لنبيه صلى الله عليه وسلم وإعزاز الاسلام وأهله واذلال الشرك
وأهله * فحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال حدثني معبد بن
كعب بن مالك بن أبي كعب بن القين أخو بنى سلمة أن أخاه عبد الله بن كعب وكان
من أعلم الأنصار حدثه أن أباه كعب بن مالك حدثه وكان كعب ممن شهد العقبة وبايع
رسول الله صلى الله عليه وسلم بها قال خرجنا في حجاج قومنا وقد صلينا وفقهنا ومعنا
البراء بن معرور سيدنا وكبيرنا فلما وجهنا السفرنا وخرجنا من المدينة قال البراء لنا
90

والله يا هؤلاء إني قد رأيت رأيا والله ما أدرى أتوافقوني عليه أم لا قال فقلنا وما ذاك
قال قد رأيت أن لا أدع هذه البنية منى بظهر يعنى الكعبة وأن أصلى إليها قال
فقلنا والله ما بلغنا عن نبينا أنه يصلى إلا إلى الشأم وما نريد أن نخالفه قال فقال إني
لمصل إليها فقلنا له لكنا لا نفعل قال فكنا إذا حضرت الصلاة صلينا إلى الشأم وصلى
إلى الكعبة حتى قدمنا مكة قال وقد عبنا عليه ما صنع وأبى إلا الإقامة على ذلك
فلما قدمنا مكة قال لي يا ابن أخي انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
حتى أسأله عما صنعت في سفري هذا فانى والله لقد وقع في نفسي منه شئ لما
رأيت من خلافكم إياي فيه قال فخرجنا نسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وكنا لا نعرفه ولم نره قبل ذلك فلقينا جلا من أهل مكة فسألناه عن رسول
الله الله صلى الله عليه وسلم فقال هل تعرفانه قلنا لا قال فهل تعرفان العباس بن عبد
المطلب عمه قلنا نعم قال وقد كنا نعرف العباس كان لا يزال يقدم علينا تاجرا
قال وإذا دخلتما المسجد فهو الرجل الجالس مع العباس بن عبد المطلب قال فدخلنا
المسجد فإذا العباس جالس ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس مع العباس
فسلمنا ثم جلسنا إليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس هل تعرف هذين
الرجلين يا أبا الفضل قال نعم هذا البراء بن معرور سيد قومه وهذا كعب بن مالك
قال فوالله ما أنسى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الشاعر قال نعم قال فقال له
البراء بن معرور يا نبي الله إني خرجت في سفري هذا وقد هداني الله للاسلام
فرأيت أن لا أجعل هذه البنية منى بظهر فصليت إليها وقد خالفني أصحابي في ذلك
حتى وقع في نفسي من ذلك شئ فماذا ترى يا رسول الله قال قد كنت على قبلة
لو صبرت عليها فرجع البراء إلى قبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى معنا
إلى الشأم قال وأهله يزعمون أنه صلى إلى الكعبة حتى مات وليس ذلك كما قالوا
نحن أعلم به منهم قال ثم خرجنا إلى الحج وواعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
العقبة من أوسط أيام التشريق قال فلما فرغنا من الحج وكانت الليلة التي واعدنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم لها ومعنا عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر
91

أخبرناه وكنا نكتم من معنا من المشركين من قومنا أمرنا فكلمناه وقلنا له
يا أبا جابر أنك سيد من ساداتنا وشريف من أشرافنا وانا نرغب بك عما أنت فيه
أن تكون حطبا للنار غدا ثم دعوناه إلى الاسلام وأخبرناه بميعاد رسول الله
صلى الله عليه وسلم وإيانا العقبة قال فأسلم وشهد معنا العقبة وكان نقيبا فبتنا تلك
الليلة مع قومنا في رحالنا حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول
الله صلى الله عليه وسلم نتسلل مستخفين تسلل القطا حتى اجتمعنا في الشعب عند
العقبة ونحن سبعون رجلا ومعهم امرأتان من نسائهم نسيبة بنت كعب أم عمارة
إحدى نساء بنى مازن بن النجار وأسماء بنت عمرو بن عدي إحدى نساء بنى سلمة
وهى أم منيع فاجتمعنا بالشعب ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءنا
ومعه عمه العباس بن عبد المطلب وهو يومئذ على دين قومه إلا أنه أحب أن يحضر
أمر ابن أخيه ويتوثق له فلما جلس كان أول من تكلم العباس بن عبد المطلب
فقال يا معشر الخزرج وكانت العرب إنما يسمون هذا الحي من الأنصار الخزرج
خزرجها وأوسها إن محمدا منا حيث قد عنم وقد منعناه من قومنا ممن هو على
مثل رأينا وهو في عز من قومه ومنعة في بلده وإنه قد أبى إلا الانقطاع لكم
واللحوق بكم فان كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه ومانعوه ممن خالفه
فأنتم وما تحملتم من ذلك وإن كنتم ترون انكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج إليكم
فمن الآن فدعوه فإنه في عز ومنعة من قومه وبلده قال فقلنا له قد سمعنا (فقلت) فتكلم
يا رسول الله وخذ لنفسك وربك ما أحببت قال فتكلم رسول الله صلى الله
عليه وسلم فتلا القرآن ودعا إلى الله ورغب في الاسلام ثم قال أبايعكم على أن
تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم قال فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال والذي
بعثك بالحق لنمنعك مما نمنع منه أزرنا فبايعنا يا رسول الله فنحن والله أهل الحرب
وأهل الحلقة ورثناها كابرا عن كابر قال فاعترض القول والبراء يكلم رسول الله
صلى الله عليه وآله أبو الهيثم بن التيهان حليف بنى عبد الأشهل فقال
يا رسول الله إن بيننا وبين الناس حبالا وإنا قاطعوها يعنى اليهود فهل عسيت
92

إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا قال فتبسم رسول الله
صلى الله عليه وآله ثم قال بل الدم الدم والهدم الهدم أنتم منى وأنا منكم
أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله
أخرجوا إلي منكم اثنى عشر نقيبا يكونون على قومهم بما فيهم فأخرجوا اثنى
عشر نقيبا تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس * حدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة قال قال محمد بن إسحاق فحدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم
أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال للنقباء أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء
ككفالة الحواريين لعيسى ابن مريم وأنا كفيل على قومي قالوا نعم * حدثنا ابن
حميد قال حدثنا سلمة قال حدثنا محمد بن إسحاق قال وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة
أن القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول الله صلى الله عليه وآله قال العباس
ابن عبادة بن نضلة الأنصاري ثم أخو بنى سالم بن عوف يا معشر الخزرج هل تدرون
على ما تبايعون هذا الرجل قالوا نعم قال إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود
من الناس فإن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة وأشرافكم قتل
أسلمتموه فمن الآن فهو والله خزى الدنيا والآخرة إن فعلتم وإن كنتم ترون
أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نهكة الأموال وقتل الاشراف فخذوه فهو
والله خير الدنيا والآخرة قالوا فإنا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الاشراف
فما لنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفينا قال الجنة قالوا ابسط يدك فبسط يده
فبايعوه وأما عاصم بن عمرو بن قتادة فقال والله ما قال العباس ذلك إلا ليشد العقد
لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أعناقهم وأما عبد الله بن أبي بكر فقال والله
ما قال العباس ذلك إلا ليؤخر القوم تلك الليلة رجاء أن يحضرها عبد الله بن أبي
ابن سلول فيكون أقوى لأمر القوم والله أعلم أي ذلك كان فبنو النجار يزعمون
أن أبا أمامة أسعد بن زرارة كان أول من ضرب على يديه وبنو عبد الأشهل
يقولون بل أبو الهيثم بن التيهان * قال ابن حميد قال سلمة قال محمد وأما معبد
ابن كعب بن مالك فحدثني قال أبو جعفر وحدثني سعيد بن يحيى بن سعيد قال
93

حدثني أبي قال حدثنا محمد بن إسحاق عن معبد بن كعب قال فحدثني في حديثه عن
أخيه عبد الله بن كعب بن مالك قال كان أول من ضرب على يد رسول الله
صلى الله عليه وسلم البراء بن معرور ثم تتابع القوم فلما بايعنا رسول الله صلى الله
عليه وسلم صرخ الشيطان من رأس العقبة بأنفذ صوت سمعته قط يا أهل الجباجب
هل لكم في مذمم والصباة معه قد اجتمعوا على حربكم فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم ما يقول عدو الله هذا أزب العقبة هذا ابن أزيب اسمع عدو الله أما
والله لأفرغن لك ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ارفضوا إلى رحالكم
فقال له العباس بن عبادة بن نضلة والذي بعثك بالحق لئن شئت لنميلن غدا على
أهل منى بأسيافنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم نؤمر بذلك ولكن ارجعوا
إلى رحالكم قال فرجعنا إلى مضاجعنا فنمنا عليها حتى أصبحنا فلما أصبحنا غدت علينا
جلة قريش حتى جاؤنا في منازلنا فقالوا يا معشر الخزرج إنا قد بلغنا أنكم قد جئتم إلى
صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا وتبايعونه على حربنا وإنه والله ما من
حي من العرب أبغض إلينا أن تنشب الحرب بيننا وبينهم منكم قال فانبعث من
هناك من مشركي قومنا يحلفون لهم بالله ما كان من هذا شئ وما علمناه قال
وصدقوا لم يعلموا قال وبعضنا ينظر إلى بعض وقام القوم وفيهم الحارث بن هشام
ابن المغيرة المخزومي وعليه نعلان جديدان قال فقلت كلمة كأني أريد أن أشرك
القوم بها فيما قالوا يا أبا جابر أما تستطيع أن تتخذ وأنت سيد من ساداتنا مثل
نعلي هذا الفتى من قريش قال فسمعها الحارث فخلعهما من رجليه ثم رمى بهما
إلى فقال والله لتنتعلنهما قال يقول أبو جابر مه أحفظت والله الفتى فاردد عليه
نعليه قال قلت والله لا أردهما فأل والله صالح والله لئن صدق الفأل لأسلبنه
فهذا حديث كعب بن مالك عن العقبة وما حضر منها (قال أبو جعفر) وقال
غير بن إسحاق كان من قدم على النبي صلى الله عليه وآله للبيعة من
الأنصار في ذي الحجة وأقام رسول الله صلى الله عليه وآله بعدهم بمكة
بقية ذي الحجة من تلك السنة والمحرم وصفر وخرج مهاجرا إلى المدينة في شهر
94

ربيع الأول وقدمها يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت منه * وحدثني علي بن
نصر بن علي وعبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث قال علي بن نصر حدثنا
عبد الصمد بن عبد الوارث وقال عبد الوارث حدثني أبي قال حدثنا أبان العطار
قال حدثنا هشام بن عروة عن عروة أنه قال لما رجع من أرض الحبشة من
رجع منها ممن كان هاجر إليها قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة جعل
أهل الاسلام يزدادون ويكثرون وأنه أسلم من الأنصار بالمدينة ناس كثير
وفشا بالمدينة الاسلام فطفق أهل المدينة يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم
بمكة فلما رأت ذلك قريش تذامرت على أن يفتنوهم ويشتدوا عليهم فأخذوهم
وحرصوا على أن يفتنوهم فأصابهم جهد شديد وكانت الفتنة الآخرة وكانت
فتنتين فتنة أخرجت من خرج منهم إلى أرض الحبشة حين أمرهم بها وأذن
في الخروج إليها وفتنة لما رجعوا ورأوا من يأتيهم من أهل المدينة ثم إنه
جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة سبعون نقيبا رؤوس الذين أسلموا
فوافوه بالحج فبايعوه بالعقبة وأعطوه عهودهم على أنا منك وأنت منا وعلى أنه جاء
من أصحابك أو جئتنا فإنا نمنعك مما نمنع منه أنفسنا فاشتدت عليهم قريش عند ذلك
فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالخروج إلى المدينة وهى الفتنة الآخرة
التي أخرج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وخرج وهى التي أنزل
الله عز وجل فيها (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) * حدثنا ابن
حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق قال وحدثني عبد الله بن أبي بكر
ابن محمد بن عمر بن حزم أنهم أتوا عبد الله بن أبي ابن سلول يعنى قريشا فقالوا
مثل ما ذكر كعب بن مالك من القول لهم فقال لهم ان هذا الامر جسيم ما كان
قومي ليتفوتوا علي بمثل هذا وما علمته كان فانصرفوا عنه وتفرق الناس من منى
فتبطن القوم الخبر فوجدوه قد كان وخرجوا في طلب القوم فأدركوا سعد بن عبادة
بالحاجر والمنذر بن عمرو أخا بنى ساعدة بن كعب بن الخزرج فكلاهما كان نقيبا
فأما المنذر فأعجز القوم وأما سعد فأخذوه وربطوا يديه إلى عنقه بنسع رحله ثم
95

أقبلوا به حتى أدخلوه مكة يضربونه ويجبذونه بجمته وكان ذا شعر كثير فقال
سعد فوالله إني لفي أيديهم إذ طلع على نفر من قريش فيهم رجل أبيض وضئ
شعشاع حلو من الرجال قال قلت إن يكن عند أحد من القوم خبر فعند هذا
فلما دنا منى رفع يديه فلطمني لطمة شديدة قال قلت في نفسي والله ما عندهم بعد
هذا خير قال فوالله إني لفى أيديهم يسحبونني إذ أوى إلي رجل منهم ممن معهم
فقال ويحك أما بينك وبين أحد من قريش جوار ولا عهد قال قلت بلى والله
لقد كنت أجير لجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف تجارة وأمنعهم
ممن أراد ظلمهم ببلادي والحارث بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف قال ويحك
فاهتف باسم الرجلين واذكر ما بينك وبينهما قال ففعلت وخرج ذلك الرجل
إليهما فوجدهما في المسجد عند الكعبة فقال لهما إن رجلا من الخزرج الآن
يضرب بالأبطح وإنه ليهتف بكما ويذكر أن بينه وبينكما جوارا قالا ومن هو
قال سعد بن عبادة قالا صدق والله إن كان ليجير تجارنا ويمنعهم أن يظلموا
ببلده قال فجاآ فخلصا سعد من أيديهم وانطلق وكان الذي لكم سعدا سهل بن عمرو
أخو بنى عامر بن لؤي (قال أبو جعفر) فلما قدموا المدينة أظهروا الاسلام بها
وفى قومهم بقايا من شيوخ لهم على دينهم من أهل الشرك منهم عمرو بن الجموح
ابن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن سلمة وكان ابنه معاذ بن عمرو قد شهد العقبة
وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم في فتيان منهم وبايع رسول الله صلى الله
عليه وسلم من بايع من الأوس والخزرج في العقبة الآخرة وهى بيعة الحرب
حين أذن الله عز وجل في القتال بشروط غير الشروط في العقبة الأولى * وأما
الأولى فإنها كانت على بيعة النساء على ما ذكرت الخبر به عن عبادة بن الصامت
قبل وكانت بيعة العقبة الثانية على حرب الأحمر والأسود على ما قد ذكرت قبل
عن عروة بن الزبير * وقد حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن
إسحاق قال حدثني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن أبيه الوليد عن عبادة
ابن الصامت وكان أحد النقباء قال بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة
96

الحرب وكان عبادة من الاثني عشر الذين بايعوا في العقبة الأولى (قال أبو جعفر)
فلما أذن الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم في القتال ونزل قوله وقاتلوهم
حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله وبايعه الأنصار على ما وصفت من بيعتهم
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ممن هو معه بمكة من المسلمين بالهجرة
والخروج إلى المدينة واللحوق باخوانهم من الأنصار وقال إن الله عز وجل
قد جعل لكم إخوانا ودارا تأمنون فيها فخرجوا أرسالا وأقام رسول الله صلى
الله عليه وسلم بمكة ينتظر أن يأذن له ربه بالخروج من مكة والهجرة إلى المدينة
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش ثم من بنى مخزوم أبو سلمة
ابن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم هاجر إلى المدينة قبل بيعة
أصحاب العقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنة وكان قدم على رسول الله صلى
الله عليه وسلم بمكة من أرض الحبشة فلما آذته قريش وبلغه اسلام من أسلم من
الأنصار خرج إلى المدينة مهاجرا ثم كان أول من قدم المدينة من المهاجرين بعد أبي
سلمة عامر بن ربيعة حليف بنى عدى بن كعب معه امرأته ليلى بنت أبي حثمة
ابن غانم بن عبد الله بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب ثم عبد الله
ابن جحش بن رئاب وأبو أحمد بن جحش وكان رجلا ضرير البصر وكان يطوف
مكة أعلاها وأسفلها بغير قائد ثم تتابع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى المدينة أرسالا وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد أصحابه من
المهاجرين ينتظر أن يؤذن له في الهجرة ولم يتخلف معه بمكة أحد من المهاجرين
الا أخذ فحبس أو فتن الا علي بن أبي طالب وأبو بكر بن أبي قحافة وكان أبو بكر
كثيرا ما يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة فيقول له رسول الله
صلى الله عليه وسلم لا تعجل لعل الله أن يجعل لك صاحبا فطمع أبو بكر أن يكونه
فلما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صارت له شيعة وأصحاب
من غيرهم بغير بلدهم ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم عرفوا أنهم قد
نزلوا دارا وأصابوا منهم منعة فحذروا خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم
97

وعرفوا أنه قد أجمع أن يلحق بهم لحربهم فاجتمعوا له في دار الندوة وهى دار
قصي بن كلاب التي كانت قريش لا تقضى أمرا الا فيها يتشاورون فيها ما يصنعون
في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خافوه * فحدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق قال حدثني عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد بن
جبر أبى الحجاج عن ابن عباس قال وحدثني الكلبي عن أبي صالح عن
ابن عباس والحسن بن عمارة عن الحكم بن عتيبة عن مقسم عن ابن عباس
قال لما اجتمعوا لذلك واتعدوا أن يدخلوا دار الندوة ويشاوروا فيها
في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم غدوا في اليوم الذي اتعدوا له وكان ذلك
اليوم يسمى الزحمة فاعترضهم إبليس في هيئة شيخ جليل عليه بت له فوقف على
باب الدار فلما رأوه واقفا على بابها قالوا من الشيخ قال شيخ من أهل نجد سمع
بالذي اتعدتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون وعسى أن لا يعدمكم منه رأى
ونصح قالوا أجل فادخل فدخل معهم وقد اجتمع فيها أشراف قريش كلهم من
كل قبيلة من بنى عبد شمس شيبة وعتبة ابنا ربيعة وأبو سفيان بن حرب ومن بنى
نوفل بن عبد مناف طعيمة بن عدي وجبير بن مطعم والحارث بن عامر بن نوفل
ومن بنى عبد الدار بن قصي النضر بن الحارث بن كلدة ومن بنى أسد بن عبد العزى
أبو البختري بن هشام وزمعة بن الأسود وحكيم بن حزام ومن بنى مخزوم
أبو جهل بن هشام ومن بنى سهم نبيه ومنبه ابنا الحجاج ومن بنى جمح أمية بن خلف
ومن كان منهم وغيرهم ممن لا يعد من قريش فقال بعضهم لبعض إن هذا الرجل
قد كان أمره ما قد كان وما قد رأيتم وإنا والله ما نأمنه على الوثوب علينا بمن قد
اتبعه من غيرنا فأجمعوا فيه رأيا قالوا فتشاورا ثم قال قائل منهم احبسوه في الحديد
وأغلقوه عليه بابا ثم تربصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء الذين قبله زهيرا
والنابغة ومن مضى منهم من هذا الموت حتى يصيبه منهم ما أصابهم قال فقال الشيخ
النجدي لا والله ما هذا لكم برأي والله لو حبستموه كما تقولون لخرج أمره من
وراء الباب الذي أغلقتموه دونه إلى أصحابه فلا وشكوا أن يثبوا عليكم فينتزعوه
98

من أيديكم ثم يكاثروكم حتى يغلبوكم على أمركم هذا ما هذا لكم برأي فانظروا في غيره
ثم تشاوروا فقال قائل منهم نخرجه من بين أظهرنا فننفيه من بلدنا فإذا خرج عنا
فوالله ما نبالي أين ذهب ولا حيث وقع غاب عنا أذاه وفرغنا منه فأصلحنا أمرنا
وألفتنا كما كانت قال الشيخ النجدي والله ما هذا لكم برأي ألم تروا حسن حديثه
وحلاوة منطقه وغلبته على قلوب الرجال بما يأتي به من الله لو فعلتم ذلك ما أمنت
أن يحل على حي من العرب فيغلب عليهم بذلك من قوله وحديثه حتى يتابعوه عليه
ثم يسير به إليكم حتى يطأكم بهم فيأخذ أمركم من أيديكم ثم يفعل بكم ما أراد أديروا
فيه رأيا غير هذا قال فقال أبو جهل بن هشام والله إن لي فيه لرأيا ما أراكم وقعتم
عليه بعد قالوا وما هو يا أبا الحكم قال أرى أن تأخذوا من كل قبيلة فتى شابا
جلدا نسيبا وسيطا فينا ثم نعطى كل فتى منهم سيفا صارما ثم يعمدون إليه ثم يضربونه
بها ضربه رجل واحد فيقتلونه فنستريح فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل
كلها فلم يقدروا بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعا ورضوا منا بالعقل فعقلناه
لهم قال يقول الشيخ النجدي القول ما قال الرجل هذا الرأي لا أرى لكم غيره
فتفرق القوم على ذلك وهم مجمعون له فأتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه قال فلما كان العتمة
من الليل اجتمعوا على بابه فترصدوه متى ينام فيثبون عليه فلما رأى رسول الله
صلى الله عليه وسلم مكانهم قال نم على فراشي واتشح ببردي الحضرمي الأخضر
فنم فيه فإنه لا يخلص إليك شئ تكرهه منهم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
ينام في برده ذلك إذا نام (قال أبو جعفر) زاد بعضهم في هذه القصة في هذا
الموضع وقال له إن أتاك ابن أبي قحافة فأخبره أنى توجهت إلى ثور فمره فليلحق بي
وأرسل إلى بطعام واستأجر لي دليلا يدلني على طريق المدينة واشتر لي راحلة
ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعمى الله أبصار الذين كانوا يرصدونه
عنه وخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم * فحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة
قال حدثني محمد بن إسحاق قال حدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال
99

اجتمعوا له وفيهم أبو جهل بن هشام فقال وهم على بابه إن محمدا يزعم أنكم إن
تابعتموه على أمره كنتم ملوك العرب والعجم ثم بعثتم بعد موتكم فجعل لكم جنان
كجنان الأردن وإن لم تفعلوا كان لكم منه ذبح ثم بعثتم بعد موتكم فجعلت لكم نار
تحرقون فيها قال وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ حفنة من تراب ثم
قال نعم أنا أقول ذلك أنت أحدهم وأخذ الله على أبصارهم عنه فلا يرونه فجعل ينثر
ذلك التراب على رؤوسهم وهو يتلو هذه الآيات من يس والقرآن الحكيم إنك
لمن المرسلين على صراط مستقيم - إلى قوله - وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن
خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون حتى فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من
هؤلاء الآيات فلم يبق منهم رجل إلا وضع على رأسه ترابا ثم انصرف إلى حيث
أراد أن يذهب فأتاهم آت ممن لم يكن معهم فقال ما تنتظرون ههنا قالوا محمد قال
خيبكم الله قد والله خرج عليكم محمد ثم ما ترك منكم رجلا إلا وقد وضع على رأسه
ترابا وانطلق لحاجته أفما ترون ما بكم قال فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فإذا
عليه تراب ثم جعلوا يطلعون فيرون عليا على الفراش متسجيا ببرد رسول الله
صلى الله عليه وسلم فيقولون والله إن هذا لمحمد نائم عليه برده فلم يبرحوا كذلك
حتى أصبحوا فقام علي عن الفراش فقالوا والله لقد صدقنا الذي حدثنا فكان
مما نزل من القرآن في ذلك اليوم وما كانوا أجمعوا له (وإذ يمكر بك الذين
كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير
الماكرين) وقول الله عز وجل (أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون
قل تربصوا فإني معكم من المتربصين) وقد زعم بعضهم أن أبا بكر أتى
عليا فسأله عن نبي الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه لحق بالغار من ثور وقال
إن كان لك فيه حاجة فالحقه فخرج أبو بكر مسرعا فلحق نبي الله صلى الله عليه
وسلم في الطريق فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم جرس أبى بكر في ظلمة الليل
فحسبه من المشركين فأسرع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشي فانقطع قبال نعله
ففلق إبهامه حجر فكثر دمها وأسرع السعي فخاف أبو بكر أن يشق على رسول
100

الله صلى الله عليه وسلم فرفع صوته وتكلم فعرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقام حتى أتاه فانطلقا ورجل رسول الله صلى الله عليه وسلم تستن دما حتى انتهى
إلى الغار مع الصبح فدخلاه وأصبح الرهط الذين كانوا يرصدون رسول الله
صلى الله عليه وسلم فدخلوا الدار وقام علي عليه السلام عن فراشه فلما دنوا منه
عرفوه فقالوا له أين صاحبك قال لا أدرى أو رقيبا كنت عليه أمرتموه بالخروج
فخرج فانتهروه وضربوه وأخرجوه إلى المسجد فحبسوه ساعة ثم تركوه ونجى الله
رسوله من مكرهم وأنزل عليه في ذلك (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك
أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) (قال أبو جعفر) وأذن الله
عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم عند ذلك بالهجرة فحدثنا علي بن نصر الجهضمي قال
حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث وحدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث
قال حدثنا أبي قال حدثنا أبان العطار قال حدثنا هشام بن عروة عن عروة قال
لما خرج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وقبل أن يخرج يعنى
رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبل أن تنزل هذه الآية التي أمروا فيها بالقتال
استأذنه أبو بكر ولم يكن أمره بالخروج مع من خرج من أصحابه حبسه رسول الله
صلى الله عليه وسلم وقال له انظرني فإني لا أدرى لعلى يؤذن لي بالخروج وكان
أبو بكر قد اشترى راحلتين يعدهما للخروج مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلى المدينة فلما استنظره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بالذي يرجو
من ربه أن يأذن له بالخروج حبسهما وعلفهما انتظار صحبة رسول الله صلى الله
عليه وسلم حتى أسمنهما فلما حبس عليه خروج النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر
أتطمع أن يؤذن لك قال نعم فانتظره فمكث بذلك فأخبرتني عائشة أنهم بينا هم ظهرا
في بيتهم وليس عند أبي بكر إلا ابنتاه عائشة وأسماء إذا هم برسول الله صلى الله
عليه وعلى آله وسلم حين قام قائم الظهيرة وكان لا يخطئه يوما أن يأتي بيت أبى بكر
أول النهار وآخره فلما رأى أبو بكر النبي صلى الله عليه وسلم جاء ظهرا قال له ما جاء
بك يا نبي الله إلا أمر حدث فلما دخل عليهم النبي صلى الله عليه وسلم البيت قال
101

لأبي بكر أخرج من عندك قال ليس علينا عين إنما هما ابنتاي قال إن الله قد أذن لي بالخروج
إلى المدينة فقال أبو بكر يا رسول الله الصحابة الصحابة قال الصحابة قال أبو بكر خذ
إحدى الراحلتين وهما الراحلتان اللتان كان يعلفهما أبو بكر يعدهما للخروج إذا
أذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه إحدى الراحلتين فقال خذها يا رسول
الله فارتحلها فقال النبي صلى الله عليه وسلم قد أخذتها بالثمن وكان عامر بن فهيرة
مولدا من مولدي الأزد كان للطفيل بن عبد الله بن سخبرة وهو أبو الحارث
ابن الطفيل وكان أخا عائشة بنت أبي بكر وعبد الرحمن بن أبي بكر لامهما فأسلم
عامر بن فهيرة وهو مملوك لهم فاشتراه أبو بكر فأعتقه وكان حسن الاسلام فلما خرج
النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر كان لأبي بكر منيحة من غنم تروح على أهله
فأرسل أبو بكر عامرا في الغنم إلى ثور فكان عامر بن فهيرة يروح بتلك الغنم على
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغار في ثور وهو الغار الذي سماه الله في القرآن
فأرسل بظهرهما رجلا من بنى عبد بن عدي حليفا لقريش من بنى سهم ثم آل العاص
ابن وائل وذلك العدوي يومئذ مشرك ولكنهما استأجراه وهو هاد بالطريق
وفى الليالي التي مكثا بالغار كان يأتيهما عبد الله بن أبي بكر حين يمسى بكل خبر بمكة
ثم يصبح بمكة ويريح عامر الغنم كل ليلة فيحلبان ثم يسرح بكرة فيصبح في رعيان
الناس ولا يفطن له حتى إذا هدأت عنهما الأصوات وأتاهما أن قد سكت عنهما
جاءهما صاحبهما ببعيريهما فانطلقا وانطلقا معهما بعامر بن فهيرة يخدمهما ويعينهما
يردفه أبو بكر ويعقبه على رحله ليس معهما أحد إلا عامر بن فهيرة وأخو بنى
عدى يهديهما الطريق فأجاز بهما في أسفل مكة ثم مضى بهما حتى حاذى بهما الساحل
أسفل من عسفان ثم استجاز بهما حتى عارض الطريق بعد ما جاوز قديدا ثم
سلك الخرار ثم أجاز على ثنية المرة ثم أخذ على طريق يقال لها المدلجة بين
طريق عمق وطريق الروحاء ثم يوفق لطريق العرج وسلك ماء يقال له الغابر عن يمين
ركوبة حتى يطلع على بطن رئم ثم جاء حتى قدم المدينة على بنى عمرو بن عوف
قبل القائلة فحدثت أنه لم يبق فيهم إلا يومين وتزعم بنو عمرو بن عوف أن قد
أقام فيهم أفضل من ذلك فاقتاد راحلته فاتبعته حتى دخل في دور بنى النجار فأراهم
102

رسول الله صلى الله عليه وسلم مربدا كان بين ظهري دورهم * وقد حدثنا ابن
حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق قال حدثني محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن
الحصين التميمي قال حدثني عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخطئه أحد طرفي النهار أن يأتي بيت أبى بكر
إما بكرة وإما عشية حتى إذا كان اليوم الذي أذن الله فيه لرسوله بالهجرة وبالخروج
من مكة من بين ظهراني قومه أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة في
ساعة كان لا يأتي فيها قالت فلما رآه أبو بكر قال ما جاء رسول الله صلى الله عليه
وسلم هذه الساعة إلا لأمر حدث قالت فلما دخل تأخر أبو بكر عن سريره فجلس
رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس عند أبي بكر إلا أنا وأختي أسماء بنت أبي بكر
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج عنى من عندك قال يا نبي الله إنما هما ابنتاي
وما ذاك فداك أبي وأمي قال إن الله عز وجل قد أذن بالخروج والهجرة فقال
أبو بكر الصحبة يا رسول الله قال الصحبة قالت فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن
أحدا يبكى من الفرح حتى رأيت أبا بكر يومئذ يبكى من الفرح ثم قال يا نبي الله إن هاتين
راحلتاي كنت أعددتهما لهذا فاستأجرا عبد الله بن أرقد رجلا من بنى الديل بن بكر وكانت
أمه امرأة من بنى سهم بن عمرو وكان مشركا يدلهما على الطريق ودفعا إليه راحلتيهما فكانتا
عنده يرعاهما لميعادهما ولم يعلم فيما بلغني بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم
أحد حين خرج إلا علي بن أبي طالب وأبو بكر الصديق وآل أبي بكر فاما
علي بن أبي طالب فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني أخبره بخروجه
وأمره أن يتخلف بعده بمكة حتى يؤدى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
الودائع التي كانت عنده للناس وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس بمكة
أحد عنده شئ يخشى عليه إلا وضعه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لما
يعرف من صدقه وأمانته فلما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم للخروج
أتى أبا بكر بن أبي قحافة فخرجا من خوخة لأبي بكر في ظهر بيته ثم عمدا إلى
غار بثور جبل بأسفل مكة فدخلاه وأمر أبو بكر ابنه عبد الله بن أبي بكر أن
103

يسمع لهما ما يقول الناس فيهما نهاره ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون في ذلك
اليوم من الخبر وأمر عامر بن فهيرة مولاه أن يرعى غنمه نهاره ثم يريحها
عليهما إذا أمسى بالغار وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما من الطعام إذا أمست
بما يصلحهما فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار ثلاثا ومعه أبو بكر
وجعلت قريش حين فقدوه مائة ناقة لمن رده عليهم فكان عبد الله بن أبي بكر
يكون في قريش ومعهم ويستمع بما يأتمرون به وما يقولون في شأن رسول
الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر ثم يأتيهما إذا أمسى فيخبرهما الخبر وكان
عامر بن فهيرة مولى أبى بكر يرعى في رعيان أهل مكة فإذا أمسى أراح عليهما
غنم أبى بكر فاحتلبا وذبحا فإذا غدا عبد الله بن أبي بكر من عندهما إلى مكة
اتبع عامر بن فهيرة أثره بالغنم حتى يعفى عليه حتى إذا مضت الثلاث وسكن
عنهما الناس أتاهما صاحبهما الذي استأجرا ببعيريهما وأتتهما أسماء بنت أبي بكر
بسفرتهما ونسيت أن تجعل لها عصاما فلما ارتحلا ذهبت لتعلق السفرة فإذا
ليس فيها عصام فحلت نطاقها فجعلته لها عصاما ثم علقتها به فكان يقال لأسماء
بنت أبي بكر ذات النطاقين لذلك فلما قرب أبو بكر الراحلتين إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم قرب له أفضلهما ثم قال له اركب فداك أبي وأمي فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لا اركب بعيرا ليس لي قال فهو لك يا رسول
الله بأبي أنت وأمي قال لا ولكن ما الثمن الذي ابتعتها به قال كذا وكذا قال
قد أخذتها بذلك قال هي لك يا رسول الله فركبا فانطلقا وأردف أبو بكر عامر
ابن فهيرة مولاه خلفه يخدمهما بالطريق * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة
قال حدثني محمد بن إسحاق قال وحدثت عن أسماء بنت أبي بكر قالت لما خرج
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر أتانا نفر من قريش فيهم أبو جهل بن
هشام فوقفوا على باب أبى بكر فخرجت إليهم فقالوا أين أبو ك يا ابنة أبى بكر
قلت لا أدرى والله أين أبى قالت فرفع أبو جهل يده وكان فاحشا خبيثا فلطم
خدي لطمة طرح منها قرطي قالت ثم انصرفوا ومكثنا ثلاث ليال لا ندري أين
104

توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبل رجل من الجن من أسفل مكة
يغنى بأبيات من الشعر غناء العرب والناس يتبعونه يسمعون صوته وما يرونه
حتى خرج من أعلا مكة وهو يقول
جزى الله رب الناس خير جزائه * رفيقين قالا خيمتي أم معبد
هما نزلاها بالهدى واغتدوا به * فأفلح من أمسى رفيق محمد
ليهن بنى كعب مكان فتاتهم * ومقعدها للمؤمنين بمرصد
قالت فلما سمعنا قوله عرفنا حيث وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن
وجهه إلى المدينة وكانوا أربعة: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعامر
ابن فهيرة وعبد الله بن أرقد دليلهما (قال أبو جعفر) حدثني أحمد بن المقدام
العجلي قال حدثنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي قال حدثنا عبد الحميد بن أبي عبس
ابن محمد بن أبي عبس بن جبر عن أبيه قال سمعت قريش قائلا يقول في الليل
على أبى قبيس
فإن يسلم السعدان يصبح محمد * بمكة لا يخشى خلاف المخالف
فلما أصبحوا قال أبو سفيان من السعدان؟ سعد بكر سعد تميم سعد هذيم، فلما
كان في الليلة الثانية سمعوه يقول
أيا سعد سعد الأوس كن أنت ناصرا * ويا سعد سعد الخزرجين الغطارف
أجيبا إلى داعى الهدى وتمنيا * على الله في الفردوس منية عارف
فإن ثواب الله للطالب الهدى * جنان من الفردوس ذات رفارف
فلما أصبحوا قال أبو سفيان هو والله سعد بن معاذ وسعد بن عبادة (قال
أبو جعفر) وقدم دليلهما بهما قباء على بنى عمرو بن عوف لثنتي عشرة ليلة
خلت من شهر ربيع الأول يوم الاثنين حين اشتد الضحى وكادت الشمس أن
تعتدل * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق قال حدثني
محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عويم بن ساعدة
قال حدثني رجال قومي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا لما سمعنا
105

بمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة وتوكفنا قدومه كنا نخرج إذا
صلينا الصبح إلى ظاهر حرتنا ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله ما نبرح
حتى تغلبنا الشمس على الظلال فإذا لم نجد ظلا دخلنا بيوتنا وذلك في أيام حارة
حتى إذا كان في اليوم الذي قدم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم جلسنا كما كنا
نجلس حتى إذا لم يبق ظل دخلنا بيوتنا وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين
دخلنا البيوت فكان أول من رآه رجل من اليهود وقد رأى ما كنا نصنع وإنا كنا
ننتظر قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرخ بأعلى صوته يا بنى قيلة هذا
جدكم قد جاء قال فخرجنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في ظل نخلة
ومعه أبو بكر في مثل سنة وأكثرنا من لم يكن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم
قبل ذلك قال وركبه الناس وما نعرفه من أبى بكر حتى زال الظل عن رسول الله
صلى الله عليه وآله فقام أبو بكر فأظله بردائه فعرفناه عند ذلك فنزل
رسول الله صلى الله عليه وآله فيما يذكرون على كلثوم بن هدم أخي عمرو
ابن عوف ثم أحد بنى عبيد ويقال بل نزل على سعد بن خيثمة * ويقول من
يذكر أنه نزل على كلثوم بن هدم إنما كان رسول الله صلى الله عليه وآله
إذا خرج من منزل كلثوم بن هدم جلس للناس في بيت خيثمة وذلك
أنه كان عزبا لا أهل له وكان منازل العزاب من أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم من المهاجرين عنده فمن هنالك يقال نزل على سعد بن خيثمة وكان
يقال لبيت سعد بن خيثمة بيت العزاب فالله أعلم أي ذلك كان كلا قد سمعنا ونزل
أبو بكر بن أبي قحافة على خبيب بن أساف أخي بنى الحارث بن الخزرج بالسنح
ويقول قائل كان منزله على خارجة بن زيد بن أبي زهير أخي بنى الحارث بن
الخزرج * وأقام علي بن أبي طالب رضي الله عنه بمكة ثلاث ليال وأيامها حتى
أدى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده إلى الناس حتى إذا
فرغ منها لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل معه على كلثوم بن هدم فكان
علي يقول وإنما كانت إقامته بقباء على امرأة لا زوج لها مسلمة ليلة أو ليلتين
106

وكان يقول كنت نزلت بقباء على امرأة لا زوج لها مسلمة فرأيت إنسانا يأتيها
في جوف الليل فيضرب عليها بابها فتخرج إليه فيعطيها شيئا معه قال فاستربت
لشأنه فقلت لها يا أمة الله من هذا الرجل الذي يضرب عليك بابك كل ليلة فتخرجين
إليه فيعطيك شيئا ما أدرى ما هو وأنت امرأة مسلمة لا زوج لك قالت هذا سهل
ابن حنيف بن واهب قد عرف أنى امرأة لا أحد لي فإذا أمسى عدا على أوثان
قومه فكسرها ثم جاءني بها وقال احتطبي بهذا فكان علي بن أبي طالب يأثر ذلك
من أمر سهل بن حنيف حين هلك عنده بالعراق * حدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق قال حدثني هذا الحديث علي بن هند بن سعد بن
سهل بن حنيف عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه * فأقام رسول الله صلى الله
عليه وسلم بقباء في بنى عمرو بن عوف يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء
ويوم الخميس وأسس مسجدهم ثم أخرجه الله عز وجل من بين أظهرهم يوم الجمعة
وبنو عمرو بن عوف يزعمون أنه مكث فيهم أكثر من ذلك والله أعلم * ويقول
بعضهم إن مقامه بقباء كان بضعة عشر يوما (قال أبو جعفر) واختلف السلف
من أهل العلم في مدة مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد ما استنبئ
فقال بعضهم كانت مدة مقامه بها إلى أن هاجر إلى المدينة عشر سنين
ذكر من قال ذلك
* حدثنا ابن المثنى قال حدثنا يحيى بن محمد بن قيس المدني يقال له أبو زكير
قال سمعت ربيعة بن أبي عبد الرحمن يذكر عن أنس بن مالك أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم بعث على رأس أربعين فأقام بمكة عشرا * حدثني الحسين
ابن نصر الآملي قال حدثنا عبيد الله بن موسى عن شيبان عن يحيى بن أبي كثير
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال أخبرتني عائشة وابن عباس أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم لبث بمكة عشر سنين ينزل عليه القرآن * حدثنا ابن المثنى قال حدثنا
عبد الوهاب قال حدثنا يحيى بن سعيد قال سمعت سعيد بن المسيب يقول أنزل
على رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن وهو ابن ثلاث وأربعين فأقام بمكة
107

عشرا * حدثني أحمد بن ثابت الرازي قال حدثنا أحمد قال حدثنا يحيى بن سعيد
عن هشام عن عكرمة عن ابن عباس قال أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو
ابن ثلاث وأربعين سنة فمكث بمكة عشرا * حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثنا عمرو
ابن عثمان الحمصي قال حدثنا أبي قال حدثنا محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن
دينار قال هاجر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على رأس عشر من
مخرجه (قال أبو جعفر) وقال آخرون بل أقام بعدما استنبئ بمكة ثلاث
عشرة سنة
ذكر من قال ذلك
* حدثنا ابن المثنى قال حدثنا حجاج بن المنهال قال حدثنا حماد يعنى ابن سلمة
عن أبي جمرة عن ابن عباس قال أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاث
عشرة سنة يوحى إليه * حدثني محمد بن خلف قال حدثنا آدم قال حدثنا حماد
ابن سلمة قال حدثنا أبو جمرة الضبعي عن ابن عباس قال بعث رسول الله صلى الله
عليه وسلم لأربعين سنة وأقام بمكة ثلاث عشرة سنة * حدثني محمد بن معمر قال
حدثنا روح قال حدثنا زكرياء بن إسحاق قال حدثنا عمرو بن دينار عن ابن عباس
قال مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاث عشرة سنة * حدثني عبيد
ابن محمد الوراق قال حدثنا روح قال حدثنا هشام قال حدثنا عكرمة عن ابن
عباس قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم لأربعين سنة فمكث بمكة ثلاث عشرة
سنة يوحى إليه ثم أمر بالهجرة (قال أبو جعفر) وقد وافق قول من قال بعث
رسول الله صلى الله عليه وسلم لأربعين سنة وأقام بمكة ثلاث عشرة سنة قول
ابن قيس صرمة بن أبي أنس أخي بنى عدى بن النجار في قصيدته التي يقول
فيها وهو يصف كرامة الله إياهم بما أكرمهم به من الاسلام ونزول نبي الله
صلى الله عليه وسلم عليهم
ثوى في قريش بضع عشرة حجة * يذكر لو يلقى صديقا مواتيا
ويعرض في أهل المواسم نفسه * فلم ير من يؤوى ولم ير داعيا
108

فلما أتانا أظهر الله دينه * فأصبح مسرورا بطيبة راضيا
وألفى صديقا واطمأنت به النوى * وكان له عونا من الله باديا
يقص لنا ما قال نوح لقومه * وما قال موسى إذ أجاب المناديا
وأصبح لا يخشى من الناس واحدا * قريبا ولا يخشى من الناس نائيا
بذلنا له الأموال من جل مالنا * وأنفسنا عند الوغى والتآسيا
ونعلم أن الله لا شئ غيره * ونعلم أن الله أفضل هاديا
فأخبر أبو القيس في قصيدته هذه أن مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في
قومه قريش كان بعد ما استنبئ وصدع بالوحي من الله بضع عشرة حجة * وقال
بعضهم كان مقامه بمكة خمس عشرة سنة
ذكر من قال ذلك
* حدثني بذلك الحارث عن ابن سعد عن محمد بن عمر عن إبراهيم بن إسماعيل
عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس واستشهد بهذا البيت من قول
أبى قيس صرمة بن أبي أنس غير أنه أنشد ذلك
ثوى في قريش خمس عشرة حجة * يذكر لو يلقى صديقا مواتيا
(قال أبو جعفر) وقد روى عن الشعبي أن إسرافيل قرن برسول الله صلى
الله عليه وسلم قبل أن يوحى إليه ثلاث سنين * حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد
قال أخبرنا محمد بن عمر الواقدي قال حدثنا الثوري عن إسماعيل بن أبي خالد عن
الشعبي * قال وحدثنا املاء من لفظه منصور عن الأشعث عن الشعبي قال قرن
إسرافيل بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين يسمع حسه ولا يرى
شخصه ثم كان بعد ذلك جبريل عليه السلام قال الواقدي فذكرت ذلك لمحمد بن
صالح بن دينار فقال والله يا ابن أخي لقد سمعت عبد الله بن أبي بكر بن حزم وعاصم
ابن عمر بن قتادة يحدثان في المسجد ورجل عراقي يقول لهما هذا فأنكراه جميعا
وقالا ما سمعنا ولا علمنا إلا أن جبريل هو الذي قرن به وكان يأتيه بالوحي من
109

يوم نبئ إلى أن توفى صلى الله عليه وسلم * حدثنا ابن المثنى قال حدثنا ابن أبي
عدى عن داود عن عامر قال أنزلت عليه النبوة وهو ابن أربعين سنة فقرن
بنبوته إسرافيل ثلاث سنين فكان يعلمه الكلمة والشئ ولم ينزل القرآن على
لسانه فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوته جبريل عليه السلام فنزل القرآن على
لسانه عشر سنين بمكة وعشر سنين بالمدينة (قال أبو جعفر) فلعل الذين قالوا
كان مقامه بمكة بعد الوحي عشرا عدوا مقامه بها من حين أتاه جبريل بالوحي من
الله عز وجل وأظهر الدعاء إلى توحيد الله وعد الذين قالوا كان مقامه ثلاث
عشرة سنة من أول الوقت الذي استنبئ فيه وكان إسرافيل المقرون به وهى
السنون الثلاث التي لم يكن أمر فيها بأظهار الدعوة وقد روى عن قتادة غير
القولين اللذين ذكرت وذلك ما حدثت عن روح بن عبادة قال سعيد عن قتادة
قال نزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثماني سنين بمكة وعشرا بعدما هاجر
وكان الحسن يقول عشرا بمكة وعشرا بالمدينة
ذكر الوقت الذي عمل فيه التأريخ
(قال أبو جعفر) ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أمرا بالتأريخ
فيما قيل * حدثني زكرياء بن يحيى بن أبي زائدة قال حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج
عن أبي سلمة عن ابن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وقدمها في شهر
ربيع الأول أمر بالتأريخ (قال أبو جعفر) فذكر أنهم كانوا يؤرخون بالشهر
والشهرين من مقدمه إلى أن تمت السنة وقد قيل إن أول من أمر بالتأريخ في
الاسلام عمر بن الخطاب رحمه الله
ذكر الأخبار الواردة بذلك
* حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا حبان بن علي العنزي
عن مجالد عن الشعبي قال كتب أبو موسى الأشعري إلى عمر أنه تأتينا منك كتب
ليس لها تأريخ قال فجمع عمر الناس للمشورة فقال بعضهم أرخ لمبعث رسول الله
110

صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم لمهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر
لا بل نؤرخ لمهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فان مهاجره فرق بين الحق
والباطل * حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا خالد بن
حيان أبو يزيد الخراز عن فرات بن سلمان عن ميمون بن مهران قال رفع إلى
عمر صك محله في شعبان فقال عمر أي شعبان الذي هو آت أو الذي نحن فيه
قال ثم قال لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعوا للناس شيئا يعرفونه
فقال بعضهم اكتبوا على تأريخ الروم فقيل إنهم يكتبون من عهد ذي القرنين
فهذا يطول وقال بعضهم اكتبوا على تأريخ الفرس فقيل إن الفرس كلما قام
ملك طرح من كان قبله فاجتمع رأيهم على أن ينظروا كم أقام رسول الله صلى
الله عليه وسلم بالمدينة فوجدوه عشر سنين فكتب التأريخ من هجرة رسول الله
صلى الله عليه وسلم * حدثت عن أمية بن خالد وأبى داود الطيالسي عن
قرة بن خالد السدوسي عن محمد بن سيرين قال قام رجل إلى عمر بن الخطاب
فقال أرخوا فقال عمر ما أرخوا قال شئ تفعله الأعاجم يكتبون في شهر كذا
من سنة كذا فقال عمر بن الخطاب حسن فأرخوا فقالوا من أي السنين نبدأ
قالوا من مبعثه وقالوا من وفاته ثم أجمعوا على الهجرة ثم قالوا فأي الشهور
نبدأ فقالوا رمضان ثم قالوا المحرم فهو منصرف الناس من حجهم وهو شهر
حرام فأجمعوا على المحرم * حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني سعيد
ابن أبي مريم وحدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم قال حدثنا أبي
قالا جميعا حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم قال حدثني أبو حازم عن سهل بن سعد
قال ما أصاب الناس العدد ما عدوا من مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من
وفاته ولا عدوا إلا من مقدمه المدينة * حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثنا سعيد
ابن أبي مريم قال حدثنا يعقوب بن إسحاق قال حدثني محمد بن مسلم عن عمرو بن
دينار عن عبد الله بن عباس قال كان التأريخ في السنة التي قدم فيها رسول الله
صلى الله عليه وسلم المدينة وفيها ولد عبد الله بن الزبير * حدثني عبد الرحمن بن عبد الله
111

ابن عبد الحكم قال حدثنا يعقوب بن إسحاق بن أبي عباد قال حدثنا محمد بن مسلم
الطائفي عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال كان التأريخ في السنة التي قدم رسول الله
صلى الله عليه وسلم فيها فذكر مثله * حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثنا قتيبة بن
سعيد قال حدثنا نوح بن قيس الطاحي عن عثمان بن محصن أن ابن عباس كان
يقول في (والفجر وليال عشر) قال الفجر هو المحرم فجر السنة * حدثني محمد بن
إسماعيل قال حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين قال حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن أبي
إسحاق عن الأسود بن يزيد عن عبيد بن عمير قال إن المحرم شهر الله عز وجل
وهو رأس السنة فيه يكسى البيت ويؤرخ التأريخ ويضرب فيه الورق وفيه يوم
كان تاب فيه قوم فتاب الله عز وجل عليهم * حدثني أحمد بن ثابت الرازي قال
حدثنا أحمد قال حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا زكرياء بن إسحاق عن عمرو بن دينار
أن أول من أرخ الكتب يعلى بن أمية وهو باليمن وأن النبي صلى الله عليه وسلم
قدم المدينة في شهر ربيع الأول وأن الناس أرخوا لأول السنة وإنما أرخ الناس
لمقدم النبي صلى الله عليه وسلم وقال علي بن مجاهد عن محمد بن إسحاق عن الزهري
وعن محمد بن صالح عن الشعبي قالا أرخ بنو إسماعيل من نار إبراهيم عليه السلام
إلى بنيان البيت حين بناه إبراهيم وإسماعيل ثم أرخ بنو إسماعيل من بنيان البيت
حتى تفرقت فكان كلما خرج قوم من تهامة أرخوا بمخرجهم ومن بقى في تهامة
من بنى إسماعيل يؤرخون من خروج سعد ونهد وجهينة بنى زيد من تهامة حتى
مات كعب بن لؤي فأرخوا من موت كعب بن لؤي إلى الفيل فكان التاريخ من
الفيل حتى أرخ عمر بن الخطاب من الهجرة وذلك سنة سبع عشرة أو ثماني عشرة
* حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم قال حدثنا نعيم بن حماد قال حدثنا
الدراوردي عن عثمان بن عبيد الله بن أبي رافع قال سمعت سعيد بن المسيب يقول
جمع عمر بن الخطاب الناس فسألهم فقال من أي يوم نكتب فقال علي عليه السلام
من يوم هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك أرض الشرك ففعله عمر رضي الله عنه
(قال أبو جعفر) وهذا الذي رواه علي بن مجاهد عمن رواه عنه في تأريخ
112

بنى إسماعيل غير بعيد من الحق وذلك أنهم لم يكونوا يؤرخون على أمر معروف
يعمل به عامتهم وإنما كان المؤرخ منهم يؤرخ بزمان قحمة كانت في ناحية من
نواحي بلادهم ولزبة أصابتهم أو بالعامل كان يكون عليهم أو الامر الحادث فيهم
ينتشر خبره عندهم يدل على ذلك اختلاف شعرائهم في تأريخاتهم ولو كان لهم تأريخ
على أمر معروف وأصل معمول عليه لم يختلف ذلك منهم ومن ذلك قول
الربيع بن ضبع الفزاري
هانذا آمل الخلود وقد * أدرك عقلي ومولدي حجرا
أبا امرئ القيس هل سمعت به * هيهات هيهات طال ذا عمرا
فأرخ عمر بحجر بن عمره وأبى امرئ القيس وقال نابغة بن جعدة
فمن يك سائلا عنى فانى * من الشبان أزمان الخنان
فجعل النابغة تأريخ ما أرخ بزمان علة كانت فيهم عامة وقال آخر
وما هي إلا في إزار وعلقة * مغار بن همام على حبى خثعما
فكل واحد من هؤلاء الذين ذكرت تأريخهم في هذه الأبيات أرخ على
قرب زمان بعضهم من بعض وقرب وقت ما أرخ به من وقت الاخر بغير المعنى
الذي أرخ الاخر ولو كان لهم تأريخ معروف كما للمسلمين اليوم ولسائر الأمم غيرها
كانوا إن شاء الله لا يتعدونه ولكن الامر في ذلك كان عندهم إن شاء الله على
ما ذكرت فأما قريش من بين العرب فإن آخر ما حصلت من تأريخها قبل هجرة
النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة على التأريخ بعام الفيل وذلك عام ولد
رسول الله صلى الله وكان بين عام الفيل والفجار عشرون سنة وبين الفجار
وبناء الكعبة خمس عشرة سنة وبين بناء الكعبة ومبعث النبي صلى الله عليه وسلم
خمس سنين (قال أبو جعفر) وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين
سنة وقرن بنبوته كما قال الشعبي ثلاث سنين إسرافيل وذلك قبل أن يؤمر بالدعاء
وإظهاره على ما قد قدمنا الرواية والاخبار به ثم قرن بنبوته جبريل عليه السلام
بعد السنين الثلاث وأمره بإظهار الدعوة إلى الله فأظهرها ودعا إلى الله مقيما بمكة
113

عشر سنين ثم هاجر إلى المدينة شهر ربيع الأول من سنة أربع عشرة من حين
استنبئ وكان خروجه من مكة إليها يوم الاثنين وقدومه المدينة يوم الاثنين لمضى
اثنتي عشرة ليلة من شهر ربيع الأول * حدثني إبراهيم بن سعيد الجوهري قال
حدثنا موسى بن داود عن ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران عن
حنش الصنعاني عن ابن عباس قال ولد النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين
واستنبئ يوم الاثنين ورفع الحجر يوم الاثنين وخرج مهاجرا من مكة إلى المدينة
يوم الاثنين وقدم المدينة يوم الاثنين وقبض يوم الاثنين * حدثنا ابن حميد قال
حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن الزهري قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم
المدينة يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول (قال
أبو جعفر) فإذا كان الامر في تأريخ المسلمين كالذي وصفت فإنه وإن كان
من الهجرة فإن ابتداءهم إياه قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة بشهرين
وأيام هي اثنا عشر وذلك أن أول السنة المحرم وكان قدوم النبي صلى الله عليه
وسلم المدينة بعد مضى ما ذكرت من السنة ولم يؤرخ التأريخ من وقت قدومه
بل من أول تلك السنة
ذكر ما كان من الأمور المذكورة في أول سنة من الهجرة
(قال أبو جعفر) قد مضى ذكرنا وقت مقدم النبي صلى الله عليه وسلم
المدينة وموضعه الذي نزل فيه حين قدمها وعلى من كان نزوله وقدر مكثه في
الموضع الذي نزله وخبر ارتحاله عنه ونذكر الآن ما لم نذكر قبل مما كان من
الأمور المذكورة في بقية سنة قدومه وهى السنة الأولى من الهجرة فمن ذلك تجميعه
صلى الله عليه وسلم بأصحابه الجمعة في اليوم الذي ارتحل فيه من قباء وذلك أن
ارتحاله عنها كان يوم الجمعة عامدا المدينة فأدركته الصلاة صلاة الجمعة في بنى سالم
ابن عوف ببطن واد لهم قد اتخذ اليوم في ذلك الموضع مسجدا فيما بلغني وكانت
هذه الجمعة أول جمعة جمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاسلام فخطب في
114

هذه الجمعة وهى أول خطبة خطبها بالمدينة فيما قيل
خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول جمعة جمعها بالمدينة
* حدثني يونس بن عبد الاعلى قال أخبرنا ابن وهب قال حدثني سعيد بن
عبد الرحمن الجمحي أنه بلغه عن خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول
جمعة صلاها بالمدينة في بنى سالم بن عوف (الحمد لله) أحمده وأستعينه وأستغفره
وأستهديه وأومن به ولا أكفره وأعادي من يكفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى والنور والموعظة على فترة من
الرسل وقلة من العلم وضلالة من الناس وانقطاع من الزمان ودنو من الساعة
وقرب من الاجل من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى وفرط
وضل ضلالا بعيدا، وأوصيكم بتقوى الله فإنه خير ما أوصى به المسلم المسلم أن
يحضه على الآخرة وأن يأمره بتقوى الله فاحذروا ما حذركم الله من نفسه ولا
أفضل من ذلك نصيحة ولا أفضل من ذلك ذكرا وإن تقوى الله لمن عمل به على
وجل ومخافة من ربه عون صدق على ما تبغون من أمر الآخرة، ومن يصلح الذي
بينه وبين الله من أمره في السر والعلانية لا ينوى بذلك إلا وجه الله يكن له
ذكرا في عاجل أمره وذخرا فيما بعد الموت حين يفتقر المرء إلى ما قدم وما كان
من سوى ذلك يود لو أن بينه وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد
والذي صدق قوله وأنجز وعده لا خلف لذلك فإنه يقول عز وجل (ما يبدل
القول لدى وما أنا بظلام للعبيد) فاتقوا الله في عاجل أمركم وآجله في السر
والعلانية، فإنه من يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا، ومن يتق الله فقد
فاز فوزا عظيما، وإن تقوى الله يوقى مقته ويوقى عقوبته ويوقى سخطه وإن تقوى
الله يبيض الوجوه ويرضى الرب ويرفع الدرجة، خذوا بحظكم ولا تفرطوا
في جنب الله، قد علمكم الله كتابه ونهج لكم سبيله ليعلم الذين صدقوا ويعلم
الكاذبين، فأحسنوا كما أحسن الله إليكم وعادوا أعداءه وجاهدوا في الله حق
115

جهاده هو اجتباكم وسماكم المسلمين ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيى عن
بينة ولا قوة إلا بالله، فأكثروا ذكر الله واعملوا لما بعد اليوم فإنه من يصلح
ما بينه وبين الله يكفه الله ما بينه وبين الناس، ذلك بأن الله يقضى على الناس ولا
يقضون عليه، ويملك من الناس ولا يملكون منه، الله أكبر ولا قوة إلا بالله
العظيم * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم ركب ناقته وأرخى لها الزمام فجعلت لا تمر بدار من دور الأنصار
إلا دعاه أهلها إلى النزول عندهم وقالوا له هلم يا رسول الله إلى العدد والعدة والمنعة
فيقول لهم صلى الله عليه وسلم خلوا زمامها فإنها مأمورة حتى انتهى إلى موضع
مسجده اليوم فبركت على باب مسجده وهو يومئذ مربد لغلامين يتيمين من بنى
النجار في حجر معاذ بن عفراء يقال لأحدهما سهل وللآخر سهيل ابنا عمرو بن
عباد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار فلما بركت لم ينزل عنها رسول الله صلى
الله عليه وسلم ثم وثبت فسارت غير بعيد ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع
لها زمامها لا يثنيها به ثم التفتت خلفها ثم رجعت إلى مبركها أول مرة فبركت
فيه ووضعت جرانها ونزل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتمل أبو أيوب
رحله فوضعه في بيته فدعته الأنصار إلى النزول عليهم فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم المرء مع رحله فنزل مع أبي أيوب خالد بن زيد بن كليب في بنى غنم بن
النجار (قال أبو جعفر) وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المربد لمن
هو فأخبره معاذ بن عفراء وقال هو ليتيمين لي سأرضيهما فأمر به رسول الله
صلى الله عليه وسلم أن يبنى مسجدا ونزل على أبى أيوب حتى بنى مسجده ومساكنه
وقيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى موضع مسجده ثم بناه والصحيح
عندنا في ذلك ما حدثنا مجاهد بن موسى يزيد بن هارون قال أخبرنا حماد
ابن سلمة عن أبي التياح عن أنس بن مالك قال كان موضع مسجد النبي صلى
الله عليه وسلم لبنى النجار وكان فيه نخل وحرث وقبور من قبور الجاهلية فقال
لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثامنوني به فقالوا لا نبتغي به ثمنا إلا ما عند الله
116

فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنخل فقطع وبالحرث فافسد وبالقبور
فنبشت وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك يصلى في مرابض الغنم وحيث
أدركته الصلاة (قال أبو جعفر) وتولى بناء مسجده صلى الله عليه وسلم هو بنفسه
وأصحابه من المهاجرين والأنصار (وفى هذه السنة) بنى مسجد قباء وكان أول من
توفى بعد مقدمه المدينة من المسلمين فيما ذكر صاحب منزله كلثوم بن الهدم لم يلبث
بعد مقدمه إلا يسيرا حتى مات ثم توفى بعده أسعد بن زرارة في سنة مقدمه وكان أبو أمامة
وكانت وفاته قبل أن يفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بناء مسجده بالذبحة
والشهقة * فحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال قال حدثنا محمد بن إسحاق حدثني
عبد الله بن أبي بكر عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال بئس الميت أبو أمامة ليهود ومنافقي العرب يقولون لو كان محمد
نبيا لم يمت صاحبه ولا أملك لنفسي ولا لصاحبي من الله شيئا * وقد حدثنا محمد
ابن عبد الاعلى قال حدثنا يزيد بن زريع عن معمر عن الزهري عن أنس أن
النبي صلى الله عليه وسلم كوى أسعد بن زرارة من الشوكة * قال ابن حميد قال سلمة
عن ابن إسحاق قال حدثني عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري أنه لما مات أبو أمامة
أسعد بن زرارة اجتمعت بنو النجار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم * وكان
أبو أمامة نقيبهم فقالوا يا رسول الله إن هذا الرجل قد كان منا حيث قد علمت
فاجعل منا رجلا مكانه يقيم من أمرنا ما كان يقيمه فقال لهم رسول الله صلى الله
عليه وسلم أنتم أخوالي وأنا منكم وأنا نقيبكم قال وكره رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن يخص بها بعضهم دون بعض فكان من فضل بنى النجار الذي تعد على
قومهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان نقيبهم (وفى هذه السنة) مات
أبو أحيحة بماله بالطائف ومات الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل السهمي فيها
بمكة * وفيها بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة بعد مقدمه المدينة بثمانية
أشهر في ذي القعدة في قول بعضهم وفى قول بعض بعد مقدمه المدينة بسبعة
أشهر في شوال وكان تزوجها بمكة قبل الهجرة بثلاث سنين بعد وفاة خديجة وهي
117

ابنة ست سنين وقد قيل تزوجها وهى ابنة سبع * حدثنا عبد الحميد بن بيان السكري
قال أخبرنا محمد بن يزيد عن إسماعيل يعنى ابن أبي خالد عن عبد الرحمن بن أبي
الضحاك عن رجل من قريش عن عبد الرحمن بن محمد أن عبد الله بن صفوان
وآخر معه أتيا عائشة فقالت عائشة يا فلان أسمعت حديث حفصة قال لها نعم يا أم
المؤمنين قال لها عبد الله بن صفوان وما ذاك قالت خلال في تسع لم تكن في أحد
من النساء إلا ما آتي الله مريم بنت عمران والله ما أقول هذا فخرا على أحد من
صواحبي قال لها وما هو قالت نزل الملك بصورتي وتزوجني رسول الله صلى الله
عليه وسلم لسبع سنين وأهديت إليه لتسع سنين وتزوجني بكرا لم يشركه في أحد
من الناس وكان يأتيه الوحي وأنا وهو في لحاف واحد وكنت من أحب الناس
إليه ونزل في آية من القرآن كادت الأمة أن تهلك ورأيت جبريل ولم يره أحد
من نسائه غيري وقبض في بيتي لم يله أحد غير الملك وأنا (قال أبو جعفر)
وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قيل في شوال وبنى بها حين بنى
بها في شوال
ذكر الرواية بذلك
* حدثنا ابن بشار قال حدثنا يحيى بن سعيد قال حدثنا سفيان عن إسماعيل بن
أمية عن عبد الله بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت تزوجني رسول الله صلى الله
عليه وسلم في شوال وبنى بي في شوال وكانت عائشة تستحب أن يبنى بنسائها في
شوال * حدثنا ابن وكيع قال حدثنا أبي عن سفيان عن إسماعيل بن أمية عن
عبد الله بن عروة عن عروة عن عائشة قالت تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم
في شوال وبنى بي في شوال فأي نساء رسول الله كانت أحظى عنده مني وكانت
عائشة تستحب أن يدخل بنسائها في شوال (قال أبو جعفر) وقيل إن رسول الله
صلى الله عليه وسلم بنى بها في شوال يوم الأربعاء في منزل أبى بكر بالسنح
(وفى هذه السنة) بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى بناته وزوجته سودة بنت
زمعة زيد بن حارثة وأبا رافع فحملاهن من مكة إلى المدينة ولما رجع فيما ذكر
118

عبد الله بن أريقط إلى مكة أخبر عبد الله بن أبي بكر بمكان أبيه أبى بكر فخرج
عبد الله بعيال أبيه إليه وصحبهم طلحة بن عبيد الله معهم أم رمان وهى أم عائشة
وعبد الله بن أبي بكر حتى قدموا المدينة (وفى هذه السنة) زيد في صلاة الحضر
فيما قيل ركعتان وكانت صلاة الحضر والسفر ركعتين وذلك بعد مقدم رسول
الله صلى الله عليه وسلم المدينة بشهر في ربيع الآخر لمضى اثنتي عشرة ليلة منه زعم الواقدي أنه لا خلاف بين أهل الحجاز فيه * وفيها في قول بعضهم ولد عبد الله
ابن الزبير وفى قول الواقدي ولد في السنة الثانية من مقدم رسول الله صلى الله عليه
وسلم المدينة في شوال * حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال قال محمد بن عمر
الواقدي ولد ابن الزبير بعد الهجرة بعشرين شهرا بالمدينة (قال أبو جعفر)
وكان أول مولود ولد من المهاجرين في دار الهجرة فكبر فيما ذكر أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم حين ولد وذلك أن المسلمين كانوا قد تحدثوا أن اليهود
يذكرون أنهم قد سحروهم فلا يولد لهم فكان تكبيرهم ذلك سرورا منهم بتكذيب
الله اليهود فيما قالوا من ذلك وقيل إن أسماء بنت أبي بكر هاجرت إلى المدينة وهى
حامل به وقيل أيضا إن النعمان بن بشير ولد في هذه السنة وإنه أول مولود ولد
للأنصار بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إليهم وأنكر ذلك الواقدي أيضا
* حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا الواقدي قال حدثنا محمد بن يحيى
ابن سهل بن أبي حثمة عن أبيه عن جده قال كان أول مولود من الأنصار النعمان
ابن بشير ولد بعد الهجرة بأربعة عشر شهرا فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو ابن ثماني سنين أو أكثر قليلا قال وولد النعمان قبل بدر بثلاثة أشهر أو أربعة
* حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثنا مصعب بن
ثابت عن أبي الأسود قال ذكر النعمان بن بشير عند ابن الزبير فقال هو أسن منى
بستة أشهر قال أبو الأسود ولد ابن الزبير على رأس عشرين شهرا من مهاجر
رسول الله صلى الله عليه وسلم وولد النعمان على رأس أربعة عشر شهرا
في ربيع الآخر (قال أبو جعفر) وقيل إن المختار بن أبي عبيد الثقفي وزياد
119

ابن سمية فيها ولدا * قال وزعم الواقدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
عقد في هذه السنة في شهر رمضان على رأس سبعة أشهر من مهاجره لحمزة بن
عبد المطلب لواء أبيض في ثلاثين رجلا من المهاجرين ليعترض لعيرات قريش
وأن حمزة لقى أبا جهل في ثلاثمائة رجل فحجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني
فافترقوا ولم يكن بينهم قتال وكان الذي يحمل لواء حمزة أبو مرثد وأن رسول
الله صلى الله عليه وسلم عقد أيضا في هذه السنة على رأس ثمانية أشهر من
مهاجره في شوال لعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف لواء أبيض وأمره
بالمسير إلى بطن رابغ وأن لواءه كان مع مسطح بن أثاثة فبلغ ثنية المرة وهى
بناحية الجحفة في ستين من المهاجرين ليس فيهم أنصاري وإنهم التقوا هم
والمشركون على ماء يقال له أحياء فكان بينهم الرمي دون المسايفة * قال وقد
اختلفوا في أمير السرية فقال بعضهم كان أبو سفيان بن حرب وقال بعضهم
كان مكرز بن حفص قال الواقدي ورأيت الثبت على أبي سفيان بن حرب وكان
في مائتين من المشركين * قال وفيها عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد
ابن أبي وقاص إلى الخرار لواء أبيض يحمله المقداد بن عمرو في ذي القعدة
وقال حدثني أبو بكر بن إسماعيل عن أبيه عن عامر بن سعد عن أبيه قال خرجت
في عشرين رجلا على أقدامنا أو قال واحد وعشرين رجلا فكنا نكمن النهار
ونسير الليل حتى صبحنا الخرار صبح خامسة وكان رسول الله صلى الله عليه
وسلم قد عهد إلى أن لا أجاوز الخرار وكانت العير قد سبقتني قبل ذلك بيوم
وكانوا ستين وكان من مع سعد كلهم من المهاجرين (قال أبو جعفر) وقال
ابن إسحاق في أمر كل هذه السرايا التي ذكرت عن الواقدي قوله فيها غير
ما قاله الواقدي وأن ذلك كله كان في السنة الثانية من وقت التاريخ * حدثنا ابن
حميد قال حدثنا سلمة بن الفضل قال حدثني محمد بن إسحاق قال قدم رسول الله
صلى الله عليه وسلم المدينة في شهر ربيع الأول لاثنتي عشرة ليلة مضت منه فأقام
بها ما بقى من شهر ربيع الأول وشهر ربيع الآخر وجماديين ورجب وشعبان
120

ورمضان وشوال وذا القعدة وذا الحجة وولى تلك الحجة المشركون والمحرم
وخرج في صفر غازيا على رأس اثنى عشر شهرا من مقدمه المدينة لثنتي عشرة ليلة
مضت من شهر ربيع الأول حتى بلغ ودان يريد قريشا وبنى ضمرة بن بكر بن
عبد مناة بن كنانة وهى غزوة الأبواء فوادعته فيها بنو ضمرة وكان الذي وادعه
منهم عليهم سيدهم كان في زمانه ذلك مخشى بن عمر ورجل منهم قال ثم رجع رسول الله
صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ولم يلق كيدا فأقام بها بقية صفر وصدرا من شهر
ربيع الأول وبعث في مقامه ذلك عبيدة بن الحارث بن المطلب في ثمانين أو ستين
راكبا من المهاجرين ليس فيهم من الأنصار أحد حتى بلغ أحياء ماء بالحجاز
بأسفل ثنية المرة فلقى بها جمعا عظيما من قريش فلم يكن بينهم قتال إلا أن سعد
ابن أبي وقاص قد رمى يومئذ بسهم فكان أول سهم رمى به في الاسلام ثم
انصرف القوم عن القوم وللمسلمين حامية وفر من المشركين إلى المسلمين المقداد
ابن عمرو البهراني حليف بنى زهرة وعتبة بن غزوان بن جابر حليف بنى نوفل
ابن عبد مناف وكانا مسلمين ولكنهما خرجا يتوصلان بالكفار إلى المسلمين وكان
على ذلك الجمع عكرمة بن أبي جهل قال محمد فكانت راية عبيدة فيما بلغني أول راية
عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاسلام لاحد من المسلمين * حدثنا ابن
حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق قال وبعض العلماء يزعم أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم كان بعثه حين أقبل من غزوة الأبواء قبل أن
يصل إلى المدينة قال وبعث حمزة بن عبد المطلب في مقامه ذلك إلى سيف البحر
من ناحية العيص في ثلاثين راكبا من المهاجرين وهى من أرض جهينة ليس
فيهم من الأنصار أحد فلقى أبا جهل بن هشام بذلك الساحل في ثلثمائة راكب
من أهل مكة فحجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني وكان موادعا للفريقين جميعا
فانصرف القوم بعضهم عن بعض ولم يكن بينهم قتال قال وبعض القوم يقول
كانت راية حمزة أول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحد من
المسلمين وذلك أن بعثه وبعث عبيدة بن الحارث كانا معا فشبه ذلك على الناس
121

قال والذي سمعنا من أهل العلم عندنا أن راية عبيدة بن الحارث كانت
أول راية عقدت في الاسلام قال ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم في
شهر ربيع الآخر يريد قريشا حتى إذا بلغ بواط من ناحية رضوى رجع ولم يلق
كيدا فلبث بقية شهر ربيع الآخر وبعض جمادى الأولى ثم غزا يريد قريشا
فسلك على نقب بنى دينار بن النجار ثم على فيفاء الخبار فنزل تحت شجرة
ببطحاء ابن أزهر يقال لها ذات الساق فصلى عندها فثم مسجده وضع له
عندها طعام فأكل منه وأكل الناس منه فموضع أثا في البرمة معلوم هنالك
فاستقى له من ماء به يقال له المشيرب ثم ارتحل فترك الخلائق بيسار وسلك
شعبة يقال لها شعبة عبد الله وذلك اسمها اليوم ثم صب ليسار حتى هبط يليل
فنزل بمجتمعه ومجتمع الضبوعة واستقى له من بئر بالضبوعة ثم سلك الفرش فرش
ملل حتى لقى الطريق بصحيرات اليمام ثم اعتدل به الطريق حتى نزل العشيرة
من بطن ينبع فأقام بها بقية جمادى الأولى وليالي من جمادى الآخرة ووداع
فيها بنى مدلج وحلفاءهم من بنى ضمرة ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيدا وفى تلك
الغزوة قال لعلي بن أبي طالب عليه السلام ما قال قال فلم يقم رسول الله صلى
عليه وسلم حين قدم من غزوة العشيرة بالمدينة إلا ليالي قلائل لا تبلغ العشر
حتى أغار كرز بن جابر الفهري على سرح المدينة فخرج رسول الله صلى الله
عليه وسلم في طلبه حتى بلغ واديا يقال له هفوان من ناحية بدر وفاته كرز
فلم يدركه وهى غزوة بدر الأولى ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى المدينة فأقام بها بقية جمادى الآخرة ورجبا وشعبان وقد كان بعث فيما بين
ذلك من غزوة سعد بن أبي وقاص في ثمانية رهط * وزعم الواقدي أن
في هذه السنة أعنى السنة الأولى من الهجرة جاء أبو قيس بن الأسلت رسول
الله صلى الله عليه وسلم فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الاسلام فقال
ما أحسن ما تدعو إليه أنظر في أمري ثم أعود إليك فلقيه عبد الله بن أبي فقال له
كرهت والله حرب الخزرج فقال أبو قيس لا أسلم سنة فمات في ذي القعدة
122

ثم كانت السنة الثانية من الهجرة
فغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول جميع أهل السير فيها في ربيع الأول
بنفسه غزوة الأبواء ويقال ودان وبينهما ستة أميال هي بحذائها واستخلف
رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة حين خرج إليها سعد بن عبادة بن دليم
وكان صاحب لوائه في هذه الغزوة حمزة بن عبد المطلب وكان لواؤه فيما ذكر أبيض
وقال الواقدي كان مقامه بها خمس عشرة ليلة ثم قدم المدينة قال الواقدي ثم غزا
رسول الله صلى الله عليه وسلم في مائتين من أصحابه حتى بلغ بواط في شهر ربيع
الأول يعترض لعيرات قريش وفيها أمية بن خلف ومائة رجل من قريش وألفان
وخمسمائة بعير ثم رجع ولم يلق كيدا وكان يحمل لواءه سعد بن أبي وقاص
واستخلف على المدينة سعد بن معاذ في غزوته هذه قال ثم غزا في ربيع الأول
في طلب كرز بن جابر الفهري في المهاجرين وكان قد أغار على سرح المدينة وكان
يرعى بالجماء فاستاقه فطلبه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ بدرا فلم يلحقه
وكان يحمل لواءه علي بن أبي طالب عليه السلام واستخلف على المدينة زيد بن
حارثة قال وفيها خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يعترض لعيرات قريش حين
أبدأت إلى الشأم في المهاجرين وهى غزوة ذات العشيرة حتى بلغ ينبع واستخلف
على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد وكان يحمل لواءه حمزة بن عبد المطلب * فحدثنا
سليمان بن عمر بن خالد الرقي قال حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد
ابن يزيد بن خثيم عن محمد بن كعب القرظي قال حدثنا أبوك يزيد بن خثيم عن
عمار بن ياسر قال كنت أنا وعلي رفيقين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في
غزوة العشيرة فنزلنا منزلا فرأينا رجالا من بنى مدلج يعملون في نخل لهم فقلت
لو انطلقنا فنظرنا إليهم كيف يعملون فانطلقنا فنظرنا إليهم ساعة ثم غشينا النعاس
فعمدنا إلى صور من النخل فنمنا تحته في دقعاء من التراب فما أيقظنا إلا رسول
الله صلى الله عليه وسلم أتانا وقد تتربنا في ذلك التراب فحرك عليا برجله فقال
123

ثم يا أبا تراب الا أخبرك بأشقى الناس أحمر ثمود عاقر الناقة والذي يضربك على
هذا يعنى قرنه فيخضب هذه منها وأخذ بلحيته * حدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق قال حدثني يزيد بن محمد بن خثيم المحاربي عن
محمد بن كعب القرظي عن محمد بن خثيم وهو أبو يزيد عن عمار بن ياسر قال
كنت أنا وعلى رفيقين فذكر نحوه * وقد قيل في ذلك غير هذا القول وذلك
ما حدثني به محمد بن عبيد المحاربي قال حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه قال
قيل لسهل بن سعد إن بعض أمراء المدينة يريد أن يبعث إليك تسب عليا عند
المنبر قال أقول ماذا قال تقول أبا تراب قال والله ما سماه بذلك إلا رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال قلت وكيف ذاك يا أبا العباس قال دخل علي على فاطمة ثم
خرج من عندها فاضطجع في فئ المسجد * قال ثم دخل رسول الله صلى الله عليه
وسلم على فاطمة فقال لها أين ابن عمك فقالت هو ذاك مضطجع في المسجد قال
فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجده قد سقط رداؤه عن ظهره وخلص
التراب إلى ظهره فجعل يمسح التراب عن ظهره ويقول اجلس أبا تراب فوالله
ما سماه به إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ووالله ما كان له اسم أحب إليه منه
(قال أبو جعفر) وفى هذه السنة في صفر لليال بقين منه تزوج علي بن أبي طالب
عليه السلام فاطمة رضي الله عنها حدثت بذلك عن محمد بن عمر قال حدثنا
أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن أبي جعفر
(قال أبو جعفر الطبري) ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من طلب
كرز بن جابر الفهري إلى المدينة وذلك في جمادى الآخرة بعثت في رجب عبد الله
ابن جحش معه ثمانية رهط من المهاجرين ليس فيهم من الأنصار أحد فيما حدثنا
ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق قال حدثني الزهري ويزيد بن
رومان عن عروة بن الزبير بذلك وأما الواقدي فإنه زعم أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم بعث عبد الله بن جحش سرية في اثنى عشر رجلا من المهاجرين
(رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق) عن الزهري ويزيد بن رومان عن عروة
124

قال وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم له كتابا يعنى لعبد الله بن جحش وأمره
أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه فيمضى له أمره به ولا يستكره أحدا
من أصحابه فلما سار عبد الله بن جحش يومين فتح الكتاب ونظر فيه فإذا فيه
إذا نظرت في كتابي هذا فسر حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف فترصد بها قريشا
وتعلم لنا من اخبارهم فلما نظر عبد الله في الكتاب قال سمع وطاعة ثم
قال لأصحابه قد أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمضى إلى النخلة
فأرصد بها قريشا حتى آتيه منهم بخبر وقد نهاني أن أستكره أحدا منكم فمن
كان منكم يريد الشهادة ويرغب فيها فلينطلق ومن كره ذلك فليرجع فأما أنا
فماض لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فمضى معه أصحابه فلم يتخلف
عنه منهم أحد وسلك على الحجاز حتى إذا كان بمعدن فوق الفرع أضل
سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيرا لهما كانا يعتقبانه فتخلفا عليه في طلبه
ومضى عبد الله بن جحش وبقية أصحابه حتى نزل بنخلة فمرت به عير لقريش تحمل
زبيبا وأدما وتجارة من تجارة قريش فيها منهم عمرو بن الحضرمي وعثمان بن عبد الله
ابن المغيرة وأخوه نوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزوميان والحكم بن كيسان مولى
هشام بن المغيرة فلما رآهم القوم هابوهم وقد نزلوا قريبا منهم فأشرف لهم عكاشة
ابن محصن وقد كان حلق رأسه فلما رأوه أمنوا وقالوا عمار لا بأس عليكم منهم
وتشاور القوم فيهم وذلك في آخر يوم من رجب فقال القوم والله لئن تركتم
القوم هذه الليلة ليدخلن الحرم فليمتنعن به منكم ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر
الحرام فتردد القوم وهابوا الاقدام عليهم ثم تشجعوا عليهم وأجمعوا على قتل
من قدروا عليه منهم وأخذ ما معهم فرمى واقد بن عبد الله التميمي عمرو الحضرمي
بسهم فقتله واستأسر عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان وأفلت نوفل بن عبد الله
فأعجزهم وأقبل عبد الله بن جحش وأصحابه بالعير والأسير حتى قدموا على رسول الله
صلى الله عليه وسلم بالمدينة قال وقد ذكر بعض آل عبد الله بن جحش أن عبد الله
ابن جحش قال لأصحابه إن لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما غنمتم الخمس وذلك
125

قبل أن يفرض الله من الغنائم الخمس فعزل لرسول الله صلى الله عليه وسلم خمس
الغنيمة وقسم سائرها بين أصحابه فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام فوقف العير والأسير وأبى أن يأخذ من ذلك
شيئا فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم سقط في أيدي القوم وظنوا أنهم
قد هلكوا وعنفهم المسلمون فيما صنعوا وقال لهم صنعتم ما لم تؤمروا به وقاتلتم
في الشهر الحرام ولم تؤمروا بقتال وقالت قريش قد استحل محمد وأصحابه الشهر
الحرام فسفكوا فيه الدم وأخذوا فيه الأموال وأسروا فيه الرجال فقال من يرد
ذلك عليهم من المسلمين ممن كان بمكة إنما أصابوا ما أصابوا في شعبان وقالت
يهود تفاءل بذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن الحضرمي قتله واقد
ابن عبد الله عمرو عمرت الحرب والحضرمي حضرت الحرب وواقد بن عبد الله
وقدت الحرب فجعل الله عز وجل ذلك عليهم لا لهم فلما أكثر الناس في ذلك أنزل
الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم (يسألونك عن الشهر الحرام قتال
فيه) الآية فلما نزل القرآن بهذا من الامر وفرج الله عن المسلمين ما كانوا فيه من
الشفق قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم العير والأسيرين وبعثت إليه قريش في
فداء عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا نفديكموهما حتى يقدم صاحبانا يعنى سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان فإنا
نخشاكم عليهما فإن تقتلوهما نقتل صاحبيكم فقدم سعد وعتبة ففاداهما رسول الله
صلى الله عليه وسلم منهم فأما الحكم بن كيسان فأسلم فحسن إسلامه وأقام عند
رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل يوم بئر معونة شهيدا (قال أبو جعفر)
وخالف في بعض هذه القصة محمد بن إسحاق والواقدي جميعا السدى * حدثني موسى
ابن هارون قال حدثنا عمرو بن حماد قال حدثنا أسباط عن السدى (يسألونك عن
الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله) وذلك أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم بعث سرية وكانوا سبعة نفر عليهم عبد الله بن جحش الأسدي
وفيهم عمار بن ياسر وأبو حذيفة عتبة بن ربيعة وسعد بن أبي وقاص وعتبة بن
126

غزوان السلمي حليف لبنى نوفل وسهيل بن بيضاء وعامر بن فهيرة وواقد بن
عبد الله اليربوعي حليف لعمر بن الخطاب وكتب مع ابن جحش كتابا وأمره
ألا يقرأه حتى ينزل بطن ملل فلما نزل بطن ملل فتح الكتاب فإذا فيه أن سر حتى
تنزل بطن نخل فقال لأصحابه من كان يريد الموت فليمض وليوص فإني موص
وماض لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فسار وتخلف عنه سعد بن أبي وقاص
وعتبة بن غزوان أضلا راحلة لهما فأتيا بحران يطلبانها وسار ابن جحش إلى بطن
نخلة فإذا هو بالحكم بن كيسان وعبد الله بن المغيرة والمغيرة بن عثمان وعمرو بن الحضرمي
فاقتتلوا فأسروا الحكم بن كيسان وعبد الله بن المغيرة وانفلت المغيرة وقتل عمرو
ابن الحضرمي قتله واقد بن عبد الله فكانت أول غنيمة غنمها أصحاب محمد صلى الله
عليه وسلم فلما رجعوا إلى المدينة بالأسيرين وما أصابوا من الأموال أراد أهل مكة
أن يفادوا الأسيرين فقال النبي صلى الله عليه وسلم حتى ننظر ما فعل صاحبانا فلما
رجع سعد وصاحبه فادى بالأسيرين ففجر عليه المشركون وقالوا محمد يزعم أنه
يتبع طاعة الله وهو أول من استحل الشهر الحرام وقتل صاحبنا في رجب فقال
المسلمون إنما قتلناه في جمادى وقيل في أول ليلة من رجب وآخر ليلة من جمادى
وغمد المسلمون سيوفهم حين دخل رجب فأنزل الله عز وجل يعير أهل مكة
يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير الآية (قال أبو جعفر) وقد
قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم كان انتدب لهذا المسير أبا عبيدة بن الجراح ثم
بدا له فيه فندب له عبد الله بن جحش
ذكر الخبر بذلك
* حدثنا محمد بن عبد الاعلى قال حدثنا المعتمر بن سليما عن أبيه أنه حدثه
رجل عن أبي السوار يحدثه عن جندب بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنه بعث رهطا فبعث عليهم أبا عبيدة بن الجراح فلما أخذ لينطلق بكى صبابة إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث رجلا مكانه يقال له عبد الله بن جحش وكتب
له كتابا وأمره أن لا يقرأ الكتاب حتى يبلغ كذا وكذا ولا تكرهن أحدا من
127

أصحابك على السير معك فلما قرأ الكتاب استرجع ثم قال سمعا وطاعة لأمر الله
ورسوله فخبرهم الخبر وقرأ عليهم الكتاب فرجع رجلا ومضى بقيتهم فلقوا ابن
الحضرمي فقتلوه ولم يدروا ذلك اليوم من رجب أو من جمادى فقال المشركون للمسلمين
فعلتم كذا وكذا في الشهر الحرام فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فحدثوه الحديث فأنزل الله
عز وجل (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه إلى قوله والفتنة أكبر من القتل) الفتنة
هي الشرك * وقال بعض الذي أظنه قال كانوا في السرية والله ما قتله إلا واحد
فقال إن يكن خيرا فقد وليت وان يكن ذنبا فقد علمت
ذكر بقية ما كان في السنة الثانية من سنى الهجرة
ومن ذلك ما كان من صرف الله عز وجل قبلة المسلمين من الشأم إلى الكعبة
وذلك في السنة الثانية من مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة في شعبان واختلف
السلف من العلماء في الوقت الذي صرفت فيه من هذه السنة فقال بعضهم وهم
الجمهور الأعظم صرفت في النصف من شعبان على رأس ثمانية عشر شهرا من
مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة
ذكر من قال ذلك
* حدثنا موسى بن هارون الهمداني قال حدثنا عمرو بن حماد قال حدثنا أسباط
عن السدى في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن
مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
كان الناس يصلون قبل بيت المقدس فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة على
رأس ثمانية عشر شهرا من مهاجره وكان إذا صلى رفع رأسه إلى السماء ينظر ما يؤمر
وكان يصلى قبل بيت المقدس فنسختها للكعبة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن
يصلى قبل الكعبة فأنزل الله عز وجل (قد نرى تقلب وجهك في السماء) الآية
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال صرفت القبلة في شعبان
على رأس ثمانية عشر شهرا من مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة * وحدثت
عن ابن سعد عن الواقدي مثل ذلك وقال صرفت القبلة في الظهر يوم الثلاثاء للنصف
من شعبان (قال أبو جعفر) وقال آخرون إنما صرفت القبلة إلى الكعبة لستة عشر
128

شهرا مضت من سنى الهجرة
ذكر من قال ذلك
* حدثنا المثنى بن إبراهيم الآملي قال حدثنا الحجاج قال حدثنا همام بن يحيى قال
سمعت قتادة قال كانوا يصلون نحو بيت المقدس ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل
الهجرة وبعد ما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا
ثم وجه بعد ذلك نحو الكعبة البيت الحرام * حدثني يونس بن عبد الاعلى قال أخبرنا
ابن وهب قال سمعت ابن زيد يقول استقبل النبي صلى الله عليه وسلم بيت المقدس
ستة عشر شهرا فبلغه أن يهود تقول والله ما درى محمد وأصحابه أين قبلتهم حتى
هديناهم فكره ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ورفع وجهه إلى السماء فقال الله عز وجل
(قد نرى تقلب وجهك في السماء، الآية (قال أبو جعفر) وفى هذه السنة فرض فيما
ذكر صوم شهر رمضان وقيل إنه فرض في شعبان منها وكان النبي صلى الله عليه
وسلم حين قدم المدينة رأى يهود تصوم يوم عاشوراء فسألهم فأخبروه أنه اليوم
الذي غرق الله فيه آل فرعون ونجى موسى ومن معه منهم فقال نحن أحق بموسى
منهم فصام وأمر الناس بصومه فلما فرض صوم شهر رمضان لم يأمرهم بصوم يوم
عاشوراء ولم ينههم عنه (وفيها) أمر الناس باخراج زكاة الفطر وقيل إن النبي
صلى الله عليه وسلم خطب الناس قبل الفطر بيوم أو يومين وأمرهم بذلك (وفيها)
خرج إلى المصلى فصلى بهم صلاة العيد وكان ذلك أول خرجة خرجها بالناس
إلى المصلى لصلاة العيد (وفيها) ذكر حملت العنزة له إلى المصلى فصلى إليها وكانت
للزبير بن العوام كان النجاشي وهبها له فكانت تحمل بين يديه في الأعياد وهى
اليوم فيما بلغني عند المؤذنين بالمدينة (وفيها) كانت وقعة بدر الكبرى بين رسول
الله صلى الله عليه وسلم والكفار من قريش وذلك في شهر رمضان منها ثم
اختلفوا في اليوم الذي فيه كانت الحرب بينه وبينهم فقال بعض كانت وقعة بدر
يوم تسعة عشر من شهر رمضان
ذكر من قال ذلك
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا هارون بن المغيرة عن عنبسة عن أبي إسحاق عن
129

عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن ابن مسعود قال التمسوا ليلة القدر في تسع
عشرة ليلة من رمضان فإنها ليلة بدر * حدثنا محمد بن عمارة الأسدي قال حدثنا
عبيد الله بن موسى قال أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن حجير الثعلبي عن الأسود
عن عبد الله قال التمسوا ليلة القدر في تسع عشرة من رمضان فان صبيحتها كانت
صبيحة بدر * حدثنا أبو كريب قال حدثنا عبيد بن محمد المحاربي قال حدثنا ابن أبي
الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد عن زيد أنه كان لا يحيى ليلة من شهر رمضان
كما يحيى ليلة تسع عشرة وثلاث وعشرين ويصبح وجهه مصفرا من أثر السهر
فقيل له فقال إن الله عز وجل فرق في صبيحتها بين الحق والباطل (وقال) آخرون
كانت يوم الجمعة صبيحة سبع عشرة من شهر رمضان
ذكر من قال ذلك
* حدثنا ابن المثنى قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة قال سمعت
أبا إسحاق تحدث عن حجير عن الأسود وعلقمة أن عبد الله بن مسعود قال التمسوها
في سبع عشرة وتلا هذه الآية (يوم التقى الجمعان) يوم بدر ثم قال أو تسع عشرة
وإحدى وعشرين * حدثنا الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر
قال حدثنا الثوري عن الزبير بن عدي عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله قال
كانت بدر صبيحة تسع عشرة من رمضان * حدثنا الحارث قال حدثنا ابن سعد
قال حدثنا محمد بن عمر قال حدثنا الثوري عن أبي إسحاق عن الأسود عن عبد الله
مثله * قال الحارث قال ابن سعد قال الواقدي فذكرت ذلك لمحمد بن صالح فقال
هذا أعجب الأشياء ما ظننت أن أحدا من أهل الدنيا شك في هذا إنها صبيحة تسع
عشرة من رمضان يوم الجمعة قال محمد بن صالح وسمعت عاصم بن عمر بن قتادة
ويزيد بن رومان يقولان ذلك قال لي محمد بن صالح يا ابن أخي وما تحتاج إلى
تسمية الرجال في هذا هذا أبين من ذلك ما يجهل هذا النساء في بيوتهن قال الواقدي
فذكرته لعبد الرحمن بن أبي الزناد فقال أخبرني أبي عن خارجة بن زيد عن زيد
ابن ثابت أنه كان يحيى ليلة سبع عشرة من شهر رمضان وإن كان ليصبح وعلى
130

وجهه اثر السهر ويقول فرق الله في صبيحتها بين الحق والباطل وأعز في صبحها
الاسلام وأنزل فيها القرآن وأذل فيها الكفر وكانت وقعة بدر يوم الجمعة
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا يحيى بن واضح قال حدثني يحيى بن يعقوب أبو طالب
عن أبي عون محمد بن عبيد الله الثقفي عن أبي عبد الرحمن السلمي عبد الله بن حبيب
قال قال الحسن بن علي بن أبي طالب كانت ليلة الفرقان يوم التقى الجمعان لسبع
عشرة من رمضان وكان الذي هاج وقعة بدر وسائر الحروب التي كانت بين
رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين مشركي قريش فيما قال عروة بن الزبير ما كان
من قتل واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي
ذكر وقعة بدر الكبرى
* حدثنا علي بن نصر بن علي وعبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث
قال علي حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث وقال عبد الوارث حدثني أبي قال حدثنا
أبان العطار قال حدثنا هشام بن عروة عن عروة أنه كتب إلى عبد الملك بن مروان
أما بعد فإنك كتبت إلى في أبي سفيان ومخرجه تسألني كيف كان شأنه: كان من
شأنه أن أبا سفيان بن حرب أقبل من الشأم في قريب من سبعين راكبا من قبائل
قريش كلها كانوا تجارا بالشام فأقبلوا جميعا معهم أموالهم وتجارتهم فذكروا
لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقد كانت الحرب بينهم قبل ذلك فقتلت
قتلى وقتل ابن الحضرمي في ناس بنخلة وأسرت أسارى من قريش فيهم بعض
بنى المغيرة وفيهم ابن كيسان مولاهم أصابهم عبد الله بن جحش وواقد حليف
بنى عدى بن كعب في ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثهم مع
عبد الله بن جحش وكانت تلك الوقعة هاجت الحرب بين رسول الله صلى الله عليه
وسلم وبين قريش وأول ما أصاب به بعضهم بعضا من الحرب وذلك قبل مخرج
أبي سفيان وأصحابه إلى الشأم ثم إن أبا سفيان أقبل بعد ذلك ومن معه من ركبان
قريش مقبلين من الشأم فسلكوا طريق الساحل فلما سمع بهم رسول الله صلى الله
عليه وسلم ندب أصحابه وحدثهم بما معهم من الأموال وبقلة عددهم فخرجوا
131

لا يريدون الا أبا سفيان والركب معه لا يرونها الا غنيمة لهم لا يظنون أن يكون
كبير قتال إذا لقوهم وهى التي أنزل الله عز وجل فيها (وتودون أن غير ذات
الشوكة تكون لكم) فلما سمع أبو سفيان أن أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم معترضون له بعث إلى قريش أن محمدا وأصحابه معترضون لكم فأجيروا
تجارتكم فلما أتى قريشا الخبر وفى عير أبي سفيان من بطون كعب بن لؤي كلها
نفر لها أهل مكة وهى نفرة بنى كعب بن لؤي ليس فيها من بنى عامر أحد إلا
ما كان من بنى مالك بن حسل ولم يسمع بنفرة قريش رسول الله صلى الله عليه
وسلم ولا أصحابه حتى قدم النبي صلى الله عليه وسلم بدرا وكان طريق ركبان
قريش من أخذ منهم طريق الساحل إلى الشأم فخفض أبو سفيان عن بدر ولزم
طريق الساحل وخاف الرصد على بدر وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى عرس
قريبا من بدر وبعث النبي صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام في عصابة من أصحابه
إلى ماء بدر وليسوا يحسبون أن قريشا خرجت لهم فبينا النبي صلى الله عليه وسلم
قائم يصلى إذ ورد بعض روايا قريش ماء بدر وفيمن ورد من الروايا غلام لبنى الحجاج
أسود فأخذه النفر الذين بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الزبير إلى الماء
وأفلت بعض أصحاب العبد نحو قريش فأقبلوا به حتى أتوا به رسول الله صلى الله عليه
وسلم وهو في معرسه فسألوه عن أبي سفيان وأصحابه لا يحسبون الا أنه معهم
فطفق العبد يحدثهم عن قريش ومن خرج منها وعن رؤسهم ويصدقهم الخبر
وهم أكره شئ إليهم الخبر الذي يخبرهم وإنما يطلبون حينئذ بالركب أبا سفيان
وأصحابه والنبي صلى الله عليه وسلم يصلى يركع ويسجد يرى ويسمع ما يصنع بالعبد
فطفقوا إذا ذكر لهم أنها قريش جاءتهم ضربوه وكذبوه وقالوا إنما تكتمنا
أبا سفيان وأصحابه فجعل العبد إذا أذلقوه بالضرب وسألوه عن أبي سفيان وأصحابه
وليس له بهم علم إنما هو من روايا قريش قال نعم هذا أبو سفيان والركب حينئذ
أسفل منهم قال الله عز وجل (إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى
والركب أسفل منكم - حتى بلغ - أمرا كان مفعولا) فطفقوا إذا قال لهم العبد
132

هذه قريش قد أتتكم ضربوه وإذا قال لهم هذا أبو سفيان تركوه فلما رأى صنيعهم
النبي صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاته وقد سمع الذي أخبرهم فزعموا أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والذي نفسي بيده إنكم لتضربونه إذا صدق
وتتركونه إذا كذب قالوا فإنه يحدثنا أن قريشا قد جاءت قال فإنه قد صدق قد
خرجت قريش تجير ركابها فدعا الغلام فسأله فأخبره بقريش وقال لا علم لي بأبي
سفيان فسأله كم القوم فقال لا أدرى والله هم كثير عددهم فزعموا أن النبي صلى الله
وسلم قال من أطعمهم أول من أمس فسمى رجلا أطعمهم فقال كم جزائر نحر لهم
قال تسع جزائر قال فمن أطعمهم أمس فسمى رجلا فقال كم نحر لهم قال عشر جزائر
فزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال القوم ما بين التسعمائة إلى الألف فكان نفرة
قريش يومئذ خمسين وتسعمائة فانطلق النبي صلى الله عليه وسلم فنزل الماء وملا
الحياض وصف عليها أصحابه حتى قدم عليه القوم فلما ورد رسول الله صلى الله عليه
وسلم بدرا قال هذه مصارعهم فوجدوا النبي صلى الله عليه وسلم قد سبقهم إليه ونزل عليه
فلما طلعوا عليه زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذه قريش قد جاءت بجلبتها وفخرها
تحادك وتكذب رسولك اللهم إني أسألك ما وعدتني فلما أقبلوا استقبلهم فحثا في
وجوههم التراب فهزمهم الله وكانوا قبل أن يلقاهم النبي صلى الله عليه وسلم قد جاءهم
راكب من أبي سفيان والركب الذين معه أن ارجعوا والركب الذين يأمرون
قريشا بالرجعة بالجحفة فقالوا والله لا نرجع حتى ننزل بدرا فنقيم به ثلاث ليال
ويرانا من غشينا من أهل الحجاز فإنه لن يرانا أحد من العرب وما جمعنا فيقاتلنا
وهم الذين قال الله عز وجل (الذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس)
فالتقوا هم والنبي صلى الله عليه وسلم ففتح الله على رسوله وأخزى أئمة الكفر
وشفى صدور المسلمين منهم * حدثني هارون بن إسحاق قال حدثنا مصعب بن
المقدام قال حدثنا إسرائيل قال حدثنا أبو إسحاق عن حارثة عن علي عليه السلام
قال لما قدمنا المدينة أصبنا من ثمارها فاجتويناها وأصابنا بها وعك وكان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخبر عن بدر فلما بلغنا أن المشركين قد أقبلوا
133

سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر وبدر بئر فسبقنا المشركين إليها فوجدنا
فيها رجلين منهم رجل من قريش ومولى لعقبة بن أبي معيط فأما القرشي فانفلت
وأما مولى عقبة فأخذناه فجعلنا نقول كم القوم فيقول هم والله كثير شديد بأسهم
فجعل المسلمون إذا قال ذلك ضربوه حتى انتهوا به إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال له كم القوم فقال هم والله كثير شديد بأسهم فجهد النبي صلى الله عليه
وسلم أن يخبره كم هم فأبى ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله كم ينحرون
من الجزر فقال عشرا كل يوم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم القوم ألف ثم
إنه أصابنا من الليل طش من المطر فانطلقنا تحت الشجر والحجف نستظل
تحتها من المطر وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ربه اللهم إن تهلك
هذه العصابة لا تعبد في الأرض فلما أن طلع الفجر نادى الصلاة عباد الله فجاء
الناس من تحت الشجر والحجف فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرض
على القتال ثم قال إن جمع قريش عند هذه الضلعة من الجبل فلما أن دنا القوم
منا وصاففناهم إذا رجل من القوم على جمل أحمر يسير في القوم فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم يا علي ناد لي حمزة وكان أقربهم إلى المشركين من صاحب
الجمل الأحمر وماذا يقول لهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن يكن
في القوم من يأمر بالخير فعسى أن يكون صاحب الجمل الأحمر فجاء حمزة فقال
هو عتبة بن ربيعة وهو ينهى عن القتال ويقول لهم إني أرى قوما مستميتين
لا تصلون إليهم وفيكم خير يا قوم اعصبوها اليوم برأسي وقولوا جبن عتبة بن
ربيعة ولقد علمتم أنى لست بأجبنكم قال فسمع أبو جهل فقال أنت تقول هذا
والله لو غيرك يقول هذا لعضضته لقد ملئت رئتك وجوفك رعبا فقال عتبة إياي
تعير يا مصفر استه ستعلم اليوم أينا أجبن قال فبرز عتبة بن ربيعة وأخوه شيبة
ابن ربيعة وابنه الوليد حمية فقالوا من يبارز فخرج فتية من الأنصار ستة فقال
عتبة لا نريد هؤلاء ولكن يبارزنا من بنى عمنا من بنى عبد المطلب فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم يا علي قم يا حمزة قم يا عبيدة بن الحارث قم فقتل الله عتبة بن
134

ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وجرح عبيدة بن الحارث فقتلنا منهم
سبعين وأسرنا منهم سبعين قال فجاء رجل من الأنصار قصير بالعباس بن عبد المطلب
أسيرا فقال يا رسول الله والله ما هذا أسرني ولكن أسرني رجل أجلح من أحسن
الناس وجها على فرس أبلق ما أراه في القوم فقال الأنصاري أنا أسرته فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد آزرك الله بملك كريم قال علي فأسر من
بنى عبد المطلب العباس وعقيل ونوفل بن الحارث * حدثني جعفر بن محمد
البزوري قال حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن حارثة
عن علي قال لما أن كان يوم بدر وحضر الناس اتقينا برسول الله فكان من أشد
الناس بأسا وما كان منا أحد أقرب إلى العدو منه * حدثنا عمرو بن علي قال
حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب
عن علي قال سمعته يقول ما كان فينا فارس يوم بدر غير مقداد بن الأسود ولقد
رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قائما إلى
شجرة يصلى ويدعو حتى الصبح * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد
ابن إسحاق قال إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم سمع بأبي سفيان
ابن حرب مقبلا من الشأم في عير لقريش عظيمة فيها أموال لقريش
وتجارة من تجاراتهم وفيها ثلاثون راكبا من قريش أو أربعين منهم مخرمة بن
نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة وعمرو بن العاص بن وائل بن هشام بن
سعيد بن سهم * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق قال
فحدثني محمد بن مسلم الزهري وعاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر ويزيد
ابن رومان عن عروة وغيرهم من علمائنا عن عبد الله بن عباس كل قد حدثني
بعض هذا الحديث فاجتمع حديثهم فيما سقت من حديث بدر قالوا لما سمع
رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان مقبلا من الشأم ندب المسلمين إليهم
وقال هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل الله أن ينفلكموها فانتدب
الناس فخف بعضهم وثقل بعضهم وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه
135

وسلم يلقى حربا وكان أبو سفيان حين دنا من الحجاز يتحسس الاخبار ويسأل
من لقى من الركبان تخوفا على أموال الناس حتى أصاب خبرا من بعض
الركبان أن محمدا قد استنفر أصحابه لك ولعيرك فحذر عند ذلك فاستأجر
ضمضم بن عمرو الغفاري فبعثه إلى مكة وأمره أن يأتي قريشا يستنفرهم
إلى أموالهم ويخبرهم أن محمدا قد عرض لها في أصحابه فخرج ضمضم بن
عمرو سريعا إلى مكة * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال قال ابن إسحاق
وحدثني من لا أتهم عن عكرمة مولى ابن عباس عن ابن عباس ويزيد بن رومان
عن عروة قال وقد رأت عاتكة بنت عبد المطلب قبل قدوم ضمضم مكة بثلاث ليال
رؤيا أفزعتها فبعثت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب فقالت له يا أخي والله لقد
رأيت الليلة رؤيا لقد أفظعتني وتخوفت أن يدخل على قومك منها شر ومصيبة
فاكتم على ما أحدثك قال لها وما رأيت قالت رأيت راكبا أقبل على بعير له حتى
وقف بالأبطح ثم صرخ بأعلى صوته أن انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث
فأرى الناس اجتمعوا إليه ثم دخل المسجد والناس يتبعونه فبينا هم حوله مثل به
بعيره على ظهر الكعبة ثم صرخ بأعلى صوته بمثلها أن انفروا يا آل غدر لمصارعكم
في ثلاث ثم مثل به بعيره على رأس أبى قبيس فصرخ بمثلها ثم أخذ صخرة
فأرسلها فأقبلت تهوى حتى إذا كانت بأسفل الجبل ارفضت فما بقى بيت من بيوت
مكة ولا دار من دورها إلا دخلت منها فلقة قال العباس والله إن هذه لرؤيا رأيت
فاكتميها ولا تذكريها لاحد ثم خرج العباس فلقى الوليد بن عتبة بن ربيعة وكان
له صديقا فذكرها له واستكتمه إياها فذكرها الوليد لأبيه عتبة ففشا الحديث
حتى تحدثت به قريش قال العباس فغدوت أطوف بالبيت وأبو جهل بن هشام في
رهط من قريش قعود يتحدثون برؤيا عاتكة فلما رآني أبو جهل قال يا أبا الفضل
إذا فرغت من طوافك فأقبل إلينا قال فلما فرغت أقبلت إليه حتى جلست معهم
فقال لي أبو جهل يا بنى عبد المطلب متى حدثت فيكم هذه النبية قال قلت وما ذاك
قال الرؤيا التي رأت عاتكة قال قلت وما رأت قال يا بنى عبد المطلب أما رضيتم
136

أن تتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم قد زعمت عاتكة في رؤياها أنه قال انفروا في
ثلاث فسنتربص بكم هذه الثلاث فان يكن ما قالت حقا فسيكون وإن تمض الثلاث
ولم يكن من ذلك شئ نكتب عليكم كتابا أنكم أكذب أهل بيت في العرب
قال العباس فوالله ما كان منى إليه كبير إلا أنى جحدت ذلك وأنكرت أن
تكون رأت شيئا قال ثم تفرقنا فلما أمسيت لم تبق امرأة من بنى عبد المطلب إلا
أتتني فقالت أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم ثم قد تناول النساء
وأنت تسمع ثم لم يكن عندك غيرة لشئ مما سمعت قال قلت قد والله فعلت
ما كان منى إليه من كبير وأيم الله لا تعرضن له فإن عاد لأكفينكموه قال فغدوت
في اليوم الثالث من رؤيا عاتكة وأنا حديد مغضب أرى أن قد فاتني منه أمر
أحب أن أدركه منه قال فدخلت المسجد فرأيته فوالله إني لأمشي نحوه أتعرضه
ليعود لبعض ما قال فأقع به وكان رجلا خفيفا حديد الوجه حديد اللسان حديد
النظر إذ خرج نحو باب المسجد يشتد قال قلت في نفسي ماله لعنه الله أكل هذا
فرقا من أن أشاتمه قال وإذا هو قد سمع ما لم أسمع صوت ضمضم بن عمرو الغفاري
وهو يصرخ ببطن الوادي واقفا على بعيره قد جدع بعيره وحول رحله وشق
قميصه وهو يقول يا معشر قريش اللطيمة اللطيمة أموالكم مع أبي سفيان قد
عرض لها محمد في أصحابه لا أرى أن تدركوها الغوث الغوث قال فشغلني عنه
وشغله عنى ما جاء من الامر فتجهز الناس سراعا وقالوا أيظن محمد وأصحابه
أن تكون كعير ابن الحضرمي كلا والله ليعلمن غير ذلك فكانوا بين رجلين
إما خارج وإما باعث مكانه رجلا وأوعبت قريش فلم يتخلف من أشرافها أحد
إلا أن أبا لهب بن عبد المطلب تخلف فبعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة وكان
لاط له بأربعة آلاف درهم كانت له عليه أفلس بها فاستأجره بها على أن يجزى
عنه بعثه فخرج عنه وتخلف أبو لهب * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال قال
محمد بن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي نجيح أن أمية بن خلف كان قد أجمع العقود
وكان شيخا جليلا ثقيلا فأتاه عقبة بن أبي معيط وهو جالس في المسجد بين ظهري
137

قومه بمجمرة يحملها فيها نار ومجمر حتى وضعها بين يديه ثم قال يا أبا على استجمر
فإنما أنت من النساء قال قبحك الله وقبح ما جئت به قال ثم تجهز فخرج مع الناس
فلما فرغوا من جهازهم وأجمعوا السير ذكروا ما بينهم وبين بنى بكر بن عبد مناة بن
كنانة من الحرب فقالوا إنا نخشى أن يأتونا من خلفنا * حدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة قال قال محمد بن إسحاق وحدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير قال لما
أجمعت قريش المسير ذكرت الذي بينها وبين بنى بكر فكاد ذلك أن يثنيهم
فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن جعشم المدلجي وكان من أشراف كنانة
فقال أنا جار لكم من أن تأتيكم كنانة بشئ تكرهونه فخرجوا سراعا (قال
أبو جعفر) وخرج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيما بلغني عن غير
ابن إسحاق لثلاث ليال خلون من شهر رمضان في ثلثمائة وبضعة عشر رجلا
من أصحابه فاختلف في مبلغ الزيادة على العشرة فقال بعضهم كانوا ثلثمائة وثلاثة
عشر رجلا
ذكر من قال ذلك
* حدثنا أبو كريب قال حدثنا أبو بكر بن عياش قال حدثنا أبو إسحاق عن
البراء قال كنا نتحدث أن أصحاب بدر يوم بدر كعدة أصحاب طالوت ثلثمائة رجل
وثلاثة عشر رجلا الذين جاوزوا النهر فسكت * حدثني محمد بن عبيد المحاربي قال
حدثنا أبو مالك الجنى عن الحجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال كان
المهاجرون يوم بدر سبعة وسبعين رجلا وكان الأنصار مائتين وستة وثلاثين
رجلا وكان صاحب راية رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب عليه
السلام وصاحب راية الأنصار سعد بن عبادة * وقال آخرون كانوا ثلثمائة رجل
وأربعة عشر من شهد منهم ومن ضرب بسهمه وأجره حدثنا بذلك ابن حميد
قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق وقال بعضهم كانوا ثلثمائة وثمانية عشر وقال
آخرون كانوا ثلثمائة وسبعة * وأما عامة السلف فإنهم قالوا كانوا ثلثمائة
رجل وبضعة عشر رجلا
138

ذكر من قال ذلك
حدثنا هارون بن إسحاق قال حدثنا مصعب بن المقدام وحدثني أحمد بن إسحاق
الأهوازي قال حدثنا أبو أحمد الزبيري قالا حدثنا إسرائيل قال حدثنا أبو إسحاق عن
البراء قال كنا نتحدث أن عدة أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا
معه النهر ولم يجز معه إلا مؤمن ثلثمائة وبضعة عشر * حدثنا ابن بشار قال حدثنا
أبو عامر قال حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن البراء قال كنا نتحدث أن أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يوم بدر ثلثمائة وبضعة عشر رجلا على عدة أصحاب
طالوت من جاز معه النهر وما جاز معه إلا مؤمن * حدثنا ابن وكيع قال حدثنا أبي
عن سفيان عن أبي إسحاق عن البراء بنحوه * حدثنا إسماعيل بن إسرائيل
الرملي قال حدثنا عبد الله بن محمد بن المغيرة عن مسعر عن أبي إسحاق عن البراء
قال عدة أهل بدر عدة أصحاب طالوت * حدثني أحمد بن إسحاق قال حدثنا
أبو أحمد قال حدثنا مسعر عن أبي إسحاق عن البراء مثله * حدثنا بشر بن معاذ
قال حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد عن قتادة قال ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم
قال لأصحابه يوم بدر أنتم بعدة أصحاب طالوت يوم لقى جالوت وكان أصحاب نبي الله
صلى الله عليه وسلم يوم بدر ثلثمائة وبضعة عشر رجلا * حدثني موسى بن هارون
قال حدثنا عمرو بن حماد قال حدثنا أسباط عن السدى قال خلص طالوت في
ثلثمائة وبضعة عشر رجلا عدة أصحاب بدر * حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا
عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة قال كان مع النبي صلى الله عليه وسلم
يوم بدر ثلثمائة وبضعة عشر رجلا
رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق
قال وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه وجعل على الساقة قيس
ابن أبي صعصعة أخا بنى مازن بن النجار في ليال مضت من شهر رمضان فسار
حتى إذا كان قريبا من الصفراء بعث بسبس بن عمرو الجهني حليف بنى ساعدة
وعدى بن أبي الزغباء الجهني حليف بنى النجار إلى بدر يتحسسان له الاخبار
139

عن أبي سفيان بن حرب وعيره ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد
قدمهما فلما استقبل الصفراء وهى قرية بين جبلين سأل عن جبليهما ما أسماؤهما
فقالوا لأحدهما هذا مسلح وقالوا للآخر هذا مخرئ وسأل عن أهلهما فقالوا
بنو النار وبنو حراق بطنان من بنى غفار فكرههما رسول الله صلى الله عليه وسلم
والمرور بينهما وتفاءل بأسمائهما وأسماء أهاليهما فتركهما والصفراء بيسار وسلك
ذات اليمين على واد يقال له ذفران فخرج منه حتى إذا كان ببعضه نزل وأتاه الخبر
عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم الناس وأخبرهم
عن قريش فقام أبو بكر رضي الله عنه فقال فأحسن ثم قام عمر بن الخطاب فقال
فأحسن ثم قام المقداد بن عمرو فقال يا رسول الله امض لما أمرك الله فنحن معك
والله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا
قاعدون) ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فوالذي بعثك
بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد يعنى مدينة الحبشة لجالدنا معك من دونه حتى
تبلغه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له بخير * حدثنا محمد بن
عبيد المحاربي قال حدثنا إسماعيل بن إبراهيم أبو يحيى قال حدثنا المخارق عن
طارق عن عبد الله بن مسعود قال لقد شهدت من المقداد مشهدا لان أكون
أنا صاحبه أحب إلى مما في الأرض من شئ كان رجلا فارسا وكان رسول الله
صلى الله عليه وسلم إذا غضب احمارت وجنتاه فأتاه المقداد على تلك الحال فقال
أبشر يا رسول الله فوالله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى (اذهب أنت
وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون) ولكن والذي بعثك بالحق لنكونن من بين يديك
ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك أو يفتح الله لك (رجع الحديث إلى
حديث ابن إسحاق) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أشيروا على أيها
الناس وإنما يريد الأنصار وذلك أنهم كانوا عدد الناس وذلك أنهم حين بايعوه
بالعقبة قالوا يا رسول الله إنا برآء من ذمامك حتى تصل إلى دارنا فإذا وصلت
إلينا فأنت في ذمامنا نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا فكان رسول الله صلى
140

الله عليه وسلم يتخوف الا تكون الأنصار ترى عليها نصرته إلا ممن دهمه
بالمدينة من عدوه وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو من بلادهم فلما قال ذلك
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له سعد بن معاذ والله لكأنك تريدنا يا رسول الله
قال أجل قال فقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك
على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما أردت
فوالذي بعثك بالحق إن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف
منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا إنا لصبر عند الحرب صدق عند
اللقاء لعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله فسر رسول الله صلى
الله عليه وسلم بقول سعد ونشطه ذلك ثم قال سيروا على بركة الله وأبشروا فان
الله قد وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم ثم
ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذفران فسلك على ثنايا يقال لها
الأصافر ثم انحط منها على بلد يقال لها الدبة وترك الحنان بيمين وهو كثيب عظيم
كالجبل ثم نزل قريبا من بدر فركب هو ورجل من أصحابه * كما حدثنا ابن حميد
قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن محمد بن يحيى بن حبان حتى وقف
على شيخ من العرب فسأله عن قريش وعن محمد وأصحابه وما بلغه عنهم فقال
الشيخ لا أخبركما حتى تخبراني ممن أنتما فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا أخبرتنا أخبرناك فقال وذاك بذاك قال نعم قال الشيخ فإنه بلغني أن محمدا
وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا فإن كان صدقني الذي أخبرني فهو اليوم
بمكان كذا وكذا للمكان الذي به رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغني أن قريشا
خرجوا يوم كذا وكذا فإن كان الذي حدثني صدقني فهم اليوم بمكان وكذا وكذا للمكان
الذي به قريش فلما فرغ من خبره قال ممن أنتما فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم نحن من ماء ثم انصرف عنه قال يقول الشيخ ما من ماء أمن ماء العراق
ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه فلما أمسى بعث علي بن أبي طالب
والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص في نفر من أصحابه إلى ماء بدر يلتمسون
141

له الخبر عليه كما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثنا محمد بن إسحاق كما حدثني
يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير فأصابوا راوية لقريش فيها أسلم غلام بنى
الحجاج وعريض أبو يسار غلام بنى العاص بن سعيد فأتوا بهما رسول الله
صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قائم يصلى فسألوهما
فقالا نحن سقاة قريش بعثونا لنسقيهم من الماء فكره القوم خبرهما ورجوا
أن يكونا لأبي سفيان فضربوهما فلما إذ لقوهما قالا نحن لأبي سفيان فتركوهما
وركع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجد سجدتين ثم سلم فقال إذا صدقاكم
ضربتموهما وإذا كذباكم تركتموهما صدقا والله إنهما لقريش أخبراني أين
قريش قالا هم وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى والكثيب العقنقل
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهما كم القوم قالا كثير قال ما عدتهم قالا
لا ندري قال كم ينحرون كل يوم قالا يوما تسعا ويوما عشرا قال رسول الله
صلى الله عليه وآله القوم ما بين التسعمائة والألف ثم قال لهما رسول الله
صلى الله عليه وسلم فمن فيهم من أشراف قريش قال عتبة بن ربيعة وشيبة
ابن ربيعة وأبو البختري بن هشام وحكيم بن حزام ونوفل بن خويد والحارث
ابن عامر بن نوفل وطعيمة بن عدي بن نوفل والنضر بن الحارث بن كلدة
وزمعة بن الأسود وأبو جهل بن هشام وأمية بن خلف ونبيه ومنبه ابنا الحجاج
وسهيل بن عمرو وعمرو بن عبد ود فأقبل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
على الناس فقال هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها قالوا وقد كان بسبس
ابن عمرو وعدى بن أبي الزغباء مضيا حتى نزلا بدرا فأناخا إلى تل قريب من
الماء ثم أخذا شنا يستقيان فيه ومجدي بن عمرو الجهني على الماء فسمع عدى
وبسبس جاريتين من جواري الحاضر وهما تتلازمان على الماء والملزومة تقول
لصاحبتها إنما تأتى العير غدا أو بعد غد فأعمل لهم ثم أقضيك الذي لك قال
مجدي صدقت ثم خلص بينهما وسمع ذلك عدى وبسبس فجلسا على بعيريهما ثم
انطلقا حتى أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه بما سمعا وأقبل أبو سفيان
142

قد تقدم العير حذرا حتى ورد الماء فقال لمجدي بن عمرو هل أحسست
أحدا قال ما رأيت أحدا أنكره إلا أنى رأيت راكبين أناخا إلى هذا التل ثم
استقيا في شن لهما ثم انطلقا فأتى أبو سفيان مناخهما فأخذ من أبعار بعيريهما
ففته فإذا فيه نوى فقال هذا والله علائف يثرب فرجع إلى أصحابه سريعا فضرب
وجه عيره عن الطريق فساحل بها وترك بدرا يسارا ثم انطلق حتى أسرع وأقبلت
قريش فلما نزلوا الجحفة رأى جهيم بن الصلت بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف
رؤيا فقال انى رأيت فيما يرى النائم وإني لبين النائم واليقظان إذ نظرت إلى
رجل أقبل على فرس حتى وقف ومعه بعير له ثم قال قتل عتبة بن ربيعة وشيبة
ابن ربيعة وأبو الحكم بن هشام وأمية بن خلف وفلان وفلان فعدد رجالا
ممن قتل يومئذ من أشراف قريش ورأيته ضرب في لبة بعيره ثم أرسله في العسكر
فما بقى خباء من أخبية العسكر إلا أصابه نضح من دمه قال فبلغت أبا جهل فقال
وهذا أيضا نبي آخر من بنى عبد المطلب سيعلم غدا من المقتول إن نحن التقينا ولما
رأى أبو سفيان أنه قد أحرز عيره أرسل إلى قريش إنكم إنما خرجتم لتمنعوا عيركم
ورجالكم وأموالكم فقد نجاها الله فارجعوا فقال أبو جهل بن هشام والله لا نرجع
حتى نرد بدرا وكان بدر موسما من مواسم العرب تجتمع لهم بها سوق كل عام
فنقيم عليه ثلاثا وننحر الجزر ونطعم الطعام ونسقى الخمور وتعزف علينا القيان
وتسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا أبدا فامضوا فقال الأخنس بن شريق بن
عمرو بن وهب الثقفي وكان حليفا لبنى زهرة وهم بالجحفة يا بنى زهرة قد نجى الله
لكم أموالكم وخلص لكم صاحبكم مخرمة بن نوفل وإنما نفرتم لتمنعوه وماله
فاجعلوا بي جبنها وارجعوا فإنه لا حاجة بكم في أن تخرجوا في غير ضيعة لا ما
يقول هذا يعنى أبا جهل فرجعوا فلم يشهدها زهري واحد وكان فيهم مطاعا ولم
يكن بقى من قريش بطن إلا نفر منهم ناس إلا بنى عدى بن كعب لم يخرج
منهم رجل واحد فرجعت بنو زهرة مع الأخنس بن شريق فلم يشهد بدرا من
هاتين القبيلتين أحد ومضى القوم قال وقد كان بين طالب بن أبي طالب وكان
143

في القوم وبين بعض قريش محاورة فقالوا والله لقد عرفنا يا بني هاشم إن
خرجتم معنا ان هواكم مع محمد فرجع طالب إلى مكة فيمن رجع (قال أبو جعفر)
وأما ابن الكلبي فإنه قال فيما حدثت عنه شخص طالب بن أبي طالب
إلى بدر مع المشركين أخرج كرها فلم يوجد في الاسرى ولا في القتلى ولم يرجع
إلى أهله وكان شاعرا وهو الذي يقول
يا رب إما يغزون طالب * في مقنب من هذه المقانب
فليكن المسلوب غير السالب * وليكن المغلوب غير الغالب
(رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق) قال ومضت قريش حتى نزلوا بالعدوة
القصوى من الوادي خلف العقنقل وبطن الوادي وهو يليل بين بدر وبين
العقنقل الكثيب الذي خلفه قريش والقلب ببدر في العدوة الدنيا من بطن
يليل إلى المدينة وبعث الله السماء وكان الوادي دهسا فأصاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم وأصحابه منها ما لبد لهم الأرض ولم يمنعهم المسير وأصاب قريشا
منها ما لم يقدر على أن يرتحلوا معه فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يبادرهم
إلى الماء حتى إذا جاء أدنى ماء من بدر نزل به * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة
قال فحدثني محمد بن إسحاق قال حدثت عن رجال من بنى سلمة أنهم ذكروا أن
الحباب بن المنذر بن الجموح قال يا رسول الله أرأيت هذا المنزل أمنزل أنزلكه الله
ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخره أم هو الرأي والحرب والمكيدة قال بل هو الرأي
والحرب والمكيدة فقال يا رسول الله فإن هذا ليس لك بمنزل فانهض بالناس
حتى تأتى أدنى ماء من القوم فتنزله ثم تغور ما سواه من القلب ثم تبنى عليه
حوضا فتملاه ماء ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم لقد أشرت بالرأي فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه
من الناس فسار حتى أتى أدنى ماء من القوم حتى نزل عليه ثم أمر بالقلب فغورت
وبنى حوضا على القليب الذي نزل عليه فملئ ماء ثم قذفوا فيه الآنية * حدثنا ابن
حميد قال حدثنا سلمة قال قال محمد بن إسحاق فحدثني عبد الله بن أبي بكر أن سعد
144

ابن معاذ قال يا رسول الله نبني لك عريشا من جريد فتكون فيه ونعد عندك
ركائبك ثم نلقى عدونا فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا كان ذلك مما أحببنا
وإن كانت الأخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا من قومنا فقد تخلف
عنك أقوام يا نبي الله ما نحن بأشد حبا لك منهم ولو ظنوا أنك تلقى حربا ما تخلفوا
عنك يمنعك الله بهم يناصحوك ويجاهدون معك فأثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم
عليه خيرا ودعا له بخير ثم بنى لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريش فكان فيه
وقد ارتحلت قريش حين أصبحت فأقبلت فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم
تصوب من العقنقل وهو الكثيب الذي منه جاؤوا إلى الوادي قال اللهم هذه
قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك اللهم فنصرك الذي
وعدتني اللهم فأحنهم الغداة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأى عتبة
ابن ربيعة في القوم على جمل له أحمر إن يكن عند أحد من القوم خير فعند صاحب
الجمل الأحمر إن يطيعوه يرشدوا وقد كان خفاف بن إيماء بن رحضة الغفاري
أو أبو ه إيماء بن رحضة بعث إلى قريش حين مروا به ابنا له بجزائر أهداها لهم
وقال إن أحببتم أن أمدكم بسلاح ورجال فعلنا فأرسلوا إليه مع ابنه ان وصلتك
الرحم فقد قضيت الذي عليك فلعمري لئن كنا إنما نقاتل الناس ما بنا ضعف
عنهم ولئن كنا نقاتل الله كما يزعم محمد فما لاحد بالله من طاقة فلما نزل الناس أقبل
نفر من قريش حتى وردوا حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم حكيم بن
حزام على فرس له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوهم فما شرب منهم
رجل إلا قتل يومئذ إلا ما كان من حكيم بن حزام فإنه لم يقتل نجا على فرس له
يقال له الوجيه وأسلم بعد ذلك فحسن إسلامه فكان إذا اجتهد يمينه قال
لا والذي نجاني يوم بدر * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال قال محمد بن إسحاق
وحدثني إسحاق بن يسار وغيره من أهل العلم عن أشياخ من الأنصار قالوا لما
اطمأن القوم بعثوا عمير بن وهب الجمحي فقالوا أحرز لنا أصحاب محمد قال فاستجال
بفرسه حول العسكر ثم رجع إليهم فقال ثلثمائة رجل يزيدون قليلا أو ينقصونه
145

ولكن أمهلوني حتى أنظر أللقوم كمين أم مدد * قال فضرب في الوادي حتى
أبعد فلم ير شيئا فرجع إليهم فقال ما رأيت شيئا ولكني قد رأيت يا معشر قريش
الولايا تحمل المنايا نواضح يثرب تحمل الموت الناقع قوم ليس لهم منعة ولا ملجأ
إلا سيوفهم والله ما أرى يقتل رجل منهم حتى يقتل رجل منكم فإذا أصابوا منكم
أعدادهم فما خير العيش بعد ذلك فروا رأيكم فلما سمع حكيم بن حزام ذلك مشى
في الناس فأتى عتبة بن ربيعة فقال يا أبا الوليد إنك كبير قريش الليلة وسيدها
والمطاع فيها هل لك أن لا تزال تذكر منها بخير إلى آخر الدهر قال وما ذاك يا حكيم
قال ترجع بالناس وتحمل دم حليفك عمرو بن الحضرمي قال قد فعلت أنت على
بذلك إنما هو حليفي فعلى عقله وما أصيب من ماله فأت ابن الحنظلية فانى لا أخشى
أن يشجر أمر الناس غيره يعنى أبا جهل بن هشام * حدثنا الزبير بن كار قال
حدثنا عمامة بن عمرو السهمي قال حدثني مسور بن عبد الملك اليربوعي عن
أبيه عن سعيد بن المسيب قال بينا نحن عند مروان بن الحكم إذ دخل حاجبه فقال
هذا أبو خالد حكيم بن حزام قال إئذن له فلما دخل حكيم بن حزام قال مرحبا
بك يا أبا خالد ادن فحال له مروان عن صدر المجلس حتى كان بينه وبين الوسادة
ثم استقبله مروان فقال حدثنا حديث بدر قال خرجنا حتى إذا نزلنا الجحفة
رجعت قبيلة من قبائل قريش بأسرها فلم يشهد أحد من مشركيهم بدرا ثم خرجنا
حتى نزلنا العدوة التي قال الله عز وجل فجئت عتبة بن ربيعة فقلت يا أبا الوليد هل
لك أن تذهب بشرف هذا اليوم ما بقيت قال أفعل ماذا قلت إنكم لا تطلبون
من محمد إلا دم ابن الحضرمي وهو حليفك فتحمل ديته فترجع بالناس فقال أنت
وذاك وأنا أتحمل بديته واذهب إلى ابن الحنظلية يعنى أبا جهل فقل له هل لك
أن ترجع اليوم بمن معك عن ابن عمك فجئته فإذا هو في جماعة من بين يديه ومن
ورائه وإذا ابن الحضرمي واقف على رأسه وهو يقول قد فسخت عقدي من
عبد شمس وعقدي إلى بنى مخزوم فقلت له يقول لك عتبة بن ربيعة هل لك أن
ترجع اليوم عن ابن عمك بمن معك قال أما وجد رسولا غيرك قلت لا ولم أكن
146

لاكون رسولا لغيره قال حكيم فخرجت مبادرا إلى عتبة لئلا يفوتني من الخير
شئ وعتبة متكئ على ايماء بن رحضة الغفاري وقد أهدى إلى المشركين عشر
جزائر فطلع أبو جهل الشر في وجهه فقال لعتبة انتفخ سحرك فقال له عتبة ستعلم فسل
أبو جهل سيفه فضرب به متن فرسه فقال ايماء بن رحضة بئس الفأل هذا فعند ذلك
قامت الحرب (رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق) ثم قام عتبة بن ربيعة خطيبا
فقال يا معشر قريش انكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمدا وأصحابه شيئا والله لئن
أصبتموه لا يزال رجل منكم ينظر في وجه رجل يكره النظر إليه قتل ابن عمه أو ابن خاله أو
رجلا من عشيرته فارجعوا وخلوا بين محمد وبين سائر العرب فإن أصابوه فذاك الذي
أردتم وإن كان غير ذلك ألفاكم ولم تعرضوا منه ما تريدون قال حكيم فانطلقت
أؤم أبا جهل فوجدته قد نثل درعا له من جرابها فهو يهيؤها فقلت يا أبا الحكم إن
عتبة قد أرسلني إليك بكذا وكذا للذي قال فقال انتفخ والله سحره حين رأى محمدا
وأصحابه كلا والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد وأصحابه وما بعتبة قال ولكنه
قد رأى محمدا وأصحابه أكلة جزور وفيهم ابنه فقد تخوفكم عليه ثم بعث إلى عامر
ابن الحضرمي فقال له هذا حليفك يريد أن يرجع بالناس وقد رأيت ثأرك بعينك
فقم فانشد خفرتك ومقتل أخيك فقال عامر بن الحضرمي فاكتشف ثم صرخ واعمراه
واعمراه فحميت الحرب وحقب أمر الناس واستوثقوا على ما هم عليه من الشر
وأفسد على الناس الرأي الذي دعاهم إليه عتبة بن ربيعة فلما بلغ عتبة بن ربيعة قول
أبى جهل انتفخ سحره قال سيعلم المصفر أسته من انتفخ سحره أنا أم هو ثم التمس
بيضة يدخلها رأسه فلما وجد في الجيش بيضة تسعه من عظم هامته فلما رأى ذلك
اعتجر على رأسه ببرد له وقد خرج الأسود بن عبد الأسد المخزومي وكان رجلا
شرسا سيئ الخلق فقال أعاهد الله لأشربن من حوضهم ولأهدمنه أو لأموتن
دونه فلما خرج خرج له حمزة بن عبد المطلب فلما التقيا ضربه حمزة فأطن قدمه
بنصف ساقه وهو دون الحوض فوقع على ظهره تشخب رجله دما نحو
أصحابه ثم حبا إلى الحوض حتى اقتحم فيه يريد زعم أن يبر يمينه واتبعه حمزة
147

فضربه حتى قتله في الحوض ثم خرج بعده عتبة بن ربيعة بين أخيه شيبة بن ربيعة
وابنه الوليد بن عتبة حتى إذا فصل من الصف دعا إلى المبارزة فخرج إليه فتية من
الأنصار ثلاثة نفر منهم عوف ومعوذ ابنا الحارث وأمهما عفراء ورجل آخر
يقال له عبد الله بن رواحة فقال من أنتم قالوا رهط من الأنصار فقالوا ما لنا
بكم من حاجة ثم نادى مناديهم يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم قم يا حمزة بن عبد المطلب قم يا عبيدة بن الحارث قم يا علي
ابن أبي طالب فلما قاموا ودنوا منهم قالوا من أنتم قال عبيدة عبيدة وقال حمزة حمزة
وقال علي علي قالوا نعم أكفاء كرام فبارز عبيدة بن الحارث وكان أسن القوم
عتبة بن ربيعة وبارز حمزة شيبة بن ربيعة وبارز علي الوليد بن عتبة فأما حمزة فلم
يمهل شيبة أن قتله وأما علي فلم يمهل الوليد أن قتله واختلف عبيدة وعتبة بينهما
ضربتين كلاهما أثبت صاحبه وكر حمزة وعلي بأسيافهما على عتبة فذففا عليه
فقتلاه واحتملا صاحبهما عبيدة فجاءا به إلى أصحابه وقد قطعت رجله فمخها يسيل
فلما أتوا بعبيدة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألست شهيدا يا رسول الله
قال بلى فقال عبيدة لو كان أبو طالب حيا لعلم أنى أحق بما قال منه حيث يقول
ونسلمه حتى نصرع حوله * ونذهل عن أبنائنا والحلائل
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال قال محمد بن إسحاق وحدثني عاصم
ابن عمر بن قتادة أن عتبة بن ربيعة قال للفتية من الأنصار حين انتسبوا أكفاء
كرام إنما نريد قومنا ثم تزاحف الناس ودنا بعضهم من بعض وقد أمر رسول الله
صلى الله عليه وسلم أصحابه أن لا يحملوا حتى يأمرهم وقال إن اكتنفكم القوم
فانضحوهم عنكم بالنبل ورسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش معه أبو بكر
(قال أبو جعفر) وكانت وقعة بدر يوم الجمعة صبيحة سبع عشرة من شهر رمضان
كما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال قال محمد بن إسحاق كما حدثني أبو جعفر محمد
ابن علي بن الحسين وحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال قال محمد بن إسحاق وحدثني
حبان بن واسع بن حبان بن واسع عن أشياخ من قومه أن رسول الله صلى الله
148

عليه وسلم عدل صفوف أصحابه يوم بدر وفى يده قدح يعدل به القوم فمر بسواد
ابن غزية حليف بنى عدى بن النجار وهو مستنتل من الصف فطعن رسول الله
صلى الله عليه وسلم في بطنه بالقدح وقال استويا يا سواد بن غزية فقال يا رسول الله
أوجعتني وقد بعثك الله بالحق فأقدني * قال فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن بطنه ثم قال استقد * قال فاعتنقه وقبل بطنه فقال ما حملك على هذا يا سواد
فقال يا رسول الله حضر ما ترى فلم آمن القتل فأردت أن يكون آخر العهد بك أن
يمس جلدي جلدك فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير وقال له خيرا ثم
عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوف ورجع إلى العريش ودخله ومعه
فيه أبو بكر ليس معه فيه غيره ورسول الله صلى الله عليه وسلم يناشد ربه ما وعده
من النصر ويقول فيما يقول اللهم إنك إن تهلك هذه العصابة اليوم يعنى المسلمين
لا تعبد بعد اليوم وأبو بكر يقول يا نبي الله بعض مناشدتك ربك فإن الله عز وجل
منجز لك ما وعدك * فحدثني محمد بن عبيد المحاربي قال حدثنا عبد الله بن المبارك
عن عكرمة بن عمار قال حدثني سماك الحنفي قال سمعت ابن عباس يقول حدثني عمر
ابن الخطاب قال لما كان يوم بدر ونظر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى
المشركين وعدتهم ونظر إلى أصحابه نيفا على ثلثمائة استقبل القبلة فجعل يدعو يقول
اللهم انجز لي ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الاسلام لا تعبد في
الأرض فلم يزل كذلك حتى سقط رداؤه فأخذ أبو بكر فوضع رداءه عليه ثم
التزمه من ورائه ثم قال كفاك يا نبي الله بأبي أنت وأمي مناشدتك ربك فإنه
سينجز لك ما وعدك فأنزل الله تبارك وتعالى (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب
لكم أنى ممدكم بألف من الملائكة مردفين * حدثنا ابن وكيع قال حدثنا
الثقفي يعنى عبد الوهاب عن خالد عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي
صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال وهو في قبته يوم بدر اللهم إني أسألك
عهدك ووعدك اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم قال فأخذ أبو بكر بيده فقال
حسبك يا نبي الله فقد ألححت على ربك وهو في الدرع فخرج وهو يقول (سيهزم
149

الجمع ويولون الدبر بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر) (رجع الحديث
إلى حديث ابن إسحاق) قال وقد خفق رسول الله صلى الله عليه وسلم خفقة
وهو في العريش ثم انتبه فقال يا أبا بكر أتاك نصر الله هذا جبريل آخذ بعنان
فرسه يقوده على ثناياه النقع قال وقد رمى مهجع مولى عمر بن الخطاب بسهم
فقتل فكان أول قتيل من المسلمين ثم رمى حارثة بن سراقة أحد بنى عدى بن
النجار وهو يشرب من الحوض فقتل ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى الناس فحرضهم ونفل كل امرئ منهم ما أصاب وقال والذي نفس محمد بيده
لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر إلا أدخله الله الجنة
فقال عمير بن الحمام أخو بنى سلمة وفى يده تمرات يأكلهن بخ بخ فما بيني
وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء ثم قذف التمرات من يده وأخذ سيفه
فقاتل القوم حتى قتل وهو يقول
ركضا إلى الله بغير زاد * إلا التقى وعمل المعاد
والصبر في الله على الجهاد * وكل زاد عرضة النفاد
غير التقى والبر والرشاد
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن عاصم بن
عمر بن قتادة أن عوف بن الحارث وهو ابن عفراء قال يا رسول الله ما يضحك
الرب من عبده قال غمسه يده في العدو حاسرا فنزع درعا كانت عليه فقذفها
ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال
قال محمد بن إسحاق وحدثني محمد بن مسلم الزهري عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير
العذري حليف بنى زهرة قال لما التقى الناس ودنا بعضهم من بعض قال
أبو جهل اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا يعرف فأحنه الغداة فكان هو المستفتح
على نفسه ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ حفنة من الحصباء فاستقبل
بها قريشا ثم قال شاهت الوجوه ثم نفحهم بها وقال لأصحابه شدوا فكانت
الهزيمة فقتل الله من قتل من صناديد قريش وأسر من أسر منهم فلما وضع القوم
150

أيديهم يأسرون ورسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش وسعد بن معاذ
قائم على باب العريش الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم متوشحا السيف
في نفر من الأنصار يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم يخافون عليه
كرة العدو ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر لي في وجه سعد بن
معاذ الكراهية لما يصنع الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكأنك
يا سعد تكره ما يصنع الناس قال أجل والله يا رسول الله كانت أول وقعة أوقعها
الله بالمشركين فكان الاثخان في القتل أعجب إلى من استبقاء الرجال
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال وحدثني العباس بن
عبد الله بن معبد عن بعض أهله عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال لأصحابه يومئذ إني عرفت أن رجالا من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا
كرها لا حاجة لهم بقتالنا فمن لقى منكم أحدا من بني هاشم فلا يقتله ومن لقى أبا البختري
ابن الحارث بن أسد فلا يقتله ومن لقى العباس بن عبد المطلب عم رسول الله فلا يقتله
فإنه إنما أخرج مستكرها * قال فقال أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة أنقتل آباءنا وأبناءنا
وإخواننا وعشيرتنا ونترك العباس والله لئن لقيته لأحملنه السيف فبلغت رسول الله
صلى الله عليه وسلم فجعل يقول لعمر بن الخطاب يا أبا حفص أما تسمع إلى قول
أبى حذيفة يقول أضرب وجه عم رسول الله بالسيف فقال عمر يا رسول الله دعني
فلاضربن عنقه بالسيف فوالله لقد نافق فقال عمر والله إنه لأول يوم كنى بي فيه
رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي حفص * قال فكان أبو حذيفة يقول ما أنا
بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ ولا أزال منها خائفا إلا أن تكفرها عنى
الشهادة فقتل يوم اليمامة شهيدا قال وإنما نهى رسول الله صلى الله عليه
وسلم عن قتل أبى البختري لأنه كان أكف القوم عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم وهو بمكة كان لا يؤذيه ولا يبلغه عنه شئ يكرهه وكان ممن قام في نقض
الصحيفة التي كتبت قريش على بني هاشم وبني المطلب فلقيه المجذر بن ذياد
البلوى حليف الأنصار من بنى عدى فقال المجذر بن ذياد لأبي البختري إن
151

رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن قتلك ومع أبى البختري زميل له خرج
معه من مكة وهو جنادة بن مليحة بنت زهير بن الحارث بن أسد وجنادة
رجل من بنى ليث واسم أبى البختري العاص بن هشام بن الحارث بن أسد قال
وزميلي فقال المجذر لا والله ما نحن بتاركي زميلك ما أمرنا رسول الله صلى الله
عليه وسلم إلا بك وحدك قال لا والله إذا لأموتن أنا وهو جميعا لا تحدث عنى
نساء قريش من أهل مكة أنى تركت زميلي حرصا على الحياة فقال أبو البختري
حين نازله المجذر وأبى إلا القتال وهو يرتجز
لن يسلم ابن حرة أكيله * حتى يموت أو يرى سبيله
فاقتتلا فقتله المجذر بن ذياد * قال ثم أتى المجذر بن ذياد رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال والذي بعثك بالحق لقد جهدت عليه أن يستأسر فأتيك به
فأبى إلا القتال فقاتلته فقتلته * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال قال محمد
ابن إسحاق حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه * قال وحدثني أيضا
عبد الله بن أبي بكر وغيرهما عن عبد الرحمن بن عوف قال كان أمية بن خلف
لي صديقا بمكة وكان اسمى عبد عمرو فسميت حين أسلمت عبد الرحمن ونحن
بمكة قال فكان يلقاني ونحن بمكة فيقول يا عبد عمرو أرغبت عن اسم سماكه
أبوك فأقول نعم فيقول فانى لا أعرف الرحمن فاجعل بيني وبينك شيئا
أدعوك به أما أنت فلا تجيبني باسمك الأول وأما أنا فلا أدعوك بما لا أعرف
قال فكان إذا دعاني يا عبد عمرو لم أجبه فقلت اجعل بيني وبينك يا أبا
علي ما شئت قال فأنت عبد الاله فقلت نعم فكنت إذا مررت به قال
يا عبد الاله فأجيبه فأتحدث معه حتى إذا كان يوم بدر مررت به وهو واقف
مع ابنه علي بن أمية آخذا بيده ومعي أدراع قد استلبتها فأنا أحملها فلما رآني قال
يا عبد عمرو فلم أجبه فقال يا عبد الاله قلت نعم قال هل لك في فأنا خير لك من
هذه الأدراع التي معك قال قلت نعم هلم إذا قال فطرحت الأدراع من يدي
وأخذت بيده ويد ابنه علي وهو يقول ما رأيت كاليوم قط أما لكم حاجة في
152

اللبن قال ثم خرجت أمشي بهما * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن
إسحاق قال حدثني عبد الواحد بن أبي عون عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن
ابن عوف عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف قال قال لي أمية بن خلف وأنا بينه
وبين ابنه آخذ بأيديهما يا عبد الاله من الرجل منكم المعلم بريشة نعامة في صدره
قال قلت ذاك حمزة بن عبد المطلب قال ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل قال
عبد الرحمن فوالله إني لأقودهما إذ رآه بلال معي وكان هو الذي يعذب بلالا
بمكة على أن يترك الاسلام فيخرجه إلى رمضاء مكة إذا حميت فيضجعه على
ظهره ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ثم يقول لا تزال هكذا حتى
تفارق دين محمد فيقول بلال أحد أحد فقال بلال حين رآه رأس الكفر أمية
ابن خلف لا نجوت إن نجوت قال قلت أي بلال أسيري قال لا نجوت إن
نجوا قال قلت تسمع يا ابن السوداء قال لا نجوت إن نجوا ثم صرخ بأعلى صوته
يا أنصار الله رأس الكفر أمية بن خلف لا نجوت إن نجا قال فأحاطوا بنا ثم
جعلونا في مثل المسكة وأنا أذب عنه قال فضرب رجل ابنه فوقع قال وصاح أمية
صيحة ما سمعت بمثلها قط قال قلت انج بنفسك ولا نجاء فوالله ما أغنى عنك
شيئا قال فهبروهما بأسيافهم حتى فرغوا منهما * قال فكان عبد الرحمن
يقول رحم الله بلالا ذهبت أدراعي وفجعني بأسيري * حدثنا ابن حميد قال
حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال وحدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حدث
عن ابن عباس أن ابن عباس قال حدثني رجل من بنى غفار قال أقبلت أنا وابن
عم لي حتى أصعدنا في جبل يشرف بنا على بدر ونحن مشركان ننتظر الوقعة
على من تكون الدبرة فننتهب مع من ينتهب قال فبينا نحن في الجبل إذ دنت
منا سحابة فسمعنا فيها حمحمة الخيل فسمعت قائلا يقول أقدم حيزوم قال فأما
ابن عمى فانكشف قناع قلبه فمات مكانه وأما أنا فكدت أهلك ثم تماسكت
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال قال محمد بن إسحاق وحدثني أبي إسحاق
ابن يسار عن رجال من بنى مازن بن النجار عن أبي داود المازني وكان شهد
153

بدرا قال إني لاتبع رجلا من المشركين يوم بدر لأضربه إذ وقع رأسه قبل أن
يصل إليه سيفي فعرفت أن قد قتله غيري * حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن
عبد الحكم المصري قال حدثنا يحيى بن بكير قال حدثنا محمد بن يحيى الإسكندراني
عن العلاء بن كثير عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة عن أبي أمامة
ابن سهل بن حنيف قال قال لي أبى يا بنى لقد رأيتنا يوم بدر وإن أحدنا ليشير
بسيفه إلى المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف * حدثنا ابن
حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال وحدثني الحسن بن عمارة عن الحكم
ابن عتيبة عن مقسم مولى عبد الله بن الحارث عن عبد الله بن عباس قال كانت سيماء
الملائكة يوم بدر عمائم بيضاء قد أرسلوها في ظهورهم ويوم حنين عمائم حمرا ولم
تقاتل الملائكة في يوم من الأيام سوى يوم بدر وكانوا يكونون فيما سواه من
الأيام عددا ومددا لا يضربون * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال قال محمد
وحدثني ثور بن زيد مولى بنى الديل عن عكرمة مولى ابن عباس عن ابن عباس
قال وحدثني عبد الله بن أبي بكر قالا كان معاذ بن عمرو بن الجموح أخو بنى سلمة
يقول لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عدوه أمر بأبي جهل أن
يلتمس في القتلى وقال اللهم لا يعجزنك قال فكان أول من لقى أبا جهل معاذ بن
عمرو بن الجموح قال سمعت القوم وأبو جهل في مثل الحرجة وهم يقولون أبو الحكم
لا يخلص إليه فلما سمعتها جعلته من شأني فصمدت نحوه فلما أمكنني حملت عليه
فضربته ضربة أطنت قدمه بنصف ساقه فوالله ما شبهتها حين طاحت إلا النواة
تطيح من تحت مرضخة النوى حين يضرب بها قال وضربني ابنه عكرمة على
عاتقي فطرح يدي فتعلقت بجلده من جنبي وأجهضني القتال عنه فلقد قاتلت عامة
يومى وإني لأسحبها خلفي فلما آذتني جعلت عليها رجلي ثم تمطيت بها حتى طرحتها
قال ثم عاش معاذ بعد ذلك حتى كان في زمن عثمان بن عفان قال ثم مر بأبي جهل
وهو عقير معوذ بن عفراء فضربه حتى أثبته فتركه وبه رمق وقاتل معوذ حتى
قتل فمر عبد الله بن مسعود بأبي جهل حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
154

أن يلتمس في القتلى وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني انظروا
إن خفى عليكم في القتلى إلى أثر جرح بركبته فإني ازدحمت أنا وهو يوما على مأدبة
لعبد الله بن جدعان ونحن غلامان وكنت أشف منه بيسير فدفعته فوقع على
ركبتيه فجحش في إحداهما جحشا لم يزل أثره فيه بعد فقال عبد الله بن مسعود
فوجدته بآخر رمق فعرفته فوضعت رجلي على عنقه قال وقد كان ضبث بي مرة
بمكة فأذاني ولكزني ثم قلت هل أخزاك الله يا عدو الله قال وبماذا أخزاني
أعمد من رجل قتلتموه أخبرني لمن الدبرة قال قلت لله ولرسوله * حدثنا ابن
حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق وزعم رجال من بنى مخزوم أن ابن
مسعود كان يقول قال لي أبو جهل لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقى صعبا
ثم احتززت رأسه ثم جئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله
هذا رأس عدو الله أبى جهل قال فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى
آله وسلم آلله الذي لا إله غيره وكانت يمين رسول الله صلى الله عليه وآله
قال قلت نعم والله الذي لا إله غيره ثم ألقيت رأسه بين يدي رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال فحمد الله * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن
إسحاق قال وحدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت لما أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتلى أن يطرحوا في القليب طرحوا فيه إلا
ما كان من أمية بن خلف فإنه انتفخ في درعه حتى ملاها فذهبوا ليحركوه فتزايل
فأقروه وألقوا عليه ما غيبه من التراب والحجارة فلما ألقاهم في القليب وقف رسول
الله صلى الله عليه وسلم عليهم فقال يا أهل القليب هل وجدتهم ما وعدكم ربكم
حقا فإني وجدت ما وعدني ربى حقا فقال له أصحابه يا رسول الله أتكلم قوما موتى
قال لقد علموا أن ما وعدتهم حق قالت عائشة والناس يقولون لقد سمعوا ما قلت
لهم وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد علموا * حدثنا ابن حميد قال
حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال وحدثني حميد الطويل عن أنس بن مالك قال
سمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو
155

يقول من جوف الليل يا أهل القليب يا عتبة بن ربيعة يا شيب بن ربيعة يا أمية بن
خلف يا أبا جهل بن هشام فعدد من كان معهم في القليب هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا
فاني قد وجدت ما وعدني ربى حقا قال المسلمون يا رسول الله أتنادي قوما قد جيفوا
فقال ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوني * حدثنا ابن حميد
قال حدثنا سلمة قال قال محمد بن إسحاق وحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم يوم قال هذه المقالة قال يا أهل القليب بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم
كذبتموني وصدقني الناس وأخرجتموني وآواني الناس وقاتلتموني ونصرني
الناس ثم قال هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا للمقالة التي قال قال ولما أمر بهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم أن يلقوا في القليب أخذ عتبة بن ربيعة فسحب إلى القليب فنظر
رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني في وجه أبى حذيفة بن عتبة فإذا هو كئيب قد تغير
فقال يا أبو حذيفة لعلك دخلك من شأن أبيك شئ أو كما قال صلى الله عليه وسلم
فقال لا والله يا نبي الله ما شككت في أبى ولا في مصرعه ولكني كنت أعرف من
أبى رأيا وحلما وفضلا فكنت أرجو أن يهديه ذلك إلى الاسلام فلما رأيت ما أصابه
وذكرت ما مات عليه من الكفر بعد الذي كنت أرجو له حرننى ذلك قال فدعا
رسول الله صلى الله عليه وسلم له بخير وقال له خيرا ثم إن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أمر بما في العسكر مما جمع الناس فجمع فاختلف المسلمون فيه فقال من جمعه
هو لنا قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل كل امرئ ما أصاب فقال الذين
كانوا يقاتلون العدو ويطلبونهم لولا نحن ما أصبتموه لنحن شغلنا القوم عنكم حتى
أصبتم ما أصبتم فقال الذين يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم مخافة أن يخالف
إليه العدو والله ما أنتم بأحق به منا لقد رأينا أن نقتل العدو إذ ولانا الله ومنحنا
أكتافهم ولقد رأينا أن نأخذ المتاع حين لم يكن دونه من يمنعه ولكن خفنا على
رسول الله صلى الله عليه وسلم كرة العدو فقمنا دونه فما أنتم بأحق به منا
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال وحدثني عبد الرحمن بن
الحارث وغيره من أصحابنا عن سليمان بن موسى الأشدق عن مكحول عن
156

أبى أمامة الباهلي قال سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال فقال فينا معشر أصحاب
بدر ونزلت حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا فنزعه الله من أيدينا
فجعله إلى رسوله فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين عن بواء
يقول على السواء فكان في ذلك تقوى الله وطاعة رسوله وصلاح ذات البين
* قال ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الفتح عبد الله بن رواحة بشيرا
إلى أهل العالية بما فتح الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين وبعث
زيد بن حارثة إلى أهل السافلة قال أسامة بن زيد فأتانا الخبر حين سوينا على رقية
بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كانت عند عثمان بن عفان كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم خلفني عليها مع عثمان قال ثم قدم زيد بن حارثة فجئته وهو
واقف بالمصلى قد غشيه الناس وهو يقول قتل عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة
وأبو جهل بن هشام وزمعة بن الأسود وأبو البختري بن هشام وأمية بن خلف
ونبيه ومنبه ابنا الحجاج قال قلت يا أبه أحق هذا قال نعم والله يا بنى ثم أقبل
رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا المدينة فاحتمل معه النفل الذي أصيب من
المشركين وجعل على النفل عبد الله بن كعب بن زيد بن عوف بن مبذول بن عمرو
ابن مازن بن النجار ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا خرج من
مضيق الصفراء نزل على كثيب بين المضيق وبين النازية يقال له سير إلى سرحة به
فقسم هنالك النفل الذي أفاء الله على المسلمين من المشركين على السواء واستقى
له من ماء به يقال له الأرواق ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا
كان بالروحاء لقيه المسلمون يهنئونه بما فتح الله عليه ومن معه من المسلمين فقال
سلمة بن سلامة بن وقش كما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال قال محمد بن إسحاق
كما حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ويزيد بن رومان وما الذي تهنئون به فوالله ان لقينا
إلا عجائز صلعا كالبدن المعلقة فنحرناها فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال
يا ابن أخي أولئك الملا قال ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسارى من
المشركين وكانوا أربعة وأربعين أسيرا وكان من القتلى مثل ذلك وفى الأسارى
157

عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث بن كلدة حتى إذا كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم بالصفراء قتل النضر بن الحارث قتله علي بن أبي طالب رضي الله عنه
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال قال محمد بن إسحاق كما حدثني بعض أهل
العلم من أهل مكة قال ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان
بعرق الظبية قتل عقبة بن أبي معيط فقال حين أمر به رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن يقتل فمن للصبية يا محمد قال النار قال فقتله عاصم بن ثابت بن أبي
الأقلح الأنصاري ثم أحد بنى عمرو بن عوف * قال كما حدثني أبو عبيدة بن
محمد بن عمار بن ياسر قال ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عرق الظبية
حين قتل عقبة لقيه أبو هند مولى فروة بن عمرو البياضي بحميت مملوء حيسا وكان
قد تخلف عن بدر ثم شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان حجام
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أبو هند
امرؤ من الأنصار فأنكحوه وانكحوا إليه ففعلوا ثم مضى رسول الله
صلى الله عليه وسلم حتى قدم المدينة قبل الأسارى بيوم * حدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن
ابن سعد بن زرارة قال قدم بالأسارى حين قدم بهم وسودة بنت زمعة زوج النبي
صلى الله عليه وسلم عند آل عفراء في مناحتهم على عوف ومعوذ ابني عفراء قال
وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب قال تقول سودة والله إني لعندهم إذا أتينا
فقيل هؤلاء الأسارى قد أتى بهم قالت فرحت إلى بيتي ورسول الله صلى الله عليه
وسلم فيه وإذا أبو يزيد سهيل بن عمرو في ناحية الحجرة مجموعة يداه إلى عنقه بحبل قالت
فوالله ما ملكت نفسي حين رأيت أبا يزيد كذلك أن قلت يا أبا يزيد أعطيتم بأيديكم ألا
متم كراما فوالله ما أنبهني إلا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من البيت يا سودة
أعلى الله وعلى رسوله قالت قلت يا رسول والذي بعثك بالحق ما ملكت نفسي
حين رأيت أبا يزيد مجموعة يداه إلى عنقه بحبل أن قلت ما قلت * حدثنا ابن حميد
قال حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق قال حدثني نبيه بن وهب أخو بنى
158

عبد الدار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أقبل بالأسارى فرقهم في أصحابه وقال
استوصوا بالأسارى خيرا قال وكان أبو عزيز بن عمير بن هاشم أخو مصعب بن
عمير لأبيه وأمه في الأسارى قال فقال أبو عزيز مر أبى أخي مصعب بن عمير ورجل
من الأنصار يأسرني فقال شد يديك به فان أمه ذات متاع لعلها أن تفتديه منك
قال وكنت في رهط من الأنصار حين أقبلوا بي من بدر فكانوا إذا قدموا غداءهم
وعشاءهم خصوني بالخبز وأكلوا التمر لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم
بنا ما تقع في يد رجل منهم كسرة من الخبز إلا نفحني بها قال فأستحي فأردها على
أحدهم فيردها على ما يمسها * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال قال محمد بن إسحاق
وكان أول من قدم مكة بمصاب قريش الحيسمان بن عبد الله بن إياس بن ضبيعة بن
مازن بن كعب بن عمرو الخزاعي (قال أبو جعفر) وقال الواقدي الحيسمان بن حابس
الخزاعي قالوا ما وراءك قال قتل عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو الحكم بن هشام وأمية
ابن خلف وزمعة بن الأسود وأبو البختري بن هشام ونبيه ومنبه ابنا الحجاج قال فلما
جعل يعدد أشراف قريش قال صفوان بن أمية وهو قاعد في الحجر والله ان
يعقل هذا فسلوه عنى قالوا ما فعل صفوان بن أمية قال هو ذاك جالسا في الحجر
وقد والله رأيت أباه وأخاه حين قتلا * حدثنا ابن حميد حدثنا سلمة قال قال
محمد بن إسحاق حدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن عكرمة مولى ابن عباس
قال قال أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت غلاما للعباس بن
عبد المطلب وكان الاسلام قد دخلنا أهل البيت وأسلمت أم الفضل وأسلمت
وكان العباس يهاب قومه ويكره أن يخالفهم وكان يكتم اسلامه وكان ذا مال كثير
متفرق في قومه وكان أبو لهب عدو الله قد تخلف عن بدر وبعث مكانه العاص بن
هشام بن المغيرة وكذلك صنعوا لم يتخلف رجل إلا بعث مكانه رجلا فلما جاء
الخبر عن مصاب أصحاب بدر من قريش كتبه الله وأخزاه ووجدنا في أنفسنا قوة وعزا
قال وكنت رجلا ضعيفا وكنت أعمل القداح أنحتها في حجرة زمزم فوالله إني
لجالس فيها أنحت القداح وعندي أم الفضل جالسة وقد سرنا ما جاءنا من الخبر إذ أقبل
159

الفاسق أبو لهب يجر رجليه بشر حتى جلس على طنب الحجرة فكان ظهره إلى ظهري
فبينا هو جالس إذ قال الناس هذا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قد قدم
قال فقال أبو لهب هلم إلى يا ابن أخي فعندك الخبر قال فجلس إليه والناس قيام عليه
فقال يا ابن أخي أخبرني كيف كان أمر الناس قال لا شئ والله إن كان إلا أن
لقيناهم فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا ويأسرون كيف شاؤوا وأيم الله مع ذلك ما لمت
الناس لقينا رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء والأرض ما تليق شيئا ولا يقوم
لها شئ قال أبو رافع فرفعت طنب الحجرة بيدي ثم قلت تلك الملائكة قال فرفع
أبو لهب يده فضرب وجهي ضربة شديدة قال فثاورته فاحتملني فضرب بي الأرض
ثم برك على يضربني وكنت رجلا ضعيفا فقامت أم الفضل إلى عمود من عمد الحجرة
فأخذته فضربته به ضربة فلقت في رأسه شجة ومنكرة وقالت تستضعفه ان غاب عنه سيده
فقام موليا ذليلا فوالله ما عاش إلا سبع ليال حتى رماه الله عز وجل بالعدسة فقتلته فلقد
تركه ابناه ليلتين أو ثلاثا ما يدفنانه حتى أنتن في بيته وكانت قريش تتقى العدسة وعدوتها
كما يتقى الناس الطاعون حتى قال لهما رجل من قريش ويحكما ألا تستحيان أن أباكما قد أنتن
في بيته لا تغيبانه فقالا إنا نخشى هذه القرحة قال فانطلقا فأنا معكما فما غسلوه إلا قدفا بالماء
عليه من بعيد ما يمسونه ثم احتملوه فدفنوه بأعلى مكة إلى جدار وقذفوا عليه الحجارة
حتى واروه * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة ابن الفضل قال قال محمد بن إسحاق وحدثني
العباس بن عبد الله بن معبد عن بعض أهله عن عبد الله بن عباس قال لما أمسى
القوم من يوم بدر والأسارى محبوسون في الوثاق بات رسول الله صلى الله عليه وسلم
ساهرا أول ليلة فقال له أصحابه يا رسول الله مالك لا تنام فقال سمعت تضور العباس
في وثاقه قال فقاموا إلى العباس فأطلقوه فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق قال فحدثني الحسن
ابن عمارة عن الحكم بن عتيبة بن مقسم عن ابن عباس قال كان الذي أسر العباس
أبو اليسر كعب بن عمرو أخو بنى سلمة وكان أبو اليسر رجلا مجموعا وكان العباس رجلا
جسيما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي اليسر كيف أسرت العباس يا أبا اليسر
160

فقال يا رسول الله لقد أعانني عليه رجل ما رأيته قبل ذلك ولا بعده هيئته كذا وكذا
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد أعانك عليه ملك كريم * حدثنا ابن حميد
قال حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق قال وحدثني يحيى بن عباد عن أبيه
عباد قال ناحت قريش على قتلاهم ثم قالوا لا تفعلوا فيبلغ ذلك محمدا وأصحابه
فيشمت بكم ولا تبعثوا في فداء أسراكم حتى تستأنوا بهم ولا يتأرب عليكم محمد
وأصحابه في الفداء قال وكان الأسود بن عبد يغوث قد أصيب له ثلاثة من ولده
زمعة بن الأسود وعقيل بن الأسود والحارث بن الأسود وكان يحب أن يبكى
على بنيه فبينا هو كذلك إذ سمع نائحة من الليل فقال لغلام له وقد ذهب بصره
أنظر هل أحل النحب هل بكت قريش على قتلاها لعلى أبكى على أبى حكيمة
يعنى زمعة فان جوفي قد احترق قال فلما رجع إليه الغلام قال إنما هي امرأة
تبكى على بعير لها أضلته قال فذلك حين يقول
أتبكى أن يضل لها بعير * ويمنعها من النوم السهود
فلا تبكى على بكر ولكن * على بدر تقاصرت الجدود
على بدر سراة بنى هصيص * ومخزوم ورهط أبى الوليد
وبكى إن بكيت على عقيل * وبكى حارثا أسد الأسود
وبكيهم ولا تسمى جميعا * فما لأبي حكيمة من نديد
ألا قد ساد بعدهم رجال * ولولا يوم بدر لم يسودوا
قال وكان في الأسارى أبو ودعة بن ضبيرة السهمي فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم إن له ابنا تاجرا كيسا ذا مال وكأنكم به قد جاءكم في فداء أبيه قال
فلما قالت قريش لا تعجلوا في فداء أسرائكم لا يتأرب عليكم محمد وأصحابه قال
المطلب بن أبي وداعة وهو الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عنى صدقتم
لا تعجلوا بفداء أسرائكم ثم انسل من الليل فقدم المدينة فأخذ أباه بأربعة آلاف
درهم ثم انطلق به ثم بعثت قريش في فداء الأسارى فقدم مكرز بن حفص بن
الأخيف في فداء سهيل بن عمرو وكان الذي أسره مالك بن الدخشم أخو بنى سالم
161

ابن عوف وكان سهيل بن عمرو أعلم من شفته السفلى * حدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة قال قال محمد بن إسحاق فحدثني محمد بن عمرو بن عطاء بن عباس بن علقمة أخو
بنى عامر بن لؤي أن عمر بن الخطاب قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله
انترع ثنيتي سهيل بن عمرو السفليين يدلع لسانه فلا يقوم عليك خطيبا في موطن
أبدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أمثل به فيمثل الله بي وإن كنت نبيا
قال وقد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر في هذا الحديث إنه
عسى أن يقوم مقاما لا تذمه فلما قاولهم فيه مكرز وانتهى إلى رضاهم قالوا هات الذي
لنا قال اجعلوا رجلي مكان رجله وخلو سبيله حتى بعث إليكم بفدائه قال فخلوا سبيل
سهيل وحبسوا مكرزا مكانه عندهم * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال قال
محمد بن إسحاق عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال للعباس بن عبد المطلب حين انتهى به إلى المدينة يا عباس افد نفسك
وابني أخيك عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث وحليفك عتبة بن عمرو بن
جحدم أخا بنى الحارث بن فهر فإنك ذو مال فقال يا رسول الله إني كنت مسلما
ولكن القوم استكرهوني فقال الله أعلم بإسلامك إن يكن ما تذكر حقا فالله
يجزيك به فأما ظاهر أمرك فقد كان علينا فأفد نفسك وكان رسول الله صلى الله
الله عليه وسلم قد أخذ منه عشرين أوقية من ذهب فقال العباس يا رسول الله احسبها
لي في فدائي قال لا ذاك شئ أعطاناه الله عز وجل منك قال فإنه ليس لي مال قال
فأين المال الذي وضعته بمكة حيث خرجت عند أم الفضل بنت الحارث ليس
معكما أحد ثم قلت لها إن أصبت في سفري هذا فللفضل كذا وكذا ولعبد الله
كذا وكذا ولقثم كذا وكذا ولعبيد الله كذا وكذا قال والذي بعثك بالحق
ما علم هذا أحد غيري وغيرها وانى لاعلم أنك رسول الله ففدى العباس نفسه
وابني أخيه وحليفه * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد قال
وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال كان عمرو بن أبي سفيان
ابن حرب وكان لابنه عقبة بن أبي معيط أسيرا في يدي رسول الله صلى الله
162

عليه وسلم من أسارى بدر فقيل لأبي سفيان افد عمرا قال أيجمع على دمى ومالي
قتلوا حنظلة وأفدى عمرا دعوه في أيديهم يمسكوه ما بدا لهم قال فبينا هو كذلك
محبوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج سعد بن النعمان بن أكال
أخو بنى عمرو بن عوف ثم أحد بنى معاوية معتمرا ومعه مرية له وكان شيخا
كبيرا مسلما في غنم له بالنقيع فخرج من هنالك معتمرا ولا يخشى الذي صنع به
لم يظن أنه يحبس بمكة إنما جاء معتمرا وقد عهد قريشا لا تعترض لاحد حاجا
أو معتمرا الا بخير فعدا عليه أبو سفيان بن حرب فحبسه بمكة بابنه عمرو بن أبي
سفيان ثم قال أبو سفيان
أرهط ابن أكال أجيبوا دعاءه * تفاقدتم لا تسلموا السيد الكهلا
فإن بنى عمرو لئام أذلة * لئن لم يفكوا عن أسيرهم الكبلا
قال فمشى بنو عمرو بن عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه
خبره وسألوه أن يعطيهم عمرو بن أبي سفيان فيفكوا شيخهم ففعل رسول الله
صلى الله عليه وسلم فبعثوا به إلى أبي سفيان فخلى سبيل سعد * قال وكان في
الأسارى أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس ختن رسول الله صلى الله
عليه وسلم زوج ابنته زينب وكان أبو العاص من رجال مكة المعدودين مالا
وأمانة وتجارة وكان لهالة بنت خويلد خديجة خالته فسألت خديجة رسول الله
صلى الله عليه وسلم أن يزوجه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخالفها وذلك قبل
أن ينزل عليه فزوجه فكانت تعده بمنزلة ولدها فلما أكرم الله عز وجل رسوله
بنبوته آمنت به خديجة وبناته فصدقته وشهدن أن ما جاء به هو الحق ودن بدينه
وثبت أبو العاص على شركه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد زوج عتبة
ابن أبي لهب إحدى ابنتيه رقية أو أم كلثوم فلما بادي قريشا بأمر الله عز وجل
وباعدوه قالوا إنكم قد فرغتم محمدا من همه فردوا عليه بناته فاشغلوه بهن فمشوا
إلى أبى العاص بن الربيع فقالوا له فارق صاحبتك ونحن نزوجك أي امرأة شئت
163

من قريش قال لا ها الله إذا لا أفارق صاحبتي وما أحب أن لي بامرأتي امرأة من
قريش وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يثنى عليه في صهره خيرا فيما بلغني
* قال ثم مشوا إلى الفاسق بن الفاسق عتبة بن أبي لهب فقالوا له طلق ابنة محمد
ونحن نزوجك أي امرأة من قريش شئت فقال إن زوجتموني ابنة أبان بن سعيد
ابن العاص أو ابنة سعيد بن العاص فارقتها فزوجوه ابنة سعيد بن العاص
وفارقها ولم يكن عدو الله دخل بها فأخرجها الله من يده كرامة لها وهوانا له
فخلف عليها عثمان بن عفان بعده وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل
بمكة ولا يحرم مغلوبا على أمره وكان الاسلام قد فرق بين زينب بنت رسول الله
صلى الله عليه وسلم حين أسلمت وبين أبى العاص بن الربيع إلا أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم كان لا يقدر على أن يفرق بينهما فأقامت معه على إسلامها
وهو على شركه حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سارت قريش إلى
بدر سار فيهم أبو العاص بن الربيع فأصيب في الأسارى يوم بدر وكان بالمدينة
عند رسول الله صلى الله عليه وسلم * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن
إسحاق قال فحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عباد عن عائشة زوج
النبي صلى الله عليه وسلم قالت لما بعث أهل مكة في فداء أسرائهم بعثت زينب
بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء أبى العاص بن الربيع بمال وبعثت
فيه بقلادة لها كانت خديجة أدخلتها بها على أبى العاص حين بنى عليها * قالت فلما
رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة وقال إن رأيتم أن
تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها فافعلوا فقالوا نعم يا رسول الله فأطلقوه
وردوا عليها الذي لها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخذ عليه أو
وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخلى سبيل زينب إليه أو كان فيما شرط
عليه في اطلاقه ولم يظهر ذلك منه ولا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعلم
ما هو إلا أنه لما خرج أبو العاص إلى مكة وخلى سبيله بعث رسول الله صلى الله
عليه وسلم زيد بن حارثة ورجلا من الأنصار مكانه فقال كونا ببطن يأجج حتى
164

تمر بكما زينب فتصحباها حتى تأتياني بها فخرجا مكانهما وذلك بعد بدر بشهر أو
شيعه فلما قدم أبو العاص مكة أمرها باللحوق بأبيها فخرجت تجهز * فحدثنا ابن
حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن
عمرو بن حزم قال حدثت عن زينب أنها قالت بينا أنا أتجهز بمكة للحوق بأبي
لقيتني هند بنت عتبة فقالت أي ابنة محمد ألم يبلغني أنك تريدين اللحوق بأبيك
قالت فقلت ما أردت ذلك قالت أي ابنة عمى لا تفعلي إن كانت لك حاجة بمتاع
مما يرفق بك في سفرك أو بمال تبلغين به إلى أبيك فإن عندي حاجتك فلا تضطنئ
منى فإنه لا يدخل بين النساء ما يدخل بين الرجال * قالت ووالله ما أراها قالت
ذلك إلا لتفعل قالت ولكني خفتها فأنكرت أن أكون أريد ذلك وتجهزت
فلما فرغت ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهازها قدم لها حموها كنانة
ابن الربيع أخو زوجها بعيرا فركبته وأخذ قوسه وكنانته ثم خرج بها نهارا يقود
بها وهى في هودج لها وتحدث بذلك رجال قريش فخرجوا في طلبها حتى أدركوها
بذى طوى فكان أول من سبق إليها هبار بن الأسود بن المطلب بن أسد بن
عبد العزى ونافع بن عبد القيس الفهري فروعها هبار بالرمح وهى في هودجها
وكانت المرأة حاملا فيما يزعمون فلما رجعت طرحت ذا بطنها وبرك حموها ونثر
كنانته ثم قال والله لا يدنو منى رجل إلا وضعت فيه سهما فتكركر الناس عنه
وأتاه أبو سفيان في جلة قريش فقال أيها الرجل كف عنا نبلك حتى نكلمك
فكف فأقبل أبو سفيان حتى وقف عليه فقال إنك لم تصب خرجت بالمرأة
على رؤس الرجال علانية وقد عرفت مصيبتنا ونكبتنا وما دخل علينا من محمد فيظن
الناس إذا خرج بابنته علانية من بين أظهرنا أن ذلك عن ذل أصابنا عن مصيبتنا
ونكبتنا التي كانت وأن ذلك منا ضعف ووهن لعمري مالنا حاجة في حبسها عن
أبيها وما لنا في ذلك من ثؤرة ولكن أرجع المرأة فإذا هدأ الصوت وتحدث
الناس أنا قد رددناها فسلها سرا فألحقها بأبيها ففعل حتى إذا هدأ الصوت خرج
بها ليلا حتى أسلمها إلى زيد بن حارثة وصاحبه فقدما بها على رسول الله صلى الله
165

عليه وسلم قال فأقام أبو العاص بمكة وأقامت زينب عند رسول الله صلى الله عليه
وسلم بالمدينة قد فرق بينهما الاسلام حتى إذا كان قبيل الفتح خرج تاجرا إلى
الشام وكان رجلا مأمونا بمال له وأموال رجال من قريش أبضعوها معه فلما فرغ
من تجارته وأقبل قافلا لقيه سرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأصابوا ما معه
وأعجزهم هربا فلما قدمت السرية بما أصابوا من ماله أقبل أبو العاص تحت
الليل حتى دخل على زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستجار بها
فأجارته في طلب ماله فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصبح * فحدثنا
ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال كما حدثني يزيد بن رومان فكبر
وكبر الناس معه صرخت زينب من صفة النساء أيها الناس إني قد أجرت
أبا العاص بن الربيع فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم
من الصلاة أقبل على الناس فقال أيها الناس هل سمعتم ما سمعت قالوا نعم قال
أما والذي نفس محمد بيده ما علمت بشئ كان حتى سمعت منه ما سمعتم أنه يجير
على المسلمين أدناهم ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل على ابنته
فقال أي بنية أكرمي مثواه ولا يخلص إليك فإنك لا تحلين له * حدثنا ابن حميد
قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال وحدثني عبد الله بن أبي بكر أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم بعث إلى السرية الذين أصابوا مال أبى العاص فقال لهم
إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم وقد أصبتم له مالا فان تحسنوا تردوا عليه
الذي له فإنا نحب ذلك وإن أبيتم فهو فئ الله الذي أفاءه عليكم فأنتم أحق به
قالوا يا رسول الله بل نرده عليه * قال فردوا عليه ماله حتى إن الرجل ليأتي بالحبل
ويأتي الرجل بالشنة والأدواة حتى إن أحدهم ليأتي بالشظاظ حتى ردوا
عليه ماله بأسره لا يفقد منه شيئا ثم احتمل إلى مكة فأدى إلى كل ذي مال من
قريش ماله ممن كان أبضع معه ثم قال يا معشر قريش هل بقى لاحد منكم عندي
مال لم يأخذه قالوا لا فجزاك الله خيرا فقد وجدناك وفيا كريما قال فإني أشهد
أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله والله ما منعني من الاسلام عنده إلا
166

تخوف أن تظنوا أنى إنما أردت أكل أموالكم فلما أداها الله إليكم وفرغت
منها أسلمت ثم خرج حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم * حدثنا ابن
حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال فحدثني داود بن الحصين عن عكرمة
مولى ابن عباس عن عبد الله بن عباس قال رد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم
زينب بالنكاح الأول ولم يحدث شيئا بعد ست سنين * حدثنا ابن حميد قال
حدثنا سلمة بن الفضل قال قال محمد بن إسحاق حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن
عروة بن الزبير قال جلس عمير بن وهب الجمحي مع صفوان بن أمية بعد مصاب
أهل بدر من قريش بيسير في الحجر وكان عمير بن وهب شيطانا من شياطين
قريش وكان ممن يؤذى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويلقون منه عناء
وهم بمكة وكان ابنه وهب بن عمير في أسارى بدر فذكر أصحاب القليب ومصابهم
فقال صفوان والله إن في العيش خير بعدهم فقال عمير صدقت والله أما والله لولا
دين على ليس له عندي قضاء وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي لركبت إلى
محمد حتى أقتله فإن لي قبلهم علة ابني أسير في أيديهم فاغتنمها صفوان بن أمية
فقال على دينك أنا أقضيه عنك وعيالك مع عيالي اسوتهم ما بقوا لا يسعني شئ
ويعجز عنهم قال عمير فاكتم على شأني وشأنك قال افعل * قال ثم إن عميرا أمر
بسيفه فشحذ له وسم ثم انطلق حتى قدم المدينة فبينا عمر بن الخطاب في نفر
من المسلمين في المسجد يتحدثون عن يوم بدر ويذكرون ما أكرمهم الله عز
وجل به وما أراهم في عدوهم إذ نظر عمر إلى عمير بن وهب حين أناخ بعيره
على باب المسجد متوشحا السيف فقال هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب ما جاء
إلا لشر وهو الذي حرش بيننا وحزرنا للقوم يوم بدر ثم دخل عمر على
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا نبي الله هذا عدو الله عمير بن وهب قد
جاء متوشحا سيفه قال فأدخله على * قال فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في
عنقه فلببه بها وقال لرجال ممن كان معه من الأنصار ادخلوا على رسول الله صلى الله
عليه وسلم فاجلسوا عنده واحذروا هذا الخبيث عليه فإنه غير مأمون ثم دخل
167

به على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم
وعمر آخذ بحمالة سيفه قال أرسله يا عمر ادن يا عمير فدنا ثم قال أنعموا صباحا
وكانت تحية أهل الجاهلية بينهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أكرمنا
الله بتحية خير من تحيتك يا عمير بالسلام تحية أهل الجنة قال أما والله يا محمد
إن كنت لحديث عهد بها قال ما جاء بك يا عمير قال جئت لهذا الأسير الذي في
أيديكم فأحسنوا فيه قال فما بال السيف في عنقك قال قبحها الله من سيوف وهل
أغنت شيئا قال اصدقني بالذي جئت له قال ما جئت إلا لذلك فقال بلى قعدت
أنت وصفوان بن أمية في الحجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش ثم قلت
لولا دين على وعيالي لخرجت حتى أقتل محمدا فتحمل لك صفوان بدينك
وعيالك على أن تقتلني له والله عز وجل حائل بيني وبينك فقال عمير أشهد أنك
رسول الله قد كنا يا رسول الله نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء وما ينزل عليك
من الوحي وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان فوالله إني لاعلم ما أتاك به إلا الله
فالحمد لله الذي هداني للاسلام وساقني هذا المساق ثم تشهد شهادة الحق فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقهوا أخاكم في دينه وأقرئوه وعلموه القرآن وأطلقوا له
أسيره * قال ففعلوا ثم قال يا رسول الله إني كنت جاهدا في إطفاء نور الله
شديد الأذى لمن كان على دين الله وإني أحب أن تأذن لي فأقدم مكة فأدعوهم
إلى الله وإلى الاسلام لعل الله أن يهديهم وإلا آذيتهم في دينهم كما كنت أوذى
أصحابك في دينهم قال فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلحق بمكة وكان
صفوان حين خرج عمير بن وهب يقول لقريش أبشروا بوقعة تأتيكم الآن
في أيام تنسيكم وقعة بدر وكان صفوان يسأل عنه الركبان حتى قدم راكب فأخبره
بإسلامه فحلف ألا يكلمه أبدا ولا ينفعه بنفع أبدا فلما قدم عمير مكة أقام بها
يدعو إلى الاسلام ويؤذى من خالفه أذى شديدا فأسلم على يديه أناس كثير
فلما انقضى أمر بدر أنزل الله عز وجل فيه من القرآن الأنفال بأسرها
168

* حدثنا أحمد بن منصور قال حدثنا عاصم بن علي قال حدثنا عكرمة بن
عمار قال حدثنا أبو زميل قال حدثني عبد الله بن عباس قال حدثني عمر بن الخطاب
قال لما كان يوم بدر التقوا فهزم الله المشركين فقتل منهم سبعون رجلا وأسر
سبعون رجلا فلما كان يومئذ شاور رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر
وعليا وعمر فقال أبو بكر يا نبي الله هؤلاء بنو العم والعشيرة والاخوان فإني أرى أن
تأخذ منهم الفدية فيكون ما أخذنا منهم قوة وعسى الله أن يهديهم فيكونوا لنا عضدا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترى يا ابن الخطاب * قال قلت لا والله ما ارى الذي
رأى أبو بكر ولكني أرى أن تمكنني من فلان فأضرب عنقه وتمكن حمزة من أخ له
فيضرب عنقه وتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه حتى يعلم الله أن ليس في
قلوبنا هوادة للكفار هؤلاء صناديدهم وقادتهم وأئمتهم * قال فهوى رسول الله
صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت أنا فأخذ منهم الفداء فلما كان
الغد قال عمر غدوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو قاعد وأبو بكر وإذا
هما يبكيان قال قلت يا رسول الله أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك فان
وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد تباكيت لبكائكما فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم للذي عرض على أصحابك من الفداء لقد عرض على عذابكم أدنى من هذه
الشجرة لشجرة قريبة وأنزل الله عز وجل (ما كان لنبي أن يكون له أسرى
حتى يثخن في الأرض - إلى قوله - فيما أخذتم عذاب عظيم) ثم أحل لهم من
الغنائم فلما كان من العام القابل في أحد عوقبوا بما صنعوا قتل من أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم سبعون وأسر سبعون وكسرت رباعيته وهشمت البيضة على
رأسه وسال الدم على وجهه وفر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وصعدوا الجبل
فأنزل الله عز وجل هذه الآية (أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم
أنى هذا - إلى قوله - إن الله على كل شئ قدير) ونزلت هذه الآية الأخرى (إذ
تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم - إلى قوله -
169

من بعد الغم آمنة) * حدثني سلم بن جنادة قال حدثنا أبو معاوية قال
حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن عبد الله قال لما كان يوم
بدر وجئ بالأسرى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تقولون في هؤلاء
الاسرى فقال أبو بكر يا رسول الله قومك وأهلك أستبقهم واستأنهم لعل
الله أن يتوب عليهم وقال عمر يا رسول الله كذبوك وأخرجوك قدمهم فضرب
أعناقهم وقال عبد الله بن رواحة يا رسول الله انظر واديا كثير الحطب فأدخلهم
فيه ثم أضرمه عليهم نارا قال فقال له العباس قطعتك رحمك قال فسكت رسول
الله صلى الله عليه وسلم فلم يجبهم ثم دخل فقال ناس يأخذ بقول أبى بكر وقال
ناس يأخذ بقول عمر وقال ناس يأخذ بقول عبد الله بن رواحة ثم خرج عليهم
رسول الله فقال إن الله عز وجل ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من
اللبن وإن الله ليشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة وإن مثلك
يا أبا بكر مثل إبراهيم قال من تبعني فإنه منى ومن عصاني فإنك غفور رحيم
ومثلك يا أبا بكر مثل عيسى قال إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك
أنت العزيز الحكيم ومثلك يا عمر مثل نوح قال رب لا تذر على الأرض من
الكافرين ديارا ومثلك كمثل موسى قال ربنا اطمس على أموالهم واشدد على
قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ثم قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنتم اليوم عالة فلا يفلتن منهم أحد إلا بفداء أو ضرب عنق قال عبد الله
ابن مسعود إلا سهيل بن بيضاء فانى سمعته يذكر الاسلام فسكت رسول الله
صلى الله عليه وسلم فما رأيتني في يوم أخوف أن تقع على الحجارة من السماء
منى من ذلك اليوم حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا سهيل بن بيضاء *
قال فأنزل الله عز وجل (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض)
إلى آخر الآيات الثلاث * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال قال محمد بن
إسحاق لما نزلت يعنى هذه الآية (ما كان لنبي أن يكون له أسرى) قال رسول الله
170

صلى الله عليه وسلم لو نزل عذاب من السماء لم ينج منه إلا سعد بن معاذ لقوله
يا نبي الله كان الاثخان في القتل أحب إلى من استبقاء الرجال (قال أبو جعفر)
وكان جميع من شهد بدرا من المهاجرين ومن ضرب له رسول الله صلى الله
عليه وسلم بسهمه وأجره ثلاثة وثمانين رجلا في قول ابن إسحاق * حدثنا ابن
حميد قال حدثنا سلمة عنه وجميع من شهد من الأوس معه ومن ضرب له بسهمه
واحد وستون رجلا وجميع من شهد معه من الخزرج مائة وسبعون رجلا في
قول ابن إسحاق وجميع من استشهد من المسلمين يومئذ أربعة عشر رجلا ستة
من المهاجرين وثمانية من الأنصار وكان المشركون فيما زعم الواقدي تسعمائة
وخمسين مقاتلا وكانت خيلهم مائة فرس ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم
يومئذ جماعة استصغرهم فيما زعم الواقدي فمنهم فيما زعم عبد الله بن عمر ورافع
ابن خديج والبراء بن عازب وزيد بن ثابت وأسيد بن ظهير وعمير بن أبي وقاص
ثم أجاز عميرا بعد أن رده فقتل يومئذ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
قد بعث قبل أن يخرج من المدينة طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد بن عمرو بن
نفيل إلى طريق الشأم يتحسسان الاخبار عن العير ثم رجعا إلى المدينة فقدماها
يوم وقعة بدر فاستقبلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بتربان وهو منحدر من
بدر يريد المدينة * قال الواقدي كان خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من
المدينة في ثلثمائة رجل وخمسة وكان المهاجرون أربعة وسبعين رجلا وسائرهم
من الأنصار وضرب لثمانية بأجورهم وسهمانهم ثلاثة من المهاجرين أحدهم
عثمان بن عفان كان تخلف على ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ماتت
وطلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد كان بعثهما يتحسسان الخبر عن العير وخمسة
من الأنصار أبو لبابة بشير بن عبد المنذر خلفه على المدينة وعاصم بن عدي بن
العجلان خلفه على العالية والحارث بن حاطب رده من الروحاء إلى بنى عمرو
ابن عوف لشئ بلغه عنهم والحارث بن الصمة كسر بالروحاء وهو من بنى
171

مالك بن النجار وخوات بن جبير كسر من بنى عمرو بن عوف قال وكانت
الإبل سبعين بعيرا والخيل فرسين فرس للمقداد بن عمرو وفرس لمرثد بن أبي
مرثد (قال أبو جعفر) وروى عن ابن سعد عن محمد بن عمر عن محمد بن هلال
عن أبيه عن أبي هريرة قال ورؤى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثر المشركين
يوم بدر مصلتا السيف يتلو هذه الآية (سيهزم الجمع ويولون الدبر) *
قال وفى غزوة بدر انتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه ذا الفقار
وكان لمنبه بن الحجاج * قال وفيها غنم جمل أبى جهل وكان مهريا يغزو عليه
ويضرب في لقاحه (قال أبو جعفر) ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالمدينة منصرفه من بدر وكان قد وادع حين قدم المدينة يهودها على أن لا يعينوا
عليه أحدا وأنه إن دهمه بها عدو نصروه فلما قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم
من قتل ببدر من مشركي قريش أظهروا له الحسد والبغي وقالوا لم يلق محمد من
يحسن القتال ولو لقينا لاقي عندنا قتالا لا يشبهه قتال أحد وأظهروا نقض العهد
غزوة بنى قينقاع
* فحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال كان من أمر
بنى قينقاع أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جمعهم بسوق بنى قينقاع ثم قال
يا معشر اليهود احذروا من الله عز وجل مثل ما نزل بقريش من النقمة وأسلموا
فإنكم قد عرفتم أنى نبي مرسل تجدون ذلك في كتابكم وفى عهد الله إليكم قالوا
يا محمد إنك ترى أنا كقومك لا يغرنك أنك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب فأصبت
منهم فرصة إنا والله لئن حاربتنا لتعلمن أنا نحن الناس * حدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة أن بنى قينقاع كانوا أول
يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحاربوا فيما بين
بدر وأحد * فحدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال حدثنا محمد بن عمر عن محمد
ابن عبد الله عن الزهري أن غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى القينقاع
172

كانت في شوال من السنة الثانية من الهجرة قال الزهري عن عروة نزل جبريل
على رسول الله صلى الله عليهما وسلم بهذه الآية (وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على
سواء) فلما فرغ جبريل عليه السلام من هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم إني أخاف من بنى قينقاع قال عروة فسار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
بهذه الآية قال الواقدي وحدثني محمد بن صالح عن عاصم بن عمر بن قتادة قال
حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة لا يطلع منهم أحد ثم نزلوا
على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتفوا وهو يريد قتلهم فكلمه فيهم
عبد الله بن أبي (رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة)
قال فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على حكمه فقام إليه عبد الله
ابن أبي ابن سلول حين أمكنه الله منهم فقال يا محمد أحسن في موالى وكانوا حلفاء
الخزرج فأبطأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد أحسن في موالى فأعرض
عنه النبي صلى الله عليه وسلم * قال فأدخل يده في جيب رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني وغضب رسول الله صلى الله عليه
وسلم حتى رأوا في وجهه ظلالا يعنى تلونا ثم قال ويحك أرسلني قال لا والله
لا أرسلك حتى تحسن إلى موالى أربعمائة حاسر وثلثمائة دارع قد منعوني من الأسود
والأحمر تحصدهم في غداة واحدة وإني والله لا آمن وأخشى الدوائر فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم هم لك (قال أبو جعفر) وقال محمد بن عمر في حديثه عن
محمد بن صالح عن عاصم بن عمر بن قتادة فقال النبي صلى الله عليه وسلم خلوهم لعنهم
الله ولعنه معهم فأرسلوهم ثم أمر بإجلائهم وغنم الله عز وجل رسوله والمسلمين
ما كان لهم من مال ولم تكن لهم أرضون إنما كانوا صاغة فأخذ رسول الله صلى الله
عليه وسلم لهم سلاحا كثيرا وآلة صياغتهم وكان الذي ولى إخراجهم من المدينة
بذراريهم عبادة بن الصامت فمضى بهم حتى بلغ بهم ذباب وهو يقول الشرف
إلا بعد الأقصى فالأقصى وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلف على المدينة
أبا لبابة بن عبد المنذر (قال أبو جعفر) وفيها كان أول خمس خمسه رسول الله
173

صلى الله عليه وسلم في الاسلام فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم صفيه والخمس
وسهمه وفض أربعة أخماس على أصحابه فكان أول خمس قبضه رسول الله صلى الله
عليه وسلم وكان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بنى قينقاع لواء أبيض مع
حمزة بن عبد المطلب ولم تكن يومئذ رايات ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلى المدينة وحضرت الأضحى فذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ضحى وأهل اليسر من أصحابه يوم العاشر من ذي الحجة وخرج بالناس إلى المصلى
فصلى بهم فذلك أول صلاة صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس بالمدينة
بالمصلى في عيد وذبح فيه بالمصلى بيده شاتين وقيل ذبح شاة قال الواقدي حدثني
محمد بن الفضل من ولد رافع بن خديج عن أبي مبشر قال سمعت جابر بن عبد الله يقول
لما رجعنا من بنى قينقاع ضحينا في ذي الحجة صبيحة عشر وكان أول أضحى رآه المسلمون
وذبحنا في بنى سلمة فعدت في بنى سلمة سبع عشرة أضحية (قال أبو جعفر) وأما
ابن إسحاق فلم يوقت لغزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي غزاها بنى قينقاع
وقتا غير أنه قال كان ذلك بين غزوة السويق وخروج النبي صلى الله عليه وسلم من
المدينة يريد غزو قريش حتى بلغ بنى سليم وبحران معدنا بالحجاز من ناحية الفرع
وأما بعضهم فإنه قال كان بين غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا الأولى
وغزوة بنى قينقاع ثلاث غزوات وسرية أسراها وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم
إنما غزاه لتسع ليال خلون من صفر من سنة ثلاث من الهجرة وأن رسول الله
صلى الله عليه وسلم غزا بعدما انصرف من بدر وكان رجوعه إلى المدينة يوم الأربعاء
لثماني ليال بقين من رمضان وأنه أقام بها بقية رمضان ثم غزا قرقرة الكدر حين
بلغه اجتماع بنى سليم وغطفان فخرج من المدينة يوم الجمعة بعدما ارتفعت الشمس غرة
شوال من السنة الثانية من الهجرة إليها * وأما ابن حميد فحدثنا عن سلمة عن ابن إسحاق
أنه قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر إلى المدينة وكان فراغه من بدر في عقب
شهر رمضان أو في أول شوال لم يقم بالمدينة إلا سبع ليال حتى غزا بنفسه يريد بنى
سليم حتى بلغ ماء من مياههم يقال له الكدر فأقام عليه ثلاث ليال ثم رجع إلى
174

المدينة ولم يلق كيدا فأقام بها بقية شوال وذا القعدة وفدى في اقامته تلك جل
الأسارى من قرش وأما الواقدي فزعم أن غزوة النبي صلى الله عليه وسلم الكدر
كانت في المحرم من سنة ثلاث من الهجرة وأن لواءه كان يحمله فيها علي بن أبي
طالب وأنه استخلف فيها ابن أم مكتوم المعيصي على المدينة * وقال بعضهم لما
رجع النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة الكدر إلى المدينة وقد ساق النعم والرعاء
ولم يلق كيدا وكان قدومه منها فيما زعم لعشر خلون من شوال بعث غالب بن
عبد الله الليثي يوم الأحد لعشر ليال مضين من شوال إلى بنى سليم وغطفان في
سرية فقتلوا فيهم وأخذوا النعم وانصرفوا إلى المدينة بالغنيمة يوم السبت لأربع
عشرة ليلة بقيت من شوال واستشهد من المسلمين ثلاثة نفر وأن رسول الله صلى
الله عليه وسلم أقام بالمدينة إلى ذي الحجة وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا
يوم الأحد لسبع ليال بقين من ذي الحجة غزوة السويق
غزوة السويق
(قال أبو جعفر) وأما ابن إسحاق فإنه قال في ذلك ما حدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة عن ابن إسحاق قال لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة الكدر
إلى المدينة أقام بها بقية شوال سنة اثنتين من الهجرة وذا القعدة ثم غزا أبو سفيان
ابن حرب غزوة السويق في ذي الحجة قال وولى تلك الحجة المشركون من تلك
السنة * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن
الزبير ويزيد بن رومان ومن لا أتهم عن عبيد الله بن كعب بن مالك وكان من
أعلم الأنصار قال وكان أبو سفيان بن حرب حين رجع إلى مكة ورجع فل قريش
إلى مكة من بدر نذر أن لا يمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزو محمدا فخرج في مائتي
راكب من قريش ليبر يمينه فسلك النجدية حتى نزل بصدور قناة إلى جبل يقال
له تيت من المدينة على بريد أو نحوه ثم خرج من الليل حتى أتى بنى النضير تحت
الليل فأتى حيى بن أخطب فضرب عليه بابه فأبى أن يفتح له وخافه فانصرف إلى
سلام بن مشكم وكان سيد النضير في زمانه ذلك وصاحب كنزهم فاستأذن عليه
175

فأذن له فقراه وسقاه وبطن له خبر الناس ثم خرج في عقب ليلته حتى جاء أصحابه
فبعث رجالا من قريش إلى المدينة فأتوا ناحية منها يقال لها العريض فحرقوا في
أصوار من نخل لها ووجدوا رجلا من الأنصار وحليفا له في حرث لهما فقتلوهما
ثم انصرفوا راجعين ونذر بهم الناس فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
في طلبهم حتى بلغ قرقرة الكدر ثم انصرف راجعا وقد فاته أبو سفيان وأصحابه
وقد رأوا من مزاود القوم ما قد طرحوه في الحرث يتخففون منه للنجاء فقال
المسلمون حين رجع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أتطمع أن تكون لنا غزوة
قال نعم وقد كان أبو سفيان قال وهو يتجهز خارجا من مكة إلى المدينة أبياتا من
شعر يحرض قريشا
كروا على يثرب وجمعهم * فإن ما جمعوا لكم نفل
إن يك يوم القليب كان لهم * فإن ما بعده لكم دول
آليت لا أقرب النساء ولا * يمس رأسي وجلدي الغسل
حتى تبيروا قبائل الأوس * والخزرج إن الفؤاد مشتعل
فأجابه كعب بن مالك:
تلهف أم المسبحين على * جيش ابن حرب بالحرة الفشل
إذ يطرحون الرجال من شيم ال‍ * طير ترقى لقنة الجبل
جاؤوا بجمع لو قيس مبركه * ما كان إلا كمفحص الدول
عار من النصر والثراء ومن * أبطال أهل البطحاء والأسل
وأما الواقدي فزعم أن غزوة السويق كانت في ذي القعدة من سنة اثنتين من
الهجرة وقال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مائتي رجل من أصحابه من
المهاجرين والأنصار ثم ذكر من قصة أبي سفيان نحوا مما ذكره ابن إسحاق غير أنه
قال فمر يعنى أبا سفيان بالعريض برجل معه أجير له يقال له معبد بن عمرو فقتلهما
وحرق أبياتا هناك وتبنا ورأى أن يمينه قد حلت وجاء الصريخ إلى النبي صلى
176

الله عليه وسلم فاستنفر الناس فخرجوا في أثره فأعجزهم قال وكان أبو سفيان
وأصحابه يلقون جرب الدقيق ويتخففون وكان ذلك عامة زادهم فلذلك سميت
غزوة السويق * وقال الواقدي واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على
المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر (قال أبو جعفر) ومات في هذه السنة أعنى سنة
اثنتين من الهجرة في ذي الحجة عثمان بن مظعون فدفنه رسول الله صلى الله عليه
وسلم بالبقيع وجعل عند رأسه حجرا علامة لقبره وقيل إن الحسن بن علي بن أبي
طالب عليه السلام ولد في هذه السنة (قال أبو جعفر) وأما الواقدي فإنه
زعم أن ابن أبي سبرة حدثه عن إسحاق بن عبد الله عن أبي جعفر أن علي بن أبي
طالب عليه السلام بنى بفاطمة عليها السلام في ذي الحجة على رأس اثنين
وعشرين شهرا (قال أبو جعفر) فإن كانت هذه الرواية صحيحة فالقول الأول
باطل (وقيل) إن في هذه السنة كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم المعاقل
فكان معلقا بسيفه
ثم دخلت السنة الثالثة من الهجرة
* فحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال لما رجع رسول
الله صلى الله عليه وسلم من غزوة السويق أقام بالمدينة بقية ذي الحجة والمحرم أو
قريبا منه ثم غزا نجدا يريد غطفان وهى غزوة ذي أمر فأقام بنجد صفرا كله
أو قريبا من ذلك ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيدا فلبث بها شهر ربيع الأول
كله الا قليلا منه ثم غزا يريد قريشا وبنى سليم حتى بلغ بحران معدنا بالحجاز
من ناحية الفرع فأقام بها شهر ربيع الآخر وجمادى الأولى ثم رجع إلى المدينة
ولم يلق كيدا
خبر كعب بن الأشرف
(قال أبو جعفر) وفى هذه السنة سرى النبي صلى الله عليه وسلم سرية إلى
كعب بن الأشرف فزعم الواقدي أن النبي وجه من وجه إليه في شهر ربيع الأول
177

من هذه السنة * وحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال كان من
حديث ابن الأشرف أنه لما أصيب أصحاب بدر وقدم زيد بن حارثة إلى أهل
السافلة وعبد الله بن رواحة إلى أهل العالية بشيرين بعثهما رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلى من بالمدينة من المسلمين بفتح الله عز وجل عليه قتل من قتل
من المشركين كما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن عبد الله
ابن المغيث بن أبي بردة بن أسير الظفري وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو
ابن حزم وعاصم بن عمر بن قتادة وصالح بن أبي أمامة بن سهل * قال كل قد حدثني
بعض حديثه قال قال كعب بن الأشرف وكان رجلا من طيئ ثم أحد بنى نبهان
وكانت أمه من بنى النضير فقال حين بلغه الخبر ويلكم أحق هذا أترون
أن محمدا قتل هؤلاء الذين يسمى هذان الرجلان يعنى زيد بن حارثة وعبد الله بن
رواحة وهؤلاء أشراف العرب وملوك الناس والله لئن كان محمد أصاب هؤلاء
القوم لبطن الأرض خير لنا من ظهرها فلما تيقن عدو الله الخبر خرج حتى قدم
مكة فنزل على المطلب بن أبي وداعة بن ضبيرة السهمي وعنده عاتكة بنت أسيد
ابن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس فأنزلته وأكرمته وجعل يحرض على
رسول الله صلى الله عليه وسلم وينشد الاشعار ويبكى على أصحاب القليب الذين
أصيبوا ببدر من قريش ثم رجع كعب بن الأشرف إلى المدينة فشبب بأم الفضل
بنت الحارث فقال
أراحل أنت أم تحلل بمنقبة * وتارك أنت أم الفضل بالحرم
صفراء رادعة لو تعصر انعصرت * من ذي القوارير والحناء والكتم
يرتج ما بين كعبيها ومرفقها * إذا تأتت قياما ثم لم تقم
أشاه أم حكيم إذ تواصلنا * والحبل منها متين غير منجذم
إحدى بنى عامر جن الفؤاد بها * ولو تشاء شفت كعبا من السقم
فرع النساء وفرع القوم والدها * أهل المحلة والايفاء بالذمم
لم أر شمسا بليل قبلها طلعت * حتى تجلت لنا في ليلة الظلم
178

ثم شبب بنساء من نساء المسلمين حتى آذاهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم
كما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن المغيث بن أبي
بردة من لي من ابن الأشرف * قال فقال محمد بن مسلمة أخو بنى عبد الأشهل
أنا لك به يا رسول الله أنا أقتله قال فافعل إن قدرت على ذلك فرجع محمد بن مسلمة
فمكث ثلاثا لا يأكل ولا يشرب إلا ما يعلق نفسه فذكر ذلك لرسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال له لم تركت الطعام والشراب قال يا رسول
الله قلت قولا ألا أدرى في به أم لا قال إنما عليك الجهد قال يا رسول الله إنه لابد
لنا من أن نقول قال قولوا ما بدا لكم فأنتم في حل من ذلك قال فاجتمع في قتله
محمد بن مسلمة وسلكان بن سلامة بن وقش وهو أبو نائلة أحد بنى عبد الأشهل
وكان أخا كعب من الرضاعة وعباد بن بشر بن وقش أحد بنى عبد الأشهل
والحارث بن أوس بن معاذ أحد بنى عبد الأشهل وأبو عبس بن جبر وأخو بنى
حارثة ثم قدموا إلى ابن الأشرف قبل أن يأتوه سلكان بن سلامة أبا نائلة
فجاءه فتحدث معه ساعة وتناشدا شعرا وكان أبو نائلة يقول الشعر ثم قال
ويحك يا ابن الأشرف إني قد جئتك لحاجة أريد ذكرها لك فاكتم علي قال افعل
قال كان قدوم هذا الرجل بلاء عادتنا العرب ورمونا عن قوس واحدة وقطعت
عنا السبل حتى ضاع العيال وجهدت الأنفس وأصبحنا قد جهدنا وجهد
عيالنا فقال كعب أنا ابن الأشرف أما والله لقد كنت أخبرتك يا ابن سلامة إن
الامر سيصير إلى ما كنت أقول فقال سلكان إني قد أردت أن تبيعنا طعاما ونرهنك
ونوثق لك وتحسن في ذلك قال ترهنوني أبناءكم فقال لقد أردت أن تفضحنا
إن معي أصحابا لي على مثل رأيي وقد أردت أن آتيك بهم فتبيعهم وتحسن
في ذلك ونرهنك من الحلقة ما فيه لك وفاء وأراد سلكان أن لا ينكر السلاح
إذا جاؤوا بها فقال إن في الحلقة لوفاء قال فرجع سلكان إلى أصحابه فأخبرهم
خبره وأمرهم أن يأخذوا السلاح فينطلقوا فيجتمعوا إليه فاجتمعوا عند رسول
الله صلى الله عليه وسلم * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق
179

قال فحدثني ثور بن زيد الديلي عن عكرمة مولى ابن عباس عن ابن عباس
قال مشى معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بقيع الغرقد ثم وجههم
وقال انطلقوا على اسم الله اللهم أعنهم ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
بيته في ليلة مقمرة فأقبلوا حتى انتهوا إلى حصنه فهتف به أبو نائلة وكان حديث
عهد بعرس فوثب في ملحفته فأخذت امرأته بناحيتها وقالت إنك امرؤ محارب
وان صاحب الحرب لا ينزل في مثل هذه الساعة قال إنه أبو نائلة لو وجدني
نائما لما أيقظني قالت والله إني لأعرف في صوته الشر قال يقول لها كعب لو
دعى الفتى لطعنة أجاب فنزل فتحدث معهم ساعة وتحدثوا معه ثم قالوا له هل
لك يا ابن الأشرف أن نتماشى إلى شعب العجوز فنتحدث به بقية ليلتنا هذه قال إن
شئتم فخرجوا يتماشون فمشوا ساعة ثم أن أبا نائلة شام يده في فود رأسه ثم شم يده
فقال ما رأيت كالليلة طيب عطر قط ثم مشى ساعة ثم عاد لمثلها حتى أطمأن ثم
مشى ساعة فعاد لمثلها فأخذ بفودى رأسه ثم قال اضربوا عدو الله فاختلفت عليه
أسيافهم فلم تغن شيئا قال محمد بن مسلمة فذكرت مغولا في سيفي حين رأيت
أسيافنا لا تغنى شيئا فأخذته وقد صاح عدو الله صيحة لم يبق حولنا حصن الا
أوقدت عليه نار قال فوضعته في ثندؤته ثم تحاملت عليه حتى بلغت عانته ووقع
عدو الله وقد أصيب الحارث بن أوس بن معاذ بجرح في رأسه أو رجله أصابه
بعض أسيافنا قال فخرجنا حتى سلكنا على بنى أمية بن زيد ثم على بني قريظة
ثم على بعاث حتى أسندنا في حرة العريض وقد أبطأ علينا صاحبنا الحارث بن
أوس ونزفه الدم فوقفنا له ساعة ثم أتانا يتبع آثارنا قال فاحتملناه فجئنا به
رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الليل وهو قائم يصلى فسلمنا عليه فخرج إلينا
فأخبرناه بقتل عدو الله وتفل على جرح صاحبنا ورجعنا إلى أهلنا فأصبحنا وقد
خافت يهود بوقعتنا بعدو الله فليس بها يهودي الا وهو يخاف على نفسه قال فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه فوثب محيصة
ابن مسعود على ابن سنينة رجل من تجار يهود كان يلابسهم ويبايعهم فقتله وكان
180

حويصة بن مسعود إذ ذاك لم يسلم وكان أسن من محيصة فلما قتله جعل حويصة
يضربه ويقول أي عدو الله قتلته أما والله لرب شحم في بطنك من ماله قال محيصة
فقلت له والله لو أمرني بقتلك من أمرني بقتله لضربت عنقك قال فوالله إن
كان لأول إسلام حويصة وقال لو أمرك محمد بقتلى لقتلتني قال نعم والله لو أمرني
بقتلك لضربت عنقك قال والله إن دينا بلغ بك هذا لعجب فأسلم حويصة
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق قال حدثني هذا
الحديث مولى لبنى حارثة عن ابنة محيصة عن أبيها (قال أبو جعفر) وزعم الواقدي
أنهم جاؤوا برأس ابن الأشرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وزعم الواقدي
أن في ربيع الأول من هذه السنة تزوج عثمان بن عفان أم كلثوم بنت رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأدخلت عليه في جمادى الآخرة وإن في ربيع الأول من هذه
السنة غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة أنمار يقال لها ذو أمر وقد ذكرنا
قول ابن إسحاق في ذلك قبل، قال الواقدي وفيها ولد السائب بن يزيد بن أخت النمر
غزوة القردة
قال الواقدي وفى جمادى الآخرة من هذه السنة كانت غزوة القردة وكان
أميرها فيما ذكر زيد بن حارثة قال وهى أول سرية خرج فيها زيد بن حارثة
أميرا (قال أبو جعفر) وكان من أمرها ما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن
ابن إسحاق قال سرية زيد بن حارثة التي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها
حين أصاب عير قريش فيها أبو سفيان بن حرب على القردة ماء من مياه نجد قال
وكان من حديثها أن قريشا قد كانت خافت طريقها التي كانت تسلك إلى الشأم حين
كان من وقعة بدر ما كان فسلكوا طريق العراق فخرج منهم تجار فيهم أبو سفيان
ابن حرب ومعه فضة كثيرة وهى عظم تجارتهم واستأجروا رجلا من بكر بن
وائل يقال له فرات بن حيان يدلهم على ذلك الطريق وبعث رسول الله صلى الله
عليه وسلم زيد بن حارثة فلقيهم على ذلك الماء فأصاب تلك العير وما فيها وأعجزه
الرجال فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال أبو جعفر) وأما
181

الواقدي فزعم أن سبب هذه الغزوة كان أن قريشا قالت قد عور علينا محمد متجرنا
وهو على طريقنا وقال أبو سفيان وصفوان بن أمية إن أقمنا بمكة أكلنا رؤس
أموالنا قال زمعة بن الأسود فأنا أدلكم على رجل يسلك بكم النجدية لو سلكها
مغمض العينين لاهتدى قال صفوان من هو فحاجتنا إلى الماء قليل إنما نحن
شاتون قال فرات بن حيان فدعواه فاستأجراه فخرج بهم في الشتاء فسلك بهم على
ذات عرق ثم خرج بهم على غمرة وانتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم خبر العير
وفيها مال كثير وآنية فضة حملها صفوان بن أمية فخرج زيد بن حارثة فاعترضها
فظفر بالعير وأفلت أعيان القوم فكان الخمس عشرين ألفا فأخذه رسول الله
صلى الله عليه وسلم وقسم الأربعة الأخماس على السرية وأتى بفرات بن حيان
العجلي أسيرا فقيل إن أسلمت لم يقتلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دعا به
رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلم فأرسله
مقتل أبى رافع اليهودي
(قال أبو جعفر) وفى هذه السنة كان مقتل أبى رافع اليهودي فيما قيل وكان
سبب قتله إنه كان فيما ذكر عنه يظاهر كعب بن الأشرف على رسول الله صلى
الله عليه وسلم فوجه إليه فيما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في النصف من
جمادى الآخرة من هذه السنة عبد الله بن عتيك فحدثنا هارون بن إسحاق الهمداني
قال حدثنا مصعب بن المقدام قال حدثني إسرائيل قال حدثنا أبو إسحاق عن البراء
قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبى رافع اليهودي وكان بأرض
الحجاز رجالا من الأنصار وأمر عليهم عبد الله بن عقبة أو عبد الله بن عتيك وكان
أبو رافع يؤذى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبغى عليه وكان في حصن له بأرض
الحجاز فلما دنوا منه وقد غربت الشمس وراح الناس بسرحهم قال لهم عبد الله
ابن عقبة أو عبد الله بن عتيك اجلسوا مكانكم فانى أنطلق وأتلطف للبواب لعلى
أدخل قال فأقبل حتى إذا دنا من الباب تقنع بثوبه كأنه يقضى حاجة وقد دخل
الناس فهتف به البواب يا عبد الله إن كنت تريد أن تدخل فانى أريد أن
182

أغلق الباب قال فدخلت فكمنت تحت آرى حمار فلما دخل الناس أغلق الباب
ثم علق الأقاليد على ود قال فقمت إلى الأقاليد فأخذتها ففتحت الباب وكان
أبو رافع يسمر عنده في علالى فلما ذهب عنه أهل سمره فصعدت إليه فجعلت كلما
فتحت بابا أغلقته على من داخل قلت إن القوم نذروا بي لم يخلصوا إلى حتى أقتله
قال فانتهيت إليه فإذا هو في بيت مظلم وسط عياله لا أدرى أين هو من البيت قلت
أبا رافع قال من هذا قال فأهويت نحو الصوت فأضربه ضربة بالسيف وأنا دهش فما أغنى
شيئا وصاح فخرجت من البيت ومكثت غير بعيد ثم دخلت إليه فقلت ما هذا الصوت
يا أبا رافع قال لامك الويل إن رجلا في البيت ضربني قبل بالسيف قال فأضربه فأثخنه
ولم أقتله قال ثم وضعت ضبيب السيف في بطنه حتى أخرجته من ظهره فعرفت أنى قد
قتلته فجعلت أفتح الأبواب بابا فبابا حتى انتهيت إلى درجة فوضعت رجلي وأنا أرى انى
انتهيت إلى الأرض فوقعت في ليلة مقمرة فانكسرت ساقى قال فعصبتها بعمامتي ثم
إني انطلقت حتى جلست عند الباب فقلت والله لا أبرح الليلة حتى أعلم أقتلته أم
لا قال فلما صاح الديك قام الناعي عليه على السور فقال أنعى أبا رافع رباح أهل الحجاز
قال فانطلقت إلى أصحابي فقلت النجاء قد قتل الله أبا رافع فانتهيت إلى النبي صلى الله
عليه وسلم فحدثته فقال ابسط رجلك فبسطتها فمسحها فكأنما لم أشتكها قط (قال
أبو جعفر) وأما الواقدي فإنه زعم أن هذه السرية التي وجهها رسول الله صلى الله
عليه وسلم إلى أبى رافع سلام بن أبي الحقيق إنما وجهها إليه في ذي الحجة من سنة
أربع من الهجرة وأن الذين توجهوا إليه فقتلوه كانوا أبا قتادة وعبد الله بن عتيك
ومسعود بن سنان والأسود بن خزاعي وعبد الله بن أنيس * وأما ابن إسحاق
فإنه قص من قصة هذه السرية ما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عنه كان سلام
ابن أبي الحقيق وهو أبو رافع ممن كان حزب الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وكانت الأوس قبل أحد قتلت كعب بن الأشرف في عداوته رسول الله صلى الله
عليه وسلم وتحريضه عليه فاستأذنت الخزرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل
سلام بن أبي الحقيق وهو بخيبر فأذن لهم * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد
183

ابن إسحاق عن محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري عن عبد الله بن كعب
بن مالك قال كان مما صنع الله به لرسوله أن هذين الحيين من الأنصار الأوس
والخزرج كانا يتصاولان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تصاول الفحلين لا تصنع
الأوس شيئا فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غناء إلا قالت الخزرج والله
لا يذهبون بهذه فضلا علينا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاسلام فلا ينتهون
حتى يوقعوا مثلها قال وإذا فعلت الخزرج شيئا قالت الأوس مثل ذلك فلما أصابت
الأوس كعب بن الأشرف في عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الخزرج
لا يذهبون بها فضلا علينا أبدا قال فتذاكروا من رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم
في العداوة كابن الأشرف فذكروا ابن أبي الحقيق وهو بخيبر فاستأذنوا رسول الله
صلى الله عليه وسلم في قتله فأذن لهم فخرج إليه من الخزرج ثم من بنى سلمة ثمانية نفر
عبد الله بن عتيك ومسعود بن سنان وعبد الله بن أنيس وأبو قتادة الحارث
ابن ربعي وخزاعي بن الأسود حليف لهم من أسلم فخرجوا وأمر عليهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عتيك ونهاهم أن يقتلوا وليدا أو امرأة فخرجوا
حتى قدموا خيبر فأتوا دار ابن أبي الحقيق ليلا فلم يدعوا بيتا في الدار إلا أغلقوه
من خلفهم على أهله وكان في علية له إليها عجلة رومية فأسندوا فيها حتى قاموا على
بابه فاستأذنوا فخرجت إليهم امرأته فقالت من أنتم فقالوا نفر من العرب نلتمس
الميرة قالت ذاك صاحبكم فأدخلوا عليه فلما دخلنا أغلقنا عليها وعلينا وعليه باب الحجرة
وتخوفنا أن تكون دونه مجاولة تحول بيننا وبينه قال فصاحت امرأته ونوهت
بنا وابتدرناه وهو على فراشه بأسيافنا والله ما يدلنا عليه في سواد الليل إلا بياضه
كأنه قبطية ملقاة قال ولما صاحت بنا امرأته جعل الرجل منا يرفع عليها السيف
ثم يذكر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكف يده ولولا ذاك فرغنا منه بليل
فلما ضربناه بأسيافنا تحامل عليه عبد الله بن أنيس بسيفه في بطنه حتى أنفذه وهو
يقول قطني قطني قال ثم خرجنا وكان عبد الله بن عتيك سيئ البصر فوقع من الدرجة
فوثئت رجله وثئا شديدا واحتملناه حتى نأتى به منهرا من عيونهم فندخل فيه
184

قال وأوقدوا النيران واشتدوا في كل وجه يطلبوننا حتى إذا يئسوا رجعوا إلى
صاحبهم فاكتنفوه وهو يقضى بينهم قال فقلنا كيف لنا بأن نعلم أن عدو الله قد مات
فقال رجل منا أنا أذهب فانظر لكم فانطلق حتى دخل في الناس قال فوجدته ورجال
يهود عنده وامرأته في يدها المصباح تنظر في وجهه ثم قالت تحدثهم وتقول أما والله
لقد عرفت صوت ابن عتيك ثم أكذبت فقلت أنى ابن عتيك بهذه البلاد ثم أقبلت
عليه لتنظر في وجهه ثم قالت فاض وإله يهود قال يقول صاحبنا فما سمعت من كلمة
كانت ألذ إلى نفسي منها ثم جاءنا فأخبرنا الخبر فاحتملنا صاحبنا فقدمنا على رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأخبرناه بقتل عدو الله واختلفنا عنده في قتله وكلنا يدعيه
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هاتوا أسيافكم فجئناه بها فنظر إليها فقال لسيف
عبد الله بن أنيس هذا قتله أرى فيه أثر العظام فقال حسان بن ثابت وهو يذكر
قتل كعب بن الأشرف وسلام بن أبي الحقيق
لله در عصابة لاقيتهم * يا ابن الحقيق وأنت يا ابن الأشرف
يسرون بالبيض الخفاف إليكم * بطرا كأسد في عرين مغرف
حتى أتوكم في محل بلادكم * فسقوكم حتفا ببيض وذف
مستبصرين لنصر دين نبيهم * مستضعفين لكل أمر مجحف
* وحدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي وعباس بن عبد العظيم العنبري قالا
حدثنا جعفر بن عون قال حدثنا إبراهيم بن إسماعيل قال حدثني إبراهيم بن
عبد الرحمن بن كعب بن مالك أن أباه حدثه عن أمه ابنة عبد الله بن أنيس أنها
حدثته عن عبد الله بن أنيس أن الرهط الذين بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى ابن أبي الحقيق ليقتلوه عبد الله بن عتيك وعبد الله بن أنيس وأبو قتادة
وحليف لهم ورجل من الأنصار وأنهم قدموا خيبر ليلا * قال فعمدنا إلى أبوابهم
نغلقها من خارج ونأخذ المفاتيح حتى أغلقنا عليهم أبوابهم ثم أخذنا المفاتيح فألقيناها
في فقير ثم جئنا إلى المشربة التي فيها ابن أبي الحقيق فظهرت عليها أنا وعبد الله بن عتيك
وقعد أصحابنا في الحائط فاستأذن عبد الله بن عتيك فقالت امرأة ابن أبي الحقيق إن هذا
185

لصوت عبد الله بن عتيك قال ابن أبي الحقيق ثكلتك أمك عبد الله بن عتيك بيثرب
أين هو عندك هذه الساعة افتحي لي إن الكريم لا يرد عن بابه هذه الساعة فقامت
ففتحت فدخلت أنا وعبد الله على ابن أبي الحقيق فقال عبد الله بن عتيك دونك قال
فشهرت عليها السيف فأذهب لأضربها بالسيف فأذكر نهى رسول الله صلى الله
عليه وسلم عن قتل النساء والولدان فأكف عنها فدخل عبد الله بن عتيك علي بن أبي
الحقيق قال فأنظر إليه في مشربة مظلمة إلى شدة بياضه فلما رآني ورأى السيف
أخذ الوسادة فاتقاني بها قال فأذهب لأضربه فلا أستطيع فوخزته بالسيف وخزا
ثم خرج إلى عبد الله بن أنيس فقال أقتله قال نعم فدخل عبد الله بن أنيس فدفف
عليه * قال ثم خرجت إلى عبد الله بن عتيك فانطلقنا وصاحت المرأة وا بياتاه وا بياتاه *
قال فسقط عبد الله بن عتيك في الدرجة فقال وا رجلاه وا رجلاه فاحتمله عبد الله بن
أنيس حتى وضعه إلى الأرض * قال قلت انطلق ليس برجلك بأس * قال فانطلقنا قال
عبد الله بن أنيس جئنا أصحابنا فانطلقنا ثم ذكرت قوسي أنى تركتها في الدرجة فرجعت إلى
قوسي فإذا أهل خيبر يموج بعضهم في بعض ليس لهم كلام إلا من قتل ابن أبي الحقيق
من قتل ابن أبي الحقيق قال فجعلت لا أنظر في وجه إنسان ولا ينظر في وجهي
انسان إلا قلت من قتل ابن أبي الحقيق قال ثم صعدت الدرجة والناس يظهرون
فيها وينزلون فأخذت قوسي من مكانها ثم ذهبت فأدركت أصحابي فكنا نكمن
النهار ونسير الليل فإذا كمنا النهار أقعدنا منا ناطورا ينظر لنا فان رأى شيئا أشار
إلينا فانطلقنا حتى إذا كنا بالبيضاء كنت قال موسى أنا ناظرهم وقال عباس كنت
أنا ناطورهم فأشرت إليهم فذهبوا جمزا وخرجت في آثارهم حتى إذا اقتربنا من
المدينة أدركتهم قالوا ما شأنك هل رأيت شيئا قلت لا إلا أنى قد عرفت أن قد
بلغكم الاعياء والوصب فأحببت أن يحملكم الفزع (قال أبو جعفر) وفى هذه
السنة تزوج النبي صلى الله عليه وسلم حفصة بنت عمر في شعبان وكانت قبلة تحت
خنيس بن حذافة السهمي في الجاهلية فتوفى عنها * وفيها كانت غزوة رسول الله صلى الله
عليه وسلم أحدا وكانت في شوال يوم السبت لسبع ليال خلون منه فيما قيل من
186

سنة ثلاث من الهجرة
غزوة أحد
(قال أبو جعفر) وكان الذي هاج غزوة أحد بين رسول الله صلى الله عليه
وسلم ومشركي قريش وقعة بدر وقتل من قتل ببدر من أشراف قريش ورؤسائهم
فحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال وحدثني محمد بن مسلم بن
عبيد الله بن شهاب الزهري ومحمد بن يحيى بن حبان وعاصم بن عمر بن قتادة
والحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ وغيرهم من علمائنا كلهم قد
حدث ببعض هذا الحديث عن يوم أحد وقد اجتمع حديثهم كلهم فيما سقت من
الحديث عن يوم أحد قالوا لما أصيبت قريش أو من قاله منهم يوم بدر من كفار
قريش من أصحاب القليب فرجع فلهم إلى مكة ورجع أبو سفيان بن حرب بعيره
مشى عبد الله بن أبي ربيعة وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية في رجال من
قريش ممن أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم ببدر فكلموا أبا سفيان بن حرب
ومن كانت له في تلك العير من قريش تجارة فقالوا يا معشر قريش إن محمدا قد
وتركم وقتل خياركم فأعينونا بهذا المال على حربه لعلنا أن ندرك منه ثأرا بمن
أصيب منا ففعلوا فاجتمعت قريش لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم حير فعل
ذلك أبو سفيان وأصحاب العير بأحابيشها ومن أطاعها من قبائل كنانة وأهل تهامة
وكل أولئك قد استعووا على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو عزة
عمرو بن عبد الله الجمحي قد من عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر كان
وكان فقيرا ذا بنات وكان في الأسارى فقال يا رسول الله إني فقير ذو عيال وحاجة
قد عرفتها فامنن على صلى الله عليك فمن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
صفوان بن أمية يا أبا عزة إنك امرؤ شاعر فأعنا بلسانك فاخرج معنا فقال إن
محمدا قد من على فلا أريد أن أظاهر عليه فقال بلى فأعنا بنفسك فلك الله إن رجعت
أن أغنيك وإن أصبت أن أجعل بناتك مع بناتي يصيبهن ما أصابهن من عسر
ويسر فخرج أبو عزة يسير في تهامة ويدعو بنى كنانة وخرج مسافع بن عبد مناف
187

ابن وهب بن حذافة بن جمح إلى بنى مالك بن كنانة يحرضهم ويدعوهم إلى حرب
رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا جبير بن مطعم غلاما له يقال له وحشى كان
حبشيا يقذف بحربة له قذف الحبشة قل ما يخطئ بها فقال له اخراج مع الناس
فإن أنت قتلت عم محمد بعمى طعيمة بن عدي فأنت عتيق فخرجت قريش بحدها
وجدها وأحابيشها ومن معها من بنى كنانة وأهل تهامة وخرجوا معهم بالظعن
التماس الحفيظة ولئلا يفروا فخرج أبو سفيان بن حرب وهو قائد الناس معه هند
بنت عتبة بن ربيعة وخرج عكرمة بن أبي جهل بن هشام بن المغيرة بأم حكيم بنت
الحارث بن هشام بن المغيرة وخرج الحارث بن هشام بن المغيرة بفاطمة بنت الوليد
ابن المغيرة وخرج صفوان بن أمية بن خلف ببرزة (قال أبو جعفر) وقيل
ببرة بنت مسعود بن عمرو بن عمير الثقفية وهى أم عبد الله بن صفوان
وخرج عمرو بن العاص بن وائل بريطة بنت منبه بن الحجاج وهى أم عبد الله
ابن عمرو بن العاص وخرج طلحة بن أبي طلحة وأبو طلحة عبد الله بن عبد العزى
ابن عثمان بن عبد الدار بسلافة بنت سعد بن شهيد وهى أم بنى طلحة مسافع والجلاس
وكلاب قتلوا يومئذ وأبو هم وخرجت خناس بنت مالك بن المضرب إحدى نساء
بنى مالك بن حسل مع ابنها أبى عزيز بن عمير وهى أم مصعب بن عمير وخرجت عمرة
بنت علقمة إحدى نساء بنى الحارث بن عبد مناة بن كنانة وكانت هند بنت عتبة بن ربيعة
كلما مرت بوحشي أو مر بها قالت إيه أبا دسمة إشف واشتف وكان وحشى يكنى
أبا دسمة فأقبلوا حتى نزلوا بعينين بجبل ببطن السبخة من قناة على شفير الوادي مما يلي المدينة
فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون قد نزلوا حيث نزلوا قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم للمسلمين إني قد رأيت بقرا فأولتها خيرا ورأيت في ذباب سيفي ثلما
ورأيت أنى أدخلت يدي في درع حصنة فأولتها المدينة فان رأيتم أن تقيموا بالمدينة
وتدعوهم حيث نزلوا فان أقاموا أقاموا بشر مقام وإن هم دخلوا علينا قاتلناهم فيها ونزلت
قريش منزلها من أحد يوم الأربعاء فأقاموا به ذلك اليوم ويوم الخميس ويوم الجمعة
وراح رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلى الجمعة فأصبح بالشعب من أحد
188

فالتقوا يوم السبت للنصف من شوال وكان رأى عبد الله بن أبي ابن سلول مع رأى
رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى رأى رسول الله عليه وسلم في ذلك
ألا يخرج إليهم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره الخروج من المدينة فقال
رجال من المسلمين ممن أكرم الله بالشهادة يوم أحد وغيرهم ممن كان فاته بدر
وحضوره يا رسول الله اخرج بنا إلى أعدائنا لا يرون أنا جبنا عنهم وضعفنا فقال
عبد الله بن أبي ابن سلول يا رسول الله أقم بالمدينة ولا تخرج إليهم فوالله ما خرجنا
منها إلى عدو لنا قط إلا أصاب منا ولا دخلها علينا الا أصبنا منه فدعهم يا رسول اله
فان أقاموا أقاموا بشر مجلس وإن دخلوا قاتلهم الرجال في وجوههم ورماهم النساء
والصبيان بالحجارة من فوقهم وإن رجعوا رجعوا خائبين كما جاؤوا فلم يزل برسول
الله صلى الله عليه وسلم الذين كان من أمرهم حب لقاء القوم حتى دخل رسول الله
صلى الله عليه وسلم فلبس لامته وذلك يوم الجمعة حين فرغ من الصلاة وقد مات
في ذلك اليوم رجل من الأنصار يقال له مالك بن عمرو أحد بنى النجار فصلى عليه
رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج عليهم وقد ندم الناس وقالوا استكرهنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم ولم يكن ذلك لنا (قال أبو جعفر) وأما السدى فإنه قال في
ذلك غير هذا القول ولكنه قال ما حدثني محمد بن الحسين قال حدثنا أحمد بن المفضل
قال حدثنا أسباط عن السدى أن رسول الله صلى الله عليه سلم لما سمع بنزول
المشركين من قريش واتباعها أحدا قال لأصحابه أشيروا علي ما أصنع فقالوا يا رسول
الله اخرج بنا إلى هذه الاكلب فقالت الأنصار يا رسول الله ما غلبنا عدو لنا
قط أتانا في ديارنا فكيف وأنت فينا فدعا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله
وسلم عبد الله بن أبي ابن سلول ولم يدعه قط قبلها فاستشاره فقال يا رسول الله
اخرج بنا إلى هذه الاكلب وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه أن يدخلوا
عليه المدينة فيقاتلوا في الأزقة فأتاه النعمان بن مالك الأنصاري فقال يا رسول الله
لا تحرمني الجنة فوالذي بعثك بالحق لأدخلن الجنة فقال له بم قال بأني أشهد أن
لا إله إلا الله وأنك رسول الله وأنى لا أفر من الزحف قال صدقت فقتل يومئذ
189

ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا بدرعه فلبسها فلما رأوه قد لبس السلاح
ندموا وقالوا بئس ما صنعنا نشير على رسول الله والوحي يأتيه فقاموا فاعتذروا
إليه وقالوا اصنع ما رأيت فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم
لا ينبغي لنبي أن يلبس لامته فيضعها حتى يقاتل فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى أحد في ألف رجل وقد وعدهم الفتح إن صدوا فلما خرج رجع عبد الله بن أبي
ابن سلول في ثلثمائة فتبعهم أبو جابر السلمي يدعوهم فلما غلبوه وقالوا له ما نعلم
قتالا ولئن أطعتنا لترجعن معنا وقال الله عز وجل (إذ همت طائفتان منكم أن
تفشلا) فهم بنو سلمة وبنو حارثة هموا بالرجوع حين رجع عبد الله بن أبي فعصمهم
الله عز وجل وبقى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعمائة (رجع الحديث إلى حديث
ابن إسحاق) قال قالوا لما خرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله
استكرهناك ولم يكن ذلك لنا فان شئت فاقعد صلى الله عليك فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم ما ينبغي لنبي إذا لبس لامته أن يضعها حتى يقاتل فخرج رسول الله
في ألف رجل من أصحابه حتى إذا كانوا بالشوط بين أحد والمدينة انخزل عنه
عبد الله بن أبي ابن سلول بثلث الناس فقال أطاعهم فخرج وعصاني والله ما ندري
على ما نقتل أنفسنا ها هنا أيها الناس فرجع بمن اتبعه من الناس من قومه من أهل
النفاق وأهل الريب واتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام أخو بنى سلمة يقول يا قوم
أذكركم الله أن تخذلوا نبيكم وقومكم عندما حضر من عدوهم قالوا لو نعلم أنكم
تقاتلون ما أسلمناكم ولكنا لا نرى أن يكون قتال فلما استعصوا عليه وأبوا إلا
الانصراف عنه قال أبعدكم الله أعداء الله فسيغنى عنكم (قال أبو جعفر)
قال محمد بن عمر الواقدي انخزل عبد الله بن أبي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
من الشيخين بثلثمائة وبقى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعمائة وكان المشركون
ثلاثة آلاف والخيل مائتي فرس والظعن خمس عشرة امرأة * قال وكان في المشركين
سبعمائة دارع وكان في المسلمين مائة دارع ولم يكن معهم من الخيل إلا فرسان
فرس لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفرس لأبي بردة نيار الحارثي فأدلج
190

رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشيخين حين طلعت الحمراء وهما أطمأن كان
يهودي ويهودية أعميان يقومان عليهما فيتحدثان فلذلك سميا الشيخين وهو في
طرف المدينة قال وعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم المقاتلة بالشيخين بعد
المغرب فأجاز من أجاز ورد من رد قال وكان فيمن رد زيد بن ثابت وابن عمر
وأسيد بن ظهير والبراء بن عازب وعرابة بن أوس قال وهو الذي قال فيه الشماخ
رأيت عرابة الأوسي ينمى * إلى الخيرات منقطع القرين
إذا ما راية رفعت لمجد * تلقاها عرابة باليمين
قال ورد أبا سعيد الخدري وأجاز سمرة بن جندب ورافع بن خديج وكان
رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قد استصغر رافعا فقام على
خفين له فيهما رقاع وتطاول على أطراف أصابعه فلما رآه رسول الله صلى الله
تعالى عليه وعلى آله وسلم أجازه * حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد
قال أخبرنا محمد بن عمر قال كانت أم سمرة بن جندب تحت مري بن سنان بن
ثعلبة عم أبي سعيد الخدري فكان ربيبه فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى أحد وعرض أصحابه فرد من استصغر رد سمرة بن جندب وأجاز رافع بن
خديج فقال سمرة بن جندب لربيبه مري بن سنان يا أبت أجاز رسول الله صلى
الله عليه وسلم رافع بن خديج وردني وأنا أصرع رافع بن خديج فقال مري بن سنان
يا رسول الله رددت ابني وأجزت رافع بن خديج وابني يصرعه فقال النبي صلى
الله عليه وسلم لرافع وسمرة تصارعا فصرع سمرة رافعا فأجازه رسول الله صلى
الله عليه وسلم فشهدها مع المسلمين قال وكان دليل النبي صلى الله عليه وسلم
أبو حثمة الحارثي (رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق) قال ومضى رسول الله
صلى الله عليه وسلم حتى سلك في حرة بنى حارثة فذب فرس بذنبه فأصاب كلاب
سيف فاستله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يحب الفأل ولا يعتاف
لصاحب السيف شم سيفك فإني أرى السيوف ستسل اليوم ثم قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لأصحابه من رجل يخرج بنا على القوم من كثب من طريق
191

لا يمر بنا عليهم فقال أبو حثمة أخو بنى حارثة بن الحارث أنا يا رسول الله فقدمه
فنفذ به في حرة بنى حارثة وبين أموالهم حتى سلك به في مال المربع بن قيظي وكان
رجلا منافقا ضرير البصر فلما سمع حس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه
من المسلمين قام يحثى في وجوههم التراب ويقول إن كنت رسول الله فانى لا أحل
لك أن تدخل حائطي قال وقد ذكر لي أنه أخذ حفنة من تراب في يده ثم قال
لو أعلم أنى لا أصيب بها غيرك يا محمد لضربت بها وجهك فابتدره القوم ليقتلوه
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفعلوا فهذا الأعمى البصر الأعمى القلب وقد
بدر إليه سعد بن زيد أخو بنى عبد الأشهل حين نهى رسول الله صلى الله عليه
وسلم عنه فضربه بالقوس على رأسه فشجه ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم
على وجهه حتى نزل الشعب من أحد في عدوة الوادي إلى الجبل فجعل ظهره
وعسكره إلى أحد وقال لا يقاتلن أحد حتى نأمره بالقتال وقد سرحت قريش
الظهر والكراع في زروع كانت بالصمغة من قناة للمسلمين فقال رجل من المسلمين
حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القتال أترعى زروع بنى قيلة ولما
نضارب وتعبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتال وهو في سبعمائة رجل وتعبأت
قريش وهم ثلاثة آلاف رجل ومعهم مائتا فرس قد جنبوها فجعلوا على ميمنة
الخيل خالد بن الوليد على ميسرتها عكرمة بن أبي جهل وأمر رسول الله صلى الله
عليه وسلم على الرماة عبد الله بن جبير أخا بنى عمرو بن عوف وهو يومئذ معلم
بثياب بيض والرماة خمسون رجلا وقال انضح عنا الخيل بالنبل لا يأتونا من
خلفنا إن كانت لنا أو علينا فأثبت مكانك لا نؤتين من قبلك وظاهر رسول الله
صلى الله عليه وسلم بين درعين * فحدثنا هارون بن إسحاق قال حدثنا مصعب بن
المقدام قال حدثنا إسرائيل وحدثنا ابن وكيع قال حدثنا أبي عن إسرائيل قال
حدثنا أبو إسحاق عن البراء قال لما كان يوم أحد ولقى رسول الله صلى الله عليه
وسلم المشركين أجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالا بإزاء الرماة وأمر
عليهم عبد الله بن جبير وقال لهم لا تبرحوا مكانكم إن رأيتمونا ظهرنا عليهم وإن
192

رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا فلما لقى القوم هزم المشركون حتى رأيت النساء
قد رفعن عن سوقهن وبدت خلاخيلهن فجعلوا يقولون الغنيمة الغنيمة فقال عبد الله
مهلا أما علمتم ما عهد إليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبوا فانطلقوا فلما أتوهم
صرف الله وجوههم فأصيب من المسلمين سبعون * حدثني محمد بن سعد قال
حدثني أبي قال حدثني عمى قال حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قال أقبل
أبو سفيان في ثلاث ليال خلون من شوال حتى نزل أحدا وخرج النبي صلى الله
عليه وسلم فأذن في الناس فاجتمعوا وأمر الزبير على الخيل ومعه يومئذ المقداد
ابن الأسود الكندي وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء رجلا من
قريش يقال له مصعب بن عمير وخرج حمزة بن عبد المطلب بالحسر وبعث حمزة
بين يديه وأقبل خالد بن الوليد على خيل المشركين ومعه عكرمة بن أبي جهل فبعث
رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير وقال استقبل خالد بن الوليد فكن بإزائه
حتى أوذنك وأمر بخيل أخرى فكانوا من جانب آخر فقال لا تبرحن حتى
أوذنكم وأقبل أبو سفيان يحمل اللات والعزى فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم
إلى الزبير أن يحمل فحمل على خالد بن الوليد فهزمه الله ومن معه فقال (ولقد صدقكم
الله وعده - إلى قوله - من بعد ما أراكم ما تحبون) وإن الله عز وجل وعد المؤمنين أن
ينصرهم وإنه معهم وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث ناسا من الناس فكانوا
من ورائهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كونوا ههنا فردوا وجه من فر
منا وكونوا حراسا لنا من قبل ظهورنا وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما
هزم القوم هو وأصحابه قال الذين كانوا جعلوا من ورائهم بعضهم لبعض ورأوا
النساء مصعدات في الجبل ورأوا الغنائم انطلقوا إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فأدركوا الغنيمة قبل أن يسبقونا إليها وقالت طائفة أخرى بل نطيع
رسول الله صلى الله عليه وسلم فنثبت مكاننا فذلك قوله لهم منكم من يريد الدنيا
الذين أرادوا الغنيمة ومنكم من يريد الآخرة الذين قالوا نطيع رسول الله ونثبت
مكاننا فكان ابن مسعود يقول ما شعرت أن أحدا من أصحاب النبي صلى الله
193

عليه وعلى آله وسلم كان يريد الدنيا وعرضها حتى كان يومئذ * حدثني محمد بن
الحسين قال حدثنا أحمد بن المفضل قال حدثنا أسباط عن السدى قال لما
برز رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى المشركين بأحد أمر الرماة
فقاموا بأصل الجبل في وجوه خيل المشركين وقال لا تبرحوا مكانكم ان رأيتم
قد هزمناهم فانا لا نزال غالبين ما ثبتم مكانكم وأمر عليهم عبد الله بن جبير أخا خوات
ابن جبير ثم إن طلحة بن عثمان صاحب لواء المشركين قام فقال يا معشر أصحاب
محمد إنكم تزعمون أن الله يعجلنا بسيوفكم إلى النار ويعجلكم بسيوفنا إلى الجنة
فهل منكم أحد يعجله الله بسيفي إلى الجنة أو يعجلني بسيفه إلى النار فقام إليه علي
ابن أبي طالب رضي الله عنه فقال والذي نفسي بيده لا أفارقك حتى أعجلك بسيفي
إلى النار أو تعجلني بسيفك إلى الجنة فضربه على فقطع رجله فسقط فانكشفت
عورته فقال أنشدك الله والرحم يا ابن عم فتركه فكبر رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم وقال لعلى أصحابه ما منعك أن تجهز عليه قال إن ابن عمى ناشدني
حين انكشفت عورته فاستحييت منه ثم شد الزبير بن العوام والمقداد بن الأسود
على المشركين فهزماهم وحمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فهزموا أبا سفيان
فلما رأى ذلك خالد بن الوليد وهو على خيل المشركين حمل فرمته الرماة فانقمع
فلما نظر الرماة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في جوف عسكر
المشركين ينتهبونه بادروا بالغنيمة فقال بعضهم لا نترك أمر رسول الله صلى الله
عليه وسلم وانطلق عامتهم فلحقوا بالعسكر فلما رأى خالد قلة الرماة صاح في خيله
ثم حمل فقتل الرماة وحمل على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلما رأى المشركون
أن خيلهم تقاتل تنادوا فشدوا على المسلمين فهزموهم وقتلوهم * فحدثني بشر بن
آدم قال حدثنا عمرو بن عاصم الكلابي قال حدثنا عبيد الله بن الوازع عن هشام
ابن عروة عن أبيه قال قال الزبير عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفا في يده
يوم أحد فقال من يأخذ هذا السيف بحقه قال فقمت فقلت أنا يا رسول الله قال
فأعرض عنى ثم قال من يأخذ هذا السيف بحقه فقمت فقلت أنا يا رسول الله
194

فاعرض عنى ثم قال من يأخذ هذا السيف بحقه قال فقام أبو دجانة سماك ابن
خرشة فقال أنا آخذه بحقه وما حقه قال حقه ألا تقتل به مسلما وأن لا تفر به
عن كافر قال فدفعه إليه قال وكان إذا أراد القتال أعلم بعصابة قال فقلت لأنظرن
اليوم ما يصنع قال فجعل لا يرتفع له شئ إلا هتكه وأفراه حتى انتهى إلى نسوة في
سفح جبل معهن دفوف لهن فيهن امرأة تقول
نحن بنات طارق * إن تقبلوا نعانق
ونبسط النمارق * أو تدبروا نفارق * فراق غير وامق
قال فرفع السيف ليضربها ثم كف عنها قال قلت كل عملك قد رأيت أرأيت
رفعك للسيف على المرأة بعد ما أهويت به إليها فقال أكرمت سيف رسول الله
أن أقتل به امرأة (رجع الحديث إلى حديث أبي إسحق) فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم من يأخذ هذا السيف بحقه فقام إليه رجال فأمسكه عنهم حتى قام إليه
أبو دجانة سماك بن خراشة أخو بنى ساعدة فقال وما حقه يا رسول الله قال أن
تضرب به في العدو حتى ينحنى فقال أنا آخذه بحقه يا رسول الله فأعطاه إياه وكان
أبو دجانة رجلا شجاعا يختال عند الحرب إذا كانت وكان إذا أعلم بعصابة له حمراء
يعصبها على رأسه علم الناس أنه سيقاتل فلما أخذ السيف من يد رسول الله صلى الله
عليه وسلم أخذ عصابته تلك فعصب بها رأسه ثم جعل يتبختر بين الصفين
* فحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق قال حدثني جعفر بن
عبد الله بن أسلم مولى عمر بن الخطاب عن رجل من الأنصار من بنى سلمة قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى أبا دجانة يتبختر إنها لمشية يبغضها
الله عز وجل إلا في هذا الموطن وقد أرسل أبو سفيان رسولا فقال يا معشر
الأوس والخزرج خلوا بيننا وبين ابن عمنا ننصرف عنكم فإنه لا حاجة لنا بقتالكم
فردوه بما يكره * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن عاصم
ابن عمر بن قتادة أن أبا عامر عبد عمرو بن صيفي بن مالك بن النعمان بن أمة أحد
بنى ضبيعة وقد كان خرج إلى مكة مباعدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم معه
195

خمسون غلاما من الأوس منهم عثمان بن حنيف وبعض الناس يقول كانوا
خمسة عشر فكان يعد قريشا أن لو قد لقى محمدا لم يختلف عليه منهم رجلا فلما
التقى الناس كان أول من لقيهم أبو عامر في الأحابيش وعبد ان أهل مكة فنادى
يا معشر الأوس أنا أبو عامر قالوا فلا أنعم الله بك عينا يا فاسق وكان أبو عامر
يسمى في الجاهلية الراهب فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاسق فلما
سمع ردهم عليه لقد أصاب قومي بعدي شر ثم قاتلهم قتالا شديدا ثم راضخهم
بالحجارة وقد قال أبو أبو سفيان لأصحاب اللواء من بنى عبد الدار يحرضهم بذلك
على القتال يا بنى عبد الدار إنكم وليتم لواءنا يوم بدر فأصابنا ما قد رأيتم وإنما
يؤتى الناس من قبل راياتهم إذا زالت زالوا فإما أن تكفونا نسلم إليك لواءنا ستعلم
غدا إذا التقينا كيف نصنع وذلك الذي أراد أبو سفيان فلما التقى الناس ودنا
بعضهم من بعض قامت هند بنت عتبة في النسوة اللواتي معها وأخذن الدفوف
يضربن خلف الرجال ويحرضهم فقالت هند فيما تقول
إن تقبلوا نعانق * ونفرش النمارق
أو تدبروا نفارق * فراق غير وامق
وتقول: ويها بنى عبد الدار * ويها حماة الادبار * ضربا بكل بتار
واقتل الناس حتى حميت الحرب وقاتل أبو دجانة حتى أمعن في الناس
وحمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب في رجال من المسلمين فأنزل الله
عز وجل نصره وصدقهم وعده فحسوهم بالسيوف حتى كشفوهم وكانت
الهزيمة لا شك فيها * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن
إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن جده قال قال الزبير
والله لقد رأيتني أنظر إلى خدم هند بنت عتبة وصواحبها مشمرات هوارب
ما دون أخذهن قليل ولا كثير إذ مالت الرماة إلى العسكر حين كشفنا القوم عنه يريدون النهب وخلوا ظهورنا للخيل فاتينا من أدبارنا وصرخ صارخ ألا
196

إن محمدا قد قتل فانكفأنا وانكفأ علينا القوم بعد أن أصبنا أصحاب اللواء حتى
ما يدنو منه أحد من القوم * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق
عن بعض أهل العلم أن اللواء لم يزل صريعا حتى أخذته عمرة بنت علقمة الحارثية
فرفعته لقريش فلاثوا به وكان اللواء مع صواب غلام لبنى أبى طلحة حبشي وكان
آخر من أخذه منهم فقاتل حتى قطعت يداه ثم برك عليه فأخذ اللواء بصدره
وعنقه حتى قتل عليه وهو يقول اللهم هل أعذرت فقال حسان بن ثابت في
قطع يد صواب حين تقاذفوا بالشعر
فخرتم باللواء وشر فخر * لواء حين رد إلى صواب
جعلتم فخركم فيها لعبد * من الام من وطى عفر التراب
ظننتم والسفيه له ظنون * وما إن ذاك من أمر الصواب
بأن جلادنا يوم التقينا * بمكة بيعكم حمر العياب
أقر العين أن عصبت يداه * وما إن تعصبان على خضاب
* حدثنا أبو كريب قال حدثنا عثمان بن سعيد قال حدثنا حبان بن علي عن
محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده قال لما قتل علي بن أبي طالب أصحاب
الألوية أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من مشركي قريش فقال لعلى
احمل عليهم فحمل عليهم ففرق جمعهم وقتل عمرو بن عبد الله الجمحي قال ثم أبصر
رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من مشركي قريش فقال لعلى احمل عليهم
فحمل عليهم ففرق جماعتهم وقتل شيبة بن مالك أحد بنى عامر بن لؤي فقال
جبريل يا رسول الله إن هذه للمواساة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه
منى وأنا منه فقال جبريل وأنا منكما قال فسمعوا صوتا
لا سيف إلا ذو الفقار * ولا فتى إلا علي
(قال أبو جعفر) فلما أتى المسلمون من خلفهم انكشفوا وأصاب منهم
المشركون وكان المسلمون لما أصابهم ما أصابهم من البلاء أثلاثا ثلث قتيل وثلث
جريح وثلث منهزم وقد جهدته الحرب حتى ما يدرى ما يصنع وأصيبت رباعية
197

رسول الله صلى الله عليه وسلم السفلى وشقت شفته وكلم في وجنتيه وجبهته في
أصول شعره وعلاه ابن قميئة بالسيف على شقه الأيمن وكان الذي أصابه عتبة
ابن أبي وقاص * حدثنا ابن بشار قال حدثنا ابن أبي عدى عن حميد عن أنس
ابن مالك قال لما كان يوم أحد كسرت رباعية رسول الله صلى الله عليه وسلم
وشج فجعل الدم يسيل على وجهه وجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول كيف
يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى الله عز وجل فأنزل الله
عز وجل (ليس لك من الامر شئ) الآية (قال أبو جعفر) وقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم حين غشيه القوم من رجل يشرى لنا نفسه * فحدثنا ابن
حميد قال حدثني سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق قال حدثني الحصين بن عبد الرحمن
ابن عمرو بن سعد بن معاذ عن محمود بن عمرو بن يزيد بن السكن قال فقام زياد
ابن السكن في نفر خمسة من الأنصار وبعض الناس يقول إنما هو عمارة بن زياد
ابن السكن فقاتلوا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا ثم رجلا يقتلون
دونه حتى كان آخرهم زياد أو عمارة بن زياد بن السكن فقاتل حتى أثبتته الجراحة
ثم فاءت من المسلمين فئة حتى أجهضوهم عنه فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم ادنوه منى فأدنوه منه فوسده قدمه فمات وخده على قدم رسول الله صلى
الله عليه وسلم وترس دون رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو دجانة بنفسه
يقع النبل في ظهره وهو منحن عليه حتى كثرت فيه النبل ورمى سعد بن أبي وقاص
دون رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سعد فلقد رأيته يناولني ويقول ارم
فداك أبي وأمي حتى إنه ليناولني السهم ما فيه نصل فيقول ارم به * حدثنا ابن
حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال حدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى عن قوسه حتى اندقت سيتها فأخذها قتادة
ابن النعمان فكانت عنده وأصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان حتى وقعت على وجنته
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال حدثني عاصم بن عمر بن
قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردها بيده فكانت أحسن عينيه وأحدهما
198

(قال أبو جعفر) وقاتل مصعب بن عمير دون رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومعه لواؤه حتى قتل وكان الذي أصابه ابن قميئة الليثي وهو يظن أنه رسول الله
صلى الله عليه وسلم فرجع إلى قريش فقال قتلت محمدا فلما قتل مصعب بن عمير
أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقاتل
حمزة بن عبد المطلب حتى قتل أرطأة بن عبد شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف
ابن عبد الدار بن فصى وكان أحد النفر الذين يحملون اللواء ثم مر به سباع
ابن عبد العزى الغبشاني وكان يكنى بأبي نيار فقال له حمزة بن عبد المطلب
هلم إلى يا ابن مقطعة البظور وكانت أمه أم أنمار مولاة شريق بن عمرو بن وهب
الثقفي وكانت ختانة بمكة فلما التقيا ضربه حمزة فقتله فقال وحشى غلام جبير
ابن مطعم والله إني لأنظر إلى حمزة يهد الناس بسيفه ما يليق شيئا يمر به مثل
الجمل الأورق إذ تقدمني إليه سباع بن عبد عبد العزى فقال له هلم إلى يا ابن
مقطعة البظور فضربه فكأنما أخطأ رأسه وهززت حربتي حتى إذا رضيت
منها دفعتها عليه فوقعت في لبته حتى خرجت من بين رجليه وأقبل نحوي فغلب
فوقع فأمهلته حتى إذا مات جئت فأخذت حربتي ثم تنحيت إلى العسكر ولم يكن
لي بشئ حاجة غيره وقد قتل عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح أخو بنى عمرو
ابن عوف مسافع بن طلحة وأخاه كلاب بن طلحة كلاهما يشعره سهما فيأتي أمه
سلافة فيضع رأسه في حجرها فتقول يا بنى من أصابك فيقول سمعت رجلا حين
رماني يقول خذها وأنا ابن الأقلح فتقول أقلحى فنذرت لله إن الله أمكنها من
رأس عاصم أن تشرب فيه الخمر وكان عاصم قد عاهد الله أن لا يمس مشركا أبدا
ولا يمسه * فحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق قال حدثني
القاسم بن عبد الرحمن بن رافع أخو بنى عدى بن النجار قال انتهى أنس بن النضر
عم أنس بن مالك إلى عمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله في رجال من المهاجرين
والأنصار وقد ألقوا بأيديهم فقال ما يجلسكم قالوا قتل محمد رسول الله قال فما
تصنعون بالحياة بعده قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم
199

ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل وبه سمى أنس بن مالك * حدثنا ابن حميد قال
حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال حدثني حميد الطويل عن أنس بن مالك قال لقد
وجدنا بأنس بن النضر يومئذ سبعين ضربة وطعنة فما عرفه الا أخته عرفته
بحسن بنانه * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال كان أول
من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهزيمة وقول الناس قتل رسول الله
صلى الله عليه وسلم كما حدثني ابن شهاب الزهري كعب بن مالك أخو بنى سلمة
قال عرفت عينيه تزهران تحت المغفر فناديت بأعلى صوتي يا معشر المسلمين
أبشروا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إلى رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم أن أنصت فلما عرف المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم
نهضوا به ونهض نحو الشعب معه علي بن أبي طالب وأبو بكر بن أبي قحافة
وعمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام والحارث بن الصمة في رهط
من المسلمين فلما أسند رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب أدركه أبي بن خلف
وهو يقول أين محمد لا نجوت إن نجوت فقال القوم يا رسول الله أيعطف عليه
رجل منا قال دعوه فلما دنا تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة من الحارث
ابن الصمة قال يقول بعض الناس فيما ذكر لي فلما أخذها رسول الله صلى الله
عليه وسلم انتفض بنا انتفاضة تطايرنا عنه تطاير الشعراء عن ظهر البعير إذا
انتفض بها ثم استقبله فطعنه في عنقه طعنة تدأدأ منها عن فرسه مرارا وكان أبي بن
خلف كما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن صالح بن إبراهيم
ابن عبد الرحمن بن عوف يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فيقول يا محمد
إن عندي العود أعلفه كل يوم فرقا من ذرة أقتلك عليه فيقول رسول الله
صلى الله عليه وسلم بل أنا أقتلك إن شاء الله فلما رجع إلى قريش وقد خدشه في
عنقه خدشا غير كبير فاحتقن الدم قال قتلني والله محمد قالوا ذهب والله فؤادك
والله إن بك بأس قال إنه قد كان بمكة قال لي أقتلك فوالله لو بصق على لقتلني
فمات عدو الله بسرف وهم قافلون به إلى مكة فلما انتهى رسول الله صلى الله
عليه وسلم إلى فم الشعب خرج علي بن أبي طالب حتى ملا درقته من المهراس
200

ثم جاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشرب منه فوجد له ريحا فعافه ولم
يشرب منه وغسل عن وجهه الدم وصب على رأسه وهو يقول اشتد غضب الله
على من دمى وجه نبيه * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق قال
حدثني صالح بن كيسان عمن حدثه عن سعد بن أبي وقاص أنه كان يقول والله
ما حرصت على قتل رجل قط ما حرصت على قتل عتبة بن أبي وقاص وإن كان
ما علمت لسئ الخلق مبغضا في قومه ولقد كفاني منه قول رسول الله صلى الله
عليه وسلم اشتد غضب الله على من دمى وجه رسول الله * حدثنا محمد بن الحسين
قال حدثنا أحمد بن المفضل قال حدثنا أسباط عن السدى قال أتى ابن قميئة الحارثي
أحد بنى الحارث بن عبد مناة بن كنانة فرمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجر
فكسر أنفه ورباعيته وشجه في وجهه فأثقله وتفرق عنه أصحابه ودخل بعضهم
المدينة وانطلق بعضهم فوق الجبل إلى الصخرة فقاموا عليها وجعل رسول الله
صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى عباد الله إلى عباد الله فاجتمع إليه ثلاثون
رجلا فجعلوا يسيرون بين يديه فلم يقف أحد إلا طلحة وسهل بن حنيف فحماه طلحة
فرمى بسهم في يده فيبست يده وأقبل أبي بن خلف الجمحي وقد حلف ليقتلن النبي
صلى الله عليه وسلم فقال بل أنا أقتله فقال يا كذاب أين تفر فحمل عليه فطعنه
النبي صلى الله عليه وسلم في جيب الدرع فجرح جرحا خفيفا فوقع يخرر خوار
الثور فاحتملوه وقالوا ليس بك جراحة فما يجزعك قال أليس قال لأقتلنك
لو كانت بجميع ربيعة ومضر لقتلهم فلم يلبث إلا يوما أو بعض يوم حتى مات
من ذلك الجرح وفشا في الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل فقال
بعض أصحاب الصخرة ليت لنا رسولا إلى عبد الله بن أبي فيأخذ لنا أمنة من
أبي سفيان يا قوم إن محمدا قد قتل فارجعوا إلى قومكم قبل أن يأتوكم فيقتلوكم قال أنس
ابن النضر يا قوم إن كان محمد قد قتل فان رب محمد لم يقتل فقاتلوا على ما قاتل عليه
محمد اللهم إني أعتذر إليك مما يقول هؤلاء وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء ثم شد
بسيفه فقاتل حتى قتل وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس حتى
201

انتهى إلى أصحاب الصخرة فلما رأوه وضع رجل سهما في قوسه فأراد أن يرميه
فقال أنا رسول الله ففرحوا بذلك حين وجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حيا
وفرح رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى أن في أصحابه من يمتنع به فلما اجتمعوا وفيهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب عنهم الحزن فأقبلوا يذكرون الفتح وما فاتهم منه
ويذكرون أصحابهم الذين قتلوا فقال الله عز وجل للذين قالوا إن محمدا قد قتل فارجعوا إلى
قومكم (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم
على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين)
فأقبل أبو سفيان حتى أشرف عليهم فلما نظروا إليه نسوا ذلك الذي كانوا عليه
وأهمهم أبو سفيان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لهم أن يعلونا اللهم إن
تقتل هذه العصابة لا تعبد ثم ندب أصحابه فرموهم بالحجارة حتى أنزلوهم فقال
أبو سفيان يومئذ أعل هبل حنظلة بحنظلة ويوم بيوم بدر وقتلوا يومئذ حنظلة
ابن الراهب وكان جنبا فغسلته الملائكة وكان حنظلة بن أبي سفيان قتل يوم بدر
وقال أبو سفيان لنا العزى ولا عزى لكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لعمر قل الله مولانا ولا مولى لكم فقال أبو سفيان أفيكم محمد أما إنها قد كانت
فيكم مثلة ما أمرت بها ولا نهيت عنها ولا سرتني ولا ساءتني فذكر الله عز وجل
إشراف أبي سفيان عليهم فقال (فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا
ما أصابكم) والغم الأول ما فاتهم من الغنيمة والفتح والغم الثاني إشراف العدو عليهم
لكيلا تحزنوا على ما فاتكم من الغنيمة ولا ما أصابكم من القتل حين تذكرون
فشغلهم أبو سفيان (قال أبو جعفر) وأما ابن إسحاق فإنه قال فيما حدثنا ابن حميد
قال حدثنا سلمة عنه بينا رسول الله صلى الله عليه وآله في الشعب ومعه
أولئك النفر من أصحابه إذ علت عالية من قريش الجبل فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم اللهم إنه لا ينبغي لهم أن يعلونا فقاتل عمر بن الخطاب ورهط من
المهاجرين حتى أهبطوهم عن الجبل ونهض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
صخرة من الجبل ليعلوها وقد كان بدل رسول الله صلى الله عليه وسلم وظاهر
202

بين درعين فلما ذهب لينهض لم يستطع فجلس تحته طلحة بن عبيد الله فنهض حتى
استوى عليها * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال قال محمد قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم كما حدثنا يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عبد الله
ابن الزبير عن الزبير قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يومئذ أوجب
طلحة حين صنع برسول الله ما صنع (قال أبو جعفر) وقد كان الناس انهزموا
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى بعضهم إلى المنقى دون الأعوص وفر
عثمان بن عفان وعقبة بن عثمان وسعد بن عثمان رجلان من الأنصار حتى بلغوا
الجلعب جبلا بناحية المدينة مما يلي الأعوص فأقاموا به ثلاثا ثم رجعوا إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم لقد ذهبتم
فيها عريضة (قال أبو جعفر) وقد كان حنظلة بن أبي عامر الغسيل التقى هو وأبو سفيان
ابن حرب فلما استعلاه حنظلة رآه شداد بن الأسود وكان يقال له ابن شعوب قد
علا أبا سفيان فضربه شداد فقتله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن صاحبكم
يعنى حنظلة لتغسله الملائكة فسلوا أهله ما شأنه فسئلت صاحبته فقالت خرج وهو
جنب حين سمع الهائعة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك غسلته الملائكة
فقال شداد بن الأسود في قتله حنظلة
لأحمين صاحبي ونفسي * بطعنة مثل شعاع الشمس
وقال أبو سفيان بن حرب وهو يذكر صبره ذلك اليوم ومعاونة ابن شعوب
شداد بن الأسود إياه على حنظلة
ولو شئت نجتني كميت طمرة * ولم أحمل النعماء لابن شعوب
فما زال مهرى مرجز الكلب منهم * لدى غدوة حتى دنت لغروب
أقاتلهم وادعى يا آل غالب * وأدفعهم عنى بركن صليب
فبكى ولا ترعى مقالة عاذل * ولا تسأمي من عبرة ونحيب
أباك وإخوانا له قد تتابعوا * وحق لهم من عبرة بنصيب
وسلى الذي قد كان في النفس إنني * قتلت من النجار كل نجيب
203

ومن هاشم قرما نجيبا ومصعبا * وكان لدى الهيجاء غير هيوب
ولو أنني لم أشف منهم قرونتى * لكانت شجى في القلب ذات ندوب
فآبوا وقد أودى الحلائب منهم * لهم خدب من مغبط وكئيب
أصابهم من لم يكن لدمائهم * كفيا ولا في خطة بضريب
فأجابه حسان بن ثابت فقال
ذكرت القروم الصيد من آل هاشم * ولست لزور قلته بمصيب
أتعجب أن أقصدت حمزة منهم * نجيبا وقد سميته بنجيب
ألم يقتلوا عمرا وعتبة وابنه * وشيبة والحجاج وابن حبيب
غداة دعا العاصي عليا فراعه * بضربة عضب بله بخضيب
وقال شداد بن الأسود يذكر يده عند أبي سفيان بن حرب فيما دفع عنه
ولولا دفاعي يا ابن حرب ومشهدي * لألفيت يوم النعف غير مجيب
ولولا مكرى المهر بالنعف فرفرت * ضباع على أوصاله وكليب
وقال الحارث بن هشام يجيب أبا سفيان في قوله * وما زال مهرى مرجز
الكلب منهم * وظن أنه يعرض به إذ فر يوم بدر
وإنك لو عاينت ما كان منهم * لأبت بقلب ما بقيت نخيب
لدا صحن بدر أو لقامت نوائح * عليك ولم تحفل مصاب حبيب
جزيتهم يوما ببدر كمثله * على سابح ذي ميعة وشبيب
(قال أبو جعفر) وقد وقفت هند بنت عتبة فيما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة
قال حدثني محمد بن إسحاق قال حدثني صالح بن كيسان والنسوة اللاتي معها يمثلن
بالقتلى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجد عن الآذان والأنوف
حتى اتخذت هند من آذان الرجال وأنفهم خدما وقلائد وأعطت خدمها
وقلائدها وقرطتها وحشيا غلام جبير بن مطعم وبقرت عن كبد حمزة فلاكتها
فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها ثم علت على صخرة مشرفة فصرخت بأعلى صوتها
بما قالت من الشعر حين ظفرا بما أصابوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
204

* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق قال حدثني صالح بن
كيسان أنه حدث ان عمر بن الخطاب قال لحسان يا ابن الفريعة لو سمعت ما تقول
هند ورأيت أشرها قائمة على صخرة ترتجز بنا وتذكر ما صنعت بحمزة فقال له حسان
والله إني لأنظر إلى الحربة تهوى وأنا على رأس فارع يعنى أطمه فقلت والله إن
هذه لسلاح ما هي بسلاح العرب وكأنها إنما تهوى إلى حمزة ولا أدرى أسمعني بعض
قولها أكفيكموها قال فأنشده عمر بعض ما قالت فقال حسان يهجو هندا
أشرت لكاع وكان عادتها * لؤما إذا أشرت مع الكفر
لعن الاله وزوجها معها * هند الهنود عظيمة البظر
أخرجت مرقصة إلى أحد * في القوم مقتبة على بكر
بكر ثفال لا حراك به * لا عن معاتبة ولا زجر
وعصاك إستك تتقين بها * دقى العجاية هند بالفهر
قرحت عجيزتها ومشرحها * من دأبها نصا على القتر
ظلت تداويها زميلتها * بالماء تنضحه وبالسدر
أخرجت ثائرة مبادرة * بأبيك وابنك يوم ذي بدر
وبعمك المستوه في ودع * وأخيك منعفرين في الحفر
ونسيت فاحشة أتيت بها * يا هند ويحك سبة الدهر
فرجعت صاغرة بلا ترة * منا ظفرت بها ولا نصر
زعم الولائد أنها ولدت * ولدا صغيرا كان من عهر
(قال أبو جعفر) ثم إن أبا سفيان بن حرب أشرف على القوم فيما حدثنا
هارون بن إسحاق قال حدثنا مصعب بن المقدام قال حدثنا إسرائيل * وحدثنا
ابن وكيع قال حدثني أبي عن إسرائيل قال حدثنا أبو إسحاق عن البراء قال ثم إن
أبا سفيان أشرف علينا فقال أفى القوم محمد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا تجيبوه مرتين ثم قال أفى القوم ابن أبي قحافة ثلاثا فقال رسول الله صلى الله
205

عليه وسلم لا تجيبوه ثم قال أفى القوم ابن الخطاب ثلاثا فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم لا تجيبوه ثم التفت إلى أصحابه فقال أما هؤلاء فقد قتلوا لو كانوا في
الاحياء لأجابوا فلم يملك عمر بن الخطاب نفسه أن قال كذبت يا عدو الله قد أبقى
الله لك ما يخزيك فقال أعل هبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
أجيبوه قالوا ما نقول قال قولوا الله أعلى وأجل قال أبو سفيان ألا لنا العزى ولا عزى
لكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجيبوه قالوا ما نقول قال قولوا الله
مولانا ولا مولى لكم قال أبو سفيان يوم بيوم بدر والحرب سجال أما انكم ستجدون
في القوم مثلا لم آمر بها ولم تسؤني * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق
قال في حديثه لما أجاب عمر أبا سفيان قال له أبو سفيان هلم يا عمر فقال له رسول
الله صلى الله عليه وسلم إيته فانظر ما شأنه فقال له أبو سفيان أنشدك الله
يا عمر أقتلنا محمدا فقال عمر اللهم لا وإنه ليسمع كلامك الآن فقال أنت أصدق
عندي من ابن قميئة وأبر لقول ابن قميثة لهم إني قتلت محمدا ثم نادى أبو سفيان
فقال إنه قد كان في قتلاكم مثل والله ما رضيت ولا سخطت ولا نهيت ولا أمرت وقد
كان الحليس بن زبان أخو بنى الحارث بن عبد مناة وهو يومئذ سيد الأحابيش
قد مر بأبي سفيان بن حرب وهو يضرب في شدق حمزة بزج الرمح وهو يقول
ذق عقق فقال الحيس يا بنى كنانة هذا سيد قريش يصنع بابن عمه كما ترون لحما
فقال اكتمها فإنها كانت زلة فلما انصرف أبو سفيان ومن معه نادى أن موعدكم
بدر للعام المقبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من أصحابه قل نعم هي
بيننا وبينك موعدا ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب
عليه السلام فقال اخرج في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون وماذا يريدون فإن
كانوا قد اجتنبوا الخيل وامتطوا الإبل فإنهم يريدون مكة وإن ركبوا الخيل وساقوا
الإبل فهم يريدون المدينة فوالذي نفسي بيده لئن أرادوها لأسيرن إليهم فيها
ثم لأناجزنهم قال علي فخرجت في آثارهم أنظر ماذا يصنعون فلما اجتنبوا الخيل
وامتطوا الإبل توجهوا إلى مكة وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
206

أي ذلك كان فأخفه حتى تأتيني قال علي عليه السلام فلما رأيتهم قد توجهوا إلى مكة
أقبلت أصيح ما أستطيع أن أكتم الذي أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم
لما بي من الفرح إذ رأيتهم انصرفوا إلى مكة عن المدينة وفرغ الناس لقتلاهم
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني
محمد بن إسحاق عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة المازني أخي
بنى النجار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من رجل ينظر لي ما فعل سعد
ابن الربيع وسعد أخو بنى الحارث بن الخزرج أفى الاحياء هو أم في الأموات
فقال رجل من الأنصار أنا أنظر لك يا رسول الله ما فعل فنظر فوجده جريحا
في القتلى به رمق قال فقلت له ان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمرني
أن أنظر له أفى الاحياء أنت أم في الأموات قال فأنا في الأموات أبلغ رسول الله
عنى السلام وقل له ان سعد بن الربيع يقول لك جزاك الله خير ما جرى نبي عن
أمته وأبلغ عنى قومك السلام وقل لهم إن سعد بن الربيع يقول لكم إنه لا عذر
لكم عند الله إن خلص إلى نبيكم صلى الله عليه وسلم وفيكم عين تطرف ثم لم أبرح
حتى مات فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته خبره وخرج رسول الله
صلى الله عليه وسلم فيما بلغني يلتمس حمزة بن عبد المطلب فوجده ببطن الوادي قد
بقر بطنه عن كبده ومثل به فجدع أنفه وأذناه * حدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة عن ابن إسحاق قال حدثني محمد بن جعفر بن الزبير أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم حين رأى بحمزة ما رأى قال لولا أن تحزن صفية أو تكون سنة من
بعدي لتركته حتى يكون في أجواف السباع وحواصل الطير ولئن أنا أظهرني
الله على قريش في موطن من المواطن لأمثلن بثلاثين رجلا منهم فلما رأى
المسلمون حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيظه على ما فعل بعمه قالوا والله
لئن ظهرنا عليهم يوما من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد قط
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثنا محمد بن إسحاق قال أخبرني بريدة
ابن سفيان بن فروة الأسلمي عن محمد بن كعب القرظي عن ابن عباس * قال ابن
207

حميد قال سلمة وحدثني محمد بن إسحاق قال وحدثني الحسن بن عمارة عن الحكم بن
عتيبة عن مقسم عن ابن عباس قال إن الله عز وجل أنزل في ذلك من قول رسول
الله صلى الله عليه وسلم وقول أصحابه (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن
صبرتم لهو خير للصابرين) إلى آخر السورة فعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم
وصبر ونهى عن المثلة (قال ابن إسحاق) وأقبلت فيما بلغني صفية بنت عبد المطلب
لتنظر إلى حمزة وكان أخاها لأبيها وأمها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنها
الزبير بن العوام القها فارجعها لا ترى ما بأخيها فلقيها الزبير فقال لها يا أمه إن رسول
الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن ترجعي فقالت ولم وقد بلغني أنه مثل بأخي وذلك
في الله قليل فما أرضانا بما كان من ذلك لأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله فلما جاء
الزبير رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك قال خل سبيلها فأتته فنظرت
إليه وصلت عليه واسترجعت واستغفرت له ثم أمر رسول الله صلى الله عليه
وسلم به فدفن * حدثنا ابن حمد قال حدثنا سلمة قال فحدثني محمد بن إسحاق قال
فزعم بعض آل عبد الله بن جحش وكان لأميمة بنت عبد المطلب خاله حمزة وكان
قد مثل به كما مثل بحمزة إلا أنه لم يبقر عن كبده أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم دفنه مع حمزة في قبره ولم أسمع ذلك إلا عن أهله * حدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق قال حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن
لبيد قال لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد وقع حسيل بن جابر وهو
اليمان أبو حذيفة بن اليمان وثابت بن وقش بن زعوراء في الآطام مع النساء
والصبيان فقال أحدهما لصاحبه وهما شيخان كبيران لا أبا لك ما تنتظر فوالله إن
بقى لواحد منا من عمره إلا ظم ء حمار إنما نحن هامة اليوم أو غد أفلا نأخذ
أسيافنا ثم نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم لعل الله عز وجل يرزقنا شهادة مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذا أسيافهما ثم خرجا حتى دخلا في الناس ولم
يعلم بهما فأما ثابت بن وقش فقتله المشركون وأما حسيل بن جابر اليمان فاختلف
عليه أسياف المسلمين فقتلوه ولا يعرفونه فقال حذيفة أبى قالوا والله إن عرفناه
208

وصدقوا قال حذيفة يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين فأراد رسول الله صلى الله
عليه وسلم أن يديه فتصدق حذيفة بديته على المسلمين فزادته عند رسول الله صلى الله
عليه وسلم خيرا * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال قال محمد بن إسحاق حدثني
عاصم بن عمر بن قتادة أن رجلا منهم كان يدعى حاطب بن أمية بن رافع وكان له
ابن يقال له يزيد بن حاطب أصابته جراحة يوم أحد فأتى به إلى دار قومه وهو
يموت فاجتمع إليه أهل الدار فجعل المسلمون يقولون من الرجال والنساء أبشر
يا ابن حاطب بالجنة قال وكان حاطب شيخا قد عسا في الجاهلية فنجم يومئذ نفاقه
فقال بأي شئ تبشرونه أبجنة من حرمل غررتم والله هذا الغلام من نفسه وفجعتموني به
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن
قتادة قال كان فينا رجل أتى لا يدرى من أين هو يقال له قزمان فكان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا ذكر له إنه لمن أهل النار فلما كان يوم أحد
قاتل قتالا شديدا فقتل هو وحده ثمانية من المشركين أو تسعة وكان شهما شجاعا
ذا بأس فأثبتته الجراحة فاحتمل إلى دار بنى ظفر قال فجعل رجال من المسلمين
يقولون والله لقد أبليت اليوم يا قزمان فابشر قال بم أبشر فوالله إن قاتلت إلا على
أحساب قومي ولولا ذلك ما قاتلت فلما اشتدت عليه جراحته أخذ سهما من كنانته
فقطع رواهشة فنزفه الدم فمات فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
أشهد أنى رسول الله حقا وكان ممن قتل يوم أحد مخيريق اليهودي وكان أحد
بنى ثعلبة بن الفطيون لما كان ذلك اليوم قال يا معشر يهود والله لقد علمتم أن نصر
محمد عليكم لحق قالوا إن اليوم يوم السبت فقال لا سبت فأخذ سيفه وعدته وقال
إن أصبت فمالي لمحمد يصنع فيه ما شاء ثم غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقاتل معه حتى قتل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني مخيريق خير يهود
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق قال وقد احتمل ناس
من المسلمين قتلاهم إلى المدينة فدفنوهم بها ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
ذلك وقال ادفنوهم حيث صرعوا * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن
209

إسحاق قال حدثني أبي إسحاق بن يسار عن أشياخ من بنى سلمة أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال يومئذ حين أمر بدفن القتلى انظروا عمرو بن الجموح
وعبد الله بن عمرو بن حرام فإنهما كانا متصافيين في الدنيا فاجعلوهما في
قبر واحد فلما احتفر معاوية القناة أخرجا وهما ينثنيان كأنما دفنا بالأمس قال
ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا إلى المدينة فلقيته حمنة بنت جحش
كما ذكر لي فنعى لها أخوها عبد الله بن جحش فاسترجعت واستغفرت له ثم نعى
لها خالها حمزة بن عبد المطلب فاسترجعت واستغفرت له ثم نعى لها زوجها مصعب
ابن عمير فصاحت وولولت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن زوج المرأة
منها لبمكان لما رأى من تثبتها عند أخيها وخالها وصياحها على زوجها قال
ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدار من دور الأنصار من بنى عبد الأشهل
وبنى ظفر فسمع البكاء والنوائح على قتلاهم فذرفت عينا رسول الله صلى الله عليه
وسلم فبكى ثم قال لكن حمزة لا بواكي له فلما رجع سعد بن معاذ وأسيد بن حضير
إلى دار بنى عبد الأشهل أمرا نساءهم أن يتحزمن ثم يذهبن فيبكين على عم رسول الله
صلى الله عليه وسلم * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال حدثني
عبد الواحد بن أبي عون عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص قال مر رسول الله
صلى الله عليه وسلم بامرأة من بنى دينار وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد فلما نعوا لها قالت فما فعل رسول الله صلى الله
عليه وسلم قالوا خيرا يا أم فلان هو بحمد الله كما تحبين قالت أرونيه حتى أنظر إليه
فأشير لها إليه حتى إذا رأته قالت كل مصيبة بعدك جلل (قال أبو جعفر) فلما
انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله ناول سيفه ابنته فاطمة فقال اغسلي
عن هذا دمه يا بنية وناولها علي عليه السلام سيفه وقال وهذا فاغسلي عنه فوالله
لقد صدقني اليوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لئن كنت صدقت القتال
لقد صدق معك سهل بن حنيف وأبو دجانة سماك بن خرشة وزعموا أن علي بن أبي
طالب حين أعطى فاطمة عليهما السلام سيفه قال
210

أفاطم هاك السيف غير ذميم * فلست برعديد ولا بمليم
لعمري لقد قاتلت في حب أحمد * وطاعة رب بالعباد رحيم
وسيفي بكفي كالشهاب أهزه * أجذ به من عاتق وصميم
فما زلت حتى فض ربى جموعهم * وحتى شفينا نفس كل حليم
وقال أبو دجانة حين أخذ السيف من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتل
به قتالا شديدا وكان يقول رأيت إنسانا يخمش الناس خمشا شديدا فصمدت له
فلما حملت عليه بالسيف ولولت فإذا امرأة فأكرمت سيف رسول الله صلى الله
عليه وسلم أن أضرب به امرأة وقال أبو دجانة
أنا الذي عاهدني خليلي * ونحن بالسفح لدى النخيل
ألا أقوم الدهر في الكيول * اضرب بسيف الله والرسول
وكان رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة يوم السبت وذلك يوم
الوقعة بأحد * فحدثنا ابن احمد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال حدثني
حسين بن عبد الله عن عكرمة قال كان يوم أحد يوم السبت للنصف من شوال
فلما كان الغد من يوم أحد وذلك يوم الأحد لست عشرة ليلة خلت من شوال
أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس بطلب العدو وأذن مؤذنه
ألا يخرجن معنا أحد إلا من حضر يومنا بالأمس فكلمه جابر بن عبد الله بن عمرو
ابن حرام فقال يا رسول الله إن أبى كان خلفني على أخوات لي سبع وقال لي يا بنى
إنه لا ينبغي لي ولا لك أن نترك هؤلاء النسوة لا رجل فيهن ولست بالذي أوثرك
بالجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسي فتخلف على أخواتك فتخلفت
عليهن فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج معه وإنما خرج رسول الله
صلى الله عليه وسلم مرهبا للعدو وليبلغهم أنه قد خرج في طلبهم ليظنوا به قوة
وأن الذي أصابهم لم يوهنهم عن عدوهم * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد
ابن إسحاق قال فحدثني عبد الله بن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبي السائب مولى عائشة
211

بنت عثمان أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بنى عبد الأشهل
كان شهد أحدا قال شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وأخ لي فرجعنا
جريحين فلما أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج في طلب العدو
قلت لاخى وقال لي أتفوتنا غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والله مالنا
من دابة نركبها وما منا إلا جريح ثقيل فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
وكنت أيسر جرحا منه فكنت إذا غلب حملته عقبة ومشى عقبة حتى انتهينا إلى
ما انتهى إليه المسلمون فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى إلى حمراء
الأسد وهى من المدينة على ثمانية أميال فأقام بها ثلاثا الاثنين والثلاثاء والأربعاء
ثم رجع إلى المدينة وقد مر به فيما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق
عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم معبد الخزاعي وكانت خزاعة
مسلمهم ومشركهم عيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم بتهامة صفقتهم معه
لا يخفون عليه شيئا كان بها ومعبد يومئذ مشرك فقال يا محمد أما والله لقد عز علينا
ما أصابك في أصحابك ولوددنا أن الله كان أعفاك منهم ثم خرج من عند رسول الله
صلى الله عليه وسلم بحمراء الأسد حتى لقى أبا سفيان بن حرب ومن معه بالروحاء
وقد أجمعوا الرجعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقالوا أصبنا
جد أصحابه وقادتهم وأشرافهم ثم رجعنا قبل إن نستأصلهم لنكرن على
بقيتهم فلنفرغن منهم فلما رأى أبو سفيان معبدا قال ما وراءك يا معبد
قال محمد قد خرج في أصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثله قط يتحرقون عليكم تحرقا
قد اجتمع معه من كان تخلف عنه في يومكم وندموا على ما صنعوا فيهم من الحنق
عليكم شئ لم أر مثله قط قال ويلك ما تقول قال والله ما أراك ترتحل حتى ترى نواصي
الخيل قال فوالله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصل بقيتهم قال فانى أنهاك عن ذلك
فوالله لقد حملني ما رأيت على أن قلت فيه أبياتا من شعر قال وماذا قلت قال قلت
كادت تهد من الأصوات راحلتي * إذ سالت الأرض بالجرد الأباببل
تردى بأسد كرام لا تنابلة * عند اللقاء ولا خرق معازيل
212

فظلت عدوا أظن الأرض مائلة * لما سموا برئيس غير محذول
فقلت ويل ابن حرب من لقائكم * إذا تغطمطت البطحاء بالجيل
إني نذير لأهل البسل ضاحية * لكل ذي أربة منهم ومعقول
من جيش أحمد لا وخش قنابله * وليس يوصف ما أنذرت بالقيل
قال فثنى ذلك أبا سفيان ومن معه ومر به ركب من عبد القيس فقال أين تريدون
قالوا نريد المدينة قال ولم قالوا نريد الميرة قال فهل أنتم مبلغون عنى محمدا رسالة
أرسلكم بها إليه وأحمل لكم إبلكم هذه غدا زبيبا بعكاظ إذا وافيتمونا قالوا
نعم قال فإذا جئتموه فاخبروه أنا قد أجمعنا المسير إليه وإلى أصحابه لنستأصل بقيتهم
فمر الركب برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بحمراء الأسد فأخبروه بالذي قال
أبو سفيان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حسبنا الله ونعم الوكيل
(قال أبو جعفر) ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بعد
الثالثة فزعم بعض أهل الأخبار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظفر في وجهه
إلى حمراء الأسد بمعاوية بن المغيرة بن أبي العاص وأبى عزة الجمحي وكان رسول الله
صلى الله عليه وسلم خلف على المدينة حين خرج إلى حمراء الأسد ابن أم مكتوم
(وفى هذه السنة) أعنى سنة ثلاث من الهجرة ولد الحسن بن علي بن أبي طالب
في النصف من شهر رمضان (وفيها) علقت فاطمة بالحسين صلوات الله عليهما
وقيل لم يكن بين ولادتها الحسن وحملها بالحسين إلا خمسون ليلة (وفيها) حملت
فيما قيل جميلة بنت عبد الله بن أبي بعبد الله بن حنظلة بن أبي عامر في شوال
ذكر الاحداث التي كانت في سنة أربع من الهجرة
ثم دخلت السنة الرابعة من الهجرة فكان فيها غزوة الرجيع في صفر وكان
من أمرها ما حدثني به ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن عاصم
ابن عمر بن قتادة قال قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أحد رهط
من عضل والقارة فقالوا له يا رسول الله إن فينا اسلاما وخيرا فابعث معنا نفرا
من أصحابك يفقهوننا في الدين ويقرؤننا القرآن ويعلموننا شرائع الاسلام فبعث
213

رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم نفرا ستة من أصحابه مرثد بن أبي مرثد الغنوي
حليف حمزة بن عبد المطلب وخالد بن البكير حليف بنى عدى بن كعب وعاصم
ابن ثابت بن أبي الأقلح أخا بنى عمرو بن عوف وخبيب بن عدي أخا بنى جحجبا
ابن كلفة بن عمرو بن عوف وزيد بن الدثنة أخا بنى بياضة بن عامر وعبد الله
ابن طارق حليفا لبنى ظفر من بلى وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على القوم
مرثد بن أبي مرثد فخرجوا مع القوم حتى إذا كانوا على الرجيع ماء لهذيل بناحية
من الحجاز من صدور الهدأة غدروا بهم فاستصرخوا عليهم هذيلا فلم يرع القوم
وهم في رحالهم إلا بالرجال في أيديهم السيوف قد غشوهم فأخذوا أسيافهم ليقاتلوا
القوم فقالوا لهم إنا والله ما نريد قتلكم ولكنا نريد أن نصيب بكم شيئا من أهل
مكة ولكم عهد الله وميثاقه ألا نقتلكم فأما مرثد وخالد بن البكير وعاصم بن
ثابت بن أبي الأقلح فقالوا والله لا نقبل من مشرك عهدا ولا عقدا أبدا فقاتلوهم
حتى قتلوهم جميعا وأما زيد بن الدثنة وخبيب بن عدي وعبد الله بن طارق فلانوا
ورقوا ورغبوا في الحياة فأعطوا بأيديهم فأسروهم ثم خرجوا بهم إلى مكة
ليبيعوهم بها حتى إذا كانوا بالظهران انتزع عبد الله بن طارق يده من القران
ثم أخذ سيفه واستأخر عنه القوم فرموه بالحجارة حتى قتلوه فقبره بالظهران
وأما خبيب بن عدي وزيد بن الدثنة فقدموا بهما مكة فباعوهما فابتاع خبيبا حجير
ابن أبي إهاب التميمي حليف بنى نوفل لعقبة بن الحارث بن عامر بن نوفل وكان
حجير أخا الحارث بن عامر لامه ليقتله بأبيه وأما زيد بن الدثنة فابتاعه صفوان
ابن أمية ليقتله بأبيه أمية بن خلف وقد كانت هذيل حين قتل عاصم بن ثابت قد
أرادوا رأسه ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن شهيد وكانت قد نذرت حين أصاب
ابنها يوم أحد لئن قدرت على رأس عاصم لتشربن في قحفه الخمر فمنعته الدبر فلما
حالت بينهم وبينه قالوا دعوه حتى يمسى فتذهب عنه فتأخذه فبعث الله الوادي
فاحتمل عاصما فذهب به وكان عاصم قد أعطى الله عهدا أن لا يمسه مشرك أبدا ولا يمس
مشركا أبدا تنجسا منه فكان عمر بن الخطاب يقول حين بلغه إن الدبر منعته عجبا
214

لحفظ الله العبد المؤمن كان عاصم نذر أن لا يمسه مشرك ولا يمس مشركا أبدا في حياته
فمنعه الله بعدو فاته كما امتنع منه في حياته (قال أبو جعفر) وأما غير ابن إسحاق فإنه
قص من خبر هذه السرية غير الذي قصه والذي قصه غيره من ذلك ما حدثنا أبو كريب
قال حدثنا جعفر بن عون العمرى قال حدثنا إبراهيم بن إسماعيل عن عمرو أو عمر
ابن أسيد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عشرة رهط وأمر
عليهم عاصم بن ثابت فخرجوا حتى إذا كانوا يالهدأة ذكروا لحى من هذيل يقال لهم
بنو لحيان فبعثوا إليهم مائة رجل راميا فوجدوا مأكلهم حيث أكلوا التمر فقالوا هذه
نوى يثرب ثم اتبعوا آثارهم حتى إذا أحس بهم عاصم وأصحابه التجأوا إلى جبل فأحاط
بهم الآخرون فاستنزلوهم وأعطوهم العهد فقال عاصم والله لا أنزل على عهد كافر اللهم
أخبر نبيك عنا ونزل إليهم ابن الدثنة البياضي وخبيب ورجل آخر فاطلق القوم أوتار
قسيهم ثم أوثقوهم فجرحوا رجلا من الثلاثة فقال هذا والله أول الغدر والله
لا أتبعكم فضربوه فقتلوه وانطلقوا بخبيب وابن الدثنة إلى مكة فدفعوا خبيبا إلى
بنى الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف وكان خبيب هو الذي قتل الحارث
بأحد فبينما خبيب عند بنات الحارث إذ استعار من إحدى بنات الحارث موسى
يستحد بها للقتل فما راع المرأة ولها صبي يدرج إلا بخبيب قد أجلس الصبى على
فخذه والموسى بيده فصاحت المرأة فقال خبيب أتخشين أنى أقتله إن الغدر
ليس من شأننا قال فقالت المرأة بعد ما رأيت أسيرا قط من خبيب لقد رأيته
وما بمكة من ثمرة وإن في يده لقطفا من عنب يأكله إن كان إلا رزقا رزقه الله خبيبا
وبعث حي من قريش إلى عاصم ليؤتوا من لحمه بشئ وقد كان لعاصم فيهم آثار
بأحد فبعث الله عليه دبرا فحمت لحمه فلم يستطيعوا أن يأخذوا من لحمه شيئا فلما
خرجوا بخبيب من الحرم ليقتلوه قال ذروني أصل ركعتين فتركوه فصلى سجدتين
فجرت سنة لمن قتل صبرا أن يصلى ركعتين ثم قال خبيب لولا أن يقولوا جزع
لزدت وما أبالي على أي شقى كان لله مصرعي ثم قال
وذلك في ذات الاله وإن يشأ * يبارك على أوصال شلو ممزع
215

اللهم أحصهم عددا وخذهم بددا ثم خرج أبو سروعة بن الحارث بن عامر
ابن نوفل بن عبد مناف فضربه فقتله * حدثنا أبو كريب قال حدثنا جعفر بن عون
عن إبراهيم بن إسماعيل قال وأخبرني جعفر جعفر بن عمرو بن أمية عن أبيه عن جده
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه وحده عينا إلى قريش قال فجئت خبيب
وأنا أتخوف العيون فرقيت فيها فحللت خبيبا فوقع إلى الأرض فانتبذت غير
بعيد ثم التفت فلم أر لخبيب أرمة فكأنما الأرض ابتلعته فلم تذكر لخبيب أرمة
حتى الساعة (قال أبو جعفر) وأما زيد بن الدثنة فإن صفوان بن أمية بعث به
فيما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق مع مولى له يقال له بسطاس
إلى التنعيم وأخرجه من الحرم ليقتله واجتمع إليه رهط من قريش فيهم أبو سفيان
ابن حرب فقال له أبو سفيان حين قدم ليقتل أنشدك الله يا زيد أتحب أن محمدا
عندنا الآن مكانك نضرب عنقه وإنك في أهلك قال والله ما أحب أن محمدا
الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكه تؤذيه وأنا جالس في أهلي قال يقول
أبو سفيان ما رأيت في الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا ثم قتله نسطاس
ذكر الخبر عن عمرو بن أمية الضمري
إذ وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم لقتل أبي سفيان بن حرب ولما
قتل من وجهه النبي صلى الله عليه وسلم إلى عضل والقارة من أهل الرجيع وبلغ
خبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عمرو بن أمية الضمري إلى مكة مع
رجل من الأنصار وأمرهما بقتل أبي سفيان بن حرب فحدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة بن الفضل قال حدثني محمد بن إسحاق عن جعفر بن الفضل بن الحسن بن عمرو
ابن أمية الضمري عن أبيه عن جده يعنى عمرو بن أمية قال قال عمرو بن أمية
بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قتل خبيب وأصحابه وبعث معي رجلا
من الأنصار فقال ائتيا أبا سفيان بن حرب فاقتلاه قال فخرجت أنا وصاحبي ومعي
بعير لي وليس مع صاحبي بعير وبرجله علة فكنت أحمله على بعيري حتى جئنا
216

بطن يأجج فعلقنا بعيرنا في فناء شعب فأسندنا فيه فقلت لصاحبي انطلق بنا إلى
دار أبي سفيان فإني محاول قتله فانظر فإن كانت مجاولة أو خشيت شيئا فالحق ببعيرك
فاركبه والحق بالمدينة فأت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر وخل عنى
فإني رجل عالم بالبلد جرئ عليه نجيب الساق فلما دخلنا مكة ومعي مثل خافية النسر
يعنى خنجره قد أعددته إن عاقني إنسان قتلته به فقال لي صاحبي هل لك أن نبدأ فنطوف
بالبيت أسبوعا ونصلي ركعتين فقلت أنا أعلم بأهل مكة منك إنهم إذا أظلموا
رشوا أفنيتهم ثم جلسوا بها وأنا أعرف بها من الفرس الأبلق قال فلم يزل بي حتى
أتينا البيت فطفنا به أسبوعا وصلينا ركعتين ثم خرجنا فمررنا بمجلس من مجالسهم
فعرفني رجل منهم فصرخ بأعلى صوته هذا عمرو بن أمية قال فتبادرتنا أهل مكة
وقالوا تالله ما جاء بعمرو خير والذي يحلف به ما جاءها قط إلا لشر وكان عمرو
رجلا فاتكا متشيطنا في الجاهلية قال فقاموا في طلبي وطلب صاحبي فقلت له النجاء
هذا والله الذي كنت أحذر أما الرجل فليس إليه سبيل فانج بنفسك فخرجنا نشتد
حتى أصعدنا في الجبل فدخلنا في غار فبتنا فيه ليلتنا وأعجزناهم فرجعوا وقد استترت
دونهم بأحجار حين دخلت الغار وقلت لصاحبي أمهلني حتى يسكن الطلب عنا
فإنهم والله ليطلبنا ليلتهم هذه ويومهم هذا حتى يمسوا قال فوالله إني لفيه إذ
أقبل عثمان بن مالك بن عبيد الله التيمي يختل بفرس له فلم يزل يدنو ويختل بفرسه
حتى قام علينا بباب الغار قال فقلت لصاحبي هذا والله ابن مالك والله لئن رآنا
ليعلمن بنا أهل مكة قال فخرجت إليه فوجأته بالخنجر تحت الثدي فصاح صيحة
أسمع أهل مكة فأقبلوا إليه ورجعت إلى مكاني فدخلت فيه وقلت لصاحبي مكانك
قال واتبع أهل مكة الصوت يشتدون فوجدوه وبه رمق فقالوا ويلك من ضربك
قال عمرو بن أمية ثم مات وما أدركوا ما يستطيع أن يخبرهم بمكاننا فقالوا والله لقد
علمنا أنه لم يأت لخير وشغلهم صاحبهم عن طلبنا فاحتملوه ومكثنا في الغار يومين حتى
سكن عنا الطلب ثم خرجنا إلى التنعيم فإذا خشبة خبيب فقال لي صاحبي هل لك في خبيب
تنزله عن خشبته فقلت أين هو قال هو ذاك حيث ترى فقلت نعم فأمهلني وتنح عنى قال
217

وحوله حرس يحرسونه قال عمرو بن أمية فقلت للأنصاري إن خشيت شيئا
فخذ الطريق إلى جملك فاركبه والحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر
فاشتددت إلى خشبته فاحتللته واحتملته على ظهري فوالله ما مشيت إلا نحو
أربعين ذراعا حتى نذروا بي فطرحته فما أنسى وجبته حين سقط فاشتدوا في أثرى
فأخذت طريق الصفراء فأعيوا فرجعوا وانطلق صاحبي إلى بعيره فركبه ثم أتى
النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أمرنا وأقبلت أمشى حتى إذا أشرفت على الغليل
غليل ضجنان دخلت غارا فيه ومعي قوسي وأسهمي فبينا أنا فيه إذ دخل على
رجل من بنى الديل بن بكر أعور طويل يسوق غنما له فقال من الرجل فقلت
رجل من بنى بكر قال وأنا من بنى بكر ثم أحد بنى الديل ثم اضطجع معي فيه
فرفع عقيرته يتغنى ويقول
ولست بمسلم ما دمت حيا * ولست أدين دين المسلمينا
فقلت سوف تعلم فلم يلبث الأعرابي أن نام وغط فقمت إليه فقتلته أسوأ
قتلة قتلها أحد أحدا قمت إليه فجعلت سية قوسي في عينه الصحيحة ثم تحاملت عليها
حتى أخرجتها من قفاه قال ثم أخرج مثل السبع وأخذت المحجة كأني نسر وكان
النجاء حتى أخرج على بلد قد وصفه ثم على ركوبة ثم على النقيع فإذا رجلان من
أهل مكة بعثتهما قريش يتحسسان من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرفتهما
فقلت استأسرا فقالا أنحن نستأسر لك فأرمى أحدهما بسهم فأقتله ثم قلت للآخر
استأسر فاستأسر فأوثقته فقدمت به على رسول الله صلى الله عليه وسلم * حدثنا
ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن سليمان بن وردان عن أبيه عن عمرو
ابن أمية قال لما قدمت المدينة مررت بمشيخة من الأنصار فقالوا هذا والله عمرو
ابن أمية فسمع الصبيان قولهم فاشتدوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
يخبرونه وقد شددت ابهام أسيري بوتر قوسي فنظر النبي صلى الله عليه وسلم
إليه فضحك حتى بدت نواجذه ثم سألني فأخبرته الخبر فقال لي خيرا ودعا
لي بخير (وفى هذه السنة) تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت
218

خزيمة أم المساكين من بنى هلال في شهر رمضان ودخل بها فيه وكان أصدقها
اثنتي عشرة أوقية ونشأ وكانت قبله عند الطفيل بن الحارث فطلقها
ذكر خبر بئر معونة
(قال أبو جعفر) وفى هذه السنة أعنى سنة أربع من الهجرة كان من أمر السرية
التي وجهها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلت ببئر معونة وكان سبب توجيه
النبي صلى الله عليه وسلم إياهم لما وجههم له ما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال
وحدثني محمد بن إسحاق قال فأقام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالمدينة
بقية شوال وذا القعدة وذا الحجة والمحرم وولى تلك الحجة المشركون ثم بعث
أصحاب بئر معونة في صفر على رأس أربعة أشهر من أحد وكان من حديثهم
ما حدثني أبي إسحاق بن يسار عن المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام
وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وغيرهم من أهل العلم قالوا قدم
أبو براء عامر بن مالك بن جعفر ملاعب الأسنة وكان سيد بنى عامر بن صعصعة
على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأهدى له هدية فأبى رسول الله صلى
الله عليه وسلم أن يقبلها وقال يا أبا براء لا أقبل هدية مشرك فأسلم إن أردت
أن أقبل هديتك ثم عرض عليه الاسلام وأخبره بماله فيه وما وعد الله المؤمنين
من الثواب وقرأ عليه القرآن فلم يسلم ولم يبعد وقال يا محمد إن أمرك هذا الذي
تدعو إليه حسن جميل فلو بعثت رجالا من أصحابك إلى أهل نجد فدعوهم إلى
أمرك رجوت أن يستجيبوا لك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أخشى
عليهم أهل نجد فقال أبو براء أنا لهم جار فابعثهم فليدعوا الناس إلى أمرك فبعث
رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذ بن عمرو أخا بنى ساعدة المعنق ليموت في
أربعين رجلا من أصحابه من خيار المسلمين منهم الحارث بن الصمة وحرام بن
ملحان أخو بنى عدى بن النجار وعروة بن أسماء بن الصلت السلمي ونافع بن
بديل بن ورقاء الخزاعي وعامر بن فهيرة مولى أبى بكر في رجال مسمين من خيار
المسلمين * فحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن حميد
219

الطويل عن أنس بن مالك قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمرو
في سبعين راكبا فساروا حتى نزلوا بئر معونة وهى أرض بين أرض بنى عامر
وحرة بنى سليم كلا البلدين منها قريب وهى إلى حرة بنى سليم أقرب فلما نزلوها
بعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عامر بن الطفيل فلما
أتاه لم ينظر في كتابه حتى عدا على الرجل فقتله ثم استصرخ عليهم بنى عامر فأبوا
أن يجيبوه إلى ما دعاهم إليه وقالوا لن نحفر أبا براء قد عقد لهم عقدا وجوارا
فاستصرخ عليهم قبائل من بنى سليم عصية ورعلا وذكوان فأجابوه إلى
ذلك فخرجوا حتى غشوا القوم فأحاطوا بهم في رحالهم فلما رأوهم أخذوا
السيوف ثم قاتلوهم حتى قتلوا عن آخرهم إلا كعب بن زيد أخا بنى دينار
ابن النجار فإنهم تركوه وبه رمق فارتث من بين القتلى فعاش حتى قتل يوم الخندق
وكان في سرح القوم عمرو بن أمية الضمري ورجل من الأنصار أحد بنى عمرو
ابن عوف فلم ينبأهما بمصاب أصحابهما إلا الطير تحوم على العسكر فقالا والله إن
لهذه الطير لشأنا فأقبلا لينظرا إليه فإذا القوم في دمائهم وإذا الخيل التي أصابتهم
واقفة فقال الأنصاري لعمرو بن أمية ماذا ترى قال أرى أن نلحق برسول الله
صلى الله عليه وسلم فنخبره الخبر فقال الأنصاري لكني ما كنت لأرغب
بنفسي عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو وما كنت لتخبرني عنه الرجال ثم
قاتل القوم حتى قتل وأخذوا عمرو بن أمية أسيرا فلما أخبرهم انه من مضر أطلقه
عامر بن الطفيل وجز ناصيته وأعتقه عن رقبة زعم أنها كانت على أمه فخرج
عمرو بن أمية حتى إذا كان بالقرقرة من صدر قناة أقبل رجلان من بنى عامر
حتى نزلا معه في ظل هو فيه وكان مع العامريين عقد من رسول الله صلى
الله عليه وسلم وجوار لم يعلم به عمرو بن أمية وقد سألهما حين نزلا ممن
أنتما فقالا من بنى عامر فأمهلهما حتى إذا ناما عدا عليهما فقتلهما وهو يرى أنه
قد أصاب بهما ثؤرة من بنى عامر بما أصابوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم فلما قدم عمرو بن أمية على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره الخبر فقال
220

رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد قتلت قتيلين لأدينهما ثم قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم هذا عمل أبى براء قد كنت لهذا كارها متخوفا فبلغ ذلك أبا براء فشق
عليه إخفار عامر إياه وما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسببه وجواره
وكان فيمن أصيب عامر بن فهيرة * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد
ابن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه أن عامر بن الطفيل كان يقول من الرجل
منهم لما قتل رأيته رفع بين السماء والأرض حتى رأيت السماء من دونه قالوا هو
عامر بن فهيرة * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن
أحد بنى جعفر رجل من بنى جبار بن سلمى بن مالك بن جعفر قال كان جبار فيمن
حضرها يومئذ مع عامر ثم أسلم بعد ذلك فكان يقول مما دعاني إلى الاسلام أنى طعنت
رجلا منهم يومئذ بالرمح بين كتفيه فنظرت إلى سنان الرمح حين خرج من صدره
فسمعته يقول حين طعنته فزت والله قال فقلت في نفسي ما فاز أليس قد قتلت
الرجل حتى سألت بعد ذلك عن قوله فقالوا الشهادة قال فقلت فاز لعمر الله فقال
حسان بن ثابت يحرض بنى أبى البراء على عامر بن الطفيل
بنى أم البنين ألم يرعكم * وأنتم من ذوائب أهل نجد
تهكم عامر بأبي براء * ليخفره وما خطا كعمد
ألا أبلغ ربيعة ذا المساعى * فما أحدثت في الحدثان بعدي
أبوك أبو الحروب أبو براء * وخالك ماجد حكم بن سعد
وقال كعب بن مالك في ذلك أيضا
لقد طارت شعاعا كل وجه * خفارة ما أجار أبو براء
فمثل مسهب وبنى أبيه * بجنب الردة من كنفي سواء
(بن؟) أم البنين أما سمعتم * دعاء المستغيث مع المساء
وتنويه الصريخ بلى ولكن * عرفتم أنه صدق اللقاء
فما صفرت عياب بنى كلاب * ولا القرطاء من ذم الوفاء
221

أعامر عامر السوآت قدما * فلا بالعقل فزت ولا السناء
أأخفرت النبي وكنت قدما * إلى السوآت تجرى بالعراء
فلست كجار جار أبى داود * ولا الأسدي جار أبى العلاء
ولكن عاركم داء قديم * وداء الغدر فاعلم شر داء
فلما بلغ ربيعة بن عامر أبى البراء قول حسان وقول كعب حمل على عامر بن
الطفيل فطعنه فشطب الرمح عن مقتله فخر عن فرسه فقال هذا عمل أبى براء إن
مت فدمي لعمى ولا يتبعن به وإن أعش فسأرى رأيي فيما أتى إلى * حدثني
محمد بن مرزوق قال حدثنا عمرو بن يونس عن عكرمة قال حدثنا إسحاق بن أبي طلحة
قال حدثني أنس بن مالك في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين أرسلهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم إلى أهل بئر معونة قال لا أدرى أربعين أو سبعين وعلى ذلك
الماء عامر بن الطفيل الجعفري فخرج أولئك النفر من أصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم الذين بعثوا حتى أتوا غارا مشرفا على الماء قعدوا فيه ثم قال بعضهم لبعض
أيكم يبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل هذا الماء فقال أراه بن ملحان
الأنصاري أنا أبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج حتى أتى حواء
منهم فاحتبى أمام البيوت قال يا أهل بئر معونة إني رسول رسول الله إليكم إني
أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فآمنوا بالله ورسوله فخرج إليه من
كسر البيت برمح فضرب به في جنبه حتى خرج من الشق الآخر فقال الله أكبر
فزت ورب الكعبة فاتبعوا أثره حتى أتوا أصحابه في الغار فقتلهم أجمعين عامر بن
الطفيل قال إسحاق حدثني أنس بن مالك إن الله عز وجل أنزل فيهم قرانا بلغوا
عنا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضى عنا ورضينا عنه ثم نسخت فرفعت بعد ما قرأناه
زمانا وأنزل الله عز وجل (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل
أحياء عند ربهم يرزقون فرحين) * حدثني العباس بن الوليد قال حدثني أبي
قال حدثنا الأوزاعي قال حدثني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري
عن أنس بن مالك قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عامر بن الطفيل
222

الكلابي سبعين رجلا من الأنصار قال فقال أميرهم مكانكم حتى آتيكم بخبر القوم
فلما جاءهم قال أتؤمنوني حتى أخبركم برسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا
نعم فبينا هو عندهم إذ وخزه رجل منهم بالسنان قال فقال الرجل فزت ورب
الكعبة فقتل فقال عامر لا أحسبه إلا أن له أصحابا فاقتصوا أثره حتى أتوهم
فقتلوهم فلم يفلت منهم إلا رجل واحد قال أنس فكنا نقرأ فيما نسخ بلغوا عنا
أخواننا أن قد لقينا ربنا فرضى عنا ورضينا عنه (وفى هذه السنة) أعنى السنة
الرابعة من الهجرة أجلى النبي صلى الله عليه وسلم بنى النضير من ديارهم
(ذكر خبر جلاء بنى النضير)
(قال أبو جعفر) وكان سبب ذلك ما قد ذكرنا قبل من قتل عمرو بن
أمية الضمري الرجلين الذين قتلهما في منصرفه من الوجه الذي كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم وجهه إليه مع أصحاب بئر معونة وكان لهما من رسول الله
صلى الله عليه وسلم جوار وعهد وقيل إن عامر بن الطفيل كتب إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم إنك قتلت رجلين لهما منك جوار وعهد فابعث بديتهما
فانطلق رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى قباء ثم مال إلى بنى
النضير مستعينا بهم في ديتهما ومعه نفر من المهاجرين والأنصار فيهم أبو بكر
وعمر وعلي وأسيد بن حضير * فحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد
ابن إسحاق وقال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بنى النضير يستعينهم في دية
ذينك القتيلين من بنى عامر اللذين قتل عمرو بن أمية الضمري للجوار الذي كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد لهما كما حدثني يزيد بن رومان وكان بين بنى
النضير وبين بنى عامر حلف وعقد فلما أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
يستعينهم في دية ذينك القتيلين قالوا نعم يا أبا القاسم نعينك على ما أحببت مما استعنت
بنا عليه ثم خلا بعضهم ببعض فقالوا إنكم لن تجدوا هذا الرجل على مثل حاله
هذه ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنب جدار من بيوتهم قاعد فقالوا من
223

رجل يعلو على هذا البيت فيلقى عليه صخرة فيقتله بها فيريحنا منه فانتدب لذلك
عمرو بن جحاش بن كعب أحدهم فقال أنا لذلك فصعد ليلقى عليه الصخرة كما قال
ورسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه فيهم أبو بكر وعمر وعلي فأتى
رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما أراد القوم فقام وقال لأصحابه
لا تبرحوا حتى آتيكم وخرج راجعا إلى المدينة فلما استلبث رسول الله صلى الله
عليه وسلم أصحابه قاموا في طلبه فلقوا رجلا مقبلا من المدينة فسألوه عنه فقال
رأيته داخلا المدينة فأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهوا إليه
فأخبرهم الخبر بما كانت يهود قد أرادت من الغدر به وأمر رسول الله صلى الله
عليه وسلم في التهيؤ لحربهم والسير إليهم ثم سار بالناس إليهم حتى نزل بهم فتحصنوا
منه في الحصون فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع النخل والتحريق فيها
فنادوه يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه على من صنعه فما بال قطع النخيل
وتحريقها (قال أبو جعفر) وأما الواقدي فإنه ذكر أن بنى النضير لما تآمروا
بما تآمروا به من إدلاء الصخرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاهم عن ذلك
سلام بن مشكم وخوفهم الحرب قال وهو يعلم ما تريدون فعصوه فصعد عمرو
ابن جحاش ليدحرج الصخرة وجاء النبي صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء فقام
كأنه يريد حاجة وانتظره أصحابه فأبطأ عليهم وجعلت يهود تقول ما حبس أبا القاسم
وانصرف أصحابه فقال كنانة بن صوريا جاءه الخبر بما هممتم به قال ولما رجع
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهوا إليه وهو جالس بالمسجد فقالوا
يا رسول الله انتظرناك ومضيت فقال همت يهود بقتلي وأخبرنيه الله عز وجل
ادعوا إلى محمد بن مسلمة قال فأتى محمد بن مسلمة فقال اذهب إلى يهود فقل لهم
اخرجوا من بلادي فلا تساكنونى وقد هممتم بما هممتم به من الغدر قال فجاءهم
محمد بن مسلمة فقال لهم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تظعنوا من
بلاده فقالوا يا محمد ما كنا نظن أن يجيئنا بهذا رجل من الأوس فقال محمد تغيرت
القلوب ومحا الاسلام العهود فقالوا نتحمل قال فأرسل إليهم عبد الله بن أبي يقول
224

لا تخرجوا فإن معي من العرب ومن انضوى إلى من قومي ألفين فأقيموا فهم
يدخلون معكم وقريظة تدخل معكم فبلغ كعب بن أسد صاحب عهد بني قريظة
فقال لا ينقض العهد رجل من بني قريظة وأنا حي فقال سلام بن مشكم لحيى بن
أخطب يا حيى أقبل هذا الذي قال محمد فإنما شرفنا على قومنا بأموالنا قبل أن
تقبل ما هو شر منه قال وما هو شر منه قال أخذ الأموال وسبى الذرية وقتل
المقاتلة فأبى حيى فأرسل جدي بن أخطب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
إنا لا نريم دارنا فاصنع ما بدا لك قال فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبر
المسلمون معه وقال حاربت يهود وانطلق جدي إلى ابن أبي يستمده فوجدته
جالسا في نفر من أصحابه ومنادى النبي صلى الله عليه وسلم ينادى بالسلاح فدخل ابنه
عبد الله بن عبد الله بن أبي وأنا عنده فأخذ السلاح ثم خرج يعدو قال فأيست
من معونته قال فأخبرت بذلك كله حييا فقال هذه مكيدة من محمد فزحف إليهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة عشر
يوما حتى صالحوه على أن يحقن لهم دماءهم وله الأموال والحلقة * فحدثني محمد
ابن سعد قال حدثني أبي قال حدثني عمى قال حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس
قال حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى بنى النضير خمسة عشر يوما حتى
بلغ منهم كل مبلغ فأعطوه ما أراد منهم فصالحهم على أن يحقن لهم دماءهم وأن
يخرجهم من أرضهم وأوطانهم ويسيرهم إلى أذرعات الشأم وجعل لكل ثلاثة
منهم بعيرا وسقاء * حدثنا ابن عبد الاعلى قال حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن
الزهري قال قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم حتى صالحهم على الجلاء فأجلاهم إلى
الشأم على أن لهم ما أقلت الإبل من شئ إلا الحقه والحلقة والسلاح (رجع الحديث
إلى حديث ابن إسحاق) قال وقد كان رهط من بنى عوف بن الخزرج منهم عبد الله
ابن أبي ابن سلول وديعة ومالك بن أبي قوقل وسويد وداعس قد بعثوا إلى بنى النضير
أن أثبتوا وتمنعوا فإنا لن نسلمكم وإن قوتلتم قاتلنا معكم وإن أخرجتم خرجنا معكم
فتربصوا فلم يفعلوا وقذف الله في قلوبهم الرعب فسألوا رسول الله صلى الله عليه
225

وسلم أن يجليهم ويكف عن دمائهم على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا
الحلقة ففعل فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به الإبل فكان الرجل منهم يهدم
بيته عن نجاف بابه فيضعه على ظهر بعيره فينطلق به فخرجوا إلى خيبر ومنهم من
سار إلى الشأم فكان اشرافهم ممن سار منهم إلى خيبر سلام بن أبي الحقيق وكنانة بن
الربيع بن أبي الحقيق وحيى بن أخطب فلما نزلوها دان لهم أهلها * حدثنا ابن حميد
قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر أنه حدث
أنهم استقلوا بالنساء والأبناء والأموال معهم الدفوف والمزامير والقيان
يعزفن خلفهم وأن فيهم يومئذ لام عمرو صاحبة عروة بن الورد العبسي التي ابتاعوا
منه وكانت إحدى نساء بنى غفار بزهاء وفخر ما رؤى مثله من حي من الناس في
زمانهم وخلوا الأموال لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت لرسول الله صلى
الله عليه وسلم خاصة يضعها حيث يشاء فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم
على المهاجرين الأولين دون الأنصار إلا أن سهل بن حنيف وأبا دجانة سماك
ابن خرشة ذكرا فقرا فأعطاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسلم من
بنى النضير إلا رجلان يامين بن عمير بن كعب بن عم عمرو بن جحاش وأبو سعد
ابن وهب أسلما على أموالهما فأحرزاها (قال أبو جعفر) واستخلف رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذ خرج لحرب بنى النضير فيما قيل ابن أم مكتوم وكانت
رايته يومئذ مع علي بن أبي طالب عليه السلام (وفى هذه السنة) مات عبد الله
ابن عثمان بن عفان في جمادى الأولى منها وهو ابن ست سنين وصلى عليه رسول
الله صلى الله عليه وسلم ونزل في حفرته عثمان بن عفان (وفيها) ولد الحسين
ابن علي عليه السلام لليال خلون من شعبان * واختلف في التي كانت بعد غزوة
النبي صلى الله عليه وسلم بنى النضير من غزواته فقال ابن إسحاق في ذلك ما حدثنا
ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثنا محمد بن إسحاق قال ثم أقام رسول الله صلى
الله عليه وسلم بالمدينة بعد غزوة بنى النضير شهري ربيع وبعض شهر جمادى ثم
غزا نجدا يريد بنى محارب وبنى ثعلبة من غطفان حتى نزل نخل وهى غزوة ذات
226

الرقاع فلقى بها جمعا من غطفان فتقارب الناس ولم يكن بينهم حرب وقد خاف
الناس بعضهم بعضا حتى صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين صلاة الخوف
ثم انصرف بالمسلمين * وأما الواقدي فإنه زعم أن غزوة رسول الله صلى الله عليه
وسلم ذات الرقاع كانت في المحرم سنة خمس من الهجرة قال وإنما سميت ذات الرقاع
لان الجبل الذي سميت به ذات الرقاع جبل به سواد وبياض وحمرة فسميت الغزوة
بذلك الجبل قال واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة على
المدينة عثمان بن عفان * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق قال
حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ومحمد يعنى ابن عبد الرحمن عن عروة بن الزبير عن أبي
هريرة قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نجد حتى إذا كنا بذات الرقاع
من نخل لقى جمعا من غطفان فلم يكن بيننا قتال إلا أن الناس قد خافوهم ونزلت
صلاة الخوف فصعد أصحابه صدعين فقامت طائفة مواجهة العدو وقامت طائفة
خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم
فكبروا جميعا ثم ركع بمن خلفه وسجد بهم فلما قاموا مشوا القهقرى إلى مصاف
أصحابهم ورجع الآخرون فصلوا لأنفسهم ركعة ثم قاموا فصلى بهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم ركعة وجلسوا ورجع الذين كانوا مواجهين العدو فصلوا
الركعة الثانية فجلسوا جميعا فجمعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسلام فسلم
عليهم (قال أبو جعفر) وقد اختلفت الرواية في صفة صلاة رسول الله صلى
الله عليه وسلم هذه الصلاة ببطن نخل اختلافا متفاوتا كرهت ذكرها في هذا
الموضع خشية إطالة الكتاب وسأذكرها إن شاء الله في كتابنا المسمى بسيط
القول في أحكام شرائع الاسلام في كتاب صلاة الخوف منه وقد حدثنا محمد
ابن بشار قال حدثنا معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن قتادة عن سليمان اليشكري
أنه سأل جابر بن عبد الله عن اقصار الصلاة أي يوم أنزل أو في أي يوم هو فقال
جابر انطلقنا متلقى عير قريش آتيه من الشأم حتى إذا كنا بنخل جاء رجل من
القوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد قال نعم قال هل تخافني قال لا
227

قال فمن يمنعك منى قال الله يمنعني منك قال فسل السيف ثم تهدده وأوعده ثم
نادى بالرحيل وأخذ السلاح ثم نودي بالصلاة فصلى نبي الله صلى الله عليه وسلم
بطائفة من القوم وطائفة أخرى تحرسهم فصلى بالذين يلونه ركعتين ثم تأخر
الذين يلونه على أعقابهم فقاموا في مصاف أصحابهم ثم جاء الآخرون فصلى بهم
ركعتين والآخرون يحرسونهم ثم سلم فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم أربع
ركعات وللقوم ركعتين ركعتين فيومئذ أنزل الله عز وجل في اقصار الصلاة
وأمر المؤمنون بأخذ السلاح * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد
ابن إسحاق عن عمرو بن عبيد عن الحسن البصري عن جابر بن عبد الله الأنصاري
أن رجلا من بنى محارب يقال له فلان بن الحارث قال لقومه من غطفان ومحارب
ألا أقتل لكم محمدا قالوا نعم وكيف تقتله قال أفتك به فأقبل إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم وهو جالس وسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره فقال
يا محمد أنظر إلى سيفك هذا قال نعم فأخذه فاستله ثم جعل يهزه ويهم به فيكبته الله
الله عز وجل ثم قال يا محمد أما تخافني وفى يدي السيف؟ قال لا، يمنعني الله منك،
قال ثم غمد السيف فرده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل
(يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم
أيديهم فكف أيديهم عنكم - الآية) * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال
حدثني محمد بن إسحاق قال حدثني صدقة بن يسار عن عقيل بن جابر عن جابر بن
عبد الله الأنصاري قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات
الرقاع من نخل فأصاب رجل من المسلمين امرأة من المشركين فلما انصرف رسول
الله صلى الله عليه وسلم قافلا أتى زوجها وكان غائبا فلما أخبر الخبر حلف ألا
ينتهى حتى يهريق في أصحاب محمد دما فخرج يتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم
فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلا فقال من رجل يكلانا ليلتنا هذه فانتدب
رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار فقالا نحن يا رسول الله قال فكونا بفم
الشعب وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد نزلوا الشعب من بطن
228

الوادي فلما خرج الرجلان إلى فم الشعب قال الأنصاري للمهاجري أي الليل
تحب أن أكفيكه أوله أو آخره قال بل اكفني أوله فاضطجع المهاجري فنام وقام
الأنصاري يصلى وأتى زوج المرأة فلما رأى شخص الرجل عرف أنه ربيئة القوم
فرمى بسهم فوضعه فيه فنزعه فوضعه وثبت قائما يصلى ثم رماه بسهم آخر فوضعه
فيه فنزعه فوضعه وثبت قائما يصلى ثم عاد له بالثالث فوضعه فيه فنزعه فوضعه
ثم ركع وسجد ثم أهب صاحبه فقال اجلس فقد أتيت قال فوثب المهاجري فلما
رآهما الرجل عرف أنهم قد نذروا به ولما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدماء
قال سبحان الله أفلا أهببتنى أول ما رماك قال كنت في سورة أقرأها فلم أحب أن
أقطعها حتى أنفذها فلما تتابع علي الرمي ركعت فأذنتك وأيم الله لولا أن أضيع
ثغرا أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظه لقطع نفسي قبل أن أقطعها أو أنفذها
ذكر الخبر عن غزوة السويق
وهى غزوة النبي صلى الله عليه وسلم بدرا الثانية لميعاد أبي سفيان * حدثنا ابن
حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم
المدينة من غزوة ذات الرقاع أقام بها بقية جمادى الأولى وجمادى الآخرة ورجبا
ثم خرج في شعبان إلى بدر لميعاد أبي سفيان حتى نزله فأقام عليه ثماني ليال ينتظر
أبا سفيان وخرج أبو سفيان في أهل مكة حتى نزل مجنة من ناحية مر الظهران
وبعض الناس يقول قد قطع عسفان ثم بدا له الرجوع فقال يا معشر قريش إنه
لا يصلحكم إلا عام خصب ترعون فيه الشجر وتشربون فيه اللبن وإن عامكم هذا
عام جدب وإني راجع فارجعوا فرجع ورجع الناس فسماهم أهل مكة جيش السويق
يقولون إنما خرجتم تشربون السويق فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على بدر
ينتظر أبا سفيان لميعاده فأتاه مخشى بن عمر الضمري وهو والذي وادعه على بنى
ضمرة في غزوة ودان فقال يا محمد أجئت للقاء قريش على هذا الماء قال نعم يا أخا
بنى ضمرة وإن شئت مع ذلك رددنا إليك ما كان بيننا وبينك ثم جالدناك حتى
229

يحكم الله بيننا وبينك فقال لا والله يا محمد ما لنا بذلك منك حاجة وأقام رسول الله
صلى الله عليه وسلم ينتظر أبا سفيان فمر به معبد بن أبي معبد الخزاعي وقد رأى
مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وناقته تهوى به فقال
قد نفرت من رفقتي محمد * وعجوة من يثرب كالعنجد
تهوى على دين أبيها الا تلد * قد جعلت ماء قديد موعدي
وماء ضجنان لها ضحى الغد
وأما الواقدي فإنه ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ندب أصحابه لغزوة
بدر لموعد أبي سفيان الذي كان وعده الالتقاء فيه يوم أحد رأس الحول للقتال
في ذي القعدة قال وكان نعيم بن مسعود الأشجعي قد اعتمر فقدم على قريش فقالوا
يا نعيم من أين كان وجهك قال من يثرب قال وهل رأيت لمحمد حركة قال تركته
على تعبئة لغزوكم وذلك قبل أن يسلم نعيم قال فقال له أبو سفيان يا نعيم إن هذا عام
جدب ولا يصلحنا إلا عام ترعى فيه الإبل الشجر ونشرب فيه اللبن وقد جاء
أوان موعد محمد فالحق بالمدينة فثبطهم وأعلمهم أنا في جمع كثير ولا طاقة لهم بنا
فيأتي الخلف منهم أحب إلى من أن يأتي من قبلنا ولك عشر فرائض أضعها لك في
يد سهيل بن عمرو ويضمنها فجاء سهيل بن عمرو إليهم فقال نعيم لسهيل يا أبا يزيد أتضمن
هذه الفرائض وأنطلق إلى محمد فأثبطه فقال نعم فخرج نعيم حتى قدم المدينة فوجد
الناس يتجهزون فتدسس لهم وقال ليس هذا برأي ألم يجرح محمد في نفسه ألم يقتل
أصحابه قال فثبط الناس حتى بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلم فقال والذي
نفسي بيده لو لم يخرج معي أحد لخرجت وحدي ثم أنهج الله عز وجل للمسلمين
بصائرهم فخرجوا بتجارات فأصابوا للدرهم درهمين ولم يلقوا عدوا وهى بدر الموعد
وكانت موضع سوق لهم في الجاهلية يجتمعون إليها في كل عام ثمانية أيام (قال
أبو جعفر) واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة عبد الله بن رواحة
(قال الواقدي) وفى هذه السنة تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة
بنت أبي أمية في شوال ودخل بها * قال وفيها أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
230

زيد بن ثابت أن يتعلم كتاب يهود وقال انى لا آمن أن يبدلوا كتابي * وولى الحج
في هذه السنة المشركون
ثم كانت السنة الخامسة من الهجرة
ففي هذه السنة تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش * حدثت
عن محمد بن عمر قال حدثني عبد الله بن عامر الأسلمي عن محمد بن يحيى بن حبان
قال جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت زيد بن حارثة وكان زيد إنما يقال
له زيد بن محمد ربما فقده رسول الله صلى الله عليه وسلم الساعة فيقول أين زيد
فجاء منزله يطلبه فلم يجده وقامت إليه زينب بنت جحش زوجته فضلا فأعرض
عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت ليس هو هاهنا يا رسول الله فادخل
بأبي أنت وأمي فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدخل وإنما عجلت زينب أن
تلبس ان قيل لها رسول الله صلى الله عليه وسلم على الباب فوثب عجلة فأعجبت
رسول الله صلى الله عليه وسلم فولى وهو يهمهم بشئ لا يكاد يفهم الا أنه أعلن سبحان
الله العظيم سبحان الله مصرف القلوب قال فجاء زيد إلى منزله فأخبرته امرأته أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى منزله فقال زيد الا قلت له ادخل فقالت قد عرضت عليه
ذلك فأبى قال فسمعتيه يقول شيئا قالت سمعته يقول حين ولى سبحان الله العظيم سبحان
الله مصرف القلوب فخرج زيد حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله
بلغني أنك جئت منزلي فهلا دخلت بأبي أنت وأمي يا رسول؟ الله يا رسول الله لعل زينب
أعجبتك فأفارقها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك عليك زوجك فما استطاع زيد
إليها سبيلا بعد ذلك اليوم فكان يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخبره فيقول
له رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك عليك زوجك ففارقها زيد واعتزلها وحلت
فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدث مع عائشة إذ أخذت رسول الله صلى
الله عليه وسلم غشية فسرى عنه وهو يتبسم ويقول من يذهب إلى زينب يبشرها
يقول إن الله زوجنيها وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم (وإذ تقول للذي أنعم
231

الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك) القصة كلها (قالت عائشة) فأخذني
ما قرب وما بعد لما يبلغنا من جمالها وأخرى هي أعظم الأمور وأشرفها ما صنع
الله لها زوجها فقلت تفخر علينا بهذا (قالت عائشة) فخرجت سلمى خادم رسول
الله صلى الله عليه وسلم تخبرها بذلك فأعطتها أوضاحا عليها * حدثني يونس بن
عبد الاعلى قال أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد كان النبي صلى الله عليه وسلم
قد زوج زيد بن حارثة زينب بنت جحش ابنة عمته فخرج رسول الله صلى الله عليه
وسلم يوما يريده وعلى الباب ستر من شعر فرفعت الريح الستر فانكشف وهى
في حجرتها حاسرة فوقع اعجابها في قلب النبي صلى الله عليه وسلم فلما وقع ذلك
كرهت إلى الآخر قال فجاء فقال يا رسول الله إني أريد أن أفارق صاحبتي فقال
مالك أرابك منها شئ فقال لا والله يا رسول الله ما رابني منها شئ ولا رأيت
إلا خيرا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك عليك زوجك واتق الله
فذلك قول الله عز وجل وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك
زوجك واتق الله وتخفى في نفسك ما الله مبديه تخفى في نفسك إن فارقها تزوجتها
(قال الواقدي) وفيها غزا دومة الجندل في شهر ربيع الأول وكان سببها أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم بلغه أن جمعا تجمعوا بها ودنوا من أطرافه فغزاهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم حتى بلغ دومة الجندل ولم يلق كيدا وخلف على المدينة سباع
ابن عرفطة الغفاري (قال أبو جعفر) وفيها وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم
عيينة بن حصن أن يرعى بتغلمين وما والاها قال محمد بن عمر فيما حدثني إبراهيم
ابن جعفر عن أبيه وذلك أن بلاد عيينة أجدبت فوادع رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن يرعى بتغلمين إلى المراض وكان ما هنالك قد أخصب بسحابة وقعت
فوادعه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرعى فيها هنالك (قال الواقدي) وفيها
توفيت أم سعد بن عبادة وسعد غائب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
دومة الجندل
232

ذكر الخبر عن غزوة الخندق
(وفيها) كانت غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق في شوال حدثنا
بذلك ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق وكان الذي جر غزوة رسول الله
صلى الله عليه وسلم الخندق فيما قيل ما كان من إجلاء رسول الله صلى الله عليه وسلم
بنى النضير عن ديارهم فحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن يزيد
ابن رومان مولى آل الزبير عن عروة بن الزبير ومن لا أتهم عن عبيد الله بن كعب بن
مالك وعن الزهري وعن عاصم بن عمر بن قتادة وعن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن
عمرو بن حزم وعن محمد بن كعب القرظي وعن غيرهم من علمائنا كل قد اجتمع
حديثه في الحديث عن الخندق وبعضهم يحدث ما لا يحدث بعض أنه كان من حديث
الخندق أن نفرا من اليهود منهم سلام بن أبي الحقيق النضري وحيى بن أخطب
النضري وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق النضري وهوذة بن قيس الوائلي وأبو عمار
الوائلي في نفر من بنى النضير ونفر من بنى وائل هم الذين حزبوا الأحزاب على
رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا حتى قدموا على قريش بمكة فدعوهم إلى
حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله
فقالت لهم قريش يا معشر يهود إنكم أهل الكتاب الأول والعلم بما أصبحنا
نختلف فيه نحن ومحمد أفديننا خير أم دينه قالوا بل دينكم خير من دينه وأنتم أولى بالحق
منه قال فهم الذين أنزل الله عز وجل فيهم (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب
يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين
آمنوا سبيلا - إلى قوله - وكفى بجهنم سعيرا) فلما قالوا ذلك لقريش سرهم ما قالوا
ونشطوا لما دعوهم إليه من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجمعوا لذلك
واتعدوا له ثم خرج أولئك النفر من يهود حتى جاؤوا غطفان من قيس عيلان
فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبروهم أنهم سيكونون معهم
عليه وأن قريشا تابعوهم على ذلك وأجمعوا فيه فأجابوهم فخرجت قريش وقائدها
233

أبو سفيان بن حرب وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصين بن حذيفة بن
بدر في بنى فزارة والحارث بن عوف بن أبي حارثة المري في بنى مرة ومسعود
ابن رخيلة بن نويرة بن طريف بن سحمة بن عبد الله بن هلال بن خلاوة بن أشجع
ابن ريث بن غطفان فيمن تابعه من قومه من أشجع فلما سمع بهم رسول الله صلى
الله عليه وسلم وبما أجمعوا له من الامر ضرب الخندق على المدينة * فحدثت عن
محمد بن عمر قال كان الذي أشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق سلمان
وكان أول مشهد شهده سلمان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ حر
وقال يا رسول الله إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا علينا (رجع الحديث إلى
حديث ابن إسحاق) فعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ترغيبا للمسلمين في الاجر
وعمل فيه المسلمون فدأب فيه ودأبوا وأبطأ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن
المسلمين في عملهم رجال من المنافقين وجعلوا يورون بالضعف من العمل ويتسللون
إلى أهاليهم بغير علم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا إذن وجعل الرجل من
المسلمين إذا نابته نائبة من الحاجة التي لا بد منها يذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم
ويستأذنه في اللحوق بحاجته فيأذن له فإذا قضى حاجته رجع إلى ما كان فيه من عمله رغبة
في الخير واحتسابا له فأنزل الله عز وجل (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله
ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه - إلى
قوله - واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم) فنزلت هذه الآية في كل من
كان من أهل الحسبة من المؤمنين والرغبة في الخير والطاعة لله ولرسوله صلى الله
عليه وسلم ثم قال يعنى المنافقين الذين كانوا يتسللون من العمل ويذهبون بغير
إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم
بعضا - إلى قوله - قد يعلم ما أنتم عليه) أي قد علم ما أنتم عليه من صدق أو كذب وعمل
المسلمون فيه حتى أحكموه وارتجزوا فيه برجل من المسلمين يقال له جعيل فسماه
رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرا فقالوا
سماه من بعد جعيل عمرا * وكان للبائس يوما ظهرا
234

فإذا مروا بعمرو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرا وإذا قالوا ظهرا
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهرا * فحدثنا محمد بن بشار قال حدثنا محمد
ابن خالد بن عثمة قال حدثنا كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني قال حدثني أبي
عن أبيه قال خط رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق عام الأحزاب من
أجم الشيخين طرف بنى حارثة حتى بلغ المذاد ثم قطعه أربعين ذراعا بين كل
عشرة فاحتق المهاجرون والأنصار في سلمان الفارسي وكان رجلا قويا فقالت
الأنصار سلمان منا وقالت المهاجرون سلمان منا فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم سلمان منا أهل البيت قال عمرو بن عوف فكنت أنا وسلمان وحذيفة بن
اليمان والنعمان بن مقرن المزني وستة من الأنصار في أربعين ذراعا فحفرنا تحت
ذو باب حتى بلغنا الندى فاخرج الله عز وجل من بطن الخندق صخرة بيضاء
مروة فكسرت حديدنا وشقت علينا فقلنا يا سلمان ارق إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فأخبره خبر هذه الصخرة فإما أن نعدل عنها فإن المعدل قريب وإما
أن يأمرنا فيها بأمره فإنا لا نحب أن نجاوز خطه فرقى سلمان حتى أتى رسول الله
صلى الله عليه وسلم وهو ضارب عليه قبة تركية فقال يا رسول الله بأبينا أنت
وأمنا خرجت صخرة بيضاء من الخندق مروة فكسرت حديدنا وشقت علينا
حتى مانحيك فيها قليلا ولا كثيرا فمرنا فيها بأمرك فإنا لا نحب أن نجاوز خطك
فهبط رسول الله صلى الله عليه وسلم مع سلمان في الخندق ورقينا نحن التسعة على
شقة الخندق فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم المعول من سلمان فضرب الصخرة
ضربة صدعها وبرقت منها برقة أضاء ما بين لابتيها يعنى لابتى المدينة حتى لكأن
مصباحا في جوف بيت مظلم فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبير فتح
وكبر المسلمون ثم ضربها رسول الله صلى الله عليه وسلم الثانية فصدعها وبرق منها
برقة أضاء منها ما بين لابتيها حتى لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم فكبر
رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبير فتح وكبر المسلمون ثم ضربها رسول الله
صلى الله عليه وسلم الثالثة فكسرها وبرق منها برقة أضاء ما بين لابتيها حتى لكأن
235

مصباحا في جوف بيت مظلم فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبير فتح
وكبر المسلمون ثم أخذ بيده سلمان فرقى فقال سلمان بأبي أنت وأمي يا رسول الله
لقد رأيت شيئا ما رأيته قط فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القوم فقال
هل رأيتم ما يقول سلمان قالوا نعم يا رسول الله بأبينا أنت وأمنا قد رأيناك تضرب
فيخرج برق كالموج فرأيناك تكبر فنكبر ولا نرى شيئا غير ذلك قال صدقتم
ضربت ضربتي الأولى فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور الحيرة ومدائن
كسرى كأنها أنياب الكلاب فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها ثم ضربت
ضربتي الثانية فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور الحمر من أرض الروم كأنها
أنياب الكلاب فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها ثم ضربت ضربتي الثالثة
فبرق منها الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب فأخبرني
جبريل أن أمتي ظاهرة عليها فأبشروا يبلغهم النصر وأبشروا يبلغهم النصر وابشروا
يبلغهم النصر فاستبشر المسلمون وقالوا الحمد لله موعد صادق بار وعدنا النصر
بعد الحصر فطلعت الأحزاب فقال المؤمنون هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق
الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما وقال المنافقون ألا تعجبون يحدثكم
ويمنيكم ويعدكم الباطل يخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى
وأنها تفتح لكم وأنتم تحفرون الخندق ولا تستطيعون أن تبرزوا وأنزل القرآن
(وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا
غرورا) * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثنا محمد بن إسحاق عمن لا يتهم
عن أبي هريرة أنه كان يقول حين فتحت هذه الأمصار في زمن عمر وعثمان
وما بعده افتتحوا ما بدا لكم فوالذي نفس أبي هريرة بيده ما افتتحتم من مدينة
ولا تفتتحونها إلى يوم القيامة إلا وقد أعطى محمد مفاتيحها قبل ذلك * حدثنا ابن
حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال كان أهل الخندق ثلاثة آلاف قال ولما
فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق أقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع
الأسيال من دومة بين الجرف والغابة في عشرة آلاف من أحابيشهم ومن تابعهم
236

من كنانة وأهل تهامة وأقبلت غطفان ومن تابعهم من أهل نجد حتى نزلوا
بذنب نقمي إلى جانب أحد وخرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم
والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع في ثلاثة آلاف من المسلمين فضرب
هنالك عسكره والخندق بينه وبين القوم وأمر بالذراري والنساء فرفعوا في
الآطام وخرج عدو الله حيى بن أخطب حتى أتى كعب بن أسد القرظي صاحب
عقد بني قريظة وعهدهم وكان قد وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه وعاهده
على ذلك وعاقده فلما سمع كعب بحيى بن أخطب أغلق دونه حصنه فاستأذن عليه
فأبى أن يفتح له فناداه حيى يا كعب افتح لي قال ويحك يا حيى إنك امرؤ مشؤم إني قد
عاهدت محمدا فلست بناقض ما بيني وبينه ولم أر منه إلا وفاء وصدقا قال ويحك
افتح لي أكلمك قال ما أنا بفاعل قال والله إن أغلقت دوني إلا على جشيشتك أن
آكل معك منها فاحفظ الرجل ففتح له فقال ويحك يا كعب جئتك بعز الدهر
وببحر طام جئتك بقريش على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بمجتمع الأسيال من
دومة وبغطفان على قادتها وسادتها حنى أنزلتهم بذنب نقمي إلى جانب أحد قد
عاهدوني وعاقدوني ألا يبرحوا حتى يستأصلوا محمدا ومن معه فقال له كعب بن
أسد جئتني والله بذل الدهر بجهام قد هراق ماءه يرعد ويبرق ليس فيه شئ ء ويحك
فدعني ومحمدا وما أنا عليه فلم أر من محمد إلا صدقا ووفاء فلم يزل حيى بكعب
يفتله في الذروة والغارب حتى سمح له على أن أعطاه عهدا من الله وميثاقا لئن
رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمدا أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني
ما أصابك فنقض كعب بن أسد عهده وبرئ مما كان عليه فيما بينه وبين رسول الله
صلى الله عليه وسلم فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر وإلى المسلمين
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس
أحد بنى عبد الأشهل وهو يومئذ سيد الأوس وسعد بن عبادة بن دليم أحد بنى
ساعدة بن كعب بن الخزرج وهو يومئذ سيد الخزرج ومعهما عبد الله بن رواحة
أخو بلحارث بن الخزرج وخوات بن جبير أخو بنى عمرو بن عوف فقال
237

انطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم أو لا فإن كان حقا فألحنوا
لي لحنا نعرفه ولا تفتوا في أعضاد الناس وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم
فاجهروا به للناس فخرجوا حتى أتوهم فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم ونالوا
من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا لا عقد بيننا وبين محمد ولا عهد فشاتمهم
سعد بن معاذ وشاتموه وكان رجلا فيه حد فقال له سعد بن معاذ دع عنك مشاتمتهم
فما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة ثم أقبل سعد وسعد ومن معهما إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فسلموا عليه ثم قالوا عضل والقارة كغدر عضل والقارة
بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحاب الرجيع خبيب بن عدي وأصحابه
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أكبر أبشروا يا معشر المسلمين وعظم عند
ذلك البلاء واشتد الخوف وأتاهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم حتى ظن المؤمنون
كل ظن ونجم النفاق من بعض المنافقين حتى قال معتب بن قشير أخو بنى عمرو
ابن عوف كان محمد يعدنا إن نأكل كنوز كسرى وقيصر وأحدنا لا يقدر أن يذهب
إلى الغائط وحتى قال أوس بن قيظي أحد بنى حارثة بن الحارث يا رسول الله إن بيوتنا
لعورة من العدو وذلك عن ملا من رجال فاذن لنا فلنرجع إلى دارنا فإنها
خارجة من المدينة فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام المشركون عليه
بضعا وعشرين ليلة قريبا من شهر ولم يكن بين القوم حرب إلا الرمي بالنبل
والحصار فلما اشتد البلاء على الناس بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثنا
ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة
وعن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري إلى عيينة بن حصن وإلى الحارث بن عوف
ابن أبي حارثة المري وهما قائدا غطفان فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا
بمن معهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فجرى بينه وبينهم الصلح حتى
كتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح إلا المراوضة في ذلك ففعلا فلما
أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل بعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن
عبادة فذكر ذلك لهما واستشارهما فيه فقالا يا رسول الله أمر تحبه فنصنعه أم شئ
238

أمرك الله عز وجل به لا بد لنا من عمل به أم شئ تصنعه لنا قال لا بل لكم والله
ما أصنع ذلك إلا أنى رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة وكالبوكم من كل
جانب فأردت أن أكسر عنكم شوكتهم لأمر ما ساعة فقال له سعد بن معاذ
يا رسول الله قد كنا نحن وهؤلاء القوم على شرك بالله عز وجل وعبادة الأوثان
ولا نعبد الله ولا نعرفه وهم لا يطمعون أن يأكلوا منا تمرة إلا قرى أو بيعا أفحين
أكرمنا الله بالاسلام وهدانا له وأعزنا بك نعطيهم أموالنا مالنا بهذا من حاجة
والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم فأنت وذاك فتناول سعد الصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب ثم قال
ليجهدوا علينا فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون وعدوهم محاصروهم
لم يكن بينهم قتال إلا أن فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد ود بن أبي قيس
أخو بنى عامر بن لؤي وعكرمة بن أبي جهل وهبيرة بن أبي وهب المخزوميان
ونوفل بن عبد الله وضرار بن الخطاب بن مرداس أخو بن محارب بن فهر
قد تلبسوا للقتال وخرجوا على خيلهم ومروا على بنى كنانة فقالوا تهيئوا للحرب
يا بنى كنانة فستعلمون اليوم من الفرسان ثم أقبلوا نحو الخندق حتى وقفوا عليه
فلما رأوه قالوا والله إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها ثم تيمموا مكانا
من الخندق ضيقا فضربوا خيولهم فاقتحمت منه فجالت بهم في السبخة بين الخندق
وسلع وخرج علي بن أبي طالب في نفر من المسلمين حتى أخذ عليهم الثغرة التي
أقحموا منها خيلهم وأقبلت الفرسان تعنق نحوهم وقد كان عمرو بن عبد ود
قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة قلم يشهد أحدا فلما كان يوم الخندق خرج معلما
ليرى مكانه فلما وقف هو وخيله قال له علي يا عمرو إنك كنت تعاهد الله ألا
يدعوك رجل من قريش إلى خلتين إلا أخذت منه إحداهما قال أجل قال له
علي بن أبي طالب فإني أدعوك إلى الله عز وجل والى رسوله والى الاسلام قال
لا حاجة لي بذلك قال فإني أدعوك إلى النزال قال ولم يا ابن أخي فوالله ما أحب
أن أقتلك قال علي ولكني والله أحب أن أقتلك قال فحمى عمرو عند ذلك
239

فاقتحم عن فرسه فعقره أو ضرب وجهه ثم أقبل على علي فتنازلا وتجاولا
فقتله علي عليه السلام وخرجت خيله منهزمة حتى اقتحمت من الخندق
هاربة وقتل مع عمرو رجلان منبه بن عثمان بن عبيد بن السباق بن عبد الدار
أصابه سهم فمات منه بمكة ومن بنى مخزوم نوفل بن عبد الله بن المغيرة وكان اقتحم
الخندق فتورط فيه فرموه بالحجارة فقال يا معشر العرب قتلة أحسن من هذه
فنزل إليه علي فقتله فغلب المسلمون على جسده فسألوا رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن يبيعهم جسده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حاجة لنا بجسده
ولا ثمنه فشأنكم به فخلى بينهم وبينه * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني
محمد بن إسحاق عن أبي ليلى عبد الله بن سهل بن عبد الرحمن بن سهل الأنصاري ثم
أحد بنى حارثة أن عائشة أم المؤمنين كانت في حصن بنى حارثة يوم الخندق وكان
من أحرز حصون المدينة وكانت أم سعد بن معاذ معها في الحصن (قالت عائشة)
وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب قالت فمر سعد وعليه درع مقلصة قد خرجت
منها ذراعه كلها وفى يده حربته يرقد بها ويقول
لبث قليلا يشهد الهيجا حمل * لا بأس بالموت إذا حان الاجل
قالت له أمه الحق يا بنى فقد والله أخرت (قالت عائشة) فقلت لها يا أم سعد
والله لوددت أن درع سعد كانت أسبغ مما هي قالت وخفت عليه حيث أصاب
السهم منه قالت فرمى سعد بن معاذ بسهم فقطع منه الأكحل رماه فيما حدثنا ابن حميد
قال حدثنا سلمة قال حدثنا محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة حبان بن قيس
ابن العرقة أحد بنى عامر بن لؤي فلما أصابه قال خذها وأنا ابن العرقة فقال سعد
عرق الله وجهك في النار اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها
فإنه لا قوم أحب إلى أن أجاهدهم من قوم آذوا رسولك وكذبوه وأخرجوه
اللهم وأن كنت قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعله لي شهادة ولا تمتني حتى تقر
عيني من بني قريظة * حدثنا سفيان بن وكيع قال حدثنا محمد بن بشر قال حدثنا
محمد بن عمرو قال حدثني أبي عن علقمة عن عائشة قالت خرجت يوم الخندق
240

أقفو آثار الناس فوالله إني لأشي إذ سمعت وئيد الأرض خلفي تعنى حس الأرض
فالتفت فإذا أنا بسعد فجلست إلى الأرض ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس شهد
بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا بذلك محمد بن عمرو يحمل مجنة وعلى
سعد درع من حديد قد خرجت أطرافه منها (قالت) وكان من أعظم الناس
وأطولهم (قالت) فأنا أتخوف على أطراف سعد فمر بي يرتجز ويقول
لبث قليلا يدرك الهيجا حمل * ما أحسن الموت إذا حان الاجل
قالت فلما جاوزني قمت فاقتحمت حديقة فيها نفر من المسلمين فيهم عمر بن الخطاب
وفيهم رجل عليه تسبغة له (قال محمد) والتسبغة المغفر لا ترى الا عيناه فقال
عمر إنك لجرية ما جاء بك ما يدريك لعله يكون تحوز أو بلاء فوالله ما زال يلومني
حتى وددت أن الأرض تنشق لي فأدخل فيها فكشف الرجل التسبغة عن وجهه
فإذا هو طلحة فقال إنك قد أكثرت أين الفرار وأين التحوز الا إلى الله عز وجل *
قالت فرمى سعد يومئذ بسهم رماه رجل يقال له ابن العرقة فقال خذها وأنا ابن
العرقة فقال سعد عرق الله وجهك في النار فأصاب الأكحل منه فقطعه قال محمد
ابن عمر وزعموا أنه لم ينقطع من أحد قط إلا لم يزل يبض دما حتى يموت فقال سعد
اللهم لا تمتني حتى تقر عيني في بني قريظة وكانوا حلفاءه ومواليه في الجاهلية * حدثنا
ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عمن لا يتهم عن عبيد الله بن كعب
ابن مالك أنه كان يقول ما أصاب سعدا يومئذ بالسهم الا أبو أسامة الجشمي
حليف بنى مخزوم فالله أعلم أي ذلك كان * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال
حدثني محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عباد قال كانت
صفية بنت عبد المطلب في فارع حصن حسان بن ثابت قالت وكان حسان معنا فيه
مع النساء والصبيان * قالت صفية فمر بنا رجل من يهود فجعل يطيف بالحصن وقد
حاربت بنو قريظة وقطعت ما بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بيننا
وبينهم أحد يدفع عنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون في نحور عدوهم
لا يستطيعون أن ينصرفوا إلينا عنهم أن أتانا آت قالت فقلت يا حسان إن هذا
241

اليهودي كما ترى يطيف بالحصن وانى والله ما آمنه أن يدل على عورتنا من وراءنا
من يهود وقد شغل عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأنزل إليه فاقتله
فقال يغفر الله لك يا بنت عبد المطلب والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا قالت فلما
قال ذلك لي ولم أر شيئا احتجزت ثم أخذت عمودا ثم نزلت من الحصن إليه
فضربته بالعمود حتى قتلته فلما فرغت منه رجعت إلى الحصن فقلت يا حسان انزل
إليه فاسلبه فإنه لم يمنعني من سلبه الا أنه رجل قال مالي بسلبه من حاجة يا بنت
عبد المطلب * قال ابن إسحاق وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيما وصف
الله عز وجل من الخوف والشدة لتظاهر عدوهم عليهم وإتيانهم من فوقهم ومن
أسفل منهم ثم إن نعيم بن مسعود بن عامر بن أنيف بن ثعلبة بن قنفذ بن هلال بن
حلاوة بن أشجع بن ريث بن غطفان أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله
انى قد أسلمت وإن قومي لم يعلموا باسلامي فمرني بما شئت فقال له رسول الله
صلى الله عليه وسلم إنما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا إن استطعت فان الحرب
خدعة فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة وكان لهم نديما في الجاهلية فقال
لهم يا بني قريظة قد عرفتم ودى إياكم وخاصة ما بيني وبينكم قالوا صدقت لست عندنا
بمتهم فقال لهم إن قرشا وغطفان قد جاؤوا لحرب محمد وقد ظاهرتموهم عليه وإن
قريشا وغطفان ليسوا كهيئتكم البلد بلدكم به أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم لا تقدرون
على أن تحولوا منه إلى غيره وإن قريشا وغطفان أموالهم وأبناؤهم ونساؤهم وبلدهم بغيره
فليسوا كهيئتكم إن رأوا نهزة وغنيمة أصابوها وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم
وخلوا بينكم وبين الرجل ببلدكم ولا طاقة لكم به إن خلا بكم فلا تقاتلوا مع القوم
حتى تأخذوا منهم رهنا من أشرافهم يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن يقاتلوا معكم
محمدا حتى تناجزوه فقالوا لقد أشرت برأي ونصح ثم خرج حتى أتى قريشا فقال
لأبي سفيان بن حرب ومن معه من رجال قريش يا معشر قريش قد عرفتم ودى
إياكم وفراقي محمدا وقد بلغني أمر رأيت حقا على أن أبلغكموه نصحا لكم فاكتموا
علي قالوا نفعل قال فاعلموا أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين
242

محمد وقد أرسلوا إليه أن قد ندمنا على ما فعلنا فهل يرضيك عنا أن نأخذ من
القبيلتين من قريش وغطفان رجالا من أشرافهم فنعطيكهم فتضرب أعناقهم ثم
نكون معك على من بقى منهم فأرسل إليهم أن نعم فإن بعثت إليكم يهود يلتمسون
منكم رهنا من رجالكم فلا تدفعوا إليهم منكم رجلا واحدا ثم خرج حتى أتى غطفان
فقال يا معشر غطفان أنتم أصلى وعشيرتي وأحب الناس إلى ولا أراكم تتهموني
قالوا صدقت قال فاكتموا علي قالوا نفعل ثم قال لهم مثل ما قال لقريش وحذرهم
ما حذرهم فلما كانت ليلة السبت في شوال سنة خمس وكان مما صنع الله عز وجل لرسوله
أرسل أبو سفيان ورؤوس غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من
قريش وغطفان فقالوا لهم إنا لسنا بدار مقام قد هلك الخف والحافر فاغدوا للقتال
حتى نناجز محمدا ونفرغ مما بيننا وبينه فأرسلوا إليهم أن اليوم السبت وهو يوم
لا نعمل فيه شيئا وقد كان أحدث فيه بعضنا حدثا فأصابه ما لم يخف عليكم ولسنا
مع ذلك بالذي نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا من رجالكم يكونون بأيدينا ثقة
لنا حتى نناجز محمدا فإنا نخشى إن ضرستكم الحرب واشتد عليكم القتال أن تشمروا
إلى بلادكم وتتركونا والرجل في بلدنا ولا طاقة لنا بذلك من محمد فلما رجعت إليهم
الرسل الذي قالت بنو قريظة قالت قريش وغطفان تعلمون والله أن الذي حدثكم
نعيم بن مسعود لحق فأرسلوا إلى بني قريظة إنا والله لا ندفع إليكم رجلا واحدا
من رجالنا فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا فقالت بنو قريظة حين انتهت
الرسل إليهم بهذا إن الذي ذكر لكم نعيم بن مسعود لحق ما يريد القوم إلا أن
يقاتلوا فإن وجدوا فرصة انتهزوها وإن كان غير ذلك تشمروا إلى بلادهم وخلوا
بينكم وبين الرجل في بلادكم فأرسلوا إلى قريش وغطفان إنا والله لا نقاتل معكم حتى
تعطونا رهنا فأبوا عليهم وخذل الله بينهم وبعث الله عز وجل عليهم الريح في ليال
شاتية شديدة البرد فجعلت تكفأ قدورهم وتطرح أبنيتهم فلما انتهى إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم ما اختلف من أمرهم وما فرق الله من جماعتهم دعا حذيفة بن
اليمان فبعثه إليهم لينظر ما فعل القوم ليلا * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال
243

حدثني محمد بن إسحاق قال حدثنا يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال قال فتى
من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان يا أبا عبد الله رأيتم رسول الله وصحبتموه قال نعم يا ابن أخي
قال فكيف كنتم تصنعون قال والله لقد كنا نجهد فقال الفتى والله لو أدركناه ما تركناه
يمشى على الأرض ولحملناه على أعناقنا فقال حذيفة يا ابن أخي والله لقد رأيتنا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق وصلى هويا من الليل ثم التفت إلينا فقال
من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم يشرط له رسول الله انه يرجع أدخله الله الجنة
فما قام رجل ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هويا من الليل ثم التفت إلينا
فقال مثله فما قام منا رجل ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هويا من الليل
ثم التفت إلينا فقال من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع يشرط له
رسول الله الرجعة أسأل الله أن يكون رفيقي في الجنة فما قام رجل من القوم من
شدة الخوف وشدة الجوع وشدة البرد فلما لم يقم أحد دعاني رسول الله صلى الله عليه
وسلم فلم يكن لي بد من القيام حين دعاني فقال يا حذيفة اذهب فادخل في القوم
فانظر ما يفعلون ولا تحدثن شيئا حتى تأتينا قال فذهبت فدخلت في القوم والريح
وجنود الله تفعل بهم ما تفعل لا تقر لهم قدرا ولا نارا ولا بناء فقام أبو سفيان
ابن حرب فقال يا معشر قريش لينظر امرؤ جليسه قال فأخذت بيد الرجل الذي
كان إلى جنبي فقلت من أنت قال أنا فلان بن فلان ثم قال أبو سفيان يا معشر
قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام لقد هلك الكراع والخف وأخلفتنا بنو قريظة
وبلغنا عنهم الذي نكره ولقينا من هذه الريح ما ترون والله ما تطمئن لنا قدر
ولا تقوم لنا نار ولا يستمسك لنا بناء فارتحلوا فإني مرتحل ثم قام إلى جمله وهو
معقول فجلس عليه ثم ضربه فوثب به على ثلاث فما أطلق عقاله إلا وهو قائم ولولا
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أنى لا أحدث شيئا حتى آتيه ثم شئت
لقتلته بسهم قال حذيفة فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم يصلى
في مرط لبعض نسائه مرحل فلما رآني أدخلني بين رجليه وطرح على طرف
المرط ثم ركع وسجد فإذا لقته فلما سلم أخبرته الخبر وسمعت غطفان بما فعلت
244

قريش فانشمروا راجعين إلى بلادهم * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني
محمد بن إسحاق قال فلما أصبح نبي الله صلى الله عليه وسلم انصرف عن الخندق
راجعا إلى المدينة والمسلمون ووضعوا السلاح
غزوة بني قريظة
فلما كانت الظهر أتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثنا ابن
حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن ابن شهاب الزهري
معتجرا بعمامة من استبرق على بغلة عليها رحالة عليها قطيفة من ديباج فقال
أقد وضعت السلاح يا رسول الله قال نعم قال جبريل ما وضعت الملائكة السلاح
وما رجعت الآن إلا من طلب القوم إن الله يأمرك يا محمد بالسير إلى بني قريظة
وأنا عامد إلى بني قريظة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا فأذن في
الناس أن من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة وقدم رسول
الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب برايته إلى بني قريظة وابتدرها الناس
فسار علي بن أبي طالب عليه السلام حتى إذا دنا من الحصون سمع منها مقالة قبيحة
لرسول الله صلى الله عليه وسلم منهم فرجع حتى لقى رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالطريق فقال يا رسول الله لا عليك أن لا تدنو من هؤلاء الأخابث قال لم، أظنك
سمعت لي منهم أذى؟ قال نعم يا رسول الله قال لو قد رأوني لم يقولوا من ذلك
شيئا فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم قال يا إخوان القردة
هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته قالوا يا أبا القاسم ما كنت جهولا ومر رسول الله
صلى الله عليه وسلم على أصحابه بالصورين قبل أن يصل إلى بني قريظة فقال هل
مر بكم أحد فقالوا نعم يا رسول الله قد مر بنا دحية بن خليفة الكلبي على بغلة
بيضاء عليها رحالة عليها قطيفة ديباج فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك
جبريل بعث إلى بني قريظة يزلزل بهم حصونهم ويقذف الرعب في قلوبهم فلما
أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني قريظة نزل على بئر من آبارها في ناحية
245

من أموالهم يقال لها بئر أنا فنلاحق به الناس فأتاه رجال من بعد العشاء الآخرة
ولم يصلوا العصر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلين أحد العصر إلا
في بني قريظة لشئ لم يكن لهم منه بد من حربهم وأبوا أن يصلوا لقول النبي صلى الله
عليه وسلم حتى يأتوا بني قريظة فصلوا العصر بها بعد العشاء الآخرة فما عابهم الله بذلك
في كتابه ولا عنفهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم والحديث عن محمد بن إسحاق
عن أبيه عن معبد بن كعب بن مالك الأنصاري * حدثنا ابن وكيع قال حدثنا
محمد بن بشر قال حدثنا محمد بن عمرو قال حدثني أبي عن علقمة عن عائشة قالت
ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على سعد قبة في المسجد ووضع السلاح
يعنى عند منصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق ووضع المسلمون
السلاح فجاءه جبريل عليه السلام فقال أوضعتم السلاح فوالله ما وضعت الملائكة
بعد السلاح اخرج إليهم فقاتلهم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلامته
فلبسها ثم خرج وخرج المسلمون فمر ببنى غنم فقال من مر بكم قالوا مر علينا دحية
الكلبي وكان يشبه سنته ولحيته ووجهه بجبريل عليه السلام حتى نزل عليهم وسعد
في قبته التي ضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فحاصرهم شهرا
أو خمسا وعشرين ليلة فلما اشتد عليهم الحصار قيل لهم أنزلوا على حكم رسول الله
فأشار أبو لبابة بن عبد المنذر أنه الذبح فقالوا ننزل على حكم سعد بن معاذ فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزلوا على حكمه فنزلوا فبعث إليه رسول الله صلى
الله عليه وسلم بحمار بإكاف من ليف فحمل عليه قالت عائشة لقد كان برأ كلمه
حتى ما يرى منه إلا مثل الخرص (رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق) قال
وحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار
وقذف الله في قلوبهم الرعب وقد كان حيى بن أخطب دخل على بني قريظة في
حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان وفاء لكعب بن أسد بما كان عاهده
عليه فلما أيقنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير منصرف عنهم حتى يناجزهم
قال كعب بن أسد لهم يا معشر يهود إنه قد نزل بكم من الامر ما ترون وإني عارض
246

عليكم خلالا ثلاثا فخذوا أيها شئتم قالوا وما هن قال نتابع هذا الرجل ونصدقه
فوالله لقد كان تبين لكم إنه لنبي مرسل وإنه للذي كنتم تجدونه في كتابكم فتأمنوا
على دمائكم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم قالوا لا نفارق حكم التوراة أبدا ولا
نستبدل به غيره قال فإذا أبيتم هذه على فهلم فلنقتل أبناءنا ونساءنا ثم نخرج إلى
محمد وأصحابه رجالا مصلتين بالسيوف ولم نترك وراءنا ثقلا يهمنا حتى يحكم الله بيننا
وبين محمد فإن نهلك نهلك ولم نترك وراءنا شيئا نخشى عليه وإن نظهر فلعمري لنجدن
النساء والأبناء قالوا نقتل هؤلاء المساكين فما خير العيش بعدهم قال فإذا أبيتم
هذه على فإن الليلة ليلة السبت وإنه عسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنوا فيها
فانزلوا لعلنا نصيب من محمد وأصحابه غرة قالوا نفسد سبتنا ونحدث فيه ما لم يكن
أحدث فيه من كان قبلنا إلا من قد علمت فأصابه من المسخ ما لم يخف عليك قال
ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازما قال ثم إنهم بعثوا
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ابعث إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر أخا بنى
عمرو بن عوف وكانوا حلفاء الأوس نستشيره في أمرنا فأرسله رسول الله صلى الله
عليه وسلم إليهم فلما رأوه قام إليه الرجال وبهش إليه النساء والصبيان يبكون في
وجهه فرق لهم وقالوا له يا أبا لبابة أترى أن ننزل على حكم محمد قال نعم وأشار
بيده إلى حلقه أنه الذبح قال أبو لبابة فوالله ما زالت قدماي حتى عرفت أنى قد خنت
الله ورسوله ثم انطلق أبو لبابة على وجهه ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم
حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عمده وقال لا أبرح مكاني هذا حتى يتوب الله
علي مما صنعت وعاهد الله أن لا يطأ بني قريظة أبدا وقال لا يراني الله في بلد
خنت الله ورسوله فيه أبدا فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره وأبطأ
عليه وكان قد استبطأه قال أما لو جاءني لاستغفرت له فأما إذ فعل ما فعل فما أنا
بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة
ابن الفضل قال حدثنا محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط أن توبة
أبى لبابة أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت أم سلمة
247

قالت أم سلمة فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من السحر يضحك فقلت
مم تضحك يا رسول الله أضحك الله سنك قال تيب على أبى لبابة فقلت ألا أبشره
بذلك يا رسول الله قال بلى إن شئت قال فقامت على باب حجرتها وذلك قبل أن
يضرب عليهن الحجاب فقالت يا أبا لبابة أبشر فقد تاب الله عليك قال فثار الناس
إليه ليطلقوه فقال لا والله حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يطلقني
بيده فلما مر عليه خارجا إلى الصبح أطلقه قال ابن إسحاق ثم إن ثعلبة بن سعية
وأسيد بن سعية وأسد بن عبيد وهم نفر من بنى هدل ليسوا من بني قريظة
ولا النضير نسبهم فوق ذلك هم بنو عم القوم أسلموا تلك الليلة التي نزلت فيها
قريظة على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج في تلك الليلة عمرو بن
سعدى القرظي فمر بحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها محمد بن مسلمة
الأنصاري تلك الليلة فلما رآه قال من هذا قال عمرو بن سعدى وكان عمرو قد
أبى أن يدخل مع بني قريظة في غدرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لا أغدر
بمحمد أبدا فقال محمد بن مسلمة حين عرفه اللهم لا تحرمني عثرات الكرام ثم
خلى سبيله فخرج على وجهه حتى بات في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالمدينة تلك الليلة ثم ذهب فلا يدرى أين ذهب من أرض الله إلى يومه هذا
فذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم شأنه فقال ذاك رجل نجاه الله بوفائه قال
ابن إسحاق وبعض الناس يزعم أنه كان أوثق برمة فيمن أوثق من بني قريظة حين
نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصبحت رمته ملقاة لا يدرى
أين ذهب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه تلك المقالة والله أعلم قال ابن إسحاق
فلما أصبحوا نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتواثبت الأوس
فقالوا يا رسول الله إنهم موالينا دون الخزرج وقد فعلت في موالى الخزرج بالأمس
ما قد عملت وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بني قريظة حاصر بنى قينقاع
وكانوا حلفاء الخزرج فنزلوا على حكمه فسأله إياهم عبد الله بن أبي ابن سلول فوهبهم
له فلما كلمه الأوس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا ترضون يا معشر الأوس
248

أن يحكم فيهم رجل منكم قالوا بلى قال فذاك إلى سعد بن معاذ وكان سعد بن
معاذ قد جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيمة امرأة من المسلمين يقال لها
رفيدة في مسجده كانت تداوى الجرحى وتحتسب بنفسها على خدمة من كانت
به ضيعة من المسلمين وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال لقومه حين
أصابه السهم بالخندق اجعلوه في خيمة رفيدة حتى أعوده من قريب فلما حكمه
رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني قريظة أتاه قومه فاحتملوه على حمار قد
وطؤا له بوسادة من أدم وكان رجلا جسيما ثم أقبلوا معه إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم وهم يقولون يا أبا عمرو أحسن في مواليك فإن رسول الله صلى الله عليه
وسلم إنما ولاك ذلك لتحسن فيهم فلما أكثروا عليه قال قد أنى لسعد أن لا تأخذه
في الله لومة لائم فرجع بعض من كان معه من قومه إلى دار بنى عبد الأشهل
فنعى لهم رجال بني قريظة قبل أن يصل إليهم سعد بن معاذ عن كلمته التي سمع منه
(قال أبو جعفر) فلما انتهى سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حدثنا ابن وكيع قال حدثنا محمد بن بشر
قال حدثنا محمد بن عمرو قال حدثني أبي عن علقمة في حديث ذكره قال قال
أبو سعيد الخدري فلما طلع يعنى سعدا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قدموا
إلى سيدكم أو قال إلى خيركم فأنزلوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم احكم فيهم
قال فإني أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وأن تسبى ذراريهم وأن تقسم أموالهم
فقال لقد حكمت فيهم بحكم الله وحكم رسوله (رجع الحديث إلى حديث ابن
إسحاق) وأما ابن إسحاق فإنه قال في حديثه فلما انتهى سعد إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم والمسلمون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوموا إلى سيدكم فقاموا
إليه فقالوا يا أبا عمرو إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ولاك مواليك لتحكم
فيهم فقال سعد عليكم بذلك عهد الله وميثاقه أن الحكم فيها ما حكمت قالوا نعم
قال وعلى من ههنا في الناحية التي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معرض
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إجلالا له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
249

نعم قال سعد فإني أحكم فيهم بأن تقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبى الذراري
والنساء * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن عاصم بن
عمر بن قتادة عن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ عن علقمة بن وقاص
الليثي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد لقد حكمت فيهم بحكم الله
من فوق سبعة أرقعة قال ابن إسحاق ثم استنزلوا فحبسهم رسول الله صلى الله
عليه وسلم في دار ابنة الحارث امرأة من بنى النجار ثم خرج رسول الله صلى الله
عليه وسلم إلى سوق المدينة التي هي سوقها اليوم فخندق بها خنادق ثم بعث إليهم
فضرب أعناقهم في تلك الخنادق يخرج بهم إليه ارسالا وفيهم عدو الله حيى
ابن أخطب وكعب بن أسد رأس القوم وهم ستمائة أو سبعمائة المكثر لهم يقول
كانوا من الثمانمائة إلى التسعمائة وقد قالوا لكعب بن أسد وهم يذهب بهم إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم ارسالا يا كعب ما ترى ما يصنع بنا فقال كعب
في كل موطن لا تعقلون ألا ترون الداعي لا ينزع وأنه من ذهب به منكم لا يرجع
هو والله القتل فلم يزل ذلك الدأب حتى فرغ منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأتى بحيى بن أخطب عدو الله وعليه حلة لها فقاحية قد شققها عليه من كل
ناحية كموضع الأنملة أنملة أنملة لئلا يسلبها مجموعة يداه إلى عنقه بحبل فلما نظر
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أما والله ما لمت نفسي في عداوتك ولكنه
من يخذل الله يخذل ثم أقبل على الناس فقال أيها الناس إنه لا بأس بأمر الله كتاب
الله وقدره وملحمة قد كتبت على بني إسرائيل ثم جلس فضربت عنقه فقال
جبل بن جوال الثعلبي
لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه * ولكنه من يخذل الله يخذل
لجاهد حتى أبلغ النفس عذرها * وقلقل يبغي العز كل مقلقل
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن
عروة بن الزبير عن عائشة قالت لم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة قالت والله إنها
لعندى تحدث معي وتضحك ظهرا وبطنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل
250

رجالهم بالسوق إذ هتف هاتف باسمها أين فلانة قالت أنا والله قالت قلت ويلك
مالك قالت أقتل قلت ولم قالت حدث أحدثته قالت فانطلق بها فضربت عنقها
فكانت عائشة تقول ما أنسى عجبا منها طيب نفس وكثرة ضحك وقد عرفت أنها
تقتل وكان ثابت بن قيس بن شماس كما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني
محمد بن إسحاق عن ابن شهاب الزهري أتى الزبير بن باطا القرظي وكان يكنى
أبا عبد الرحمن وكان الزبير قد من على ثابت بن قيس بن شماس في الجاهلية * قال
محمد مما ذكر لي بعض ولد الزبير أنه كان من عليه يوم بعاث أخذه فجز ناصيته ثم
خلى سبيله فجاءه وهو شيخ كبير فقال يا أبا عبد الرحمن هل تعرفني قال وهل يجهل
مثلي مثلك قال إني قد أردت أن أجزيك بيدك عندي قال إن الكريم يجزى
الكريم ثم أتى ثابت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله قد كانت للزبير
عندي يد وله على منة وقد أحببت أن أجزيه بها فهب لي دمه فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم هو لك فأتاه فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وهب
لي دمك فهو لك قال شيخ كبير لا أهل له ولا ولد فما يصنع بالحياة فأتى ثابت
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أهله وولده قال هم لك فأتاه
فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعطاني امرأتك وولدك فهم لك
قال أهل بيت بالحجاز لا مال لهم فما بقاؤهم فأتى ثابت رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال يا رسول الله ماله قال هو لك فأتاه فقال إن رسول الله قد أعطاني مالك
فهو لك قال أي ثابت ما فعل الذي كأن وجهه مرآة صينية تتراءى فيه عذارى
الحي كعب بن أسد قال قتل قال فما فعل سيد الحاضر والبادي حيى بن أخطب قال
قتل قال فما فعل مقدمتنا إذا شددنا وحاميتنا إذا كررنا عزال بن شمويل قال قتل
قال فما فعل المجلسان يعنى بنى كعب بن قريظة وبنى عمرو بن قريظة قال ذهبوا قتلوا
قال فانى أسألك بيدي عندك يا ثابت إلا ألحقتني بالقوم فوالله ما في العيش بعد
هؤلاء من خير فما أنا بصابر لله قبلة دلو نضح حتى ألقى الأحبة فقدمه ثابت
فضرب عنقه فلما بلغ أبا بكر قوله ألقى الأحبة قال يلقاهم والله في نار جهنم خالدا
251

فيها مخلدا أبدا فقال ثابت بن قيس بن الشماس في ذلك يذكر الزبير بن باطا
وفت ذمتي أنى كريم وأنني * صبور إذا ما القوم حادوا عن الصبر
وكان زبير أعظم الناس منة * على فلما شد كوعاه بالاسر
أتيت رسول الله كيما أفكه * وكان رسول الله بحرا لنا يجرى
قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر بقتل من أنبت منهم * فحدثنا
ابن حميد قال حدثنا سلمة قد حدثني محمد بن إسحاق عن أيوب بن عبد الرحمن بن
عبد الله بن أبي صعصعة أخي بنى عدى بن النجار أن سلمى بنت قيس أم المنذر
أخت سليط بن قيس وكانت إحدى خالات رسول الله صلى الله عليه وسلم قد
صلت معه القبلتين وبايعته بيعة النساء سألته رفاعة بن شمويل القرظي وكان رجلا
قد بلغ ولاذ بها وكان يعرفهم قبل ذلك فقالت يا نبي الله بأبي أنت وأمي هب لي
رفاعة بن شمويل فإنه قد زعم أنه سيصلى ويأكل لحم الجمل فوهبه لها فاستحيته
قال ابن إسحاق ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم أموال بني قريظة ونساءهم
وأبناءهم على المسلمين وأعلم في ذلك اليوم سهمان الخيل وسهمان الرجال وأخرج
منها الخمس فكان للفارس ثلاثة أسهم للفرس سهمان ولفارسه سهم وللراجل ممن
ليس له فرس سهم وكانت الخيل يوم بني قريظة ستة وثلاثين فرسا وكان أول فئ
وقع فيه السهمان وأخرج منه الخمس فعلى سنتها وما مضى من رسول الله صلى الله
عليه وسلم فيها وقعت المقاسم ومضت السنة في المغازي ولم يكن يسهم للخيل إذا
كانت مع الرجل إلا لفرسين ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن زيد
الأنصاري أخا بنى عبد الأشهل بسبايا من سبايا بني قريظة إلى نجد فابتاع
له بهم خيلا وسلاحا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اصطفى لنفسه
من نسائهم ريحانة بنت عمرو بن جنافة إحدى نساء بنى عمرو بن قريظة فكانت
عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفى عنها وهى في ملكه وقد كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض عليها أن يتزوجها ويضرب عليها الحجاب
فقالت يا رسول الله بل تتركني في ملكك فهو أخف على وعليك فتركها وقد
252

كانت حين سباها رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تعصت بالاسلام وأبت
إلا اليهودية فعزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجد في نفسه لذلك من أمرها
فبينا هو مع أصحابه إذ سمع وقع نعلين خلفه فقال إن هذا لثعلبة بن سعية يبشرني
باسلام ريحانة فجاءه فقال يا رسول الله قد أسلمت ريحانة فسره ذلك فلما انقضى
شأن بني قريظة انفجر جرح سعد بن معاذ وذلك أنه دعا كما حدثني ابن وكيع قال
حدثنا ابن بشر قال حدثنا محمد بن عمرو قال حدثني أبي عن علقمة في خبر ذكره
عن عائشة ثم دعا سعد بن معاذ يعنى بعد أن حكم في بني قريظة ما حكم فقال اللهم
إنك قد علمت أنه لم يكن قوم أحب إلى أن أقاتل أو أجاهد من قوم كذبوا
رسولك اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش على رسولك شيئا فأبقني لها
وإن كنت قد قطعت الحرب بينه وبينهم فاقبضني إليك فانفجر كلمه فرجعه
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى خيمته التي ضرب عليه في المسجد
قالت عائشة فحضره رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأبو بكر وعمر
فوالذي نفس محمد بيده إني لأعرف بكاء أبى بكر من بكاء عمر وإني لفى حجرتي
قالت وكانوا كما قال الله عز وجل (رحماء بينهم) قال علقمة أي أمه كيف كان
يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت كانت عينه لا تدمع على أحد ولكنه كان
إذا اشتد وجده على أحد أو إذا وجد فإنما هو آخذ بلحيته * حدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة قال حدثني ابن إسحاق قال لم يقتل من المسلمين يوم الخندق إلا ستة نفر وقتل
من المشركين ثلاثة نفر وقتل يوم بني قريظة خلاد بن سويد بن ثعلبة بن عمرو
ابن بلحارث بن الخزرج طرحت عليه رحى فشدخته شدخا شديدا ومات أبو سنان
ابن محصن بن حرثان أخو بنى أسد بن خزيمة ورسول الله صلى الله عليه وسلم
محاصر بني قريظة فدفن في مقبرة بني قريظة ولما انصرف رسول الله صلى الله
عليه وسلم عن الخندق قال الآن نغزوهم يعنى قريشا ولا يغزونا فكان كذلك حتى
فتح الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم مكة وكان فتح بني قريظة في ذي القعدة
أو في صدر ذي الحجة في قول ابن إسحاق وأما الواقدي فإنه قال غزاهم رسول الله
253

صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة لليال بقين منه وزعم أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أمر أن يشق لبنى قريظة في الأرض أخاديد ثم جلس فجعل علي والزبير
يضربان أعناقهم بين يديه وزعم أن المرأة التي قتلها النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ
كانت تسمى بنانة امرأة الحكم القرظي كانت قتلت خلاد بن سويد رمت عليه
رحى فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب عنقها بخلاد بن سويد واختلف
في وقت غزوة النبي صلى الله عليه وسلم بنى المصطلق وهى الغزوة التي يقال لها
غزوة المريسيع والمريسيع اسم ماء من مياه خزاعة بناحية قديد إلى الساحل فقال
ابن إسحاق فيما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
غزا بنى المصطلق من خزاعة في شعبان سنة ست من الهجرة وقال الواقدي غزا
رسول الله صلى الله عليه وسلم المريسيع في شعبان سنة خمس من الهجرة وزعم
أن غزوة الخندق وغزوة بني قريظة كانتا بعد المريسيع لحرب بنى المصطلق من خزاعة
وزعم ابن إسحاق فيما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عنه أن النبي صلى الله
عليه وسلم انصرف بعد فراغه من بني قريظة وذلك في آخر ذي القعدة أو في
صدر ذي الحجة فأقام بالمدينة ذا الحجة والمحرم وصفرا وشهري ربيع وولى الحجة
في سنة خمس المشركون
ذكر الاحداث التي كانت في سنة ست من الهجرة
غزوة بنى لحيان
(قال أبو جعفر) وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمادى الأولى
على رأس ستة أشهر من فتح بني قريظة إلى بنى لحيان يطلب بأصحاب الرجيع خبيب
ابن عدي وأصحابه وأظهر أنه يريد الشأم ليصيب من القوم غرة فخرج من المدينة
فسلك على غراب جبل بناحية المدينة على طريقه إلى الشأم ثم على مخيض ثم على
البتراء ثم صفق ذات اليسار ثم على يين ثم على صخيرات اليمام ثم استقام به الطريق
على المحجة من طريق مكة فأغذ السير سريعا حتى نزل على غران وهى منازل
254

بنى لحيان وغران واد بين أمج وعسفان إلى بلد يقال له ساية فوجدهم قد حذروا
وتمنعوا في رؤس الجبال فلما نزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخطأه من
غرتهم ما أراد قال لو أنا هبطنا عسفان لرأى أهل مكة أنا قد جئنا مكة فخرج في
مائتي راكب من أصحابه حتى نزل عسفان ثم بعث فارسين من أصحابه حتى بلغا كراع
الغميم ثم كرا وراح قافلا * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني ابن إسحاق
قال والحديث في غزوة بنى لحيان عن عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر
عن عبيد الله بن كعب قال ابن إسحاق ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة
فلم يقم إلا ليالي قلائل حتى أغار عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري في
خيل لغطفان على لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغابة وفيها رجل من
بنى غفار وامرأته فقتلوا الرجل واحتملوا المرأة في اللقاح
غزوة ذي قرد
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر
ابن قتادة وعبد الله بن أبي بكر ومن لا أتهم عن عبيد الله بن كعب بن مالك كل
قد حدث في غزوة ذي قرد بعض الحديث أنه أول من نذر بهم سلمة بن عمرو
ابن الأكوع الأسلمي غدا يريد الغابة متوشحا قوسه ونبله ومعه غلام لطلحة
ابن عبيد الله وأما الرواية عن سلمة بن الأكوع بهذه الغزوة من رسول الله صلى
الله عليه وسلم بعد مقدمه المدينة منصرفا من مكة عام الحديبية فإن كان ذلك صحيحا
فينبغي أن يكون ما روى عن سلمة بن الأكوع كانت إما في ذي الحجة من سنة
ست من الهجرة وأما في أول سنة سبع وذلك أن انصراف رسول الله صلى
الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة عام الحديبية كان في ذي الحجة من سنة ست من
الهجرة وبين الوقت الذي وقته ابن إسحاق لغزوة ذي قرد والوقت الذي روى عن سلمة
ابن الأكوع قريب من ستة أشهر * حدثنا حديث سلمة بن الأكوع الحسن
ابن يحيى قال حدثنا أبو عامر العقدي قال حدثنا عكرمة بن عمار اليمامي عن أياس
255

ابن سلمة عن أبيه قال أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة يعنى بعد
صلح الحديبية فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهره مع رباح غلام رسول
الله وخرجت معه بفرس لطلحة بن عبيد الله فلما أصبحنا إذا عبد الرحمن بن عيينة
قد أغار على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستاقه أجمع وقتل راعيه قلت
يا رباح خذ هذا الفرس وأبلغه طلحة وأخبر رسول الله أن المشركين قد أغاروا
على سرحه ثم قمت على أكمة فاستقبلت المدينة فناديت ثلاثة أصوات يا صباحاه
ثم خرجت في آثار القوم أرميهم بالنبل وأرتجز وأقول
وأنا ابن الأكوع * واليوم يوم الرضع
قال فوالله ما زلت أرميهم وأعقر بهم فإذا رجع إلى فارس منهم أتيت شجرة وقعدت في
أصلها فرميته فعقرت به وإذا تضايق الجبل فدخلوا في متضايق علوت الجبل ثم أرديهم
بالحجارة فوالله ما زلت كذلك حتى ما خلق الله بعيرا من ظهر رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلا جعلته وراء ظهري وخلوا بيني وبينه حتى ألقوا أكثر من ثلاثين رمحا وثلاثين
بردة يستخفون بها لا يلقون شيئا إلا جعلت عليه آراما حتى يعرفه رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى إذا انتهوا إلى متضايق من ثنية وإذا هم قد أتاهم عيينة بن
حصن بن بدر ممدا فقعدوا ينضحون وقعدت على قرن فوقهم فنظر عيينة فقال
ما الذي أرى قالوا لقينا من هذا البرح لا والله ما فارقنا هذا منذ غلس يرمينا حتى
استنفذ كل شئ في أيدينا قال فليقم إليه منكم أربعة فعمد إلى أربعة منهم فلما
أمكنوني من الكلام قلت أتعرفوني قالوا من أنت قلت سلمة بن الأكوع والذي
كرم وجه محمد لا أطلب أحدا منكم الا أدركته ولا يطلبني فيدركني قال أحدهم
ان أظن قال فرجعوا فما برحت مكاني ذاك حتى نظرت إلى فوارس رسول الله
صلى الله عليه وسلم يتخللون الشجر أولهم الأخرم الأسدي وعلى أثره أبو قتادة
الأنصاري وعلى أثره المقداد بن الأسود الكندي فأخذت بعنان فرس الأخرم
فقلت يا أخرم إن القوم قليل فاحذرهم لا يقتطعوك حتى يلحق بنا رسول الله وأصحابه
فقال يا سلمة إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر وتعلم أن الجنة حق والنار حق
256

فلا تحل بيني وبين الشهادة قال فخليته فالتقى هو وعبد الرحمن بن عيينة فعقر الأخرم
بعبد الرحمن فرسه فطعنه عبد الرحمن فقتله وتحول عبد الرحمن على فرسه ولحق
أبو قتادة عبد الرحمن فطعنه وقتله وعقر عبد الرحمن بأبي قتادة فرسه وتحول أبو قتادة
على فرس الأخرم فانطلقوا هاربين * قال سلمة فوالذي كرم وجه محمد لتبعتهم
أعدو على رجلي حتى ما أرى ورائي من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ولا غبارهم
شيئا قال ويعدلون قبل غروب الشمس إلى شعب فيه ماء يقال ذو قرد يشربون
منه وهم عطاش فنظروا إلى أعدو في آثارهم فحليتهم فما ذاقوا منه قطرة قال
ويسندون في ثنية ذي أسير ويعطف على واحد فأرشقه بسهم فيقع في نغض كتفه
فقلت خذها وأنا ابن الأكوع * واليوم يوم الرضع
فقال أكوعي غدوة قلت نعم يا عدو نفسه وإذا فرسان على الثنية فجئت بهما
أقودهما إلى رسول الله ولحقني عامر عمى بعد ما أظلمت بسطيحة فيها مذقة من لبن
وسطيحة فيها ماء فتوضأت وصليت وشربت ثم جئت إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم وهو على الماء الذي حليتهم عنه عند ذي قرد وإذا رسول قد أخذ
تلك الإبل التي استنقذت من العدو وكل رمح وكل بردة وإذا بلال قد نحر ناقة من
الإبل التي استنقذت من العدو فهو يشوى لرسول الله صلى الله عليه وسلم من كبدها
وسنامها فقلت يا رسول الله خلنى فلأنتخب مائة رجل من القوم فأتبع القوم فلا
يبقى منهم عين فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدا أو بانت نواجذه
ثم قال أكنت فاعلا فقلت أي والذي أكرمك فلما أصبحنا قال رسول الله إنهم
ليقرون بأرض غطفان قال فجاء رجل من غطفان فقال نحر لهم فلان جزورا فلما
كشطوا عنها جلدها رأوا غبارا فقالوا أتيتم فخرجوا هاربين فلما أصبحنا قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم خير فرساننا اليوم أبو قتادة وخير رجالتنا سلمة بن الأكوع
ثم أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم الفارس وسهم الراجل ثم أردفني
رسول الله وراءه على العضباء فبينما نحن نسير وكان رجل من الأنصار لا يسبق
شدا فجعل يقول ألا من مسابق فقال ذاك مرارا فلما سمعته قلت أما تكرم كريما
257

ولا تهاب شريفا فقال لا إلا إن يكون رسول الله فقلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي
ائذن لي فلأسابق الرجل قال إن شئت قال فطفرت فعدوت فربطت شرفا أو شرفين
فألحقه وأصكه بين كتفيه فقلت سبقتك والله فقال إن أظن فسبقته إلى المدينة فلم
نمكث بها الا ثلاثا حتى خرجنا إلى خيبر (رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق)
ومعه غلام لطلحة بن عبيد الله يعنى مع سلمة بن الأكوع معه فرس له يقوده حتى
إذا علا على ثنية الوداع نظر إلى بعض خيولهم فأشرف في ناحية سلع ثم صرخ
وا صباحاه ثم خرج يشتد في آثار القوم وكان مثل السبع حتى لحق بالقوم فجعل يردهم
بالنبل ويقول إذا رمى خذها منى
وأنا ابن الأكوع * واليوم يوم الرضع
فإذا وجهت الخيل نحوه انطلق هاربا ثم عارضهم فإذا أمكنه الرمي رمى ثم قال خذها
وأنا ابن الأكوع * واليوم يوم الرضع
قال فيقول قائلهم أكيعنا هو أول النهار قال وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم
صياح ابن الأكوع فصرخ بالمدينة الفزع الفزع فتتامت الخيول إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فكان أول من انتهى إليه من الفرسان المقداد بن عمرو ثم
كان أول فارس وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد المقداد من الأنصار
عباد بن بشر بن وقش بن زغبة بن زعورا أخو بنى عبد الأشهل وسعد بن زيد
أحد بنى كعب بن عبد الأشهل وأسيد بن ظهير أخو بنى محارثة بن الحارث يشك
فيه وعكاشة بن محصن أخو بنى أسد بن خزيمة ومحرز بن نضلة أخو بنى أسد بن
خزيمة وأبو قتادة الحارث بن ربعي أخو بنى سلمة وأبو عياش وهو عبيد بن زيد
ابن صامت أخو بنى زريق فلما اجتمعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر
عليهم سعد بن زيد ثم قال اخرج في طلب القوم حتى ألحقك في الناس وقد قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني عن رجال من بنى زريق لأبي عياش
يا أبا عياش لو أعطيت هذا الفرس رجلا هو أفرس منك فلحق بالقوم قال
أبو عياش فقلت يا رسول الله أنا أفرس الناس ثم ضربت الفرس فوالله ما جرى
258

خمسين ذراعا حتى طرحني فعجبت أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله
وسلم يقول لو أعطيته أفرس منك وأقول أنا أفرس الناس فزعم رجال من
بنى زريق أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعطى فرس أبى عياش معاذ بن
ماعص أو عائذ بن ماعص بن قيس بن خلدة كان ثامنا وبعض الناس يعد سلمة
ابن عمرو بن الأكوع أحد بنى الثمانية ويطرح أسيد بن ظهير أخا بنى حارثة ولم
يكن سلمة يومئذ فارسا وكان أول من لحق بالقوم على رجليه فخرج الفرسان في
طلب القوم حتى تلاحقوا * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال وحدثني محمد بن
إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة أن أول فارس لحق بالقوم محرز بن نضلة أخو
بنى أسد بن خزيمة ويقال لمحرز الأخرم ويقال له قمير وان الفزع لما كان جال
فرس لمحمود بن مسلمة في الحائط حين سمع صاهلة الخيل وكان فرسا صنيعا جاما
فقال نساء من نساء بنى عبد الأشهل حين رأى الفرس يجول في الحائط بجذع من
نخل هو مربوط به يا قمير هل لك في أن تركب هذا الفرس فإنه كما ترى ثم تلحق
برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالمسلمين قال نعم فأعطنيه إياه فخرج عليه فلم ينشب
أن بذا الخيل بجمامه حتى أدرك القوم فوقف لهم بين أيديهم ثم قال قفوا معشر
اللكيعة حتى يلحق بكم من وراءكم من أدباركم من المهاجرين والأنصار قال وحمل
عليه رجل منهم فقتله وجال الفرس فلم يقدروا عليه حتى وقف على آريه في
بنى عبد الأشهل فلم يقتل من المسلمين غيره وكان اسم فرس محمود ذا اللمة
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عمن لا يتهم عن عبيد الله
ابن كعب بن مالك الأنصاري أن محرزا إنما كان على فرس لعكاشة بن محصن
يقال له الجناح فقتل محرز واستلب الجناح ولما تلاحقت الخيول قتل أبو قتادة
الحارث بن ربعي أخو بنى سلمة حبيب بن عيينة بن حصن وغشاه ببردته ثم لحق
بالناس وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون فإذا حبيب مسجى ببردة
أبى قتادة فاسترجع الناس وقالوا قتل أبو قتادة فقال رسول الله صلى الله عليه
وعلى آله وسلم ليس بأبي قتادة ولكنه قتيل لأبي قتادة وضع عليه بردته لتعرفوا
259

أنه صاحبه وأدرك عكاشة بن محصن أوبارا وابنه عمرو بن أوبار على بعير واحد
فانتظمهما بالرمح فقتلهما جميعا واستنقذوا بعض اللقاح وسار رسول الله صلى الله
عليه وعلى آله وسلم حتى نزل بالجبل من ذي قرد وتلاحق به الناس فنزل رسول الله
صلى الله عليه وآله وأقام عليه يوما وليلة فقال له سلمة بن الأكوع
يا رسول الله لو سرحتني في مائة رجل لاستنقذت بقية السرح وأخذت بأعناق
القوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني أنهم الآن ليغبقون في غطفان
وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه في كل مائة جزورا فأقاموا عليها
ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا حتى قدم المدينة فأقام بها بعض جمادى
الآخرة ورجبا ثم غزا بالمصطلق من خزاعة في شعبان سنة ست
ذكر غزوة بنى المصطلق
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة بن الفضل وعلي بن مجاهد عن محمد بن إسحاق
عن عاصم بن عمر بن قتادة وعن عبد الله بن أبي بكر وعن محمد بن يحيى بن حبان
قال كل قد حدثني بعض حديث بنى المصطلق قالوا بلغ رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن بالمصطلق يجتمعون له وقائدهم الحارث بن أبي ضرار أبو جويرية بنت
الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
خرج إليهم حتى لقيهم على ماء من مياههم يقال له المريسيع من ناحية قديد إلى
الساحل فتزاحف الناس واقتتلوا قتالا شديدا فهزم الله بنى المصطلق وقتل من قتل
منهم ونفل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبناءهم ونساءهم وأموالهم فأفاءهم الله
وقد أصيب رجل من المسلمين من بنى كلب بن عوف بن عامر بن ليث بن بكر يقال
له هشام بن صبابة أصابه رجل من الأنصار من رهط عبادة بن الصامت وهو يرى أنه
من العدو فقتله خطأ فبينا الناس على ذلك الماء وردت واردة الناس ومع عمر
ابن الخطاب أجير له من بنى غفار يقال له جهجاه بن سعيد يقود له فرسه فازدحم
جهجاه وسنان الجهني حليف بنى عوف بن الخزرج على الماء فاقتتلا فصرخ الجهني
يا معشر الأنصار وصرخ جهجاه يا معشر المهاجرين فغضب عبد الله بن أبي ابن
260

سلول وعنده رهط من قومه فيهم زيد بن أرقم غلام حديث السن فقال أقد فعلوها
قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا والله ما عدونا وجلابيب قريش ما قال القائل
* سمن كلبك يأكلك * أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل
ثم أقبل على من حضره من قومه فقال هذا ما فعلتم بأنفسكم أحللتموهم بلادكم
وقاسمتموهم أموالكم أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير بلادكم فسمع
ذلك زيد بن أرقم فمشى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك عند فراغ
رسول الله صلى الله عليه وسلم من عدوه فأخبره الخبر وعنده عمر بن الخطاب فقال
يا رسول الله مر به عباد بن بشر بن وقش فليقتله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه؟ لا ولكن أذن بالرحيل
وذلك في ساعة لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتحل فيها فارتحل الناس
وقد مشى عبد الله بن أبي ابن سلول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه أن
زيد بن أرقم قد بلغه ما سمع منه فحلف بالله ما قلت ما قال ولا تكلمت به وكان عبد الله
ابن أبي في قومه شريفا عظيما فقال من حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم من
أصحابه من الأنصار يا رسول الله عسى أن يكون الغلام أوهم في حديثه ولم يحفظ
ما قال الرجل حدبا على عبد الله بن أبي ودفعا عنه فلما استقل رسول الله صلى الله
عليه وسلم وسار لقيه أسيد بن حضير فحياه تحية النبوة وسلم عليه ثم قال يا رسول الله لقد
رحت في ساعة منكرة ما كنت تروح فيها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ما بلغك
ما قال صاحبكم قال وأي صاحب يا رسول الله قال عبد الله بن أبي قال وما قال قال زعم
أنه رجع إلى المدينة أخرج الأعز منها الأذل قال أسيد فأنت والله يا رسول الله
تخرجه أنت إن شئت هو والله الذليل وأنت العزيز ثم قال يا رسول الله ارفق
به فوالله لقد جاء الله بك وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه فإنه ليرى أنك قد
استلبته ملكا ثم متن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس يومهم ذلك حتى
أمسى وليلتهم حتى أصبح وصدر يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس ثم نزل بالناس
فلم يكن إلا أن وجدوا مس الأرض وقعوا نياما وإنما فعل ذلك ليشغل الناس
261

عن الحديث الذي كان بالأمس من حديث عبد الله بن أبي ثم راح بالناس وسلك
الحجاز حتى نزل على ماء بالحجاز فويق النقيع يقال له نقعاء فلما راح رسول الله
صلى الله عليه وسلم هبت على الناس ريح شديدة آذتهم وتخوفوها فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لا تخافوا فإنما هبت لموت عظيم من عظماء الكفار فلما قدموا
المدينة وجدوا رفاعة بن زيد بن التابوت أحد بنى قينقاع وكان من عظماء يهود
وكهفا للمنافقين قد مات في ذلك اليوم ونزلت السورة التي ذكر فيها المنافقين
في عبد الله بن أبي ابن سلول ومن كان على مثل أمره فقال إذا جاءك المنافقون فلما
نزلت هذه السورة أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بإذن زيد بن أرقم فقال
هذا الذي أوفى الله بأذنه * حدثنا أبو كريب قال حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا
إسرائيل عن أبي إسحاق عن زيد بن أرقم قال خرجت مع عمى في غزاة فسمعت
عبد الله بن أبي ابن سلول يقول لأصحابه لا تنفقوا على من عند رسول الله والله
لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فذكرت ذلك لعمى فذكره عمى
لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إلي فحدثته فأرسل إلى عبد الله وأصحابه
فحلفوا ما قالوا قال فكذبني رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقه فأصابني هم
لم يصبني مثله قط فجلست في البيت فقال لي عمى ما أردت إلى أن كذبك رسول الله
ومقتك قال حتى أنزل الله عز وجل إذا جاءك المنافقون قال فبعث إلى رسول الله
صلى الله عليه وآله فقرأها ثم قال إن الله صدقك يا زيد (رجع الحديث إلى
حديث ابن إسحاق) وبلغ عبد الله بن عبد الله بن أبي الذي كان من أمر أبيه
* فحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر
ابن قتادة أن عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول أتى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال يا رسول الله إنه قد بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي فيما بلغك عنه
فإن كنت فاعلا فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه فوالله لقد علمت الخزرج ما كان
بها رجل أبر بوالده منى وإني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله فلا تدعني نفسي أن
أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبي يمشى في الناس فأقتله فأقتل مؤمنا بكافر فأدخل
262

النار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل نرفق به ونحسن صحبته ما بقى معنا
وجعل بعد ذلك اليوم إذا أحدث الحدث كان قومه هم الذين يعاتبونه ويأخذونه
ويعنفونه ويتوعدونه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب
حين بلغه ذلك عنهم من شأنهم كيف ترى يا عمر أما والله لو قتلته يوم أمرتني
بقتله لأرعدت له آنف لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته قال فقال عمر قد والله علمت
لأمر رسول الله أعظم بركة من أمري قال وقدم مقيس بن صبابة من مكة مسلما
فيما يظهر فقال يا رسول الله جئتك مسلما وجئتك أطلب دية أخي قتل خطأ فأمر
له رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية أخيه هشام بن صبابة فأقام عند رسول الله
صلى الله عليه وسلم غير كثير ثم عدا على قاتل أخيه فقتله ثم خرج إلى مكة
مرتدا فقال في سفره
شفى النفس أن قد بات بالقاع مسندا * يضرج ثوبيه دماء الأخادع
وكانت هموم النفس من قبل قتله * تلم فتحميني وطاء المضاجع
حللت به وترى وأدركت ثؤرتى * وكنت إلى الأوثان أول راجع
ثأرت به قهرا وحملت عقله * سراة بنى النجار أرباب فارع
وقال مقيس بن صبابة أيضا
جللته ضربة باءت لها وشل * من ناقع الجوف يعلوه وينصرم
فقلت والموت يغشاه أسرته * لا تأمنن بنى بكر إذا ظلموا
وأصيب من بنى المصطلق يومئذ ناس كثير قتل علي بن أبي طالب منهم
رجلين مالكا وابنه وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم سبيا كثيرا
ففشا قسمه في المسلمين ومنهم جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار زوج النبي
صلى الله عليه وسلم * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق
عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم
قالت لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا بنى المصطلق وقعت جويرية
263

بنت الحارث في السهم لثابت بن قيس بن الشماس أو لابن عم له فكاتبته على نفسها
وكانت امرأة حلوة ملاحة لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه فأتت رسول الله
صلى الله عليه وسلم تستعينه على كتابتها قالت فوالله ما هو إلا أن رأيتها على باب
حجرتي كرهتها وعرفت أنه سيرى منها مثل ما رأيت فدخلت عليه فقالت يا رسول الله
أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه وقد أصابني من البلاء ما لم يخف
عليك فوقعت في السهم لثابت بن قيس أو لابن عم له فكاتبته على
نفسي فجئتك أستعينك على كتابتي فقال لها فهل لك في خير من ذلك قالت وما هو
يا رسول الله قال أقضى كتابتك وأتزوجك قالت نعم يا رسول الله قال قد فعلت
قالت وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تزوج جويرية
بنت الحارث فقال الناس أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلوا ما بأيديهم
قالت فلقد أعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بنى المصطلق فما أعلم امرأة
كانت أعظم بركة على قومها منها
حديث الإفك
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال وأقبل رسول الله صلى
الله عليه وسلم من سفره ذلك كما حدثني أبي إسحاق عن الزهري عن عروة عن
عائشة حتى إذا كان قريبا من المدينة وكانت عائشة في سفره ذلك قال أهل الإفك
فيها ما قالوا * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن
علقمة بن وقاص الليثي وعن سعيد بن المسيب وعن عروة بن الزبير وعن عبيد الله
ابن عبد الله بن عتبة قال الزهري كل قد حدثني بعض هذا الحديث وبعض القوم
كان أوعى له من بعض قال وقد جمعت لك كل الذي حدثني القوم * حدثنا ابن حميد
قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد ابن إسحاق قال حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن
الزبير عن أبيه عن عائشة قال وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم
الأنصاري عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة قال وكل قد اجتمع حديثه في
264

خبر قصة عائشة عن نفسها حين قال أهل الإفك فيها ما قالوا وكل ما حدث قد
دخل في حديثها عن هؤلاء جميعا ويحدث بعضهم ما لم يحدث بعض وكل كان عنها
ثقة وكل قد حدث عنها ما سمع (قالت عائشة) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه فلما كانت غزوة
بنى المصطلق أقرع بين نسائه كما كان يصنع فخرج سهمي عليهن فخرج بي رسول الله
صلى الله عليه وسلم قالت وكان النساء إذ ذاك إنما يأكلن العلق لم يهيجن اللحم
فيثقلن قالت وكنت إذا رحل بعيري جلست في هودجي ثم يأتي القوم الذين
يرحلون هودجي في بعيري ويحملوني فيأخذون بأسفل الهودج فيرفعونه فيضعونه
على ظهر البعير فيشدونه بحباله ثم يأخذون برأس البعير فينطلقون به قالت فلما
فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفره ذلك وجه قافلا حتى إذا كان قريبا
من المدينة نزل منزلا فبات فيه بعض الليل ثم أذن في الناس بالرحيل فلما ارتحل
الناس خرجت لبعض حاجتي وفى عنقي نقد لي فيه جزع ظفار فلما فرغت انسل
من عنقي ولا أدرى فلما رجعت إلى الرحل ذهبت ألتمسه في عنقي فلم أجده وقد
اخذ الناس في الرحيل قالت فرجعت عودي على بدئي إلى المكان الذي ذهبت
إليه فالتمسته حتى وجدته وجاء خلافي القوم الذين كانوا يرحلون لي البعير وقد
فرغوا من رحلته فأخذوا الهودج وهم يظنون أني فيه كما كنت أصنع فاحتملوه
فشدوه على البعير ولم يشكوا أنى فيه ثم أخذوا برأس البعير فانطلقوا به ورجعت
إلى العسكر وما فيه داع ولا مجيب وقد انطلق الناس قالت فتلففت بجلبابي ثم
اضطجعت في مكاني الذي ذهبت إليه وعرفت أن لو قد افتقدوني قد رجعوا إلى
قالت فوالله إني لمضطجعة إذ مر بي صفوان بن المعطل السلمي وقد كان تخلف
عن العسكر لبعض حاجته فلم يبت مع الناس في العسكر فلما رأى سوادي أقبل حتى
وقف علي فعرفني وقد كان يراني قبل أن يضرب علينا الحجاب فلما رآني قال إنا لله
وإنا إليه راجعون أضعينة رسول الله وأنا متلففة في ثيابي قال ما خلفك رحمك الله قالت
فما كلمته ثم قرب البعير فقال اركبي رحمك الله واستأخر عنى قالت فركبت وجاء
265

فاخذ برأس البعير فانطلق بي سريعا يطلب الناس فوالله ما أدركنا الناس وما افتقدت
حتى أصبحت ونزل الناس فلما اطمأنوا طلع الرجل يقودني فقال أهل الإفك
في ما قالوا فارتج العسكر ووالله ما أعلم بشئ من ذلك ثم قدمنا إلى المدينة فلم أمكث
أن اشتكيت شكوى شديدة ولا يبلغني من ذلك وقد انتهى الحديث إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم وإلى أبوى ولا يذكران لي من ذلك قليلا ولا كثيرا إلا
أنى قد أنكرت من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض لطفه بي كنت إذا
اشتكيت رحمني ولطف بي فلم يفعل ذلك في شكواي تلك فأنكرت منه وكان إذا
دخل على وأمي تمرضني قال كيف تيكم لا يزيد على ذلك قالت حتى وجدت في
نفسي مما رأيت من جفائه عنى فقلت له يا رسول الله فلو أذنت لي فانتقلت إلى أمي
فمرضتني قال لا عليك قالت فانتقلت إلى أمي ولا أعلم بشئ مما كان حتى نقهت من
وجعي بعد بضع وعشرين ليلة قالت وكنا قوما عربا لا نتخذ في بيوتنا هذه الكنف
التي تتخذها الأعاجم نعافها ونكرهها إنما كنا نخرج في فسح المدينة وإنما
كان النساء يخرجن كل ليلة في حوائجهن فخرجت ليلة لبض حاجتي ومعي
أم مسطح بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف وكانت أمها بنت صخر بن
عامر بن كعب بن سعد بن تيم خالة أبى بكر قالت فوالله إنها لتمشي معي إذ
عثرت في مرطها فقالت تعس مسطح قالت قلت بئس لعمر الله ما قلت لرجل
من المهاجرين قد شهد بدرا قالت أو ما بلغك الخبر يا بنت أبي بكر قالت قلت
وما الخبر فأخبرتني بالذي كان من قول أهل الإفك قالت قلت وقد كان هذا
قالت نعم والله لقد كان قالت فوالله ما قدرت على أن أقضى حاجتي ورجعت فما
زلت أبكى حتى ظننت أن البكاء سيصدع كبدي قالت وقلت لامى يغفر الله لك
تحدث الناس بما تحدثوا به وبلغك ما بلغك ولا تذكرين لي من ذلك شيئا قالت
أي بنية خفضي الشأن فوالله قل ما كانت امرأة حسناء عند رجل يحبها لها
ضرائر إلا كثرن وكثر الناس عليها قالت وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم
في الناس يخطبهم ولا أعلم بذلك ثم قال أيها الناس ما بال رجال يؤذونني في أهلي
266

ويقولون عليهن غير الحق والله ما علمت منهن إلا خيرا ويقولون ذلك لرجل
والله ما علمت منه إلا خيرا وما دخل بيتا من بيوتي إلا وهو معي قالت وكان
كبر ذلك عند عبد الله بن أبي ابن سلول في رجال من الخزرج مع الذي قال
مسطح وحمنة بنت جحش وذلك أن أختها زينب بنت جحش كانت عند رسول الله
صلى الله عليه وسلم فأشاعت من ذلك ما أشاعت تضارني لأختها زينب بنت جحش
فشقيت بذلك فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك المقالة قال أسيد بن حضير
أخو بنى عبد الأشهل يا رسول الله إن يكونوا من الأوس نكفيكهم وإن يكونوا
من إخواننا من الخزرج فمرنا بأمرك فوالله إنهم لأهل أن تضرب أعناقهم قالت
فقام سعد بن عبادة وكان قبل ذلك يرى رجلا صالحا فقال كذبت لعمر الله لا تضرب
أعناقهم أما والله ما قلت هذه المقالة إلا أنك قد عرفت أنهم من الخزرج ولو كانوا
من قومك ما قلت هذا قال أسيد كذبت لعمر الله ولكنك منافق تجادل عن المنافقين
قالت وتثاور الناس حتى كاد أن يكون بين هذين الحيين من الأوس والخزرج
شر ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل على قالت فدعا علي بن أبي طالب
وأسامة بن زيد فاستشارهما فاما أسامة فأثنى خيرا وقاله ثم قال يا رسول الله
أهلك ولا نعلم عليهن إلا خيرا وهذا الكذب والباطل وأما علي فإنه قال يا رسول الله
إن النساء لكثير وإنك قادر على أن تستخلف وسل الجارية فإنها تصدقك
فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة يسألها قالت فقام إليها علي فضربها ضربا
شديدا وهو يقول أصدقي رسول الله قالت فتقول والله ما أعلم إلا خيرا وما كنت
أعيب على عائشة إلا أنى كنت أعجن عجيني فأمرها أن تحفظه فتنام عنه فيأتي الداجن
فيأكله ثم دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي أبواي وعندي امرأة
من الأنصار وأنا أبكى وهى تبكى معي فجلس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا عائشة
إنه قد كان ما بلغك من قول الناس فاتقى الله وإن كنت قارفت سوءا مما يقول
الناس فتوبي إلى الله فإن الله يقبل التوبة عن عباده قالت فوالله ما هو الا أن قال
ذلك تقلص دمعي حتى ما أحس منه شيئا وانتظرت أبوى أن يجيبا رسول الله
صلى الله عليه وسلم فلم يتكلما قالت وأيم الله لأنا كنت أحقر في نفسي وأصغر
267

شأنا من أن ينزل الله عز وجل في قرآنا يقرأ به في المساجد ويصلى به ولكني
قد كنت أرجو أن يرى رسول الله في نومه شيئا يكذب الله به عنى لما يعلم من
برأتي أو يخبر خبرا فأما قرآن ينزل في فوالله لنفسي كانت أحقر عندي من ذلك
قالت فلما لم أر أبوى يتكلمان قالت قلت ألا تجيبان رسول الله قالت فقالا لي والله
ما ندري بماذا نجيبه قالت وأيم الله ما أعلم أهل بيت دخل عليهم ما دخل على آل أبي
بكر في تلك الأيام قالت فلما استعجما على استعبرت فبكيت ثم قلت والله لا أتوب
إلى الله مما ذكرت أبدا والله لئن أقررت بما يقول الناس والله يعلم أنى منه بريئة
لتصدقني لأقولن ما لم يكن ولئن أنا أنكرت ما تقولون لا تصدقوني قالت ثم التمست
اسم يعقوب فما أذكره ولكني أقول كما قال أبو يوسف (فصبر جميل والله المستعان
على ما تصفون) قالت فوالله ما برح رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه حتى تغشاه
من الله ما كان يتغشاه فسجى بثوبه ووضعت وسادة من أدم تحت رأسه فأما أنا
حين رأيت من ذلك ما رأيت فوالله ما فزعت كثيرا ولا باليت قد عرفت أنى
بريئة وأن الله غير ظالمي وأما أبواي فوالذي نفس عائشة بيده ما سرى عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننت لتخرجن أنفسهما فرقا أن يأتي من
الله تحقيق ما قال الناس قالت ثم سرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس
وإنه ليتحدر منه مثل الجمان في يوم شات فجعل يمسح العرق عن جنبيه ويقول
أبشري يا عائشة فقد أنزل الله براءتك قالت فقلت بحمد الله وذمكم ثم خرج إلى
الناس فخطبهم وتلا عليهم ما أنزل الله عز وجل من القرآن في ثم أمر بمسطح بن
أثاثه وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش وكانوا ممن أفصح بالفاحشة فضربوا
حدهم * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن أبيه عن بعض
رجال بنى النجار أن أبا أيوب خالد بن زيد قالت له امرأته أم أيوب يا أبا أيوب
أما تسمع ما يقول الناس في عائشة قال بلى وذلك الكذب أكنت يا أم أيوب
فاعلة ذلك قالت لا والله ما كنت لأفعله قال فعائشة والله خير منك قال فلما نزل
القرآن ذكر الله من قال من الفاحشة ما قال من أهل الإفك (إن الذين جاؤوا بالإفك
268

عصبة منكم) الآية وذلك حسان بن ثابت وأصحابه الذين قالوا ما قالوا ثم قال الله
عز وجل (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا) الآية
أي كما قال أبو أيوب وصاحبته ثم قال (إذ تلقونه بألسنتكم) الآية فلما نزل
هذا في عائشة وفيمن قال لها ما قال قال أبو بكر وكان ينفق على مسطح لقرابته
منه وحاجته والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا ولا أنفعه بنفع أبدا بعد الذي
قال لعائشة وأدخل علينا ما أدخل قال فأنزل الله عز وجل في ذلك (ولا يأتل
أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولى القربى) الآية قالت فقال أبو بكر
والله لأحب أن يغفر الله لي فرجع إلى مسطح نفقته التي كان ينفق عليه وقال والله
لا أنزعها منه أبدا ثم إن صفوان بن المعطل اعترض حسان بن ثابت بالسيف
حين بلغه ما يقول فيه وقد كان حسان قال شعرا مع ذلك يعرض بابن المعطل
فيه وبمن أسلم من العرب من مضر فقال
أمسى الجلابيب قد عزوا وقد كثروا * وابن الفريعة أمسى بيضة البلد
قد ثكلت أمه من كنت صاحبه * أو كان منتشبا في برثن الأسد
ما لقتيلي الذي أغدوا فاخذه * من دية فيه يعطاها ولا قود
ما البحر حين تهب الريح شامية * فيغطئل ويرمى العبر بالزبد
يوما بأغلب منى حين تبصرني * مل غيظ أفرى كفرى العارض البرد
فاعترضه صفوان بن المعطل بالسيف فضربه ثم قال كما حدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة عن محمد بن إسحاق
تلق ذباب السيف عنى فإنني * غلام إذا هوجيت لست بشاعر
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم
ابن الحارث التيمي أن ثابت بن قيس بن الشماس أخا بلحارث بن الخزرج وثب
على صفوان بن المعطل في ضربه حسان فجمع يديه إلى عنقه فانطلق به إلى دار بنى
الحارث بن الخزرج فلقيه عبد الله بن رواحة فقال ما هذا قال الا أعجبك ضرب
269

حسان بن ثابت بالسيف والله ما أراه إلا قد قتله قال فقال له عبد الله بن رواحة
هل علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشئ مما صنعت قال لا والله قال لقد اجترأت
أطلق الرجل فأطلقه ثم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له ذلك فدعا
حسان وصفوان بن المعطل فقال ابن المعطل يا رسول الله آذاني وهجاني فاحتملني
الغضب فضربته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان يا حسان اتشوهت
على قومي أن هداهم الله للاسلام ثم قال أحسن يا حسان في الذي قد أصابك قال
هي لك يا رسول الله * وحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن
محمد بن إبراهيم بن الحارث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه عوضا منها
بيرحا وهى قصر بنى حديلة اليوم بالمدينة كانت مالا لأبي طلحة بن سهل تصدق
بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاها حسان في ضربته وأعطاه سيرين
أمة قبطية فولدت له عبد الرحمن بن حسان قال وكانت عائشة تقول لقد سئل عن
صفوان بن المعطل فوجدوه رجلا حصورا ما يأتي النساء ثم قتل بعد ذلك شهيدا
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن بن إسحاق عن عبد الواحد بن حمزة أن حديث
عائشة كان في عمرة القضاء (قال أبو جعفر) ثم إقام رسول الله صلى الله عليه
وسلم بالمدينة شهر رمضان وشوالا وخرج في ذي القعدة من سنة ست معتمرا
ذكر الخبر عن عمرة النبي صلى الله عليه وسلم
التي صده المشركون فيها عن البيت، وهى قصة الحديبية
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا الحكم بن بشير قال حدثنا عمر بن ذر الهمداني عن
مجاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاث عمر كلها في ذي القعدة يرجع في كلها
إلى المدينة * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال خرج النبي صلى
الله عليه وسلم معتمرا في ذي القعدة لا يريد حربا وقد استنفر العرب من حوله
من أهل البوادي من الاعراب أن يخرجوا معه وهو يخشى من قريش الذي
صنعوا أن يعرضوا له بحرب أو يصدوه عن البيت فأبطأ عليه كثير من الاعراب
270

وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المهاجرين والأنصار ومن
لحق به من العرب وساق معه الهدى وأحرم بالعمرة ليأمن الناس من حربه وليعلم
الناس أنه إنما جاء زائرا لهذا البيت معظما له * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة
قال حدثني محمد بن إسحاق عن محمد بن مسلم الزهري عن عروة بن الزبير عن المسور
ابن مخرمة ومروان بن الحكم أنهما حدثاه قالا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم
عام الحديبية يريد زيارة البيت لا يريد قتالا وساق معه سبعين بدنة وكان الناس
سبعمائة رجل كانت كل بدنة عن عشرة نفر * وأما حديث ابن عبد الاعلى فحدثنا
عن محمد بن ثور عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة
* وحدثني يعقوب قال حدثني يحيى بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن مبارك قال
حدثني معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم
قالا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية في بضع عشرة مائة
من أصحابه ثم ذكر الحديث * حدثنا يحيى الحسن بن قال حدثنا أبو عامر قال حدثنا
عكرمة بن عمار اليمامي عن إياس بن سلمة عن أبيه قال قدمنا مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم الحديبية ونحن أربع عشرة مائة * حدثنا يوسف بن موسى القطان قال
حدثنا هشام بن عبد الملك وسعيد بن شرحبيل المصري قالا حدثنا الليث بن سعد
المصري قال حدثنا أبو الزبير عن جابر قال كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة
* حدثني محمد بن سعد قال حدثني أبي قال حدثني عمى قال حدثني أبي عن أبيه عن
ابن عباس قال كان أهل البيعة تحت الشجرة ألفا وخمسمائة وخمسة وعشرين * حدثنا
ابن المثنى قال حدثنا أبو داود قال حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة قال سمعت عبد الله بن أبي
أوفى يقول كنا في يوم الشجرة ألفا وثلثمائة وكانت أسلم ثمن المهاجرين * حدثنا
ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن الأعمش عن أبي سفيان
عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال كنا أصحاب الحديبية أربع عشرة مائة (قال
الزهري) فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بعسفان لقيه بشر
ابن سفيان الكعبي فقال له يا رسول الله هذه قريش قد سمعوا بمسيرك فخرجوا
271

معهم العوذ المطافيل قد لبسوا جلود النمور وقد نزلوا بذى طوى يحلفون بالله
لا تدخلها عليهم أبدا وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قد قدموها إلى كراع الغميم
(قال أبو جعفر) وقد كان بعضهم يقول إن خالد بن الوليد كان يومئذ مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم مسلما
ذكر من قال ذلك
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا يعقوب القمي عن جعفر يعنى ابن أبي المغيرة
عن ابن أبزى قال لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم بالهدى وانتهى إلى ذي
الحليفة قال له عمر يا رسول الله تدخل على قوم هم لك حرب بغير سلاح ولا كراع
قال فبعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فلم يدع فيها كراعا ولا سلاحا إلا
حمله فلما دنا من مكة منعوه أن يدخل فسار حتى أتى منى فنزل بمنى فأتاه عينه أن
عكرمة بن أبي جهل قد خرج عليك في خمسمائة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لخالد بن الوليد يا خالد هذا ابن عمك قد أتاك في الخيل فقال خالد أنا سيف الله
وسيف رسوله فيومئذ سمى سيف الله يا رسول الله ارم بي حيث شئت فبعثه
على خيل فلقى عكرمة في الشعب فهزمه حتى أدخله حيطان مكة ثم عاد في
الثانية فهزمه حتى أدخله حيطان مكة ثم عاد في الثالثة فهزمه حتى أدخله حيطان
مكة فأنزل الله تعالى فيه (وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن
مكة من بعد أن أظفركم عليهم - إلى قوله - عذابا أليما) قال وكف الله النبي
صلى الله عليه وسلم عنهم بعد أن أظفره عليهم لبقايا من المسلمين كانوا بقوا فيها
من بعد أن أظفره عليهم كراهية أن تطأهم الخيل بغير علم (رجع الحديث إلى
حديث ابن إسحاق) قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ويح قريش قد
أكلتهم الحرب ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر العرب فإن هم أصابوني كان
ذلك الذي أرادوا وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الاسلام وافرين وإن لم
يفعلوا قاتلوا وبهم قوة فما تظن قريش فوالله لا أزال أجاهدهم على الذي بعثني
الله به حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة ثم قال من رجل يخرج بنا على طريق
272

غير طريقهم التي هم بها * فحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن
عبد الله بن أبي بكر أن رجلا من أسلم قال أنا يا رسول الله قال فسلك بهم على طريق
وعر حزن بين شعاب فلما أن خرجوا منه وقد شق ذلك على المسلمين وأفضوا
إلى أرض سهلة عند منقطع الوادي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس
قولوا نستغفر الله ونتوب إليه ففعلوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والله
إنها للحطة التي عرضت على بني إسرائيل فلم يقولوها (قال ابن شهاب) ثم أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فقال اسلكوا ذات اليمين بين ظهري الحمض
في طريق تخرجه على ثنية المرار على مهبط الحديبية من أسفل مكة قال فسلك
الجيش ذلك الطريق فلما رأت خيل قريش قترة الجيش وأن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قد خالفهم عن طريقهم ركضوا راجعين إلى قريش وخرج رسول الله
صلى الله عليه وآله حتى إذا سلك في ثنية المرار بركت ناقته فقال الناس
خلات فقال ما خلات وما هو لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة
لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألوني صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها ثم قال
للناس أنزلوا فقيل يا رسول الله ما بالوادي ماء ننزل عليه فأخرج سهما من
كنانته فأعطاه رجلا من أصحابه فنزل في قليب من تلك القلب فغرزه في جوفه
فجاش الماء بالري حتى ضرب الناس عليه بعطن * فحدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم أن رجلا من أسلم حدثه أن
الذي نزل في القليب بسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ناجية بن عمير بن يعمر
ابن دارم وهو سائق بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وقد زعم لي بعض
أهل العلم أن البراء بن عازب كان يقول أنا الذي نزلت بسهم رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال وأنشدت أسلم أبياتا من شعر قالها ناجية قد ظننا أنه هو الذي
نزل بسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعمت أسلم أن جارية من الأنصار
أقبلت بدلوها وناجية في القليب يميح على الناس فقالت
يا أيها المائح دلوي دونكا * إني رأيت الناس يحمدونكا
273

* يثنون خيرا ويمجدونكا * وقال ناجية وهو في القليب يميح الناس
قد علمت جارية يمانية * أنى أنا المائح واسمى ناجية
وطعنة دات رشاش واهيه * طعنتها تحت صدور العادية
* حدثنا محمد بن عبد الاعلى الصنعاني قال حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن
الزهري عن عروة عن المسور بن مخرمة * وحدثني يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا
يحيى بن سعيد القطان قال حدثنا عبد الله بن المبارك قال حدثنا معمر عن الزهري
عن عروة عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قالا نزل رسول الله صلى الله
عليه وسلم بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء إنما يتربضه الناس تربضا فلم
يلبثه الناس أن نزحوه فشكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش فنزع
سهما من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيه فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا
عنه فبينا هم كذلك جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة
وكانوا عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل تهامة فقال إني تركت
كعب بن لؤي وعامر بن لؤي قد نزلوا أعداد مياه الحديبية معهم العوذ المطافيل وهم
مقاتلوك وصادوك عن البيت فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنا لم نأت لقتال أحد
ولكنا جئنا معتمرين وإن قريشا قد نهكتهم الحرب وأضرت بهم فإن شاؤوا
ماددناهم مدة ويخلوا بيني وبين الناس فإن أظهر فإن شاؤوا أن يدخلوا فيما دخل
فيه الناس فعلوا وإلا فقد جموا وإن هم أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على
أمري هذا حتى تنفرد سالفتي أو لينفذن الله أمره فقال بديل سنبغهم ما تقول
فانطلق حتى أتى قريشا فقال إنا قد جئناكم من عند هذا الرجل وسمعناه يقول
قولا فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا فقال سفهاؤهم لا حاجة لنا أن تحدثنا عنه بشئ
وقال ذو الرأي منهم هات ما سمعته يقول قال سمعته يقول كذا وكذا فحدثهم
بما قال النبي صلى الله عليه وسلم فقام عروة بن مسعود الثقفي فقال أي قوم ألستم
بالوالد قالوا بلى قال أو لست بالولد قالوا بلى قال فهل تتهموني قالوا لا قال ألستم تعلمون
أنى استنفرت أهل عكاظ فلما بلحوا على جئتكم بأهلي وولدي من أطاعني قالوا
274

بلى * وحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن الزهري في حديثه
قال كان عروة بن مسعود لسبيعة بنت عبد شمس (رجع الحديث إلى حديث ابن
عبد الاعلى ويعقوب) قال فإن هذا الرجل قد عرض عليكم خطة رشد
فاقبلوها ودعوني آتيه فقالوا ائته فأتاه فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فقال
النبي نحوا من مقالته لبديل فقال عروة عند ذلك أي محمد أرأيت إن استأصلت
قومك فهل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله قبلك وإن تكن الأخرى فوالله
انى لارى وجوها وأشوابا من الناس خلقا أن يفروا ويدعوك فقال أبو بكر
امصص بظر اللات واللات طاغية ثقيف التي كانوا يعبدون أنحن نفر وندعه
فقال من هذا فقالوا أبو بكر فقال أما والذي نفسي بيده لولا يد كانت لك عندي
لم أجزك بها لأجبتك وجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فكلما كلمه أخذ
بلحيته والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي صلى الله عليه وسلم ومعه السيف
وعليه المغفر فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي صلى الله عليه وسلم ضرب
يده بنعل السيف وقال أخر يدك عن لحيته فرفع عروة رأسه فقال من هذا قالوا
المغيرة بن شعبة قال أي غدر ألست أسعى في غدرتك وكان المغيرة بن شعبة
صحب قوما في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فأسلم فقال النبي صلى الله
عليه وسلم أما الاسلام فقد قبلنا وأما المال فإنه مال غدر لا حاجة لنا فيه وإن
عروة جعل يرمق أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعينه قال فوالله إن يتنخم النبي
نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم ابتدروا
أمره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلموا عنده خفضوا أصواتهم
وما يحدون النظر إليه تعظيما له فرجع عروة إلى أصحابه فقال أي قوم والله لقد
وفدت على الملوك ووفدت على كسرى وقيصر والنجاشي والله إن رأيت ملكا
قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا والله إن يتنخم نخامة إلا وقعت في
كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم ابتدروا أمره وإذا توضأ
كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلموا عنده خفضوا أصواتهم وما يحدون
275

النظر إليه تعظيما له وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها فقال رجل من كنانة
دعوني آئيه فقالوا ائته فلما أشرف على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال النبي
صلى الله عليه وسلم هذا فلان وهو من قوم يعظمون البدن فابعثوها له فبعث
له واستقبله قوم يلبون فلما رأى ذلك قال سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا
عن البيت * وحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن الزهري قال في
حديثه ثم بعثوا إليه الحليس بن علقمة أو ابن زبان وكان يومئذ سيد الأحابيش
وهو أحد بلحارث بن عبد مناة بن كنانة فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال إن هذا من قوم يتألهون فابعثوا الهدى في وجهه حتى يراه فلما رأى الهدى
يسيل عليه من عرض الوادي في قلائده قد أكل أو باره من طول الحبس رجع
إلى قريش ولم يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إعظاما لما رأى فقال يا معشر
قريش إني قد رأيت مالا يحل صد الهدى في قلائده قد أكل أوباره من طول
الحبس عن محله قالوا له اجلس فإنما أنت رجل أعرابي لا علم لك * وحدثنا
ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر
أن الحليس غضب عند ذلك وقال يا معشر قريش والله ما على هذا حالفناكم
ولا على هذا عاقدناكم أن تصدوا عن بيت الله من جاءه معظما له والذي نفس
الحليس بيده لتخلن بين محمد وبين ما جاء له أو لأنفرن بالأحابيش نفرة رجل
واحد قال فقالوا له مه كف عنا يا حليس حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به (رجع
الحديث إلى حديث ابن عبد الاعلى ويعقوب) فقام رجل منهم يقال له مكرز
ابن حفص فقال لهم دعوني آته قالوا ائته فلما أشرف عليهم قال النبي صلى الله عليه
وسلم هذا مكرز بن حفص وهو رجل فاجر فجاء فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم
فبينا هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو قال أيوب عن عكرمة إنه لما جاء سهيل قال
النبي صلى الله عليه وسلم قد سهل لكم من أمركم * فحدثني محمد بن عمارة الأسدي
ومحمد بن منصور واللفظ لابن عمارة قالا حدثنا عبيد الله بن موسى قال أخبرنا
موسى بن عبيدة عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال بعثت قريش سهيل
276

ابن عمرو وحويطب بن عبد العزى وحفص بن فلان إلى النبي صلى الله عليه وسلم
ليصالحوه فلما رآهم رسول الله فيهم سهيل بن عمرو قال قد سهل الله لكم من
أمركم القوم ماتون إليكم بأرحامكم وسائلوكم الصلح فابعثوا الهدى وأظهروا التلبية
لعل ذلك يلين قلوبهم فلبوا من نواحي العسكر حتى ارتجت أصواتهم بالتلبية قال
فجاؤوا فسألوه الصلح قال فبينما الناس قد توادعوا وفى المسلمين ناس من المشركين
وفى المشركين ناس من المسلمين قال ففتك به أبو سفيان قال فإذا الوادي يسيل
بالرجال والسلاح قال إياس قال سلمة فجئت بستة من المشركين متسلحين أسوقهم
ما يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا فأتيت بهم النبي صلى الله عليه وسلم فلم يسلب
ولم يقتل وعفا وأما الحسن بن يحيى فإنه حدثنا قال حدثنا أبو عامر قال حدثنا
عكرمة بن عمار اليمامي عن إياس بن سلمة عن أبيه أنه قال لما اصطلحنا نحن
وأهل مكة أتيت الشجرة فكسحت شوكها ثم اضطجعت في ظلها فأتاني
أربعة نفر من المشركين من أهل مكة فجعلوا يقعون في رسول الله صلى الله عليه
وسلم فأبغضتهم قال فتحولت إلى شجرة أخرى فعلقوا سلاحهم ثم اضطجعوا
فبينا هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل الوادي يا للمهاجرين قتل ابن زنيم فاخترطت
سيفي فشددت على أولئك الأربعة وهم رقود فأخذت سلاحهم فجعلته ضغثا
في يدي ثم قلت والذي كرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم لا يرفع أحد منكم
رأسه إلا ضربت الذي فيه عيناه قال فجئت بهم أقودهم إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم وجاء عمى عامر برجل من العبلات يقال له مكرز يقوده مجففا حتى وقفنا بهم
على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعين من المشركين فنظر إليهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال دعوهم يكن لهم بدء الفجور فعفا عنهم قال فأنزل الله عز
وجل (وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة)
(رجع الحديث إلى حديث محمد بن عمارة ومحمد بن منصور عن عبيد الله)
قال سلمة فشددنا على من في أيدي المشركين منا فما تركنا في أيديهم منا رجلا
إلا استنقذناه قال وغلبنا على من في أيدينا منهم ثم إن قريشا بعثوا سهيل بن عمرو
277

وحويطبا فولوهم صلحهم وبعث النبي صلى الله عليه وسلم عليا عليه السلام في
صلحه * حدثنا بشر بن معاذ قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا سعيد عن قتادة
قال ذكر لنا أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له زنيم اطلع الثنية
من الحديبية فرماه المشركون فقتلوه فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا
فأتوه باثني عشر رجلا فارسا من الكفار فقال لهم نبي الله صلى الله عليه وسلم
هل لكم علي عهد هل لكم علي ذمة قالوا لا قال فأرسلهم رسول الله صلى الله عليه
وسلم فأنزل الله في ذلك القرآن (وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة
- إلى قوله - بما تعملون بصيرا) وأما ابن إسحاق فإنه ذكر أن قريشا إنما بعثت سهيل
ابن عمرو بعد رسالة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلها إليهم مع عثمان بن عفان
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال حدثني بعض أهل العلم
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا خراش بن أمية الخزاعي فبعثه إلى قريش
بمكة وحمله على جمل له يقال له الثعلب ليبلغ أشرافهم عنه ما جاء له فعقروا به جمل
رسول الله وأرادوا قتله فمنعته الأحابيش فخلوا سبيله حتى أتى رسول الله صلى الله
عليه وسلم * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال حدثني من
لا أتهم عن عكرمة مولى ابن عباس أن قريشا بعثوا أربعين رجلا منهم أو خمسين
رجلا وأمروهم أن يطيفوا بعسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصيبوا لهم من
أصحابه فأخذوا أخذا فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعفا عنهم وخلى سبيلهم
وقد كانوا رموا في عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجارة والنبل ثم دعا
النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة فيبلغ عنه أشراف قريش
ما جاء له فقال يا رسول الله إني أخاف قريشا على نفسي وليس بمكة من بنى عدى
ابن كعب أحد يمنعني وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها ولكني
أدلك على رجل هو أعز بها منى عثمان بن عفان فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم
عثمان فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب وإنما جاء
زائرا لهذا البيت معظما لحرمته فخرج عثمان إلى مكة فلقيه أبان بن سعيد بن العاص
278

حين دخل مكة أو قبل أن يدخلها فنزل عن دابته فحمله بين يديه ثم ردفه وأجاره
حين بلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان
وعظماء قريش فبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرسله به فقالوا لعثمان
حين فرغ من رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم إن شئت أن تطوف
بالبيت فطف به قال ما كنت لافعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم
فاحتبسته قريش عندها فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين أن عثمان قد
قتل * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال فحدثني عبد الله بن أبي
بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه أن عثمان قد قتل قال لا نبرح
حتى نناجز القوم ودعا الناس إلى البيعة فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة
* حدثني ابن عمارة الأسدي قال حدثني عبد الله بن موسى عن عبيدة عن اياس
ابن سلمة قال قال سلمة بن الأكوع بينما نحن قافلون من الحديبية نادى منادى النبي
صلى الله عليه وسلم أيها الناس البيعة البيعة نزل روح القدس قال فثرنا إلى رسول
الله وهو تحت شجرة سمرة قال فبايعناه قال وذلك قول الله تعالى (لقد رضى الله
عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة) * حدثنا عبد الحميد بن بيان قال
أخبرنا محمد بن يزيد عن إسماعيل بن أبي خالد عن عامر قال كان أول من بايع بيعة
الرضوان رجلا من بنى أسد يقال له أبو سنان بن وهب * حدثني يونس بن عبد الاعلى
قال أخبرنا ابن وهب قال أخبرنا القاسم بن عبد الله بن عمر عن محمد بن المنكدر
عن جابر بن عبد الله أنهم كانوا يوم الحديبية أربع عشرة مائة قال فبايعنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم وعمر آخذ بيده تحت الشجرة وهى سمرة فبايعناه غير الجد بن
قيس الأنصاري اختبأ تحت بطن بعيره * قال جابر بايعنا رسول الله على أن لا نفر
ولم نبايعه على الموت وقد قيل في ذلك ما حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبر أبو عامر
قال أخبرنا عكرمة بن عمار اليمامي عن اياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه أن النبي
صلى الله عليه وسلم دعا الناس للبيعة في أصل الشجرة فبايعته في أول الناس ثم بايع
وبايع حتى إذا كان في وسط من الناس قال بايع يا سلمة قال قلت قد بايعتك يا رسول
279

الله في أول الناس قال وأيضا ورأني النبي صلى الله عليه وسلم أعزل فأعطاني
حجفة أو درقة قال ثم إن رسول الله بايع الناس حتى إذا كان في آخرهم قال ألا تبايع
يا سلمة قلت يا رسول الله قد بايعتك في أول الناس وأوسطهم قال وأيضا قال فبايعته
الثالثة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأين الدرقة والحجفة التي أعطيتك قلت
لقيني عمى عامر أعزل فأعطيته إياها فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال
إنك كالذي قال الأول اللهم ابغنى حبيبا هو أحب إلى من نفسي (رجع الحديث
إلى حديث ابن إسحاق) قال فبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس ولم يتخلف
عنه أحد من المسلمين حضرها الا الجد بن قيس أخو بنى سلمة قال كان جابر بن
عبد الله يقول لكأني أنظر إليه لاصقا بإبط ناقته قد ضبأ إليها يستتر بها من الناس
ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الذي كان من أمر عثمان باطل قال ابن
إسحاق قال الزهري ثم بعثت قريش سهيل بن عمرو أخا بنى عامر بن لؤي إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا له ائت محمدا فصالحه ولا يكن في صلحه إلا
أن يرجع عنا عامه هذا فوالله لا تحدث العرب أنه دخل علينا عنوة أبدا قال فأقبل
سهيل بن عمرو فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا قال قد أراد القوم الصلح
حين بعثوا هذا الرجل فلما انتهى سهيل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلم فأطال
الكلام وتراجعا ثم جرى بينهما الصلح فلما التأم الامر ولم يبق إلا الكتاب وثب عمر بن
الخطاب فأتى أبا بكر فقال يا أبا بكر أليس برسول الله قال بلى قال أو لسنا
بالمسلمين قال بلى قال أو ليسوا بالمشركين قال بلى قال فعلام نعطى الدنية في
ديننا قال أبو بكر يا عمير الزم غرزه فإني أشهد أنه رسول الله قال عمر وأنا أشهد
أنه رسول الله قال ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ألست
برسول الله قال بلى قال أو لسنا بالمسلمين قال بلى قال أو ليسوا بالمشركين قال بلى
قال فعلام نعطى الدنية في ديننا فقال أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره ولن يضيعني
قال فكان عمر يقول ما زلت أصوم وأتصدق وأصلي وأعتق من الذي صنعت
يومئذ مخافة كلامي الذي تكلمت به حتى رجوت أن يكون خيرا * حدثنا ابن حميد
280

قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي عن
محمد بن كعب القرظي عن علقمة بن قيس النخعي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه
قال ثم دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اكتب بسم الله الرحمن
الرحيم فقال سهيل لا أعرف هذا ولكن اكتب باسمك اللهم فقال رسول الله اكتب
باسمك اللهم فكتبتها ثم قال اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو فقال
سهيل بن عمرو لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك ولكن اكتب اسمك واسم أبيك
قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله
سهيل بن عمرو اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين يأمن فيهن الناس
ويكف بعضهم عن بعض على أنه من أتى رسول الله من قريش بغير إذن وليه رده
عليهم ومن جاء قريشا ممن مع رسول الله لم ترده عليه وأن بيننا عيبة مكفوفة
وأنه لا أسلال ولا أغلال وأنه من أحب أن يدخل في عقد رسول الله وعهده
دخل فيه ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه فتواثبت خزاعة
فقالوا نحن في عقد رسول الله وعهده وتواثبت بنو بكر فقالوا نحن في عقد قريش
وعهدهم وأنك ترجع عنا عامك هذا فلا تدخل علينا مكة وأنه إذا كان عام قابل
خرجنا عنك فدخلتها بأصحابك فأقمت بها ثلاثا وأن معك سلاح الراكب السيوف
في القرب لا تدخلها بغير هذا فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب الكتاب
هو وسهيل بن عمرو إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في الحديد قد
انفلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم خرجوا وهم لا يشكون في الفتح لرؤيا رآها رسول الله صلى الله عليه
وسلم فلما رأوا ما رأوا من الصلح والرجوع وما تحمل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم
في نفسه دخل الناس من ذلك أمر عظيم حتى كادوا أن يهلكوا فلما رأى سهيل
أبا جندل قام إليه فضرب وجهه وأخذ بلببه فقال يا محمد قد لجت القضية بيني
وبينك قبل أن يأتيك هذا قال صدقت قال فجعل ينثر بلببه ويجره ليرده إلى قريش
وجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته يا معشر المسلمين أرد إلى المشركين يفتنوني
281

في ديني؟ فزاد الناس ذلك شرا إلى ما بهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
يا أبا جندل احتسب فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا
إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم عقدا وصلحا وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهدا
وإنا لا نغدر بهم قال فوثب عمر بن الخطاب مع أبي جندل يمشى إلى جنبه ويقول
اصبر يا أبا جندل فإنما هم المشركون وإنما دم أحدهم دم كلب قال ويدني قائم
السيف منه قال يقول عمر رجوت أن يأخذ السيف فيضرب به أباه قال فضن
الرجل بأبيه فلما فرغ من الكتاب أشهد على الصلح رجالا من المسلمين ورجالا
من المشركين أبا بكر بن أبي قحافة وعمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله
ابن سهيل بن عمرو وسعد بن أبي وقاص ومحمود بن مسلمة أخا بنى عبد الأشهل
ومكرز بن حفص بن الأحنف وهو مشرك أخا بنى عامر بن لؤي وعلي بن أبي طالب
وكتب وكان هو كاتب الصحيفة * حدثنا هارون بن إسحاق قال حدثنا مصعب
ابن المقدام وحدثنا سفيان بن وكيع قال حدثنا أبي قالا جميعا حدثنا إسرائيل قال
حدثنا أبو إسحاق عن البراء قال اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة
فأبى أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة حتى يقاضيهم على أن يقيم بها ثلاثة أيام فلما
كتب الكتاب كتب هذا ما تقاضى عليه محمد رسول الله فقالوا لو نعلم أنك رسول
الله ما منعناك ولكن أنت محمد بن عبد الله قال أنا رسول الله وأنا محمد بن عبد الله
قال لعلي عليه السلام امح رسول الله قال لا والله لا أمحاك أبدا فأخذه رسول الله
صلى الله عليه وسلم وليس يحسن يكتب فكتب مكان رسول الله محمد فكتب هذا
ما قاضى عليه محمد لا يدخل مكة بالسلاح إلا السيوف في القراب ولا يخرج من
أهلها بأحد أراد أن يتبعه ولا يمنع أحدا من أصحابه أراد أن يقيم بها فلما دخلها
ومضى الاجل أتوا عليا عليه السلام فقالوا له قل لصاحبك اخرج عنا فقد مضى
الاجل فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم * حدثنا محمد بن عبد الاعلى قال
حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة
وحدثني يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا يحيى بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن المبارك
282

قال حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم
في قصة الحديبية فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من قضيته قال لأصحابه
قوموا فانحروا ثم احلقوا قال فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث
مرات فلما لم يقم منهم أحد قام فدخل على أم سلمة فذكرها ما لقى من
الناس فقالت له أم سلمة يا نبي الله أتحب ذلك اخرج ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة
حتى تنحر بدنتك وتدعو حالقك فيحلقك فقام فخرج فلم يكلم أحدا منهم
كلمة حتى فعل ذلك نحر بدنته ودعا حالقه فحلقه فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا
وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما قال ابن حميد قال
سلمة قال ابن إسحاق وكان الذي حلقه فيما بلغني ذلك اليوم خراش بن أمية بن
الفضل الخزاعي * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال حدثني
عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال حلق رجال يوم الحديبية وقصر
آخرون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يرحم الله المحلقين قالوا والمقصرين
يا رسول الله قال يرحم الله المحلقين قالوا والمقصرين يا رسول الله قال يرحم الله المحلقين
قالوا يا رسول الله والمقصرين قال والمقصرين قالوا يا رسول الله فلم ظاهرت الترحم
للمحلقين دون المقصرين قال لانهم لم يشكوا * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة
عن ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال أهدى رسول الله
صلى الله عليه وسلم عام الحديبية في هداياه جملا لأبي جهل في رأسه برة من فضة
ليغبط المشركين بذلك (رجع الحديث إلى حديث الزهري الذي ذكرنا قبل) ثم
رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة زاد ابن حميد عن سلمة في حديثه عن
ابن إسحاق عن الزهري قال يقول الزهري فما فتح في الاسلام فتح قبله كان أعظم
منه إنما كان القتال حيث التقى الناس فلما كانت الهدنة ووضعت الحرب أوزارها
وأمن الناس كلهم بعضهم بعضا فالتقوا وتفاوضوا في الحديث والمنازعة فلم يكلم
أحد بالاسلام يعقل شيئا الا دخل فيه فلقد دخل في تينك السنتين في الاسلام
مثل ما كان في الاسلام قبل ذلك وأكثر وقالوا جميعا في حديثهم عن الزهري
283

عن عروة عن المسور ومروان فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جاءه
أبو بصير رجل من قريش (قال ابن إسحاق) في حديثه أبو بصير عتبة بن أسيد
ابن جارية وهو مسلم وكان ممن حبس بمكة فلما قدم على رسول الله كتب فيه أزهر
ابن عبد عوف والأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفي إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم وبعث رجلا من بنى عامر بن لؤي ومعه مولى لهم فقدما على رسول الله
صلى الله عليه وسلم بكتاب الأزهر والأخنس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
يا أبا بصير إنا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت ولا يصلح لنا في ديننا الغدر وإن
الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا قال فانطلق معهما حتى
إذا كان بذى الحليفة جلس إلى جدار وجلس معه صاحباه فقال أبو بصير أصارم
سيفك هذا يا أخا بنى عامر قال نعم قال أنظر إليه قال إن شئت فاستله أبو بصير
ثم علاه به حتى قتله وخرج المولى سريعا حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو جالس في المسجد فلما رآه رسول الله طالعا قال إن هذا رجل قد رأى فزعا
فلما انتهى إلى رسول الله قال ويلك مالك قال قتل صاحبكم صاحبي فوالله ما برح
حتى طلع أبو بصير متوشحا السيف حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال يا رسول الله وفت ذمتك وأدى عنك أسلمتني ورددتني إليهم ثم أنجاني الله
منهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم ويل أمه مسعر حرب (وقال ابن إسحاق) في
حديثه محش حرب لو كان معه رجال فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم قال
فخرج أبو بصير حتى نزل بالعيص من ناحية ذي المروة على ساحل البحر بطريق
قريش الذي كانوا يأخذون إلى الشأم وبلغ المسلمين الذين كانوا احتبسوا بمكة
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بصير ويل أمه محش حرب لو كان معه
رجال فخرجوا إلى أبي بصير بالعيص وينفلت أبو جندل بن سهيل بن عمرو فلحق
بأبي بصير فاجتمع إليه قريب من سبعين رجلا منهم فكانوا قد ضيقوا على قريش
فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشأم الا اعترضوا لهم فقتلوهم وأخذوا
أموالهم فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم يناشدونه بالله وبالرحم لما
284

أرسل إليهم فمن أتاه فهو آمن فآواهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدموا عليه
المدينة (زاد ابن إسحاق في حديثه) فلما بلغ سهيل بن عمرو قتل أبي بصير صاحبهم
العامري أسند ظهره إلى الكعبة وقال لا أؤخر ظهري عن الكعبة حتى يودوا
هذا الرجل فقال أبو سفيان بن حرب والله إن هذا لهو السفه والله لا يودى ثلاثا *
وقال ابن عبد الاعلى ويعقوب في حديثهما ثم جاءه يعنى رسول الله نسوة مؤمنات
فأنزل الله عز وجل عليه (يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات
- حتى بلغ - بعصم الكوافر) قال فطلق عمر بن الخطاب يومئذ امرأتين كانتا له في
الشرك قال فنهاهم أن يردوهن وأمرهم أن يردوا الصداق حينئذ قال رجل للزهري
أمن أجل الفروج قال نعم فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان والاخرى
صفوان بن أمية (زاد ابن إسحاق) في حديثه وهاجرت إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط في تلك المدة فخرج أخواها عمارة
والوليد ابنا عقبة حتى قدما رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألانه أن يردها
عليهما بالعهد الذي كان بينه وبين قريش في الحديبية فلم يفعل أبى الله عز وجل
ذلك وقال أيضا في حديثه كان ممن طلق عمر بن الخطاب طلق امرأتيه قريبة
بنت أبي أمية بن المغيرة فتزوجها بعده معاوية بن أبي سفيان وهما على شركهما بمكة
وأم كلثوم بنت عمرو بن جرول الخزاعية أم عبيد الله ابن عمر فتزوجها أبو جهم
ابن حذافة بن غانم رجل من قومها وهما على شركهما بمكة (وقال الواقدي) في
هذه السنة في شهر ربيع الآخر منها بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عكاشة بن محصن
في أربعين رجلا إلى الغمر فيهم ثابت بن أقرم وشجاع بن وهب فأغذ السير ونذر القوم
به فهربوا فنزل على مياههم وبعث الطلائع فأصابوا عينا فدلهم على بعض ماشيتهم
فوجدوا مائتي بعير فحدروها إلى المدينة قال وفيها بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد
ابن مسلمة في عشرة نفر في ربيع الأول منها فكمن القوم لهم حتى نام هو وأصحابه فما شعروا
إلا بالقوم فقتل أصحاب محمد بن مسلمة وأفلت محمد جريحا (قال الواقدي) وفيها أسرى
رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية أبى عبيدة بن الجراح إلى ذي القصة في شهر ربيع
285

الآخر في أربعين رجلا فساروا ليلتهم مشاة ووافوا ذا القصة مع عماية الصبح فأغاروا
عليهم فأعجزوهم هربا في الجبال وأصابوا نعما ورثة ورجلا واحدا فأسلم فتركه
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وفيها كانت سرية زيد بن حارثة بالجموم
فأصاب امرأة من مزينة يقال لها حليمة فدلتهم على محلة من محال بنى سليم فأصابوا
بها نعما وشاء وأسراء وكان في أولئك الاسراء زوج حليمة فلما قفل بما أصاب
وهب رسول الله صلى الله عليه وسلم للمزنية زوجها ونفسها * قال وفيها كانت سرية
زيد بن حارثة إلى العيص في جمادى الأولى منها وفيها أخذت الأموال التي كانت
مع أبي العاص بن الربيع فاستجار بزينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم فأجارته
* قال وفيها كانت سرية زيد بن حارثة إلى الطرف في جمادى الآخرة إلى بنى ثعلبة
في خمسة عشر رجلا فهربت الاعراب وخافوا أن يكون رسول الله سار إليهم
فأصاب من نعمهم عشرين بعيرا قال وغاب أربع ليال * قال وفيها سرية زيد بن
حارثة إلى حسمى في جمادى الآخرة * قال وكان أول ذلك فيما حدثني موسى بن
محمد عن أبيه قال أقبل دحية الكلبي من عند قيصر وقد أجاز دحية بمال وكساه
كسى فأقبل حتى كان بحسمى فلقيه ناس من جذام فقطعوا عليه الطريق فلم يترك
معه شئ فجاء إلى رسول الله قبل أن يدخل بيته فأخبره فبعث رسول الله صلى
الله عليه وسلم زيد بن حارثة إلى حسمى قال وفيها تزوج عمر بن الخطاب جميلة
بنت ثابت بن أبي الأقلح أخت عاصم بن ثابت فولدت له عاصم بن عمر فطلقها
عمر فتزوجها بعده يزيد بن جارية فولدت له عبد الرحمن بن يزيد فهو أخو عاصم
لامه قال وفيها سرية زيد بن حارثة إلى وادى القرى في رجب قال وفيها سرية
عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل في شعبان وقال له رسول الله صلى الله
عليه وسلم إن أطاعوك فتزوج ابنة ملكهم فأسلم القوم فتزوج عبد الرحمن تماضر
بنت الأصبغ وهى أم أبى سلمة وكان أبوها رأسهم وملكهم قال وفيها أجدب
الناس جدبا شديدا فاستسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان بالناس
* قال وفيها سرية علي بن أبي طالب عليه السلام إلى فدك في شعبان قال وحدثني
286

عبد الله بن جعفر عن يعقوب بن عتبة قال خرج علي بن أبي طالب في مائة رجل
إلى فدك إلى حي من بنى سعد بن بكر وذلك أنه بلغ رسول الله أن لهم جمعا يريدون
أن يمدوا يهود خيبر فسار إليهم الليل وكمن النهار وأصاب عينا فأقر لهم أنه بعث
إلى خيبر يعرض عليهم نصرهم على أن يجعلوا لهم ثمر خيبر قال وفيها سرية زيد
ابن حارثة إلى أم قرفة في شهر رمضان وفيها قتلت أم قرفة وهى فاطمة بنت ربيعة
ابن بدر قتلها قتلا عنيفا ربط برجليها حبلا ثم ربطها بين بعيرين حتى شقاها شقا
وكانت عجوزا كبيرة وكان من قصتها ما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني
ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن
حارثة إلى وادى القرى فلقى به بنى فزارة فأصيب به أناس من أصحابه وارتث زيد
من بين القتلى وأصيب فيها ورد بن عمرو إحدى بنى سعد بن هذيم أصابه أحد
بنى بدر فلما قدم زيد بن نذر أن لا يمس رأسه غسل من جنابة حتى يغزو فزارة فلما
استبل من جراحه بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيش إلى بنى فزارة
فلقيهم بوادي القرى فأصاب فيهم وقتل قيس بن المسحر اليعمري مسعدة بن
حكمة بن مالك بن بدر وأسر أم قرفة وهى فاطمة بنت ربيعة بن بدر وكانت عند
مالك بن حذيفة بن بدر عجوزا كبيرة وبنتا لها وعبد الله بن مسعدة فأمر زيد بن
حارثة أن يقتل أو قرفة فقتلها قتلا عنيفا ربط برجليها حبلين ثم ربطهما إلى بعيرين
حتى شقاها ثم قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنة أم قرفة وبعبد الله بن
مسعدة وكانت ابنة أم قرفة لسلمة بن عمرو بن الأكوع كان هو الذي أصابها
وكانت في بيت شرف من قومها كانت العرب تقول لو كنت أعز من أم قرفة
ما زدت فسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمة فوهبها له فأهداها لخاله حزن
ابن أبي وهب فولدت له عبد الرحمن بن حزن * وأما الرواية الأخرى عن سلمة
ابن الأكوع في هذه السرية أن أميرها كان أبا بكر بن أبي قحافة * حدثنا الحسن
ابن يحيى قال أخبرنا أبو عامر قال حدثنا عكرمة بن عمار عن اياس بن سلمة عن
أبيه قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا أبا بكر فغزونا ناسا من بنى فزارة
287

فلما دنونا من الماء أمرنا أبو بكر فعرسنا فلما صلينا الصبح أمرنا أبو بكر فشننا
الغارة عليهم قال فوردنا الماء فقتلنا به من قتلنا قال فأبصرت عنقا من الناس وفيهم
النساء والذراري قد كادوا يسبقون إلى الجبل فطرحت سهما بينهم وبين الجبل
فلما رأوا السهم وقفوا فجئت بهم أسوقهم إلى أبى بكر وفيهم امرأة من بنى فزارة
عليها قشع أدم معها ابنة لها من أحسن العرب قال فنفلني أبو بكر ابنتها قال فقدمت
المدينة فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسوق فقال يا سلمة لله أبوك هب لي
المرأة فقلت يا رسول الله والله لقد أعجبتني وما كشفت لها ثوبا قال فسكت عنى حتى
إذا كان من الغد لقيني في السوق فقال يا سلمة لله أبوك هب المرأة فقلت يا رسول
الله والله ما كشفت لها ثوبا وهى لك يا رسول الله قال فبعث بها رسول الله إلى مكة
ففادي بها أسارى من المسلمين كانوا في أيدي المشركين فهذه الرواية عن سلمة
قال محمد بن عمر وفيها سرية كرز بن جابر الفهري إلى العرنيين الذين قتلوا راعى
رسول الله صلى الله عليه وسلم واستاقوا الإبل في شوال من سنة ست
وبعثه رسول الله في عشرين فارسا قال وفيها بعث رسول الله صلى الله عليه
وسلم الرسل فبعث في ذي الحجة ستة نفر ثلاثة مصطحبين حاطب بن أبي
بلتعة من لخم حليف بنى أسد بن عبد العزى إلى المقوقس وشجاع بن وهب من
بنى أسد بن خزيمة حليفا لحرب بن أمية شهد بدرا إلى الحارث بن أبي شمر
الغساني ودحية بن خليفة الكلبي إلى قيصر وبعث سليط بن عمرو العامري
عامر بن لؤي إلى هوذة بن علي الحنفي وبعث عبد الله بن حذافة السهمي
إلى كسرى وعمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي * وأما ابن إسحاق فإنه فيما
زعم وحدثنا به ابن حميد قال حدثنا سلمة عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم قد فرق رجالا من أصحابه إلى ملوك العرب والعجم دعاة إلى الله عز وجل
فيما بين الحديبية ووفاته * وحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني ابن إسحاق
عن يزيد بن أبي حبيب المصري أنه وجد كتابا فيه تسمية من بعث رسول الله
صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الخائبين وما قال لأصحابه حين بعثهم فبعث به إلى
288

ابن شهاب الزهري مع ثقة من أهل بلده فعرفه وفى الكتاب أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم خرج على أصحابه ذات غداة فقال لهم إني بعثت رحمة وكافة فأدوا
عنى يرحمكم الله ولا تختلفوا على كاختلاف الحواريين على عيسى ابن مريم قالوا
يا رسول الله وكيف كان اختلافهم قال دعا إلى مثل ما دعوتكم إليه فأما من قرب
به فأحب وسلم وأما من بعد به فكره وأبى فشكا ذلك منهم عيسى إلى الله عز وجل
فأصبحوا من ليلتهم تلك وكل رجل منهم يتكلم بلغة القوم الذين بعث إليهم
فقال عيسى هذا أمر قد عزم الله لكم عليه فامضوا قال ابن إسحاق ثم فرق رسول الله صلى
الله عليه وسلم بين أصحابه فبعث سليط بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود أخا بنى عامر
ابن لؤي إلى هوذة بن علي صاحب اليمامة وبعث العلاء بن الحضرمي إلى المنذرين
ساوى أخي بنى عبد القيس صاحب البحرين وعمرو بن العاص إلى جيفر بن
جلندا وعباد بن جلندا الأزديين صاحبي عمان وبعث حاطب بن أبي بلتعة إلى
المقوقس صاحب الإسكندرية فأدى إليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأهدى المقوقس إلى رسول الله أربع جوار منهن مارية أم إبراهيم ابن رسول الله
صلى الله عليه وسلم وبعث رسول الله دحية بن خليفة الكلبي ثم الخزرجي إلى قيصر
وهو هرقل ملك الروم فلما أتاه بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر فيه ثم جعله
بين فخذيه وخاصرته * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن ابن شهاب
الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس قال حدثني
أبو سفيان بن حرب قال كنا قوما تجارا وكانت الحرب بيننا وبين رسول الله قد
حصرتنا حتى نهكت أموالنا فلما كانت الهدنة بيننا وبين رسول الله لم نأمن أن لا نجد
أمنا فخرجت في نفر من قريش تجار إلى الشأم وكان وجه متجرنا منها غزة فقدمناها
حين ظهر هرقل على من كان بأرضه من فارس وأخرجهم منها وانتزع له منهم
صليبه الأعظم وكانوا قد استلبوه إياه فلما بلغ ذلك منهم وبلغه أن صليبه قد استنقذ له
وكانت حمص منزله خرج منها يمشى على قدميه متشكرا لله حين رد عليه ما رد ليصلى
في بيت المقدس تبسط له البسط وتلقى عليها الرياحين فلما انتهى إلى إيلياء وقضى فيها
289

صلاته ومعه بطارقته وأشراف الروم أصبح ذات غداة مهموما يقلب طرفه إلى
السماء فقال له بطارقته والله لقد أصبحت أيها الملك الغداة مهموما قال أجل أريت
في هذه الليلة أن ملك الختان ظاهر قالوا له أيها الملك ما نعلم أمة تختتن إلا يهود وهم في
سلطانك وتحت يدك فابعث إلى كل من لك عليه سلطان في بلادك فمره فليضرب
أعناق كل من تحت يديه من يهود واسترح من هذا الهم فوالله إنهم لفى ذلك من رأيهم
يديرونه إذ أتاه رسول صاحب بصرى برجل من العرب يقوده وكانت الملوك
تهادى الاخبار بينها فقال أيها الملك إن هذا الرجل من العرب من أهل الشاء
والإبل يحدث عن أمر حدث ببلاده عجب فسله عنه فلما انتهى به إلى هرقل رسول
صاحب بصرى قال هرقل لترجمانه سله ما كان هذا الحدث الذي كان ببلاده فسأله
فقال خرج بين أظهرنا رجل بزعم أنه نبي قد اتبعه ناس وصدقوه وخالفه ناس
وقد كانت بينهم ملاحم في مواطن كثيرة فتركتهم على ذلك قال فلما أخبره الخبر
قال جردوه فجردوه فإذا هو مختون فقال هرقل هذا والله الذي أريت لا ما تقولون
أعطوه ثوبه انطلق عنا ثم دعا صاحب شرطته فقال له قلب لي الشأم ظهرا وبطنا
حتى تأتيني برجل من قوم هذا الرجل يعنى النبي صلى الله عليه وسلم (قال أبو سفيان)
فوالله إنا لبغزة إذ هجم علينا صاحب شرطته فقال أنتم من قوم هذا الرجل الذي
بالحجاز قلنا نعم قال انطلقوا بنا إلى الملك فانطلقنا معه فلما انتهينا إليه قال أنتم من
رهط هذا الرجل قلنا نعم قال فأيكم أمس به رحما قلت أنا (قال أبو سفيان) وأيم
الله ما رأيت من رجل أرى أنه كان أنكر من ذلك الأغلف يعنى هرقل فقال ادنه
فأقعدني بين يديه وأقعد أصحابي خلفي ثم قال إني سأسأله فإن كذب فردوا عليه
فوالله لو كذبت ما ردوا على ولكني كنت امرأ سيدا أتكرم عن الكذب وعرفت
أن أيسر ما في ذلك إن أنا كذبته أن يحفظوا ذلك على ثم يحدثوا به عنى فلم أكذبه
فقال أخبرني عن هذا الرجل الذي خرج بين أظهركم يدعى ما يدعى قال فجعلت
أزهد له شأنه وأصغر له أمره وأقول له أيها الملك ما يهمك من أمره إن شأنه دون
ما يبلغك فجعل لا يلتفت إلى ذلك ثم قال أنبئني عما أسألك عنه من شأنه قلت سل
290

عما بدا لك قال كيف نسبه فيكم قلت محض أوسطنا نسبا قال فأخبرني هل كان أحد
من أهل بيته يقول مثل ما يقول فهو يتشبه به قلت لا قال فهل كان له فيكم ملك
فاستلبتموه إياه فجاء بهذا الحديث لتردوا عليه ملكه قلت لا قال فأخبرني عن
أتباعه منكم من هم قال قلت الضعفاء والمساكين والاحداث من الغلمان والنساء
وأما ذوو الأسنان والشرف من قومه فلم يتبعه منهم أحد قال فأخبرني عن من
تبعه أيحبه ويلزمه أم يقليه ويفارقه قال قلت ما تبعه رجل ففارقه قال فأخبرني كيف
الحرب بينكم وبينه قال قلت سجال يدال علينا وندال عليه قال فأخبرني هل يغدر
فلم أجد شيئا مما سألني عنه أغمزه فيه غيرها قلت لا ونحن منه في هدنة ولا نأمن
غدره قال فوالله ما التفت إليها منى ثم كر على الحديث قال سألتك كيف نسبه
فيكم فزعمت أنه محض من أوسطكم نسبا وكذلك يأخذ الله النبي إذا أخذه لا يأخذه
إلا من أوسط قومه نسبا وسألتك هل كان أحد من أهل بيته يقول بقوله فهو يتشبه به
فزعمت أن لا وسألتك هل كان له فيكم ملك فاستلبتموه إياه فجاء بهذا الحديث
يطلب به ملكه فزعمت أن لا وسألتك عن أتباعه فزعمت أنهم الضعفاء والمساكين
والاحداث والنساء وكذلك اتباع الأنبياء في كل زمان وسألتك عمن يتبعه أيحبه
ويلزمه أم يقليه ويفارقه فزعمت أن لا يتبعه أحد فيفارقه وكذلك حلاوة الايمان
لا تدخل قلبا فتخرج منه وسألتك هل يغدر فزعمت أن لا فلئن كنت صدقتني
عنه ليغلبني على ما تحت قدمي هاتين ولوددت أنى عنده فأغسل قدميه انطلق لشأنك
قال فقمت من عنده وأنا أضرب إحدى يدي بالأخرى وأقول أي عباد الله لقد أمر
أمر ابن أبي كبشه أصبح ملوك بنى الأصفر يهابونه في سلطانهم بالشام قال
وقدم عليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع دحية بن خليفة الكلبي
بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم السلام على من
اتبع الهدى أما بعد أسلم تسلم واسلم يؤتك الله أجرك مرتين وإن تتول فإن
إثم الكارين عليك يعنى تحماله * حدثنا سفيان بن وكيع قال حدثنا يحيى بن
آدم قال حدثنا عبد الله بن إدريس قال حدثنا محمد بن إسحاق عن الزهري عن
291

عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال أخبرني أبو سفيان بن حرب قال
لما كانت الهدنة بيننا وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية خرجت
تاجرا إلى الشأم ثم ذكر نحو حديث ابن حميد عن سلمة إلا أنه زاد في آخره قال
فأخذ الكتاب فجعله بين فخذيه وخاصرته * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة
قال حدثني ابن إسحاق قال قال ابن شهاب الزهري حدثني أسقف للنصارى أدركته
في زمان عبد الملك بن مروان أنه أدرك ذلك من أمر رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأمر هرقل وعلقه قال فلما قدم عليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
مع دحية بن خليفة أخذه هرقل فجعله بين فخذيه وخاصرته ثم كتب إلى رجل برومية
كان يقرأ من العبرانية ما يقرأونه يذكر له أمره ويصف له شأنه ويخبره بما جاء
منه فكتب إليه صاحب رومية إنه للنبي الذي ننتظره لا شك فيه فاتبعه وصدقه
فأمر هرقل ببطارقة الروم فجمعوا له في دسكرة وأمر بها فأشرجت أبوابها عليهم
ثم اطلع عليهم من علية له وخافهم على نفسه وقال يا معشر الروم إني قد جمعتكم
لخير إنه قد أتاني كتاب هذا الرجل يدعوني إلى دينه وانه والله للنبي الذي كنا
ننتظره ونجده في كتبنا فهلموا فلنتبعه ونصدقه فتسلم لنا دنيانا وآخرتنا قال فنخروا
نخرة رجل واحد ثم ابتدروا أبواب الدسكرة ليخرجوا منها فوجدوها قد
أغلقت فقال كروهم على وخافهم على نفسه فقال يا معشر الروم إني قد قلت لكم المقالة
التي قلت لا نظر كيف صلابتكم على دينكم لهذا الامر الذي قد حدث وقد رأيت
منكم الذي أسر به فوقعوا له سجدا وأمر بأبواب الدسكرة ففتحت لهم فانطلقوا
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثنا محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم
أن هرقل قال لدحية بن خليفة حين قدم عليه بكتاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم ويحك والله إني لاعلم أن صاحبك نبي مرسل وانه الذي كنا ننتظره ونجده
في كتابنا ولكني أخاف الروم على نفسي ولولا ذلك لاتبعته فاذهب إلى ضغاطر
الأسقف فاذكر له أمر صاحبكم فهو والله أعظم في الروم منى وأجوز قولا عندهم
منى فانظر ما يقول لك قال فجاءه دحية فأخبره بما جاء به من رسول الله صلى الله
292

عليه وسلم إلى هرقل وبما يدعوه إليه فقال ضغاطر صاحبك والله نبي مرسل
نعرفه بصفته ونجده في كتبنا باسمه ثم دخل فألقى ثيابا كانت عليه سودا ولبس
ثيابا بيضا ثم أخذ عصاه فخرج على الروم وهم في الكنيسة فقال يا معشر الروم
أنه قد جاءنا كتاب من أحمد يدعونا فيه إلى الله عز وجل وانى أشهد أن لا إله
إلا الله وان أحمد عبد ه ورسوله قال فوثبوا عليه وثبة رجل واحد فضربوه حتى
قتلوه فلما رجع دحية إلى هرقل فأخبره الخبر قال قد قلت لك انا نخافهم على أنفسنا
فضغاطر والله كان أعظم عندهم وأجوز قولا منى * حدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة قال حدثنا محمد بن إسحاق عن خالد بن يسار عن رجل من قدماء أهل الشأم
قال لما أراد هرقل الخروج من أرض الشأم إلى القسطنطينية لما بلغه من أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع الروم فقال يا معشر الروم انى عارض عليكم
أمور فانظروا فيما قد أردتها قالوا ما هي قال تعلمون والله ان هذا الرجل لنبي مرسل
انا نجده في كتابنا نعرفه بصفته التي وصفت لنا فهلم فلنتبعه فتسلم لنا دنيانا
وآخرتنا فقالوا نحن نكون تحت يدي العرب ونحن أعظم الناس ملكا وأكثرهم
رجالا وأفضلهم بلدا قال فهلم فأعطيه الجزية في كل سنة اكسروا عنى شوكته
وأستريح من حربه بمال أعطيه إياه قالوا نحن نعطى العرب الذل والصغار بخرج
يأخذونه منا ونحن أكثر الناس عددا وأعظمهم ملكا وأمنعهم بلدا لا والله
لا نفعل هذا ابدا قال فهلم فلأصالحه على أن أعطيه أرض سورية ويدعني
وأرض الشأم قال وكانت أرض سورية فلسطين والأردن ودمشق
وحمص وما دون الدرب من ارض سورية وكان ما وراء الدرب عندهم الشأم
فقالوا له نحن نعطيه أرض سورية وقد عرفت انها سرة الشأم والله لا نفعل هذا
أبدا فلما أبو ا عليه قال أما والله لترون انكم قد ظفرتم إذا امتنعتم منه في مدينتكم
ثم جلس على بغل له فانطلق حتى إذا أشرف على الدرب استقبل أرض الشأم ثم
قال السلام عليكم أرض سورية تسليم الوداع ثم ركض حتى دخل القسطنطينية
قال ابن إسحاق وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم شجاع بن وهب أخا بنى أسد
293

ابن خزيمة إلى المنذر بن الحارث بن أبي شمر الغساني صاحب دمشق وقال محمد بن
عمر الواقدي وكتب إليه معه سلام على من اتبع الهدى وآمن به إني أدعوك إلى أن
تؤمن بالله وحده لا شريك له يبقى لك ملكك فقدم به شجاع بن وهب فقرأه
عليهم فقال من ينزع منى ملكي أنا سائر إليه قال النبي صلى الله عليه وسلم باد ملكه
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثنا ابن إسحاق قال بعث رسول الله
صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي في شأن جعفر بن أبي طالب
وأصحابه وكتب معه كتابا بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى النجاشي
الاصحم ملك الحبشة سلم أنت فانى أحمد إليك الله الملك القدوس السلام المؤمن
المهيمن وأشهد أن عيسى ابن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة
الحصينة فحملت بعيسى فخلقه الله من روحه ونفخه كما خلق آدم بيده ونفخه وإني
أدعوك إلى الله وحده لا شريك له والموالاة على طاعته وأن تتبعني وتؤمن
بالذي جاءني فإني رسول الله وقد بعثت إليك ابن عمى جعفرا ونفرا معه من
المسلمين فإذا جاءك فأقرهم ودع التجبر فانى أدعوك وجنودك إلى الله فقد بلغت
ونصحت فاقبلوا نصحي والسلام على من اتبع الهدى فكتب النجاشي إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم إلى محمد رسول الله من النجاشي الأصحم
ابن أبجر سلام عليك يا نبي الله ورحمة الله وبركاته من الله الذي لا إله إلا هو
الذي هداني إلى الاسلام أما بعد فقد بلغني كتابك يا رسول الله فيما ذكرت من
أمر عيسى فورب السماء والأرض إن عيسى ما يزيد على ما ذكرت ثفروقا إنه
كما قلت وقد عرفنا ما بعثت به إلينا وقد قرينا ابن عمك وأصحابه فأشهد أنك
رسول الله صادقا مصدقا وقد بايعتك وبايعت ابن عمك وأسلمت على يديه لله
رب العالمين وقد بعثت إليك بابني أرها بن الاصحم بن أبجر فإني لا أملك إلا نفسي
وإن شئت أن آتيك فعلت يا رسول الله فإني أشهد أن ما تقول حق والسلام
عليك يا رسول الله قال ابن إسحاق وذكر لي أن النجاشي بعث ابنه في ستين من
الحبشة في سفينة فإذا كانوا في وسط من البحر غرقت بهم السفينة فهلكوا
294

* وحدثت عن محمد بن عمر قال أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي
ليزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان ويبعث بها إليه مع من عنده من المسلمين فأرسل
النجاشي إلى أم حبيبة يخبرها بخطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها جارية له
يقال لها أبرهة فأعطتها أوضاحا لها وفتخا سرورا بذلك وأمرها أن توكل من
يزوجها فوكلت خالد بن سعيد بن العاص فزوجها فخطب النجاشي على رسول الله
صلى الله عليه وسلم وخطب خالد فأنكح أم حبيبة ثم دعا النجاشي بأربعمائة دينار
صداقها فدفعها إلى خالد بن سعيد فلما جاءت أم حبيبة تلك الدنانير قال جاءت
بها أبرهة فأعطتها خمسين مثقالا وقالت كنت أعطيتك ذلك وليس بيدي شئ
وقد جاء الله عز وجل بهذا فقالت أبرهة قد أمرني الملك أن لا آخذ منك شيئا
وأن أرد إليك الذي أخذت منك فردته وأنا صاحبة دهن الملك وثيابه وقد
صدقت محمدا رسول الله وآمنت به وحاجتي إليك أن تقرئيه منى السلام قالت
نعم وقد أمر الملك نساءه أن يبعثن إليك بما عندهن من عود وعنبر فكان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يراه عليها وعندها فلا ينكره قالت أم حبيبة فخرجنا في سفينتين
وبعث معنا النواتى حتى قدمنا الجار ثم ركبنا الظهر إلى المدينة فوجدنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم بخيبر فخرج من خرج إليه وأقمت بالمدينة حتى قدم رسول الله
فدخلت إليه فكان يسائلني عن النجاشي وقرأت عليه من أبرهة السلام فرد
رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها ولما جاء أبا سفيان تزويج النبي صلى الله
عليه وسلم أم حبيبة قال ذلك الفحل لا يقرع أنفه وفيها كتب رسول الله صلى الله
عليه وسلم إلى كسرى وبعث الكتاب مع عبد الله بن حذافة السهمي فيه بسم الله
الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس سلام على من اتبع
الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله إلى الناس
كافة لينذر من كان حيا أسلم تسلم فإن أبيت فعليك إثم المجوس فمزق كتاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله مزق ملكه * حدثنا ابن حميد
قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن حبيب قال وبعث عبد الله بن
295

حذافة بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم إلى كسرى بن هرمز ملك فارس وكتب
معه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس سلام
على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له وأن محمدا عبده ورسوله وأدعوك بدعاء الله فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة
لا نذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين فأسلم تسلم فإن أبيت فإن إثم
المجوس عليك فلما قرأه مزقه وقال يكتب إلى هذا وهو عبدي * حدثنا ابن حميد
قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن الزهري عن أبي سلمة
ابن عبد الرحمن بن عوف أن عبد الله بن حذافة قد بكتاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم على كسرى فلما قرأه شقه فقال رسول الله مزق ملكه حين بلغه أنه
شق كتابه (ثم رجع إلى حديث يزيد بن أبي حبيب) قال ثم كتب كسرى إلى
باذان وهو على اليمن أن ابعث إلى هذا الرجل الذي بالحجاز رجلين من عندك
جلدين فليأتياني به فبعث باذان قهرمانه وهو بابويه وكان كاتبا حاسبا بكتاب
فارس وبعث معه رجلا من الفرس يقال له خرخسرة وكتب معهما إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم يأمره أن ينصرف معهما إلى كسرى وقال لبابويه ائت بلد
هذا الرجل وكلمه وأتني بخبره فخرجا حتى قدما الطائف فوجدا رجالا من قريش
بنخب من أرض الطائف فسألاهم عنه فقالوا هو بالمدينة واستبشروا بهما
وفرحوا وقال بعضهم لبعض أبشروا فقد نصب له كسرى ملك الملوك كفيتم
الرجل فخرجا حتى قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه بابويه فقال
إن شاهانشاه ملك الملوك كسرى قد كتب إلى الملك باذان يأمره أن يبعث
إليك من يأتيه بك وقد بعثني إليك لتنطلق معي فإن فعلت كتب فيك إلى ملك
الملوك ينفعك ويكفه عنك وإن أبيت فهو من قد علمت فهو مهلكك ومهلك
قومك ومخرب بلادك ودخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد حلقا لحاهما
وأعفيا شواربهما فكره النظر إليهما ثم أقبل عليهما فقال ويلكما من أمركما بهذا
قالا أمرنا بهذا ربنا يعنيان كسرى فقال رسول الله لكن ربى قد أمرني باعفاء
296

لحيتي وقص شاربي ثم قال لهما ارجعا حتى تأتياني غدا وأتى رسول الله صلى الله
عليه وسلم الخبر من السماء ان الله قد سلط على كسرى ابنه شيرويه فقتله في شهر
كذا وكذا ليلة كذا وكذا من الليل بعدما مضى من الليل سلط عليه ابنه شيرويه
فقتله (قال الواقدي) قتل شيرويه أباه كسرى ليلة الثلاثاء لعشر ليال مضين من
جمادى الأولى من سنة سبع لست ساعات مضت منها (رجع الحديث إلى حديث
محمد بن إسحاق) عن يزيد بن أبي حبيب فدعاهما فأخبرهما فقالا هل تدرى ما تقول
إنا قد نقمنا عليك ما هو أيسر من هذا أفنكتب هذا عنك ونخبره الملك قال نعم
أخبراه ذلك عنى وقولا له إن ديني وسلطاني سيبلغ ما بلغ ملك كسرى وينتهى إلى
منتهى الخف والحافر وقولا له إنك إن أسلمت أعطيتك ما تحت يديك وملكتك
على قومك من الأبناء ثم أعطى خرخسره منطقة فيها ذهب وفضة كان أهداها
له بعض الملوك فخرجا من عنده حتى قدما على باذان فأخبراه الخبر فقال والله
ما هذا بكلام ملك وإني لارى الرجل نبيا كما يقول ولننظرن ما قد قال فلئن كان
هذا حقا ما فيه كلام إنه لنبي مرسل وإن لم يكن فسنرى فيه رأينا فلم ينشب باذان
أن قدم عليه كتاب شيرويه أما بعد فإني قد قتلت كسرى ولم أقتله إلا غضبا
لفارس لما كان استحل من قتل أشرافهم وتجميرهم في ثغورهم فإذا جاءك كتابي
هذا فخذ لي الطاعة ممن قبلك وانظر الرجل الذي كان كسرى كتب فيه إليك فلا تهجه
حتى يأتيك أمري فيه فلما انتهى كتاب شيرويه إلى باذان قال إن هذا الرجل
لرسول فأسلم وأسلمت الأبناء معه من فارس من كان منهم باليمن فكانت حمير تقول
لخرخسره ذو المعجزة للمنطقة التي أعطاه إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم
والمنطقة بلسان حمير المعجزة فبنوه اليوم ينسبون إليها خرخسره ذو المعجزة
وقد قال بابويه لباذان ما كلمت رجلا قط أهيب عندي منه فقال له باذان هل معه
شرط قال لا (قال الوقدى) وفيها كتب إلى المقوقس عظيم القبط يدعوه إلى
الاسلام فلم يسلم (قال أبو جعفر) ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم
من غزوة الحديبية إلى المدينة أقام بها ذا الحجة وبعض المحرم فيما حدثنا ابن حميد
297

قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال وولى الحج في تلك السنة المشركون
ذكر الاحداث الكائنة في سنة سبع من الهجرة
غزوة خيبر
ثم دخلت سنة سبع فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بقية المحرم إلى خيبر
واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري فمضى حتى نزل بجيشه بواد يقال له
الرجيع فنزل بين أهل خيبر وبين غطفان فيما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة
عن ابن إسحاق ليحول بينهم وبين أن يمدوا أهل خيبر وكانوا لهم مظاهرين على
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فبلغني أن غطفان لما سمعت بمنزل رسول الله
صلى الله عليه وسلم من خيبر جمعوا له ثم خرجوا ليظاهروا يهود عليه حتى إذا
ساروا منقلة سمعوا خلفهم في أموالهم وأهاليهم حسا ظنوا أن القوم قد خالفوا
إليهم فرجعوا على أعقابهم فأقاموا في أهاليهم وأموالهم وخلوا بين رسول الله
وبين خيبر وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأموال يأخذها مالا مالا ويفتتحها
حصنا حصنا فكان أول حصونهم افتتح حصن ناعم وعنده قتل محمود بن مسلمة
ألقيت عليه رحا منه فقتلته ثم القموص حصن ابن أبي الحقيق وأصاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم منهم سبايا مهم صفية بنت حيى بن أخطب وكانت عند كنانة
ابن الربيع بن أبي الحقيق وابنتي عم لها فاصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم
صفية لنفسه وكان دحية الكلبي قد سأل رسول الله صفية فلما اصطفاها لنفسه
أعطاه ابنتي عمها وفشت السبايا من خيبر في المسلمين قال ثم جعل رسول الله صلى
الله عليه وسلم يتدنى الحصون والأموال * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد
ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر أنه حدثه بعض أسلم أن بنى سهم من أسلم أتوا
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله لقد جهدنا وما بأيدينا شئ فلم
يجدوا عند رسول الله شيئا يعطيهم إياه فقال النبي اللهم إنك قد عرفت حالهم وأن
ليست بهم قوة وأن ليس بيدي شئ أعطيهم إياه فافتح عليهم أعظم حصونها
298

أكثرها طعاما وودكا فغدا الناس ففتح الله عليهم حصن الصعب بن معاذ وما بخيبر
حصن كان أكثر طعاما وودكا منه قال ولما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم
من حصونهم ما افتتح وحاز من الأموال ما حاز انتهوا إلى حصنهم الوطيح
والسلالم وكان آخر حصون خيبر افتتح حاصرهم رسول الله بضع عشرة ليلة
* فحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن سهل بن
عبد الرحمن بن سهل أخي بنى حارثة عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال خرج
مرحب اليهودي من حصنهم قد جمع سلاحه وهو يرتجز ويقول
قد علمت خيبر أنى مرحب * شاكي السلاح بطل مجرب
أطعن أحيانا وحينا أضرب * إذا الليوث أقبلت تحرب
كان حماى للحمى لا يقرب
وهو يقول هل من مبارز فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لهذا فقام
محمد بن مسلمة فقال أنا له يا رسول الله أنا والله الموتور الثائر قتلوا أخي بالأمس
قال فقم إليه اللهم أعنه عليه فلما أن دنا كل واحد منهما من صاحبه دخلت
بينهما شجرة عمرية من شجر العشر فجعل أحدهما يلوذ بها من صاحبه
فكلما لاذ بها اقتطع بسيفه منها ما دونه منها حتى برز كل واحد منهما لصاحبه
وصارت بينهما كالرجل القائم ما بينهما فنن ثم حمل مرحب على محمد فضربه فاتقاه
بالدرقة فوقع سيفه فيها فعضت به فأمسكته وضربه محمد بن مسلمة حتى قتله ثم
خرج بعد مرحب أخوه ياسر يرتجز ويقول
قد علمت خيبر أنى ياسر * شاك السلاح بطل مغاور
إذا الليوث أقبلت تبادر * وأحجمت عن صولتي المغاور
إن حماى فيه موت حاضر
* وحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن هشام
ابن عروة أن الزبير بن العوام خرج إلى ياسر فقالت أمه صفية بنت عبد المطلب
أيقتل ابني يا رسول الله قال بل ابنك يقتله إن شاء الله فخرج الزبير وهو يقول
299

قد علمت خيبر أنى زبار * قرم لقوم غير نكس فرار
ابن حماة المجد وابن الأخيار * ياسر لا يغررك جمع الكفار
فجمعهم مثل السراب الجرار
ثم التقيا فقتله الزبير * حدثنا ابن بشار قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا
عوف عن ميمون أبى عبد الله أن عبد الله بن بريدة حدث عن بريدة الأسلمي
قال لما كان حين نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحصن أهل خيبر أعطى
رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء عمر بن الخطاب ونهض من نهض معه من
الناس فلقوا أهل خيبر فانكشف عمر وأصحابه فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
يجبنه أصحابه ويجبنهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأعطين اللواء غدا رجلا
يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فلما كان من الغد تطاول لها أبو بكر وعمر
فدعا عليا عليه السلام وهو أرمد فتفل في عينيه وأعطاه اللواء ونهض معه من
الناس من نهض قال فلقى أهل خيبر فإذا مرحب يرتجز ويقول
قد علمت خيبر أنى مرحب * شاكي السلاح بطل مجرب
أطعن أحيانا وحيا أضرب * إذا الليوث أقبلت تلهب
فاختلف هو وعلي ضربتين فضربه علي على هامته حتى عض السيف منها
بأضراسه وسمع أهل العسكر صوت ضربته فما تتام آخر الناس مع علي عليه السلام
حتى فتح الله له ولهم * حدثنا أبو كريب قال حدثنا يونس بن بكير قال حدثنا
المسيب بن مسلم الأودي قال حدثنا عبد الله بن بريدة عن أبيه قال كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم ربما أخذته الشقيقة فيلبث اليوم واليومين لا يخرج فلما نزل
رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر أخذته الشقيقة فلم يخرج إلى الناس وأن أبا بكر
أخذ راية رسول الله ثم نهض فقاتل قتالا شديدا ثم رجع فأخذها عمر فقاتل
قتالا شديدا هو أشد من القتال الأول ثم رجع فأخبر بذلك رسول الله فقال أما والله
لأعطينها غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يأخذها عنوة قال وليس
ثم علي عليه السلام فتطاولت لها قريش ورجا كل واحد منهم أن يكون صاحب
300

ذلك فأصبح فجاء علي عليه السلام على بعير له حتى أناخ قريبا من خباء رسول الله
صلى الله عليه وسلم وهو أرمد وقد عصب عينيه بشقة برد قطري فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم مالك قال رمدت بعد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ادن
منى فدنا منه فتفل في عينيه فما وجعها حتى مضى لسبيله ثم أعطاه الراية فنهض بها
معه وعليه حلة أرجوان حمراء قد أخرج خملها فأتى خيبر وخرج مرحب صاحب
الحصن وعليه مغفر معصفر يمان وحجر قد ثقبه مثل البيضة على رأسه وهو
يرتجز ويقول:
قد علمت خيبر أنى مرحب * شاكي السلاح بطل مجرب
فقال علي على السلام
أنا الذي سمتني أمي حيدره * أكيلكم بالسيف كيل السندرة
ليث بغابات شديد قسوره
فاختلفا ضربتين فبدره علي فضربه فقد الحجر والمغفر ورأسه حتى وقع في
الأضراس وأخذ المدينة * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن
عبد الله بن الحسن عن بعض أهله عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال خرجنا مع علي بن أبي طالب حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم برايته
فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم فضربه رجل من اليهود فطرح ترسه
من يده فتناول علي رضي الله عنه بابا كان عند الحصن فترس عن نفسه فلم
يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه ثم ألقاه من يده حين فرغ فلقد رأيتني
في نفر سبعة أنا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه * حدثنا ابن حميد
قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال ولما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم القموص
حصن ابن أبي الحقيق أتى رسول الله بصفية بنت حيى بن أخطب وبأخرى معها
فمر بهما بلال وهو الذي جاء بهما على قتلى من قتلى يهود فلما رأتهم التي مع صفية
صاحت وصكت وجهها وحثت التراب على رأسها فلما رآها رسول الله قال
اغربوا عنى هذه الشيطانة وأمر بصفية فحيزت خلفه وألقى عليها رداؤه فعرف
301

المسلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اصطفاها لنفسه فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لبلال فيما بلغني حين رأى من تلك اليهودية ما رأى أنزعت
منك الرحمة يا بلال حيث تمر بامرأتين على قتلى رجالهما وكانت صفية قد رأت
في المنام وهى عروس بكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق أن قمرا وقع في حجرها
فعرضت رؤياها على زوجها فقال ما هذا إلا أنك تمنين ملك الحجاز محمدا فلطم وجهها
لطمة اخضرت عينها منها فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبها أثر منها فسألها
ما هو فأخبرته هذا الخبر (قال ابن إسحاق) وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم
بكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وكان عنده كنز بنى النضير فسأله فجحد أن يكون
يعلم مكانه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل من يهود فقال لرسول الله
صلى الله عليه وسلم إني قد رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداة فقال رسول الله
لكنانة أرأيت إن وجدناه عندك أقتلك قال نعم فأمر رسول الله صلى الله عليه
وسلم بالخربة فحفرت فأخرج منها بعض كنزهم ثم سأله ما بقى فأبى أن يؤديه
فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام فقال عذبه حتى تستأصل
ما عنده فكان الزبير يقدح بزنده في صدره حتى أشرف على نفسه ثم دفعه رسول الله
إلى محمد بن مسلمة فضرب عنقه بأخيه محمود بن مسلمة وحاصر رسول الله صلى الله
عليه وسلم أهل خيبر في حصنهم الوطيح والسلالم حتى إذا أيقنوا بالهلكة سألوه
أن يسيرهم ويحقن لهم دماءهم ففعل وكان رسول الله قد حاز الأموال كلها الشق
ونطاة والكتيبة وجميع حصونهم إلا ما كان من ذنبك الحصنين فلما سمع بهم
أهل فدك قد صنعوا ما صنعوا بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه
أن يسيرهم ويحقن دماءهم لهم ويخلوا الأموال ففعل وكان فيمن مشى بينهم وبين
رسول الله في ذلك محيصة بن مسعود أخو بنى حارثة فلما نزل أهل خيبر على
ذلك سألوا الله أن يعاملهم بالأموال على النصف وقالوا نحن أعلم بها منكم
وأعمر لها فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصف على أنا إذا شئنا
أن نخرجكم أخرجناكم وصالحه أهل فدك على مثل ذلك فكانت خيبر فيأ للمسلمين
302

وكانت فدك خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لانهم لم يجلبوا عليها بخيل
ولا ركاب فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدت له زينب بنت الحارث
امرأة سلام بن مشكم شاة مصلية وقد سألت أي عضو من الشاة أحب إلى
رسول الله فقيل لها الذراع فأكثرت فيها السم فسمت سائر الشاة ثم جاءت بها
فلما وضعتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم تناول الذراع فأخذها فلاك
منها مضغة فلم يسغها ومعه بشر بن البراء بن معرور وقد أخذ منها كما أخذ رسول الله
فأما بشر فأساغها وأما رسول الله فلفظها ثم قال إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم
ثم دعا بها فاعترفت فقال ما حملك على ذلك قالت بلغت من قومي ما لم يخف عليك
فقلت إن كان نبيا فسيخبر وإن كان ملكا استرحت منه فتجاوز عنها النبي صلى الله
عليه وسلم ومات بشر بن البراء من أكلته التي أكل * حدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة عن محمد بن إسحاق عن مروان بن عثمان بن أبي سعيد بن المعلى قال وقد كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الذي توفى فيه ودخلت عليه أم بشر
ابن البراء تعوده يا أم بشر إن هذا الاوان وجدت انقطاع أبهرى من الأكلة
التي أكلت مع ابنك بخيبر قال وكان المسلمون يرون أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قد مات شهيدا مع ما أكرمه الله به من النبوة (قال ابن إسحاق) فلما فرغ
رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر انصرف إلى وادى القرى فحاصر أهله
ليالي ثم انصرف راجعا إلى المدينة
ذكر غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وادى القرى
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن ثور بن زيد عن سالم
مولى عبد الله بن مطيع عن أبي هريرة قال لما انصرفنا مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم من خيبر إلى وادى القرى نزلنا أصلا مع مغارب الشمس ومع
رسول الله صلى الله عليه وسلم غلام له أهداه إليه رفاعة بن زيد الجذامي ثم
الضبيبي فوالله إنا لنضع رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتاه سهم
303

غرب فأصابه فقتله فقلنا هنيئا له الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلا
والذي نفس محمد بيده إن شملته الآن لتحرق عليه في النار قال وكان غلها من
فئ المسلمين يوم خيبر قال فسمعها رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم فأتاه فقال يا رسول الله أصبت شراكين لنعلين قال فقال يقد لك مثلهما
من النار (وفى هذه السفرة) نام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن
صلاة الصبح حتى طلعت الشمس * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق
عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال لما انصرف رسول الله صلى الله
عليه وسلم من خيبر وكان ببعض الطريق قال من آخر الليل من رجل يحفظ
علينا الفجر لعلنا ننام فقال بلال أنا يا رسول الله أحفظ لك فنزل رسول الله
صلى الله عليه وسلم ونزل الناس فناموا وقام بلال يصلى فصلى ما شاء الله أن يصلى
ثم استند إلى بعيره واستقبل الفجر يرمقه فغلبته عينه فنام فلم يوقظهم إلا مس
الشمس وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول أصحابه هب من نومه فقال
ماذا صنعت بنا يا بلال فقال يا رسول الله أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك قال
صدقت ثم اقتاد رسول الله غير كثير ثم أناخ فتوضأ وتوضأ الناس ثم أمر بلالا
فأقام الصلاة فصلى بالناس فلما سلم أقبل على الناس فقال إذا نسيتم الصلاة فصلوها
إذا ذكرتموها فإن الله عز وجل يقول (أقم الصلاة لذكرى) (قال ابن إسحاق)
فتح خيبر في صفر قال وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء من نساء
المسلمين فوضح لهن رسول الله من الفئ ولم يضرب لهن بسهم قال ولما فتحت خيبر
قال الحجاج بن غلاط السلمي ثم البهزي لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله
إن لي بمكة عند صاحبتي أم شيبة بنت أبي طلحة وكانت عنده له منها معرض
ابن الحجاج ومال مفترق في تجار أهل مكة فأذن لي يا رسول الله فأذن له رسول الله
صلى الله عليه وسلم ثم قال إنه لا بد لي من أن أقول قال قل قال الحجاج فخرجت حتى
إذا قدمت مكة فوجدت بثنية البيضاء رجالا من قريش يتسمعون الاخبار ويسألون
عن أمر رسول الله وقد بلغهم أنه قد سار إلى خيبر وقد عرفوا أنها قرية الحجاز
304

ريفا ومنعة ورجالا فهم يتحسسون الاخبار فلما رأوني قالوا الحجاج بن علاط ولم
يكونوا علموا باسلامي عنده والله الخبر أخبرنا بأمر محمد فإنه قد بلغنا أن القاطع قد
سار إلى خيبر وهى بلدة يهود وريف الحجاز قال قلت قد بلغني ذلك وعندي من الخبر
ما يسركم قال فالتاطوا بجنبي ناقتي يقولون إيه يا حجاج قال قلت هزموا هزيمة لم
تسمعوا بمثلها قط وقتل أصحابه قتلا لم تسمعوا بمثله قط وأسر محمد أسرا وقالوا
لن نقتله حتى نبعث به إلى مكة فيقتلوه بين أظهرهم بمن كان أصاب من رجالهم قال
فقاموا فصاحوا بمكة وقالوا قد جاءكم الخبر وهذا محمد إنما تنتظرون أن يقدم به
عليكم فيقتل بين أظهركم قال قلت أعينوني على جمع مالي بمكة على غرمائي فانى أريد أن
أقدم خيبر فأصيب من فل محمد وأصحابه قبل أن يسبقني التجار إلى ما هنالك قال
فقاموا فجمعوا مالي كأحث جمع سمعت به فجئت صاحبتي فقلت مالي وقد كان لي
عندها مال موضوع لعلى ألحق بخيبر فأصيب من فرص البيع قبل أن يسبقني
إليه التجار فلما سمع العباس بن عبد المطلب الخبر وجاءه عنى أقبل حتى وقف إلى
جنبي وأنا في خيمة من خيام التجار فقال يا حجاج ما هذا الذي جئت به قال قلت
وهل عندك حفظ لما وضعت عندك قال نعم قلت فاستأخر عنى حتى ألقاك
على خلاء فانى في جمع مالي كما ترى فانصرف عنى حتى إذا فرغت من جمع كل شئ
كان لي بمكة وأجمعت الخروج لقيت العباس فقلت احفظ على حديثي يا أبا الفضل
فانى أخشى الطلب ثلاثا ثم قل ما شئت قال افعل قال قلت فانى والله لقد تركت
ابن أخيك عروسا على ابنة ملكهم يعنى صفية بنت حيى بن أخطب ولقد افتتح
خيبر وانتثل ما فيها وصارت له ولأصحابه قال ما تقول يا حجاج قال قلت أي والله
فاكتم على ولقد أسلمت وما جئت إلا لآخذ مالي فرقا من أن أغلب عليه فإذا
مضت فاظهر أمرك فهو والله على ما تحب قال حتى إذا كان اليوم لبس العباس
حلة له وتخلق وأخذ عصاه ثم خرج حتى أتى الكعبة فطاف بها فلما رأوه قالوا
يا أبا الفضل هذا والله التجلد لحر المصيبة قال كلا والذي حلفتم به لقد افتتح محمد
خيبر وترك عروسا على ابنة ملكهم وأحرز أموالها وما فيها فأصبحت له ولأصحابه
305

قالوا من جاءك بهذا الخبر قال الذي جاءكم بما جاءكم به لقد دخل عليكم مسلما وأخذ
ماله وانطلق ليلحق برسول الله وأصحابه فيكون معه قالوا يأل عباد الله أفلت عدو
الله أما والله لو علمنا لكان لنا وله شأن ولم ينشبوا أن جاءهم الخبر بذلك * حدثنا
ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال حدثني عبد الله بن أبي بكر قال
كانت المقاسم على أموال خيبر على الشق ونطاة والكتيبة فكانت الشق ونطاة
في سهمان المسلمين وكانت الكتيبة خمس الله عز وجل وخمس النبي صلى الله عليه
وسلم وسهم ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وطعم أزواج النبي
وطعم رجال مشوا بين رسول الله وبين أهل فدك بالصلح منهم محيصة بن مسعود
أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ثلاثين وسق شعير وثلاثين وسق تمر
وقسمت خيبر على أهل الحديبية من شهد منهم خيبر ومن غاب عنها ولم يغب
عنها إلا جابر بن عبد الله بن حرام الأنصاري فقسم له رسول الله صلى الله عليه
وسلم كسهم من حضرها قال ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر
قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك حين بلغهم ما أوقع الله بأهل خيبر فبعثوا إلى
رسول الله يصالحونه على النصف من فدك فقدمت عليه رسلهم بخيبر أو بالطريق
وإما بعد ما قدم المدينة فقبل ذلك منهم فكانت فدك لرسول الله صلى الله عليه
وسلم خاصة لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة
قال حدثني محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر قال كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يبعث إلى أهل خيبر عبد الله بن رواحة خارصا بين المسلمين ويهود
فيخرص عليهم فإذا قالوا تعديت علينا قال إن شئتم فلكم وإن شئتم فلنا فتقول
يهود بهذا قامت السماوات خنساء أخو بنى سلمة هو الذي يخرص
عليهم بعد عبد الله بن رواحة فأقامت يهود والأرض وإنما خرص عليهم عبد الله بن رواحة ثم
أصيب بمؤتة فكان جبار بن صخر بن علي ذلك لا يرى بهم المسلمون بأسا في
معاملتهم حتى عدوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عبد الله بن سهل
أخي بنى حارثة فقتلوه فاتهمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون عليه
306

* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال سألت ابن شهاب الزهري
كيف كان إعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود خيبر نخيلهم حين أعطاهم
النخل على خرجها أبت ذلك لهم حتى قبض أم أعطاهم إياها لضرورة من غير ذلك
فأخبرني ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح خيبر عنوة بعد القتال
وكانت خيبر مما أفاء الله على رسوله خمسها رسول الله وقسمها بين المسلمين ونزل
من نزل من أهلها على الاجلاء بعد القتال فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال إن شئتم دفعنا إليكم هذه الأموال على أن تعملوها وتكون ثمارها بيننا وبينكم
وأقركم ما أقركم الله فقبلوا فكانوا على ذلك يعملونها وكان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة فيقسم ثمرها ويعدل عليهم في الخرص فلما
توفى الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أقرها أبو بكر بعد النبي في أيديهم على
المعاملة التي كان عاملهم عليها رسول الله حتى توفى ثم أقرها عمر صدرا من
إمارته ثم بلغ عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في وجعه الذي قبض
فيه لا يجتمعن بجزيرة العرب دينان ففحص عمر عن ذلك حتى بلغه الثبت فأرسل
إلى يهود أن الله قد أذن في اجلائكم فقد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال لا يجتمعن بجزيرة العرب دينان فمن كان عنده عهد من رسول الله فليأتني
به أنفذه له ومن لم يكن عنده عهد من رسول الله من اليهود فليتجهز للجلاء
فأجلى عمر من لم يكن عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم
(قال أبو جعفر) ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة (قال
الواقدي) في هذه السنة رد رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب ابنته على أبى
العاص بن الربيع وذلك في المحرم قال وفيها قدم حاطب بن أبي بلتعة من عند
المقوقس بمارية وأختها سيرين وبغلته دلدل وحماره يعفور وكسا وبعث معهما
بخصى فكان معهما وكان حاطب قد دعاهما إلى الاسلام قبل أن يقدم بهما فأسلمت
هي وأختها فأنزلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سليم بنت ملحان
وكانت مارية وضيئة قال فبعث النبي صلى الله عليه وسلم بأختها سيرين إلى حسان
307

ابن ثابت فولدت له عبد الرحمن بن حسان قال وفى هذه السنة اتخذ النبي صلى
الله عليه وسلم منبره الذي كان يخطب الناس عليه واتخذ درجتين ومقعده قال
ويقال إنه عمل في سنة ثمانية قال وهو الثبت عندنا قال وفيها بعث رسول الله
صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب في ثلاثين رجلا إلى عجز هوازن بتربة فخرج
بدليل له من بنى هلال وكانوا يسيرون الليل ويكمنون النهار فأتى الخبر هوازن
فهربوا فلم يلق كيدا ورجع قال وفيها سرية أبى بكر بن أبي قحافة في شعبان إلى نجد
قال سلمة بن الأكوع غزونا مع أبي بكر في تلك السنة (قال أبو جعفر) قد مضى
خبرها قبل (قال الواقدي) وفيها سرية بشير بن سعد إلى بنى مرة بفدك في شعبان
في ثلاثين رجلا فأصيب أصحابه وارتث في القتلى ثم رجع إلى المدينة (قال أبو
جعفر) وفيها سرية غالب بن عبد الله في شهر رمضان إلى الميفعة * فحدثنا ابن حميد
قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر قال بعث رسول الله
صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله الكلبي إلى أرض بنى مرة فأصاب بها مرداس
ابن نهيك حليفا لهم من الحرقة من جهينة قتله أسامة بن زيد ورجل من الأنصار
قال أسامة لما غشيناه قال أشهد أن لا إله إلا الله فلم ننزع عنه حتى قتلناه فلما
قدمنا على رسول الله أخبرناه الخبر فقال يا أسامة من لك بلا إله إلا الله قال
الواقدي وفيها سرية غالب بن عبد الله إلى بنى عبد بن ثعلبة ذكر أن عبد الله بن
جعفر حدثه عن ابن أبي عون عن يعقوب بن عتبة قال قال يسار مولى رسول الله
صلى الله عليه وسلم يا رسول الله إني أعلم غرة من بنى عبد بن ثعلبة فأرسل معه
غالب بن عبد الله في مائة وثلاثين رجلا حتى أغاروا على بنى عبد فاستاقوا النعم
والشاء وحدروها إلى المدينة قال وفيها سرية بشير بن سعد إلى يمن وجناب في
شوال من سنة سبع ذكر أن يحيى بن عبد العزيز بن سعيد حدثه عن سعد بن عبادة
عن بشير بن محمد بن عبد الله بن زيد قال الذي أهاج هذه السرية أن حسيل بن
نويرة الأشجعي وكان دليل رسول الله صلى الله عليه وآله إلى خيبر قدم على
النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما وراءك قال تركت جمعا من غطفان بالجناب قد
308

بعث إليهم عيينة بن حصن ليسيروا إليكم فدعا رسول الله بشير بن سعد وخرج
معه الدليل حسيل بن نويرة فأصابوا نعما وشاء ولقيهم عبد لعيينة بن حصن فقتلوه
ثم لقوا جمع عيينة فانهزم فلقيه الحارث بن عوف منهزما فقال قد آن لك يا عيينة
أن تقصر عما ترى * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال لما
رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة من خيبر أقام بها شهر ربيع
الأول وشهر ربيع الآخر وجمادى الأولى وجمادى الآخرة ورجبا وشعبان
وشهر رمضان وشوالا يبعث فيما بين ذلك من غزوه وسراياه ثم خرج في ذي القعدة
في الشهر الذي صده فيه المشركون معتمرا عمرة القضاء مكان عمرته التي صدوه عنها
وخرج معه المسلمون ممن كان معه في عمرته تلك تلك وهى سنة سبع فلما سمع به أهل مكة
خرجوا عنه وتحدثت قريش بينها أن محمدا وأصحابه في عسر وجهد وحاجة * حدثنا ابن
حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن الحسن بن عمارة عن الحكم بن عتيبة عن
مقسم عن ابن عباس قال اصطفوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عند دار الندوة
لينظروا إليه وإلى أصحابه معه فلما دخل رسول الله المسجد اضطبع بردائه وأخرج
عضده اليمنى ثم قال رحم الله أمرأ أراهم اليوم من نفسه قوة ثم استلم الركن
وخرج يهرول ويهرول أصحابه معه حتى إذا واراه البيت منهم واستلم الركن اليماني
مشى حتى يستلم الأسود ثم هرول كذلك ثلاثة أطواف ومشى سائرها وكان ابن
عباس يقول كان الناس يظنون أنها ليست عليهم وذلك أن رسول الله إنما صنعها
لهذا الحي من قريش للذي بلغه عنهم حتى حج حجة الوداع فرملها فمضت السنة
بها * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل مكة في تلك العمرة دخلها وعبد الله
ابن رواحة آخذ بخطام ناقته وهو يقول
خلوا بنى الكفار عن سبيله * إني شهيد أنه رسوله
خلوا فكل الخير في رسوله * يا رب إني مؤمن بقيله
أعرف حق الله في قبوله * نحن قتلناكم على تأويله
309

كما قتلناكم على تنزيله * ضربا يزيل الهام عن مقيله
ويذهل الخليل عن خليله
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح وعبد الله
ابن أبي نجيح عن عطاء بن رباح ومجاهد عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم تزوج ميمونة بنت الحارث في سفره ذلك وهو حرام وكان الذي
زوجه إياها العباس بن عبد المطلب (قال ابن إسحاق) فأقام رسول الله صلى الله
عليه وسلم بمكة ثلاثا فأتاه حويطب بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود بن
نصر بن مالك بن حسل في نفر من قريش في اليوم الثالث وكانت قريش وكلته
بإخراج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة فقالوا له إنه قد انقضى أجلك
فاخرج عنا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عليكم لو تركتموني فأعرست
بين أظهركم فصنعنا لكم طعاما فحضرتموه قالوا لا حاجة لنا في طعامك فاخرج عنا
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف أبا رافع مولاه على ميمونة حتى أتاه
بها بسرف فبنى عليها رسول الله هنالك وأمر رسول الله أن يبدلوا الهدى وأبدل
معهم فعزت عليهم الإبل فرخص لهم في البقر ثم انصرف رسول الله صلى الله
عليه وسلم إلى المدينة في ذي الحجة فأقام بها بقية ذي الحجة وولى تلك الحجة
المشركون والمحرم وصفر وشهري ربيع وبعث في جمادى الأولى بعثه إلى الشأم
الذين أصيبوا بمؤتة وقال الواقدي حدثني ابن أبي ذئب عن الزهري قال أمرهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعتمروا في قابل قضاء لعمرة الحديبية وأن يهدوا
قال وحدثني عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر قال لم تكن هذه العمرة قضاء
ولكن كان شرط على المسلمين أن يعتمروا قابلا في الشهر الذي صدهم المشركون
فيه قال الواقدي قول ابن أبي ذئب أحب إلينا لانهم أحصروا ولم يصلوا إلى البيت
(وقال الواقدي) وحدثني عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب عن محمد بن إبراهيم
قال ساق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة القضية ستين بدنة قال وحدثني
معاذ بن محمد الأنصاري عن عاصم بن عمر بن قتادة قال حمل السلاح والبيض والرماح
310

وقاد مائة فرس واستعمل على السلاح بشير بن سعد وعلى الخيل محمد بن مسلمة
فبلغ ذلك قريشا فراعهم فأرسلوا مكرز بن حفص بن الأخيف فلقيه بمر الظهران
فقال له ما عرفت صغيرا ولا كبيرا إلا بالوفاء وما أريد إدخال السلاح عليهم ولكن
يكون قريبا إلى فرجع إلى قريش فأخبرهم (قال الواقدي) وفيها كانت غزوة
ابن أبي العوجاء السلمي إلى بنى سليم في ذي القعدة بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم
إليهم بعد ما رجع من مكة في خمسين رجلا فخرج إليهم (قال أبو جعفر) فلقيه فيما
حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر بنو سليم فأصيب
بها هو وأصحابه جميعا (قال أبو جعفر) أما الواقدي فإنه زعم أنه نجا ورجع إلى
المدينة وأصيب وأصحابه
ثم دخلت سنة ثمان من الهجرة
ففيها توفيت فيما زعم الواقدي زينب ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة عن عبد الله بن أبي بكر قال وفيها أغزى رسول الله صلى الله
عليه وسلم غالب بن عبد الله الليثي في صفر إلى الكديد إلى بنى الملوح (قال أبو جعفر)
وكان من خبر هذه السرية وغالب بن عبد الله ما حدثني إبراهيم بن سعيد الجوهري
وسعيد بن يحيى بن سعيد قال إبراهيم حدثني يحيى بن سعيد وقال سعيد بن يحيى حدثني أبي
وحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة جميعا عن ابن إسحاق قال حدثني يعقوب
ابن عتبة بن المغيرة عن مسلم بن عبد الله بن خبيث الجهني عن جندب بن مكيث
الجهني قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله الكلبي كلب
ليث إلى بنى الملوح بالكديد وأمره أن يغير عليهم فخرج وكنت في سريته فمضينا
حتى إذا كنا بقديد لقينا بها الحارث بن مالك وهو ابن البرصاء الليثي فأخذناه
فقال إني إنما جئت لاسلم فقال غالب بن عبد الله إن كنت إنما جئت مسلما فلن
يضرك رباط يوم وليلة وإن كنت على غير ذلك استوثقنا منك قال فأوثقه رباطا
ثم خلف عليه رويجلا أسود كان معنا فقال امكث معه حتى نمر عليك فان نازعك
311

فاحتز رأسه قال ثم مضينا حتى أتينا بطن الكديد فنزلنا عشيشية بعد العصر
فبعثني أصحابي ربيئة فعمدت إلى تل يطلعني على الحاضر فانبطحت عليه وذلك
قبيل المغرب فخرج منهم رجل فنظر فرآني منبطحا على التل فقال لامرأته والله
إني لارى على هذا التل سوادا ما كنت رأيته أول النهار فانظري لا تكون الكلاب
جرت بعض أوعيتك فنظرت فقالت والله ما أفقد شيئا قال فناوليني قوسي وسهمين
من نبلى فناولته فرماني بسهم فوضعه في جنبي قال فنزعته فوضعته ولم أتحرك ثم
رماني بالآخر فوضعه في رأس منكبي فنزعته فوضعته ولم أتحرك فقال أما والله
لقد خالطه سهماي ولو كان ربيئة لتحرك فإذا أصبحت فاتبعي سهمي فخذيهما لا تمضغهما
على الكلاب قال فأمهلناهم حتى راحت رائحتهم حتى إذا احتلبوا وعطنوا وسكنوا
وذهبت عتمة من الليل شننا عليهم الغارة فقتلنا من قتلنا واستقنا النعم فوجهنا
قافلين وخرج صريخ القوم إلى القوم مغوثا قال وخرجنا سراعا حتى نمر بالحارث
ابن مالك بن البرصاء وصاحبه فانطلقنا به معنا وأتانا صريخ الناس فجاءنا ما لا قبل لنا
به حتى إذا لم يكن بيننا وبينهم الا بطن الوادي من قديد بعث الله عز وجل من
حيث شاء سحابا ما رأينا قبل ذلك مطرا ولا خالا فجاء بما لا يقدر أحد أن يقدم عليه
فلقد رأيناهم ينظرون إلينا ما يقدر أحد منهم أن يقدم ولا يتقدم ونحن نحدوها
سراعا حتى أسندناها في المشلل ثم حدرناها عنها فأعجزنا القوم بما في أيدينا فما أنسى
قول راجز من المسلمين وهو يحدوها في أعقابها ويقول
أبى أبو القاسم أن تعزبى * في خضل نباتة مغلولب
صفر أعاليه كلون المذهب
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد ابن إسحاق عن رجل من
أسلم عن شيخ منهم أن شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة
كان أمت أمت (قال الواقدي) كانت سرية غالب بن عبد الله بضعة عشر رجلا
قال وفيها بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن
ساوى العبدي وكتب إليه كتابا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي رسول الله
312

إلى المنذر بن ساوى سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ما بعد فان
كتابك جاءني ورسلك وإنه من صلى صلاتنا وأكل ذبيحتنا واستقبل قبلتنا
فإنه مسلم له ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين ومن أبى فعليه الجزية قال فصالحهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن على المجوس الجزية لا تؤكل ذبائحهم
ولا تنكح نساؤهم قال وفيها بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص
إلى جيفر وعباد ابني جلندى بعمان فصدقا النبي وأقرا بما جاء به وصدق أموالهما
وأخذ الجزية من المجوس قال وفيها سرية شجاع بن وهب إلى بنى عامر في شهر ربيع
الأول في أربعة وعشرين رجلا فشن الغارة عليهم فأصابوا نعما وشاء وكانت
سهامهم خمسة عشر بعيرا لكل رجل قال وفيها كانت سرية عمرو بن كعب الغفاري
إلى ذات أطلاح خرج في خمسة عشر رجلا حتى انتهى إلى ذات أطلاح فوجدنا جمعا
كثيرا فدعوهم إلى الاسلام فأبوا أن يجيبوا فقتلوا أصحاب عمرو جميعا وتحامل
حتى بلغ المدينة (قال الواقدي) وذات أطلاح من ناحية الشأم وكانوا من قضاعة
ورأسهم رجل يقال له سدوس قال وفيها قدم عمرو بن العاص مسلما على رسول الله
صلى الله عليه وسلم قد أسلم عند النجاشي وقدم معه عثمان بن طلحة العبدري وخالد
ابن الوليد بن المغيرة قدموا المدينة في أول صفر (قال أبو جعفر) وكان سبب
إسلام عمرو بن العاص ما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن يزيد
ابن أبي حبيب عن راشد مولى ابن أبي أوس عن حبيب بن أبي أوس قال حدثني
عمرو بن العاص من فيه إلى أذني قال لما انصرفنا مع الأحزاب عن الخندق جمعت
رجالا من قريش كانوا يرون رأيي ويسمعون منى فقلت لهم تعلمون والله
إني لارى أمر محمد يعلو الأمور علوا منكرا وإني قد رأيت رأيا فما ترون فيه
قالوا وماذا رأيت قلت رأيت أن نلحق بالنجاشي فنكون عنده فإن ظهر محمد
على قومنا كنا عند النجاشي فإنا أن نكون تحت يديه أحب إلينا من أن نكون
تحت يدي محمد وإن يظهر قومنا فنحن من قد عرفوا فلا يأتينا منهم إلا خير فقالوا إن
هذا لرأى قلت فاجمعوا له ما نهدى إليه وكان أحب ما يهدى إليه من أرضنا الأدم
313

فجمعنا له أدما كثيرا ثم خرجنا حتى قدمنا عليه فوالله إنا لعنده إذ جاءه عمرو بن أمية
الضمري وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعثه إليه في شأن جعفر بن أبي طالب
وأصحابه قال فدخل عليه ثم خرج من عنده قال فقلت لأصحابي هذا عمرو بن أمية
الضمري لو قد دخلت على النجاشي سألته إياه فأعطانيه فضربت عنقه فإذا فعلت
ذلك رأت قريش أنى قد أجزأت عنها حين قتلت رسول محمد فدخلت عليه فسجدت له
كما كنت أصنع فقال مرحبا بصديقي أهديت لي شيئا من بلادك قلت نعم أيها الملك
قد أهديت لك أدما كثيرا ثم قربته إليه فأعجبه واشتهاه ثم قلت له أيها الملك إني
قد رأيت رجلا خرج من عندك وهو رسول رجل عدو لنا فأعطنيه لأقتله فإنه
قد أصاب من أشرافنا وخيارنا قال فغضب ثم مد يده فضرب بها أنفه ضربة ظننت
أنه قد كسره يعنى النجاشي فلو انشقت الأرض لي لدخلت فيها فرقا منه ثم قلت
والله أيها الملك لو ظننت أنك تكره هذا ما سألتكه قال أتسألني أن أعطيك رسول
رجل يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى لتقتله فقلت أيها الملك أكذاك هو قال
ويحك يا عمرو أطعني واتبعه فإنه والله لعلى الحق وليظهرن على من خالفه كما ظهر
موسى على فرعون وجنوده قال قلت فتبايعني له على الاسلام قال نعم فبسط يده
فبايعته على الاسلام ثم خرجت إلى أصحابي وقد حال رأيي عما كان عليه وكتمت
أصحابي إسلامي ثم خرجت عامدا لرسول الله لاسلم فلقيت خالد بن الوليد وذلك
قبل الفتح وهو مقبل من مكة فقلت أين يا أبا سليمان قال والله لقد استقام المنسم
وإن الرجل لنبي اذهب والله أسلم فحتى متى فقلت والله ما جئت إلا لاسلم فقدمنا
على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقدم خالد بن الوليد فأسلم وبايع ثم دنوت
فقلت يا رسول الله إني أبايعك على أن تغفر لي ما تقدم من ذنبي ولا أذكر ما تأخر
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عمرو بايع فإن الاسلام يجب ما قبله وإن
الهجرة تجب ما قبلها فبايعته ثم انصرفت * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد
ابن إسحاق عمن لا أتهم أن عثمان بن طلحة بن أبي طلحة كان معهما أسلم حين أسلما
314

ذكر ما في الخبر عن الكائن من الاحداث المذكورة
في سنة ثمانية من سنى الهجرة
فمما كان فيها من ذلك توجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص في جمادى
الآخرة إلى السلاسل من بلاد قضاعة في ثلثمائة وذلك أن أم العاص بن وائل فيما
ذكر كانت قضاعية فذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يتألفهم
بذلك فوجهه في أهل الشرف من المهاجرين والأنصار ثم استمد رسول الله صلى
الله عليه وسلم فأمده بأبي عبيدة بن الجراح على المهاجرين والأنصار فيهم وأبو بكر
وعمر في مائتين فكان جميعهم خمسمائة * وحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني
محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
عمرو بن العاص إلى أرض بلى وعذرة يستنفر الناس إلى الشأم وذلك أن أم العاص
ابن وائل كانت امرأة من بلى فبعثه رسول الله إليهم يستألفهم بذلك حتى إذا كان
على ماء بأرض جذام يقال له السلاسل وبذلك سميت تلك الغزوة ذات السلاسل
فلما كان عليه خاف فبعث إلى رسول الله يستمده فبعث إليه رسول الله صلى
الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح في المهاجرين الأولين فيهم أبو بكر وعمر
رضوان الله عليهم وقال لأبي عبيدة حين وجهه لا تختلفا فخرج أبو عبيدة حتى
إذا قدم عليه قال له عمرو بن العاص إنما جئت مددا لي فقال أبو عبيدة
يا عمرو إن رسول الله قد قال لي لا تختلفا وأنت إن عصيتني أطعتك قال فأنا أمير
عليك وإنما أنت مدد لي قال فدونك فصلى عمرو بن العاص بالناس (قال
الواقدي) وفيها كانت غزوة الخبط وكان الأمير فيها عبيدة بن الجراح بعثه
رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجب منها في ثلثمائة من المهاجرين والأنصار
قبل جهينة فأصابهم فيها أزل شديد وجهد حتى اقتسموا التمر عددا * وحدثنا أحمد
ابن عبد الرحمن قال حدثنا عمى عبد الله بن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث
أن عمرو بن دينار حدثه أنه سمع جابر بن عبد الله يقول خرجنا في بعث ونحن
315

ثلثمائة وعلينا أبو عبيدة بن الجراح فأصابنا فكنا نأكل الخبط ثلاثة أشهر
فخرجت دابة من البحر يقال لها العنبر فمكثنا نصف شهر نأكل منها ونحر رجل
من الأنصار جزائر ثم نحر من الغد كذلك فنهاه أبو عبيدة فانتهى قال عمرو بن
دينار وسمعت ذكوان أبا صالح قال إنه قيس بن سعد قال عمرو وحدثني بكر
ابن سوادة الجذامي عن أبي جمرة عن جابر بن عبد الله نحو ذلك إلا أنه قال جهدوا
وقد كان عليهم قيس بن سعد ونحر لهم تسع ركائب وقال بعثهم في بعص من وراء
البحر وإن البحر ألقى إليهم دابة فمكثوا عليها ثلاثة أيام يأكلون منها ويقددون
ويغرفون شحمه فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكروا له ذلك من
أمر قيس بن سعد فقال رسول الله إن الجود من شيمة أهل ذلك البيت وقال في
الحوت لو نعلم أنا نبلغه قبل أن يروح لأحببنا أن لو كان عندنا منه شئ ولم يذكر
الخبط ولا شيئا سوى ذلك * حدثنا ابن المثنى قال حدثنا الضحاك بن مخلد عن ابن
جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يخبر قال زودنا النبي صلى
الله عليه وسلم جرابا من تمر فكان يقبض لنا أبو عبيدة قبضة قبضة ثم تمرة تمرة
فنمصها ونشرب عليها الماء إلى الليل حتى نفد ما في الجراب فكنا نجني الخبط
فجعنا جوعا شديدا قال فألقى لنا البحر حوتا ميتا فقال أبو عبيدة جياع كلوا فأكلنا
وكان أبو عبيدة ينصب الضلع من أضلاعه فيمر الراكب على بعيره تحته ويجلس
النفر الخمسة في موضع عينه فأكلنا وأدهنا حتى صلحت أجسامنا وحسنت شحماتنا
فلما قدمنا المدينة قال جابر فذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال كلوا رزقا
أخرجه الله عز وجل لكم معكم منه شئ وكان معنا منه شئ فأرسل إليه بعض
القوم فأكل منه (قال الواقدي) وإنما سميت غزوة الخبط لانهم أكلوا الخبط
حتى كان أشداقهم أشداق الإبل العضهة قال وفيها كانت سرية وجهها رسول الله
صلى الله عليه وسلم في شعبان أميرها أبو قتادة * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة
قال حدثني ابن إسحاق عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن إبراهيم عن عبد الله
ابن أبي حدرد الأسلمي قال تزوجت امرأة من قومي فأصدقتها مائتي درهم فجئت
316

رسول الله صلى الله عليه وسلم أستعينه على نكاحي فقال وكم أصدقت قلت مائتي
درهم يا رسول الله قال سبحان الله لو كنتم إنما تأخذون الدراهم من بطن واد
ما زدتم والله ما عندي ما أعينك به قال فلبثت أياما وأقبل رجل من بنى جشم بن
معاوية يقال له رفاعة بن قيس أو قيس بن رفاعة في بطن عظيم من جشم حتى نزل
بقومه ومن معه بالغابة يريد أن يجمع قيسا على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال وكان ذا اسم وشرف في جشم قال فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلين
من المسلمين فقال اخرجوا إلى هذا الرجل حتى تأتونا به أو تأتونا منه بخبر وعلم
قال وقدم لنا شارفا عجفاء فحمل عليها أحدنا فوالله ما قامت به ضعفا حتى دعمها
الرجال من خلفها بأيديهم حتى استقلت وما كادت ثم قال تبلغون على هذه واعتقبوها
قال فخرجنا ومعنا سلاحنا من النبل والسيوف حتى جئنا قريبا من الحاضر عشيشية
مع غروب الشمس فكمنت في ناحية وأمرت صاحبي فكمنا في ناحية أخرى من
حاضر القوم وقلت لهما إذا سمعتماني قد كبرت وشددت على العسكر فكبرا
وشدا معي قال فوالله انا لكذلك ننتظر أن نرى غرة أو نصيب منهم شيئا غشينا
الليل حتى ذهبت فحمة العشاء وقد كان لهم راع قد سرح في ذلك البلد فأبطأ عليهم
حتى تخوفوا عليه قال فقام صاحبهم ذلك رفاعة بن قيس فأخذ سيفه فجعل في عنقه
ثم قال والله لأتبعن أثر راعينا هذا ولقد أصابه شر فقال نفر ممن معه والله
لا تذهب نحن نكفيك فقال والله لا يذهب إلا أنا قالوا فنحن معك قال والله
لا يتبعني منكم أحد قال وخرج حتى مر بي فلما أمكنني نفحته بسهم فوضعته في
فؤاده فوالله ما تكلم ووثبت إليه فاحتززت رأسه ثم شددت في ناحية العسكر
وكبرت وشد صاحباي وكبرا فوالله ما كان إلا النجاء ممن كان فيه عندك عندك
بكل ما قدروا عليه من نسائهم وأبنائهم وما خف معهم من أموالهم قال فاستقنا
إبلا عظيمة وغنما مثيرة فجئنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجئت برأسه
أحمله معي قال فأعانني رسول الله صلى الله عليه وسلم من تلك الإبل بثلاثة عشر
بعيرا فجمعت إلى أهلي (وأما الواقدي) فذكر أن محمد بن يحيى بن سهل بن
317

أبى حثمة حدثه عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ابن أبي حدرد في هذه
السرية مع أبي قتادة وأن السرية كانت ستة عشر رجلا وأنهم غابوا خمس عشرة
ليلة وأن سهمانهم كانت اثنى عشر بعيرا ستة يعدل البعير بعشر من الغنم وأنهم أصابوا
في وجوههم أربع نسوة فيهن فتاة وضيئة فصارت لأبي قتادة فكلم محمية بن
الجزء فيها ورسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم
أبا قتادة عنها فقال اشتريتها من المغنم فقال هبها لي فوهبها له فأعطاها رسول الله
محمية بن جزء الزبيدي قال وفيها أغزى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية
أبا قتادة إلى بطن إضم * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن يزيد
ابن عبد الله بن قسيط عن أبي القعقاع بن عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي وقال
بعضهم عن ابن القعقاع عن أبيه عن عبد الله بن أبي حدرد قال بعثنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم إلى أضم فخرجت في نفر من المسلمين فيهم أبو قتادة الحارث
ابن ربعي محلم بن جثامة بن قيس الليثي فخرجنا حتى إذا كنا ببطن أضم وكانت قبل
الفتح مر بنا عامر بن الأضبط الأشجعي على قعود له معه متيع له ووطب من لبن
فلما مر بنا سلم علينا بتحية الاسلام فأمسكنا عنه وحمل عليه محلم بن جثامة الليثي لشئ
كان بينه وبينه فقتله وأخذ بعيره ومتيعه فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأخبرناه الخبر نزل فينا القرآن (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا)
الآية (وقال الواقدي) إنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث هذه السرية
حين خرج لفتح مكة في شهر رمضان وكانوا ثمانية نفر
ذكر الخبر عن غزوة مؤتة
(قال ابن إسحاق) فيما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عنه قال لما رجع
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة من خيبر أقام بها شهري ربيع ثم بعث
في جمادى الأولى بعثه إلى الشأم الذين أصيبوا بمؤتة * حدثنا ابن حميد قال
حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير
318

قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى مؤتة في جمادى الأولى من سنة
ثمانية واستعمل عليهم زيد بن حارثة وقال إن أصيب زيد بن حارثة فجعفر بن أبي طالب
على الناس فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة على الناس فتجهز الناس ثم
تهيؤا للخروج وهم ثلاثة آلاف فلما حضر خروجهم ودع الناس أمراء رسول الله
وسلموا عليهم وودعوهم فلما ودع عبد الله بن رواحة مع من ودع من أمراء
رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى فقالوا ما يبكيك يا ابن رواحة فقال أما
والله ما بي حب الدنيا ولا صبابة بكم ولكني سمعت رسول الله يقرأ آية من كتاب
الله يذكر فيها النار (وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا) فلست أدرى
كيف لي بالصدر بعد الورود فقال المسلمون صحبكم الله ودفع عنكم وردكم إلينا
صالحين فقال عبد الله بن رواحة
لكنني أسئل الرحمن مغفرة * وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا
أو طعنة بيدي حران مجهزة * بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا
حتى يقولوا إذا مروا على جدثى * أرشدك الله من غاز وقد رشدا
ثم إن القوم تهيؤا للخروج فجاء عبد الله بن رواحة إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فودعه ثم خرج القوم وخرج رسول الله يشيعهم حتى إذا ودعهم
وانصرف عنهم قال عبد الله بن رواحة
خلف السلام على امرئ ودعته * في النخل خير مشيع وخليل
ثم مضوا حتى نزلوا معان من أرض الشأم فبلغ الناس أن هرقل قد نزل مآب
من أرض البلقاء في مائة ألف منهم من الروم وانضمت إليه المستعربة من لخم وجذام
وبلقين وبهراء وبلى في مائة ألف منهم عليهم رجل من بلى ثم أحد اراشة يقال له
مالك بن رافلة فلما بلغ ذلك المسلمين أقاموا على معان ليلتين ينظرون في أمرهم
وقالوا نكتب إلى رسول الله ونخبره بعدد عدونا فاما إن يمدنا برجال وإما إن
يأمرنا بأمره فنمضي له فشجع الناس عبد الله بن رواحة وقال يا قوم والله ان الذي
تكرهون للذي خرجتم تطلبون الشهادة وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا
319

كثرة ما نقاتلهم الا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين
إما ظهور وإما شهادة فقال الناس قد والله صدق ابن رواحة فمضى الناس فقال
عبد الله بن رواحة في محبسهم ذلك
جلبنا الخيل من آجام قرح * تغر من الحشيش لها العكوم
حذوناها من الصوان سبتا * أزل كأن صفحته أديم
أقامت ليلتين على معان * فأعقب بعد فترتها جموم
فرحنا والجياد مسومات * تنفس في مناخرها السموم
فلا وأبى مآب لنأتينها * ولو كانت بها عرب وروم
فعبانا أعنتها فجاءت * عوابس والغبار لها بريم
بذى لجب كان البيض فيه * إذا برزت قوانسها النجوم
فراضية المعيشة طلقتها * أسنتنا فتنكح أو تئيم
ثم مضى الناس * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن عبد الله
ابن أبي بكر أنه حدث عن زيد بن أرقم قال كنت يتيما لعبد الله بن رواحة في حجره
فخرج في سفره ذلك مردفى على حقيبة رحله فوالله انه ليسير ليلة إذ سمعته وهو
يتمثل أبياته هذه
إذا أديتني وحملت رحلي * مسيرة أربع بعد الحساء
فشأنك أنعم وخلاك ذم * ولا أرجع إلى أهلي ورائي
وجاء المسلمون وغادروني * بأرض الشأم مشتهى الثواء
وردك كل ذي نسب قريب * إلى الرحمن منقطع الاخاء
هنالك لا أبالي طلع بعل * ولا نخل أسافلها رواء
قال فلما سمعتهن منه بكيت فخفقني بالدرة وقال ما عليك يا لكع يرزقني الله
الشهادة وترجع بين شعبتي الرحل ثم قال عبد الله في بعض شعره وهو يرتجز
يا زيد زيد اليعملات الذبل * تطاول الليل هديت فأنزل
320

قال ثم مضى الناس حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم جموع هرقل من الروم
والعرب بقرية من قرى البلقاء يقال لها مشارف ثم دنا العدو وانحاز المسلمون
إلى قرية يقال لها مؤتة فالتقى الناس عندها فتعبأ المسلمون فجعلوا على ميمنتهم رجلا
من بنى عذرة يقال له قطبة بن قتادة وعلى ميسرتهم رجلا من الأنصار يقال له
عباية بن مالك ثم التقى الناس فاقتتلوا فقاتل زيد بن حارثة براية رسول الله
صلى الله عليه وسلم حتى شاط في رماح القوم ثم أخذها جعفر بن أبي طالب
فقاتل بها حتى إذا ألحمه القتال اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها ثم قاتل
القوم حتى قتل فكان جعفر أول رجل من المسلمين عقر في الاسلام فرسه
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة وأبو تميلة عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد
عن أبيه قال حدثني أبي الذي أرضعني وكان أحد بنى مرة بن عوف وكان في تلك
الغزوة غزوة مؤتة قال والله لكأني أنظر إلى جعفر حين اقتحم عن فرس له شقراء
فعقرها ثم قاتل القوم حتى قتل فلما قتل جعفر أخذ الراية عبد الله بن رواحة ثم
تقدم بها وهو على فرسه فجعل يستنزل نفسه ويتردد بعض التردد ثم قال
أقسمت يا نفس لتنزلنه * طائعة أو فلتكرهنه
إن أجلب الناس وشدوا الرنه * مالي أراك تكرهين الجنة
قد طال ما قد كنت مطمئنه * هل أنت إلا نطفة في شنه
وقال أيضا
يا نفس إلا تقتلي تموتي * هذا حمام الموت قد صليت
وما تمنيت فقد أعطيت * إن تفعلي فعلهما هديت
قال ثم نزل فلما نزل أتاه ابن عم له بعظم من لحم فقال شد بها صلبك فإنك
قد لقيت أيامك هذه ما لقيت فأخذه من يده فانتهس منه نهسة ثم سمع الحطمة في
ناحية الناس فقال وأنت في الدنيا ثم ألقاه من يده وأخذ سيفه فتقدم فقاتل حتى
قتل فأخذ الراية ثابت بن أرقم أخو بلعجلان فقال يا معشر المسلمين اصطلحوا على
321

رجل منكم فقالوا أنت قال ما أنا بفاعل فاصطلح الناس على خالد بن الوليد فلما
أخذ الراية دافع القوم وحاشى بهم ثم انحاز وتحيز عنه حتى انصرف بالناس
* فحدثني القاسم بن بشر بن معروف قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا
الأسود بن شيبان عن خالد بن سمير قال قدم علينا عبد الله بن رباح الأنصاري
وكانت الأنصار تفقهه فغشيه الناس فقال حدثنا أبو قتادة فارس رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال بعث رسول الله جيش الامراء فقال عليكم زيد بن حارثة
فإن أصيب فجعفر بن أبي طالب فإن أصيب جعفر فعبد الله بن أبي رواحة فوثب جعفر
فقال يا رسول الله ما كنت اذهب إن تستعمل زيدا علي قال امض فإنك لا تدرى
أي ذلك خير فانطلقوا فلبثوا ما شاء الله ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد
المنبر وأمر فنودي الصلاة جامعة فاجتمع الناس إلى رسول الله فقال باب خير
باب خير باب خير أخبركم عن جيشكم هذا الغازي إنهم انطلقوا فلقوا العدو فقتل
زيد شهيدا واستغفر له ثم أخذ اللواء جعفر فشد على القوم حتى قتل شهيدا
فشهد له بالشهادة واستغفر له ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة فأثبت قدميه حتى
قتل شهيدا فاستغفر له ثم أخذ اللواء خالد بن الوليد ولم يكن من الامراء هو أمر
نفسه ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم إنه سيف من سيوفك فأنت تنصره
فمنذ يومئذ سمى خالد سيف الله ثم قال رسول الله أبكروا فأمدوا إخوانكم ولا يتخلفن
منكم أحد فنفروا مشاة وركبانا وذلك في حر شديد * حدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة عن ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر قال لما أتى رسول الله مصاب جعفر
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مر جعفر البارحة في نفر من الملائكة له
جناحان مختضب القوادم بالدم يريدون بيشة أرضا باليمن قال وقد كان قطبة بن
قتادة العذري الذي كان على ميمنة المسلمين حمل على مالك بن رافلة قائد المستعربة
فقتله قال وقد كانت كاهنة من حدس حين سمعت بجيش رسول الله صلى الله عليه
وسلم مقبلا قد قالت لقومها من حدس وقومها بطن يقال لهم بنو غنم أنذركم قوما
خزرا ينظرون شزرا ويقودون الخيل بترا ويهريقون دما عكرا فأخذوا بقولها
322

فاعتزلوا من بين لخم فلم يزالوا بعد أثرى حدس وكان الذين صلوا الحرب يومئذ
بنو ثعلبة بطن من حدس فلم يزالوا قليلا بعد ولما انصرف خالد بن الوليد بالناس
أقبل بهم قافلا * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن
محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير قال لما دنوا من دخول المدينة تلقاهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ولقيهم الصبيان يشتدون ورسول الله
مقبل مع القوم على دابة فقال خذوا الصبيان فاحملوهم وأعطوني ابن جعفر فأتى
بعبد الله بن جعفر فأخذه فحمله بين يديه قال وجعل الناس يجثون على الجيش التراب
ويقولون يا فرار في سبيل الله فيقول رسول الله ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار
إن شاء الله * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن عبد الله
ابن أبي بكر عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن بعض آل الحارث بن هشام وهم
أخواله عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قال قالت أم سلمة لامرأة سلمة
ابن هشام بن المغيرة مالي لا أرى سلمة يحضر الصلاة مع رسول الله ومع المسلمين
قالت والله ما يستطيع أن يخرج كلما خرج صالح الناس أفررتم في سبيل الله حتى
قعد في بيته فما يخرج * وفيها غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة
ذكر الخبر عن فتح مكة
حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني ابن إسحاق قال ثم أقام رسول الله
صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعد بعثه إلى مؤتة جمادى الآخرة ورجبا ثم إن بنى بكر
ابن عبد مناة بن كنانة عدت على خزاعة وهم على ماء لهم بأسفل مكة يقال له
الوتير وكان الذي هاج ما بين بنى بكر وبنى خزاعة رجل من بلحضرمى يقال
له مالك بن عباد وحلف الحضرمي يومئذ إلى الأسود بن رزن خرج تاجرا فلما
توسط أرض خزاعة عدوا عليه فقتلوه وأخذوا ماله فعدت بنو بكر على
رجل من خزاعة فقتلوه فعدت خزاعة قبيل الاسلام على بنى الأسود بن رزن
الديلي وهم منخر بنى بكر وأشرافهم سلمى وكلثوم وذؤيب فقتلوهم بعرفة عند
323

أنصاب الحرم * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن
رجل من بنى الديل قال كان بنو الأسود يودون في الجاهلية ديتين ديتين ونودي
دية دية لفضلهم فبينا بنو بكر وخزاعة على ذلك حجز بينهم الاسلام وتشاغل
الناس به فلما كان صلح الحديبية بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش
كان فيما شرطوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرط لهم كما حدثنا ابن حميد
قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب الزهري
عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم وغيره من علمائنا
أنه من أحب أن يدخل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعقده دخل فيه
ومن أحب أن يدخل في عهد قريش وعقدهم دخل فيه فدخلت بنو بكر في عقد
قريش ودخلت خزاعة في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كانت تلك الهدنة
اغتنمتها بنو الديل من بنى بكر من خزاعة وأرادوا أن يصيبوا منهم بأولئك النفر
الذين أصابوا منهم ببنى الأسود بن رزن فخرج نوفل بن معاوية الديلي في بنى الديل
وهو يومئذ قائدهم ليس كل بنى بكر تابعه حتى بيت خزاعة وهم على الوتير ماء
لهم فأصابوا منهم رجلا وتحاوزوا واقتتلوا ورفدت قريش على بنى بكر بالسلاح
وقاتل معهم من قريش من قاتل بالليل مستخفيا حتى حازوا خزاعة إلى الحرم
(قال الواقدي) كان ممن أعان من قريش بنى بكر على خزاعة ليلتئذ بأنفسهم
متنكرين صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو مع عيرهم وعبيدهم
(رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق) قال فلما انتهوا إليه قالت بنو بكر يا نوفل
إنا قد دخلنا الحرم إلهك إلهك فقال كلمة عظيمة إنه لا إله له اليوم يا بنى بكر
أصيبوا ثأركم فلعمري انكم لتسرقون في الحرم أفلا تصيبون ثأركم فيه وقد أصابوا
منهم ليلة بيتوهم بالوتير رجلا يقال له منبه وكان منبه رجلا مفودا خرج هو
ورجل من قومه يقال له تميم بن أسد فقال له منبه يا تميم انج بنفسك فأما أنا فوالله
إني لميت قتلوني أو تركوني لقد انبت فؤادي فانطلق تميم فأفلت وأدركوا منبها
فقتلوه فلما دخلت خزاعة مكة لجؤا إلى دار بديل بن ورقاء الخزاعي ودار مولى
324

لهم يقال له رافع قال فلما تظاهرت قريش على خزاعة وأصابوا منهم ما أصابوا
ونقضوا ما كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد والميثاق
بما استحلوا من خزاعة وكانوا في عقده وعهده خرج عمرو بن سالم
الخزاعي ثم أحد بنى كعب حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة
وكان ذلك مما هاج فتح مكة فوقف عليه وهو في المسجد جالس بين ظهراني
الناس فقال
لا هم إني ناشد محمدا * حلف أبينا وأبيه الا تلدا
فوالدا كنا وكنت ولدا * ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا
فانصر رسول الله نصرا عتدا * وادع عباد الله يأتوا مددا
فيهم رسول الله قد تجردا * أبيض مثل البدر ينمى صعدا
إن سيم خسفا وجهه تربدا * في فيلق كالبحر يجرى مزبدا
إن قريشا أخلفوك الموعدا * ونقضوا ميثاقك المؤكدا
وجعلوا لي في كداء رصدا * وزعموا أن لست أدعو أحدا
وهم أذل وأقل عددا * هم بيتونا بالوتير هجدا
فقتلونا ركعا وسجدا
يقول قد قتلونا وقد أسلمنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع
ذلك قد نصرت يا عمرو بن سالم ثم عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم عنان
من السماء فقال إن هذه السحابة لتستهل بنصر بنى كعب ثم خرج بديل بن ورقاء
في نفر من خزاعة حتى قدموا على رسول الله المدينة فأخبروه بما أصيب منهم
وبمظاهرة قريش بنى بكر عليهم ثم انصرفوا راجعين إلى مكة وقد كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال للناس كأنكم بأبي سفيان قد جاء ليشدد العقد ويزيد في
المدة ومضى بديل بن ورقاء وأصحابه فلقوا أبا سفيان بعسفان قد بعثته قريش إلى
رسول الله ليشدد العقد ويزيد في المدة وقد رهبوا الذي صنعوا فلما لقى أبو سفيان
325

بديلا قال من أين أقبلت يا بديل وظن أنه قد أتى رسول الله قال سرت في خزاعة
في هذا الساحل وفى بطن هذا الوادي قال أو ما أتيت محمدا قال لا قال فلما راح
بديل إلى مكة قال أبو سفيان لئن كان جاء المدينة لقد علف بها النوى فعمد إلى
مبرك ناقته فأخذ من بعرها ففته فرأى فيه النوى فقال أحلف بالله لقد جاء بديل
محمدا ثم خرج أبو سفيان حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة
فدخل على ابنته أم حبيبة بنت أبي سفيان فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله
صلى الله عليه وسلم طوته عنه فقال يا بنية والله ما أدرى أرغبت بي عن هذا الفراش
أم رغبت به عنى قالت بل هو فراش رسول الله وأنت رجل مشرك نجس فلم أحب
أن تجلس على فراش رسول الله قال والله لقد أصابك يا بنية بعدي شر ثم خرج حتى
أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه فلم يردد عليه شيئا ثم ذهب إلى أبى بكر
فكلمه أن يكلم له رسول الله فقال ما أنا بفاعل ثم أتى عمر بن الخطاب فكلمه فقال
أنا أشفع لكم إلى رسول الله فوالله لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم ثم خرج فدخل على
علي بن أبي طالب رضى الله تعالى عنه وعنده فاطمة ابنة رسول الله وعندها الحسن
ابن علي غلام يدب بين يديها فقال يا علي إنك أمس القوم بي رحما وأقربهم
منى قرابة وقد جئت في حاجة فلا أرجعن كما جئت خائبا اشفع لنا إلى رسول
الله قال ويحك يا أبا سفيان والله لقد عزم رسول الله على أمر
ما نستطيع أن نكلمه فيه فالتفت إلى فاطمة فقال يا ابنة محمد هل لك أن تأمري
بنيك هذا فيجير بين الناس فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر قالت والله ما بلغ
بنيى ذلك أن يجير بين الناس وما يجير على رسول الله أحد قال يا أبا الحسن إني
أرى الأمور قد اشتدت علي فانصحني فقال له والله ما أعلم شيئا يغنى عنك شيئا
ولكنك سيد بنى كنانة فقم فأجر بين الناس ثم الحق بأرضك قال أو ترى ذلك
مغنيا عنى شيئا قال لا والله ما أظن ولكن لا أجد لك غير ذلك فقام أبو سفيان في
المسجد فقال أيها الناس إني قد أجرت بين الناس ثم ركب بعيره فانطلق فلما قدم
على قريش قالوا ما وراءك قال جئت محمدا فكلمته فوالله ما رد علي شيئا ثم جئت
326

ابن أبي قحافة فلم أجد عنده خيرا ثم جئت ابن الخطاب فوجدته أعدى القوم ثم
جئت علي بن أبي طالب فوجدته ألين القوم وقد أشار علي بشئ صنعته فوالله
ما أدرى هل يغنيني شيئا أم لا قالوا وبماذا أمرك قال أمرني أن أجير بين الناس
ففعلت قالوا فهل أجاز ذلك محمد قال لا قالوا ويلك والله إن زاد على أن لعب بك
فما يغنى عنا ما قلت قال لا والله ما وجدت غير ذلك قال وأمر رسول الله صلى
الله عليه وسلم الناس بالجهاز وأمر أهله أن يجهزوه فدخل أبو بكر على ابنته عائشة
وهى تحرك بعض جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أي بنية أأمركم رسول الله
بأن تجهزوه قالت نعم فتجهز قال فأين ترينه يريد قالت والله ما أدرى ثم إن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أعلم الناس أنه سائر إلى مكة وأمرهم بالجد والتهيؤ وقال اللهم
خذ العيون والاخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها فتجهز الناس فقال حسان
ابن ثابت الأنصاري يحرض الناس ويذكر مصاب رجال خزاعة
أتاني ولم أشهد ببطحاء مكة * رجال بنى كعب تحز رقابنا
بأيدي رجال لم يسلوا سيوفهم * وقتلى كثير لم تجن ثيابها
ألا ليت شعري هل تنالن نصرتي * سهيل بن عمرو حرها وعقابها
وصفوان عودا حز من شفر استه * فهذا أوان الحرب شد عصابها
فلا تأمننا يا ابن أم مجالد * إذا احتلبت صرفا وأعصل نابها
فلا تجزعوا منها فإن سيوفنا * لها وقعة بالموت يفتح بابها
وقول حسان بأيدي رجال لم يسلوا سيوفهم يعنى قريشا وابن أم مجالد يعنى
عكرمة بن أبي جهل * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق
عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير وغيره من علمائنا قالوا لما أجمع
رسول الله صلى الله عليه وسلم المسير إلى مكة كتب حاطب بن أبي بلتعة كتابا
إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع رسول الله من الامر في السير إليهم ثم أعطاه
امرأة يزعم محمد بن جعفر أنها من مزينة وزعم غيره أنها سارة مولاة لبعض بنى
327

عبد المطلب وجعل لها جعلا على أن تبلغه قريشا فجعلته في رأسها ثم فتلت عليه
قرونها ثم خرجت به وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما
صنع حاطب فبعث علي بن أبي طالب والزبير بن العوام فقال أدركا امرأة قد كتب
معها حاطب بكتاب إلى قريش يحذرهم ما قد أجمعنا له في أمرهم فخرجا حتى أدركاها
بالحليفة حليفة ابن أبي أحمد فاستنزلاها فالتمسا في رحلها فلم يجد شيئا فقال لها علي
ابن أبي طالب إني أحلف ما كذب رسول الله ولا كذبنا ولتخرجن إلى هذا
الكتاب أو لنكشفنك فلما رأت الجد منه قالت أعرض عنى فأعرض عنها
فحلت قرون رأسها فاستخرجت الكتاب منه فدفعته إليه فجاء به إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فدعا رسول الله حاطبا فقال يا حاطب ما حملك على هذا فقال
يا رسول الله أما والله إني لمؤمن بالله ورسوله ما غيرت ولا بدلت ولكني كنت
امرءا أليس لي في القوم أصل ولا عشيرة وكان لي بين أظهرهم أهل وولد فصانعتهم
عليهم فقال عمر بن الخطاب يا رسول الله دعني فلاضرب عنقه فان الرجل قد نافق
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدريك يا عمر لعل قد اطلع إلى أصحاب
بدر يوم بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فأنزل الله عز وجل في حاطب
(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء - إلى قوله - وإليك أنبنا)
إلى آخر القصة * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن مسلم
الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس قال ثم مضى
رسول الله صلى الله عليه وسلم لسفره واستخلف على المدينة أبا رهم كلثوم بن حصين
ابن خلف الغفاري وخرج لعشر مضين من شهر رمضان فصام رسول الله صلى
الله عليه وسلم وصام الناس معه حتى إذا كان بالكديد ما بين عسفان وأمج أفطر
رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مضى حتى نزل مر الظهران في عشرة آلاف من
المسلمين فسبعت سليم وألفت مزينة وفى كل القبائل عدد واسلام وأوعب مع
رسول الله المهاجرون والأنصار فلم يتخلف عنه منهم أحد فلما نزل رسول الله
صلى الله عليه وسلم مر الظهران وقد عميت الاخبار عن قريش فلا يأتيهم خبر
328

عن رسول الله ولا يدرون ما هو فاعل فخرج في تلك الليلة أبو سفيان بن حرب
وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء يتحسسون الاخبار هل يجدون خبرا أو يسمعون
به * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال وقد كان فيما حدثني محمد بن إسحاق عن
العباس بن عبد الله بن معبد بن العباس بن عبد المطلب عن ابن عباس وقد كان
العباس بن عبد المطلب تلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض الطريق وقد كان
أبو سفيان بن الحارث وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة قد لقينا رسول الله صلى الله
عليه وسلم بنيق العقاب فيما بين مكة والمدينة فالتمس الدخول على رسول الله فكلمته
أم سلمة فيهما فقالت يا رسول الله ابن عمك وابن عمتك وصهرك قال لا حاجة لي
بهما أما ابن عمى فهتك عرضي واما ابن عمتي وصهري فهو الذي قال بمكة ما قال فلما
خرج الخبر إليهما بذلك ومع أبي سفيان بنى له فقال والله ليأذنن لي أو لآخذن بيد بنى
هذا ثم لنذهبن في الأرض حتى نموت عطشا رجوعا فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله
عليه وسلم رق لهما ثم أذن لهما فدخلا عليه فأسلما وأنشده أبو سفيان قوله في إسلامه
واعتذاره مما كان مضى منه
لعمري إني يوم أحمل راية * لتغلب خيل اللات خيل محمد
لكالمدلج الحيران أظلم ليله * فهذا أواني حين أهدى وأهتدى
وهاد هداني غير نفسي ونالني * مع الله من طردت كل مطرد
أصد وأنأى جاهد عن محمد * وأدعى ولو لم انتسب من محمد
هم ما هم من لم يقل بهواهم * وإن كان ذا رأى يلم ويفند
أريد لأرضيهم ولست بلائط * مع القوم ما لم اهد في كل مقعد
فقل لثقيف لا أريد قتالها * وقل لثقيف تلك غيري أو عدى
وما كنت في الجيش الذي نال عامرا * وما كان عن جرى لساني ولا يدي
قبائل جاءت من بلاد بعيدة * نزائع جاءت من سهام وسردد
قال فزعموا أنه حين أنشد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله ونالني مع الله
329

من طردت كل مطرد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم في صدره ثم قال أنت طردتني
كل مطرد (وقال الواقدي) خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة فقائل
يقول يريد قريشا وقائل يقول يريد هوازن وقائل يقول يريد ثقيفا وبعث إلى
القبائل فتخلفت عنه ولم يعقد الألوية ولم ينشر الرايات حتى قدم قديدا فلقيته
بنو سليم على الخيل والسلاح التام وقد كان عيينة لحق رسول الله بالعرج في نفر
من أصحابه ولحقه الأقرع بن حابس بالسقيا فقال عيينة يا رسول الله والله ما أرى
آلة الحرب ولا تهيئة الاحرام فأين تتوجه يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم حيث شاء الله ثم رعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعمى عليهم
الاخبار فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران ولقيه العباس بالسقيا
ولقيه مخرمة بن نوفل بنيق العقاب فلما نزل مر الظهران خرج أبو سفيان بن
حرب ومعه حكيم بن حزام * فحدثنا أبو كريب قال أخبرنا يونس بن بكير
عن محمد بن إسحاق قال حدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن عكرمة
عن ابن عباس قال لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران قال
العباس بن عبد المطلب وقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة يا صباح
قريش والله لئن بغتها رسول الله في بلادها فدخل مكة عنوة إنه لهلاك قريش
آخر الدهر فجلس على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء وقال اخرج إلى
الأراك لعلى أرى حطابا أو صاحب لبن أو داخلا يدخل مكة فيخبرهم بمكان
رسول الله فيأتونه فيستأمنونه فخرجت فوالله إني لأطوف في الأراك ألتمس
ما خرجت له إذ سمعت صوت أبي سفيان بن حرب بن وحكيم حزام وبديل بن ورقاء
وقد خرجوا يتحسسون الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعت أبا سفيان
وهو يقول والله ما رأيت كاليوم قط نيرانا فقال بديل هذه والله نيران خزاعة حمشتها
الحرب فقال أبو سفيان خزاعة ألئم من ذلك وأذل فعرفت صوته فقلت يا أبا حنظلة
فقال أبو الفضل فقلت نعم فقال لبيك فداك أبي وأمي فما وراءك فقلت هذا رسول الله
ورائي قد دلف إليكم بما لا قبل لكم به بعشرة آلاف من المسلمين قال فما تأمرني فقلت
330

تركب عجز هذه البغلة فأستأمن لك رسول الله فوالله لئن ظفر بك ليضربن عنقك
فردفنى فخرجت به أركض بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو رسول الله
صلى الله عليه وسلم فكلما مررت بنار من نيران المسلمين ونظروا إلى قالوا عم
رسول الله على بغلة رسول الله حتى مررت بنار عمر بن الخطاب فقال أبو سفيان
الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد ثم اشتد نحو النبي صلى الله عليه
وسلم وركضت البغلة وقد أردفت أبا سفيان حتى اقتحمت على باب القبة وسبقت
عمر بما تسبق به الدابة البطيئة الرجل البطئ فدخل عمر على رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال يا رسول الله هذا أبو سفيان عدو الله قد أمكن الله منه بغير
عهد ولا عهد فدعني أضرب عنقه فقلت يا رسول الله إني قد أجرته ثم جلست
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت برأسه فقلت والله لا يناجيه اليوم
أحد دوني فلما أكثر فيه عمر قلت مهلا يا عمر فوالله ما تصنع هذا إلا أنه رجل
من بنى عبد مناف ولو كان من بنى عدى بن كعب ما قلت هذا فقال مهلا
يا عباس فوالله لاسلامك يوم أسلمت كان أحب إلى من إسلام الخطاب لو أسلم
وذلك لانى أعلم أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله من إسلام الخطاب لو أسلم
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهب فقد آمناه حتى تغدو به على بالغداة
فرجع به إلى منزله فلما وأصبح غدا به على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما
رآه قال ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله فقال بأبي أنت
وأمي ما أوصلك وأحلمك وأكرمك والله لقد ظننت أن لو كان مع الله غيره
لقد أغنى عنى شيئا فقال ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أنى رسول الله
فقال بأبي أنت وأمي ما أوصلك وأحلمك وأكرمك أما هذه ففي النفس منها
شئ فقال العباس فقلت له ويلك تشهد شهادة الحق قبل والله أن تضرب عنقك
قال فتشهد قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس حين تشهد أبو سفيان
انصرف يا عباس فاحبسه عند خطم الجبل بمضيق الوادي حتى تمر عليه جنود
الله فقلت له يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئا يكون
في قومه فقال نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن دخل المسجد
331

فهو آمن ومن أغلق عليه بابه فهو آمن فخرجت حتى حبسته عند خطم
الجبل بمضيق الوادي فمرت عليه القبائل فيقول من هؤلاء يا عباس فأقول
سليم فيقول مالي ولسليم فتمر به قبيلة فيقول من هؤلاء فأقول أسلم فيقول مالي
ولاسلم وتمر جهينة فيقول مالي ولجهينة حتى مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في
الخضراء كتيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار والمهاجرين في الحديد
لا يرى منهم إلا الحدق فقال من هؤلاء يا أبا الفضل فقلت هذا رسول الله في
المهاجرين والأنصار فقال يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما فقلت
ويحك إنها النبوة فقال نعم إذا فقلت الحق الآن بقومك فحذرهم فخرج سريعا
حتى أتى مكة فصرخ في المسجد يا معشر قريش هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم
به قالوا فمه فقال من دخل داري فهو آمن فقالوا ويحك وما تغنى عنا دارك فقال
ومن دخل المسجد فهو آمن ومن أغلق عليه بابه فهو آمن * حدثني عبد الوارث
ابن عبد الصمد بن عبد الوارث قال حدثني أبي قال حدثنا ابان العطار قال حدثنا
هشام بن عروة عن عروة أنه كتب إلى عبد الملك بن مروان أما بعد فإنك كتبت
إلي تسألني عن خالد بن الوليد هل أغار يوم الفتح وبأمر من أغار وإنه كان من
شأن يوم الفتح أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما ركب النبي بطن
مر عامدا إلى مكة وقد كانت قريش بعثوا أبا سفيان وحكيم بن حزام يتلقيان
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم حين بعثوهما لا يدرون أين يتوجه النبي صلى
الله عليه وسلم إليهم أو إلى الطائف وذاك أيام الفتح واستتبع أبو سفيان وحكيم بن
حزام بديل بن ورقاء وأحبا أن يصحبهما ولم يكن غير أبي سفيان وحكيم بن حزام
وبديل وقالوا حين بعثوهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نؤتين من
ورائكم فإنا لا ندري من يريد محمدا إيانا يريد أو هوازن يريد أو ثقيفا وكان بين النبي
صلى الله عليه وسلم وبين قريش صلح يوم الحديبية وعهد ومدة فكانت بنو بكر
في ذلك الصلح مع قريش فاقتتلت طائفة من بنى كعب وطائفة من بنى بكر وكان
بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش في ذلك الصلح الذي اصطلحوا
332

عليه لا أغلال ولا اسلال فأعانت قريش بنى بكر بالسلاح فاتهمت بنو كعب قريشا
فمنها غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة وفى غزوته تلك لقى أبا سفيان
وحكيما وبديلا بمر الظهران ولم يشعروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل
مر حتى طلعوا عليه فلما رأوه بمر دخل عليه أبو سفيان وبديل وحكيم بمنزله بمر
الظهران فبايعوه فلما بايعوه بعثهم بين يديه إلى قريش يدعوهم إلى الاسلام فأخبرت
إنه قال من دخل دار أبي سفيان فهو آمن وهى بأعلى مكة ومن دخل دار حكيم
وهى بأسفل مكة فهو آمن ومن أغلق عليه بابه وكف يده فهو آمن وأنه لما خرج أبو سفيان
وحكيم من عند النبي صلى الله عليه وسلم عامدين إلى مكة بعث في أثرهما الزبير
وأعطاه رايته وأمره على خيل المهاجرين والأنصار وأمره أن يغرز رايته
بأعلى مكة بالحجون وقال للزبير لا تبرح حيث أمرتك أن تغرز رايتي حتى آتيك
ومن ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر خالد بن الوليد فيمن
كان أسلم من قضاعة وبنى سليم وأناس إنما أسلموا قبيل ذلك أن يدخل من
أسفل مكة وبها بنو بكر قد استنفرتهم قريش وبنو الحارث بن عبد مناة ومن
كان من الأحابيش أمرتهم قريش أن يكونوا بأسفل مكة فدخل عليهم خالد بن
الوليد من أسفل مكة * حدثت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لخالد والزبير
حين بعثهما لا تقاتلا إلا من قاتلكما فلما قدم خالد على بنى بكر والأحابيش بأسفل
مكة قاتلهم فهزمهم الله عز وجل ولم يكن بمكة قتال غير ذلك غير أن كرز بن
جابر أحد بنى محارب بن فهر وابن الأشعر رجلا من بنى كعب كانا في خيل الزبير
فسلكا كداء ولم يسلكا طريق الزبير الذي سلك الذي أمر به فقدما على كتيبة من
قريش مهبط كداء فقتلا ولم يكن بأعلى مكة من قبل الزبير قتال ومن ثم قدم
النبي صلى الله عليه وسلم وقام الناس إليه يبايعونه فأسلم أهل مكة وأقام النبي صلى
الله عليه وسلم عندهم نصف شهر لم يزد على ذلك حتى جاءت هوازن وثقيف
فنزلوا بحنين * وحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن
عبد الله بن أبي نجيح أن النبي صلى الله عليه وسلم حين فرق جيشه من ذي طوى
333

أمر الزبير أن يدخل في بعض الناس من كدى وكان الزبير على المجنبة اليسرى
فأمر سعد بن عبادة أن يدخل في بعض الناس من كداء فزعم بعض أهل العلم
أن سعدا قال حين وجه داخلا اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة فسمعها
رجل من المهاجرين فقال يا رسول الله اسمع ما قال سعد بن عبادة وما نأمن أن
تكون له في قريش صولة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب
أدركه فخذ الراية فكن أنت الذي تدخل بها * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن
ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي نجيح في حديثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر خالد
ابن الوليد فدخل من الليط أسفل مكة في بعض الناس وكان خالد على المجنبة اليمنى
وفيها أسلم وغفار ومزينة وجهينة وقبائل من قبائل العرب وأقبل أبو عبيدة بن
الجراح بالصف من المسلمين ينصب لمكة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم
ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أذاخر حتى نزل بأعلى مكة ضربت هنالك
قبته * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي نجيح
وعبد الله بن أبي بكر أن صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو
وكانوا قد جمعوا أناسا بالخندمة ليقاتلوا وقد كان حماس بن قيس بن خالد أخو
بنى بكر يعد سلاحا قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ويصلح منها
فقالت له امرأته لماذا تعد ما أرى قال لمحمد وأصحابه فقالت والله ما أراه يقوم
لمحمد وأصحابه شئ قال والله إني لأرجو أن أخدمك بعضهم فقال
إن تقبلوا اليوم فمالي علة * هذا سلاح كامل وآله
وذو غرارين سريع السلة
ثم شهد الخندمة مع صفوان وسهيل بن عمرو وعكرمة فلما لقيهم المسلمون من أصحاب
خالد بن الوليد وشوهم شيئا من قتال فقتل كرز بن جابر بن حسل بن الأجب بن حبيب
ابن عمرو بن شيبان بن محارب بن فهر وخنيس بن خالد وهو الأشعر بن ربيعة بن أصرم
ابن ضبيس بن حرام بن حبشية بن كعب بن عمرو حليف بنى منقذ وكانا في خيل
خالد بن الوليد فشذا عنه وسلكا طريقا غير طريقه فقتلا جميعا قتل خنيس قبل
334

كرز بن جابر فجعله كرز بين رجليه ثم قاتل حتى قتل وهو يرتجز ويقول
قد علمت صفراء من بنى فهر * نقية الوجه نقية الصدر
لأصربن اليوم عن أبي صخر
وكان خنيس يكنى بأبي صخر وأصيب من جهينة سلمة بن الميلاء من خيل
خالد بن الوليد وأصيب من المشركين أناس قريب من اثنى عشر أو ثلاثة عشر
ثم انهزموا فخرج حماس منهزما حتى دخل بيته ثم قال لامرأته أغلقي على بابى قالت
فأين ما كنت تقول فقال
إنك لو شهدت يوم الحندمة * إذ فر صفوان وفر عكرمة
وأبو زيد يزيد قائم كالماتمه * واستقبلتهم بالسيوف المسلمة
يقطعن كل ساعد وجمجمة * ضربا فلا تسمع إلا غمغمه
لهم نهيت خلفنا وهمهمه * لم تنطقي في اللوم أدنى كلمه
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال وكان رسول الله صلى
الله عليه وسلم قد عهد إلى أمرائه من المسلمين حين أمرهم أن يدخلوا مكة ألا
يقتلوا أحدا إلا من قاتلهم إلا أنه قد عهد في نفر سماهم أمر بقتلهم وإن وجدوا
تحت أستار الكعبة منهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح بن حبيب بن جذيمة بن
نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي وإنما أمر رسول الله صلى الله عليه
وسلم بقتله أنه كان قد أسلم فارتد مشركا ففر إلى عثمان وكان أخاه من الرضاعة
فغيبه حتى أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن اطمأن أهل مكة فاستأمن
له رسول الله فذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صمت طويلا ثم قال نعم
فلما انصرف به عثمان قال رسول الله لمن حوله من أصحابه أما والله لقد صمت ليقوم
إليه بعضكم فيضرب عنقه فقال رجل من الأنصار فهلا أومأت إلى يا رسول
الله قال إن النبي لا يقتل بالإشارة وعبد الله بن خطل رجل من بنى تميم بن غالب
وإنما أمر بقتله أنه كان مسلما فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقا وبعث
335

معه رجلا من الأنصار وكان معه مولى له يخدمه وكان مسلما فنزل منزلا وأمر
المولى أن يذبح له تيسا ويصنع له طعاما وقام فاستيقظ ولم يصنع له شيئا فعدا عليه فقتله
ثم ارتد مشركا وكانت به قينتان فرتنا وأخرى معها وكانتا تغنيان بهجاء رسول الله
صلى الله عليه وسلم فأمر بقتلهما معه والحويرث بن نقيذ بن وهب بن عبد بن
قصي وكان ممن يؤذيه بمكة ومقيس بن صبابة وإنما أمر بقتله لقتله الأنصاري
الذي كان قتل أخاه خطأ ورجوعه إلى قريش مرتدا وعكرمة بن أبي جهل وسارة
مولاة كانت لبعض بنى عبد المطلب وكانت ممن يؤذيه بمكة فأما عكرمة بن أبي
جهل فهرب إلى اليمن وأسلمت امرأته أم حكيم بنت الحارث بن هشام فاستأمنت
له رسول الله فآمنه فخرجت في طلبه حتى أتت به رسول الله صلى الله عليه وسلم
فكان عكرمة يحدث فيما يذكرون أن الذي رده إلى الاسلام بعد خروجه إلى
اليمن أنه كان يقول أردت ركوب البحر لألحق بالحبشة فلما أتيت السفينة لأركبها
قال صاحبها يا عبد الله لا تركب سفينتي حتى توحد الله وتخلع ما دونه من الأنداد
فانى أخشى إن لم تفعل أن نهلك فيها فقلت وما يركبه أحد حتى يوحد الله ويخلع
ما دونه قال نعم لا يركبه أحد إلا أخلص قال فقلت ففيما أفارق محمدا فهذا الذي
جاءنا به فوالله إن إلهنا في البحر لإلهنا في البر فعرفت الاسلام عند ذلك ودخل
في قلبي وأما عبد الله بن خطل فقتله سعيد بن حريث المخزومي وأبو برزة الأسلمي
اشتركا في دمه وأما مقيس بن صبابة فقتله نميلة بن عبد الله رجل من قومه
فقالت أخت مقيس
لعمري لقد أخزى نميلة رهطه * وفجع أضياف الشتاء بمقيس
فلله عينا من رأى مثل مقيس * إذا النفساء أصبحت لم تخرس
وأما قينتا ابن خطل فقتلت إحداهما وهربت الأخرى حتى استؤمن لها رسول
الله صلى الله عليه وسلم بعد فآمنها وأما سارة فاستؤمن لها فآمنها ثم بقيت
حتى أوطأها رجل من الناس فرسا له في زمن عمر بن الخطاب بالأبطح فقتلها
وأما الحويرث بن نقيد فقتله علي بن أبي طالب رضي الله عنه (وقال الواقدي)
336

أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل ستة نفر وأربع نسوة فذكر من الرجال
من سماه ابن إسحاق ومن النساء هند بنت عتبة بن ربيعة فأسلمت وبايعت وسارة
مولاة عمرو بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف قتلت يومئذ وقريبة قتلت
يومئذ وفرتنا عاشت إلى خلافة عثمان * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن
ابن إسحاق عن عمر بن موسى بن الوجيه عن قتادة السدوسي أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قام قائما حين وقف على باب الكعبة ثم قال لا إله الا الله وحده
لا شريك له صدق وعده ونصر عبد ه وهزم الأحزاب وحده ألا كل مأثرة
أو دم أو مال يدعى فهو تحت قدمي هاتين إلا سدانة البيت وسقاية الحاج ألا
وقتيل الخطأ مثل العمد السوط والعصا فيهما الدية مغلظة منها أربعون في بطونها
أولادها يا معشر قريش إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء
الناس من آدم وآدم خلق من تراب ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم
(يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم
عند الله أتقاكم) الآية يا معشر قريش ويا أهل مكة ما ترون انى فاعل بكم قالوا خيرا
أخ كريم وابن أخ كريم ثم قال اذهبوا فأنتم الطلقاء فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه
وسلم وقد كان الله أمكنه من رقابهم عنوة وكانوا له فيأ فبذلك يسمى أهل مكة الطلقاء ثم
اجتمع الناس بمكة لبيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الاسلام فجلس لهم فيما
بلغني على الصفا وعمر بن الخطاب تحت رسول الله أسفل من مجلسه يأخذ على الناس
فبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة لله ولرسوله فيما استطاعوا
وكذلك كانت بيعته لمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الناس على الاسلام
فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيعة الرجال بايع النساء واجتمع إليه
نساء من نساء قريش فيهن هند بنت عتبة متنقبة متنكرة لحدثها وما كان من صنيعها
بحمزة فهي تخاف أن يأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم بحدثها ذلك فلما
دنون منه ليبايعنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني تبايعني على ألا
تشركن بالله شيئا فقالت هند والله إنك لتأخذ علينا أمرا ما تأخذه على الرجال
337

وسنؤتيكه قال ولا تسرقن قالت والله إن كنت لأصيب من مال أبي سفيان الهنة
والهنة وما أدرى أكان ذلك حلالي أم لا فقال أبو سفيان وكان شاهدا لما تقول
أما ما أصبت فيما مضى فأنت منه في حل فقال رسول الله صلى الله عليه وآله
وإنك لهند بنت عتبة فقالت أنا هند بنت عتبة فاعف عما سلف عفا الله عنك قال
ولا تزنين قالت يا رسول الله هل تزني الحرة قال ولا تقتلن أولادكن قالت قد
ربيناهم صغارا وقتلتهم يوم بدر كبارا فأنت وهم أعلم فضحك عمر بن الخطاب
من قولها حتى استغرب قال ولا تأتين ببهتان تفترينه بين أيديكن وأرجلكن
قالت والله إن إتيان البهتان لقبيح ولبعض التجاوز أمثل قال ولا تعصينني في معروف
قالت ما جلسنا هذا المجلس ونحن نريد أن نعصيك في معروف فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لعمر بايعهن واستغفر لهن رسول الله فبايعهن عمر وكان
رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصافح النساء ولا يمس امرأة ولا تمسه إلا
امرأة أحلها الله له أو ذات محرم منه * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق
عن أبان بن صالح أن بيعة النساء قد كانت على نحوين فيما أخبره بعض أهل العلم
كان يوضع بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إناء فيه ماء فإذا أخذ عليهن
وأعطينه غمس يده في الاناء ثم أخرجها فغمس النساء أيديهن فيه ثم كان بعد ذلك
يأخذ عليهن فإذا أعطينه ما شرط عليهن قال اذهبن فقد بايعتكن لا يزيد على ذلك
(قال الواقدي) فيها قتل خراش بن أمية الكعبي جنيدب بن الأدلع الهذلي
(وقال ابن إسحاق) ابن الأثوع الهذلي وإنما قتله بذحل كان في الجاهلية فقال
النبي صلى الله عليه وسلم إن خراشا قتال ان خراشا قتال يعيبه بذلك فأمر النبي
صلى الله عليه وسلم خزاعة أن يدوه * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد
ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير قال محمد بن إسحاق ولا أعلمه إلا وقد حدثني
عن عروة بن الزبير قال خرج صفوان بن أمية يريد جدة ليركب منها إلى اليمن فقال
عمير بن وهب يا نبي الله إن صفوان بن أمية سيد قومه وقد خرج هاربا منك ليقذف
نفسه في البحر فآمنه صلى الله عليك قال هو آمن قال يا رسول الله أعطني شيئا
338

يعرف به أمانك فأعطاه عمامته التي دخل فيها مكة فخرج بها عمير حتى أدركه بجدة
وهو يريد أن يركب البحر فقال يا صفوان فداك أبي وأمي أذكرك الله في نفسك
أن تهلكها فهذا أمان من رسول الله قد جئتك به قال ويلك اغرب عنى
فلا تكلمني قال أي صفوان فداك أبي وأمي أفضل الناس وأبر الناس وأحلم
الناس وخير الناس ابن عمتك عزه عزك وشرفه شرفك وملكه ملكك قال إني
أخافه على نفسي قال هو أحلم من ذلك وأكرم فرجع به معه حتى قدم به على
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صفوان إن هذا زعم أنك قد آمنتني قال صدق
قال فاجعلني في أمرى بالخيار شهرين قال أنت فيه بالخيار أربعة أشهر * حدثنا ابن حميد
قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن الزهري أن أم حكيم بنت الحارث بن هشام
وفاختة بنت الوليد وكانت فاختة عند صفوان بن أمية وأم حكيم عند عكرمة
ابن أبي جهل أسلمتا فأما أم حكيم فاستأمنت رسول الله لعكرمة بن أبي جهل فآمنه
فلحقت به باليمن فجاءت به فلما أسلم عكرمة وصفوان أقرهما رسول الله صلى الله
عليه وسلم عندهما على النكاح الأول * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني
محمد بن إسحاق لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة هرب هبيرة بن أبي وهب
المخزومي وعبد الله بن الزبعرى السهمي إلى نجران * حدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة عن محمد بن إسحاق عن سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت الأنصاري
قال رمى حسان عبد الله بن الزبعرى وهو بنجران ببيت واحد ما زاده عليه
لا تعدمن رجلا أحلك بغضه * نجران في عيش أحذ لئيم
فلما بلغ ذلك ابن الزبعرى رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال حين أسلم
يا رسول المليك إن لساني * راتق ما فتقت إذ أنا بور
إذ أبارى الشيطان في سنن * الريح ومن مال ميله مثبور
آمن اللحم والعظام لربى * ثم نفسي الشهيد أنت النذير
إنني عنك ناهى ثم حي * من لؤي فكلهم مغرور
وأما هبيرة بن أبي وهب فأقام بها كافرا وقد قال حين بلغه إسلام أم هانئ بنت أبي طالب
339

وكانت تحته واسمها هند
أشاقتك هند أم ناك سؤالها * كذاك النوى أسبابها وانفتالها
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال وكان جميع من شهد فتح مكة من
المسلمين عشرة آلاف من بنى غفار أربعمائة ومن أسلم أربعمائة ومن مزينة ألف وثلاثة
نفر ومن بنى سليم سبعمائة ومن جهينة ألف وأربعمائة رجل وسائرهم من قريش والأنصار
وحلفاؤهم وطوائف العرب من بنى تميم وقيس وأسد (قال الواقدي) في هذه
السنة تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم مليكة بنت داود الليثية فجاء إليها
بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت لها ألا تستحين حين تزوجين رجلا
قتل أباك فاستعاذت منه وكانت جميلة وكانت حدثة ففارقها رسول الله وكان قتل
أباها يوم فتح مكة قال وفيها هدم خالد بن الوليد العزى ببطن نخلة لخمس ليال بقين
من رمضان وهو صنم لبنى شيبان بطن من سليم حلفاء بني هاشم وبنو أسد بن
عبد العزى يقولون هذا صنمنا فخرج إليه خالد فقال قد هدمته قال أرأيت شيئا قال
لا قال فارجع فاهدمه فرجع خالد إلى الصنم فهدم بيته وكسر الصنم فجعل السادن
يقول أعزى اغضبي بعض غضباتك فخرجت عليه امرأة حبشية عريانة مولولة
فقتلها وأخذ ما فيها من حلية ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك
فقال تلك العزى ولا تعبد العزى أبدا * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن
إسحاق قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى العزى وكانت
بنخلة وكانت بيتا يعظمه هذا الحي من قريش وكنانة ومضر كلها وكانت سدنتها
من بنى شيبان من بنى سليم حلفاء بني هاشم فلما سمع صاحبها بمسير خالد إليها علق
عليها سيفه وأسند في الجبل الذي هي إليه فأصعد فيه وهو يقول
أيا عز شدي شدة لا شوى لها * على خالد ألقى القناع وشمري
ويا عز إن لم تقتلي اليوم خالدا * فبوئي بإثم عاجل أو تنصري
فلما انتهى إليها خالد هدمها ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
(قال الواقدي) وفيها هدم سواع وكان برهاط لهذيل وكان حجرا وكان الذي
340

هدمه عمرو بن العاص لما انتهى إلى الصنم قال له السادن ما تريد قال هدم سواع
قال لا تطيق تهدمه قال له عمرو بن العاص أنت في الباطل بعد فهدمه عمرو ولم
يجد في خزانته شيئا ثم قال عمرو للسادن كيف رأيت قال أسلمت والله وفيها هدم
مناة بالمشلل هدمه سعد بن زيد الأشهلي وكان للأوس والخزرج وفيها كانت غزوة
خالد بن الوليد بن جذيمة وكان من أمره وأمرهم ما حدثنا به ابن حميد قال حدثنا
سلمة عن محمد بنى إسحاق قال قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث فيما حول
مكة السرايا تدعو إلى الله عز وجل ولم يأمرهم بقتال وكان ممن بعث خالد بن الوليد
وأمره أن يسير بأسفل تهامة داعيا ولم يبعثه مقاتلا فوطئ بنى جذيمة فأصاب منهم
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن حكيم بن حكيم بن عباد
ابن حنيف عن أبي جعفر محمد بن علي بن حسين قال بعث رسول الله صلى الله عليه
وسلم حين افتتح مكة خالد بن الوليد داعيا ولم يبعثه مقاتلا ومعه قبائل من العرب
سليم ومدلج وقبائل من غيرهم فلما نزلوا على الغميصاء وهى ماء من مياه بنى جذيمة
ابن عامر بن عبد مناة بن كنانة على جماعتهم وكانت بنو جذيمة قد أصابوا في الجاهلية
عوف بن عبد عوف أبا عبد الرحمن بن عوف والفاكه بن المغيرة وكانا أقبلا
تاجرين من اليمن حتى إذا نزلا بهم قتلوهما وأخذوا أموالهما فلما كان الاسلام
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد سار حتى نزل ذلك الماء
فلما رآه القوم أخذوا السلاح فقال لهم خالد ضعوا السلاح فإن الناس قد أسلموا
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال حدثني بعض أهل العلم
عن رجل من بنى جذيمة قال لما أمرنا خالد بوضع السلاح قال رجل منا يقال
له جحدم ويلكم يا بنى جذيمة إنه خالد والله ما بعد وضع السلاح إلا الأسئار ثم
ما بعد الأسئار إلا ضرب الأعناق والله لا أضع سلاحي أبدا قال فأخذه رجال
من قومه فقالوا يا جحدم أتريد أن تسفك دماءنا إن الناس قد أسلموا ووضعت
الحرب وأمن الناس فلم يزالوا به حتى نزعوا سلاحه ووضع القوم السلاح لقول
خالد فلما وضعوه أمر بهم خالد عند ذلك فكتفوا ثم عرضهم على السيف فقتل
341

من قتل منهم فلما انتهى الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يديه إلى السماء
ثم قال اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد ثم دعا علي بن أبي طالب عليه
السلام فقال يا علي اخرج إلى هؤلاء القوم فانظر في أمرهم واجعل أمر الجاهلية
تحت قدميك فخرج حتى جاءهم ومعه مال قد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم
به فودى لهم الدماء وما أصيب من الأموال حتى إنه ليدى ميلغة الكلب حتى إذا
لم يبق شئ من دم ولا مال إلا وداه بقيت معه بقية من المال فقال لهم علي عليه
السلام حين فرغ منهم هل بقى لكم دم أو مال لم يود إليكم قالوا لا قال فإني
أعطيكم هذه البقية من هذا المال احتياطا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما لا يعلم
ولا تعلمون ففعل ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر فقال
أصبت وأحسنت ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبل القبلة قائما شاهرا
يديه حتى إنه ليرى بياض ما تحت منكبيه وهو يقول اللهم إني أبرأ إليك مما صنع
خالد بن الوليد ثلاث مرات (قال ابن إسحاق) وقد قال بعض من يعذر خالدا
إنه قال ما قاتلت حتى أمرني بذلك عبد الله بن حذافة السهمي وقال إن رسول الله
قد أمرك بقتلهم لامتناعهم من الاسلام وقد كان جحدم قال لهم حين وضعوا
سلاحهم ورأى ما يصنع خالد ببنى جذيمة يا بنى جذيمة يا بنى خزيمة ضاع الضرب قد كنت حذرتكم
ما وقعتم فيه * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال حدثني عبد الله بن أبي
سلمة قال كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف فيما بلغني كلام في
ذلك فقال له عملت بأمر الجاهلية في الاسلام فقال إنما ثأرت بأبيك فقال
عبد الرحمن بن عوف كذبت قد قتلت قاتل أبى ولكنك إنما ثأرت بعمك الفاكه
ابن المغيرة حتى كان بينهما شئ فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مهلا
يا خالد دع عنك أصحابي فوالله لو كان لك أحد ذهبا ثم أنفقته في سبيل الله ما أدركت
غدوة رجل من أصحابي ولا روحته * حدثنا سعيد بن يحيى الأموي قال حدثنا أبي
وحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة جميعا عن ابن إسحاق عن يعقوب بن عتبة
ابن المغيرة بن الأخنس بن شريق عن ابن شهاب الزهري عن ابن عبد الله بن
342

أبى حدرد الأسلمي عن أبيه عبد الله بن أبي حدرد قال كنت يومئذ في خيل خالد
فقال لي فتى منهم وهو في السبي وقد جمعت يداه إلى عنقي برمة ونسوة مجتمعات
غير بعيد منه يا فتى قلت نعم قال هل أنت آخذ بهذه الرمة فقائدي بها إلى هؤلاء
النسوة حتى أقضى إليهن حاجة ثم تردني بعد فتصنعوا بي ما بدا لكم قال قلت
والله ليسير ما سألت فأخذت برمته فقدته بها حتى أوقفته عليهن فقال اسلمي
حبيش على نفذ العيش
أريتك إذ طالبتكم فوجدتكم * بحلية أو ألفيتكم بالخوانق
ألم يك حقا أن ينول عاشق * تكلف إدلاج السرى والودائق
فلا ذنب لي قد قلت إذ أهلنا معا * أثيبي بود قبل إحدى الصفائق
أثيبي بود قبل أن تشحط النوى * ويناى الأمير بالحبيب المفارق
فإني لا سرا لدى أضعته * ولا راق عيني بعد وجهك رائق
على أن ما ناب العشيرة شاغل * ولا ذكر إلا أن يكون لوامق
قالت وأنت فحييت عشرا وسبعا وترا وثمانيا تترا ثم انصرفت به فقدم
فضربت عنقه * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن أبي فراس
ابن أبي سنبلة الأسلمي عن أشياخ منهم عمن كان حضرها قالوا قامت إليه حين
ضربت عنقه فأكبت عليه فما زالت تقبله حتى ماتت عنده * حدثنا ابن حميد قال
حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن
مسعود قال أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد فتحها خمس عشرة
ليلة يقصر الصلاة (قال ابن إسحاق) وكان فتح مكة لعشر ليال بقين من
شهر رمضان سنة ثمانية
343

ذكر الخبر عن غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم
هوازن بحنين
وكان من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر المسلمين وأمر هوازن
ما حدثنا علي بن نصر بن علي الجهضمي وعبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث
قال على حدثنا عبد الصمد وقال عبد الوارث حدثنا أبي قال حدثنا أبان العطار
قال حدثنا هشام بن عروة عن عروة قال أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة عام
الفتح نصف شهر لم يزد على ذلك حتى جاءت هوازن وثقيف فنزلوا بحنين وحنين
واد إلى جنب ذي المجاز وهم يومئذ عامدون يريدون قتال النبي صلى الله عليه وسلم
وكانوا قد جمعوا قبل ذلك حين سمعوا بمخرج رسول الله من المدينة وهم يظنون
أنه إنما يريدهم حيث خرج من المدينة فلما أتاهم أنه قد نزل مكة أقبلت هوازن
عامدين إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأقبلوا معهم بالنساء والصبيان والأموال ورئيس
هوازن يومئذ مالك بن عوف أحد بنى نصر وأقبلت معهم ثقيف حتى نزلوا
حنينا يريدون النبي صلى الله عليه وسلم فلما حدث النبي وهو بمكة أن قد نزلت
هوازن وثقيف بحنين يسوقهم مالك بن عوف أحد بنى نصر وهو رئيسهم يومئذ
عمد النبي صلى الله عليه وسلم حتى قدم عليهم فوافاهم بحنين فهزمهم الله عز وجل
وكان فيها ما ذكر الله عز وجل في الكتاب وكان الذي ساقوا من النساء والصبيان
والماشية غنيمة غنمها الله عز وجل رسوله فقسم أموالهم فيمن كان أسلم معه من
قريش * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال لما سمعت هوازن
برسول الله صلى الله عليه وسلم وما فتح الله عليه من مكة جمعها مالك بن عوف
النصري واجتمعت إليه مع هوازن ثقيف كلها فجمعت نصر وجشم كلها وسعد بن
بكر وناس من بنى هلال وهم قليل ولم يشهدها من قيس عيلان إلا هؤلاء وغابت
عنها فلم يحضرها من هوازن كعب ولا كلاب ولم يشهدها منهم أحد له اسم وفى
جشم دريد بن الصمة شيخ كبير ليس فيه شئ إلا التيمن برأيه ومعرفته بالحرب
344

وكان شيخا كبيرا مجربا وفى ثقيف سيدان لهم في الاحلاف قارب بن الأسود
ابن مسعود وفى بنى مالك ذو الخمار سبيع بن الحارث وأخوه الأحمر بن الحارث
في بنى هلال وجماع أمر الناس إلى مالك بن عوف النصري فلما أجمع مالك المسير
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حط مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم فلما
نزل بأوطاس اجتمع إليه الناس وفيهم دريد بن الصمة في شجار له يقاد به فلما نزل
قال بأي واد أنتم قالوا بأوطاس قال نعم مجال الخيل لا حزن ضرس ولا سهل دهس
مالي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير ويعار الشاء وبكاء الصغير قالوا ساق الملك
ابن عوف مع الناس أبناءهم ونساءهم وأموالهم فقال أين مالك فقيل هذا
مالك فدعى له فقال يا مالك إنك قد أصبحت رئيس قومك وإن هذا يوم
كائن له ما بعده من الأيام مالي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير ويعار الشاء وبكاء
الصغير قال سقت مع الناس أبناءهم ونساءهم وأموالهم قال ولم قال أردت
أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله ليقاتل عنهم قال فانقض به ثم قال
راعى ضأن والله هل يرد المنهزم شئ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه
ورمحه وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك وما فعلت كعب وكلاب قالوا
لم يشهد منهم أحد قال غاب الجد والحد لو كان يوم علاء ورفعة لم تغب
عنه كعب وكلاب ولوددت أنكم فعلتم ما فعلت كعب وكلاب فمن شهدها
منكم قالوا عمرو بن عامر وعوف بن عامر قال ذانك الجذعان من بنى عامر
لا ينفعان ولا يضران يا مالك إنك لم تصنع بتقديم البيضة بيضة هوازن إلى نحور الخيل
شيئا أرفعهم إلى متمنع بلادهم وعليا قومهم ثم الصق الصباء على متون الخيل فإن كانت
لك لحق بك من وراءك وإن كانت عليك ألفاك ذلك وقد أحرزت أهلك ومالك
قال والله لا أفعل إنك قد كبرت وكبر علمك والله لتطيعنني يا معشر هوازن
أو لأتكأن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري وكره أن يكون لدريد فيها
ذكر ورأى قال دريد بن الصمة هذا يوم لم أشهده ولم يفتني
يا ليتني فيها جذع * أخب فيها وأضع * أقود وطفاء الزمع * كأنها شاة صدع
345

وكان دريد رئيس بنى جشم وسيدهم وأوسطهم ولكن السن أدركته حتى فنى
وهو دريد بن الصمة بن بكر بن علقمة بن جداعة بن غزية بن جشم بن معاوية
ابن بكر بن هوازن ثم قال مالك للناس إذا أنتم رأيتم القوم فاكسروا جفون
سيوفكم وشدوا شدة رجل واحد عليهم * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن
ابن إسحاق عن أمية بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان أنه حدث أن مالك
ابن عوف بعث عيونا من رجاله لينظروا له ويأتوه بخبر الناس فرجعوا إليه
وقد تفرقت أوصالهم فقال ويلكم ما شأنكم قالوا رأينا رجالا بيضا على خيل بلق
فوالله ما تمسكنا أن أصابنا ما ترى فلم ينهه ذلك عن وجهه أن مضى على ما يريد
(قال ابن إسحاق) ولما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليهم عبد الله
ابن أبي حدرد الأسلمي وأمره أن يدخل في الناس فيقيم فيهم حتى يأتيه بخبر
منهم ويعلم من علمهم فانطلق ابن أبي حدرد فدخل فيهم فأقام معهم حتى سمع
وعلم ما قد أجمعوا له من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلم أمر مالك
وأمر هوازن وما هم عليه ثم أتى رسول الله فأخبره الخبر فدعا رسول الله صلى الله
عليه وسلم عمر بن الخطاب فأخبره خبر ابن أبي حدرد فقال عمر كذب فقال ابن أبي
حدرد ان تكذبني فطال ما كذبت بالحق يا عمر فقال عمر ألا تسمع يا رسول الله
إلى ما يقول ابن أبي حدرد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كنت ضالا
فهداك الله يا عمر * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال حدثني
أبو جعفر محمد بن علي بن حسين قال لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم السير
إلى هوازن ليلقاهم ذكر له أن عند صفوان بن أمية أدراعا وسلاحا فأرسل إليه
فقال يا أبا أمية وهو يومئذ مشرك أعرنا سلاحك هذا نلفي فيه عدونا غدا فقال
له صفوان أغصبا يا محمد قال بل عارية مضمونة حتى نؤديها إليك قال ليس بهذا
بأس فأعطاه مائة درع بما يصلحها من السلاح فزعموا أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم سأله أن يكفيه حملها ففعل (قال أبو جعفر محمد بن علي) فمضت
السنة أن العارية مضمونة مؤداة * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق
346

عن عبد الله بن أبي بكر قال ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ألفان
من أهل مكة مع عشرة آلاف من أصحابه الذين فتح الله بهم مكة فكانوا اثنى عشر
ألفا واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن
أمية بن عبد شمس على مكة أميرا على من غاب عنه من الناس ثم مضى على وجهه
يريد لقاء هوازن * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن عاصم بن
عمر بن قتادة عن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه قال لما استقبلنا وادى حنين انحدرنا
في واد من أودية تهامة أجوف حطوط إنما ننحدر فيه انحدارا قال وفى عماية
الصبح وكان القوم قد سبقوا إلى الوادي فكمنوا لنا في شعابه وأحنائه ومضايقه
قد أجمعوا وتهيؤا وأعدوا فوالله ما راعنا ونحن منحطون إلا الكتائب قد شدت
علينا شدة رجل واحد وانهزم الناس أجمعون فانشمروا لا يلوى أحد عن أحد
وانحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين ثم قال أين أيها الناس هلم إلى
أنا رسول الله أنا محمد بن عبد الله قال فلا شئ احتملت الإبل بعضها بعضا فانطلق
الناس إلا أنه قد بقى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من المهاجرين والأنصار
وأهل بيته وممن ثبت معه من المهاجرين أبو بكر وعمر ومن أهل بيته علي بن أبي
طالب والعباس بن عبد المطلب وابنه الفضل وأبو سفيان بن الحارث وربيعة
ابن الحارث وأيمن بن عبيد وهو أيمن بن أم أيمن وأسامة بن زيد بن حارثة قال
ورجل من هوازن على جمل له أحمر بيده راية سوداء في رأس رمح طويل أمام
الناس وهوازن خلفه إذا أدرك طعن برمحه وإذا فاته الناس رفع رمحه لمن وراءه
فاتبعوه ولما انهزم الناس ورأى من كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من
جفاة أهل مكة الهزيمة تكلم رجال منهم بما في أنفسهم من الضغن فقال أبو سفيان
حرب لا تنتهى هزيمتهم دون البحر والأزلام معه في كنانته وصرخ كلدة بن
الحنبل وهو مع أخيه صفوان بن أمية بن خلف وكان أخاه لأمه وصفوان يومئذ
مشرك في المدة التي جعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ألا بطل السحر
اليوم فقال له صفوان اسكت فض الله فاك فوالله لان يربني رجل من قريش
347

أحب إلى من أن يربني رجل من هوازن وقال شيبة بن عثمان بن أبي طلحة
أخو بنى عبد الدار قلت اليوم أدرك ثأري وكان أبوه قتل يوم أحد اليوم أقتل
محمد قال فأردت رسول الله لأقتله فأقبل شئ حتى تغشى فؤادي فلم أطق ذلك
وعلمت أنه قد منع منى * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن
الزهري عن كثير بن العباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب قال إني لمع رسول الله
صلى الله عليه وسلم آخذ بحكمة بغلته البيضاء قد شجرتها بها قال وكنت امرءا جسيما
شديد الصوت قال ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين رأى من الناس
ما رأى أين أيها الناس فلما رأى الناس لا يلوون على شئ قال يا عباس أصرخ
يا معشر الأنصار يا أصحاب السمرة فناديت يا معشر الأنصار يا معشر أصحاب
السمرة قال فأجابوا لبيك لبيك قال فيذهب الرجل منهم يريد ليثنى بعيره فلا
يقدر على ذلك فيأخذ درعه فيقذفها في عنقه ويأخذ سيفه وترسه ثم يقتحم عن بعيره
فيخلى سبيله في الناس ثم يؤم الصوت حتى ينتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى
إذا اجتمع إليه منهم مائة رجل استقبلوا الناس فاقتتلوا فكانت الدعوى أولا
يا للأنصار ثم جعلت أخيرا يا للخزرج وكانوا صبرا عند الحرب فأشرف رسول الله
صلى الله عليه وسلم في ركابه فنظر إلى مجتلد القوم وهم يجتلدون فقال الآن حمى
الوطيس * حدثنا هارون بن إسحاق قال حدثنا مصعب بن المقدام قال حدثنا إسرائيل
قال حدثنا أبو إسحاق عن البراء قال كان أبو سفيان بن الحارث يقود بالنبي صلى
الله عليه وسلم بغلته يوم حنين فلما غشى النبي صلى الله عليه وسلم المشركون نزل
فجعل يرتجز ويقول
أنا النبي لا كذب * أنا ابن عبد المطلب
فما رئي من الناس أشد منه * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن
عاصم بن عمر بن قتادة عن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه عبد الله قال بينا
ذلك الرجل من هوازن صاحب الراية على جمله بصنع ما يصنع إذ هوى له علي
ابن أبي طالب ورجل من الأنصار يريدانه فيأتيه علي من خلفه فيضرب عرقوبي
348

الجمل فوقع على عجزه ووثب الأنصاري على الرجل فضربه ضربة أطن قدمه بنصف
ساقه فانجعف عن رحله قال واجتلد الناس فوالله ما رجعت راجعة الناس من هزيمتهم
حتى وجدوا الأسارى مكتفين وقد التفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وكان ممن صبر يومئذ رسول الله صلى الله
عليه وسلم وكان حسن الاسلام حين أسلم وهو آخذ بثفر بغلته فقال من هذا قال
ابن أمك يا رسول الله * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن عبد الله
ابن أبي بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التفت فرأى أم سليم بنت ملحان
وكانت مع زوجها أبى طلحة حازمة وسطها ببرد لها وإنها لحامل بعبد الله بن أبي طلحة
ومعها جمل أبى طلحة وقد خشيت أن يعزها الجمل فأدنت رأسه منها فأدخلت
يدها في خزامته مع الخطام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سليم قالت نعم
بأبي أنت وأمي يا رسول الله اقتل هؤلاء الذين يفرون عنك كما تقتل هؤلاء الذين
يقاتلونك فإنهم لذلك أهل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يكفي الله يا أم
سليم ومعها خنجر في يدها فقال لها أبو طلحة ما هذا معك يا أم سليم قالت خنجر أخذته
معي إن دنا منى أحد من المشركين بعجته به قال يقول أبو طلحة ألا تسمع ما تقول
أم سليم يا رسول الله * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال حدثني
حماد بن سلمة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال لقد استلب
أبو طلحة يوم حنين عشرين رجلا وحده هو قتلهم * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة
قال حدثني محمد بن إسحاق عن أبيه أنه حدث عن جبير بن مطعم قال لقد رأيت
قبل هزيمة القوم والناس يقتتلون مثل البجاد الأسود أقبل من السماء حتى سقط
بيننا وبين القوم فنظرت فإذا نمل أسود مبثوث قد ملا الوادي فلم أشك أنها
الملائكة ولم يكن إلا هزيمة القوم * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق
قال فلما انهزمت هوازن استحر القتل من ثقيف ببنى مالك فقتل منهم سبعون رجلا
تحت رايتهم فيهم عثمان بن عبد الله بن ربيعة بن الحارث بن حبيب جد ابن أم حكم
بنت أبي سفيان وكانت رايتهم مع ذي الخمار فلما قتل أخذها عثمان بن عبد الله
349

فقاتل بها حتى قتل * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق
عن عامر بن وهب بن الأسود بن مسعود قال لما بلغ رسول الله صلى الله عليه
وسلم قتل عثمان قال أبعده الله فإنه كان يبغض قريشا * حدثنا علي بن سهل قال
حدثنا مؤمل عن عمارة بن زاذان عن ثابت عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه
وسلم يوم حنين على بغلة بيضاء يقال لها دلدل فلما انهزم المسلمون قال النبي صلى
الله عليه وسلم لبغلته البدي دلدل فوضعت بطنه على الأرض فأخذ النبي صلى الله
عليه وسلم حفنة من تراب فرمى بها في وجوههم وقال حم لا ينصرون فولى
المشركون مدبرين ما ضرب بسيف ولا طعن برمح ولا رمى بسهم * حدثنا ابن حميد
قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس
قال قتل مع عثمان بن عبد الله غلام له نصراني أغرل قال فبينا رجل من الأنصار
يستلب قتلى من ثقيف إذ كشف العبد ليستلبه فوجده أغرل فشرخ بأعلى صوته
يعلم الله أن ثقيفا غرل ما تختتن قال المغيرة بن شعبة فأخذت بيده وخشيت أن
تذهب عنا في العرب فقلت لا تقل ذلك فداك أبي وأمي إنما هو غلام لنا نصراني
ثم جعلت أكشف له قتلانا فأقول ألا تراهم مختنين قال وكانت راية الاحلاف مع
قارب بن الأسود بن مسعود فلما هزم الناس أسند رايته إلى شجرة وهرب هو
وبنو عمه وقومه من الاحلاف فلم يقتل منهم إلا رجلان رجل من بنى غيرة
يقال له وهب وآخر من بنى كنة يقال له الجلاح فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم حين بلغه قتل الجلاح قتل اليوم سيد شباب ثقيف إلا ما كان من ابن هنيدة
وابن هنيدة الحارث بن أوس * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق
قال ولما انهزم المشركون أتوا الطائف ومعهم مالك بن عوف وعسكر بعضهم
بأوطاس وتوجه بعضهم نحو نخلة ولم يكن فيمن توجه نحو نخلة إلا بنو غيرة من
ثقيف فتبعت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلك في نخلة من الناس ولم
تتبغ من سلك الثنايا فأدرك ربيعة بن رفيع بن أهبان بن ثعلبة بن ربيعة بن يربوع
ابن سمال بن عوف بن امرئ القيس كان يقال له ابن لذعة وهى أمه فغلبت على نسبه دريد
350

ابن الصمة فأخذ بخطام جمله وهو يظن أنه امرأة وذلك أنه كان في شجار
له فإذا هو رجل فأناخ به وإذا هو شيخ كبير وإذا هو دريد بن الصمة لا يعرفه الغلام
فقال له دريد ماذا تريد بي قال أقتلك قال ومن أنت قال أنا ربيعة بن رفيع السلمي ثم
ضربه بسيفه فلم يغن شيئا فقال بئسما سلحتك أمك خذ سيفي هذا من مؤخر الرحل في
الشجار ثم اضرب به وارفع عن العظام واخفض عن الدماغ فإني كذلك كنت أقتل
الرجال ثم إذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصمة فرب يوم والله
قد منعت نساءك فزعمت بنو سليم أن ربيعة قال لما ضربته فوقع تكشف الثوب
عنه فإذا عجانه وبطون فخذيه مثل القرطاس من ركوب الخيل إعراء فلما رجع
ربيعة إلى أمه أخبرها بقتله إياه فقالت والله لقد أعتق أمهات لك ثلاثا (قال
أبو جعفر) وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثار من توجه قبل أوطاس
فحدثني موسى بن عبد الرحمن الكندي قال حدثنا أبو أسامة عن بريد بن عبد الله
عن أبي بردة عن أبيه قال لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم من حنين بعث أبا
عامر على جيش إلى أوطاس فلقى دريد بن الصمة فقتل دريدا وهزم الله أصحابه
(قال أبو موسى) فبعثني مع أبي عامر قال فرمى أبو عامر في ركبته رماه رجل من
بنى جشم بسهم فأثبته في ركبته فانتهيت إليه فقلت يا عم من رماك فأشار أبو عامر
لأبي موسى فقال إن ذاك قاتلي تراه ذلك الذي رماني (قال أبو موسى) فقصدت
له فاعتمدته فلحقته فلما رآني ولى عنى ذاهبا فاتبعته وجعلت أقول له ألا تستحى
ألست عربيا ألا تثبت فكر فالتقيت أنا وهو فاختلفنا ضربتين فضربته بالسيف
ثم رجعت إلى أبى عامر فقلت قد قتل الله صاحبك قال فانزع هذا السهم فنزعته
فنزا منه الماء فقال يا ابن أخي انطلق إلى رسول الله فاقرئه منى السلام وقل له
إنه يقول لك استغفر لي قال واستخلفني أبو عامر على الناس فمكث يسيرا ثم إنه
مات * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال يزعمون أن سلمة بن
دريد هو الذي رمى أبا عامر بسهم فأصاب ركبته فقتله فقال سلمة بن دريد في قتله
أبا عامر: إن تسألوا عنى فإني سلمه * ابن سمادير لمن توسمه
351

أضرب بالسيف رؤس المسلمة
وسمادير أم سلمة فانتمى إليها قال وخرج مالك بن عوف عند الهزيمة فوقف
في فوارس من قومه على ثنية من الطريق وقال لأصحابه قفوا حتى تمضى ضعفاؤكم
وتلحق أخراكم فوقف هنالك حتى مضى من كان لحق بهم من منهزمة الناس
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق قال حدثني بعض بنى
سعد بن بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ لخيله التي بعث إن قدرتم
على بحاد رجل من بنى سعد بن بكر فلا يفلتنكم وكان بحاد قد أحدث حدثا فلما
ظفر به المسلمون ساقوه وأهله وساقوا أخته الشيماء بنت الحارث بن عبد الله بن
عبد العزى أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة فعنفوا عليها في السايق
معهم فقالت للمسلمين تعلمون والله إني لأخت صاحبكم من الرضاعة فلم يصدقوها
حتى أتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال
حدثنا ابن إسحاق عن أبي وجزة يزيد بن عبيد السعدي لما انتهى بالشيماء إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت يا رسول الله إني أختك قال وما علامة ذلك
قالت عضة عضضتنيها في ظهري وأنا متوركتك قال فعرف رسول الله صلى الله
عليه وسلم العلامة فبسط لها رداءه ثم قال ههنا فأجلسها عليه وخيرها وقال إن
أحببت فعندي محببة مكرمة وإن أحببت أمتعك وترجعي إلى قومك قالت بل
تمتعني وتردني إلى قومي فمتعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وردها إلى قومها
فزعمت بنو سعد بن بكر أنه أعطاها غلاما له يقال مكحول وجارية فزوجت
أحدهما الآخر فلم يزل فيهم من نسلهما بقية (قال ابن إسحاق) استشهد يوم حنين
من قريش ثم من بني هاشم أيمن بن عبيد وهو ابن أم أيمن مولاة رسول الله
صلى الله عليه وسلم ومن بنى أسد بن عبد العزى يزيد بن زمعة بن الأسود بن المطلب
ابن أسد جمح به فرس له يقال له الجناح فقتل ومن الأنصار سراقة بن الحارث بن عدي
بن بلعجلان ومن الأشعريين أبو عامر الأشعري ثم جمعت إلى رسول الله سبايا
حنين وأموالها وكان على المغانم مسعود بن عمرو القارى فأمر رسول الله صلى الله
352

عليه وسلم بالسبايا والأموال إلى الجعرانة فحبست بها * حدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة قال قال ابن إسحاق لما قدم فل ثقيف الطائف أغلقوا عليهم أبواب مدينتها
وصنعوا الصنائع للقتال ولم يشهد حنينا ولا حصار الطائف عن عروة بن مسعود
ولا غيلان بن سلمة كانا بجرش يتعلمان صنعة الدباب والضبور والمجانيق
* فحدثنا علي بن نصر بن علي قال حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث وحدثنا عبد الوارث
ابن عبد الصمد بن عبد الوارث قال حدثنا أبي قال أخبرنا أبان العطار قال حدثنا
هشام بن عروة عن عروة قال سار رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين
من فوره ذلك يعنى منصرفه من حنين حتى نزل الطائف فأقام نصف شهر يقاتلهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقاتلهم ثقيف من وراء الحصن لم يخرج
إليه في ذلك أحد منهم وأسلم من حولهم من الناس كلهم وجاءت رسول الله صلى الله
عليه وسلم وفودهم ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحاصرهم إلا نصف شهر
حتى نزل الجعرانة وبها السبي الذي سبى رسول الله من حنين من نسائهم وأبنائهم
ويزعمون أن ذلك السبي الذي أصاب يومئذ من هوازن كانت عدته ستة آلاف
من نسائهم وأبنائهم فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجعرانة قدمت عليه
وفود هوازن مسلمين فأعتق أبناءهم ونساءهم كلهم وأهل بعمرة من الجعرانة وذلك
في ذي القعدة ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع إلى المدينة واستخلف
أبا بكر رضى الله تعالى عنه على أهل مكة وأمره أن يقيم للناس الحج ويعلم الناس
الاسلام وأمره أن يؤمن من حج من الناس ورجع إلى المدينة قلما قدمها قدم عليه
وفود ثقيف فقاضوه على القضية التي ذكرت فبايعوه وهو الكتاب الذي عندهم
كاتبوه عليه * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني ابن إسحاق عن عمرو
ابن شعيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلك إلى الطائف من حنين على نخلة
اليمانية ثم على قرن ثم على المليح ثم على بحرة الرغاء من لية فابتنى بها مسجدا فصلى
فيه فأقاد يومئذ ببحرة الرغاء حين نزلها بدم وهو أول دم أقيد به في الاسلام رجلا
من بنى ليث قتل رجلا من هذيل فقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر رسول الله
353

وهو بلية بحصن مالك بن عوف فهدم ثم سلك في طريق يقال لها الضيقة فلما توجه
فيها سأل على اسمها فقال ما اسم هذه الطريق فقيل له الضيقة فقال بل هي اليسرى
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على نخب حتى نزل تحت سدرة يقال لها
الصادرة قريبا من مال رجل من ثقيف فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم
إما أن تخرج وإما أن نخرب عليك حائطك فأبى أن يخرج فأمر رسول الله صلى
الله عليه وسلم بإخراجه ثم مضى رسول الله حتى نزل قريبا من الطائف فضرب
عسكره فقتل أناس من أصحابه بالنبل وذلك أن العسكر اقترب من حائط الطائف
فكانت النبل تنالهم ولم يقدر المسلمون أن يدخلوا حائطهم غلقوه دونهم فلما أصيب
أولئك النفر من أصحابه بالنبل ارتفع فوضع عسكره عند مسجده الذي بالطائف
اليوم فحاصرهم بضعا وعشرين ليلة ومعه امرأتان من نسائه إحداهما أم سلمة
بنت أبي أمية وأخرى معها (قال الواقدي) الأخرى زينب بنت جحش فضرب
لهما قبتين فصلى بين القبتين ما أقام فلما أسلمت ثقيف بنى على مصلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم ذلك أبو أمية بن عمرو بن وهب بن معتب بن مالك مسجدا وكانت
في ذلك المسجد سارية فيما يزعمون لا تطلع عليها الشمس يوما من الدهر إلا سمع
لها نقيض فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاتلهم قتالا شديدا وتراموا
بالنبل حتى إذا كان يوم الشدخة عند جدار الطائف دخل نفر من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت دبابة ثم زحفوا بها إلى جدار الطائف
فأرسلت عليهم ثقيف سكك الحديد محماة بالنار فخرجوا من تحتها فرمتهم
ثقيف بالنبل وقتلوا رجالا فأمر رسول الله بقطع أعناب ثقيف فوقع فيها
الناس يقتطعون وتقدم أبو سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة إلى الطائف فناديا
يا ثقيفا أن أمنونا حتى نكلمكم فأمنوهما فدعوا نساء من نساء قريش وبنى
كنانة ليخرجن إليهما وهما يخافان عليهن السباء فأبين منهن آمنة بنت أبي سفيان
كانت عند عروة بن مسعود لها منها داود بن عروة وغيرها (وقال الواقدي) حدثني
كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة قال لما مضت خمس عشرة من
354

حصار الطائف استشار رسول الله نوفل بن معاوية الديلي وقال يا نوفل ما ترى
في المقام عليهم قال يا رسول الله ثعلب في حجر إن أقمت عليه أخذته وإن تركته
لم يضرك * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثنا ابن إسحاق قال قد بلغني أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر بن أبي قحافة وهو محاصر ثقيفا بالطائف
يا أبا بكر إني رأيت أنه أهديت لي قعبة مملوءة زبدا فنقرها ديك فأهراق ما فيها
فقال أبو بكر ما أظن أن تدرك منهم يومك هذا ما تريد يا رسول الله فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأنا لا أرى ذلك ثم إن خويلة بنت حكيم بن أمية بن حارثة
ابن الأوقص السلمية وهى امرأة عثمان بن مظعون قالت يا رسول الله أعطني إن
فتح الله عليك الطائف حلى بادية بنت غيلان بن سلمة أو حلى الفارعة بنت عقيل
وكانتا من أحلى نساء ثقيف قال فذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها
وإن كان لم يؤذن لي في ثقيف يا خويلة فخرجت خويلة فذكرت ذلك لعمر بن الخطاب
فدخل عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما حديث حدثتنيه
خويلة أنك قلته قال قد قلته قال أوما أذن فيهم يا رسول الله قال لا قال أفلا أؤذن
بالرحيل في الناس قال بلى فأذن عمر فيهم بالرحيل فلما استقل الناس نادى سعيد
ابن عبيد بن أسيد بن أبي عمرو بن علاج الثقفي ألا إن الحي مقيم قال يقول عيينة
ابن حصن أجل والله مجدة كراما فقال له رجل من المسلمين قاتلك الله يا عيينة
أتمدح قوما من المشركين بالامتناع من رسول الله وقد جئت تنصره قال إني والله
ما جئت لأقاتل معكم ثقيفا ولكني أردت أن يفتح محمد الطائف فأصيب من ثقيف
جارية أتبطنها لعلها أن تلد لي رجلا فان ثقيفا قوم مناكير واستشهد بالطائف من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر رجلا سبعة من قريش ورجل
من بنى ليث وأربعة من الأنصار * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق
قال ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف من الطائف على دحنا
حتى نزل الجعرانة بمن معه من المسلمين وكان قدم سبى هوازن حين سار إلى الطائف
إلى الجعرانة بها ثم أتته وفود هوازن بالجعرانة وكان مع رسول الله صلى
355

الله عليه وسلم من سبى هوازن من النساء والذراري عدد كثير ومن الإبل ستة
آلاف بعير ومن الشاء ما لا يحصى * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني
محمد بن إسحاق قال حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن
العاص قال أتى وفد هوازن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة وقد
أسلموا فقالوا يا رسول الله إنا أصل وعشيرة وقد أصابنا من البلاء ما لا يخفى عليك
فامنن علينا من الله عليك فقام رجل من هوازن أحد بنى سعد بن بكر وكان بنو
سعد هم الذين أرضعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له زهير بن صرد وكان
يكنى بأبي صرد فقال يا رسول الله إنما في الحضائر عماتك وخالاتك وحواضنك
اللاتي كن يكفلنك ولو أننا ملحنا للحارث بن أبي شمر أو للنعمان بن المنذر ثم نزل
منا بمثل ما نزلت به رجونا عطفه وعائدته وأنت خير المكفولين ثم قال
امنن علينا رسول الله في كرم * فإنك المرء نرجوه وندخر
امنن على بيضة أعتاقها قدر * ممزق شملها في دهرها غير
في أبيات قالها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم أم
أموالكم فقالوا يا رسول الله خيرتنا بين أحسابنا وأموالنا بل ترد علينا نساءنا
وأبناءنا فهم أحب إلينا فقال أما ما كان لي ولبنى عبد المطلب فهو لكم فإذا أنا صليت
بالناس فقولوا إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين وبالمسلمين إلى رسول الله في
أبنائنا ونسائنا فسأعطيكم وأسأل لكم فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالناس الظهر قاموا فتكلموا بالذي أمرهم به فقال رسول الله أما ما كان لي ولبنى
عبد المطلب فهو لكم وقال المهاجرون وما كان لنا فهو لرسول الله وقالت الأنصار
وما كان لنا فهو لرسول الله قال الأقرع بن حابس أما أنا وبنو تميم فلا وقال عيينة
ابن حصن أما أنا وبنو فزارة فلا قال عباس بن مرداس أما أنا وبنو سليم فلا قالت
بنو سليم ما كان لنا فهو لرسول الله قال يقول العباس لبنى سليم وهنتموني فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم أما من تمسك بحقه من هذا السبي فله بكل إنسان
ست فرائض من أول شئ نصيبه فردوا إلى الناس أبناءهم ونساءهم * حدثنا ابن
356

حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال حدثني يزيد بن عبيد السعدي أبو وجزة
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أعطى علي بن أبي طالب جارية من سبى
حنين يقال لها ريطة بنت هلال بن حيان بن عميرة بن هلال بن ناصرة بن قصية
ابن نصر بن سعد بن بكر وأعطى عثمان بن عفان جارية يقال لها زينب بنت حيان
ابن عمرو بن حيان وأعطى عمر بن الخطاب جارية فوهبها لعبد الله بن عمر
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن نافع عن عبد الله
ابن عمر قال أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب جارية من سبى
هوازن فوهبها لي فبعثت بها إلى أخوالي من بنى جمح ليصلحوا لي منها حتى أطوف
بالبيت ثم آتيهم وأنا أريد أن أصيبها إذا رجعت إليها قال فخرجت من المسجد حين
فرغت فإذا الناس يشتدون فقلت ما شأنكم قالوا رد علينا رسول الله نساءنا
وأبناءنا قال قلت تلكم صاحبتكم في بنى جمح اذهبوا فخذوها فذهبوا إليها فأخذوها
وأما عيينة بن حصن فأخذ عجوزا من عجائز هوازن وقال حين أخذها أرى عجوزا
وأرى لها في الحي نسبا وعسى أن يعظم فداؤها فلما رد رسول الله صلى الله عليه
وسلم السبايا بست فرائض أبى أن يردها فقال له زهير بن صرد خذ عنك فوالله
ما فوها ببارد ولا ثديها بناهد ولا بطنها بوالد ولا درها بما كد ولا زوجها
بواجد فردها بست فرائض حين قال له زهير ما قال فزعموا أن عيينة لقى
الأقرع بن حابس فشكا إليه ذلك فقال والله انك ما أخذتها بكرا غريرة ولا نصفا
وثيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لوفد هوازن وسألهم عن
مالك بن عوف ما فعل فقالوا هو بالطائف مع ثقيف فقال رسول الله أخبروا
مالكا أنه إن أتاني مسلما رددت عليه أهله وماله وأعطيته مائة من الإبل فأتى
مالك بذلك فخرج من الطائف إليه وقد كان مالك خاف ثقيفا على نفسه أن يعملوا
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ما قال فيحبسوه فأمر براحلته فهيأت له
وأمر بفرس له فأتى به الطائف فخرج ليلا فجلس على فرسه فركضه حتى أتى راحلته
حيث أمر بها أن تحبس له فركبها فلحق برسول الله فأدركه بالجعرانة أو بمكة فرد
357

عليه أهله وماله وأعطاه مائة من الإبل وأسلم فحسن اسلامه واستعمله رسول
الله صلى الله عليه وسلم على قومه وعلى من أسلم من تلك القبائل حول الطائف
ثمالة وسلمة وفهم فكان يقاتل بهم ثقيفا لا يخرج لهم سرح إلا أغار عليه حتى
ضيق عليهم فقال أبو محجن بن حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي
هابت الأعداء جانبنا * ثم تغزونا بنو سلمه
وأتانا مالك بهم * ناقضا للعهد والحرمه
وأتونا في منازلنا * ولقد كنا أولى نقمه
وهذا آخر حديث أبي وجزة (ثم رجع الحديث إلى حديث عمرو بن شعيب)
قال فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من رد سبايا حنين إلى أهلها ركب
واتبعه الناس يقولون يا رسول الله أقسم علينا فيئنا الإبل والغنم حتى ألجؤه إلى
شجرة فاختطفت الشجرة عنه رداءه فقال ردوا على ردائي أيها الناس فوالله لو كان
لي عدد شجر تهامة نعما لقسمتها عليكم ثم ما لقيتموني بخيلا ولا جبانا ولا كذابا
ثم قام إلى جنب بعير فأخذ وبرة من سنامه فجعلها بين أصبعيه ثم رفعها فقال
أيها الناس إنه والله ليس من فيئكم ولا هذه الوبرة إلا الخمس والخمس مردود
عليكم فأدوا الخياط والمخيط فإن الغلول يكون على أهله عارا ونارا وشنارا يوم
القيامة فجاءه رجل من الأنصار بكبة من خيوط شعر فقال يا رسول الله أخذت
هذه الكبة أعمل بها برذعة بعير لي دبر قال أما نصيبي منها فلك فقال إنه إذا بلغت
هذه فلا حاجة لي بها ثم طرحها من يده. إلى هاهنا حديث عمرو بن شعيب
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر قال أعطى
رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم وكانوا أشرافا من أشراف الناس
يتألفهم ويتألف به قلوبهم فأعطى أبا سفيان بن حرب مائة بعير وأعطى ابنه معاوية
مائة بعير وأعطى حكيم بن حزام مائة بعير وأعطى النضير بن الحارث بن كلدة بن
علقمة أخا بنى عبد الدار مائة بعير وأعطى العلاء بن حارثة الثقفي حليف بنى زهرة
مائة بعير وأعطى الحارث بن هشام مائة بعير وأعطى صفوان بن أمية مائة بعير
358

وأعطى سهيل بن عمرو مائة بعير وأعطى حويطب بن عبد العزى بن أبي قيس مائة بعير
وأعطى عيينة بن حصن مائة بعير وأعطى الأقرع بن حابس التميمي مائة بعير وأعطى
مالك بن عوف النصر مائة بعير فهؤلاء أصحاب المئين وأعطى دون المائة رجالا من
قريش منهم محرمة بن نوفل بن أهيب الزهري وعمير بن وهب الجمحي وهشام بن عمرو
أخو بنى عامر بن لؤي لا يحفظ عدة ما أعطاهم وقد عرف فيما زعم أنها دون المائة وأعطى
سعيد بن يربوع بن عنكثة بن عامر بن مخزوم خمسين من الإبل وأعطى السهمي خمسين
من الإبل وأعطى عباس بن مرداس السلمي أباعر فتسخطها وعاتب فيها رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال
كانت نهابا تلافيتها * بكري على المهر في الأجرع
وإيقاظي القوم أن يرقدوا * إذا هجع الناس لم أهجع
فأصبح نهبي ونهب * العبيد بين عيينة والأقرع
وقد كنت في الحرب ذا تدرإ * فلم أعط شيئا ولم أمنع
إلا أفائل أعطيتها * عديد قوائمها الأربع
وما كان حصن ولا حابس * يفوقان مرداس في المجمع
وما كنت دون امرئ منهما * ومن تضع اليوم لا يرفع
قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهبوا فاقطعوا عنى لسانه فزادوه
حتى رضى فكان ذلك قطع لسانه الذي أمر به * حدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة عن ابن إسحاق عن محمد بن إبراهيم بن الحارث أن قائلا قال لرسول الله صلى
الله عليه وسلم من أصحابه يا رسول الله أعطيت عيينة بن حصن والأقرع بن حابس
مائة مائة وتركت جعيل بن سراقة الضمري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
أما والذي نفسي بيده لجعيل بن سراقة خير من طلاع الأرض كلهم مثل عيينة
ابن حصن والأقرع بن حابس ولكني تألفتهما ليسلما ووكلت جعيل بن سراقة
إلى إسلامه * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال حدثني
أبو عبيدة بن محمد عن مقسم أبى القاسم مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل قال
359

خرجت أنا وتليد بن كلاب الليثي حتى أتينا عبد الله بن عمرو بن العاص وهو
يطوف بالبيت معلقا نعليه بيده فقلنا له هل حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم
حين كلمه التميمي يوم حنين قال نعم أقبل رجل من بنى تميم يقال له ذو الخويصرة
فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعطى الناس فقال يا محمد قد رأيت
ما صنعت في هذا اليوم فقال رسول الله أجل فكيف رأيت قال لم أرك عدلت
فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال ويحك إذا لم يكن العدل عندي فعند
من يكون فقال عمر بن الخطاب يا رسول الله ألا نقتله فقال لا دعوه فإنه سيكون
له شيعة يتعمقون في الدين حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية ينظر في
النصل فلا يوجد شئ ثم في الفوق فلا يوجد شئ سبق الفرث والدم * حدثنا ابن
حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي
مثل ذلك وسماه ذا الخويصرة التميمي (قال أبو جعفر) وقد روى عن أبي سعيد
الخدري أن الذي كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الكلام إنما كلمه في
مال كان علي عليه السلام بعثه من اليمن إلى رسول الله فقسمه بين جماعة منهم
عيينة بن حصن والأقرع وزيد الخيل فقال حينئذ ما ذكر عن ذي الخويصرة
أنه قاله رجل حضره * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن
عبد الله بن أبي بكر أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ممن شهد معه
حنينا قال والله إني لأسير إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقة لي
وفى رجلي نعل غليظة إذ زحمت ناقتي ناقة رسول الله ويقع حرف نعلي على ساق
رسول الله فأوجعه قال فقرع قدمي بالسوط وقال أوجعتني فأخر عني فانصرفت
فلما كان من الغد إذا رسول الله يلتمسني قال قلت هذا والله لما كنت أصبت
من رجل رسول الله بالأمس قال فجئته وأنا أتوقع فقال لي إنك قد أصبت رجلي
بالأمس فأوجعتني فقرعت قدمك بالسوط فدعوتك لأعوضك منها فأعطاني ثمانين
نعجة بالضربة التي ضربني * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن
عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن أبي سعيد الخدري قال لما أعطى
360

رسول الله ما أعطى من تلك العطايا في قريش وقبائل العرب ولم يكن في الأنصار
منها شئ وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى كثرت منهم القالة حتى
قال قائلهم لقى والله رسول الله قومه فدخل عليه سعد بن عبادة فقال يا رسول الله
إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفئ
الذي أصبت قسمت في قومك وأعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب ولم يكن
في هذا الحي من الأنصار شئ قال فأين أنت من ذلك يا سعد قال يا رسول الله
ما أنا إلا من قومي قال فاجمع لي قومك في الحظيرة قال فخرج سعد فجمع الأنصار
في تلك الحظيرة قال فجاء رجال من المهاجرين فتركهم فدخلوا وجاء آخرون
فردهم فلما اجتمعوا إليه أتاه سعد فقال قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار
فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه بالذي هو له أهل
ثم قال يا معشر الأنصار ما قالة بلغتني عنكم وموجدة وجدتموها في أنفسكم ألم
آتكم ضلالا فهداكم الله وعالة فأغناكم الله وأعداء فألف بين قلوبكم قالوا بلى
لله ولرسوله المن والفضل فقال ألا تجيبوني يا معشر الأنصار قالوا وبماذا نجيبك
يا رسول الله لله ولرسوله المن والفضل قال أما والله لو شئتم لقلتم فصدقتم
ولصدقتم أتيتنا مكذبا فصدقناك ومخذولا فنصرناك وطريدا فآويناك وعائلا
فآسيناك وجدتم في أنفسكم يا معشر الأنصار في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما
ليسلموا ووكلتكم إلى إسلامكم أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس
بالشاء والبعير وترجعوا برسول الله إلى رحالكم فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجرة
لكنت امرءا من الأنصار ولو سلك الناس شعبا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت
شعب الأنصار اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار قال فبكى
القوم حتى أخصلوا لحاهم وقالوا رضينا برسول الله قسما وحظا ثم انصرف
رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرقوا * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن
ابن إسحاق قال ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة معتمرا وأمر
ببقايا الفئ فحبس بمجنة وهى بناحية مر الظهران فلما فرغ رسول الله من عمرته
361

وانصرف راجعا إلى المدينة استخلف عتاب بن أسيد على مكة وخلف معه معاذ
ابن جبل يفقه الناس في الدين ويعلمهم القرآن واتبع رسول الله صلى الله عليه
وسلم ببقايا الفئ وكانت عمرة رسول الله في ذي القعدة فقدم رسول الله صلى الله
عليه وسلم المدينة في ذي القعدة أو في ذي الحجة وحج الناس تلك السنة على
ما كانت العرب تحج عليه وحج تلك السنة بالمسلمين عتاب بن أسيد وهى سنة
ثمانية وأقام أهل الطائف على شركهم وامتناعهم في طائفهم ما بين ذي القعدة
إذ انصرف رسول الله عنهم إلى شهر رمضان من سنة تسع (قال الواقدي) لما
قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنائم بين المسلمين بالجعرانة أصاب كل رجل
أربع من الإبل وأربعون شاة فمن كان منهم فارسا أخذ سهم فرسه أيضا وقال
أيضا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة لليال بقين من ذي الحجة من سفرته
هذه قال وفيها بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص إلى جيفر وعمرو
ابني الجلندي من الأزد مصدقا فخليا بينه وبين الصدقة فأخذ الصدقة من أغنيائهم
وردها على فقرائهم وأخذ الجزية من المجوس الذين بها وهم كانوا أهل البلد والعرب
كانوا يكونون حولها قال وفيها تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلابية التي
يقال لها فاطمة بنت الضحاك بن سفيان فاختارت الدنيا حين خيرت وقيل إنها
استعاذت من رسول الله ففارقها وذكر أن إبراهيم بن وثيمة بن مالك بن أوس
ابن حدثان حدثه عن أبي وجزة السعدي أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها
في ذي القعدة قال وفيها ولدت مارية إبراهيم في ذي الحجة فدفعه رسول الله صلى الله
عليه وسلم إلى أم بردة بنت المنذر بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي
بن النجار وزوجها البراء بن أوس بن خالد بن الجعد بن عوف بن مبذول
ابن عمرو بن غنم بن عدي بن النجار فكانت ترضعه قال وكانت قابلتها سلمى
مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجت إلى أبى رافع فأخبرته أنها ولدت
غلاما فبشر به أبو رافع رسول الله فوهب له مملوكا قال وغارت نساء رسول الله
صلى الله عليه وسلم واشتد عليهن حين رزقت منه الولد
362

ثم دخلت سنة تسع
وفيها قدم وفد بنى أسد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر فقالوا
قدمنا يا رسول الله قبل أن ترسل إلينا رسولا فأنزل الله عز وجل في ذلك
من قولهم (يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا على إسلامكم) الآية
وفيها قدم وفد بلى في شهر ربيع الأول فنزلوا على رويفع بن ثابت البلوى *
وفيها قدم وفد الداريين من لخم وهم عشرة * وفيها قدم في قول الواقدي عروة
ابن مسعود الثقفي على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلما وكان من خبره ما حدثنا
ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
حين انصرف عن أهل الطائف اتبع أثره عروة بن مسعود بن معتب حتى أدركه
قبل أن يصل إلى المدينة فأسلم وسأله أن يرجع إلى قومه بالاسلام فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم كما يتحدث قومهم أنهم قاتلوك وعرف رسول الله أن فيهم
نخوة بالامتناع الذي كان منهم فقال له عروة يا رسول الله أنا أحب إليهم من
أبكارهم وكان فيهم كذلك محببا مطاعا فخرج يدعو قومه إلى الاسلام ورجا ألا
يخالفوه لمنزلته فيهم فلما أشرف لهم على علية له وقد دعاهم إلى الاسلام وأظهر
لهم دينهم رموه بالنبل من كل وجه فأصابه سهم فقتله فتزعم بنو مالك أنه قتله
رجل منهم يقال له أوس بن عوف أخو بنى سالم بن مالك وتزعم الاحلاف أنه
قتله رجل منهم من بنى عتاب بن مالك يقال له وهب بن جابر فقيل لعروة ما ترى
في دمك قال كرامة أكرمني الله بها وشهادة ساقها الله إلى فليس في إلا ما في الشهداء
الذين قتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يرتحل عنكم فادفنوني معهم
فدفنوه معهم فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه إن مثله في قومه
كمثل صاحب يس في قومه * وفيها قدم وفد أهل الطائف على رسول الله صلى الله
عليه وسلم قيل إنهم قدموا عليه في شهر رمضان * فحدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة عن محمد بن إسحاق قال ثم أقامت ثقيف بعد قتل عروة أشهرا ثم إنهم ائتمروا
363

بينهم ألا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرب وقد بايعوا وأسلموا * وحدثنا ابن
حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن
الأخنس بن شريق الثقفي أن عمرو بن أمية أخا بنى علاج كان مهاجرا لعبد يا ليل
ابن عمرو الذي بينهما سيئ وكان عمرو بن أمية من أدهى العرب فمشى إلى عبد يا ليل
ابن عمرو حتى دخل عليه داره ثم أرسل إليه أن عمرو بن أمية يقول لك اخرج
إلى قال عبد يا ليل للرسول ويحك أعمرو أرسلك قال نعم وهو ذا واقف في دارك
فقال إن هذا لشئ ما كنت أظنه لعمرو كان أمنع في نفسه من ذلك فلما رآه
رحب به وقال عمرو إنه قد نزل بنا أمر ليست معه هجرة إنه قد كان من
أمر هذا الرجل ما قد رأيت وقد أسلمت العرب كلها وليست لكم بحربهم
طاقة فانظروا في أمركم فعند ذلك ائتمرت ثقيف بينها وقال بعضهم لبعض
ألا ترون أنه لا يأمن لكم سرب ولا يخرج منكم أحد إلا اقتطع به فائتمروا
وأجمعوا أن يرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا كما أرسلوا
عروة فكلموا عبد يا ليل بن عمرو بن عمير وكان في سن عروة بن مسعود وعرضوا
ذلك عليه فأبى أن يفعل وخشي أن يصنع به إذا رجع كما يصنع بعروة فقال لست
فاعلا حتى تبعثوا معي رجالا فأجمعوا على أن يبعثوا معه رجلين من الاحلاف وثلاثة
من بنى مالك فيكونوا ستة عثمان بن أبي العاص بن بشر بن عبد دهمان أخو بنى يسار
وأوس بن عوف أخو بنى سالم ونمير بن خرشة بن ربيعة أخو بلحارث وبعثوا
من الاحلاف مع عبد يا ليل الحكم بن عمرو بن وهب بن معتب وشرحبيل بن
غيلان بن سلمة بن معتب فخرج بهم عبد يا ليل وهو ناب القوم وصاحب أمرهم ولم
يخرج بهم إلا خشية من مثل ما صنع بعروة بن مسعود ليشغل كل رجل منهم إذا
رجعوا إلى الطائف رهطه فلما دنوا من المدينة ونزلوا قناة لقوا بها المغيرة بن شعبة
يرعى في نوبته ركاب أصحاب رسول الله وكانت رعيتها نوبا على أصحابه فلما رآهم
المغيرة ترك الركاب وضبر يشتد ليبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدومهم
عليه فلقيه أبو بكر الصديق رضي الله عنه قبل أن يدخل على رسول الله فأخبره
364

عن ركب ثقيف أنهم قدموا يريدون البيعة والاسلام بأن يشرط لهم شروطا
ويكتبوا من رسول الله كتابا في قومهم وبلادهم وأموالهم فقال أبو بكر للمغيرة
أقسمت عليك بالله لا تسبقني إلى رسول الله حتى أكون أنا الذي أحدثه ففعل
المغيرة فدخل أبو بكر على رسول الله فأخبره عن ركب ثقيف بقدومهم ثم خرج
المغيرة إلى أصحابه فروح الظهر معهم وعلمهم كيف يحيون رسول الله صلى الله
عليه وسلم فلم يفعلوا إلا بتحية الجاهلية ولما أن قدموا على رسول صلى الله
عليه وسلم ضرب عليهم قبة في ناحية مسجده كما يزعمون وكان خالد بن سعيد بن
العاص هو الذي يمشى بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اكتتبوا
كتابهم وكان خالد هو الذي كتب كتابهم بيده وكانوا لا يطعمون طعاما يأتيهم من
عند رسول الله حتى يأكل منه خالد حتى أسلموا وبايعوا وفرغوا من كتابهم وقد
كان فيما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدع الطاغية وهى اللات لا يهدمها
ثلاث سنين فأبى رسول الله ذلك عليهم فما برحوا يسألونه سنة سنة فأبى عليهم حتى
سألوه شهرا واحدا بعد مقدمهم فأبى أن يدعها شيئا يسمى وإنما يريدون بذلك
فيما يظهرون أن يسلموا بتركها من سفهائهم ونسائهم وذراريهم ويكرهون أن
يروعوا قومهم بهدمها حتى يدخلهم الاسلام فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك
إلا أن يبعث أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة فيهدماها وقد كانوا سألوه مع
ترك الطاغية أن يعفيهم من الصلاة وأن يكسروا أوثانهم بأيديهم فقال رسول الله
أما كسر أوثانكم بأيديكم فسنعفيكم منه وأما الصلاة فلا خير في دين لا صلاة فيه
فقال أيا محمد أما هذه فسنؤتيكها وإن كانت دناءة فلما أسلموا وكتب لهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم كتابهم أمر عليهم عثمان بن أبي العاص وكان من أحدثهم سنا
وذلك أنه كان أحرصهم على التفقه في الاسلام وتعلم القرآن فقال أبو بكر لرسول
الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله إني قد رأيت هذا الغلام فيهم من أحرصهم
على التفقه في الاسلام وتعلم القرآن * حدثنا ابن حميد قال حدثنا عن
ابن إسحاق عن يعقوب بن عتبة قال فلما خرجوا من عند رسول الله صلى الله عليه
365

وسلم توجهوا إلى بلادهم راجعين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان
ابن حرب والمغيرة بن شعبة في هدم الطاغية فخر جامع القوم حتى إذا قدموا الطائف
أراد المغيرة أن يقدم أبا سفيان فأبى ذلك أبو سفيان عليه وقال ادخل أنت على قومك
وأقام أبو سفيان بماله بذى الهرم فلما دخل المغيرة بن شعبة علاها يضربها بالمعول وقام
قومه دونه بنو متعب خشية أن يرمى أو يصاب كما أصيب عروة وخرج نساء
ثقيف حسرا يبكين عليها ويقلن
ألا أبكين دفاع * أسلمها الرضاع * لم يحسنوا المصاع
قال ويقول أبو سفيان والمغيرة يضربها بالفأس واهالك واهالك فلما هدمها المغيرة
أخذ مالها وحليها وأرسل إلى أبي سفيان وحليها مجموع ومالها من الذهب والجزع
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا سفيان أن يقضى من مال اللات دين عروة
والأسود ابني مسعود فقضى منه دينهما * وفى هذه السنة غزا رسول الله صلى الله
عليه وسلم غزوة تبوك
ذكر من قال ذلك
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال أقام رسول الله صلى
الله عليه وسلم بالمدينة بعد منصرفه من الطائف ما بين ذي الحجة إلى رجب ثم أمر
الناس بالتهيؤ لغزو الروم فحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن
الزهري ويزيد بن رومان وعبد الله بن أبي بكر وعاصم بن عمر بن قتادة وغيرهم
كل قد حدث في غزوة تبوك ما بلغه عنها وبعض القوم يحدث ما لم يحدث بعض
وكل قد اجتمع حديثه في هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر
أصحابه بالتهيؤ لغزو الروم وذلك في زمن عسرة من الناس وشدة من الحر وجدب
من البلاد وحين طابت الثمار وأحبت الظلال فالناس يحبون المقام في ثمارهم
وظلالهم ويكرهون الشخوص عنها على الحال من الزمان الذي هم عليه وكان
رسول الله صلى الله عليه وسلم قل ما يخرج في غزوة إلا كنى عنها وأخبر أنه يريد
غير الذي يصمد له إلا ما كان من غزوة تبوك فإنه بينها للناس لبعد الشقة وشدة
366

الزمان وكثرة العدو الذي يصمد له ليتأهب الناس لذلك أهبته وأمر
الناس بالجهاز وأخبرهم أنه يريد الروم فتجهز الناس على ما في أنفسهم من الكره
لذلك الوجه لما فيه مع ما عظموا من ذكرى الروم وغزوهم فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو في جهازه ذلك للجد بن قيس أخي
بنى سلمة هل لك يا جد العام في جلاد بنى الأصفر فقال يا رسول الله أو تأذن لي
ولا تفتني فوالله لقد عرف قومي ما رجل أشد عجبا بالنساء منى وإني أخشى أن
رأيت نساء بنى الأصفر أن لا أصبر عنهن فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه
وسلم وقال قد أذنت لك ففي الجد بن قيس نزلت هذه الآية (ومنهم من يقول
ائذن لي ولا تفتني) الآية أي إن كان إنما يخشى الفتنة من نساء
بنى الأصفر وليس ذلك به سقط فيه من الفتنة بتخلفه عن رسول الله والرغبة بنفسه
عن نفسه أعظم وإن جهنم لمن ورائه وقال قائل من المنافقين لبعض لا تنفروا في الحر
زهادة في الجهاد وشكا في الحق وإرجافا بالرسول فأنزل الله تبارك وتعالى فيهم
(وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون - إلى
قوله - جزاء بما كانوا يكسبون) ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جد في
سفره فأمر الناس بالجهاز والانكماش وخص أهل الغنى على النفقة والحملان
في سبيل الله ورغبهم في ذلك فحمل رجال من أهل الغنى فاحتسبوا وأنفق عثمان
ابن عفان في ذلك نفقة عظيمة لم ينفق أحد أعظم من نفقته ثم إن رجالا من المسلمين
أتوا رسول الله وهم البكاؤن وهم سبعة نفر من الأنصار وغيرهم فاستحملوا رسول
الله وكانوا أهل حاجة فقال (لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من
الدمع حزنا أن لا يجدوا ما ينفقون) قال فبلغني أن يامين بن عمير بن كعب النضري
لقى أبا ليلى عبد الرحمن بن كعب وعبد الله بن مغفل وهما يبكيان فقال لهما
ما يبكيكما قالا جئنا رسول الله ليحملنا فلم نجد عنده ما يحملنا عليه وليس عندنا
ما نتقوى به على الخروج معه فأعطاهما ناضحا فارتحلاه وزودهما شيئا من تمر فخرجا
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وجاء المعذرون من الاعراب فاعتذروا
367

إليه فلم يعذرهم الله عز وجل وذكر لي أنهم كانوا من بنى غفار منهم خفاف بن
إيماء بن رحضة ثم استتب برسول الله صلى الله عليه وسلم سفره وأجمع السير وقد
كان نفر من المسلمين أبطأت بهم النية عن رسول الله حتى تخلفوا عنه من غير
شك ولا ارتياب منهم كعب بن مالك بن أبي كعب أخو بنى سلمة ومرارة بن
الربيع أخو بنى عمرو بن عوف وهلال بن أمية أخو بنى واقف وأبو خيثمة أخو
بنى سالم بن عوف وكانوا نفر صدق لا يتهمون في إسلامهم فلما خرج رسول الله
صلى الله عليه وسلم ضرب عسكره على ثنية الوداع وضرب عبد الله بن أبي
ابن سلول عسكره على حدة أسفل منه بحذاء ذباب جبل بالجبانة أسفل من ثنية
الوداع وكان فيما يزعمون ليس بأقل العسكرين فلما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم
تخلف عنه عبد الله بن أبي فيمن تخلف من المنافقين وأهل الريب وكان عبد الله
ابن أبي أخا بنى عوف بن الخزرج وعبد الله بن نبتل أخا بنى عمرو بن عوف
ورفاعة بن زيد بن التابوت أخا بنى قينقاع وكانوا من عظماء المنافقين وكانوا
ممن يكيد الاسلام وأهله قال وفيهم فيما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن
إسحاق عن عمرو بن عبيد عن الحسن البصري أنزل الله عز وجل (لقد ابتغوا
الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور) الآية (قال ابن إسحاق) وخلف رسول
الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب على أهله وأمره بالإقامة فيهم واستخلف
على المدينة سباع بن عرفطة أخا بنى غفار فأرجف المنافقون بعلي بن أبي طالب
وقالوا ما خلفه إلا استثقالا له وتخففا منه فلما قال ذلك المنافقون أخذ علي سلاحه
ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالجرف فقال يا نبي الله
زعم المنافقون أنك إنما خلفتني انك استثقلتني وتخففت منى فقال كذبوا ولكني
إنما خلفتك لما ورائي فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك أفلا ترضى يا علي أن
تكون منى بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي فرجع علي إلى المدينة
ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سفره ثم أن أبا خيثمة أخا بنى سالم رجع
بعد أن سار رسول الله صلى الله عليه وسلم أياما إلى أهله في يوم حار فوجد
368

امرأتين له في عريشين لهما في حائط قد رشت كل واحدة منهما عريشها وبردت
له فيه ماء وهيأت له فيه طعاما فلما دخل فقام على باب العريشين فنظر إلى امرأتيه
وما صنعتا له قال رسول الله في الضح والريح وأبو خيثمة في ظلال باردة وماء
بارد وطعام مهيأ وامرأة حسناء في ماله مقيم ما هذا بالنصف ثم قال والله لا أدخل
عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله فهيئا لي زاد ففعلتا ثم قدم ناضحة
فارتحله ثم خرج في طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أدركه حين نزل
تبوك وقد كان أدرك أبا خيثمة عمير بن وهب الجمحي في الطريق يطلب رسول الله
صلى الله عليه وسلم فترافقا حتى إذا دنوا من تبوك قال أبو خيثمة لعمير بن وهب
إن لي ذنبا فلا عليك أن تخلف عنى حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعل
ثم سار حتى إذا دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بتبوك قال الناس
يا رسول الله هذا راكب على الطريق مقبل فقال رسول الله كن أبا خيثمة فقالوا
يا رسول الله هو والله أبو خيثمة فلما أناخ أقبل فسلم على رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال له رسول الله أولى لك يا أبا خيثمة ثم أخبر رسول الله الخبر فقال
له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له بخير وقد كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم حين مر بالحجر نزلها واستقى الناس من بئرها فلما راحوا منها قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تشربوا من مائها شيئا ولا تتوضأوا منها للصلاة
وما كان من عجين عجنتموه فاعلفوه الإبل ولا تأكلوا منه شيئا ولا يخرجن أحد
منكم الليلة إلا ومعه صاحب له ففعل الناس ما أمرهم به رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلا رجلين من بنى ساعدة خرج أحدهما لحاجته وخرج الآخر في طلب بعير
له فأما الذي ذهب لحاجته فإنه خنق على مذهبه وأما الذي ذهب في طلب بعيره
فاحتملته الريح حتى طرحته في جبلي طيئ فأخبر بذلك رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال ألم أنهكم أن يخرج منكم أحد إلا ومعه صاحب له ثم دعا الذي
أصيب على مذهبه فشفى وأما الآخر الذي وقع بجبلي طيئ فان طيأ أهدته
لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة (قال أبو جعفر) والحديث عن
369

الرجلين * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي
بكر عن العباس بن سهل بن سعد الساعدي فلما أصبح الناس ولا ماء معهم
شكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا الله فأرسل الله سحابة
فأمطرت حتى ارتوى الناس واحتملوا حاجتهم من الماء * حدثنا ابن حميد قال
حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة قال قلت لمحمود
ابن لبيد هل كان الناس يعرفون النفاق فيهم قال نعم والله إن كان الرجل ليعرفه
من أخيه ومن أبيه ومن عمه ومن عشيرته ثم يلبس بعضهم بعضا على ذلك ثم قال
محمود لقد أخبرني رجال من قومي عن رجل من المنافقين معروف نفاقه كان
يسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث سار فلما كان من أمر الماء بالحجر
ما كان ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دعا فأرسل الله السحابة فأمطرت
حتى ارتوى الناس أقبلنا عليه نقول ويحك هل بعد هذا شئ قال سحابة مارة ثم إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم سار حتى إذا كان ببعض الطريق ضلت ناقته
فخرج أصحابه في طلبها وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أصحابه يقال
له عمارة بن حزم وكان عقيبا بدريا وهو عم بنى عمرو بن حزم وكان في رحله
زيد بن لصيب القينقاعي وكان منافقا فقال زيد بن لصيب وهو في رحل عمارة وعمارة
عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أليس يزعم محمد أنه نبي يخبركم عن خبر السماء
وهو لا يدرى أين ناقته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمارة عنده ان رجلا
قال إن هذا محمدا يخبركم أنه نبي وهو يزعم أنه يخبركم بخبر السماء وهو لا يدرى
أين ناقته وانى والله ما أعلم الا ما علمني الله وقد دلنى الله عليها وهى في الوادي
من شعب كذا وكذا قد حبستها شجرة بزمامها فانطلقوا حتى تأتوا بها فذهبوا
فجاؤوا بها فرجع عمارة بن حزم إلى أهله فقال والله لعجب من شئ حدثناه رسول
الله صلى الله عليه وسلم آنفا عن مقالة قائل أخبره عنه كذا وكذا الذي قال زيد
ابن اللصيب فقال رجل ممن كان في رحل عمارة ولم يحضر رسول الله زيد والله
قال هذه المقالة قبل أن تأتى فأقبل عمارة على زيد يجأ في عنقه يقول يا عباد الله
370

والله ان في رحلي لداهية وما أدرى اخرج يا عدو الله من رحلي فلا تصحبني
قال فزعم بعض الناس أن زيدا تاب بعد ذلك وقال بعض لم يزل متهما بشر حتى
هلك ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم سائرا فجعل يتخلف عنه الرجل
فيقولون يا رسول تخلف فلان فيقول دعوه فان يك فيه خير فسيلحقه الله
بكم وان يكن غير ذلك فقد أراحكم الله منه حتى قيل يا رسول الله تخلف أبو ذر
وأبطأ به بعيره فقال دعوه فان يك فيه خير فسيلحقه الله بكم وان يك غير ذلك
فقد أراحكم الله منه قال وتلوم أبو ذر على بعيره فلما أبطأ عليه أخذ متاعه
فحمله على ظهره ثم خرج يتبع أثر رسول الله ماشيا ونزل رسول الله في بعض
منازله فنظر ناظر من المسلمين فقال يا رسول الله ان هذا الرجل يمشى على الطريق
وحده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كن أبا ذر فلما تأمله القوم قالوا
يا رسول الله هو أبو ذر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يرحم الله أبا ذر
يمشى وحده ويموت وحده ويبعث وحده * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة
عن ابن إسحاق عن بريدة بن سفيان الأسلمي عن محمد بن كعب القرظي قال لما نفى
عثمان أبا ذر نزل أبو ذر الربذة فأصابه بها قدره لم يكن معه أحد إلا امرأته وغلامه
فأوصاهما أن غسلاني وكفناني ثم ضعاني على قارعة الطريق فأول ركب يمر بكم
فقولوا هذا أبو ذر صاحب رسول الله فأعينونا على دفنه فلما مات فعلا ذلك به
ثم وضعاه على قارعة الطريق فأقبل عبد الله بن مسعود ورهط من أهل العراق
عمارا فلم يرعهم الا بجنازة على الطريق قد كادت الإبل تطأها وقام إليهم الغلام فقال
هذا أبو ذر صاحب رسول الله فأعينونا على دفنه قال فاستهل عبد الله بن مسعود
يبكى ويقول صدق رسول الله تمشى وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك
ثم نزل هو وأصحابه فواروه ثم حدثهم ابن مسعود حديثه وما قال له رسول الله
في مسيره إلى تبوك قال وقد كان رهط من المنافقين منهم وديعة بن ثابت أخو
بنى عمرو بن عوف ومنهم رجل من أشجع حليف لبنى سلمة يقال له مخشى بن
حمير يسيرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منطلق إلى تبوك فقال
371

بعضهم لبعض أتحسبون قتال بنى الأصفر كقتال غيرهم والله لكأني بكم غدا
مقرنين في الحبال إرجافا وترهيبا للمؤمنين فقال مخشى بن حمير والله لوددت انى
أقاضي على أن يضرب كل رجل منا مائة جلدة وانا ننفلت ان ينزل الله فينا
قرآنا لمقالتكم هذه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني لعمار بن ياسر
أدرك القوم فإنهم قد اخترقوا فسلهم عما قالوا فان أنكروا فقل بلى قد قلتم
كذا وكذا فانطلق إليهم عمار فقال لهم ذلك فأتوا رسول الله يعتذرون إليه فقال
وديعة بن ثابت ورسول الله واقف على ناقته فجعل يقول وهو آخذ بحقبها يا رسول
الله كنا نخوض ونلعب فأنزل الله عز وجل فيهم (ولئن سألتهم ليقولن إنما
كنا نخوض ونلعب) وقال مخشى بن حمير يا رسول الله قعد بي اسمى واسم أبى
فكان الذي عفى عنه في هذه الآية مخشى بن حمير فسمى عبد الرحمن وسأل الله ان
يقتله شهيدا الا يعلم مكانه فقتل يوم اليمامة فلم يوجد له أثر فلما انتهى رسول الله
صلى الله عليه وسلم إلى تبوك أتاه يحنه بن رؤبة صاحب أيلة فصالح رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأعطاه الجزية وأهل جرباء وأذرح فأعطوه الجزية وكتب
رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل كتابا فهو عندهم ثم إن رسول الله صلى الله
عليه وسلم دعا خالد بن الوليد فبعثه إلى أكيدر دومة وهو أكيدر بن عبد الملك
رجل من كندة كان ملكا عليها وكان نصرانيا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لخالد انك ستجده يصيد البقر فخرج خالد بن الوليد حتى إذا كان من حصنه بمنظر
العين وفى ليلة مقمرة صائفة وهو على سطح له ومعه امرأته فباتت البقر تحك
بقرونها باب القصر فقالت امرأته هل رأيت مثل هذا قط قال لا والله قالت فمن
يترك هذا قال لا أحد فنزل فأمر بفرسه فأسرج له وركب معه نفر من أهل
بيته فيهم أخ له يقال له حسان فركب وخرجوا معه بمطاردهم فلما خرجوا تلقتهم
خيل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأخذته وقتلوا أخاه
حسان وقد كان عليه قباء له من ديباج مخوص بالذهب فاستلبه خالد فبعث به
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل قدومه عليه * حدثنا ابن حميد قال
372

حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن أنس بن مالك
قال رأيت قباء أكيدر حين قدم به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل
المسلمون يلمسونه بأيديهم ويتعجبون منه فقال رسول الله أتعجبون من هذا فوالذي
نفس محمد بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا * حدثنا ابن حميد
قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال ثم إن خالدا قدم بأكيدر على رسول الله
صلى الله عليه وسلم فحقن له دمه وصالحه على الجزية ثم خلى سبيله فرجع إلى قريته
(رجع الحديث إلى حديث يزيد بن رومان الذي في أول غزوة تبوك) قال فأقام
رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك بضع عشرة ليلة ولم يجاوزها ثم انصرف
قافلا إلى المدينة فكان في الطريق ماء يخرج من وشل ما يروى الراكب والراكبين
والثلاثة بواد يقال له وادى المشقق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من
سبقنا إلى ذلك الماء فلا يستقين منه شيئا حتى نأتيه قال فسبقه إليه نفر من المنافقين
فاستقوا ما فيه فلما أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف عليه فلم ير فيه شيئا
فقال من سبقنا إلى هذا الماء فقيل يا رسول الله فلان وفلان فقال أو لم ننههم أن
يستقوا منه شيئا حتى نأتيه ثم لعنهم رسول الله ودعا عليهم ثم نزل صلى الله عليه
وسلم فوضع يده تحت الوشل فجعل يصب في يده ما شاء الله أن يصب ثم نضحه
به ومسحه بيده ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما شاء الله أن يدعو فانخرق
من الماء كما يقول من سمعه ان له حسا كحس الصواعق فشرب الناس واستقوا
حاجتهم منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من بقى منكم ليسمعن بهذا
الوادي وهو أخصب ما بين يديه وما خلفه ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم
حتى نزل بذى أوان بلد بينه وبين المدينة ساعة من نهار وكان أصحاب مسجد
الضرار قد كانوا أتوه وهو يتجهز إلى تبوك فقالوا يا رسول الله إنا قد بنينا مسجدا
لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية وإنا نحب أن تأتينا فتصلى لنا
فيه فقال إني على جناح سفر وحال شغل أو كما قال رسول الله ولو قدمنا إن شاء
الله أتيناكم فصلينا لكم فيه فلما نزل بذى أوان أتاه خبر المسجد فدعا رسول الله
373

صلى الله عليه وسلم مالك بن الدخشم أخا بنى سالم بن عوف ومعن بن عدي أو أخاه
عاصم بن عدي أخا بنى العجلان فقال انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه
وحرقاه فخرجا سريعين حتى أتيا بنى سالم بن عوف وهم رهط مالك بن الدخشم
فقال مالك لمعن أنظرني حتى اخرج إليك بنار من أهلي فدخل إلى أهله فأخذ سعفا
من النخل فأشعل فيه نارا ثم خرجا يشتدان حتى دخلا المسجد وفيه أهله فحرقاه
وهدماه وتفرقوا عنه ونزل فيهم من القرآن ما نزل (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا
وكفرا وتفريقا بين المؤمنين) إلى آخر القصة وكان الذين بنوه اثنى عشر رجلا
خذام بن خالد من بنى عبيد بن زيد أحد بنى عمرو بن عوف ومن داره أخرج
مسجد الشقاق وثعلبة بن حاطب من بنى عبيد وهو إلى بنى أمية بن زيد ومعتب
ابن قشير من بنى ضبيعة بن زيد وأبو حبيبة بن الأزعر من بنى ضبيعة بن زيد
وعباد بن حنيف أخو سهل بن حنيف من بنى عمرو بن عوف وجارية بن عامر
وابناه مجمع بن جارية وزيد بن جارية ونبتل بن الحارث من بنى ضبيعة وبخزج
وهو إلى بنى ضبيعة وبجاد بن عثمان وهو من بنى ضبيعة ووديعة بن ثابت وهو إلى
بنى أمية رهط أبى لبابة بن عبد المنذر قال وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة
وقد كان تخلف عنه رهط من المنافقين وتخلف أولئك الرهط من المسلمين من
غير شك ولا نفاق كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكلمن أحد أحدا من هؤلاء الثلاثة وأتاه من تخلف
عنه من المنافقين فجعلوا يحلفون له ويعتذرون فصفح عنهم رسول الله ولم يعذرهم
الله ولا رسوله واعتزل المسلمون كلام هؤلاء الثلاثة النفر حتى أنزل الله عز وجل
قوله (لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار - إلى قوله - وكونوا مع
الصادقين) فتاب الله عليهم قال وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من تبوك
في شهر رمضان وقدم عليه في ذلك الشهر وفد ثقيف وقد مضى ذكر خبرهم قبل
قال وفى هذه السنة أعنى سنة تسع وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي
طالب رضي الله عنه في سرية إلى بلاد طيئ في ربيع الآخر فأغار عليهم فسبى
374

وأخذ سيفين كانا في بيت الصنم يقال لأحدهما رسوب وللآخر المخذم وكان لهما
ذكر كان الحارث بن أبي شمر نذرهما له وسبى أخت عدى بن حاتم (قال أبو جعفر)
فأما الأخبار الواردة عن عدى بن حاتم عندنا بذلك فبغير بيان وقت وبغير ما قال
الواقدي في سبى علي أخت عدى بن حاتم * حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا محمد
ابن جعفر قال حدثنا شعبة قال حدثنا سماك قال سمعت عباد بن حبيش يحدث عن
عدى بن حاتم قال جاءت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال رسل رسول الله
فأخذوا عمتي وناسا فأتوا بهم النبي صلى الله عليه وسلم قال فصفوا له قالت قلت
يا رسول الله نأى الوافدي وانقطع الولد وأنا عجوز كبيرة ما بي من خدمة فمن على
من الله عليك يا رسول الله قال ومن وافدك قالت عدى بن حاتم قال الذي فر
من الله ورسوله قالت فمن على ورجل إلى جنبه ترى أنه علي عليه السلام قال سليه
حملانا قال فسألته فأمر لها فأتتني فقالت لقد فعلت فعلة ما كان أبوك يفعلها قالت
ائته راغبا وراهبا فقد أتاه فلان فأصاب منه وأتاه فلان فأصاب منه قال فأتيته فإذا
عنده امرأة وصبيان أو صبي فذكر قربهم من النبي صلى الله عليه وسلم فعرفت أنه ليس
بملك كسرى ولا قيصر فقال لي يا عدى بن حاتم ما أفرك أن يقال لا إله إلا الله فهل من
إله إلا الله وما أفرك أن يقال الله أكبر فهل من شئ هو أكبر من الله فأسلمت فرأيت
وجهه استبشر * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن
شيبان بن سعد الطائي قال وكان عدى بن حاتم طيئ يقول فيما بلغني ما رجل من
العرب كان أشد كراهية لرسول الله حين سمع به منى أما أنا فكنت امرءا شريفا
وكنت نصرانيا أسير في قومي بالمرباع فكنت في نفسي على دين وكنت ملكا
في قومي لما كان يصنع بي فلما سمعت برسول الله كرهته فقلت لغلام كان لي عربي
وكان راعيا لإبلي لا أبا لك أعدد لي من إبلي اجمالا ذللا سمانا مسان فاحبسها قريبا منى
فإذا سمعت بجيش لمحمد قد وطئ هذه البلاد فأذني ففعل ثم إنه أتاني ذات غداة
فقال يا عدى ما كنت صانعا إذا غشيتك خيل محمد فاصنعه الآن فانى قد رأيت
رايات فسألت عنها فقالوا هذه جيوش محمد قال فقلت قرب لي جمالي فقربها فاحتملت
375

بأهلي وولدي ثم قلت ألحق بأهل ديني من النصارى بالشام فسلكت الحوشية
وخلفت ابنة حاتم في الحاضر فلما قدمت الشأم أقمت بها وتخالفني خيل لرسول الله
صلى الله عليه وسلم فتصيب ابنة حاتم فيمن أصيب فقدم بها على رسول الله في
سبايا طيئ وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم هربي إلى الشأم قال فجعلت ابنة
حاتم في حظيرة بباب المسجد كانت السبايا يحبسن بها فمر بها رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقامت إليه وكانت امرأة جزلة فقالت يا رسول الله هلك الوالد وغاب
الوافد فامنن على من الله عليك قال ومن وافدك قالت عدى بن حاتم قال الفار
من الله ورسوله قالت ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركني حتى إذا
كان الغد مر بي وقد أيست فأشار إلى رجل من خلفه أن قومي إليه فكلميه قالت
فقمت إليه فقلت يا رسول الله هلك الوالد وغاب الوافد فامنن على من الله عليك
قال قد فعلت فلا تعجلي بخروج حتى تجدى من قومك من يكون لك ثقة حتى يبلغك
إلى بلادك ثم آذنيني قالت فسألت عن الرجل الذي أشار إلى أن كلميه فقيل علي
ابن أبي طالب قالت وأقمت حتى قدم ركب من بلى أو قضاعة قالت وإنما
أريد أن آتي أخي بالشام قالت فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله
قد قدم رهط من قومي لي فيهم ثقة وبلاغ قالت فكساني رسول الله صلى الله عليه
وسلم وحملني وأعطاني نفقة فخرجت معهم حتى قدمت الشأم قال عدى فوالله إني
لقاعد في أهلي إذ نظرت إلى ظعينة تصوب إلى تؤمنا قال فقلت ابنة حاتم قال فإذا
هي هي فلما وقفت على انسحلت تقول القاطع الظالم احتملت بأهلك وولدك وتركت
بنية والدك وعورته قال قلت يا أخية لا تقولي الا خيرا فوالله ما لي عذر لقد
صنعت ما ذكرت قال ثم نزلت فأقامت عندي فقلت لها وكانت امرأة حازمة ماذا
ترين في أمر هذا الرجل قالت أرى والله أن تلحق به سريعا فان يكن الرجل نبيا
فالسابق إليه له فضيلة وإن يكن ملكا فلن تذل في عز اليمن وأنت أنت قلت والله إن
هذا للرأي قال فخرجت حتى أقدم على رسول الله المدينة فدخلت عليه وهو في مسجده
فسلمت عليه فقال من الرجل فقلت عدى بن حاتم فقام رسول الله صلى الله عليه
376

وسلم فانطلق بي إلى بيته فوالله إنه لعامد بي إليه إذ لقيته امرأة ضعيفة كبيرة فاستوقفته
فوقف لها طويلا تكلمه في حاجتها قال فقلت في نفسي والله ما هذا بملك ثم مضى
رسول الله حتى دخل بيته فتناول وسادة من أدم محشوة ليفا فقذفها إلى فقال
لي اجلس على هذه قال قلت لا بل أنت فاجلس عليها قال لا بل أنت فجلست وجلس
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأرض قال قلت في نفسي والله ما هذا بأمر ملك
ثم قال إيه يا عدى بن حاتم ألم تك ركوسيا قال قلت بلى قال أو لم تكن تسير في
قومك بالمرباع قال قلت بلى قال فان ذلك لم يكن يحل لك في دينك قال قلت أجل
والله وعرفت أنه نبي مرسل يعلم ما يجهل قال ثم قال لعله يا عدى بن حاتم إنما
يمنعك من الدخول في هذا الدين لما ترى من حاجتهم فوالله ليوشكن المال يفيض
فيهم حتى لا يوجد من يأخذه ولعله إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين ما ترى
من كثرة عدوهم وقلة عددهم فوالله ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية
على بعيرها حتى تزور هذا البيت لا تخاف الا الله ولعله إنما يمنعك من الدخول
فيه أنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم وأيم الله ليوشكن أن تسمع بالقصور
البيض من أرض بابل قد فتحت قال فأسلمت فكان عدى بن حاتم يقول مضت
الثنتان وبقيت الثالثة والله لتكونن قد رأيت القصور البيض من أرض بابل
قد فتحت ورأيت المرأة تخرج من القادسية على بعيرها لا تخاف شيئا حتى تحج
هذا البيت وأيم الله لتكونن الثالثة ليفيض المال حتى لا يوجد من يأخذه (قال
الواقدي) وفيها قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بنى تميم * فحدثنا ابن
حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال حدثني عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي
بكر قالا قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم عطارد بن حاجب بن زرارة بن عدس
التميمي في أشراف من بنى تميم منهم الأقرع بن حابس والزبرقان بن بدر التميمي ثم
أحد بنى سعد وعمرو بن الأهتم والحتات بن فلان ونعيم بن زيد وقيس بن عاصم
أخو بنى سعد في وفد عظيم من بنى تميم معهم عيينة بن حصن بن حذيفة الفزاري
وقد كان الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن شهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
377

فتح مكة وحصار الطائف فلما وفد وفد بنى تميم كانا معهم فلما دخل وفد بنى تميم
المسجد نادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات أن اخرج إلينا
يا محمد فآذى ذلك من صياحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم فقالوا
يا محمد جئناك لنفاخرك فأذن لشاعرنا وخطيبنا قال نعم فأذنت لخطيبكم فليقل
فقام إليه عطارد بن حاجب فقال الحمد لله الذي له علينا الفضل وهو أهله الذي
جعلنا ملوكا ووهب لنا أموالا عظاما نفعل فيها المعروف وجعلنا أعز أهل المشرق
وأكثره عددا وأيسره عدة فمن مثلنا في الناس ألسنا برؤس الناس وأولى فضلهم
فمن يفاخرنا فليعدد مثل ما عددنا وإنا لو نشاء لأكثرنا الكلام ولكنا نحيا من
الاكثار فيما أعطانا وإنا نعرف أقول هذا الآن لتأتونا بمثل قولنا وأمر أفضل
من أمرنا ثم جلس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن شماس
أخي بلحارث بن الخزرج قم فأجب الرجل في خطبته فقام ثابت فقال الحمد لله
الذي السماوات والأرض خلقه قضى فيهن أمره ووسع كرسيه علمه ولم يك
شئ قط إلا من فضله ثم كان من قدرته أن جعلنا ملوكا واصطفى من خير خلقه
رسولا أكرمهم نسبا وأصدقهم حديثا وأفضلهم حسبا فأنزل عليه كتابه وائتمنه
على خلقه فكان خيرة الله من العالمين ثم دعا الناس إلى الايمان فآمن برسول الله
المهاجرون من قومه وذوي رحمه أكرم الناس أنسابا وأحسن الناس وجوها
وخير الناس فعالا ثم كان أول الخلق إجابة واستجاب لله حين دعاه رسول الله
صلى الله عليه وسلم نحن فنحن أنصار الله ووزراء رسوله نقاتل الناس حتى
يؤمنوا بالله فمن آمن بالله ورسوله منع ماله ودمه ومن كفر جاهدناه في الله أبدا
وكان قتله علينا يسيرا أقول قولي هذا وأستغفر الله للمؤمنين وللمؤمنات والسلام
عليكم ثم قالوا يا محمد ائذن لشاعرنا فقال نعم فقام الزبرقان بن بدر فقال
نحن الكرام فلا حي يعادلنا * منا الملوك وفينا تنصب البيع
وكم قسرنا من الاحياء كلهم * عند النهاب وفضل العز يتبع
ونحن نطعم عند القحط مطعمنا * من الشواء إذا لم يؤنس القزع
378

ثم ترى الناس تأتينا سراتهم * من كل أرض هويا ثم نصطنع
فننحر الكوم غبطا في أرومتنا * للنازلين إذا ما أنزلوا شعبوا
فلا ترانا إلى حي نفاخرهم * إلا استقادوا وكاد الرأس يقتطع
إنا أبينا ولم يأبى لنا أحد * إنا كذلك عند الفخر نرتفع
فمن يقادرنا في ذاك يعرفنا * فيرجع القول والاخبار تستمع
وكان حسان بن ثابت غائبا فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
حسان فلما جاءني رسوله فأخبرني أنه إنما دعاني لأجيب شاعر بنى تميم خرجت
إلى رسول الله وأنا أقول
منعنا رسول الله إذ حل وسطنا * على كل باغ من معد وراغم
منعناه لما حل بين بيوتنا * أسيافنا من كل عاد وظالم
ببيت حريد عزه وثراؤه * بجابية الجولان وسط الأعاجم
هل المجد إلا السودد العود والندى * وجاه الملوك واحتمال العظائم
قال فلما انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام شاعر القوم فقال
ما قال عرضت في قوله وقلت على نحو مما قال فلما فرغ الزبرقان بن بدر من
قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان قم يا حسان فأجب الرجل فيما
قال قال فقال حسان
إن الذوائب من فهر وإخوتهم * قد بينوا سنة للناس تتبع
يرضى بها كل من كانت سريرته * تقوى الاله وكل الخير يصطنع
قوم إذا حاربوا ضروا عدوهم * أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا
سجية تلك منهم غير محدثة * إن الخلائق فاعلم شرها البدع
إن كان في الناس سباقون بعدهم * فكل سبق لأدنى سبقهم تبع
لا يرقع الناس ما أوهت أكفهم * عند الدفاع ولا يوهون ما رقعوا
إن سابقوا الناس يوما فاز سبقهم * أو وازنوا أهل مجد بالندى متعوا
379

أعفة ذكرت في الوحي عفتهم * لا يطبعون ولا يرديهم طمع
لا يبخلون على جار بفضلهم * ولا يمسهم من مطمع طبع
إذا نصبنا لحى لم ندب لهم * كما يدب إلى الوحشية الذرع
نسمو إذا الحرب نالتنا مخالبها * إذا الزعانف من أظفارها خشعوا
لا فخر إن هم أصابوا من عدوهم * وإن أصيبوا فلا خور ولا هلع
كأنهم في الوغى والموت مكتنع * أسد بحلية في أرساغها فدع
خذ منهم ما أتوا عفوا إذا غضبوا * ولا يكن همك الامر الذي منعوا
فإن في حربهم فاترك عداوتهم * شرا يخاض عليه السم والسبع
أكرم بقوم رسول الله شيعتهم * إذا تفرقت الأهواء والشيع
أهدى لهم مدحتي قلب يوازره * فيما أحب لسان حائك صنع
فإنهم أفضل الاحياء كلهم * إن جد بالناس جد القول أو سمعوا
فلما فرغ حسان بن ثابت من قوله قال الأقرع بن حابس وأبى إن هذا الرجل
لمؤتى له لخطيبه أخطب من خطبتنا ولشاعره أشعر من شاعرنا وأصواتهم أعلى
من أصواتنا فلما فرغ القوم أسلموا وجوزهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسن
جوائزهم وكان عمرو بن الأهتم قد خلفه القوم في ظهرهم فقال قيس بن عاصم
وكان يبغض عمرو بن الأهتم يا رسول الله إنه قد كان منا رجل في رحالنا وهو
غلام حدث وأزرى به فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما أعطى القوم
فقال عمرو بن الأهتم حين بلغه ذلك من قول قيس بن عاصم وهو يهجوه
ظللت مفترشا هلباك تشتمني * عند الرسول فلم تصدق ولم تصب
إن تبغضونا فإن الروم أصلكم * والروم لا تملك البغضاء للعرب
سدنا فسوددنا عود وسوددكم * مؤخر عند أصل العجب والذنب
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان
قال فأنزل الله فيهم القرآن (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات - من
380

بنى تميم - أكثرهم لا يعقلون) قال وهى القراءة الأولى (قال الواقدي) فيها
مات عبد الله بن أبي ابن سلول مرض في ليال بقين من شوال ومات في ذي القعدة
وكان مرضه عشرين ليلة قال وفيها قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب
ملوك حمير في شهر رمضان مقرين بالاسلام مع رسولهم الحارث بن عبد كلال
ونعيم بن عبد كلال والنعمان قيل ذي رعين * وحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة
قال حدثني محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر قال قدم على رسول الله صلى الله
عليه وسلم كتاب ملوك حمير مقدمه من تبوك ورسولهم إليه باسلامهم الحارث
ابن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال والنعمان قيل ذي رعين وهمدان ومعافر وبعث
إليه زرعة ذو يزن مالك بن مرة الرهاوي باسلامه ومفارقتهم الشرك وأهله فكتب
إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي رسول
الله إلى الحارث بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال والنعمان قيل ذي رعين وهمدان
ومعافر أما بعد ذلكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإنه قد وقع
بنا رسولكم مقفلنا من أرض الروم فلقينا بالمدينة فبلغ ما أرسلتهم وخبر ما قبلكم
وأنبأنا باسلامكم وقتلكم المشركين وان الله قد هداكم بهدايته إن أصلحتم وأطعتم
الله ورسوله وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأعطيتم من المغانم خمس الله وسهم
نبيه وصفيه وما كتب على المؤمنين من الصدقة من العقار عشر ما سقت العين
وما سقت السماء وكل ما سقى بالمغرب نصف العشر وفى الإبل في الأربعين ابنة
لبون وفى ثلاثين من الإبل ابن لبون ذكر وفى كل خمس من الإبل شاة وفى
كل عشر من الإبل شاتان وفى كل أربعين من البقر بقرة وفى كل ثلاثين من البقر
تبيع جذع أو جذعة وفى كل أربعين من الغنم سائمة وحدها شاة وإنها فريضة الله
التي فرض على المؤمنين في الصدقة فمن زاد خيرا فهو خير له ومن أدى ذلك وأشهد
على اسلامه وظاهر المؤمنين على المشركين فإنه من المؤمنين له مالهم وعليه ما عليهم
وله ذمة الله وذمة رسوله وإنه من أسلم من يهودي أو نصراني فإن له مثل ما لهم
وعليه مثل ما عليهم ومن كان على يهوديته أو نصرانيته فإنه لا يفتن عنها وعليه
381

الجزية على كل حالم ذكر أو أنثى حر أو عبد دينار واف أو قيمته من المعافر
أو عرضه ثيابا فمن أدى ذلك إلى رسول الله فإن له ذمة الله وذمة رسوله ومن
منعه فإنه عدو لله ولرسوله أما بعد فإن رسول الله محمدا النبي أرسل إلى زرعة
ذي يزن أن إذا أتتكم رسلي فأوصيكم بها خيرا معاذ بن جبل وعبد الله بن زيد
ومالك بن عبادة وعقبة بن نمر ومالك بن مرة وأصحابهم وأن اجمعوا ما عندكم
من الصدقة والجزية من مخالفيكم وبلغوها رسلي وان أميرهم معاذ بن جبل فلا ينقلبن
إلا راضيا أما بعد فان محمدا يشهد أن لا إله إلا الله وأنه عبده ورسوله ثم إن
مالك بن مرة الرهاوي قد حدثني أنك أسلمت من أول حمير وقتلت المشركين
فأبشر بخير وآمرك بحمير خيرا ولا تخونوا ولا تخذلوا فإن رسول الله مولى
غنيكم وفقيركم وإن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لأهله إنما هي زكاة يتزكى بها على فقراء
المؤمنين وأبناء السبيل وإن مالكا قد بلغ الخبر وحفظ الغيب وآمركم به خيرا
وإني قد بعثت إليكم من صالحي أهلي وأولى ديني وأولى علمهم فآمركم بهم خيرا
فإنه منظور إليهم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (قال الواقدي) وفيها قدم
وفد بهراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر رجلا ونزلوا على المقداد
ابن عمرو * قال وفيها قدم وفد بنى البكاء (وفيها) قدم وفد بنى فزارة وهم بضعة
عشر رجلا فيهم خارجة بن حصن * قال وفيها نعى رسول الله صلى الله عليه وسلم
للمسلمين النجاشي وأنه مات في رجب سنة تسع * قال وفيها حج أبو بكر بالناس
ثم خرج أبو بكر من المدينة في ثلثمائة وبعث معه رسول الله صلى الله عليه وسلم
بعشرين بدنة وساق أبو بكر خمس بدنات وحج فيها عبد الرحمن بن عوف وأهدى
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب عليه السلام على أثر أبى بكر
رضي الله عنه فأدركه بالعرج فقرأ علي عليه براءة يوم النحر عند العقبة * فحدثني
محمد بن الحسين قال حدثنا أحمد بن المفضل قال حدثنا أسباط عن السدى قال
لما نزلت هذه الآيات إلى رأس الأربعين يعنى من سورة براءة فبعث بهن
رسول الله مع أبي بكر وأمره على الحج فلما سار فبلغ الشجرة من ذي الحليفة
382

اتبعه بعلى فأخذها منه فرجع أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال
يا رسول الله بأبي أنت وأمي أنزل في شأني شئ قال لا ولكن لا يبلغ عنى
غيري أو رجل منى أما ترضى يا أبا بكر انك كنت معي في الغار وأنك صاحبي
على الحوض قال بلى يا رسول الله فسار أبو بكر على الحج وسار علي يؤذن
ببراءة فقام يوم الأضحى فآذن فقال لا يقربن المسجد الحرام مشرك بعد عامه
هذا ولا يطوفن بالبيت عريان ومن كان بينه وبين رسول الله عهد فله عهده إلى
مدته وان هذه أيام أكل وشرب وان الله لا يدخل الجنة الا من كان مسلما
فقالوا نحن نبرأ من عهدك وعهد ابن عمك إلا من الطعن والضرب فرجع المشركون
فلام بعضهم بعضا وقالوا ما تصنعون وقد أسلمت قريش فاسلموا * حدثني
الحارث بن محمد قال حدثنا عبد العزيز بن أبان قال حدثنا أبو معشر قال
حدثنا محمد بن كعب القرظي وغيره قالوا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
أبا بكر أميرا على الموسم سنة تسع وبعث علي بن أبي طالب بثلاثين أو أربعين
آية من براءة فقرأها على الناس يؤجل المشركين أربعة أشهر يسيحون في
الأرض فقرأ عليهم براءة يوم عرفة أجل المشركين عشرين يوما من ذي الحجة
والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول وعشرا من ربيع الآخر وقرأها عليهم في
منازلهم ولا يحجن بعد عامنا هذا مشرك ولا يطوفن بالبيت عريانا (قال أبو جعفر)
وفى هذه السنة فرضت الصدقات وفرق فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عماله
على الصدقات (وفيها) نزل قوله (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم) وكان السبب
الذي نزل ذلك به قصة أمر ثعلبة بن حاطب ذكر ذلك أبو أمامة الباهلي (قال
الواقدي) وفى هذه السنة ماتت أم كلثوم ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في
شعبان وغسلتها أسماء بنت عميس وصفية بنت عبد المطلب قال وقيل غسلتها
نسوة من الأنصار فيهن امرأة يقال لها أم عطية ونزل في حفرتها أبو طلحة *
قال وفيها قدم وفد ثعلبة بن منقذ * وفيها قدم وفد سعد هذيم * حدثنا ابن حميد
قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال حدثني سلمة بن كهيل ومحمد بن الوليد بن
383

نويفع عن كريب مولى ابن عباس عن عبد الله بن عباس قال بعث بنو سعد بن
بكر ضمام بن ثعلبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم عليه فأناخ بعيره على
باب المسجد ثم علقه ثم دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في
أصحابه وكان ضمام بن ثعلبة رجلا جلدا أشعر ذا غديرتين فأقبل حتى وقف على رسول
الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه فقال أيكم ابن عبد المطلب قال قال رسول الله
أنا ابن عبد المطلب قال محمد قال نعم قال يا ابن عبد المطلب إني سائلك ومغلظ لك
في المسألة فلا تجدن في نفسك قال لا أجد في نفسي فسل عما بدا لك قال أنشدك
بالله إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك الله بعثك إلينا رسولا قال اللهم
نعم قال فأنشدك بالله إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك آلله أمرك
أن تأمرنا أن نعبده وحده ولا نشرك به شيئا وأن نخلع هذه الأنداد التي كانت
آباؤنا تعبد من دونه قال اللهم نعم قال فأنشدك بالله إلهك وإله من كان قبلك وإله
من هو كائن بعدك آلله أمرك أن تأمرنا أن نصلى هذه الصلوات الخمس قال اللهم
نعم قال ثم جعل يذكر فرائض الاسلام فريضة فريضة الزكاة والصيام والحج
وشرائع الاسلام كلها يناشده عن كل فريضة كما ناشده التي قبلها حتى إذا فرغ
قال فانى أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا رسول الله
ساؤدى هذه الفرائض واجتنب ما نهيتني عنه ثم لا أنقص ولا أزيد ثم انصرف
إلى بعيره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ولى إن صدق ذو العقيصتين
يدخل الجنة قال فأتى بعيره فأطلق عقاله ثم خرج حتى قدم على قومه فاجتمعوا
إليه فكان أول ما تكلم به أن قال بئست اللات والعزى قالوا مه يا ضمام اتق
البرص اتق الجذام اتق الجنون قال ويحكم إنهما والله لا ينفعان ولا يضران
إن الله قد بعث رسولا وأنزل عليه كتابا استنقذكم به مما كنتم فيه وإني أشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وقد جئتكم من
عنده بما أمركم به ونهاكم عنه قال فوالله ما أمسى ذلك اليوم في حاضره
رجل ولا امرأة إلا مسلم قال يقول ابن عباس فما سمعنا بوافد قوم كان
أفضل من ضمام بن ثعلبة
384

ثم دخلت سنة عشر
(قال أبو جعفر) فبعث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد
في شهر ربيع الآخر وقيل في شهر ربيع الأول وقيل في جمادى الأولى سرية
في أربعمائة إلى بنى الحارث بن كعب * فحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني
ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد
ابن الوليد في شهر ربيع الاخر أو في جمادى الأولى من سنة عشر إلى بلحارث بن
كعب بنجران وأمره أن يدعوهم إلى الاسلام قبل أن يقاتلهم ثلاثا فان استجابوا
لك فاقبل منهم وأقم فيهم وعلمهم كتاب الله وسنة نبيه ومعالم الاسلام فإن لم
يفعلوا فقاتلهم فخرج خالد حتى قدم عليهم فبعث الركبان يضربون في كل وجه
ويدعون الناس إلى الاسلام ويقولون يا أيها الناس أسلموا تسلموا فأسلم الناس
ودخلوا فيما دعاهم إليه فأقام خالد فيهم يعلمهم الاسلام وكتاب الله وسنة نبيه ثم
كتب خالد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم لمحمد النبي
رسول الله صلى الله عليه وسلم من خالد بن الوليد السلام عليك يا رسول الله ورحمة
الله وبركاته فانى أحمد إليك الله الذي لا اله إلا هو أما بعد يا رسول الله صلى الله
عليك فإنك بعثتني إلى بنى الحارث بن كعب وأمرتني إذا أتيتهم ألا أقاتلهم ثلاثة
أيام وأن أدعوهم إلى الاسلام فإن أسلموا قبلت منهم وعلمتهم معالم الاسلام
وكتاب الله وسنة نبيه وإن لم يسلموا قاتلتهم وإني قدمت عليهم فدعوتهم إلى
الاسلام ثلاثة أيام كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعثت فيهم ركبانا
يا بنى الحارث أسلموا تسلموا فأسلموا ولم يقاتلوا وأنا مقيم بين أظهرهم وآمرهم
بما أمرهم الله به وأنهاهم عما نهاهم الله عنه وأعلمهم معالم الاسلام وسنة النبي صلى الله
عليه وسلم حتى يكتب إلى رسول الله والسلام عليك يا رسول الله ورحمة الله
وبركاته فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم من
محمد النبي رسول الله إلى خالد بن الوليد سلام عليك فانى أحمد الله إليك الذي
385

لا اله إلا هو أما بعد فإن كتابك جاءني مع رسلك بخبر أن بنى الحارث
قد أسلموا قبل أن يقاتلوا وأجابوا إلى ما دعوتهم إليه من الاسلام وشهادة
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن قد
هداهم الله بهداه فبشرهم وأنذرهم وأقبل وليقبل معك وفدهم والسلام
عليك ورحمة الله وبركاته فأقبل خالد بن الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأقبل معه وفد بلحارث بن كعب فيهم قيس بن الحصين بن يزيد بن
قنان ذي الغصة ويزيد بن عبد المدان ويزيد بن المحجل وعبد الله بن
قريظ الزيادي وشداد بن عبد الله القناني وعمرو بن عبد الله الضبابي فلما
قدموا على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فرآهم قال من هؤلاء القوم
الذين كأنهم رجال الهند قيل يا رسول الله هؤلاء بنو الحارث بن كعب فلما وقفوا
عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سلموا عليه فقالوا نشهد أنك رسول الله وأن
لا إله إلا الله فقال رسول الله وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله ثم قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتم الذين إذا زجروا استقدموا فسكتوا فلم يراجعه
منهم أحد ثم أعادها رسول الله صلى الله عليه وسلم الثانية فلم يراجعه منهم أحد ثم
أعادها رسول الله الثالثة فلم يراجعه منهم أحد ثم أعادها رسول الله الرابعة فقال
يزيد بن عبد المدان نعم يا رسول الله نحن الذين إذا زجرنا استقدمنا فقالها أربع
مرات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أن خالد بن الوليد لم يكتب إلى فيكم
أنكم أسلمتم ولم تقاتلوا لألقيت رؤسكم تحت أقدامكم فقال يزيد بن عبد المدان
أما والله يا رسول الله ما حمدناك ولا حمدنا خالدا فقال رسول الله فمن حمدتم قالوا
حمدنا الله الذي هدانا بك قال صدقتم ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بم
كنتم تغلبون من قاتلكم في الجاهلية قالوا لم نكن نغلب أحدا فقال رسول الله
بلى قد كنتم تغلبون من قاتلكم قالوا يا رسول الله كنا نغلب من قاتلنا أنا كنا
بنى عبيد وكنا نجتمع ولا نتفرق ولا نبدأ أحدا بظلم قال صدقتم ثم أمر رسول الله
على بلحارث بن كعب بن قيس بن الحصين فرجع وفد بلحارث بن كعب إلى قومهم
386

في بقية شوال أو في صدر ذي القعدة فلم يمكثوا بعد أن قدموا إلى قومهم إلا
أربعة أشهر حتى توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم * حدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة عن ابن إسحاق قال حدثني عبد الله بن أبي بكر قال وكان رسول الله صلى الله
عليه وسلم بعث إلى بنى الحارث بن كعب بعد أن ولى وفدهم عمروا بن حزم
الأنصاري ثم أحد بنى النجار ليفقههم في الدين ويعلمهم السنة ومعالم الاسلام
ويأخذ منهم صدقاتهم وكتب له كتابا عهد إليه فيه وأمره فيه بأمره بسم الله
الرحمن الرحيم هذا بيان من الله ورسوله يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود عقد
من محمد النبي لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن أمره بتقوى الله في أمره كله فإن
الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون وأمره أن يأخذ بالحق كما أمر به الله وأن
يبشر الناس بالخير ويأمرهم به ويعلم الناس القرآن ويفقههم في الدين وينهى
الناس ولا يمس أحد القرآن إلا وهو طاهر ويخبر الناس بالذي لهم وبالذي عليهم
ويلين للناس الحق ويشتد عليهم في الظلم فإن الله عز وجل كره الظلم ونهى عنه
وقال (ألا لعنة الله على الظالمين) ويبشر الناس بالجنة وبعملها وينذر بالنار
وبعملها ويستألف الناس حتى يتفقهوا في الدين ويعلم الناس معالم الحج وسنته
وفريضته وما أمر الله به في الحج الأكبر والحج الأصغر وهو العمرة وينهى الناس
أن يصلى أحد في ثوب واحد صغير إلا أن يكون ثوبا واحدا يثنى طرفه على
عاتقه وينهى أن يحتبى أحد في ثوب واحد يفضى بفرجه إلى السماء وينهى ألا
يعقص أحد شعر رأسه إذا عفا في قفاه وينهى إذا كان بين الناس هيج عن
الدعاء إلى القبائل والعشائر وليكن دعاؤهم إلى الله وحده لا شريك له فمن لم يدع
إلى الله ودعا إلى القبائل والعشائر فليقطعوا بالسيف حتى يكون دعاؤهم إلى الله
وحده لا شريك له ويأمر الناس بإسباغ الوضوء وجوههم وأيديهم إلى المرافق
وأرجلهم إلى الكعبين ويمسحون برؤوسهم كما أمرهم الله عز وجل وأمره بالصلاة
لوقتها وإتمام الركوع والخشوع ويغلس بالفجر ويهجر بالهاجرة حين تميل
الشمس وصلاة العصر والشمس في الأرض مدبرة والمغرب حين يقبل الليل
387

لا تؤخر حتى تبدو النجوم في السماء والعشاء أول الليل ويأمر بالسعي إلى الجمعة
إذا نودي لها والغسل عند الرواح إليها وأمره أن يأخذ من المغانم خمس الله وما كتب
على المؤمنين في الصدقة من العقار عشر ما سقى البعل وما سقت السماء وما سقى الغرب
نصف العشر وفى كل عشر من الإبل شاتان وفى كل عشرين من الإبل أربع شياه
وفى كل أربعين من البقر بقرة وفى كل ثلاثين من البقر تبيع جذع أو جذعة وفى
كل أربعين من الغنم سائمة شاة فإنها فريضة الله التي افترض الله عز وجل على
المؤمنين في الصدقة فمن زاد خيرا فهو خير له وأنه من أسلم من يهودي أو نصراني
إسلاما خالصا من نفسه ودان دين الاسلام فإنه من المؤمنين له مثل ما لهم وعليه
مثل ما عليهم ومن كان على نصرانيته أو يهوديته فإنه لا يفتن عنها وعلى كل حالم
ذكر أو أنثى حر أو عبد دينار واف أو عرضه ثيابا فمن أدى ذلك فإن له ذمة الله
وذمة رسوله ومن منع ذلك فإنه عدو لله ولرسوله وللمؤمنين جميعا (قال الواقدي)
توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمرو بن حزم عامله بنجران (قال الواقدي)
وفى هذه السنة قدم وفد سلامان في شوال على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم
سبعة نفر رأسهم حبيب السلاماني (وفيها) قدم وفد غسان في رمضان (وفيها)
قدم وفد غامد في رمضان (وفيها) قدم وفد الأزد رأسهم صرد بن عبد الله في
بضعة عشر * فحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن عبد الله
ابن أبي بكر قال قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم صرد بن عبد الله الأزدي
فأسلم فحسن إسلامه في وفد من الأزد فأمره رسول الله على من أسلم من قومه
وأمره أن يجاهد بمن أسلم من أهل بيته المشركين من قبائل اليمن فخرج صرد بن عبد الله
يسير بأمر رسول الله في جيش حتى نزل بجرش وهى يومئذ مدينة مغلقة وفيها
قبائل اليمن وقد ضوت إليهم خثعم فدخلوا معهم حين سمعوا بمسير المسلمين فحاصروهم
بها قريبا من شهر وامتنعوا ثم إنه رجع قافلا حتى إذا كان إلى جبل يقال له
كشر ظن أهل جرش أنه إنما ولى عنهم منهزما فخرجوا في طلبه حتى إذا أدركوه عطف
عليهم فقتلهم قتلا وقد كان أهل جرش قد بعثوا رجلين منهم إلى رسول الله صلى الله
388

عليه وسلم وهو بالمدينة يرتادان وينظران فبينا هما عند رسول الله عشية بعد العصر إذ
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بأي بلاد الله شكر فقام الجرشيان فقالا يا رسول الله
ببلادنا جبل يقال لها جبل كشر وكذلك تسميه أهل جرش فقال إنه ليس بكشر ولكنه
شكر قالا فما له يا رسول الله قال إن بدن الله لتنحر عنده الآن قال فجلس الرجلان
إلى أبى بكر وإلى عثمان فقال لهما ويحكما إن رسول الله الآن لينعى لكما قومكما
فقوما إلى رسول الله فاسألاه أن يدعو الله فيرفع عن قومكما فقاما إليه فسألاه
ذلك فقال اللهم ارفع عنهم فخرجا من عند رسول الله راجعين إلى قومهما فوجدا
قومهما أصيبوا يوم أصابهم صرد بن عبد الله في اليوم الذي قال فيه رسول الله
صلى الله عليه وسلم ما قال وفى الساعة التي ذكر فيها ما ذكر فخرج وفد جرش
حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا وحمى لهم حمى حول قريتهم
على أعلام معلومة للفرس وللراحلة وللمثيرة تثير الحرث فمن رعاها من الناس
سوى ذلك فماله سحت فقال رجل من الأزد في تلك الغزوة وكانت خثعم تصيب
من الأزد في الجاهلية وكانوا يغزون في الشهر الحرام
يا غزوة ما غزونا غير خائبة * فيها البغال وفيها الخيل والحمر
حتى أتينا حميرا في مصانعها * وجمع خثعم قد ساغت لها النذر
إذا وضعت غليلا كنت أحمله * فما أبالي أدانوا بعد أم كفروا
قال وفيها وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب في سرية إلى
اليمن في رمضان * فحدثنا أبو كريب ومحمد بن عمرو بن هياج قالا حدثني يحيى
ابن عبد الرحمن الأزجي قال حدثنا إبراهيم بن يوسف عن أبيه عن أبي إسحاق
عن البراء بن عازب قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى
أهل اليمن يدعوهم إلى الاسلام فكنت فيمن سار معه فأقام عليه ستة أشهر لا يجيبونه
إلى شئ فبعث النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأمره أن يقتل خالد
ومن معه فإن أراد أحد ممن كان مع خالد بن الوليد أن يعقب معه تركه (قال البراء)
فكنت فيمن عقب معه فلما انتهينا إلى أوائل اليمن بلغ القوم الخبر فجمعوا له
389

فصلى بنا علي الفجر فلما فرغ صفنا صفا واحدا ثم تقدم بين أيدينا فحمد الله وأثنى
عليه ثم قرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت همدان كلها
في يوم واحد وكتب بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قرأ كتابه خر
ساجدا ثم جلس فقال السلام على همدان السلام على همدان ثم تتابع أهل اليمن
على الاسلام (قال أبو جعفر) وفيها قدم وفد زبيد على النبي صلى الله عليه
وسلم بإسلامهم * فحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن عبد الله
ابن أبي بكر قال قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن معديكرب
في أناس من بنى زبيد فأسلم وكان عمرو بن معديكرب قد قال لقيس بن مكشوح
المرادي حين انتهى إليهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يا قيس إنك سيد
قومك اليوم وقد ذكر لنا أن رجلا من قريش يقال له محمد قد خرج بالحجاز
يقول إني نبي فانطلق بنا إليه حتى نعلم علمه فإن كان نبيا كما يقول فإنه لا يخفى عليك
إذا لقيناه اتبعناه وإن غير ذلك علمنا علمه فأبى عليه ذلك قيس بن مكشوح وسفه
رأيه فركب عمرو بن معديكرب حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصدقه وآمن به فلما بلغ ذلك قيسا أوعد عمرا وتحفظ عليه وقال خالفني وترك
رأيي فقال عمرو في ذلك
أمرتك يوم ذي صنعا * ء أمرا باديا رشده
أمرتك باتقاء الله * والمعروف تاتعده
خرجت من المنى مثل ال‍ * حمار أعاره وتده
تمنانى على فرس * عليه جالسا أسده
على مفاضة كالنهى * أخلص ماءه جدده
ترد الرمح مثنى ال‍ * سنان عوائرا قصده
فلو لاقيتني لاقيت * ليثا فوق لبده
تلاقى شنبثا شثن ال‍ * براثن ناشزا كتده
يسامى القرن إن قرن * تيممه فيعتضده
390

فيأخذه فيرفعه * فيخفضه فيقتصده
فيدمغه فيحطمه * فيخضمه فيزدرده
ظلوم الشرك فيما أحرزت * أنيابه ويده
متى ما يغدو أو يغدى * به فقبوله برده
فيخطر مثل خطر الفحل * فوق شرابه زبده
فأمسى يعتريه من ال‍ * بعوض ممنعا بلده
فلا تتمننى وتمن * غيري لينا كتده
وثوى له وطنا * كثيرا حوله عدده
قال فأقام عمرو بن معديكرب في قومه من بنى زبيد وعليهم فروة بن مسيك
المرادي فلما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتد عمرو فقال حين ارتد
وجدنا ملك فروة شر ملك * حمارا ساف منخره بقذر
وكنت إذا رأيت أبا عمير * ترى الحولاء من خبث وغدر
وقد كان قدم على رسول الله في هذه السنة أعنى سنة عشر قبل قدوم عمرو
ابن معديكرب فروة بن مسيك المرادي مفارقا لملوك كندة * فحدثنا ابن
حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر قال قدم فروة بن
مسيك المرادي على رسول الله صلى الله عليه وسلم مفارقا لملوك كندة ومعاندا
لهم وقد كان قبيل الاسلام بين مراد وهمدان وقعة أصابت فيها همدان من مراد
ما أرادوا حتى أثخنوهم في يوم كان يقال له الرزم وكان الذي قاد همدان إلى
مراد الأجدع بن مالك ففضحهم يومئذ وفى ذلك يقول فروة بن مسيك
فإن نغلب فغلابون قدما * وإن نهزم فغير مهزمينا
وإن نقتل فلا جبن ولكن * منايانا وطعمة آخرينا
كذاك الدهر دولته سجال * تكر صروفه حينا فحينا
فبينا هو يسر به ويرضى * ولو لبست غضارته سنينا
إذا انقلبت به كرات دهر * فألفى للأولى غبطوا طحينا
391

ومن يغبط بريب الدهر منهم * يجد ريب الزمان له خؤونا
فلو خلد الملوك إذا خلدنا * ولو بقى الكرام إذا بقينا
فأفنى ذاكم سروات قومي * كما أفنى القرون الأولينا
ولما توجه فروة بن مسيك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مفارقا
لملوك كندة قال
لما رأيت ملوك كندة أعرضت * كالرجل خان الرجل عرق نسائها
يممت راحلتي أؤم محمدا * أرجو فواضلها وحسن ثرائها
قال فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له رسول الله فيما بلغني
يا فروة هل ساءك ما أصاب قومك يومك يوم الرزم فقال يا رسول الله ومن
ذا يصيب قومه مثل ما أصاب قومي يوم الرزم لا يسوؤه ذلك فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم أما إن ذلك لم يزد قومك في الاسلام إلا خيرا فاستعمله رسول الله
على مراد وزبيد ومذحج كلها وبعث خالد بن سعيد بن العاص على الصدقة
وكان معه في بلاده حتى توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم * حدثنا أبو كريب
وسفيان بن وكيع قالا حدثنا أبو أسامة قال أخبرنا مجالد قال حدثنا عامر عن فروة
ابن مسيك قال قال لي رسول الله أكرهت يومك ويوم همدان فقلت أي والله
أفنى الأهل والعشيرة فقال أما إنه خير لمن بقى (وفيها) قدم وفد عبد القيس
* فحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال قدم على رسول الله صلى الله
عليه وسلم الجارود بن عمرو بن حنش بن المعلى أخو عبد القيس في وفد عبد القيس
وكان نصرانيا * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن الحسن بن دينار
عن الحسن قال لما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمه فعرض عليه
الاسلام ودعاه إليه ورغبه فيه فقال يا محمد إني قد كنت على دين وإني تارك ديني
لدينك فتضمن لي ديني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم أنا ضامن لك أن
قد هداك الله إلى ما هو خير منه قال فأسلم وأسلم معه أصحابه ثم سألوا رسول الله
الحملان فقال والله ما عندي ما أحملكم عليه فقالوا يا رسول الله إن بيننا وبين
392

بلادنا ضوال من ضوال الناس أفنتبلغ عليها إلى بلادنا قال إياكم وإياها فإنما ذلك
حرق النار قال فخرج من عنده الجارود راجعا إلى قومه وكان حسن الاسلام
صلبا على دينه حتى هلك وقد أدرك الردة فلما رجع من قومه من كان أسلم منهم إلى
دينهم الأول مع الغرور المنذر بن النعمان بن المنذر أقام الجارود فشهد شهادة الحق
ودعا إلى الاسلام فقال يا أيها الناس إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده
ورسوله وأنهى من لم يشهد وقد كان رسول الله بعث العلاء بن الحضرمي قبل فتح
مكة إلى المنذر بن ساوى العبدي فأسلم فحسن إسلامه ثم هلك بعد وفاة رسول الله
وقبل ردة أهل البحرين والعلاء أمير عنده لرسول الله على البحرين وفيها قدم
وفد بنى حنيفة * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال قدم على
رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بنى حنيفة فيهم مسيلمة بن حبيب الكذاب
فكان منزلهم في دار ابنة الحارث امرأة من الأنصار ثم من بنى النجار * حدثنا ابن
حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال حدثني بعض علمائنا من أهل المدينة أن
بنى حنيفة أتت بمسيلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستره بالثياب ورسول الله
جالس في أصحابه ومعه عسيب من سعف النخل في رأسه خوصات فلما انتهى
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يسترونه بالثياب كلم رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال له رسول الله لو سألتني هذا العسيب الذي في يدي ما أعطيتك
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن شيخ من بنى حنيفة من أهل
اليمامة قال كان حديث مسيلمة على غير هذا زعم أن وفد بنى حنيفة أتوا رسول الله
صلى الله عليه وسلم وخلفوا مسيلمة في رحالهم فلما أسلموا ذكروا له مكانه فقالوا
يا رسول الله إنا قد خلفنا صاحبا لنا في رحالنا وركابنا يحفظها لنا قال فأمر له
رسول الله بمثل ما أمر به للقوم وقال أما إنه ليس بشركم مكانا يحفظ ضيعة أصحابه
وذلك يريد رسول الله قال ثم انصرفوا عن رسول الله وجاءا مسيلمة بما أعطاه
رسول الله فلما انتهى إلى اليمامة ارتد عدو الله وتنبأ وتكذب لهم وقال إني قد
أشركت في الامر معه وقال لوفده ألم يقل لكم رسول الله حيث ذكرتموني أما
393

إنه ليس بشركم مكانا ما ذلك إلا لما كان يعلم أنى قد أشركت معه ثم جعل يسجع
السجاعات ويقول لهم فيما يقول مضاهاة للقرآن لقد أنعم الله على الحبلى أخرج
منها نسمة تسعى من بين صفاق وحشى ووضع عنهم الصلاة وأحل لهم الخمر
والزنا ونحو ذلك فشهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نبي فأصفقت بنو حنيفة
على ذلك فالله أعلم أي ذلك كان (قال أبو جعفر) وفيها قدم وفد كندة رأسهم
الأشعث بن قيس الكندي فحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن
ابن شهاب الزهري قال قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الأشعث بن
قيس في ستين راكبا من كندة فدخلوا على رسول الله مسجده وقد رجلوا جمعهم
وتكحلوا عليهم جبب الحبرة قد كففوها بالحرير فلما دخلوا على رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال ألم تسلموا قالوا بلى قال فما بال هذا الحرير في أعناقكم قال
فشقوه منها فألقوه ثم قال الأشعث يا رسول الله نحن بنو آكل المرار وأنت ابن
آكل المرار فتبسم رسول الله ثم قال ناسبوا بهذا النسب العباس بن عبد المطلب
وربيعة بن الحارث قال وكان ربيعة والعباس تاجرين فكانا إذا ساحا في أرض
العرب فسئلا من هما قالا نحن بنو آكل المرار يتعززان بذلك ذلك أن كندة
كانت ملوكا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفو
أمنا ولا ننتفى من أبينا فقال الأشعث بن قيس هل عرفتم يا معشر كندة والله
لا أسمع رجلا قالها بعد اليوم إلا ضربته حده ثمانين (قال الواقدي) وفيها
قدم وفد محارب وفيها قدم وفد الرهاويين وفيها وفد العاقب والسيد من
نجران فكتب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب الصلح قال وفيها قدم
وفد عبس وفيها قدم وفد صدف وافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة
الوداع قال وفيها قدم عدى بن حاتم الطائي في شعبان وفيها مات أبو عامر
الراهب عند هرقل فاختلف كنانة بن عبد يا ليل وعلقمة بن علاثة في ميراثه فقضى
به لكنانة بن عبد يا ليل قال وهما من أهل المدر وأنت من أهل الوبر قال وفيها
قدم وفد خولان وهم عشرة * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني ابن
394

إسحاق قال حدثني يزيد بن أبي حبيب قال قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم
في هدنة الحديبية قبل خيبر رفاعة بن زيد الجزامي ثم الضبيبي فأهدى لرسول الله
غلاما وأسلم فحسن اسلامه وكتب له رسول الله إلى قومه كتابا في كتابه بسم الله
الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد رسول الله لرفاعة بن زيد إني بعثته إلى قومه
عامة ومن دخل فيهم يدعوهم إلى الله والى رسوله فمن أقبل فمن حزب الله وحزب
رسوله ومن أدبر فله أمان شهرين فلما قدم رفاعة على قومه أجابوا وأسلموا ثم
ساروا إلى الحرة حرة الرجلاء فنزلوها * فحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن
ابن إسحاق عمن لا يتهم عن رجال من جذام كانوا بها علماء أن رفاعة بن زيد لما
قدم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابه يدعوهم إلى الاسلام فاستجابوا
له لم يلبث أن أقبل دحية بن خليفة الكلبي من عند قيصر صاحب الروم حين
بعثه رسول الله ومعه تجارة له حتى إذا كان بواد من أوديتها يقال له شنار أغار
على دحية الهنيد بن عوص وابنه عوص بن الهنيد الضليعيان والضليع بطن من
جذام فأصابا كل شئ كان معه فبلغ ذلك نفرا من بنى الضبيب قوم رفاعة ممن
كان أسلم وأجاب فنفروا إلى الهنيد وابنه فيهم من بنى الضبيب النعمان بن أبي
جعال حتى لقوهم فاقتتلوا وانتمى يومئذ قرة بن أشقر الضفاري ثم الضليعي فقال
أنا ابن لبنى ورمى النعمان بن أبي جعال بسهم فأصاب ركبته فقال حين أصابه
خذها وأنا ابن لبنى وكانت له أم تدعى لبنى قال وقد كان حسان بن ملة الضبيبي
قد صحب دحية بن خليفة الكلبي قبل ذلك فعلمه أم الكتاب فاستنفذوا ما كان
في يد الهنيد وابنه عوص فردوه على دحية فسار دحية حتى قدم على رسول الله
فأخبره خبره واستسقاه دم الهنيد وابنه فبعث إليهم رسول الله زيد بن حارثه
وذلك الذي هاج غزوة زيد جذام وبعث معه جيشا وقد وجهت غطفان من
جذام كلها ووائل ومن كان من سلامان وسعد بن هذيم حين جاءهم رفاعة بن
زيد بكتاب رسول الله فنزلوا بالحرة حرة الرجلاء ورفاعة بن زيد بكراع ربة
ولم يعلم ومعه ناس من بنى الضبيب وسائر بنى الضبيب بواد من ناحية الحرة
395

مما يسيل مشرقا وأقبل جيش زيد بن حارثة من ناحية الأولاج فأغار بالفضافض
من قبل الحرة وجمعوا ما وجدوا من مال وأناس وقتلوا الهنيد وابنه ورجلين
من بنى الأحنف ورجلا من بنى خصيب فلما سمعت بذلك بنو الضبيب والجيش
بفيفاء مدان ركب حسان بن ملة على فرس لسويد بن زيد يقال لها العجاجة
وأنيف بن ملة على فرس لملة يقال لها رغال وأبو زيد بن عمرو على فرس له يقال
لها شمر فانطلقوا حتى إذا دنوا من الجيش قال أبو زيد لانيف بن ملة كف عنا
وانصرف فانا نخشى لسانك فانصرف فوقف عنهما فلم يبعدا منه فجعل فرسه
تبحث بيدها وتوثب فقال لأنا أضن بالرجلين منك بالفرسين فأرخى لها حتى
أدركهما فقالا له اما إذ فعلت ما فعلت فكف عنا لسانك ولا تشأمنا اليوم
وتواطؤا ألا يتكلم منهن إلا حسان بن ملة وكانت بينهم كلمة في الجاهلية قد عرفوها
بعضهم من بعض إذا أراد أحدهم أن يضرب بسيفه قال ثوري فلما برزوا على
الجيش أقبل القوم يبتدرونهم فقال حسان إنا قوم مسلمون وكان أول من لقيهم
رجل على فرس أدهم بائع رمحه معرضه كأنما ركزه على منسج فرسه
جد واعتق فأقبل يسوقهم فقال أنيف ثوري فقال حسان مهلا فلما وقفوا على
زيد بن حارثة قال له حسان إنا قوم مسلمون فقال له زيد فاقرأ أم الكتاب
فقرأها حسان فقال زيد بن حارثة نادوا في الجيش ان الله قد حرم علينا ثغرة
القوم التي جاؤوا منها الا من ختر وإذا أخت لحسان بن ملة وهى امرأة أبى وبر
ابن عدي بن أمية بن الضبيب في الأسارى فقال له زيد خذها فأخذت بحقويه
فقالت أم الفزر الضليعية أتنطلقون ببناتكم وتذرون أمهاتكم فقال أحد بنى
خصيب إنها بنو الضبيب وسحرت ألسنتهم سائر اليوم فسمعها بعض الجيش فأخبر
بها زيد بن حارثة فأمر بأخت حسان ففكت يداها من حقويه فقال لها اجلسي
مع بنات عمك حتى يحكم الله فيكن حكمه فرجعوا ونهى الجيش أن يهبطوا إلى
واديهم الذي جاؤوا منه فامسوا في أهليهم واستعتموا ذودا لسويد بن زيد فلما
شربوا عتمتهم ركبوا إلى رفاعة بن زيد وكان ممن ركب إلى رفاعة تلك الليلة أبو زيد
396

ابن عمرو وأبو شماس بن عمر وسويد بن زيد وبعجة بن زيد وبرذع بن زيد
وثعلبة بن عمر ومخربة بن عدي وأنيف بن ملة وحسان بن ملة حتى صبحوا
رفاعة بن زيد بكراع ربة بظهر الحرة على بئر هنالك من حرة ليلى فقال له حسان بن
ملة إنك لجالس تحلب المعزى ونساء جذام يجررن أسارى قد غرها كتابك الذي
جئت به فدعا رفاعة بن زيد بجمل له فجعل يشكل عليه رحله وهو يقول هل أنت حي
أو تنادى حيا ثم غدا وهم معه بأمية بن ضفارة أخي الخصيبي المقتول مبكرين
من ظهر الحرة فساروا إلى جوف المدينة ثلاث ليال فلما دخلوا انتهوا إلى المسجد
ونظر إليه رجل من الناس فقال لهم لا تنيخوا إبلكم فتقطع أيديهن فنزلوا عنها
وهن قيام فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورآهم ألاح إليهم
بيده أن تعالوا من وراء الناس فلما استفتح رفاعة بن زيد المنطق قام رجل من
الناس فقال إن هؤلاء يا نبي الله قوم سحرة فرددها مرتين فقال رفاعة رحم الله
من لم يجزنا في يومنا هذا إلا خيرا ثم دفع رفاعة كتابه إلى رسول الله الذي كان
كتبه له فقال دونك يا رسول الله قديما كتابه حديثا غدره فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم اقرأ يا غلام وأعلن فلما قرأ كتابهم واستخبرهم فأخبروه الخبر قال
رسول الله كيف أصنع بالقتلى ثلاث مرات فقال رفاعة أنت يا رسول الله أعلم
لا نحرم عليك حلالا ولا نحل لك حراما فقال أبو زيد عمرو أطلق لنا يا رسول
الله من كان حيا ومن كان قد قتل فهو تحت قدمي هاتين فقال رسول الله صدق
أبو زيد اركب معهم يا علي فقال يا رسول الله إن زيدا لن يطيعني قال خذ
سيفي فأعطاه سيفه فقال علي ليس لي راحلة يا رسول الله أركبها فحمله رسول الله
على جمل لثعلبة بن عمرو يقال له المكحال فخرجوا فإذا رسول لزيد بن حارثة على
ناقة من ابل أبى وبر يقال لها الشمر فأنزلوه عنها فقال يا علي ما شأني فقال له علي
مالهم عرفوه فأخذوه ثم ساروا حتى لقوا الجيش بفيفاء الفحلتين فأخذوا ما في
أيهديهم من أموالهم حتى كانوا ينزعون لبديد المرأة من تحت الرجل
397

(وفد بنى عامر بن صعصعة)
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة
قال قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بنى عامر فيهم عامر بن الطفيل
وأربد بن قيس بن مالك بن جعفر وجبار بن سلمى بن مالك بن جعفر وكان هؤلاء
الثلاثة رؤس القوم وشياطينهم فقدم عامر بن الطفيل على رسول الله صلى الله
عليه وسلم وهو يريد الغدر به وقد قال له قومه يا عامر إن الناس قد أسلموا فأسلم
قال والله لقد كنت آليت ألا انتهى حتى تتبع العرب عقبى أفأنا أتبع عقب هذا
الفتى من قريش ثم قال لأربد إذا قدمت على الرجل فانى شاغل عنك وجهه فإذا
فعلت ذلك فاعله بالسيف فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عامر بن الطفيل يا محمد خالني قال لا والله حتى تؤمن بالله وحده قال يا محمد خالني قال
وجعل يكلمه فينتظر من أربد ما كان أمره به فجعل أربد لا يحير شيئا فلما رأى
عامر ما يصنع أربد قال يا محمد خالني قال لا والله حتى تؤمن بالله وحده لا شريك
له فلما أبى عليه رسول الله عليه وسلم قال أما والله لأملأنها عليك خيلا
حمرا ورجالا فلما ولى قال رسول الله اللهم اكفني عامر بن الطفيل فلما خرجوا
من عند رسول الله قال عامر لأربد ويلك يا أربد أين ما كنت أوصيتك به والله
ما كان على ظهر الأرض رجل هو أخوف على نفسي عندي منك وأيم الله
لا أخافك بعد اليوم أبدا قال لا تعجل علي لا أبا لك والله ما هممت بالذي أمرتني
به من مرة إلا دخلت بيني وبين الرجل ما أرى غيرك أفأضربك بالسيف
قال عامر بن الطفيل
بعث الرسول بما ترى فكأنما * عمدا نشد على المقانب غارا
ولقد وردن بنا المدينة شزبا * ولقد قتلن بجوها الأنصارا
وخرجوا راجعين إلى بلادهم حتى إذا كانوا ببعض الطريق بعث الله عز وجل
على عامر بن الطفيل الطاعون في عنقه فقتله وإنه في بيت امرأة من بنى سلول فجعل
يقول يا بنى عامر أغدة كغدة البكر وموت في بيت امرأة من بنى سلول ثم خرج
398

أصحابه حين واروه حتى قدموا أرض بنى عامر فلما قدموا أتاهم قومهم فقالوا
ما وراءك يا أربد قال لا شئ والله لقد دعانا إلى عبادة شئ لوددت أنه عندي
الآن فأرميه بنبلي هذه حتى أقتله فخرج بعد مقالته هذه بيوم أو يومين معه جمل
له يبيعه فأرسل الله عليه وعلى جمله صاعقة فأحرقتهما وكان أربد بن قيس أخا
لبيد بن ربيعة لامه وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد طيئ فيهم زيد
الخيل وهو سيدهم فلما انتهوا إليه كلموه وعرض عليهم رسول الله الاسلام فأسلموا
فحسن إسلامهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن رجال من طيئ ما ذكر لي رجل من العرب
بفضل ثم جاءني إلا رأيته دون ما يقال فيه إلا ما كان من زيد الخيل فإنه لم يبلغ
فيه كل ما فيه ثم سماه زيد الخير وقطع له فيدا وأرضين معه وكتب له بذلك فخرج
من عند رسول الله راجعا إلى قومه فقال رسول الله إن ينج زيد من حمى المدينة
سماها رسول الله غير الحمى وغير أم ملدم فلم يثبته فلما انتهى من بلاد نجد إلى
ماء من مياهه يقال له فردة أصابته الحمى فمات بها فلما أحس بالموت زيد قال
أمر تحل قومي المشارق غدوة * وأترك في بيت بفردة منجد
ألا رب يوم لو مرضت لعادني * عوائد من لم يبر منهن يجهد
فلما مات عمدت امرأته إلى ما كان معها من كتبه التي قطع له رسول الله صلى
الله عليه وسلم فحرقتها بالنار وفى هذه السنة كتب مسيلمة إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم يدعى أنه أشرك معه في النبوة * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق
عن عبد الله بن أبي بكر قال كان مسيلمة بن حبيب الكذاب كتب إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله سلام عليك فانى قد أشركت في الامر
معك وإن لنا نصف الأرض ولقريش نصف الأرض ولكن قريشا قوم يعتدون فقدم
عليه رسولان بهذا الكتاب * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن شيخ
من أشجع (قال ابن حميد) أما علي بن مجاهد فيقول عن أبي مالك الأشجعي عن سلمة بن
نعيم بن مسعود الأشجعي عن أبيه نعيم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
399

لهما حين قرءا كتاب مسيلمة فما تقولان أنتما قالا نقول كما قال فقال أما والله لولا
أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما ثم كتب إلى مسيلمة بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب سلام على من اتبع الهدى أما بعد فان
الأرض لله يورثها من يشاء من عبادة والعاقبة للمتقين قال وكان ذلك في آخر
سنة عشر (قال أبو جعفر) وقد قيل إن دعوى مسيلمة ومن ادعى النبوة من
الكذابين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إنما كانت بعد انصراف النبي من حجه
المسمى حجة الوداع ومرضته التي مرضها التي كانت منها وفاته صلى الله عليه وسلم
* حدثنا عبيد الله بن سعيد الزهري قال حدثني عمى يعقوب بن إبراهيم قال حدثني
سيف بن عمر وكتب بذلك إلى السرى يقول حدثنا شعيب بن إبراهيم التميمي عن
سيف بن عمر التميمي الأسيدي قال حدثنا عبد الله بن سعيد بن ثابت بن الجذع
الأنصاري عن عبد الله بن حنين مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي مويهبة
مولى رسول الله قال لما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بعد ما قضى
حجة التمام فتحلل به السير وطارت به الاخبار لتحلل السير بالنبي صلى الله عليه
وسلم أنه قد اشتكى فوثب الأسود باليمن ومسيلمة باليمامة وجاء الخبر عنهما للنبي
صلى الله عليه وسلم ثم وثب طليحة في بلاد بنى أسد بعد ما أفاق النبي ثم اشتكى في
المحرم وجعه الذي توفاه الله فيه (قال أبو جعفر) وفرق رسول الله صلى الله
عليه وسلم في جميع البلاد التي دخلها الاسلام عمالا على الصدقات * فحدثنا ابن
حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر قال كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم قد بعث أمراءه وعماله على الصدقات على كل ما أوطأ الاسلام
من البلدان فبعث المهاجرين بن أبي أمية بن المغيرة إلى صنعاء فخرج عليه العنسي
وهو بها وبعث زياد بن لبيد أخا بنى بياضة الأنصاري إلى حضرموت على صدقتها
وبعث عدى بن حاتم على الصدقة صدقة طيئ وأسد وبعث مالك بن نويرة على
صدقات بنى حنظلة وفرق صدقة بنى سعد على رجلين منهم وبعث العلاء بن الحضرمي
على البحرين وبعث علي بن أبي طالب إلى نجران ليجمع صدقاتهم ويقدم عليه
400

بجزيتهم فلما دخل ذو القعدة من هذه السنة أعنى سنة عشر تجهز النبي إلى الحج
فأمر الناس بالجهاز له * فحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن
عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت خرج
النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحج لخمس ليال بقين من ذي القعدة لا يذكر ولا يذكر
الناس إلا الحج حتى إذا كان بسرف وقد ساق رسول الله معه الهدى وأشراف
من أشراف الناس أمر الناس أن يحلوا بعمرة إلا من ساق الهدى وحضت ذلك
اليوم فدخل على وأنا أبكى فقال مالك يا عائشة لعلك نفست فقلت نعم لوددت
أنى لم أخرج معكم عامي هذا في هذا السفر قال لا تفعلي لا تقولن ذلك فإنك تقضين
ما يقضى الحاج إلا أنك لا تطوفين بالبيت قالت ودخل رسول الله صلى الله عليه
وسلم مكة فحل كل من كان لا هدى معه وحل نساؤه بعمرة فلما كان يوم النحر
أتيت بلحم بقر فطرح في بيتي قلت ما هذا قالوا ذبح رسول الله عن نسائه البقر
حتى إذا كانت ليلة الحصبة بعثني رسول الله مع أخي عبد الرحمن بن أبي بكر لأقضي
عمرتي من التنعيم مكان عمرتي التي فاتتني * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن
ابن إسحاق عن ابن أبي نجيح قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي
طالب إلى نجران فلقيه بمكة وقد أحرم فدخل علي على فاطمة ابنة رسول الله
فوجدها قد حلت وتهيأت فقال مالك يا ابنة رسول الله قالت أمرنا رسول الله
أن نحل بعمرة فأحللنا قال ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فرغ من الخبر
عن سفره قال رسول الله انطلق فطف بالبيت وحل كما حل أصحابك فقال يا رسول
الله إني قد أهللت بما أهللت به قال ارجع فاحلل كما حل أصحابك قال قلت يا رسول
الله إني قلت حين أحرمت اللهم إني أهللت بما أهل به عبدك ورسولك قال فهل
معك من هدى قال قلت لا قال فأشركه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هديه
وثبت على احرامه مع رسول الله حتى فرغا من الحج ونحر رسول الله الهدى عنهما
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن
ابن أبي عمرة عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن ركانة قال لما أقبل علي بن أبي طالب من
401

اليمن ليلقى رسول الله بمكة تعجل إلى رسول الله واستخلف على جنده الذين معه
رجلا من أصحابه فعمد ذلك الرجل فكسى رجالا من القوم حللا من البز الذي
كان مع علي بن أبي طالب فلما دنا جيشه خرج علي ليلقاهم فإذا هم عليهم الحلل فقال
ويحك ما هذا قال كسوت القوم ليتجملوا به إذا قدموا في الناس فقال ويلك
انزع من قبل أن تنتهى إلى رسول الله قال فانتزع الحلل من الناس وردها في البز
وأظهر الجيش شكاية لما صنع بهم * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن
إسحاق عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن حزم عن سليمان بن محمد بن
كعب بن عجرة عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة وكانت عند أبي سعيد
الخدري عن أبي سعيد قال شكا الناس علي بن أبي طالب فقام رسول الله فينا
خطيبا فسمعته يقول يا أيها الناس لا تشكوا عليا فوالله انه لأخشن في
ذات الله أو في سبيل الله * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق
عن عبد الله بن أبي نجيح قال ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
على حجه فأرى الناس مناسكهم وأعلمهم سنن حجهم وخطب الناس خطبته التي
بين للناس فيها ما بين فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس اسمعوا قولي فإني
لا أدرى لعلى لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدا أيها الناس إن دماءكم
وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا وحرمة شهركم هذا
وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم وقد بلغت فمن كانت عنده أمانة فليؤدها
إلى من ائتمنه عليها وإن كل ربا موضوع ولكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا
تظلمون قضى الله أنه لا ربا وأن ربا العباس بن عبد المطلب موضوع كله وأن
كل دم كان في الجاهلية موضوع وإن أول دم أضع دم ابن ربيعة بن الحارث بن
عبد المطلب وكان مسترضعا في بنى ليث فقتلته بنو هزيل فهو أول ما أبدأ به من
دماء الجاهلية أيها الناس إن الشيطان قد يئس من أن يعبد بأرضكم هذه أبدا
ولكنه رضى أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم فاحذروه على دينكم
أيها الناس (إنما النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه
402

عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله) ويحرموا ما أحل الله وإن
الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السماوات والأرض و (إن عدة الشهور
عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة
حرم) ثلاثة متوالية ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان أما بعد أيها الناس فان
لكم على نسائكم حقا ولهن عليكم حقا عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه
وعليهن ألا يأتين بفاحشة مبينة فان فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع
وتضربوهن ضربا غير مبرح فان انتهين فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف
واستوصوا بالنساء خيرا فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا وإنكم إنما
أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله فاعقلوا أيها الناس واسمعوا
قولي فإني قد بلغت وتركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا كتاب الله وسنة
نبيه أيها الناس اسمعوا قولي فإني قد بلغت واعقلوا تعلمن أن كل مسلم أخو المسلم
وأن المسلمين أخوة فلا يحل لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس فلا
تظلموا أنفسكم اللهم هل بلغت قال فذكر أنهم قالوا اللهم نعم فقال رسول الله اللهم
اشهد * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن
عبد الله بن الزبير عن أبيه عباد قال كان الذي يصرخ في الناس بقول رسول الله
وهو على عرفة ربيعة بن أمية بن خلف قال يقول له رسول الله قل أيها الناس إن
رسول الله يقول هل تدرون أي شهر هذا فيقولون الشهر الحرام فيقول قل لهم
إن الله قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة شهركم هذا ثم
قال قل إن رسول الله يقول أيها الناس فهل تدرون أي بلد هذا قال فيصرخ به
فيقولون البلد الحرام قال فيقول قل إن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم إلى أن
تلقوا ربكم كحرمة بلدكم هذا ثم قال قل أيها الناس هل تدرون أي يوم هذا فقال لهم
فقالوا يوم الحج الأكبر فقال قل إن الله حرم عليكم أموالكم ودماءكم إلى أن
تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق
عن عبد الله بن أبي نجيح أن رسول الله حين وقف بعرفة قال هذا الوقف للجبل
403

الذي هو عليه وكل عرفة موقف وقال حين وقف على قزح صبيحة المزدلفة هذا
الموقف وكل المزدلفة موقف ثم لما نحر بالمنحر قال هذا المنحر وكل منى منحر
فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج وقد أراهم مناسكهم وعلمهم ما افترض
عليهم في حجهم في الموقف ورمى الجمار والطواف بالبيت وما أحل لهم في حجهم
وما حرم عليهم فكانت حجة الوداع وحجة البلاغ وذلك أن رسول الله لم يحج
بعدها (قال أبو جعفر) وكانت غزواته بنفسه ستا وعشرين غزوة ويقول
بعضهم هن سبع وعشرون غزوة فمن قال هي ست وعشرون جعل غزوة النبي
صلى الله عليه وسلم خيبر وغزواته من خيبر إلى وادى القرى غزوة واحدة لأنه لم
يرجع من خيبر حين فرغ من أمرها إلى منزله ولكنه مضى منها إلى وادى القرى
فجعل ذلك غزوة واحدة ومن قال هي سبع وعشرون غزوة جعل غزوة خيبر
غزوة وغزوة وادى القرى غزوة أخرى فيجعل العدد سبعا وعشرين * حدثنا ابن
حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر قال كان جميع ما غزا
رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه ستا وعشرين غزوة أول غزوة غزاها ودان
وهى غزوة الأبواء ثم غزوة بواط إلى ناحية رضوى ثم غزوة العشيرة من بطن
ينبع ثم غزوة بدر الأولى يطلب كرز بن جابر ثم غزوة بدر التي قتل فيها صناديد
قريش وأشرافهم وأسر فيها من أسر ثم غزوة بنى سليم حتى بلغ الكدر ماء
لبنى سليم ثم غزوة السويق يطلب أبا سفيان حتى بلغ قرقرة الكدر ثم غزوة
غطفان إلى نجد وهى غزوة ذي أمر ثم غزوة بحران معدن بالحجاز من فوق
الفرع ثم غزوة أحد ثم غزوة حمراء الأسد ثم غزوة بنى النضير ثم غزوة ذات
الرقاع من نخل ثم غزوة بدر الأخرى ثم غزوة دومة الجندل ثم غزوة الخندق
ثم غزوة بني قريظة ثم غزوة بنى لحيان من هذيل ثم غزوة ذي قرد
ثم غزوة بنى المصطلق من خزاعة ثم غزوة الحديبية لا يريد قتالا فصده
المشركون ثم غزوة خيبر ثم اعتمر عمرة القضاء ثم غزوة الفتح فتح مكة ثم غزوة
حنين ثم غزوة الطائف ثم غزوة تبوك قاتل منها في تسع غزوات بدر وأحد
404

والخندق وقريظة والمصطلق وخيبر والفتح وحنين والطائف * حدثنا الحارث قال
حدثنا ابن سعد قال حدثنا محمد بن عمر قال حدثنا محمد بن يحيى بن سهل بن أبي حثمة عن أبيه
عن جده قال غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم ستا وعشرين غزوة ثم ذكر نحو حديث
ابن حميد عن سلمة قال محمد بن عمر مغازي رسول الله معروفة مجتمع عليها ليس فيها
اختلاف بين أحد في عددها وهى سبع وعشرون غزوة وانما اختلفوا بينهم في تقديم
مغزاة قبل مغزاة * حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال حدثني محمد بن عمر قال حدثنا
معاذ بن محمد الأنصاري عن محمد بن ثابت الأنصاري قال سئل ابن عمر كم غزا رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال سبعا وعشرين غزوة فقيل لابن عمر كم غزوت معه قال إحدى
وعشرين غزوة أولها الخندق وفاتني ست غزوات وقد كنت حريصا قد عرضت
على النبي صلى الله عليه وسلم كل ذلك يردني فلا يجيزني حتى أجارني في الخندق
(قال الواقدي) قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى عشرة ذكر من
ذلك التسع التي ذكرتها عن ابن إسحاق وعد معها غزوة وادى القرى وأنه قاتل فيها
فقتل غلامه مدعم رمى بسهم قال وقاتل يوم الغابة فقتل من المشركين وقتل محرز
ابن نضلة يومئذ
واختلف في عدد سراياه صلى الله عليه وسلم
* حدثنا محمد بن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي
بكر قال كانت سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعوثه فيما بين أن قدم
المدينة وبين أن قبضه الله خمسا وثلاثين بعثا وسرية بعث غزوة سرية عبيدة بن
الحارث إلى أحياء من ثنية المرة وهو ماء بالحجاز ثم غزوة حمزة بن عبد المطلب
إلى ساحل البحر من ناحية العيص وبعض الناس يقدم غزوة حمزة قبل غزوة
عبيدة وغزوة سعد بن أبي وقاص إلى الخرار من أرض الحجاز وغزوة عبد الله
ابن جحش إلى نخلة وغزوة زيد بن حارثة القردة ماء من مياه نجد وغزوة مرثد بن أبي
مرثد الغنوي الرجيع وغزوة المنذر بن عمرو بئر معونة وغزوة أبى عبيدة بن الجراح
405

إلى ذي القصة من طريق العراق وغزوة عمر بن الخطاب تربة من أرض بنى عامر
وغزوة علي بن أبي طالب اليمن وغزوة غالب بن عبد الله الكلبي كلب ليث الكديد
وأصاب بلملوح وغزوة علي بن أبي طالب إلى بنى عبد الله بن سعد من أهل فدك
وغزوة ابن أبي العوجاء السلمي أرض بنى سليم أصيب بها وهو وأصحابه جميعا وغزوة
عكاشة بن محصن وغزوة الغمرة وغزوة أبى سلمة بن عبد الأسد قطنا ماء من مياه بنى أسد
من ناحية نجد قتل فيها مسعود بن عروة وغزوة محمد بن مسلمة أخي بنى الحارث
إلى القرطاء من هوازن وغزوة بشير بن سعد إلى بنى مرة بفدك وغزوة بشير بن سعد
أيضا إلى يمن وجناب بلد من أرض خيبر وقيل يمن وجبار أرض من أرض خيبر
وغزوة زيد بن حارثة الجموم من أرض بنى سليم وغزوة زيد بن حارثة أيضا
جذام من أرض حسمى وقد مضى ذكر خبرها قبل وغزوة زيد بن حارثة أيضا
وادى القرى لقى بنى فزارة وغزوة عبد الله بن رواحة خيبر مرتين إحداهما التي
أصاب الله فيها يسير بن رزام وكان من حديث يسير بن رزام اليهودي أنه كان
بخيبر يجمع غطفان لغزو رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث إليه رسول الله
عبد الله بن رواحة في نفر من أصحابه منهم عبد الله بن أنيس حليف بنى سلمة فلما قدموا
عليه كلموه وواعدوه وقربوا له وقالوا له إنك إن قدمت على رسول الله استعملك
وأكرمك فلم يزالوا به حتى خرج معهم في نفر من يهود فحمله عبد الله بن أنيس
على بعيره وردفه حتى إذا كان بالقرقرة من خيبر على ستة أميال ندم يسير بن رزام
على سيره إلى رسول الله ففطن له عبد الله بن أنيس وهو يريد السيف فاقتحم به
ثم ضربه بالسيف فقطع رجله وضربه يسير بمخرش في يده من شوحط فأمه في
رأسه وقتل الله يسيرا ومال كل رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
على صاحبه من يهود فقتله الا رجلا واحدا أفلت على راحلته فلما قدم عبد الله بن
أنيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم تفل على شجته فلم تقح ولم تؤذه وغزوة
عبد الله بن عتيك إلى خيبر فأصاب بها أبا رافع وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
بعث محمد بن مسلمة وأصحابه فيما بين بدر وأحد إلى كعب بن الأشرف فقتلوه
406

وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أنيس إلى خالد بن سفيان بن
نبيح الهذلي وهو بنخلة أو بعرنة يجمع لرسول الله ليغزوه فقتله * حدثنا ابن حميد
قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبد الله بن أنيس
قال دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنه بلغني أن خالد بن سفيان بن نبيح
الهذلي يجمع لي الناس ليغزوني وهو بنخلة أو بعرنة فأته فاقتله قال قلت يا رسول الله
انعته لي حتى أعرفه قال إذا رأيته أذكرك الشيطان أنه آية ما بينك وبينه انك إذا
رأيته وجدت له قشعريرة قال فخرجت متوشحا سيفي حتى دفعت إليه وهو في ظعن
يرتاد لهن منزلا حيث كان وقت العصر فلما رأيته وجدت ما وصف لي رسول الله
صلى الله عليه وسلم من القشعريرة فأقبلت نحوه وخشيت أن تكون بيني وبينه
مجاولة تشغلني عن الصلاة فصليت وأنا أمشى نحوه أومئ برأسي إيماء فلما انتهيت
إليه قال من الرجل قلت رجل من العرب سمع بك وبجمعك لهذا الرجل فجاءك
لذلك قال أجل أنا في ذلك فمشيت معه شيئا حتى إذا أمكنني حملت عليه بالسيف
حتى قتلته ثم خرجت وتركت ظعائنه مكبات عليه فلما قدمت على رسول الله
وسلمت عليه ورأني قال أفلح الوجه قال قلت قد قتلته قال صدقت ثم قام رسول الله
فدخل بيته فأعطاني عصا فقال أمسك هذه العصا عندك يا عبد الله بن أنيس قال
فخرجت بها على الناس فقالوا ما هذه العصا قلت أعطانيها رسول الله وأمرني أن
أمسكها عندي قالوا أفلا ترجع إلى رسول الله فتسأله لم ذلك فرجعت إلى رسول الله
فقلت يا رسول الله لم أعطيتني هذه العصا قال آية ما بيني وبينك يوم القيامة إن
أقل الناس المتخصرون يومئذ فقرنها عبد الله بسيفه فلم تزل معه حتى إذا مات أمر
بها فضمت معه في كفنه ثم دفنا جميعا (ثم رجع الحديث إلى حديث عبد الله بن أبي
بكر) قال وغزوة زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة إلى مؤتة
من أرض الشأم وغزوة كعب بن عمير الغفاري بذان أطلاح من أرض الشأم فأصيب
بها هو وأصحابه وغزوة عيينة بن حصن بنى العنبر من بنى تميم وكان من حديثهم
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إليهم فأغار عليهم فأصاب منهم ناسا وسبى
407

منهم سبيا * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن عاصم بن عمر
ابن قتادة أن عائشة قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله إن على
رقبة من بنى إسماعيل قال هذا سبى بنى العنبر يقدم الآن فنعطيك إنسانا فتعتقينه
(قال ابن إسحاق) فلما قدم سبيهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب فيهم
وفد من بنى تميم حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ربيعة بن رفيع
وسبرة بن عمرو والقعقاع بن معبد ووردان بن محرز وقيس بن عاصم ومالك
ابن عمرو والأقرع بن حابس وحنظلة بن دارم وفراس بن حابس وكان ممن سبى
من نسائهم يومئذ أسماء بنت مالك وكأس بنت أرى ونجوة بنت نهد جميعة بنت
قيس وعمرة بنت مطر (ثم رجع الحديث إلى حديث عبد الله بن أبي بكر) قال وغزوة
غالب بن عبد الله الكلبي كلب ليث أرض بنى مرة فأصاب بها مرداس بن نهيك
حليفا لهم من الحرقة من جهينة قتله أسامة بن زيد ورجل من الأنصار وهو
الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم لأسامة من لك بلا إله إلا الله وغزوة عمرو
ابن العاص ذات السلاسل وغزوة ابن أبي حدرد وأصحابه إلى بطن أضم وغزوة
ابن أبي حدرد الأسلمي إلى الغابة وغزوة عبد الرحمن بن عوف وبعث سرية
إلى سيف البحر وعليهم أبو عبيدة بن الجراح وهو غزوة الخبط * حدثني الحارث
ابن محمد قال حدثنا ابن سعد قال قال محمد بن عمر كانت سرايا رسول الله صلى
الله عليه وسلم ثمانيا وأربعين سرية (قال الواقدي) في هذه السنة قدم جرير بن
عبد الله البجلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلما في رمضان فبعثه رسول الله
إلى ذي الخلصة فهدمها * قال وفيها قدم وبر بن يحنس على الأبناء باليمن يدعوهم
إلى الاسلام فنزل على بنات النعمان بن بزرج فأسلمن وبعث إلى فيروز الديلمي
فأسلم وإلى مركبود وعطاء ابنه ووهب بن منبه وكان أول من جمع القرآن بصنعاء
ابنه عطاء بن مركبود ووهب بن منبه قال وفيها أسلم بأذان وبعث إلى النبي
صلى الله عليه وسلم بإسلامه (قال أبو جعفر) وقد خالف في ذلك عبد الله
ابن أبي بكر ومن قال كانت مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم ستا وعشرين
408

غزوة من أنا ذاكره * حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء قال حدثنا يحيى بن
آدم قال حدثنا زهير عن أبي إسحاق عن زيد بن أرقم قال سمعت منه ان رسول الله
غزا تسع عشرة وحج بعد ما هاجر حجة لم يحج غير حجة الوداع وذكر
ابن إسحاق حجة بمكة (قال أبو إسحاق) فسألت زيد بن أرقم كم غزوة مع
رسول الله قال سبع عشرة * حدثنا ابن المثنى قال حدثنا محمد بن جعفر حدثنا
شعبة عن أبي إسحاق أن عبد الله بن يزيد الأنصاري خرج يستسقى بالناس قال
فصلى ركعتين ثم استسقى قال فلقيت يومئذ زيد بن أرقم قال ليس بيني وبينه
غير رجل أو بيني وبينه رجل قال فقلت كم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال تسع عشرة غزوة فقلت كم غزوت معه قال سبع عشرة غزوة فقلت فما أول
غزوة غزا قال ذات العسير أو العشير وزعم الواقدي أن هذا عندهم خطأ
* حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال أخبرنا إسرائيل عن أبي
إسحاق الهمداني قال قلت لزيد بن أرقم كم غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال سبع عشرة غزوة قلت كم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تسع عشرة
غزوة قال الحارث قال ابن سعد قال الواقدي فحدثت بهذا الحديث عبد الله بن
جعفر فقال هذا اسناد أهل العراق يقولون هكذا وأول غزوة غزاها زيد بن
الأرقم المريسيع وهو غلام صغير وشهد مؤتة رديف عبد الله بن رواحة وما
غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا ثلاث غزوات أو أربعا وروى عن مكحول
في ذلك ما حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا ابن عمر قال حدثني سويد
ابن عبد العزيز عن النعمان بن المنذر عن مكحول قال غزا رسول الله صلى الله عليه
وسلم ثماني عشرة غزوة قاتل من ذلك في ثمان غزوات أولهن بدر وأحد والأحزاب
وقريظة قال الواقدي فهذان الحديثان حديث زيد بن الأرقم وحديث مكحول
جميعا غلط
409

ذكر الخبر عن حج رسول الله صلى الله عليه وسلم
* حدثني عبد الله بن زياد قال حدثنا زيد بن الحارث عن سفيان الثوري عن
جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم حج ثلاث حجج
حجتين قبل أن يهاجر وحجة بعد ما هاجر معهما عمرة * حدثنا عبد الحميد بن
بنان قال أخبرنا إسحاق بن يوسف عن شريك عن أبي إسحاق عن مجاهد عن ابن
عمر قال اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرتين قبل أن يحج فبلغ ذلك
عائشة فقالت اعتمر رسول الله أربع عمر قد علم ذلك عبد الله بن عمر منهن عمرة
مع حجته * حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق قال سمعت أبي قال حدثنا
أبو حمزة عن مطرف عن أبي إسحاق عن مجاهد قال سمعت ابن عمر يقول اعتمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عمر فبلغ عائشة فقالت لقد علم ابن عمر أنه
اعتمر أربع عمر منها عمرته التي قرن معها الحجة * حدثنا ابن حميد قال حدثنا
جرير عن منصور عن مجاهد قال دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد فإذا ابن عمر
جالس عند حجرة عائشة فقلنا كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال أربعا
إحداهن في رجب فكرهنا أن نكذبه ونرد عليه فسمعنا استنان عائشة في الحجرة
فقال عروة بن الزبير يا امه يا أم المؤمنين أما تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن
فقالت وما يقول قال يقول إن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر إحداهن
في رجب فقالت يرحم الله أبا عبد الرحمن ما اعتمر النبي عمرة الا وهو شاهد وما
اعتمر في رجب
ذكر الخبر عن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن منهن عاش بعده
ومن منهن فارقه في حياته والسبب الذي فارقه من أجله ومن منهن مات قبله
* فحدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال حدثنا هشام بن محمد قال أخبرني أبي
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج خمس عشرة امرأة دخل بثلاث
عشرة وجمع بين إحدى عشرة وتوفى عن تسع تزوج في الجاهلية وهو ابن بضع
410

وعشرين سنة خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى وهى أول من تزوج
وكانت قبله عند عتيق بن عابد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وأمها فاطمة بنت
زائدة بن الأصم بن رواحة بن حجر بن معيص بن لؤي فولدت لعتيق جارية
ثم توفى عنها وخلف عليها أبو هالة بن زرارة بن نباش بن زرارة بن حبيب بن
سلامة بن غذي بن جروة بن أسيد بن عمرو بن تميم وهو في بنى عبد الدار بن
قصي فولدت لأبي هالة هند بنت أبي هالة ثم توفى عنها فخلف عليها رسول الله وعندها
ابن أبي هالة فولدت لرسول الله ثمانية القاسم والطيب والطاهر وعبد الله
وزينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة (قال أبو جعفر) ولم يتزوج رسول الله صلى الله
عليه وسلم في حياتها على خديجة حتى مضت لسبيلها فلما توفيت خديجة تزوج
رسول الله بعدها فاختلف فيمن بدأ بنكاحها منهن بعد خديجة فقال بعضهم كانت
التي بدأ بنكاحها بعد خديجة قبل غيرها عائشة بنت أبي بكر الصديق وقال بعضهم
بل كانت سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبدد بن نصر فأما عائشة
فكانت يوم تزوجها صغيرة لا تصلح للجماع وأما سودة فإنها كانت امرأة ثيبا قد
كان لها قبل النبي صلى الله عليه وسلم زوج وكان زوجها قبل النبي السكران بن
عمرو بن عبد شمس وكان السكران من مهاجرة الحبشة فتنصر ومات بها فخلف
عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة (قال أبو جعفر) ولا خلاف بين
جميع أهل العلم بسير رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم بنى بسودة قبل عائشة
ذكر السبب الذي كان في خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة وسودة
والرواية الواردة بأولاهما كان عقد عليها رسول الله عقدة النكاح
* حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي قال حدثني أبي قال حدثنا محمد بن
عمرو قال حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن عائشة قالت لما توفيت خديجة قالت خولة بنت حكيم بن أمية بن الأوقص امرأة عثمان بن مظعون
411

وذلك بمكة أي رسول الله ألا تزوج فقال ومن فقالت إن شئت بكرا وان شئت
ثيبا قال فمن البكر قالت ابنة أحب خلق الله إليك عائشة بنت أبي بكر قال ومن
الثيب قالت سودة بنت زمعة بن قيس قد آمنت بك واتبعتك على ما أنت عليه
قال فاذهبي فاذكريهما علي فجاءت فدخلت بيت أبى بكر فوجدت أم رومان
أم عائشة فقالت أي أم رومان ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة قالت وما ذاك
قالت أرسلني رسول الله أخطب عليه عائشة قالت وددت انتظري أبا بكر فإنه
آت فجاء أبو بكر فقالت يا أبا بكر ماذا أدخل الله عليك من الخير والبركة
أرسلني رسول الله أخطب عليه عائشة قال وهل تصلح له إنما هي ابنة أخيه فرجعت
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له ذلك فقال ارجعي إليه فقولي له أنت
أخي في الاسلام وأنا أخوك وابنتك تصلح لي فأتت أبا بكر فذكرت ذلك له فقال
انتظريني حتى أرجع فقالت أم رومان إن المطعم بن عدي كان ذكرها على ابنه
ولا والله ما وعد شيئا قط فأخلف فدخل أبو بكر على مطعم وعنده امرأته أم
ابنه الذي كان ذكرها عليه فقالت العجوز يا ابن أبي قحافة لعلنا إن زوجنا ابننا
ابنتك أن تصبئه وتدخله في دينك الذي أنت عليه فأقبل على زوجها المطعم فقال
ما تقول في هذه فقال إنها تقول ذاك قال فخرج أبو بكر وقد أذهب الله العدة التي
كانت في نفسه من عدته التي وعدها إياه وقال لخولة ادعى لي رسول الله فدعته
فجاء فأنكحه وهى يومئذ ابنة ست سنين قال ثم خرجت فدخلت على سودة
فقلت أي سودة ماذا أدخل الله عليك من الخير والبركة قالت وما ذاك قالت أرسلني
رسول الله أخطبك عليه قالت فقالت وددت ادخلي على أبى فاذكري له ذلك
قالت وهو شيخ كبير قد تخلف عن الحج فدخلت عليه فحييته بتحية أهل الجاهلية
ثم قلت إن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب أرسلني أخطب عليه سودة قال كفو
كريم فماذا تقول صاحبته قالت تحب ذلك قال ادعيها إلى فدعيت له فقال أي
سودة زعمت هذه أن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب أرسل يخطبك وهو كفو
كريم أفتحبين أن أزوجكه قالت نعم قال فادعيه لي فدعته فجاء فزوجه فجاء أخوها
412

من الحج عبد بن زمعة فجعل يحثى في رأسه التراب فقال بعد أن أسلم إني لسفيه
يوم أحثى في رأسي التراب ان تزوج رسول الله سودة بنت زمعة قال قالت عائشة
فقدمنا المدينة فنزل أبو بكر السنح في بنى الحارث بن الخزرج قالت فجاء رسول الله
فدخل بيتنا فاجتمع إليه رجال من الأنصار ونساء فجاءتني أمي وأنا في أرجوحة
بين عرقين يرجح بي فأنزلتني ثم وفت جميمة كانت لي ومسحت وجهي بشئ من
ماء ثم أقبلت تقودني حتى إذا كنت عند الباب وقفت بي حتى ذهب بعض نفسي
ثم أدخلت ورسول الله جالس على سرير في بيتنا قالت فأجلستني في حجره فقالت
هؤلاء أهلك فبارك الله لك فيهن وبارك لهن فيك ووثب القوم والنساء
فخرجوا فبنى بي رسول الله في بيتي ما نحرت جزور ولا ذبحت على شاة وأنا
يومئذ ابنة تسع سنين حتى أرسل إلينا سعد بن عبادة بجفنة كان يرسل بها
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم * حدثنا علي بن نصر قال حدثنا
عبد الصمد بن عبد الوارث وحدثني عبد الوارث بن عبد الصمد قال حدثني أبي
قال حدثنا أبان العطار قال حدثنا هشام بن عروة عن عروة أنه كتب إلى
عبد الملك بن مروان أنك كتبت إلى في خديجة بنت خويلد تسألني متى توفيت
وأنها توفيت قبل مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة بثلاث سنين أو قريبا
من ذلك ونكح عائشة متوفى خديجة كان رسول الله رأى عائشة مرتين يقال له هذه
امرأتك وعائشة يومئذ ابنة ست سنين ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى بعائشة
بعد ما قدم المدينة وهى يوم بنى بها ابنة تسع سنين
رجع الخبر إلى خبر هشام بن محمد
ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة بنت أبي بكر واسمه عتيق بن أبي
قحافة وهو عثمان ويقال عبد الرحمن بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن
سعد بن تيم بن مرة تزوجها قبل الهجرة بثلاث سنين وهى ابنة سبع سنين وجمع
إليها بعد أن هاجر إلى المدينة وهى ابنة تسع سنين في شوال فتوفى عنها وهى ابنة
413

ثمان عشرة ولم يتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرا غيرها ثم تزوج رسول
الله صلى الله عليه وسلم حفصة بنت عمرو بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن
رياح بن عبد الله بن قرط بن كعب وكانت قبله عند خنيس بن حذافة بن قيس بن عدي
بن سعد بن سهم وكان بدريا شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلم تلد له شيئا ولم يشهد من بنى سهم بدرا غيره ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه
وسلم أم سلمة واسمها هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم
وكانت قبله عند أبي سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم
وشهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان فارس القوم فأصابته جراحة
يوم أحد فمات منه وكان ابن عمة رسول الله ورضيعه وأمه برة بنت عبد المطلب
ولدت له عمر وسلم وزينب ودرة فلما مات كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم
على أبى سلمة تسع تكبيرات فلما قيل يا رسول الله أسهوت أم نسيت قال لم أسه
ولم أنس ولو كبرت على أبى سلمة ألفا كان أهلا لذلك ودعا النبي صلى الله
عليه وسلم لأبي سلمة بخلفه في أهله فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل
الأحزاب سنة ثلاث وزوج سلمة بن أبي سلمة ابنة حمزة بن عبد المطلب ثم تزوج
رسول الله صلى الله عليه وسلم عام المريسيع جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار بن
حبيب بن مالك بن جذيمة وهو المصطلق بن سعد بن عمرو سنة خمس وكانت قبله
عند مالك بن صفوان ذي الشفر بن أبي سرح بن مالك بن المصطلق لم تلد له شيئا
فكانت صفية رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم المريسيع فأعتقها وتزوجها
وسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عتق ما في يده من قومها فأعتقهم لها ثم
تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب وكانت
عند عبيد الله بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن
غنم بن دودان بن أسد وكانت من مهاجرات الحبشة هي وزوجها فتنصر زوجها
وحاولها أن تتابعه فأبت وصبرت على دينها ومات زوجها على النصرانية فبعث
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي فيها فقال النجاشي لأصحابه من أولاكم
414

بها قالوا خالد بن سعيد بن العاص قال فزوجها من نبيكم ففعل وأمهرها أربعمائة
دينار ويقال بل خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن عفان فلما
زوجه إياها بعث إلى النجاشي فيها فساق عنه النجاشي وبعث بها إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش
ابن رئاب بن يعمر بن صبرة وكانت قبله عند زيد بن حارثة بن شراحيل مولى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم تلد له شيئا وفيها أنزل الله عز وجل (وإذ تقول
للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك) إلى آخر الآية
فزوجها الله عز وجل إياه وبعث في ذلك جبريل وكانت تفخر على نساء النبي
صلى الله عليه وسلم وتقول أنا أكرمكن وليا وأكرمكن سفيرا ثم تزوج رسول
الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيى بن أخطب بن سعية بن ثعلبة بن عبيد
ابن كعب بن الخزرج بن أبي حبيب بن النضير وكانت قبله تحت سلام بن مشكم
ابن الحكم بن حارثة بن الخزرج بن كعب بن الخزرج وتوفى عنها وخلف عليها
كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق فقتله محمد بن مسلمة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم
ضرب عنقه صبرا فلما تصفح النبي صلى الله عليه وسلم السبي يوم خيبر ألقى رداءه
على صفية فكانت صفية يوم خيبر ثم عرض عليها الاسلام فأسلمت فأعتقها
وذلك سنة ست ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة بنت الحارث بن
حزن بن بجير بن الهزم بن رويبة بن عبد الله بن هلال وكانت قبله عند عمير بن
عمرو من بنى عقدة بن غيرة بن عوف بن قسى وهو ثقيف لم تلد له شيئا وهى
أخت أم الفضل امرأة العباس بن عبد المطلب فتزوجها رسول الله صلى الله عليه
وسلم بسرف في عمرة القضاء زوجها إياه العباس بن عبد المطلب فتزوجها رسول
الله وكل هؤلاء اللواتي ذكرناهن أن رسول الله صلى الله عليه سلم تزوجهن
إلى هذا الموضع توفى رسول الله وهن أحياء غير خديجة بنت خويلد ثم تزوج
رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من بنى كلاب بن ربيعة يقال لها النشأة بنت
رفاعة وكانوا حلفاء لبنى رفاعة من قريظة وقد اختلف فيها وكان بعضهم يسمى
415

هذه سنا وينسبها فيقول سنا بنت أسماء بن الصلت السلمية وقال بعضهم هي سبا
بنت أسماء بن الصلت من بنى حرام من بنى سليم وقالوا توفيت قبل أن يدخل بها
رسول الله صلى صلى الله عليه وسلم ونسبها بعضهم فقال هي سنا بنت الصلت بن حبيب
ابن حارثة بن هلال بن حرام بن سمال بن عوف السلمي ثم تزوج رسول الله صلى
الله عليه وسلم الشنباء بنت عمرو الغفارية وكانوا أيضا حلفاء لبنى قريظة
وبعضهم يزعم أنها قرظية وقد جهل نسبها لهلاك بني قريظة وقيل أيضا إنها
كنانية فعركت حين دخلت عليه ومات إبراهيم قبل أن تطهر فقالت لو كان نبيا
ما مات أحب الناس إليه فسرحها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تزوج رسول
الله صلى الله عليه وسلم غزية بنت جابر من بنى أبى بكر بن كلاب بلغ رسول الله عنها
جمال وبسطة فبعث أبا أسيد الأنصاري ثم الساعدي فخطبها عليه فلما قدمت على
النبي صلى الله عليه وسلم وكانت حديثة عهد بالكفر فقالت إني لم أستأمر في نفسي
إني أعوذ بالله منك فقال النبي صلى الله عليه وسلم امتنع عائذا لله وردها إلى أهلها
ويقال إنها من كندة ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء بنت النعمان بن
الأسود بن شراحيل بن الجون بن حجر بن معاوية الكندي فلما دخل بها وجد بها
بياضا فمتعها وجهزها وردها إلى أهلها ويقال بل كان النعمان بعث بها إلى رسول الله
فسرحته فلما دخلت عليه استعاذت منه أيضا فبعث إلى أبيها فقال له أليست ابنتك
قال بلى قال لها ألست ابنته قالت بلى قال النعمان عليكها يا رسول الله فإنها وإنها
وأطنب في الثناء فقال إنها لم تنجع قط ففعل بها ما فعل بالعامرية فلا يدرى ألقولها
أم لقول أبيها أنها لم تنجع قط وأفاء الله عز وجل على رسوله ريحانة بنت زيد من
بني قريظة وأهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم مارية القبطية أهداها له المقوقس
صاحب الإسكندرية فولدت له إبراهيم ابن رسول الله فهؤلاء أزواج رسول الله
صلى الله عليه وسلم منهن ست قرشيات (قال أبو جعفر) وممن لم يذكر هشام في
خبره هذا ممن روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تزوجه من النساء
زينب بنت خزيمة وهى التي يقال لها أم المساكين من بنى عامر بن صعصعة وهى
416

زينب بنت خزيمة بن الحارث بن عبد الله بن عمرو بن عبد مناف بن هلال بن
عامر بن صعصعة وكانت قبل رسول الله عند الطفيل بن الحارث بن المطلب أخي
عبيدة بن الحارث توفيت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة وقيل إنه لم
تمت عند رسول الله في حياته من أزواجه غيرها وغير خديجة وشراف بنت
خليفة أخت دحية بن خليفة الكلبي والعالية بنت ظبيان * حدثني ابن عبد الله
ابن عبد الحكم قال حدثنا شعيب بن الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال تزوج
رسول الله صلى الله عليه وسلم العالية امرأة من بنى أبى بكر بن كلاب فمتعها ثم
فارقها وقتيلة بنت قيس بن معديكرب أخت الأشعث بن قيس فتوفى عنها قبل
أن يدخل بها فارتدت عن الاسلام مع أخيها وفاطمة بنت شريح وذكر عن ابن
الكلبي أنه قال غزية بنت جابر هي أم شريك تزوجها رسول الله صلى الله عليه
وسلم بعد زوج كان لها قبله وكان لها منه ابن يقال له شريك فكنيت به فلما دخل
بها النبي صلى الله عليه وسلم وجدها مسنة فطلقها وكانت قد أسلمت وكانت تدخل
على نساء قريش فتدعوهن إلى الاسلام وقيل إنه تزوج خولة بنت الهذيل بن
هبيرة بن قبيصة بن الحارث روى ذلك عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس
وبهذا الاسناد أن ليلى بنت الخطيم بن عدي بن عمرو بن سواد بن ظفر بن الحارث
ابن الخزرج أقبلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو مول ظهره الشمس
فضربت على منكبه فقال من هذه قالت انا ابنة مبارى الريح أنا ليلى بنت الخطيم
جئتك أعرض عليك نفسي فتزوجني قال قد فعلت فرجعت إلى قومها فقالت قد
تزوجني رسول الله فقالوا بئس ما صنعت أنت امرأة غيري والنبي صاحب نساء
استقيليه نفسك فرجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت أقلني قال قد أقلتك
وبغير هذا الاسناد أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج عمرة بنت يزيد امرأة من
بنى رؤاس بن كلاب
ذكر من خطب النبي صلى الله عليه وسلم من النساء ثم لم ينكحها
منهن أم هانئ بنت أبي طالب واسمها هند خطبها رسول الله صلى الله
417

تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم يتزوجها لأنها ذكرت أنها ذات ولد وخطب
ضباعة بنت عامر بن قرط بن سلمة بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن
صعصعة إلى ابنها سلمة بن هشام بن المغيرة فقال حتى أستأمرها فأتاها فقال إن
النبي صلى الله عليه وسلم خطبك فقالت ما قلت له قال قلت له حتى أستأمرها
قالت وفى النبي يستأمر؟ ارجع فزوجه فرجع فسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم
وذلك أنه أخبر أنها قد كبرت وخطب فيما ذكر صفية بنت بشامة أخت الأعور
العنبري وكان أصابها سباء فخيرها فقال إن شئت أنا وإن شئت زوجك قالت
بل زوجي فأرسلها وخطب أم حبيب بنت العباس بن عبد المطلب فوجد العباس
أخاه من الرضاعة أرضعتهما ثويبة وخطب جمرة بنت الحارث بن أبي حارثة فقال
أبوها فيما ذكر بها شئ ولم يكن بها شئ فرجع فوجدها قد برصت
(ذكر سراري رسول الله صلى الله عليه وسلم)
وهى مارية بنت شمعون القبطية وريحانة بنت زيد القرطبية وقيل هي من بنى النضير
وقد مضى ذكر أخبارهما قبل
(ذكر موالى رسول الله صلى الله عليه وسلم)
فمنهم زيد بن حارثة وابنه أسامة بن زيد وقد ذكرنا خبره فيما مضى وثوبان
مولى رسول الله فأعتقه ولم يزل معه حتى قبض ثم نزل حمص وله بها دار وقف
ذكر أنه توفى سنة أربعة وخمسون في خلافة معاوية وقال بعضهم بل كان سكن
الرملة ولا عقب له وشقران وكان من الحبشة اسمه صالح بن عدي اختلف في أمره
وقد ذكر عن عبد الله بن داود الخريبي أنه قال شقران ورثه رسول الله صلى
الله عليه وسلم عن أبيه وقال بعضهم شقران من الفرس ونسبه فقال هو صالح
ابن حول بن مهربوذ نسب شقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول
من نسبه إلى عجم الفرس زعم أنه صالح بن حول بن مهربوذ بن آذزجشنس
ابن مهربان بن فيران بن رستم بن فيروز بن ماى بن بهرام بن رشتهرى وزعم
418

أنهم كانوا من دهاقين الري وذكر عن مصعب الزبيري أنه قال كان شقران
لعبد الرحمن بن عوف فوهبه للنبي صلى الله عليه وسلم وأنه أعقب
وأن آخرهم مؤبا رجل كان بالمدينة من ولده كان له بالبصرة بقية ورويفع
وهو أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه أسلم وقال بعضهم اسمه
إبراهيم واختلفوا في أمره فقال بعضهم كان للعباس بن عبد المطلب فوهبه لرسول الله
صلى الله عليه وسلم فأعتقه رسول الله وقال بعضهم كان أبو رافع لأبي أحيحة
سعيد بن العاص الأكبر فورثه بنوه فأعتق ثلاثة منهم أنصباءهم منه وقتلوا يوم
بدر جميعا وشهد أبو رافع بدرا ووهب خالد بن سعيد نصيبه منه لرسول الله
صلى الله عليه وسلم فأعتقه رسول الله وابنه البهى اسمه رافع وأخو البهى عبيدة الله
ابن أبي رافع وكان يكتب لعلي بن أبي طالب فلما ولي عمرو بن سعيد المدينة دعا
البهى فقال من مولاك فقال رسول الله فضربه مائة سوط وقال مولى من أنت
قال مولى رسول الله فضربه مائة سوط فلم يزل يفعل به ذلك كلما سأله مولى من
أنت وقال مولى رسول الله حتى ضربه خمسمائة سوط ثم قال مولى من أنت قال
مولاكم فلما قتل عبد الملك عمرو بن سعيد قال البهى بن أبي رافع
صحت ولا شلت وضرت عدوها * يمين هراقت مهجة ابن سعيد
هو ابن أبي العاص مرارا وينتمي * إلى أسرة طابت له وجدود
وسلمان الفارسي وكنيته أبو عبد الله من أهل قرية أصبهان ويقال إنه من
قرية رامهرمز فأصابه أسر من بعض كلب فبيع من بعض اليهود بناحية وادى القرى
فكاتب اليهودي فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون حتى عتق وقال
بعض نسابة الفرس سلمان من كورسابور واسمه ما به بن بوذخشان بن دهديره
وسفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان لام سلمة فأعتقته واشترطت
عليه خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم حياته قيل إنه أسود واختلف في اسمه
فقال بعضهم اسمه مهران وقال بعضهم اسمه رباح وقال بعضهم هو من عجم الفرس
واسمه سبيه بن مارقيه وأنسة يكنى أبا مسرح وقيل أبا مسروح كان من مولدي
419

السراة وكان يأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس وشهد بدرا
وأحدا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم أصله من
عجم الفرس كانت أمه حبشية وأبوه فارسيا قال واسم أبيه بالفارسية كردوى بن
أشرنيده بن أدوهر بن مهرادر بن كنحكان من بنى مهجوار بن يوماست وأبو كبشة
واسمه سليم قيل إنه كان من مولدي مكة وقيل من مولدي أرض دوس ابتاعه
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه فشهد مع رسول الله بدرا وأحدا والمشاهد
توفى أول يوم استخلف فيه عمر بن الخطاب سنة ثلاث عشرة من الهجرة
وأبو مويهبة قيل إنه كان من مولدي مزينة فاشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأعتقه ورباح الأسود كان يأذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفضالة مولى
رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل فيما ذكر الشأم ومدعم مولى رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم كان عبدا لرفاعة بن زيد الجذامي فوهبه لرسول الله فقتل بوادي
القرى يوم نزل بهم رسول الله أتاه سهم غرب فقتله وأبو ضميرة كان بعض نسابة
الفرس زعم أنه من عجم الفرس من ولد كشتاسب الملك وأن اسمه واح بن شيزر
ابن بيرويس بن تاريشمة بن ماهوش بن باكمهير وذكر بعضهم أنه كان ممن صار
في قسم رسول الله في بعض وقائعه فأعتقه وكتب له كتابا بالوصية وهو جد
أبى حسين بن ضميرة بن عبد الله بن أبي ضميرة وأن ذلك الكتاب في أيدي ولد
ولده وأهل بيته وأن حسين بن عبد الله هذا قدم على المهدى ومعه ذلك الكتاب
فأخذه المهدى فوضعه على عينيه ووصله بثلثمائة دينار ويسار وكان فيما ذكر نوبيا
كان فيما وقع في سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته فأعتقه وهو
الذي قتله العرنيون الذين أغاروا على لقاح رسول الله ومهران حدث عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان له خصى يقال له مابور كان المقوقس أهداه
إليه مع الجاريتين اللتين يقال لاحداهما مارية وهى التي تسرى بها والاخرى سيرين
وهى التي وهبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت لما كان من جناية
صفوان بن المعطل عليه فولدت لحسان ابنه عبد الرحمن بن حسان وكان المقوقس
420

بعث بهذا الخصي مع الجاريتين اللتين أهداهما لرسول الله صلى الله عليه وسلم
ليوصلهما إليه ويحفظهما من الطريق حتى يصلا إليه وقيل إنه الذي قذفت مارية
به فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وأمره بقتله فلما رأى عليا وما يريد
به تكشف حتى تبين لعلى أنه أجب لا شئ معه مما يكون مع الرجال فكف عنه
علي وخرج إليه من الطائف وهو محاصر أهلها أعبد لهم أربعة فأعتقهم صلى الله
عليه وسلم منهم أبو بكرة
ذكر من كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم
ذكر أن عثمان بن عفان كان يكتب له أحيانا وأحيانا علي بن أبي طالب
وخالد بن سعيد وأبان بن سعيد والعلاء بن الحضرمي وقيل أول من كتب له
أبي بن كعب وكان إذا غاب أبي كتب له زيد بن ثابت وكتب له عبد الله بن سعد
ابن أبي سرح ثم ارتد عن الاسلام ثم راجع الاسلام يوم فتح مكة وكتب له
معاوية بن أبي سفيان وحنظلة الأسيدي
أسماء خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم
* حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال حدثنا محمد بن عمر قال حدثنا محمد بن
يحيى بن سهل بن أبي حثمة عن أبيه قال أول فرس ملكه رسول الله صلى الله عليه
وسلم فرس ابتاعه بالمدينة من رجل من بنى فزارة بعشر أواق وكان اسمه عند
الأعرابي الضرس فسماه رسول الله السكب وكان أول ما غزا عليه أحد
ليس مع المسلمين يومئذ فرس غيره وفرس لأبي بردة بن نيار يقال له ملاوح
* حدثني الحارث قال أخبرنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال سألت
محمد بن يحيى بن سهل بن أبي حثمة عن المرتجز فقال هو الفرس الذي اشتراه
من الأعرابي الذي شهد له فيه خزيمة بن ثابت وكان الأعرابي من بنى مرة
* حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال أخبرنا أبي
ابن عباس بن سهل عن أبيه عن جده قال كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم
421

ثلاثة أفراس لزاز والظرب واللخيف فاما لزاز فأهداه له المقوقس وأما اللخيف
فأهداه له ربيعة بن أبي البراء فأثابه عليه فرائض من نعم بنى كلاب وأما الظرب
فأهداه له فروة بن عمرو الجذامي وأهدى تميم الداري لرسول الله فرسا يقال
له الورد فأعطاه عمر فحمل عليه عمر في سبيل الله فوجده يباع وقد زعم بعضهم
أنه كان له مع ما ذكرت من الخيل فرس يقال له اليعسوب
(ذكر أسماء بغال رسول الله صلى الله عليه وسلم)
* حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال حدثنا محمد بن عمر قال حدثنا موسى
ابن محمد بن إبراهيم عن أبيه قال كانت دلدل بغلة النبي صلى الله عليه وسلم أول
بغلة رئيت في الاسلام أهداها له المقوقس وأهدى له معها حمارا يقال له عفير
فكانت البغلة قد بقيت حتى كان زمن معاوية * حدثني الحارث قال حدثنا ابن
سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال أخبرنا معمر عن الزهري قال دلدل أهداها
له فروة بن عمرو الجذامي * حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر
قال أخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن زامل بن عمرو قال أهدى فروة بن عمرو
إلى النبي صلى الله عليه وسلم بغلة يقال لها فضة فوهبها لأبي بكر وحماره يعفور فنفق
منصرفه من حجة الوداع
(ذكر أسماء إبله صلى الله عليه وسلم)
* حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني
موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبيه قال كانت القصواء من نعم بنى الحريش
ابتاعها أبو بكر وأخرى معها بثمانمائة درهم وأخذها منه رسول الله صلى الله عليه
وسلم بأربعمائة فكانت عنده حتى نفقت وهى التي هاجر عليها وكانت حين قدم
رسول الله المدينة رباعية وكان اسمها القصواء والجدعاء والعضباء * حدثني
الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني بن أبي ذئب عن
يحيى بن يعلى عن ابن المسيب قال كان اسمها العضباء وكان في طرف اذنها جذع
422

(ذكر أسماء لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم)
حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني
معاوية بن عبد الله بن عبيد الله بن أبي رافع قال كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم
لقاح وهى التي أغار عليها القوم بالغابة وهى عشرون لقحة وكانت التي يعيش بها
أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم يراح إليه كل ليلة بقربتين عظيمتين من لبن
فيها لقاح غزار الحناء والسمراء والعريس والسعدية والبغوم واليسيرة
والريا * حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني
هارون بن محمد عن أبيه عن نبهان مولى أم سلمة قال سمعت أم سلمة تقول كان
عيشنا مع رسول الله اللبن أو قالت أكثر عيشنا كانت لرسول الله لقاح بالغابة
كان قد فرقها على نسائه فكانت فيها لقحة تدعى العريس وكنا منها فيما شئنا من
اللبن وكانت لعائشة لقحة تدعى السمراء غزيرة لم تكن كلقحتي فقرب راعيهن
اللقاح إلى مرعى بناحية الجوانية فكانت تروح على أبياتنا فنؤتي بهما فتحلبان
فتوجد لقحته أغزر منهما بمثل لبنهما أو أكثر * حدثني الحارث قال حدثنا ابن
سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثنا عبد السلام بن جبير عن أبيه قال كانت
لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقائح تكون بذى الجدر وتكون بالجماء فكان
لبنها يؤوب إلينا لقحة تدعى مهرة أرسل بها سعد بن عبادة من نعم بنى عقيل
وكانت غزيرة وكانت الريا والشقراء ابتاعهما بسوق النبط من بنى عامر وكانت
بردة والسمراء والعريس واليسيرة والحناء يحلبن ويراح إليه بلبنهن كل ليلة
وكان فيها غلام للنبي صلى الله عليه وسلم اسمه يسار فقتلوه
(ذكر أسماء منائح رسول الله صلى الله عليه وسلم)
* حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني زكرياء
ابن يحيى عن إبراهيم بن عبد الله من ولد عتبة بن غزوان قال كانت منائح رسول
الله صلى الله عليه وسلم سبعا عجوة وزمزم وسقيا وبركة وورسة وأطلال
423

وأطراف * حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد قال حدثني
أبو إسحاق عن عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس قال كانت منائح رسول الله
صلى الله عليه وسلم سبع أعنز منائح يرعاهن ابن أم أيمن
(ذكر أسماء سيوف رسول الله صلى الله عليه وسلم)
* حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثنا
أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن مروان بن أبي سعيد بن المعلى قال أصاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلاح بنى قينقاع ثلاثة أسياف سيفا قلعيا
وسيفا يدعى بتارا وسيفا يدعى الحتف وكان عنده بعد ذلك النخذم ورسوب
أصابهما من القلس وقيل إنه قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ومعه
سيفان يقال لأحدهما العضب شهد به بدرا وسيفه ذو الفقار غنمه يوم بدر كان
لمنبه بن الحجاج
(ذكر أسماء قسيه ورماحه صلى الله عليه وسلم)
* حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثنا أبو بكر
ابن عبد الله بن أبي سبرة عن مروان بن أبي سعيد بن المعلى قال أصاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم من سلاح بنى قينقاع ثلاثة أرماح وثلاث قسى قوس الروحاء وقوس
شوحط تدعى البيضاء وقوس صفراء تدعى الصفراء من نبع
ذكر أسماء دروعه صلى الله عليه وسلم
* حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثنا أبو
بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن مروان بن أبي سعيد بن المعلى قال أصاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم من سلاح بنى قينقاع درعين درع يقال لها السعدية ودرع
يقال لها فضة * حدثني الحارث قال حدثني ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال
حدثني موسى بن عمر عن جعفر بن محمود عن محمد بن مسلمة قال رأيت على رسول الله
صلى الله عليه وسلم يوم أحد درعين درعه ذات الفضول ودرعه فضة ورأيت
424

عليه يوم خيبر درعين ذات الفضول والسعدية
ذكر ترسه صلى الله عليه وسلم
* حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا عتاب بن زياد قال أخبرنا
عبد الله بن المبارك قال أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال سمعت مكحولا
يقول كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ترس فيه تمثال رأس كبش فكره
رسول الله مكانه فأصبح يوما وقد أذهبه الله عز وجل
ذكر أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم
* حدثني محمد بن المثنى قال حدثنا ابن أبي عدى عن عبد الرحمن يعنى المسعودي
عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن أبي موسى قال سمى لنا رسول الله صلى الله
عليه وعلى آله وسلم نفسه أسماء منها ما حفظنا قال أنا محمد وأحمد والمقفى والحاشر
ونبي التوبة والملحمة * حدثني ابن المثنى قال حدثنا أبو داود قال أخبرنا
إبراهيم يعنى ابن سعد عن الزهري قال أخبرني محمد بن جبير بن مطعم عن
أبيه قال قال لي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن لي أسماء أنا
محمد وأحمد والعاقب والماحي قال الزهري والعاقب الذي ليس بعده أحد والماحي
الذي يمحو الله به الكفر * حدثنا ابن المثنى قال حدثنا يزيد بن هارون قال
أخبرنا سفيان بن حسين قال حدثني الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا محمد وأحمد والماحي والعاقب والحاشر
الذي يحشر الناس على قدمي قال يزيد فسألت سفيان ما العاقب قال آخر الأنبياء
ذكر صفة النبي صلى الله عليه وسلم
* حدثني ابن المثنى قال حدثني ابن عدي عن المسعودي عن عثمان بن
عبد الله بن هرمز قال حدثني نافع بن جبير عن علي بن أبي طالب قال كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل ولا بالقصير ضخم الرأس واللحية شثن الكفين
والقدمين ضخم الكراديس مشرب وجهه الحمرة طويل المسربة إذا مشى
425

تكفأ تكفا كأنما ينحط من صبب لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم
* حدثنا ابن المثنى قال حدثنا أبو أحمد الزبيري قال حدثنا مجمع بن يحيى قال حدثنا
عبد الله بن عمران عن رجل من الأنصار لم يسمه أنه سأل علي بن أبي طالب وهو
في مسجد الكوفة محتب بحمالة سيفه فقال أنعت لي نعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال له علي كان رسول الله أبيض اللون مشربا حمرة أدعج سبط
الشعر دقيق المسربة سهل الخدين كث اللحية ذو وفرة كأن عنقه إبريق فضة
كان له شعر من لبته إلى سرته يجرى كالقضيب لم يكن في إبطه ولا صدره شعر غيره
شثن الكف والقدم إذا مشى كأنما ينحدر من صبب وإذا مشى كأنما ينقلع
من صخر وإذا التفت التفت جميعا ليس بالقصير ولا بالطويل ولا العاجز ولا اللئيم
كأن العرق في وجهه اللؤلؤ ولريح عرقه أطيب من المسك لم أر قبله ولا بعده مثله
صلى الله عليه وسلم * حدثنا ابن المقدمي قال حدثنا يحيى بن محمد بن قيس الذي
يقال له أبو زكير قال سمعت ربيعة بن أبي عبد الرحمن يذكر عن أنس بن مالك
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث على رأس أربعين فأقام بمكة عشرا
وبالمدينة عشرا وتوفى على رأس ستين ليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء
ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطويل البائن ولا القصير ولم يكن
بالأبيض الأمهق ولا الآدم ولم يكن بالجعد القطط ولا السبط * حدثني ابن
المثنى قال حدثنا يزيد بن هارون عن الجريري قال كنت مع أبي الطفيل يطوف بالبيت
فقال ما بقى أحد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم غيري قال وقلت أرأيته
قال نعم قلت كيف كان صفته قال كان أبيض مليحا مقصدا
ذكر خاتم النبوة التي كانت به صلى الله عليه وسلم
* حدثنا ابن المثنى قال حدثنا الضحاك بن مخلد قال حدثنا عزرة بن ثابت قال
حدثنا علباء قال حدثنا أبو زيد قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا زيد
ادن منى امسح ظهري وكشف عن ظهره قال فمسيت ظهره ثم وضعت أصبعي
426

على الخاتم فغمزتها قال قلت وما الخاتم قال شعر مجمع كان على كتفيه * حدثنا
ابن المثنى قال حدثنا بشر بن الوضاح أبو الهيثم قال حدثنا أبو عقيل الدورقي
عن أبي نضرة قال سألت أبا سعيد الخدري عن الخاتم التي كانت للنبي صلى الله
عليه وسلم قال كانت بضعة ناشزة
ذكر شجاعته وجوده صلى الله عليه وسلم
* حدثنا ابن المثنى قال حدثنا حماد بن واقد عن ثابت عن أنس قال كان نبي الله
صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس وأسمح الناس وأشجع الناس لقد كان
فزع بالمدينة فانطلق أهل المدينة نحو الصوت فإذا هم قد تلقوا رسول الله صلى الله
عليه وسلم على فرس عرى لأبي طلحة ما عليه سرج وعليه السيف قال وقد
كان سبقهم إلى الصوت قال فجعل يقول يا أيها الناس لن تراعوا لن تراعوا
مرتين ثم قال يا أبا طلحة وجدناه بحرا وقد كان الفرس يبطأ فما سبقه
فرس بعد ذلك * حدثنا ابن المثنى قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال حدثنا
حماد بن زيد عن ثابت عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
أشجع الناس وأجود الناس كان فزع بالمدينة فخرج الناس قبل الصوت فاستبرأ
الفزع على فرس لأبي طلحة عرى ما عليه سرج في عنقه السيف قال وجدناه
بحرا أو قال وإنه لبحر
ذكر صفة شعره صلى الله عليه وسلم وهل كان يخضب أم لا
* حدثنا ابن المثنى قال حدثنا معاذ بن معاذ قال حدثنا حريز بن عثمان قال
أبو موسى قال معاذ وما رأيت من رجل قط من أهل الشأم أفضله عليه قال دخلنا
على عبد الله بن بسر فقلت له من بين أصحابي أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
أشيخا كان قال فوضع يده على عنفقته وقال كان في عنفقته شعر أبيض * حدثنا
ابن المثنى قال حدثنا أبو داود قال حدثنا زهير عن أبي إسحاق عن أبي جحيفة قال
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنفقته بيضاء قيل مثل من أنت يومئذ
427

يا أبا جحيفة قال أبرى النبل وأريشها * حدثني ابن المثنى قال حدثنا خالد بن الحارث
قال حدثنا حميد قال سئل أنس أخضب رسول الله قال فقال أنس لم يشتد برسول
الله الشيب ولكن خضب أبو بكر بالحناء والكتم وخضب عمر بالحناء * حدثنا
ابن المثنى قال حدثنا ابن أبي عدى عن حميد قال سئل أنس هل خضب رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال لم ير من الشيب إلا نحو من تسع عشرة أو عشرين شعرة
بيضاء في مقدم لحيته قال إنه لم يشن بالشيب فقيل لأنس وشين هو قال كلكم
يكرهه ولكن خضب أبو بكر بالحناء والكتم وخضب عمر بالحناء * حدثنا ابن
المثنى قال حدثنا معاذ بن معاذ قال حدثنا حميد عن أنس قال لم يكن الشيب الذي
بالنبي صلى الله عليه وسلم عشرين شعرة * حدثنا ابن المثنى قال حدثنا عبد الرحمن
قال حدثنا حماد بن سلمة عن سماك عن جابر بن سمرة قال ما كان في رأس رسول
الله صلى الله عليه وسلم من الشيب إلا شعرات في مفرق رأسه وكان إذا دهنه
غطاهن * حدثنا ابن المثنى قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال حدثنا سلام بن أبي
مطيع عن عثمان بن عبد الله بن موهب قال دخلت زوج النبي صلى الله عليه وسلم
فأخرجت إلينا شعرا من شعر رسول الله مخضوبا بالحناء والكتم * حدثنا ابن جابر
ابن الكردي الواسطي قال حدثنا أبو سفيان قال حدثنا الضحاك بن حمرة
عن غيلان بن جامع عن أياد بن لقيط عن أبي رمثة قال كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يخضب بالحناء والكتم وكان يبلغ شعره كتفيه أو منكبيه
- الشك من أبي سفيان - * حدثنا ابن المثنى قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن
إبراهيم يعنى ابن نافع عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن أم هانئ قالت رأيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم وله ضفائر أربع
ذكر الخبر عن بدء مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم
الذي توفى فيه وما كان منه قبيل ذلك لما نعيت إليه نفسه صلى الله عليه وسلم
(قال أبو جعفر) يقول الله عز وجل (إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت
428

الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان
توابا) قد مضى ذكرنا قبل ما كان من تعليم رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه
في حجته التي حجها المسماة حجة الوداع وحجة التمام وحجة البلاغ مناسكهم ووصيته
إياهم بما قد ذكرت قبل في خطبته التي خطبها بهم فيها ثم إن رسول الله صلى الله عليه
وسلم انصرف من سفره ذلك بعد فراغه من حجه إلى منزله بالمدينة في بقية ذي الحجة
فأقام بها ما بقى من ذي الحجة والمحرم والصفر
ثم دخلت سنه إحدى عشرة
ذكر الاحداث التي كانت فيها
(قال أبو جعفر) ثم ضرب في المحرم من سنة إحدى عشرة على الناس بعثا
إلى الشام وأمر عليهم مولاه وابن مولاه أسامة بن زيد بن حارثة وأمره فيما حدثنا
ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش
ابن أبي ربيعة أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين فتجهز
الناس وأوعب مع أسامة المهاجرون الأولون فبينا الناس على ذلك ابتدئ صلى
الله عليه وسلم شكواه التي قبضه الله عز وجل فيها إلى ما أراد به من رحمته وكرامته
في ليال بقين من صفر أو في أول شهر ربيع الأول * حدثنا عبيد الله بن سعيد
الزهري قال حدثني عمى يعقوب قال حدثنا إبراهيم قال أخبرنا سيف بن عمر قال
حدثنا عبد الله بن سعيد بن ثابت بن الجزع الأنصاري عن عبيد بن حنين مولى
النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي مويهبة مولى رسول الله قال رجع رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلى المدينة بعدما قضى حجة التمام فتحلل به السير وضرب على
الناس بعثا وأمر عليهم أسامة بن زيد وأمره أن يوطئ من آبل الزيت من
مشارف الشأم الأرض بالأردن فقال المنافقون في ذلك ورد عليهم النبي صلى
الله عليه وسلم إنه لخليق لها أي حقيق بالامارة وإن قلتم فيه لقد قلتم في أبيه
من قبل وإن كان لخليقا لها فطار الاخبار بتحلل السير بالنبي صلى الله عليه وسلم
429

إن النبي قد اشتكى فوثب الأسود باليمن ومسيلمة باليمامة وجاء الخبر عنهما
للنبي صلى الله عليه وسلم ثم وثب طليحة في بلاد أسد بعد ما أفاق النبي صلى الله
عليه وسلم ثم اشتكى في المحرم وجعه الذي قبضه الله تعالى فيه * حدثنا ابن سعيد
قال حدثني عمى يعقوب قال أخبرنا صيف قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه
قال اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه الذي توفاه الله به في
عقب المحرم (وقال الواقدي) بدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه لليلتين
بقيتا من صفر * حدثنا عبيد الله بن سعيد قال حدثني عمى قال حدثنا سيف
ابن عمر قال حدثنا المستنير بن يزيد النخعي عن عروة بن غزية الدثيني عن
الضحاك بن فيروز بن الديلمي عن أبيه قال إن أول ردة كانت في الاسلام باليمن
كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على يدي ذوي الخمار عبهلة بن كعب
وهو الأسود في عامة مذحج خرج بعد الوداع كان الأسود كاهنا شعباذا وكان
يريهم الأعاجيب ويسبي قلوب من سمع منطقه وكان أول ما خرج أن خرج من
كهف خبان وهى كانت داره وبها ولد ونشأ فكاتبته مذحج وواعده نجران
فوثبوا بها وأخرجوا عمرو بن حزم وخالد بن سعيد بن لعاص وأنزلوه منزلهما
ووثب قيس بن عبد يغوث على فروة بن مسيك وهو على مراد فأجلاه ونزل
منزله فلم ينشب عبلهة بنجران أن سار إلى صنعاء فأخذها وكتب بذلك إلى
النبي صلى الله عليه وسلم من فعله ونزوله صنعاء وكان أول خبر وقع به عنه من
قبل فروة بن مسيك ولحق بفروة من تم على الاسلام من مذحج فكانوا
بالأحسية ولم يكاتبه الأسود ولم يرسل إليه لأنه لم يكن معه أحد يشاغبه وصفا
له ملك اليمن * حدثنا عبيد الله قال أخبرني عمى يعقوب قال حدثني سيف قال حدثنا
طلحة بن الأعلم عن عكرمة عن ابن عباس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم قد
ضرب بعث أسامة فلم يستتب لوجع رسول الله ولخلع مسيلمة والأسود وقد
أكثر المنافقون في تأمير أسامة حتى بلغه فخرج النبي صلى الله عليه وسلم على الناس
عاصبا رأسه من الصداع لذلك من الشأن وانتشاره لرؤيا رآها في بيت عائشة
430

فقال إني رأيت البارحة فيما يرى النائم أن في عضدي سوارين من ذهب فكرهتهما
فنفختهما فطارا فأولتهما هذين الكذابين صاحب اليمامة وصاحب اليمن وقد بلغني
أن أقواما يقولون في إمارة أسامة ولعمري لئن قالوا في إمارته لقد قالوا في إمارة
أبيه من قبله وإن كان أبوه لخليقا للامارة وإنه لخليق لها فأنفذوا بعد أسامة وقال
لعن الله الذين يتخذون قبور أنبيائهم مساجد فخرج أسامة فضرب بالجرف وأنشأ
الناس في العسكر ونجم طليحة وتمهل الناس وثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلم يستتم الامر ينظرون أولهم آخرهم حتى توفى الله عز وجل نبيه صلى الله
عليه وسلم * كتب إلى السرى بن يحيى يقول حدثنا شعيب بن إبراهيم التميمي عن
سيف بن عمر قال حدثنا سعيد بن عبيد أبو يعقوب عن أبي ماجد الأسدي عن
الحضرمي بن عامر الأسدي قال سألته عن أمر طليحة بن خويلد فقال وقع بنا
الخبر بوجع النبي صلى الله عليه وسلم ثم بلغنا أن مسيلمة قد غلب على اليمامة
وأن الأسود قد غلب على اليمن فلم يلبث إلا قليلا حتى ادعى طليحة النبوة وعسكر
بسميراء واتبعه العوام واستكثف أمره وبعث حبال ابن أخيه إلى النبي صلى الله
عليه وسلم يدعوه إلى الموادعة ويخبره خبره وقال حبال إن الذي يأتيه ذو النون
فقال لقد سمى ملكا فقال حبال أنا ابن خويلد فقال النبي صلى الله عليه وسلم قتلك
الله وحرمك الشهادة * وحدثني عبيد الله بن سعيد قال أخبرنا عمى يعقوب قال
أخبرنا سيف قال وحدثنا سعيد بن عبيد عن حريث بن المعلى أن أول من كتب
إلى النبي صلى الله عليه وسلم بخبر طليحة سنان بن أبي سنان وكان على بنى مالك
وكان قضاعى بن عمرو على بنى الحارث * حدثنا عبيد الله بن سعيد قال أخبرنا
عمى قال أخبرنا سيف قال أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه قال حاربهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم بالرسل قال فأرسل إلى نفر من الأبناء رسولا وكتب إليهم أن
يحاولوه وأمرهم أن يستنجدوا رجالا قد سماهم من بنى تميم وقيس وأرسل إلى
أولئك النفر أن ينجدوهم ففعلوا ذلك وانقطعت سبل المرتدة وطعنوا في نقصان
وأغلقهم واشتغلوا في أنفسهم فأصيب الأسود في حياة رسول الله صلى الله عليه
431

وسلم وقبل وفاته بيوم أو بليلة ولظ طليحة ومسيلمة وأشباههم بالرسل ولم يشغله
ما كان فيه من الوجع عن أمر الله عز وجل والذب عن دينه فبعث وبر بن يحنس
إلى فيروز وجشيش الديلمي وداذويه الإصطخري وبعث جرير بن عبد الله إلى
ذي الكلاع وذي ظليم وبعث الأقرع بن عبد الله الحميري إلى ذي زود وذي مران
وبعث فرات بن حيان العجلي إلى ثمامة بن أثال وبعث زياد بن حنظلة التميمي
ثم العمرى إلى قيس بن عاصم والزبرقان بن بدر وبعث صلصل بن شرحبيل
إلى سبرة العنبري ووكيع الدارمي وإلى عمرو بن المحجوب العامري وإلى عمرو
ابن الخفاجي من بنى عامر وبعث ضرار بن الأزور الأسدي إلى عوف الزرقاني
من بنى الصيداء وسنان الأسدي ثم الغنمي وقضاعي الديلمي وبعث نعيم بن
مسعود الأشجعي إلى ابن ذي اللحية وابن مشيمصة الجبيري * وحدثت عن هشام
ابن محمد عن أبي مخنف قال حدثنا الصقعب بن زهير عن فقهاء أهل الحجاز أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم وجع وجعه الذي قبض فيه في آخر صفر في
أيام بقين منه وهو في بيت زينب بنت جحش * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة
وعلي بن مجاهد عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن عمر بن علي عن عبيد بن جبير
مولى الحكم بن أبي العاص عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبي مويهبة مولى
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم من جوف
الليل فقال لي يا أبا مويهبة إني قد أمرت أن أستغفر لأهل البقيع فانطلق معي
فانطلقت معه فلما وقف بين أظهرهم قال السلام عليكم أهل المقابر ليهن لكم ما أصبحتم
فيه مما أصبح الناس فيه أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها الآخرة شر
من الأولى ثم أقبل على فقال يا أبا مويهبة إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها
ثم الجنة خيرت بين ذلك وبين لقاء ربى والجنة فاخترت لقاء ربى والجنة قال قلت بأبي أنت
وأمي فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة فقال لا والله يا أبا مويهبة لقد اخترت
لقاء ربى والجنة ثم استغفر لأهل البقيع ثم انصرف فبدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم
بوجعه الذي قبض فيه * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثنا محمد بن
432

إسحاق * وحدثني ابن حميد قال حدثنا علي بن مجاهد قال حدثنا ابن إسحاق عن
يعقوب بن عتبة عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عبيد الله بن عبد الله
ابن عتبة عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت رجع رسول الله صلى الله
عليه وسلم من البقيع فوجدني وأنا أجد صداعا في رأسي وأنا أقول وا رأساه
قال بل أنا والله يا عائشة وا رأساه ثم قال ما ضرك لو مت قبلي فقمت عليك
وكفنتك وصليت عليك ودفنتك فقلت والله لكأني بك لو فعلت ذلك رجعت
إلى بيتي فأعرست ببعض نسائك قالت فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتتام
به وجعه وهو يدور على نسائه حتى استعز به وهو في بيت ميمونة فدعا نساءه
فاستأذنهن أن يمرض في بيتي فأذن له فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بين
رجلين من أهله أحدهما الفضل بن العباس ورجل آخر تخط قدماه الأرض
عاصبا رأسه حتى دخل بيتي (قال عبيد الله) فحدثت هذا الحديث عنها عبد الله
ابن عباس فقال هل تدرى من الرجل قلت لا قال علي بن أبي طالب ولكنها
كانت لا تقدر على أن تذكره بخير وهى تستطيع ثم غمر رسول الله صلى الله
عليه وسلم واشتد به الوجع فقال أهريقوا على من سبع قرب من آبار شتى حتى
أخرج إلى الناس فأعهد إليهم قالت فأقعدناه في مخضب لحفصة بنت عمر ثم صببنا
عليه الماء حتى طفق يقول حسبكم حسبكم * فحدثني حميد بن الربيع الخراز قال
حدثنا معن بن عيسى قال حدثنا الحارث بن عبد الملك بن عبد الله بن اياس الليثي
ثم الأشجعي عن القاسم بن يزيد عن عبد الله بن قسيط عن أبيه عن عطاء عن ابن
عباس عن أخيه الفضل بن عباس قال جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم
فخرجت إليه فوجدته موعوكا قد عصب رأسه فقال خذ بيدي يا فضل فأخذت
بيده حتى جلس على المنبر ثم قال ناد في الناس فاجتمعوا إليه فقال أما بعد أيها
الناس فانى أحمد إليكم الله الذي لا اله الا هو وانه قد دنا منى حقوق من بين
أظهركم فمن كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقدمنه ومن كنت شتمت له
عرضا فهذا عرضي فليستقدمنه ألا وان الشحناء ليست من طبعي ولا من شأني
433

ألا وإن أحبكم إلى من أخذ منى حقا إن كان له أو حللني فلقيت الله وأنا أطيب
النفس وقد أرى أن هذا غير مغن عنى حتى أقوم فيكم مرارا (قال الفضل)
ثم نزل فصلى الظهر ثم رجع فجلس على المنبر فعاد لمقالته الأولى في الشحناء وغيرها
فقام رجل فقال يا رسول الله ان لي عندك ثلاثة دراهم قال أعطه يا فضل فأمرته
فجلس ثم قال أيها الناس من كان عنده شئ فليؤده ولا يقل فضوح الدنيا ألا وإن فضوح
الدنيا أيسر من فضوح الآخرة فقام رجل فقال يا رسول الله عندي ثلاثة دراهم غللتها في
سبيل الله قال ولم غللتها قال كنت إليها محتاجا قال خذها منه يا فضل ثم قال يا أيها
الناس من خشى من نفسه شيئا فليقم أدع له فقام رجل فقال يا رسول الله انى
لكذاب إني لفاحش وانى لنؤوم فقال اللهم ارزقه صدقا وإيمانا واذهب عنه النوم إذا
أراد ثم قام رجل فقال والله يا رسول الله إني لكذاب وانى لمنافق وما شئ أو إن شئ
الا قد جنيته فقام عمر بن الخطاب فقال فضحت نفسك أيها الرجل فقال النبي
صلى الله عليه وسلم يا ابن الخطاب فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة اللهم
ارزقه صدقا وايمانا وصير أمره إلى خير فقال عمر كلمه فضحك رسول الله ثم
قال عمر معي وأنا مع عمر والحق بعدي مع عمر حيث كان * حدثنا ابن حميد
قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن الزهري عن أيوب بن بشير ان رسول الله
صلى الله عليه وسلم خرج عاصبا رأسه حتى جلس على المنبر ثم كان أول ما تكلم
به أن صلى على أصحاب أحد واستغفر لهم وأكثر الصلاة عليهم ثم قال (أن عبدا؟
من عباد الله خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله قال ففهمها
أبو بكر وعلم أن نفسه يريد فبكى وقال بل نفديك بأنفسنا وأبنائنا فقال على
رسلك يا أبا بكر انظروا هذه الأبواب الشوارع اللافظة في المسجد فسدوها
إلا ما كان من بيت أبى بكر فانى لا أعلم أحدا كان أفضل عندي في الصحبة يدا
منه * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن عبد الله
عن بعض آل أبي سعيد بن المعلى أن رسول الله قال يومئذ في كلامه هذا فانى
لو كنت متخذا من العباد خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن صحبة وإخاء ايمان
434

حتى يجمع الله بيننا عنده * وحدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال حدثني عمى
عبد الله بن وهب قال حدثنا مالك عن أبي النضر عن عبيد بن حنين عن أبي سعيد
الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس يوما على المنبر فقال إن عبدا خيره
الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عند الله فاختار ما عند الله فبكى
أبو بكر ثم قال فديناك بآبائنا وأمهاتنا يا رسول الله قال فتعجبنا له وقال الناس
انظروا إلى هذا الشيخ يخبر رسول الله عن عبد يخير ويقول فديناك بآبائنا وأمهاتنا
قال فكان رسول الله هو المخير وكان أبو بكر أعلمنا به فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم إن أمن الناس على في صحبته وماله أبو بكر ولو كنت متخذا خليلا
لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أخوة الاسلام لا تبق خوخة في المسجد الا
خوخة أبى بكر * حدثني محمد بن عمر بن الصباح الهمداني قال حدثنا يحيى بن
عبد الرحمن قال حدثنا مسلم بن جعفر البجلي قال سمعت عبد الملك بن الأصبهاني
عن خلاد الأسدي قال قال عبد الله بن مسعود نعى إلينا نبينا وحبيبنا نفسه قبل
موته بشهر فلما دنا الفراق جمعنا في بيت أمنا عائشة فنظر إلينا وشدد فدمعت عينه
وقال مرحبا بكم رحمكم الله آواكم الله حفظكم الله رفعكم الله نفعكم الله وفقكم الله نصركم
الله سلمكم الله رحمكم الله قبلكم الله أوصيكم بتقوى الله وأوصى الله بكم وأستخلفه
عليكم وأؤديكم إليه انى لكم نذير وبشير لا تعلوا على الله في عباده وبلاده فإنه قال لي ولكم
تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين
وقال أليس في جهنم مثوى للمتكبرين فقلنا متى أجلك قال قد دنا الفراق والمنقلب
إلى الله وإلى سدرة المنتهى قلنا فمن يغسلك يا نبي الله قال أهلي الأدنى فالأدنى قلنا
ففيم نكفنك يا نبي الله قال في ثيابي هذه إن شئتم أو في بياض مصر أو حلة يمانية
قلنا فمن يصلى عليك يا نبي الله قال مهلا غفر الله لكم وجزاكم عن نبيكم خيرا فبكينا
وبكى النبي صلى الله عليه وسلم وقال إذا غسلتموني وكفنتموني فضعوني على
سريري في بيتي هذا على شفير قبري ثم اخرجوا عنى ساعة فان أول من يصلى علي
جليسي وخليلي جبريل ثم ميكائيل ثم إسرافيل ثم ملك الموت مع جنود كثيرة
435

من الملائكة بأجمعها ثم ادخلوا علي فوجا فوجا فصلوا علي وسلموا تسليما ولا
تؤذونني بتزكية ولا برنة ولا صيحة وليبدأ بالصلاة على رجال أهل بيتي ثم نساؤهم
ثم أنتم بعد أقرؤا أنفسكم منى السلام فإني أشهدكم أنى قد سلمت على من بايعني على
ديني من اليوم إلى يوم القيامة قلنا فمن يدخلك في قبرك يا نبي الله قال أهلي
مع ملائكة كثيرين يرونكم من حيث لا ترونهم * حدثنا أحمد بن حماد الدولابي
قال حدثنا سفيان عن سليمان بن أبي مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال
يوم الخميس وما يوم الخميس قال اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه
فقال ائتوني اكتب لكم كتابا لا تضلوا بعدي أبدا فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي أن
يتنازع فقالوا ما شأنه أهجر استفهموه فذهبوا يعيدون عليه فقال دعوني فما أنا فيه
خير مما تدعونني إليه وأوصى بثلاث قال أخرجوا المشركين من جزيرة العرب
وأجيزوا الوفد بنحو مما كنت أجيزهم وسكت عن الثالثة عمدا أو قال فنسيتها
* حدثنا أبو كريب قال حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا ابن عيينة عن سليمان الأحول
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال يوم الخميس ثم ذكر نحو حديث أحمد بن
حماد غير أنه قال ولا ينبغي عند نبي أن ينازع * حدثنا أبو كريب وصالح بن سمال
قال حدثنا وكيع عن مالك بن مغول عن طلحة بن مصرف عن سعيد بن جبير
عن ابن عباس قال يوم الخميس وما يوم الخميس قال ثم نظرت إلى دموعه تسيل
على خديه كأنها نظام اللؤلؤ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ائتوني باللوح
والدواة أو بالكتف والدواة أكتب لكم كتابا لا تضلون بعده قال فقالوا إن
رسول الله يهجر * حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال حدثني عمى عبد الله
ابن وهب قال أخبرني يونس عن الزهري قال أخبرني عبد الله بن كعب بن مالك
أن ابن عباس أخبره أن علي بن أبي طالب خرج من عند رسول الله صلى الله
عليه وسلم في وجعه الذي توفى فيه فقال الناس يا أبا حسن كيف أصبح رسول
الله قال أصبح بحمد الله بارئا فأخذ بيده عباس بن عبده المطلب فقال ألا ترى
أنك بعد ثلاث عبد العصا وانى أرى رسول الله سيتوفى في وجعه هذا وإني
436

لأعرف وجوه بنى عبد المطلب عند الموت فاذهب إلى رسول الله فسله فيمن
يكون هذا الامر فإن كان فينا علمنا ذلك وإن كان في غيرنا أمر به فأوصى بنا قال
علي والله لئن سألناها رسول الله فمنعناها لا يعطيناها الناس أبدا والله لا أسألها
رسول الله أبدا * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثنا محمد بن إسحاق عن
الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك عن عبد الله بن عباس قال خرج يومئذ علي
ابن أبي طالب على الناس من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر نحوه
غير أنه قال في حديثه أحلف بالله لقد عرفت الموت في وجه رسول الله كما كنت
أعرفه في وجوه بنى عبد المطلب فانطلق بنا إلى رسول الله فإن كان هذا الامر فينا
علمنا وإن كان في غيرنا أمرنا فأوصى بنا الناس وزاد فيه أيضا فتوفى رسول الله
حين اشتد الضحى من ذلك اليوم * حدثنا سعيد بن يحيى الأموي قال حدثنا أبي
عن عروة عن عائشة قالت قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرغوا على من
سبع قرب من سبع آبار شتى لعلى أخرج إلى الناس فأعهد إليهم * قال محمد عن
محمد بن جعفر عن عروة عن عائشة قالت فصببنا عليه من سبع قرب فوجد راحة
فخرج فصلى بالناس وخطبهم واستغفر للشهداء من أصحاب أحد ثم أوصى بالأنصار
خيرا فقال أما بعد يا معشر المهاجرين إنكم قد أصبحتم تزيدون وأصبحت الأنصار
لا تزيد على هيئتها التي هي عليها اليوم والأنصار عيبتي التي أويت إليها فأكرموا
كريمهم وتجاوزوا عن مسيئهم ثم قال إن عبدا من عباد الله قد خير بين ما عند الله
وبين الدنيا فاختار ما عند الله فلم يفقهها إلا أبو بكر ظن أنه يريد نفسه فبكى فقال
له النبي صلى الله عليه وسلم على رسلك يا أبا بكر سدوا هذه الأبواب الشوارع في
المسجد إلا باب أبى بكر فإني لا أعلم امرءا أفضل يدا في الصحابة من أبى بكر
* حدثنا عمرو بن علي قال حدثنا يحيى بن سعيد القطان قال حدثنا سفيان قال
حدثنا موسى بن أبي عائشة عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة قالت
لددنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه فقال لا تلدوني فقلنا كراهية
المريض الدواء فلما أفاق قال لا يبقى منكم أحد إلا لد غير العباس فإنه لم يشهدكم
437

حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق في حديثه الذي ذكرناه عنه
عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن عائشة قالت ثم نزل رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وسلم فدخل بيته وتتام به وجعه حتى غمر واجتمع
عنده نساء من نسائه أم سلمة وميمونة ونساء من نساء المؤمنين منهن أسماء بنت
عميس وعنده عمه العباس بن عبد المطلب وأجمعوا على أن يلدوه فقال العباس
لألدنه قال فلد فلما أفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من صنع بي
هذا قالوا يا رسول الله عمك العباس قال هذا دواء أتى به نساء من نحو هذه
الأرض وأشار نحو أرض الحبشة قال ولم فعلتم ذلك فقال العباس خشينا
يا رسول الله أن يكون بك وجع ذات الجنب فقال إن ذلك لداء ما كان الله
ليعذبني به لا يبقى في البيت أحد إلا لد إلا عمى قال فلقد لدت ميمونة وإنها لصائمة
لقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم عقوبة لهم بما صنعوا * حدثنا ابن حميد
قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة أن
عائشة حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قالوا خشينا أن يكون بك
ذات الجنب قال إنها من الشيطان ولم يكن الله ليسلطها على * حدثت عن هشام
ابن محمد عن أبي مخنف قال حدثني الصقعب بن زهير عن فقهاء أهل الحجاز أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم ثقل في وجعه الذي توفى فيه حتى أغمي عليه
فاجتمع إليه نساؤه وابنته وأهل بيته والعباس بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب
وجميعهم وأن أسماء بنت عميس قالت ما وجعه هذا إلا ذات الجنب فلدوه فلددناه
فلما أفاق قال من فعل بي هذا قالوا لدتك أسماء بنت عميس ظنت أن بك ذات
الجنب قال أعوذ بالله أن يبليني بذات الجنب أنا أكرم على الله من ذلك * حدثنا
ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن سعيد بن عبيد بن السباق عن محمد
ابن أسامة بن زيد عن أبيه أسامة بن زيد قال لما ثقل رسول الله صلى الله عليه
وسلم هبطت وهبط الناس معي إلى المدينة فدخلنا على رسول الله صلى الله عليه
وسلم وقد أصمت فلا يتكلم فجعل يرفع يده إلى السماء ثم يضعها علي فعرفت أنه
438

يدعو لي * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله
ابن عبد الله عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ما أسمعه
وهو يقول إن الله عز وجل لم يقبض نبيا حتى يخيره * حدثنا أبو كريب قال
حدثنا يونس بن بكير قال حدثنا يونس بن عمرو عن أبيه عن الأرقم بن
شرحبيل قال سألت ابن عباس أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا قلت
فكيف كان ذلك قال قال رسول الله ابعثوا إلى علي فادعوه فقالت عائشة لو بعثت
إلى أبى بكر وقالت حفصة لو بعثت إلى عمر فاجتمعوا عنده جميعا فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم انصرفوا فان تك لي حاجة أبعث إليكم فانصرفوا وقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم آن الصلاة قيل نعم قال فأمروا أبا بكر ليصلى بالناس
فقالت عائشة انه رجل رقيق فمر عمر فقال مروا عمر فقال عمر ما كنت لاتقدم
وأبو بكر شاهد فتقدم أبو بكر ووجد رسول الله خفة فخرج فلما سمع أبو بكر
حركته تأخر فجذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه فأقامه مكانه وقعد
رسول الله فقرأ من حيث انتهى أبو بكر * حدثنا ابن وكيع قال حدثنا أبي عن
الأعمش قال حدثنا أبو هشام الرفاعي قال حدثنا أبو معاوية ووكيع قالا حدثنا
الأعمش وحدثنا عيسى بن عثمان بن عيسى عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود
عن عائشة قالت لما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم المرض الذي مات فيه
أذن بالصلاة فقال مروا أبا بكر أن يصلى بالناس فقلت إن أبا بكر رجل رقيق
وإنه متى يقوم مقامك لا يطيق قال فقال مروا أبا بكر يصلى بالناس فقلت مثل
ذلك فغضب وقال إنكن صواحب يوسف وقال ابن وكيع صواحبات يوسف
مروا أبا بكر يصلى بالناس قال فخرج يهادى بين رجلين وقدماه تخطان في الأرض
فلما دنا من أبى بكر تأخر أبو بكر فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قم
في مقامك فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى إلى جنب أبى بكر جالسا
قالت فكان أبو بكر يصلى بصلاة النبي وكان الناس يصلون بصلاة أبى بكر. اللفظ
لحديث عيسى بن عثمان * حدثت عن الواقدي قال سألت ابن أبي سبرة كم صلى
أبا بكر بالناس قال سبع عشرة صلاة قلت من أخبرك قال أيوب بن عبد الرحمن
439

ابن أبي صعصعة عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم * قال وحدثنا ابن أبي
سبرة عن عبد المجيد بن سهيل عن عكرمة قال صلى بهم أبو بكر ثلاثة أيام
* حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال حدثنا شعيب بن الليث عن الليث عن
يزيد بن الهاد عن موسى بن سرجس عن القاسم عن عائشة قالت رأيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يموت وعنده قدح فيه ماء يدخل يده في القدح ثم يمسح وجهه
بالماء ثم يقول اللهم أعنى على سكرة الموت * حدثني محمد بن خلف العسقلاني قال
حدثنا آدم قال حدثنا الليث بن سعد عن ابن الهاد عن موسى بن سرجس عن
القاسم بن محمد عن عائشة قالت رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يموت
ثم ذكر مثله إلا أنه قال أعنى على سكرات الموت * حدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة عن ابن إسحاق عن الزهري قال حدثنا أنس بن مالك قال لما كان يوم
الاثنين اليوم الذي قبض فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الناس
وهم يصلون الصبح فرفع الستر وفتح الباب فخرج رسول الله حتى قام بباب
عائشة فكاد المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم برسول الله صلى الله عليه وسلم
حين رأوه فرحا به وتفرجوا فأشار بيده أن أثبتوا على صلاتكم وتبسم رسول
الله فرحا لما رأى من هيئتهم في صلاتهم وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
أحسن هيئة منه تلك الساعة ثم رجع وانصرف الناس وهم يظنون أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قد أفاق من وجعه فرجع أبو بكر إلى أهله بالسنح
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي
مليكة قال لما كان يوم الاثنين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عاصبا
رأسه إلى الصبح وأبو بكر يصلى بالناس فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم
تفرج الناس فعرف أبو بكر أن الناس لم يفعلوا ذلك إلا لرسول الله صلى الله عليه
وسلم فنكص عن مصلاه فدفع رسول الله في ظهره وقال صل بالناس وجلس
رسول الله إلى جنبه فصلى قاعدا عن يمين أبى بكر فلما فرغ من الصلاة أقبل على
الناس وكلمهم رافعا صوته حتى خرج صوته من باب المسجد يقول يا أيها الناس
440

سعرت النار وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم وإني والله لا تمسكون على شيئا إني لم أحل
لكم إلا ما أحل لكم القرآن ولم أحرم عليكم إلا ما أحرم عليكم القرآن فلما فرغ رسول الله
صلى الله عليه وسلم من كلامه قال له أبو بكر يا نبي الله إني أراك قد أصبحت
بنعمة الله وفضله كما نحب واليوم يوم ابنة خارجة فآتيها ثم دخل رسول الله صلى
الله عليه وسلم وخرج أبو بكر إلى أهله بالسنح * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة
عن ابن إسحاق عن يعقوب بن عتبة عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت رجع
رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم حين دخل من المسجد فاضطجع في
حجري فدخل علي رجل من آل أبي بكر في يده سواك أخضر * قالت فنظر رسول
الله صلى الله عليه وسلم إلى يده نظرا عرفت أنه يريده فأخذته فمضغته حتى ألنته
ثم أعطيته إياه قالت فاستن به كأشد ما رأيته يستن بسواك قبله ثم وضعه ووجدت
رسول الله يثقل في حجري قالت فذهبت أنظر في وجهه فإذا نظره قد شخص
وهو يقول بل الرفيق الاعلى من الجنة قالت قلت خيرت فاخترت والذي بعثك بالحق
قالت وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة
عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن الزبير عن أبيه عباد قال سمعت عائشة تقول
مات رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري وفى دوري ولم أظلم فيه
أحدا فمن سفهي وحداثة سنى أن رسول الله قبض وهو في حجري ثم وضعت
رأسه على وسادة وقمت ألتدم مع النساء وأضرب وجهي
ذكر الأخبار الواردة
باليوم الذي توفى فيه رسول الله ومبلغ سنه يوم وفاته صلى الله عليه وسلم
(قال أبو جعفر) أما اليوم الذي مات فيه رسول الله صلى الله عليه وعلى
آله وسلم فلا خلاف بين أهل العلم بالاخبار فيه أنه كان يوم الاثنين من شهر
ربيع الأول غير أنه اختلف في أي الاثانين كان موته صلى الله عليه وسلم فقال
بعضهم في ذلك ما حدثت عن هشام بن محمد بن السائب عن أبي مخنف قال حدثنا
441

الصقعب بن زهير عن فقهاء أهل الحجاز قالوا قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم
نصف النهار يوم الاثنين لليلتين مضتا من شهر ربيع الأول وبويع أبو بكر يوم
الاثنين في اليوم الذي قبض فيه النبي صلى الله عليه وسلم وقال الواقدي توفى يوم
الاثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول ودفن من الغد نصف النهار
حين زاغت الشمس وذلك يوم الثلاثاء (قال أبو جعفر) توفى رسول الله صلى
الله عليه وسلم وأبو بكر بالسنح وعمر حاضر * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة
عن ابن إسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال لما توفى رسول
الله صلى الله عليه وسلم قام عمر بن الخطاب فقال إن رجالا من المنافقين يزعمون
أن رسول الله توفى وأن رسول الله والله ما مات ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب
موسى بن عمران فغاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع بعد أن قيل قد مات والله
ليرجعن رسول الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أن رسول الله مات
قال وأقبل أبو بكر حتى نزل على باب المسجد حين بلغه الخبر وعمر يكلم الناس
فلم يلتفت إلى شئ حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة
ورسول الله مسجى في ناحية البيت عليه برد حبرة فأقبل حتى كشف عن وجهه
ثم أقبل عليه فقبله ثم قال بأبي أنت وأمي أما الموتة التي كتب الله عليك فقد ذقتها ثم
لن يصيبك بعدها موتة أبدا ثم رد الثوب على وجهه ثم خرج وعمر يكلم الناس
فقال على رسلك يا عمر فأنصت فأبى إلا أن يتكلم فلما رآه أبو بكر لا ينصت أقبل
على الناس فلما سمع الناس كلامه أقبلوا عليه وتركوا عمر فحمد الله وأثنى عليه ثم
قال أيها الناس إنه من كان يعبد محمدا فان محمد قد مات ومن كان يعبد الله فان
الله حي لا يموت ثم تلا هذه الآية وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل إلى
آخر الآية قال فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت على رسول الله
صلى الله عليه وسلم حتى تلاها أبو بكر يومئذ قال وأخذها الناس عن أبي بكر
فإنما هي في أفواههم قال أبو هريرة قال عمر والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر
يتلوها فعقرت حتى وقعت إلى الأرض ما تحملني رجلاي وعرفت أن رسول الله
442

قد مات * حدثنا ابن حميد قال حدثنا جرير عن مغيرة عن أبي معشر زياد بن
كليب عن أبي أيوب عن إبراهيم قال لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم
كان أبو بكر غائبا فجاء بعد ثلاث ولم يجترئ أحد أن يكشف عن وجهه حتى
أربد بطنه فكشف عن وجهه وقبل بين عينيه ثم قال بأبي أنت وأمي طبت حيا
وطبت ميتا ثم خرج أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال من كان يعبد الله فان
الله حي لا يموت ومن كان يعبد محمدا فان محمدا قد مات ثم قرأ (وما محمد إلا رسول
قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على
عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزى الله الشاكرين) وكان عمر يقول لم يمت وكان
يتوعد الناس بالقتل في ذلك فاجتمع الأنصار في سقيفة بنى ساعدة ليبايعوا سعد
ابن عبادة فبلغ ذلك أبا بكر فأتاهم ومعه عمر وأبو عبيدة بن الجراح فقال ما هذا
فقالوا منا أمير ومنكم أمير فقال أبو بكر منا الامراء ومنكم الوزراء ثم قال
أبو بكر إني قد رضيت لكم أحد الرجلين عمر أو أبا عبيدة ان النبي صلى
الله عليه وسلم جاءه قوم فقالوا ابعث معنا أمينا فقال لأبعثن معكم أمينا حق أمين
فبعث معهم أبا عبيدة بن الجراح وأنا أرضى لكم أبا عبيدة فقام عمر فقال أيكم
تطيب نفسه أن يخلف قدمين قدمهما النبي صلى الله عليه وسلم فبايعه عمر وبايعه
الناس فقالت الأنصار أو بعض الأنصار لا نبايع إلا عليا * حدثنا ابن حميد قال
حدثنا جرير عن مغيرة عن زياد بن كليب قال أتى عمر بن الخطاب منزل علي
وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال والله لأحرقن عليكم أو
لتخرجن إلى البيعة فخرج عليه الزبير مصلتا بالسيف فعثر فسقط السيف
من يده فوثبوا عليه فأخذوه * حدثنا زكرياء بن يحيى الضرير قال حدثنا
أبو عوانة قال حدثنا داود بن عبد الله الأودي عن حميد بن عبد الرحمن
الحميري قال توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في طائفة من المدينة
فجاء فكشف الثوب عن وجهه فقبله وقال فداك أبي وأمي ما أطيبك حيا وميتا
مات محمد ورب الكعبة قال ثم انطلق إلى المنبر فوجد عمر بن الخطاب قائما يوعد
443

الناس ويقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حي لم يمت وإنه خارج إلى من
أرجف به وقاطع أيديهم وضارب أعناقهم وصالبهم قال فتكلم أبو بكر وقال
أنصت قال فأبى عمر أن ينصت فكلم أبو بكر وقال إن الله قال لنبيه صلى الله
عليه وسلم إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون وقال
وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم
حتى ختم الآية فمن كان يعبد محمدا فقد مات إلهه الذي كان يعبده ومن كان يعبد
الله لا شريك له فان الله حي لا يموت قال فحلف رجال أدركناهم من أصحاب محمد
صلى الله عليه وسلم ما علمنا أن هاتين الآيتين نزلتا حتى قرأهما أبو بكر يومئذ إذ
جاء رجل يسعى فقال هاتيك الأنصار قد اجتمعت في ظلة بنى ساعدة يبايعون
رجلا منهم يقولون منا أمير ومن قريش أمير قال فانطلق أبو بكر وعمر يتقاودان
حتى أتواهم فأراد عمر أن يتكلم فنهاه أبو بكر فقال لا أعطى خليفة النبي صلى الله
عليه وسلم في يوم مرتين قال فتكلم أبو بكر فلم يترك شيئا نزل في الأنصار ولا
ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم من شأنهم إلا وذكره وقال لقد علمتم أن
رسول الله قال لو سلك الناس واديا وسلكت الأنصار واديا سلكت وادى
الأنصار ولقد علمت يا سعد أن رسول الله قال وأنت قاعد قريش ولاة هذا
الامر فبر الناس تبع لبرهم وفاجرهم تبع لفاجرهم قال فقال سعد صدقت فنحن
الوزراء وأنتم الامراء قال فقال عمر ابسط يدك يا أبا بكر فلأبايعك فقال أبو بكر
بل أنت يا عمر فأنت أقوى لها منى قال وكان عمر أشد الرجلين قال وكان كل
واحد منهما يريد صاحبه يفتح يده يضرب عليها ففتح عمر يد أبى بكر وقال إن
لك قوتي مع قوتك قال فبايع الناس واستثبتوا للبيعة وتخلف علي والزبير واخترط
الزبير سيفه وقال لا أغمده حتى يبايع علي فبلغ ذلك أبا بكر وعمر فقال عمر خذوا
سيف الزبير فاضربوا به الحجر قال فانطلق إليهم عمر فجاء بهما تعبا وقال لتبايعان
وأنتما طائعان أو لتبايعان وأنتما كارهان فبايعا
444

حديث السقيفة
* حدثني علي بن مسلم قال حدثنا عباد بن عباد قال حدثنا عباد بن راشد قال
حدثنا عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال كنت أقرئ
عبد الرحمن بن عوف القرآن قال فحج عمر وحججنا معه قال فإني لفى منزل بمنى
إذ جاءني عبد الرحمن بن عوف فقال شهدت أمير المؤمنين اليوم وقام إليه رجل
فقال إني سمعت فلانا يقول لو قد مات أمير المؤمنين لقد بايعت فلانا قال فقال
أمير المؤمنين إني لقائم العشية في الناس فمحذرهم هؤلاء الرهط الذين يريدون أن
يغصبوا الناس أمرهم قال قلت يا أمير المؤمنين إن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم
وإنهم الذين يغلبون على مجلسك وإني لخائف إن قلت اليوم مقالة ألا يعوها
ولا يحفظوها ولا يضعوها على مواضعها وأن يطيروا بها كل مطير ولكن أمهل
حتى تقدم المدينة تقدم دار الهجرة والسنة وتخلص بأصحاب رسول الله من المهاجرين
والأنصار فتقول ما قلت متمكنا فيعوا مقالتك ويضعوها على مواضعها فقال والله
لأقومن بها في أول مقام أقومه بالمدينة قال فلما قدمنا المدينة وجاء يوم الجمعة هجرت
للحديث الذي حدثنيه عبد الرحمن فوجدت سعيد بن زيد قد سبقني بالتهجير فجلست
إلى جنبه عند المنبر ركبتي إلى ركبته فلما زالت الشمس لم يلبث عمر أن خرج فقلت
لسعيد وهو مقبل ليقولن أمير المؤمنين اليوم على هذا المنبر مقالة لم يقل قبله
فغضب وقال فأي مقالة يقول لم يقل قبله فلما جلس عمر على المنبر أذن المؤذنون
فلما قضى المؤذن أذانه قام عمر فحمد الله وأثنى عليه وقال أما بعد فانى أريد أن
أقول مقالة قد قدر أن أقولها من وعاها وعقلها وحفظها فليحدث بها حيث تنتهى
به راحلته ومن لم يعها فانى لا أحل لاحد أن يكذب على إن الله عز وجل بعث
محمدا بالحق وأنزل عليه الكتاب وكان فيما أنزل عليه آية الرجم فرجم رسول الله
ورجمنا بعده وإني قد خشيت أن يطول بالناس زمان فيقول قائل والله ما نجد
الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله وقد كنا نقول لا ترغبوا
445

عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم ثم إنه بلغني أن قائلا منكم يقول
لو قد مات أمير المؤمنين بايعت فلانا فلا يغرن أمرءا أن يقول إن بيعة أبى بكر
كانت فلتة فقد كانت كذلك غير أن الله وقى شرها وليس منكم من تقطع إليه
الأعناق مثل أبى بكر وإنه كان من خبرنا حين توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم
أن عليا والزبير ومن معهما تخلفوا عنا في بيت فاطمة وتخلفت عنا الأنصار
بأسرها واجتمع المهاجرون إلى أبى بكر فقلت لأبي بكر انطلق بنا إلى إخواننا
هؤلاء من الأنصار فانطلقنا نؤمهم فلقينا رجلان صالحان قد شهدا بدرا فقال أين
تريدون يا معشر المهاجرين فقلنا نريد اخواننا من الأنصار قالا فارجعوا
فاقضوا أمركم بينكم فقلنا والله لنأتينهم قال فأتيناهم وهم مجتمعون في سقيفة بنى
ساعدة قال وإذا بين أظهرهم رجل مزمل قال قلت من هذا قالوا سعد بن عبادة
فقلت ما شأنه قالوا وجع فقام رجل منهم فحمد الله وقال أما بعد فنحن الأنصار
وكتيبة الاسلام وأنتم يا معشر قريش رهط نبينا وقد دفت إلينا من قومكم دافة
قال فلما رأيتهم يريدون أن يختزلونا من أصلنا ويغصبونا الامر وقد كنت زورت
في نفسي مقالة أقدمها بين يدي أبى بكر وقد كنت أداري منه بعض الحد وكان هو
أوقر منى وأحلم فلما أردت أن أتكلم قال على رسلك فكرهت أن أعصيه فقام فحمد الله
وأثنى عليه فما ترك شيئا كنت زورت في نفسي أن أتكلم به لو تكلمت إلا قد جاء به
أو بأحسن منه وقال أما بعد يا معشر الأنصار فإنكم لا تذكرون منكم فضلا
إلا وأنتم له أهل وإن العرب لا تعرف هذا الامر إلا لهذا الحي من قريش وهم
أوسط دارا ونسبا ولكن قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم
فأخذ بيدي وبيد أبى عبيدة بن الجراح وإني والله ما كرهت من كلامه شيئا
غير هذه الكلمة إن كنت لأقدم فتضرب عنقي فيما لا يقربني إلى إثم أحب إلى
من أن أؤمر على قوم فيهم أبو بكر فلما قضى أبو بكر كلامه قام منهم رجل فقال
أنا جذيلها المحكك وغذيقها المرجب منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش قال
فارتفعت الأصوات وكثر اللغط فلما أشفقت الاختلاف قلت لأبي بكر ابسط
446

يدك أبايعك فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون وبايعه الأنصار ثم نزونا على
سعد حتى قال قائلهم قتلتم سعد بن عبادة فقلت قتل الله سعدا وإنا والله ما وجدنا
أمرا هو أقوى من مبايعة أبى بكر خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يحدثوا
بعدنا بيعة فأما أن نتابعهم على ما نرضى أو نخالفهم فيكون فساد * حدثنا ابن
حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة بن الزبير قال
إن أحد الرجلين اللذين لقوا من الأنصار حين ذهبوا إلى السقيفة عويم بن ساعدة
والآخر معن بن عدي أخو بنى العجلان فأما عويم بن ساعدة فهو الذي بلغنا أنه
قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الذين قال الله لهم (فيه رجال يحبون
أن يتطهروا والله يحب المطهرين) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم
المرء منهم عويم بن ساعدة وأما معن فبلغنا أن الناس بكوا على رسول الله صلى
الله عليه وسلم حين توفاه الله وقالوا والله لوددنا أنا متنا قبله إنا نخشى ان نفتتن
بعده فقال معن بن عدي والله ما أحب أنى مت قبله حتى أصدقه ميتا كما صدقته حيا فقتل
معن يوم اليمامة شهيدا في خلافة أبى بكر يوم مسيلمة الكذاب * حدثنا عبيد الله
ابن سعيد الزهري قال أخبرنا عمى يعقوب بن إبراهيم قال أخبرني سيف بن عمر
عن الوليد بن عبد الله بن أبي طيبة البجلي قال حدثنا الوليد بن جميع الزهري قال
قال عمرو بن حريث لسعيد بن زيد أشهدت وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال نعم قال فمتى بويع أبو بكر قال يوم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم كرهوا
أن يبقوا بعض يوم وليسوا في جماعة قال فخالف عليه أحد قال لا إلا مرتد أو
من قد كاد أن يرتد لولا أن الله عز وجل ينقذهم من الأنصار قال فهل قعد أحد
من المهاجرين قال لا تتابع المهاجرون على بيعته من غير أن يدعوهم * حدثنا عبيد الله
ابن سعيد قال أخبرني عمى قال أخبرني سيف عن عبد العزيز بن سياه عن حبيب
ابن أبي ثابت قال كان علي في بيته إذ أتى فقيل له قد جلس أبو بكر للبيعة فخرج
في قميص ما عليه إزار ولا رداء عجلا كراهية أن يبطئ عنها حتى بايعه ثم جلس
إليه وبعث إلى ثوبه فأتاه فتخلله ولزم مجلسه * حدثنا أبو صالح الضراري قال
447

حدثنا عبد الرزاق بن همام عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة أن فاطمة
والعباس أتيا أبا بكر يطلبان ميراثهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما
حينئذ يطلبان أرضه من فدك وسهمه من خيبر فقال لهما أبو بكر أما إني سمعت
رسول الله يقول لا نورث ما تركنا فهو صدقة إنما يأكل آل محمد في هذا المال
وإني والله لا أدع أمرا رأيت رسول الله يصنعه إلا صنعته قال فهجرته فاطمة
فلم تكلمه في ذلك حتى ماتت فدفنها علي ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر وكان لعلي
وجه من الناس حياة فاطمة فلما توفيت انصرفت وجوه الناس عن علي
فمكثت فاطمة ستة أشهر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم توفيت قال معمر
قال رجل للزهري أفلم يبايعه علي ستة أشهر قال لا ولا أحد من بني هاشم
حتى بايعه علي فلما رأى علي انصراف وجوه الناس عنه ضرع إلى مصالحة
أبى بكر فأرسل إلى أبى بكر أن ائتنا ولا يأتنا معك أحد وكره أن يأتيه عمر
لما علم من شدة عمر فقال عمر لا تأتهم وحدك قال أبو بكر والله لآتينهم وحدي
وما عسى أن يصنعوا بي قال فانطلق أبو بكر على علي وقد جمع بني هاشم
عنده فقام علي فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال أما بعد فإنه لم يمنعنا من أن
نبايعك يا أبا بكر إنكار لفضيلتك ولا نفاسة عليك بخير ساقه الله إليك ولكنا
كنا نرى أن لنا في هذا الامر حقا فاستبددتم به علينا ثم ذكر قرابته من رسول الله
صلى الله عليه وسلم وحقهم فلم يزل علي يقول ذلك حتى بكى أبو بكر فلما صمت
علي تشهد أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال أما بعد فوالله لقرابة
رسول الله أحب إلى من أن أصل من قرابتي وانى والله ما آلوت في هذه الأموال التي
كانت بيني وبينكم غير الخير ولكني سمعت رسول الله يقول لا نورث ما تركنا صدقة فهو
صدقة انما يأكل آل محمد في هذا المال وانى أعوذ بالله لا أذكر أمرا صنعه محمد
رسول الله إلا صنعته فيه إن شاء الله ثم قال علي موعدك العشية للبيعة فلما صلى
أبو بكر الظهر أقبل على الناس ثم عذر عليا ببعض ما اعتذر ثم قام علي فعظم
من حق أبى بكر وذكر فضيلته وسابقته ثم مضى إلى أبى بكر فبايعه قالت فأقبل
448

الناس إلى علي فقالوا أصبت وأحسنت قالت فكان الناس قريبا إلى علي حين
قارب الحق والمعروف * حدثني محمد بن عثمان بن صفوان الثقفي قال حدثنا
أبو قتيبة قال حدثنا مالك يعنى ابن مغول عن ابن الجر قال قال أبو سفيان لعلى
ما بال هذا الامر في أقل حي من قريش والله لئن شئت لأملأنها عليه خيلا ورجالا
قال فقال علي يا أبا سفيان طال ما عاديت الاسلام وأهله فلم تضره بذاك شيئا
إنا وجدنا أبا بكر لها أهلا * حدثني محمد بن عثمان الثقفي قال حدثنا أمية بن
خالد قال حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت قال لما استخلف أبو بكر قال أبو سفيان
مالنا ولأبي فصيل إنما هي بنو عبد مناف قال فقيل له إنه قد ولى ابنك قال وصلته
رحم * حدثت عن هشام قال حدثني عوانة قال لما اجتمع الناس على بيعة
أبى بكر أقبل أبو سفيان وهو يقول والله انى لارى عجاجة لا يطفئها إلا دم يا آل
عبد مناف فيما أبو بكر من أموركم أين المستضعفان أين الأذلان علي والعباس
وقال أبا حسن ابسط يدك حتى أبايعك فأبى علي عليه فجعل يتمثل بشعر المتلمس
ولن يقيم على خسف يراد به * إلا الاذلان عير الحي والوتد
هذا على الحسف معكوس برمته * وذا يشج فلا يبكى له أحد
قال فزجره علي وقال إنك والله ما أردت بهذا إلا الفتنة وإنك والله طال
ما بغيت الاسلام شرا لا حاجة لنا في نصيحتك قال هشام بن محمد وأخبرني
أبو محمد القرشي قال لما بايع أبو بكر قال أبو سفيان لعلي والعباس أنتما الاذلان
ثم أنشد يتمثل
إن الهوان حمار الأهل يعرفه * والحر ينكره والرسلة الاجد
ولا يقيم على ضيم يراد به * إلا الاذلان عير الحي والوتد
هذا على الخسف معكوس برمته * وذا يشج فلا يبكى له أحد
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن الزهري قال حدثنا
أنس بن مالك قال لما بويع أبو بكر في السقيفة وكان الغد جلس أبو بكر على المنبر
فقام عمر فتكلم قبل أبى بكر فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال أيها الناس
449

إني قد كنت قلت لكم بالأمس مقالة ما كانت إلا عن رأيي وما وجدتها في كتاب
الله ولا كانت عهدا عهده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكني قد كنت أرى
أن رسول الله سيدبر أمرنا حتى يكون آخرنا وإن الله قد أبقى فيكم كتابه الذي
هدى به رسول الله فإن اعتصمتم به هداكم الله لما كان هداه له وإن الله قد جمع
أمركم على خيركم صاحب رسول الله، وثاني اثنين إذ هما في الغار فقوموا فبايعوا
فبايع الناس أبا بكر بيعة العامة بعد بيعة السقيفة ثم تكلم أبو بكر فحمد الله وأثنى
عليه بالذي هو أهله ثم قال أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم
فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني الصدق أمانة والكذب خيانة
والضعيف فيكم قوى عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله والقوى منكم الضعيف
عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله لا يدع أحد منكم الجهاد في سبيل الله فإنه
لا يدعه قوم إلا ضربهم الله بالذل ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء
أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم
قوموا إلى صلاتكم رحمكم الله * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق
عن حسين بن عبد الله عن عكرمة عن ابن عباس قال والله إني لأمشي مع عمر
في خلافته وهو عامد إلى حاجة له وفى يده الدرة وما معه غيري قال وهو يحدث
نفسه ويضرب وحشى قدمه بدرته قال إذ التفت إلى فقال يا ابن عباس هل
تدرى ما حملني على مقالتي هذه التي قلت حين توفى الله رسوله قال قلت لا أدرى
يا أمير المؤمنين أنت أعلم قال والله إن حملني على ذلك إلا أنى كنت أقرأ هذه
الآية (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول
عليكم شهيدا) فوالله إني كنت لأظن أن رسول الله سيبقى في أمته حتى يشهد عليها
بآخر أعمالها فإنه للذي حملني على أن قلت ما قلت (قال أبو جعفر) فلما بويع
أبو بكر أقبل الناس على جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم كان ذلك
من فعلهم يوم الثلاثاء وذلك الغد من وفاته صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم إنما
دفن بعد وفاته بثلاثة أيام وقد مضى ذكر بعض قائلي ذلك * حدثنا ابن حميد قال
450

حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر وكثير بن عبد الله وغيرهما
من أصحابه عمن يحدثه عن عبد الله بن عباس أن علي بن أبي طالب والعباس بن
عبد المطلب والفضل بن العباس وقثم بن العباس وأسامة بن زيد وشقران مولى
رسول الله صلى الله عليه وسلم هم الذين ولوا غسله وإن أوس بن خولي أحد بنى عوف
ابن الخزرج قال لعلي بن أبي طالب أنشدك الله يا علي وحظنا من رسول الله وكان
أوس من أصحاب بدر وقال ادخل فدخل فحضر غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأسنده علي بن أبي طالب إلى صدره وكان العباس والفضل وقثم هم الذين يقلبونه
معه وكان أسامة بن زيد وشقران مولياه هما اللذان يصبان الماء وعلي يغسله قد
أسنده إلى صدره وعليه قميصه يدلكه من ورائه لا يفضى بيده إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم وعلي يقول بأبي أنت وأمي ما أطيبك حيا وميتا ولم ير من رسول الله
شئ مما يرى من الميت * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن يحيى
ابن عباد عن أبيه عباد عن عائشة قالت لما أرادوا أن يغسلوا النبي صلى الله عليه وسلم
اختلفوا فيه فقالوا والله ما ندري أنجرد رسول الله من ثيابه كما نجرد موتانا أو
نغسله وعليه ثيابه فلما اختلفوا ألقى عليهم السنة حتى ما منهم رجل إلا وذقنه في
صدره ثم كلمهم متكلم من ناحية البيت لا يدرى من هو أن اغسلوا النبي وعليه ثيابه
قالت فقاموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فغسلوه وعليه قميصه يصبون عليه
الماء فوق القميص ويدلكونه والقميص دون أيديهم قال فكانت عائشة تقول
لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه * حدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة عن ابن إسحاق عن جعفر بن محمد بن علي بن حسين عن أبيه عن جده علي
ابن حسين (قال ابن إسحاق) وحدثني الزهري عن علي بن حسين قال فلما فرغ
من غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب ثوبين صحاريين
وبرد حبرة أدرج فيها إدراجا * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق
عن حسين بن عبد الله عن عكرمة مولى ابن عباس عن عبد الله بن عباس قال لما
أرادوا أن يحفروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو عبيدة بن الجراح
451

يضرح كحفر أهل مكة وكان أبو طلحة زيد بن سهل هو الذي يحفر لأهل المدينة
وكان يلحد فدعا العباس رجلين فقال لأحدهما اذهب إلى أبى عبيدة وللآخر
اذهب إلى أبى طلحة اللهم خر لرسولك قال فوجد صاحب أبى طلحة أبا طلحة
فجاء به فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فرغ من جهاز رسول الله يوم الثلاثاء
وضع على سريره في بيته وقد كان المسلمون اختلفوا في دفنه فقال قائل ندفنه في
مسجده وقال قائل يدفن مع أصحابه فقال أبو بكر إني سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول ما قبض نبي إلا يدفن حيث قبض فرفع فراش رسول الله الذي
توفى عليه فحفر له تحته ودخل الناس على رسول الله يصلون عليه أرسالا حتى إذا
فرغ الرجال أدخل النساء حتى إذا فرغ النساء أدخل الصبيان ثم أدخل العبيد ولم
يؤم الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد ثم دفن رسول الله صلى الله عليه
وسلم من وسط الليل ليلة الأربعاء * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن
إسحاق عن فاطمة بنت محمد بن عمارة امرأة عبد الله يعنى ابن أبي بكر عن عمرة
بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة عن عائشة أم المؤمنين قالت ما علمنا بدفن
رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحي من جوف الليل ليلة
الأربعاء (قال ابن إسحاق) وكان الذي نزل قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم
علي بن أبي طالب والفضل بن العباس وقثم بن العباس وشقران مولى رسول الله
صلى الله عليه وسلم وقد قال أوس بن خولي أنشدك الله يا علي وحظنا من رسول الله
فقال له انزل فنزل مع القوم وقد كان شقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم
حين وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرته وبنى عليه قد أخذ قطيفة
كان رسول الله يلبسها ويفترشها فقذفها في القبر وقال والله لا يلبسها أحد بعدك
أبدا قال فدفنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال ابن إسحاق) وكان المغيرة
ابن شعبة يدعى أنه أحدث الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول
أخذت خاتمي فألقيته في القبر وقلت إن خاتمي قد سقط وإنما طرحته عمدا لامس
رسول الله فأكون آخر الناس به عهدا * حدثني ابن حميد قال حدثنا سلمة عن
452

محمد بن إسحاق عن أبيه إسحاق بن يسار عن مقسم أبى القاسم مولى عبد الله بن الحارث
ابن نوفل عن مولاه عبد الله بن الحارث قال اعتمرت مع علي بن أبي طالب في زمان
عمر أو زمان عثمان فنزل على أخته أم هانئ بنت أبي طالب فلما فرغ من عمرته
رجع وسكبت له غسلا فاغتسل فلما فرغ من غسله دخل عليه نفر من أهل العراق
فقالوا يا أبا الحسن جئناك نسألك عن أمر نحب أن تخبرنا به فقال أظن المغيرة
يحدثكم أنه كان أحدث الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا أجل
عن ذا جئناك نسألك قال كذب كان أحدث الناس عهدا برسول الله قثم بن العباس
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن صالح بن كيسان عن الزهري
عن عبيد الله بن عبد الله عن عائشة قالت كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم
خميصة سوداء حين اشتد به وجعه قالت فهو يضعها مرة على وجهه ومرة يكشفها
عنه ويقول قاتل الله قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ذلك على أمته
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن صالح بن كيسان عن الزهري
عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة قالت كان آخر ما عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يترك بجزيرة العرب دينان قالت وتوفى رسول الله
صلى الله عليه وسلم لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول في اليوم الذي
قدم فيه المدينة مهاجرا فاستكمل في هجرته عشر سنين كوامل
واختلف في مبلغ سنه يوم توفى صلى الله عليه وسلم
فقال بعضهم كان له يومئذ ثلاث وستون سنة (ذكر من قال ذلك)
حدثنا ابن المثنى قال حدثنا حجاج بن المنهال قال حدثنا حماد يعنى ابن سلمة عن أبي
جمرة عن ابن عباس قال أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاث عشرة
سنة يوحى إليه وبالمدينة عشرا ومات وهو ابن ثلاث وستين سنة * حدثنا ابن
المثنى قال حدثنا حجاج بن المنهال قال حدثنا حماد عن أبي جمرة عن أبيه قال عاش
رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا وستين سنة * حدثنا ابن المثنى قال حدثنا
453

عبد الوهاب قال حدثنا يحيى بن سعيد قال سمعت سعيد بن المسيب يقول أنزل على
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وأربعين سنة وأقام بمكة عشرا
وبالمدينة عشرا وتوفى وهو ابن ثلاث وستين * حدثنا محمد بن خلف العسقلاني
قال حدثنا آدم قال حدثنا حماد بن سلمة قال حدثنا أبو جمرة الضبعي عن ابن عباس
قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لأربعين سنة وأقام بمكة ثلاث عشرة يوحى
إليه وبالمدينة عشرا ومات وهو ابن ثلاث وستين سنة * حدثني أحمد بن عبد الرحمن
ابن وهب قال حدثني عمى عبد الله قال حدثنا يونس عن الزهري عن عروة عن
عائشة قالت توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين (وقال
آخرون) كان له يومئذ خمس وستون * ذكر من قال ذلك * حدثني زياد بن
أيوب قال حدثنا هشيم قال أخبرنا علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس
قال قبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وستين
* حدثنا ابن المثنى قال
حدثنا معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن قتادة عن الحسن عن دغفل يعنى ابن حنظلة
أن النبي صلى الله عليه وسلم توفى وهو ابن خمس وستين سنة (وقال آخرون)
بل كان له يومئذ ستون سنة * ذكر من قال ذلك * حدثنا ابن المثنى قال حدثنا
حجاج قال حدثنا حماد قال حدثنا عمرو بن دينار عن عروة بن الزبير قال بعث
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين ومات وهو ابن ستين * حدثنا الحسين
ابن نصر قال أخبرنا عبيد الله قال أخبرنا شيبان عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة
قال حدثتني عائشة وابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبث بمكة عشر
سنين ينزل عليه القرآن وبالمدينة عشرا
ذكر الخبر عن اليوم والشهر اللذين توفى فيهما رسول الله صلى الله عليه وسلم
(قال أبو جعفر) حدثنا عبد الرحمن بن الوليد الجرجاني قال حدثنا أحمد بن أبي
طيبة قال حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم
استعمل أبا بكر على الحج سنة تسع فأراهم مناسكهم فلما كان العام المقبل حج رسول الله
454

صلى الله عليه وسلم حجة الوداع سنة عشر وصدر إلى المدينة وقبض في ربيع
الأول * حدثني إبراهيم بن سعيد الجوهري قال موسى بن داود عن ابن
لهيعة عن خالد بن أبي عمران عن حنش الصنعاني عن ابن عباس قال ولد النبي
صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين واستنبئ يوم الاثنين ورفع الحجر يوم الاثنين
وخرج مهاجرا من مكة إلى المدينة يوم الاثنين وقدم المدينة يوم الاثنين وقبض
يوم الاثنين * حدثني أحمد بن عثمان بن حكيم قال حدثنا عبد الرحمن بن شريك
قال حدثني أبي عن ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن
حزم عن أبيه قال توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول في
اثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول يوم الاثنين ودفن ليلة الأربعاء
* حدثني أحمد بن عثمان قال حدثنا عبد الرحمن قال حدثنا أبي قال حدثنا محمد
ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر أنه دخل عليه فقال لامرأته فاطمة حدثني
محمدا ما سمعت من عمرة بنت عبد الرحمن فقالت سمعت عمرة تقول سمعت
عائشة تقول دفن نبي الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأربعاء وما علمنا به حتى سمعنا
صوت المساحي
ذكر الخبر عما جرى بين المهاجرين والأنصار في أمر الامارة في سقيفة بنى ساعدة
* حدثنا هشام بن محمد عن أبي مخنف قال حدثني عبد الله بن عبد الرحمن
ابن أبي عمرة الأنصاري ان النبي صلى الله عليه وسلم لما قبض اجتمعت الأنصار
في سقيفة بنى ساعدة فقالوا نولي هذا الامر بعد محمد عليه السلام سعد بن عبادة
وأخرجوا سعدا إليهم وهو مريض فلما اجتمعوا قال لابنه أو بعض بنى عمه
انى لا أقدر لشكواي أن أسمع القوم كلهم كلامي ولكن تلق منى قولي فأسمعهموه
فكان يتكلم ويحفظ الرجل قوله فيرفع صوته فيسمع أصحابه فقال بعد أن حمد
الله وأثنى عليه يا معشر الأنصار لكم سابقة في الدين وفضيلة في الاسلام ليست
لقبيلة من العرب أن محمدا عليه السلام لبث بضع عشرة سنة في قومه يدعوهم
455

إلى عبادة الرحمن وخلع الأنداد والأوثان فما آمن به من قومه إلا رجال قليل
وكان ما كانوا يقدرون على أن يمنعوا رسول الله ولا أن يعزوا دينه ولا أن
يدفعوا عن أنفسهم ضيما عموا به حتى إذا أراد بكم الفضيلة ساق إليكم الكرامة
وخصكم بالنعمة فرزقكم الله الايمان به وبرسوله والمنع له ولأصحابه والاعزاز
له ولدينه والجهاد لأعدائه فكنتم أشد الناس على عدوه منكم وأثقله على عدوه
من غيركم حتى استقامت العرب لأمر الله طوعا وكرها وأعطى البعيد المقادة
صاغرا داخرا حتى أثخن الله عز وجل لرسوله بكم الأرض ودانت بأسيافكم
له العرب وتوفاه الله وهو عنكم راض وبكم قرير عين استبدوا بهذا الامر دون
الناس فأجابوه بأجمعهم أن قد وفقت في الرأي وأصبت في القول ولن نعدو ما
رأيت نوليك هذا الامر فإنك فينا مقنع ولصالح المؤمنين رضى ثم إنهم ترادوا
الكلام بينهم فقالوا فان أبت مهاجرة قريش فقالوا نحن المهاجرون وصحابة
رسول الله الأولون ونحن عشيرته وأولياؤه فعلام تنازعوننا هذا الامر بعده
فقالت طائفة منهم فانا نقول إذا منا أمير ومنكم أمير ولن نرضى بدون هذا
الامر أبدا فقال سعد بن عبادة حين سمعها هذا أول الوهن وأتى عمر الخبر فأقبل
إلى منزل النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إلى أبى بكر وأبو بكر في الدار وعلي بن أبي
طالب عليه السلام دائب في جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إلى
أبى بكر أن اخرج إلي فأرسل إليه انى مشتغل إليه انه قد حدث أمر
لا بد لك من حضوره فخرج إليه فقال أما علمت أن الأنصار قد اجتمعت في
سقيفة بنى ساعدة يريدون أن يولوا هذا الامر سعد بن عبادة وأحسنهم مقالة
من يقول منا أمير ومن قريش أمير فمضيا مسرعين نحوهم فلقيا أبا عبيدة بن
الجراح فماشوا إليهم ثلاثتهم فلقيهم عاصم بن عدي وعويم بن ساعدة فقالا لهم
ارجعوا فإنه لا يكون ما تريدون فقالوا لا نفعل فجاؤوا وهم مجتمعون فقال عمر بن
الخطاب أتيناهم وقد كنت زويت كلاما أردت أن أقوم به فيهم فلما أن دفعت
إليهم ذهبت لأبتدئ المنطق فقال لي أبو بكر رويدا حتى أتكلم ثم أنطق بعد بما
456

أحببت فنطق فقال عمر فما شئ كنت أردت أن أقوله إلا وقد أتى به أو زاد عليه
(فقال عبد الله بن عبد الرحمن) فبدأ أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن
الله بعث محمدا رسولا إلى خلقه وشهيدا على أمته ليعبدوا الله ويوحدوه وهم
يعبدون من دونه آلهة شتى ويزعمون أنها لهم عنده شافعة ولهم نافعة وإنما هي
من حجر منحوت وخشب منجور ثم قرأ (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم
ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله) وقالوا (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى
الله زلفى) فعظم على العرب أن يتركوا دين آبائهم فخص الله المهاجرين الأولين
من قومه بتصديقه والايمان به والمؤاساة له والصبر معه على شدة أذى قومهم
لهم وتكذيبهم إياهم وكل الناس لهم مخالف زار عليهم فلم يستوحشوا لقلة عددهم
وشنف الناس لهم وإجماع قومهم عليهم فهم أول من عبد الله في الأرض وآمن
بالله وبالرسول وهم أولياؤه وعشيرته وأحق الناس بهذا الامر من بعده ولا
ينازعهم ذلك إلا ظالم وأنتم يا معشر الأنصار من لا ينكر فضلهم في الدين ولا سابقتهم
العظيمة في الاسلام رضيكم الله أنصارا لدينه ورسوله وجعل إليكم هجرته وفيكم جلة
أزواجه وأصحابه فليس بعد المهاجرين الأولين عندنا بمنزلتكم فنحن الامراء وأنتم
الوزراء لا تفتاتون بمشورة ولا نقضي دونكم الأمور قال فقام الحباب بن المنذر بن
الجموح فقال يا معشر الأنصار املكوا عليكم أمركم فإن الناس في فيئكم وفى ظلكم ولن
يجترئ مجترئ على خلافكم ولن يصدر الناس إلا عن رأيكم أنتم أهل العز والثروة
وأولوا العدد والمنعة والتجربة ذوو البأس والنجدة وإنما ينظر الناس إلى ما تصنعون
ولا تختلفوا فيفسد عليكم رأيكم وينتقض عليكم أمركم أبى هؤلاء إلا ما سمعتم
فمنا أمير ومنكم أمير فقال عمر هيهات لا يجتمع اثنان في قرن والله لا ترضى العرب
أن يؤمروكم ونبيها من غيركم ولكن العرب لا تمتنع أن تولى أمرها من كانت
النبوة فيهم وولى أمورهم منهم ولنا بذلك على من أبى من العرب الحجة الظاهرة
والسلطان المبين من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته ونحن أولياؤه وعشيرته
إلا مدل بباطل أو متجانف لاثم أو متورط في هلكة فقام الحباب بن المنذر
457

فقال يا معشر الأنصار املكوا على أيديكم ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا
بنصيبكم من هذا الامر فإن أبوا عليكم ما سألتموه فاجلوهم عن هذه البلاد وتولوا
عليهم هذه الأمور فأنتم والله أحق بهذا الامر منهم فإنه بأسيافكم دان لهذا
الدين من دان ممن لم يكن يدين أنا جذيلها المحكك وغذيقها المرجب أما والله
لئن شئتم لنعيدنها جذعة فقال عمر إذا يقتلك الله قال بل إياك يقتل فقال أبو عبيدة
يا معشر الأنصار إنكم أول من نصر وآزر فلا تكونوا أول من بدل وغير
فقام بشير بن سعد أبو النعمان بن بشير فقال يا معشر الأنصار إنا والله لئن كنا
أولى فضيلة في جهاد المشركين وسابقة في هذا الدين ما أردنا به إلا رضى ربنا
وطاعة نبينا والكدح لأنفسنا فما ينبغي لنا أن نستطيل على الناس بذلك ولا نبتغي
به من الدنيا عرضا فإن الله ولى المنة علينا بذلك ألا إن محمدا صلى الله عليه وسلم
من قريش وقومه أحق به وأولى وأيم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الامر أبدا
فاتقوا الله ولا تخالفوهم ولا تنازعوهم فقال أبو بكر هذا عمر وهذا أبو عبيدة
فأيهما شئتم فبايعوا فقالا لا والله لا نتولى هذا الامر عليك فإنك أفضل المهاجرين
وثاني اثنين إذ هما في الغار وخليفة رسول الله على الصلاة والصلاة أفضل دين
المسلمين فمن ذا ينبغي له أن يتقدمك أو يتولى هذا الامر عليك ابسط يدك
نبايعك فلما ذهبا ليبايعاه سبقهما إليه بشير بن سعد فبايعه فناداه الحباب بن
المنذر يا بشير بن سعد عققت عقاق ما أحوجك إلى ما صنعت أنفست على
ابن عمك الامارة فقال لا والله ولكني كرهت أن أنازع قوما حقا جعله الله لهم
ولما رأت الأوس ما صنع بشير بن سعد وما تدعو إليه قريش وما تطلب الخزرج
من تأمير سعد بن عبادة قال بعضهم لبعض وفيهم أسيد بن حضير وكان أحدا لنقباء
والله لئن وليتها الخزرج عليكم مرة لا زالت لهم عليكم بذلك الفضيلة ولا جعلوا
لكم معهم فيها نصيبا أبدا فقوموا فبايعوا أبا بكر فقاموا إليه فبايعوه فانكسر
على سعد بن عبادة وعلى الخزرج ما كانوا أجمعوا له من أمرهم قال هشام قال أبو مخنف
فحدثني أبو بكر بن محمد الخزاعي أن أسلم أقبلت بجماعتها حتى تضايق بهم
458

السكك فبايعوا أبا بكر فكان عمر يقول ما هو إلا أن رأيت أسلم فأيقنت بالنصر
قال هشام عن أبي مخنف قال عبد الله بن عبد الرحمن فأقبل الناس من كل جانب
يبايعون أبا بكر وكادوا يطؤون سعد بن عبادة فقال ناس من أصحاب سعد اتقوا
سعدا لا تطؤه فقال عمر اقتلوه قتله الله ثم قام على رأسه فقال لقد هممت أن أطأك
حتى تندر عضوك فأخذ سعد بلحية عمر فقال والله لو حصصت منه شعرة
ما رجعت وفى فيك واضحة فقال أبو بكر مهلا يا عمر الرفق ههنا أبلغ فأعرض
عنه عمر وقال سعد أما والله لو أن بي قوة ما أقوى على النهوض لسمعت منى في
أقطارها وسككها زئيرا يحجرك وأصحابك أما والله إذا لألحقنك بقوم كنت فيهم
تابعا غير متبوع احملوني من هذا المكان فحملوه فأدخلوه في داره وترك أياما ثم
بعث إليه أن أقبل فبايع فقد بايع الناس وبايع قومك فقال أما والله حتى أرميكم
بما في كنانتي من نبل وأخضب سنان رمحي وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي وأقاتلكم
بأهل بيتي ومن أطاعني من قومي فلا أفعل وأيم الله لو أن الجن اجتمعت لكم
مع الانس ما بايعتكم حتى أعرض على ربى وأعلم ما حسابي فلما أتى أبو بكر بذلك
قال له عمر لا تدعه حتى يبايع فقال له بشير بن سعد إنه قد لج وأبى وليس بمبايعكم
حتى يقتل وليس بمقتول حتى يقتل معه ولده وأهل بيته وطائفة من عشيرته
فاتركوه فليس تركه بضاركم إنما هو رجل واحد فتركوه وقبلوا مشورة بشير بن
سعد واستنصحوه لما بدا لهم منه فكان سعد لا يصلى بصلاتهم ولا يجمع معهم
ويحج ولا يفيض معهم بإفاضتهم فلم يزل كذلك حتى هلك أبو بكر رحمه الله
* حدثنا عبيد الله بن سعيد قال حدثنا عمى قال أخبرنا سيف بن عمر عن سهل
وأبى عثمان عن الضحاك بن خليفة قال لما قام الحباب بن المنذر انتضى سيفه وقال
أنا جذيلها المحكك وغذيقها المرجب أنا أبو شبل في عرينة الأسد يعزى إلى الأسد فحامله
عمر فضرب يده فندر السيف فأخذه ثم وثب على سعد ووثبوا على سعد وتتابع القوم على
البيعة وبايع سعد وكانت فلتة كفلتات الجاهلية قام أبو بكر دونها وقال قائل حين
أوطئ سعد قتلتم سعدا فقال عمر قتله الله إنه منافق واعترض عمر بالسيف صخرة
459

فقطعه * حدثنا عبيد الله بن سعيد قال حدثني عمى يعقوب قال حدثنا سيف عن
مبشر عن جابر قال قال سعد بن عبادة يومئذ لأبي بكر إنكم يا معشر المهاجرين
حسدتموني على الامارة وإنك وقومي أجبرتموني على البيعة فقالوا إنا لو أجبرناك
على الفرقة فصرت إلى الجماعة كنت في سعة ولكنا أجبرنا على الجماعة فلا إقالة فيها لئن
نزعت يدا من طاعة أو فرقت جماعة لنضربن الذي فيه عيناك * حدثنا عبيد الله
ابن سعيد قال أخبرنا عمى قال حدثني سيف وحدثني السرى بن يحيى قال حدثنا شعيب
ابن إبراهيم عن سيف بن عمر عن أبي ضمرة عن أبيه عن عاصم بن عدي قال نادى
منادى أبى بكر من بعد الغد من متوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتم بعث
أسامة ألا لا يبقين بالمدينة أحد من جند أسامة إلا خرج إلى عسكره بالجرف
وقام في الناس فحمد الله وأثنى عليه وقال يا أيها الناس إنما أنا مثلكم وإني لا أدرى
لعلكم ستكلفوني ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيق إن الله اصطفى
محمدا على العالمين وعصمه من الآفات وإنما أنا متبع ولست بمبتدع فان استقمت
فتابعوني وإن زغت فقوموني وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض وليس
أحد من هذه الأمة يطلبه بمظلمة ضربة سوط فما دونها ألا وإن لي شيطانا يعتريني
فإذا أتاني فاجتنبوني لا أؤثر في أشعاركم وأبشاركم وأنتم تغدون وتروحون في أجل
قد غيب عنكم علمه فإن استطعتم أن لا يمضى هذا الاجل الا وأنتم في عمل صالح
فافعلوا ولن تستطيعوا ذلك الا بالله فسابقوا في مهل آجالكم من قبل أن تسلمكم
آجالكم إلى انقطاع الأعمال فان قوما نسوا آجالهم وجعلوا أعمالهم لغيرهم فإياكم
أن تكونوا أمثالهم الجد الجد والوحا الوحا والنجاء النجاء فان وراءكم طالبا
حثيثا أجلا مره سريع احذروا الموت واعتبروا بالآباء والأبناء والاخوان
ولا تغبطوا الاحياء الا بما تغبطون به الأموات وقام أيضا فحمد الله وأثنى عليه
ثم قال إن الله عز وجل لا يقبل من الأعمال الا ما أريد به وجهه فأريدوا الله
بأعمالكم واعلموا أن ما أخلصتم لله من أعمالكم فطاعة أتيتموها وخطأ ظفرتم
به وضرائب أديتموها وسلف قدمتموه من أيام فانية لاخرى باقية لحين فقركم
460

وحاجتكم اعتبروا عباد الله بمن مات منكم وتفكروا فيمن كان قبلكم أين
كانوا أمس وأين هم اليوم أين الجبارون وأين الذين كان لهم ذكر القتال والغلبة في
مواطن الحروب قد تضعضع بهم الدهر وصاروا رميما قد تركت عليهم القالات
الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات وأين الملوك الذين أثاروا الأرض وعمروها
قد بعدوا ونسى ذكرهم وصاروا كلا شئ ألا إن الله قد أبقى عليهم التبعات وقطع
عنهم الشهوات ومضوا والأعمال أعمالهم والدنيا دنيا غيرهم وبقينا خلفا بعدهم
فإن نحن اعتبرنا بهم نجونا وإن اغتررنا كنا مثلهم أين الوضاء الحسنة وجوههم
المعجبون بشبابهم صاروا ترابا وصار ما فرطوا فيه حسرة عليهم أين الذين بنوا
المدائن وحصنوها بالحوائط وجعلوا فيها الأعاجيب قد تركوها لمن خلفهم فتلك
مساكنهم خاوية وهم في ظلمات القبور هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا
أين من تعرفون من أبنائكم وإخوانكم قد انتهت بهم آجالهم فوردوا على ما قدموا
فحلوا عليه وأقاموا للشقوة والسعادة فيما بعد الموت ألا أن الله لا شريك له ليس
بينه وبين أحد من خلقه سبب يعطيه به خيرا ولا يصرف عنه سوءا إلا بطاعته
واتباع أمره واعلموا أنكم عبيد مدينون وإن ما عنده لا يدرك إلا بطاعته أما
أنه لا خير بخير بعده النار ولا شر بشر بعده الجنة * حدثني عبيد الله بن سعيد قال
أخبرني عمى قال أخبرني سيف وحدثني السرى قال حدثنا شعيب قال أخبرنا
سيف عن هشام بن عروة عن أبيه قال لما بويع أبو بكر رضي الله عنه وجمع الأنصار
في الامر الذي افترقوا فيه قال ليتم بعث أسامة وقد ارتدت العرب إما عامة وإما
خاصة في كل قبيلة ونجم النفاق واشرأبت اليهود والنصارى والمسلمون كالغنم
في الليلة المطيرة الشاتية لفقد نبيهم صلى الله عليه وسلم وقلتهم وكثرة عدوهم فقال
له الناس إن هؤلاء جل المسلمين والعرب على ما ترى قد انتقضت بك فليس ينبغي
لك أن تفرق عنك جماعة المسلمين فقال أبو بكر والذي نفس أبى بكر بيده لو ظننت
أن السباع تخطفني لأنفذت بعث أسامة كما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولو لم يبق في القرى غيري لأنفذته * حدثني عبيد الله قال حدثني عمى قال أخبرني
461

سيف وحدثني السرى قال حدثنا شعيب قال حدثنا سيف عن عطية عن أبي أيوب
عن علي وعن الضحاك عن ابن عباس قالا ثم اجتمع من حول المدينة من القبائل
التي غابت في عام الحديبية وخرجوا وخرج أهل المدينة في جند أسامة فحبس
أبو بكر من بقى من تلك القبائل التي كانت لهم الهجرة في ديارهم فصاروا مسالح
حول قبائلهم وهم قليل * حدثنا عبيد الله قال حدثني عمى قال أخبرني سيف وحدثني
السرى قال حدثنا شعيب قال حدثنا سيف عن أبي ضمرة وأبى عمرو وغيرهما عن
الحسن بن أبي الحسن البصري قال ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل
وفاته بعثا على أهل المدينة ومن حولهم وفيهم عمر بن الخطاب وأمر عليهم أسامة
ابن زيد فلم يجاوز آخرهم الخندق حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقف
أسامة بالناس ثم قال لعمر ارجع إلى خليفة رسول الله فاستأذنه يأذن لي أن أرجع
بالناس فان معي وجوه الناس وحدهم ولا آمن على خليفة رسول الله وثقل رسول الله
وأثقال المسلمين أن يتخطفهم المشركون وقالت الأنصار فإن أبى إلا أن نمضي
فأبلغه عنا واطلب إليه أن يولى أمرنا رجلا أقدم سنا من أسامة فخرج عمر بأمر
أسامة وأتى أبا بكر فأخبره بما قال أسامة فقال أبو بكر لو خطفتني الكلاب
والذئاب لم أرد قضاء قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فان الأنصار
أمروني أن أبلغك وأنهم يطلبون إليك أن تولى أمرهم رجلا أقدم سنا من أسامة
فوثب أبو بكر وكان جالسا فأخذ بلحية عمر فقال له ثكلتك أمك وعدمتك يا ابن
الخطاب استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم وتأمرني أن أنزعه فخرج عمر إلى الناس
فقالوا له ما صنعت فقال امضوا ثكلتكم أمهاتكم ما لقيت في سببكم من خليفة رسول الله
ثم خرج أبو بكر حتى أتاهم فأشخصهم وشيعهم وهو ماش وأسامة راكب وعبد الرحمن
ابن عوف يقود دابة أبى بكر فقال له أسامة يا خليفة رسول الله والله لتركبن أو لأنزلن
فقال والله لا تنزل ووالله لا أركب وما على أن أغبر قدمي في سبيل الله ساعة فان
للغازي بكل خطوة يخطوها سبعمائة حسنة تكتب له وسبعمائة درجة ترفع له وترفع
عنه سبعمائة خطيئة حتى إذا انتهى قال إن رأيت أن تعينني بعمر فافعل فأذن له ثم
462

قال يا أيها الناس قفوا أوصكم بعشر فاحفظوها عنى ولا تخونوا ولا تغلوا ولا
تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلا صغيرا ولا شيخا كبيرا ولا امرأة ولا تعقروا
نخلا ولا تحرقوه ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرا
إلا لمأكلة وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما
فرغوا أنفسهم له وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام
فإذا أكلتم منها شيئا بعد شئ فاذكروا اسم الله عليها وتلقون أقواما قد فحصوا
أوساط رؤسهم وتركوا حولها مثل العصائب فاخفقوهم بالسيف خفقا اندفعوا
باسم الله أقناكم الله بالطعن والطاعون * حدثنا السرى قال حدثنا شعيب قال
حدثنا سيف وأخبرنا عبيد الله قال أخبرني عمى قال حدثنا سيف عن هشام بن
عروة عن أبيه قال خرج أبو بكر إلى الجرف فاستقري أسامة وبعثه وسأله عمر
فأذن له وقال له اصنع ما أمرك به نبي الله صلى الله عليه وسلم أبدأ ببلاد قضاعة
ثم ائت آبل ولا تقصرن في شئ من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا
تعجلن لما خلفت عن عهده فمضى أسامة مغذا على ذي المروة والوادي وانتهى
إلى ما أمره به النبي صلى الله عليه وسلم من بث الحيول في قبائل قضاعة والغارة
على آبل فسلم وغنم وكان فراغه في أربعين يوما سوى مقامه ومنقلبه راجعا
* فحدثني السرى بن يحيى قال حدثنا شعيب عن سيف وحدثنا عبيد الله قال
أخبرنا عمى قال أخبرنا سيف عن موسى بن عقبة عن المغيرة بن الأخنس وعنهما
عن سيف عن عمرو بن قيس عن عطاء الخراساني مثله
(بقية الخبر عن أمر الكذاب العنسي)
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع فيما بلغنا لباذام حين أسلم وأسلمت
اليمن عمل اليمن كلها وأمره على جميع مخالفيها فلم يزل عامل رسول الله صلى الله
عليه وسلم أيام حياته فلم يعزله عنها ولا عن شئ منها ولا أشرك معه فيها شريكا
حتى مات باذام فلما مات فرق عملها بين جماعة من أصحابه * فحدثني عبيد الله بن
463

سعيد الزهري قال حدثنا عمى قال حدثنا سيف وحدثني السرى بن يحيى قال حدثنا
شعيب بن إبراهيم عن سيف قال حدثنا سهل بن يوسف عن أبيه عن عبيد بن صخر
ابن لوذان الأنصاري السلمي وكان فيمن بعث النبي صلى الله عليه وسلم مع عمال
اليمن في سنة عشر بعد ما حج حجة التمام وقد مات باذام فلذلك فرق عملها بين شهر
ابن باذام وعامر بن شهر الهمداني وعبد الله بن قيس أبى موسى الأشعري وخالد
ابن سعيد بن العاص والطاهر بن أبي هالة ويعلى بن أمية وعمر بن حزم وعلى بلاد
حضرموت زياد بن لبيد البياضي وعكاشة بن ثور بن أصغر الغوثي على السكاسك
والسكون ومعاوية بن كندة وبعث معاذ بن جبل معلما لأهل البلدين اليمن وحضرموت
* حدثني عبيد الله قال أخبرني عمى قال أخبرني سيف يعنى ابن عمر عن أبي
عمرو مولى إبراهيم بن طلحة عن عبادة بن قرص بن عبادة عن قرص الليثي
أن النبي صلى الله عليه وسلم رجع إلى المدينة بعد ما قضى حجة الاسلام وقد وجه
إمارة اليمن وفرقها بين الرجال وأفرد كل رجل بحيزه ووجه إمارة حضرموت
وفرقها بين ثلاثة وأفرد كل واحد منهم بحيزه واستعمل عمرو بن حزم على نجران
وخالد بن سعيد بن العاض على ما بين نجران ورمع وزبيد وعامر بن شهر على
همدان وعلى صنعاء ابن باذام وعلى عك والأشعريين الطاهر بن أبي هالة وعلى
مأرب أبا موسى الأشعري وعلى الجند يعلى بن أبي أمية وكان معاذ معلما يتنقل
في عمالة كل عامل باليمن وحضرموت واستعمل على أعمال حضرموت على
السكاسك والسكون عكاشة بن ثور وعلى بنى معاوية بن كندة عبد الله أو المهاجر
فاشتكى فلم يذهب حتى وجهه أبو بكر وعلى حضرموت زياد بن لبيد البياضي
وكان زياد يقوم على عمل المهاجر فمات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهؤلاء
عماله على اليمن وحضرموت إلا من قتل في قتال الأسود أو مات وهو باذام مات
ففرق النبي صلى الله عليه وسلم العمل من أجله وشهر ابنه يعنى ابن باذام فسار
إليه الأسود فقاتله فقتله * وحدثني بهذا الحديث السرى عن شعيب بن إبراهيم
عن سيف فقال فيه عن سيف عن أبي عمرو مولى إبراهيم بن طلحة ثم سائر الحديث
464

باسناده مثل حديث ابن سعيد الزهري قال حدثني السرى قال حدثنا شعيب بن
إبراهيم عن سيف عن طلحة بن الأعلم عن عكرمة عن ابن عباس قال أول من
اعترض على العنسي وكاثره عامر بن شهر الهمداني في ناحيته وفيروز وداذويه
في ناحيتهما ثم تتابع الذين كتب إليهم على ما أمروا به * حدثنا عبيد الله بن سعيد
قال أخبرنا عمى قال أخبرني سيف قال وحدثنا السرى قال وحدثنا شعيب قال
حدثنا سيف عن سهل بن يوسف عن أبيه عن عبيد بن صخر قال فبينا نحن بالجند
قد أقمناهم على ما ينبغي وكتبنا بيننا وبينهم الكتب إذ جاءنا كتاب من الأسود أيها
المتوردون علينا أمسكوا علينا ما أخذتم من أرضنا ووفروا ما جمعتم فنحن أولى
به وأنتم على ما أنتم عليه فقلنا للرسول من أين جئت قال من كهف خبان ثم كان
وجهه إلى نجران حتى أخذها في عشر لمخرجه وطابقه عوام مذحج فبينا نحن
ننظر في أمرنا ونجمع جمعنا إذ أتينا فقيل هذا الأسود بشعوب وقد خرج إليه
شهر بن باذام وذلك لعشرين ليلة من منجمه فبينا نحن ننتظر الخبر على من
يكون الدبرة إذ أتانا أنه قتل شهرا وهزم الأبناء وغلب على صنعاء لخمس
وعشرين ليلة من منجمه وخرج معاذ هاربا حتى مر بأبي موسى وهو بمأرب
فاقتحما حضرموت فاما معاذ فإنه نزل في السكون وأما أبو موسى فإنه نزل في
السكاسك مما يلي المفور والمفازة بينهم وبين مأرب وانحاز سائر امراء
اليمن إلى الطاهر إلا عمرا وخالدا فإنهما رجعا إلى المدينة والطاهر يومئذ في
وسط بلاد عك بحيال صنعاء وغلب الأسود على ما بين صهيد مفازة
حضرموت إلى عمل الطائف إلى البحرين قبل عدن وطابقت عليه اليمن
وعك بتهامة معترضون عليه وجعل يستطير استطارة الحريق وكان معه سبعمائة
فارس يوم لقى شهرا سوى الركبان وكان قواده قيس بن عبد يغوث المرادي
ومعاوية بن قيس الجنبي ويزيد بن محرم ويزيد بن حصين الحارثي ويزيد بن الافكل
الأزدي وثبت ملكه واستغلظ أمره ودانت له سواحل من السواحل حاز عثر
والسرجة والحردة وغلافقة وعدن والجند ثم صنعاء إلى عمل الطائف إلى
465

الاحسية وعليب وعامله المسلمون بالبقية وعامله أهل الردة بالكفر والرجوع
عن الاسلام وكان خليفته في مذحج عمرو بن معديكرب وأسند أمره إلى نفر
فأما أمر جنده إلى قيس بن عبد يغوث وأسند أمر الأبناء إلى فيروز ودازويه فلما
أثخن في الأرض استخف بقيس وبفيروز وداذويه وتزوج امرأة شهر وهى
ابنة عم فيروز فبينا نحن كذلك بحضرموت ولا نأمن أن يسير إلينا الأسود
أو يبعث إلينا جيشا أو يخرج بحضرموت خارج يدعى بمثل ما ادعى به الأسود
فنحن على ظهر تزوج معاذ إلى بنى بكرة حي من السكون امرأة أخوالها
بنو زنكبيل يقال لها رملة فحدبوا لصهرة علينا وكان معاذ بها معجبا فإن كان
ليقول فيما يدعو الله بي اللهم ابعثنى يوم القيامة مع السكون ويقول أحيانا اللهم
اغفر للسكون إذ جاءتنا كتب النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا فيها أن نبعث الرجال
لمحاولته أو لمصاولته ونبلغ كل من رجا عنده شيئا من ذلك عن النبي صلى الله
عليه وسلم فقام معاذ في ذلك بالذي أمر به فعرفنا القوة وثقنا بالنصر * حدثنا السرى
قال أخبرنا شعيب قال حدثنا سيف وحدثني عبيد الله قال أخبرنا عمى قال أخبرنا
سيف قال أخبرنا المستنير بن يزيد عن عروة بن غزية الدثيني عن الضحاك
ابن فيروز قال السرى عن جشيش بن الديلمي وقال عبيد الله عن جشيش بن الديلمي
قال قدم علينا وبر بن يحنس بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا فيه بالقيام
على ديننا والنهوض في الحرب والعمل في الأسود إما غيلة وإما مصادمة وأن نبلغ
عنه من رأينا أن عنده نجدة ودينا فعملنا في ذلك فرأينا أمرا كثيفا ورأيناه قد
تغير لقيس بن عبد يغوث وكان على جنده فقلنا يخاف على دمه فهو لأول دعوة
فدعوناه وأنبأناه الشأن وأبلغناه عن النبي صلى الله عليه وسلم فكأنما وقعنا
عليه من السماء وكان في غم وضيق بأمره فأجابنا إلى ما أحببنا من ذلك وجاءنا
وبر بن يحنس وكاتبنا الناس ودعوناهم وأخبره الشيطان بشئ فأرسل إلى قيس
وقال يا قيس ما يقول هذا قال وما يقول قال يقول عمدت إلى قيس فأكرمته
حتى إذا دخل منك كل مدخل وصار في العز مثلك مال ميل عدوك وحاول ملكك
466

وأضمر على الغدر إنه يقول يا أسود يا أسود يا سوأة يا سوأة أقطف قنته وخذ
من قيس أعلاه وإلا سلبك أو قطف قنتك فقال قيس وحلف به كذب وذي
الخمار لانت أعظم في نفسي وأجل عندي من أن أحدث بك نفسي فقال ما أحفاك
أتكذب الملك قد صدق الملك وعرفت الآن أنك تائب مما أطلع عليه منك
ثم خرج فأتاه فقال يا جشيش ويا فيروز ويا داذويه إنه قد قال وقلت فما الرأي فقلنا
نحن على خذر فإنا في ذلك إذ أرسل إلينا فقال ألم أشرفكم على قومكم ألم يبلغني
عنكم فقلنا أقلنا مرتنا هذه فقال لا يبلغني عنكم فأقيلكم فنجونا ولم نكد وهو في
ارتياب من أمرنا وأمر قيس ونحن في ارتياب وعلى خطر عظيم إذ جاءنا اعتراض
عامر بن شهر وذي زود وذي مران وذي الكلاع وذي ظليم عليه وكاتبونا
وبذلوا لنا النصر وكاتبناهم وأمرناهم أن لا يحركوا شيئا حتى نبرم الامر وإنما
اهتاجوا لذلك حين جاء كتاب النبي صلى الله عليه وسلم وكتب النبي صلى الله عليه
وسلم إلى أهل نجران إلى عربهم وساكني الأرض من غير العرب فثبتوا فتنحوا
وانضموا إلى مكان واحد وبلغه ذلك وأحس بالهلاك وفرق لنا الرأي فدخلت
على آزاد وهى امرأته فقلت يا ابنة عم قد عرفت بلاء هذا الرجل عند قومك قتل
زوجك وطأطأ في قومك القتل وسفل بمن بقى منهم وفضح النساء فهل عندك من
ممالاة عليه فقالت على أي أمره قلت إخراجه قلت أو قتله قالت أو قتله قالت نعم والله
ما خلق الله شخصا أبغض إلى منه ما يقوم لله على حق ولا ينتهى له عن حرمة فإذا عزمتم
فاعلموني أخبركم بمأتي هذا الامر فأخرج فإذا فيروز وداذويه ينتظراني وجاء
قيس ونحن نريد أن نناهضه فقال له رجل قبل أن يجلس إلينا الملك يدعوك فدخل
في عشرة من مذحج وهمدان فلم يقدر على قتله معهم قال السرى في حديثه فقال
يا عبهلة بن كعب بن غوث وقال عبيد الله في حديثه يا عبهلة بن كعب بن غوث
أمنى تحصن بالرجال ألم أخبرك الحق وتخبرني الكذابة يقول يا سوأة يا سوأة
إلا تقطع من قيس يده يقطع قنتك العليا حتى ظن أنه قاتله فقال إنه ليس من الحق
أن أقتلك وأنت رسول الله فمر بي بما أحببت فأما الخوف والفزع فأنا فيهما مخافة
467

قال الزهري فأما قتلتني فموتة وقال السرى اقتلني فموتة أهون على من موتات أموتها
كل يوم فرق له فأخرجه فخرج علينا فأخبرنا وطوانا وقال اعملوا عملكم وخرج
علينا في جمع فقمنا متولا له وبالباب مائة ما بين بقرة وبعير فقام وخط خطا
فأقيمت من ورائه وقام من دونها فنحرها غير محبسة ولا معقلة ما يقتحم الخط
منها شئ ثم خلاها فجالت إلى أن زهقت فما رأيت أمرا كان أفظع منه ولا يوما
أوحش منه ثم قال أحق ما بلغني عنك يا فيروز وبوأ له الحربة لقد هممت أن
أتحرك فأتبعك هذه البهيمة فقال اخترتنا لصهرك وفضلتنا على الأبناء فلو لم تكن
نبيا ما بعنا نصيبا منك بشئ فكيف وقد اجتمع لنا بك أمر آخرة ودنيا لا تقبلن علينا
أمثال ما يبلغك فإنا بحيث تحب فقال أقسم هذه فأنت أعلم بمن هاهنا فاجتمع إلى أهل
صنعاء وجعلت آمر للرهط بالجزور ولأهل البيت بالبقرة ولأهل الخلة بعدة حتى أخذ
أهل كل ناحية بقسطهم فلحق به قبل أن يصل إلى داره وهو واقف على رجل يسعى إليه
بفيروز فاستمع له واستمع له فيروز وهو يقول أنا قاتله غدا وأصحابه فاغد على ثم التفت
فإذا به فقال مه فأخبره بالذي صنع فقال أحسنت ثم ضرب دابته داخلا فرجع إلينا
فأخبرنا الخبر فأرسلنا إلى قيس فجاءنا فأجمع ملؤهم أن أعود إلى المرأة فأخبرها بعزيمتنا
لتخبرنا بما تأمر فأتيت المرأة وقلت ما عندك فقالت هو متحرز متحرس وليس
من القصر شئ إلا والحرس محيطون به غير هذا البيت فان ظهره إلى مكان كذا
وكذا من الطريق فإذا أمسيتم فانقلبوا عليه فإنكم من دون الحرس وليس دون
قتله شئ وقالت إنكم ستجدون فيه سراجا وسلاحا فخرجت فتلقاني الأسود خارجا
من بعض منازله فقال لي ما أدخلك على ووجأ رأسي حتى سقطت وكان شديدا
وصاحت المرأة فأدهشته عنى ولولا ذلك لقتلني وقالت ابن عمى جاءني زائرا
فقصرت بي فقال اسكتي لا أبا لك فقد وهبته لك فتزايلت عنى فأتيت أصحابي فقلت
النجاء الهرب وأخبرتهم الخبر فإنا على ذلك حيارى إذ جاءني رسولها لا تدعن
ما فارقتك عليه فانى لم أزل به حتى أطمأن فقلنا لفيروز ائتها فتثبت منها فأما أنا
فلا سبيل لي إلى الدخول بعد النهى ففعل وإذا هو كان أفطن منى فلما أخبرته قال
468

وكيف ينبغي لنا أن ننقب على بيوت مبطنة ينبغي لنا أن نقلع بطانة البيت فدخلا
فاقتلعا البطانة ثم أغلقاه وجلس عندها كالزائر فدخل عليها فاستخفته غير وأخبزته
برضاع وقرابة منها عنده محرم فصاح به وأخرجه وجاءنا بالخبر فلما أمسينا عملنا
في أمرنا وقد واطأنا أشياعنا وعجلنا عن مراسلة الهمدانيين والحميريين فنقبنا البيت
من خارج ثم دخلنا وفيه سراج تحت جفنة واتقينا بفيروز وكان أنجدنا وأشدنا
فقلنا أنظر ماذا ترى فخرج ونحن بينه وبين الحرس معه في مقصورة فلما دنا من
باب البيت سمع غطيطا شديدا وإذا المرأة جالسة فلما قام على الباب أجلسه الشيطان
فكلمه على لسانه وإنه ليغط جالسا وقال أيضا ما لي ولك يا فيروز فخشى إن رجع
أن يهلك وتهلك المرأة فعاجله فخالطه وهو مثل الجمل فأخذ برأسه فقتله فدق عنقه
ووضع ركبته في ظهره فدقه ثم قام ليخرج فأخذت المرأة بثوبه وهى ترى أنه لم
يقتله فقالت أين تدعني قال أخبر أصحابي بمقتله فأتانا فقمنا معه فأردنا حز رأسه
فحركه الشيطان فاضطرب فلم يضبطه فقلت اجلسوا على صدره فجلس اثنان على
صدره وأخذت المرأة بشعره وسمعنا بربرة فألجمته بمئلاة وأمر الشفرة على حلقه
فخار كأشد خوار ثور سمعته قط فابتدر الحرس الباب وهم حول المقصورة فقالوا
ما هذا ما هذا فقالت المرأة النبي يوحى إليه فخمد ثم سمرنا ليلتنا ونحن نأتمر كيف
نخبر أشياعنا ليس غيرنا ثلاثتنا فيروز وداذويه وقيس فاجتمعنا على النداء
بشعارنا الذي بيننا وبين أشياعنا ثم ينادى بالاذان فلما طلع الفجر نادى داذويه
بالشعار ففزع المسلمون والكافرون وتجمع الحرس فأحاطوا بنا ثم ناديت بالاذان
وتوافت خيولهم إلى الحرس فناديتهم أشهد أن محمدا رسول الله وأن عبهلة
كذاب وألقينا إليهم رأسه فأقام وبر الصلاة وشنها القوم غارة ونادينا يا أهل
صنعاء من دخل عليه داخل فتعلقوا به ومن كان عنده منهم أحد فتعلقوا به ونادينا
بمن في الطريق تعلقوا بمن استطعتم فاختطفوا صبيانا كثيرين وانتهبوا ما انهبوا
ثم مضوا خارجين فلما برزوا فقدوا منهم سبعين فارسا وركبانا وإذا أهل الدور
والطرق وقد وافونا بهم وفقدنا سبعمائة عيل فراسلونا وراسلناهم على أن يتركوا
469

لنا ما في أيديهم ونترك لهم ما في أيدينا ففعلوا فخرجوا لم يظفروا منا بشئ فترددوا
فيما بين صنعاء ونجران وخلصت صنعاء والجند وأعز الله الاسلام وأهله وتنافسنا
الامارة وتراجع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أعمالهم فاصطلحنا على معاذ بن
جبل فكان يصلى بنا وكتبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخبر وذلك في حياة
النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه الخبر من ليلته وقدمت رسلنا وقد مات النبي صلى
الله عليه وسلم صبيحة تلك الليلة فأجابنا أبو بكر رحمه الله * حدثنا عبيد الله قال
أخبرنا عمى قال أخبرنا سيف وحدثني السرى قال حدثنا شعيب عن سيف عن أبي
القاسم الشنوي عن العلاء بن زياد عن ابن عمر قال أتى الخبر النبي صلى الله
عليه وسلم من السماء الليلة التي قتل فيها العنسي ليبشرنا فقال قتل العنسي البارحة
قتله رجل مبارك من أهل بيت مباركين قيل ومن قال فيروز فاز فيروز * حدثنا
عبيد الله قال أخبرنا عمى قال أخبرني سيف وحدثني السرى قال حدثنا شعيب
عن سيف عن المستنير عن عروة عن الضحاك عن فيروز قال قتلنا الأسود وعاد
أمرنا كما كان إلا أنا أرسلنا إلى معاذ فتراضينا عليه فكان يصلى لنا في صنعاء فوالله
ما صلى بنا إلا ثلاثا ونحن راجون مؤملون لم يبق شئ نكرهه إلا ما كان من
تلك الخيول التي تتردد بيننا وبين نجران حتى أتانا الخبر بوفاة رسول الله صلى
الله عليه وسلم فانتقضت الأمور وأنكرنا كثيرا مما كنا نعرف واضطربت
الأرض * حدثني السرى قال حدثنا شعيب قال حدثنا سيف عن أبي القاسم وأبى محمد
عن أبي زرعة يحيى بن أبي عمرو الشيباني من جند فلسطين عن عبد الله بن فيروز الديلمي
أن أباه حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إليهم رسولا يقال له وبر بن يحنس
الأزدي وكان منزله على داذويه الفارسي وكان الأسود كاهنا معه شيطان وتابع له
فخرج فنزل على ملك اليمن فقتل ملكها ونكح امرأته وملك اليمن وكان باذام
هلك قبل ذلك فخلف ابنه على أمره فقتله وتزوجها فاجتمعت أنا وداذويه وقيس
ابن المكشوح المرادي عند وبر يخنس رسول نبي الله صلى الله عليه وسلم نأتمر
بقتل الأسود ثم إن الأسود أمر الناس فاجتمعوا في رحبة من صنعاء ثم
470

خرج حتى قام في وسطهم ومعه حربة الملك ثم دعا بفرس الملك فأوجره الحربة
ثم أرسل فجعل يجرى في المدينة ودماؤه تسيل حتى مات وقام وسط الرحبة ثم
دعا بجزر من وراء الخط فأقامها وأعناقها ورؤسها في الخط ما يحزنه ثم
استقبلهن بحربته فنحرهن فتصدعن عنه حتى فرغ منهن ثم أمسك حربته في
يده ثم أكب على الأرض ثم رفع رأسه فقال إنه يقول يعنى شيطانه الذي معه ان
ابن المكشوح من الطغاة يا أسود اقطع قنة رأسه العليا ثم أكب رأسه أيضا
بنظر ثم رفع رأسه فقال إنه يقول إن ابن الديلمي من الطغاة يا أسود اقطع يده
اليمنى ورجله اليمنى فلما سمعت قوله والله ما آمن أن يدعو بي فينحرني بحربته
كما نحر هذه الجزر فجعلت أستتر بالناس لئلا يراني حتى خرجت ولا أدرى من
حذري كيف آخذ فلما دنوت من منزلي لقيني رجل من قومه فدق في رقبتي فقال
إن الملك يدعوك وأنت تروغ ارجع فردني فلما رأيت ذلك خشيت أن يقتلني
قال وكنا لا يكاد يفارق رجلا منا أبدا خنجره فأدس يدي في خفي فأخذت
خنجري ثم أقبلت وأنا أريد أن أحمل عليه فأطعنه به حتى أقتله ثم أقتل من معه
فلما دنوت منه رأى في وجهي الشر فقال مكانك فوقفت فقال إنك أكبر من
ههنا وأعلمهم بأشراف أهلها فاقسم هذه الجزر بينهم وركب فانطلق وعلقت
أقسم اللحم بنى أهل صنعاء فأتاني ذلك الذي دق في رقبتي فقال اعطني منها فقلت
لا والله ولا بضعة واحدة ألست الذي دققت في رقبتي فانطلق غضبان حتى أتى
الأسود فأخبره بما لقى منى وقلت له فلما فرغت أتيت الأسود أمشى إليه فسمعت
الرجل وهو يشكوني إليه فقال له الأسود أما والله لأذبحنه ذبحا فقلت له إني
قد فرغت مما أمرتني به وقسمته بين الناس قال قد أحسنت فانصرف فانصرفت
فبعثنا إلى امرأة الملك إنا نريد قتل الأسود فكيف لنا فأرسلت إلى أن هلم
فأتيتها وجعلت الجارية على الباب لتؤذننا إذا جاء ودخلت أنا وهى البيت الآخر
فحفرنا حتى نقبنا نقبا ثم خرجنا إلى البيت فأرسلنا الستر فقلت إنا نقتله الليلة
فقالت فتعالوا فما شعرت بشئ حتى إذا الأسود قد دخل البيت وإذا هو معنا
471

فأخذته غيرة شديدة فجعل يدق في رقبتي وكفكفته عنى وخرجت فأتيت أصحابي
بالذي صنعت وأيقنت بانقطاع الحيلة عنا فيه إذ جاءنا رسول المرأة أن لا يكسرن
عليكم أمركم ما رأيتم فإني قد قلت له بعد ما خرجت ألستم تزعمون أنكم أقوام
أحرار لكم أحساب قال بلى فقلت جاءني أخي يسلم على ويكرمني فوقعت عليه
تدق في رقبته حتى أخرجته فكانت هذه كرامتك إياه فلم أزل ألومه حتى لام
نفسه وقال أهو أخوك فقلت نعم فقال ما شعرت فأقبلوا الليلة لما أردتم
قال الديلمي فاطمأنت أنفسنا واجتمع لنا أمرنا فأقبلنا من الليل أنا وداذويه
وقيس حتى ندخل البيت الأقصى من النقب الذي نقبنا فقلت يا قيس أنت فارس
العرب ادخل فاقتل الرجل قال إني يأخذني رعدة شديدة عند البأس فأخاف
أن أضرب الرجل ضربة لا تغنى شيئا ولكن ادخل أنت يا فيروز فإنك أشبنا
وأقوانا قال فوضعت سيفي عند القوم ودخلت لأنظر أين رأس الرجل فإذا
السراج يزهر وإذا هو راقد على فرش قد غاب فيها لا أدرى أين رأسه من رجليه
وإذا المرأة جالسة عنده كانت تطعمه رمانا حتى رقد فأشرت إليها أين رأسه
فأشارت إليه فأقبلت أمشى حتى قمت عند رأسه لأنظر فما أدرى أنظرت في
وجهه أم لا فإذا هو قد فتح عينيه فنظر إلى فقلت إن رجعت إلى سيفي خفت أن
يفوتني ويأخذ عدة يمتنع بها منى وإذا شيطانه قد أنذره بمكاني وقد أيقظه فلما
أبطأ كلمني على لسانه وانه لينظر ويغط فأضرب بيدي إلى رأسه فأخذت رأسه
بيد ولحيته بيد ثم ألوى عنقه فدقتها ثم أقبلت إلى أصحابي فأخذت المرأة بثوبي
فقالت أختكم نصحتكم قلت قد والله قتلته وأرحتك منه قال فدخلت على صاحبي
فأخبرتهما قالا فارجع فاحتز رأسه فائتنا به فدخلت فبربر فألجمته فحززت رأسه فأتيتهما
به ثم خرجنا حتى أتينا منزلنا وعندنا وبر بن يحنس الأزدي فقام معنا حتى
ارتقينا على حصن مرتفع من تلك الحصون فأذن وبر بن يحنس بالصلاة ثم قلنا
ألا إن الله عز وجل قد قتل الأسود الكذاب فاجتمع الناس إلينا فرمينا برأسه
فلما رأى القوم الذين كانوا معه أسرجوا خيولهم ثم جعل كل واحد منهم يأخذ
472

غلاما من أبنائنا معه من أهل البيت الذي كان نازلا فيهم فأبصرتهم في الغلس
مردفي الغلمان فناديت أخي وهو أسفل منى مع الناس أن تعلقوا بمن استطعتم
منهم ألا ترون ما يصنعون بالأبناء فتعلقوا بهم فحبسنا منهم سبعين رجلا وذهبوا
منا بثلاثين غلاما فلما برزوا إذا هم يفقدون سبعين رجلا حين تفقدوا أصحابهم
فأتونا فقالوا أرسلوا إلينا أصحابنا فقلنا لهم أرسلوا إلينا أبناءنا فأرسلوا إلينا الأبناء
وأرسلنا إليهم أصحابهم قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه إن الله قد
قتل الأسود الكذاب العنسي قتله بيد رجل من إخوانكم وقوم أسلموا وصدقوا
فكنا كأنا على الامر الذي كان قبل قدوم الأسود علينا وأمن الامراء وتراجعوا
واعتذر الناس وكانوا حديث عهد بالجاهلية * حدثنا عبيد الله قال حدثنا عمى
قال أخبرنا سيف وحدثني السرى قال حدثنا شعيب قال حدثنا سيف عن
سهل بن يوسف عن أبيه عن عبيد بن صخر قال كان أول أمره إلى آخره
ثلاثة أشهر * وحدثني السرى قال حدثنا شعيب عن سيف وحدثنا عبيد الله
قال أخبرنا عمى قال أخبرنا سيف عن جابر بن يزيد عن عروة بن غزية
عن الضحاك بن فيروز قال كان ما بين خروجه بكهف خبان ومقتله نحوا
من أربعة أشهر وقد كان قبل ذلك مستسرا بأمره حتى بادي بعد
* حدثني عمر بن شبة قال حدثنا علي بن محمد عن أبي معشر ويزيد بن عياض
ابن جعدبة وغسان بن عبد الحميد وجويرية بن أسماء عن مشيختهم قالوا
أمضى أبو بكر جيش أسامة بن زيد في آخر ربيع الأول وأتى مقتل العنسي في
آخر ربيع الأول بعد مخرج أسامة وكان ذلك أول فتح أتى أبا بكر وهو بالمدينة
(وقال الواقدي) في هذه السنة أعنى سنة إحدى عشر قدم وفد النخع في
النصف من المحرم على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رأسهم
زرارة بن عمرو وهم آخر من قدم من الوفود (وفيها) ماتت فاطمة ابنة رسول
الله صلى الله عليه وسلم في ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من شهر رمضان وهى يومئذ
ابنة تسع وعشرين سنة أو نحوها وذكر أن أبا بكر بن عبد الله حدثه عن إسحاق بن
473

عبد الله عن أبان بن صالح بذلك وزعم أن ابن جريج حدثه عن عمرو بن دينار
عن أبي جعفر قال توفيت فاطمة عليها السلام بعد النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة
أشهر قال وحدثنا ابن جريج عن الزهري عن عروة قال توفيت فاطمة بعد النبي
صلى الله عليه وسلم بستة أشهر (قال الواقدي) وهو أثبت عندنا قال وغسلها علي
عليه السلام وأسماء بنت عميس قال وحدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز بن عبد الله
ابن عثمان بن حنيف عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن عمرة ابنة
عبد الرحمن قالت صلى عليها العباس بن عبد المطلب * وحدثنا أبو زيد قال حدثنا
علي عن أبي معشر قال دخل قبرها العباس وعلي والفضل بن العباس * قال وفيها
توفى عبد الله بن أبي بكر بن أبي قحافة وكان أصابه بالطائف سهم مع النبي صلى الله
عليه وسلم وسلم رماه أبو محجن ودمل الجرح حتى انتقض به في شوال فمات
* حدثني أبو زيد قال حدثنا علي قال حدثنا أبو معشر ومحمد بن إسحاق وجويرة
ابن أسماء باسناده الذي ذكرت قبل قالوا في العام الذي بويع فيه أبو بكر ملك
أهل فارس عليهم يزدجرد (قال أبو جعفر) وفيها كان لقاء أبى بكر رحمه الله خارجة
ابن حصن الفزاري * حدثني أبو زيد قال حدثنا علي بن محمد باسناده الذي ذكرت
قبل قالوا أقام أبو بكر بالمدينة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوجيهه
أسامة في جيشه إلى حيث قتل أبوه زيد بن حارثة من أرض الشام وهو الموضع
الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بالمسير إليه لم يحدث شيئا وقد جاءته
وفود العرب مرتدين يقرون بالصلاة ويمنعون الزكاة فلم يقبل ذلك منهم وردهم
وأقام حتى قدم أسامة بن زيد بن حارثة بعد أربعين يوما من شخوصه ويقال بعد
سبعين يوما فلما قدم أسامة بن زيد استخلفه أبو بكر على المدينة وشخص ويقال
استخلف سنانا الضمري على المدينة فسار ونزل بذى القصة في جمادى الأولى
ويقال في جمادى الآخرة وكان نوفل بن معاوية الديلي بعثه رسول الله صلى الله
عليه وسلم فلقيه خارجة بن حصن بالشربة فأخذ ما في يديه فرده على بنى فزارة
فرجع نوفل إلى أبى بكر بالمدينة قبل قدوم أسامة على أبى بكر فأول حرب كانت
474

في الردة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم حرب العنسي وقد كانت حرب العنسي
باليمن ثم حرب خارجة بن حصن ومنظور بن زبان بن سيار في غطفان والمسلمون
غارون فانحاز أبو بكر إلى أجمة فاستتر بها ثم هزم الله المشركين * حدثني عبيد الله
قال حدثنا عمى قال أخبرنا سيف وحدثني السرى قال حدثنا شعيب قال حدثنا
سيف عن المجالد بن سعيد قال لما فصل أسامة كفرت الأرض وتصرمت وارتدت
من كل قبيلة عامة أو خاصة إلا قريشا وثقيفا * وحدثني عبيد الله قال حدثنا عمى
قال أخبرنا سيف وحدثني السرى قال حدثنا شعيب قال حدثنا سيف عن هشام
ابن عروة عن أبيه قال لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وفصل أسامة
ارتدت العرب وعوام أو خواص وتوحى مسيلمة وطليحة فاستغلظ أمرهما واجتمع
على طليحة عوام طيئ وأسد وارتدت غطفان إلى ما كان من أشجع وخواص من
الأفناء فبايعوه وقدمت هوازن رجلا وأخرت رجلا أمسكوا الصدقة إلا ما كان
من ثقيف ولفها فإنهم اقتدى بهم عوام جديلة والاعجاز وارتدت خواص من
بنى سليم وكذلك سائر الناس بكل مكان قال وقدمت رسل النبي صلى الله عليه
وسلم من اليمن واليمامة وبلاد بنى أسد ووفود من كان كاتبه النبي صلى الله عليه وسلم
وأمر أمره في الأسود ومسيلمة وطليحة بالاخبار والكتب فدفعوا كتبهم إلى
أبى بكر وأخبروه الخبر فقال لهم أبو بكر لا تبرحوا حتى تجئ رسل أمرائكم وغيرهم
بأدهى مما وصفتم وأمر وانتقاض الأمور فلم يلبثوا أن قدمت كتب أمراء
النبي صلى الله عليه وسلم من كل مكان بانتقاض عامة أو خاصة وتبسطهم بأنواع
المثل على المسلمين فحاربهم أبو بكر بما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حاربهم
بالرسل فرد رسلهم بأمره وأتبع الرسل رسلا وانتظر بمصادمتهم قدوم أسامة
وكان أول من صادم عبس وذبيان عاجلوه فقاتلهم قبل رجوع أسامة
* حدثني عبيد الله قال أخبرنا عمى قال أخبرنا سيف وحدثني السرى قال حدثنا
شعيب قال حدثنا سيف عن أبي عمرو عن زيد بن أسلم قال مات رسول الله صلى الله
عليه وسلم وعماله على قضاعة وعلى كلب امرؤ القيس بن الأصبغ الكلبي من بنى
475

عبد الله وعلى القين عمرو بن الحكم وعلى سعد هذيم معاوية بن فلان الوائلي وقال السرى
الوالبي فارتد وديعة الكلبي فيمن آزره من كلب وبقى امرؤ القيس على دينه وارتد
زميل بن قطبة القيني فيمن آزره من بنى القين وبقى عمرو وارتد معاوية فيمن
آزره من سعد هذيم فكتب أبو بكر إلى امرئ القيس بن فلان وهو جد سكينة
ابنة حسين فسار بوديعة والى عمرو فأقام لزميل والى معاوية العذري فلما توسط
أسامة بلاد قضاعة بث الخيول فيهم وأمرهم أن ينهضوا من أقام على الاسلام
إلى من رجع عنه فخرجوا هرابا حتى أرزوا إلى دومة واجتمعوا إلى وديعة ورجعت
خيول أسامة إليه فمضى فيها أسامة حتى أغار على الحمقتين فأصاب في بنى الضبيب
من جذام وفى بنى خليل من لخم ولفها من القبيلين وحازهم من آبل وانكفأ سالما
غانما * فحدثني السرى قال حدثنا شعيب عن سيف عن سهل بن يوسف عن القاسم
ابن محمد قال مات رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتمعت أسد وغطفان وطيئ
على طليحة إلا ما كان من خواص أقوام في القبائل الثلاث فاجتمعت أسد بسميراء
وفزارة ومن يليهم من غطفان بجنوب طيبة وطيئ على حدود أرضهم واجتمعت
ثعلبة بن سعد ومن يليهم من مرة وعبس بالإبرق من الربذة وتأشب إليهم ناس من
بنى كنانة فلم تحملهم البلاد فافترقوا فرقتين فأقامت فرقة منهم بالإبرق وسارت الأخرى
إلى ذي القصة وأمدهم طليحة بحبال فكان حبال على أهل ذي القصة من بنى أسد
ومن تأشب من ليث والديل ومدلج وكان على مرة بالإبرق عوف بن فلان بن
سنان وعلى ثعلبة وعبس الحارث بن فلان أحد بنى سبيع وقد بعثوا وفودا فقدموا
المدينة فنزلوا على وجوه الناس فأنزلوهم ما خلا عباسا فتحملوا بهم على أبى بكر
على أن يقيموا الصلاة وعلى أن لا يؤتوا الزكاة فعزم الله لأبي بكر على الحق
وقال لو منعوني عقالا لجاهدتهم عليه وكان عقل الصدقة على أهل الصدقة مع
الصدقة فردهم فرجع وفد من يلي المدينة من المرتدة إليهم فأخبروا عشائرهم بقلة
من أهل المدينة وأطمعوهم فيها وجعل أبو بكر بعدما أخرج الوفد على أنقاب
المدينة نفرا عليا والزبير وطلحة وعبد الله بن مسعود وأخذ أهل المدينة بحضور
476

المسجد وقال لهم إن الأرض كافرة وقد رأى وفدهم منكم قلة وإنكم لا تدرون
أليلا تؤتون أم نهارا وأدناهم منكم على بريد وقد كان القوم يأملون أن نقبل
منهم ونواعدهم وقد أبينا عليهم ونبذنا إليهم عهدهم فاستعدوا وأعدوا فما لبثوا
إلا ثلاثا حتى طرقوا المدينة غارة مع الليل وخلفوا بعضهم بذى حسي ليكونوا
لهم ردءا فوافوا الغوار ليلا الأنقاب وعليها المقاتلة ودونهم أقوام يدرجون
فنبهوهم وأرسلوا إلى أبى بكر بالخبر فأرسل إليهم أبو بكر أن الزموا أماكنكم
ففعلوا وخرج في أهل المسجد على النواضح إليهم فانفش العدو فأتبعهم المسلمون
على إبلهم حتى بلغوا ذا حسي فخرج عليهم الردء بأنحاء قد نفخوها وجعلوا فيها
الحبال ثم دهدهوها بأرجلهم في وجوه الإبل فتدهده كل نحى في طوله فنفرت
إبل المسلمين وهم عليها ولا تنفر من شئ نفارها من الأنحاء فعاجت بهم ما يملكونها
حتى دخلت بهم المدينة فلم يصرع مسلم ولم يصب فقال في ذلك الخطيل بن أوس
أخو الحطيئة بن أوس
فدى لبنى ذبيان رحلي وناقتي * عشية يحدى بالرماح أبو بكر
ولكن يدهدى بالرجال فهبنه * إلى قدر ما إن تقيم ولا تسرى
ولله أجناد تذاق مذاقه * لتحسب فيما عد من عجب الدهر
وأنشده الزهري من حسب الدهر وقال عبد الله الليثي وكانت بنو عبد مناة
من المرتدة وهم بنو ذبيان في ذلك الامر بذى القصة وبذي حسي
أطعنا رسول الله ما كان بيننا * فيال عباد الله ما لأبي بكر
أيورثنا بكرا إذا مات بعده * وتلك لعمر الله قاصمة الظهر
فهلا رددتم وفدنا بزمانه * وهلا خشيتم حس راعية البكر
وإن التي سألوكم فمنعتم * لكالتمر أو أحلى إلى من التمر
فظن القوم بالمسلمين الوهن وبعثوا إلى أهل ذي القصة بالخبر فقدموا
عليهم اعتمادا في الذين أخبروهم وهم لا يشعرون لأمر الله عز وجل الذي أراده
وأحب أن يبلغه فيهم فبات أبو بكر ليلته يتهيأ فعبى الناس ثم خرج على تعبية
477

من أعجاز ليلته يمشى وعلى ميمنته النعمان بن مقرن وعلى ميسرته عبد الله بن مقرن
وعلى الساقة سويد بن مقرن معه الركاب فما طلع الفجر إلا وهم والعدو في صعيد
واحد فما سمعوا للمسلمين همسا ولا حسا حتى وضعوا فيهم السيوف فاقتتلوا في أعجاز
ليلتهم فما ذر قرن الشمس حتى ولوهم الادبار وغلبوهم على عامة ظهرهم وقتل
حبال وأتبعهم أبو بكر حتى نزل بذى القصة وكان أول الفتح ووضع بها النعمان
ابن مقرن في عدد ورجع إلى المدينة فذل بها المشركون فوثب بنو ذبيان وعبس
على من فيهم من المسلمين فقتلوهم كل قتلة وفعل من وراءهم فعلهم وعز المسلمون
بوقعة أبى بكر وحلف أبو بكر ليقتلن في المشركين كل قتلة وليقتلن في كل قبيلة
بمن قتلوا من المسلمين وزيادة وفى ذلك يقول زياد بن حنظلة التميمي
غداة سعى أبو بكر إليهم * كما يسعى لموتته حلال
أراح على نواهقها عليا * ومج لهن مهجته حبال
وقال أيضا
أقمنا لهم عرض الشمال فكبكبوا * ككبكبة الغزي أناخوا على الوفر
فما صبروا للحرب عند قيامها * صبيحة يسمو بالرجال أبو بكر
طرقنا بنى عبس بأدنى نباجها * وذبيان نهنهنا بقاصمة الظهر
ثم لم يصنع إلا ذلك حتى ازداد المسلمون لها ثباتا على دينهم في كل قبيلة
وازداد لها المشركون انعكاسا من أمرهم في كل قبيلة وطرقت المدينة صدقات
نفر صفوان الزبرقان عدى صفوان ثم الزبرقان ثم عدى صفوان في أول الليل
والثاني في وسطه والثالث في آخره وكان الذي بشر بصفوان سعد بن أبي وقاص
والذي بشر بالزبرقان عبد الرحمن بن عوف والذي بشر بعدي عبد الله بن
مسعود وقال غيره أبو قتادة قال وقال الناس لكلهم حين طلع نذير وقال أبو بكر
هذا بشير هذا حام وليس بوان فإذا نادى بالخير قالوا طال ما بشرت بالخير وذلك لتمام
ستين يوما من مخرج أسامة وقدم أسامة بعد ذلك بأيام لشهرين وأيام فاستخلفه
أبو بكر على المدينة وقال له ولجنده أريحوا وأريحوا ظهركم ثم خرج في الذين
478

خرج إلى ذي القصة والذين كانوا على الأنقاب على ذلك الظهر فقال له المسلمون
ننشدك الله يا خليفة رسول الله إن تعرض نفسك فإنك إن تصب لم يكن
للناس نظام ومقامك أشد على العدو فابعث رجلا فإن أصيب أمرت آخر
فقال لا والله لا أفعل ولا أواسينكم بنفسي فخرج في تعبيته إلى ذي حسي وذي
القصة والنعمان وعبد الله وسويد على ما كانوا عليه حتى نزل على أهل الربذة
بالإبرق فاقتتلوا فهزم الله الحارث وعوفا وأخذ الحطيئة أسيرا فطارت عبس
وبنو بكر وأقام أبو بكر على الأبرق أياما وقد غلب بنى ذبيان على البلاد
وقال حرام على بنى ذبيان أن يتملكوا هذه البلاد إذ غنمناها الله وأجلاها
فلما غلب أهل الردة ودخلوا في الباب الذي خرجوا منه وسامح الناس جاءت
بنو ثعلبة وهى كانت منازلهم لينزلوها فمنعوا منها فأتوه في المدينة فقالوا علام
نمنع من نزول بلادنا فقال كذبتم ليست لكم ببلاد ولكنها موهبي ونقذتي
ولم يعتبهم وحمى الأبرق لخيول المسلمين وأرعى سائر بلاد الربذة الناس على
بنى ثعلبة ثم حماها كلها لصدقات المسلمين لقتال كان وقع بين الناس وأصحاب
الصدقات فمنع بذلك بعضهم من بعض ولما فضت عبس وذبيان أرزوا إلى طليحة
وقد نزل طليحة على بزاخة وارتحل عن سميراء إليها فأقام عليها وقال في يوم
الأبرق زياد بن حنظلة
ويوم بالأبارق قد شهدنا * على ذبيان يلتهب التهابا
أتيناهم بداهية نسوف * مع الصديق إذ ترك العتابا
* حدثني السرى قال حدثنا شعيب عن سيف عن عبد الله بن سعيد بن ثابت
ابن الجذع وحرام بن عثمان عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال لما قدم أسامة
ابن زيد خرج أبو بكر واستخلفه على المدينة ومضى حتى انتهى إلى الربذة يلقى
بنى عبس وذبيان وجماعة من بنى عبد مناة بن كنانة فلقيهم بالإبرق فقاتلهم فهزمهم
الله وفلهم ثم رجع إلى المدينة فلما جم جند أسامة وثاب من حول المدينة خرج
إلى ذي القصة فنزل بهم وهو على بريد من المدينة تلقاء نجد فقطع فيها الجند وعقد
479

الأولوية عقد أحد عشر لواء على أحد عشر جندا وأمر أمير كل جند باستنفار
من مر به من المسلمين من أهل القوة وتخلف بعض أهل القوة لمنع بلادهم
* حدثنا السرى قال حدثنا شعيب عن سيف عن سهل بن يوسف عن القاسم بن
محمد قال لما أراح أسامة وجنده ظهرهم وجموا وقد جاءت صدقات كثيرة تفضل
عنهم قطع أبو بكر البعوث وعقد الألوية فعقد إحدى عشر لواء عقد لخالد بن
الوليد وأمره بطليحة بن خويلد فإذا فرغ سار إلى مالك بن نويرة بالبطاح ان أقام
له ولعكرمة بن أبي جهل وأمره بمسيلمة والمهاجر بن أبي أمية وأمره بجنود
العنسي ومعونة الأبناء على قيس بن المكشوح ومن أعانه من أهل اليمن عليهم ثم
يمضى إلى كندة بحضرموت ولخالد بن سعيد بن العاص وكان قدم على تفيئة ذلك
من اليمن وترك عمله وبعثه إلى الحمقتين من مشارف الشام ولعمرو بن العاص
إلى جماع قضاعة ووديعة والحارث ولحذيفة بن محصن الغلفاني وأمره بأهل
دبا ولعرفجة بن هرثمة وأمره بمهرة وأمرهما ان يجتمعا وكل واحد منهما في عمله
على صاحبه وبعث شرحبيل بن حسنة في أثر عكرمة بن أبي جهل وقال إذا فرغ
من اليمامة فالحق بقضاعة وأنت على خيلك تقتل أهل الردة ولطريفة بن حاجز
وأمره ببنى سليم ومن معهم من هوازن ولسويد بن مقرن وأمره بتهامة اليمن
وللعلاء بن الحضرمي وأمره بالبحرين ففصلت الامراء من ذي القصة ونزلوا
على قصدهم فلحق بكل أمير جنده وقد عهد إليهم عهده وكتب إلى من بعث إليه
من جميع المرتدة * حدثنا السرى قال حدثنا شعيب عن سيف عن عبد الله بن
سعيد عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك وشاركه في العهد والكتاب قحذم
فكانت الكتب إلى قبائل العرب المرتدة كتابا واحدا
(بسم الله الرحمن الرحيم) من أبى بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من
بلغه كتابي هذا من عامة وخاصة أقام على اسلامه أو رجع عنه سلام على من اتبع الهدى
ولم يرجع بعد الهدى إلى الضلالة والعمى فانى أحمد الله إليكم الله الذي لا إله إلا هو وأشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله نقر بما جاء به ونكفر من
480

أبى ونجاهده أما بعد فان الله تعالى أرسل محمدا بالحق من عنده إلى خلقه بشيرا
ونذيرا وداعيا إلى الله باذنه وسراجا منيرا لينذر من كان حيا ويحق القول على
الكافرين فهدى الله بالحق من أجاب إليه وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم
باذنه من أدبر عنه حتى صار الاسلام طوعا وكرها ثم توفى الله رسوله
صلى الله عليه وسلم وقد نفذ لأمر الله ونصح لامته وقضى الذي عليه وكان الله
قد بين له ذلك ولأهل الاسلام في الكتاب الذي أنزل فقال إنك ميت وإنهم
ميتون وقال وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون وقال للمؤمنين
وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم
ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزى الله الشاكرين فمن كان انما
يعبد محمدا فان محمدا قد مات ومن كان انما يعبد الله وحده لا شريك له فان الله
له بالمرصاد حي قيوم لا يموت ولا تأخذه سنة ولا نوم حافظ لامره منتقم
من عدوه ويجزيه وانى أوصيكم بتقوى الله وحظكم ونصيبكم من الله وما جاءكم
به نبيكم صلى الله عليه وسلم وأن تهتدوا بهداه وأن تعتصموا بدين الله فان كل
من لم يهده الله ضال وكل من لم يعافه مبتلى وكل من لم يعنه الله مخذول فمن هداه
الله كان مهتديا ومن أضله كان ضالا قال الله تعالى (من يهد الله فهو المهتد
ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا) ولم يقبل منه في الدنيا عمل حتى
يقربه ولم يقبل منه في الآخرة صرف ولا عدل وقد بلغني رجوع من رجع
منكم عن دينه بعد أن أقر بالاسلام وعمل به اغترارا بالله وجهالة بأمره وإجابة
للشيطان قال الله تعالى (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس
كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم
عدو بئس للظالمين بدلا) وقال (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا
إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير) وانى بعثت إليكم
فلانا في جيش من المهاجرين والأنصار والتابعين باحسان وأمرته ان لا
يقاتل أحدا ولا يقتله حتى يدعوه إلى داعية الله فمن استجاب له وأقر وكف
481

وعمل صالحا قبل منه وأعانه عليه ومن أبى أمرت أن يقاتله على ذلك ثم لا يبقى
على أحد منهم قدر عليه وأن يحرقهم بالنار ويقتلهم كل قتلة وأن يسبى النساء
والذراري ولا يقبل من أحد الا الاسلام فمن اتبعه فهو خير له ومن تركه فلن
يعجز الله وقد أمرت رسولي أن يقرأ كتابي في كل مجمع لكم والداعية الاذان
فإذا أذن المسلمون فأذنوا كفوا عنهم وإن لم يؤذنوا عاجلوهم وإن أذنوا اسألوهم
ما عليهم فإن أبوا عاجلوهم وإن أقروا قبل منهم وحملهم على ما ينبغي لهم فنفذت
الرسل بالكتب أمام الجنود وخرجت الامراء ومعهم العهود
(بسم الله الرحمن الرحيم) هذا عهد من أبى بكر خليفة رسول الله صلى الله
عليه وسلم لفلان حين بعثه فيمن بعثه لقتال من رجع عن الاسلام وعهد إليه
أن يتقى الله ما استطاع في أمره كله سره وعلانيته وأمره بالجد في أمر الله ومجاهدة
من تولى عنه ورجع عن الاسلام إلى أماني الشيطان بعد أن يعذر إليهم فيدعوهم
بداعية الاسلام فان أجابوه أمسك عنهم وإن لم يجيبوه شن غارته عليهم حتى يقروا له
ثم ينبئهم بالذي عليهم والذي لهم فيأخذ ما عليهم ويعطيهم الذي لهم لا ينظرهم ولا يرد
المسلمين عن قتال عدوهم فمن أجاب إلى أمر الله عز وجل وأقر له قبل ذلك منه
وأعانه عليه بالمعروف وإنما يقاتل من كفر بالله على الاقرار بما جاء من عند الله
فإذا أجاب الدعوة لم يكن عليه سبيل وكان الله حسيبه بعد فيما استسر به ومن
لم يجب داعية الله قتل وقوتل حيث كان وحيث بلغ مراغمة لا يقبل من أحد شيئا
أعطاه الا الاسلام فمن أجابه وأقر قبل منه وعلمه ومن أبى قاتله فإن أظهره الله
عليه قتل منهم قتلة بالسلاح والنيران ثم قسم ما أفاء الله عليه الا الخمس فإنه يبلغناه
وإن يمنع أصحابه العجلة والفساد وأن لا يدخل فيهم حشوا حتى يعرفهم ويعلم ما هم
لا يكونوا عيونا ولئلا يوتى المسلمون من قبلهم وأن يقتصد بالمسلمين ويرفق
بهم في السير والمنزل يتفقدهم ولا يعجل بعضهم عن بعض ويستوصى بالمسلمين
في حسن الصحبة ولين القول
482

ذكر بقية الخبر عن غطفان
حين انضمت إلى طليحة وما آل إليه أمر طليحة
* حدثنا عبيد الله بن سعيد قال حدثنا عمى قال أخبرنا سيف وحدثني السرى
قال حدثنا شعيب قال حدثنا سيف عن سهل بن يوسف عن القاسم بن محمد وبدر
ابن الخليل وهشام بن عروة قال لما أرزت عبس وذبيان ولفها إلى البزاخة
أرسل طليحة إلى جديلة والغوث أن ينضموا إليه فتعجل إليه أناس من الحيين وأمروا
قومهم باللحاق بهم فقدموا على طليحة وبعث أبو بكر عديا قبل توجيه خالد من ذي
القصة إلى قومه وقال أدركهم لا يوكلوا فخرج إليهم فقتلهم في الذروة والغارب
وخرج خالد في أثره وأمره أبو بكر أن يبدأ بطيئ على الأكناف ثم يكون وجهه
إلى البزاخة ثم يثلث بالبطاح ولا يريم إذا فرغ من قوم حتى يحدث إليه ويأمره
بذلك وأظهر أبو بكر أنه خارج إلى خيبر ومنصب عليه منها حتى يلاقيه بالأكناف
إكناف سلمى فخرج خالد فازوار عن البزاخة وجنح إلى أجأ وأظهر أنه خارج
إلى خيبر ثم منصب عليهم فقعد ذلك طيئا وبطأهم عن طليحة وقدم عليهم عدى
فدعاهم فقالوا لا نبايع أبا الفصيل أبدا فقال لقد أتاكم قوم ليبيحن حريمكم ولتكننه
بالفحل الأكبر فشأنكم به فقالوا له فاستقبل الجيش فنهنهه عنا حتى نستخرج من
لحق بالبزاخة منا فانا إن خالفنا طليحة وهم في يديه قتلهم أو أرتهنهم فاسقبل عدى
خالدا وهو بالسنح فقال يا خالد أمسك عنى ثلاثا يجتمع لك خمسمائة مقاتل تضرب
بهم عدوك وذلك خير من أن تعجلهم إلى النار وتشاغل بهم ففعل فعاد عدى
إليهم وقد أرسلوا إخوانهم فأتوهم من بزاخة كالمدد لهم ولولا ذلك لم يتركوا فعاد
عدى بإسلامهم إلى خالد وارتحل خالد نحو الأنسر يريد جديلة فقال له عدى
إن طيئا كالطائر وإن جديلة أحد جناحي طيئ فأجلني أياما لعل الله أن ينتقذ جديلة
كما انتقذ الغوث ففعل فأتاهم عدى فلم يزل بهم حتى بايعوه فجاءه بإسلامهم ولحق
بالمسلمين منهم ألف راكب فكان خير مولود ولد في أرض طيئ وأعظمه عليهم
483

بركة * وأما هشام بن الكلبي فإنه زعم أن أبا بكر لما رجع إليه أسامة ومن كان
معه من الجيش جد في حرب أهل الردة وخرج بالناس وهو فيهم حتى نزل بذى
القصة منزلا من المدينة على بريد من نحو نجد فعبى هنالك جنوده ثم بعث خالد
ابن الوليد على الناس وجعل ثابت بن قيس على الأنصار وأمره إلى خالد وأمره
أن يصمد لطليحة وعيينة بن حصن وهما على بزاخة ماء من مياه بنى أسد وأظهراني
ألاقيك بمن معي من نحو خيبر مكيدة وقد أوعب مع خالد الناس ولكنه أراد
أن يبلغ ذلك عدوه فيرعبهم ثم رجع إلى المدينة وسار خالد بن الوليد حتى إذا دنا
من القوم بعث عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم أحد بنى العجلان حليفا للأنصار
طليعة حتى إذا دنوا من القوم خرج طليحة وأخوه سلمة ينظران ويسألان فأما
سلمة فلم يمهل ثابتا أن قتله ونادى طليحة أخاه حين رأى أن قد فرغ من صاحبه
أن أعنى على الرجل فإنه آكل فاعتونا عليه فقتلاه ثم رجعا وأقبل خالد بالناس
حتى مروا بثابت بن أقرم قتيلا فلم يفطنوا له حتى وطئته المعطى بأخفافها فكبر
ذلك على المسلمين ثم نظروا فإذا هم بعكاشة بن محصن صريعا فجزع لذلك المسلمون
وقالوا قتل سيدان من سادات المسلمين وفارسان من فرسانهم فانصرف خالد نحو
طيئ (قال هشام) قال أبو مخنف فحدثني سعد بن مجاهد عن المحل بن خليفة عن عدى
ابن حاتم قال بعثت إلى خالد بن الوليد أن سر إلى فأقم عندي أياما حتى أبعث إلى
قبائل طيئ فاجمع لك منهم أكثر ممن معك ثم أصحبك إلى عدوك قال فسار إلى (قال
هشام) قال أبو مخنف حدثنا عبد السلام بن سويد أن بعض الأنصار حدثه أن خالدا لما
رأى ما بأصحابه من الجزع عند مقتل ثابت وعكاشة قال لهم هل لكم إلى أن أميل بكم إلى حي
من أحياء العرب كثير عددهم شديدة شوكتهم لم يرتد منهم عن الاسلام أحد فقال له الناس
ومن هذا الحي الذي تعنى فنعم والله الحي هو قال لهم طيئ فقالوا وفقك الله نعم
الرأي رأيت فانصرف بهم حتى نزل بالجيش في طيئ (قال هشام) حدثني جديل
ابن خباب النبهاني من بنى عمرو بن أبي أن خالدا جاء حتى نزل على أرك مدينة
سلمى (قال هشام) قال أبو مخنف حدثني إسحاق أنه نزل بأجأ ثم تعبي لحربه ثم
484

سار حتى التقيا على بزاخة وبنو عامر على سادتهم وقادتهم قريبا يستمعون
ويتربصون على من تكون الدبرة (قال هشام) عن أبي مخنف حدثني سعد
ابن مجاهد أنه سمع أشياخا من قومه يقولون سألنا خالدا أن نكفيه قيسا فان بنى
أسد حلفاؤنا فقال والله ما قيس بأوهن الشوكتين اصمدوا إلى أي القبلتين أحببتم
فقال عدى لو ترك هذا الدين أسرتي الأدنى فالأدنى من قومي لجاهدتهم عليه فأنا
أمتنع من جهاد بنى أسد لحلفهم لا لعمر الله لا أفعل فقال له خالد إن جهاد الفريقين
جميعا جهاد لا تخالف رأى أصحابك امض إلى أحد الفريقين وامض بهم إلى
القوم الذين هم لقتالهم أنشط (قال هشام) عن أبي مخنف فحدثني عبد السلام بن
سويد أن خيل طيئ كانت تلقى خيل بنى أسد وفزارة قبل قدوم خالد عليهم
فيتشاتمون ولا يقتتلون فتقول أسد وفزارة لا والله لا نبايع أبا الفصيل أبدا
فتقول لهم خيل طيئ أشهد ليقاتلنكم حتى تكنوه أبا الفحل الأكبر * فحدثنا ابن
حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة عن
عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال حدثت أن الناس لما اقتتلوا قاتل عيينة مع طليحة
في سبعمائة من بنى فزارة قتالا شديدا وطليحة متلفف في كساء له بفناء بيت له من
شعر يتنبأ لهم والناس يقتتلون فلما هزت عيينة الحرب وضرس القتال كر على
طليحة فقال هل جاءك جبريل بعد قال لا قال فرجع فقاتل حتى إذا ضرس القتال
وهزته الحرب كر عليه فقال لا أبا لك أجاءك جبريل بعد قال لا والله قال يقول
عيينة حلفا حتى متى قد والله بلغ منا قال ثم رجع فقاتل حتى إذا بلغ كر عليه فقال
هل جاءك جبريل بعد قال نعم قال فماذا قال لك قال قال لي إن لك رحا كرحاه وحديثا
لا تنساه قال يقول عيينة أظن أن قد علم الله أنه سيكون حديث لا تنساه يا بنى
فزارة هكذا فانصرفوا فهذا والله كذاب فانصرفوا وانهزم الناس فغشوا طليحة
يقولون ماذا تأمرنا وقد كان أعد فرسه عنده وهيأ بعيرا لامرأته النوار فلما أن
غشوه يقولون ماذا تأمرنا قام فوثب على فرسه وحمل امرأته ثم نجا بها وقال من
استطاع منكم أن يفعل مثل ما فعلت وينجو بأهله فليفعل ثم سلك الحوشية حتى
485

لحق بالشام وارفض جمعه وقتل الله من قتل منهم وبنو عامر قريبا منهم على قادتهم
وسادتهم وتلك القبائل من سليم وهوازن على تلك الحال فلما أوقع الله بطليحة وفزارة
ما أوقع أقبل أولئك يقولون ندخل فيما خرجنا منه ونؤمن بالله ورسوله ونسلم
لحكمه في أموالنا وأنفسنا (قال أبو جعفر) وكان سبب ارتداد عيينة وغطفان ومن
ارتد من طيئ ما حدثنا عبيد الله بن سعيد قال أخبرنا عمى قال أخبرني سيف وحدثني
السرى قال حدثنا شعيب عن سيف عن طلحة بن الأعلم عن حبيب بن ربيعة
الأسدي عن عمارة بن فلان الأسدي قال ارتد طليحة في حياة رسول الله صلى
الله عليه وسلم فادعى النبوة فوجه النبي صلى الله عليه وسلم ضرار بن الأزور إلى
عماله على بنى أسد في ذلك وأمرهم بالقيام في ذلك على كل من ارتد فأشجوا طليحة
وأخافوه ونزل المسلمون بواردات ونزل المشركون بسميراء فما زال المسلمون
في نماء والمشركون في نقصان حتى هم ضرار بالمسير إلى طليحة فلم يبق إلا
أخذه سلما إلا ضربة كان ضربها بالجراز فنبا عنه فشاعت في الناس فأتى المسلمون
وهم على ذلك بخبر موت نبيهم صلى الله عليه وسلم وقال ناس من الناس لتلك الضربة
إن السلاح لا يحيك في طليحة فما أمسى المسلمون من ذلك اليوم حتى عرفوا
النقصان وارفض الناس إلى طليحة واستطار أمره وأقبل ذو الخمارين عوف
الجذمي حتى نزل بإزائنا وأرسل إليه ثمامة بن أوس بن لام الطائي إن معي من
جديلة خمسمائة فان دهمكم أمر فنحن بالقردودة والأنسر دوين الرمل وأرسل
إليه مهلهل بن زيدان معي حد الغوث فان دهمكم أمر فنحن بالأكناف بحيال
فيد وإنما تحدبت طيئ على ذي الخمارين عوف أنه كان بين أسد وغطفان وطيئ
حلف في الجاهلية فلما كان قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم اجتمعت غطفان
وأسد على طيئ فأزاحوها عن دارها في الجاهلية غوثها وجديلتها فكره ذلك
عوف فقطع ما بينه وبين غطفان وتتابع الحيان على الجلاء وأرسل عوف إلى
الحيين من طيئ فأعاد حلفهم وقام بنصرتهم فرجعوا إلى دورهم واشتد ذلك على
غطفان فلما مات رسول اله صلى الله عليه وسلم قام عيينة بن حصن في غطفان
486

فقال ما أعرف حدود غطفان منذ انقطع ما بيننا وبين بنى أسد وإني لمجدد الحلف
الذي كان بيننا في القديم ومتابع طليحة والله لان نتبع نبيا من الحليفين أحب
إلينا من أن نتبع نبيا من قريش وقد مات محمد وبقى طليحة فطابقوه على رأيه
ففعل وفعلوا فلما اجتمعت غطفان على المطابقة لطليحة هرب ضرار وقضاعي
وسنان ومن كان قام بشئ من أمر النبي صلى الله عليه وسلم في بنى أسد إلى أبى
بكر وأرفض من كان معهم فأخبروا أبا بكر الخبر وأمروه بالحذر فقال ضرار
ابن الأزور فما رأيت أحدا ليس رسول الله صلى الله عليه وسلم أملا بحرب شعواء
من أبى بكر فجعلنا نخبره ولكأنما نخبره بماله ولا عليه وقدمت عليه وفود بنى أسد
وغطفان وهوازن وطيئ وتلقت وفود قضاعة أسامة بن زيد فحوزها إلى أبى
بكر فاجتمعوا بالمدينة فنزلوا على وجوه المسلمين لعاشر من متوفى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فعرضوا الصلاة على أن يعفوا من الزكاة واجتمع
ملا من أنزلهم على قبول ذلك حتى يبلغوا ما يريدون فلم يبق من وجوه خبرهم
وما أجمع عليه ملاهم إلا ما كان من أبى بكر فإنه أبى إلا ما كان رسول
صلى الله عليه وسلم يأخذ وأبوا فردهم وأجلهم يوما وليلة فتطايروا إلى عشائرهم
* حدثني السرى قال حدثنا شعيب عن سيف عن الحجاج عن عمرو بن شعيب
قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث عمرو بن العاص إلى جيفر منصرفه
من حجة الوداع فمات رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمرو بعمان فأقبل حتى
إذا انتهى إلى البحرين وجد المنذر بن ساوى في الموت فقال له المنذر أشر علي في
مالي بأمر لي ولا على قال صدق بعقار صدقة تجرى من بعدك ففعل ثم خرج من
عنده فسار في بنى تميم ثم خرج منها إلى بلاد بنى عامر فنزل على قرة بن هبيرة
وقرة يقدم رجلا ويؤخر رجلا وعلى ذلك بنو عامر كلهم إلا خواص ثم سار
حتى قدم المدينة فأطافت بها قريش وسألوهم فأخبرهم أن العساكر معسكرة من
دبا إلى حيث انتهيت إليكم فتفرقوا وتحلقوا حلقا وأقبل عمر بن الخطاب يريد
التسليم على عمرو فمر بحلقة وهم في شئ من الذي سمعوا من عمرو في تلك الحلقة
487

عثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن وسعد فلما دنا عمر منهم سكتوا فقال
فيم أنتم فلم يجيبوه فقال ما أعلمني بالذي خلوتم عليه فغضب طلحة وقال تالله يا ابن
الخطاب لتخبرنا بالغيب قال لا يعلم الغيب ألا الله ولكن أظن قلتم ما أخوفنا على
قريش من العرب وأحلفهم إلا يقروا بهذا الامر قالوا صدقت قال فلا تخافوا
هذه المنزلة أنا والله منكم على العرب أخوف منى من العرب عليكم والله لو تدخلون
معاشر قريش جحرا لدخلته العرب في آثاركم فاتقوا الله فيهم ومضى إلى عمرو
فسلم عليه ثم انصرف إلى أبى بكر * حدثنا السرى قال حدثنا شعيب عن سيف
عن هشام بن عروة عن أبيه قال نزل عمرو بن العاص منصرفه من عمان بعد وفاة
رسول الله صلى الله عليه وسلم بقرة بن هبيرة بن سلمة بن قشير وحوله عسكر من
بنى عامر من أفنائهم فذبح له وأكرم مثواه فلما أراد الرحلة خلا به قرة فقال يا هذا
إن العرب لا تطيب لكم نفسا بالاتاوة فإن أنتم أعفيتموها من أخذ أموالها فستسمع
لكم وتطيع وإن أبيتم فلا أرى أن تجتمع عليكم فقال عمرو أكفرت يا قرة وحوله
بنو عامر فكره أن يبوح بمتابعتهم فيكفروا بمتابعته فينفر في شر فقال لنردنكم
إلى فيأتكم وكأن من أمره الاسلام اجعلوا بيننا وبينكم موعدا فقال عمرو أتواعدنا
بالعرب وتخوفنا بها موعدك حفش أمك فوالله لأوطئنه عليك الخيل وقدم على
أبى بكر والمسلمين فأخبرهم * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال
لما فرغ خالد من أمر بنى عامر وبيعتهم على ما بايعهم عليه أوثق عيينة بن حصن
وقرة بن هبيرة فبعث بهما إلى أبى بكر فلما قدما عليه قال له قرة يا خليفة رسول الله
إني قد كنت مسلما ولى من ذلك على إسلامي عند عمرو بن العاص شهادة قد مر
بي فأكرمته وقربته ومنعته قال فدعا أبو بكر عمرو بن العاص فقال ما تعلم من
أمر هذا فقص عليه الخبر حتى انتهى إلى ما قال له من أمر الصدقة قال له قرة حسبك
رحمك الله قال لا والله حتى أبلغ له كل ما قلت فبلغ له فتجاوز عنه أبو بكر وحقن
دمه * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن محمد بن طلحة
ابن يزيد بن ركانة عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال أخبرني من نظر
488

إلى عيينة بن حصن مجموعة يداه إلى عنقه بحبل ينخسه غلمان المدينة بالجريد
يقولون أي عدو الله أكفرت بعد إيمانك فيقول والله ما كنت آمنت بالله قط
فتجاوز عنه أبو بكر وحقن له دمه * حدثني السرى قال حدثنا شعيب عن سيف
عن سهل بن يوسف قال أخذ المسلمون رجلا من بنى أسد فأتى به خالد بالغمر
وكان عالما بأمر طليحة فقال له خالد حدثنا عنه وعن ما يقول لكم فزعم أن
مما أتى به والحمام واليمام والصرد الصوام قد ضمن قبلكم بأعوام ليبلغن ملكنا
العراق والشام * حدثني السرى قال حدثنا شعيب عن سيف عن أبي يعقوب
سعيد بن عبيد قال لما أزرى أهل الغمر إلى البزاخة قام فيهم طليحة ثم قال
أمرت أن تصنعوا رحا ذات عرى يرمى الله بها من رمى يهوى عليها من هوى ثم
عبى جنوده ثم قال ابعثوا فارسين على فرسين أدهمين من بنى نصر بن قعين يأتيانكم
بعين فبعثوا فارسين من بنى قعين فخرج هو وسلمة طليعتين * حدثنا السرى قال
حدثنا شعيب عن سيف عن عبد الله بن سعيد بن ثابت بن الجذع عن عبد الرحمن
ابن كعب عمن شهد بزاخة من الأنصار قال لم يصب خالد على البزاخة عيلا واحدا
كانت عيالات بنى أسد محرزة (وقال أبو يعقوب) بين مثقب وفلج وكانت
عيالات قيس بن فلج وواسط فلم يعد أن انهزموا فأقروا جميعا بالاسلام خشية
على الذراري واتقوا خالدا بطلبته واستحقوا الأمان ومضى طليحة حتى نزل في
كلب على النقع فأسلم ولم يزل مقيما في كلب حتى مات أبو بكر وكان إسلامه هنالك
حين بلغه أن أسدا وغطفان وعامر قد أسلموا ثم خرج نحو مكة معتمرا في إمارة
أبى بكر ومر بجنبات المدينة فقيل لأبي بكر هذا طليحة فقال ما أصنع به خلوا
عنه فقد هداه الله للاسلام ومضى طليحة نحو مكة فقضى عمرته ثم أتى عمر إلى
البيعة حين استخلف فقال له عمر أنت قاتل عكاشة وثابت والله لا أحبك أبدا
فقال يا أمير المؤمنين ما تهم من رجلين أكرمهما الله بيدي ولم يهنى بأيديهما فبايعه
عمر ثم قال له يا خدع ما بقى من كهانتك قال نفخة أو نفختان بالكير ثم رجع
إلى دار قومه فأقام بها حتى خرج إلى العراق
489

ذكر ردة هوازن وسليم وعامر
* حدثنا السرى عن شعيب عن سيف عن سهل وعبد الله قالا أما
بنو عامر فإنهم قدموا رجلا وأخروا أخرى ونظروا ما تصنع أسد وغطفان
فلما أحيط بهم وبنو عامر على قادتهم وسادتهم كان قرة بن هبيرة في كعب
ومن لاقها وعلقمة بن علاثة في كلاب ومن لافها وقد كان علقمة أسلم ثم ارتد
في أزمان النبي صلى الله عليه تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم خرج بعد فتح الطائف حتى
لحق بالشام فلما توفى النبي صلى الله عليه وسلم أقبل مسرعا حتى عسكر في بنى
كعب مقدما رجلا ومؤخرا أخرى وبلغ ذلك أبا بكر فبعث إليه سرية وأمر
عليها القعقاع بن عمرو وقال يا قعقاع سر حتى تغير على علقمة بن علاثة لعلك
أن تأخذه أو تقتله واعلم أن شفاء النفس الخوض فاصنع ما عندك فخرج
في تلك السرية حتى أغار على الماء الذي عليه علقمة وكان لا يبرح أن يكون على
رجل فسابقهم على فرسه فسبقهم مراكضة وأسلم أهله وولده فانتسف امرأته
وبناته ونساءه ومن أقام من الرجال فاتقوه بالاسلام فقدم بهم على أبى بكر فجحد
ولده وزوجته أن يكونوا مالؤا علقمة وكانوا مقيمين في الدار فلم يبلغه إلا ذلك
وقالوا ما ذنبنا فيما صنع علقمة من ذلك فأرسلهم ثم أسلم فقبل ذلك منه * حدثنا السرى
عن شعيب عن سيف عن أبي عمرو وأبى ضمرة عن ابن سيرين مثل معانيه وأقبلت
بنو عامر بعد هزيمة أهل بزاخة يقولون ندخل فيما خرجنا منه فبايعهم على ما بايع
عليه أهل البزاخة من أسد وغطفان وطيئ قبلهم وأعطوه ما بأيديهم على الاسلام
ولم يقبل من أحد من أسد ولا غطفان ولا هوازن ولا سليم ولا طيئ إلا أن
يأتوه بالذين حرقوا ومثلوا وعدوا على أهل الاسلام في حال ردتهم فأتوه بهم
فقبل منهم إلا قرة بن هبيرة ونفرا معه أوثقهم ومثل بالذين عدوا على الاسلام
فأحرقهم بالنيران ورضخهم بالحجارة ورمى بهم من الجبال ونكسهم في الآبار
وخزق بالنبال وبعث بقرة وبالأسارى وكتب إلى أبى بكر إن بنى عامر أقبلت
490

بعد إعراض ودخلت في الاسلام بعد تربص وإني لم أقبل من أحد قاتلني أو
سالمني شيئا حتى يجيئوني بمن عدا على المسلمين فقتلهم كل قتلة وبعثت إليك بقرة
وأصحابه * حدثنا السرى قال حدثنا شعيب عن سيف عن أبي عمرو عن نافع
قال كتب أبو بكر إلى خالد ليزدك ما أنعم الله به عليك خيرا واتق الله في
أمرك فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون جد في أمر الله ولا تنين
ولا تظفرن بأحد قتل المسلمين إلا قتلته ونكلت به غيره ومن أحببت ممن حاد
الله أو ضاده ممن ترى أن في ذلك صلاحا فاقتله فأقام على البزاخة شهرا يصعد
عنها ويصوب ويرجع إليها في طلب أولئك فمنهم من أحرق ومنهم من قمطه ورضخه
بالحجارة ومنهم من رمى به من رؤس الجبال وقدم بقرة وأصحابه فلم ينزلوا ولم
يقل لهم كما قيل لعيينة وأصحابه لانهم لم يكونوا في مثل حالهم ولم يفعلوا فعلهم *
قال السرى حدثنا شعيب عن سيف عن سهل وأبى يعقوب قالا واجتمعت فلال
غطفان إلى ظفر وبها أم زمل سلمى ابنة مالك بن حذيفة بن بدر وهى تشبه بأمها
أم قرفة بنت ربيعة بن فلان بن بدر وكانت أم قرفة عند مالك بن حذيفة فولدت
له قرفة وحكمة وجرشة وزملا وحصينا وشريكا وعبدا وزفر ومعاوية وحملة
وقيسا ولايا فاما حكمة فقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أغار عيينة بن
حصن على سرح المدينة قتله أبو قتادة فاجتمعت تلك الفلال إلى سلمى وكانت في
مثل عز أمها وعندها جمل أم قرفة فنزلوا إليها فذمرتهم وأمرتهم بالحرب وصعدت
سائرة فيهم وصوبت تدعوهم إلى حرب خالد حتى اجتمعوا لها وتشجعوا على ذلك
وتأشب إليها الشرداء من كل جانب وكانت قد سبيت أيام أم قرفة فوقعت لعائشة
فأعتقتها فكانت تكون عندها ثم رجعت إلى قومها وقد كان النبي صلى الله عليه
وسلم دخل عليهن يوما فقال إن إحداكن تستنبح كلاب الحوأب ففعلت سلمى
ذلك حين ارتدت وطلبت بذلك الثأر فسيرت فيما ظفر والحوأب لتجمع
إليها فتجمع إليها كل فل ومضيق عليه من تلك الاحياء من غطفان وهوازن وسليم
وأسد وطيئ فلما بلغ ذلك خالدا وهو فيما هو فيه من تتبع الثأر وأخذ الصدقة
491

ودعاء الناس وتسكينهم سار إلى المرأة وقد استكثف أمرها وغلظ شأنها فنزل
عليها وعلى جماعها فاقتتلوا قتالا شديدا وهى واقفة على جمل أمها وفى مثل عزها
وكان يقال من نخس جمالها فله مائة من الإبل لعزها وأبيرت يومئذ بيوتات من
خاسئ (قال أبو جعفر) خاسئ حي من غنم وهاربة وغنم وأصيب في أناس
من كاهل وكان قتالهم شديدا حتى اجتمع على الجمل فوارس فعقروه وقتلوها وقتل
حول جملها مائة رجل وبعث بالفتح فقدم على أثر قرة بنحو من عشرين ليله *
قال السرى قال شعيب عن سيف عن سهل وأبى يعقوب قالا كان من حديث
الجواء وناعر أن الفجاءة اياس بن عبد يا ليل قدم على أبى بكر فقال أعنى بسلاح
ومرني بمن شئت من أهل الردة فأعطاه سلاحا وأمره أمره فخالف أمره إلى المسلمين
فخرج حتى ينزل بالجواء وبعث نجبة بن أبي الميثاء من بنى الشريد وأمره بالمسلمين
فشنها غارة على كل مسلم في سليم وعامر وهوازن وبلغ ذلك أبا بكر فأرسل إلى
طريفة بن حاجز يأمره أن يجمع له وأن يسير إليه وبعث إليه عبد الله بن
قيس الجاسي عونا ففعل ثم نهضا إليه وطلباه فجعل يلوذ منهما حتى لقياه على
الجواء فاقتتلوا فقتل نجبة وهرب الفجاءة فلحقه طريفة فاسره ثم بعث به إلى
فقدم به على أبى بكر فأمر فأوقد له نارا في مصلى المدينة على حطب كثير ثم
رمى به فيها مقموطا (قال أبو جعفر) وأما ابن حميد فإنه حدثنا في شأن
الفجاءة عن سلمة عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر قال قدم على
أبى بكر رجل من بنى سليم يقال له الفجاءة وهو اياس بن عبد الله بن عبد يا ليل
ابن عميرة بن خفاف فقال لأبي بكر انى مسلم وقد أردت جهاد من ارتد من الكفار
فاحملني وأعنى فحمله أبو بكر على ظهر وأعطاه سلاحا فخرج يستعرض الناس المسلم
والمرتد يأخذ أموالهم ويصيب من امتنع منهم ومعه رجل من بنى الشريد يقال
له نجبة بن أبي الميثاء فلما بلغ أبا بكر خبره كتب إلى طريفة بن حاجز ان عدو الله
الفجاءة أتاني يزعم أنه مسلم ويسألني ان أقويه على من ارتد عن الاسلام فحملته
وسلحته ثم انتهى إلى من يقين الخبر أن عدو الله قد استعرض الناس المسلم والمرتد
492

يأخذ أموالهم ويقتل من خالفه منهم فسر إليه بمن معك من المسلمين حتى تقتله
أو تأخذه فتأتيني به فسار إليه طريفة بن حاجز فلما التقى الناس كانت بينهم الرميا
بالنبل فقتل نجبة بن أبي الميثاء بسهم رمى به فلما رأى الفجاءة من المسلمين الجد قال
لطريفة والله ما أنت بأولى بالامر منى أنت أمير لأبي بكر وأنا أميره فقال له طريفة
إن كنت صادقا فضع السلاح وانطلق معي إلى أبى بكر فخرج معه فلما قدما عليه أمر
أبو بكر طريفة بن حاجز فقال اخرج به إلى هذا البقيع فحرقه فيه بالنار فخرج به
طريفة إلى المصلى فأوقد له نارا فقذفه فيها فقال خفاف بن ندبة وهو خفاف بن
عمير يذكر الفجاءة فيما صنع
لم يأخذون سلاحه لقتاله * ولذاكم عند الاله أثام
لا دينهم ديني ولا أنا فاتن * حتى يسير إلى الطراة شمام
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر قال
كانت سليم بن منصور قد انتقض بعضهم فرجعوا كفارا وثبت بعضهم على الاسلام
مع أمير كان لأبي بكر عليهم يقال له معن بن حاجز أحد بنى حارثة فلما سار
خالد بن الوليد إلى طليحة وأصحابه كتب إلى معن بن حاجز أن يسير بمن
ثبت معه على الاسلام من بنى سليم مع خالد فسار واستخلف عل عمله أخاه طريفة
ابن حاجز وقد كان لحق فيمن لحق من بنى سليم بأهل الردة أبو شجرة بن عبد العزى
وهو ابن الخنساء فقال
فلو سألت عنا غداة مزامر * كما كنت عنها سائلا لو نأيتها
لقاء بنى فهر وكان لقاؤهم * غداة الجواء حاجة فقضيتها
صبرت لهم نفسي وعرجت مهرتي * على الطعن حتى صار وردا كميتها
إذا هي صدت عن كمي أريده * عدلت إليه صدرها فهديتها
فقال أبو شجرة حين ارتد عن الاسلام
صحا القلب عن مى هواه وأقصرا * وطاوع فيها العاذلين فأبصرا
وأصبح أدنى رائد الجهل والصبي * كما ودها عنا كذاك تغيرا
493

وأصبح أدنى رائد الوصل منهم * كما حبلها من حبلنا قد تبترا
ألا أيها المدلى بكثرة قومه * وحظك منهم أن تضام وتقهرا
سل الناس عنا كل يوم كريهة * إذا ما التقينا دار عين وحسرا
ألسنا نعاطي ذا الطماح لجامه * ونطعن في الهيجا إذا الموت أقفرا
وعارضه شهباء تخطر بالقنا * ترى البلق في حافاتها والسنورا
فرويت رمحي من كتيبة خالد * وإني لأرجو بعدها أن أعمرا
ثم أن أبا شجرة أسلم ودخل فيما دخل فيه الناس فلما كان زمن عمر بن الخطاب
قدم المدينة * فحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن
ابن أنس السلمي عن رجال من قومه وحدثنا السرى قال حدثنا شعيب
عن سيف عن سهل وأبى يعقوب ومحمد بن مرزوق وعن هشام عن أبي مخنف
عن عبد الرحمن بن قيس السلمي قالوا فأناخ بصعيد بني قريظة قال ثم أتى عمر وهو
يعطى المسكين من الصدقة ويقسمها بين فقراء العرب فقال يا أمير المؤمنين أعطني
فإني ذو حاجة قال ومن أنت قال أبو شجرة بن عبد العزى السلمي قال أبو شجرة أي
عدو الله ألست الذي تقول
فرويت رمحي من كتيبة خالد * وإني لأرجو بعدها أن أعمرا
قال ثم جعل يعلوه بالدرة في رأسه حتى سبقه عدوا فرجع إلى ناقته فارتحلها ثم
أسندها في حرة شوران راجعا إلى أرض بنى سليم فقال
ضن علينا أبو حفص بنائله * وكل مختبط يوما له ورق
ما زال يرهقني حتى خذيت له * وحال من دون بعض الرغبة الشفق
لما رهبت أبا حفص وشرطته * والشيخ يفزع أحيانا فينحمق
ثم ارعويت إليها وهى جانحة * مثل الطريدة لم ينبت لها ورق
أوردتها الخل من شوران صادرة * إني لازرى عليها وهى تنطلق
تطير مروأبان عن مناسمها * كما تنوقد عند الجهبذ الورق
إذا يعارضها خرق تعارضه * ورهاء فيها إذا استعجلتها خرق
494

ينوء آخرها منها بأولها * سرح اليدين بها نهاضة العنق
ذكر خبر بنى تميم وأمر سجاح بنت الحارث بن سويد
وكان من أمر بنى تميم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفى وقد فرق فيهم
عماله فكان الزبرقان بن بدر على الرباب وعوف والأبناء فيما ذكر السرى عن
شعيب عن سيف عن الصعب بن عطية بن بلال عن أبيه وسهم بن منجاب وقيس
ابن عاصم على مقاعس والبطون وصفوان بن صفوان وسبرة بن عمرو على
بنى عمرو هذا على بهدى وهذا على خضم قبيلتين من بنى تميم ووكيع
ابن مالك ومالك بن نويرة على بنى حنظلة هذا على بنى مالك وهذا على
بنى يربوع فضرب صفوان إلى أبى بكر حين وقع إليه الخبر بموت النبي صلى الله
عليه وسلم بصدقات بنى عمرو وما ولى منها وبما ولى سبرة وأقام سبرة في قومه
لحدث أرباب وقد أطرق قيس ينظر ما الزبرقان صانع وكان الزبرقان متعتبا
عليه وقل ما جامله إلا مزقه الزبرقان بحظوته وجده وقد قال قيس وهو
ينتظر لينظر ما يصنع ليخالفه حين أبطأ عليه وا ويلنا من ابن العكلية والله لقد
مزقني فما أدرى ما أصنع لئن أنا تابعت أبا بكر وأتيته بالصدقة لينحرنها في بنى سعد
فليسودني فيهم ولئن نحرتها في بنى سعد ليأتين أبا بكر فليسودني عنده فعزم قيس
على قسمها في المقاعس والبطون ففعل وعزم الزبرقان على الوفاء فاتبع صفوان
بصدقات الرباب وعوف والأبناء حتى قدم بها المدينة وهو يقول ويعرض بقيس
وفيت بأذواد الرسول وقد أبت * سعاة فلم يردد بعيرا مجيرها
وتحلل الاحياء ونشب الشر وتشاغلوا وشغل بعضهم بعضا ثم ندم قيس بعد
ذلك فلما أظله العلاء بن الحضرمي أخرج صدقتها فتلقاه بها ثم خرج معه وقال في ذلك
ألا أبلغا عنى قريشا رسالة * إذا ما أتتها بينات الودائع
فتشاغلت في تلك الحال عوف والأبناء بالبطون والرباب بمقاعس وتشاغلت
خضم بمالك وبهدى بيربوع وعلى خضم سبرة بن عمرو وذلك الذي خلفه عن
صفوان والحصين بن نيار على بهدى والرباب وعبد الله بن صفوان على ضبة
495

وعصمة بن أبير على عبد مناة وعلى عوف والأبناء عوف بن البلاد بن خالد
من بنى غنم الجشمي وعلى البطون سعر بن خفاف وقد كان ثمامة بن أثال تأتيه
امداد من بنى تميم فلما حدث هذا الحدث فيما بينهم تراجعوا إلى عشائرهم فأضر
ذلك بثمامة بن أثال حتى قدم عليه عكرمة وأنهضه فلم يصنع شيئا فبينا الناس في
بلاد بنى تميم على ذلك قد شغل بعضهم بعضا فمسلمهم بإزاء من قدم رجلا
وأخر أخرى وتربص وبإزاء من ارتاب فجئتهم سجاح بنت الحارث قد أقبلت
من الجزيرة وكانت ورهطها في بنى تغلب تقود أفناء ربيعة معها الهذيل بن عمران
في بنى تغلب وعقة بن هلال في النمر وزياد بن فلان في اياد والسليل بن قيس
في شيبان فأتاهم أمر دهى هو أعظم مما فيه الناس لهجوم سجاح عليهم ولما هم فيه
من اختلاف الكلمة والتشاغل بما بينهم وقال عفيف بن المنذر في ذلك
ألم يأتيك والأنباء تسرى * بما لاقت سراة بنى تميم
تداعى من سراتهم رجال * وكانوا في الذوائب والصميم
وألجوهم وكان لهم جناب * إلى أحياء خالية وخيم
وكانت سجاج بنت الحارث بن سويد بن عقفان هي وبنو أبيها عقفان في بنى
تغلب فتنبت بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجزيرة في بنى تغلب
فاستجاب لها الهذيل وترك التنصر وهؤلاء الرؤساء الذين أقبلوا معها لتغزو بهم
أبا بكر فلما انتهت إلى الحزن راسلت مالك بن نويرة ودعته إلى الموادعة فأجابها
وفثاها عن غزوها وحملها على أحياء من بنى تميم قالت نعم فشأنك بمن رأيت
فانى انما أنا امرأة من بنى يربوع وإن كان ملك فالملك ملككم فأرسلت إلى
بنى مالك بن حنظلة تدعوهم إلى الموادعة فخرج عطارد بن حاجب وسروات بنى
مالك حتى نزلوا في بنى العنبر على سبرة بن عمرو هرابا قد كرهوا ما صنع وكيع
وخرج أشباههم من بنى يربوع حتى نزلوا على الحصين بن نيار في بنى مازن وقد
كرهوا ما صنع مالك فلما جاءت رسلها إلى بنى مالك تطلب الموادعة أجابها إلى ذلك
وكيع فاجتمع وكيع ومالك وسجاح وقد وادع بعضهم بعضا واجتمعوا على قتال
496

الناس وقالوا بمن نبدأ بخضم أم ببهدى أم بعوف والأبناء أم بالرباب وكفوا عن
قيس لما رأوا من ترده وطمعوا فيه فقالت أعدوا الركاب واستعدوا للنهاب ثم
أغيروا على الرباب فليس دونهم حجاب قال وصمدت سجاح للاحفار حتى تنزل بها
وقالت لهم أن الدهناء حجاز بنى تميم ولن تعدو الرباب إذا شدها المصاب أن
تلوذ بالدجاني والدهاني فلينزلها بعضكم فتوجه الجفول يعنى مالك بن نويرة إلى
الدجاني فنزلها وسمعت بهذا الرباب فاجتمعوا لها ضبتها وعبد مناتها فولى وكيع
وبشر بنى بكر من بنى ضبة وولى ثعلبة بن سعد بن ضبة عقة وولى عبد مناة الهذيل
فالتقى وكيع وبشر وبنو بكر من بنى ضبة فهزما وأسر سماعة ووكيع وقعقاع
وقتلت قتلى كثيرة فقال في ذلك قيس بن عاصم وذلك أول ما استبان فيه الندم
كأنك لم تشهد سماعة إذ غزا * وما سر قعقاع وخاب وكيع
رأيتك قد صاحبت ضبة كارها * على ندب في الصفحتين وجيع
ومطلق أسرى كان حمقا مسيرها * إلى صخرات أمرهن جميع
فصرفت سجاح والهذيل وعقة بنى بكر للموادعة التي بينها وبين وكيع وكان عقة
خال بشر وقالت اقتلوا الرباب ويصالحونكم ويطلقون أسراكم وتحملون لهم
دماءهم وتحمد غب رأيهم أخراهم فأطلقت لهم ضبة الاسرى وودوا القتلى
وخرجوا عنهم فقال في ذلك قيس يعيرهم صلح ضبة اسعادا لضبة وتأنيبا لهم ولم
يدخل في أمر سجحة عمري ولا سعدى ولا ربى ولم يطمعوا من جميع هؤلاء
الا في قيس حتى بدا منه إسعاد ضبة وظهر منه الندم ولم يمالئهم من حنظلة الا
وكيع ومالك فكانت ممالأتهما موادعة على أن ينصر بعضهم بعضا ويحتاز بعضهم
إلى بعضهم وقال أصم التيمي في ذلك
أتتنا أخت تغلب فاستهدت * جلائب من سراة بنى أبينا
وأرست دعوة فينا سفاها * وكانت من عمائر آخرينا
فما كنا لنرزيهم زبالا * وما كانت لتسلم إذ أتينا
ألا سفهت حلومكم وضلت * عشية تحشدون لها ثبينا
497

قال ثم إن سجاح خرجت في جنود الجزيرة حتى بلغت النباج فأغار عليهم
أوس بن خزيمة الهجيمي فيمن تأشب إليه من بنى عمرو فأسر الهذيل أسره
رجل من بنى مازن ثم أحد بنى وبر يدعى ناشرة وأسر عقة أسره عبدة الهجيمي
وتحاجزوا على أن يترادوا الاسرى وينصرفوا عنهم ولا يجتازوا عليهم ففعلوا
فردوها وتوثقوا عليها وعليهما أن يرجعوا عنهم ولا يتخذوهم طريقا إلا
من ورائهم فوفوا لهم ولم يزل في نفس الهذيل على المازني حتى إذا قتل عثمان بن
عفان جمع جمعا فأغار على سفار وعليه بنو مازن فقتلته بنو مازن ورموا به في سفار
ولما رجع الهذيل وعقة إليها واجتمع رؤساء أهل الجزيرة قالوا لها ما تأمريننا فقد
صالح مالك ووكيع قومهما فلا ينصروننا ولا يريدوننا على أن نجوز في أرضهم
وقد عاهدنا هؤلاء القوم فقالت اليمامة فقالوا إن شوكة أهل اليمامة شديدة وقد
غلظ أمر مسيلمة فقال عليكم باليمامة ودفوا دفيف الحمامة فإنها غزوة صرامة لا يلحقكم
بعدها ملامة فنهدت لبنى حنيفة وبلغ ذلك مسيلمة فهابها وخاف إن هو شغل بها
أن يغلبه ثمامة على حجر أو شرحبيل بن حسنة أو القبائل التي حولهم فأهدى لها
ثم أرسل إليها يستأمنها على نفسه حتى يأتيها فنزلت الجنود على الامواه وأذنت
له وآمنته فجاءها وافدا في أربعين من بنى حنيفة وكانت راسخة في النصرانية قد
علمت من علم نصارى تغلب فقال مسيلمة لنا نصف الأرض وكان لقريش نصفها
لو عدلت وقد رد الله عليك النصف الذي ردت قريش فحباك به وكان لها لو قبلت
فقالت لا يرد النصف إلا من حنف فاحمل النصف إلى خيل تراها كالسهف فقال
مسيلمة سمع الله لمن سمع وأطمعه بالخير إذ طمع ولا زال أمره في كل ما سر نفسه
يجتمع رآكم ربكم فحياكم ومن وحشة خلاكم ويوم دينه أنجاكم فأحياكم علينا
من صلوات معشر أبرار لا أشقياء ولا فجار يقومون الليل ويصومون النهار
لربكم الكبار رب الغيوم والأمطار وقال أيضا لما رأيت وجوههم حسنت
وأبشارهم صفت وأيديهم طفلت قلت لهم لا النساء تأتون ولا الخمر تشربون
ولكنكم معشر أبرار تصومون يوما وتكلفون يوما فسبحان الله إذا جاءت الحياة
498

كيف تحيون وإلى ملك السماء ترقون فلو أنها حبة خردلة لقام عليها شهيد يعلم
ما في الصدور وأكثر الناس فيها الثبور وكان مما شرع لهم مسيلمة أن من أصاب
ولدا واحدا عقبا لا يأتي امرأة إلى أن يموت ذلك الابن فيطلب الولد حتى يصيب
ابنا ثم يمسك فكان قد حرم النساء على من له ولد ذكر (قال أبو جعفر) وأما
غير سيف ومن ذكرنا عنه هذا الخبر فإنه ذكر أن مسيلمة لما نزلت به سجاح أغلق
الحصن دونها فقالت له سجاح أنزل قال فنحى عنك أصحابك ففعلت فقال مسيلمة
اضربوا لها قبة وجمروها لعلها تذكر الباه ففعلوا فلما دخلت القبة نزل مسيلمة
فقال ليقف ههنا عشرة وههنا عشرة ثم دارسها فقال ما أوحى إليك وقالت هل
تكون النساء يبتدئن ولكن أنت ما أوحى إليك قال ألم تر إلى ربك كيف فعل
بالحبلى أخرج منها نسمة تسعى من بين صفاق وحشى قالت وماذا أيضا قال أوحى
إلى أن الله خلق النساء أفراجا وجعل الرجال لهن أزواجا فنولج فيهن قعسا إيلاجا
ثم نخرجها إذا نشاء اخراجا فينتجن لنا سخالا إنتاجا قالت أشهد أنك نبي قال
هل لك أن أتزوجك فآكل بقومي وقومك العرب قالت نعم قال
ألا قومي إلى النيك * فقد هيى لك المضجع
وإن شئت ففي البيت * وإن شئت ففي المخدع
وإن شئت سلقناك * وإن شئت على أربع
وإن شئت بثلثيه * وإن شئت به أجمع
قالت بل به أجمع قال بذلك أوحى إلى فأقامت عنده ثلاثا ثم انصرفت إلى
قومها فقالوا ما عندك قالت كان على الحق فاتبعته فتزوجته قالوا فهل أصدقك
شيئا قالت لا قالوا ارجعي إليه فقبيح بمثلك أن ترجع بغير صداق فرجعت فلما
رآها مسيلمة أغلق الحصن وقال مالك قالت أصدقني صداقا قال من مؤذنك
قالت شبث بن ربعي الرياحي قال على به فجاء فقال ناد في أصحابك أن مسيلمة
ابن حبيب رسول الله قد وضع عنكم صلاتين مما أتاكم به محمد صلاة العشاء الآخرة
وصلاة الفجر قال وكان من أصحابها الزبرقان بن بدر وعطارد بن حاجب ونظراؤهم
499

وذكر الكلبي أن مشيخة بنى تميم حدثوه أن عامة بنى تميم بالرمل لا يصلونهما
فانصرفت ومعها أصحابها فيهم الزبرقان وعطارد بن حاجب وعمرو بن الأهتم
وغيلان بن خرشة وشيث بن ربعي فقال عطارد بن حاجب
أمست نبيتنا أنثى نطيف بها * وأصبحت أنبياء الناس ذكرانا
وقال حكيم بن عياش الأعور الكلبي وهو يعير مضر بسجاح ويذكر ربيعة
أتوكم بدين قائم وأتيتم * بمنتسخ الآيات في مصحف طب
(رجع الحديث إلى حديث سيف) فصالحها على أن يحمل إليها النصف من
غلات اليمامة وأبت إلا السنة المقبلة يسلفها فباح لها بذلك وقال خلفي على السلف
من يجمعه لك وانصرفي أنت بنصف العام فرجع فحمل إليها النصف فاحتمله
وانصرفت به إلى الجزيرة وخلفت الهذيل وعقة وزيادا لينجز النصف الباقي فلم
يفجأهم إلا دنو خالد بن الوليد منهم فارفضوا فلم تزل سجاح في بنى تغلب حتى
نقلهم معاوية عام الجماعة في زمانه وكان معاوية حين أجمع عليه أهل العراق بعد
علي عليه السلام يخرج من الكوفة المستغرب في أمر على وينزل داره المستغرب
في أمر نفسه من أهل الشأم وأهل البصرة وأهل الجزيرة وهم الذين يقال لهم
النواقل في الأمصار فأخرج من الكوفة قعقاع بن عمرو بن مالك إلى إيلياء بفلسطين
فطلب إليه أن ينزل منازل بنى أبيه بنى عقفان وينقلهم إلى بنى تميم فنقلهم من
الجزيرة إلى الكوفة وأنزلهم منازل القعقاع وبنى أبيه وجاءت معهم وحسن
إسلامها وخرج الزبرقان والأقرع إلى أبى بكر وقالا اجعل لنا خراج البحرين
ونضمن لك ألا يرجع من قومها أحد ففعل وكتب الكتاب وكان الذي
يختلف بينهم طلحة بن عبيد الله وأشهدوا شهودا منهم عمر فلما أتى عمر بالكتاب
فنظر فيه لم يشهد ثم قال لا والله ولا كرامة ثم مزق الكتاب ومحاه فغضب طلحة
فأتى أبى بكر فقال أأنت الأمير أم عمر فقال عمر غير أن الطاعة لي فسكت وشهدا
مع خالد المشاهد كلها حتى اليمامة ثم مضى الأقرع ومعه شرحبيل إلى دومة
500

ذكر البطاح وخبره
كتب إلى السرى بن يحيى عن شعيب عن سيف عن الصعب بن عطية بن
بلال قال لما انصرفت سجاح إلى الجزيرة ارعوى مالك بن نويرة وندم
وتحير في أمره وعرف وكيع وسماعة قبح ما أتيا فرجعا رجوعا حسنا ولم
يتجبرا أخرجا الصدقات فاستقبلا بها خالدا فقال خالد ما حملكما على
موادعة هؤلاء القوم فقالا ثأر كنا نطلبه في بنى ضبة وكانت أيام تشاغل وفرص
وقال وكيع في ذلك
فلا تحسبنا أنى رجعت وأنني * منعت وقد تحنى إلى الأصابع
ولكنني حاميت عن جل مالك * ولاحظت حتى أكحلتني الأخادع
فلما أتانا خالد بلوائه * تخطت إليه بالبطاح الودائع
ولم يبق في بلاد بنى حنظلة شئ يكره إلا ما كان من مالك بن نويرة ومن
تأشب إليه بالبطاح فهو على حاله متحير شج * كتب إلى السرى عن شعيب عن
سيف عن سهل عن القاسم وعمرو بن شعيب قالا لما أراد خالد السير خرج
من ظفر وقد استبرأ أسدا وغطفان وطيئا وهوازن فسار يريد البطاح دون
الحزن وعليها مالك بن نويرة وقد تردد عليه أمره وقد ترددت الأنصار على خالد
وتخلفت عنه وقالوا ما هذا بعهد الخليفة إلينا إن الخليفة عهد إلينا إن نحن فرغنا
من البزاخة واستبرأنا بلاد القوم أن نقيم حتى يكتب إلينا فقال خالد إن يك عهد
إليكم هذا فقد عهد إلى أن أمضى وأنا الأمير وإلى تنتهى الاخبار ولو أنه لم يأتني
له كتاب ولا أمر ثم رأيت فرصة فكنت إن أعلمته فأتتني لم أعلمه حتى أنتهزها
وكذلك لو ابتلينا بأمر ليس منه عهد إلينا فيه لم ندع ان نرى أفضل ما بحضرتنا
ثم نعمل به وهذا مالك بن نويرة بحيالنا وأنا قاصد إليه ومن معي من المهاجرين
والتابعين بإحسان ولست أكرهكم ومضى خالد وندمت الأنصار وتذامروا
وقالوا إن أصاب القوم خيرا إنه لخير حرمتموه وإن أصابتهم مصيبة ليجتنبكم
501

الناس فأجمعوا اللحاق بخالد وجردوا إليه رسولا فأقام عليهم حتى لحقوا به ثم
سار حتى قدم البطاح فلم يجد به أحدا (قال أبو جعفر) فيما كتب به إلى السرى
ابن يحيى يذكر عن شعيب بن إبراهيم أنه حدثه عن سيف بن عمر عن خزيمة بن
شجرة العقفاني عن عثمان بن سويد عن سويد بن المثعية الرياحي قال قدم خالد
ابن الوليد البطاح فلم يجد عليه أحدا ووجد مالكا قد فرقهم في أموالهم ونهاهم
عن الاجتماع حين تردد عليه أمره وقال يا بنى يربوع إنا قد كنا عصينا أمراءنا إذ
دعونا إلى هذا الدين وبطأنا الناس عنه فلم تفلح ولم تنجح وإني قد نظرت في
هذا الامر فوجدت الامر يتأتى لهم بغير سياسة وإذا الامر لا يسوسه الناس
فإياكم ومناوأة قوم صنع لهم فتفرقوا إلى دياركم وادخلوا في هذا الامر فتفرقوا
على ذلك إلى أموالهم وخرج مالك حتى رجع إلى منزله ولما قدم خالد البطاح بث
السرايا وأمرهم بداعية الاسلام وأن يأتوه بكل من لم يجب وإن امتنع أن يقتلوه
وكان مما أوصى به أبو بكر إذا نزلتم منزلا فأذنوا وأقيموا فإن أذن القوم وأقاموا
فكفوا عنهم وإن لم يفعلوا فلا شئ إلا الغارة ثم تقتلوا كل قتلة الحرق فما سواه
وإن أجابوكم إلى داعية الاسلام فسائلوهم فإن أقروا بالزكاة فاقبلوا منهم وإن
أبوها فلا شئ إلا الغارة ولا كلمة فجاءته الخيل بمالك بن نويرة في نفر معه من
بنى ثعلبة بن يربوع من عاصم وعبيد وعرين وجعفر فاختلفت السرية فيهم وفيهم
أبو قتادة فكان فيمن شهد أنهم قد أذنوا وأقاموا وصلوا فلما اختلفوا فيهم أمر
بهم فحبسوا في ليلة باردة لا يقوم لها شئ وجعلت تزداد بردا فأمر خالد مناديا
فنادى أدفئوا أسراكم وكانت في لغة كنانة إذا قالوا دثروا الرجل فأدفئوه دفأه
قتله وفى لغة غيرهم أدفه فاقتله فظن القوم وهى في لغتهم القتل أنه أراد القتل فقتلوهم
فقتل ضرار بن الأزور مالكا وسمع خالد الواعية فخرج وقد فرغوا منهم فقال
إذا أراد الله أمرا أصابه وقد اختلف القوم فيهم فقال أبو قتادة هذا عملك فزبره
خالد فغضب ومضى حتى أتى أبا بكر فغضب عليه أبو بكر حتى كلمه عمر فيه فلم يرض
الا أن يرجع إليه فرجع إليه حتى قدم معه المدينة وتزوج خالد أم تميم ابنة المنهال وتركها
502

لينقضى طهرها وكانت العرب تكره النساء في الحرب وتعايره وقال عمر لأبي بكر
إن في سيف خالد رهقا فإن لم يكن هذا حقا حق عليه أن تقيده وأكثر عليه في
ذلك وكان أبو بكر لا يقيد من عماله ولا وزعته فقال هيه يا عمر تأول فأخطأ فارفع
لسانك عن خالد وودى مالكا وكتب إلى خالد أن يقدم عليه ففعل فأخبره خبره
فعذره وقبل منه وعنفه في التزويج الذي كانت تعيب عليه العرب من ذلك * وكتب
إلى السرى عن شعيب عن سيف عن هشام بن عروة عن أبيه قال شهد قوم من
السرية أنهم أذنوا وأقاموا وصلوا ففعل مثل ذلك وشهد آخرون أنه لم يكن من
ذلك شئ فقتلوا وقدم أخوه متمم بن نويرة ينشد أبا بكر دمه ويطلب إليه في
سبيهم فكتب له برد السبي وألح عليه عمر في خالد أن يعزله وقال إن في سيفه
رهقا فقال لا يا عمر لم أكن لاشيم سيفا سله الله على الكافرين * كتب إلى السرى عن
شعيب عن سيف عن خزيمة عن عثمان عن سويد قال كان مالك بن نويرة من أكثر
الناس شعرا وان أهل العسكر أثفوا برؤوسهم القدور فما منهم رأس إلا وصلت النار
إلى بشرته ما خلا مالكا فان القدر نضجت وما نضج رأسه من كثرة شعره وفى الشعر
البشر حرها أن يبلغ منه ذلك وأنشده متمم وذكر خمصه وقد كان عمر رآه مقدمه
على النبي صلى الله عليه وسلم فقال أكذاك يا متمم كان قال أما مما أعنى فنعم
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثنا محمد بن إسحاق عن طلحة بن
عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق أن أبا بكر كان من عهده إلى جيوشه
أن إذا غشيتم دارا من دور الناس فسمعتم فيها أذانا للصلاة فأمسكوا عن أهلها حتى
تسألوهم ما الذي نقموا وإن لم تسمعوا أذانا فشنوا الغارة فاقتلوا وحرقوا وكان
ممن شهد لمالك بالاسلام أبو قتادة الحارث بن ربعي أخو بنى سلمة وقد كان عاهد
الله أن لا يشهد مع خالد بن الوليد حربا أبدا بعدها وكان يحدث أنهم لما غشوا
القوم راعوهم تحت الليل فأخذ القوم السلاح قال فقلنا إنا المسلمون فقالوا ونحن
المسلمون قلنا فما بال السلاح معكم قالوا لنا فما بال السلاح معكم قلنا فان كنتم
كما تقولون فضعوا السلاح قال فوضعوها ثم صلينا وصلوا وكان خالد يعتذر في
503

قتله أنه قال وهو يراجعه ما إخال صاحبكم الا وقد كان يقول كذا وكذا قال
أو ما تعده لك صاحبا ثم قدمه فضرب عنقه وأعناق أصحابه فلما بلغ قتلهم عمر بن
الخطاب تكلم فيه عند أبي بكر فأكثر وقال عدو الله عدا على امرئ مسلم فقتله
ثم نزا على امرأته وأقبل خالد بن الوليد قافلا حتى دخل المسجد وعليه قباء له عليه
صدأ الحديد معتجرا بعمامة له قد غرز في عمامته أسهما فلما أن دخل المسجد قام
إليه عمر فانتزع الأسهم من رأسه فحطمها ثم قال أرئاء قتلت امرءا مسلما ثم نزوت
على امرأته والله لأرجمنك بأحجارك ولا يكلمه خالد بن الوليد ولا يظن الا أن
رأى أبى بكر على مثل رأى عمر فيه حتى دخل على أبى بكر فلما أن دخل عليه أخبره
الخبر واعتذر إليه فعذره أبو بكر وتجاوز عنه ما كان في حربه تلك قال فخرج خالد
حين رضى عنه أبو بكر وعمر جالس في المسجد فقال هلم إلى يا ابن أم شملة قال فعرف
عمر أن أبا بكر قد رضى عنه فلم يكلمه ودخل بيته وكان الذي قتل مالك بن نويرة
عبد بن الأزور الأسدي وقال ابن الكلبي الذي قتل مالك بن نويرة ضرار بن الأزور
ذكر بقية خبر مسيلمة الكذاب وقومه من أهل اليمامة
كتب إلى السرى عن شعيب عن سيف عن سهل بن يوسف عن القاسم بن محمد
قال كان أبو بكر حين بعث عكرمة بن أبي جهل إلى مسيلمة واتبعه شرحبيل عجل
عكرمة فبادر شرحبيل ليذهب بصوتها فواقعهم فنكبوه وأقام شرحبيل بالطريق
حيث أدركه الخبر وكتب عكرمة إلى أبى بكر بالذي كان من أمره فكتب إليه
أبو بكر يا ابن أم عكرمة لا أرينك ولا تراني على حالها لا ترجع فتوهن الناس امض
على وجهك حتى تساند حذيفة وعرفجة فقاتل معهما أهل عمان ومهرة وإن شغلا
فامض أنت ثم تسير وتسير جندك تستبرؤن من مررتم به حتى تلتقوا أنتم والمهاجر
ابن أبي أمية باليمن وحضرموت وكتب إلى شرحبيل يأمره بالمقام حتى يأتيه أمره
ثم كتب إليه قبل أن يوجه خالدا بأيام إلى اليمامة إذا قدم عليك خالد ثم فرغتم
إن شاء الله فالحق بقضاعة حتى تكون أنت وعمرو بن العاص على من أبى منهم
504

وخالف فلما قدم خالد على أبى بكر من البطاح رضى أبو بكر عن خالد وسمع عذره
وقبل منه وصدقه ورضى عنه ووجهه إلى مسيلمة وأوعب معه الناس وعلى الأنصار
ثابت بن قيس والبراء بن فلان وعلى المهاجرين أبو حذيفة وزيد وعلى القبائل على
كل قبيلة رجل وتعجل خالد حتى قدم على أهل العسكر بالبطاح وانتظر البعث
الذي ضرب بالمدينة فلما قدم عليه نهض حتى أتى اليمامة وبنو حنيفة يومئذ كثير *
كتب إلى السرى عن شعيب عن سيف عن أبي عمرو بن العلاء عن رجال قالوا
كان عدد بنى حنيفة يومئذ أربعين ألف مقاتل في قراها وحجرها فسار خالد حتى
إذا أظل عليهم أسند خيولا لعقة والهذيل وزياد وقد كانوا أقاموا على خرج أخرجه
لهم مسيلمة ليلحقوا به سجاح وكتب إلى القبائل من تميم فيهم فنفروهم حتى أخرجوهم
من جزيرة العرب وعجل شرحبيل بن حسنة وفعل فعل عكرمة وبادر خالدا بقتال
مسيلمة قبل قدوم خالد عليه فنكب فحاجز فلما قدم عليه خالد لامه وإنما أسند
خالد لتلك الخيول مخافة أن يأتوه من خلفه وكانوا بأفنية اليمامة * كتب إلى السرى
عن شعيب عن سيف عن عبد الله بن سعيد بن ثابت عمن حدثه عن جابر بن فلان
قال وأمد أبو بكر خالدا بسليط ليكون ردءا له من أن يأتيه أحد من خلفه فخرج
فلما دنا من خالد وجد تلك الخيول التي انتابت تلك البلاد قد فرقوا فهربوا وكان
منهم قريبا ردءا لهم وكان أبو بكر يقول لا أستعمل أهل بدر أدعهم حتى يلقوا الله
بأحسن أعمالهم فان الله يدفع بهم وبالصلحاء من الأمم أكثر وأفضل مما ينتصر
بهم وكان عمر بن الخطاب يقول والله لأشركنهم وليؤاسننى * كتب إلى السرى
عن شعيب عن سيف عن طلحة بن الأعلم عن عبيد بن عمير عن أثال الحنفي وكان
مع ثمامة بن أثال قال وكان مسيلمة يصانع كل أحد ويتألفه ولا يبالي أن يطلع
الناس منه على قبيح وكانت معه نهار الرجال بن عنفوة وكان قد هاجر إلى النبي
صلى الله عليه وسلم وقرأ القرآن وفقه في الدين فبعثه معلما لأهل اليمامة وليشغب
على مسيلمة وليشدد من أمر المسلمين فكان أعظم فتنة على بنى حنيفة من مسيلمة
شهد له أنه سمع محمدا صلى الله عليه وسلم يقول إنه أشرك معه فصدقوه واستجابوا
505

له وأمره بمكاتبة النبي صلى الله عليه وسلم ووعدوه إن هو لم يقبل أن يعينوه عليه
فكان نهار الرجال بن عنفوة لا يقول شيئا الا تابعه عليه وكان ينتهى إلى أمره وكان
يؤذن للنبي صلى الله عليه وسلم ويشهد في الاذان أن محمدا رسول الله وكان الذي يؤذن
له عبد الله بن النواحة وكان الذي يقيم له حجير بن عمير ويشهد له وكان مسيلمة إذا دنا
حجير من الشهادة قال صرح حجير فيزيد في صوته ويبالغ لتصديق نفسه وتصديق نهار
وتضليل من كان قد أسلم فعظم وقاره في أنفسهم قال وضرب حرما باليمامة فنهى عنه
وأخذ الناس به فكان محرما فوقع في ذلك الحرم قرى الا حالف أفخاذ من بنى أسيد كانت
دارهم باليمامة فصار مكان دارهم في الحرم والأحاليف سيحان ونمارة ونمر والحارث
بنو جروة فإن أخصبوا أغاروا على ثمار أهل اليمامة واتخذوا الحرم دغلا فإن نذروا بهم
فدخلوه أحجموا عنهم وإن لم ينذروا بهم فذلك ما يريدون فكثر ذلك منهم حتى استعدوا
عليهم فقال انتظر الذي يأتي من السماء فيكم وفيهم ثم قال لهم والليل الأطحم والذئب
الأدلم والجذع الأزلم ما انتهكت أسيد من محرم فقالوا أما محرم استحلال الحرم
وفساد الأموال ثم عادوا للغارة وعادوا للعدوى فقال انتظر الذي يأتيني فقال
والليل الدامس والذئب الهامس ما قطعت أسيد من رطب ولا يابس فقالوا أما
النخيل مرطبة فقد جدوها وأما الجدران يابسة فقد هدموها فقال اذهبوا وارجعوا
فلا حق لكم وكان فيما يقرأ لهم فيهم إن بنى تميم قوم طهر لقاح لا مكروه عليهم
ولا إتاوة نجاورهم ما حيينا بإحسان نمنعهم من كل إنسان فإذا متنا فأمرهم إلى الرحمن
وكان يقول والشآء وألوانها وأعجبها السود وألبانها والشاة السوداء واللبن الأبيض
إنه لعجب محض وقد حرم المذق فمالكم لا تمجعون وكان يقول يا ضفدع ابنة
ضفدع نقى ما تنقين أعلاك في الماء وأسفلك في الطين لا الشارب تمنعين ولا الماء
تكدرين وكان يقول والمبذرات زرعا والحاصدات حصدا والذاريات قمحا
والطاحنات طحنا والخابزات خبزا والثاردات ثردا واللاقمات لقما إهالة وسمنا
لقد فضلتم على أهل الوبر وما سبقكم أهل المدر ريفكم فامنعوه والمعتر فآووه
والباغي فناوؤه قال وأتته امرأة من بنى حنيفة تكنى بأم الهيثم فقالت إن نخلنا
506

لسحق وإن آبارنا لجرز فادع الله لمائنا ولنخلنا كما دعا محمد لأهل هزمان فقال
يا نهار ما تقول هذه فقال إن أهل هزمان أتوا محمدا صلى الله عليه وسلم فشكوا
بعد مائهم وكانت آبارهم جرزا ونخلهم إنها سحق فدعا لهم فجاشت آبارهم وانحنت
كل نخلة قد انتهت حتى وضعت جرانها لانتهائها فحكت به الأرض حتى أنشبت
عروقا ثم قطعت من دون ذلك فعادت فسيلا مكمما ينمى صاعدا قال كيف صنع
بالآبار قال دعا بسجل فدعا لهم فيه ثم تمضمض بفم منه ثم مجه فيه فانطلقوا به
حتى فرغوه في تلك الآبار ثم سقوه نخلهم ففعل المنتهى ما حدثتك وبقى الآخر
إلى انتهائه فدعا مسيلمة بدلو من ماء فدعاهم فيه ثم تمضمض منه ثم مج فيه فنقلوه
فأفرغوه في آبارهم فغارت مياه تلك الآبار وخوى نخلهم وإنما استبان ذلك بعد
مهلكه وقال له نهار برك على مولودي بنى حنيفة فقال له وما التبريك قال كان
أهل الحجاز إذا ولد فيهم المولود أتوا به محمدا صلى الله عليه وسلم فحنكه ومسح
رأسه فلم يؤت مسيلمة بصبى فحكنه ومسح رأسه إلا قرع ولثغ واستبان ذلك
بعد مهلكه وقالوا تتبع حيطانهم كما كان محمد صلى الله عليه وسلم يصنع فصل
فيها فدخل حائطا من حوائط اليمامة فتوضأ فقال نهار لصاحب الحائط ما يمنعك
من ضوء الرحمن فتسقى به حائطك حتى يروى وينيل كما صنع بنو المهرية أهل
بين من بنى حنيفة وكان رجل من المهرية قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ
وضوءة فنقله معه إلى اليمامة فأفرغه في بئره ثم نزع وسقاه وكانت أرضه تهوم فرويت
وجزأت فلم تلف إلا خضراء مهتزة ففعل فعادت يبابا لا ينبت مرعاها
وأتاه رجل فقال ادع الله لارضى فإنها مسبخة كما دعا محمد صلى الله عليه وسلم
لسلمى على أرضه فقال ما يقول يا نهار فقال قدم عليه سلمى وكانت أرضه سبخة
فدعا له وأعطاه سجلا من ماء ومج له فيه فأفرغه في بئره ثم نزع فطابت وعذبت
ففعل مثل ذلك فانطلق الرجل ففعل بالسجل كما فعل سلمى فغرقت أرضه فما جف
ثراها ولا أدرك ثمرها وأتته امرأة فاستجلبته إلى نخل لها يدعو لها فيها فجزت
كبائسها يوم عقرباء كلها وكانوا قد علموا واستبان لهم ولكن الشقاء غلب
507

عليهم (كتب إلى السرى) قال حدثنا شعيب عن سيف عن خليد بن زفر
النمري عن عمير بن طلحة النمري عن أبيه أنه جاء اليمامة فقال أين مسيلمة فقالوا
مه رسول الله فقال لا حتى أراه فلما جاءه قال أنت مسيلمة قال نعم قال من يأتيك
قال رحمن قال أفى نور أو في ظلمة فقال في ظلمة فقال أشهد أنك كذاب وأن
محمدا صادق ولكن كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر فقتل معه يوم
عقرباء (كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن الكلبي مثله إلا أنه قال كذاب
ربيعة أحب إلى من كذاب مضر * وكتب إلى السرى عن شعيب عن سيف عن طلحة
ابن الأعلم عن عبيد بن عمير عن رجل منهم قال لما بلغ مسيلمة دنو خالد ضرب
عسكره بعقرباء واستنفر الناس فجعل الناس يخرجون إليه وخرج مجاعة بن مرارة
في سرية يطلب بثأر له في بنى عامر وبنى تميم قد خاف فواته وبادر به الشغل
فاما ثأرهم في بنى عامر فكانت خولة ابنة جعفر فيهم فمنعوهم منها فاختلجها
وأما ثأره في بنى تميم فنعم أخذوا له واستقبل خالد شرحبيل بن حسنة فقدمه
وأمر على المقدمة خالد بن فلان المخزومي وجعل على المجنبتين زيدا وأبا حذيفة
وجعل مسيلمة على مجنبتيه المحكم والرجال فسار خالد ومعه شرحبيل حتى إذا
كان من عسكر مسيلمة على ليلة هجم على جبيلة هجوع المقلل يقول أربعين والمكثر
يقول ستين فإذا هو مجاعة وأصحابه وقد غلبهم الكرى وكانوا راجعين من بلاد
بنى عامر قد طووا إليهم واستخرجوا خولة ابنة جعفر فهي معهم فعرسوا دون
أصل الثنية ثنية اليمامة فوجدوهم نياما وأرسان خيولهم بأيديهم تحت خدودهم
وهم لا يشعرون بقرب الجيش منهم فأنهبوهم وقالوا من أنتم قالوا هذا مجاعة
وهذه حنيفة قالوا وأنتم فلا حياكم الله فأوثقوهم وأقاموا إلى أن جاءهم خالد
ابن الوليد فأتوه بهم فظن خالد أنهم جاؤه ليستقبلوه وليتقوه بحاجته فقال
متى سمعتم بنا قالوا ما شعرنا بك إنما خرجنا لثأر لنا فيمن حولنا من بنى عامر
وتميم ولو فطنوا لقالوا تلقيناك حين سمعنا بك فأمر بهم ان يقتلوا فجادوا كلهم
بأنفسهم دون مجاعة بن مرارة وقالوا ان كنت تريد أهل اليمامة غدا خيرا أو
508

شرا فاستبق هذا ولا تقتله فقتلهم خالد وحبس مجاعة عنده كالرهينة * كتب إلى
السرى قال حدثنا شعيب عن سيف عن طلحة عن عكرمة عن أبي هريرة وعبد الله
ابن سعيد عن أبي سعيد عن أبي هريرة قال قد كان أبو بكر بعث إلى الرجال
فأتاه فأوصاه بوصيته ثم أرسله إلى أهل اليمامة وهو يرى أنه على الصدق حين
أجابه قالا قال أبو هريرة جلست مع النبي صلى الله عليه وسلم في رهط معنا
الرجال بن عنفوة فقال إن فيكم لرجلا ضرسه في النار أعظم من أحد فهلك القوم
وبقيت أنا والرجال فكنت متخوفا لها حتى خرج الرجال مع مسيلمة فشهد له
بالنبوة فكانت فتنة الرجال أعظم من فتنة مسيلمة فبعث إليهم أبو بكر خالدا فسار
حتى إذا بلغ ثنية اليمامة استقبل مجاعة بن مرارة وكان سيد بنى حنيفة في جبل
من قومه يريد الغارة على بنى عامر ويطلب دماؤهم ثلاثة وعشرون فارسا ركبانا
قد عرسوا فبيتهم خالد في معرسهم فقال متى سمعتم بنا فقالوا ما سمعنا بكم إنما
خرجنا لنثأر بدم لنا في بنى عامر فأمر بهم خالد فضربت أعناقهم واستحيا مجاعة
ثم سار إلى اليمامة فخرج مسيلمة وبنو حنيفة حين سمعوا بخالد فنزلوا بعقرباء فحل
بها عليهم وهى طرف اليمامة دون الأموال وريف اليمامة وراء ظهورهم وقال
شرحبيل بن مسيلمة يا بنى حنيفة اليوم يوم الغيرة اليوم إن هزمتم تستردف النساء
سبيات وينكحن غير حظيات فقاتلوا عن أحسابكم وامنعوا نساءكم فاقتتلوا بعقرباء
وكانت راية المهاجرين مع سالم مولى أبى حذيفة فقالوا نخشى علينا من نفسك شيئا
فقال بئس حامل القرآن أنا إذا وكانت راية الأنصار مع ثابت بن شماس وكانت
العرب على راياتها ومجاعة أسير مع أم تميم في فسطاطها فجال المسلمون جولة ودخل
أناس من بنى حنيفة على أم تميم فأرادوا قتلها فمنعها مجاعة وقال أنا لها جار فنعمت
الحرة هي فدفعهم عنها وتراد المسلمون فكروا عليهم فانهزمت بنو حنيفة فقال
المحكم بن الطفيل يا بنى حنيفة ادخلوا الحديقة فانى سأمنع أدباركم فقاتل دونهم
ساعة ثم قتله الله قتله عبد الرحمن بن أبي بكر ودخل الكفار الحديقة وقتل وحشى
مسيلمة وضربه رجل من الأنصار فشاركه فيه * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة
509

عن محمد بن إسحاق بنحو حديث سيف هذا غير أنه قال دعا خالد بمجاعة ومن أخذ
معه حين أصبح فقال يا بنى حنيفة ما تقولون قالوا نقول منا نبي ومنكم نبي فعرضهم
على السيف حتى إذا بقى منهم رجل يقال له سارية بن عامر ومجاعة بن مرارة قال
له سارية أيها الرجل إن كنت تريد بهذه القرية غدا خيرا أو شرا فاستبق هذا الرجل
يعنى مجاعة فأمر به خالد فأوثقه في الحديد ثم دفعه إلى أم تميم امرأته فقال استوصى
به خيرا ثم مضى حتى نزل اليمامة على كثيب مشرف على اليمامة فضرب به عسكره
وخرج أهل اليمامة مع مسيلمة وقد قدم في مقدمته الرحال (قال أبو جعفر)
هكذا قال ابن حميد بالحاء بن عنفوة بن نهشل وكان الرحال رجلا من بنى حنيفة
قد كان أسلم وقرأ سورة البقرة فلما قدم اليمامة شهد لمسيلمة أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قد كان أشركه في الامر فكان أعظم على أهل اليمامة فتنة من مسيلمة
وكان المسلمون يسألون عن الرحال يرجون أنه يثلم على أهل اليمامة أمرهم باسلامه
فلقيهم في أوائل الناس متكتبا وقد قال خالد بن الوليد وهو جالس على سريره وعنده
اشراف الناس والناس على مصافهم وقد رأى بارقة في بنى حنيفة أبشروا يا معشر
المسلمين فقد كفاكم الله أمر عدوكم واختلف القوم إن شاء الله فنظر مجاعة وهو
خلفه موثقا في الحديد فقال كلا والله ولكنها الهندوانية خشوا عليها من تحطمها
فأبرزوها للشمس لتلين لهم فكان كما قال فلما التقى المسلمون كان أول من لقيهم
الرحال بن عنوة فقتله الله * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن
شيخ من بنى حنيفة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوما
وأبو هرير ورحال بن عنفوة في مجلس عنده لضرس أحدكم أيها المجلس في النار
يوم القيامة أعظم من أحد (قال أبو هريرة) فمضى القوم لسبيلهم وبقيت أنا
ورحال بن عنفوة فما زلت لها متخوفا حتى سمعت بمخرج رحال فأمنت وعرفت
أن ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حق ثم التقى الناس ولم يلقهم حرب قط
مثلها من حرب العرب فاقتتل الناس قتالا شديدا حتى انهزم المسلمون وخلص
بنو حنيفة إلى مجاعة والى خالد فزال خالد عن فسطاطه ودخل أناس الفسطاط
510

وفيه مجاعة عند أم تميم فحمل عليها رجل بالسيف فقال مجاعة أنا لها جار فنعمت
الحرة عليكم بالرجال فرعبلوا الفسطاط بالسيوف ثم إن المسلمين تداعوا فقال
ثابت بن قيس بئسما عودتم أنفسكم يا معشر المسلمين اللهم إني أبرأ إليك مما يعبد
هؤلاء يعنى أهل اليمامة وأبرأ إليك مما يصنع هؤلاء يعنى المسلمين ثم جالد بسيفه
حتى قتل وقال زيد بن الحطاب حين انكشف الناس عن رحالهم لا تحوز بعد
الرحال ثم قاتل حتى قتل ثم قام البراء بن مالك أخو أنس بن مالك وكان إذا
حضر الحرب أخذته العرواء حتى يقعد عليه الرجال ثم ينتقض تحتهم حتى يبول
في سراويله فإذا بال يثور كما يثور الأسد فلما رأى ما صنع الناس أخذه الذي كان
يأخذه حتى قعد عليه الرجال فلما بال وثب فقال أين يا معشر المسلمين أنا البراء
ابن مالك هلم إلى وفاءت فئة من الناس فقاتلوا القوم حتى قتلهم الله وخلصوا إلى
محكم اليمامة وهو محكم بن الطفيل فقال حين بلغه القتال يا معشر بنى حنيفة الآن
والله تستحقب الكرائم غير رضيات وينكحن غير حظيات فما عندكم من حسب
فأخرجوه فقاتل قتالا شديدا ورماه عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق بسهم فوضعه
في نحره فقتله ثم زحف المسلمون حتى ألجأوهم إلى الحديقة حديقة الموت وفيها عدو
الله مسيلمة الكذاب فقال البراء يا معشر المسلمين القونى عليهم في الحديقة فقال
الناس لا نفعل يا براء فقال والله لتطرحني عليهم فيها فاحتمل حتى إذا أشرف على
الحديقة من الجدار اقتحم فقاتلهم عن باب الحديقة حتى فتحها للمسلمين ودخل
المسلمون عليهم فيها فاقتتلوا حتى قتل الله مسيلمة عدو الله واشترك في قتله وحشى مولى
جبير بن مطعم ورجل من الأنصار كلاهما قد أصابه أما وحشى فدفع عليه حربته وأما
الأنصاري فضربه بسيفه فكان وحشى يقول ربك أعلم أينا قتله * حدثنا حميد قال
حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن عبد الله بن الفضل بن العباس بن ربيعة
عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عمر قال سمعت رجلا يومئذ يصرخ يقول
قتله العبد الأسود * كتب إلى السرى عن شعيب عن سيف عن طلحة عن عبيد
ابن عمير قال كان الرجال بحيال زيد بن الخطاب قلما دنا صفاهما قال زيد يا رجال
الله الله فوالله لقد تركت الدين وان الذي أدعوك إليه لاشرف لك وأكثر
511

لدنياك فأبى فاجتلدا فقتل الرجال وأهل البصائر من بنى حنيفة في أمر مسيلمة
فتذامروا وحمل كل قوم في ناحيتهم فجال المسلمون حتى بلغوا عسكرهم ثم أعروه
لهم فقطعوا أطناب البيوت وهتكوها وتشاغلوا بالعسكر وعالجوا مجاعة وهموا
بأم تميم فأجارها وقال نعم أم المثوى وتذامر زيد وخالد وأبو حذيفة وتكلم
الناس ويوم جنوب له غبار فقال زيد لا والله لا أتكلم اليوم حتى نهزمهم أو
ألقى الله فأكلمه بحجتي عضوا على أضراسكم أيها الناس واضربوا في عدوكم
وامضوا قدما ففعلوا فردوهم إلى مصافهم حتى أعادوهم إلى أبعد من الغاية التي حيزوا
إليها من عسكرهم وقتل زيد رحمه الله وتكلم ثابت فقال يا معشر المسلمين أنتم
حزب الله وهم أحزاب الشيطان والعزة لله ولرسوله ولأحزابه أروني كما أريكم
ثم جلد فيهم حتى حازهم وقال أبو حذيفة يا أهل القرآن زينوا القرآن بالفعال
وحمل فحازهم حتى أنفذهم وأصيب رحمه الله وحمل خالد بن الوليد وقال لحماته
لأوتين من خلفي حتى كان بحيال مسيلمة يطلب الفرصة ويرقب مسيلمة * كتب
إلى السرى عن شعيب عن سيف عن مبشر بن الفضيل عن سالم بن عبد الله قال
لما أعطى سالم الراية يومئذ قال ما أعلمني لأي شئ أعطيتمونيها قلتم صاحب قرآن
وسيثبت كما ثبت صاحبها قبله حتى مات قالوا أجل وقالوا فانظر كيف تكون فقال
بئس والله حامل القرآن أنا إن لم أثبت وكان صاحب الراية قبله عبد الله بن حفص
ابن غانم (وقال عبد الله بن سعيد بن ثابت وابن إسحاق) فلما قال مجاعة لبنى
حنيفة ولكن عليكم بالرجال إذا فئة من المسلمين قد تذامروا بينهم فتفاتوا وتفاتى
المسلمون كلهم وتكلم رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال زيد
ابن الخطاب والله لا أتكلم أو أظفر أو أقتل واصنعوا كما أصنع أنا فحمل وحمل
أصحابه وقال ثابت بن قيس بئسما عودتم أنفسكم يا معشر المسلمين هكذا عنى حتى
أريكم الجلاد. وقتل زيد بن الخطاب رحمه الله * كتب إلى السرى قال حدثنا
شعيب عن سيف عن مبشر عن سالم قال قال عمر لعبد الله بن عمر حين رجع ألا
هلكت قبل زيد هلك زيد وأنت حي فقال قد حرصت على ذلك أن يكون
512

ولكن نفسي تأخرت فأكرمه الله بالشهادة (وقال سهل) قال ما جاء بك وقد
هلك زيد الا وأريت وجهك عنى فقال سأل الله الشهادة فأعطيها وجهدت أن
تساق إلى فلم أعطها * كتب إلى السرى عن شعيب عن سيف عن طلحة بن الأعلم
عن عبيد بن عمير ان المهاجرين والأنصار جبنوا أهل البوادي وجبنهم أهل البوادي
فقال بعضهم لبعض امتازوا كي نستحيا من الفرار اليوم ونعرف اليوم
من أين نؤتى ففعلوا وقال أهل القرى نحن أعلم بقتال أهل القرى يا معشر أهل
البادية منكم فقال لهم أهل البادية إن أهل القرى لا يحسنون القتال ولا يدرون
ما الحرب فسترون إذا امتزتما من أين يجئ الخلل فامتازوا فما رؤى يوم كان أحد
ولا أعظم نكاية مما رؤى يومئذ ولم يدر أي الفريقين كان أشد فيهم نكاية الا
أن المصيبة كانت في المهاجرين والأنصار أكثر منها في أهل البادية وأن النقمة ابدا
في الشدة ورمى عبد الرحمن بن أبي بكر المحكم بسهم فقتله وهو يخطب فنحره
وقتل زيد بن الخطاب الرجال بن عنفوة * كتب إلى السرى عن شعيب عن سيف
عن الضحاك بن يربوع عن أبيه عن رجل من بنى سحيم قد شهدها مع خالد قال
لما اشتد القتال وكانت يومئذ سجالا انما تكون مرة على المسلمين ومرة على الكافرين
فقال خالد أيها الناس امتازوا لنعلم بلاء كل حي ولنعلم من أين نؤتى فامتاز أهل
القرى والبوادي وامتازت القبائل من أهل البادية وأهل الحاضر فوقف بنو كل
أب على رايتهم فقاتلوا جميعا فقال أهل البوادي يومئذ الان يستحر القتل في
الأجذع الأضعف فاستحر القتل في أهل القرى وثبت مسيلمة ودارت رحاهم
عليه فعرف خالد انها لا تركد الا بقتل مسيلمة ولم تحفل بنو حنيفة بقتل من
قتل منهم ثم برز خالد حتى إذا كان امام الصف دعا إلى البراز وانتمى وقال انا ابن
الوليد العود انا ابن عامر وزيد ونادى بشعارهم يومئذ وكان شعارهم يومئذ
يا محمداه فجعل لا يبرز له أحد إلا قتله وهو يرتجز
أنا ابن أشياخ وسيفي السخت * أعظم شئ حين يأتيك النفت
ولا يبرز له شئ إلا أكله ودارت رحى المسلمين وطحنت ثم نادى خالد حين
513

دنا من مسيلمة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن مع مسيلمة شيطانا
لا يعصيه فإذا اعتراه أزبد كأن شدقيه زبيبتان لا يهم بخير ابدا إلا صرفه عنه
فإذا رأيتم منه عورة فلا تقيلوه العثرة فلما دنا خالد منه طلب تلك ورآه ثابتا
ورحاهم تدور عليه وعرف أنها لا تزول إلا بزواله فدعا مسيلمة طلبا لعورته
فأجابه فعرض عليه أشياء مما يشتهى مسيلمة وقال إن قبلنا النصف فأي الانصاف
تعطينا فكان إذا هم بجوابه اعرض بوجهه مستشيرا فينهاه شيطانه أن يقبل
فأعرض بوجهه مرة من ذلك وركبه خالد فأرهقه فادبر وزالوا فذمر خالد
الناس وقال دونكم لا تقبلوهم وركبوهم فكانت هزيمتهم فقال مسيلمة حين
قام وقد تطاير الناس عنه وقال قائلون فأين ما كنت تعدنا فقال قاتلوا عن
أحسابكم قال ونادى المحكم يا بنى حنيفة الحديقة الحديقة ويأتي وحشى على
مسيلمة وهو مزبد متساند لا يعقل من الغيظ فخرط عليه حربته فقتله واقتحم
الناس عليهم حديقة الموت من حيطانها وأبوابها فقتل في المعركة وحديقة الموت
عشرة آلاف مقاتل * كتب إلى السرى عن شعيب عن سيف عن هارون وطلحة
عن عمرو بن شعيب وابن إسحاق انهم لما امتازوا وصبروا وانحازت بنو حنيفة تبعهم
المسلمون يقتلونهم حتى بلغوا بهم إلى حديقة الموت فاختلفوا في قتل مسيلمة عنده
فقال قائلون فيها قتل فدخلوها وأغلقوها عليهم وأحاط المسلمون بهم وصرخ
البراء بن مالك فقال يا معشر المسلمين احملوني على الجدار حتى تطرحوني عليه
ففعلوا حتى إذا وضعوه على الجدار نظر وأرعد فنادى أنزلوني ثم قال احملوني
ففعل ذلك مرارا ثم قال أف لهذا خشعا ثم قال احملوني فلما وضعوه على الحائط
اقتحم عليهم فقاتلهم على الباب حتى فتحه للمسلمين وهم على الباب من خارج
فدخلوا فأغلق الباب عليهم ثم رمى بالمفتاح من وراء الجدار فاقتتلوا قتالا شديدا
لم يروا مثله وأبير من في الحديقة منهم وقد قتل الله مسيلمة وقد قالت له بنو حنيفة
أين ما كنت تعدنا قال قاتلوا عن أحسابكم * كتب إلى السرى عن شعيب عن
سيف عن هارون وطلحة وابن إسحاق قالوا لما صرخ الصارخ أن العبد الأسود
514

قتل مسيلمة خرج خالد بمجاعة يرسف في الحديد ليريه مسيلمة وأعلام جنده
فأتى على الرجال فقال هذا الرجال * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن
إسحاق قال لما فرغ المسلمون من مسيلمة أتى خالد فأخبر فخرج بمجاعة يرسف
معه في الحديد ليدله على مسيلمة فجعل يكشف له القتلى حتى مر بمحكم بن الطفيل
وكان رجلا جسيما وسيما فلما رآه خالد قال هذا صاحبكم قال لا هذا والله خير
منه وأكرم هذا محكم اليمامة قال ثم مضى خالد يكشف له القتلى حتى دخل الحديقة
فقلب له القتلى فإذا رويجل أصيفر أخينس فقال مجاعة هذا صاحبكم قد فرغتم
منه فقال خالد لمجاعة هذا صاحبكم الذي فعل بكم ما فعل قال قد كان ذلك يا خالد
وإنه والله ما جاءك إلا سرعان الناس وإن جماهير الناس لفى الحصون فقال
ويلك ما تقول قال هو والله الحق فهلم لأصالحك على قومي * كتب إلى السرى
عن شعيب عن سيف عن الضحاك عن أبيه قال كان رجل من بنى عامر بن حنيفة
يدعى الأغلب بن عامر بن حنيفة وكان أغلظ أهل زمانه عنقا فلما انهزم المشركون
يومئذ وأحاط المسلمون بهم تماوت فلما أثبت المسلمون في القتلى أتى رجل من
الأنصار يكنى أبا بصيرة ومعه نفر عليه فلما رأوه مجدلا في القتلى وهم يحسبونه
قتيلا فقالوا يا أبا بصيرة إنك تزعم ولم تزل تزعم أن سيفك قاطع فاضرب عنق
هذا الأغلب الميت فان قطعته فكل شئ كان يبلغنا عن سيفك حق فاخترطه ثم
مشى إليه ولا يرونه إلا ميتا فلما دنا منه ثار فحاضره واتبعه أبو بصيرة وجعل
يقول أنا أبو بصيرة الأنصاري وجعل الأغلب يتمطر ولا يزداد منه إلا بعدا
فكلما قال ذلك أبو بصيرة قال الأغلب كيف ترى عدو أخيك الكافر حتى أفلت *
كتب إلى السرى عن شعيب عن سيف عن سهل بن يوسف عن القاسم بن محمد
قال لما فرغ خالد من مسيلمة والجند قال له عبد الله بن عمر و عبد الرحمن بن أبي
بكر ارتحل بنا وبالناس فأنزل على الحصون فقال دعاني أبث الخيول فألقط
من ليس في الحصون ثم أرى رأيي فبث الخيول فحووا ما وجدوا من مال ونساء
وصبيان فضموا هذا إلى العسكر ونادى بالرحيل لينزل على الحصون فقال له
515

مجاعة إنه والله ما جاءك إلا سرعان الناس وإن الحصون لمملوأة رجالا فهلم لك
إلى الصلح على ما وارئى فصالحه على كل شئ دون النفوس ثم قال أنطلق إليهم
فأشاورهم وننظر في هذا الامر ثم أرجع إليك فدخل مجاعة الحصون وليس فيها
إلا النساء والصبيان ومشيخة فانية ورجال ضعفي فظاهر الحديد على النساء
وأمرهن أن ينشرن شعورهن وأن يشرفن على رؤس الحصون حتى يرجع إليهم
ثم رجع فأتى خالدا فقال قد أبو أن يجيزوا ما صنعت وقد أشرف لك بعضهم
نقضا على وهم منى براء فنظر خالد إلى رؤس الحصون وقد اسودت وقد نهكت
المسلمين الحرب وطال اللقاء وأحبوا أن يرجعوا على الظفر ولم يدروا ما كان كائنا لو كان
فيها رجال وقتال وقد قتل من المهاجرين والأنصار من أهل قصبة المدينة يومئذ
ثلثمائة وستون (قال سهل) ومن المهاجرين من غير أهل المدينة والتابعين باحسان
ثلثمائة من هؤلاء وثلثمائة من هؤلاء ستمائة أو يزيدون وقتل ثابت بن قيس يومئذ
قتله رجل من المشركين قطعت رجله فرمى بها قاتله فقتله وقتل من بنى حنيفة في
الفضاء بعقرباء سبعة آلاف وفى حديقة الموت سبعة آلاف وفى الطلب نحو منها
وقال ضرار بن الأزور في يوم اليمامة
ولو سئلت عنا جنوب لأخبرت * عشية سالت عقرباء وملهم
وسال بفرع الواد حتى ترفرقت * حجارته فيها من القوم بالدم
عشية لا تغنى الرماح مكانها * ولا النبل إلا المشرفي المصمم
فإن تبتغى الكفار غير مليمة * جنوب فإني تابع الدين مسلم
أجاهد إذ كان الجهاد غنيمة * ولله بالمرء المجاهد أعلم
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال قال مجاعة لخالد ما قال
إذ قال له فهلم لأصالحك عن قومي لرجل قد نهكته الحرب وأصيب معه من
أشراف الناس من أصيب فقد رق وأحب الدعة والصلح فقال هلم لأصالحك
فصالحه على الصفراء والبيضاء والحلقة ونصف السبي ثم قال إن آتي القوم
فاعرض عليهم ما قد صنعت قال فانطلق إليهم فقال للنساء البسن الحديد ثم أشرفن
516

على الحصون ففعلن ثم رجع إلى خالد وقد رأى خالد الرجال فيما يرى على الحصون
عليهم الحديد فلما انتهى إلى خالد قال أبوا ما صالحتك عليه ولكن إن شئت
صنعت شيئا فعزمت على القوم قال ما هو قال تأخذ منى ربع السبى وتدع ربعا
قال خالد قد فعلت قال قد صالحتك فلما فرغا فتحت الحصون فإذا ليس
فيها إلا النساء والصبيان فقال خالد لمجاعة ويحك خدعتني قال قومي ولم
أستطع إلا ما صنعت * كتب إلى السرى عن شعيب عن سيف عن سهل بن
يوسف قال قال مجاعة يومئذ ثانية إن شئت أن تقبل منى نصف السبى والصفراء
والبيضاء والحلقة والكراع عزمت وكتبت الصلح بيني وبينك ففعل خالد
ذلك فصالحه على الصفراء والبيضاء والحلقة والكراع وعلى نصف السبى وحائط
من كل قرية يختاره خالد ومزرعة يختارها خالد فتقاضوا على ذلك ثم سرحه
وقال أنتم بالخيار ثلاثا والله لئن تتموا وتقبلوا لأنهدن إليكم ثم لا أقبل منكم
خصلة أبدا إلا القتل فأتاهم مجاعة فقال أما الآن فاقبلوا فقال سلمة بن عمير الحنفي
لا والله لا نقبل نبعث إلى أهل القرى والعبيد فنقاتل ولا نقاضي خالدا فإن
الحصون حصينة والطعام كثير والشتاء قد حضر فقال مجاعة إنك امرؤ مشؤم
وغرك أنى خدعت القوم حتى أجابوني إلى الصلح وهل بقى منكم أحد فيه خير
أو به دفه وإنما أنا بادرتكم قبل أن يصيبكم ما قال شرحبيل بن مسيلمة فخرج
مجاعة سابع سبعة حتى أتى خالدا فقال بعد شر ما رضوا اكتب كتابك فكتب
هذا ما قاضى عليه خالد بن الوليد مجاعة بن مرارة وسلمة بن عمير وفلانا وفلانا
قاضاهم على الصفراء والبيضاء ونصف السبى والحلقة والكراع وحائط من كل
قرية ومزرعة على أن يسلموا ثم أنتم آمنون بأمان الله ولكم ذمة خالد بن
الوليد وذمة أبى بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذمم المسلمين على
الوفاء * كتب إلى السرى عن شعيب عن سيف عن طلحة عن عكرمة عن أبي
هريرة قال لما صالح خالد مجاعة صالحه على الصفراء والبيضاء والحلقة وكل
حائط رضانا في كل ناحية ونصف المملوكين فأبوا ذلك فقال خالد أنت بالخيار
517

ثلاثة أيام فقال سلمة بن عمير يا بنى حنيفة قاتلوا عن أحسابكم ولا تصالحوا على
شئ فإن الحصن حصين والطعام كثير وقد حضر الشتاء فقال مجاعة يا بنى حنيفة
أطيعوني واعصوا سلمة فإنه رجل مشئوم قبل أن يصيبكم ما قال شرحبيل بن
مسيلمة قبل أن تستردف النساء غير رضيات وينكحن غير حظيات فأطاعوه
وعصوا سلمة وقبلوا قضيته وقد بعث أبو بكر رضي الله عنه بكتاب إلى خالد
مع سلمة بن سلامة بن وقش يأمره إن ظفره الله عز وجل أن يقتل من جرت عليه
من المواشي من بنى حنيفة فقدم فوجده قد صالحهم فوفى لهم وتم على ما كان منه
وحشرت بنو حنيفة إلى البيعة والبراءة مما كانوا عليه إلى خالد وخالد في عسكره
فلما اجتمعوا قال سلمة بن عمير لمجاعة استأذن لي على خالد أكلمه في حاجة له عندي
ونصيحة وقد أجمع أن يفتك به فكلمه فأذن له فأقبل سلمة بن عمير مشتملا على
السيف يريد ما يريد فقال من هذا المقبل قال مجاعة هذا الذي كلمتك فيه وقد أذنت
له قال أخرجوه عنى فأخرجوه عنه ففتشوه فوجدوا معه السيف فلعنوه وشتموه
وأوثقوه وقالوا لقد أردت أن تهلك قومك وأيم الله ما أردت إلا أن تستأصل
بنو حنيفة وتسبى الذرية والنساء وأيم الله لو أن خالدا علم أنك حملت السلاح
لقتلك وما نأمنه إن بلغه أن يقتل الرجال ويسبي النساء بما فعلت ويحسب أن ذلك
عن ملا منا فأوثقوه وجعلوه في الحصن وتتابع بنو حنيفة على البراء مما كانوا
عليه وعلى الاسلام وعاهدهم سلمة على أن لا يحدث حدثا ويعفوه فأبوا ولم يثقوا
بحمقه أن يقبلوا منه عهدا فأفلت ليلا فعمد إلى عسكر خالد فصاح به الحرس
وفزعت بنو حنيفة فاتبعوه فأدركوه في بعض الحوائط فشد عليهم بالسيف
فاكتنفوه بالحجارة وأجال السيف على حلقه فقطع أوداجه فسقط في بئر فمات
* كتب إلى السرى عن شعيب عن سيف عن الضحاك بن يربوع عن أبيه قال
صالح خالد بنى حنيفة جميعا إلا ما كان بالعرض والقرية فإنهم سبوا عند انبثاث
الغارة فبعث إلى أبى بكر ممن جرى عليه القسم بالعرض والقرية من بنى حنيفة
أو قيس بن ثعلبة أو يشكر خمسمائة رأس * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة
518

عن محمد بن إسحاق ثم إن خالدا قال لمجاعة زوجني ابنتك فقال له مجاعة مهلا انك
قاطع ظهري وظهرك معي عند صاحبك قال أيها الرجل زوجني فزوجه فبلغ ذلك
أبا بكر فكتب إليه كتابا يقطر الدم لعمري يا ابن أم خالد إنك لفارغ تنكح
النساء وبفناء بيتك دم ألف ومائتي رجل من المسلمين لم يجفف بعد قال فلما نظر
خالد في الكتاب جعل يقول هذا عمل الأعيسر يعنى عمر بن الخطاب وقد بعث
خالد بن الوليد وفد من بنى حنيفة إلى أبى بكر فقدموا عليه فقال لهم أبو بكر
ويحكم ما هذا الذي استنزل منكم ما استنزل قالوا يا خليفة رسول الله قد كان
الذي بلغك مما أصابنا كان امرءا لم يبارك الله عز وجل له ولا لعشيرته فيه قال
على ذلك ما الذي دعاكم به قالوا كان يقول يا ضفدع نقى نقى لا الشارب تمنعين
ولا الماء تكدرين لنا نصف الأرض ولقريش نصف الأرض ولكن قريشا
قوم يعتدون قال أبو بكر سبحان الله ويحكم إن هذا لكلام ما خرج من إل
ولا بر فأين يذهب بكم فلما فرغ خالد بن الوليد من اليمامة وكان منزله الذي به
التقى الناس أباض واد من أودية اليمامة ثم تحول إلى واد من أوديتها يقال له
الوبر وكان منزله بها
ذكر خبر أهل البحرين وردة الحطم ومن تجمع معه بالبحرين
(قال أبو جعفر) وكان فيما بلغنا من خبر أهل البحرين وارتداد من ارتد منهم
ما حدثنا عبيد الله بن سعيد قال أخبرنا عمى يعقوب بن إبراهيم قال أخبرنا سيف
قال خرج العلاء بن الحضرمي نحو البحرين وكان من حديث البحرين أن النبي صلى الله
عليه وسلم والمنذر بن ساوى اشتكا في شهر واحد ثم مات المنذر بعد النبي صلى الله
عليه وسلم بقليل وارتد بعده أهل البحرين فأما عبد القيس ففاءت وأما بكر
فتمت على ردتها وكان الذي ثنى عبد القيس الجارود حتى فاؤا * حدثنا عبيد الله قال
أخبرنا عمى قال أخبرنا سيف عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن بن أبي الحسن قال قدم
الجارود بن المعلى على النبي صلى الله عليه وسلم مرتادا فقال أسلم يا جارود فقال إن
519

لي دينا قال له النبي صلى الله عليه وسلم إن دينك يا جارود ليس بشئ وليس بدين
فقال له جارود فإن أنا أسلمت فما كان من تبعة في الاسلام فعليك قال نعم فأسلم
ومكث بالمدينة حتى فقه فلما أراد الخروج قال يا رسول الله هل نجد عند أحد منكم
ظهرا نتبلغ عليه قال ما أصبح عندنا ظهر قال يا رسول الله إنا نجد بالطريق ضوال من
هذه الضوال قال تلك حرق النار فإياك وإياها فلما قدم على قومه دعاهم إلى
الاسلام فأجابوه كلهم فلم يلبث إلا يسيرا حتى مات النبي صلى الله عليه وسلم
فقالت عبد القيس لو كان محمدا نبيا لما مات وارتدوا وبلغه ذلك فبعث فيهم
فجمعهم ثم قام فخطبهم فقال يا معشر عبد القيس إني سائلكم عن أمر فأخبروني
به إن علمتوني ولا تجيبوني إن لم تعلموا قالوا سل عما بدا لك قال تعلمون أنه كان لله
أنبياء فيما مضوا قالوا نعم قال تعلمونه أو ترونه قالوا لا بل نعلمه قال فما فعلوا قالوا
ماتوا قال فان محمدا صلى الله عليه وسلم مات كما ماتوا وأنا أشهد أن لا إله إلا
الله وأن محمدا عبده ورسوله قالوا ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده
ورسوله وأنك سيدنا وأفضلنا وثبتوا على اسلامهم ولم يبسطوا ولم يبسط إليهم
وخلوا بين سائر ربيعة وبين المنذر والمسلمين فكان المنذر مشتغلا بهم حياته فلما
مات المنذر حصر أصحاب المنذر في مكانين حتى تنقذهم العلاء (قال أبو جعفر) وأما
ابن إسحاق فإنه قال في ذلك ما حدثنا به ابن حميد قال حدثنا سلمة عنه قال لما فرغ
خالد بن الوليد من اليمامة بعث أبو بكر رضي الله عنه العلاء بن الحضرمي وكان
العلاء هو الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى المنذر بن ساوى
العبدي فأسلم المنذر فأقام بها أميرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فمات المنذر بن
ساوى بالبحرين بعد متوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عمرو بن العاص
بعمان فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمرو بها فأقبل عمرو فمر بالمنذر بن
ساوى وهو بالموت فدخل عليه فقال المنذر له كم كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يجعل للميت من المسلمين من ماله عند وفاته قال عمرو فقلت له كان يجعل
له الثلث قال فما ترى لي أن أصنع في ثلث مالي قال عمرو فقلت له إن شئت قسمته
520

في أهل قرابتك وجعلته في سبيل الخير وإن شئت تصدقت به فجعلته صدقة محرمة
تجرى من بعدك على من تصدقت به عليه قال ما أحب أن أجعل من مالي شيئا
محرما كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحامي ولكن اقسمه فأنفذه على من أوصيت
به له يصنع به ما يشأ قال فكان عمرو يعجب لها من قوله وارتدت ربيعة
بالبحرين فيمن ارتد من العرب إلا الجارود بن عمرو بن حنش بن معلى فإنه ثبت
على الاسلام ومن معه من قومه وقام حين بلغته وفاة رسول الله صلى الله عليه
وسلم وارتداد العرب فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
وأكفر من لا يشهد واجتمعت ربيعة بالبحرين وارتدت فقالوا نرد الملك
في آل المنذر فملكوا المنذر بن النعمان بن المنذر وكان يسمى الغرور وكان يقول
حين أسلم وأسلم الناس وغلبهم السيف لست بالغرور ولكني المغرور * حدثنا
عبيد الله بن سعيد قال أخبرنا عمى قال أخبرنا سيف عن إسماعيل بن مسلم عن
عمير بن فلان العبدي قال لما مات النبي صلى الله عليه وسلم خرج الحطم بن ضبيعة
أخو بنى قيس بن ثعلبة فيمن اتبعه من بكر بن وائل على الردة ومن تأشب إليه
من غير المرتدين ممن لم يزل كافرا حتى نزل القطيف وهجر واستغوى الخط ومن
فيها من الزط والسايجة وبعث بعثا إلى دارين فأقاموا له ليجعل عبد القيس
بينه وبينهم وكانوا مخالفين لهم يمدون المنذر والمسلمين وأرسل إلى الغرور بن
سويد أخي النعمان بن المنذر فبعثه إلى جواثا وقال أثبت فإني إن ظفرت ملكتك
بالبحرين حتى تكون كالنعمان بالحيرة وبعث إلى جواثا فحصرهم وألحوا عليهم فاشتد
على المحصورين الحصر وفى المسلمين المحصورين رجل من صالح المسلمين يقال له
عبد الله بن حذف أحد بنى أبى بكر بن كلاب وقد اشتد عليه وعليهم الجوع حتى
كادوا أن يهلكوا وقال في ذلك عبد الله بن حذف
ألا أبلغ أبا بكر رسولا * وفتيان المدينة أجمعينا
فهل لكم إلى قوم كرام * قعود في جواثا محصرينا
كأن دماءهم في كل فج * شعاع الشمس يغشى الناظرينا
521

توكلنا على الرحمن إنا * وجدنا الصبر للمتوكلينا
كتب إلى السرى عن شعيب عن سيف عن الصعب بن عطية بن بلال عن سهم
ابن منجاب عن منجاب بن راشد قال بعث أبو بكر العلاء بن الحضرمي على قتال
أهل الردة بالبحرين فلما أقبل إليها فكان بحيال اليمامة لحق به ثمامة بن أثال في
مسلمة بنى حنيفة من بنى سحيم ومن أهل القرى من سائر بنى حنيفة وكان متلددا
وقد ألحق عكرمة بعمان ثم مهرة وأمر شرحبيل بالمقام حيث انتهى إلى أن يأتيه
أمر أبى بكر ثم دومة يغاور هو وعمرو بن العاص أهل الردة من قضاعة فأما عمرو
ابن العاص فكان يغاور سعدا وبليا وأمر هذا بكلب ولفها فلما دنا منا ونحن في
عليا البلاد لم يكن أحد له فرس من الرباب وعمرو بن تميم إلا جنبه ثم استقبله فأما
بنو حنظلة فإنهم قدموا رجلا وأخروا أخرى وكان مالك بن نويرة في البطاح ومعه
جموع يساجلنا ونساجله وكان وكيع بن مالك في القرعاء معه جموع يساجل عمرا
وعمرو يساجله وأما سعد بن زيد مناة فإنهم كانوا فرقتين فأما عوف والأبناء فإنهم
أطاعوا الزبرقان بن بدر فثبتوا على اسلامهم وتموا وذبوا عنه وأما المقاعس
والبطون فإنهما أصاخا ولم يتابعا إلا ما كان من قيس بن عاصم فإنه قسم الصدقات
التي كانت اجتمعت إليه في المقاعس والبطون حين شخص الزبرقان بصدقات عوف
والأبناء فكانت عوف والأبناء مشاعيل بالمقاعس والبطون فلما رأى قيس
ابن عاصم ما صنعت الرباب وعمر ومن تلقى العلاء ندم على ما كان فرط منه فتلقى
العلاء بإعداد ما كان قسم من الصدقات ونزع عن أمره الذي كان هم به واستاق حتى
أبلغها إياه وخرج معه إلى قتال أهل البحرين وقال في ذلك شعرا كما قال الزبرقان
في صدقته حين أبلغها أبا بكر وكان الذي قال الزبرقان في ذلك
وفيت بأذواد الرسول وقد أبت * سعاة فلم يردد بعيرا مجيرها
معا ومنعناها من الناس كلهم * ترامى الأعادي عندنا ما يضيرها
فأديتها كي لا أخون بذمتي * محانيق لم تدرس لركب ظهورها
أردت بها التقوى ومجد حديثها * إذا عصبة سامي قبيلي فخورها
522

وإني لمن حي إذا عد سعيهم * يرى الفخر منها حيها وقبورها
أصاغرهم لم يضرعوا وكبارهم * رزان مراسيها عفاف صدورها
ومن رهط كناد توفيت ذمتي * ولم يثن سيفي نبحها وهريرها
ولله ملك قد دخلت وفارس * طعنت إذا ما الخيل شد مغيرها
ففرجت أولاها بنجلاء ثرة * بحيث الذي يرجو الحياة يضيرها
ومشهد صدق قد شهدت فلم أكن * به خاملا واليوم يثنى مصيرها
أرى رهبة الأعداء منى جراءة * ويبكى إذا ما النفس يوحى ضميرها
وقال قيس عند استقبال العلاء بالصدقة
ألا أبلغا عنى قريشا رسالة * إذا ما أتتها بينات الودائع
حبوت بها في الدهر أعراض منقر * وأيأست منها كل أطلس طامع
وجدت أبى والخال كانا بنجوة * بقاع فلم يحلل بها من أدافع
فأكرمه العلاء وخرج مع العلاء من عمرو وسعد الرباب مثل عسكره وسلك
بنا الدهناء حتى إذا كنا في بحبوحتها والحنانات والعزافات عن يمينه وشماله وأراد
الله عز وجل أن يرينا آياته نزل وأمر الناس بالنزول فنفرت الإبل في جوف
الليل فما بقى عندنا بعير ولا زاد ولا مزاد ولا بناء إلا ذهب عليها في عرض
الرمل وذلك حين نزل الناس وقبل أن يحطوا فما علمت جمعا هجم عليهم من الغم
ما هجم علينا وأوصى بعضنا إلى بعض ونادى منادى العلاء اجتمعوا فاجتمعنا إليه
فقال ما هذا الذي ظهر فيكم وغلب عليكم فقال الناس وكيف نلام ونحن إن بلغنا
غدا لم تحم شمسه حتى نصير حديثا فقال أيها الناس لا تراعوا ألستم مسلمين ألستم
في سبيل الله ألستم أنصار الله قالوا بلى قال فأبشروا فوالله لا يخذل الله من كان
في مثل حالكم ونادى المنادى بصلاة الصبح حين طلع الفجر فصلى بنا ومنا المتيمم
ومنا من لم يزل على طهوره فلما قضى صلاته جثا لركبتيه وجثا الناس فنصب في الدعاء
ونصبوا معه فلمع لهم سراب الشمس فالتفت إلى الصف فقال رائد ينظر ما هذا ففعل
ثم رجع فقال سراب فأقبل على الدعاء ثم لمع لهم آخر فكذلك ثم لمع لهم آخر فقال ماء
523

فقام وقام الناس فمشينا إليه حتى نزلنا عليه فشربنا واغتسلنا فما تعالى النهار حتى أقبلت
الإبل تكرد من كل وجه فأناخت إلينا فقام كل رجل إلى ظهره فأخذه فما فقدنا
سلكا فأرويناها وأسقيناها العلل بعد النهل وتروينا ثم تروحنا وكان أبو هريرة
رفيقي فلما غبنا عن ذلك المكان قال لي كيف علمك بموضع ذلك الماء فقلت أنا من
أهدى العرب بهذه البلاد قال فكن معي حتى تقيمني عليه فكررت به فأتيت به
على ذلك المكان بعينه فإذا هو لا غدير به ولا أثر للماء فقلت له والله لولا أنى
لا أرى الغدير لأخبرتك أن هذا هو المكان وما رأيت بهذا المكان ماء ناقعا قبل
اليوم وإذا أداوة مملوءة فقال يا أبا سهم هذا والله المكان ولهذا رجعت ورجعت
بك ملأت أدواتي ثم وضعتها على شفيره فقلت إن كان منا من المن وكانت آية
عرفتها وإن كان غياثا عرفته فإذا من من المن فحمد الله ثم سرنا حتى ننزل هجر قال
فأرسل العلاء إلى الجارود ورجل آخر أن انضما في عبد القيس حتى تنزلا على
الحطم مما يليكما وخرج هو فيمن جاء معه وفيمن قدم عليه حتى ينزل عليه مما يلي
هجر وتجمع المشركون كلهم إلى الحطم إلا أهل دارين وتجمع المسلمون كلهم إلى
العلاء بن الحضرمي وخندق المسلمون والمشركون وكانوا يتراوحون القتال
ويرجعون إلى خندقهم فكانوا كذلك شهرا فبينا الناس ليلة إذ سمع المسلمون في
عسكر المشركين ضوضاء شديدة كأنها ضوضاء هزيمة أو قتال فقال العلاء من يأتينا بخبر
القوم فقال عبد الله بن حذف أنا آتيكم بخبر القوم وكانت أمه عجلية فخرج حتى
إذا دنا من خندقهم أخذوه فقالوا له من أنت فانتسب لهم وجعل ينادى يا أبجراه
فجاء أبجر بن بجير فعرفه فقال ما شأنك فقال لا أضيعن بين اللهازم علام أقتل
وحولي عساكر من عجل وتيم اللات وقيس وعنزة أيتلاعب بي الحطم ونزاع
القبائل وأنتم شهود فتخلصه وقال والله إني لأظنك بئس ابن الأخت لأخوالك
الليلة فقال دعني من هذا وأطعمني فإني قد مت جوعا فقرب له طعاما فأكل ثم
قال زودني واحملني وجوزني انطلق إلى طيتي ويقول ذلك لرجل قد غلب عليه
الشراب ففعل وحمله على بعير وزوده وجوزه وخرج عبد الله بن حذف حتى
524

دخل عسكر المسلمين فأخبرهم أن القوم سكارى فخرج المسلمون عليهم حتى
اقتحموا عليهم عسكرهم فوضعوا السيوف فيهم حيث شاؤوا واقتحموا الخندق
هرابا فمترد وناج ودهش مقتول أو مأسور واستولى المسلمون على ما في العسكر
لم يفلت رجل إلا بما عليه فأما أبجر فأفلت وأما الحطم فإنه بعل ودهش وطار
فؤاده فقام إلى فرسه والمسلمون خلالهم يجوسونهم ليركبه فلما وضع رجله في
الركاب انقطع به فمر به عفيف بن المنذر أحد بنى عمرو بن تميم والحطم يستغيث
ويقول ألا رجل من بنى قيس بن ثعلبة يعقلني فرفع صوته فعرف صوته
فقال أبو ضبيعة قال نعم قال أعطني رجلك أعقلك فأعطاه رجله يعقله
فنفحها فأطنها من الفخذ وتركه فقال أجهز على فقال إني أحب أن لا تموت
حتى أمضك وكان مع عفيف عدة من ولد أبيه فأصيبوا ليلتئذ وجعل الحطم لا يمر به
في الليل أحد من المسلمين إلا قال هل لك في الحطم أن تقتله ويقول ذاك لمن لا يعرفه
حتى مر به قيس بن عاصم فقال له ذلك فمال عليه فقتله فلما رأى فخذه نادرة قال
وا سوأتاه لو علمت الذي به لم أحركه وخرج المسلمون بعد ما أحرزوا
الخندق على القوم يطلبونهم فاتبعوهم فلحق قيس بن عاصم أبجر وكان فرس أبجر
أقوى من فرس قيس فلما خشى أن يفوته طعنه في العرقوب فقطع العصب وسلم
النساء فكانت رادة وقال عفيف بن المنذر
فإن يرقا العرقوب لا يرقأ النساء * وما كل من يهوى بذلك عالم
ألم تر أنا قد فللنا حماتهم * بأسرة عمرو والرباب الأكارم
وأسر عفيف بن المنذر الغرور بن سويد فكلمته الرباب فيه وكان أبوه ابن أخت
التيم وسألوه أن يجيره فقال للعلاء إني قد أجرت هذا قال ومن هذا قال الغرور
قال أنت غررت هؤلاء قال أيها الملك انى لست بالغرور ولكني المغرور قال أسلم
فأسلم وبقى بهجر وكان اسمه الغرور وليس بلقب وقتل عفيف المنذر بن سويد
ابن المنذر وأصبح العلاء فقسم الأنفال ونفل رجالا من أهل البلاء ثيابا فكان
فيمن نفل عفيف بن المنذر وقيس بن عاصم وثمامة بن أثال فأما ثمامة فنفل ثيابا
525

فيها خميصة ذات أعلام وكان الحطم يباهى فيها وباع الثياب وقصد عظم الفلال لدارين
فركبوا فيها السفن ورجع الآخرون إلى بلاد قومهم فكتب العلاء بن الحضرمي
إلى من أقام على إسلامه من بكر بن وائل فيهم وأرسل إلى عتيبة بن النهاس وإلى
عامر بن عبد الأسود بلزوم ما هم عليه والقعود لأهل الردة بكل سبيل وأمر مسمعا
بمبادرتهم وأرسل إلى خصفة التميمي والمثنى بن حارثة الشيباني فاقاموا لأولئك
بالطريق فمنهم من أناب فقبلوا منه واشتملوا عليه ومنهم من أبى ولج فمنع من
الرجوع فرجعوا عودهم على بدئهم حتى عبروا إلى دارين فجمعهم الله بها وقال
في ذلك رجل من بنى ضبيعة بن عجل يدعى وهبا يعير من ارتد من بكر بن وائل
ألم تر أن الله يسبك خلقه * فيخبث أقوام ويصفو معشر
لحى الله أقواما أصيبوا بخنعة * أصابهم زيد الضلال ومعمر
ولم يزل العلاء مقيما في عسكر المشركين حتى رجعت إليه الكتب من عند من
كان كتب إليه من بكر بن وائل وبلغه عنهم القيام بأمر الله والغضب لدينه فلما جاءه
عنهم من ذلك ما كان يشتهى أيقن أنه لن يؤتى من خلفه بشئ يكرهه على أحد من
أهل البحرين وندب الناس إلى دارين ثم جمعهم فخطبهم وقال إن الله قد جمع
لكم أحزاب الشياطين وشرد الحرب في هذا البحر وقد أراكم من آياته في البر
لتعتبروا بها في البحر فانهضوا إلى عدوكم ثم استعرضوا البحر إليهم فان الله قد
جمعهم فقالوا نفعل ولا نهاب والله بعد الدهناء هولا ما بقينا فارتحل وارتحلوا
حتى إذا أتى ساحل البحر اقتحموا على الصاهل والحامل والشاحج والناهق والراكب
والراحل ودعا ودعوا وكان دعاؤه ودعاؤهم يا أرحم الراحمين يا كريم يا حليم
يا أحد يا صمد يا حي يا محيى الموتى يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت يا ربنا فأجازوا ذلك
الخليج بإذن الله جميعا يمشون على مثل رملة ميثاء فوقها ماء يغمر أخفاف الإبل
وان ما بين الساحل ودارين مسيرة يوم وليلة لسفن البحر في بعض الحالات فالتقوا
بها واقتتلوا قتالا شديدا فما تركوا بها مخبرا وسبوا الذراري واستاقوا الأموال
فبلغ نفل الفارس ستة آلاف والراجل ألفين قطعوا إليهم وساروا يومهم فلما
526

فرغوا رجعوا عودهم على بدئهم حتى عبروا وفى ذلك يقول عفيف بن المنذر
ألم تر أن الله ذلل بحره * وأنزل بالكفار إحدى الجلائل
دعونا الذي شق البحار فجاءنا * بأعجب من فلق البحار الأوائل
ولما رجع العلاء إلى البحرين وضرب الاسلام فيها بجرانه وعز الاسلام
وأهله وذل الشرك وأهله أقبل الذين في قلوبهم ما فيها على الارجاف فأرجف
مرجفون وقالوا ها ذاك مفروق قد جمع رهطه شيبان وتغلب والنمر فقال لهم
أقوام من المسلمين إذا تشغلهم عنا اللهازم واللهازم يومئذ قد استجمع أمرهم على
نصر العلاء وطابقوا وقال عبد الله بن حذف في ذلك
لا توعدونا بمفروق وأسرته * إن يأتينا يلق فينا سنة الحطم
وإن ذا الحي من بكر وإن كثروا * لامة داخلون النار في أمم
فالنخل ظاهره خيل وباطنه * خيل تكدس بالفتيان في النعم
وأقفل العلاء بن الحضرمي الناس فرجع الناس إلا من أحب المقام فقفلنا وقفل
ثمامة بن أثال حتى إذا كنا على ماء لبنى قيس بن ثعلبة فرأوا ثمامة ورأوا خميصة
الحطم عليه دسوا له رجلا وقالوا سله عنها كيف صارت له وعن الحطم أهو قتله
أو غيره فأتاه فسأله عنها فقال نفلتها قال أأنت قتلت الحطم قلا لا ولوددت أنى
كنت قتلته قال فما بال هذه الخميصة معك قال ألم أخبرك فرجع إليهم فأخبرهم فتجمعوا
له ثم أتوه فاحتوشوه فقال مالكم قالوا أنت قاتل الحطم قال كذبتم لست بقاتله
ولكني نفلتها قالوا هل ينفل إلا القاتل قال إنها لم تكن عليه إنما وجدت في رحله
قالوا كذبت فأصابوه قال وكان مع المسلمين راهب في هجر فأسلم يومئذ فقيل
ما دعاك إلى الاسلام قال ثلاثة أشياء خشيت أن يمسخني الله بعدها إن أنا لم أفعل
فيض في الرمال وتمهيد أثباج البحار ودعاء سمعته في عسكرهم في الهواء من السحر
قالوا وما هو قال اللهم أنت الرحمن الرحيم لا إله غيرك والبديع ليس قبلك شئ
والدائم غير الغافل والحي الذي لا يموت وخالق ما يرى وما لا يرى وكل يوم
أنت في شأن وعلمت اللهم كل شئ بغير تعلم فعلمت أن القوم لم يعانوا بالملائكة
527

إلا وهم على أمر الله فلقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمعون
من ذلك الهجري بعد وكتب العلاء إلى أبى بكر أما بعد فان الله تبارك وتعالى فجر لنا
الدهناء فيضا لا ترى غواربه وأرانا آية وعبرة بعد غم وكرب لنحمد الله ونمجده فادع
الله واستنصره لجنوده وأعوان دينه فحمد أبو بكر الله ودعاه وقال ما زالت العرب
فيما تحدث عن بلد أنها يقولون إن لقمان حين سئل عن الدهناء أيحتفرونها أو
يدعونها نهاهم وقال لا تبلغها الأرشية ولم تقر العيون وأن شأن هذا الفيض من
عظيم الآيات وما سمعنا به في أمة قبلها اللهم اخلف محمدا صلى الله عليه وسلم فينا
ثم كتب إليه العلاء بهزيمة أهل الخندق وقتل الحطم قتله زيد ومسمع أما بعد
فإن الله تبارك اسمه سلب عدونا عقولهم وأذهب ريحهم بشراب أصابوه من
النهار فاقتحمنا عليهم خندقهم فوجدناهم سكارى فقتلناهم إلا الشريد وقد قتل
الله الحطم فكتب إليه أبو بكر أما بعد فإن بلغك عن بنى شيبان بن ثعلبة تمام
على ما بلغك وخاض فيه المرجفون فابعث إليهم جندا فأوطئهم وشرد بهم من
خلفهم فلم يجتمعوا ولم يصر ذلك من أرجافهم إلى شئ
ذكر الخبر عن ردة أهل عمان ومهرة واليمن
(قال أبو جعفر) وقد اختلف في تاريخ حرب المسلمين هؤلاء فقال محمد
ابن إسحاق فيما حدثنا ابن حميد عن سلمة عنه كان فتح اليمامة واليمن والبحرين وبعث
الجنود لي الشام في سنة اثنى عشرة وأما أبو زيد فحدثني عن أبي الحسن المدائني
في خبر ذكره عن أبي معشر ويزيد بن عياض بن جعدبة وأبى عبيدة بن محمد
ابن أبي عبيدة وغسان بن عبد الحميد وجويرية بن أسماء بإسنادهم عن مشيختهم
وغيرهم من علماء أهل الشأم وأهل العراق أن الفتوح في أهل الردة كلها كانت
لخالد بن الوليد وغيره وفى سنة إحدى عشرة إلا أمر ربيعة بن بجير فإنه كان
في سنة ثلاث عشرة وقصة ربيعة بن بجير التغلبي أن خالد بن الوليد فيما ذكر في
خبره هذا الذي ذكرت عنه بالمصيخ والحصيد فقام ربيعة وهو في جمع من
528

المرتدين فقاتله وغنم وسبى وأصاب ابنة لربيعة بن بجير فسباها وبعث بالسبي إلى
أبى بكر رحمه الله فصارت ابنة ربيعة إلى علي بن أبي طالب عليه السلام (فأما)
أمر عمان فإنه كان فيما كتب إلى السرى بن يحيى يخبرني عن شعيب عن سيف
عن سهل بن يوسف عن القاسم بن محمد والغصن بن القاسم وموسى الجليوسي عن
ابن محيريز قالوا نبغ بعمان ذو التاج لقيط بن مالك الأزدي وكان يسامي في الجاهلية
الجلندي وادعى بمثل ما ادعى به من كان نبيا وغلب على عمان مرتدا وألجأ
جيفرا وعبادا إلى الأجبال والبحر فبعث جيفر إلى أبى بكر يخبره بذلك ويستجيشه
عليه فبعث أبو بكر الصديق حذيفة بن محصن الغلفاني من حمير وعرفجة البارقي
من الأزد، حذيفة إلى عمان وعرفجة إلى مهرة وأمرهما إذا اتفقا أن يجتمعا على
من بعثا إليه وأن يبتدئا بعمان وحذيفة على عرفجة في وجهه وعرفجة على حذيفة
غي وجهه فخرجا متساندين وأمرهما أن يجدا السير حتى يقدما عمان فإذا كانا
منها قريبا كاتبا جيفرا وعبادا وعملا برأيهما فمضيا لما أمرا به وقد كان أبو بكر
بعث عكرمة إلى مسيلمة باليمامة واتبعه شرحبيل بن حسنة وسمى له اليمامة
وأمرهما بما أمر به حذيفة وعرفجة فبادر عكرمة شرحبيل وطلب حظوة
الظفر فكلمه مسيلمة فأحجم عن مسيلمة وكتب إلى أبى بكر بالخبر وأقام شرحبيل
عليه حيث بلغه الخبر وكتب أبو بكر إلى شرحبيل بن حسنة أن أقم بأذني اليمامة
حتى يأتيك أمري وترك أن يمضيه لوجهه الذي وجهه له وكتب إلى عكرمة
يعنفه لتسرعه ويقول لا أرينك ولا أسمعن بك إلا بعد بلاء والحق بعمان حتى
تقاتل أهل عمان وتعين حذيفة وعرفجة وكل واحد منكم على خيله وحذيفة
ما دمتم في عمله على الناس فإذا فرغتم فامض إلى مهرة ثم ليكن وجهك منها إلى
اليمن حتى تلاقى المهاجر بن أبي أمية باليمن وبحضرموت وأوطئ من بين عمان واليمن
ممن ارتد وليبلغني بلاؤك فمضى عكرمة في أثر عرفجة وحذيفة فيمن كان معه
حتى لحق بهما قبل أن ينتهيا إلى عمان وقد عهد إليهم أن ينتهوا إلى رأى عكرمة
بعد الفراغ في السير معه أو المقام بعمان فلما تلاحقوا وكانوا قريبا من عمان
529

بمكان يدعى رجاما راسلوا جيفرا وعبادا وبلغ لقيطا مجئ الجيش فجمع جموعه
وعسكر بدبا وخرج جيفر وعباد من موضعهما الذي كانا فيه فعسكرا بصحار
وبعثا إلى حذيفة وعرفجة وعكرمة في القدوم عليهما فقدموا عليهما بصحار
فاستبرؤوا ما يليهم حتى رضوا به ممن يليهم وكاتبوا رؤساء مع لقيط وبدؤا بسبد
بنى جديد فكاتبهم وكاتبوه حتى ارفضوا عنه ونهدوا إلى لقيط فالتقوا على دبا
وقد جمع لقيط العيالات فجعلهم وراء صفوفهم ليحربهم وليحافظوا على حرمهم
ودبا هي المصر والسوق العظمى فاقتتلوا بدبا قتالا شديدا وكان لقيط يستعلى
الناس فبينا هم كذلك قد رأى المسلمون الخلل ورأى المشركون الظفر جاءت
المسلمين موادهم العظمى من بنى ناجية وعليهم الخريث بن راشد ومن عبد القيس
وعليهم سيحان بن صوحان وشواذب عمان من بنى ناجية وعبد القيس فقوى
الله بهم أهل الاسلام ووهن الله بهم أهل الشرك فولوا المشركون الادبار فقتلوا
منهم في المعركة عشرة آلاف وركبوهم حتى أثخنوا فيهم وسبوا الذراري وقسموا
الأموال على المسلمين وبعثوا بالخمس إلى أبى بكر مع عرفجة ورأى عكرمة وحذيفة
أن يقيم حذيفة بعمان حتى يوطئ الأمور ويسكن الناس وكان الخمس ثمانمائة
رأس وغنموا السوق بحذافيرها فسار عرفجة إلى أبى بكر بخمس السبى والمغانم
وأقام حذيفة لتسكين الناس ودعا القبائل حول عمان إلى سكون ما أفاء الله
على المسلمين وشواذب عمان ومضى عكرمة في الناس وبدأ بمهرة وقال في
ذلك عباد الناجي
لعمري لقد لاقي لقيط بن مالك * من الشر ما أخزى وجوه الثعالب
وبادى أبا بكر ومن هل فارتمى * خليجان من تياره المتراكب
ولم تنهه الأولى ولم ينكأ العدى * فألوت عليه خليه بالجنائب
ذكر خبر مهرة بالنجد
ولما فرغ عكرمة وعرفجة وحذيفة من ردة عمان خرج عكرمة في جنده نحو مهرة
530

واستنصر من حول عمان وأهل عمان وسار حتى يأتي مهرة ومعه ممن استنصره من ناجية
والأزد وعبد القيس وراسب وسعد من بنى تميم بشر حتى اقتحم على مهرة بلادها
فوافق بها جمعين من مهرة أما أحدهما فبمكان من أرض مهرة يقال له جيروت
وقد امتلا ذلك الحيز إلى نضدون قاعين من قيعان مهرة عليهم شخريت رجل
من بنى شخراة وأما الآخر فبالنجد وقد انقادت مهرة جميعا لصاحب هذا الجمع
عليهم المصبح أحد بنى محارب والناس كلهم معه إلا ما كان من شخريت فكأنا
مختلفين كل واحد من الرئيسين يدعو الاخر إلى نفسه وكل واحد من الجندين
يشتهى أن يكون الفج لرئيسهم وكان ذلك مما أعان الله به المسلمين وقواهم على
عدوهم ووهنهم ولما رأى عكرمة قلة من مع شخريت دعاه إلى الرجوع إلى الاسلام
فكان لأول الدعاء فأجابه ووهن الله بذلك المصبح ثم أرسل إلى المصبح يدعوه
إلى الاسلام والرجوع عن الكفر فاعتز بكثرة من معه وازداد مباعدة لمكان
شخريت فسار إليه عكرمة وسار معه شخريت فالتقوا هم والمصبح بالنجدة فاقتتلوا
أشد من قتال دبا ثم إن الله كشف جنود المرتدين وقتل رئيسهم وركبهم المسلمون
فقتلوا منهم ما شاؤوا وأصابوا ما شاؤوا وأصابوا فيما أصابوا ألفى نجيبة فخمس
عكرمة الفئ فبعث بالأخماس مع شخريت إلى أبى بكر وقسم الأربعة الأخماس
على المسلمين وازداد عكرمة وجنده قوة بالظهر والمتاع والأداة وأقام عكرمة
حتى جمعهم على الذي يحب وجمع أهل النجد أهل رياضة الروضة وأهل الساحل وأهل
الجزائر وأهل المر واللبان وأهل جيروت وظهور الشحر والصبرات وينعب
وذات الخيم فبايعوا على الاسلام فكتب بذلك مع البشير وهو السائب أحد بنى
عابد من مخزوم فقدم على أبى بكر بالفتح وقدم شخريت بعده بالأخماس وقال في
ذلك علجوم المحاربي
جزى الله شخريتا وأفناء هيشم * وفرضم إذ سارت إلينا الحلائب
جزاء مسئ لم يراقب ذمة * ولم يرجها فيما يرجى الأقارب
أعكرم لولا جمع قومي وفعلهم * لضاقت عليك بالفضاء المذاهب
531

وكنا كمن اقتاد كفا بأختها * وحلت علينا في الدهور النوائب
ذكر خبر المرتدين باليمن
(قال أبو جعفر) كتب إلى السرى بن يحيى عن شعيب عن سيف عن طلحة
عن عكرمة وسهل عن القاسم بن محمد قالا توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وعلى مكة وأرضها عتاب بن أسيد والطاهر بن أبي هالة عتاب على بنى كنانة
والطاهر على عك وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال اجعلوا عمالة عك في
بنى أبيها معد بن عدنان وعلى الطائف وأرضها عثمان بن أبي العاص ومالك بن
عوف النصري عثمان على أهل المدر ومالك على أهل الوبر إعجاز هوازن وعلى
نجران وأرضها عمرو بن حزم وأبو سفيان بن حرب عمرو بن حزم على الصلاة
وأبو سفيان بن حرب على الصدقات وعلى ما بين رمع وزبيد إلى حد نجران
خالد بن سعيد بن العاص وعلى همدان كلها عامر بن شهر وعلى صنعاء فيروز
الديلمي مسانده داذويه وقيس بن المكشوح وعلى الجند يعلى بن أمية وعلى مأرب
أبو موسى الأشعري وعلى الأشعريين مع عك الطاهر بن أبي هالة ومعاذ بن جبل
يعلم القوم يتنقل في عمل كل عامل فنزا بهم الأسود في حياة النبي صلى الله عليه
وسلم فحاربه النبي عليه الصلاة والسلام بالرسل والكتب حتى قتله الله وعاد أمر
النبي عليه الصلاة والسلام كما كان قبل وفاة النبي عليه الصلاة والسلام بليلة إلا
أن مجيئهم لم يحرك الناس والناس مستعدون له فلما بلغهم موت النبي صلى الله عليه
وسلم انتقضت اليمن والبلدان وقد كانت تذبذبت خيول العنسي فيما بين نجران
إلى صنعاء في عرض ذلك البحر لا تأوى إلى أحد ولا يأوى إليها أحد فعمرو
ابن معديكرب بحيال فروة بن مسيك ومعاوية بن أنس في فالة العنسي يتردد
ولم يرجع من عمال النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلا
عمرو بن حزم وخالد بن سعيد ولجأ سائر العمال إلى المسلمين واعترض عمرو
ابن معديكرب خالد بن سعيد فسلبه الصمصامة ورجعت الرسل مع من رجع
532

بالخبر فرجع جرير بن عبد الله والأقرع بن عبد الله ووبرا بن يحنس فحارب أبو بكر
المرتدة جميعا بالرسل والكتب كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حاربهم إلى
أن رجع أسامة بن زيد من الشام وحرز ذلك ثلاثة أشهر إلا ما كان من أهل ذي
حسي وذي القصة ثم كان أول مصادم عند رجوع أسامة هو فخرج إلى الأبرق
فلم يصمد لقوم فيفلهم إلا استنفر من لم يرتد منهم إلى آخرين فيفل بطائفة من
المهاجرين والأنصار والمستنفرة ممن لم يرتد إلى التي تليهم حتى فرغ من آخر أمور
الناس ولا يستعين بالمرتدين فكان أول من كتب إليه عتاب بن أسيد كتب
إليه بركوب من ارتد من أهل عمله بمن ثبت على الاسلام وعثمان بن أبي العاص
بركوب من ارتد من أهل عمله بمن ثبت على الاسلام فأما عتاب فإنه بعث خالد
ابن أسيد إلى أهل تهامة وقد تجمعت بها جماع من مدلج وتأشب إليهم شذاذ من
خزاعة وأفناء كنانة عليهم جندب بن سلمى أحد بنى شنوق من بنى مدلج ولم يكن
في عمل عتاب جمع غيره فالتقوا بالأبارق ففرقهم وقتلهم واستحر القتال في بنى
شنوق فما زالوا أذلاء قليلا وبرئت عمالة عتاب وأفلت جندب فقال جندب في ذلك
ندمت وأيقنت الغداة بأنني * أتيت التي يبقى على المرء عارها
شهدت بأن الله لا شئ غيره * بنى مدلج فالله ربى وجارها
وبعث عثمان بن أبي العاص بعثا إلى شنوءة وقد تجمعت بها جماع من الأزد
وبجيلة وخثعم عليهم حميضة بن النعمان وعلى أهل الطائف عثمان بن ربيعة فالتقوا
بشنوءة فهزموا تلك الجماع وتفرقوا عن حميضة وهرب حميضة في البلاد فقال
في ذلك عثمان بن ربيعة
فضضنا جمعهم والنقع كأب * وقد تعدى على الغدر الفتوق
* وأبرق بارق لما التقينا * فعادت خلبا تلك البروق
خبر الأخابث من عك
(قال أبو جعفر) وكان أول منتقض بعد النبي صلى الله عليه وسلم بتهامة عك
533

والأشعرون وذلك إنهم حين بلغهم موت النبي صلى الله عليه وسلم تجمع منهم
طخارير فأقبل إليهم طخارير من الأشعرين وخضم فانضموا إليهم فأقاموا على
الأعلاب طريق الساحل وتأشب إليهم أوزاع على عير رئيس فكتب بذلك الطاهر
ابن أبي هالة إلى أبى بكر وسار إليهم وكتب أيضا بمسيره إليهم ومعه مسروق العكي
حتى انتهى إلى تلك الأوزاع على الأعلاب فالتقوا فاقتتلوا فهزمهم الله وقتلوهم كل
قتلة وأنتنب السبل لقتلهم وكان مقتلهم فتحا عظيما وأجاب أبو بكر الطاهر قبل أن
يأتيه كتابه بالفتح بلغني كتابك تخبرني فيه مسيرك واستنفارك مسروقا وقومه إلى
الأخابث بالأعلاب فقد أصبت فعاجلوا هذا الضرب ولا ترفهوا عنهم وأقيموا
بالأعلاب حتى يأمن طريق الأخابث ويأتيكم أمري فسميت تلك الجموع من
عك ومن تأشب إليهم إلى اليوم الأخابث وسمى ذلك الطريق طريق الأخابث
وقال في ذلك الطاهر بن أبي هالة
ووالله لولا الله لا شئ غيره * لما فض بالأجراع جمع العثاعث
فلم تر عيني مثل يوم رأيته * بجنب صحار في جموع الأخابث
قتلناهم ما بين قنة خامر * إلى القيعة الحمراء ذات النبائث
وفئنا بأموال الأخابث عنوة * جهارا ولم نحفل بتلك الهثاهث
وعسكر طاهر على طريق الأخابث ومعه مسروق في عك ينتظر أمر أبى بكر
رحمه الله (قال أبو جعفر) ولما بلغ أهل نجران وفاة رسول الله صلى الله عليه
وسلم وهم يومئذ أربعون ألف مقاتل من بنى الأفعى الأمة التي كانوا بها قبل
بنى الحارث بعثوا وفدا ليجددوا عهدا فقدموا إليه فكتب لهم كتابا (بسم الله
الرحمن الرحيم) هذا كتاب من عبد الله أبى بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه
وسلم لأهل نجران أجارهم من جنده ونفسه وأجاز لهم ذمة محمد صلى الله عليه وسلم
إلا ما رجع عنه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر الله عز وجل في أرضهم
وأرض العرب أن لا يسكن بها دينان أجارهم على أنفسهم بعد ذلك وملتهم
وسائر أموالهم وحاشيتهم وعاديتهم وغائبهم وشاهدهم وأسقفهم ورهبانهم وبيعهم
534

ما وقعت وعلى ما ملكت أيديهم من قليل أو كثير عليهم ما عليهم فإذا أدوه
فلا يحشرون ولا يعشرون ولا يغير أسقف من أسقفيته ولا راهب من رهبانيته
ووفى لهم بكل ما كتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى ما في هذا الكتاب
من ذمة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوار المسلمين وعليهم النصح والاصلاح
فيما عليهم من الحق شهد المسور بن عمرو وعمرو مولى أبى بكر ورد أبو بكر جرير
ابن عبد الله وأمره أن يدعوه من قومه من ثبت على أمر الله ثم يستنفر مقويهم
فيقاتل بهم من ولى عن أمر الله وأمره أن يأتي خثعم فيقاتل من خرج غضبا لذي
الخلصة ومن أراد إعادته حتى يقتلهم الله ويقتل من شاركهم فيه ثم يكون وجهه
إلى نجران فيقيم بها حتى يأتيه أمره فخرج جرير فنفذ لما أمره به أبو بكر فلم يقر له
أحد إلا رجال في عدة قليلة فقتلهم وتتبعهم ثم كان وجهه إلى نجران فأقام بها
انتظارا أمر أبى بكر رحمه الله وكتب إلى عثمان بن أبي العاص أن يضرب بعثا
من أهل الطائف على كل مخلاف بقدره ويولى عليهم رجلا يأمنه ويثق بناحيته
فضرب على كل محلاف عشرين رجلا وأمر عليهم أخاه وكتب إلى عتاب بن أسيد أن
اضرب على أهل مكة وعملها خمسمائة مقو وابعث عليهم رجلا تأمنه فسمى من
يبعث وأمر عليهم خالد بن أسيد وأقام أمير كل قوم وقاموا على رجل ليأتيهم
أمر أبى بكر وليمر عليهم المهاجر
ردة أهل اليمن الثانية
(قال أبو جعفر) فمن ارتد ثانية منهم قيس بن عبد يغوث بن مكشوح * كتب
إلى السرى عن شعيب عن سيف قال كان من حديث قيس في ردته الثانية أنه حين
وقع إليهم الخبر بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم انتكث وعمل في قتل فيروز
وداذويه وجشيش وكتب أبو بكر إلى عمير ذي مران والى سعيد ذي زود والى
سميفع ذي الكلاع والى حوشب ذي ظليم والى شهر ذي يناف يأمرهم بالتمسك
بالذي هم عليه والقيام بأمر الله والناس ويعدهم الجنود من أبى بكر خليفة رسول الله
535

صلى الله عليه وسلم إلى عمير بن أفلح ذي مروان وسعيد بن العاقب ذي زود وسميفع
ابن ناكور ذي الكلاع وحوشب ذي ظليم وشهر ذي يناف أما بعد فأعينوا الأبناء
على من ناوأهم وحوطوهم واسمعوا من فيروز وجدوا معه فإني قد وليته (كتب
إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن المستنير بن يزيد عن عروة بن غزية
الدثيني قال لما ولى أبو بكر أمر فيروز وهم قبل ذلك متساندون هو وداذويه
وجشيش وقيس وكتب إلى وجوه من وجوه أهل اليمن ولما سمع بذلك قيس
أرسل إلى ذي الكلاع وأصحابه أن الأبناء نزاع بلادكم ونقلاء فيكم وإن تتركوهم
لن يزالوا عليكم وقد أرى من الرأي أن أقتل رؤسهم وأخرجهم من بلادنا فتبرؤا
فلم يمالؤه ولم ينصروا الأبناء واعتزلوا وقالوا لسنا مما ها هنا في شئ أنت صاحبهم
وهم أصحابك فتربص لهم قيس واستعد لقتل رؤسائهم وتسيير عامتهم فكاتب
قيس تلك الفالة السيارة اللحجية وهم يصعدون في البلاد ويصوبون محاربين لجميع
من خالفهم فكاتبهم قيس في السر وأمرهم أن يتعجلوا إليه وليكون أمره وأمرهم
واحدا وليجتمعوا على نفى الأبناء من بلاد اليمن فكتبوا إليه بالاستجابة له وأخبروه
أنهم إليه سراع فلم يفجأ أهل صنعاء إلا الخبر بدنوهم منها فأتى قيس فيروز في ذلك
كالفرق من هذا الخبر وأتى داذويه فاستشارهما ليلبس عليهما ولئلا يتهماه فنظروا
في ذلك واطمأنوا إليه ثم إن قيسا دعاهم من الغد إلى طعام فبدأ بداذويه وثنى بفيروز
وثلث بجشيش فخرج داذويه حتى دخل عليه فلما دخل عليه عاجله فقتله وخرج فيروز
يسير حتى إذا دنا سمع امرأتين على سطحين تتحدثان فقالت إحداهما هذا مقتول
كما قتل داذويه فلقيهما فعاج حتى يروى أوى القوم الذي أربؤوا فأخبر برجوع
فيروز فخرجوا يركضون وركض فيروز وتلقاه جشيش فخرج معه متوجها
نحو جبل خولان وهم أخوال فيروز فسبقا الخيول إلى الجبل ثم نزلا فتوقلا
وعليهما خفاف ساذجة فما وصلا حتى تقطعت أقدامهما فانتهيا إلى خولان
وامتنع فيروز بأخواله وآلى أن لا ينتعل ساذجا ورجعت الخيول إلى قيس فثار
بصنعاء فأخذوها وجبى ما حولها مقدما رجلا ومؤخرا أخرى وأتته خيول
536

الأسود ولما أوى فيروز إلى أخواله خولان فمنعوه وتأشب إليه الناس كتب
إلى أبى بكر بالخبر فقال قيس وما خولان وما فيروز وما قرار أووا إليه وطابق
على قيس عوام قبائل من كتب أبو بكر إلى رؤسائهم وبقى الرؤساء معتزلين
وعمد قيس إلا الأبناء ففرقهم ثلاث فرق أقر من أقام وأقر عياله وفرق عيال
الذين هربوا إلى فيروز فرقتين فوجه إحداهما إلى عدن ليحملوا في البحر وحمل
الأخرى في البر وقال لهم جميعا الحقوا بأرضكم وبعث معهم من يسيرهم فكان
عيال الديلمي ممن سير في البر وعيال داذويه ممن سير في البحر فلما رأى فيروز أن
قد اجتمع عوام أهل اليمن على قيس وأن العيال قد سيروا وعرضهم للنهب ولم
يجد إلى فراق عسكره في تنقذهم سبيلا وبلغه ما قال قيس في استصغاره الأخوال
والأبناء فقال فيروز منتميا ومفاخرا وذكر الظعن
ألا ناديا ظعنا إلى الرمل ذي النخل * وقولا لها ألا يقال ولا عذلى
وما ضرهم قول العداة ولو أثرى * أتى قومه عن غير فحش ولا بخل
فدع عنك ظعنا بالطريق التي هوت * لطيتها صمد الرمال إلى الرمل
وإنا فإن كانت بصنعاء دارنا * لنا نسل قوم من عرانينهم نسلى
وللديلم الرزام من بعد باسل * أبى الخفض واختار الحرور على الظل
وكانت منابيت العراق جسامها * لرهطي إذا كسرى مراجله تغلى
وباسل أصلى إن نميت ومنصبي * كما كل عود متهاه إلى الأصل
هم تركوا مجراى سهلا وحصنوا * فجاجي بحسن القول والحسب الجزل
فما عزنا في الجهل من ذي عداوة * أبى الله إلا أن يعز على الجهل
ولا عاقنا في السلم عن آل أحمد * ولا خس في الاسلام إذ أسلموا قبلي
وإن كان سجل من قبيلي أرشني * فإني لراج أن يغرقهم سجلى
وقام فيروز في حربه وتجرد لها وأرسل إلى بنى عقيل بن ربيعة بن عامر بن
صعصعة رسولا بأنه متفخر بهم يستمدهم ويستنصرهم في ثقله على الذين يزعجون
أثقال الأبناء وأرسل إلى عك رسولا يستمدهم ويستنصرهم على الذين يزعجون
537

أثقال الأبناء فركبت عقيل وعليهم رجل من الحلفاء يقال له معاوية فاعترضوا
خيل قيس فتنقذوا أولئك العيال وقتلوا الذين سيروهم وقصروا عليهم القرى
إلى أن رجع فيروز إلى صنعاء ووثبت عك وعليهم مسروق فساروا حتى تنقذوا
عيالات الأبناء وقصروا عليهم القرى إلى أن رجع فيروز إلى صنعاء وأمدت
عقيل وعك فيروز بالرجال فلما أتته أمدادهم فيمن كان اجتمع إليه خرج فيمن
كان تأشب إليه ومن أمده من عك وعقيل فناهد قيسا فالتقو دون صنعاء فاقتتلوا
فهزم الله قيسا في قومه ومن انهضوا فخرج هاربا في جنده حتى عاد معهم وعادوا
إلى المكان الذي كانوا به مبادرين حين هربوا بعد مقتل العنسي وعليهم قيس
وتذبذبت رافضة العنسي وقيس معهم فيما بين صنعاء ونجران وكان عمرو بن
معديكرب بإزاء فروة بن مسيك في طاعة العنسي (كتب إلى السرى) عن
شعيب عن سيف عن عطية عن عمرو بن سلمة قال وكان من أمر فروة بن مسيك
أنه كان قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلما وقال في ذلك
لما رأيت ملوك حمير أعرضت * كالرجل خان الرجل عرق نسائها
يممت راحلتي أمام محمد * أرجو فواضلها وحسن ثنائها
وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال له هل ساءك ما لقى قومك يوم
الرزم يا فروة أو سرك قال ومن يصب في قومه بمثل الذي أصبت به في قومي
يوم الرزم إلا ساءه ذلك وكان يوم الرزم بينهم وبين همدان على يغوث وثن
كان يكون في هؤلاء مرة وفى هؤلاء مرة فأراد مراد أن تغلبهم عليه في مرتهم
فقتلتهم همدان ورئيسهم الأجدع أبو مسروق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
أما إن ذلك لم يزدهم في الاسلام إلا خيرا فقال قد سرنى إذ كان ذلك فاستعمله
رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقات مراد ومن نازلهم أو نزل دارهم وكان
عمرو بن معديكرب قد فارق قومه سعد العشيرة في بنى زبيد وأحلافها وانحاز
إليهم وأسلم معهم فكان فيهم فلما ارتد العنسي واتبعه عوام مذحج اعتزل فروة
فيمن أقام معه على الاسلام وارتد عمرو فيمن ارتد فخلفه العنسي فجعله بإزاء
538

فروة فكان بحياله ويمتنع كل واحد منهما لمكان صاحبه من البراح فكانا
يتهاديان الشعر فقال عمرو يذكر إمارة فروة يعيبها:
وجدنا ملك فروة شر ملك * حمارا ساف منخره بقذر
وكنت إذا رأيت أبا عمير * ترى الحولاء من خبث وغدر
فأجابه فروة:
أتاني عن أبي ثور كلام * وقدما كان في الأبغال يجرى
وكان الله يبغضه قديما * على ما كان من خبث وغدر
فبينا هم كذلك قدم عكرمة أبين (وكتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف
عن سهل عن القاسم وموسى بن الغصن عن ابن محيريز قالا فخرج عكرمة من مهرة
سائرا نحو اليمن حتى ورد أبين ومعه بشر كثير من مهرة وسعد بن زيد والأزد
وناجية وعبد القيس وحدبان من بنى مالك بن كنانة وعمرو بن جندب من العنبر
فجمع النخع بعد ما أصاب من مدبريهم فقال لهم كيف كنتم في هذا الامر فقالوا
له كنا في الجاهلية أهل دين لا نتعاطى ما تتعاطى العرب بعضها من بعض فكيف
بنا إذا صرنا إلى دين عرفنا فضله ودخلنا حبه فسأل عنهم فإذا الامر كما قالوا ثبت
عوامهم وهرب من كان فارق من خاصتهم واستبرأ النخع وحمير وأقام لاجتماعهم
وأرزى قيس بن عبد يغوث لهبوط عكرمة إلى اليمن إلى عمرو بن معديكرب
فلما ضامه وقع بينهما تنازع فتعايرا فقال عمرو بن معديكرب يعير قيسا غدره
بالأبناء وقتله داذويه ويذكر فراره من فيروز
غدرت ولم تحسن وفاء ولم يكن * ليتحمل الأسباب إلا المعوذ
وكيف لقيس أن ينوط نفسه * إذا ما جرى والمضرحى المسود
وقال قيس
وفيت لقومي واحتشدت لمعشر * أصابوا على الاحياء عمرا ومرثدا
وكنت لدى الأبناء لما لقيتهم * كأصيد يسمو بالعزازة أصيدا
وقال عمرو بن معديكرب
539

فما إن داذوى لكم بفخر * ولكن داذوى فضح الذمارا
وفيروز غداة أصاب فيكم * وأضرب جموعكم استجارا
ذكر خبر طاهر حين شخص مددا لفيروز
(قال أبو جعفر الطبري رحمه الله) وقد كان أبو بكر رحمه الله كتب إلى
طاهر بن أبي هالة بالنزول إلى صنعاء وإعانة الأبناء وإلى مسروق فخرجا حتى
أتيا صنعاء وكتب إلى عبد الله بن ثور بن أصغر بأن يجمع إليه العرب ومن
استجاب له من أهل تهامة ثم يقيم بمكانه حتى يأتيه أمره وكان أول ردة عمرو
ابن معديكرب أنه كان مع خالد بن سعيد فخالفه واستجاب للأسود فسار إليه
خالد بن سعيد حتى لقيه فاختلفا ضربتين فضربه خالد على عاتقه فقطع حمالة سيفه
فوقع ووصلت الضربة إلى عاتقه وضربه عمرو فلم يصنع شيئا فلما أراد خالد أن
يثنى عليه نزل فتوقل في الجبل وسلبه فرسه وسيفه الصمصامة ولحج عمرو فيمن
لحج وصارت إلى سعيد بن العاص الأصغر مواريث آل سعيد بن العاص الأكبر
فلما ولى الكوفة عرض عليه عمرو ابنته فلم يقبلها وأتاه في داره بعدة سيوف كان
خالد أصابها باليمن فقال أيها الصمصامة قال هذا قال خذه فهو لك فأخذه ثم آكف
بغلا له فضرب الأكاف فقطعه والبرذعة وأسرع في البغل ثم رده على سعيد
وقال لو زرتني في بيتي وهو لي لوهبته لك فما كنت لاقبله إذ وقع (كتب إلى
السرى) عن شعب عن سيف عن المستنير بن يزيد عن عروة بن غزية وموسى
عن أبي زرعة الشيباني قال ولما فصل المهاجر بن أبي أمية من عند أبي بكر
وكان في آخر من فصل اتخذ مكة طريقا فمر بها فاتبعه خالد بن أسيد ومر بالطائف
فاتبعه عبد الرحمن ابن أبي العاص ثم مضى حتى إذا حاذى جرير بن عبد الله ضمه
إليه وانضم إليه عبد الله بن ثور حين حازاه ثم قدم على أهل نجران فانضم إليه
فروة بن مسيك وفارق عمرو بن معديكرب قيسا وأقبل مستجيبا حتى دخل
على المهاجر على غير أمان فأوثقه المهاجر وأوثق قيسا وكتب بحالهما إلى أبى بكر
540

رحمه الله وبعث بهما إليه فلما سار المهاجر من نجران إلى اللحجية والتفت الخيول
على تلك القالة استأمنوا فأبى أن يؤمنهم فافترقوا فرقتين فلقى المهاجر إحداهما
بعجيب فأتى عليهم ولقيت خيوله الأخرى بطريق الأخابث فأتوا عليهم وعلى
الخيول عبد الله وقتل الشرداء بكل سبيل فقدم بقيس وعمرو على أبى بكر فقال
يا قيس أعدوت على عباد الله تقتلهم وتتخذ المرتدين والمشركين وليجة من دون
المؤمنين وهم بقتله لو وجد أمرا جليا وانتفى قيس من أن يكون قارف من أمر
داذويه شيئا وكان ذلك عملا عمل في سر لم يكن به بينة فتجافى له عن دمه وقال
لعمرو بن معديكرب أما تخزى أنك كل يوم مهزوم أو مأسور لو نصرت هذا
الدين لرفعك الله ثم خلى سبيله وردهما إلى عشائرهما وقال عمرو لا جرم لأقبلن
ولا أعود (كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن المستنير وموسى قالا
سار المهاجر من عجيب حتى ينزل صنعاء وأمر أن يتبعوا شذاذ القبائل الذين
هربوا فقتلوا من قدروا عليه منهم كل قتلة ولم يعف متمردا وقبل توبة من أناب
من غير المتمردة وعملوا في ذلك على قدر ما رأوا من آثارهم ورجوا عندهم وكتب
إلى أبى بكر بدخوله صنعاء وبالذي يتبع من ذلك
ذكر خبر حضرموت في ردتهم
(قال أبو جعفر) كتب إلى السرى عن شعيب عن سيف عن سهل بن يوسف
عن الصلت عن كثير بن الصلت قال مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وعماله
على بلاد حضرموت زياد بن لبيد البياضي على حضرموت وعكاشة بن محصن
على السكاسك والسكون والمهاجر على كندة وكان بالمدينة لم يكن خرج
حتى توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعثه أبو بكر بعد إلى قتال من باليمن
والمضي بعد إلى عمله (كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن أبي السائب
عطاء بن فلان المخزومي عن أبيه عن أم سلمة والمهاجر بن أبي أمية أنه كان تخلف
عن تبوك فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عليه عاتب فبينا أم سلمة
541

تغسل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت كيف ينفعني شئ وأنت عاتب
على أخي فرأت منه رقة فأومأت إلى خادمها فدعته فلم يزل برسول الله صلى الله
عليه وسلم ينشر عذره حتى عذره ورضى عنه وأمره على كندة فاشتكى ولم يطق
الذهاب فكتب إلى زياد ليقوم له على عمله وبرأ بعد فأتم له أبو بكر إمرته وأمره
بقتال من بين نجران إلى أقصى اليمن ولذلك أبطأ زياد وعكاشة عن مناجزة
كندة انتظارا له (كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن سهل عن يوسف
عن القاسم بن محمد قال كان سبب ردة كندة اجابتهم الأسود العنسي حتى لعن
رسول الله صلى الله عليه وسلم الملوك الأربعة وانهم قبل ردتهم حين أسلموا
وأسلم أهل بلاد حضرموت كلهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يوضع
من الصدقات أن يوضع صدقة بعض حضرموت في كندة ووضع صدقة كندة في
بعض حضرموت وبعض حضرموت في السكون والسكون في بعض حضرموت
فقال نفر من بنى وليعة يا رسول الله إنا لسنا بأصحاب إبل فان رأيت أن يبعثوا إلينا
بذلك على ظهر فقال إن رأيتم قالوا فإنا ننظر فإن لم يكن لهم ظهر فعلنا فلما توفى
رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء ذلك الا بان دعا زياد الناس إلى ذلك فحضروه
فقالت بنو وليعة إبلغونا كما وعدتم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا إن لكم
ظهرا فهلموا فاحتملوا ولاحوهم حتى لاحوا زيادا وقالوا له أنت معهم علينا فأبى
الحضرميون ولج الكنديون فرجعوا إلى دارهم وقدموا رجلا وأخروا أخرى
وأمسك عنهم زياد انتظارا للمهاجر فلما قدم المهاجر صنعاء وكتب إلى أبى بكر
بكل الذي صنع أقام حتى قدم عليه جواب كتابه من قبل أبى بكر فكتب إليه
أبو بكر وإلى عكرمة أن يسيرا حتى يقدما حضرموت وأقر زيادا على عمله
وأذن لمن معك من بين مكة واليمن في القفل إلا أن يؤثر قوم الجهاد وأمده بعبيدة
ابن سعد ففعل فسار المهاجر من صنعاء يريد حضرموت وسار عكرمة من أبين
يريد حضرموت فالتقيا بمأرب ثم فوزا من صهيد حتى اقتحما حضرموت فنزل
أحدهما على الأسود والآخر على وائل (كتب إلى السرى) عن شعيب عن
542

سيف عن سهل بن يوسف عن أبيه عن كثير بن الصلت قال وكان زياد بن لبيد
حين رجع الكنديون ولجوا ولج الحضرميون ولى الصدقات بنى عمرو بن معاوية
بنفسه فقدم عليهم وهم بالرياض فصدق أول من انتهى إليه منهم وهو غلام يقال
له شيطان بن حجر فأعجبته بكرة من الصدقة ودعا بنار فوضع عليهم الميسم وإذا
الناقة لاخى الشيطان العداء بن حجر وليست عليه صدقة وكان أخوه قد أوهم
حين أخرجها وظنها غيرها فقال العداء هذه شذرة باسمها فقال الشيطان صدق
أخي فإني لم أعطكموها إلا وأنا أراها غيرها فأطلق شذرة وخذ غيرها فإنها غير
متروكة فرأى زياد أن ذلك منه اعتلال واتهمه بالكفر ومباعدة الاسلام وتحرى
الشر فحمى وحمى الرجلان فقال زياد لا ولا تنعم ولا هي لك لقد وقع عليها
ميسم الصدقة وصارت في حق الله ولا سبيل إلى ردها فلا تكونن شذرة عليكم
كالبسوس فنادى العداء يا آل عمرو بالرياض أضام وأضطد إن الذليل من أكل
في داره ونادى يا أبا السميط فأقبل أبو السميط حارثة بن سراقة بن معديكرب
فقصد لزياد بن لبيد وهو واقف فقال أطلق لهذا الفتى بكرته وخذ بعيرا مكانها فإنما
بعير مكان بعير فقال ما إلى ذلك سبيل فقال ذاك إذا كنت يهوديا وعاج إليها فأطلق
عقالها ثم ضرب على جنبها فبعثها وقام دونها وهو يقول
يمنعها شيخ بخديه الشيب * ملمع كما يلمع الثوب
فأمر به زياد شبابا من حضرموت والسكون فمغثوه وتوطؤه وكتفوه
وكتفوا أصحابه وارتهنوهم وأخذوا البكرة فعلقوها كما كانت وقال زياد
ابن لبيد في ذلك
لم يمنع الشذرة أركوب * والشيخ قد يثنيه أرجوب
وتصايح أهل الرياض وتنادوا وغضبت بنو معاوية لحارثة وأظهروا أمرهم
وغضبت السكون لزياد وغضبت له حضرموت وقاموا جميعا دونه وتوافي عسكران
عظيمان من هؤلاء وهؤلاء لا تحدث بنو معاوية لمكان اسرائهم شيئا ولا تجد
أصحاب زياد على بنى معاوية سبيلا يتعلقون به عليهم فأرسل إليهم زياد إما أن تضعوا
543

السلاح وإما أن تؤذنوا بحرب فقالوا لا نضع السلاح أبدا حتى ترسلوا أصحابنا
فقال زياد لا يرسلون أبدا حتى ترفضوا وأنتم صغرة قمأة يا أخابث الناس
ألستم سكان حضرموت وجيران السكون فما عسيتم أن تكونوا وتصنعوا
في دار حضرموت وفى جنوب مواليكم وقال له السكون ناهد القوم فإنه
لا يفطمهم الا ذلك فنهد إليهم ليلا فقتل منهم وطاروا عباديد وتمثل زياد حين
أصبح في عسكرهم
وكنت امرءا لا أبعث الحرب ظالما * فلما أبوا سامحت في حرب حاطب
ولما هرب القوم خلى عن النفر الثلاثة ورجع زياد إلى منزله على الظفر ولما رجع
الاسراء إلى أصحابهم ذمروهم فتذامروا وقالوا لا تصلح البلدة علينا وعلى هؤلاء
حتى تخلو لاحد الفريقين فأجمعوا وعسكروا جميعا ونادوا بمنع الصدقة فتركهم
زياد لم يخرج إليهم وتركوا المسير إليه أرسل إليهم الحصين بن نمير فما زال يسفر فيما
بينهم وبين زياد وحضرموت والسكون حتى سكن بعضهم عن بعض وهذه
النفرة الثانية وقال السكوني في ذلك
لعمري وما عمري بعرضة جانب * ليجتلبن منها المرار بنو عمرو
كذبتم وبيت الله لا تمنعونها * زيادا وقد جئنا زيادا على قدر
فأقاموا بعد ذلك يسيرا ثم إن بنى عمرو بن معاوية خصوصا خرجوا إلى المحاجر إلى أحماء
حموها فنزل جمد محجر أو مخوص محجر أو مشرح محجر أو أبضعة محجر أو أختهم العمردة
محجرا وكانت بنو عمرو بن معاوية على هؤلاء الرؤساء ونزلت بنو الحارث بن معاوية
محاجرها فنزل الأشعث بن قيس محجر أو السمط بن الأسود محجرا وطابقت معاوية
كلها على منع الصدقة وأجمعوا على الردة الا ما كان من شرحبيل بن السمط وابنه فإنهما قاما
في بنى معاوية فقالا والله إن هذا لقبيح بأقوام أحرار التنقل إن الكرام ليكونون
على الشبهة فيتكرمون أن يتنقلوا منها إلى أوضح منها مخافة العار فكيف بالرجوع
عن الجميل وعن الحق إلى الباطل والقبيح اللهم إنا لا نمالئ قومنا على هذا وإنا
لنادمون على مجامعتهم إلى يومنا هذا يعنى يوم البكرة ويوم النفرة وخرج شرحبيل
544

ابن السمط وابنه السمط حتى أتيا زياد بن لبيد فانضما إليه وخرج ابن صالح وامرؤ
القيس بن عابس حتى أتيا زيادا فقالا له بيت القوم فان أقواما من السكاسك قد
انضموا إليهم وقد تسرع إليهم قوم من السكون وشذاذ من حضرموت لعلنا
نوقع بهم وقعة تورث بيننا عداوة وتفرق بيننا وإن أبيت خشينا أن يرفض الناس
عنا إليهم والقوم غارون لمكان من أتاهم راجون لمن بقى فقال شأنكم فجمعوا
جمعهم فطرقوهم في محاجرهم فوجدوهم حول نيرانهم جلوسا فعرفوا من يريدون
فأكبوا على بنى عمرو بن معاوية وهم عدد القوم وشوكتهم من خمسة أوجه في خمس
فرق فأصابوا مشرحا ومحوصا وجمدا وأبضعة وأختهم العمردة أدركتهم اللعنة
وقتلوا فأكثروا وهرب من أطاق الهرب ووهنت بنو عمرو بن معاوية فلم يأتوا
بخير بعدها وانكفأ زياد بالسبي والأموال وأخذوا طريقا يفضى بهم إلى عسكر
الأشعث وبنى الحارث بن معاوية فلما مروا بهم فيه استغاث نسوة بنى عمرو بن
معاوية ببنى الحارث ونادينه يا أشعث يا أشعث خالاتك خالاتك فثار في بنى الحارث
فتنقذهم وهذه الثالثة وقال الأشعث
منعت بنى عمرو وقد جاء جمعهم * بأمعز من يوم البضيض وأصبر
وعلم الأشعث أن زيادا وجنده إذا بلغهم ذلك لم يقلعوا عنه ولا عن بنى
الحارث بن معاوية وبنى عمرو بن معاوية فجمع إليه بنى الحارث بن معاوية وبنى عمرو بن
معاوية ومن أطاعه من السكاسك والخصائص من قبائل ما حولهم وتباين لهذه الوقعة
من بحضرموت من القبائل فثبت أصحاب زياد على طاعة زياد ولجت كندة فلما
تباينت القبائل كتب زياد إلى المهاجر وكاتبه الناس فتلقاه بالكتاب وقد قطع
صهيد مفازة ما بين مأرب وحضرموت واستخلف على الجيش عكرمة وتعجل
في سرعان الناس ثم سار حتى قدم على زياد فهد إلى كندة وعليهم الأشعث فالتقوا
بمحجر الزرقان فاقتتلوا به فهزمت كندة وقتلت وخرجوا هرابا فالتجأت إلى
النجير وقد رموه وحصنوه وقال في يوم محجر الزرقان المهاجر
كنا بزرقان إذ يشردكم * بحر يزجى في موجه الحطبا
545

نحن قتلناكم بمحجركم * حتى ركبتم من خوفنا السببا
إلى حصار يكون أهونه * سبى الذراري وسوقها خببا
وسار المهاجر في الناس من محجر الزرقان حتى نزل على النجير وقد اجتمعت
إليه كندة فتحصنوا فيه ومعهم من استغووا من السكاسك وشذاذ من السكون
وحضرموت والنجير على ثلاثة سبل فنزل زياد على أحدها ونزل المهاجر على الآخر
وكان الثالث لهم يؤتون فيه ويذهبون فيه إلى أن قدم عكرمة في الجيش فأنزله على
ذلك الطريق فقطع عليهم المواد وردهم وفرق في كندة الخيول وأمرهم أن يوطئوهم
وفيمن بعث يزيد بن قنان من بنى مالك بن سعد فقتل من بقرى بنى هند إلى برهوت
وبعث فيمن بعث إلى الساحل خالد بن فلان المخزومي وربيعة الحضرمي فقتلوا أهل
محا وأحياء أخر وبلغ كندة وهم في الحصار ما لقى سائر قومهم فقالوا الموت خير مما
أنتم فيه جزوا نواصيكم حتى كأنكم قوم قد وهبتم لله أنفسكم فأنعم عليكم فبؤتم
بنعمه لعله أن ينصركم على هؤلاء الظلمة فجزوا نواصيهم وتعاقدوا وتواثقوا ألا
يفر بعضهم عن بعض وجعل راجزهم يرتجز في جوف الليل فوق حصنهم
صباح سوء لبنى قتيره * وللأمير من بنى المغيرة
وجعل راجز المسلمين زياد بن دينار يرد عليهم
لا توعدونا واصبروا حصيره * نحن خيول ولد المغيرة
وفى الصباح تظفر العشيرة
فلما أصبحوا خرجوا على الناس فاقتتلوا بأفنية النجير حتى كثرت القتلى بحيال كل
طريق من الطرق الثلاثة وجعل عكرمة يرتجز يومئذ ويقول
أطعنهم وأنا على وفاز * طعنا أبوبه على مجاز
ويقول: أنفذ قولي وله نفاذ * وكل من جاورني معاذ
فهزمت كندة وقد أكثروا فيهم القتل وقال هشام بن محمد قدم عكرمة بن أبي
جهل بعد ما فرغ المهاجر من أمر القوم مددا له فقال زياد والمهاجر لمن معهما
إن إخوانكم قدموا مددا لكم وقد سبقتوهم بالفتح فأشركوهم في الغنيمة ففعلوا
546

وأشركوا من لحق بهم وتواصوا بذلك وبعثوا بالأخماس والاسراء وسار البشير
فسبقهم وكانوا يبشرون القبائل ويقرؤن عليهم الفتح (وكتب إلى السرى) قال
كتب أبو بكر رحمه الله إلى المهاجر مع المغيرة بن شعبة إذا جاءكم كتابي هذا ولم تظفروا
فان ظفرتم بالقوم فاقتلوا المقاتلة واسبوا الذرية إن أخذتموهم عنوة أو ينزلوا على
حكمي فان جرى بينكم صلح قبل ذلك فعلى أن تخرجوهم من ديارهم فانى أكره أن أقر
أقواما فعلوا فعلهم في منازلهم ليعلموا أن قد أساؤا وليذوقوا وبال بعض الذي أتوا (قال
أبو جعفر) ولما رأى أهل النجير المواد لا تنقطع عن المسلمين وأيقنوا أنهم غير منصرفين
عنهم خشعت أنفسهم ثم خافوا القتل وخاف الرؤساء على أنفسهم ولو صبروا حتى يجئ
المغيرة لكانت لهم في الثالثة الصلح على الجلاء نجاة فعجل الأشعث فخرج إلى عكرمة
بأمان وكان لا يأمن غيره وذلك أنه كانت تحته أسماء ابنة النعمان بن الجون خطبها
وهو يومئذ بالجند ينتظر المهاجر فأهداها إليه أبوها قبل أن يبادوا فأبلغه عكرمة
المهاجر واستأمنه له على نفسه ونفر معه تسعة على أن يؤمنهم وأهليهم على أن
يفتحوا لهم الباب فأجابه إلى ذلك وقال انطلق فاستوثق لنفسك ثم هلم كتابك
أختمه (كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن أبي إسحاق الشيباني عن
سعيد بن أبي بردة عن عامر أنه دخل عليه فاستأمنه على أهله وماله وتسعة ممن
أحب وعلى أن يفتح لهم الباب فيدخلوا على قومه فقال له المهاجر اكتب ما شئت
واعجل فكتب أمانه وأمانهم وفيهم أخوه وبنو عمه وأهلوهم ونسى نفسه عجل
ودهش ثم جاء بالكتاب فختمه ورجع فسرب الذين في الكتاب * وقال الأجلح
والمجالد لما لم يبق الا أن يكتب نفسه وثب عليه جحدم بشفرة وقال نفسك
أو تكتبني فكتبه وترك نفسه (قال أبو إسحاق) فلما فتح الباب اقتحمه المسلمون
فلم يدعوا فيه مقاتلا الا قتلوه ضربوا أعناقهم صبرا وأحصى ألف امرأة ممن
في النجير والخندق ووضع على السبى والفئ الاحراس وشاركهم كثير * وقال
كثير بن الصلت لما فتح الباب وفرغ ممن في النجير وأحصى ما أفاء الله عليهم
دعا الأشعث بأولئك النفر ودعا بكتابه فعرضهم فأجاز من الكتاب فإذا الأشعث
547

ليس فيه فقال المهاجر الحمد لله الذي خطأك نوءك يا أشعث يا عدو الله قد كنت
أشتهي أن يخزيك الله فشده وثاقا وهم بقتله فقال له عكرمة أخره وأبلغه أبا بكر
فهو أعلم بالحكم هذا وإن كان رجلا نسى اسمه أن يكتبه وهو ولى المخاطبة
أفذاك يبطل ذاك فقال المهاجر إن أمره لبين ولكني اتبع المشورة وأوثرها
وأخره وبعث به إلى أبى بكر مع السبى فكان معهم يلعنه المسلمون ويلعنه سبايا
قومه وسماه نساء قومه عرف النار كلام يمان يسمون به الغادر وقد كان المغيرة
تحير ليلة الذي أراد الله فجاء والقوم في دمائهم والسبي على ظهر وسارت السبايا
والاسرى فقدم القوم على أبى بكر رحمه الله بالفتح والسبايا والاسرى فدعا
بالأشعث فقال استزلك بنو وليعة ولم تكن لتستزلهم ولا يرونك لذلك أهلا
وهلكوا وأهلكوك أما تخشى أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم
قد وصل إليك منها طرف ما تراني صانعا بك قال إني لا أعلم برأيك وأنت أعلم
برأيك قال فانى أرى قتلك قال فانى أنا الذي راوضت القوم في عشرة فما يحل دمى
قال أفوضوا إليك قال نعم قال ثم أتيتهم بما فوضوا إليك فختموه لك قال نعم قال
فإنما وجب الصلح بعد ختم الصحيفة على من في الصحيفة وانما كنت قبل ذلك مراوضا
فلما خشى أن يقع به قال أو تحتسب في خيرا فتطلق إسارى وتقيلني عثرتي وتقبل
إسلامي وتفعل بي مثل ما فعلته بأمثالي وترد على زوجتي وقد كان خطب أم فروة
بنت أبي قحافة مقدمه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجه وأخرها إلى أن
يقدم الثانية فمات رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعل الأشعث ما فعل فخشى
أن لا ترد عليه تجدني خير أهل بلادي لدين الله فتجافى له عن دمه وقبل منه
ورد عليه أهله وقال انطلق فليبلغني عنك خير وخلى عن القوم فذهبوا وقسم
أبو بكر في الناس الخمس واقتسم الجيش الأربعة الأخماس (قال أبو جعفر)
وأما ابن حميد فإنه قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر أن
الأشعث لما قدم به على أبى بكر قال ماذا تراني أصنع بك فإنك قد فعلت ما علمت
قال تمن على فتفكني من الحديد وتزوجني أختك فتني قد راجعت وأسلمت
548

فقال أبو بكر قد فعلت فزوجه أم فروة ابنة أبى قحافة فكان بالمدينة حتى فتح
العراق (رجع الحديث إلى حديث سيف) فلما ولى عمر رحمه الله قال إنه ليقبح
بالعرب أن يملك بعضهم بعضا وقد وسع الله وفتح المعاجم واستشار في فداء
سبايا العرب في الجاهلية والاسلام إلا امرأة ولدت لسيدها وجعل فداء كل انسان
سبعة أبعرة وستة أبعرة الا حنيفة وكندة فإنه خفف عنهم لقتل رجالهم ومن لا يقدر
على فداء لقيامهم وأهل دبا فتتبعت رجالهم نساءهم بكل مكان فوجد الأشعث
في بنى نهد وبنى غطيف امرأتين وذلك أنه وقف فيها يسأل عن غراب وعقاب
فقيل ما تريد إلى ذلك قال إن نساءنا يوم النجير خطفهن العقبان والغربان والذئاب
والكلاب فقال بنو غطيف هذا غراب قال فما موضعه فيكم قالوا في الصيانة قال
فنعم وانصرف وقال عمر لا ملك على عربي للذي أجمع عليه المسلمون معه قالوا
ونظر المهاجر في أمر المرأة التي كان أبوها النعمان بن الجون أهداها لرسول الله
صلى الله عليه وسلم فوصفها انها لم تشتك قط فردها وقال لا حاجة لنا بها بعد أن
أجلسها بين يديه وقال لو كان لها عند الله خير لاشتكت فقال المهاجر لعكرمة
متى تزوجتها قال وأنا بعدن فأهديت إلى بالجند فسافرت بها إلى مأرب ثم أوردتها
العسكر فقال بعضهم دعها فإنها ليست بأهل أن يرغب فيها وقال بعضهم لا تدعها
فكتب المهاجر إلى أبى بكر رحمه الله يسأله عن ذلك فكتب إليه أبو بكر إن أباها
النعمان بن الجون أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فزينها له حتى أمره أن يجيئه
بها فلما جاءه بها قال أزيدك انها لم تتجع شيئا قط فقال لو كان لها عند الله خير
لاشتكت ورغب عنها فارغبوا عنها فارسلها وبقى في قريش بعد ما أمر عمر في
السبى بالفداء عدة منهم بشرى بنت قيس بن أبي الكيسم عند سعد بن مالك
فولدت له عمر وزرعة بنت مشرح عند عبد الله بن العباس ولدت له عليا وكتب
أبو بكر إلى المهاجر يخيره اليمن أو حضرموت فاختار اليمن فكانت اليمن على أميرين
فيروز والمهاجر وكانت حضرموت على أميرين عبيدة بن سعد على كندة
والسكاسك بن زياد بن لبيد على حضرموت وكتب أبو بكر إلى عمال الردة أما بعد
549

فان أحب من أدخلتم إلى أموركم إلى من لم يرتدوا من كان ممن لم يرتد فأجمعوا
على ذلك فاتخذوا منها صنائع وائذنوا لمن شاء في الانصراف ولا تستعينوا بمرتد
في جهاد عود وقال الأشعث بن مئناس السكوني يبكى أهل النجير
لعمري وما عمري على بهين * لقد كنت بالقتلى لحق ضنين
فلا غرو إلا يوم أفرغ بينهم * وما الدهر عندي بعدهم بأمين
فليت جنوب الناس تحت جنوبهم * ولم تمش أنثى بعدهم بجنين
وكنت كذات البوريعت فأقبلت * على بوها إذ طربت بحنين
(كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن موسى بن عقبة عن الضحاك
ابن خليفة قال وقع إلى المهاجر امرأتان مغنيتان غنت إحداهما بشتم رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقطع يدها ونزع ثنيتها فكتب إليه أبو بكر رحمه الله بلغني
الذي سرت به في المرأة التي تغنت وزمرت بشتيمة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلولا ما قد سبقتني فيها لامرتك بقتلها لان حد الأنبياء ليس يشبه الحدود فمن
تعاطى ذلك من مستسلم فهو مرتد أو معاهد فهو محارب غادر وكتب إليه أبو بكر
في التي تغنت بهجاء المسلمين أما بعد فإنه بلغني أنك قطعت يد امرأة في أن تغنت بهجاء
المسلمين ونزعت ثنيتها فإن كانت ممن تدعى الاسلام فأدب وتقدمه دون المثلة وإن
كانت ذمية فلعمري لما صفحت عنه من الشرك أعظم ولو كنت تقدمت إليك في مثل
هذا لبلغت مكروها فاقبل الدعة وإياك والمثلة في الناس فإنها مأثم ومنفرة الا
في قصاص (وفى هذه السنة) أعنى سنة إحدى عشرة انصرف معاذ بن جبل من
اليمن واستقضى أبو بكر فيها عمر بن الخطاب فكان على القضاء أيام خلافته كلها
(وفيها) أمر أبو بكر رحمه الله على الموسم عتاب بن أسيد فيما ذكره الذين أسند
إليهم خبره علي بن محمد الذين ذكرت قبل في كتابي هذا أسماءهم وقال علي بن محمد
وقال قوم بل حج بالناس في سنة إحدى عشرة عبد الرحمن بن عوف عن تأمير
أبى بكر إياه بذلك
550

ثم كانت سنة اثنتي عشرة من الهجرة
(قال أبو جعفر) ولما فرغ خالد من أمر اليمامة كتب إليه أبو بكر الصديق
رحمه الله وخالد مقيم باليمامة فيما حدثنا عبيد الله بن سعيد الزهري قال أخبرنا
عمى قال أخبرنا سيف بن عمر عن عمرو بن محمد عن الشعبي أن سر إلى العراق حتى
تدخلها وابدأ بفرج الهند وهى الأبلة وتألف أهل فارس ومن كان في ملكهم
من الأمم * حدثني عمر بن شبة قال حدثنا علي بن محمد بالاسناد الذي قد تقدم
ذكره عن القوم الذين ذكرتهم فيه أن أبا بكر رحمه الله وجه خالد بن الوليد إلى
أرض الكوفة وفيها المثنى بن حارثة الشيباني فسار في المحرم سنة اثنتي عشرة فجعل
طريقه البصرة وفيها قطبة بن قتادة السدوسي (قال أبو جعفر) وأما الواقدي
فإنه قال اختلف في أمر خالد بن الوليد فقائل يقول مضى من وجهه ذلك من
اليمامة إلى العراق وقائل يقول رجع من اليمامة فقدم المدينة ثم سار إلى العراق
من المدينة على طريق الكوفة حتى انتهى إلى الحيرة * حدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة عن ابن إسحاق عن صالح بن كيسان أن أبا بكر رحمه الله كتب إلى خالد بن
الوليد يأمره أن يسير إلى العراق فمضى خالد يريد العراق حتى نزل بقريات من
السواد يقال لها بانقيا وباروسما وأليس فصالحه أهلها وكان الذي صالحه عليها
ابن صلوبا وذلك في سنة اثنتي عشرة فقبل منهم خالد الجزية وكتب لهم كتابا فيه
بسم الله الرحمن الرحيم من خالد بن الوليد لابن صلوبا السوادي ومنزله بشاطئ
الفرات إنك آمن بأمان الله إذ حقن دمه بإعطاء الجزية وقد أعطيت عن نفسك
وعن أهل خرجك وجزيرتك ومن كان في قريتيك بانقيا وباروسما ألف درهم
فقبلها منك ورضى من معي من المسلمين بها منك ولك ذمة الله وذمة محمد صلى الله
عليه وسلم وذمة المسلمين على ذلك وشهد هشام بن الوليد ثم أقبل خالد بن الوليد
بمن معه حتى نزل الحيرة فخرج إليه أشرافهم مع قبيصة بن إياس بن حية الطائي
وكان أمره عليها كسرى بعد النعمان بن المنذر فقال له خالد ولأصحابه أدعوكم إلى
551

الله والى الاسلام فإن أجبتم إليه فأنتم من المسلمين لكم مالهم وعليكم ما عليهم فإن أبيتم
فالجزية فإن أبيتم الجزية فقد أتيتكم بأقوام هم أحرص على الموت منكم على الحياة
جاهدناكم حتى يحكم الله بيننا وبينكم فقال له قبيصة بن إياس ما لنا بحربك من حاجة بل نقيم
على ديننا ونعطيك الجزية فصالحهم على تسعين ألف درهم فكانت أول جزية
وقعت بالعراق هي والقريات التي صالح عليها ابن صلوبا (قال أبو جعفر) وأما
هشام ابن الكلبي فإنه قال لما كتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد وهو باليمامة أن
يسير إلى الشأم أمره أن يبدأ بالعراق فيمر بها فأقبل خالد منها يسير حتى نزل النباج *
قال هشام قال أبو مخنف فحدثني أبو الخطاب حمزة بن علي عن رجل من بكر بن
وائل أن المثنى بن حارثة الشيباني سار حتى قدم على أبى بكر رحمه الله فقال أمرني
على من قبلي من قومي أقاتل من يليني من أهل فارس وأكفيك ناحيتي ففعل ذلك
فأقبل جمع قومه وأخذ يغير بناحية كسكر مرة وفى أسفل الفرات مرة ونزل
خالد بن الوليد النباج والمثنى بن حارثة بخفان معسكر فكتب إليه خالد بن الوليد
ليأتيه وبعث إليه بكتاب من أبى بكر يأمره فيه بطاعته فانقض إليه جوادا حتى
لحق به وقد زعمت بنو عجل أنه كان خرج مع المثنى بن حارثة رجل منهم يقال له
مذعور بن عدي فنازع المثنى بن حارثة فتكاتبا إلى أبى بكر فكتب أبو بكر إلى العجلي
يأمره بالمسير مع خالد إلى الشام وأقر المثنى على حاله فبلغ العجلي مصر فشرف
بها وعظم شأنه فداره اليوم بها معروفة وأقبل خالد بن الوليد يسير فعرض له
جابان صاحب أليس فبعث إليه المثنى بن حارثة فقاتله فهزمه وقتل جل أصحابه إلى
جانب نهر ثم يدعى نهر دم لتلك الوقعة وصالح أهل أليس وأقبل حتى دنا من
الحيرة فخرجت إليه خيول آزاذبه صاحب خيل كسرى التي كانت في مسالح ما بينه
وبين العرب فلقوهم بمجتمع الأنهار فتوجه إليهم المثنى بن حارثة فهزمهم الله ولما
رأى ذلك أهل الحيرة خرجوا يستقبلونه فيهم عبد المسيح بن عمرو بن بقيلة وهانئ
ابن قبيصة فقال خالد لعبد المسيح من أين أثرك قال من ظهر أبى قال من أين
خرجت قال من بطن أمي قال ويحك على أي شئ أنت قال على الأرض قال
552

ويلك في أي شئ أنت قال في ثيابي قال ويحك تعقل قال نعم وأقيد قال إنما
أسألك قال وأنا أجيبك قال أسلم أنت أم حرب قال بل سلم قال فما هذه الحصون
التي أرى قال بنيناها للسفيه نحبسه حتى يجئ الحليم فينهاه ثم قال لهم خالد إني أدعوكم
إلى الله والى عبادته والى الاسلام فإن قبلتم فلكم ما لنا وعليكم ما علينا وإن أبيتم
فالجزية وإن أبيتم فقد جئناكم بقوم يحبون الموت كما تحبون أنتم شرب الخمر فقالوا
لا حاجة لنا في حربك فصالحهم على تسعين ومائة ألف درهم فكانت أول جزية
حملت إلى المدينة من العراق ثم نزل على بانقيا فصالحه بصبهرى بن صلوبا على
ألف درهم وطيلسان وكتب لهم كتابا وكان صالح خالد أهل الحيرة على أن يكونوا
له عيونا ففعلوا * قال هشام عن أبي مخنف قال حدثني المجالد بن سعيد عن الشعبي
قال أقرأني بنو بقيلة كتاب خالد بن الوليد إلى أهل المدائن من خالد بن الوليد
إلى مرازبة أهل فارس سلام على من اتبع الهدى أما بعد فالحمد لله الذي فض خدمتكم
وسلب ملككم ووهن كيدكم وإنه من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا
فذلك المسلم الذي له ما لنا وعليه ما علينا أما بعد فإذا جاءكم كتابي فابعثوا إلى
بالرهن واعتقدوا منى الذمة وإلا فوالذي لا إله غيره لأبعثن إليكم قوما يحبون
الموت كما تحبون الحياة فلما قرؤا الكتاب أخذوا يتعجبون وذلك سنة اثنتي عشرة
(قال أبو جعفر) وأما غير ابن إسحاق وغير هشام ومن ذكرت قوله من قبل
فإنه قال في أمر خالد ومسيره إلى العراق ما حدثنا عبيد الله بن سعيد الزهري قال
حدثني عمى عن سيف بن عمر عن عمرو بن محمد عن الشعبي قال لما فرغ خالد
ابن الوليد من اليمامة كتب إليه أبو بكر رحمه الله إن الله فتح عليك فعارق حتى
تلقى عياضا وكتب إلى عياض بن غنم وهو بين النباج والحجاز أن سر حتى تأتى
المصيخ فابدأ بها ثم ادخل العراق من أعلاها وعارق حتى تلقى خالدا وأذنا لمن
شاء بالرجوع ولا تستفتحا بمتكاره ولما قدم الكتاب على خالد وعياض وأذنا
في القفل عن أمر أبى بكر قفل أهل المدينة وما حولها وأعروهما فاستمدا أبا بكر فأمد
أبو بكر خالدا بالقعقاع بن عمرو التميمي فقيل له أتمد رجلا قد ارفض عنه جنوده برجل
553

فقال لا يهزم جيش فيهم مثل هذا وأمد عياضا بعبد بن عوف الحميري وكتب إليهما
أن استنفرا من قاتل أهل الردة ومن ثبت على الاسلام بعد رسول الله صلى الله عليه
وسلم ولا يغزون معكم أحد ارتد حتى أرى رأيي فلم يشهد الأيام مرتد فلما قدم
الكتاب على خالد بتأمير العراق كتب إلى حرملة وسلمى والمثنى ومذعور باللحاق
به وأمرهم أن يواعدوا جنودهم الأبلة وذلك أن أبا بكر أمر خالدا في كتابه إذا دخل
العراق أن يبدأ بفرج أهل السند والهند وهو يومئذ الأبلة ليوم قد سماه ثم حشر من
بينه وبين العراق فحشر ثمانية آلاف من ربيعة ومضر إلى ألفين كانا معه فقدم في عشرة
آلاف على ثمانية آلاف ممن كان مع الامراء الأربعة يعنى بالأمراء الأربعة المثنى
ومذعورا وسلمى وحرملة فلقى هرمز في ثمانية عشر ألفا * حدثنا عبيد الله قال حدثني
عمى عن سيف عن المهلب الأسدي عن عبد الرحمن بن سياه وطلحة بن الأعلم عن
المغيرة بن عتيبة قالوا كتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد إذ أمره على حرب العراق أن
يدخلها من أسفلها وإلى عياض إذ أمره على حرب العراق أن يدخلها من أعلاها
ثم يستبقا إلى الحيرة فأيهما سبق إلى الحيرة فهو أمير على صاحبه وقال إذا اجتمعتما
بالحيرة وقد فضضتما مسالح فارس وأمنتما أن يؤتى المسلمون من خلفهم فليكن
أحدكما ردأ للمسلمين ولصاحبه بالحيرة وليقتحم الآخر على عدو الله وعدوكم من
أهل فارس دارهم ومستقر عزهم المدائن * حدثنا عبيد الله قال حدثني عمى عن
سيف عن المجالد عن الشعبي قال كتب خالد إلى هرمز قبل خروجه مع آزاذبه
أبى الزباذبة الذين باليمامة وهرمز صاحب الثغر يومئذ أما بعد فأسلم تسلم أو
اعتقد لنفسك وقومك الذمة وأقرر بالجزية وإلا فلا تلومن إلا نفسك فقد
جئتك بقوم يحبون الموت كما تحبون الحياة * قال سيف عن طلحة بن الأعلم عن
المغيرة بن عتيبة وكان قاضى أهل الكوفة قال فرق خالد مخرجه من اليمامة إلى
العراق جنده ثلاث فرق ولم يحملهم على طريق واحد فسرح المثنى قبله بيومين
ودليله ظفر وسرح عدى بن حاتم وعاصم بن عمرو ودليلاهما مالك بن عباد وسالم
ابن نصر أحدهما قبل صاحبه بيوم وخرج خالد ودليله رافع فواعدهم جميعا الحفير
554

ليجتمعوا به وليصادموا به عدوهم وكان فرج الهند أعظم فروج فارس شأنا وأشدها
شوكة وكان صاحبه يحارب العرب في البر والهند في البحر * قال وشاركه المهلب
ابن عقبة وعبد الرحمن بن سياه الأحمري الذي ينسب إليه الحمراء فيقال حمراء
سياه قال لما قدم كتاب خالد على هرمز كتب بالخبر إلى شيرى بن كسرى وإلى
أردشير بن شيرى وجمع جموعه ثم تعجل إلى الكواظم في سرعان أصحابه ليتلقى
خالدا وسبق حلبته فلم يجدها طريق خالد وبلغه أنهم تواعدوا الحفير فعاج
يبادره إلى الحفير فنزله فتعبي به وجعل على مجنبته أخوين يلاقيان أردشير
وشيرى إلى أردشير الأكبر يقال لهما قباذوا وأنوشجان واقترنوا في السلاسل
فقال من لم ير ذلك لمن رآه قيدتم أنفسكم لعدوكم فلا تفعلوا فإن هذا طائر سوء
فأجابوهم وقالوا أما أنتم فيحدثوننا أنكم تريدون الهرب فلما أتى الخبر خالدا بأن
هرمز في الحفير امال الناس إلى كاظمة وبلغ هرمز ذلك فبادره إلى كاظمة فنزلها
وهو حسير وكان من أسوأ أمراء ذلك الفرج جورا للعرب فكل العرب عليه
مغيظ وقد كانوا ضربوه مثلا في الخبث حتى قالوا أخبث من هرمز وأكفر
من هرمز وتعبي هرمز وأصحابه وافترقوا في السلاسل والماء في أيديهم وقدم
خالد عليهم فنزل على غير ماء فقالوا له في ذلك فأمر مناديه فنادى ألا أنزلوا
وحطوا أثقالكم ثم جالدوهم على الماء فلعمري ليصيرن الماء لأصبر الفريقين
وأكرم الجندين فحطت الأثقال والخيل وقوف وتقدم الرجل ثم زحف إليهم
حتى لاقاهم فاقتتلوا وأرسل الله سحابة فأغدرت ما وراء صف المسلمين فقواهم
بها وما ارتفع النهار وفى العائط مقترن * حدثنا عبيد الله قال حدثني عمى عن
سيف عن عبد الملك بن عطاء البكائي عن المقطع بن الهيثم البكائي بمثله وقالوا
وأرسل هرمز أصحابه بالغد ليغدروا بخالد فواطؤه على ذلك ثم خرج هرمز فنادى
رجل ورجل أين خالد وقد عهد إلى فرسانه عهد فلما نزل خالد نزل هرمز ودعاه
إلى النزال فنزل خالد فمشى إليه فالتقيا فاختلفا ضربتين واحتضنه خالد وحملت
حامية هرمز وغدرت فاستحملوا خالدا فما شغله ذلك عن قتله وحمل القعقاع بن
555

عمرو واستحلم حماة هرمز فأناموهم وإذا خالد يماصعهم وانهزم أهل فارس
وركب المسلمون أكتافهم إلى الليل وجمع خالد الرثاث وفيها السلاسل فكانت
وقر بعير ألف رطل فسميت ذات السلاسل وأفلت قباذوا أنوشجان * حدثنا عبيد الله
قال حدثني عمى عن سيف عن عمرو بن محمد عن الشعبي قال كان أهل فارس يجعلون
قلانسهم على قدر أحسابهم في عشائرهم فمن تم شرفه فقيمة قلنسوته مائة ألف
فكان هرمز ممن تم شرفه فكانت قيمتها مائة ألف فنفلها أبو بكر خالدا وكانت
مفصصة بالجوهر وتمام شرف أحدهم أن يكون من بيوتات السبعة * حدثنا عبيد الله
قال حدثني عمى عن سيف عن محمد بن نويرة عن حنظلة بن زياد بن حنظلة قال
لما تراجع الطلب من ذلك اليوم نادى منادى خالد بالرحيل وسار بالناس واتبعته
الأثقال حتى ينزل بموضع الجسر الأعظم من البصرة اليوم وقد أفلت قباذو أنوشجان
وبعث خالد بالفتح وما بقى من الأخماس وبالفيل وقرأ الفتح على الناس ولما
قدم زر بن كليب بالفيل مع الأخماس فطيف به في المدينة ليراه الناس جعل
ضعيفات النساء يقلن أمن خلق الله ما نرى ورأينه مصنوعا فرده أبو بكر مع
زرقان ولما نزل خالد موضع الجسر الأعظم اليوم بالبصرة وبعث المثنى بن حارثة
في آثار القوم وأرسل معقل بن مقرن المزني إلى الأبلة ليجمع له مالها والسبي
فخرج معقل حتى نزل الأبلة فجمع الأموال والسبايا (قال أبو جعفر) وهذه
القصة في أمر الأبلة وفتحها خلاف ما يعرفه أهل السير وخلاف ما جاءت
به الآثار الصحاح وإنما كان فتح الأبلة أيام عمر رحمه الله وعلى يد عتبة بن
غزوان في سنة أربعة عشرة من الهجرة وسنذكر أمرها وقصة فتحها إذا
انتهينا إلى ذلك إن شاء الله (رجع الحديث) إلى حديث سيف عن محمد بن نويرة
عن حنظلة بن زياد قال وخرج المثنى حتى انتهى إلى نهر المرأة فانتهى إلى الحصن
الذي فيه المرأة فخلف المعنى بن حارثة عليه فحاصرها في قصرها ومضى المثنى
إلى الرجل فحاصره ثم استنزلهم عنوة فقتلهم واستفاء أموالهم ولما بلغ ذلك المرأة
صالحت المثنى وأسلمت فتزوجها المعنى ولم يحرك خالد وأمراؤه الفلاحين في
556

شئ من فتوحهم لتقدم أبى بكر إليه فيهم وسبى أولاد المقاتلة الذين كانوا يقومون
بأمور الأعاجم وأقر من لم ينهض من الفلاحين وجعل لهم الذمة وبلغ سهم الفارس
في يوم ذات السلاسل والثنى ألف درهم والراجل على الثلث من ذلك قال وكانت
وقعة المذار
في صفر سنة اثنتي عشرة ويومئذ قال الناس صفر الأصفار فيه يقتل كل جبار
على مجمع الأنهار * حدثنا عبيد الله قال حدثني عمى عن سيف عن زياد والمهلب
عن عبد الرحمن بن سياه الأحمري وأما فيما كتب إلى السرى عن شعيب عن
سيف فإنه عن سيف عن المهلب بن عقبة وزياد بن سرجس الأحمري وعبد الرحمن بن
سياه الأحمري وسفيان الأحمري قالوا وقد كان هرمز كتب إلى أردشير وشيرى بالخبر
بكتاب خالد إليه بمسيره من اليمامة نحوه فأمده بقارن بن قريانس فخرج قارن من
المدائن ممدا لهرمز حتى إذا انتهى إلى المذار بلغته الهزيمة وانتهت إليه الفلال فتذامروا
وقال فلال الأهواز وفارس لفلال السواد والجبل إن افترقتم لم تجتمعوا بعدها
أبدا فاجتمعوا على العود مرة واحدة فهذا مدد الملك وهذا قارن لعل الله يديلنا
ويشفينا من عدونا وندرك بعض ما أصابوا منا ففعلوا وعسكر بالمذار واستعمل
قارن على مجنبته قباد وأنوشجان وأرز المثنى والمعنى إلى خالد بالخبر ولما انتهى
الخبر إلى خالد عن قسم الفئ على من أفاءه الله عليه ونفل من الخمس ما شاء الله
وبعث ببقيته وبالفتح إلى أبى بكر وبالخبر عن القوم وباجتماعهم إلى الثنى المغيث
والمغاث مع الوليد بن عقبة والعرب تسمى كل نهر الثنى وخرج خالد سائرا حتى
ينزل المذار على قارن في جموعه فالتقوا وخالد على تعبيته فاقتتلوا على حنق
وحفيظة وخرج قارن يدعو للبراز فبرز له خالد وأبيض الركبان معقل بن الأعشى
ابن النباش فابتدراه فسبقه إليه معقل فقتله وقتل عاصم الانوشجان وقتل عدى
قباذ وكان شرف قارن قد انتهى ثم لم يقاتل المسلمون بعده أحدا انتهى شرفه في
الأعاجم وقتلت قارس مقتلة عظيمة فضموا السفن ومنعت المياه المسلمين من طلبهم
557

وأقام خالد بالمذار وسلم الأسلاب لمن سلبها بالغة ما بلغت وقسم الفئ ونفل
من الأخماس أهل البلاء وبعث ببقية الأخماس ووفد وفدا مع سعد بن النعمان
أخي بنى عدى بن كعب * حدثنا عبيد الله قال حدثني عمى عن سيف عن محمد
ابن عبد الله عن أبي عثمان قال قتل ليلة المذار ثلاثون ألفا سوى من غرق ولولا
المياه لأتى على آخرهم ولم يفلت منهم من أفلت إلا عراة وأشباه العراة * قال
سيف عن عمرو والمجالد عن الشعبي قال كان أول من لقى خالد مهبطه العراق
هرمز بالكواظم ثم نزل الفرات بشاطئ دجلة فلم يلق كيدا وتبحبح بشاطئ
دجلة ثم الثنى ولم ليلق بعد هرمز أحدا إلا كانت الوقعة الآخرة أعظم من التي
قبلها حتى أتى دومة الجندل وزاد سهم الفارس في يوم الثنى على سهمه في ذات
السلاسل فأقام خالد بالثنى يسبى عيالات المقاتلة ومن أعانهم وأقر الفلاحين ومن
أجاب إلى الخراج من جميع الناس بعد ما دعوا وكل ذلك أخذ عنوة ولكن دعوا
إلى الجزاء فأجابوا وتراجعوا وصاروا ذمة وصارت أرضهم لهم كذلك جرى ما لم
يقسم فإذا اقتسم فلا وكان في السبى حبيب أبو الحسن يعنى أبا الحسن البصري
وكان نصرانيا وما فنة مولى عثمان وأبو زياد مولى المغيرة بن شعبة وأمر على الجند
سعيد بن النعمان وعلى الجزاء سويد بن مقرن المزني وأمره بنزول الحفير وأمره ببث
عماله ووضع يده في الجباية وأقام لعدوه يتجسس الاخبار ثم كان
أمر الولجة
في صفر من سنة اثنتي عشرة والولجة مما يلي كسكر من البر * حدثنا عبيد الله
قال حدثني عمى قال حدثني سيف عن عمرو والمجالد عن الشعبي قال لما فرغ خالد من
الثنى وأتى الخبر أردشير بعث الاندرزغر وكان فارسيا من مولدي السواد
* حدثنا عبيد الله قال حدثني عمى قال حدثني سيف عن زياد بن سرجس عن عبد الرحمن
ابن سياه قال وفيما كتب به إلى السرى قال حدثنا شعيب قال حدثنا سيف عن المهلب
ابن عقبة وزياد بن سرجس وعبد الرحمن بن سياه قالوا لما وقع الخبر باردشير
558

بمصاب قارن وأهل المذار أرسل الاندر زغر وكان فارسيا من مولدي السواد
وتنائهم ولم يكن ممن ولد في المدائن ولا نشأ بها وأرسل بهمن جاذويه في أثره
في جيش وأمره أن يعبر طريق الاندرزغر وكان الاندرزغر قبل ذلك على فرج
خراسان فخرج الاندرزغر سائرا من المدائن حتى أتى كسكر ثم جازها إلى الولجة
وخرج بهمن جاذويه في أثره وأخذ غير طريقه فسلك وسط السواد وقد حشر
إلى الاندرزغر من بين الحيرة وكسكر من عرب الضاحية والدهاقين فعسكروا
إلى جنب عسكره بالولجة فلما اجتمع له ما أراد واستتم أعجبه ما هو فيه وأجمع
السير إلى خالد ولما بلغ خالدا وهو بالثنى خبر الاندرزغر ونزوله الولجة نادى
بالرحيل وخلف سويد بن مقرن وأمره بلزوم الحفير وتقدم إلى من خلف في
أسفل دجلة وأمرهم بالحذر وقلة الغفلة وترك الاغترار وخرج سائرا في الجنود
نحو الولجة حتى ينزل على الاندرزغر وجنوده ومن تأشب إليه فاقتتلوا قتالا شديدا
هو أعظم من قتال الثنى * حدثنا عبيد الله قال حدثني عمى عن سيف عن محمد
ابن أبي عثمان قال نزل خالد عن الاندرزغر بالولجة في صفر فاقتتلوا بها قتالا
شديدا حتى ظن الفريقان أن الصبر قد أفرغ واستبطأ خالد كمينه وكان قد
وضع لهم كمينا في ناحيتين عليهم بسر بن أبي رهم وسعيد بن مرة العجلي فخرج
الكمين في وجهين فانهزمت صفوف الأعاجم وولوا فأخذهم خالد من
بين أيديهم والكمين من خلفهم فلم ير رجل منهم مقتل صاحبه ومضى الاندرزغر
في هزيمته فمات عطشا وقام خالد في الناس خطيبا يرغبهم في بلاد العجم
ويزهدهم في بلاد العرب وقال ألا ترون إلى الطعام كرفغ التراب وبالله لو لم يلزمنا
الجهاد في الله والدعاء إلى الله عز وجل ولم يكن إلا المعاش لكان الرأي أن نقارع
على هذا الريف حتى نكون أولى به ونولي الجوع والاقلال من تولاه ممن أثاقل
عما أنتم عليه وسار خالد في الفلاحين بسريته فلم يقتلهم وسبى ذراري المقاتلة
ومن أعانهم ودعا أهل الأرض إلى الجزاء والذمة فتراجعوا (كتب إلى السرى)
عن شعيب عن سيف وحدثنا عبيد الله قال حدثني عمى عن سيف عن عمرو
559

عن الشعبي قال بارز خالد يوم الولجة رجلا من أهل فارس يعدل بألف رجل
فقتله فلما فرغ اتكأ عليه ودعا بغدائه وأصاب في أناس من بكر بن وائل ابنا لجابر
ابن بجير وابنا لعبد الأسود
خبر أليس وهى على صلب الفرات
(قال أبو جعفر) حدثنا عبيد الله قال حدثني عمى قال حدثنا سيف عن محمد
ابن طلحة عن أبي عثمان وطلحة بن الأعلم عن المغيرة بن عتيبة وأما السرى فإنه
قال فيما كتب إلى حدثنا شعيب عن سيف عن محمد بن عبد الله عن أبي عثمان وطلحة
ابن الأعلم عن المغيرة بن عتيبة قالا ولما أصاب خالد يوم الولجة من أصاب من
بكر بن وائل من نصاراهم الذين أعانوا أهل فارس غضب لهم نصارى قومهم
فكاتبوهم الأعاجم وكاتبتهم الأعاجم فاجتمعوا إلى أليس وعليهم عبد الأسود العجلي وكان أشد الناس على أولئك النصارى مسلمو بنى عجل عتيبة بن النهاس
وسعيد بن مرة وفرات بن حيان والمثنى بن لاحق ومذعور بن عدي وكتب
أردشير إلى بهمن جاذويه وهو بقسياثا وكان رافد فارس في يوم من أيام شهرهم
وبنوا شهورهم كل شهر على ثلاثين يوما وكات لأهل فارس في كل يوم رافد قد
نصب لذلك يرفدهم عند الملك فكان رافدهم بهمن روز أن سر حتى تقدم أليس
بجيشك إلى من اجتمع بها من فارس ونصارى العرب فقدم بهمن جاذويه جابان
وأمره بالحث وقال كفكف نفسك وجندك من قتال القوم حتى ألحق بك إلا
أن يعجلوك فسار جابان نحو أليس وانطلق بهمن جاذويه إلى أردشير ليحدث
به عهدا وليستأمره فيما يريد أن يشير به فوجده مريضا فعرج عليه وأخلى جابان
بذلك الوجه ومضى حتى أتى أليس فنزل بها في صفر واجتمعت إليه المسالح التي
كانت بإزاء العرب وعبد الأسود في نصارى العرب من بنى عجل وتيم اللات
وضبيعة وعرب الضاحية من أهل الحيرة وكان جابر بن بجير نصرانيا فساند
عبد الأسود وقد كان خالد بلغه تجمع عبد الأسود وجابر وزهير فيمن تأشب
560

إليهم فنهد لهم ولا يشعر بدنو جابان وليست لخالد همة إلا من تجمع له من عرب
الضاحية ونصاراهم فأقبل فلما طلع على جابان بأليس قالت الأعاجم لجابان
أنعاجلهم أم نغدى الناس ولا نريهم أنا نحفل بهم ثم نقاتلهم بعد الفراغ فقال
جابان إن تركوكم والتهاون بهم فتهاونوا ولكن ظني بهم أن سيعجلوكم ويعاجلونكم
عن الطعام فعصوه وبسطوا البسط ووضعوا الأطعمة وتداعوا إليها وتوافوا
إليها فلما انتهى خالد إليهم وقف وأمر بحط الأثقال فلما وضعت توجه إليهم
ووكل خالد بنفسه حوامي يحمون ظهره ثم ندر أمام الصف فنادى أين أبجر أين
عبد الأسود أين مالك بن قيس رجل من جذرة فنكلوا عنه جميعا إلا مالكا فبرز
له فقال له خالد يا ابن الخبيثة ما جرأك على من بينهم وليس فيك وفاء فضربه فقتله
وأجهض الأعاجم عن طعامهم قبل أن يأكلوا فقال جابان ألم أقل لكم يا قوم أما
والله ما دخلتني من رئيس وحشة قط حتى كان اليوم فقالوا حيث لم يقدروا على
الاكل تجلدا ندعها حتى نفرغ منهم ونعود إليها فقال جابان وأيضا أظنكم والله لهم
وضعتموها وأنتم لا تشعرون فالآن فأطيعوني سموها فإن كانت لكم فأهون هالك
وإن كانت عليكم كنتم قد صنعتم شيئا وأبليتم عذرا فقالوا لا اقتدار عليهم فجعل
جابان على مجنبتيه عبد الأسود وأبجر وخالد على تعبيته في الأيام التي قبلها
فاقتتلوا قتالا شديدا والمشركون يزيدهم كلبا وشدة ما يتوقعون من قدومهم بهمن
جاذويه فصابروا المسلمين للذي كان في علم الله أن يصيرهم إليه وحرب المسلمون
عليهم وقال خالد اللهم إن لك على إن منحتنا أكتافهم ألا أستبقي منهم أحدا
قدرنا عليه حتى أجرى نهرهم بدمائهم ثم أن الله عز وجل كشفهم للمسلمين ومنحهم
أكتافهم فأمر خالد مناديه فنادى في الناس الأسر الأسر لا تقتلوا إلا من امتنع
فأقبلت الخيول بهم أفواجا مستأسرين يساقون سوقا وقد وكل بهم رجالا يضربون
أعناقهم في النهر ففعل ذلك بهم يوما وليلة وطلبوهم الغد وبعد الغد حتى
انتهوا إلى النهرين ومقدار ذلك من كل جوانب أليس فضرب أعناقهم وقال
له القعقاع وأشباه له لو أنك قتلت أهل الأرض لم تجر دمائهم إن الدماء
561

لا تزيد على أن ترقرق مند نهيت عن السيلان ونهيت الأرض عن نشف الدماء
فأرسل عليه الماء تبر يمينك وقد كان صد الماء عن النهر فأعاده فجرى دما عبيطا
فسمى نهر الدم لذلك الشأن إلى اليوم وقال آخرون منهم بشير بن الخصاصية
قال وبلغنا ان الأرض لما نشفت دم ابن آدم نهيت عن نشف الدماء
ونهى الدم عن السيلان الا مقدار برده ولما هزم القوم وأجلوا عن عسكرهم
ورجع المسلمون من طلبهم ودخلوه وقف خالد على الطعام فقال قد نفلتكموه
فهو لكم وقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى على طعام مصنوع نفله فقعد
عليه المسلمون لعشائهم بالليل وجعل من لم ير الأرياف ولا يعرف الرقاق يقول
ما هذه الرقاع البيض وجعل من قد عرفها يجيبهم ويقول لهم مازحا هل
سمعتم برقيق العيش فيقولون نعم فيقولون هو هذا فسمى الرقاق وكانت
العرب تسميه القرى * حدثنا عبد الله قال حدثني عمى قال حدثنا سيف
عن عمرو بن محمد عن الشعبي عمن حدث عن خالد أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم نفل الناس يوم خيبر الخبز والطبيخ والشواء وما أكلوا غير ذلك في بطونهم
غير متأثليه (كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن طلحة عن
المغيرة قال كانت على النهر أرحاء فطحنت بالماء وهو أحمر قوت العسكر ثمانية
عشر ألفا أو يزيدون ثلاثة أيام وبعث خالد بالخبر مع رجل يدعى جندلا من
بنى عجل وكان دليلا صارما فقدم على أبى بكر بالخبر وبفتح أليس وبقدر الفئ
وبعدة السبى وبما حصل من الأخماس وبأهل البلاء من الناس فلما قدم على أبى بكر
فرأى صرامته وثبات خبره قال ما اسمك قال جندل قال وبها جندل
نفس عصام سودت عصاما * وعودته الكر والاقداما
وأمر له بجارية من ذلك السبى فولدت له قال وبلغت قتلاهم من أليس
سبعين ألفا جلهم من امغيشيا (قال أبو جعفر) قال لنا عبيد الله بن سعد قال عمى
سألت عن أمغيشيا بالحيرة فقيل لي منشيا فقلت لسيف فقال هذا اسمان
562

حديث أمغيشيا
في صفر وأفاءها الله عز وجل بغير خيل * حدثنا عبيد الله قال حدثني عمى
عن سيف عن محمد عن أبي عثمان وطلحة عن المغيرة قالا لما فرغ خالد من وقعة
أليس نهض فأتى أمغيشيا وقد أعجلهم عما فيها وقد جلا أهلها وتفرقوا في السواد
ومن يومئذ صارت السكرات في السواد فأمر خالد بهدم أمغيشيا وكل شئ كان
في حيزها وكانت مصرا كالحيرة وكان فرات بادقلى ينتهى إليها وكانت أليس من
مسالحها فأصابوا فيها ما لم يصيبوا مثله قط (كتب إلى السرى) عن شعيب عن
سيف عن بحر بن الفرات العجلي عن أبيه قال لم يصب المسلمون فيما بين ذات
السلاسل وأمغيشيا مثل شئ أصابوه في أمغيشيا بلغ سهم الفارس ألفا وخمسمائة
سوى النفل الذي نفله أهل البلاء وقالوا جميعا قال أبو بكر رحمه الله حين بلغه ذلك
يا معشر قريش يخبرهم بالذي أتاه عدا أسدكم على الأسد فغلبه على خراذيله
أعجزت النساء أن ينشأ مثل خالد
حديث يوم المقر وفم فرات بادقلى
(قال أبو جعفر) كتب إلى السرى عن شعيب عن سيف عن محمد عن أبي
عثمان وطلحة عن المغيرة أن الآزاذبه كان مرزبان الحيرة أزمان كسرى إلى ذلك
اليوم فكانوا لا يمد بعضهم بعضها إلا بإذن الملك وكان قد بلغ نصف الشرف وكان
قيمة قلنسوته خمسين ألفا فلما أخرب خالد أمغيشيا وعاد أهلها سكرات لدهاقين
القرى علم الآزاذبه أنه غير متروك فأخذ في أمر وتهيأ لحرب خالد وقدم ابنه
ثم خرج في أثره حتى عسكر خارجا من الحيرة وأمر ابنه بسد الفرات ولما
استقل خالد من أمغيشيا وحمل الرجل في السفن مع الأنفال والأثقال لم يفجأ
خالدا إلا والسفن جوانح فارتاعوا لذلك فقال الملاحون إن أهل فارس فجروا
الأنهار فسلك الماء غير طريقه فلا يأتينا الماء إلا بسد الأنهار فتعجل خالد في
خيل نحو ابن الآزاذبه فتلقاه على فم العتيق خيل من خيله فجئهم وهم آمنون لغارة
563

خالد في تلك الساعة فأنامهم بالمقر ثم سار من فوره وسبق الاخبار إلى ابن الآزاذبه
حتى يلقاه وجنده على فم فرات بادقلى فاقتتلوا فأنامهم وفجر الفرات وسد الأنهار
وسلك الماء سبيله (كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن محمد عن أبي
عثمان وطلحة عن المغيرة وبحر عن أبيه قالوا وحدثنا عبيد الله قال حدثني عمى قال
حدثنا سيف عن محمد عن أبي عثمان وطلحة عن المغيرة قالا لما أصاب خالد بن
الآزاذبه على فم فرات بادقلى قصد للحيرة واستحق أصحابه وسار حتى ينزل بين
الخورنق والنجف فقدم خالد الخورنق وقد قطع الآزاذبه الفرات هاربا من غير
قتال وإنما حداه على الهرب أن الخبر وقع إليه بموت أردشير ومصاب ابنه وكان
عسكره بين الغريين والقصر الأبيض ولما تتام أصحاب خالد إليه بالخورنق
خرج من العسكر حتى يعسكر بموضع عسكر الآزاذبه بين الغريين والقصر الأبيض
وأهل الحيرة متحصنون فأدخل خالد الحيرة الخيل من عسكره وأمر بكل قصر
رجلا من قواده يحاصر أهله ويقاتلهم فكان ضرار بن الأزور محاصرا القصر
الأبيض وفيه إياس بن قبيصة الطائي وكان ضرار بن الخطاب محاصرا قصر العدسيين
وفيه عدى بن عدي المقتول وكان ضرار بن مقرن المزني عاشر عشرة إخوة له
محاصرا قصر بنى مازن وفيه ابن أكال وكان المثنى محاصرا قصر ابن بقيلة وفيه
عمرو بن عبد المسيح فدعوهم جميعا وأجلوهم يوما فأبى أهل الحيرة ولجوا فناوشهم
المسلمون * حدثني عبيد الله بن سعيد قال حدثني عمى عن سيف عن الغصن بن
القاسم رجل من بنى كنانة (قال أبو جعفر) هكذا قال عبيد الله وقال السرى فيما
كتب به إلى حدثنا شعيب عن سيف عن الغصن بن القاسم عن رجل من بنى كنانة
قال عهد خالد إلى أمرائه أن يبدأوا بالدعاء فإن قبلوا قبلوا منهم وإن أبوا أن
يؤجلهم يوما وقال لا تمكنوا عدوكم من آذانكم فيتربصوا بكم الدوائر ولكن
ناجزوهم ولا تردوا المسلمين عن قتال عدوهم فكان أول القواد أنسب القتال بعد
يوم أجلوهم فيه ضرار بن الأزور وكان على قتال أهل القصر الأبيض فأصبحوا وهم
مشرفون فدعاهم إلى إحدى ثلاث الاسلام أو الجزاء أو المنابذة فاختاروا المنابذة
564

وتنادوا عليكم الخزازيف فقال ضرار تنحوا لا ينالكم الرمي حتى ننظر في الذي
هتفوا به فلم يلبث أن امتلا رأس القصر من رجال متعلقي المخالي يرمون
المسلمين بالخزازيف وهى المداحي من الخزف فقال ضرار أرشقوهم
فدنوا منهم فرشقوهم بالنبل فأعروا رؤوس الحيطان ثم بثوا غارتهم فيمن
يليهم وصبح أمير كل قوم أصحابه بمثل ذلك فافتتحوا الدور والديرات وأكثروا
القتل فنادى القسيسون والرهبان يا أهل القصور ما يقتلنا غيركم فنادى أهل
القصور يا معشر العرب قد قبلنا واحدة من ثلاث فادعوا بنا وكفوا عنا حتى
يبلغونا خالدا فخرج إياس بن قبيصة وأخوه إلى ضرار بن الأزور وخرج عدى
ابن عدي وزيد بن عدي إلى ضرار بن الخطاب وعدى الأوسط الذي رثته
أمه وقتل يوم ذي قار وخرج عمرو بن عبد المسيح وابن أكال هذا إلى ضرار بن
مقرن وهذا إلى المثنى بن حارثة فأرسلوهم إلى خالد وهم على مواقفهم (كتب
إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن محمد عن أبي عثمان وطلحة عن المغيرة
قالا قال كان أول من طلب الصلح عمرو بن عبد المسيح بن قيس بن حيان بن
الحارث وهو بقيلة وانما سمى بقيلة لأنه خرج على قومه في بردين أخضرين فقالوا
يا حار ما أنت إلا بقيلة خضراء وتتابعوا على ذلك فأرسلهم الرؤساء إلى خالد
مع كل رجل منهم ثقة ليصالح عليه أهل الحصن فخلا خالد بأهل كل قصر منهم دون
الآخرين وبدأ بأصحاب عدى وقال ويحكم ما أنتم أعرب فما تنقمون من العرب
أو عجم فما تنقمون من الانصاف والعدل فقال له عدى بل عرب عاربة وأخرى
متعربة فقال لو كنتم كما تقولون لم تحادونا وتكرهوا أمرنا فقال له عدى ليدلك
على ما نقول أنه ليس لنا لسان إلا بالعربية فقال صدقت وقال اختاروا واحدة
من ثلاث أن تدخلوا في ديننا فلكم ما لنا وعليكم ما علينا إن نهضتم وهاجرتم وان
أقمتم في دياركم أو الجزية أو المنابذة والمناجزة فقد والله أتيتكم بقوم هم على الموت
أحرص منكم على الحياة فقال بل نعطيك الجزية فقال خالد تبا لكم ويحكم إن
الكفر فلاة مضلة فأحمق العرب من سلكها فلقيه دليلان أحدهما عربي فتركه
565

واستدل الأعجمي فصالحوه على مائة ألف وتسعين ألفا وتتابعوا على ذلك وأهدوا
له هدايا وبعث بالفتح والهدايا إلى أبى بكر رحمه الله مع الهذيل الكاهلي فقبلها
أبو بكر من الجزاء وكتب إلى خالد أن احسب لهم هديتهم من الجزاء إلا أن
تكون من الجزاء وخذ بقية ما عليهم فقو بها أصحابك وقال ابن بقيلة
أبعد المنذرين أرى سواما * تروح بالخورنق والسدير
وبعد فوارس النعمان أرعى * قلوصا بين مرة والحفير
فصرنا بعد هلك أبى قبيس * كجرب المعز في اليوم المطير
تقسمنا القبائل من معد * علانية كأيسار الجزور
وكنا لا يرام لنا حريم * فنحن كضرة الضرع الفخور
نؤدى الخرج بعد خراج كسرى * وخرج من قريظة والنضير
كذاك الدهر دولته سجال * فيوم من مساءة أو سرور
(الجرب والجربة والجربة الجماعة) كتب إلى السرى) عن شعيب عن
سيف عن الغصن بن القاسم عن رجل من بنى كنانة ويونس بن أبي إسحاق بنحو
منه وقالا فكانوا يختلفون إليه ويقدمون في حوائجهم عمرو بن عبد المسيح فقال
له خالد كم أتت عليك قال مئو سنين قال فما أعجب ما رأيت قال رأيت القرى
منظومة ما بين دمشق والحيرة تخرج المرأة من الحيرة فلا تزود إلا رغيفا فتبسم
خالد وقال هل لك من شيخك إلا عقلة خرفت والله يا عمرو ثم أقبل على أهل
الحيرة فقال ألم يبلغني أنكم خبثة خدعة مكرة فمالكم تتناولون حوائجكم بخرف
لا يدرى من أين جاء فتجاهل له عمرو وأحب أن يريه من نفسه ما يعرف به
عقله ويستدل به على صحة ما حدثه به فقال وحقك أيها الأمير إني لأعرف من
أين جئت قال فمن أين جئت قال أقرب أم أبعد قال ما شئت قال من بطن أمي
قال فأين تريد قال أمامي قال وما هو قال الآخرة قال فمن أين أقصى أثرك قال
من صلب أبى قال ففيم أنت قال في ثيابي قال أتعقل قال أي والله وأقيد قال
فوجده حين فر عضا وكان أهل قريته أعلم به فقال خالد قتلت أرض جاهلها
566

وقتل أرضا عالمها والقوم أعلم بما فيهم فقال عمرو أيها الأمير النملة أعلم بما في
بيتها من الجمل بما في بيت النملة وشاركهم في هذا الحديث من هذا المكان محمد
ابن أبي السفر عن ذي الجوشن الضبابي وأما الزهري فإنه حدثنا به فقال شاركهم
في هذا الحديث رجل من الضباب قالوا وكان مع ابن بقيلة منصف له متعلق
كيسا في حقوه فتناول خالد الكيس ونثر ما فيه في راحته فقال ما هذا يا عمرو
قال هذا وأمانة الله سم ساعة قال ولم تحتقب السم قال خشيت أن تكونوا
على غير ما رأيت وقد أتيت على أجلى والموت أحب إلى من مكروه أدخله على
قومي وأهل قريتي فقال خالد إنها لن تموت نفس حتى تأتى على أجلها وقال بسم الله
خير الأسماء رب الأرض ورب السماء الذي ليس يضر مع اسمه داء الرحمن
الرحيم فأهووا إليه ليمنعوه منه وبادرهم فابتلعه فقال عمرو والله يا معشر العرب
لتملكن ما أردتم ما دام منكم أحد أيها القرن واقبل على أهل الحيرة فقال لهم
أر كاليوم أمرا أوضح إقبالا وأبى خالد أن يكاتبهم إلا على إسلام كرامة بنت
عبد المسيح إلى شويل فثقل ذلك عليهم فقالت هونوا عليكم وأسلموني فانى
سأقتدي ففعلوا وكتب خالد بينه وبينهم كتابا بسم الله الرحمن الرحيم هذا
ما عاهد عليه خالد بن الوليد عديا وعمرا ابني عدى وعمرو بن عبد المسيح وإياس
ابن قبيصة وحيرى بن أكال وقال عبيد الله جبري وهم نقباء أهل الحيرة ورضى
بذلك أهل الحيرة وأمروهم به عاهدهم على تسعين ومائة ألف درهم تقبل في كل
سنة جزاء عن أيديهم في الدنيا رهبانهم وقسيسهم إلا من كان منهم على غير ذي يد
حبيسا عن الدنيا تاركا لها وقال عبيد الله إلا من كان غير ذي يد حبيسا عن الدنيا تاركا لها
وسائحا تاركا للدنيا وعلى المنعة فإن لم يمنعهم فلا شئ عليهم حتى يمنعهم وان غدروا بفعل
أو بقول فالذمة منهم بريئة وكتب في شهر ربيع الأول من سنة اثنتي عشرة ودفع الكتاب
إليهم فلما كفر أهل السواد بعد موت أبى بكر استخفوا بالكتاب وضيعوه وكفروا
فيمن كفر وغلب عليهم أهل فارس فلما افتتح المثنى ثانية أدلوا بذلك فلم يجبهم إليه
وعاد بشرط آخر فلما غلب المثنى على البلاد كفروا فيمن كفر وأعانوا واستخفوا
567

وأضاعوا الكتاب فلما افتتحها سعد وأدلوا بذلك سألهم واحدا من الشرطين فلم
يجيئوا بهما فوضع عليهم وتحرى ما يرى أنهم مطيقون فوضع عليهم أربعمائة ألف
سوى الحرزة قال عبيد الله سوى الخرزة * حدثنا عبيد الله قال حدثني عمى عن
سيف والسري عن شعيب عن سيف عن الغصن بن القاسم الكناني عن رجل
من بنى كنانة ويونس بن أبي إسحاق قالا كان جرير بن عبد الله ممن خرج مع خالد
ابن سعيد بن العاصي إلى الشأم فاستأذن خالدا إلى أبى بكر ليكلمه في قومه
وليجمعهم له وكانوا أوزاعا في العرب وليتخلصهم فأذن له فقدم على أبى بكر
فذكر له عدة من النبي صلى الله عليه وسلم وأتاه على العدة بشهود وسأله إنجاز
ذلك فغضب أبو بكر وقال له ترى شغلنا وما نحن فيه بغوث المسلمين ممن بإزائهم
من الأسدين فارس والروم ثم أنت تكلفني التشاغل بما لا يغنى عما هو أرضى
لله ولرسوله دعني وسر نحو خالد بن الوليد حتى أنظر ما يحكم الله في هذين الوجهين
فسار حتى قدم على خالد وهو بالحيرة ولم يشهد شيئا مما كان بالعراق إلا ما كان بعد
الحيرة ولا شيئا مما كان خالد فيه من أهل الردة وقال القعقاع بن عمرو في أيام الحيرة
سقى الله قتلى بالفرات مقيمة * وأخرى بأثباج النجاف الكوانف
فنحن وطئنا بالكواظم هرمزا * وبالثنى قرني قارن بالجوارف
ويوم أحطنا بالقصور تتابعت * على الحيرة الروحاء إحدى المصارف
حططناهم منها وقد كاد عرشهم * يميل به فعل الجبان المخالف
رمينا عليهم بالقبول وقد رأوا * غبوق المنايا حول تلك المحارف
صبيحة قالوا نحن قوم تنزلوا * إلى الريف من أرض العريب المقانف
خبر ما بعد الحيرة
* حدثنا عبيد الله بن سعيد الزهري قال حدثني عمى عن سيف عن جميل
الطائي عن أبيه قال لما أعطى شويل كرامة بنت عبد المسيح قلت لعدى بن حاتم
ألا تعجب من مسألة شويل كرامة بنت عبد المسيح على ضعفه قال كان يهرف
568

بها دهره قال وذلك أنى لما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر ما رفع
له من البلدان فذكر الحيرة فيما رفع له وكان شرف قصورها أضراس الكلاب
عرفت أن قد أريها وأنها ستفتح فلقنته مسألتها * وحدثنا عبيد الله قال حدثني
عمى عن سيف قال قال لي عمرو والمجالد عن الشعبي والسري عن شعيب عن
سيف عن المجالد عن الشعبي قال لما قدم شويل إلى خالد قال إني سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يذكر فتح الحيرة فسألته كرامة فقال هي لك إذا فتحت عنوة
وشهد له بذلك وعلى ذلك صالحهم فدفعها إليه فاشتد ذلك على أهل بيتها وأهل
قريتها ما وقعت فيه وأعظموا الخطر فقالت لا تخطروه ولكن اصبروا ما تخافون
على امرأة بلغت ثمانين سنة فإنما هذا رجل أحمق رآني في شبيبتي فظن أن
الشباب يدوم فدفعوها إلى خالد فدفعها خالد إليه فقالت ما أربك إلى عجوز كما
ترى فأدنى قال لا إلا على حكمي قالت فلك حكمك مرسلا فقال لست لام شويل
إن نقصتك من ألف درهم فاستكثرت ذلك لتخدعه ثم أتته بها فرجعت إلى
أهلها فتسامع الناس بذلك فعنفوه فقال ما كنت أرى أن عددا يزيد على ألف
فأبوا عليه إلا أن يخاصمهم فقال كانت نيتي غاية العدد وقد ذكروا أن العدد يزيد
على ألف فقال خالد أردت أمرا وأراد الله غيره نأخذ بما يظهر وندعك ونيتك
كاذبا كنت أو صادقا (كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن عمرو عن
الشعبي قال لما فتح خالد الحيرة صلى صلاة الفتح ثماني ركعات لا يسلم فيهن ثم
انصرف وقال لقد قاتلت يوم مؤتة فانقطع في يدي تسعة أسياف وما لقيت
قوما كقوم لقيتهم من أهل فارس وما لقيت من أهل فارس قوما كأهل أليس
* حدثنا عبيد الله قال حدثني عمى عن سيف عن عمرو والمجالد عن الشعبي قال
صلى خالد صلاة الفتح ثم انصرف ثم ذكر مثل حديث السرى
* حدثنا عبيد الله قال حدثني عمى عن سيف والسري عن شعيب عن سيف
عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم وكان قدم مع جرير على خالد
قال أتينا خالدا بالحيرة وهو متوشح قد شد ثوبه في عنقه يصلى فيه وحده ثم
انصرف فقال اندق في يدي تسعة أسياف يوم مؤتة ثم صبرت في يدي صفيحة
569

يمانية فما زالت معي * حدثنا عبيد الله قال حدثني عمى عن سيف عن محمد بن
عبد الله عن أبي عثمان وطلحة بن الأعلم عن المغيرة بن عتيبة والغصن بن القاسم
عن رجل من بنى كنانة وسفيان الأحمري عن ماهان قالوا ولما صالح أهل الحيرة
خالدا خرج صلوبا بن نسطونا صاحب قس الناطف حتى دخل على خالد عسكره
فصالحه على بانقيا وبسما وضمن له ما عليهما وعلى أرضيهما من شاطئ الفرات جميعا
وأعتقد لنفسه وأهله وقومه على عشرة آلاف دينار سوى الخرزة خرزة
كسرى وكانت على كل رأس أربعة دراهم وكتب لهم كتابا فتموا وتم ولم يتعلق
عليه في حال غلبة فارس بغدر وشاركهم المجالد في الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب من خالد بن الوليد لصلوبا بن نسطونا وفومه إني عاهدتكم على الجزية
والمنعة على كل ذي يد بانقيا وبسما جميعا على عشرة آلاف دينار سوى الخرزة القوى على
قدر قوته والمقل على قدر إقلاله في كل سنة وإنك قد نقبت على قومك وإن قومك
قد رضوا بك وقد قبلت ومن معي من المسلمين ورضيت ورضى قومك فلك الذمة
والمنعة فإن منعناكم فلنا الجزية وإلا فلا حتى نمنعكم شهد هشام بن الوليد والقعقاع
ابن عمرو وجرير بن عبد الله الحميري وحنظلة بن الربيع وكتب سنة اثنتي عشرة في
صفر (كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن محمد بن عبد الله عن أبي عثمان
عن ابن أبي مكنف وطلحة عن المغيرة وسفيان عن ماهان وحدثنا عبيد الله قال
حدثني عمى عن سيف عن محمد عن أبي عثمان وطلحة عن المغيرة قال كان الدهاقين
يتربصون بخالد وينظرون ما يصنع أهل الحيرة فلما استقام ما بين أهل الحيرة
وبين خالد واستقاموا له أتته دهاقين الملطاطين وأتاه زاذ بن بهيش دهقان فرات
سريا وصلوبا بن نسطونا بن بصبهرى هكذا في حديث السرى وقال عبيد الله
صلوبا بن بصبهرى ونسطونا فصالحوه على ما بين الفلاليج إلى هرمزجرد على ألفى
ألف وقال عبيد الله في حديثه على ألف ألف ثقيل وأن للمسلمين ما كان لآل
كسرى ومن مال معهم عن المقام في داره فلم يدخل في الصلح وضرب خالد رواقه
في عسكره وكتب لهم كتابا بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من خالد بن الوليد
570

لزاذ بن بهيش وصلوبا بن نسطونا إن لكم الذمة وعليكم الجزية وأنتم ضامنون لمن
نقبتم عليه من أهل البهقباذ الأسفل والأوسط وقال عبيد الله وأنتم ضامنون
حرب من نقبتم عليه على ألفى ألف تقبل في كل سنة ثم كل ذي يد سوى ما على
بانقيا وبسما وإنكم قد أرضيتموني والمسلمين وأنا قد أرضيناكم وأهل البهقباذ
الأسفل ومن دخل معكم من أهل البهقباذ الأوسط على أموالكم ليس فيها ما كان
لآل كسرى ومن مال ميلهم شهد هشام بن الوليد والقعقاع بن عمرو وجرير بن
عبد الله الحميري وبشير بن عبيد الله بن الخصاصية وحنظلة بن الربيع وكتب سنة
اثنتي عشرة في صفر وبعث خالد بن الوليد عماله ومسالحه فبعث في العمالة عبد الله
ابن وثيمة النصري فنزل في أعلى العمل بالفلاليج على المنعة وقبض الجزية وجرير
ابن عبد الله على بانقيا وبسما وبشير بن الخصاصية على النهرين فنزل الكويفة ببانبورا
وسويد بن مقرن المزني إلى تستر فنزل العقر فهي تسمى عقر سويد إلى اليوم وليست
بسويد المنقري سميت وأط بن أبي أط إلى روذ مستان فنزل منزلا على نهر سمى
ذلك النهر به ويقال نهر أط إلى اليوم وهو رجل من بنى سعد بن زيد مناة فهؤلاء
كانوا عمال الخراج زمن خالد بن الوليد وكانت الثغور في زمن خالد بالسيب بعث
ضرار بن الأزور وضرار بن الخطاب والمثنى بن حارثة وضرار بن مقرن والقعقاع
عمرو وبسر بن أبي رهم وعتيبة بن النهاس فنزلوا على السيب في عرض سلطانه
فهؤلاء امراء ثغور خالد وأمرهم خالد بالغارة والالحاح فمخروا ما وراء ذلك
إلى شاطئ دجلة قالوا ولما غلب خالد على أحد جانبي السواد دعا من أهل الحيرة
برجل وكتب معه إلى أهل فارس وهم بالمدائن مختلفون متساندون لموت أردشير
إلا أنهم قد أنزلوا بهمن جازويه ببهرسير وكأنه على المقدمة ومع بهمن جاذويه
الآزاذبه في أشباه له ودعا صلوبا برجل وكتب معهما كتابين فأما أحدهما فإلى
الخاصة وأما الآخر فإلى العامة أحدهما حيرى والآخر نبطي ولما قال خالد لرسول
أهل الحيرة ما اسمك قال مرة قال خذ الكتاب فأت به أهل فارس لعل الله أن
يمر عليهم عيشهم أو يسلموا أو ينيبوا وقال لرسول صلوبا ما اسمك قال هزقيل
571

قال فخذ الكتاب وقال اللهم أزهق نفوسهم (كتب إلى السرى) عن شعيب
عن سيف عن مجالد وغيره بمثله والكتابان بسم الله الرحمن الرحيم من خالد بن الوليد
إلى ملوك فارس أما بعد فالحمد لله الذي حل نظامكم ووهن كيدكم وفرق كلمتكم ولو
لم يفعل ذلك بكم كان شرا لكم فأدخلوا في أمرنا ندعكم وأرضكم ونجوزكم إلى غيركم
وإلا كان ذلك وأنتم كارهون على غلب على أيدي قوم يحبون الموت كما تحبون
الحياة بسم الله الرحمن الرحيم من خالد بن الوليد إلى مرازبة فارس أما بعد
فأسلموا تسلموا وإلا فاعتقدوا منى الذمة وأدوا الجزية وإلا فقد جئتكم بقوم
يحبون الموت كما تحبون شرب الخمر * حدثني عبيد الله قال حدثني عمى عن سيف
عن محمد بن نويرة عن أبي عثمان والسري عن شعيب عن سيف عن محمد بن
عبد الله عن أبي عثمان والمهلب بن عقبة وزياد بن سرجس عن سياه وسفيان
الأحمري عن ما هان أن الخراج جبى إلى خالد في خمسين ليلة وكان الذين ضمنوه
والذين هم رؤس الرساتيق رهنا في يده فأعطى ذلك كله للمسلمين فقووا به على
أمورهم وكان أهل فارس بموت أردشير مختلفين في الملك مجتمعين على قتال خالد
متساندين وكانوا بذلك سنة والمسلمون يمخرون ما دون دجلة وليس لأهل فارس
فيما بين الحيرة ودجلة أمر وليست لاحد منهم ذمة إلا الذين كاتبوه واكتتبوا
منه وسائر أهل السواد جلاء ومتحصنون ومحاربون واكتتب عمال الخراج
وكتبوا البراءات لأهل الخراج من نسخة واحدة بسم الله الرحمن الرحيم براءة
لمن كان من كذا وكذا من الجزية التي صالحهم عليها الأمير خالد بن الوليد وقد
قبضت الذي صالحهم عليه خالد وخالد والمسلمون لكم يد على من بدل صلح
خالد ما أقررتم وكففتم أمانكم أمان وصلحكم صلح نحن لكم على الوفاء
واشهدوا لهم النفر من الصحابة الذين كان خالد أشهدهم هشام والقعقاع وجابر
ابن طارق وجريرا وبشيرا وحنظلة وأزداذ والحجاج بن ذي العنق ومالك بن
زيد * حدثنا عبيد الله قال حدثني عمى عن سيف عن عطية بن الحارث عن عبد
خير قال وخرج خالد وقد كتب أهل الحيرة عنه كتابا إنا قد أدينا الجزية التي
572

عاهدنا عليها خالد العبد الصالح والمسلمون عباد الله الصالحون على أن يمنعونا
وأميرهم البغى من المسلمين وغيرهم وأما السرى فإنه قال في كتابه إلى حدثنا
شعيب عن سيف عن عطية بن الحارث عن عبد خير عن هشام بن الوليد
قال فرغ خالد ثم سائر الحديث مثل حديث عبيد الله بن سعد
* حدثنا عبد الله قال حدثني عمى عن سيف والسري عن شعيب عن سيف عن
عبد العزير بن سياه عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن الهذيل الكاهلي نحوا منه
قالوا وأمر الرسولين اللذين بعثهما أن يوفياه بالخبر وأقام خالد في عمله سنة
ومنزله الحيرة يصعد ويصوب قبل خروجه إلى الشأم وأهل فارس
يخلعون ويملكون ليس إلا الدفع عن بهرسير وذلك أن شيرى بن كسرى
قتل كل من كان يناسبه إلى كسرى بن قباذ ووثب أهل فارس بعده وبعد أردشير
ابنه فقتلوا كل من بين كسرى بن قباذ وبين بهرام جور فبقوا لا يقدرون على من
يملكونه ممن يجتمعون عليه * حدثنا عبيد الله قال حدثني عمى قال حدثني سيف
عن عمرو والمجالد عن الشعبي قال أقام خالد بن الوليد فيما بين فتح الحيرة إلى خروجه
إلى الشأم أكثر من سنة يعالج عمل عياض الذي سمى له وقال خالد للمسلمين لولا
ما عهد إلى الخليفة لم أتنقذ عياضا وكان قد شجى وأشجى بدومة وما كان دون
فتح فارس شئ إنها لسنة كأنها سنة نساء وكان عهد إليه أن لا يقتحم عليهم وخلفه
نظام لهم وكان بالعين عسكر لفارس وبالأنبار آخر وبالفراض آخر ولما
وقعت كتب خالد إلى أهل المدائن تكلم نساء آل كسرى فولى الفرخزاذ بن البندوان
إلى أن يجتمع آل كسرى على رجل إن وجدوه (كتب إلى السرى) عن شعيب
عن سيف عن محمد بن عبد الله عن أبي عثمان وطلحة عن المغيرة والمهلب عن سياه
وسفيان عن ماهان قالوا كان أبو بكر رحمه الله قد عهد إلى خالد أن يأتي العراق
من أسفل منها وإلى عياض أن يأتي العراق من فوقها وأيكما ما سبق إلى الحيرة
فهو أمير على الحيرة فإذا اجتمعتما بالحيرة إن شاء الله وقد فضضتما مسالح ما بين
العرب وفارس وأمنتم أن يؤتى المسلمون من خلفهم فليقم بالحيرة أحدكما وليقتحم
573

الآخر على القوم وجالدوهم عما في أيديهم واستعينوا بالله واتقوه وآثروا أمر
الآخرة على الدنيا يجتمعا لكم ولا تؤثروا الدنيا فتسلبوهما واحذروا ما حذركم
الله بترك المعاصي ومعاجلة التوبة وإياكم والإصرار وتأخير التوبة فأتى خالد
على ما كان أمر به ونزل الحيرة واستقام له ما بين الفلاليج إلى أسفل السواد وفرق
سواد الحيرة يومئذ على جرير بن عبد الله الحميري وبشير بن الخصاصية وخالد
ابن الواشمة وابن ذي العنق وأط وسويد وضرار وفرق سواد الأبلة على سويد
ابن مقرن وحسكة الحبطي والحصين بن أبي الحر وربيعة بن عسل وأقر المسالح
على ثغورهم واستخلف على الحيرة القعقاع بن عمرو وخرج خالد في عمل عياض
ليقضى ما بينه وبينه ولاغاثته فسلك الفلوجة حتى نزل بكربلاء وعلى مسلحتها
عاصم بن عمرو وعلى مقدمة خالد الأقرع بن حابس لان المثنى كان على ثغر من
الثغور التي على المدائن فكانوا يغاورون أهل فارس وينتهون إلى شاطئ دجلة
قبل خروج خالد من الحيرة وبعد خروجه في إغاثة عياض (كتب إلى السرى)
عن شعيب عن سيف عن أبي روق عمن شهدهم بمثله إلى أن قال وأقام خالد
على كربلاء أياما وشكا إليه عبد الله بن وثيمة الذباب فقال له خالد اصبر فإني
إنما أريد أن أستفرغ المسالح التي أمر بها عياض فنسكنها العرب فتأمن جنود
المسلمين أن يؤتوا من خلفهم وتجيئنا العرب أمنة وغير متعتعة وبذلك أمرنا
الخليفة ورأيه يعدل نجدة الأمة وقال رجل من أشجع فيما شكا ابن وثيمة
لقد حبست في كربلاء مطيتي * وفى العين حين عاد غثا سمينها
إذا رحلت من مبرك رجعت له * لعمر أيها إنني لاهينها
ويمنعها من ماء كل شريعة * رفاق من الذبان زرق عيونها
حديث الأنبار وهى ذات العيون وذكر كلواذى
(كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وأصحابهما قالوا
خرج خالد بن الوليد في تعبيته التي خرج فيها من الحيرة وعلى مقدمته الأقرع
574

ابن حابس فلما نزل الأقرع المنزل الذي يسلمه إلى الأنبار انتج قوم من المسلمين
إبلهم فلم يستطيعوا العرجة ولم يجدوا بدا من الاقدام ومعهم بنات مخاض تتبعهم
فلما نودي بالرحيل صروا الأمهات واحتقبوا المنتوجات لأنها لم تطق السير
فانتهوا ركبانا إلا الأنبار وقد تحصن أهل الأنبار وخندقوا عليهم وأشرفوا
من حصنهم وعلى تلك الجنود شيرزاذ صاحب ساباط وكان أعقل أعجمي يومئذ
وأسوده وأقنعه في الناس العرب والعجم فتصايح عرب الأنبار يومئذ من السور
وقالوا صبح الأنبار أشر جمل يحمل جميلة وحمل تربه عوذ فقال شيرزاد ما يقولون
ففسر له فقال أما هؤلاء فقد قضوا على أنفسهم وذلك أن القوم إذا قضوا على
أنفسهم قضاء كاد يلزمهم والله لئن لم يكن خالد مجتازا لأصالحنه فبينا هم كذلك
قدم خالد على المقدمة فأطاف بالخندق وأنشب القتال وكان قليل الصبر عنه إذا
رآه أو سمع به وتقدم إلى رماته فأوصاهم وقال إني أرى أقواما لا علم لهم بالحرب
فارموا عيونهم ولا توخوا غيرها فرموا رشقا واحدا ثم تابعوا ففقئ ألف عين
يومئذ فسميت تلك الوقعة ذات العيون وتصايح القوم ذهبت عيون أهل الأنبار
فقال شيرزاذ ما يقولون ففسر له فقال آباذ آباذ فراسل خالدا في الصلح على
أمر لم يرضه خالد فرد رسله وأتى خالد أضيق مكان في الخندق في برذايا الجيش
فنحرها ثم رمى بها فيه فأفعمه ثم اقتحم الخندق والرذايا جسورهم فاجتمع المسلمون
والمشركون في الخندق وأرز القوم إلى حصنهم وراسل شيرزاذ خالدا في الصلح
على ما أراد فقبل منه على أن يخليه ويلحقه بمأمنه في جريدة خيل ليس معهم من
المتاع والأموال شئ فخرج شيرزاذ فلما قدم على بهمن جاذويه فأخبره الخبر
لامه فقال إني كنت في قوم ليست لهم عقول وأصلهم من العرب فسمعتهم
مقدمهم علينا يقضون على أنفسهم وقلما قضى قوم على أنفسهم قضاء إلا وجب
عليهم ثم قاتلهم الجند ففقؤا فيهم وفى أهل الأرض ألف عين فعرفت أن المسألة
أسلم ولما اطمأن خالد بالأنبار والمسلمون وأمن أهل الأنبار وظهروا رآهم
يكتبون بالعربية ويتعلمونها فسألهم ما أنتم فقالوا قوم من العرب نزلنا إلى قوم
575

من العرب قبلنا فكانت أوائلهم نزلوها أيام بخنتصر حين أباح العرب ثم لم
تزل عنها فقال ممن تعلمتم فقالوا تعلمنا الخط من إياد وأنشدوه قول الشاعر
قومي إياد لو أنهم أمم * أو لو أقاموا فتهزل النعم
قوم لهم باحة العراق إذا * ساروا جميعا والخط والقلم
وصالح خالد من حولهم وبدأ بأهل البوازيج وبعث إليه أهل كلواذى ليعقد
لهم فكاتبهم فكانوا عيبته من وراء دجلة ثم إن أهل الأنبار وما حولها نقضوا
فيما كان يكون بين المسلمين والمشركين من الدول ما خلا أهل البوازيج فإنهم
ثبتوا كما ثبت أهل بانقيا (كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن عبد العزيز
يعنى ابن سياه عن حبيب بن أبي ثابت قال ليس لأحد من أهل السواد عقد قبل
الوقعة إلا بنى صلوبا وهم أهل الحيرة وكلواذى وقرى من قرى الفرات ثم غدروا
حتى دعوا إلى الذمة بعد ما غدروا (كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف
عن محمد بن قيس قال قلت للشعبي أخذ السواد عنوة قال نعم وكل أرض إلا
بعض القلاع والحصون فان بعضهم صالح به وبعضهم غلب فقلت فهل لأهل
السواد ذمة اعتقدوها قبل الهرب قال لا ولكنهم لما دعوا ورضوا بالخراج
وأخذ منهم صاروا ذمة
خبر عين التمر
(كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة والمهلب وزياد
قالوا ولما فرغ خالد من الأنبار واستحكمت له استخلف على الأنبار الزبرقان بن
بدر وقصد لعين التمر وبها يومئذ مهران بن بهرام جوبين في عظيم من العجم وعقة
ابن أبي عقة في جمع عظيم من العرب من التمر وتغلب وإياد ومن لا فهم فلما سمعوا
بخالد قال عقة لمهران ان العرب أعلم بقتال العرب فدعنا وخالدا قال صدقت
لعمري لأنتم أعلم بقتال العرب وإنكم لمثلنا في قتال العجم فخدعه واتقى به وقال
دونكموهم وإن احتجتم إلينا أعناكم فلما مضى نحو خالد قالت له الأعاجم ما حملك
576

على أن تقول هذا القول لهذا الكلب فقال دعوني فإني لم أرد إلا خير لكم
شر لهم إنه قد جاءكم من قتل ملوككم وفل حدكم فاتقنه بهم فإن كانت لهم على
خالد فهي لكم وإن كانت الأخرى لم تبلغوا منهم حتى يهنوا فنقاتلهم ونحن أقوياء
وهم مضعفون فاعترفوا له بفضل الرأي فلزم مهران العين ونزل عقة لخالد على
الطريق وعلى ميمنته بجير بن فلان أحد بنى عبيد بن سعد بن زهير وعلى ميسرته
الهذيل بن عمران وبين عقة وبين مهران روحة أو غدوة ومهران في الحصن في
رابطة فارس وعقة على طريق الكرخ كالخفير فقدم عليه خالد وهو في تعبئة جنده
فعبى خالد جنده وقال لمجنبتيه اكفونا ما عنده فانى حامل ووكل بنفسه حوامي ثم
حمل وعقة يقيم صفوفه فاحتضنه فأخذه أسيرا وانهزم صفه من غير قتال فأكثروا
فيهم الأسر وهرب بجير والهذيل واتبعهم المسلمون ولما جاء الخبر مهران هرب
في جنده وتركوا الحصن ولما انتهت فلال عقة من العرب والعجم إلى الحصن
اقتحموه واعتصموا به وأقبل خالد في الناس حتى ينزل على الحصن ومعه عقة
أسير وعمرو بن الصعق وهم يرجون أن يكون خالد كمن كان يغير من العرب فلما
رأوه يحاولهم سألوه الأمان فأبى إلا على حكمه فسلسلوا له به فلما فتحوا دفعهم إلى
المسلمين فصاروا مساكا وأمر خالد بعقة وكان خفير القوم فضربت عنقه ليوئس
الاسراء من الحياة ولما رآه مطروحا على الجسر يئسوا من الحياة ثم دعا
بعمرو بن الصعق فضرب عنقه وضرب أعناق أهل الحصن أجمعين وسبى كل من
حوى حصنهم وغنم ما فيه ووجد في بيعتهم أربعين غلاما يتعلمون الإنجيل عليهم باب
مغلق فكسره عنهم وقال ما أنتم قالوا رهن فقسمهم في أهل البلاء منهم أبو زياد مولى
ثقيف ومنهم نصير أبو موسى بن نصير ومنهم أبو عمرة جد عبد الله بن عبد الاعلى
الشاعر وسيرين أبو محمد بن سيرين وحريث وعلاثة فصار أبو عمرة لشرحبيل بن حسنة
وحريث لرجل من بنى عباد وعلاثة للمعنى وحمران لعثمان ومنهم عمير وأبو قيس
فثبت على نسبه من موالى أهل الشأم القدماء وكان نصير ينسب إلى بنى يشكر
وأبو عمرة إلى بنى مرة ومنهم ابن أخت النمر (كتب إلى السرى) عن شعيب
577

عن سيف عن محمد وطلحة وأبى سفيان طلحة بن عبد الرحمن والمهلب بن عقبة قالوا
ولما قدم الوليد بن عقبة من عند خالد على أبى بكر رحمه الله بما بعث به إليه من الأخماس
وجهه إلى عياض وأمد به فقدم عليه الوليد وعياض محاصرهم وهم محاصروه وقد
أخذوا عليه بالطريق فقال له الرأي في بعض الحالات خير من جند كثيف ابعث
إلى خالد فاستمده ففعل فقدم عليه رسوله غب وقعة العين مستغيثا فعجل إلى عياض
بكتابه من خالد إلى عياض إياك أريد
لبث قليلا تأتك الحلائب * يحملن آسادا عليها القاشب * كتائب يتبعها كتائب
خبر دومة الجندل
قالوا ولما فرغ خالد من عين التمر خلف فيها عويم بن الكاهل الأسلمي وخرج
في تعبيته التي دخل فيها العين ولما بلغ أهل دومة مسير خالد إليهم بعثوا إلى
أحزابهم من بهراء وكلب وغسان وتنوخ والضجاعم وقبل ما قد أتاهم وديعة في
كلب وبهراء ومسانده ابن وبرة بن رومانس وأتاهم ابن الحدرجان في
الضجاعم وابن الأيهم في طوائف من غسان وتنوخ فأشجوا عياضا وشجوا به
فلما بلغهم دنو خالد وهم على رئيسين أكيدر بن عبد الملك والجودي بن
ربيعة اختلفوا فقال أكيدر أنا أعلم الناس بخالد لا أحد أيمن طائرا منه ولا أحد
في حرب ولا يرى وجه خالد قوم أبدا قلوا أو كثروا الا انهزموا عنه فأطيعوني
وصالحوا القوم فأبوا عليه فقال لن أمالئكم على حرب خالد فشأنكم
فخرج لطيته وبلغ ذلك خالدا فبعث عاصم بن عمرو معارضا له فأخذه فقال
إنما تلقيت الأمير خالدا فلما أتى به خالدا أمر به فضربت عنقه وأخذ ما كان
معه من شئ ومضى خالد حتى ينزل على أهل دومة وعليهم الجودي بن ربيعة ووديعة
الكلبي وابن رومانس الكلبي وابن الأيهم ابن الحدرجان فجعل خالد دومة بين
عسكره وعسكر عياض وكان النصارى الذين أمدوا أهل دومة من العرب محيطين
بحصن دومة لم يحملهم الحصن فلما اطمأن خالد خرج الجودي فنهض بوديعة
578

فزحفا لخالد وخرج ابن الحدرجان وابن الأيهم إلى عياض فاقتتلوا فهزم الله
الجودي ووديعة على يدي خالد وهزم عياض من يليه وركبهم المسلمون فأما خالد
فإنه أخذ الجودي أخذا وأخذ الأقرع بن حابس وديعة وأرز بقية الناس إلى
الحصن فلم يحملهم فلما امتلا الحصن أغلق من في الحصن الحصن دون أصحابهم
فبقوا حوله حرداء وقال عاصم بن عمرو يا بنى تميم حلفاؤكم كلب آسروهم وأجيروهم
فإنكم لا تقدرون لهم على مثلها ففعلوا وكان سبب نجاتهم يومئذ وصية عاصم بنى
تميم بهم وأقبل خالد على الذين أرزوا إلى الحصن فقتلهم حتى سد بهم باب الحصن ودعا
خالد بالجودي فضرب عنقه ودعا بالأسرى فضرب أعناقهم إلا أسارى كلب فإن عاصما
والأقرع وبنى تميم قالوا قد آمناهم فأطلقهم لهم خالد وقال مالي ولكم أتحفظون أمر
الجاهلية وتضيعون أمر الاسلام فقال له عاصم لا تحسدهم العافية ولا يحوزهم الشيطان
ثم أطاف خالد بالباب فلم يزل عنه حتى اقتلعه واقتحموا عليهم فقتلوا المقاتلة وسبوا
الشرخ فأقاموهم فيمن يزيد فاشترى خالد ابنة الجودي وكانت موصوفة وأقام
خالد بدومة ورد الأقرع إلى الأنبار ولما رجع خالد إلى الحيرة وكان منها قريبا
حيث يصبحها أخذ القعقاع أهل الحيرة بالتقليس فخرجوا يتلقونه وهم يقلسون
وجعل بعضهم يقول لبعض مروا بنا فهذا فرح الشر (كتب إلى السرى) عن شعيب
عن سيف عن محمد وطلحة والمهلب قالوا وقد كان خالد أقام بدومة فظن الأعاجم به
وكاتبهم عرب الجزيرة غضبا لعقة فخرج زرمهر من بغداد ومعه روزبه يريدان
الأنبار واتعد حصيدا والخنافس فكتب الزبرقان وهو على الأنبار إلى القعقاع
ابن عمرو وهو يومئذ خليفة خالد على الحيرة فبعث القعقاع أعبد بن فدكي السعدي
وأمره بالحصيد وبعث عروة بن الجعد البارقي وأمره بالخنافس وقال لهما إن رأيتما
مقدما فأقدما فخرجا فحالا بينهما وبين الريف وأغلقاهما وانتظر روزبه وزرمهر
بالمسلمين اجتماع من كاتبهما من ربيعة وقد كانوا تكاتبوا واتعدوا فلما رجع خالد من
دومة إلى الحيرة على الظهر وبلغه ذلك وقد عزم على مصادمة أهل المدائن كره
خلاف أبى بكر وأن يتعلق عليه بشئ فعجل القعقاع بن عمرو وأبا ليلى بن فدكي
579

إلى روزبه وزرمهر فسبقاه إلى عين التمر وقدم على خالد كتاب امرئ القيس
الكلبي أن الهذيل بن عمران قد عسكر بالمضيح ونزل ربيعة بن بجير بالثنى وبالبشر
في عسكر غضبا لعقة يريدان زرمهر وروزبه فخرج خالد وعلى مقدمته الأقرع بن
حابس واستخلف على الحيرة عياض بن غنم وأخذ طريق القعقاع وأبى ليلى إلى
الخنافس حتى قدم عليهما بالعين فبعث القعقاع إلى الحصيد وأمره على الناس وبعث
أبا ليلى إلى الخنافس وقال زجياهم ليجتمعوا ومن استثأرهم وإلا فواقعاهم فأبيا إلا المقام
خبر حصيد
فلما رأى القعقاع أن زرمهر وروزبه لا يتحركان سار نحو حصيد وعلى من
مر به من العرب والعجم روزبه ولما رأى روزبه أن القعقاع قد قصد له استمد
زرمهر فأمده بنفسه واستخلف على عسكره المهبوذان فالتقوا بحصيد فاقتتلوا فقتل
الله العجم مقتلة عظيمة وقتل القعقاع زرمهر وقتل روزبه قتله عصمة بن عبد الله
أحد بنى الحارث بن طريف من بنى ضبة وكان عصمة من البررة وكل فخذها جرت
بأسرها تدعى البررة وكل قوم هاجروا من بطن يدعون الخيرة فكان المسلمون
خيرة وبررة وغنم المسلمون يوم حصيد غنائم كثيرة وأرز فلال حصيد إلى
الخنافس فاجتمعوا بها
الخنافس
وسار أبو ليلى بن فدكي بمن معه ومن قدم عليه نحو الخنافس وقد أرزت
فلال حصيد إلى المهبوذان فلما أحس المهبوذان هرب ومن معه وأرزوا إلى
المضيح وبه الهذيل بن عمران ولم يلق بالخنافس كيدا وبعثوا إلى خالد بالخبر جميعا
مضيح بنى البرشاء
قالوا ولما انتهى الخبر إلى خالد بمصاب أهل الحصيد وهرب أهل الخنافس
كتب إليهم ووعد القعقاع وأبا ليلى وأعبد وعروة ليلة وساعة يجتمعون فيها
إلى المضيح وهو بين حوران والقلت وخرج خالد من العين قاصدا للمضيح على
580

الإبل يجنب الخيل فنزل الجناب فالبردان فالحنى واستقل من الحنى فلما كان تلك
الساعة من ليلة الموعد اتفقوا جميعا بالمضيح فأغاروا على الهذيل ومن معه ومن
أوى إليه وهم نائمون من ثلاثة أوجه فقتلوهم وأفلت الهذيل في أناس قليل وامتلا
الفضاء قتلى فما شبهوا بهم إلا غنما مصرعة وقد كان حرقوص بن النعمان قد محضهم
النصح وأجاد الرأي فلم ينتفعوا بتحذيره وقال حرقوص بن النعمان قبل الغارة
* ألا سقياني قبل خيل أبى بكر * الأبيات وكان حرقوص معرسا بامرأة
من بنى هلال تدعى أم تغلب فقتلت تلك الليلة وعبادة بن البشر وامرؤ القيس
ابن بشر وقيس بن بشر وهؤلاء بنو الثورية من بنى هلال وأصاب جرير بن
عبد الله يوم المضيح من النمر عبد العزى بن أبي رهم بن قرواش أخا أوس مناة
من النمر وكان معه ومع لبيد بن جرير كتاب من أبى بكر بإسلامهما وبلغ أبا بكر
قول عبد العزى وقد سماه عبد الله ليلة الغارة وقال سبحانك اللهم رب محمد فواده
وودى لبيدا وكانا أصيبا في المعركة وقال أما إن ذلك ليس على إذ نازلا أهل الحرب
وأوصى بأولادهما وكان عمر يعتد على خالد بقتلهما إلى قتل مالك يعنى ابن نويرة
فيقول أبو بكر كذلك يلقى من ساكن أهل الحرب في ديارهم وقال عبد العزى
أقول إذ طرق الصباح بغارة * سبحانك اللهم رب محمد
سبحان ربى لا إله غيره * رب البلاد ورب من يتورد
(كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن عطية عن عدى بن حاتم
قال أغرنا على أهل المضيح وإذا رجل يدعى باسمه حرقوص بن النعمان من النمر
وإذا حوله بنوه وامرأته وبينهم جفنة من خمر وهم عليها عكوف يقولون له ومن
يشرب هذه الساعة وفى أعجاز الليل فقال اشربوا شرب وداع فما أرى أن تشربوا
خمرا بعدها هذا خالد بالعين وجنوده بحصيد وقد بلغه جمعنا وليس بتاركنا ثم قال
ألا فاشربوا من قبل قاصمة الظهر * بعيد انتفاخ القوم بالعكر الدثر
وقبل منايانا المصيبة بالقدر * لحين لعمري لا بزيد ولا يحرى
581

فسبق إليه وهو في ذلك بعض الخيل فضرب رأسه فإذا هو في جفنته وأخذنا
بناته وقتلنا بنيه
(الثنى والزميل)
وقد نزل ربيعة بن بجير التغلبي الثنى والبشر غضبا لعقة وواعد روزبه
وزرمهر والهذيل فلما أصاب خالد أهل المضيح بما أصابهم به تقدم إلى القعقاع
والى أبى ليلى بأن يرتحلا أمامه وواعدهما الليلة ليفترقوا فيها للغارة عليهم من
ثلاثة أوجه كما فعل بأهل المضيح ثم خرج خالد من المضيح فنزل حوران ثم
الرنق ثم الحماة وهى اليوم لبنى جنادة بن زهير من كلب ثم الزميل وهو البشر
والثنى معه وهما اليوم شرقي الرصافة فبدأ بالثنى واجتمع هو وأصحابه فبيته من
ثلاثة أوجه بياتا ومن اجتمع له واليه ومن تأشب لذلك من الشبان فجردوا فيهم
السيوف فلم يفلت من ذلك الجيش محبر واستبى الشرخ وبعث بخمس الله إلى
أبى بكر مع النعمان بن عوف بن النعمان الشيباني وقسم النهب والسبايا فاشترى على
ابن أبي طالب عليه السلام بنت ربيعة بن بجير التغلبي فاتخذها فولدت له عمر
ورقية وكان الهذيل حين نجا أوى إلى الزميل إلى عتاب بن فلان وهو بالبشر
في عسكر ضخم فبيتهم بمثلها غارة شعواء من ثلاثة أوجه سبقت إليهم الخبر عن
ربيعة فقتل منهم مقتلة عظيمة لم يقتلوا قبلها مثلها وأصابوا منهم ما شاؤوا وكانت
على خالد يمين ليبغتن تغلب في دارها وقسم خالد فيأهم في الناس وبعث بالأخماس
إلى أبى بكر مع الصباح بن فلان المزني وكانت في الأخماس ابنة مؤذن النمري
وليلى بنت خالد وريحانة بنت الهذيل بن هبيرة ثم عطف خالد من البشر إلى
الرضاب وبها هلال بن عقة وقد ارفض عنه أصحابه حين سمعوا بدنو خالد وانقشع
عنها هلال فلم يلق كيدا بها
(حديث الفراض)
ثم قصد خالد بعد الرضاب وبغتته تغلب إلى الفراض والفراض تخوم الشأم
والعراق والجزيرة فأفطر بها رمضان في تلك السفرة التي اتصلت لها فيها الغزوات
582

والأيام ونظمن نظما أكثر فيهن الرجاز إلى ما كان قبل ذلك منهن (كتب إلى
السرى) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وشاركهم عمرو بن محمد عن رجل
من بنى سعد عن ظفر بن دهى والمهلب بن عقبة قالوا فلما اجتمع المسلمون
بالفراض حميت الروم واغتاظت واستعانوا بمن يليهم من مسالح أهل فارس
وقد حموا واغتاظوا واستمدوا تغلب وأياد والنمر فأمدوهم ثم ناهدوا خالدا
حتى إذا صار الفرات بينهم قالوا اما أن تعبروا إلينا واما أن نعبر إليكم قال خالد
بل اعبروا إلينا قالوا فتنحوا حتى نعبر فقال خالد لا نفعل ولكن اعبروا أسفل
منا وذلك للنصف من ذي القعدة سنة اثنتي عشرة فقالت الروم وفارس بعضهم
لبعض احتسبوا ملككم هذا رجل يقاتل على دين وله عقل وعلم ووالله لينصرن
ولنخذلن ثم لم ينتفعوا بذلك فعبروا أسفل من خالد فلما تتاموا قالت الروم
امتازوا حتى نعرف اليوم ما كان من حسن أو قبيح من أينا يجئ ففعلوا فاقتتلوا
قتالا شديدا طويلا ثم إن الله عز وجل هزمهم وقال خالد للمسلمين ألحوا عليهم
ولا ترفهوا عنهم فجعل صاحب الخيل يحشر منهم الزمرة برماح أصحابه فإذا جمعوهم
قتلوهم فقتل يوم الفراض في المعركة وفى الطلب مائة ألف وأقام خالد على الفراض
بعد الوقعة عشرا ثم أذن في الفعل إلى الحيرة لخمس بقين من ذي القعدة وأمر عاصم
ابن عمرو أن يسير بهم وأمر شجرة بن الأعز أن يسوقهم وأظهر خالد أنه في الساقة
(حجة خالد)
(قال أبو جعفر) وخرج خالد حاجا من الفراض لخمس بقين من ذي القعدة
مكتتما بحجه ومعه عدة من أصحابه يعتسف البلاد حتى أتى مكة بالسمت فتأتى له
من ذلك ما لم يتأت لدليل ولا ريبال فسار طريقا من طرق أهل الجزيرة لم ير
طريق أعجب منه ولا أشد على صعوبته منه فكانت غيبته عن الجند يسيرة فما توافي
إلى الحيرة آخرهم حتى وافاهم مع صاحب الساقة الذي وضعه فقدما معا وخالد
وأصحابه محلقون لم يعلم بحجه الا من أفضى إليه بذلك من الساقة ولم يعلم أبو بكر
583

رحمه الله بذلك إلا بعد فعتب عليه وكانت عقوبته إياه أن صرفه إلى الشأم وكان
مسير خالد من الفراض أن استعرض البلاد متعسفا متسمتا فقطع طريق الفراض
ماء العنبري ثم مثقبا ثم انتهى إلى ذات عرق فشرق منها فاسلمه إلى عرفات من
الفراض وسمى ذلك الطريق الصد ووافاه كتاب من أبى بكر منصرفه من حجه
بالحيرة يأمره بالشام يقاربه ويباعده (قال أبو جعفر) قالوا فوافى خالدا
كتاب أبى بكر بالحيرة منصرفه من حجه أن سر حتى تأتى جموع المسلمين
باليرموك فإنهم قد شجوا وأشجوا وإياك أن تعود لمثل ما فعلت فإنه لم يشج الجموع
من الناس بعون الله شجيك ولم ينزع الشجى من الناس نزعك فليهنئك أبا سليمان النية
والحظوة فأتمم يتمم الله لك ولا يدخلنك عجب فتسخر وتخذل وإياك ان تدل بعمل
فإن الله له المن وهو ولى الجزاء (كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن
عبد الملك بن عطاء بن البكائي عن المقطع بن الهيثم البكائي عن أبيه قال كان
أهل الأيام من أهل الكوفة يوعدون معاوية عند بعض الذي يبلغهم ويقولون
ما شاء معاوية نحن أصحاب ذات السلاسل ويسمون ما بينها وبين الفراض ما يذكرون
ما كان بعد احتقارا لما كان بعد فيما كان قبل * وحدثني عمير بن شيبة قال حدثنا
علي بن محمد بالاسناد الذي قد مضى ذكره أن خالد بن الوليد أتى الأنبار فصالحوه
على الجلاء ثم أعطوه شيئا رضى به فأقرهم وأنه أغار على سوق بغداد من رستاق
العال وأنه وجه المثنى على سوق فيها جمع لقضاعة وبكر فأصاب ما في السوق
ثم سار إلى عين التمر ففتحها عنوة فقتل وسبى وبعث بالسبي إلى أبى بكر فكان
أول سبى قدم المدينة من العجم وسار إلى دومة الجندل فقتل أكيدر وسبى ابنة
الجودي ورجع فأقام بالحيرة هذا كله سنة اثنتي عشرة (وفيها) تزوج عمر رحمه الله
عاتكة بنت زيد (وفيها) مات أبو مرثد الغنوي (وفيها) مات أبو العاصي بن
الربيع في ذي الحجة وأوصى إلى الزبير وتزوج علي عليه السلام ابنته
(وفيها) اشترى عمر أسلم مولاه (واختلف) فيمن حج بالناس في هذه السنة
فقال بعضهم حج بهم فيها أبو بكر رحمه الله
584

ذكر من قال ذلك
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن العلاء بن عبد الرحمن
ابن يعقوب مولى الحرقة عن رجل من بنى سهم عن ابن ماجدة السهمي أنه قال
حج أبو بكر في خلافته سنة اثنتي عشرة وقد عارمت غلاما من أهلي فعض بأذني
فقطع منها أو عضضت بأذنه فقطعت منها فرفع شأننا إلى أبى بكر فقال اذهبوا
بهما إلى عمر فلينظر فإن كان الجارح قد بلغ فليقدمنه فلما انتهى بنا إلى عمر رضي الله عنه
قال لعمري لقد بلغ هذا ادعوا لي حجاما قال فلما ذكر الحجام قال أما
إني قد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول قد أعطيت خالتي غلاما وأنا أرجو
أن يبارك الله لها فيه وقد نهيتها أن تجعله حجاما أو قصابا أو صائغا فاقتص منه *
وذكر الواقدي عن عثمان بن محمد بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبي وجزة
يزيد بن عبيد عن أبيه أن أبا بكر حج في سنة اثنتي عشرة واستخلف على المدينة
عثمان بن عفان رحمه الله وقال بعضهم حج بالناس سنة اثنتي عشرة عمر بن الخطاب
ذكر من قال ذلك
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال بعض الناس يقول لم
يحج أبو بكر في خلافته وأنه بعث سنة اثنتي عشرة على الموسم عمر بن الخطاب
أو عبد الرحمن بن عوف
ثم دخلت سنة ثلاث عشرة
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث
ففيها وجه أبو بكر رحمه الله الجيوش إلى الشام بعد منصرفه من مكة إلى
المدينة * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال لما قفل أبو بكر
من الحج سنة اثنتي عشرة جهز الجيوش إلى الشأم فبعث عمرو بن العاصي قبل
فلسطين فأخذ طريق المعرقة على أيلة وبعث يزيد بن أبي سفيان وأبا عبيدة
ابن الجراح وشرحبيل بن حسنة وهو أحد الغوث وأمرهم أن يسلكوا التبوكية
585

على البلقاء من علياء الشأم * وحدثني عمر بن شيبة عن علي بن محمد بالاسناد الذي
ذكرت قبل عن شيوخه الذين مضى ذكرهم قال ثم وجه أبو بكر الجنود إلى الشأم
أول سنة ثلاث عشرة فأول لواء عقده لواء خالد بن سعيد بن العاصي ثم عزله
قبل أن يسيره وولى يزيد بن أبي سفيان فكان أول الامراء الذين خرجوا إلى
الشأم وخرجوا في سبعة آلاف (قال أبو جعفر) وكان سبب عزل أبى بكر
خالد بن سعيد فيما ذكر ما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن
عبد الله بن أبي بكر أن خالدا بن سعيد حين قدم من اليمن بعد وفاة رسول الله
صلى الله عليه وسلم تربص ببيعته شهرين يقول قد أمرني رسول الله صلى الله عليه
وسلم ثم لم يعزلني حتى قبضه الله وقد لقى علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان فقال
يا بنى عبد مناف لقد طبتم نفسا عن أمركم يليه غيركم فأما أبو بكر فلما يحفلها عليه
وأما عمر فاضطغنها عليه ثم بعث أبو بكر الجنود إلى الشأم وكان أول من استعمل
على ربع منها خالد بن سعيد فأخذ عمر يقول أتؤمره وقد صنع ما صنع وقال
ما قال فلم يزل بأبي بكر حتى عزله وأمر يزيد بن أبي سفيان (كتب إلى السرى)
عن شعيب عن سيف عن مبشر بن فضيل عن جبير بن صخر حارس النبي صلى الله
عليه وسلم عن أبيه قال كان خالد بن سعيد بن العاصي باليمن زمن النبي صلى الله
عليه وسلم وتوفى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بها وقدم بعد وفاته بشهر وعليه
جبة ديباج فلقى عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب فصاح عمر بمن يليه مزقوا
عليه جبته أيلبس الحرير وهو في رجالنا في السلم مهجور فمزقوا جبته فقال خالد
يا أبا الحسن يا بنى عبد مناف أغلبتم عليها فقال علي عليه السلام أمغالبة ترى أم خلافة
قال لا يغالب على هذا الامر أولى منكم يا بنى عبد مناف وقال عمر لخالد فض الله فاك والله
لا يزال كاذب يخوض فيما قلت ثم لا يضر إلا نفسه فأبلغ عمر أبا بكر مقالته فلما عقد أبو بكر
الألوية لقتال أهل الردة عقد له فيمن عقد فنهاه عنه عمر وقال إنه لمخذول وإنه لضعيف
التروية ولقد كذب كذبة لا يفارق الأرض مدل بها وخائض فيها فلا يستنصر به فلم
يحتمل أبو بكر عليه وجعله ردءا بتيماء أطاع عمر في بعض أمره وعصاه في بعض * كتب
586

إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن أبي إسحق الشيباني عن أبي صفية التيمي تيم بن
شيبان وطلحة عن المغيرة ومحمد عن أبي عثمان قالوا أمر أبو بكر خالدا بأن ينزل
تيماء ففصل ردا حتى ينزل بتيماء وقد أمره أبو بكر أن لا يبرحها وأن يدعو من
حوله بالانضمام إليه وأن لا يقبل إلا ممن لا يرتد ولا يقاتل الا من قاتله حتى يأتيه
أمره فأقام فاجتمع إليه جموع كثيرة وبلغ الروم عظم ذلك العسكر فضربوا على
العرب الضاحية البعوث بالشام إليهم فكتب خالد بن سعيد إلى أبى بكر بذلك
وبنزول من استنفرت الروم ونفر إليهم من بهراء وكلب وسليح وتنوخ ولخم
وجذام وغسان من دون زيزاء بثلاث فكتب إليه أبو بكر أن أقدم ولا تحجم
واستنصر الله فسار إليهم خالد فلما دنا منهم تفرقوا وأعروا منزلهم فنزله ودخل
عامة من كان تجمع له في الاسلام وكتب خالد إلى أبى بكر بذلك فكتب إليه
أبو بكر أقدم ولا تقتحمن حتى لا تؤتى من خلفك فسار فيمن كان خرج معه من
تيماء وفيمن لحق به من طرف الرمل حتى نزلوا فيما بين آبل وزيزاء والقسطل
فسار إليه بطريق من بطارقة الروم يدعى باهان فهزمه وقتل جنده وكتب بذلك
إلى أبى بكر واستمده وقد قدم على أبى بكر أوائل مستنفري اليمن ومن بين مكة
واليمن وفيهم ذو الكلاع وقدم عليه عكرمة قافلا وغازيا فيمن كان معه من تهامة
وعمان والبحرين والسرو فكتب لهم أبو بكر إلى أمراء الصدقات أن يبدلوا من
استبدل فكلهم استبدل فسمى ذلك الجيش جيش البدال فقدموا على خالد بن سعيد
وعند ذلك اهتاج أبو بكر للشأم وعناه أمره وقد كان أبو بكر رد عمرو بن العاصي
على عمالة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاها إياه من صدقات سعد هذيم
وعذرة ومن لفها من جذام وحدس قبل ذهابه إلى عمان فخرج إلى عمان وهو على
عدة من عمله إذا هو رجع فأنجز له ذلك أبو بكر فكتب أبو بكر عند اهتياجه
للشأم إلى عمرو إني كنت قد رددتك على العمل الذي كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم ولاكه مرة وسماه لك أخرى مبعثك إلى عمان انجاز المواعيد رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقد وليته ثم وليته وقد أحببت أبا عبد الله أن أفرغك لما هو
587

خير لك في حياتك ومعادك منه إلا أن يكون الذي أنت فيه أحب إليك فكتب
إليه عمرو إني سهم من سهام الاسلام وأنت بعد الله الرامي بها والجامع لها فانظر
أشدها وأخشاها وأفضلها فارم به شيئا أن جاءك من ناحية من النواحي وكتب
إلى الوليد بن عقبة بنحو ذلك فأجابه بإيثار الجهاد (كتب إلى السرى) عن شعيب
عن سيف عن سهل بن يوسف عن القاسم بن محمد قال كتب أبو بكر إلى أبو عمرو وإلى
الوليد بن عقبة وكان على النصف من صدقات قضاعة وقد كان أبو بكر شيعهما
مبعثهما على الصدقة وأوصى كل واحد منهما بوصية واحدة اتق الله في السر والعلانية
فإنه من يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتق الله يكفر عنه
سيئاته ويعظم له أجرا فان تقوى الله خير ما تواصى به عباد الله إنك في سبيل من
من سبل الله لا يسعك فيه الأذهان والتفريط والغفلة عما فيه قوام دينكم وعصمة
أمركم فلا تن ولا تفتر وكتب إليهما استخلفا على أعمالكما واندبا من يليكما فولى
عمرو على عليا قضاعة عمرو بن فلان العذري وولى الوليد على ضاحية قضاعة مما
يلي دومة امرأ القيس وندبا الناس فتتام إليهما بشر كثير وانتظرا أمر أبى بكر
وقام أبو بكر في الناس خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله وقال ألا إن
لكل أمر جوامع فمن بلغها فهي حسبه ومن عمل لله كفاه الله عليكم بالجد والقصد
فان القصد أبلغ إلا أنه لا دين لاحد لا إيمان له ولا أجر لمن لا حسبة له ولا عمل
لمن لا نية له ألا وإن في كتاب الله من الثواب على الجهاد في سبيل الله لما ينبغي
للمسلم أن يحب أن يخص به هي التجارة التي دل الله عليها ونجى بها من الخزي وألحق
بها الكرامة في الدنيا والآخرة فأمد عمرا ببعض من انتدب إلى من اجتمع إليه وأمره
على فلسطين وأمره بطريق سماها له وكتب إلى الوليد وأمره بالأردن وأمده
ببعضهم ودعا يزيد بن أبي سفيان فأمره على جند عظيم هم جمهور من انتدب له وفى
جنده سهيل بن عمرو وأشباهه من أهل مكة وشيعه ماشيا واستعمل أبا عبيدة بن الجراح
على من اجتمع وأمره على حمص وخرج معه وهما ماشيان والناس معهما وخلفهما
وأوصى كل واحد منهما (كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن سهل
588

عن القاسم ومبشر عن عن سالم ويزيد بن أسيد الغساني عن خالد وعبادة قالوا ولما قدم
الوليد عن خالد بن سعيد فسانده وقدمت جنود المسلمين الذين كان أبو بكر أمده
بهم وسموا جيش البدال وبلغه عن الامراء وتوجههم إليه اقتحم على الروم طلب
الخظوة وأعرى ظهره وبادر الامراء بقتال الروم واستطرد له باهان فأرز هو
ومن معه إلى دمشق واقتحم خالد في الجيش ومعه ذو الكلاع وعكرمة والوليد
حتى ينزل مرح الصفر من بين الواقوصة ودمشق فانطوت مسالح باهان عليه وأخذوا
عليه الطرق ولا يشعر وزحف له باهان فوجد ابنه سعيد بن خالد يستمطره في الناس
فقتلوهم وأتى الخبر خالدا فخرج هاربا في جريدة فأفلت من أفلت من أصحابه على
ظهور الخيل والإبل وقد أجهضوا عن عسكرهم ولم تنته بخالد بن سعيد الهزيمة
عن ذي المروة وأقام عكرمة في الناس ردءا لهم فرد عنهم باهان وجنوده أن يطلبوه
وأقام من الشأم على قريب وقد قدم شرحبيل بن حسنة وافدا من عند خالد
ابن الوليد فندب معه الناس ثم استعمله أبو بكر على عمل الوليد وخرج معه يوصيه
فأتى شرحبيل على خالد ففصل بأصحابه الا القليل واجتمع إلى أبى بكر أناس فأمر
عليهم معاوية وأمره باللحاق بيزيد فخرج معاوية حتى لحق بيزيد فلما مر بخالد
فصل ببقية أصحابه (كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن هشام بن
عروة عن أبيه أن عمر بن الخطاب لم يزل يكلم أبا بكر في خالد بن الوليد وفى خالد
ابن سعيد فأبى أن يعطيه في خالد بن الوليد وقال لا أشيم سيفا سله الله على الكفار وأطاعه
في خالد بن سعيد بعد ما فعل فعلته فأخذ عمرو طريق المعرقة وسلك أبو عبيدة
طريقه وأخذ يزيد طريق التبوكية وسلك شرحبيل طريقه وسمى لهم أمصار
الشأم وعرف أن الروم ستشغلهم فأحب أن يصعد المصوب ويصوب المصعد
لئلا يتواكلوا فكان كما ظن وصاروا إلى ما أحب (كتب إلى السرى) عن
شعيب عن سيف عن عمرو عن الشعبي قال لما قدم خالد بن سعيد ذا المروة وأتى
أبا بكر الخبر كتب إلى خالد أقم مكانك فلعمري إنك مقدام محجام نجاء من
الغمرات لا تخوضها إلى حق ولا تصبر عليه ولما كان بعد وأذن له في دخوله
589

المدينة قال خالد أعذرني قال أخطل وأنت أمر وجبن لدى الحرب فلما خرج
من عنده قال كان عمر وعلى أعلم بخالد ولو أطعتهما فيه اختشيته واتقيته (كتب
إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن مبشر وسهل وأبى عثمان عن خالد وعبادة
وأبى حارثة قالوا وأوعب القواد بالناس نحو الشأم وعكرمة ردء للناس وبلغ
الروم ذلك فكتبوا إلى هرقل وخرج هرقل حتى نزل بحمص فأعد لهم الجنود
وعبى لهم العساكر وأراد اشتغال بعضهم عن بعض لكثرة جنده وفضول رجاله
وأرسل إلى عمرو أخاه تذارق لأبيه وأمه فخرج نحوهم في تسعين ألفا وبعث
من يسوقهم حتى نزل صاحب الساقة ثنية جلق بأعلى فلسطين وبعث جرجة بن
توذرا نحو يزيد بن أبي سفيان فعسكر بإزائه وبعث الدراقص فاستقبل شرحبيل
ابن حسنة وبعث الفيقار بن نسطوس في ستين ألفا نحو أبى عبيدة فهابهم المسلمون
وجميع فرق المسلمين واحد وعشرون ألفا سوى عكرمة في ستة آلاف ففزعوا
جميعا بالكتب وبالرسل إلى عمران ما الرأي فكاتبهم وراسلهم إن الرأي الاجتماع
وذلك أن مثلنا إذا اجتمع لم يغلب من قلة وإذا نحن تفرقنا لم يبق الرجل منا في
عدد يقرن فيه لاحد ممن استقبلنا وأعد لنا لكل طائفة منا فاتعدوا ليرموك
ليجتمعوا به وقد كتب إلى أبى بكر بمثل ما كاتبوا به عمرا فطلع عليهم كتابة بمثل
رأى عمرو بأن اجتمعوا فتكونوا عسكرا واحدا والقوا زحوف المشركين
بزحف المسلمين فإنكم أعوان الله والله ناصر من نصره وخاذل من كفره ولن
يؤتى مثلكم من قلة وإنما يؤتى العشرة آلاف والزيادة على العشرة آلاف إذا
أتوا من تلقاء الذنوب فاحترسوا من الذنوب واجتمعوا باليرموك متساندين
وليصل كل رجل منكم بأصحابه وبلغ ذلك هرقل فكتب إلى بطاقته أن اجتمعوا
لهم وانزلوا بالروم منزلا واسع العطن واسع المطرد ضيق المهرب وعلى الناس
التذارق وعلى المقدمة جرجة وعلى مجنبتيه باهان والدراقص وعلى الحرب الفيقار
وابشروا فإن باهان في الأثر مددا لكم ففعلوا فنزلوا الواقوصة وهى على ضفة
اليرموك وصار الوادي خندقا لهم وهو لهب لا يدرك وإنما أراد باهان وأصحابه
590

أن تستفيق الروم ويأنسوا بالمسلمين وترجع إليهم أفئدتهم عن طريتها وانتقل
المسلمون عن عسكرهم الذي اجتمعوا به فنزل عليهم بحذائهم على طريقهم وليس
للروم طريق إلا عليهم فقال عمرو أيها الناس أبشروا حصرت والله الروم وقل
ما جاء محصور بخير فأقاموا بازائهم وعلى طريقهم ومخرجهم صفر من سنة
ثلاث عشرة وشهرى ربيع لا يقدرون من الروم على شئ ولا يخلصون إليهم
اللهب وهو الواقوصة من ورائهم والخندق من أمامهم ولا يخرجون خرجة
إلا أديل المسلمون منهم حتى إذا سلخوا شهر ربيع الأول وقد استمدوا أبا بكر
وأعلموه الشأن في صفر فكتب إلى خالد ليلحق بهم وأمره أن يخلف على العراق
المثنى فوافاهم في ربيع (كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة
وعمرو والمهلب قالوا ولما نزل المسلمون اليرموك واستمدوا أبا بكر قال خالد
لها فبعث إليه وهو بالعراق وعزم عليه واستحثه في السير فنفذ خالد لذلك فطلع
عليهم خالد وطلع باهان على الروم وقد قدم قدامه الشمامسة والرهبان والقسيسين
يغرونهم ويحضضونهم على القتال ووافق قدوم خالد قدوم باهان فخرج بهم باهان
كالمقتدر فولى خالد قتاله وقاتل الامراء من بازائهم فهزم باهان وتتابع الروم على
الهزيمة فاقتحموا خندقهم وتيمنت الروم بباهان وفرح المسلمون بخالد وحرد
المسلمون وحرب المشركون وهم أربعون ومائتا ألف منهم ثمانون ألف مقيد
وأربعون ألفا منهم مسلسل للموت وأربعون ألفا مربطون بالعمائم وثمانون
ألف فارس وثمانون ألف راجل والمسلمون سبعة وعشرون ألفا ممن كان مقيما
إلى أن قدم عليهم خالد في تسعة آلاف فصاروا ستة وثلاثين ألفا ومرض أبو بكر
رحمه الله في جمادى الأولى وتوفى للنصف من جمادى الآخرة قبل الفتح بعشر ليال
خبر اليرموك
(قال أبو جعفر) وكان أبو بكر قد سمى لكل أمير من أمراء الشأم كورة
فسمى لأبي عبيدة بن عبد الله بن الجراح حمص وليزيد بن أبي سفيان دمشق ولشرحبيل
591

ابن حسنة الأردن ولعمرو بن العاصي ولعلقمة بن مجزز فلسطين فلما فرغا منها نزل
علقمة وسار إلى مصر فلما شارفوا الشام دهم كل أمير منهم قوم كثير فأجمع رأيهم
أن يجتمعوا بمكان واحد وأن يلقوا جمع المشركين بجمع المسلمين ولما رأى خالد
أن المسلمين يقاتلون متساندين قال لهم هل لكم يا معشر الرؤساء في أمر يعز الله
به الدين ولا يدخل عليكم معه ولا منه نقيصة ولا مكروه (كتب إلى السرى)
عن شعيب عن سيف عن أبي عثمان يزيد بن أسيد الغساني عن خالد وعبادة قالا
توافي إليها مع الامراء والجنود الأربعة سبعة وعشرون ألفا وثلاثة آلاف من
فلال خالد بن سعيد أمر عليهم أبو بكر معاوية وشرحبيل وعشرة آلاف من
أمداد أهل العراق مع خالد بن الوليد سوى ستة آلاف ثبتوا مع عكرمة ردأ
بعد خالد بن سعيد فكانوا ستة وأربعين ألفا وكل قتالهم كان على تساند كل جند
وأميره لا يجمعهم أحد حتى قدم عليهم خالد من العراق وكان عسكر أبى عبيدة
باليرموك مجاورا لعسكر عمرو بن العاصي وعسكر شرحبيل مجاورا لعسكر يزيد بن أبي
سفيان فكان أبو عبيدة ربما صلى مع عمرو وشرحبيل مع يزيد فأما عمرو ويزيد
فإنهما كانا لا يصليان مع أبي عبيدة وشرحبيل وقدم خالد بن الوليد وهم على
حالهم تلك فعسكر على حدة فصلى بأهل العراق ووافق خالد بن الوليد المسلمين
وهم متضايقون بمدد الروم عليهم باهان ووافق الروم وهم نشاط بمددهم فالتقوا
فهزمهم الله حتى ألجأهم وامدادهم إلى الخنادق والواقوصة أحد حدوده فلزموا
خندقهم عامة شهر يحضهم القسيسون والشمامسة والرهبان وينعون لهم النصرانية
حتى استبصروا فخرجوا للقتال الذي لم يكن بعده قتال مثله في جمادى الآخرة فلما
أحس المسلمون خروجهم وأرادوا الخروج متساندين سار فيهم خالد بن الوليد
فحمد الله وأثنى عليه وقال إن هذا يوم من أيام الله لا ينبغي فيه الفخر ولا البغى
أخلصوا جهادكم وأريدوا الله بعملكم فإن هذا يوم له ما بعده ولا تقاتلوا قوما
على نظام وتعبية على تساند وانتشار فان ذلك لا يحل ولا ينبغي وإن من وراءكم
لو يعلم علمكم حال بينكم وبين هذا فاعملوا فيما لم تؤمروا به الذي ترون أنه الرأي
592

من واليكم ومحبته قالوا فهات فما الرأي قال إن أبا بكر لم يبعثنا إلا وهو يرى
أنا سنتياسر ولو علم بالذي كان ويكون لقد جمعكم إن الذي أنتم فيه أشد على المسلمين
مما قد غشيهم وأنفع للمشركين من امدادهم ولقد علمت أن الدنيا فرقت بينكم
فالله الله فقد أفرد كل رجل منكم ببلد من البلدان لا ينتقصه منه إن دان لاحد من
أمراء الجنود ولا يزيده عليه إن دانوا له إن تأمير بعضكم لا ينقصكم عند الله ولا
عند خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم هلموا فإن هؤلاء قد تهيؤا وهذا يوم
له ما بعده إن رددناهم إلى خندقهم اليوم لم نزل نردهم وإن هزمونا لم نفلح بعدها
فهلموا فلنتعاور الامارة فليكن عليها بعضنا اليوم والآخر غدا والآخر بعد غد
حتى يتأمر كلكم ودعوني إليكم اليوم فأمروه وهم يرون أنها كخرجاتهم وأن الامر
أطول مما صاروا إليه فخرجت الروم في تعبية لم ير الراؤون مثلها قط وخرج
خالد في تعبية لم تعبها العرب قبل ذلك فخرج في ستة وثلاثين كردوسا إلى الأربعين
وقال إن عدوكم قد كثر وطغى وليس من التعبية تعبية أكثر من رأى العين من
الكراديس فجعل القلب كراديس وأقام فيه أبا عبيدة وجعل الميمنة كراديس
وعليها عمرو بن العاصي وفيها شرحبيل بن حسنة وجعل الميسرة كراديس وعليها
يزيد بن أبي سفيان وكان على كردوس من كراديس أهل العراق القعقاع بن عمرو
وعلى كردوس مذعور بن عدي وعياض بن غنم على كردوس وهاشم ابن عتبة
على كردوس وزياد بن حنظلة على كردوس وخالد في كردوس وعلى فالة خالد
ابن سعيد دحية بن خليفة على كردوس وامرؤ القيس على كردوس ويزيد بن
يحنس على كردوس وأبو عبيدة على كردوس وعكرمة على كردوس وسهيل
على كردوس وعبد الرحمن بن خالد على كردوس وهو يومئذ ابن ثماني عشرة سنة
وحبيب بن مسلمة على كردوس وصفوان بن أمية على كردوس وسعيد بن خالد
على كردوس وأبو الأعور بن سفيان على كردوس وابن ذي الخمار على كردوس
وفى الميمنة عمارة بن مخشى بن خويلد على كردوس وشرحبيل على كردوس ومعه
خالد بن سعيد وعبد الله بن قيس على كردوس وعمرو بن عبسة على كردوس
593

والسمط بن الأسود على كردوس وذو الكلاع على كردوس ومعاوية بن حديج
على آخر وجندب بن عمرو بن حممة على كردوس وعمرو بن فلان على كردوس
ولقيط بن عبد القيس بن بجرة حليف لبنى ظفر من بنى فزارة على كردوس وفى
الميسرة يزيد بن أبي سفيان على كردوس والزبير على كردوس وحوشب ذو ظليم
على كردوس وقيس بن عمرو بن زيد بن عوف بن مبذول بن مازن بن صعصعة
من هوازن حليف لبنى النجار على كردوس وعصمة بن عبد الله حليف لبنى النجار
من بنى أسد على كردوس وضرار بن الأزور على كردوس ومسروق بن فلان
على كردوس وعتبة بن ربيعة بن بهز حليف لبنى عصمة على كردوس وجارية
ابن عبد الله الأشجعي حليف لبنى سلمة على كردوس وقباث على كردوس وكان
القاضي أبو الدرداء وكان القاص أبو سفيان بن حرب وكان على الطلائع قباث
ابن أشيم وكان على الاقباض عبد الله بن مسعود (كتب إلى السرى) عن شعيب
عن سيف عن محمد وطلحة نحوا من حديث أبي عثمان وقالوا جميعا وكان القارئ
المقداد ومن السنة التي سن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بدر أن يقرأ سورة
الجهاد عند اللقاء وهى الأنفال ولم يزل الناس بعد ذلك على ذلك (كتب إلى
السرى) عن شعيب عن سيف عن أبي عثمان يزيد بن أسيد الغساني عن عبادة
وخالد قالا شهد اليرموك ألف من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم نحو
من مائة من أهل بدر قالا وكان أبو سفيان يسير فيقف على الكراديس فيقول
الله الله إنكم ذادة العرب وأنصار الاسلام وإنهم ذادة الروم وأنصار الشرك
اللهم إن هذا يوم من أيامك اللهم أنزل نصرك على عبادك قالا وقال رجل لخالد
ما أكثر الروم وأقل المسلمين فقال خالد ما أقل الروم وأكثر المسلمين إنما تكثر
الجنود بالنصر وتقل بالخذلان لا بعدد الرجال والله لوددت أن الأشقر براء من
توجيه وأنهم أضعفوا في العدد وكان فرسه قد حفى في مسيره قالا فأمر خالد
عكرمة والقعقاع وكانا على مجنبتي القلب فانشبا القتال وارتجز القعقاع وقال
يا ليتني ألقاك في الطراد * قبل اعترام الجحفل الوراد
594

وأنت في حلبتك الوراد
وقال عكرمة
قد علمت بهكنة الجواري * أنى على مكرمة أحامي
فنشب القتال والتحم الناس وتطارد الفرسان فإنهم على ذلك إذ قدم البريد
من المدينة فأخذته الخيول وسألوه الخبر فلم يخبرهم إلا بسلامة وأخبرهم عن
إمداد وإنما جاء بموت أبى بكر رحمه الله وتأمير أبى عبيدة فأبلغوه خالدا
فأخبره خبر أبي بكر أسره إليه وأخبره بالذي أخبر به الجند قال أحسنت
فقف وخذ الكتاب وجعله في كنانته وخاف إن هو أظهر ذلك أن ينتشر له
أمر الجند فوقف محمية بن زنيم مع خالد وهو الرسول وخرج جرجة حتى كان
بين الصفين ونادى ليخرج إلى خالد فخرج إليه خالد وأقام أبا عبيدة مكانه فوافقه
بين الصفين حتى اختلفت أعناق دابتيهما وقد أمن أحدهما صاحبه فقال جرجة
يا خالد أصدقني ولا تكذبني فإن الحر لا يكذب ولا تخادعني فإن الكريم لا يخادع
المسترسل بالله هل أنزل الله على نبيكم سيفا من السماء فأعطاكه فلا تسله على قوم
إلا هزمتهم قال لا قال فبم سميت سيف الله قال إن الله عز وجل بعث فينا نبيه
صلى الله عليه وسلم فدعانا فنفرنا عنه ونأينا عنه جميعا ثم إن بعضنا صدقه وتابعه
وبعضنا باعده وكذبه فكنت فيمن كذبه وباعده وقاتله ثم إن الله أخذ بقلوبنا
ونواصينا فهدانا به فتابعناه فقال أنت سيف من سيوف الله سله الله على المشركين
ودعا لي بالنصر فسميت سيف الله بذلك فأنا من أشد المسلمين على المشركين قال
صدقتني ثم أعاد عليه جرجة يا خالد أخبرني إلام تدعوني قال إلى شهادة أن لا إله
إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله والاقرار بما جاء به من عند الله قال فمن لم
يجبكم قال فالجزية ونمنعهم قال فإن لم يعطها قال نؤذنه بحرب ثم نقاتله قال فما
منزلة الذي يدخل فيكم ويجيبكم إلى هذا الامر اليوم قال منزلتنا واحدة فيما افترض
الله علينا شريفنا ووضيعنا وأولنا وآخرنا ثم أعاد عليه جرجة هل لمن دخل فيكم
اليوم يا خالد مثل مالكم من الاجر والذخر قال نعم وأفضل قال وكيف يساويكم
595

وقد سبقتموه قال إنا دخلنا في هذا الامر وبايعنا نبينا صلى الله عليه وسلم وهو
حي بين أظهرنا تأتيه أخبار السماء ويخبرنا بالكتب ويرينا الآيات وحق لمن
رأى ما رأينا وسمع ما سمعنا أن يسلم ويبايع وإنكم أنتم لم تروا ما رأينا ولم تسمعوا
ما سمعنا من العجائب والحجج فمن دخل في هذا الامر منكم بحقيقة ونية كان أفضل
منا قال جرجة بالله لقد صدقتني ولم تخادعني ولم تألفني قال بالله لقد صدقتك وما بي
إليك وإلى أحد منكم وحشة وإن الله لولى ما سألت عنه فقال صدقتني وقلب
الترس ومال مع خالد وقال علمني الاسلام فمال به خالد إلى فسطاطه فشن عليه
قربة من ماء ثم صلى ركعتين وحملت الروم مع انقلابه إلى خالد وهم يرون أنها
منه حملة فأزالوا المسلمين عن مواقفهم إلا المحامية عليهم عكرمة والحارث بن
هشام وركب خالد ومعه جرجة والروم خلال المسلمين فتنادى الناس فثابوا
وتراجعت الروم إلى مواقفهم فزحف بهم خالد حتى تصافحوا بالسيوف فضرب
فيهم خالد وجرجة من لدن ارتفاع النهار إلى جنوح الشمس للغروب ثم أصيب
جرجة ولم يصل صلاة سجد فيها إلا الركعتين اللتين أسلم عليهما وصلى الناس
الأولى والعصر إيماء وتضعضع الروم ونهد خالد بالقلب حتى كان بين خيلهم
ورجلهم وكان مقاتلهم واسع المطرد ضيق المهرب فلما وجدت خيلهم مذهبا
ذهبت وتركوا رجلهم في مصافهم وخرجت خيلهم تشتد بهم في الصحراء وأخر
الناس الصلاة حتى صلوا بعد الفتح ولما رأى المسلمون خيل الروم توجهت
للهرب أفرجوا لها ولم يحرجوها فذهبت فتفرقت في البلاد وأقبل خالد والمسلمون
على الرجل ففضوهم فكأنما هدم بهم حائط فاقتحموا في خندقهم فاقتحمه عليهم
فعمدوا إلى الواقوصة حتى هوى فيها المقرنون وغيرهم فمن صبر من المقترنين
للقتال هوى به من جشعت نفسه فيهوى الواحد بالعشرة لا يطيقونه كلما هوى
اثنان كانت البقية أضعف فتهافت في الواقوصة عشرون ومائة ألف ثمانون
ألف مقترن وأربعون ألف مطلق سوى من قتل في المعركة من الخيل والرجل
فكان سهم الفارس يومئذ ألفا وخمسمائة وتجلل الفيقار وأشراف من أشراف
596

الروم برانسهم ثم جلسوا وقالوا لا نحب أن نرى يوم السوء إذ لم نستطع أن نرى
يوم السرور وإذ لم نستطع أن نمنع النصرانية فأصيبوا في تزملهم (كتب إلى
السرى) عن شعيب عن سيف عن أبي عثمان عن خالد وعبادة قالا أصبح خالد
من تلك الليلة وهو في رواق تذارق لما دخل الخندق نزله وأحاطت به خيله
وقاتل الناس حتى أصبحوا (كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن أبي عثمان
الغساني عن أبيه قال قال عكرمة بن أبي جهل يومئذ قاتلت رسول الله صلى الله
عليه وسلم في كل موطن وأفر منكم اليوم ثم نادى من يبايع على الموت فبايعه
الحارث بن هشام وضرار بن الأزور في أربعمائة من وجوه المسلمين وفرسانهم
فقاتلوا قدام فسطاط خالد حتى أثبتوا جميعا جراحا وقتلوا إلا من برأ ومنهم ضرار
ابن الأزور قال وأتى خالد بعد ما أصبحوا بعكرمة جريحا فوضع رأسه على فخذه
وبعمرو بن عكرمة فوضع رأسه على ساقه وجعل يمسح عن وجوههما ويقطر في
حلوقهما الماء ويقول كلا زعم ابن الحنتمة أنا لا نستشهد (كتب إلى السرى)
عن شعيب عن سيف عن أبي عميس عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة وكان
شهد اليرموك هو وعبادة بن الصامت أن النساء قاتلن يوم اليرموك في جولة
فخرجت جويرية ابنة أبي سفيان في جولة وكانت مع زوجها بعد قتال شديد وأصيبت
يومئذ عين أبي سفيان فأخرج السهم من عينه أبو حسمة (كتب إلى السرى)
عن شعيب عن سيف عن المستنير بن يزيد عن أرطأة بن جهيش قال كان الأشتر
قد شهد اليرموك ولم يشهد القادسية فخرج يومئذ رجل من الروم فقال من
يبادر فخرج إليه الأشتر فاختلفا ضربتين فقال للرومي خذها وأنا الغلام
الأيادي فقال الرومي أكثر الله في قومي مثلك أما والله لولا أنك من قومي لزرت
الروم فأما الآن فلا أعينهم (كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن أبي
عثمان وخالد وكان ممن أصيب في الثلاثة الآلاف الذين أصيبوا يوم
اليرموك عكرمة وعمرو بن عكرمة وسلمة بن هشام وعمرو بن سعيد وأبان بن
سعيد وأثبت خالد بن سعيد فلا يدرى أين مات بعد وجندب بن عمرو بن حممة الدوسي
597

والطفيل بن عمرو وضرار بن الأزور أثبت فبقى وطليب بن عمير بن وهب من
بنى عبد بن قصي وهبار بن سفيان وهشام بن العاصي (كتب إلى السرى)
عن شعيب عن سيف عن عمرو بن ميمون عن أبيه قال لقى خالدا مقدمه الشأم
مغيثا لأهل اليرموك رجل من روم العرب فقال يا خالد ان الروم في جمع كثير
مائتي ألف أو يزيدون فان رأيت أن ترجع على حاميتك فافعل فقال خالد أبا لروم
تخوفني والله لوددت ان الأشقر براء من توجيه وانهم أضعفوا ضعفهم فهزمهم
الله على يديه (كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن المستنير بن يزيد
عن ارطاة بن جهيش قال قال خالد يومئذ الحمد لله الذي قضى على أبى بكر الموت
وكان أحب إلي من عمر والحمد لله الذي ولى عمر وكان أبغض إلى من أبى بكر
ثم الزمني حبه (كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وعمرو
ابن ميمون قالوا وقد كان هرقل حج قبل مهزم خالد بن سعيد فحج بيت المقدس
فبينا هو مقيم به أتاه الخبر بقرب الجنود منه فجمع الروم وقال أرى من الرأي ألا
تقاتلوا هؤلاء القوم وأن تصالحوهم فوالله لئن تعطوهم نصف ما أخرجت الشأم
وتأخذوا نصفا وتقر لكم جبال الروم خير لكم من أن يغلبوكم على الشأم
ويشاركوكم في جبال الروم فنخر أخوه ونخر ختنه وتصدع عنه من كان حوله
فلما رآهم يعصونه ويردون عليه بعث أخاه وأمر الامراء ووجه إلى كل جند
جندا فلما اجتمع المسلمون أمرهم بمنزل واحد واسع جامع حصين فنزلوا بالواقوصة
وخرج فنزل حمص فلما بلغه أن خالدا قد طلع على سوى وانتسف أهله وأموالهم
وعمد إلى بصرى وافتتحها وأباح عذراء قال لجلسائه ألم أقل لكم لا تقاتلوهم فإنه
لا قوام لكم مع هؤلاء القوم ان دينهم دين جديد يجدد لهم ثبارهم فلا يقوم لهم
أحد حتى يبلى فقالوا قاتل عن دينك ولا تجبن الناس واقض الذي عليك قال
وأي شئ أطلب إلا توفير دينكم ولما نزلت جنود المسلمين اليرموك بعث إليهم
المسلمون انا نريد كلام أميركم وملاقاته فدعونا نأته ونكلمه فأبلغوه فأذن لهم
فأتاه أبو عبيدة ويزيد بن أبي سفيان كالرسول والحارث بن هشام وضرار بن
598

الأزور وأبو جندل بن سهيل ومع أخي الملك يومئذ ثلاثون رواقا في عسكره
وثلاثون سرادقا كلها من ديباج فلما انتهوا إليها أبوان يدخلوا عليه فيها وقالوا
لا نستحل الحرير فأبرز لنا فبرز إلى فرش ممهدة وبلغ ذلك هرقل فقال ألم أقل لكم
هذا أول الذل أما الشأم فلا شأم وويل للروم من المولود المشؤم ولم يتأت بينهم
وبين المسلمين صلح فرجع أبو عبيدة وأصحابه واتعدوا فكان القتال حتى جاء
الفتح (كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن مطرح عن القاسم عن أبي
أمامة وأبى عثمان عن يزيد بن سنان عن رجال من أهل الشام ومن أشياخهم
قالوا لما كان اليوم الذي تأمر فيه خالد هزم الله الروم مع الليل وصمد المسلمون
العقبة وأصابوا ما في العسكر وقتل الله صناديدهم ورؤوسهم وفرسانهم وقتل الله
أخا هرقل وأخذ التذارق وانتهت الهزيمة إلى هرقل وهو دون مدينة حمص
فارتحل فجعل حمص بينه وبينهم وأمر عليها أميرا وخلفه فيها كما كان أمر على
دمشق وأتبع المسلمون الروم حين هزموهم خيولا لا يثفنونهم ولما صار إلى
أبى عبيدة الامر بعد الهزيمة نادى بالرحيل وارتحل المسلمون بزحفهم حتى وضعوا
عساكرهم بمرج الصفر قال أبو أمامة فبعثت طليعة من مرج الصفر معي فارسان
حتى دخلت الغوطة فجستها بين أبياتها وشجراتها فقال أحد صاحبي قد بلغت
حيث أمرت فانصرف لا تهلكنا فقلت قف مكانك حتى تصبح أو آتيك فسرت
حتى دفعت إلى باب المدينة وليس في الأرض أحد ظاهر فنزعت لجام فرسى
وعلقت عليها مخلاتها وركزت رمحي ثم وضعت رأسي فلم أشعر إلا بالمفتاح يحرك
عند الباب ليفتح فقمت فصليت الغداة ثم ركبت فرسى فحملت عليه فطعنت
البواب فقتلته ثم انكفأت راجعا وخرجوا يطلبوني فجعلوا يكفون عنى مخافة أن
يكون لي كمين فدفعت إلى صاحبي الأدنى الذي أمرته أن يقف فما رأوه قالوا
هذا كمين انتهى إلى كمينه فانصرفوا وسرت أنا وصاحبي حتى دفعنا إلى صاحبنا
الثاني فسرنا حتى انتهينا إلى المسلمين وقد عزم أبو عبيدة أن لا يبرح حتى يأتيه
رأى عمر وأمره فأتاه فرحلوا حتى نزلوا على دمشق وخلف باليرموك بشير بن
599

كعب بن أبي الحميري في خيل (كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن
عبد الله بن سعد عن أبي سعيد قال قال قباث كنت في الوفد في فتح اليرموك وقد
أصبنا خيرا ونفلا كثيرا فمر بنا الدليل على ماء رجل قد كنت اتبعته في الجاهلية
حين أدركت وأنست من نفسي لأصيب منه كنت دللت عليه فأتيته فأخبرته فقال
قد أصبت فإذا ريبال من ربالة العرب قد كان يأكل في اليوم عجز جزور بأدمها
ومقدار ذلك من غير العجز ما يفضل عنه إلا ما يقوتني وكان يغير على الحي ويدعني
قريبا ويقول إذا مر بك راجز يرتجز بكذا وكذا فانا ذلك فشل معي فمكثت
بذلك حتى أقطعني قطيعا من مال وأتيت به أهلي فهو أول مال أصبته ثم إني
رأست قومي وبلغت مبلغ رجال العرب فلما مر بنا على ذلك الماء عرفته فسألت
عن بيته فلم يعرفوه وقالوا هو حي فأتيت ببنين استفادهم بعدي فأخبرتهم خبري
فقالوا اغد علينا غدا فإنه أقرب (معا؟) يكون إلى ما تحب بالغداة فغاديتهم فأدخلت
عليه فأخرج من خدره فأجلس لي فلم أزل أذكره حتى ذكر وتسمع وجعل
يطرب للحديث ويستطعمنيه وطال مجلسنا وثقلنا على صبيانهم ففرقوه ببعض
ما كان يفرق منه ليدخل خدره فوافق ذلك عقله فقال قد كنت وما أفزع فقلت
أجل فأعطيته ولم أدع أحدا من أهله إلا أصبته بمعروف ثم ارتحلت (كتب
إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن أبي سعيد المقبري قال قال مروان بن
الحكم لقباث أأنت أكبر أم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله أكبر
منى وأنا أقدم منه قال فما أبعد ذكرك قال خشى الفيل لسنة قال وما أعجب ما رأيت
قال رجل من قضاعة إني لما أدركت وأنست من نفسي سألت عن رجل أكون
معه وأصيب منه فدللت عليه واقتص هذا الحديث * حدثنا ابن
حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن صالح بن كيسان أن أبا بكر رحمه
الله حين سار القوم خرج مع يزيد بن أبي سفيان يوصيه وأبو بكر يمشى ويزيد
راكب فلما فرغ من وصيته قال أقرئك السلام وأستودعك الله ثم انصرف ومضى
يزيد فأخذ التبوكية ثم تبعه شرحبيل بن حسنة ثم أبو عبيدة بن الجراح مددا لهما
600

على بربع فسلكوا ذلك الطريق وخرج عمرو بن العاصي حتى نزل بغمر العربات
ونزلت الروم بثنية جلق بأعلى فلسطين في سبعين ألفا عليهم تذارق أخو هرقل
لأبيه وأمه فكتب عمرو بن العاصي إلى أبى بكر يذكر له أمر الروم ويستمده
وخرج خالد بن سعيد بن العاصي وهو بمرج الصفر من أرض الشام في يوم مطير
يستمطر فيه فتعاوى عليه أعلاج الروم فقتلوه وقد كان عمرو بن العاصي كتب إلى
أبى بكر يذكر له أمر الروم ويستمده (قال أبو جعفر) وأما أبو زيد فحدثني عن
علي بن محمد بالاسناد الذي قد ذكرت قبل أن أبا بكر رحمه الله وجه بعد خروج
يزيد بن أبي سفيان متوجها إلى الشأم بأيام شرحبيل بن حسنة قال وهو شرحبيل
ابن عبد الله بن المطاع بن عمرو من كندة ويقال من الأزد فسار في سبعة آلاف
ثم أبو عبيدة بن الجراح في سبعة آلاف فنزل يزيد البلقاء ونزل شرحبيل الأردن
ويقال بصرى ونزل أبو عبيدة الجابية ثم أمدهم بعمرو بن العاصي فنزل بغمر
العربات ثم رغب الناس في الجهاد فكانوا يأتون المدينة فيوجههم أبو بكر إلى الشأم
فمنهم من يصير مع أبي عبيدة ومنهم من يصير مع يزيد يصير كل قوم مع من أحبوا
قالوا فأول صلح كان بالشام صلح مآب وهى فسطاط ليست بمدينة مر أبو عبيدة بهم في
طريقه وهى قرية من البلقاء فقاتلوه ثم سألوه الصلح فصالحهم واجتمع الروم جمعا بالعربة
من أرض فلسطين فوجه إليهم يزيد بن أبي سفيان أبا أمامة الباهلي ففض ذلك الجمع
قالوا فأول حرب كانت بالشام بعد سرية أسامة بالعربة ثم أتوا الداثنة ويقال
الداثن فهزمهم أبو أمامة الباهلي وقتل بطريقا منهم ثم كانت مرج الصفر استشهد
فيه خالد بن سعيد بن العاصي أتاهم أدرنجار في أربعة آلاف وهم غارون فاستشهد
خالد وعدة من المسلمين (قال أبو جعفر) وقيل إن المقتول في هذه الغزوة كان
ابنا لخالد بن سعيد وإن خالد انحاز حين قتل ابنه فوجه أبو بكر خالد بن الوليد
أميرا على الامراء الذين بالشام ضمهم إليه فشخص خالد من الحيرة في ربيع الآخر
سنة ثلاث عشرة في ثمانمائة ويقال في خمسمائة واستخلف على عمله المثنى بن حارثة
فلقيه عدو بصندوداء فظهر بهم وخلف بها ابن حرام الأنصاري ولقى جمعا بالمضيح
601

والحصيد عليهم ربيعة بن بجير التغلبي فهزمهم وسبى وغنم وسار ففوز من قراقر
إلى سوى فأغار على أهل سوى واكتسح أموالهم وقتل حرقوص بن النعمان البهراني
ثم أتى أرك فصالحوه وأتى تدمر فتحصنوا ثم صالحوه ثم أتى القريتين فقاتلهم
فظفر بهم وغنم وأتى حوارين فقاتلهم فهزمهم وقتل وسبى وأتى قصم فصالحه
بنو مشجعة من قضاعة وأتى مرج راهط فأغار على غسان في يوم فصحهم فقتل
وسبى ووجه بسر بن أرطاة وحبيب بن مسلمة إلى الغوطة فأتوا كنيسة فسبوا
الرجال والنساء وساقوا العيال إلى خالد قال فوافى خالدا كتاب أبى بكر بالحيرة
منصرفه من حجه أن سر حتى تأتى جموع المسلمين باليرموك فإنهم قد شجوا وأشجوا
وإياك أن تعود لمثل ما فعلت فإنه لم يشج الجموع من الناس بعون الله شجيك ولم
ينزع الشجى من الناس نزعك فليهنئك أبا سليمان النية والحظوة فأتمم يتمم الله لك
ولا يدخلنك عجب فتخسر وتخذل وإياك أن تدل بعمل فإن الله عز وجل له
المن وهو ولى الجزاء (كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن عبد الملك
ابن عطاء عن الهيثم البكائي قال كان أهل الأيام من أهل الكوفة يوعدون معاوية
عند بعض الذي يبلغهم ويقولون ما شاء معاوية نحن أصحاب ذات السلاسل
ويسمون ما بينها وبين الفراض ما يذكرون ما كان بعد احتقارا لما كان بعد فيما
كان قبل (كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن عمرو بن محمد عن إسحاق
ابن إبراهيم عن ظفر بن دهى ومحمد بن عبد الله عن أبي عثمان وطلحة عن المغيرة
والمهلب بن عقبة عن عبد الرحمن بن سياه الأحمري قالوا كان أبو بكر قد وجه
خالد بن سعيد بن العاصي إلى الشأم حيث وجه خالد بن الوليد إلى العراق وأوصاه
بمثل الذي أوصى به خالدا وأن خالد بن سعيد سار حتى نزل على الشأم ولم
يقتحم واستجلب الناس فعز فهابته الروم فأحجموا عنه فلم يصبر على أمر أبى بكر
ولكن توردها فاستطردت له الروم حتى أوردوه الصفر ثم تعطفوا عليه بعد
ما أمن فوافقوا ابنه سعيد بن خالد مستمطرا فقتلوه هو ومن معه وأتى الخبر
خالدا فخرج هاربا حتى يأتي البر فينزل منزلا واجتمعت الروم إلى اليرموك فنزلوا
602

به وقالوا والله لنشغلن أبا بكر في نفسه عن تورد بلادنا بخيوله وكتب خالد بن
سعيد إلى أبى بكر بالذي كان فكتب أبو بكر إلى عمرو بن العاصي وكان في بلاد قضاعة
بالسير إلى اليرموك ففعل وبعث أبا عبيدة بن الجراح ويزيد بن أبي سفيان وأمر كل
كل واحد منهما بالغارة وأن لا توغلوا حتى لا يكون وراءكم أحد من عدوكم وقدم
عليه شرحبيل بن حسنة بفتح من فتوح خالد فسرحه نحو الشام في جند وسمى
لكل رجل من أمراء الأجناد كورة من كور الشأم فتوافوا باليرموك فلما
رأت الروم توافيهم ندموا على الذي ظهر منهم ونسوا الذي كانوا يتوعدون
به أبا بكر واهتموا وهمتهم أنفسهم وشجوهم وأشجوا بهم ثم نزلوا الواقوصة وقال
أبو بكر والله لأنسين الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد فكتب إليه بهذا
الكتاب الذي فوق هذا الحديث وأمره أن يستخلف المثنى بن حارثة على العراق
في نصف الناس فإذا فتح الله على المسلمين الشام فارجع إلى عملك بالعراق وبعث
خالد بالأخماس إلا ما نفل منها مع عمير بن سعد الأنصاري وبمسيره إلى الشام
ودعا خالد الأدلة فارتحل من الحيرة سائرا إلى دومة ثم طعن في البر إلى
قراقر ثم قال كيف لي بطريق أخرج فيه من وراء جموع الروم فإني إن استقبلتها
حبستني عن غياث المسلمين فكلهم قال لا نعرف إلا طريقا لا يحمل الجيوش
يأخذه الفذ الراكب فإياك أن تغرر بالمسلمين فعزم عليه ولم يجبه إلى ذلك إلا
رافع بن عميرة على تهيب شديد فقام فيهم فقال لا يختلفن هديكم ولا يضعفن
يقينكم واعلموا إن المعونة تأتى على قدر النية والاجر على قدر الحسبة إن المسلم
لا ينبغي له أن يكترث بشئ يقع فيه مع معونه الله له فقالوا له أنت رجل قد جمع
الله لك الخير فشأنك فتطابقوه ونووا واحتسبوا واشتهوا مثل الذي اشتهى خالد
فأمرهم خالد فترووا للشفة لخمس وأمر صاحب كل خيل بقدر ما يسقيها فظمأ
كل قائد من الإبل الشرف الجلال ما يكتفى به ثم سقوها العلل بعد النهل ثم صروا
آذان الإبل وكعموها وخلوا أدبارها ثم ركبوا من قراقر مفوزين إلى سوى وهى
على جانبها الاخر مما يلي الشأم فلما ساروا يوما افتظوا لكل عدة من الخيل عشرا
603

من تلك الإبل فمزجوا ما في كروشها بما كان من الألبان ثم سقوا الخيل وشربوا
للشفة جرعا ففعلوا ذلك أربعة أيام (كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف
عن عبيد الله بن محفز بن ثعلبة عمن حدثه من بكر بن وائل أن محرز بن حريش
المحاربي قال لخالد اجعل كوكب الصبح على حاجبك الأيمن ثم أمه تفض إلى
سوى فكان أدلهم (قال أبو جعفر الطبري) وشاركهم محمد وطلحة قالوا لما
نزل بسوى وخشي أن يفضحهم حر الشمس نادى خالد رافعا ما عندك قال خير
أدركتم الري وأنتم على الماء وشجعهم وهو متحير أرمد وقال أيها الناس انظروا
علمين كأنهما ثديان فأتوا عليهما وقالوا علمان فقام عليهما فقال اضربوا يمنة
ويسرة لعوسجة كقعدة الرجل فوجدوا جذمهما فقالوا جذم ولا نرى شجرة فقال
احتفروا حيث شئتم فاستثاروا أوشالا وأحساء رواء فقال رافع أيها الأمير والله
ما وردت هذا الماء منذ ثلاثين سنة وما وردته إلا مرة وأنا غلام مع أبي فاستعدوا
ثم أغاروا والقوم لا يرون ان جيشا يقطع إليهم (كتب إلى السرى) عن شعيب
عن سيف عن عمرو بن محمد عن إسحاق بن إبراهيم عن ظفر بن دهى قال فأغار
بنا خالد من سوى على مضيح بهراء بالقصواني ماء من المياه فصبح المضيح
والنمر وإنهم لغارون وإن رفقة لتشرب في وجه الصبح وساقيهم يغنيهم ويقول
ألا صبحاني قبل جيش أبى بكر
فضربت عنقه فاختلط دمه بخمره (كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف
عن عمرو بن محمد بإسناده الذي تقدم ذكره قال ولما بلغ غسان خروج خالد على
سوى وانتسافها وغارته على مضيح بهراء وانتسافها فاجتمعوا بمرج راهط وبلغ
ذلك خالدا وقد خلف ثغور الروم وجنودها مما يلي العراق فصار بينهم وبين اليرموك
صمد لهم فخرج من سوى بعد ما رجع إليها بسبي بهراء فنزل الرمانتين علمين على
الطريق ثم نزل الكثب حتى صار إلى دمشق ثم مرج الصفر فلقى عليه غسان وعليهم
الحارث بن الأيهم فانتسف عسكرهم وعيالاتهم ونزل بالمرج أياما وبعث إلى
604

أبى بكر بالأخماس مع بلال بن الحارث المزني ثم خرج من المرج حتى ينزل قناة بصرى
فكانت أول مدينة افتتحت بالشام على يدي خالد فيمن معه من جنود العراق
وخرج منها فوافى المسلمين بالواقوصة فنازلهم بها في تسعة آلاف (كتب إلى
السرى) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة والمهلب قالوا ولما رجع خالد
من حجه وافاه كتاب أبى بكر بالخروج في شطر الناس وأن يخلف على الشطر
الباقي المثنى بن حارثة وقال لا تأخذن نجدا الا خلفت له نجدا فإذا فتح الله عليكم
فارددهم إلى العراق وأنت معهم ثم أنت على عملك وأحضر خالد أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم واستأثر بهم على المثنى وترك للمثنى أعدادهم من أهل القناعة
ممن لم يكن له صحبة ثم نظر فيمن بقى فاختلج من كان قدم على النبي صلى الله عليه
وسلم وافدا أو غير وافد وترك للمثنى أعدادهم من أهل القناعة ثم قسم الجند
نصفين فقال المثنى والله لا أقيم الا على إنفاذ أمر أبى بكر كله في استصحاب
نصف الصحابة أو بعض النصف وبالله ما أرجو النصر إلا بهم فأنى تعريني منهم
فلما رأى ذلك خالد بعد ما تلكأ عليه أعاضه منهم حتى رضى وكان فيمن أعاضه
منهم فرات بن حيان العجلي وبشير بن الخصاصية والحارث بن حسان الذهليان
ومعبد بن أم معبد الأسلمي وعبد الله بن أبي أوفى الأسلمي والحارث بن بلال
المزني وعاصم بن عمرو التميمي حتى إذا رضى المثنى وأخذ حاجته انجذب خالد
فمضى لوجهه وشيعه المثنى إلى قراقر ثم رجع إلى الحيرة في المحرم فأقام في سلطانه
ووضع في المسلحة التي كان فيها على السيب أخاه ومكان ضرار بن الخطاب عتيبة
ابن الناس ومكان ضرار بن الأوزر مسعود أخاه الآخر وسد أماكن كل من
خرج من الامراء برجال أمثالهم من أهل الغناء ووضع مذعور بن عدي في بعض
تلك الأماكن واستقام أهل فارس على رأس سنة من مقدم خالد الحيرة بعد خروج
خالد بقليل وذلك في سنة ثلاث عشرة على شهر براز بن أردشير بن شهريار
ممن يناسب إلى كسرى ثم إلى سابور فوجه إلى المثنى جندا عظيما عليهم هرمز
جاذويه في عشرة آلاف ومعه فيل وكتبت المسالح إلى المثنى بإقباله فخرج المثنى
605

من الحيرة نحوه وضم إليه المسالح وجعل على مجنبتيه المعنى ومسعودا ابني
حارثة وأقام له ببابل وأقبل هرمز جاذويه وعلى مجنبتيه الكوكبد والخوكبذ
وكتب إلى المثنى من شهر براز إلى المثنى إني قد بعثت إليك جندا من وحش
أهل فارس إنما هم رعاة الدجاج والخنازير ولست أقاتلك إلا بهم فأجابه المثنى
من المثنى إلى شهر براز إنما أنت أحد رجلين إما باغ فذلك شر لك وخير لنا
وإما كاذب فأعظم الكذابين عقوبة وفضيحة عند الله وفى الناس الملوك وأما
الذي يدلنا عليه الرأي فإنكم إنما اصطررتم إليهم فالحمد لله الذي رد كيدكم إلى رعاة
الدجاج والخنازير فجزع أهل فارس من كتابه وقالوا انما أتى شهر براز من شؤم
مولده ولؤم منشئه وكان يسكن ميسان وبعض البلدان شين على من يسكنه وقالوا
له جرأت علينا عدونا بالذي كتبت به إليهم فإذا كاتبت أحدا فاستشر فالتقوا ببابل
فاقتتلوا بعدوة الصراة الدنيا على الطريق الأول قتالا شديدا ثم إن المثنى وناسا
من المسلمين اعتوروا الفيل وقد كان يفرق بين الصفوف والكراديس فأصابوا
مقتله فقتلوه وهزموا أهل فارس وأتبعهم المسلمون يقتلونهم حتى جازوا بهم مسالحهم
فاقاموا فيها وتتبع الطلب الفالة حتى انتهوا إلى المدائن وفى ذلك يقول عبدة بن
الطبيب السعدي وكان عبدة قد هاجر لمهاجرة حليلة له حتى شهد وقعة بابل فلما
آيسته رجع إلى البادية فقال
هل حبل خولة بعد البين موصول * أم أنت عنها بعيد الدار مشغول
وللأحبة أيام تذكرها * وللنوى قبل يوم البين تأويل
حلت خويلة في حي عهدتهم * دون المدائن فيها الديك والفيل
يقارعون رؤس العجم ضاحية * منهم فوارس لا عزل ولا ميل
القصيدة الفرزدق يعدد بيوتات بكر بن وائل وذكر المثنى وقتله الفيل
وبيت المثنى قاتل الفيل عنوة * ببابل إذ في فارس ملك بابل
ومات شهر براز منهزم هرمز جاذويه واختلف أهل فارس وبقى ما دون دجلة
وبرس من السواد في يدي المثنى والمسلمين ثم إن أهل فارس اجتمعوا بعد شهربراز
606

على دخت زنان ابنة كسرى فلم ينفذ لها أمر فخلعت وملك سابور بن شهربراز
قالوا ولما ملك سابور بن شهربراز قام بأمره الفرخزاذ بن البندوان فسأله أن يزوجه
أزر ميدخت ابنة كسرى ففعل فغضبت من ذلك وقالت يا ابن عم أتزوجني عبدي
قالت استحى من هذا الكلام ولا تعيديه على فإنه زوجك فبعثت إلى سياوخش
الرازي وكان من فتاك الأعاجم فشكت فيه الذي تخاف فقال لها إن كنت كارهة
لهذا فلا تعاوديه فيه وأرسلي إليه وقولي له فليقل له فليأتك فانا أكفيكه ففعلت
وفعل واستعد سياوخش فلما كان ليلة العرس أقبل الفرخزاذ حتى دخل فثار به
سياوخش فقتله ومن معه ثم نهد بها معه إلى سابور فحضرته ثم دخلوا عليه فقتلوه
وملكت آزر ميدخت بنت كسرى وتشاغلوا بذلك وأبطأ خبر أبي بكر على المسلمين
فخلف المثنى على المسلمين بشير بن الخصاصية ووضع مكانه في المسالح سعيد بن مرة
العجلي وخرج المثنى نحو أبى بكر ليخبره خبر المسلمين والمشركين وليستأذنه
في الاستعانة بمن قد ظهرت توبته وندمه من أهل الردة ممن يستطعمه الغزو وليخبره
أنه لم يخلف أحدا أنشط إلى قتال فارس وحربها ومعونة المهاجرين منهم فقدم
المدينة وأبو بكر مريض وقد مرض أبو بكر بعد مخرج خالد إلى الشأم مرضته
التي مات فيها بأشهر فقدم المثنى وقد أشفى وعقد لعمر فأخبره الخبر فقال على بعمر
فجاء فقال له اسمع يا عمر ما أقول لك ثم اعمل به انى لأرجو أن أموت من يومى هذا
وذلك يوم الاثنين فان أنا مت فلا تمسين حتى تندب الناس مع المثنى وإن تأخرت
إلى الليل فلا تصبحن حتى تندب الناس مع المثنى ولا يشغلنكم مصيبة وإن عظمت
عن أمر دينكم ووصية ربكم وقد رأيتني متوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وما صنعت ولم يصب الخلق بمثله وبالله لو أنى أنى عن أمر الله وأمر رسوله لخذلنا
ولعاقبنا فاضطرمت المدينة نارا وإن فتح الله على أمراء الشأم فاردد أصحاب خالد
إلى العراق فإنهم أهله وولاة أمره وحده وأهل الضراوة بهم والجراءة عليهم
ومات أبو بكر رحمه الله مع الليل فدفنه عمر ليلا وصلى عليه في المسجد وندب الناس
مع المثنى بعد ما سوى على أبى بكر وقال عمر كان أبو بكر قد علم أنه يسوءني أن
607

أؤمر خالدا على حرب العراق حين أمرني بصرف أصحابي وترك ذكره (قال
أبو جعفر) وإلى آزرميدخت انتهى شأن أبى بكر وأحد شقى السواد في سلطانه
ثم مات وتشاغل أهل فارس فيما بينهم عن إزالة المسلمين عن السواد فيما بين ملك
أبى بكر إلى قيام عمر ورجوع المثنى مع أبي عبيد إلى العراق والجمهور من جند أهل
العراق بالحيرة والمسالح بالسيب والغارات تنتهى بهم إلى شاطئ دجلة ودجلة
حجاز بين العرب والعجم فهذا حديث العراق في إمارة أبى بكر من مبتدئه إلى
منتهاه (رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق) وكتب أبو بكر إلى خالد وهو
بالحيرة يأمره أن يمد أهل الشام بمن معه من أهل القوة ويخرج فيهم ويستخلف
على ضعفة الناس رجلا منهم فلما أتى خالدا كتاب أبى بكر بذلك قال خالد هذا
عمل الأعيسر بن أم شملة يعنى عمر بن الخطاب حسدني أن يكون فتح العراق على
يدي فسار خالد بأهل القوة من الناس ورد الضعفاء والنساء إلى المدينة مدينة رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأمر عليهم عمير بن سعد الأنصاري واستخلف خالد على من
أسلم بالعراق من ربيعة وغيرهم المثنى بن حارثة الشيباني ثم سار حتى نزل على عين
التمر فأغار على أهلها فأصاب منهم ورابط حصنا بها فيه مقاتلة كان كسرى وضعهم
فيه حتى استنزلهم فضرب أعناقهم وسبى من عين التمر ومن أبناء تلك المرابطة سبايا
كثيرة فبعث بها إلى أبى بكر فكان من تلك السبايا أبو عمرة مولى شبان وهو أبو
عبد الاعلى بن أبي عمرة وأبو عبيد مولى المعلى من الأنصار من بنى زريق وأبو عبد الله
مولى زهرة وخير مولى أبى داود الأنصاري ثم أحد بنى مازن بن النجار ويسار وهو
جد محمد بن إسحاق مولى قيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف وأفلح مولى أبى أيوب
الأنصاري ثم أحد بنى مالك بن النجار وحمران بن أبان مولى عثمان بن عفان وقتل خالد
ابن الوليد هلال بن عقة بن بشر النمري وصلبه بعين التمر ثم أراد السير مفوزا من
قراقر وهو ماء لكلب إلى سوى وهو ماء لبهراء بينهما خمس ليال فلم يهتد خالد الطريق
فالتمس دليلا فدل على رافع بن عميرة الطائي فقال له خالد انطلق بالناس فقال له رافع انك
لن تطيق ذلك بالخيل والأثقال والله ان الراكب المفرد ليخافها على نفسه وما يسلكها
608

إلا مغرورا انها لخمس ليال جياد لا يصاب فيها ماء مع مضلتها فقال له خالد ويحك
إنه والله إن لي بد من ذلك أنه قد أتتني من الأمير عزمة بذلك فمر بأمرك قال
استكثروا من الماء من استطاع منكم أن يصر أذن ناقته على ماء فليفعل فإنها
المهالك إلا ما دفع الله ابغنى عشرين جزورا عظاما سمانا مسان فأتاه بهن خالد فعمد
إليهن رافع فظمأهن حتى إذا أجهدهن عطشا أوردهن فشربن حتى إذا تملان
عمد إليهن فقطع مشافرهن ثم كعمهن لئلا يجتررن ثم أخلى أدبارهن ثم قال لخالد
سر فسار خالد معه مغذا بالخيول والأثقال فكلما نزل منزلا اقتط أربعا من تلك
الشوارف فأخذ ما في أكراشها فسقاه الخيل ثم شرب الناس مما حملوا معهم من
الماء فلما خشى خالد على أصحابه في آخر يوم من المفازة قال لرافع بن عميرة
وهو أرمد ويحك يا رافع ما عندك قال أدركت الري إن شاء الله فلما دنا من
العلمين قال للناس انظروا هل ترون شجيرة من عوسج كقعدة الرجل قالوا ما نراها
قال إنا لله وإنا إليه راجعون هلكتم والله إذا وهلكت لا أبا لكم أنظروا
فطلبوا فوجدوها قد قطعت وبقيت منها بقية فلما رآها المسلمون كبروا وكبر
رافع بن عميرة ثم قال احفروا في أصلها فحفروا فاستخرجوا عينا فشربوا حتى
روى الناس فاتصلت بعد ذلك لخالد المنازل فقال رافع والله ما وردت هذا الماء
قط إلا مرة واحدة وردته مع أبي وأنا غلام فقال شاعر من المسلمين
لله عينا رافع أنى اهتدى * فوز من قراقر إلى سوى
خمسا إذا ما سارها الجيش بكى * ما سارها قبلك إنسى يرى
فلما انتهى خالد إلى سوى أغار على أهله وهم بهراء قبيل الصبح وناس منهم
يشربون خمرا لهم في جفنة قد اجتمعوا عليها ومغنيهم يقول
ألا عللاني قبل جيش أبى بكر * لعل منايانا قريب وما ندري
ألا عللاني بالزجاج وكررا * على كميت اللون صافية تجرى
ألا عللاني من سلافة قهوة * تسلى هموم النفس من جيد الخمر
أظن خيول المسلمين وخالدا * ستطرقكم قبل الصباح من البسر
609

فهل لكم في السير قبل قتالهم * وقبل خروج المحصنات من الخدر
فيزعمون أن مغنيهم ذلك قتل تحت الغارة فسال دمه في تلك الجفنة ثم سار
خالد على وجهه ذلك حتى أغار على غسان بمرح راهط ثم سار حتى نزل على قناة
بصرى وعليها أبو عبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة ويزيد بن أبي سفيان
فاجتمعوا عليها فرابطوها حتى صالحت بصرى على الجزية وفتحها الله على المسلمين
فكانت أول مدينة من مدائن الشام فتحت في خلافة أبى بكر ثم ساروا جميعا إلى
فلسطين مددا لعمرو بن العاصي وعمرو مقيم بالعربات من غور فلسطين وسمعت
الروم بهم فانكشفوا عن جلق إلى أجنادين وعليهم تذارق أخو هرقل لأبيه وأمه
وأجنادين بلد بين الرملة وبيت جبرين من أرض فلسطين وسار عمرو بن العاصي
حين سمع بأبي عبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة ويزيد بن أبي سفيان حتى
لقيهم فاجتمعوا بأجنادين حتى عسكروا عليهم * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة
عن محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير أنه قال كان على
الروم رجل منهم يقال له القبقلار وكان هرقل استخلفه على أمراء الشأم حين
سار إلى القسطنطينية وإليه انصرف تذارق بمن معه من الروم فأما علماء الشأم
فيزعمون إنما كان على الروم تذارق والله أعلم * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة
عن محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة قال لما تدانى العسكران
بعث القبقلار رجلا عربيا قال فحدثت أن ذلك الرجل رجل من قضاعة من تزيد
ابن حيدان يقال له ابن هزارف فقال ادخل في هؤلاء القوم فأقم فيهم يوما وليلة
ثم ائتنى بخبرهم قال فدخل في الناس رجل عربي لا ينكر فأقام فيهم يوما وليلة ثم
أتاه فقال له ما وراءك قال بالليل رهبان وبالنهار فرسان ولو سرق ابن ملكهم
قطعوا يده ولو زنى رجم لإقامة الحق فيهم فقال له القبقلار لئن كنت صدقتني
لبطن الأرض خير من لقاء هؤلاء على ظهرها ولوددت أن حظى من الله أن يخلى
بيني وبينهم فلا ينصرني عليهم ولا ينصرهم على قال ثم تزاحف الناس فاقتتلوا فلما
رأى القبقلار ما رأى من قتال المسلمين قال للروم لفوا رأسي بثوب قالوا له لم
610

قال يوم البئيس لا أحب أن أراه ما رأيت في الدنيا يوما أشد من هذا قال فاحتز
المسلمون رأسه وإنه لملفف وكانت أجنادين في سنة ثلاث عشر لليلتين بقيتا من
جمادى الأولى وقتل يومئذ من المسلمين جماعة منهم سلمة بن هشام بن المغيرة وهبار
ابن الأسود بن عبد الأسد ونعيم بن عبد الله النحام وهشام بن العاصي بن وائل
وجماعة أخر من قريش قال ولم يسم لنا من الأنصار أحد أصيب بها وفيها توفى
أبو بكر لثمان ليال بقين أو سبع بقين من جمادى الآخرة (رجع الحديث إلى حديث أبي
زيد) عن علي بن محمد بإسناده الذي قد مضى ذكره قال وأتى خالد دمشق
فجمع له صاحب بصرى فسار إليه هو وأبو عبيدة فلقيهم أدرنجار فظفر بهم وهزمهم
فدخلوا حصنهم وطلبوا الصلح فصالحهم على كل رأس دينار في كل عام وجريب
حنطة ثم رجع العدو للمسلمين فتوافت جنود المسلمين والروم بأجنادين فالتقوا
يوم السبت لليلتين بقيتا من جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة فظهر المسلمون وهزم
الله المشركين وقتل خليفة هرقل واستشهد رجال من المسلمين ثم رجع هرقل
للمسلمين فالتقوا بالواقوصة فقاتلوهم وقاتلهم العدو وجاءتهم وفاة أبى بكر وهم ومصافون
وولاية أبى عبيدة وكانت هذه الوقعة في رجب * وحدثني أبو زيد عن علي بن
محمد بإسناده الذي قد مضى ذكره قالوا توفى أبو بكر وهو ابن ثلاث وستين سنة في
جمادى الآخرة يوم الاثنين لثمان بقين منه قالوا وكانت سبب وفاته أن اليهود سمته في أرزة
ويقال في جذيذة وتناول معه الحارث بن كلدة منها ثم كف وقال لأبي بكر أكلت
طعاما مسموما سم سنة فمات بعد سنة ومرض خمسة عشر يوما فقيل له لو أرسلت
إلى الطبيب فقال قد رآني قالوا فما قال لك قال أنى أفعل ما أشاء (قال أبو جعفر)
ومات عتاب بن أسيد بمكة في اليوم الذي مات فيه أبو بكر وكانا سما جميعا ثم
مات عتاب بمكة * وقال غير من ذكرت في سبب مرض أبى بكر الذي توفى فيه
ما حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني أسامة
ابن زيد الليثي عن محمد بن حمزة عن عمرو عن أبيه قال وأخبرنا محمد بن عبد الله
عن الزهري عن عروة عن عائشة قال وأخبرنا عمر بن عمران عن عبد الله بن
611

عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق عن عمر بن الحسين مولى آل مطعون عن طلحة بن
عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر قالوا كان أول ما بدأ مرض أبى بكر به أنه
اغتسل يوم الاثنين لسبع خلون من جمادى الآخرة وكان يوما باردا فحم خمسة عشر
يوما لا يخرج إلى الصلاة وكان يأمر عمر بن الخطاب أن يصلى بالناس ويدخل
الناس يعودونه وهو يثقل كل يوم وهو نازل في داره التي قطع له رسول الله
صلى الله عليه وسلم وجاه داره عثمان بن عفان اليوم وكان عثمان ألزمهم له في
مرضه وتوفى أبو بكر مسى ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة
ثلاث عشرة من الهجرة وكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر وعشر ليال قال وكان
أبو معشر يقول كانت خلافته سنتين وأربعة أشهر الا أربع ليال فتوفى وهو ابن
ثلاث وستين سنة مجتمع على ذلك في الروايات كلها استوفى سن النبي صلى الله عليه
وسلم وكان أبو بكر ولد بعد الفيل بثلاث سنين * حدثنا ابن حميد قال حدثنا جرير
عن يحيى بن سعيد قال قال سعيد بن المسيب استكمل أبو بكر بخلافته سن رسول الله
صلى الله عليه وسلم فتوفى وهو بسن النبي صلى الله عليه وسلم * حدثنا أبو كريب
قال حدثنا أبو نعيم عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي السفر عن عامر عن جرير
قال كنت عند معاوية فقال توفى النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين
سنة وتوفى أبو بكر وهو ابن ثلاث وستين سنة وقتل عمر وهو ابن ثلاث وستين
سنة * وحدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن عامر بن سعيد عن جرير قال قال
معاوية قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين وقتل عمر
وهو ابن ثلاث وستين وتوفى أبو بكر وهو ابن ثلاث وستين وقال علي بن محمد
في خبره الذي ذكرت عنه كانت ولاية أبى بكر سنتين وثلاثة أشهر وعشرين يوما
ويقال عشرة أيام
612

ذكر الخبر عمن غسله والكفن الذي كفن فيه أبو بكر رحمه الله
ومن صلى عليه والوقت الذي صلى عليه فيه
والوقت الذي توفى فيه رحمة الله عليه
* حدثني الحارث عن ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني مالك عن أبي
الرحال عن أبيه عن عائشة قالت توفى أبو بكر رحمه الله بين المغرب والعشاء
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا يحيى بن واضح عن محمد بن عبد الله عن عطاء وابن أبي
مليكة أن أسماء بنت عميس قال لي أبو بكر غسليني قلت لا أطيق ذلك
قال يعينك عبد الرحمن بن أبي بكر يصب الماء * حدثني الحارث عن محمد بن سعد
قال أخبرنا معاذ بن معاذ ومحمد بن عبد الله الأنصاري قالا حدثنا الأشعث عن
عبد الواحد بن صبرة عن القاسم بن محمد أن أبا بكر الصديق أوصى أن تغسله
امرأته أسماء فإن عجزت أعانها ابنه محمد قال ابن سعد قال محمد بن عمر وهذا الحديث
وهل وإنما كان لمحمد يوم توفى أبو بكر ثلاث سنين * حدثنا ابن وكيع قال حدثنا
ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن أبي مليكة عن عائشة سألها أبو بكر في كم
كفن النبي صلى الله عليه وسلم قالت في ثلاثة أثواب قال اغسلوا ثوبي هذين وكانا
ممشقين وابتاعوا لي ثوبا آخر قلت يا أبه إنا موسرون قال أي بنية الحي أحق
بالجديد من الميت انما هما للمهلة والصديد * حدثني العباس بن الوليد قال أخبرنا
أبى قال حدثنا الأوزاعي قال حدثني عبد الرحمن بن القاسم أن أبا بكر توفى عشاء
بعدما غابت الشمس ليلة الثلاثاء ودفن ليلا ليلة الثلاثاء * حدثنا أبو كريب قال
حدثنا غنام عن هشام عن أبيه أن أبا بكر مات ليلة الثلاثاء ودفن ليلا * حدثني
أبو زيد عن علي بن محمد بإسناده الذي قد مضى ذكريه أن أبا أبكر حمل على السرير
الذي حمل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى عليه عمر في مسجد رسول الله
صلى الله عليه وسلم ودخل قبره عمر وعثمان وطلحة وعبد الرحمن بن أبي بكر
وأراد عبد الله أن يدخل قبره فقال له عمر كفيت (قال أبو جعفر) وكان أوصى
613

فيما حدثني الحارث عن ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثنا أبو بكر بن
عبد الله بن أبي سبرة عن عمر بن عبد الله يعنى ابن عروة أنه سمع عروة والقاسم
ابن محمد يقولان أوصى أبو بكر عائشة أن يدفن إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم
فلما توفى حفر له وجعل رأسه عنه كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وألصقوا
اللحد بلحد النبي صلى الله عليه وسلم فقبر هنالك * قال الحارث حدثني ابن سعد
قال وأخبرنا محمد بن عمر قال حدثني ابن عثمان عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال
جعل رأس أبى بكر عند كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأس عمر عند
حقوى أبى بكر * حدثني علي بن مسلم الطوسي قال حدثنا ابن أبي فديك قال
أخبرني عمرو بن عثمان بن هانئ عن القاسم بن محمد قال دخلت على عائشة رضى الله
تعالى عنها فقلت يا أمه اكشفي لي عن قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه
فكشفت لي عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئة مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء
قال فرأيت قبر النبي صلى الله عليه وسلم مقدما وقبر أبى بكر عند رأسه وعمر رأسه
عند رجل النبي صلى الله عليه وسلم * حدثني الحارث عن ابن سعد قال أخبرنا
محمد بن عمر قال حدثنا أبو بكر بن عبد الله بن سبرة عن عمرو بن أبي عمرو عن
المطلب بن عبد الله بن حنطب قال جعل قبر أبى بكر مثل قبر النبي صلى الله عليه
وسلم مسطحا ورش عليه الماء وأقامت عليه عائشة النوح * حدثني يونس قال
أخبرنا ابن وهب قال أخبرنا يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال حدثني سعيد بن
المسيب قال لما توفى أبو بكر رحمه الله أقامت عليه عائشة النوح فأقبل عمر بن
الخطاب حتى قام ببابها فنهاهن عن البكاء على أبى بكر فأبين أن ينتهين فقال عمر
لهشام بن الوليد ادخل فأخرج إلى ابنة أبى قحافة أخت أبى بكر فقالت عائشة
لهشام حين سمعت ذلك من عمر إني أحرج عليك بيتي فقال عمر لهشام ادخل فقد
أذنت لك فدخل هشام فأخرج أم فروة أخت أبى بكر إلى عمر فعلاها الدرة
فضربها ضربات فتفرق النوح حين سمعوا ذلك وتمثل في مرضه فيما حدثني أبو زيد
عن علي بن محمد بإسناده الذي توفى فيه
614

وكل ذي إبل موروث * وكل ذي سلب مسلوب
وكل ذي غيبة يؤب * وغالب الموت لا يؤب
وكان آخر ما تكلم به رب توفني مسلما وألحقني بالصالحين
ذكر الخبر عن صفة جسم أبى بكر رحمه الله
* حدثني الحارث عن ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثنا شعيب عن
طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق عن أبيه عن عائشة رضى
الله تعالى عنها أنها نظرت إلى رجل من العرب مر وهى في هودجها فقالت ما رأيت
رجلا أشبه بأبي بكر من هذا فقلنا لها صفى أبا بكر فقالت رجل أبيض نحيف
خفيف العارضين أحنى لا يستمسك إزاره يسترخى عن حقويه معروق الوجه
غائر العينين ناتئ الجبهة عاري الأشاجع * وأما علي بن محمد فإنه قال في حديثه الذي
ذكرت إسناده قيل أنه كان أبيض يخالطه صفرة حسن القامة نحيفا أحنى رقيقا
عتيقا أقنى معروق الوجه غائر العينين حمش الساقين ممحوص الفخذين يخضب
بالحناء والكتم وكان أبو قحافة حين توفى حيا بمكة فلما نعى إليه قال رزء جليل
ذكر نسب أبى بكر واسمه وما كان يعرف به
* حدثني أبو زيد قال حدثنا علي بن محمد بإسناده الذي قد مضى ذكره أنهم
أجمعوا على أن اسم أبى بكر عبد الله وأنه إنما قيل له عتيق عن عتقه قال وقال
بعضهم قيل له ذلك لان النبي صلى الله عليه وسلم قال له أنت عتيق من النار
* حدثني الحارث عن ابن سعد عن محمد بن عمر قال حدثنا إسحاق بن يحيى بن
طلحة عن معاوية بن إسحاق عن أبيه عن عائشة أنها سئلت لم سمى أبو بكر عتيقا
فقالت نظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقال هذا عتيق الله من النار واسم
أبيه عثمان وكنيته أبو قحافة قال أبو بكر عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو
ابن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك
وأمه أم الخير بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة (وقال الواقدي)
615

اسمه عبد الله بن أبي قحافة واسمه عثمان بن عامر وأمه أم الخير واسمها سلمى بنت
صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة وأما هشام فإنه قال فيما حدثت
عنه أن اسم أبى بكر عتيق بن عثمان بن عامر * وحدثني يونس قال أخبرنا ابن
وهب قال أخبرني ابن لهيعة عن عمارة بن غزية قال سألت عبد الرحمن بن القاسم
عن اسم أبى بكر الصديق فقال عتيق وكانوا إخوة ثلاثة بنى أبى قحافة عتيق
ومعتق وعتيق
ذكر أسماء نساء أبى بكر الصديق رحمه الله
* حدث علي بن محمد عمن حدثه ومن ذكرت من شيوخه قال تزوج أبو بكر
في الجاهلية قتيلة ووافقه على ذلك الواقدي والكلبي قالوا وهى قتيلة ابنة عبد العزى
ابن عبد بن أسعد بن جابر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي فولدت له
عبد الله وأسماء وتزوج أيضا في الجاهلية أم رومان بنت عامر بن عميرة بن ذهل
ابن ذهمان بن الحارث بن غنم بن مالك بن كنانة وقال بعضهم هي أم رومان بنت
عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتاب بن أذينة بن سبيع بن دهمان بن الحارث
ابن غنم بن مالك بن كنانة فولدت له عبد الرحمن وعائشة فكل هؤلاء الأربعة
من أولاده ولدوا من زوجتيه اللتين سميناهما في الجاهلية وتزوج في الاسلام
أسماء بنت عميس وكانت قبله عند جعفر بن أبي طالب وهى أسماء بنت عميس
ابن معد بن تيم بن الحارث بن كعب بن مالك بن قحافة بن عامر بن ربيعة بن
عامر بن مالك بن نسر بن وهب الله بن شهران بن عفرس بن حلف بن أفتل
وهو خثعم فولدت له محمد بن أبي بكر وتزوج أيضا في الاسلام حبيبة بنت خارجة
ابن زيد بن أبي زهير من بنى الحارث بن الخزرج وكانت نسأ حين توفى أبو بكر
فولدت له بعد وفاته جارية سميت أم كلثوم
ذكر أسماء قضاته وكتابه وعماله على الصدقات
* حدثنا محمد بن عبد الله المخرمي قال حدثنا أبو الفتح نصر بن المغيرة قال
616

قال سفيان وذكره عن مسعر لما ولى أبو بكر قال له أبو عبيدة أنا أكفيك
المال يعنى الجزاء وقال عمر أنا أكفيك القضاء فمكث عمر سنة لا يأتيه رجلان
وقال علي بن محمد عن الذين سميت قال بعضهم جعل أبو بكر عمر قاضيا في خلافته
فمكث سنة لم يخاصم إليه أحد قال وقالوا كان يكتب له زيد بن ثابت ويكتب له
الاخبار عثمان بن عفان رضى الله تعالى عنه وكان يكتب له من حضر وقالوا كان عامله
على مكة عتاب بن أسيد وعلى الطائف عثمان بن أبي العاصي وعلى صنعاء المهاجر ابن أبي
أمية وعلى حضرموت زياد بن لبيد وعلى خولان يعلى بن أمية وعلى زبيد ورمع
أبو موسى الأشعري وعلى الجند معاذ بن جبل وعلى البحرين العلاء بن الحضرمي
وبعث جرير بن عبد الله إلى نجران وبعث بعبد الله بن ثور أحد بنى الغوث إلى
ناحية جرش وبعث عياض بن غنم الفهري إلى دومة الجندل وكان بالشام أبو عبيدة
وشرحبيل بن حسنة ويزيد بن أبي سفيان وعمرو بن العاصي كل رجل منهم على جند
وعليهم خالد بن الوليد (قال أبو جعفر) وكان رضي الله عنه سخيا لينا عالما بأنساب
العرب وفيه يقول حفاف بن ندبة وندبة أمه وأبوه عمير بن الحارث في مرثيته أبا بكر
أبلج ذو عرف وذو منكر * مقسم المعروف رحب الفناء
للمجد في منزله باديا * حوض رفيع لم يخنه الإزاء
والله لا يدرك أيامه * ذو مئزر حاف ولا ذو رداء
من يسع كي يدرك أيامه * يجتهد الشد بأرض فضاء
وكان فيما ذكر الحارث عن ابن سعد عن عمرو بن الهيثم أبى قطن قال حدثنا
الربيع عن حيان الصائغ قال كان نقش خاتم أبى بكر رحمه الله نعم القادر الله
قالوا ولم يعش أبو قحافة بعد أبي بكر إلا ستة أشهر وأياما وتوفى في المحرم سنة
أربع عشرة بمكة وهو ابن سبع وتسعين سنة وعقد أبو بكر في مرضته التي توفى
فيها لعمر بن الخطاب عقد الخلافة من بعده وذكر أنه لما أراد العقد له دعا عبد الرحمن
ابن عوف فيما ذكر ابن سعد عن الواقدي عن ابن أبي سبرة عن عبد المجيد بن سهيل
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال لما نزل بأبي بكر رحمه الله الوفاة دعا عبد الرحمن
617

ابن عوف فقال أخبرني عن عمر فقال يا خليفة رسول الله هو والله أفضل من
رأيك فيه من رجل ولكن فيه غلظة فقال أبو بكر ذلك لأنه يراني رقيقا ولو
أفضى الامر إليه لترك كثيرا مما هو عليه ويا أبا همد قد رمقته فرأيتني إذا غضبت
على الرجل في الشئ أراني الرضا عنه وإذا لنت له أراني الشدة عليه لا تذكر
يا أبا محمد مما قلت لك شيئا قال نعم ثم دعا عثمان بن عفان فقال يا أبا عبد الله أخبرني
عن عمر قال أنت أخبر به فقال أبو بكر على ذاك يا أبا عبد الله قال اللهم علمي به
أن سريرته خير من علانيته وأن ليس فينا مثله قال أبو بكر رحمه الله رحمك الله
يا أبا عبد الله لا تذكر مما ذكرت لك شيئا قال أفعل فقال له أبو بكر لو تركته
ما عدوتك وما أدرى لعله تاركه والخيرة له ألا يلي من أموركم شيئا ولوددت أنى
كنت خلوا من أموركم وأنى كنت فيمن مضى من سلفكم يا أبا عبد الله لا تذكرن
مما قلت لك من أمر عمر ولا مما دعوتك له شيئا * حدثنا ابن حميد قال حدثنا يحيى
ابن واضح قال حدثنا يونس بن عمرو عن أبي السفر قال أشرف أبو بكر على الناس
من كنيفه وأسماء ابنة عميس ممسكته موشومة اليدين وهو يقول أترضون بمن
استخلف عليكم فإني والله ما ألوت من جهد الرأي ولا وليت ذا قرابة وإني قد
استخلفت عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا فقالوا سمعنا وأطعنا * حدثني عثمان
ابن يحيى عن عثمان القرقساني قال حدثنا سفيان بن عيينة عن إسماعيل عن قيس
قال رأيت عمر بن الخطاب وهو يجلس والناس معه وبيده جريدة وهو يقول
أيها الناس اسمعوا وأطيعوا قول خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه يقول
إني لم الكم نصحا قال ومعه مولى لأبي بكر يقال له شديد معه الصحيفة التي فيها
استخلاف عمر (قال أبو جعفر) وقال الواقدي حدثني إبراهيم بن أبي النضر عن
محمد بن إبراهيم بن الحارث قال دعا أبو بكر عثمان خاليا فقال له اكتب بسم الله
الرحمن الرحيم هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة إلى المسلمين أما بعد قال ثم أغمي
عليه فذهب عنه فكتب عثمان أما بعد فإني قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب
ولم الكم خيرا منه ثم أفاق أبو بكر فقال اقرأ علي فقرأ عليه فكبر أبو بكر
618

وقال أراك خفت إن يختلف الناس إن افتلتت نفسي في غشيتي قال نعم قال جزاك
الله خيرا عن الاسلام وأهله وأقرها أبو بكر رضى الله تعالى عنه من هذا الموضع
* حدثنا يونس بن الاعلى قال حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قال حدثنا
الليث بن سعد قال حدثنا علوان عن صالح بن كيسان عن عمر بن عبد الرحمن
ابن عوف عن أبيه أنه دخل على أبى بكر الصديق رضى الله تعالى عنه في مرضه
الذي توفى فيه فأصابه مهتما فقال له عبد الرحمن أصبحت والحمد لله بارئا فقال
أبو بكر رضى الله تعالى عنه أتراه قال نعم قال إني وليت أمركم خيركم في نفسي
فكلكم ورم أنفه من ذلك يريد أن يكون الامر له دونه ورأيتم الدنيا قد أقبلت
ولما تقبل وهى مقبلة حتى تتخذوا ستور الحرير ونضائد الديباج وتألموا
الاضطجاع على الصوف الاذرى كما يألم أحدكم أن ينام على حسك والله لان يقدم
أحدكم فتضرب عنقه في غير حد خير له من أن يخوض في غمرة الدنيا وأنتم أول
ضال بالناس عدا فتصدونهم عن الطريق يمينا وشمالا يا هادي الطريق إنما هو
الفجر أو البحر قلت له خفض عليك رحمك الله فإن هذا يهيضك في أمرك إنما
الناس في أمرك بين رجلين إما رجل رأى ما رأيت فهو معك وإما رجل
خالفك فهو مشير عليك وصاحبك كما تحب ولا نعلمك أردت إلا خيرا ولم تزل
صالحا مصلحا وأنك لا تأسى على شئ من الدنيا قال أبو بكر رضى الله تعالى
عنه أجل إني لا آسى على شئ من الدنيا إلا على ثلاث فعلتهن وددت أنى تركتهن
وثلاث تركتهن وددت أنى فعلتهن وثلاث وددت أنى سألت عنهن رسول الله
صلى الله عليه وسلم فأما الثلاث اللاتي وددت أنى تركتهن فوددت أنى لم أكشف
بيت فاطمة عن شئ وإن كانوا قد غلقوه على الحرب ووددت إني لم أكن حرقت
الفجاءة السلمي وأنى كنت قتلته سريحا أو خليته نجيحا ووددت أنى يوم سقيفة
بنى ساعدة كنت قذفت الامر في عنق أحد الرجلين عمر وأبا عبيدة فكان
أحدهما أميرا وكنت وزيرا وأما اللاتي تركتهن فوددت أنى يوم أتيت بالأشعث
ابن قيس أسيرا كنت ضربت عنقه فإنه تخيل إلى أنه لا يرى شرا إلا أعان عليه ووددت
619

أنى حين سيرت خالد بن الوليد إلى أهل الردة كنت أقمت بذى القصة فان ظفر
المسلمون ظفروا وإن هزموا كنت بصدد لقاء أو مددا وودت انى كنت إذ وجهت
خالد بن الوليد إلى الشام كنت وجهت عمر بن الخطاب إلى العراق فكنت قد
بسطت يدي كلتيهما في سبيل الله ومد يديه ووددت أنى كنت سألت رسول الله
صلى الله عليه وسلم لمن هذا الامر فلا ينازعه أحد ووددت أنى كنت سألته هل
للأنصار في هذا الامر نصيب ووددت أنى كنت سألته عن ميراث ابنة الأخ
والعمة فان في نفسي منهما شيئا قال لي يونس قال لنا يحيى ثم قدم علينا علوان بعد
وفاة الليث فسألته عن هذا الحديث فحدثني به كما حدثني الليث بن سعد حرفا حرفا
وأخبرني أنه هو حدث به الليث بن سعد وسألته عن اسم أبيه فأخبرني أنه علوان
ابن داود * وحدثني محمد بن إسماعيل المرادي قال حدثنا عبد الله بن صالح المصري
قال حدثني الليث عن علوان بن صالح عن صالح بن كيسان عن حميد بن عبد الرحمن
ابن عوف أن أبا بكر الصديق رضى الله تعالى عنه قال ثم ذكر نحوه ولم يقل فيه
عن أبيه (قال أبو جعفر) وكان أبو بكر قبل أن يشتغل بأمور المسلمين تاجرا
وكان منزله بالسنح ثم تحول إلى المدينة * فحدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال
أخبرنا محمد بن عمر قال حدثنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن مروان عن أبي
سعيد بن المعلى قال سمعت سعيد بن المسيب قال وأخبرنا موسى بن محمد بن إبراهيم
عن أبيه عن عبد الرحمن بن صبيحة التميمي عن أبيه قال وأخبرنا عبد الله بن عمر
عن نافع عن ابن عمر قال وأخبرنا محمد بن عبد الله عن الزهري عن عروة عن عائشة
قال وأخبرنا أبو قدامة عثمان بن محمد عن أبي وجزة عن أبيه قال وغير هؤلاء
أيضا قد حدثني ببعضه فدخل حديث بعضهم في حديث بعض قالوا قالت عائشة
كان منزل أبى بالسنح عند زوجته حبيبة ابنة خارجة بن زيد بن أبي زهير من بنى
الحارث بن الخزرج وكان قد حجر عليه حجرة من سعف فما زاد على ذلك حتى
تحول إلى منزله بالمدينة فأقام هنالك بالسنح بعدما بويع له ستة أشهر يغدو على رجليه
إلى المدينة وربما ركب على فرس له وعليه إزار ورداء ممشق فيوافى المدينة فيصلى
620

الصلوات بالناس فإذا صلى العشاء رجع إلى أهله بالسنح فكان إذا حضر صلى
بالناس وإذا لم يحضر صلى بهم عمر بن الخطاب قال فكان يقيم يوم الجمعة صدر
النهار بالسنح يسبغ رأسه ولحيته ثم يروح لقدر الجمعة فيجمع بالناس وكان رجلا
تاجرا فكان يغدو كل يوم إلى السوق فيبيع ويبتاع وكانت له قطعة غنم تروح عليه
وربما خرج هو بنفسه فيها وربما كفيها فرعيت له وكان يحلب للحي أغنامهم فلما
بويع له بالخلافة قالت جارية من الحي الآن لا تحلب لنا منائح دارنا فسمعها
أبو بكر فقال بلى لعمري لأحلبنها لكم وإني لأرجو أن لا يغيرني ما دخلت فيه عن خلق
كنت عليه فكان يحلب لهم فربما قال للجارية من الحي يا جارية أتحبين أن أرعى
لك أو أصرح فربما قالت ارع وربما قالت صرح فأي ذلك قالته فعل فمكث
كذلك بالسنح ستة أشهر ثم نزل إلى المدينة فأقام بها ونظر في أمره فقال لا والله
ما تصلح أمور الناس التجارة وما يصلحهم الا التفرغ لهم والنظر في شأنهم ولا بد
لعيالي مما يصلحهم فترك التجارة واستنفق من مال المسلمين ما يصلحه ويصلح عياله
يوما بيوم ويحج ويعتمر وكان الذي فرضوا له في كل سنة ستة آلاف درهم فلما
حضرته الوفاة قال ردوا ما عندنا من مال المسلمين فانى لا أصيب من هذا المال
شيئا وإن أرضى التي بمكان كذا وكذا للمسلمين بما أصبت من أموالهم فدفع
ذلك إلى عمر ولقوحا وعبدا صيقلا وقطيفة ما تساوى خمسة دراهم فقال عمر لقد
أتعب من بعده وقال علي بن محمد فيما حدثني أبو زيد عنه في حديثه عن القوم الذين
ذكرت روايته عنهم قال أبو بكر انظروا كم أنفقت منذ وليت من بيت المال
فاقضوه عنى فوجدوا مبلغه ثمانية آلاف درهم في ولايته * حدثنا ابن حميد قال
حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن الزهري عن القاسم بن محمد عن أسماء ابنة عميس
قالت دخل طلحة بن عبيد الله على أبى بكر فقال استخلفت على الناس عمر وقد رأيت
ما يلقى الناس منه وأنت معه فكيف به إذا خلا بهم وأنت لاق ربك فسائلك عن
رعيتك فقال أبو بكر وكان مضطجعا أجلسوني فأجلسوه فقال لطلحة أبالله تفرقني
أو أبالله تخوفني إذا لقيت الله ربى فسائلني قلت استخلفت على أهلك خير أهلك
621

حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن محمد بن عبد الرحمن بن الحصين
بمثل ذلك (قال أبو جعفر) قد تقدم ذكرنا وقت عقد أبى بكر لعمر بن الخطاب
الخلافة ووقت وفاة أبى بكر وأن عمر صلى عليه وأنه دفن ليلة وفاته قبل أن يصبح
الناس فأصبح عمر صبيحة تلك الليلة فكان أول ما عمل وقال فيما ذكر ما حدثنا
أبو كريب قال حدثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن جامع بن شداد عن أبيه
قال لما استخلف عمر صعد المنبر فقال إني قائل كلمات فأمنوا عليهن فكان أول
منطق نطق به حين استخلف فيما حدثني أبو السائب قال حدثنا ابن فضيل عن عياض
عن ضرار عن حصين المري قال قال عمر إنما مثل العرب مثل جمل آنف اتبع
قائده فلينظر قائده حيث يقود وأما أنا فورب الكعبة لأحملنهم على الطريق * حدثنا
عمر قال حدثني على عن عيسى بن يزيد عن صالح بن كيسان قال كان أول كتاب
كتبه عمر حين ولى إلى أبى عبيدة يوليه على جند خالد أوصيك بتقوى الله الذي
يبقى ويفنى ما سواه الذي هدانا من الضلالة وأخرجنا من الظلمات إلى النور وقد
استعملتك على جند خالد بن الوليد فقم بأمرهم الذي يحق عليك لا تقدم المسلمين
إلى هلكة رجاء غنيمة ولا تنزلهم منزلا قبل أن تستريده لهم وتعلم كيف ما أتاه
ولا تبعث سرية إلا في كثف من الناس وإياك والقاء المسلمين في الهلكة وقد أبلاك الله
بي وأبلاني بك فغمض بصرك عن الدنيا وآله قلبها عنك وإياك أن تهلكك كما أهلكت
من كان قبلك فقد رأيت مصارعهم * حدثني عمر عن علي بن محمد باسناده عن النفر الذين
ذكرت روايتهم عنهم في أول ذكرى أمر أبى بكر أنهم قالوا قدم بوفاة أبى بكر إلى الشام
شداد بن أوس بن ثابت الأنصاري ومحمية بن جزء ويرفأ فكتموا الخبر الناس
حتى ظفر المسلمون وكانوا بالياقوصة يقاتلون عدوهم من الروم وذلك في رجب
فأخبروا أبا عبيدة بوفاة أبى بكر وولايته حرب الشأم وضم عمر إليه الامراء
وعزل خالد بن الوليد * فحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال
لما فرغ المسلمون من أجنادين ساروا إلى فحل من أرض الأردن وقد اجتمعت
فيها رافضة الروم والمسلمون على أمرائهم وخالد على مقدمة الناس فلما نزلت الروم
622

بيسان بثقوا أنهارها وهى أرض سبخة فكانت وحلا ونزلوا فحل وبيسان بين
فلسطين وبين الأردن فلما غشيها المسلمون ولم يعلموا بما صنعت الروم وحلت
خيولهم ولقوا فيها عناء ثم سلمهم الله وسميت بيسان ذات الردغة لما لقى المسلمون
فيها ثم نهضوا إلى الروم وهم بفحل فاقتتلوا فهزمت الروم ودخل المسلمون فحل
ولحقت رافضة الروم بدمشق فكانت فحل في ذي القعدة سنة ثلاث عشرة على
ستة أشهر من خلافة عمر وأقام تلك الحجة للناس عبد الرحمن بن عوف ثم ساروا
إلى دمشق وخالد على مقدمة الناس وقد اجتمعت الروم إلى رجل منهم يقال له
باهان بدمشق وقد كان عمر عزل خالد بن الوليد واستعمل أبا عبيدة على جميع
الناس فالتقى المسلمون والروم فيما حول دمشق فاقتتلوا قتالا شديدا ثم هزم الله
الروم وأصاب منهم المسلمون ودخلت الروم دمشق فغلقوا أبوابها وخيم المسلمون
عليها فرابطوها حتى فتحت دمشق وأعطوا الجزية وقد قدم الكتاب على أبى عبيدة
بإمارته وعزل خالد فاستحى أبو عبيدة أن يقرأ خالدا الكتاب حتى فتحت دمشق
وجرى الصلح على يدي خالد وكتب الكتاب باسمه فلما صالحت دمشق لحق
باهان صاحب الروم الذي قاتل المسلمين بهرقل وكان فتح دمشق في سنة أربع
عشر في رجب وأظهر أبو عبيدة إمارته وعزل خالد وقد كان المسلمون التقوا هم
والروم ببلد يقال له عين فحل بين فلسطين والأردن فاقتتلوا به قتالا شديدا ثم
لحقت الروم بدمشق * وأما سيف فيما ذكر السرى عن شعب عنه عن أبي عثمان
عن خالد وعبادة فإنه ذكر في خبره أن البريد قدم على المسلمين من المدينة بموت
أبى بكر وتأمير أبى عبيدة وهم باليرموك وقد التحم القتال بينهم وبين الروم وقص
من خبر اليرموك وخبر دمشق غير الذي اقتصه ابن إسحاق وأنا ذاكر بعض
الذي اقتص من ذلك (كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن محمد عن أبي
عثمان عن أبي سعيد قال لما قام عمر رضى عن خالد بن سعيد والوليد
ابن عقبة فأذن لهما بدخول المدينة وكان أبو بكر قد منعهما لفرتهما التي فرآها
وردهما إلى الشأم وقال ليبلغني عنكما عناء إبلكما بلاء فانضما إلى أي أمرائنا
623

أحببتما فلحق بالناس فأبليا وأغنيا
خبر دمشق من رواية سيف
(كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن أبي عثمان عن خالد وعبادة
قالا لما هزم الله جند اليرموك وتهافت أهل الواقوصة وفرغ من المقاسم والأنفال
وبعث بالأخماس وسرحت الوفود استخلف أبو عبيدة على اليرموك بشير بن
كعب بن أبي الحميري كيلا يغتال بردة ولا تقطع الروم على مواده وخرج
أبو عبيدة حتى ينزل بالصفر وهو يريد اتبع الفالة ولا يدرى يجتمعون أو يفترقون
فأتاه الخبر بأنهم أرزوا إلى فحل وأتاه الخبر بأن المدد قد أتى أهل دمشق من
حمص فهو لا يدرى أبدمشق يبدأ أم بفحل من بلاد الأردن فكتب في ذلك إلى
عمر وانتظر الجواب وأقام بالصفر فلما جاء عمر فتح اليرموك أقر الامراء على
ما كان استعملهم عليه أبو بكر إلا ما كان من عمرو بن العاصي وخالد بن الوليد
فإنه ضم خالدا إلى أبى عبيده وأمر عمرا بمعونة الناس حتى يصير الحرب إلى
فلسطين ثم يتولى حربها * وأما ابن إسحاق فإنه قال أمر خالد وعزل عمر إياه
ما حدثنا محمد بن حميد قال حدثنا سلمة عنه قال إنما نزع عمر خالدا في كلام كان
خالد تكلم به فيما يزعمون ولم يزل عمر عليه ساخطا ولامره كارها في زمان
أبى بكر كله لوقعته بابن نوير وما كان يعمل به في حربه فلما استخلف عمر كان
أول ما تكلم به عزله فقال لا يلي لي عملا أبدا فكتب عمر إلى أبى عبيدة إن خالد
أكذب نفسه فهو أمير على ما هو عليه وإن هو لم يكذب نفسه فأنت الأمير على
ما هو عليه ثم انزع عمامته عن رأسه وقاسمه ماله نصفين فلما ذكر أبو عبيدة ذلك
لخالد قال أنظرني أستشر أختي في أمري ففعل أبو عبيدة فدخل خالد على أخته
فاطمة بنت الوليد وكانت عند الحارث بن هشام فذكر لها ذلك فقالت والله
لا يحبك عمر أبدا وما يريد إلا أن تكذب نفسك ثم ينزعك فقبل رأسها وقال
صدقت والله فتم على أمره وأبى أن يكذب نفسه فقام بلال مولى أبى بكر إلى
624

أبى عبيدة فقال ما أمرت به في خالد قال أمرت أن أنزع عمامته وأقاسمه ماله فقاسمه
ماله حتى بقيت نعلاه فقال أبو عبيدة إن هذا لا يصلح إلا بهذا فقال خالد أجل ما أنا
بالذي أعصى أمير المؤمنين فاصنع ما بدا لك فأخذ نعلا وأعطاه نعلا ثم قدم خالد
على عمر المدينة حين عزله * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق
عن محمد بن عمر بن عطاء عن سليمان بن يسار قال كان عمر كلما مر بخالد قال
يا خالد أخرج مال الله من تحت استك فيقول والله ما عندي من مال فلما أكثر
عليه عمر قال له خالد يا أمير المؤمنين ما قيمة ما أصبت في سلطانكم أربعين ألف درهم
فقال عمر قد أخذت ذلك منك بأربعين ألف درهم قال هو لك قال قد أخذته ولم يكن
لخالد مال إلا عدة ورقيق فحسب ذلك فبلغت قيمته ثمانين ألف درهم فناصفه
عمر ذلك فأعطاه أربعين ألف درهم وأخذ المال فقيل له يا أمير المؤمنين لو رددت
على خالد ماله فقال إنما أنا تاجر للمسلمين والله لا أرده عليه أبدا فكان عمر يرى
أنه قد اشتفى من خالد حين صنع به ذلك (رجع الحديث) إلى حديث سيف عن أبي
عثمان عن خالد وعبادة قالا ولما جاء عمر الكتاب عن أبي عبيدة بالذي ينبغي أن يبدأ
به كتب إليه أما بعد فابدؤا بدمشق فانهدوا لها فإنها حصن الشأم وبيت مملكتهم
واشغلوا عنكم أهل فحل بخيل تكون بإزائهم في نحورهم وأهل فلسطين وأهل
حمص فإن فتحها الله قبل دمشق فذاك الذي نحب وإن تأخر فتحها حتى يفتح الله
دمشق فلينزل بدمشق من يمسك بها ودعوها وانطلق أنت وسائر الامراء حتى
تغيروا على فحل فإن فتح الله عليكم فانصرف أنت وخالد إلى حمص ودع شرحبيل
وعمرا وأخلهما بالأردن وفلسطين وأمير كل بلد وجند على الناس حتى يخرجوا
من إمارته فسرح أبو عبيدة إلى فحل عشرة قواد أبا الأعور السلمي وعبد عمرو
ابن يزيد بن عامر الجرشى وعامر بن حثمة وعمرو بن كليب من يحصب وعمارة
ابن الصعق بن كعب وصيفي بن علبة بن شامل وعمرو بن الحبيب بن عمرو ولبدة
ابن عامر بن خثعمة وبشر بن عصمة وعمارة بن محش قائد الناس ومع كل رجل
خمسة قواد وكانت الرؤساء تكون من الصحابة حتى لا يجدوا من يحتمل ذلك
625

منهم فساروا من الصفر حتى نزلوا قريبا من فحل فلما رأت الروم أن الجنود تريدهم
بثقوا المياه حول فحل فاردغت الأرض ثم وحلت واغتم المسلمون من ذلك فحبسوا
عن المسلمين بها ثمانين ألف فارس وكان أول محصور بالشام أهل فحل ثم أهل
دمشق وبعث أبو عبيدة ذا الكلاع حتى كان بين دمشق وحمص ردءا وبعث
علقمة بن حكيم ومسروقا فكانا بين دمشق وفلسطين والأمير يزيد ففصل وفصل
بأبي عبيدة من المرج وقدم خالد بن الوليد وعلى مجنبتيه عمرو وأبو عبيدة وعلى
الخيل عياض وعلى الرجل شرحبيل فقدموا على دمشق وعليهم بسطاس بن
نسطوس فحصروا أهل دمشق ونزلوا حواليها فكان أبو عبيدة على ناحية وعمرو
على ناحية ويزيد على ناحية وهرقل يومئذ بحمص ومدينة حمص بينه وبينهم
فحاصروا أهل دمشق نحوا من سبعين ليلة حصارا شديدا بالزحوف والترامي
والمجانيق وهم معتصمون بالمدينة يرجون الغياث وهرقل منهم قريب وقد استمدوه
وذو الكلاع بين المسلمين وبين حمص على رأس ليلة من دمشق كأنه يريد حمص
وجاءت خيول هرقل مغيثة لأهل دمشق فأشجتها الخيول التي مع ذي الكلاع
وشغلتها عن الناس فأرزوا ونزلوا بإزائه وأهل دمشق على حالهم فلما أيقن أهل
دمشق أن الامداد لا تصل إليهم فشلوا ووهنوا وأبلسوا وازداد المسلمون طمعا
فيهم وقد كانوا يرون أنها كالغارات قبل ذلك إذا هجم البرد قفل الناس فسقط
النجم والقوم مقيمون فعند ذلك انقطع رجاؤهم وندموا على دخول دمشق وولد
للبطريق الذي على أهل دمشق مولود فصنع عليه فأكل القوم وشربوا وغفلوا
عن مواقفهم ولا يشعر بذلك أحد من المسلمين إلا ما كان من خالد فإنه كان لا ينام
ولا ينيم ولا يخفى عليه من أمورهم شئ عيونه ذاكية وهو معنى بما يليه قد اتخذ
حبالا كهيئة السلاليم وأوهاقا فلما أمسى من ذلك اليوم نهد ومن معه من جنده
الذين قدم بهم عليهم وتقدمهم هو والقعقاع بن عمرو ومذعور بن عدي وأمثاله
من أصحابه في أول يومه وقالوا إذا سمعتم تكبيرنا على السور فارقوا إلينا وانهدوا
للباب فلما انتهى إلى الباب الذي يليه هو وأصحابه المتقدمون رموا بالحبال الشرف
626

وعلى ظهورهم القرب التي قطعوا بها خندقهم فلما ثبت لهم وهقان تسلق فيهما القعقاع
ومذعور ثم لم يدعا أحبولة إلا اثبتاها والاوهاق بالشرف وكان المكان الذي
اقتحموا منه احصن مكان يحيط بدمشق أكثره ماء وأشده مدخلا وتوافوا لذلك
فلم يبق ممن دخل معه أحد إلا رقى أو دنا من الباب حتى إذا استووا على السور
حدر عامة أصحابه وانحدر معهم وخلف من يحمى ذلك المكان لمن يرتقى وأمرهم
بالتكبير فكبر الذين على رأس السور فنهد المسلمون إلى الباب ومال إلى الحبال
بشر كثير فوثبوا فيها وانتهى خالد إلى أول من يليه فأنامهم وانحدر إلى الباب
فقتل البوابين وثار أهل المدينة وفزع سائر الناس فأخذوا مواقفهم ولا يدرون
ما الشأن وتشاغل أهل كل ناحية بما يليهم وقطع خالد بن الوليد ومن معه أغلاق
الباب بالسيوف وفتحوا للمسلمين فأقبلوا عليهم من داخل حتى ما بقى مما يلي باب
خالد مقاتل إلا أنيم ولما شد خالد على من يليه وبلغ منهم الذي أراد عنوة أرز من
أفلت إلى أهل الأبواب التي تلى غيره وقد كان المسلمون دعوهم إلى المشاطرة فأبوا
وأبعدوا فلم يفجأهم إلا وهم يبوحون لهم بالصلح فأجابوهم وقبلوا منهم وفتحوا
لهم الأبواب وقالوا ادخلوا وامنعونا من أهل ذلك الباب فدخل أهل كل باب
يصلح مما يليهم ودخل خالد مما يليه عنوة فالتقى خالد والقواد في وسطها هذا
استعراضا وانتهابا وهذا صلحا وتسكينا فأجروا ناحية خالد مجرو الصلح فصار
صلحا وكان صلح دمشق على المقاسمة الدينار والعقار ودينار على كل رأس فاقتسموا
الأسلاب فكان أصحاب خالد فيها كأصحاب سائر القواد وجرى على الديار ومن
بقى في الصلح جريب من كل جريب أرض ووقف ما كان للملوك ومن صوب
معهم فيئا وقسموا لذي الكلاع ومن معه ولأبي الأعور ومن معه ولبشير ومن
معه وبعثوا بالبشارة إلى عمر وقدم على أبى عبيدة كتاب عمر بأن اصرف جند
العراق إلى العراق وأمرهم بالحث إلى سعد بن مالك فأمر على جند العراق هاشم
ابن عتبة وعلى مقدمته القعقاع بن عمرو وعلى مجنبتيه عمرو بن مالك الزهري
وربعي بن عامر وضربوا بعد دمشق نحو سعد فخرج هاشم نحو العراق في جند
627

العراق وخرج القواد نحو فحل وأصحاب هاشم عشرة آلاف إلا من أصيب
منهم فأتموهم بأناس ممن لم يكن منهم ومنهم قيس والأشتر وخرج علقمة
ومسروق إلى إيلياء فنزلا على طريقها وبقى بدمشق مع يزيد بن أبي سفيان
من قواد أهل اليمن عدد منهم عمرو بن شمر بن غزية وسهم بن المسافر بن
هزمة ومشافع بن عبد الله بن شافع وبعث يزيد دحية بن خليفة الكلبي في خيل
بعد ما فتح دمشق إلى تدمر وأبا الزهراء القشيري إلى البثنية وحوران فصالحوهما
على صلح دمشق ووليا القيام على فتح ما بعثا إليه وقال محمد بن إسحاق كان فتح
دمشق في سنة أربعة عشر في رجب وقال أيضا كانت وقعة فحل قبل دمشق وانما
صار إلى دمشق رافضة فحل واتبعهم المسلمون إليها وزعم أن وقعة فحل كانت سنة
ثلاثة عشر في ذي القعدة منها حدثنا بذلك ابن حميد قال حدثنا سلمة عنه (وأما
الواقدي) فإنه زعم أن فتح دمشق كان في سنة أربعة عشر كما قال ابن إسحاق وزعم
أن حصار المسلمين لها كان ستة أشهر وزعم أن وقعة اليرموك كانت في سنة
خمسة عشر وزعم أن هرقل جلا في هذه السنة بعد وقعة اليرموك في شعبان من
أنطاكية إلى قسطنطينية وانه لم يكن بعد اليرموك وقعة (قال أبو جعفر) وقد
مضى ذكر ما روى عن سيف عمن روى عنه ان وقعة اليرموك كانت في سنة
ثلاثة عشر وأن المسلمين ورد عليهم البريد بوفاة أبى بكر باليرموك في اليوم الذي
هزمت الروم في آخره وأن عمر أمرهم بعد فراغهم من اليرموك بالمسير إلى دمشق
وزعم أن فحل كانت بعد دمشق وأن حروبا بعد ذلك كانت بين المسلمين والروم
سوى ذلك قبل شخوص هرقل إلى قسطنطينية سأذكرها إن شاء الله في مواضعها
(وفى هذه السنة) أعنى سنة ثلاثة عشر وجه عمر بن الخطاب أبا عبيد بن مسعود
الثقفي نحو العراق وفيها استشهد في قول الواقدي وأما ابن إسحاق فإنه قال كان
يوم الجسر جسر أبى عبيد بن مسعود الثقفي في سنة أربعة عشر
(ذكر أمر فحل من رواية سيف)
(قال أبو جعفر) ونذكر الآن أمر فحل إذ كان وإن كان في الخبر الذي
628

فيه من الاختلاف ما ذكرت من فتوح جند الشأم ومن الأمور التي تستنكر
وقوع مثل الاختلاف الذي ذكرته في وقته لقرب بعض ذلك من بعض فاما
ما قال ابن إسحاق من ذلك وقص من قصته فقد تقدم ذكريه قبل وأما السرى
فإنه فيما كتب به إلى عن شعيب عن سيف عن أبي عثمان يزيد بن أسيد الغساني
وأبى حارثة العتبى قالا خلف الناس بعد فتح دمشق يزيد بن أبي سفيان في خيله في
دمشق وساروا نحو فحل وعلى الناس شرحبيل بن حسنة فبعث خالدا على المقدمة
وأبا عبيدة وعمرا على مجنبتيه وعلى الخيل ضرار بن الأزور وعلى الرجل عياض
وكرهوا أن يصمدوا لهرقل وخلفهم ثمانون ألفا وعلموا أن من بإزاء فحل جنة
الروم وإليهم ينظرون وأن الشام بعدهم سلم فلما انتهوا إلى أبى الأعور قدموه إلى
طبرية فحاصرهم ونزلوا على فحل من الأردن وقد كان أهل فحل حين نزل بهم
أبو الأعور وتركوه وأرزوا إلى بيسان فنزل شرحبيل بالناس فحل والروم بيسان
وبينهم وبين المسلمين تلك المياه والأوحال وكتبوا إلى عمر بالخبر وهم يحدثون
أنفسهم بالمقام ولا يريدون أن يريموا فحل حتى يرجع جواب كتابهم من عند عمر
ولا يستطيعون الاقدام على عدوهم في مكانهم لما دونهم من الأوحال وكانت العرب
تسمى تلك الغزوة فحل وذات الردغة وبيسان وأصاب المسلمون من ريف
الأردن أفضل مما فيه المشركون مادتهم متواصلة وخصبهم رغد فاغترهم القوم
وعلى القوم سقلار بن مخراق ورجوا أن يكونوا على غرة فأتوهم والمسلمون
لا يأمنون مجيئهم فهم على حذر وكان شرحبيل لا يبيت ولا يصبح إلا على تعبية
فلما هجموا على المسلمين غافصوهم فلم يناظروهم واقتتلوا بفحل كأشد قتال اقتتلوه
قط ليلتهم ويومهم إلى الليل فأظلم الليل عليهم وقد حاروا فانهزموا وهم حيارى
وقد أصيب رئيسهم سقلار بن مخراق والذي يليه فيهم نسطورس وظفر المسلمون
أحسن ظفر وأهنأه وركبوهم وهم يرون أنهم على قصد وجدد فوجدوهم حيارى
لا يعرفون مأخذهم فأسلمتهم هزيمتهم وحيرتهم إلى الوحل فركبوه ولحق أوائل
المسلمين بهم وقد وحلوا فركبوهم وما يمنعون يد لامس فوخزوهم بالرماح فكانت
629

الهزيمة في فحل وكان مقتلهم في الرداغ فأصيب الثمانون ألفا لم يفلت منهم إلا
الشريد وكان الله يصنع للمسلمين وهم كارهون كرهوا البثوق فكانت عونا لهم
على عدوهم وأناة من الله ليزدادوا بصيرة وجدا واقتسموا ما أفاء الله عليهم
وانصرف أبو عبيدة بخالد من فحل إلى حمص وصرفوا سمير بن كعب معهم ومضوا
بذى الكلاع ومن معه وخلفوا شرحبيل ومن معه
(ذكر بيسان)
ولما فرغ شرحبيل من وقعة فحل نهد في الناس ومعه عمرو إلى أهل بيسان
فنزلوا عليهم وأبو الأعور والقواد معه على طبرية وقد بلغ أفناء أهل الأردن
ما لقيت دمشق وما لقى سقلار والروم بفحل وفى الردغة ومسير شرحبيل إليهم
ومعه عمرو بن العاصي والحارث بن هشام وسهيل بن عمرو يريد بيسان وتحصنوا
بكل مكان فسار شرحبيل بالناس إلى أهل بيسان فحصروهم أياما ثم إنهم خرجوا
عليهم فقاتلوهم فأناموا من خرج إليهم وصالحوا بقية أهلها فقبل ذلك على صلح دمشق
(طبرية)
وبلغ أهل طبرية الخبر فصالحوا أبا الأعور على أن يبلغهم شرحبيل ففعل
فصالحوهم وأهل بيسان على صلح دمشق على أن يشاطروا المسلمين المنازل في
المدائن وما أحاط بها مما يصلها فيدعون لهم نصفا ويجتمعون في النصف الآخر
وعن كل رأس دينار كل سنة وعن كل جريب أرض جريب بر أو شعير أي
ذلك حرث وأشياء في ذلك صالحوهم عليها ونزلت القواد وخيولهم فيها وتم
صلح الأردن وتفرقت الامداد في مدائن الأردن وقراها وكتب إلى عمر بالفتح
(ذكر خبر المثنى بن حارثة وأبى عبيد بن مسعود)
(كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن عمر عن محمد بن عبد الله بن سواد
وطلحة بن الأعلم وزياد بن سرجس الأحمري باسنادهم قالوا أول ما عمل به عمر
أن ندب الناس مع المثنى بن حارثة الشيباني إلى أهل فارس قبل صلاة الفجر من
630

الليلة التي مات فيها أبو بكر رضي الله عنه ثم أصبح فبايع الناس وعاد فندب الناس
إلى فارس وتتابع الناس على البيعة ففرغوا في ثلاث كل يوم يندبهم فلا ينتدب
أحد إلى فارس وكان وجه فارس من أكره الوجوه إليهم وأثقلها عليهم لشدة
سلطانهم وشوكتهم وعزهم وقهرهم الأمم قالوا فلما كان اليوم الرابع عاد فندب
الناس إلى العراق فكان أول منتدب أبو عبيد بن مسعود وسعد بن عبيد الأنصاري
حليف بنى فزارة هرب يوم الجسر فكانت الوجوه تعرض عليه بعد ذلك فيأبى
إلا العراق ويقول إن الله عز وجل اعتد على فيها بفرة فلعله أن يرد على فيها كرة
وتتابع الناس (كتب إلى السرى) ابن يحيى عن شعيب عن سيف عن سهل بن
يوسف عن القاسم بن محمد قال وتكلم المثنى بن حارثة فقال يا أيها الناس لا يعظمن
عليكم هذا الوجه فإنا قد تبحبحنا ريف فارس وغلبناهم على خير شقى السواد
وشاطرناهم ونلنا منهم واجترأ من قبلنا عليهم ولها إن شاء الله ما بعدها وقام
عمر رحمه الله في الناس فقال إن الحجاز ليس لكم بدار إلا على النعجة ولا يقوى
عليه أهله إلا بذلك أين الطراء المهاجرون عن موعود الله سيروا في الأرض التي
وعدكم الله في الكتاب أن يورثكموها فإنه قال (ليظهره على الدين كله) والله
مظهر دينه ومعز ناصره ومولى أهله مواريث الأمم أين عباد الله الصالحون فكان
أول منتدب أبو عبيد بن مسعود ثم ثنى سعد بن عبيد أو سليط بن قيس فلما اجتمع
ذلك البعث قيل لعمر أمر عليهم رجلا من السابقين من المهاجرين والأنصار قال
لا والله لا أفعل إن الله إنما رفعكم بسبقكم وسرعتكم إلى العدو فإذا جبنتم وكرهتم
اللقاء فأولى بالرياسة منكم من سبق إلى الدفع وأجاب إلى الدعاء والله لا أؤمر
عليهم الا أولهم انتدابا ثم دعا أبا عبيد وسليطا وسعدا فقال أما إنكما لو سبقتماه
لوليتكما ولأدركتما بها إلى مالكما من القدمة فأمر أبا عبيد على الجيش وقال لأبي
عبيد اسمع من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأشركهم في الامر ولا تجتهد مسرعا
حتى تتبين فإنها الحرب والحرب لا يصلحها الا الرجل المكيث الذي يعرف الفرصة
والكف وقال رجل من الأنصار قال عمر رضي الله عنه لأبي عبيد إنه لم يمنعني
631

أن أؤمر سليطا الا سرعته إلى الحرب وفى التسرع إلى الحرب ضياع إلا عن بيان
والله لولا سرعته لامرته ولكن الحرب لا يصلحها إلى المكيث (كتب إلى
السرى) ابن يحيى عن شعيب بن إبراهيم عن سيف بن عمر عن المجالد عن الشعبي
قال قدم المثنى بن حارثة على أبى بكر سنة ثلاثة عشر فبعث معه بعثا قد كان ندبهم
ثلاثا فلم ينتدب له أحد حتى انتدب له أبو عبيد ثم سعد بن عبيد وقال أبو عبيد
حين انتدب أنا لها وقال سعد أنا لها لفعلة فعلها وقال سليط فقيل لعمر أمر عليهم
رجلا له صحبة فقال عمر إنما فضل الصحابة بسرعتهم إلى العدو وكفايتهم من أبى
فإذا فعل فعلهم قوم واثاقلوا كان الذين ينفرون خفافا وثقالا أولى بها منهم والله
لا أبعث عليهم إلا أولهم انتدابا فامر أبا عبيد وأوصاه بجنده (كتب إلى السرى)
ابن يحيى عن شعيب بن إبراهيم عن سيف بن عمر عن سهل عن القاسم ومبشر
عن سالم قال كان أول بعث بعثه عمر بعث أبى عبيد ثم بعث يعلى بن أمية إلى اليمن
وأمره بإجلاء أهل نجران لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه بذلك
ولوصية أبى بكر رحمه الله بذلك في مرضه وقال ائتهم ولا تفتنهم عن دينهم ثم
أجلهم من أقام منهم على دينه وأقرر المسلم وامسح أرض كل من تجلى منهم ثم
خيرهم البلدان وأعلمهم إنا نجليهم بأمر الله ورسوله أن لا يترك بجزيرة العرب
دينان فليخرجوا من أقام على دينه منهم ثم نعطيهم أرضا كأرضهم إقرارا لهم
بالحق على أنفسنا ووفاء بذمتهم فيما أمر الله من ذلك بدلا بينهم وبين جيرانهم
من أهل اليمن وغيرهم فيما صار لجيرانهم بالريف
خبر النمارق
(كتب إلى السرى) ابن يحيى عن شعيب عن سيف عن سهل ومبشر
بإسنادهما ومجالد عن الشعبي قالوا فخرج أبو عبيد ومعه سعد بن عبيد وسليط
ابن قيس أخو بنى عدى بن النجار والمثنى بن حارثة أخو بنى شيبان ثم أحد بنى
هند (كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن مجالد وعمرو عن الشعبي
632

وأبى روق قالوا كانت بوران بنت كسرى كلما اختلف الناس بالمدائن عدلا بين
الناس حتى يصطلحوا فلما قتل الفرخزاذ بن البندوان وقدم رستم فقتل
آزرميدخت كانت عدلا إلى أن استخرجوا يزدجر فقدم أبو عبيد والعدل
بوران وصاحب الحرب رستم وقد كانت بوران أهدت للنبي صلى الله عليه وسلم
فقبل وكانت ضدا على شيرين سنة ثم إنها تابعته واجتمعا على أن رأس وجعلها
عدلا (كتب إلى السرى) بن يحيى عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وزياد
باسنادهم قالوا لما قتل سياوخش فرخزاذ بن البندوان وملكت آزرميدخت
اختلف أهل فارس وتشاغلوا عن المسلمين غيبة المثنى كلها إلى أن رجع من المدينة
فبعثت بوران إلى رستم بالخبر واستحثته بالسير وكان على فرج خراسان فاقبل
في الناس حتى نزل المدائن لا يلقى جيشا لآزرميدخت الا هزمه فاقتتلوا بالمدائن
فهزم سياوخش وحصر وحصرت آزرميدخت ثم افتتحها فقتل سياوخش وفقأ عين
آزرميدخت ونصب بوران ودعته إلى القيام بأمر أهل فارس وشكت إليه تضعضعهم
وإدبار أمرهم على أن تملكه عشر حجج ثم يكون الملك في آل كسرى إن وجدوا من
غلمانهم أحد والا ففي نسائهم فقال رستم أما أنا فسامع مطيع غير طالب عوضا ولا ثوابا
وإن شرفتموني وصنعتم إلى شيئا فأنتم أولياء ما صنعتم إنما أنا سهمكم وطوع أيديكم
فقالت بوران اغد على فغدا عليها ودعت مراذبة فارس وكتبت له بأنك على حرب
فارس ليس عليك الا الله عز وجل عن رضى منا وتسليم لحكمك وحكمك جائز فيهم
ما كان حكمك في منع أرضهم وجمعهم عن فرقتهم وتوجته وأمرت أهل فارس أن
يسمعوا له ويطيعوا فدانت له فارس بعد قدوم أبى عبيد وكان أول شئ أحدثه عمر
بعد موت أبى بكر من الليل أن نادى الصلاة جامعة ثم ندبهم فتقرفوا على غير إجابة
من أحد ثم ندبهم في اليوم الرابع فأجاب أبو عبيد في اليوم الرابع أول الناس
وتتابع الناس وانتخب عمر من أهل المدينة ومن حولها ألف رجل أمر عليهم
أبا عبيد فقيل له استعمل عليهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال لا
ها الله ذا يا أصحاب النبي لا أندبكم فتنكلون وينتدب غيركم فأؤمركم عليهم إنكم إنما
633

فضلتم بتسرعكم إلى مثلها فإن نكلتم فضلوكم بل أؤمر عليكم أولكم انتدابا وعجل
المثنى وقال النجاء حتى يقدم عليك أصحابك فكان أول شئ أحدثه عمر في خلافته
مع بيعته بعثه أبا عبيد ثم بعث أهل نجران ثم ندب أهل الردة فأقبلوا سراعا من
كل أوب فرمى بهم الشأم والعراق وكتب إلى أهل اليرموك بأن عليكم أبا عبيدة
ابن الجراح وكتب إليه انك على الناس فإن أظفرك الله فاصرف أهل العراق
إلى العراق ومن أحب من أمدادكم إذا هم قدموا عليكم فكان أول فتح أتاه اليرموك
على عشرين ليلة من متوفى أبى بكر وكان في الامداد إلى اليرموك في زمن عمر
قيس بن هبيرة ورجع مع أهل العراق ولم يكن منهم وإنما غزا حين أذن عمر لأهل
الردة في الغزو وقد كانت فارس تشاغلت بموت شهربراز عن المسلمين فملكت
شاه زنان حتى اصطلحوا على سابور بن شهربراز بن أردشير بن شهريار فثارت
به آزرميدخت فقتلته والفرخزاذ وملكت ورستم بن الفرخزاذ بخراسان على
فرجها فأتاه الخبر عن بوران وقدم المثنى الحيرة من المدينة في عشر ولحقه أبو عبيد
بعد شهر فأقام المثنى بالحيرة خمس عشرة ليلة وكتب رستم إلى ردهاقين للسواد ان
يثوروا بالمسلمين ودس في كل رستاق رجلا ليثور بأهله فبعث جابان إلى البهقباذ
الأسفل وبعث نرسي إلى كسكر ووعدهم يوما وبعث جندا لمصادمة المثنى وبلغ
المثنى ذلك فضم إليه مسالحه وحذر وعجل جابان فثار ونزل النمارق وتوالوا على
الخروج فخرج نرسي زندورد وثار أهل الرساتيق من أعلى الفرات إلى أسفله
وخرج المثنى في جماعة حتى ينزل حفان لئلا يؤتى من خلفه بشئ يكرهه وأقام
حين قدم عليه أبو عبيد فكان أبو عبيد على الناس فأقام بخفان أياما ليستجم أصحابه
وقد اجتمع إلى جابان بشر كثير وخرج أبو عبيد بعد ماجم الناس وظهرهم وتعبي
فجعل المثنى على الخيل وعلى ميمنته والق بن جيدارة وعلى ميسرته عمرو بن الهيثم
ابن الصلت بن حبيب السلمي وعلى مجنبتي جشنس ماه ومردانشاه فنزلوا على
جابان بالنمارق فاقتتلوا قتالا شديدا فهزم الله أهل فارس وأسرجا بان أسره مطر
ابن فضة التيمي وأسر مردانشاه أسره أكتل بن شماخ العكلي فأما أكتل فإنه
634

ضرب عنق مردانشاه وأما مطر بن فضة فإن جابان خدعه حتى تفلت منه بشئ
فخلى عنه فأخذه المسلمون فأتوا به أبا عبيد وأخبروه أنه الملك وأشاروا عليه
بقتله فقال إني أخاف الله أن أقتله وقد آمنه رجل مسلم المسلمون في التواد
والتناصر كالجسد ما لزم بعضهم فقد لزمهم كلهم فقالوا له إنه الملك قال وإن كان
لا أغدر فتركه (كتب إلى السرى) ابن يحيى عن شعيب عن سيف عن الصلت
ابن بهرام عن أبي عمران الجعفي قال ولت حربها فارس رستم عشر سنين وملكوه
وكان منجما عالما بالنجوم فقال له قائل ما دعاك إلى هذا الامر وأنت ترى ما ترى
قال الطمع وحب الشرف فكاتب أهل السواد ودس إليهم الرؤساء فثاروا بالمسلمين
وقد كان عهد إلى القوم أن الأمير عليكم أول من ثار فثار جابان في فرات بادقلى
وثار الناس بعده وأرز المسلمون إلى المثنى بالحيرة فصمد لخفان ونزل خفان حتى
قدم عليه أبو عبيد وهو الأمير على المثنى وغيره ونزل جابان النمارق فسار إليه
أبو عبيد من خفان فالتقوا بالنمارق فهزم الله أهل فارس وأصابوا منهم ما شاءوا
وبصر مطر بن فضة وكان ينسب إلى أمه وأبى برجل عليه حلى فشدا عليه فأخذاه
أسيرا فوجداه شيخا كبيرا فزهد فيه وأبى ورغب مطر في فدائه فاصطلحا على أن
سلبه لأبي وأن إساره لمطر فلما خلص مطر به قال إنكم معاشر العرب وأهل وفاء
فهل لك أن تؤمني وأعطيك غلامين أمر دين خفيفين في عملك وكذا وكذا قال
نعم قال فأدخلني على ملككم حتى يكون ذلك بمشهد منه ففعل فأدخله على أبى عبيد
فتم له على ذلك فأجاز أبو عبيد فقام أبى وأناس من ربيعة فأما أبى فقال أسرته أنا
وهو على غير أمان وأما الآخرون فعرفوه وقالوا هذا الملك جابان وهو الذي
لقينا بهذا الجمع فقال ما تروني فاعلا معاشر ربيعة أيؤمنه صاحبكم وأقتله أنا معاذ الله
من ذلك وقسم أبو عبيد الغنائم وكان فيها عطر كثير ونفل وبعث بالأخماس مع القاسم
السقاطية بكسكر
(كتب إلى السرى) ابن يحيى عن شعيب بن إبراهيم عن سيف بن عمر عن
635

محمد وطلحة وزياد قالوا وقال أبو عبيد حين انهزموا وأخذوا نحو كسكر ليلجأوا
إلى نرسي وكان نرسي ابن خالة كسرى وكانت كسكر قطيعة له وكان النرسيان له
يحميه لا يأكله بشر ولا يغرسه غيرهم أو ملك فارس إلا من أكرموه بشئ منه
وكان ذلك مذكورا من فعلهم في الناس وأن ثمرهم هذا حمى فقال له رستم وبوران
اشخص إلى قطيعتك فاحمها من عدوك وعدونا وكن رجلا فلما انهزم الناس يوم
النمارق ووجهت الفالة نحو نرسي ونرسي في عسكره نادى أبو عبيد بالرحيل وقال
للمجردة اتبعوهم حتى تدخلوهم عسكر نرسي أو تبيدوهم فيما بين النمارق إلى بارق
إلى درتا وقال عاصم بن عمرو في ذلك
لعمري وما عمري على بهين * لقد صبحت بالخزي أهل النمارق
بأيدي رجال هاجروا نحو ربهم * يجوسونهم ما بين درتا وبارق
قتلناهم ما بين مرج مسلح * وبين الهوافي من طريق البذارق
ومضى أبو عبيدة حين ارتحل من النمارق حتى ينزل على نرسي بكسكر ونرسي
يومئذ بأسفل كسكر والمثنى في تعبيته التي قاتل فيها جابان ونرسي على مجنبتيه ابنا
خاله وهما ابنا خال كسرى بندويه وتيرويه ابنا بسطام وأهل باروسما ونهر
جوبر والزوابي معه إلى جنده وقد أتى الخبر بوران ورستم بهزيمة جابان فبعثوا
إلى الجالنوس وبلغ ذلك نرسي وأهل كسكر وباروسما ونهر جوبر والزاب فرجوا
أن يلحق قبل الوقعة وعاجلهم أبو عبيد فالتقوا أسفل من كسكر بمكان يدعى
السقاطية فاقتتلوا في صحارى ملس قتالا شديدا ثم إن الله هزم فارس وهرب
نرسي وغلب على عسكره وأرضه وأخرب أبو عبيد ما كان حول معسكرهم من
كسكر وجمع الغنائم فرأى من الأطعمة شيئا عظيما فبعث فيمن يليه من العرب
فانتقلوا ما شاؤوا وأخذت خزائن نرسي فلم يكونوا بشئ مما خزن أفرح منهم
بالنرسيان لأنه كان يحميه ويمالئه عليه ملوكهم فاقتسموه فجعلوا يطعمونه الفلاحين
وبعثوا بخمسه إلى عمر وكابوا إليه ان الله أطعمنا مطاعم كانت الأكاسرة يحمونها
وأحببنا أن تروها ولتذكروا إنعام الله وإفضاله وأقام أبو عبيد وسرح المثنى
636

إلى باروسما وبعث والقا إلى الزوابي وعاصما إلى نهر جوبر فهزموا من كان تجمع
وأخرجوا وسبوا وكان مما أخرب المثنى وسبى أهل زندورد وبسريسي وكان
أبو زعبل من سبى زندورد وهرب ذلك الجند إلى الجالنوس فكان ممن أسر
عاصم أهل بيتيق من نهر جوبر وممن أسر والق أبو الصلت وخرج فروخ وفرونداذ
إلى المثنى يطلبان الجزاء والذمة دفعا عن أرضهم فأبلغهما أبا عبيد أحدهما باروسما
والآخر نهر جوبر فأعطياه عن كل رأس أربعة فروخ عن باروسما وفرونداذ
عن نهر جوبر ومثل ذلك الزوابي وكسكر وضمنا لهم الرجال عن التعجيل ففعلوا
وصاروا صلحا وجاء فروخ وفرونداذ إلى أبى عبيد بآنية فيها أنواع أطعمة
فارس من الألوان والأخبصة وغيرها فقالوا هذه كرامة أكرمناك بها وقرى
لك قال أأكرمتم الجند وقريتموهم مثله قالوا لم يتيسر ونحن فاعلون وإنما يتربصون
بهم قدوم الجالنوس وما يصنع فقال أبو عبيد فلا حاجة لنا فيما لا يسع الجند فرده
وخرج أبو عبيد حتى ينزل بباروسما فبلغه مسير الجالنوس (كتب إلى السرى)
عن شعيب عن سيف عن النضر بن السرى الضبي قال فأتاه الاندرزغر بن
الخوكبذ بمثل ما جاء به فروخ وفرونداذ فقال لهم أأكرمتم الجند بمثله وقريتموهم
قالوا لا فرده وقال لا حاجة لنا فيه بئس المرء أبو عبيد إن صحب قوما من بلادهم
اهرقوا دماءهم دونه أو لم يهريقوا فاستأثر عليهم بشئ يصيبه لا والله لا يأكل
مما أفاء الله عليهم إلا مثل ما يأكل أوساطهم (قال أبو جعفر) وقد حدثنا ابن
حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق بنحو من حديث سيف هذا عن رجاله في
توجيه عمر المثنى وأبا عبيد بن مسعود إلى العراق في حرب من بها من الكفار
وحروبهم ومن حاربهم بها غير أنه قال لما هزم جالنوس وأصحابه ودخل أبو عبيد
باروسما نزل هو وأصحابه قرية من قراها فاشتملت عليهم فصنع لأبي عبيد طعام
فأتى به فلما رآه قال ما أنا بالذي آكل هذا دون المسلمين فقالوا له كل فإنه ليس
من أصحابك أحد إلا وهو يؤتى في منزله بمثل هذا أو أفضل فأكل فلما رجعوا
إليه سألهم عن طعامهم فأخبروه بما جاءهم من الطعام (كتب إلى السرى) ابن
637

يحيى عن شعيب بن إبراهيم عن سيف بن عمر عن محمد وطلحة وزياد بإسنادهم
قالوا وقد كان جابان ونرسي استمدا بوران فأمدتهما بالجالنوس في جند جابان
وأمر أن يبدأ بنرسي ثم يقاتل أبا عبيد بعد فبادره أبو عبيد فنهض في جنده قبل
أن يدنو فلما دنا استقبله أبو عبيد فنزل الجالنوس بباقسياثا من باروسما فنهد إليه
أبو عبيد في المسلمين وهو على تعبيته فالتقوا على باقسياثا فهزمهم المسلمون وهرب
الجالنوس وأقام أبو عبيد قد غلب على تلك البلاد (كتب إلى السرى) بن يحيى
عن شعيب عن سيف عن النضر بن السرى والمجالد بنحو من وقعة باقسياثا (كتب
إلى السرى) ابن يحيى عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة ومجالد وزياد والنضر
بإسنادهم قالوا أتاه أولئك الدهاقين المتربصون جميعا بما وسع الجند وهابوا
وخافوا على أنفسهم وأما النضر ومجالد فإنهما قالا قال أبو عبيد ألم أعلمكم أنى
لست آكلا إلا ما يسع من معي ممن أصبتم بهم قالوا لم يبق أحد إلا وقد أتى بشبعه
من هذا في رحالهم وأفضل فلما راح الناس عليه سألهم عن قرى أهل الأرض
فأخبروه وإنما كانوا قصروا أولا تربصا ومخافة عقوبة أهل فارس وأما محمد
وطلحة وزياد فإنهم قالوا فلما علم قبل منهم وأكل وأرسل إلى قوم كانوا يأكلون
معه أضيافا عليه يدعوهم إلى الطعام وقد أصابوا من نزل فارس ولم يروا أنهم أتوا
أبا عبيد بشئ فظنوا أنهم يدعون إلى مثل ما كانوا يدعون إليه من غليظ عيش
أبى عبيد وكرهوا ترك ما أتوا به من ذلك فقالوا له قل للأمير إنا لا نشتهي شيئا
مع شئ أتتنا به الدهاقين فأرسل إليهم إنه طعام كثير من أطعمة الأعاجم لتنظروا
أين هو مما أتيتم به انه قرو ونجم وجوزل وشواء وخردل فقال في ذلك عاصم
ابن عمرو وأضيافه عنده
إن تك ذا قرو ونجم وجوزل * فعند ابن فروخ شواء وخردل
وقرو رقاق كالصحائف طويت * على مزع فيها بقول وجوزل
وقال أيضا
صبحنا بالبقايس رهط كسرى * صبوحا ليس من خمر السواد
638

صبحناهم بكل فتى كمي * وأجرد سابح من خيل عاد
ثم ارتحل أبو عبيد وقدم المثنى وسار في تعبيته حتى قدم الحيرة وقال النضر ومجالد
ومحمد وأصحابه تقدم عمر إلى أبى عبيد فقال إنك تقدم على أرض المكر والخديعة
والخيانة والجبرية تقدم على قوم قد جرؤا على الشر فعلموه وتناسوا الخير فجهلوه
فانظر كيف تكون واخزن لسانك ولا تفشين سرك فان صاحب السر ما ضبطه
متحصن لا يؤتى من وجه يكرهه وإذا ضيعه كان بمضيعة
وقعة القرقس
ويقال لها القس قس الناطف ويقال لها الجسر ويقال لها المروحة
(قال أبو جعفر الطبري رحمه الله) كتب إلى السرى بن يحيى عن شعيب عن
سيف عن محمد وطلحة وزياد باسنادهم قالوا ولما رجع الجالنوس إلى رستم ومن
أفلت من جنوده قال رستم أي العجم أشد على العرب فيما ترون قالوا بهمن
جاذويه فوجهه ومعه فيلة ورد الجالنوس معه وقال له قدم الجالنوس فان عاد
لمثلها فاضرب عنقه فأقبل بهمن جاذويه ومعه درفش كابيان راية كسرى وكانت
من جلود النمر عرض ثمانية أذرع في طول اثنى عشر ذراعا وأقبل أبو عبيد فنزل
المروحة موضع البرج والعاقول فبعث إليه بهمن جاذويه إما أن تعبروا إلينا
وندعكم والعبور وإما أن تدعونا نعبر إليكم فقالوا الناس لا تعبر يا أبا عبيد ننهاك
عن العبور وقالوا له قل لهم فليعبروا وكان من أشد الناس عليه في ذلك سليط
فلج أبو عبيد وترك الرأي وقال لا يكونوا أجرأ على الموت منا بل نعبر إليهم فعبروا
إليهم وهم في منزل ضيق المطرد والمذهب فاقتتلوا يوما وأبو عبيد فيما بين الستة
والعشرة حتى إذا كان من آخر النهار واستبطأ رجل من ثقيف الفتح ألف بين
الناس فتصافحوا بالسيوف وضرب أبو عبيد الفيل وخبط الفيل أبا عبيد وقد
أسرعت السيوف في أهل فارس وأصيب منهم ستة آلاف في المعركة ولم يبق
ولم ينتظر إلا الهزيمة فلما خبط أبو عبيد وقام عليه الفيل جال المسلمون جولة ثم
639

تموا عليها وركبهم أهل فارس فبادر رجل من ثقيف من الجسر فقطعه فانتهى
الناس إليه والسيوف تأخذهم من خلفهم فتهافتوا في الفرات فأصابوا يومئذ من
المسلمين أربعة آلاف من بين غريق وقتيل وحمى المثنى الناس وعاصم والكلج
الضبي ومذعور حتى عقدوا الجسر وعبروهم ثم عبروا آثارهم فأقاموا بالمروحة
والمثنى جريح والكلج ومذعور وعاصم وكانوا حماة الناس مع المثنى وهرب من
الناس بشر كثير على وجوههم وافتضحوا في أنفسهم واستحيوا مما نزل بهم وبلغ
عمر عن بعض من أوى إلى المدينة فقال عباد الله اللهم إن كل مسلم في حل منى
أنا فئة كل مسلم يرحم الله أبا عبيد لو كان عبر فاعتصم بالخيف أو تحيز إلينا ولم
يستقتل لكنا له فئة وبينا أهل فارس يحاولون العبور أتاهم الخبر أن الناس بالمدائن
قد ثاروا برستم ونقضوا الذي بينهم وبينه فرقتين الفهلوج على رستم وأهل فارس
على الفيرزان وكان بين وقعة اليرموك والجسر أربعون ليلة وكان الذي جاء
بالخبر عن اليرموك جرير بن عبد الله الحميري والذي جاء بالخبر عن الجسر
عبد الله بن زيد الأنصاري وليس بالذي رأى الرؤيا فانتهى إلى عمر وعمر على
المنبر فنادى عمر الخبر يا عبد الله بن زيد قال أتاك الخبر اليقين ثم صعد إليه المنبر
فأسر ذلك إليه وكانت اليرموك في أيام من جمادى الآخرة والجسر في شعبان
(كتب إلى السرى) ابن يحيى عن شعيب عن سيف عن المجالد وسعيد بن المرزبان
قالا واستعمل رستم على حرب أبى عبيد بهمن جاذويه وهو ذو الحاجب ورد
معه الجالنوس ومعه الفيلة فيها فيل أبيض عليه النخل وأقبل في الدهم وقد استقبله
أبو عبيد حتى انتهى إلى بابل فلما بلغه انحاز حتى جعل الفرات بينه وبينه فعسكر
بالمروحة ثم إن أبا عبيد ندم حين نزلوا به وقالوا إما أن تعبروا إلينا وإما أن
نعبر فحلف ليقطعن الفرات إليهم وليمحصن ما صنع فناشده سليط بن قيس ووجوه
الناس وقالوا إن العرب لم تلق مثل جنود فارس مذ كانوا وإنهم قد حفلوا لنا
واستقبلونا من الزهاء والعدة بما لم يلقنا به أحد منهم وقد نزلت منزلا لنا فيه مجال
وملجأ ومرجع من فرة إلى كرة فقال لا أفعل جبنت والله وكان الرسول
640

فيما بين ذي الحاجب وأبى عبيد مردانشاه الخصي فأخبرهم ان أهل فارس قد عيروهم
فازداد أبو عبيد محكا ورد على أصحابه الرأي وجبن سليطا فقال سليط أنا والله
أجرأ منك نفسا وقد أشرنا عليك الرأي فستعلم (كتب إلى السرى) ابن يحيى
عن شعيب عن سيف عن النضر بن السرى عن الأغر العجلي قال أقبل ذو الحاجب
حتى وقف على شاطئ الفرات بقس الناطف وأبو عبيد معسكر على شاطئ
الفكرات بالمروحة فقال إما أن تعبروا إلينا وإما أن نعبر إليكم فقال أبو عبيد
بل نعبر إليكم فقعد ابن صلوبا الجسر للفريقين جميعا وقبل ذلك ما قد رأت دومة
امرأة أبى عبيد رؤيا وهى بالمروحة ان رجلا نزل من السماء بإناء فيه شراب
فشرب أبو عبيد وجبر في أناس من أهله فأخبرت بها أنا عبيد فقال هذه الشهادة
وعهد أبو عبيد إلى الناس فقال إن قتلت فعلى الناس جبر فان قتل فعليكم فلان حتى
أمر الذين شربوا من الاناء على الولاء من كلامه ثم قال إن قتل أبو القاسم
فعليكم المثنى ثم نهد بالناس فعبروا وعبروا إليهم وعضلت الأرض بأهلها وألحم
الناس الحرب فلما نظرت الخيول إلى الفيلة عليها النخل والخيل عليها التجافيف
والفرسان عليهم الشعر رأت شيئا منكرا لم تكن ترى مثله فجعل المسلمون إذا حملوا
عليهم لم تقدم خيولهم وإذا حملوا على المسلمين بالفيلة والجلاجل فرقت بين كراديسهم
لا تقوم لها الخيل إلا على نفار وخزقهم الفرش بالنشاب وعض المسلمين الألم
وجعلوا لا يصلون إليهم فترجل أبو عبيد وترجل الناس ثم مشوا إليهم فصافحوهم
بالسيوف فجعلت الفيلة لا تحمل على جماعة إلا دفعتهم فنادى أبو عبيد احتوشوا
الفيلة وقطعوا بطنها وأقلبوا عنها أهلها وواثب هو الفيل الأبيض فتعلق ببطانة
فقطعه ووقع الذين عليه وفعل القوم مثل ذلك فما تركوا فيلا إلا حطوا رحله
وقتلوا أصحابه وأهوى الفيل لأبي عبيد فنفح مشفره بالسيف فاتقاه الفيل بيده
وأبو عبيد يتجرثمه فأصابه بيده فوقع فخبطه الفيل وقام عليه فلما بصر الناس
بأبي عبيد تحت الفيل خشعت أنفس بعضهم وأخذ اللواء الذي كان أمره بعده
فقاتل الفيل حتى تنحى عن أبي عبيد فاجتره إلى المسلمين وأحرزوا شلوه وتجرثم
641

الفيل فاتقاه الفيل بيده دأب أبى عبيد وخبطه الفيل وقام عليه وتتابع سبعة من
ثقيف كلهم يأخذ اللواء فيقاتل حتى يموت ثم أخذ اللواء المثنى وهرب الناس فلما
رأى عبد الله بن مرثد الثقفي ما لقى أبو عبيد وخلفاؤه وما يصنع الناس بادرهم إلى
الجسر فقطعه وقال يا أيها الناس موتوا على ما مات عليه أمراؤكم أو تظفروا وحاز
المشركون المسلمين إلى الجسر وخشع ناس فتواثبوا في الفرات فعرق من لم يصبر
وأسرعوا فيمن صبر وحمى المثنى وفرسان من المسلمين الناس ونادى يا أيها الناس
إنا دونكم فاعبروا على هينتكم ولا تدهشوا فانا لن نزايل حتى نراكم من ذلك الجانب
ولا تغرقوا أنفسكم فعبروا الجسر وعبد الله بن مرثد قائم عليه يمنع الناس من
العبور فأخذوه فأتوا به المثنى فضربه وقال ما حملك على الذي صنعت قال ليقاتلوا
ونادى من عبر فجاؤوا بعلوج فضموا إلى السفينة التي قطعت سفائنها وعبر الناس
وكان آخر من قتل عند الجسر سليط بن قيس وعبر المثنى وحمى جانبه فاضطرب
عسكره ورامهم ذو الحاجب فلم يقدر عليهم فلما عبر المثنى ارفض عنه أهل المدينة
حتى لحقوا بالمدينة وتركها بعضهم ونزلوا البوادي وبقى المثنى في قلة (كتب إلى
السرى) عن شعيب عن سيف عن رجل عن أبي عثمان النهدي قال هلك يومئذ
أربعة آلاف بين قتيل وغريق وهرب ألفان وبقى ثلاثة آلاف وأتى ذا الحاجب الخبر
باختلاف فارس فرجع بجنده وكان ذلك سببا لارفضاضهم عنه وجرح المثنى وأثبت
فيه حلق من درعه هتكهن الرمح (كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن
مجالد وعطية نحوا منه (كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن مجالد وعطية
والنضر ان أهل المدينة لما لحقوا بالمدينة وأخبروا عمن سار في البلاد استحياء
من الهزيمة اشتد على عمر ذلك ورحمهم وقال الشعبي قال عمر اللهم كل مسلم في حل
منى أنا فئة كل مسلم من لقى العدو ففظع بشئ من أمره فأنا له فئة يرحم الله أبا عبيد
لو كان انحاز إلى لكنت له فئة وبعث المثنى بالخبر إلى عمر مع عبد الله بن زيد وكان
أول من قدم على عمر * وحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق بنحو
خبر سيف هذا في أمر أبى عبيد وذي الحاجب وقصة حربهما الا أنه قال وقد كانت
642

رأت دومة أم المختار بن أبي عبيد أن رجلا نزل من السماء معه اناء فيه شراب من الجنة
فيما يرى النائم فشرب منه أبو عبيد وجبر بن أبي عبيد وأناس من أهله وقال أيضا فلما
رأى أبو عبيد ما يصنع الفيل قال هل لهذه الدابة من مقتل قالوا نعم إذا قطع مشفرها ماتت
فشد على الفيل فضرب مشفرها فقطعه وبركت عليه الفيل فقتلته وقال أيضا فرجعت
الفرس ونزل المثنى بن حارثة أليس وتفرق الناس فلحقوا بالمدينة فكان أول من
قدم المدينة بخبر الناس عبد الله بن زيد بن الحصين الخطمي فأخبر الناس * حدثنا
ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة ابنة
عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت سمعت عمر بن الخطاب
حين قدم عبد الله بن زيد فنادى الخبر يا عبد الله بن زيد وهو داخل المسجد وهو
يمر على باب حجرتي فقال ما عندك يا عبد الله بن زيد قال أتاك الخبر يا أمير المؤمنين
فلما انتهى إليه أخبره خبر الناس فما سمعت برجل حضر أمرا فحدث عنه كان أثبت
خبرا منه فلما قدم فل الناس ورأى عمر جزع المسلمين من المهاجرين والأنصار
من الفرار قال لا تجزعوا يا معشر المسلمين أنا فئتكم إنما انحزتم إلى * حدثنا
ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن محمد بن عبد الرحمن بن الحصين وغيره
أن معاذا القارئ أخا بنى النجار كان ممن شهدها ففر يومئذ فكان إذا قرأ هذه
الآية (ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من
الله ومأواه جهنم وبئس المصير) بكى فيقول له عمر لا تبك يا معاذ أنا فئتك وإنما
انحزت إلى
خبر أليس الصغرى
(قال أبو جعفر) كتب إلى السرى بن يحيى عن شعيب بن إبراهيم عن سيف
ابن عمر عن محمد بن نويرة وطلحة وزياد وعطية قالوا وخرج جابان ومردانشاه
حتى أخذا بالطريق وهم يرون أنهم سيرفضون ولا يشعرون بما جاء ذا الحاجب
من فرقة أهل فارس فلما ارفض أهل فارس وخرج ذو الحاجب في آثارهم وبلغ
643

المثنى فعلة جابان ومردانشاه استخلف على الناس عاصم بن عمرو وخرج في جريدة
خيل يريدهما فظنا أنه هارب فاعترضاه فأخذهما أسيرين وخرج أهل أليس على
أصحابهما فأتوه بهم أسراء وعقد لهم بها ذمة وقدمهما وقال أنتما غررتما أميرنا وكذبتماه
واستفززتماه فضرب أعناقهما وضرب أعناق الاسراء ثم رجع إلى عسكره
وهرب أبو محجن من أليس ولم يرجع مع المثنى وكان جرير بن عبد الله وحنظلة
ابن الربيع ونفر استأذنوا خالدا من سوى فأذن لهم فقدموا على أبى بكر فذكر
له جرير حاجته فقال أعلى حالنا واخره بها فلما ولى عمر دعاه بالبينة فأقامها فكتب
له عمر إلى عماله السعاة في العرب كلهم من كان فيه أحد ينسب إلى بجيلة في
الجاهلية وثبت عليه في الاسلام يعرف ذلك فاخرجوه إلى جرير ووعدهم جرير
مكانا بين العراق والمدينة ولما أعطى جرير حاجته في استخراج بجيلة من الناس
فجمعهم فأخرجوا له وأمرهم بالموعد ما بين مكة والمدينة والعراق فتتاموا قال لجرير
أخرج حتى تلحق بالمثنى فقال بل الشأم قال بل العراق فان أهل الشأم قد قووا على
عدوهم فأبى حتى أكرهوا فلما خرجوا له وأمرهم بالموعد عوضه لاكراهه
واستصلاحا له فجعل له ربع خمس ما أفاء الله عليهم في غزاتهم هذه له ولمن اجتمع
إليه ولمن أخرج له إليه من القبائل وقال اتخذونا طريقا فقدموا المدينة ثم فصلوا
منها إلى العراق ممدين للمثنى وبعث عصمة بن عبد الله من بنى عبد بن الحارث الضبي
فيمن تبعه من بنى ضبة وقد كان كتب إلى أهل الردة فلم يواف شعبان أحد الا رمى
به المثنى
البويب
(كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وزياد باسنادهم
قالوا وبعث المثنى بعد الجسر فيمن يليه من الممدين فتوافوا إليه في جمع عظيم وبلغ
رستم والفيرزان ذلك وأتتهم العيون به وبما ينتظرون من الامداد واجتمعا على
أن يبعثا مهران الهمذاني حتى يريا من رأيهما فخرج مهران في الخيول وأمراه
بالحيرة وبلغ المثنى الخبر وهو معسكر بمرج السباخ بين القادسية وخفان في الذين
644

أمدوه من العرب عن خبر بشير وكنانة وبشير يومئذ بالحيرة فاستبطن فرات
بادقلى وأرسل إلى جرير ومن معه إنا جاءنا أمر لم نستطع معه المقام حتى تقدموا
علينا فعجلوا اللحاق بنا وموعدكم البويب وكان جرير ممدا له وكتب إلى عصمة
ومن معه وكان ممدا له بمثل ذلك وإلى كل قائد أظله بمثل ذلك وقال خذوا على
الجوف فسلكوا القادسية والجوف وسلك المثنى وسط السواد فطلع على النهرين
ثم على الخورنق وطلع عصمة على النجف ومن سلك معه طريقه وطلع جرير على
الجوف ومن سلك معه طريقه فانتهوا إلى المثنى وهو على البويب ومهران من وراء
الفرات بإزائه فاجتمع عسكر المسلمين على البويب مما يلي موضع الكوفة اليوم
وعليهم المثنى وهم بإزاء مهران وعسكره فقال المثنى لرجل من أهل السواد ما يقال
للرقعة التي فيها مهران وعسكره قال بسوسيا فقال اكدى مهران وهلك نزل منزلا
هو البسوس وأقام بمكانه حتى كاتبه مهران إما أن تعبروا إلينا وإما أن نعبر إليكم
فقال المثنى اعبروا فعبر مهران فنزل على شاطئ الفرات معهم في الملطاط فقال
المثنى لذلك الرجل ما يقال لهذه الرقعة التي نزلها مهران وعسكره قال شوميا وذلك
في رمضان فنادى في الناس انهدوا لعدوكم فتناهدوا وقد كان المثنى عبى جيشه فجعل
على مجنبتيه مذعورا والنسير وعلى المجردة عاصما وعلى الطلائع عصمة واصطف
الفريقان وقام المثنى فيهم خطيبا فقال إنكم صوام والصوم مرقة ومضعفة وإني
أرى من الرأي أن تفطروا ثم تقووا بالطعام على قتال عدوكم قالوا نعم فأفطروا
فابصر رجلا يستوفز ويستنتل من الصف فقال ما بال هذا قالوا هو ممن فر من
الزحف يوم الجسر وهو يريد أن يستقتل فقرعه بالرمح وقال لا أبا لك الزم موقفك
فإذا أتاك قرنك فأغنه عن صاحبك ولا تستقتل قال انى بذلك لجدير فاستقر
ولزم الصف (كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن أبي إسحاق الشيباني
بمثله (كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن عطية وعن سفيان الأحمري
عن المجالد عن الشعبي قالا قال عمر حين استجم جمع بجيلة اتخذونا طريقا فخرج
سروات بجيلة ووفدهم نحوه وخلفوا الجمهور فقال أي الوجوه أحب إليكم قالوا
645

الشأم فان اسلافنا بها فقال بل العراق فان الشأم في كفاية فلم يزل بهم ويأبون عليه
حتى عزم على ذلك وجعل لهم ربع خمس ما أفاء الله على المسلمين إلى نصيبهم من
الفئ فاستعمل عرفجة على من كان مقيما على جديلة من بجيلة وجرير على من كان
من بنى عامر وغيرهم وقد كان أبو بكر ولاه قتال أهل عمان في نفر واقفله حين
غزا في البحر فولاه عمر عظم بجيلة وقال اسمعوا لهذا وقال للآخرين اسمعوا
لجرير فقال جرير لبجيلة تقرون بهذا وقد كانت بجيلة غضبت على عرفجة في امرأة
منهم وقد أدخل علينا ما أدخل فاجتمعوا فأتوا عمر فقالوا أعفنا من عرفجة فقال
لا أعفيكم من أقدمكم هجرة وإسلاما وأعظمكم بلاء واحسانا قالوا استعمل علينا
رجلا منا ولا تستعمل علينا نزيعا فينا فظن عمر انهم ينفونه من نسبه فقال انظروا
ما تقولون قالوا نقول ما تسمع فأرسل إلى عرفجة فقال إن هؤلاء استعفوني منك
وزعموا انك لست منهم فما عندك قال صدقوا وما يسرني انى منهم أنا امرؤ من
الأزد ثم من بارق في كهف لا يحصى عدده وحسب غير مؤتشب فقال عمر نعم
الحي الأزد يأخذون نصيبهم من الخير والشر قال عرفجة انه كان من شأني ان الشر
تفاقم فينا ودارنا واحدة فأصبنا الدماء ووتر بعضنا بعضا فاعتزلتهم لما خفتهم
فكنت في هؤلاء أسودهم وأقودهم فحفظوا على لأمر دار بيني وبين دهاقينهم
فحسدوني وكفروني فقال لا يضرك فاعتزلهم إذ كرهوك واستعمل جريرا مكانه
وجمع له بجيلة وأرى جريرا وبجيلة انه يبعث عرفجة إلى الشأم فحبب ذلك إلى جرير
العراق وخرج جرير في قومه ممدا للمثنى بن حارثة حتى نزل ذا قار ثم ارتفع حتى
إذا كان بالجل والمثنى بمرج السباخ أتى المثنى الخبر عن حديث بشير وهو بالحيرة
أن الأعاجم قد بعثوا مهران ونهض من المدائن شاخصا نحو الحيرة فأرسل المثنى
إلى جرير وإلى عصمة بالحث وقد كان عهد إليهم عمر ألا يعبروا بحرا ولا جسرا
إلا بعد ظفر فاجتمعوا بالبويب فاجتمع العسكران على شاطئ البويب الشرقي
وكان البويب مغيضا للفرات أيام المدود أزمان فارس يصب في الجوف
والمشركون بموضع دار الرزق والمسلمون بموضع السكون (كتب إلى السرى)
646

ابن يحيى عن شعيب بن إبراهيم عن سيف بن عمر عن عطية والمجالد باسنادهما
قالا وقدما على عمر غزاة بنى كنانة والأزد في سبعمائة جميعا فقال أي الوجوه
أحب إليكم قالوا الشأم أسلافنا أسلافنا فقال ذلك قد كفيتوه العراق العراق
ذروا بلدة قد قلل الله شوكتها وعددها واستقبلوا جهاد قوم قد حووا فنون
العيش لعل الله أن يورثكم بقسطكم من ذلك فتعيشوا مع من عاش من الناس
فقال غالب بن فلان الليثي وعرفجة البارقي كل واحد منهما لقومه وقاما فيهم
يا عشيرتاه أجيبوا أمير المؤمنين إلى ما يرى وامضوا له ما يسكنكم قالوا إنا
قد أطعناك وأجبنا أمير المؤمنين إلى ما رأى وأراد فدعا لهم عمر بخير وقاله
لهم وأمر على بنى كنانة غالب بن عبد الله وسرحه وأمر على الأزد عرفجة
ابن هرثمة وعامتهم من بارق وفرحوا برجوع عرفجة إليهم فخرج هذا في قومه
وهذا في قومه حتى قدما على المثنى (كتب إلى السرى) عن شعيب عن
سيف عن محمد وعمرو باسنادهما قالا وخرج هلال بن علفة التيمي فيمن اجتمع
إليه من الرباب حتى أتى عمر فأمره عليهم وسرحه فقدم على المثنى وخرج ابن المثنى
الجشمي جشم سعد حتى قدم عليه فوجهه وأمره على بنى سعد فقدم على المثنى
(كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن المجالد عن الشعبي وعطية باسنادهما
قالا وجاء عبد الله بن ذي السهمين في أناس من خثعم فأمره عليهم ووجهه إلى
المثنى فخرج نحوه حتى قدم عليه (كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن
محمد وعمرو باسنادهما قالا وجاء ربعي في أناس من بنى حنظلة فأمره عليهم
وسرحهم وخرجوا حتى قدم بهم على المثنى فرأس بعده ابنه شبث بن ربعي
وقدم عليه أناس من بنى عمرو فأمر عليهم ربعي بن عامر بن خالد العنود وألحقه
بالمثنى وقدم عليه قوم من بنى ضبة فجعلهم فرقتين فجعل على إحدى الفرقتين ابن
الهوبر وعلى الأخرى المنذر بن حسان وقدم عليه قرط بن جماح في عبد القيس
فوجهه وقالوا جميعا اجتمع الفيرزان ورستم على أن يبعثا مهران لقتال المثنى
واستأذنا بوران وكانا إذا أرادا شيئا دنوا من حجابها حتى يكلماها به فقالا
647

بالذي رأيا وأخبراها بعدد الجيش وكانت فارس لا يكثرون البعوث حتى كان من
أمر العرب ما كان فلما أخبراها بكثرة عدد الجيش قالت ما بال أهل فارس
لا يخرجون إلى العرب كما كانوا يخرجون قبل اليوم ومالكما لا تبعثان كما كانت
الملوك تبعث قبل اليوم قالا إن الهيبة كانت مع عدونا يومئذ وإنها فينا اليوم فمالأتهما
وعرفت ما جاءاها به فمضى مهران في جنده حتى نزل من دون الفرات والمثنى
وجنده على شاطئ الفرات والفرات بينهما وقدم أنس بن هلال النمري ممدا للمثنى
في أناس من النمر نصارى وجلاب جلبوا خيلا وقدم ابن مردى الفهر التغلبي في
أناس من بنى تغلب نصارى وجلاب جلبوا خيلا وهو عبد الله بن كليب بن خالد
وقالوا حين رأوا نزول العرب بالمجم نقاتل مع قومنا وقال مهران إما أن تعبروا
إلينا وأما أن نعبر إليكم فقال المسلمون اعبروا إلينا فارتحلوا من بسوسيا إلى شوميا
وهى موضع دار الرزق (كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن عبيد الله
ابن محفز عن أبيه عن العجم لما أذن لهم في العبور نزلوا شوميا موضع الرزق
فتعبوا هنالك فأقبلوا إلى المسلمين في صفوف ثلاثة من كل صف فيل ورجلهم
أمام فيلهم وجاؤا ولهم زجل فقال المثنى للمسلمين ان الذي تسمعون فشل فالزموا
الصمت وائتمروا همسا فدنوا من المسلمين وجاؤهم من قبل نهر بنى سليم نحو
موضع نهر بنى سليم فلما دنوا زحفوا وصف المسلمين فيما بين نهر بنى سليم اليوم
وما وراءها (كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا
وكان على مجنبتي المثنى بشير بسرين أبى رهم وعلى مجردته المعنى وعلى الرجل
مسعود وعلى الطلائع قبل ذلك اليوم النسير وعلى الردء مذعور وكان على مجنبتي
مهران بن الآزاذبه مرزبان الحيرة ومردانشاه ولما خرج المثنى طاف في صفوفه
يعهد إليهم عهده وهو على فرسه الشموس وكان يدعى الشموس من لين عريكته
وطهارته فكان إذا ركبه قاتل وكان لا يركبه إلا لقتال يودعه ما لم يكن قتال
فوقف على الرايات راية يحضضهم ويأمرهم بأمره ويهزهم بأحسن ما فيهم
تحضيضا لهم ولكلهم يقول إني لأرجو أن لا تؤتى العرب اليوم من قبلكم والله
648

ما يسرني اليوم لنفسي شئ إلا وهو يسرني لعامتكم فيجيبونه بمثل ذلك وأنصفهم
المثنى في القول والفعل وخلط الناس في المكروه والمحبوب فلم يستطع أحد منهم
أن يعيب له قولا ولا عملا ثم قال إني مكبر ثلاثا فهيؤا ثم احملوا مع الرابعة فلما
كبر أول تكبيرة أعجلهم أهل فارس وعاجلوهم فخالطوهم مع أول تكبيرة وركدت
حربهم مليا فرأى المثنى خللا في بعض صفوفه فأرسل إليهم رجلا وقال إن
الأمير يقرأ عليكم السلام ويقول لا تفضحوا المسلمين اليوم فقالوا نعم واعتدلوا
وجعلوا قبل ذلك يرونه وهو يمد لحيته لما يرى منهم فاعتنوا بأمر لم يجئ به أحد
من المسلمين يومئذ فرمقوه فرأوه يضحك فرحا والقوم بنو عجل فلما طال القتال
واشتد عمد المثنى إلى أنس بن هلال فقال يا أنس إنك امرؤ عربي وإن لم تكن
على ديننا فإذا رأيتني قد حملت على مهران فاحمل معي وقال لابن مردى الفهر مثل
ذلك فأجابه فحمل المثنى على مهران فأزاله حتى دخل في ميمنته ثم خالطوهم واجتمع
القلبان وارتفع الغبار والمجنبات (تقتتل؟) لا يستطيعون أن يفرغوا لنصر أميرهم
لا المشركون ولا المسلمون وارتث مسعود يومئذ وقواد من قواد المسلمين وقد
كان قال لهم إن رأيتمونا أصبنا فلا تدعوا ما أنتم فيه فإن الجيش ينكشف ثم ينصرف
الزموا مصافكم واغنوا غناء من يليكم وأوجع قلب المسلمين في قلب المشركين
وقتل غلام من التغلبيين نصراني مهران واستوى على فرسه فجعل المثنى سلبه
لصاحب خيله وكذلك إذا كان المشرك في خيل رجل فقتل وسلب فهو للذي
هو أمير على من قتل وكان له قائدان أحدهما جرير فاقتسما سلاحه والآخر ابن
الهوبر (كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن عبيد الله بن محفز عن أبيه
محفز بن ثعلبة قال جلب فتية من بنى تغلب أفراسا فلما التقى الزحفان يوم البويب
قالوا نقاتل العجم مع العرب فأصاب أحدهم مهران يومئذ ومهران على فرس
له ورد مجفف بتجفاف أصفر بين عينيه هلال وعلى ذنبه أهلة من شبه فاستوى
على فرسه ثم انتمى أنا الغلام التغلبي أنا قتلت المرزبان فأتاه جرير وابن الهوبر
في قومهما فأخذا برجله فأنزلاه (كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف
649

عن سعيد بن المرزبان أن جريرا والمنذر اشتركا فيه فاختصما في سلاحه فتقاضيا
إلى المثنى فجعل سلاحه بينهما والمنطقة والسوارين بينهما وأفنوا قلب المشركين
(كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن أبي روق قال والله ان كنا
لنأتي البويب فنرى فيما بين موضع السكون وبنى سليم عظاما بيضا تلولا
تلوح من هامهم وأوصالهم يعتبر بها قال وحدثني بعض من شهدها أنهم كانوا
يحزرونها مائة ألف وما عفى عليها حتى دفنها أدفان البيوت (كتب إلى السرى)
عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا وقف المثنى عند ارتفاع الغبار حتى
أسفر الغبار وقد فنى قلب المشركين والمجنبات قد هز بعضها بعضا فلما رأوه وقد
أزال القلب وأفنى أهله قويت المجنبات مجنبات المسلمين على المشركين وجعلوا
يردون الأعاجم على أدبارهم وجعل المثنى والمسلمون في القلب يدعون لهم بالنصر
ويرسل عليهم من يذمرهم ويقول إن المثنى يقول عاداتكم في أمثالهم انصروا الله
ينصركم حتى هزموا القوم فسابقهم المثنى إلى الجسر فسبقهم وأخذ الأعاجم فافترقوا
بشاطئ الفرات مصعدين ومصوبين واعتورتهم خيول المسلمين حتى قتلوهم ثم
جعلوهم جثا فما كانت بين العرب والعجم وقعة كانت أبقى رمة منها ولما ارتث
مسعود بن حارثة يومئذ وكان صرع قبل الهزيمة فتضعضع من معه فرأى ذلك
وهو دنف قال يا معشر بكر بن وائل ارفعوا أرايتكم رفعكم الله لا يهولنكم مصرعي
وقاتل أنس بن هلال النمري يومئذ حتى ارتث ارتثه المثنى وضمه وضم مسعودا
إليه وقاتل قرط بن جماح العبدي يومئذ حتى دق قنى وقطع أسيافا وقتل شهربراز
من دهاقين فارس وصاحب مجردة مهران قال ولما فرغوا جلس المثنى للناس
من بعد الفراغ يحدثهم ويحدثونه وكلما جاء رجل فتحدث قال له أخبرني عنك
فقال له قرط بن جماح قتلت رجلا فوجدت منه رائحة المسك فقلت مهران
ورجوت أن يكون إياه فإذا هو صاحب الخيل شهربراز فوالله ما رأيته إذ لم
يكن مهران شيئا فقال المثنى قد قاتلت العرب والعجم في الجاهلية والاسلام والله
لمائة من العجم في الجاهلية كانوا أشد على من ألف من العرب ولمائة اليوم
650

من العرب أشد على من ألف من العجم إن الله أذهب مصدوقتهم ووهن كيدهم
فلا يروعنكم زهاء ترونه ولا سواد ولا قسى فج ولا نبال طوال فإنهم إذا
أعجلوا عنها أو فقدوها كالبهائم أينما وجهتموها اتجهت وقال ربعي وهو يحدث
المثنى لما رأيت ركود الحرب واحتدامها قلت تترسوا بالمجان فإنهم شادون عليكم
فاصبروا لشدتين وأنا زعيم لكم بالظفر في الثالثة فأجابوني والله فوفى الله كفالتي
وقال ابن ذي السهمين محدثا قلت لأصحابي إني سمعت الأمير يقرأ ويذكر في قراءته
الرعب فما ذكره إلا لفضل عنده اقتدوا برايتكم وليحم راجلكم خيلكم ثم
احملوا فما لقول الله من خلف فأنجز الله لهم وعده وكان كما رجوت وقال عرفجة
محدثا حزنا كتيبة منهم الفرات ورجوت أن يكون الله تعالى قد أذن في غرقهم
وسلى عنها بها مصيبة الجسر فلما دخلوا في حد الاحراج كروا علينا فقاتلناهم قتالا
شديدا حتى قال بعض قومي لو أخرت رأيتك فقلت على إقدامها وحملت بها على
حاميتهم فقتلته فولوا نحو الفرات فما بلغه منهم أحد فيه الروح * وقال ربعي
ابن عامر بن خالد كنت مع أبي يوم البويب قال وسمى البويب يوم الأعشار أحصى
مائة رجل قتل كل رجل منهم عشرة في المعركة يومئذ وكان عروة بن زيد الخيل
من أصحاب التسعة وغالب في بنى كنانة من أصحاب التسعة وعرفجة في الأزد من
أصحاب التسعة وقتل المشركون فيما بين السكون اليوم إلى شاطئ الفرات ضفة
البويب الشرقية وذلك أن المثنى بادرهم عند الهزيمة الجسر فأخذه عليهم فأخذوا
يمنة ويسرة وتبعهم المسلمون إلى الليل ومن الغد إلى الليل وندم المثنى على أخذه
بالجسر وقال لقد عجزت عجزة وقى الله شرها بمسابقتي إياهم إلى الجسر وقطعه حتى
أحرجتهم فإني غير عائد فلا تعودوا ولا تقتدوا بي أيها الناس فإنها كانت منى زلة
لا ينبغي إحراج أحد إلا من لا يقوى على امتناع ومات أناس من الجرحى من
أعلام المسلمين منهم خالد بن هلال ومسعود بن حارثة فصلى عليهم المثنى وقدمهم
على الأسنان والقران وقال والله إنه ليهون على وجدى أن شهدوا البويب
اقدموا وصبروا ولم يجزعوا ولم ينكلوا وأن كان في الشهادة كفارة لتجوز
651

الذنوب (كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وزياد
قالوا وقد كان المثنى وعصمة وجرير أصابوا في أيام البويب على الظهر نزل مهران
غنما ودقيقا وبقرا فبعثوا بها إلى عيالات من قدم من المدينة وقد خلفوهن
بالقوادس وإلى عيالات أهل الأيام قبلهم وهم بالحيرة وكان دليل الذين ذهبوا
بنصيب العيالات الذين بالقوادس عمرو بن عبد المسيح بن بقيلة فلما رفعوا للنسوة
فرأين الخيل يصايجن وحسبنها غارة فقمن دون الصبيان بالحجارة والعمد فقال
عمرو هكذا ينبغي لنساء هذا الجيش وبشروهن بالفتح وقالوا هذا أوله وعلى
الخيل التي أتتهم بالنزل النسير وأقام في خيله حامية لهم ورجع عمرو بن عبد المسيح
فبات بالحيرة وقال المثنى يومئذ من يتبع الناس حتى ينتهى إلى السيب فقام جرير
ابن عبد الله في قومه فقال يا معشر بجيلة انكم وجميع من شهد هذا اليوم في السابقة
والفضيلة والبلاء سواء وليس لاحد منهم في هذا الخمس غدا من النفل مثل الذي
لكم منه ولكم ربع خمسه نفلا من أمير المؤمنين فلا يكونن أحد أسرع إلى هذا
العدو ولا أشد عليه منكم للذي لكم منه ونية إلى ما ترجون فإنما تنتظرون إحدى
الحسنيين الشهادة والجنة والغنيمة والجنة ومال المثنى على الذين أرادوا أن يستقتلوا
من منهزمة يوم الجسر ثم قال أين المستبسل بالأمس وأصحابه انتدبوا في آثار
هؤلاء القوم إلى السيب وأبلغوا من عدوكم ما تغيظونهم به فهو خير لكم وأعظم
أجرا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم (كتب إلى السرى) عن شعيب عن
سيف عن حمزة بن علي بن محفز عن رجل من بكر بن وائل قال كان أول الناس
انتدب يومئذ للمثنى واتبع آثارهم المستبسل وأصحابه وقد كان أراد الخروج
بالأمس إلى العدو ومن صف المسلمين واستوفز واستنتل فأمر المثنى أن يعقد
لهم الجسر ثم أخرجهم في آثار للقوم واتبعتهم بجيلة وخيول من المسلمين تغذ من
كل فارس فانطلقوا في طلبهم حتى بلغوا السيب ولم يبق في العسكر جسري الا خرج
في الخيل فأصابوا من البقر والسبي وسائر الغنائم شيئا كثيرا فقسمه المثنى عليهم
وفضل أهل البلاد من جميع القبائل ونفل بجيلة يومئذ ربع الخمس بينهم بالسوية
652

وبعث بثلاثة أرباعه مع عكرمة وألقى الله الرعب في قلوب أهل فارس وكتب
القواد الذين قادوا الناس في الطلب إلى المثنى وكتب عاصم وعصمة وجرير إن
الله عز وجل قد سلم وكفى ووجه لنا ما رأيت وليس دون القوم شئ فتأذن
لنا في الاقدام فأذن لهم فأغاروا حتى بلغوا ساباط وتحصن أهل ساباط منهم
واستباحوا القريات دونها وراماهم أهل الحصن بساباط عن حصنهم وكان أول
من دخل حصنهم ثلاثة قواد عصمة وعاصم وجرير وقد تبعتهم أوزاع من الناس
كلهم ثم انكفؤا راجعين إلى المثنى (كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف
عن عطية بن الحارث قال لما أهلك الله مهران استمكن المسلمون من الغارة على
السواد فيما بينهم وبين دجلة فمخروها لا يخافون كيدا ولا يلقون فيها مانعا وانتقضت
مسالح العجم فرجعت إليهم واعتصموا بساباط وسرهم أن يتركوا ما وراء دجلة
وكانت وقعة البويب في رمضان سنة ثلاث عشرة قتل الله عليه مهران وجيشه وأفعموا
جنبتي البويب عظاما حتى استوى وما عفى عليها إلا التراب أزمان الفتنة وما يثار
هنالك شئ إلا وقعوا منها على شئ وهو ما بين السكون ومرهبة وبنى سليم وكان
مغيضا للفرات أزمان الأكاسرة يصب في الجوف وقال الأعور العبدي الشني
هاجت لأعور دار الحي أحزانا * واستبدلت بعد عبد القيس خفانا
وقد أرانا بها والشمل مجتمع * إذ بالنخيلة قتلى جند مهرانا
أزمان سار المثنى بالخيول لهم * فقتل الزحف من فرس وجيلانا
سما لمهران والجيش الذي معه * حتى أبادهم مثنى ووحدانا
(قال أبو جعفر) وأما ابن إسحاق فإنه قال في أمر جرير وعرفجة والمثنى وقتال
المثنى مهران غير ما قص سيف من أخبارهم والذي قال في أمرهم ما حدثنا محمد بن
حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال لما انتهت إلى عمر بن الخطاب مصيبة
أصحاب الجسر وقدم عليه فلهم قدم عليه جرير بن عبد الله البجلي من اليمن في ركب
من بجيلة وعرفجة بن هرثمة وكان عرفجة يومئذ سيد بجيلة وكان حليفا لهم من الأزد
فكلمهم عمر فقال لهم إنكم قد علمتم ما كان من المصيبة في إخوانكم بالعراق فسيروا
653

إليهم وأنا أخرج إليكم من كان منكم في قبائل العرب فأجمعهم إليكم قالوا نفعل
يا أمير المؤمنين فأخرج لهم قيس كبة وسحمة وعرينة وكانوا في قبائل بنى عامر
ابن صعصعة وأمر عليهم عرفجة بن هرثمة فغضب من ذلك جرير بن عبد الله البجلي
فقال لبجيلة كلموا أمير المؤمنين فقالوا له استعملت علينا رجلا ليس منا فأرسل
إلى عرفجة فقال ما يقول هؤلاء قال صدقوا يا أمير المؤمنين لست منهم ولكني رجل
من الأزد كنا أصبنا في الجاهلية دما في قومنا فلحقنا بجيلة فبلغنا فيهم من السود
دما بلغك فقال له عمر فأثبت على منزلتك ودافعهم كما يدفعونك قال لست فاعلا
ولا سائرا معهم فسار عرفجة إلى البصرة بعد أن نزلت وترك بجيلة وأمر عمر على
بجيلة جرير بن عبد الله فسار بهم مكانه إلى الكوفة وضم إليه عمر قومه من بجيلة
فأقبل جرير حتى إذا مر قريبا من المثنى بن حارثة كتب إليه المثنى أن أقبل إلى
فإنما أنت مدد لي فكتب إليه جرير إني لست فاعلا إلا أن يأمرني بذلك أمير المؤمنين
أنت أمير وأنا أمير ثم سار جرير نحو الجسر فلقيه مهران بن باذان وكان من
عظماء فارس عند النخيلة قد قطع إليه الجسر فاقتتلا قتالا شديدا وشد المنذر بن
حسان بن ضرار الضبي على مهران فطعنه فوقع عن دابته فاقتحم عليه جرير
فاحتز رأسه فاختصما في سلبه ثم اصطلحا فيه فأخذ جرير السلاح وأخذ المنذر بن
حسان منطقته قال وحدثت أن مهران لما لقى جريرا قال
إن تسألوا عنى فإني مهران * إنا لمن أنكرني ابن باذان
قال فأنكرت ذلك حتى حدثني من لا أتهم من أهل العلم أنه كان عربيا نشأ
مع أبيه باليمن إذ كان عاملا لكسرى قال فلم أنكر ذلك حين بلغني وكتب المثنى
إلى عمر يمحل بجرير فكتب عمر إلى المثنى إني لم أكن لاستعملك على رجل من
أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يعنى جريرا وقد وجه عمر سعد بن أبي وقاص
إلى العراق في ستة آلاف أمره عليهم وكتب إلى المثنى وجرير بن عبد الله أن
يجتمعا إلى سعد بن أبي وقاص وأمر سعدا عليهما فسار سعد حتى نزل شراف وسار
المثنى وجرير حتى نزلا عليه فتشابها سعد واجتمع إليه الناس ومات المثنى بن حارثة
654

رحمه الله (رجع الحديث) إلى حديث سيف
خبر الخنافس
(كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وزياد باسنادهم قالوا
ومخر المثنى السواد وخلف بالحيرة بشير بن الخصاصية وأرسل جريرا إلى ميسان
وهلال بن علفة التيمي إلى دست ميسان وأذكى المسالح بعصمة بن فلان الضبي
وبالكلج الضبي وبعرفجة البارقي وأمثالهم في قواد المسلمين فبدأ فنزل أليس قرية
من قرى الأنبار وهذه الغزاة تدعى غزاة الأنبار الآخرة وغزاة أليس الآخرة
وألز رجلان المثنى أحدهما أنباري والآخر حيرى يدله كل واحد منهما على
سوق فاما الأنباري فدله على الخنافس وأما الحيري فدله على بغداد فقال المثنى
أيتهما قبل صاحبتها فقالوا بينهما أيام قال أيهما أعجل قالوا سوق الخنافس سوق
يتوافى إليها الناس ويجتمع بها ربيعة وقضاعة يخفرونهم فاستعد لها المثنى حتى إذا
ظن أنه موافيها يوم سوقها ركب نحوهم فأغار على الخنافس يوم سوقها وبها خيلان
من ربيعة وقضاعة وعلى قضاعة رومانس بن وبرة وعلى ربيعة السليل بن قيس
وهم الخفراء فانتسف السوق وما فيها وسلب الخفراء ثم رجع عوده على بدئه حتى
يطرق دهاقين الأنبار طروقا في أول النهار يومه فتحصنوا منه فلما عرفوه نزلوا إليه
فأتوه بالأعلاف والزاد وأتوه بالادلاء على بغداد فكان وجه إلى سوق بغداد
فصبحهم والمسلمون يمخرون السواد والمثنى بالأنبار ويشنون الغارات فيما بين
أسفل كسكر وأسفل الفرات وجسور مثقب إلى عين التمر وما والاها من
الأرض في أرض الفلاليج والعال (كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف
عن عبيد الله بن محفز عن أبيه قال قال رجل من أهل الحيرة للمثنى ألا ندلك على
قرية يأتيها تجار مدائن كسرى والسواد ويجتمع بها في كل سنة مرة ومعهم فيها
الأموال كبيت المال وهذه أيام سوقهم فان أنت قدرت أن تغير عليهم وهم لا يشعرون
أصبت فيها ما لا يكون غناء للمسلمين وقووا به على عدوهم دهرهم قال وكم بين مدائن
655

كسرى وبينها قال بعض يوم أو عامة يوم قال فكيف لي بها قالوا نأمرك إن أردتها
أن تأخذ طريق البر حتى تنتهى إلى الخنافس فان أهل الأنبار سيضربون إليها ويخبرون
عنك فيأمنون ثم تعوج على أهل الأنبار فتأخذ الدهاقين بالادلاء فتسير سواد
ليلتك من الأنبار حتى تأتيهم صبحا فتصبحهم غارة فخرج من أليس حتى أتى
الخنافس ثم عاج حتى رجع على الأنبار فلما أحسه صاحبها تحصن وهو لا يدرى من
هو وذلك ليلا فلما عرفه نزل إليه فأطعمه المثنى وخوفه واستكتمه وقال انى أريد
أن أغير فابعث معي الأدلاء إلى بغداد حتى أغير منها إلى المدائن قال أنا أجئ معك
قال لا أريد أن تجئ معي ولكن ابعث معي من هو أدل منك فزودهم الأطعمة
والأعلاف وبعث معهم الأدلة فساروا حتى إذا كانوا بالنصف قال لهم المثنى كم بيني
وبين هذه القرية قالوا أربعة أو خمسة فراسخ فقال لأصحابه من ينتدب للحرس
فانتدب له قوم فقال لهم أذكرا حرسكم ونزل وقال أيها الناس أقيموا وأطعموا
وتوضأوا وتهيؤا وبعث الطلائع فحبسوا الناس ليسبقوا الاخبار فلما فرغوا أسرى
إليهم آخر الليل فعبر إليهم فصبحهم في أسواقهم فوضع فيه السيف فقتل وأخذوا
ما شاؤوا وقال المثنى لا تأخذوا إلا الذهب والفضة ولا تأخذوا من المتع إلا ما يقدر
الرجل منكم على حمله على دابته وهرب أهل الأسواق وملا المسلمون أيديهم من
الصفراء والبيضاء والحر من كل شئ ثم خرج كارا حتى نزل بنهر السيلحين بالأنبار
فنزل وخطب الناس وقال أيها الناس أنزلوا وقضوا أوطاركم وتأهبوا للسير
واحمدوا الله وسلوه العافية ثم انكشفوا قبيضا ففعلوا فسمع همسا فيما بينهم ما أسرع
القوم في طلبنا فقال تناجوا بالبر والتقوى ولا تتناجوا بالاثم والعدوان انظروا
في الأمور وقدروها ثم تكلموا إنه لم يبلغ النذير مدينتهم بعد ولو بلغهم لحال الرعب
بينهم وبين طلبكم إن للغارات روعات تنتشر عليها يوما إلى الليل ولو طلبكم
المحامون من رأى العين ما أدركوكم وأنتم على العراب حتى تنتهوا إلى عسكركم
وجماعتكم ولو أدركوكم لقاتلتهم لاثنتين التماس الاجر ورجاء النصر فثقوا بالله
وأحسنوا به الظن فقد نصركم الله في مواطن كثيرة وهم أعد منكم وسأخبركم عنى
656

وعن انكماشي والذي أريد بذلك أن خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أوصانا
أن نقلل العرجة ونسرع الكرة في الغارات ونسرع في غير ذلك الأوبة وأقبل
بهم ومعهم أدلاؤهم يقطعون بهم الصحارى والأنهار حتى انتهى بهم إلى الأنبار
فاستقبلهم دهاقين الأنبار بالكرامة واستبشروا بسلامته وكان موعده الاحسان
إليهم إذا استقام لهم من أمرهم ما يحبون (كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف
عن محمد وطلحة وزياد قالوا لما رجع المثنى من بغداد إلى الأنبار سرح المضارب
العجلي وزيدا إلى الكباث وعليه فارس العناب التغلبي ثم خرج في آثارهم فقدم
الرجلان الكباث وقد ارفضوا وأخلوا الكباث وكان أهله كلهم من بنى تغلب
فركبوا آثارهم يتبعونهم فأدركوا أخرياتهم وفارس العناب يحميهم فحماهم ساعة
ثم هرب وقتلوا في أخرياتهم وأكثروا ورجع المثنى إلى عسكره بالأنبار والخليفة
عليهم فرات بن حيان فلما رجع المثنى إلى الأنبار سرح فرات بن حيان وعتيبة بن
النهاس وأمرهما بالغارة على أحياء من تغلب والنمر بصفين ثم اتبعهما وخلف على
الناس عمرو بن أبي سلمى الهجيمي فلما دنوا من صفين افترق المثنى وفرات وعتيبة
وفر أهل صفين وعبروا الفرات إلى الجزيرة وتحصنوا وأرمل المثنى وأصحابه من
الزاد حتى أقبلوا على رواحلهم الا ما لا بد منه فأكلوها حتى أخفافها وعظامها
وجلودها ثم أدركوا عيرا من أهل دبا وحوران فقتلوا العلوج وأصابوا ثلاثة
نفر من بنى تغلب خفراء وأخذوا العير وكان ظهرا فاضلا وقال لهم دلوني فقال
أحدهم آمنوني على أهلي ومالي وأدلكم على حي من تغلب عدوت من عندهم اليوم
فآمنه المثنى وسار معه يومه حتى إذا كان العشى هجم على القوم فإذا النعم صادرة
عن الماء وإذا القوم جلوس بأفنية البيوت فبث غارته فقتلوا المقاتلة وسبوا الذرية
واستاقوا الأموال وإذا هم بنو ذي الرويحلة فاشترى من كان بين المسلمين من ربيعة
السبايا بنصيبه من الفئ وأعتقوا سبيهم وكانت ربيعة لا تسبى إذ العرب يتسابون
في جاهليتهم وأخبر المثنى أن جمهور من سلك البلاد قد انتجعوا الشط شاطئ دجلة
فخرج المثنى على مقدمته في غزواته هذه بعد البويب كلها حذيفة بن محصن الغلفاني
657

وعلى مجنبتيه النعمان بن عوف بن النعمان مطر الشيبانيان فسرح في أدبارهم
حذيفة واتبعه فأدركوهم بتكريت دوينها من حيث طلبوهم يخوضون الماء
فأصابوا ما شاؤوا من النعم حتى أصاب الرجل خمسا من النعم وخمسا من
السبى وخمس المال وجاء به حتى ينزل على الناس بالأنبار وقد مضى فرات
وعتيبة في وجوههما حتى أغاروا على صفين وبها النمر وتغلب متساندين فأغاروا
عليهم حتى رموا بطائفة منهم في الماء فناشدوهم فلم يقلعوا عنهم وجعلوا ينادونهم
الغرق الغرق وجعل عتيبة وفرات يذمرون الناس وينادونهم تغريق بتحريق
يذكرونهم يوما من أيامهم في الجاهلية أحرقوا فيه قوما من بكر بن وائل في غيضة
من الغياض ثم انكفؤا راجعين إلى المثنى وقد غرقهم ولما تراجع الناس إلى عسكرهم
بالأنبار وتوافى بها البعوث والسرايا انحدر بهم المثنى إلى الجزيرة فنزل بها وكانت
تكون لعمر رحمه الله العيون في كل جيش فكتب إلى عمر بما كان في تلك الغزاة
وبلغه الذي قال عتيبة وفرات يوم بنى تغلب والماء فبعث إليهما فسألهما فأخبراه
أنهما قالا ذلك على وجه أنه مثل وانهما لم يفعلا ذلك على وجه طلب ذحل الجاهلية
فاستحلفهما فحلفا انهما ما أرادا بذلك إلا المثل وإعزاز الاسلام فصدقهما وردهما
حتى قدما على المثنى
ذكر الخبر عما هيج أمر القادسية
(كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن محمد بن عبد الله بن سواد بن
نويرة عن عزيز بن مكنف التميمي ثم الأسيدي وطلحة بن الأعلم الحنفي عن المغيرة
ابن عتيبة بن النهاس العجلي وزياد بن سرجس الأحمري عن عبد الرحمن بن ساباط
الأحمري قالوا جميعا قال أهل فارس لرستم والفيرزان وهما على أهل فارس أين
يذهب بكما لم يبرح بكما الاختلاف حتى وهنتما أهل فارس وأطمعتما فيهم عدوهم
وأنه لم يبلغ من خطركما أن يقركما فارس على هذا الرأي وإن تعرضاها للهلكة ما بعد
بغداد وساباط وتكريت إلا المدائن والله لتجتمعان أو لنبدأن بكما قبل أن يشمت
658

بنا شامت (كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف عن عبيد الله بن محفز عن
أبيه قال قال أهل فارس لرستم والمسلمون يمخرون السواد ما تنتظرون والله إلا
أن ينزل بنا ونهلك والله ما جر هذا الوهن علينا غيركم يا معشر القواد لقد فرقتم
بين أهل فارس وثبطتموهم عن عدوهم والله لولا إن في قتلكم هلاكنا لعجلنا لكم
القتل الساعة ولئن لم تنتهوا لنهلكنكم ثم نهلك وقد اشتفينا منكم (كتب إلى السرى)
عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وزياد قالوا فقال الفيرزان ورستم لبوران
ابنة كسرى اكتبي لنا نساء كسرى وسراريه ونساء آل كسرى وسراريهم ففعلت
ثم أخرجت ذلك إليهم في كتاب فارسلوا في طلبهن فلم يبق منهن امرأة إلا أتوا بها
فأخذوهن بالرجال ووضعوا عليهن العذاب يستدلونهن على ذكر من أبناء كسرى
فلم يوجد عندهن منهم أحد وقلن أو من قال منهن لم يبق إلا غلام يدعى يزدجرد
من ولد شهريار بن كسرى وأمه من أهل بادوريا فأرسلوا إليها فأخذوها به وكانت
قد أنزلته في أيام شيرى حين جمعهن في القصر الأبيض فقتل الذكور فواعدت
أحواله ثم دلته إليهم في زبيل فسألوها عنه وأخذوها به فدلتهم عليه فأرسلوا إليه
فجاؤوا به فملكوه وهو ابن إحدى وعشرين سنة واجتمعوا عليه واطمأنت فارس
واستوثقوا وتبارى الرؤساء في طاعته ومعونته فسمى الجنود لكل مسلحة كانت
لكسرى أو موضع ثغر فسمى جند الحيرة والأنبار والمسالح والأبلة وبلغ ذلك
من أمرهم واجتماعهم على يزجرد المثنى والمسلمين فكتبوا إلى عمر بما ينتظرون
ممن بين ظهرانيهم فلم يصل الكتاب إلى عمر حتى كفر أهل السواد من كان له منهم
عهد ومن لم يكن له منهم عهد فخرج المثنى على حاميته حتى نزل بذى قار وتنزل
الناس بألطف في عسكر واحد حتى جاءهم كتاب عمر أما بعد فاخرجوا من بين
ظهري الأعاجم وتفرقوا في المياه التي تلى الأعاجم على حدود أرضكم وأرضهم
ولا تدعوا في ربيعة أحدا ولا مضر ولا حلفائهم أحدا من أهل النجدات ولا فارسا
إلا اجتلبتموه فإن جاء طائعا وإلا حشرتموه احملوا العرب على الجد إذ جد العجم
فلتلقوا جدهم بجدكم فنزل المثنى بذى قار ونزل الناس بالجل وشراف إلى غضى
659

وغضى حيان البصرة فكان جرير بن عبد الله بغضي وسبرة بن عمرو العنبري
ومن أخذ أخذهم فيمن معه إلى سلمان فكانوا في أمواه العراق من أولها إلى آخرها
مسالح بعضهم ينظر إلى بعض ويغيث بعضهم بعضا إن كان كون وذلك في ذي القعدة
سنة ثلاث عشرة * حدثنا السرى عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وزياد
باسنادهم قالوا كان أول ما عمل به عمر حين بلغه أن فارس قد ملكوا يزدجرد أن
كتب إلى عمال العرب على الكور والقبائل وذلك في ذي الحجة سنة ثلاثة عشر
مخرجه إلى الحج وحج سنواته كلها لا تدعوا أحدا له سلاح أو فرس أو نجدة أو
رأى إلا انتخبتموه ثم وجهتموه إلى والعجل العجل فمضت الرسل إلى من أرسلهم
إليهم مخرجه إلى الحج ووافاه أهل هذا الضرب من القبائل التي طرقها على مكة
والمدينة فأما من كان من أهل المدينة على النصف ما بينه وبين العراق فوافاه بالمدينة
مرجعه من الحج وأما من كان أسفل من ذلك فانضموا إلى المثنى فأما من وافى عمر
فإنهم أخبروه عمن وراءهم بالحث وقال أبو معشر فيما حدثني الحارث عن ابن سعد
عنه وقال ابن إسحاق فيما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عنه الذي حج بالناس
سنة ثلاثة عشر عبد الرحمن بن عوف وقد حدثني المقدى عن إسحاق الفروي
عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال استعمل عمر على الحج عبد الرحمن بن
عوف في السنة التي ولى فيها فحج بالناس ثم حج سنيه كله بعد ذلك بنفسه وكان عامل
عمر في هذه السنة على ما ذكر على مكة عتاب بن أسيد وعلى الطائف عثمان بن أبي العاص
وعلى اليمن يعلى بن منية وعلى عمان واليمامة حذيفة بن محصن وعلى البحرين العلاء
ابن الحضرمي وعلى الشأم أبو عبيدة بن الجراح وعلى فرج الكوفة وما فتح من
أرضها المثنى بن حارثة وكان على القضاء فيما ذكر علي بن أبي طالب وقيل لم يكن
لعمر في أيامه قاض

(تم - بعون الله تعالى - الجزء الثاني، ويليه - إن شاء الله تعالى - الجزء الثالث)
(وأوله: السنة الرابعة من الهجرة)
660

فهرس الجزء لثاني
من تاريخ الأمم والملوك
661