الكتاب: تاريخ الطبري
المؤلف: الطبري
الجزء: ٣
الوفاة: ٣١٠
المجموعة: مصادر التاريخ
تحقيق: مراجعة وتصحيح وضبط : نخبة من العلماء الأجلاء
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: قوبلت هذه الطبعة على النسخة المطبوعة بمطبعة "بريل" بمدينة لندن في سنة ١٨٧٩ م)

تاريخ الأمم والملوك
للامام أبي جعفر محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
[قوبلت هذه الطبعة على النسخة المطبوعة]
[بمطبعة " بريل " بمدينة ليدن في سنة 1879 م]
راجعه وصححه وضبطه
نخبة من العلماء الاجلاء
منشورات
مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
بيروت - لبنان
ص. ب 7120
1

بسم الله الرحمن الرحيم
ثم دخلت سنة أربعة عشرة
ففي أول يوم من المحرم سنة أربعة عشرة فيما كتب إلى به السري عن شعيب عن
سيف عن محمد وطلحة وزياد بإسنادهم خرج عمر حتى نزل على ماء يدعى صرارا
فعسكر به ولا يدري الناس ما يريد أيسير أم يقيم وكانوا إذا أرادوا أن يسألوه عن
شئ رموه بعثمان أو بعبد الرحمن بن عوف وكان عثمان يدعى في إمارة عمر رديفا
قالوا والرديف بلسان العرب الذي بعد الرجل والعرب تقول ذلك للرجل الذي
يرجونه بعد رئيسهم وكانوا إذا لم يقدر هذان على علم شئ مما يريدون ثلثوا بالعباس
فقال عثمان لعمر ما بلغك ما الذي تريد فنادى الصلاة جامعة فاجتمع الناس إليه فأخبرهم
الخبر ثم نظر ما يقول الناس فقال العامة سر وسر بنا معك فدخل معهم في رأيهم
وكره أن يدعهم حتى يخرجهم منه في رفق فقال استعدوا وأعدوا فإني سائر إلا
أن يجئ رأى هو أمثل من ذلك ثم بعث إلى أهل الرأي فاجتمع إليه وجوه أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم وأعلام العرب فقال أحضروني الرأي فإني سائر فاجتمعوا
جميعا وأجمع ملؤهم على أن يبعث رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
ويقيم ويرميه بالجنود فإن كان الذي يشتهي من الفتح فهو الذي يريد ويريدون وإلا
أعاد رجلا وندب جندا آخر وفي ذلك ما يغيظ العدو ويرعوي المسلمون ويجئ
نصر الله بإنجاز موعود الله فنادى عمر الصلاة جامعة فاجتمع الناس إليه وأرسل إلى
علي عليه السلام وقد استخلفه على المدينة فأتاه والى طلحة وقد بعثه على المقدمة
فرجع إليه وعلى المجنبتين الزبير وعبد الرحمن بن عوف فقام في الناس فقال إن الله
عز وجل قد جمع على الاسلام أهله فألف بين القلوب وجعلهم فيه إخوانا والمسلمون
فيما بينهم كالجسد لا يخلو منه شئ من شئ أصاب غيره وكذلك يحق على المسلمين
2

أن يكونوا أمرهم شورى بينهم بين ذوي الرأي منهم فالناس تبع لمن قام بهذا الامر
ما اجتمعوا عليه ورضوا به لزم الناس وكانوا فيه تبعا لهم ومن أقام بهذا الامر تبع
لاولى رأيهم ما رأوا لهم ورضوا به لهم من مكيدة في حرب كانوا فيه تبعا لهم يا أيها
الناس إني إنما كنت كرجل منكم حتى صرفني ذوو الرأي منكم عن الخروج فقد
رأيت أن أقيم وأبعث رجلا وقد أحضرت هذا الامر من قدمت ومن خلفت
وكان علي عليه السلام خليفته على المدينة وطلحة على مقدمته بالأعوص
فأحضرهما ذلك (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد بن إسحاق
عن صالح بن كيسان عن عمر بن عبد العزيز قال لما انتهى قتل أبي عبيد بن
مسعود إلى عمر واجتماع أهل فارس على رجل من آل كسرى نادى في المهاجرين
والأنصار وخرج حتى أتى صرارا وقدم طلحة بن عبيد الله حتى يأتي الأعوص
وسمى لميمنته عبد الرحمن بن عوف ولميسرته الزبير بن العوام واستخلف عليا
رضي الله عنه على المدينة واستشار الناس فكلهم أشار عليه بالسير إلى فارس
ولم يكن استشار في الذي كان حتى نزل بصرار ورجع طلحة فاستشار ذوي الرأي
فكان طلحة ممن تابع الناس وكان عبد الرحمن ممن نهاه فقال عبد الرحمن فما فديت
أحدا بأبي وأمي بعد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل يومئذ ولا بعده فقلت
يا بأبي وأمي اجعل عجزها بي وأقم وابعث جندا فقد رأيت قضاء الله لك في جنودك
قبل وبعد فإنه إن يهزم جيشك ليس كهزيمتك وإنك إن تقتل أو تهزم في أنف
الامر خشيت أن لا يكبر المسلمون وأن لا يشهدوا أن لا إله إلا الله أبدا وهو
في ارتياد من رجل وأتى كتاب سعد على حفف مشورتهم وهو على بعض صدقات
نجد فقال عمر فأشيروا علي برجل فقال عبد الرحمن وجدته قال من هو قال الأسد
في براثنه سعد بن مالك ومالأه أولو الرأي (كتب إلي السري) عن شعيب عن
سيف عن خليد بن زفر عن أبيه قال كتب المثنى إلى عمر باجتماع فارس على يزدجرد
وببعوثهم وبحال أهل الذمة فكتب إليه عمر أن تنح إلى البر وادع من يليك وأقم
منهم قريبا على حدود أرضك وأرضهم حتى يأتيك أمري وعاجلتهم الأعاجم
3

فزاحفتهم الزحوف وثار بهم أهل الذمة فخرج المثنى بالناس حتى ينزل العراق
ففرقهم فيه من أوله إلى آخره فأقاموا ما بين غضى إلى القطقطانة مسالحه وعادت
مسالح كسرى وثغوره واستقر أمر فارس وهم في ذلك هائبون مشفقون والمسلمون
متدفقون قد ضروا بهم كالأسد ينازع فريسته ثم يعاود الكر وأمراؤهم يكفكفونهم
لكتاب عمر وإمداد المسلمين (كتب إلي السري) بن يحيى عن شعيب بن إبراهيم
عن سيف بن عمر عن سهل بن يوسف عن القاسم بن محمد قال قد كان أبو بكر استعمل
سعدا على صدقات هوازن بنجد فأقره عمر وكتب إليه فيمن كتب إليه من العمال
حين استنفر الناس أن ينتخب أهل الخيل والسلاح ممن له رأي ونجدة فرجع إليه
كتاب سعد بمن جمع الله له من ذلك الضرب فوافق عمر وقد استشارهم في رجل فأشاروا
عليه به عند ذكره (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة بإسنادهما
قالا كان سعد بن أبي وقاص على صدقات هوازن فكتب إليه عمر فيمن كتب إليه
بانتخاب ذوي الرأي والنجدة ممن كان له سلاح أو فرس فجاءه كتاب سعد إني
قد انتخبت لك ألف فارس (مؤد)؟ كلهم له نجدة ورأي وصاحب حيطة يحوط
حريم قومه ويمنع ذمارهم إليهم انتهت أحسابهم ورأيهم فشأنك بهم ووافق كتابه
مشورتهم فقالوا قد وجدته قال فمن قالوا الأسد عاديا قال من قالوا سعد فانتهى
إلى قولهم فأرسل إليه فقدم عليه فأمره على حرب العراق وأوصاه فقال يا سعد
سعد بنو وهيب لا يغرنك من الله إن قيل خال رسول الله صلى الله عليه وسلم
وصاحب رسول الله فإن الله عز وجل لا يمحو السيئ بالسيئ ولكنه يمحو
السيئ بالحسن فإن الله ليس بينه وبين أحد نسب إلا طاعته فالناس شريفهم
ووضيعهم في ذات الله سواء الله ربهم وهم عباده يتفاضلون بالعافية ويدركون
ما عنده بالطاعة فانظر الامر الذي رأيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عليه
منذ بعث إلى أن فارقنا فالزمه فإنه الامر هذه عظتي إياك إن تركتها ورغبت عنها
حبط عملك وكنت من الخاسرين ولما أراد أن يسرحه دعاه فقال إني قد وليتك
حرب العراق فاحفظ وصيتي فإنك تقدم على أمر شديد كريه لا يخلص منه إلا
4

الحق فعود نفسك ومن معك الخير واستفتح به وأعلم أن لكل عادة عتادا فعتاد
الخير الصبر فالصبر الصبر على ما أصابك أو نابك يجتمع لك خشية الله واعلم أن
خشية الله تجتمع في أمرين في طاعته واجتناب معصيته وإنما أطاعه من أطاعه
ببغض الدنيا وحب الآخرة وعصاه من عصاه بحب الدنيا وبغض الآخرة وللقلوب
حقائق ينشئها الله إنشاء منها السر ومنها العلانية فأما العلانية فأن يكون حامده
وذامه في الحق سواء وأما السر فيعرف بظهور الحكمة من قلبه على لسانه وبمحبة
الناس فلا تزهد في التحبب فان النبيين قد سألوا محبتهم وإن الله إذا أحب عبدا
حببه وإذا أبغض عبدا بغضه فاعتبر منزلتك عند الله تعالى بمنزلتك عند الناس ممن
يشرع معك في أمرك ثم سرحه فيمن اجتمع إليه بالمدينة من نفير المسلمين فخرج
سعد بن أبي وقاص من المدينة قاصدا العراق في أربعة آلاف ثلاثة ممن قدم عليه
من اليمن والسراة وعلى أهل السروات حميضة بن النعمان بن حميضة البارقي وهم بارق
وألمع وغامد وسائر إخوتهم في سبعمائة من أهل السراة وأهل اليمن ألفان وثلاثمائة
منهم النخع بن عمرو وجميعهم يومئذ أربعة آلاف مقاتلتهم وذراريهم ونساؤهم
وأتاهم عمر في عسكرهم فأرادهم جميعا على العراق فأبوا إلا الشأم وأبى إلا العراق
فسمح نصفهم فأمضاهم نحو العراق وأمضى النصف الآخر نحو الشأم (كتب
إلى السري) عن شعيب عن سيف عن حنش النخعي عن أبيه وغيره منهم أن عمر
أتاهم في عسكرهم فقال إن الشرف فيكم يا معشر النخع لمتريع سيروا مع سعد فنزعوا
إلى الشأم وأبى إلا العراق وأبوا الا الشأم فسرح نصفهم إلى الشام ونصفهم إلى
العراق (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة والمستنير وحنش
قالوا وكان فيهم من حضرموت والصدف ستمائة عليهم شداد بن ضمعج وكان
فيهم ألف وثلثمائة من مذحج على ثلاثة رؤساء عمرو بن معديكرب على بني منبه
وأبو سبرة بن ذؤيب على جعفي ومن في حلف جعفي من إخوة جزء وزبيدة
وأنس الله ومن لفهم ويزيد بن الحارث الصدائي على صداء وجنب ومسلية في ثلثمائة
هؤلاء شهدوا من مذحج فيمن خرج من المدينة مخرج سعد منها وخرج معه من
5

قيس عيلان ألف عليهم بشر بن عبد الله الهلالي (كتب إلي السري) عن شعيب
عن سيف عن عبيدة عن إبراهيم قال خرج أهل القادسية من المدينة وكانوا أربعة
آلاف ثلاثة آلاف منهم من أهل اليمن وألف من سائر الناس (كتب إلى السري)
عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وسهل عن القاسم قالوا وشيعهم عمر من
صرار إلى الأعوص ثم قام في الناس خطيبا فقال إن الله تعالى إنما ضرب لكم
الأمثال وصرف لكم القول ليحيى بها القلوب فان القلوب ميتة في صدورها حتى
يحييها الله من علم شيئا فلينتفع به وإن للعدل أمارات وتباشير فأما الامارات فالحياء
والسخاء والهين واللين وأما التباشير فالرحمة وقد جعل الله لكل أمر بابا ويسر
لكل باب مفتاحا فباب العدل الاعتبار ومفتاحه الزهد والاعتبار ذكر الموت
بتذكر الأموات والاستعداد له بتقديم الأعمال والزهد أخذ الحق من كل أحد
قبله حق وتأدية الحق إلى كل أحد له حق ولا تصانع في ذلك أحدا واكتف بما
يكفيك من الكفاف فان من لم يكفه الكفاف لم يغنه شئ إني بينكم وبين الله
وليس بيني وبينه أحد وإن الله قد ألزمني دفع الدعاء عنه فأنهوا شكاتكم إلينا فمن
لم يستطع فإلى من يبلغناها نأخذ له الحق غير متعتع وأمر سعد بالسير وقال إذا انتهيت
إلى زرود فأنزل بها وتفرقوا فيما حولها واندب من حولك منهم وانتخب أهل
النجدة والرأي والقوة والعدة (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن
محمد بن سوقة عن رجل قال مرت السكون مع أول كندة مع حصين بن نمير السكوني
ومعاوية بن خديج في أربعمائة فاعترضهم فإذا فيهم فتية دلم سباط مع معاوية
ابن خديج فأعرض عنهم ثم أعرض ثم أعرض حتى قيل له مالك ولهؤلاء قال إني
عنهم لمتردد وما مر بي قوم من العرب أكره إلي منهم ثم أمضاهم فكان بعد يكثر أن
يتذكرهم بالكراهية وتعجب الناس من رأي عمر وكان منهم رجل يقال له سودان
ابن حمران قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه وإذا منهم حليف لهم يقال له خالد
ابن ملجم قتل علي بن أبي طالب رحمه الله وإذا منهم معاوية بن خديج فنهض في
قوم منهم يتبع قتلة عثمان يقتلهم وإذا منهم قوم يقرون قتلة عثمان (كنب إلى
6

السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة عن ماهان وزياد باسناده قالوا
وأمد عمر سعدا بعد خروجه بألفي يماني وألفي نجدي مؤد من غطفان وسائر قيس
فقدم سعد زرود في أول الشتاء فنزلها وتفرقت الجنود فيما حولها من أمواه بني
تميم وأسد وانتظر اجتماع الناس وأمر عمر وانتخب من بني تميم والرباب أربعة
آلاف ثلاثة آلاف تميمي وألف ربي وانتخب من بني أسد ثلاثة آلاف وأمرهم
أن ينزلوا على حد أرضهم بين الحزن والبسيطة فأقاموا هنالك بين سعد بن أبي وقاص
وبين المثنى بن حارثة وكان المثنى في ثمانية آلاف من ربيعة ستة آلاف من بكر بن وائل
وألفان من سائر ربيعة أربعة آلاف ممن كان انتخب بعد فصول خالد وأربعة آلاف
كانوا معه ممن بقي يوم الجسر وكان معه من أهل اليمن ألفان من بجيلة وألفان من
قضاعة وطيئ ممن انتخبوا إلى ما كان قبل ذلك على طيئ عدي بن حاتم وعلى قضاعة
عمرو بن وبرة وعلى بجيلة جرير بن عبد الله فبينا الناس كذلك سعد يرجو أن يقدم عليه
المثنى والمثنى يرجو أن يقدم عليه سعد مات المثنى من جراحته التي كان جرحها يوم الجسر
انتقضت به فاستخلف المثنى على الناس بشير بن الخصاصية وسعد يومئذ بزرود
ومع بشير يومئذ وجوه أهل العراق ومع سعد وفود أهل العراق الذين كانوا قدموا
على عمر منهم فرات بن حيان العجلي وعتيبة فردهم مع سعد (كتب إلى السري)
عن شعيب عن سيف عن محمد بإسناده وزياد عن ماهان قالا فمن أجل ذلك اختلف
الناس في عدد أهل القادسية فمن قال أربعة آلاف فلمخرجهم مع سعد من المدينة
ومن قال ثمانية آلاف فلاجتماعهم بزرود ومن قال تسعة آلاف فللحاق القيسيين
ومن قال اثنا عشر ألفا فلدفوف بني أسد من فروع الحزن بثلاثة آلاف وأمر
سعدا بالاقدام فأقدم ونهض إلى العراق وجموع الناس بشراف وقدم عليه مع
قدومه شراف الأشعث بن قيس في ألف وسبعمائة من أهل اليمن فجميع من شهد
القادسية بضعة وثلاثون ألفا وجميع من قسم عليه فئ القادسية نحو من ثلاثين ألفا
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن عبد الملك بن عمير عن زياد عن
جرير قال كان أهل اليمن ينزعون إلى الشأم وكانت مضر تنزع إلى العراق فقال
7

عمر أرحامكم أرسخ من أرحامنا ما بال مضر لا تذكر أسلافها من أهل الشأم
(كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن أبي سعد بن المرزبان عمن حدثه
عن محمد بن حذيفة بن اليمان قال لم يكن أحد من العرب أجرأ على فارس من
ربيعة فكان المسلمون يسمونهم ربيعة الأسد إلى ربيعة الفرس وكانت العرب في
جاهليتها تسمى فارس الأسد والروم الأسد (كتب إلى السري) عن شعيب
عن سيف عن طلحة عن ماهان قال قال عمر والله لأضربن ملوك العجم بملوك
العرب فلم يدع رئيسا ولاذا رأي ولا ذا شرف ولا ذا سطة ولا خطيبا ولا شاعرا
إلا رماهم به فرماهم بوجوه الناس وغررهم (كتب إلى السري) عن شعيب عن
سيف عن عمرو عن الشعبي قال كان عمر قد كتب إلى سعد مرتحله من زرود أن
ابعث إلى فرج الهند رجلا ترضاه يكون بحياله ويكون ردءا لك من شئ إن
أتاك من تلك التخوم فبعث المغيرة بن شعبة في خمسمائة فكان بحيال الأبلة من
أرض العرب فأتى غضيا ونزل على جرير وهو فيما هنالك يومئذ فلما نزل سعد
بشراف كتب إلى عمر بمنزله وبمنازل الناس فيما بين غضى إلى الجبانة فكتب إليه
عمر إذا جاءك كتابي هذا فعشر الناس وعرف عليهم وأمر على أجنادهم وعبهم
ومر رؤساء المسلمين فليشهدوا وقدرهم وهم شهود ثم وجههم إلى أصحابهم وواعدهم
القادسية واضمم إليك المغيرة بن شعبة في خيله واكتب إلي بالذي يستقر عليه
أمرهم فبعث سعد إلى المغيرة فانضم إليه وإلى رؤساء القبائل فأتوه فقدر الناس
وعباهم بشراف وأمر أمراء الأجناد وعرف العرفاء فعرف على كل عشرة رجلا
كما كانت العرافات أزمان النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك كانت إلى أن فرض
العطاء وأمر على الرايات رجالا من أهل السابقة وعشر الناس وأمر على الأعشار
رجالا من الناس لهم وسائل في الاسلام وولى الحروب رجالا فولى على مقدماتها
ومجنباتها وساقتها ومحرداتها وطلائعها ورجلها وركبانها فلم يفصل إلا على تعبية
ولم يفصل منها إلا بكتاب عمر وإذنه فأما أمراء التعبية فاستعمل زهرة بن عبد الله
ابن قتادة بن الحوية بن مرثد بن معاوية بن معن بن مالك بن أرثم بن جشم بن
8

الحارث الأعرج وكان ملك هجر قد سوده في الجاهلية ووفده على النبي صلى الله
عليه وسلم فقدمه ففصل بالمقدمات بعد الاذن من شراف حتى انتهى إلى العذيب
واستعمل على الميمنة عبد الله بن المعتم وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
وكان أحد التسعة الذين قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فتممهم طلحة بن
عبيد الله عشرة فكانوا عرافة واستعمل على الميسرة شرحبيل بن السمط بن
شرحبيل الكندي وكان غلاما شابا وكان قد قاتل أهل الردة ووفى الله فعرف
ذلك له وكان قد غلب الأشعث على الشرف فيما بين المدينة إلى أن اختطت الكوفة
وكان أبوه ممن تقدم إلى الشأم مع أبي عبيدة بن الجراح وجعل خليفته خالد بن عرفطة
وجعل عاصم بن عمرو التميمي ثم العمري على الساقة وسواد بن مالك التميمي على
الطلائع وسلمان بن ربيعة الباهلي على المجردة وعلى الرجل حمال بن مالك الأسدي
وعلى الركبان عبد الله بن ذي السهمين الخثعمي فكان أمراء التعبية يلون الأمير
والذين يلون أمراء التعبية أمراء الأعشار والذين يلون أمراء الأعشار أصحاب
الرايات والذين يلون أصحاب الرايات والقواد رؤوس القبائل وقالوا جميعا لا يستعين
أبو بكر في الردة ولا على الأعاجم بمرتد واستنفرهم عمر ولم يول منهم أحد (كتب
إلي السري) عن شعيب عن سيف عن مجالد وعمرو بإسنادهما وسعيد بن المرزبان
قالوا بعث عمر الأطبة وجعل على قضاء الناس عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي
ذا النور وجعل إليه الاقباض وقسمة الفئ وجعل داعيتهم ورائدهم سلمان الفارسي
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن أبي عمر وعن أبي عثمان النهدي
قال والترجمان هلال الهجري والكاتب زياد بن أبي سفيان فلما فرغ سعد من
تعبيته وأعد لكل شئ من أمره جماعا ورأسا كتب بذلك إلى عمر وكان من أمر
سعد فيما بين كتابه إلى عمر بالذي جمع عليه الناس وبين رجوع جوابه ورحله من
شراف إلى القادسية قدوم المعنى بن حارثة وسلمى بنت خصفة التيمية تيم اللات
إلى سعد بوصية المثنى وكان قد أوصى بها وأمرهم أن يعجلوها على سعد بزرود
فلم يفرغوا لذلك وشغلهم عنه قابوس بن قابوس بن المنذر وذلك أن الآزاذ مرد بن
9

الازاذبه بعثه إلى القادسية وقال له ادع العرب فأنت على من أجابك وكن كما كان آباؤك
فنزل القادسية وكاتب بكر بن وائل بمثل ما كان النعمان يكاتبهم به مقاربة ووعيدا فلما
انتهى إلى المعنى خبره أسرى المعنى من ذي قار حتى بيته فأنامه ومن معه ثم رجع إلى ذي قار
وخرج منها هو وسلمى إلى سعد بوصية المثنى بن حارثة ورأيه فقدموا عليه وهو بشراف
يذكر فيها أن رأيه لسعد ألا يقاتل عدوه وعدوهم يعني المسلمين من أهل فارس
إذا استجمع أمرهم وملؤهم في عقر دارهم وأن يقاتلهم على حدود أرضهم على
أدنى حجر من أرض العرب وأدنى مدرة من أرض العجم فإن يظهر الله المسلمين
عليهم فلهم ما وراءهم وإن يكن الأخرى فاؤا إلى فئة ثم يكونوا أعلم بسبيلهم
وأجرأ على أرضهم إلى أن يرد الله الكرة عليهم فلما انتهى إلى سعد رأي المثنى
ووصيته ترحم عليه وأمر المعنى على عمله وأوصى بأهل بيته خيرا وخطب سلمى
فتزوجها وبنى بها وكان في الأعشار كلها بضعة وسبعون بدريا وثلثمائة وبضعة
عشر ممن كانت له صحبة فيما بين بيعة الرضوان إلى ما فوق ذلك وثلثمائة ممن شهد
الفتح وسبعمائة من أبناء الصحابة في جميع أحياء العرب وقدم على سعد وهو بشراف
كتاب عمر بمثل رأي المثنى وقد كتب إلى أبي عبيدة مع كتاب سعد ففصل كتاباهما
إليهما فأمر أبا عبيدة في كتابه بصرف أهل العراق وهم ستة آلاف ومن اشتهى
أن يلحق بهم وكان كتابه إلى سعد أما بعد فسر من شراف نحو فارس بمن معك
من المسلمين وتوكل على الله واستعن به على أمرك كله واعلم فيما لديك أنك تقدم
على أمة عددهم كثير وعدتهم فاضلة وبأسهم شديد وعلى بلد منيع وإن كان سهلا
كؤود لبحوره وفيوضه ودآدئه إلا أن توافقوا غيضا من فيض وإذا لقيتم القوم
أو أحدا منهم فابدءوهم الشد والضرب وإياكم والمناظرة لجموعهم ولا يخدعنكم
فإنهم خدعة مكرة أمرهم غير أمركم إلا أن تجادوهم وإذا انتهيت إلى القادسية
والقادسية باب فارس في الجاهلية وهي أجمع تلك الأبواب لمادتهم ولما يريدونه
من تلك الآصل وهو منزل رغيب خصيب حصين دونه قناطر وأنهار ممتنعة فتكون
مسالحك على أنقابها ويكون الناس بين الحجر والمدر على حافات الحجر وحافات
10

المدر والجراع بينهما ثم الزم مكانك فلا تبرحه فإنهم إذا أحسوك أنغضتهم ورموك
بجمعهم الذي يأتي على خيلهم ورجلهم وحدهم وجدهم فإن أنتم صبرتم لعدوكم واحتسبتم
لقتاله ونويتم الأمانة رجوت أن تنصروا عليهم ثم لا يجتمع لكم مثلهم أبدا إلا
أن يجتمعوا وليست معهم قلوبهم وإن تكن الأخرى كان الحجر في أدباركم فانصرفتم
من أدنى مدرة من أرضهم إلى أدنى حجر من أرضكم ثم كنتم عليها أجرأ وبها أعلم
وكانوا عنها أجبن وبها أجهل حتى يأتي الله بالفتح عليهم ويرد لكم الكرة. وكتب
إليه أيضا باليوم الذي يرتحل فيه من شراف فإذا كان يوم كذا وكذا فارتحل بالناس
حتى تنزل فيما بين عذيب الهجانات وعذيب القوادس وشرق بالناس وغرب
بهم ثم قدم عليه جواب كتاب عمر أما بعد فتعاهد قلبك وحادث جندك بالموعظة
والنية والحسبة ومن غفل فليحدثهما والصبر الصبر فإن المعونة تأتي من الله على
قدر النية والاجر على قدر الحسبة والحذر الحذر على من أنت عليه وما أنت بسبيله
واسألوا الله العافية وأكثروا من قول لا حول ولا قوة إلا بالله واكتب إلى أين
بلغك جمعهم ومن رأسهم الذي يلي مصادمتكم فإنه قد منعني من بعض ما أردت
الكتاب به قلة علمي بما هجمتم عليه والذي استقر عليه أمر عدوكم فصف لنا منازل
المسلمين والبلد الذي بينكم وبين المدائن صفة كأني أنظر إليها واجعلني من أمركم
على الجلية وخف الله وارجه ولا تدل بشئ واعلم أن الله قد وعدكم وتوكل لهذا
الامر بما لا خلف له فاحذر أن تصرفه عنك ويستبدل بكم غيركم فكتب إليه سعد
بصفة البلدان القادسية بين الخندق والعتيق وإن ما عن يسار القادسية بحر أخضر
في جوف لاح إلى الحيرة بين طريقين فأما أحدهما فعلى الظهر وأما الآخر فعلى
شاطئ نهر يدعى الحضوض يطلع بمن سلكه على ما بين الخورنق والحيرة وأما
عن يمين القادسية إلى الولجة فيض من فيوض مياههم وأن جميع من صالح المسلمين
من أهل السواد قبلي ألب لأهل فارس قد خفوا لهم واستعدوا لنا وأن الذي أعدوا
لمصادمتنا رستم في أمثال له منهم فهم يحاولون إنغاضنا وإقحامنا ونحن نحاول
إنغاضهم وإبرازهم وأمر الله بعد ماض وقضاؤه مسلم إلى ما قدر لنا وعلينا فنسأل
11

الله خير القضاء وخير القدر في عافية فكتب إليه عمر قد جاءني كتابك وفهمته فأقم
بمكانك حتى تنغض الله لك عدوك واعلم أن لها ما بعدها فإن منحك الله أدبارهم فلا
تنزع عنهم حتى تقتحم عليهم المدائن فإنه خرابها إن شاء الله وجعل عمر يدعو لسعد
خاصة ويدعون له معه وللمسلمين عامة فقدم زهرة سعد حتى عسكر بعذيب الهجانات
ثم خرج في أثره حتى ينزل على زهرة بعذيب الهجانات وقدمه فنزل زهرة القادسية
بين العتيق والخندق بحيال القنطرة وقديس يومئذ أسفل منها بميل (كتب إلي
السري) عن شعيب عن سيف عن القعقاع بإسناده قال وكتب عمر إلى سعد
إني قد ألقى في روعي أنكم إذا لقيتم العدو هزمتموهم فاطرحوا الشك وآثروا
التقية عليه فإن لاعب أحد منكم أحدا من العجم بأمان أو قرفه بإشارة أو
بلسان كان لا يدري الأعجمي ما كلمه به وكان عندهم أمانا فأجروا ذلك له مجرى
الأمان وإياكم والضحك والوفاء الوفاء فإن الخطاء الوفاء بقية وان الخطاء بالغدر
الهلكة وفيها وهنكم وقوة عدوكم وذهاب ريحكم وإقبال ريحهم واعلموا أني
أحذركم أن تكونوا شينا على المسلمين وسببا لتوهينهم (كتب إلي السري)
عن شعيب عن سيف عن عبد الله بن مسلم العكلي والمقدام بن أبي المقدام عن
أبيه عن كرب بن أبي كرب العكلي وكان في المقدمات أيام القادسية قال قدمنا
سعد من شراف فنزلنا بعذيب الهجانات ثم ارتحل فلما نزل علينا بعذيب الهجانات
وذلك في وجه الصبح خرج زهرة بن الحوية في المقدمات فلما رفع لنا العذيب
وكان من مسالحهم استبنا على بروجه ناسا فما نشاء أن نرى على برج من بروجه
رجلا أو بين شرفتين إلا رأيناه وكنا في سرعان الخيل فأمسكنا حتى تلاحق بنا
كثف ونحن نرى أن فيها خيلا ثم أقدمنا على العذبب فلما دنونا منها خرج رجل
يركض نحو القادسية فانتهينا إليه فدخلناه فإذا ليس فيه أحد وإذا ذلك الرجل هو
الذي كان يتراءى لنا على البروج وهو بين الشرف مكيدة ثم انطلق بخبرنا فطلبناه
فأعجزنا وسمع بذلك زهرة فاتبعنا فلحق بنا وخلفنا وأتبعه وقال إن أفلت الربئ
وأتاهم الخبر فلحقه بالخندق فطعنه فجدله فيه وكان أهل القادسية يتعجبون من شجاعة
12

ذلك الرجل ومن علمه بالحرب لم ير عين قوم قط أثبت ولا أربط جأشا من ذلك
الفارسي لولا بعد غايته لم يلحق به ولم يصبه زهرة ووجد المسلمون في العذيب
رماحا ونشابا وأسفاطا من جلود وغيرها انتفع بها المسلمون ثم بث الغارات
وسرحهم في جوف الليل وأمرهم بالغارة على الحيرة وأمر عليهم بكير بن عبد الله
الليثي وكان فيها الشماخ الشاعر القيسي في ثلاثين معروفين بالنجدة والبأس فسروا
حتى جازوا السيلحين وقطعوا جسرها يريدون الحيرة فسمعوا جلبة وأزفلة فأحجموا
عن الاقدام وأقاموا كمينا حتى يتبينوا فما زالوا كذلك حتى جازوا بهم فإذا خيول
تقدم تلك الغوغاء فتركوها فنفذت الطريق إلى الصنين وإذا هم لم يشعروا بهم وإنما
ينتظرون ذلك العين لا يريدونهم ولا يأبهون لهم إنما همتهم الصنين وإذا أخت
آزاذمرد بن آزاذبه مرزبان الحيرة تزف إلى صاحب الصنين وكان من أشراف
العجم فسار معها من يبلغها مخافة ما هو دون الذي لقوا فلما انقطعت الخيل عن
الزواف والمسلمون كمين في النخل وجازت بهم الأثقال حمل بكير على شيرزاذ بن
آزاذبه وهو بينها وبين الخيل فقصم صلبه وطارت الخيل على وجوهها وأخذوا
الأثقال وابنة آزاذبه في ثلاثين امرأة من الدهاقين ومائة من التوابع ومعهم ما لا
يدرى قيمته ثم عاج واستاق ذلك فصبح سعدا بعذيب الهجانات بما أفاء الله على
المسلمين فكبروا تكبيرة شديدة فقال سعد أقسم بالله لقد كبرتم تكبيرة قوم
عرفت فيهم العز فقسم ذلك سعد على المسلمين فالخمس نفله وأعطى المجاهدين بقيته
فوقع منهم موقعا ووضع سعد بالعذيب خيلا تحوط الحريم وانضم إليها حاطة كل
حريم وأمر عليهم غالب بن عبد الله الليثي ونزل سعد القادسية فنزل بقديس ونزل
زهرة بحيال قنطرة العتيق في موضع القادسية اليوم وبعث بخبر بكير وبنزوله
قديسا فأقام بها شهرا ثم كتب إلى عمر لم يوجه القوم إلينا أحدا ولم يسندوا حربا
إلى أحد علمناه ومتى ما يبلغنا ذلك نكتب به واستنصر الله فأنا بمنحاة دنيا عريضة
دونها بأس شديد قد تقدم إلينا في الدعاء إليهم فقال (ستدعون إلى قوم أولى بأس
شديد) وبعث سعد في مقامه ذلك إلى أسفل الفرات عاصم بن عمرو فسار حتى أتى
13

ميسان فطلب غنما أو بقرا فلم يقدر عليها وتحصن منه من في الافدان ووغلوا في
الآجام ووغل حتى أصاب رجلا على طف أجمة فسأله واستدله على البقر والغنم
فحلف له وقال لا أعلم وإذا هو راعي ما في تلك الأجمة فصاح منها ثور كذب والله
وها نحن أولاء فدخل فاستاق الثيران وأتى بها العسكر فقسم ذلك سعد على الناس
فأخصبوا أياما وبلغ ذلك الحجاج في زمانه فأرسل إلى نفر ممن شهدها أحدهم نذير
ابن عمرو والوليد بن عبد شمس وزاهر فسألهم فقالوا نعم نحن سمعنا ذلك ورأيناه
واستقناها فقال كذبتم فقالوا كذلك إن كنت شهدتها وغبنا عنها فقال صدقتم فما
كان الناس يقولون في ذلك قالوا آية تبشير يستدل بها على رضاء الله وفتح عدونا
فقال والله ما يكون هذا إلا والجمع أبرار أتقياء قالوا والله ما ندري ما أجنت قلوبهم
فأما ما رأينا فانا لم نر قوما قط أزهد في الدنيا منهم ولا أشد لها بغضا ما اعتد على رجل
منهم في ذلك اليوم بواحدة من ثلاث لا بجبن ولا بغدر ولا بغلول وكان هذا اليوم يوم
الأباقر وبث الغارات بين كسكر والأنبار فحووا من الأطعمة ما كانوا يستكفون به
زمانا وبعث سعد عيونا إلى أهل الحيرة والى صلوبا ليعلموا له خبر أهل فارس فرجعوا
إليه بالخبر بأن الملك قد ولى رستم بن الفرخزاذ الأرمني حربه وأمره بالعسكرة فكتب
بذلك إلى عمر فكتب إليه عمر لا يكربتك ما يأتيك عنهم ولا ما يأتونك به واستعن
بالله وتوكل عليه وابعث إليه رجالا من أهل المنظرة والرأي والجلد يدعونه فإن الله
جاعل دعاءهم توهينا لهم وفلجا عليهم واكتب إلي في كل يوم ولما عسكر رستم بساباط
كتبوا بذلك إلى عمر (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن أبي ضمرة عن
ابن سيرين وإسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قالا لما بلغ سعدا فصول
رستم إلى ساباط أقام في عسكره لاجتماع الناس * فأما إسماعيل فإنه قال كتب إليه
سعد أن رستم قد ضرب عسكره بساباط دون المدائن وزحف إلينا * وأما أبو ضمرة
فإنه قال كتب إليه أن رستم قد عسكر بساباط وزحف إلينا بالخيول والفيول وزهاء
فارس وليس شئ أهم إلي ولا أنا له أكثر ذكرا مني لما أحببت أن أكون عليه
ونستعين بالله ونتوكل عليه وقد بعثت فلانا وفلانا وهم ما وصفت (كتب إلي السري)
14

عن شعيب عن سيف عن عمرو والمجالد باسنادهما وسعيد بن المرزبان أن سعد بن
أبي وقاص حين جاءه أمر عمر فيهم جمع نفرا عليهم نجار ولهم آراء ونفرا لهم منظر
وعليهم مهابة ولهم آراء فأما الذين عليهم نجار ولهم آراء ولهم اجتهاد فالنعمان بن
مقرن وبسر بن أبي رهم وحملة بن جوية الكناني وحنظلة بن الربيع التميمي وفرات
ابن حيان العجلي وعدي بن سهيل والمغيرة بن زرارة بن النباش بن حبيب وأما
من لهم منظر لأجسامهم وعليهم مهابة ولهم آراء فعطارد بن حاجب والأشعث بن
قيس والحارث بن حسان وعاصم بن عمرو وعمرو بن معديكرب والمغيرة بن
شعبة والمعنى بن حارثة فبعثهم دعاة إلى الملك * حدثني محمد بن عبد الله بن صفوان
الثقفي قال حدثنا أمية بن خالد قال حدثنا أبو عوانة عن حصين بن عبد الرحمن قال قال
أبو وائل جاء سعد حتى نزل القادسية ومعه الناس قال لا أدري لعلنا لا نزيد على سبعة
آلاف أو نحو من ذلك والمشركون ثلاثون ألفا أو نحو ذلك فقالوا لنا لأيدي لكم ولا
قوة ولا سلاح ما جاء بكم ارجعوا قال قلنا لا نرجع وما نحن براجعين فكانوا يضحكون
من نبلنا ويقولون دوك دوك ويشبهونها بالمغازل قال فلما أبينا عليهم أن نرجع قالوا ابعثوا
إلينا رجلا منكم عاقلا يبين لنا ما جاء بكم فقال المغيرة بن شعبة أنا فعبر إليهم فقعد مع رستم على
السرير فنخروا وصاحوا فقال إن هذا لم يزدني رفعة ولم ينقص صاحبكم قال رستم صدقت
ما جاء بكم قال انا كنا قوما في سوق ضلالة فبعث الله فينا نبيا فهدانا الله به ورزقنا
على يديه فكان مما رزقنا حبة زعمت تنبت بهذا البلد فلما أكلناها وأطعمناها أهلينا
قالوا لا صبر لنا عن هذه أنزلونا هذه الأرض حتى نأكل من هذه الحبة فقال رستم إذا
نقتلكم فقال إن قتلتمونا دخلنا الجنة وإن قتلناكم دخلتم النار وأديتم الجزية قال فلما
قال أديتم الجزية نخروا وصاحوا وقالوا لا صلح بيننا وبينكم فقال المغيرة تعبرون إلينا
أو نعبر إليكم فقال رستم بل نعبر إليكم فاستأجر المسلمون حتى عبر منهم من عبر فحملوا
عليهم فهزموهم قال حصين فحدثني رجل منا يقال له عبيد بن جحش السلمي قال
لقد رأيتنا وإنا لنطأ على ظهور الرجال ما مسهم سلاح قتل بعضهم بعضا ولقد
رأيتنا أصبنا جرابا من كافور فحسبناه ملحا لا نشك أنه ملح فطبخنا لحما فجعلنا نلقيه
15

في القدر فلا نجد له طعما فمر بنا عبادي معه قميص فقال يا معشر المعربين لا تفسدوا
طعامكم فان ملح هذه الأرض لا خير فيه هل لكم أن تأخذوا هذا القميص به
فأخذناه منه وأعطيناه منا رجلا يلبسه فجعلنا نطيف به ونعجب منها فلما عرفنا الثياب
إذا ثمن ذلك القميص درهمان قال ولقد رأيتني أقرب إلى رجل عليه سواران من
ذهب وسلاحه فجاء فما كلمته حتى ضربت عنقه قال فانهزموا حتى انتهوا إلى الصراة
فطلبناهم فانهزموا حتى انتهوا إلى المدائن فكان المسلمون بكوثى وكان مسلحة المشركين
بدير المسلاخ فأتاهم المسلمون فالتقوا فهزم المشركون حتى نزلوا بشاطئ دجلة
فمنهم من عبر من كلواذى ومنهم من عبر من أسفل المدائن فحصروهم حتى ما يجدون
طعاما يأكلونه إلا كلابهم وسنانيرهم فخرجوا ليلا فلحقوا بجلولاء فأتاهم المسلمون
وعلى مقدمة سعد هاشم بن عتبة وموضع الوقعة التي ألحقهم منها فريد قال أبو وائل
فبعث عمر بن الخطاب حذيفة بن اليمان على أهل الكوفة ومجاشع بن مسعود على
أهل البصرة (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن عمرو بن محمد عن
الشعبي وطلحة عن المغيرة قالوا فخرجوا من العسكر حتى قدموا المدائن احتجاجا
ودعاة ليزدجرد فطووا رستم حتى انتهوا إلى باب يزدجرد فوقفوا على خيول
عروات معهم جنائب وكلها صهال فاستأذنوا فحبسوا وبعث يزدجرد إلى وزرائه
ووجوه أرضه يستشيرهم فيما يصنع بهم ويقوله لهم وسمع بهم الناس فحضروهم
ينظرون إليهم وعليهم المقطعات والبرود وفي أيديهم سياط دقاق وفي أرجلهم
النعال فلما اجتمع رأيهم أذن لهم فأدخلوا عليه (كتب إلى السري) عن شعيب
عن سيف عن طلحة عن بنت كيسان الضبية عن بعض سبايا القادسية ممن حسن
إسلامه وحضر هذا اليوم الذي قدم فيه وفود العرب قال وثاب إليهم الناس
ينظرون إليهم فلم أر عشرة قط يعدلون في الهيئة بألف غيرهم وخيلهم تخبط
ويوعد بعضها بعضا وجعل أهل فارس يسوءهم ما يرون من حالهم وحال خيلهم
فلما دخلوا على يزدجرد أمرهم بالجلوس وكان سيئ الأدب فكان أول شئ دار
بينه وبينهم أن أمر الترجمان بينه وبينهم فقال سلهم ما يسمون هذه الأردية فسأل
16

النعمان وكان على الوفد ما تسمى رداءك قال البرد فتطير وقال بردجهان وتغيرت
ألوان فارس وشق ذلك عليهم ثم قال سلهم عن أحذيتهم فقال ما تسمون هذه
الأحذية فقال النعال فعاد لمثلها فقال ناله ناله في أرضنا ثم سأله عن الذي في يده
فقال سوط والسوط بالفارسية الحريق فقال احرقوا فارس أحرقهم الله وكان
نظيره على أهل فارس وكانوا يجدون من كلامه (كتب إلي السري) عن شعيب
عن سيف عن عمرو عن الشعبي بمثله وزاد ثم قال الملك سلهم ما جاء بكم وما دعاكم
إلى غزونا والولوع ببلادنا أمن أجل أنا أجممناكم وتشاغلنا عنكم اجترأتم علينا
فقال لهم النعمان بن مقرن إن شئتم أجبت عنكم ومن شاء آثرته فقالوا بل تكلم وقالوا
للملك كلام هذا الرجل كلامنا فتكلم النعمان فقال إن الله رحمنا فأرسل إلينا رسولا
يدلنا على الخير ويأمرنا به ويعرفنا الشر وينهانا عنه ووعدنا على إجابته خير الدنيا
والآخرة فلم يدع إلى ذلك قبيلة إلا صاروا فرقتين فرقة تقاربه وفرقة تباعده ولا
يدخل معه في دينه إلا الخواص فمكث بذلك ما شاء الله أن يمكث ثم أمر أن ينبذ
إلى من خالفه من العرب وبدأ بهم وفعل فدخلوا معه جميعا على وجهين مكره عليه
فاغتبط وطائع أتاه فازداد فعرفنا جميعا فضل ما جاء به على الذي كنا عليه من العداوة
والضيق ثم أمرنا أن نبدأ بمن يلينا من الأمم فندعوهم إلى الانصاف فنحن ندعوكم
إلى ديننا وهو دين حسن الحسن وقبح القبيح كله فان أبيتم فأمر من الشر هو أهون
من آخر شر منه الجزاء فان أبيتم فالمناجزة فان أجبتم إلى ديننا خلفنا فيكم كتاب
الله وأقمناكم عليه أن تحكموا بأحكامه ونرجع عنكم وشأنكم وبلادكم وإن
أتقيمونا بالجزاء قبلنا ومنعناكم وإلا قاتلناكم قال فتكلم يزدجرد فقال إني لا أعلم
في الأرض أمة كانت أشقى ولا أقل عددا ولا أسوأ ذات بين منكم قد كنا
نوكل بكم قرى الضواحي فيكفونناكم لا تغزوكم فارس ولا تطمعون أن تقوموا
لهم فإن كان عدد لحق فلا يغرنكم منا وإن كان الجهد دعاكم فرضنا لكم قوتا
إلى خصبكم وأكرمنا وجوهكم وكسوناكم وملكنا عليكم ملكا يرفق بكم
فأسكت القوم فقال المغيرة بن زرارة بن النباش الأسيدي فقال أيها الملك إن هؤلاء
17

رؤوس العرب ووجوههم وهم أشراف يستحيون من الاشراف وانما يكرم
الاشراف الاشراف ويعظم حقوق الاشراف الاشراف ويفخم الاشراف
الاشراف وليس كل ما أرسلوا به جمعوه لك ولا كل ما تكلمت به أجابوك
عليه وقد أحسنوا ولا يحسن بمثلهم إلا ذلك فجاوبني لاكون الذي أبلغك ويشهدون
على ذلك إنك قد وصفتنا صفة لم تكن بها عالما فأما ما ذكرت من سوء الحال فما
كان أسوأ حالا منا وأما جوعنا فلم يكن يشبه الجوع كنا نأكل الخنافس والجعلان
والعقارب والحيات فنرى ذلك طعامنا وأما المنازل فإنما هي ظهر الأرض
ولا نلبس إلا ما غزلنا من أوبار الإبل وأشعار الغنم ديننا أن يقتل بعضنا بعضا
ويغير بعضنا على بعض وإن كان أحدنا ليدفن ابنته وهي حية كراهية أن تأكل
من طعامنا فكانت حالنا قبل اليوم على ما ذكرت لك فبعث الله إلينا رجلا معروفا
نعرف نسبه ونعرف وجهه ومولده فأرضه خير أرضنا وحسبه خير أحسابنا
وبيته أعظم بيوتنا وقبيلته خير قبيلتنا وهو بنفسه كان خيرنا في الحال التي كان فيها
أصدقنا وأحلمنا فدعانا إلى أمر فلم يجبه أحد أول من ترب كان له وكان الخليفة
من يعده فقال وقلنا وصدق وكذبنا وزاد ونقصنا فلم يقل شيئا إلا كان فقذف
الله في قلوبنا التصديق له واتباعه فصار فيما بيننا وبين رب العالمين فما قال لنا فهو
قول الله وما أمرنا فهو أمر الله فقال لنا إن ربكم يقول إني أنا الله وحدي لا شريك
لي كنت إذ لم يكن شئ وكل شئ هالك إلا وجهي وأنا خلقت كل شئ وإلي يصير
كل شئ وإن رحمتي أدركتكم فبعثت إليكم هذا الرجل لأدلكم؟ على السبيل التي بها
أنجيكم بعد الموت من عذابي ولأحلكم داري دار السلام فنشهد عليه أنه جاء بالحق
من عند الحق وقال من تابعكم على هذا فله ما لكم وعليه ما عليكم ومن أبى فاعرضوا
عليه الجزية ثم امنعوه مما تمنعون منه أنفسكم ومن أبى فقاتلوه فأنا الحكم بينكم فمن
قتل منكم أدخلته جنتي ومن بقى منكم أعقبته النصر على من ناوأه فاختر إن شئت
الجزية عن يد وأنت صاغر وإن شئت فالسيف أو تسلم فتنجي نفسك فقال أتستقبلني
بمثل هذا فقال ما استقبلت إلا من كلمني ولو كلمني غيرك لم أستقبلك به فقال لولا
18

أن الرسل لا تقتل لقتلتكم لا شئ لكم عندي فقال ائتوني بوقر من تراب فقال
احملوه على أشرف هؤلاء ثم سوقوه حتى يخرج من باب المدائن ارجعوا إلى صاحبكم
فأعلموه أني مرسل إليكم رستم حتى يدفيكم ويدفيه في خندق القادسية وينكل به
وبكم من بعد ثم أورده بلادكم حتى أشغلكم في أنفسكم بأشد مما نالكم من سابور
ثم قال من أشرفكم فسكت القوم فقال عاصم بن عمرو وافتات ليأخذ التراب أنا
أشرفهم أنا سيد هؤلاء فحملنيه فقال أكذاك فقالوا نعم فحمله على عنقه فخرج به من
الايوان والدار حتى أتى راحلته فحمله عليها ثم انجذب في السير فأتوا به سعدا
وسبقهم عاصم فمر بباب قديس فطواه فقالوا بشروا الأمير بالظفر ظفرنا إن شاء
الله ثم مضى حتى جعل التراب في الحجر ثم رجع فدخل على سعد فأخبره الخبر
فقال أبشروا فقد والله أعطانا الله أقاليد ملكهم وجاء أصحابه وجعلوا يزدادون
في كل يوم قوة ويزداد عدوهم في كل يوم وهنا واشتد ما صنع المسلمون وصنع الملك
من قبول التراب على جلساء الملك وراح رستم من ساباط إلى الملك يسأله عما كان
من أمره وأمرهم وكيف رآهم فقال الملك ما كنت أرى أن في العرب مثل رجال
رأيتهم دخلوا علي وما أنتم بأعقل منهم ولا أحسن جوابا منهم وأخبره بكلام متكلمهم
وقال لقد صدقني القوم لقد وعد القوم أمرا ليدركنه أو ليموتن عليه على أني قد
وجدت أفضلهم أحمقهم لما ذكروا الجزية أعطيته ترابا فحمله على رأسه فخرج به
ولو شاء أتقى بغيره وأنا لا أعلم قال أيها الملك إنه لأعقلهم وتطير إلى ذلك وأبصرها
دون أصحابه وخرج رستم من عنده كئيبا غضبان وكان منجما كاهنا فبعث في أثر
الوفد وقال لثقته ان أدركهم الرسول تلافينا أرضنا وإن أعجزوه سلبكم الله
أرضكم وأبناءكم فرجع الرسول من الحيرة بفواتهم فقال ذهب القوم بأرضكم غير
ذي شك ما كان من شأن ابن الحجامة الملك ذهب القوم بمفاتيح أرضنا فكان
ذلك مما زاد الله به فارس غيظا وأغار بعد ما خرج الوفد إلى يزدجرد إلى أن جاءوا
إلى صيادين قد اصطادوا سمكا وسار سواد بن مالك التميمي إلى النجاف والفراض
إلى جنبها فاستاق ثلثمائة دابة من بين بغل وحمار وثور فأوقروها سمكا واستاقوها
19

فصبحوا العسكر فقسم السمك بين الناس سعد وقسم الدواب ونفل الخمس
إلا ما رد على المجاهدين منه وأسهم على السبي وهذا يوم الحيتان وقد كان الآزاذمرد
ابن الآزاذبه خرج في الطلب فعطف عليه سواد وفوارس معه فقاتلهم على
قنطرة السيلحين حتى عرفوا أن الغنيمة قد نجت ثم اتبعوها فأبلغوها المسلمين وكانوا
انما يقرمون إلى اللحم فاما الحنطة والشعير والتمر والحبوب فكانوا قد اكتسبوا
منها ما اكتفوا به لو أقاموا زمانا فكانت السرايا انما تسرى للحوم ويسمون أيامها
بها ومن أيام اللحم بوم الأباقر ويوم الحيتان وبعث مالك بن ربيعة بن خالد التميمي
تيم الرباب ثم الواثلي ومعه المساور بن النعمان التيمي ثم الربيعي في سرية أخرى
فأغارا على الفيوم فأصابا إبلا لبني تغلب والنمر فشلاها ومن فيها فغدوا بها على سعد
فنحرت الإبل في الناس وأخصبوا وأغار على النهرين عمرو بن الحارث فوجدوا
على باب ثوراء مواشي كثيرة فسلكوا أرض شيلى وهي اليوم نهر زياد حتى أتوا
بها العسكر وقال عمر وليس بها يومئذ الا نهران وكان بين قدوم خالد العراق
ونزول سعد القادسية سنتان وشئ وكان مقام سعد بها شهرين وشيئا حتى ظفر
قال والاسناد الأول وكان من حديث فارس والعرب بعد البويب ان الانوشجان
ابن الهربذ خرج من سواد البصرة يريد أهل غضى فاعترضه أربعة نفر على أفناء
تميم وهم بإزائهم المستورد وهو على الرباب وعبد الله بن زيد يسانده الرباب بينهما
وجزء بن معاوية وابن النابغة يسانده سعد بينهما والحسن بن نيار والأعور
ابن بشامة يسانده على عمرو والحصين بن معبد والشبه على حنظلة فقتلوه
دونهم وقدم سعد فانضموا إليه هم وأهل غضى وجميع تلك الفرق (كتب
إلى السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وعمرو بإسنادهم قالوا
وعج أهل السواد إلى يزدجرد بن شهريار وأرسلوا إليه أن العرب قد نزلوا القادسية
بأمر ليس يشبه الا الحرب وان فعل العرب مذ نزلوا القادسية لا يبقى عليه شئ
وقد أحربوا ما بينهم وبين الفرات وليس فيما هنالك أنيس إلا في الحصون وقد
ذهب الدواب وكل شئ لم يحتمله الحصون من الأطعمة ولم يبق إلا أن يستنزلونا
20

فإن أبطأ عنا الغياث أعطيناهم بأيدينا وكتب إليه بذلك الملوك الذين لهم الضياع
بألطف وأعانوهم عليه وهيجوه على بعثه رستم ولما بدا ليزدجرد أن يرسل رستم أرسل
إليه فدخل عليه فقال له إني أريد أن أوجهك في هذا الوجه وإنما يعد للأمور على
قدرها وأنت رجل أهل فارس اليوم وقد ترى ما جاء من أهل فارس من أمر لم يأتهم مثله
منذ ولى آل أردشير فأراه أن قد قبل منه وأثنى عليه فقال له الملك قد أحب أن أنظر
فيما لديك لأعرف ما عندك فصف لي العرب وفعلهم منذ نزلوا القادسية وصف لي
العجم وما يلقون منهم فقال رستم صف ذئاب صادفت غرة من رعاء فأفسدت فقال
ليس كذلك إني إنما سألتك رجاء أن تعرب صفتهم فأقويك لتعمل على قدر ذلك
فلم تصب فافهم عني إنما مثلهم ومثل أهل فارس كمثل عقاب أوفى على جبل يأوي
إليه الطير بالليل فتبيت في سفحه في أوكارها فلما أصبحت تجلت الطير فأبصرته
يرقبها فإن شذ منها شئ اختطفه فلما أبصرته الطير لم تنهض من مخافته وجعلت كلما شذ
منها طائر اختطفه فلو نهضت نهضة واحدة ردته وأشد شئ يكون في ذلك أن
تنجوا كلها إلا واحدا وإن اختلفت لم تنهض فرقة إلا هلكت فهذا مثلهم ومثل
الأعاجم فاعمل على قدر ذلك فقال له رستم أيها الملك دعني فإن العرب لا تزال تهاب
العجم ما لم تضرهم بي ولعل الدولة أن تثبت بي فيكون الله قد كفى ونكون قد أصبنا
المكيدة ورأي الحرب فإن الرأي فيها والمكيدة أنفع من بعض الظفر فأبى عليه
وقال أي شئ بقى فقال رستم إن الأناة في الحرب خير من العجلة وللأناة اليوم موضع
وقتال جيش بعد جيش أمثل من هزيمة بمرة وأشد على عدونا فلج وأبى فخرج حتى
ضرب عسكره بساباط وجعلت تختلف إلى الملك الرسل ليرى موضعا لاعفائه وبعثة
غيره ويجتمع إليه الناس وجاء العيون إلى سعد بذلك من قبل الحيرة وبنى صلوبا وكتب
إلى عمر بذلك ولما كثرت الاستغاثة على يزدجرد من أهل السواد على يدي الآزاذمرد
ابن الآزاذبه جشعث نفسه واتقى الحرب برستم وترك الرأي وكان ضيقا لجوجا
فاستحث رستم فأعاد عليه رستم القول وقال أيها الملك لقد اضطرني تضييع الرأي
إلى إعظام نفسي وتزكيتها ولو أجد من ذلك بدا لم أتكلم به فأنشدك الله في نفسك
21

وأهلك وملكك دعني أقم بعسكري وأسرح الجالنوس فإن تكن لنا فذلك وإلا
فأنا على رجل وابعث غيره حتى إذا لم يجد بدا ولا حيلة صبرنا لهم وقد وهناهم
وحسرناهم ونحن جامون فأبى الا أن يسير (كتاب إلي السري) عن شعيب عن
سيف عن النضر بن السري الضبي عن ابن الرفيل عن أبيه قال لما نزل رستم
بساباط وجمع آلة الحرب وأداتها بعث على مقدمته الجالنوس في أربعين ألفا وقال
ازحف زحفا ولا تنجذب الا بأمري واستعمل على ميمنته الهرمزان وعلى ميسرته
مهران بن بهرام الرازي وعلى ساقته البيرزان وقال رستم ليشجع الملك ان فتح الله
علينا القوم فهو وجهنا إلى ملكهم في دارهم حتى نشغلهم في أصلهم وبلادهم إلى أن
يقبلوا المسألة أو يرضوا بما كانوا يرضون به فلما قدمت وفود سعد على الملك ورجعوا
من عنده رأى رستم فيما يرى النائم رؤيا فكرهها وأحس بالشر وكره لها الخروج
ولقاء القوم واختلف عليه رأيه واضطرب وسأل الملك أن يمضي الجالنوس ويقيم
حتى ينظر ما يصنعون وقال إن غناء الجالنوس كغنائي وإن كان اسمى أشد عليهم
من اسمه فإن ظفر فهو الذي نريد وإن يكن الأخرى وجهت مثله ودفعنا هؤلاء
القوم إلى يوم ما فإني لا أزال مرجوا في أهل فارس ما لم أهزم ينشطون ولا أزال
مهيبا في صدور العرب ولا يزالون يهابون الاقدام ما لم أباشرهم فإن باشرتهم
اجترؤا آخر دهرهم وانكسر أهل فارس آخر دهرهم فبعث مقدمته أربعين ألفا
وخرج في ستين ألفا وساقته في عشرين ألفا (كتب إلي السري) عن شعيب
عن سيف عن محمد وطلحة وزياد وعمرو بإسنادهم قالوا وخرج رستم في عشرين
ومائة ألف كلهم متبوع وكانوا بأتباعهم أكثر من مائة ألف وخرج من المدائن
في ستين ألف متبوع (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن هشام بن
عروة عن أبيه عن عائشة أن رستم زحف لسعد وهو بالقادسية في ستين ألف
متبوع (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وزياد وعمرو
بإسنادهم قالوا لما أبى الملك إلا السير كتب رستم إلى أخيه والى رؤس أهل
بلاده من رستم إلى البندوان مرزبان الباب وسهم أهل فارس الذي كان لكل
22

كون يكون فيفض الله به كل جند عظيم شديد ويفتح به كل حصن حصين ومن
يليه فرموا حصونكم وأعدوا واستعدوا فكأنكم بالعرب قد وردوا بلادكم
وقارعوكم عن أرضكم وأبناءكم وقد كان من رأيي مدافعتهم ومطاولتهم حتى
تعود سعودهم نحوسا فأبى الملك (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن
الصلت بن بهرام عن رجل أن يزدجرد لما أمر رستم بالخروج من ساباط كتب
إلى أخيه بنحو من الكتاب الأول وزاد فيه فإن السمكة قد كدرت الماء وأن
النعائم قد حسنت وحسنت الزهرة واعتدل الميزان وذهب بهرام ولا أرى
هؤلاء القوم إلا سيظهرون علينا ويستولون على ما يلينا وان أشد ما رأيت أن
الملك قال لتسيرن إليهم أو لأسيرن إليهم أنا بنفسي فأنا سائر إليهم (كتب إلي
السري) عن شعيب عن سيف عن النضر بن السري عن ابن الرفيل عن أبيه قال
كان الذي جرأ يزدجرد على ارسال رستم غلام جابان منجم كسرى وكان من أهل
فرات بادقلى فأرسل إليه فقال ما ترى في مسير رستم وحرب العرب اليوم فخافه
على الصدق فكذبه وكان رستم يعلم نحوا من علمه فثقل عليه مسيره لعلمه وخف
على الملك لما غره منه وقال إني أحب أن تخبرني بشئ أراه أطمئن به إلى قولك
فقال الغلام لزرنا الهندي أخبره فقال سلني فسأله فقال أيها الملك يقبل طائر فيقع على
إيوانك فيقع منه شئ في فيه هاهنا وخط دارة فقال العبد صدق والطائر غراب
والذي في فيه درهم وبلغ جابان أن الملك طلبه فأقبل حتى دخل عليه فسأله عما
قال غلامه فحسب فقال صدق ولم يصب هو عقعق والذي في فيه درهم فيقع منها على
هذا المكان وكذب زرنا ينزو الدرهم فيستقر هاهنا ودور دارة أخرى فما قاموا
حتى وقع على الشرفات عقعق فسقط منها الدرهم في الخط الأول فنزا فاستقر في الخط
الآخر ونافر الهندي جابان حيث خطأه فأتيا ببقرة نتوج فقال الهندي سخلتها غراء
سوداء فقال جابان كذبت بل سوداء صبغاء فخرت البقرة فاستخرجت سخلتها فإذا
هي ذنبها بين عينيها فقال جابان من هاهنا أتى زرنا وشجعاه على إخراج رستم فأمضاه
وكتب جابان إلى جشنسماه أن أهل فارس قد زال أمرهم وأديل عدوهم عليهم
23

وذهب ملك المجوسية وأقبل ملك العرب وأديل دينهم فاعتقد منهم الذمة ولا
تخلبنك الأمور والعجل العجل قبل أن تؤخذ فلما وقع الكتاب إليه خرج
حشنسماه إليهم حتى أتى المعنى وهو في خيل بالعتيق وأرسله إلى سعد فاعتقد منه على
نفسه وأهل بيته ومن استجاب له ورده وكان صاحب أخبارهم وأهدى للمعنى
فالوذق فقال لامرأته ما هذا فقالت أظن البائسة امرأته أراغت العصيدة فأخطأتها
فقال المعنى بؤسا لها (كتاب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة
وزياد وعمرو باسنادهم قالوا لما فصل رستم من ساباط لقيه جابان على القنطرة
فشكا إليه وقال ألا ترى ما أرى فقال له رستم أما أنا فأقاد بخشاش وزمام ولا أجد
بدا من الانقياد وأمر الجالنوس حتى قدم الحيرة فمضى واضطرب فسطاطه بالنجف
وخرج رستم حتى ينزل بكوثي وكتب إلى الجالنوس والآزاذمرد أصيبا لي رجلا
من العرب من جند سعد فركبا بأنفسهما طليعة فأصابا رجلا فبعثا به إليه وهو بكوثي
فاستخبره ثم قتله (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن النضر بن السري
عن ابن الرفيل عن أبيه قال لما فصل رستم وأمر الجالنوس بالتقدم إلى الحيرة أمره
أن يصيب له رجلا من العرب فخرج هو والآزاذمرد سرية في مائة حتى انتهيا إلى
القادسية فأصابا رجلا دون قنطرة القادسية فاختطفاه فنفر الناس فأعجزوهم إلا
ما أصاب المسلمون في أخرياتهم فلما انتهيا إلى النجف سرحا به إلى رستم وهو بكوثي
فقال له رستم ما جاء بكم وماذا تطلبون قال جئنا نطلب موغود الله قال وما هو قال
أرضكم وأبناؤكم ودماؤكم إن أبيتم أن تسلموا قال رستم فإن قتلتم قبل ذلك قال في
موعود الله ان من قتل منا قبل ذلك أدخله الجنة وأنجز لمن بقى منا ما قلت لك فنحن
على يقين فقال رستم قد وضعنا إذا في أيديكم قال ويحك يا رستم إن أعمالكم وضعتكم
فأسلمكم الله بها فلا يغرنك ما ترى حولك فإنك لست تجاول الانس إنما تجاول
القضاء والقدر فاستشاط غضبا فأمر به فضربت عنقه وخرج رستم من كوثي حتى
ينزل ببرس فغصب أصحابه الناس أموالهم ووقعوا على النساء وشربوا الخمور فضج
العلوج إلى رستم وشكوا إليه ما يلقون في أموالهم وأبنائهم فقام فيهم فقال يا معشر
24

أهل فارس والله لقد صدق العربي والله ما أسلمنا الا أعمالنا والله للعرب في هؤلاء
وهم لهم ولنا حرب أحسن سيرة منكم إن الله كان ينصركم على العدو ويمكن لكم
في البلاد بحسن السيرة وكف الظلم والوفاء بالعهود والاحسان فأما إذا تحولتم
عن ذلك إلى هذه الأعمال فلا أرى الله إلا مغيرا ما بكم وما أنا بآمن أن ينزع الله
سلطانه منكم وبعث الرجال فلقطوا له بعض من يشكى فأتى بنفر فضرب أعناقهم
ثم ركب ونادى في الناس بالرحيل فخرج ونزل بحيال دير الأعور ثم أنصب إلى
الملطاط فعسكر مما يلي الفرات بحيال أهل النجف بحيال الخورنق إلى الغريين
ودعا بأهل الحيرة فأوعدهم وهم بهم فقال له ابن بقيلة لا تجمع علينا اثنتين إن تعجز
عن نصرتنا وتلومنا على الدفع عن أنفسنا وبلادنا فسكت (كتب إلى السري)
عن شعيب عن سيف عن عمرو عن الشعبي والمقدام الحارثي عمن ذكره قالا دعا
رستم أهل الحيرة وسرادقه إلى جانب الدير فقال يا أعداء الله فرحتم بدخول العرب
علينا بلادنا وكنتم عيونا لهم علينا وقويتموهم بالأموال فاتقوه بابن بقيلة وقالوا
له كن أنت الذي تكلمه فتقدم فقال أما أنت وقولك انا فرحنا بمجيئهم فماذا
فعلوا وبأي ذلك من أمورهم نفرح أنهم ليزعمون أنا عبيد لهم وما هم على ديننا
وإنهم ليشهدون علينا أنا من أهل النار وأما قولك انا كنا عيونا لهم فما الذي يحوجهم
إلى أن نكون عيونا لهم وقد هرب أصحابكم منهم وخلوا لهم القرى فليس يمنعهم
أحد من وجه أرادوه إن شاؤوا أخذوا يمينا أو شمالا وأما قولك إنا قويناهم بالأموال
فإنا صانعناهم بالأموال عن أنفسنا إذ لم تمنعونا مخافة أن نسبي وأن نحرب وتقتل
مقاتلتنا وقد عجز منهم من لقيهم منكم فكنا نحن أعجز ولعمري لأنتم أحب إلينا
منهم وأحسن عندنا بلاء فامنعونا منهم نكن لكم أعوانا فإنما نحن بمنزلة علوج
السواد عبيد من غلب فقال رستم صدقكم الرجل (كتب إلى السري) عن شعيب
عن سيف عن النضر عن ابن الرفيل عن أبيه قال رأي رستم بالدير أن ملكا جاء حتى
دخل عسكر فارس فختم السلاح أجمع (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف
عن محمد وأصحابه وشاركهم النضر بإسناده قالوا ولما اطمأن رستم أمر الجالنوس
25

أن يسير من النجف فسار في المقدمات فنزل فيما بين النجف والسيلحين وارتحل رستم
فنزل النجف وكان بين خروج رستم من المدائن وعسكرته بساباط وزحفه منها
إلى أن لقى سعدا أربعة أشهر لا يقدم ولا يقاتل رجاء أن يضجروا بمكانهم وأن يجهدوا
فينصرفوا وكره قتالهم مخافة أن يلقى ما لقى من قبله وطاولهم لولا ما جعل الملك يستعجله
وينهضه ويقدمه حتى اقتحمه فلما نزل رستم النجف عادت عليه الرؤيا فرأى ذلك الملك
ومعه النبي صلى الله عليه وسلم وعمر فأخذ الملك سلاح أهل فارس فختمه ثم دفعه إلى النبي
صلى الله عليه وسلم فدفعه النبي صلى الله عليه وسلم إلى عمر فأصبح رستم فازداد حزنا
فلما رأى الرفيل ذلك رغب في الاسلام فكانت داعيته إلى الاسلام وعرف عمر
أن القوم سيطاولونهم فعهد إلى سعد وإلى المسلمين أن ينزلوا حدود أرضهم وأن
يطاولوهم أبدا حتى ينغضوهم فنزلوا القادسية وقد وطنوا أنفسهم على الصبر والمطاولة
وأبى الله إلا أن يتم نوره فأقاموا واطمأنوا فكانوا يغيرون على السواد فانتسفوا
ما حولهم فحووه وأعدوا للمطاولة وعلى ذلك جاؤوا أو يفتح الله عليهم وكان عمر
يمدهم بالأسواق إلى ما يصيبون فلما رأى ذلك الملك ورستم وعرفوا حالهم وبلغهم
عنهم فعلهم علم أن القوم غير منتهين وأنه إن أقام لم يتركوه فرأى أن يشخص
رستم ورأى رستم أن ينزل بين العتيق والنجف ثم يطاولهم مع المنازلة ورأى أن
ذلك أمثل ما هم فاعلون حتى يصيبوا من الاحجام حاجتهم أو تدور لهم سعود (كتب
إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وزياد بإسنادهم قالوا وجعلت
السرايا تطوف ورستم بالنجف والجالنوس بين النجف والسيلحين وذو الحاجب
بين رستم والجالنوس والهرمزان ومهران على مجنبتيه والبيرزان على ساقته وزاذ
ابن بهيش صاحب فرات سريا على الرجالة وكنارى على المجردة وكان جنده مائة
وعشرين ألفا ستين ألف متبوع مع الرجل الشاكري ومن الستين ألفا خمسة
عشر ألف شريف متبوع وقد تسلسلوا وتقارنوا لتدور عليهم رحى الحرب
(كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن محمد بن قيس عن موسى بن طريف
قال قال الناس لسعد لقد ضاق بنا المكان فأقدم فزبر من كلمه بذلك وقال إذا
26

كفيتم الرأي فلا تكلفوا فإنا لن نقدم إلا على رأي ذوي الرأي فاسكتوا ما سكتنا
عنكم وبعث طليحة وعمرا في غير خيل كالطليعة وخرج سواد وحميضة في مائة
مائة فأغاروا على النهرين وقد كان سعد نهاهما أن يمعنا وبلغ رستم فأرسل إليهم خيلا
وبلغ سعدا أن خيله قد وغلت فدعا عاصم بن عمرو وجابرا الأسدي فأرسلهما في
آثارهم يقتصانها وسلكا طريقهما وقال لعاصم إن جمعكم قتال فأنت عليهم فلقيهم
بين النهرين وإصطيميا وخيل أهل فارس محتوشتهم يريدون تخلص ما بين أيديهم
وقد قال سواد لحميضة أختر إما أن تقيم لهم وأستاق الغنيمة أو أقيم لهم وتستاق
الغنيمة قال أقم لهم ونهنهم عني وأنا أبلغ لك الغنيمة فأقام لهم سواد وانجذب
حميضة فلقيه عاصم بن عمرو فظن حميضة أنها خيل للأعاجم أخرى فصد عنها منحرفا
فلما تعارفوا ساقها ومضى عاصم إلى سواد وقد كان أهل فارس تنقذوا بعضها فلما
رأت الأعاجم عاصما هربوا وتنقذ سواد ما كانوا ارتجعوا فأتوا سعدا بالفتح والغنائم
والسلامة وقد خرج طليحة وعمرو فأما طليحة فأمره بعسكر رستم وأما عمرو
فأمره بعسكر الجالنوس فخرج طليحة وحده وخرج عمرو في عدة فبعث
قيس بن هبيرة في آثارهما فقال إن لقيت قتالا فأنت عليهم وأراد إذلال طليحة
لمعصيته وأما عمرو فقد أطاعه فخرج حتى تلقى عمرا فسأله عن طليحة فقال لا علم
لي به فلما انتهيا إلى النجف من قبل الجوف قال له قيس ما تريد قال أريد أن أغير
على أدنى عسكرهم قال في هؤلاء قال نعم قال لا أدعك والله وذاك أتعرض المسلمين
لما لا يطيقون قال وما أنت وذاك قال إني أمرت عليك ولو لم أكن أميرا لم
أدعك وذاك وشهد له الأسود بن يزيد في نفر أن سعدا قد استعمله عليك وعلى
طليحة إذا اجتمعتم فقال عمرو والله يا قيس إن زمانا تكون على فيه أميرا لزمان
سوء لان أرجع عن دينكم هذا إلى ديني الذي كنت عليه وأقاتل عليه حتى أموت
أحب إلي من أن تتأمر علي ثانية وقال لئن عاد صاحبك الذي بعثك لمثلها لنفارقنه
قال ذاك إليك بعد مرتك هذه فرده فرجعا إلى سعد بالخبر وبأعلاج وأفراس
وشكا كل واحد منهما صاحبه أما قيس فشكا عصيان عمرو وأما عمرو فشكا غلظة
27

قيس فقال سعد يا عمرو الخير والسلامة أحب إلي من مصاب مائة بقتل ألف أتعمد
إلى حلبة فارس فتصادمهم بمائة ان كنت لأراك أعلم بالحرب مما أرى فقال إن
الامر لكما قلت وخرج طليحة حتى دخل عسكرهم في ليلة مقمرة فتوسم فيه فهتك
أطناب بيت رجل عليه واقتاد فرسه ثم خرج حتى مر بعسكر ذي الحاجب فهتك
على رجل آخر بيته وحل فرسه ثم دخل على الجالنوس عسكره فهتك على آخر
بيته وحل فرسه ثم خرج حتى أتى الخرارة وخرج الذي كان بالنجف والذي كان
في عسكر ذي الحاجب فاتبعه الذي كان في عسكر الجالنوس فكان أولهم لحاقا
به الجالنوسي ثم الحاجبي ثم النجفي فأصاب الأولين وأسر الآخر وأتى به سعدا
فأخبره وأسلم فسماه سعد مسلما ولزم طليحة فكان معه في تلك المغازي كلها
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن أبي عمرو عن أبي عثمان النهدي
قال كان عمر قد عهد إلى سعد حين بعثه إلى فارس ألا يمر بماء من المياه بذي
قوة ونجدة ورئاسة إلا أشخصه فإن أبى انتخبه فأمره عمر فقدم القادسية في اثنى
عشر ألفا من أهل الأيام وأناس من الحمراء استجابوا للمسلمين فأعانوهم أسلم
بعضهم قبل القتال وأسلم بعضهم غب القتال فأشركوا في الغنيمة وفرضت لهم
فرائض أهل القادسية ألفين ألفين وسألوا عن أمنع قبائل العرب فعادوا تميما
فلما دنا رستم ونزل النجف بعث سعد الطلائع وأمرهم أن يصيبوا رجلا ليسأله
عن أهل فارس فخرجت الطلائع بعد اختلاف فلما أجمع ملا الناس أن الطليعة
من الواحد إلى العشرة سمحوا فأخرج سعد طليحة في خمسة وعمرو بن معديكرب
في خمسة وذلك صبيحة قدم رستم الجالنوس وذا الحاجب ولا يشعرون
بفصولهم من النجف فلم يسيروا إلا فرسخا وبعض آخر حتى رأوا مسالحهم
وسرحهم على الطفوف قد ملؤها فقال بعضهم ارجعوا إلى أميركم فإنه سرحكم وهو
يرى أن القوم بالنجف فأخبروه الخبر وقال بعضهم ارجعوا لا ينذر بكم عدوكم
فقال عمرو لأصحابه صدقتم وقال طليحة لأصحابه كذبتم ما بعثتم لتخبروا عن السرح
وما بعثتم إلا للبر قالوا فما تريد قال أريد أن أخاطر القوم أو أهلك فقالوا أنت
28

رجل في نفسك غدر ولن تفلح بعد قتل عكاشة بن محصن فارجع بنا فأبى وأتى سعدا
الخبر برحيلهم فبعث قيس بن هبيرة الأسدي وأمره على مائة وعليهم إن هو لقيهم
فانتهى إليهم وقد افترقوا فلما رآه عمرو قال تجلدوا له وأروه أنهم يريدون الغارة
فردهم ووجد طليحة قد فارقهم فرجع بهم فأتوا سعدا فأخبروه بقرب القوم ومضى
طليحة وعارض المياه على الطفوف حتى دخل عسكر رستم وبات فيه يجوسه وينظر
ويتوسم فلما أدبر الليل خرج وقد أتى أفضل من توسم في ناحية العسكر فإذا فرس
له لم ير في خيل القوم مثله وفسطاط أبيض لم ير مثله فانتضى سيفه فقطع مقود الفرس
ثم ضمه إلى مقود فرسه ثم حرك فرسه فخرج يعدو به ونذر به الناس والرجل فتنادوا
وركبوا الصعبة والذلول وعجل بعضهم أن يسرج فخرجوا في طلبه فأصبح وقد
لحقه فارس من الجند فلما غشيه ويوأ له الريح ليطعنه عدل طليحة فرسه فندر
الفارسي بين يديه فكر عليه طليحة فقصم ظهره بالرمح ثم لحق به آخر ففعل به
مثل ذلك ثم لحق به آخر وقد رأى مصرع صاحبيه وهما ابنا عمه فازداد حنقا فلما
لحق بطليحة وبوأ له الرمح عدل طليحة فرسه فندر الفارسي أمامه وكر عليه طليحة
ودعاه إلى الأسئار فعرف الفارسي أنه قاتله فاستأسر وأمره طليحة أن يركض بين
يديه ففعل ولحق الناس فرأوا فارسي الجند قد قتلا وقد أسر الثالث وقد شارف
طليحة عسكرهم فأحجموا عنه ونكصوا وأقبل طليحة حتى غشى العسكر وهم على
تعبية فأفزع الناس وجوزوه إلى سعد فلما انتهى إليه قال ويحك ما وراءك قال دخلت
عساكرهم وجستها منذ الليلة وقد أخذت أفضلهم توسما وما أدري أصبت أم
أخطأت وها هو ذا فاستخبره فأقيم الترجمان بين سعد وبين الفارسي فقال له الفارسي
أتؤمنني على دمي إن صدقتك قال نعم الصدق في الحرب أحب إلينا من الكذب قال
أخبركم عن صاحبكم هذا قبل أن أخبركم عمن قبلي باشرت الحروب وغشيتها وسمعت
بالابطال ولقيتها منذ أنا غلام إلى أن بلغت ما ترى ولم أر ولم أسمع بمثل هذا أن رجلا
قطع عسكرين لا يجترئ عليهما الابطال إلا عسكر فيه سبعون ألفا يخدم الرجل
منهم الخمسة والعشرة إلى ما هو دون فلم يرض أن يخرج كما دخل حتى سلب فارس
29

الجند وهتك أطناب بيته فأنذره فأنذرنا بأنه به فطلبناه فأدركه الأول وهو فارس
الناس يعدل ألف فارس فقتله فأدركه الثاني وهو نظيره فقتله ثم أدركته ولا أظن
أنني خلفت بعدي من يعدلني وأنا الثائر بالقتيلين وهما ابنا عمي فرأيت الموت
فاستأسرت ثم أخبره عن أهل فارس بأن الجند عشرون ومائة ألف وأن الاتباع
مثلهم خدام لهم وأسلم الرجل وسماه سعد مسلما وعاد إلى طليحة وقال لا والله
لا تهزمون ما دمتم على ما أرى من الوفاء والصدق والاصلاح والمؤاساة لا حاجة
لي في صحبة فارس فكان من أهل البلاء يومئذ (كتب إلي السري) عن شعيب
عن سيف عن محمد بن قيس عن موسى بن طريف قال قال سعد لقيس بن هبيرة
الأسدي اخرج يا عاقل فإنه ليس وراءك من الدنيا شئ تحنو عليه حتى تأتيني بعلم
القوم فخرج وسرح عمرو بن معديكرب وطليحة فلما حاذى القنطرة لم يسر إلا
يسيرا حتى لحق فانتهى إلى خيل عظيمة منهم بحيالها ترد عن عسكرهم فإذا رستم قد
ارتحل من النجف فنزل منزل ذي الحاجب فارتحل الجالنوس فنزل ذو الحاجب
منزله والجالنوس يريد طيزناباذ فنزل بها وقدم تلك الخيل وأن ما حمل سعدا على
إرسال عمرو وطليحة معه لمقالة بلغته عن عمرو وكلمة قالها لقيس بن هبيرة قبل
هذه المرة فقال قاتلوا عدوكم يا معشر المسلمين فأنشب القتال وطاردهم ساعة ثم إن
قيسا حمل عليهم فكانت هزيمتهم فأصاب منهم اثنى عشر رجلا وثلاثة أسراء وأصاب
أسلابا فأتوا بالغنيمة سعدا وأخبروه الخبر فقال هذه بشرى إن شاء الله إذا لقيتم
جمعهم الأعظم وحدهم فلهم أمثالها ودعا عمرا وطليحة فقال كيف رأيتما قيسا
فقال طليحة رأيناه أكمانا وقال عمر والأمير أعلم بالرجال منا قال سعد إن الله تعالى
أحيانا بالاسلام وأجيا به قلوبا كانت ميتة وأمات به قلوبا كانت حية وإني أحذركما
أن تؤثرا أمر الجاهلية على الاسلام فتموت قلوبكما وأنتما حيان الزما السمع والطاعة
والاعتراف بالحقوق فما رأى الناس كأقوام أعزهم الله بالاسلام (كتب إلى
السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وعمرو وزياد وشاركهم المجالد
وسعيد بن المرزبان قالوا فلما أصبح رستم من الغد من يوم نزل السيلحين قدم
30

الجالنوس وذا الحاجب فارتحل الجالنوس فنزل من دون القنطرة بحيال زهرة
ونزل إلى صاحب المقدمة ونزل ذو الحاجب منزله بطيزناباذ ونزل رستم منزل
ذي الحاجب بالخرارة ثم قدم ذا الحاجب فلما انتهى إلى العتيق تياسر حتى إذا كان
بحيال قديس خندق خندقا وارتحل الجالنوس فنزل عليه وعلى مقدمته أعني سعدا
زهرة بن الحوية وعلى مجنبتيه عبد الله بن المعتم وشرحبيل بن السمط الكندي
وعلى مجردته عاصم بن عمرو وعلى المرامية فلان وعلى الرجل فلان وعلى الطلائع
سواد بن مالك وعلى مقدمة رستم الجالنوس وعلى مجنبتيه الهرمزان ومهران وعلى
مجردته ذو الحاجب وعلى الطلائع البيرزان وعلى الرجالة زاذبن بهيش فلما انتهى
رستم إلى العتيق وقف عليه بحيال عسكر سعد ونزل الناس فما زالوا يتلاحقون
وينزلهم فينزلون حتى أعتموا من كثرتهم فبات بها تلك الليلة والمسلمون
ممسكون عنهم قال سعيد بن المرزبان فلما أصبحوا من ليلتهم بشاطئ العتيق
غدا منجم رستم على رستم برؤيا أريها من الليل قال رأيت الدلو في السماء
دلوا أفرغ ماؤه ورأيت السمكة سمكة في ضحضاح من الماء تضطرب ورأيت
النعائم والزهرة تزدهر قال ويحك هل أخبرت بها أحدا قال لا قال فاكتمها
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن مجالد عن الشعبي قال كان
رستم منجما فكان يبكي مما يرى ويقدم عليه فلما كان بظهر الكوفة رأى أن
عمر دخل عسكر فارس ومعه ملك فختم على سلاحهم ثم حزمه ودفعه إلى عمر
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي
حازم وكان قد شهد القادسية قال كان مع رستم ثمانية عشر فيلا ومع الجالنوس
خمسة عشر فيلا (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن المجالد عن الشعبي
قال كان مع رستم يوم القادسية ثلاثون فيلا (كتب إلي السري) عن شعيب
عن سيف عن سعيد بن المرزبان عن رجل قال كان مع رستم ثلاثة وثلاثون فيلا
منها فيل سابور الأبيض وكانت الفيلة تألفه وكان أعظمها وأقدمها (كتب إلي
السري) عن شعيب عن سيف عن النضر عن ابن الرفيل عن أبيه قال كان معه
31

ثلاثة وثلاثون فيلا معه في القلب ثمانية عشر فيلا ومعه في المجنبتين خمسة عشر فيلا
(كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن المجالد وسعيد وطلحة وعمرو
وزياد قالوا فلما أصبح رستم من ليلته التي باتها بالعتيق أصبح راكبا في خيله فنظر
إلى المسلمين ثم صعد نحو القنطرة وقد حزر الناس فوقف بحيالهم دون القنطرة
وأرسل إليهم رجلا إن رستم يقول لكم أرسلوا إلينا رجلا نكلمه ويكلمنا وانصرف
فأرسل زهرة إلى سعد بذلك فأرسل إليه المغيرة بن شعبة فأخرجه زهرة إلى الجالنوس
فأبلغه الجالنوس رستم (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن النضر عن
ابن الرفيل عن أبيه قال لما نزل رستم على العتيق وبات به أصبح غاديا على التصفح
والحزر فساير العتيق نحو خفان حتى أتى على منقطع عسكر المسلمين ثم صعد
حتى انتهى إلى القنطرة فتأمل القوم حتى أتى على شئ يشرف منه عليهم فلما وقف
على القنطرة راسل زهرة فخرج إليه حتى واقفه فأراده على أن يصالحهم ويجعل له
جعلا على أن ينصرفوا عنه وجعل يقول فيما يقول أنتم جيراننا وقد كانت طائفة
منكم في سلطاننا فكنا نحسن جوارهم ونكف الأذى عنهم ونوليهم المرافق الكثيرة
ونحفظهم في أهل باديتهم فنرعيهم مراعينا ونميرهم من بلادنا ولا نمنعهم من التجارة
في شئ من أرضنا وقد كان لهم في ذلك معاش يعرض لهم بالصلح وإنما يخبره
بصنيعهم والصلح يريد ولا يصرح فقال له زهرة صدقت قد كان ما تذكر وليس
أمرنا أمر أولئك ولا طلبتنا طلبتهم إنا لم نأتكم لطلب الدنيا إنما طلبتنا وهمتنا
الآخرة كنا كما ذكرت يدين لكم من ورد عليكم منا ويضرع إليكم يطلب ما في
أيديكم ثم بعث الله تبارك وتعالى إلينا رسولا فدعانا إلى ربه فأجبناه فقال لنبيه
صلى الله عليه وسلم إني قد سلطت هذه الطائفة على من لم يدن بديني فانا منتقم
بهم منهم وأجعل لهم الغلبة ما داموا مقرين به وهو دين الحق لا يرغب عنه أحد
إلا ذل ولا يعتصم به أحد إلا عز فقال له رستم وما هو قال أما عموده الذي لا يصلح
منها شئ الا به فشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله والاقرار بما جاء به من
عند الله تعالى قال ما أحسن هذا وأي شئ أيضا قال وإخراج العباد من عبادة
32

العباد إلى عبادة الله تعالى قال حسن وأي شئ أيضا قال والناس بنو آدم وحواء
اخوة لأب وأم قال ما أحسن هذا ثم قال له رستم أرأيت لو أني رضيت بهذا الامر
وأجبتكم إليه ومعي قومي كيف يكون أمركم أترجعون قال إي والله ثم لا نقرب
بلادكم أبدا الا في تجارة أو حاجة قال صدقتني والله أما ان أهل فارس منذ ولى
أزدشير لم يدعوا أحدا يخرج من عمله من السفلة كانوا يقولون إذا خرجوا من
أعمالهم تعدوا طورهم وعادوا أشرافهم فقال له زهرة نحن خير الناس للناس فلا
نستطيع أن نكون كما تقولون نطيع الله في السفلة ولا يضرنا من عصى الله فينا
فانصرف عنه ودعا رجال فارس فذاكرهم هذا فحموا من ذلك وأنفوا فقال أبعدكم
الله وأسحقكم أخزى الله أخر عنا وأجبننا فلما انصرف رستم ملت إلى زهرة فكان
اسلامي وكنت له عديدا وفرض لي فرائض أهل القادسية (كتب إلى السري)
عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وعمرو وزياد بإسنادهم مثله قالوا وأرسل
سعد إلى المغيرة بن شعبة وبسر بن أبي رهم وعرفجة بن هرثمة وحذيفة بن محصن
وربعي بن عامر وقرفة بن زاهر التيمي ثم الواثلي ومذعور بن عدي العجلي والمضارب
ابن يزيد العجلي ومعبد بن مرة العجلي وكان من دهاة العرب فقال أني مرسلكم إلى
هؤلاء القوم فما عندكم قالوا جميعا نتبع ما تأمرنا به وننتهي إليه فإذا جاء أمر لم يكن
منك فيه شئ نظرنا أمثل ما ينبغي وأنفعه للناس فكلمناهم به فقال سعد هذا فعل
الحزمة اذهبوا فتهيئوا فقال ربعي بن عامر ان الأعاجم لهم آراء وآداب ومتى نأتهم
جميعا يروا انا قد احتفلنا بهم فلا تزدهم على رجل فمالؤه جميعا على ذلك فقال
فسرحوني فسرحه فخرج ربعي ليدخل على رستم عسكره فاحتبسه الذين على القنطرة
وأرسل إلى رستم لمجيئه فاستشار عظماء أهل فارس فقال ما ترون أنباهي أم
نتهاون فأجمع ملؤهم على التهاون فاظهروا الزبرج وبسطوا البسط والنمارق
ولم يتركوا شيئا ووضع لرستم سرير الذهب وألبس زينته من الأنماط والوسائد
المنسوجة بالذهب وأقبل ربعي يسير على فرس له زباء قصيرة معه سيف له
مشوف وغمده لفافة ثوب خلق ورمحه معلوب بقد معه حجفة من جلود البقر
33

على وجهها أديم أحمر مثل الرغيف ومعه قوسه ونبله فلما غشى الملك وانتهى إليه
والى أدنى البسط قيل له انزل فحملها على البساط فلما استوت عليه نزل عنها وربطها
بوسادتين فشقهما ثم أدخل الحبل فيهما فلم يستطيعوا أن ينهوه وانما أروه التهاون
وعرف ما أرادوا استخراجهم وعليه درع له كأنها اضاة ويلمقه عباءة بعيره
قد جابها وتدرعها وشدها على وسطه بسلب وقد شد رأسه بمعجزته وكان أكثر
العرب شعرة ومعجرته نسعة بعيره ولرأسه أربع ضفائر قد قمن قياما كأنهن
قرون الوعلة فقالوا ضع سلاحك فقال انى لم آتكم فأضع سلاحي بأمركم أنتم
دعوتموني فإن أبيتم أن آتيكم إلا كما أريد والا رجعت فأخبروا رستم فقال ائذنوا
له هل هو الا رجل واحد فاقبل يتوكأ على رمحه وزجه نصل يقارب الخطو وبزج
النمارق والبسط فما ترك لهم نمرقة ولا بساطا الا أفسده وتركه منهتكا مخرقا
فلما دنا من رستم تعلق به الحرس وجلس على الأرض وركز رمحه بالبسط
فقالوا ما حملك على هذا قال إنا لا نستحب القعود على زينتكم هذه فكلمه فقال
ما جاء بكم قال الله ابتعثنا والله جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله
ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الاسلام فأرسلنا بدينه
إلى خلقه لندعوهم إليه فمن قبل منا ذلك قبلنا ذلك منه ورجعنا عنه وتركناه وأرضه
يليها دوننا ومن أبى قاتلناه أبدا حتى نفضي إلى موعود الله قال وما موعود الله قال
الجنة لمن مات على قتال من أبى والظفر لمن بقى فقال رستم قد سمعت مقالتكم فهل
لكم أن تؤخروا هذا الامر حتى ننظر فيه وتنظروا قال نعم كما أحب إليكم أيوما
أو يومين قال لا بل حتى نكاتب أهل رأينا ورؤساء قومنا وأراد مقاربته ومدافعته
فقال إن مما سن لنا رسول الله صلى الله عليه سلم وعمل به أئمتنا أن لا نمكن الأعداء
من آذاننا ولا نؤجلهم عند اللقاء أكثر من ثلاث فنحن مترددون عنكم ثلاثا
فانظر في أمرك وأمرهم واختر واحدة من ثلاث بعد الاجل اختر الاسلام وندعك
وأرضك أو الجزاء فنقبل ونكف عنك وإن كنت عن نصرنا غنيا تركناك منه
وإن كنت إليه محتاجا منعناك أو المنابذة في اليوم الرابع ولسنا نبدأك فيما بيننا وبين
34

اليوم الرابع إلا أن تبدأنا أنا كفيل لك بذلك على أصحابي وعلى جميع من ترى قال
أسيدهم أنت قال لا ولكن المسلمين كالجسد بعضهم من بعض يجير أدناهم على أعلاهم
فخلص رستم برؤوساء أهل فارس فقال ما ترون هل رأيتم كلاما قط أوضح ولا أعز
من كلام هذا الرجل قالوا معاذ الله لك أن تميل إلى شئ من هذا وتدع دينك لهذا
الكلب أما ترى إلى ثيابه فقال ويحكم لا تنظروا إلى الثياب ولكن انظروا إلى
الرأي والكلام والسيرة ان العرب تستخف باللباس والمأكل ويصونون الأحساب
ليسوا مثلكم في اللباس ولا يرون فيه ما ترون وأقبلوا إليه يتناولون سلاحه ويزهدونه
فيه فقال لهم هل لكم إلى أن تروني فأريكم فأخرج سيفه من خرقه كأنه شعلة نار
فقال القوم اغمده فغمده ثم رمى ترسا ورموا جحفته فخرق ترسهم وسلمت جحفته
فقال يا أهل فارس إنكم عظمتم الطعام واللباس والشراب وإنا صغرناهن ثم
رجع إلى أن ينظروا إلى الاجل فلما كان من الغد بعثوا أن ابعث إلينا ذلك الرجل
فبعث إليهم سعد حذيفة بن محصن فأقبل في نحو من ذلك الزي حتى إذا كان على
أدنى البساط قيل له انزل قال ذلك لو جئتكم في حاجتي فقولوا لملككم أله الحاجة
أم لي فإن قال لي فقد كذب ورجعت وتركتكم فإن قال له لم آتكم الا على ما أحب
فقال دعوه فجاء حتى وقف عليه ورستم على سريره فقال انزل قال لا أفعل فلما
أبى سأله ما بالك جئت ولم يجئ صاحبنا بالأمس قال إن أميرنا يحب أن يعدل بيننا
في الشدة والرخاء فهذه نوبتي قال ما جاء بكم قال إن الله عز وجل من علينا بدينه
وأرانا آياته حتى عرفناه وكنا له منكرين ثم أمرنا بدعاء الناس إلى واحدة من ثلاث
فأيها أجابوا إليها قبلناها الاسلام وننصرف عنكم أو الجزاء ونمنعكم إن احتجتم
إلى ذلك أو المنابذة فقال أو الموادعة إلى يوم ما فقال نعم ثلاثا من أمس فلما لم نجد
عنده إلا ذلك رده وأقبل على أصحابه فقال ويحكم ألا ترون إلى ما أرى جاءنا الأول
بالأمس فغلبنا على أرضنا وحقر ما نعظم وأقام فرسه على زبرجنا وربطه به فهو
في يمن الطائر ذهب بأرضنا وما فيها إليهم مع فضل عقله وجاءنا هذا اليوم فوقف
علينا فهو في يمن الطائر يقوم على أرضنا دوننا حتى أغضبهم وأغضبوه فلما كان من
35

الغد أرسل ابعثوا إلينا رجلا فبعثوا إليهم المغيرة بن شعبة (كتب إلي السري) عن شعيب
عن سيف عن أبي عثمان النهدي قال لما جاء المغيرة إلى القنطرة فعبرها إلى أهل فارس
حبسوه واستأذنوا رستم في إجازته ولم يغيروا شيئا من شارتهم تقوية لتهاونهم فأقبل
المغيرة بن شعبة والقوم في زيهم عليهم التيجان والثياب المنسوجة بالذهب وبسطهم
على غلوة لا يصل إلى صاحبهم حتى يمشي عليهم غلوة وأقبل المغيرة وله أربع ضفائر
يمشي حتى جلس معه على سريره ووسادته فوثبوا عليه فترتروه وأنزلوه ومغثوه
فقال كانت تبلغنا عنكم الأحلام ولا أرى قوما أسفه منكم إنا معشر العرب سواء
لا يستعبد بعضنا بعضا إلا أن يكون محاربا لصاحبه فظننت أنكم تواسون قومكم
كما نتواسى وكان أحسن من الذي صنعتم أن تخبروني أن بعضكم أرباب بعض وإن
هذا الامر لا يستقيم فيكم فلا نصنعه ولم آتكم ولكن دعوتموني اليوم علمت أن
أمركم مضمحل وأنكم مغلوبون وأن ملكا لا يقوم على هذه السيرة ولا على هذه
العقول فقالت السفلة صدق والله العربي وقالت الدهاقين والله لقد رمى بكلام
لا يزال عبيدنا ينزعون إليه قاتل الله أولينا ما كان أحمقهم حين كانوا يصغرون أمر
هذه الأمة فمازحه رستم ليمحو ما صنع وقال له يا عربي إن الحاشية قد تصنع ما لا
يوافق الملك فيتراخى عنها مخافة أن يكسرها عما ينبغي من ذلك فالامر على ما تحب
من الوفاء وقبول الحق ما هذه المغازل التي معك قال ما ضر الجمرة ألا تكون طويلة
ثم راماهم وقال ما بال سيفك رثا قال رث الكسوة حديد المضربة ثم عاطاه سيفه
ثم قال له رستم تكلم أم أتكلم فقال المغيرة أنت الذي بعثت إلينا فتكلم فأقام الترجمان
بينهما وتكلم رستم فحمد قومه وعظم أمرهم وطوله وقال لم نزل متمكنين في البلاد
ظاهرين على الأعداء أشرافا في الأمم فليس لأحد من الملوك مثل عزنا وشرفنا وسلطاننا
ننصر على الناس ولا ينصرون علينا إلا اليوم واليومين أو الشهر والشهرين للذنوب
فإذا انتقم الله فرضى رد إلينا عزنا وجمعنا لعدو ناشر يوم هو آت عليهم ثم إنه لم يكن في
الناس أمة أصغر عندنا أمرا منكم كنتم أهل قشف ومعيشة سيئة لا نراكم شيئا ولا نعدكم
وكنتم إذا قحطت أرضكم وأصابتكم السنة استغثتم بناحية أرضنا فنأمر لكم
36

بالشئ من التمر والشعير ثم نردكم وقد علمت أنه لم يحملكم على ما صنعتم إلا ما أصابكم
من الجهد في بلادكم فأنا آمر لأميركم بكسوة وبغل وألف درهم وآمر لكل رجل
منكم بوقر تمر وبثوبين وتنصرفون عنا فإني لست أشتهي أن أقتلكم ولا آسركم
فتكلم المغيرة بن شعبة فحمد الله وأثنى عليه وقال إن الله خالق كل شئ ورازقه فمن
صنع شيئا فإنما هو يصنعه والذي له وأما الذي ذكرت به نفسك وأهل بلادك من
الظهور على الأعداء والتمكن في البلاد وعظم السلطان في الدنيا فنحن نعرفه ولسنا
ننكره فالله صنعه بكم ووضعه فيكم وهوله دونكم وأما الذي ذكرت فينا من سوء
الحال وضيق المعيشة واختلاف القلوب فنحن نعرفه ولسنا ننكره والله ابتلانا
بذلك وصيرنا إليه والدنيا دول ولم يزل أهل شدائدها يتوقعون الرخاء حتى
يصيروا إليه ولم يزل أهل رخائها يتوقعون الشدائد حتى تنزل بهم ويصيروا إليها
ولو كنتم فيما آتاكم الله ذوي شكر كان شكركم يقصر عما أوتيتم وأسلمكم ضعف
الشكر إلى تغير الحال ولو كنا فيما ابتلينا به أهل كفر كان عظيم ما تتابع
علينا مستجلبا من الله رحمة يرفه بها عنا ولكن الشأن غير ما تذهبون إليه
أو كنتم تعرفوننا به إن الله تبارك وتعالى بعث فينا رسولا ثم ذكر مثل كلام
الأول حتى انتهى إلى قوله وإن احتجت إلينا أن نمنعك فكن لنا عبدا تؤدي الجزية
عن يد وأنت صاغر وإلا السيف إن أبيت فنخر نخرة واستشاط غضبا ثم حلف
بالشمس لا يرتفع لكم الصبح غدا حتى أقتلكم أجمعين فانصرف المغيرة وخلص رستم
تألفا بأهل فارس وقال أين هؤلاء منكم ما بعد هذا ألم يأتكم الأولان فحسراكم
واستحرجاكم ثم جاءكم هذا فلم يختلفوا وسلكوا طريقا واحدا ولزموا أمرا واحدا
هؤلاء والله الرجال صادقين كانوا أم كاذبين والله لئن كان بلغ من إربهم وصونهم
لسرهم أن لا يختلفوا فما قوم أبلغ فيما أرادوا منهم لئن كانوا صادقين ما يقوم لهؤلاء
شئ فلجوا وتجلدوا وقال والله إني لاعلم أنكم تصغون إلى ما أقول لكم وإن هذا
منكم رئاء فازدادوا لجاجة (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن النضر
عن ابن الرفيل عن أبيه قال فأرسل مع المغيرة رجلا وقال له إذا قطع القنطرة ووصل
إلى أصحابه فناد إن الملك كان منجما قد حسب لك ونظر في أمرك فقال إنك غدا
37

تفقأ عينك ففعل الرسول فقال المغيرة بشرتني بخير وأجر ولولا أن أجاهد بعد
اليوم أشباهكم من المشركين لتمنيت أن الأخرى ذهبت أيضا فرآهم يضحكون
من مقالته ويتعجبون من بصيرته فرجع إلى الملك بذلك فقال أطيعوني يا أهل فارس
وإني لارى لله فيكم نقمة لا تستطيعون ردها عن أنفسكم وكانت خيولهم تلتقي على
القنطرة لا تلتقي الا عليها فلا يزالون يبدؤن المسلمين والمسلمون كافون عنهم الثلاثة
الأيام لا يبدءونهم فإذا كان ذلك منهم صدوهم وردعوهم (كتب إلى السري)
عن شعيب عن سيف عن محمد عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال كان ترجمان
رستم من أهل الحيرة يدعى عبود (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن
مجالد عن الشعبي وسعيد بن المرزبان قالا دعا رستم بالمغيرة فجاء حتى جلس على
سريره ودعا رستم ترجمانه وكان عربيا من أهل الحيرة يدعى عبود فقال له المغيرة
ويحك يا عبود أنت رجل عربي فأبلغه عني إذا أنا تكلمت كما تبلغني عنه فقال له
رستم مثل مقالته وقال له المغيرة مثل مقالته إلى إحدى ثلاث خلال إلى الاسلام ولكم
فيه ما لنا وعليكم فيه ما علينا ليس فيه تفاضل بيننا أو الجزية عن يد وأنتم صاغرون
قال ما صاغرون قال أن يقوم الرجل منكم على رأس أحدنا بالجزية يحمده أن
يقبلها منه إلى آخر الحديث والاسلام أحب إلينا منهما (كتب إلى السري) عن
شعيب عن سيف عن عبيدة عن شقيق قال شهدت القادسية غلاما بعد ما احتملت
فقدم سعد القادسية في اثنى عشر ألفا وبها أهل الأيام فقدمت علينا مقدمات رستم
ثم زحف إلينا في ستين ألفا فلما أشرف رستم على العسكر قال يا معشر العرب
ابعثوا إلينا رجلا يكلمنا ونكلمه فبعث إليه المغيرة بن شعبة ونفرا فلما أتوا رستم
جلس المغيرة على السرير فنخر أخو رستم فقال المغيرة لا تنخر فما زادني هذا شرفا
ولا نقص أخاك فقال رستم يا مغيرة كنتم أهل شقاء حتى بلغ وإن كان لكم أمر سوى
ذلك فأخبرونا ثم أخذ رستم سهما من كنانته وقال لا تروا ان هذه المغازل تغنى
عنكم شيئا فقال المغيرة مجيبا له فذكر النبي صلى الله عليه وسلم فكان مما رزقنا الله
على يديه حبة تنبت في أرضكم هذه فلما أذقناها عيالنا قالوا لا صبر لنا عنها فجئنا
38

لنطعمهم أو نموت فقال رستم إذا تموتون أو تقتلون فقال المغيرة إذا يدخل من
من قتل منا الجنة ويدخل من قتلنا منكم النار ويظفر من بقى منا بمن بقى منكم فنحن
نخيرك بين ثلاث خلال إلى آخر الحديث فقال رستم لا صلح بيننا وبينكم (كتاب
إلى السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وزياد قالوا أرسل إليهم سعد
بقية ذوي الرأي جميعا وحبس الثلاثة فخرجوا حتى أتوه ليعظموا عليه استقباحا
فقالوا له ان أميرنا يقول لك ان الجوار يحفظ الولاة وانى أدعوك إلى ما هو خير
لنا ولك العافية أن تقبل ما دعاك الله إليه ونرجع إلى أرضنا وترجع إلى أرضك
وبعضنا من بعض إلا أن داركم لكم وأمركم فيكم وما أصبتم مما وراءكم كان زيادة
لكم دوننا وكنا لكم عونا على أحد إن أرادكم أو قوى عليكم واتق الله يا رستم
ولا يكونن هلاك قومك على يديك فإنه ليس بينك وبين أن تغبط به الا أن تدخل
فيه وتطرد به الشيطان عنك فقال إني قد كلمت منكم نفرا ولو أنهم فهموا عنى
رجوت أن تكونوا قد فهمتم وإن الأمثال أوضح من كثير من الكلام
وسأضرب لكم مثلكم تبصروا أنكم كنتم أهل جهد في المعيشة وقشف في
الهيئة لا تمتنعون ولا تنتصفون فلم نسئ جواركم ولم ندع مواساتكم تقحمون
المرة بعد المرة فنميركم ثم نردكم وتأتوننا أجراء وتجارا فنحسن إليكم فلما
تطاعمتم بطعامنا وشربتم شرابنا وأظلكم ظلنا وصفتم لقومكم فدعوتموهم
ثم أتيتمونا بهم وانما مثلكم في ذلك ومثلنا كمثل رجل كان له كرم فرأى
فيه ثعلبا فقال وما ثعلب فانطلق الثعلب فدعا الثعالب إلى ذلك الكرم فلما
اجتمعن عليه سد عليهن صاحب الكرم الحجر الذي كن يدخلن منه فقتلهن
وقد علمت أن الذي حملكم على هذا الحرص والطمع والجهد فارجعوا عنا عامكم
هذا وامتاروا حاجتكم ولكم العود كلما احتجتم فانى لا أشتهي أن أقتلكم
(كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن عمارة بن القعقاع الضبي عن رجل
من يربوع شهدها قال وقال وقد أصاب أناس كثير منكم من أرضنا ما أرادوا
ثم كان مصيرهم القتل والهرب ومن سن هذا لكم خير منكم وأقوى وقد رأيتم
39

أنتم كلما أصابوا شيئا أصيب بعضهم ونجا بعضهم وخرج مما كان أصاب ومن أمثالكم
فيما تصنعون مثل جرذان ألفت جرة فيها حب وفي الجرة ثقب فدخل الأول
فأقام فيها وجعل الآخر ينقلن منها ويرجعن ويكلمنه في الرجوع فيأبى فانتهى سمن
الذي في الجرة فاشتاق إلى أهله ليريهم حسن حاله فضاق عليه الجحر ولم يطق
الخروج فشكا القلق إلى أصحابه وسألهم المخرج فقلن له ما أنت بخارج منها حتى
تعود كما كنت قبل أن تدخل فكف وجوع نفسه وبقى في الخوف حتى إذا عاد
كما كان قبل أن يدخلها أنى عليه صاحب الجرة فقتله فاخرجوا ولا يكونن هذا
لكم مثلا (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن النضر عن ابن الرفيل
عن أبيه قال وقال لم يخلق الله خلقا أولع من ذباب ولا أضر ما خلاكم يا معشر
العرب ترون الهلاك ويدليكم فيه الطمع وسأضرب لكم مثلكم إن الذباب إذا
رأى العسل طار وقال من يوصلني إليه وله درهما حتى يدخله لا ينهنهه أحد إلا عصاه
فإذا دخله غرق ونشب وقال من يخرجني وله أربعة دراهم وقال أيضا إنما مثلكم
مثل ثعلب دخل جحرا وهو مهزول ضعيف إلى كرم فكان فيه يأكل ما شاء الله
فرآه صاحب الكرم ورأى ما به فرحمه فلما طال مكثه في الكرم وسمن وصلحت
حاله وذهب ما كان به من الهزال أشر فجعل يعبث بالكرم ويفسد أكثر مما يأكل
فاشتد على صاحب الكرم فقال لا أصبر على هذا من أمر هذا فأخذ له خشبة
واستعان عليه غلمانه فطلبوه وجعل يراوغهم في الكرم فلما رأى أنهم غير مقلعين
عنه ذهب ليخرج من الجحر الذي دخل منه فنشب اتسع عليه وهو مهزول وضاق
عليه وهو سمين فجاءه وهو على تلك الحال صاحب الكرم فلم يزل يضربه حتى
قتله وقد جئتم وأنتم مهازيل وقد سمنتم شيئا من سمن فانظروا كيف تخرجون وقال
أيضا إن رجلا وضع سلا وجعل طعامه فيه فأتى الجرذان فخرقوا سله فدخلوا فيه
فأراد سده فقيل له لا تفعل إذا يخرقنه ولكن أنقب بحياله ثم اجعل فيها قصبة
مجوفة فإذا جاءت الجرذان دخلن من القصبة وخرجن منها فكلما طلع عليكم
جرذ قتلتموه وقد سددت عليكم فاياكم أن تقتحموا القصبة فلا يخرج منها أحد
40

إلا قتل وما دعاكم إلى ما صنعتم ولا أرى عددا ولا عدة (كتب إلى السري)
عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة باسنادهما وزياد معهما قالوا فتكلم القوم
فقالوا أما ما ذكرتم من سوء حالنا فيما مضى وانتشار أمرنا فلما تبلغ كنهه يموت
الميت منها إلى النار ويبقى الباقي منا في بؤس فبينا نحن في أسوأ ذلك بعث الله فينا
رسولا من أنفسنا إلى الإنس والجن رحمة رحم بها من أراد رحمته ونقمة ينتقم
بها ممن رد كرامته فبدأ بنا قبيلة قبيلة فلم يكن أحد أشد عليه ولا أشد إنكارا لما جاء
به ولا أجهد على قتله ورد الذي جاء به من قومه ثم الذين يلونهم حتى طابقناه على
ذلك كلنا فنصبنا له جميعا وهو وحده فرد ليس معه إلا الله تعالى فأعطى الظفر
علينا فدخل بعضنا طوعا وبعضنا كرها ثم عرفنا جميعا الحق والصدق لما أتانا به
من الآيات المعجزة وكان مما أتانا به من عند ربنا جهاد الأدنى فالأدنى فسرنا بذلك
فيما بيننا نرى أن الذي قال لنا ووعدنا لا يخرم عنه ولا ينقض حتى اجتمعت
العرب على هذا وكانوا من اختلاف الرأي فيما لا يطيق الخلائق تأليفهم ثم أتيناكم
بأمر ربنا نجاهد في سبيله وننفذ لامره وننتجز موعوده وندعوكم إلى الاسلام
وحكمه فان أجبتمونا تركناكم ورجعنا وخلفنا فيكم كتاب الله وإن أبيتم لم يحل لنا
إلا أن نعاطيكم القتال أو تفتدوا بالجزي فان فعلتم وإلا فان الله قد أورثنا أرضكم
وأبناءكم وأموالكم فاقبلوا نصيحتنا فوالله لاسلامكم أحب إلينا من غنائمكم
ولقتالكم بعد أحب إلينا من صلحكم وأما ما ذكرت من رثاثتنا وقلتنا فان أداتنا
الطاعة وقتالنا الصبر وأما ما ضربتم لنا من الأمثال فإنكم ضربتم للرجال والأمور
الجسام وللجد والهزل ولكنا سنضرب مثلكم انما مثلكم مثل رجل غرس
أرضا واختار لها الشجر والحب وأجرى إليها الأنهار وزينها بالقصور وأقام فيها
فلاحين يسكنون قصورها ويقومون على جناتها فخلا الفلاحون في القصور على
ما لا يحب وفي الجنان بمثل ذلك فأطال نظرتهم فلما لم يستحيوا من تلقاء أنفسهم
استعتبهم فكابروه فدعا إليها غيرهم وأخرجهم منها فان ذهبوا عنها تخطفهم الناس
وإن أقاموا فيها صاروا خولا لهؤلاء يملكونهم ولا يملكون عليهم فيسومونهم
41

الخسف أبدا ووالله إن لو لم يكن ما نقول لك حقا ولم يكن إلا الدنيا لما كان
لنا عما ضربنا به من لذيذ عيشكم ورأينا من زبرجكم من صبر ولقارعناكم حتى
نغلبكم عليه فقال رستم أتعبرون إلينا أم نعبر إليكم فقالوا بل اعبروا إلينا فخرجوا
من عنده عيشا وأرسل سعد إلى الناس أن يقفوا مواقفهم وأرسل إليهم شأنكم
والعبور فأرادوا القنطرة فأرسل إليهم لا ولا كرامة أما شئ قد غلبناكم عليه
فلن نرده عليكم تكلفوا معبرا غير القناطر فباتوا يسكرون العتيق حتى الصباح بأمتعتهم
يوم أرماث
(كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن محمد عن عبيد الله عن نافع وعن الحكم
قالا لما أراد رستم العبور أمر بسكر العتيق بحيال قادس وهو يومئذ أسفل منها اليوم
مما يلي عين الشمس فباتوا ليلتهم حتى الصباح بسكرون العتيق بالتراب والقصب
والبراذع حتى جعلوه طريقا واستتم بعد ما ارتفع النهار من الغد (كتب إلى
السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وزياد بإسنادهم قالوا ورأى رستم
من الليل أن ملكا نزل من السماء فأخذ قسى أصحابه فختم عليها ثم صعد بها إلى السماء
فاستيقظ مهموما محزونا فدعا خاصته فقصها عليهم وقال إن الله ليعظنا لو أن فارس
تركوني أتعظ أما ترون النصر قد رفع عنا وترون الريح مع عدونا وأنا لا نقوم
لهم في فعل ولا منطق ثم هم يريدون مغالبة بالجبرية فعبروا بأثقالهم حتى نزلوا على
ضفة العتيق (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن الأعمش قال لما
كان يوم السكر لبس رستم درعين ومغفرا وأخذ سلاحه وأمر بفرسه فأسرج فأتى
به فوثب فإذا هو عليه لم يمسه ولم يضع رجله في الركاب ثم قال غدا ندقهم دقا
فقال له رجل إن شاء الله فقال وإن لم يشأ (كتب إلى السري) بن يحيى عن شعيب
عن سيف عن محمد وطلحة وزياد باسنادهم قالوا قال رستم إنما ضغا الثعلب حين
مات الأسد يذكرهم موت كسرى ثم قال لأصحابه قد خشيت أن تكون هذه
سنة القرود ولما عبر أهل فارس أخذوا مصافهم وجلس رستم على سريره وضرب
42

عليه طيارة وعبى في القلب ثمانية عشر فيلا عليها الصناديق والرجال وفي المجنبتين
ثمانية وسبعة عليها الصناديق والرجال وأقام الجالنوس بينه وبين ميمنته والبيرزان
بينه وبين ميسرته وبقيت القنطرة بين خيلين من خيول المسلمين وخيول المشركين
وكان يزدجرد وضع رجلا على باب إيوانه إذ سرح رستم وأمره بلزومه وإخباره
وآخر حيث يسمعه من الدار وآخر خارج الدار وكذلك على كل دعوة رجلا
فلما نزل رستم قال الذي بساباط قد نزل فقاله الآخر حتى قاله الذي على باب الايوان
وجعل بين كل مرحلتين على كل دعوة رجلا فكلما نزل وارتحل أو حدث أمر
قاله فقاله الذي يليه حتى يقوله الذي يلي باب الايوان فنظم ما بين العتيق والمدائن
رجالا وترك البرد وكان ذلك هو الشأن وأخذ المسلمون مصافهم وجعل زهرة
وعاصم بين عبد الله وشرحبيل ووكل صاحب الطلائع بالطراد وخلط بين الناس
في القلب والمجنبات ونادى مناديه ألا إن الحسد لا يحل الا على الجهاد في أمر الله
يا أيها الناس فتحاسدوا وتغايروا على الجهاد وكان سعد يومئذ لا يستطيع أن يركب
ولا يجلس به حبون فإنما هو على وجهه في صدره وسادة هو مكب عليها مشرف
على الناس من القصر يرمى بالرقاع فيها أمره ونهيه إلى خالد بن عرفطة وهو أسفل
منه وكان الصف إلى جنب القصر وكان خالد كالخليفة لسعد لو لم يكن سعد شاهدا
مشرفا (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن القاسم بن الوليد الهمداني
عن أبيه عن أبي نمران قال لما عبر رستم تحول زهرة والجالنوس فجعل سعد
زهرة مكان ابن السمط وجعل رستم الجالنوس مكان الهرمزان وكان بسعد عرق
النساء ودماميل وكان إنما هو مكب واستخلف خالد بن عرفطة على الناس فاختلف
عليه الناس فقال احملوني وأشرفوا بي على الناس فارتقوا به فأكب مطلعا عليهم
والصف في أصل حائط قديس يأمر خالدا فيأمر خالد الناس وكان ممن شغب
عليه وجوه من وجوه الناس فهم بهم سعد وشتمهم وقال أم والله لولا أن عدوكم
بحضرتكم لجعلتكم نكالا لغيركم فحبسهم ومنهم أبو محجن الثقفي وقيدهم في القصر
وقال جرير أما إني بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن أسمع وأطيع لمن
43

ولاه الله الامر وإن كان عبدا حبشيا وقال سعد والله لا يعود أحد بعدها يحبس
المسلمين عن عدوهم ويشاغلهم وهم يإزائهم إلا سنت به سنة يؤخذ بها من بعدي
(كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وزياد باسنادهم قالوا
أن سعدا حطب من يليه يومئذ وذلك يوم الاثنين في المحرم سنة أربعة عشر بعد
ما تهدم على الذين اعترضوا على خالد بن عرفطة فحمد الله وأثنى عليه وقال إن الله
هو الحق لا شريك له في الملك وليس لقوله خلف قال الله جل ثناؤه (ولقد كتبنا
في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) إن هذا ميراثكم
وموعود ربكم وقد أباحها لكم منذ ثلاث حجج فأنتم تطعمون منها وتأكلون
منها وتقتلون أهلها وتجبونهم وتسبونهم إلى هذا اليوم بما نال منهم أصحاب الأيام
منكم وقد جاءكم منهم هذا الجمع وأنتم وجوه العرب وأعيانهم وخيار كل قبيلة
وعز من وراءكم فإن تزهدوا في الدنيا وترغبوا في الآخرة جمع الله لكم الدنيا والآخرة
ولا يقرب ذلك أحدا إلى أجله وإن تفشلوا وتهنوا وتضعفوا تذهب ريحكم وتوبقوا
آخرتكم. وقام عاصم بن عمر وفي المجردة فقال إن هذه بلاد قد أحل الله لكم أهلها
وأنتم تنالون منهم منذ ثلاث سنين ما لا ينالون منكم وأنتم الأعلون والله معكم
إن صبرتم وصدقتموهم الضرب والطعن فلكم أموالهم ونساؤهم وأبناؤهم وبلادهم
وإن خرتم وفشلتم والله لكم من ذلك جار وحافظ لم يبق هذا الجمع منكم باقية
مخافة أن تعودوا عليهم بعائدة هلاك الله الله اذكروا الأيام وما منحكم الله فيها
أولا ترون أن الأرض وراءكم بسابس قفار ليس فيها خمر ولا وزر يعقل إليه ولا
يمتنع به اجعلوا همكم الآخرة وكتب سعد إلى الرايات إني قد استخلفت عليكم
خالد بن عرفطة وليس يمنعني أن أكون مكانه إلا وجعي الذي يعودني وما بي
من الجنون فإني مكب على وجهي وشخصي لكم باد فاسمعوا له وأطيعوا فإنه إنما
يأمركم بأمري ويعمل برأيي فقرئ على الناس فزادهم خيرا وانتهوا إلى رأيه
وقبلوا منه وتحاثوا على السمع والطاعة وأجمعوا على عذر سعد والرضا بما صنع
(كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن حلام عن مسعود قال وخطب
44

أمير كل قوم أصحابه وسير فيهم وتحاضوا على الطاعة والصبر وتواصوا ورجع
كل أمير إلى موقفه بمن والاه من أصحابه عند المواقف ونادى منادى سعد بالظهر
ونادى رستم پادشهان مرندر أكل عمر كبدي أحرق الله كبده علم هؤلاء
حتى علموا (كتب إلى السري) عن شعيب قال حدثنا سيف عن النضر
عن ابن الرفيل قال لما نزل رستم النجف بعث منها عينا إلى عسكر المسلمين فانغمس
فيهم بالقادسية كبعض من ند منهم فرآهم يستاكون عند كل صلاة ثم يصلون
فيقترفون إلى مواقفهم فرجع إليه فأخبره بخبرهم وسيرتهم حتى سأله ما طعامهم فقال
مكثت فيهم ليلة لا والله ما رأيت أحد منهم يأكل شيئا إلا أن يمصوا عيدانا لهم
حين يمسون وحين ينامون وقبيل أن يصبحوا فلما سار فنزل بين الحصن والعتيق
وافقهم وقد أذن مؤذن سعد الغداة فرآهم يتحشحشون فنادى في أهل فارس أن
يركبوا فقيل له ولم قال أما ترون إلى عدوكم قد نودي فيهم فتحشحشوا لكم قال
عينه ذلك انما تحشحشهم هذا للصلاة فقال بالفارسية وهذا تفسيره بالعربية أتاني
صوت عند الغداة وانما هو عمر الذي يكلم الكلاب فيعلمهم العقل فلما عبروا
تواقفوا وأذن مؤذن سعد للصلاة فصلى سعد وقال رستم أكل عمر كبدي (كتب
إلى السري) قال حدثنا شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وزياد باسنادهم قالوا
وأرسل سعد الذين انتهى إليهم رأى الناس والذين انتهت إليهم نجدتهم وأصناف
الفضل منهم إلى الناس فكان منهم من ذوي الرأي النفر الذين أتوا رستم المغيرة
وحذيفة وعاصم وأصحابهم ومن أهل النجدة طليحة وقيس الأسدي وغالب
وعمرو بن معدبكرب وأمثالهم ومن الشعراء الشماخ والحطيئة وأوس بن مغراء
وعبدة بن الطبيب ومن سائر الأصناف أمثالهم وقال قبل أن يرسلهم انطلقوا
فقوموا في الناس بما يحق عليكم ويحق عليهم عند مواطن البأس فإنكم من العرب
بالمكان الذي أنتم به وأنتم شعراء العرب وخطباؤهم وذووا رأيهم ونجدتهم
وسادتهم فسيروا في الناس فذكروهم وحرضوهم على القتال فساروا فيهم فقال قيس
ابن هبيرة الأسدي أيها الناس احمدوا الله على ما هداكم له وأبلاكم يزدكم واذكروا
45

آلاء الله وارغبوا إليه في عاداته فان الجنة أو الغنيمة أمامكم وإنه ليس وراء هذا
القصر إلا العراء والأرض القفر والظراب الخش والفلوات التي لا يقطعها الأدلة
وقال غالب أيها الناس احمدوا الله على ما أبلاكم وسلوه يزدكم وادعوه يحبكم
يا معاشر معد ما علتكم اليوم وأنتم في حصونكم يعني الخيل ومعكم من لا يعصيكم
يعني السيوف اذكروا حديث الناس في غد فإنه بكم غدا يبدأ عنده وبمن بعدكم
يثنى وقال ابن الهذيل الأسدي يا معاشر معد اجعلوا حصونكم السيوف وكونوا
عليهم كأسود الاجم وتربدوا لهم تربد النمور وادرعوا العجاج وثقوا بالله وغضوا
الابصار فإذا كلت السيوف فإنها مأمورة فأرسلوا عليهم الجنادل فإنها يؤذن لها
فيما لا يؤذن للحديد فيه وقال بسر بن أبي رهم الجهني احمدوا الله وصدقوا قولكم
بفعل فقد حمدتم الله على ما هداكم له ووحدتموه ولا إله غيره وكبرتموه وآمنتم
بنبيه ورسله فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ولا يكونن شئ بأهون عليكم من
الدنيا فإنها تأتي من تهاون بها ولا تميلوا إليها فتهرب منكم لتميل بكم انصروا الله
ينصركم وقال عاصم بن عمرو يا معاشر العرب انكم أعيان العرب وقد صمدتم
الأعيان من العجم وانما تخاطرون بالجنة ويخاطرون بالدنيا فلا يكونن على دنياهم
أحوط منكم على آخرتكم لا تحدثوا اليوم أمرا تكونون به شينا على العرب غدا
وقال ربيع بن البلاد السعدي يا معاشر العرب قاتلوا للدين والدنيا وسارعوا إلى
مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين وإن عظم
الشيطان عليكم الامر فاذكروا الاخبار عنكم بالمواسم ما دام للاخبار أهل وقال
ربعي بن عامر إن الله قد هداكم للاسلام وجمعكم به وأراكم الزيادة وفي الصبر
الراحة فعودوا أنفسكم الصبر تعتادوه ولا تعودوها الجزع فتعتادوه وقام كلهم
بنحو من هذا الكلام وتواثق الناس وتعاهدوا واهتاجوا لكل ما كان ينبغي لهم
وفعل أهل فارس فيما بينهم مثل ذلك وتعاهدوا وتواصوا واقترنوا بالسلاسل
وكان المقترنون ثلاثين ألفا (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن مجالد
عن الشعبي أن أهل فارس كانوا عشرين ومائة ألف معهم ثلاثون فيلا مع كل
46

فيل أربعة آلاف (كتب إلى السري) بن يحيى عن شعيب عن سيف عن حلام
عن مسعود بن خراش قال كان صف المشركين على شفير العتيق وكان صف
المسلمين مع حائط قديس الخندق من ورائهم فكان المسلمون والمشركون بين
الخندق والعتيق ومعهم ثلاثون ألف مسلسل وثلاثون فيلا تقاتل وفيلة عليها
الملوك وقوف لا تقاتل وأمر سعد الناس أن يقرؤا على الناس سورة الجهاد وكانوا
يتعلمونها (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وزياد باسنادهم
قالوا قال سعد الزموا مواقفكم لا تحركوا شيئا حتى تصلوا الظهر فإذا صليتم الظهر
فانى مكبر تكبيرة فكبروا واستعدوا واعلموا أن التكبير لم يعطه أحد قبلكم
واعلموا أنما أعطيتموه تأييدا لكم ثم إذا سمعتم الثانية فكبروا ولتستتم عدتكم
ثم إذا كبرت الثالثة فكبروا ولينشط فرسانكم الناس ليبرزوا وليطاردوا فإذا
كبرت الرابعة فازحفوا جميعا حتى تخالطوا عدوكم وقولوا لا حول ولا قوة إلا بالله
(كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن عمرو بن الريان عن مصعب بن
سعد مثله (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن زكرياء عن أبي إسحاق
قال أرسل سعد يوم القادسية في الناس إذا سمعتم التكبير فشدوا شسوع نعالكم
فإذا كبرت الثانية فتهيؤا فإذا كبرت الثالثة فشدوا النواجذ على الأضراس واحملوا
(كتب إلى السري) بن يحيى عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وزياد
باسنادهم قالوا لما صلى سعد الظهر أمر الغلام الذي كان ألزمه عمر إياه وكان
من القراء ان يقرأ سورة الجهاد وكان المسلمون يتعلمونها كلهم فقرأ على الكتيبة
الذين يلونه سورة الجهاد فقرئت في كل كتيبة فهشت قلوب الناس وعيونهم
وعرفوا السكينة مع قراءتها (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن
محمد وطلحة وزياد بإسنادهم قالوا لما فزع القراء كبر سعد فكبر الذين يلونه
تكبيره وكبر بعض الناس بتكبير بعض فتحشحش الناس ثم ثنى فاستتم الناس
ثم ثلث فبرز أهل النجدات فأنشبوا القتال وخرج من أهل فارس أمثالهم فاعتوروا
الطعن والضرب وخرج غالب بن عبد الله الأسدي وهو يقول
47

قد علمت واردة المسائح * دات اللبان والبنان الواضح
أنى سمام البطل المشايح * وفارج الامر المهم الفادح
فخرج إليه هرمز وكان من ملوك الباب وكان متوجا فأسره غالب أسرا فجاء
سعدا فأدخل وانصرف غالب إلى المطاردة وخرج عاصم بن عمرو وهو يقول
قد علمت ييضاء صفراء اللبب * مثل اللجين إذ تغشاه الذهب
أنى امرؤ لا من يعينه السبب * مثلي على مثلك يغريه العتب
فطارد رجلا من أهل فارس فهرب منه واتبعه حتى إذا خالط صفهم التقى
بفارس معه بغلة فترك الفارس البغل واعتصم بأصحابه فحموه واستاق عاصم البغل
والرحل حتى أفضى به إلى الصف فإذا هو خباز الملك وإذا الذي معه لطف الملك
الأخبصة والعسل المعقود فأتى به سعدا ورجع إلى موقفه فلما نظر فيه سعد قال
انطلقوا به إلى أهل موقفه وقال إن الأمير قد نفلكم هذا فكلوه فنفلهم إياه قالوا
وبينا الناس ينتظرون التكبيرة الرابعة إذ قام صاحب رجالة بني نهد قيس بن حذيم
ابن جرثومة فقال يا بني نهد انهدوا إنما سميتم نهدا لتفعلوا فبعث إليه خالد بن
عرفطة والله لتكفن أو لأولين عملك غيرك فكف ولما تطاردت الخيل
والفرسان خرج رجل من القوم ينادى مرد ومرد فانتدب له عمرو بن معديكرب
وهو بحياله فبارزه فاعتنقه ثم جلد به الأرض فذبحه ثم التفت إلى الناس فقال
إن الفارسي إذا فقد قوسه فإنما هو تيس ثم تكتبت الكتائب من هؤلاء
وهؤلاء (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن إسماعيل بن أبي خالد
عن قيس بن أبي حازم قال مر بنا عمرو بن معديكرب وهو يحضض الناس بين
الصفين وهو يقول إن الرجل من هذه الأعاجم إذا ألقى مزراقه فإنما هو تيس
فبينا هو كذلك يحرضنا إذ خرج إليه رجل من الأعاجم فوقف بين الصفين
فرمى بنشابة فما أخطأت سية قوسه وهو متنكبها فالتفت إليه فحمل عليه فاعتنقه ثم أخذ
بمنطقته فاحتمله فوضعه بين يديه فجاء به حتى إذا دنا منا كسر عنقه ثم وضع سيفه
على حلقه فذبحه ثم ألقاه ثم قال هكذا فاصنعوا بهم فقلنا يا أبا ثور من يستطيع
48

أن يصنع كما تصنع وقال بعضهم غير إسماعيل وأخذ سورية ومنطقته ويلمق
ديباج عليه (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن إسماعيل بن أبي خالد
عن قيس بن أبي حازم أن الأعاجم وجهت إلى الوجه الذي فيه بجيلة ثلاثة عشر
فيلا (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن إسماعيل بن أبي خالد قال
كانت يعني وقعة القادسية في المحرم سنة أربعة عشر في أوله وكان قد خرج من
الناس إليهم فقال له أهل فارس أحلنا فأحالهم على بجيلة فصرفوا إليهم ستة عشر
فيلا (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وزياد قالوا لما
تكتبت الكتائب بعد الطراد حمل أصحاب الفيلة عليهم ففرقت بين الكتائب
فابذعرت الخيل فكادت بجيلة أن تؤكل فرت عنها خيلها نفارا وعمن كان معهم
في مواقفهم وبقيت الرجالة من أهل المواقف فأرسل سعد إلى بني أسد ذببوا
عن بجيلة ومن لافها من الناس فخرج طليحة بن خويلد وحمال بن مالك وغالب
ابن عبد الله والربيل بن عمرو في كتائبهم فباشروا الفيلة حتى عدلوا لها ركبانها وإن
على كل فيل عشرين رجلا (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد
ابن قيس عن موسى بن طريف أن طليحة قام في قومه حين استصرخهم سعد فقال
يا عشيرتاه إن المنوه باسمه الموثوق به وإن هذا لو علم أن أحدا أحق بإغاثة هؤلاء
منكم استغاثهم ابتدؤهم الشدة وأقدموا عليهم إقدام الليوث الحربة فإنما سميتم
أسدا لتفعلوا فعله شدوا ولا تصدوا وكروا ولا تفروا لله در ربيعة أي فرى
يفرون وأي قرن يغنون هل يوصل إلى مواقفهم فأغنوا عن مواقفكم أعانكم
الله شدوا عليهم باسم الله فقال المعرور بن سويد وشقيق فشدوا والله عليهم
فما زالوا يطعنونهم ويضربونهم حتى حبسنا الفيلة عنهم فأخرت وخرج إلى طليحة
عظيم منهم فبارزه فما لبثه طليحة أن قتله (كتب إلي السري) عن شعيب عن
سيف عن محمد وطلحة وزياد قالوا وقام الأشعث بن قيس فقال يا معشر كندة
لله در بني أسد أي فرى يفرون وأي هذ يهذون عن موقفهم منذ اليوم أغنى
كل قوم ما يليهم وأنتم تنتظرون من يكفيكم البأس أشهد ما أحسنتم إسوة قومكم
49

العرب منذ اليوم وإنهم ليقتلون ويقاتلون وأنتم جثاة على الركب تنظرون
فوثب إليه عدد منهم عشرة فقالوا عثر الله جدك انك لتؤبسنا جاهدا ونحن
أحسن الناس موقفا فمن أين خذلنا قومنا العرب وأسأنا إسوتهم فها نحن معك
فنهد ونهدوا فأزالوا الذين بإزائهم فلما رأى أهل فارس ما تلقى الفيلة من كتيبة أسد
رموهم بحدهم وبدروا المسلمين الشدة عليهم ذو الحاجب والجالنوس والمسلمون
ينتظرون التكبيرة الرابعة من سعد فاجتمعت حلبة فارس على أسد ومعهم تلك
الفيلة وقد ثبتوا لهم وقد كبر سعد الرابعة فزحف إليهم المسلمون ورحى الحرب
تدور على أسد وحملت الفيول على الميمنة والميسرة على الخيول فكانت الخيول
تحجم عنها وتحيد وتلح فرسانهم على الرجل يشمسون بالخيل فأرسل سعد إلى عاصم
ابن عمرو فقال يا معشر بني تميم ألستم أصحاب الإبل والخيل أما عندكم لهذه الفيلة
من حيلة قالوا بلى والله ثم نادى في رجال من قومه رماة وآخرين لهم ثقافة فقال لهم
يا معشر الرماة ذبوا ركبان الفيلة عنهم بالنبل وقال يا معشر أهل الثقافة استدبروا الفيلة
فقطعوا وضنها وخرج يحميهم والرحى تدور على أسد وقد جالت الميمنة والميسرة
غير بعيد وأقبل أصحاب عاصم على الفيلة فأخذوا بأذنابها وذباذب توابيتها فقطعوا
وضنها وارتفع عواؤهم فما بقى لهم يومئذ فيل إلا أعرى وقتل أصحابها وتقابل الناس
ونفس عن أسد وردوا فارسا عنهم إلى مواقفهم فاقتتلوا حتى غربت الشمس ثم
حتى ذهبت هدأة من الليل ثم رجع هؤلاء وهؤلاء وأصيب من أسد تلك العشية
خمسمائة وكانوا ردءا للناس وكان عاصم عادية الناس وحاميتهم وهذا يومها الأول
وهو يوم أرماث (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن الغصن عن القاسم
عن رجل من بني كنانة قال جالت المجنبات ودارت على أسد يوم أرماث فقتل تلك
العشية منهم خمسمائة رجل فقال عمرو بن شاس الأسدي
جلبنا الخيل من أكناف نيق * إلى كسرى فوافقها رعالا
تركن لهم على الأقسام شجوا * وبالحقوين أياما طوالا
وداعية بفارس قد تركنا * تبكي كلما رأت الهلالا
50

قتلنا رستما وبنيه قسرا * تثير الخيل فوقهم الهيالا
تركنا منهم حيث التقينا * قياما ما يريدون ارتحالا
وفر البيرزان ولم يحامى * وكان على كتييته وبالا
ونجى الهرمزان حذار نفس * وركض الخيل موصلة عجالا
وقال أيضا
لقد علمت بنو أسد بأنا * أولوا الأحلام إن ذكروا الحلوما
وأنا النازلون بكل ثغر * ولو لم نلفه إلا هشيما
ترى فينا الجياد مسومات * مع الابطال يعلكن الشكيما
ترى فينا الجياد مجلحات * تنهنه عن فوارسها الخصوما
بجمع مثل سلم مكفهر * تشبههم إذا اجتمعوا قروما
بمثلهم تلاقى يوم هيج * إذا لاقيت بأسا أو خصوما
نفينا فارسا عما أرادت * وكانت لا تحاول أن تريما
يوم أغواث
(كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا وكان سعد قد
تزوج سلمى بنت خصفة امرأة المثنى بن حارثة قبله بشراف فنزل بها القادسية فلما
كان يوم أرماث وجال الناس وكان لا يطيق جلسة إلا مستوفزا أو على بطنه جعل
سعد يتململ ويحول جزعا فوق القصر فلما رأت ما يصنع أهل فارس قالت وا مثنياه
ولا مثنى للخيل اليوم هي عند رجل قد أضجره ما يرى من أصحابه وفي نفسه فلطم
وجهها وقال أين المثنى من هذه الكتيبة التي تدور عليها الرحى يعني أسدا وعاصما
وخيله فقالت أغيرة وجبنا قال والله لا يعذرني اليوم أحد إذا أنت لم تعذريني
وأنت ترين ما بي والناس أحق ألا يعذروني فتعلقها الناس فلما ظهر الناس لم يبق
شاعرا إلا اعتد بها عليه وكان غير جبان ولا ملوم ولما أصبح القوم من الغد أصبحوا
على تعبية وقد وكل سعد رجالا بنقل الشهداء إلى العذيب ونقل الرثيث فأما الرثيث
فأسلموا إلى النساء يقمن عليهم إلى قضاء الله عز وجل عليهم وأما الشهداء فدفنوهم
51

هنالك على مشرق وهو واد بين العذيب وبين عين الشمس في عدوتيه جميعا الدنيا
منهما إلى العذيب والقصوى منهما من العذيب والناس ينتظرون بالقتال حمل
الرثيث والأموات فلما استقلت بهم الإبل وتوجهت بهم نحو العذيب طلعت نواصي
الخيل من الشأم وكان فتح دمشق قبل القادسية بشهر فلما قدم على أبي عبيدة كتاب
عمر بصرف أهل العراق أصحاب خالد ولم يذكر خالدا ضن بخالد فحبسه وسرح
الجيش وهم ستة آلاف خمسة آلاف من ربيعة ومضر وألف من افناء اليمن من
أهل الحجاز وأمر عليهم هاشم بن عتبة بن أبي وقاص وعلى مقدمته القعقاع بن عمرو
فعجله أمامه وجعل على إحدى مجنبتيه قيس بن هبيرة بن عبد يغوث المرادي ولم
يكن شهد الأيام أتاهم وهم باليرموك حين صرف أهل العراق وصرف معهم وعلى
المجنبة الأخرى الهزهاز بن عمرو العجلي وعلى الساقة أنس بن عباس فانجذب القعقاع
وطوى وتعجل فقدم على الناس صبيحة يوم أغواث وقد عهد إلى أصحابه أن يتقطعوا
أعشارا وهم ألف فكلما بلغ عشرة مدى البصر سرحوا في آثارهم عشرة فقدم
القعقاع أصحابه في عشرة فأتى الناس فسلم عليهم وبشرهم بالجنود فقال يا أيها الناس
إني قد جئتكم في قوم والله ان لو كانوا بمكانكم ثم أحسوكم حسدوكم حظوتها وحاولوا
أن يطيروا بها دونكم فاصنعوا كما أصنع فتقدم ثم نادى من يبارز فقالوا فيه بقول
أبي بكر لا يهزم جيش فيهم مثل هذا وسكنوا إليه فخرج إليه ذو الحاجب فقال له
القعقاع من أنت قال أنا بهمن جاذويه فنادى يا لثأرات أبي عبيد وسليط وأصحاب
يوم الجسر فاجتلدا فقتله القعقاع وجعلت خيله ترد قطعا وما زالت ترد إلى الليل
وتنشط الناس وكأن لم يكن بالأمس مصيبة وكأنما استقبلوا قتالهم بقتل الحاجبي
وللحاق القطع وانكسرت الأعاجم لذلك ونادى القعقاع أيضا من يبارز فخرج
إليه رجلان أحدهما البيرزان والآخر البندوان فانضم إلى القعقاع الحارث بن
ظبيان بن الحارث أخو بني تيم اللات فبارز القعقاع البيرزان فضربه
فأذري رأسه وبارز ابن ظبيان البندوان فضربه فأذري رأسه وتوردهم فرسان
المسلمين وجعل القعقاع يقول يا معاشر المسلمين باشروهم بالسيوف فإنما يحصد
52

بها الناس فتواصى الناس وتشايعوا إليهم فاجتلدوا بها حتى المساء فلم ير أهل
فارس في هذا اليوم شيئا مما يعجبهم وأكثر المسلمون فيهم القتل ولم يقاتلوا في
هذا اليوم على فيل كانت توابيتها تكسرت بالأمس فاستأنفوا علاجها حين أصبحوا
فلم ترتفع حتى كان الغد (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن مجالد عن
الشعبي قال كانت امرأة من النخع لها بنون أربعة شهدوا القادسية فقالت لبنيها
إنكم أسلمتم فلم تبدلوا وهاجرتم فلم تثربوا ولم تنب بكم البلاد ولم تقحمكم السنة
ثم جئتم بأمكم عجوز كبيرة فوضعتموها بين يدي أهل فارس والله إنكم لبنو رجل
واحد كما أنكم بنو امرأة واحدة ما خنت أباكم ولا فضحت حالكم انطلقوا
فاشهدوا أول القتال وآخره فأقبلوا يشتدون فلما غابوا عنها رفعت يديها إلى السماء
وهي تقول اللهم ادفع عن بني فرجعوا إليها وقد أحسنوا القتال ما كلم منهم رجل
كلما فرأيتهم بعد ذلك يأخذون ألفين ألفين من العطاء ثم يأتون أمهم فيلقونه
في حجرها فترده عليهم وتقسمه فيهم على ما يصلحهم ويرضيهم (كتب إلى السري)
عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وزياد قالوا فأزر القعقاع يومئذ ثلاثة نفر
من بني يربوع رياحيين وجعل القعقاع كلما طلعت قطعة كبر وكبر المسلمون
ويحمل ويحملون اليربوعيون نعيم بن عمرو بن عتاب وعتاب بن نعيم بن عتاب
ابن الحارث بن عمرو بن همام وعمرو بن شبيب بن زنباع بن الحارث بن ربيعة
أحد بني زيد وقدم ذلك اليوم رسول لعمر بأربعة أسياف وأربعة أفراس يقسمها
فيمن انتهى إليه البلاء إن كنت لقيت حربا فدعا حمال بن مالك والربيل بن عمرو
ابن ربيعة والوالبيين وطليحة بن خويلد الفقعسي وكلهم من بني أسد وعاصم بن
عمرو التميمي فأعطاهم الأسياف ودعا القعقاع بن عمرو واليربوعيين فحملهم على
الأفراس فأصاب ثلاثة من بني يربوع ثلاثة أرباعها وأصاب ثلاثة من بني أسد
ثلاثة أرباع السيوف فقال في ذلك الربيل بن عمرو
لقد علم الأقوام أنا أحقهم * إذا حصلوا بالمرهفات البواتر
وما فتئت خيلي عشية أرمثوا * يذودون رهوا عن جموع العشائر
53

لدن غدوة حتى أتى الليل دونهم * وقد أفلحت أخرى الليالي الغوابر
وقال القعقاع في شأن الخيل
لم تعرف الخيل العراب سواءنا * عشية أغواث بجنب القوادس
عشية رحنا بالرماح كأنها * على القوم ألوان الطيور الرسارس
(كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن القاسم بن سليم بن عبد الرحمن
السعدي عن أبيه قال كان يكون أول القتال في كل أيامها المطاردة فلما قدم القعقاع
قال يا أيها الناس اصنعوا كما أصنع فنادى من يبارز فبرز له ذو الحاجب فقتله ثم البيرزان
فقتله ثم خرج الناس من كل ناحية وبدأ الحرب والطعان وحمل بنو عم القعقاع يومئذ
عشرة عشرة من الرجالة على إبل قد ألبسوها فهي مجللة مبرقعة وأطافت بهم
خيولهم يحموهم وأمرهم أن يحملوا على خيلهم بين الصفين يتشبهون بالفيلة ففعلوا
بهم يوم أغواث كما فعلت فارس يوم أرماث فجعلت تلك الإبل لا تصمد لقليل
ولا لكثير إلا نفرت بهم خيلهم وركبتهم خيول المسلمين فلما رأى ذلك الناس
استنوا بهم فلقى فارس من الإبل يوم أغواث أعظم مما لقى المسلمون من الفيلة
يوم أرماث وحمل رجل من بني تميم ممن كان بحمى العشرة يقال له سواد وجعل
يتعرض للشهادة فقتل بعد ما حمل وأبطأت عليه الشهادة حتى تعرض لرستم يريده
فأصيب دونه (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن الغصن عن العلاء
ابن زياد والقاسم بن سليم عن أبيه قالا خرج رجل من أهل فارس ينادي من
يبارز فبرز له علباء بن جحش العجلي فنفحه علباء فأسحره ونفحه الآخر فأمعاه
وخرا فأما الفارسي فمات من ساعته وأما الآخر فانتثرت أمعاؤه فلم يستطع القيام
فعالج إدخالها فلم يتأت له حتى مر به رجل من المسلمين فقال يا هذا أعني على بطني
فأدخله له فأخذ بصفاقيه ثم زحف نحو صف فارس ما يلتفت إلى المسلمين فأدركه
الموت على رأس ثلاثين ذراعا من مصرعه إلى صف فارس وقال
أرجو بها من ربنا ثوابا * قد كنت ممن أحسن الضرابا
(كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن الغصن عن العلاء والقاسم
54

عن أبيه قالا وخرج رجل من أهل فارس فنادى من يبارز فبرز له الأعرف
ابن الأعلم العقيلي فقتله ثم برز له آخر فقتله وأحاطت به فوارس منهم فصرعوه
وندر سلاحه عنه فأخذوه فغبر في وجوههم بالتراب حتى رجع إلى أصحابه
وقال في ذلك
وإن يأخذوا بزى فإني مجرب * خروج من الغماء محتضر النصر
وإني لحام من وراء عشيرتي * ركوب لآثار الهوى محفل الامر
(كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن الغصن عن العلاء والقاسم
عن أبيه قالا فحمل القعقاع يومئذ ثلاثين حملة كلما طلعت قطعة حمل حملة وأصاب
فيها وجعل يرتجز ويقول
أزعجهم عمدا بها إزعاجا * أطعن طعنا صائبا ثجاجا
أرجو به من جنة أفواجا
(كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وزياد قالوا قتل
القعقاع يوم أغواث ثلاثين في ثلاثين حملة كلما حمل حملة قتل فيها فكان آخرهم
بزرجمهر الهمذاني وقال في ذلك القعقاع
حبوته جياشة (بالنفس)؟ * هدارة مثل شعاع الشمس
في يوم أغواث فليل الفرس * أنخس بالقوم أشد النخس
حتى تفتض؟ معشري ونفسي
وبارز الأعور بن قطبة شهربراز سجستان فقتل كل واحد منهما صاحبه فقال
أخوه في ذلك
لم أر يوما كان أحلى وأمر * من يوم أغواث إذ افتر الثغر
من غير ضحك كان أسوى وأبر
(كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وزياد وشاركهم
ابن محراق عن رجل من طيئ قالوا وقاتلت الفرسان يوم الكتائب فيما بين أن
أصبحوا إلى انتصاف النهار فلما عدل النهار تزاحف الناس فاقتتلوا بها صتيتا حتى
55

انتصف الليل فكانت ليلة ارماث تدعى الهدأة وليلة أغواث تدعى السواد والنصف
الأول يدعى السواد ثم لم يزل المسلمون يرون في يوم أغواث في القادسية الظفر
وقتلوا فيه عامة أعلامهم وجالت فيه خيل القلب وثبت رجلهم فلولا أن خيلهم
كرت أخذ رستم أخذا فلما ذهب السواد بات الناس على مثل ما بات عليه القوم
ليلة ارماث ولم يزل المسلمون ينتمون لدن أمسوا حتى تفايؤا فلما أمسى سعد
وسمع ذلك نام وقال لبعض من عنده إن تم الناس على الانتماء فلا توقظني فإنهم
أقوياء على عدوهم وإن سكتوا ولم ينتم الآخرون فلا توقظني فإنهم على السواء
فإن سمعتهم ينتمون فأيقظني فإن انتماءهم من السوء فقالوا ولما اشتد القتال بالسواد
وكان أبو محجن قد حبس وقيد فهو في القصر فصعد حين أمسى إلى سعد يستعفيه
ويستقيله فزبره ورده فنزل فأتى سلمى بنت خصفة فقال يا سلمى يا بنت آل خصفة
هل لك إلى خير قالت وما ذاك قال تخلين عني وتعيريني البلقاء فلله علي إن سلمني
الله أن أرجع إليك حتى أضع رجلي في قيدي فقالت وما أنا وذاك فرجع يرسف
في قيوده ويقول
كفى حزنا أن ترذى الخيل بالقنا * وأترك مشددا علي وثاقا
إذا قمت عناني الحديد وأغلقت * مصاريع دوني قد تصم المناديا
وقد كنت ذا مال كثير وإخوة * فقد تركوني واحدا لا أخا ليا
ولله عهد لا أخيس بعهده * لئن فرجت أن لا أزور الحوانيا
فقالت سلمى إني استخرت الله ورضيت بعهدك فأطلقته وقالت أما الفرس
فلا أعيرها ورجعت إلى بيتها فاقتادها فأخرجها من باب القصر الذي يلي الخندق
فركبها ثم دب عليها حتى إذا كان بحيال الميمنة كبر ثم حمل على ميسرة القوم يلعب
برمحه وسلاحه بين الصفين فقالوا بسرجها وقال سعيد والقاسم عريا ثم رجع من
خلف المسلمين إلى الميسرة فكبر وحمل على ميمنة القوم يلعب بين الصفين برمحه
وسلاحه ثم رجع من خلف المسلمين إلى القلب فندر أمام الناس فحمل على القوم يلعب
بين الصفين برمحه وسلاحه وكان يقصف الناس ليلتئذ قصفا منكرا وتعجب الناس
56

منه وهم لا يعرفونه ولم يروه من النهار فقال بعضهم أوائل أصحاب هاشم أو هاشم
نفسه وجعل سعد يقول وهو مشرف على الناس مكب من فوق القصر والله
لولا محبس أبي محجن لقلت هذا أبو محجن وهذه البلقاء وقال بعض الناس إن
كان الخضر يشهد الحروب فنظن صاحب البلقاء الخضر وقال بعضهم لولا أن
الملائكة لا تباشر القتال لقلنا ملك يثبتنا ولا يذكره الناس ولا يأبهون له لأنه
بات في محبسه فلما انتصف الليل حاجز أهل فارس وتراجع المسلمون وأقبل أبو محجن
حتى دخل من حيث خرج ووضع عن نفسه وعن دابته وأعاد رجليه في قيديه وقال
لقد علمت ثقيف غير فخر * بأنا نحن أكرمهم سيوفا
وأكثرهم دروعا سابغات * وأصبرهم إذا كرهوا الوقوفا
وأنا وفدهم في كل يوم * فإن عميو فسل بهم عريفا
وليلة قادس لم يشعروا بي * ولم أشعر بمخرجي الزحوفا
فإن احبس فذلكم بلائي * وإن أترك أذيقهم الحتوفا
فقالت له سلمى يا أبا محجن في أي شئ حبسك هذا الرجل قال إما والله ما حبسني
بحرام أكلته ولا شربته ولكني كنت صاحب شراب في الجاهلية وأنا أمرؤ شاعر
يدب الشعر على لساني يبعثه على شفتي أحيانا فيساء لذلك ثنائي ولذلك حبسني قلت
إذا مت فادفن إلى أصل كرمة * تروى عظامي بعد موتي عروقها
ولا تدفنني بالفلاة فإنني * أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها
وتروى بخمر الحص لحدي فإنني * أسير لها من بعد ما قد أسوقها
ولم تزل سلمى مغاضبة لسعد عشية ارماث وليلة الهدأة وليلة السواد حتى إذا
أصبحت أتته وصالحته وأخبرته خبرها وخبر أبي محجن فدعا به فأطلقه وقال
اذهب فما أنا مؤاخذك بشئ تقوله حتى تفعله قال لا جرم والله لا أجيب لساني
إلى صفة قبيح أبدا
57

يوم عماس
(كتب إلي السري) ابن يحيى عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وزياد
بإسنادهم وابن مخراق عن رجل من طيئ قالوا فأصبحوا من اليوم الثالث وهم على
مواقفهم وأصبحت الأعاجم على مواقفهم وأصبح ما بين الناس كالرجلة الحمراء
يعنى الحرة سيل في عرض ما بين الصفين وقد قتل من المسلمين ألفان من رثيث
وميت ومن المشركين عشرة آلاف من رثيث وميت وقال سعد من شاء غسل
الشهداء ومن شاء فليدفنهم بدمائهم وأقبل المسلمون على قتلاهم فأحرزوهم فجعلوهم
من وراء ظهورهم وأقبل الذين يجمعون القتلى يحملونهم إلى المقابر ويبلغون الرثيت
إلى النساء وحاجب بن زيد على الشهداء وكان النساء والصبيان يحفرون القبور في
اليومين يوم أغواث ويوم ارماث بعدوتي مشرق فدفن ألفان وخمسمائة من
أهل القادسية وأهل الأيام فمر حاجب وبعض أهل الشهادة وولاة الشهداء
في أصل نخلة بين القادسية والعذيب وليس بينهما يومئذ نخلة غيرها فكان الرثيث
إذا حملوا فانتهى بهم إليها وأحدهم يعقل سألهم أن يقفوا به تحتها يستروح إلى ظلها
ورجل من الجرحى يدعى بجيرا يقول وهو مستظل بظلها
ألا يا اسلمى يا نخلة بين قادس * وبين العذيب لا يجاورك النخل
ورجل من بني ضبة أو من بني ثور يدعى غيلان يقول:
ألا يا اسلمى يا نخلة بين جرعة * يجاورك الجمان دونك والرغل
ورجل من بني تيم الله يقال له ربعي يقول:
أيا نخلة الجرعاء يا جرعت العدى * سقتك الغوادي والغيوث الهواطل
وقال الأعور بن قطبة:
أيا نخلة الركبان لا زلت فانضري * ولا زال في أكناف جرعائك النخل
وقال عوف بن مالك التميمي ويقال التيمي تيم الرباب:
أيا نخلة دون العذيب بتلعة * سقيت الغوادي المدجنات من النخل
58

(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وزياد قالوا وبات
القعقاع ليلته كلها يسرب أصحابه إلى المكان الذي فارقهم فيه من الأمس ثم قال إذا
طلعت لكم الشمس فأقبلوا مائة مائة كلما توارى عنكم مائة فليتبعها مائة فان جاء
هاشم فذاك وإلا جددتم للناس رجاء وجدا ففعلوا ولا يشعر بذلك أحدا وأصبح
الناس على مواقفهم قد أحرزوا قتلاهم وخلوا بينهم وبين حاجب بن زيد وقتلى
المشركين بين الصفين قد أضيعوا وكانوا لا يعرضون لأمواتهم وكان مكانهم مما
صنع الله للمسلمين مكيدة فتحها ليشد بها أعضاد المسلمين فلما ذر قرن الشمس
والقعقاع يلاحظ الخيل وطلعت نواصيها كبر وكبر الناس وقالوا جاء المدد
وقد كان عاصم بن عمرو أمر أن يصنع مثلها فجاؤوا من قبل خفان فتقدم الفرسان
وتكتبت الكتائب فاختلفوا الضرب والطعن ومددهم متتابع فما جاء آخر أصحاب
القعقاع حتى انتهى إليهم هاشم وقد طلعوا في سبعمائة فأخبروه برأي القعقاع وما صنع
في يوميه فعبى أصحابه سبعين سبعين فلما جاء آخر أصحاب القعقاع خرج هاشم في
سبعين معه فيهم قيس بن هبيرة بن عبد يغوث ولم يكن من أهل الأيام إنما أتى
من اليمن اليرموك فانتدب مع هاشم فأقبل هاشم حتى إذا خالط القلب كبر، كبر
المسلمون وقد أخذوا مصافهم وقال هاشم أول القتال المطاردة ثم المراماة فأخذ
قوسه فوضع سهما على كبدها ثم نزع فيها فرفعت فرسه رأسها فخل أذنها فضحك
وقال وا سوأتاه من رمية رجل كل من رأى ينتظره أين ترون سهمي كان بالغا فقيل
العتيق فنزقها وقد نزع السهم ثم ضربها حتى بلغت العتيق ثم ضربها حتى بلغت العتيق
ثم ضربها فأقبلت به تخرقهم حتى عاد إلى موقفه وما زالت مقانبه تطلع إلى الأولى
وقد بات المشركون في علاج توابيتهم حتى أعادوها وأصبحوا على مواقفهم وأقبلت
الفيلة معها الرجالة يحمونها أن تقطع وضنها ومع الرجالة فرسان يحمونهم إذا أرادوا
كتيبة دلفوا لها بفيل واتباعه لينفروا بهم خيلهم فلم يكن ذلك منهم كما كان بالأمس
لان الفيل إذا كان وحده ليس معه أحد كان أوحش وإذا أطافوا به كان آنس
فكان القتال كذلك حتى عدل النهار وكان يوم عماس من أوله إلى آخره شديدا
59

العرب والعجم فيه على السواء ولا يكون بينهم نقطة إلا تعاورها الرجال بالأصوات
حتى تبلغ يزدجرد فيبعث إليهم أهل النجدات ممن بقى عنده فيقوون بهم وأصبحت
عنده للذي لقى بالأمس الامداد على البرد فلولا الذي صنع الله للمسلمين بالذي
ألهم القعقاع في اليومين وأتاح لهم بهاشم كسر ذلك المسلمين (كتب إلى
السري) عن شعيب عن سيف عن مجالد عن الشعبي قال قدم هاشم بن عتبة من
قبل الشأم معه قيس بن المكشوح المرادي في سبعمائة بعد فتح اليرموك ودمشق
فتعجل في سبعين فيهم سعيد بن نمران الهمداني قال مجالد وكان قيس بن أبي حازم
مع القعقاع في مقدمة هاشم (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن جخدب
ابن جرعب عن عصمة الوابلي وكان قد شهد القادسية قال قدم هاشم في أهل العراق
من الشأم فتعجل في أناس ليس معه أحد من غيرهم إلا نفير منهم ابن المكشوح
فلما دنا تعجل في ثلثمائة فوافق الناس وهم على مواقفهم فدخلوا مع الناس في صفوفهم
(كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن مجالد عن الشعبي قال كان اليوم
الثالث يوم عماس ولم يكن في أيام القادسية مثله خرج الناس منه على السواء كلهم
على ما أصابه كان صابرا وكلما بلغ منهم المسلمون بلغ الكافرون من المسلمين مثله
وكلما بلغ الكافرون من المسلمين بلغ المسلمون من الكافرين مثله (كتب إلي
السري) عن شعيب عن سيف عن عمرو بن الريان عن إسماعيل بن محمد بن سعد
قال قدم هاشم بن عتبة القادسية يوم عماس فكان لا يقاتل إلا على فرسن أنثى لا يقاتل
على ذكر فلما وقف في الناس رمى بسهم فأصاب أذن فرسه فقال وا سوأتاه من
هذه أين ترون سهمي كان بالغا ولم يصب أذن الفرس قالوا كذا وكذا فأجال
فنزل وترك فرسه ثم خرج يضربهم حتى بلغ حيث قالوا (كتب إلي السري) عن
شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وزياد قالوا وكان في الميمنة (كتب إلي السري)
عن شعيب عن سيف عن عمرو بن الريان عن إسماعيل بن محمد كنا نرى أنه
كان على الميمنة وما كان عامة جنن الناس ألا البراذع براذع الرحال قد أعرضوا
فيها الجريد وعصب من لم يكن له وقاية رؤسهم بالأنساع (كتب إلي السري) عن
60

شعيب عن سيف عن أبي كبران الحسن بن عقبة أن قيس بن المكشوح قال مقدمه من
الشأم مع هاشم وقام فيمن يليه فقال لهم يا معشر العرب إن الله قد من عليكم بالاسلام
وأكرمكم بمحمد صلى الله عليه وسلم فأصبحتم بنعمة الله إخوانا دعوتكم واحدة
وأمركم واحد بعد إذ أنتم يعدو بعضكم على بعض عدو الأسد ويختطف بعضكم
بعضا اختطاف الذئاب فانصروا الله ينصركم وتنجزوا من الله فتح فارس فإن
إخوانكم من أهل الشأم قد أنجز الله لهم فتح الشأم وانتثال القصور الحمر والحصون
الحمر (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن المقدام الحارثي عن الشعبي
قال قال عمرو بن معديكرب اني حامل على الفيل ومن حوله لفيل بإزائهم فلا
تدعوني أكثر من جزر جزور فإن تأخرتم عني فقد تم أبا ثور فأنى لكم مثل
أبي ثور فإن أدركتموني وجدتموني وفي يدي السيف فحمل فما انثنى حتى ضرب
فيهم وستره الغبار فقال أصحابه ما تنتظرون ما أنتم بخلقاء أن تدكوه وان فقدتموه
فقد المسلمون فارسهم فحملوا حملة فأفرج المشركون عنه بعد ما صرعوه وطعنوه
وان سيفه لفي يده يضاربهم وقد طعن فرسه فلما رأى أصحابه وانفرج عنه أهل فارس
أخذ برجل فرس رجل من أهل فارس فحركه الفارسي فاضطرب الفرس فالتفت
الفارسي إلى عمرو فهم به وأبصره المسلمون فغشوه فنزل عنه الفارسي وحاضر إلى
أصحابه فقال عمرو أمكنوني من لجامه فأمكنوه من فركبه (كتب إلي السري)
عن شعيب عن سيف عن عبد الله بن المغيرة العبدي عن الأسود بن قيس عن
أشياخ لهم شهدوا القادسية قالوا لما كان يوم عماس خرج رجل من العجم حتى
إذا كان بين الصفين هدر وشقشيق ونادى من يبارز فخرج رجل منا يقال له شبر
ابن علقمة وكان قصيرا قليلا دميما فقال يا معشر المسلمين قد أنصفكم الرجل فلم
يجبه أحد ولم يخرج إليه أحد فقال أما والله لولا أن تزدروني لخرجت إليه فلما
رأى أنه لا يمنع أخذ سيفه وحجفته وتقدم فلما رآه الفارسي هدر ثم نزل إليه
فاحتمله فجلس على صدره ثم أخذ سيفه ليذبحه ومقود فرسه مشدود بمنطقته
فلما استل السيف حاص الفرس حيصة فجذبه المقود فقلبه عنه فأقبل عليه وهو
61

يسحب فافترشه فجعل أصحابه يصيحون به فقال صيحوا ما بدا لكم فوالله لا أفارقه
حتى أقتله وأسلبه فذبحه وسلبه ثم أتى به سعدا فقال إذا كان حين الظهر فأتني
فوافاه بالسلب فحمد الله سعد وأثنى عليه ثم قال إني قد رأيت أن أنحله إياه وكل
من سلب سلبا فهو له فباعه باثني عشر ألفا (كتب إلى السري) عن شعيب عن
سيف عن محمد وطلحة وزياد قالوا ولما رأى سعد الفيلة تفرق بين الكتائب
وعادت لفعلها يوم ارماث أرسل إلى أولئك المسلمة ضخم ومسلم ورافع وعشنق
وأصحابهم من الفرس الذين أسلموا فدخلوا عليه فسألهم عن الفيلة هل لها مقاتل
فقالوا نعم المشافر والعيون لا ينتفع بها بعدها فأرسل إلى القعقاع وعاصم ابني
عمرو أكفياني الأبيض وكانت كلها آلفة له وكان بإزائهما وأرسل إلى حمال والربيل
اكفياني الفيل الأجرب وكانت آلفة له كلها وكان بإزائها فأخذ القعقاع وعاصم
رمحين أصمين لينين ودبا في خيل ورجل فقالا اكتنفوه لتحيروه وهما مع القوم
ففعل حمال والربيل مثل ذلك فلما خالطوهما اكتنفوهما فنظر كل واحد منهما
يمنة ويسرة وهما يريدان أن يتخبطا فحمل القعقاع وعاصم والفيل متشاغل بمن
حوله فوضعا رمحيهما معا في عيني الفيل الأبيض وقبع ونفض رأسه فطرح سائسه
ودلى مشفره فنفحه القعقاع فرمى به ووقع لجنبه فقتلوا من كان عليه وحمل حمال
وقال للربيل اختر إما أن تضرب المشفر وأطعن في عينه أو تطعن في عينه وأضرب
مشفره فاختار الضرب فحمل عليه وهو متشاغل بملاحظة من اكتنفه لا يخاف
سائسه إلا على بطانه فانفرد به أولئك فطعنه في عينه فأقعى ثم استوى ونفحه
الربيل فأبان مشفره وبصر به سائسه فبقر أنفه وجبينه بفأسه (كتب إلي السري)
عن شعيب عن سيف عن مجالد عن الشعبي قال قال رجلان من بني أسد يقال
لهما الربيل وحمال يا معشر المسلمين أي الموت أشد قالوا أن يشد على هذا الفيل
فنزقا فرسيهما حتى إذا قاما على السنابك ضرباهما على الفيل الذي بإزائهما فطعن
أحدهما في عين الفيل فوطئ الفيل من خلفه وضرب الآخر مشفره فضربه سائس
الفيل ضربة شائنة بالطبرزين في وجهه فأفلت بها هو والربيل وحمل القعقاع
62

وأخوه على الفيل الذي بإزائهما ففقأ عينيه وقطعا مشفره فبقى متلددا بين الصفين
كلما أتى صف المسلمين وخزوه وإذا أتى صف المشركين نخسوه (كتب إلي
السري) عن شعيب عن سيف عن عمرو عن الشعبي قال كان في الفيلة فيلان يعلمان
الفيلة فلما كان يوم القادسية حملوهما على القلب فأمر بهما سعد القعقاع وعاصما
التميميين وحمالا والربيل الأسديين فذكر مثل الأول إلا أن فيه وعاش بعد
وصاح الفيلان صياح الخنزير ثم ولى الأجرب الذي عور فوثب في العتيق فاتبعته
الفيلة فخرجت صف الأعاجم فعبرت العتيق في أثره فأثت المدائن في توابيتها وهلك
من فيها (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وزياد
قالوا فلما ذهبت الفيلة وخلص المسلمون بأهل فارس ومال الظل تزاحف المسلمون
وحماهم فرسانهم الذين قاتلوا أول النهار فاجتلدوا بها حتى أمسوا على حرد بالسيوف
وهم في ذلك على السواء لان المسلمين حين فعلوا بالفيول ما فعلوا تكتبت كتائب
الإبل المجففة فعرقبوا فيها وكفكفوا عنها وقال في ذلك القعقاع بن عمرو
حضض قومي مضرحي بن يعمر * فلله قومي حين هزوا العواليا
وما خام عنها يوم سارت جموعنا * لأهل قديس يمنعون المواليا
فإن كنت قاتلت العدو فللته * فإني لألقى في الحروب الدواهيا
فيولا أراها كالبيوت مغيرة * أسمل أعيانا لها ومآقيا
كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وزياد قالوا لما أمسى الناس من
يومهم ذلك وطعنوا في الليل اشتد القتال وصبر الفريقان فخرجا على السواء إلا
الغماغم من هؤلاء وهؤلاء فسميت ليلة الهرير لم يكن قتال بليل بعدها بالقادسية
(قال أبو جعفر) كتب إلى السري عن شعيب عن سيف عن عمرو بن محمد بن
قيس عن عبد الرحمن بن جيش ان سعدا بعث ليلة الهرير طليحة وعمرا إلى مخاضة
أسفل من العسكر ليقوما عليها خشية أن يأتيه القوم منها وقال لهما إن وجدتما
القوم قد سبقوكما إليها فانزلا بحيالهم وإن لم تجداهم علموا بها فأقيما حتى يأتيكما أمري
وكان عمر قد عهد إلى سعد ألا يولى رؤساء أهل الردة على مائة فلما انتهيا إلى المخاضة
63

فلم يريا فيها أحدا قال طليحة لو خضنا فأتينا الأعاجم من خلفهم فقال عمرو لا بل
نعبر أسفل فقال طليحة إن الذي أقوله أنفع للناس فقال عمرو إنك تدعوني إلى
ما لا أطيق فافترقا فأخذ طليحة نحو العسكر من وراء العتيق وحده وسفل عمرو
باصحابهما جميعا فأغاروا وثارت بهم الأعاجم وخشي سعد منهما الذي كان فبعث
قيس بن المكشوح في آثارهما في سبعين رجلا وكان من أولئك الرؤساء الذين
نهى عنهم أن يوليهم المائة وقال إن لحقتهم فأنت عليهم فخرج نحوهم فلما كان عند
المخاضة وجد القوم يكر دون عمرا وأصحابه فنهنه الناس عنه وأقبل قيس على عمرو
يلومه فتلاحيا فقال أصحابه إنه قد أمر عليك فسكت وقال يتأمر علي رجل قد قاتلته
في الجاهلية عمر رجل فرجع إلى العسكر وأقبل طليحة حتى إذا كان بحيال السكر
كبر ثلاث تكبيرات ثم ذهب فطلبه القوم فلم يدروا أين سلك وسفل حتى خاض
ثم أقبل إلى العسكر فأتى سعدا فأخبره فاشتد ذلك على المشركين وفرح المسلمون
وما يدرون ما هو (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن قدامة الكاهلي
عمن حدثه أن عشرة إخوة من بني كاهل بن أسد يقال لهم بنو حرب جعل أحدهم
يرتجز ليلتئذ ويقول
أنا ابن حرب ومعي مخراقي * أضربهم بصارم رقراق
إذ كره الموت أبو إسحاق * وجاشت النفس على التراقي
صبرا عفاق إنه الفراق
وكان عفاق أحد العشرة فأصيب فخذ صاحب هذا الشعر يومئذ فأنشأ يقول
صبرا عفاق إنها الأساورة * صبرا ولا تغررك رجل نادرة
فمات من ضربته يومئذ (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن النضر
عن ابن الرفيل عن أبيه عن حميد بن أبي شجار قال بعث سعد طليحة في حاجة
فتركها وعبر العتيق فدار إلى عسكر القوم حتى إذا وقف على ردم النهر كبر ثلاث
تكبيرات فراع أهل فارس وتعجب المسلمون فكف بعضهم عن بعض للنظر
في ذلك فأرسلت الأعاجم في ذلك وسأل المسلمون عن ذلك ثم إنهم عادوا وجددوا
64

تعبية وأخذوا في أمر لم يكونوا عليه في الأيام الثلاثة والمسلمون على تعبيتهم وجعل
طليحة بقول لا تعدموا امرء ضعضعكم وخرج مسعود بن مالك الأسدي وعاصم
ابن عمرو التميمي وابن ذي البردين الهلالي وابن ذي السهمين وقيس بن هبيرة
الأسدي وأشباههم فطاردوا القوم وانبعثوا للقتال فإذا القوم لمة لا يشدون
ولا يريدون غير الزحف فقدموا صفا له أذنان وأتبعوا آخر مثله وآخر وآخر
حتى تمت صفوفهم ثلاثة عشر صفا في القلب والمجنبتين كذلك فلما أقدم عليهم فرسان
العسكر راموهم فلم يعطفهم ذلك عن ركوبهم ثم لحقت بالفرسان الكتائب فأصيب
ليلتئذ خالد بن يعمر التميمي ثم العمري فحمل القعقاع على ناحيته التي رمى بها مزدلفا
فقاموا على ساق فقال القعقاع
سقى الله يا خوصاء قبر ابن يعمر * إذا ارتحل السفار لم يترحل
سقى الله أرضا حلها قبر خالد * ذهاب غواد مدجنات تجلجل
فأقسمت لا ينفك سيفي يحسهم * فإن زحل الأقوام لم أتزحل
فزاحفهم والناس على راياتهم بغير إذن سعد فقال سعد اللهم اغفرها له وانصره
قد أذنت له إذ لم يستأذني والمسلمون على مواقفهم إلا من تكتب أو طاردهم وهم
ثلاثة صفوف فصف فيه الرجالة أصحاب الرماح والسيوف وصف فيه المرامية
وصف فيه الخيول وهم أمام الرجالة وكذلك الميمنة وكذلك الميسرة وقال سعد ان
الامر الذي صنع القعقاع فإذا كبرت ثلاثا فازحفوا فكبر تكبيرة فتهيؤا ورأى
الناس كلهم مثل الذي رأى والرحى تدور على القعقاع ومن معه (كتب إلي
السري) عن شعيب عن سيف عن عبيد الله بن عبد الأعلى عن عمرو بن مرة قال
وقام قيس بن هبيرة المرادي فيمن يليه ولم يشهد شيئا من لياليها إلا تلك الليلة فقال
إن عدوكم قد أبى إلا المزاحفة والرأي رأي أميركم وليس بأن تحمل الخيل ليس
معها الرجالة فان القوم إذا زحفوا وطاردهم عدوهم على الخيل لا رجال معهم
عقروا بهم ولم يطيقوا أن يقدموا عليهم فتيسروا للحملة فتيسروا وانتظروا
التكبيرة وموافقة حمل الناس وان نشاب الأعاجم لتجوز صف المسلمين (كتب
65

إلي السري) عن شعيب عن سيف عن المستنير بن يزيد عمن حدثه قال وقال
دريد بن كعب النخعي وكان معه لواء النخع إن المسلمين قد تهيؤا للمزاحفة فاسبقوا
المسلمين الليلة إلى الله والجهاد فإنه لا يسبق الليلة أحد إلا كان ثوابه على قدر
سبقه نافسوهم في الشهادة وطيبوا بالموت نفسا فإنه أنجى من الموت إن كنتم تريدون
الحياة وإلا فالآخرة ما أردتم (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن الأجلح
قال قال الأشعث بن قيس يا معشر العرب إنه لا ينبغي أن يكون هؤلاء القوم أجرأ
على الموت ولا أسخى أنفسا عن الدنيا تنافسوا الأزواج والأولاد ولا تجزعوا من
القتل فإنه أماني الكرام ومنايا الشهداء وترجل (كتب إلي السري) عن شعيب
عن سيف عن عمرو بن محمد قال قال حنظلة بن الربيع وأمراء الأعشار ترجلوا
أيها الناس وافعلوا كما نفعل ولا تجزعوا مما لابد منه فالصبر أنجى من الفزع وفعل
طليحة وغالب وحمال وأهل النجدات من جميع القبائل مثل ذلك (كتب إلي
السري) عن شعيب عن سيف عن عمرو والنضر بن السري قالا ونزل ضرار
ابن الخطاب القرشي وتتابع على التسرع إليهم الناس كلهم فيما بين تكبيرات سعد
حين استبطؤه فلما كبر الثانية حمل عاصم بن عمرو وحتى انضم إلى القعقاع وحملت
النخع وعصى الناس كلهم سعدا فلم ينتظروا الثالثة إلا الرؤساء فلما كبر الثالثة
زحفوا فلحقوا بأصحابهم وخالطوا القوم فاستقبلوا الليل استقبالا بعد ما صلوا
العشاء (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن الوليد بن عبد الله بن
أبي طيبة عن أبيه قال حمل الناس ليلة الهرير عامة ولم ينتظروا بالحملة سعدا وكان
أول من حمل القعقاع فقال اللهم اغفرها له وانصره وقال وا تميماه سائر الليلة ثم
قال أرى الامر ما فيه هذا فإذا كبرت ثلاثا فاحملوا فكبر واحدة فلحقهم أسد
فقيل قد حملت أسد فقال اللهم اغفرها لهم وانصرهم وا أسداه سائر الليلة ثم قيل
حملت النخع فقال اللهم اغفرها لهم وانصرهم وا نخعاه سائر الليلة ثم قيل حملت بجيلة
فقال اللهم اغفرها لهم وانصرهم وا بجيلتاه ثم حملت الكنود فقيل حملت كندة فقال
وا كندتاه ثم زحف الرؤساء بمن انتظر التكبيرة فقامت حربهم على ساق حتى الصباح
66

فذلك ليلة الهرير (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن محمد بن نويرة عن عمه
أنس بن الحليس قال شهدت ليلة الهرير فكان صليل الحديد فيها كصوت القيون
ليلتهم حتى الصباح أفرغ عليهم الصبر إفراغا وبات سعد بليلة لم يبت بمثلها ورأى
العرب والعجم أمرا لم يروا مثله قط وانقطعت الأصوات والاخبار عن رستم
وسعد وأقبل سعد على الدعاء حتى إذا كان وجه الصبح انتهى الناس فاستدل
بذلك على أنهم الأعلون وأن الغلبة لهم (كتب إلي السري) عن شعيب عن
سيف عن عمرو بن محمد عن الأعور بن بيان المنقري قال أول شئ سمعه سعد
ليلتئذ مما يستدل به على الفتح في نصف الليل الباقي صوت القعقاع بن عمرو وهو يقول
نحن قتلنا معشرا وزائدا * أربعة وخمسة وواحدا
نحسب فوق اللبد الأساودا * حتى إذا ماتوا دعوت جاهدا
الله ربي واحترزت عامدا
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن عمرو عن الأعور ومحمد
عن عمه والنضر عن ابن الرفيل قالوا اجتلدوا تلك الليلة من أولها حتى الصباح
لا ينطقون كلامهم الهرير فسميت ليلة الهرير (كتب إلي السري) عن شعيب
عن سيف عن عمرو بن الريان عن مصعب بن سعد قال بعث سعد في تلك الليلة
بجادا وهو غلام إلى الصف إذ لم يجد رسولا فقال انظر ما ترى من حالهم فرجع
فقال ما رأيت أي بني قال رأيتهم يلعبون فقال أو يجدون (كتب إلى السري)
عن شعيب عن سيف عن محمد بن جرير العبدي عن عابس الجعفي عن أبيه قال كانت
بإزاء جعفي يوم عماس كتيبة من كتائب العجم عليهم السلاح التام فازدلفوا لهم
فجالدوهم بالسيوف فرأوا أن السيوف لا تعمل في الحديد فارتدعوا فقال حميضة
ما لكم قالوا لا يجوز فيهم السلاح قال كما أنتم حتى أريكم انظروا فحمل على رجل
منهم فدق ظهره بالرمح ثم التفت إلى أصحابه فقال ما أراهم إلا يموتون دونكم فحملوا
عليهم فأزالوهم إلى صفهم (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن مجالد
عن الشعبي قال لا والله ما شهدها من كندة خاصة إلا سبعمائة وكان بإزائهم ترك
67

الطبري فقال الأشعث يا قوم ازحفوا لهم فزحف لهم في سبعمائة فأزالهم وقتل
تركا فقال راجزهم
نحن تركنا تركهم في المصطره * مختضبا من بهران الابهره
(ليلة القادسية)
(كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وزياد قالوا وأصبحوا
ليلة القادسية وهي صبحة ليلة الهرير وهي تسمى ليلة القادسية من بين تلك الأيام
والناس حسرى لم يغمضوا ليلتهم كلها فسار القعقاع في الناس فقال إن الدبرة بعد ساعة
لمن بدأ القوم فاصبروا ساعة واحملوا فإن النصر مع الصبر فآثروا الصبر على الجزع
فاجتمع إليه جماعة من الرؤساء وصمدوا لرستم حتى خالطوا الذين دونه مع الصبح
ولما رأت ذلك القبائل قام فيها رجال فقام قيس بن عبد يغوث والأشعث بن
قيس وعمرو بن معديكرب وابن ذي السهمين الخثعمي وابن ذي البردين الهلالي
فقالوا لا يكونن هؤلاء أجد في أمر الله منكم ولا يكونن هؤلاء لأهل فارس أجرأ
على الموت منكم ولا أسخى أنفسا عن الدنيا تنافسوها فحملوا مما يليهم حتى خالطوا
الذين بإزائهم وقام في ربيعة رجال فقالوا أنتم أعلم الناس بفارس وأجراهم عليهم
فيما مضى فما يمنعكم اليوم أن تكونوا أجرأ مما كنتم بالجرءة فكان أول من زال
حين قام قائم الظهيرة الهرمزان والبيرزان فتأخروا وثبتا حيث انتهيا وانفرج
القلب حين قام قائم الظهيرة وركد عليهم النقع وهبت ريح عاصف فقلعت طيارة
رستم عن سريره فهوت في العتيق وهي دبور ومال الغبار عليهم وانتهى القعقاع
ومن معه إلى السرير فعثروا به وقد قام رستم عنه حين طارت الريح بالطيارة إلى
بغال قد قدمت عليه بمال يومئذ فهي واقفة فاستظل في ظل بغل وحمله وضرب
هلال بن علفة الحمل الذي رستم تحته فقطع حباله ووقع عليه أحد العدلين ولا يراه
هلال ولا يشعر به فأزال من ظهره فقارا ويضربه ضربة فنفحت مسكا ومضى
رستم نحو العتيق فرمى بنفسه فيه واقتحمه هلال عليه فتناوله وقد عام وهلال قائم
68

فأخذ برجله ثم خرج به إلى الجد فضرب جبينه بالسيف حتى قتله ثم جاء به حتى رمى به
بين أرجل البغال وصعد السرير ثم نادى قتلت رستم ورب الكعبة إلي فأطافوا
به وما يحسون السرير ولا يرونه وكبروا وتنادوا وانبث قلب المشركين عندها
وانهزموا وقام الجالنوس على الردم ونادى أهل فارس إلى العبور وانسفر الغبار
فاما المقترنون فإنهم جشعوا فتهافتوا في العتيق فوخزهم المسلمون برماحهم فما أفلت منهم
مخبروهم ثلاثون ألفا وأخذ ضرار بن الخطاب درفش كابيان فعوض منها ثلاثين
ألفا وكانت قيمتها ألف ألف ومائتي ألف وقتلوا في المعركة عشرة آلاف سوى
من قتلوا في الأيام قبله (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن عطية
عن عمرو بن سلمة قال قتل هلال بن علفة رستم يوم القادسية (كتب إلي
السري) عن شعيب عن سيف عن ابن مخراق عن أبي كعب الطائي عن أبيه
قال أصيب من الناس قبل ليلة الهرير ألفان وخمسمائة وقتل ليلة الهرير ويوم القادسية
ستة آلاف من المسلمين فدفنوا في الخندق بحيال مشرق (كتب إلي السري)
عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وزياد قالوا لما انكشف أهل فارس فلم
يبق منهم بين الخندق والعتيق أحد وطبقت القتلى ما بين قديس والعتيق أمر
سعد زهرة باتباعهم فنادى زهرة في المقدمات وأمر القعقاع بمن سفل وشرحبيل
بمن علا وأمر خالد بن عرفطة بسلب القتلى وبدفن الشهداء فدفن الشهداء شهداء
ليلة الهرير ويوم القادسية حول قديس ألفان وخمسمائة وراء العتيق بحيال مشرق
ودفن شهداء ما كان قبل ليلة الهرير على مشرق وجمعت الأسلاب والأموال
فجمع منها شئ لم يجمع قبله ولا بعده مثله وأرسل سعد إلى هلال فدعى له فقال
أين صاحبك قال رميت به تحت أبغل قال اذهب فجئ به فذهب فجاء به فقال جرده
إلا ما شئت فأخذ سلبه فلم يدع عليه شيئا ولما رجع القعقاع وشرحبيل قال لهذا
أغد فيما طلب هذا وقال لهذا اغد فيما طلب هذا فعلا هذا وسفل هذا حتى بلغا
مقدار الخرارة من القادسية وخرج زهرة بن الحوية في آثارهم وانتهى إلى الردم
وقد بثقوه ليمنعوهم به من الطلب فقال زهرة يا بكير أقدم فضرب فرسه وكان
69

يقاتل على الإناس فقال ثبى أطلال فتجمعت وقالت وثبا وسورة البقرة
وأوثب زهرة وكان عن حصان وسائر الخيل فاقتحمته وتتابع على ذلك ثلثمائة
فارس ونادى زهرة حيت كاعت الخيل خذوا أيها الناس على القنطرة وعارضونا
فمضى ومضى الناس إلى القنطرة يتبعونه فلحق بالقوم والجالنوس في آخرهم يحميهم
فشاوله زهرة فاختلفا ضربتين فقتله زهرة وأخذ سلبه وقتلوا ما بين الخرارة إلى
السيلحين إلى النجف وأمسوا فرجعوا فباتوا بالقادسية (كتب إلي السري)
عن شعيب عن سيف عن عبد الله بن شبرمة عن شقيق قال اقتحمنا القادسية صدر
النهار فتراجعنا وقد أتى الصلاة وقد أصيب المؤذن فتشاح الناس في الاذان حتى
كادوا أن يجتلدوا بالسيوف فأقرع سعد بينهم فخرج سهم رجل فأذن (ثم رجع
الحديث) وتراجع الطلب الذين طلبوا من علا على القادسية ومن سفل عنها وقد
أتى الصلاة وقد قتل المؤذن فتشاحوا على الاذان فأقرع بينهم سعد وأقاموا بقية
يومهم ذلك وليلتهم حتى رجع زهرة وأصبحوا وهم جميع لا ينتظرون أحدا من
جندهم وكتب سعد بالفتح وبعدة من قتلوا ومن أصيب من المسلمين وسمى لعمر
من يعرف مع سعد بن عميلة الفزاري (كب إلي السري) عن شعيب عن سيف
عن النضر عن ابن الرفيل عن أبيه قال دعاني سعد فأرسلني أنظر له في القتلى وأسمى
له رؤسهم فأتيته فأعلمته ولم أر رستم في مكانه فأرسل إلى رجل من التيم يدعى هلالا
فقال ألم تبلغني أن قتلت رستم قال بلى قال فما صنعت به قال ألقيته تحت قوائم
الأبغل قال فكيف قتلته فأخبره حتى قال ضربت جبينه وأنفه قال فجئنا به فأعطاه
سلبه وكان قد تخفف حين وقع إلى الماء فباع الذي عليه بسبعين ألفا وكانت قيمة
قلنسوته مائة ألف لو ظفر بها وجاء نفر من العباد حتى دخلوا على سعد فقالوا أيها
الأمير رأينا جسد رستم على باب قصرك وعليه رأس غيره وكان الضرب قد شوهه
فضحك (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وزياد قالوا
وقال الديلم ورؤساء أهل المسالح الذين استجابوا للمسلمين وقاتلوا معهم على غير
الاسلام اخواننا الذين دخلوا في هذا الامر من أول الشأن أصوب منا وخير ولا
70

والله لا يفلح أهل فارس بعد رستم الا من دخل في هذا الامر منهم فأسلموا
وخرج صبيان العسكر في القتلى ومعهم الأداوى يسقون من به رمق من المسلمين
ويقتلون من به رمق من المشركين وانحدروا من العذيب مع العشاء قال وخرج
زهرة في طلب الجالنوس وخرج القعقاع وأخوه وشرحبيل في طلب من ارتفع
وسفل فقتلوهم في كل قرية وأجمة وشاطئ نهر ورجعوا فوافوا صلاة الظهر وهنأ
الناس أميرهم وأثنى على كل حي خيرا وذكره منهم (كتب إلي السري) عن
شعيب عن سيف عن سعيد بن المرزبان قال خرج زهرة حتى أدرك الجالنوس
ملكا من ملوكهم بين الخرارة والسيلحين وعليه يارقان وقلبان وقرطان على
برذون له قد خضد فحمل عليه فقتله قال والله إن زهرة يومئذ لعلى فرس له ما عنانها
إلا من حبل مضفور كالمقود وكذلك حزامها شعر منسوج فجاء بسلبه إلى سعد
فعرف الأسارى الذين عند سعد سلبه فقالوا هذا سلب الجالنوس فقال له سعد هل
أعانك عليه أحد قال نعم قال من قال فنفله الله سلبه (كتب إلى السري) عن شعيب
عن سيف عن عبيدة عن إبراهيم قال كان سعد استكثر له سلبه فكتب فيه إلى عمر
فكتب إليه عمر إني قد نفلت من قتل رجلا سلبه فدفعه إليه فباعه بسبعين ألفا * وعن
سيف عن البرمكان والمجالد عن الشعبي قال لحق به زهرة فرفع له الكرة فما يخطئها
بنشابة فالتقيا فضربه زهرة فجد له ولزهرة يومئذ ذؤابة وقد سود في الجاهلية وحسن
بلاؤه في الاسلام وسابقة وهو يومئذ شاب فتدرع زهرة ما كان على الجالنوس فبلغ
بضعة وسبعين ألفا فلما رجع إلى سعد نزع سلبه وقال ألا انتظرت اذني وتكاتبا فكتب
عمر إلى سعد تعمد إلى مثل زهرة وقد صلى بمثل ما صلى به وقد بقى عليك من
حربك ما بقى تكسر قرنه وتفسد قلبه امض له سلبه وفضله على أصحابه عند العطاء
بخمسمائة * وعن سيف عن عبيد عن عصمة قال كتب عمر إلى سعد أنا أعلم بزهرة
منك وان زهرة لم يكن ليغيب من سلب سلبه شيئا فإن كان الذي سعى به إليك
كاذبا فلقاه الله مثل زهرة في عضديه يارقان وإني قد نفلت كل من قتل رجلا
سلبه فدفعه إليه فباعه بسبعين ألفا * وعن سيف عن عبيدة عن إبراهيم وعامر أن
71

أهل البلاء يوم القادسية فضلوا عند العطاء بخمسمائة خمسمائة في أعطياتهم خمسة
وعشرين رجلا منهم زهرة وعصمة الضبي والكلج وأما أهل الأيام فإنه فرض
لهم على ثلاثة آلاف فضلوا على أهل القادسية * وعن سيف عن عبيدة عن يزيد
الضخم قال فقيل لعمر لو ألحقت بهم أهل القادسية فقال لم أكن لألحق بهم من
لم يدركهم وقيل له في أهل القادسية لو فضلت من بعدت داره على ما قاتلهم
بفنائه قال وكيف أفضلهم عليهم على بعد دارهم وهم شجن العد وما سويت بينهم
حتى استطبتهم فهلا فعل المهاجرين بالأنصار إذ قاتلوا بفنائهم مثل هذا * وعن
سيف عن المجالد عن الشعبي وسعيد بن المرزبان عن رجل من بني عبس قال لما
زال رستم عن مكانه ركب بغلا فلما دنا منه هلال نزع له نشابة فأصاب قدمه
فشكها في الركاب وقال بيايه فأقبل عليه هلال فنزل فدخل تحت البغل فلما لم يصل
إليه قطع عليه المال ثم نزل إليه ففلق هامته * وعن سيف عن عبيدة عن شقيق
قال حملنا على الأعاجم يوم القادسية حملة رجل واحد فهزمهم الله فلقد رأيتني
أشرت إلى إسوار منهم فجاء إلى وعليه السلاح التام فضربت عنقه ثم أخذت
ما كان عليه * وعن سيف عن سعيد بن المرزبان عن رجل من بني عبس قال أصاب
أهل فارس يومئذ بعد ما انهزموا ما أصاب الناس قبلهم قتلوا حتى إن كان الرجل
من المسلمين ليدعو الرجل منهم فيأتيه حتى يقوم بين يديه فيضرب عنقه وحتى إنه
ليأخذ سلاحه فيقتله به وحتى إنه ليأمر الرجلين أحدهما بصاحبه وكذلك في
العدة * وعن سيف عن يونس بن أبي إسحاق عن أبيه عمن شهدها قال أبصر سلمان
ابن ربيعة الباهلي أناسا من الأعاجم تحت راية لهم قد حفروا لها وجلسوا تحتها
وقالوا لا نبرح حتى نموت فحمل عليهم فقتل من كان تحتها وسلبهم وكان سلمان
فارس الناس يوم القادسية وكان أحد الذين مالوا بعد الهزيمة على من ثبت والآخر
عبد الرحمن بن ربيعة ذو النور ومال على آخرين قد تكتبوا ونصبوا للمسلمين
فطحنهم بخيله * وعن سيف عن الغصن عن القاسم عن البهي أن الشعبي قال كان
يقال لسلمان أبصر بالمفاصل من الجازر بمفاصل الجزوز فكان موضع المحبس
72

اليوم دار عبد الرحمن بن ربيعة والتي بينها وبين دار المختار دار سلمان وأن الأشعث
ابن قيس استقطع فناء كان قدامها هو اليوم في دار المختار فأقطعه فقال له ما جرأك
علي يا أشعث والله لئن حزتها لأضربنك بالجنثى يعني سيفه فانظر ما يبقى منك
بعد فصدف عنها ولم يتعرض لها * وعن سيف عن المهلب ومحمد وطلحة وأصحابه
قالوا وثبت بعد الهزيمة بضع وثلاثون كتيبة استقتلوا وامتحيوا من الفرار فأبادهم
الله فصمد لهم بضعة وثلاثون من رؤساء المسلمين ولم يتبعوا فالة القوم فصمد
سلمان بن ربيعة لكتيبة وعبد الرحمن بن ربيعة ذو النور لاخرى فصمد لكل
كتيبة منها رأس من رؤساء المسلمين وكان قتال أهل هذه الكتائب من أهل
فارس على وجهين فمنهم من كذب فهرب ومنهم من ثبت حتى قتل فكان ممن هرب
من أمراء تلك الكتائب الهرمزان وكان بإزاء عطارد واهود وكان بإزاء حنظلة
ابن الربيع وهو كاتب النبي صلى الله عليه وسلم وزاذ بن بهيش وكان بإزاء عاصم
ابن عمرو وقارن وكان بإزاء القعقاع بن عمرو وكان ممن استقتل شهريار بن كنارا
وكان بإزاء سلمان وابن الهربذ وكان بإزاء عبد الرحمن والفرخان الأهوازي
وكان بإزاء بسر بن أبي رهم الجهني وخسر وشنوم الهمذاني وكان بحيال ابن
الهذيل الكاهلي ثم إن سعدا اتبع بعد ذلك القعقاع وشرحبيل من صوب في هزيمته
أو صعد عن العسكر واتبع زهرة بن الحوية الجالنوس
ذكر حديث ابن إسحاق
(قال أبو جعفر الطبري رحمه الله) رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق
قال ومات المثنى بن حارثة وتزوج سعد بن أبي وقاص امرأته سلمى ابنة خصفة
وذلك في سنة أربعة عشر وأقام تلك الحجة للناس عمر بن الخطاب ودخل أبو عبيدة
ابن الجراح تلك السنة دمشق فشتا بها فلما أصافت الروم سار هرقل في الروم حتى
نزل أنطاكية ومعه من المستعربة لخم وجذام وبقين وبلى وعاملة وتلك القبائل
من قضاعة وغسان بشر كثير ومعه من أهل أرمينية مثل ذلك فلما نزلها أقام بها
73

وبعث الصقلار خصيا له فسار بمائة ألف مقاتل معه من أهل أرمينية اثنا عشر ألفا
عليهم جرجة ومعه من المستعربة من غسان وتلك القبائل من قضاعة اثنا عشر ألفا
عليهم جبلة بن الأيهم الغساني وسائرهم من الروم وعلى جماعة الناس الصقلار
خصى هرقل وسار إليهم المسلمون وهو أربعة وعشرون ألفا عليهم أبو عبيدة
ابن الجراح فالتقوا باليرموك في رجب سنة خمسة عشر فاقتتل الناس قتالا شديدا
حتى دخل عسكر المسلمين وقاتل نساء من نساء قريش بالسيوف حين دخل العسكر
منهن أم حكيم بنت الحارث بن هشام حتى سابقن الرجال وقد كان انضم إلى المسلمين
حين ساروا إلى الروم ناس من لخم وجذام فلما رأوا جد القتال فروا ونجوا إلى
ما كان قربهم من القرى وخذلوا المسلمين * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن
محمد بن إسحاق عن يحيى بن عروة بن الزبير عن أبيه قال قال قائل من المسلمين
حين رأى من لخم وجذام ما رأى
القوم لخم وجذام في الهرب * ونحن والروم بمرج نضطرب
فإن يعودوا بعدها لا نصطحب
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن وهب بن كيسان عن عبد الله
ابن الزبير قال كنت مع أبي الزبير عام اليرموك فلما تعبي المسلمون للقتال لبس
الزبير لامته ثم جلس على فرسه ثم قال لموليين له احبسا عبد الله بن الزبير معكما
في الرحل فإنه غلام صغير قال ثم توجه فدخل في الناس فلما اقتتل الناس والروم
نظرت إلى ناس وقوف على تل لا يقاتلون مع الناس قال فأخذت فرسا للزبير
كان خلفه في الرحل فركبته ثم ذهبت إلى أولئك الناس فوقفت معهم فقلت
انظر ما يصنع الناس فإذا أبو سفيان بن حرب في مشيخة من قريش من مهاجرة
الفتح وقوفا لا يقاتلون فلما رأوني وآوى غلاما حدثا فلم يتقوني قال فجعلوا والله
إذا مال المسلمون وركبتهم الجرب للروم يقولون إيه إيه بلأصفر فإذا مالت
الروم وركبهم المسلمون قالوا يا ويح بلأصفر فجعلت أعجب من قولهم فلما هزم الله
الروم ورجع الزبير جعلت أحدثه خبرهم قال فجعل يضحك ويقول قاتلهم الله
74

أبوا إلا ضغنا وماذا لهم إن يظهر علينا الروم لنحن خير لهم منهم ثم إن الله تبارك
وتعالى أنزل نصره فهزمت الروم وجموع هرقل التي جمع فأصيب من الروم أهل
أرمينية والمستعربة سبعون ألفا وقتل الله الصقلار وباهان وقد كان هرقل قدمه
مع الصقلار حين لحق به فلما هزمت الروم بعث أبو عبيدة عياض بن غنم في طلبهم
فسلك الأعماق حتى بلغ ملطية فصالحه أهلها على الجزية ثم انصرف ولما سمع
هرقل بذلك بعث إلى مقاتلتها ومن فيها فساقهم إليه وأمر بملطية فحرقت وقتل
من المسلمين يوم اليرموك من قريش من بني أمية بن عبد شمس عمرو بن سعيد بن
العاصي وأبان بن سعيد بن العاصي ومن بني مخزوم عبد الله بن سفيان بن عبد الأسد
ومن بني سهم سعيد بن الحارث بن قيس قال وفي أخر سنة خمسة عشرة قتل الله
رستم بالعراق وشهد أهل اليرموك حين فرغوا منه يوم القادسية مع سعد بن أبي وقاص
وذلك أن سعدا حين حسر عنه الشتاء سار من شراف يريد القادسية فسمع به
رستم فخرج إليه بنفسه فلما سمع بذلك سعد وقف وكتب إلى عمر يستمده فبعث
إليه عمر المغيرة بن شعبة الثقفي في أربعمائة رجل مددا من المدينة وأمد بقيس
ابن مكشوح المرادي في سبعمائة فقدموا عليه من اليرموك وكتب إلى أبي عبيدة
أن أمد سعد بن أبي وقاص أمير العراق بألف رجل من عندك ففعل أبو عبيدة
وأمر عليهم عياض بن غنم الفهري وأقام تلك الحجة للناس عمر بن الخطاب سنة
خمسة عشرة وقد كان لكسرى مرابطة في قصر بني مقاتل عليها النعمان بن قبيصة
وهو ابن حية الطائي ابن عم قبيصة بن إياس بن حية الطائي صاحب الحيرة فكان
في منظرة له فلما سمع بسعد بن أبي وقاص سأل عنه عبد الله بن سنان بن جرير الأسدي
ثم الصيداوي فقيل له رجل من قريش فقال أما إذ كان قرشيا فليس بشئ والله
لأجاهدنه القتال إنما قريش عبيد من غلب والله ما يمنعون خفيرا ولا يخرجون
من بلادهم إلا بخفير فغضب حين قال ذلك عبد الله بن سنان الأسدي فأمهله حتى
إذا دخل عليه وهو نائم فوضع الرمح بين كتفيه فقتله ثم لحق بسعد فأسلم وقال في
قتله النعمان بن قبيصة
75

لقد غادر الأقوام ليلة أدلجوا * بقصر العبادي ذا الفعال مجدلا
دلفت له تحت العجاج بطعنة * فأصبح منها في النجيع مرملا
أقول له والرمح في نغض كتفه * أبا عامر عنك اليمين تحللا
سقيت بها النعمان كأسا روية * وعاطيته بالرمح سما مثملا
تركت سباع الجو يعرفن حوله * وقد كان عنها لابن حية معزلا
كفيت قريشا إذ تغيب جمعها * وهدمت للنعمان عزا مؤثلا
ولما لحق سعد بن أبي وقاص المغيرة بن شعبة وقيس بن مكشوح فيمن معهما
سار إلى رستم حين سمع به حتى نزل قادس قرية إلى جانب العذيب فنزل الناس بها
ونزل سعد في قصر العذيب وأقبل رستم في جموع فارس ستين ألفا مما أحصى لنا
في ديوانه سوى التباع والرقيق حتى نزل القادسية وبينه وبين الناس العتيق جسر
القادسية وسعد في منزله وجع قد خرج به قرح شديد ومعه أبو محجن بن حبيب
الثقفي محبوس في القصر حبسه في شرب الخمر فلما أن نزل بهم رستم إليهم أن
ابعثوا إلي رجلا منكم جليدا أكلمه فبعثوا إليه المغيرة بن شعبة فجاءه وقد فرق
رأسه أربع فرق فرقة بين يديه إلى قفاه وفرقة إلى أذنيه ثم عقص شعره ولبس
بردا له ثم أقبل حتى انتهى إلى رستم ورستم من وراء الجسر العتيق مما يلي العراق
والمسلمون من ناحيته الأخرى مما يلي الحجاز فيما بين القادسية والعذيب فكلمه
رستم فقال إنكم معشر العرب كنتم أهل شقاء وجهد وكنتم تأتوننا من بين تاجر
وأجير ووافد فأكلتم من طعامنا وشربتم من شرابنا واستظللتم من ظلالنا
فذهبتم فدعوتم أصحابكم ثم أتيتمونا بهم وإنما مثلكم مثل رجل كان له حائط
من عنب فرأى فيه ثعلبا واحدا فقال ما ثعلب واحد فانطلق الثعلب فدعا الثعالب
إلى الحائط فلما اجتمعن فيه جاء الرجل فسد الجحر الذي دخلن منه ثم قتلهن
جميعا وقد أعلم أن الذي حملكم على هذا معشر العرب الجهد الذي قد أصابكم
فارجعوا عنا عامكم هذا فإنكم قد شغلتمونا عن عمارة بلادنا وعن عدونا ونحن
نوقر لكم ركائبكم قمحا وتمرا ونأمر لكم بكسوة فارجعوا عنا عافاكم الله فقال المغيرة
76

ابن شعبة لا تذكر لنا جهدا إلا وقد كنا في مثله أو أشد منه أفضلنا في أنفسنا
عيشا الذي يقتل ابن عمه ويأخذ ماله فيأكله نأكل الميتة والدم والعظام فلم نزل
كذلك حتى بعث الله فينا نبيا وأنزل عليه الكتاب فدعانا إلى الله والى ما بعثه به
فصدقه منا مصدق وكذبه منا آخر فقاتل من صدقه من كذبه حتى دخلنا في دينه من بين
موقن به وبين مقهور حين استبان لنا أنه صادق وأنه رسول من عند الله فأمرنا
أن نقاتل من خالفنا وأخبرنا أن من قتل منا على دينه فله الجنة ومن عاش ملك
وظهر على من خالفه فنحن ندعوك إلى أن تؤمن بالله ورسوله وتدخل في ديننا
فإن فعلت كانت لك بلادك لا يدخل عليك فيها إلا من أحببت وعليك الزكاة والخمس
وإن أبيت ذلك فالجزية وإن أبيت ذلك قاتلناك حتى يحكم الله بيننا وبينك قال
له رستم ما كنت أظن أني أعيش حتى أسمع منكم هذا معشر العرب لا أمسى غدا
حتى أفرغ منكم وأقتلكم كلكم ثم أمر بالعتيق أن يسكر فبات ليلته يسكر بالزرع
والتراب والقصب حتى أصبح وقد تركه طريقا مهيعا وتعبى له المسلمون فجعل
سعد على جماعة الناس خالد بن عرفطة حليف بني أمية بن عبد شمس وجعل على ميمنة
الناس جرير بن عبد الله البجلي وجعل على ميسرتهم قيس بن المكشوح المرادي ثم
زحف إليهم رستم وزحف إليه المسلمون وما عامة جنهم فما حدثنا ابن حميد قال
حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر غير براذع الرحال قد عرضوا فيها
الجريد يترسون بها عن أنفسهم وما عامة ما وضعوه على رؤوسهم إلا أنساع الرحال
يطوى الرجل نسع رحله على رأسه يتقى به والفرس فيما بينهم من الحديد واليلامق
فاقتتلوا قتالا شديدا وسعد في القصر ينظر معه سلمى بنت خصفة وكانت قبله عند
المثنى بن حارثة فجالت الخيل فرعبت سلمى حين رأت الخيل فقالت وا مثنياه
ولا مثنى لي اليوم فغار سعد فلطم وجهها فقالت أغيرة وجبنا فلما رأى أبو محجن
ما تصنع الخيل حيت جالت وهو ينظر من قصر العذيب وكان مع سعد فيه قال
كفى حزنا أن تردى الخيل بالقنا * وأترك مشدودا علي وثاقيا
إذا قمت عناني الحديد وأغلقت * مصاريع دوني لا تجيب المناديا
77

وقد كنت ذا مال كثير وإخوة * فقد تركوني واحدا إلا أخا ليا
فكلم زبراء أم ولد سعد وكان عندها محبوسا وسعد في رأس الحصن ينظر
إلى الناس فقال يا زبراء أطلقيني ولك علي عهد الله وميثاقه لئن لم أقتل لأرجعن
إليك حتى تجعلي الحديد في رجلي فأطلقته وحملته على فرس لسعد بلقاء وخلت سبيله
فجعل يشد على العدو وسعد ينظر فجعل سعد يعرف فرسه وينكرها فلما أن فرغوا
من القتال وهزم الله جموع فاوس رجع أبو محجن إلى زبراء فأدخل رجله في قيده
فلما نزل سعد من رأس الحصن رأى فرسه تعرق فعرف أنها قد ركبت فسأل
عن ذلك زبراء فأخبرته خبر أبي محجن فخلى سبيله * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة
قال حدثنا محمد بن إسحاق قال وقد كان عمرو بن معديكرب شهد القادسية مع
المسلمين * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود
النخعي عن أبيه قال شهدت القادسية فلقد رأيت غلاما منا من النخع يسوق ستين
أو ثمانين رجلا من أبناء الأحرار فقلت لقد أذل الله أبناء الأحرار * حدثنا ابن حميد
قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن إسماعيل بن أبي خالد مولى بجيلة عن قيس
ابن أبي حازم البجلي وكان ممن شهد القادسية مع المسلمين قال كان معنا يوم القادسية
رجل من ثقيف فلحق بالفرس مرتدا فأخبرهم أن بأس الناس في الجانب الذي به
بجيلة قال وكنا ربع الناس فوجهوا إلينا ستة عشر فيلا وإلى سائر الناس فيلين
وجعلوا يلقون تحت أرجل خيولنا حسك الحديد ويرشقوننا بالنشاب فكأنه
المطر علينا وقرنوا خيلهم بعضها إلى بعض لئلا يفروا قال وكان عمرو بن معديكرب
يمر بنا فيقول يا معشر المهاجرين كونوا أسودا فإنما الأسد من أغنى شأنه
فإنما الفارسي تيس إذا ألقى نيزكه قال وكان إسوار منهم لا يكاد تسقط له نشابة
فقلنا له يا أبا ثور اتق ذلك الفارسي فإنه لا تقع له نشابة فتوجه إليه ورماه الفارسي
بنشابة فأصاب قوسه وحمل عليه عمرو فاعتنقه فذبحه واستلبه سوارين من ذهب
ومنطقة من ذهب ويلمقا من ديباج وقتل الله رستم وأفاء على المسلمين عسكره
وما فيه وإنما المسلمون ستة آلاف أو سبعة آلاف وكان الذي قتل رستم هلال
78

ابن علفة التيمي رآه فتوجه إليه فرماه رستم بنشابة فأصاب قدمه وهو يتبعه فشكها
إلى ركاب سرجه رستم يقول بالفارسية ببايه أي كما أنت وحمل عليه هلال بن علفة
فضربه فقتله ثم أحتز رأسه فعلقه وولت الفرس فأتبعهم المسلمون يقتلونهم فلما
بلغت الفرس الخرارة نزلوا فشربوا من الخمر وطعموا من الطعام ثم خرجوا
يتعجبون من رميهم وأنه لم يعمل في العرب وخرج جالنوس فرفعوا له كرة فهو
يرميها ويشكها بالنشاب ولحق بهم فرسان من المسلمين وهم هنالك فشد على جالنوس
زهرة بن حوية التميمي فقتله وانهزمت الفرس فلحقوا بدير قرة وما وراءه ونهض
سعد بالمسلمين حتى نزل بدير قرة على من هنالك من الفرس وقد قدم عليهم وهم
بدير قرة عياض بن غنم في مدده من أهل الشأم وهم ألف رجل فأسهم له سعد
ولأصحابه مع المسلمين فيما أصابوا بالقادسية وسعد وجع من قرحته تلك وقال
جرير بن عبد الله
أنا جرير كنيتي أبو عمر * قد نصر الله وسعد في القصر
وقال رجل من المسلمين أيضا
نقاتل حتى أنزل الله نصره * وسعد بباب القادسية معصم
فأبنا وقد آمت نساء كثيرة * ونسوة سعد ليس فيهم أيم
قال ولما بلغ ذلك من قولهما سعدا خرج إلى الناس فاعتذر إليهم وأراهم ما به
من القرح في فخذيه وأليتيه فعذره الناس ولم يكن سعد لعمري يجبن فقال
سعد يجيب جريرا فيما قال
وما أرجو بجيلة غير أنى * أؤمل أجرهم يوم الحساب
فقد لقيت خيولهم خيولا * وقد وقع الفوارس في ضراب
وقد دلفت بعرصتهم فيول * كأن زهاءها إبل جراب
ثم إن الفرس هربت من ديرقرة إلى المدائن يريدون نهاوند واحتملوا معهم
الذهب والفضة والديباج والفرند والحرير والسلاح وثياب كسرى وبناته خلوا
ما سوى ذلك وأتبعهم سعد الطلب من المسلمين فبعث خالد بن عرفطة حليف بني
79

أمية ووجه معه عياض بن غنم في أصحابه وجعل على مقدمة الناس هاشم بن عتبة
ابن أبي وقاص وعلى ميمنتهم جرير بن عبد الله البجلي وعلى ميسرتهم زهرة بن حوية
التميمي وتخلف سعد لما به من الوجع فلما أفرق سعد من وجعه ذلك اتبع الناس
بمن بقى معه من المسلمين حتى أدركهم دون دجلة على بهرسير فلما وضعوا على
دجلة العسكر والأثقال طلبوا المخاضة فلم يهتدوا لها حتى أتى سعدا علج من أهل
المدائن فقال أدلكم على طريق تدركونهم قبل أن يمعتوا في السير فخرج بهم على
مخاضة بقطربل فكان أول من خاض المخاضة هاشم بن عتبة في رجله فلما جاز اتبعته
خيله ثم أجاز خالد بن عرفطة بخيلة ثم أجاز عياض بن غنم بخيله ثم تتابع الناس
فخاضوا حتى أجازوا فزعموا أنه لم يهتد لتلك المخاضة بعد ثم ساروا حتى انتهوا إلى
مظلم ساباط فأشفق الناس أن يكون به كمين للعدو فتردد الناس وجبنوا عنه
فكان أول من دخله بجيشه هاشم بن عتبة فلما أجاز ألاح للناس بسيفه فعرف الناس
أن ليس به شئ تخافونه فأجاز بهم خالد بن عرفطة ثم لحق سعد بالناس حتى انتهوا
إلى جلولاء وبها جماعة من الفرس فكانت وقعة جلولاء بها فهزم الله الفرس وأصاب
المسلمون بها من الفئ أفضل مما أصابوا بالقادسية وأصيب ابنة لكسرى يقال
لها منجانة ويقال بل ابنة ابنه وقال شاعر من المسلمين
يا رب مهر حسن مطهم * يحمل أثقال الغلام المسلم
ينجو إلى الرحمن من جهنم * يوم جلولاء ويوم رستم
ويوم زحف الكوفة المقدم * ويوم لاقي ضيقة مهزم
وخر دين الكافرين للفم
ثم كتب سعد إلى عمر بما فتح الله على المسلمين فكتب إليه عمر أن قف ولا
تطلبوا غير ذلك فكتب إليه سعد أيضا إنما هي سربة أدركناها والأرض بين
أيدينا فكتب إليه عمر أن قف مكانك ولا تتبعهم واتخذ للمسلمين دار جهرة ومنزل
جهاد ولا تجعل بيني وبين المسلمين بحرا فنزل سعد بالناس الأنبار فاجتووها
وأصابتهم بها الحمى فلم توافقهم فكتب سعد إلى عمر يخبره بذلك فكتب إلى
80

سعد أنه لا تصلح العرب الا حيث يصلح البعير والشاة في منابت العشب فانظر
فلاة في جنب البحر فارتد للمسلمين بها منزلا قال فسار سعد حتى نزل كويفة عمر بن
سعد فلم توافق الناس مع الذباب والحمى فبعث سعد رجلا من الأنصار يقال له
الحارث بن سلمة ويقال بل عثمان بن حنيف أخا بني عمرو بن عوف فارتاد لهم موضع
الكوفة اليوم فنزلها سعد بالناس وخط مسجدها وخط فيها الخطط للناس وقد
كان عمر بن الخطاب خرج في تلك السنة إلى الشأم فنزل الجابية وفتحت عليه إيلياء
مدينة بيت المقدس وبعث فيها أبو عبيدة بن الجراح حنظلة بن الطفيل السلمي إلى
حمص ففتحها الله على يديه واستعمل سعد بن أبي وقاص على المدائن رجلا من
كندة يقال له شرحبيل بن السمط وهو الذي يقول فيه الشاعر
ألا ليتني والمرء سعد بن مالك * وزبراء وابن السمط في لجة البحر
ذكر أحوال أهل السواد
(كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن عبد الملك بن عمير عن قبيصة
ابن جابر قال قال رجل منا يوم القادسية مع الفتح
نقاتل حتى أنزل الله نصره * وسعد بباب القادسية معصم
فأبنا وقد آمت نساء كثيرة * ونسوة سعد ليس فيهن أيم
فبعث بها في الناس فبلغت سعدا فقال اللهم إن كان كاذبا أو قال الذي قال رياء
وسمعة وكذبا فاقطع عني لسانه ويده وقال قبيصة فوالله إنه لواقف بين الصفين
يومئذ إذ أقبلت نشابة لدعوة سعد حتى وقعت في لسانه فيبس شقه فما تكلم بكلمة
حتى لحق بالله (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن المقدام بن شريح
الحارثي عن أبيه قال قال جرير يومئذ
أنا جرير كنيتي أبو عمرو * قد نصر الله وسعد في القصر
فأشرف عليه سعد فقال
وما أرجوا بجيلة غير أنى * أؤمل أجرها يوم الحساب
81

وقد لقيت خيولهم خيولا * وقد وقع الفوارس في الضراب
فلولا جمع قعقاع بن عمرو * حمال للجوا في الكذاب
هم متعوا جموعكم بطعن * وضرب مثل تشقيق الإهاب
ولولا ذاك ألفيتم رعاعا * تشل جموعكم مثل الذباب
(كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن القاسم بن سليم بن عبد الرحمن
السعدي عن عثمان بن رجاء السعدي قال كان سعد بن مالك أجرأ الناس وأشجعهم انه
نزل قصرا غير حصين بين الصفين فأشرف منه على الناس ولو أعراه الصف فواق ناقة
أخذ برمته فوالله ما أكرثه هول تلك الأيام ولا أقلقه (كتب إلى السري) عن شعيب
عن سيف عن سليمان بن بشير عن أم كثير امرأة همام بن الحارث النخعي قالت شهدنا
القادسية مع سعد مع أزواجنا فلما أتانا أن قد فرغ من الناس شددنا علينا ثيابنا وأخذنا
الهراوي ثم أتينا القتلى فما كان من المسلمين سقيناه ورفعناه وما كان من المشركين أجهزنا
عليه وتبعنا الصبيان نوليهم ذلك ونصرفهم به (كتب إلى السري) عن شعيب
عن سيف عن عطية وهو ابن الحارث عمن أدرك ذلك قال لم يكن من قبائل العرب
أحد أكثر امرأة يوم القادسية من بجيلة والنخع وكان في النخع سبعمائة امرأة فارغة
وفي بجيلة ألف فصاهر هؤلاء ألف من أحياء العرب وهؤلاء سبعمائة وكانت النخع
تسمى أصهار المهاجرين وبجيلة وإنما جرأهم على الانتقال بأثقالهم توطئة خالد
والمثنى بعد خالد وأبي عبيدة بعد المثنى وأهل الأيام فلاقوا بأسا بعد ذلك شديدا
(كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن محمد والمهلب وطلحة قالوا وكان
بكير بن عبد الله الليثي وعتبه بن فرقد السلمي وسماك بن خرشة الأنصاري
وليس بأبي دجانة قد خطبوا امرأة يوم القادسية وكان مع الناس نساؤهم وكانت
مع النخع سبعمائة امرأة فارغة وكانوا يسمون أختان المهاجرين حتى كان قريبا
فتزوجهن المهاجرون قبل الفتح وبعد الفتح حتى استوعبوهن فصار إليهن سبعمائة
رجل من الأفناء فلما فرغ الناس خطب هؤلاء النفر هذه المرأة وهي أروى ابنة
عامر الهلالية هلال النخع وكانت أختها هنيدة تحت القعقاع بن عمرو التميمي
82

فقالت لأختها استشيري زوجك أيهم يراه لنا ففعلت وذلك بعد الوقعة وهم بالقادسية
فقال القعقاع سأصفهم في الشعر فانظري لأختك وقال
إن كنت حاولت الدراهم فانكحي * سماكا أخا الأنصار أو ابن فرقد
وإن كنت حاولت الطعان فيممي * بكيرا إذا ما الخيل جالت عن الردى
وكلهم في ذروة المجد نازل * فشأنكم إن البيان عن الغد
وقالوا وكانت العرب توقع وقعة العرب وأهل فارس في القادسية فيما بين
العذيب إلى عدن أبين وفيما بين الأبلة وأيلة يرون أن ثبات ملكهم وزواله
بها وكانت في كل بلد مصيخة إليها تنظر ما يكون من أمرها حتى إن كان الرجل ليريد
الامر فيقول لا أنظر فيه حتى أنظر ما يكون من أمر القادسية فلما كانت وقعة
القادسية سارت بها الجن فأتت بها ناسا من الانس فسبقت أخبار الانس إليهم
قالوا فبدرت امرأة ليلا على جبل بصنعاء لا يدري من هي وهي تقول
حييت عنا عكرم ابنة خالد * وما خير زاد بالقليل المصرد
وحيتك عني الشمس عند طلوعها * وحياك عني كل ناج مفرد
وحيتك عني عصبة نخعية * حسان الوجوه آمنوا بمحمد
أقاموا لكسرى يضربون جنوده * بكل رقيق الشفرتين مهند
إذا ثوب الداعي أناخوا بكلكل * من الموت تسود الغياطل مجرد
وسمع أهل اليمامة مجتازا يغنى بهذه الأبيات
وجدنا الأكثرين بني تميم * غداة الروع أصبرهم رجالا
هم ساروا بأرعن مكفهر * إلى لجب فزرتهم رعالا
بحور للأكاسر من رجال * كاسد الغاب تحسبهم جبالا
تركن لهم بقادس عز فخر * وبالخيفين أياما طوالا
مقطعة أكفهم وسوق * بمردى حيث قابلت الرجالا
قال وسمع بنحو ذلك في عامة بلاد العرب (كتب إلى السري) عن شعيب
عن سيف عن محمد والمهلب وطلحة قالوا وكتب سعد بالفتح وبعدة من قتلوا
83

وبعدة من أصيب من المسلمين وسمى لعمر من يعرف مع سعد بن عميلة الفزاري
وشاركهم النضر بن السري عن ابن الرفيل بن ميسور وكان كتابه أما بعد فان الله
نصرنا على أهل فارس ومنحهم سنن من كان قبلهم من أهل دينهم بعد قتال طويل
وزلزال شديد وقد لقوا المسلمين بعدة لم ير الراؤن مثل زهائها فلم ينفعهم الله بذلك
بل سلبهموه ونقله عنهم إلى المسلمين واتبعهم المسلمون على الأنهار وعلى طفوف
الآجام وفي الفجاج وأصيب من المسلمين سعد بن عبيد القارئ وفلان وفلان
ورجال من المسلمين لا نعلمهم الله بهم عالم كانوا يدوون بالقرآن إذا جن عليهم
الليل دوى النحل وهم آساد الناس لا يشبههم الأسود ولم يفضل من مضى منهم من
بقى إلا بفضل الشهادة إذ لم يكتب لهم (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف
عن مجالد بن سعيد قال لما أتى عمر بن الخطاب نزول رستم القادسية كان يستخبر
الركبان عن أهل القادسية من حين يصبح إلى انتصاف النهار ثم يرجع إلى أهله ومنزله
قال فلما لقى البشير سأله من أين فأخبره قال يا عبد الله حدثني قال هزم الله العدو
وعمر يخب معه ويستخبره والآخر يسير على ناقته ولا يعرفه حتى دخل المدينة
فإذا الناس يسلمون عليه بإمرة المؤمنين فقال الرجل فهلا أخبرتني رحمك الله
إنك أمير المؤمنين وجعل عمر يقول لا عليك يا أخي (كتب إلى السري)
عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة والمهلب وزياد قالوا وأقام المسلمون في
انتظار بلوغ البشير وأمر عمر يقومون أقباضهم ويحزرون جندهم ويرمون
أمورهم قالوا وتتابع أهل العراق من أصحاب الأيام الذين شهدوا اليرموك ودمشق
ورجعوا ممدين لأهل القادسية فتوافوا بالقادسية من الغد ومن بعد الغد
وجاء أولهم يوم أغواث وآخرهم من بعد الغد من يوم الفتح وقدمت أمداد
فيها مراد وهمدان ومن أفناء الناس فكتبوا فيهم إلى عمر يسألونه عما
ينبغي أن يسار به فيهم وهذا الكتاب الثاني بعد الفتح مع نذير بن عمرو ولما أتى
عمر الفتح قام في الناس فقرأ عليهم الفتح وقال إني حريص على أن لا أدع حاجة
إلا سددتها ما اتسع بعضنا لبعض فإذا عجز ذلك عنا تأسينا في عيشنا حتى نستوي
84

في الكفاف ولوددت أنكم علمتم من نفسي مثل الذي وقع فيها لكم ولست معلمكم
إلا بالعمل إني والله ما أنا بملك فأستعبدكم وإنما أنا عبد الله عرض علي الأمانة
فإن أبيتها ورددتها عليكم واتبعتكم حتى تشبعوا في بيوتكم وترووا سعدت
وإن أنا حملتها واستتبعتكم إلى بيتي شقيت ففرحت قليلا وحزنت طويلا وبقيت
لا أقال؟ ولا أرد فأستعتب قالوا وكتبوا إلى عمر مع أنس بن الحليس أن أقواما
من أهل السواد ادعوا عهودا ولم يقم على عهد أهل الأيام لنا ولم يف به أحد
علمناه إلا أهل بانيقا وبسما وأهل أليس الآخرة وادعى أهل السواد أن فارس
أكرهوهم وحشروهم فلم يخالفوا إلينا ولم يذهبوا في الأرض وكتب مع أبي الهياج
الأسدي يعني ابن مالك أن أهل السواد جلوا فجاءنا من أمسك بعهده ولم يجلب
علينا فتممنا لهم ما كان بين المسلمين قبلنا وبينهم وزعموا أن أهل السواد قد لحقوا
بالمدائن فأحدث إلينا فيمن تم وفيمن جلا وفيمن ادعى أنه استكره وحشر
فهرب ولم يقاتل أو استسلم فأنا بأرض رغيبة في الأرض خلاء من أهلها وعددنا
قليل وقد كثر أهل صلحنا وإن أعمر لها وأوهن لعدونا تألفهم فقام عمر في الناس
فقال إنه من يعمل بالهوى والمعصية يسقط حظه ولا يضر إلا نفسه ومن يتبع
السنة وينته إلى الشرائع ويلزم السبيل النهج ابتغاء ما عند الله لأهل الطاعة أصاب
أمره وظفر بحظه وذلك بأن الله عز وجل يقول (ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم
ربك أحدا) وقد ظفر أهل الأيام والقوادس بما يليهم وجلا أهله وأتاهم من أقام
على عهدهم فما رأيكم فيمن زعم أنه استكره وحشر وفيمن لم يدع ذلك ولم يقم
وجلا وفيمن أقام ولم يدع شيئا ولم يجل وفيمن استسلم فأجمعوا على أن الوفاء
لمن أقام وكف لم يزده غلبه الا خيرا وأن من ادعى فصدق أو وفى فبمنزلتهم وإن
كذب نبذ إليهم وأعادوا صلحهم وأن يجعل أمر من جلا إليهم فإن شاؤوا وادعوهم
وكانوا لهم على ذمة وإن شاؤوا تموا على منعهم من أرضهم ولم يعطوهم إلا القتال
وأن يخيروا من أقام واستسلم الجزاء أو الجلاء وكذلك الفلاح وكتب جواب
كتاب أنس ابن الحليس أما بعد فإن الله جل وعلا أنزل في كل شئ رخصة في
85

بعض الحالات إلا في أمرين العدل في السيرة والذكر فأما الذكر فلا رخصة
فيه في حالة ولم يرض منه إلا بالكثير وأما العدل فلا رخصة فيه في قريب ولا بعيد
ولا في شدة ولا رخاء والعدل وإن رؤى لينا فهو أقوى وأطفأ للجور وأقمع للباطل
من الجور وإن رؤى شديدا فهو أنكش للكفر فمن تم على عهده من أهل السواد
ولم يعن عليكم بشئ فلهم الذمة وعليهم الجزية وأما من ادعى أنه استكره ممن
لم يخالفهم إليكم أو يذهب في الأرض فلا تصدقوهم بما ادعوا من ذلك إلا أن
تشاؤوا وإن لم تشاؤا فانبذ إليهم وأبلغوهم مأمنهم وأجابهم في كتاب أبي الهياج
أما من أقام ولم يجل وليس له عهد فلهم ما لأهل العهد بمقامهم لكم وكفهم عنكم
إجابة وكذلك الفلاحون إذا فعلوا ذلك وكل من ادعى ذلك فصدق فلهم الذمة
وإن كذبوا نبذ إليهم وأما من أعان وجلا فذلك أمر جعله الله لكم فإن شئتم فادعوهم
إلى أن يقيموا لكم في أرضهم ولهم الذمة وعليهم الجزية وإن كرهوا ذلك فاقسموا
ما أفاء الله عليكم منهم فلما قدمت كتب عمر على سعد بن مالك والمسلمين عرضوا
على من يليهم ممن جلا وتنحى عن السواد أن يتراجعوا ولهم الذمة وعليهم الجزية
فتراجعوا وصاروا ذمة كمن تم ولزم عهده إلا أن خراجهم أثقل فأنزلوا من
ادعى الاستكراه وهرب منزلتهم وعقدوا لهم وأنزلوا من أقام منزلة ذي العهد
وكذلك الفلاحين ولم يدخلوا في الصلح ما كان لآل كسرى ولا ما كان لمن خرج
معهم ولم يجبهم إلى واحدة من اثنتين الاسلام أو الجزاء فصارت فيئا
لمن أفاء الله عليه فهي والصوافي الأولى ملك لمن أفاء الله عليه وسائر السواد ذمة
وأخذوهم بخراج كسرى وكان خراج كسرى على رؤس الرجال على ما في يد أيهم
من الحصة والأموال وكان مما أفاء الله عليهم ما كان لآل كسرى ومن صوب
معهم وعيال من قاتل معهم وماله وما كان لبيوت النيران والآجام ومستنقع المياه
وما كان للسكك وما كان لآل كسرى فلم يتأت قسم ذلك الفئ الذي كان لآل كسرى
ومن صوب معهم لأنه كان متفرقا في كل السواد فكان يليه لأهل الفئ من وثقوا
به وتراضوا عليه فهو الذي يتداعاه أهل الفئ لأعظم السواد وكانت الولاة عند
86

تنازعهم فيها تهاون بقسمة بينهم فذلك الذي شبه على الجهلة أمر السواد ولو أن
الحلماء جامعوا السفهاء الذين سألوا الولاة قسمة لقسموه بينهم ولكن الحلماء أبوا
فتابع الولاة الحلماء وترك قول السفهاء كذلك صنع على رحمه الله وكل من طلب إليه قسم
ذلك فإنما تابع الحلماء وترك قول السفهاء وقالوا لئلا يضرب بعضهم وجوه بعض
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد بن قيس عن عامر الشعبي قال
قلت له السواد ما حاله قال أخذه عنوة وكذلك كل أرض إلا الحصون فجلا أهلها فدعوا
إلى الصلح والذمة فأجابوا وتراجعوا فصاروا ذمة وعليهم الجزاء ولهم المنعة وذلك
هو السنة كذلك صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدومة وبقى ما كان لآل كسرى
ومن خرج معهم فيئا لمن أفاء الله عليه (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف
عن طلحة وسفيان عن ماهان قالوا فتح الله السواد عنوة وكذلك كل أرض
بينها وبين نهر بلخ إلا حصنا ودعوا إلا الصلح فصاروا ذمة وصارت لهم أرضوهم
ولم يدخلوا في ذلك أموال آل كسرى ومن اتبعهم فصارت فيئا لمن أفاء الله
عليه ولا يكون شئ من الفتوح فيئا حتى يقسم وهو قوله ما غنمتم من شئ مما
اقتسمتم (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن إسماعيل بن مسلم عن
الحسن بن أبي الحسن قال عامة ما أخذ المسلمون عنوة فدعوهم إلى الرجوع
والذمة وعرضوا عليهم الجزاء فقبلوه ومنعوهم * وعن سيف عن عمرو
ابن محمد عن الشعبي قال قلت له إن أناسا يزعمون أن أهل السواد عبيد فقال
فعلام يؤخذ الجزاء من العبيد أخذ السواد عنوة وكل أرض علمتها إلا حصنا في
جبل أو نحوه فدعوا إلى الرجوع فرجعوا وقبل منهم الجزاء وصاروا ذمة وإنما
يقسم من الغنائم ما تغنم فأما ما لم يغنم وأجاب أهله إلى الجزاء من قبل أن يتغنم
فلهم جرت السنة بذلك (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن أبي ضمرة
عن عبد الله بن المستورد عن محمد بن سيرين قال البلدان كلها أخذت عنوة إلا حصون
قليلة عاهدوا قبل أن ينزلوا ثم دعوا يعني الذين أخذوا عنوة إلى الرجوع والجزاء
فصاروا ذمة أهل السواد والجبل كله أمر لم يزل يصنع في أهل الفئ وإنما عمل عمر
87

والمسلمون في هذا الجزاء والذمة على آخر ما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم
في ذلك وقد كان بعث خالد بن الوليد من تبوك إلى دومة الجندل فأخذها عنوة
وأخذ ملكها أكيدر بن عبد الملك أسيرا فدعاه إلى الذمة والجزاء وقد أخذت
بلاده عنوة وأخذ أسيرا وكذلك فعل بابني عريض وقد أخذا فادعيا أنهما أوداؤه
فعقد لهما على الجزاء والذمة وكذلك كان أمر يحنة بن رؤبة صاحب أيلة وليس
المعمول به من الأشياء كرواية الخاصة من روى غير ما عمل به أئمة العدول المسلمون
فقد كذب وطعن عليهم * وعن سيف عن حجاج الصواف عن مسلم مولى حذيفة
قال تزوج المهاجرون والأنصار في أهل السواد يعني في أهل الكتابين منهم ولو
كانوا عبيدا لم يستحلوا ذلك ولم يحل لهم أن ينكحوا إماء أهل الكتاب لان الله
تعالى يقول (ومن لم يستطع منكم طولا) الآية ولم يقل فتياتهم من أهل الكتابين
* وعن سيف عن عبد الملك بن أبي سليمان عن سعيد بن جبير قال بعث عمر بن
الخطاب إلى حذيفة بعد ما ولاه المدائن وكثر المسلمات أنه بلغني أنك تزوجت
امرأة من أهل المدائن من أهل الكتاب فطلقها فكتب إليه لا أفعل حتى تخبرني
أحلال أم حرام وما أردت بذلك فكتب إليه لا بل حلال ولكن في نساء الأعاجم
خلابة فان أقبلتم عليهن غلبنكم على نسائكم فقال الآن فطلقها (كتب إلى السري)
عن شعيب عن سيف عن أشعث بن سوار عن أبي الزبير عن جابر قال شهدت
القادسية مع سعد فتزوجنا نساء أهل الكتاب ونحن لا نجد كبير مسلمات فلما قفلنا
فمنا من طلق ومنا من أمسك وعن سيف عن عبد الملك بن أبي سليمان عن سعيد
ابن جبير قال أخذ السواد عنوة فدعوا إلى الرجوع والجزاء فأجابوا إليه فصاروا
ذمة إلا ما كان لآل كسرى وأتباعهم فصار فيئا لأهله وهو الذي يتحجى أهل
الكوفة إلى أن جهل ذلك فحسبوه السواد كله وأما سوادهم فذلك * وعن سيف
عن المستنير بن يزيد عن إبراهيم بن يزيد النخعي قال أخذ السواد عنوة فدعوا إلى
الرجوع فمن أجاب فعليه الجزية وله الذمة ومن أبى صار ماله فيئا فلا يحل بيع
شئ من ذلك الفئ فيما بين الجبل إلى العذيب من أرض السواد ولا في الجبل *
88

وعن سيف عن محمد بن قيس عن الشعبي بمثله لا يحل بيع شئ من ذلك الفئ فيما
بين الجبل والعذيب وعن سيف عن عمرو بن محمد عن عامر قال أقطع الزبير
وخباب وابن مسعود وابن ياسر وابن هبار أزمان عثمان فان يكن عثمان أخطأ
فالذين قبلوا منه الخطأ أخطأ وهم الذين أخذنا عنهم ديننا وأقطع عمر طلحة وجرير
ابن عبد الله والربيل بن عمرو وأقطع أبا مفزر دار الفيل في عدد ممن أخذنا عنهم
وإنما القطائع على وجه النفل من خمس ما أفاء الله * وكتب عمر إلى عثمان بن حنيف
مع جرير أما بعد فأقطع جرير بن عبد الله قدر ما يقوته لا وكس ولا شطط فكتب
عثمان إلى عمر ان جريرا قدم علي بكتاب منك تقطعه ما يقوته فكرهت أن أمضى
ذلك حتى أراجعك فيه فكتب إليه عمر أن قد صدق جرير فأنفذ ذلك وقد أحسنت
في مؤامرتي وأقطع أبا موسى وأقطع علي رحمه الله كردوس بن هانئ الكردوسية
وأقطع سويد بن غفلة الجعفي * وعن سيف عن ثابت بن هريم عن سويد بن غفلة
قال استقطعت عليا رحمه الله فقال اكتب هذا ما أقطع علي سويدا أرضا لدا ذويه
ما بين كذا إلى كذا وما شاء الله * وعن سيف عن المستنير عن إبراهيم بن يزيد قال
قال عمر إذا عاهدتم قوما فابرؤا إليهم من معرة الجيوش فكانوا يكتبون في الصلح
لمن عاهدوا ونبرأ إليكم من معرة الجيوش (وقال الواقدي) كانت وقعة القادسية
وافتتاحها سنة ستة عشر وكان بعض أهل الكوفة يقول كانت وقعة القادسية سنة خمسة
عشر قال والثبت عندنا أنها كانت في سنة أربعة عشر وأما محمد بن إسحاق فإنه قال كانت
سنة خمسة عشر وقد مضى ذكرى الرواية عنه بذلك
ذكر بناء البصرة
(قال أبو جعفر) وفي سنة أربعة عشرة أمر عمر بن الخطاب رحمه الله فيما زعم
الواقدي الناس بالقيام في المساجد في شهر رمضان بالمدينة وكتب إلى الأمصار
يأمر المسلمين بذلك (وفي) هذه السنة أعني سنة أربعة عشرة وجه عمر بن الخطاب
عتبة بن غزوان إلى البصرة وأمر بنزولها بمن معه وقطع مادة أهل فارس عن
89

الذين بالمدائن ونواحيها منهم في قول المدائني وروايته وزعم سيف أن البصرة
مصرت في ربيع سنة ستة عشر وأن عتبة بن غزوان إنما خرج إلى البصرة
من المدائن بعد فراغ سعد من جلولاء وتكريت والحصنين وجهه إليها سعد
بأمر عمر (كتب إلى السري) عن شعيب عنه فحدثني عمر بن شبة قال حدثنا
علي بن محمد عن أبي مخنف عن مجالد عن الشعبي قال قتل مهران سنة أربعة
عشر في صفر فقال عمر لعتبة يعني ابن غزوان قد فتح الله عز وجل على
إخوانكم الحيرة وما حولها وقتل عظيم من عظمائها ولست آمن أن يمدوهم
إخوانهم من أهل فارس فإني أريد أوجهك إلى أرض الهند لتمنع أهل تلك
الجيزة من امداد اخوانهم على اخوانكم وتقاتلهم لعل الله أن يفتح عليكم فسر على
بركة الله واتق الله ما استطعت واحكم بالعدل وصل الصلاة لوقتها وأكثر ذكر الله
فأقبل عتبة في ثلثمائة وبضعة عشر رجلا وضوى إليه قوم من الاعراب وأهل
البوادي فقدم البصرة في خمسمائة يزيدون قليلا أو ينقصون قليلا فنزلها في شهر
ربيع الأول أو الآخر سنة أربعة عشر والبصرة يومئذ تدعى أرض الهند فيها
حجارة بيض خشن فنزل الخريبة وليس بها الا سبع دساكر بالزابوقة والخريبة
وموضع بني تميم والأزد ثنتان بالخريبة وثنتان بالأزد وثنتان في موضع بني تميم
وواحدة بالزابوقة فكتب إلى عمر ووصف له منزله فكتب إليه عمر أجمع للناس
موضعا واحدا ولا تفرقهم فأقام عتبة أشهرا لا يغزو ولا يلقى أحدا * وأما محمد بن
بشار فإنه حدثنا قال حدثنا صفوان بن عيسى الزهري قال حدثنا عمرو بن عيسى
أبو نعامة العدوي قال سمعت خالد بن عمير وشويسا أبا الرقاد قالا بعث عمر
ابن الخطاب عتبة بن غزوان فقال له انطلق أنت ومن معك حتى إذا كنتم في أقصى
أرض العرب وأدنى أرض العجم فأقيموا فأقبلوا حتى إذا كانوا بالمربد وجدوا
هذا الكذان قالوا ما هذه البصرة فساروا حتى بلغوا حيال الجسر الصغير فإذا فيه
حلفاء وقصب نابتة فقالوا ههنا أمرتم فنزلوا دون صاحب الفرات فأتوه فقالوا
إن ههنا قوما معهم راية وهم يريدونك فاقبل في أربعة آلاف إسوار فقال ما هم الا
90

ما أرى اجعلوا في أعناقهم الحبال وأتوني بهم فجعل عتبة يرجل وقال إني شهدت
الحرب مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا زالت الشمس قال احملوا فحملوا عليهم
فقتلوهم أجمعين فلم يبق منهم أحد الا صاحب الفرات أخذوه أسيرا فقال عتبة
ابن غزوان ابغوا لنا منزلا هو أنزه من هذا وكان يوم عكاك وومد فرفعوا له منبرا
فقام يخطب فقال إن الدنيا قد تصرمت وولت حذاء ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة
الاناء ألا وإنكم منتقلون منها إلى دار القرار فانتقلوا بخير ما بحضرتكم وقد ذكر لي
لو أن صخرة ألقيت من شفير جهنم هوت سبعين خريفا ولتملأنه أوعجبتم ولقد
ذكر لي أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين عاما وليأتين عليه
يوم وهو كظيظ ولقد رأيتني وأنا سابع سبعة مع النبي صلى الله عليه وسلم ما لنا
طعام إلا ورق السمر حتى تقرحت أشداقنا والتقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد
فما منا من أولئك السبعة من أحد إلا وهو أمير مصر من الأمصار وسيجربون
الناس بعدنا وعن سيف عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو قالوا لما توجه عتبة بن
غزوان المازني من بني مازن بن منصور من المدائن إلى فرج الهند نزل على الشاطئ
بحيال جزيرة العرب فأقام قليلا ثم أرز ثم شكوا ذلك حتى أمره عمر بأن ينزل
الحجر بعد ثلاثة أوطان إذا جتووا الطين فنزلوا في الرابعة البصرة والبصرة كل أرض
حجارتها جص وأمر لهم بنهر يجري من دجلة فساقوا إليها نهرا للشفة وكان أيطال
أهل البصرة البصرة اليوم وإيطان أهل الكوفة الكوفة اليوم في شهر واحد فأما
أهل الكوفة فكان مقامهم قبل نزولها المدائن إلى أن وطنوها وأما أهل البصرة
فكان مقامهم على شاطئ دجلة ثم أرزو مرات حتى استقروا وبدؤا فخنسوا فرسخا
وجروا معهم نهرا ثم فرسخا ثم جروه ثم فرسخا ثم جروه ثم أتوا الحجر ثم جروه
واختطت على نحو من خطط الكوفة وكان على إنزال البصرة أبو الجرباء عاصم
ابن الدلف أحد بني غيلان بن مالك بن عمرو بن تميم وقد كان قطبة بن قتادة فيما
حدثني عمر قال حدثنا المدائني عن النضر بن إسحاق السلمي عن قطبة بن قتادة السدوسي
يغير بناحية الخريبة من البصرة كما كان المثنى بن حارثة الشيباني يغير بناحية الحيرة فكتب
91

إلى عمر يعلمه مكانه وأنه لو كان معه عدد يسير ظفر بمن قبله من العجم فنفاهم من
بلادهم وكانت الأعاجم بتلك الناحية قد هابوه بعد وقعة خالد بنهر المرأة فكتب
إليه عمر إنه أتاني كتابك أنك تغير على من قبلك من الأعاجم وقد أصبت ووفقت
أقم مكانك واحذر على من معك من أصحابك حتى يأتيك أمري فوجه عمر شريح
ابن عامر أحد بني سعد بن بكر إلى البصرة فقال له كن ردءا للمسلمين بهذه الجيزة
فاقبل إلى البصرة فترك بها قطبة ومضى إلى الأهواز حتى انتهى إلى دارس وفيها
مسلحة للأعاجم فقتلوه وبعث عمر عتبة بن غزوان * حدثنا عمر قال حدثني علي
عن عيسى بن يزيد عن عبد الملك بن حذيفة ومحمد بن الحجاج عن عبد الملك بن عمير
قال إن عمر قال لعتبة بن غزوان إذ وجهه إلى البصرة يا عتبة انى قد استعملتك على
أرض الهند وهي حومة من حومة العدو وأرجو أن يكفيك الله ما حولها وأن
يعينك عليها وقد كتبت إلى العلاء بن الحضرمي أن يمدك بعرفجة بن هرثمة وهو
ذو مجاهدة للعدو ومكايدته فإذا قدم عليك فاستشره وقربه وادع إلى الله فمن أجابك
فاقبل منه ومن أبى فالجزية عن صغار وذلة والا فالسيف في غير هوادة واتق الله
فيما وليت وإياك أن تنازعك نفسك إلى كبر يفسد عليك إخوتك وقد صحبت
رسول الله صلى الله عليه وسلم فعززت به بعد الذلة وقويت به بعد الضعف حتى
صرت أميرا مسلطا وملكا مطاعا تقول فيسمع منك وتأمر فيطاع أمرك فيالها
نعمة إن لم ترفعك فوق قدرك وتبطرك على من دونك احتفظ من النعمة احتفاظك
من المعصية ولهى أخوفهما عندي عليك أن تستدرجك وتخدعك فتسقط سقطة
تصبر بها إلى جهنم أعيذك بالله ونفسي من ذلك أن الناس أسرعوا إلى الله حين
رفعت لهم الدنيا فأرادوها فأرد الله ولا ترد الدنيا واتق مصارع الظالمين * حدثني
عمر بن شبة قال حدثنا علي قال حدثنا أبو إسماعيل الهمداني وأبو مخنف عن مجالد
ابن سعيد عن الشعبي قال قدم عتبة بن غزوان البصرة في ثلثمائة فلما رأى منبت
القصب وسمع نقيق الضفادع قال إن أمير المؤمنين أمرني أن أنزل أقصى البر من
أرض العرب وأدنى أرض الريف من أرض العجم فهذا حيث واجب علينا فيه
92

طاعة إمامنا فنزل الخريبة وبالأبلة خمسمائة من الأساورة يحمونها وكانت مرفأ
السفن من الصين وما دونها فسار عتبة فنزل دون الإجانة فأقام نحوا من شهر ثم خرج
إليه أهل الأبلة فناهضهم عتبة وجعل قطبة بن قتادة السدوسي وقسامة بن زهير
المازني في عشرة فوارس وقال لهما كونا في ظهرنا فتردان المنهزم وتمنعان من
أرادنا من ورائنا ثم التقوا فما اقتتلوا مقدار جزر جزور وقسمها حتى منحهم
الله أكتافهم وولوا منهزمين حتى دخلوا المدينة ورجع عتبة إلى عسكره فأقاموا
أياما وألقى الله في قلوبهم الرعب فخرجوا عن المدينة وحملوا ما خف لهم وعبروا
إلى الفرات وخلوا المدينة فدخلها المسلمون فأصابوا متاعا وسلاحا وسبيا وعينا
فاقتسموا العين فأصاب كل رجل منهم درهمان وولى عتبة نافع بن الحارث اقباض
الأبلة فأخرج خمسه ثم قسم الباقي بين من أفاءه الله عليه وكتب بذلك مع نافع بن
الحارث وعن بشير بن عبيد الله قال قتل نافع بن الحارث يوم الأبلة تسعة وأبو بكرة
ستة وعن داود بن أبي هند قال أصاب المسلمون بالأبلة من الدراهم ستمائة درهم
فأخذ كل رجل درهمين ففرض عمر لأصحاب الدرهمين ممن أخذهما من فتح الأبلة
في الفين من العطاء وكانوا ثلثمائة رجل وكان فتح الأبلة في رجب أو في شعبان
من هذه السنة وعن الشعبي قال شهد فتح الأبلة مائتان وسبعون فيهم أبو بكرة
ونافع بن الحارث وشبل بن معبد والمغيرة بن شعبة ومجاشع بن مسعود وأبو مريم
البلوى وربيعة بن كلدة بن أبي الصلت الثقفي والحجاج وعن عباية بن عبد عمرو
قال شهدت فتح الأبلة مع عتبة فبعث نافع بن الحارث إلى عمر رحمه الله بالفتح
وجمع لنا أهل دست ميسان فقال عتبة أرى أن نسير إليهم فسرنا فلقينا مرزبان
دست ميسان فقاتلناه فانهزم أصحابه وأخذ أسيرا فأخذ قباؤه ومنطقته فبعث به
عتبة مع أنس بن حجية اليشكري وعن أبي المليح الهذلي قال بعث عتبة أنس بن
حجية إلى عمر بمنطقة مرزبان دست ميسان فقال له عمر كيف المسلمون قال انثالت
عليهم الدنيا فهم يهيلون الذهب والفضة فرغب الناس في البصرة فأتوها وعن علي
ابن زيد قال لما فرغ عتبة من الأبلة جمع له مرزبان دست ميسان فسار إليه عتبة
93

من الأبلة فقتله ثم سرح مجاشع بن مسعود إلى الفرات وبها مدينة ووفد عتبة إلى
عمر وأمر المغيرة أن يصلي بالناس حتى يقدم مجاشع من الفرات فإذا قدم فهو الأمير
فظفر مجاشع بأهل الفرات ورجع إلى البصرة وجمع الفيلكان عظيم من عظماء
أبزقباذ للمسلمين فخرج إليه المغيرة بن شعبة فلقيه بالمرغاب فظفر به فكتب إلى
عمر بالفتح فقال عمر لعتبة من استعملت على البصرة قال مجاشع بن مسعود قال
تستعمل رجلا من أهل الوبر على أهل المدر تدرى ما حدث قال لا فأخبره بما
كان من أمر المغيرة وأمره أن يرجع إلى عمله فمات عتبة في الطريق واستعمل عمر
المغيرة بن شعبة وعن عبد الرحمن بن جوشن قال شخص عتبة بعد ما قتل مرزبان
دست ميسان ووجه مجاشعا إلى الفرات واستخلفه على عمله وأمر المغيرة بن شعبة
بالصلاة حتى يرجع مجاشع من الفرات وجمع أهل ميسان فلقيهم المغيرة وظهر عليهم
قبل قدوم مجاشع من الفرات وبعث بالفتح إلى عمر (الطبري) بإسناده عن قتادة
قال جمع أهل ميسان للمسلمين فسار إليهم المغيرة وحلف المغيرة الأثقال فلقى العدو
دون دجلة فقالت أردة بنت الحارث بن كلدة لو لحقنا بالمسلمين فكنا معهم فاعتقدت
لواء من خمارها واتخذ النساء من خمرهن رايات وخرجن يردن المسلمين فانتهين
إليهم والمشركون يقاتلونهم فلما رأى المشركون الرايات مقبلة ظنوا أن مددا أتى
المسلمين فانكشفوا وأتبعهم المسلمون فقتلوا منهم عدة وعن حارثة بن مضرب
قال فتحت الأبلة عنوة فقسم بينهم عتبة ككة يعني خبزا أبيض * وعن محمد بن
سيرين مثله (قال الطبري) وكان ممن سبى من ميسان يسار أبو الحسن البصري
وأرطبان جد عبد الله بن عون بن أرطبان وعن المثنى بن موسى بن سلمة بن المحبق
عن أبيه عن جده قال شهدت فتح الأبلة فوقع لي في سهمي قدر نحاس فلما نظرت
إذا هي ذهب فيها ثمانون ألف مثقال فكتب في ذلك إلى عمر فكتب أن يصبر
يمين سلمة بالله لقد أخذها يوم أخذها وهي عنده نحاس فإن حلف سلمت إليه
وإلا قسمت بين المسلمين قال فحلفت فسلمت لي قال المثنى فأصول أموالنا اليوم
منها وعن عمرة ابنة قيس قالت لما خرج الناس لقتال أهل الأبلة خرج زوجي
94

وابني معهم فأخذوا الدرهمين ومكوك زبيب مكوك زبيب وإنهم مضوا حتى إذا كانوا
حيال الأبلة قالوا للعدو نعبر إليكم أو تعبرون إلينا قال بل اعبروا إلينا فأخذوا خشب
العشر فأوثقوه وعبروا إليهم فقال المشركون لا تأخذوا أولهم حتى يعبر آخرهم
فلما صاروا على الأرض كبروا تكبيرة ثم كبروا الثانية فقامت دوابهم على أرجلها
ثم كبروا الثالثة فجعلت الدابة تضرب بصاحبها الأرض وجعلنا ننظر إلى رؤس
تندر ما نرى من يضربها وفتح الله على أيديهم (المدائني) قال كانت عند عتبة
صفية بنت الحارث بن كلدة وكانت أختها أردة بنت الحارث عند شبل بن معبد
البجلي فلما ولى عتبة البصرة انحدر معه اصهاره أبو بكرة ونافع وشبل بن معبد
وانحدر معهم زياد فلما فتحوا الأبلة لم يجدا قاسما يقسم بينهم فكان زياد قاسمهم
وهو ابن أربع عشرة سنة له ذؤابة فأجروا عليه كل يوم دهمين * وقيل إن إمارة عتبة
البصرة كانت سنة خمسة عشر وقيل ستة عشر والأول أصح فكانت إمارته عليها
ستة أشهر واستعمل عمر على البصرة المغيرة بن شعبة فبقى سنتين ثم رمى بما رمى
واستعمل أبا موسى وقيل استعمل بعد عتبة أبا موسى وبعده المغيرة (وفيها)
أعنى سنة أربعة عشر ضرب عمر ابنه عبيد الله وأصحابه في شراب شربوه أبا محجن
وحج بالناس في هذه السنة عمر بن الخطاب وكان على مكة عتاب بن أسيد في قول
وعلى اليمين يعلى بن منية وعلى الكوفة سعد بن أبي وقاص وعلى الشام أبو عبيدة
ابن الجراح وعلى البحرين عثمان بن أبي العاص وقيل العلاء بن الحضرمي وعلى
عمان حذيفة بن محصن
ثم دخلت سنة خمس عشرة
قال ابن جرير قال بعضهم فيها مصر سعد بن أبي وقاص الكوفة دلهم عليها ابن بقيلة
قال لسعد أدلك على أرض ارتفعت عن البق وانحدرت عن الفلاة فدلهم على موضع
الكوفة اليوم
95

ذكر الوقعة بمرج الروم
(وفي هذه السنة) كانت الوقعة بمرج الروم وكان من ذلك أن أبا عبيدة خرج
بخالد بن الوليد من فحل إلى حمص وانصرف بمن أضيف إليهم من اليرموك
فنزلوا جميعا على ذي الكلاع وقد بلغ الخبر هرقل فبعث توذر البطريق حتى نزل
بمرج دمشق وغربها فبدأ أبو عبيدة بمرج الروم وجمعهم هذا وقد هجم الشتاء عليهم
والجراح فيهم فاشية فلما نزل على القوم بمرج الروم نازله يوم نزل عليه شنس
الرومي في مثل خيل توذرا امدادا لتوذرا وردءا لأهل حمص فنزل في عسكر على
حدة فلما كان من الليل أصبحت الأرض من توذرا بلاقع وكان خالد بازائه
وأبو عبيدة بإزاء شنس وأتى خالدا الخبر أن توذرا قد رحل إلى دمشق فأجمع رأيه
ورأى أبي عبيدة أن يتبعه خالد فأتبعه خالد من ليلته في جريدة وقد بلغ يزيد بن
أبي سفيان الذي فعل فاستقبله فاقتتلوا ولحق بهم خالد وهم يقتتلون فأخذهم من
خلفهم فقتلوا من بين أيديهم ومن خلفهم فأناموهم ولم يفلت منهم إلا الشريد
فأصاب المسلمون ما شاؤوا من ظهر وأداة وثياب وقسم ذلك يزيد بن أبي سفيان
على أصحابه وأصحاب خالد ثم انصرف يزيد إلى دمشق وانصرف خالد إلى أبي عبيدة
وقد قتل خالد توذرا وقال خالد
نحن قتلنا توذرا وشوذرا * وقبله ما قد قتلنا حيدرا
نحن أزرنا الغيضة الاكيدرا
وقد ناهد أبو عبيدة بعد خروج خالد في أثر توذرا شنس فاقتتلوا بمرج الروم
فقتلهم مقتلة عظيمة وقتل أبو عبيدة شنس وامتلا المرج من قتلاهم فأنتنت منهم
الأرض وهرب من هرب منهم فلم يفلتهم وركب أكساءهم إلى حمص
ذكر فتح حمص
(حكى الطبري) عن سيف في كتابه عن أبي عثمان قال ولما بلغ هرقل الخبر بمقتل
أهل المرج أمر أمير حمص بالسير والمضي إلى حمص وقال إنه بلغني أن طعامهم
96

لحوم الإبل وشرابهم ألبانها وهذا الشتاء فلا تقاتلوهم إلا في كل يوم بارد فإنه لا يبقى
إلى الصيف منهم أحد هذا جل طعامه وشرابه وارتحل من عسكره ذلك فأتى الرهاء
وأخذ عامله بحمص وأقبل أبو عبيدة حتى نزل على حمص وأقبل خالد بعده حتى
ينزل عليها فكانوا يغادون المسلمين ويراوحونهم في كل يوم بارد ولقى المسلمون
بها بردا شديدا والروم حصارا طويلا فأما المسلمون فصبروا ورابطوا وأفرغ الله
عليهم الصبر وأعقبهم النصر حتى اضطرب الشتاء وإنما تمسك القوم بالمدينة رجاء
أن يهلكهم الشتاء * وعن أبي الزهراء القشيري عن رجل من قومه قال كان أهل
حمص يتواصون فيما بينهم ويقولون تمسكوا فإنهم حفاة فإذا أصابهم البرد تقطعت
أقدامهم مع ما يأكلون ويشربون فكانت الروم تراجع وقد سقطت أقدام بعضهم
في خفافهم وإن المسلمين في النعال ما أصيب أصبع أحد منهم حتى إذا انخنس
الشتاء قام فيهم شيخ لهم يدعوهم إلى مصالحة المسلمين قالوا كيف والملك في سلطانه
وعزه ليس بيننا وبينهم شئ فتركهم وقام فيهم آخر فقال ذهب الشتاء وانقطع
الرجاء فما تنتظرون فقالوا البرسام فإنما يسكن في الشتاء ويظهر في الصيف فقال
إن هؤلاء قوم يعانون ولان تأتوهم بعهد وميثاق خير من أن تؤخذوا عنوة
أجيبوني محمودين قبل أن تجيبوني مذمومين فقالوا شيخ خرف ولا علم له بالحرب
وعن أشياخ من غسان وبلقين قالوا أثاب الله المسلمين على صبرهم أيام حمص أن
زلزل بأهل حمص وذلك أن المسلمين ناهدوهم فكبروا تكبيرة زلزلت معها الروم
في المدينة وتصدعت الحيطان ففزعوا إلى رؤسائهم والى ذوي رأيهم ممن كان يدعوهم
إلى المسالمة فلم يجيبوهم وأذلوهم بذلك ثم كبروا الثانية فتهافتت منها دور كثيرة وحيطان
وفزعوا إلى رؤسائهم وذوي رأيهم فقالوا ألا ترون إلى عذاب الله فأجابوهم لا يطلب
الصلح غيركم فأشرفوا فنادوا الصلح الصلح ولا يشعر المسلمون بما حدث فيهم
فأجابوهم وقبلوا منهم على انصاف دورهم وعلى أن يترك المسلمون أموال الروم
وبنيانهم لا ينزلونه عليهم فتركوه لهم فصالح بعضهم على صلح دمشق على دينار
وطعام على كل جريب أبدا أيسروا أو أعسروا وصالح بعضهم على قدر طاقته إن
97

زاد ماله زيد عليه وإن نقص نقص وكذلك كان صلح دمشق والأردن بعضهم
على شئ إن أيسروا وإن أعسروا وبعضهم على قدر طاقته وولوا معاملة ماجلا
ملوكهم عنه وبعث أبو عبيدة السمط بن الأسود في بني معاوية والأشعث بن مئناس
في السكون معه ابن عابس والمقداد في بلى وبلالا وخالدا في الجيش والصباح
ابن شتير وذهيل بن عطية وذاشمستان فكانوا في قصبتها وأقام في عسكره وكتب
إلى عمر بالفتح وبعث بالأخماس مع عبد الله بن مسعود وقد وفده وأخبره خبر
هرقل وأنه عبر الماء إلى الجزيرة فهو بالرهاء ينغمس أحيانا ويطلع أحيانا فقدم
ابن مسعود على عمر فرده ثم بعثه بعد ذلك إلى سعد بالكوفة ثم كتب إلى أبي عبيدة
أن أقم في مدينتك وادع أهل القوة والجلد من عرب الشأم فانى غير تارك البعثة
إليك بمن يكانفك إن شاء الله
حديث قنسرين
وعن أبي عثمان وجارية قالا وبعث أبو عبيدة بعد فتح حمص خالد بن الوليد إلى قنسرين
فلما نزل بالحاضر زحف إليهم الروم وعليهم ميناس وهو رأس الروم وأعظمهم فيهم
بعد هرقل فالتقوا بالحاضر فقتل ميناس ومن معه مقتلة لم يقتلوا مثلها فأما الروم فماتوا
على دمه حتى لم يبق منهم أحد وأما أهل الحاضر فارسلوا إلى خالد انهم عرب وانهم إنما
حشروا ولم يكن من رأيهم حربه فقبل منهم وتركهم ولما بلغ عمر ذلك قال أمر خالد نفسه
يرحم الله أبا بكر هو كان أعلم بالرجال مني وقد كان عزله والمثنى مع قيامه وقال اني
لم أعزلهما عن ريبة ولكن الناس عظموهما فخشيت أن يوكلوا إليهما فلما كان من
أمره وأمر قنسرين ما كان رجع عن رأيه وسار خالد حتى نزل قنسرين فتحصنوا
منه فقال إنسكم لو كنتم في السحاب لحملنا الله إليكم أو لأنزلكم الله إلينا قال فنظروا
في أمرهم وذكروا ما لقى أهل حمص فصالحوه على صلح حمص فأبى إلا على إخراب
المدينة فأخر بها واتطأت حمص وقنسرين فعند ذلك خنس هرقل وإنما كان سبب
خنوسه أن خالدا حين قتل ميناس ومات الروم على دمه وعقد لأهل الحاضر
98

وترك قنسرين طلع من قبل الكوفة عمر بن مالك من قبل قرقيسيا وعبد الله
ابن المعتم من قبل الموصل والوليد بن عقبة من بلاد بني تغلب في تغلب وعرب
الجزيرة وطووا مدائن الجزيرة عن نحو هرقل وأهل الجزيرة في حران والرقة
ونصيبين وذواتها لم يغرضوا غرضهم حتى يرجعوا إليهم إلا أنهم خلفوا في الجزيرة
الوليد لئلا يؤتوا من خلفهم فأدرب خالد وعياض مما يلي الشأم وأدرب عمر
وعبد الله مما يلي الجزيرة ولم يكونوا أدربوا قبله ثم رجعوا فهي أول مدربة كانت
في الاسلام سنة ستة عشر فرجع خالد إلى قنسرين فنزلها وأتته امرأته فلما عزله
قال إن عمر ولاني الشأم حتى إذا صارت بثنية وعسلا عزلني (قال أبو جعفر
الطبري) ثم خرج هرقل نحو القسطنطينية فاختلف في حين شخوصه إليها وتركه
بلاد الشأم فقال ابن إسحاق كان ذلك سنة خمسة عشر وقال سيف كان سنة ستة عشر
ذكر خبر ارتحال هرقل إلى القسطنطينية
ذكر سيف عن أبي الزهراء القشيري عن رجل من بني قشير قالوا لما خرج
هرقل من الرهاء واستتبع أهلها قالوا نحن ههنا خير منا معك وأبوا أن يتبعوه
وتفرقوا عنه وعن المسلمين وكان أول من أنبح كلابها وانفر دجاجها زياد بن
حنظلة وكان من الصحابة وكان مع عمر بن مالك مسانده وكان حليفا لبني عبد بن
قصي وقبل ذلك ما قد خرج هرقل حتى شمشاط فلما نزل القوم الرهاء أدرب فنفذ
نحو القسطينية ولحقه رجل من الروم كان أسيرا في أيدي المسلمين فأفلت فقال
أخبرني عن هؤلاء القوم فقال أحدثك كأنك تنظر إليهم فرسان بالنهار ورهبان
بالليل ما يأكلون في ذمتهم إلا بثمن ولا يدخلون إلا بسلام يقفون على من
حاربهم حتى يأتوا عليه فقال لئن كنت صدقتني ليرثن ما تحت قدمي هاتين * وعن
عبادة وخالد أن هرقل كان كلما حج بيت المقدس فخلف سورية وظعن في أرض
الروم التفت فقال عليك السلام يا سورية تسليم مودع لم يقض منك وطره وهو
عائد فلما توجه المسلمون نحو حمص عبر الماء فنزل الرهاء فلم يزل بها حتى طلع أهل
99

الكوفة وفتحت قنسرين وقتل ميناس فخنس عند ذلك إلى شمشاط حتى إذا فصل
منها نحو الروم علا على شرف فالتفت ونظر نحو سورية وقال عليك السلام
يا سورية سلاما لا اجتماع بعده ولا يعود إليك رومي أبدا إلا خائفا حتى يولد
المولود المشؤم ويا ليته لا يولد ما أحلى فعله وأمر عاقبته على الروم * وعن أبي
الزهراء وعمرو بن ميمون قالا لما فصل هرقل من شمشاط داخلا الروم التفت إلى
سورية فقال قد كنت سلمت عليك تسليم المسافر فأما اليوم فعليك السلام يا سورية
تسليم المفارق ولا يعود إليك رومي أبدا إلا خائفا حتى يولد المولود المشؤم وليته
لم يولد ومضى حتى نزل القسطنطينية وأخذ أهل الحصون التي بين إسكندرية
وطرسوس معه لئلا يسير المسلمون في عمارة ما بين أنطاكية وبلاد الروم وشعث
الحصون فكان المسلمون لا يجدون بها أحدا وربما كمن عندها الروم فأصابوا
غرة المتخلفين فاحتاط المسلمون لذلك
ذكر فتح قيسارية وحصر غزة
ذكر سيف عن أبي عثمان وأبي حارثة عن خالد وعبادة قالا لما انصرف
أبو عبيدة وخالد إلى حمص من فحل نزل عمرو وشرحبيل على بيسان فافتتحاها
وصالحته الأردن واجتمع عسكر الروم بأجنادين وبيسان وغزة وكتبوا إلى عمر
بتفرقهم فكتب إلى يزيد بأن يدفئ ظهورهم بالرجال وأن يسرح معاوية إلى
قيسارية وكتب إلى عمرو يأمره بصدم الأرطبون وإلى علقمة بصدم الفيقار
وكان كتاب عمر إلى معاوية أما بعد فاني قد وليتك قيسارية فسر إليها واستنصر
الله عليهم وأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله الله ربنا وثقتنا ورجاؤنا
ومولانا نعم المولى ونعم النصير فانتهى الرجلان إلى ما أمرا به وسار معاوية في
جنده حتى نزل على أهل قيسارية وعليهم ابني فهزمه وحصره في قيسارية ثم أنهم
جعلوا يزاحفونه وجعلوا لا يزاحفونه من مرة إلا هزمهم وردهم إلى حصنهم ثم
زاحفوه آخر ذلك وخرجوا من صياصيهم فاقتتلوا في حفيظة واستماتة فبلغت
100

قتلاهم في المعركة ثمانين ألفا وكملها في هزيمتهم مائة ألف وبعث بالفتح مع رجلين
من بني الضبيب ثم خاف منهما الضعف فبعث عبد الله بن علقمة الفراسي وزهير
ابن الحلاب الخثعمي وأمرهما أن يتبعاهما ويسبقاهما فلحقاهما فطوياهما وهما
نائمان وابن علقمة يتمثل وهي هجيراه
أرق عيني أخوا جذام * كيف أنام وهما أمامي
إذ يرحلان والهجير طامي * أخو حشيم وأخو حرام
وانطلق علقمة بن مجزز فحصر الفيقار بغزة وجعل يراسله فلم يشفه مما يريد
أحد فأتاه كأنه رسول علقمة فأمر الفيقار رجلا أن يقعد له بالطريق
فإذا مر قتله ففطن علقمة فقال إن معي نفرا شركائي في الرأي
فأنطلق فأتيك بهم فبعث إلى ذلك الرجل لا تعرض له فخرج من عنده ولم
يعد وفعل كما فعل عمر بالأرطبون وانتهى يدير معاوية إلى عمر بالخبر فجمع
الناس وأباتهم على الفرح ليلا فحمد الله وقال لتحمدوا الله على فتح قيسارية وجعل
معاوية قبل الفتح وبعده يحبس الاسرى عنده ويقول ما صنع ميخائيل بأسرانا
صنعنا بأسراهم مثله ففطمه عن العبث بأسرى المسلمين حتى افتتحها
ذكر فتح بيسان ووقعة أجنادين
ولما توجه علقمة إلى غزة وتوجه معاوية إلى قيسارية صمد عمرو بن العاصي
إلى الأرطبون ومر بإزائه وخرج معه شرحبيل بن حسنة على مقدمته واستخلف
على عمل الأردن أبا الأعور وولى عمرو بن العاصي مجنبتيه عبد الله بن عمرو وجنادة
ابن تميم المالكي مالك بن كنانة فخرج حتى ينزل على الروم بأجنادين والروم في
حصونهم وخنادقهم وعليهم الأرطبون وكان الأرطبون أدهى الروم وأبعدها
غورا وأنكاها فعلا وقد كان وضع بالرملة جندا عظيما وبإيلياء جندا عظيما وكتب
عمرو إلى عمر بالخبر فلما جاءه كتاب عمرو قال قد رمينا أرطبون الروم وبأرطبون
العرب فانظروا عم تتفرج وجعل عمر رحمه الله من لدن وجه أمراء الشأم يمد
101

كل أمير جند ويرميه بالامداد حتى إذا أتاه كتاب عمرو بتفريق الروم كتب إلى
يزيد أن يبعث معاوية في خيله إلى قيسارية وكتب إلى معاوية بإمرته على قتال أهل
قيسارية وليشغلهم عن عمرو وكان عمرو قد استعمل علقمة بن حكيم الفراسي
ومسروق بن فلان العكي على قتال أهل إيلياء فصاروا بإزاء أهل إيلياء فشغلوهم
عن عمرو وبعث أبا أيوب المالكي إلى الرملة وعليها التذارق وكان بإزائهما ولما
تتابعت الامداد على عمرو بعث محمد بن عمرو مددا لعلقمة ومسروق وبعث عمارة
ابن عمرو بن أمية الضمري مددا لأبي أيوب وأقام عمرو على أجنادين لا يقدر
من الأرطبون على سقطة ولا تشفيه الرسل فوليه بنفسه فدخل عليه كأنه رسول
فأبلغه ما يريد وسمع كلامه وتأمل حصونه حتى عرف ما أراد وقال أرطبون في
نفسه والله إن هذا لعمرو أو إنه للذي يأخذ عمرو برأيه وما كنت لأصيب القوم
بأمر أعظم عليهم من قتله ثم دعا حرسيا فساره بقتله فقال اخرج فقم مكان كذا
وكذا فإذا مر بك فاقتله وفطن له عمرو فقال قد سمعت مني وسمعت منك فأما ما قلته
فقد وقع مني موقعا وأنا واحد من عشرة بعثنا عمر بن الحطاب مع هذا الولي
لنكانفه ويشهدنا أموره فارجع فأتيك بهم الآن فإن رأوا في الذي عرضت مثل الذي
أرى فقد رآه أهل العسكر والأمير وإن لم يروه رددتهم إلى مأمنهم وكنت على رأس
أمرك فقال نعم ودعا رجلا فساره وقال اذهب إلى فلان فرده إلي فرجع إليه الرجل
وقال لعمرو انطلق فجئ بأصحابك فخرج عمرو ورأى أن لا يعود لمثلها وعلم الرومي
بأنه قد خدعه فقال خدعني الرجل هذا أدهى الخلق فبلغت عمر فقال غلبه عمرو لله
عمرو وناهده عمرو وقد عرف مأخذه وعاقبته والتقوا ولم يجد من ذلك بدا فالتقوا
بأجنادين فاقتتلوا قتالا شديدا كقتال اليرموك حتى كثرت القتلى بينهم ثم إن
أرطبون انهزم في الناس فأوى إلى إيلياء ونزل عمرو أجنادين ولما أتى أرطبون
إيلياء أفرج له المسلمون حتى دخلها ثم أزالهم إلى أجنادين فانضم علقمة ومسروق
ومحمد بن عمرو وأبو أيوب إلى عمرو بأجنادين وكتب أرطبون إلى عمرو بأنك
صديقي ونظيري أنت في قومك مثلي في قومي والله لا تفتتح من فلسطين شيئا
102

بعد أجنادين فارجع ولا تغر فتلقى ما لقى الذين قبلك من الهزيمة فدعا عمرو رجلا
يتكلم بالرومية فأرسله إلى أرطبون وأمره أن يغرب ويتنكر وقال استمع ما يقول
حتى تخبرني به إذا رجعت إن شاء الله وكتب إليه جاءني كتابك وأنت نظيري
ومثلي في قومك لو أخطأتك خصلة تجاهلت فضيلتي وقد علمت أني صاحب فتح
هذه البلاد وأستعدي عليك فلانا وفلانا وفلانا لوزرائه فأقرئهم كتابي ولينظروا
فيما بيني وبينك فخرج الرسول على ما أمره به حتى أتى أرطبون فدفع إليه الكتاب
بمشهد من النفر فاقترأه فضحكوا وتعجبوا وأقبلوا على أرطبون فقالوا من أين
علمت أنه ليس بصاحبها قال صاحبها رجل اسمه عمر ثلاثة أحرف فرجع الرسول
إلى عمرو فعرف أنه عمر وكتب إلى عمر يستمده ويقول إني أعالج حربا كؤدا صدوما
وبلادا ادخرت لك فرأيك ولما كتب عمرو إلى عمرو بذلك عرف أن عمرا
لم يقل إلا بعلم فنادى في الناس ثم خرج فيهم حتى نزل بالجابية وجميع ما خرج
عمر إلى الشأم أربع مرات فأما الأولى فعلى فرس وأما الثانية فعلى بعير وأما الثالثة
فقصر عنها ان الطاعون مستعر وأما الرابعة فدخلها على حمار فاستخلف عليها وخرج
وقد كتب مخرجه أول مرة إلى أمراء الأجناد أن يوافوه بالجابية ليوم سماه لهم في
المجردة وأن يستخلفوا على أعمالهم فلقوه حيث رفعت لهم الجابية فكان أول من
لقيه يزيد ثم أبو عبيدة ثم خالد على الخيول عليهم الديباج والحرير فنزل وأخذ
الحجارة فرماهم بها وقال سرع سرع مالفتم عن رأيكم إياي تستقبلون في هذا الزي
وإنما شبعتم منذ سنتين سرع ماندت لكم البطنة وتالله لو فعلتموها على رأس المائتين
لاستبدلت بكم غيركم فقالوا يا أمير المؤمنين إنها يلامقة وإن علينا السلاح قال فنعم
إذا وركب حتى دخل الجابية وعمرو وشرحبيل بأجنادين لم يتحركا من مكانهما
ذكر فتح بيت المقدس
وعن سالم بن عبد الله قال لما قدم عمر رحمه الله الجابية قال له رجل من
يهود يا أمير المؤمنين لا ترجع إلى بلادك حتى يفتح الله عليك إيلياء فبينا عمر
103

ابن الخطاب بها إذ نظر إلى كردوس من خيل مقبل فلما دنوا منه سلوا السيوف فقال
عمر هؤلاء قوم يستأمنون فأمنوهم فأقبلوا فإذا هم أهل إيليا فصالحوه على
الجزية وفتحوها له فلما فتحت عليه دعا ذلك اليهودي فقيل له إن عنده لعلما قال فسأله
عن الدجال وكان كثير المسألة عنه فقال له اليهودي وما مسألتك عنه يا أمير
المؤمنين فأنتم والله معشر العرب تقتلونه دون باب لد ببضع عشرة ذراعا وعن
سالم قال لما دخل عمر الشأم تلقاه رجل من يهود دمشق فقال السلام عليك
يا فاروق أنت صاحب إيلياء لا والله لا ترجع حتى يفتح الله إيلياء وكانوا قد أشجوا
عمرا وأشجاهم ولم يقدر عليها ولا على الرملة فبينا عمر معسكرا بالجابية فزع
الناس إلى السلاح فقال ما شأنكم فقالوا ألا ترى الخيل والسيوف فنظر فإذا
كردوس يلمعون بالسيوف فقال عمر مستأمنة ولا تراعوا وأمنوهم فأمنوهم
وإذا هم أهل إيلياء فأعطوه واكتتبوا منه على إيلياء وحيزها والرملة وحيزها
فصارت فلسطين نصفين نصف مع أهل إيلياء ونصف مع أهل الرملة وهم عشر
كور وفلسطين تعدل الشأم كله وشهد ذلك اليهودي الصلح فسأله عمر عن الدجال
فقال هو من بني بنيامين وأنتم والله يا معشر العرب تقتلونه على بضع عشرة ذراعا
من باب لد وعن خالد وعبادة قالا كان الذي صالح على فلسطين العوام من أهل إيلياء
والرملة وذلك أن أرطبون والتذار ولحقا بمصر مقدم عمر الجابية وأصيبا بعد
في بعض الصوائف وقيل كان سبب قدوم عمر إلى الشأم ان أبا عبيدة حضر بيت
المقدس فطلب أهله منه أن يصالحهم على صلح أهل مدن الشأم وأن يكون
المتولي للعقد عمر بن الخطاب فكتب إليه بذلك فسار عن المدينة وعن عدي بن
سهل قال لما استمد أهل الشأم عمر على أهل فلسطين استخلف عليا وخرج ممدا
لهم فقال علي أين تخرج بنفسك انك تريد عدوا كلبا فقال إني أبادر بجهاد العدو
موت العباس إنكم لو قد فقدتم العباس لانتقض بكم الشر كما تنتقض أول الحبل
قال وانضم عمرو وشرحبيل إلى عمر بالجابية حين جرى الصلح فيما بينهم فشهد
الكتاب وعن خالد وعبادة قال صالح عمر أهل إيلياء بالجابية وكتب لهم فيها
104

الصلح لكل كورة كتابا واحدا ما خلا أهل إيلياء بسم الله الرحمن الرحيم هذا
ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان أعطاهم أمانا لأنفسهم
وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها أنه لا تسكن كنائسهم
ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من حيزها ولا من صليبهم ولا من شئ من
أموالهم ولا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم ولا يسكن بإيلياء معهم
أحد من اليهود وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن
وعليهم أن يخرجوا منها الروم والصوت فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله
حتى يبلغوا مأمنهم ومن أقام منهم فهو آمن وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية
ومن أحب من أهل إلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلى بيعهم وصلبهم
فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعهم وصلبهم حتى يبلغوا مأمنهم ومن كان بها
من أهل الأرض قبل مقتل فلان فمن شاء منهم قعد وعليه مثل ما على أهل إيلياء
من الجزية ومن شاء سار مع الروم ومن شاء رجع إلى أهله فإنه لا يؤخذ منهم شئ
حتى يحصد حصادهم وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة
الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية شهد على ذلك خالد بن
الوليد وعمرو بن العاصي وعبد الرحمن بن عوف ومعاوية بن أبي سفيان وكتب
وحضر سنة خمسة عشر فأما سائر كتبهم فعلى كتاب لد بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما أعطى عبد الله أمير المؤمنين أهل لد ومن دخل معهم من أهل فلسطين
أجمعين أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبهم وسقيمهم وبريئهم
وسائر ملتهم أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقض منها ولا من حيزها ولا مللها
ولا من صلبهم ولا من أموالهم ولا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم
وعلى أهل لد ومن دخل معهم من أهل فلسطين أن يعطوا الجزية كما يعطى أهل مدائن
الشأم وعليهم ان خرجوا مثل ذلك الشرط إلى آخره ثم سرح إليهم وفرق فلسطين
على رجلين فجعل علقمة بن حكيم على نفسها وأنزله الرملة وعلقمة بن مجزز على
نصفها وأنزله إيلياء فنزل كل واحد منهما في عمله في الجنود التي معه وعن سالم
105

قال استعمل علقمة بن مجزز على ايلياء وعلقمة بن حكيم على الرملة في الجنود التي
كانت مع عمرو وضم عمرا وشرحبيل إليه بالجابية فلما انتهيا إلى الجابية وافقا عمر
رحمه الله راكبا فقبلا ركبتيه وضم عمر كل واحد منهما محتضنهما وعن عبادة
وخالد قالا ولما بعث عمر بأمان أهل ايلياء وسكنها الجند شخص إلى بيت
المقدس من الجابية فرأى فرسه يتوجى فنزل عنه وأتى ببرذون فركبه فهزه
فنزل فضرب وجهه بردائه ثم قال قبح الله من علمك هذا ثم دعا بفرسه بعد ما أجمه
أياما يوقحه فركبه ثم سار حتى انتهى إلى بيت المقدس وعن أبي صفية شيخ من
بني شيبان قال لما أتى عمر الشأم أتى ببرذون فركبه فلما سار جعل يتخلج به فنزل
عنه وضرب وجهه وقال لا علم الله من علمك هذا من الخيلاء ولم يركب برذونا
قبله ولا بعده وفتحت ايلياء وأرضها كلها على يديه ما خلا أجنادين على يدي
عمرو وقيسارية على يدي معاوية وعن أبي عثمان وأبي حارثة قالا افتتحت ايلياء
وأرضها على يدي عمر في ربيع الآخر سنة ستة عشر وعن أبي مريم مولى سلامة
قال شهدت فتح ايلياء مع عمر رحمه الله فسار من الجابية فاصلا حتى يقدم ايلياء
ثم مضى حتى يدخل المسجد ثم مضى حتى يدخل المسجد ثم مضى نحو محراب داود
ونحن معه فدخله ثم قرأ سجدة داود فسجد وسجدنا معه وعن رجاء بن حياة عمن
شهد قال لما شخص عمر من الجابية إلى ايلياء فدنا من باب المسجد قال ارقبوا
لي كعبا فلما انفرق به الباب قال لبيك اللهم لبيك بما هو أحب إليك ثم قصد المحراب
محراب داود عليه السلام وذلك ليلا فصلى فيه ولم يلبث أن طلع الفجر فأمر المؤذن
بالإقامة فتقدم فصلى بالناس وقرأ بهم " ص " وسجد فيها ثم قام وقرأ بهم في الثانية
صدر بني إسرائيل ثم ركع ثم انصرف فقال علي بكعب فأتى به فقال أين ترى أن
نجعل المصلى فقال إلى الصخرة فقال ضاهيت والله اليهودية يا كعب وقد رأيتك وخلعك
نعليك فقال أحببت أن أباشره بقدمي فقال قد رأيتك بل نجعل قبلته صدره كما جعل
رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلة مساجدنا صدورها اذهب إليك فإنا لم نؤمر
بالصخرة ولكنا أمرنا بالكعبة فجعل قبلته صدره ثم قام من مصلاه إلى كناسة
106

قد كانت الروم قد دفنت بها بيت المقدس في زمان بني إسرائيل فلما صار إليهم
أبرزوا بعضها وتركوا سائرها وقال يا أيها الناس اصنعوا كما أصنع وجثا في أصلها
وحثا في فرج من فروج قبائه وسمع التكبير من خلفه وكان يكره سوء الرعة في كل
شئ فقال ما هذا فقالوا كبر كعب وكبر الناس بتكبيره فقال علي به فأتى به فقال
يا أمير المؤمنين إنه قد تنبأ على ما صنعت اليوم نبي منذ خمسمائة سنة فقال وكيف
فقال إن الروم أغاروا على بني إسرائيل فأديلوا عليهم فدفنوه ثم أديلوا فلم يفرغوا
له حتى أغارت عليهم فارس فبغوا على بني إسرائيل ثم أديلت الروم عليهم إلى أن
وليت فبعث الله نبيا على الكناسة فقال أبشري أورى شلم عليك الفاروق ينقيك
مما فيك وبعث إلى القسطنطينية نبي فقام على تلها فقال يا قسطنطينية ما فعل أهلك
ببيتي أخربوه وشبهوك كعرش وتأولوا على فقد قضيت عليك أن أجعلك جلحاء
يوما ما لا يأوى إليك أحدا ولا يستظل فيك علي أيدي بني القاذر وسبإ وودان فما
أمسوا حتى ما بقي منه شئ وعن ربيعة الشامي بمثله وزاد أتاك الفاروق في جندي
المطيع ويدركون لأهلك بثأرك في الروم وقال في قسطنطينية أدعك جلحاء
بارزة للشمس لا يأوى إليك أحد ولا تظلينه وعن أنس بن مالك شهدت ايلياء
مع عمر فبينا هو يطعم الناس يوما بها أتاه راهبها وهو لا يشعر أن الخمر محرمة فقال
هل لك في شراب نجده في كتبنا حلالا إذا حرمت الخمر فدعاه به فقال من أي
شئ هذا فأخبره أنه طبخه عصيرا حتى صار إلى ثلثه فغرف بإصبعه ثم حركه في
الاناء فشطره فقال هذا طلاء فشبهه بالقطران وشرب منه وأمر أمراء الأجناد
بالشام به وكتب في الأمصار إني أتيت بشراب مما قد طبخ من العصير حتى
ذهب ثلثاه وبقى ثلثه كالطلاء فاطبخوه وارزقوه المسلمين وعن أبي عثمان
وأبي حارثة قالا ولحق أرطبون بمطر مقدم عمر الجابية ولحق به من أحب
ممن أبى الصلح ثم لحق عند صلح أهل مصر وغلبهم بالروم في البحر وبقى البحر
وبقى بعد ذلك فكان يكون على صوائف الروم والتقى هو وصاحب صائفة
المسلمين فيختلف هو ورجل من قيس يقال له ضريس فقطع يد القيسي وقتله
107

القيسي فقال
فإن يكن أرطبون الروم أفسدها * فإن فيها بحمد الله منتفعا
بنانتان وجرموز أقيم به * صدر القناة إذا ما آنسوا فزعا
وإن يكن أرطبون الروم قطعها * فقد تركت بها أوصاله قطعا
وقال زياد بن حنظلة
تذكرت حرب الروم لما تطاولت * وإذ نحن في عام كثير نزائله
وإذ نحن في أرض الحجاز وبيننا * مسيرة شهر بينهن بلابله
وإذ أرطبون الروم يحمى بلاده * يحاوله قرم هناك يساجله
فلما رأى الفاروق أزمان فتحها * سما بجنود الله كيما يصاوله
فلما أحسوه وخافوا صواله * أتوه وقالوا أنت ممن نواصله
وألقت إليه الشأم أفلاذ بطنها * وعيشا خصيبا ما تعد مآكله
أباح لنا ما بين شرق ومغرب * مواريث أعقاب بنتها قرامله
وكم مثقل لم يضطلع باحتماله * تحمل عبا حين شالت شوائله
وقال أيضا
سما عمر لما أتته رسائل * كأصيد يحمى صرمة الحي أغيدا
وقد عضلت بالشام أرض بأهلها * تريد من الأقوام من كان أنجدا
فلما أتاه ما أتاه أجابهم * بجيش ترى منه الشبائك سجدا
وأقبلت الشأم العريضة بالذي * أراد أبو حفص وأزكى وأزيدا
فقسط فيما بينهم كل جزية * وكل رفاد كان أهنا وأحمدا
ذكر فرض العطاء وعمل الديوان
وفي هذه السنة فرض عمر للمسلمين الفروض ودون الدواوين وأعطى العطايا
على السابقة وأعطى صفوان بن أمية والحارث بن هشام وسهيل بن عمرو في أهل
الفتح أقل ما أخذ من قبلهم فامتنعوا من أخذه وقالوا لا نعترف أن يكون أحد
108

أكرم منا فقال إني إنما أعطيتكم على السابقة في الاسلام لا على الأحساب قالوا
فنعم إذا وأخذوا وخرج الحارث وسهيل بأهليهما نحو الشأم فلم يزالا
مجاهدين حتى أصيبا في بعض تلك الدروب وقيل ماتا في طاعون عمواس ولما
أراد عمر وضع الديوان قال له علي وعبد الرحمن بن عوف ابدأ بنفسك قال لا
بل أبدأ بعم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الأقرب فالأقرب ففرض للعباس
وبدأ به ثم فرض لأهل بدر خمسة آلاف خمسة آلاف ثم فرض لمن بعد بدر
إلى الحديبية أربعة آلاف أربعة آلاف ثم فرض لمن بعد الحديبية إلى أن أقلع
أبو بكر عن أهل الردة ثلاثة آلاف ثلاثة آلاف في ذلك من شهد الفتح وقاتل عن
أبي بكر ومن ولى الأيام قبل القادسية كل هؤلاء ثلاثة آلاف ثلاثة آلاف ثم فرض
لأهل القادسية وأهل الشأم ألفين ألفين وفرض لأهل البلاء البارع منهم ألفين
وخمسمائة ألفين وخمسمائة فقيل له لو ألحقت أهل القادسية بأهل الأيام فقال لم أكن
لألحقهم بدرجة من لم يدركوا وقيل له قد سويت من بعدت داره بمن قربت داره
وقاتلهم عن فنائه فقال من قربت داره أحق بالزيادة لانهم كانوا ردءا للحوق
وشجى للعدو فهلا قال المهاجرون مثل قولكم حين سوينا بين السابقين منهم والأنصار
فقد كانت نصرة الأنصار بفنائهم وهاجر إليهم المهاجرون من بعد وفرض
لمن بعد القادسية واليرموك ألفا ألفا ثم فرض للروادف المثنى خمسمائة خمسمائة
ثم للروادف الثليث بعدهم ثلثمائة ثلثمائة سوى كل طبقة في العطاء قويهم وضعيفهم
عربهم وعجمهم وفرض للروادف الربيع على مائتين وخمسين وفرض لمن بعدهم
وهم أهل هجر والعباد على مائتين وألحق بأهل بدر أربعة من غير أهلها الحسن
والحسين وأبا ذر وسلمان وكان فرض للعباس خمسة وعشرين ألفا وقيل اثنى عشر
ألفا وأعطى نساء النبي صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف عشرة آلاف إلا من جرى
عليها الملك فقال نسوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يفضلنا عليهم في القسمة فسو بيننا ففعل وفضل عائشة بألفين لمحبة
رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها فلم تأخذ وجعل نساء أهل بدر في خمسمائة
109

خمسمائة ونساء من بعدهم إلى الحديبية على أربعمائة أربعمائة ونساء من بعد ذلك إلى
الأيام ثلثمائة ثلثمائة ونساء أهل القادسية مائتين مائتين ثم سوى بين النساء بعد ذلك
وجعل الصبيان سواء على مائة مائة ثم جمع ستين مسكينا وأطعمهم الخبز فأحصوا
ما أكلوا فوجدوه يخرج من جريبتين ففرض لكل إنسان منهم ولعياله جريبتين
في الشهر وقال عمر قبل موته لقد ههمت أن أجعل العطاء أربعة آلاف أربعة آلاف
ألفا يجعلها الرجل في أهله وألفا يزودها معه وألفا يتجهز بها وألفا يترفق بها فمات
قبل أن يفعل (قال أبو جعفر الطبري) كتب إلى السري عن شعيب عن سيف
عن محمد وطلحة والمهلب وزياد والمجالد وعمرو عن الشعبي وإسماعيل عن الحسن
وأبي ضمرة عن عبد الله بن المستورد عن محمد بن سيرين ويحيى بن سعيد عن سعيد
ابن المسيب والمستنير بن يزيد عن إبراهيم وزهرة عن أبي سلمة قالوا فرض عمر
العطاء حين فرض لأهل الفئ الذين أفاء الله عليهم وهم أهل المدائن فصاروا بعد
إلى الكوفة انتقلوا عن المدائن إلى الكوفة والبصرة ودمشق وحمص والأردن
وفلسطين ومصر وقال الفئ لأهل هؤلاء الأمصار ولمن لحق بهم وأعانهم وأقام
معهم ولم يفرض لغيرهم ألا فيهم سكنت المدائن والقرى وعليهم جرى الصلح
وإليهم أدى الجزاء وبهم سدت الفروج ودوخ العدو ثم كتب في إعطاء أهل
العطاء أعطياتهم إعطاءا واحدا سنة خمسة عشر وقال قائل يا أمير المؤمنين لو تركت
في بيوت الأموال عدة لكون إن كان فقال كلمة ألقاها الشيطان على فيك وقاني
الله شرها وهي فتنة لمن بعدي بل أعد لهم ما أمرنا الله ورسوله طاعة الله ورسوله
فهما عدتنا التي بها أفضينا إلى ما ترون فإذا كان هذا المال ثمن دين أحدكم هلكتم
(كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن محمد والمهلب وطلحة وعمرو وسعيد
قالوا لما فتح الله على المسلمين وقتل رستم وقدمت على عمر الفتوح من الشأم جمع
المسلمين فقال ما يحل للوالي من هذا المال فقالوا جميعا أما لخاصته فقوته وقوت
عياله لا وكس ولا شطط وكسوتهم وكسوته للشتاء والصيف ودابتان إلى جهاده
وحوائجه وحملانه إلى حجه وعمرته والقسم بالسوية أن يعطى أهل البلاء على قدر
110

بلائهم ويرم أمور الناس بعد ويتعاهدهم عند الشدائد والنوازل حتى تكشف
ويبدأ بأهل الفئ (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن محمد عن
عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال جمع الناس عمر بالمدينة حين انتهى
إليه فتح القادسية ودمشق فقال إني كنت امرءا تاجرا يغنى الله عيالي بتجارتي
وقد شغلتموني بأمركم فماذا ترون أنه يحل لي من هذا المال فأكثر القوم وعلي
عليه السلام ساكت فقال ما تقول يا علي فقال ما أصلحك وأصلح عيالك بالمعروف
ليس لك من هذا المال غيره فقال القوم القول قول ابن أبي طالب (كتب إلى
السري) عن شعيب عن سيف عن محمد عن عبيد الله عن نافع عن أسلم قال قام
رجل إلى عمر بن الخطاب فقال ما يحل لك من هذا المال فقال ما أصلحني وأصلح
عيالي بالمعروف وحلة الشتاء وحلة الصيف وراحلة عمر للحج والعمرة ودابة
في حوائجه وجهاده (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن مبشر بن
الفضيل عن سالم بن عبد الله قال لما ولى عمر قعد على رزق أبي بكر الذي كانوا
فرضوا له فكان بذلك فاشتدت حاجته فاجتمع نفر من المهاجرين منهم عثمان وعلي
وطلحة والزبير فقال الزبير لو قلنا لعمر في زيادة نزيدها إياه في رزقه فقال علي
وددنا قبل ذلك فانطلقوا بنا فقال عثمان إنه عمر فهلموا فلنستبرئ ما عنده من وراء
نأتي حفصة فنسألها ونستكتمها فدخلوا عليها وأمروها أن تخبر بالخبر عن نفر ولا
تسمى له أحدا إلا أن يقبل وخرجوا من عندها فلقيت عمر في ذلك فعرفت
الغضب في وجهه وقال من هؤلاء قالت لا سبيل إلى علمهم حتى أعلم رأيك فقال
لو علمت من هم لسؤت وجوههم أنت بيني وبينهم أنشدك بالله ما أفضل ما اقتنى
رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتك من الملبس قالت ثوبين ممشقين كان يلبسهما
للوفد ويخطب فيهما للجمع قال فأي الطعام ناله عندك أرفع قالت خبزنا خبزة
شعير فصببنا عليها وهي حارة أسفل عكة لنا فجعلناها هشة دسمة فأكل منها
وتطعم منها استطابة لها قال فأي مبسط كان يبسطه عندك كان أوطأ قالت
كساء لنا ثخين كنا نربعه في الصيف فنجعله تحتنا فإذا كان الشتاء بسطنا نصفه
111

وتدثرنا بنصفه قال يا حفصة فأبلغيهم عني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدر
فوضع الفضول مواضعها وتبلغ بالترجية وانى قدرت فوالله لأضعن الفضول
مواضعها ولا تبلغن بالترجية وإنما مثلي ومثل صاحبي كثلاثة سلكوا طريقا
فمضى الأول وقد تزود وزاد فبلغ ثم اتبعه الآخر فسلك طريقه فأفضى إليه ثم اتبعه
الثالث فان لزم طريقهما ورضى بزادهما لحق بهما وكان معهما وإن سلك غير
طريقهما لم يجامعهما (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن عطية عن أصحابه
والضحاك عن ابن عباس قال لما افتتحت القادسية وصالح من صالح من أهل السواد
وافتتحت دمشق وصالح أهل دمشق قال عمر للناس اجتمعوا فأحضروني علمكم فيما
أفاء الله على أهل القادسية وأهل الشأم فاجتمع رأى عمر وعلي على أن يأخذوا من
قبل القرآن فقالوا ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى يعني من الخمس فلله
وللرسول إلى الله وإلى الرسول من الله الامر وعلى الرسول القسم ولذي القربى
واليتامى والمساكين الآية ثم فسروا ذلك بالآية التي تليها للفقراء المهاجرين الآية
فأخذوا الأربعة الأخماس على ما قسم عليه الخمس فيمن بدئ به وثنى وثلث وأربعة
أخماس لمن أفاء الله عليه المغنم ثم استشهدوا على ذلك أيضا واعلموا أنما غنمتم
من شئ فإن لله خمسه فقسم الأخماس على ذلك واجتمع على ذلك عمر وعلي وعمل
به المسلمون بعده فبدأ المهاجرين ثم بالأنصار ثم التابعين الذين شهدوا معهم وأعانوهم
ثم فرض الأعطية من الجزاء على من صالح أو دعى إلى الصلح من جزائه مردود
عليهم بالمعروف وليس في الجزاء أخماس والحزاء لمن منع الذمة ووفى لهم ممن ولى
ذلك منهم ولمن لحق بهم فأعانهم الا أن يؤاسوا بفضله من طيب أنفس منهم من
لم ينل مثل الذي نالوا (قال الطبري) وفي هذه السنة أعني سنة خمسة عشر كانت
وقعات في قول سيف بن عمرو في قول ابن إسحاق كان ذلك في سنة ستة عشر وقد
ذكرنا الرواية بذلك عنه قبل وكذلك ذلك في قول الواقدي نذكر الآن الاخبار
التي وردت بما كان بين ما ذكرت من الحروب إلى انقضاء السنة التي ذكرت
أنهم اختلفوا فيما كان فيها من ذلك
112

(كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن محمد والمهلب وعمرو وسعيد
قالوا عهد عمر إلى سعد حين أمره بالسير إلى المدائن أن يخلف النساء والعيال
بالعتيق ويجعل معهم كثفا من الجند ففعل وعهد إليه أن يشركهم في كل مغنم
ما داموا يخلفون المسلمين في عيالاتهم قالوا وكان مقام سعد بالقادسية بعد الفتح
شهرين في مكاتبة عمر في العمل بما ينبغي فقدم زهرة نحو اللسان واللسان لسان
البر الذي أدلعه في الريف وعليه الكوفة اليوم والحيرة قبل اليوم والنخيرجان
معسكر به فارفض ولم يثبت حين سمع بمسيرهم إليه فلحق بأصحابه قالوا فكان مما
يلعب به الصبيان في العسكر وتلقيه النساء عليهم وهم على شاطئ العتيق أمر كان
النساء يلعبن به في زرود وذي قارى وتلك الأمواه حين أمروا بالسير في جمادى
إلى القادسية وكان كلا ما أبدن فيه كالأوابد من الشعر لأنه ليس بين جمادى ورجب شئ
العجب كل العجب * بين جمادى ورجب * أمر قضاه قد وجب
يخبره من قد شجب * تحت غبار ولجب
حبر يوم برس
قال ثم إن سعدا ارتحل بعد الفراغ من أمر القادسية كله وبعد تقدم زهرة
ابن الحوية في المقدمات إلى اللسان ثم أتبعه عبد الله بن المعتم ثم أتبع عبد الله
شرحبيل بن السمط ثم أتبعهم هاشم بن عتبة وقد ولاه خلافته عمل خالد بن عرفطة
وجعل خالدا على الساقة ثم أتبعهم وكل المسلمين فارس مؤد قد نقل الله إليهم ما كان
في عسكر فارس من سلاح وكراع ومال لأيام بقين من شوال فسار زهرة حتى
ينزل الكوفة والكوفة كل حصباء وسهلة حمراء مختلطتين ثم نزل عليه عبد الله
وشرحبيل وارتحل زهرة حين نزلا عليه نحو المدائن فلما انتهى إلى برس لقيه بها
بصبهري في جمع فناوشوه فهزمهم فهرب بصبهري ومن معه إلى بابل وبها فالة القادسية
وبقايا رؤسائهم النخيرجان ومهران الرازي والهرمزان وأشباههم فأقاموا
113

واستعملوا عليهم الفيرزان وقدم عليهم بصبهري وقد نجا بطعنة فمات منها (كتب
إلى السري) عن شعيب عن سيف عن النضر بن السري عن ابن الرفيل عن أبيه
قال طعن زهرة بصبهري في يوم برس فوقع في النهر فمات من طعنته بعد ما لحق
ببابل ولما هزم بصبهري أقبل بسطام دهقان برس فاعتقد من زهرة وعقد له
الجسور وأتاه بخبر الذين اجتمعوا ببابل
يوم بابل
قالوا ولما أتى بسطام زهرة بالخبر عن الذين اجتمعوا ببابل من فلال القادسية
أقام وكتب إلى سعد بالخبر ولما نزل سعد على من بالكوفة مع هاشم بن عتبة وأتاه
الخبر عن زهرة باجتماع الفرس ببابل على الفيرزان قدم عبد الله وأتبعه شرحبيل
وهاشما ثم ارتحل بالناس فلما نزل عليهم برس قدم زهرة فأتبعه عبد الله وشرحبيل
وهاشما وأتبعهم فنزلوا على الفيرزان ببابل وقد قالوا نقاتلهم دستا قبل أن نفترق
فاقتتلوا ببابل فهزموهم في أسرع من لفت الرداء فانطلقوا على وجوههم ولم يكن
لهم همة الا الافتراق فخرج الهرمزان متوجها نحو الأهواز فأخذها فأكلها ومهرجان
قذق وخرج الفيرزان معه حتى طلع على نهاوند وبها كنوز كسرى فأخذها وأكل
الماهين وصمد النخيرجان ومهران الرازي للمدائن حتى عبرا بهرسير إلى جانب
دجلة الآخر ثم قطعا الجسر وأقام سعد ببابل أياما وبلغه أن النخيرجان قد خلف
شهريار دهقانا من دهاقين الباب بكوثي في جمع فقدم زهرة ثم اتبعه الجنود فخرج
زهرة حتى ينزل على شهريار بكوثي بعد قتل فيومان والفرخان فيما بين سورا
والدير (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن النضر بن السري عن
ابن الرفيل عن أبيه قال كان سعد قدم زهرة من القادسية فمضى متشعبا في حربه
وجنده ثم لم يلق جمعا فهزمهم إلا قدم فأتبعهم لا يمرون بأحد إلا قتلوه ممن
لحقوا به منهم وأقام لهم حتى إذا قدمه من بابل قدم زهرة بكير بن عبد الله الليثي
وكثير بن شهاب السعدي أخا الغلاق حين عبر الصراة فيلحقون بأخريات القوم
114

وفيهم فيومان والفرخان هذا ميساني وهذا أهوازي فقتل بكير الفرخان وقتل كثير
فيومان بسورا ثم مضى زهرة حتى جاوز سورا ثم نزل وأقبل هاشم حتى نزل عليه وجاء
سعد حتى ينزل عليهم ثم قدم زهرة فسار تلقاء القوم وقد أقاموا له فيما بين الدير وكوثي وقد
استخلف النخيرجان ومهران على جنودهما شهريار دهقان الباب ومضيا إلى المدائن
وأقام شهريار فيما هنالك فلما التقوا بأكناف كوثي جيش شهريار وأوائل الخيل خرج
فنادى ألا رجل ألا فارس منكم شديد عظيم يخرج إلي حتى أنكل به فقال زهرة
لقد أردت أن أبارزك فاما إذ سمعت قولك فإني لا أخرج إليك إلا عبدا فإن
أقمت له قتلك إن شاء الله ببغيك وإن فررت منه فإنما فررت من عبد وكايده ثم
أمر أبا نباتة نائل بن جعشم الأعرجي وكان من شجعان بني تميم فخرج إليه ومع
كل واحد منهما الرمح وكلاهما وثيق الخلق الا ان الشهريار مثل الجمل فلما رأى
نائلا ألقى الرمح ليعتنقه وألقى نائل رمحه ليعتنقه وانتضيا سيفيهما فاجتلدا ثم اعتنقا
فخرا عن دابتيهما فوقع على نائل كأنه بيت فضغطه بفخذه وأخذ الخنجر وأراغ
حل ازرار درعه فوقعت ابهامه في نائل فحطم عظمها ورأى منه فتورا فثاوره
فجلد به الأرض ثم قعد على صدره وأخذ خنجره فكشف درعه عن بطنه فطعن
في بطنه وجنبه حتى مات فأخذ فرسه وسواريه وسلبه وانكشف أصحابه فذهبوا
في البلاد وأقام زهرة بكوثي حتى قدم عليه سعد فأتى به سعدا فقال سعد عزمت
عليك يا نائل بن جعشم لما لبست سواريه وقباءه ودرعه ولتركبن برذونه وغنمه
ذلك كله فانطلق فتدرع سلبه ثم أتاه في سلاحه على دابته فقال اخلع سواريك الا
ان ترى حربا فتلبسهما فكان أول رجل من المسلمين سور بالعراق (كتب إلي
السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو وسعيد قالوا
فأقام سعد بكوثي أياما وأتى المكان الذي جلس فيه إبراهيم عليه السلام بكوثي
فنزل جانب القوم الذين كانوا يبشرون إبراهيم وأتى البيت الذي كان فيه إبراهيم
عليه السلام محبوسا فنظر إليه وصلى على رسول الله وعلى إبراهيم وعلى أنبياء الله
صلوات الله عليهم وقرأ " وتلك الأيام نداولها بين الناس "
115

حديث بهرسير في ذي الحجة سنة خمسة عشر في قول سيف
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو
والنضر عن ابن الرفيل قالوا ثم إن سعدا قدم زهرة إلى بهرسير فمضى زهرة من
كوثي في المقدمات حتى ينزل بهرسير وقد تلقاه شيرزاذ بساباط بالصلح وتأدية
الجزاء فأمضاه إلى سعد فاقبل معه وتبعته المجنبات وخرج هاشم وخرج سعد في
أثره وقد فل زهرة كتيبة كسرى بوران حول المظلم وانتهى هاشم إلى مظلم
ساباط ووقف لسعد حتى لحق به فوافق ذلك رجوع المقرط أسد كان لكسرى
قد ألفه وتخيره من أسود المظلم وكانت به كتائب كسرى التي تدعى بوران وكانوا
يحلفون بالله كل يوم لا يزول ملك فارس ما عشنا فبادر المقرط الناس حين انتهى
إليهم سعد فنزل إليه هاشم فقتله وسمى سيفه المنن فقبل سعد رأس هاشم وقبل هاشم
قدم سعد فقدمه سعد إلى بهرسير فنزل إلى المظلم وقرأ " أولم تكونوا أقسمتم من قبل
ما لكم من زوال " فلما ذهب من الليل هدأة ارتحل فنزل على الناس ببهرسير وجعل
المسلمون كلما قدمت خيل على بهرسير وقفوا ثم كبروا فكذلك حتى نجز آخر
من مع سعد فكان مقامه بالناس على بهرسير شهرين وعبروا في الثالث * وحج
بالناس في هذه السنة عمر بن الخطاب وكان عامله فيها على مكة عتاب بن أسيد
وعلى الطائف يعلى بن منية وعلى اليمامة والبحرين عثمان بن أبي العاص وعلى عمان
حذيفة بن محصن وعلى كور الشأم أبو عبيدة بن الجراح وعلى الكوفة وأرضها
سعد بن أبي وقاص وعلى قضائها أبو فروة وعلى البصرة وأرضها المغيرة بن شعبة
ثم دخلت سنة ست عشرة
(قال أبو جعفر) ففيها دخل المسلمون مدينة بهرسير وافتتحوا المدائن وهرب
منها يزدجرد بن شهريار
ذكر بقية خبر دخول المسلمين مدينة بهرسير
(كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة والمهلب وقالوا لما
116

نزل سعد على بهرسير بث الخيول فأغارت على ما بين دجلة إلى من له عهد من أهل
الفرات فأصابوا مائة ألف فلاح فحسبوا فأصاب كل منهم فلاحا وذلك أن كلهم
فارس ببهرسير فخندق لهم فقال له شيرزاذ دهقان ساباط انك لا تصنع بهؤلاء شيئا
إنما هؤلاء علوج لأهل فارس لم يجروا إليك فدعهم إلي حتى يفرق لكم الرأي
فكتب عليه بأسمائهم ودفعهم إليه فقال شيرزاذ انصرفوا إلى قراكم وكتب سعد إلى
عمر إنا وردنا بهرسير بعد الذي لقينا فيما بين القادسية وبهرسير فلم يأتنا أحد لقتال
فبثثت الخيول فجمعت الفلاحين من القرى والآجام فر رأيك فأجابه إن من أتاكم
من الفلاحين إذا كانوا مقيمين لم يعينوا عليكم فهو أمانهم ومن هرب فأدركتموه
فشأنكم به فلما جاء الكتاب خلى عنهم وراسله الدهاقين فدعاهم إلى الاسلام والرجوع
أو الجزاء ولهم الذمة والمنعة فتراجعوا على الجزاء والمنعة ولم يدخل في ذلك ما كان
لآل كسرى ومن دخل معهم فلم يبق في غربي دجلة إلى أرض العرب سوادي
إلا أمن واغتبط بملك الاسلام واستقبلوا الخراج وأقاموا على بهرسير شهرين
يرمونها بالمجانيق ويدبون إليهم بالدبابات ويقاتلونهم بكل عدة (كتب إلي السري)
عن شعيب عن سيف عن المقدام بن شريح الحارثي عن أبيه قال نزل المسلمون
على بهرسير وعليها خنادقها وحرسها وعدة الحرب فرموهم بالمجانيق والعرادات
فاستصنع سعد شيرزاذ المجانيق فنصب على أهل بهرسير عشرين منجنيقا فشغلوهم
بها (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن النضر بن السري عن ابن
الرفيل عن أبيه قال فلما نزل سعد على بهرسير كانت العرب مطيفة بها والعجم
متحصنة فيها وربما خرج الأعاجم يمشون على المسنيات المشرفة على دجلة في
جماعتهم وعدتهم لقتال المسلمين فلا يقومون لهم فكان آخر ما خرجوا في
في رجالة وناشبة وتجردوا للحرب وتبايعوا على الصبر فقاتلهم المسلمون
فلم يثبتوا لهم فكذبوا وتولوا وكانت على زهرة بن الحوية درع مفصومة فقيل
له لو أمرت بهذا الفصم فسرد فقال ولم قالوا نخاف عليك منه قال إني لكريم
على الله ان ترك سهم فارس الجند كله ثم أتاني من هذا الفصم حتى يثبت في
117

فكان أول رجل من المسلمين أصيب يومئذ بنشابة فثبتت فيه من ذلك الفصم فقال
بعضهم انزعوها عنه فقال دعوني فان نفسي معي ما دامت في لعلى أن أصيب منهم
بطعنة أو ضربة أو خطوة فمضى نحو العدو فضرب بسيفه شهربراز من أهل
إصطخر فقتله وأحيط به فقتل وانكشفوا (كتب إلي السري) عن شعيب
عن سيف عن عبد الله بن سعيد بن ثابت عن عمرة ابنة عبد الرحمن بن أسعد
عن عائشة أم المؤمنين قالت لما فتح الله عز وجل وقتل رستم وأصحابه بالقادسية
وفضت جموعهم أتبعهم المسلمون حتى نزلوا المدائن وقد ارفضت جموع فارس
ولحقوا بجبالهم وتفرقت جماعتهم وفرسانهم إلا أن الملك مقيم في مدينتهم معه من
بقى من أهل فارس على أمره (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن
سماك بن فلان الهجيمي عن أبيه ومحمد بن عبد الله عن أنس بن الحليس قال بينا نحن
محاصرو بهرسير بعد زحفهم وهزيمتهم أشرف علينا رسول فقال إن الملك يقول
لكم هل لكم إلى المصالحة على أن لنا ما يلينا من دجلة وجبلنا ولكم ما يليكم
من دجلة إلى جبلكم أما شبعتم لا أشبع الله بطونكم فبدر الناس أبو مفزر الأسود
ابن قطبة وقد أنطقه الله بما لا يدري ما هو ولا نحن فرجع الرجل ورأيناهم يقطعون
إلى المدائن فقلنا يا أبا مفزر ما قلت له فقال له والذي بعث محمدا بالحق ما أدرى
ما هو إلا أن على سكينة وأنا أرجو أن أكون قد أنطقت بالذي هو خير وانتاب
الناس يسألونه حتى سمع بذلك سعد فجاءنا فقال يا أبا مفزر ما قلت فوالله إنهم
لهراب فحدثه بمثل حديثه إيانا فنادى في الناس ثم نهد بهم وإن مجانيقنا لتخطر عليهم
فما ظهر على المدينة أحد ولا خرج إلينا إلا رجل نادى بالأمان فآمناه فقال إن بقى
فيها أحد فما يمنعكم فتسورها الرجال وافتتحناها فما وجدنا فيها شيئا ولا أحدا
إلا أسارى أسرناهم خارجا منها فسألناهم وذلك الرجل لأي شئ هربوا فقالوا
بعث الملك إليكم يعرض عليكم الصلح فأجبتموه بأنه لا يكون بيننا وبينكم صلح
أبدا حتى نأكل عسل افريذين بأترج كوثى فقال الملك وا ويله إلا أن الملائكة
تكلم على ألسنتهم ترد علينا وتجيبنا عن العرب والله لئن لم يكن كذلك ما هذا إلا
118

شئ ألقى على في هذا الرجل لننتهي فأرزوا إلى المدينة القصوى (كتب إلي
السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو وسعيد قالوا
لما دخل سعد والمسلمون بهرسير أنزل سعد الناس فيها وتحول العسكر إليها وحاول
العبور فوجدوهم قد ضموا السفن فيما بين البطائح وتكريت ولما دخل المسلمون
بهرسير وذلك في جوف الليل لاح لهم الأبيض فقال ضرار بن الخطاب الله أكبر
أبيض كسرى هذا ما وعد الله ورسوله وتابعوا التكبير حتى أصبحوا * فقال
محمد وطلحة وذلك ليلة نزلوا على بهرسير (كتب إلى السري) عن شعيب عن
سيف عن الأعمش عن حبيب بن صهبان أبي مالك قال دفعنا إلى المدائن يعني
بهرسير وهي المدينة الدنيا فحصرنا ملكهم وأصحابه حتى أكلوا الكلاب والسنانير
قال ثم لم يدخلوا حتى ناداهم مناد والله ما فيها أحد فدخلوها وما فيها أحد
حديث المدائن القصوى التي كان فيها منزل كسرى
قال سيف وذلك في صفر سنة ستة عشر قالوا ولما نزل سعد بهرسير وهي المدينة
الدنيا طلب السفن ليعبر بالناس إلى المدينة القصوى فلم يقدر على شئ ووجدهم
قد ضموا السفن فأقاموا ببهرسير أياما من صفر يريدونه على العبور فيمنعه الابقاء
على المسلمين حتى أتاه اعلاج فدلوه على مخاضة تخاض إلى صلب الوادي فأبى
وتردد عن ذلك وفجئهم المد فرأى رؤيا أن خيول المسلمين اقتحمتها فعبرت وقد
أقبلت من المد بأمر عظيم فعزم لتأويل رؤياه على العبور وفي سنة جود صيفها
متتابع فجمع سعد الناس فحمد الله وأثنى عليه وقال إن عدوكم قد اعتصم منكم بهذا
البحر فلا تخلصون إليه معه وهم يخلصون إليكم إذا شاءوا فينا وشونكم في سفنهم
وليس وراءكم شئ تخافون أن تؤتوا منه فقد كفاكموهم أهل الأيام وعطلوا
ثغورهم وأفنوا ذادتهم وقد رأيت من الرأي أن تبادروا جهاد العدو بنياتكم قبل
أن تحصركم الدنيا ألا إني قد عزمت على قطع هذا البحر إليهم فقالوا جميعا عزم
الله لنا ولك على الرشد فافعل فندب سعد الناس إلى العبور ويقول من يبدأ ويحمى
119

لنا الفراض حتى تتلاحق به الناس لكيلا يمنعوهم من الخروج فانتدب له عاصم
ابن عمرو ذو البأس وانتدب بعده ستمائة من أهل النجدات فاستعمل عليهم
عاصما فسار فيهم حتى وقف على شاطئ دجلة وقال من ينتدب معي لنمنع الفراض
من عدوكم ولنحميكم حتى تعبروا فانتدب له ستون منهم أصم بنى ولاد وشرحبيل
في أمثالهم فجعلهم نصفين على خيول إناث وذكورة ليكون أساس لعوم الخيل ثم
اقتحموا دجلة واقتحم بقية الستمائة على أثرهم فكان أول من فصل من الستين
أصم التيم والكلج وأبو مفزر وشرحبيل وحجل العجلي ومالك بن كعب
الهمداني وغلام من بني الحارث بن كعب فلما رآهم الأعاجم وما صنعوا أعدوا
للخيل التي تقدمت سعدا مثلها فاقتحموا عليهم دجلة فأعاموها إليهم فلقوا عاصما
في السرعان وقد دنا من الفراض فقال عاصم الرماح الرماح أشرعوها وتوخوا
العيون فالتقوا فاطعنوا وتوخى المسلمون عيونهم فولوا نحو الجد والمسلمون
يشمصون بهم خيلهم ما يملك رجالها منع ذلك منها شيئا فلحقوا بهم في الجد فقتلوا
عامتهم ونجا من نجا منهم عورانا وتزلزلت بهم خيولهم حتى انتقضت عن الفراض
وتلاحق الستمائة بأوائلهم الستين غير متعتعين ولما رأى سعد عاصما على الفراض
قد منعها أذن للناس في الاقتحام وقال قولوا نستعين بالله ونتوكل عليه حسبنا الله
ونعم الوكيل لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وتلاحق عظم الجند فركبوا
اللجة وان دجلة لترمى بالزبد وانها لمسودة وإن الناس ليتحدثون في عومهم وقد
اقتربوا ما يكترثون كما يتحدثون في مسيرهم على الأرض ففجأوا أهل فارس بأمر
لم يكن في حسابهم فأجهضوهم وأعجلوهم عن جمهور أموالهم ودخلها المسلمون في
صفر سنة ستة عشر واستولوا على ذلك كله مما بقى في بيوت كسرى من
الثلاثة آلاف ألف ألف ومما جمع شيرى ومن بعده وفي ذلك يقول أبو بجيدة
نافع بن الأسود
وأسلنا على المدائن خيلا * بحرها مثل برهن أريضا
فانتثلنا خزائن المرء كسرى * يوم ولوا وحاص منا جريضا
120

(كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن الوليد بن عبد الله بن أبي طيبة عن
أبيه قال لما أقام سعد على دجلة أتاه علج فقال ما يقيمك لا يأتي عليك ثالثة حتى
يذهب يزدجرد بكل شئ في المدائن فذلك مما هيجه على القيام بالدعاء إلى العبور
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن رجل عن أبي عثمان النهدي في
قيام سعد في الناس في دعائهم إلى العبور بمثله وقال طبقنا دجلة خيلا ورجلا ودواب
حتى ما يرى الماء من الشاطئ أحد فخرجت بنا خيلنا إليهم تنفض أعرافها لها صهيل
فلما رأى القوم ذلك انطلقوا لا يلوون على شئ فانتهينا إلى القصر الأبيض وفيه
قوم قد تحصنوا فأشرف بعضهم فكلمنا فدعوناهم وعرضنا عليهم فقلنا ثلاث
تختارون منهن أيتهن شئتم قالوا وما هن قلنا الاسلام فان أسلمتم فلكم ما لنا وعليكم
ما علينا وإن أبيتم فالجزية وإن أبيتم فمناجزتكم حتى يحكم الله بيننا وبينكم فأجابنا
مجيبهم لا حاجة لنا في الأولى ولا في الآخرة ولكن الوسطى (كتب إلي السري)
عن شعيب عن سيف عن عطية بمثله قال والسفير سلمان (كتب إلي السري)
عن شعيب عن سيف عن النضر بن السري عن ابن الرفيل قال لما هزموهم في الماء
وأخرجوهم إلى الفراض ثم كشفوهم عن الفراض أجلوهم عن الأموال إلا ما كانوا
تقدموا فيه وكان في بيوت أموال كسرى ثلاثة آلاف ألف ألف ثلاث مرات
فبعثوا مع رستم بنصف ذلك وأقروا نصفه في بيوت الأموال (كتب إلي السري)
عن شعيب عن سيف عن بدر بن عثمان عن أبي بكر بن حفص بن عمر قال قال سعد
يومئذ وهو واقف قبل أن يقحم الجمهور وهو ينظر إلى حماة الناس وهم يقاتلون
على الفراض والله ان لو كانت الخرساء يعني الكتيبة التي كان فيها القعقاع بن عمرو
وحمال بن مالك والربيل بن عمرو فقاتلوا قتال هؤلاء القوم هذه الخيل لكانت
أجزأت وأغنت وكتيبة عاصم هي كتيبة الأهوال فشبه كتيبة الأهوال لما رأى
منهم في الماء والفراض بكتيبة الخرساء قال ثم إنهم تنادوا بعد هنات قد اعتوروها
عليهم ولهم فخرجوا حتى لحقوا بهم فلما استووا على الفراض هم وجميع كتيبة الأهوال
بأسرهم أقحم سعد الناس وكان الذي يساير سعدا في الماء سلمان الفارسي فعامت بهم
121

الخيل وسعد يقول حسبنا الله ونعم الوكيل والله لينصرن الله وليه وليظهرن الله
دينه وليهزمن الله عدوه إن لم يكن في الجيش بغى أو ذنوب تغلب الحسنات فقال
له سلمان الاسلام جديد ذللت لهم والله البحور كما ذلل لهم البر أما والذي نفس
سلمان بيده ليخرجن منه أفواجا فطبقوا الماء حتى ما يرى الماء من الشاطئ ولهم فيه
أكثر حديثا منهم في البر لو كانوا فيه فخرجوا منه كما قال سلمان لم يفقدوا شيئا ولم
يغرق منهم أحد (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن أبي عمر دثار عن
أبي عثمان النهدي أنهم سلموا من عند آخرهم إلا رجلا من بارق يدعى غرقدة زال
عن ظهر فرس له شقراء كأني أنظر إليها تنفض أعرافها عريا والغريق طاف فثنى
القعقاع بن عمرو عنان فرسه إليه فأخذ بيده فجره حتى عبر فقال البارقي وكان من
أشد الناس أعجز الأخوات أن يلدن مثلك يا قعقاع وكان للقعقاع فيهم خؤولة (كتب إلي
السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو وسعيد قالوا فما ذهب لهم
في الماء يومئذ إلا قدح كانت علاقته رثة فانقطعت فذهب به الماء فقال الرجل الذي
كان يعاوم صاحب القدح معيرا له أصابه القدر فطاح فقال والله انى لعلى جديلة
ما كان الله ليسلبني قد حي من بين أهل العسكر فلما عبروا إذا رجل ممن كان يحمى
الفراض قد سفل حتى طلع عليه أوائل الناس وقد ضربته الرياح والأمواج حتى
وقع إلى الشاطئ فتناوله برمحه فجاء به إلى العسكر فعرفه فأخذه صاحبه وقال للذي كان
يعاومه ألم أقل لك وصاحبه حليف لقريش من عنز يدعى مالك بن عامر والذي قال
طاح يدعى عامر بن مالك (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن القاسم بن
الوليد عن عمير الصائدي قال لما اقتحم سعد الناس في دجلة اقترنوا فكان سلمان
قرين سعد إلى جانبه يسايره في الماء وقال سعد ذلك تقدير العزيز العليم والماء يطمو
بهم وما يزال فرس يستوي قائما إذا أعيى ينشز له تلعة فيستريح عليها كأنه على
الأرض فلم يكن بالمدائن أمر أعجب من ذلك وذلك يوم الماء وكان يدعى يوم
الجراثيم (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن محمد والمهلب وطلحة
وعمرو وسعيد قالوا كان يوم ركوب دجلة يدعى يوم الجراثيم لا يعيي أحد
122

الا أنشزت له جرثومة يريح عليها (كتب إلى السري) عن شعيب عن
سيف عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال خضنا دجلة وهى
تطفح فلما كنا في أكثرها ماء لم يزل فارس واقف ما يبلغ الماء حزامه (كتب إلى
السري) عن شعيب عن سيف عن الأعمش عن حبيب بن صهبان أبي مالك
قال لما دخل سعد المدينة الدنيا وقطع القوم الجسر وضموا السفن قال المسلمون
ما تنتظرون بهذه النطقة فاقتحم رجل فخاض الناس فما غرق منهم إنسان ولا ذهب
لهم متاع غير أن رجلا من المسلمين فقد قد حاله انقطعت علاقته فرأيته يطفح على
الماء (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد والمهلب وطلحة قالوا
وما زالت حماة أهل فارس يقاتلون على الفراض حتى أتاهم آت فقال علام تقتلون
أنفسكم فوالله ما في المدائن أحد (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن
محمد وطلحة والمهلب وعمرو وسعيد قالوا لما رأى المشركون المسلمين وما يهمون
به بعثوا من يمنعهم من العبور وتحملوا فخرجوا هرابا وقد أخرج يزدجرد قبل
ذلك وبعد ما فتحت بهرسير عياله إلى حلوان فخرج يزدجرد بعد حتى ينزل حلوان
فلحق بعياله وخلف مهران الرازي والنخيرجان وكان بيت المال بالنهروان
وخرجوا معهم بما قدروا عليه من حر متاعهم وخفيفه وما قدروا عليه من
بيت المال وبالنساء والذراري وتركوا الخزائن من الثياب والمتاع والآنية
والفضول والالطاف والأدهان ما لا يدري ما قيمته وخلفوا ما كانوا أعدوا
للحصار من البقر والغنم والأطعمة والأشربة فكان أول من دخل المدائن كتيبة
الأهوال ثم الخرساء فأخذوا في سككها لا يلقون فيها أحدا ولا يحسونه إلا من
كان في القصر الأبيض فأحاطوا بهم ودعوهم فاستجابوا لسعد على الجزاء والذمة
وتراجع إليهم أهل المدائن على مثل عهدهم ليس في ذلك ما كان لآل كسرى ومن
خرج معهم ونزل سعد القصر الأبيض وسرح سعد زهرة في المقدمات في آثار
القوم إلى النهروان فخرج حتى انتهى إلى النهروان وسرح مقدار ذلك في طلبهم من
كل ناحية (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن الأعمش عن حبيب
123

ابن صهبان أبي مالك قال لما عبر المسلمون يوم المدائن دجلة فنظروا إليهم يعبرون
جعلوا يقولون بالفارسية ديوان آمد وقال بعضهم لبعض والله ما تقاتلون الانس
وما تقاتلون إلا الجن فانهزموا (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف
عن عطية بن الحارث وعطاء بن السائب عن أبي البختري قال كان رائد المسلمين
سلمان الفارسي وكان المسلمون قد جعلوه داعية أهل فارس قال عطية وقد كانوا
أمروه بدعاء أهل بهرسير وأمروه يوم القصر الأبيض فدعاهم ثلاثا قال عطية
وعطاء وكان دعاؤه إياهم أن يقول إني منكم في الأصل وأنا أرق لكم ولكم في ثلاث
أدعوكم إليها ما يصلحكم أن تسلموا فإخواننا لكم ما لنا وعليكم ما علينا وإلا فالجزية
وإلا نابذناكم على سواء إن الله لا يحب الخائنين قال عطية فلما كان اليوم الثالث
في بهرسير أبوا أن يجيبوا إلى شئ فقاتلهم المسلمون حين أبوا ولما كان اليوم
الثالث في المدائن قبل أهل القصر الأبيض وخرجوا ونزل سعد القصر الأبيض
واتخذ الايوان مصلى وإن فيه لتماثيل جص فما حركها (كتب إلى السري) عن
شعيب عن سيف عن محمد وطلحة والمهلب وشاركهم سماك الهجيمي قالوا وقد
كان الملك سرب عياله حين أخذت بهرسير إلى حلوان فلما ركب المسلمون الماء
خرجوا هرابا وخيلهم على الشاطئ يمنعون المسلمين وخيلهم من العبور فاقتتلوا
هم والمسلمون قتالا شديدا حنى ناداهم مناد علام تقتلون أنفسكم فوالله ما في المدائن
من أحد فانهزموا واقتحمتها الخيول عليهم وعبر سعد في بقية الجيش (كتب إلى
السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة والمهلب قالوا أدرك أوائل
المسلمين أخريات أهل فارس فأدرك رجل من المسلمين يدعى ثقيفا أحد بني عدى
ابن شريف رجلا من أهل فارس معترضا على طريق من طرقها يحمى أدبار أصحابه
فضرب فرسه على الاقدام عليه فأحجم ولم يقدم ثم ضربه للهرب فتقاعس حتى
لحقه المسلم فضرب عنقه وسلبه (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن
عطية وعمرو ودثار أبي عمر قالوا كان فارس من فرسان العجم في المدائن يومئذ
مما يلي جازر فقيل له قد دخلت العرب وهرب أهل فارس فلم يلتفت إلى قولهم
124

وكان واثقا بنفسه ومضى حتى دخل بيت أعلاج له وهم ينقلون ثيابا لهم قال مالكم
قالوا أخرجتنا الزنابير وغلبتنا على بيوتنا فدعا بجلاهق وبطين فجعل يرميهن حتى
ألزقهن بالحيطان فأفناهن وانتهى إليه الفزع فقام وأمر علجا فأسرج له فانقطع
حزامه فشده على عجل وركب ثم خرج فوقف ومر به رجل فطعنه وهو يقول:
خذها وأنا ابن المخارق فقتله ثم مضى ما يلتفت إليه (كتب إلى السري) عن شعيب
عن سيف عن سعيد بن المرزبان بمثله وإذا هو ابن المخارق بن شهاب قالوا وأدرك
رجل من المسلمين رجلا منهم معه عصابة يتلاومون ويقولون من أي شئ فررنا
ثم قال قائل منهم لرجل منهم ارفع لي كرة فرماها لا يخطئ فلما رأي ذلك عاج
وعاجوا معه وهو أمامهم فانتهى إلى ذلك الرجل فرماه من أقرب مما كان يرمى
منه الكرة ما يصيبه حتى وقف عليه الرجل ففلق هامته وقال أنا ابن مشرط
الحجارة وتفار عن الفارسي وأصحابه وقالوا جميعا محمد والمهلب وطلحة وعمرو
وأبو عمر وسعيد قالوا ولما دخل سعد المدائن فرأى خلوتها وانتهى إلى ايوان
كسرى أقبل يقرأ " كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا
فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوما آخرين " وصلى فيه صلاة الفتح ولا تصلى جماعة
فصلى ثماني ركعات لا يفصل بينهن واتخذه مسجدا وفيه تماثيل الجص رجال
وخيل ولم يمتنع ولا المسلمون لذلك وتركوها على حالها قالوا وأتم سعد الصلاة
يوم دخلها وذلك أنه أراد المقام بها وكانت أول جمعة بالعراق جمعت جماعة
بالمدائن في صفر سنة ستة عشر
ذكر ما جمع من فئ أهل المدائن
(كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن محمد والمهلب وعقبة وعمرو وأبى عمر
وسعيد قالوا نزل سعد ايوان كسرى وقدم زهرة وأمره أن يبلغ النهروان فبعث
في كل وجه مقدار ذلك لنفي المشركين وجمع الفيوء ثم تحول إلى القصر بعد ثالثة
ووكل بالاقباض عمرو بن عمرو بن مقرن وأمره بجمع ما في القصر والإيوان
125

والدور وإحصاء ما يأتيه به الطلب وقد كان أهل المدائن تناهبوا عند الهزيمة غارة
ثم طاروا في كل وجه فما أفلت أحد منهم بشئ لم يكن في عسكر مهران بالنهروان
ولا بخيط ألح عليهم الطلب فتنقذوا ما في أيديهم ورجعوا بما أصابوا من
الاقباض فضموه إلى ما قد جمع وكان أول شئ جمع يومئذ ما في القصر الأبيض
ومنازل كسرى وسائر دور المدائن (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف
عن الأعمش عن حبيب بن صهبان قال دخلنا المدائن فأتينا على قباب تركية مملوءة
سلالا مختمة بالرصاص فما حسبناها إلا طعاما فإذا هي آنية الذهب والفضة
فقسمت بعد بين الناس وقال حبيب وقد رأيت الرجل يطوف ويقول من معه
بيضاء بصفراء وأتينا على كافور كثير فما حسبناه إلا ملحا فجعلنا نعجن به حتى
وجدنا مرارته في الخبز (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن النضر
ابن السري عن ابن الرفيل عن أبيه الرفيل بن ميسور قال خرج زهرة في المقدمة
يتبعهم حتى انتهى إلى جسر النهروان وهم عليه فازدحموا فوقع بغل في الماء
فعجلوا وكلبوا عليه فقال زهرة إني أقسم بالله لهذا البغل لشأنا ما كلب القوم عليه
ولا صبروا للسيوف بهذا الموقف الضنك إلا لشئ بعد ما أرادوا تركه وإذا الذي
عليه حلية كسرى ثيابه وخرزاته ووشاحه ودرعه التي كان فيها الجوهر وكان
يجلس فيها للمباهاة وترجل زهرة يومئذ حتى إذا أزاحهم أمر أصحابه بالبغل
فاحتملوه فأخرجوه فجاؤوا بما عليه حتى رده إلى الاقباض ما يدرون ما عليه وارتجز
يومئذ زهرة
فدى لقومي اليوم أخوالي وأعمامي * هم كرهوا بالنهر خذلاني وإسلامي
هم فلجوا بالبغل في الخصام * بكل قطاع شؤون الهام
وصرعوا الفرس على الآكام * كأنهم نعم من الانعام
(كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن هبيرة بن الأشعث عن جده
الكلج قال كنت فيمن خرج في الطلب فإذا أنا ببغالين قد ردا الخيل عنهما بالنشاب
فما بقي معهما غير نشابتين فألظظت بهما فاجتمعا فقال أحدهما لصاحبه أرمه
126

وأحميك أو أرميه وتحميني فحمى كل واحد منهما صاحبه حتى رميا بها ثم إني حملت
عليهما فقتلتهما وجئت بالبغلين ما أدرى ما عليهما حتى أبلغتهما صاحب الاقباض
وإذا هو يكتب ما يأتيه به الرجال وما كان في الخزائن والدور فقال على رسلك
حتى ننظر ما معك فحططت عنهما فإذا سقطان على أحد البغلين فيهما تاج كسرى
مفسخا وكان لا يحمله إلا اسطوانتان وفيهما الجوهر وإذا على الآخر سقطان
فيهما ثياب كسرى التي كان يلبس من الديباج المنسوج بالذهب المنظوم بالجوهر
وغير الديباج منسوجا منظوما (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن
محمد وطلحة والمهلب قالوا وخرج القعقاع بن عمرو يومئذ في الطلب فلحق بفارسي
يحمى الناس فاقتتلا فقتله وإذا مع المقتول جنيبة عليها عيبتان وغلافان في أحدهما
خمسة أسياف وفي الآخر ستة أسياف وإذا في العيبتين أدراع فإذا في الأدراع درع
كسرى ومغفرة وساقاه وساعداه ودرع هرقل ودرع خاقان ودرع داهر ودرع
بهرام شوبين ودرع سياوخش ودرع النعمان وكانوا استلبوا ما لم يرثوا استلبوها
أيام غزاتهم خاقان وهرقل وداهر وأما النعمان وبهرام فحين هربا وخالفا كسرى
وأما أحد الغلافين ففيه سيف كسرى وهرمز وقباذ وفيروز وإذا السيوف الاخر
سيف هرقل وخاقان وداهر وبهرام وسياوخش والنعمان فجاء به إلى سعد فقال اختر
أحد هذه الأسياف فاختار سيف هرقل وأعطاه درع بهرام وأما سائرها فنفلها
في الخرساء إلا سيف كسرى والنعمان ليبعثوا بهما إلى عمر لتسمع بذلك العرب
لمعرفتهم بهما وحبسوهما في الأخماس وحلى كسرى وتاجه وثيابه ثم بعثوا بذلك
إلى عمر ليراه المسلمون ولتسمع بذلك العرب وعلى هذا الوجه سلب خالد بن سعيد
عمرو بن معديكرب سيفه الصمصامة في الردة والقوم يستحيون من ذلك (كتب
إلي السري) عن شعيب عن سيف عن عبيدة بن معتب عن رجل من بني الحارث
ابن طريف عن عصمة بن الحارث الضبي قال خرجت فيمن خرج يطلب فأخذت
طريقا مسلوكا وإذا عليه حمار فلما رآني حثه فلحق بآخر قدامه فمالا وحثا حماريهما
فانتهيا إلى جدول قد كسر جسره فثبتا حتى أتيتهما ثم تفرقا ورماني أحدهما فألظظت
127

به فقتلته وأفلت الآخر ورجعت إلى الحمارين فأتيت بهما صاحب الاقباض فنظر
فيما على أحدهما فإذا سفطان في أحدهما فرس من ذهب مسرج بسرج من فضة
على ثفره ولببه الياقوت والزمرد منظوم على الفضة ولجام كذلك وفارس
من فضة مكلل بالجوهر وإذا في الآخر ناقة من فضة عليها شليل من ذهب وبطان
من ذهب ولها شناق أو زمام من ذهب وكل ذلك منظوم بالياقوت وإذا عليها
رجل من ذهب مكلل بالجوهر كان كسرى يضعهما إلى اسطوانتي التاج (كتب
إلي السري) عن شعيب عن سيف عن هبيرة بن الأشعث عن أبي عبدة
العنبري قال لما هبط المسلمون المدائن وجمعوا الاقباض أقبل رجل بحق معه
فدفعه إلى صاحب الاقباض فقال الذين معه ما رأينا مثل هذا قط ما يعدله
ما عندنا ولا يقاربه فقالوا هل أخذت منه شيئا فقال أما والله لولا الله ما أتيتكم
به فعرفوا أن للرجل شأنا فقالوا من أنت فقال لا والله لا أخبركم لتحمدوني ولا
غيركم ليقرظوني ولكني أحمد الله وأرضى بثوابه فأتبعوه رجلا حتى انتهى إلى أصحابه
فسأل عنه فإذا هو عامر بن عبد قيس (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف
عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو وسعيد قالوا قال سعد والله إن الجيش
لذو أمانة ولولا ما سبق لأهل بدر لقلت وأيم الله على فضل أهل بدر لقد تتبعت
من أقوام منهم هنات وهنات فيما أحرزوا ما أحسبها ولا أسمعها من هؤلاء
القوم (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن مبشر بن الفضيل عن
جابر بن عبد الله قال والله الذي لا إله إلا هو ما اطلعنا على أحد من أهل
القادسية أنه يريد الدنيا مع الآخرة ولقد اتهمنا ثلاثة نفر فما رأينا كالذي هجمنا
عليه من أمانتهم وزهدهم طليحة بن خويلد وعمرو بن معديكرب وقيس بن
المكشوح (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد بن قيس العجلي
عن أبيه قال لما قدم بسيف كسرى على عمر ومنطقته وزبرجه قال إن أقواما
أدوا هذا لذو أمانة فقال علي إنك عففت فعفت الرعية (كتب إلي السري)
عن شعيب عن سيف عن عمرو والمجالد عن الشعبي قال قال عمر حين نظر إلى
128

سلاح كسرى إن أقواما أدوا هذا لذو أمانة
ذكر صفة قسم الفئ الذي أصيب بالمدائن بين أهله
وكانوا فيما زعم سيف ستين ألفا
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وعمرو وسعيد
والمهلب قالوا ولما بعث سعد بعد نزوله المدائن في طلب الأعاجم بلغ الطلب
النهروان ثم تراجعوا ومضى المشركون نحو حلوان فقسم سعد الفئ بين الناس
بعد ما خمسه فأصاب الفارس اثنا عشر ألفا وكلهم كان فارسا ليس فيهم راجل وكانت
الجنائب في المدائن كثيرة (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن المجالد
عن الشعبي بمثله وقالوا جميعا ونفل من الأخماس ولم يجهدها في أهل البلاء
وقالوا جميعا قسم سعد دور المدائن بين الناس وأوطنوها والذي ولى القبض عمرو
ابن عمرو المزني والذي ولى القسم سلمان بن ربيعة وكان فتح المدائن في صفر
سنة ست عشرة قالوا ولما دخل سعد المدائن أتم الصلاة وصام وأمر الناس بايوان
كسرى فجعل مسجدا للأعياد ونصب فيه منبرا فكان يصلى فيه وفيه التماثيل ويجمع
فيه فلما كان الفطر قيل ابرزوا فإن السنة في العيدين البراز فقال سعد صلوا فيه قال
فصلى فيه وقال سواء في عقر القرية أو في بطنها (كتب إلي السري) عن شعيب
عن سيف عن عمرو عن الشعبي قال لما نزل سعد المدائن وقسم المنازل بعث إلى
العيالات فأنزلهم الدور وفيها المرافق فأقاموا بالمدائن حتى فرغوا من جلولاء
وتكريت والموصل ثم تحولوا إلى الكوفة (كتب إلي السري) عن شعيب عن
سيف عن محمد وطلحة وزياد والمهلب وشاركهم عمرو وسعيد وجمع سعد الخمس
وأدخل فيه كل شئ أراد أن يعجب منه عمر من ثياب كسرى وحليه وسيفه
ونحو ذلك وما كان يعجب العرب أن يقع إليهم ونفل من الأخماس وفضل بعد
القسم بين الناس وإخراج الخمس والقطف فلم يعتدل قسمته فقال للمسلمين هل لكم
في أن تطيب أنفسنا عن أربعة أخماسه فنبعث به إلى عمر فيضعه حيث يرى فانا
129

لا نراه يتفق قسمته وهو بيننا قليل وهو يقع من أهل المدينة موقعا فقالوا نعم هاء الله
إذا فبعث به على ذلك الوجه وكان القطف ستين ذراعا في ستين ذراعا بساطا
واحدا مقدار جريب فيه طرق كالصور ونصوص كالأنهار وخلال ذلك كالدير
وفي حافاته كالأرض المزروعة والأرض المبقلة بالنبات في الربيع من الحرير على
قضبان الذهب ونواره بالذهب والفضة وأشباه ذلك فلما قدم على عمر نفل من
الخمس أناسا وقال إن الأخماس ينفل منها من شهد ومن غاب من أهل البلاء فيما
بين الخمسين ولا أرى القوم جهدوا الخمس بالنفل ثم قسم الخمس في مواضعه ثم
قال أشيروا علي في هذا القطف فأجمع ماؤهم على أن قالوا قد جعلوا ذلك لك فر
رأيك إلا ما كان من علي فإنه قاله يا أمير المؤمنين الامر كما قالوا ولم يبق إلا التروية
إنك إن تقبله على هذا اليوم لم تعدم في غد من يستحق به ما ليس له قال صدقتني
ونصحتني فقطعه بينهم (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن عبد الملك
ابن عمير قال أصاب المسلمون يوم المدائن بهار كسرى ثقل عليهم أن يذهبوا به
وكانوا يعدونه للشتاء إذا ذهبت الرياحين فكانوا إذا أرادوا الشرب شربوا عليه
فكأنهم في رياض بساط ستين في ستين أرضه بذهب ووشيه بفصوص وثمره
بجوهر وورقه بحرير وماء الذهب وكانت العرب تسميه القطف فلما قسم سعد
فيأهم فضل عنهم ولم يتفق قسمته فجمع سعد المسلمين فقال إن الله قد ملا أيديكم
وقد عسر قسم هذا البساط ولا يقوى على شرائه أحد فأرى أن تطيبوا به نفسا
لأمير المؤمنين يضعه حيث شاء ففعلوا فلما قدم على عمر المدينة رأى رؤيا فجمع
الناس فحمد الله وأثنى عليه واستشارهم في البساط وأخبرهم خبره فمن بين مشير
بقبضه وآخر مفوض إليه وآخر مرقق فقام على حين رأى عمر يأبى حين انتهى
إليه فقال لم تجعل علمك جهلا ويقينك شكا إنه ليس لك من الدنيا إلا ما أعطيت
فأمضيت أو لبست فأبليت أو أكلت فأفنيت قال صدقتني فقطعه فقسمه بين الناس
فأصاب عليا قطعة منه فباعها بعشرين ألفا وما هي بأجود تلك القطع (كتب إلي
السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو وسعيد قالوا
130

وكان الذي ذهب بالأخماس أخماس المدائن بشير بن الخصاصية والذي ذهب بالفتح
حليس بن فلان الأسدي والذي ولى القبض عمرو والقسم سلمان قالوا ولما قسم
البساط بين الناس أكثر الناس في فضل أهل القادسية فقال عمر أولئك أعيان
العرب وغررها اجتمع لهم مع الاخطار الذين هم أهل الأيام وأهل القوادس قالوا
ولما أتى بحلى كسرى وزيه في المباهاة وزيه في غير ذلك وكانت له عدة أزياء
لكل حالة زي قال علي بمحلم وكان أجسم عربي يومئذ بأرض المدينة فألبس تاج
كسرى على عمودين من خشب وصب عليه أوشحته وقلائده وثيابه وأجلس للناس
فنظر إليه عمر ونظر إليه الناس فرأوا أمرا عظيما من أمر الدنيا وفتنتها ثم قام عن
ذلك فألبس زيه الذي يليه فنظروا إلى مثل ذلك في غير نوع حتى أتى عليها كلها ثم
ألبسه سلاحه وقلده سيفه فنظروا إليه في ذلك ثم وضعه ثم قال والله إن أقواما ما أدوا
هذا لذوو أمانة ونفل سيف كسرى محلما وقال أحمق بامرئ من المسلمين غرته
الدنيا هل يبلغن مغرور منها إلا دون هذا أو مثله وما خير امرئ مسلم سبقه
كسرى فيما يضره ولا ينفعه أن كسرى لم يزد على أن تشاغل بما أوتى عن
آخرته فجمع لزوج امرأته أو زوج ابنته أو امرأة ابنه ولم يقدم لنفسه فقدم امرؤ
لنفسه ووضع الفضول مواضعها تحصل لها وإلا حصلت للثلاثة بعده وأحمق
بمن جمع لهم أو لعدو جارف (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد
ابن كريب عن نافع بن جبير قال قال عمر مقدم الأخماس عليه حين نظر إلى سلاح
كسرى وثيابه وحليه مع ذلك سيف النعمان بن المنذر فقال لجبير إن أقواما أدوا
هذا لذو أمانة إلى من كنتم تنسبون النعمان فقال جبير كانت العرب تنسبه إلى
الأشلاء أشلاء قنص وكان أحد بني عجم بن قنص فقال خذ سيفه فنفله إياه فجهل
الناس عجم وقالوا لخم وقالوا جميعا وولى عمر سعد بن مالك صلاة ما غلب عليه
وحربه فولى ذلك وولى الخراج النعمان وسويدا ابني عمرو بن مقرن سويدا على
ما سقى الفرات والنعمان على ما سقت دجلة وعقدوا الجسور ثم ولى عملهما واستعفيا
حذيفة بن أسيد وجابر بن عمرو المزني ثم ولى عملهما بعد حذيفة بن اليمان وعثمان
131

ابن حنيف * وقال وفي هذه السنة أعنى سنة ست عشرة كانت وقعة جلولاء كذلك
حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق وكتب إلي السري يذكر أن شعبا
حدثه عن سيف بذلك
ذكر الخبر عن وقعة جلولاء الوقيعة
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن إسماعيل بن أبي خالد عن
قيس بن أبي حازم قال لما أقمنا بالمدائن حين هبطناها واقتسمنا ما فيها وبعثنا إلى
عمر بالأخماس وأوطناها أتانا الخبر بأن مهران قد عسكر بجلولاء وخندق عليه
وأن أهل الموصل قد عسكروا بتكريت (كتب إلي السري) عن شعيب عن
سيف عن الوليد بن عبد الله بن أبي طيبة البجلي عن أبيه بمثله وزاد فيه فكتب
سعد بذلك إلى عمر فكتب إلى سعد أن سرح هاشم بن عتبة إلى جلولاء في اثنى عشر
ألفا واجعل على مقدمته القعقاع بن عمرو وعلى ميمنته سعر بن مالك وعلى ميسرته
عمرو بن مالك بن عتبة واجعل على ساقته عمرو بن مرة الجهني (كتب إلي السري) عن
شعيب عن سيف عن محمد وطلحة والمهلب وزياد قالوا وكتب عمر إلى سعد إن هزم
الله الجندين جند مهران وجند الانطاق فقدم القعقاع حتى يكون بين السواد وبين
الجبل على حد سوادكم * وشاركهم عمرو وسعيد قالوا وكان من حديث أهل
جلولاء أن الأعاجم لما انتهوا بعد الهرب من المدائن إلى جلولاء وافترقت الطرق بأهل
آذربيجان والباب وبأهل الجبال وفارس تذامروا وقالوا إن افترقتم لم تجتمعوا
أبدا وهذا مكان يفرق بيننا فهلموا فلنجتمع للعرب به ولنقاتلهم فإن كانت لنا فهو
الذي نريد وإن كانت الأخرى كنا قد قضينا الذي علينا وأبلينا عذرا فاحتفروا
الخندق واجتمعوا فيه على مهران الرازي ونفد يزدجرد إلى حلوان فنزل بها
ورماهم بالرجال وخلف فيهم الأموال فأقاموا في خندقهم وقد أحاطوا به الحسك
من الخشب إلا طرقهم قال عمرو عن عامر الشعبي كان أبو بكر لا يستعين في حربه
بأحد من أهل الردة حتى مات وكان عمر قد استعان بهم فكان لا يؤمر منهم أحدا
إلا على النفر وما دون ذلك وكان لا يعدل أن يؤمر الصحابة إذا وجد من يجزي
132

عنه في حربه فإن لم يجد ففي التابعين بإحسان ولا يطمع من انبعث في الردة وكان
رؤساء أهل الردة في تلك الحروب حشوة إلى أن ضرب الاسلام بجرانه * ثم
اشترك عمرو ومحمد والمهلب وطلحة وسعيد فقالوا ففصل هاشم بن عتبة بالناس
من المدائن في صفر سنة ست عشرة في اثنى عشر ألفا منهم وجوه المهاجرين
والأنصار وأعلام العرب ممن ارتد وممن لم يرتد فسار من المدائن إلى جلولاء
أربعا حتى قدم عليهم وأحاط بهم فحاصرهم وطاولهم أهل فارس وجعلوا لا يخرجون
عليهم إلا إذا أرادوا وزاحفهم المسلمون بجلولاء ثمانين زحفا كل ذلك يعطى
الله المسلمين عليهم الظفر وغلبوا المشركين على حسك الخشب فاتخذوا حسك
الحديد (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن عقبة بن مكرم عن بطان
ابن بشر قال لما نزل هاشم على مهران بجلولاء حصرهم في خندقهم فكانوا يزاحفون
المسلمين في زهاء وأهاويل وجعل هاشم يقوم في الناس ويقول إن هذا المنزل
منزل له ما بعده وجعل سعد يمده بالفرسان حتى إذا كان أخيرا احتفلوا للمسلمين
فخرجوا عليهم فقام هاشم في الناس فقال أبلوا الله بلاء حسنا يتم لكم عليه الاجر والمغنم
واعملوا لله فالتقوا فاقتتلوا وبعث الله عليهم ريحا أظلمت عليهم البلاد فلم يستطيعوا
إلا المحاجزة فتهافت فرسانهم في الخندق فلم يجدوا بدا من أن يجعلوا فرضا مما يليهم تصعد
منه خيلهم فأفسدوا حصنهم وبلغ ذلك المسلمين فنظروا إليه فقالوا أننهض إليهم
ثانية فندخله عليهم أو نموت دونه فلما نهد المسلمون الثانية خرج القوم فرموا
حول الخندق مما يلي المسلمين بحسك الحديد لكيلا يقدم عليهم الخيل وتركوا
للمجال وجها فخرجوا على المسلمين منه فاقتتلوا قتالا شديدا لم يقتتلوا مثله إلا ليلة
الهرير إلا أنه كان أكمش وأعجل وانتهى القعقاع بن عمرو في الوجه الذي زاحف فيه
إلى باب خندقهم فأخذ به وأمر مناديا فنادى يا معشر المسلمين هذا أميركم قد دخل
خندق القوم وأخذ به فأقبلوا إليه ولا يمنعنكم من بينكم وبينه من دخوله وانما أمر
بذلك ليقوى المسلمين به فحمل المسلمون ولا يشكون إلا أن هاشما فيه فلم يقم لحملتهم
شئ حتى انتهوا إلى باب الخندق فإذا هم بالقعقاع بن عمرو قد أخد به وأخذ المشركون
133

في هزيمة يمنة ويسرة عن المجال الذي بحيال خندقهم فهلكوا فيما أعدوا للمسلمين
فعقرت دوابهم وعادوا رجالة وأتبعهم المسلمون فلم يفلت منهم إلا من لا يعد وقتل
الله منهم يومئذ مائة ألف فجللت القتلى المجال وما بين يديه وما خلفه فسميت
جلولاء بما جللها من قتلاهم فهي جلولاء الوقيعة (كتب إلي السري) عن
شعيب عن سيف عن عبيد الله بن محفز عن أبيه قال إني لفي أوائل الجمهور مدخلهم
ساباط ومظلمها وإني لفي أوائل الجمهور حين عبروا دجلة ودخلوا المدائن ولقد
أصبت بها تمثالا لو قسم في بكر بن وائل لسد منهم مسدا عليه جوهر فأديته فما لبثنا بالمدائن
إلا قليلا حتى بلغنا أن الأعاجم قد جمعت لنا بجلولاء جمعا عظيما وقدموا عيالاتهم
إلى الجبال وحبسوا الأموال فبعث إليهم سعد عمرو بن مالك بن عتبة بن أهيب
ابن عبد مناف بن زهرة وكان جند جلولاء اثنى عشر ألفا من المسلمين على مقدمتهم
القعقاع بن عمرو وكان قد خرج فيهم وجوه الناس وفرسانهم فلما مروا ببابل مهروذ
صالحه دهقانها على أن يفرش له جريب أرض دراهم ففعل وصالحه ثم مضى حتى
قدم عليهم بجلولاء فوجدهم قد خندقوا وتحصنوا في خندقهم ومعهم بيت مالهم
وتواثقوا وتعاهدوا بالنيران أن لا يفروا ونزل المسلمون قريبا منهم وجعلت
الامداد تقدم على المشركين كل يوم من حلوان وجعل يمدهم بكل من أمده من أهل
الجبال واستمد المسلمون سعدا فأمدهم بمائتي فارس ثم مائتين ثم مائتين ولما رأى
أهل فارس أمداد المسلمين بادروا بقتال المسلمين وعلى خيل المسلمين يومئذ طليحة
ابن فلان أحد بني عبد الدار وعلى خيل الأعاجم خرزاذ بن خر هرمز فاقتتلوا قتالا
شديدا لم يقاتلوا المسلمين مثله في موطن من المواطن حتى أنفذوا النبل وحتى أنفذوا
النشاب وقصفوا الرماح حتى صاروا إلى السيوف والطبرزينات فكانوا بذلك
صدر نهارهم إلى الظهر ولما حضرت الصلاة صلى الناس إيماء حتى إذا كان بين
الصلاتين خنست كتيبة وجاءت أخرى فوقفت مكانها فأقبل القعقاع بن عمرو على
الناس فقال أهالتكم هذه قالوا نعم نحن مكلون وهم مريحون والكال يخاف العجز
إلا أن يعقب فقال إنا حاملون عليهم ومجادوهم وغير كافين ولا مقلعين حتى يحكم
134

الله بيننا فاحملوا عليهم حملة رجل واحد حتى تخالطوهم ولا يكذبن أحد منكم فحمل
فانفرحوا فما نهنه أحد عن باب الخندق وألبسهم الليل رواقه فأخذوا يمنة ويسرة
وجاء في الامداد طليحة وقيس بن المكشوح وعمرو بن معديكرب وحجر بن عدي
فوافقوهم قد تحاجزوا مع الليل ونادى منادى القعقاع بن عمرو وأين تحاجزون
وأميركم في الخندق فتفار المشركون وحمل المسلمون فأدخل الخندق فأتي فسطاطا
فيه مرافق وثياب وإذا فرش على انسان فأنبشه فإذا امرأة كالغزال في حسن
الشمس فأخذتها وثيابها فأديت الثياب وطلبت في الجارية حتى صارت إلى فاتخذتها
أم ولد (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن حماد بن فلان البرجمي عن
أبيه أن خارجة بن الصلت أصاب يومئذ ناقة من ذهب أو فضة موشحة بالدر والياقوت
مثل الجفرة إذا وضعت على الأرض وإذا عليها رجل من ذهب موشح كذلك
فجاء بها وبه حتى أداهما (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة
والمهلب وعمرو وسعيد والوليد بن عبد الله والمجالد وعقبة بن مكرم قالوا وأمر
هاشم القعقاع بن عمرو بالطلب فطلبهم حتى بلغ خانقين ولما بلغت الهزيمة يزدجرد
سار من حلوان نحو الجبال وقدم القعقاع حلوان وذلك أن عمر كان كتب إلى
سعد إن هزم الله الجندين جند مهران وجند الانطاق فقدم القعقاع حتى يكون
بين السواد والجبل على حد سوادكم فنزل القعقاع بحلوان في جند من الأفناء ومن
الحمراء فلم يزل بها إلى أن تحول الناس من المدائن إلى الكوفة فلما خرج سعد من
المدائن إلى الكوفة الحق به القعقاع واستعمل على الثغر قباذ وكان من الحمراء وأصله
من خراسان ونفل منها من شهدها وبعض من كان بالمدائن نائبا وقالوا واشتركوا
في ذلك وكتبوا إلى عمر بفتح جلولاء وبنزول القعقاع حلوان واستأذنوه في
اتباعهم فأبى وقال لوددت أن بين السواد وبين الجبل سدا لا يخلصون إلينا ولا
نخلص إليهم حسبنا من الريف السواد إني آثرت سلامة المسلمين على الأنفال
قالوا ولما بعث هاشم القعقاع في آثار القوم أدرك مهران بخانقين فقتله وأدرك
الفيرزان فنزل وتوقل في الظراب وخلى فرسه وأصاب القعقاع سبايا فبعث بهم
135

إلى هاشم من سباياهم واقتسموهم فيما اقتسموا من الفئ فاتخذن فولدن في المسلمين
وذلك السبي ينسب إلى جلولاء فيقال سبى جلولاء ومن ذلك السبي أم الشعبي وقعت
لرجل من بني عبس فولدت فمات عنها فخلف عليها شراحيل فولدت له عامرا ونشأ
في بني عبس (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة والمهلب
قالوا واقتسم فئ جلولاء على كل فارس تسعة آلاف تسعة آلاف وتسعة من
الدواب ورجع هاشم بالأخماس إلى سعد (كتب إلي السري) عن شعيب عن
سيف عن عمرو عن الشعبي قال أفاء الله على المسلمين ما كان في عسكرهم بجلولاء
وما كان عليهم وكل دابة كانت معهم الا اليسير لم يفلتوا بشئ من الأموال وولى
قسم ذلك بين المسلمين سلمان بن ربيعة فكانت إليه يومئذ الاقباض والأقسام وكانت
العرب تسميه لذلك سلمان الخيل وذلك أنه كان يقسم لها ويقصر بما دونها وكانت
العتاق عنده ثلاث طبقات وبلغ سهم الفارس بجلولاء مثل سهمه بالمدائن (كتب
إلى السري) عن شعيب عن سيف عن المجالد وعمرو عن الشعبي قال اقتسم الناس
فئ جلولاء على ثلاثين ألف ألف وكان الخمس ستة آلاف ألف (كتب إلى
السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة والمهلب وسعيد قالوا ونفل سعد
من أخماس جلولاء من أعظم البلاء ممن شهدها ومن أعظم البلاء ممن كان
نائيا بالمدائن وبعث بالأخماس مع قضاعي ابن عمرو الدؤلي من الا ذهاب والأوراق
والآنية والثياب وبعث بالسبي مع أبي مفزر الأسود فمضيا (كتب إلي السري)
عن شعيب عن سيف عن زهرة ومحمد بن عمرو قالا بعث الأخماس مع قضاعي
وأبي مفزر والحساب مع زياد بن أبي سفيان وكان الذي يكتب للناس ويدونهم
فلما قدموا على عمر كلم زياد عمر فيما جاء له ووصف له فقال عمر هل تستطيع
أن تقوم في الناس بمثل الذي كلمتني به فقال والله ما على الأرض شخص أهيب
في صدري منك فكيف لا أقوى على هذا من غيرك فقام في الناس بما أصابوا
وبما صنعوا وبما يستأذنون فيه من الانسياح في البلاد فقال عمر هذا
الخطيب المصقع فقال
136

إن جندنا أطلقوا * بالفعال لساننا
(كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن زهرة ومحمد عن أبي سلمة قال
لما قدم على عمر بالأخماس من جلولاء قال عمر والله لا يجنه سقف بيت حتى اقسمه
فبات عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن أرقم يحرسانه في صحن المسجد فلما أصبح
جاء في الناس فكشف عنه جلابيبه وهي الأنطاع فلما نظر إلى ياقوتة وزيرجده
وجوهره بكى فقال له عبد الرحمن ما يبكيك يا أمير المؤمنين فوالله إن هذا لموطن
شكر فقال عمر والله ما ذاك يبكيني وتالله ما أعطى الله هذا قوما إلا تحاسدوا
وتباغضوا ولا تحاسدوا إلا ألقى بأسهم بينهم وأشكل على عمر في أخماس القادسية
حتى خطر عليه ما أفاء الله يعني من الخمس فوضع ذلك في أهله فأجرى خمس جلولاء
مجرى خمس القادسية عن ملا وتشاور وإجماع من المسلمين ونفل من ذلك بعض
أهل المدينة (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة والمهلب
وسعيد وعمرو قالوا وجمع سعد من وراء المدائن وأمر بالاحصاء فوجدهم بضعة
وثلاثين ومائة ألف ووجدهم بضعة وثلاثين ألف أهل بيت ووجد قسمتهم ثلاثة
لكل رجل منهم بأهلهم فكتب في ذلك إلى عمر فكتب إليه عمر أن أقر الفلاحين
على حالهم إلا من حارب أو هرب منك إلى عدوك فأدركته وأجر لهم ما أجريت
للفلاحين قبلهم وإذا كتبت إليك في قوم فأجروا أمثالهم مجراهم فكتب إليه سعد
فيمن لم يكن فلاحا فأجابه أما من سوى الفلاحين فذاك إليكم ما لم تغنموه يعني
تقتسموه ومن ترك أرضه من أهل الحرب فخلاها فهي لكم فإن دعوتموهم وقبلتم
منهم الجزاء ورددتموهم قبل قسمتها فذمة وإن لم تدعوهم ففئ لكم لمن أفاء الله ذلك
عليه وكان أحظى بفئ الأرض أهل جلولاء استأثروا بفئ ما وراء النهروان وشاركوا
الناس فيما كان قبل ذلك فأقروا الفلاحين ودعوا من لج ووضعوا الخراج على
الفلاحين وعلى من رجع وقبل الذمة واستصفوا ما كان لآل كسرى ومن لج معهم
فيئا لمن أفاء الله عليه لا يجاز بيع شئ من ذلك فيما بين الجبل إلى الجبل من أرض
العرب إلا من أهله الذين أفاء الله عليهم ولم يجيزوا بيع ذلك فيما بين الناس يعني
137

فيمن لم يفئه الله تعالى عليه ممن يعاملهم ممن لم يفئه الله عز وجل عليه فأقره
المسلمون لم يقتسموه لان قسمته لم تتأت لهم فمن ذلك الآجام ومغيض المياه
وما كان لبيوت النار ولسكك البرد وما كان لكسرى ومن جامعه وما كان لمن
قتل والأرحام فكان بعد من يرق يسأل الولاة قسم ذلك فيمنعهم من ذلك
الجمهور فأبوا ذلك فانتهوا إلى رأيهم ولم يجيبوا وقالوا لولا أن يضرب بعضكم
وجوه بعض لفعلنا ولو كان طلب ذلك منهم على ملا لقسمها بينهم (كتب إلى
السري) عن شعيب عن سيف عن طلحة بن الأعلم عن ماهان قال لم يثبت أحد
من أهل السواد على العهد فيما بينهم وبين أهل الأيام إلا أهل قريات أخذوها
عنوة كلهم نكث ما خلا أولئك القريات فلما دعوا إلى الرجوع صاروا ذمة وعليهم
الجزاء ولهم المنعة إلا ما كان لآل كسرى ومن معهم فإنه صافية فيما بين حلوان والعراق
وكان عمر قد رضى بالسواد من الريف (كتب إلي السري) عن شعيب عن
سيف عن طلحة عن ماهان قال كتبوا إلى عمر في الصوافي فكتب إليهم أن اعمدوا
إلى الصوافي التي أصفاكموها الله فوزعوها على من أفاءها الله عليه أربعة أخماس
للجند وخمس في مواضعه إلي وإن أحبوا أن ينزلوها فهو الذي لهم فلما جعل ذلك
إليهم رأوا أن لا يفترقوا في بلاد العجم وأقروها حبيسا لهم يولونها من تراضوا
عليه ثم يقتسمونها في كل عام ولا يولونها الا من أجمعوا عليه بالرضا وكانوا لا يجمعون
إلا على الامراء كانوا بذلك في المدائن وفي الكوفة حين تحولوا إلى الكوفة (كتب
إلى السري) عن شعيب عن سيف عن الوليد بن عبد الله بن أبي طيبة عن أبيه
قال كتب عمر أن احتازوا فيأكم فإنكم إن لم تفعلوا فتقادم الامر يلحج وقد قضيت
الذي علي اللهم إني أشهدك عليهم فاشهد (كتب إلي السري) عن شعيب عن
سيف عن الوليد بن عبد الله عن أبيه قال فكان الفلاحون للطرق والجسور
والأسواق والحرث والدلالة مع الجزاء عن أيديهم على قدر طاقتهم وكانت الدهاقين
للجزية عن أيديهم والعمارة وعلى كلهم الارشاد وضيافة ابن السبيل من المهاجرين
وكانت الضيافة لمن أفاءها الله خاصة ميراثا (كتب إلي السري) عن شعيب عن
138

سيف عن عبد العزيز بن سياه عن حبيب بن أبي ثابت بنحو منه وقالوا جميعا
كان فتح جلولاء في ذي القعدة سنة ستة عشر في أوله بينها وبين المدائن تسعة
أشهر وقالوا جميعا كان صلح عمر الذي صالح عليه أهل الذمة إنهم إن غشوا
المسلمين لعدوهم برئت منهم الذمة وان سبوا مسلما أن ينهكوا عقوبة وان
قاتلوا مسلما أن يقتلوا وعلى عمر منعتهم وبرئ عمر إلى كل ذي عهد من معرة
الجيوش (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن محمد بن عبد الله
والمستنير عن إبراهيم بمثله (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن
طلحة عن ماهان قال كان أشقى أهل فارس بجلولاء أهل الري كانوا بها حماة
أهل فارس ففنى أهل الري يوم جلولاء وقالوا جميعا ولما رجع أهل جلولاء إلى
المدائن نزلوا قطائعهم وصار السواد ذمة لهم الا ما أصفاهم الله به من مال
الأكاسرة ومن لج معهم وقالوا جميعا ولما بلغ أهل فارس قول عمر ورأيه في
السواد وما خلفه قالوا ونحن نرضى بمثل الذي رضوا به لا يرضى أكراد كل بلدان
ينالوا من ريفهم (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن المستنير بن يزيد
وحكيم بن عمير عن إبراهيم بن يزيد قال لا يحل اشتراء أرض فيما بين حلوان والقادسية
والقادسية من الصوافي لأنه لمن أفاءه الله عليه (كتب إلى السري) عن شعيب
عن سيف عن عمرو بن محمد عن الشعبي مثله (كتب إلى السري) عن شعيب
عن سيف عن محمد بن قيس عن المغيرة بن شبل قال اشترى جرير من أرض
السواد صافية على شاطئ الفرات فأتى عمر فأخبره فرد ذلك الشراء وكرهه ونهى
عن شراء شئ لم يقتسمه أهله (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن
محمد بن قيس قال قلت للشعبي أخذ السواد عنوة قال نعم وكل أرض إلا بعض القلاع
والحصون فان بعضهم صالح وبعضهم غلب قلت فهل لأهل السواد ذمة اعتقدوها
قبل الهرب قال لا ولكنهم لما دعوا ورضوا بالخراج وأخذ منهم صاروا ذمة
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن عبد العزيز عن حبيب بن أبي
ثابت قال ليس لأحد من أهل السواد عقد إلا بني صلوبا وأهل الحيرة وأهل
139

گلواذى وقرى من قرى الفرات ثم غدروا ثم دعوا إلى الذمة بعدما غدروا
وقال هاشم بن عتبة في يوم جلولاء
يوم جلولاء ويوم رستم * ويوم زحف الكوفة المقدم
ويوم عرض النهر المحرم * من بين أيام خلون صرم
شيبن أصداغي فهن هرم * مثل ثغام البلد المحرم
وقال أبو بجيد في ذلك
ويوم جلولاء الوقيعة أصبحت * كتائبنا تردى بأسد عوانس
فضضت جموع الفرس ثم أنمتهم * فتبا لأجساد المجوس النجائس
وأفلتهن الفيرزان بجرعة * ومهران أردت يوم حز القوانس
أقاموا بدار للمنية موعد * وللترب تحثوها خجوج الروامس
* (كتب إلى السري) * عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو
وسعيد قالوا وقد كان عمر رضي الله عنه كتب إلى سعد إن فتح الله عليكم جلولاء
فسرح القعقاع بن عمرو في آثار القوم حتى ينزل بحلوان فيكون ردءا للمسلمين
ويحرز الله لكم سوادكم فلما هزم الله عز وجل أهل جلولاء أقام هاشم بن عتبة
بجلولاء وخرج القعقاع بن عمرو في آثار القوم إلى خانقين في جند من أفناء الناس
ومن الحمراء فأدرك سبيا من سبيهم وقتل مقاتلة من أدرك وقتل مهران وأفلت
الفيرزان فلما بلغ يزدجرد هزيمة أهل جلولاء ومصاب مهران خرج من حلوان
سائرا نحو الري وخلف بحلوان خيلا عليها خسروشنوم وأقبل القعقاع حتى إذا
كان بقصر شيرين على رأس فرسخ من حلوان خرج إليه خسروشنوم وقدم
الزينبي دهقان حلوان فلقيه القعقاع فاقتتلوا فقتل الزينبي واحتق فيه عميرة بن
طارق وعبد الله فجعله وسلبه بينهما فعد عميرة ذلك حقرة وهرب خسروشنوم
واستولى المسلمون على حلوان وأنزلها القعقاع الحمراء وولى عليهم قباذ ولم يزل
القعقاع هنالك على الثغر والجزاء بعد ما دعاهم فتراجعوا وأقروا بالجزاء إلى أن
تحول سعد من المدائن إلى الكوفة فلحق به واستخلف قباذ على الثغر وكان أصله
140

خراسانيا * وكان في هذه السنة أعنى سنة ستة عشر في رواية سيف فتح تكريت
وذلك في جمادى منها
ذكر الخبر عن فتحها
(كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة والمهلب وسعيد
وشاركهم الوليد بن عبد الله بن أبي طيبة قالوا كتب سعد في اجتماع أهل الموصل
إلى الانطاق وأقباله حتى نزل بتكريت وخندق فيه عليه ليحمى أرضه وفي اجتماع
أهل جلولاء على مهران معه فكتب في جلولاء ما قد فرغنا منه وكتب في تكريت
واجتماع أهل الموصل إلى الانطاق بها أن سرح إلى الانطاق عبد الله بن المعتم
واستعمل على مقدمته ربعي بن الأفكل العنزي وعلى ميمنته الحارث بن حسان
الذهلي وعلى ميسرته فرات بن حيان العجلي وعلى ساقته هانئ بن قيس وعلى الخيل
عرفجة بن هرثمة ففصل عبد الله بن المعتم في خمسة آلاف من المدائن فسار إلى
تكريت أربعا حتى نزل على الانطاق ومعه الروم وإياد وتغلب والنمر ومعه
الشهارجة وقد خندقوا بها فحصرهم أربعين يوما فتزاحفوا فيها أربعة وعشرين
زحفا وكانوا أهون شوكة وأسرع أمرا من أهل جلولاء ووكل عبد الله بن المعتم
بالعرب ليدعوهم إليه والى نصرته على الروم فهم لا يخفون عليه شيئا ولما رأت
الروم أنهم لا يخرجون خرجة إلا كانت عليهم ويهزمون في كل ما زاحفوهم
تركوا أمراءهم ونقلوا متاعهم إلى السفن وأقبلت العيون من تغلب وإياد والنمر
إلى عبد الله بن المعتم بالخبر وسألوه للعرب السلم وأخبروه أنهم قد استجابوا له
فأرسل إليهم إن كنتم صادقين بذلك فاشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله
وأقروا بما جاء به من عند الله ثم أعلمونا رأيكم فرجعوا إليهم بذلك فردوهم إليه
بالاسلام فردهم إليهم وقال إذا سمعتم تكبيرنا فاعلموا أنا قد نهدنا إلى الأبواب
التي تلينا لندخل عليهم منها فخذوا بالأبواب التي تلى دجلة وكبروا واقتلوا من
قدرتم عليه فانطلقوا حتى تواطئوهم على ذلك ونهد عبد الله والمسلمون لما يليهم
141

وكبروا وكبرت تغلب وإياد والنمر وقد أخذوا بالأبواب فحسب القوم أن
المسلمين قد أتوهم من خلفهم فدخلوا عليهم مما يلي دجلة فبادروا الأبواب التي عليها
المسلمون فأخذتهم السيوف سيوف المسلمين مستقبلتهم وسيوف الربعيين الذين
أسلموا ليلتئذ من خلفهم فلم يفلت من أهل الخندق إلا من أسلم من تغلب وأياد والنمر
وقد كان عمر عهد إلى سعد إن هم هزموا أن يأمر عبد الله بن المعتم بتسريح ابن الأفكل
العنزي إلى الحصنين فسرح عبد الله بن المعتم ابن الأفكل العنزي إلى الحصنين فاخذ
بالطريق وقال أسبق الخبر وسر ما دون القيل وأحى الليل وسرح معه تغلب وأياد والنمر
فقدمهم وعليهم عتبة بن الوعل أحد بني سعد بن جشم وذو القرط وأبو وداعة بن
أبي كرب وابن ذي السنينة قتيل الكلاب وابن الحجير الأيادي وبشر بن أبي حوط
متساندين فسبقوا الخبر إلى الحصنين ولما كانوا منها قريبا قدموا عتبة بن الوعل
فادعى بالظفر والنفل والقفل ثم ذو القرط ثم ابن ذي السنينة ثم ابن الحجير ثم
بشر ووقفوا بالأبواب وقد أخذوا بها وأقبلت سرعان الخيل مع ربعي بن الأفكل
حتى اقتحمت عليهم الحصنين فكانت إياها فنادوا بالإجابة إلى الصلح فأقام من
استجاب وهرب من لم يستجب إلى أن أتاهم عبد الله بن المعتم فلما نزل عليهم عبد الله
دعا من لج وذهب ووفى لمن أقام فتراجع الهراب واغتبط المقيم وصارت لهم جميعا
الذمة والمنعة واقتسموا في تكريت على كل سهم ألف درهم للفارس ثلاثة آلاف
وللراجل ألف وبعثوا بالأخماس مع فرات بن حيان وبالفتح مع الحارث بن حسان
وولى حرب الموصل ربعي بن الأفكل والخراج عرفجة بن هرثمة (وفي هذه السنة)
أعنى سنة ست عشرة كان فتح ماسبذان أيضا
* (ذكر الخبر عن فتحها) *
(كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن طلحة ومحمد والمهلب وعمرو
وسعيد قالوا ولما رجع هاشم بن عتبة من جلولاء إلى المدائن بلغ سعدا أن آذين بن
الهرمزان قد جمع جمعا فخرج بهم إلى السهل فكتب بذلك إلى عمر فكتب إليه عمران
142

ابعث إليهم ضرار بن الخطاب في جند واجعل على مقدمته ابن الهذيل الأسدي
وعلى مجنبتيه عبد الله بن وهب الراسبي حليف بجيلة والمضارب بن فلان العجلي
فخرج ضرار بن الخطاب وهو أحد بني محارب بن فهر في الجند وقدم ابن الهذيل
حتى انتهى إلى سهل ماسبذان فالتقوا بمكان يدعى بهندف فاقتتلوا بها فأسرع
المسلمون في المشركين وأخذ ضرار آذين سلما فأسره فانهزم عنه جيشه فقدمه فضرب
عنقه ثم خرج في الطلب حتى انتهى إلى السيروان فأخذ ماسبذان عنوة فتطاير أهلها
في الجبال فدعاهم فاستجابوا له وأقام بها حتى تحول سعد من المدائن فأرسل إليه فنزل
الكوفة واستخلف ابن الهذيل على ماسبذان فكانت أحد فروج الكوفة وفيها
كانت وقعة قرقيسياء في رجب
ذكر الخبر عن الوقعة بها
(كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن طلحة ومحمد والمهلب وعمرو
وسعيد قالوا ولما رجع هاشم بن عتبة عن جلولاء إلى المدائن وقد اجتمعت جموع
أهل الجزيرة فأمدوا هرقل على أهل حمص وبعثوا جندا إلى أهل هيت وكتب
بذلك سعد إلى عمر فكتب إليه عمر أن ابعث إليهم عمر بن مالك بن عتبة بن نوفل
ابن عبد مناف في جند وابعث على مقدمته الحارث بن يزيد العامري وعلى مجنبتيه
ربعي بن عامر ومالك بن حبيب فخرج عمر بن مالك في جنده سائرا نحو هيت وقدم
الحارث بن يزيد حتى نزل على من بهيت وقد خندقوا عليهم فلما رأى عمر بن مالك
امتناع القوم بخندقهم واعتصامهم به استطال ذلك فترك الأخبية على حالها وخلف
عليهم الحارث بن يزيد محاصرهم وخرج في نصف الناس يعارض الطريق حتى يجئ
قرقيسياء في غرة فأخذها عنوة فأجابوا إلى الجزاء وكتب إلى الحارث بن يزيد
أنهم استجابوا فخل عنهم فليخرجوا وإلا فخندق على خندقهم خندقا أبوابه مما
يليك حتى أرى من رأيي فسمحوا بالاستجابة وانضم الجند إلى عمر والأعاجم إلى
أهل بلادهم (وقال الواقدي) وفي هذه السنة غرب عمر أبا محجن الثقفي إلى باضع *
143

قال وفيها تزوج ابن عمر صفية بنت أبي عبيد * قال وفيها ماتت مارية أم ولد
رسول الله صلى الله عليه وسلم أم إبراهيم وصلى عليها عمر وقبرها بالبقيع في المحرم *
قال وفيها كتب التأريخ في شهر ربيع الأول * قال وحدثني ابن أبي سبرة عن عثمان
ابن عبيد الله بن أبي رافع عن ابن المسيب قال أول من كتب التأريخ عمر لسنتين
ونصف من خلافته فكتب لست عشرة من الهجرة بمشورة علي بن أبي طالب
حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم قال حدثنا نعيم بن حماد قال حدثنا
الدراوردي عن عثمان بن عبيد الله بن أبي رافع قال سمعت سعيد بن المسيب يقول
جمع عمر بن الخطاب الناس فسألهم من أي يوم نكتب فقال علي من يوم هاجر
رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك أرض الشرك ففعله عمر * وحدثني عبد الرحمن
قال حدثني يعقوب بن إسحاق بن أبي عتاب قال حدثنا محمد بن مسلم الطائفي عن
عمرو بن دينار عن ابن عباس قال كان التأريخ في السنة التي قدم فيها رسول الله
صلى اله عليه وسلم المدينة وفيها ولد عبد الله بن الزبير * وحج بالناس في هذه السنة
عمر بن الخطاب واستخلف على المدينة فيما زعم الواقدي زيد بن ثابت وكان عامل
عمر في هذه السنة على مكة عتاب بن أسيد وعلى الطائف عثمان بن أبي العاص وعلى
اليمن يعلى بن أمية وعلى اليمامة والبحرين العلاء بن الحضرمي وعلى عمان حذيفة
ابن محصن وعلى الشأم كلها أبو عبيدة بن الجراح وعلى الكوفة سعد بن أبي وقاص
وعلى قضائها أبو قرة وعلى البصرة وأرضها المغيرة بن شعبة وعلى حرب الموصل
ربعي بن الأفكل وعلى الخراج بها عرفجة بن هرثمة في قول بعضهم وفي قول آخرين
عتبة بن فرقد على الحرب والخراج وقيل ذلك كله كان إلى عبد الله بن المعتم وعلى
الجزيرة عياض بن غنم الأشعري
* (ثم دخلت سنة سبع عشرة) *
(ففيها) اختطت الكوفة وتحول سعد بالناس من المدائن إليها في قول سيف بن
عمر وروايته
144

ذكر سبب تحول من تحول من المسلمين من المدائن إلى الكوفة
وسبب اختطاطهم الكوفة في رواية سيف
(كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو
وسعيد قالوا لما جاء فتح جلولاء وحلوان ونزول القعقاع بن عمرو بحلوان فيمن
معه وجاء فتح تكريب والحصنين ونزول عبد الله بن المعتم وابن الأفكل الحصنين
فيمن معه وقدمت الوفود بذلك على عمر فلما رآهم عمر قال والله ما هيئتكم بالهيئة
التي أبدأتم بها ولقد قدمت وفود القادسية والمدائن وإنهم لكما أبدأوا ولقد
انتكيتم فما غيركم قالوا وخومة البلاد فنظر في حوائجهم وعجل سراحهم وكان في
وفود عبد الله بن المعتم عتبة بن الوعل وذو القرط وابن ذي السنينة وابن الحجير
وبشر فعاقدوا عمر على بني تغلب فعقد لهم على أن من أسلم منهم فله ما للمسلمين
وعليه ما عليهم ومن أبي فعليه الجزاء وإنما الاجبار من العرب على من كان في
جزيرة العرب فقالوا إذا يهربون وينقطعون فيصيرون عجما فأمر أجمل الصدقة
فقال ليس إلا الجزاء فقالوا تجعل جزيتهم مثل صدقة المسلم فهو مجهودهم ففعل
على أن لا ينصروا وليدا ممن أسلم آباؤهم فقالوا لك ذلك فهاجر هؤلاء التغلبيون
ومن أطاعهم من النمريين والأياديين إلى سعد بالمدائن وخطوا معه بعد بالكوفة
وأقام من أقام في بلاده على ما أخذوا لهم على عمر مسلمهم وذميهم * (كتب
إلي السري) عن شعيب عن سيف عن ابن شبرمة عن الشعبي قال كتب حذيفة
إلى عمر إن العرب قد أترفت بطونها وخفت أعضادها وتغيرت ألوانها وحذيفة
يومئذ مع سعد * (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة
أصحابهما قالوا كتب عمر إلى سعد أنبئني ما الذي غير ألوان العرب ولحومهم فكتب
إليه إن العرب خددهم وكفى ألوانهم وخومة المدائن ودجلة فكتب إليه إن العرب
لا يوافقها إلا ما وافق ابلها من البلدان فابعث سلمان رائدا وحذيفة وكانا رائدي
الجيش فيرتادا منزلا بريا بحريا ليس بيني وبينكم فيه بحر ولا جسر ولم يكن بقى
145

من أمر الجيش شئ إلا وقد أسنده إلى رجل فبعث سعد حذيفة وسلمان فخرج
سلمان حتى يأتي الأنبار فسار في غربي الفرات لا يرضى شيئا حتى أتى الكوفة
وخرج حذيفة في شرقي الفرات لا يرضى شيئا حتى أتى الكوفة والكوفة على
حصباء وكل رملة حمراء يقال لها سهلة وكل حصباء ورمل هكذا متخلطين فهو
كوفة فأتيا عليها وفيها ديرات ثلاثة دير حرقة ودير أم عمرو ودير سلسلة
وخصاص خلال ذلك فأعجبتهما البقعة فنزلا فصليا وقال كل واحد منهما اللهم
رب السماء وما أظلت ورب الأرض وما أقلت والريح وما ذرت والنجوم وما
هوت والبحار وما جرت والشياطين وما أضلت والخصاص وما أجنت بارك
لنا في هذه الكوفة واجعله منزل ثبات وكتب إلى سعد بالخبر * حدثني محمد
ابن عبد الله بن صفوان قال حدثنا أمية بن خالد قال حدثنا أبو عوانة عن حصين
ابن عبد الرحمن قال لما هزم الناس يوم جلولاء رجع سعد بالناس فلما قدم
عمار خرج بالناس إلى المدائن فاجتووها قال عمار هل يصلح بها الإبل قالوا لا
إن بها البعوض قال قال عمر إن العرب لا تصلح بأرض لا يصلح بها الإبل قال
فخرج عمال بالناس حتى نزل الكوفة (كتب إلي السري) عن شعيب عن
سيف عن مخلد بن قيس عن أبيه عن اليسر عن ثور قال ولما اجتوى المسلمون
المدائن بعد ما نزلناها وآذاهم الغبار والذباب وكتب إلى سعد في بعثه رودا يرتادون
منزلا بريا بحريا فإن العرب لا يصلحها من البلدان إلا ما أصلح البعير والشاة
سأل من قبله عن هذه الصفة فيما بينهم فأشار عليه من رأى العراق من وجوه
العرب باللسان وظهر الكوفة يقال له اللسان وهو فيما بين النهرين إلى العين عين
بني الحذاء كانت العرب تقول أدلع البر لسانه في الريف فما كان يلي الفرات منه
فهو الملطاط وما كان يلي الطين منه فهو النجاف فكتب إلى سعد يأمره به (كتب
إلى السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو وسعيد قالوا
ولما قدم سلمان وحذيفة على سعد وأخبراه عن الكوفة وقدم كتاب عمر بالذي
ذكرا له كتب سعد إلى القعقاع بن عمرو أن خلف على الناس بجلولاء قباذ فيمن
146

تبعكم لي من كان معه من الحمراء ففعل وجاء حتى قدم على سعد في جنده وكتب
سعد إلى عبد الله بن المعتم أن خلف على الموصل مسلم بن عبد الله الذي كان أسر
أيام القادسية فيمن استجاب لكم من الأساورة ومن كان معكم منهم ففعل وجاء
حتى قدم على سعد في جنده فارتحل سعد بالناس من المدائن حتى عسكر بالكوفة
في المحرم سنة سبعة عشر وكان بين وقعة المدائن ونزول الكوفة سنة وشهران وكان
بين قيام عمر واختطاط الكوفة ثلاث سنين وثمانية أشهر اختطت سنة أربع
من إمارة غمر في المحرم سنة سبعة عشر من التأريخ واعطوا العطايا بالمدائن
في المحرم من هذه السنة قبل أن يرتحلوا وفي بهرسير في المحرم سنة ستة عشر واستقر
بأهل البصرة منزلهم اليوم بعد ثلاث نزلات قبلها كلها ارتحلوا عنها في المحرم سنة
سبعة عشر واستقر باقي قرارهما اليوم في شهر واحد وقال الواقدي سمعت القاسم
ابن معن يقول نزل الناس الكوفة في آخر سنة سبعة عشر قال وحدثني ابن أبي الرقاد
عن أبيه قال نزلوها حين دخلت سنة ثمانية عشر في أول السنة (رجع الحديث إلى
حديث سيف) قالوا وكتب عمر إلى سعد بن مالك وإلى عتبة بن غزوان أن يتربعا
بالناس في كل حين ربيع في أطيب أرضهم وأمر لهم بمعاونهم في الربيع من كل
سنة وباعطائهم في المحرم من كل سنة وبفيئهم عند طلوع الشعرى في كل سنة وذلك
عند إدراك الغلات وأخذوا قبل نزول الكوفة عطاءين (كتب إلي السري) عن
شعيب عن سيف عن مخلد بن قيس عن رجل من بني أسد يدعى المغرور قال
لما نزل سعد الكوفة كتب إلى عمر إني قد نزلت بكوفة منزلا بين الحيرة
والفرات بريا وبحريا ينبت الحلي والنصي وخيرت المسلمين بالمدائن فمن أعجبه المقام
فيها تركته فيها كالمسلحة فبقى أقوام من الأفناء وأكثرهم بنو عبس (كتب إلى
السرى) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وعمرو وسعيد والمهلب قالوا ولما
نزل أهل الكوفة الكوفة واستقرت بأهل البصرة الدار عرف القوم أنفسهم
وثاب إليهم ما كانوا فقدوا ثم إن أهل الكوفة استأذنوا في بنيان القصب واستأذن
فيه أهل البصرة فقال عمر العسكر أجد لحربكم وأذكى لكم وما أحب أن أخالفكم
147

وما القصب قالوا العكرش إذا روى قصب فصار قصبا قال فشأنكم فابتنى أهل
المصرين بالقصب ثم إن الحريق وقع بالكوفة وبالبصرة وكان أشدهما حريقا
الكوفة فاحترق ثمانون عريشا ولم يبق فيها قصبة في شوال فما زال الناس يذكرون
ذلك فبعث سعد منهم نفرا إلى عمر يستأذنون في البناء باللبن فقدموا عليه بالخبر
عن الحريق وما بلغ منهم وكانوا لا يدعون شيئا ولا يأتونه إلا وآمروه فيه فقال
افعلوا ولا يزيدن أحدكم على ثلاثة أبيات ولا تطاولوا في البنيان والزموا السنة
تلزمكم الدولة فرجع القوم إلى الكوفة بذلك وكتب عمر إلى عتبة وأهل البصرة
بمثل ذلك وعلى تنزيل أهل الكوفة أبو الهياج بن مالك وعلى تنزيل أهل البصرة
عاصم بن الدلف أبو الجرباء قال وعهد عمر إلى الوفد وتقدم إلى الناس أن لا يرفعوا
بنيانا فوق القدر قالوا وما القدر قال ما لا يقربكم من السرف ولا يخرجكم من
القصد (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو
وسعيد قالوا لما أجمعوا على أن يضعوا بنيان الكوفة أرسل سعد إلى أبي الهياج
فأخبره بكتاب عمر في الطرق أنه أمر بالمناهج أربعين ذراعا وما يليها ثلاثين ذراعا
وما بين ذلك عشرين وبالأزقة سبع أذرع ليس دون ذلك شئ وفي القطائع ستين
ذراعا إلا الذي لبنى ضبة فاجتمع أهل الرأي للتقدير حتى إذا أقاموا على شئ قسم
أبو الهياج عليه فأول شئ خط بالكوفة وبنى حين عزموا على البناء المسجد فوضع
في موضع أصحاب الصابون والتمارين من السوق فاختطوه ثم قام رجل في وسطه
رام شديد النزع فرمى عن يمينه فأمر من شاء أن يبني وراء موقع ذلك السهم
ورمى من بين يديه ومن خلفه وأمر من شاء أن يبني وراء موقع السهمين فترك المسجد
في مربعة علوه من كل جوانبه وبنى ظلة في مقدمه ليست لها مجنبات ولا مواخير
والمربعة لاجتماع الناس لئلا يزدحموا وكذلك كانت المساجد ما خلا المسجد الحرام
فكانوا لا يشبهون به المساجد تعظيما لحرمته وكان ظلته مائتي ذراع على أساطين
رخام كانت للأكاسرة سماؤها كأسمية الكنائس الرومية وأعلموا على الصحن بخندق
لئلا يقتحمه أحد ببنيان وبنوا لسعد دارا بحياله بينهما طريق منقب مائتي ذراع
148

وجعل فيها بيوت الأموال وهي قصر الكوفة اليوم بني ذلك له روربه من آجر
بنيان الأكاسرة بالحيرة ونهج في الودعة من الصحن خمسة مناهج وفي قبلته أربعة
مناهج وفي شرقيه ثلاثة مناهج وفي غربيه ثلاثة مناهج وعلمها فأنزل في ودعة
الصحن سليمان وثقيفا مما يلي الصحن على طريقين وهمدان على طريق وبجيلة على
طريق آخر وتيم اللات على آخرهم وتغلب وأنزل في قبلة الصحن بني أسد
على طريق وبين بني أسد والنخع طريق وبين النخع وكندة طريق وبين كندة
والأزد طريق وأنزل في شرقي الصحن الأنصار ومزينة على طريق وتميم ومحارب
على طريق وأسد وعامر على طريق وأنزل في غربي الصحن بجالة وبجلة على طريق
وجديلة وأخلاط على طريق جهينة وأخلاط على طريق فكان هؤلاء الذين يلون
الصحن وسائر الناس بين ذلك ومن وراء ذلك واقتسمت على السهمان فهذه مناهجها
العظمى وبنوا مناهج دونها تحاذى هذه ثم تلاقيها أخر تتبعها وهي دونها في الذرع
المحال من ورائها وفيما بينها وجعل هذه الطرقات من وراء الصحن ونزل فيها
الأعشار من أهل الأيام والقوادس وحمى لأهل الثغور والموصل أماكن حتى
يوافوا إليها فلما ردفتهم الروادف البدء والثناء وكثروا عليهم ضيق الناس المحال
فمن كانت رادفته كثيرة شخص إليهم وترك محلته ومن كانت رادفته قليلة أنزلوهم
منازل من شخص إلى رادفته لقلته إذا كانوا جيرانهم وإلا وسعوا على روادفهم
وضيقوا على أنفسهم فكان الصحن على حاله زمان عمر كله لا تطمع فيه القبائل
ليس فيه الا المسجد والقصر والأسواق في غير بنيان ولا اعلام وقال عمر الأسواق
على سنة المساجد من سبق إلى مقعد فهو له حتى يقوم منه إلى بيته أو يفرغ من
بيعه وقد كانوا أعدوا مناخا لكل رادف فكان كل من يجئ سواء فيه وذلك
المناخ اليوم دور بني البكاء حتى يأتوا بالهياج فيقوم في أمرهم حتى يقطع لهم حيث
أحبوا وقد بنى سعد في الذي خطوا للقصر قصرا بحيال محراب مسجد الكوفة
اليوم فشيده وجعل فيه بيت المال وسكن ناحيته ثم إن بيت المال نقب عليه
نقبا وأخذ من المال وكتب سعد بذلك إلى عمر ووصف له موضع الدار وبيوت
149

المال من الصحن مما يلي ودعة الدار فكتب إليه عمر أن انقل المسجد حتى
تضعه إلى جنب الدار واجعل الدار قبلته فإن للمسجد أهلا بالنهار وبالليل وفيهم
حصن لما لهم فنقل المسجد وأراغ بنيانه فقال له دهقان من أهل همذان يقال
له روزبه بن بزرجمهر أنا أبنيه لك وأبني لك قصرا فأصلهما ويكون بنيانا واحدا
فخط قصر الكوفة على ما خط عليه ثم أنشأه من نقض آجر قصر كان للأكاسرة
في ضواحي الحيرة على مساحته اليوم ولم يسمح به ووضع المسجد بحيال بيوت
الأموال منه إلى منتهى القصر يمنة على القبلة ثم مد به عن يمين ذلك إلى منقطع
رحبة علي بن أبي طالب عليه السلام والرحبة قبلته ثم مد به فكانت قبلة المسجد
إلى الرحبة وميمنة القصر وكان بنيانه على أساطين من رخام كانت لكسرى بكنائس
بغير مجنبات فلم يزل على ذلك حتى بني أزمان معاوية بن أبي سفيان بنيانه اليوم
على يدي زياد ولما أراد زياد بنيانه دعا ببنائين من بنائي الجاهلية فوصف لهم
موضع المسجد وقدره وما يشتهي من طوله في السماء وقال اشتهى من ذلك شيئا
لا أقع على صفته فقال له بناء قد كان بناء لكسرى لا يجئ هذا إلا بأساطين من جبال
أهواز تنقر ثم تثقب ثم تحشى بالرصاص وبسفافيد الحديد فترفعه ثلاثين ذراعا في
السماء ثم تسقفه وتجعل له مجنبات ومواخير فيكون أثبت له فقال هذه الصفة التي
كانت نفسي تنازعني إليها ولم تعبرها وغلق باب القصر وكانت الأسواق تكون
في موضعه بين يديه فكانت غوغاؤهم تمنع سعدا الحديث فلما بنى ادعى الناس عليه
ما لم يقل وقالوا قال سعد سكن عني الصويت وبلغ عمر ذلك وأن الناس يسمونه
قصر سعد فدعا محمد بن مسلمة فسرحه إلى الكوفة وقال اعمد إلى القصر حتى تحرق
بابه ثم ارجع عودك على بدئك فخرج حتى قدم الكوفة فاشترى حطبا ثم أتى به
القصر فأحرق الباب وأتى سعد فأخبر الخبر فقال هذا رسول أرسل لهذا من الشأم
وبعث لينظر من هو فإذا هو محمد بن مسلمة فأرسل إليه رسولا بأن ادخل فأبى
فخرج إليه سعد فأراده على الدخول والنزول فأبى وعرض عليه نفقة فلم يأخذ ودفع
كتاب عمر إلى سعد بلغني أنك بنيت قصرا اتخذته حصنا ويسمى قصر سعد وجعلت
150

بينك وبين الناس بابا فليس بقصرك ولكنه قصر الخبال انزل منه منزلا مما يلي بيوت
الأموال واغلقه ولا تجعل على القصر بابا يمنع الناس من دخوله وتنفيهم به عن
حقوقهم ليوافقوا مجلسك ومخرجك من دارك إذا خرجت فحلف له سعد ما قال
الذي قالوا ورجع محمد بن مسلمة من فوره حتى إذا دنا من المدينة فنى زاده فتبلغ
بلحاء من لحاء الشجر فقدم على عمر وقد سبق فأخبره خبره كله فقال فهلا قبلت من
سعد فقال لو أردت ذلك كتبت لي به أو أذنت لي فيه فقال عمر إن أكمل الرجال
رأيا من إذا لم يكن عنده عهد من صاحبه عمل بالحزم أو قال به ولم ينكل وأخبره
بيمين سعد وقوله فصدق سعدا وقال هو أصدق ممن روى عليه ومن أبلغني (كتب
إلي السري) عن شعيب عن سيف عن عطاء أبي محمد مولى إسحاق بن طلحة قال
كنت أجلس في المسجد الأعظم قبل أن يبنيه زياد وليست له مجنبات ولا مواخير
فأرى منه دير هند وباب الجسر (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن
ابن شبرمة عن الشعبي قال كان الرجل يجلس في المسجد فيرى منه باب الجسر (كتاب
إلي السري) عن شعيب عن سيف عن عمر بن عياش أخي أبي بكر بن عياش عن
أبي كثير أن روزبه بن بزرجمر بن ساسان كان همذانيا وكان على فرج من فروج
الروم فأدخل عليهم سلاحا فأخافه الأكاسرة فلحق بالروم فلم يأمن حتى قدم سعد
ابن مالك فبنى له القصر والمسجد ثم كتب معه إلى عمر وأخبره بحاله فأسلم وفرض
له عمر وأعطاه وصرفه إلى سعد مع أكريائه والأكرياء يومئذ هم العباد حتى
إذا كان بالمكان الذي يقال له قبر العبادي مات فحفروا له ثم انتظروا به من يمر
بهم ممن يشهدونه موته فمر قوم من الاعراب وقد حفروا له على الطريق فأوهموه
ليبرؤا من دمه وأشهدوهم ذلك فقالوا قبر العبادي وقيل قبر العبادي لمكان الأكرياء
قال أبو كثير فهو والله أبى قال فقلت أفلا تخبر الناس بحاله قال لا (كتب إلى
السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو وسعيد وزياد
قالوا ورجح الأعشار بعضهم بعضا رجحانا كثيرا فكتب سعد إلى عمر في تعديلهم
فكتب إليه أن عدلهم فأرسل إلى قوم من نساب العرب وذوي رأيهم وعقلائهم
151

منهم سعيد بن نمران ومشعلة بن نعيم فعدلوهم عن الأسباع فجعلوهم أسباعا فصارت
كنانة وحلفاؤها من الأحابيش وغيرهم وجديلة وهم بنو عمرو بن قيس عيلان
سبعا وصارت قضاعة ومنهم يومئذ غسان بن شبام وبجيلة وخثعم وكندة
وحضرموت والأزد سبعا وصارت مذحج وحمير وهمدان وحلفاؤهم سبعا
وصارت تميم وسائر الرباب وهوازن سبعا وصارت أسد وغطفان ومحارب والنمر
وضبيعة وتغلب سبعا وصارت إياد وعك وعبد القيس وأهل هجر والحمراء سبعا
فلم يزالوا بذلك زمان عمر وعثمان وعلي وعامة إمارة معاوية حتى ربعهم زياد
* (إعادة تعريف الناس) *
وعرفوهم على مائة ألف درهم فكانت كل عرافة من القادسية خاصة ثلاثة وأربعين
رجلا وثلاثا وأربعين امرأة وخمسين من العيال لهم مائة ألف درهم وكل عرافة
من أهل الأيام عشرين رجلا على ثلاثة آلاف وعشرين امرأة وكل عيل على مائة
ألف درهم وكل عرافة من الرادفة الأولى ستين رجلا وستين امرأة وأربعين
من العيال ممن كان رجالهم ألحقوا على ألف وخمسمائة على مائة ألف درهم ثم على
هذا من الحساب وقال عطية بن الحارث قد أدركت مائة عريف وعلى مثل ذلك
كان أهل البصرة كان العطاء يدفع إلى أمراء الأسباع وأصحاب الرايات والرايات
على أيادي العرب فيدفعونه إلى العرفاء والنقباء والامناء فيدفعونه إلى أهله في دورهم
* (فتوح المدائن قبل الكوفة
(كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو
وسعيد قالوا فتوح المدائن السواد وحلوان وماسبذان وقرقيسياء فكانت الثغور
ثغور الكوفة أربعة حلوان عليها القعقاع بن عمرو وماسبذان عليها ضرار بن
الخطاب الفهري وقرقيسياء عليها عمر بن مالك أو عمرو بن عتبة بن نوفل بن عبد مناف
والموصل عليها عبد الله بن المعتم فكانوا بذلك والناس مقيمون بالمدائن بعد
ما تحول سعد إلى تمصير الكوفة وانضمام هؤلاء النفر إلى الكوفة واستخلافهم
152

على الثغور من يمسك بها ويقوم عليها فكان خليفة القعقاع على حلوان قباذين
عبد الله وخليفة عبد الله على الموصل مسلم بن عبد الله وخليفة ضرار رافع بن
عبد الله وخليفة عمر عشنق بن عبد الله وكتب إليهم عمر أن يستعينوا بمن
احتاجوا إليه من الأساورة ويرفعوا عنهم الجزاء ففعلوا فلما اختطت الكوفة
وأذن للناس بالبناء نقل الناس أبوابهم من المدائن إلى الكوفة فعلقوها على ما بنوا
وأوطنوا الكوفة وهذه ثغورهم وليس في أيديهم من الريف إلا ذلك (كتب إلى
السري) عن شعيب عن سيف عن مجالد عن عامر قال كانت الكوفة وسوادها
والفروج حلوان والموصل وماسبذان وقرقيسياء ثم وافقهم في الحديث عمرو
ابن الريان عن موسى بن عيسى الهمداني بمثل حديثهم ونهاهم عما وراء ذلك ولم
يأذن لهم في الانسياح وقالوا جميعا ولى سعد بن مالك على الكوفة بعد ما اختطت
ثلاث سنين ونصفا سوى ما كان بالمدائن قبلها وعمالته ما بين الكوفة وحلوان
والموصل وماسبذان وقرقيسياء إلى البصرة ومات عتبة بن غزوان وهو على البصرة
فظع بعمله وسعد على الكوفة فولى عمر أبا سبرة مكان عتبة بن غزوان ثم عزل
أبا سبرة عن البصرة واستعمل المغيرة ثم عزل المغيرة واستعمل أبا موسى الأشعري
ذكر خبر حمص حين قصد من فيها من المسلمين صاحب الروم
وفي هذه السنة قصدت الروم أبا عبيدة بن الجراح ومن معه من جند المسلمين
بحمص لحربهم فكان من أمرهم وأمر المسلمين ما ذكر أبو عبيدة وهو فيما كتب
به إلى السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وعمرو وسعيد قالوا أول
ما أذن عمر للجند بالكوفة بالانسياح أن الروم خرجوا وقد تكاتبوا هم وأهل الجزيرة
يريدون أبا عبيدة والمسلمين بحمص فضم أبو عبيدة إليه مسالحه وعسكروا بفناء
مدينة حمص وأقبل خالد من قنسرين حتى انضم إليهم فيمن انضم من أمراء المسالح
فاستشارهم أبو عبيدة في المناجزة أو التحصن إلى مجئ الغياث فكان خالد يأمره
أن يناجزهم وكان سائرهم يأمرونه بأن يتحصن ويكتب إلى عمر فأطاعهم وعصى
153

خالدا وكتب إلى عمر بخروجهم عليه وشغبهم أجناد أهل الشأم عنه رقد كان عمر
اتخذ في كل مصر على قدره خيولا من فضول أموال المسلمين عدة لكون إن
كان فكان بالكوفة من ذلك أربعة آلاف فرس فلما وقع الخبر لعمر كتب إلى سعد
ابن مالك أن اندب الناس مع القعقاع بن عمرو وسرحهم من يومهم الذي يأتيك
فيه كتابي إلى حمص فإن أبا عبيدة قد أحيط به وتقدم إليهم في الجد والحث وكتب
أيضا إليه أن سرح سهيل بن عدي إلى الجزيرة في الجند وليأت الرقة فإن أهل الجزيرة
هم الذين استثاروا الروم على أهل حمص وإن أهل قرقيسياء لهم سلف وسرح
عبد الله بن عتبان إلى نصيبين فإن أهل قرقيسياء لهم سلف ثم لينفضا حران والرهاء
وسرح الوليد بن عتبة على عرب الجزيرة من ربيعة وتنوخ وسرح عياضا فإن كان
قتال فقد جعلت أمرهم جميعا إلى عياض بن غنم وكان عياض من أهل العراق
الذين خرجوا مع خالد بن الوليد ممدين لأهل الشأم وممن انصرف أيام انصرف
أهل العراق ممدين لأهل القادسية وكان يرافد أبا عبيدة فمضى القعقاع في أربعة آلاف
من يومهم الذي أتاهم فيه الكتاب نحو حمص وجرج عياض بن غنم وأمراء الجزيرة
فأخذوا طريق الجزيرة على الفراض وغير الفراض وتوجه كل أمير إلى الكورة
التي أمر عليها فأتى سهيل الرقة وخرج عمر من المدينة مغيثا لأبي عبيدة يريد حمص
حتى نزل الجابية ولما بلغ أهل الجزيرة الذين أعانوا الروم على أهل حمص واستثاروهم
وهم معهم مقيمون عن حديث من بالجزيرة منهم بأن الجنود قد ضربت من الكوفة
ولم يدروا الجزيرة يريدون أم حمص فتفرقوا إلى بلدانهم وإخوانهم وخلوا الروم
ورأى أبو عبيدة أمرا لما انفضوا غير الأول فاستشار خالدا في الخروج فأمره
بالخروج ففتح الله عليهم وقدم القعقاع بن عمرو في أهل الكوفة في ثلاث من
يوم الوقعة وقدم عمر فنزل الجابية فكتبوا إلى عمر بالفتح وبقدوم المدد عليهم
في ثلاث وبالحكم في ذلك فكتب إليهم أن أشركوهم وقال جزى الله أهل الكوفة
خيرا يكفون حوزتهم ويمدون أهل الأمصار (كتب إلى السري) عن شعيب
عن سيف عن زكرياء بن سياه عن الشعبي قال استمد أبو عبيدة عمر وخرجت
154

عليه الروم وتابعهم النصارى فحصروه فخرج وكتب إلى أهل الكوفة فنفر إليهم
في غداة أربعة آلاف على البغال يحببون الخيل فقدموا على أبي عبيدة في ثلاث
بعد الوقعة فكتب فيهم إلى عمر وقد انتهى إلى الجابية فكتب إليه أن أشركهم
فإنهم قد نفروا إليكم وتفرق لهم عدوكم (كتب إلى السري) عن شعيب عن
سيف عن طلحة عن ماهان قال كان لعمر أربعة آلاف فرس عدة لكون إن كان
يشتيها في قبلة قصر الكوفة وميسرته ومن أجل ذلك يسمى ذلك المكان الآري
إلى اليوم ويربعها فيما بين الفرات والأبيات من الكوفة مما يلي العاقول فسمته
الأعاجم آخر الشاهجان يعنون معلف الامراء وكان قيمه عليها سلمان بن ربيعة
الباهلي في نفر من أهل الكوفة يصنع سوابقها ويجريها في كل عام وبالبصرة نحو
منها وقيمه عليها جزء بن معاوية وفي كل مصر من الأمصار الثمانية على قدرها فإن
نابتهم نائبة ركب قوم وتقدموا إلى أن يستعد الناس (كتب إلي السري) عن
شعيب عن سيف عن حلام عن شهر بن مالك بنحو منه فلما فرغوا رجعوا *
وفي هذه السنة أعني سنة سبع عشرة افتتحت
* (الجزيرة) *
في رواية سيف وأما ابن إسحاق فإنه ذكر انها افتتحت في سنة تسع عشرة من
الهجرة وذكر من سبب فتحها ما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عنه أن عمر
كتب إلى سعد بن أبي وقاص ان الله قد فتح على المسلمين الشأم والعراق
فابعث من عندك جندا إلى الجزيرة وأمر عليهم أحد الثلاثة خالد بن عرفطة
أو هاشم بن عتبة أو عياض بن غنم فلما انتهى إلى سعد كتاب عمر قال ما أخر
أمير المؤمنين عياض بن غنم آخر القوم الا أنه له فيه هوى أن أوليه وأنا موليه فبعثه
وبعث معه جيشا وبعث أبا موسى الأشعري وابنه عمر بن سعد وهو غلام حدث
السن ليس إليه من الامر شئ وعثمان بن أبي العاص بن بشر الثقفي وذلك في سنة
تسع عشرة فخرج عياض إلى الجزيرة فنزل بجنده على الرهاء فصالحه أهلها على
155

الجزية وصالحت حران حين صالحت الرهاء فصالحه أهلها على الجزية ثم بعث أبا
موسى الأشعري إلى نصيبين ووجه عمر بن سعد إلى رأس العين في خيل ردءا
للمسلمين وسار بنفسه في بقية الناس إلى دارا فنزل عليها حتى افتتحها فافتتح أبو
موسى نصيبين وذلك في سنة تسع عشرة ثم وجه عثمان بن أبي العاص إلى أرمينية
الرابعة فكان عندها شئ من قتال أصيب فيه صفوان بن المعطل السلمي شهيدا ثم
صالح أهلها عثمان بن أبي العاص على الجزية على كل أهل بيت دينار ثم كان فتح
قيسارية من فلسطين وهرب هرقل * وأما في رواية سيف فإن الخبر في ذلك فيما
كتب به إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد والمهلب وطلحة وعمرو وسعيد
قالوا خرج عياض بن غنم في أثر القعقاع وخرج القواد يعني حين كتب عمر إلى
سعد بتوجيه القعقاع في أربعة آلاف من جنده مددا لأبي عبيدة حين قصدته
الروم وهو بحمص فسلكوا طريق الجزيرة على الفراض وغيرها فسلك سهيل بن عدي
وجنده طريق الفراض حتى انتهى إلى الرقة وقد ارفض أهل الجزيرة عن
حمص إلى كورهم حين سمعوا بمقبل أهل الكوفة فنزل عليهم فأقام محاصرهم حتى
صالحوه وذلك أنهم قالوا فيما بينهم أنتم بين أهل العراق وأهل الشأم فما بقاؤكم
على حرب هؤلاء وهؤلاء فبعثوا في ذلك إلى عياض وهو في منزل واسط من
الجزيرة فرأى أن يقبل منهم فبايعوه وقبل منهم وكان الذي عقد لهم سهيل بن
عدي عن أمر عياض لأنه أمير القتال وأجروا ما أخذوا عنوة ثم أجابوا مجرى
أهل الذمة وخرج عبد الله بن عبد الله بن عتبان فسلك على دجلة حتى انتهى إلى
الموصل فعبر إلى بلد حتى أتى نصيبين فلقوه بالصلح وصنعوا كما صنع أهل الرقة
وخافوا مثل الذي خافوا فكتبوا إلى عياض فرأى أن يقبل منهم فعقد لهم عبد الله
ابن عبد الله وأجروا ما أخذوا عنوة ثم أجابوا مجرى أهل الذمة وخرج الوليد بن
عقبة حتى قدم على بني تغلب وعرب الجزيرة فنهض معه مسلمهم وكافرهم إلا إياد
ابن نزار فإنهم ارتحلوا بقليتهم فاقتحموا أرض الروم فكتب بذلك الوليد إلى عمر
ابن الحطاب ولما أعطى أهل الرقة ونصيبين الطاعة ضم عياض سهيلا وعبد الله
156

إليه فسار بالناس إلى حران فأخذ ما دونها فلما انتهى إليهم اتقوه بالإجابة إلى الجزية
فقبل منهم وأجرى من أجاب بعد غلبه مجرى أهل الذمة ثم إن عياضا سرح سهيلا
وعبد الله إلى الرهاء فاتقوهما بالإجابة إلى الجزية وأجرى من دونهم مجراهم فكانت
الجزيرة أسهل البلدان أمرا وأيسره فتحا فكانت تلك السهولة مهجنة عليهم وعلى
من أقام فيهم من المسلمين وقال عياض بن غنم:
من مبلغ الأقوام أن جموعنا * حوت الجزيرة يوم ذات زحام
جمعوا الجزيرة والغياث فنفسوا * عمن بحمص غيابة القدام
إن الأعزة والأكارم معشر * فضوا الجزيرة عن فراخ الهام
غلبوا الملوك على الجزيرة فانتهوا * عن غزو من يأوى بلاد الشام
ولما نزل عمر الجابية وفرغ أهل حمص أمد عياض بن غنم بحبيب بن مسلمة
فقدم على عياض مددا وكتب أبو عبيدة إلى عمر بعد انصرافه من الجابية يسأله
أن يضم إليه عياض بن غنم إذ ضم خالدا إلى المدينة فصرفه إليه وصرف سهيل
ابن عدي وعبد الله بن عبد الله إلى الكوفة ليصرفهما إلى المشرق واستعمل حبيب
ابن مسلمة على عجم الجزيرة وحربها والوليد بن عقبة على عرب الجزيرة فأقاما بالجزيرة
على أعمالهما * قالوا ولما قدم الكتاب من الوليد على عمر كتب عمر إلى ملوك الروم
أنه بلغني أن حيا من أحياء العرب ترك دارنا وأتى دارك فوالله لتخرجنه أو
لننبذن إلى النصارى ثم لنخرجنهم إليك فأخرجهم ملك الروم فخرجوا فتم منهم
على الخروج أربعة آلاف مع أبي عدى بن زياد وخنس بقيتهم فتفرقوا فيما يلي
الشأم والجزيرة من بلاد الروم فكل إيادي في أرض العرب من أولئك الأربعة
الآلاف وأبي الوليد بن عقبة أن يقبل من بني تغلب إلا الاسلام فقالوا له أما من
نقب على قومه في صلح سعد ومن كان قبله فأنتم وذاك وأما من لم ينقب عليه أحد
ولم يجر ذلك لمن نقب فما سبيلك عليه فكتب فيهم إلى عمر فأجابه عمر انما
ذلك لجزيرة العرب لا يقبل منهم فيها الا الاسلام فدعهم على أن لا ينصروا
وليدا وأقبل منهم إذا أسلموا فقبل منهم على أن ينصروا وليدا ولا يمنعوا
157

أحدا منهم من الاسلام فأعطى بعضهم ذلك فأخذوا به وأبى بعضهم
الا الجزاء فرضى منهم بما رضى من العباد وتنوخ (كتب إلي السري) عن شعيب
عن سيف عن عطية عن أبي سيف التغلبي قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
قد عاهد وفدهم على أن لا ينصروا وليدا فكان ذلك الشرط على الوفد وعلى من
وفدهم ولم يكن على غيرهم فلما كان زمان عمر قال مسلموهم لا تنفروهم بالخراج
فيذهبوا ولكن ضعفوا عليهم الصدقة التي تأخذونها من أموالهم فيكون جزاء
فإنهم يغضبون من ذكر الجزاء على أن لا ينصروا مولودا إذا أسلم آباؤهم فخرج
وفدهم في ذلك إلى عمر فلما بعث الوليد إليه برؤس النصارى وبديانيهم قال لهم عمر
أدوا الجزية فقالوا لعمر أبلغنا مأمننا والله لئن وضعت علينا الجزاء لندخلن أرض
الروم والله لتفضحنا من بين العرب فقال لهم أنتم فضحتم أنفسكم وخالفتم أمتكم
فيمن خالف وافتضح من عرب الضاحية وتالله لتؤدنه وأنتم صغرة قماة ولئن
هربتم إلى الروم لاكتبن فيكم ثم لأسبينكم قالوا فخذ منا شيئا ولا تسمه جزاء
فقال أما نحن فنسميه جزاء وسموه أنتم ما شئتم فقال له علي بن أبي طالب يا أمير
المؤمنين ألم يضعف عليهم سعد بن مالك الصدقة قال بلى وأصغى إليه فرضى به
منهم جزاء فرجعوا على ذلك وكان في بني تغلب عز وامتناع ولا يزالون
ينازعون الوليد فهم بهم الوليد وقال في ذلك
إذا ما عصبت الرأس مني بمشوذ * فغيك مني تغلب ابنة وائل
وبلغت عنه عمر فخاف أن يخرجوه وأن يضعف صبره فيسطو عليهم فعزله
وأمر عليهم فرات ابن حيان وهند بن عمرو الجملي وخرج الوليد واستودع إبلا له
حريث بن النعمان أحد بنى كنانة بن تيم من بني تغلب وكانت مائة من الإبل فاحتانها
بعدما خرج الوليد وكان فتح الجزيرة في سنة سبع عشرة في ذي الحجة * وفي هذه
السنة أعني سنة سبع عشرة خرج عمر من المدينة يريد الشأم حتى بلغ سرغ في قول
ابن إسحاق حدثنا بذلك ابن حميد عن سلمة عنه وفي قول الواقدي
ذكر الخبر عن خروجه إليها
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال خرج عمر إلى الشأم
158

غازيا في سنة سبع عشرة حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد فأخبروه أن
الأرض سقيمة فرجع بالناس إلى المدينة وقد كان عمر كما حدثنا ابن حميد قال حدثنا
سلمة عن محمد بن إسحاق عن ابن شهاب الزهري عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد
ابن الخطاب عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن عبد الله بن عباس خرج غازيا وخرج
معه المهاجرين والأنصار وأوعب الناس معه حتى إذا نزل بسرغ لقيه أمراء
الأجناد أبو عبيدة بن الجراح ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة فأخبروه أن
الأرض سقيمة فقال عمر أجمع إلى المهاجرين الأولين قال فجمعتهم له فاستشارهم فاختلفوا
عليه فمنهم القائل خرجت لوجه تريد فيه الله وما عنده ولا نرى أن يصدك عنه بلاء
عرض لك ومنهم القائل أنه لبلاء وفناء ما نرى أن تقدم عليه فلما اختلفوا عليه
قال قوموا عني ثم قال أجمع لي مهاجرة الأنصار فجمعتهم له فاستشارهم فسلكوا
طريق المهاجرين فكأنما سمعوا ما قالوا فقالوا مثله فلما اختلفوا عليه قال قوموا
عني ثم قال أجمع لي مهاجرة الفتح من قريش فجمعتهم له فاستشارهم فلم يختلف
عليه منهم اثنان وقالوا ارجع بالناس فإنه بلاء وفناء قال فقال لي عمر يا ابن عباس
أصرخ في الناس فقل إن أمير المؤمنين يقول لكم أني مصبح على ظهر فأصبحوا
عليه قال فأصبح عمر على ظهر وأصبح الناس عليه فلما اجتمعوا عليه قال أيها الناس
انى راجع فارجعوا فقال له أبو عبيدة بن الجراح أفرارا من قدر الله قال نعم
فرارا من قدر الله إلى قدر الله أرأيت لو أن رجلا هبط واديا له عدوتان إحداهما
خصبة والاخرى جدبة أليس يرعى من رعى الجدبة بقدر الله ويرعى من رعى
الخصبة بقدر الله ثم قال لو غيرك يقول هذا يا أبا عبيدة ثم خلا به بناحية دون الناس
فبينا الناس على ذلك إذ أتى عبد الرحمن بن عوف وكان متخلفا عن الناس لم يشهدهم
بالأمس فقال ما شأن الناس فأخبر الخبر فقال عندي من هذا علم فقال عمر فأنت
عندنا الأمين المصدق فماذا عندك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
إذا سمعتم بهذا الوباء ببلد فلا تقدموا عليه وإذا وقع وأنتم به فلا تخرجوا فرارا منه
ولا يخرجنكم إلا ذلك فقال عمر فلله الحمد انصرفوا أيها الناس فانصرف بهم * حدثنا
159

ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن ابن شهاب الزهري عن عبد الله بن
عامر بن ربيعة وسالم بن عبد الله بن عمر أنهما حدثاه أن عمر إنما رجع بالناس عن
حديث عبد الرحمن بن عوف فلما رجع عمر رجع عمال الأجناد إلى أعمالهم * وأما
سيف فإنه روى في ذلك ما كتب به إلي السري عن شعيب عن سيف عن أبي حارثة
وأبي عثمان والربيع قالوا وقع الطاعون بالشام ومصر والعراق واستقر بالشام
ومات فيه الناس الذين هم في كل الأمصار في المحرم وصفر وارتفع عن الناس
وكتبوا بذلك إلى عمر ما خلا الشأم فخرج حتى إذا كان منها قريبا بلغه أنه أشد
ما كان فقال وقال الصحابة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان بأرض وباء
فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها فرجع حتى ارتفع عنها
وكتبوا بذلك إليه وبما في أيديهم من المواريث فجمع الناس في جمادى الأولى سنة
سبع عشرة فاستشارهم في البلدان فقال إني قد بدا لي أن أطوف على المسلمين في بلدانهم
لأنظر في آثارهم فأشيروا علي وكعب الأحبار في القوم وفي تلك السنة من إمارة
عمر أسلم فقال كعب بأيها تريد أن تبدأ يا أمير المؤمنين قال بالعراق قال فلا تفعل فان
الشر عشرة أجزاء والخير عشرة أجزاء فجزء من الخير بالمشرق وتسعة بالمغرب
وإن جزأ من الشر بالمغرب وتسعة بالمشرق وبها قرن الشيطان وكل داء عضال
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن سعيد عن الأصبغ عن علي قال قام
إليه علي فقال يا أمير المؤمنين والله إن الكوفة للهجرة بعد الهجرة وإنها لقبة الاسلام
وليأتين عليها يوم لا يبقى مؤمن إلا أتاها وحن إليها والله لينصرن بأهلها ما انتصر
بالحجارة من قوم لوط (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن المطرح عن
القاسم عن أبي أمامة قال وقال عثمان يا أمير المؤمنين إن المغرب أرض الشر وإن
الشر قسم مائة جزء فجزء في الناس وسائر الاجزاء بها (كتب إلي السري) عن
شعيب عن سيف عن يحيى التميمي عن أبي ماجد قال قال عمر الكوفة رمح الله وقبة
الاسلام وجمجمة العرب يكفون ثغورهم ويمدون الأمصار فقد ضاعت مواريث
أهل عمواس فابدأ بها (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن أبي عثمان
160

وأبى حارثة والربيع بن النعمان قالوا قال عمر ضاعت مواريث الناس بالشام
أبدأ بها فأقسم المواريث وأقيم لهم ما في نفسي ثم أرجع فأنقلب في البلاد وأنبذ إليهم
أمري فأتى عمر الشأم أربع مرات مرتين في سنة ست عشرة ومرتين في سنة سبع
عشرة لم يدخلها في الأولى من الآخرتين (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف
عن بكر بن وائل عن محمد بن مسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم
الحفظ عشرة أجزاء فتسعة في الترك وجزء في سائر الناس وقسم البخل عشرة
أجزاء فتسعة في فارس وجزء في سائر الناس وقسم السخاء عشرة أجزاء فتسعة
في السودان وجزء في سائر الناس وقسم الشبق عشرة أجزاء فتسعة في الهند وجزء
في سائر الناس وقسم الحياء عشرة أجزاء فتسعة في النساء وجزء في سائر الناس
وقسم الحسد عشرة أجزاء فتسعة في العرب وجزء في سائر الناس وقسم الكبر
عشرة أجزاء فتسعة في الروم وجزء في سائر الناس
واختلف في خبر طاعون عمواس وفي أي سنة كان
فقال ابن إسحاق ما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عنه قال ثم دخلت سنة ثماني
عشرة ففيها كان طاعون عمواس فتفانى فيها الناس فتوفى أبو عبيدة بن الجراح وهو
أمير الناس ومعاذ بن جبل ويزيد بن أبي سفيان والحارث بن هشام وسهيل بن عمرو
وعتبة بن سهيل وأشراف الناس * وحدثني أحمد بن ثابت الرازي قال حدثنا عن
إسحاق بن عيسى عن أبي معشر قال كان طاعون عمواس والجابية في سنة ثماني
عشرة * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن شعبة بن الحجاج عن
المخارق بن عبد الله البجلي عن طارق بن شهاب البجلي قال أتينا أبا موسى وهو في
داره بالكوفة لنتحدث عنده فلما جلسنا قال لا عليكم أن تخفوا فقد أصيب في الدار
إنسان بهذا السقم ولا عليكم أن تنزهوا عن هذه القرية فتخرجوا في فسيح بلادكم
ونزهها حتى يرفع هذا الوباء سأخبركم بما يكره مما يتقى من ذلك أن يظن من خرج
أنه لو أقام مات ويظن من أقام فأصابه ذلك أنه لو خرج لم يصبه فإذا لم يظن هذا
161

المرء المسلم فلا عليه أن يخرج وأن يتنزه عنه إني كنت مع أبي عبيدة بن الجراح بالشام
عام طاعون عمواس فلما اشتعل الوجع وبلغ ذلك عمر كتب إلى أبي عبيدة ليستخرجه
منه أن سلام عليك أما بعد فإنه قد عرضت لي إليك حاجة أريد أن أشافهك فيها
فعزمت عليك إذا نظرت في كتابي هذا ألا تضعه من يدك حتى تقبل إلي قال فعرف
أبو عبيدة إنه إنما أراد أن يستخرجه من الوباء قال يغفر الله لأمير المؤمنين ثم
كتب إليه يا أمير المؤمنين إني قد عرفت حاجتك إلي وإني في جند من المسلمين
لا أجد بنفسي رغبة عنهم فلست أريد فراقهم حتى يقضى الله في وفيهم أمره وقضاه
فحللني من عزمتك يا أمير المؤمنين ودعني في جندي فلما قرأ عمر الكتاب بكى
فقال الناس يا أمير المؤمنين أمات أبو عبيدة قال لا وكأن قد قال ثم كتب إليه سلام
عليك أما بعد فإنك أنزلت الناس أرضا عميقة فارفعهم إلى أرض مرتفعة نزهة
فلما أتاه كتابه دعاني فقال يا أبا موسى إن كتاب أمير المؤمنين قد جاءني بما ترى
فاخرج فارتد للناس منزلا حتى أتبعك بهم فرجعت إلى منزلي لأرتحل فوجدت
صاحبتي قد أصيبت فرجعت إليه فقلت له والله لقد كان في أهلي حدث فقال لعل
صاحبتك أصيبت قلت نعم قال فأمر ببعيره فرحل له فلما وضع رجله في غرزه
طعن فقال والله لقد أصبت ثم سار بالناس حتى نزل الجابية ورفع عن الناس الوباء
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح عن شهر
ابن حوشب الأشعري عن رابة رجل من قومه وكان قد خلف على أمه بعد أبيه
كان شهد طاعون عمواس قال لما اشتعل الوجع قام أبو عبيدة في الناس خطيبا
فقال أيها الناس إن هذا الوجع رحمة بكم ودعوة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم وموت
الصالحين قبلكم وإن أبا عبيدة يسأل الله أن يقسم له منه حظه فطعن فمات واستخلف
على الناس معاذ بن جبل قال فقام خطيبا بعده فقال أما أيها الناس إن هذا الوجع
رحمة بكم ودعوة نبيكم وموت الصالحين قبلكم وإن معاذا يسأل الله أن يقسم لآل
معاذ منه حظهم فطعن ابنه عبد الرحمن بن معاذ فمات ثم قام فدعا به لنفسه فطعن
في راحته فلقد رأيته ينظر إليها ثم يقبل ظهر كفه ثم يقول ما أحب أن لي بما فيك
162

شيئا من الدنيا فلما مات استخلف الناس عمرو بن العاصي فقام خطيبا في الناس
فقال أيها الناس إن هذا الوجع إذا وقع فإنما يشتعل اشتعال النار فتجبلوا منه في
الجبال فقال أبو واثلة الهذلي كذبت والله لقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأنت شر من حماري هذا قال والله ما أرد عليك ما تقول وأيم الله لا نقيم عليه
ثم خرج وخرج الناس فتفرقوا ورفعه الله عنهم قال فبلغ ذلك عمر بن الخطاب
من رأى عمرو بن العاصي فوالله ما كرهه * حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن
ابن إسحاق عن رجل عن أبي قلابة عبد الله بن زيد الجرمي أنه كان يقول بلغني هذا
من قول أبي عبيدة وقول معاذ بن جبل إن هذا الوجع رحمة بكم ودعوة نبيكم وموت
الصالحين قبلكم فكنت أقول كيف دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم لامته حتى
حدثني بعض من لا أتهم عن رسول الله أنه سمعه منه وجاءه جبريل عليه السلام
فقال إن فناء أمتك يكون بالطعن أو الطاعون فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول اللهم فناء الطاعون فعرفت أنها التي كان قال أبو عبيدة ومعاذ * حدثنا ابن
حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال ولما انتهى إلى عمر مصاب أبي عبيدة
ويزيد بن أبي سفيان أمر معاوية بن أبي سفيان على جند دمشق وخراجها وأمر
شرحبيل بن حسنة على جند الأردن وخراجها (وأما سيف) فإنه زعم أن طاعون
عمواس كان في سنة سبعة عشر (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن
أبي عثمان وأبي حارثة والربيع بإسنادهم قالوا كان ذلك الطاعون يعنون طاعون
عمواس موتانا لم ير مثله طمع له العدو في المسلمين وتخوفت له قلوب المسلمين
كثر موته وطال مكثه مكث أشهرا حتى تكلم في ذلك الناس (كتب إلي السري)
عن شعيب عن سيف عن عبد الله بن سعيد عن أبي سعيد قال أصاب البصرة من
ذلك موت ذريع فأمر رجل من بني تميم غلاما له أعجميا أن يحمل ابنا له صغيرا
ليس له ولد غيره على حمار ثم يسوق به إلى سفوان حتى يلحقه فخرج في آخر الليل
ثم اتبعه وقد أشرف على سفوان ودنا من ابنه وغلامه فرفع الغلام عقيرته يقول
لن يعجزوا الله على حمار * ولا على ذي غرة مطار
163

قد يصبح الموت أمام الساري
فشك حتى انتهى إليهم فإذا هم هم قال ويحك ما قلت قال ما أدرى قال ارجع فرجع
بابنه وعلم أنه قد أسمع آية وأريها قال وعزم رجل على الخروج إلى أرض بها الطاعون
فتردد بعد ما ظعن فإذا غلام له أعجمي يحدو به
يا أيها المشعر هما لا تهم * إنك إن تكتب لك الحمى تحم
(وفي هذه السنة) أعنى سنة سبع عشرة كان خروج عمر إلى الشأم الخرجة
الأخيرة فلم بعد إليها يعد ذلك في قول سيف وأما ابن إسحاق فقد مضى ذكره
ذكر الخبر عن سيف في ذلك والخبر عما ذكره عن عمر
في خرجته تلك أنه أحدث في مصالح المسلمين
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن أبي عثمان وأبي حارثة والربيع
قالوا وخرج عمر وخلف عليا على المدينة وخرج معه بالصحابة وأغذوا السير
واتخذ أيلة طريقا حتى إذا دنا منها تنحى عن الطريق واتبعه غلامه فنزل فبال
ثم عاد فركب بعير غلامه وعلى رحله فرو مقلوب وأعطى غلامه مركبه فلما
تلقاه أوائل الناس قالوا أين أمير المؤمنين قال أمامكم يعني نفسه وذهبوا هم إلى
أمامهم فجاوزه حتى انتهى هو إلى أيلة فنزلها وقيل للمتلقين قد دخل أمير المؤمنين
أيلة ونزلها فرجعوا إليه (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن هشام
ابن عروة عن أبيه قال لما قدم عمر بن الخطاب أيلة ومعه المهاجرون والأنصار
دفع قميصا له كرابيس قد انجاب مؤخره عن قعدته من طول السير إلى الأسقف
وقال اغسل هذا وارقعه فانطلق الأسقف بالقميص ورقعه وخاط له آخر مثله
فراح به إلى عمر فقال ما هذا قال الأسقف أما هذا فقميصك قد غسلته ورقعته
وأما هذا فكسوة لك مني فنظر إليه عمر ومسحه ثم لبس قميصه ورد عليه ذلك
القميص وقال هذا أنشفهما للعرق (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف
عن عطية وهلال عن رافع بن عمر قال سمعت العباس بالجابية يقول لعمر أربع
164

من عمل بهن استوجب العدل الأمانة في المال والتسوية في القسم والوفاء بالعدة
والخروج من العيوب نظف نفس وأهلك (كتب إلي السري) عن شعيب
عن سيف عن أبي عثمان والربيع وأبي حارثة بإسنادهم قالوا قسم عمر الأرزاق
وسمى الشواتي والصوائف وسد فروج الشأم ومسالحها وأخذ يدور بها وسمى
ذلك في كل كورة واستعمل عبد الله بن قيس على السواحل من كل كورة وعزل
شرحبيل واستعمل معاوية وأمر أبا عبيدة وخالدا تحته فقال له شرحبيل أعن
سخطة عزلتني يا أمير المؤمنين قال لا إنك لكما أحب ولكن أريد رجلا أقوى
من رجل قال نعم فاعذرني في الناس لا تدركني هجنة فقام في الناس فقال أيها الناس
أنى والله ما عزلت شرحبيل عن سخطة ولكني أردت رجلا أقوى من رجل وأمر
عمرو بن عبسه على الاهراء وسمى كل شئ ثم قام في الناس بالوداع (كتب إلي
السري) عن شعيب عن سيف عن أبي ضمرة وأبي عمرو عن المستورد عن عدى
ابن سهيل قال لما فرغ عمر من فروجه وأموره قسم المواريث فورث بعض الورثة
من بعض ثم أخرجها إلى الاحياء من ورثة كل امرئ منهم (كتب إلي السري)
عن شعيب عن سيف عن مجالد عن الشعبي وخرج الحارث بن هشام في سبعين من
أهل بيته فلم يرجع منهم إلا أربعة فقال المهاجر بن خالد بن الوليد
من يسكن الشأم يعرس به * والشأم إن لم يفننا كارب
أفنى بنى ريطة فرسانهم * عشرون لم يقصص لهم شارب
ومن بنى أعمامهم مثلهم * لمثل هذا أعجب العاجب
طعنا وطاعونا مناياهم * ذلك ما خط لنا الكاتب
قال وقفل عمر من الشأم إلى المدينة في ذي الحجة وخطب حين أراد القفول
فحمد الله وأثنى عليه وقال ألا إني قد وليت عليكم وقضيت الذي علي في الذي ولاني
الله من أمركم إن شاء الله قسطنا بينكم فيأكم ومنازلكم ومغازيكم وأبلغنا ما لديكم
فجندنا لكم الجنود وهيأنا لكم الفروج وبوأناكم ووسعنا عليكم ما بلغ فيؤكم وما
قاتلتم عليه من شأمكم وسمينا لكم أطماعكم وأمرنا لكم بأعطائكم وأرزاقكم معاونكم
165

فمن علم علم شئ ينبغي العمل به فبلغنا نعمل به إن شاء الله ولا قوة إلا بالله وحضرت
الصلاة وقال الناس لو أمرت بلالا فأذن فأمره فأذن فما بقى أحد كان أدرك
رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلال يؤذن له إلا بكى حتى بل لحيته وعمر أشدهم
بكاء وبكى من لم يدركه ببكائهم ولذكره صلى الله عليه وسلم (كتب إلي السري)
عن شعيب عن سيف عن أبي عثمان وأبى حارثة قالا فما زال خالد على قنسرين
حتى غزا غزوته التي أصاب فيها وقسم فيها ما أصاب لنفسه (كتب إلي السري)
عن شعيب عن سيف عن أبي المجالد مثله قالوا وبلغ عمران خالدا الحمام
فتدلك بعد النورة بثخين عصفر معجون بخمر فكتب إليه بلغني أنك تدلكت
بخمر وإن الله قد حرم ظاهر الخمر وباطنه كما حرم ظاهر الاثم وباطنه وقد حرم مس
الخمر إلا أن تغسل كما حرم شربها فلا تمسوها أجسادكم فإنها نجس وإن فعلتم فلا
تعودوا فكتب إليه خالد إنا قتلناها فعادت غسولا غير خمر فكتب إليه عمر اني
أظن آل المغيرة قد ابتلوا بالجفاء فلا أماتكم الله عليه فانتهى إليه ذلك (وفي هذه
السنة) أعنى سنة سبعة عشر أدرب خالد بن الوليد وعياض بن غنم في رواية
سيف عن شيوخه
* (ذكر ذلك) *
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن أبي عثمان وأبي حارثة
والمهلب قالوا وأدرب سنة سبعة عشر خالد وعياض فسارا فأصابا أموالا عظيمة
وكانا توجها من الجابية فرجع عمر إلى المدينة وعلى حمص أبو عبيدة وخالد تحت
يديه على قنسرين وعلى دمشق يزيد بن أبي سفيان وعلى الأردن معاوية وعلى فلسطين
علقمة بن مجزر وعلى الاهراء عمرو بن عبسة وعلى السواحل عبد الله بن قيس
وعلى كل عمل عامل فقامت مسالح الشأم ومصر والعراق على ذلك إلى اليوم لم تجز
أمة إلى أخرى عملها بعد إلا أن يقتحموا عليهم بعد كفر منهم فيقدموا مسالحهم
بعد ذلك فاعتدل ذلك سنة سبعة عشر (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف
عن أبي المجالد وأبي عثمان والربيع وأبي حارثة قالوا ولما قفل خالد وبلغ الناس
166

ما أصابت تلك الطائفة انتجعه رجال فانتجع خالدا من أهل الآفاق فكان
الأشعث بن قيس ممن انتجع خالدا بقنسرين فأجازه بعشرة آلاف وكان عمر لا يخفى
عليه شئ في عمله كتب إليه من العراق بخروج من خرج ومن الشأم بجائزة من
أجيز فيها فدعا البريد وكتب معه إلى أبي عبيدة أن يقيم خالدا أو يعقله بعمامته
وينزع عنه قلنسوته حتى يعلمه؟ من أين اجازة الأشعث أمن ماله أم من إصابة
أصابها فإن زعم أنها من إصابة أصابها فقد أقر بخيانة وإن زعم أنها من ماله فقد
أسرف واعزله على كل حال واضمم إليك عمله فكتب أبو عبيدة إلى خالد فقدم
عليه ثم جمع الناس وجلس لهم على المنبر فقام البريد فقال يا خالد أمن مالك أجزت
بعشرة آلاف أم من إصابة فلم يجبه حتى أكثر عليه وأبو عبيدة ساكت لا يقول
شيئا فقام بلال إليه فقال إن أمير المؤمنين أمر فيك بكذا وكذا ثم تناول قلنسوته
فعقله بعمامته وقال ما تقول أمن مالك أم من إصابة قال لا بل من مالي فأطلقه
وأعاد قلنسوته ثم عممه بيده ثم قال نسمع ونطيع لولاتنا ونفخم ونخدم موالينا
قالوا وأقام خالد متحيرا لا يدري أمعزول أم غير معزول وجعل أبو عبيدة
لا يخبره حتى إذا طال على عمر أن يقدم ظن الذي قد كان فكتب إليه بالاقبال
فأتى خالد أبا عبيدة فقال رحمك الله ما أدت إلى ما صنعت كتمتني أمرا كنت
أحب أن أعلمه قبل اليوم فقال أبو عبيدة إني والله ما كنت لأروعك ما وجدت
لذلك بدا وقد علمت أن ذلك يروعك قال فرجع خالد إلى قنسرين فخطب أهل
عمله وودعهم وتحمل ثم أقبل إلى حمص فخطبهم وودعهم ثم خرج نحو المدينة
حتى قدم على عمر فشكاه وقال لقد شكوتك إلى المسلمين وبالله إنك في أمري غير
مجمل يا عمر فقال عمر من أين هذا الثرى قال من الأنفال والسهمان ما زاد على الستين
ألفا فلك فقوم عمر عروضه فخرجت إليه عشرون ألفا فأدخلها بيت المال ثم قال
يا خالد والله إنك علي لكريم وإنك إلي لحبيب ولن تعاتبني بعد اليوم على شئ
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن عبد الله بن المستورد عن أبيه عن
عدي بن سهيل قال كتب عمر إلى الأمصار إني لم أعزل خالدا عن سخطة ولا خيانة
167

ولكن الناس فتنوا به فخفت أن يوكلوا إليه ويبتلوا به فأحببت أن يعلموا أن الله
هو الصانع وأن لا يكونوا بعرض فتنة (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف
عن مبشر عن سالم قال لما قدم خالد على عمر قال عمر متمثلا
صنعت فلم يصنع كصنعك صانع * وما يصنع الأقوام فالله يصنع
فأغرمه شيئا ثم عوضه وكتب فيه إلى الناس بهذا الكتاب ليعذره عندهم
وليبصرهم (وفي هذه السنة) أعني سنة سبعة عشر اعتمر عمر وبني المسجد الحرام
فيما زعم الواقدي ووسع فيه وأقام بمكة عشرين ليلة وهدم على أقوام أبوا أن
يبيعوا ووضع أثمان دورهم في بيت المال حتى أخذوها قال وكان ذلك الشهر
الذي اعتمر فيه رجبا وخلف على المدينة زيد بن ثابت قال الواقدي وفي عمرته
هذه أمر بتجديد أنصاب الحرم فأمر بذلك محرمة بن نوفل والأزهر بن عبد عوف
وحويطب بن عبد العزى وسعيد بن يربوع قال وحدثني كثير بن عبد الله المزني
عن أبيه عن جده قال قدمنا مع عمر مكة في عمرته سنة سبع عشرة فمر بالطريق
فكلمه أهل المياه أن يبتنوا منازل بين مكة والمدينة ولم يكن قبل ذلك بناء فأذن
لهم وشرط عليهم أن ابن السبيل أحق بالظل والماء * (قال وفيها) * تزوج عمر
ابن الخطاب أم كلثوم ابنة علي بن أبي طالب وهي ابنة فاطمة بنت رسول الله
صلى الله عليه وسلم ودخل بها في ذي القعدة * (قال وفي هذه السنة) * ولى عمر
أبا موسى البصرة وأمره أن يشخص إليه المغيرة في ربيع الأول فشهد عليه فيما
حدثني معمر عن الزهري عن ابن المسيب أبو بكرة وشبل بن معبد البجلي ونافع بن
كلدة وزياد قال وحدثني محمد بن يعقوب بن عتبة عن أبيه قال كان يختلف إلى أم جميل
امرأة من بني هلال وكان لها زوج هلك قبل ذلك من ثقيف يقال له الحجاج بن عبيد فكان
يدخل عليها فبلغ ذلك أهل البصرة فأعظموه فخرج المغيرة يوما من الأيام حتى دخل عليها
وقد وضعوا عليها الرصد فانطلق القوم الذين شهدوا جميعا فكشفوا الستر وقد واقعها
فكتب أبو بكر إلى عمر فسمع صوته وبينه وبينه حجاب فقال أبو بكرة قال نعم قال
لقد جئت لشر قال إنما جاء بي المغيرة ثم قص عليه القصة فبعث عمر أبا موسى الأشعري
168

عاملا وأمره أن يبعث إليه المغيرة فأهدى المغيرة لأبي موسى عقيلة وقال إني رضيتها
لك فبعث أبو موسى بالمغيرة إلى عمر قال الواقدي وحدثني عبد الرحمن بن محمد
ابن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن مالك بن أوس بن الحدثان
قال حضرت عمر حيت قدم بالمغيرة وقد تزوج امرأة من بني مرة فقال له
إنك لفارغ القلب طويل الشبق فسمعت عمر يسأل عن المرأة فقال يقال لها
الرقطاء وزوجها من ثقيف وهو من بني هلال * (قال أبو جعفر) * وكان سبب
ما كان بين أبي بكرة والشهادة عليه فيما كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن
محمد والمهلب وطلحة وعمرو باسنادهم قالوا كان الذي حدث بين أبي بكرة والمغيرة
ابن شعبة أن المغيرة كان يناغيه وكان أبو بكرة ينافره عند كل ما يكون منه وكانا
بالبصرة وكانا متجاورين بينهما طريق وكانا في مشربتين متقابلتين لهما في داريهما
في كل واحدة منهما كوة مقابلة الأخرى فاجتمع إلى أبي بكرة نفر يتحدثون في
مشربته فهبت ريح ففتحت باب الكوة فقام أبو بكرة ليصفقه فبصر بالمغيرة وقد
فتحت الريح باب كوة مشربته وهو بين رجلي امرأة فقال للنفر قوموا فانظروا
فقاموا فنظروا ثم قال اشهدوا قالوا ومن هذه قال أم جميل ابنة الأفقم وكانت
أم جميل إحدى بني عامر بن صعصعة وكانت غاشية للمغيرة وتغشى الامراء
والاشراف وكان بعض النساء يفعلن ذلك في زمانها فقالوا انما رأينا أعجازا ولا ندري
ما الوجه ثم إنهم صمموا حين قامت فلما خرج المغيرة إلى الصلاة حال أبو بكرة بينه
وبين الصلاة وقال لا تصل بنا فكتبوا إلى عمر بذلك وتكاتبوا فبعث عمر إلى أبي موسى
فقال يا أبا موسى إني مستعملك أني أبعثك إلى أرض قد باض بها الشيطان وفرخ فالزم
ما تعرف ولا تستبدل فيستبدل الله بك فقال يا أمير المؤمنين أعني بعدة من أصحاب
رسول الله من المهاجرين والأنصار فانى وجدتهم في هذه الأمة وهذه الأعمال كالملح
لا يصلح الطعام إلا به قال فاستعن بمن أحببت فاستعان بتسعة وعشرين رجلا منهم أنس
بن مالك وعمران بن حصين وهشام بن عامر ثم خرج أبو موسى فيهم حتى أناخ بالمربد
وبلغ المغيرة أن أبا موسى قد أناخ بالمربد فقال والله ما جاء أبو موسى زائرا ولا
169

تاجرا ولكنه جاء أميرا فإنهم لفي ذلك إذ جاء أبو موسى حتى دخل عليهم فدفع
إليه أبو موسى كتابا من عمر وإنه لأوجز كتاب كتب به أحد من الناس أربع كلم
عزل فيها وعاتب واستحث وأمر أما بعد فإنه بلغني نبأ عظيم فبعثت أبا موسى أميرا
فسلم ما في يدك والعجل وكتب إلى أهل البصرة أما بعد فاني قد بعثت أبا موسى
أميرا عليكم ليأخذ لضعيفكم من قويكم وليقاتل بكم عدوكم وليدفع عن ذمتكم
وليحصى لكم فيأكم ثم ليقسمه بينكم ولينقى لكم طرقكم وأهدى له المغيرة وليدة
من مولدات الطائف تدعى عقيلة وقال إني قد رضيتها لك وكانت فارهة وارتحل
المغيرة وأبو بكرة ونافع بن كلدة وزياد وشبل بن معبد البجلي حتى قدموا على عمر
فجمع بينهم وبين المغيرة فقال المغيرة سل هؤلاء الأعبد كيف رأوني مستقبلهم
أو مستدبرهم وكيف رأوا المرأة أو عرفوها فان كانوا مستقبلي فكيف ثم استتر
أو مستدبري فبأي شئ استحلوا النظر إلي في منزلي على امرأتي والله ما أتيت إلا
امرأتي وكانت شبهها فبدأ بأبي بكرة فشهد عليه انه رآه بين رجلي أم جميل وهو
يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة قال كيف رأيتهما قال مستدبرهما قال فكيف
استثبت رأسها قال تحاملت ثم دعا بشبل بن معبد فشهد بمثل ذلك فقال استدبرتهما
أو استقبلتهما قال استقبلتهما وشهد نافع بمثل شهادة أبى بكرة ولم يشهد زياد بمثل
شهادتهم قال رأيته جالسا بين رجلي امرأة فرأيت قدمين مخضوبتين تخفقان واستين
مكشوفتين وسمعت حفزانا شديدا قال هل رأيت كالميل في المكحلة قال لا قال
فهل تعرف المرأة قال لا ولكن أشبهها قال فتنح وأمر بالثلاثة فجلدوا الحد وقرأ
" فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون فقال المغيرة اشفني من الأعبد
فقال اسكت أسكت الله نأمتك أما والله لو تمت الشهادة لرجمتك بأحجارك (وفي
هذه السنة) أعني سنة سبع عشرة فتحت سوق الأهواز ومناذر ونهرتيري في
قول بعضهم وفي قول آخرين كان ذلك في سنة ست عشرة من الهجرة
ذكر الخبر عن سبب فتح ذلك وعلى يدي من جرى
(كتب إلي السري) يذكر أن شعيبا حدثه عن سيف بن عمر عن محمد وطلحة
170

والمهلب وعمرو قالوا كان الهرمزان أحد البيوتات السبعة في أهل فارس وكانت
أمته مهرجان قذق وكور الأهواز فهؤلاء بيوتات دون سائر أهل فارس فلما انهزم
يوم القادسية كان وجهه إلى أمته فملكهم وقاتل بهم من أرادهم فكان الهرمزان
يغير على أهل ميسان ودست ميسان من وجهين من مناذر ونهرتيري فاستمد
عتبة بن غزوان سعدا فأمده سعد بنعيم بن مقرن ونعيم بن مسعود وأمرهما أن
يأتيا أعلى ميسان ودستميسان حتى يكونا بينهم وبين نهرتيري ووجه عتبة بن
غزوان سلمى بن القين وحرملة بن مريطة وكانا من المهاجرين مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم وهما من بني العدوية من بني حنظلة فنزلا على حدود أرض
ميسان ودستميسان بينهم وبين مناذر ودعوا بني العم فخرج إليهم غالب الوائلي
وكليب بن وائل الكليبي فتركا نعيما ونعيما ونكبا عنهما وأتيا سلمى وحرملة وقالا
أنتما من العشيرة وليس لكما مترك فإذا كان يوم كذا وكذا فانهدا للهرمزان فان
أحدنا يثور بمناذر والآخر بنهرتيري فنقتل المقاتلة ثم يكون وجهنا إليكم
فليس دون الهرمزان شئ إن شاء الله ورجعا وقد استجابا واستجاب قومهما
بنو العم بن مالك قال وكان من حديث العمى والعمى مرة بن مالك بن حنظلة بن
مالك بن زيد مناة بن تميم أنه تنخت عليه وعلى العصية بن امرئ القيس افناء معد
فعماه عن الرشد من لم ير نصره فارس على الاردوان فقال في ذلك كعب بن مالك
أخوه ويقال صدى بن مالك
لقد عم عنها مرة الخير فانصمى * وصم فلم يسمع دعاء العشائر
ليتنخ عنا رغبة عن بلاده * ويطلب ملكا عاليا في الأساور
فبهذا البيت سمى العم فقيل بنو العم عموه عن الصواب بنصره أهل فارس
كقول الله تبارك وتعالى " عموا وصموا " وقال يربوع بن مالك
لقد علمت عليا معد بأننا * غداة التباهي غر ذاك التبادر
تنخنا على رغم العداة ولم ينح * بحي تميم والعديد الجماهر
نفينا عن الفرس النبيط فلم يزل * لنا فيهم إحدى الهنات البهاتر
171

إذا العرب العلياء جاشت بحورها * فخرنا على كل البحور الزواخر
وقال أيوب بن العصية بن امرئ القيس
لنحن سبقنا بالتنوخ القبائلا * وعمدا تنخنا حيث جاؤوا قنابلا
وكنا ملوكا قد عززنا الأوائلا * وفي كل قرن قد ملكنا الحلائلا
فلما كانت تلك الليلة ليلة الموعد من سلمى وحرملة وغالب وكليب والهرمزان
يومئذ بين نهر تيري وبين دلث خرج سلمى وحرملة صبيحتها في تعبية وأنهضا
نعيما ونعيما فالتقوا هم والهرمزان بين دلث ونهر تيري وسلمى بن القين على أهل البصرة
ونعيم بن مقرن على أهل الكوفة فاقتتلوا فبينا هم في ذلك أقبل المدد من قبل غالب
وكليب وأتى الهرمزان الخبر بأن مناذر ونهر تيري قد أخذتا فكسر الله في ذرعه وذرع
جنده وهزمه وإياهم فقتلوا منهم ما شاءوا وأصابوا منهم ما شاؤوا واتبعوهم حتى وقفوا
على شاطئ دجيل وأخذوا ما دونه وعسكروا بحيال سوق الأهواز وقد عبر الهرمزان
جسر سوق الأهواز وأقام بها وصار دجيل بين الهرمزان وسلمى وحرملة ونعيم ونعيم
وغالب وكليب (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن عبد الله بن المغيرة
العبدي عن رجل من عبد القيس يدعى صحارا قال قدمت على هرم بن حيان فيما
بين الدلوث ودجيل بجلال من تمر وكان لا يصبر عنه وكان جل زاده إذا تزود
التمر فإذا فنى انتخب له مزاود من جلال وهم ينفرون فيحملها فيأكلها ويطعمها
حيث ما كان من سهل أو جبل قالوا ولما دهم القوم الهرمزان ونزلوا بحياله من
الأهواز رأى ما لا طاقة له به فطلب الصلح فكتبوا إلى عتبة بذلك يستأمرونه فيه
وكاتبه الهرمزان فأجاب عتبة إلى ذلك على الأهواز كلها ومهرجان قذق ما خلا
نهر تيري ومناذر وما غلبوا عليه من سوق الأهواز فإنه لا يرد عليهم ما تنقذنا وجعل
سلمى بن القين على مناذر مسلحة وأمرها إلى غالب وحرملة على نهر تيري وأمرها
إلى كليب فكانا على مسالح البصرة وقد هاجرت طوائف بني العم فنزلوا منازلهم
من البصرة وجعلوا يتتابعون على ذلك وقد كتب بذلك عتبة إلى عمر ووفد وفدا
(منهم) سلمى وأمره أن يستخلف على عمله وحرملة وكانا من الصحابة وغالب وكليب
172

ووفد وفود من البصرة يومئذ فأمرهم أن يرفعوا حوائجهم فكلهم قال أما العامة
فأنت صاحبها ولم يبق إلا خواص أنفسنا فطلبوا لأنفسهم إلا ما كان من الأحنف
ابن قيس فإنه قال يا أمير المؤمنين إنك لكما ذكروا ولقد يعزب عنك ما يحق علينا
إنهاؤه إليك مما فيه صلاح العامة وإنما ينظر الوالي فيما غاب عنه بأعين أهل الخبر
ويسمع بآذانهم وإنا لم نزل ننزل منزلا بعد منزل حتى أرزنا إلى البر وإن اخواننا
من أهل الكوفة نزلوا في مثل حدقة البعير الغاسقة من العيون والعذاب والجنان
الخصاب فتأتيهم ثمارهم ولم تخضد وإنا معشر أهل البصرة نزلنا سبخة هشاشة زعقة
نشاشة طرف لها في الفلاة وطرف لها في البحر الأجاج يجرى إليها ما جرى في مثل
مرئ النعامة دارنا فعمة ووظيفتنا ضيقة وعددنا كثير وأشرافنا قليل وأهل البلاء
فينا كثير ودرهمنا كبير وقفيزنا صغير وقد وسع الله علينا وزادنا في أرضنا فوسع
علينا يا أمير المؤمنين وزدنا وظيفة توظف علينا ونعيش بها فنظر إلى منازلهم التي
كانوا بها إلى أن صاروا إلى الحجر فنفلهموه وأقطعهموه وكان مما كان لآل كسرى
فصار فيئا فيما بين دجلة والحجر فاقتسموه وكان سائر ما كان لآل كسرى في أرض
البصرة على حال ما كان في أرض الكوفة ينزلونه من أحبوا ويقتسمونه بينهم
لا يستأثرون به على بدء ولا ثنى بعدما يرفعون خمسه إلى الوالي فكانت قطائع أهل
البصرة نصفين نصفها مقسوم ونصفها متروك للعسكر وللاجتماع وكان أصحاب
الألفين ممن شهد القادسية ثم أتى البصرة مع عتبة خمسة آلاف وكانوا بالكوفة
ثلاثين ألفا فألحق عمر أعدادهم من أهل البصرة من أهل البلاء في الألفين حتى
ساواهم بهم ألحق جميع من شهد الأهواز ثم قال هذا الغلام سيد أهل البصرة وكتب
إلى عتبة فيه بأن يسمع منه ويشرب برأيه ورد سلمى وحرملة وغالبا وكليبا إلى مناذر
ونهر تيري فكانوا عدة فيه لكون إن كان ليميزوا خراجها (كتب إلي السري)
عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو قالوا بينا الناس من أهل
البصرة وذمتهم على ذلك وقع بين الهرمزان وبين غالب وكليب في حدود الأرضين
اختلاف وادعاء فحضر ذلك سلمى وحرملة لينظروا فيما بينهم فوجدا غالبا وكليبا
173

محقين والهرمزان مبطلا فحالا بينه وبينهما فكفر الهرمزان أيضا ومنع ما قبله واستعان
بالأكراد فكثف جنده وكتب سلمى وحرملة وغالب وكليب بغى الهرمزان وظلمه
وكفره إلى عتبة بن غزوان فكتب بذلك إلى عمر فكتب إليه عمر يأمره بأمره
وأمدهم عمر بحرقوص بن زهير السعدي وكانت له صحبة من رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأمره على القتال وعلى ما غلب عليه فنهد الهرمزان بمن معه وسلمى وحرملة وغالب
وكليب حتى إذا انتهوا إلى جسر سوق الأهواز أرسلوا إلى الهرمزان إما أن تعبروا إلينا
وإما أن نعبر إليكم فقال اعبروا إلينا فعبروا من فوق الجسر فاقتتلوا فوق الجشر مما يلي
سوق الأهواز حتى هزم الهرمزان ووجه نحو رامهرمز فأخذ على قنطرة أربك
بقرية الشغر حتى حل برامهرمز وافتتح حرقوص سوق الأهواز فأقام بها ونزل
الجبل واتسقت له بلاد سوق الأهواز إلى تستر ووضع الجزية وكتب بالفتح
والأخماس إلى عمر ووفد وفدا بذلك فحمد الله ودعا له بالثبات والزيادة وقال
الأسود بن سريع في ذلك وكانت له صحبة
لعمرك ما أضاع بنو أبينا * ولكن حافظوا فيمن يطيع
أطاعوا ربهم وعصاه قوم * أضاعوا أمره فيمن يضيع
مجوس لا ينهنهها كتاب * فلاقوا كبة فيها قبوع
وولى الهرمزان على جواد * سريع الشد يثفنه الجميع
وخلى سرة الأهواز كرها * غداة الجسر إذ نجم الربيع
وقال حرقوص:
غلبنا الهرمزان على بلاد * لها في كل ناحية ذخائر
سواء برهم والبحر فيها * إذا صارت نواجبها بواكر
لها بحر يعج بجانبيه * جعافر لا يزال لها زواخر
وفيها فتحت تستر في قول سيف وروايته أعني سنة سبع عشرة وقال بعضهم فتحت
سنة ست عشرة وبعضهم يقول في سنة تسع عشرة
174

ذكر الخبر عن فتحها
(كتب إلي السري) * عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو
قالوا لما انهزم الهرمزان يوم سوق الأهواز وافتتح حرقوص بن زهير سوق
الأهواز أقام بها وبعث جزء بن معاوية في أثره بأمر عمر إلى سرق وقد كان عهد
إليه فيه إن فتح الله عليهم أن يتبعه جزءا ويكون وجهه إلى سرق فخرج جزء في أثر
الهرمزان والهرمزان متوجه إلى رامهرمز هاربا فما زال يقتلهم حتى انتهى إلى
قرية الشغر وأعجزه بها الهرمزان فمال جزء إلى دورق من قرية الشغر وهي شاغرة
برجلها ودورق مديعنة سرق فيها قوم لا يطيقون منعها فأخذها صافية وكتب
إلى عمر بذلك وإلى عتبة وبدعائه من هرب إلى الجزاء والمنعة وإجابتهم إلى
ذلك فكتب عمر إلى جزء بن معاوية وإلى حرقوص بن زهير بلزوم ما غلبا عليه
وبالمقام حتى يأتيهما أمره وكتب إليه مع عتبة بذلك ففعلا واستأذن جزء في عمران
بلاده عمر فأذن له فشق الأنهار وعمر الموات ولما نزل الهرمزان رامهرمز وضاقت
عليه الأهواز والمسلمون حلال فيها فيما يديه طلب الصلح وراسل حرقوصا وجزءا
في ذلك فكتب فيه حرقوص إلى عمر فكتب إليه عمر وإلى عتبة يأمره أن يقبل
منه على ما لم يفتحوا منها على رامهرمز وتستر والسوس وجندي سابور والبنيان
ومهرجا نقذق فأجابهم إلى ذلك فأقام أمراء الأهواز على ما أسند إليهم وأقام
الهرمزان على صلحه يجبى إليهم ويمنعونه وإن غاوره أكراد فارس أعانوه وذبوا
عنه وكتب عمر إلى عتبة أن أوفد على وفدا من صلحاء جند البصرة عشرة فوفد
إلى عمر عشرة فيهم الأحنف فلما قدم على عمر قال إنك عندي مصد وقدق رأيتك
رجلا فأخبرني أن ظلمت الذمة المظلمة نفروا أم لغير ذلك فقال لا بل لغير مظلمة
والناس على ما تحب قال فنعم إذا انصرفوا إلى رحالكم فانصرف الوفد إلى رحالهم
فنظر في ثيابهم فوجد ثوبا قد خرج طرفه من عيبة فشمه ثم قال لمن هذا الثوب
منكم قال الأحنف لي قال فبكم أخذته فذكر ثمنا يسيرا ثمانية أو نحوها ونقص مما
175

كان أخذه به وكان قد أخذه باثني عشر قال فهلا بدون هذا ووضعت فضلته موضعا
تغنى به مسلما حصوا وضعوا الفضول مواضعها تريحوا أنفسكم وأموالكم ولا
تسرفوا فتخسروا أنفسكم وأموالكم إن نظر امرؤ لنفسه وقدم لها يخلف له وكتب
عمر إلى عتبة أن أعزب الناس عن الظلم واتقوا واحذروا أن يدال عليكم لغدر
يكون منكم أو بغى فإنكم إنما أدركتم بالله ما أدركم على عهد عاهدكم عليه وقد تقدم
إليكم فيما أخذ عليكم فأوفوا بعهد الله وقوموا على أمره يكن لكم عونا وناصرا
وبلغ عمران حرقوصا نزل جبل الأهواز والناس يختلفون إليه والجبل كؤود يشق
على من رامه فكتب إليه بلغني أنك نزلت منزلا كؤدا لا تؤتى فيه الا على مشقة
فأسهل ولا تشق على مسلم ولا معاهد وقم في أمرك على رجل تدرك الآخرة
وتصف لك الدنيا ولا تدركنك فترة ولا عجلة فتكدر دنياك وتذهب آخرتك ثم
إن حرقوصا تحرر يوم صفين وبقى على ذلك وشهد النهروان مع الحرورية (وفي
هذه السنة) أعني سنة سبعة عشر غزا المسلمون أرض فارس من قبل البحرين فيما
زعم سيف ورواه
ذكر الخبر بذلك
(كتب إلي السري) يقول حدثنا شعيب قال حدثنا سيف عن محمد والمهلب وعمرو
قالوا كان المسلمون بالبصرة وأرضها وأرضها يومئذ سوادها والأهواز على ما هم
عليه إلى ذلك اليوم ما غلبوا عليه منها ففي أيديهم وما صولحوا عليه منها ففي أيدي
أهله يؤدون الخراج ولا يدخل عليهم ولهم الذمة والمنعة وعميد الصلح الهرمزان
وقد قال عمر حسبنا لأهل البصرة سوادهم والأهواز وددت أن بيننا وبين فارس
جبلا من نار لا يصلون إلينا منه ولا نصل إليهم كما قال لأهل الكوفة وددت أن
بينهم وبين الجبل جبلا من نار لا يصلون إلينا منه ولا نصل إليهم وكان العلاء
ابن الحضرمي على البحرين أزمان أبي بكر فعزله عمر وجعل قدامة بن المطعون مكانه
ثم عزل قدامة ورد العلاء وكان العلاء يبارى سعدا لصدع صدعه القضاء بينهما
176

فطار العلاء على سعد في الردة بالفضل فلما ظفر سعد بالقادسية وأزاح الأكاسرة
عن الدار وأخذ حدود ما يلي السواد واستعلى وجاء بأعظم مما كان العلاء جاء به
سر العلاء أن يصنع شيئا في الأعاجم فرجا أن يدال كما قد كان أديل ولم يقدر العلاء
ولم ينظر فيما بين فضل الطاعة والمعصية بجد وكان أبو بكر قد استعمله وأذن له
في قتال أهل الردة واستعمله عمر ونهاه عن البحر فلم يقدر في الطاعة والمعصية
وعواقبهما فندب أهل البحرين إلى فارس فتسرعوا إلى ذلك وفرقهم أجنادا على
أحدهما الجارود بن المعلى وعلى الآخر السوار بن همام وعلى الآخر خليد بن المنذر
ابن ساوى وخليد على جماعة الناس فحملهم في البحر إلى فارس بغير إذن عمر
وكان عمر لا يأذن لاحد في ركوبه غازيا يكره التغرير بجنده استنانا بالنبي صلى
الله عليه وسلم وبأبي بكر لم يغز فيه النبي صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر فعبرت
تلك الجنود من البحرين إلى فارس فخرجوا في إصطخر وبإزائهم أهل فارس
وعلى أهل فارس الهربذا اجتمعوا عليه فحالوا بين المسلمين وبين سفنهم فقام خليد
في الناس فقال أما بعد فإن الله إذا قصي أمرا جرت به المقادير حتى تصيبه وإن
هؤلاء القوم لم يزيدوا بما صنعوا على أن دعوكم إلى حربهم وإنما جئتم لمحاربتهم
والسفن والأرض لمن غلب فاستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على
الخاشعين فأجابوه إلى ذلك فصلوا الظهر ثم ناهدوهم فاقتتلوا قتالا شديدا في موضع
من الأرض يدعى طاوس وجعل السوار يرتجز يومئذ ويذكر قومه ويقول:
يا آل عبد القيس للقراع * قد حفل الامداد بالجراع
وكلهم في سنن المصاع * يحسن ضرب القوم بالقطاع
حتى قتل وجعل الجارود يرتجز ويقول:
لو كان شيئا أمما أكلته * أو كان ماء سادما جهرته
لكن بحرا جاءنا أنكرته
حتى قتل ويومئذ ولى عبد الله بن السوار والمنذرين الجارود حياتهما إلى أن
ماتا وجعل خليد يومئذ يرتجز ويقول:
177

يأل تميم أجمعوا النزول * وكاد جيش عمر يزول
وكلكم يعلم ما أقول
إنزلوا فنزلوا فاقتتل القوم فقتل أهل فارس مقتلة لم يقتلوا مثلها قبلها ثم
خرجوا يريدون البصرة وقد غرقت سفنهم ثم لم يجدوا إلى الرجوع في البحر سبيلا
ثم وجدوا شهرك قد أخذ على المسلمين بالطرق فعسكروا وامتنعوا في نشوبهم
ولما بلغ عمر الذي صنع العلاء من بعثه ذلك الجيش في البحر ألقى في روعه نحو من
الذي كان فاشتد غضبه على العلاء وكتب إليه يعزله وتوعده وأمره بأثقل
الأشياء عليه وأبغض الوجوه إليه بتأمير سعد عليه وقال الحق بسعد بن أبي وقاص
فيمن قبلك فخرج بمن معه نحو سعد وكتب عمر إلى عتبة بن غزوان أن العلاء بن
الحضرمي حمل جندا من المسلمين فأقطعهم أهل فارس وعصاني وأظنه لم يرد الله
بذلك فخشيت عليهم إن لا ينصروا أن يغلبوا وينشبوا فاندب إليهم الناس واضممهم
إليك من قبل أن يجتاحوا فندب عتبة الناس وأخبرهم بكتاب عمر فانتدب عاصم
ابن عمرو وعرفجة بن هرثمة وحذيفة بن محصن ومجزأة بن ثور ونهار بن الحارث
والترجمان بن فلان والحصين بن أبي الحر والأحنف بن قيس وسعد بن أبي العرجاء
وعبد الرحمن بن سهل وصعصعة بن معاوية فخرجوا في اثنى عشر ألفا على البغال
يجنبون الخيل وعليهم أبو سبرة بن أبي رهم أحد بني مالك بن حسل بن عامر بن
لؤي والمسالح على حالها بالأهواز والذمة وهم ردء للغازي والمقيم فسار أبو سبرة
بالناس وساحل لا يلقاه أحد ولا يعرض له حتى التقى أبو سبرة وخليد بحيث أخذ
عليهم بالطرق غب وقعة القوم بطاوس وإنما كان ولى قتالهم أهل إصطخر
وحدهم والشذاذ من غيرهم وقد كان أهل إصطخر حيث أخذوا على المسلمين بالطرق
وأنشبوهم استصرخوا عليهم أهل فارس كلهم فضربوا إليهم من كل وجه وكورة
فالتقوا هم وأبو سبرة بعد طاوس وقد توافت إلى المسلمين أمدادهم وإلى المشركين
أمدادهم وعلى المشركين شهرك فاقتتلوا ففتح الله على المسلمين وقتل المشركين
وأصاب المسلمون منهم ما شاءوا وهي الغزاة التي شرفت فيها نابتة البصرة وكانوا
178

أفضل نوابت الأمصار فكانوا أفضل المصرين نابتة ثم انكفؤوا بما أصابوا وقد
عهد إليهم عتبة وكتب إليهم بالحث وقلة العرجة فانضموا إليه بالبصرة فخرج
أهلها إلى منازلهم منها وتفرق الذين تنقذوا من أهل هجر إلى قبائلهم والذين تنقذوا
من عبد القيس في موضع سوق البحرين ولما أحرز عتبة الأهواز وأوطأ فارس
استأذن عمر في الحج فأذن له فلما قضى حجه استعفاه فأبى أن يعفيه وعزم عليه
ليرجعن إلى عمله فدعا الله ثم انصرف فمات في بطن نخلة فدفن وبلغ عمر فمر به زائرا
لقبره وقال أنا قتلتك لولا أنه أجل معلوم وكتاب مرقوم وأثنى عليه بفضله ولم
يختط فيمن اختط من المهاجرين وإنما ورث ولده منزلهم من فاختة ابنة غزوان
وكانت تحت عثمان بن عفان وكان خباب مولاه قد لزم سمته فلم يختط ومات عتبة
ابن غزوان على رأس ثلاث سنين ونصف من مفارقة سعد بالمدائن وقد استخلف
على الناس أبا سبرة بن أبي رهم وعماله على حالهم ومسالحه على نهر تيري ومناذر
وسوق الأهواز وسرق والهرمزان برامهرمز مصالح عليها وعلى السوس والبنيان
وجندي سابور ومهرجانذق وذلك بعد تنقذ الذين كان حمل العلاء في البحر إلى
فارس ونزولهم البصرة وكان يقال لهم أهل طاوس نسبوا إلى الوقعة وأقر عمر
أبا سبرة بن أبي رهم على البصرة بقية السنة ثم استعمل المغيرة بن شعبة في السنة
الثانية بعد وفاة عتبة فعمل عليها بقية تلك السنة والسنة التي تليها لم ينتقض عليه
أحد في عمله وكان مرزوقا السلامة ولم يحدث شيئا إلا ما كان بينه وبين أبي بكرة
ثم استعمل عمر أبا موسى على البصرة ثم صرف إلى الكوفة ثم استعمل عمر بن
سراقة ثم صرف عمر بن سراقة إلى الكوفة من البصرة وصرف أبو موسى إلى
البصرة من الكوفة فعمل عليها ثانية (وفي هذه السنة) أعني سنة سبع عشرة كان
فتح رامهرمز والسوس وتستر وفيها أسر الهرمزان في رواية سيف
ذكر الخبر عن فتح ذلك من روايته
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو
قالوا ولم يزل يزدجرد يثير أهل فارس أسفا على ما خرج منهم فكتب يزدجرد
179

إلى أهل فارس وهو يومئذ بمرو يذكرهم الأحقاد ويؤنبهم أن قد رضيتم يا أهل
فارس أن قد غلبتكم العرب على السواد وما والاه والأهواز ثم لم يرضوا بذلك
حتى توردوكم في بلادكم وعقر داركم فتحركوا وتكاتبوا أهل فارس وأهل الأهواز
وتعاقدوا وتعاهدوا وتواثقوا على النصرة وجاءت الاخبار حرقوص بن زهير
وجاءت جزءا وسلمى وحرملة عن خبر غالب وكليب فكتب سلمى وحرملة إلى
عمر وإلى المسلمين بالبصرة فسبق كتاب سلمى وحرملة فكتب عمر إلى سعد أن
ابعث إلى الأهواز بعثا كثيفا مع النعمان بن مقرن وعجل وابعث سويد بن مقرن
وعبد الله بن ذي السهمين وجرير بن عبد الله الحميري وجرير بن عبد الله البجلي
فلينزلوا بإزاء الهرمزان حتى يتبينوا أمره وكتب إلى أبي موسى أن ابعث إلى الأهواز
جندا كثيفا وأمر عليهم سهل بن عدي أخا سهيل بن عدي وابعث معه البراء بن
مالك وعاصم بن عمرو ومجزأة بن ثور وكعب بن سور وعرفجة بن هرثمة وحذيفة
ابن محصن وعبد الرحمن بن سهل والحصين بن معبد وعلى أهل الكوفة وأهل
البصرة جميعا أبو سبرة بن أبي رهم وكل من أتاه ممد له وخرج النعمان بن مقرن في أهل
الكوفة فأخذ وسط السواد حتى قطع دجلة بحيال ميسان ثم أخذ البر إلى الأهواز
على البغال يجنبون الخيل وانتهى إلى نهر تيرى فجازها ثم جاز مناذر ثم جاز سوق
الأهواز وخلف حرقوصا وسلمى وحرملة ثم سار نحو الهرمزان والهرمزان
يومئذ برامهرمز ولما سمع الهرمزان بمسير النعمان إليه بادره الشدة ورجا أن
يقتطعه وقد طمع الهرمزان في نصر أهل فارس وقد أقبلوا نحوه ونزلت أوائل
إمدادهم بتستر فالتقى النعمان والهرمزان بأربك فاقتتلوا قتالا شديدا ثم إن الله
عز وجل هزم الهرمزان للنعمان وأخلى رامهرمز وتركها ولحق بتستر وسار
النعمان من أربك حتى ينزل برامهرمز ثم صعد لايذج فصالحه عليها تيرويه فقبل
منه وتركه ورجع إلى رامهرمز فأقام بها * قالوا ولما كتب عمر إلى سعد وأبى موسى
وسار النعمان وسهل سبق النعمان في أهل الكوفة سهلا وأهل البصرة ونكب
الهرمزان وجاء سهل في أهل البصرة حتى نزلوا بسوق الأهواز وهم يريدون
180

رامهرمز فأتتهم الوقعة وهم بسوق الأهواز وأتاهم الخبر أن الهرمزان قد لحق
بتستر فمالوا من سوق الأهواز نحوه فكان وجههم منها إلى تستر ومال النعمان
من رامهرمز إليها وخرج سلمى وحرملة وحرقوص وجزء فنزلوا جميعا على تستر
والنعمان على أهل الكوفة وأهل البصرة متساندون وبها الهرمزان وجنوده
من أهل فارس وأهل الجبال والأهواز في الخنادق وكتبوا بذلك إلى عمر واستمده
أبو سبرة فأمدهم بأبي موسى فسار نحوهم وعلى أهل الكوفة النعمان وعلى أهل
البصرة أبو موسى وعلى الفريقين جميعا أبو سبرة فحاصروهم أشهرا وأكثروا
فيهم القتل وقتل البراء بن مالك فيما بين أول ذلك الحصار إلى أن فتح الله على
المسلمين مائة مبارز سوى من قتل في غير ذلك وقتل مجزأة بن ثور مثل ذلك وقتل
كعب بن ثور مثل ذلك وقتل أبو تميمة مثل ذلك في عدة من أهل البصرة وفي
الكوفيين مثل ذلك منهم حبيب بن قرة وربعي بن عامر وعامر بن عبد الأسود
وكان من الرؤساء في ذلك ما ازدادوا به إلى ما كان منهم وزاحفهم المشركون
في أيام تستر ثمانين زحفا في حصارهم يكون عليهم مرة ولهم أخرى حتى إذا
كان في آخر زحف منها واشتد القتال قال المسلمون يا براء أقسم على ربك ليهزمنهم
لنا فقال اللهم اهزمهم لنا واستشهدني قال فهزموهم حتى أدخلوهم خنادقهم ثم
اقتحموها عليهم وأرزوا إلى مدينتهم وأحاطوا بها فبينا هم على ذلك وقد ضاقت
بهم المدينة وطالت حربهم خرج إلى النعمان رجل فاستأمنه على أن يدله على مدخل
يؤتون منه ورمى في ناحية أبي موسى بسهم قد وثقت بكم وأمنتكم واستأمنتكم
على أن دللتكم على ما تأتون منه المدينة ويكون منه فتحها فآمنوه في نشابة فرمى
إليهم بآخر وقال انهدوا من قبل مخرج الماء فإنكم ستفتحونها فاستشار في ذلك وندب
إليه فانتدب له عامر بن عبد قيس وكعب بن سور ومجزأة بن ثور وحسكة الحبطي
وبشر كثير فنهدوا لذلك المكان ليلا وقد ندب النعمان أصحابه حين جاءه الرجل
فانتدب له سويد بن المثعبة وورقاء بن الحارث وبشر بن ربيعة الخثعمي ونافع بن
زيد الحميري وعبد الله بن بشر الهلالي فنهدوا في بشر كثير فالتقوا هم وأهل البصرة
181

على ذلك المخرج وقد انسرب سويد وعبد الله بن بشر فاتبعهم هؤلاء وهؤلاء
حتى إذا اجتععوا فيها والناس على رجل من خارج كبروا فيها وكبر المسلمون
من خارج وفتحت الأبواب فاجتلدوا فيها فأنا مواكل مقاتل وأرز الهرمزان إلى
القلعة وأطاف به الذين دخلوا من مخرج الماء فلما عاينوه وأقبلوا قبله قال لهم ما شئتم
قد ترون ضيق ما أنا فيه وأنتم ومعي في جعبتي مائة نشابة ووالله ما تصلون إلي
ما دام معي منها نشابة وما يقع لي سهم وما خير إسارى إذا أصبت منكم مائة
بين قتيل أو جريح قالوا فتريد ماذا قال أن أضع يدي في أيديكم على حكم عمر يصنع
بي ما شاء قالوا فلك ذلك فرمى بقوسه وأمكنهم من نفسه فشدوه وثاقا واقتسموا
ما أفاء الله عليهم فكان سهم الفارس ثلاثة آلاف والراجل ألفا ودعا صاحب الرمية
بها فجاء هو والرجل الذي خرج بنفسه فقالا من لنا بالأمان الذي طلبنا علينا وعلى
من مال معنا قالوا ومن مال معكم من أغلق بابه عليه مدخلكم فأجازوا ذلك لهم
وقتل من المسلمين ليلتئذ أناس كثير وممن قتل الهرمزان بنفسه مجزأة بن ثور والبراء
ابن مالك قالوا وخرج أبو سبرة في أثر الفل من تستر وقد قصدوا للسوس إلى
السوس وخرج معه بالنعمان وأبى موسى ومعهم الهرمزان حتى اشتملوا على السوس
وأحاط المسلمون بها وكتبوا بذلك إلى عمر فكتب عمر إلى عمر بن سراقة بأن يسير
نحو المدينة وكتب إلى أبي موسى فرده على البصرة وقد رد أبا موسى على البصرة
ثلاث مرات بهذه ورد عمر عليها مرتين وكتب إلى زر بن عبد الله بن كليب
الفقيمي أن يسير إلى جندي سابور فسار حتى نزل عليها وانصرف أبو موسى إلى
البصرة بعد ما أقام إلى رجوع كتاب عمر وأمر عمر على جند البصرة المقترب
الأسود بن ربيعة أحد بنى ربيعة بن مالك وكان الأسود وزر من أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم من المهاجرين وكان الأسود قد وفد على رسول الله صلى الله
عليه وسلم وقال جئت لاقترب إلى الله عز وجل بصحبتك فسماه المقترب وكان
زر قد وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال فنى بطني وكثر إخوتنا فادع
الله لنا فقال اللهم أوف لزر عميرته فتحول إليهم العدد وأوفد أبو سبرة وفدا
182

فيهم أنس بن مالك والأحنف بن قيس وأرسل الهرمزان معهم فقدموا مع أبي موسى
البصرة ثم خرجوا نحو المدينة حتى إذا دخلوا هيأوا الهرمزان في هيئته فألبسوه
كسوته من الديباج الذي فيه الذهب ووضعوا على رأسه تاجا يدعى الآذين مكللا
بالياقوت وعليه حليته كيما يراه عمر والمسلمون في هيئته ثم خرجوا به على الناس
يريدون عمر في منزله فلم يجدوه فسألوا عنه فقيل جلس في المسجد لوفد قدموا
عليه من الكوفة فانطلقوا يطلبونه في المسجد فلم يروه فلما انصرفوا مروا بغلمان
من أهل المدينة يلعبون فقالوا لهم ما تلددكم تريدون أمير المؤمنين فإنه نائم في ميمنة
المسجد متوسدا برنسه وكان عمر قد جلس لوفد أهل الكوفة في برنس فلما فرغ
من كلامهم وارتفعوا عنه وأخلوه نزع برنسه ثم توسده فنام فانطلقوا ومعهم
النظارة حتى إذا رأوه جلسوا دونه وليس في المسجد نائم ولا يقظان غيره والدرة
في يده معلقة فقال الهرمزان أين عمر فقالوا هوذا وجعل الوفد يشيرون إلى
الناس أن اسكتوا عنه وأصغى الهرمزان إلى الوفد فقال أين حرسه وحجابه عنه
قالوا ليس له حارس ولا حاجب ولا كاتب ولا ديوان قال فينبغي له أن يكون
نبيا فقالوا بل يعمل عمل الأنبياء وكثر الناس فاسيتقظ عمر بالجلبة فاستوى جالسا
ثم نظر إلى الهرمزان فقال الهرمزان قالوا نعم فتأمله وتأمل ما عليه وقال أعوذ
بالله من النار وأستعين الله وقال الحمد لله الذي أذل بالاسلام هذا وأشياعه
يا معشر المسلمين تمسكوا بهذا الدين واهتدوا بهدى نبيكم ولا تبطرنكم الدنيا فإنها
غرارة فقال الوفد هذا ملك الأهواز فكلمه فقال لا حتى لا يبقى عليه من حليته
شئ فرمى عنه بكل شئ عليه إلا شيئا يستره وألبسوه ثوبا صفيقا فقال عمر هيه
يا هرمزان كيف رأيت وبال الغدر وعاقبة أمر الله فقال يا عمر إنا وإياكم في الجاهلية
كان الله قد خلى بيننا وبينكم فغلبناكم إذ لم يكن معنا ولا معكم فلما كان معكم غلبتمونا
فقال عمر إنما غلبتمونا في الجاهلية باجتماعكم وتفرقنا ثم قال عمر ما عذرك
وما حجتك في انتقاضك مرة بعد مرة فقال أخاف أن تقتلني قبل أن أخبرك قال
لا تخف ذلك واستسقى ماء فأتى به في قدح غليظ فقال لو مت عطشا لم أستطع أن
183

أشرب في مثل هذا فأتى به في إناء يرضاه فجعلت يده ترجف وقال إني أخاف أن
أقتل وأنا أشرب الماء فقال عمر لا بأس عليك حتى تشربه فأكفأه فقال عمر
أعيدوا عليه ولا تجمعوا عليه القتل والعطش فقال لا حاجة لي في الماء إنما
أردت أن أستأمن به فقال له عمر إني قاتلك قال قد آمنتني فقال كذبت فقال
أنس صدق يا أمير المؤمنين قد آمنته قال ويحك يا أنس أنا أو من من قاتل مجزأة والبراء
والله لتأتين بمخرج أو لأعاقبنك قال قلت له لا بأس عليك حتى تخبرني وقلت
لا بأس عليك حتى تشربه وقال له من حوله مثل ذلك فأقبل على الهرمزان وقال
خدعتني والله لا أنخدع إلا لمسلم فأسلم ففرض له على ألفين وأنزله المدينة (كتب
إلي السري) عن شعيب عن سيف عن أبي سفيان طلحة بن عبد الرحمن عن ابن
عيسى قال كان الترجمان يوم الهرمزان المغيرة بن شعبة إلى أن جاء المترجم
وكان المغيرة يفقه شيئا من الفارسية فقال عمر للمغيرة قل له من أي أرض أنت
فقال المغيرة از كذام أرضيه فقال مهرجاني فقال تكلم بحجتك قال كلام حي
أو ميت قال بل كلام حي قال قد آمنتني قال خدعتني إن للمخدوع في الحرب حكمه
لا والله لا أو منك حتى تسلم فأيقن أنه القتل أو الاسلام فأسلم ففرض له على
ألفين وأنزله المدينة وقال للمغيرة ما أراك بها حاذقا ما أحسنها منكم أحد إلا خب
وما خب إلا دق إياكم وإياها فإنها تنقض الاعراب وأقبل زيد فكلمه وأخبر
عمر بقوله والهرمزان بقول عمر (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف
عن محمد وطلحة وعمر وعن الشعبي وسفيان عن الحسن قال قال عمر للوفد لعل
المسلمين يفضون إلى أهل الذمة بأذى وبأمور لها ما ينتقضون بكم فقالوا
ما نعلم إلا وفاء وحسن ملكة قال فكيف هذا فلم يجد عند أحد منهم شيئا يشفيه
ويبصر به مما يقولون إلا ما كان من الأحنف فقال يا أمير المؤمنين أخبرك أنك
نهيتنا عن الانسياح في البلاد وأمرتنا بالاقتصار على ما في أيدينا وإن ملك فارس
حي بين أظهرهم وإنهم لا يزالون يساجلوننا ما دام ملكهم فيهم ولم يجتمع ملكان
فاتفقا حتى يخرج أحدهما صاحبه وقد رأيت أنا لم نأخذ شيئا بعد شئ إلا بانبعاثهم
184

وأن ملكهم هو الذي يبعثهم ولا يزال هذا دأبهم حتى يأذن لنا فالمسيح في بلادهم
حتى نزيله عن فارس ونخرجه من مملكته وعز أمته فهنالك ينقطع رجاء أهل فارس
ويضربوا جأشا فقال صدقتني والله وشرحت لي الامر عن حقه ونظر في حوائجهم
وسرحهم وقدم الكتاب على عمر باجتماع أهل نهاوند وانتهاء أهل مهرجانقذق
وأهل كور الأهواز إلى رأي الهرمزان ومشيئته فذلك كان سبب إذن عمر
لهم في الانسياح
ذكر فتح السوس
(اختلف) أهل السير في أمرها فأما المدائني فإنه فيما حدثني عنه أبو زيد قال
لما انتهى فل جلولاء إلى يزدجرد وهو بحلوان دعا بخاصته والموبذ فقال إن القوم
لا يلقون جمعا إلا فلوه فما ترون فقال الموبذ نرى أن تخرج فتنزل إصطخر فإنها
بيت المملكة وتضم إليك خزائنك وتوجه الجنود فأخذ برأيه وسار إلى أصبهان
ودعا سياه فوجهه في ثلاثمائة فيهم سبعون رجلا من عظمائهم وأمره أن ينتخب
من كل بلدة يمر بها من أحب فمضى سياه وتبعه يزدجرد حتى نزلوا إصطخر
وأبو موسى محاصر السوس فوجه سياه إلى السوس والهرمزان إلى تستر فنزل سياه
الكلبانية وبلغ أهل السوس أمر جلولاء ونزول يزدجرد إصطخر منهزما فسألوا
أبا موسى الأشعري الصلح فصالحهم وسار إلى رامهرمز وسياه بالكلبانية وقد عظم
أمر المسلمين عنده فلم يزل مقيما حتى صار أبو موسى إلى تستر فتحول سياه فنزل
بين رامهرمز وتستر حتى قدم عمار بن ياسر فدعا سياه الرؤساء الذين كانوا خرجوا
معه من أصبهان فقال قد علمتم أنا كنا نتحدث أن هؤلاء القوم أهل الشقاء والبؤس
سيغلبون على هذه المملكة وتروث دوابهم في إيوانات إصطخر ومصانع الملوك
ويشدون خيولهم بشجرها وقد غلبوا على ما رأيتم وليس يلقون جندا إلا فلوه
ولا ينزلون بحصن إلا فتحوه فانظروا لأنفسكم قالوا رأينا رأيك قال فليكفني كل
رجل منكم حشمه والمنقطعين إليه فإني أرى أن ندخل في دينهم ووجهوا شيرويه
في عشرة من الأساورة إلى أبي موسى يأخذ شروطا على أن يدخلوا في الاسلام
185

فقدم شيرويه على أبي موسى فقال إنا قد رغبنا في دينكم فنسلم على أن نقاتل معكم
العجم ولا نقاتل معكم العرب وإن قاتلنا أحد من العرب منعتمونا منه وننزل حيث
شئنا ونكون فيمن شئنا منكم وتلحقونا بأشراف العطاء ويعقد لنا الأمير الذي
هو فوقك بذلك فقال أبو موسى بل لكم ما لنا وعليكم ما علينا قالوا لا نرضى وكتب
أبو موسى إلى عمر بن الخطاب فكتب إلى أبي موسى أعطهم ما سألوك فكتب أبو موسى
لهم فأسلموا وشهدوا معه حصار تستر فلم يكن أبو موسى يرى منهم جدا ولا نكاية
فقال لسياه يا أعور ما أنت وأصحابك كما كنا نرى قال لسنا مثلكم في هذا الدين
ولا بصائرنا كبصائركم وليس لنا فيكم حرم نحامي عنهم ولم تلحقنا بإشراف العطاء
ولنا سلاح وكراع وأنتم حسر فكتب أبو موسى إلى عمر في ذلك فكتب إليه عمر
أن ألحقهم على قدر البلاء في أفضل العطاء وأكثر شئ أخذه أحد من العرب ففرض
لمائة منهم في ألفين ألفين ولستة منهم في ألفين وخمسمائة لسياه وخسرو ولقبه مقلاص
وشهريار وشهرويه وشيرويه وافروذين فقال الشاعر:
لما رأى الفاروق حسن بلائهم * وكان بما يأتي من الامر أبصرا
فسن لهم ألفين فرضا وقد رأى * ثلاثمائين فرص عك وحميرا
قال فحاصروا حصنا بفارس فانسل سياه في آخر الليل في زي العجم حتى رمى
بنفسه إلى جنب الحصن ونضح ثيابه بالدم وأصبح أهل الحصن فرأوا رجلا في زيهم
صريعا فظنوا أنه رجل منهم أصيبوا به ففتحوا باب الحصن ليدخلوه فثار وقاتلهم
حتى خلوا عن باب الحصن وهربوا ففتح الحصن وحده ودخله المسلمون وقوم
يقولون فعل هذا الفعل سياه بتستر وحاصروا حصنا فمشى خسرو إلى الحصن
فأشرف عليه رجل منهم يكلمه فرماه خسرو بنشابة فقتله * وأما سيف فإنه قال
في روايته ما كتب به إلى السري عن شعيب عنه عن محمد وطلحة وعمرو ودثار
أبي عمر عن أبي عثمان قالوا لما نزل: أبو سبرة في الناس على السوس وأحاط المسلمون
بها وعليهم شهريار أخو الهرمزان ناوشوهم مرات كل ذلك يصيب أهل السوس
في المسلمين فأشرف عليهم يوما الرهبان والقسيسون فقالوا يا معشر العرب إن مما
186

عهد إلينا علماؤنا وأوائلنا أنه لا يفتح السوس إلا الدجال أو قوم فيهم الدجال فإن كان
الدجال فيكم فستفتحونها وإن لم يكن فيكم فلا تعنوا بحصارنا وجاء صرف
أبي موسى إلى البصرة وعمل على أهل البصرة المقترب مكان أبي موسى بالسوس
واجتمع الأعاجم بنهاوند والنعمان على أهل الكوفة محاصرا لأهل السوس مع
أبي سبرة وزر محاصر أهل نهاوند من وجهه ذلك وضرب على أهل الكوفة البعث
مع حذيفة وأمرهم بموافاته بنهاوند وأقبل النعمان على التهيؤ للسير إلى نهاوند ثم
استقل في نفسه فناوشهم قبل مضيه فعاد الرهبان والقسيسون وأشرفوا على المسلمين
وقالوا يا معشر العرب لا تعنوا فإنه لا يفتحها إلا الدجال أو قوم معهم الدجال
وصاحوا بالمسلمين وغاظوهم وصاف بن صياد يومئذ مع النعمان في خيله وناهدهم
المسلمون جميعا وقالوا نقاتلهم قبل أن نفترق ولما يخرج أبو موسى بعد وأتى صاف
باب السوس غضبان فدقه برجله وقال انفتح بظار فتقطعت السلاسل وتكسرت
الاغلاق وتفتحت الأبواب ودخل المسلمون فألقى المشركون بأيديهم وتنادوا
الصلح الصلح وأمسكوا بأيديهم فأجابوهم إلى ذلك بعد ما دخلوها عنوة واقتسموا
ما أصابوا قبل الصلح ثم افترقوا فخرج النعمان في أهل الكوفة من الأهواز حتى
نزل على ماه وسرح أبو سبرة المقترب حتى ينزل على جندي سابور مع زر فأقام
النعمان بعد دخول ماه حتى وافاه أهل الكوفة ثم نهد بهم إلى أهل نهاوند فلما كان
الفتح رجع صاف إلى المدينة فأقام بها ومات بالمدينة (كتب إلي السري) عن شعيب
عن سيف عن عطية عمن أورد فتح السوس قال وقيل لأبي سبرة هذا جسد دانيال
في هذه المدينة قال وما لنا بذلك فأقره بأيديهم قال عطية باسناده إن دانيال كان
لزم أسياف فارس بعد بختنصر فلما حضرته الوفاة ولم ير أحدا ممن هو بين
ظهريهم على الاسلام أكرم كتاب الله عمن لم يجبه ولم يقبل منه فأودعه ربه
فقال لابنه ائت ساحل البحر فاقذف بهذا الكتاب فيه فاخذه الغلام وضن به
وغاب مقدار ما كان ذاهبا وجائيا وقال قد فعلت قال فما صنع البحر حين هوى
فيه قال لم أره يصنع شيئا فغضب وقال والله ما فعلت الذي أمرتك به فخرج من
187

عنده ففعل مثل فعلته الأولى ثم أتاه فقال قد فعلت فقال كيف رأيت البحر حين
هوى فيه قال ماج واصطفق فغضب أشد من غضبه الأول وقال والله ما فعلت
الذي أمرتك به بعد فعزم ابنه على القائه في البحر الثالثة فانطلق إلى ساحل
البحر وألقاه فيه فانكشف البحر عن الأرض حتى بدت وانفجرت له الأرض
عن هواء من نور فهوى في ذلك النور ثم انطبقت عليه الأرض واختلط الماء
فلما رجع إليه الثالثة سأله فأخبره الخبر فقال الآن صدقت ومات دانيال بالسوس
فكان هنالك يستسقى بجسده فلما افتتحها المسلمون أتوا به فأقروه في أيديهم
حتى إذا ولى أبو سبرة عنهم إلى جندي سابور أقام أبو موسى بالسوس وكتب إلى
عمر فيه فكتب إليه يأمره بتوريته فكفنه ودفنه المسلمون وكتب أبو موسى إلى
عمر بأنه كان عليه خاتم وهو عندنا فكتب إليه أن تختمه وفي فصه نقش رجل بين
أسدين (وفيها) أعني سنة سبعة عشر كانت مصالحة المسلمين أهل جندي سابور
ذكر الخبر عن أمرهم وأمرها
(كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وأبي عمرو وأبي سفيان
والمهلب قالوا لما فرغ أبو سبرة من السوس خرج في جنده حتى نزل على جندي
سابور وزر بن عبد الله بن كليب محاصرهم فأقاموا عليها يغادونهم ويراوحونهم
القتال فما زالوا مقيمين عليها حتى رمى إليهم بالأمان من عسكر المسلمين وكان
فتحها وفتح نهاوند في مقدار شهرين فلم يفجأ المسلمين إلا وأبوابها تفتح ثم خرج
السرح وخرجت الأسواق وانبث أهلها فأرسل المسلمون أن مالكم قالوا رميتم
إلينا بالأمان فقبلناه وأقررنا لكم بالجزاء على أن تمنعونا فقالوا ما فعلنا فقالوا ما كذبنا
فسأل المسلمون فيما بينهم فإذا عبد يدعى مكنفا كان أصله منها هو الذي كتب لهم
فقالوا إنما هو عبد فقالوا إنا لا نعرف حركم من عبدكم قد جاء أمان فنحن عليه
قد قبلناه ولم نبدل فإن شئتم فاغدروا فأمسكوا عنهم وكتبوا بذلك إلى عمر فكتب
إليهم إن الله عظم الوفاء فلا تكونون أوفياء حتى تفوا ما دمتم في شك أجيزوهم
وفوا لهم فوفوا لهم وانصرفوا عنهم (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن محمد
188

وطلحة والمهلب وعمرو قالوا أذن عمر في الانسياح سنة سبعة عشر في بلاد فارس
وانتهى في ذلك إلى رأي الأحنف بن قيس وعرف فضله وصدقه وفرق الامراء
والجنود وأمر على أهل البصرة امراء وأمر على أهل الكوفة أمراء وأمر هؤلاء
وهؤلاء بأمره وأذن لهم في الانسياح سنة سبع عشرة فساحوا في سنة ثمان عشرة
وأمر أبا موسى أن يسير من البصرة إلى منقطع ذمة البصرة فيكون هنالك حتى
يحدث إليه وبعث بألوية من ولى مع سهيل بن عدي حليف بني عبد الأشهل فقدم
سهيل بالألوية ودفع لواء خراسان إلى الأحنف بن قيس ولواء أردشير خره وسابور
إلى مجاشع بن مسعود السلمي ولواء إصطخر إلى عثمان بن أبي العاص الثقفي ولواء
فساودرابجرد إلى سارية بن زنيم الكناني ولواء كرمان مع سهيل بن عدي ولواء
سجستان إلى عاصم بن عمرو وكان عاصم من الصحابة ولواء مكران إلى الحكم
ابن عمير التغلبي فخرجوا في سنة سبع عشرة فعسكروا ليخرجوا إلى هذه الكور
فلم يستتب مسيرهم حتى دخلت سنة ثمان عشرة وأمدهم عمر بأهل الكوفة فأمد
سهيل بن عدي بعبد الله بن عبد الله بن عتبان وأمد الأحنف بعلقمة بن النضر
وبعبد الله بن أبي عقيل وبربعي بن عامر وبابن أم غزال وأمد عاصم بن عمرو بعبد الله
ابن عمير الأشجعي وأمد الحكم بن عمير بشهاب بن المخارق المازني قال بعضهم كان
فتح السوس ورامهرمز وتوجيه الهرمزان إلى عمر من تستر في سنة عشرين وحج
بالناس في هذه السنة أعنى سنة سبع عشرة عمر بن الخطاب وكان عامله على مكة
عتاب بن أسيد وعلى اليمن يعلى بن أمية وعلى اليمامة والبحرين عثمان بن أبي العاص
وعلى عمان حذيفة بن محصن وعلى الشام من قد ذكرت أسماءهم قبل وعلى الكوفة
وأرضها سعد بن أبي وقاص وعلى قضائها أبو قرة وعلى البصرة وأرضها أبو موسى
الأشعري وقد ذكرت فيما مضى الوقت الذي عزل فيه عنها والوقت الذي رد
فيه إليها أميرا وعلى القضاء فيما قيل أبو مريم الحنفي وقد ذكرت من كان على
الجزيرة والموصل قبل
189

ثم دخلت سنة ثمان عشرة
ذكر الاحداث التي كانت في سنة ثمان عشرة
(قال أبو جعفر) وفي هذه السنة أعني سنة ثمان عشرة أصابت الناس مجاعة شديدة
ولزبة وجدوب وقحوط وذلك هو العام الذي يسمى عام الرمادة * حدثنا ابن حميد
قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال دخلت سنة ثمان عشرة وفيها كان عام
الرمادة وطاعون عمواس فتفاني فيها الناس * وحدثني أحمد بن ثابت الرازي قال
حدثت عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر قال كانت الرمادة سنة ثمان عشرة قال
وكان في ذلك العام طاعون عمواس (كتب إلى السري) يقول حدثنا شعيب عن
سيف عن الربيع وأبى المجالد وأبي عثمان وأبي حارثة قالوا وكتب أبو عبيدة إلى
عمر إن نفرا من المسلمين أصابوا الشراب منهم ضرار وأبو جندل فسألناهم فتأولوا
وقالوا خيرنا فاخترنا قال فهل أنتم منتهون ولم يعزم علينا فكتب إليه عمر فذلك
بيننا وبينهم فهل أنتم منتهون يعني فانتهوا وجمع الناس فاجتمعوا على أن يضربوا
فيها ثمانين جلدة ويضمنوا الفسق ومن تأول عليها بمثل هذا فإن أبى قتل فكتب
عمر إلى أبي عبيدة أن ادعهم فإن زعموا أنها حلال فاقتلهم وان زعموا أنها
حرام فاجلدهم ثمانين فبعث إليهم فسألهم على رؤس الناس فقالوا حرام فجلدهم
ثمانين ثمانين وحد القوم وندموا على لجاجتهم وقال ليحدثن فيكم يا أهل الشام حادث
فحدثت الرمادة (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن عبد الله بن شبرمة
عن الشعبي بمثله (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن عبيد الله بن عمر عن
نافع قال لما قدم على عمر كتاب أبي عبيد في ضرار وأبي جندل كتب إلى أبي عبيدة في
ذلك وأمره أن يدعو بهم على رؤس الناس فيسألهم أحرام الخمر أم حلال فإن قالوا حرام
فاجلدهم ثمانين جلدة واستتبهم وان قالوا حلال فاضرب أعناقهم فدعا بهم فسألهم فقالوا
بل حرام فجلدهم فاستحيوا فلزموا البيوت ووسوس أبو جندل فكتب أبو عبيدة
إلى عمر إن أبا جندل قد وسوس إلا أن يأتيه الله على يديك بفرج فاكتب إليه
190

وذكره فكتب إليه عمر وذكره فكتب إليه من عمر إلى أبي جندل إن الله لا يغفر
أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فتب وارفع رأسك وابرز ولا تقنط
فإن الله عز وجل يقول (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من
رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم) فلما قرأه عليه أبو
عبيدة تطلق وأسفر عنه وكتب إلى الآخرين بمثل ذلك فبرزوا وكتب إلى الناس
عليكم أنفسكم ومن استوجب التغيير فغيروا عليه ولا تعيروا أحدا فيفشو فيكم
البلاء (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد بن عبد الله عن عطاء
نحوا منه إلا أنه لم يذكر أنه كتب إلى الناس ألا يعيروهم وقال قالوا جاشت الروم
دعونا نغزوهم فإن قضى الله لنا الشهادة فذلك وإلا عمدت للذي يريد فاستشهد ضرار
ابن الأزور في قوم وبقى الآخرون فحدوا وقال أبو الزهراء القشيري في ذلك
ألم تر أن الدهر يعثر بالفتى * وليس على صرف المنون بقادر
صبرت ولم أجزع وقد مات إخوتي * ولست عن الصهباء يوما بصابر
رماها أمير المؤمنين بحتفها * فخلانها يبكون حول المعاصر
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن الربيع بن النعمان وأبي المجالد
جراد بن عمرو وأبي عثمان يزيد بن أسيد الغساني وأبي حارثة محرز العبشمي
بإسنادهم ومحمد بن عبد الله عن كريب قالوا أصابت الناس في إمارة عمر رضي الله
عنه سنة بالمدينة وما حولها فكانت تسفى إذا ريحت ترابا كالرماد فسمى ذلك العام
عام الرمادة فآلى عمر أن لا يذوق سمنا ولا لبنا ولا لحما حتى يحيى الناس من أول
الحيا فكان بذلك حتى أحيا الناس من أول الحيا فقدمت السوق عكة من سمن
ووطب من لبن فاشتراهما غلام لعمر بأربعين ثم أتى عمر فقال يا أمير المؤمنين قد
أبر الله يمينك وعظم أجرك قدم السوق وطب من لبن وعكة من سمن فابتعتها
بأربعين فقال عمر اغليت بهما فتصدق بهما فإني أكره أن آكل إسرافا وقال عمر
كيف يغنيني شأن الرعية إذا لم يمسسني ما مسهم (كتب إلي السري) عن شعيب
عن سيف عن سهل بن يوسف السلمي عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال كانت
191

في آخر سنة سبع عشرة وأول سنة ثمان عشرة وكانت الرمادة جوعا أصاب الناس
بالمدينة وما حولها فأهلكهم حتى جعلت الوحش تأوى إلى الانس وحتى جعل
الرجل يذبح الشاة فيعافها من قبحها وإنه لمقفر (كتب إلي السري) عن شعيب
عن سيف عن سهل بن يوسف عن عبد الرحمن بن كعب قال كان الناس بذلك
وعمر كالمحصور عن أهل الأمصار حتى أقبل بلال بن الحارث المزني فاستأذن عليه
فقال أنا رسول الله إليك يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد
عهدتك كيسا وما زلت على رجل فما شأنك فقال متى رأيت هذا قال البارحة
فخرج فنادى في الناس الصلاة جامعة فصلى بهم ركعتين ثم قام فقال أيها الناس
أنشدكم الله هل تعلمون مني أمرا غيره خير منه قالوا اللهم لا قال فإن بلال بن
الحارث يزعم ذية وذية فقالوا صدق بلال فاستغث بالله وبالمسلمين فبعث إليهم
وكان عمر عن ذلك محصورا فقال عمر الله أكبر بلغ البلاء مدته فانكشف ما أذن
لقوم في الطلب إلا وقد رفع عنهم البلاء فكتب إلى أمراء الأمصار أغيثوا أهل
المدينة ومن حولها فإنه قد بلغ جهدهم وأخرج الناس إلى الاستسقاء فخرج وخرج
معه بالعباس ماشيا فخطب فأوجز ثم صلى ثم جثا لركبتيه وقال اللهم إياك نعبد
وإياك نستعين اللهم اغفر لنا وارحمنا وارض عنا ثم انصرف فما بلغوا المنزل
راجعين حتى خاضوا الغدران (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن
مبشر بن الفضيل عن جبير بن صخر عن عاصم بن عمر بن الخطاب قال قحط الناس
زمان عمر عاما فهزل المال فقال أهل بيت من مزبنة من أهل البادية لصاحبهم قد
بلغنا فاذبح لنا شاة قال ليس فيهن شئ فلم يزالوا به حتى ذبح لهم شاة فسلخ عن عظم
أحمر فنادى يا محمداه فأرى فيما يرى النائم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه
فقال ابشر بالحيا أئت عمر فأقرأه مني السلام وقل له إن عهدي بك وأنت وفي
العهد شديد العقد فالكيس الكيس يا عمر فجاء حتى أتى باب عمر فقال لغلامه
استأذن لرسول رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى عمر فأخبره ففزع وقال رأيت به
مسا قال لا قال فأدخله فدخل فأخبره الخبر فخرج فنادى في الناس وصعد المنبر وقال
192

أنشدكم بالذي هداكم للاسلام هل رأيتم مني شيئا تكرهونه قالوا اللهم لا قالوا ولم
ذاك فأخبرهم ففطنوا ولم يفطن فقالوا إنما استبطأك في الاستسقاء فاستسق بنا
فنادى في الناس فقام فخطب فأوجز ثم صلى ركعتين فأوجز ثم قال اللهم عجزت
عنا أنصارنا وعجز عنا حولنا وقوتنا وعجزت عنا أنفسنا ولا حول ولا قوة إلا
بك اللهم فاسقنا وأحيي العباد والبلاد (كتب إلي السري) عن شعيب عن
سيف عن الربيع بن النعمان وجراد أبي المجالد وأبي عثمان وأبي حارثة كلهم عن
رجاء وزاد أبو عثمان وأبو حارثة عن عبادة وخالد عن عبد الرحمن بن غنم قالوا
كتب عمر إلى أمراء الأمصار يستغيثهم لأهل المدينة ومن حولها ويستمدهم
فكان أول من قدم عليه أبو عبيدة بن الجراح في أربعة آلاف راحلة من طعام
فولاه قسمتها فيمن حول المدينة فلما فرغ ورجع إليه أمر له بأربعة آلاف درهم
فقال لا حاجة لي فيها يا أمير المؤمنين إنما أردت الله وما قبله فلا تدخل على الدنيا
فقال خذها فلا بأس بذلك إذا لم تطلبه فأبى فقال خذها فإني قد وليت لرسول الله
صلى الله عليه وسلم مثل هذا فقال لي مثل ما قلت لك فقلت له كما قلت لي فأعطاني
فقبل أبو عبيدة وانصرف إلى عمله وتتابع الناس واستغنى أهل الحجاز وأحيوا
مع أول الحيا وقالوا بإسنادهم وجاء كتاب عمرو بن العاصي جواب كتاب عمر
في الاستغاثة أن البحر الشامي حفر لمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم حفيرا
فصب في بحر المغرب فسده الروم والقبط فإن أحببت أن يقوم سعر الطعام بالمدينة
كسعره بمصر حفرت له نهرا وبنيت له قناطر فكتب إليه عمر أن افعل وعجل ذلك
فقال له أهل مصر خراجك زاج وأميرك راض وإن تم هذا انكسر الخراج
فكتب إلى عمر بذلك وذكر أن فيه انكسار خراج مصر وخرابها فكتب إليه عمر
اعمل فيه وعجل أخرب الله مصر في عمران المدينة وصلاحها فعالجه عمرو وهو
بالقلزم فكان سعر المدينة كسعر مصر ولم يزد ذلك مصر إلا رخاء ولم ير أهل
المدينة بعد الرمادة مثلها حتى حبس عنهم البحر بعد مقتل عثمان رضي الله عنه
(قال أبو جعفر) وزعم الواقدي أن الرقة والرهاء وحران فتحت في هذه السنة
193

على يدي عياض بن غنم وإن عين الوردة فتحت فيها على يدي عمير بن سعد وقد
ذكرت قول من خالفه في ذلك فيما مضى وزعم أن عمر رضي الله عنه حول المقام
في هذه السنة في ذي الحجة إلى موضعه اليوم وكان ملصقا بالبيت قبل ذلك وقال
مات في طاعون عمواس خمسة وعشرون ألفا (قال أبو جعفر) وقال بعضهم
وفي هذه السنة استقضى عمر شريح بن الحرث الكندي على الكوفة وعلى البصرة
كعب بن الأسور الأزدي قال وحج بالناس في هذه السنة عمر بن الخطاب رضي الله عنه
وكانت ولاته في هذه السنة على الأمصار الولاة الذين كانوا عليها في سنة
سبعة عشر
ثم دخلت سنة تسع عشرة
ذكر الاحداث التي كانت في سنة تسع عشرة
(قال أبو جعفر) قال أبو معشر فيما حدثني أحمد بن ثابت الرازي عمن حدثه
عن إسحاق بن عيسى عنه أن فتح جلولاء كان في سنة تسع عشرة على يدي سعد
وكذلك قال الواقدي وقال ابن إسحاق كان فتح الجزيرة والرهاء وحران ورأس
العين ونصيبين في سنة تسع عشرة (قال أبو جعفر) وقد ذكرنا قول من خالفهم
في ذلك قبل وقال أبو معشر كان فتح قيسارية في هذه السنة أعني سنة تسعة عشر
وأميرها معاوية بن أبي سفيان حدثني بذلك أحمد بن ثابت الرازي عمن حدثه عن
إسحاق بن عيسى عنه وكالذي قال أبو معشر في ذلك قال الواقدي وأما ابن إسحاق
فإنه قال كان فتح قيسارية من فلسطين وهرب هرقل وفتح مصر في سنة عشرين
حدثنا بذلك ابن حميد قال حدثنا سلمة عنه * وأما سيف بن عمر فإنه قال كان فتحها
في سنة ست عشرة قال وكذلك فتح مصر وقد مضى الخبر عن فتح قيسارية قبل
وأنا ذاكر خبر مصر وفتحها بعد في قول من قال فتحت سنة عشرين وفي قول
من خالف ذلك (قال أبو جعفر) وفي هذه السنة أعني سنة تسع عشرة سالت
حرة ليلى نارا فيما زعم الواقدي فأراد عمر الخروج إليها بالرجال ثم أمرهم بالصدقة
194

فانطفأت (وزعم) أيضا الواقدي أن المدائن وجلولاء فتحتا في هذه السنة وقد
مضى ذكر من خالفه في ذلك (وحج) بالناس في هذه السنة عمر بن الخطاب
رضي الله عنه وكان عماله على الأمصار وقضاته فيها الولاة والقضاة الذين كانوا
عليها في سنة ثمان عشرة
ثم دخلت سنة عشرين
ذكر الخبر عما كان فيها من مغازي المسلمين وغير ذلك من أمورهم
(قال أبو جعفر) ففي هذه السنة فتحت مصر في قول ابن إسحاق * حدثنا ابن حميد
قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال فتحت مصر سنة عشرين وكذلك قال أبو معشر
حدثني أحمد بن ثابت عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر أنه قال فتحت
مصر سنة عشرين وأميرها عمرو بن العاصي وحدثني أحمد بن ثابت عمن ذكره عن
إسحاق بن عيسى عن أبي معشر قال فتحت إسكندرية سنة خمسة وعشرين وقال
الواقدي فيما حدثت عن ابن سعد عنه فتحت مصر والإسكندرية في سنة عشرين
وأما سيف فإنه زعم فيما كتب به إلى السري عن شعيب عن سيف انها فتحت
والإسكندرية في سنة ست عشرة
ذكر الخبر عن فتحها وفتح الإسكندرية
(قال أبو جعفر) قد ذكرنا اختلاف أهل السير في السنة التي كان فيها
فتح مصر والإسكندرية ونذكر الآن سبب فتحهما وعلى يدي من كان على
ما في ذلك من اختلاف بينهم أيضا فأما ابن إسحاق فإنه قال في ذلك ما حدثنا
ابن حميد قال حدثنا سلمة عنه أن عمر رضي الله عنه حين فرغ من الشأم كلها
كتب إلى عمرو بن العاصي أن يسير إلى مصر في جنده فخرج حتى فتح باب
اليون في سنة عشرين قال وقد اختلف في فتح الإسكندرية فبعض الناس يزعم أنها
فتحت في سنة خمس وعشرين وعلى سنتين من خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه
وعليها عمرو بن العاصي حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد
195

ابن إسحاق قال وحدثني القاسم بن قزمان رجل من أهل مصر عن زياد بن جزء
الزبيدي أنه حدثه أنه كان في جند عمرو بن العاصي حين افتتح مصر والإسكندرية
قال افتتحنا الإسكندرية في خلافة عمر بن الخطاب في سنة إحدى وعشرين
أو سنة اثنين وعشرين قال لما افتتحنا باب اليون تدنينا قرى الريف فيما
بيننا وبين الإسكندرية قرية فقرية حتى انتهينا إلى بلهيب قرية من قرى الريف
يقال لها قرية الريش وقد بلغت سبايانا المدينة ومكة واليمن قال فلما
انتهينا إلى بلهيب أرسل صاحب الإسكندرية إلى عمرو بن العاصي انى قد
كنت أخرج الجزية إلى من هو أبغض إلى منكم معشر العرب لفارس والروم
فإن أحببت أن أعطيك الجزية على أن ترد علي ما أصبتم من سبايا أرضى فعلت
قال فبعث إليه عمرو بن العاصي أن ورائي أميرا لا أستطيع أن أصنع أمرا دونه
فإن شئت أن أمسك عنك وتمسك عني حتى أكتب إليه بالذي عرضت علي فإن هو قبل
ذلك منك قبلت وإن أمرني بغير ذلك مضيت لامره قال فقال نعم قال فكتب
عمرو بن العاصي إلى عمر بن الخطاب قال وكانوا لا يخفون علينا كتابا كتبوا به
يذكر له الذي عرض عليه صاحب الإسكندرية قال وفي أيدينا بقايا من سبيهم
ثم وفقنا ببلهيب وأقمنا ننتظر كتاب عمر جاءنا فقرأه علينا عمرو وفيه أما بعد
فإنه جاءني كتابك تذكر أن صاحب الإسكندرية عرض أن يعطيك الجزية على
أن ترد عليه ما أصيب من سبايا أرضه ولعمري لجزية قائمة تكون لنا ولمن بعدنا
من المسلمين أحب إلي من فئ يقسم ثم كأنه لم يكن فاعرض على صاحب الإسكندرية
أن يعطيك الجزية على أن تخيروا من في أيديكم من سبيهم بين الاسلام وبين دين
قومه فمن اختار منهم الاسلام فهو من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم ومن اختار
دين قومه وضع عليه من الجزية ما يوضع على أهل دينه فأما من تفرق من سبيهم
بأرض العرب بلغ مكة والمدينة واليمن فإنا لا نقدر على ردهم ولا نحب أن نصالحه
على أمر لا نفى له به قال فبعث عمرو إلى صاحب الإسكندرية يعلمه الذي كتب
به أمير المؤمنين قال فقال قد فعلت قال فجمعنا ما في أيدينا من السبايا واجتمعت
196

النصارى فجعلنا نأتي بالرجل ممن في أيدينا ثم نخيره بين الاسلام وبين النصرانية
فإذا اختار الاسلام كبرنا تكبيرة هي أشد من تكبيرنا حين تفتح القرية قال
ثم نحوزه إلينا وإذا اختار النصرانية نخرت النصارى ثم حازوه إليهم ووضعنا
عليه الجزية وجزعنا من ذلك جزعا شديدا حتى كأنه رجل خرج منا إليهم قال
فكان ذلك الدأب حتى فرغنا منهم وقد أتى فيمن أتينا به بأبي مريم عبد الله بن
عبد الرحمن قال القاسم وقد أدركته وهو عريف بني زبيد قال فوقفناه فعرضنا
عليه الاسلام والنصرانية وأبوه وأمه وإخوته في النصارى فاختار الاسلام فحزناه
إلينا ووثب عليه أبوه وأمه وإخوته يجاذبوننا حتى شققوا عليه ثيابه ثم هو اليوم
عريفنا كما ترى ثم فتحت لنا الإسكندرية فدخلناها وان هذه الكناسة التي ترى
يا ابن أبي القاسم لكناسة بناحية الإسكندرية حولها أحجاركما كما ترى ما زادت
ولا نقصت فمن زعم غير ذلك أن الإسكندرية وما حولها من القرى لم يكن لها
جزية ولا لأهلها عهد فقد والله كذب قال القاسم وإنما هاج هذا الحديث أن ملوك
بني أمية كانوا يكتبون إلى أمراء مصر أن مصر إنما دخلت عنوة وإنما هم عبيدنا
نزيد عليهم كيف شئنا ونصنع ما شئنا (قال أبو جعفر) وأما سيف فإنه ذكر
فيما كتب به إلي السري يذكر أن شعيبا حدثه عنه عن الربيع أبي سعيد وعن أبي
عثمان وأبي حارثة قالوا أقام عمر بإيلياء بعد ما صالح أهلها ودخلها أياما فأمضى
عمرو بن العاص إلى مصر وأمره عليها إن فتح الله عليه وبعث في أثره الزبير بن
العوام مددا له وبعث أبا عبيدة إلى الرمادة وأمره إن فتح الله عليه أن يرجع إلى
عمله (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف قال حدثنا أبو عثمان عن خالد
وعبادة قالا خرج عمرو بن العاصي إلى مصر بعد ما رجع عمر إلى المدينة حتى
انتهى إلى باب اليون واتبعه الزبير فاجتمعا فلقيهم هنالك أبو مريم جاثليق مصر
ومعه الأسقف في أهل النيات بعثه المقوقس لمنع بلادهم فلما نزل بهم عمرو قاتلوه
فأرسل إليهم لا تعجلونا لنعذر إليكم وترون رأيكم بعد فكفوا أصحابهم وأرسل
إليهم عمرو إني بارز فليبرز إلى أبو مريم وأبو مريام فأجابوه إلى ذلك وأمن بعضهم
197

بعضا فقال لهما عمر وأنتما راهبا هذه البلدة فاسمعا إن الله عز وجل بعث محمدا صلى
الله عليه وسلم بالحق وأمره به وأمرنا به محمد صلى الله عليه وسلم وأدى إلينا كل
الذي أمر به ثم مضى صلوات الله عليه ورحمته وقد قضى الذي عليه وتركنا على
الواضحة وكان مما أمرنا به الاعذار إلى الناس فنحن ندعوكم إلى الاسلام فمن أجابنا
إليه فمثلنا ومن لم يجبنا عرضنا عليه الجزية وبذلنا له المنعة وقد أعلمنا أنا مفتتحوكم
وأوصانا بكم حفظا لرحمنا فيكم وأن لكم إن أجبتمونا بذلك ذمة إلى ذمة ومما عهد
إلينا أميرنا استوصوا بالقبطيين خيرا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصانا
بالقبطيين خيرا لان لهم رحما وذمة فقالوا قرابة بعيدة لا يصل مثلها إلا الأنبياء
معروفة شريفة كانت ابنة ملكنا وكانت من أهل منف والملك فيهم فأديل عليهم
أهل عين شمس فقتلوهم وسلبوا ملكهم واغتربوا فلذلك صارت إلى إبراهيم
عليه السلام مرحبا به وأهلا آمنا حتى نرجع إليك فقال عمرو إن مثلي لا يخدع
ولكني أؤجلكما ثلاثا لتنظروا ولتناظرا قومكما وإلا ناجزتكم قالا زدنا فزادهم يوما
فقالا زدنا فزادهم يوما فرجعا إلى المقوقس فهم فأبى أرطبون أن يجيبهما وأمر
بمناهدتهم فقال لأهل مصر أما نحن فسنجهد أن ندفع عنكم ولا نرجع إليهم وقد
بقيت أربعة أيام فلا تصابون فيها بشئ إلا رجونا أن يكون له أمان فلم يفجأ
عمرا والزبير إلا البيات من فرقب وعمرو على عدة فلقوه فقتل ومن معه ثم
ركبوا أكساءهم وقصد عمرو والزبير لعين شمس وبها جمعهم وبعث إلى الفرما أبرهة
ابن الصباح فنزل عليها وبعث عوف بن مالك إلى الإسكندرية فنزل عليها فقال كل
واحد منهما لأهل مدينته إن تنزلوا فلكم الأمان فقالوا نعم فراسلوهم وتربصوا بهم
أهل عين شمس وسبى المسلمون من بين ذلك وقال عوف بن مالك ما أحسن مدينتكم
يا أهل الإسكندرية فقالوا إن الإسكندر قال إني أبني مدينة إلى الله فقيرة وعن
الناس غنية أو لابنين مدينة إلى الله فقيرة وعن الناس غنية فبقيت بهحتها وقال
أبرهة لأهل الفرما ما أخلق مدينتكم يا أهل الفرما قالوا إن الفرما قال إني أبني مدينة
عن الله غنية وإلى الناس فقيرة فذهبت بهجتها وكان الإسكندر والفرما أخوين
198

(قال أبو جعفر) قال الكلبي كان الإسكندر والفرما أخوين ثم حدث بمثل
ذلك فنسبتا إليهما فالفرما ينهدم فيها كل يوم شئ وخلقت مرآتها وبقيت
جدة الإسكندرية (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن أبي حارثة
وأبي عثمان قالا لما نزل عمرو على القوم بعين شمس وكان الملك بين القبط والنوب
ونزل معه الزبير عليها قال أهل مصر لملكهم ما تريد إلى قوم فلوا كسرى وقيصر
وغلبوهم على بلادهم صالح القوم وأعتقد منهم ولا تعرض لهم ولا تعرضنا لهم وذلك
في اليوم الرابع فأبى وناهدوهم فقاتلوهم والتقى الزبير سورها فلما أحسوه فتحوا الباب
لعمرو وخرجوا إليه مصالحين فقبل منهم ونزل الزبير عليهم عنوة حتى خرج على
عمرو من الباب معهم فاعتقدوا بعد ما أشرفوا على الهلكة فأجروا ما أخذوا عنوة
مجرى ما صالح عليه فصاروا ذمة وكان صلحهم: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى
عمرو بن العاصي أهل مصر من الأمان على أنفسهم وملتهم وأموالهم وكنائسهم
وصلبهم وبرهم وبحرهم لا يدخل عليهم شئ من ذلك ولا ينتقص ولا يساكنهم
النوب وعلى أهل مصر أن يعطوا الجزية إذا اجتمعوا على هذا الصلح وانتهت
زيادة نهرهم خمسين ألف ألف وعليهم ما جنى لصوتهم فان أبى أحد منهم أن
نجيب؟ رفع عنهم من الجزاء بقدرهم وذمتنا ممن أبى بريئة وإن نقص نهرهم من غايته
إذا انتهى رفع عنهم بقدر ذلك ومن دخل في صلحهم من الروم والنوب فله مثل
ما لهم وعليه مثل ما عليهم ومن أبى واختار الذهاب فهو آمن حتى يبلغ مأمنه أو
يخرج من سلطاننا عليهم ما عليهم أثلاثا في كل ثلث جباية ثلث ما عليهم على ما في
هذا الكتاب عهد الله وذمته وذمة رسوله وذمة الخليفة أمير المؤمنين وذمم
المؤمنين وعلى النوبة الذين استجابوا أن يعينوا بكذا وكذا رأسا وكذا وكذا
فرسا على أن لا يغزوا ولا يمنعوا من تجارة صادرة ولا واردة شهد الزبير وعبد الله
ومحمد ابناه وكتب وردان وحضر فدخل في ذلك أهل مصر كلهم وقبلوا الصلح
واجتمعت الخيول فمصر عمرو الفسطاط ونزله المسلمون وظهر أبو مريم وأبو
مريام فكلما عمرا في السبايا التي أصيبت بعد المعركة فقال أولهم عهد وعقد ألم
199

نحالفكما ويغار علينا من يومكما وطردهما فرجعا وهما يقولان كل شئ أصبتموه
إلى أن نرجع إليكم ففي ذمة منكم فقال لهما أتغيرون علينا وهم في ذمة قالا نعم
وقسم عمرو ذلك السبي على الناس وتوزعوه ووقع في بلدان العرب وقدم البشير
على عمر بعد بالأخماس وبعث الوفود فسألهم عمر فما زالوا يخبرونه حتى مروا
بحديث الجاثليق وصاحبه فقال ألا أراهما يبصران وأنتم تجاهلون ولا تبصرون
من قاتلكم فلا أمان له ومن لم يقاتلكم فأصابه منكم شئ من أهل القرى فله
الأمان في الأيام الخمسة حتى تنصرم وبعث في الآفاق حتى ردد لك السبي الذي سبوا ممن
لم يقاتل في الأيام الخمسة إلا من قاتل بعد فترادوهم إلا ما كان من ذلك الصرب
وحضرت القبط باب عمرو وبلغ عمرا أنهم يقولون ما أرث العرب وأهون
عليهم أنفسهم ما رأينا مثلنا دان لهم فخاف أن يستشيرهم ذلك من أمرهم فامر
بجزر فذبحت فطبخت بالماء والملح وأمر أمراء الأجناد أن يحضروا وأعلموا
أصحابهم وجلس وأذن لأهل مصر وجئ باللحم والمرق فطافوا به على المسلمين
فأكلوا أكلا عربيا انتشلوا وحسوا وهم في العباء ولا سلاح فافترق أهل مصر
وقد ازدادوا طمعا وجرأة وبعث في أمراء الجنود في الحضور بأصحابهم من الغد
وأمرهم أن يجيئوا في ثياب أهل مصر وأحذيتهم وأمرهم أن يأخذوا أصحابهم
بذلك ففعلوا وأذن لأهل مصر فرأوا شيئا غير ما رأوا بالأمس وقام عليهم
القوام بألوان مصر فأكلوا أكل أهل مصر ونحوا نحوهم فافترقوا وقد ارتابوا
وقالوا كدنا وبعث إليهم أن تسلحوا للعرض غدا وغدا على العرض وأذن لهم
فعرضهم عليهم ثم قال إني قد علمت أنكم رأيتم في أنفسكم أنكم في شئ حين
رأيتم اقتصاد العرب وهون تزجيتهم فخشيت أن تهلكوا فأحببت أن أريكم حالهم
وكيف كانت في أرضهم ثم حالهم في أرضكم ثم حالهم في الحرب فظفروا بكم
وذلك عيشهم وقد كلبوا على بلادكم قبل أن ينالوا منها ما رأيتم في اليوم الثاني
فأحببت أن يعلموا أن من رأيتم في اليوم الثالث غير تارك عيش اليوم الثاني
وراجع إلى عيش اليوم الأول فتفرقوا وهم يقولون لقد رمتكم العرب برجلهم
وبلغ عمر فقال لجلسائه والله ان حربه للينة مالها سطوة ولا سورة كسورات
200

الحروب من غيره أن عمرا لعض ثم أمره عليها وقام بها (كتب إلى السري) عن
شعيب عن سيف عن أبي سعيد الربيع بن النعمان عن عمرو بن شعيب قال لما
التقى عمرو والمقوقس بعين شمس واقتتلت خيلاهما جعل المسلمون يحولون بعد
البعد فدمرهم عمرو فقال رجل من أهل اليمن إنا لم نخلق من حجارة ولا حديد
فقال اسكت فإنما أنت كلب قال فأنت أمير الكلاب قال فلما جعل ذلك يتواصل
نادى عمرو أين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فحضر من شهدها من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تقدموا فبكم ينصر الله المسلمين
فتقدموا وفيهم يومئذ أبو بردة وأبو برزة وناهدهم الناس يتبعون الصحابة ففتح
الله على المسلمين وظفروا أحسن الظفر وافتتحت مصر في ربيع الأول سنة
ست عشرة وقام فيها ملك الاسلام على رجل وجعل يفيض على الأمم والملوك
فكان أهل مصر يتدفقون على الاجل وأهل مكران على راسل وداهر وأهل
سجستان على الشاه وذويه وأهل خراسان والباب على خاقان وخاقان ومن
دونهما من الأمم فكفكفهم عمر إبقاء على أهل الاسلام ولو خلى سربهم لبلغوا
كل منهل * حدثني علي بن سهل قال حدثنا الوليد بن مسلم قال أخبرني ابن لهيعة
عن يزيد بن حبيب أن المسلمين لما فتحوا مصر غزوا نوبة مصر فقفل المسلمون
بالجراحات وذهاب الحدق من جودة الرمي فسموا رماة الحدق فلما ولى عبد الله
ابن سعد بن أبي سرح مصر ولاه إياها عثمان بن عفان رضي الله عنه صالحهم على
هدية عدة رؤس منهم يؤدونهم إلى المسلمين في كل سنة ويهدى إليهم المسلمون في كل
سنة طعاما مسمى وكسوة من نحو ذلك * قال علي قال الوليد قال ابن لهيعة وأمضى ذلك
الصلح عثمان ومن بعده من الولاة والامراء وأقره عمر بن عبد العزيز نظرا منه للمسلمين
وإبقاء عليهم قال سيف ولما كان ذو القعدة من سنة ست عشرة وضع عمر رضي الله عنه
مسالح مصر على السواحل كلها وكان داعية ذلك أن هرقل أغزى مصر والشأم
في البحر ونهد لأهل حمص بنفسه وذلك لثلاث سنين وستة أشهر من إمارة عمر
رضي الله عنه (قال أبو جعفر) وفي هذه السنة أعني سنة عشرين غزا أرض الروم
201

أبو بحرية الكندي عبد الله بن قيس وهو أول من دخلها فيما قبل وقيل أول من دخلها
ميسرة بن مسروق العبسي فسلم وغنم * قال وقال الواقدي وفي هذه السنة عزل قدامة
بن مظعون عن البحرين وحده في شرب الخمر وفيها استعمل عمر أبا هريرة على البحرين
واليمامة قال وفيها تزوج عمر فاطمة بنت الوليد أم عبد الرحمن بن الحارث بن هشام
* قال وفيها توفى بلال بن رباح رضي الله عنه ودفن في مقبرة دمشق (وفيها)
عزل عمر سعدا عن الكوفة لشكايتهم إياه وقالوا لا يحسن يصلى (وفيها) قسم
عمر خيبر بين المسلمين وأجلى اليهود منها وبعث أبا حبيبة إلى فدك فأقام لهم نصف
فأعطاهم ومضى إلى وادى القرى فقسمها (وفيها) أجلى يهود نجران إلى الكوفة
فيما زعم الواقدي (قال الواقدي) وفي هذه السنة أعني سنة عشرين دون عمر
رضي الله عنه الدواوين (قال أبو جعفر) قد ذكرنا قول من خالفه (وفيها)
بعث عمر رضي الله عنه علقمة بن مجزز المدلجي إلى الحبشة في البحر وذلك أن الحبشة
كانت تطرفت فيما ذكر طرفا من أطراف الاسلام فأصيبوا فجعل عمر على نفسه
ألا يحمل في البحر أحدا أبدا * وأما أبو معشر فإنه قال فيما حدثني أحمد بن
ثابت عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عنه كانت غزوة الأساودة في البحر سنة
إحدى وثلاثين (قال الواقدي) وفيها مات أسيد بن الحضير في شعبان (وفيها)
ماتت زينب بنت جحش * وحج في هذه السنة عمر رضي الله عنه وكانت عماله
في هذه السنة على الأمصار عماله عليها في السنة التي قبلها إلا من ذكرت أنه عزله
واستبدل به غيره وكذلك قضاته فيها كانوا القضاة الذين كانوا في السنة التي قبلها
ثم دخلت سنة إحدى وعشرين
(قال أبو جعفر) وفيها كانت وقعة نهاوند في قول بن إسحاق حدثنا بذلك
ابن حميد قال حدثنا سلمة عنه وكذلك قال أبو معشر حدثني بذلك أحمد بن ثابت
عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عنه وكذلك قال الواقدي وأما سيف بن عمر
فإنه قال كانت وقعة نهاوند في سنة ثمانية عشر في سنة ست من إمارة عمر كتب
202

إلي بذلك السري عن شعيب عن سيف
ذكر الخبر عن وقعة المسلمين والفرس بنهاوند
وكان ابتداء ذلك فيما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال كان
من حديث نهاوند أن النعمان بن مقرن كان عاملا على كسكر فكتب إلى عمر رضي الله عنه
يخبره أن سعد بن أبي وقاص استعمله على جباية الخراج وقد أحببت الجهاد
ورغبت فيه فكتب عمر إلى سعد أن النعمان كتب إلي يذكر أنك استعملته على
جباية الخراج وأنه قد كره ذلك ورغب في الجهاد فابعث به إلى أهم وجوهك إلى
نهاوند قال وقد اجتمعت بنهاوند الأعاجم عليهم ذو الحاجب رجل من الأعاجم
فكتب عمر إلى النعمان بن مقرن: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عمر أمير المؤمنين
إلى النعمان بن مقرن سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا اله الا هو أما بعد
فإنه قد بلغني أن جموعا من الأعاجم كثيرة قد جمعوا لكم بمدينة نهاوند فإذا أتاك
كتابي هذا فسر بأمر الله وبعون الله وبنصر الله بمن معك من المسلمين ولا توطئهم
وعرا فتؤذيهم ولا تمنعهم حقهم فتكفرهم ولا تدخلنهم غيضة فإن رجلا من
المسلمين أحب إلي من مائة ألف دينار والسلام عليك فسار النعمان إليه ومعه
وجوه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم حذيفة بن اليمان وعبد الله بن عمر
ابن الخطاب وجرير بن عبد الله البجلي والمغيرة بن شعبة وعمرو بن معديكرب
الزبيدي وطليحة بن خويلد الأسدي وقيس بن مكشوح المرادي فلما انتهى النعمان
ابن مقرن في جنده إلى نهاوند طرحوا له حسك الحديد فبعث عيونا فساروا
لا يعلمون بالحسك فزجر بعضهم فرسه وقد دخلت في يده حسكة فلم يبرح فنزل
فنظر في يده فإذا في حافره حسكة فأقبل بها وأخبر النعمان الخبر فقال النعمان
للناس ما ترون فقالوا انتقل من منزلك هذا حتى يروا أنك هارب منهم فيخرجوا
في طلبك فانتقل النعمان من منزله ذلك وكنست الأعاجم الحسك ثم خرجوا
في طلبه وعطف عليهم النعمان فضرب عسكره ثم عبى كتائبه وخطب الناس
فقال إن أصبت فعليكم حذيفة بن اليمان وإن أصيب فعليكم جرير بن عبد الله
203

وإن أصيب جرير بن عبد الله فعليكم قيس بن مكشوح فوجد المغيرة بن شعبة في
نفسه إذ لم يستخلفه فأتاه فقال له ما تريد أن تصنع فقال إذا أظهرت قاتلتهم لاني
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب ذلك فقال المغيرة لو كنت بمنزلتك
باكرتهم القتال قال له النعمان ربما باكرت القتال ثم لم يسود الله وجهك وذلك
يوم الجمعة فقال النعمان نصلي إن شاء الله ثم نلقى عدونا دبر الصلاة فلما تصافوا
قال النعمان للناس إني مكبر ثلاثا فإذا كبرت الأولى فشد رجل شسعه وأصلح
من شأنه فإذا كبرت الثانية فشد رجل إزاره وتهيأ لوجه حملته فإذا كبرت الثالثة
فاحملوا عليهم فإني حامل وخرجت الأعاجم قد شدوا أنفسهم بالسلاسل لئلا يفروا
وحمل عليهم المسلمون فقاتلوهم فرمى النعمان بنشابة فقتل رحمه الله فلفه أخوه سويد بن
مقرن في ثوبه وكتم قتله حتى فتح الله عليهم ثم دفع الراية إلى حذيفة بن اليمان وقتل الله
ذا الحاجب وافتتحت نهاوند فلم يكن للأعاجم بعد ذلك جماعة (قال أبو جعفر) وقد
كان فيما ذكر لي بعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه السائب بن الأقرع مولى ثقيف
وكان رجلا كاتبا حاسبا فقال الحق بهذا الجيش فكن فيهم فإن فتح الله عليهم فاقسم
على المسلمين فيأهم وخذ خمس الله وخمس رسوله وان هذا الجيش أصيب فاذهب
في سواد الأرض فبطن الأرض خير من ظهرها * قال السائب فلما فتح الله على
المسلمين نهاوند أصابوا غنائم عظاما فوالله إني لاقسم بين الناس إذ جاءني علج من
أهلها فقال أتؤمنني على نفسي وأهلي وأهل بيتي على أن أدلك على كنوز النخيرجان
وهي كنوز آل كسرى تكون لك ولصاحبك لا يشركك فيها أحدا قال قلت نعم قال
فابعث معي من أدله عليها فبعثت معه فأتى بسفطين عظيمين ليس فيهما إلا اللؤلؤ
والزبرجد والياقوت فلما فرغت من قسمي بين الناس احتملتهما معي ثم قدمت
على عمر بن الخطاب فقال ما وراءك يا سائب فقلت خيرا يا أمير المؤمنين فتح الله
عليك بأعظم الفتح واستشهد النعمان بن مقرن رحمه الله فقال عمر إنا لله وإنا إليه
راجعون قال ثم بكى فنشج حتى إني لأنظر إلى فروع منكبيه من فوق كتده قال فلما
رأيت ما لقى قلت والله يا أمير المؤمنين ما أصيب بعده من رجل يعرف وجهه فقال
204

المستضعفون من المسلمين لكن الذي أكرمهم بالشهادة يعرف وجوههم وأنسابهم
وما يصنعون بمعرفة عمر بن أم عمر ثم قام ليدخل فقلت أن معي مالا عظيما قد جئت
به ثم أخبرته خبر السفطين قال أدخلهما بين المال حتى ننظر في شأنهما والحق
بجندك قال فأدخلتهما بيت المال وخرجت سريعا إلى الكوفة قال وبات تلك الليلة
التي خرجت فيها فلما أصبح بعث في أثرى رسولا فوالله ما أدركني حتى دخلت
الكوفة فأنخت بعيري وأناخ بعيره على عرقوبي بعيري فقال الحق بأمير المؤمنين
فقد بعثني في طلبك فلم أقدر عليك إلا الآن قال قلت ويلك ماذا ولماذا قال لا أدري
والله قال فركبت معه حتى قدمت عليه فلما رآني قال مالي ولابن أم السائب بل
ما لابن أم السائب ومالي قال قلت وما ذاك يا أمير المؤمنين قال ويحك والله ما هو
إلا أن نمت في الليلة التي خرجت فيها فباتت ملائكة ربي تسحبني إلى ذينك السفطين
يشتعلان نارا يقولون لنكوينك بهما فأقول أني سأقسمهما بين المسلمين فخذهما عني
لا أبالك والحق بهما فبعهما في أعطية المسلمين وأرزاقهم قال فخرجت بهما حتى وضعتهما
في مسجد الكوفة وغشيني التجار فابتاعهما مني عمرو بن حريث المخزومي بألفي ألف
ثم خرج بهما إلى أرض الأعاجم فباعهما بأربعة آلاف ألف ما زال أكثر أهل الكوفة
مالا بعد * حدثنا الربيع بن سليمان قال حدثنا أسد بن موسى قال حدثنا المبارك بن
فضالة عن زياد بن جبير قال حدثني أبي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال
للهرمزان حين آمنه لا بأس انصح لي قال نعم قال إن فارس اليوم رأس وجناحان
قال وأين الرأس قال بنهاوند مع بندار فإن معه أساورة كسرى وأهل أصبهان قال
وأين الجناحان فذكر مكانا نسيته قال فاقطع الجناحين يهن الرأس فقال عمر كذبت
يا عدو الله بل أعمد إلى الرأس فأقطعه فإذا قطعه الله لم يعص عليه الجناحان قال فأراد
أن يسير إليه بنفسه فقالوا نذكرك الله يا أمير المؤمنين أن تسير بنفسك إلى حلبة
العجم فإن أصبت لم يكن للمسلمين نظام ولكن ابعث الجنود فبعث أهل المدينة فيهم
عبد الله بن عمر ين الخطاب وفيهم المهاجرون والأنصار وكتب إلى أبي موسى
الأشعري أن سر بأهل البصرة * وكتب إلى حذيفة بن اليمان أن سر بأهل الكوفة
205

حتى تجتمعوا جميعا بنهاوند وكتب إذا التقيتم فأميركم النعمان بن مقرن المزني فلما
اجتمعوا بنهاوند أرسل بندار العلج إليهم أن أرسلوا إلينا رجلا نكلمه فأرسلوا
إليه المغيرة بن شعبة قال أبى كأني أنظر إليه رجلا طويل الشعر أعور فأرسلوه إليه
فلما جاء سألناه فقال وجدته قد استشار أصحابه فقال بأي شئ نأذن لهذا العربي
بشارتنا وبهجتنا وملكنا أو نتقشف له فيما قبلنا حتى يزهد فقالوا لا بل بأفضل
ما يكون من الشارة والعدة فتهيؤا بها فلما أتيناهم كادت الحراب والنيازك يلتمع منها
البصر فإذا هم على رأسه مثل الشياطين وإذا هو على سرير من ذهب على رأسه التاج قال
فمضيت كما أنا ونكست قال فدفعت ونهنهت فقلت الرسل لا يفعل بهم هذا فقالوا
إنما أنت كلب فقلت معاذ الله لأنا أشرف في قومي من هذا في قومه فانتهروني فقالوا
اجلس فأجلسوني قال وترجم له قوله إنكم معشر العرب أبعد الناس من كل خير
وأطول الناس جوعا وأشقى الناس شقاء وأقذر الناس قذرا وأبعده دارا وما منعني
أن آمر هؤلاء الأساورة حولي أن ينتظموكم بالنشاب إلا تنجسا لجيفكم فإنكم أرجاس
فان تذهبوا نخل عنكم وإن تابوا نركم مصارعكم قال فحمدت الله وأثنيت عليه فقلت
والله ما أخطأت من صفتنا شيئا ولا من نعتنا إن كنا لابعد الناس دارا وأشد الناس
جوعا وأشقى الناس شقاء وأبعد الناس من كل خير حتى بعث الله عز وجل إلينا
رسوله صلى الله عليه وسلم فوعدنا النصر في الدنيا والجنة في الآخرة فوالله ما زلنا
نتعرف من ربنا منذ جاءنا رسوله الفتح والنصر حتى أتيناكم وإنا والله لا نرجع إلى
ذلك الشقاء أبدا حتى نغلبكم على ما في أيديكم أو نقتل بأرضكم فقال أما والله إن
الأعور لقد صدقكم الذي في نفسه قال فقمت وقد والله أرعبت العلج جهدي قال
فأرسل إلينا العلج إما أن تعبروا إلينا بنهاوند وإما أن نعبر إليكم فقال النعمان اعبروا
قال أبي فلم أر والله مثل ذلك اليوم انهم يجيئون كأنهم جبال حديد قد تواثقوا
أن لا يفروا من العرب وقد قرن بعضهم بعضا سبعة في قران وألقوا حسك
الحديد خلفهم وقالوا من فر منا عقره حسك الحديد فقال المغيرة حين رأى كثرتهم
لم أر كاليوم فشلا إن عدونا يتركون يتأهبون لا يعجلون أما والله لو أن الامر لي
206

لقد أعجلتهم وكان النعمان بن مقرن رجلا لينا فقال له فالله عز وجل يشهدك أمثالها
فلا يحزنك ولا يعيبك موقفك إنه والله ما منعني من أن أناجزهم إلا شئ شهدته
من رسول الله صلى الله عليه وسلم ان رسول الله كان إذا غزا فلم يقاتل أول
النهار لم يعجل حتى تحضر الصلاة وتهب الأرواح ويطيب القتال فما منعني إلا
ذلك اللهم إني أسألك أن تقر عيني اليوم بفتح يكون فيه عز الاسلام وذل يذل
به الكفار ثم اقبضني إليك بعد ذلك على الشهادة أمنوا يرحمكم الله فأمنا وبكينا
ثم قال إني هاز لوائي فتيسروا للسلاح ثم هاز الثانية فكونوا متأهبين لقتال عدوكم
فإذا هززت الثالثة فليحمل كل قوم من يليهم من عدوهم على بركة الله
قال وجاءوا بحسك الحديد قال فجعل يلبث حتى إذا حضرت الصلاة وهبت الأرواح
كبر وكبرنا ثم قال أرجو أن يستجيب الله لي ويفتح علي ثم هز اللواء فتيسرنا
للقتال ثم هزه الثانية فكنا بإزاء العدو ثم هزه الثالثة قال فكبر وكبر المسلمون وقالوا
فتحا يعز الله به الاسلام وأهله ثم قال النعمان إن أصبت فعلى الناس حذيفة بن
اليمان وإن أصيب حذيفة ففلان وإن أصيب فلان ففلان حتى عد سبعة آخرهم
المغيرة ثم هز اللواء الثالثة فحمل كل إنسان على من يليه من العدو قال فوالله ما علمت
من المسلمين أحدا يومئذ يريد أن يرجع إلى أهله حتى يقتل أو يظفر فحملنا حملة
واحدة وثبتوا لنا فما كنا نسمع إلا وقع الحديد على الحديد حتى أصيب المسلمون
بمصائب عظيمة فلما رأوا صبرنا وأنا لا نبرح العرصة انهزموا فجعل يقع الواحد
فيقع عليه سبعة بعضهم على بعض في قياد فيقتلون جميعا وجعل يعقرهم حسك
الحديد الذي وضعوا خلفهم فقال النعمان رضي الله عنه قدموا اللواء فجعلنا
نقدم اللواء ونقتلهم ونهزمهم فلما رأى أن الله قد استجاب له ورأي الفتح جاءته
نشابة فأصابت خاصرته فقتلته قال فجاء أخوه معقل فسجى عليه ثوبا وأخذ اللواء
فقاتل ثم قال تقدموا نقتلهم ونهزمهم فلما اجتمع الناس قالوا أين أميرنا قال معقل
هذا أميركم قد أقر الله عينه بالفتح وختم له بالشهادة قال فبايع الناس حذيفة وعمر
بالمدينة يستنصر له ويدعو له مثل الحبلى * قال وكتب إلى عمر بالفتح مع رجل
207

من المسلمين فلما أتاه قال له أبشر يا أمير المؤمنين بفتح أعز الله به الاسلام وأهله
وأذل به الكفر وأهله قال فحمد الله عز وجل ثم قال النعمان بعثك قال احتسب
النعمان يا أمير المؤمنين قال فبكى عمر واسترجع قال ومن ويحك قال فلان وفلان
حتى عد له ناسا كثيرا ثم قال وآخرين يا أمير المؤمنين لا تعرفهم فقال عمر وهو
يبكي لا يضرهم ألا يعرفهم عمر ولكن الله يعرفهم (وأما سيف) فإنه قال فيما
كتب إلي السري يذكر أن شعيبا حدثه عنه وعن محمد والمهلب وطلحة وعمر
وسعيد أن الذي هاج أمر نهاوند أن أهل البصرة لما أشجوا الهرمزان وأعجلوا
أهل فارس عن مصاب جند العلاء ووطئوا أهل فارس كاتبوا ملكهم وهو يومئذ
بمرو فحركوه فكاتب الملك أهل الجبال من بين الباب والسند وخراسان وحلوان
فتحركوا وتكاتبوا وركب بعضهم إلى بعض فأجمعوا أن يوافوا نهاوند ويبرموا
فيها أمورهم فتوافى إلى نهاوند أوائلهم وبلغ سعدا الخبر عن قباذ صاحب حلوان
فكتب إلى عمر بذلك فنزا بسعد أقوام وألبوا عليه فيما بين تراسل القوم واجتماعهم
إلى نهاوند ولم يشغلهم ما دهم المسلمين من ذلك وكان ممن نهض الجراح بن سنان
الأسدي في نفر فقال عمران الدليل على ما عندكم من الشر نهوضكم في هذا الامر
وقد استعد لكم من استعد وأيم الله لا يمنعني ذلك من النظر فيما لديكم وإن نزلوا
بكم فبعث عمر محمد بن مسلمة والناس في الاستعداد للأعاجم والأعاجم في الاجتماع
وكان محمد بن مسلمة هو صاحب العمال الذي يقتص آثار من شكى زمان عمر
فقدم محمد على سعد ليطوف به في أهل الكوفة والبعوث تضرب على أهل الأمصار
إلى نهاوند فطوف به على مساجد أهل الكوفة لا يتعرض للمسألة عنه في السر
وليست المسألة في السر من شأنهم إذ ذاك وكان لا يقف على مسجد فيسألهم عن
سعد إلا قالوا لا نعلم إلا خيرا ولا نشتهي به بدلا ولا نقول ولا نعين عليه إلا
من مال الجراح بن سنان وأصحابه فإنهم كانوا يسكتون لا يقولون سوءا ولا يسوغ
لهم ويتعمدون ترك الثناء حتى انتهوا إلى بني عبس فقال محمد أنشد بالله رجلا يعلم
حقا إلا قال قال أسامة بن قتادة اللهم إن نشدتنا فإنه لا يقسم بالسوية ولا يعدل
208

في الرعية ولا يغزو في السرية فقال سعد اللهم إن كان قالها كاذبا ورئاء وسمعة فأعم
بصره وأكثر عياله وعرضه لمضلات الفتن فعمى واجتمع عنده عشر بنات وكان
يسمع بخبر المرأة فيأتيها حتى يجسها فإذا عثر عليه قال دعوة سعد الرجل المبارك
ثم أقبل على الدعاء على النفر فقال اللهم إن كانوا خرجوا أشرا وبطرا وكذبا
فاجهد بلاءهم فجهد بلاؤهم فقطع الجراح بالسيوف يوم ثاور الحسن بن علي ليغتاله
بساباط وشدخ قبيصة بالحجارة وقتل أربد بالوحئ وبنعال السيوف وقال سعد
إني لأول رجل أهرق دما من المشركين ولقد جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم
أبويه وما جمعهما لاحد قبلي ولقد رأيتني خمس الاسلام وبنو أسد تزعم أني لا أحسن
أصلي وأن الصيد يلهيني وخرج محمد به وبهم إلى عمر حتى قدموا عليه فأخبره الخبر
فقال يا سعد ويحك كيف تصلي فقال أطيل الأوليين وأحذف الأخريين فقال هكذا
الظن بك ثم قال لولا الاحتياط لكان سبيلهم بينا ثم قال من خليفتك يا سعد على
الكوفة قال عبد الله بن عبد الله بن عتبان فأقره واستعمله فكان سبب نهاوند وبدء
مشورتها وبعوثها في زمان سعد وأما الوقعة ففي زمان عبد الله * قالوا وكان من
حديثهم أنهم نفروا لكتاب يزدجرد الملك فتوافوا إلى نهاوند فتوافى إليها من بين
خراسان إلى حلوان ومن بين الباب إلى حلوان ومن سجستان إلى حلوان فاجتمعت
حلبة فارس والفهلوج أهل الجبال من بين الباب إلى حلوان ثلاثون ألف مقاتل
ومن بين خراسان إلى حلوان ستون ألف مقاتل ومن بين سجستان إلى فارس
وحلوان ستون ألف مقاتل واجتمعوا على الفيرزان وإليه كانوا توافوا وشاركهم
موسى عن حمزة بن المغيرة بن شعبة عن أبي طعمة الثقفي وكان قد أدرك ذلك
قال ثم إنهم قالوا إن محمدا الذي جاء العرب بالدين لم يغرض غرضنا ثم ملكهم
أبو بكر من بعده فلم يغرض غرض فارس إلا في غارة تعرض لهم فيها وإلا فيما يلي
بلادهم من السواد ثم ملك عمر من بعده فطال ملكه وعرض حتى تناولكم وانتقصكم
السواد والأهواز وأوطأها ثم لم يرض حتى أتى أهل فارس والمملكة في عقر
دارهم وهو آتيكم إن لم تأتوه فقد أخرب بيت مملكتكم واقتحم بلاد ملككم
209

وليس بمنته حتى تخرجوا من في بلادكم من جنوده وتقطعوا هذين المصرين ثم تشغلوه
في بلاده وقراره وتعاهدوا وتعاقدوا وكتبوا بينهم على ذلك كتابا وتمالؤا عليه وبلغ
الخبر سعدا وقد استخلف عبد الله بن عبد الله بن عتبان ولما شخص لقى عمر بالخبر
مشافهة وقد كان كتب إلى عمر بذلك وقال إن أهل الكوفة يستأذنوك في الانسياح
في أن يبادروهم الشدة وقد كان عمر منعهم من الانسياح في الجبل وكتب إليه أيضا
عبد الله وغيره بأنه قد تجمع منهم خمسون ومائة ألف مقاتل فإن جاؤنا قبل أن نبادرهم
الشدة ازدادوا جرأة وقوة وإن نحن عاجلناهم كان لنا ذلكم وكان الرسول بذلك قريب
ابن ظفر العبدي ثم خرج سعد بعده فوافى مشورة عمر فلما قدم الرسول بالكتاب إلى
عمر بالخبر فرآه قال ما اسمك قال قريب قال ابن من قال ابن ظفر فتفأل إلى ذلك وقال
ظفر قريب إن شاء الله ولا قوة إلا بالله ونودي في الناس الصلاة جامعة فاجتمع الناس
ووافاه سعد فتفأل إلى سعد بن مالك وقام على المنبر خطيبا فأخبر الناس الخبر
واستشارهم وقال هذا يوم له ما بعده من الأيام ألا وإني قد هممت بأمر وإني عارضه عليكم
فاسمعوه ثم أخبروني وأوجزوا ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ولا تكثروا
ولا تطيلوا فتفشغ بكم الأمور ويلتوى عليكم الرأي أفمن الرأي أن أسير فيمن قبلي
ومن قدرت عليه حتى أنزل منزلا واسطا بين هذين المصرين فأستنفرهم ثم أكون لهم
رداء حتى يفتح الله عليهم ويقضى ما أحب فإن فتح الله عليهم أن أضربهم عليهم في
بلادهم وليتنازعوا ملكهم فقام عثمان بن عفان وطلحة بن عبد الله والزبير بن العوام
وعبد الرحمن بن عوف في رجال من أهل الرأي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم فتكلموا كلاما فقالوا لا نرى ذلك ولكن لا يغيبن عنهم رأيك وأثرك وقالوا
بإزائهم وجوه العرب وفرسانهم وأعلامهم ومن قد فض جموعهم وقتل ملوكهم
وباشر من حروبهم ما هو أعظم من هذه وإنما استأذنوك ولم يستصرخوك فأذن لهم
واندب إليهم وادع لهم وكان الذي ينتقد له الرأي إذا عرض عليه العباس رضي الله عنه
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن حمزة عن أبي حمزة عن أبي
طعمة قال فقام علي بن أبي طالب عليه السلام فقال أصاب القوم يا أمير المؤمنين الرأي
210

وفهموا ما كتب به إليك وإن هذا الامر لم يكن نصره ولا خذلانه لكثرة ولا قلة
وإنما هو دينه الذي أظهر وجنده الذي أعز وأيده بالملائكة حتى بلغ ما بلغ فنحن على
موعود من الله والله منجز وعده وناصر جنده ومكانك منهم مكان النظام من
الخرز يجمعه ويمسكه فإن انحل تفرق ما فيه وذهب ثم لم يجتمع بحذافيره أبدا والعرب
اليوم وإن كانوا قليلا فهم كثير عزيز بالاسلام فأقم واكتب إلى أهل الكوفة فهم
أعلام العرب ورؤساؤهم ومن لم يحفل بمن هو أجمع وأحد وأجد من هؤلاء
فليأتهم الثلثان وليقم الثلث واكتب إلى أهل البصرة أن يمدوهم ببعض من عندهم
فسر عمر بحسن رأيهم وأعجبه ذلك منهم وقام سعد فقال يا أمير المؤمنين خفض
عليك فإنهم إنما جمعوا لنقمة (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن أبي
بكر الهذلي قال لما أخبرهم عمر الخبر واسثشارهم وقال أوجزوا في القول ولا تطيلوا
فتفشغ بكم الأمور واعلموا أن هذا يوم له ما بعده من الأيام تكلموا فقام طلحة
ابن عبيد الله وكان من خطباء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتشهد ثم قال
أما بعد يا أمير المؤمنين فقد أحكمتك الأمور وعجمتك البلايا واحتنكتك التجارب
وأنت وشأنك وأنت ورأيك لا ننبو في يديك ولا نكل عليك إليك هذا الامر
فمرنا نطع وادعنا نجب واحمنا نركب ووفدنا نفد وقدنا ننقد فإنك ولي هذا الامر
وقد بلوت وجربت واختبرت فلم ينكشف شئ من عواقب قضاء الله لك إلا عن
خيار ثم جلس فعاد عمر فقال إن هذا يوم له ما بعده من الأيام فتكلموا فقام عثمان
ابن عفان فتشهد وقال أرى يا أمير المؤمنين أن تكتب إلى أهل الشأم فيسيروا من
شأمهم وتكتب إلى أهل اليمن فيسيروا من يمنهم ثم تسير أنت بأهل هذين الحرمين
إلى المصرين الكوفة والبصرة فتلقى جمع المشركين بجمع المسلمين فإنك إذا سرت
بمن معك وعندك قل في نفسك ما قد تكاثر من عدد القوم وكنت أعز عزا وأكثر
يا أمير المؤمنين إنك لا تستبقي من نفسك بعد العرب باقية ولا تمتنع من الدنيا بعزيز
ولا تلوذ منها بحريز إن هذا اليوم له ما بعده من الأيام فاشهده برأيك وأعوانك
ولا تغب عنه ثم جلس فعاد عمر فقال إن هذا يوم له ما بعده من الأيام فتكلموا
211

فقام علي بن أبي طالب فقال أما بعد يا أمير المؤمنين فإنك إن أشخصت أهل الشأم
من شأمهم سارت الروم إلى ذراريهم وإن أشخصت أهل اليمن من يمنهم سارت
الحبشة إلى ذراريهم وإنك إن شخصت من هذه الأرض انتقضت عليك الأرض
من أطرافها وأقطارها حتى يكون ما تدع وراءك أهم إليك مما بين يديك من العورات
والعيالات أقرر هؤلاء في أمصارهم واكتب إلى أهل البصرة فليتفرقوا فيها ثلاث
فرق فلتقم فرقة لهم في حرمهم وذراريهم ولتقم فرقة في أهل عهدهم لئلا ينتقضوا عليهم
ولتسر فرقة إلى إخوانهم بالكوفة مددا لهم أن الأعاجم إن ينظروا إليك غدا
قالوا هذا أمير العرب وأصل العرب فكان ذلك أشد لكلبهم وألبتهم على نفسك
وأما ما ذكرت من مسير القوم فإن الله هو أكره لمسيرهم منك وهو أقدر على
تغيير ما يكره وأما ما ذكرت من عددهم فإنا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة
ولكنا كنا نقاتل بالنصر فقال عمر أجل والله لئن شخصت من البلدة لتنتقضن
على الأرض من أطرافها وأكنافها ولئن نظرت إلى الأعاجم لا يفارقن
العرصة وليمدنهم من لم يمدهم وليقولن هذا أصل العرب فإذا اقتطعتموه
اقتطعتم أصل العرب فأشيروا على برجل أوله ذلك الثغر غدا قالوا أنت أفضل
رأيا وأحسن مقدرة قال أشيروا علي به واجعلوه عراقيا قالوا يا أمير المؤمنين
أنت أعلم بأهل العراق وجندك قد وفدوا عليك ورأيتهم وكلمتهم فقال أما
والله لأولين أمرهم رجلا ليكونن لأول الأسنة إذا لقيها غدا فقيل من يا أمير
المؤمنين فقال النعمان بن مقرن المزني فقالوا هو لها والنعمان يومئذ بالبصرة معه
قواد من قواد أهل الكوفة أمدهم بهم عمر عند انتقاض الهرمزان فافتتحوا رامهرمز
وإيذج وأعانوهم على تستر وجندي سابور والسوس فكتب إليه عمر مع زر بن
كليب والمقترب الأسود بن ربيعة بالخبر وإني قد وليتك حربهم فسر من وجهك
ذلك حتى تأتي ماه فإني قد كتبت إلى أهل الكوفة أن يوافوك بها فإذا اجتمع لك
جنودك فسر إلى الفيرزان ومن تجمع إليه من الأعاجم من أهل فارس وغيرهم
واستنصروا الله وأكثروا من قول لا حول ولا قوة إلا بالله وروى عن أبي وائل
212

في سبب توجيه عمر النعمان بن مقرن إلى نهاوند ما حدثني به محمد بن عبيد الله بن
صفوان الثقفي قال حدثنا أمية بن خالد قال حدثنا أبو عوانة عن حصين بن عبد
الرحمن قال قال أبو وائل كان النعمان بن مقرن على كسكر فكتب إلى عمر مثلي
ومثل كسكر كمثل رجل شاب إلى جنبه مومسة تلون له وتعطر فأنشدك الله لما
عزلتني عن كسكر وبعثتني إلى جيش من جيوش المسلمين قال فكتب إليه عمر أن
ائت الناس بنهاوند فأنت عليهم قال فالتقوا فكان أول قتيل وأخذ الراية أخوه
سويد بن مقرن ففتح الله على المسلمين ولم يكن لهم يعني للفرس جماعة بعد يومئذ
فكان أهل كل مصر يغزون عدوهم في بلادهم (رجع الحديث إلى حديث سيف)
وكتب يعني عمر إلى عبد الله بن عبد الله مع ربعي بن عامر أن استنفر من أهل
الكوفة مع النعمان كذا وكذا فإني قد كتبت إليه بالتوجه من الأهواز إلى ماه
فليوافوه بها وليسر بها إلى نهاوند وقد أمرت عليهم حذيفة بن اليمان حتى ينتهي إلى
النعمان بن مقرن وقد كتبت إلى النعمان إن حدث بك حدث فعلى الناس حذيفة بن
اليمان فإن حدث بحذيفة حدث فعلى الناس نعيم بن مقرن ورد قريب بن ظفر ورد
معه السائب بن الأقرع أمينا وقال إن فتح الله عليكم فاقسم ما أفاء الله عليهم بينهم ولا
تخدعني ولا ترفع إلي باطلا وإن نكب القوم فلا تراني ولا أراك فقدما إلى الكوفة
بكتاب عمر بالاستحثاث وكان أسرع أهل الكوفة إلى ذلك الروادف ليبلوا في
الدين وليدركوا حظا وخرج حذيفة بن اليمان بالناس ومعه نعيم حتى قدموا على
النعمان بالطزر وجعلوا بمرج القلعة خيلا عليها النسير وقد كتب عمر إلى سلمى بن
القين وحرملة بن مريطة وزر بن كليب والمقترب الأسود بن ربيعة وقواد فارس
الذين كانوا بين فارس والأهواز أن اشغلوا فارس عن إخوانكم وحوطوا بذلك
أمتكم وأرضكم وأقيموا على حدود ما بين فارس والأهواز حتى يأتيكم أمري وبعث
مجاشع بن مسعود السلمي إلى الأهواز وقال له انصل منها على ماه فخرج حتى إذا كان
بغضي شجر أمره النعمان أن يقيم مكانه فأقام بين غضى شجر ومرج القلعة ونضل
سلمى وحرملة وزر والمقترب فكانوا في تخوم أصبهان وفارس فقطعوا بذلك عن
213

أهل نهاوند أمداد فارس ولما قدم أهل الكوفة على النعمان بالطزر جاءه كتاب
عمر مع قريب ان معك حد العرب ورجالهم في الجاهلية فأدخلهم دون من هو
دونهم في العلم بالحرب واستعن بهم واشرب برأيهم وسل طليحة وعمرا وعمرا
ولا تولهم شيئا فبعث من الطزر طليحة وعمرا وعمرا طليعة ليأتوه بالخبر وتقدم
إليهم أن لا يغلوا فخرج طليحة بن خويلد وعمرو بن أبي سلمى العنزي وعمرو بن
معديكرب الزبيدي فلما ساروا يوما إلى الليل رجع عمرو بن أبي سلمى فقالوا
ما رجعك قال كنت في أرض العجم وقتلت أرض جاهلها وقتل أرضا عالمها
ومضى طليحة وعمرو حتى إذا كان من آخر الليل رجع عمرو فقالوا ما رجعك قال
سرنا يوما وليلة لم نر شيئا وخفت أن يؤخذ علينا الطريق ونفذ طليحة ولم يحفل
بهما فقال الناس ارتد الثانية ومضى طليحة حتى انتهى إلى نهاوند وبين الطزر ونهاوند
بضعة وعشرون فرسخا فعلم علم القوم واطلع على الاخبار ثم رجع حتى إذا انتهى إلى
الجمهور وكبر الناس فقال ما شأن الناس فأخبروه بالذي خافوا عليه فقال والله لو لم
يكن دين إلا العربية ما كنت لاجزر العجم الطماطم هذه العرب العاربة فأتى النعمان
فدخل عليه فأخبروه الخبر واعلمه أنه ليس بينه وبين نهاوند شئ يكرهه ولا أحد
فنادى عند ذلك النعمان بالرحيل فأمرهم بالتعبية وبعث إلى مجاشع بن مسعود أن
يسوق الناس وسار النعمان على تعبيته وعلى مقدمته نعيم بن مقرن وعلى مجنبتيه
حذيفة بن اليمان وسويد بن مقرن وعلى المجردة القعقاع بن عمرو وعلى الساقة مجاشع
وقد توافي إليه أمداد المدينة فهم المغيرة وعبد الله فانتهوا إلى الاسبيذهان والقوم
وقوف دون وأي خرد على تعبيتهم وأميرهم الفيرزان وعلى مجنبتيه الزردق وبهمن
جاذويه الذي جعل مكان ذي الحاجب وقد توافي إليهم بنهاوند كل من غاب عن القادسية
والأيام من أهل الثغور وأمرائها وأعلام من أعلامهم ليسوا بدون من شهد
الأيام والقوادس وعلى خيولهم أنوشق فلما رآهم النعمان كبر وكبر الناس معه
فتزلزت الأعاجم فأمر النعمان وهو واقف بحط الأثقال وبضرب الفسطاط فضرب
وهو واقف فابتدره أشراف أهل الكوفة فبنوا له فسطاطا سابقوا أكفاءهم
214

فسبقوهم وهم أربع عشرة منهم حذيفة بن اليمان وعقبة بن عمرو والمغيرة بن شعبة
وبشير بن الخصاصية وحنظلة الكاتب بن الربيع وابن الهوبر وربعي بن عامر
وعامر بن مطر وجرير بن عبد الله الحميري والأقرع بن عبد الله الحميري وجرير
ابن عبد الله البجلي والأشعث بن قيس الكندي وسعيد بن قيس الهمداني ووائل
ابن حجر فلم ير بناء فسطاط بالعراق كهؤلاء وأنشب النعمان بعد ما حط
الأثقال القتال فاقتتلوا يوم الأربعاء ويوم الخميس والحرب بينهم في ذاك
سجال في سبع سنين من امارة عمر في سنة تسعة عشر وأنهم انجحروا في
خنادقهم يوم الجمعة وحصرهم المسلمون فأقاموا عليهم ما شاء الله والأعاجم
بالخيار لا يخرجون إلا إذا أرادوا الخروج فاشتد ذلك على المسلمين وخافوا أن
يطول أمرهم حتى إذا كان ذات يوم في جمعة من الجمع تجمع أهل الرأي من المسلمين
فتكلموا وقالوا نراهم علينا بالخيار وأتوا النعمان في ذلك فأخبروه فوافقوه وهو
يروي في الذي رووا فيه فقال على رسلكم لا تبرحوا وبعث إلى من بقي من أهل
النجدات والرأي في الحروب فتوافوا إليه فتكلم النعمان فقال قد ترون المشركين
واعتصامهم بالحصون من الخنادق والمدائن وإنهم لا يخرجون إلا إذا شاءوا ولا
يقدر المسلمون على إنقاضهم وانبعاثهم قبل مشيئتهم وقد ترون الذي فيه المسلمون
من التضايق بالذي هم فيه وعليه من الخيار عليهم في الخروج فما الرأي الذي به نحمشهم
ونستخرجهم إلى المنابذة وترك التطويل فتكلم عمرو بن ثبى وكان أكبر الناس
يومئذ سنا وكانوا إنما يتكلمون على الأسنان فقال التحصن عليهم أشد من المطاولة
عليكم فدعهم ولا تحرجهم وطاولهم وقاتل من أتاك منهم فردوا عليه جميعا رأيه وقالوا
إنا على يقين من إنجاز ربنا موعده لنا وتكلم عمرو بن معديكرب فقال ناهدهم
وكاثرهم ولا تخفهم فردوا عليه جميعا رأيه وقالوا إنما تناطح بنا الجدران والجدران
لهم أعوان علينا وتكلم طليحة فقال قد قالا ولم يصيبا ما أرادوا وأما أنا فأرى أن
نبعث خيلا مؤدية فيحدقوا بهم ثم يرموهم لينشبوا القتال ويحمشوهم فإذا استحمشوا
واختلطوا بهم وأرادوا الخروج أرزوا إلينا استطرادا فإنا لم نستطرد لهم في طول
215

ما قاتلناهم وإنا إذا فعلنا ذلك ورأوا ذلك منا طمعوا في هزيمتنا ولم يشكوا فيها
فخرجوا فجادونا وجاددناهم حتى يقضى الله فيهم وفينا ما أحب فأمر النعمان القعقاع
ابن عمرو وكان على المجردة ففعل وأنشب القتال بعد احتجاز من العجم فأنقضهم
فلما خرجوا نكص ثم نكص ثم نكص واغتنمها الأعاجم ففعلوا كما ظن طليحة
وقالوا هي هي فخرجوا فلم يبق أحد إلا من يقوم لهم على الأبواب وجعلوا يركبونهم
حتى أرز القعقاع إلى الناس وانقطع القوم عن حصنهم بعض الانقطاع والنعمان
ابن مقرن والمسلمون على تعبيتهم في يوم جمعة في صدر النهار وقد عهد النعمان إلى
الناس عهده وأمرهم أن يلزموا الأرض ولا يقاتلوهم حتى يأذن لهم ففعلوا واستتروا
بالحجف من الرمي وأقبل المشركون عليهم يرمونهم حتى أفشوا فيهم الجراحات
وشكا بعض الناس ذلك إلى بعض ثم قالوا للنعمان ألا ترى ما نحن فيه ألا ترى إلى
ما لقى الناس فما تنتظر بهم ائذن للناس في قتالهم فقال لهم النعمان رويدا رويدا قالوا
له ذلك مرارا فأجابهم بمثل ذلك مرارا رويدا رويدا فقال المغيرة لو أن هذا الامر
إلى علمت ما أصنع فقال رويدا ترى أمرك وقد كنت تلى الامر فتحسن فلا يخذلنا
الله ولا إياك ونحن نرجو في المكث مثل الذي ترجو في الحث وجعل النعمان ينتظر
بالقتال إكمال ساعات كانت أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في القتال أن
يلقى فيها العدو وذلك عند الزوال وتفيؤ الأفياء ومهب الرياح فلما كان قريبا من
تلك الساعة تحشحش النعمان وسار في الناس على برذون أحوى قريب من الأرض
فجعل يقف على كل راية ويحمد الله ويثنى عليه ويقول قد علمتم ما أعزكم الله به من
هذا الدين وما وعدكم من الظهور وقد أنجز لكم هوادى ما وعدكم وصدوره وإنما
بقيت أعجازه وأكارعه والله منجز وعده ومتبع آخر ذلك أوله واذكروا ما مضى
إذ كنتم أذلة وما استقبلتم من هذا الامر وأنتم أعزة فأنتم اليوم عباد الله حقا وأولياؤه
وقد علمتم انقطاعكم من إخوانكم من أهل الكوفة والذي لهم في ظفركم وعزكم
والذي عليهم في هزيمتكم وذلكم وقد ترون من أنتم بإزائه من عدوكم وما أخطرتم
وما أخطروا لكم فأما ما أخطروا لكم فهذه الرئة وما ترون من هذا السواد وأما
216

ما أخطرتم لهم فدينكم وبيضتكم ولا سواء ما أخطرتم وما أخطروا فلا يكونن
على دنياهم أحمى منكم على دينكم وأتقى الله عبد صدق الله وأبلى نفسه فأحسن البلاء
فإنكم بين خيرين منتظرين إحدى الحسنيين من بين شهيد حي مرزوق أو فتح
قريب وظفر يسير فكفى كل رجل ما يليه ولم يكل قرنه إلى أخيه فيجتمع عليه
قرنه وقرن نفسه وذلك من الملامة وقد يقاتل الكلب عن صاحبه فكل رجل منكم
مسلط على ما يليه فإذا قضيت أمري فاستعدوا فإني مكبر ثلاثا فإذا كبرت التكبيرة
الأولى فليتهيأ من لم يكن تهيأ فإذا كبرت الثانية فليشد عليه سلاحه وليتأهب
للنهوض فإذا كبرت الثالثة فإني حامل إن شاء الله فاحملوا معا اللهم أعز دينك
وانصر عبادك واجعل النعمان أول شهيد اليوم على إعزاز دينك ونصر عبادك
فلما فرغ النعمان من التقدم إلى أهل المواقف وقضى إليهم أمره رجع إلى موقفه
فكبر الأولى والثانية والثالثة والناس سامعون مطيعون مستعدون للمناهضة
ينحى بعضهم بعضا عن سننهم وحمل النعمان وحمل الناس وراية النعمان تنقض نحوهم
انقصاض العقاب والنعمان معلم ببياض القباء والقلنسوة فاقتتلوا بالسيوف قتالا
شديدا لم يسمع السامعون بوقعة يوم قط كانت أشد منها فقتلوا فيها من أهل فارس
فيما بين الزوال والاعتام ما طبق أرض المعركة دما يزلق الناس والدواب فيه وأصيب
فرسان من فرسان المسلمين في الزلق في الدماء فزلق فرس النعمان في الدماء فصرعه
وأصيب النعمان حين زلق به فرسه وصرع وتناول الراية نعيم بن مقرن قبل أن تقع
وسجى النعمان بثوب وأتى حذيفة بالراية فدفعها إليه وكان اللواء مع حذيفة فجعل
حذيفة نعيم بن مقرن مكانه وأتى المكان الذي كان فيه النعمان فأقام اللواء وقال له المغيرة
اكتموا مصاب أميركم حتى ننظر ما يصنع الله فينا وفيهم لكيلا يهن الناس واقتتلوا حتى
إذا أظلهم الليل انكشف المشركون وذهبوا والمسلمون ملظون بهم ملتبسون فعمى
عليهم قصدهم فتركوه وأخذوا نحو اللهب الذي كانوا نزلوا دونه بإسبيذهان فوقعوا فيه
وجعلوا لا يهوى منهم أحد الا قال وايه خرد فسمى بذلك وايه خرد إلى اليوم فمات فيه
منهم مائة ألف أو يزيدون سوى من قتل في المعركة منهم أعدادهم ولم يفلت الا الشريد
217

ونجا الفيرزان بين الصرعى في المعركة فهرب نحو همذان في ذلك الشريد فاتبعه
نعيم بن مقرن وقدم القعقاع قدامة فأدركه حين انتهى إلى ثنية همذان والثنية مشحونة
من بغال وحمير موقرة عسلا فحبسه الدواب على أجله فقتله على الثنية بعدما امتنع
وقال المسلمون إن لله جنودا من عسل واستاقوا العسل وما خالطه من سائر الأحمال
فأقبل بها وسميت الثنية بذلك ثنية العسل وإن الفيرزان لما غشيه القعقاع نزل فتوقل
في الجبل إذ لم يجد مساغا وتوقل القعقاع في أثره حتى أخذه ومضى الفلال حتى
انتهوا إلى مدينة همذان والخيل في آثارهم فدخلوها فنزل المسلمون عليهم وحووا
ما حولها فلما رأى ذلك خسروشنوم استأمنهم وقبل منهم على أن يضمن لهم همذان
ودستبى وأن لا يؤتى المسلمون منهم فأجابوهم إلى ذلك وآمنوهم وأمن الناس وأقبل
كل من كان هرب ودخل المسلمون بعد هزيمة المشركين يوم نهاوند مدينة نهاوند
واحتووا ما فيها وما حولها وجمعوا الاسلات والرثاث إلى صاحب الاقباض السائب
ابن الأقرع فبينا هم كذلك على حالهم وفي عسكرهم يتوقعون ما يأتيهم من إخوانهم
بهمذان أقبل الهربذ صاحب بيت النار على أمان فأبلغ حذيفة فقال أتؤمنني على
أن أخبرك بما أعلم قال نعم قال إن النخيرجان وضع عندي ذخيرة لكسرى فأنا
أخرجها لك على أماني وأمان من شئت فأعطاه ذلك فأخرج له ذخيرة كسرى
جوهرا كان أعده لنوائب الزمان فنظروا في ذلك فأجمع رأى المسلمين على رفعه
إلى عمر فجعلوه له فأخرجوه حتى فرغوا فبعثوا به مع ما يرفع من الأخماس وقسم حذيفة
ابن اليمان بين الناس غنائمهم فكان سهم الفارس يوم نهاوند ستة آلاف وسهم
الراجل ألفين وقد نفل حذيفة من الأخماس من شاء من أهل البلاء يوم نهاوند
ورفع ما بقى من الأخماس إلى السائب بن الأقرع فقبض السائب الأخماس فخرج
بها إلى عمر وبذخيرة كسرى وأقام حذيفة بعد الكتاب بفتح نهاوند بنهاوند ينتظر
جواب عمر وأمره وكان رسوله بالفتح طريف بن سهم أخو بني ربيعة بن مالك
فلما بلغ الخبر أهل الماهين بأن همذان قد أخذت ونزلها نعيم بن مقرن والقعقاع
ابن عمرو اقتدوا بخسرشنوم فراسلوا حذيفة فأجابهم إلى ما طلبوا فأجمعوا على
218

القبول وعزموا على إتيان حذيفة فخدعهم دينار وهو دون أولئك الملوك وكان
ملكا إلا أن غيره منهم كان أرفع منه وكان أشرفهم قارن وقال لا تلقوهم في جمالكم
ولكن تقهلوا لهم ففعلوا وخالفهم فأتاهم في الديباع والحلى وأعطاهم حاجتهم
واحتمل للمسلمين ما أرادوا فعاقدوه عليهم ولم يجد الآخرون بدا من متابعته
والدخول في أمره فقيل ماه دينار لذلك فذهب حذيفة بماه دينار وقد كان النعمان
عاقد بهراذان على مثل ذلك فنسبت إلى بهراذان ووكل النسير بن ثور بقلعة قد
كان لجأ إليها قوم فجاهدهم فافتتحها فنسبت إلى النسير وقسم حذيفة لمن خلفوا بمرج
القلعة ولمن أقام بغضي شجر ولأهل المسالح جميعا في فئ نهاوند مثل الذي قسم
لأهل المعركة لانهم كانوا ردء للمسلمين لئلا يؤتوا من وجه من الوجوه وتململ
عمر تلك الليلة التي كان قدر للقائهم وجعل يخرج ويلتمس الخبر فبينا رجل من
المسلمين قد خرج في بعض حوائجه فرجع إلى المدينة ليلا فمر به راكب في الليلة
الثالثة من يوم نهاوند يريد المدينة فقال يا عبد الله من أين أقبلت قال من نهاوند
قال ما الخبر قال الخبر خير فتح الله على النعمان واستشهدوا واقتسم المسلمون فئ نهاوند
فأصاب الفارس ستة آلاف وطواه الراكب حتى انغمس في المدينة فدخل الرجل
فبات فأصبح فتحدث بحديثه ونمى الخبر حتى بلغ عمر وهو فيما هو فيه فأرسل
إليه فسأله فأخبره فقال صدق وصدقت هذا عثيم بريد الجن وقد رأى بريد الانس
فقدم عليه طريف بالفتح بعد ذلك فقال الخبر فقال ما عندي أكثر من الفتح خرجت
والمسلمون في الطلب وهم على رجل وكتمه إلا ما سره ثم خرج وخرج معه أصحابه
فأمعن فرفع له راكب فقال قولوا فقال عثمان بن عفان السائب فقال السائب فلما
دنا منه قال ما وراءك قال البشرى والفتح قال ما فعل النعمان قال زلق فرسه
في دماء القوم فصرع فاستشهد فانطلق راجعا والسائب يسايره وسأل عن عدد من
قتل من المسلمين فأخبره بعدد قليل وأن النعمان أول من استشهد يوم فتح الفتوح
وكذلك كان يسميه أهل الكوفة والمسلمون فلما دخل المسجد حطت الأحمال
فوضعت في المسجد وأمر نفرا من أصحابه منهم عبد الرحمن بن عوف وعبد الله
219

ابن أرقم بالمبيت فيه ودخل منزله واتبعه السائب بن الأقرع بذينك الفسطين
وأخبره خبرهما وخبر الناس فقال يا ابن مليكة والله ما دروا هذا ولا أنت معهم
فالنجاء النجاء عودك على بدنك حتى تأتى حذيفة فيقسمهما على من أفاءهما الله
عليه فأقبل راجعا بقبل حتى انتهى إلى حذيفة بماه فأقامهما فباعهما فأصاب أربعة
آلاف ألف (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد بن قيس الأسدي
أن رجلا يقال له جعفر بن راشد قال لطليحة وهم مقيمون على نهاوند لقد أخذتنا
خلة فهل بقى من أعاجيبك شئ تنفعنا به فقال كما أنتم حتى أنظر فأخذ كساء فتقنع
به غير كثير ثم قال البيان البيان غنم الدهقان في بستان مكان أرونان فدخلوا البستان
فوجدوا الغنم مسمنة (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن أبي معبد
العبسي وعروة بن الوليد عمن حدثهم من قومهم قال بينما نحن محاصرو أهل نهاوند
خرجوا علينا ذات يوم فقاتلونا فلم نلبثهم أن هزمهم الله فتبع سماك بن عبيد العبسي
رجلا منهم معه نفر ثمانية على أفراس لهم فبارزهم فلم يبرز له أحد إلا
قتله حتى أتى عليهم ثم حمل على الذي كانوا معه فأسره وأخذ سلاحه ودعا
له رجلا اسمه عبد فوكله به فقال اذهبوا بي إلى أميركم حتى أصالحه على هذه
الأرض وأودى إليه الجزية وسلني أنت عن إسارك ما شئت وقد مننت علي إذ لم تقتلني
وإنما أنا عبدك الآن وإن أدخلتني على الملك وأصلحت ما بيني وبينه وجدت لي
شكرا وكنت لي أخا فخلى سبيله وآمنه وقال من أنت قال أنا دينار والبيت منهم يومئذ
في آل قارن فأتى به حذيفة فحدثه دينار عن نجدة سماك وما قتل ونظره للمسلمين
فصالحه على الخراج فنسبت إليه ماه وكان يواصل سماكا ويهدى له ويوافي الكوفة
كلما كان عمله إلى عامل الكوفة فقدم الكوفة في إمارة معاوية فقام في الناس بالكوفة
فقال يا معشر أهل الكوفة أنتم أول ما مررتم بنا كنتم خيار الناس فعمرتم بذلك
زمان عمر وعثمان ثم تغيرتم وفشت فيكم خصال أربع بخل وخب وغدر وضيق
ولم يكن فيكم واحدة منهن فرمقتكم فإذا ذلك في مولديكم فعلمت من أين أتيتم فإذا
الخب من قبل النبط والبخل من قبل فارس والغدر من قبل خراسان والضيق من
220

قبل الأهواز (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن عمرو بن محمد عن
الشعبي قال لما قدم بسبي نهاوند إلى المدينة جعل أبو لؤلؤة فيروز غلام المغيرة بن
شعبة لا يلقى منهم صغيرا إلا مسح رأسه وبكى وقال أكل عمر كبدي وكان نهاونديا
فأسرته الروم أيام فارس وأسره المسلمون بعد فنسب إلى حيث سبى (كتب إلى
السري) عن شعيب عن سيف عن عمرو بن محمد عن الشعبي وقال قتل في اللهب ممن
هوى فيه ثمانون ألفا وفي المعركة ثلاثون ألفا مقترنين سوى من قتل في الطلب
وكان المسلمون ثلاثين ألفا وافتتحت مدينة نهاوند في أول سنة تسع عشرة لسبع
سنين من إمارة عمر لتمام سنة ثمان عشرة (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف
عن محمد والمهلب وطلحة في كتاب النعمان بن مقرن وحذيفة لأهل هل الماهين بسم الله
الرحمن الرحيم هذا ما أعطى النعمان مقرن أهل ماه بهراذان أعطاهم الأمان
على أنفسهم وأموالهم وأرضيهم لا يغيرون على ملة ولا يحال بينهم وبين شرائعهم
ولهم المنعة ما أدوا الجزية في كل سنة إلى من وليهم على كل حالم في ماله ونفسه على
قدر طاقته وما أرشدوا ابن السبيل وأصلحوا الطرق وقروا جنود المسلمين ممن مر
بهم فأوى إليهم يوما وليلة ووفوا ونصحوا فإن غشوا وبدلوا فذمتنا منهم بريئة
شهد عبد الله بن ذي السهمين والقعقاع بن عمرو وجرير بن عبد الله وكتب في المحرم
سنة تسع عشرة بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى حذيفة بن اليمان أهل ماه دينار
أعطاهم الأمان على أنفسهم وأموالهم وأرضيهم لا يغيرون عن ملة ولا يحال بينهم
وبين شرائعهم ولهم المنعة ما أدوا الجزية في كل سنة إلى من وليهم من المسلمين على
كل حالم في ماله ونفسه على قدر طاقته وما أرشدوا ابن السبيل وأصلحوا الطرق وقروا
جنود المسلمين من مر بهم فأوى إليهم يوما وليلة ونصحوا فإن غشوا وبدلوا فذمتنا
منهم بريئة شهد القعقاع بن عمرو ونعيم بن مقرن وسويد بن مقرن وكتب
في المحرم قالوا والحق عمر من شهد نهاوند فأبلى من الروادف بلاء فاضلا
في ألفين ألفين ألحقهم بأهل القادسية (وفي هذه السنة) أمر عمر جيوش العراق
يطلب جيوش فارس حيث كانت وأمر بعض من كان بالبصرة من جنود المسلمين
وحواليها بالمسير إلى أرض فارس وكرمان وأصبهان وبعض من كان منهم بناحية
221

الكوفة وماهاتها إلى أصبهان وآذربيجان والري وكان بعضهم يقول إنما كان ذلك
من فعل عمر في سنة ثمان عشرة وهو قول سيف بن عمر
ذكر الخبر عما كان في هذه السنة أعني سنة إحدى وعشرين
من أمر الجندين اللذين ذكرت ان عمر أمرهما بما ذكر أنه أمرهما به
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو
وسعيد قالوا لما رأى عمر أن يزدجرد يبعث عليه في كل عام حربا وقيل له لا يزال
هذا الدأب حتى يخرج من مملكته أذن الناس في الانسياح في أرض العجم حتى
يغلبوا يزدجرد على ما كان في يدي كسرى فوجه الامراء من أهل البصرة بعد فتح
نهاوند ووجه الامراء من أهل الكوفة بعد فتح نهاوند وكان بين عمل سعد بن
أبي وقاص وبين عمل عمار بن ياسر أميران أحدهما عبد الله بن عبد الله بن عتبان وفي
زمانه كانت وقعة نهاوند وزياد بن حنظلة حليف بني عبد بن قصي وفي زمانه أمر
بالانسياح وعزل عبد الله بن عبد الله وبعث في وجه آخر من الوجوه وولى زياد
ابن حنظلة وكان من المهاجرين فعمل قليلا وألح في الاستعفاء فأعفي وولى عمار بن
ياسر بعد زياد فكان مكانه وأمد أهل البصرة بعبد الله بن عبد الله وأمد أهل الكوفة
بأبي موسى وجعل عمر بن سراقة مكانه وقدمت الألوية من عند عمر إلى نفر بالكوفة
زمان زياد بن حنظلة فقدم لواء منها على نعيم بن مقرن وقد كان أهل همذان كفروا
بعد الصلح فأمره بالسير نحو همذان وقال فإن فتح الله على يديك فإلى ما وراء ذلك
في وجهك ذلك إلى خراسان وبعث عتبة بن فرقد وبكير بن عبد الله وعقد لهما على
آذربيجان وفرقها بينهما وأمر أحدهما أن يأخذ إليها من حلوان إلى ميمنتها وأمر
الآخر أن يأخذ إليها من الموصل إلى ميسرتها فتيا من هذا عن صاحبه وتياسر هذا
عن صاحبه وبعث إلى عبد الله بن عبد الله بلواء وأمره أن يسير إلى أصبهان وكان
شجاعا بطلا من أشراف الصحابة ومن وجوه الأنصار حليفا لبني الحبلى من
بني أسد وأمده بأبي موسى من البصرة وأمر عمر بن سراقة على البصرة وكان من
حديث عبد الله بن عبد الله أن عمر حين أتاه فتح نهاوند بدا له أن يأذن في الانسياح
222

تكتب إليه أن سر من الكوفة حتى تنزل المدائن فاندبهم ولا تنتخبهم واكتب إلي
بذلك وعمر يريد توجيهه إلى أصبهان فانتدب له فيمن انتدب عبد الله بن ورقاء الرياحي
وعبد الله بن الحارث بن ورقاء الأسدي والذين لا يعلمون يرون أن أحدهما عبد الله
ابن بديل بن ورقاء الخزاعي لذكر ورقاء وظنوا أنه نسب إلى جده وكان عبد الله بن
بديل بن ورقاء يوم قتل بصفين ابن أربع وعشرين سنة وهي أيام عمر صبي ولما أتى عمر
انبعاث عبد الله بعث زياد بن حنظلة لما أتاه انبعاث الجنود وانسياحهم أمر عمارا
بعد وقرأ قول الله عز وجل (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض
ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين) وقد كان زياد صرف في وسط من امارة سعد إلى
قضاء الكوفة بعد إعفاء سلمان وعبد الرحمن ابني ربيعة ليقضى إلى أن يقدم عبد الله
ابن مسعود من حمص وقد كان عمل لعمر على ما سقى الفرات ودجلة النعمان وسويد
ابنا مقرن فاستعفيا وقالا أعفنا من عمل يتغول ويتزين لنا بزينة المومسة فأعفاهما
وجعل مكانهما حذيفة بن أسيد الغفاري وجابر بن عمرو المزني ثم استعفيا فأعفاهما
وجعل مكانهما حذيفة بن اليمان وعثمان بن حنيف حذيفة على ما سقت دجلة وما
وراءها وعثمان على ما سقى الفرات من السوادين جميعا وكتب إلى أهل الكوفة
اني بعثت إليكم عمار بن ياسر أميرا وجعلت عبد الله بن مسعود معلما ووزيرا
ووليت حذيفة بن اليمان ما سقت دجلة وما وراءها ووليت عثمان بن حنيف
الفرات وما سقى
(ذكر الخبر عن أصبهان)
قالوا ولما قدم عمار إلى الكوفة أميرا وقدم كتاب عمر إلى عبد الله أن سر إلى
أصبهان وزياد على الكوفة وعلى مقدمتك عبد الله بن ورقاء الرياحي وعلى مجنبتيك
عبد الله بن ورقاء الأسدي وعصمة بن عبد الله وهو عصمة بن عبد الله بن عبيدة
ابن سيف بن عبد بن الحارث فسار عبد الله في الناس حتى قدم على حذيفة ورجع
حذيفة إلى عمله وخرج عبد الله من نهاوند فيمن كان معه ومن انصرف معه من
جند النعمان نحو جند قد اجتمع له من أهل أصبهان عليهم الاستندار وكان على
223

مقدمته شهربراز جاذويه شيخ كبير في جمع عظيم فالتقى المسلمون ومقدمة المشركين
برستاق من رساتيق أصبهان فاقتتلوا قتالا شديدا ودعا الشيخ إلى البراز فبرز له
عبد الله بن ورقاء فقتله وانهزم أهل أصبهان وسمى المسلمون ذلك الرستاق رستاق
الشيخ فهو اسمه إلى اليوم ودعا عبد الله بن عبد الله من يليه فسأل الاستندار
الصلح فصالحهم فهذا أول رستاق أخذ من أصبهان ثم سار عبد الله من رستاق
الشيخ نحو جي حتى انتهى إلى جي والملك بأصبهان يومئذ الفاذوسفان ونزل بالناس
على جي فحاصرهم فخرجوا إليه بعد ما شاء الله من زحف فلما التقوا قال الفاذوسفان
لعبد الله لا تقتل أصحابي ولا أقتل أصحابك ولكن أبرز لي فان قتلتك رجع أصحابك
وان قتلتني سالمك أصحابي وإن كان أصحابي لا يقع لهم نشابة فبرز له عبد الله وقال
إما أن تحمل علي وإما أن أحمل عليك فقال أحمل عليك فوقف له عبد الله وحمل
عليه الفاذوسفان فطعنه فأصاب قربوس سرجه فكسره وقطع اللبب والحزام
وزال اللبد والسرج وعبد الله على الفرس فوقع عبد الله قائما ثم استوى على الفرس
عريا وقال له أثبت فحاجزه وقال ما أحب أن أقاتلك فانى قد رأيتك رجلا كاملا
ولكن أرجع معك إلى عسكرك فأصالحك وأدفع المدينة إليك على أن من شاء
أقام ودفع الجزية وأقام على ماله وعلى أن تجرى من أخذتم أرضه عنوة مجراهم
ويتراجعون ومن أبى أن يدخل فيما دخلنا فيه ذهب حيث شاء ولكم أرضه قال
لكم ذلك وقدم عليه أبو موسى الأشعري من ناحية الأهواز وقد صالح الفاذوسفان
عبد الله فخرج القوم من جي ودخلوا في الذمة إلا ثلاثين رجلا من أهل أصبهان
خالفوا قومهم وتجمعوا فلحقوا بكرمان في حاشيتهم لجمع كان بها ودخل عبد الله
وأبو موسى جي وجي مدينة أصبهان وكتب بذلك إلى عمر واعتبط من أقام وندم
من شخص فقدم كتاب عمر على عبد الله أن سر حتى تقدم على سهيل بن عدي
فتجامعه على قتال من بكرمان وخلف في جي من بقى عن جي واستخلف على
أصبهان السائب بن الأقرع (كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن نفر
من أصحاب الحسن منهم المبارك بن فضالة عن الحسن عن أسيد بن المتشمس بن
224

أخي الأحنف قال شهدت مع أبي موسى فتح أصبهان وانما شهدها مددا (كتب
إلى السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو وسعيد قالوا
كتاب صلح أصبهان: بسم الله الرحمن الرحيم كتاب من عبد الله للفاذوسفان وأهل
أصبهان وحواليها انكم آمنون ما أديتم الجزية وعليكم من الجزية بقدر طاقتكم في
كل سنة تؤدونها إلى الذي يلي بلادكم عن كل حالم ودلالة المسلم واصلاح طريقه
وقراه يوما وليلة وحملان الراجل إلى مرحلة لا تسلطوا على مسلم وللمسلمين
نصحكم وأداء ما عليكم ولكم الأمان ما فعلتم فإذا غيرتم شيئا أو غيره مغير منكم
ولم تسلموه فلا أمان لكم ومن سب مسلما بلغ منه فان ضربه قتلناه وكتب وشهد
عبد الله بن قيس وعبد الله بن ورقاء وعصمة بن عبد الله فلما قدم الكتاب من عمر
على عبد الله وأمر فيه باللحاق بسهيل بن عدي بكرمان خرج في جريدة خيل
واستخلف السائب ولحق بسهيل قبل أن يصل إلى كرمان وقد روى عن معقل بن
يسار أن الذي كان أميرا على جيش المسلمين حين غزوا أصبهان النعمان بن مقرن
ذكر الرواية بذلك
* حدثنا يعقوب بن إبراهيم وعمرو بن علي قالا حدثنا عبد الرحمن بن مهدي
قال حدثنا حماد بن سلمة عن أبي عمران الجوني عن علقمة بن عبد الله المزني عن
معقل بن يسار أن عمر بن الخطاب شاور الهرمزان فقال ما ترى أبدأ بفارس أم
بآذربيجان أم بأصبهان فقال إن فارس وآذربيجان الجناحان وأصبهان الرأس
فان قطعت أحد الجناحين قام الجناح الآخر فان قطعت الرأس وقع الجناحان
فابدأ بالرأس فدخل عمر المسجد والنعمان بن مقرن يصلى فقعد إلى جنبه فلما
قضى صلاته قال انى أريد أن أستعملك قال جابيا فلا ولكن غازيا قال فأنت غاز
فوجهه إلى أصبهان وكتب إلى أهل الكوفة أن يمدوه فأتاها وبينه وبينهم النهر فأرسل
إليهم المغيرة بن شعبة فأتاهم فقيل لملكهم وكان يقال له ذو الحاجبين أن رسول العرب
على الباب فشاور أصحابه فقال ما ترون أقعد له في بهجة الملك فقالوا نعم فقعد على
سريره ووضع التاج على رأسه وقعد أبناء الملوك نحو السماطين عليهم القرطة
225

وأسورة الذهب وثياب الديباج ثم أذن له فدخل ومعه رمحه وترسه فجعل يطعن
برمحه بسطهم ليتطيروا وقد أخذ بضبعيه رجلان فقام بين يديه فكلمه ملكهم
فقال إنكم يا معشر العرب أصابكم جوع شديد فخرجتم فان شئتم مرناكم ورجعتم
إلى بلادكم فتكلم المغيرة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إنا معاشر العرب كنا نأكل
الجيف والميتة ويطأونا الناس ولا نطأهم وإن الله عز وجل ابتعث منا نبيا أوسطنا
حسبا وأصدقنا حديثا فذكر النبي صلى الله عليه وسلم بما هو أهله وإنه وعدنا أشياء
فوجدناها كما قال وإنه وعدنا أنا سنظهر عليكم ونغلب على ما ههنا وإني أرى عليكم
بزة وهيئة ما أرى من خلفي يذهبون حتى يصيبوها قال ثم قلت في نفسي لو جمعت
جراميزى فوثبت وثبة فقعدت مع العلج على سريره لعله يتطير قال فوجدت غفلة
فوثبت فإذا أنا معه على سريره قال فأخذوه يتوجأونه ويطأونه بأرجلهم قال قلت
هكذا تفعلون بالرسل فانا لا نفعل هكذا ولا نفعل برسلكم هذا فقال الملك إن شئتم
قطعتم إلينا وإن شئتم قطعنا إليكم قال فقلت بل نقطع إليكم قال فقطعنا إليهم فتسلسلوا
كل عشرة في سلسلة وكل خمسة وكل ثلاثة قال فصاففناهم فرشقونا حتى أسرعوا فينا
فقال المغيرة للنعمان يرحمك الله إنه قد أسرع في الناس فاحمل فقال والله إنك لذو
مناقب لقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم القتال فكان إذا لم يقاتل
أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس وتهب الرياح وينزل النصر قال ثم قال إني
هاز لوائي ثلاث مرات فأما الهزة الأولى فقضى رجل حاجته وتوضأ وأما الثانية
فنظر رجل في سلاحه وفي شسعه فأصلحه وأما الثالثة فاحملوا ولا يلوين أحد على
أحد وإن قتل النعمان فلا يلو عليه أحد فانى أدعو الله عز وجل بدعوة فعزمت على
كل امرئ منكم لما أمن عليها اللهم اعط اليوم النعمان الشهادة في نصر المسلمين
واقتح عليهم وهز لواءه أول مرة ثم هز الثانية ثم هز الثالثة ثم شل درعه ثم حمل
فكان أول صريع فقال معقل فأتيت عليه فذكرت عزمته فجعلت عليه علما ثم ذهبت
وكنا إذا قتلنا رجلا شغل عنا أصحابه ووقع ذو الحاجبين عن بغلته فانشق بطنه
فهزمهم الله ثم جئت إلى النعمان ومعي إداوة فيها ماء فغسلت عن وجهه التراب
226

فقال من أنت قلت معقل بن يسار قال ما فعل الناس فقلت فتح الله عليهم قال الحمد لله
اكتبوا بذلك إلى عمر وفاضت نفسه واجتمع الناس إلى الأشعث بن قيس وفيهم
ابن عمر وابن الزبير وعمرو بن معديكرب وحذيفة فبعثوا إلى أم ولده فقالوا ما عهد
إليك عهدا فقالت ههنا سفط فيه كتاب فأخذوه فكان فيه إن قتل النعمان ففلان
وإن قتل فلان ففلان (وقال الواقدي) في هذه السنة يعني سنة 21 مات خالد بن
الوليد بحمص وأوصى إلى عمر بن الخطاب (قال وفيها) غزا عبد الله وعبد الرحمن
ابنا عمرو وأبو سروعة فقدموا مصر فشرب عبد الرحمن وأبو سروعة الخمر وكان
من أمرهما ما كان (قال وفيها) سار عمرو بن العاصي إلى أنطابلس وهي برقة فافتتحها
وصالح أهل برقة على ثلاثة عشر ألف دينار وأن يبيعوا من أبنائهم ما أحبوا في جزيتهم
(قال وفيها) ولى عمر بن الخطاب عمار بن ياسر على الكوفة وابن مسعود على بيت
المال وعثمان بن حنيف على مساحة الأرض فشكا أهل الكوفة عمارا فاستعفي
عمار عمر بن الخطاب فأصاب جبير بن مطعم خاليا فولاه الكوفة فقال لا تذكره
لاحد فبلغ المغيرة بن شعبة أن عمر خلا بجبير بن مطعم فرجع إلى امرأته فقال اذهبي
إلى امرأة جبير بن مطعم فاعرضي عليها طعام السفر فأتتها فعرضت عليها فاستعجمت
عليها ثم قالت نعم فجيئيني به فلما استيقن المغيرة بذلك جاء إلى عمر فقال بارك الله
لك فيمن وليت قال فمن وليت فأخبره أنه ولى جبير بن مطعم فقال عمر لا أدري
ما أصنع وولى المغيرة بن شعبة الكوفة فلم يزل عليها حتى مات عمر (قال وفيها)
بعث عمرو بن العاصي عقبة بن نافع الفهري فافتتح زويلة بصلح وما بين برقة وزويلة
سلم للمسلمين * وحدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال كان بالشام
في سنة 21 غزوة الأمير معاوية بن أبي سفيان وعمير بن سعد الأنصاري على دمشق
والبثنية وحوران وحمص وقنسرين والجزيرة ومعاوية على البلقاء والأردن
وفلسطين والسواحل وأنطاكية ومعرة مصرين وقلقية وعند ذلك صالح أبو هاشم
ابن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس على قلقية وأنطاكية ومعرة مصرين (وقيل وفيها)
ولد الحسن البصري وعامر الشعبي (قال الواقدي) وحج بالناس في هذه السنة
227

عمر بن الخطاب وخلف على المدينة وزيد بن ثابت وكان عامله على مكة والطائف
واليمن واليمامة والبحرين والشأم ومصر والبصرة من كان عليها في سنة 20 وأما
الكوفة فان عامله عليها كان عمار بن ياسر وكان إليه الاحداث وإلى عبد الله بن
مسعود بيت المال وإلى عثمان بن حنيف الخراج وإلى شريح فيما قيل القضاء
ثم دخلت سنة اثنتين وعشرين
(قال أبو جعفر) ففيها فتحت آذريبجان فيما حدثني أحمد بن ثابت الرازي عمن
ذكره عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر قال كانت آذربيجان سنة 22 وأميرها
المغيرة بن شعبة وكذلك قال الواقدي وأما سيف بن عمر فإنه قال فيما كتب إلي
به السري على شعيب عنه قال كان فتح آذربيجان سنة ثمان عشرة من الهجرة
بعد فتح همذان والري وجرجان وبعد صلح اصبهبذ طبرستان المسلمين قال وكل
ذلك كان في سنة ثمان عشرة قال فكان سبب فتح همذان فيما زعم أن محمدا والمهلب
وطلحة وعمرا وسعيدا أخبروه أن النعمان لما صرف إلى الماهين لاجتماع
الأعاجم إلى نهاوند وصرف إليه أهل الكوفة وافوه مع حذيفة ولما فصل أهل
الكوفة من حلوان وأفضوا إلى ماه هجموا على قلعة في مرج فيها مسلحة فاستنزلوهم
وكان أول الفتح وأنزلوا مكانهم خيلا يمسكون بالقلعة فسلموا معسكرهم بالمرج
مرج القلعة ثم ساروا من مرج القلعة نحو نهاوند حتى إذا انتهوا إلى قلعة فيها قوم
خلفوا عليها النسير بن ثور في عجل وحنيفة فنسبت إليه وافتتحها بعد فتح نهاوند
ولم يشهد نهاوند عجلى ولا حنفي أقاموا مع النسير على القلعة فلما جمعوا فئ نهاوند
والقلاع أشركوا فيها جميعا لان بعضهم قوى بعضا ثم وصفوا ما استقروا فيما بين
مرج القلعة وبين نهاوند مما مروا به قبل ذلك فيما استقروا من المرج إليها بصفاتها
وازدحمت الركاب في ثنية من ثنايا ماه فسميت بالركاب فقيل ثنية الركاب وأتوا
على أخرى تدور طريقها بصخرة فسموها ملوية فدرست أسماؤها الأولى وسميت
بصفاتها ومروا بالجبل الطويل المشرف على الجبال فقال قائل منهم كأنه سن سميرة
228

وسميرة امرأة من المهاجرات من بني معاوية ضبية لها سن مشرفة على أسنانها فسمى
ذلك الجبل بسنها وقد كان حذيفة اتبع الفالة فالة نهاوند نعيم بن مقرن والقعقاع
ابن عمرو فبلغا همذان فصالحهم خسروشنوم فرجعا عنهم ثم كفر بعد فلما قدم
عهده في العهود من عند عمر ودع حذيفة وودعه حذيفة هذا يريد همذان وهذا
يريد الكوفة راجعا واستخلف على الماهين عمرو بن بلال بن الحارث وكان
كتاب عمر إلى نعيم بن مقرن أن سر حتى تأتي همذان وابعث على مقدمتك سويد
ابن مقرن وعلى مجنبتيك ربعي بن عامر ومهلهل بن زيد هذا طائي وذاك تميمي
فخرج نعيم بن مقرن في تعبيته حتى نزل ثنية العسل وإنما سميت ثنية العسل بالعسل
الذي أصابوا فيها غب رقعة نهاوند حيث اتبعوا الفالة فانتهى الفيرزان إليها وهي
غاصة بحوامل تحمل العسل وغير ذلك فحبست الفيرزان حتى نزل فتوقل في الجبل
وعار فرسه فأدرك فأصيب ولما نزلوا كنكور سرقت دواب من دواب
المسلمين فسمى قصر اللصوص ثم انحدر نعيم من الثنية حتى نزل على مدينة همذان
وقد تحصنوا منهم فحصرهم فيها وأخذ ما بين ذلك وبين جرميذان واستولوا على
بلاد همذان كلها فلما رأى ذلك أهل المدينة سألوا الصلح على أن يجريهم ومن
استجاب مجرى واحدا ففعل وقبل منهم الجزاء على المنعة وفرق دستبي بين نفر
من أهل الكوفة بين عصمة بن عبد الله الضبي ومهلهل بن زيد الطائي وسماك بن
عبيد العبسي وسماك بن محرمة الأسدي وسماك بن خرشة الأنصاري فكان هؤلاء
أول من ولى مسالح دستبي وقاتل الديلم (وأما الواقدي) فإنه قال كان فتح همذان
والري في سنة ثلاث وعشرين قال ويقال افتتح الري قرظة بن كعب * وحدثني ربيعة
ابن عثمان أن فتح همذان كان في جمادى الأولى على رأس ستة أشهر من مقتل عمر
ابن الخطاب وكان أميرها المغيرة بن شعبة قال ويقال كان فتح الري قبل وفاة عمر
بسنتين ويقال قتل عمر وجيوشه عليها (رجع الحديث إلى حديث سيف) قال
فبينما نعيم في مدينة همذان في توطئتها في اثني عشر ألفا من الجند تكاتب الديلم
وأهل الري وأهل آذربيجان ثم خرج موتا في الديلم حتى ينزل بواج روذ وأقبل
229

الزينبي أبو الفرخان في أهل الري حتى انضم إليه وأقبل اسفندياذ أخو رستم في
أهل آذربيجان حتى انضم إليه وتحصن أمراء مسالح دستبي وبعثوا إلى نعيم بالخبر
فاستخلف يزيد بن قيس وخرج إليهم في الناس حتى نزل عليهم بواج الروذ
فاقتتلوا بها قتالا شديدا وكانت وقعة عظيمة تعدل نهاوند ولم تكن دونها وقتل
من القوم مقتلة عظيمة لا يحصون ولا تقصر ملحمتهم من الملاحم الكبار وقد
كانوا كتبوا إلى عمر باجتماعهم ففزع منها واهتم بحربها وتوقع ما يأتيه عنهم فلم
يفجأه إلا البريد بالبشارة فقال أبشير فقال بل عروة فلما ثنى عليه أبشير فطن
فقال بشير فقال عمر رسول نعيم قال رسول نعيم قال الخبر قال البشرى بالفتح
والنصر وأخبره الخبر فحمد الله وأمر بالكتاب فقرئ على الناس فحمدوا الله ثم
قدم سماك بن محرمة وسماك بن عبيد وسماك بن خرشة في وفود من وفود أهل
الكوفة بالأخماس على عمر فنسبهم فانتسب له سماك وسماك وسماك فقال بارك
الله فيكم اللهم أسمك بهم الاسلام وأيدهم بالاسلام فكانت دستبي من همذان
ومسالحها إلى همذان حتى رجع الرسول إلى نعيم بن مقرن بجواب عمر بن الخطاب
أما بعد فاستخلف على همذان وأمد بكير بن عبد الله بسماك بن خرشة وسر حتى
تقدم الري فتلقى جمعهم ثم أقم بها فإنها أوسط تلك البلاد واجمعها لما تريد فأقر
نعيم يزيد بن قيس الهمداني على همذان وسار من واج الروذ بالناس إلى الري
وقال نعيم في واج الروذ
لما أتاني أن موتا ورهطه * بني باسل جروا جنود الأعاجم
نهضت إليهم بالجنود مساميا * لأمنع منهم ذمتي بالقواصم
فجئنا إليهم بالحديد كأننا * جبال تراءى من فروع القلاسم
فلما لقيناهم بها مستفيضة * وقد جعلوا يسمون فعل المساهم
صدمناهم في واج روذ بجمعنا * غداة رميناهم بإحدى العظائم
فما صبروا في حومة الموت ساعة * لحد الرماح والسيوف الصوارم
كأنهم عند انبثاث جموعهم * جدار تشظى لبنه للهوادم
230

أصبنا بها موتا ومن لف جمعه * وفيها نهاب قسمه غير عاتم
تبعناهم حتى أووا في شعابهم * نقتلهم قتل الكلاب الجواحم
كأنهم في واج روذ وجوه * ضئين أصابتها فروج المخارم
وسماك بن مخرمة هو صاحب مسجد سماك وأعاد فيهم نعيم كتاب صلح همذان
وخلف عليها يزيد بن قيس الهمداني وسار بالجنود حتى لحق بالري وكان أول
نسل الديلم من العرب وقاولهم فيه نعيم
فتح الري
قالوا وخرج نعيم بن مقرن من واج روذ في الناس وقد أخربها إلى دستبي
ففصل منها إلى الري وقد جمعوا له وخرج الزينبي أبو الفرخان فلقيه الزينبي بمكان
يقال له قها مسالما ومخالف لملك الري وقد رأى من المسلمين ما رأى مع حسد
سياوخش وأهل بيته فأقبل مع نعيم والملك يومئذ بالري سياوخش بن مهران بن
بهرام شوبين فاستمد أهل دنباوند وطبرستان وقومس وجرجان وقال قد علمتم
أن هؤلاء قد أحلوا بالري أنه لا مقام لكم فاحتشدوا له فناهده سياوخش فالتقوا
في سفح جبل الري إلى جنب مدينتها فاقتتلوا به وقد كان الزينبي قال لنعيم إن القوم
كثير وأنت في قلة فابعث معي خيلا أدخل بهم مدينتهم من مدخل لا يشعرون به
وناهدهم أنت فإنهم إذا خرجوا عليهم لم يثبتوا لك فبعث معه نعيم خيلا من الليل
عليهم ابن أخيه المنذر بن عمرو فأدخلهم الزينبي المدينة ولا يشعر القوم وبيتهم
نعيم بياتا فشغلهم عن مدينتهم فاقتتلوا وصبروا له حتى سمعوا التكبير من ورائهم
ثم إنهم انهزموا فقتلوا مقتلة عدوا بالقصب وأفاء الله على المسلمين بالري نحوا
من فئ المدائن وصالحه الزينبي على أهل الري ومرزبه عليهم نعيم فلم يزل شرف
الري في أهل الزينبي الأكبر ومنهم شهرام وفرخام وسقط آل بهرام وأخرب
نعيم مدينتهم وهي التي يقال لها العتيقة يعني مدينة الري وأمر الزينبي فبنى مدينة
الري الحدثي وكتب نعيم إلى عمر بالذي فتح الله عليه مع المضارب العجلي ووفد
بالأخماس مع عتيبة بن النهاس وأبي مفزر في وجوه من وجوه أهل الكوفة وأمد
231

بكير بن عبد الله بسماك بن خرشة الأنصاري بعد ما فتح الري فسار سماك إلى
آذربيجان مددا لبكير وكتب نعيم لأهل الري كتابا بسم الله الرحمن الرحيم هذا
ما أعطى نعيم بن مقرن الزينبي بن قوله أعطاه الأمان على أهل الري ومن كان معهم
من غيرهم على الجزاء طاقة كل حالم في كل سنة وعلى أن ينصحوا ويدلوا ولا يغلوا
ولا يسلوا وعلى أن يقروا المسلمين يوما وليلة وعلى أن يفخموا المسلم فمن سب
مسلما أو استخف به نهك عقوبة ومن ضربه قتل ومن بدل منهم فلم يسلم برمته فقد
غير جماعتكم وكتب وشهد وراسله المصمغان في الصلح على شئ يفتدى به منهم
من غير أن يسأله النصر والمنعة فقبل منه وكتب بينه وبينه كتابا على غير نصر ولا
معونة على أحد فجرى ذلك لهم بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من نعيم بن مقرن
لمردانشاه مصمغان دنباوند وأهل دنباوند والخوار واللارز والشرانك آمن
ومن دخل معك على الكف أن تكف أهل أرضك وتتقي من ولى الفرج بمائتي
ألف درهم وزن سبعة في كل سنة لا يغار عليك ولا يدخل عليك إلا بإذن ما أقمت
على ذلك حتى تغير ومن غير فلا عهد له ولا لمن لم يسلمه وكتب وشهد
فتح قومس
قالوا ولما كتب نعيم بفتح الري مع المضارب العجلي ووفد بالأخماس كتب
إليه عمر أن قدم سويد بن مقرن إلى قومس وابعث على مقدمته سماك بن محرمة
وعلى مجنبتيه عتيبة بن النهاس وهند بن عمرو الجملي ففصل سويد بن مقرن في تعبيته
من الري نحو قومس فلم يقم له أحد فأخذها سلما وعسكر بها فلما شربوا من نهر
لهم يقال له ملاذفشا فيهم القصر فقال لهم سويد غيروا ماءكم حتى تعودوا كأهله
ففعلوا واستمرؤه وكاتبه الذين لجؤا إلى طبرستان منهم والذين أخذوا المفاوز
فدعاهم إلى الصلح والجزاء وكتب لهم بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى سويد بن
مقرن أهل قومس ومن حشوا من الأمان على أنفسهم ومللهم وأموالهم على أن
يؤدوا الجزية عن يد عن كل حالم بقدر طاقته وعلى أن ينصحوا ولا يغشوا وعلى
أن يدلوا وعليهم نزل من نزل بهم من المسلمين يوما وليلة من أوسط طعامهم وأن
232

بدلوا واستخفوا بعهدهم فالذمة منهم بريئة وكتب وشهد
فتح جرجان
قالوا وعسكر سويد بن مقرن ببسطام وكاتب ملك جرجان رزبان صول ثم
سار إليها وكاتبه رزبان صول وبادره بالصلح على أن يؤدي الجزاء ويكفيه حرب
جرجان فأن غلب أعانه فقبل ذلك منه وتلقاه رزبان صول قبل دخول سويد
جرجان فدخل معه وعسكر بها حتى جبى إليه الخراج وسمى فروجها فسدها بترك
دهستان فرفع الجزاء عمن أقام يمنعها وأخذ الخراج من سائر أهلها وكتب بينهم
وبينه كتابا بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من سويد بن مقرن لرزبان صول بن
رزبان وأهل دهستان وسائر أهل جرجان إن لكم الذمة وعلينا المنعة على أن عليكم
من الجزاء في كل سنة على قدر طاقتكم على كل حالم ومن استعنا به منكم فله جزاء
في معونته عوضا من جزائه ولهم الأمان على أنفسهم وأموالهم ومللهم وشرائعهم
ولا يغير شئ من ذلك هو إليهم ما أدوا وأرشدوا ابن السبيل ونصحوا وقروا
المسلمين ولم يبد منهم سل ولا غل ومن أقام فيهم فله مثل ما لهم ومن خرج فهو آمن
حتى يبلغ مأمنه وعلى أن من سب مسلما بلغ جهده ومن ضربه حل دمه شهد سواد
ابن قطبة وهند بن عمرو وسماك بن مخرمة وعتيبة بن النهاس وكتب في سنة ثمان
عشرة * وأما المدائني فإنه قال فيما حدثنا أبو زيد عنه فتحت جرجان في زمن
عثمان سنة ثلاثين
فتح طبرستان
قالوا وأرسل الاصبهبذ سويدا في الصلح على أن يتوادعا ويجعل له شيئا على
غير نصر ولا معونة على أحد فقبل ذلك منه وجرى ذلك لهم وكتب له كتابا بسم
الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من سويد بن مقرن للفرخان اصبهبذ خراسان على
طبرستان وجيل جيلان من أهل العدو إنك آمن بأمان الله عز وجل على أن تكف لصوتك
وأهل حواشي أرضك ولا تؤوى لنا بغية وتتقى من ولى فرج أرضك بخمسمائة
ألف درهم من دراهم أرضك فإذا فعلت ذلك فليس لأحد منا أن يغير عليك ولا يتطرق
233

أرضك ولا يدخل عليك إلا بإذنك سبيلنا عليكم بالاذن آمنة وكذلك سبيلكم
ولا تؤون لنا بغية ولا تسلون لنا إلى عدو ولا تغلون فإن فعلتم فلا عهد بيننا
وبينكم شهد سواد بن قطبة التميمي وهند بن عمرو المرادي وسماك بن مخرمة الأسدي
وسماك بن عبيد العبسي وعتيبة بن النهاس البكري وكتب سنة ثمان عشرة
فتح آذربيجان
قال ولما افتتح نعيم همذان ثانية وسار إلى الري من واج روذ كتب إليه عمر أن
يبعث سماك بن خرشة الأنصاري ممدا لبكير بن عبد الله بآذربيجان فأخر ذلك
حتى افتتح الري ثم سرحه من الري فسار سماك نحو بكير بآذربيجان وكان سماك
ابن خراشة وعتبة بن فرقد من أغنياء العرب وقدما الكوفة بالغنى وقد كان بكير
سار حين بعث إليها حتى إذا طلع بحيال جرميذان طلع عليهم إسفندياذ بن الفرخزاذ
مهزوما من واج روذ فكان أول قتال لقيه بآذربيجان فاقتتلوا فهزم الله جنده
وأخذ بكير اسفندياذ أسيرا فقال له اسفندياذ الصلح أحب إليك أم الحرب قال
بل الصلح قال فأمسكني عندك فإن أهل آذربيجان إن لم أصالح عليهم أو أجئ
لم يقيموا لك وجلوا إلى الجبال التي حولها من القبج والروم ومن كان على التحصن
تحصن إلى يوم ما فأمسكه عنده فأقام وهو في يده وصارت البلاد إليه إلا ما كان
من حصن وقدم عليه سماك بن خرشة ممدا واسفندياذ في إساره وقد افتتح ما يليه
وافتتح عتبة بن فرقد ما يليه وقال بكير لسماك مقدمه عليه ومازحه ما الذي أصنع
بك وبعتبة بأغنيين لئن أطعت ما في نفسي لأمضين قدما ولأخلفنكما فإن شئت
أقمت معي وإن شئت أتيت عتبة فقد أذنت لك فإني لا أراني تارككما وطالبا
وجها هو أكره من هذا فاستعفي عمر فكتب إليه بالاذن على أن يتقدم نحو
الباب وأمره أن يستخلف على عمله فاستخلف عتبة على الذي افتتح منها ومضى
قدما ودفع اسفندياذ إلى عتبة فضمه عتبة إليه وأمر عتبة سماك بن خرشة وليس
بأبي دجانة على عمل بكير الذي كان افتتح وجمع عمر آذربيجان كلها لعتبة بن فرقد
قالوا وقد كان بهرام بن الفرخزاذ أخذ بطريق عتبة بن فرقد وأقام له في عسكره
234

حتى قدم عليه عتبة فاقتتلوا فهزمه عتبة وهرب بهرام فلما بلغ الخبر بهزيمة بهرام
ومهربه اسفندياذ وهو في الأسئار عند بكير قال الآن تم الصلح وطفئت الحرب
فصالحه وأجاب إلى ذلك كلهم وعادت آذربيجان سلما وكتب بذلك بكير وعتبة
إلى عمر وبعثوا بما خمسوا مما أفاء الله عليهم ووفدوا الوفود بذلك وكان
بكير قد سبق عتبة بفتح ما ولى وتم الصلح بعد ما هزم عتبة بهرام وكتب عتبة
بينه وبين أهل آذربيجان كتابا حيث جمع له عمل بكير إلى عمله بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما أعطى عتبة بن فرقد عامل عمر بن الحطاب أمير المؤمنين أهل آذربيجان
سهلها وجبلها وحواشيها وشفارها وأهل مللها كلهم الأمان على أنفسهم وأموالهم
ومللهم وشرائعهم على أن يؤدوا الجزية على قدر طاقتهم ليس على صبي ولا امرأة
ولا زمن ليس في يديه شئ من الدنيا ولا متعبد متخل ليس في يديه من الدنيا
شئ لهم ذلك ولمن سكن معهم وعليهم قرى المسلم من جنود المسلمين يوما وليلة
ودلالته ومن حشر منهم في سنة وضع عنه جزاء تلك السنة ومن أقام فله مثل ما لمن
أقام من ذلك ومن خرج فله الأمان حتى يلجأ إلى حرزه وكتب جندب وشهد
بكير بن عبد الله الليثي وسماك بن خرشة الأنصاري وكتب في سنة ثمان عشرة
(قالوا وفيها) قدم عتبة على عمر بالخبيص الذي كان أهداه له وذلك أن عمر كان
يأخذ عماله بموافاة الموسم في كل سنة يحجر عليهم بذلك الظلم ويحجزهم به عنه
(وفي) هذه السنة كان
فتح الباب
في قول سيف وروايته قال وقالوا يعني الذين ذكرت أسماءهم قبل رد عمر
أبو موسى إلى البصرة ورد سراقة بن عمرو وكان يدعى ذا النور إلى الباب وجعل
على مقدمته عبد الرحمن بن ربيعة وكان أيضا يدعى ذا النور وجعل على إحدى
المجنبتين حذيفة بن أسيد الغفاري وسمى للأخرى بكير بن عبد الله الليثي وكان
بإزاء الباب قبل قدوم سراقة بن عمرو عليه وكتب إليه أن يلحق به وجعل على
المقاسم سلمان بن ربيعة فقدم سراقة عبد الرحمن بن ربيعة وخرج في الأثر حتى
235

إذا خرج من آذربيجان نحو الباب قدم على بكير في أداني الباب فاستدف ببكير
ودخل بلاد الباب على ما عباه عمر وأمده عمر بحبيب بن مسلمة صرفه إليه من
الجزيرة وبعث زياد بن حنظلة مكانه على الجزيرة ولما أطل عبد الرحمن بن ربيعة
على الملك بالباب والملك بها يومئذ شهريراز رجل من أهل فارس وكان على ذلك
الفرج وكان أصله من أهل شهريراز الملك الذي أفسد بني إسرائيل وأعرى الشأم
منهم فكاتبه شهريراز واستأمنه على أن يأتيه ففعل فأتاه فقال إني بإزاء عدو كلب
وأمم مختلفة لا ينسبون إلى أحساب وليس ينبغي لذي الحسب والعقل أن يعين
أمثال هؤلاء ولا يستعين بهم على ذوي الأحساب والأصول وذو الحسب قريب
ذي الحسب حيث كان ولست من القبج في شئ ولا من الأرمن وإنكم قد
غلبتم على بلادي وأمتي فأنا اليوم منكم ويدي مع أيديكم وصغوى معكم
وبارك الله لنا ولكم وجزيتنا إليكم النصر لكم والقيام بما تحبون فلا تذلونا
بالجزية فتوهنونا لعدوكم فقال عبد الرحمن فوقى رجل قد أظلك فسر إليه
فجوزه فسار إلى سراقة فلقيه بمثل ذلك فقال سراقة قد قبلت ذلك فيمن كان
معك على هذا ما دام عليه ولابد من الجزاء ممن يقيم ولا ينهض فقبل ذلك وصار
سنة فيمن كان يحارب العدو من المشركين وفيمن لم يكن عنده الجزاء إلا أن يستنفروا
فتوضع عنهم جزاء تلك السنة وكتب سراقة إلى عمر بن الخطاب بذلك فأجازه وحسنه
وليس لتلك البلاد التي في ساحة تلك الجبال نبك لم يقم الأرمن بها إلا على أوفاز
وإنما هم سكان ممن حولها ومن الطراء استأصلت الغارات نبكها من أهل القرار
وأرز أهل الجبال منهم إلى جبالهم وجلوا عن قرار أرضهم فكان لا يقيم بها إلا
الجنود ومن أعانهم أو تجر إليهم واكتتبوا من سراقة بن عمرو كتابا بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما أعطى سراقة بن عمرو عامل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب شهريراز وسكان
أرمينية والأرمن من الأمان أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم وملتهم ألا يضاروا
ولا ينتقصوا على أهل أرمينية والأبواب الطراء منهم والتناء ومن حولهم فدخل
معهم أن ينفروا لكل غارة وينفذوا لكل أمر ناب أو لم ينب رآه الوالي صلاحا
236

على أن توضع الجزاء عمن أجاب إلى ذلك إلا الحشر والحشر عوض من جزائهم
ومن استغنى عنه منهم وقعد فعليه مثل ما على أهل آذربيجان من الجزاء والدلالة
والنزل يوما كاملا فإن حشروا وضع ذلك عنهم وإن تركوا أخذوا به شهد عبد الرحمن
ابن ربيعة وسلمان بن ربيعة وبكير بن عبد الله وكتب مرضى بن مقرن وشهد
ووجه سراقة بعد ذلك بكير بن عبد الله وحبيب بن مسلمة وحذيفة بن أسيد وسلمان
ابن ربيعة إلى أهل تلك الجبال المحيطة بأرمينية فوجه بكير إلى موقان ووجه حبيبا
إلى تفليس وحذيفة بن أسيد إلى من بجبال اللان وسلمان بن ربيعة إلى الوجه
الآخر وكتب سراقة بالفتح وبالذي وجه فيه هؤلاء النفر إلى عمر بن الخطاب
فأتى عمر أمر لم يكن يرى أنه يستتم له على ما خرج عليه في سريح بغير مؤونة وكان
فرجا عظيما به جند عظيم إنما ينتظر أهل فارس صنيعهم ثم يصنعون الحرب أو يبعثونها
فلما استوثقوا واستحلوا عدل الاسلام مات سراقة واستخلف عبد الرحمن بن ربيعة
قد مضى أولئك القواد الذين بعثهم سراقة فلم يفتح أحد منهم ما وجه له إلا بكير
فإنه فض موقان ثم تراجعوا على الجزية فكتب لهم بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما
أعطى بكير بن عبد الله أهل موقان من جبال القبج الأمان على أموالهم وأنفسهم
وملتهم وشرائعهم على الجزاء دينار على كل حالم أو قيمته والنصح ودلالة المسلم
ونزله يومه وليلته فلهم الأمان ما أقروا ونصحوا وعلينا الوفاء والله المستعان فإن
تركوا ذلك واستبان منهم غش فلا أمان لهم إلا أن يسلموا الغششة برمتهم وإلا
فهم متمالئون شهد الشماخ بن ضرار والرسارس بن جنادب وحملة بن جوية وكتب
سنة إحدى وعشرين قالوا ولما بلغ عمر موت سراقة واستخلافه عبد الرحمن بن
ربيعة أقر عبد الرحمن على فرج الباب وأمره بغزو الترك فخرج عبد الرحمن بالناس
حتى قطع الباب فقال له شهريراز ما تريد أن تصنع قال أريد بلنجر قال إنا لنرضى
منهم أن يدعونا من دون الباب قال لكنا لا نرضى منهم بذلك حتى نأتيهم في ديارهم
وتالله إن معنا لاقواما لو يأذن لنا أميرنا في الامعان لبلغت بهم الردم قال وما هم
قال أقوام صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخلوا في هذا الامر بنية كانوا
237

أصحاب حياء وتكرم في الجاهلية فازداد حياؤهم وتكرمهم فلا يزال هذا الامر
دائما لهم ولا يزال النصر معهم حتى يغيرهم من يغلبهم وحتى يلفتوا عن حالهم بمن
غيرهم فغزا بلنجر غزاة في زمن عمر لم تئم فيها امرأة ولم ييتم فيها صبي وبلغ خيله في
غزاتها البيضاء على رأس مائتي فرسخ من بلنجر ثم غزا فسلم ثم غزا غزوات في
زمان عثمان وأصيب عبد الرحمن حين تبدل أهل الكوفة في إمارة عثمان لاستعماله
من كان ارتد استصلاحا لهم فلم يصلحهم ذلك وزادهم فسادا أن سادهم من طلب
الدنيا وعضلوا بعثمان حتى جعل يتمثل
وكنت وعمرا كالمسمن كلبه * فخدشه أنيابه وأظافره
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن الغصن بن القاسم عن رجل عن
سلمان بن ربيعة قال لما دخل عليهم عبد الرحمن بن بيعة حال الله بين الترك والخروج
عليه وقالوا ما اجترأ علينا هذا الرجل إلا ومعهم الملائكة تمنعهم من الموت
فتحصنوا منه وهربوا فرجع بالغنم والظفر وذلك في إمارة عمر ثم إنه غزاهم غزوات
في زمن عثمان ظفر كما كان يظفر حتى إذا تبدل أهل الكوفة لاستعمال عثمان من
كان ارتد فغزاهم بعد ذلك تذامرت الترك وقال بعضهم لبعض إنهم لا يموتون
قال انظروا وفعلوا فاختفوا لهم في الغياض فرمى رجل منهم رجلا من المسلمين
على غرة فقتله وهرب عنه أصحابه فخرجوا عليه عند ذلك فاقتتلوا فاشتد قتالهم ونادى
مناد من الجو صبرا آل عبد الرحمن وموعدكم الجنة فقاتل عبد الرحمن حتى قتل
وانكشف الناس وأخذ الراية سلمان بن ربيعة فقاتل بها ونادى المنادى من الجو
صبرا آل سلمان بن ربيعة فقال سلمان أو ترى جزعا ثم خرج بالناس وخرج سلمان
وأبو هريرة الدوسي على جيلان فقطعوها إلى جرجان واجترأ الترك بعدها ولم
يمنعهم ذلك من اتخاذ جسد عبد الرحمن فهم يستسقون به حتى الآن وحدث عمرو
ابن معديكرب عن مطر بن ثلج التميمي قال دخلت على عبد الرحمن بن ربيعة
بالباب وشهريراز عنده فأقبل رجل عليه شحوبة حتى دخل على عبد الرحمن
فجلس إلى شهربراز وعلى مطر قباء برود يمنية أرضه حمراء ووشيه أسود أو وشيه
238

أحمر وأرضه سوداء فتساءلا ثم إن شهريراز قال أيها الأمير أتدري من أين
جاء هذا الرجل هذا رجل بعثته مند سنين نحو السد لينظر ما حاله ومن دونه وزودته
مالا عظيما وكتبت له إلى من يليني وأهديت له وسألته أن يكتب له إلى من وراءه زودته
لكل ملك هدية ففعل ذلك بكل ملك بينه وبينه حتى انتهى إليه فانتهى إلى الملك الذي
السد في ظهر أرضه فكتب له إلى عامله على ذلك البلد فأتاه فبعث معه بازياره ومعه عقابه
فأعطاه حريرة قال فتشكر لي البازيار فلما انتهينا فإذا جبلان بينهما سد مسدود حتى ارتفع
على الجبلين بعد ما استوى بهما وإذا دون السد خندق أشد سودا من الليل لبعده
فنظرت إلى ذلك كله وتفرست فيه ثم ذهبت لانصرف فقال لي البازيار على رسلك
أكافك إنه لا يلي ملك بعد ملك الا تقرب إلى الله بأفضل ما عنده من الدنيا فيرمى
به في هذا اللهب فشرح بضعة لحم معه فألقاها في ذلك الهواء وانقضت عليها العقاب
وقال إن أدركتها قبل أن تقع فلا شئ وإن لم تدركها حتى تقع فذلك شئ فخرجت
علينا العقاب باللحم في مخالبها وإذا فيه ياقوتة فأعطانيها وها هي هذه فتناولها شهربراز
حمراء فناولها عبد الرحمن فنظر إليها ثم ردها شهربراز وقال شهربراز لهذه خير من
هذا البلد يعني الباب وأيم الله لأنتم إلى ملكة من آل كسرى ولو كنت في
سلطانهم ثم بلغهم خبرها لانتزعوها مني وأيم الله لا يقوم لكم شئ ما وفيتم ووفى
ملككم الأكبر فاقبل عبد الرحمن على الرسول وقال ما حال هذا الردم وما شبهه فقال
هذا الثوب الذي على هذا الرجل فنظر إلى ثوبي فقال مطر بن ثلج لعبد الرحمن
ابن ربيعة صدق والله الرجل لقد نفذ ورأى فقال أجل وصف صفة الحديد والصفر
وقال آتوني زبر الحديد إلى آخر الآية وقال عبد الرحمن لشهربراز كم كانت هديتك
قال قيمة مائة ألف في بلادي هذه وثلاثة آلاف ألف أو أكثر في تلك البلدان *
وزعم الواقدي أن معاوية غزا الصائفة في هذه السنة ودخل بلاد الروم في عشرة
آلاف من المسلمين * وقال بعضهم في هذه السنة كانت وفاة خالد بن الوليد (وفيها)
ولد يزيد بن معاوية وعبد الملك بن مروان (وحج) بالناس في هذه السنة عمر بن
الخطاب وكان عامله على مكة عتاب بن أسيد وعلى اليمن يعلى بن أمية وعلى سائر أمصار
239

المسلمين الذين كانوا عماله في السنة التي قبلها وقد ذكرناهم قبل (وفي هذه السنة)
عدل عمر فتوح أهل الكوفة والبصرة بينهم
ذكر الخبر بذلك
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو
وسعيد قالوا أقام عمار بن ياسر عاملا على الكوفة سنة في إمارة عمر وبعض أخرى
وكتب عمر بن سراقة وهو يومئذ على البصرة إلى عمر بن الخطاب يذكر له كثرة
أهل البصرة وعجز خراجهم عنهم ويسأله أن يزيدهم أحد الماهين أو ماسبذان وبلغ
ذلك أهل الكوفة فقالوا لعمار اكتب لنا إلى عمران رامهرمز وايذج لنا دونهم
لم يعينونا عليهما بشئ ولم يلحقوا بنا حتى افتتحناهما فقال عمار مالي ولما ههنا فقال
له عطارد فمن علام تدع فيأنا أيها العبد الأجدع فقال لقد سبيت أحب أذني إلى
ولم يكتب في ذلك فأبغضوه ولما أبى أهل الكوفة إلا الخصومة فيهما لأهل البصرة
شهد لهم أقوام على أبي موسى أنه قد كان آمن أهل رامهرمز وايذج وإن أهل الكوفة
والنعمان راسلوهم وهم في أمان فأجاز لهم عمر ذلك وأجراها لأهل البصرة بشهادة
والشهود وادعى أهل البصرة في إصبهان قريات افتتحها أبو موسى دون جي أيام أمدهم
بهم عمر إلى عبد الله بن عبد الله بن عتبان فقال أهل الكوفة أتيتمونا مددا وقد افتتحنا
البلاد فآسيناكم في المغانم والذمة ذمتنا والأرض أرضنا فقال عمر صدقوا ثم إن
أهل الأيام وأهل القادسية من أهل البصرة أخذوا في أمر آخر حتى قالوا فليعطونا
نصيبنا مما نحن شركاؤهم فيه من سوادهم وحواشيه فقال لهم عمر أترضون بماه وقال
لأهل الكوفة أترضون أن نعطيهم من ذلك أحد الماهين فقالوا ما رأيت أنه ينبغي
فاعمل به فأعطاهم ماه دينار بنصيبهم لمن كان شهد الأيام والقادسية منهم إلى سواد
البصرة ومهرجانقذق وكان ذلك لمن شهد الأيام والقادسية من أهل البصرة ولما
ولى معاوية بن أبي سفيان وكان معاوية هو الذي جند قنسرين من رافضة العراقين
أيام على وإنما كانت قنسرين رستاقا من رساتيق حمص حتى مصرها معاوية وجندها
بمن ترك الكوفة والبصرة في ذلك الزمان وأخذ لهم معاوية بنصيبهم من فتوح العراق
240

آذربيجان والموصل والباب فضمها فيما ضم وكان أهل الجزيرة والموصل يومئذ
ناقلة رميتا بكل من ترك هجرته من أهل البلدين وكانت الباب وآذربيجان والجزيرة
والموصل من فتوح أهل الكوفة فنقل ذلك إلى من انتقل منهم إلى الشأم أزمان
علي وإلى من رميت به الجزيرة والموصل ممن كان ترك هجرته أيام علي وكفر أهل
أرمينية زمان معاوية وقد أمر حبيب بن مسلمة على الباب وحبيب يومئذ بجرزان
وكاتب أهل تفليس وتلك الجبال ثم ناجزهم حتى استجابوا واعتقدوا من حبيب
وكتب بينه وبينهم كتابا بعد ما كاتبهم: بسم الله الرحمن الرحيم من حبيب بن مسلمة
إلى أهل تفليس من جرزان أرض الهرمز سلم أنتم فإني أحمد الله إليكم الذي لا إله
إلا هو فإنه قد قدم علينا رسولكم تفلى فبلغ عنكم وأدى الذي بعثتم وذكر تفلى عنكم
أنا لم نكن أمة فيما تحسبون وكذلك كنا حتى هدانا الله عز وجل بمحمد صلى الله
عليه وسلم وأعزنا بالاسلام بعد قلة وذلة وجاهلية وذكر تفلى أنكم أحببتم سلمنا
فما كرهت والذين آمنوا معي وقد بعثت إليكم عبد الرحمن بن جزء السلمي وهو من
أعلمنا من أهل العلم بالله وأهل القرآن وبعثت معه بكتابي بأمانكم فإن رضيتم دفعه
إليكم وإن كرهتم آذنكم بحرب على سواء إن الله لا يحب الخائنين: بسم الله الرحمن
الرحيم هذا كتاب من حبيب بن مسلمة لأهل تفليس من جرزان أرض الهرمز
بالأمان على أنفسكم وأموالكم وصوامعكم وبيعكم وصلواتكم على الاقرار بصغار
الجزية على كل أهل بيت دينار واف ولنا نصحكم ونصركم على عدو الله وعدونا
وقرى المجتاز ليلة من حلال طعام أهل الكتاب وحلال شرابهم وهداية الطريق
في غير ما يضر فيه بأحد منكم فإن أسلمتم وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة فاخواننا في
الدين وموالينا ومن تولى عن الله ورسله وكتبه وحزبه فقد آذناكم بحرب على سواء
إن الله لا يحب الخائنين شهد عبد الرحمن بن خالد والحجاج وعياض وكتب رباح
وأشهد الله وملائكته والذين آمنوا وكفى بالله شهيدا (وفي هذه السنة) عزل عمر
ابن الخطاب عمارا عن الكوفة واستعمل أبا موسى في قول بعضهم وقد ذكرت
ما قال الواقدي في ذلك قبل
241

(ذكر السبب في ذلك)
قد تقدم ذكرى بعض سبب عزله ونذكر بقيته * ذكر السري فيما كتب به إلي
عن شعيب عن سيف عمن تقدم ذكرى من شيوخه قال قالوا وكتب أهل الكوفة
عطارد ذلك وأناس معه إلى عمر في عمار وقالوا إنه ليس بأمير ولا يحتمل ما هو
فيه ونزا به أهل الكوفة فكتب عمر إلى عمار أن أقبل فخرج بوفد من أهل الكوفة
ووفد رجالا ممن يرى أنهم معه فكانوا أشد عليه ممن تخلف فجزع فقيل له يا أبا
اليقظان ما هذا الجزع فقال والله ما أحمد نفسي عليه ولقد ابتليت به وكان سعد
ابن مسعود الثقفي عم المختار وجرير بن عبد الله معه فسعيا به وأخبرا عمر بأشياء
يكرهها فعزله عمر ولم يوله (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن الوليد
ابن جميع عن أبي الطفيل قال قيل لعمار أساءك العزل فقال والله ما سرني حين استعملت
ولقد ساءني حين عزلت (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن إسماعيل
ابن أبي خالد ومجالد عن الشعبي قال قال عمر لأهل الكوفة أي منزليكم أعجب إليكم
يعني الكوفة أو المدائن وقال إني لأسألكم وإني لأعرف فضل أحدهما على الآخر
في وجوهكم فقال جرير أما منزلنا هذا الأدنى فإنه أدنى محلة من السواد من البر
وأما الآخر فوعك البحر وغمه وبعوضه فقال عمار كذبت فقال عمر لعمار بل
أنت أكذب منه وقال ما تعرفون من أميركم عمار فقال جرير هو والله غير كاف
ولا مجز ولا عالم بالسياسة (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن زكرياء
ابن سياه عن هشام بن عبد الرحمن الثقفي أن سعد بن مسعود قال والله ما تدرى
على ما استعملت فقال عمر على ما استعملتك يا عمار قال على الحيرة وأرضها فقال
قد سمعنا بالحيرة تجارا تختلف إليها قال وعلى أي شئ قال على بابل وأرضها قال
قد سمعت بذكرها في القرآن قال وعلى أي شئ قال على المدائن وما حولها قال
أمدائن كسرى قال نعم قال وعلى أي شئ قال على مهرجان قذق وأرضها قالوا
قد أخبرناك أنه لا يدري على ما بعثته فعزله عنهم ثم دعاه بعد ذلك فقال أساءك
حين عزلتك فقال والله ما فرحت به حين بعثتني ولقد ساءني حين عزلتني فقال
242

لقد علمت ما أنت بصاحب عمل ولكني تأولت ونريد أن نمن على الذين استضعفوا
في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين (كتب إلي السري) عن شعيب عن
سيف عن خليد بن ذفرة النمري عن أبيه بمثله وزيادة فقال أو تحمد نفسك بمعرفة
من تعالجه منذ قدمت وقال والله يا عمار لا ينتهي بك حدك حتى يلقيك في هنة وتالله
لئن أدركك عمر لترقن ولئن رققت لتبتلين فسل الله الموت ثم أقبل على أهل الكوفة
فقال من تريدون يا أهل الكوفة فقالوا أبا موسى فأمره عليهم بعد عمار فأقام
عليهم سنة فباع غلامه العلف وسمعه الوليد بن عبد شمس يقول ما صحبت قوما قط
إلا آثرتهم ووالله ما منعني أن أكذب شهود البصرة إلا صحبتهم ولئن صحبتكم
لأمنحنكم خيرا فقال الوليد ما ذهب بأرضنا غيرك ولا جرم لا تعمل علينا فخرج
وخرج معه نفر فقالوا لا حاجة لنا في أبي موسى قال ولم قالوا غلام له يتجر في
حشرنا فعزله عنهم وصرفه إلى البصرة وصرف عمر بن سراقة إلى الجزيرة وقال
لأصحاب أبي موسى الذين شخصوا في عزله من أهل الكوفة أقوى مشدد أحب
إليكم أم ضعيف مؤمن فلم يجد عندهم شيئا فتنحى فخلا في ناحية المسجد فنام فأتاه
المغيرة بن شعبة فكلاه حتى استيقظ فقال ما فعلت هذا يا أمير المؤمنين إلا من
عظيم فهل نابك من نائب قال وأي نائب أعظم من مائة ألف لا يرضون عن أمير
ولا يرضى عنهم أمير وقال في ذلك ما شاء الله واختطت الكوفة حين اختطت
على مائة ألف مقاتل وأتاه أصحابه فقالوا يا أمير المؤمنين ما شأنك قال شأني أهل
الكوفة قد عضلوا بي وأعاد عليهم عمر المشورة التي استشار فيها فأجابه المغيرة
فقال أما الضعيف المسلم فضعفه عليك وعلى المسلمين وفضله له وأما القوى المشدد
فقوته لك وللمسلمين وشداده عليه وله فبعثه عليهم (كتب إلي السري) عن
شعيب عن سيف عن محمد بن عبد الله عن سعيد بن عمرو أن عمر قال قبل أن
استعمل المغيرة ما تقولون في تولية رجل ضعيف مسلم أو رجل قوى مشدد فقال
المغيرة أما الضعيف المسلم فان إسلامه لنفسه وضعفه عليك وأما القوى المشدد
فان شداده لنفسه وقوته للمسلمين قال فانا باعثوك يا مغيرة فكان المغيرة عليها حتى
243

مات عمر رضى الله تعالى عنه وذلك نحو من سنتين وزيادة فلما ودعه المغيرة للذهاب
إلى الكوفة قال له يا مغيرة ليأمنك الأبرار وليخفك الفجار ثم أراد عمر أن يبعث
سعدا على عمل المغيرة فقتل قبل أن يبعثه فأوصى به وكان من سنة عمر وسيرته
أن يأخذ عماله بموافاة الحج في كل سنة للسياسة وليحجرهم بذلك عن الرعية وليكون
لشكاة الرعية وقتا وغاية ينهونها فيه إليه (وفي هذه السنة) غزا الأحنف بن قيس
في قول بعضهم خراسان وحارب يزدجرد وأما في رواية سيف فان خروج
الأحنف إلى خراسان كان في سنة ثمان عشرة من الهجرة
(ذكر مصير يزدجرد إلى خراسان وما كان السبب في ذلك)
اختلف أهل السير في سبب ذلك وكيف كان الامر فيه فأما ما ذكره سيف عن
أصحابه في ذلك فإنه فيما كتب به إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة
والمهلب وعمر وقالوا كان يزدجرد بن شهريار بن كسرى وهو يومئذ ملك فارس
لما انهزم أهل جلولاء خرج يريد الري وقد جعل له محمل واحد يطبق ظهر بعيره
فكان إذا سار نام فيه ولم يعرس بالقوم فانتهوا به إلى مخاضة وهو نائم في محمله
فأنبهوه ليعلم ولئلا يفزع إذا خاض البعير إن هو استيقظ فعنفهم وقال بئسما صنعتم
والله لو تركتموني لعلمت ما مدة هذه الأمة إني رأيت أني ومحمدا تناجينا عند الله
فقال له أملكهم مائة سنة فقال زدني فقال عشرا ومائة سنة فقال زدني فقال
عشرين ومائة سنة فقال زدني فقال لك وأنبهتموني فلو تركتموني لعلمت ما مدة
هذه الأمة فلما انتهى إلى الري وعليها آبان جاذويه وثب عليه فأخذه فقال يا آبان
جاذويه تغدر بي قال لا ولكن قد تركت ملكك وصار في يد غيرك فأحببت أن
أكتتب على ما كان لي من شئ وما أردت من غير ذلك وأخذ خاتم يزدجرد
ووصل الأدم واكتتب الصكاك وسجل السجلات بكل ما أعجبه ثم ختم عليها ورد
الخاتم ثم أتى بعد سعدا فرد عليه كل شئ في كتابه ولما صنع آبان جاذويه بيزدجرد
ما صنع خرج يزدجرد من الري إلى أصبهان وكره آبان جاذويه فارا منه ولم يأمنه
ثم عزم على كرمان فأتاها والنار معه فأراد أن يضعها في كرمان ثم عزم على
244

خراسان فأتى مرو فنزلها وقد نقل النار فبنى لها بيتا واتخذ بستانا وبنى أزجا
فرسخين من مرو إلى البستان فكان على رأس فرسخين من مرو واطمأن في نفسه
وأمن أن يؤتي وكاتب من مرو من بقى من الأعاجم فيما لم يفتتحه المسلمون فدانوا
له حتى أثار أهل فارس والهرمزان فنكثوا وثار أهل الجبال والفيرزان فنكثوا
وصار ذلك داعية إلى إذن عمر للمسلمين في الانسياح فانساح أهل البصرة وأهل
الكوفة حتى أثخنوا في الأرض فخرج الأحنف إلى خراسان فأخذ على مهرجان
قذق ثم خرج إلى أصبهان وأهل الكوفة محاصرو جي فدخل خراسان من الطبسين
فافتتح هراة عنوة واستخلف عليها صحار بن فلان العبدي ثم سار نحو مرو
الشاهجان وأرسل إلى نيسابور وليس دونها قتال مطرف بن عبد الله بن الشخير
والحارث بن حسان إلى سرخس فلما دنا الأحنف من مرو الشاهجان خرج منها
يزدجرد نحو مرو الروذ حتى نزلها ونزل الأحنف مرو الشاهجان وكتب يزدجرد
وهو بمرو الروذ إلى خاقان يستمده وكتب إلى ملك الصغد يستمده فخرج رسولاه
نحو خاقان وملك الصغد وكتب إلى ملك الصين يستعينه وخرج الأحنف من مرو
الشاهجان واستخلف عليها حارثة بن النعمان الباهلي بعد ما لحقت به أمداد أهل
الكوفة على أربعة أمراء علقمة بن النضر النضري وربعي بن عامر التميمي وعبد الله
ابن أبي عقيل الثقفي وابن أم غزال الهمداني وخرج سائرا نحو مرو الروذ حتى
إذا بلغ ذلك يزدجرد خرج إلى بلخ ونزل الأحنف مرو الروذ وقدم أهل الكوفة
فساروا إلى بلخ وأتبعهم الأحنف فالتقى أهل الكوفة ويزدجرد ببلخ فهزم الله
يزدجرد وتوجه في أهل فارس إلى النهر فعبر ولحق الأحنف بأهل الكوفة
وقد فتح الله عليهم فبلخ من فتوح أهل الكوفة وتتابع أهل خراسان ممن شذ
أو تحصن على الصلح فيما بين نيسابور إلى طخارستان ممن كان في مملكة كسرى
وعاد الأحنف إلى مرو الروذ فنزلها واستخلف على طخارستان ربعي بن عامر
وهو الذي يقول فيه النجاشي ونسبه إلى أمه وكانت من أشراف العرب:
ألا رب من يدعى فتى ليس بالفتى * ألا إن ربعي ابن كأس هو الفتى
245

طويل قعود القوم في قعر بيته * إذا شبعوا من ثفل جفنته سقى
وكتب الأحنف إلى عمر بفتح خراسان فقال لوددت اني لم أكن بعثت إليها
جندا ولوددت أنه كان بيننا وبينها بحر من نار فقال علي ولم يا أمير المؤمنين قال
لان أهلها سينقضون منها ثلاث مرات فيحتاجون في الثالثة فكان أن يكون ذلك
بأهلها أحب إلي من أن يكون بالمسلمين (كتب إلي السري) عن شعيب عن
سيف عن أبي عبد الرحمن الفزاري عن أبي الجنوب اليشكري عن علي بن أبي طالب
عليه السلام قال لما قدم على عمر فتح خراسان قال لوددت أن بيننا وبينها بحرا
من نار فقال علي وما يشتد عليك من فتحها فان ذلك لموضع سرور قال أجل
ولكني حتى أتى على آخر الحديث (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف
عن عيسى بن المغيرة وعن رجل من بكر بن وائل يدعى الوازع بن زيد بن خليدة
قال لما بلغ عمر غلبة الأحنف على المروين وبلخ قال وهو الأحنف وهو سيد
أهل المشرق المسمى بغير اسمه وكتب عمر إلى الأحنف أما بعد فلا تجوزن النهر
واقتصر على ما دونه وقد عرفتم بأي شئ دخلتم على خراسان فداوموا على الذي
دخلتم به خراسان يدم لكم النصر وإياكم أن تعبروا فتنفضوا ولما بلغ رسولا
يزدجرد خاقان وغوزك لم يستتب لهما انجاده حتى عبر إليهما النهر مهزوما وقد
استتب فأنجده خاقان والملوك ترى على أنفسها إنجاد الملوك فأقبل في الترك وحشر
أهل فرغانة والصغد ثم خرج بهم وخرج يزدجرد راجعا إلى خراسان حتى عبر
إلى بلخ وعبر معه خاقان فأرز أهل الكوفة إلى مرو الروذ إلى الأحنف وخرج
المشركون من بلخ حتى نزلوا على الأحنف بمروالروذ وكان الأحنف حين بلغه
عبور خاقان والصغد نهر بلخ غازيا له خرج في عسكره ليلا يتسمع هل يسمع
برأي ينتفع به فمر برجلين ينقيان علفا اما تبنا وإما شعيرا وأحدهما يقول لصاحبه
لو أن الأمير أسندنا إلى هذا الجبل فكان النهر بيننا وبين عدونا خندقا وكان الجبل
في ظهورنا من أن نؤتى من خلفنا وكان قتالنا من وجه واحد رجوت أن ينصرنا
الله فرجع واجتزأ بها وكان في ليلة مظلمة فلما أصبح جمع الناس ثم قال إنكم قليل
246

وإن عدوكم كثير فلا يهولنكم فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله
مع الصابرين ارتحلوا من مكانكم هذا فأسندوا إلى هذا الجيل فاجعلوه في ظهوركم
واجعلوا النهر بينكم وبين عدوكم وقاتلوهم من وجه واحد ففعلوا وقد أعدوا
ما يصلحهم وهو في عشرة آلاف من أهل البصرة وأهل الكوفة نحو منهم
وأقبلت الترك ومن أجلبت حتى نزلوا بهم فكانوا يغادرونهم ويراوحونهم
ويتنحون عنهم بالليل ما شاء الله وطلب الأحنف علم مكانهم بالليل فخرج ليلة
بعد ما علم علمهم طليعة لأصحابه حتى كان قريبا من عسكر خاقان فوقف فلما كان في
وجه الصبح خرج فارس من الترك بطوقه وضرب بطبله ثم وقف من العسكر
موقفا يقفه مثله فحمل عليه الأحنف فاختلفا طعنتين فطعنه الأحنف فقتله وهو
يرتجز ويقول:
إن على كل رئيس حقا * أن يخضب الصعدة أو تندقا
إن لنا شيخا بها ملقى * سيف أبي حفص الذي تبقى
ثم وقف موقف التركي وأخذ طوقه وخرج آخر من الترك ففعل فعل
صاحبه الأول ثم وقف دونه فحمل عليه الأحنف فاختلفا طعنتين فطعنه الأحنف
فقتله وهو يرتجز
إن الرئيس يرتبى ويطلع * ويمنع الخلاء إما أربعوا
ثم وقف موقف التركي الثاني وأخذ طوقه ثم خرج ثالث من الترك ففعل
فعل الرجلين ووقف دون الثاني منهما فحمل عليه الأحنف فاختلفا طعنتين فطعنه
الأحنف فقتله وهو يرتجز
جرى الشموس ناجزا بناجز * محتفلا في جريه مشارز
ثم انصرف الأحنف إلى عسكره ولم يعلم بذلك أحد منهم حتى دخله واستعد
وكان من شيمة الترك أنهم لا يخرجون حتى يخرج ثلاثة من فرسانهم كهؤلاء
كلهم يضرب بطبله ثم يخرجون بعد خروج الثالث فخرجت الترك ليلتئذ بعد الثالث
فأتوا على فرسانهم مقتلين فتشأم خاقان وتطير فقال قد طال مقامنا وقد أصيب
247

هؤلاء القوم بمكان لم يصب بمثله قط مالنا في قتال هؤلاء القوم من خير فانصرفوا
بنا فكان وجوههم راجعين وارتفع النهار للمسلمين ولا يرون شيئا وأتاهم الخبر
بانصراف خاقان إلى بلخ وقد كان يزدجرد بن شهريار بن كسرى ترك خاقان بمرو
الروذ وخرج إلى مرو الشاهجان فتحصن منه حارثة بن النعمان ومن معه فحصرهم
واستخرج خزائنه من موضعها وخاقان ببلخ مقيم له فقال المسلمون للأحنف
ما ترى في اتباعهم فقال أقيموا بمكانكم ودعوهم ولما جمع يزدجرد ما كان في يديه
مما وضع بمرو فأعجل عنه وأراد أن يستقل به منها إذ هو أمر عظيم من خزائن أهل
فارس وأراد اللحاق بخاقان فقال له أهل فارس أي شئ تريد أن تصنع فقال أريد
اللحاق بخاقان فأكون معه أو بالصين فقالوا له مهلا فإن هذا رأى سوء إنك إنما
تأتي قوما في مملكتهم وتدع أرضك وقومك ولكن ارجع بنا إلى هؤلاء القوم
فنصالحهم فإنهم أوفياء وأهل دين وهم يلون بلادنا وإن عدوا يلينا في بلادنا أحب
إلينا مملكة من عدو يلينا في بلاده ولا دين لهم ولا ندري ما وفاؤهم فأبى عليهم وأبو
عليه فقالوا فدع خزائننا نردها إلى بلادنا ومن يليها ولا نخرجها من بلادنا إلى
غيرها فأبى فقالوا فإنا لا ندعك فاعتزلوا وتركوه في حاشيته فاقتتلوا فهزموه
وأخذوا الخزائن واستولوا عليها ونكبوه؟ وكتبوا؟ إلى الأحنف بالخبر فاعترضهم
المسلمون والمشركون بمرو يثفنونه فقاتلوه وأصابوه في آخر القوم وأعجلوه عن
الأثقال ومضى موائلا حتى قطع النهر إلى فرغانة والترك فلم يزل مقيما زمان عمر
رضي الله عنه كله يكاتبهم ويكاتبونه أو من شاء الله منهم فكفر أهل خراسان زمان
عثمان وأقبل أهل فارس على الأحنف فصالحوه وعاقدوه ودفعوا إليه تلك
الخزائن والأموال وتراجعوا إلى بلدانهم وأموالهم على أفضل ما كانوا في زمان
الأكاسرة فكانوا كأنما هم في ملكهم إلا أن المسلمين أوفى لهم وأعدل عليهم
فاغتبطوا وغبطوا وأصاب الفارس يوم يزدجرد كسهم الفارس يوم القادسية
ولما خلع أهل خراسان زمان عثمان أقبل يزدجرد حتى نزل بمرو فلما اختلف
هو ومن معه وأهل خراسان أوى إلى طاحونة فأتوا عليه يأكل من كرد حول
248

الرحى فقتلوه ثم رموا به في النهر ولما أصيب يزدجرد بمرو وهو يومئذ مختبئ في
طاحونة يريد أن يطلب اللحاق بكرمان فاحتوى فيئه المسلمون والمشركون وبلغ
ذلك الأحنف فسار من فوره ذلك في الناس إلى بلخ يريد خاقان ويتبع حاشية
يزدجرد وأهله في المسلمين والمشركين من أهل فارس وخاقان والترك ببلخ فلما
سمع بما ألقى يزدجرد وبخروج المسلمين مع الأحنف من مروالروذ نحوه ترك بلخ
وعبر النهر وأقبل الأحنف حتى نزل بلخ ونزل أهل الكوفة في كورها الأربع
ثم رجع إلى مرو الروذ فنزل بها وكتب بفتح خاقان ويزدجرد إلى عمر وبعث إليه
بالأخماس ووفد إليه الوفود قالوا ولما عبر خاقان النهر وعبرت معه حاشية آل
كسرى أو من أخذ نحو بلخ منهم مع يزدجرد لقوا رسول يزدجرد الذي كان
بعث إلى ملك الصين وأهدى إليه معه ومعه جواب كتابه من ملك الصين فسألوه
عما وراءه فقال لما قدمت عليه بالكتاب والهدايا كافأنا بما ترون وأراهم هديته
وأجاب يزدجرد فكتب بهذا الكتاب بعد ما كان قال لي قد عرفت أن حقا
على الملوك إنجاد الملوك على من غلبهم فصف لي صفة هؤلاء القوم الذين أخرجوكم
من بلادكم فإني أراك تذكر قلة منهم وكثرة منكم ولا يبلغ أمثال هؤلاء القليل
الذين تصف منكم فيما أسمع من كثرتكم إلا بخبر عندهم وشر فيكم فقلت سلني عما
أحببت فقال أيوفون بالعهد قلت نعم قال وما يقولون لكم قبل أن يقاتلوكم قلت
يدعوننا إلى واحدة من ثلاث إما دينهم فإن أجبناهم أجرونا مجراهم أو الجزية
والمنعة أو المنابذة قال فكيف طاعتهم أمراءهم قلت أطوع قوم لمرشدهم قال فما
يحلون وما يحرمون فاختبرته فقال أيحرمون ما حلل لهم أو يحلون ما حرم عليهم
قلت لا قال فإن هؤلاء القوم لا يهلكون أبدا حتى يحلوا حرامهم ويحرموا حلالهم
ثم قال أخبرني عن لباسهم فأخبرته وعن مطاياهم فقلت الخيل العراب ووصفتها
فقال نعمت الحصون هذه ووصفت له الإبل وبروكها وانبعاثها بحملها فقال هذه
صفة دواب طوال الأعناق وكتب له إلى يزدجرد أنه لم يمنعني أن أبعث إليك
بجيش أوله بمرو وآخره بالصين الجهالة بما يحق علي ولكن هؤلاء القوم الذين
249

وصف لي رسولك صفتهم لو يحاولون الجبال لهدوها ولو خلى لهم سربهم أزالوني
ما داموا على ما وصف فسالمهم وارض منهم بالمساكنة ولا تهجهم ما لم يهيجوك
وأقام يزدجرد وآل كسرى بفرغانة معهم عهد من خاقان ولما وقع الرسول
بالفتح والوفد بالخبر ومعهم الغنائم بعمر بن الخطاب من قبل الأحنف جمع الناس
وخطبهم وأمر بكتاب الفتح فقرئ عليهم فقال في خطبته إن الله تبارك وتعالى
ذكر رسوله صلى الله عليه وسلم وما بعثه به من الهدى ووعد على اتباعه من عاجل
الثواب وآجله خير الدنيا والآخرة فقال " هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين
الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون " فالحمد لله الذي أنجز وعده ونصر
جنده ألا إن الله قد أهلك ملك المجوسية وفرق شملهم فليسوا يملكون من بلادهم
شبرا يضر بمسلم ألا وإن الله قد أورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأبناءهم
لينظر كيف تعملون ألا وإن المصرين من مسالحها اليوم كأنتم والمصرين فيما
مضى من البعد وقد وغلوا في البلاد والله بالغ أمره ومنجز وعده ومتبع آخر ذلك
أوله فقوموا في أمره على رجل يوف لكم بعهده ويؤتكم وعده ولا تبدلوا ولا
تغيروا فيستبدل الله بكم غيركم فإني لا أخاف على هذه الأمة أن تؤتى إلا من قبلكم
(قال أبو جعفر) ثم إن أداني أهل خراسان وأقاصيه اعترضوا زمان عثمان بن
عفان لسنتين خلتا من إمارته وسنذكر بقية خبر انتقاضهم في موضعه إن شاء الله
مع مقتل يزدجرد (وحج) بالناس في هذه السنة عمر بن الخطاب وكانت عماله
على الأمصار فيها عماله الذين كانوا عليها في سنة 21 غير الكوفة والبصرة فإن
عامله على الكوفة وعلى الاحداث كان المغيرة بن شعبة وعلى البصرة أبا موسى الأشعري
ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين
فكان فيها فتح إصطخر في قول أبي معشر حدثني بذلك أحمد بن ثابت الرازي
قال حدثنا محدث عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر قال كانت إصطخر الأولى وهمذان
سنة 23 وقال الواقدي مثل ذلك وقال سيف كان فتح إصطخر بعد توج الآخرة
250

ذكر الخبر عن فتح توج
(كتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو
قالوا خرج أهل البصرة الذين وجهوا إلى فارس أمراء على فارس ومعهم سارية
ابن زنيم ومن بعث معهم إلى ما وراء ذلك وأهل فارس مجتمعون بتوج فلم يصمدوا
لجمعهم بجموعهم ولكن قصد كل أمير كورة منهم قصد إمارته وكورته التي أمر
بها وبلغ ذلك أهل فارس فافترقوا إلى بلدانهم كما افترق المسلمون ليمنعوها وكانت
تلك هزيمتهم وتشتت أمورهم وتفريق جموعهم فتطير المشركون من ذلك وكأنما
كانوا ينظرون إلى ما صاروا إليه فقصد مجاشع بن مسعود لسابور وأردشير خره
فيمن معه من المسلمين فالتقوا بتوج وأهل فارس فاقتتلوا ما شاء الله ثم إن الله عز وجل
هزم أهل توج للمسلمين وسلط عليهم المسلمين فقتلوهم كل قتلة وبلغوا منهم ما شاؤوا
وغنمهم ما في عسكرهم فحووه وهذه توج الآخرة ولم يكن لها بعدها شوكة والأولى
التي تنقذ فيها جنود العلاء أيام طاوس الوقعة التي اقتتلوا فيها والوقعتان الأولى
والآخرة كلتاهما متساجلتان ثم دعوا إلى الجزية والذمة فراجعوا وأقروا وخمس
مجاشع الغنائم وبعث بها ووفد وفدا وقد كانت البشراء والوفود يجازون وتقضى
لهم حوائجهم لسنة جرت بذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم (كتب إلى السري)
عن شعيب عن سيف عن محمد بن سوقة عن عاصم بن كليب عن أبيه قال خرجنا مع
مجاشع بن مسعود غازين توج فحاصرناها وقاتلناهم ما شاء الله فلما افتتحناها وحوينا
نهبها نهبا كثيرا وقتلنا قتلى عظيمة وكان على قميص قد تخرق فأخذت إبرة وسلكا
وجعلت أخيط قميصي بها ثم إني نظرت إلى رجل في القتلى عليه قميص فنزعته فأتيت
به الماء فجعلت أضربه بين حجرين حتى ذهب ما فيه فلبسته فلما جمعت الرثة قام
مجاشع خطيبا فحمد الله وأثنى عليه فقال أيها الناس لا تغلوا فإنه من غل جاء بما غل
يوم القيامة ردوا ولو لمخيط فلما سمعت ذلك نزعت القميص فألقيته في الأخماس
فتح إصطخر
قال وقصد عثمان بن أبي العاص لاصطخر فالتقى هو وأهل إصطخر بجور
251

فاقتتلوا ما شاء الله ثم إن الله عز وجل فتح لهم جور وفتح المسلمون إصطخر
فقتلوا ما شاء الله وأصابوا ما شاءوا وفر من فر ثم إن عثمان دعا الناس إلى الجزاء
والذمة فراسلوه وراسلهم فأجابه الهربز وكل من هرب أو تنحى فتراجعوا وباحوا
بالجزاء وقد كان عثمان لما هزم القوم جمع إليه ما أفاء الله عليهم فخمسه وبعث
بالخمس إلى عمر وقسم أربعة أخماس المغنم في الناس وعفت الجند عن النهاب وأدوا
الأمانة واستدقوا الدنيا فجمعهم عثمان ثم قام فيهم وقال إن هذا الامر لا يزال
مقبلا ولا يزال أهله معافين مما يكرهون ما لم يغلوا فإذا غلوا رأوا ما ينكرون ولم
يسد الكثير مسد القليل اليوم (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن أبي
سفيان عن الحسن قال قال عثمان بن أبي العاص يوم إصطخر ان الله إذا أراد
بقوم خيرا كفهم ووفر أمانتهم فاحفظوها فإن أول ما تفقدون من دينكم الأمانة
فإذا فقدتموها جدد لكم في كل يوم فقدان شئ من أموركم ثم إن شهرك خلع في
آخر إمارة عمر وأول إمارة عثمان ونشط أهل فارس ودعاهم إلى النقض فوجه
إليه عثمان بن أبي العاص ثانية وبعث معه جنود أمد بهم عليهم عبيد الله بن معمر
وشبل بن معبد البجلي فالتقوا بفارس فقال شهرك لابنه وهو في المعركة وبينهم
وبين قرية لهم تدعى شهرك ثلاثة فراسخ وكان بينهم وبين قراهم اثنا عشر فرسخا
يا بني أين يكون غداؤنا ههنا أو بشهرك فقال يا أبت إن تركونا فلا يكون غداؤنا
ههنا ولا بشهرك ولا يكونن إلا في المنزل ولكن والله ما أراهم يتركوننا فما فرغا
من كلامهما حتى أنشب المسلمون القتال فاقتتلوا قتالا شديدا قتل فيه شرك وابنه
وقتل الله عز وجل منهم مقتلة عظيمة وولى قتل شهرك الحكم بن العاص بن دهمان
أخو عثمان * وأما أبو ممشر فإنه قال كانت فارس الأولى واصطخر الآخرة في
سنة 28 قال وكانت فارس الآخرة وجور سنة 29 حدثني بذلك أحمد بن ثابت الرازي
قال حدثني مع من سمع إسحاق بن عيسى يذكر ذلك عن أبي معشر وحدثني عبد الله
ابن أحمد بن شبويه المروزي قال حدثني أبي قال حدثنا سليمان بن صالح قال حدثني
عبد الله قال أخبرنا عبيد الله بن سليمان قال كان عثمان بن أبي العاص أرسل إلى
252

البحرين فأرسل أخاه الحكم بن أبي العاص في ألفين إلى توج وكان كسرى قد فر
عن المدائن ولحق بجور من فارس قال فحدثني زياد مولى الحكم بن أبي العاص عن
الحكم بن أبي العاص قال قصد إلى شهرك قال عبيد وكان كسرى أرسله قال الحكم
فصعد إلى في الجنود فهبطوا من عقبة عليهم الحديد فخشيت أن تعشو أبصار الناس
فأمرت مناديا فنادى أن من كان عليه عمامة فليلفها على عينيه ومن لم يكن عليه
عمامة فليغمض بصره وناديت أن حطوا عن دوابكم فلما رأى شهرك ذلك حط
أيضا ثم ناديت أن اركبوا فصففنا لهم وركبوا فجعلت الجارود العبدي على الميمنة
وأبا صفرة على الميسرة يعني أبا المهلب فحملوا على المسلمين فهزموهم حتى ما أسمع لهم
صوتا فقال لي الجارود أيها الأمير ذهب الجند فقلت إنك سترى أمرك فما لبثنا أن
رجعت خيلهم ليس عليها فرسانها والمسلمون يتبعونهم يقتلونهم فنثرت الرؤوس
بين يدي ومعي بعض ملوكهم يقال له المكعبر فارق كسرى ولحق بي فأتيت برأس
ضخم فقال المكعبر هذا رأس الازدهاق يعني شهرك فحوصروا في مدينة سابور
فصالحهم وملكهم آذربيان فاستعان الحكم بآذربيان على قتال أهل إصطخر ومات
عمر رضي الله عنه فبعث عثمان عبد الله بن معمر مكانه فبلغ عبيد الله
أن آذربيان يريد أن يغدر بهم فقال له إني أحب أن تتخذ لأصحابي طعاما
وتذبح لهم بقرة وتجعل عظامها في الجفنة التي تليني فإني أحب أن أتمشش العظام
ففعل فجعل يأخذ العظم الذي لا يكسر الا بالفؤوس فكسره بيده فيتمخخه وكان
من أشد الناس فقام الملك فأخذ برجله وقال هذا مقام العائذ فأعطاه عهدا فأصابت
عبيد الله منجنيقة فأوصاهم فقال إنكم ستفتحون هذه المدينة إن شاء الله فاقتلوهم بي
فيها ساعة ففعلوا فقتلوا منهم بشرا كثيرا وكان عثمان بن أبي العاص
لحق الحكم وقد هزم شهرك فكتب إلى عمر إن بيني وبين الكوفة فرجة أخاف
أن يأتيني العدو منها وكتب صاحب الكوفة بمثل ذلك أن بيني وبين كذا فرجة
فاتفق عنده الكتابان فبعث أبا موسى في سبعمائة فأنزلهم البصرة
253

ذكر فتح فساودرابحرد
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو
قالوا وقصد سارية بن زنيم فساودرابجرد حتى انتهى إلى عسكرهم فنزل عليهم
وحاصرهم ما شاء الله ثم إنهم استمدوا فتجمعوا وتجمعت إليهم أكراد فارس
فدهم المسلمين أمر عظيم وجمع كثير فرأى عمر في تلك الليلة فيما يرى النائم معركتهم
وعددهم في ساعة من النهار فنادى من الغد الصلاة جامعة حتى إذا كان في الساعة
التي رأى فيها ما رأى خرج إليهم وكان أريهم والمسلمون بصحراءان أقاموا فيها
أحيط بهم وان أرزوا إلى جبل من خلفهم لم يؤتوا إلا من وجه واحد ثم قام
فقال يا أيها الناس إني رأيت هذين الجمعين وأخبر بحالهما ثم قال يا سارية الجبل
الجبل ثم أقبل عليهم وقال إن لله جنودا ولعل بعضها أن يبلغهم ولما كانت تلك
الساعة من ذلك اليوم أجمع سارية والمسلمون على الاسناد إلى الجبل ففعلوا وقاتلوا
القوم من وجه واحد فهزمهم الله لهم وكتبوا بذلك إلى عمر واستيلائهم على البلد
ودعاء أهله وتسكينهم (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن أبي عمر دثار
ابن أبي شبيب عن أبي عثمان وأبي عمرو بن العلاء عن رجل من بني مازن قالا
كان عمر قد بعث سارية بن زنيم الدئلي إلى فساودرابجرد فحاصرهم ثم إنهم تداعوا
فاصحروا له وكثروه فأتوه من كل جانب فقال عمر وهو يخطب في يوم جمعة يا سارية
ابن زنيم الجبل الجبل ولما كان ذلك اليوم وإلى جنب المسلمين جبل ان لجؤا إليه
لم يؤتوا إلا من وجه واحد فلجأوا إلى الجبل ثم قاتلوهم فهزموهم فأصاب مغانمهم
وأصاب في المغانم سفطا فيه جوهر فاستوهبه المسلمين لعمر فوهبوه له فبعث به
مع رجل وبالفتح وكان الرسل والوفد يجازون وتقضى لهم حوائجهم فقال له سارية
استقرض ما تبلغ به وما تخلفه لأهلك على جائزتك فقدم الرجل البصرة ففعل ثم
خرج فقدم على عمر فوجده يطعم الناس ومعه عصاه التي يزجر بها بعيره فقصد
له فأقبل عليه بها فقال اجلس فجلس حتى إذا أكل انصرف عمر وقام فاتبعه فظن
عمر أنه رجل لم يشبع فقال حين انتهى إلى باب داره أدخل وقد أمر الخباز أن
254

يذهب بالخوان إلى مطبخ المسلمين فلما جلس في البيت أتى بغدائه خبز وزيت
وملح جريش فوضع وقال ألا تخرجين يا هذه فتأكلين قالت انى لاسمع حس
رجل فقال أجل فقالت لو أردت أن أبرز للرجال اشتريت لي غير هذه الكسوة
فقال أو ما ترضين أن يقال أم كلثوم بنت علي وامرأة عمر فقالت ما أقل غناء ذلك
عني ثم قال للرجل ادن فكل فلو كانت راضية لكان أطيب مما ترى فأكلا حتى
إذا فرغ قال رسول سارية بن زنيم يا أمير المؤمنين فقال مرحبا وأهلا ثم أدناه
حتى مست ركبته ركبته ثم سأله عن المسلمين ثم سأله عن سارية بن زنيم فأخبره
ثم أخبره بقصة الدرج فنظر إليه ثم صاح به ثم قال لا ولا كرامة حتى تقدم على
ذلك الجند فتقسمه بينهم فطرده فقال يا أمير المؤمنين إني قد أنضيت إبلي
واستقرضت في جائزتي فأعطني ما أتبلغ به فما زال عنه حتى أبدله بعيرا ببعيره من ابل
الصدقة وأخذ بعيره فأدخله في ابل الصدقة ورجع الرسول مغضوبا عليه محروما
حتى قدم البصرة فنفذ لأمر عمر وقد كان سأله أهل المدينة عن سارية وعن الفتح
وهل سمعوا شيئا يوم الوقعة فقال نعم سمعنا يا سارية الجبل وقد كدنا نهلك فلجأنا
إليه ففتح الله علينا (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن المجالد عن
الشعبي مثل حديث عمرو
ذكر فتح كرمان
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو
قالوا وقصد سهيل بن عدي إلى كرمان ولحقه عبد الله بن عبد الله بن عتبان وعلى
مقدمة سهيل بن عدي النسير بن عمرو العجلي وقد حشد له أهل كرمان واستعانوا
بالقفس فاقتتلوا في أدنى أرضهم ففضهم الله فاخذوا عليهم بالطريق وقتل النسير
مرزبانها فدخل سهيل من قبل طريق القرى القوم إلى جيرفت وعبد الله بن
عبد الله من مفازة شير فأصابوا ما شاؤوا من بعيرا وشاء فقوموا الإبل والغنم
فتحاصوها بالأثمان لعظم البخت على العراب وكرهوا أن يزيدوا وكتبوا إلى عمر
فكتب إليهم أن البعير العربي انما قوم بتعبير اللحم وذلك مثله فإذا رأيتم أن في
255

البخت فضلا فزيدوا فإنما هي من قيمه وأما المدائني فإنه ذكر علي بن مجاهد
أخبره عن حنبل بن أبي حريدة وكان قاضى قهستان عن مرزبان قهستان قال فتح
كرمان عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي في خلافة عمر بن الخطاب ثم أتى
الطبسين من كرمان ثم قدم على عمر فقال يا أمير المؤمنين اني افتتحت الطبسين
فأقطعنيهما فأراد أن يفعل فقيل لعمر انهما رستاقان عظيمان فلم يقطعه إياهما
وهما بابا خراسان
ذكر فتح سجستان
قالوا وقصد عاصم بن عمرو لسجستان ولحقه عبد الله بن عمير فاستقبلوهم
فالتقوا هم وأهل سجستان في أدنى أرضهم فهزموهم ثم اتبعوهم حتى حصروهم
بزرنج ومخروا ارض سجستان ما شاؤوا ثم إنهم طلبوا الصلح على زرنج وما
احتازوا من الأرضين فأعطوه وكانوا قد اشترطوا في صلحهم ان فدافدها حمى
فكان المسلمون إذا خرجوا تناذروا خشية ان يصيبوا منها شيئا فيخفروا فتم
أهل سجستان على الخراج والمسلمون على الاعطاء فكانت سجستان أعظم من
خراسان وابعد فروجا يقاتلون القندهار والترك وأمما كثيرة وكانت فيما بين
السند إلى نهر بلخ بحياله فلم تزل أعظم البلدين وأصعب الفرجين وأكثرهما عددا
وجندا حتى زمان معاوية فهرب الشاه من أخيه واسم أخي الشاه يومئذ رتبيل
إلى بلد فيها يدعى آمل ودانوا السلم بن زياد وهو يومئذ على سجستان ففرح بذلك
وعقد لهم وأنزلهم بتلك البلاد وكتب إلى معاوية بذلك يرى أنه قد فتح عليه فقال
معاوية إن ابن أخي ليفرح بأمر إنه ليحزنني وينبغي له أن يحزنه قالوا ولم يا أمير
المؤمنين قال لان آمل بلدة بينها وبين زرنج صعوبة وتضايق وهؤلاء قوم نكر
غدر فيضطرب الحبل غدا فأهون ما يجئ منهم أن يغلبوا على بلاد آمل بأسرها
وتم لهم على عهد ابن زياد فلما وقعت الفتنة بعد معاوية كفر الشاه وغلب على
آمل وخاف رتبيل الشاه فاعتصم منه بمكانه الذي هو به اليوم ولم يرضه ذلك حين
تشاغل الناس عنه حتى طمع في زرنج فغزاها فحصرهم حتى أتتهم الامداد من البصرة
256

فصار رتبيل والذين جاؤوا معه فنزلوا تلك البلاد شجا لم ينتزع إلى اليوم وقد كانت
تلك البلاد مذللة إلى أن مات معاوية
فتح مكران
قالوا وقصد الحكم بن عمرو التغلبي لمكران حتى انتهى إليها ولحق به شهاب
ابن المخارق بن شهاب فانضم إليه وأمده سهيل بن عدي وعبد الله بن عبد الله بن
عتبان بأنفسهما فانتهوا إلى دوين النهر وقد انفض أهل مكران إليه حتى نزلوا على
شاطئه فعسكروا وعبر إليهم راسل ملكهم ملك السند فازدلف بهم مستقبل المسلمين
فالتقوا فاقتتلوا بمكان من مكران من النهر على أيام بعد ما كان قد انتهى إليه أوائلهم
وعسكروا به ليلحق أخراهم فهزم الله راسل وسلبه وأباح المسلمين عسكره وقتلوا
في المعركة مقتلة عظيمة وأتبعوهم يقتلونهم أياما حتى انتهوا إلى النهر ثم رجعوا فأقاموا
بمكران وكتب الحكم إلى عمر بالفتح وبعث بالأخماس مع صحار العبدي واستأمره
في الفيلة فقدم صحار على عمر بالخبر والمغانم فسأله عمر عن مكران وكان لا يأتيه
أحد إلا سأله عن الوجه الذي يجئ منه فقال يا أمير المؤمنين أرض سهلها جبل
وماؤها وشل، وثمرها دقل، وعدوها بطل، وخيرها قليل، وشرها طويل،
والكثير بها قليل، والقليل بها ضائع، وما وراءها شر منها فقال أسجاع أنت أم
مخبر قال لا بل مخبر قال لا والله لا يغزوها جيش لي ما أطعت وكتب إلى الحكم
ابن عمرو وإلى سهيل أن لا يجوزن مكران أحد من جنودكما واقتصرا على ما دون
النهر وأمره ببيع الفيلة بأرض الاسلام وقسم أثمانها على من أفاءها الله عليه وقال
الحكم بن عمرو في ذلك
لقد شبع الأرامل غير فخر * فئ جاءهم من مكران
أتاهم بعد مسغبة وجهد * وقد صفر الشتاء من الدخان
فإني لا يذم الجيش فعلى * ولا سيفي يذم ولا سناني
غداة أدفع الأوباش دفعا * إلى السند العريضة والمداني
ومهران لنا فيما أردنا * مطيع غير مسترخى العنان
257

فلولا ما نهى عنه أميري * قطعناه إلى البدد الزواني
خبر بيروذ من الأهواز
قالوا ولما فصلت الخيول إلى الكور اجتمع ببيروذ جمع عظيم من الأكراد
وغيرهم وكان عمر قد عهد إلى أبي موسى حين سارت الجنود إلى الكور أن يسير حتى
ينتهي إلى ذمة البصرة كي لا يؤتى المسلمون من خلفهم وخشي أن يستلحم بعض
جنوده أو ينقطع منهم طرف أو يخلفوا في أعقابهم فكان الذي حذر من اجتماع
أهل بيروذ وقد أبطأ أبو موسى حتى تجمعوا فخرج أبو موسى حتى ينزل ببيروذ على
الجمع الذي تجمعوا بها في رمضان فالتقوا بين نهر تيري ومناذر وقد توافي إليها أهل
النجدات من أهل فارس والأكراد ليكيدوا المسلمين وليصيبوا منهم عورة ولم
يشكوا في واحدة من اثنتين فقام المهاجر بن زياد وقد تحنط واستقتل فقال لأبي موسى
أقسم على كل صائم لما رجع فأفطر فرجع أخوه فيمن رجع لابرار القسم وإنما أراد
بذلك توجيه أخيه عنه لئلا يمنعه من الاستقتال وتقدم فقاتل حتى قتل ووهن الله
المشركين حيت تحصنوا في قلة وذلة واقبل أخوه الربيع فقال هيئ يا والع الدنيا
واشتد جزعه عليه فرق أبو موسى للربيع للذي رآه دخله من مصاب أخيه فخلفه
عليهم في جند وخرج أبو موسى حتى بلغ أصبهان فلقى بها جنود أهل الكوفة
محاصري جي ثم انصرف إلى البصرة بعد ظفر الجنود وقد فتح الله على الربيع
ابن زياد أهل بيروذ من نهر تيري وأخذ ما كان معهم من السبي فتنقى أبو موسى
رجالا منهم ممن كان لهم فداء وقد كان الفداء أرد على المسلمين من أعيانهم وقيمتهم
فيما بينهم ووفد الوفود والأخماس فقام رجل من عنزة فاستوفده فأبى فخرج فسعى
به فاستجلبه عمر وجمع بينهما فوجد أبا موسى أعذر إلا في أمر خادمه فضعفه
فرده إلى عمله وفجر الآخر وتقدم إليه في أن لا يعود لمثلها (كتب إلي السري)
عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو قالوا لما رجع أبو موسى
عن أصبهان بعد دخول الجنود الكور وقد هزم الربيع أهل بيروذ وجمع السبي
والأموال فغدا على ستين غلاما من أبناء الدهاقين تنقاهم وعزلهم وبعث بالفتح
258

إلى عمر ووفد وفدا فجاءه رجل من عنزة فقال اكتبني في الوفد فقال قد كتبنا
من هو أحق منك فانطلق مغاضبا مراغما وكتب أبو موسى إلى عمر أن رجلا
من عنزة يقال له ضبة بن محصن كان من أمره وقص قصته فلما قدم الكتاب
والوفد والفتح على عمر قدم العنزي فأتى عمر فسلم عليه فقال من أنت فأخبره
فقال لا مرحبا ولا أهلا فقال أما المرحب فمن الله وأما الأهل فلا أهل فاختلف إليه
ثلاثا يقول له هذا ويرد عليه هذا حتى إذا كان في اليوم الرابع دخل عليه فقال ماذا نقمت
على أميرك قال تنقى ستين غلاما من أبناء الدهاقين لنفسه وله جارية تدعى عقيلة تغدى
جفنة وتعشى جفنة وليس منا رجل يقدر على ذلك وله قفيزان وله خاتمان وفوض
إلى زياد بن أبي سفيان وكان زياد يلي أمور البصرة وأجاز الحطيئة بألف فكتب
عمر كل ما قال فبعث إلى أبي موسى فلما قدم حجبه أياما ثم دعا به ودعا ضبة بن
محصن ودفع إليه الكتاب فقال اقرأ ما كتبت فقرأ أخذ ستين غلاما لنفسه فقال
أبو موسى دللت عليهم وكان لهم فداء ففديتهم فأخذته فقسمته بين المسلمين فقال
ضبة والله ما كذب ولا كذبت وقال له قفيزان فقال أبو موسى قفيز لأهلي أقوتهم
وقفيز للمسلمين في أيديهم يأخذون به أرزاقهم فقال ضبة والله ما كذب ولا كذبت
فلما ذكر عقيلة سكت أبو موسى ولم يعتذر وعلم أن ضبة قد صدقه قال وزياد يلي
أمور الناس ولا يعرف هذا ما يلي قال وجدت له نبلا ورأيا فأسندت إليه عملي
قال وأجاز الحطيئة بألف قال سددت فمه بمالي أن يشتمني فقال قد فعلت ما فعلت
فرده عمر وقال إذا قدمت فأرسل إلى زيادا وعقيلة ففعل فقدمت عقيلة قبل زياد
وقدم زياد فقام بالباب فخرج عمر وزياد بالباب قائم وعليه ثياب بياض كتان
فقال ما هذه الثياب فأخبره فقال كم أثمانها فأخبره بشئ يسير وصدقه فقال له
كم عطاؤك قال ألفان قال ما صنعت في أول عطاء خرج لك قال اشتريت والدتي
فأعتقتها واشتريت في الثاني ربيبي عبيدا فأعتقته فقال وفقت وسأله عن الفرائض
والسنن والقرآن فوجده فقيها فرده وأمر أمراء البصرة أن يشربوا برأيه وحبس
عقيلة بالمدينة وقال عمر ألا إن ضبة العنزي غضب على أبي موسى في الحق أن
259

أصابه وفارقه مراغما إن فاته أمر من أمر الدنيا فصدق عليه وكذب فأفسد كذبه
صدقه فإياكم والكذب فإن الكذب يهدى إلى النار وكان الحطيئة قد لقيه فأجازه
في غزاة بيروذ وكان أبو موسى قد ابتدأ حصارهم وغزاتهم حتى فلهم ثم جازهم
ووكل بهم الربيع ثم رجع إليهم بعد الفتح فولى القسم (كتب إلى السري) عن
شعيب عن سيف عن أبي عمر عن الحسن عن أسيد بن المتشمس بن أخي الأحنف
ابن قيس قال شهدت مع أبي موسى يوم أصبهان فتح القرى وعليها عبد الله بن ورقاء
الرياحي وعبد الله بن ورقاء الأسدي ثم إن أبا موسى صرف إلى الكوفة واستعمل
على البصرة عمر بن سراقة المخزومي بدوي ثم إن أبا موسى رد على البصرة فمات عمر
وأبو موسى على البصرة على صلاتها وكان عملها مفترقا غير مجموع وكان عمر ربما
بعث إليه فأمد به بعض الجنود فيكون مدد بعض الجيوش
ذكر خبر سلمة بن قيس الأشجعي والأكراد
* حدثني عبد الله بن كثير العبدي قال حدثنا جعفر بن عون قال أخبرنا أبو جناب
قال حدثنا أبو المحجل الرديني عن مخلد البكري وعلقمة بن مرثد عن سليمان بن
بريدة أن أمير المؤمنين كان إذا اجتمع إليه جيش من أهل الايمان أمر عليهم
رجلا من أهل العلم والفقه فاجتمع إليه جيش فبعث عليهم سلمة بن قيس الأشجعي
فقال سر باسم الله قاتل في سبيل الله من كفر بالله فإذا لقيتم عدوكم من المشركين
فادعوهم إلى ثلاث خصال ادعوهم إلى الاسلام فإن أسلموا فاختاروا دارهم فعليهم
في أموالهم الزكاة وليس لهم في فئ المسلمين نصيب وإن اختاروا أن يكونوا معكم
فلهم مثل الذي لكم وعليهم مثل الذي عليكم فإن أبوا فادعوهم إلى الخراج فإن
أقروا بالخراج فقاتلوا عدوهم من ورائهم وفرغوهم لخراجهم ولا تكلفوهم فوق
طاقتهم فإن أبوا فقاتلوهم فإن الله ناصركم عليهم فإن تحصنوا منكم في حصن فسألوكم
أن ينزلوا على حكم الله وحكم رسوله فلا تنزلوهم على حكم الله فإنكم لا تدرون
ما حكم الله ورسوله فيهم وإن سألوكم أن ينزلوا على ذمة الله وذمة رسوله فلا
تعطوهم ذمة الله وذمة رسوله واعطوهم ذمم أنفسكم فإن قاتلوكم فلا تغلوا ولا تغدروا
260

ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا قال سلمة فسرنا حتى لقينا عدونا من المشركين فدعوناهم
إلى ما أمر به أمير المؤمنين فأبوا أن يسلموا فدعوناهم إلى الخراج فأبوا أن يقروا
فقاتلناهم فنصرنا الله عليهم فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية وجمعنا الرثة فرأى سلمة
ابن قيس شيئا من حلية فقال إن هذا لا يبلغ فيكم شيئا فتطيب أنفسكم أن نبعث
به إلى أمير المؤمنين فإن له بردا ومؤونة قالوا نعم قد طابت أنفسنا قال فجعل تلك
الحلية في سفط ثم بعث برجل من قومه فقال اركب بها فإذا أتيت البصرة فاشتر
على جوائز أمير المؤمنين راحلتين فأوقروهما زادا لك ولغلامك ثم سر إلى
أمير المؤمنين قال ففعلت فأتيت أمير المؤمنين وهو يغدى الناس متكئا على عصا
كما يصنع الراعي وهو يدور على القصاع يقول يا يرفأ زد هؤلاء لحما زد هؤلاء خبزا
زد هؤلاء مرقة فلما دفعت إليه قال اجلس فجلست في أدنى الناس فإذا طعام فيه
خشونة طعامي الذي معي أطيب منه فلما فرغ الناس قال يا يرفأ ارفع قصاعك ثم
أدبر فاتبعته فدخل دارا ثم دخل حجرة فاستأذنت وسلمت فأذن لي فدخلت عليه
فإذا هو جالس على مسح متكئ على وسادتين من أدم محشوتين ليفا فنبذ إلى
بإحداهما فجلست عليها وإذا بهو في صفة فيها بيت عليه ستير فقال يا أم كلثوم غداءنا
فأخرجت إليه خبزة بزيت في عرضها ملح لم يدق فقال يا أم كلثوم ألا تخرجين
إلينا تأكلين معنا من هذا قالت إني أسمع عندك حس رجل قال نعم ولا أراه من
أهل البلد قال فذلك حين عرفت أنه لم يعرفني قالت لو أردت أن أخرج إلى
الرجال لكسوتني كما كسا ابن جعفر امرأته وكما كسا الزبير امرأته وكما كسا
طلحة امرأته قال وما يكفيك أن يقال أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب وامرأة
أمير المؤمنين عمر فقال كل فلو كانت راضية لأطمعتك أطيب من هذا قال فأكلت
قليلا وطعامي الذي معي أطيب منه وأكل فما رأيت أحد أحسن أكلا منه ما يتلبس
طعامه بيده ولا فمه ثم قال اسقونا فجاؤوا بعس من سلت فقال أعط الرجل قال
فشربت قليلا سويقي الذي معي أطيب منه ثم أخذه فشربه حتى قرع القدح جبهته وقال
الحمد لله الذي أطعمنا فاشبعنا وسقانا فأروانا قال قلت قد أكل أمير المؤمنين فشبع
261

وشرب فروى حاجتي يا أمير المؤمنين قال وما حاجتك قال قلت أنا رسول سلمة
ابن قيس قال مرحبا بسلمة بن قيس ورسوله حدثني عن المهاجرين كيف هم قال قلت هم
يا أمير المؤمنين كما تحب من السلامة والظفر على عدوهم قال كيف أسعارهم قال قلت
أرخص أسعار قال كيف اللحم فيهم فإنها شجرة العرب ولا تصلح العرب إلا بشجرتها
قال قلت البقرة فيهم بكذا والشاة فيهم بكذا يا أمير المؤمنين سرنا حتى لقينا عدونا
من المشركين فدعوناهم إلى ما أمرتنا به من الاسلام فأبوا فدعوناهم إلى الخراج
فأبوا فقاتلناهم فنصرنا الله عليهم فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية وجمعنا الرثة فرأى سلمة
في الرثة حلية فقال للناس إن هذا لا يبلغ فيكم شيئا فتطيب أنفسكم أن أبعث به إلى
أمير المؤمنين فقالوا نعم فاستخرجت سفطي فلما نظر إلى تلك الفصوص من بين
أحمر وأصفر وأخضر وثب ثم جعل يده في خاصرته ثم قال لا أشبع الله إذا بطن
عمر قال فظن النساء إني أريد أن أغتاله فجئن إلى الستر فقال كف ما جئت به
يايرفأجأ عنقه قال فأنا أصلح سفطي وهو يجأ عنقي قلت يا أمير المؤمنين أبدع بي
فاحملني قال يا يرفأ أعطه راحلتين من الصدقة فإذا لقيت أفقر إليها منك فادفعهما
إليه قلت أفعل يا أمير المؤمنين فقال أما والله لئن تفرق المسلمون في مشاتيهم قبل
أن يقسم هذا فيهم لأفعلن بك وبصاحبك الفاقرة قال فارتحلت حتى أتيت سلمة
فقلت ما بارك الله لي فيما اختصصتني به أقسم هذا في الناس قبل أن يصيبني وإياك
فاقرة فقسمه فيهم والفص يباع بخمسة دراهم وستة دراهم وهو خير من عشرين
ألفا * وأما السرى فإنه ذكر فيما كتب به إلى يذكر عن شعيب عن سيف عن أبي
جناب عن سليمان بن بريدة قال لقيت رسول سلمة بن قيس الأشجعي قال كان عمر
ابن الخطاب إذا اجتمع إليه جيش من العرب ثم ذكر نحو حديث عبد الله بن كثير
عن جعفر بن عون غير أنه قال في حديثه عن شعيب عن سيف وأعطوهم ذمم
أنفسكم قال فلقينا عدونا من الأكراد فدعوناهم وقال أيضا وجمعنا الرثة فوجد
فيها سلمة حقتين جوهرا فجعلها في سفط وقال أيضا أوما كفاك أن يقال أم كلثوم
بنت علي بن أبي طالب امرأة عمر بن الخطاب قالت إن ذلك عني لقليل الغناء قال
262

كل وقال أيضا فجاءوا بعس من سلت كلما حركوه فار فوقه مما فيه وإذا تركوه
سكن ثم قال اشرب فشربت قليلا شرابي الذي معي أطيب منه فأخذ القدح
فضرب به جبهته ثم قال إنك لضعيف الاكل ضعيف الشرب وقال أيضا قلت
رسول سلمة قال مرحبا بسلمة وبرسوله وكأنما خرجت من صلبه حدثني عن
المهاجرين وقال أيضا ثم قال لا أشبع الله إذا بطن عمر قال وظن النساء أني قد
اغتلته فكشفن الستر وقال يايرفأجأ عنقه فوجأ عنقي وأنا أصيح وقال النجاء
وأظنك ستبطئ وقال أما والله الذي لا إله غيره لئن تفرق الناس إلى مشاتيهم وساتر
الحديث نحو حديث عبد الله بن كثير * وحدثنا الربيع بن سليمان قال حدثنا أسد بن
موسى قال حدثنا شهاب بن خراش الحوشبي قال حدثنا احجاج بن دينار عن منصور
ابن المعتمر عن شقيق بن سلمة الأسدي قال حدثنا الذي جرى بين عمر بن الخطاب
وسلمة بن قيس قال ندب عمر بن الخطاب الناس إلى سلمة بن قيس الأشجعي بالحيرة
فقال انطلقوا باسم الله ثم ذكر نحو حديث عبد الله بن كثير عن جعفر (قال
أبو جعفر) وحج عمر بأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه السنة وهي
آخر حجة حجها بالناس حدثني بذلك الحارث قال حدثنا ابن سعد عن الواقدي
(وفي هذه السنة) كانت وفاته
ذكر الخبر عن مقتله
* حدثني سلمة بن جنادة قال حدثنا سليمان بن عبد العزيز بن أبي ثابت بن
عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف قال حدثنا أبي عن عبد الله بن جعفر
عن أبيه عن المسور بن مخرمة وكانت أمه عاتكة بنت عوف قال خرج عمر بن
الخطاب يوما يطوف في السوق فلقيه أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة وكان
نصرانيا فقال يا أمير المؤمنين أعدني على المغيرة بن شعبة فإن على خراجا كثيرا
قال وكم خراجك قال درهمان في كل يوم قال وأيش صناعتك قال نجار نقاش
حداد قال فما أرى خراجك بكثير على ما تصنع من الأعمال قد بلغني أنك تقول
لو أردت أن أعمل رحى تطحن بالريح فعلت قال نعم قال فاعمل لي رحى قال
263

لئن سلمت لأعملن لك رحى يتحدث بها من بالمشرق والمغرب ثم انصرف عنه
فقال عمر رضى اله تعالى عنه لقد توعدني العبد آنفا قال ثم انصرف عمر إلى
منزله فلما كان من الغد جاءه كعب الأحبار فقال له يا أمير المؤمنين أعهد فإنك
ميت في ثلاثة أيام قال وما يدريك قال أجده في كتاب الله عز وجل التوراة قال
عمر آلله إنك لتجد عمر بن الخطاب في التوراة قال اللهم لا ولكني أجد صفتك
وحليتك وأنه قد فنى أجلك قال وعمر لا يحس وجعا وألما فلما كان من الغد
جاءه كعب فقال يا أمير المؤمنين ذهب يوم وبقى يومان قال ثم جاءه من غد الغد
فقال ذهب يومان وبقى يوم وليلة وهي لك إلى صبيحتها قال فلما كان الصبح خرج
عمر إلى الصلاة وكان يوكل بالصفوف رجالا فإذا استوت جاء هو فكبر قال
ودخل أبو لؤلؤة في الناس في يده خنجر له رأسان نصابه في وسطه فضرب
عمر ست ضربات إحداهن تحت سرته وهي التي قتلته وقتل معه كليب بن أبي
البكير الليثي وكان خلفه فلما وجد عمر حر السلاح سقط وقال أفي الناس
عبد الرحمن بن عوف قالوا نعم يا أمير المؤمنين هو ذا قال تقدم فصل بالناس
قال فصلى عبد الرحمن بن عوف وعمر طريح ثم احتمل فأدخل داره فدعا
عبد الرحمن بن عوف فقال إني أريد أن أعهد إليك فقال يا أمير المؤمنين نعم إن أشرت
على قبلت منك قال وما تريد قال أنشدك الله أتشير علي بذلك قال اللهم لا قال والله
لا أدخل فيه أبدا قال فهب لي صمتا حتى أعهد إلى النفر الذين توفى رسول الله صلى
الله عليه وسلم وهو عنهم راض ادع لي عليا وعثمان والزبير وسعدا قال وانتظروا
أخاكم طلحة ثلاثا فان جاء والا فاقضوا أمركم أنشدك الله يا علي ان وليت من أمور
الناس شيئا أن تحمل بني هاشم على رقاب الناس أنشدك الله يا عثمان ان وليت من
أمور الناس شيئا أن تحمل بني أبي معيط على رقاب الناس أنشدك الله يا سعد ان
وليت من أمور الناس شيئا أن تحمل أقاربك على رقاب الناس قوموا فتشاوروا
ثم اقضوا أمركم وليصل بالناس صهيب ثم دعا أبا طلحة الأنصاري فقال قم على
بابهم فلا تدع أحدا يدخل إليهم وأوصى الخليفة من بعدي بالأنصار الذين تبوؤا
264

الدار والايمان أن يحسن إلى محسنهم وأن يعفو عن مسيئهم وأوصى الخليفة من
بعدي بالعرب فإنها مادة الاسلام أن يؤخذ من صدقاتهم حقها فتوضع في فقرائهم
وأوصى الخليفة من بعدي بذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوفى لهم بعهدهم
اللهم هل بلغت تركت الخليفة من بعدي على أنقى من الراحة يا عبد الله بن عمر
أخرج فانظر من قتلني فقال يا أمير المؤمنين قتلك أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة
قال الحمد لله الذي لم يجعل منيتي بيد رجل سجد لله سجدة واحدة يا عبد الله بن عمر
اذهب إلى عائشة فسلها أن تأذن لي أن أدفن مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر
يا عبد الله بن عمر ان اختلف القوم فكن مع الأكثر وان كانوا ثلاثة وثلاثة فاتبع
الحزب الذي فيه عبد الرحمن يا عبد الله ائذن للناس قال فجعل يدخل عليه المهاجرين
والأنصار فيسلمون عليه ويقول لهم اعن ملاء منكم كان هذا فيقولون معاذ الله قال
ودخل في الناس كعب فلما نظر إليه عمر أنشأ يقول
فأوعدني كعب ثلاثا أعدها * ولا شك أن القول ما قال لي كعب
وما بي حذار الموت إني لميت * ولكن حذار الذنب يتبعه الذنب
قال فقيل له يا أمير المؤمنين لو دعوت الطبيب قال فدعى طبيب من بني الحارث
ابن كعب فسقاه نبيذا فخرج النبيذ مشكلا قال فاسقوه لبنا قال فخرج اللبن أبيض
فقيل له يا أمير المؤمنين أعهد قال قد فرغت قال ثم توفى ليلة الأربعاء لثلاث ليال
بقين من ذي الحجة سنة 23 قال فخرجوا به بكرة يوم الأربعاء فدفن في بيت عائشة
مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر قال وتقدم صهيب فصلى عليه وتقدم قبل
ذلك رجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم علي وعثمان قال فتقدم
واحد من عند رأسه والآخر من عند رجليه فقال عبد الرحمن لا إله إلا الله
ما أحرصكما على الامرة أما علمتما أن أمير المؤمنين قال ليصل بالناس صهيب
فتقدم صهيب فصلى عليه قال ونزل في قبره الخمسة (قال أبو جعفر) وقد قيل
إن وفاته كانت في غرة المحرم سنة 24
265

ذكر من قال ذلك
* حدثني الحارث قال حدثنا محمد بن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني
أبو بكر بن إسماعيل بن محمد عن أبيه قال طعن عمر رضى الله تعالى عنه
يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجة سنة 23 ودفن يوم الأحد صباح
هلال المحرم سنة 24 فكانت ولايته عشر سنين وخمسة أشهر وإحدى وعشرين
ليلة من متوفى أبي بكر على رأس اثنتين وعشرين سنة وتسعة أشهر وثلاثة عشر
يوما من الهجرة وبويع لعثمان بن عفان يوم الاثنين لثلاث مضين من المحرم
قال فذكرت ذلك لعثمان الأخنسي فقال ما أراك إلا وهلت توفى عمر رضي الله
تعالى عنه لأربع ليال بقين من ذي الحجة وبويع لعثمان بن عفان لليلة بقيت من
ذي الحجة فاستقبل بخلافته المحرم سنة 24 * وحدثني أحمد بن ثابت الرازي قال
حدثنا محدث عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر قال قتل عمر يوم الأربعاء لأربع
ليال بقين من ذي الحجة تمام سنة 23 وكانت خلافته عشر سنين وستة أشهر
وأربعة أيام ثم بويع عثمان بن عفان (قال أبو جعفر) وأما المدائني فإنه قال
فيما حدثني عمر عنه عن شريك عن الأعمش أو عن جابر الجعفي عن عوف بن
مالك الأشجعي وعامر بن أبي محمد عن أشياخ من قومه وعثمان بن عبد الرحمن عن
ابني شهاب الزهري قالوا طعن عمر يوم الأربعاء لسبع بقين من ذي الحجة قال
وقال غيرهم لست بقين من ذي الحجة * وأما سيف فإنه قال فيما كتب إلي به السري
يذكر ان شعيبا حدثه عنه عن خليد بن ذفرة ومجالد قال استخلف عثمان لثلاث
مضين من المحرم سنة 24 فخرج فصلى بالناس العصر وزاد ووفد فاستن به (كتب
إلي السري) عن شعيب عن سيف عن عمرو عن الشعبي قال اجتمع أهل الشورى
على عثمان لثلاث مضين من المحرم وقد دخل وقت العصر وقد أذن مؤذن صهيب
واجتمعوا بين الأذان والإقامة فخرج فصلى بالناس وزاد الناس مائة ووفد أهل
الأمصار وصنع فيهم وهو أول من صنع ذلك * وحدثت عن هشام بن محمد قال
قتل عمر لثلاث ليال بقين من ذي الحجة سنة 23 وكانت خلافته عشر سنين وستة
266

أشهر وأربعة أيام
ذكر نسب عمر رضي الله عنه
* حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق * وحدثني الحارث قال
حدثنا ابن سعد عن محمد بن عمر وهشام بن محمد * وحدثني عمر قال حدثنا علي
ابن محمد قالوا جميعا في نسب عمر هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن
رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي وكنيته أبو حفص
وأمه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم (قال أبو جعفر)
وكان يقال له الفاروق وقد اختلف السلف فيمن سماه بذلك فقال بعضهم سماه
بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم
ذكر من قال ذلك
* حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثنا أبو حزرة
يعقوب بن مجاهد عن محمد بن إبراهيم عن أبي عمرو وذكوان قال قلت لعائشة
من سمى عمر الفاروق قالت النبي صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم أول من سماه
بهذا الاسم أهل الكتاب
ذكر من قال ذلك
* حدثنا الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن
أبيه عن صالح بن كيسان قال قال ابن شهاب بلغنا أن أهل الكتاب كانوا أول من
قال لعمر الفاروق وكان المسلمون يأثرون ذلك من قولهم ولم يبلغنا أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم ذكر من ذلك شيئا
ذكر صفته
* حدثنا هناد بن السري قال حدثنا وكيع عن سفيان عن عاصم بن أبي النجود
عن زر بن حبيش قال خرج عمر في يوم عيد أو في جنازة زينب آدم طوالا أصلع
أعسر يسرا يمشي كأنه راكب * حدثنا هناد قال حدثنا شريك عن عاصم عن زر
قال رأيت عمر يأتي العيد ماشيا حافيا أعسر أيسر متلببا بردا قطريا مشرفا على الناس
267

كأنه على دابة وهو يقول أيها الناس هاجروا ولا تهجروا * وحدثني الحارث قال
حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثنا عمر بن عمران بن عبد الله بن
عبد الرحمن بن أبي بكر عن عاصم بن عبد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال
رأيت عمر رجلا أبيض أمهق تعلوه حمرة طوالا أصلع * وحدثني الحارث قال
حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثنا شعيب بن طلحة عن أبيه عن القاسم
ابن محمد قال سمعت ابن عمر يصف عمر يقول رجل أبيض تعلوه حمرة طوال أشيب
أصلع * وحدثني الحارث قال حدثنا محمد بن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال أخبرنا
خالد بن أبي بكر قال كان عمر يصفر لحيته ويرجل رأسه بالحناء
ذكر مولد ومبلغ عمره
* حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني أسامة
ابن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده قال سمعت عمر بن الخطاب يقول ولدت قبل الفجار
الأعظم الآخر بأربع سنين (قال أبو جعفر) واختلف السلف في مبلغ سني عمر
فقال بعضهم كان يوم قتل ابن خمس وخمسين سنة
ذكر بعض من قال ذلك
* حدثني زيد بن أخزم الطائي قال حدثنا أبو قتيبة عن جرير بن حازم عن أيوب
عن نافع عن ابن عمر قال قتل عمر بن الخطاب وهو ابن خمس وخمسين سنة * وحدثني
عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم قال حدثنا نعيم بن حماد قال حدثنا الدراوردي
عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال توفى عمر وهو ابن خمس وخمسين سنة
وحدثت عن عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن شهاب أن عمر توفى على رأس خمس
وخمسين سنة وقال آخرون كان يوم توفى ابن ثلاث وخمسين سنة وأشهر
ذكر من قال ذلك
حدثت بذلك عن هشام بن محمد بن الكلبي وقال آخرون توفى وهو ابن ثلاث وستين سنة
ذكر من قال ذلك
* حدثنا ابن المثنى قال حدثنا ابن أبي عدي عن داود عن عامر قال مات عمر
268

وهو ابن ثلاث وستين سنة وقال آخرون توفى وهو ابن إحدى وستين سنة
ذكر من قال ذلك
حدثت بذلك عن أبي سلمة التبوذكي عن أبي هلال عن قتادة وقال آخرون توفى
وهو ابن ستين سنة
ذكر من قال ذلك
* حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثنا هشام
ابن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه قال توفى عمر وهو ابن ستين سنة قال محمد
ابن عمر وهذا أثبت الأقاويل عندنا وذكر عن المدائني أنه قال توفى عمر وهو
ابن سبع وخمسين سنة
ذكر أسماء ولده ونسائه
* حدثني أبو زيد عن علي بن محمد والحارث عن محمد بن سعد عن محمد بن عمر
وحدثت عن هشام بن محمد اجتمعت معاني أقوالهم واختلفت الألفاظ بها قالوا
تزوج عمر في الجاهلية زينب ابنة مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح
فولدت له عبد الله وعبد الرحمن الأكبر وحفصة وقال علي بن محمد وتزوج مليكة
ابنة جرول الخزاعي في الجاهلية فولدت له عبيد الله بن عمر ففارقها في الهدنة
فخلف عليها بعد عمر أبو الجهم بن حذيفة وأما محمد بن عمر فإنه زيد الأصغر
وعبيد الله الذي قتل يوم صفين مع معاوية أمهما أم كلثوم بنت جرول بن مالك
ابن المسيب بن ربيعة بن أصرم بن ضبيس بن حرام بن حبشية بن سلول بن
كعب بن عمرو بن خزاعة وكان الاسلام فرق بينها وبين عمر قال علي بن محمد
وتزوج قريبة ابنه أبي أمية المخزومي في الجاهلية ففارقها أيضا في الهدنة فتزوجها
بعده عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قالوا وتزوج أم حكيم بنت الحارث بن هشام
ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم في الاسلام فولدت له فاطمة فطلقها قال
المدائني وقد قيل لم يطلقها وتزوج جميلة أخت عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح واسمه
قيس بن عصمة بن مالك بن ضبيعة بن زيد بن الأوس من الأنصار في الاسلام
269

فولدت له عاصما فطلقها وتزوج أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب وأمها فاطمة بنت
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصدقها فيما قيل أربعين ألفا فولدت له زيدا ورقية
وتزوج لهية امرأة من اليمن فولدت له عبد الرحمن قال المدائني ولدت له عبد الرحمن
الأصغر قال ويقال كانت أم ولد وقال الواقدي لهية هذه أم ولد وقال أيضا ولدت
له لهية عبد الرحمن الأوسط وقال عبد الرحمن الأصغر أمه أم ولد وكانت عنده
فكيهة وهي أم ولد وأقوالهم فولدت له زينب وقال الواقدي هي أصغر ولد عمر
وتزوج عاتكة ابنة زيد بن عمرو بن نفيل وكانت قبله عند عبد الله بن أبي بكر فلما
مات عمر تزوجها الزبير بن العوام قال المدائني وخطب أم كلثوم بنت أبي بكر وهي
صغيرة وأرسل فيها إلى عائشة فقالت الامر إليك فقالت أم كلثوم ولا حاجة لي
فيه فقالت لها عائشة ترغبين عن أمير المؤمنين قالت نعم إنه خشن العيش شديد
على النساء فأرسلت عائشة إلى عمرو بن العاصي فأخبرته فقال أكفيك فأتى عمر
فقال يا أمير المؤمنين بلغني خبر أعيذك بالله منه قال وما هو قال خطبت أم كلثوم
بنت أبي بكر قال نعم أفرغبت بي عنها أم رغبت بها عني قال لا واحدة ولكنها
حدثة نشأت تحت كنف أم المؤمنين في لين ورفق وفيك غلظة ونحن نهابك وما نقدر
أن نردك عن خلق من أخلاقك فكيف بها إن خالفتك في شئ فسطوت بها
كنت قد خلفت أبا بكر في ولده بغير ما يحق عليك قال فكيف بعائشة وقد
كلمتها قال أنا لك بها وأدلك على خير منها أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب تعلق
منها بنسب من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المدائني وخطب أم أبان بنت
عتبة بن ربيعة فكرهته وقالت يغلق بابه ويمنع خيره ويدخل عابسا ويخرج عابسا
ذكر وقت إسلامه
(قال أبو جعفر) ذكر أنه أسلم بعد خمسة وأربعين رجلا وإحدى وعشرين امرأة
ذكر من قال ذلك
* حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني
محمد بن عبد الله عن أبيه قال ذكرت له حديث عمر فقال أخبرني عبد الله بن ثعلبة
270

ابن صعير قال أسلم عمر بعد خمسة وأربعين رجلا وإحدى عشرين امرأة
ذكر بعض سيره
* حدثني أبو السائب قال حدثنا ابن فضيل عن ضرار عن حصين المري قال
قال عمر انا مثل العرب مثل جمل أنف اتبع قائده فلينظر قائده حيث يقوده فأما أنا
فورب الكعبة لأحملنهم على الطريق * وحدثني يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا إسماعيل
ابن إبراهيم عن يونس عن الحسن قال قال عمر إذا كنت في منزلة تسعني وتعجز
عن الناس فوالله ما تلك لي بمنزلة حتى أكون أسوة للناس * حدثنا خلاد بن أسلم
قال حدثنا النضر بن شميل قال أخبرنا قطن قال حدثنا أبو يزيد المديني قال حدثنا
مولى لعثمان بن عفان قال كنت رديفا لعثمان بن عفان حتى أتى على حظيرة الصدقة
في يوم شديد الحر شديد السموم فإذا رجل عليه إزار ورداء قد لف رأسه برداء
يطرد الإبل يدخلها الحظيرة حظيرة إبل الصدقة فقال عثمان من ترى هذا قال
فانتهينا إليه فإذا هو عمر بن الخطاب فقال هذا والله القوي الأمين * حدثني جعفر
ابن محمد الكوفي وعباس بن أبي طالب قالا حدثنا أبو زكرياء يحيى بن مصعب
الكلبي قال حدثنا عمر بن نافع عن أبي بكر العبسي قال دخلت حير الصدقة مع عمر
ابن الخطاب وعلي بن أبي طالب قال فجلس عثمان في الظل يكتب وقام على رأسه
يمل عليه ما يقول عمر وعمر في الشمس قائم في يوم حار شديد الحر عليه بردان
أسودان متزرا بواحد وقد لف على رأسه آخر يعد إبل الصدقة يكتب ألوانها
وأسنانها فقال علي لعثمان وسمعته يقول نعت بنت شعيب في كتاب الله " يا أبت
استأجره إن خير من استأجرت القوى الأمين ثم أشار علي بيده إلى عمر فقال
هذا القوي الأمين * حدثني يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا إسماعيل عن يونس
عن الحسن قال قال عمر لئن عشت إن شاء الله لأسيرن في الرعية حولا فإني أعلم
أن للناس حوائج تقطع دوني أما عمالهم فلا يرفعونها إلي وأما هم فلا يصلون إلي
فأسير إلى الشأم فأقيم بها شهرين ثم أسير إلى الجزيرة فأقيم بها شهرين ثم أسير إلى
مصر فأقيم بها شهرين ثم أسير إلى البحرين فأقيم بها شهرين ثم أسير إلى الكوفة
271

فأقيم بها شهرين ثم أسير إلى البصرة فأقيم بها شهرين والله لنعم الحول هذا * حدثني محمد
ابن عوف قال حدثنا أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج قال حدثنا صفوان بن
عمرو قال حدثني أبو المحارق زهير بن سالم أن كعب الأحبار قال نزلت على رجل
يقال له مالك وكان جارا لعمر بن الخطاب فقلت له كيف بالدخول على أمير المؤمنين
فقال ليس على باب ولا حجاب يصلى الصلاة ثم يقعد فيكلمه من شاء * حدثني يونس
ابن عبد الأعلى قال حدثنا سفيان عن يحيى قال أخبرني سالم عن أسلم قال بعثني
عمر بإبل من إبل الصدقة إلى الحمى فوضعت جهازي على ناقة منها فلما أردت أن
أصدرها قال اعرضها علي فعرضتها عليه فرأى متاعي على ناقة منها حسناء فقال
لا أم لك عمدت إلى ناقة تغنى أهل بيت من المسلمين فهلا ابن لبون بوالا أو ناقة
شصوصا * حدثني عمر بن إسماعيل بن مجالد الهمداني قال حدثنا أبو معاوية عن
أبي حيان عن أبي الزنباع عن أبي الدهقانة قال قيل لعمر بن الخطاب إن ههنا
رجلا من أهل الأنبار له بصر بالديوان لو اتخذته كاتبا فقال عمر لقد اتخذت إذا
بطانة من دون المؤمنين * حدثني يونس بن عبد الأعلى قال أخبرنا ابن وهب قال
حدثنا عبد الرحمن بن زيد عن أبيه عن جده أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
خطب الناس فقال والذي بعث محمدا بالحق لو أن جملا هلك ضياعا بشط الفرات
خشيت أن يسأل الله عنه آل الخطاب قال أبو زيد آل الخطاب يعني نفسه ما يعني
غيرها * وحدثنا ابن المثنى قال حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن أبي عمران الجوني
قال كتب عمر إلى أبي موسى إنه لم يزل للناس وجوه يرفعون حوائجهم فأكرم من
قبلك من وجوه الناس وبحسب المسلم الضعيف من العدل أن ينصف في الحكم
وفي القسم * وحدثنا أبو كريب قال حدثنا ابن إدريس قال سمعت مطرفا عن
الشعبي قال أتى أعرابي عمر فقال إن ببعيري نقبا ودبرا فاحمني فقال له عمر ما ببعيرك
نقب ولا دبر قال فولى وهو يقول
أقسم بالله أبو حفص عمر * ما مسها من نقب ولا دبر
فاغفر له اللهم إن كان فجر
272

فقال اللهم اغفر لي ثم دعا الأعرابي فحمله * وحدثني يعقوب بن إبراهيم قال
حدثنا إسماعيل قال أخبرنا أيوب عن محمد قال نبئت أن رجلا كان بينه وبين عمر
قرابة فسأله فزبره وأخرجه لكلم فيه فقيل يا أمير المؤمنين فلان سألك فزبرته
وأخرجته فقال إنه سألني من مال الله فما معذرتي إن لقيته ملكا خائنا فلولا سألني
من مالي قال فأرسل إليه بعشرة آلاف وكان عمر رحمه الله إذا بعث عاملا له على
عمل يقول ما حدثنا به محمد بن المثنى قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال حدثنا
شعبة عن يحيى بن حصين سمع طارق بن شهاب يقول قال عمر في عماله اللهم إني
لم أبعثهم ليأخذوا أموالهم ولا ليضربوا أبشارهم من ظلمه أميره فلا إمرة عليه
دوني * وحدثنا ابن بشار قال حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن قتادة عن سالم بن
أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس
يوم الجمعة فقال اللهم إني أشهدك على أمراء الأمصار أني إنما بعثتهم ليعلموا الناس
دينهم وسنة نبيهم وأن يقسموا فيهم فيأهم وأن يعدلوا فان أشكل عليهم شئ رفعوه
إلي * وحدثنا أبو كريب قال حدثنا أبو بكر بن عياش قال سمعت أبا حصين قال
كان عمر إذا استعمل العمال خرج معهم يشيعهم فيقول إني لم أستعملكم على أمة
محمد صلى الله عليه وسلم على أشعارهم ولا على أبشارهم إنما استعملتكم عليهم لتقيموا
يهم الصلاة وتقضوا بينهم بالحق وتقسموا بينهم بالعدل وإني لم أسلطكم على
أبشارهم ولا على أشعارهم ولا تجلدوا العرب فتذلوها ولا تجمروها فتفتنوها
ولا تغفلوا عنها فتحرموها جردوا القرآن وأقلوا الرواية عن محمد صلى الله عليه
وسلم وأنا شريككم وكان يقص من عماله وإذا شكى إليه عامل له جمع بينه وبين
من شكاه فان صح عليه أمر يجب أخذه به أخذه به * وحدثني يعقوب بن إبراهيم
قال حدثنا إسماعيل بن إبراهيم قال أخبرنا سعيد الجريري عن أبي نضرة عن أبي
فراس قال خطب عمر بن الخطاب فقال يا أيها الناس إني والله ما أرسل إليكم عمالا
ليضربوا أبشاركم ولا ليأخذوا أموالكم ولكني أرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم
وسنتكم فمن فعل به شئ سوى ذلك فليرفعه إلي فوالذي نفس عمر بيده لأقصنه
273

منه فوثب عمرو بن العاص فقال يا أمير المؤمنين أرأيتك إن كان رجل من أمراء
المسلمين على رعية فأدب بعض رعيته إنك لتقصه منه قال إي والذي نفس عمر
بيده إذا لأقصنه منه وكيف لا أقصه منه وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقص من نفسه ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم ولا تجمروهم فتفتنوهم
ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفروهم ولا تنزلوهم الغياض فتضيعوهم * وكان عمر
رضي الله عنه فيما ذكر عنه يعس بنفسه ويرتاد منازل المسلمين ويتفقد أحوالهم بيديه
ذكر الخبر الوارد عنه بذلك
* حدثنا ابن بشار قال حدثنا أبو عامر قال حدثنا قرة بن خالد عن بكر بن
عبد الله المزني قال جاء عمر بن الخطاب إلى باب عبد الرحمن بن عوف فضربه
فجاءت المرأة ففتحته ثم قالت له لا تدخل حتى أدخل القيت وأجلس مجلسي فلم
يدخل حتى جلست ثم قالت ادخل فدخل ثم قال هل من شئ فأتته بطعام فأكل
وعبد الرحمن قائم يصلي فقال له تجوز أيها الرجل فسلم عبد الرحمن حينئذ ثم أقبل
عليه فقال ما جاء بك في هذه الساعة يا أمير المؤمنين قال رفقة نزلت في ناحية السوق
خشيت عليهم سراق المدينة فانطلق فلنحرسهم فانطلقا فأتيا السوق فقعدا على
نشز من الأرض يتحدثان فرفع لهما مصباح فقال عمر ألم أنه عن المصابيح بعد
النوم فانطلقا فإذا هم قوم على شراب لهم فقال انطلق فقد عرفته فلما أصبح أرسل
إليه فقال يا فلان كنت وأصحابك البارحة على شراب قال وما علمك يا أمير المؤمنين
قال شئ شهدته فقال أو لم ينهك الله عن التجسس قال فتجاوز عنه قال بكر بن
عبد الله المزني وإنما نهى عمر عن المصابيح لان الفأرة تأخذ الفتيلة فترمى بها في
سقف البيت فيحترق وكان إذ ذاك سقف البيت من الجريد * وحدثني أحمد
ابن حرب قال حدثنا مصعب بن عبد الله الزبيري قال حدثني أبي عن ربيعة بن
عثمان عن زيد بن أسلم عن أبيه قال خرجت مع عمر بن الخطاب رحمه الله إلى
حرة وأقم حتى إذا كنا بصرار إذا نار تؤرث فقال يا أسلم إني أرى هؤلاء ركبا
قصر بهم الليل والبرد انطلق بنا فخرجنا نهرول حتى دنونا منهم فإذا امرأة معها
274

صبيان لها وقدر منصوبة على النار وصبيانها يتضاغون فقال عمر السلام عليكم
يا أصحاب الضوء وكره أن يقول يا أصحاب النار قالت وعليك السلام قال أأدنوا
قالت ادن بخير أودع فدنا فقال ما بالكم قالت قصر بنا الليل والبرد قال فما بال
هؤلاء الصبية يتضاغون قالت الجوع قال وأي شئ في هذه القدر قالت ماء أسكتهم به
حتى يناموا الله بيننا وبين عمر قال أي رحمك الله ما يدري عمر بكم قالت يتولى
أمرنا ويغفل عنا فأقبل علي فقال انطلق بنا فخرجنا نهرول حتى أتينا دار الدقيق
فأخرج عدلا فيه كبة شحم فقال أحمله علي فقلت أنا أحمله عنك قال أحمله على مرتين
أو ثلاثا كل ذلك أقول أنا أحمله عنك فقال لي في آخر ذلك أنت تحمل عني وزري يوم
القيامة لا أم لك فحملته عليه فانطلق وانطلقت معه نهرول حتى انتهينا إليها فألقى ذلك
عندها وأخرج من الدقيق شيئا فجعل يقول لها ذرى علي وأنا أحرك لك وجعل
ينفخ تحت القدر وكان ذا لحية عظيمة فجعلت أنظر إلى الدخان من خلل لحيته
حتى أنضج وأدم القدر ثم أنزلها وقال ابغني شيئا فأتته بصحفة فأفرغها فيها ثم
جعل يقول أطعميهم وأنا أسطح لك فلم يزل حتى شبعوا ثم خلى عندها فضل
ذلك وقام وقمت معه فجعلت تقول جزاك الله خيرا أنت أولى بهذا الامر من
أمير المؤمنين فيقول قولي خيرا إنك إذا جئت أمير المؤمنين وجدتني هناك أن
شاء الله ثم تنحى ناحية عنها ثم استقبلها وربض مربض السبع فجعلت أقول له
ان لك شأنا غير هذا وهو لا يكلمني حتى رأيت الصبية يصطرعون ويضحكون
ثم ناموا وهدؤا فقام وهو يحمد الله ثم أقبل علي فقال يا أسلم إن الجوع أسهرهم
وأبكاهم فأحببت أن لا أنصرف حتى أرى ما رأيت منهم وكان عمر إذا أراد أن
يأمر المسلمين بشئ أو ينهاهم عن شئ مما فيه صلاحهم بدأ بأهله وتقدم إليهم
بالوعظ لهم والوعيد على خلافهم أمره كالذي حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء
قال حدثنا أبو بكر بن عياش قال حدثنا عبيد الله بن عمر بالمدينة عن سالم قال
كان عمر إذا صعد المنبر فنهى الناس عن شئ جمع أهله فقال اني نهيت الناس عن
كذا وكذا وان الناس ينظرون إليكم نظر الطير يعني إلى اللحم وأقسم بالله لا أجد
275

أحدا منكم فعله إلا أضعفت عليه العقوبة (قال أبو جعفر) وكان رضي الله عنه
شديدا على أهل الريب وفي حق الله صليبا حتى يستخرجه ولينا سهلا فيما يلزمه
حتى يؤديه وبالضعيف رحيما رؤفا * حدثني عبيد الله بن سعيد الزهري قال حدثنا
عمى قال حدثنا أبي عن الوليد بن كثير عن محمد بن عجلان أن زيد بن أسلم حدثه
عن أبيه أن نفرا من المسلمين كلموا عبد الرحمن بن عوف فقالوا كلم عمر بن الخطاب
فإنه قد أحشانا حتى والله ما نستطيع أن نديم إليه أبصارنا قال فذكر ذلك عبد الرحمن
ابن عوف لعمر فقال أوقد قالوا ذلك فوالله لقد لنت لهم حتى تخوفت الله في ذلك
ولقد اشتددت عليهم حتى خشيت الله في ذلك وأيم الله لأنا أشد منهم فرقا منهم مني
* وحدثنا أبو كريب قال حدثنا أبو بكر عن عاصم قال استعمل عمر رجلا على
مصر فبينا عمر يوما مار في طريق من طرق المدينة إذ سمع رجلا وهو يقول الله
يا عمر تستعمل من يخون وتقول ليس علي شئ وعاملك يفعل كذا قال فأرسل
إليه فلما جاءه أعطاه عصا وجبة صوف وغنما فقال ارعها واسمه عياض بن غنم فان
أباك كان راعيا قال ثم دعاه فذكر كلاما فقال إن أنا رددتك فرده إلى عمله وقال
لي عليك أن لا تلبس رقيقا ولا تركب برذونا * حدثنا أبو كريب قال حدثنا أبو أسامة
عن عبد الله بن الوليد عن عاصم عن ابن خزيمة بن ثابت الأنصاري قال كان عمر إذا
استعمل عاملا كتب له عهدا وأشهد عليه رهطا من المهاجرين والأنصار واشترط عليه
أن لا يركب برذونا ولا يأكل نقيا ولا يلبس رقيقا ولا يتخذ بابا دون حاجات الناس
* وحدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال حدثنا مسلم بن إبراهيم عن سلام بن مسكين
قال حدثنا عمان أن عمر بن الخطاب كان إذا احتاج أتى صاحب بيت المال فاستقرضه
قال فربما أعسر فيأتيه صاحب بيت المال يتقاضاه فيلزمه فيحتال له عمر وربما
خرج عطاؤه فقضاه وعن أبي عامر العقدي قال حدثنا عيسى بن حفص قال حدثني
رجل من بني سلمة عن ابن البراء بن معرور أن عمر رضي الله عنه خرج يوما حتى
أتى المنبر وقد كان اشتكى شكوى له فنعت له العسل وفي بيت المال عكة فقال إن
أذنتم لي فيها أخذتها وإلا فهي علي حرام
276

تسمية عمر رضي الله عنه أمير المؤمنين
(قال أبو جعفر) أول من دعى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ثم جرت بذلك
السنة واستعمله الخلفاء إلى اليوم
ذكر الخبر بذلك
* حدثني أحمد بن عبد الصمد الأنصاري قال حدثني أم عمرو بنت حسان
الكوفية عن أبيها قال لما ولى عمر قيل يا خليفة خليفة رسول الله فقال عمر رضي الله عنه
هذا أمر يطول كلما جاء خليفة قالوا يا خليفة خليفة خليفة رسول الله بل أنتم المؤمنون
وأنا أميركم فسمى أمير المؤمنين قال أحمد بن عبد الصمد سألتها كم أتى عليك من
السنين قالت مائة وثلاث وثلاثون سنة * حدثنا ابن حميد قال حدثنا يحيى بن
واضح قال حدثنا أبو حمزة عن جابر قال قال رجل لعمر بن الخطاب يا خليفة الله
قال خالف الله بك فقال جعلني الله فداءك قال إذا يهينك الله
وضعه التأريخ
(قال أبو جعفر) وكان أول من وضع التأريخ وكتبه فيما حدثني الحارث
قال حدثنا ابن سعد عن محمد بن عمر في سنة 16 في شهر ربيع الأول منها وقد مضى
ذكرى سبب كتابه ذلك وكيف كان الامر فيه وعمر رضي الله عنه أول من أرخ
الكتب وختم بالطين وهو أول من جمع الناس على إمام يصلى بهم التراويح في
شهر رمضان وكتب بذلك إلى البلدان وأمرهم به وذلك فيما حدثني به الحارث قال
حدثنا ابن سعد عن محمد بن عمر في سنة 14 وجعل للناس قارءين قارئا يصلى بالرجال
وقارئا يصلى بالنساء
حمله الدرة وتدوينه الدواوين
وهو أول من حمل الدرة وضرب بها وهو أول من دون للناس في الاسلام
الدواوين وكتب الناس على قبائلهم وفرض لهم العطاء * حدثني الحارث قال
حدثنا ابن سعد قال حدثنا محمد بن عمر قال حدثني عائذ بن يحيى عن أبي الحويرث
عن جبير بن الحويرث بن نقيد أن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه
277

استشار المسلمين في تدوين الدواوين فقال له علي بن أبي طالب تقسم كل
سنة ما اجتمع إليك من مال فلا تمسك منه شيئا وقال عثمان بن عفان أرى مالا
كثيرا يسع الناس وإن لم يحصوا حتى تعرف من أخد ممن لم يأخذ خشيت أن ينتشر
الامر فقال له الوليد بن هشام بن المغيرة يا أمير المؤمنين قد جئت الشأم فرأيت
ملوكها قد دونوا ديوانا وجندوا جندا فدون ديوانا وجند جندا فأخذ بقوله فدعا
عقيل بن أبي طالب ومخرمة بن نوفل وجبير بن مطعم وكانوا من نساب قريش
فقال اكتبوا الناس على منازلهم فكتبوا فبدؤا ببني هاشم ثم اتبعوهم أبا بكر وقومه
ثم عمر وقومه على الخلافة فلما نظر فيه عمر قال لوددت والله أنه هكذا ولكن ابدؤا
بقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الأقرب فالأقرب حتى تضعوا عمر حيث وضعه
الله * حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني أسامة
ابن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده قال رأيت عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه
حين عرض عليه الكتاب وبنو تيم على أثر بني هاشم وبنو عدي على أثر بني تيم فأسمعه
يقول ضعوا عمر موضعه وابدأوا بالأقرب فالأقرب من رسول الله فجاءت بنو عدي
إلى عمر فقالوا أنت خليفة رسول الله قال أو خليفة أبي بكر وأبو بكر خليفة رسول الله
قالوا وذاك فلو جعلت نفسك حيث جعلك هؤلاء القوم قال بخ بخ بني عدي أردتم
الاكل على ظهري وأن أذهب حسناتي لكم لا والله حتى تأتيكم الدعوة وإن أطبق
عليكم الدفتر ولو أن تكتبوا في آخر الناس إن لي صاحبين سلكا طريقا فإن
خالفتهما خولف بي والله ما أدركنا الفضل في الدنيا ولا نرجو ما نرجو من الآخرة
من ثواب الله على ما عملنا إلا بمحمد صلى الله عليه وسلم فهو شرفنا وقومه أشرف
العرب ثم الأقرب فالأقرب إن العرب شرفت برسول الله ولعل بعضها يلقاه إلى
آباء كثيرة وما بيننا وبين أن نلقاه إلى نسبه ثم لا نفارقه إلى آدم إلا آباء يسيرة
مع ذلك والله لئن جاءت الأعاجم بالاعمال وجئنا بغير عمل فهم أولى بمحمد منا
يوم القيامة فلا ينظر رجل إلى قرابة وليعمل لما عند الله فان من قصر به عمله لم يسرع
به نسبه * حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني
278

حزام بن هشام الكعبي عن أبيه قال رأيت عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه
يحمل ديوان خزاعة حتى ينزل قديدا فتأتيه بقديد فلا يغيب عنه امرأة بكر ولا ثيب
فيعطيهن في أيديهن ثم يروح فينزل عسفان فيفعل مثل ذلك أيضا حتى توفى *
حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني عبد الله بن
جعفر الزهري وعبد الملك بن سليمان عن إسماعيل بن محمد بن سعد عن السائب
ابن يزيد قال سمعت عمر بن الخطاب يقول والله الذي لا إله إلا هو ثلاثا ما من أحد
إلا له في هذا المال حق أعطيه أو منعه وما أحدا أحق به من أحد إلا عبد مملوك
وما أنا فيه إلا كأحدهم ولكنا على منازلنا من كتاب الله وقسمنا من رسول الله صلى الله
عليه وسلم والرجل وبلاؤه في الاسلام والرجل وقدمه في الاسلام والرجل
وغناؤه في الاسلام والرجل وحاجته والله لئن بقيت ليأتين الراعي بجبل صنعاء
حظه من هذا المال وهو مكانه * قال إسماعيل بن محمد فذكرت ذلك لأبي فعرف
الحديث * حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني محمد
ابن عبد الله عن الزهري عن السائب بن يزيد قال رأيت خيلا عند عمر بن الخطاب
موسومة في أفخاذها حبيس في سبيل الله * حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال
أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني قيس بن الربيع عن عطاء بن السائب عن زاذان
عن سلمان أن عمر قال له أملك أنا أم خليفة فقال له سلمان إن أنت جبيت من أرض
المسلمين درهما أو أقل أو أكثر ثم وضعته في غير حقه فأنت ملك غير خليفة
فاستعبر عمر * حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال
حدثني أسامة بن زيد قال حدثني نافع مولى آل الزبير قال سمعت أبا هريرة يقول
يرحم الله ابن حنتمة لقد رأيته عام الرمادة وإنه ليحمل على ظهره جرابين وعكة
زيت في يده وإنه ليعتقب هو وأسلم فلما رآني قال من أين يا أبا هريرة قلت قريبا
فأخذت أعقبه فحملناه حتى انتهينا إلى صرار فإذا صرم نحو من عشرين بيتا من
محارب فقال عمر ما أقدمكم قالوا الجهد وأخرجوا لنا جلد الميتة مشويا كانوا يأكلونه
ورمة العظام مسحوقة كانوا يستفونها فرأيت عمر طرح رداءه ثم اتزر فما زال
279

يطبخ لهم حتى شبعوا فأرسل أسلم إلى المدينة فجاء بأبعرة فحملهم عليها حتى أنزلهم
الجبانة ثم كساهم وكان يختلف إليهم وإلى غيرهم حتى رفع الله ذلك * حدثني الحارث
قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال أخبرني موسى بن يعقوب عن
عمه عن هشام بن خالد قال سمعت عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه يقول لا يذرن
إحداكن الدقيق حتى يسخن الماء ثم تذره قليلا قليلا وتسوطه بمسوطها فإنه
أريع له وأحرى أن لا يتفرد * حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا
محمد بن مصعب القرقساني قال حدثنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم عن راشد
ابن سعد أن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه أتى بمال فجعل يقسمه بين الناس
فازدحموا عليه فأقبل سعد بن أبي وقاص يزاحم الناس حتى خلص إليه فعلاه عمر
بالدرة وقال إنك أقبلت لا تهاب سلطان الله في الأرض فأحببت أن أعلمك
أن سلطان الله لن يهابك * حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا
محمد بن عمر قال حدثنا عمر بن سليمان بن أبي حثمة عن أبيه قال قالت الشفا ابنة
عبد الله رأيت فتيانا يقصدون في المشي ويتكلمون رويدا فقالت ما هذا قالوا
نساك فقالت كان والله عمر إذا تكلم أسمع وإذا مشى أسرع وإذا ضرب أوجع هو
والله الناسك حقا * حدثني عمر قال حدثنا علي بن محمد قال حدثنا عبد الله
ابن عامر قال أعان عمر رجلا على حمل شئ فدعا له الرجل وقال نفعك بنوك
يا أمير المؤمنين فقال بل أغناني الله عنهم * حدثني عمر قال حدثنا علي
ابن محمد عن عمر بن مجاشع قال قال عمر بن الخطاب القوة في العمل أن لا تؤخر
عمل اليوم لغد والأمانة أن لا تخالف سريرة علانية واتقوا الله عز وجل فإنما
التقوى بالتوقي ومن يتق الله يقه * حدثني عمر قال حدثنا علي عن عوانة عن
الشعبي وغير عوانة زاد أحدهما على الآخر أن عمر رضى الله تعالى عنه كان يطوف
في الأسواق ويقرأ القرآن ويقضى بين الناس حيث أدركه الخصوم * حدثني عمر
قال حدثنا علي عن محمد بن صالح أنه سمع موسى بن عقبة يحدث أن رهطا أتوا عمر
فقالوا كثر العيال واشتدت المؤونة فزدنا في أعطياتنا قال فعلتموها جمعتم بين
280

الضرائر واتخذتم الخدم في مال الله عز وجل أما والله لوددت أني وإياكم في سفينتين
في لجة البحر تذهب بنا شرقا وغربا فلن يعجز الناس أن يولوا رجلا منهم فإن
استقام اتبعوه وإن جنف قتلوه فقال طلحة وما عليك لو قلت إن تعوج عزلوه
فقال لا القتل أنكل لمن بعده احذروا فتى قريش وابن كريمها الذي لا ينام إلا على
الرضى ويضحك عند الغضب وهو يتناول من فوقه ومن تحته * حدثني عمر قال
حدثنا علي عن عبد الله بن داود الواسطي عن زيد بن أسلم قال قال عمر كنا نعد
المقرض بخيلا إنما كانت المواساة * حدثني عمر قال حدثنا علي عن ابن دأب عن
أبي معبد الأسلمي عن ابن عباس أن عمر قال لناس من قريش بلغني أنكم تتخذون
مجالس لا يجلس اثنان معا حتى يقال من صحابة فلان من جلساء فلان حتى تحوميت
المجالس وأيم الله إن هذا لسريع في دينكم سريع في شرفكم سريع في ذات بينكم
ولكأني بمن يأتي بعدكم يقول هذا رأى فلان قد قسموا الاسلام أقساما أفيضوا
مجالسكم بينكم وتجالسوا معا فإنه أدوم لألفتكم وأهيب لكم في الناس اللهم ملوني
ومللتهم وأحسست من نفسي وأحسوا مني ولا أدري بأينا يكون الكون وقد
أعلم أن لهم قبيلا منهم فاقبضني إليك * حدثني عمر قال حدثنا علي قال حدثنا إبراهيم
ابن محمد عن أبيه قال اتخذ عبد الله بن أبي ربيعة أفراسا بالمدينة فمنعه عمر بن الخطاب
فكلموه في أن يأذن له قال لا آذن له إلا أن يجئ بعلفها من غير المدينة فارتبط
أفراسا وكان يحمل إليها علفا من أرض له باليمن * حدثني عمر قال حدثنا علي قال
حدثنا أبو إسماعيل الهمداني عن مجالد قال بلغني أن قوما ذكروا لعمر بن الخطاب
رجلا فقالوا يا أمير المؤمنين فاضل لا يعرف من الشر شيئا قال ذاك أوقع له فيه
* (ذكر بعض خطبه رضى الله تعالى عنه) *
* حدثني عمر قال حدثني علي عن أبي معشر عن ابن المنكدر وغيره وأبي معاذ
الأنصاري عن الزهري ويزيد بن عياض عن عبد الله بن أبي بكر وعلي بن مجاهد
عن ابن إسحاق عن يزيد بن عياض عن عبد الله بن أبي إسحاق عن يزيد بن رومان
عن عروة بن الزبير أن عمر رضى الله تعالى عنه خطب فحمد الله وأثنى عليه بما هو
281

أهله ثم ذكر الناس بالله عز وجل واليوم الآخر ثم قال يا أيها الناس إني قد
وليت عليكم ولولا رجاء أن أكون خيركم لكم وأقواكم عليكم وأشدكم استضلاعا
بما ينوب من مهم أموركم ما توليت ذلك منكم ولكفى عمر مهما محزنا انتظار
موافقة الحساب بأخذ حقوقكم كيف آخذها ووضعها أين أضعها وبالسير فيكم
كيف أسير فربى المستعان فإن عمر أصبح لا يثق بقوة ولا حيلة إن لم يتداركه الله
عز وجل برحمته وعونه وتأييده
ثم خطب فقال
إن الله عز وجل قد ولاني أمركم وقد علمت أنفع ما بحضرتكم لكم وإني
أسأل الله أن يعينني عليه وأن يحرسني عنده كما حرسني عند غيره وأن يلهمني العدل
في قسمكم كالذي أمر به وإني امرؤ مسلم وعبد ضعيف إلا ما أعان الله عز وجل ولن
يغير الذي وليت من خلافتكم من خلقي شيئا إن شاء الله إنما العظمة لله عز وجل
وليس للعباد منها شئ فلا يقولون أحد منكم إن عمر تغير منذ ولى أعقل الحق من نفسي
وأتقدم وأبين لكم أمري فأيما رجل كانت له حاجة أو ظلم مظلمة أو عتب علينا
في خلق فليؤذني فإنما أنا رجل منكم فعليكم بتقوى الله في سركم وعلانيتكم وحرماتكم
وأعراضكم وأعطوا الحق من أنفسكم ولا يحمل بعضكم بعضا على أن تحاكموا إلي
فإنه ليس بيني وبين أحد من الناس هوادة وأنا حبيب إلي صلاحكم عزيز علي
عتبكم وأنتم أناس عامتكم حضر في بلاد الله وأهل بلد لا زرع فيه ولا ضرع
إلا ما جاء الله به إليه وإن الله عز وجل قد وعدكم كرامة كثيرة وأنا مسؤول
عن أمانتي وما أنا فيه ومطلع على ما بحضرتي بنفسي إن شاء الله لا أكله إلى أحد
ولا أستطيع ما بعد منه إلا بالامناء وأهل النصح منكم للعامة ولست أجعل أمانتي
إلى أحد سواهم إن شاء الله
وخطب أيضا
فقال بعد ما حمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم أيها الناس
إن بعض الطمع فقر وإن بعض اليأس غنى وإنكم تجمعون ما لا تأكلون وتأملون
282

ما لا تدركون وأنتم مؤجلون في دار غرور كنتم على عهد رسول الله صلى الله
عليه وسلم تؤخذون بالوحي فمن أسر شيئا أخذ بسريرته ومن أعلن شيئا أخذ بعلانيته
فأظهروا لنا أحسن أخلاقكم والله أعلم بالسرائر فإنه من أظهر لنا شيئا وزعم أن
سريرته حسنة لم نصدقه ومن أظهر لنا علانية حسنة ظننا به حسنا واعلموا أن بعض
الشح شعبة من النفاق فأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم
المفلحون أيها الناس أطيبوا مثواكم وأصلحوا أموركم واتقوا الله ربكم ولا تلبسوا
نساءكم القباطي فإنه إن لم يشف فإنه يصف أيها الناس إني لوددت أن أنجو كفافا لا لي
ولا علي واني لأرجو إن عمرت فيكم يسيرا أو كثيرا أن أعمل بالحق فيكم إن شاء الله وألا
يبقى أحد من المسلمين وإن كان في بيته إلا أتاه حقه ونصيبه من مال الله ولا يعمل إليه
نفسه ولم ينصب إليه يوما وأصلحوا أموالكم التي رزقكم الله ولقليل في رفق
خير من كثير في عنف والقتل حتف من الحتوف يصيب البر والفاجر والشهيد
من احتسب نفسه وإذا أراد أحدكم بعيرا فليعمد إلى الطويل العظيم فليضربه
بعصاه فان وجده حديد الفؤاد فليشتره * قالوا
وخطب أيضا
فقال إن الله سبحانه وبحمده قد استوجب عليكم الشكر واتخذ عليكم الحج
فيما آتاكم من كرامة الآخرة والدنيا عن غير مسألة منكم له ولا رغبة منكم فيه
إليه فخلقكم تبارك وتعالى ولم تكونوا شيئا لنفسه وعبادته وكان قادرا أن يجعلكم
لاهون خلقه عليه فجعل لكم عامة خلقه ولم يجعلكم لشئ غيره وسخر لكم ما في
السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة وحملكم في البر
والبحر ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون ثم جعل لكم سمعا وبصرا ومن
نعم الله عليكم نعم عم بها بني آدم ومنها نعم اختص بها أهل دينكم ثم صارت
تلك النعم خواصها وعوامها في دولتكم وزمانكم وطبقتكم وليس من تلك
النعم نعمة وصلت إلى امرئ خاصة إلا لو قسم ما وصل إليه منها بين الناس كلهم
أتعبهم شكرها وفدحهم حقها إلا بعون الله مع الايمان بالله ورسوله فأنتم
283

مستخلفون في الأرض قاهرون لأهلها قد نصر الله دينكم فلم تصبح أمة مخالفة
لدينكم إلا أمتان أمة مستعبدة للاسلام وأهله يجزون لكم يستصفون معائشهم
وكدائحهم ورشح جباههم عليهم المؤونة ولكم المنفعة وأمة تنتظر وقائع الله
وسطواته في كل يوم وليلة قد ملا الله قلوبهم رعبا فليس لهم معقل يلجؤون إليه
ولا مهرب يتقون به قد دهمتهم جنود الله عز وجل ونزلت بساحتهم مع
رفاغة العيش واستفاضة المال وتتابع البعوث وسد الثغور بإذن الله مع العافية
الجليلة العامة التي لم تكن هذه الأمة علي أحسن منها مذ كان الاسلام والله المحمود
مع الفتوح العظام في كل بلد فما عسى أن يبلغ مع هذا شكر الشاكرين وذكر
الذاكرين واجتهاد المجتهدين مع هذه النعم التي لا يحصى عددها ولا يقدر قدرها
ولا يستطاع أداء حقها إلا بعون الله ورحمته ولطفه فنسأل الله الذي لا إله إلا
هو الذي أبلانا هذا أن يرزقنا العمل بطاعته والمسارعة إلى مرضاته واذكروا
عباد الله بلاء الله عندكم واستتموا نعمة الله عليكم وفي مجالسكم مثنى وفرادي
فان الله عز وجل قال لموسى أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم أيام
الله وقال لمحمد صلى الله عليه وسلم واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض
فلو كنتم إذ كنتم مستضعفين محرومين خير الدنيا على شعبة من الحق تؤمنون بها
وتستريحون إليها مع المعرفة بالله ودينه وترجون بها الخير فيما بعد الموت لكان
ذلك ولكنكم كنتم أشد الناس معيشة وأثبته بالله جهالة فلو كان هذا الذي
استشلاكم به لم يكن معه حظ في دنياكم غير أنه ثقة لكم في آخرتكم التي إليها
المعاد والمنقلب وأنتم من جهد المعيشة على ما كنتم عليه أحرياء أن تشحوا على
نصيبكم منه وأن تظهروه على غيره قبله ما أنه قد جمع لكم فضيلة الدنيا وكرامة
الآخرة ومن شاء أن يجمع له ذلك منكم فأذكركم الله الحائل بين قلوبكم إلا
ما عرفتم حق الله فعملتم له وقسرتم أنفسكم على طاعته وجمعتم مع السرور بالنعم
خوفا لها ولانتقالها ووجلا منها ومن تحويلها فإنه لا شئ أسلب للنعمة من كفرانها
وان الشكر أمن للغير ونماء للنعمة واستيجاب للزيادة هذا لله على من
أمركم ونهيكم واجب
284

من ندب عمر ورثاه رضي الله عنه
ذكر بعض ما رثى به
* حدثني عمر قال حدثنا علي قال حدثنا أبو عبد الله البرجمي عن هشام بن عروة
أن باكية بكت على عمر فقالت وا حرى على عمر حر انتشر فملا البشر وقالت
أخرى وا حرى على عمر حر انتشر حتى شاع في البشر * حدثنا عمر قال حدثنا
علي قال حدثنا ابن دأب وسعيد بن خالد عن صالح بن كيسان عن المغيرة بن شعبة
قال لما مات عمر رضي الله عنه بكته ابنة أبي حثمة فقالت واعمراه أقام الأود وأبرأ
العمد أمات الفتن وأحيا السنن خرج نقى الثوب بريئا من العيب قال وقال المغيرة
ابن شعبة لما دفن عمر أتيت عليا وأنا أحب أن أسمع منه في عمر شيئا فخرج ينفض
رأسه ولحيته وقد اغتسل وهو ملتحف بثوب لا يشك ان الامر يصير إليه فقال
يرحم الله ابن الخطاب لقد صدقت ابنة أبي حثمة لقد ذهب بخيرها ونجا من
شرها أما والله ما قالت ولكن قولت وقالت عاتكة ابنة زيد بن عمر بن الخطاب
رضي الله عنه
فجعني فيروز لا در ره * بأبيض تال للكتاب منيب
رؤوف على الأدنى غلبظ على العدا * أخي ثقة في النائبات مجيب
متى ما يقل لا يكذب القول فعله * سريع إلى الخيرات غير قطوب
وقالت أيضا
عين جودي بعبرة ونحيب * لا تملى على الامام النجيب
فجعتني المنون بالفارس المعلم * يوم الهياج والتلبيب
عصمة الناس والمعين على الدهر * وغيث المنتاب والمحروب
قل لأهل السراء والبؤس موتوا * قد سقته المنون كأس شعوب
وقالت امرأة تبكيه
سيبكيك نساء الحي * يبكين شجيات
285

ويخمشن وجوها * كالدنانير نقيات
ويلبسن ثياب الحز * ن بعد القصبيات
شئ من سيره مما لم يمض ذكره
* حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا علي بن محمد عن ابن جعدبة عن إسماعيل بن
أبي حكيم عن سعيد بن المسيب قال حج عمر فلما كان بضجنان قال لا إله إلا الله
العظيم العلي المعطى ما شاء من شاء كنت أرعى إبل الخطاب بهذا الوادي في مدرعة
صوف وكان فظا يتعبني إذا عملت ويضربني إذا قصرت وقد أمسيت وليس بيني
وبين الله أحد ثم تمثل
لا شئ فيما ترى تبقى بشاشته * يبقى الاله ويودي المال الولد
لم تغن عن هرمز يوما خزائنه * والخلد قد حاولت عاد فما خلدوا
ولا سليمان إذ تجرى الرياح له * والانس والجن فيما بينها ترد
أين الملوك التي كانت نوافلها * من كل أوب إليها راكب يفد
حوضا هنالك مورودا بلا كذب * لابد من ورده يوما كما وردوا
* حدثني عمر بن شبة قال حدثنا علي قال حدثنا أبو الوليد المكي قال بينما عمر
جالس إذ أقبل رجل أعرج يقود ناقة تظلع حتى وقف عليه فقال:
إنك مسترعى وإنا رعية * وإنك مدعو بسيماك يا عمر
إذا يوم شر شره لشراره * فقد حملتك اليوم أحسابها مضر
فقال لا حول ولا قوة إلا بالله وشكا الرجل ظلع ناقته فقبض عمر الناقة
وحمله على جمل أحمر وزوده وانصرف ثم خرج عمر في عقب ذلك حاجا فبينا هو
يسير إذ لحق راكبا يقول
ما ساسنا مثلك يابن الخطاب * أبر بالأقصى ولا بالأصحاب
بعد النبي صاحب الكتاب
فنخسه عمر بمخصرة معه وقال فأين أبو بكر * حدثني عمر قال حدثنا علي
ابن محمد عن محمد بن صالح عن عبد الملك بن نوفل بن مساحق قال استعمل عمر عتبة
286

ابن أبي سفيان على كنانة فقدم معه بمال فقال ما هذا يا عتبة قال مال خرجت به معي
وتجرت فيه قال ومالك تخرج المال معك في هذا الوجه فصيره في بيت المال
فلما قام عثمان قال لأبي سفيان إن طلبت ما أخذ عمر من عتبة رددته عليه فقال أبو
سفيان إنك إن خالفت صاحبك قبلك ساء رأى الناس فيك إياك أن ترد على من
كان قبلك فيرد عليك من بعدك (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن
الربيع بن النعمان وأبي المجالد جراد بن عمرو وأبي عثمان وأبي حارثة وأبي عمر
مولى إبراهيم بن طلحة عن زيد بن أسلم عن أبيه قالوا إن هند ابنة عتبة قامت إلى
عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاستقرضته من بيت المال أربعة آلاف تتجر فيها
وتضمنها فأقرضها فخرجت فيها إلى بلاد كلب فاشترت وباعت فبلغها أن أبا سفيان
وعمر بن أبي سفيان قد أتيا معاوية فعدلت إليه من بلاد كلب فأتت معاوية وكان
أبو سفيان قد طلقها قال ما أقدمك أي أمه قالت النظر إليك أي بني إنه عمر وإنما
يعمل لله وقد أتاك أبوك فخشيت أن تخرج إليه من كل شئ وأهل ذلك هو فلا
يعلم الناس من أين أعطيته فيؤنبونك ويؤنبك عمر فلا يستقيلها أبدا فبعث إلى
أبيه وإلى أخيه بمائة دينار وكساهما وحملهما فتعظمها عمرو فقال أبو سفيان
لا تعظمها فإن هذا إعطاء لم تغب عنه هند ومشورة قد حضرتها هند ورجعوا
جميعا فقال أبو سفيان لهند أربحت فقالت الله أعلم معي تجارة إلى المدينة فلما أتت
المدينة وباعت شكت الوضيعة فقال لها عمر لو كان مالي لتركته لك ولكنه مال
المسلمين وهذه مشورة لم يغب عنها أبو سفيان فبعث إليه فحبسه حتى وفته وقال
لأبي سفيان بكم أجازك معاوية فقال بمائة دينار * وحدثني عمر قال حدثنا علي
عن مسلمة بن محارب عن خالد الحذاء عن عبد الله بن صعصعة عن الأحنف قال
أتى عبد الله بن عمير عمر وهو يفرض للناس واستشهد أبوه يوم حنين فقال يا أمير
المؤمنين افرض لي فلم يلتفت إليه فنخسه فقال عمر حس وأقبل عليه فقال من
أنت قال عبد الله بن عمير قال يا يرفأ أعطه ستمائة فأعطاه خمسمائة فلم يقبلها وقال
أمر لي أمير المؤمنين بستمائة ورجع إلى عمر فأخبره فقال عمر يا يرفأ أعطه ستمائة
287

وحلة فأعطاه فلبس الحلة التي كساه عمر ورمى بما كان عليه فقال له عمر يا بني خذ
ثيابك هذه فتكون لمهنة أهلك وهذه لزينتك * حدثني عمر قال حدثنا علي قال
حدثنا أبو الوليد المكي عن رجل من ولد طلحة عن ابن عباس قال خرجت مع
عمر في بعض أسفاره فإنا لنسير ليلة وقد دنوت منه إذ ضرب مقدم رحله بسوطه وقال
كذبتم وبيت الله يقتل أحمد * ولما نطاعن دونه ونناضل
ونسلمه حتى نصرع حوله * ونذهل عن أبنائنا والحلائل
ثم قال أستغفر الله ثم سار فلم يتكلم قليلا ثم قال:
وما حملت من ناقة فوق رحلها * أبر وأوفى ذمة من محمد
وأكسى لبرد الخال قبل ابتذاله * وأعطى لرأس السابق المتجرد
ثم قال أستغفر الله يا ابن عباس ما منع عليا من الخروج معنا قلت لا أدري
قال يا ابن عباس أبوك عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت ابن عمه فما منع
قومكم منكم قلت لا أدري قال لكني أدري يكرهون ولا يتكلم لهم قلت لم ونحن
لهم كالخير قال اللهم غفرا يكرهون أن تجتمع فيكم النبوة والخلافة فيكون بجحا
بجحا لعلكم تقولون إن أبا بكر قفل ذلك لا والله ولكن أبا بكر أتى أحزم ما حضره
ولو جعلها لكم ما نفعكم مع قربكم أنشدني لشاعر الشعراء زهير قوله:
إذا ابتدرت قيس بن عيلان غاية * من المجد من يسبق إليها يسود
فأنشدته وطلع الفجر فقال اقرأ الواقعة فقرأتها ثم نزل فصلى وقرأ بالواقعة
* حدثني ابن حميد قال حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق عن رجل عن عكرمة
عن ابن عباس قال بينما عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبعض أصحابه يتذاكرون
الشعر فقال بعضهم فلان أشعر وقال بعضهم بل فلان أشعر قال فأقبلت فقال عمر
قد جاءكم أعلم الناس بها فقال عمر من شاعر الشعراء يا ابن عباس قال فقلت زهير
ابن أبي سلمى فقال عمر هلم من شعره ما نستدل به على ما ذكرت فقلت امتدح قوما
من بني عبد الله بن غطفان فقال:
لو كان يقعد فوق الشمس من كرم * قوم بأولهم أو محدهم قعدوا
288

قوم أبوهم سنان حين تنسبهم * طابوا وطاب من الأولاد ما ولدوا
إنس إذا أمنوا جن إذا فزعوا * مرزءون بها ليل إذا حشدوا
محسدون على ما كان من نعم * لا ينزع الله منهم ما له حسدوا
فقال عمر أحسن وما أعلم أحدا أولى بهذا الشعر من هذا الحي من بني هاشم
لفضل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابتهم منه فقلت وفقت يا أمير المؤمنين
ولم تزل موفقا فقال يا ابن عباس أتدري ما منع قومكم منهم بعد محمد فكرهت أن
أجيبه فقلت إن لم أكن أدري فأمير المؤمنين يدريني فقال عمر كرهوا أن يجمعوا
لكم النبوة والخلافة فتبجحوا على قومكم بجحا بجحا فاختارت قريش لانفسها
فأصابت ووفقت فقلت يا أمير المؤمنين إن تأذن لي في كلام وتمط عني الغضب
تكلمت فقال تكلم يا ابن عباس فقلت أما قولك يا أمير المؤمنين اختارت قريش
لانفسها فأصابت ووفقت فلو أن قريشا اختارت لانفسها حيث اختار الله عز
وجل لها لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود وأما قولك إنهم كرهوا
أن تكون لنا النبوة والخلافة فإن الله عز وجل وصف قوما بالكراهية فقال
(ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم) فقال عمر هيهات والله
يا ابن عباس قد كانت تبلغني عنك أشياء كنت أكره أن أفرك عنها فتزيل منزلتك
مني فقلت وما هي يا أمير المؤمنين فإن كانت حقا فما ينبغي أن تزيل منزلتي منك وإن
كانت باطلا فمثلي أماط الباطل عن نفسه فقال عمر بلغني أنك تقول إنما صرفوها
عنا حسدا وظلما فقلت أما قولك يا أمير المؤمنين ظلما فقد تبين للجاهل والحليم وأما
قولك حسدا فإن إبليس حسد آدم فنحن ولده المحسودون فقال عمر هيهات أبت
والله قلوبكم يا بني هاشم إلا حسدا ما يحول وضغنا وغشا ما يزول فقلت مهلا يا أمير
المؤمنين لا تصب قلوب قوم أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا بالحسد
والغش فإن قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من قلوب بني هاشم فقال عمر
إليك عني يا ابن عباس فقلت افعل فلما ذهبت لاقوم استحيا مني فقال يا ابن عباس
مكانك فوالله إني لراع لحقك محب لما سرك فقلت يا أمير المؤمنين إن لي عليك حقا
289

وعلى كل مسلم فمن حفظه فحظه أصاب ومن أضاعه فحظه أخطأ ثم قام فمضى
* حدثني أحمد بن عمر قال حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي قال حدثنا عكرمة
ابن عمار عن إياس بن سلمة عن أبيه قال مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه في
السوق ومعه الدرة فخفقني بها خفقة فأصاب طرف ثوبي فقال أمط عن الطريق
فلما كان في العام المقبل لقيني فقال يا سلمة تريد الحج فقلت نعم فأخذ بيدي فانطلق
بي إلى منزله فأعطاني ستمائة درهم وقال استعن بها على حجك واعلم أنها بالخفقة
التي خفقتك قلت يا أمير المؤمنين ما ذكرتها قال وأنا ما نسيتها * حدثني عبد الحميد بن
بيان قال أخبرنا محمد بن يزيد عن إسماعيل بن أبي خالد عن سلمة بن كهيل قال قال
عمر بن الخطاب رضي الله عنه أيها الرعية إن لنا عليكم حقا النصيحة بالغيب
والمعاونة على الخير إنه ليس من حلم أحب إلى الله ولا أعم نفعا من حلم إمام ورفقه
أيها الرعية إنه ليس من جهل أبغض إلى الله ولا أعم شرا من جهل إمام وخرقه
أيها الرعية إنه من يأخذ بالعافية لمن بين ظهرانيه يؤتي الله العافية من فوقه
* حدثني محمد بن إسحاق قال حدثنا يحيى بن معين قال حدثنا يعقوب بن إبراهيم
قال حدثنا عيسى بن يزيد بن دأب عن عبد الرحمن بن أبي زيد عن عمران بن سواد
قال صليت الصبح مع عمر فقرأ سبحان وسورة معها ثم انصرف وقمت معه فقال
أحاجة قلت حاجة قال فالحق قال فلحقت فلما دخل أذن لي فإذا هو على سرير
ليس فوقه شئ فقلت نصيحة فقال مرحبا بالناصح غدوا وعشيا قلت عابت
أمتك منك أربعا قال فوضع رأس درته في ذقنه ووضع أسفلها على فخذه ثم قال
هات قلت ذكروا أنك حرمت العمرة في أشهر الحج ولم يفعل ذلك رسول الله
صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر رضي الله عنه وهي حلال قال هي حلال لو أنهم
اعتمروا في أشهر الحج رأوها مجزية من حجهم فكانت قائبة قوب عامها فقرع
حجهم وهو بهاء من بهاء الله وقد أصبت قلت وذكروا أنك حرمت متعة النساء
وقد كانت رخصة من الله نستمتع بقبضة ونفارق عن ثلاث قال إن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أحلها في زمان ضرورة ثم رجع الناس إلى السعة ثم لم
290

أعلم أحدا من المسلمين عمل بها ولا عاد إليها فالآن من شاء نكح بقبضة وفارق
عن ثلاث بطلاق وقد أصبت قال قلت وأعتقت الأمة إن وضعت ذا بطنها
بغير عتاقة سيدها قال ألحقت حرمة بحرمة وما أردت إلا الخير وأستغفر الله
قلت وتشكوا منك نهر الرعية وعنف السياق قال فشرع الدرة ثم مسحها
حتى أتى على آخرها ثم قال أنا زميل محمد وكان زامله في غزوة قرقرة الكدر
فوالله إني لأرتع فأشبع وأسقى فأروى وأنهز اللفوت وأزجر العروض وأذب
قدري وأسوق خطوى وأضم العنود وألحق القطوف وأكثر الزجر وأقل الضرب
وأشهر العصا وأدفع باليد لولا ذلك لأعذرت قال فبلغ ذلك معاوية فقال كان
والله عالما برعيتهم * حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا ابن علية عن ابن عون
عن محمد قال نبئت أن عثمان قال إن عمر كان يمنع أهله وأقرباءه ابتغاء وجه الله
وإني أعطى أهلي وأقربائي ابتغاء وجه الله ولن يلقى مثل عمر ثلاثة * وحدثني علي
ابن سهل قال حدثنا ضمرة بن ربيعة عن عبيد الله بن أبي سليمان عن أبيه قال قدمت
المدينة فدخلت دارا من دورها فإذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه عليه إزار
قطري يدهن إبل الصدقة بالقطران * حدثنا ابن بشار قال حدثنا عبد الرحمن
قال حدثنا سفيان عن حبيب عن أبي وائل قال قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه
لو استقبلت من أمري ما استدبرت لأخذت فضول أموال الأغنياء فقسمتها على
فقراء المهاجرين * وحدثنا ابن بشار قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال حدثنا
منصور بن أبي الأسود عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود بن يزيد قال كان
الوفد إذا قدموا على عمر رضي الله عنه سألهم عن أميرهم فيقولون خيرا فيقول
هل يعود مرضاكم فيقولون نعم فيقول هل يعود العبد فيقولون نعم فيقول كيف
صنيعه بالضعيف هل يجلس على بابه فإن قالوا لخصلة منها لأعزله * وحدثنا ابن
حميد قال حدثنا الحكم بن بشر قال حدثنا عمرو قال كان عمر بن الخطاب يقول
أربع من أمر الاسلام لست مضيعهن ولا تاركهن لشئ أبدا القوة في مال الله
وجمعه إذا جمعناه وضعناه حيث أمر الله وقعدنا آل عمر ليس في أيدينا ولا عندنا
291

منه شئ والمهاجرون الذين تحت ظلال السيوف ألا يحبسوا ولا يجمروا وأن
يوفر فئ الله عليهم وعلى عيالاتهم وأكون أنا للعيال حتى يقدموا والأنصار الذين
أعطوا الله عز وجل نصيبا وقاتلوا الناس كافة أن يقبل من محسنهم ويتجاوز عن
مسيئهم وأن يشاوروا في الامر والاعراب الذين هم أصل العرب ومادة الاسلام
أن يؤخذ منهم صدقتهم على وجهها ولا يؤخذ منهم دينار ولا درهم وأن يرد على
فقرائهم ومساكينهم (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن أبي جريج
عن نافع عن عبد الله بن عمر قال قال عمر إني لاعلم أن الناس لا يعدلون بهذين
الرجلين للذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون نجيا بينهما وبين جبريل
يتبلغ عنه ويمل عليهما
قصة الشورى
* حدثني عمر بن شبة قال حدثنا علي بن محمد عن وكيع عن الأعمش عن
إبراهيم ومحمد بن عبد الله الأنصاري عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن شهر بن حوشب
وأبي مخنف عن يوسف بن يزيد عن ابن عباس بن سهل ومبارك بن فضالة عن عبيد الله
ابن عمر ويونس بن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون الأودي أن عمر بن الخطاب
لما طعن قيل له يا أمير المؤمنين لو استخلفت قال من أستخلف لو كان أبو عبيدة
ابن الجراح حيا استخلفته فإن سألني ربي قلت سمعت نبيك يقول إنه أمين هذه
الأمة ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا استخلفته فإن سألني ربي قلت سمعت
نبيك يقول إن سالما شديد الحب لله فقال له رجل أدلك عليه عبد الله بن عمر
فقال قاتلك الله والله ما أردت الله بهذا ويحك كيف أستخلف رجلا عجز عن طلاق
امرأته لا أرب لنا في أموركم ما حمدتها فأرغب فيها لاحد من أهل بيتي إن كان خيرا
فقد أصبنا منه وإن كان شرا فشرعنا إلى عمر بحسب آل عمر أن يحاسب منهم
رجل واحد ويسأل عن أمر أمة محمد أما لقد جهدت نفسي وحرمت أهلي وإن
نجوت كفافا لا وزر ولا أجر إني لسعيد انظر فإن استخلفت فقد استخلف من
هو خير مني وإن أترك فقد ترك من هو خير مني ولن يضيع الله دينه فخرجوا ثم
292

راحوا فقالوا يا أمير المؤمنين لو عهدت عهدا فقال قد كنت أجمعت بعد مقالتي
لكم أن أنظر فأولى رجلا أمركم هو أحراكم أن يحملكم على الحق وأشار إلى علي
ورهقتني غشية فرأيت رجلا دخل جنة قد غرسها فجعل يقطف كل غضة ويانعة
فيضمه إليه ويصيره تحته فعلمت أن الله غالب أمره ومتوف عمر فما أريد أتحملها
حيا وميتا عليكم هؤلاء الرهط الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنهم من
أهل الجنة سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل منهم ولست مدخله ولكن السنة علي
وعثمان ابنا عبد مناف وعبد الرحمن وسعد خالا رسول الله صلى الله عليه وسلم
والزبير بن العوام حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته وطلحة الخير
ابن عبيد الله فليختاروا منهم رجلا فإذا ولوا واليا فأحسنوا مؤازرته وأعينوه إن
أئتمن أحدا منكم فليؤد إليه أمانته وخرجوا فقال العباس لعلي لا تدخل معهم قال
أكره الخلاف قال إذا ترى ما تكره فلما أصبح عمر دعا عليا وعثمان وسعدا
وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام فقال إني نظرت فوجدتكم رؤساء
الناس وقادتهم ولا يكون هذا الامر إلا فيكم وقد قبض رسول الله صلى الله تعالى
عليه وسلم وهو عنكم راض إني لا أخاف الناس عليكم إن استقمتم ولكني أخاف
عليكم اختلافكم فيما بينكم فيختلف الناس فانهضوا إلى حجرة عائشة بإذن منها
فتشاوروا واختاروا رجلا منكم ثم قال لا تدخلوا حجرة عائشة ولكن كونوا
قريبا ووضع رأسه وقد نزفه الدم فدخلوا فتناجوا تم ارتفعت أصواتهم فقال
عبد الرحمن بن عمر سبحان الله إن أمير المؤمنين لم يمت بعد فأسمعه فانتبه فقال
ألا أعرضوا عن هذا أجمعون فإذا مت فتشاوروا ثلاثة أيام وليصل بالناس
صهيب ولا يأتين اليوم الرابع إلا وعليكم أمير منكم ويحضر عبد الله بن عمر
مشيرا ولا شئ له من الامر وطلحة شريككم في الامر فإن قدم في الأيام الثلاثة
فأحضروه أمركم وإن مضت الأيام الثلاثة قبل قدومه فاقضوا أمركم ومن لي بطلحة
فقال سعد بن أبي وقاص أنا لك به ولا يخالف إن شاء الله فقال عمر أرجو أن لا يخالف
إن شاء الله وما أظن أن يلي إلا أحد هذين الرجلين علي أو عثمان فان ولي عثمان
293

فرجل فيه لين وإن ولي علي ففيه دعابة وأحر به أن يحملهم على طريق الحق وإن
تولوا سعدا فأهلها هو وإلا فليستعن به الوالي فاني لم أعزله عن خيانة ولا ضعف
ونعم ذو الرأي عبد الرحمن بن عوف مدد رشيد له من الله حافظ فاسمعوا منه وقال
لأبي طلحة الأنصاري يا أبا طلحة إن الله عز وجل طالما أعز الاسلام بكم فاختر
خمسين رجلا من الأنصار فاستحث هؤلاء الرهط حتى يختاروا رجلا منهم وقال
للمقداد بن الأسود إذا وضعتموني في حفرتي فاجمع هؤلاء الرهط في بيت حتى
يختاروا رجلا منهم وقال لصهيب صل بالناس ثلاثة أيام وأدخل عليا وعثمان
والزبير وسعدا وعبد الرحمن بن عوف وطلحة إن قدم وأحضر عبد الله بن عمر
ولا شئ له من الامر وقم على رؤسهم فان اجتمع خمسة ورضوا رجلا وأبى واحد
فاشدخ رأسه أو اضرب رأسه بالسيف وان اتفق أربعة فرضوا رجلا منهم وأبى
اثنان فاضرب رؤسهما فان رضى ثلاثة رجلا منهم وثلاثة رجلا منهم فحكموا
عبد الله بن عمر فأي الفريقين حكم له فليختاروا رجلا منهم فإن لم يرضوا بحكم
عبد الله بن عمر فكوتوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف واقتلوا الباقين ان
رغبوا عما اجتمع عليه الناس فخرجوا فقال علي لقوم كانوا معه من بني هاشم ان
أطيع فيكم قومكم لم تؤمروا أبدا وتلقاه العباس فقال عدلت عنا فقال وما علمك قال قرن
بي عثمان وقال كونوا مع الأكثر فان رضى رجلان رجلا ورجلان رجلا فكونوا مع
الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف فسعد لا يخالف ابن عمه عبد الرحمن وعبد الرحمن صهر
عثمان لا يختلفون فيوليها عبد الرحمن عثمان أو يوليها عثمان عبد الرحمن فلو كان الآخران
معي لم ينفعاني بله إني لأرجو إلا أحدهما فقال له العباس لم أرفعك في شئ إلا رجعت
إلي مستأخرا بما أكره أشرت عليك عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
تسأله فيمن هذا الامر فأبيت وأشرت عليك بعد وفاته أن تعاجل الامر فأبيت
وأشرت عليك حين سماك عمر في الشورى أن لا تدخل معهم فأبيت احفظ عني
واحدة كلما عرض عليك القوم فقل لا إلا أن يولوك واحذر هؤلاء الرهط فإنهم
لا يبرحون يدفعوننا عن هذا الامر حتى يقوم لنا به غيرنا وأيم الله لا يناله إلا بشر
294

لا ينفع معه خير فقال علي أما لئن بقى عثمان لأذكرنه ما أتى ولئن مات ليتداولنها
بينهم ولئن فعلوا ليجدني حيث يكرهون ثم تمثل:
حلفت برب الراقصات عشية * غدون خفافا فابتدرن المحصبا
ليختلين رهط ابن يعمر مارئا * نجيعا بنو الشداخ وردا مصلبا
والتفت فرأى أبا طلحة فكره مكانه فقال أبو طلحة لم ترع أبا الحسن فلما مات
عمر وأخرجت جنازته تصدى علي وعثمان أيهما يصلى عليه فقال عبد الرحمن كلاكما
يحب الامرة لستما من هذا في شئ هذا إلى صهيب استخلفه عمر يصلي بالناس
ثلاثا حتى يجتمع الناس على إمام فصلى عليه صهيب فلما دفن عمر جمع المقداد أهل
الشورى في بيت المسور بن مخرمة ويقال في بيت المال ويقال في حجرة عائشة
بإذنها وهم خمسة معهم ابن عمر وطلحة غائب وأمروا أبا طلحة أن يحجبهم وجاء
عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة فجلسا بالباب فحصبهما سعد وأقامهما وقال تريدان
أن تقولا حضرنا وكنا في أهل الشورى فتنافس القوم في الامر وكثر بينهم الكلام
فقال أبو طلحة أنا كنت لان تدفعوها أخوف مني لان تنافسوها لا والذي ذهب
بنفس عمر لا أزيدكم على الأيام الثلاثة التي أمرتم ثم أجلس في بيتي فأنظر ما تصنعون
فقال عبد الرحمن أيكم يخرج منها نفسه ويتقلدها على أن يوليها أفضلكم فلم يجبه أحد
فقال فأنا أنخلع منها فقال عثمان أنا أول من رضى فاني سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول أمين في الأرض أمين في السماء فقال القوم قد رضينا وعلي ساكت
فقال ما تقول يا أبا الحسن قال أعطني موثقا لتؤثرن الحق ولا تتبع الهوى ولا تخص
ذا رحم ولا تألوا الأمة فقال أعطوني مواثيقكم على أن تكونوا معي علي من بدل
وغير وأن ترضوا من اخترت لكم علي ميثاق الله أن لا أخص ذا رحم لرحمه ولا آلو
المسلمين فأخذ منهم ميثاقا وأعطاهم مثله فقال لعلي إنك تقول إني أحق من حضر
بالامر لقرابتك وسابقتك وحسن أثرك في الدين ولم تبعد ولكن أرأيت لو صرف
هذا الامر عنك فلم تحضر من كنت ترى من هؤلاء الرهط أحق بالامر قال عثمان
وخلا بعثمان فقال تقول شيخ من بني عبد مناف وصهر رسول الله صلى الله عليه
295

وسلم وابن عمه لي سابقة وفضل لم تبعد فلم يصرف هذا الامر عني ولكن لو لم
تحضر فأي هؤلاء الرهط تراه أحق به قال علي ثم خلا بالزبير فكلمه بمثل ما كلم
به عليا وعثمان فقال عثمان ثم خلا بسعد فكلمه فقال عثمان فلقى علي سعدا فقال
(اتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا) أسألك برحم
ابني هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وبرحم عمي حمزة منك أن لا تكون
مع عبد الرحمن لعثمان ظهيرا علي فاني أدلى بما لا يدلى به عثمان ودار عبد الرحمن لياليه
يلقى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن وافى المدينة من أمراء الأجناد وأشراف
الناس يشاورهم ولا يخلو برجل إلا أمره بعثمان حتى إذا كانت الليلة التي يستكمل في
صبيحتها الاجل أتى منزل المسور بن مخرمة بعدا بهيرار من الليل فأيقظه فقال ألا أراك
نائما ولم أذق في هذه الليلة كثير غمض انطلق فادع الزبير وسعدا فدعاهما فبدأ بالزبير
في مؤخر المسجد في الصفة التي تلي دار مروان فقال له خل ابني عبد مناف وهذا
الامر قال نصيبي لعلي وقال لسعد أنا وأنت كلالة فاجعل نصيبك لي فأختار قال
إن اخترت نفسك فنعم وإن اخترت عثمان فعلي أحب إلي أيها الرجل بايع لنفسك
وأرحنا وارفع رؤسنا قال يا أبا إسحاق إني قد خلعت نفسي منها على أن أختار ولو لم
أفعل وجعل الخيار إلي لم أردها إني أريت كروضة خضراء كثيرة العشب
فدخل فحل فلم أر فحلا قط أكرم منه فمر كأنه سهم لا يلتفت إلى شئ مما في الروضة
حتى قطعها لم يعرج ودخل بعير يتلوه فاتبع أثره حتى خرج من الروضة ثم دخل
فحل عبقري يجر خطامه يلتفت يمينا وشمالا ويمضى قصد الأولين حتى خرج ثم
دخل بعير رابع فرتع في الروضة ولا والله لا أكون الرابع ولا يقوم مقام
أبي بكر وعمر بعدهما أحد فيرضى الناس عنه قال سعد فإني أخاف أن يكون
الضعف قد أدركك فامض لرأيك فقد عرفت عهد عمر وانصرف الزبير وسعد
وأرسل المسور بن مخرمة إلى علي فناجاه طويلا وهو لا يشك أنه صاحب الامر
ثم نهض وأرسل المسور إلى عثمان فكان في نجيهما حتى فرق بينهما أذان الصبح
فقال عمرو بن ميمون قال لي عبد الله بن عمر يا عمر ومن أخبرك أنه يعلم ما كلم
296

به عبد الرحمن بن عوف عليا وعثمان فقد قال بغير علم فوقع قضاء ربك على عثمان
فلما صلوا الصبح جمع الرهط وبعث إلى من حضره من المهاجرين وأهل السابقة
والفضل من الأنصار وإلى أمراء الأجناد فاجتمعوا حتى التج المسجد بأهله فقال
أيها الناس إن الناس قد أحبوا أن يلحق أهل الأمصار بأمصارهم وقد علموا من
أميرهم فقال سعيد بن زيد إن نراك لها أهلا فقال أشيروا علي بغير هذا فقال عمار
إن أردت أن لا يختلف المسلمون فبايع عليا فقال المقداد بن الأسود صدق عمار
إن بايعت عليا قلنا سمعنا وأطعنا قال ابن أبي سرح إن أردت أن لا تختلف قريش
فبايع عثمان فقال عبد الله بن أبي ربيعة صدق إن بايعت عثمان قلنا سمعنا وأطعنا فشتم
عمار ابن أبي سرح وقال متى كنت تنصح المسلمين فتكلم بنو هاشم وبنو أمية فقال عمار
أيها الناس إن الله عز وجل أكرمنا بنبيه وأعزنا بدينه فأنى تصرفون هذا الامر عن أهل
بيت نبيكم فقال رجل من بني مخزوم لقد عدوت طورك يا ابن سمية وما أنت وتأمير
قريش لانفسها فقال سعد بن أبي وقاص يا عبد الرحمن أفرغ قبل أن يفتتن الناس
فقال عبد الرحمن إني قد نظرت وشاورت فلا تجعلن أيها الرهط على أنفسكم سبيلا
ودعا عليا فقال عليك عهد الله وميثاقه لتعملن بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة
الخليفتين من بعده قال أرجو أن أفعل وأعمل بمبلغ علمي وطاقتي ودعا عثمان فقال
له مثل ما قال لعلي قال نعم فبايعه فقال علي حبوته حبو دهر ليس هذا أول يوم
تظاهرتم فيه علينا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون والله ما وليت عثمان
إلا ليرد الامر إليك والله كل يوم هو في شأن فقال عبد الرحمن يا علي لا تجعل على
نفسك سبيلا فإني قد نظرت وشاورت الناس فإذا هم لا يعدلون بعثمان فخرج علي
وهو يقول سيبلغ الكتاب أجله فقال المقداد يا عبد الرحمن أما والله لقد تركته
من الذين يقضون بالحق وبه يعدلون فقال يا مقداد والله لقد اجتهدت للمسلمين
قال إن كنت أردت بذلك الله فأثابك الله ثواب المحسنين فقال المقداد ما رأيت
مثل ما أوتى إلى أهل هذا البيت بعد نبيهم إني لاعجب من قريش أنهم تركوا رجلا
ما أقول أن أحدا أعلم ولا أقضى منه بالعدل أما والله لو أجد عليه أعوانا فقال
297

عبد الرحمن يا مقداد اتق الله فإني خائف عليك الفتنة فقال رجل للمقداد رحمك الله
من أهل هذا البيت ومن هذا الرجل قال أهل البيت بنو عبد المطلب والرجل
علي بن أبي طالب فقال علي إن الناس ينظرون إلى قريش وقريش تنظر إلى بيتها
فتقول إن ولى عليكم بنو هاشم لم تخرج منهم أبدا وما كانت في غيرهم من قريش
تداولتموها بينكم وقدم طلحة في اليوم الذي بويع فيه لعثمان فقيل له بايع عثمان فقال
أكل قريش راض به قال نعم فأتى عثمان فقال له عثمان أنت على رأس أمرك إن
أبيت رددتها قال أتردها قال نعم قال أكل الناس بايعوك قال نعم قال قد رضيت
لا أرغب عما قد أجمعوا عليه وبايعه وقال المغيرة بن شعبة لعبد الرحمن يا أبا محمد
قد أصبت إذ بايعت عثمان وقال لعثمان لو بايع عبد الرحمن غيرك ما رضينا فقال
عبد الرحمن كذبت يا أعور لو بايعت غيره لبايعته ولقلت هذه المقالة وقال الفرزدق
صلى صهيب ثلاثا ثم أرسلها * على ابن عفان ملكا غير مقصور
خلافة من أبي بكر لصاحبه * كانوا أخلاء مهدي ومأمور
وكان المسور بن مخرمة يقول ما رأيت رجلا بذ قوما فيما دخلوا فيه بأشد مما
بذهم عبد الرحمن بن عوف (قال أبو جعفر) وأما المسور بن مخرمة فإن الرواية
عندنا عنه ما حدثني سالم بن جنادة أبو السائب قال حدثنا سليمان بن عبد العزيز
ابن أبي ثابت بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف قال حدثنا أبي عن عبد الله
ابن جعفر عن أبيه عن المسور بن مخرمة وكانت أمه عاتكة ابنة عوف في الخبر
الذي قد مضى ذكرى أوله في مقتل عمر بن الخطاب قال ونزل في قبره يعنى في قبر
عمر الخمسة يعني أهل الشورى قال ثم خرجوا يريدون بيوتهم فناداهم عبد الرحمن
إلى أين هلموا فتبعوه وخرج حتى دخل بيت فاطمة ابنة قيس الفهرية أخت الضحاك
ابن قيس الفهري قال بعض أهل العلم بل كانت زوجته وكانت نجودا يريد ذات
رأى قال فبدأ عبد الرحمن بالكلام فقال يا هؤلاء إن عندي رأيا وإن لكم نظرا
فاسمعوا تعلموا وأجيبوا تفقهوا فإن حابيا خير من زاهق وإن جرعة من شروب
298

بارد أنفع من عذب موب أنتم أئمة يهتدى بكم وعلماء يصدر إليكم فلا تفلوا المدى
بالاختلاف بينكم ولا تغمدوا السيوف عن أعدائكم فتوتروا ثأركم وتؤلتوا
أعمالكم لكل أجل كتاب ولكل بيت إمام بأمره يقومون وبنهيه يرعوون قلدوا
أمركم واحدا منكم تمشوا الهوينا وتلحقوا الطلب لولا فتنة عمياء وضلالة حيراء
يقول أهلها ما يرون وتحلهم الحبو كرى ما عدت نياتكم معرفتكم ولا أعمالكم
نياتكم احذوا نصيحة الهوى ولسان الفرقة فإن الحيلة في المنطق أبلغ من
السيوف في الكلم علقوا أمركم رحب الذراع فيما حل مأمون الغيب فيما نزل
رضا منكم وكلكم رضا ومقترعا منكم وكلكم منتهى لا تطيعوا مفسدا
ينتصح ولا تخالفوا مرشدا ينتصر أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ثم تكلم
عثمان بن عفان فقال الحمد لله الذي اتخذ محمدا نبيا وبعثه رسولا صدقه وعده ووهب
له نصره على كل من بعد نسبا أو قرب رحما صلى الله عليه وسلم جعلنا الله له تابعين
وبأمره مهتدين فهو لنا نور ونحن بأمره نقوم عند تفرق الأهواء ومجادلة الأعداء
جعلنا الله بفضله أئمة وبطاعته أمراء لا يخرج أمرنا منا ولا يدخل علينا غيرنا إلا
من سفه الحق ونكل عن القصد وأحر بها يا ابن عوف أن تترك وأجدر بها أن تكون
إن خولف أمرك وترك دعاؤك فأنا أول مجيب لك وداع إليك وكفيل بما أقول
زعيم وأستغفر الله لي ولكم ثم تكلم الزبير بن العوام بعده فقال أما بعد فإن داعي
الله لا يجهل ومجيبه لا يخذل عند تفرق الأهواء ولي الأعناق ولن يقصر عما قلت
إلا غوى ولن يترك ما دعوت إليه إلا شقى لولا حدود لله فرضت وفرائض لله حدت
تراح على أهلها وتحيا لا تموت لكان الموت من الامارة نجاة والفرار من الولاية
عصمة ولكن لله علينا إجابة الدعوة وإظهار السنة لئلا نموت ميتة عمية ولا نعمى
عمى الجاهلية فأنا مجيبك إلى ما دعوت ومعينك على ما أمرت ولا حول ولا قوة إلا
بالله وأستغفر الله لي ولكم ثم تكلم سعد بن أبي وقاص فقال الحمد لله بديئا كان وآخرا
يعود أحمده لما نجاني من الضلالة وبصرني من الغواية فبهدى الله فاز من نجا وبرحمته
أفلح من زكا وبمحمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم أنارت الطرق واستقامت
299

السبل وظهر كل حق ومات كل باطل إياكم أيها النفر وقول الزور وأمنية أهل الغرور
فقد سلبت الأماني قوما قبلكم ورثوا ما ورثتم ونالوا ما نلتم فاتخذهم الله عدوا ولعنهم
لعنا كبيرا قال الله عز وجل (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان
داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون
عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون) إني نكبت قرني فأخذت سهمي الفالج
وأخذت لطلحة بن عبيد الله ما ارتضيت لنفسي فأنا به كفيل وبما أعطيت عنه زعيم
والامر إليك يا ابن عوف بجهد النفس وقصد النصح وعلى الله قصد السبيل واليه
الرجوع وأستغفر الله لي ولكم وأعوذ بالله من مخالفتكم ثم تكلم علي بن أبي طالب
رضى الله تعالى عنه فقال الحمد لله الذي بعث محمدا منا نبيا وبعثه إلينا رسولا فنحن
بيت النبوة ومعدن الحكمة وأمان أهل الأرض ونجاة لمن طلب لنا حق إن نعطه
نأخذه وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل ولو طال السرى لو عهد إلينا رسول الله صلى
الله عليه وسلم عهدا لأنفذنا عهده ولو قال لنا قولا لجادلنا عليه حتى نموت لن يسرع
أحد قبلي إلى دعوة حق وصلة رحم ولا حول ولا قوة إلا بالله اسمعوا كلامي وعوا
منطقي عسى أن تروا هذا الامر من بعد هذا المجمع تنتضى فيه السيوف وتخان
فيه العهود حتى تكونوا جماعة ويكون بعضكم أئمة لأهل الضلالة وشيعة لأهل
الجهالة ثم أنشأ يقول:
فإن تك جاسم هلكت فإني * بما فعلت بنو عبد بن ضخم
مطيع في الهواجر كل عي * بصير بالنوى من كل نجم
فقال عبد الرحمن أيكم يطيب نفسا أن يخرج نفسه من هذا الامر ويوليه غيره
قال فأمسكوا عنه قال فإني أخرج نفسي وابن عمي فقلده القوم الامر وأحلفهم عند
المنبر فحلفوا ليبايعن من بايع وإن بايع بإحدى يديه الأخرى فأقام ثلاثا في داره التي
عند المسجد التي يقال لها اليوم رحبة القضاء وبذلك سميت رحبة القضاء فأقام ثلاثا
يصلى بالناس صهيب قال وبعث عبد الرحمن إلى علي فقال له إن لم أبايعك فأشر علي
فقال عثمان ثم بعث إلى عثمان فقال إن لم أبايعك فمن تشير علي قال علي ثم قال لهما
300

انصرفا فدعا الزبير فقال إن لم أبايعك فمن تشير علي قال عثمان ثم دعا سعدا فقال
من تشير علي فأما أنا وأنت فلا نريدها فمن تشير علي قال عثمان فلما كانت الليلة الثالثة
قال يا مسور قلت لبيك قال إنك لنائم والله ما اكتحلت بغماض منذ ثلاث اذهب
فادع لي عليا وعثمان قال قلت يا خال بأيهما أبدا قال بأيهما شئت قال فخرجت فأتيت
عليا وكان هواي فيه فقلت أجب خالي فقال بعثك معي إلى غيري قلت نعم، قال إلى
من؟ قلت إلى عثمان، قال فأينا أمرك أن تبدأ به قلت قد سألته فقال بأيهما شئت فبدأت
بك وكان هواي فيك قال فخرج معي حتى أتينا المقاعد فجلس عليها علي ودخلت على
عثمان فوجدته يوتر مع الفجر فقلت أجب خالي فقال بعثك معي إلى غيري قلت نعم
إلى علي قال بأينا أمرك أن تبدأ قلت سألته فقال بأيهما شئت وهذا علي على المقاعد
فخرج معي حتى دخلنا جميعا على خالي وهو في القبلة قائم يصلي فانصرف لما رآنا ثم
التفت إلى علي وعثمان فقال إني قد سألت عنكما وعن غيركما فلم أجد الناس يعدلون
بكما هل أنت يا علي مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه وفعل أبي بكر وعمر فقال اللهم لا
ولكن جهدي من ذلك وطاقتي فالتفت إلى عثمان فقال هل أنت مبايعي على كتاب
الله وسنة نبيه وفعل أبي بكر وعمر قال اللهم نعم فأشار بيده إلى كتفيه وقال إذا شئتما
فنهضنا حتى دخلنا المسجد وصاح صائح الصلاة جامعة قال عثمان فتأخرت والله حياء
لما رأيت من إسراعيه إلى علي فكنت في آخر المسجد قال وخرج عبد الرحمن بن عوف
وعليه عمامته التي عممه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم متقلدا سيفه حتى ركب المنبر
فوقف وقوفا طويلا ثم دعا بما لم يسمعه الناس ثم تكلم فقال أيها الناس إني قد سألتكم
سرا وجهرا عن إمامكم فلم أجدكم تعدلون بأحد هذين الرجلين أما علي وإما عثمان
فقم إلى يا علي فقام إليه علي فوقف تحت المنبر فأخذ عبد الرحمن بيده فقال هل
أنت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه وفعل أبي بكر وعمر قال اللهم لا ولكن
على جهدي من ذلك وطاقتي قال فأرسل يده ثم نادى قم إلي يا عثمان فأخذ بيده
وهو في موقف علي الذي كان فيه فقال هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة
نبيه وفعل أبي بكر وعمر قال اللهم نعم قال فرفع رأسه إلى سقف المسجد ويده في
يد عثمان ثم قال اللهم اسمع واشهد اللهم إني قد جعلت ما في رقبتي من ذاك في رقبة
301

عثمان قال وازدحم الناس يبايعون عثمان حتى غشوه عند المنبر فقعد عبد الرحمن
مقعد النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر وأقعد عثمان على الدرجة الثانية فجعل
الناس يبايعونه وتلكأ علي فقال عبد الرحمن ومن نكث فإنما ينكث على نفسه
ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما فرجع علي يشق الناس حتى بايع
وهو يقول خدعة وأيما خدعة قال عبد العزيز وانما سبب قول علي خدعة أن عمرو
ابن العاص كان قد لقى عليا في ليالي الشورى فقال إن عبد الرحمن رجل مجتهد وإنه
متى أعطيته العزيمة كان أزهد له فيك ولكن الجهد والطاقة فإنه أرغب له فيك
قال ثم لقى عثمان فقال إن عبد الرحمن رجل مجتهد وليس والله يبايعك إلا بالعزيمة
فاقبل فلذلك قال علي خدعة قال ثم انصرف بعثمان إلى بيت فاطمة ابنة قيس
فجلس والناس معه فقام المغيرة بن شعبة خطيبا فقال يا أبا محمد الحمد لله الذي وفقك
والله ما كان لها غير عثمان وعلي جالس فقال عبد الرحمن يا ابن الدباغ ما أنت
وذاك والله ما كنت أبايع أحدا إلا قلت فيه هذه المقالة قال ثم جلس عثمان في
جانب المسجد ودعا عبيد الله بن عمر وكان محبوسا في دار سعد بن أبي وقاص وهو
الذي نزع السيف من يده بعد قتله جفينة والهرمزان وابنة أبي لؤلؤة وكان يقول
والله لأقتلن رجالا ممن شرك في دم أبي يعرض بالمهاجرين والأنصار فقام إليه
سعد فنزع السيف من يده وجذب شعره حتى أضجعه إلى الأرض وحبسه في داره
حتى أخرجه عثمان إليه فقال عثمان لجماعة من المهاجرين والأنصار أشيروا علي
في هذا الذي فتق في الاسلام ما فتق فقال علي أرى أن تقتله فقال بعض المهاجرين
قتل عمر أمس ويقتل ابنه اليوم فقال عمرو بن العاص يا أمير المؤمنين إن الله
قد أعفاك أن يكون هذا الحدث كان ولك على المسلمين سلطانا إنما كان هذا الحدث
ولا سلطان لك قال عثمان أنا وليهم وقد جعلتها دية واحتملتها في مالي قال وكان
رجل من الأنصار يقال له زياد بن لبيد البياضي إذا رأى عبيد الله بن عمر قال
ألا يا عبيد الله مالك مهرب * ولا ملجأ من ابن أروى ولا خفر
أصبت دما والله في غير حله * حراما وقتل الهرمزان له خطر
302

على غير شئ غير أن قال قائل * أتتهمون الهرمزان على عمر
فقال سفيه والحوادث جمة * نعم أتهمه قد أشار وقد أمر
وكان سلاح العبد في جوف بيته * يقلبها والامر بالامر يعتبر
قال فشكا عبيد الله بن عمر إلى عثمان زياد بن لبيد وشعره فدعا عثمان زياد بن
لبيد فنهاه قال فأنشأ زياد يقول في عثمان:
أبا عمرو عبيد الله رهن * فلا تشكك بقتل الهرمزان
فإنك إن غفرت الجرم عنه * وأسباب الخطا فرسا رهان
أتعفو إذ عفوت بغير حق * فما لك بالذي تحكى يدان
فدعا عثمان زياد بن لبيد فنهاه وشذ به (كتب إلى السرى) عن شعيب عن سيف
عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عبد الرحمن بن أبي بكر قال غداة طعن
عمر مررت على أبي لؤلؤة عشى أمس ومعه جفينة والهرمزان وهم نجى فلما رهقتهم
ثاروا وسقط منهم خنجر له رأسان نصابه في وسطه فانظروا بأي شئ قتل وقد
تخلل أهل المسجد وخرج في طلبه رجل من بني تميم فرجع إليهم التميمي وقد كان
ألظ بأبي لؤلؤة منصرفه عن عمر حتى أخذه فقتله وجاء بالخنجر الذي وصف
عبد الرحمن بن أبي بكر فسمع بذلك عبيد الله بن عمر فأمسك حتى مات عمر ثم
اشتمل على السيف فأتى الهرمزان فقتله فلما عضه السيف قال لا إله إلا الله ثم
مضى حتى أتى جفينة وكان نصرانيا من أهل الحيرة ظئرا لسعد بن مالك أقدمه
إلى المدينة للصلح الذي بينه وبينهم وليعلم بالمدينة الكتابة فلما علاه بالسيف صلب
بين عينيه وبلغ ذلك صهيبا فبعث إليه عمرو بن العاص فلم يزل به وعنه ويقول
السيف بأبي وأمي حتى ناوله إياه وثاوره سعد فأخذ بشعره وجاؤا إلى صهيب
عمال عمر رضي الله عنه على الأمصار
وكان عامل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في السنة التي قتل فيها وهي سنة
23 على مكة نافع بن عبد الحارث الخزاعي وعلى الطائف سفيان بن عبد الله الثقفي
وعلى صنعاء يعلى بن منية حليف بني نوفل بن عبد مناف وعلى الجند عبد الله بن
303

أبي ربيعة وعلى الكوفة المغيرة بن شعبة وعلى البصرة أبو موسى الأشعري وعلى
مصر عمرو بن العاص وعلى حمص عمير بن سعد وعلى دمشق معاوية بن ابن
سفيان وعلى البحرين وما والاهما عثمان بن أبي العاص الثقفي (وفي هذه السنة)
أعني سنة 23 توفى فيما زعم الواقدي قتادة بن النعمان الظفري وصلى عليه عمر
ابن الخطاب وفيها غزا معاوية الصائفة حتى بلغ عمورية ومعه من أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم عبادة بن الصامت وأبو أيوب خالد بن زيد وأبو ذر وشداد
بن أوس (وفيها) فتح معاوية عسقلان على صلح (وقيل) كان على قضاء
الكوفة في السنة التي توفى فيها عمر بن الخطاب رضي الله عنه شريح وعلى البصرة
كعب بن سور وأما مصعب بن عبد الله فإنه ذكر أن مالك بن أنس روى عن
ابن شهاب أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما لم يكن لهما قاض
ثم دخلت سنة أربع وعشرين
ذكر ما كان فيها من الاحداث المشهورة
(ففيها) بويع لعثمان بن عفان بالخلافة واختلف في الوقت الذي بويع له فيه
فقال بعضهم ما حدثني به الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال
حدثني أبو بكر بن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن عثمان بن محمد الأخنسي
قال وأخبرنا محمد بن عمر قال حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن يعقوب بن
زيد عن أبيه قالا بويع عثمان بن عفان يوم الاثنين لليلة بقيت من ذي الحجة سنة 23
فاستقبل بخلافته المحرم سنة 24 وقال آخرون ما حدثني به أحمد بن ثابت الرازي
عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر قال بويع لعثمان عام الرعاف سنة 24
(قيل) إنما قيل لهذه السنة عام الرعاف لأنه كثر الرعاف فيها في الناس وقال
آخرون فيما كتب به إلي السري عن شعيب عن سيف عن خليد بن ذفرة ومجالد قالا
استخلف عثمان لثلاث مضين من المحرم سنة 24 فخرج فصلى بالناس العصر وزاد
ووفد فاستن به (وكتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن عمر عن الشعبي قال
304

اجتمع أهل الشورى على عثمان لثلاث مضين من المحرم وقد دخل وقت العصر وقد
أذن مؤذن صهيب واجتمعوا بين الأذان والإقامة فخرج فصلى بالناس وزاد الناس
مائة ووفد أهل الأمصار وهو أول من صنع ذلك (وقال آخرون) فيما ذكر ابن سعد
عن الواقدي عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة قال بويع لعثمان لعشر مضين من المحرم
بعد مقتل عمر بثلاث ليال
خطبة عثمان رضي الله عنه وقتل عبيد الله بن عمر الهرمزان
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن بدر بن عثمان عن عمه قال لما
بايع أهل الشورى عثمان خرج وهو أشدهم كآبة فأتى منبر رسول الله صلى الله عليه
وسلم فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وقال إنكم
في دار قلعة وفي بقية أعمار فبادروا آجالكم بخير ما تقدرون عليه فلقد أتيتم صبحتم
أو مسيتم ألا وإن الدنيا طويت على الغرور فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله
الغرور اعتبروا بمن مضى ثم جدوا ولا تغفلوا فإنه لا يغفل عنكم أين أبناء الدنيا وإخوانها
الذين أثاروها وعمروها ومتعوا بها طويلا ألم تلفظهم ارموا بالدنيا حيث رمى الله
بها واطلبوا الآخرة فان الله قد ضرب لها مثلا والذي هو خير فقال عز وجل
(واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء - إلى قوله - أملا) وأقبل
الناس يبايعونه (وكتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن أبي منصور قال
سمعت القماذبان يحدث عن قتل أبيه قال كانت العجم بالمدينة يستروح بعضها إلى
بعض فمر فيروزبابي ومعه خنجر له رأسان فتناوله منه وقال ما تصنع بهذا في هذه
البلاد فقال أبس به فرآه رجل فلما أصيب عمر قال رأيت هذا مع الهرمزان دفعه
إلى فيروز فأقبل عبيد الله فقتله فلما ولى عثمان دعاني فأمكنني منه ثم قال يا بني هذا قاتل
أبيك وأنت أولى به منا فاذهب فاقتله فخرجت به وما في الأرض أحد إلا معي
إلا أنهم يطلبون إلى فيه فقلت لهم إلى قتله قالوا نعم وسبوا عبيد الله فقلت أفلكم أن
تمنعوه قالوا لا وسبوه فتركته لله ولهم فاحتملوني فوالله ما بلغت المنزل إلا على
رؤس الرجال وأكفهم
305

ولاية سعد بن أبي وقاص الكوفة
(وفي هذه السنة) عزل عثمان المغيرة بن شعبة عن الكوفة وولاها سعد بن
أبي وقاص فيما كتب به إلى السري عن شعيب عن سيف عن المجالد عن الشعبي قال
كان عمر قال أوصى الخليفة من بعدي أن يستعمل سعد بن أبي وقاص فاني لم أعزله عن
سوء وقد خشيت أن يلحقه من ذلك وكان أول عامل بعث به عثمان سعد بن أبي وقاص
على الكوفة وعزل المغيرة بن شعبة والمغيرة يومئذ بالمدينة فعمل عليها سعد سنة وبعض
أخرى وأقر أبا موسى سنوات وأما الواقدي فإنه ذكر أن أسامة بن زيد بن أسلم
حدثه عن أبيه أن عمر أوصى أن يقر عماله سنة فلما ولى عثمان أقر المغيرة بن شعبة على
الكوفة سنة ثم عزله واستعمل سعد بن أبي وقاص ثم عزله واستعمل الوليد بن عقبة فإن كان
صحيحا ما رواه الواقدي من ذلك فولاية سعد الكوفة من قبل عثمان كانت سنة 25
كتب عثمان رضي الله عنه إلى عماله وولاته والعامة
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة باسنادهما قالا لما
ولى عثمان بعث عبد الله بن عامر إلى كابل وهي عمالة سجستان فبلغ كابل حتى
استفرغها فكانت عمالة سجستان أعظم من خراسان حتى مات معاوية وامتنع أهل
كابل قالوا وكان أول كتاب كتبه عثمان إلى عماله أما بعد فان الله أمر الأئمة أن يكونوا
رعاة ولم يتقدم إليهم أن يكونوا جباة وإن صدر هذه الأمة خلقوا رعاة لم يخلقوا
جباة وليوشكن أئمتكم أن يصيروا جباة ولا يكونوا رعاة فإذا عادوا كذلك انقطع
الحياء والأمانة والوفاء ألا وإن أعدل السيرة أن تنظروا في أمور المسلمين وفيما عليهم
فتعطوهم مالهم وتأخذوهم بما عليهم ثم تثنوا بالذمة فتعطوهم الذي لهم وتأخذوهم بالذي
عليهم ثم العدو الذي تنتابون فاستفتحوا عليهم بالوفاء قالوا وكان أول كتاب كتبه إلى
أمراء الأجناد في الفروج: أما بعد فإنكم حماة المسلمين وذادتهم وقد وضع لكم عمر
ما لم يغب عنا بل كان عن ملا منا ولا يبلغني عن أحد منكم تغيير ولا تبديل فيغير الله ما بكم
ويستبدل بكم غيركم فانظروا كيف تكونون فانى أنظر فيما ألزمني الله النظر فيه والقيام
عليه. قالوا وكان أول كتاب كتبه إلى عمال الخراج: أما بعد فان الله خلق الخلق بالحق
306

يقبل الا الحق خذوا الحق وأعطوا الحق به والأمانة الأمانة قوموا عليها ولا تكونوا أول
من يسلبها فتكونوا شركاء من بعدكم إلى ما اكتسبتم والوفاء الوفاء لا تظلموا اليتيم
ولا المعاهد فان الله خصم لمن ظلمهم قالوا وكان كتابه إلى العامة أما بعد فإنكم إنما
بلغتم ما بلغتم بالاقتداء والاتباع فلا تلفتنكم الدنيا عن أمركم فان أمر هذه الأمة
صائر إلى الابتداع بعد اجتماع ثلاث فيكم تكامل النعم وبلوغ أولادكم من السبايا
وقراءة الاعراب والأعاجم القرآن فان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الكفر
في العجمة فإذا استعجم عليهم أمر تكلفوا وابتدعوا (وكتب إلي السري) عن
شعيب عن سيف عن عاصم بن سليمان عن عامر الشعبي قال أول خليفة زاد الناس
في أعطياتهم مائة عثمان فجرت وكان عمر يجعل لكل نفس منفوسة من أهل الفئ
في رمضان درهما في كل يوم وفرض لازواج رسول الله صلى الله عليه وسلم
درهمين درهمين فقيل له لو صنعت لهم طعاما فجمعتهم عليه فقال أشبع الناس في
بيوتهم فأقر عثمان الذي كان صنع عمر وزاد فوضع طعام رمضان فقال للمتعبد
الذي يتخلف في المسجد وابن السبيل والمعترين بالناس في رمضان (وفي هذه
السنة) أعني سنة أربع وعشرين غزا الوليد بن عقبة آذربيجان وأرمينية لمنع
أهلها ما كانوا صالحوا عليه أهل الاسلام أيام عمر في رواية أبي مخنف وأما في
رواية غيره فإن ذلك كان في سنة 26
ذكر الخبر عن ذلك وما كان من أمر المسلمين وأمرهم في هذه الغزوة
ذكر هشام بن محمد أن أبا مخنف حدثه عن فروة بن لقيط الأزدي ثم الغامدي
أن مغازي أهل الكوفة كانت الري وآذربيجان وكان بالثغرين عشرة آلاف
مقاتل من أهل الكوفة ستة آلاف بآذربيجان وأربعة آلاف بالري وكان بالكوفة
إذ ذاك أربعون ألف مقاتل وكان يغزو هذين الثغرين منهم عشرة آلاف في كل
سنة فكان الرجل يصيبه في كل أربع سنين غزوة فغزا الوليد بن عقبة في إمارته
على الكوفة في سلطان عثمان آذربيجان وأرمينية فدعا سلمان بن ربيعة الباهلي
فبعثه أمامه مقدمة له وخرج الوليد في جماعة الناس وهو يريد أن يمعن في أرض
307

أرمينية فمضى في الناس حتى دخل آذربيجان فبعث عبد الله بن شبيل بن عوف
الأحمسي في أربعة آلاف فأغار على أهل موقان والببر والطيلسان فأصاب من
أموالهم وغنم وتحرز القوم منه وسبى منهم سبيا يسيرا فأقبل إلى الوليد بن عقبة
ثم إن الوليد صالح أهل آذربيجان على ثمانمائة ألف درهم وذلك هو الصلح الذي
كانوا صالحوا عليه حذيفة بن اليمان سنة اثنين وعشرين بعد وقعة نهاوند بسنة
ثم إنهم حبسوها عند وفاة عمر فلما ولى عثمان وولى الوليد بن عقبة الكوفة سار
حتى وطئهم بالجيش فلما رأوا ذلك انقادوا له وطلبوا إليه أن يتم لهم على ذلك الصلح
ففعل فقبض منهم المال وبث فيمن حولهم من أعداء المسلمين الغارات فلما رجع
إليه عبد الله بن شبيل الأحمسي من غارته تلك وقد سلم وغنم بعث سلمان بن ربيعة
الباهلي إلى أرمينية في اثنى عشر ألفا سنة أربع وعشرين فسار في أرض أرمينية
فقتل وسبى وغنم ثم إنه انصرف وقد ملا يديه حتى أتى الوليد فانصرف الوليد
وقد ظفر وأصاب حاجته
إجلاب الروم على المسلمين واستمداد المسلمين من بالكوفة
(وفي هذه السنة) في رواية أبي مخنف جاشت الروم حتى استمد من بالشام
من جيوش المسلمين من عثمان مددا
ذكر الخبر عن ذلك
قال هشام حدثني أبو مخنف قال حدثني فروة بن لقيط الأزدي قال لما أصاب
الوليد حاجته من أرمينية في الغزوة التي ذكرتها في سنة أربع وعشرين من
تاريخه ودخل الموصل فنزل الحديثة أتاه كتاب من عثمان رضي الله عنه: أما بعد
فإن معاوية بن أبي سفيان كتب إلي يخبرني أن الروم قد أجلبت على المسلمين
بجموع عظيمة وقد رأيت أن يمدهم إخوانهم من أهل الكوفة فإذا أتاك كتابي هذا
فابعث رجلا ممن ترضى نجدته وبأسه وشجاعته وإسلامه في ثمانية آلاف أو تسعة
آلاف أو عشرة آلاف إليهم من المكان الذي يأتيك فيه رسولي والسلام فقام
الوليد في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد أيها الناس فإن الله قد أبلى
308

المسلمين في هذا الوجه بلاء حسنا رد عليهم بلادهم التي كفرت وفتح بلادا لم تكن افتتحت
وردهم سالمين غانمين مأجورين فالحمد لله رب العالمين وقد كتب إلي أمير المؤمنين
يأمرني أن أندب منكم ما بين العشرة الآلاف إلى الثمانية الآلاف تمدون إخوانكم
من أهل الشأم فإنهم قد جاشت عليهم الروم وفي ذلك الاجر العظيم والفضل المبين
فانتدبوا رحمكم الله مع سلمان بن ربيعة الباهلي قال فانتدب الناس فلم يمض ثالثة حتى خرج
ثمانية آلاف رجل من أهل الكوفة فمضوا حتى دخلوا مع أهل الشأم إلى أرض
الروم وعلى جند أهل الشأم حبيب بن مسلمة بن خالد الفهري وعلى جند أهل
الكوفة سلمان بن ربيعة فشنوا الغارات على أرض الروم فأصاب الناس ما شاؤوا
من سبي وملؤا أيديهم من المغنم وافتتحوا بها حصونا كثيرة وزعم الواقدي
أن الذي أمد حبيب بن مسلمة بسلمان بن ربيعة كان سعيد بن العاص وقال كان
سبب ذلك أن عثمان كتب إلى معاوية يأمره أن يغزى حبيب بن مسلمة في أهل
الشأم أرمينية فوجهه إليها فبلغ حبيبا أن الموريان الرومي قد توجه نحوه في
ثمانين ألفا من الروم والترك فكتب بذلك حبيب إلى معاوية فكتب معاوية به
إلى عثمان فكتب عثمان إلى سعيد بن العاص يأمره بإمداد حبيب بن مسلمة فأمده
بسلمان بن ربيعة في ستة آلاف وكان حبيب صاحب كيد فأجمع على أن يبيت
الموريان فسمعته امرأته أم عبد الله بنت يزيد الكلبية يذكر ذلك فقالت له فأين
موعدك قال سرادق الموريان أو الجنة ثم بيتهم فقتل من أشرف له وأتى السرادق
فوجد امرأته قد سبقت وكانت أول امرأة من العرب ضرب عليها سرادق ومات
عنها حبيب فخلف عليها الضحاك بن قيس الفهري فهي أم ولده (واختلف)
فيمن حج بالناس في هذه السنة فقال بعضهم حج بالناس في هذه السنة عبد الرحمن
ابن عوف بأمر عثمان كذلك قال أبو معشر والواقدي وقال آخرون بل حج في
هذه السنة عثمان بن عفان وأما الاختلاف في الفتوح التي نسبها بعض الناس إلى أنها
كانت في عهد عمر وبعضهم إلى أنها كانت في إمارة عثمان فقد ذكرت قبل فيما
مضى من كتابنا هذا ذكر اختلاف المختلفين في تاريخ كل فتح كان من ذلك
309

ثم دخلت سنة خمس وعشرين
ذكر الاحداث المشهورة التي كانت فيها
فقال أبو معشر فيما حدثني أحمد بن ثابت الرازي قال حدثني محدث عن إسحاق
ابن عيسى عنه كانت إسكندرية سنة 25 وقال الواقدي وفي هذه السنة نقضت
الإسكندرية عهدها فغزاهم عمرو بن العاص فقتلهم وقد ذكرنا خبرها قبل فيما
مضى ومن خالف أبا معشر والواقدي في تأريخ ذلك (وفيها) كان أيضا في قول
الواقدي توجيه عبد الله بن سعد بن أبي سرح الخيل إلى المغرب قال وكان عمرو
ابن العاص قد بعث بعثا قبل ذلك إلى المغرب فأصابوا غنائم فكتب عبد الله
يستأذنه في الغزو إلى إفريقية فأذن له قال وحج بالناس في هذه السنة عثمان
واستخلف على المدينة قال وفيها فتح الحصون وأميرهم معاوية بن أبي سفيان قال
وفيها ولد يزيد بن معاوية قال وفيها كانت سابور الأولى
ثم دخلت سنة ست وعشرين
ذكر ما كان فيها من الاحداث المشهورة
فكان فيها في قول أبي معشر والواقدي فتح سابور وقد مضى ذكر الخبر عنها
في قول من خالفهما في ذلك وقال الواقدي فيها أمر عثمان بتجديد أنصاب الحرم
وقال فيها زاد عثمان في المسجد الحرام وسعه وابتاع من قوم وأبي آخرون فهدم
عليهم ووضع الأثمان في بيت المال فصبحوا بعثمان فأمر بهم بالحبس وقال أتدرون
ما جرأكم علي ما جرأكم علي؟ إلا حلمي قد فعل هذا بكم عمر فلم تصيحوا به ثم كلمه فيهم
عبد الله بن خالد بن أسيد فأخرجوا قال وحج بالناس في هذه السنة عثمان بن عفان
(وفي هذه السنة) عزل عثمان سعدا عن الكوفة وولاها الوليد بن عقبة في قول الواقدي
وأما في قول سيف فإنه عزله عنها في سنة 25 وفيها ولى الوليد عليها وذلك أنه زعم
أنه عزل المغيرة بن شعبة عن الكوفة حين مات عمر ووجه سعدا إليها عاملا فعمل
له عليها سنة وأشهرا
310

ذكر سبب عزل عثمان عن الكوفة سعدا واستعماله عليها الوليد
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن عمرو عن الشعبي قال كان أول
ما نزغ به بين أهل الكوفة وهو أول مصر نزغ الشيطان بينهم في الاسلام أن سعد
ابن أبي وقاص استقرض من عبد الله بن مسعود من بيت المال مالا فأقرضه فلما
تقاضاه لم يتيسر عليه فارتفع بينهما الكلام حتى استعان عبد الله بأناس من الناس
على استخراج المال واستعان سعد بأناس من الناس على استنظاره فافترقوا
وبعضهم يلوم بعضا يلوم هؤلاء سعدا ويلوم هؤلاء عبد الله (كتب إلي السري)
عن شعيب عن سيف عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال كنت
جالسا عند سعد وعنده ابن أخيه هاشم بن عتبة فأتى ابن مسعود سعدا فقال له أد
المال الذي قبلك فقال له سعد ما أراك إلا ستلقى شرا هل أنت إلا ابن مسعود
عبد من هذيل فقال أجل والله إني لابن مسعود وإنك لابن حمينة فقال هاشم أجل
والله إنكما لصاحبا رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليكما فطرح سعد عودا
كان في يده وكان رجلا فيه حدة ورفع يديه وقال اللهم رب السماوات والأرض
فقال عبد الله ويلك قل خيرا ولا تلعن فقال سعد عند ذلك أما والله لولا اتقاء
الله لدعوت عليك دعوة لا تخطئك فولى عبد الله سريعا حتى خرج (وكتب إلي
السري) عن شعيب عن سيف عن القاسم بن الوليد عن المسيب عن عبد خير عن
عبد الله بن عكى قال لما وقع بين ابن مسعود وسعد الكلام في قرض أقرضه
عبد الله إياه فلم يتيسر على سعد قضاؤه غضب عليهما عثمان وانتزعها من سعد
وعزله وغضب على عبد الله وأقره واستعمل الوليد بن عقبة وكان عاملا لعمر
على ربيعة بالجزيرة فقدم الكوفة فلم يتخذ لداره بابا حتى خرج من الكوفة
(وكتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا لما بلغ عثمان
الذي كان بين عبد الله وسعد فيما كان غضب عليهما وهم بهما ثم ترك ذلك وعزل
سعدا وأخذ ما عليه وأقر عبد الله وتقدم إليه وأمر مكان سعد الوليد بن عقبة
وكان على عرب الجزيرة عاملا لعمر بن الخطاب فقدم الوليد في السنة الثانية من
311

إمارة عثمان وقد كان سعد عمل عليها سنة وبعض أخرى فقدم الكوفة وكان أحب
الناس في الناس وأرفقهم بهم فكان بذلك خمس سنين وليس على داره باب
ثم دخلت سنة سبع وعشرين
ذكر الاحداث المشهورة التي كانت فيها
فمما كان فيها من ذلك فتح إفريقية على يد عبد الله بن سعد بن أبي سرح كذلك
حدثني أحمد بن ثابت الرازي قال حدثنا محدث عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر
وهو قول الواقدي أيضا
ذكر الخبر عن فتحها وعن سبب ولاية عبد الله بن سعد
ابن أبي سرح مصر وعزل عثمان عمرو بن العاص عنها
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا مات عمر وعلى مصر
عمرو بن العاص وعلى قضائها خارجة بن فلان فولى عثمان فأقرهما سنتين من إمارته
ثم عزل عمرا واستعمل عبد الله بن سعد بن أبي سرح (وكتب إلي السري) عن
شعيب عن سيف عن أبي حارثة وأبي عثمان قالا لما ولى عثمان أقر عمرو بن العاص على
عمله وكان لا يعزل أحدا إلا عن شكاة أو استعفاء من غير شكاة وكان عبد الله بن سعد
من جند مصر فأمر عبد الله بن سعد على جنده ورماه بالرجال وسرحه إلى إفريقية
وسرح معه عبد الله بن نافع بن عبد القيس وعبد الله بن نافع بن الحصين الفهريين وقال
لعبد الله بن سعد إن فتح الله عز وجل عليك غدا إفريقية فلك مما أفاء الله على المسلمين
خمس الخمس من الغنيمة نفلا وأمر العبدين على الجند ورماهما بالرجال وسرحهما
إلى الأندلس وأمرهما وعبد الله بن سعد بالاجتماع على الاجل ثم يقيم عبد الله
ابن سعد في عمله ويسيران إلى عملهما فخرجوا حتى قطعوا مصر فلما وغلوا في أرض
إفريقية فأمعنوا انتهوا إلى الاجل ومعه الأفناء فاقتتلوا فقتل الاجل قتله عبد الله
ابن سعد وفتح إفريقية سهلها وجبلها ثم اجتمعوا على الاسلام وحسنت طاعتهم
وقسم عبد الله ما أفاء الله عليهم على الجند وأخذ خمس الخمس وبعث بأربعة أخماسه
إلى عثمان مع ابن وثيمة النصري وضرب فسطاطا في موضع القيروان ووفد وفدا
312

فشكوا عبد الله فيما أخذ فقال لهم أنا نفلنه وكذلك كان يصنع وقد أمرت له بذلك
وذاك إليكم الآن فإن رضيتم فقد جاز وإن سخطتم فهو رد قالوا فإنا نسخطه قال فهو
رد وكتب إلى عبد الله برد ذلك واستصلاحهم قالوا فاعزله عنا فإنا لا نريد أن يتأمر
علينا وقد وقع ما وقع فكتب إليه أن استخلف على إفريقية رجلا ممن ترضى ويرضون
وأقسم الخمس الذي كنت نفلتك في سبيل الله فإنهم قد سخطوا النفل ففعل ورجع
عبد الله بن سعد إلى مصر وقد فتح إفريقية وقتل الاجل فما زالوا من أسمع أهل البلدان
وأطوعهم إلى زمان هشام بن عبد الملك أحسن أمة سلاما وطاعة حتى دب إليهم أهل
العراق فلما دب إليهم دعاه أهل العراق واستثاروهم شقوا عصاهم وفرقوا بينهم إلى اليوم
وكان من سبب تفريقهم أنهم ردوا على أهل الأهواء فقالوا إنا لا نخالف الأئمة بما
تجنى العمال ولا نحمل ذلك عليهم فقالوا لهم إنما يعمل هؤلاء بأمر أولئك فقالوا
لهم لا تقبل ذلك حتى نبورهم فخرج ميسرة في بضعة عشر إنسانا حتى يقدم على هشام
فطلبوا الاذن فصعب عليهم فأتوا الأبرش فقالوا أبلغ أمير المؤمنين أن أميرنا يغزو
بنا وبجنده فإذا أصاب نفلهم دوننا وقال هم أحق به فقلنا هو أخلص لجهادنا لأنا
لا نأخذ منه شيئا إن كان لنا فهم منه في حل وإن لم يكن لنا لم نرده وقالوا إذا حاصرنا
مدينة قال تقدموا وأخر جنده فقلنا تقدموا فإنه ازدياد في الجهاد ومثلكم كفى إخوانه
فوقيناهم بأنفسنا وكفيناهم ثم إنهم عمدوا إلى ماشيتنا فجعلوا يبقرونها عن السخال
يطلبون الفراء البيض لأمير المؤمنين فيقتلون ألف شاة في جلد فقلنا ما أيسر هذا
لأمير المؤمنين فاحتملنا ذلك وخليناهم وذلك ثم إنهم سامونا أن يأخذوا كل جميلة
من بناتنا فقلنا لم نجد هذا في كتاب ولا سنة ونحن مسلمون فأحببنا أن نعلم أعن رأى
أمير المؤمنين ذلك أم لا قال نفعل فلما طال عليهم ونفدت نفقاتهم كتبوا أسماءهم
في رقاع ورفعوها إلى الوزراء وقالوا هذه أسماؤنا وأنسابنا فإن سألكم أمير المؤمنين
عنا فأخبروه ثم كان وجههم إلى إفريقية فخرجوا على عامل هشام فقتلوه واستولوا
على إفريقية وبلغ هشاما الخبر وسأل عن النفر فرفعت إليه أسماؤهم فإذا هم الذين
جاء الخبر أنهم صنعوا ما صنعوا (وكتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن
محمد وطلحة قالا وأرسل عثمان عبد الله بن نافع بن الحصين وعبد الله بن نافع
313

ابن عبد القيس من فورهما ذلك من إفريقية إلى الأندلس فأتياها من قبل البحر
وكتب عثمان إلى من انتدب من أهل الأندلس أما بعد فان القسطنطينية إنما تفتح
من قبل الأندلس وإنكم إن افتتحتموها كنتم شركاء من يفتحها في الاجر والسلام
وقال كعب الأحبار يعبر البحر إلى الأندلس أقوام يفتتحونها يعرفون بنورهم
يوم القيامة (وكتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا
فخرجوا ومعهم البربر فأتوها من برها وبحرها ففتحها الله على المسلمين وإفرنجة
وازدادوا في سلطان المسلمين مثل إفريقية فلما عزل عثمان عبد الله بن سعد بن أبي سرح
صرف إلى عمله عبد الله بن نافع بن عبد قيس وكان عليها ورجع عبد الله بن سعد إلى
مصر ولم يزل أمر الأندلس كأمر إفريقية حتى كان زمان هشام فمنع البربر أرضهم
وبقى من في الأندلس على حاله (وأما الواقدي) فإنه ذكر أن ابن أبي سبرة حدثه
عن محمد بن أبي حرملة عن كريب قال لما نزع عثمان عمرو بن العاص عن مصر غضب
عمرو غضبا شديدا وحقد على عثمان فوجه عبد الله بن سعد وأمره أن يمضى إلى
إفريقية وندب عثمان الناس إلى إفريقية فخرج إليها عشرة آلاف من قريش والأنصار
والمهاجرين (قال الواقدي) وحدثني أسامة بن زيد الليثي عن ابن كعب قال لما وجه
عثمان عبد الله بن سعد إلى إفريقية كان الذي صالحهم عليه بطريق إفريقية جرجير
ألفي ألف دينار وخمسمائة ألف دينار وعشرين ألف دينار فبعث ملك الروم رسولا
وأمره أن يأخذ منهم ثلثمائة قنطار كما أخذ منهم عبد الله بن سعد فجمع رؤساء إفريقية
فقال إن الملك قد أمرني أن آخذ منكم ثلثمائة قنطار ذهب مثل ما أخذ منكم عبد الله بن سعد
فقالوا ما عندنا مال نعطيه فأما ما كان بأيدينا فقد افتدينا به أنفسنا وأما الملك فإنه سيدنا
فليأخذ ما كان له عندنا من جائزة كما كنا نعطيه كل سنة فلما رأى ذلك أمر بحبسهم فبعثوا
إلى قوم من أصحابهم فقدموا عليه فكسروا السجن فخرجوا وكان الذي صالحهم عليه
عبد الله بن سعد ثلثمائة قنطار ذهبا فأمر به عثمان لآل الحكم قلت أو لمروان قال لا أدري
* قال ابن عمرو حدثني أسامة بن زيد عن يزيد بن أبي حبيب قال نزع عثمان عمرو بن
العاصي عن خراج مصر واستعمل عبد الله بن سعد على الخراج فتباغيا فكتب
314

عبد الله بن سعد إلى عثمان يقول إن عمرا كسر الخراج وكتب عمرو إن عبد الله
كسر علي حيلة الحرب فكتب عثمان إلى عمرو انصرف وولى عبد الله بن سعد
الخراج والجند فقدم عمرو مغضبا فدخل على عثمان وعليه جبة يمانية محشوة قطنا
فقال له عثمان ما حشو جبتك قال عمرو قال عثمان قد علمت أن حشوها عمرو ولم
أرد هذا إنما سألت أقطن هو أم غيره (قال الواقدي) وحدثني أسامة بن زيد
عن يزيد بن أبي حبيب قال بعث عبد الله بن سعد إلى عثمان بمال من مصر قد حشد
فيه فدخل عمرو على عثمان فقال عثمان يا عمرو هل تعلم أن تلك اللقاح درت بعدك
فقال عمرو إن فصالها هلكت (وحج) بالناس في هذه السنة عثمان بن عفان
رضي الله عنه (وقال الواقدي) وفي هذه السنة كان فتح إصطخر الثاني على يد
عثمان بن أبي العاص * قال وفيها غزا معاوية قنسرين
ثم دخلت سنة ثمان وعشرين
ذكر الخبر عما كان فيها من الاحداث المشهورة
فمما ذكر أنه كان فيها فتح قبرس على يد معاوية غزاها بأمر عثمان إياه وذلك
في قول الواقدي فأما أبو معشر فإنه قال كانت قبرس سنة 33 حدثني بذلك أحمد
ابن ثابت عمن حدثه عن إسحاق بن عيسى عنه وقال بعضهم كانت قبرس سنة 27
غزاها فيما ذكر جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم أبو ذر
وعبادة بن الصامت ومعه زوجته أم حرام والمقداد وأبو الدرداء وشداد بن أوس
ذكر الخبر عن غزوة معاوية إياها
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن الربيع بن النعمان النصري
وأبي المجالد جراد بن عمرو عن رجاء بن حياة وأبي حارثة وأبي عثمان عن رجاء
وعبادة وخالد قالوا ألح معاوية في زمانه على عمر بن الخطاب رضى الله تعالى
عنه في غزو البحر وقرب الروم من حمص وقال إن قرية من قرى حمص ليسمع
أهلها نباح كلابهم وصياح دجاجهم حتى كاد ذلك يأخذ بقلب عمر فكتب عمر
315

إلى عمرو بن العاص صف لي البحر وراكبه فإن نفسي تنازعني إليه وقال عبادة
وخالد لما أخبره ما للمسلمين في ذلك وما على المشركين فكتب إليه عمرو: إني
رأيت خلقا كبيرا يركبه خلق صغير إن ركن خرق القلوب وإن تحرك أزاغ
العقول يزداد فيه اليقين قلة والشك كثرة هم فيه كدود على عود إن مال غرق وإن
نجا برق. فلما قرأه عمر كتب إلى معاوية: لا والذي بعث محمدا بالحق لا أحمل فيه
مسلما أبدا (وكتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد بن سعيد عن
عبادة بن نسى عن جنادة بن أبي أمية الأزدي قال كان معاوية كتب إلي عمر كتابا
في غزو البحر يرغبه فيه ويقول يا أمير المؤمنين إن بالشام قرية يسمع أهلها نباح
كلاب الروم وصياح ديوكهم تلقاء ساحل من سواحل حمص فاتهمه عمر
لأنه المشير فكتب إلى عمرو أن صف لي البحر ثم اكتب إلي بخبره فكتب إليه
يا أمير المؤمنين اني رأيت خلقا عظيما يركبه خلق صغير ليس الا السماء والماء وانما هم
كدود على عود ان مال غرق وان نجا برق (وكتب إلي السري) عن شعيب
عن سيف عن أبي عثمان وأبي حارثة عن عبادة عن جنادة بن أبي أمية والربيع
وأبي المجالد قالوا كتب عمر إلى معاوية انا سمعنا أن بحر الشأم يشرف على أطول
شئ على الأرض يستأذن الله في كل يوم وليلة في أن يفيض على الأرض فيغرقها
فكيف أحمل الجنود في هذا الكافر المستصعب وتالله لمسلم أحب إلي مما حوت
الروم فإياك أن تعرض لي وقد تقدمت إليك وقد علمت ما لقى العلاء مني ولم
أتقدم إليه في مثل ذلك وقالوا ترك ملك الروم الغزو وكاتب عمر وقاربه وسأله
عن كلمة يجتمع فيها العلم كله فكتب إليه أحب للناس ما تحب لنفسك وأكره لهم
ما تكره لها تجتمع لك الحكمة كلها واعتبر الناس بما يليك تجتمع لك المعرفة كلها
وكتب إليه ملك الروم وبعث إليه بقارورة أن املا لي هذه القارورة من كل شئ
فملأها ماء وكتب إليه ان هذا كل شئ من الدنيا وكتب إليه ملك الروم ما بين الحق
والباطل فكتب إليه أربع أصابع الحق فيما يرى عيانا والباطل كثيرا مما يستمع به
فيما لم يعاين وكتب إليه ملك الروم يسأله عما بين السماء والأرض وبين المشرق
316

والمغرب فكتب إليه مسيرة خمسمائة عام للمسافر لو كان طريقا مبسوطا قال وبعثت
أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب إلى ملكة الروم بطيب مشارب وأحفاش من حأفاش
النساء ودسته إلى البريد فأبلغه لها وأخذ منه وجاءت امرأة هرقل وجمعت نساءها
وقالت هذه هدية امرأة ملك العرب وبنت نبيهم وكاتبتها وكافتها وأهدت لها
وفيما أهدت لها عقد فاخر فلما انتهى به البريد إليه أمره بامساكه ودعا الصلاة
جامعة فاجتمعوا فصلى بهم ركعتين وقال إنه لا خير في أمر أبرم عن غير شورى
من أموري قولوا في هدية أهدتها أم كلثوم لامرأة ملك الروم فأهدت لها
امرأة ملك الروم فقال قائلون هو لها بالذي لها وليست امرأة الملك بذمة فتصانع
به ولا تحت يدك فتتقيك وقال آخرون قد كنا نهدى الثياب لنستثيب ونبعث بها
لتباع ولنصيب ثمنا فقال ولكن الرسول رسول المسلمين والبريد بريدهم
والمسلمون عظموها في صدرها فأمر بردها إلى بيت المال ورد عليها بقدر نفقتها
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن أبي حارثة عن خالد بن معدان
قال أول من غزا في البحر معاوية بن أبي سفيان زمان عثمان بن عفان وقد
كان استأذن عمر فيه فلم يأذن له فلما ولى عثمان لم يزل به معاوية حتى عزم عثمان
على ذلك بآخرة وقال لا تنتخب الناس ولا تقرع بينهم خيرهم فمن اختار
الغزو طائعا فاحمله وأعنه ففعل واستعمل على البحر عبد الله بن قيس الحارثي حليف
بني فزارة فغزا خمسين غزاة من بين شاتية وصائفة في البحر ولم يغرق فيه أحد
ولم ينكب وكان يدعو الله أن يرزقه العافية في جنده وأن لا يبتليه بمصاب أحدا
منهم ففعل حتى إذا أراد الله ان يصيبه وحده خرج في قارب طليعة فانتهى إلى
المرقى من أرض الروم وعليه سؤال يعترون بذلك المكان فتصدق عليهم فرجعت
امرأة من السؤال إلى قريتها فقالت للرجال هل لكم في عبد الله بن قيس قالوا وأين
هو قالت في المرقى قالوا إي عدوة الله ومن أين تعرفين عبد الله بن قيس فهو بختهم
وقالت أنتم أعجز من أن يخفى عبد الله على أحد فثاروا إليه فهجموا عليه فقاتلوه
وقاتلهم فأصيب وحده وأفلت الملاح حتى آتي أصحابه فجاؤوا حتى أرقوا والخليفة
317

منهم سفيان بن عوف الأزدي فخرج فقاتلهم فضجر وجعل يعبث بأصحابه ويشتمهم
فقالت جارية عبد الله وأعبد الله ما هكذا كان يقول حين يقاتل فقال سفيان وكيف
كان يقول قالت الغمرات ثم ينجلينا فترك ما كان يقول ولزم الغمرات تم ينجلينا
وأصيب في المسلمين يومئذ وذلك آخر زمان عبد الله بن قيس الحارثي وقيل لتلك
المرأة بعد بأي شئ عرفتيه قالت بصدقته أعطى كما يعطي الملوك ولم يقبض قبض
التجار (وكتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن أبي حارثة وأبي عثمان قالا
قيل لتلك المرأة التي استثارت الروم على عبد الله بن قيس كيف عرفتيه قالت كان
كالتاجر فلما سألته أعطاني كالملك فعرفت أنه عبد الله بن قيس وكتب إلى معاوية والعمال
أما بعد فقوموا على ما فارقتم عليه عمر ولا تبدلوا ومهما أشكل عليكم فردوه إلينا
نجمع عليه الأمة ثم نرده عليكم وإياكم أن تغيروا فإني لست قابلا منكم إلا
ما كان عمر يقبل وقد كانت تنتقض فيما بين صلح عمر وولاية عثمان تلك الناحية
فيبعث إليها الرجل فيفتحها الله على يديه فيحسب له ذلك وأما الفتوح فلأول من
وليها (قال أبو جعفر) ولما غزا معاوية قبرس صالح أهلها فيما حدثني علي بن سهل
قال حدثنا الوليد بن مسلم قال أخبرني سليمان بن أبي كريمة والليث بن سعد وغيرهما
من مشيخة ساحل دمشق أن صلح قبرس وقع على جزية سبعة آلاف دينار يؤدونها
إلى المسلمين في كل سنة يؤدون إلى الروم مثلها ليس للمسلمين أن يحولوا بينهم
وبين ذلك على أن لا يغزوهم ولا يقاتلوا من وراءهم ممن أرادهم من خلفهم وعليهم
أن يؤذنوا المسلمين بمسير عدوهم من الروم إليهم وعلى أن يبطرق إمام المسلمين
عليهم منهم (وقال الواقدي) غزا معاوية في سنة 28 قبرس وغزاها أهل مصر
وعليهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح حتى لقوا معاوية فكان على الناس * قال
وحدثني ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن جبير بن نفير قال لما سبيناهم نظرت
إلى أبي الدرداء يبكي فقلت ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الاسلام وأهله وأذل
فيه الكفر وأهله قال فضرب بيده على منكبي وقال ثكلتك أمك يا جبير ما أهون
الخلق على الله إذا تركوا أمره بينا هي أمة ظاهرة قاهرة للناس لهم الملك إذ تركوا
318

أمر الله فصاروا إلى ما ترى فسلط عليهم السباء وإذا سلط السباء على قوم فليس
لله فيهم حاجة (قال الواقدي) وحدثني أبو سعيد أن معاوية بن أبي سفيان صالح
أهل قبرس في ولاية عثمان وهو أول من غزا الروم وفي العهد الذي بينه وبينهم
ألا يتزوجوا في عدونا من الروم إلا بإذننا (قال الواقدي) وفي هذه السنة غزا
حبيب بن مسلمة سورية من أرض الروم (وفيها) تزوج عثمان نائلة ابنة الفرافصة
وكانت نصرانية فتحنئت قبل أن يدخل بها * فال وفيها بني عثمان داره بالمدينة
الزوراء وفرغ منها * قال وفيها كان فتح فارس الأول وإصطخر الآخر وأميرها
هشام بن عامر قال وحج بالناس عثمان في هذه السنة
ثم دخلت سنة تسع وعشرين
ذكر ما كان فيها من الاحداث المشهورة
(ففيها) عزل عثمان أبا موسى الأشعري عن البصرة وكان عامله عليها ست
سنين وولاها عبد الله بن عامر بن كريز وهو يومئذ ابن خمس وعشرين سنة فقدمها
وقد قيل إن أبا موسى إنما عمل لعثمان على البصرة ثلاث سنين وذكر علي بن محمد
أن محاربا أخبره عن عوف الأعرابي قال خرج غيلان بن خرشة الضبي إلى عثمان
ابن عفان فقال أما لكم صغير فتستشبوه فتولوه البصرة حتى متى يلي هذا الشيخ
البصرة يعني أبا موسى وكان وليها بعد موت عمر ست سنين * قال فعزله عثمان عنها
وبعث عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس وأمه دجاجة
ابنة أسماء السلمي وهو ابن خال عثمان بن عفان قال مسلمة فقدم البصرة وهو ابن
خمس وعشرين سنة سنة 29
ذكر الخبر عن سبب عزل عثمان أبا موسى عن البصرة
(كتب إلي السري) يذكر أن شعيبا حدثه عن سيف عن محمد وطلحة قالا
لما ولى عثمان أقر أبا موسى على البصرة ثلاث سنين وعزله في الرابعة وأمر على
خراسان عمير بن عثمان بن سعد وعلى سجستان عبد الله بن عمير الليثي وهو من
319

ثعلبة فأثخن فيها إلى كابل وأثخن عمير في خراسان حتى بلغ فرغانة فلم يدع دونها كورة
إلا أصلحها وبعث إلى مكران عبيد الله بن معمر التيمي فأثخن فيها حتى بلغ النهر
وبعث على كرمان عبد الرحمن بن غبيس وبعث إلى فارس والأهواز نفرا وضم
سواد البصرة إلى الحصين بن أبي الحر ثم عزل عبد الله بن عمير واستعمل عبد الله بن عامر
فأقره عليها سنة ثم عزله واستعمل عاصم بن عمرو وعزل عبد الرحمن بن غبيس وأعاد
عدي بن سهيل بن عدي ولما كان في السنة الثالثة كفر أهل إيذج والأكراد فنادى
أبو موسى في الناس وحضهم وندبهم وذكر من فضل الجهاد في الرجلة حتى حمل نفر
على دوابهم وأجمعوا على أن يخرجوا رجالا وقال آخرون لا والله لا نعجل بشئ
حتى ننظر ما صنيعه فان أشبه قوله فعله فعلنا كما فعل أصحابنا فلما كان يوم خرج
أخرج ثقله من قصره على أربعين بغلا فتعلقوا بعنانه وقالوا احملنا على بعض هذه
الفضول وارغب من الرجلة فيما رغبتنا فيه فقنع القوم حتى تركوا دابته ومضى فأتوا
عثمان فاستعفوه منه وقالوا ما كل ما نعلم نحب أن نقوله فأبدلنا به فقال من تحبون
فقال غيلان بن خرشة في كل أحد عوض من هذا العبد الذي قد أكل أرضنا وأحيا
أمر الجاهلية فينا فلا ننفك من أشعري كان يعظم ملكه عن الأشعريين ويستصغر
ملك البصرة وإذا أمرت علينا صغيرا كان فيه عوض منه أو مهترا كان فيه عوض
منه ومن بين ذلك من جميع الناس خير منه فدعا عبد الله بن عامر وأمره على البصرة
وصرف عبيد الله بن معمر إلى فارس واستعمل على عمله عمير بن عثمان بن سعد
فاستعمل على خراسان في سنة أربع أمين بن أحمر اليشكري واستعمل على سجستان
في سنة أربع عمران بن الفصيل البرجمي وعلى كرمان عاصم بن عمرو فمات بها فجاشت
فارس وانتقضت بعبيد الله بن معمر فاجتمعوا له بأصطخر فالتقوا على باب إصطخر
فقتل عبيد الله وهزم جنده وبلغ الخبر عبد الله بن عامر فاستنفر أهل البصرة وخرج
معه الناس وعلى مقدمته عثمان بن أبي العاص فالتقوا هم وهم بأصطخر وقتل منهم
مقتلة عظيمة لم يزالوا منها في ذل وكتب بذلك إلى عثمان فكتب إليه بإمرة هرم
ابن حسان اليشكري وهرم بن حيان العبدي من عبد القيس والخريت بن راشد من
320

بنى سامة والمنجاب بن راشد والترجمان الهجيمي على كور فاس وفرق خراسان بين
نفر ستة الأحنف على المروين وحبيب بن قرة اليربوعي على بلخ وكانت مما افتتح
أهل الكوفة وخالد بن عبد الله بن زهير على هراة وأمين بن أحمر اليشكري على طوس
وقيس بن هبيرة السلمي على نيسابور وهو أول من خرج وعبد الله بن خازم وهو
ابن عمه ثم إن عثمان جمعها له قبل موته فمات وقيس على خراسان واستعمل أمين
ابن أحمر على سجستان ثم جعل عليها عبد الرحمن بن سمرة وهو من آل حبيب
ابن عبد شمس فمات عثمان وهو عليها ومات وعمران على كرمان وعمير بن عثمان
ابن سعد على فارس وابن كدير القشيري على مكران * وقال علي بن محمد أخبرنا
علي بن مجاهد عن أشياخه قال قال غيلان بن خرشة لعثمان بن عفان أما منكم خسيس
فترفعوه أما منكم فقير فتجيروه يا معشر قريش حتى متى يأكل هذا الشيخ الأشعري
هذه البلاد فانتبه لها الشيخ فولاها عبد الله بن عامر * قال علي بن محمد أخبرنا أبو بكر
الهذلي قال ولى عثمان بن عامر البصرة فقال الحسن قال أبو موسى يأتيكم غلام خراج
ولاج كريم الجدات والخالات والعمات يجمع له الجندان قال قال الحسن فقدم ابن عامر
فجمع له جند أبي موسى وجند عثمان بن أبي العاص الثقفي وكان عثمان بن أبي العاص فيمن
عبر من عمان والبحرين (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة
قالا وفد قيس بن هبيرة عبد الله بن حازم إلى عبد الله بن عامر في زمان عثمان وكان عبد الله
ابن خازم على عبد الله بن عامر كريما فقال له اكتب لي على خراسان عهدا إن خرج منها
قيس بن هبيرة ففعل فرجع إلى خراسان فلما قتل عثمان وبلغ الناس الخبر وجاش العدو
لذلك قال قيس ما ترى يا عبد الله قال أرى أن تخلفني ولا تخلف عن المضي حتى تنظر
فيما تنظر ففعل واستخلفه فأخرج عبد الله عهد خلافته وثبت على خراسان إلى أن
قام علي رضى الله تعالى عنه وكانت أم عبد الله عجلى فقال قيس أنا كنت أحق أن أكون
ابن عجلي من عبد الله وغضب مما صنع به الآخر (وفي هذه السنة) افتتح عبد الله بن
عامر فارس في قول الواقدي وفي قول أبي معشر حدثني بقول أبي معشر أحمد بن
ثابت عمن حدثه عن إسحاق بن عيسى عنه وأما قول سيف فقد ذكرناه قبل (وفي هذه
321

السنة) أعني سنة 29 زاد عثمان في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ووسعه
وابتدأ في بنائه في شهر ربيع الأول وكانت القصة تحمل إلى عثمان من بطن نخل
وبناه بالحجارة المنقوشة وجعل عمده من حجارة فيها رصاص وسقفه ساجا وجعل
طوله ستين ومائة ذراع وعرضه مائة وخمسين ذراعا وجعل أبوابه على ما كانت
عليه على عهد عمر ستة أبواب (وحج) بالناس في هذه السنة عثمان فضرب بمنى
فسطاطا فكان أول فسطاط ضربه عثمان بمنى وأتم الصلاة بها وبعرفة فذكر الواقدي
عن عمر بن صالح بن نافع عن صالح مولى التوأمة قال سمعت ابن عباس يقول إن أول
ما تكلم الناس في عثمان ظاهرا أنه صلى بالناس بمنى في ولايته ركعتين حتى إذا كانت
السنة السادسة أتمها فعاب ذلك غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وتكلم
في ذلك من يريد أن يكثر عليه حتى جاءه علي فيمن جاءه فقال والله ما حدث أمر
ولا قدم عهد ولقد عهدت نبيك صلى الله عليه وسلم يصلى ركعتين ثم أبا بكر ثم عمر
وأنت صدرا من ولايتك فما أدرى ما يرجع إليه فقال رأى رأيته (قال الواقدي)
وحدثني داود بن خالد عن عبد الملك بن عمرو بن أبي سفيان الثقفي عن عمه قال صلى
عثمان بالناس بمنى أربعا فأتى آت عبد الرحمن بن عوف فقال هل لك في أخيك قد صلى
بالناس أربعا فصلى عبد الرحمن بأصحابه ركعتين ثم خرج حتى دخل على عثمان فقال له
ألم تصل في هذا المكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين قال بلى قال أفلم تصل
مع أبي بكر ركعتين قال بلى قال أفلم تصل مع عمر ركعتين قال بلى قال ألم تصل صدرا من
خلافتك ركعتين قال بلى قال فاسمع مني يا أبا محمد إني أخبرت أن بعض من حج من أهل
اليمن وجفاة الناس قد قالوا في عامنا الماضي إن الصلاة للمقيم ركعتان هذا إمامكم عثمان
يصلى ركعتان وقد اتخذت بمكة أهلا فرأيت أن أصلي أربعا لخوف ما أخاف على
الناس وأخرى قد اتخذت بها زوجة ولى بالطائف مال فربما أطلعته فأقمت فيه بعد
الصدر فقال عبد الرحمن بن عوف ما من هذا شئ لك فيه عذر أما قولك اتخذت
أهلا فزوجتك بالمدينة تخرج بها إذا شئت وتقدم بها إذا شئت انما تسكن بسكناك
وأما قولك ولى مال بالطائف فإن بينك وبين الطائف مسيرة ثلاث ليال وأنت
322

لست من أهل الطائف وأما قولك يرجع من حج من أهل اليمن وغيرهم فيقولون
هذا إمامكم عثمان يصلى ركعتين وهو مقيم فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
ينزل عليه الوحي والناس يومئذ الاسلام فيهم قليل ثم أبو بكر مثل ذلك ثم عمر
فضرب الاسلام بجرانه فصلى بهم عمر حتى مات ركعتين فقال عثمان هذا رأى
رأيته قال فخرج عبد الرحمن فلقى ابن مسعود فقال أبا محمد غير ما يعلم قال لا قال
فما أصنع قال اعمل أنت بما تعلم فقال ابن مسعود الخلاف شر قد بلغني أنه صلى
أربعا فصليت بأصحابي أربعا فقال عبد الرحمن بن عوف قد بلغني أنه صلى أربعا
فصليت بأصحابي ركعتين وأما الآن فسوف يكون الذي تقول يعني نصلى معه أربعا
ثم دخلت سنة ثلاثين
ذكر ما كان فيها من الاحداث المشهورة
فمما كان فيها غزوة سعيد بن العاص طبرستان في قول أبي معشر حدثني بذلك
أحمد بن ثابت عمن حدثه عن إسحاق بن عيسى عنه وفي قول الواقدي وقول علي
ابن محمد المدائتي حدثني بذلك عمر بن شبة عنه وأما سيف بن عمر فإنه ذكر أن
اصبهبذها صالح سويد بن مقرن على أن لا يغزوها على مال بذله له قد مضى ذكرى
الخبر عن ذلك قبل في أيام عمر رضي الله عنه وأما علي بن محمد المدائني فإنه قال فيما
حدثني به عنه عمر لم يغزها أحد حتى قام عثمان بن عفان رضي الله عنه فغزاها سعيد
ابن العاص سنة 30
ذكر الخبر عنه عن غزو سعيد بن العاص طبرستان
* حدثني عمر بن شبة قال حدثني علي بن محمد عن علي بن مجاهد عن حبش بن
مالك قال غزا سعيد بن العاص من الكوفة سنة ثلاثين يريد خراسان ومعه حذيفة
ابن اليمان وناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه الحسن والحسين
وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن
الزبير وخرج عبد الله بن عامر من البصرة يريد خراسان فسبق سعيدا ونزل
323

أبرشهر وبلغ نزوله أبرشهر سعيدا فنزل سعيد قومس وهي صلح صالحهم حذيفة
بعد نهاوند فأتى جرجان فصالحوه على مائتي ألف ثم أتى طميسة وهي كلها من
طبرستان متاخمة جرجان وهي مدينة على ساحل البحر وهي في تخوم جرجان
فقاتله أهلها حتى صلى صلاة الحوف فقال لحذيفة كيف صلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فأخبره فصلى بها سعيد صلاة الخوف وهم يقتتلون وضرب يومئذ
سعيد رجلا من المشركين على حبل عاتقه فخرج السيف من تحت مرفقه وحاصرهم
فسألوا الأمان فأعطاهم على أن لا يقتل منهم رجلا واحدا ففتحوا الحصن فقتلهم
جميعا إلا رجلا واحدا وحوى ما كان في الحصن فأصاب رجل من بني نهد سفطا
عليه قفل فظن فيه جوهرا وبلغ سعيدا فبعث إلى النهدي فأتاه بالسفط فكسروا
قفله فوجدوا فيه سفطا ففتحوه فإذا فيه خرقة سوداء مدرجة فنشروها فوجدوا
خرقة حمراء فنشروها فإذا خرقة صفراء وفيها أيران كميت وورد فقال شاعر
يهجو بني نهد:
آب الكرام بالسبايا غنيمة * وفاز بنو نهد بأيرين في سفط
كميت وورد وافرين كلاهما * فظنوهما غنما فناهيك من غلط
وفتح سعيد بن العاص نامية وليست بمدينة هي صحارى * وحدثني عمر بن شبة
قال حدثنا علي بن محمد قال أخبرني علي بن مجاهد عن حنش بن مالك التغلبي
قال غزا سعيد سنة ثلاثين فأتى جرجان وطبرستان معه عبد الله بن العباس وعبد الله
ابن عمر وابن الزبير وعبد الله بن عمرو بن العاص فحدثني علج كان يخدمهم
قال كنت آتيهم بالسفرة فإذا أكلوا أمروني فنفضتها وعلقتها فإذا أمسوا أعطوني
باقيه قال وهلك مع سعيد بن العاص محمد بن الحكم بن أبي عقيل الثقفي جد يوسف
ابن عمر فقال يوسف لقحذم يا قحذم أتدري أين مات محمد بن الحكم قال نعم
استشهد مع سعيد بن العاص بطبرستان قال لا مات بها وهو مع سعيد ثم قفل سعيد
إلى الكوفة فمدحه كعب بن جعيل فقال
فنعم الفتى إذ جال جيلان دونه * وإذ هبطوا من (دستب)؟ ثم أبهرا
324

تعلم سعيد الخير أن مطيتي * إذا هبطت أشفقت من أن تعقرا
كأنك يوم الشعب ليث خفية * تحرد من ليث العرين وأصحرا
تسوس الذي ما ساس قبلك واحد * ثمانين ألفا دارعين وحسرا
* وحدثني عمر قال حدثنا علي بن كليب بن خلف وغيره أن سعيد بن العاص
صالح أهل جرجان ثم امتنعوا وكفروا فلم يأت جرجان بعد سعيد أحد ومنعوا
ذلك الطريق فلم يكن أحد يسلك طريق خراسان من ناحية قومس إلا على وجل
وخوف من أهل جرجان كان الطريق إلى خراسان من فارس إلى كرمان فأول
من صير الطريق من قومس قتيبة بن مسلم حين ولى خراسان * وحدثني عمر قال
حدثنا علي عن كليب بن خلف العمى عن طفيل بن مرداس العمى وإدريس بن
حنظلة العمى أن سعيد بن العاص صالح أهل جرجان وكانوا يجبون أحيانا مائة
ألف ويقولون هذا صلحنا وأحيانا مائتي ألف وأحيانا ثلثمائة ألف وكانوا ربما
أعطوا ذلك وربما منعوه ثم امتنعوا وكفروا فلم يعطوا خراجا حتى أتاهم يزيد بن
المهلب فلم يعازه أحد حين قدمها فلما صالح صولا وفتح البحيرة ودهستان صالح
أهل جرجان على صلح سعيد بن العاص (وفي هذه السنة) أعني سنة 30 عزل
عثمان الوليد بن عقبة عن الكوفة وولاها سعيد بن العاص في قول سيف بن عمر
ذكر السبب في عزل عثمان الوليد عن الكوفة وتوليته سعيدا عليها
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا لما بلغ عثمان
الذي كان بين عبد الله وسعد غضب عليهما وهم بهما ثم ترك ذلك وعزل سعدا وأخذ
ما عليه وأقر عبد الله وتقدم إليه وأمر مكان سعد الوليد بن عقبة وكان على عرب
الجزيرة عاملا لعمر بن الخطاب فقدم الوليد في السنة الثانية من إمارة عثمان وقد
كان سعد عمل عليها سنة وبعض أخرى فقدم الكوفة وكان أحب الناس في الناس
وأرفقهم بهم فكان كذلك خمس سنين وليس على داره باب ثم إن شبابا من شباب
أهل الكوفة نقبوا على ابن الحيسمان الخزاعي وكاثروه فنذر بهم فخرج عليهم بالسيف
فلما رأى كثرتهم استصرخ فقالوا له اسكت فإنما هي ضربة حتى نريحك من روعة
325

هذه الليلة وأبو شريح الخزاعي مشرف عليهم فصاح بهم وضربوه فقتلوه وأحاط
الناس بهم فأخذوهم وفيهم زهير بن جندب الأزدي ومورع بن أبي مورع الأسدي
وشبيل بن أبي الأزدي في عدة فشهد عليهم أبو شريح وابنه أنهم دخلوا عليه فمنع
بعضهم بعضا من الناس فقتله بعضهم فكتب فيهم إلى عثمان فكتب إليه في قتلهم
فقتلهم على باب القصر في الرحبة وقال في ذلك عمرو بن عاصم التميمي
لا تأكلوا أبدا جيرانكم سرفا * أهل الذعارة في ملك ابن عفان
إن ابن عفان الذي جربتم * فطم اللصوص بمحكم الفرقان
ما زال يعمل بالكتاب مهيمنا * في كل عنق منهم وبنان
(وكتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن عبد الله بن سعيد عن أبي سعيد
قال كان أبو شريح الخزاعي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحول من
المدينة إلى الكوفة ليدنو من الغزو فبينا هو ليلة على السطح إذ استغاث جاره فأشرف
فإذا هو بشباب من أهل الكوفة قد بيتوا جاره وجعلوا يقولون له لا تصح فإنما
هي ضربة حتى نريحك فقتلوه فارتحل إلى عثمان ورجع إلى المدينة ونقل أهله ولهذا
الحديث حيت كثر أحدثت القسامة وأخذ بقول ولى المقتولي ليفطم الناس عن القتل
عن ملا من الناس يومئذ (وكتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد بن
كريب عن نافع بن جبير قال قال عثمان القسامة على المدعي عليه وعلى أوليائه يحلف
منهم خمسون رجلا إذا لم تكن بينة فان نقصت قسامتهم أو إن نكل رجل
واحد ردت قسامتهم ووليها المدعون وأحلفوا فان حلف منهم خمسون استحقوا
(وكتب إلى السري) عن شعيب عن سيف عن الغصن بن القاسم عن عون بن
عبد الله قال كان مما أحدث عثمان بالكوفة إلى ما كان من الخبر أنه بلغه أن أبا سمال
الأسدي في نفر من أهل الكوفة ينادى مناد لهم إذا قدم الميار من كان هاهنا من
كلب أو بني فلان ليس لقومهم بها منزل فمنزله على أبي فلان فاتخذ موضع دار عقيل
دار الضيفان ودار ابن هبار وكان منزل عبد الله بن مسعود في هذيل في موضع
الرمادة فنزل موضع داره وترك داره دار الضيافة وكان الأضياف ينزلون داره
326

في هذيل إذا ضاق عليهم ما حول المسجد (وكتب إلي السري) عن شعب عن سيف
عن المغيرة بن مقسم عمن أدرك من علماء أهل الكوفة أن أبا سمال كان ينادى مناديه
في السوق والكناسة من كان هاهنا من بني فلان وفلان لمن ليست له بها خطة فمنزله
على أبي سمال فاتخذ عثمان للأضياف منازل (وكتب إلي السري) عن شعيب عن
سيف عن مولى لآل طلحة عن موسى بن طلحة مثله (وكتب إلي السري) عن شعيب
عن سيف عن محمد وطلحة قالا كان عمر بن الخطاب قد استعمل الوليد بن عقبة على
عرب الجزيرة فنزل في بني تغلب وكان أبو زبيد في الجاهلية والاسلام في بني تغلب
حتى أسلم وكانت بنو تغلب أخواله فاضطهده أخواله دينا له فأخذ له الوليد بحقه
فشكرها له أبو زبيد وانقطع إليه وغشيه بالمدينة فلما ولى الوليد الكوفة أتاه مسلما
معظما على مثل ما كان يأتيه بالجزيرة والمدينة فنزل دار الضيفان وآخر قدمة قدمها
أبو زبيد على الوليد وقد كان ينتجعه ويرجع وكان نصرانيا قبل ذلك فلم يزل الوليد
به وعنه حتى أسلم في آخر إمارة الوليد وحسن إسلامه فاستدخله الوليد وكان عربيا
شاعرا حين قام على الاسلام فأتى آت أبا زينب وأبا مورع وجندبا وهم يحقدون له
مذ قتل أبناءهم ويضعون له العيون فقال لهم هل لكم في الوليد يشارب أبا زبيد فثاروا
في ذلك فقال أبو زينب وأبو مورع وجندب لأناس من وجوه أهل الكوفة هذا
أميركم وأبو زبيد خيرته وهما عاكفان على الخمر فقاموا معهم ومنزل الوليد في الرحبة
مع عمارة بن عقبة وليس عليه باب فاقتحموا عليه من المسجد وبابه إلى المسجد فلم يفجأ
الوليد إلا بهم فنحى شيئا فادخله تحت السرير فادخل بعضهم يده فأخرجه لا يؤامره
فإذا طبق عليه تفاريق عنب وإنما نحاه استحياء أن يروا طبقه ليس عليه إلا تفاريق عنب
فقاموا فخرجوا على الناس فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون وسمع الناس بذلك فأقبل
الناس عليهم يسبونهم ويلعنونهم ويقولون أقوام غضب الله لعمله وبعضهم أرغمه
الكتاب فدعاهم ذلك إلى التحسس والبحث فستر عليهم الوليد ذلك وطواه عن عثمان
ولم يدخل بين الناس في ذلك بشئ وكره أن يفسد بينهم فسكت عن ذلك وصبر
(وكتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن الفيض بن محمد قال رأيت الشعبي جلس
327

إلى محمد بن عمرو بن الوليد يعني ابن عقبة وهو خليفة محمد بن عبد الملك فذكر محمد
غزو مسلمة فقال كيف لو أدركتم الوليد غزوه وإمارته إن كان ليغزو فينتهي إلى
كذا وكذا ما قصر ولا انتقض عليه أحد حتى عزل عن عمله وعلى الباب يومئذ
عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي وإن كان مما زاد عثمان بن عفان الناس على يده أن
رد على كل مملوك بالكوفة من فضول الأموال ثلاثة في كل شهر يتسعون بها من
غير أن ينقص مواليهم من أرزاقهم (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف
عن الغصن بن القاسم عن عمرو بن عبد الله قال جاء جندب ورهط معه إلى ابن
مسعود فقالوا الوليد يعتكف على الخمر وأذاعوا ذلك حتى طرح على ألسن الناس
فقال ابن مسعود من استتر عنا بشئ لم نتتبع عورته ولم نهتك ستره فأرسل إلى ابن
مسعود فاتاه فعاتبه في ذلك وقال أيرضى من مثلك بأن يجيب قوما موتورين بما
أجبت علي أي شئ أستتر به انما يقال هذا للمريب فتلاحيا وافترقا على تغاضب
لم يكن بينهما أكثر من ذلك (وكتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن
محمد وطلحة قالا وأتى الوليد بساحر فأرسل إلى ابن مسعود يسأله عن حده فقال
وما يدريك إنه ساحر قال زعم هؤلاء النفر لنفر جاؤوا به أنه ساحر قال وما يدريكم
أنه ساحر قالوا يزعم ذاك قال أساحر أنت قال نعم قال وتدري ما السحر قال نعم
وثار إلى حمار فجعل يركبه من قبل ذنبه ويريهم أنه يخرج من فمه وأسته فقال ابن
مسعود فاقتله فانطلق الوليد فنادوا في المسجد أن رجلا يلعب بالسحر عند الوليد
فأقبلوا وأقبل جندب واغتنمها يقول أين هو أين هو حتى أريه فضربه فاجتمع
عبد الله والوليد على حبسه حتى كتب إلى عثمان فأجابهم عثمان أن استحلفوه بالله
ما علم برأيكم فيه وإنه لصادق بقوله فيما ظن من تعطيل حده وعزروه وخلوا
سبيله وتقدم إلى الناس في أن لا يعملوا بالظنون وأن لا يقيموا الحدود دون
السلطان فانا نقيد المخطئ ونؤدب المصيب ففعل ذلك به وترك لأنه أصاب حدا
وغضب لجندب أصحابه فخرجوا إلى المدينة فيهم أبو خشة الغفاري وجثامة بن
الصعب بن جثامة ومعهم جندب فاستعفوه من الوليد فقال لهم عثمان تعملون
328

بالظنون وتخطئون في الاسلام وتخرجون بغير إذن ارجعوا فردهم فلما رجعوا إلى
الكوفة لم يبق موتور في نفسه إلا أتاهم فاجتمعوا على رأي فأصدروه ثم تغفلوا الوليد
وكان ليس عليه حجاب فدخل عليه أبو زينب الأزدي وأبو مورع الأسدي فسلا خاتمه
ثم خرجا إلى عثمان فشهدا عليه ومعهما نفر ممن يعرف من أعوانهم فبعث إليه عثمان
فلما قدم أمر به سعيد بن العاص فقال يا أمير المؤمنين أنشدك الله فوالله إنهما لخصمان
موتوران فقال لا يضرك ذلك إنما نعمل بما ينتهي إلينا فمن ظلم فالله ولى انتقامه
ومن ظلم فالله ولي جزائه (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن أبي غسان
سكن بن عبد الرحمن بن حبيش قال اجتمع نفر من أهل الكوفة فعملوا في عزل
الوليد فانتدب أبو زينب بن عوف وأبو مورد بن فلان الأسدي للشهادة عليه
فغشوا الوليد وأكبوا عليه فبينا هم معه يوما في البيت وله امرأتان في المخدع بينهما
وبين القوم ستر إحداهما بنت ذي الخمار والاخرى بنت أبي عقيل فنام الوليد
وتفرق القوم عنه وثبت أبو زينب وأبو مورع فتناول أحدهما خاتمه ثم خرجا
فاستيقظ الوليد وامرأتاه عند رأسه فلم ير خاتمه فسألهما عنه فلم يجد عندهما منه علما
قال فأي القوم تخلف عنهم قالتا رجلان لا نعرفهما ما غشياك إلا مذ قريب قال
حلياهما فقالتا على أحدهما خميصة وعلى الآخر مطرف وصاحب المطرف أبعدهما
منك فقال الطوال قالتا نعم وصاحب الخميصة أقربهما إليك فقال طلقصير قالتا
نعم وقد رأينا يده على يدك قال ذاك أبو زينب والآخر أبو مورع وقد أرادا
داهية فليت شعري ماذا يريدان فطلبهما فلم يقدر عليهما وكان وجههما إلى المدينة
فقدما على عثمان ومعهما نفر ممن يعرف عثمان ممن قد عزل الوليد عن الأعمال
فقالوا له فقال من يشهد قالوا أبو زينب وأبو مورع وكاع الآخران فقال كيف
رأيتما قالا كنا من غاشيته فدخلنا عليه وهو يقئ الخمر فقال ما يقئ الخمر إلا شاربها
فبعث إليه فلما دخل على عثمان رآهما فقال متمثلا
ما إن خشيت على أمر خلوت به * فلم أخفك على أمثالها حار
فحلف له الوليد وأخبره خبرهم فقال نقيم الحدود ويبوء شاهد الزور بالنار فاصبر
329

يا أخي فأمر سعيد بن العاص فجلده فأورث ذلك عدواة بين ولديهما حتى اليوم
وكانت على الوليد خميصة يوم أمر به أن يجلد فنزعها عنه علي بن أبي طالب عليه
السلام (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن عبيد الطنافسي عن أبي عبيدة
الأيادي قال خرج أبو زينب وأبو مورع حتى دخلا على الوليد بيته وعنده امرأتان
بنت ذي الخمار وبنت أبي عقيل وهو نائم قالت إحداهما فأكب عليه أحدهما
فأخذ خاتمه فسألهما حين استيقظ فقالتا ما أخذناه قال من بقى آخر القوم قالتا رجلان
رجل قصير عليه خميصة ورجل طويل عليه مطرف ورأينا صاحب الخميصة أكب
عليك قال ذاك أبو زينب فخرج يطلبهما فإذا هو وجههما عن ملا من أصحاب
لهما ولا يدري الوليد ما أرادا من ذلك فقدما على عثمان فأخبراه الخبر على
رؤوس الناس فأرسل إلى الوليد فقدم فإذا هو بهما ودعا بهما عثمان فقال
بم تشهدان أتشهدان أنكما رأيتماه يشرب الخمر فقالا لا وخافا قال فكيف قالا
اعتصرناها من لحيته وهو يقئ الخمر فأمر سعيد بن العاص فجلده فأورث ذلك
عداوة بين أهليهما (وكتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن عطية عن أبي
العريف ويزيد الفقعسي قالا كان الناس في الوليد فرقتين العامة معه والخاصة عليه
فما زال عليهم من ذلك خشوع حتى كانت صفين فولى معاوية فجعلوا يقولون
عيب عثمان بالباطل فقال لهم علي عليه السلام إنكم وما تعيرون به عثمان كالطاعن
نفسه ليقتل ردفه ما ذنب عثمان في رجل قد ضربه بقوله وعزله عن عمله وما
ذنب عثمان فيما صنع عن أمرنا (وكتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد
ابن كريب عن نافع بن جبير قال قال عثمان رضي الله عنه إذا جلد الرجل الحد
ثم ظهرت توبته جازت شهادته (وكتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن
أبي كبران عن مولاة لهم وأثنى عليها خيرا قالت كان الوليد أدخل على الناس
خيرا حتى جعل يقسم للولائد والعبيد ولقد تفجع عليه الأحرار والمماليك كان
يسمع الولائد وعليهن الحداد يقلن
يا ويلتا قد عزل الوليد * وجاءنا مجوعا سعيد
330

ينقص في الصاع ولا يزيد * فجوع الإماء والعبيد
(وكتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن الغصن بن القاسم قال كان
الناس يقولون حين عزل الوليد وأمر سعيد
لا يبعد الملك إذ ولت شمائله * ولا الرئاسة لما رأس كتاب
(وكتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة بإسنادهما قالا
قدم سعيد بن العاص في سنة سبع من إمارة عثمان وكان سعيد بن العاص بقية
العاص بن أمية وكان أهله كثيرا تتابعوا فلما فتح الله الشأم قدمها فأقام مع معاوية
وكان يتيما نشأ في حجر عثمان فتذكر عمر قريشا وسأل عنه فيما يتفقد من أمور
الناس فقيل يا أمير المؤمنين هو بدمشق عهد العاهد به وهو مأموم بالموت فأرسل
إلى معاوية أن ابعث إلى سعيد بن العاص في منقل فبعث به إليه وهو دنف فما
بلغ المدينة حتى أفاق فقال يا ابن أخي قد بلغني عنك بلاء وصلاح فازدد يزدك
الله خيرا وقال هل لك من زوجة قال لا قال يا أبا عمر وما منعك من هذا الغلام
أن تكون زوجته قال قد عرضت عليه فأبى فخرج يسير في البر فانتهى إلى ماء
فلقى عليه أربع نسوة فقمن له فقال مالكن ومن أنتن فقلن بنات سفيان بن عويف
ومعهن أمهن فقالت أمهن هلك رجالنا وإذا هلك الرجال ضاع النساء فضعهن
في أكفائهن فزوج سعيدا إحداهن وعبد الرحمن بن عوف الأخرى والوليد
ابن عقبة الثالثة وأتاه بنات مسعود بن نعيم النهشلي فقلن قد هلك رجالنا وبقى
الصبيان فضعنا في أكفائنا فزوج سعيدا إحداهن وجبير بن مطعم إحداهن فشارك
سعيد هؤلاء وهؤلاء وقد كان عمومته ذوي بلاء في الاسلام وسابقة حسنة وقدمة
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يمت عمر حتى كان سعيد من رجال الناس
فقدم سعيد الكوفة في خلافة عثمان أميرا وخرج معه من مكة أو المدينة الأشتر
وأبو خشة الغفاري وجندب بن عبد الله وأبو معصب بن جثامة وكانوا فيمن
شخص مع الوليد يعيبونه فرجعوا مع هذا فصعد سعيد المنبر فحمد الله وأثنى عليه
وقال والله لقد بعثت إليكم وإني لكاره ولكني لم أجد بدا إذ أمرت أن أتمر
331

الا أن الفتنة قد أطلعت خطمها وعينيها ووالله لأضربن وجهها حتى أقمعها أو
تعييني واني لرائد نفسي اليوم ونزل وسأل عن أهل الكوفة فأقيم على حال أهلها
فكتب إلى عثمان بالذي انتهى إليه ان أهل الكوفة قد اضطرب أمرهم وغلب
أهل الشرف منهم والبيوتات والسابقة والقدمة والغالب على تلك البلاد روادف
ردفت وأعراب لحقت حتى ما ينظر إلى ذي شرف ولا بلاء من نازلتها ولا نابتتها
فكتب إليه عثمان أما بعد ففضل أهل السابقة والقدمة ممن فتح الله عليه تلك البلاد
وليكن من نزلها بسببهم تبعا لهم إلا أن يكونوا تثاقلوا عن الحق وتركوا القيام
به وقام به هؤلاء واحفظ لكل منزلته واعطهم جميعا بقسطهم من الحق فان
المعرفة بالناس بها يصاب العدل فأرسل سعيد إلى وجوه الناس من أهل الأيام
والقادسية فقال أنتم وجوه من وراءكم والوجه ينبئ الجسد فأبلغونا حاجة ذي الحاجة
وخلة ذي الخلة وأدخل معهم من يحتمل من اللواحق والروادف وخلص بالقراء
والمتسمتين في سمره فكأنما كانت الكوفة يبسا شملته نار فانقطع إلى ذلك الضرب
ضربهم وفشت القالة والإذاعة فكتب سعيد إلى عثمان بذلك فنادى منادى عثمان
الصلاة جامعة فاجتمعوا فأخبرهم بالذي كتب به إلى سعيد وبالذي كتب به إليه
فيهم وبالذي جاءه من القالة والإذاعة فقالوا أصبت فلا تسعفهم في ذلك ولا
تطمعهم فيما ليسوا له بأهل فإنه إذا نهض في الأمور من ليس لها بأهل لم يحتملها
وأفسدها فقال عثمان يا أهل المدينة استعدوا واستمسكوا فقد دبت إليكم الفتن
ونزل فأوى إلى منزله وتمثل مثله ومثل هذا الضرب الذين شرعوا في الخلاف
أبني عبيد قد أتى أشياعكم * عنكم مقالتكم وشعر الشاعر
فإذا أتتكم هذه فتلبسوا * إن الرماح بصيرة بالحاسر
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن هشام بن عروة قال كان عثمان أروى
الناس للبيت والبيتين والثلاثة إلى الخمسة (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف
عن سعيد بن عبد الله الجمحي عن عبيد الله بن عمر قال سمعته وهو يقول لأبي إن عثمان
جمع أهل المدينة فقال يا أهل المدينة إن الناس يتمخضون بالفتنة وإني والله لأتخلصن لكم
332

الذي لكم حتى أنقله إليكم ان رأيتم ذلك فهل ترونه حتى يأتي من شهد مع أهل العراق
الفتوح فيه فيقيم معه في بلاده فقام أولئك وقالوا كيف تنقل لنا ما أفاء الله علينا من
الأرضين يا أمير المؤمنين فقال نبيعها ممن شاء بما كان له بالحجاز ففرحوا وفتح الله عليهم
به أمرا لم يكن في حسابهم فافترقوا وقد فرجها الله عنهم به وكان طلحة بن عبيد الله قد
استجمع له عامة سهمان خيبر إلى ما كان له سوى ذلك فاشترى طلحة منه من نصيب
من شهد القادسية والمدائن من أهل المدينة ممن أقام ولم يهاجر إلى العراق النشاستج
بما كان له بخيبر وغيرها من تلك الأموال واشترى من ببئر أريس شيئا كان لعثمان
بالعراق واشترى منه مروان بن الحكم بمال كان له أعطاه إياه عثمان نهر مروان
وهو يومئذ أجمة واشترى منه رجال من القبائل بالعراق بأموال كانت لهم في جزيرة
العرب من أهل المدينة ومكة والطائف واليمن وحضرموت فكان مما اشترى منه
الأشعث بمال كان له في حضرموت ما كان له بطيزناباذ وكتب عثمان إلى أهل الآفاق
في ذلك وبعدة جريان الفئ والفئ الذي يتداعاه أهل الأمصار فهو ما كان للملوك
نحو كسرى وقيصر ومن تابعهم من أهل بلادهم فأجلى عنه فأتاهما شئ عرفوه وأخذ
بقدر عدة من شهدها من أهل المدينة وبقدر نصيبهم وضم ذلك إليهم فباعوه بما يليهم
من الأموال بالحجاز ومكة واليمن وحضرموت يرد على أهلها الذين شهدوا الفتوح من
بين أهل المدينة (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة مثل
ذلك إلا أنهما قالا اشترى هذا الضرب رجال من كل قبيلة ممن كان به هنالك
شئ فأراد أن يستبدل به فيما يليه فأخذوا وجاز لهم عن تراض منهم ومن الناس
وإقرار بالحقوق إلا أن الذين لا سابقة لهم ولا قدمة لا يبلغون مبلغ أهل السابقة
والقدمة في المجالس والرئاسة والحظوة ثم كانوا يعيبون التفضيل ويجعلونه جفوة
وهم في ذلك يختفون به ولا يكادون يظهرونه لأنه لا حجة لهم والناس عليهم فكان
إذا لحق بهم لاحق من ناشئ أو أعرابي أو محرر استحلى كلامهم فكانوا في
زيادة وكان الناس في نقصان حتى غلب الشر (وكتب إلي السري) عن شعيب
عن سيف عن محمد وطلحة قالا صرف حذيفة عن غزو الري إلى غزو الباب مددا
333

لعبد الرحمن بن ربيعة وخرج معه سعيد بن العاص فبلغ معه آذربيجان وكذلك
كانوا يصنعون يجعلون للناس ردءا فأقام حتى قفل حذيفة ثم رجعا (وفي هذه السنة)
أعني سنة 30 سقط خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم من يد عثمان في بئر أريس
وهي على ميلين من المدينة وكانت من أقل الآبار ماء فما أدرك حتى الساعة قعرها
ذكر الخبر عن سبب سقوط الخاتم من يد عثمان في بئر أريس
* حدثني محمد بن موسى الحرشي قال حدثنا أبو خلف عبد الله بن عيسى الخزاز
قال وكان شريك يونس بن عبيد قال حدثنا داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن
عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يكتب إلى الأعاجم كتبا يدعوهم
إلى الله عز وجل فقال له رجل يا رسول الله إنهم لا يقبلون كتابا إلا مختوما فأمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعمل له خاتم من حديد فجعله في أصبعه فأتاه
جبريل فقال له انبذه من أصبعك فنبذه رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصبعه
وأمر بخاتم آخر يعمل له فعمل له خاتم من نحاس فجعله في أصبعه فقال له جبريل
عليه السلام انبذه من أصبعك فنبذه رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصبعه وأمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم بخاتم من ورق فصنع له خاتم من ورق فجعله في
أصبعه فأقره جبريل وأمر أن ينقش عليه محمد رسول الله فجعل يتختم به ويكتب
إلى من أراد أن يكتب إليه من الأعاجم وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر فكتب
كتابا إلى كسرى بن هرمز فبعثه مع عمر بن الخطاب فأتى به عمر كسرى فقرئ
الكتاب فلم يلتفت إلى كتابه فقال عمر يا رسول الله جعلني الله فداءك أنت على
سرير مرمول بالليف وكسرى بن هرمز على سرير من ذهب وعليه الديباج فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة فقال جعلني
الله فداءك قد رضيت وكتب كتابا آخر فبعث به مع دحية بن خليفة الكلبي إلى هرقل
ملك الروم يدعوه إلى الاسلام فقرأه وضمه إليه ووضعه عنده فكان الخاتم في
أصبع رسول الله صلى الله عليه وسلم يتختم به حتى قبضه الله عز وجل ثم استخلف
أبو بكر فتختم به حتى قبضه الله عز وجل ثم ولى عمر بن الخطاب بعد فجعل يتختم
334

به حتى قبضه الله ثم ولى من بعده عثمان بن عفان فتختم به ست سنين فحفر بئرا
بالمدينة شربا للمسلمين فقعد على رأس البئر فجعل يعبث بالخاتم ويديره بأصبعه فانسل
الخاتم من أصبعه فوقع في البئر فطلبوه في البئر ونزحوا ما فيها من الماء فلم يقدروا
عليه فجعل فيه مالا عظيما لمن جاء به واغتم لذلك غما شديدا فلما يئس من الخاتم
أمر فصنع له خاتم آخر مثله حلقه من فضة على مثاله وشبهه ونقش عليه محمد رسول الله
فجعله في أصبعه حتى هلك فلما قتل ذهب الخاتم من يده فلم يدر من أخذه
أخبار أبي ذر رحمه الله تعالى
(وفي هذه السنة) أعني سنة 30 كان ما ذكر من أمر أبي ذر ومعاوية وإشخاص
معاوية إياه من الشأم إلى المدينة وقد ذكر في سبب إشخاصه إياه منها إليها أمور
كثيرة كرهت ذكر أكثرها فأما العاذرون معاوية في ذلك فإنهم ذكروا في ذلك
قصة كتب إلي بها إلى السري يذكر أن شعيبا حدثه عن سيف عن عطية عن يزيد
الفقعسي قال لما ورد ابن السوداء الشأم لقى أبا ذر فقال يا أبا ذر ألا تعجب إلى
معاوية يقول المال مال الله ألا إن كان كل شئ لله كأنه يريد أن يحتجنه دون المسلمين
ويمحو اسم المسلمين فأتاه أبو ذر فقال ما يدعوك إلى أن تسمى مال المسلمين مال
الله قال يرحمك الله يا أبا ذر ألسنا عباد الله والمال ماله والخلق خلقه والامر أمره
قال فلا تقله قال فإني لا أقول إنه ليس لله ولكن سأقول مال المسلمين قال وأتى
ابن السوداء أبا الدرداء فقال له من أنت أظنك والله يهوديا فأتى عبادة بن الصامت
فتعلق به فأتى به معاوية فقال هذا والله الذي بعث عليك أبا ذر وقام أبو ذر بالشام
وجعل يقول يا معشر الأغنياء واسوا الفقراء بشر الذين يكنزون الذهب والفضة
ولا ينفقونها في سبيل الله بمكان من نار تكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم فما
زال حتى ولع الفقراء بمثل ذلك وأوجبوه على الأغنياء وحتى شكا الأغنياء ما يلقون
من الناس فكتب معاوية إلى عثمان إن أبا ذر قد أعضل بي وقد كان من أمره
كيت وكيت فكتب إليه عثمان إن الفتنة قد أخرجت خطمها وعينيها فلم يبق إلا
أن تثب فلا تنكأ القرح وجهز أبا ذر إلي وابعث معه دليلا وزوده وارفق به
335

وكفكف الناس ونفسك ما استطعت فإنما تمسك ما استمسكت فبعث بأبي ذر ومعه
دليل فلما قدم المدينة ورأى المجالس في طصل سلع قال بشر أهل المدينة بغارة شعواء
وحرب مذكار ودخل على عثمان فقال يا أبا ذر ما لأهل الشام يشكون ذربك
فأخبره أنه لا ينبغي أن يقال مال الله ولا ينبغي للأغنياء أن يقتنوا مالا فقال
يا أبا ذر على أن أقضى ما على وآخذ ما على الرعية ولا أجبرهم على الزهد وأن
أدعوهم إلى الاجتهاد والاقتصاد قال فتأذن لي في الخروج فإن المدينة ليست
لي بدار فقال أو تستبدل بها إلا شرا منها قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم أن أخرج منها إذا بلغ البناء سلعا قال فانفذ لما أمرك به قال فخرج حتى نزل
الربذة فخط بها مسجدا وأقطعه عثمان صرمة من الإبل وأعطاه مملوكين وأرسل إليه
أن تعاهد المدينة حتى لا ترتد أعرابيا ففعل (وكتب إلي السري) عن شعيب عن
سيف عن محمد بن عوف عن عكرمة عن ابن عباس قال كان أبو ذر يختلف من الربذة
إلى المدينة مخافة الاعرابية وكان يحب الوحدة والخلوة فدخل على عثمان وعنده كعب
الأحبار فقال لعثمان لا ترضوا من الناس بكف الأذى حتى يبذلوا المعروف وقد
ينبغي للمؤدي الزكاة أن لا يقتصر عليها حتى يحسن إلى الجيران والاخوان ويصل
القرابات فقال كعب من أدى الفريضة فقد قضى ما عليه فرفع أبو ذر محجنه فضربه
فشجه فاستوهبه عثمان فوهبه له وقال يا أبا ذر اتق الله واكفف يدك ولسانك وقد
كان قال له يا ابن اليهودية ما أنت وما ههنا والله لتسمعن مني أو لادخل عليك (وكتب
إلي السري) عن شعيب عن سيف عن الأشعث بن سوار عن محمد بن سيرين قال
خرج أبو ذر إلى الربذة من قبل نفسه لما رأى عثمان لا ينزع له وأخرج معاوية أهله
من بعده فخرجوا إليه ومعهم جراب يثقل يد الرجل فقال انظروا إلى هذا الذي يزهد
في الدنيا ما عنده فقالت امرأته أما والله ما فيه دينار ولا درهم ولكنها فلوس كان إذا
خرج عطاؤه ابتاع منه فلوسا لحوائجنا ولما نزل أبو ذر الربذة أقيمت الصلاة وعليها
رجل يلي الصدقة فقال تقدم يا أبا ذر فقال لا تقدم أنت فإن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال لي اسمع وأطع وإن كان عليك عبد مجدع فأنت عبد ولست بأجدع وكان
336

من رقيق الصدقة وكان أسود يقال له مجاشع (وكتب إلي السري) عن شعيب عن
سيف عن مبشر بن الفضيل عن جابر قال أجرى عثمان على أبي ذر كل يوم عظما وعلى رافع
ابن خديج مثله وكانا قد تنحيا عن المدينة لشئ سمعاه لم يفسر لهما وأبصرا وقد أوطئا
(وكتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد بن سوقة عن عاصم بن كليب
عن سلمة بن نباتة قال خرجنا معتمرين فأتينا الربذة فطلبنا أبا ذر في منزله فلم نجده
وقالوا ذهب إلى الماء فتنحينا ونزلنا قريبا من منزله فمر ومعه عظم جزور يحمله
معه غلام فسلم ثم مضى حتى أتى منزله فلم يمكث إلا قليلا حتى جاء فجلس إلينا وقال
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي أسمع وأطع وإن كان عليك حبشي مجدع
فنزلت هذا الماء وعليه رقيق من رقيق مال الله وعليهم حبشي وليس بأجدع وهو
ما علمت وأثنى عليه ولهم في كل يوم جزور ولي منها عظم آكله أنا وعيالي * قلت
مالك من المال قال صرمة من الغنم وقطيع من الإبل في أحدهما غلامي وفي الآخر
أمتي وغلامي حر إلى رأس السنة قال قلت إن أصحابك قبلنا أكثر الناس مالا قال
أما إنهم ليس لهم في مال الله حق إلا ولى مثله * وأما الآخرون فإنهم رووا في سبب
ذلك أشياء كثيرة وأمورا شنيعة كرهت ذكرها (وفي هذه السنة) هرب يزدجرد
ابن شهريار في قول بعضهم من فارس إلى خراسان
ذكر من قال ذلك وما قال فيه
ذكر علي بن محمد أن مسلمة أخبره عن داود قال قدم ابن عامر البصرة ثم
خرج إلى فارس فافتتحها وهرب يزدجرد من جور وهي أردشيرخره في سنة
30 فوجه ابن عامر في أثره مجاشع بن مسعود السلمي فاتبعه إلى كرمان فنزل مجاشع
السيرجان بالعسكر وهرب يزدجرد إلى خراسان قال وعبد القيس تقول وجه
ابن عامر هرم بن حيان العبدي وبكر بن وائل تقول وجه ابن حسان اليشكري
قال وأصحه عندنا مجاشع قال علي وأخبرنا سلمة بن عثمان وكان فاضلا عن شيخ
من أهل كرمان والفضل الكرماني عن أبيه قال اتبع مجاشع يزدجرد فخرج من
السيرجان فلما كان عند القصر في بيمند وهو الذي يقال له قصر مجاشع أصابهم
337

الثلج والدمق فوقع الثلج واشتد البرد وصار الثلج قامة رمح فهلك الجند وسلم
مجاشع ورجل كانت معه جارية فشق بطن بعير فأدخلها فيه وهرب فلما كان من
الغد جاء فوجدها حية فحملها فسمى ذلك القصر قصر مجاشع لان جيشه هلكوا
فيه وهو على خمسة فراسخ أو ستة من السيرجان قال على أخبرنا أبو المقدام
عن بعض مشيخته قال خرج مجاشع على وفد أهل البصرة من تستر وفيهم الأحنف
وأخذ في غداة واحدة على لجام واحد خمسين ألفا سبق على الصفراء ابنة الغراء
ابنة الغبراء فأخذها منه عمر حين قاسم عماله الأموال قال علي فقلت للنضر بن
إسحاق إن أبا المقدام ذكر هذا الحديث فقال صدق سمعته من عدة من الحي وغيرهم
وفرسه الصفراء ابنة الغراء ابنة الغبراء وهو مجاشع بن مسعود بن ثعلبة بن عائذ
ابن وهب بن ربيعة بن يربوع بن سمال بن عوف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم
ويكنى أبا سليمان قال وفي هذه السنة زاد عثمان النداء الثالث على الزوراء وصلى
بمنى أربعا (وحج) بالناس في هذه السنة عثمان رضي الله عنه
ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين
ذكر ما كان فيها من الاحداث المشهورة
فما كان فيها من ذلك غزوة المسلمين الروم التي يقال لها
غزوة الصواري
في قول الواقدي فأما أبو معشر فإنه قال فيما حدثني أحمد بن ثابت الرازي
عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عنه كانت غزوة الصواري سنة 34 وقال كانت
في سنة 31 الأساودة في البحر ووقائع كسرى وقال الواقدي غزوة الصواري
والأساودة كلتاهما كانتا في سنة 31
ذكر الخبر عن هاتين الغزوتين
ذكر الواقدي أن محمد بن صالح حدثه عن عاصم بن عمير بن قتادة أن أهل
الشأم خرجوا عليهم معاوية بن أبي سفيان وكانت الشأم قد جمع جمعها لمعاوية
338

ابن أبي سفيان
ذكر السبب في جمعها له
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن عبد الملك والربيع وأبي مجالد
وأبي عثمان وأبي حارثة قالوا لما حضر أبو عبيدة استخلف على عمله عياض بن غنم
وهو خاله وابن عمه وقد كان ولى بالجزيرة عملا فعزله عمر بن الخطاب رضى الله
تعالى عنه فلحق بأبي عبيدة بالشام وكان معه وكان جوادا مشهورا بالجود لا يليق
شيئا ولا يمنع أحدا فكلم عمر في ذلك فقيل له عزلت خالدا وعتبت عليه العطاء
وعياض أجود العرب وأعطاهم لا يمنع شيئا يسأله فقال عمر حتى سيمه عياض
في ماله حتى يخلص إلى مالنا وإني مع ذلك لم أكن مغيرا أمرا قضاه أبو عبيدة
ومات عياض بن غنم بعد أبي عبيدة فأمر عمر على عمله سعيد بن حذيم الجمحي
ومات سعيد بعد فأمر عمر مكانه عمير بن سعد الأنصاري ومات عمر ومعاوية
على دمشق والأردن وعمير بن سعد على حمص وقنسرين وإنما مصر قنسرين
معاوية بن أبي سفيان لمن لحق به من أهل العراقين ومات يزيد بن أبي سفيان
فجعل عمر مكانه معاوية ونعاه لأبي سفيان فقال من جعلت على عمله يا أمير المؤمنين
فقال معاوية فقال وصلتك رحم فاجتمعت لمعاوية الأردن ودمشق ومات عمر
ومعاوية على دمشق والأردن وعمير بن سعد على حمص وقنسرين وعلقمة بن
مجزز على فلسطين وعمرو بن العاص على مصر (وكتب إلي السري) عن شعيب
عن سيف عن مبشر عن سالم قال كان أول عامل استعمله عثمان بن عفان سعد بن
أبي وقاص عن وصية عمر ثم إن عمير بن سعد طعن فأضنى منها فاستعفي عثمان
واستأذنه في الرجوع إلى أهله فأذن له وضم حمص وقنسرين إلى معاوية (وكتب
إلي السري) عن شعيب عن سيف عن أبي حارثة وأبي عثمان عن خالد بن معدان
قال لما ولى عثمان أقر عمال عمر على الشأم فلما مات عبد الرحمن بن علقمة الكناني
وكان على فلسطين ضم عمله إلى معاوية ومرض عمير بن سعد في إمارة عثمان مرضا
طال به فاستعفاه واستأذنه فأذن له وضم عمله إلى معاوية فاجتمع الشأم على معاوية
339

لسنتين من إمارة عثمان وكان عمرو بن العاص على مصر زمان عمر مجتمعة له فأقره
عثمان صدرا من إمارته
رجع الحديث إلى حديث الواقدي عن خبر الغزوتين اللتين ذكرتهما
إن أهل الشام خرجوا عليهم معاوية بن أبي سفيان وعلى أهل البحر عبد الله
ابن سعد بن أبي سرح وقال وخرج عامئذ قسطنطين بن هرقل لما أصاب المسلمون
منه بإفريقية فخرجوا في جمع لم يجتمع للروم مثله قط منذ كان الاسلام فخرجوا
في خمسمائة مركب فالتقوا هم وعبد الله بن سعد فأمن بعضهم بعضا حتى قرنوا بين
سفن المسلمين وأهل الشرك بين صواريها * قال ابن عمر حدثني عيسى بن علقمة
عن عبد الله بن أبي سفيان عن أبيه عن مالك بن أوس بن الحدثان قال كنت معهم
فالتقينا في البحر فنظرنا إلى مراكب ما رأينا مثلها قط وكانت الريح علينا فأرسينا
ساعة وأرسوا قريبا منا وسكنت الريح عنا فقلنا الامن بيننا وبينكم قالوا ذلك لكم
ولنا منكم ثم قلنا إن أحببتم فالساحل حتى يموت الأعجل منا ومنكم وإن شئتم فالبحر
قال فنخروا نخرة واحدة وقالوا الماء فدنونا منهم فربطنا السفن بعضها إلى بعض
حتى كنا يضرب بعضنا بعضا على سفننا وسفنهم فقاتلنا أشد القتال ووثبت الرجال
على الرجال يضطربون بالسيوف على السفن ويتواجؤن بالخناجر حتى رجعت
الدماء إلى الساحل تضربها الأمواج وطرحت الأمواج جثث الرجال ركاما * قال
ابن عمر فحدثني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه عمن حضر ذلك اليوم قال
رأيت الساحل حيث تضرب الريح الموج وإن عليه لمثل الظرب العظيم من جثث
الرجال وإن الدم الغالب على الماء ولقد قتل يومئذ من المسلمين بشر كثير وقتل
من الكفار ما لا يحصى وصبروه يومئذ صبرا لم يصبروا في موطن قط ثم أنزل الله
نصره على أهل الاسلام وانهزم القسطنطين مدبرا فما انكشف إلا لما أصابه
من القتل والجراح ولقد أصابه يومئذ جراحات مكث منها حينا جريحا قال ابن
عمر حدثني سالم مولى أم محمد عن خالد بن أبي عمران عن حنش بن عبد الله الصنعاني
قال كان أول ما سمع من محمد بن أبي حذيفة حين ركب الناس بحر سنة 31 لما
340

صلى عبد الله بن سعد بن أبي سرح بالناس العصر كبر محمد بن أبي حذيفة تكبيرا
ورفع صوته حتى فرغ الامام عبد الله بن سعد بن أبي سرح فلما انصرف سأل
ما هذا فقيل له هذا محمد بن أبي حذيفة يكبر فدعاه عبد الله بن سعد فقال له ما هذه البدعة
والحدث فقال له ما هذه بدعة ولا حدث وما بالتكبير بأس قال لا تعودن قال
فأسكت محمد بن أبي حذيفة فلما صلى المغرب عبد الله بن سعد كبر محمد بن أبي
حذيفة تكبيرا أرفع من الأول فأرسل إليه إنك غلام أحمق أما والله لولا أني
لا أدري ما يوافق أمير المؤمنين لقاربت بين خطوك فقال محمد بن أبي حذيفة والله
مالك إلى ذلك سبيل ولو هممت به ما قدرت عليه قال فكف خير لك والله
لا تركب معنا قال فأركب مع المسلمين قال اركب حيث شئت قال فركب في
مركب وحده ما معه إلا القبط حتى بلغوا ذات الصواري فلقوا جموع الروم في
خمسمائة مركب أو ستمائة فيها القسطنطين بن هرقل فقال أشيروا علي قالوا ننظر
الليلة فباتوا يضربون بالنواقيس وبات المسلمون يصلون ويدعون الله ثم أصبحوا
وقد أجمع القسطنطين أن يقاتل فقربوا سفنهم وقرب المسلمون فربطوا بعضها
إلى بعض وصف عبد الله بن سعد المسلمين على نواحي السفن وجعل يأمرهم
بقراءة القرآن ويأمرهم بالصبر ووثبت الروم في سفن المسلمين على صفوفهم حتى
نقضوها فكانوا يقاتلون على غير صفوف قال فاقتتلوا قتالا شديدا ثم إن الله نصر
المؤمنين فقتلوا منهم مقتلة عظيمة لم ينج من الروم إلا الشريد قال وأقام عبد الله بذات
الصواري أياما بعد هزيمة القوم ثم أقبل راجعا وجعل محمد بن أبي حذيفة يقول للرجل
أما والله لقد تركنا خلفنا الجهاد حقا فيقول الرجل وأي جهاد فيقول عثمان بن عفان
فعل كذا وكذا وفعل كذا وكذا حتى أفسد الناس فقدموا بلدهم وقد أفسدهم وأظهروا
من القول ما لم يكونوا ينطقون به قال محمد بن عمر فحدثني معمر بن راشد عن الزهري
قال خرج محمد بن أبي حذيفة ومحمد بن أبي بكر عام خرج عبد الله بن سعد فأظهرا
عيب عثمان وما غير وما خالف به أبا بكر وعمر وأن دم عثمان حلال ويقولان
استعمل عبد الله بن سعد رجلا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أباح دمه ونزل
341

القرآن بكفره وأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما وأدخلهم ونزع أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم واستعمل سعيد بن العاص وعبد الله بن عامر فبلغ
ذلك عبد الله بن سعد فقال لا تركبا معنا فركبا في مركب ما فيه أحد من المسلمين
ولقوا العدو وكانا أنكل المسلمين قتالا فقيل لهما في ذلك فقالا كيف نقاتل مع
رجل لا ينبغي لنا أن نحكمه عبد الله بن سعد استعمله عثمان وعثمان فعل وفعل
فأفسدا أهل تلك الغزاة وعابا عثمان أشد العيب فأرسل عبد الله بن سعد إليهما
ينهاهما أشد النهي وقال والله لولا أني لا أدري ما يوافق أمير المؤمنين لعاقبتكما
وحبستكما (قال الواقدي) وفي هذه السنة توفى أبو سفيان بن حرب وهو
ابن ثمان وثمانين سنة (وفي هذه السنة) أعني سنة 31 فتحت في قول الواقدي
أرمينية على يدي حبيب بن مسلمة الفهري (وفي هذه السنة) قتل يزدجرد ملك فارس
ذكر الخبر عن سبب مقتله
اختلف في سبب مقتله وكيف كان ذلك فقال علي بن محمد أخبرنا غياث بن إبراهيم
عن ابن إسحاق قال هرب يزدجرد من كرمان في جماعة يسيرة إلى مرو فسأل
مرزبانها مالا فمنعه فخافوا على أنفسهم فأرسلوا إلى الترك يستنصرونهم عليه فأتوه
فبيتوه فقتلوا أصحابه وهرب يزدجرد حتى أتى منزل رجل ينقر الأرحاء على شط
المرغاب فأوى إليه ليلا فلما نام قتله قال علي وأخبرنا الهذلي قال أتى يزدجرد
مرو هاربا من كرمان فسأل مرزبانها وأهلها مالا فمنعوه وخافوه فبيتوه ولم
يستجيشوا عليه الترك فقتلوا أصحابه وخرج هاربا على رجليه معه منطقته وسيفه
وتاجه حتى انتهى إلى منزل نقار على شط المرغاب فلما غفل يزدجرد قتله النقار
وأخذ متاعه وألقى جسده في المرغاب وأصبح أهل مرو فاتبعوا أثره حتى خفى عليهم
عند منزل النقار فأخذوه فأقر لهم بقتله وأخرج متاعه فقتلوا النقار وأهل بيته
وأخذوا متاعه ومتاع يزدجرد وأخرجوه من المرغاب فجعلوه في تابوت من خشب قال
فزعم بعضهم أنهم حملوه إلى إصطخر فدفن بها في أول سنة 31 وسميت مرو خذاده شمن
وقد كان يزدجرد وطئ امرأة بها فولدت له غلاما ذاهب الشق وذلك بعد ما قتل يزدجرد
342

فسمى المخدج فولد له أولاد بخراسان فوجد قتيبة حين افتتح الصغد أو غيرها جاريتين
فقيل له إنهما من ولد المخدج فبعث بهما أو بإحداهما إلى الحجاج بن يوسف فبعث بها
إلى الوليد بن عبد الملك فولدت للوليد يزيد بن الوليد الناقص قال علي وأخبرنا روح
ابن عبد الله عن خرداذبه الرازي أن يزدجرد أتى خراسان ومعه خرزاذمهر أخو
رستم فقال لماهويه مرزبان مرواني قد سلمت إليك الملك ثم انصرف إلى العراق
وأقام يزدجرد بمرو وهم بعزل ماهويه فكتب ماهويه إلى الترك يخبرهم بانهزام يزدجرد
وبقدومه عليه وعاهدهم على موازرتهم عليه وخلى لهم الطريق قال وأقبل الترك
إلى مرو وخرج إليهم يزدجرد فيمن معه من أصحابه فقاتلهم ومعه ماهويه في أساورة
مرو فأثخن يزدجرد في الترك فخشى ماهويه أن ينهزم الترك فتحول إليهم في أساورة
مرو فانهزم جند يزدجرد وقتلوا وعقر فرس يزدجرد عند المساء فمضى ماشيا هاربا
حتى انتهى إلى بيت فيه رحى على شط المرغاب فمكث فيه ليلتين فطلبه ماهويه فلم
يقدر عليه فلما أصبح اليوم الثاني دخل صاحب الرحى بيته فلما رأى هيئة يزدجرد
قال ما أنت إنسي أو جني قال إنسي فهل عندك طعام قال نعم فأتاه به فقال إني مزمزم
فأتني بما أزمزم به فذهب الطحان إلى إسوار من الأساورة فطلب منه ما يزمزم
به قال وما تصنع به قال عندي رجل لم أر مثله قط وقد طلب هذا مني فأدخله على
ماهويه فقال هذا يزدجرد اذهبوا فجيؤوني برأسه فقال له الموبذ ليس ذلك لك
قد علمت أن الدين والملك مقترنان لا يستقيم أحدهما إلا بالآخر ومتى فعلت انتهكت
الحرمة التي لا بعدها وتكلم الناس وأعظموا ذلك فشتمهم ماهويه وقال للأساورة
من تكلم فاقتلوه وأمر عدة فذهبوا مع الطحان وأمرهم أن يقتلوا يزدجرد فانطلقوا
فلما رأوه كرهوا قتله وتدافعوا ذلك وقالوا للطحان ادخل فاقتله فدخل عليه وهو
نائم ومعه حجر فشدخ به رأسه ثم احتز رأسه فدفعه إليهم وألقى جسده في المرغاب
فخرج قوم من أهل مرو فقتلوا الطحان وهدموا رحاه وخرج أسقف مرو فأخرج
جسد يزدجرد من المرغاب فجعله في تابوت وحمله إلى إصطخر فوضعه في ناووس
(وقال آخرون) في ذلك ما ذكر هشام بن محمد أنه ذكر له أن يزدجرد هرب بعد وقعة
343

نهاوند وكانت آخر وقعاتهم حتى سقط إلى أرض أصبهان وبها رجل يقال له مطيار من
دهاقينها وهو المنتدب كان لقتال العرب حين نكلت الأعاجم عنها فدعاهم إلى نفسه
فقال إن وليت أموركم وسرت بكم إليهم ما تجعلون لي فقالوا نقر لك بفضلك فسار بهم
فأصاب من العرب شيئا يسيرا فحظى به عندهم ونال به أفضل الدرجات فيهم فلما رأى
يزدجرد أمر أصبهان ونزلها أتاه طيار ذات يوم زائرا فحجبه بوابه وقال له قف حتى
أستأذن لك عليه فوثب عليه فشجه أنفة وحمية لحجبه إياه ودخل البواب على يزدجرد
مدمى فلما نظر إليه أفظعه ذلك وركب من ساعته مرتحلا عن أصبهان وأشير عليه أن
يأتي أقصى مملكته فيكون بها لاشتغال العرب عنه بما هم فيه إلى يوم فسار متوجها
إلى ناحية الري فلما قدمها خرج إليه صاحب طبرستان وعرض عليه بلاده وأخبره
بحصانتها وقال له إن أنت لم تجبني يومك هذا ثم أتيتني بعد ذلك لم أقبلك ولم آوك
فأبى عليه يزدجرد وكتب له بالاصبهبذية وكان له فيما خلا عليه درجة أوضع منها
وقال بعضهم أن يزدجرد مضى من فوره ذلك إلى سجستان ثم سار منها إلى مرو في
ألف رجل من الأساورة وقال بعضهم أن يزدجرد وقع إلى أرض فارس فأقام
بها أربع سنين ثم أتى أرض كرمان فأقام بها سنتين أو ثلاث سنين فطلب إليه
دهقان كرمان أن يقيم عنده فلم يفعل وطلب من الدهقان أن يعطيه رهينة فلم
يعطه دهقان كرمان شيئا فلم يعطه ما طلب فأخذ برجله فسحبه وطرده عن بلاده
فوقع منها إلى سجستان فأقام بها نحوا من خمس سنين ثم أجمع أن ينزل خراسان
فيجمع الجموع فيها ويسير بهم إلى من غلبه على مملكته فسار بمن معه إلى مرو ومعه
الرهن من أولاد الدهاقين ومعه من رؤسائهم فرخزاذ فلما قدم مرو استغاث منهم
بالملوك وكتب إليهم يستمدهم وإلى صاحب الصين وملك فرغانة وملك كابل وملك الخزر
والدهقان يومئذ بمرو ماهويه بن مافناه بن فيد أبو براز ووكيل ماهويه ابنه براز
مدينة مرو وكانت إليه وأراد يزدجرد دخول المدينة لينظر إليها وإلى قهندزها
وكان ماهويه قد تقدم إلى ابنه أن لا يفتحها له إن رام دخولها تخوفا لمكره وغدره
فركب يزدجرد في اليوم الذي أراد دخولها فأطاف بالمدينة فلما انتهى إلى باب
344

من أبوابها وأراد دخولها منه صاح أبو براز ببراز أن افتح وهو في ذلك يشد
منطقته ويومئ إليه أن لا يفعل وفطن لذلك رجل من أصحاب يزدجرد فأعلمه
ذلك واستأذنه في ضرب عنق ماهويه وقال إن فعلت صفت لك الأمور بهذه
الناحية فأبى عليه وقال بعضهم بل كان يزدجرد ولى مرو فرخزاذ وأمر براز أن
يدفع القهندز والمدينة إليه فأبى أهل المدينة ذلك لان ماهويه أبا براز تقدم إليهم
بذلك وقال لهم ليس هذا لكم بملك فقد جاءكم مفلولا مجروحا ومرو لا تحتمل
ما يحتمل غيرها من الكور فإذا جئتكم غدا فلا تفتحوا الباب فلما أتاهم فعلوا ذلك
وانصرف فرخزاذ فجثا بين يدي يزدجرد وقال استصعبت عليك مرو وهذه العرب
قد أتتك قال فما الرأي قال الرأي أن نلحق ببلاد الترك ونقيم بها حتى يتبين لنا أمر
العرب فإنهم لا يدعون بلدة إلا دخلوها قال لست أفعل ولكني أرجع عودي على
بدئي فعصاه ولم يقبل رأيه وسار يزدجرد فأتى براز دهقان مرو وأجمع على صرف
الدهقنة عنه إلى سنجان ابن أخيه فبلغ ذلك ماهويه أبا براز فعمل في هلاك يزدجرد
وكتب إلى نيزك طرخان يخبره أن يزدجرد وقع إليه مفلولا ودعاه إلى القدوم عليه
لتكون أيديهما معا في أخذه والاستيثاق منه فيقتلوه أو يصالحوا عليه العرب وجعل
له إن هو أراحه منه أن يفي له كل يوم بألف درهم وسأله أن يكتب إلى يزدجرد مماكرا له
لينحى عنه عامة جنده ويحصل في طائفة من عسكره وخواصه فيكون أضعف لركنه وأوهن
لشوكته وقال تعلمه في كتابك إليه الذي عزمت عليه من مناصحته ومعونته على عدوه
من العرب حتى يقهرهم وتطلب إليه أن يشتق لك اسما من أسماء أهل الدرجات بكتاب
مختوم بالذهب وتعلمه أنك لست قادما عليه حتى ينحى عنه فرخزاذ فكتب نيزك
بذلك إلى يزدجرد فلما ورد عليه كتابه بعث إلى عظماء مرو فاستشارهم فقال له
سنجان لست أرى أن تنحى عنك جندك وفرخزاذ لشئ وقال أبو براز بل أرى
أن تتالف نيزك وتجيبه إلى ما سأل فقبل رأيه وفرق عنه جنده وأمر فرخزاذ أن يأتي
أجمة؟ سرخس فصاح فرخزاذ وشق جيبه وتناول عمودا بين يديه يريد ضرب أبي براز
به وقال يا قتلة الملوك قتلتم ملكين وأظنكم قاتلي هذا ولم يبرح فرخزاذ حتى كتب
345

له يزدجرد بخط يده كتابا هذا كتاب لفرخزاذ إنك قد سلمت يزجرد وأهله وولده
وحاشيته وما معه إلى ماهويه دهقان مرو وأشهد عليه بذلك فأقبل نيزك إلى موضع
بين المرويين يقال له جليندان فلما أجمع يزدجرد على لقائه والمسير إليه أشار عليه أبو براز
أن لا يلقاه في السلاح فيرتاب به وينفر عنه ولكن يلقاه بالمزامير والملاهي ففعل فسار
فيمن أشار عليه ماهويه وسمى له وتقاعس عنه أبو براز وكردس نيزك أصحابه كراديس
فلما تدانيا استقبله نيزك ماشيا ويزدجرد على فرس له فأمر لنيزك بجنيبة من جنائبه فركبها
فلما توسط عسكره توافقا فقال له نيزك فيما يقول زوجني إحدى بناتك وأناصحك
وأقاتل معك عدوك فقال له يزدجرد على تجترئ أيها الكلب فعلاه نيزك بمخفقته وصاح
يزدجرد غدر الغادر وركض منهزما ووضع أصحاب نيزك سيوفهم فيهم فأكثروا
فيهم القتل وانتهى يزدجرد من هزيمته إلى مكان من أرض مرو فنزل عن فرسه ودخل
بيت طحان فمكث فيه ثلاثة أيام فقال له الطحان أيها الشقي أخرج فأطعم شيئا فإنك
قد جعت منذ ثلاث قال لست أصل إلى ذلك الا بزمزمة وكان رجل من زمازمة
مرو اخرج حنطة له ليطحنها فكلمه الطحان أن يزيزم عنده ليأكل ففعل ذلك
فلما انصرف سمع أبا براز يذكر يزدجرد فسألهم عن حليته فوصفوه له فأخبرهم أنه
رآه في بيت طحان وهو رجل جعد مقرون حسن الثنايا مقرط مسور فوجه إليه
عند ذلك رجلا من الأساورة وأمره إن هو ظفر به أن يخنقه بوتر ثم يطرحه
في نهر مرو فلقوا الطحان فضربوه ليدل عليه فلم يفعل وجحدهم أن يكون يعرف
أين توجه فلما أرادوا الانصراف عنه قال لهم رجل منهم إني أجد ريح المسك
ونظر إلى طرف ثوبه من ديباج في الماء فاجتذبه إليه فإذا هو يزدجرد فسأله أن
لا يقتله ولا يدل عليه ويجعل له خاتمه وسواره ومنطقته قال الآخر أعطني أربعة دراهم
وأخلى عنك قال يزدجرد ويحك خاتمي لك وثمنه لا يحصى فأبى عليه قال يزدجرد قد كنت
أخبر أني سأحتاج إلى أربعة دراهم وأضطر إلى أن يكون أكلي أكل الهر فقد عاينت وجاءني
بحقيته وانتزع أحد قرطيه فأعطاه الطحان مكافأة له لكتمانه عليه ودنا منه كأنه يكلمه
بشئ فوصف له موضعه وأنذر الرجل أصحابه فأتوه فطلب إليهم يزدجرد أن لا يقتلوه
346

وقال ويحكم إنا نجد في كتبنا أن من اجترأ على قتل الملوك عاقبه الله بالحريق في الدنيا
مع ما هو قادم عليه فلا تقتلوني وآتوني الدهقان أو سرحوني إلى العرب فإنهم يستحيون
مثلي من الملوك فأخذوا ما كان عليه من الحلي فجعلوه في جراب وختموا عليه ثم
خنقوه بوتر وطرحوه في نهر مرو فجرى به الماء حتى انتهى إلى فوهة الرزيق فتعلق
بعود فأتاه أسقف مرو فحمله ولفه في طيلسان ممسك وجعله في تابوت وحمله إلى
باب بابان أسفل ماجان فوضعه في عقد كان يكون مجلس الأسقف فيه وردمه
وسأل أبو براز عن أحد القرطين حين افتقده فأخذ الذي دل عليه فضربه حتى أتى
على نفسه وبعث بما أصيب له إلى الخليفة يومئذ فأغرم الخليفة الدهقان قيمة القرط
المفقود وقال آخرون بل سار يزدجرد من كرمان قبل ورود العرب إياها فأخذ
على طريق الطبسين وقهستان حتى شارف مرو في زهاء أربعة آلاف رجل ليجمع
من أهل خراسان جموعا ويكر إلى العرب ويقاتلهم فتلقاه قائدان متباغضان
متحاسدان كانا بمرو يقال لأحدهما براز والآخر سنجان ومنحاه الطاعة وأقام بمرو
وخص براز فحسده ذلك سنجان وجعل براز يبغي سنجان الغوائل ويوغل صدر
يزدجرد عليه وسعى بسنجان حتى عزم على قتله وأفشى ما كان عزم عليه من ذلك
إلى امرأة من نسائه كان براز واطأها فأرسلت إلى براز بنسوة زعمت بإجماع يزدجرد
على قتل سنجان وفشا ما كان عزم عليه يزدجرد من ذلك فنذر سنجان وأخذ حذره
وجمع جمعا كنحو أصحاب براز ومن كان مع يزدجرد من الجند وتوجه نحو القصر
الذي كان يزدجرد نازله وبلغ ذلك براز فنكص عن سنجان لكثرة جموعه ورعب
جمع سنجان يزدجرد وأخافه فخرج من قصره متنكرا ومضى على وجهه راجلا
لينجو بنفسه فمشى نحوا من فرسخين حتى وقع إلى رحى ما فدخل بيت الرحى فجلس
فيه كالا لغبا فرآه صاحب الرحى ذا هيئة وطرة وبزة كريمة ففرش له فجلس وأتاه
بطعام فطعم ومكث عنده يوما وليلة فسأله صاحب الرحى أن يأمر له بشئ فبذل
له منطقة مكللة بجوهر كانت عليه فأبى صاحب الرحى أن يقبلها وقال إنما كان
يرضيني من هذه المنطقة أربعة دارهم كنت أطعم بها وأشرب فأخبره انه لا ورق معه
347

فتملقه صاحب الرحى حتى إذا غفا قام إليه بفأس له فضرب بها هامته فقتله واحتز
رأسه وأخذ ما كان عليه من ثياب ومنطقة وألقى جيفته في النهر الذي كان تدور
بمائه رحاه وبقر بطنه وأدخل فيه أصولا من أصول طرفاء كانت نابتة في ذلك
النهر لتحبس جثته في الموضع الذي ألقاها فيه فلا يسفل فيعرف ويطلب قاتله وما أخذ
من سلبه وهرب على وجهه وبلغ قتل يزدجرد رجلا من أهل الأهواز كان مطرانا
على مرو يقال له ايلياء فجمع من كان قبله من النصارى وقال لهم إن ملك الفرس قد
قتل وهو ابن شهريار بن كسرى وإنما شهريار ولد شيرين المؤمنة التي قد عرفتم
حقها وإحسانها إلى أهل ملتها من غير وجه ولهذا الملك عنصر في النصرانية مع
ما نال النصارى في ملك جده كسرى من الشرف وقبل ذلك في مملكة ملوك من
أسلافه من الخير حتى بنى لهم بعض البيع وسدد لهم بعض ملتهم فينبغي لنا أن نحزن
لقتل هذا الملك من كرامته بقدر إحسان أسلافه وجدته شيرين كان إلى النصارى
وقد رأيت أن أبني له ناووسا وأحمل جثته في كرامة حتى أواريها فيه فقال النصارى
أمرنا لأمرك أيها المطران تبع ونحن لك على رأيك هذا مواطئون فأمر المطران
فبنى في جوف بستان المطارنة بمرو ناووسا ومضى بنفسه ومعه نصارى مرو حتى
استخرج جثة يزدجرد من النهر وكفنها وجعلها في تابوت وحمله من كان معه من
النصارى على عواتقهم حتى أتوا به الناووس الذي أمر ببنائه له وواروه فيه وردموا
بابه فكان ملك يزدجرد عشرين سنة منها أربع سنين في دعة وستة عشر سنة في تعب
من محاربة العرب إياه وغلظتهم عليه وكان آخر ملك ملك من آل أردشير بن بابك
وصفا الملك بعده للعرب (وفي هذه السنة) أعني سنة 31 شخص عبد الله بن عامر
إلى خراسان ففتح أبرشهر وطوس وبيوردونسا حتى بلغ سرخس وصالح فيها
أهل مرو ذكر الخبر عن ذلك
ذكر أن ابن عامر لما فتح فارس قام إليه أوس بن حبيب التميمي فقال أصلح الله
الأمير ان الأرض بين يديك ولم تفتتح من ذلك إلا القليل فسر فإن الله ناصرك
قال أولم نأمر بالمسير وكره أن يظهر أنه قبل رأيه فذكر علي بن محمد أن مسلمة بن محارب
348

أخبره عن السكن بن قتادة العريني قال فتح ابن عامر فارس ورجع إلى البصرة واستعمل
على إصطخر شريك بن الأعور الحارثي فبنى شريك مسجد إصطخر فدخل على
ابن عامر رجل من بني تميم قال كنا نقول إنه الأحنف ويقال أوس بن جابر الجشمي
جشم تميم فقال له ان عدوك منك هارب وهو لك هائب والبلاد واسعة فسر
فإن الله ناصرك ومعز دينه فتجهز ابن عامر وأمر الناس بالجهاز للمسير واستخلف
على البصرة زيادا وسار إلى كرمان ثم أخذ إلى خراسان فقوم يقولون أخذ
طريق إصبهان ثم سار إلى خراسان قال علي أخبرنا المفضل الكرماني عن
أبيه قال كان أشياخ كرمان يذكرون أن ابن عامر نزل العسكر بالسيرجان ثم
سار إلى خراسان واستعمل على كرمان مجاشع بن مسعود السلمي وأخذ ابن عامر
على مفازة رابر وهي ثمانون فرسخا ثم سار إلى الطبسين يريد أبرشهر وهي مدينة
نيسابور وعلى مقدمته الأحنف بن قيس فأخذ إلى قهستان وخرج إلى أبرشهر
فلقيه الهياطلة وهم أهل هراة فقاتلهم الأحنف فهزمهم ثم أتى ابن عامر نيسابور
قال علي وأخبرنا أبو مخنف عن نمير بن وعلة عن الشعبي قال أخذ ابن عامر
على مفازة خبيص ثم على خواست ويقال على يزد ثم على قهستان فقدم الأحنف
فلقيه الهياطلة فقاتلهم فهزمهم ثم أتى أبرشهر فنزلها ابن عامر وكان سعيد
ابن العاص في جند أهل الكوفة فأتى جرجان وهو يريد خراسان فلما بلغه
نزول ابن عامر أبرشهر رجع إلى الكوفة قال علي أخبرنا علي بن مجاهد قال نزل
ابن عامر على ابرشهر على نصفها عنوة وكان النصف الآخر في يد كنارى ونصف
نساوطوس فلم يقدر ابن عامر أن يجوز إلى مرو فصالح كنارى فأعطاه ابنه أبا الصلت
ابن كنارى وابن أخيه سليما رهنا ووجه عبد الله بن خازم إلى هراة وحاتم بن
النعمان إلى مرو فأخذ ابن عامر ابني كنارى فصارا إلى النعمان بن الأفقم النصري
فأعتقهما قال علي وأخبرنا أبو حفص الأزدي عن إدريس ابن حنظلة العمى قال
فتح ابن عامر مدينة أبرشهر عنوة وفتح ما حولها طوس وبيورد ونسا وحمران
وذلك سنة 31 قال علي أخبرنا أبو السري المروزي عن أبيه قال سمعت موسى
349

ابن عبد الله بن خازم يقول أبى صالح أهل سرخس بعثه إليهم عبد الله عامر من
أبرشهر وصالح ابن عامر أهل أبرشهر صلحا فأعطوه جاريتين من آل كسرى
بابونج وطهميج أو طمهيج فأقبل بهما معه وبعث أمين بن أحمر اليشكري ففتح
ما حول أبرشهر طوس وبيورد ونسا وحمران حتى انتهى إلى سرخس قال علي
وأخبرنا الصلت بن دينار عن ابن سيرين قال بعث ابن عامر عبد الله بن خازم إلى
سرخس ففتحها وأصاب بن عامر جاريتين من آل كسرى فأعطى إحداهما
النوشجان وماتت بابونج قال علي وأخبرنا أبو الذيال زهير بن هنيد العدوي عن
أشياخ من أهل خراسان أن ابن عامر سرح الأسود ابن كلثوم العدوي عدى
الرباب إلى بيهق وهو من أبرشهر بينها وبين مدينة أبرشهر ستة عشر فرسخا ففتحها
وقتل الأسود ابن كلثوم قال وكان فاضلا في دينه كان من أصحاب عامر بن عبد الله
العنبري وكان عامر يقول بعد ما أخرج من البصرة ما آسى من العراق على شئ
الا على ظماء الهواجر وتجاوب المؤذنين وإخوان مثل الأسود بن كلثوم قال علي
وأخبرنا زهير بن هنيد عن بعض عمومته قال غلب ابن عامر على نيسابور
وخرج إلى سرخس فأرسل إلى أهل مرو يطلبون الصلح فبعث إليهم ابن عامر
حاتم بن النعمان الباهلي فصالح أبراز مرزبان مرو على ألفي الف ومائتي ألف قال
فأخبرنا مصعب بن حيان عن أخيه مقاتل ابن حيان قال صالحهم على ستة آلاف
ألف ومائتي ألف (وحج) بالناس في هذه السنة عثمان رضي الله عنه
ثم دخلت سنة اثنتين وثلاثين
ذكر ما كان فيها من الاحداث المذكورة
فمن ذلك غزوة معاوية بن أبي سفيان المضيق مضيق القسطنطينية ومعه زوجته
عاتكة ابنة قرطة بن عبد عمرو بن نوفل بن عبد مناف وقيل فاختة حدثني بذلك
أحمد بن ثابت عمن ذكره عن إسحاق عن أبي معشر وهو قول الواقدي (وفي هذه
السنة) استعمل سعيد بن العاص سلمان بن ربيعة على فرج بلنجر وأمد الجيش
350

الذي كان به مقيما مع حذيفة بأهل الشأم عليهم حبيب بن مسلمة الفهري في قول
سيف فوقع فيها الاختلاف بين سلمان وحبيب في الامر وتنازع في ذلك أهل
الشأم وأهل الكوفة
ذكر الخبر بذلك
فمما كتب به إلى السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا كتب عثمان
إلى سعيد أن اغز سلمان الباب وكتب إلى عبد الرحمن بن ربيعة وهو على الباب
أن الرعية قد أبطر كثيرا منهم البطنة فقصر ولا تقتحم بالمسلمين فانى خاش أن
يبتلوا فلم يزجر ذلك عبد الرحمن عن غايته وكان لا يقصر عن بلنجر فغزا سنة
تسع من إمارة عثمان حتى إذا بلغ بلنجر حصروها ونصبوا عليها المجانيق والعرادات
فجعل لا يدنو منها أحد إلا أعنتوه أو قتلوه فأسرعوا في الناس وقتل معضد في تلك
الأيام ثم أن الترك اتعدوا يوما فخرج أهل بلنجر وتوافت إليهم الترك فاقتتلوا
فأصيب عبد الرحمن بن ربيعة وكان يقال له ذو النور وانهزم المسلمون فتفرقوا
فأما من أخذ طريق سلمان بن ربيعة فحماه حتى خرج من الباب وأما من أخذ طريق
الخزر وبلادها فإنه خرج على جيلان وجرجان وفيهم سلمان الفارسي وأبو هريرة
وأخذ القوم جسد عبد الرحمن فجعلوه في سفط فبقى في أيديهم فهم يستسقون به
إلى اليوم ويستنصرون به (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن داود
ابن يزيد عن الشعبي قال والله لسلمان بن ربيعة كان أبصر بالمضارب من الجازر
بمفاصل الجزور (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن الغصن بن
القاسم عن رجل من بني كنانة قال لما تتابعت الغزوات على الخزر وتذامروا
وتعايروا وقالوا كنا أمة لا يقرن لنا أحد حتى جاءت هذه الأمة القليلة فصرنا لا نقوم
لها فقال بعضهم لبعض أن هؤلاء لا يموتون ولو كانوا يموتون لما اقتحموا علينا
وما أصيب في غزواتها أحد إلا في آخر غزوة عبد الرحمن فقالوا أفلا تجربون فكمنوا
في الغياض فمر بأولئك الكمين مرار من الجند فرموهم منها فقتلوهم فواعدوا رؤسهم ثم
تداعوا إلى حربهم ثم اتعدوا يوما فاقتتلوا فقتل عبد الرحمن وأسرع في الناس
351

فافترقوا فرقين فرق نحو الباب فحماهم سلمان حتى أخرجهم وفرق أخذوا نحو الخزر
فطلعوا على جيلان وجرجان فيهم سلمان الفارسي وأبو هريرة (كتب إلي
السري) عن شعيب عن سيف عن المستنير بن يزيد عن أخيه قيس عن أبيه قال
كان يريد بن معاوية وعلقمة بن قيس ومعضد الشيباني وأبو مفزر التميمي في خباء
وعمرو بن عتبة وخالد بن ربيعة والحلحال بن ذرى والقرثع في خباء وكانوا
متجاورين في عسكر بلنجر وكان القرثع يقول ما أحسن لمع الدماء على الثياب
وكان عمرو بن عتبة يقول لقباء عليه أبيض ما أحسن حمرة الدما في بياضك
وغزا أهل الكوفة بلنجر سنين من إمارة عثمان لم تئم فيهن امرأة ولم ييتم
فيهن صبي من قبل حتى كان سنة تسع فلما كان سنة تسع قبل المزاحفة بيومين رأى
يزيد بن معاوية أن غزالا جئ به إلى خبائه لم ير غزالا أحسن منه حتى لف ملحفته
ثم أتى به قبر عليه أربعة نفر لم ير قبرا أشد استواء منه ولا أحسن منه حتى دفن فيه
فلما تغادى الناس على الترك رمى يزيد بحجر فهشم رأسه فكأنما زين ثوبه بالدماء
زينة وليس يتلطخ فكان ذلك الغزال الذي رأى وكان بذلك الدم على ذلك القباء
من الحسن فلما كان قبل المزاحفة بيوم تغادوا فقال معضد لعلقمة أعرني بردك
أعصب به رأسي ففعل فأتى البرج الذي أصيب فيه يزيد فرماهم فقتل منهم ورمى
بحجر في عرادة ففضخ هامته واجتره أصحابه فدفنوه إلى جنب يزيد وأصاب عمرو
ابن عتبة جراحة فرأى قباءه كما اشتهى وقتل فلما كان يوم المزاحفة قاتل القرثع
حتى خرق بالحراب فكأنما كان قباؤه ثوبا أرضه بيضاء ووشيه أحمر وما زال
الناس ثبوتا حتى أصيب وكانت هزيمة الناس مع مقتله (كتب إلي السري) عن
شعيب عن سيف عن داود بن يزيد قال كان يزيد بن معاوية النخعي رضي الله عنه
وعمرو بن عتبة ومعضد أصيبوا يوم بلنجر فأما معضد فإنه اعتجر ببرد لعلقمة فأتاه
شظية من حجر منجنيق فأمه فاستصغره ووضع يده عليه فمات فغسل دمه علقمة فلم
يخرج وكان يحضر فيه الجمعة وقال يحرصني عليه أن فيه دم معضد فأما عمرو فلبس
قباء أبيض وقال ما أحسن الدم على هدا فأتاه حجر فقتله وملاه دما وأما يزيد فدلى
352

عليه شئ فقتله وقد كانوا حفروا قبر فأعدوه فنظر إليه يزيد فقال ما أحسنه وأرى
فيما يرى النائم أن غزالا لم ير غزال أحسن منه جئ به حتى دفن فيه فكان هو ذلك
الغزال وكان يزيد رفيقا جميلا رحمه الله وبلغ ذلك عثمان فقال انا لله وانا إليه راجعون
انتكث أهل الكوفة اللهم تب عليهم وأقبل بهم (وكتب إلي السري) عن شعيب
عن سيف عن محمد وطلحة قالا استعمل سعيد على ذلك الفرج سلمان بن ربيعة
واستعمل على الغزو بأهل الكوفة حذيفة بن اليمان وكان على ذلك الفرج قبل ذلك
عبد الرحمن بن ربيعة وأمدهم عثمان في سنة عشر بأهل الشأم عليهم حبيب بن مسلمة
القرشي فتأمر عليه سلمان وأبى عليه حبيب حتى قال أهل الشأم لقد هممنا بضرب
سلمان فقال في ذلك الناس إذا والله نضرب حبيبا ونحبسه وإن أبيتم كثرت القتلى
فيكم وفينا وقال أوس بن مغراء في ذلك:
إن تضربوا سلمان نضرب حبيبكم * وإن ترحلوا نحو ابن عفان نرحل
وان تقسطوا فالثغر ثغر أميرنا * وهذا أمير في الكتائب مقبل
ونحن ولاة الثغر كنا حماته * ليالي نرمي كل ثغر وننكل
فأراد حبيب أن يتأمر على صاحب الباب كما كان يتأمر أمير الجيش إذا جاء
من الكوفة فلما أحس حذيفة أقر وأقروا فغزاها حذيفة بن اليمان ثلاث غزوات
فقتل عثمان في الثالثة ولقيهم مقتل عثمان فقال اللهم العن قتلة عثمان وغزاة عثمان
وشناة عثمان اللهم إنا كنا نعاتبه ويعاتبنا متى ما كان من قبله يعاتبنا ونعاتبه فاتخذوا
ذلك سلما إلى الفتنة اللهم لا تمتهم إلا بالسيوف (وفي هذه السنة) مات عبد الرحمن
ابن عوف رضي الله عنه زعم الواقدي أن عبد الله بن جعفر حدثه بذلك عن يعقوب
ابن عتبة وأنه يوم مات كان ابن خمس وسبعين سنة * قال وفيها مات العباس بن
عبد المطلب وهو يومئذ ابن ثمان وثمانين سنة وكان أسن من رسول الله صلى الله
عليه وسلم بثلاث سنين * قال وفيها مات عبد الله بن زيد بن عبد ربه رحمه الله الذي
أرى الاذان * قال وفيها توفى عبد الله بن مسعود بالمدينة فدفن بالبقيع رحمه الله
فقال قائل صلى عليه عمار وقال قائل صلى عليه عثمان * وفيها مات أبو طلحة رحمه
353

الله (وفيها) مات أبو ذر رضي الله عنه في رواية سيف
ذكر الخبر عن وفاته
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن عطية بن يزيد الفقعسي قال لما
حضرت أبا ذر الوفاة وذلك في سنة ثمان في ذي الحجة من امارة عثمان نزل بأبي ذر
فلما أشرف قال لابنته استشرفي يا بنية فانظري هل ترين أحدا قالت لا قال فما جاءت
ساعتي بعد ثم أمرها فذبحت شاة ثم طبختها ثم قال إذا جاءك الذين يدفنوني فقولي
لهم إن أبا ذر يقسم عليكم أن لا تركبوا حتى تأكلوا فلما نضجت قدرها قال لها انظري
هل ترين أحدا قالت نعم هؤلاء ركب مقبلون قال استقبلي بي الكعبة ففعلت وقال
بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وآله ثم خرجت ابنته فتلقتهم
وقالت رحمكم الله اشهدوا أبا ذر قالوا وأين هو فأشارت لهم إليه وقد مات فادفنوه
قالوا نعم ونعمة عين لقد أكرمنا الله بذلك وإذا ركب من أهل الكوفة فيهم ابن
مسعود فمالوا إليه وابن مسعود يبكي ويقول صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم
يموت وحده ويبعث وحده فغسلوه وكفنوه وصلوا عليه ودفنوه فلما أرادوا أن
يرتحلوا قالت لهم إن أبا ذر يقرأ عليكم السلام وأقسم عليكم أن لا تركبوا حتى
تأكلوا ففعلوا وحملوهم حتى أقدموهم مكة ونعوه إلى عثمان فضم ابنته إلى عياله
وقال يرحم الله أبا ذر ويغفر لرافع بن خديج سكونه (كتب إلي السري) عن
شعيب عن سيف عن القعقاع بن الصلت عن رجل عن كليب بن الحلحال عن
الحلحال بن ذرى قال خرجنا مع ابن مسعود سنة 31 ونحن أربعة عشر راكبا
حتى أتينا على الربذة فإذا امرأة قد تلقتنا فقالت اشهدوا أبا ذر وما شعرنا بأمره
ولا بلغنا فقلنا وأين أبو ذر فأشارت إلى خباء فقلنا ماله قالت فارق المدينة لأمر
قد بلغه فيها ففارقها قال ابن مسعود ما دعاه إلى الاعراب فقالت أما ان أمير المؤمنين
قد كره ذلك ولكنه كان يقول هي بعد وهي مدينة فمال ابن مسعود إليه وهو يبكي
فغسلناه وكفناه وإذا خباؤه خباء منضوح بمسك فقلنا للمرأة ما هذا فقالت كانت مسكة
فلما حضر قال إن الميت يحضره شهود يجدون الريح ولا يأكلون فد وفى تلك
354

المسكة بماء ثم رشى بها الخباء فاقريهم ريحها واطبخي هذا اللحم فإنه سيشهدني
قوم صالحون يلون دفني فاقريهم فلما دفناه دعتنا إلى الطعام فأكلنا وأردنا احتمالها
فقال ابن مسعود أمير المؤمنين قريب نستأمره فقدمنا مكة فأخبرناه الخبر فقال
يرحم الله أبا ذر ويغفر له نزوله الربذة ولما صدر خرج فأخذ طريق الربذة فضم
عياله إلى عياله وتوجه نحو المدينة وتوجهنا نحو العراق وعدتنا ابن مسعود وأبو مفزر
التميمي وبكر بن عبد الله التميمي والأسود بن يزيد النخعي وعلقمة بن قيس النخعي
والحلحال بن ذرى الضبي والحارث بن سويد التميمي وعمرو بن عتبة بن فرقد السلمي
وابن ربيعة السلمي وأبو رافع المزني وسويد بن مثعبة التميمي وزياد بن معاوية النخعي
وأخو القرثع الضبي وأخو معضد الشيباني (وفي سنة 32) فتح ابن عامر مروروذ
والطلقان والفارياب والجوزجان وطخارستان
ذكر الخبر عن ذلك
قال علي أخبرنا سلمة بن عثمان وغيره عن إسماعيل بن مسلم عن ابن سيرين قال
بعث ابن عامر الأحنف بن قيس إلى مروروذ فحصر أهلها فخرجوا إليهم فقاتلوهم
فهزمهم المسلمون حتى اضطروهم إلى حصنهم فأشرفوا عليهم فقالوا يا معشر العرب
ما كنتم عندنا كما نرى ولو علمنا أنكم كما نرى لكانت لنا ولكم حال غير هذه فأمهلونا
ننظر يومنا وارجعوا إلى عسكركم فرجع الأحنف فلما أصبح غاداهم وقد أعدوا
له الحرب فخرج رجل من العجم معه كتاب من المدينة فقال إني رسول فأمنوني
فأمنوه فإذا رسول من مرزبان مرو ابن أخيه وترجمانه وإذا كتاب المرزبان إلى
الأحنف فقرأ الكتاب قال فإذا هو إلى أمير الجيش إنا نحمد الله الذي بيده
الدول يغير ما شاء من الملك ويرفع من شاء بعد الذلة ويضع من شاء بعد الرفعة
إنه دعاني إلى مصالحتك وموادعتك ما كان من إسلام جدي وما كان رأى من
صاحبكم من الكرامة والمنزلة فمرحبا بكم وأبشروا وأنا أدعوكم إلى الصلح فيما
بينكم وبيننا على أن أؤدي إليكم خراجا ستين ألف درهم وإن تقروا بيدي ما كان
ملك الملوك كسرى أقطع جد أبي حيث قتل الحية التي أكلت الناس وقطعت السبل
355

من الأرضين والقرى بما فيها من الرجال ولا تأخذوا من أحد من أهل بيتي شيئا
من الخراج ولا يخرج المرزبة من أهل بيتي إلى غيرهم فإن جعلت ذلك لي خرجت
إليك وقد بعثت إليك ابن أخي ماهك ليستوثق منك بما سألت قال فكتب إليه
الأحنف بسم الله الرحمن الرحيم من صخر بن قيس أمير الجيش إلى باذان مرزبان
مروروذ ومن معه من الأساورة والأعاجم سلام على من اتبع الهدى وآمن
واتقى أما بعد فإن ابن أخيك ماهك قدم على فنصح لك جهده وأبلغ عنك وقد
عرضت ذلك على من معي من المسلمين وأنا وهم فيما عليك سواء وقد أجبناك إلى
ما سألت وعرضت على أن تؤدي عن أكرتك وفلاحيك والأرضين ستين
ألف درهم إلي وإلى الوالي من بعدي من امراء المسلمين إلا ما كان من الأرضين
التي ذكرت أن كسرى الظالم لنفسه اقطع جد أبيك لما كان من قتله الحية التي أفسدت
الأرض وقطعت السبل والأرض لله ولرسوله يورثها من يشاء من عباده وإن
عليك نصرة المسلمين وقتال عدوهم بمن معك من الأساورة إن أحب المسلمون
ذلك وأرادوه وإن لك على ذلك نصرة المسلمين على من يقاتل من وراءك من أهل
ملتك جار لك بذلك مني كتاب يكون لك بعدي ولا خراج عليك ولا على أحد
من أهل بيتك من ذوي الأرحام وإن أنت أسلمت واتبعت الرسول كان لك
من المسلمين العطاء والمنزلة والرزق وأنت أخوهم ولك بذلك ذمتي وذمة أبي وذمم
المسلمين وذمم آبائهم شهد على ما في هذا الكتاب جزء بن معاوية أو معاوية بن
جزء السعدي وحمزة بن الهرماس وحميد بن الخيار المازنيان وعياض بن ورقاء
الأسيدي وكتب كيسان مولى بني ثعلبة يوم الأحد من شهر الله المحرم وختم
أمير الجيش الأحنف بن قيس ونقش خاتم الأحنف نعبد الله قال علي أخبرنا
مصعب بن حيان عن أخيه مقاتل بن حيان قال صالح ابن عامر أهل مرو وبعث
الأحنف في أربعة آلاف إلى طخارستان فأقبل حتى نزل موضع قصر الأحنف
من مروروذ وجمع له أهل طخارستان وأهل الجوزجان والطالقان والفارياب
فكانوا ثلاثة زحوف ثلاثين ألفا وأتى الأحنف خبرهم وما جمعوا له فاستشار
356

الناس فاختلفوا فبين قائل نرجع إلى مرو وقائل نرجع إلى أبرشهر وقائل نقيم ونستمد
وقائل نلقاهم فنناجزهم قال فلما أمسى الأحنف خرج يمشي في العسكر ويستمع
حديث الناس فمر بأهل خباء ورجل يوقد تحت خزيرة أو يعجن وهم يتحدثون
ويذكرون العدو فقال بعضهم الرأي للأمير ان يسير إذا أصبح حتى يلقى القوم
حيث لقيهم فإنه أرعب لهم فيناجزهم فقال صاحب الخزيرة أو العجين ان فعل
ذلك فقد أخطأ وأخطأتم أتأمرونه أن يلقى حد العدو ومصحرا في بلادهم فيلقى
جمعا كثيرا بعدد قليل فإن جالوا جولة اصطلمونا ولكن الرأي له أن ينزل بين
المرغاب والجبل فيجعل المرغاب عن يمينه والجبل عن يساره فلا يلقاه من عدوه
وان كثروا الا عدد أصحابه فرجع الأحنف وقد اعتقد ما قال فضرب عسكره
وأقام فأرسل إليه أهل مرو يعرضون عليه أن يقاتلوا معه فقال اني أكره أن
أستنصر بالمشركين فأقيموا على ما أعطيناكم وجعلنا بيننا وبينكم فإن ظفرنا فنحن
على ما جعلنا لكم وان ظفروا بنا وقاتلوكم فقاتلوا عن أنفسكم قال فوافق المسلمين
صلاة العصر فعاجلهم المشركون فناهضوهم فقاتلوهم وصبر الفريقان حتى أمسوا
والأحنف يتمثل بشعر ابن جؤية الأعرجي
أحق من لم يكره المنيه * حزور ليست له ذرية
قال علي أخبرنا أبو الأشهب السعدي عن أبيه قال لقى الأحنف أهل مروروذ والطالقان
والفارياب والجوزجان في المسلمين ليلا فقاتلهم حتى ذهب عامة الليل ثم هزمهم
الله فقتلهم المسلمون حتى انتهوا إلى رسكن وهي على اثني عشر فرسخا من قصر
الأحنف وكان مرزبان مروروذ قد تربص يحمل ما كانوا صالحوه عليه لينظر
ما يكون من أمرهم قال فلما ظفر الأحنف سرح رجلين إلى المرزبان وأمرهما أن
لا يكلماه حتى يقبضاه ففعلا فعلم أنهم لم يصنعوا ذاك به إلا وقد ظفروا فحمل ما كان
عليه قال علي وأخبرنا المفضل الضبي عن أبيه قال سار الأقرع بن حابس إلى
الجوزجان بعثه الأحنف في جريدة خيل إلى بقية كانت بقيت من الزحوف الذين
هزمهم الأحنف فقاتلهم فجال المسلمون جولة فقتل فرسان من فرسانهم ثم أظفر
357

الله المسلمين بهم فهزموهم وقتلوهم فقال كثير النهشلي
سقى مزن السحاب إذا استهلت * مصارع فتية بالجوزجان
إلى القصرين من رستاق خوط * أقادهم هناك الأقرعان
وهي طويلة (وفي هذه السنة) جرى الصلح بين الأحنف وبين أهل بلخ
ذكر الخبر بذلك
قال علي أخبرنا زهير بن الهنيد عن إياس بن المهلب قال سار الأحنف من مرو الروذ
إلى بلخ فحاصرهم فصالحه أهلها على أربعمائة ألف فرضى منهم بذلك واستعمل بن
عمه وهو أسيد بن المتشمس ليأخذ منهم ما صالحوه عليه ومضى إلى خارزم فأقام
حتى هجم عليه الشتاء فقال لأصحابه ما ترون قال له حصين قد قال لك عمرو بن
معديكرب قال وما قال قال قال
إذا لم تستطع أمرا فدعه * وجاوزه إلى ما تستطيع
قال فأمر الأحنف بالرحيل ثم انصرف إلى بلخ وقد قبض ابن عمه ما صالحهم
عليه وكان وافق وهو يجبيهم المهرجان فأهدوا إليه هدايا من آنية الذهب والفضة
ودنانير ودراهم ومتاع وثياب فقال ابن عم الأحنف هذا ما صالحناكم عليه قالوا
لا ولكن هذا شئ نصنعه في هذا اليوم بمن ولينا نستعطفه به قال وما هذا اليوم
قالوا المهرجان قال ما أدرى ما هذا وإني لأكره أن أرده ولعله من حقي ولكن
اقبضه واعزله حتى أنظر فقبضه وقدم الأحنف فأخبره فسألهم عنه فقالوا مثل
ما قالوا لابن عمه فقال آتي به الأمير فحمله إلى ابن عامر فأخبره عنه فقال اقبضه
يا أبا بحر فهو لك قال لا حاجة لي فيه فقال ابن عامر ضمه إليك يا مسمار قال قال
الحسن فضمه القرشي وكان مضما قال علي وأخبرنا عمرو بن محمد المري عن أشياخ
من بني مرة أن الأحنف استعمل على بلخ بشر بن المتشمس قال علي وأخبرنا
صدقة بن حميد عن أبيه قال بعث ابن عامر حين صالح أهل مرو وصالح الأحنف
أهل بلخ خليد بن عبد الله الحنفي إلى هراة وباذغيس فافتتحها ثم كفروا بعد فكانوا
مع قارن قال علي وأخبرنا مسلمة عن داود قال ولما رجع الأحنف إلى ابن عامر
358

قال الناس لابن عامر ما فتح على أحد ما قد فتح عليك فارس وكرمان وسجستان
وعامة خراسان قال لا جرم لأجعلن شكري لله على ذلك أن أخرج محرما معتمرا
من موقفي هذا فأحرم بعمرة من نيسابور فلما قدم على عثمان لامه على إحرامه
من خراسان وقال ليتك تضبط ذلك من الوقت الذي يحرم منه الناس قال علي
أخبرنا مسلمة عن السكن بن قتادة العريني قال استخلف ابن عامر على خراسان
قيس بن الهيثم وخرج ابن عامر منها في سنة 32 قال فجمع قارن جمعا كثيرا من
ناحية الطبسين وأهل باذغيس وهراة وقهستان فأقبل في أربعين ألفا فقال لعبد الله
ابن خازم ما ترى قال أرى أن تخلى البلاد فإني أميرها ومعي عهد من ابن عامر
إذا كانت حرب بخراسان فأنا أميرها وأخرج كتابا قد افتعله عمدا فكره قيس
مشاغبته وخلاه والبلاد وأقبل إلى ابن عامر فلامه ابن عامر وقال تركت البلاد
حربا وأقبلت قال جاءني بعهد منك فقالت له أمه نهيتك أن تدعهما في بلد فإنه
يشغب عليه قال فسار ابن خازم إلى قارن في أربعة آلاف وأمر الناس فحملوا
الودك فلما قرب من عسكره أمر الناس فقال ليدرج كل رجل منكم على زج رمحه
ما كان معه من خرقة أو قطن أو صوف ثم أوسعوه من الودك من سمن أو دهن
أو زيت أو إهالة ثم سار حتى إذا أمسى قدم مقدمته ستمائة ثم أتبعهم وأمر الناس
فأشعلوا النيران في أطراف الرماح وجعل يقتبس بعضهم من بعض قال وانتهت
مقدمته إلى عسكر قارن فأتوهم نصف الليل ولهم حرس فناوشوهم وهاج الناس
على دهش وكانوا آمنين في أنفسهم من البيات ودنا ابن خازم منهم فرأوا النيران
يمنة ويسرة وتتقدم وتتأخر وتنخفض وترتفع فلا يرون أحدا فهالهم ذلك
ومقدمة بن خازم يقاتلونهم ثم غشيهم ابن خازم بالمسلمين فقتل قارن وانهزم العدو
فأتبعوهم يقتلونهم كيف شاؤوا وأصابوا سبيا كثيرا فزعم شيخ من بني تميم قال
كانت أم الصلت بن حريث من سبى قارن وأم زياد بن الربيع منهم وأم عون
أبي عبد الله بن عون الفقيه منهم قال علي حدثنا مسلمة قال أخذ ابن خازم عسكر
قارن بما كان فيه وكتب بالفتح إلى ابن عامر فرضى وأقره على خراسان فلبث
359

عليها حتى انقضى أمر الجمل فأقبل إلى البصرة فشهد وقعة ابن الحضرمي وكان معه
في دار سنبيا قال علي وأخبرنا الحسن بن رشيد عن سليمان بن كثير الخزاعي قال
جمع قارن للمسلمين جمعا كثيرا فضاق المسلمون بأمرهم فقال قيس بن الهيثم لعبد الله
ابن خازم ما ترى قال أرى أنك لا تطيق كثرة من قد أتانا فاخرج بنفسك إلى ابن
عامر فتخبره بكثرة من قد جمعوا لنا ونقيم نحن في هذه الحصون ونطاولهم حتى
تقدم ويأتينا مددكم فال فخرج قيس بن الهيثم فلما أمعن أظهر ابن خازم عهدا
وقال قد ولاني ابن عامر خراسان فسار إلى قارن فظفر به وكتب بالفتح إلى ابن
عارم فأقره ابن عامر على خراسان فلم يزل أهل البصرة يغزون من لم يكن
صالح من أهل خراسان فإذا رجعوا خلفوا أربعة آلاف للعقبة فكانوا على
ذلك حتى كانت الفتنة
ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين
(ففيها) كانت غزوة معاوية حصن المرأة من أرض الروم من ناحية ملطية في
قول الواقدي (وفيها) كانت غزوة عبد الله بن سعد بن أبي سرح أفريقية الثانية
حين نقض أهلها العهد (وفيها) قدم عبد الله بن عامر الأحنف بن قيس إلى خراسان
وقد انتقض أهلها ففتح المروين مرو الشاهجان صلحا ومرو الروذ بعد قتال شديد
وتبعه عبد الله بن عامر فنزل أبرشهر ففتحها صلحا في قول الواقدي (وأما) أبو معشر
فإنه قال فيما حدثني أحمد بن ثابت الرازي عمن حدثه عن إسحاق بن عيسى عنه قال
كانت قبر سنة 33 وقد ذكرنا قول من خالفه في ذلك والخبر عن قبرس (وفيها)
كان تسيير عثمان بن عفان من سير من أهل العراق إلى الشأم
ذكر تسيير من سير من أهل الكوفة إليها
اختلف أهل السير في ذلك فأما سيف فإنه ذكر فيما كتب به إلى السري عن شعيب
عنه عن محمد وطلحة قالا إن سعيد بن العاص لا يغشاه إلا نازلة أهل الكوفة ووجوه
أهل الأيام وأهل القادسية وقراء أهل البصرة والمتسمتون وكان هؤلاء دخلته
360

إذا خلا فأما إذا جلس للناس فإنه يدخل عليه كل أحد فجلس للناس يوما فدخلوا عليه
فبينا هم جلوس يتحدثون قال خنيس بن فلان ما أجود طلحة بن عبيد الله فقال سعيد
ابن العاص إن من له مثل النشاستج لحقيق أن يكون جوادا والله لو أن لي مثله لأعاشكم
الله عيشار غدا فقال عبد الرحمن بن خنيس وهو حدث والله لوددت أن هذا الملطاط
لك يعني ما كان لآل كسرى على جانب الفرات الذي يلي الكوفة قالوا نض الله فاك
والله لقد هممنا بك فقال خنيس غلام فلا تجاوزوه فقالوا يتمنى له من سوادنا قال
ويتمنى لكم أضعافه قالوا لا يتمنى لنا ولا له قال ما هذا بكم قالوا أنت والله أمرته بها
فثار إليه الأشتر وابن ذي الحبكة وجندب وصعصعة وابن الكواء وكميل وعمير
ابن ضابئ فأخذوه فذهب أبوه ليمنع منه فضربوهما حتى غشى عليهما وجعل سعيد
يناشدهم ويأبون حتى قضوا منهما وطرا فسمعت بذلك بنو أسد فجاؤوا وفيهم طليحة
فأحاطوا بالقصر وركبت القبائل فعاذوا بسعيد وقالوا أفلتنا وتخلصنا فخرج سعيد
إلى الناس فقال أيها الناس قوم تنازعوا وتهاووا وقد رزق الله العافية ثم قعدوا
وعادوا في حديثهم وتراجعوا فسألهم وردهم وأفاق الرجلان فقال أبكما حياة قالا
قتلتنا غاشيتك قال لا يغشوني والله أبدا فاحفظا على ألسنتكما ولا تجرأ على الناس ففعلا
ولما انقطع رجاء أولئك النفر من ذلك قعدوا في بيوتهم وأقبلوا على الإذاعة حتى
لامه أهل الكوفة في أمرهم فقال هذا أميركم وقد نهاني أن أحرك شيئا فمن أراد منكم
أن يحرك شيئا فليحركه فكتب أشراف أهل الكوفة وصلحاؤهم إلى عثمان في
اخراجهم فكتب إذا اجتمع ملؤكم على ذلك فألحقوهم بمعاوية فأخرجوهم فذلوا
وانقادوا حتى أتوه وهم بضعة عشر فكتبوا بذلك إلى عثمان وكتب عثمان إلى معاوية
أن أهل الكوفة قد أخرجوا إليك نفرا خلقوا للفتنة فرعهم وقم عليهم فان آنست
منهم رشدا فاقبل منهم وإن أعيوك فارددهم عليهم فلما قدموا على معاوية رحب بهم
وأنزلهم كنيسة تسمى مريم وأجرى عليهم بأمر عثمان ما كان يجري عليهم بالعراق
وجعل لا يزال يتغذى ويتعشى معهم فقال لهم يوما إنكم قوم من العرب لكم أسنان
وألسنة وقد أدركتم بالاسلام شرفا وغلبتم الأمم وحويتم مراتبهم ومواريثهم وقد
361

بلغني أنكم نقمتم قريشا وإن قريشا لو لم تكن عدتم أذلة كما كنتم ان أئمتكم لكم إلى اليوم
جنة فلا تسدوا عن جنتكم وإن أئمتكم اليوم يصبرون لكم على الجور ويحتملون
منكم المؤونة والله لتنتهن أو ليبتلينكم الله بمن يسومكم ثم لا يحمدكم على الصبر ثم
تكونون شركاءهم فيما جررتم على الرعية في حياتكم وبعد موتكم فقال رجل من
القوم أما ما ذكرت من قريش فإنها لم تكن أكثر العرب ولا أمنعها في الجاهلية
فتخوفنا وأما ما ذكرت من الجنة فإن الجنة إذا اخترقت خلص إلينا فقال معاوية
عرفتكم الآن علمت أن الذي أغراكم على هذا قلة العقول وأنت خطيب القوم
ولا أرى لك عقلا أعظم عليك أمر الاسلام وأذكرك به وتذكرني الجاهلية وقد
وعظتك وتزعم لما يخنك أنه يخترق ولا ينسب ما يخترق إلى الجنة أخزى الله أقواما
أعظموا أمركم ورفعوا إلى خليفتكم افقهوا ولا أظنكم تفقهون أن قريشا لم تعز في
جاهلية ولا إسلام إلا بالله عز وجل لم تكن بأكثر العرب ولا أشدهم ولكنهم كانوا
أكرمهم أحسابا وأمحضهم أنسابا وأعظمهم أخطارا وأكملهم مروءة ولم يمتنعوا
في الجاهلية والناس يأكل بعضهم بعضا إلا بالله الذي لا يستذل من أعز ولا يوضع
من رفع فبوأهم حرما آمنا يتخطف الناس من حولهم هل تعرفون عربا أو عجما أو سودا
أو حمرا إلا قد أصابه الدهر في بلده وحرمته بدولة إلا ما كان من قريش فإنه
لم يردهم أحد من الناس بكيد إلا جعل الله خده الأسفل حتى أراد الله أن يتنقذ
من أكرم واتبع دينه من هوان الدنيا وسوء مرد الآخرة فارتضى لذلك خير
خلقه ثم ارتضى له أصحابا فكان خيارهم قريشا ثم بنى هذا الملك عليهم وجعل هذه
الخليفة فيهم ولا يصلح ذلك إلا عليهم فكان الله يحوطهم في الجاهلية وهم على
كفرهم بالله افتراه لا يحوطهم وهم على دينه وقد حاطهم في الجاهلية من الملوك
الذين كانوا يدينونكم أف لك ولأصحابك ولو أن متكلما غيرك تكلم ولكنك ابتدأت
فأما أنت يا صعصعة فان قريتك شر قرى عربية أنتنها نبتا وأعمقها واديا وأعرفها
بالشر وألأمها جيرانا لم يسكنها شريف قط ولا وضيع إلا سب بها وكانت عليه
هجنة ثم كانوا أقبح العرب ألقابا وألأمه أصهارا نزاع الأمم وأنتم جيران الخط وفعلة
362

فارس حتى أصابتكم دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ونكبتك دعوته وأنت نزيع
شطير في عمان لم تسكن البحرين فتشركهم في دعوة النبي صلى الله عليه وسلم فأنت
شر قومك حتى إذا أبرزك الاسلام وخلطك بالناس وحملك على الأمم التي كانت
عليك أقبلت تبغي دين الله عوجا وتنزع إلى اللامة والذلة ولا يضع ذلك قريشا
ولن يضرهم ولن يمنعهم من تأدية ما عليهم إن الشيطان عنكم غير غافل قد عرفكم
بالشر من بين أمتكم فأغرى بكم الناس وهو صارعكم لقد علم أنه لا يستطيع أن يرد
بكم قضاء قضاه الله ولا أمرا أراده الله ولا تدركون بالشر أمرا أبدا إلا فتح الله
عليكم شرا منه وأخزى ثم قام وتركهم فتذامروا فتقاصرت إليهم أنفسهم فلما
كان بعد ذلك أتاهم فقال إني قد أذنت لكم فاذهبوا حيث شئتم لا والله لا ينفع الله
بكم أحدا ولا يضره ولا أنتم برجال منفعة ولا مضرة ولكنكم رجال نكير وبعد
فإن أردتم النجاة فالزموا جماعتكم وليسعكم ما وسع الدهماء ولا يبطرنكم
الانعام فان البطر لا يعترى الخيار اذهبوا حيث شئتم فإني كاتب إلى أمير المؤمنين
فيكم فلما خرجوا دعاهم فقال إني معيد عليكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان معصوما فولاني وأدخلني في أمره ثم استخلف أبو بكر رضى الله تعالى عنه
فولاني ثم استخلف عمر فولاني ثم استخلف عثمان فولاني فلم أل لاحد منهم ولم
يولني إلا وهو راض عني وإنما طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعمال
أهل الجزاء عن المسلمين والغناء ولم يطلب لها أهل الاجتهاد والجهل بها والضعف
عنها وأن الله ذو سطوات ونقمات يمكر بمن يمكر به فلا تعرضوا لأمر وأنتم تعلمون
من أنفسكم غير ما تظهرون فإن الله غير تارككم حتى يختبركم ويبدى للناس
سرائركم وقد قال عز وجل (ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا
وهم لا يفتنون) وكتب معاوية إلى عثمان أنه قدم على أقوام ليست لهم عقول
ولا أديان أثقلهم الاسلام وأضجرهم العدل لا يريدون الله بشئ ولا يتكلمون
بحجة إنما همهم الفتنة وأموال أهل الذمة والله مبتليهم ومختبرهم ثم فاضحهم
ومخزيهم وليسوا بالذين ينكون أحدا إلا مع غيرهم فإنه سعيدا ومن قبله عنهم فإنهم
363

ليسوا الأكثر من شغب أو نكير وخرج القوم من دمشق فقال لا ترجعوا إلى
الكوفة فإنهم يشمتون بكم وميلوا بنا إلى الجزيرة ودعوا العراق والشام فأووا
إلى الجزيرة وسمع بهم عبد الرحمن بن خالد بن الوليد وكان معاوية قد ولاه حمص
وولى عامل الجزيرة حران والرقة فدعا بهم فقال يا آلة الشيطان لا مرحبا بكم
ولا أهلا قد رجع الشيطان محسورا وأنتم بعد نشاط خسر الله عبد الرحمن إن لم
يؤدبكم حتى يحسركم يا معشر من لا أدرى أعرب أم عجم لكي لا تقولوا لي ما يبلغني
أنكم تقولون لمعاوية أنا ابن خالد بن الوليد أنا ابن من قد عجمته العاجمات أنا ابن
فاقئ الردة والله لئن بلغني يا صعصعة بن ذل أن أحد ممن معي دق أنفك ثم امصك
لأطيرن بك طيرة بعيدة المهوى فأقامهم أشهرا كلما ركب أمشاهم فإذا مر به قال
يا ابن الحطيئة أعلمت أن من لم يصلحه الخير أصلحه الشر مالك لا تقول كما كان
يبلغني أنك تقول لسعيد ومعاوية فيقول ويقولون نتوب إلى الله أقلنا أقالك الله
فما زالوا به حتى قال تاب الله عليكم وسرح الأشتر إلى عثمان وقال لهم ما شئتم إن شئتم
فاخرجوا وإن شئتم فأقيموا وخرج الأشتر فأتى عثمان بالتوبة والندم والنزوع
عنه وعن أصحابه فقال سلمكم الله وقدم سعيد بن العاص فقال عثمان للأشتر أحلل
حيث شئت فقال مع عبد الرحمن بن خالد وذكر من فضله فقال ذاك إليكم فرجع إلى
عبد الرحمن وأما محمد بن عمر فإنه ذكر ان أبا بكر بن إسماعيل حدثه عن أبيه عن عامر
ابن سعد أن عثمان بعث سعيد بن العاص إلى الكوفة أميرا عليها حين شهد على الوليد
ابن عقبة بشرب الخمر من شهد عليه وأمره أن يبعث إليه الوليد بن عقبة قال فقدم
سعيد بن العاص الكوفة فأرسل إلى الوليد أن أمير المؤمنين يأمرك أن تلحق به
قال فتضجع أياما فقال له انطلق إلى أخيك فإنه قد أمرني أن أبعثك إليه قال وما صعد
منبر الكوفة حتى أمر به أن يغسل فناشده رجال من قريش كانوا قد خرجوا معه
من بني أمية وقالوا إن هذا قبيح والله لو أراد هذا غيرك لكان حقا أن تذب عنه
يلزمه عار هذا أبدا قال فأبى إلا أن يفعل فغسله وأرسل إلى الوليد أن يتحول من
دار الامارة فتحول منها ونزل دار عمارة بن عقبة فقدم الوليد على عثمان فجمع بينه
364

وبين خصمائه فرأى أن يجلده فجلده الحد قال محمد بن عمر حدثني شيبان عن مجالد عن
الشعبي قال قدم سعيد بن العاص الكوفة فجعل يختار وجوه الناس يدخلون عليه
ويسمرون عنده وأنه سمر عنده ليلة وجوه أهل الكوفة منهم مالك بن كعب الأرحبي
والأسود بن يزيد وعلقمة بن قيس النخعيان وفيهم مالك الأشتر في رجال فقال سعيد
إنما هذا السواد بستان لقريش فقال الأشتر أتزعم أن السواد الذي أفاءه الله علينا
بأسيافنا بستان لك ولقومك والله ما يزيد أوفاكم فيه نصيبا إلا أن يكون كأحدنا
وتكلم معه القوم قال فقال عبد الرحمن الأسدي وكان على شرطة سعيد أتردون
على الأمير مقالته وأغلظ لهم فقال الأشتر من ههنا لا يفوتنكم الرجل فوثبوا عليه
فوطؤوه وطأ شديدا حتى غشى عليه ثم جر برجله فألقى فنضح بماء فأفاق له سعيد
أبك حياة فقال قتلني من انتخبت زعمت للاسلام فقال والله لا يسمر منهم عندي
أحد أبدا فجعلوهم يجلسون في مجالسهم وبيوتهم يشتمون عثمان وسعيدا واجتمع
الناس إليهم حتى كثر من يختلف إليهم فكتب سعيد إلى عثمان يخبره بذلك يقول
إن رهطا من أهل الكوفة سماهم له عشرة يؤلبون ويجتمعون على عيبك وعيبي
والطعن في ديننا وقد خشيت أن ثبت أمرهم أن يكثروا فكتب عثمان إلى سعيد
أن سيرهم إلى معاوية ومعاوية يومئذ على الشأم فسيرهم وهم تسعة نفر إلى معاوية
فيهم مالك الأشتر وثابت بن قيس بن منقع وكميل بن زياد النخعي وصعصعة
ابن صوحان ثم ذكر نحو حديث السري عن شعيب إلا أنه قال فقال صعصعة
فإن اخترقت الجنة أليس يخلص إلينا فقال معاوية إن الجنة لا تخترق فضع أمرا
قريش على أحسن ما يحضرك وزاد فيه أيضا أن معاوية لما عاد إليهم من القابلة
وذكرهم قال فيما يقول وإني والله ما آمركم بشئ إلا قد بدأت فيه بنفسي وأهل
بيتي وخاصتي وقد عرفت قريش أن أبا سفيان كان أكرمها وابن أكرمها إلا ما جعل
الله لنبيه نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم فان الله انتخبه وأكرمه فلم يخلق في أحد
من الأخلاق الصالحة شيئا إلا أصفاه الله بأكرمها وأحسنها ولم يخلق من الأخلاق
السيئة شيئا في أحد إلا أكرمه الله عنها ونزهه وإني لأظن أن أبا سفيان لو ولد
365

الناس لم يلد إلا حازما قال صعصعة كذبت قد ولدهم خير من أبي سفيان من خلقه
الله بيده ونفخ فيه من روحه وأمر الملائكة فسجدوا له فكان فيهم البر والفاجر
والأحمق والكيس فخرج تلك الليلة من عندهم ثم أتاهم القابلة فتحدث عندهم
طويلا ثم قال أيها القوم ردوا علي خيرا أو اسكتوا وتفكروا وانظروا فيما ينفعكم
وينفع أهليكم وينفع عشائركم وينفع جماعة المسلمين فاطلبوه تعيشوا ونعش بكم
فقال صعصعة لست بأهل ذلك ولا كرامة لك أن تطاع في معصية الله فقال أوليس
ما ابتدأتكم به إن أمرتكم بتقوى الله وطاعته وطاعة نبيه صلى الله عليه وسلم
وأن تعتصموا بحبله جميعا ولا تفرقوا قالوا بل أمرت بالفرقة وخلاف ما جاء به
النبي صلى الله عليه وسلم قال فإني آمركم الآن إن كنت فعلت فأتوب إلى الله وآمركم
بتقواه وطاعته وطاعة نبيه صلى الله عليه وسلم ولزوم الجماعة وكراهة الفرقة وأن
توقروا أئمتكم وتدلوهم على كل حسن ما قدرتم ويعظوهم في لين ولطف في شئ
إن كان منهم فقال صعصعة فإنا نأمرك أن تعتزل عملك فإن في المسلمين من هو
أحق به منك قال من هو قال من كان أبوه أحسن قدما من أبيك وهو بنفسه
أحسن قدما منك في الاسلام فقال والله إن لي في الاسلام قدما ولغيري كان
أحسن قدما مني ولكنه ليس في زماني أحد أقوى على ما أنا فيه مني ولقد رأى
ذلك عمر بن الخطاب فلو كان غيري أقوى مني لم يكن لي عند عمر هوادة ولا لغيري
ولم أحدث من الحدث ما ينبغي لي أن أعتزل عملي ولو رأى ذلك أمير المؤمنين
وجماعة المسلمين لكتب إلي بخط يده فاعتزلت عمله ولو قضى الله أن يفعل ذلك
لرجوت أن لا يعزم له على ذلك إلا وهو خير فمهلا فان في ذلك وأشباهه
ما يتمنى الشيطان ويأمر ولعمري لو كانت الأمور تقضى على رأيكم وأمانيكم
ما استقامت الأمور لأهل الاسلام يوما ولا ليلة ولكن الله يقضيها
ويدبرها وهو بالغ أمره فعاودوا الخير وقولوه فقالوا لست لذلك أهلا فقال أما
والله إن لله لسطوات ونقمات وإني لخائف عليكم أن تتابعوا في مطاوعة
الشيطان حتى تحلكم مطاوعة الشيطان ومعصية الرحمن دار الهوان من نقم الله
366

في عاجل الامر والخزي الدائم في الآجل فوثبوا عليه فأخذوا برأسه ولحيته
فقال مه إن هذه ليست بأرض الكوفة والله لو رأى أهل الشأم ما صنعتم بي وأنا
أمامهم ما ملكت أن أنهاهم عنكم حتى يقتلوكم فلعمري إن صنيعكم ليشبه بعضه
بعضا ثم أقام من عندهم فقال والله لا أدخل عليكم مدخلا ما بقيت ثم كتب إلى
عثمان بسم الله الرحمن الرحيم لعبد الله عثمان أمير المؤمنين من معاوية بن أبي سفيان
أما بعد يا أمير المؤمنين فإنك بعثت إلى أقواما يتكلمون بألسنة الشياطين
وما يملون عليكم ويأتون الناس زعموا من قبل القرآن فيشبهون على الناس وليس
كل الناس يعلم ما يريدون وإنما يريدون فرقة ويقربون فتنة قد أثقلهم الاسلام
وأضجرهم وتمكنت رقى الشيطان من قلوبهم فقد أفسدوا كثيرا من الناس ممن
كانوا بين ظهرانيهم من أهل الكوفة ولست آمن إن أقاموا وسط أهل الشأم أن
يغروهم بسحرهم وفجورهم فارددهم إلى مصرهم فلتكن دراهم في مصرهم الذي نجم
فيه نفاقهم والسلام فكتب إليه عثمان يأمره أن يردهم إلى سعيد بن العاص بالكوفة
فردهم إليه فلم يكونوا إلا أطلق السنة منهم حين رجعوا وكتب سعيد إلى عثمان
يضج منه فكتب عثمان إلى سعيد أن سيرهم إلى عبد الرحمن بن خالد بن الوليد
وكان أميرا على حمص وكتب إلى الأشتر وأصحابه أما بعد فاني قد سيرتكم إلى
حمص فإذا أتاكم كتابي هذا فاخرجوا إليها فإنكم لستم تألون الاسلام وأهله
شرا والسلام فلما قرأ الأشتر الكتاب قال اللهم اسوأنا نظرا للرعية وأعملنا فيهم
بالمعصية فعجل له النقمة فكتب بذلك سعيد إلى عثمان وسار الأشتر وأصحابه إلى
حمص فأنزلهم عبد الرحمن بن خالد الساحل وأجرى عليهم رزقا قال محمد بن عمر
حدثني عيسى بن عبد الرحمن عن أبي إسحاق الهمداني قال اجتمع نفر بالكوفة
يطعنون على عثمان من أشراف أهل العراق مالك بن الحارث الأشتر وثابت بن
قيس النخعي وكميل بن زياد النخعي وزيد بن صوحان العبدي وجندب بن زهير
الغامدي وجندب بن كعب الأزدي وعروة بن الجعد وعمرو بن الحمق الخزاعي
فكتب سعيد بن العاص إلى عثمان يخبره بأمرهم فكتب إليه أن سيرهم إلى الشام
367

وألزمهم الدروب
ذكر الخبر عن تسيير عثمان من سير من أهل البصرة إلى الشأم
مما كتب به إلي السري عن شعيب عن سيف عن عطية عن يزيد الفقعسي
قال لما مضى من إمارة بن عامر ثلاث سنين بلغه أن في عبد القيس رجلا نازلا
على حكيم بن جبلة كان حكيم بن جبلة رجلا لصا إذا قفل الجيوش خنس عنهم
فسعى في أرض فارس فيغير على أهل الذمة ويتنكر لهم ويفسد في الأرض
ويصيب ما شاء ثم يرجع فشكاه أهل الذمة وأهل القبلة إلى عثمان فكتب إلى
عبد الله بن عامر أن احبسه ومن كان مثله فلا يخرجن من البصرة حتى تأنسوا منه
رشدا فحبسه فكان لا يستطيع أن يخرج منها فلما قدم ابن السوداء نزل عليه واجتمع
إليه نفر فطرح لهم ابن السوداء ولم يصرح فقبلوا منه واستعظموه وأرسل إليه ابن
عامر فسأله ما أنت فأخبره أنه رجل من أهل الكتاب رغب في الاسلام ورغب
في جوارك فقال ما يبلغني ذلك اخرج عني فخرج حتى أتى الكوفة فأخرج منها
فاستقر بمصر وجعل يكاتبهم ويكاتبونه ويختلف الرجال بينهم (كتب إلي السري)
عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا إن حمران بن أبان تزوج امرأة في
عدتها فنكل به عثمان وفرق بينهما وسيره إلى البصرة فلزم ابن عامر فتذاكروا
يوما الركوب والمرور بعامر بن عبد قيس وكان منقبضا عن الناس فقال حمران
ألا أسبقكم فأخبره فخرج فدخل عليه وهو يقرأ في المصحف فقال الأمير أراد
أن يمر بك فأحببت أن أخبرك فلم يقطع قراءته ولم يقبل عليه فقام من عنده
خارجا فلما انتهى إلى الباب لقيه ابن عامر فقال جئتك من عند امرئ لا يرى لآل
إبراهيم عليه فضلا واستأذن ابن عامر فدخل عليه وجلس إليه فأطبق عامر المصحف
وحدثه ساعة فقال له ابن عامر ألا تغشانا فقال سعد بن أبي العرجاء يحب الشرف
فقال ألا نستعملك فقال حصين بن أبي الحر يحب العمل فقال ألا نزوجك فقال ربعية بن
عسل يعجبه النساء قال إن هذا يزعم أنك لا ترى لآل إبراهيم عليك فضلا فصفح
المصحف فكان أول ما وقع عليه وأفتتح منه إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم
368

وآل عمران على العاملين فلما رد حمران تتبع ذلك منه فسعى به وشهد له أقوام فسيره
إلى الشام فلما علموا علمه أذنوا له فأبى ولزم الشام (كتب إلي السري) عن شعيب
عن سيف عن محمد وطلحة أن عثمان سير حمزان بن أبان أن تزوج امرأة في عدتها
وفرق بينهما وضربه وسيره إلى البصرة فلما أتى عليه ما شاء الله وأتاه عنه الذي
يحب أذن له فقدم عليه المدينة وقدم معه قوم سعوا بعامر بن عبد قيس أنه لا يرى
التزويج ولا يأكل اللحم ولا يشهد الجمعة وكان مع عامر انقباض وكان عمله كله
خفية فكتب إلى عبد الله بن عامر بذلك فألحقه بمعاوية فلما قدم عليه وافقه وعنده
ثريدة فأكل أكلا غريبا فعرف أن الرجل مكذوب عليه فقال يا هذا هل تدرى
فيما أخرجت قال لا قال أبلغ الخليفة أنك لا تأكل اللحم ورأيتك وعرفت أن قد
كذب عليك وأنك لا ترى التزويج ولا تشهد الجمعة قال أما الجمعة فإني أشهدها في
مؤخر المسجد ثم أرجع في أوائل الناس وأما التزويج فإني خرجت وأنا يخطب
على وأما اللحم فقد رأيت ولكني كنت امرأ لا آكل ذبائح القصابين منذ رأيت
قصابا يجر شاة إلى مذبحها ثم وضع السكين على مذبحها فما زال يقول النفاق النفاق حتى
وجبت قال فارجع قال لا أرجع إلى بلد استحل أهله مني ما استحلوا ولكني أقيم
بهذا البلد الذي اختاره الله لي وكان يكون في السواحل وكان يلقى معاوية فيكثر
معاوية أن يقول حاجتك فيقول لا حاجة لي فلما أكثر عليه قال ترد على من حر
البصرة لعل الصوم أن يشتد على شيئا فإنه يخف علي في بلادكم (كتب إلي السري)
عن شعيب عن سيف عن أبي حارثة وأبي عثمان قالا لما قدم مسيرة أهل الكوفة على
معاوية أنزلهم دارا ثم خلا بهم فقال لهم وقالوا له فلما فرغوا قال لم تؤتوا إلا من الحمق
والله ما أرى منطقا سديدا ولا عذرا مبينا ولا حلما ولا قوة وإنك يا صعصعة لأحمقهم
اصنعوا وقولوا ما شئتم ما لم تدعوا شيئا من أمر الله فإن كل شئ يحتمل لكم إلا
معصيته فأما فيما بيننا وبينكم فأنتم أمراء أنفسكم فرآهم بعوهم يشهدون الصلاة
ويقفون مع قاص الجماعة فدخل عليهم يوما وبعضهم يقرئ بعضا فقال إن في هذا
لخلفا مما قدمتم به على من النزاع إلى أمر الجاهلية اذهبوا حيث شئتم واعلموا أنكم
369

إن لزمتم جماعتكم سعدتم بذلك دونهم وإن لم تلزموها شقيتم بذلك دونهم ولم
تضروا أحدا فجزوه خيرا وأثنوا عليه فقال يا ابن الكواء أي رجل أنا قال بعيد
الثرى كثير المرعى طيب البديهة بعيد الغور الغالب عليك الحلم ركن من أركان الاسلام
سدت بك فرجة مخوفة قال فأخبرني عن أهل الاحداث من أهل الأمصار فإنك
أعقل أصحابك قال كاتبتهم وكاتبوني وأنكروني وعرفتهم فأما أهل الاحداث من
أهل المدينة فهم أحرص الأمة على الشر وأعجزه عنه وأما أهل الاحداث من أهل
الكوفة فإنهم أنظر الناس في صغير وأركبه لكبير وأما أهل الاحداث من أهل
البصرة فإنهم يردون جميعا ويصدرون شتى وأما أهل الاحداث من أهل مصرفهم
أوفى الناس بشر وأسرعه ندامة وأما أهل الاحداث من أهل الشأم فأطوع الناس
لمرشدهم وأعصاه لمغويهم (وحج) بالناس في هذه السنة عثمان (وزعم) أبو معشر
أن فتح قبرس كان في هذه السنة وقد ذكرت من خالفه في ذلك
ثم دخلت سنة أربع وثلاثين
ذكر ما كان فيها من الاحداث المذكورة
فزعم أبو معشر أن غزوة الصواري كانت فيها حدثني بذلك أحمد عمن حدثه
عن إسحاق عنه وقد مضى الخبر عن هذه الغزوة وذكر من خالف أبا معشر
في وقتها (وفيها) كان رد أهل الكوفة سعيد بن العاص عن الكوفة (وفي هذه
السنة) تكاتب المنحرفون عن عثمان بن عفان للاجتماع لمناظرته فيما كانوا
يذكرون أنهم نقموا عليه
ذكر الخبر عن صفة اجتماعهم لذلك وخبر الجرعة
(مما كتب إلي به السري) عن شعيب عن سيف عن المستنير بن يزيد عن
قيس بن يزيد النخعي قال لما رجع معاوية المسيرين قالوا إن العراق والشأم ليسا
لنا بدار فعليكم بالجزيرة فأتوها اختيارا فغدا عليهم عبد الرحمن بن خالد فسامهم
الشدة فضرعوا له وتابعوه وسرح الأشتر إلى عثمان فدعا به وقال اذهب حيث
شئت فقال أرجع إلى عبد الرحمن فرجع ووفد سعيد بن العاص إلى عثمان
370

في سنة إحدى عشرة من إمارة عثمان وقبل مخرج سعيد بن العاص من الكوفة
بسنة وبعض أخرى بعث الأشعث بن قيس على آذربيجان وسعيد بن قيس على
الري وكان سعيد بن قيس على همذان فعزل وجعل عليها النسير العجلي وعلى
أصبهان السائب بن الأقرع وعلى ماه مالك بن حبيب اليربوعي وعلى الموصل
حكيم بن سلامة الحزامي وجرير بن عبد الله على قرقيسياء وسلمان بن ربيعة على الباب
وعلى الحرب القعقاع بن عمرو وعلى حلوان عتيبة بن النهاس وخلت الكوفة من
الرؤساء إلا منزوع أو مفتون فخرج يزيد بن قيس وهو يريد خلع عثمان فدخل
المسجد فجلس فيه وثاب إليه الذين كان فيه ابن السوداء يكاتبهم فانقض عليه القعقاع
فأخذ يزيد بن قيس فقال انما نستعفي من سعيد قال هذا ما لا يعرض لكم فيه لا تجلس
لهذا ولا يجتمعن إليك واطلب حاجتك فلعمري لتعطينها فرجع إلى بيته واستأجر
رجلا وأعطاه دراهم وبغلا على أن يأتي المسيرين وكتب إليهم لا تضعوا كتابي من
أيديكم حتى تجيؤا فان أهل المصر قد جامعونا فانطلق الرجل فأتى عليهم وقد رجع
الأشتر فدفع إليهم الكتاب فقالوا ما اسمك قال بغثر قالوا ممن قال من كلب قالوا
سبع ذليل يبغثر النفوس لا حاجة لنا بك وخالفهم الأشتر ورجع عاصيا فلما
خرج قال أصحابه أخرجنا أخرجه الله لا نجد بدا مما صنع إن علم بنا عبد الرحمن لم
يصدقنا ولم يستقلها فاتبعوه فلم يلحقوه وبلغ عبد الرحمن أنهم قد رحلوا فطلبهم
في السواد فسار الأشتر سبعا والقوم عشرا فلم يفجإ الناس في يوم جمعة إلا والأشتر
على باب المسجد يقول أيها الناس إني قد جئتكم من عند أمير المؤمنين عثمان
وتركت سعيدا يريده على نقصان نسائكم إلى مائة درهم ورد أهل البلاء منكم إلى
ألفين ويقول ما بال أشراف النساء وهذه العلاوة بين هذين العدلين ويزعم أن
فيأكم بستان قريش وقد سايرته مرحلة فما زال يزجر بذلك حتى فارقته يقول
ويل لأشراف النساء مني * صمحمح كأنني من جن
فاستخف الناس وجعل أهل الحجى ينهونه فلا يسمع منهم وكانت نفجة فخرج
يزيد وأمر مناديا ينادي من شاء أن يلحق بيزيد بن قيس لرد سعيد وطلب أمير
371

غيره فليفعل وبقى حلماء الناس وأشرافهم ووجوههم في المسجد وذهب من سواهم
وعمرو بن حريث يومئذ الخليفة فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال اذكروا
نعمه الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا بعد أن
كنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها فلا تعودوا في شر قد استنقذكم الله عز وجل
منه أبعد الاسلام وهديه وسنته لا تعرفون حقا ولا تصيبون بابه فقال القعقاع
ابن عمر وأترد السيل عن عبابه فاردد الفرات عن أدراجه هيهات لا والله لا تسكن
الغوغاء إلا المشرفية ويوشك أن تنتضى ثم يعجون عجيج العتدان ويتمنون ما هم
فيه فلا يرده الله أبدا فاصبر فقال أصبر وتحول إلى منزله وخرج يزيد بن
قيس حتى نزل الجرعة ومعه الأشتر وقد كان سعيد تلبث في الطريق فطلع عليهم سعيد
وهم مقيمون له معسكرون فقالوا لا حاجة لنا بك فقال فما اختلفتم الآن إنما كان يكفيكم
أن تبعثوا إلى أمير المؤمنين رجلا وتضعوا إلى رجلا وهل يخرج الألف لهم عقول إلى
رجل ثم انصرف عنهم وتحسوا بمولى له على بعير قد حسر فقال والله ما كان ينبغي
لسعيد أن يرجع فضرب الأشتر عنقه ومضى سعيد حتى قدم على عثمان فأخبره الخبر فقال
ما يريدون أخلعوا يدا من طاعة قال أظهروا أنهم يريدون البدل قال فمن يريدون قال
أبا موسى قال قد أثبتنا أبا موسى عليهم ووالله لا نجعل لاحد عذرا ولا نترك
لهم حجة ولنصبرن كما أمرنا حتى نبلغ ما يريدون ورجع من قرب عمله من الكوفة
ورجع جرير من قرقيسياء وعتيبة من حلوان وقام أبو موسى فتكلم بالكوفة
فقال أيها الناس لا تنفروا في مثل هذا ولا تعودوا لمثله الزموا جماعتكم والطاعة
وإياكم والعجلة اصبروا فكأنكم بأمير قالوا فصل بنا قال لا إلا على السمع والطاعة
لعثمان بن عفان قالوا على السمع والطاعة لعثمان * حدثني جعفر بن عبد الله
المحمدي قال حدثنا عمرو بن حماد بن طلحة وعلي بن حسين بن عبسي قالا حدثنا
حسين بن عيسى عن أبيه عن هارون بن سعد عن العلاء بن عبد الله بن زيد العنبري
أنه قال اجتمع ناس من المسلمين فتذاكروا أعمال عثمان وما صنع فاجتمع رأيهم
على أن يبعثوا إليه رجلا يكلمه ويخبره بأحداثه فأرسلوا إليه عامر بن عبد الله
372

التميمي ثم العنبري وهو الذي يدعى عامر بن عبد قيس فأتاه فدخل عليه فقال له
إن ناسا من المسلمين اجتمعوا فنظروا في أعمالك فوجدوك قد ركبت أمورا عظاما
فاتق الله عز وجل وتب إليه وانزع عنها قال له عثمان انظر إلى هذا فإن الناس
يزعمون أنه قارئ ثم هو يجئ فيكلمني في المحقرات فوالله ما يدري أين الله قال
عامر أنا لا أدرى أين الله قال نعم والله ما تدري أين الله قال عامر بلى والله إني
لأدرى أن الله بالمرصاد لك فأرسل عثمان إلى معاوية بن أبي سفيان وإلى عبد الله
ابن سعد بن أبي سرح وإلى سعيد بن العاص وإلى عمرو بن العاص بن وائل السهمي
وإلى عبد الله بن عامر فجمعهم ليشاورهم في أمره وما طلب إليه وما بلغه عنهم
فلما اجتمعوا عنده قال لهم إن لكل امرئ وزراء ونصحاء وإنكم وزرائي ونصحائي
وأهل ثقتي وقد صنع الناس ما قد رأيتم وطلبوا إلى أن أعزل عمالي وأن
أرجع عن جميع ما يكرهون إلى ما يحبون فاجتهدوا رأيكم وأشيروا علي فقال
له عبد الله بن عامر رأيي لك يا أمير المؤمنين أن تأمرهم بجهاد يشغلهم عنك وأن
تجمرهم في المغازي حتى يذلوا لك فلا يكون همة أحدهم إلا نفسه وما هو فيه
من دبرة دابته وقمل فروه ثم أقبل عثمان على سعيد بن العاص فقال له ما رأيك
قال يا أمير المؤمنين ان كنت تريد رأينا فاحسم عنك الداء واقطع عنك الذي تخاف
واعمل برأيي تصب قال وما هو قال إن لكل قوم قادة متى تهلك يتفرقوا ولا
يجتمع لهم أمر فقال عثمان ان هذا الرأي لولا ما فيه ثم أقبل على معاوية فقال ما رأيك
قال أرى لك يا أمير المؤمنين ان ترد عمالك على الكفاية لما قبلهم وأنا ضامن لك
قبلي ثم أقبل على عبد الله بن سعد فقال ما رأيك قال أرى يا أمير المؤمنين ان الناس أهل
طمع فأعطهم من هذا المال تعطف عليك قلوبهم ثم أقبل على عمرو بن العاص
فقال له ما رأيك قال أرى انك قد ركبت الناس بما يكرهون فاعتزم أن تعتدل فإن أبيت
فاعتزم أن تعتزل فإن أبيت فاعتزم عزما وامض قدما فقال عثمان مالك قمل فروك
أهذا الجد منك فأسكت عنه دهرا حتى إذا تفرق القوم قال عمرو لا والله
يا أمير المؤمنين لانت أعز علي من ذلك ولكن قد علمت أن سيبلغ الناس قول كل
373

رجل منا فأردت أن يبلغهم قولي فيثقوا بي فأقود إليك خيرا أو أدفع عنك شرا
* حدثني جعفر قال حدثنا عمرو بن حماد وعلي بن حسين قالا حدثنا حسين عن أبيه عن
عمرو بن أبي المقدام عن عبد الملك بن عمير الزهري أنه قال جمع عثمان أمراء الأجناد
معاوية بن أبي سفيان وسعيد بن العاص وعبد الله بن عامر وعبد الله بن سعد
ابن أبي سرح وعمرو بن العاص فقال أشيروا علي فإن الناس قد تنمروا لي فقال له
معاوية أشير عليك أن تأمر أمراء أجنادك فيكفيك كل رجل منهم ما قبله وأكفيك
أنا أهل الشأم فقال له عبد الله بن عامر أرى لك أن تجمرهم في هذه البعوث حتى
يهم كل رجل منهم دبر دابته وتشغلهم عن الارجاف بك فقال عبد الله بن سعد
أشير عليك أن تنظر ما أسخطهم فترضيهم ثم تخرج لهم هذا المال فيقسم بينهم ثم
قام عمرو بن العاص فقال يا عثمان إنك قد ركبت الناس بمثل بني أمية فقلت وقالوا
وزغت وزاغوا فاعتدل أو اعتزل فإن أبيت فاعتزم عزما وامضى قدما فقال له
عثمان مالك قمل فروك أهذا الجد منك فأسكت عمرو حتى إذا تفرقوا قال لا والله
يا أمير المؤمنين لانت أكرم على من ذلك ولكني قد علمت أن بالباب قوما قد
علموا أنك جمعتنا لنشير عليك فأحببت أن يبلغهم قولي فأقود لك خيرا أو أدفع
عنك شرا فرد عثمان عماله على أعمالهم وأمرهم بالتضييق على من قبلهم وأمرهم
بتجمير الناس في البعوث وعزم على تحريم أعطياتهم ليطيعوه ويحتاجوا إليه ورد
سعيد بن العاص أميرا على الكوفة فخرج أهل الكوفة عليه بالسلاح فتلقوه
فردوه وقالوا لا والله لا يلي علينا حكما ما حملنا سيوفنا * حدثني جعفر قال حدثنا
عمرو وعلي بن حسين عن أبيه عن هارون بن سعد عن أبي يحيى عمير بن سعد
النخعي أنه قال كأني أنظر إلى الأشتر مالك بن الحارث النخعي على وجهه الغبار
وهو متقلد السيف وهو يقول والله لا يدخلها علينا ما حملنا سيوفنا يعني سعيدا وذلك
يوم الجرعة والجرعة مكان مشرف قرب القادسية وهناك يلقاه أهل الكوفة
* حدثني جعفر قال حدثنا عمرو وعلي قالا حدثنا حسين عن أبيه عن هارون
ابن سعد عن عمرو بن مرة الجملي عن أبي البختري الطائي عن أبي ثور الحدائي
374

وحداء حي من مراد أنه قال دفعت إلى حذيفة بن اليمان وأبي مسعود عقبة
ابن عمرو الأنصاري وهما في مسجد الكوفة يوم الجرعة حيث صنع الناس
بسعيد بن العاص ما صنعوا وأبو مسعود يعظم ذلك ويقول ما أرى أن ترد على
عقبيها حتى يكون فيها دماء فقال حذيفة والله لتردن على عقبيها ولا يكون فيها
محجمة من دم وما أعلم منها اليوم شيئا إلا وقد علمته ومحمد صلى الله عليه وآله
وسلم حي وإن الرجل ليصبح على الاسلام ثم يمسى وما معه منه شئ ثم يقاتل
أهل القبلة ويقتله الله غدا فينكص قلبه فتعلوه استه فقلت لأبي ثور فلعله قد كان
قال لا والله ما كان فلما رجع سعيد بن العاص إلى عثمان مطرودا أرسل أبا موسى
أميرا على الكوفة فأقروه عليها (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن
يحيى بن مسلم عن واقد بن عبد الله عن عبد الله بن عمير الأشجعي قال قام في المسجد
في الفتنة فقال أيها الناس اسكتوا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من
خرج وعلى الناس إمام والله ما قال عادل ليشق عصاهم ويفرق جماعتهم فاقتلوه
كائنا من كان (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا لما
استعوى يزيد بن قيس الناس على سعيد بن العاص خرج منه ذكر لعثمان فأقبل
إليه القعقاع بن عمرو حتى أخذه فقال ما تريد ألك علينا في أن نستعفي سبيل
قال لا فهل إلا ذلك قال لا قال فاستعف واستجلب يزيد أصحابه من
حيث كانوا فردوا سعيدا وطلبوا أبا موسى فكتب إليهم عثمان بسم الله
الرحمن الرحيم أما بعد فقد أمرت عليكم من اخترتم وأعفيتكم من سعيد
والله لأفرشنكم عرضي ولأبذلن لكم صبري ولأستصلحنكم بجهدي فلا
تدعوا شيئا أحببتموه لا يعصى الله فيه إلا سألتموه ولا شيئا كرهتموه لا يعصى
الله فيه إلا استعفيتم منه أنزل فيه عندما أحببتم حتى لا يكون لكم على حجة
وكتب بمثل ذلك في الأمصار فقدمت إمارة أبي موسى وغزو حذيفة وتأمر أبو موسى
ورجع العمال إلى أعمالهم ومضى حذيفة إلى الباب (وأما الواقدي) فإنه زعم أن
عبد الله بن محمد حدثه عن أبيه قال لما كانت سنة 34 كتب أصحاب رسول الله
375

صلى الله عليه وسلم بعضهم إلى بعض أن اقدموا فإن كنتم تريدون الجهاد فعندنا
الجهاد وكثر الناس على عثمان ونالوا منه أقبح ما نيل من أحد وأصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم يرون ويسمعون ليس فيهم أحد ينهى ولا يذب إلا نفير زيد
ابن ثابت وأبو أسيد الساعدي وكعب بن مالك وحسان بن ثابت فاجتمع الناس
وكلموا علي بن أبي طالب فدخل على عثمان فقال الناس ورائي وقد كلموني فيك والله
ما أدري ما أقول لك وما أعرف شيئا تجهله ولا أدلك على أمر لا تعرفه إنك
لتعلم ما نعلم ما سبقناك إلى شئ فنخبرك عنه ولا خلونا بشئ فنبلغكه وما خصصنا
بأمر دونك وقد رأيت وسمعت وصحبت رسول الله صلى الله عليه وآله
ونلت صهره وما ابن أبي قحافة بأولى بعمل الحق منك ولا ابن الخطاب بأولى
بشئ من الخير منك وإنك أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
رحما ولقد نلت من صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم ينالا ولا سبقاك
إلى شئ فالله الله في نفسك فإنك والله ما تبصر من عمى ولا تعلم من جهل وإن الطريق
لواضح بين وإن أعلام الدين لقائمة تعلم يا عثمان أن أفضل عباد الله عند الله إمام عادل
هدى وهدى فأقام سنة معلومة وأمات بدعة متروكة فوالله إن كلا لبين وان السنن
لقائمة لها أعلام وإن البدع لقائمة لها أعلام وان شر الناس عند الله امام جائر ضل
وضل به فأمات سنة معلومة وأحيا بدعة متروكة وإني سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول يؤتي يوم القيامة بالامام الجائر وليس معه نصير ولا عاذر فيلقى
في جهنم فيدور في جهنم كما تدور الرحى ثم يرتطم في غمرة جهنم وإني أحذرك الله
وأحذرك سطوته ونقماته فان عذابه شديد أليم وأحذرك أن تكون إمام هذه
الأمة المقتول فإنه يقال يقتل في هذه الأمة امام فيفتح عليها القتل والقتال إلى يوم
القيامة وتلبس أمورها عليها ويتركهم شيعا فلا يبصرون الحق لعلو الباطل يموجون
فيها موجا ويمرجون فيها مرجا فقال عثمان قد والله علمت ليقولن الذي قلت أما
والله لو كنت مكاني ما عنفتك ولا أسلمتك ولا عبت عليك ولا جئت منكرا أن
وصلت رحما وسددت خلة وآويت ضائعا ووليت شبيها بمن كان عمر يولي أنشدك
376

الله يا علي هل تعلم أن المغيرة بن شعبة ليس هناك قال نعم قال فتعلم أن عمر ولاه قال
نعم قال فلم تلومني أن وليت ابن عامر في رحمه وقرابته قال علي سأخبرك أن عمر
ابن الخطاب كان كل من ولى فإنما يطأ على صماخه ان بلغه عنه حرف جلبه ثم بلغ
به أقصى الغاية وأنت لا تفعل ضعفت ورفقت على أقربائك قال عثمان هم أقرباؤك
أيضا فقال علي لعمري إن رحمهم مني لقريبة ولكن الفضل في غيرهم قال عثمان
هل تعلم أن عمر ولى معاوية خلافته كلها فقد وليته فقال علي أنشدك الله هل تعلم
أن معاوية كان أخوف من عمر من يرفأ غلام عمر منه قال نعم قال علي فان معاوية
يقتطع الأمور دونك وأنت تعلمها فيقول للناس هذا أمر عثمان فيبلغك ولا تغير
على معاوية ثم خرج علي من عنده وخرج عثمان على أثره فجلس على المنبر فقال
أما بعد فإن لكل شئ آفة ولكل أمر عاهة وإن آفة هذه الأمة وعاهة هذه النعمة
عيابون طعانون يرونكم ما تحبون ويسرون ما تكرهون يقولون لكم ويقولون
أمثال النعام يتبعون أول ناعق أحب مواردها إليها البعيد لا يشربون إلا نغصا
ولا يردون إلا عكرا لا يقوم لهم رائد وقد أعيتهم الأمور وتعذرت عليهم المكاسب
ألا فقد والله عبتم علي بما أقررتم لابن الخطاب بمثله ولكنه وطئكم برجله وضربكم
بيده وقمعكم بلسانه فدنتم له على ما أحببتم أو كرهتم ولنت لكم وأوطأت لكم كتفي
وكففت يدي ولساني عنكم فاجترأتم علي أما والله لأنا أعز نفرا وأقرب ناصرا
وأكثر عددا وأقمن إن قلت هلم أتى إلي ولقد أعددت لكم أقرانكم وأفضلت
عليكم فضولا وكشرت لكم عن نابي وأخرجتم مني خلقا لم أكن أحسنه ومنطقا
لم أنطق به فكفوا عليكم ألسنتكم وطعنكم وعيبكم على ولاتكم فإني قد كففت
عنكم من لو كان هو الذي يكلمكم لرضيتم منه بدون منطقي هذا ألا فما تفقدون
من حقكم والله ما قصرت في بلوغ ما كان يبلغ من كان قبلي ومن لم تكونوا تختلفون
عليه فضل فضلي من مال فمال لا أصنع في الفضل ما أريد فلم كنت إماما فقام مروان
ابن الحكم فقال إن شئتم حكمنا والله بيننا وبينكم السيف نحن والله وأنتم كما قال الشاعر
فرشنا لكم أعراضنا فنبت بكم * معارسكم تبنون في دمن الثرى
377

فقال عثمان اسكت لأسكت دعني وأصحابي ما منطقك في هذا ألم أتقدم إليك
ألا تنطق فسكت مروان ونزل عثمان (وفي هذه السنة) مات أبو عبس بن جبر
بالمدينة وهو بدري ومات أيضا مسطح بن أثاثة وعاقل بن أبي البكير من بني سعد
ابن ليث حليف لبني عدي وهما بدريان (وحج) بالناس في هذه السنة عثمان
ابن عفان رضي الله عنه
ثم دخلت سنة خمس وثلاثين
ذكر ما كان فيها من الاحداث
فمما كان فيها من ذلك نزول أهل مصر ذا خشب حدثني بذلك أحمد بن ثابت
عمن حدثه عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر قال كان ذو خشب سنة 35 وكذلك
قال الواقدي
ذكر مسير من سار إلى ذي خشب من أهل مصر
وسبب مسير من سار إلى ذي المروة من أهل العراق
فيما كتب به إلى السري عن شعيب عن سيف عن عطية عن يزيد الفقعسي قال كان
عبد الله بن سبأ يهوديا من أهل صنعاء أمه سوداء فأسلم زمان عثمان ثم تنقل في
بلدان المسلمين يحاول ضلالتهم فبدأ بالحجاز ثم البصرة ثم الكوفة ثم الشأم فلم يقدر
على ما يريد عند أحد من أهل الشأم فأخرجوه حتى أتى مصر فاعتمر فيهم فقال لهم
فيما يقول لعجب ممن يزعم أن عيسى يرجع ويكذب بأن محمدا يرجع وقد قال الله عز
وجل (إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد) فمحمد أحق بالرجوع
من عيسى قال فقبل ذلك عنه ووضع لهم الرجعة فتكلموا فيها ثم قال لهم بعد ذلك
إنه كان ألف نبي ولكل نبي وصى وكان علي وصي محمد ثم قال محمد خاتم الأنبياء
وعلي خاتم الأوصياء ثم قال بعد ذلك من أظلم ممن لم يجز وصية رسول الله صلى الله
عليه وسلم ووثب علي وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتناول أمر الأمة ثم
قال لهم بعد ذلك إن عثمان أخذها بغير حق وهذا وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم
378

فانهضوا في هذا الامر فحركوه وابدأوا بالطعن على أمرائكم وأظهروا الامر
بالمعروف والنهي عن المنكر تستميلوا الناس وادعوهم إلى هذا الامر فبث دعاته
وكاتب من كان استفسد في الأمصار وكاتبوه ودعوا في السر إلى ما عليه رأيهم
وأظهروا الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وجعلوا يكتبون إلى الأمصار بكتب
يضعونها في عيوب ولاتهم ويكاتبهم إخوانهم بمثل ذلك ويكتب أهل كل مصر
منهم إلى مصر آخر بما يصنعون فيقرأه أولئك في أمصارهم وهؤلاء في
أمصارهم حتى تناولوا بذلك المدينة وأوسعوا الأرض إذاعة وهم يريدون غير
ما يظهرون ويسرون غير ما يبدون فيقول أهل كل مصر إنا لفي عافية مما ابتلى به
هؤلاء إلا أهل المدينة فإنهم جاءهم ذلك عن جميع الأمصار فقالوا إنا لفي عافية
مما فيه الناس وجامعه محمد وطلحة من هذا المكان قالوا فأتوا عثمان فقالوا
يا أمير المؤمنين أيأتيك عن الناس الذي يأتينا قال لا والله ما جاءني إلا السلامة
قالوا فانا قد أتانا وأخبروه بالذي أسقطوا إليهم قال فأنتم شركائي وشهود المؤمنين
فأشيروا علي قالوا نشير عليك أن تبعث رجالا ممن تثق بهم إلى الأمصار حتى
يرجعوا إليك بأخبارهم فدعا محمد بن مسلمة فأرسله إلى الكوفة وأرسل أسامة بن
زيد إلى البصرة وأرسل عمار بن ياسر إلى مصر وأرسل عبد الله بن عمر إلى الشأم
وفرق رجالا سواهم فرجعوا جميعا قبل عمار فقالوا أيها الناس ما أنكرنا شيئا
ولا أنكره أعلام المسلمين ولا عوامهم وقالوا جميعا الامر أمر المسلمين إلا أن
أمراءهم يقسطون بينهم ويقومون عليهم واستبطأ الناس عمارا حتى ظنوا أنه قد
اغتيل فلم يفجأهم إلا كتاب من عبد الله بن سعد بن أبي سرح يخبرهم أن عمارا
قد استماله قوم بمصر وقد انقطعوا إليه منهم عبد الله بن السوداء وخالد بن ملجم
وسودان بن حمران وكنانة بن بشر (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف
عن محمد وطلحة وعطية قالوا كتب عثمان إلى أهل الأمصار أما بعد فإني آخذ العمال
بموافاتي في كل موسم وقد سلطت الأمة منذ وليت على الامر بالمعروف والنهي
عن المنكر فلا يرفع على شئ ولا على أحد من عمالي إلا أعطيته وليس لي ولعيالي
379

حق قبل الرعية إلا متروك لهم وقد رفع إلى أهل المدينة أن أقواما يشتمون وآخرون
يضربون فيا من ضرب سرا وشتم سرا من ادعى شيئا من ذلك فليواف الموسم
فليأخذ بحقه حيث كان مني أو من عمالي أو تصدقوا فإن الله يجزي المتصدقين فلما
قرئ في الأمصار أبكى الناس ودعوا لعثمان وقالوا إن الأمة لتمخض بشر وبعث
إلى عمال الأمصار فقدموا عليه عبد الله بن عامر ومعاوية وعبد الله بن سعد وأدخل
معهم في المشورة سعيدا وعمرا فقال ويحكم ما هذه الشكاية وما هذه الإذاعة إني
والله لخائف أن تكونوا مصدوقا عليكم وما يعصب هذا الا بي فقالوا له ألم تبعث
ألم نرجع إليك الخبر عن القوم ألم يرجعوا ولم يشافههم أحد بشئ لا والله ما صدقوا
ولا بروا ولا نعلم لهذا الامر أصلا وما كنت لتأخذ به أحدا فيقيمك على شئ
وما هي إلا إذاعة لا يحل الاخذ بها ولا الانتهاء إليها قال فأشيروا علي فقال سعيد
ابن العاص هذا أمر مصنوع يصنع في السر فيلقى به غير ذي المعرفة فيخبر به فيتحدث به
في مجالسهم قال فما دواء ذلك قال طلب هؤلاء القوم ثم قتل هؤلاء الذين يخرج
هذا من عندهم وقال عبد الله بن سعد خذ من الناس الذي عليهم إذا أعطيتهم
الذي لهم فإنه خير من أن تدعهم قال معاوية قد وليتني فوليت قوما لا يأتيك عنهم
إلا الخير والرجلان أعلم بناحيتيهما قال فما الرأي قال حسن الأدب قال فما
ترى يا عمر وقال أرى أنك قد لنت لهم وتراخيت عنهم وزدتهم على ما كان يصنع
عمر فأرى أن تلزم طريقة صاحبيك فتشتد في موضع الشدة وتلين في موضع اللين ان
الشدة تنبغي لمن لا يألو الناس سرا واللين لمن يخلف الناس بالنصح وقد فرشتهما جميعا
اللين وقام عثمان فحمد الله وأثنى عليه وقال كل ما أشرتم به على قد سمعت ولكل أمر
باب يؤتى منه إن هذا الامر الذي يخاف على هذه الأمة كائن وإن بابه الذي يغلق عليه
فيكفكف به اللين والمؤاتاة والمتابعة إلا في حدود الله تعالى ذكره التي لا يستطيع أحد
أن يبادي بعيب أحدها فإن سده شئ فرفق فذاك والله ليفتحن وليست لاحد على حجة
حق وقد علم الله أنى لم آل الناس خيرا ولا نفسي ووالله إن رحى الفتنة لدائرة فطوبى
لعثمان إن مات ولم يحركها كفكفوا الناس وهبوا لهم حقوقهم واغتفروا لهم وإذا
380

تعوطيت حقوق الله فلا تدهنوا فيها فلما نفر عثمان أشخص معاوية وعبد الله بن
سعد إلى المدينة ورجع ابن عامر وسعيد معه ولما استقل عثمان رجز الحادي
قد علمت ضوامر المطي * وضمرات عوج القسي
أن الأمير بعده علي * وفي الزبير خلف رضى
وطلحة الحامي لها ولى
فقال كعب وهو يسير خلف عثمان الأمير والله بعده صاحب البغلة وأشار
إلى معاوية (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن بدر بن الخليل بن عثمان
ابن قطبة الأسدي عن رجل من بني أسد قال ما زال معاوية يطمع فيها بعد مقدمه
على عثمان حين جمعهم فاجتمعوا إليه بالموسم ثم ارتحل فحدا به الراجز
إن الأمير بعده علي * وفي الزبير خلف رضي
قال كعب كذبت صاحب الشهباء بعده يعني معاوية فأخبر معاوية فسأله عن
الذي بلغه قال نعم أنت الأمير بعده ولكنها والله لا تصل إليك حتى تكذب بحديثي
هذا فوقعت في نفس معاوية * وشاركهم في هذا المكان أبو حارثة وأبو عثمان
عن رجاء بن حياة وغيره قالوا فلما ورد عثمان المدينة رد الامراء إلى أعمالهم
فمضوا جميعا وأقام سعد بعدهم فلما ودع معاوية عثمان خرج من عنده وعليه ثياب
السفر متقلدا سيفه متنكبا قوسه فإذا هو بنفر من المهاجرين فيهم طلحة والزبير
وعلي فقام عليهم فتوكأ على قوسه بعد ما سلم عليهم ثم قال إنكم قد علمتم أن هذا
الامر كان إذا الناس يتغالبون إلى رجال فلم يكن منكم أحد إلا وفي فصيلته من
يرأسه ويستبد عليه ويقطع الامر دونه ولا يشهده ولا يؤامره حتى بعث الله جل
وعز نبيه صلى الله عليه وسلم وأكرم به من اتبعه فكانوا يرأسون من جاء من
بعده وأمرهم شورى بينهم يتفاضلون بالسابقة والقدمة والاجتهاد فإن أخذوا
بذلك وقاموا عليه كان الامر أمرهم والناس تبع لهم وإن أصغوا إلى الدنيا وطلبوها
بالتغالب سلبوا ذلك ورده الله إلى من كان يرأسهم وإلا فليحذروا الغير فإن الله
على البدل قادر وله المشيئة في ملكه وأمره إني قد خلفت فيكم شيخا فاستوصوا به
381

خيرا وكانفوه تكونوا أسعد منه بذلك ثم ودعهم ومضى فقال علي ما كنت أرى
أن في هذا خيرا فقال الزبير لا والله ما كان قط أعظم في صدرك وصدورنا منه الغداة
* حدثني عبد الله بن أحمد بن شبويه قال حدثني أبي قال حدثني عبد الله عن إسحاق
ابن يحيى عن موسى بن طلحة قال أرسل عثمان إلى طلحة يدعوه فخرجت معه حتى
دخل على عثمان وإذ علي وسعد والزبير وعثمان ومعاوية فحمد الله معاوية وأثنى
عليه بما هو أهله ثم قال أنتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخيرته في الأرض
وولاة أمر هذه الأمة لا يطمع في ذلك أحد غيركم اخترتم صاحبكم عن غير غلبة
ولا طمع وقد كبرت سنه وولى عمره ولو انتظرتم به الهرم كان قريبا مع اني
أرجوا أن يكون أكرم على الله أن يبلغ به ذلك وقد فشت قالة خفتها عليكم فما عتبتم
فيه من شئ فهذه يدي لكم به ولا تطمعوا الناس في أمركم فوالله لئن طمعوا
في ذلك لا رأيتم فيها أبدا الا إدبار قال علي ومالك وذلك وما أدراك لا أم لك قال
دع أمي مكانها ليست بشر أمهاتكم قد أسلمت وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم
وأجبني فيما أقول لك فقال عثمان صدق ابن أخي اني أخبركم عني وعما وليت إن
صاحبي اللذين كانا قبلي ظلما أنفسهما ومن كان منهما بسبيل احتسابا وإن رسول الله
صلى الله عليه وسلم كان يعطي قرابته وأنا في رهط أهل عيلة وقلة معاش فبسطت
يدي في شئ من ذلك المال لمكان ما أقوم به فيه ورأيت أن ذلك لي فإن رأيتم ذلك
خطأ فردوه فأمري لامركم تبع قالوا أصبت وأحسنت قالوا أعطيت عبد الله بن
خالد بن أسيد ومروان وكانوا يزعمون أنه أعطى مروان خمسة عشر ألفا وابن أسيد
خمسين ألفا فردوا منهما ذلك فرضوا وقبلوا وخرجوا راضين (رجع الحديث)
إلى حديث سيف عن شيوخه وكان معاوية قد قال لعثمان غداة ودعه وخرج يا أمير
المؤمنين انطلق معي إلى الشأم قبل أن يهجم عليك من لا قبل لك به فان أهل الشأم
على الامر لم يزالوا فقال أنا لا أبيع جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم بشئ وإن كان
فيه قطع خيط عنقي قال فأبعث إليك جندا منهم يقيم بين ظهراني أهل المدينة لنائبة
ان نابت المدينة أو إياك قال أنا أقتر على جيران رسول الله صلى الله عليه وسلم الأرزاق
382

بجند مساكنهم وأضيق على أهل دار الهجرة والنصرة قال والله يا أمير المؤمنين لتغتالن
أو لتغزين قال حسبي الله ونعم الوكيل وقال معاوية يا ايسار الجزور وأين ايسار الجزور
ثم خرج حتى وقف على النفر ثم مضى وقد كان أهل مصر كاتبوا أشياعهم من أهل الكوفة
وأهل البصرة وجميع من أجابهم أن يثور واخلاف أمرائهم واتعدوا يوما حيث شخص
أمراؤهم فلم يستقيم ذلك لاحد منهم ولم ينهض الا أهل الكوفة فإن يزيد بن قيس
الأرحبي ثار فيها واجتمع إليه أصحابه وعلى الحرب يومئذ القعقاع بن عمرو فأتاه فأحاط
الناس بهم وناشدوهم فقال يزيد للقعقاع ما سبيلك علي وعلى هؤلاء فوالله اني لسامع مطيع
وإني للازم لجماعتي وهم إلا أني أستعفي ومن ترى من إمارة سعيد فقال استعفى
الخاصة من أمر قد رضيته العامة قال فذاك إلى أمير المؤمنين فتركهم والاستعفاء
ولم يستطيعوا أن يظهروا غير ذلك فاستقبلوا سعيدا فردوه من الجرعة واجتمع
الناس على أبي موسى وأقره عثمان رضى الله تعالى عنه ولما رجع الامراء لم يكن
للسبائية سبيل إلى الخروج إلى الأمصار وكاتبوا أشياعهم من أهل الأمصار أن
يتوافوا بالمدينة لينظروا فيما يريدون وأظهروا أنهم يأمرون بالمعروف ويسألون
عثمان عن أشياء لتطير في الناس ولتحقق عليه فتوافوا بالمدينة وأرسل عثمان
رجلين مخزوميا وزهريا فقال انظرا ما يريدون واعلما علمهم وكانا ممن قد ناله من
عثمان أدب فاصطبر للحق ولم يضطغنا فلما رأوهما باثوهما وأخبروهما بما يريدون
فقالا من معكم على هذا من أهل المدينة قالوا ثلاثة نفر فقالا هل إلا قالوا لا قالا
فكيف تريدون أن تصنعوا قالوا نريد أن نذكر له أشياء قد زرعناها في قلوب
الناس ثم نرجع إليهم فنزعم لهم أنا قررناه بها فلم يخرج منها ولم يتب ثم نخرج كأنا
حجاج حتى نقدم فنحيط به فنخلعه فإن أبي قتلناه وكانت إياها فرجعا إلى عثمان
بالخبر فضحك وقال اللهم سلم هؤلاء فإنك إن لم تسلمهم شقوا أما عمار فحمل على
عباس بن عتبة بن أبي لهب وعركه وأما محمد بن أبي بكر فإنه أعجب حتى أرى أن
الحقوق لا تلزمه وأما ابن سهلة فإنه يتعرض للبلاء فأرسل إلى الكوفيين والبصريين
ونادى الصلاة جامعة وهم عنده في أصل المنبر فأقبل أصحاب رسول الله صلى
383

الله عليه وسلم حتى أحاطوا بهم فحمد الله وأثنى عليه وأخبرهم خبر القوم وقام
الرجلان فقالوا جميعا اقتلهم فان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من دعا إلى
نفسه أو إلى أحد وعلى الناس إمام فعليه لعنة الله فاقتلوه وقال عمر بن الخطاب
رضي الله عنه لا أحل لكم إلا ما قتلتموه وأنا شريككم فقال عثمان بل نعفو ونقبل
ونبصرهم بجهدنا ولا نحاد أحدا حتى يركب حدا أو يبدي كفرا إن هؤلاء ذكروا
أمورا قد علموا منها مثل الذي علمتم إلا أنهم زعموا أنهم يذاكرونيها ليوجبوها
على عند من لا يعلم وقالوا أتم الصلاة في السفر وكانت لا تتم ألا وإني قدمت بلدا
فيه أهلي فأتممت لهذين الامرين أو كذلك قالوا اللهم نعم وقالوا وحميت حمى وإني
والله ما حميت حمى قبلي والله ما حموا شيئا لاحد ما حموا إلا غلب عليه أهل المدينة
ثم لم يمنعوا من رعية أحدا واقتصروا لصدقات المسلمين يحمونها لئلا يكون بين
من يليها وبين أحد تنازع ثم ما منعوا ولا نحوا منها أحدا إلا من ساق درهما ومالي
من بعير غير راحلتين ومالي ثاغية ولا راغية وإني قد وليت وإني أكثر العرب بعيرا
وشاء فمالي اليوم شاة ولا بعير غير بعيرين لحجي أكذلك قالوا اللهم نعم وقالوا كان
القرآن كتبا فتركتها إلا واحدا ألا وإن القرآن واحد جاء من عند واحد وإنما أنا في
ذلك تابع لهؤلاء أكذلك قالوا نعم وسألوه أن يقتلهم وقالوا انى رددت الحكم وقد
سيره رسول الله صلى الله عليه وسلم والحكم مكي سيره رسول الله صلى الله عليه وسلم
من مكة إلى الطائف ثم رده رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسول الله صلى الله عليه وسلم
سيره ورسول الله صلى الله عليه وسلم رده أكذلك قالوا اللهم نعم وقالوا استعملت
الاحداث ولم أستعمل إلا مجتمعا محتملا مرضيا وهؤلاء أهل عملهم فسلوهم عنه
وهؤلاء أهل بلده ولقد ولى من قبلي أحدث منهم وقيل في ذلك لرسول الله
صلى الله عليه وسلم أشد مما قيل لي في استعماله أسامة أكذاك قالوا اللهم نعم
يعيبون للناس ما لا يفسرون وقالوا إني أعطيت ابن أبي سرح ما أفاء الله عليه وانى
إنما نفلته خمس ما أفاء الله عليه من الخمس فكان مائة ألف وقد أنفذ مثل ذلك
أبو بكر وعمر رضى عنهما فزعم الجند أنهم يكرهون ذلك فرددته عليهم
384

وليس ذاك لهم أكذاك قالوا نعم وقالوا إني أحب أهل بيتي وأعطيتهم فأما حبي
فإنه لم يمل معهم على جور بل أحمل الحقوق عليهم وأما إعطاؤهم فإني ما أعطيتهم
من مالي ولا أستحل أموال المسلمين لنفسي ولا لاحد من الناس ولقد كنت
أعطى العطية الكبيرة الرغيبة من صلب مالي أزمان رسول الله صلى الله عليه
عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما وأنا يومئذ شحيح حريص أفحين أتيت
على أسنان أهل بيتي وفنى عمري وودعت الذي لي في أهلي قال الملحدون ما قالوا
وإني والله ما حملت على مصر من الأمصار فضلا فيجوز ذلك لمن قاله ولقد رددته عليهم
وما قدم على إلا الأخماس ولا يحل لي منها شئ فولى المسلمون وضعها في أهلها
دوني ولا يتلفت من مال الله بفلس فما فوقه وما أتبلغ منه ما آكل إلا مالي وقالوا
أعطيت الأرض رجالا وإن هذه الأرضين شاركهم فيها المهاجرون والأنصار
أيام افتتحت فمن أقام بمكان من هذه الفتوح فهو أسوة أهله ومن رجع إلى أهله
لم يذهب ذلك ما حوى الله له فنظرت في الذي يصيبهم مما أفاء الله عليهم فبعثه لهم
بأمرهم من رجال أهل عقار ببلاد العرب فنقلت إليهم نصيبهم فهو في أيديهم دوني
وكان عثمان قد قسم ماله وأرضه في بني أمية وجعل ولده كبعض من يعطى فبدأ
ببني أبي العاص فأعطى آل الحكم رجالهم عشرة آلاف عشرة آلاف فأخذوا
مائة ألف وأعطى بني عثمان مثل ذلك وقسم في بني العاص وفي بني العيص وفي
بني حرب ولانت حاشية عثمان لأولئك الطوائف وأبى المسلمون إلا قتلهم وأبى
إلا تركهم فذهبوا ورجعوا إلى بلادهم على أن يغزوهم مع الحجاج كالحجاج
فتكاتبوا وقالوا موعدكم ضواحي المدينة في شوال حتى إذا دخل شوال من سنة
اثنتي عشرة ضربوا كالحجاج فنزلوا قرب المدينة (كتب إلي السري) عن شعيب
عن سيف عن محمد وطلحة وأبي حارثة وأبي عثمان قالوا لما كان في شوال سنة 35 خرج
أهل مصر في أربع رفاق على أربعة أمراء المقلل يقول ستمائة والمكثر يقول ألف
على الرفاق عبد الرحمن بن عديس البلوى وكنانة بن بشر الليثي وسودان بن حمران
السكوني وقتيرة بن فلان السكوني وعلى القوم جميعا الغافقي بن حرب العكي
385

ولم يجترئوا أن يعلموا الناس بخروجهم إلى الحرب وإنما أخرجوا كالحجاج ومعهم
ابن السوداء وخرج أهل الكوفة في أربع رفاق وعلى الرفاق زيد بن صوحان
العبدي والأشتر النخعي وزياد بن النضر الحارثي وعبد الله بن الأصم أحد بني عامر
ابن صعصعة وعددهم كعدد أهل مصر وعليهم جميعا عمرو بن الأصم وخرج
أهل البصرة في أربع رفاق وعلى الرفاق حكيم بن جبلة العبدي وذريح بن عباد
العبدي وبشر بن شريح الحطم بن ضبيعة القيسي وابن المحرش بن عبد بن عمرو الحنفي
وعددهم كعدد أهل مصر وأميرهم جميعا حرقوص بن زهير السعدي سوى من
تلاحق بهم من الناس فأما أهل مصر فإنهم كانوا يشتهون عليا وأما أهل البصرة
فإنهم كانوا يشتهون طلحة وأما أهل الكوفة فإنهم كانوا يشتهون الزبير فخرجوا وهم
على الخروج جميع وفي الناس شتى لا يشك كل فرقة إلا أن الفلج معها وأن أمرها
سيتم دون الأخريين فخرجوا حتى إذا كانوا من المدينة على ثلاث تقدم ناس من
أهل البصرة فنزلوا ذا خشب وناس من أهل الكوفة فنزلوا الأعوص وجاءهم
ناس من أهل مصر وتركوا عامتهم بذي المروة ومشى فيها بين أهل مصر وأهل
البصرة زياد بن النضر وعبد الله بن الأصم وقالا لا تعجلوا ولا تعجلونا حتى
ندخل لكم المدينة ونرتاد فإنه بلغنا أنهم قد عسكروا لنا فوالله إن كان أهل المدينة
قد خافونا واستحلوا قتالنا ولم يعلموا علمنا فهم إذا علموا علمنا أشد وإن أمرنا هذا
لباطل وإن لم يستحلوا قتالنا ووجدنا الذي بلغنا باطلا لنرجعن إليكم بالخبر قالوا
اذهبا فدخل الرجلان فلقيا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وعليا وطلحة والزبير وقالا
إنما نأتم هذا البيت ونستعفى هذا الوالي من بعض عمالنا ما جئنا إلا لذلك واستأذناهم
للناس بالدخول فكلهم أبى ونهى وقال بيض ما يفرخن فرجعا إليهم فاجتمع
من أهل مصر نفر فأتوا عليا ومن أهل البصرة نفر فأتوا طلحة ومن أهل الكوفة
نفر فأتوا الزبير وقال كل فريق منهم ان بابعوا صاحبنا وإلا كدناهم وفرقنا جماعتهم
ثم كررنا حتى نبغتهم فأتى المصريون عليا وهو في عسكر عند أحجار الزيت عليه
حلة أفواف معتم بشقيقة حمراء يمانية متقلد السيف ليس عليه قميص وقد سرح
386

الحسن إلى عثمان فيمن اجتمع إليه فالحسن جالس عند عثمان وعلي عند أحجار
الزيت فسلم عليه المصريون وعرضوا له فصاح بهم واطردهم وقال لقد علم
الصالحون أن جيش ذي المروة وذي خشب ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه
وسلم فارجعوا لا صحبكم الله قالوا نعم فانصرفوا من عنده على ذلك وأتى البصريون
طلحة وهو في جماعة أخرى إلى جنب علي وقد أرسل ابنيه إلى عثمان فسلم البصريون عليه
وعرضوا له فصاح بهم واطردهم وقال لقد علم المؤمنون أن جيش ذي المروة
وذي خشب والأعوص ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم وأتى
الكوفيون الزبير وهو في جماعة أخرى وقد سرح ابنه عبد الله إلى عثمان فسلموا عليه
وعرضوا له فصاح بهم واطردهم وقال لقد علم المسلمون أن جيش ذي المروة وذي
خشب والأعوص ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم فخرج القوم وأروهم
أنهم يرجعون فانفشوا عن ذي خشب والأعوص حتى انتهوا إلى عساكرهم وهي
ثلاث مراحل كي يفترق أهل المدينة ثم يكروا راجعين فافترق أهل المدينة لخروجهم
فلما بلغ القوم عساكرهم كروا بهم فبغتوهم فلم يفجأ أهل المدينة إلا والتكبير في
نواحي المدينة فنزلوا في مواضع عساكرهم وأحاطوا بعثمان وقالوا من كف يده
فهو آمن وصلى عثمان بالناس أياما ولزم الناس بيوتهم ولم يمنعوا أحدا من كلام
فأتاهم الناس فكلموهم وفيهم علي فقال ما ردكم بعد ذهابكم ورجوعكم عن رأيكم قالوا
أخذنا مع بريد كتابا بقتلنا وأتاهم طلحة فقال البصريون مثل ذلك وأتاهم الزبير
فقال الكوفيون مثل ذلك وقال الكوفيون والبصريون فنحن ننصر إخواننا
ونمنعهم جميعا كأنما كانوا على ميعاد فقال لهم علي كيف علمتم يا أهل الكوفة
ويا أهل البصرة بما لقى أهل مصر وقد سرتم مراحل ثم طويتم نحونا هذا والله
أمر أبرم بالمدينة قالوا فضعوه على ما شئتم لا حاجة لنا في هذا الرجل ليعتزلنا وهو
في ذلك يصلى بهم وهم يصلون خلفه ويغشى من شاء عثمان وهم في عينه أدق من التراب
وكانوا لا يمنعون أحدا من الكلام وكانوا زمرا بالمدينة يمنعون الناس من الاجتماع
وكتب عثمان إلى أهل الأمصار يستمدهم بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإن الله
387

عز وجل بعث محمدا بالحق بشيرا ونذيرا فبلغ عن الله ما أمره به ثم مضى وقد قضى
الذي عليه وخلف فينا كتابه فيه حلاله وحرامه وبيان الأمور التي قدر فأمضاها
على ما أحب العباد وكرهوا فكان الخليفة أبو بكر رضي الله عنه وعمر رضي الله عنه
ثم أدخلت في الشورى عن غير علم ولا مسألة ولا ملا من الأمة ثم أجمع أهل
الشورى عن ملا منهم ومن الناس على غير طلب مني ولا محبة فعملت فيهم ما يعرفون
ولا ينكرون تابعا غير مستتبع متبعا غير مبتدع مقتديا غير متكلف فلما انتهت
الأمور وانتكث الشر بأهله بدت ضغائن وأهواء على غير إجرام ولا ترة فيما
مضى إلا إمضاء الكتاب فطلبوا أمرا وأعلنوا غيره بغير حجة ولا عذر فعابوا
على أشياء مما كانوا يرضون وأشياء عن ملا من أهل المدينة لا يصلح غيرها
فصبرت لهم نفسي وكففتها عنهم منذ سنين وأنا أرى وأسمع فازدادوا على الله
عز وجل جرأة حتى أغاروا علينا في جوار رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى
آله وسلم وحرمه وأرض الهجرة وثابت إليهم الاعراب فهم كالأحزاب أيام
الأحزاب أو من غزانا بأحد إلا ما يظهرون فمن قدر على اللحاق بنا فليلحق
فأتى الكتاب أهل الأمصار فخرجوا على الصعبة والذلول فبعث معاوية حبيب
ابن مسلمة الفهري وبعث عبد الله بن سعد معاوية بن خديج السكوني وخرج
من أهل الكوفة القعقاع بن عمرو وكان المحضضين بالكوفة على إعانة أهل
المدينة عقبة بن عمرو وعبد الله بن أبي أوفى وحنظلة بن الربيع التميمي في
أمثالهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وكان المحضضين بالكوفة
من التابعين أصحاب عبد الله مسروق بن الأجدع والأسود بن يزيد وشريح
ابن الحارث وعبد الله بن عكيم في أمثالهم يسيرون فيها ويطوفون على مجالسها
يقولون يا أيها الناس إن الكلام اليوم وليس به غدا وإن النظر يحسن اليوم
ويقبح غدا وإن القتال يحل اليوم ويحرم غدا انهضوا إلى خليفتكم وعصمة أمركم
وقام بالبصرة عمران بن حصين وأنس بن مالك وهشام بن عامر في أمثالهم من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم يقولون مثل ذلك ومن التابعين كعب بن سور وهرم بن
388

حيان العبدي وأشباه لهما يقولون ذلك وقام بالشام عبادة بن الصامت وأبو الدرداء
وأبو أمامة في أمثالهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون مثل ذلك ومن
التابعين شريك بن خباشة النميري وأبو مسلم الخولاني وعبد الرحمن بن غنم بمثل
ذلك وقام بمصر خارجة في أشباه له وقد كان بعض المحضضين قد شهد قدومهم
فلما رأوا حالهم انصرفوا إلى أمصارهم بذلك وقاموا فيهم ولما جاءت الجمعة التي على
أثر نزول المصريين مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عثمان فصلى بالناس
ثم قام على المنبر فقال يا هؤلاء العدى الله الله فوالله إن أهل المدينة ليعلمون أنكم
ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم فامحوا الخطايا بالصواب فان الله
عز وجل لا يمحو السئ إلا بالحسن فقام محمد بن مسلمة فقال أنا أشهد بذلك
فأخذه حكيم بن جبلة فأقعده زيد بن ثابت فقال ابغني الكتاب فثار إليه من
ناحية أخرى محمد بن أبي قتيرة فأقعده وقال فأفظع وثار القوم بأجمعهم فحصبوا
الناس حتى أخرجوهم من المسجد وحصبوا عثمان حتى صرع عن المنبر مغشيا عليه
فاحتمل فأدخل داره وكان المصريون لا يطمعون في أحد من أهل المدينة أن
يساعدهم إلا في الثلاثة نفر فإنهم كانوا يراسلونهم محمد بن أبي بكر ومحمد بن أبي
حذيفة وعمار بن ياسر وشمر أناس من الناس فاستقتلوا منهم سعد بن مالك
وأبو هريرة وزيد بن ثابت والحسن بن علي فبعث إليهم عثمان بعزمه لما انصرفوا
فانصرفوا وأقبل علي عليه السلام حتى دخل على عثمان وأقبل طلحة حتى دخل
عليه وأقبل الزبير حتى دخل عليه يعودونه من صرعته ويشكون بثهم ثم رجعوا
إلى منازلهم (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن أبي عمرو عن الحسن
قال قلت له هل شهدت حصر عثمان قال نعم وأنا يومئذ غلام في أتراب لي في
المسجد فإذا كثر اللغط جثوت على ركبتي أو قمت فاقبل القوم حين أقبلوا حتى
نزلوا المسجد وما حوله فاجتمع إليهم أناس من أهل المدينة يعظمون ما صنعوا
وأقبلوا على أهل المدينة يتوعدونهم فبينا هم كذلك في لغطهم حول الباب فطلع
عثمان فكأنما كانت نار أطفئت فعمد إلى المنبر فصعده فحمد الله وأثنى عليه
389

فثار رجل فأقعده رجل وقام آخر فأقعده آخر ثم ثار القوم فحصبوا عثمان
حتى صرع فاحتمل فأدخل فصلى بهم عشرين يوما ثم منعوه من الصلاة (كتب
إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وأبي حارثة وأبي عثمان قالوا
صلى عثمان بالناس بعد ما نزلوا به في المسجد ثلاثين يوما ثم إنهم منعوه الصلاة فصلى
بالناس أميرهم الغافقي دان له المصريون والكوفيون والبصريون وتفرق أهل
المدينة في حيطانهم ولزموا بيوتهم لا يخرج أحد ولا يجلس إلا وعليه سيفه يمتنع به
من رهق القوم وكان الحصار أربعين يوما وفيهن كان القتل ومن تعرض لهم وضعوا
فيه السلاح وكانوا قبل ذلك ثلاثين يوما يكفون * وأما غير سيف فان منهم من قال
كانت مناظرة القوم عثمان وسبب حصارهم إياه ما حدثني به يعقوب بن إبراهيم قال
حدثنا معتمر بن سليمان التيمي قال حدثنا أبي قال حدثنا أبو نضرة عن أبي سعيد
مولى أبي أسيد الأنصاري قال سمع عثمان أن وفد أهل مصر قد أقبلوا قال فاستقبلهم
وكان في قرية له خارجة من المدينة أو كما قال فلما سمعوا به أقبلوا نحوه إلى المكان
الذي هو فيه قال وكره أن يقدموا عليه المدينة أو نحوا من ذلك قال فأتوه فقالوا
له ادع بالمصحف قال فدعا بالمصحف قال فقالوا له افتح السابعة قال وكانوا يسمون
سورة يونس السابعة قال فقرأها حتى أتى على هذه الآية " قل أرأيتم ما أنزل الله
لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون "
قال قالوا له قف فقالوا له أرأيت ما حميت من الحمى آلله أذن لك أم على الله تفتري
قال فقال امضه نزلت في كذا وكذا قال وأما الحمى فان عمر حمى الحمى قبلي لابل
الصدقة فلما وليت زادت ابل الصدقة فزدت في الحمى لما زاد في ابل الصدقة امضه
قال فجعلوا يأخذونه بالآية فيقول امضه نزلت في كذا وكذا قال والذي يتولى كلام
عثمان يومئذ في سنك قال يقول أبو نضرة يقول ذاك لي أبو سعيد قال أبو نضرة
وأنا في سنك يومئذ قال ولم يخرج وجهي يومئذ لا أدري ولعله قد قال مرة
أخرى وأنا يومئذ ابن ثلاثين سنة ثم أخذوه بأشياء لم يكن عنده منها مخرج قال
فعرفها فقال أستغفر الله وأتوب إليه قال فقال لهم ما تريدون قال فأخذوا ميثاقه
390

أقل وأحسبه قال وكتبوا عليه شرطا وأخذ عليهم ألا يشقوا عصا ولا يفارقوا
جماعة ما قام لهم بشرطهم أو كما أخذوا عليه قال فقال لهم ما تريدون قالوا نريد ألا
يأخذ أهل المدينة عطاء فإنما هذا المال لمن قاتل عليه ولهؤلاء الشيوخ من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فرضوا بذلك وأقبلوا معه إلى المدينة راضين
قال فقام فخطب فقال إني ما رأيت والله وفدا في الأرض هم خير لحوباتي من هذا
الوفد الذين قدموا علي وقد قال مرة أخرى خشيت من هذا الوفد من أهل مصر
ألا من كان له زرع فليلحق بزرعه ومن كان له ضرع فليحتلب ألا إنه لا مال لكم
عندنا إنما هذا المال لمن قاتل عليه ولهؤلاء الشيوخ من أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال فغضب الناس وقالوا هذا مكر بني أمية قال ثم رجع الوفد المصريون
راضين فبينا هم في الطريق إذا هم براكب يتعرض لهم ثم يفارقهم ثم يرجع إليهم ثم
يفارقهم ويسيئهم قال قالوا له مالك إن لك لأمرا ما شأنك قال فقال أنا رسول
أمير المؤمنين إلى عامله بمصر ففتشوه فإذا هم بالكتاب على لسان عثمان عليه خاتمه
إلى عامله بمصر أن يصلبهم أو يقتلهم أو يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف قال فأقبلوا
حتى قدموا المدينة قال فأتوا عليا فقالوا ألم تر إلى عدو الله إنه كتب فينا بكذا وكذا
وإن الله قد أحل دمه قم معنا إليه قال والله لا أقوم معكم إلى أن قالوا فلم كتبت إلينا
فقال والله ما كتبت إليكم كتابا قط فنظر بعضهم إلى بعض ثم قال بعضهم لبعض
ألهذا تقاتلون أو لهذا تغضبون قال فانطلق علي فخرج من المدينة إلى قرية قال
فانطلقوا حتى دخلوا على عثمان فقالوا كتبت فينا بكذا وكذا قال فقال إنما هما اثنتان
أن تقيموا على رجلين من المسلمين أو يميني بالله الذي لا إله إلا هو ما كتبت ولا
أمللت ولا علمت قال وقد تعلمون أن الكتاب يكتب على لسان الرجل وقد ينقش
الخاتم على الخاتم قال فقالوا فقد والله أحل الله دمك ونقضت العهد والميثاق قال
فحاصروه * وأما الواقدي فإنه ذكر في سبب مسير المصريين إلى عثمان ونزولهم
ذا خشب أمورا كثيرة منها ما قد تقدم ذكريه ومنها ما أعرضت عن ذكره كراهة
منى ذكره لبشاعته ومنها ما ذكر أن عبد الله بن جعفر حدثه عن أبي عون مولى
391

المسور قال كان عمرو بن العاص على مصر عاملا لعثمان فعزله عن الخراج واستعمله
على الصلاة واستعمل عبد الله بن سعد على الخراج ثم جمعهما لعبد الله بن سعد فلما
قدم عمرو بن العاص المدينة جعل يطعن على عثمان فأرسل إليه يوما عثمان خاليا به
فقال يا ابن النابغة ما أسرع ما قمل جربان جبتك إنما عهدك بالعمل عاما أول أتطعن
علي وتأتيني بوجه وتذهب عني بآخر والله لولا أكلة ما فعلت ذلك قال فقال عمرو
إن كثيرا مما يقول الناس وينقلون إلى ولاتهم باطل فاتق الله يا أمير المؤمنين في
رعيتك فقال عثمان والله لقد استعملتك على ظلعك وكثرة القالة فيك فقال عمرو قد
كنت عاملا لعمر بن الخطاب ففارقني وهو عني راض قال فقال عثمان وأنا والله
لو آخذتك بما آخذك به عمر لاستقمت ولكني لنت عليك فاجترأت علي أما والله
لأنا أعز منك نفرا في الجاهلية وقبل ان إلى هذا السلطان فقال عمرو دع عنك هذا فالحمد
لله الذي أكرمنا بمحمد صلى الله عليه وسلم وهدانا به قد رأيت العاصي بن وائل ورأيت
أباك عفان فوالله للعاص كان أشرف من أبيك قال فانكسر عثمان وقال مالنا ولذكر
الجاهلية قال وخرج عمرو ودخل مروان فقال يا أمير المؤمنين وقد بلغت مبلغا
يذكر عمرو بن العاص أباك فقال عثمان دع هذا عنك من ذكر آباء الرجال ذكروا
أباه قال فخرج عمرو من عند عثمان وهو محتقد عليه يأتي عليا مرة فيؤلبه على
عثمان ويأتي الزبير مرة فيؤلبه على عثمان ويأتي طلجة مرة فيؤلبه على عثمان
ويعترض الحاج فيخبرهم بما أحدث عثمان فلما كان حصر عثمان الأول خرج
من المدينة حتى انتهى إلى أرض له بفلسطين يقال لها السبع فنزل في قصر له
يقال له العجلان وهو يقول العجب ما يأتينا عن ابن عفان قال فبينا هو جالس
في قصره ذلك ومعه ابناه محمد وعبد الله وسلامة بن روح الجذامي إذ مر بهم
راكب فناداه عمرو من أين قدم الرجل فقال من المدينة قال ما فعل الرجل
يعني عثمان قال تركته محصورا شديد الحصار قال عمرو أنا أبو عبد الله قد
يضرط العير والمكواة في النار فلم يبرح مجلسه ذلك حتى مر به راكب آخر فناداه
عمرو ما فعل الرجل يعني عثمان قال قتل قال أنا أبو عبد الله إذا حككت قرحة
392

نكأتها إن كنت لأحرض عليه حتى إني لأحرض عليه الراعي في غنمه في رأس
الجبل فقال له سلامة بن روح يا معشر قريش إنه كان بينكم وبين العرب باب وثيق
فكسرتموه فما حملكم على ذلك فقال أردنا أن نخرج الحق من حافرة الباطل وأن
يكون الناس في الحق شرعا سواء وكانت عند عمرو أخت عثمان لامه أم كلثوم بنت
عقبة بن أبي معيط ففارقها حين عزله قال محمد بن عمرو حدثني عبد الله بن محمد عن
أبيه قال كان محمد بن أبي بكر ومحمد بن أبي حذيفة بمصر يحرضان على عثمان فقدم
محمد بن أبي بكر وأقام محمد بن أبي حذيفة بمصر فلما خرج المصريون خرج
عبد الرحمن بن عديس البلوى في خمسمائة وأظهروا أنهم يريدون العمرة وخرجوا
في رجب وبعث عبد الله بن سعد رسولا سار إحدى عشرة ليلة يخبر عثمان أن ابن
عديس وأصحابه قد وجهوا نحوه وأن محمد بن أبي حذيفة شيعهم إلى عجرود ثم رجع
وأظهر محمد أن قال خرج القوم عمارا وقال في السر خرج القوم إلى إمامهم فإن
نزع وإلا قتلوه وسار القوم المنازل لم يعدوها حتى نزلوا ذا خشب وقال عثمان قبل
قدومهم حين جاءه رسول عبد الله بن سعد هؤلاء قوم من أهل مصر يريدون بزعمهم
العمرة والله ما أراهم يريدونها ولكن الناس قد دخل بهم وأسرعوا إلى الفتنة
وطال عليهم عمري أما والله لئن فارقتهم ليتمنون أن عمري كان طال عليهم مكان
كل يوم بسنة مما يرون من الدماء المسفوكة والإحن والأثرة الظاهرة والاحكام
المغيرة قال فلما نزل القوم ذا خشب جاء الخبر أن القوم يريدون قتل عثمان إن لم
ينزع وأتى رسولهم إلى علي ليلا وإلى طلحة وإلى عمار بن ياسر وكتب محمد بن أبي حذيفة
معهم إلى علي كتابا فجاؤوا بالكتاب إلى علي فلم يظهر على ما فيه فلما رأى عثمان ما رأى
جاء عليا فدخل عليه بيته فقال يا ابن عم إنه ليس لي مترك وإن قرابتي قريبة ولي حق
عظيم عليك وقد جاء ما ترى من هؤلاء القوم وهم مصبحي وأنا أعلم أن لك عند
الناس قدرا وأنهم يسمعون منك فأنا أحب أن تركب إليهم فتردهم عني فإني لا أحب
أن يدخلوا علي فإن ذلك جرءة منهم علي وليسمع بذلك غيرهم فقال علي علام أردهم
قال على أن أصير إلى ما أشرت به علي ورأيته لي ولست أخرج من يديك فقال علي
إني قد كنت كلمتك مرة بعد مرة فكل ذلك نخرج فتكلم ونقول وتقول وذلك كله
393

فعل مروان بن الحكم وسعيد بن العاص وابن عامر ومعاوية أطعتهم وعصيتني قال
عثمان فإني أعصيهم وأطيعك قال فأمر الناس فركبوا معه المهاجرون والأنصار قال
وأرسل عثمان إلى عمار بن ياسر يكلمه أن يركب مع علي فأبى فأرسل عثمان إلى سعد
ابن أبي وقاص فكلمه أن يأتي عمارا فيكلمه أن يركب مع علي قال فخرج سعد حتى دخل
على عمار فقال يا أبا اليقظان ألا تخرج فيمن يخرج وهذا علي يخرج فاخرج معه
واردد هؤلاء القوم عن امامك فاني لأحسب انك لم تركب مركبا هو خير لك منه
قال وأرسل عثمان إلى كثير بن الصلت الكندي وكان من أعوان عثمان فقال انطلق
في إثر سعد فاسمع ما يقول سعد لعمار وما يرد عمار على سعد ثم ائتني سريعا قال
فخرج كثير حتى يجد سعدا عند عمار مخليا به فألقم عينه جحر الباب فقام إليه عمار
ولا يعرفه وفي يده قضيب فأدخل القضيب الجحر الذي ألقمه كثير عينه فاخرج
كثير عينه من الجحر وولى مدبرا متقنعا فخرج عمار فعرف أثره ونادى يا قليل
ابن أم قليل أعلي تطلع وتستمع حديثي والله لو دريت أنك هو لفقأت عينك
بالقضيب فان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أحل ذلك ثم رجع عمار إلى سعد
فكلمه سعد وجعل يفتله بكل وجه فكان آخر ذلك أن قال عمار والله لا أردهم
عنه أبدا فرجع سعد إلى عثمان فأخبره بقول عمار فاتهم عثمان سعدا أن يكون لم
يناصحه فأقسم له سعد بالله لقد حرض فقبل منه عثمان قال وركب علي عليه السلام
إلى أهل مصر فردهم عنه فانصرفوا راجعين قال محمد بن عمر حدثني محمد بن صالح
عن عاصم بن عمر عن محمود بن لبيد قال لما نزلوا ذا خشب كلم عثمان عليا وأصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يردوهم عنه فركب علي وركب معه نفر من
المهاجرين فيهم سعيد بن زيد وأبو جهم العدوي وجبير بن مطعم وحكيم بن حزام
ومروان بن الحكم وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد وخرج
من الأنصار أبو أسيد الساعدي وأبو حميد الساعدي وزيد بن ثابت وحسان بن
ثابت وكعب بن مالك ومعهم من العرب نيار بن مكرز وغيرهم ثلاثون رجلا
وكلمهم علي ومحمد بن مسلمة وهما اللذان قدما فسمعوا مقالتهما ورجعوا قال
394

محمود فأخبرني محمد بن مسلمة قال ما برحنا من ذي خشب حتى رحلوا راجعين
إلى مصر وجعلوا يسلمون علي فما أنسى قول عبد الرحمن بن عديس أتوصينا
يا أبا عبد الرحمن بحاجة قال قلت تتقى الله وحده لا شريك له وترد من قبلك
عن امامه فإنه قد وعدنا أن يرجع وينزع قال ابن عديس أفعل إن شاء الله
قال فرجع القوم إلى المدينة قال محمد بن عمر فحدثني عبد الله بن محمد عن
أبيه قال لما رجع علي عليه السلام إلى عثمان رضي الله عنه أخبره أنهم قد
رجعوا وكلمه علي كلاما في نفسه قال له اعلم أني قائل فيك أكثر مما قلت قال ثم
خرج إلى بيته قال فمكث عثمان ذلك اليوم حتى إذا كان الغد جاءه مروان فقال
له تكلم وأعلم الناس أن أهل مصر قد رجعوا وأن ما بلغهم عن إمامهم كان باطلا
فإن خطبتك تسير في البلاد قبل أن يتحلب الناس عليك من أمصارهم فيأتيك
من لا تستطيع دفعه قال فأبى عثمان أن يخرج قال فلم يزل به مروان حتى خرج
فجلس على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد إن هؤلاء القوم من أهل
مصر كان بلغهم عن إمامهم أمرا فلما تيقنوا أنه باطل ما بلغهم عنه رجعوا إلى
بلادهم قال فناداه عمرو بن العاص من ناحية المسجد اتق الله يا عثمان فإنك
قد ركبت نهابير وركبناها معك فتب إلى الله نتب قال فناداه عثمان وإنك
هناك يا ابن النابغة قملت والله جبتك منذ تركتك من العمل قال فنودي من ناحية
أخرى تب إلى الله وأظهر التوبة يكف الناس عنك قال فرفع عثمان يديه مدا
واستقبل القبلة فقال اللهم إني أول تائب تاب إليك ورجع إلى منزله وخرج عمرو
ابن العاص حتى نزل منزله بفلسطين فكان يقول والله إن كنت لألقى الراعي
فأحرضه عليه قال محمد بن عمر فحدثني علي بن عمر عن أبيه قال ثم إن عليا جاء
عثمان بعد انصراف المصريين فقال له تكلم كلاما يسمعه الناس منك ويشهدون
عليه ويشهد الله على ما في قلبك من النزوغ والإنابة فان البلاد قد تمخضت عليك
فلا آمن ركبا آخرين يقدمون من الكوفة فتقول يا علي اركب إليهم ولا أقدر أن
أركب إليهم ولا أسمع عذرا ويقدم ركب آخرون من البصرة فنقول يا علي اركب
395

إليهم فإن لم أفعل رأيتني قد قطعت رحمك واستخففت بحقك قال فخرج عثمان
فخطب الخطبة التي نزع فيها وأعطى الناس من نفسه التوبة فقام فحمد الله وأثنى عليه
بما هو أهله ثم قال أما بعد أيها الناس فوالله ما عاب من عاب منكم شيئا أجهله
وما جئت شيئا إلا وأنا أعرفه ولكني مننتني نفسي وكذبتني وضل عني رشدي
ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من زل فليتب ومن أخطأ فليتب
ولا يتمادى في الهلكة إن من تمادى في الجور كان أبعد من الطريق فأنا أول من
اتعظ أستغفر الله مما فعلت وأتوب إليه فمثلي نزع وتاب فإذا نزلت فليأتني أشرافكم
فليروني رأيهم فوالله لئن ردني الحق عبدا لأستنن بسنة العبد ولأذلن ذل العبد
ولأكونن كالمرقوق إن ملك صبر وإن عتق شكر وما عن الله مذهب إلا إليه
فلا يعجزن عنكم خياركم أن يدنوا إلي لئن أبت يميني لتتابعني شمالي قال فرق الناس
له يومئذ وبكى من بكى منهم وقام إليه سعيد بن زيد فقال يا أمير المؤمنين ليس
بواصل لك من ليس معك الله الله في نفسك فأتمم على ما قلت فلما نزل عثمان وجد
في منزله مروان وسعيدا ونفرا من بنى أمية ولام يكونوا شهدوا الخطبة فلما جلس
قال مروان يا أمير المؤمنين أتكلم أم أصمت فقالت نائلة ابنة الفرافضة امرأة
عثمان الكلبية لا بل اصمت فإنهم والله قاتلوه ومؤثموه إنه قد قال مقالة لا ينبغي
له أن ينزع عنها فأقبل عليها مروان فقال ما أنت وذاك فوالله لقد مات أبوك وما يحسن
يتوضأ فقالن له مهلا يا مروان عن ذكر الآباء تخبر عن أبي وهو غائب تكذب عليه
وإن أباك لا يستطيع أن يدفع عنه أما والله لولا أنه عمه وأنه يناله غمه أخبرتك عنه ما لن
أكذب عليه قال فأعرض عنها مروان ثم قال يا أمير المؤمنين أتكلم أم أصمت قال
بل تكلم فقال مروان بأبي أنت وأمي والله لوددت أن مقالتك هذه كانت وأنت ممتنع
منيع فكنت أول من رضى بها وأعان عليها ولكنك قلت ما قلت حين بلغ الحزام
الطبيين وخلف السبيل الزبى وحين أعطى الخطة الذليلة الذليل والله لإقامة على خطيئة
تستغفر الله منها أجمل من توبة تخوف عليها وإنك إن شئت تقربت بالتوبة ولم تقرب
بالخطيئة وقد اجتمع إليك على الباب مثل الجبال من الناس فقال عثمان فاخرج إليهم
396

فكلمهم فاني أستحيي أن أكلمهم قال فخرج مروان إلى الباب والناس يركب بعضهم بعضا
فقال ما شأنكم قد اجتمعتم كأنكم قد جئتم لنهب شاهت الوجوه كل إنسان آخذ بإذن
صاحبه ألا من أريد جئتم تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا اخرجوا عنا أما
والله لئن رمتمونا ليمرن عليكم منا أمر لا يسركم ولا تحمدوا غب رأيكم ارجعوا إلى
منازلكم فإنا والله ما نحن مغلوبين على ما في أيدينا قال فرجع الناس وخرج بعضهم
حتى أتى عليا فأخبره الخبر فجاء علي عليه السلام مغضبا حتى دخل على عثمان فقال أما
رضيت من مروان ولا رضى منك إلا بتحرفك عن دينك وعن عقلك مثل جمل
الظعينة يقاد حيث يسار به والله ما مروان بذى رأى في دينه ولا نفسه وأيم الله إني
لأراه سيوردك ثم لا يصدرك وما أنا بعائد بعد مقامي هذا لمعاتبتك أذهلت شرفك
وغلبت على أمرك فلما خرج على دخلت عليه نائلة ابنة الفرافصة امرأته فقالت
أتكلم أو أسكت فقال تكلمي فقالت قد سمعت قول علي لك وإنه ليس يعاودك وقد
أطعت مروان يقودك حيث شاء قال فما أصنع قالت تتقى الله وحده لا شريك له
وتتبع سنة صاحبيك من قبلك فإنك متى أطعت مروان قتلك ومروان ليس له
عند الناس قدر ولا هيبة ولا محبة وانما تركك الناس لمكان مروان فأرسل إلى علي
فاستصلحه فإن له قرابة منك وهو لا يعصى قال فأرسل عثمان إلى علي فأبى أن يأتيه
وقال قد أعلمته إني لست بعائد قال فبلغ مروان مقالة نائلة فيه قال فجاء إلى عثمان
فجلس بين يديه فقال أتكلم أو أسكت فقال تكلم فقال إن بنت الفرافصة فقال عثمان
لا تذكرنها بحرف فأسوئ لك وجهك فهي الله أنصح لي منك قال فكف مروان
قال محمد بن عمر وحدثني شرحبيل بن أبي عون عن أبيه قال سمعت عبد الرحمن بن
الأسود بن عبد يغوث يذكر مروان بن الحكم قال قبح الله مروان خرج عثمان إلى
الناس فأعطاهم الرضا وبكى على المنبر وبكى الناس حتى نظرت إلى لحية عثمان مخضلة
من الدموع وهو يقول اللهم إني أتوب إليك اللهم إني أتوب إليك اللهم إني أتوب
إليك والله لئن ردني الحق إلى أن أكون عبدا قنا لأرضين به إذا دخلت منزلي
فأدخلوا علي فوالله لا أحتجب منكم ولأعطينكم الرضا ولأزيدنكم على الرضا ولأنحين
397

مروان وذويه قال فلما دخل أمر بالباب ففتح ودخل بيته ودخل عليه مروان فلم
يزل يفتله في الذروة والغارب حتى فتله عن رأيه وأزاله عما كان يريد فلقد مكث عثمان
ثلاثي أيام ما خرج استحياء من الناس وخرج مروان إلى الناس فقال شاهت الوجوه
الا من أريد ارجعوا إلى منازلكم فان يكن لأمير المؤمنين حاجة بأحد منكم يرسل إليه
وإلا قر في بيته قال عبد الرحمن فجئت إلى علي فأجده بين القبر والمنبر وأجد عنده عمار
ابن ياسر ومحمد بن أبي بكر وهما يقولان صنع مروان بالناس وصنع قال فأقبل علي
علي فقال أحضرت خطبة عثمان قلت نعم قال أفحضرت مقالة مروان للناس قلت
نعم قال علي عياذ الله يا للمسلمين اني ان قعدت في بيتي قال لي تركتني وقرابتي
وحقي وإني إن تكلمت فجاء ما يريد يلعب به مروان فصار سيقة له يسوقه حيث
شاء بعد كبر السن وصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عبد الرحمن بن الأسود
فلم يزل حتى جاء رسول عثمان ائتني فقال علي بصوت مرتفع عال مغضب قل له
ما أنا بداخل عليك ولا عائد قال فانصرف الرسول قال فلقيت عثمان بعد ذلك
بليلتين خائبا فسألت ناتلا غلامه من أين جاء أمير المؤمنين فقال كان عند علي
فقال عبد الرحمن بن الأسود فغدوت فجلست مع علي عليه السلام فقال لي جاءني
عثمان البارحة فجعل يقول إني غير عائد وإني فاعل قال فقلت له بعد ما تكلمت
به على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطيت من نفسك ثم دخلت بيتك
وخرج مروان إلى الناس فشتمهم على بابك ويؤذيهم قال فرجع وهو يقول قطعت
رحمي وخذلتني وجرأت الناس على فقلت والله إني لأذب الناس عنك ولكني
كلما جئتك بهنة أظنها لك رضى جاء بأخرى فسمعت قول مروان على واستدخلت
مروان قال ثم انصرف إلى بيته قال عبد الرحمن بن الأسود فلم أزل أرى عليا
منكبا عنه لا يفعل ما كان يفعل إلا أني أعلم أنه قد كلم طلحة حين حصر في أن
يدخل عليه الروايا وغضب في ذلك غضبا شديدا حتى دخلت الروايا علي عثمان
قال محمد بن عمرو حدثني عبد الله بن جعفر عن إسماعيل بن محمد أن عثمان صعد
يوم الجمعة المنبر فحمد الله وأثنى عليه فقام رجل فقال أقم كتاب الله فقال عثمان
398

اجلس فجلس حتى قام ثلاثا فأمر به عثمان فجلس فتحاثوا بالحصباء حتى ما ترى
السماء وسقط عن المنبر وحمل فأدخل داره مغشيا عليه فخرج رجل من حجاب
عثمان ومعه مصحف في يده وهو ينادى " إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست
منهم في شئ إنما أمرهم إلى الله " ودخل علي بن أبي طالب على عثمان رضي الله عنهما
وهو مغشى عليه وبنو أمية حوله فقال مالك يا أمير المؤمنين فأقبلت بنو أمية
بمنطق واحد فقالوا يا علي أهلكتنا وصنعت هذا الصنيع بأمير المؤمنين أما والله
لئن بلغت الذي تريد لتمرن عليك الدنيا فقام علي مغضبا (وفي هذه السنة) قتل
عثمان بن عفان رضي الله عنه
ذكر الخبر عن قتله وكيف قتل
(قال أبو جعفر رحمه الله) قد ذكرنا كثيرا من الأسباب التي ذكر قاتلوه
أنهم جعلوها ذريعة إلى قتله فأعرضنا عن ذكر كثير منها لعلل دعت إلى
الاعراض عنها ونذكر الآن كيف قتل وما كان بدء ذلك وافتتاحه ومن
كان المبتدئ به والمفتتح للجرأة عليه قبل قتله * ذكر محمد بن عمر أن عبد الله
ابن جعفر حدثه عن أم بكر بنت المسور بن مخرمة عن أبيها قال قدمت إبل من إبل
الصدقة على عثمان فوهبها لبعض بني الحكم فبلغ ذلك عبد الرحمن بن عوف فأرسل
إلى المسور بن مخرمة وإلى عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث فأخذاها فقسمها
عبد الرحمن في الناس وعثمان في الدار قال محمد بن عمر وحدثني محمد بن صالح بن
عبيد الله بن رافع بن نقاحة عن عثمان بن الشريد قال مر عثمان على جبلة بن عمرو
الساعدي وهو بفناء داره ومعه جامعة فقال يا نعثل والله لأقتلنك ولأحملنك على
قلوص جرباء ولأخرجنك إلى حرة النار ثم جاءه مرة أخرى وعثمان على المنبر
فأنزله عنه * حدثني محمد قال حدثني أبو بكر بن إسماعيل عن أبيه عن عامر بن سعد
قال كان أول من اجترأ على عثمان بالمنطق السئ جبلة بن عمرو الساعدي مر به
عثمان وهو جالس في ندى قومه وفي يد جبلة بن عمر وجامعة فلما مر عثمان سلم
فرد القوم فقال جبلة لم تردون على رجل فعل كذا وكذا قال ثم أقبل على عثمان
399

فقال والله لأطرحن هذه الجامعة في عنقك أو لتتركن بطانتك هذه قال عثمان
أي بطانة فوالله إني لأتخير الناس فقال مروان تخيرته ومعاوية تخيرته وعبد الله
ابن عامر بن كريز تخيرته وعبد الله بن سعد تخيرته منهم من نزل القرآن بدمه وأباح
رسول الله صلى الله عليه وسلم دمه قال فانصرف عثمان فما زال الناس مجترئين
عليه إلى هذا اليوم * قال محمد بن عمرو حدثني ابن أبي الزناد عن موسى بن عقبة عن
أبي حبيبة قال خطب عثمان الناس في بعض أيامه فقال عمرو بن العاص يا أمير المؤمنين
إنك قد ركبت نهابير وركبناها معك فتب نتب فاستقبل عثمان القبلة وشهر يديه
قال أبو حبيبة فلم أر يوما أكثر باكيا ولا باكية من يومئذ ثم لما كان بعد ذلك
خطب الناس فقام إليه جهجاه الغفاري فصاح يا عثمان ألا إن هذه شارف قد جئنا
بها عليها عباءة وجامعة فأنزل فلندرعك العباءة ولنطرحك في الجامعة ولنحملك
على الشارف ثم نطرحك في جبل الدخان فقال عثمان قبحك الله وقبح ما جئت به
قال أبو حبيبة ولم يكن ذلك منه إلا عن ملا من الناس وقام إلى عثمان خيرته وشيعته
من بني أمية فحملوه فأدخلوه الدار قال أبو حبيبة فكان آخر ما رأيته فيه * قال
محمد وحدثني أسامة بن زيد الليثي عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه قال أنا
أنظر إلى عثمان يخطب على عصا النبي صلى الله عليه وسلم التي كان يخطب عليها
وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما فقال له جهجاه قم يا نعثل فأنزل عن هذا المنبر وأخذ
العصا فكسرها على ركبته اليمنى فدخلت شظية منها فبقى الجرح حتى أصابته الأكلة
فرأيتها تدود فنزل عثمان وحملوه وأمر بالعصا فشدوها فكانت مضببة فما خرج
بعد ذلك اليوم إلا خرجة أو خرجتين حتى حصر فقتل * حدثني أحمد بن إبراهيم
قال حدثنا عبد الله بن إدريس عن عبيد الله بن عمر عن نافع أن جهجاها الغفاري
أخذ عصا كانت في يد عثمان فكسرها على ركبته فرمى في ذلك المكان بأكلة
* حدثني جعفر بن عبد الله المحمدي قال حدثنا عمرو عن محمد بن إسحاق
ابن يسار المدني عن عمه عبد الرحمن بن يسار أنه قال لما رأى الناس ما صنع
عثمان كتب من بالمدينة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما بالآفاق منهم
400

وكانوا قد تفرقوا في الثغور انكم إنما خرجتم أن تجاهدوا في سبيل الله عز وجل
تطلبون دين محمد صلى الله عليه وسلم فإن دين محمد قد أفسد من خلفكم وترك
فهلموا فأقيموا دين محمد صلى الله عليه وسلم فأقبلوا من كل أفق حتى قتلوه وكتب
عثمان إلى عبد الله بن سعد بن أبي سرح عامله على مصر حين تراجع الناس عنه
وزعم أنه تائب بكتاب في الذين شخصوا من مصر وكانوا أشد أهل الأمصار
عليه أما بعد فانظر فلانا وفلانا فاضرب أعناقهم إذا قدموا عليك فانظر فلانا وفلانا
فعاقبهم بكذا وكذا منهم نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهم قوم
من التابعين فكان رسوله في ذلك أبو الأعور بن سفيان السلمي حمله عثمان على
جمل له ثم أمره أن يقبل حتى يدخل مصر قبل أن يدخلها القوم فلحقهم أبو الأعور
ببعض الطريق فسألوه أين يريد قال أريد مصر ومعه رجل من أهل الشأم من
خولان فلما رأوه على جمل عثمان قالوا له هل معك كتاب قال لا قالوا فيم أرسلت
قال لا علم لي قالوا ليس معك كتاب ولا علم لك بما أرسلت إن أمرك لمريب
ففتشوه فوجدوا معه كتابا في إداوة يابسة فنظروا في الكتاب فإذا فيه قتل بعضهم
وعقوبة بعضهم في أنفسهم وأموالهم فلما رأوا ذلك رجعوا إلى المدينة فبلغ الناس
رجوعهم والذي كان من أمرهم فتراجعوا من الآفاق كلها وثار أهل المدينة
* حدثني جعفر قال حدثنا عمرو وعلي قالا حدثنا حسين عن أبيه عن محمد بن السائب
الكلبي قال إنما رد أهل مصر إلى عثمان بعد انصرافهم عنه أنه أدركهم غلام
لعثمان على جمل له بصحيفة إلى أمير مصر أن يقتل بعضهم وأن يصلب بعضهم
فلما أتوا عثمان قالوا هذا غلامك قال غلامي انطلق بغير علمي قالوا جملك قال أخذه
من الدار بغير أمري قالوا خاتمك قال نقش عليه فقال عبد الرحمن بن عديس التجيبي
حين أقبل أهل مصر
أقبلن من بلبيس والصعد * خوصا كأمثال القسي قود
مستحقبات حلق الحديد * يطلبن حق الله في الوليد
وعند عثمان وفى سعيد * يا رب فارجعنا بما نريد
401

فلما رأى عثمان ما قد نزل به وما قد انبعث عليه من الناس كتب إلى معاوية بن
أبي سفيان وهو بالشام بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإن أهل المدينة قد كفروا
وأخلفوا الطاعة ونكثوا البيعة فابعث إلي من قبلك من مقاتلة أهل الشأم على
كل صعب وذلول فلما جاء معاوية الكتاب تربص به وكره إظهار مخالفة أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد علم اجتماعهم فلما أبطأ أمره على عثمان
كتب إلى يزيد بن أسد بن كرز وإلى أهل الشأم يستنفرهم ويعظم حقه عليهم
ويذكر الخلفاء وما أمر الله عز وجل به من طاعتهم ومناصحتهم ووعدهم أن
ينجدهم جند أو بطانة دون الناس وذكرهم بلاءه عندهم وصنيعه إليهم فإن كان
عندكم غياث فالعجل العجل فان القوم معاجلي فلما قرئ كتابه عليهم قام يزيد بن
أسد بن كرز البجلي ثم القسري فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر عثمان فعظم حقه
وحضهم على نصره وأمرهم بالمسير إليه فتابعه ناس كثير وساروا معه حتى إذا
كانوا بوادي القرى بلغهم قتل عثمان رضي الله عنه فرجعوا وكتب عثمان إلى
عبد الله بن عامر أن اندب إلى أهل البصرة نسخة كتابه إلى أهل الشأم فجمع عبد الله
ابن عامر الناس فقرأ كتابه عليهم فقامت خطباء من أهل البصرة يحضونه على نصر
عثمان والمسير إليه فيهم مجاشع بن مسعود السلمي وكان أول من تكلم وهو يومئذ
سيد قيس بالبصرة وقام أيضا قيس بن الهيثم السلمي فخطب وحض الناس على نصر
عثمان فسارع الناس إلى ذلك فاستعمل عليهم عبد الله بن عامر مجاشع بن مسعود
فسار بهم حتى إذا نزل الناس الربذة ونزلت مقدمته عند صرار ناحية من المدينة
أتاهم قتل عثمان * حدثني جعفر قال حدثنا عمرو وعلي قالا حدثنا حسين عن
أبيه عن محمد بن إسحاق بن يسار المدني عن يحيى بن عباد عن عبد الله بن الزبير
عن أبيه قال كتب أهل مصر بالسقيا أو بذي خشب إلى عثمان بكتاب فجاء به رجل
منهم حتى دخل به عليه فلم يرد عليه شيئا فأمر به فأخرج من الدار وكان أهل مصر
الذين ساروا إلى عثمان ستمائة رجل على أربعة ألوية لها رؤوس أربعة مع كل
رجل منهم لواء وكان جماع أمرهم جميعا إلى عمرو بن بديل بن ورقاء الخزاعي وكان
402

من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والى عبد الرحمن بن عديس التجيبي فكان فيما
كتبوا إليه بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فاعلم أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا
ما بأنفسهم فالله الله ثم الله الله فإنك على دنيا فاستتم إليها معها آخرة ولا تلبس
نصيبك من الآخرة فلا تسوغ لك الدنيا واعلم انا والله لله نغضب وفي الله نرضى
وإنا لن نضع سيوفنا عن عواتقنا حتى تأتينا منك توبة مصرحة أو ضلالة مجلحة
مبلجة فهذه مقالتنا لك وقضيتنا إليك والله عذيرنا منك والسلام وكتب أهل المدينة
إلى عثمان يدعونه إلى التوبة ويحتجون ويقسمون له بالله لا يمسكون عنه أبدا
حتى يقتلوه أو يعطيهم ما يلزمه من حق الله فلما خاف القتل شاور نصحاءه وأهل
بيته فقال لهم قد صنع القوم ما قد رأيتم فما المخرج فأشاروا عليه أن يرسل إلى علي
ابن أبي طالب فيطلب إليه أن يردهم عنه ويعطيهم ما يرضيهم ليطاولهم حتى يأتيه
أمداد فقال إن القوم لن يقبلوا التعليل وهي محملي عهدا وقد كان مني في
قدمتهم الأولى ما كان فمتى أعطهم ذلك يسألوني الوفاء به فقال مروان بن
الحكم يا أمير المؤمنين مقاربتهم حتى تقوى أمثل من مكاثرتهم على القرب
فأعطهم ما سألوك وطاولهم ما طاولوك فإنما هم بغوا عليك فلا عهد لهم
فأرسل إلى علي فدعاه فلما جاءه قال يا أبا حسن إنه قد كان من الناس ما قد
رأيت وكان مني ما قد علمت ولست آمنهم على قتلى فارددهم عني فان لهم الله عز وجل
أن أعتبهم من كل ما يكرهون وأن أعطيهم الحق من نفسي ومن غيري وإن كان في
ذلك سفك دمي فقال له علي الناس إلى عدلك أحوج منهم إلى قتلك وإني لارى
قوما لا يرضون إلا بالرضى وقد كنت أعطيتهم في قدمتهم الأولى عهدا من الله
لترجعن عن جميع ما نقموا فرددتهم عنك ثم لم تف لهم بشئ من ذلك فلا تغرني
هذه المرة من شئ فإني معطيهم عليك الحق قال نعم فأعطهم فوالله لأفين لهم فخرج
علي إلى الناس فقال أيها الناس إنكم إنما طلبتم الحق فقد أعطيتموه إن عثمان قد
زعم أنه منصفكم من نفسه ومن غيره وراجع عن جميع ما تكرهون فاقبلوا منه
ووكدوا عليه قال الناس قد قبلنا فاستوثق منه لنا فإنا والله لا نرضى بقول دون
403

فعل فقال لهم على ذلك لكم ثم دخل عليه فأخبره الخبر فقال عثمان اضرب بيني
وبينهم أجلا يكون لي فيه مهلة فاني لا أقدر على رد ما كرهوا في يوم واحد قال له
علي ما حضر بالمدينة فلا أجل فيه وما غاب فأجله وصول أمرك قال نعم ولكن
أجلني فيما بالمدينة ثلاثة أيام قال علي نعم فخرج إلى الناس فأخبرهم بذلك وكتب
بينهم وبين عثمان كتابا أجله فيه ثلاثا على أن يرد كل مظلمة ويعزل كل عامل كرهوه
ثم أخذ عليه في الكتاب أعظم ما أخذ الله على أحد من خلقه من عهد وميثاق
وأشهد عليه ناسا من وجوه المهاجرين والأنصار فكف المسلمون عنه ورجعوا
إلى أن يفي لهم بما أعطاهم من نفسه فجعل يتأهب للقتال ويستعد بالسلاح وقد كان
اتخذ جندا عظيما من رقيق الخمس فلما مضت الأيام الثلاثة وهو على حاله لم يغير
شيئا مما كرهوه ولم يعزل عاملا ثار به الناس وخرج عمرو بن حزم الأنصاري حتى أتى
المصريين وهم بذي خشب فأخبرهم الخبر وسار معهم حتى قدموا المدينة فأرسلوا
إلى عثمان ألم نفارقك على أنك زعمت أنك تائب من أحداثك وراجع عما كرهنا
منك وأعطيتنا على ذلك عهد الله وميثاقه قال بلى أنا على ذلك قال فما هذا الكتاب
الذي وجدنا مع رسولك وكتبت به إلى عاملك قال ما فعلت ولا لي علم بما تقولون
قالوا بريدك على جملك وكتاب كاتبك عليه خاتمك قال أما الجمل فمسروق وقد يشبه
الخط الخط وأما الخاتم فانتقش عليه قالوا فإنا لا نعجل عليك وإن كنا قد اتهمناك
اعزل عنا عمالك الفساق واستعمل علينا من لا يتهم على دمائنا وأموالنا واردد
علينا مظالمنا قال عثمان ما أراني إذا في شئ إن كنت أستعمل من هويتم وأعزل
من كرهتم الامر إذا أمركم قالوا والله لتفعلن أو لتعزلن أو لتقتلن فانظر لنفسك
أو دع فأبى عليهم وقال لم أكن لأخلع سربالا سربلنيه الله فحصروه أربعين ليلة
وطلحة يصلى بالناس * حدثني يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا إسماعيل بن إبراهيم
عن ابن عون قال حدثنا الحسن قال أنبأني وثاب قال وكان فيمن أدركه عتق
أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه قال ورأيت بحلقه أثر طعنتين كأنهما كتبتان طعنهما
يومئذ يوم الدار قال بعثني عثمان فدعوت له الأشتر فجاء قال ابن عون فأظنه قال
404

فطرحت لأمير المؤمنين وسادة وله وسادة فقال يا أشتر ما يريد الناس مني قال ثلاثا
ليس من إحداهن بد قال ما هن قال يخيرونك بين أن تخلع لهم أمرهم فتقول هذا
أمركم فاختاروا له من شئتم وبين أن تقص من نفسك فان أبيت هاتين فان القوم
قاتلوك فقال أما من إحداهن بد قال ما من إحداهن بد فقال أما أن أخلع لهم أمرهم
فما كنت لأخلع سربالا سربلنيه الله عز وجل قال وقال غيره والله لان أقدم
فتضرب عنقي أحب إلي من أن أخلع قميصا قمصنيه الله وأترك أمة محمد صلى الله
عليه وسلم يعدو بعضها على بعض قال ابن عون وهذا أشبه بكلامه وإما أن أقص
من نفسي فوالله لقد علمت أن صاحبي بين يدي قد كانا يعاقبان وما يقوم بدني
بالقصاص وأما أن تقتلوني فوالله لئن قتلتموني لا تتحابون بعدي أبدا ولا تصلون
جميعا بعدي أبدا ولا تقاتلون بعدي عدوا جميعا أبدا قال فقام الأشتر فانطلق
فمكثنا أياما قال ثم جاء رويجل كأنه ذئب فاطلع من باب ثم رجع وجاء محمد بن
أبي بكر وثلاثة عشر حتى انتهى إلى عثمان فأخذ بلحيته فقال بها حتى سمعت وقع
أضراسه وقال ما أغنى عنك معاوية ما أغنى عنك ابن عامر ما أغنت عنك كتبك
قال أرسل لحيتي يا ابن أخي أرسل لحيتي قال وأنا رأيته استعدى رجلا من القوم
بعينه فقام إليه بمشقص حتى وجاء به في رأسه (قلت) ثم مه قال تغاووا عليه حتى قتلوه
(وذكر الواقدي) أن يحيى بن عبد العزيز حدثه عن جعفر بن محمود عن محمد بن
مسلمة قال خرجت في نفر من قومي إلى المصريين وكان رؤساؤهم أربعة عبد الرحمن
ابن عديس البلوى وسودان بن حمران المرادي وعمرو بن الحمق الخزاعي وقد
كان هذا الاسم غلب حتى كان يقال حبيس ابن الحمق وابن النباع قال فدخلت
عليهم وهم في خباء لهم أربعتهم ورأيت الناس لهم تبعا قال فعظمت حق عثمان وما في
رقابهم من البيعة وخوفتهم بالفتنة وأعلمتهم أن في قتله اختلافا وأمرا عظيما
فلا تكونوا أول من فتحه وأنه ينزع عن هذه الخصال التي نقمتم منها عليه وأنا ضامن
لذلك قال القوم فإن لم ينزع قال قلت فأمركم إليكم قال فانصرف القوم وهم راضون
فرجعت إلى عثمان فقلت أخلني فأخلاني فقلت الله الله يا عثمان في نفسك إن هؤلاء
405

القوم إنما قدموا يريدون دمك وأنت ترى خذلان أصحابك لك لا بل هم يقوون
عدوك عليك قال فأعطاني الرضى وجزاني خيرا قال ثم خرجت من عنده فأقمت
ما شاء الله أن أقيم قال وقد تكلم عثمان برجوع المصريين وذكر أنهم جاؤوا لأمر
فبلغهم غيره فانصرفوا فأردت أن آتيه فأعنفه ثم سكت فإذا قائل يقول قد
قدم المصريون وهم بالسويداء قال قلت أحق ما تقول قال نعم قال فأرسل إلي عثمان
قال وإذا الخبر قد جاءه وقد نزل القوم من ساعتهم ذا خشب فقال يا أبا عبد الرحمن
هؤلاء القوم قد رجعوا فما الرأي فيهم قال قلت والله ما أدرى إلا أني أظن أنهم
لم يرجعوا لخير قال فارجع إليهم فارددهم قال قلت لا والله ما أنا بفاعل قال ولم قال
لاني ضمنت لهم أمورا تنزع عنها فلم تنزع عن حرف واحد منها قال فقال الله
المستعان قال وخرجت وقدم القوم وحلوا بالأسواف وحصروا عثمان قال وجاءني
عبد الرحمن بن عديس ومعه سودان بن حمران وصاحباه فقالوا يا أبا عبد الرحمن
ألم تعلم أنك كلمتنا ورددتنا وزعمت أن صاحبنا نازع عما نكره فقلت بلى قال فإذا هم
يخرجون إلي صحيفة صغيرة قال وإذا قصبة من رصاص فإذا هم يقولون وجدنا
جملا من إبل الصدقة عليه غلام عثمان فأخذنا متاعه ففتشناه فوجدنا فيه هذا
الكتاب فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإذا قدم عليك عبد الرحمن بن
عديس فاجلده مائة جلدة واحلق رأسه ولحيته وأطل حبسه حتى يأتيك أمري
وعمرو بن الحمق فافعل به مثل ذلك وسودان بن حمران مثل ذلك وعروة بن
النباع الليثي مثل ذلك قال فقلت وما يدريكم أن عثمان كتب بهذا قالوا فيفتات
مروان على عثمان بهذا فهذا شر فيخرج نفسه من هذا الامر ثم قالوا انطلق معنا
إليه فقد كلمنا عليا ووعدنا أن يكلمه إذا صلى الظهر وجئنا سعد بن أبي وقاص
فقال لا أدخل في أمركم وجئنا سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل فقال مثل هذا
فقال محمد فأين وعدكم علي قالوا وعدنا إذا صلى الظهر أن يدخل عليه * قال محمد
فصليت مع علي قال ثم دخلت أنا وعلي عليه فقلنا إن هؤلاء المصريين بالباب فأذن
لهم قال ومروان عنده جالس قال فقال مروان دعني جعلت فداك أكلمهم قال
406

فقال عثمان فض الله فاك اخرج عني وما كلامك في هذا الامر قال فخرج
مروان قال وأقبل علي عليه قال وقد أنهى المصريون إليه مثل الذي أنهوا إلي
قال فجعل علي يخبره ما وجدوا في كتابهم قال فجعل يقسم بالله ما كتب ولا علم
ولا شور فيه قال فقال محمد بن مسلمة والله إنه لصادق ولكن هذا عمل مروان فقال
علي فأدخلهم عليك فليسمعوا عذرك قال ثم أقبل عثمان على علي فقال إن لي قرابة
ورحما والله لو كنت في هذه الحلقة لحللتها عنك فاخرج إليهم فكلمهم فإنهم يسمعون
منك قال علي والله ما أنا بفاعل ولكن أدخلهم حتى تعتذر إليهم قال فأدخلوا
(قال محمد بن مسلمة) فدخلوا يومئذ فما سلموا عليه بالخلافة فعرفت أنه الشر
بعينه قال سلام عليكم فقلنا وعليكم السلام قال فتكلم القوم وقد قدموا في كلامهم ابن
عديس فذكر ما صنع ابن سعد بمصر وذكر تحاملا منه على المسلمين وأهل الذمة وذكر
استئثارا منه في غنائم المسلمين فإذا قيل له في ذلك قال هذا كتاب أمير المؤمنين إلي ثم
ذكروا أشياء مما أحدث بالمدينة وما خالف به صاحبيه قال فرحلنا من مصر ونحن لا نريد
إلا دمك أو تنزع فردنا علي ومحمد بن مسلمة وضمن لنا محمد النزوع عن كل
ما تكلمنا فيه ثم أقبلوا على محمد بن مسلمة فقالوا هل قلت ذاك لنا (قال محمد)
فقلت نعم ثم رجعنا إلى بلادنا نستظهر بالله عز وجل عليك ويكون حجة لنا بعد
حتى حجة إذا كنا بالبويب أخذنا غلامك فأخذنا كتابك وخاتمك إلى عبد الله بن
سعد تأمره فيه بجلد ظهرونا والمثل بنا في أشعارنا وطول الحبس لنا وهذا كتابك
قال فحمد الله عثمان وأثنى عليه ثم قال والله ما كتبت ولا أمرت ولا شوورت ولا
علمت قال فقلت وعلي جميعا قد صدق قال فاستراح إليها عثمان فقال المصريون فمن
كتبه قال لا أدري قال أفيجترأ عليك فيبعث غلامك وجمل من صدقات المسلمين
وينقش على خاتمك ويكتب إلى عاملك بهذه الأمور العظام وأنت لا تعلم قال نعم
قالوا فليس مثلك يلي اخلع نفسك من هذا الامر كما خلعك الله منه قال لا أنزع
قميصا ألبسنيه الله عز وجل قال وكثرت الأصوات واللغط فما كنت أظن أنهم
يخرجون حتى يواثبوه قال وقام علي فخرج قال فلما قام علي قمت قال وقال للمصريين
407

اخرجوا فخرجوا قال ورجعت إلى منزلي ورجع علي إلي منزله فما برحوا محاصريه
حتى قتلوه * قال محمد بن عمر وحدثني عبد الله بن الحارث بن الفضيل عن أبيه
عن سفيان بن أبي العوجاء قال قدم المصريون القدمة الأولى فكلم عثمان محمد
ابن مسلمة فخرج في خمسين راكبا من الأنصار فأتوهم بذي خشب فردهم ورجع
القوم حتى إذا كانوا بالبويب وجدوا غلاما لعثمان معه كتاب إلى عبد الله بن سعد
فكروا فانتهوا إلى المدينة وقد تخلف بها من الناس الأشتر وحكيم بن جبلة فأتوا
بالكتاب فأنكر عثمان أن يكون كتبه وقال هذا مفتعل قالوا فالكتاب كتاب
كاتبك قال أجل ولكنه كتبه بغير أمري قالوا فإن الرسول الذي وجدنا معه
الكتاب غلامك قال أجل ولكنه خرج بغير إذني قالوا فالجمل جملك قال أجل
ولكنه أخذ بغير علمي قالوا ما أنت إلا صادق أو كاذب فإن كنت كاذبا فقد
استحققت الخلع لما أمرت به من سفك دمائنا بغير حقها وإن كنت صادقا فقد
استحققت ان تخلع لضعفك وغفلتك وخبث بطانتك لأنه لا ينبغي لنا ان نترك
على رقابنا من يقتطع مثل هذا الامر دونه لضعفه وغفلته وقالوا له إنك ضربت رجالا
من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم حين يعظونك ويأمرونك بمراجعة
الحق عند من يستنكرون من أعمالك فأقدمن نفسك من ضربته وأنت له ظالم
فقال الامام يخطئ ويصيب فلا أقيد من نفسي لاني لو أقدت كل من أصبته بخطإ
أتى على نفسي قالوا إنك قد أحدثت أحداثا عظاما فاستحققت بها الخلع فإذا كلمت
فيها أعطيت التوبة ثم عدت إليها وإلى مثلها ثم قدمنا عليك فأعطيتنا التوبة
والرجوع إلى الحق ولامنا فيك محمد بن مسلمة وضمن لنا ما حدث من أمر
فأخفرته فتبرأ منك وقال لا أدخل في أمره فرجعنا أول مرة لنقطع حجتك
ونبلغ اقصى الاعذار إليك نستظهر بالله عز وجل عليك فلحقنا كتاب منك
إلى عاملك علينا تأمره فينا بالقتل والقطع والصلب وزعمت أنه كتب بغير علمك
وهو مع غلامك وعلى غلامك وعلى جملك وبخط كاتبك وعليه خاتمك فقد وقعت
عليك بذلك التهمة القبيحة مع ما بلونا منك قبل ذلك من الجور في الحكم والأثرة
408

في القسم والعقوبة للامر بالتبسط من الناس والاظهار للتوبة ثم الرجوع إلى
الخطيئة ولقد رجعنا عنك وما كان لنا أن نرجع حتى نخلعك ونستبدل بك من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يحدث مثل ما جربنا منك ولم يقع عليه من
التهمة ما وقع عليك فاردد خلافتنا واعتزل أمرنا فإن ذلك أسلم لنا منك وأسلم لك
منا فقال عثمان فرغتم من جميع ما تريدون قالوا نعم قال الحمد لله أحمده وأستعينه
وأومن به وأتوكل عليه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا
عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون
أما بعد فإنكم لم تعدلوا في المنطق ولم تنصفوا في القضاء أما قولكم تخلع نفسك فلا
أنزع قميصا قمصنيه الله عز وجل وأكرمني به وخصني به على غيري ولكني أتوب
وأنزع ولا أعود لشئ عابه المسلمون فإني والله الفقير إلى الله الخائف منه قالوا إن
هذا لو كان أول حدث أحدثته ثم تبت منه ولم تقم عليه لكان علينا أن نقبل منك
وأن ننصرف عنك ولكنه قد كان منك من الاحداث قبل هذا ما قد علمت ولقد
انصرفنا عنك في المرة الأولى وما نخشى أن تكتب فينا ولا من اعتللت به بما وجدنا
في كتابك مع غلامك وكيف نقبل توبتك وقد بلونا منك أنك لا تعطى من
نفسك التوبة من ذنب إلا عدت إليه فلسنا منصرفين حتى نعزلك ونستبدل بك
فان حال من معك من قومك وذوي رحمك وأهل الانقطاع إليك دونك بقتال
قاتلناهم حتى نخلص إليك فنقتلك أو تلحق أرواحنا بالله فقال عثمان أما أن أتبرأ
من الامارة فان تصلبوني أحب إلي من أن أتبرأ من أمر الله عز وجل وخلافته
وأما قولكم تقاتلون من قاتل دوني فاني لا آمر أحدا بقتالكم فمن قاتل دوني فإنما
قاتل بغير أمري ولعمري لو كنت أريد قتالكم لقد كنت كتبت إلى الأجناد فقادوا
الجنود وبعثوا الرجال أو لحقت ببعض أطرافي بمصر أو عراق فالله الله في أنفسكم
فأبقوا عليها إن لم تبقوا علي فإنكم مجتلبون بهذا الامر إن قتلتموني دما قال ثم
انصرفوا عنه وآذنوه بالحرب وأرسل إلى محمد بن مسلمة فكلمه أن يردهم فقال والله
لا أكذب الله في سنة مرتين * قال محمد بن عمر حدثني محمد بن مسلم عن موسى
409

ابن عقبة عن أبي حبيبة قال نظرت إلى سعد بن أبي وقاص يوم قتل عثمان دخل
عليه ثم خرج من عنده وهو يسترجع مما يرى على الباب فقال له مروان الآن تندم
أنت أشعرته فأسمع سعدا يقول أستغفر الله لم أكن أظن الناس يجترئون هذه
الجرأة ولا يطلبون دمه وقد دخلت عليه الآن فتكلم بكلام لم تحضره أنت ولا
أصحابك فنزع عن كل ما كره منه وأعطى التوبة وقال لا أتمادى في الهلكة إن من
تمادى في الجور كان أبعد من الطريق فأنا أتوب وأنزع فقال مروان إن كنت تريد
أن تذب عنه فعليك بابن أبي طالب فإنه متستر وهو لا يجبه فخرج سعد حتى أتى
عليا وهو بين القبر والمنبر فقال يا أبا الحسن قم فداك أبي وأمي جئتك والله بخير
ما جاء به أحد قط إلى أحد تصل رحم ابن عمك وتأخذ بالفضل عليه وتحقن دمه
ويرجع الامر على ما نحب قد أعطى خليفتك من نفسه الرضى فقال علي تقبل الله
منه يا أبا إسحاق والله ما زلت أذب عنه حتى إني لاستحى ولكن مروان ومعاوية
وعبد الله بن عامر وسعيد بن العاص هم صنعوا به ما ترى فإذا نصحته وأمرته أن
ينحيهم استغشني حتى جاء ما ترى قال فبينا هم كذلك جاء محمد بن أبي بكر فسار عليا
فأخذ علي بيدي ونهض علي وهو يقول وأي خير توبته هذه فوالله ما بلغت داري
حتى سمعت الهائعة أن عثمان قد قتل فلم نزل والله في شر إلى يومنا هذا * قال محمد
ابن عمر وحدثني شرحبيل بن أبي عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير قال لما
خرج المصريون إلى عثمان رضي الله عنه بعث عبد الله بن سعد رسولا أسرع السير
يعلم عثمان بمخرجهم وبخبره أنهم يظهرون أنهم يريدون العمرة فقدم الرسول على
عثمان بن عفان فخبرهم فتكلم عثمان وبعث إلى أهل مكة يحذر من هناك هؤلاء
المصريين ويخبرهم أنهم قد طعنوا على إمامهم ثم إن عبد الله بن سعد خرج إلى عثمان
في آثار المصريين وقد كان كتب إليه يستأذنه في القدوم عليه فأذن له فقدم ابن سعد
حتى إذا كان بأيلة بلغه أن المصريين قد رجعوا إلى عثمان وأنهم قد حصروه ومحمد
ابن أبي حذيفة بمصر فلما بلغ محمدا حصر عثمان وخروج عبد الله بن سعد عنه غلب
على مصر فاستجابوا له فأقبل عبد الله بن سعد يريد مصر فمنعه ابن أبي حذيفة فوجه
410

إلى فلسطين فأقام بها حتى قتل عثمان رضي الله عنه وأقبل المصريون حتى نزلوا
بالأسواف فحصروا عثمان وقدم حكيم بن جبلة من البصرة في ركب وقدم الأشتر
في أهل الكوفة فتوافوا بالمدينة فاعتزل الأشتر فاعتزل حكيم بن جبلة وكان ابن
عديس وأصحابه هم الذين يحصرون عثمان فكانوا خمسمائة فأقاموا على حصاره
تسعة وأربعين يوما حتى قتل يوم الجمعة لثمان عشرة ليلة مضت من ذي الحجة سنة
35 (قال محمد) وحدثني إبراهيم بن سالم عن أبيه عن بشر بن سعيد قال وحدثني
عبد الله بن عباس بن أبي ربيعة قال دخلت على عثمان رضي الله عنه فتحدثت عنده
ساعة فقال يا ابن عباس تعال فأخذ بيدي فأسمعني كلام من على باب عثمان فسمعنا
كلاما منهم من يقول ما تنتظرون به ومنهم من يقول انظروا عسى أن يراجع فبينا
أنا وهو واقفان إذ مر طلحة بن عبيد الله فوقف فقال أين ابن عديس فقيل هاهو
ذا قال فجاءه ابن عديس فناجاه بشئ ثم رجع ابن عديس فقال لأصحابه لا تتركوا
أحدا يدخل على هذا الرجل ولا يخرج من عنده قال فقال لي عثمان هذا
ما أمر به طلحة بن عبيد الله ثم قال عثمان اللهم اكفني طلحة بن عبيد الله فإنه
حمل على هؤلاء وألبهم والله إني لأرجو ا أن يكون منها صفرا وأن يسفك دمه انه
انتهك مني ما لا يحل له سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يحل دم
امرئ مسلم الا في إحدى ثلاث رجل كفر بعد اسلامه فيقتل أو رجل زنى بعد
احصانه فيرجم أو رجل قتل نفسا بغير نفس ففيم أقتل قال ثم رجع عثمان قال ابن
عباس فأردت أن أخرج فمنعوني حتى مر بي محمد بن أبي بكر فقال خلوه فخلوني
قال محمد حدثني يعقوب بن عبد الله الأشعري عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد
ابن عبد الرحمن بن أبزي عن أبيه قال رأيت اليوم الذي دخل فيه على عثمان فدخلوا
من دار عمرو بن حزم خوخة هناك حتى دخلوا الدار فناوشوهم شيئا من مناوشة
ودخلوا فوالله ما نسينا أن خرج سودان بن حمران فأسمعه يقول أين طلحة بن عبيد الله
قد قتلنا ابن عفان * قال محمد بن عمرو حدثني شرحبيل بن أبي عون عن أبيه عن
أبي حفصة اليماني قال كنت لرجل من أهل البادية من العرب فأعجبته يعني مروان
411

فاشتراني واشترى امرأتي وولدي فأعتقنا جميعا وكنت أكون معه فلما حصر
عثمان رضي الله عنه شمرت معه بنو أمية ودخل معه مروان الدار قال فكنت معه
في الدار قال فأنا والله أنشبت القتال بين الناس رميت من فوق الدار رجلا
من أسلم فقتلته وهو نيار الأسلمي فنشب القتال ثم نزلت فاقتتل الناس على الباب
وقاتل مروان حتى سقط فاحتملته فأدخلته بيت عجوز وأغلقت عليه وألقى الناس
النيران في أبواب دار عثمان فاحترق بعضها فقال عثمان ما احترق الباب إلا لما
هو أعظم منه لا يحركن رجل منكم يده فوالله لو كنت أقصاكم لتخطوكم حتى يقتلوني
ولو كنت أدناكم ما جاوزوني إلى غيري وإني لصابر كما عهد إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم لأصرعن مصرعي الذي كتب الله عز وجل لي فقال مروان والله لا تقتل
وأنا أسمع الصوت ثم خرج بالسيف على الباب يتمثل بهذا الشعر
قد علمت ذات القرون الميل * والكف والأنامل الطفول
أني أروع أول الرعيل * بفاره مثل قطا الشليل
قال محمد وحدثني عبد الله بن الحارث بن الفضيل عن أبيه عن أبي حفصة قال
لما كان يوم الخميس دليت حجرا من فوق الدار فقتلت رجلا من أسلم يقال له نيار
فأرسلوا إلى عثمان أن أمكنا من قاتله قال والله ما أعرف له قاتلا فباتوا ينحرفون
علينا ليلة الجمعة بمثل النيران فلما أصبحوا غدوا فأول من طلع علينا كنانة بن عتاب
في يده شعلة من نار على ظهر سطوحنا قد فتح له من دار آل حزم ثم دخلت الشعل
لي اثره تنضح بالنفط فقاتلناهم ساعة على الخشب وقد اضطرم الخشب فأسمع عثمان
يقول لأصحابه ما بعد الحريق شئ قد احترق الخشب واحترقت الأبواب ومن
كانت له عليه طاعة فليمسك داره فإنما يريدني القوم وسيندمون على قتلي والله
لو تركوني لظننت أني لا أحب الحياة ولقد تغيرت حالي وسقط أسناني ورق عظمي
قال ثم قال لمروان اجلس فلا تخرج فعصاه مروان فقال والله لا تقتل ولا يخلص
السك وأنا أسمع الصوت ثم خرج إلى الناس فقلت ما لمولاي مترك فخرجت معه
أذب عنه ونحن قليل فأسمع مروان يتمثل
412

قد علمت ذات القرون الميل * والكف والأنامل الطفول
ثم صاح من يبارز وقد رفع أسفل درعه فجعله في منطقته قال فيثب إليه ابن النباع
فضربه ضربة على رقبته من خلفه فأثبته حتى سقط فما ينبض منه عرق فأدخلته
بيت فاطمة ابنة أوس جدة إبراهيم بن العدي قال فكان عبد الملك وبنو أمية
يعرفون ذلك لآل العدي * حدثني أحمد بن عثمان بن حكيم قال حدثنا عبد الرحمن
ابن شريك قال حدثني أبي عن محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة بن الأخنس
عن ابن الحارث بن أبي بكر عن أبيه أبي بكر بن الحارث بن هشام قال كأني
أنظر إلى عبد الرحمن بن عديس البلوى وهو مسند ظهره إلى مسجد نبي الله صلى
الله عليه وسلم وعثمان بن عفان رضي الله عنه محصور فخرج مروان بن الحكم فقال
من يبارز فقال عبد الرحمن بن عديس لفلان بن عروة قم إلى هذا الرجل فقام
إليه غلام شاب طوال فأخذ رفيف الدرع فغرزه في منطقته فأعور له عن ساقة
فأهوى له مروان وضربه ابن عروة على عنقه فكأني أنظر إليه حين استدار
وقام إليه عبيد بن رفاعة الزرقي ليدفف عليه قال فوثبت عليه فاطمة ابنة أوس
جدة إبراهيم بن عدي قال وكانت أرضعت مروان وأرضعت له فقالت إن كنت
إنما تريد قتل الرجل فقد قتل وإن كنت تريد أن تلعب بلحمه فهدا قبيح قال
فكف عنه فما زالوا يشكرونها لها فاستعملوا ابنها إبراهيم بعد وقال ابن إسحاق
قال عبد الرحمن بن عديس البلوي حين سار إلى المدينة من مصر
أقبلن من بلبيس والصعيد * مستحقبات حلق الحديد
يطلبن حق الله في سعيد * حتى رجعن بالذي نريد
* حدثني جعفر بن عبد الله المحمدي قال حدثنا عمرو بن حماد وعلي بن حسين
قالا حدثنا حسين بن عيسى عن أبيه قال لما مضت أيام التشريق أطافوا بدار
عثمان رضي الله عنه وأبى إلا الإقامة على أمره وأسل إلى حشمه وخاصته فجمعهم
فقام رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له نيار بن عياض وكان شيخا
كبيرا فنادى يا عثمان فأشرف عليه من أعلى داره فناشده الله وذكره الله لما اعتزلهم
413

فبينا هو يراجعه الكلام إذ رماه رجل من أصحاب عثمان فقتله بسهم وزعموا أن
الذي رماه كثير بن الصلت الكندي فقالوا لعثمان عند ذلك ادفع إلينا قاتل نيار
ابن عياض فلنقتله به فقال لم أكن لأقتل رجلا نصرني وأنتم تريدون قتلي فلما رأوا
ذلك ثاروا إلى بابه فأحرقوه وخرج عليهم مروان بن الحكم من دار عثمان في
عصابة وخرج سعيد بن العاص في عصابة وخرج المغيرة بن الأخنس بن شريق
الثقفي حليف بني زهرة في عصابة فاقتتلوا قتالا شديدا وكان الذي حداهم على القتال
أنه بلغهم أن مددا من أهل البصرة قد نزلوا صرارا وهي من المدينة على ليلة وأن
أهل الشام قد توجهوا مقبلين فقاتلوهم قتالا شديد على باب الدار فحمل المغيرة
ابن الأخنس الثقفي على القوم وهو يقول مرتجزا
قد علمت جارية عطبول * لها وشاح ولها حجول
أني بنصل السيف خنشليل
فحمل عليه عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي وهو يقول
إن تك بالسيف كما تقول * فأثبت لقرن ماجد يصول
بمشرفي حده مصقول
فضربه عبد الله فقتله وحمل رفاعة بن رافع الأنصاري ثم الزرقي على مروان
ابن الحكم فضربه فصرعه فنزل عنه وهو يرى أنه قد قتله وجرح عبد الله بن الزبير
جراحات وانهزم القوم حتى لجأوا إلى القصر فاعتصموا ببابه فاقتتلوا عليه قتالا
شديدا فقتل في المعركة على الباب زياد بن نعيم الفهري في ناس من أصحاب عثمان
فلم يزل الناس يقتتلون حتى فتح عمرو بن حزم الأنصاري باب داره وهو إلى جنب
دار عثمان بن عفان ثم نادى الناس فأقبلوا عليهم من داره فقاتلوهم في جوف الدار
حتى انهزموا وخلى لهم عن باب الدار فخرجوا هرابا في طرق المدينة وبقى عثمان
في أناس من أهل بيته وأصحابه فقتلوا معه وقتل عثمان رضي الله عنه * حدثني يعقوب
ابن إبراهيم قال حدثنا معتمر بن سليمان التيمي قال حدثني أبي قال حدثنا أبو نضرة
عن أبي سعيد مولى أبي أسيد الأنصاري قال أشرف عليهم عثمان رضي الله عنه
414

ذات يوم فقال السلام عليكم قال فما سمع أحدا من الناس رد عليه إلا أن يرد رجل
في نفسه فقال أنشدكم الله هل علمتم أني اشتريت رومة من مالي يستعذب بها فجعلت
رشائي منها كرشاء رجل من المسلمين قال قيل نعم قال فما يمنعني أن أشرب منها حتى
أفطر على ماء البحر قال أنشدكم الله هل علمتم أني اشتريت كذا وكذا من الأرض
فزدته في المسجد قيل نعم قال فهل علمتم أحدا من الناس منع أن يصلي فيه قبلي قال
أنشدكم الله هل سمعتم نبي الله صلى الله عليه وسلم يذكر كذا وكذا أشياء في شأنه
وذكر الله إياه أيضا في كتابه المفصل قال ففشا النهى قال فجعل الناس يقولون مهلا
عن أمير المؤمنين قال وفشا النهى قال وقام الأشتر قال ولا أدري يومئذ أو في يوم
آخر فقال لعله قد مكر به وبكم قال فوطئه الناس حتى لقى كذا وكذا قال فرأيته أشرف
عليهم مرة أخرى فوعظهم وذكرهم فلم تأخذ فيهم الموعظة وكان الناس تأخذ فيهم
الموعظة أو ما يسمعونها فإذا أعيدت عليهم لم تأخذ فيهم قال ثم إنه فتح الباب ووضع
المصحف بين يديه قال وذاك أنه رأى من الليل أن نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول
أفطر عندنا الليلة قال أبو معتمر فحدثنا الحسن أن محمد بن أبي بكر دخل عليه فأخذ
بلحيته قال فقال له قد أخذت منا مأخذا وقعدت مني مقعدا ما كان أبو بكر ليقعده
أو ليأخذه قال فخرج وتركه قال ودخل عليه رجل يقال له الموت الأسود قال فخنقه
ثم خفقه قال ثم خرج فقال والله ما رأيت شيئا قط ألين من حلقه والله لقد خنقته
حتى رأيت نفسه تتردد في جسده كنفس الجان قال فخرج قال في حديث أبي سعيد
دخل على عثمان رجل فقال بيني وبينك كتاب الله قال والمصحف بين يديه قال
فيهوى له بالسيف فاتقاه بيده فقطعها فقال لا أدري أبانها أم قطعها ولم يبنها قال
فقال أما والله أنها لأول كف حطت المفصل وقال في غير حديث أبي سعيد فدخل
عليه التجيبي فأشعره مشقصا فانتضح الدم على هذه الآية فسيكفيكهم الله وهو
السميع العليم قال فإنها في المصحف ما حكت قال وأخذت ابنة الفرافصة في حديث
أبي سعيد حليها فوضعته في حجرها وذلك قبل أن يقتل قال فلما أشعر أو قال قتل
ناحت عليه قال فقال بعضهم قاتلها الله ما أعظم عجيزتها قال فعلمت أن عدوا الله لم يرد
415

إلا الدنيا (وأما سيف) فإنه قال فيما كتب إلى السري عن شعيب عنه ذكر عن بدر
ابن عثمان عن عمه قال آخر خطبة خطبها عثمان رضي الله عنه في جماعة إن الله
عز وجل إنما أعطاكم الدنيا لتطلبوا بها الآخرة ولم يعطكموها لتركنوا إليها إن
الدنيا تفنى والآخرة تبقى فلا تبطرنكم الفانية ولا تشغلنكم عن الباقية فآثروا ما يبقى
على ما يفنى فإن الدنيا منقطعة وإن المصير إلى الله اتقوا الله عز وجل فان تقواه
جنة من بأسه ووسيلة عنده واحذروا من الله الغير والزموا جماعتكم لا تصيروا
أحزابا " واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته
إخوانا " (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وأبي حارثة
وأبي عثمان قالوا لما قضى عثمان في ذلك المجلس حاجاته وعزم وعزم له المسلمون
على الصبر والامتناع عليهم بسلطان الله قال اخرجوا رحمكم الله فكونوا بالباب
وليجامعكم هؤلاء الذين حبسوا عني وأرسل إلى طلحة والزبير وعلي وعدة أن
ادنوا فاجتمعوا فأشرف عليهم فقال يا أيها الناس اجلسوا فجلسوا جميعا المحارب
الطارئ والمسالم المقيم فقال يا أهل المدينة إني أستودعكم الله وأسأله أن يحسن
عليكم الخلافة من بعدي إني والله لا أدخل على أحد بعد يومي هذا حتى يقضى الله
في قضاءه ولأدعن هؤلاء وما وراء بابي غير معطيهم شيئا يتخذونه عليكم دخلا في دين
الله أو دنيا حتى يكون الله عز وجل الصانع في ذلك ما أحب وأمر أهل المدينة بالرجوع
وأقسم عليهم فرجعوا إلا الحسن ومحمد وابن الزبير وأشباها لهم فجلسوا بالباب عن
أمر آبائهم وثاب إليهم ناس كثير ولزم عثمان الدار (كتب إلي السري) عن شعيب
عن سيف عن أبي حارثة وأبي عثمان ومحمدا وطلحة قالوا كان الحصر أربعين ليلة
والنزول سبعين فلما مضت من الأربعين ثمان عشرة قدم ركبان من الوجوه
فأخبروا خبر من قد تهيأ إليهم من الآفاق حبيب من الشأم ومعاوية من مصر
والقعقاع من الكوفة ومجاشع من البصرة فعندها حالوا بين الناس وبين عثمان
ومنعوه كل شئ حتى الماء وقد كان يدخل علي بالشئ مما يريد وطلبوا العلل فلم
تطلع عليهم علة فعثروا في داره بالحجارة ليرموا فيقولوا قوتلنا وذلك ليلا فناداهم
416

ألا تتقون الله ألا تعلمون أن في الدار غيري قالوا لا والله ما رميناك قال فمن رمانا
قالوا الله قال كذبتم إن الله عز وجل لو رمانا لم يخطئنا وأنتم تخطئوننا وأشرف
عثمان على آل حزم وهم جيرانه فسرح ابنا لعمرو إلى علي بأنهم قد منعونا الماء
فإن قدرتم أن ترسلوا إلينا شيئا من الماء فافعلوا والى طلحة والى الزبير وإلى عائشة
رضي الله عنها وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم فكان أولهم إنجادا له علي وأم حبيبة
جاء علي في الغلس فقال يا أيها الناس إن الذي تصنعون لا يشبه أمر المؤمنين
ولا أمر الكافرين لا تقطعوا عن هذا الرجل المادة فإن الروم وفارس لتأسر
فتطعم وتسقى وما تعرض لكم هذا الرجل فبم تستحلون حصره وقتله قالوا لا
والله ولا نعمة عين لا نتركه يأكل ولا يشرب فرمى بعمامته في الدار بأني قد نهضت
فيما أنهضتني فرجع وجاءت أم حبيبة علي بغله لها برحالة مشتملة على إداوة فقيل
أم المؤمنين أم حبيبة فضربوا وجه بغلتها فقالت إن وصايا بني أمية إلى هذا الرجل
فأحببت أن ألقاه فأسأله عن ذلك كيلا تهلك أموال أيتام وأرامل قالوا كاذبة
وأهووا لها وقطعوا حبل البغلة بالسيف فندت بأم حبيبة فتلقاها الناس وقد
مالت رحالتها فتعلقوا بها وأخذوها وقد كادت تقتل فذهبوا بها إلى بيتها وتجهزت
عائشة خارجة إلى الحج هاربة واستتبعت أخاها فأبت فقالت أما والله لئن استطعت
أن يحرمهم الله ما يحاولون لأفعلن وجاء حنظلة الكاتب حتى قام على محمد بن
أبي بكر فقال يا محمد تستتبعك أم المؤمنين فلا تتبعها وتدعوك ذؤبان العرب إلى
ما لا يحل فتتبعهم فقال ما أنت وذاك يا ابن التميمية فقال يا ابن الخثعمية إن هذا
الامر إن صار إلى التغالب غلبتك عليه بنو عبد مناف وانصرف وهو يقول:
عجبت لما يخوض الناس فيه * يرومون الخلافة أن تزولا
ولو زالت لزال الخير عنهم * ولاقوا بعدها دلا ذليلا
وكانوا كاليهود أو النصارى * سواء كلهم ضلوا السبيلا
ولحق بالكوفة وخرجت عائشة وهي ممتلئة غيظا على أهل مصر وجاءها
مروان بن الحكم فقال يا أم المؤمنين لو أقمت كان أجدر أن يراقبوا هذا الرجل
417

فقالت أتريد أن يصنع بي كما صنع بأم حبيبة ثم لا أجد من يمنعني لا والله ولا أعير
ولا أدري إلى ما يسلم أمر هؤلاء وبلغ طلحة والزبير ما لقى علي وأم حبيبة فلزموا
بيوتهم وبقى عثمان يسقيه آل حزم في الغفلات عليهم الرقباء فأشرف عثمان على
الناس فقال يا عبد الله بن عباس فدعى له فقال اذهب فأنت على الموسم وكان ممن لزم
الباب فقال والله يا أمير المؤمنين لجهاد هؤلاء أحب إلي من الحج فأقسم عليه لينطلقن
فانطلق ابن عباس على الموسم تلك السنة ورمى عثمان إلى الزبير بوصيته فانصرف بها
وفي الزبير اختلاف أأدرك مقتله أو خرج قبله وقال عثمان يا قوم لا يجر منكم شقاقي
أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح - الآية - اللهم حل بين الأحزاب وبين ما يأملون
كل فعل بأشياعهم من قبل (وكتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن عمرو
ابن محمد قال بعثت ليلى ابنة عميس إلى محمد بن أبي بكر ومحمد بن جعفر فقالت إن
المصباح يأكل نفسه ويضئ للناس فلا تأثما في أمر تسوقانه إلى من لا يأثم فيكما
فإن هذا الامر الذي تحاولون اليوم لغيركم غدا فاتقوا أن يكون عملكم اليوم حسرة
عليكم فلجا وخرجا مغضبين يقولان لا ننسى ما صنع بنا عثمان وتقول ما صنع بكما
ألا ألزمكما الله فلقيهما سعيد بن العاص قد كان بين محمد بن أبي بكر وبينه شئ
فأنكره حين لقيه خارجا من عند ليلى فتمثل له في تلك الحال بيتا
أستبق ودك للصديق ولا تكن * فيئا يعض بخاذل ملجاجا
فأجابه سعيد متمثلا
ترون إذا ضربا صميما من الذي * له جانب ناء عن الجرم معور
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وأبي حارثة
وأبي عثمان قالوا فلما بويع الناس السابق فقدم بالسلامة فأخبرهم من الموسم
أنهم يريدون جميعا المصريين وأشياعهم وإنهم يريدون أن يجمعوا ذلك
إلى حجهم فلما أتاهم ذلك مع ما بلغهم من نفور أهل الأمصار أعلقهم الشيطان
وقالوا لا يخرجنا مما وقعنا فيه إلا قتل هذا الرجل فيشتغل بذلك الناس عنا
ولم يبق خصلة يرجون بها النجاة إلا قتله فراموا الباب فمنعهم من ذلك الحسن وابن
418

الزبير ومحمد بن طلحة ومروان بن الحكم وسعيد بن العاص ومن كان من أبناء الصحابة
أقام معهم واجتلدوا فناداهم عثمان الله الله أنتم في حل من نصرتي فأبوا فتح الباب
وخرج ومعه الترس والسيف لينهنههم فلما رأوه أدبر المصريون وركبهم هؤلاء
ونهنههم فتراجعوا وعظم على الفريقين وأقسم على الصحابة ليدخلن فأبوا أن
ينصرفوا فدخلوا فأغلق الباب دون المصريين وقد كان المغيرة بن الأخنس بن
شريق فيمن حج ثم تعجل في نفر حجوا معه فأدرك عثمان قبل أن يقتل وشهد
المناوشة ودخل الدار فيمن دخل وجلس على الباب من داخل وقال ما عذرنا عند
الله ان تركناك ونحن نستطيع ألا ندعهم حتى نموت فاتخذ عثمان تلك الأيام القرآن
نحبا يصلي وعنده المصحف فإذا أعيا جلس فقرأ فيه وكانوا يرون القراءة في المصحف
من العبادة وكان القوم الذين كفكفهم بينه وبين الباب فلما بقى المصريون لا يمنعهم
أحد من الباب ولا يقدرون على الدخول جاؤوا بنار فأحرقوا الباب والسقيفة فتأجج
الباب والسقيفة حتى إذا احترق الخشب خرت السقيفة على الباب فثار أهل الدار وعثمان
يصلي حتى منعوهم الدخول وكان أول من برز لهم المغيرة بن الأخنس وهو يرتجز
قد علمت جارية عطبول * ذات وشاح ولها جديل
أني بنصل السيف حنشليل * لأمنعن منكم خليلي
بصارم ليس بذي فلول
وخرج الحسن بن علي وهو يقول
لا دينهم ديني ولا أنا منهم * حتى أسير إلى طمار شمام
وخرج محمد بن طلحة وهو يقول
أنا ابن من حامى عليه بأحد * ورد أحزابا على رغم معد
وخرج سعيد بن العاص وهو يقول
صبرنا غداة الدار والموت واقب * بأسيافنا دون ابن أروى نضارب
وكنا غداة الروع في الدار نصرة * نشافههم بالضرب والموت ثاقب
فكان آخر من خرج عبد الله بن الزبير وأمره عثمان أن يصير إلى أبيه في
419

وصية بما أراد وأمره أن يأتي أهل الدار فيأمرهم بالانصراف إلى منازلهم فخرج
عبد الله بن الزبير آخرهم فما زال يدعى بها ويحدث الناس عن عثمان بآخر ما مات
عليه (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وأبي حارثة وأبي
عثمان قالوا وأحرقوا الباب وعثمان في الصلاة وقد افتتح " طه ما أنزلنا عليك القرآن
لتشقى " وكان سريع القراءة فما كرثه ما سمع وما يخطئ وما يتتعتع حتى أتى عليها قبل
أن يصلوا إليه ثم عاد فجلس إلى عند المصحف وقرأ " الذين قال لهم الناس ان الناس
قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل " وارتجز
المغيرة بن الأخنس وهو دون الدار في أصحابه
قد علمت ذات القرون الميل * والحلى والأنامل الطفول
لتصدقن بيعتي خليلي * بصارم ذي رونق مصقول
لا أستقيل أن أقلت قيلى
وأقبل أبو هريرة والناس محجمون عن الدار إلا أولئك العصبة فدسروا
فاستقتلوا فقام معهم وقال أنا أسوتكم وقال هذا يوم طاب امضرب يعني أنه من
القتال وطاب وهذه لغة حمير ونادى يا قوم مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى
النار وبادر مروان يومئذ ونادى رجل رجل فبرز له رجل من بني ليث يدعى
النباع فاختلفا فضربه مروان أسفل رجليه وضربه الآخر على أصل العنق فقلبه
فانكب مروان واستلقى فاجتر هذا أصحابه واجتر الآخر أصحابه فقال المصريون
أما والله لا أن تكونوا حجة علينا في الأمة لقد قتلناكم بعد تحذير فقال المغيرة من
بارز فبرز له رجل فاجتلدا وهو يقول
أضربهم باليابس * ضرب غلام بائس * من الحياة آيس
فأجابه صاحبه.. وقال الناس قتل المغيرة بن الأخنس فقال الذي قتله إنا لله
فقال له عبد الرحمن بن عديس مالك قال إني أتيت فيما يرى النائم فقيل لي بشر
قاتل المغيرة بن الأخنس بالنار فابتليت به وقتل قباث الكناني نيار بن عبد الله
الأسلمي واقتحم الناس الدار من الدور التي حولها حتى ملؤها ولا يشعر الذين
420

بالباب وأقبلت القبائل على أبنائهم فذهبوا بهم إذ غلبوا على أميرهم وندبوا رجلا
لقتله فانتدب له رجل فدخل عليه البيت فقال أخلعها وندعك فقال ويحك والله
ما كشفت امرأة في جاهلية ولا إسلام ولا تغنيت ولا تمنيت ولا وضعت يميني
على عورتي مذ بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولست خالعا قميصا كسانيه
الله عز وجل وأنا على مكاني حتى يكرم الله أهل السعادة ويهين أهل الشقاء فخرج
وقالوا ما صنعت فقال علقنا والله والله ما ينجينا من الناس إلا قتله وما يحل لنا
قتله فأدخلوا عليه رجلا من بني ليث فقال ممن الرجل فقال ليثي فقال لست بصاحبي
قال وكيف فقال ألست الذي دعا لك النبي صلى الله عليه وسلم في نفر أن تحفظوا
يوم كذا وكذا قال بلى قال فلن تضيع فرجع وفارق القوم فأدخلوا عليه رجلا
من قريش فقال يا عثمان أني قاتلك قال كلا يا فلان لا تقتلني وقال وكيف قال إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر لك يوم كذا وكذا فلن تقارف دما حراما
فاستغفر ورجع وفارق أصحابه فأقبل عبد الله بن سلام حتى قام على باب الدار
ينهاهم عن قتله وقال يا قوم لا تسلوا سيف الله عليكم فوالله إن سللتموه لا تغمدوه
ويلكم إن سلطانكم اليوم يقوم بالدرة فان قتلتموه لا يقم إلا بالسيف ويلكم إن مدينتكم
محفوفة بملائكة الله والله لئن قتلتموه لتتركنها فقالوا يا ابن اليهودية وما أنت وهذا
فرجع عنهم قالوا وكان آخر من دخل عليه ممن رجع إلى القوم محمد بن أبي بكر
فقال له عثمان ويلك أعلى الله تغضب هل لي إليك جرم ألا حقه أخذته منك فنكل
ورجع قالوا فلما خرج محمد بن أبي بكر وعرفوا انكساره ثار قتيرة وسودان بن
حمران السكونيان والغافقي فضربه الغافقي بحديدة معه وضرب المصحف برجله
فاستدار المصحف فاستقر بين يديه وسالت عليه الدماء وجاء سودان بن حمران
ليضربه فانكبت عليه نائلة ابنة الفرافصة واتقت السيف بيدها فتعمدها ونفح
أصابعها فأطن أصابع يدها وولت فغمز أوراكها وقال إنها لكبيرة العجيزة وضرب
عثمان فقتله ودخل غلمة لعثمان مع القوم لينصروه وقد كان عثمان أعتق من كف
منهم فلما رأوا سودان قد ضربه أهوى له بعضهم فضرب عنقه فقتله ووثب
421

قتيرة على الغلام فقتله وانتهبوا ما في البيت وأخرجوا من فيه ثم أغلقوه على
ثلاثة قتلى فلما خرجوا إلى الدار وثب غلام لعثمان آخر على قتيرة فقتله ودار القوم
فأخذوا ما وجدوا حتى تناولوا ما على النساء وأخذ رجل ملاءة نائلة والرجل يدعى
كلثوم بن تجيب فتنحت نائلة فقال ويح أمك من عجيزة ما أتمك وبصر به غلام
لعثمان فقتله وقتل وتنادى القوم أبصر رجل من صاحبه وتنادوا في الدار أدركوا
بيت المال لا تسبقوا إليه وسمع أصحاب بيت المال أصواتهم وليس فيه إلا غرارتان
فقالوا النجاء فإن القوم انما يحاولون الدنيا فهربوا وأتوا بيت المال فانتهبوه وماج
الناس فيه فالتانئ يسترجع ويبكي والطارئ يفرح وندم القوم وكان الزبير قد خرج
من المدينة فأقام على طريق مكة لئلا يشهد مقتله فلما أتاه الخبر بمقتل عثمان وهو
بحيث هو قال إنا لله وإنا إليه راجعون رحم الله عثمان وانتصر له وقيل إن القوم
نادمون فقال دبروا دبروا وحيل بينهم وبين ما يشتهون الآية وأتى الخبر طلحة
فقال رحم الله عثمان وانتصر له وللاسلام وقيل له إن القوم نادمون فقال تبا لهم
وقرأ " فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون " وأتى علي فقيل قتل عثمان
فقال رحم الله عثمان وخلف علينا بخير وقيل ندم القوم فقرأ " كمثل الشيطان إذ
قال للانسان أكفر " الآية وطلب سعد فإذا هو في حائطه وقد قال لا أشهد قتله
فلما جاءه قتله قال فررنا إلى المدينة فدنينا وقرأ " الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا
وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا " اللهم أندمهم ثم خذهم (كتب إلي السري)
عن شعيب عن سيف عن المجالد عن الشعبي عن المغيرة بن شعبة قال قلت لعلي إن
هذا الرجل مقتول وإنه إن قتل وأنت بالمدينة اتخذوا فيك فاخرج فكن بمكان
كذا وكذا فإنك إن فعلت وكنت في غار باليمن طلبك الناس فأبى وحصر عثمان
اثنتي وعشرين يوما ثم أحرقوا الباب وفي الدار أناس كثير فيهم عبد الله بن
الزبير ومروان فقالوا ائذن لنا فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي
عهدا فأنا صابر عليه وإن القوم لم يحرقوا باب الدار إلا وهم يطلبون ما هو أعظم
منه فأحرج على رجل يستقتل ويقاتل وخرج الناس كلهم ودعا بالمصحف يقرأ فيه
422

والحسن عنده فقال إن أباك الآن لفي أمر عظيم فأقسمت عليك لما خرجت وأمر
عثمان أبا كرب رجلا من همدان وآخر من الأنصار أن يقوما على باب بيت
المال وليس فيه إلا غرارتان من ورق فلما أطفئت النار بعد ما ناوشهم بن الزبير
ومروان وتوعد محمد بن أبي بكر بن الزبير ومروان فلما دخل على عثمان هربا
ودخل محمد بن أبي بكر على عثمان فأخذ بلحيته فقال أرسل لحيتي فلم يكن أبوك
ليتناولها فأرسلها ودخلوا عليه فمنهم من يجأه بنعل سيفه وآخر يلكزه وجاءه رجل
بمشاقص معه فوجأه في ترقوته فسال الدم على المصحف وهم في ذلك يهابون في
قتله وكان كبيرا وغشى عليه ودخل آخرون فلما رأوه مغشيا عليه جروا برجله
فصاحت نائلة وبناته وجاء التجيبي مخترطا سيفه ليضعه في بطنه فوقته نائلة فقطع
يدها واتكأ بالسيف عليه في صدره وقتل عثمان رضي الله عنه قبل غروب الشمس
ونادى مناد ما يحل دمه ويخرج ماله فانتهبوا كل شئ ثم تبادروا بيت المال فألقى
الرجلان المفاتيح ونجوا وقالوا الهرب الهرب هذا ما طلب القوم * وذكر محمد بن
عمر أن عبد الرحمن بن عبد العزيز حدثه عن عبد الرحمن بن محمد أن محمد بن أبي بكر
تسور على عثمان من دار عمرو بن حزم ومعه كنانة بن بشر بن عتاب وسودان بن حمران
وعمرو بن الحمق فوجدوا عثمان عند امرأته نائلة وهو يقرأ في المصحف في سورة البقرة
فتقدمهم محمد بن أبي بكر فأخذ بلحية عثمان فقال قد أخزاك الله يا نعثل فقال عثمان
لست بنعثل ولكني عبد الله وأمير المؤمنين قال محمد ما أغنى عنك معاوية وفلان
وفلان فقال عثمان يا ابن أخي دع عنك لحيتي فما كان أبوك ليقبض على ما قبضت
عليه فقال محمد لو رآك أبي تعمل هذه الأعمال أنكرها عليك وما أريد بك أشد
من قبضي على لحيتك قال عثمان أستنصر الله عليك وأستعين به ثم طعن جبينه
يمشقص في يده ورفع كنانة بن بشر مشاقص كانت في يده فوجأ بها في أصل أذن
عثمان فمضت حتى دخلت في حلقه ثم علاه بالسيف حتى قتله فقال عبد الرحمن
سمعت أبا عون يقول ضرب كنانة بن بشر جبينه ومقدم رأسه بعمود حديد
فخر لجبينه فضربه سودان بن حمران المرادي بعد ما خر لجبينه فقتله * قال محمد
423

ابن عمر حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن الحارث قال الذي
قتله كنانة بن بشر بن عتاب التجيبي وكانت امرأة منظور بن سيار الفزاري تقول
خرجنا إلى الحج وما علمنا لعثمان بقتل حتى إذا كنا بالعرج سمعنا رجلا
يتغنى تحت الليل
ألا إن خير الناس بعد ثلاثة * قتيل التجيبي الذي جاء من مصر
قال وأما عمرو بن الحمق فوثب على عثمان فجلس على صدره وبه رمق فطعنه
تسع طعنات قال عمرو فأما ثلاث منهن فاني طعنتهن إياه الله وأما ست فاني طعنتهن
إياه لما كان في صدري عليه * قال محمد وحدثني إسحاق بن يحيى عن موسى بن طلحة
قال رأيت عروة بن شيم ضرب مروان يوم الدار بالسيف على رقبته فقطع إحدى
علباويه فعاش مروان أوقص ومروان الذي يقول
ما قلت يوم الدار للقوم حاجزوا * رويدا ولا استبقوا الحياة على القتل
ولكنني قد قلت للقوم ما صنعوا * بأسيافكم كيما يصلن إلى الكهل
قال محمد الواقدي وحدثني يوسف بن يعقوب عن عثمان بن محمد الأخنسي قال كان
حصر عثمان قبل قدوم أهل مصر فقدم أهل مصر يوم الجمعة وقتلوه في الجمعة الأخرى
* وحدثني عبد الله بن أحمد المروزي قال حدثني أبي قال حدثني سليمان قال حدثني
عبد الله عن حرملة بن عمران قال حدثني يزيد بن أبي حبيب قال ولى قتل عثمان
نهران الأصبحي وكان قاتل عبد الله بن بسرة وهو رجل من بني عبد الدار * قال
محمد بن عمرو وحدثني الحكم بن القاسم عن أبي عون مولى المسور بن مخرمة قال
ما زال المصريون كافين عن دمه وعن القتال حتى قدمت أمداد العراق من البصرة
ومن الكوفة ومن الشأم فلما جاؤوا شجعوا القوم وبلغهم أن البعوث قد فصلت
من العراق ومن مصر من عند ابن سعد ولم يكن ابن سعد بمصر قبل ذلك كان
هاربا قد خرج إلى الشأم فقالوا نعالجه قبل أن تقدم الامداد * قال محمد وحدثني
الزبير بن عبد الله عن يوسف بن عبد الله بن سلام قال أشرف عثمان عليهم وهو
محصور وقد أحاطوا بالدار من كل ناحية فقال أنشدكم بالله عز وجل هل تعلمون
424

أنكم دعوتم الله عند مصاب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يخير
لكم وأن يجمعكم على خيركم فما ظنكم بالله أتقولون لم يستجب لكم وهنتم على
الله سبحانه وأنتم يومئذ أهل حقه من خلقه وجميع أموركم لم تتفرق أم تقولون
هان على الله دينه فلم يبال من ولاه والدين يومئذ يعبد به الله ولم يتفرق أهله فتوكلوا
أو تخذلوا وتعاقبوا أم تقولون لم يكن أخذ عن مشورة وانما كابرتم مكابرة فوكل
الله الأمة إذا عصته لم تشاوروا في الامام ولم تجتهدوا في موضع كراهته أم تقولون
لم يدر الله ما عاقبة أمري فكنت في بعض أمري محسنا ولأهل الدين رضى فما
أحدثت بعد في أمري ما يسخط الله وتسخطون مما لم يعلم الله سبحانه يوم اختارني
وسربلني سربال كرامته وأنشدكم بالله هل تعلمون لي من سابقة خير وسلف خير
قدمه الله لي وأشهدنيه من حقه وجهاد عدوه حق على كل من جاء من بعدي أن
يعرفوا لي فضلها فهلا لا تقتلوني فإنه لا يحل إلا قتل ثلاثة رجل زنى بعد إحصانه
أو كفر بعد إسلامه أو قتل نفسا بغير نفس فيقتل بها فإنكم إن قتلتموني وضعتم
السيف على رقابكم ثم لم يرفعه الله عز وجل عنكم إلى يوم القيامة ولا تقتلوني
فإنكم إن قتلتموني لم تصلوا من بعدي جميعا أبدا ولم تقتسموا بعدي فيئا جميعا أبدا
ولن يرفع الله عنكم الاختلاف أبدا قالوا أما ما ذكرت من استخارة الله عز وجل
الناس بعد عمر رضي الله عنه فيمن يولون عليهم ثم ولوك بعد استخارة الله فان
كل ما صنع الله الخيرة ولكن الله سبحانه جعل أمرك بلية ابتلى بها عباده وأما
ما ذكرت من قدمك وسبقك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنك قد كنت
ذا قدم وسلف وكنت أهلا للولاية ولكن بدلت بعد ذلك وأحدثت ما قد علمت
وأما ما ذكرت مما يصيبنا إن نحن قتلناك من البلاء فإنه لا ينبغي ترك إقامة الحق
عليك مخافة الفتنة عاما قابلا وأما قولك إنه لا يحل إلا قتل ثلاثة فإنا نجد في كتاب
الله قتل غير الثلاثة الذين سميت قتل من سعى في الأرض فسادا وقتل من بغى
ثم قاتل على بعيه وقتل من حال دون شئ من الحق ومنعه ثم قاتل دونه وكابر
عليه وقد بغيت ومنعت الحق وحلت دونه وكابرت عليه أن تقيد من نفسك
425

من ظلمت عمدا وتمسكت بالامارة علينا وقد جرت في حكمك وقسمك فان زعمت
أنك لم تكابرنا عليه وأن الذين قاموا دونك ومنعوك منا إنما يقاتلون بغير أمرك
فإنما يقاتلون لتمسكك بالامارة فلو أنك خلعت نفسك لانصرفوا عن القتال دونك
ذكر بعض سير عثمان بن عفان رضي الله عنه
* حدثني زياد بن أيوب قال حدثنا هشيم قال زعم أبو المقدام عن الحسن بن أبي الحسن
قال دخلت المسجد فإذا أنا بعثمان بن عفان متكأ على ردائه فأتاه سقاءان يختصمان فقضى
بينهما (وفيما كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن عمارة بن القعقاع عن الحسن
البصري قال كان عمر بن الخطاب قد حجر على أعلام قريش من المهاجرين الخروج
في البلدان إلا بإذن وأجل فشكوه فبلغه فقام فقال ألا إني قد سننت الاسلام سن
البعير يبدأ فيكون جذعا ثم ثنيا ثم رباعيا ثم سديسا ثم بازلا ألا فهل ينتظر بالبازل
إلا النقصان ألا فإن الاسلام قد بزل ألا وإن قريشا يريدون أن يتخذوا مال الله
معونات دون عباده ألا فأما وابن الخطاب حي فلا انى قائم دون شعب الحرة آخذ
بحلاقيم قريش وحجزها أن يتهافتوا في النار (وكتب إلي السري) عن شعيب عن
سيف عن محمد وطلحة قالا فلما ولى عثمان لم يأخذهم بالذي كان يأخذهم به عمر فانساحوا
في البلاد فلما رأوها ورأوا الدنيا ورآهم الناس انقطع من لم يكن له طول ولا مزية
في الاسلام فكان مغموما في الناس وصاروا أوزاعا إليهم وأملوهم وتقدموا في ذلك
فقالوا يملكون فنكون قد عرفناهم وتقدمنا في التقرب والانقطاع إليهم فكان ذلك
أول وهن دخل على الاسلام وأول فتنة كانت في العامة ليس إلا ذلك (وكتب إلي
السري) عن شعيب عن سيف عن عمرو عن الشعبي قال لم يمت عمر رضي الله عنه حتى
ملته قريش وقد كان حصرهم بالمدينة فامتنع عليهم وقال إن أخوف ما أخاف على هذه
الأمة انتشاركم في البلاد فإن كان الرجل ليستأذنه في الغزو وهو ممن حبس بالمدينة من
المهاجرين ولم يكن فعل ذلك بغيرهم من أهل مكة فيقول قد كان في غزوك مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يبلغك وخير لك من الغزو اليوم ألا ترى الدنيا ولا تراك
فلما ولى عثمان خلى عنهم فاضطربوا في البلاد وانقطع إليهم الناس فكان أحب إليهم
426

من عمر (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن مبشر بن الفضيل عن سالم
ابن عبد الله قال لما ولى عثمان حج سنواته كلها إلا آخر حجة وحج بأزواج
رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان يصنع عمر فكان عبد الرحمن بن عوف في موضعه
وجعل في موضع نفسه سعيد بن زيد هذا في مؤخر القطار وهذا في مقدمه وأمن
الناس وكتب في الأمصار أن يوافيه العمال في كل موسم ومن يشكوهم وكتب إلى
الناس إلى الأمصار أن ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر ولا يذل المؤمن نفسه
فإني مع الضعيف على القوى ما دام مظلوما إن شاء الله فكان الناس بذلك فجرى ذلك إلى
أن أتخذه أقوام وسيلة إلى تفريق الأمة (وكتب إلي السري) عن شعيب عن سيف
عن محمد وطلحة قالا لم تمض سنة من إمارة عثمان حتى اتخذ رجال من قريش أموالا في
الأمصار وانقطع إليهم الناس وثبتوا سبع سنين كل قوم يحبون أن يلي صاحبهم ثم إن ابن
السوداء أسلم وتكلم وقد فاضت الدنيا وطلعت الاحداث على يديه فاستطالوا عمر عثمان
رضي الله عنه (وكتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن عثمان بن حكيم بن عباد
ابن حنيف عن أبيه قال أول منكر ظهر بالمدينة حين فاضت الدنيا وانتهى وسع الناس
طيران الحمام والرمي على الجلاهقات فاستعمل عليها عثمان رجلا من بني ليث سنة
ثمان فقصها وكسر الجلاهقان (وكتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن
محمد بن عبيد الله عن عمرو بن شعيب قال أول من منع الحمام الطيارة والجلاهقات
عثمان ظهرت بالمدينة فأمر عليها رجلا فمنعهم منها (وكتب إلي السري) عن
شعيب عن سيف عن سهل بن يوسف عن القاسم بن محمد عن أبيه نحوا منه وزاد
وحدث بين الناس النشو قال فأرسل عثمان طائفا عليهم بالعصا فمنعهم
من ذلك ثم اشتد ذلك فأفشى الحدود ونبأ ذلك عثمان وشكاه إلى الناس فاجتمعوا
على أن يجلدوا في النبيذ فأخذ نفر منهم فجلدوا (وكتب إلي السري) عن شعيب
عن سيف عن مبشر بن الفضيل عن سالم بن عبد الله قال لما حدثت الاحداث
بالمدينة خرج منها رجال إلى الأمصار مجاهدين وليدنوا من العرب فمنهم من أتى
البصرة ومنهم من أتى الكوفة ومنهم من أتى الشام فهجموا جميعا من أبناء المهاجرين
427

بالامصار على مثل ما حدث في أبناء المدينة إلا ما كان من أبناء الشام فرجعوا جميعا
إلى المدينة إلا من كان بالشام فأخبروا عثمان بخبرهم فقام عثمان في الناس خطيبا
فقال يا أهل المدينة أنتم أصل الاسلام وإنما يفسد الناس بفسادكم ويصلحون
بصلاحكم والله والله والله لا يبلغني عن أحد منكم حدث أحدثه إلا سيرته أفلا أعرفن
أحدا عرض دون أولئك بكلام ولا طلب فان من كان قبلكم كانت تقطع أعضاؤهم
دون أن يتكلم أحد منهم بما عليه ولا له وجعل عثمان لا يأخذ أحدا منهم على شر
أو شهر سلاح عصا فما فوقها إلا سيره فضج آباؤهم من ذلك حتى بلغه أنهم يقولون
ما أحدث التسيير إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سير الحكم بن أبي العاص
فقال إن الحكم كأم مكيا فسيره رسول الله صلى الله عليه وسلم منها إلى الطائف
ثم رده إلى بلده فرسول الله صلى الله عليه وسلم سيره بذنبه ورسول الله صلى الله
عليه وسلم رده بعفوه وقد سير الخليفة من بعده وعمر رضي الله عنه من بعد
الخليفة وأيم الله لآخذن العفو من أخلافكم ولأبذلنه لكم من خلقي وقد دنت
أمور ولا أحب أن تحل بنا وبكم وأنا على وجل وحذر فاحذروا واعتبروا
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن عبد الله بن سعيد بن ثابت ويحيى
ابن سعيد قالا سأل سائل سعيد بن المسيب عن محمد بن أبي حذيفة ما دعاه إلى
الخروج على عثمان فقال كان يتيما في حجر عثمان فكان عثمان والى أيتام أهل
بيته ومحتمل كلهم فسأل عثمان العمل حين ولى فقال يا بني لو كنت رضى ثم سألتني
العمل لاستعملتك ولكن لست هناك قال فأذن لي فلأخرج فلأطلب ما يقوتني
قال اذهب حيث شئت وجهزه من عنده وحمله وأعطاه فلما وقع إلى مصر كان فيمن
تغير عليه أن منعه الولاية قيل فعمار بن ياسر قال كان بينه وبين عباس بن عتبة
ابن أبي لهب كلام فضربهما عثمان فأورث ذاك بين آل عمار وآل عتبة شرا حتى
اليوم وكنا عما ضربا عليه وفيه (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن
عبد الله بن سعيد بن ثابت قال فسألت ابن سليمان بن أبي حثمة فأخبرني أنه
تقاذف (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن مبشر قال سألت سالم بن عبد الله
428

عن محمد بن أبي بكر ما دعاه إلى ركوب عثمان فقال الغضب والطمع قلت ما الغضب
والطمع قال كان من الاسلام بالمكان الذي هو به وغره أقوام فطمع وكانت له
دالة فلزمه حق فأخذه عثمان من ظهره ولم يدهن فاجتمع هذا إلى هذا فصار مذمما
بعد أن كان محمدا (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن مبشر عن سالم
ابن عبد الله قال لما ولى عثمان لان لهم فانتزع الحقوق انتزاعا ولم يعطل حقا فأحبوه
على لينه فأسلمهم ذلك إلى أمر الله عز وجل (كتب إلي السري) عن شعيب عن
سيف عن سهل عن القاسم قال كان مما أحدث عثمان فرضى به منه أنه ضرب
رجلا في منازعة استخف فيها بالعباس بن عبد المطلب فقيل له فقال نعم أيفخم
رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه وأرخص في الاستخفاف به لقد خالف
رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك ومن رضى به منه (كتب إلي السري)
عن شعيب عن سيف عن رزيق بن عبد الله الرازي عن علقمة بن مرثد عن حمران
ابن أبان قال أرسلني عثمان إلى العباس بعدما بويع فدعوته الآية فقال مالك تعبدتني
قال لم أكن قط أحوج إليك مني اليوم قال الزم خمسا لا تنازعك الأمة خزائهما
ما لزمتها قال وما هن قال الصبر عن القتل والتحبب والصفح والمداراة وكتمان السر *
وذكر محمد بن عمر قال حدثني ابن أبي سبرة عن عمرو بن أمية الضمري قال إن
قريشا كان من أسن منهم مولعا بأكل الخزيرة وإني كنت أتعشى مع عثمان خزيرا
من طبخ من أجود ما رأيت قط فيها بطون الغنم وأدمها اللبن والسمن فقال عثمان
كيف ترى هذا الطعام فقلت هذا أطيب ما أكلت قط فقال يرحم الله ابن الخطاب
أكلت معه هذه الخزيرة قط قلت نعم فكادت اللقمة تفرث في يدي حين أهوى بها
إلى فمي وليس فيها لحم وكان أدمها السمن ولا لبن فيها فقال عثمان صدقت إن عمر
رضي الله عنه أتعب والله من تبع أثره وأنه كان يطلب بثنيه عن هذه الأمور ظلفا أما
والله ما آكله من مال المسلمين ولكني آكله من مالي أنت تعلم أني كنت أكثر قريش
مالا وأجدهم في التجارة ولم أزل آكل من الطعام ما لان منه وقد بلغت سنا فأحب
الطعام إلي ألينه ولا أعلم لاحد علي في ذلك تبعة * قال محمد وحدثني ابن أبي سبرة
429

عن عاصم عن عبيد الله بن عامر قال كنت أفطر مع عثمان في شهر رمضان فكان يأتينا
بطعام هو ألين من طعام عمر قد رأيت على مائدة عثمان الدرمك الجيد وصغار
الضأن كل ليلة وما رأيت عمر قط أكل من الدقيق منخولا ولا أكل من الغنم
إلا مسانها فقلت لعثمان في ذلك فقال يرحم الله عمر ومن يطيق ما كان عمر يطيق
قال محمد وحدثني عبد الملك بن يزيد بن السائب عن عبد الله بن السائب قال أخبرني
أبي قال أول فسطاط رأيته بمنى فسطاط لعثمان وآخر لعبد الله بن عامر بن كريز وأول
من زاد النداء الثالث يوم الجمعة على الزوراء عثمان وأول من نخل له الدقيق من
الولاة عثمان رضي الله عنه (وكتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد
وطلحة قالا بلغ عثمان أن ابن ذي الحبكة النهدي يعالج نيرنجا قال محمد بن سلمة إنما
هو نيرنج فأرسل إلى الوليد بن عقبة ليسأله عن ذلك فان أقر به فأوجعه فدعا به
فسأله فقال إنما هو رفق وأمر يعجب منه فأمر به فعزر وأخبر الناس خبره
وقرأ عليهم كتاب عثمان إنه قد جدبكم فعليكم بالجد وإياكم والهزال فكان الناس
عليه وتعجبوا من وقوف عثمان على مثل خبره فغضب فنفر في الذين نفروا
فضرب معهم فكتب إلى عثمان فيه فلما سير إلى الشأم من سيرسير كعب بن ذي
الحبكة ومالك بن عبد الله وكان دينه كدينه إلى دنباوند لأنها أرض سحرة فقال
في ذلك كعب بن ذي الحبكة للوليد
لعمري لئن طردتني ما إلى التي * طمعت بها من سقطتي لسبيل
رجوت رجوعي يا ابن أروى ورجعتي * إلى الحق دهرا غال ذلك غول
وإن اغترابي في البلاد وجفوتي * وشتمي في ذات الاله قليل
وإن دعائي كل يوم وليلة * عليك بدنبا وندكم لطويل
فلما ولى سعيدا قفله وأحسن إليه واستصلحه فكفره لم يزدد إلا فسادا واستعار
ضابئ بن الحارث البرجمي في زمان الوليد بن عقبة من قوم من الأنصار كلبا يدعى
قرحان يصيد الظباء فحبسه عنهم فنافره الأنصاريون واستغاثوا عليه بقومه فكاثروه
فانتزعوه منه وردوه على الأنصار فهجاهم وقال في ذلك
430

تجشم دوني وفد قرحان خطة * تضل لها الوجناء وهي حسير
فباتوا سباعا ناعمين كأنما * حباهم ببيت المرزبان أمير
فكلبكم لا تتركوا فهوامكم * فإن عقوق الأمهات كبير
فاستعدوا عليه عثمان فأرسل إليه فعزروه وحبسه كما كان يصنع بالمسلمين فاستثقل
ذلك فما زال في الحبس حتى مات فيه وقال في الفتك يعتذر إلى أصحابه
هممت ولم أفعل وكدت وليتني * فعلت ووليت البكاء حلائله
وقائلة قد مات في السجن ضابي * ألا من لخصم لم يجد من يجادله
وقائلة لا يبعد الله ضابئا * فنعم الفتى تخلو به وتحاوله
فلذلك صار عمير بن ضابي سبائيا (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف
عن المستنير عن أخيه قال والله ما علمت ولا سمعت بأحد غزا عثمان رضي الله عنه
ولا ركب إليه إلا قتل لقد اجتمع بالكوفة نفر فيهم الأشتر وزيد بن صوحان
وكعب بن ذي الحبكة وأبو زينب وأبو مورع وكميل بن زياد وعمير بن ضابئ
فقالوا لا والله لا يرفع رأس ما دام عثمان على الناس فقال عمير بن ضابئ وكميل
ابن زياد نحن نقتله فركبا إلى المدينة فأما عمير فإنه نكل عنه وأما كميل بن زياد فإنه
جسر وثاوره وكان جالسا يرصده حتى أتى عليه عثمان فوجأ عثمان وجهه فوقع
على استه وقال أوجعتني يا أمير المؤمنين قال أو لست بفاتك قال لا والله الذي
لا إله إلا هو فحلف وقد اجتمع عليه الناس فقالوا نفتشه يا أمير المؤمنين فقال لا
قد رزق الله العافية ولا أشتهي أن أطلع منه على غير ما قال وقال إن كان كما قلت
يا كميل فاقتد مني وجثا فوالله ما حسبتك ألا تريدني وقال إن كنت صادقا فأجزل
الله وإن كنت كاذبا فأذل الله وقعد له على قدميه وقال دونك قال قد تركت
فبقيا حتى أكثر الناس في نجائهما فلما قدم الحجاج قال من كان من بعث المهلب
فليواف مكتبه ولا يجعل على نفسه سبيلا فقام إليه عمير وقال إني شيخ ضعيف
ولى ابنان قويان فأخرج أحدهما مكاني أو كليهما فقال من أنت قال أنا عمير بن
ضابئ فقال والله لقد عصيت الله عز وجل منذ أربعين سنة ووالله لأنكلن بك
431

المسلمين غضبت لسارق الكلب ظالما إن أباك إذ غل لهم وإنك هممت ونكلت
وإني أهم ثم لا أنكل فضربت عنقه (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف
قال حدثنا رجل من بني أسد قال كان من حديثه أنه كان قد غزا عثمان رضي الله عنه
فيمن غزاه فلما قدم الحجاج ونادى بما نادى به عرض رجل عليه ما عرض
نفسه فقبل منه فلما ولى قال أسماء بن خارجة لقد كان شأن عمير مما يهمني قال ومن
عمير قال هذا الشيخ قال ذكرتني الطعن وكنت ناسيا أليس فيمن خرج إلى عثمان
قال بلى قال فهل بالكوفة أحد غيره قال نعم كميل قال علي بعمير فضرب عنقه
ودعا بكميل فهرب فأخذ النخع به فقال له الأسود بن الهيثم ما تريد من شيخ قد
كفاكه الكبر فقال أما والله لتحبسن عني لسانك أو لأحسن رأسك بالسيف قال
افعل فلما رأى كميل ما لقى قومه من الخوف وهم ألفا مقاتل قال الموت خير من الخوف
إذا أخيف ألفان من سببي وحرموا فخرج حتى أتى الحجاج فقال له الحجاج أنت
الذي أردت ثم لم يكشفك أمير المؤمنين ولم ترض حتى أقعدته للقصاص إذ دفعك
عن نفسه فقال علي أي ذلك تقتلني تقتلني على عفوه أو على عافيتي قال يا أدهم بن
المحرز اقتله قال والاجر بيني وبينك قال نعم قال أدهم بل الاجر لك وما كان من
إثم فعلي وقال مالك بن عبد الله وكان من المسيرين
مضت لابن أروى في كميل ظلامة * عفاها له والمستقيد يلام
وقال له لا أقبح اليوم مثله * عليك أبا عمرو وأنت إمام
رويدك رأسي والذي نسكت له * قريش بنا على الكبير حرام
وللعفو أمن يعرف الناس فضله * وليس علينا في القصاص اثام
ولو علم الفاروق ما أنت صانع * نهى عنك نهيا ليس فيه كلام
* حدثني عمر بن شبة قال حدثنا علي بن محمد عن سحيم بن حفص قال كان
ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب شريك عثمان في الجاهلية فقال العباس بن ربيعة
لعثمان اكتب لي إلى ابن عامر يسلفني مائة ألف فكتب فأعطاه مائة ألف وصله بها
وأقطعه داره دار العباس بن ربيعة اليوم * وحدثني عمر قال حدثنا علي عن
432

إسحاق بن يحيى عن موسى بن طلحة قال كان لعثمان على طلحة خمسون ألفا فخرج
عثمان يوما إلى المسجد فقال له طلحة قد تهيأ مالك فاقبضه قال هو لك يا أبا محمد
معونة لك على مروءتك * وحدثني عمر قال حدثنا علي عن عبد ربه بن نافع
عن إسماعيل بن أبي خالد عن حكيم بن جابر قال قال علي لطلحة أنشدك الله إلا
رددت الناس عن عثمان قال لا والله حتى تعطى بنو أمية الحق من أنفسها
* وحدثني عمر قال حدثنا علي قال حدثنا أبو بكر البكري عن هشام بن حسان
عن الحسن أن طلحة بن عبيد الله باع أرضا له من عثمان بسبعمائة ألف فحملها
إليه فقال طلحة إن رجلا تتسق هذه عنه وفي بيته لا يدري ما يطرقه من أمر الله
عز وجل لغرير بالله سبحانه فبات ورسوله يختلف بها في سكك المدينة يقسمها
حتى أصبح فأصبح وما عنده منها درهم قال الحسن وجاءها هنا يطلب الدينار
والدرهم أو قال الصفراء والبيضاء (وحج) بالناس في هذه السنة أعني سنة 35
عبد الله بن عباس بأمر عثمان إياه بذلك حدثني بذلك أحمد بن ثابت الرازي عمن
حدثه عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر
ذكر الخبر عن السبب الذي من أجله أمر عثمان رضي الله عنه عبد الله
ابن عباس رضي الله عنه أن يحج بالناس في هذه السنة
ذكر محمد بن عمر الواقدي أن أسامة بن زيد حدثه عن داود بن الحصين عن
عكرمة عن ابن عباس قال لما حصر عثمان الحصر الآخر قال عكرمة فقلت
لابن عباس أو كانا حصرين فقال ابن عباس نعم الحصر الأول حصر اثنتي عشرة
وقدم المصريون فلقيهم علي بذي خشب فردهم عنه وقد كان والله علي له صاحب
صدق حتى أوغر نفس علي عليه جعل مروان وسعيد وذووهما يحملونه على علي
فيتحمل ويقولون لو شاء ما كلمك أحد وذلك أن عليا كان يكلمه وينصحه ويغلظ
عليه في المنطق في مروان وذويه فيقولون لعثمان هكذا يستقبلك وأنت إمامه
وسلفه وابن عمه وابن عمته فما ظنك بما غاب عنك منه فلم يزالوا بعلي حتى أجمع
ألا يقوم دونه فدخلت عليه اليوم الذي خرجت فيه إلى مكة فذكرت له أن عثمان
433

دعاني إلى الخروج فقال لي ما يريد عثمان أن ينصحه أحد اتخذ بطانة أهل غش
ليس منهم أحد إلا قد تسبب بطائفة من الأرض يأكل خراجها ويستذل أهلها
فقلت له إن له رحما وحقا فإن رأيت أن تقوم دونه فعلت فإنك لا تعذر إلا
بذلك قال ابن عباس فالله يعلم أني رأيت فيه الانكسار والرقعة لعثمان ثم إني لأراه
يؤتي إليه عظيم ثم قال عكرمة وسمعت ابن عباس يقول قال لي عثمان يا ابن عباس
اذهب إلى خالد بن العاص وهو بمكة فقل له يقرأ عليك أمير المؤمنين السلام ويقول
لك إني محصور منذ كذا وكذا يوما لا أشرب إلا من الأجاج من داري وقد منعت
بئرا اشتريتها من صلب مالي رومة فإنما يشربها الناس ولا أشرب منها شيئا ولا
آكل إلا مما في بيتي منعت أن آكل مما في السوق شيئا وأنا محصور كما ترى فأمره
وقل له فليحج بالناس وليس بفان فإن أبى فاحجج أنت بالناس فقدمت الحج
في العشر فجئت خالد بن العاص فقلت له ما قال لي عثمان فقال لي هل طاقة بعداوة
من ترى فأبى أن يحج وقال فحج أنت بالناس فأنت ابن عم الرجل وهذا الامر
لا يفضى إلا إليه يعني عليا وأنت أحق أن تحمل له ذلك فحججت بالناس ثم قفلت
في آخر الشهر فقدمت المدينة وإذا عثمان قد قتل وإذا الناس يتواثبون على
رقبة علي بن أبي طالب فلما رآني علي ترك الناس وأقبل علي فانتجاني فقال ما ترى
فيما وقع فإنه قد وقع أمر عظيم كما ترى لا طاقة لاحد به فقلت أرى أنه لابد
للناس منك اليوم فأرى أنه لا يبايع اليوم أحد إلا اتهم بدم هذا الرجل فأبى
إلا أن يبايع فاتهم بدمه * قال محمد فحدثني ابن أبي سبرة عن عبد المجيد بن سهيل
عن عكرمة قال قال ابن عباس قال لي عثمان رضي الله عنه إني قد استعملت
خالد بن العاص بن هشام على مكة وقد بلغ أهل مكة ما صنع الناس فأنا خاثف ان
يمنعوه الموقف فيأبى فيقاتلهم في حرم الله عز وجل وأمنه وقوما جاؤوا من كل
فج عميق ليشهدوا منافع لهم فرأيت أن أوليك أمر الموسم وكتب معه إلى أهل
الموسم بكتاب يسألهم أن يأخذوا له بالحق ممن حصره فخرج ابن عباس فمر بعائشة
في الصلصل فقالت يا ابن عباس أنشدك الله فإنك قد أعطيت لسانا إزعيلا أن
434

تخذل عن هذا الرجل وأن تشكك فيه الناس فقد بانت لهم بصائرهم وأنهجت
ورفعت لهم المنار وتحلبوا من البلدان لأمر قد جم وقد رأيت طلحة ابن عبيد الله
قد اتخذ على بيوت الأموال والخزائن مفاتيح فان يل يسر بسيرة ابن عمه أبي بكر
رضي الله عنه قال قلت يا أمه لو حدث بالرجل حدث ما فزع الناس إلا إلى صاحبنا
فقالت إيها عنك إني لست أريد مكابرتك ولا مجادلتك قال ابن أبي سبرة فأخبرني
عبد المجيد بن سهيل إنه انتسخ رسالة عثمان التي كتب بها من عكرمة فإذا فيها
بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عثمان أمير المؤمنين إلى المؤمنين والمسلمين
سلام عليكم فاني أحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو أما بعد فاني أذكركم بالله جل
وعز الذي أنعم عليكم وعلمكم الاسلام وهداكم من الضلالة وأنقذكم من الكفر
وأراكم البينات وأوسع عليكم من الرزق ونصركم على العدو وأسبغ عليكم نعمه
فان الله عز وجل يقول وقوله الحق (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الانسان
لظلوم كفار) وقال عز وجل (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته
ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعا) إلى قوله لهم
عذاب عظيم وقال قوله الحق (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم
وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا) وقال قوله الحق (يا أيها
الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ) إلى قوله (فضلا من الله ونعمة والله
عليم حكيم) وقوله عز وجل (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا
قليلا) إلى (ولهم عذاب أليم) وقال وقوله الحق (فاتقوا الله ما استطعتم)
إلى (فأولئك هم المفلحون) وقال وقوله الحق (ولا تنقضوا الايمان بعد
توكيدها) إلى قوله (وليجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا
يعملون) وقال وقوله الحق (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر
منكم) إلى (وأحسن تأويلا) وقال وقوله الحق (وعد الله الذين آمنوا
منكم وعملوا الصالحات) إلى قوله (ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم
الفاسقون) وقال وقوله الحق (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله)
435

إلى (فسيؤتيه أجرا عظيما) أمل بعد فإن الله عز وجل رضى لكم السمع والطاعة
والجماعة وحذركم المعصية والفرقة والاختلاف ونبأكم ما قد فعله الذين من قبلكم
وتقدم إليكم فيه ليكون له الحجة عليكم إن عصيتموه فأقبلوا نصيحة الله عز وجل
واحذروا عذابه فإنكم لن تجدوا أمة هلكت إلا من بعد أن تختلف إلا أن يكون
لها رأس يجمعها ومتى ما تفعلوا ذلك لا تقيموا الصلاة جميعا وسلط عليكم عدوكم
ويستحل بعضكم حرم بعض ومتى يفعل ذلك لا يقم لله سبحانه دين وتكونوا
شيعا وقد قال الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم (إن الذين فرقوا دينهم
وكانوا شيعا لست منهم في شئ إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا
يفعلون) وإني أوصيكم بما أوصاكم الله وأحذركم عذابه فان شعيبا صلى الله عليه
وسلم قال لقومه (يا قوم لا يجر منكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح) إلى
قوله (رحيم ودود) أما بعد فان أقواما ممن كان يقول في هذا الحديث أظهروا للناس
انما يدعون إلى كتاب الله عز وجل والحق ولا يريدون الدنيا ولا منازعة فيها
فلما عرض عليهم الحق إذا الناس في ذلك شتى منهم آخذ للحق ونازع عنه حين
يعطاه ومنهم تارك للحق ونازل عنه في الامر يريد أن يبتزه بغير الحق طال عليهم
عمري وارث عليهم أملهم الامرة فاستعجلوا القدر وقد كتبوا إليكم أنهم قد رجعوا
بالذي أعطيتهم ولا أعلم أني تركت من الذي عاهدتهم عليه شيئا كانوا زعموا
أنهم يطلبون الحدود فقلت أقيموها على من علمتم تعداها في إحدى أقيموها على
من ظلمكم من قريب أو بعيد قالوا كتاب الله يتلى فقلت فليتله من تلاه غير غال
فيه بغير ما أنزل الله في الكتاب وقالوا المحروم يرزق والمال يوفى ليستن فيه السنة
الحسنة ولا يعتدى في الخمس ولا في الصدقة ويؤمر ذو القوة والأمانة وترد
مظالم الناس إلى أهلها فرضيت بذلك واصطبرت له وجئت نسوة النبي صلى الله
تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى كلمتهن فقلت ما تأمرنني فقلن تؤمر عمرو بن العاص
وعبد الله بن قيس وتدع معاوية فإنما أمره أمير قبلك فإنه مصلح لأرضه راض
به جنده واردد عمرا فان جنده راضون به وأمره فليصلح أرضه فكل ذلك
436

فعلت وأنه اعتدى على بعد ذلك وعدا على الحق كتبت إليكم وأصحابي الذين
زعموا في الامر استعجلوا القدر ومنعوا مني الصلاة وحالوا بيني وبين المسجد
وابتزوا ما قدروا عليه بالمدينة كتبت إليكم كتابي هذا وهم يخيرونني إحدى ثلاث
إما يقيدونني بكل رجل أصبته خطأ أو صوابا غير متروك منه شئ وإما أعتزل
الامر فيؤمرون آخر غيري وإما يرسلون إلى من أطاعهم من الأجناد وأهل
المدينة فيتبرؤن من الذي جعل الله سبحانه لي عليهم من السمع والطاعة فقلت لهم
إما إقادتي من نفسي فقد كان من قبلي خلفاء تخطئ وتصيب فلم يستقدمن أحد منهم
وقد علمت أنما يريدون نفسي وأما إن أتبرأ من الامارة فأن يكلبوني أحب إلي
من أن أتبرأ من عمل الله عز وجل وخلافته وأما قولكم يرسلون إلى الأجناد
وأهل المدينة فيتبرؤن من طاعتي فلست عليكم بوكيل ولم أكن استكرهتهم من
قبل على السمع والطاعة ولكن أتوها طائعين يبتغون مرضات الله عز وجل
وإصلاح ذات البين ومن يكن منكم إنما يبتغي الدنيا فليس بنائل منها إلا ما كتب
الله عز وجل له ومن يكن انما يريد وجه الله والدار الآخرة وصلاح الأمة وابتغاء
مرضات الله عز وجل والسنة الحسنة التي استن بها رسول الله صلى الله عليه وسلم
والخليفتان من بعده رضي الله عنهما فإنما يجزي بذلكم الله وليس بيدي جزاؤكم
ولو أعطيتكم الدنيا كلها لم يكن في ذلك ثمن لدينكم ولم يغن عنكم شيئا فاتقوا
الله واحتسبوا ما عنده فمن يرض بالنكث منكم فإني لا أرضاه له ولا يرضى الله
سبحانه أن تنكثوا عهده وأما الذي يخيرونني فإنما كله النزع والتأمير فملكت
نفسي ومن معي ونظرت حكم الله وتغيير النعمة من الله سبحانه وكرهت
سنة السوء وشقاق الأمة وسفك الدماء فاني أنشدكم بالله والاسلام ألا تأخذوا
الا الحق وتعطوه مني وترك البغي على أهله وخذوا بيننا بالعدل كما أمركم الله عز
وجل فاني أنشدكم الله سبحانه الذي جعل عليكم العهد والموازرة في أمر الله فان
الله سبحانه قال وقوله الحق وأوفوا بالعهد ان العهد كان مسؤلا فان هذه معذرة
إلى الله ولعلكم تذكرون أما بعد فإني لا أبرئ نفسي ان النفس لامارة بالسوء
437

الا ما رحم ربي ان ربي غفور رحيم) وان عاقبت أقواما فما أبتغي بذلك الا الخير
واني أتوب إلى الله عز وجل من كل عمل عملته وأستغفره انه لا يغفر الذنوب
إلا هو أن رحمة ربي وسعت كل شئ إنه لا يقنط من رحمة الله إلا القوم الضالون
وإنه يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات ويعلم ما يفعلون وأنا أسأل الله
عز وجل أن يغفر لي ولكم وأن يؤلف قلوب هذه الأمة على الخير ويكره إليها
الفسق والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته أيها المؤمنون والمسلمون قال ابن عباس
فقرأت هذا الكتاب عليهم قبل التروية بمكة بيوم * قال وحدثني ابن أبي سبرة
عن عبد المجيد بن سهيل عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال دعاني
عثمان فاستعملني على الحج قال فخرجت إلى مكة فأقمت للناس الحج وقرأت عليهم
كتاب عثمان إليهم ثم قدمت المدينة وقد بويع لعلي
ذكر الخبر عن الموضع الذي دفن فيه عثمان رضي الله عنه ومن
صلى عليه وولى أمره بعد ما قتل إلى أن فرغ من أمره ودفنه
* حدثني جعفر بن عبد الله المحمدي قال حدثنا عمرو بن حماد وعلي بن حسين
قالا حدثنا حسين بن عيسى عن أبيه عن أبي ميمونة عن أبي بشير العابدي قال نبذ
عثمان رضي الله عنه ثلاثة أيام لا يدفن ثم إن حكيم بن حزام القرشي ثم أحد بني
أسد بن عبد العزى وجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف كلما عليا
في دفنه وطلبا إليه أن يأذن لأهله في ذلك ففعل وأذن لهم علي فلما سمع بذلك
قعدوا له في الطريق بالحجارة وخرج به ناس يسير من أهله وهم يريدون به حائطا
بالمدينة يقال له حش كوكب كانت اليهود تدفن فيه موتاهم فلما خرج على الناس
رجموا سريره وهموا بطرحه فبلغ ذلك عليا فأرسل إليهم يعزم عليهم ليكفن عنه
ففعلوا فانطلق حتى دفن رضي الله عنه في حش كوكب فلما ظهر معاوية بن أبي سفيان
على الناس أمر بهدم ذلك الحائط حتى أفضى به إلى البقيع فأمر الناس أن يدفنوا
موتاهم حول قبره حتى اتصل ذلك بمقابر المسلمين * حدثني جعفر قال حدثنا عمرو
وعلي قالا حدثنا حسن عن أبيه عن المجالد بن سعيد الهمداني عن يسار بن أبي كرب
438

عن أبيه وكان أبو كرب عاملا على بيت مال عثمان قال دفن عثمان رضي الله عنه
بين المغرب والعتمة ولم يشهد جنازته إلا مروان بن الحكم وثلاثة من مواليه
وابنته الخامسة فناحت ابنته ورفعت صوتها تندبه وأخذ الناس الحجارة وقالوا
نعثل نعثل وكادت ترجم فقالوا الحائط الحائط فدفن في حائط خارجا (وأما
الواقدي) فإنه ذكر أن سعد بن راشد حدثه عن صالح بن كيسان أنه قال لما قتل
عثمان رضي الله عنه قال رجل يدفن بدير سلع مقبرة اليهود فقال حكيم بن حزام
والله لا يكون هذا أبدا وأحد من ولد قصي حي حتى كاد الشر يلتحم فقال ابن عديس
البلوى أيها الشيخ وما يضرك أين يدفن فقال حكيم بن حزام لا يدفن الا ببقيع
الفرقد حيث دفن سلفه وفرطه فخرج به حكيم بن حزام في اثنى عشر رجلا وفيهم
الزبير فصلى عليه حكيم بن حزام قال الواقدي الثبت عندنا أنه صلى عليه جبير بن مطعم *
قال محمد بن عمر وحدثني الضحاك بن عثمان عن مخرمة بن سليمان الوالبي قال قتل
عثمان رضي الله عنه يوم الجمعة ضحوة فلم يقدروا على دفنه وأرسلت نائلة ابنة
القرافصة إلى حويطب بن عبد العزى وجبير بن مطعم وأبي جهم بن حذيفة
وحكيم بن حزام ونيار الأسلمي فقالوا انا لا نقدر أن نخرج به نهارا وهؤلاء
المصريون على الباب فامهلوا حتى كان بين الغرب والعشاء فدخل القوم فحيل بينهم
وبينه فقال أبو جهم والله لا يحول بيني وبينه أحد الا مت دونه احملوه فحمل إلى
البقيع قال وتبعتهم نائلة بسراج استسرجته بالبقيع وغلام لعثمان حتى انتهوا إلى نخلات
عليها حائط فدقوا الجدار ثم قبروه في تلك النخلات وصلى عليه جبير بن مطعم فذهبت
نائلة تريد أن تتكلم فزبرها القوم وقالوا إنا نخاف عليه من هؤلاء الغوغاء أن ينبشوه
فرجعت نائلة إلى منزلها * قال محمد وحدثني عبد الله بن يزيد الهذلي عن عبد الله
أين ساعدة قال لبث عثمان بعد ما قتل ليلتين لا يستطيعون دفنه ثم حمله أربعة حكيم
ابن حزام وجبير بن مطعم ونيار بن مكرم وأبو جهم بن حذيفة فلما وضع ليصلى
عليه جاء نفر من الأنصار يمنعونهم الصلاة عليه فيهم أسلم بن أوس بن بجرة الساعدي
وأبو حية المازني في عدة ومنعوهم أن يدفن بالبقيع فقال أبو جهم ادفنوه فقد صلى
439

الله عليه وملائكته فقالوا لا والله لا يدفن في مقابر المسلمين أبدا فدفنوه في حش
كوكب فلما ملكت بنو أمية أدخلوا ذلك الحش في البقيع فهو اليوم مقبرة بني أمية
قال محمد وحدثني عبد الله بن موسى المخزومي قال لما قتل عثمان رضي الله عنه
أرادوا حز رأسه فوقعت عليه نائلة وأم البنين فمنعنهم وصحن وضربن الوجوه
وخرقن ثيابهن فقال ابن عديس اتركوه فأخرج عثمان ولم يغسل إلى البقيع
وأرادوا أن يصلوا عليه في موضع الجنائز فأبت الأنصار وأقبل عمير بن ضابئ
وعثمان موضوع على باب فنزا عليه فكسر ضلعا من أضلاعه وقال سجنت ضابئا
حتى مات في السجن * وحدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال حدثنا أبو بكر
ابن عبد الله بن أبي أويس قال حدثني عم جدي الربيع بن مالك بن أبي عامر
عن أبيه قال كنت أحد حملة عثمان رضي الله عنه حين قتل حملناه على باب وأن
رأسه لتقرع الباب لاسراعنا به وأن بنا من الخوف لأمرا عظيما حتى واريناه في
قبره في حش كوكب (وأما سيف) فإنه روى فيما كتب به إلى السري عن شعيب
عنه عن أبي حارثة وأبي عثمان ومحمد وطلحة أن عثمان لما قتل أرسلت نائلة
إلى عبد الرحمن بن عديس فقالت له إنك أمس القوم رحما وأولاهم بأن تقوم
بأمري أغرب عني هؤلاء الأموات قال فشتمها وزجرها حتى إذا كان في جوف
الليل خرج مروان حتى أتى دار عثمان فأتاه زيد بن ثابت وطلحة بن عبيد الله
وعلي والحسن وكعب بن مالك وعامة من ثم من أصحابه فتوافى إلى موضع الجنائز
صبيان ونساء فأخرجوا عثمان فصلى عليه مروان ثم خرجوا به حتى انتهوا إلى
البقيع فدفنوه فيه مما يلي حش كوكب حتى إذا أصبحوا أتوا أعبد عثمان الذين
قتلوا معه فأخرجوهم فرأوهم فمنعوهم من أن يدفنوهم فأدخلوهم حش كوكب فلما
أمسوا خرجوا بعبدين منهم فدفنوهما إلى جنب عثمان ومع كل واحد منهما خمسة
نفر وامرأة فاطمة أم إبراهيم بن عدي ثم رجعوا فأتوا كنانة بن بشر فقالوا انك
أمس القوم بنا رحما فأمر بهاتين الجفتين اللتين في الدار أن تخرجا فكلمهم في
ذلك فأبوا فقال أنا جار لآل عثمان من أهل مصر ومن لف لفهم فأخرجوهما
440

فارموا بهما فجر بأرجلهما فرمى بهما على البلاط فأكلتهما الكلاب وكان العبدان
اللذان قتلا يوم الدار يقال لهما نجيح وصبيح فكان أسماؤهما الغالب على الرقيق
لفضلهما وبلائهما ولم يحفظ الناس اسم الثالث ولم يغسل عثمان وكفن في ثيابه
ودمائه ولا غسل غلاماه (وكتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن مجالد
عن الشعبي قال دفن عثمان رضي الله عنه من الليل وصلى عليه مروان بن الحكم
وخرجت ابنته تبكي في أثره ونائلة ابنة الفرافصة رحمهم الله
ذكر الخبر عن الوقت الذي قتل فيه عثمان رضي الله عنه
اختلف في ذلك بعد إجماع جميعهم على أنه قتل في ذي الحجة فقال بعضهم قتل
لثمان عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة 36 من الهجرة فقال الجمهور منهم قتل
لثماني عشرة ليلة مضت من ذي الحجة سنة 35
ذكر الرواية بذلك عن بعض من قال أنه قتل في سنة 36
* حدثني الحارث بن محمد قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني
أبو بكر بن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن عثمان بن محمد الأخنسي
قال الحارث وحدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني أبو بكر بن عبد الله
ابن أبي سبرة عن يعقوب بن زيد عن أبيه قال قتل عثمان رضي الله عنه يوم الجمعة
لثمان عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة 36 بعد العصر وكانت خلافته اثنتي
عشرة سنة غير اثني عشر يوما وهو ابن اثنتين وثمانين سنة وقال أبو بكر أخبر
مصعب بن عبد الله قال قتل عثمان رضي الله عنه يوم الجمعة لثماني عشرة ليلة خلت
من ذي الحجة سنة 36 بعد العصر (وقال) آخرون قتل في ذي الحجة سنة 35
لثماني عشرة ليلة خلت منه
ذكر من قال ذلك
* حدثني جعفر بن عبد الله قال حدثنا عمرو بن جماد وعلي قالا حدثنا حسن عن
أبيه عن المجالد بن سعيد الهمداني عن عامر الشعبي أنه قال حصر عثمان بن عفان
رضي الله عنه في الدار اثنتين وعشرين ليلة وقتل صبيحة ثماني عشرة ليلة مضت
441

من ذي الحجة سنة خمس وعشرين من وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
* وحدثني أحمد بن ثابت الرازي عمن حدثه عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر
قال قتل عثمان رضي الله عنه يوم الجمعة لثماني عشرة ليلة مضت من ذي الحجة سنة 35
وكانت خلافته اثنتي عشرة سنة إلا اثني عشر يوما (كتب إلي السري) عن
شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وأبي حارثة وأبي عثمان قالوا قتل عثمان رضي الله عنه
يوم الجمعة لثماني عشرة ليلة مضت من ذي الحجة سنة 35 على رأس إحدى
عشرة سنة وأحد عشر شهرا واثنين وعشرين يوما من مقتل عمر رضي الله عنه
* وحدثت عن زكريا بن عدي قال حدثنا عبيد الله بن عمرو عن ابن عقيل قال
قتل عثمان رضي الله عنه سنة 35 (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن
أبي حارثة وأبي عثمان ومحمد وطلحة قالوا قتل عثمان رضي الله عنه لثماني عشرة ليلة
خلت من ذي الحجة في آخر ساعة (وقال) آخرون قتل يوم الجمعة ضحوة
ذكر ما قال ذلك
ذكر عن هشام بن الكلبي أنه قال قتل عثمان رضي الله عنه صبيحة الجمعة لثماني عشرة
ليلة خلت من ذي الحجة سنة 35 فكانت خلافته اثنتي عشرة سنة إلا ثمانية أيام
* حدثنا الحارث عن ابن سعد عن محمد بن عمر قال حدثني الضحاك بن عثمان عن
مخرمة بن سليمان الوالبي قال قتل عثمان رضي الله عنه يوم الجمعة ضحوة لثماني عشرة
ليلة مضت من ذي الحجة سنة 35 وقال آخرون قتل في أيام التشريق
ذكر ما قال ذلك
* حدثني أحمد بن زهير قال حدثنا أبي أبو خيثمة قال حدثنا وهب بن جرير قال
سمعت أبي قال سمعت يونس بن يزيد الأيلي عن الزهري قال قتل عثمان رضي الله عنه
فزعم بعض الناس أنه قتل في أيام التشريق وقال بعضهم قتل يوم الجمعة
لثماني عشر ليلة خلت من ذي الحجة
ذكر الخبر عن قدر مدة حياته
اختلف السلف قبلنا في ذلك فقال بعضهم كانت مدة ذلك اثنتين وثمانين سنة
442

ذكر من قال ذلك
* حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر أن عثمان
رضي الله عنه قتل وهو ابن اثنتين وثمانين سنة قال محمد بن عمر وحدثني الضحاك
ابن عثمان عن محرمة بن سليمان الوالبي قال قتل عثمان رضي الله عنه وهو ابن اثنتين
وثمانين سنة قال محمد وحدثني سعد بن راشد عن صالح بن كيسان قال قتل
عثمان رضي الله عنه وهو ابن اثنتين وثمانين سنة وأشهر وقال آخرون قتل وهو
ابن تسعين أو ثمان وثمانين
ذكر من قال ذلك
* حدثت عن الحسن بن موسى الأشيب قال حدثنا أبو هلال عن قتادة أن
عثمان رضي الله عنه قتل وهو ابن تسعين أو ثمان وثمانين سنة وقال آخرون قتل
وهو ابن خمس وسبعين سنة وذلك قول ذكر عن هشام بن محمد وقال بعضهم قتل
وهو ابن ثلاث وستين وهذا قول نسبه سيف ابن عمر إلى جماعة (كتب إلي
السري) عن شعيب عن سيف أن أبا حارثة وأبا عثمان ومحمدا وطلحة قالوا
قتل عثمان رضي الله عنه وهو ابن ثلاث وستين سنة وقال آخرون قتل وهو
ابن ست وثمانين
ذكر من قال ذلك
* حدثني محمد بن موسى الحرشي قال حدثنا معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن
قتادة قال قتل عثمان رضي الله عنه وهو ابن ست وثمانين
ذكر الخبر عن صفة عثمان
* حدثني زياد بن أيوب قال حدثنا هشيم قال زعم أبو المقدام عن الحسن بن
أبي الحسن قال دخلت المسجد فإذا أنا بعثمان رضي الله عنه متكئا على ردائه
فنظرت إليه فإذا رجل حسن الوجه وإذا بوجهه نكتات من جدري وإذا
شعره قد كسا ذراعيه * حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال حدثنا محمد بن
عمر قال سألت عمرو بن عبد الله بن عنبسة وعروة بن خالد بن عبد الله بن عمرو
443

ابن عثمان وعبد الرحمن بن أبي الزناد عن صفة عثمان فلم أر بينهم اختلافا قالوا
كان رجلا ليس بالقصير ولا بالطويل حسن الوجه رقيق البشرة كثير اللحية
عظيمها أسمر اللون عظيم الكراديس عظيم ما بين المنكبين كثير شعر الرأس
يصفر لحيته * وحدثني أحمد بن زهير قال حدثنا أبي قال حدثنا وهب بن جرير
ابن حازم قال سمعت أبي يقول سمعت يونس بن يزيد الأيلي عن الزهري قال كان
عثمان رجلا مربوعا حسن الشعر حسن الوجه أصلع أروح الرجلين
ذكر الخبر عن وقت إسلامه وهجرته
* حدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال كان اسلام
عثمان قديما قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم قال وكان ممن هاجر من
مكة إلى أرض الحبشة الأولى والهجرة الثانية ومعه فيهما جميعا امرأته
رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
ذكر الخبر عما كان يكنى بن عثمان بن عفان رضي الله عنه
* حدثني الحارث بن محمد قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر أن عثمان
ابن عفان رضي الله عنه كان يكنى في الجاهلية أبا عمرو فلما كان في الاسلام ولد
له من رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما فسماه عبد الله واكتنى به فكناه
المسلمون أبا عبد الله فبلغ عبد الله ست سنين فنقره ديك على عينه فمرضى فمات في
جمادي الأولى سنة 4 من الهجرة فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل
في حفرته عثمان رضي الله عنه وقال هشام بن محمد كان يكنى أبا عمرو
ذكر نسبه
هو عثمان بن عفان بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي
وأمه أروى ابنة كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي
وأمها أم حكيم بنت عبد المطلب
ذكر أولاده وأزواجه
رقية وأم كلثوم ابنتا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولدت له رقية عبد الله وفاختة
444

ابنة غزوان بن جابر بن نسيب بن وهيب بن زيد بن مالك بن عبد بن عوف بن
الحارث بن مازن بن منصور بن عكرمة بن حصفة بن قيس بن عيلان بن مضر
ولدت له ابنا فسماه عبد الله وهو عبد الله الأصغر هلك، وأم عمرو بنت جندب بن
عمرو بن حممة بن الحارث بن رفاعة بن سعد بن ثعلبة بن لؤي بن عامر بن غنم بن
دهمان بن منهب بن دوس من الأزد ولدت له عمرا وخالدا وأبانا وعمر ومريم
وفاطمة ابنة الوليد بن عبد شمس بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ولدت له
الوليد وسعيدا، وأم سعيد بني عثمان، وأم البنين بنت عيينة بن حصن بن حذيفة بن
بدر الفزاري ولدت له عبد الملك بن عثمان هلك، ورملة ابنة شيبة بن ربيعة بن
عبد شمس بن عبد مناف بن قصي ولدت له عائشة وأم أبان وأمر عمر وبنات عثمان
ونائلة ابنة الفرافصة بن الأحوص بن عمرو بن ثعلبة بن الحارث بن حصن بن ضمضم
بن عدي بن جناب بن كلب ولدت له مريم ابنة عثمان وقال هشام بن الكلبي ولدت
أم البنين بنت عيينة بن حصن لعثمان عبد الملك وعتبة وقال أيضا ولدت نائلة
عنبسة * وزعم الواقدي أن لعثمان ابنة تدعى أم النبيين بنت عثمان من نائلة قال
وهي التي كانت عند عبد الله بن يزيد بن أبي سفيان وقتل عثمان رضي الله عنه وعنده
رملة ابنة شيبة ونائلة وأم البنين بنت عيينة وفاختة ابنة غزوان غير أنه فيما زعم
علي بن محمد طلق أم البنين وهو محصور فهؤلاء أزواجه اللواتي كن له في الجاهلية
والاسلام وأولاده رجالهم ونساؤهم
ذكر أسماء عمال عثمان رضي الله عنه في هذه السنة على البلدان
قال محمد بن عمر قتل عثمان رضي الله عنه وعماله على الأمصار فيما حدثني
عبد الرحمن بن أبي الزناد على مكة عبد الله بن الحضرمي وعلى الطائف القاسم
ابن ربيعة الثقفي وعلى صنعاء يعلى بن منية وعلى الجند عبد الله بن ربيعة وعلى
البصرة عبد الله بن عامر بن كريز خرج منها فلم يول عليها عثمان أحدا وعلى الكوفة
سعيد بن العاص أخرج منها فلم يترك يدخلها وعلى مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح
قدم على عثمان وغلب محمد بن أبي حذيفة عليها وكان عبد الله بن سعد استخلف
445

على مصر السائب بن هشام بن عمرو العامري فأخرجه محمد بن أبي حذيفة وعلى
الشأم معاوية بن أبي سفيان (وفيما كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن
أبي حارثة وأبي عثمان قالا مات عثمان رضي الله عنه وعلى الشأم معاوية وعامل
معاوية على حمص عبد الرحمن بن خالد بن الوليد وعلى قنسرين حبيب بن مسلمة
وعلى الأردن أبو الأعور بن سفيان وعلى فلسطين علقمة بن حكيم الكناني
وعلى البحر عبد الله بن قيس الفزاري وعلى القضاء أبو الدرداء (وكتب إلي
السري) عن شعيب عن سيف عن عطية قال مات عثمان رضي الله عنه
وعلى الكوفة على صلاتها أبو موسى وعلى خراج السواد جابر بن فلان المزني
وهو صاحب المسناة إلى جانب الكوفة وسماك الأنصاري وعلى حربها القعقاع
ابن عمرو وعلى قرقيسياء جرير بن عبد الله وعلى آذربيجان الأشعث بن قيس وعلى
حلوان عتيبة بن النهاس وعلى ماه مالك بن حبيب وعلى همذان النسير وعلى الري
سعيد بن قيس وعلى أصبهان السائب بن الأقرع وعلى ماسبذان حبيش وعلى بيت
المال عقبة بن عمرو وكان على قضاء عثمان يومئذ زيد بن ثابت
ذكر بعض خطب عثمان رضي الله عنه
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن القاسم بن محمد بن عون بن
عبد الله عن عتبة قال خطب عثمان الناس بعد ما بويع فقال أما بعد فإني قد حملت
وقد قبلت ألا وإني متبع ولست بمبتدع ألا وإن لكم علي بعد كتاب الله عز وجل
وسنه نبيه صلى الله عليه وسلم ثلاثا اتباع من كان قبلي فيما اجتمعتم عليه وسننتم
وسن سنة أهل الخير فيما لم تسنوا عن ملا والكف عنكم الا فيما استوجبتم ألا وان
الدنيا خضرة قد شهيت إلى الناس ومال إليها كثير منهم فلا تركنوا إلى الدنيا
ولا تثقوا بها فإنها ليست بثقة واعلموا أنها غير تاركة إلا من تركها (وكتب إلي
السري) عن شعيب عن سيف عن بدر بن عثمان عن عمه قال آخر خطبة خطبها
عثمان رضي الله عنه في جماعة إن الله عز وجل إنما أعطاكم الدنيا لتطلبوا بها الآخرة ولم
يعطكموها لتركنوا إليها إن الدنيا تفنى والآخرة تبقى فلا تبطرنكم الفانية ولا تشغلنكم
446

عن الباقية فآثروا ما يبقى على ما يفنى فان الدنيا منقطعة وإن المصير إلى الله اتقوا الله
عز وجل فإن تقواه جنة من بأسه ووسيلة عنده واحذروا من الله الغير والزموا
جماعتكم لا تصيروا أحزابا * واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين
قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا) إلى آخر القصة
ذكر الخبر عمن كان يصلى بالناس في مسجد رسول الله صلى الله
عليه وسلم حين حصر عثمان
قال محمد بن عمر حدثني ربيعة بن عثمان جاء المؤذن سعد القرظ إلى علي بن
أبي طالب في ذلك اليوم فقال من يصلي بالناس فقال علي ناد خالد بن زيد فنادى
خالد بن زيد فصلى بالناس فإنه لأول يوم عرف أن أبا أيوب خالد بن زيد فكان
يصلى بهم أياما ثم صلى علي بعد ذلك بالناس * قال محمد وحدثني عبد الرحمن بن
عبد العزيز عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم قال جاء المؤذن إلى عثمان فآذنه
بالصلاة فقال لا أنزل أصلى اذهب إلى من يصلى فجاء المؤذن إلى علي فأمر سهل بن
حنيف فصلى اليوم الذي حصر فيه عثمان الحصر الآخر وهو ليلة رؤى هلال ذي
الحجة فصلى بهم حتى إذا كان يوم العيد صلى علي العيد ثم صلى بهم حتى قتل رضي الله عنه
قال وحدثني عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر قال لما حصر عثمان
صلى بالناس أبو أيوب أياما ثم صلى بهم علي الجمعة والعيد حتى قتل رضي الله عنه
ذكر ما رثى به من الاشعار
وتقاول الشعراء بعد مقتله فيه فيمن مادح وهاج ومن نائح باك ومن سار فرح
فكان ممن يمدحه حسان بن ثابت وكعب بن مالك الأنصاريان وتميم بن أبي بن
مقبل في آخرين غيرهم مما مدحه به وبكاه حسان وهجا به قاتله
أتركتم غزو الدروب وراءكم * وغزوتمونا عند قبر محمد
فلبئس هدى المسلمين هديتم * ولبئس أمر الفاجر المتعمد
إن تقدموا نجعل قرى سرواتكم * حول المدينة كل لين مذود
أو تدبروا فلبئس ما سافرتم * ولمثل أمر أميركم لم يرشد
447

وكأن أصحاب النبي عشية * بدن تذبح عند باب المسجد
أبكى أبا عمرو لحسن بلائه * أمسى مقيما في بقيع الغرقد
وقال أيضا:
إن تمس دار ابن أروى منه خاوية * باب صريع وباب محرق خرب
فقد يصادف باغى الخير حاجته * فيها ويهوى إليها الذكر والحسب
يا أيها الناس أبدوا ذات أنفسكم * لا يستوى الصدق عند الله والكذب
قوموا بحق مليك الناس تعترفوا * بغارة عصب من خلفها عصب
فيهم خبيث شهاب الموت يقدمهم * مستلئما قد بدا في وجهه الغضب
وله فيه أشعار كثيرة * وقال كعب بن مالك الأنصاري:
يا للرجال للبك المخطوف * ولدمعك المترقرق المنزوف
ويح لأمر قد أتاني رائع * هد الجبال فأنقضت برجوف
قتل الخليفة كان أمرا مفظعا * قامت لذاك بلية التخويف
قتل الامام له النجوم خواضع * والشمس بازغة له بكسوف
يا لهف نفسي إذ تولوا غدوة * بالنعش فوق عوتق وكتوف
ولوا ودلوا في الضريح أخاهم * ماذا أجن ضريحه المسقوف
من نائل أو سؤدد وحمالة * سبقت له في الناس أو معروف
كم من يتيم كان يجبر عظمه * أمسى بمنزله الضياع يطوف
ما زال يقبلهم ويرأب ظلمهم * حتى سمعت برنة التلهيف
أمسى مقيما بالبقيع وأصبحوا * متفرقين قد أجمعوا بخفوف
النار موعدهم بقتل إمامهم * عثمان ظهرا في التلاد عفيف
جمع الحمالة بعد حلم راجح * والخير فيه مبين معروف
يا كعب لا تنفك تبكى مالكا * ما دمت حيا في البلاد تطوف
فأبكى أبا عمرو عتيقا واصلا * ولواءهم إذ كان غير سخيف
وليبكه عند الحفاظ المعظم * والخيل بين مقانب وصفوف
448

قتلوك يا عثمان غير مدنس * قتلا لعمرك واقفا بسقيف
وقال حسان
من سره الموت صرفا لا مزاج له * فليأت مأسدة في دار عثمانا
مستشعري حلق الماذي قد شفعت * قبل المخاطم بيض زان أبدانا
صبرا فدى لكم أمي وما ولدت * قد ينفع الصبر في المكروه أحيانا
فقد رضينا بأهل الشأم نافرة * وبالأمير وبالاخوان إخوانا
إني لمنهم وإن غابوا وإن شهدوا * ما دمت حيا وما سميت حسانا
لتسمعن وشيكا في ديارهم * الله أكبر يا ثأرات عثمانا
ويا ليت شعري وليت الطير تخبرني * ما كان شأن علي وابن عفانا
وقال الوليد بن عقبة بن أبي معيط يحرض عمارة بن عقبة
ألا إن خير الناس بعد ثلاثة * قتيل التجيبي الذي جاء من مصر
فإن يك ظني بابن أمي صادقا * عمارة لا يطلب بذحل ولا وتر
يبيت وأوتار ابن عفان عنده * محيمه بين الخورنق والقصر
فأجابه الفضل بن عباس
أتطلب ثارا لست منه ولاله * وأين ابن ذكوان الصفوري من عمرو
كما اتصلت بنت الحمار بأمها * وتنسى أباها إذ تسامى أولى الفخر
ألا إن خير الناس بعد محمد * وصى النبي المصطفى عند ذي الذكر
وأول من صلى وصنو نبيه * وأول من أردى الغواة لدى بدر
فلو رأت الأنصار ظلم ابن عمكم * لكانوا له من ظلمه حاضري النصر
كفى ذاك عيبا أن يشيروا بقتله * وأن يسلموه للأحابيش من مصر
وقال الحباب بن يزيد المجاشعي عم الفرزدق
لعمر أبيك فلا تجزعن * لقد ذهب الخير إلا قليلا
لقد سفه الناس في دينهم * وخلى ابن عفان شرا طويلا
أعاذل كل امرئ هالك * فسيرى إلى الله سيرا جميلا
449

خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
(وفي هذه السنة) بويع لعلي بن أبي طالب بالمدينة بالخلافة
ذكر الخبر عن بيعة من بايعه والوقت الذي بويع فيه
(اختلف) السلف من أهل السير في ذلك فقال بعضهم سأل عليا أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم أن يتقلد لهم وللمسلمين فأبى عليهم فلما أبوا عليه وطلبوا إليه
تقلد ذلك لهم
ذكر الرواية بذلك عمن رواه
* حدثني جعفر بن عبد الله المحمدي قال حدثنا عمرو بن حماد وعلي بن حسين
قالا حدثنا حسين عن أبيه عن عبد الملك بن أبي سليمان الفزاري عن سالم بن أبي الجعد
الأشجعي عن محمد بن الحنفية قال كنت مع أبي حين قتل عثمان رضي الله عنه فقام
فدخل منزله فأتاه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا إن هذا الرجل
قد قتل ولابد للناس من إمام ولا نجد اليوم أحدا أحق بهذا الامر منك لا أقدم
سابقة ولا أقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا تفعلوا فاني أكون
وزيرا خير من أن أكون أميرا فقالوا لا والله ما نحن بفاعلين حتى نبايعك قال
ففي المسجد فان بيعتي لا تكون خفيا ولا تكون إلى عن رضا المسلمين قال سالم
ابن أبي الجعد فقال عبد الله بن عباس فلقد كرهت أن يأتي المسجد مخافة أن يشغب
عليه وأبى هو إلا المسجد فلما دخل دخل المهاجرون والأنصار فبايعوه ثم بايعه
الناس * وحدثني جعفر قال حدثنا عمرو وعلي قال حدثنا حسين عن أبيه عن
أبي ميمونة عن أبي بشير العابدي قال كنت بالمدينة حيت قتل عثمان رضي الله عنه
واجتمع المهاجرون والأنصار فيهم طلحة والزبير فأتوا عليا فقالوا يا أبا الحسن
هلم نبايعك فقال لا حاجة لي في أمركم أنا معكم فمن اخترتم فقد رضيت به فاختاروا
فقالوا والله ما نختار غيرك قال فاختلفوا إليه بعد ما قتل عثمان رضي الله عنه
مرارا ثم أتوه في آخر ذلك فقالوا له إنه لا يصلح الناس إلا بإمرة وقد طال
450

الامر فقال لهم إنكم قد اختلفتم إلي وأتيتم وإني قائل لكم قولا إن قبلتموه قبلت
أمركم وإلا فلا حاجة لي فيه قالوا ما قلت من شئ قبلناه إن شاء الله فجاء فصعد المنبر
فاجتمع الناس إليه فقال اني قد كنت كارها لامركم فأبيتم إلا أن أكون عليكم
إلا وأنه ليس لي أمر دونكم إلا أن مفاتيح مالكم معي ألا وإنه ليس لي أن
آخذ منه درهما دونكم رضيتم قالوا نعم قال اللهم اشهد عليهم ثم بايعهم على ذلك قال
أبو بشير وأنا يومئذ عند منبر رسول اله صلى الله عليه وسلم قائم أسمع ما يقول
* وحدثني غمر بن شبة قال حدثنا علي بن محمد قال أخبرنا أبو بكر الهذلي عن أبي الميح
قال لما قتل عثمان رضي الله عنه خرج علي إلى السوق وذلك يوم السبت لثماني
عشرة ليلة خلت من ذي الحجة فاتبعه الناس وبهشوا في وجهه فدخل حائط بني عمرو
ابن مبذول وقال لأبي عمرة بن عمرو بن محصن أغلق الباب فجاء الناس فقرعوا
الباب فدخلوا فيهم طلحة والزبير فقالا يا علي ابسط يدك فبايعه طلحة والزبير فنظر
حبيب بن ذؤيب إلى طلحة حين بايع فقال أول من بدأ البيعة يد شلاء لا يتم هذا
الامر وخرج علي إلى المسجد فصعد المنبر وعليه إزار وطاق وعمامة خز ونعلاه
في يده متوكئا على قوس فبايعه الناس وجاؤا بسعد فقال علي بايع قال لا أبايع
حتى يبايع الناس والله ما عليك مني بأس قال خلوا سبيله وجاؤا بابن عمر فقال بايع
قال لا أبايع حتى يبايع الناس قال ائتني بحميل قال لا أرى حميلا قال الأشتر حل
عني أضرب عنقه قال علي دعوه أنا حميله إنك ما علمت لسيئ الخلق صغيرا وكبيرا
* حدثني محمد بن سنان القزاز قال حدثنا إسحاق بن إدريس قال حدثنا هشيم قال
أخبرنا حميد عن الحسن قال رأيت الزبير بن العوام بايع عليا في حش من حشان
المدينة * وحدثني أحمد بن زهير قال حدثني أبي قال حدثنا وهب بن جرير قال
سمعت أبي قال سمعت يونس بن يزيد الأيلي عن الزهري قال بايع الناس علي بن
أبي طالب فأرسل إلى الزبير وطلحة فدعاهما إلى البيعة فتلكأ طلحة فقال مالك
الأشتر وسل سيفه والله لتبايعن أو لأضربن به ما بين عينيك فقال طلحة وأين المهرب
عنه فبايعه وبايعه الزبير والناس وسأل طلحة والزبير أن يؤمرهما على الكوفة
451

والبصرة فقال تكونان عندي فأتحمل بكما فإني وحش لفراقكما قال الزهري وقد
بلغنا أنه قال لهما إن أحببتما أن تبايعا لي وإن أحببتما بايعتكما فقالا بل نبايعك
وقالا بعد ذلك إنما صنعنا ذلك خشية على أنفسنا وقد عرفنا أنه لم يكن ليبايعنا
فظهرا إلى مكة بعد قتل عثمان بأربعة أشهر * وحدثني عمر بن شبة قال حدثنا
أبو الحسن قال حدثنا أبو مخنف عن عبد الملك بن أبي سليمان عن سالم بن أبي الجعد
عن محمد بن الحنفية قال كتت أمسى مع أبي حين قتل عثمان رضي الله عنه حتى دخل
بيته فأتاه ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا إن هذا الرجل قد
قتل ولابد من إمام للناس قال أو تكون شورى قالوا أنت لنا رضى قال فالمسجد
إذا يكون عن رضى من الناس فخرج إلى المسجد فبايعه من بايعه وبايعت
الأنصار عليا إلا نفيرا يسيرا فقال طلحة ما لنا من هذا الامر إلا كحسة أنف
الكلب * وحدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن قال أخبرنا شيخ من بني هاشم عن
عبد الله بن الحسن قال لما قتل عثمان رضي الله عنه بايعت الأنصار عليا إلا نفيرا
يسيرا منهم حسان بن ثابت وكعب بن مالك ومسلمة بن مخلد وأبو سعيد الخدري
ومحمد بن مسلمة والنعمان بن بشير وزيد بن ثابت ورافع بن خديج وفضالة بن عبيد
وكعب بن عجرة كانوا عثمانية فقال رجل لعبد الله بن حسن كيف أبى هؤلاء بيعة علي
وكانوا عثمانية قال أما حسان فكان شاعرا لا يبالي ما يصنع وأما زيد بن ثابت فولاه
عثمان الديوان وبيت المال فلما حصر عثمان قال يا معشر الأنصار كونوا أنصار الله
مرتين فقال أبو أيوب ما تنصره إلا أنه أكثر لك من العضدان فأما كعب بن مالك
فاستعمله على صدقة مزينة وترك ما أخذ منهم له. قال وحدثني من سمع الزهري
يقول هرب قوم من المدينة إلى الشام ولم يبايعوا عليا ولم يبايعه قدامة بن مظعون
وعبد الله بن سلام والمغيرة بن شعبة. وقال آخرون إنما بايع طلحة والزبير عليا
كرها. وقال بعضهم لم يبايعه الزبير
ذكر من قال ذلك
* حدثني عبد الله بن أحمد المروزي قال حدثني أبي قال حدثني سليمان قال حدثني
452

عبد الله عن جرير بن حازم قال حدثني هشام بن أبي هشام مولى عثمان بن عفان
عن شيخ من أهل الكوفة يحدثه عن شيخ آخر قال حصر عثمان وعلي بخيبر فلما
قدم أرسل إليه عثمان يدعوه فانطلق فقلت لانطلقن معه ولأسمعن مقالتهما فلما
دخل عليه كلمه عثمان فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإن لي عليك حقوقا حق
الاسلام وحق الاخاء وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين آخى
بين الصحابة آخى بيني وبينك وحق القرابة والصهر وما جعلت لي في عنقك من
العهد والميثاق فوالله لو لم يكن من هذا شئ ثم كنا إنما نحن في جاهلية لكان مبطأ
على بني عبد مناف أن يبتزهم أخو بني تيم ملكهم فتكلم علي فحمد الله وأثنى عليه
ثم قال أما بعد فكل ما ذكرت من حقك علي على ما ذكرت أما قولك لو كنا في
جاهلية لكان مبطأ علي بني عبد مناف أن يبتزهم أخو بني تيم ملكهم فصدقت
وسيأتيك الخبر ثم خرج فدخل المسجد فرأى أسامة جالسا فدعاه فاعتمد على يده
فخرج يمشي إلى طلحة وتبعته فدخلنا دار طلحة بن عبيد الله وهي رجاس من الناس
فقام إليه فقال يا طلحة ما هذا الامر الذي وقعت فيه فقال يا أبا حسن بعد ما مس
الحزام الطبيين فانصرف علي ولم يحر إليه شيئا حتى أتى بيت المال فقال افتحوا هذا
الباب فلم يقدر على المفاتيح فقال اكسروه فكسر باب بيت المال فقال أخرجوا
المال فجعل يعطي الناس فبلغ الذين في دار طلحة الذي صنع علي فجعلوا يتسللون
إليه حتى ترك طلحة وحده وبلغ الخبر عثمان فسر بذلك ثم أقبل طلحة يمشي
عائدا إلى دار عثمان فقلت والله لأنظرن ما يقول هذا فتبعته فاستأذن على عثمان
فلما دخل عليه قال يا أمير المؤمنين أستغفر الله وأتوب إليه أردت أمرا فحال الله
بيني وبينه فقال عثمان إنك والله ما جئت تائبا ولكنك جئت مغلوبا الله حسيبك
يا طلحة * وحدثني الحارث قال حدثنا ابن سعد قال أخبرنا محمد بن عمر قال
حدثني أبو بكر بن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن سعد
قال قال طلحة بايعت والسيف فوق رأسي فقال سعد لا أدرى والسيف على
رأسه أم لا إلا أني أعلم أنه بايع كارها قال وبايع الناس عليا بالمدينة وتربص
453

سبعة نفر فلم يبايعوه منهم سعد بن أبي وقاص ومنهم ابن عمر وصهيب وزيد بن
ثابت ومحمد بن مسلمة وسلمة بن وقش وأسامة بن زيد ولم يتخلف أحد من الأنصار
إلا بايع فيما نعلم * وحدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي مصعب بن عبد الله قال
حدثني أبي عبد الله بن مصعب عن موسى بن عقبة عن أبي حبيبة مولى الزبير قال لما
قتل الناس عثمان رضي الله عنه وبايعوا عليا جاء علي إلى الزبير فاستأذن عليه
فأعلمته به فسل السيف ووضعه تحت فراشه ثم قال ائذن له فأذنت له فدخل فسلم
على الزبير وهو واقف بنحوه ثم خرج فقال الزبير لقد دخل المرء ما أقصاه قم في
مقامه فانظر هل ترى من السيف شيئا فقمت في مقامه فرأيت ذباب السيف فأخبرته
فقال ذاك أعجل الرجل فلما خرج علي سأله الناس فقال وجدت أبر ابن أخت
وأوصله فظن الناس خيرا فقال علي إنه بايعه (ومما كتب به إلى السري) عن شعيب
عن سيف بن عمر قال حدثنا محمد بن عبد الله بن سواد بن نويرة وطلحة بن الأعلم
وأبو حارثة وأبو عثمان قالوا بقيت المدينة بعد قتل عثمان رضي الله عنه خمسة أيام
وأميرها الغافقي بن حرب يلتمسون من يجيبهم إلى القيام بالامر فلا يجدونه يأتي
المصريون عليا فيختبئ منهم ويلوذ يحيطان المدينة فإذا لقوه باعدهم وتبرأ منهم ومن
مقالتهم مرة بعد مرة ويطلب الكوفيون الزبير فلا يجدونه فأرسلوا إليه حيث هو
رسلا فباعدهم وتبرأ من مقالتهم ويطلب البصريون طلحة فإذا لقيهم باعدهم وتبرأ
من مقالتهم مرة بعد مرة وكانوا مجتمعين على قتل عثمان مختلفين فيمن يهوون
فلما لم يجدوا ممالئا ولا مجيبا جمعهم الشر على أول من أجابهم وقالوا لا نولي أحدا
من هؤلاء الثلاثة فبعثوا إلى سعد بن أبي وقاص وقالوا إنك من أهل الشورى
فرأينا فيك مجتمع فاقدم نبايعك فبعث إليهم أبي وابن عمر خرجنا منها فلا حاجة لي
فيها على حال وتمثل
لا تخلطن خبيثات بطيبة * واخلع ثيابك منها وانج عريانا
ثم إنهم أتوا ابن عمر عبد الله فقالوا أنت ابن عمر فقم بهذا الامر فقال إن لهذا
الامر انتقاما والله لا أتعرض له فالتمسوا غيري فبقوا حيارى لا يدرون ما يصنعون
454

والامر أمرهم (وكتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن سهل بن يوسف عن
القاسم بن محمد قال كانوا إذا لقوا طلحة أبى وقال
ومن عجب الأيام والدهر أنني * بقيت وحيدا لا أمر ولا أحلى
فيقولون إنك لتوعدنا فيقومون فيتركونه فإذا لقوا الزبير وأرادوه أبى وقال
متى أنت عن دار بقيحان راحل * وباعتها يحنوا عليك الكتائب
فيقولون إنك لتوعدنا فإذا لقوا عليا وأرادوه أبى وقال
لو أن قومي طاوعتني سراتهم * أمرتهم أمرا يديخ الأعاديا
فيقولون إنك لتوعدنا فيقومون يتركونه * وحدثني عمر بن شبة قال حدثنا
أبو الحسن المدائني قال أخبرنا مسلمة بن محارب عن داود بن أبي هند عن الشعبي
قال لما قتل عثمان رضي الله عنه أتى الناس عليا وهو في سوق المدينة وقالوا ابسط
يدك نبايعك قال لا تعجلوا فإن عمر كان رجلا مباركا وقد أوصى بها شورى فأمهلوا
يجتمع الناس وتشاورون فارتد الناس عن علي ثم قال بعضهم ان رجع الناس إلى
أمصارهم بقتل عثمان ولم يقم بعده قائم بهذا الامر لم نأمن اختلاف الناس وفساد
الأمة فعادوا إلى علي فأخذ الأشتر بيده فقبضها علي فقال أبعد ثلاثة أما والله لئن
تركتها لتقصرن عينيك عليها حينا فبايعته العامة وأهل الكوفة يقولون إن أول
من بايعه الأشتر (وكتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن أبي حارثة وأبي عثمان
قالا لما كان يوم الخميس على رأس خمسة أيام من مقتل عثمان رضي الله عنه جمعوا
أهل المدينة فوجدوا سعدا والزبير خارجين ووجدوا طلحة في حائط له ووجدوا
بني أمية قد هربوا إلا من يطلق الهرب وهرب الوليد وسعيد إلى مكة في أول من
خرج وتبعهم مروان وتتابع على ذلك من تتابع فلما اجتمع لهم أهل المدينة قال لهم
أهل مصر أنتم أهل الشورى وأنتم تعقدون الإمامة وأمركم عابز على الأمة فانظروا
رجلا تنصبونه ونحن لكم تبع فقال الجمهور علي بن أبي طالب نحن به راضون
(أخبرنا) علي بن مسلم قال حدثنا حبان بن هلال قال حدثنا جعفر بن سليمان
عن عوف قال أما أنا فأشهد أني سمعت محمد بن سيرين يقول إن عليا جاء فقال لطلحة
455

ابسط يدك يا طلحة لأبايعك فقال طلحة أنت أحق وأنت أمير المؤمنين فابسط
يدك قال فبسط علي يده فبايعه (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف
عن محمد وطلحة قالا فقالوا لهم دونكم يا أهل المدينة فقد أجلناكم يومين فوالله
لئن لم تفرغوا لنقتلن غدا عليا وطلحة والزبير وأناسا كثيرا فغشى الناس عليا
فقالوا نبايعك فقد ترى ما نزل بالاسلام وما ابتلينا به من ذوي القربى فقال علي
دعوني والتمسوا غيري فإنا مستقبلون أمرا له وجوه وله ألوان لا تقوم له القلوب
ولا تثبت عليه العقول فقالوا ننشدك الله ألا ترى ما نرى ألا ترى الاسلام ألا ترى
الفتنة ألا تخاف الله فقال قد أجبتكم لما أرى واعلموا إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم
وإن تركتموني فإنما أنا كأحدكم إلا أني أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم
ثم افترقوا على ذلك واتعدوا الغد وتشاور الناس فيما بينهم وقالوا إن دخل
طلحة والزبير فقد استقامت فبعث البصريون إلى الزبير بصريا وقالوا احذر لا تحابه
وكان رسولهم حكيم بن جبلة العبدي في نفر فجاؤوا به يحدونه بالسيف وإلى طلحة
كوفيا وقالوا له احذر لا تحابه فبعثوا الأشتر في نفر فجاؤوا به يحدونه بالسيف
وأهل الكوفة وأهل البصرة شامتون بصاحبهم وأهل مصر فرحون بما اجتمع عليه
أهل المدينة وقد خشع أهل الكوفة وأهل البصرة أن صاروا أتباعا لأهل مصر
وحشوة فيهم وازدادوا بذلك على طلحة والزبير غيظا فلما أصبحوا من يوم الجمعة
حضر الناس المسجد وجاء علي حتى صعد المنبر فقال يا أيها الناس عن ملا وإذن
إن هذا أمركم ليس لأحد فيه حق إلا من أمرتم وقد افترقنا بالأمس على أمر
فإن شئتم قعدت لكم وإلا فلا أجد على أحد فقالوا نحن على ما فارقناك عليه بالأمس
وجاء القوم بطلحة فقالوا بايع فقال إني إنما أبايع كرها فبايع وكان به شلل أول
الناس وفي الناس رجل يعتاف فنظر من بعيد فلما رأى طلحة أول من بايع قال
إنا لله وإنا إليه راجعون أول يد بايعت أمير المؤمنين يد شلاء لا يتم هذا الامر
ثم جئ بالزبير فقال مثل ذلك وبايع وفي الزبير اختلاف ثم جئ بقوم كانوا قد
تخلفوا فقالوا نبايع على إقامة كتاب الله في القريب والبعيد والعزيز والذليل فبايعهم
456

ثم قام العامة فبايعوا (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن أبي زهير
الأزدي عن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه قال لما قتل عثمان رضي الله عنه واجتمع
الناس على علي ذهب الأشتر فجاء بطلحة فقال له دعني أنظر ما يصنع الناس فلم
يدعه وجاء به يتله تلا عنيفا وصعد المنبر فبايع (وكتب إلي السري) عن شعيب
عن سيف عن محمد بن قيس عن الحارث الوالبي قال جاء حكيم بن جبلة بالزبير حتى
بايع فكان الزبير يقول جاءني لص من لصوص عبد القيس فبايعت واللج على
عنقي (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا وبايع الناس
كلهم (قال أبو جعفر) وسمح بعد هؤلاء الذين اشترطوا الذين جئ بهم وصار
الامر أمر أهل المدينة وكانوا كما كانوا فيه وتفرقوا إلى منازلهم لولا مكان النزاع
والغوغاء فيهم
أتساق الامر في البيعة لعلي بن أبي طالب عليه السلام
وبويع علي يوم الجمعة لخمس بقين من ذي الحجة والناس يحسبون من يوم
قتل عثمان رضي الله عنه فأول خطبة خطبها علي حين استخلف فيما كتب به إلي
السري عن شعيب عن سيف عن سليمان بن أبي المغيرة عن علي بن الحسين حمد
الله وأثنى عليه فقال إن الله عز وجل أنزل كتابا هاديا بين فيه الخير والشر فخذوا
بالخير ودعوا الشر الفرائض أدوها إلى الله سبحانه يؤدكم إلى الجنة إن الله حرم
حرما غير مجهولة وفضل حرمة المسلم على الحرم كلها وشد بالاخلاص والتوحيد
المسلمين والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده إلا بالحق لا يحل أذى المسلم إلا بما
يجب بادروا أمر العامة وخاصة أحدكم الموت فإن الناس أمامكم وإن ما من خلفكم
الساعة تحدوكم تخففوا تلحقوا فإنما ينتظر الناس أخراهم اتقوا الله عباده في عباده
وبلاده إنكم مسؤلون حتى عن البقاع والبهائم وأطعيوا الله عز وجل ولا تعصوه
وإذا رأيتم الخير فخذوا به وإذا رأيتم الشر فدعوه واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون
في الأرض ولما فرغ علي من خطبته وهو على المنبر قال المصريون
خذها واحذرا أبا حسن * إنا نمر الامر إمرار الرسن
457

وإنما الشعر * خذها إليك واحذرا أبا حسن
فقال علي مجيبا
إني عجزت عجزة ما أعتذر * سوف أكيس بعدها وأستمر
(وكتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا ولما أراد
علي الذهاب إلى بيته قالت السبائية
خذها إليك واحذرا أبا حسن * إنا نمر الامر إمرار الرسن
صولة أقوام كأسداد السفن * بمشرفيات كغدران اللبن
ونطعن الملك بلين كالشطن * حتى يمرن على غير عنن
فقال علي وذكر تركهم العسكر والكينونة على عدة ما منوا حين غمزوهم
ورجعوا إليهم فلم يستطيعوا أن يمتنعوا حتى
إني عجزت عجزة لا أعتذر * سوف أكيس بعدها وأستمر
أرفع من ذيلي ما كنت أجر * وأجمع الامر الشتيت المنتشر
إن لم يشاغبني العجول المنتصر * أو يتركوني والسلاح يبتدر
واجتمع إلى علي بعد ما دخل طلحة والزبير في عدة من الصحابة فقالوا يا علي إنا
قد اشترطنا إقامة الحدود وإن هؤلاء القوم قد اشتركوا في دم هذا الرجل وأحلوا
بأنفسهم فقال لهم يا إخوتاه إني لست أجهل ما تعلمون ولكني كيف أصنع بقوم
يملكونا ولا نملكهم ها هم هؤلاء قد ثارت معهم عبدانكم وثابت إليهم أعرابكم
وهم خلالكم يسومونكم ما شاؤوا فهل ترون موضعا لقدرة على شئ مما تريدون قالوا
لا قال فلا والله لا أرى إلا رأيا ترونه إن شاء الله إن هذا الامر أمر جاهلية وان لهؤلاء
القوم مادة وذلك أن الشيطان لم يشرع شريعة قط فيبرح الأرض من أخذ بها أبدا
إن الناس من هذا الامر إن حرك على أمور فرقة ترى ما ترون وفرقة ترى ما لا
ترون وفرقة لا ترى هذا ولا هذا حتى يهدأ الناس وتقع القلوب مواقعها وتؤخذ
الحقوق فاهدؤا عني وانظروا ماذا يأتيكم ثم عودوا واشتد على قريش وحال
بينهم وبين الخروج على حالها وإنما هيجه على ذلك هرب بني أمية وتفرق القوم
458

وبعضهم يقول والله لئن ازداد الامر لا قدرنا على انتصار من هؤلاء الأشرار
لترك هذا إلى ما قال علي أمثل وبعضهم يقول نقضي الذي علينا ولا نؤخره
ووالله إن عليا لمستغن برأيه وأمره عنا ولا نراه الا سيكون على قريش أشد من
غيره فذكر ذلك لعلي فقام فحمد الله وأثنى عليه وذكر فضلهم وحاجته إليهم ونظره
لهم وقيامه دونهم وانه ليس له من سلطانهم الا ذلك والاجر من الله عز وجل
عليه ونادى برئت الذمة من عبد لم يرجع إلى مواليه فتذامرت السبائية والاعراب
وقالوا لنا غدا مثلها ولا نستطيع نحتج فيهم بشئ (كتب إلي السري) عن
شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا خرج علي في اليوم الثالث على الناس فقال
يا أيها الناس أخرجوا عنكم الاعراب وقال يا معشر الاعراب الحقوا بمياهكم
فأبت السبائية وأطاعهم الاعراب ودخل علي بيته ودخل عليه طلحة والزبير
وعدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال دونكم ثأركم فاقتلوه فقالوا عشوا
عن ذلك قال هم والله بعد اليوم أعشى وآبى وقال
لو أن قومي طاوعتني سراتهم * أمرتهم أمرا يديخ الأعاديا
وقال طلحة دعني فلآت البصرة فلا يفجأك إلا وأنا في خيل فقال حتى أنظر
في ذلك وقال الزبير دعني آت الكوفة فلا يفجأك إلا وأنا في خيل فقال حتى أنظر
في ذلك وسمع المغيرة بذلك المجلس فجاء حتى دخل عليه فقال إن لك حق الطاعة
والنصيحة وإن الرأي اليوم تحرز به ما في غد وإن الضياع اليوم تضيع به ما في غد أقرر
معاوية على عمله وأقرر ابن عامر على عمله وأقرر العمال على أعمالهم حتى إذا أتتك
طاعتهم وبيعة الجنود واستبدلت أو تركت قال حتى أنظر فخرج من عنده وعاد إليه
من الغد فقال إني أشرت عليك بالأمس برأي وإن الرأي أن تعاجلهم بالنزوع
فيعرف السامع من غيره ويستقبل أمرك ثم خرج وتلقاه ابن عباس خارجا وهو
داخل فلما انتهى إلى علي قال رأيت المغيرة خرج من عندك ففيم جاءك قال جاءني
أمس بذية وذية وجاءني اليوم بذية وذية فقال أما أمس فقد نصحك وأما اليوم
فقد غشك قال فما الرأي قال كان الرأي أن تخرج حين قتل الرجل أو قبل ذلك فتأتي
مكة فتدخل دارك وتغلق عليك بابك فإن كانت العرب جائلة مضطربة في أثرك
459

لا تجد غيرك فأما اليوم فان في بني أمية من يستحسنون الطلب بأن يلزموك شعبة
من هذا الامر ويشبهون على الناس ويطلبون مثل ما طلب أهل المدينة ولا تقدر
على ما يريدون ولا يقدرون عليه ولو صارت الأمور إليهم حتى يصيروا في ذلك
أموت لحقوقهم وأترك لها إلا ما يعجلون من الشبهة وقال المغيرة نصحته والله فلما
لم يقبل غششته وخرج المغيرة حتى لحق بمكة * حدثني الحارث عن ابن سعد عن
الواقدي قال حدثني ابن أبي سبرة عن عبد الحميد بن سهيل عن عبيد الله بن عبد الله
ابن عتبة عن ابن عباس قال دعاني عثمان فاستعملني على الحج فخرجت إلى مكة فأقمت
للناس الحج وقرأت عليهم كتاب عثمان إليهم ثم قدمت المدينة وقد بويع لعلي
فأتيته في داره فوجدت المغيرة بن شعبة مستخليا به فحبسني حتى خرج من عنده
فقلت ماذا قال لك هذا فقال قال لي قبل مرته هذه أرسل إلى عبد الله بن عامر وإلى
معاوية وإلى عمال عثمان بعهودهم تقرهم على أعمالهم ويبايعون لك الناس فإنهم
يهدئون البلاد ويسكنون الناس فأبيت ذلك عليه يومئذ وقلت والله لو كان ساعة
من نهار لاجتهدت فيها رأيي ولا وليت هؤلاء ولا مثلهم يولى قال ثم انصرف
من عندي وأنا أعرف فيه أنه يرى أني مخطئ ثم عاد إلى الآن فقال إني أشرت
عليك أول مرة بالذي أشرت عليك وخالفتني فيه ثم رأيت بعد ذلك رأيا وأنا
أرى أن تصنع الذي رأيت فتنزعهم وتستعين بمن تثق به فقد كفى الله وهم أهون
شوكة مما كان قال ابن عباس فقلت لعلي أما المرة الأولى فقد نصحك وأما المرة الآخرة
فقد غشك قال له علي ولم نصحني قال ابن عباس لأنك تعلم أن معاوية وأصحابه
أهل دنيا فمتى تثبتهم لا يبالون بمن ولى هذا الامر ومتى تعزلهم يقولون أخذ هذا
الامر بغير شورى وهو قتل صاحبنا ويؤلبون عليك فينتقض عليك أهل الشأم
وأهل العراق مع أني لا آمن طلحة والزبير أن يكرا عليك فقال علي أما ما ذكرت
من إقرارهم فوالله ما أشك أن ذلك خير في عاجل الدنيا لاصلاحها وأما الذي
يلزمني من الحق والمعرفة بعمال عثمان فوالله لا أولى منهم أحدا أبدا فإن أقبلوا
فذلك خير لهم وإن أدبروا بذلت لهم السيف قال ابن عباس فأطعني وادخل دارك
460

والحق بمالك بينبع وأغلق بابك عليك فإن العرب تجول جولة وتضطرب ولا تجد
غيرك فإنك والله لثن نهضت مع هؤلاء ليحملنك الناس دم عثمان غدا فأبى
علي فقال لابن عباس سر إلى الشأم فقد وليتكها فقال ابن عباس ما هذا برأي
معاوية رجل من بني أمية وهو ابن عم عثمان وعامله على الشأم ولست آمن أن
يضرب عنقي لعثمان أو أدنى ما هو صانع أن يحبسني فيتحكم علي فقال له علي ولم قال
لقرابة ما بيني وبينك وإن كل ما حمل عليك حمل علي ولكن اكتب إلى معاوية
فمنه وعده فأبى علي وقال والله لا كان هذا أبدا * قال محمد وحدثني هشام بن سعد
عن أبي هلال قال قال ابن عباس قدمت المدينة من مكة بعد قتل عثمان رضي الله عنه
بخمسة أيام فجئت عليا أدخل عليه فقيل لي عنده المغيرة بن شعبة فجلست بالباب
ساعة فخرج المغيرة فسلم علي فقال متى قدمت فقلت الساعة فدخلت على علي فسلمت
عليه فقال لي لقيت الزبير وطلحة قال قلت لقيتهما بالنواصف قال من معهما قلت
أبو سعيد بن الحارث بن هشام في فئة من قريش فقال علي أما إنهم لن يدعوا أن
يخرجوا يقولون نطلب بدم عثمان والله نعلم أنهم قتلة عثمان قال ابن عباس يا أمير
المؤمنين أخبرني عن شأن المغيرة ولم خلا بك قال جاءني بعد مقتل عثمان بيومين
فقال لي أخلني ففعلت فقال إن النصح رخيص وأنت بقية الناس وإني لك ناصح
وإني أشير عليك برد عمال عثمان عامك هذا فاكتب إليهم بإثباتهم على أعمالهم
فإذا بايعوا لك واطمأن الامر لك عزلت من أحببت وأقررت من أحببت فقلت
والله لا أدهن في ديني ولا أعطى الدني في أمري قال فان كنت قد أبيت علي فانزع
من شئت واترك معاوية فان لمعاوية جرأة وهو في أهل الشأم يسمع منه ولك
حجة في إثباته كان عمر بن الخطاب قد ولاه الشأم كلها فقلت لا والله لا أستعمل
معاوية يومين أبدا فخرج من عندي على ما أشار به ثم عاد فقال لي إني أشرت عليك
بما أشرت به فأبيت علي ثم نظرت في الامر فإذا أنت مصيب لا ينبغي لك أن تأخذ
أمرك بخدعة ولا يكون في أمرك دلسة قال فقال ابن عباس فقلت لعلي أما أول
ما أشار به عليك فقد نصحك وأما الآخر فغشك وأنا أشير عليك بأن تثبت معاوية
461

فإن بايع لك فعلي أن أقلعه من منزله قال علي لا والله لا أعطيه إلا السيف قال
ثم تمثل بهذا البيت
ما ميتة إن متها غير عاجز * بعار إذا ما غالت النفس غولها
فقلت يا أمير المؤمنين أنت رجل شجاع لست بأرب بالحرب أما سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول الحرب خدعة فقال علي بلى فقال ابن عباس أما والله
لئن أطعتني لأصدرن بهم بعد ورد لا تركنهم ينظرون في دبر الأمور لا يعرفون
ما كان وجهها في غير نقصان عليك ولا إثم لك فقال يا ابن عباس لست من هنيآتك
وهنيآت معاوية في شئ تشير علي وأرى فإذا عصيتك فأطعني قال فقلت أفعل إن
أيسر مالك عندي الطاعة
مسير قسطنطين ملك الروم يريد المسلمين
(وفي هذه السنة) أعني سنة 35 سار قسطنطين بن هرقل فيما ذكر محمد بن عمر
الواقدي عن هشام بن الغاز عن عبادة بن نسى في ألف مركب يريد أرض المسلمين
فسلط الله عليهم قاصفا من الريح فغرقهم ونجا قسطنطين بن هرقل فأتى سقلية
فصنعوا له حماما فدخله فقتلوه فيه وقالوا قتلت رجالنا
ثم دخلت سنة ست وثلاثين
تفريق علي عماله على الأمصار
ولما دخلت سنة 36 فرق علي عماله فما كتب إلي السري عن شعيب عن سيف
عن محمد وطلحة قالا بعث علي عماله على الأمصار فبعث عثمان بن حنيف على
البصرة وعمارة بن شهاب على الكوفة وكانت له هجرة وعبيد الله بن عباس على
اليمن وقيس بن سعد على مصر وسهل بن حنيف على الشأم فأما سهل فإنه خرج
حتى إذا كان بتبوك لقيته خيل فقالوا من أنت قال أمير قالوا على أي شئ قال
على الشأم قالوا إن كان عثمان بعثك فحيهلا بك وإن كان بعثك غيره فارجع
قال أوما سمعتم بالذي كان قالوا بلى فرجع إلى علي وأما قيس ابن سعد فإنه لما انتهى
462

إلى أيلة لقيته خيل فقالوا من أنت قال من قالة عثمان فأنا أطلب من آوى إليه
وانتصر به قالوا من أنت قال قيس بن سعد قالوا امض فمضى حتى دخل مصر
فافترق أهل مصر فرقا فرقة دخلت في الجماعة وكانوا معه وفرقة وقفت واعتزلت
إلى خربتا وقالوا إن قتل قتلة عثمان فنحن معكم وإلا فنحن على جديلتنا حتى نحرك
أو نصيب حاجتنا وفرقة قالوا نحن مع علي ما لم يقد إخواننا وهم في ذلك مع الجماعة
وكتب قيس إلى أمير المؤمنين بذلك وأما عثمان بن حنيف فسار فلم يرده أحد
عن دخول البصرة ولم يوجد في ذلك لابن عامر رأى ولا حزم ولا استقلال
بحرب وافترق الناس بها فاتبعت فرقة القوم ودخلت فرقة في الجماعة وفرقة
قالت ننظر ما يصنع أهل المدينة فنصنع كما صنعوا وأما عمارة فأقبل حتى إذا كان
بزبالة لقيه طليحة بن خويلد وقد كان حين بلغهم خبر عثمان خرج يدعو إلى الطلب
بدمه ويقول لهفي على أمر لم يسبقني ولم أدركه
يا ليتني فيها جذع * أكر فيها وأضع
فخرج حين رجع القعقاع من إغاثة عثمان فيمن أجابه حتى دخل الكوفة فطلع
عليه عمارة قادما على الكوفة فقال له ارجع فان القوم لا يريدون بأميرهم بدلا
وإن أبيت ضربت عنقك فرجع عمارة وهو يقول احذر الخطر ما يماسك الشر
خير من شر منه فرجع إلى علي بالخبر وغلب على عمارة بن شهاب هذا المثل من
لدن اعتاصت عليه الأمور إلى أن مات وانطلق عبيد الله بن عباس إلى اليمن فجمع
يعلى بن أمية كل شئ من الجباية وتركه وخرج بذلك وهو سائر على حاميته إلى
مكة فقدمها بالمال ولما رجع سهل بن حنيف من طريق الشأم وأتته الاخبار
ورجع من رجع دعا علي طلحة والزبير فقال إن الذي كنت أحذركم قد وقع يا قوم
وإن الامر الذي وقع لا يدرك إلا بإمانته وإنها فتنة كالنار كلما سعرت ازدادت
واستنارت فقالا له فأذن لنا أن نخرج من المدينة فإما أن نكابر وإما أن تدعنا
فقال سأمسك الامر ما استمسك فإذا لم أجد بدا فآخر الداء الكي وكتب إلى
معاوية وإلى أبي موسى وكتب إليه أبو موسى بطاعة أهل الكوفة وبيعتهم وبين
463

الكاره منهم للذي كان والراضي بالذي قد كان ومن بين ذلك حتى كان علي على
المواجهة من أمر أهل الكوفة وكان رسول علي إلى أبي موسى معبد الأسلمي
وكان رسول أمير المؤمنين إلى معاوية سبرة الجهني فقدم عليه فلم يكتب معاوية
بشئ ولم يجبه ورد رسوله وجعل كلما تنجز جوابه لم يزد على قوله
أدم إدامة حصن أوجدا بيدي * حربا ضروسا تشب الجزل والضر ما
في جاركم وابنكم إذ كان مقتله * شنعاء شيبت الأصداغ واللمما
أعيى المسود بها والسيدون فلم * يوجد لها غيرنا مولى ولا حكما
وجعل الجهني كلما تنجز الكتاب لم يزده على هذه الأبيات حتى إذا كان الشهر
الثالث من مقتل عثمان في صفر دعا معاوية برجل من بني عبس ثم أحد بني رواحة
يدعى قبيصة فدفع إليه طومارا مختوما عنوانه من معاوية إلى علي فقال إذا
دخلت المدينة فاقبض على أسفل الطومار ثم أوصاه بما يقول وسرح رسول علي
وخرجا فقدما المدينة في ربيع الأول لغرته فلما دخلا المدينة رفع العبسي
الطومار كما أمره وخرج الناس ينظرون إليه فتفرقوا إلى منازلهم وقد علموا
أن معاوية معترض ومضى حتى يدخل على علي فدفع إليه الطومار ففض خاتمه
فلم يجد في جوفه كتابة فقال للرسول ما وراءك قال آمن أنا قال نعم
إن الرسل أمنة لا تقتل قال ورائي إني تركت قوما لا يرضون إلا بالقود قال ممن
قال من خيط نفسك وتركت ستين ألف شيخ يبكى تحت قميص عثمان وهو منصوب
لهم قد ألبسوه منبر دمشق فقال مني يطلبون دم عثمان ألست موتورا كترة عثمان
اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان نجا والله قتلة عثمان إلا أن يشاء الله فإنه إذا أراد
أمرا أصابه اخرج قال وأنا آمن قال وأنت آمن فخرج العبسي وصاحت السبائية
قالوا هذا الكلب هذا وافد الكلاب اقتلوه فنادى يا آل مضر يا آل قيس الخيل
والنبل إني أحلف بالله جل اسمه ليردنها عليكم أربعة آلاف خصى فانظروا كم
الفحولة والركاب وتعاووا عليه ومنعته مضر وجعلوا يقولون له اسكت فيقول
لا والله لا يفلح هؤلاء أبدا فلقد أتاهم ما يوعدون فيقولون له اسكت فيقول
464

لقد حل بهم ما يحذرون انتهت والله أعمالهم وذهبت ريحهم فوالله ما أمسوا
حتى عرف الذل فيهم
استئذان طلحة والزبير عليا
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا استأذن
طلحة والزبير عليا في العمرة فأذن لهما فلحقا بمكة وأحب أهل المدينة أن يعلموا
ما رأى علي في معاوية وانتقاضه ليعرفوا بذلك رأيه في قتال أهل القبلة أيجسر عليه
أو ينكل عنه وقد بلغهم أن الحسن بن علي دخل عليه ودعاه إلى القعود وترك
الناس فدسوا إليه زياد بن حنظلة التميمي وكان منقطعا إلى علي فدخل عليه فجلس
إليه ساعة ثم قال له علي يا زياد تيسر فقال لأي شئ فقال تغزو الشأم فقال زياد
الأناة والرفق أمثل فقال:
ومن لا يصانع في أمور كثيرة * يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم
فتمثل علي وكأنه لا يريده
متى تجمع القلب الذكي وصارما * وأنفا حميا تجتنبك المظالم
فخرج زياد على الناس والناس ينتظرونه فقالوا ما وراءك فقال السيف يا قوم
فعرفوا ما هو فاعل ودعا علي محمد بن الحنفية فدفع إليه اللواء وولى عبد الله بن عباس
ميمنته وعمر بن أبي سلمة أو عمرو بن سفيان بن عبد الأسد ولاه ميسرته ودعا
أبا ليلى بن عمر بن الجراح بن أخي أبي عبيدة الجراح فجعله على مقدمته
واستخلف على المدينة قثم بن عباس ولم يول ممن خرج على عثمان أحدا وكتب
إلى قيس بن سعد أن يندب الناس إلي الشأم وإلى عثمان بن حنيف والى أبي موسى
مثل ذلك وأقبل على التهيؤ والتجهز وخطب أهل المدينة فدعاهم إلى النهوض في قتال
أهل الفرقة وقال إن الله عز وجل بعث رسولا هاديا مهديا بكتاب ناطق وأمر قائم
واضح لا يهلك عنه إلا هالك وان المبتدعات والشبهات هن المهلكات إلا من حفظ
الله وان في سلطان الله عصمة أمركم فأعطوه طاعتكم غير ملوية ولا مستكره بها
والله لتفعلن أو لينقلن الله عنكم سلطان الاسلام ثم لا ينقله إليكم أبدا حتى يأرز الامر إليها
465

انهضوا إلى هؤلاء القوم الذين يفرقون جماعتكم لعل الله يصلح بكم ما أفسد أهل
الآفاق وتقضون الذي عليكم فبينا هم كذلك إذ جاء الخبر عن أهل مكة بنحو آخر
وتمام على خلاف فقام فيهم بذلك فقال إن الله عز وجل جعل لظالم هذه
الأمة العفو والمغفرة وجعل لمن لزم الامر واستقام الفوز والنجاة فمن لم يسعه
الحق أخذ بالباطل ألا وإن طلحة والزبير وأم المؤمنين وقد تمالؤا على سخط
إمارتي ودعوا الناس إلى الاصلاح وسأصبر ما لم أخف على جماعتكم وأكف إن
كفوا وأقتصر على ما بلغني عنهم ثم أتاه أنهم يريدون البصرة لمشاهدة الناس
والاصلاح فتعبي للخروج إليهم وقال إن فعلوا هذا فقد انقطع نظام المسلمين
وما كان عليهم في المقام فينا مؤونة ولا إكراه فاشتد على أهل المدينة الامر
فتثاقلوا فبعث إلى عبد الله بن عمر كميلا النخعي فجاء به فقال انهض معي فقال
أنا مع أهل المدينة إنما أنا رجل منهم وقد دخلوا في هذا الامر فدخلت معهم
لا أفارقهم فإن يخرجوا أخرج وإن يقعدوا أقعد قال فأعطني زعيما بألا تخرج قال
ولا أعطيك زعيما قال لولا ما أعرف من سوء خلقك صغيرا وكبيرا لأنكرتني
دعوه فأنا به زعيم فرجع عبد الله بن عمر إلى المدينة وهم يقولون لا والله ما ندري
كيف نصنع فإن هذا الامر لمشتبه علينا ونحن مقيمون حتى يضئ لنا ويسفر
فخرج من تحت ليلته وأخبر أم كلثوم بنت علي بالذي سمع من أهل المدينة وأنه
يخرج معتمرا مقيما على طاعة علي ما خلا النهوض وكان صدوقا فاستقر عندها
وأصبح علي فقيل له حدث البارحة حدث هو أشد عليك من طلحة والزبير
وأم المؤمنين ومعاوية قال وما ذلك قال خرج ابن عمر إلى الشأم فأتى علي السوق
ودعا بالظهر فحمل الرجال وأعد لكل طريق طلابا وماج أهل المدينة وسمعت
أم كلثوم بالذي هو فيه فدعت ببغلتها فركبتها في رحل ثم أتت عليا وهو واقف
في السوق يفرق الرجال في طلبه فقالت مالك لا تزند من هذا الرجل إن الامر
على خلاف ما بلغته وحدثته قالت أنا ضامنة له فطابت نفسه وقال انصرفوا لا والله
ما كذبت ولا كذب وانه عندي ثقة فانصرفوا (كتب إلي السري) عن شعيب
466

عن سيف عن محمد وطلحة قالا ولما رأى من أهل المدينة ما لم يرض طاعتهم حتى
يكون معها نصرته قام فيهم وجمع إليه وجوه أهل المدينة وقال إن آخر هذا الامر
لا يصلح إلا بما صلح أوله فقد رأيتم عواقب قضاء الله عز وجل على من مضى
منكم فانصروا الله ينصركم ويصلح لكم أمركم فأجابه رجلان من أعلام الأنصار
أبو الهيثم بن التيهان وهو بدري وخزيمة بن ثابت وليس بذي الشهادتين مات
ذو الشهادتين في زمن عثمان رضي الله عنه (كتب إلي السري) عن شعيب عن
سيف عن محمد عن عبيد الله عن الحكم قال قيل له أشهد خزيمة ابن ثابت ذو الشهادتين
الجمل فقال ليس به ولكنه غيره من الأنصار مات ذو الشهادتين في زمان
عثمان بن عفان رضي الله عنه (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن
مجالد عن الشعبي قال بالله الذي لا إله إلا هو ما نهض في تلك الفتنة إلا ستة بدريين
مالهم سابع أو سبعة ما لهم ثامن (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن
عمرو بن محمد عن الشعبي قال بالله الذي لا إله إلا هو ما نهض في ذلك الامر إلا ستة
بدريين ما لهم سابع فقلت اختلفتما قال لم نختلف إن الشعبي شك في أبي أيوب
أخرج حيث أرسلته أم سلمة إلى علي بعد صفين أو لم يخرج إلا أنه قدم عليه فمضى
إليه وعلي يومئذ بالنهروان (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن عبد الله
ابن سعيد بن ثابت عن رجل عن سعيد بن زيد قال ما اجتمع أربعة من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم ففازوا على الناس بخير يحوزونه إلا وعلي بن أبي طالب
أحدهم ثم إن زياد بن حنظلة لما رأى تثاقل الناس عن علي ابتدر إليه وقال من
تثاقل عنك فإنا نخف معك ونقاتل دونك وبينما علي يمشى في المدينة إذ سمع زينب
ابنة أبي سفيان وهو تقول ظلامتنا عند مدمم وعند مكحلة فقال إنها لتعلم ما هما لها
بثأر (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة أن عثمان قتل في
ذي الحجة لثمان عشرة خلت منه وكان على مكة عبد الله بن عامر الحضرمي وعلى
الموسم يومئذ عبد الله عباس بعثه عثمان وهو محصور فتعجل أناس في يومين فأدركوا
مع ابن عباس فقدموا المدينة بعد ما قتل وقبل أن يبايع علي وهرب بنو أمية فلحقوا
467

بمكة وبويع علي لخمس بقين من ذي الحجة يوم الجمعة وتساقط الهراب إلى مكة
وعائشة مقيمة بمكة تريد عمرة المحرم فلما تساقط إليها الهراب استخبرتهم فأخبروها
أن قد قتل عثمان رضي الله عنه ولم يجبهم إلى التأمير أحد فقالت عائشة رضي الله عنها
ولكن أكياس هذا غب ما كان يدور بينكم من عتاب الاستصلاح حتى إذا
قضت عمرتها وخرجت فانتهت إلى سرف لقيها رجل من أخوالها من بني ليث وكانت
واصلة لهم رفيقة عليهم يقال له عبيد بن أبي سلمة يعرف بأمه أم كلاب فقالت مهيم
فأصم ودمدم فقالت ويحك علينا أو لنا فقال لا تدري قتل عثمان وبقوا ثمانيا قالت ثم
صنعوا ماذا فقال أخذوا أهل المدينة بالاجتماع على علي والقوم الغالبون على المدينة
فرجت إلى مكة وهي لا تقول شيئا ولا يخرج منها شئ حتى نزلت على باب المسجد
وقصدت للحجر فسترت فيه واجتمع الناس إليها فقالت يا أيها الناس إن الغوغاء
من أهل الأمصار وأهل المياه وعبيد أهل المدينة اجتمعوا أن عاب الغوغاء على
هذا المقتول بالأمس الإرب واستعمال من حدثت سنه وقد استعمل أسنانهم
قبله ومواضع من مواضع الحمى حماها لهم وهي أمور قد سبق بها لا يصلح غيرها
فتابعهم ونزع لهم عنها استصلاحا لهم فلما لم يجدوا حجة ولا عذرا خلجوا وبادوا
بالعدوان ونبا فعلهم عن قولهم فسفكوا الدم الحرام واستحلوا البلد الحرام وأخذوا
المال الحرام واستحلوا الشهر الحرام والله لإصبع عثمان خير من طباق الأرض أمثالهم
فنجاة من اجتماعكم عليهم حتى ينكل بهم غيرهم ويشرد من بعدهم ووالله لو أن الذي
اعتدوا به عليه كان ذنبا لخلص منه كما يخلص الذهب من خبثه أو الثوب من دونه
إذ ماصوه كما يماص الثوب بالماء فقال عبد الله بن عامر الحضرمي هاأنا ذا لها
أول طالب وكان أول مجيب ومنتدب * حدثني عمر بن شعبة قال حدثنا أبو الحسن
المدائني قال حدثنا سحيم مولى وبرة التميمي عن عبيد بن عمرو القرشي قال خرجت
عائشة رضي الله عنها وعثمان محصور فقدم عليها مكة رجل يقال له أخضر فقالت
ما صنع الناس فقال قتل عثمان المصريين قالت إنا لله وإنا إليه راجعون أيقتل
قوما جاءوا يطلبون الحق وينكرون الظلم والله لا نرضى بهذا ثم قدم آخر فقالت
468

ما صنع الناس قال قتل المصريون عثمان قالت العجب لأخضر زعم أن المقتول
هو القاتل فكان يضرب به المثل أكذب من أخضر (كتب إلي السري) عن
شعيب عن سيف عن عمرو بن محمد عن الشعبي قال خرجت عائشة رضي الله عنها
نحو المدينة من مكة بعد مقتل عثمان فلقيها رجل من أخوالها فقالت ما وراءك قال
قتل عثمان واجتمع الناس على علي والامر أمر الغوغاء فقالت ما أظن ذلك
تاما ردوني فانصرفت راجعة إلى مكة حتى إذا دخلتها أتاها عبد الله بن عامر الحضرمي
وكان أمير عثمان عليها فقال ما ردك يا أم المؤمنين قالت ردني أن عثمان قتل مظلوما
وأن الامر لا يستقيم ولهذه الغوغاء أمر فاطلبوا بدم عثمان تعزوا الاسلام فكان
أول من أجابها عبد الله بن عامر الحضرمي وذلك أول ما تكلمت بنو أمية بالحجاز
ورفعوا رؤسهم وقام معهم سعيد بن العاص والوليد بن عقبة وسائر بني أمية
وقد قدم عليهم عبد الله بن عامر من البصرة ويعلى بن أمية من اليمن وطلحة والزبير
من المدينة واجتمع ملؤهم بعد نظر طويل في أمرهم على البصرة وقالت أيها الناس
إن هذا حدث عظيم وأمر منكر فانهضوا فيه إلى إخوانكم من أهل البصرة
فأنكروه فقد كفاكم أهل الشأم ما عندهم لعل الله عز وجل يدرك لعثمان وللمسلمين
بثأرهم (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا كان أول
من أجاب إلى ذلك عبد الله بن عامر وبنو أمية وقد كانوا سقطوا إليها بعد مقتل
عثمان ثم قدم عبد الله بن عامر ثم قدم يعلى بن أمية فاتفقا بمكة ومع يعلى ستمائة
بعير وستمائة ألف فأناخ بالأبطح معسكرا وقدم معهما طلحة والزبير فلقيا عائشة
رضي الله عنها فقالت ما وراءكما فقالا وراءنا أنا تحملنا بقليتنا هرابا من المدينة
من غوغاء وأعراب وفارقنا قوما حيارى لا يعرفون حقا ولا ينكرون باطلا ولا
يمنعون أنفسهم قالت فائتمروا أمرا ثم انهضوا إلى هذه الغوغاء وتمثلت
لو أن قومي طاوعتني سراتهم * لأنقذتهم من الحبال أو الخبل
وقال القوم فيما ائتمروا به الشأم فقال عبد الله بن عامر قد كفاكم الشأم من
يستمر في حوزته فقال له طلحة والزبير فأين قال البصرة فان لي بها صنائع ولهم
469

في طلحة هوى قالوا قبحك الله فوالله ما كنت بالمسالم ولا بالمحارب فهلا أقمت كما أقام
معاوية فنكتفي بك ونأتي الكوفة فنسد على هؤلاء القوم المذاهب فلم يجدوا
عنده جوابا مقبولا حتى إذا استقام لهم الرأي على البصرة قالوا يا أم المؤمنين
دعى المدينة فإن من معنا لا يقرنون لتلك الغوغاء التي بها وأشخصي معنا إلى البصرة
فأنا نأتي بلدا مضيعا وسيحتجون علينا فيه ببيعة علي بن أبي طالب فتنهضينهم كما
أنهضت أهل مكة ثم تقعدين فإن أصلح الله الامر كان الذي تريدين وإلا احتسبنا
ودفعنا عن هذا الامر بجهدنا حتى يقضى الله ما أراد فلما قالوا ذلك لها ولم يكن
ذلك مستقيما إلا بها قالت نعم وقد كان أزواج النبي صلى الله عيه وسلم معها على
قصد المدينة فلما تحول رأيها إلى البصرة تركن ذلك وانطلق القوم بعدها إلى حفصة
فقالت رأيي تبع لرأي عائشة حتى إذا لم يبق إلا الخروج قالوا كيف نستقل
وليس معنا مال نجهز به الناس فقال يعلى بن أمية معي ستمائة ألف وستمائة بعير
فاركبوها وقال ابن عامر معي كذا وكذا فتجهزوا به فنادى المنادى إن أم المؤمنين
وطلحة والزبير شاخصون إلى البصرة فمن كان يريد إعزاز الاسلام وقتال المحلين
والطلب بثأر عثمان ولم يكن عنده مركب ولم يكن له جهاز فهذا جهاز وهذه
نفقة فحملوا ستمائة رجل على ستمائة ناقة سوى من كان له مركب وكانوا جميعا ألفا
وتجهزوا بالمال ونادوا بالرحيل واستقلوا ذاهبين وأرادت حفصة الخروج
فأتاها عبد الله بن عمر فطلب إليها أن تقعد فقعدت وبعثت إلى عائشة أن عبد الله
حال بيني وبين الخروج فقالت يغفر الله لعبد الله وبعثت أم الفضل بنت الحارث
رجلا من جهينة يدعى ظفرا فاستأجرته على أن يطوى ويأتي عليا بكتابها فقدم
على علي بكتاب أم الفضل بالخبر * حدثني عمر بن شبة قال حدثنا علي عن أبي مخنف
قال حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن أبيه قال قال أبو قتادة لعلي
يا أمير المؤمنين ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلدني هذا السيف وقد شمته فطال
شيمة وقد أنى تجريده على هؤلاء القوم الظالمين الذين لم يألوا الأمة غشا فإن أحببت أن
تقدمني فقدمني وقامت أم سلمة فقالت يا أمير المؤمنين لولا أن أعصى الله عز وجل وأنك
470

لا تقبله مني لخرجت معك وهذا ابني عمر والله لهو أعز علي من نفسي يخرج معك
فيشهد مشاهدك فخرج فلم يزل معه واستعمله على البحرين ثم عزله واستعمل
النعمان بن عجلان الزرقي * حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا مسلمة
عن عوف قال أعان يعلى بن أمية الزبير بأربعمائة ألف وحمل سبعين رجلا
من قريش وحمل عائشة رضي الله عنها على جمل يقال له عسكر أخذه بثمانين
دينارا وخرجوا فنظر عبد الله بن الزبير إلى البيت فقال ما رأيت مثلك
بركة طالب خير ولا هارب من شر (كتب إلي السري) عن شعيب
عن سيف عن محمد وطلحة قالا خرج المغيرة وسعيد بن العاص معهم مرحلة
من مكة فقال سعيد للمغيرة ما الرأي قال الرأي والله الاعتزال فإنهم ما يفلح أمرهم
فإن أظفره الله أتيناه فقلنا كان هوانا وصغونا معك فاعتزلا فجلسا فجاء سعيد مكة
فأقام بها ورجع معهما عبد الله بن خالد بن أسيد * حدثني أحمد بن زهير قال
حدثنا أبي قال حدثنا وهب بن جرير بن حازم قال سمعت أبي قال سمعت يونس
ابن يزيد الأيلي عن الزهري قال ثم ظهرا يعني طلحة والزبير إلى مكة بعد قتل عثمان
رضي الله عنه بأربعة أشهر وابن عامر بها يجر الدنيا وقدم يعلى بن أمية معه بمال
كثير وزيادة على أربعمائة بعير فاجتمعوا في بيت عائشة رضي الله عنها فأرادوا الرأي
فقالوا نسير إلى علي فنقاتله فقال بعضهم ليس لكم طاقة بأهل المدينة ولكنا نسير حتى
ندخل البصرة والكوفة ولطلحة بالكوفة شيعة وهوى وللزبير بالبصرة هوى ومعونة
فاجتمع رأيهم على أن يسيروا إلى البصرة وإلى الكوفة فأعطاهم عبد الله بن عامر مالا
كثيرا وإبلا فخرجوا في سبعمائة رجل من أهل المدينة ومكة ولحقهم الناس حتى كانوا
ثلاثة آلاف رجل فبلغ عليا مسيرهم فأمر على المدينة سهل بن حنيف الأنصاري
وخرج فسار حتى نزل ذا قار وكان مسيره إليها ثمان ليال ومعه جماعة من أهل
المدينة * حدثني أحمد بن منصور قال حدثني يحيى بن معين قال حدثنا هشام بن
وسف قاضى صنعاء عن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير
عن موسى بن عقبة عن علقمة بن وقاص الليثي قال لما خرج طلحة والزبير وعائشة
471

رضي الله عنهم عرضوا الناس بذات عرق واستصغروا عروة بن الزبير
وأبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فردوهما * حدثني عمر بن شبة قال
حدثنا أبو الحسن قال أخبرنا أبو عمرو عن عتبة بن المغيرة بن الأخنس قال لقى
سعيد بن العاص مروان بن الحكم وأصحابه بذات عرق فقال أين تذهبون وثأركم
على أعجاز الإبل اقتلوهم ثم ارجعوا إلى منازلكم لا تقتلوا أنفسكم قالوا بل نسير
فلعلنا نقتل قتلة عثمان جميعا فخلا سعيد بطلحة والزبير فقال إن ظفرتما لمن تجعلان
الامر أصدقاني قالا لاحدنا أينا اختاره الناس قال بل اجعلوه لولد عثمان فإنكم
خرجتم تطلبون بدمه قالا ندع شيوخ المهاجرين ونجعلها لأبنائهم قال أفلا أراني
أسعى لأخرجها من بني عبد مناف فرجع ورجع عبد الله بن خالد بن أسيد
فقال المغيرة بن شعبة الرأي ما رأى سعيد من كان ههنا من ثقيف فليرجع
فرجع ومضى القوم معهم أبان بن عثمان والوليد بن عثمان فاختلفوا في الطريق
فقالوا من ندعو لهذا الامر فخلا الزبير بابنه عبد الله وخلا طلحة بعلقمة بن
وقاص الليثي وكان يؤثره على ولده فقال أحدهما أئت الشأم وقال الآخر ائت
العراق وحاور كل واحد منهما صاحبه ثم اتفقا على البصرة (كتب إلي السري)
عن شعيب عن سيف عن محمد بن قيس عن الأغر قال لما اجتمع إلى مكة
بنو أمية ويعلى بن منية وطلحة والزبير ائتمروا أمرهم وأجمع ملؤهم على
الطلب بدم عثمان وقتال السبائية حتى يثأروا وينتقموا فأمرتهم عائشة
رضى الله تعالى عنها بالخروج إلى المدينة واجتمع القوم على البصرة وردوها عن
رأيها وقال لها طلحة والزبير إنا نأتي أرضا قد أضيعت وصارت إلى علي وقد أجبرنا
علي على بيعته وهم محتجون علينا بذلك وتاركو أمرنا إلا أن تخرجي فتأمري بمثل
ما أمرت بمكة ثم ترجعي فنادى المنادى ان عائشة تريد البصرة وليس في ستمائة
بعير ما تعنون به غوغاء وجالية الاعراب وعبيدا قد انتشروا وافترشوا أذرعهم
مسعدين لأول واعية وبعثت إلى حفصة فأرادت الخروج فعزم عليها ابن عمر
فأقامت فخرجت عائشة ومعها طلحة والزبير وأمرت على الصلاة عبد الرحمن
472

ابن عتاب بن أسيد فكان يصلى بهم في الطريق وبالبصرة حتى قتل وخرج معها
مروان وسائر بني أمية إلا من خشع وتيامنت عن أوطاس وهم ستمائة راكب
سوى من كانت له مطية فتركت الطريق ليلة وتيامنت عنها كأنهم سيارة ونجعة
مساحلين لم يدن من المنكدر ولا واسط ولا فلج منهم أحد حتى أتوا البصرة في
عام خصيب وتمثلت
دعى بلاد جموع الظلم إذ صلحت * فيها المياه وسيرى سير مذعور
تخيري النبت فارعي ثم ظاهرة * وبطن واد من الضمار ممطور
* حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن عن عمر بن راشد اليمامي عن أبي كثير
السحيمي عن ابن عباس قال خرج أصحاب الجمل في ستمائة معهم عبد الرحمن بن
أبي بكرة وعبد الله بن صفوان الجمحي فلما جازوا بئر ميمون إذا هم بجزور قد
نحرت ونحرها ينثعب فتطيروا وأذن مروان حين فصل من مكة ثم جاء حتى وقف
عليهما فقال أيكما أسلم بالامرة وأؤذن بالصلاة فقال عبد الله بن الزبير على أبي
عبد الله وقال محمد بن طلحة على أبي محمد فأرسلت عائشة رضي الله عنها إلى مروان
فقالت مالك أتريد أن تفرق أمرنا ليصل ابن أختي فكان يصلي بهم عبد الله بن
الزبير حتى قدم البصرة فكان معاذ بن عبيد الله يقول والله لو ظفرنا لافتتنا ما خلى
الزبير بين طلحة والامر ولا خلى طلحة بين الزبير والامر
خروج علي إلى الربذة يريد البصرة
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن سهل بن يوسف عن القاسم
ابن محمد قال جاء عليا الخبر عن طلحة والزبير وأم المؤمنين فأمر على المدينة تمام
ابن العباس وبعث إلى مكة قثم بن العباس وخرج وهو يرجو أن يأخذهم بالطريق
وأراد أن يعترضهم فاستبان له بالربذة أن قد فاتوه وجاءه بالخبر عطاء بن رئاب
مولى الحارث بن حزن (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة
قالا بلغ عليا الخبر وهو بالمدينة باجتماعهم على الخروج إلى البصرة وبالذي اجتمع
عليه ملؤهم طلحة والزبير وعائشة ومن تبعهم وبلغه قول عائشة وخرج علي يبادرهم
473

في تعبيته التي كان تعبي بها إلى الشأم وخرج معه من نشط من الكوفيين والبصريين
متخففين في سبعمائة رجل وهو يرجو أن يدركهم فيحول بينهم وبين الخروج
فلقيه عبد الله بن سلام فأخذ بعنانه وقال يا أمير المؤمنين لا تخرج منها فوالله لئن
خرجت منها لا ترجع إليها ولا يعود إليها سلطان المسلمين أبدا فسبوه فقال دعوا
الرجل فنعم الرجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وسار حتى انتهى إلى الربذة
فبلغه ممرهم فأقام حين فاتوه يأتمر بالربذة (كتب إلي السري) عن شعيب عن
سيف عن خالد بن مهران البجلي عن مروان بن عبد الرحمن الحميسي عن طارق
ابن شهاب قال خرجنا من الكوفة معتمرين حين أتانا قتل عثمان رضي الله عنه
فلما انتهينا إلى الربذة وذلك في وجه الصبح إذا الرفاق وإذا بعضهم يتلو بعضا
فقلت ما هذا فقالوا أمير المؤمنين فقلت ما له قالوا غلبه طلحة والزبير فخرج يعترض
لهما ليردهما فبلغه أنهما قد فاتاه فهو يريد أن يخرج في آثارهما فقلت إنا لله وإنا
إليه راجعون آتي عليا فأقاتل معه هذين الرجلين وأم المؤمنين أو أخالفه إن هذا
لشديد فخرجت فأتيته فأقيمت الصلاة بغلس فتقدم فصلى فلما انصرف أتاه ابنه
الحسن فقال قد أمرتك فعصيتني فتقتل غدا بمصبعة لا ناصر لك فقال علي إنك
لا تزال تحن حنين الجارية وما الذي أمرتني فعصيتك قال أمرتك يوم أحيط
بعثمان رضي الله عنه أن تخرج من المدينة فيقتل ولست بها ثم أمرتك يوم قتل
ألا تبايع حتى يأتيك وفود أهل الأمصار والعرب وبيعة كل مصر ثم أمرتك
حين فعل هذان الرجلان ما فعلا أن تجلس في بيتك حتى يصطلحوا فإن كان الفساد
كان على يدي غيرك فعصيتني في ذلك كله قال أي بني أما قولك لو خرجت من المدينة
حين أحيط بعثمان فوالله لقد أحيط بنا كما أحيط به وأما قولك لا تبايع حتى يأتي
بيعة الأمصار فإن الامر أمر أهل المدينة وكرهنا أن يضيع هذا الامر وأما قولك
حين خرج طلحة والزبير فان ذلك كان وهنا على أهل الاسلام ووالله ما زلت
مقهورا مذ وليت منقوصا لا أصل إلى شئ مما ينبغي وأما قولك اجلس في بيتك
فكيف لي بما قد لزمني أو من تريدني أتريد أن أكون مثل الضبع التي يحاط بها
474

ويقال دباب دباب ليست ههنا حتى يحل عرقوباها ثم تخرج وإذا لم أنظر فيما لزمني
من هذا الامر ويعنيني فمن ينظر فيه فكف عنك أي بني
شراء الجمل لعائشة رضي الله عنها وخبر كلاب الحوأب
* حدثني إسماعيل بن موسى الفزاري قال أخبرنا علي بن عابس الأزرق
قال حدثنا أبو الخطاب الهجري عن صفوان بن قبيصة الأحمسي قال حدثني
العرني صاحب الجمل قال بينما أنا أسير على جمل إذ عرض لي راكب فقال
يا صاحب الجمل تبيع جملك قلت نعم قال بكم قلت بألف درهم قال مجنون أنت جمل
يباع بألف درهم قال قلت نعم جملي هذا قال ومم ذلك قلت ما طلبت عليه
أحدا قط إلا أدركته ولا طلبني وأنا عليه أحد قط إلا فته قال لو تعلم لمن نريده
لأحسنت بيعنا قال قلت ولمن تريده قال لامك قلت لقد تركت أمي في بيتها قاعدة ما تريد
براحا قال إنما أريده لام المؤمنين عائشة قلت فهو لك فخذه بغير ثمن قال لا ولكن
ارجع معنا إلى الرحل فلنعطك ناقة مهرية ونزيدك دراهم قال فرجعت فأعطوني
ناقة لها مهرية وزادوني أربعمائة أو ستمائة درهم فقال لي يا أخا عرينة هل لك دلالة
بالطريق قال قلت نعم أنا من أدرك الناس قال فسر معنا فسرت معهم فلا أمر على
واد ولا ماء إلا سألوني عنه حتى طرقنا ماء الحوأب فنبحتنا كلابها قالوا أي ماء
هذا قلت ماء الحوأب قال فصرخت عائشة بأعلى صوتها ثم ضربت عضد بعيرها
فأناخته ثم قالت أنا والله صاحبة كلاب الحوأب طروقا ردوني تقول ذلك ثلاثا
فأناخت وأناخوا حولها وهم على ذلك وهي تأبى حتى كانت الساعة التي أناخوا فيها من الغد فجاءها ابن الزبير فقال النجاء النجاء فقد أدرككم والله علي بن أبي طاب
قال فارتحلوا وشتموني فانصرفت فما سرت إلا قليلا وإذا أنا بعلي وركب معه
نحو من ثلثمائة فقال لي علي يا أيها الراكب فأتيته فقال أين أتيت الظعينة قلت في
مكان كذا وكذا وهذه ناقتها وبعتهم جملي قال وقد ركبته قلت نعم وسرت معهم
حتى أتينا ماء الحوأب فنبحت عليها كلابها فقالت كذا وكذا فلما رأيت اختلاط
أمرهم انفتلت وارتحلوا فقال علي هل لك دلالة بذي قار قلت لعلي أدل الناس قال
475

فسر معنا حتى نزلنا ذا قار فأمر علي بن أبي طالب بحوالقين فضم أحدهما إلى
صاحبه ثم جئ برجل فوضع عليهما ثم جاء يمشي حتى صعد عليه وسدل رجليه من
جانب واحد ثم حمد الله وأثنى عليه وصلى على محمد صلى الله عليه وسلم ثم قال قد
رأيتم ما صنع هؤلاء القوم وهذه المرأة فقام إليه الحسن فبكى فقال له علي قد جئت
تحن حنين الجارية فقال أجل أمرتك فعصيتني فأنت اليوم تقتل بمصبعة لا ناصر
لك قال حدث القوم بما أمرتني به قال أمرتك حين سار الناس إلى عثمان رضي الله عنه
ألا تبسط يدك ببيعة حتى تجول جائلة العرب فإنهم لن يقطعوا أمرا دونك
فأبيت علي وأمرتك حتى سارت هذه المرأة وصنع هؤلاء القوم ما صنعوا أن
تلزم المدينة وترسل إلى من استجاب لك من شيعتك قال علي صدق والله ولكن
والله يا بني ما كنت لاكون كالضبع وتستمع للدم إن النبي صلى الله عليه وسلم
قبض وما أرى أحدا أحق بهذا الامر مني فبايع الناس أبا بكر فبايعت كما بايعوا
ثم إن أبا بكر رضي الله عنه هلك وما أرى أحدا أحق بهذا الامر مني فبايع الناس
عمر بن الخطاب فبايعت كما بايعوا ثم إن عمر رضي الله عنه هلك وأما أرى أحدا
أحق بهذا الامر مني فجعلني سهما من ستة أسهم فبايع الناس عثمان فبايعت كما بايعوا
ثم سار الناس إلى عثمان رضي الله عنه فقتلوه ثم أتوني فبايعوني طائعين غير
مكرهين فأنا مقاتل من خالفني بمن اتبعني حتى يحكم الله بيني وبينهم وهو خير الحاكمين
قول عائشة رضي الله عنها والله لأطلبن بدم عثمان
وخروجها وطلحة والزبير فيمن تبعهم إلى البصرة
(كتب إلي علي بن أحمد بن الحسن العجلي) ان الحسين بن نصر العطار قال
حدثنا أبي نصر بن مزاحم العطار قال حدثنا سيف بن عمر عن محمد بن نويرة
وطلحة بن الأعلم الحنفي قال وحدثنا عمر بن سعد عن أسد بن عبد الله عمن أدرك
من أهل العلم أن عائشة رضي الله عنها لما انتهت إلى سرف راجعة في طريقها
إلى مكة لقيها عبد بن أم كلاب وهو عبد بن أبي سلمة ينسب إلى أمه فقالت له مهيم
قال قتلوا عثمان رضي الله عنه فمكثوا ثمانيا قالت ثم صنعوا ماذا قال أخذها أهل
476

المدينة بالاجتماع فجازت بهم الأمور إلى خير مجاز اجتمعوا على علي بن أبي طالب
فقالت والله ليت ان هذه انطبقت على هذه إن تم الامر لصاحبك ردوني ردوني
فانصرفت إلى مكة وهي تقول قتل والله عثمان مظلوما والله لأطلبن بدمه فقال لها
ابن أم كلاب ولم فوالله إن أول من أمال حرفه لانت ولقد كنت تقولين اقتلوا
نعثلا فقد كفر قالت إنهم استتابوه ثم قتلوه وقد قلت وقالوا وقولي الأخير خير
من قولي الأول فقال لها ابن أم كلاب:
منك البداء ومنك الغير * ومنك الرياح ومنك المطر
وأنت أمرت بقتل الامام * وقلت لنا إنه قد كفر
فهبنا أطعناك في قتله * وقاتله عندنا من أمر
ولم يسقط السقف من فوقنا * ولم ينكسف شمسنا والقمر
وقد بايع الناس ذا تدرإ * يزيل الشبا ويقيم الصعر
ويلبس للحرب أثوابها * وما من وفى مثل من قد غدر
فانصرفت إلى مكة فنزلت على باب المسجد فقصدت للحجر فسترت واجتمع
إليها الناس فقالت يا أيها الناس إن عثمان رضي الله عنه قتل مظلوما ووالله لأطلبن
بدمه (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا كان علي
في هم من توجه القوم لا يدري إلى أين يأخذون وكان أن يأتوا البصرة أحب إليه
فلما تيقن أن القوم يعارضون طريق البصرة سر بذلك وقال الكوفة فيها رجال
العرب وبيوتاتهم فقال له ابن عباس إن الذي يسرك من ذلك ليسوؤني إن الكوفة
فسطاط فيه أعلام من أعلام العرب ولا يحملهم عدة القوم ولا يزال فيهم من يسمو
إلى أمر لا يناله فإذا كان كذلك شغب على الذي قد نال حتى يفثأه فيفسد بعضهم على
بعض فقال علي ان الامر ليشبه ما تقول ولكن الأثرة لأهل الطاعة وألحق بأحسنهم
سابقة وقدمة فإن استووا أعفيناهم واجتبرناهم فان أقنعهم ذلك كان خيرا لهم
وإن لم يقنعهم كلفونا إقامتهم وكان شرا على من هو شر له فقال ابن عباس ان
ذلك لأمر لا يدرك إلا بالقنوع (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد
477

وطلحة قالا لما اجتمع الرأي من طلحة والزبير وأم المؤمنين ومن بمكة من
المسلمين على السير إلى البصرة والانتصار من قتلة عثمان رضي الله عنه خرج الزبير
وطلحة حتى لقيا ابن عمر ودعواه إلى الخفوف فقال إني امرؤ من أهل المدينة فإن
يجتمعوا على النهوض أنهض وإن يجتمعوا على القعود أقعد فتركاه ورجعا (كتب
إلى السري) عن شعيب عن سيف عن سعيد بن عبد الله عن ابن أبي مليكة قال جمع
الزبير بنيه حين أراد الرحيل فودع بعضهم وأخرج بعضهم وأخرج ابني أسماء جميعا
فقال يا فلان أقم يا عمرو أقم فلما رأى ذلك عبد الله بن الزبير قال يا عروة أقم ويا منذر
أقم فقال الزبير ويحك أستصحب ابني وأستمتع منهما فقال إن خرجت بهم جميعا
فاخرج وإن خلفت منهم أحدا فخلفهما ولا تعرض أسماء للثكل من بين نسائك
فبكى وتركهما فخرجوا حتى إذا انتهوا إلى جبال أوطاس تيامنوا وسلكوا طريقا نحو
البصرة وتركوا طريقها يسارا حتى إذا دنوا منها فدخلوها ركبوا المنكدر
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن ابن الشهيد عن ابن أبي مليكة قال
خرج الزبير وطلحة ففصلا ثم خرجت عائشة فتبعها أمهات المؤمنين إلى ذات
عرق فلم ير يوم كان أكثر باكيا على الاسلام أو باكيا له من ذلك اليوم كان يسمى
يوم النحيب وأمرت عبد الرحمن بن عتاب فكان يصلى بالناس وكان عدلا بينهم
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد بن عبد الله عن يزيد بن معن
السلمي قال لما تيامن عسكرها عن أوطاس أتوا على مليح بن عوف السلمي وهو
مطلع ماله فسلم على الزبير وقال يا أبا عبد الله ما هذا قال عدى على أمير المؤمنين
رضي الله عنه فقتل بلا ترة ولا عذر قال ومن قال الغوغاء من الأمصار ونزاع القبائل
وظاهرهم الاعراب والعبيد قال فتريدون ماذا قال ننهض الناس فيدرك بهذا الدم
لئلا يبطل فإن في إبطاله توهين سلطان الله بيننا أبدا إذا لم يفطم الناس عن أمثالها
لم يبق إمام إلا قتله هذا الضرب قال والله إن ترك هذا لشديد ولا تدرون إلى أين
ذلك يسير فودع كل واحد منهما صاحبه وافترقا ومضى الناس
478

دخولهم البصرة والحرب بينهم وبين عثمان بن حنيف
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا ومضى
الناس حتى إذا عاجوا عن الطريق وكانوا بفناء البصرة لقيهم عمير بن عبد الله
التميمي فقال يا أم المؤمنين أنشدك بالله أن تقدمي اليوم على قوم تراسلي
منهم أحدا فيكفيكهم فقالت جئتني بالرأي وأنت امرؤ صالح قال فعجلي
ابن عامر فليدخل فإن له صنائع فليذهب إلى صنائعه فليلقوا الناس حتى تقدمي
ويسمعوا ما جئتم فيه فأرسلته فاندس إلى البصرة فأتى القوم وكتبت عائشة رضي الله عنها
إلى رجال من أهل البصرة وكتبت إلى الأحنف بن قيس وصبرة بن شيمان وأمثالهم
من الوجوه ومضت حتى إذا كانت بالحفير انتظرت الجواب بالخبر ولما بلغ ذلك أهل
البصرة دعا عثمان بن حنيف عمران بن حصين وكان رجل عامة والزه بأبي الأسود الدؤلي
وكان رجل خاصة فقال انطلقا إلى هذه المرأة فاعلمها علمها وعلم من معها فخرجا فانتهيا
إليها وإلى الناس وهم بالحفير فاستأذنا فأذنت لهما فسلما وقالا إن أميرنا بعثنا إليك
نسألك عن مسيرك فهل أنت مخبرتنا فقالت والله ما مثلي يسير بالامر المكتوم
ولا يغطى لبنيه الخبر إن الغوغاء من أهل الأمصار ونزاع القبائل غزوا حرم
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحدثوا فيه الاحداث وآووا فيه المحدثين
واستوجبوا فيه لعنة الله ولعنة رسوله مع ما نالوا من قتل إمام المسلمين بلا ترة
ولا عذر فاستحلوا الدم الحرام فسفكوه وانتهبوا المال الحرام وأحلوا البلد الحرام
والشهر الحرام ومزقوا الاعراض والجلود وأقاموا في دار قوم كانوا كارهين
لمقامهم ضارين مضرين غير نافعين ولا متقين لا يقدرون على امتناع ولا يأمنون
فخرجت في المسلمين أعلمهم ما أتى هؤلاء القوم وما فيه الناس وراءنا وما ينبغي
لهم إن يأتوا في إصلاح هذا وقرأت " لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة
أو معروف أو إصلاح بين الناس " ننهض في الاصلاح ممن أمر الله عز وجل
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الصغير والكبير والذكر والأنثى فهذا شأننا
إلى معروف نأمركم به ونحضكم عليه ومنكر ننهاكم عنه ونحثكم على تغييره (كتب
479

إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا فخرج أبو الأسود
وعمران من عندها فأتيا طلحة فقالا ما أقدمك قال الطلب بدم عثمان رضي الله عنه
قالا ألم تبايع عليا قال بلى واللج على عنقي وما أستقيل عليا إن هو لم يحل بيننا
وبين قتلة عثمان ثم أتيا الزبير فقالا ما أقدمك قال الطلب بدم عثمان رضي الله عنه
قالا ألم تبايع عليا قال بلى واللج على عنقي وما أستقيل عليا إن هو لم يحل بيننا
وبين قتلة عثمان فرجعا إلى أم المؤمنين فودعاها فودعت عمران وقالت يا أبا الأسود
إياك أن يقودك الهوى إلى النار " كونوا قوامين لله شهداء بالقسط " الآية فسرحتهما
ونادى مناديها بالرحيل ومضى الرجلان حنى دخلا على عثمان بن حنيف فبدر
أبو الأسود عمران فقال
يا ابن حنيف قد أتيت فانفر * وطاعن القوم وجالد واصبر
وابرز لهم مستلئما وشمر
فقال عثمان إنا لله وإنا إليه راجعون دارت رحى الاسلام ورب الكعبة
فانظروا بأي زيفان تزيف فقال عمران إي والله لتعركنكم عركا طويلا ثم لا يساوى
ما بقى منكم كثير شئ قال فأشر علي يا عمران قال إني قاعد فاقعد فقال عثمان
بل أمنعهم حتى يأتي أمير المؤمنين علي قال عمران بل يحكم الله ما يريد فانصرف
إلى بيته وقام عثمان في أمره فأتاه هشام بن عامر فقال يا عثمان إن هذا الامر
الذي تروم يسلم إلى شر مما تكره إن هذا فتق لا يرتق وصدع لا يجبر فسامحهم
حتى يأتي أمر علي ولا تحادهم فأبى ونادى عثمان في الناس وأمرهم بالتهيؤ
ولبسوا السلاح واجتمعوا إلى المسجد الجامع وأقبل عثمان على الكيد فكاد
الناس لينظر ما عندهم وأمرهم بالتهيؤ وأمر رجلا ودسه إلى الناس خدعا كوفيا
قيسيا فقام فقال يا أيها الناس أنا قيس بن العقدية الحميسي إن هؤلاء القوم الذين
جاؤكم إن كانوا جاؤكم خائفين فقد جاءوا من المكان الذي يأمن فيه الطير وإن
كانوا جاءوا يطلبون بدم عثمان رضي الله عنه فما نحن بقتلة عثمان أطيعوني في هؤلاء
القوم فردوهم من حيث جاءوا فقام الأسود بن سريع السعدي فقال أو زعموا
480

أنا قتلة عثمان رضي الله عنه فإنما فزعوا إلينا يستعينوا بنا على قتلة عثمان منا ومن
غيرنا فإن كان القوم أخرجوا من ديارهم كما زعمت فمن يمنعهم من إخراجهم الرجال
أو البلدان فحصبه الناس فعرف عثمان إن لهم بالبصرة ناصرا ممن يقوم معهم
فكسره ذلك وأقبلت عائشة رضي الله عنها فيمن معها حتى إذا انتهوا إلى المربد
ودخلوا من أعلاه أمسكوا ووقفوا حتى خرج عثمان فيمن معه وخرج إليها من
أهل البصرة من أراد أن يخرج إليها ويكون معها فاجتمعوا بالمربد وجعلوا يثوبون
حتى غص بالناس فتكلم طلحة وهو في ميمنة المربد ومعه الزبير وعثمان في ميسرته
فأنصتوا له فحمد الله وأثنى عليه وذكر عثمان رضي الله عنه وفضله والبلد وما
استحل منه وعظم ما أتى إليه ودعا إلى الطلب بدمه وقال إن في ذلك إعزاز دين
الله عز وجل وسلطانه وأما الطلب بدم الخليفة المظلوم فإنه حد من حدود الله
وإنكم إن فعلتم أصبتم وعاد أمركم إليكم وإن تركتم لم يقم لكم سلطان ولم يكن
لكم نظام فتكلم الزبير بمثل ذلك فقال من في ميمنة المربد صدقا وبرا وقالا الحق
وأمرا بالحق وقال من في مسيرته فجرا وغدرا وقالا الباطل وأمرا به قد بايعا ثم
جاآ يقولان ما يقولان وتحاثى الناس وتحاصبوا وأرهجوا فتكلمت عائشة وكانت
جهورية يعلو صوتها كثرة كأنه صوت امرأة جليلة فحمدت الله عز وجل وأثنت
عليه وقالت كان الناس يجتنون على عثمان رضي الله عنه ويزرون على عماله ويأتوننا
بالمدينة فيستشيروننا فيما يخبروننا عنهم ويرون حسنا من كلامنا في صلاح بينهم
فننظر في ذلك فنجده بريا تقيا وفيا ونجدهم فجرة كذبة يحاولون غير ما يظهرون
فلما قووا على المكاثرة كاثروه فاقتحموا عليه داره واستحلوا الدم الحرام والمال
الحرام والبلد الحرام بلا ترة ولا عذر ألا إن مما ينبغي لا ينبغي لكم غيره أخذ قتلة
عثمان رضي الله عنه وإقامة كتاب الله عز وجل (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا
من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم - الآية) فافترق أصحاب عثمان
ابن حنيف فرقتين فقالت فرقة صدقت والله وبرت وجاءت والله بالمعروف وقال
الآخرون كذبتم والله ما نعرف ما تقولون فتحاثوا وتحاصبوا وأرهجوا فلما رأت
481

ذلك عائشة انحدرت وانحدر أهل الميمنة مفارقين لعثمان حتى وقفوا في المربد في
موضع الدباغين وبقى أصحاب عثمان على حالهم يتدافعون حتى تحاجزوا ومال
بعضهم إلى عائشة وبقى بعضهم مع عثمان على فم السكة وأتى عثمان بن حنيف
فيمن معه حتى إذا كانوا على فم السكة سكة المسجد عن يمين الدباغين استقبلوا
الناس فأخذوا عليهم بفمها (وفيها) ذكر نصر بن مزاحم عن سيف عن سهل بن
يوسف عن القاسم بن محمد قال وأقبل جارية بن قدامة السعدي فقال يا أم المؤمنين
والله لقتل عثمان بن عفان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون
عرضة للسلاح إنه قد كان لك من الله ستر وحرمة فهتكت سترك وأبحت حرمتك
إنه من رأى قتالك فإنه يرى قتلك إن كنت أتيتينا طائعة فارجعي إلى منزلك وإن
كنت أتيتينا مستكرهة فاستعيني بالناس قال فخرج غلام شاب من بني سعد إلى
طلحة والزبير فقال أما أنت يا زبير فحواري رسول الله صلى الله عليه وآله
وأما أنت يا طلحة فوقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدك وأرى أمكما معكما
فهل جئتما بنسائكما قالا لا قال فما أنا منكما في شئ واعتزل وقال السعدي في ذلك
صنتم حلائلكم وقدتم أمكم * هذا لعمرك قلة الانصاف
أمرت بجر ذيولها في بيتها * فهوت تشق البيد بالإيجاف
غرضا يقاتل دونها أبناؤها * بالنبل والخطي والأسياف
هتكت بطلحة والزبير ستورها * هذا المخبر عنهم والكافي
وأقبل غلام من جهينة على محمد بن طلحة وكان محمد رجلا عابدا فقال أخبرني
عن قتلة عثمان فقال نعم دم عثمان ثلاث أثلاث ثلث على صاحبة الهودج يعني
عائشة وثلث على صاحب الجمل الأحمر يعنى طلحة وثلث على علي بن أبي طالب
وضحك الغلام وقال ألا أراني على ضلال ولحق بعلي وقال في ذلك شعرا
سألت ابن طلحة عن هالك * بجوف المدينة لم يقبر
فقال ثلاثة رهط هم * أماتوا ابن عفان واستعبر
فثلث على تلك في خدرها * وثلث على راكب الأحمر
482

وثلث على ابن أبي طالب * ونحن بدوية قرقر
فقلت صدقت على الأولين * وأخطأت في الثالث الأزهر
(رجع الحديث إلى حديث سيف عن محمد وطلحة) قال فخرج أبو الأسود وعمران
وأقبل حكيم بن جبلة وقد خرج وهو على الخيل فانشب القتال وأشرع أصحاب عائشة
رضي الله عنها رماحهم وأمسكوا ليمسكوا فلم ينته ولم يثن فقاتلهم وأصحاب عائشة
كافون إلا ما دافعوا عن أنفسهم وحكيم يذمر خيله ويركبهم بها ويقول إنها قريش
ليردينها جبنها والطيش واقتتلوا على فم السكة وأشراف أهل الدور ممن كان له في
واحد من الفريقين هوى فرموا باقي الآخرين بالحجارة وأمرت عائشة أصحابها
فتيامنوا حتى انتهوا إلى مقبرة بني مازن فوقفوا بها مليا وثار إليهم الناس فحجز الليل
بينهم فرجع عثمان إلى القصر ورجع الناس إلى قبائلهم وجاء أبو الجرباء أحد بني
عثمان بن مالك بن عمرو بن تميم إلى عائشة وطلحة والزبير فأشار عليهم بأمثل من
مكانهم فاستنصحوه وتابعوا رأيه فساروا من مقبرة بني مازن فأخذوا على مسناة
البصرة من قبل الجبانة حتى انتهوا إلى الزابوقة ثم أتوا مقبرة بني حصن وهي متنحية
إلى دار الرزق فباتوا يتأهبون وبات الناس يسيرون إليهم وأصبحوا وهم على
رجل في ساحة دار الرزق وأصبح عثمان بن حنيف فغاداهم وغدا حكيم بن جبلة
وهو يبربر وفي يده الرمح فقال له رجل من عبد القديس من هذا الذي تسب
وتقول له ما أسمع قال عائشة قال يا ابن الخبيثة ألام المؤمنين تقول هذا فوضع
حكيم السنان بين ثدييه فقتله ثم مر بامرأة وهو يسبها يعني عائشة فقالت من هذا
الذي ألجأك إلى هذا قال عائشة قالت يا ابن الخبيثة ألام المؤمنين تقول هذا فطعنها
بين ثدييها فقتلها ثم سار فلما اجتمعوا واقفوهم فاقتتلوا بدار الرزق قتالا شديدا
من حين بزغت الشمس إلى أن زال النهار وقد كثر القتلى في أصحاب ابن حنيف
وفشت الجراحة في الفريقين ومنادى عائشة يناشدهم ويدعوهم إلى الكف فيأبون
حتى إذا مسهم الشر وعضهم نادوا أصحاب عائشة إلى الصلح والمتات فأجابوهم
وتوعدوا وكتبوا بينهم كتابا على أن يبعثوا رسولا إلى المدينة وحتى يرجع الرسول
483

من المدينة فان كانا أكرها خرج عثمان عنهما وأخلى لهما البصرة وإن لم يكونا أكرها
خرج طلحة والزبير * بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما اصطلح عليه طلحة والزبير
ومن معهما من المؤمنين والمسلمين وعثمان بن حنيف ومن معه من المؤمنين
والمسلمين أن عثمان يقيم حيث أدركه الصلح على ما في يده وأن طلحة والزبير
يقيمان حيث أدركهما الصلح على ما في أيديهما حتى يرجع أمين الفريقين ورسولهم
كعب بن سور من المدينة ولا يضار واحد من الفريقين الآخر في مسجد ولا
سوق ولا طريق ولا فرصة بينهم عيبة مفتوحة حتى يرجع كعب بالخبر فان رجع
بأن القوم أكرهوا طلحة والزبير فالامر أمرهما وإن شاء عثمان خرج حتى
يلحق بطيته وإن شاء دخل معهما وإن رجع بأنهما لم يكرها فالامر أمر عثمان
فان شاء طلحة والزبير أقاما على طاعة علي وإن شاء خرجا حتى يلحقا بطيتهما
والمؤمنون أعوان الفالح منهما فخرج كعب حتى يقدم المدينة فاجتمع الناس لقدومه
وكان قدومه يوم جمعة فقام كعب فقال يا أهل المدينة إني رسول أهل البصرة
إليكم أأكره هؤلاء القوم هذين الرجلين على بيعة علي أم أتياها طائعين فلم يجبه
أحد من القوم إلا ما كان من أسامة بن زيد فإنه قام فقال اللهم إنهم لم يبايعا إلا
وهما كارهان فأمر به تمام فواثبه سهل بن حنيف والناس وثار صهيب بن سنان
وأبو أيوب بن زيد في عدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم محمد
ابن مسلمة حين خافوا أن يقتل أسامة فقال اللهم نعم فانفرجوا عن الرجل
فانفرجوا عنه وأخذ صهيب بيده حتى أخرجه فأدخله منزله وقال قد علمت أن
أم عامر حامقة أما وسعك ما وسعنا من السكوت قال لا والله ما كنت أرى
أن الامر يترامى إلى ما رأيت وقد أبسلنا العظيم فرجع كعب وقد اعتد
طلحة والزبير فيما بين ذلك بأشياء كلها كانت مما يعتد به منها أن محمد بن طلحة وكان
صاحب صلاة قام مقاما قريبا من عثمان بن حنيف فخشى بعض الزط والسيابجة
أن يكون جاء لغير ما جاء له فنحياه فبعثا إلى عثمان هذه واحدة وبلغ عليا الخبر
الذي كان بالمدينة من ذلك فبادر بالكتاب إلى عثمان يعجزه ويقول والله ما أكرها
484

إلا كرها على فرقة ولقد أكرها على جماعة وفضل فان كانا يريدان الخلع فلا عذر
لهما وإن كانا يريدان غير ذلك نظرنا ونظرا فقدم الكتاب على عثمان بن حنيف
وقدم كعب فارسلوا إلى عثمان أن اخرج عنا فاحتج عثمان بالكتاب وقال هذا
أمر آخر غير ما كنا فيه فجمع طلحة والزبير الرجال في ليلة مظلمة باردة ذات رياح
وندى ثم قصد المسجد فوافقا صلاة العشاء وكانوا يؤخرونها فأبطأ عثمان بن حنيف
فقدما عبد الرحمن بن عتاب فشهر الزط والسيابجة السلاح ثم وضعوه فيهم فأقبلوا
عليهم فاقتتلوا في المسجد وصبروا لهم فأناموهم وهم أربعون وأدخلوا الرجال على
عثمان ليخرجوه إليهما فلما وصل إليهما توطؤوه وما بقيت في وجهه شعرة فاستعظما
ذلك وأرسلا إلى عائشة بالذي كان واستلطعا رأيها فأرسلت إليهما أن خلوا سبيله
فليذهب حيث شاء ولا تحبسوه فاخرجوا الحرس الذين كانوا مع عثمان في القصر
ودخلوه وقد كانوا يعتقبون حرس عثمان في كل يوم وفي كل ليلة أربعون فصلى
عبد الرحمن بن عتاب بالناس العشاء والفجر وكان الرسول فيما بين عائشة وطلحة
والزبير هو أتاها بالخبر وهو رجع إليهما بالجواب فكان رسول القوم * حدثنا
عمر بن شبة قال حدثنا أبو الحسن عن أبي محنف عن يوسف بن يزيد عن سهل بن
سعد قال لما أخذوا عثمان بن حنيف أرسلوا أبان بن عثمان إلى عائشة يستشيرونها
في أمره قالت اقتلوه فقالت لها امرأة نشدتك بالله يا أم المؤمنين في عثمان وصحبته
لرسول الله صلى الله عليه وسلم قالت ردوا أبانا فردوه فقالت احبسوه ولا تقتلوه
قال لو علمت أنك تدعينني لهذا لم أرجع فقال لهم مجاشع بن مسعود اضربوه وانتفوا
شعر لحيته فضربوه أربعين سوطا ونتفوا شعر لحيته ورأسه وحاجبيه وأشفار
عينيه وحبسوه * حدثني أحمد بن زهير قال حدثنا أبي قال حدثني وهب بن جرير
ابن حازم قال سمعت يونس بن يزيد الأيلي عن الزهري قال بلغني انه لما بلغ طلحة
والزبير منزل علي بذي قار انصرفوا إلى البصرة فأخذوا على المنكدر فسمعت عائشة
رضي الله عنها نباح الكلاب فقالت أي ماء هذا فقالوا الحوأب فقالت إنا لله وإنا إليه
راجعون اني لهيه قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وعنده نساؤه ليت شعري
485

أيتكن تنبحها كلاب الحوأب فأرادت الرجوع فأتاها عبد الله بن الزبير فزعم أنه قال
كذب من قال إن هذا الحوأب ولم يزل حتى مضت فقدموا البصرة وعليها عثمان
ابن حنيف فقال لهم عثمان ما نقمتم على صاحبكم فقالوا لم نره أولى بها منا وقد صنع
ما صنع قال فإن الرجل أمرني فأكتب إليه فأعلمه ما جئتم له على أن أصلى بالناس حتى
يأتينا كتابه فوقفوا عليه وكتب فلما يلبث إلا يومين حتى وثبوا عليه فقاتلوه
بالزابوقه عند مدينة الرزق فظهروا وأخذوا عثمان فأرادوا قتله ثم خشوا غضب
الأنصار فنالوه في شعره وجسده فقام طلحة والزبير خطيبين فقالا يا أهل البصرة
توبة بحوبة إنما أردنا أن يستعتب أمير المؤمنين عثمان ولم نرد قتله فغلب سفهاء
الناس الحلماء حتى قتلوه فقال الناس لطلحة يا أبا محمد قد كانت كتبك تأتينا بغير
هذا فقال الزبير فهل جاءكم مني كتاب في شأنه ثم ذكر قتل عثمان رضي الله عنه
وما أتى إليه وأظهر عيب علي فقال إليه رجل من عبد القيس فقال أيها الرحل
أنصت حتى نتكلم فقال عبد الله بن الزبير ومالك وللكلام فقال العبدي يا معشر
المهاجرين أنتم أول من أجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان لكم بذلك فضل
ثم دخل الناس في الاسلام كما دخلتم فلما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم
بايعتم رجلا منكم والله ما استأمرتمونا في شئ من ذلك فرضينا واتبعناكم فجعل
الله عز وجل للمسلمين في إمارته بركة ثم مات رضي الله عنه واستخلف عليكم رجلا
منكم فلم تشاورونا في ذلك فرضينا وسلمنا فلما توفى الأمير جعل الامر إلى ستة
نفر فاخترتم عثمان وبايعتموه عن غير مشورة منا ثم أنكرتم من ذلك الرجل
شيئا فقتلتموه عن غير مشورة منا ثم بايعتم عليا عن غير مشورة منا فما الذي
نقمتم عليه فنقاتله هل استأثر بفئ أو عمل بغير الحق أو عمل شيئا تنكرونه
فنكون معكم عليه وإلا فما هذا فهموا بقتل ذلك الرجل فقام من دونه عشيرته
فلما كان الغد وثبوا عليه وعلى من كان معه فقتلوا سبعين رجلا (رجع الحديث)
إلى حديث سيف عن محمد وطلحة * وقالا فأصبح طلحة والزبير وبين المال والحرس
في أيديهما والناس معهما ومن لم يكن معهما مغمور مستسر وبعثا حين أصبحا
486

بأن حكيما في الجمع فبعثت لا تحبسا عثمان ودعاه ففعلا فخرج عثمان فمضى لطلبته
وأصبح حكيم بن جبلة في خيله على رجل فيمن تبعه من عبد القيس ومن نزع
إليهم من أفناء ربيعة ثم وجهوا نحو دار الرزق وهو يقول لست بأخيه إن لم
أنصره وجعل يشتم عائشة رضي الله عنها فسمعته امرأة من قومه فقالت يا ابن
الخبيثة أنت أولى بذلك فطعنها فقتلها فغضبت عبد القيس إلا من كان اغتمر منهم
فقالوا فعلت بالأمس وعدت لمثل ذلك اليوم والله لندعنك حتى يقيدك الله فرجعوا
وتركوه والضى عثمان بن حنيف فيمن غزا معه عثمان بن عفان وحصروه من
نزاع القبائل كلها وعرفوا أن لا مقام لهم بالبصرة فاجتمعوا إليه فانتهى بهم إلى
الزابوقة عند دار الرزق وقالت عائشة لا تقتلوا إلا من قاتلكم ونادوا من لم يكن
من قتلة عثمان رضي الله عنه فيكفف عنا فإنا لا نريد إلا قتلة عثمان ولا نبدأ أحدا
فأنشب حكيم القتال ولم يرع للمنادى فقال طلحة والزبير الحمد لله الذي جمع لنا
ثأرنا من أهل البصرة اللهم لا تبق منهم أحدا وأقد منهم اليوم فاقتلهم فجادوهم
القتال فاقتتلوا أشد القتال ومعه أربعة قواد فكان حكيم بحيال طلحة وذريح بحيال
الزبير وابن المحرش بحيال عبد الرحمن بن عتاب وحرقوص بن زهير بحيال
عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فزحف طلحة لحكيم وهو في ثلثمائة رجل وجعل
حكيم يضرب بالسيف ويقول
أضربهم باليابس * ضرب غلام عابس
من الحياة آيس * في الغرفات نافس
فضرب رجل رجله فقطعها فحبا حتى أخذها فرمى بها صاحبه فأصاب جسده
فصرعه فأتاه حتى قتله ثم اتكأ عليه وقال
يا فخذ لن تراعى * إن معي ذراعي * أحمى بها كراعي
وقال وهو يرتجز
ليس علي أن أموت عار * والعار في الناس هو الفرا
والمجد لا يفضحه الدمار
487

فأتى عليه رجل وهو رثيث رأسه على آخر فقال مالك يا حكيم قال قتلت
من قتلك قال وسادتي فاحتمله فضمه في سبعين من أصحابه فتكلم يومئذ حكيم
وإنه لقائم على رجل وإن السيوف لتأخذهم فما يتعتع ويقول إنا خلفنا هذين وقد
بايعا عليا وأعطياه الطاعة ثم أقبلا محالفين محاربين يطلبان بدم عثمان بن عفان ففرقا
بيننا ونحن أهل دار وجوار اللهم إنهما لم يريدا عثمان فنادى مناد يا خبيث جزعت
حين عضك نكال الله عز وجل إلى كلام من نصبك وأصحابك بما ركبتم من
الامام المظلوم وفرقتم من الجماعة وأصبتم من الدماء ونلتم من الدنيا فذق وبال الله
عز وجل وانتقامه وأقيموا فيمن أنتم وقتل ذريح ومن معه وأفلت حرقوص بن
زهير في نفر من أصحابه فلجأوا إلى قومهم ونادى منادى الزبير وطلحة بالبصرة
ألا من كان فيهم من قبائلكم أحد ممن غزا المدينة فليأتنا بهم فجئ بهم كما يجاء بالكلاب
فقتلوا فما أفلت منهم من أهل البصرة جميعا إلا حرقوص بن زهير فإن بني سعد
منعوه وكان من بني سعد فمسهم في ذلك أمر شديد وضربوا لهم فيه أجلا وخشنوا
صدور بني سعد وإنهم لعثمانية حتى قالوا نعتزل وغضبت عبد القيس حين غضبت
سعد لمن قتل منهم بعد الوقعة ومن كان هرب إليهم إلى ما هم عليه من لزوم
وطاعة علي فأمر الناس بأعطياتهم وأرزاقهم وحقوقهم وفضلا بالفضل أهل السمع
والطاعة فخرجت عبد القيس وكثير من بكر بن وائل حين زووا عنهم الفضول
فبادروا إلى بيت المال وأكب عليهم الناس فأصابوا منهم وخرج القوم حتى نزلوا
على طريق علي وأقام طلحة والزبير ليس معهما بالبصرة ثأر إلا حرقوص وكتبوا إلى
أهل الشأم بما صنعوا وصاروا إليه إنا خرجنا لوضع الحرب وإقامة كتاب الله
عز وجل بإقامة حدوده في الشريف والوضيع والكثير والقليل حتى يكون الله
عز وجل هو الذي يردنا عن ذلك فبايعنا خيار أهل البصرة ونجباؤهم وخالفنا شرارهم
ونزاعهم فردونا بالسلاح وقالوا فيما قالوا نأخذ أم المؤمنين رهينة أن أمرتهم
بالخق وحثثتهم عليه فأعطاهم الله عز وجل سنة المسلمين مرة بعد مرة حتى إذا لم
يبق حجة ولا عذر استبسل قتلة أمير المؤمنين فخرجوا إلى مضاجعهم فلم يفلت
488

منهم مخبر إلا حرقوص بن زهير والله سبحانه مقيده إن شاء الله وكانوا كما وصف
الله عز وجل وإنا نناشدكم الله في أنفسكم إلا نهضتم بمثل ما نهضنا به فنلقى الله عز وجل
وتلقونه وقد أعذرنا وقضينا الذي علينا وبعثوا به مع سيار العجلي وكتبوا إلى أهل
الكوفة بمثله مع رجل من بني عمرو بن أسد يدعى مظفر بن معرض وكتبوا
إلى أهل اليمامة وعليها سبرة بن عمرو العنبري مع الحارث السدوسي وكتبوا إلى
أهل المدينة مع ابن قدامة القشيري فدسه إلى أهل المدينة وكتبت عائشة رضي الله عنها
إلى أهل الكوفة مع رسولهم أما بعد فإني أذكركم الله عز وجل والاسلام
أقيموا كتاب الله بإقامة ما فيه اتقوا الله واعتصموا بحبله وكونوا مع كتابه فانا
قدمنا البصرة فدعوناهم إلى إقامة كتاب الله بإقامة حدوده فأجابنا الصالحون إلى
ذلك واستقبلنا من لا خير فيه بالسلاح وقالوا لنتبعنكم عثمان ليرتدوا الحدود تعطيلا
فعاندوا فشهدوا علينا بالكفر وقالوا لنا المنكر فقرأنا عليهم ألم تر إلى الذين أوتوا
نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم فأذعن لي بعضهم واختلفوا
بينهم فتركناهم وذلك فلم يمنع ذلك من كان منهم على رأيه الأول من وضع السلاح في أصحابي
وعزم عليهم عثمان بن حنيف إلا قاتلوني حتى منعني الله عز وجل بالصالحين فرد كيدهم
في نحورهم فمكثنا ستا وعشرين ليلة ندعوهم إلى كتاب الله وإقامة حدوده وهو حقن
الدماء أن تهراق دون من قد حل دمه فأبوا واحتجوا بأشياء فاصطلحنا عليها فخافوا
وغدروا وخانوا وحشروا فجمع الله عز وجل لعثمان رضي الله عنه ثأرهم فأقادهم
فلم يفلت منهم إلا رجل وأردأنا الله ومنعنا منهم بعمير بن مرثد ومرثد بن قيس
ونفر من قيس ونفر من الرباب والأزد فالزموا الرضى إلا عن قتلة عثمان بن عفان
حتى يأخذ الله حقه ولا تخاصموا عن الخائنين ولا تمنعوهم ولا ترضوا بذوي حدود
الله فتكونوا من الظالمين فكتبت إلى رجال بأسمائهم فثبطوا الناس عن منع هؤلاء
القوم ونصرتهم واجلسوا في بيوتكم فان هؤلاء القوم لم يرضوا بما صنعوا
بعثمان بن عفان رضي الله عنه وفرقوا بين جماعة الأمة وخالفوا الكتاب والسنة
حتى شهدوا علينا فيما أمرناهم به وحثثناهم عليه من إقامة كتاب الله وإقامة حدوده
489

بالكفر وقالوا لنا المنكر فأنكر ذلك الصالحون وعظموا ما قالوا وقالوا ما رضيتم
أن قتلتم الامام حتى خرجتم على زوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم أن أمرتكم
بالحق لتقتلوها وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأئمة المسلمين فعزموا
وعثمان بن خنيف معهم على من أطاعهم من جهال الناس وغوغائهم على زطهم
وسيابجهم فلذنا منهم بطائفة من الفسطاط فكان ذلك الدأب ستة وعشرين يوما
ندعوهم إلى الحق وألا يحولوا بيننا وبين الحق فغدروا وخانوا فلم نقايسهم واحتجوا
ببيعة طلحة والزبير فأبردوا بريدا فجاءهم بالحجة فلم يعرفوا الحق ولم يصبروا عليه
فغادوني في الغلس ليقتلوني والذي يحاربهم غيري فلم يبرحوا حتى بلغوا سدة بيتي
ومعهم هاد يديهم إلي فوجدوا نفرا على باب بيتي منهم عمير بن مرثد ومرثد بن
قيس ويزيد بن عبد الله بن مرثد ونفر من قيس ونفر من الرباب والأزد فدارت
عليهم الرحى فأطاف بهم المسلمون فقتلوهم وجمع الله عز وجل كلمة أهل البصرة
على ما أجمع عليه الزبير وطلحة فإذا قتلنا بثأرنا وسعنا العذر وكانت الوقعة لخمس
ليال بقين من ربيع الآخر سنة 36 وكتب عبيد بن كعب في جمادي * حدثنا عمر
ابن شبة قال حدثنا أبو الحسن عن عامر بن حفص عن أشياخه قال ضرب عنق حكيم بن
جبلة رجل من الحدان يقال له ضخيم فمال رأسه فتعلق بجلده فصار وجهه في قفاه * قال
ابن المثنى الحداني الذي قتل حكيما يزيد بن الأسحم الحداني وجد حكيم قتيلا بين يزيد بن
الأسحم وكعب بن الأسحم وهما مقتولان * حدثني عمر قال حدثني أبو الحسن قال حدثنا
أبو بكر الهذلي عن أبي المليح قال لما قتل حكيم بن جبلة أرادوا أن يقتلوا عثمان بن حنيف
فقال ما شئتم أما إن سهل بن حنيف وال على المدينة وإن قتلتموني انتصر فخلوا سبيله
واختلفوا في الصلاة فأمرت عائشة رضي الله عنها عبد الله بن الزبير فصلى بالناس
وأراد الزبير أن يعطى الناس أرزاقهم ويقسم ما في بيت المال فقال عبد الله ابنه
إن ارتزق الناس تفرقوا واصطلحوا على عبد الرحمن بن أبي بكر فصيروه على
بيت المال * حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن علي عن أبي بكر الهذلي عن الجارود
ابن أبي سبرة قال لما كان الليلة التي أخذ فيها عثمان بن حنيف وفي رحبة مدينة
490

الرزق طعام يرتزقه الناس فأراد عبد الله أن يرزقه أصحابه وبلغ حكيم بن جبلة ما صنع
بعثمان فقال لست أخاف الله إن لم أنصره فجاء في جماعة من عبد القيس وبكر
ابن وائل وأكثرهم عبد القيس فأتى ابن الزبير مدينة الرزق فقال مالك يا حكيم
قال نريد أن نرتزق من هذا الطعام وأن تخلوا عثمان فيقيم في دار الامارة على
ما كتبتم بينكم حتى يقدم علي والله لو أجد أعوانا عليكم أخبطكم بهم ما رضيت
بهذه منكم حتى أقتلكم بمن قتلتم ولقد أصبحتم وإن دماءكم لنا حلال بمن قتلتم
من إخواننا أما تخافون الله عز وجل بم تستحلون سفك الدماء قال بدم عثمان
ابن عفان رضي الله عنه قال فالذين قتلتموهم قتلوا عثمان أما تخافون مقت الله فقال له
عبد الله بن الزبير لا نرزقكم من هذا الطعام ولا نخلى سبيل عثمان بن حنيف حتى يخلع
عليا قال حكيم اللهم إنك حكم عدل فاشهد وقال لأصحابه إني لست في شك من قتال
هؤلاء فمن كان في شك فلينصرف وقاتلهم فاقتتلوا قتالا شديدا وضرب رجل ساق
حكيم فقطعها فأخذ حكيم ساقه فرماه بها فأصاب عنقه فصرعه ووقذه ثم حبا إليه
فقتله واتكأ عليه فمر به رجل فقال من قتلك قال وسادتي وقتل سبعون رجلا من
عبد القيس قال الهذلي قال حكيم حين قطعت رجله
أقول لما جد بي زماعي * للرجل يا رجلي لن تراعي
إن معي من نجدة ذراعي
قال عامر ومسلمة قتل مع حكيم ابنه الأشرف وأخوه الرعل بن جبلة * حدثني
عمر قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا المثنى بن عبد الله عن عوف الأعرابي قال
جاء رجل إلى طلحة والزبير وهما في المسجد بالبصرة فقال نشدتكما بالله في مسيركما
أعهد اليكما فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فقام طلحة ولم يجبه فناشد الزبير
فقال لا ولكن بلغنا أن عندكم دراهم فجئنا نشارككم فيها * حدثني عمر قال حدثنا
أبو الحسن قال حدثنا سليمان بن أرقم عن قتادة عن أبي عمرة مولى الزبير قال
لما بايع أهل البصرة الزبير وطلحة قال الزبير ألا ألف فارس أسير بهم إلى علي
فإما بيته وإما صبحته لعلي أقتله قبل أن يصل إلينا فلم يجبه أحد فقال إن هذه
491

لهي الفتنة التي كنا نحدث عنها فقال له مولاه أتسميها فتنة وتقاتل فيها قال ويحك
إنا نبصر ولا نبصر ما كان أمر قط إلا علمت موضع قدمي فيه غير هذا الامر فإني
لا أدرى أمقبل أنا فيه أم مدبر * حدثني أحمد بن منصور قال حدثني يحيى بن معين
قال حدثنا هشام بن يوسف قاضي صنعاء عن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن
عبد الله بن الزبير عن موسى بن عقبة عن علقمة بن وقاص الليثي قال لما خرج طلحة
والزبير وعائشة رضي الله عنهم رأيت طلحة وأحب المجالس إليه أخلاها وهو
ضارب بلحيته على زوره فقلت يا أبا محمد أرى أحب المجالس إليك أخلاها وأنت
ضارب بلحيتك على زورك أن كرهت شيئا فاجلس قال فقال لي يا علقمة بن وقاص
بينا نحن يد واحدة على من سوانا إذ صرنا جبلين من حديد يطلب بعضنا بعضا
إنه كان مني في عثمان شئ ليس توبتي إلا أن يسفك دمي في طلب دمه قال قلت
فرد محمد بن طلحة فإن لك ضيعة وعيالا فإن يك شئ يخلفك فقال ما أحب أن أرى
أحدا يخلف في هذا الامر فأمنعه قال فأتيت محمد بن طلحة فقلت له لو أقمت فإن
حدث به حدث كنت تخلفه في عياله وضيعته قال ما أحب أن أسأل الرجال عن
أمره * حدثني عمر بن شبة قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا أبو محنف عن مجالد
ابن سعيد قال لما قدمت عائشة رضي الله عنها البصرة كتبت إلى زيد بن صوحان من
عائشة ابنة أبي بكر أم المؤمنين حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ابنها الخالص
زيد بن صوحان أما بعد فإذا أتاك كتابي هذا فاقدم فانصرنا على أمرنا هذا فإن لم
تفعل فخذل الناس عن علي فكتب إليها من زيد بن صوحان إلى عائشة ابنة أبي بكر
الصديق رضي الله عنه حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أما بعد فأنا ابنك الخالص
ان اعتزلت هذا الامر ورجعت إلى بيتك وإلا فأنا أول من نابذك قال زيد بن صوحان
رحم الله أم المؤمنين امرت أن تلزم بيتها وأمرنا أن نقاتل فتركت ما أمرت به وأمرتنا
به وصنعت ما أمرنا به ونهتنا عنه
ذكر الخبر عن مسير علي بن أبي طالب نحو البصرة
(مما كتب به إلي السري) أن شعيبا حدثه قال حدثنا سيف عن عبيدة بن معتب
492

عن يزيد الضخم قال لما أتى عليا الخبر وهو بالمدينة بأمر عائشة وطلحة والزبير إنهم
قد توجهوا نحو العراق خرج يبادر وهو يرجو أن يدركهم ويردهم فلما انتهى إلى الربذة
أتاه عنهم إنهم قد أمعنوا فأقام بالربذة أياما وأتاه عن القوم أنهم يريدون البصرة فسرى
بذلك عنه وقال إن أهل الكوفة أشد إلي حبا وفيهم رؤس العرب وأعلامهم فكتب
إليهم اني قد اخترتكم على الأمصار وإني بالأثرة * حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن
عن بشير بن عاصم عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال كتب علي إلى
أهل الكوفة بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فاني اخترتكم والنزول بين أظهركم
لما أعرف من مودتكم وحبكم لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم فمن جاءني
ونصرني فقد أجاب الحق وقضى الذي عليه * حدثني عمر قال حدثتا أبو الحسن
قال حدثنا حباب بن موسى عن طلحة بن الأعلم وبشير بن عاصم عن ابن أبي ليلى
عن أبيه قالا بعث محمد بن أبي بكر إلى الكوفة ومحمد بن عون فجاء الناس إلى أبي موسى
يستشيرونه في الخروج فقال أبو موسى أما سبيل الآخرة فان تقيموا وأما سبيل
الدنيا فأن تخرجوا وأنتم أعلم وبلغ المحمدين قول أبي موسى فبايناه وأغلظا له فقال
أما والله إن بيعة عثمان رضي الله عنه في عنقي وعنق صاحبكما الذي أرسلكما ان
أردنا أن نقاتل لا نقاتل حتى لا يبقى أحد من قتلة عثمان إلا قتل حيث كان وخرج
علي من المدينة في آخر شهر ربيع الآخر سنة 36 فقالت أخت علي بن عدي من
بني عبد العزى بن عبد شمس
لأهم فأعقر بعلي جمله * ولا تبارك في بعير حمله
ألا علي بن عدي ليس له
* حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن عن أبي محنف عن نمير بن وعلة عن الشعبي قال لما
نزل علي بالربذة أتته جماعة من طيئ فقيل لعلي هذه جماعة من طيئ قد أتتك منهم
من يريد الخروج معك ومنهم من يريد التسليم عليك قال جزى الله كلا خيرا وفضل الله
المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما ثم دخلوا عليه فقال علي ما شهدتمونا به قالوا
شهدناك بكل ما تحب قال جزاكم الله خيرا فقد أسلمتم طائعين وقاتلتم المرتدين ووافيتم
493

بصدقاتكم المسلمين فنهض سعيد بن عبيد الطائي فقال يا أمير المؤمنين ان من الناس من
يعبر لسانه عما في قلبه وإني والله ما كل ما أجد في قلبي يعبر عنه لساني وسأجهد وبالله
التوفيق أما أنا فسأنصح لك في السر والعلانية وأقاتل عدوك في كل موطن وأرى
لك من الحق ما لا أراه لاحد من أهل زمانك لفضلك وقرابتك قال رحمك الله
قد أدى لسانك عما يجن ضميرك فقتل معه بصفين رحمه الله (كتب إلي السري)
عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قال لما قدم علي الربذة أقام بها وسرح
منها إلى الكوفة محمد بن أبي بكر ومحمد بن جعفر وكتب إليهم إني اخترتكم على
الأمصار وفزعت إليكم لما حدث فكونوا لدين الله أعوانا وأنصارا وأيدونا
وانهضوا إلينا فالاصلاح ما نريد لتعود الأمة إخوانا ومن أحب ذلك وآثره فقد
أحب الحق وآثره ومن أبغض ذلك فقد أبغض الحق وغمصه فمضى الرجلان وبقى
علي بالربذة يتهيأ وأرسل إلى المدينة فلحقه ما أراد من دابة وسلاح وأمر أمره
وقام في الناس فخطبهم وقال إن الله عز وجل أعزنا بالاسلام ورفعنا به وجعلنا به
إخوانا بعد ذلة وقلة وتباغض وتباعد فجرى الناس على ذلك ما شاء الله الاسلام
دينهم والحق فيهم والكتاب إمامهم حتى أصيب هذا الرجل بأيدي هؤلاء القوم
الذين نزغهم الشيطان لينزغ بين هذه الأمة ألا إن بين هذه الأمة لابد مفترقة كما افترقت
الأمم قبلهم فنعوذ بالله من شر ما هو كائن ثم عاد ثانية فقال إنه لابد مما هو كائن أن
يكون ألا وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة شرها فرقة تنتحلني
ولا تعمل بعملي فقد أدركتم ورأيتم فالزموا دينكم واهدوا بهدى نبيكم صلى الله
عليه وسلم واتبعوا سنته واعرضوا ما أشكل عليكم على القرآن فما عرفه القرآن
فالزموه وما أنكره فردوه وارضوا بالله عز وجل ربا وبالاسلام دينا وبمحمد
صلى الله عليه وسلم نبيا وبالقرآن حكما وإماما (كتب إلي السري) عن شعيب
عن سيف عن محمد وطلحة قالا لما أراد علي الخروج من الربذة إلى البصرة قام إليه
ابن لرفاعة بن رافع فقال يا أمير المؤمنين أي شئ تريد والى أين تذهب بنا فقال
أما الذي نريد وننوى فالاصلاح إن قبلوا منا وأجابونا إليه قال فإن لم يجيبونا إليه
494

قال ندعهم بعذرهم ونعطيهم الحق ونصبر قال فإن لم يرضوا قال ندعهم ما تركونا
قال فإن لم يتركونا قال امتنعنا منهم قال فنعم إذا وقام الحجاج بن غزية الأنصاري
فقال لأرضينك بالفعل كما أرضيتني بالقول وقال
دراكها دراكها قبل الفوت * وانفر بنا واسم بنا نحو الصوت
لا وألت نفسي إن هبت الموت
والله لأنصرن الله عز وجل كما سمانا أنصارا فخرج أمير المؤمنين وعلى مقدمته
أبو ليلى بن عمر بن الجراح والراية مع محمد بن الحنفية وعلى الميمنة عبد الله بن
عباس وعلى الميسرة عمر بن أبي سلمة أو عمرو بن سفيان بن عبد الأسد وخرج علي
وهو في سبعمائة وستين وراجز علي يرجز به
سيروا أباييل وحثوا السيرا * إذ عزم السير وقولوا خيرا
حتى يلاقوا وتلاقوا خيرا * نغزو بها طلحة والزبيرا
وهو أمام أمير المؤمنين وأمير المؤمنين علي على ناقة له حمراء يقود فرسا كميتا
قتلقاهم بفيد غلام من بني سعد ين ثعلبة بن عامر يدعى مرة فقال من هؤلاء فقيل
أمير المؤمنين فقال سفرة فانية فيها دماء من نفوس فانية فسمعها علي فدعاه فقال
ما اسمك قال مرة قال أمر الله عيشك كاهن سائر القوم قال بل عائف فلما نزل بفيد
أتته أسد وطيئ فعرضوا عليه أنفسهم فقال الزموا قراركم في المهاجرين كفاية وقدم
رجل من أهل الكوفة فيد قبل خروج علي فقال من الرجل قال عامر بن مطر قال
الليثي قال قال الشيباني أخبرني عما وراءك قال فأخبره حتى سأله عن أبي موسى فقال إن
أردت الصلح فأبو موسى صاحب ذلك وإن أردت القتال فأبو موسى ليس بصاحب
ذلك قال والله ما أريد إلا الاصلاح حتى يرد علينا قال قد أخبرتك الخبر وسكت
وسكت علي * حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن عن أبي محمد عن عبد الله بن عمير
عن محمد بن الحنفية قال قدم عثمان بن حنيف على علي بالربذة وقد نتفوا شعر
رأسه ولحيته وحاجبيه فقال يا أمير المؤمنين بعثتني ذا لحية وجئتك أمرد قال أصبت
أجرا وخيرا إن الناس وليهم قبلي رجلان فعملا بالكتاب ثم وليهم ثالث فقالوا
495

وفعلوا ثم بايعوني وبايعني طلحة والزبير ثم نكثا بيعتي وألبا الناس علي ومن
العجب انقيادهما لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما وخلافهما علي والله إنهما ليعلمان
أنى لست بدون رجل ممن قد مضى اللهم فاحلل ما عقدا ولا تبرم ما قد أحكما في
أنفسهما وارهما المساءة فيما قد عملا (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن
محمد وطلحة قالا ولما نزل علي الثعلبية أتاه الذي لقى عثمان بن حنيف وحرسه فقام
وأخبر القوم الخبر وقال اللهم عافني مما ابتليت به طلحة والزبير من قتل المسلمين
وسلمنا منهم أجمعين ولما انتهى إلى الأساد أتاه ما لقى حكيم بن جبلة وقتلة عثمان
ابن عفان رضي الله عنه فقال الله أكبر ما ينجيني من طلحة والزبير إذ أصابا
تأرهما أو ينجيهما وقرأ (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا
في كتاب من قبل أن نبرأها) وقال
دعا حكيم دعوة الزماع * حل بها منزلة النزاع
ولما انتهوا إلى ذي قار انتهى إليه فيها عثمان بن حنيف وليس في وجهه شعر
فلما رآه علي نظر إلى أصحابه فقال انطلق هذا من عندنا وهو شيخ فرجع إلينا وهو
شاب فلم يزل بذي قار يتلوم محمدا ومحمدا وأتاه الخبر بما لقيت ربيعة وخروج
عبد القيس ونزولهم بالطريق فقال عبد القيس خير ربيعة في كل ربيعة خير وقال
يا لهف نفسي على ربيعه * ربيعة السامعة المطيعة
قد سبقتني فيهم الوقيعة * دعا علي دعوة سميعه
حلوا بها المنزلة الرفيعة
قال وعرضت عليه بكر بن وائل فقال لهم مثل ما قال لطيئ وأسد ولما قدم محمد
ومحمد على الكوفة وأتيا أبا موسى بكتاب أمير المؤمنين وقاما في الناس بأمره فلم
يجابا إلى شئ فلما أمسوا دخل ناس من أهل الحجى على أبي موسى فقالوا ما ترى
في الخروج فقال كان الرأي بالأمس ليس باليوم ان الذي تهاونتم به فيما مضى
هو الذي جر عليكم ما ترون وما بقى إنما هما أمران العقود سبيل الآخرة
والخروج سبيل الدنيا فاختاروا فلم ينفر إليه أحد فغضب الرجلان وأغلظا
496

لأبي موسى فقال أبو موسى والله ان بيعة عثمان رضي الله عنه لفي عنقي وعنق صاحبكما
فإن لم يكن بد من قتال لا نقاتل أحدا حتى يفرغ من قتلة عثمان حيث كانوا فانطلقا
إلى علي فوافياه بذي قار وأخبراه الخبر وقد خرج مع الأشتر وقد كان يعجل إلى
الكوفة فقال علي يا أشتر أنت صاحبنا في أبي موسى والمعترض في كل شئ اذهب
أنت وعبد الله بن عباس فأصلح ما أفسدت فخرج عبد الله بن عباس ومعه الأشتر
فقدما الكوفة وكلما أبا موسى واستعانا عليه بأناس من الكوفة فقال للكوفيين
أنا صاحبكم يوم الجرعة وأنا صاحبكم اليوم فجمع الناس فخطبهم وقال يا أيها الناس
إن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين صحبوه في المواطن أعلم بالله عز وجل
وبرسوله صلى الله عليه وسلم ممن لم يصحبه وإن لكم علينا حقا فأنا مؤديه إليكم
كان الرأي ألا تستخفوا بسلطان الله عز وجل ولا تجترئوا على الله عز وجل وكان
الرأي الثاني أن تأخذوا من قدم عليكم من المدينة فتردوهم إليها حتى يجتمعوا وهم
أعلم بمن تصلح له الإمامة منكم ولا تكلفوا الدخول في هذا فأما إذ كان ما كان
فإنها فتنة صماء النائم فيها خير من اليقظان واليقظان فيها خير من القاعد والقاعد
خير من القائم والقائم خير من الراكب فكونوا جرثومة من جراثيم العرب
فأغمدوا السيوف وانصلوا الأسنة واقطعوا الأوتار وآووا المظلوم المضطهد
حتى يلتئم هذا الامر وتنجلي هذه الفتنة (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف
عن محمد وطلحة قالا ولما رجع ابن عباس إلى علي بالخبر دعا الحسن بن علي فأرسله
فأرسل معه عمار بن ياسر فقال له انطلق فأصلح ما أفسدت فأقبلا حتى دخلا المسجد
فكان أول من أتاهما مسروق بن الأجدع فسلم عليهما وأقبل على عمار فقال يا أبا اليقظان
علام قتلتم عثمان رضي الله عنه قال على شتم أعراضنا وضرب أبشارنا فقال والله
ما عاقبتم بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لكان خيرا للصابرين فخرج أبو موسى
فلقى الحسن فضمه إليه وأقبل على عمار فقال يا أبا اليقظان أعدوت فيمن عدا
على أمير المؤمنين فأحللت نفسك مع الفجار فقال لم أفعل ولم تسوؤني وقطع
عليهما الحسن فأقبل على أبي موسى فقال يا أبا موسى لم تثبط الناس عنا فوالله ما أردنا
497

إلا الاصلاح ولا مثل أمير المؤمنين يخاف على شئ فقال صدقت بأبي أنت وأمي
ولكن المستشار مؤتمن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنها ستكون
فتنة القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي خير من الراكب
وقد جعلنا الله عز وجل إخوانا وحرم علينا أموالنا ودماءنا وقال (يا أيها الذين
آمنوا الا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل.. ولا تقتلوا أنفسكم إن الله
كان بكم رحيما) وقال عز وجل (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم
الآية فغضب عمار وساءه وقام وقال يا أيها الناس إنما قال له خاصة أنت فيها
قاعدا خير منك قائما وقام رجل من بني تميم فقال لعمار اسكت أيها العبد أنت
أمس مع الغوغاء واليوم تسافه أميرنا وثار زيد بن صوحان وطبقته وثار الناس
وجعل أبو موسى يكفكف الناس ثم انطلق حتى أتى المنبر وسكن الناس وأقبل زيد
على حمار حتى وقف باب المسجد ومعه الكتابان من عائشة رضي الله عنها إليه
وإلى أهل الكوفة وقد كان طلب الكتاب العامة فضمه إلى كتابه فأقبل بهما معه
كتاب الخاصة وكتاب العامة أما بعد فثبطوا أيها الناس واجلسوا في بيوتكم إلا عن
قتلة عثمان بن عفان رضي الله عنه فلما فرغ من الكتاب قال أمرت بأمر وأمرنا
بأمر: أمرت أن تقر في بيتها فأمرنا أن نقاتل حتى لا تكون فتنة فأمرتنا بما
أمرت به وركبت ما أمرنا به فقام إليه شبث بن ربعي فقال يا عماني وزيد من
عبد القيس عمان وليس من أهل البحرين سرقت بجلولاء فقطعك الله وعصيت
أم المؤمنين فقتلك الله ما أمرت إلا بما أمر الله عز وجل به بالاصلاح بين الناس
فقلت ورب الكعبة وتهاوى الناس وقام أبو موسى فقال أيها الناس أطيعوني
تكونوا جرثومة من جراثيم العرب يأوى إليكم المظلوم ويأمن فيكم الخائف إنا
أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أعلم بما سمعنا إن الفتنة إذا أقبلت شبهت وإذا
أدبرت بينت وإن هذه الفتنة باقرة كداء البطن تجرى بها الشمال والجنوب والصبا
والدبور فتسكن أحيانا فلا يدرى من أين تؤتي تذر الحليم كابن أمس شيموا
سيوفكم وقصدوا رماحكم وأرسلوا سهامكم واقطعوا أوتاركم والزموا بيوتكم
498

خلوا قريشا إذا أبوا إلا الخروج من دار الهجرة وفراق أهل العلم بالامرة ترتق
فتقها وتشعب صدعها فإن فعلت فلأنفسها سعت وإن أبت فعلى أنفسها منت
سمنها تهريق في أديمها استنصحوني ولا تستغشوني وأطيعوني يسلم لكم دينكم
ودنياكم ويشقى بحر هذه الفتنة من جناها فقام زيد فشال يده المقطوعة فقال
يا عبد الله بن قيس رد الفرات عن دراجه اردده من حيث يجئ حتى يعود
كما بدأ فإن قدرت على ذلك فستقدر على ما تريد فدع عنك ما لست مدركه ثم
قرأ " آلم أحسب الناس أن يتركوا " إلى آخر الآيتين سيروا إلى أمير المؤمنين وسيد
المسلمين وانفروا إليه أجمعين تصيبوا الحق فقام القعقاع بن عمرو فقال إني لكم
ناصح وعليكم شفيق أحب أن ترشدوا ولأقولن لكم قولا هو الحق أما ما قال الأمير
فهو الامر لو أن إليه سبيلا وأما ما قال زيد فزيد في هذا الامر فلا تستنصحوه فإنه
لا يتنزع أحد من الفتنة طعن فيها وجرى إليها والقول الذي هو القول أنه لابد من
إمارة تنظم الناس وتزع الظالم وتعز المظلوم وهذا علي يلي بما ولى وقد أنصف في
الدعاء وإنما يدعو إلى الاصلاح فانفروا وكونوا من هذا الامر بمرأى ومسمع
وقال سيحان أيها الناس إنه لابد لهذا الامر وهؤلاء الناس من وال يدفع الظالم
ويعز المظلوم ويجمع الناس وهذا واليكم يدعوكم لينظر فيما بينه وبين صاحبيه وهو
المأمون على الأمة الفقيه في الدين فمن نهض إليه فإنا سائرون معه ولان عمار بعد
نزوته الأولى فلما فرغ سيحان من خطبته تكلم عمار فقال هذا ابن عم رسول الله
صلى الله عليه وسلم يستنفركم إلى زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى طلحة
والزبير وإني أشهد أنها زوجته في الدنيا والآخرة فانظروا ثم انظروا في الحق
فقاتلوا معه فقال رجل يا أبا اليقظان لهو مع من شهدت له بالجنة على من لم تشهد له
فقال الحسن اكفف عنا يا عمار فإن للاصلاح أهلا وقام الحسن بن علي فقال
يا أيها الناس أجيبوا دعوة أميركم وسيروا إلى إخوانكم فإنه سيوجد لهذا الامر من
ينفر إليه والله لان يليه أولوا النهى أمثل في العاجلة وخير في العاقبة فأجيبوا دعوتنا
وأعينونا على ما ابتلينا به وابتليتم فسامح الناس وأجابوا ورضوا به وأتى قوم من
499

طيئ عديا فقالوا ماذا ترى وماذا تأمر فقال ننتظر ما يصنع الناس فأخبر بقيام
الحسن وكلام من تكلم فقال قد بايعنا هذا الرجل وقد دعانا إلى جميل وإلى هذا
الحدث العظيم لننظر فيه ونحن سائرون وناظرون وقام هند بن عمرو فقال إن
أمير المؤمنين قد دعانا وأرسل إلينا رسله حتى جاءنا ابنه فاسمعوا إلى قوله وانتهوا
إلى أمره وانفروا إلى أميركم فانظروا معه في هذا الامر وأعينوه برأيكم وقام
حجر بن عدي فقال أيها الناس أجيبوا أمير المؤمنين وانفروا خفافا وثقالا مروا
أنا أولكم وقام الأشتر فذكر الجاهلية وشدتها والاسلام ورخاءه وذكر عثمان
رضي الله عنه فقام إليه المقطع بن الهيثم بن فجيع العامري ثم البكائي فقال اسكت
قبحك الله كلب خلى والنباح فثار الناس فاجلسوه وقام المقطع فقال إنا والله لا نحتمل
بعدها أن يبوء أحد بذكر أحد من أئمتنا وإن علينا عندنا لمقنع والله لئن يكن هذا
الضرب لا يرضى بعلي فعض امرؤ على لسانه في مشاهدنا فاقبلوا على ما أحثاكم
فقال الحسن صدق الشيخ وقال الحسن أيها الناس إني غاد فمن شاء منكم أن يخرج
معي على الظهر ومن شاء فليخرج في الماء فنفر معه تسعة آلاف فأخذ بعضهم البر
وأخذ بعضهم الماء وعلى كل سبع رجل أخذ البر ستة آلاف ومائتان وأخذ الماء
ألفان وثمانمائة (وفيما) ذكر نصر بن مزاحم العطار عن عمر بن سعيد عن أسد
ابن عبد الله عمن أدرك من أهل العلم أن عبد خير الخيواني قام إلى أبي موسى فقال
يا أبا موسى هل كان هذان الرجلان يعني طلحة والزبير ممن بايع عليا قال نعم قال
هل أحدث حدثا يحل به نقض بيعته قال لا أدرى قال لا دريت فانا تاركوك حتى
تدرى يا أبا موسى هل تعلم أحدا خارجا من هذه الفتنة التي تزعم أنها هي فتنة إنما
بقى أربع قرون علي بظهر الكوفة وطلحة والزبير بالبصرة ومعاوية بالشام وفرقة
أخرى بالحجاز لا يجبى بها فئ ولا يقاتل بها عدو فقال له أبو موسى أولئك خير
الناس وهي فتنة فقال له عبد خير يا أبا موسى غلب عليك غشك قال وقد كان الأشتر
قام إلى علي فقال يا أمير المؤمنين إني قد بعثت إلى أهل الكوفة رجلا قبل هذين فلم
أره أحكم شيئا ولا قدر عليه وهذان أخلق من بعثت أن ينشب بهم الامر على
500

ما تحب ولست أدرى ما يكون فان رأيت أكرمك الله يا أمير المؤمنين أن تبعثني
في أثرهم فان أهل المصر أحسن شئ لي طاعة وإن قدمت عليهم رجوت أن
لا يخالفني منهم أحد فقال له علي الحق بهم فأقبل الأشتر حتى دخل الكوفة وقد
اجتمع الناس في المسجد الأعظم فجعل لا يمر بقبيلة يرى فيها جماعة في مجلس أو مسجد
إلا دعاهم ويقول اتبعوني إلى القصر فانتهى إلى القصر في جماعة من الناس
فاقتحم القصر فدخله وأبو موسى قائم في المسجد يخطب الناس ويثبطهم يقول
أيها الناس إن هذه فتنة عمياء صماء تطأ خطامها النائم فيها خير من القاعد
والقاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من
الساعي والساعي فيها خير من الراكب إنها فتنة باقرة كداء البطن أتتكم من قبل
مأمنكم تدع الحليم فيها حيران كابن أمس إنا معاشر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
اعلم بالفتنة إنها إذا أقبلت شبهت وإذا أدبرت أسفرت وعمار يخاطبه والحسن
يقول له اعتزل عملنا لا أم لك وتنح عن منبرنا وقال له عمار أنت سمعت هذا من
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبوسى هذه يدي بما قلت فقال له عمار إنما
قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا خاصة فقال أنت فيها قاعدا خير منك
قائما ثم قال عمار غلب الله من غالبه وجاحده * قال نصر بن مزاحم حدثنا عمر بن
سعيد قال حدثني رجل عن نعيم عن أبي مريم الثقفي قال والله إني لفي المسجد يومئذ
وعمار يخاطب أبا موسى ويقول له ذلك القول إذ خرج علينا غلمان لأبي موسى
يشتدون ينادون يا أبا موسى هذا الأشتر قد دخل القصر فضربنا وأخرجنا فنزل
أبو موسى فدخل القصر فصاح به الأشتر اخرج من قصرنا لا أم لك أخرج الله
نفسك فوالله إنك لمن المنافقين قديما قال أجلني هذه العشية فقال هي لك ولا تبيتن
في القصر الليلة ودخل الناس ينتهبون متاع أبي موسى فمنعهم الأشتر وأخرجهم
من القصر وقال إني قد أخرجته فكف الناس عنه
نزول أمير المؤمنين ذا قار
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن عمرو عن الشعبي قال لما
501

التقوا بذي قار تلقاهم علي في أناس فيهم ابن عباس فرحب بهم وقال يا أهل الكوفة
أنتم وليتم شوكة العجم وملوكهم وفضضتم جموعهم حتى صارت إليكم مواريثهم
فأغنيتم حوزتكم وأعنتم الناس على عدوهم وقد دعوتكم لتشهدوا معنا إخواننا من أهل
البصرة فإن يرجعوا فذاك ما نريد وإن يلجوا داويناهم بالرفق وبايناهم حتى يبدأونا
بظلم ولن ندع أمرا فيه صلاح إلا آثرناه على ما فيه الفساد إن شاء الله ولا قوة إلا بالله
فاجتمع بذي قار سبعة آلاف ومائتان وعبد القيس بأسرها في الطريق بين علي
وأهل البصرة ينتظرون مرور على بهم وهم آلاف وفي الماء ألفان وأربعمائة
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة بإسنادهما قالا لما نزل
على ذا قار أرسل ابن عباس والأشتر بعد محمد بن أبي بكر ومحمد بن جعفر وأرسل
الحسن بن علي وعمارا بعد ابن عباس والأشتر فخف في ذلك الامر جميع من كان نفر
فيه ولم يقدم فيه الوجوه اتباعهم فكانوا خمسة آلاف أخذ نصفهم في البر ونصفهم
في البحر وخف من لم ينفر فيها ولم يعمل لها وكان علي ظاعنا ملازما للجماعة
فكانوا أربعة آلاف فكان رؤساء الجماعة القعقاع بن عمرو وسعد بن مالك وهند
ابن عمرو والهيثم بن شهاب وكان رؤساء النفار زيد بن صوحان والأشتر مالك
ابن الحارث وعدي بن حاتم والمسيب بن نجبة ويزيد بن قيس ومعهم أتباعهم وأمثال
لهم ليسوا دونهم إلا أنهم لم يؤمروا منهم حجر بن عدي وابن محدوج البكري وأشباه
لهما لم يكن في أهل الكوفة أحد على ذلك الرأي غيرهم فبادروا في الوقعة إلا قليلا
فلما نزلوا على ذي قار دعا القعقاع بن عمرو فأرسله إلى أهل البصرة وقال له الق
هذين الرجلين يا ابن الحنظلية وكان القعقاع من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
فادعهما إلى الألفة والجماعة وعظم عليهما الفرقة وقال له كيف أنت صانع فيما
جاءك منهما مما ليس عندك فيه وصاة مني فقال نلقاهم بالذي أمرت به فإذا جاء منهما
أمر ليس عندنا منك فيه رأى اجتهدنا الرأي وكلمناهم على قدر ما نسمع ونرى أنه ينبغي
قال أنت لها فخرج القعقاع حتى قدم البصرة فبدأ بعائشة رضي الله عنها فسلم عليها وقال
أي أمه ما أشخصك وما أقدمك هذه البلدة قالت أي بني إصلاح بين الناس قال
502

فابعثي إلى طلحة والزبير حتى تسمعي كلامي وكلامهما فبعثت إليهما فجاءا فقال إني
سألت أم المؤمنين ما أشخصها وأقدمها هذه البلاد فقالت اصلاح بين الناس فما
تقولان أنتما أمتابعان أم مخالفان قالا متابعان قال فأخبراني ما وجه هذا الاصلاح
فوالله لئن عرفناه لنصلحن ولئن أنكرناه لا نصلح قالا قتلة عثمان رضي الله عنه فإن
هذا ان ترك كان تركا للقرآن وان عمل به كان احياء للقرآن فقال قد قتلتما قتلة عثمان
من أهل البصرة وأنتم قبل قتلهم أقرب إلى الاستقامة منكم اليوم قتلتم ستمائة
إلا رجلا فغضب لهم ستة آلاف واعتزلوكم وخرجوا من بين أظهركم وطلبتم ذلك
الذي أفلت يعني حرقوص بن زهير فمنعه ستة آلاف وهم على رجل فإن تركتموه كنتم
تاركين لما تقولون فان قاتلتموهم والذين اعتزلوكم فأديلوا عليكم فالذي حذرتم
وقربتم به هذا الامر أعظم مما أراكم تكرهون وأنتم أحميتم مضر وربيعة من
هذه البلاد فاجتمعوا على حربكم وخذلانكم نصرة لهؤلاء كما اجتمع هؤلاء لأهل
هذا الحدث العظيم والذنب الكبير فقالت أم المؤمنين فتقول أنت ماذا قال أقول
هذا الامر دواؤه التسكين وإذا سكن اختلجوا فان أنتم بايعتمونا فعلامة خير
وتباشير رحمة ودرك بثأر هذا الرجل وعافية وسلامة لهذه الأمة وإن أنتم أبيتم
إلا مكابرة هذا الأمر واعتسافه كانت علامة شر وذهاب هذا الثأر وبعثة الله
في هذه الأمة هزاهزها فآثروا العافية ترزقوها وكونوا مفاتيح الخير كما كنتم
تكونون ولا تعرضونا للبلاء ولا تعرضوا له فيصرعنا وإياكم وأيم الله إني
لاقول هذا وأدعوكم إليه وإني لخائف ألا يتم حتى يأخذ الله عز وجل حاجته من
هذه الأمة التي قل متاعها ونزل بها ما نزل فان هذا الامر الذي حدث أمر ليس
يقدر وليس كالأمور ولا كقتل الرجل الرجل ولا النفر الرجل ولا القبيلة الرجل
فقالوا نعم إذا قد أحسنت وأصبت المقالة فارجع فان قدم علي وهو على مثل رأيك
صلح هذا الامر فرجع إلى علي فأخبره فأعجبه ذلك وأشرف القوم على الصلح
كره ذلك من كرهه ورضيه من رضيه وأقبلت وفود البصرة نحو على حين نزل
بذي قار فجاءت وفد تميم وبكر قبل رجوع القعقاع لينظروا ما رأى إخوانهم من
503

أهل الكوفة وعلى أي حال نهضوا إليهم وليعلموهم أن الذي عليه رأيهم الاصلاح
ولا يخطر لهم قتال على بال فلما لقوا عشائرهم من أهل الكوفة بالذي بعثهم فيه
عشائرهم من أهل البصرة وقال لهم الكوفيون مثل مقالتهم وأدخلوهم على علي
فأخبروه خبرهم سأل علي جرير بن شرس عن طلحة والزبير فأخبره عن دقيق
أمرهما وجليله حتى تمثل له:
ألا أبلغ بني بكر رسولا * فليس إلى بني كعب سبيل
سيرجع ظلمكم منكم عليكم * طويل الساعدين له فضول
وتمثل علي عندها:
ألم تعلم أبا سمعان أنا * نرد الشيخ مثلك ذا الصداع
ويذهل عقله بالحرب حتى * يقوم فيستجيب لغير داع
فدافع عن خزاعة جمع بكر * وما بك يا سراقة من دفاع
(قال أبو جعفر) أخرج إلى زياد بن أيوب كتابا فيه أحاديث عن شيوخ
ذكر أنه سمعها منهم قرأ علي بعضها ولم يقرأ علي بعضها فمما لم يقرأ علي من
ذلك فكتبته منه قال حدثنا مصعب بن سلام التميمي قال حدثنا محمد بن
سوقة عن عاصم بن كليب الجرمي عن أبيه قال رأيت فيما يرى النائم في زمان
عثمان بن عفان أن رجلا يلي أمور الناس مريضا على فراشه وعند رأسه امرأة
والناس يريدونه ويبهشون إليه فلو نهتهم المرأة لانتهوا ولكنها لم تفعل فأخذوه
فقتلوه فكنت أقص رؤياي على الناس في الحضر والسفر فيعجبون ولا يدرون
ما تأويلها فلما قتل عثمان رضي الله عنه أتانا الخبر ونحن راجعون من غزاتنا فقال
أصحابنا رؤياك يا كليب فانتهينا إلى البصرة فلم نلبث إلا قليلا حتى قيل هذا طلحة
والزبير معهما أم المؤمنين فراع ذلك الناس وتعجبوا فإذا هم يزعمون للناس أنهم
إنما خرجوا غضبا لعثمان وتوبة مما صنعوا من خذلانه وإن أم المؤمنين تقول
غضبنا لكم على عثمان في ثلاث إمارة الفتى وموقع الغمامة وضربة السوط والعصا
فما أنصفنا إن لم نغضب له عليكم في ثلاث جررتموها إليه حرمة الشهر والبلد والدم
فقال الناس أفلم تبايعوا عليا وتدخلوا في أمره فقالوا دخلنا واللج على أعناقنا وقيل
504

هذا علي قد أظلكم فقال قومنا لي ولرجلين معي انطلقوا حتى تأتوا عليا وأصحابه
فسلوهم عن هذا الامر الذي قد اختلط علينا فخرجنا حتى إذا دنونا من العسكر
طلع علينا رجل جميل على بغلة فقلت لصاحبي أرأيتم المرأة التي كنت أحدثكم عنها
أنها كانت عند رأس الوالي فإنها أشبه الناس بهذا ففطن أنا نخوض فيه فلما انتهى
إلينا قال قفوا ما الذي قلتم حين رأيتموني فأبينا عليه فصاح بنا وقال والله لا تبرحون
حتى تخبروني فدخلتنا منه هيبة فأخبرناه فجاوزنا وهو يقول والله لقد رأيت عجبا
فقلنا لأدنى أهل العسكر إلينا من هذا فقال محمد بن أبي بكر فعرفنا أن تلك المرأة
عائشة رضي الله عنها فازددنا لأمرها كراهية وانتهينا إلى علي فسلمنا عليه ثم
سألناه عن هذا الامر فقال عدا الناس على هذا الرجل وأنا معتزل فقتلوه ثم ولوني
وأنا كاره ولولا خشية على الدين لم أجبهم ثم طفق هذان في النكت فأخذت عليهما
وأخذت عهودهما عند ذلك وأذنت لهما في العمرة فقدما على أمهما حليلة رسول الله
صلى الله عليه وسلم فرضينا لها ما رغبا لنسائهما عنه وعرضاها لما لا يحل لهما ولا يصلح
فاتبعتهما لكيلا يفتقوا في الاسلام فتقا ولا يخرقوا جماعة ثم قال أصحابه والله
ما نريد قتالهم إلا أن يقاتلوا وما خرجنا إلا لاصلاح فصاح بنا أصحاب علي بايعوا
بايعوا فبايع صاحبي وأما أنا فأمسكت وقلت بعثتني قومي لأمر فلا أحدث شيئا
حتى أرجع إليهم فقال علي فإن لم يفعلوا فقلت لم أفعل فقال أرأيت لو أنهم بعثوك
رائدا فرجعت إليهم فأخبرتهم عن الكلأ والماء فحالوا إلى المعاطش والجدوبة
ما كنت صانعا قال قلت كنت تاركهم ومخالفهم إلى الكلأ والماء قال فمد يدك
فوالله ما استطعت أن أمتنع فبسطت يدي فبايعته وكان يقول على من أدهى العرب
وقال ما سمعت من طلحة والزبير فقلت أما الزبير فإنه يقول بايعنا كرها وأما طلحة
فمقبل على أن يتمثل الاشعار ويقول
ألا أبلغ بني بكر رسولا * فليس إلى بني كعب سبيل
سيرجع ظلمكم منكم عليكم * طويل الساعدين له فصول
فقال ليس كذلك ولكن
505

ألم تعلم أبا سمعان أنا * نصم الشيخ مثلك ذا الصداع
ويذهل عقله بالحرب حتى * يقوم فيستجيب لغير داع
ثم سار حتى نزل إلى جانب البصرة وقد خندق طليحة والزبير فقال لنا أصحابنا
من أهل البصرة ما سمعتم إخواننا من أهل الكوفة يريدون ويقولون فقلنا
يقولون خرجنا للصلح وما نريد قتالا فبينا هم على ذلك لا يحدثون أنفسهم بغيره
إذ خرج صبيان العسكرين فتسابوا ثم تراموا ثم تتابع عبيد العسكرين ثم ثلت
السفهاء ونشبت الحرب وألجأتهم إلى الخندق فاقتتلوا عليه حتى أقبلا إلى موضع
القتال فدخل منه أصحاب علي وخرج الآخرون ونادى علي ألا لا تتبعوا مدبرا
ولا تجهزوا على جريح ولا تدخلوا الدور ونهى الناس ثم بعث إليهم أن اخرجوا
للبيعة فبايعهم على الرايات وقال من عرف شيئا فليأخذه حتى ما بقى في العسكرين
شئ إلا قبض فانتهى إليه قوم من قيس شباب فخطب خطيبهم فقال أين أمراؤكم
فقال الخطيب أصيبوا تحت نظار الجمل ثم أخذ في خطبته فقال علي أما إن هذا
لهو الخطيب السحسح وفرغ من البيعة واستعمل عبد الله بن عباس وهو يريد أن يقيم
حتى يحكم أمرها فأمرني الأشتر أن أشترى له أثمن بعير بالبصرة ففعلت فقال ائت به
عائشة وأقرئها مني السلام ففعلت فدعت عليه وقالت اردده عليه فأبلغته فقال
تلومني عائشة أن أفلت ابن أختها وأتاه الخبر باستعمال علي ابن عباس فغضب
وقال علي ما قتلنا الشيخ إذ اليمن لعبيد الله والحجاز لقثم والبصرة لعبد الله والكوفة
لعلي ثم دعا بدابته فركب راجعا وبلغ ذلك عليا فنادى الرحيل ثم أجد السير
فلحق به فلم يره أنه قد بلغه عنه وقال ما هذا السير سبقتنا وخشي إن ترك
والخروج أن يوقع في أنفس الناس شرا (كتب إلي السري) عن شعيب عن
سيف عن محمد وطلحة قالا لما جاءت وفود أهل البصرة إلى الكوفة ورجع
القعقاع من عند أم المؤمنين وطلحة والزبير بمثل رأيهم جمع علي الناس ثم قام على
الغرائر فحمد الله عز وجل وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وذكر
الجاهلية وشقاءها والاسلام والسعادة وإنعام الله على الأمة بالجماعة بالخليفة بعد
506

رسول الله صلى الله علته وسلم ثم الذي يليه ثم الذي يليه ثم حدث هذا الحدث
الذي جره على هذه الأمة أقوام طلبوا هذه الدنيا حسدوا من أفاءها الله عليه
على الفضيلة وأرادوا رد الأشياء على أدبارها والله بالغ أمره ومصيب ما أراد
ألا وإني راحل غدا فارتحلوا ألا ولا يرتحلن غدا أحد أعان على عثمان رضي الله عنه
بشئ من أمور الناس وليغن السفهاء عني أنفسهم فاجتمع نفر
منهم علباء بن الهيثم وعدي بن حاتم وسالم بن ثعلبة العبسي وشريح بن أوفى
ابن ضبيعة والأشتر في عدة ممن سار إلى عثمان ورضى بسير من سار وجامعهم
المصريون ابن السوداء وخالد بن ملجم وتشاوروا فقالوا ما الرأي وهذا والله علي
وهو أبصر الناس بكتاب الله ممن يطلب قتلة عثمان وأقربهم إلى العمل بذلك وهو
يقول ما يقول ولم ينفر إليه إلا هم والقليل من غيرهم فكيف به إذا شام القوم وشاموه
وإذا رأوا قلتنا في كثرتهم أنتم والله ترادون وما أنتم بأنجى من شئ فقال الأشتر
أما طلحة والزبير فقد عرفنا أمرهما وأما على فلم نعرف أمره حتى كان اليوم ورأى
الناس فينا والله واحد وأن يصطلحوا وعلي فعلى دمائنا فهلموا فلنتوائب على علي
فنلحقه بعثمان فتعود فتنة يرضى منا فيها بالسكون فقال عبد الله بن السوداء بئس
الرأي رأيت أنتم يا قتلة عثمان من أهل الكوفة بذي قار ألفان وخمسمائة أو نحو
من ستمائة وهذا بن الحنظلية وأصحابه في خمسة آلاف بالأشواق إلى أن يجدوا
إلى قتالكم سبيلا فارقأ على ظلعك وقال علباء بن الهيثم انصرفوا بنا عنهم ودعوهم
فإن قلوا كان أقوى لعدوهم عليهم وإن كثروا كان أحرى أن يصطلحوا عليكم
دعوهم وارجعوا فتعلقوا ببلد من البلدان حتى يأتيكم فيه من تتقون به وامتنعوا من
الناس فقال ابن السوداء بئس ما رأيت ود والله الناس أنكم على جديلة ولم تكونوا
مع أقوام برآء ولو كان ذلك الذي تقول لتخطفكم كل شئ فقال عدي بن حاتم
والله ما رضيت ولا كرهت ولقد عجبت من تردد من تردد عن قتله في خوض الحديث
فاما إذا وقع ما وقع ونزل من الناس بهذه المنزلة فان لنا عتادا من خيول وسلاح محمودا
فان أقدمتم أقدمنا وإن أمسكتم أحجمنا فقال ابن السوداء أحسنت وقال سالم بن
507

ثعلبة من كان أراد بما أتى الدنيا فانى لم أرد ذلك والله لئن لقيتم غدا لا أرجع إلى بيتي
ولئن طال بقائي إذا أنا لاقيتم لا يزد على جزر جزور وأحلف بالله أنكم لتفرقون
السيف فرق قوم لا تصير أمورهم إلا إلى السيف فقال ابن السوداء قد قال قولا
وقال شريح بن أوفى أبرموا أموركم قبل أن تخرجوا ولا تؤخروا أمرا ينبغي لكم
تعجيله ولا تعجلوا أمرا ينبغي لكم تأخيره فإنا عند الناس بشر المنازل فلا أدرى
ما الناس صانعون غدا إدا ما هم التقوا وتكلم ابن السوداء فقال يا قوم إن عزكم في
خلطة الناس فصانعوهم وإذا التقى الناس غدا فأنشبوا القتال ولا تفرغوهم للنظر
فإذا من أنتم معه لا يجدوا بدا من أن يمتنع ويشغل الله عليا وطلحة والزبير ومن
رأى رأيهم عما تكرهون فأبصروا الرأي وتفرقوا عليه والناس لا يشعرون
وأصبح على على ظهر فمضى الناس حتى إذا انتهى إلى عبد القيس نزل بهم
وبمن خرج من أهل الكوفة وهم أمام ذلك ثم ارتحل حتى نزل على أهل الكوفة وهم
أمام ذلك والناس متلاحقون به وقد قطعهم ولما بلغ أهل البصرة رأيهم ونزل علي
بحيث نزل قام أبو الجرباء إلى الزبير بن العوام فقال إن الرأي أن تبعث الآن ألف
فارس فيمسوا هذا الرجل ويصبحوه قبل أن يوافي أصحابه فقال الزبير يا أبا الجرباء
إنا لنعرف أمور الحرب ولكنهم أهل دعوتنا وهذا أمر حدث في أشياء لم تكن قبل
اليوم هذا أمر من لم يلق الله عز وجل فيه بعذر انقطع عذره يوم القيامة ومع ذلك إنه قد
فارقنا وافدهم على أمر وأنا أرجو أن يتم لنا الصلح فأبشروا واصبروا وأقبل صبرة بن
شيمان فقال يا طلحة يا زبير انتهزا بنا هذا الرجل فان الرأي في الحرب خير من الشدة
فقال يا صبرة إنا وهم مسلمون وهذا أمر لم يكن قبل اليوم فينزل فيه قرآن أو يكون
فيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة إنما هو حدث وقد زعم قوم أنه لا ينبغي
تحريكه اليوم وهم علي ومن معه فقلنا نحن لا ينبغي لنا أن نتركه اليوم ولا نؤخره
فقال على هذا الذي ندعوكم إليه من إقرار هؤلاء القوم شر وهو خير من شر منه
وهو كأمر لا يدرك وقد كاد أن يبين لنا وقد جاءت الاحكام بين المسلمين بإيثار
أعمها منفعة رأحوطها وأقبل كعب بن سور فقال ما تنتظرون يا قوم بعد توردكم
508

أوائلهم اقطعوا هذا العنق من هؤلاء فقالوا يا كعب إن هذا أمر بيننا وبين إخواننا
وهو أمر ملتبس لا والله ما أخذ أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم مذ بعث الله عز
وجل نبيه طريقا إلا علمنا أين مواقع أقدامهم حتى حدث هذا فإنهم لا يدرون
أمقبلون هم أم مدبرون إن الشئ يحسن عندنا اليوم ويقبح عند إخواننا فإذا كان
من الغد قبح عندنا وحسن عندهم وإنا لنحتج عليهم بالحجة فلا يرونها حجة ثم يحتجون
بها على أمثالنا ونحن نرجوا الصلح إن أجابوا إليه وتموا وإلا فإن آخر الدواء الكي
وقام إلى علي بن أبي طالب أقوام من أهل الكوفة يسألونه عن إقدامهم على القوم
فقام إليه فيمن قام الأعور بن بنان المنقري فقال له علي على الاصلاح وإطفاء النائرة
لعل الله يجمع شمل هذه الأمة بنا ويضع حربهم وقد أجابوني قال فإن لم يجيبونا قال
تركناهم ما تركونا قال فإن لم يتركونا قال دفعناهم عن أنفسنا قال فهل لهم مثل ما عليهم
من هذا قال نعم وقام إليه أبو سلامة الدألاني فقال أترى لهؤلاء القوم حجة فيما
طلبوا من هذا الدم إن كانوا أرادوا الله عز وجل بذلك قال نعم قال فترى لك حجة
بتأخيرك ذلك قال نعم إن الشئ إذا كان لا يدرك فالحكم فيه أحوطه وأعمه نفعا قال
فما حالنا وحالكم إن ابتلينا غدا قال إني لأرجو أن لا يقتل أحد نقى قلبه لله منا ومنهم الا
أدخله الله الجنة وقام إليه مالك بن حبيب فقال ما أنت صانع إذا لقيت هؤلاء القوم
قال قد بان لنا ولهم أن الاصلاح الكف عن هذا الامر فإن بايعونا فذلك فإن أبوا
وأبينا الا القتال فصدع لا يلتئم قال فإن ابتلينا فما بال قتلانا قال من أراد الله عز وجل
نفعه ذلك وكان نجاءه وقام علي فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه وقال يا أيها الناس
املكوا أنفسكم وكفوا أيديكم وألسنتكم عن هؤلاء القوم فإنهم اخوانكم واصبروا
على ما يأتيكم وإياكم أن تسبقونا فإن المخصوم غدا من خصم اليوم ثم ارتحل وأقدم
ودفع تعبيته التي قدم فيها حتى إذا أطل على القوم بعث إليهم حكيم بن سلامة ومالك
ابن حبيب إن كنتم على ما فارقتم عليه القعقاع بن عمرو فكفوا وأقرونا ننزل
وننظر في هذا الامر فخرج إليه الأحنف بن قيس وبنو سعد مشمرين قد منعوا
حرقوص بن زهير ولا يرون القتال مع علي بن أبي طالب فقال يا علي ان قومنا
509

بالبصرة يزعمون انك ان ظهرت عليهم غدا أنك تقتل رجالهم وتسبى نساءهم
فقال ما مثلي يخاف هذا منه وهل يحل هذا إلا ممن تولى وكفر ألم تسمع إلى
قول الله عز وجل " لست عليهم بمسيطر إلا من تولى وكفر " وهم قوم مسلمون
هل أنت مغن عني قومك قال نعم واختر مني واحدة من ثنتين إما أن أكون
آتيك فأكون معك بنفسي وإما أن أكف عنك عشرة آلاف سيف فرجع
إلى الناس فدعاهم إلى القعود وقد بدأ فقال يأل خندف فأجابه ناس ثم نادى يأل تميم
فاجابه ناس ثم نادى يأل سعد فلم يبق سعدي إلا أجابه فاعتزل بهم ثم نظر ما يصنع
الناس فلما وقع القتال وظفر علي جاؤوا وافرين فدخلوا فيما دخل فيه الناس (وأما
الذي يرويه المحدثون) من أمر الأحنف فغير ما رواه سيف عمن ذكر من شيوخه
والذي يرويه المحدثون من ذلك ما حدثني يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا ابن إدريس
قال سمعت حصينا يذكر عن عمرو بن جأوان عن الأحنف بن قيس قال قدمنا
المدينة ونحن نريد الحج فانا لبمنازلنا نضع رحالنا إذ أتانا آت فقال قد فزعوا وقد
اجتمعوا في المسجد فانطلقنا فإذا الناس مجتمعون على نفر في وسط المسجد وإذا
علي والزبير وطلحة وسعد بن أبي وقاص وإنا كذلك إذ جاء عثمان بن عفان فقيل
هذا عثمان قد جاء وعليه مليئة له صفراء قد قنع بها رأسه فقال أههنا علي قالوا نعم
قال أههنا الزبير قالوا نعم قال أههنا طلحة قالوا نعم قال أنشدكم بالله الذي لا إله إلا
هو أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من يبتع مربد بني فلان غفر الله
له فابتعته بعشرين أو بخمسة وعشرين ألفا فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت
يا رسول الله قد ابتعته قال اجعله في مسجدنا وأجره لك قالوا اللهم نعم وذكر أشياء
من هذا النوع (قال الأحنف) فلقيت طلحة والزبير فقلت من تأمراني به وترضيانه
لي فاني لا أرى هذا الرجل إلا مقتولا قالا علي قلت أتأمراني به وترضيانه لي قالا
نعم فانطلقت حتى قدمت مكة فبينا نحن بها إذ أتانا قتل عثمان رضي الله عنه وبها عائشة
أم المؤمنين رضي الله عنها فلقيتها فقلت من تأمريني أن أبايع قالت علي قلت تأمريني
به وترضينه لي قالت نعم فمررت على علي بالمدينة فبايعته ثم رجعت إلى أهل بالبصرة
510

ولا أرى الامر إلا قد استقام قال فبينا أنا كذلك إذ آتاني آت فقال هذه عائشة
وطلحة والزبير قد نزلوا جانب الخريبة فقلت ما جاء بهم قالوا أرسلوا إليك يدعونك
يستنصرون بك على دم عثمان رضي الله عنه فأتاني أفظع أمر أتاني قط فقلت إن
خذلاني هؤلاء ومعهم أم المؤمنين وحواري رسول الله صلى الله عليه وسلم لشديد
وإن قتالي رجلا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمروني ببيعته لشديد
فلما أتيتهم قالوا جئنا لنستنصر على دم عثمان رضي الله عنه قتل مظلوما فقلت يا أم
المؤمنين أنشدك بالله أقلت لك من تأمريني به فقلت علي فقلت أتأمريني به وترضينه لي
قلت نعم قالت نعم ولكنه بدل فقلت يا زبير يا حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم
يا طلحة أنشدكما الله أقلت لكما ما تأمراني فقلتما علي أتأمراني به وترضيانه لي
فقلتما نعم قالا نعم ولكنه بدل فقلت والله لا أقاتلكم ومعكم أم المؤمنين وحواري رسول
الله صلى الله عليه وسلم ولا أقاتل رجلا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرتموني
ببيعته اختاروا مني واحدة من ثلاث خصال إما أن تفتحوا لي الجسر فألحق بأرض
الأعاجم حتى يقضى الله عز وجل من أمره ما قضى أو ألحق بمكة فأكون فيها حتى
يقضى الله عز وجل من أمره ما قضى أو أعتزل فأكون قريبا قالوا إنا نأتمر ثم نرسل
إليك فائتمروا فقالوا نفتح له الجسر ويخبرهم بأخباركم ليس ذاكم برأي اجعلوه ههنا
قريبا حيث تطأون على صماخه وتنظرون إليه فاعتزل بالجلحاء من البصرة على فرسخين
فاعتزل معه زهاء على ستة آلاف ثم التقى القوم فكان أول قتيل طلحة رضي الله عنه
وكعب بن سور معه المصحف يذكر هؤلاء وهؤلاء حتى قتل من قتل منهم
ولحق الزبير بسفوان من البصرة كمكان القادسية منكم فلقيه النعر رجل من مجاشع
فقال أين تذهب يا حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي فأنت في ذمتي لا يوصل
إليك فأقبل معه فأتى الأحنف فقبل ذاك الزبير قد لقى بسفوان فما تأمر قال جمع بين
المسلمين حتى ضرب بعضهم حواجب بعض بالسيوف ثم يلحق ببيته فسمعه عمير
ابن جرموز وفضالة بن حابس ونفيع فركبوا في طلبه فلقوه مع النعر فأتاه عمير بن
جرموز من خلفه وهو على فرس له ضعيفة فطعنه طعنة خفيفة وحمل عليه الزبير
511

وهو على فرس له يقال له ذو الخمار حتى إذا ظن أنه قاتله نادى عمير بن جرموز
يا نافع يا فضالة فحملوا عليه فقتلوه * حدثني يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا معتمر بن
سليمان قال حدثني أبي عن حصين قال حدثنا عمرو بن جأوان رجل من بني تميم
وذاك أني قلت له أرأيت اعتزال الأحنف ما كان فقال سمعت الأحنف يقول أتيت
المدينة وأنا حاج فذكر نحوه الحمد لله على ما قضى وحكم
بعثة علي بن أبي طالب من ذي قار ابنه الحسن وعمار بن ياسر
ليستنفرا له أهل الكوفة
* حدثني عمرو بن شبة قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا بشير بن عاصم عن ابن أبي ليلى
عن أبيه قال خرج هاشم بن عتبة إلى علي بالربذة فأخبره بقدوم محمد بن أبي بكر وقول
أبي موسى فقال لقد أردت عزله وسألني الأشتر أن أقره فرد علي هاشما إلى الكوفة
وكتب إلى أبي موسى إني وجهت هاشم بن عتبة لينهض من قبلك من المسلمين إلي
فأشخص الناس فاني لم أو لك الذي أنت به إلا لتكون من أعواني على الحق فدعا
أبو موسى السائب بن مالك الأشعري فقال له ما ترى قال أرى أن تتبع ما كتب
به إليك قال لكني لا أرى ذلك فكتب هاشم إلى علي إني قد قدمت على رجل غال
مشاق ظاهر الغل والشنآن وبعث بالكتاب مع المحل بن خليفة الطائي فبعث علي
الحسن بن علي وعمار بن ياسر يستنفران له الناس وبعث قرظة بن كعب الأنصاري
أميرا على الكوفة وكتب معه إلى أبي موسى أما بعد فقد كنت أرى أن
تعذب عن هذا الامر الذي لم يجعل الله عز وجل لك منه نصيبا سيمنعك من رد
أمري وقد بعثت الحسن بن علي وعمار بن ياسر يستنفران الناس وبعثت قرظة
ابن كعب واليا على المصر فاعتزل مذموما مدحورا فإن لم تفعل فانى قد أمرته
أن ينابذك فان نابذته فظفر بك أن يقطعك آرابا فلما قدم الكتاب على أبي موسى
اعتزل ودخل الحسن وعمار المسجد فقالا أيها الناس إن أمير المؤمنين يقول إني
خرجت مخرجي هذا ظالما أو مظلوما واني أذكر الله عز وجل رجلا رعى لله حقا
إلا نفر فان كنت مظلوما أعانني وإن كنت ظالما أخذ مني والله إن طلحة والزبير
512

لأول من بايعني وأول من غدر فهل استأثرت بمال أو بدلت حكما فانفروا
فمروا بمعروف وانهوا عن منكر * حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا
أبو مخنف عن جابر عن الشعبي عن أبي الطفيل قال قال علي يأتيكم من الكوفة
اثنا عشر ألف رجل ورجل فقعدت على نجفة ذي قار فأحصيتهم فما زادوا رجلا
ولا نقصوا رجلا * حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن عن بشير بن عاصم عن ابن
أبي ليلى عن أبيه قال خرج إلي علي اثنا عشر ألف رجل وهم أسباع على قريش وكنانة
وأسد وتميم والرباب ومزينة معقل بن يسار الرياحي وسبع قيس عليهم سعد
ابن مسعود الثقفي وسبع بكر بن وائل وتغلب عليهم وعلة بن مخدوج الذهلي وسبع
مذحج والأشعرين عليهم حجر بن عدي وسبع بجيلة وأنمار وخثعم والأزد عليهم
مخنف بن سليم الأزدي
نزول علي الزاوية من البصرة
* حدثني عمر بن شبة قال حدثنا أبو الحسن عن مسلمة بن محارب عن قتادة قال
نزل على الزاوية وأقام أياما فأرسل إليه الأحنف ان شئت أتيتك وان شئت كففت
عنك أربعة آلاف سيف فأرسل إليه علي كيف بما أعطيت أصحابك من الاعتزال
قال إن من الوفاء لله عز وجل قتالهم فأرسل كف من قدرت على كفه ثم سار علي
من الزاوية وسار طلحة والزبير وعائشة من الفرضة فالتقوا عند موضع قصر
عبيد الله أو عبد الله بن زياد فلما نزل الناس أرسل شقيق بن ثور إلى عمرو بن
مرحوم العبدي أن أخرج فإذا خرجت فمل بنا إلى عسكر علي فخرجا في عبد القيس
وبكر بن وائل فعدلوا إلى عسكر أمير المؤمنين فقال الناس من كان هؤلاء معه
غلب ودفع شقيق بن ثور رايتهم إلى مولى له يقال له رشراشة فأرسل إليه وعلة
ابن محدوج الذهلي ضاعت الأحساب دفعت مكرمة قومك إلى رشراشة فأرسل
شقيق أن أغن شأنك فانا نغنى شأننا فأقاموا ثلاثة أيام لم يكن بينهم قتال يرسل إليهم
علي ويكلمهم ويردعهم * حدثنا عمر قال حدثنا أبو بكر الهذلي عن قتادة قال سار
علي من الزاوية يريد طلحة والزبير وعائشة وساروا من الفرضة يريدون عليا فالتقوا
513

عند موضع قصر عبيد الله بن زياد في النصف من جمادى الآخرة سنة 36 يوم
الخميس فلما تراءى الجمعان خرج الزبير على فرس عليه سلاح فقيل لعلي هذا
الزبير قال أما إنه أحرى الزجلين إن ذكر بالله أن يذكر وخرج طلحة فخرج
إليهما علي فدنا منهما حتى اختلفت أعناق دوابهم فقال علي لعمري لقد أعددتما
سلاحا وخيلا ورجالا إن كنتما أعددتما عند الله عذرا فاتقيا الله سبحانه ولا
تكونا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ألم أكن أخاكما في دينكما تحرمان
دمى وأحرم دماءكما فهل من حدث أحل لكما دمى قال طلحة ألبت الناس على
عثمان رضي الله عنه قال علي يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق
المبين يا طلحة تطلب بدم عثمان رضي الله عنه فلعن الله قتلة عثمان يا زبير أتذكر
يوم مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني غنم فنظر إلي فضحك وضحكت
إليه فقلت لا يدع ابن أبي طالب زهوه فقال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم صه
إنه ليس به زهو ولتقاتلنه وأنت له ظالم فقال اللهم نعم ولو ذكرت ما سرت مسيري
هذا والله لا أقاتلك أبدا فانصرف علي إلى أصحابه فقال أما الزبير فقد أعطى الله
عهدا ألا يقاتلكم ورجع الزبير إلى عائشة فقال لها ما كنت في موطن منذ عقلت
الا وأنا أعرف فيه أمري غير موطني هذا قالت فما تريد أن تصنع قال أريد أن
أدعهم وأذهب فقال له ابنه عبد الله جمعت بين هذين الغارين حتى إذا حدد بعضهم
لبعض أردت أن تتركهم وتذهب أحسست رايات ابن أبي طالب وعلمت أنها
تحملها فتية أنجاد قال إني قد حلفت ألا أقاتله وأحفظه ما قال له فقال كفر عن يمينك
وقاتله فدعا بغلام له يقال له مكحول فأعتقه فقال عبد الرحمن بن سليمان التميمي
لم أر كاليوم أخا إخوان * أعجب من مكفر الايمان
بالعتق في معصية الرحمن
وقال رجل من شعرائهم
يعتق مكحولا لصون دينه * كفارة لله عن يمينه
والنكث قد لاح على حبينه
514

(رجع الحديث إلى حديث سيف عن محمد وطلحة) فأرسل عمران بن
حصين في الناس يخذل من الفريقين جميعا كما صنع الأحنف وأرسل إلى بني
عدي فيمن أرسل فأقبل رسوله حتى نادى على باب مسجدهم ألا إن أبا نجيد
عمران بن الحصين يقرئكم السلام ويقول لكم والله لان أكون في جبل
حصين مع أعنز خضر وضأن أجز أصوافها وأشرب ألبانها أحب إلي من أن
أرمى في شئ من هذين الصفين بسهم فقالت بنو عدي جميعا بصوت واحد
إنا والله لا ندع ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم لشئ يعنون أم المؤمنين
* حدثنا عمرو بن علي قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا أبو نعامة
العدوي عن حجير بن الربيع قال قال لي عمران بن حصين سر إلى قومك
أجمع ما يكونون فقم فيهم قائما فقل أرسلني إليكم عمران بن حصين صاحب
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليكم السلام ورحمة الله ويحلف بالله الذي
لا إله إلا هو لان يكون عبدا حبشيا مجدعا يرعى أعنزا حصينات في رأس جبل
حتى يدركه الموت أحب إلي من أن يرمى بسهم واحد بين الفريقين قال فرفع شيوخ
الحي رؤوسهم إليه فقالوا إنا لا ندع ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم لشئ أبدا
(رجع الحديث إلى حديث سيف عن محمد وطلحة) وأهل البصرة فرق: فرقة مع
طلحة والزبير وفرقة مع علي وفرقة لا ترى القتال مع أحد من الفريقين وجاءت
عائشة رضي الله عنها من منزلها التي كانت فيه حتى نزلت في مسجد الحدان في الأزد
وكان القتال في ساحتهم ورأس الأزد يومئذ صبرة بن شيمان فقال له كعب بن
سور إن الجموع إذا تراءوا لم تستطع وإنما هي بحور تدفق فأطعني ولا تشهدهم
واعتزل بقومك فإني أخاف ألا يكون صلح وكن وراء هذه النطفة ودع هذين
الغارين من مضر وربيعة فهما أخوان فإن اصطلحا فالصلح ما أردنا وإن اقتتلا
كنا حكاما عليهم غدا وكان كعب في الجاهلية نصرانيا فقال صبرة أخشى أن يكون
فيك شئ من النصرانية أتأمرني أن أغيب عن إصلاح بين الناس وأن أخذل
أم المؤمنين وطلحة والزبير إن ردوا عليهم الصلح وأدع الطلب بدم عثمان رضي الله عنه
515

لا والله لا أفعل ذلك أبدا فأطبق أهل اليمن على الحضور (كتب إلي السري)
عن شعيب عن سيف عن الضريس البجلي عن ابن يعمر قال لما رجع الأحنف
ابن قيس من عند علي لقيه هلال بن وكيع بن مالك بن عمرو فقال ما رأيك قال
الاعتزال فما رأيك قال مكانفة أم المؤمنين أفتدعنا وأنت سيدنا قال إنما أكون
سيدكم غدا إذا قتلت وبقيت فقال هلال هذا وأنت شيخنا فقال أنا الشيخ
المعصى وأنت الشاب المطاع فاتبعت بنو سعد الأحنف فاعتزل بهم إلى وادى السباع
واتبعت بنو حنظلة هلالا وتابعت بنو عمر وأبا الجرباء فقاتلوا (كتب إلي السري)
عن شعيب عن سيف عن محمد عن أبي عثمان قال لما أقبل الأحنف نادى يا لزيد
اعتزلوا هذا الامر وولوا هذين الفريقين كيسه وعجزه فقام المنجاب بن راشد فقال
يأل الرباب لا تعتزلوا واشهدوا هذا الامر وتولوا كيسه ففارقوا فلما قال يأل تميم
اعتزلوا وولوا هذين الفريقين كيسه وعجزه قام أبو الجرباء وهو من
بني عثمان بن مالك بن عمرو بن تميم فقال يأل عمرو لا تعتزلوا هذا الامر وتولوا
كيسه فكان أبو الجرباء على بني عمرو بن تميم والمنجاب بن راشد على بني ضبة فلما
قال يأل زيد مناة اعتزلوا هذا الامر وولوا هذين الفريقين كيسه وعجزه قال هلال
ابن وكيع لا تعتزلوا هذا الامر ونادى يأل حنظلة تولوا كيسه فكان هلال على
حنظلة وطاوعت سعد الأحنف واعتزلوا إلى وادى السباع (كتب إلي السري)
عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا كان على هوازن وعلى بني سليم والاعجاز
مجاشع بن مسعود السلمي وعلى عامر زفر بن الحارث وعلى غطفان أعصر بن النعمان
الباهلي وعلى بكر بن وائل مالك بن مسمع واعتزلت عبد القيس إلى علي إلا رجلا فإنه
أقام ومن بكر بن وائل قيام واعتزل منهم مثل من بقى منهم عليهم سنان وكانت الأزد على
ثلاثة رؤساء صبرة بن شيمان ومسعود وزياد بن عمرو والشواذب عليهم رجلان على
مضر الخريت بن راشد وعلى قضاعة والتوابع الرعبي الجرمي وهو لقب وعلى سائر اليمن
ذو الآجرة الحميري فخرج طلحة والزبير فنزلا بالناس من الزابوقة في موضع قربة الأرزاق
فنزلت مضر جميعا وهم لا يشكون في الصلح ونزلت ربيعة فوقهم جميعا وهم لا يشكون
516

في الصلح ونزلت اليمن جميعا أسفل منهم وهم لا يشكون في الصلح وعائشة في الحدان
والناس في الزابوقة على رؤسائهم هؤلاء وهم ثلاثون ألفا وردوا حكيما ومالكا
إلى علي بأنا على ما فارقنا عليه القعقاع فاقدم فخرجنا حتى قدما عليه بذلك فارتحل حتى
نزل عليهم بحيالهم فنزلت القبائل إلى قبائلهم مضر إلى مضر وربيعة إلى ربيعة واليمن إلى
اليمن وهم لا يشكون في الصلح فكان بعضهم بحيال بعض وبعضهم يخرج إلى بعض
ولا يذكرون ولا ينوون إلا الصلح وخرج أمير المؤمنين فيمن معه وهم عشرون
ألفا وأهل الكوفة على رؤسائهم الذين قدموا معهم ذا قار وعبد القيس على ثلاثة
رؤساء جذيمة وبكر على ابن الجارود والعمور على عبد الله بن السوداء وأهل
هجر على ابن الأشج وبكر بن وائل من أهل البصرة على ابن الحارث بن نهار وعلى
دنور بن علي الزط والسيابجة وقدم على ذا قار في عشرة آلاف وانضم إليه عشرة
آلاف * حدثني عمر بن شبة قال حدثنا أبو الحسن عن بشير بن عاصم عن فطر
ابن خليفة عن منذر الثوري عن محمد بن الحنفية قال أقبلنا من المدينة بسبعمائة رجل
وخرج إلينا من الكوفة سبعة آلاف وانضم إلينا من حولنا ألفان أكثرهم بكر
ابن وائل ويقال ستة آلاف (رجع الحديث إلى حديث محمد وطلحة) قالا فلما
نزل الناس واطمأنوا خرج علي وخرج طليحة والزبير فتواقفوا وتكلموا فيما
اختلفوا فيه فلم يجدوا أمرا هو أمثل من الصلح ووضع الحرب حين رأوا الامر
قد أخذ في الانقشاع وأنه لا يدرك فافترقوا عن موقفهم على ذلك ورجع علي إلى
عسكره وطلحة والزبير إلى عسكرهما
أمر القتال
(وكتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا وبعث
علي من العشى عبد الله بن عباس إلى طلحة والزبير وبعثاهما من العشى محمد بن
طلحة إلى علي وأن يكلم كل واحد منهما أصحابه فقالوا نعم فلما أمسوا وذلك في
جمادى الآخرة أرسل طلحة والزبير إلى رؤساء أصحابهما وأرسل علي إلى رؤساء
أصحابه ما خلا أولئك الذين هضوا على عثمان فباتوا على الصلح وباتوا بليلة لم
517

يبيتوا بمثلها للعافية من الذي أشرفوا عليه والنزوع عما اشتهى الذين اشتهوا وركبوا
ما ركبوا وبات الذين أثاروا أمر عثمان بشر ليلة باتوها قط قد أشرفوا على الهلكة
وجعلوا يتشاورون ليلتهم كلها حتى اجتمعوا على إنشاب الحرب في السر واستسروا
بذلك خشية أن يفطن بما حاولوا من الشر فغدوا مع الغلس وما يشعر بهم جيرانهم
انسلوا إلى ذلك الامر انسلالا وعليهم ظلمة فخرج مضريهم إلى مضريهم وربيعهم
إلى ربيعهم ويمانيهم إلى يمانيهم فوضعوا فيهم السلاح فثار أهل البصرة وثار كل
قوم في وجوه أصحابهم الذين بهتوهم وخرج الزبير وطلحة في وجوه الناس من
مضر فبعثا إلى الميمنة وهم ربيعة يعبؤها عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وإلى
الميسرة عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد وثبتا في القلب فقال ما هذا قالوا طرقنا
أهل الكوفة ليلا فقالا قد علمنا أن عليا غير منته حتى يسفك الدماء ويستحل الحرمة
وأنه لن يطاوعنا ثم رجعا بأهل البصرة وقصف أهل البصرة أولئك حتى ردوهم إلى
عسكرهم فسمع علي وأهل الكوفة الصوت وقد وضعوا رجلا قريبا من علي
ليخبره بما يريدون فلما قال ما هذا قال ذاك الرجل ما فجئنا إلا وقوم منهم بيتونا
فرددناهم من حيث جاءوا فوجدنا القوم على رجل فركبونا وثار الناس وقال علي
لصاحب ميمنته ائت الميمنة وقال لصاحب ميسرته ائت الميسرة ولقد علمت أن
طلحة والزبير غير منتهيين حتى يسفكا الدماء ويستحلا الحرمة وانهما لن يطاوعانا
والسبائية لا تفتر إنشابا ونادى علي في الناس أيها الناس كفوا فلا شئ فكان من
رأيهم جميعا في تلك الفتنة ألا يقتتلوا حتى يبدأوا يطلبون بذلك الحجة ويستحقون
على الآخرين والا يقتلوا مدبرا ولا يجهزوا على جريح ولا يتبعوا فكان مما اجتمع
عليه الفريقان ونادوا فيما بينهما (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد
وطلحة وأبي عمرو قالوا وأقبل كعب بن سور حتى أتى عائشة رضي الله عنها فقال
أدركي فقد أبى القوم إلا القتال لعل الله يصلح بك فركبت وألبسوا هودجها
الادراع ثم بعثوا جملها وكان جملها يدعى عسكرا حملها عليه يعلى بن أمية اشتراه
بمائتي دينار فلما برزت من البيوت وكانت بحيث تسمع الغوغاء وقفت فلم تلبث
518

أن سمعت غوغاء شديدة فقالت ما هذا فقالوا ضجة العسكر قالت بخير أو بشر قالوا بشر
قالت فأي الفريقين كانت منهم هذه الضجة فهم المهزومون وهي واقفة فوالله
ما فجئها إلا الهزيمة فمضى الزبير من سننه في وجهه فسلك وادي السباع وجاء طلحة
سهم غرب يخل ركبته بصفحة الفرس فلما امتلا موزجه دما وثقل قال لغلامه
اردفني وامسكني وابغني مكانا أنزل فيه فدخل البصرة وهو يتمثل مثله ومثل الزبير
فإن تكن الحوادث أقصدتني * وأخطأهن سهمي حين أرمى
فقد ضعيت حين تبعت سهما * سفاها ما سفهت وضل حلمي
ندمت ندامة الكسعي لما * شريت رضى بني سهم برغمي
أطعتهم بفرقة آل لأي * فألقوا للسباع دمي ولحمي
خبر وقعة الجمل من رواية أخرى
(قال أبو جعفر) وأما غير سيف فإنه ذكر من خبر هذه الوقعة وأمر الزبير
وانصرافه عن الموقف الذي كان فيه ذلك اليوم غير الذي ذكر سيف عن صاحبيه
والذي ذكر من ذلك بعضهم ما حدثنيه أحمد بن زهير قال حدثنا أبي أبو خيثمة
قال حدثنا وهب بن جرير بن حازم قال سمعت أبي قال سمعت يونس بن يزيد الأيلي
عن الزهري في قصة ذكرها من خبر علي وطلحة والزبير وعائشة في مسيرهم
الذي نحن في ذكره في هذا الموضع قال وبلغ الخبر عليا يعني خبر السبعين الذين
قتلوا مع العبدي بالبصرة فأقبل يعني عليا في اثني عشر ألفا فقدم البصرة وجعل يقول
يا لهف نفسي على ربيعه * ربيعة السامعة المطيعة * سنتها كانت بها الوقيعة
فلما تواقفوا خرج علي على فرسه فدعا الزبير فتواقفا فقال علي للزبير ما جاء
بك قال أنت ولا أراك لهذا الامر أهلا ولا أولى به منا فقال علي لست له أهلا
بعد عثمان رضي الله عنه قد كنا نعدك من بني عبد المطلب حتى بلغ ابنك ابن السوء
ففرق بيننا وبينك وعظم عليه أشياء فذكر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر عليهما
فقال لعلي ما يقول ابن عمتك ليقاتلنك وهو لك ظالم فانصرف عنه الزبير وقال فاني
لا أقاتلك فرجع إلى ابنه عبد الله فقال مالي في هذا الحرب بصيرة فقال له ابنه إنك
519

قد خرجت على بصيرة ولكنك رأيت رايات ابن أبي طالب وعرفت أن تحتها الموت
فجبنت فأحفظه حتى أرعد وغضب وقال ويحك إني قد حلفت له ألا أقاتله فقال له ابنه
كفر عن يمينك بعتق غلامك سرجس فأعتقه وقام في الصف معهم وكان علي قال للزبير
أتطلب مني دم عثمان وأنت قتلته سلط الله على أشدنا عليه اليوم ما يكره وقال علي يا طلحة
جئت بعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم تقاتل بها وخبأت عرسك في البيت
أما بايعتني قال بايعتك وعلى عنقي اللج فقال علي لأصحابه أيكم يعرض عليهم هذا
المصحف وما فيه فان قطعت يده أخذه بيده الأخرى وإن قطعت أخذه بأسنانه
قال فتى شاب أنا فطاف علي على أصحابه يعرض ذلك عليهم فلم يقبله إلا ذلك الفتى
فقال له علي اعرض عليهم هذا وقل هو بيننا وبينكم من أوله إلى آخره والله في
دمائنا ودمائكم فحمل على الفتى وفي يده المصحف فقطعت يداه فأخذه بأسنانه حتى قتل
فقال علي قد طاب لكم الضراب فقاتلوهم فقتل يومئذ سبعون رجلا كلهم يأخذ
بخطام الجمل فلما عقر الجمل وهزم الناس أصابت طلحة رمية فقتلته فيزعمون أن
مروان بن الحكم رماه وقد كان ابن الزبير أخذ بخطام جمل عائشة فقالت من
هذا فأخبرها فقالت واثكل أسماء فجرح فألقى نفسه في الجرحى فاستخرج فبرأ من
جراحته واحتمل محمد بن أبي بكر عائشة فضرب عليها فسطاط فوقف علي عليها
فقال استفززت الناس وقد فزوا فألبت بينهم حتى قتل بعضهم بعضا في كلام كثير
فقالت عائشة يا ابن أبي طالب ملكت فأسجح نعم ما أبليت قومك اليوم فسرحها علي
وأرسل معها جماعة من رجال ونساء وجهزها وأمر لها باثني عشر ألفا من المال
فاستقل ذلك عبد الله بن جعفر فأخرج لها مالا عظيما وقال إن لم يجزه أمير المؤمنين
فهو علي وقتل الزبير فزعموا أن ابن جرموز لهو الذي قتله وأنه وقف بباب أمير
المؤمنين فقال لحاجبه استأذن لقاتل الزبير فقال علي ائذن له وبشره بالنار *
حدثني محمد بن عمارة قال حدثنا عبيد الله بن موسى قال أخبرنا فضيل عن سفيان بن
عقبة عن قرة بن الحارث عن جون بن قتادة قال قرة بن الحارث كنت مع الأحنف
ابن قيس وكان جون بن قتادة ابن عمي مع الزبير بن العوام فحدثني جون بن قتادة
520

قال كنت مع الزبير رضي الله عنه فجاء فارس يسير وكانوا يسلمون على الزبير
بالامرة فقال السلام عليك أيها الأمير قال وعليك السلام قال هؤلاء القوم قد
أتوا مكان كذا وكذا فلم أر قوما أرث سلاحا ولا أقل عددا ولا أرعب قلوبا من
قوم أتوك ثم انصرف عنه قال ثم جاء فارس فقال السلام عليك أيها الأمير
فقال وعليك السلام قال جاء القوم حتى أتوا مكان كذا وكذا فسمعوا بما جمع الله
عز وجل لكم من العدد والعدة والحد فقذف الله في قلوبهم الرعب فولوا مدبرين
قال الزبير إيها عنك الآن فوالله لو لم يجد ابن أبي طالب الا العرفج لدب إلينا
فيه ثم انصرف ثم جاء فارس وقد كادت الخيول أن تخرج من الرهج فقال
السلام عليك أيها الأمير قال وعليك السلام قال هؤلاء القوم قد أتوك فلقيت
عمارا فقلت له وقال لي فقال الزبير انه ليس فيهم فقال بلى والله إنه لفيهم قال والله
ما جعله الله فيهم فقال والله لقد جعله الله فيهم قال والله ما جعله الله فيهم فلما رأى
الرجل يخالفه قال لبعض أهله اركب فانظر أحق ما يقول فركب معه فانطلقا
وأنا أنظر إليهما حتى وقفا في جانب الخيل قليلا ثم رجعا إلينا فقال الزبير لصاحبه
ما عندك قال صدق الرجل قال الزبير يا جدع أنفاه أو يا قطع ظهراه قال محمد بن
عمارة قال عبيد الله قال فضيل لا أدري أيهما قال ثم أخذه أفكل فجعل السلاح
ينتفض فقال جون ثكلتني أمي هذا الذي كنت أريد أن أموت معه أو أعيش معه
والذي نفسي بيده ما أخذ هذا ما أرى إلا لشئ قد سمعه أو رآه من رسول الله
صلى الله عليه وسلم فلما تشاغل الناس انصرف فجلس على دابته ثم ذهب فانصرف
جون فجلس على دابته فلحق بالأحنف ثم جاء فارسان حتى أتيا الأحنف وأصحابه
فنزلا فأتيا فأكبا عليه فناجياه ساعة ثم انصرفا ثم جاء عمرو بن جرموز إلى
الأحنف فقال أدركته في وادي السباع فقتلته فكان يقول والذي نفسي بيده إن
صاحب الزبير الأحنف * حدثني عمر بن شبة قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا
بشير بن عاصم عن الحجاج بن أرطاة عن عمار بن معاوية الذهبي حي من أحمس
بجيلة قال أخذ علي مصحفا يوم الجمل فطاف به في أصحابه وقال من يأخذ هذا
521

المصحف يدعوهم إلى ما فيه وهو مقتول فقام إليه فتى من أهل الكوفة عليه قباء
أبيض محشو فقال أنا فأعرض عنه ثم قال من يأخذ هذا المصحف يدعوهم إلى ما فيه
وهو مقتول فقال الفتى أنا فأعرض عنه ثم قال من يأخذ هذا المصحف يدعوهم
إلى ما فيه وهو مقتول فقال الفتى أنا فدفعه إليه فدعاهم فقطعوا يده اليمنى فأخذه
بيده اليسرى فدعاهم فقطعوا يده اليسرى فأخذه بصدره والدماء تسيل على قبائه
فقتل رضي الله عنه فقال علي الآن حل قتالهم فقالت أم الفتى بعد ذلك فبما ترثى
لا هم إن مسلما دعاهم * يتلو كتاب الله لا يخشاهم
وأمهم قائمة تراهم * يأتمرون الغي لا تنهاهم
فد خضبت من علق لحاهم
* حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا أبو مخنف عن جابر عن الشعبي
قال حملت ميمنة أمير المؤمنين على ميسرة أهل البصرة فاقتتلوا ولاذ الناس بعائشة
رضي الله عنها أكثرهم ضبة والأزد وكان قتالهم من ارتفاع النهار إلى قريب من
العصر ويقال إلى أن زالت الشمس ثم انهزموا فنادى رجل من الأزد كروا فضربه
محمد بن علي فقطع يده فنادى يا معشر الأزد فروا واستحر القتل بالأزد فنادوا نحن
على دين علي بن أبي طالب فقال رجل من بني ليث بعد ذلك
سائل بنا يوم لقينا الأزدا * والخيل تعدو أشقرا ووردا
لما قطعنا كبدهم والزندا * سحقا لهم في رأيهم وبعدا
* حدثني عمر بن شبة قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا جعفر بن سليمان عن
مالك بن دينار قال حمل عمار على الزبير يوم الجمل فجعل يحوزه بالرمح فقال أتريد ان
تقتلني قال لا انصرف وقال عامر بن حفص أقبل عمار حتى حاز الزبير يوم الجمل بالرمح
فقال أتقتلني يا أبا اليقظان قال لا يا أبا عبد الله (رجع الحديث إلى حديث سيف)
عن محمد وطلحة قالا ولما انهزم الناس في صدر النهار نادى الزبير أنا الزبير هلموا إلي
أيها الناس ومعه مولى له ينادى أعن حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم تنهزمون
وانصرف الزبير نحو وادي السباع واتبعه فرسان وتشاغل الناس عنه بالناس فلما
522

رأى الفرسان تتبعه عطف عليهم ففرق بينهم فكروا عليه فلما عرفوه قالوا الزبير
دعوه فلما. نفر فيهم علباء بن الهيثم ومر القعقاع في نفر بطلحة وهو يقول إلى عباد
الله الصبر الصبر فقال له يا أبا محمد انك لجريح وانك عما تريد لعليل فادخل الأبيات
فقال يا غلام أدخلني وابغني مكانا فأدخل البصرة ومعه غلام ورجلان فاقتتل الناس
بعده فأقبل الناس في هزيمتهم تلك وهم يريدون البصرة فلما رأوا الجمل أطافت به مضر
عادوا قلبا كما كانوا حيث التقوا وعادوا إلى أمر جديد ووقفت ربيعة البصرة
منه ميمنة ومنهم ميسرة وقالت عائشة حل يا كعب عن البعير وتقدم بكتاب الله
عز وجل فادعهم إليه ودفعت إليه مصحفا وأقبل القوم وأمامهم السبائية يخافون
أن يجرى الصلح فاستقبلهم كعب بالمصحف وعلي من خلفهم يزعمهم ويأبون
إلا إقداما فلما دعاهم كعب رشقوه رشقا واحدا فقتلوه ورموا عائشة في هودجها
فجعلت تنادى يا بني البقية البقية ويعلو صوتها كثرة الله الله اذكروا الله عز وجل
والحساب فيأبون إلا إقداما فكان أول شئ أحدثته حين أبوا أن قالت أيها الناس
العنوا قتلة عثمان وأشياعهم وأقبلت تدعو وضج أهل البصرة بالدعاء وسمع علي
ابن أبي طالب الدعاء ما هذه الضجة فقالوا عائشة تدعو ويدعون معها على قتلة
عثمان وأشياعهم فأقبل يدعو ويقول اللهم العن قتلة عثمان وأشياعهم وأرسلت
إلى عبد الرحمن بن عتاب وعبد الرحمن بن الحارث أثبتا مكانكما وذمرت الناس
حين رأت أن القوم لا يريدون غيرها ولا يكفون عن الناس فازدلفت مضر البصرة
فقصفت مضر الكوفة حتى زوحم على فنخس علي قفا محمد وقال احمل فنكل فأهوى
علي إلى الراية ليأخذها منه فحمل فترك الراية في يده وحملت مضر الكوفة فاجتلدوا
قدام الجمل حتى ضرسوا والمجنبات على حالها لا تصنع شيئا ومع علي أقوام غير مضر
فمنهم زيد بن صوجان فقال له رجل من قومه تنح إلى قومك مالك ولهذا الموقف
ألست تعلم أن مضر بحيالك وأن الجمل بين يديك وأن الموت دونه فقال أموت
خير من الحياة الموت ما أريد فأصيب وأخوه سيحان وارتث صعصعة واشتدت
الحرب فلما رأى ذلك علي بعث إلى اليمن وإلى ربيعة أن اجتمعوا على ما يليكم
523

فقام رجل من عبد القيس فقال ندعوكم إلى كتاب الله عز وجل قالوا وكيف
يدعونا إلى كتاب الله من لا يقيم حدود الله سبحانه ومن قتل داعى الله كعب بن
سور فرمته ربيعة رشقا واحدا فقتلوه وقام مسلم بن عبد الله العجلي مقامه فرشقوه
رشقا واحدا فقتلوه ودعت يمن الكوفة يمن البصرة فرشقوهم (كتب إلي السري)
عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا كان القتال الأول يستحر إلى انتصاف
النهار وأصيب فيه طلحة رضي الله عنه وذهب فيه الزبير فلما أووا إلى عائشة وأبى
أهل الكوفة إلا القتال ولم يريدوا إلا عائشة ذمرتهم عائشة فاقتتلوا حتى تنادوا
فتحاجزوا فرجعوا بعد الظهر فاقتتلوا وذلك يوم الخميس في جمادى الآخرة فاقتتلوا
صدر النهار مع طلحة والزبير وفي وسطه مع عائشة وتزاحف الناس فهزمت يمن البصرة
يمن الكوفة وربيعة البصرة ربيعة الكوفة ونهد علي بمضر الكوفة إلى مضر البصرة وقال
إن الموت ليس منه فوت يدرك الهارب ولا يترك المقيم * حدثني عمر قال حدثنا
أبو الحسن قال حدثنا أبو عبد الله القرشي عن يونس بن أرقم عن علي بن عمرو الكندي
عن زيد بن حساس قال سمعت محمد بن الحنفية يقول دفع إلى أبي الراية يوم الجمل وقال
تقدم فتقدمت حتى لم أجد متقدما إلا على رمح قال تقدم لا أم لك فتكاكأت
وقلت لا أجد متقدما إلا على سنان رمح فتناول الراية من يدي متناول لا أدري
من هو فنظرت فإذا أبى بين يدي وهو يقول
أنت التي غرك مني الحسنى * يا عيش إن القوم قوم أعدا
الخفض خير من قتال الأبناء
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا اقتتلت المجنبتان
حين تزاحفتا قتالا شديدا يشبه ما فيه القلبان واقتتل أهل اليمن فقتل على راية
أمير المؤمنين من أهل الكوفة عشرة كلما أخذها رجل قتل خمسة من همدان وخمسة
من سائر اليمن فلما رأى ذلك يزيد بن قيس أخذها فثبتت في يده وهو يقول
قد عشت يا نفس وقد غنيت * دهرا فقطك اليوم ما بقيت
أطلب طول العمر ما حييت
524

وإنما تمثلها وهو قول الشاعر قبله وقال نمران بن أبي نمران الهمداني
جردت سيفي في رجال الأزد * أضرب في كهولهم والمرد
كل طويل الساعدين نهد
وأقبلت ربيعة فقتل على راية الميسرة من أهل الكوفة زيد وصرع صعصعة
ثم سيحان ثم عبد الله بن رقبة بن المغيرة ثم أبو عيدة براشد بن سلمى وهو يقول
اللهم أنت هديتنا من الضلالة وأستنقذتنا من الجهالة وابتليتنا بالفتنة فكنا في
شبهة وعلى ريبة حتى قتل ثم الحصين ابن معبد بن النعمان فأعطاها ابنه معبدا وجعل
يقول يا معبد قرب لها بوها تحدب فثبتت في يده (كتب إلي السري) عن شعيب
عن سيف عن محمد وطلحة قالا لما رأت الكماة من مضر الكوفة ومضر البصرة
الصبر تنادوا في عسكر عائشة وعسكر علي يا أيها الناس طرفوا إذا فرغ الصبر
ونزع النصر فجعلوا يتوجؤن الأطراف الأيدي والأرجل فما رؤيت وقعة قط
قبلها ولا بعدها ولا يسمع بها أكثر يدا مقطوعة ورجلا مقطوعة منها لا يدري
من صاحبها وأصيبت يد عبد الرحمن بن عتاب يومئذ قبل قتله وكان الرجل من
هؤلاء وهؤلاء إذا أصيب شئ من أطرافه استقتل إلى أن يقتل (كتب إلي
السري) عن شعيب عن سيف عن الصعب بن عطية بن بلال عن أبيه قال اشتد
الامر حتى أرزت ميمنة الكوفة إلى القلب حتى لزقت به ولزقت ميسرة البصرة
بقلبهم ومنعوا ميمنة أهل الكوفة أن يختلطوا بقلبهم وإن كانوا إلى جنبهم وفعل
مثل ذلك ميسرة الكوفة وميمنة البصرة فقالت عائشة رضي الله عنها لمن عن يسارها
من القوم قال صبرة بن شيمان بنوك الأزد قالت يأل غسان حافظوا اليوم جلادكم
الذي كنا نسمع به وتمثلت
وجالد من غسان أهل حفاظها * وهنب وأوس جالدت وشبيب
وقالت لمن عن يمينها من القوم وقالوا بكر بن وائل قالت لكم يقول القائل
وجاؤا إلينا في الحديد كأنهم * من العزة القعساء بكر بن وائل
إنما بإزائكم عبد القيس فاقتتلوا أشد القتال من قتالهم قبل ذلك وأقبلت على كتيبة
525

بين يديها فقالت من القوم قالوا بنو ناجية قالت نج نج سيوف أبطحية وسيوف قرشية
فجالدوا جلادا يتفادى منه ثم أطافت بها بنو ضبة فقالت ويهن جمرن الجمرات
حتى إذا رقوا خالطهم بنو عدي وكثروا حولها فقالت من أنتم قالوا بنو عدي
خالطنا إخواننا فقالت ما زال رأس الجمل معتدلا حتى قتلت بنو ضبة حولي فأقاموا
رأس الجمل ثم ضربوا ضربا ليس بالتعذير ولا يعدلون بالتطريف حتى إذا كثر
ذلك وظهر في العسكرين جميعا راموا الجمل وقالوا لا يزال القوم أو يصرع وأرزت
مجنبتا علي فصارتا في القلب وفعل ذلك أهل البصرة وكره القوم بعضهم بعضا
وتلاقوا جميعا بقلبيهم وأخذ ابن يثربي برأس الجمل وهو يرتجز وادعى قتل علباء
ابن الهيثم وزيد بن صوحان وهند بن عمرو فقال
أنا لمن ينكرني ابن يثربي * قاتل علباء وهند الجملي
وابن لصوحان على دين علي
فناداه عمار لقد لعمري لذت بحريز وما إليك سبيل فإن كنت صادقا فاخرج
من هذه الكتيبة إلي فترك الزمام في يد رجل من بني عدي حتى كان بين أصحاب
عائشة وأصحاب علي فزحم الناس عمارا حتى أقبل إليه فاتقاه عمار بدرقته فضربه
فانتشب سيفه فيها فعالجه فلم يخرج فخرج عمار إليه لا يملك من نفسه شيئا فأسف
عمار لرجليه فقطعهما فوقع على استه وحمله أصحابه فارتث بعد فأتى به علي فأمر
بضرب عنقه ولما أصيب ابن يثربي ترك ذلك العدوي الزمام ثم خرج فنادى من
يبارز فخنس عمار وبرز إليه ربيعة العقيلي والعدوي يدعى عمرة بن بحرة أشد الناس
صوتا وهو يقول
يا أمنا أعق أم نعلم * والام تغذوا ولدا وترحم
ألا ترين كم شجاع يكلم * وتختلى منه يد ومعصم
ثم اضطربا فأثخن كل واحد منهما صاحبه فماتا وقال عطية بن بلال ولحق بنا
من آخر النهار رجل يدعى الحارث من بني ضبة فقام مقام العدوي فما رأينا رجلا
قط أشد منه وجعل يقول
526

نحن بنو ضبة أصحاب الجمل * ننعي ابن عفان بأطراف الأسل
الموت أحلى عندنا من العسل * ردوا علينا شيخنا ثم بجل
* حدثني عمر بن شبة قال حدثنا الحسن عن المفضل بن محمد عن عدي بن أبي
عدى عن أبي رجاء العطاردي قال إني لأنظر إلى رجل يوم الجمل وهو يقلب سيفا
بيده كأنه محراق وهو يقول
نحن بنو ضبة أصحاب الجمل * ننازل الموت إذا الموت نزل
والموت أشهى عندنا من العسل * ننعي ابن عفان بأطراف الأسل
ردوا علينا شيخنا ثم بجل
* حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن عن المفضل الضبي قال كان الرجل وسيم
ابن عمرو بن ضرار الضبي * حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن عن الهذلي قال كان
عمرو بن يثربي يحضض قومه يوم الجمل وقد تعاوروا الخطام يرتجزون
نحن بنو ضبة لا نفر * حتى ترى جماجما تخر
يخر منها العلق المحمر
يا أمنا يا عيش لن تراعى * كل بنيك بطل شجاع
يا أمنا يا زوجة النبي * يا زوجة المبارك المهدي
حتى قتل على الخطام أربعون رجلا وقالت عائشة رضي الله عنها ما زال جملي
معتدلا حتى فقدت أصوات بني ضبة وقتل يومئذ عمرو بن يثربي علباء بن الهيثم
السدوسي وهند بن عمرو الجملي وزيد بن صوحان وهو يرتجز ويقول
أضربهم ولا أرى أبا حسن * كفى بهذا حزنا من الحزن
إنا نمر الامر إمرار الرسن
فزعم الهذلي أن هذا الشعر تمثل به يوم صفين وعرض عمار لعمرو بن يثربي
وعمار يومئذ ابن تسعين سنة عليه فر وقد شد وسطه بحبل من ليف فبدره عمرو بن
يثربي فنحى له درقته فنشب سيفه فيها ورماه الناس حتى صرع وهو يقول
إن تقتلوني فأنا ابن يثربي * قاتل علباء وهند الجملي
527

ثم ابن صوحان على دين علي
وأخذ أسيرا حتى انتهى به إلى علي فقال استبقني فقال أبعد ثلاثة تقبل عليهم
بسيفك تضرب به وجوههم فأمر به فقتل * وحدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن
قال حدثنا أبو مخنف عن إسحاق بن راشد عن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال
مشيت يوم الجمل وبي سبع وثلاثون جراحة من ضربة وطعنة وما رأيت مثل يوم
الجمل قط ما ينهزم منا أحد وما نحن الا كالجبل الأسود وما يأخذ بخطام الجمل أحد
الا قتل فأخذه عبد الرحمن بن عتاب فقتل فأخذه الأسود بن أبي البختري فصرع
وجئت فأخذت بالخطام فقالت عائشة من أنت قلت عبد الله بن الزبير قالت واثكل
أسماء ومر بي الأشتر فعرفته فعانقته فسقطنا جميعا وناديت اقتلوني ومالكا فجاء
ناس منا ومنهم فقاتلوا عنا حتى تحاجزنا وضاع الخطام ونادى علي اعقروا الجمل فإنه
ان عقر تفرقوا فضربه رجل فسقط فما سمعت صوتا قط أشد من عجيج الجمل وأمر علي
محمد بن أبي بكر فضرب عليها قبة وقال انظر هل وصل إليها شئ فأدخل رأسه فقالت من
أنت ويلك فقال أبغض أهلك إليك قالت ابن الخثعمية قال نعم قالت بأبي أنت
وأمي الحمد لله الذي عافاك * حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال
سمعت أبا بكر بن عياش يقول قال علقمة قلت للأشتر قد كنت كارها لقتل عثمان
رضي الله عنه فما أخرجك بالبصرة قال إن هؤلاء بايعوه ثم نكثوا وكان
ابن الزبير هو الذي أكره عائشة على الخروج فكنت أدعو الله عز وجل أن
يلقينيه فلقيني كفة لكفة فما رضيت بشدة ساعدي أن قمت في الركاب فضربته
على رأسه فصرعته * قلنا فهو القائل اقتلوني ومالكا قال لا ما تركته وفي نفسي
منه شئ ذاك عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد لقيني فاختلفنا ضربتين فصرعني
وصرعته فجعل يقول اقتلوني ومالكا ولا يعلمون من مالك فلو يعلمون لقاتلوني * ثم
قال أبو بكر بن عياش هذا كتابك شاهده * حدثني به المغيرة عن إبراهيم عن علقمة قال
قلت للأشتر حدثني عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثني سليمان قال حدثني عبد الله
عن طلحة بن النضر عن عثمان بن سليمان عن عبد الله بن الزبير قال وقف علينا
528

شاب فقال احذروا هذين الرجلين فذكره وعلامة الأشتر أن إحدى قدميه بادية
ن شئ يجد بها قال لما التقينا قال الأشتر لما قصد لي سوى رمحه لرجلي قلت هذا
أحمق وما عسى أن يدرك مني لو قطعها ألست قاتله فلما دنا مني جمع يديه في الرمح ثم
التمس به وجهي قلت أحد الاقران * حدثني عمر بن شبة قال حدثنا أبو الحسن
عن أبي مخنف عن ابن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه عن جده قال كان عمرو
ابن الأشرف أخذ بخطام الجمل لا يدنو منه أحد إلا خبطه بسيفه إذ أقبل الحارث
ابن زهير الأزدي وهو يقول
يا أمنا يا خير أم نعلم * أما ترين كم شجاع يكلم
وتختلى هامته والمعصم
فاختلفا ضربتين فرأيتهما يفحصان الأرض بأرجلهما حتى ماتا فدخلت على
عائشة رضي الله عنه بالمدينة فقالت من أنت قلت رجل من الأزد أسكن الكوفة
قالت أشهدتنا يوم الجمل قلت نعم قالت ألنا أم علينا قلت عليكم قالت أفتعرف
الذي يقول يا أمنا يا خير أم نعلم قلت نعم ذاك ابن عمي فبكت حتى ظننت أنها
لا تسكت * حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن عن ابن أبي ليلى عن دينار بن العيزار
قال سمعت الأشتر يقول لقيت عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد فلقيت أشد الناس
وأروعه فعانقته فسقطنا إلى الأرض جميعا فنادى اقتلوني ومالكا * حدثني عمر
قال حدثنا أبو الحسن عن ابن أبي ليلى عن دينار بن العيزار قال سمعت الأشتر
يقول رأيت عبد الله بن حكيم بن حزام ومعه راية قريش وعدى بن حاتم الطائي
وهما يتصاولان كالفحلين فتعاورناه فقتلناه يعني عبد الله فطعن عبد الله عديا ففقأ
عينه * حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن عن أبي محنف عن عمه محمد بن محنف قال
حدثني عدة من أشياخ الحي كلهم شهدا الجمل قالوا كانت راية الأزد من أهل الكوفة
مع مخنف بن سليم فقتل يومئذ فتناول الراية من أهل بيته الصعب وأخوه
عبد الله بن سليم فقتلوه فأخذها العلاء بن عروة فكان الفتح وهي في يده
وكانت راية عبد القيس من أهل الكوفة مع القاسم بن مسلم فقتل وقتل معه زيد
529

ابن صوحان وسيحان بن صوحان وأخذ الراية عدة منهم فقتلوا منهم عبد الله
ابن رقية وراشد ثم أخذها منقذ بن النعمان فدفعها إلى ابنه مرة بن منقذ فانقضى
الامر وهي في يده وكانت راية بكر بن وائل من أهل الكوفة في بني ذهل كانت
مع الحارث بن حسان بن خوط الذهلي فقال أبو العرفاء الرقاشي أبق على نفسك
وقومك فأقدم وقال يا معشر بكر بن وائل إنه لم يكن أحد له من رسول الله
صلى الله عليه وسلم مثل منزلة صاحبكم فانصروه فأقدم فقتل وقتل ابنه وقتل خمسة
إخوة له فقال له يومئذ بشر بن حسان بن خوط وهو يقاتل
أنا ابن حسان بن خوط وأبي * رسول بكر كلها إلى النبي
وقال ابنه
أنعى الرئيس الحارث بن حسان * لآل ذهل ولآل شيبان
وقال رجل من ذهل
تنعى لنا خير امرئ من عدنان * عند الطعان ونزال الاقران
وقتل رجال من بني محدوج وكانت الرئاسة لهم من أهل الكوفة وقتل بني ذهل
خمسة وثلاثون رجلا فقال رجل لأخيه وهو يقاتل يا أخي ما أحسن قتالنا إن
كنا على حق قال فإنا على الحق إن الناس أخذوا يمينا وشمالا وإنما تمسكنا بأهل
بيت نبينا فقاتلا حتى قتلا وكانت رئاسة عبد القيس من أهل البصرة وكانوا مع
علي لعمرو بن مرحوم ورئاسة بكر بن وائل لشقيق بن ثور والراية مع رشراشة
مولاه ورئاسة الأزد من أهل البصرة وكانوا مع عائشة لعبد الرحمن بن جشم بن
أبي حنين الحمامي فيما حدثني عامر بن حفص ويقال لصبرة بن شيمان الحداني والراية
مع عمرو بن الأشرف العتكي فقتل وقتل معه ثلاثة عشر رجلا من أهل بيته
* حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا أبو ليلى عن أبي عكاشة الهمداني
عن رفاعة البجلي عن أبي البختري الطائي قال أطافت ضبة والأزد بعائشة يوم الجمل
وإذا رجال من الأزد يأخذون بعر الجمل فيفتونه ويشمونه ويقولون بعر جمل
أمنا ريحه ريح المسك ورجل من أصحاب علي يقاتل ويقول
530

جردت سيفي في رجال الأزد * أضرب في كهولهم والمرد
كل طويل الساعدين نهد
وماج الناس بعضهم في بعض فصرخ صارخ اعقروا الجمل فضربه بجير بن دلجة الضبي من
أهل الكوفة فقيل له لم عقرته فقال رأيت قومي يقتلون فخفت أن يفنوا ورجوت
ان عقرته أن يبقى لهم بقية * حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا الصلت
ابن دينار قال انتهى رجل من بني عقيل إلى كعب بن سور رحمه الله وهو مقتول
فوضع زج رمحه في عينيه ثم خضخضه وقال ما رأيت مالا قط أحكم نقد منك
* حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا عوانة قال اقتتلوا يوم الجمل يوما
إلى الليل فقال بعضهم
شفى السيف من زيد وهند نفوسنا * شفاء ومن عيني عدى بن حاتم
صبرنا لهم يوما إلى الليل كله * بصم القنا والمرهفات الصوارم
وقال ابن صامت
يا ضب سيرى فإن الأرض واسعة * على شمالك إن الموت بالقاع
كتيبة كشعاع الشمس إذ طلعت * لها أتى إذا ما سال دفاع
إذا نقيم لكم في كل معترك * بالمشرفية ضربا غير إبداع
* حدثنا العباس بن محمد قال حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا روح عن أبي رجاء
قال رأيت رجلا قد اصطلمت أذنه قلت أخلقة أم شئ أصابك قال أحدثك بينا أنا
أمشى بين القتلى يوم الجمل فإذا رجل يفحص برجله وهو يقول
لقد أوردتنا حومة الموت أمنا * فلم ننصرف إلا ونحن رواء
أطعنا قريشا ضلة من حلومنا * ونصرتنا أهل الحجاز عناء
قلت يا عبد الله لا إله إلا الله قال ادن مني ولقني فان في أذني وقرا فدنوت
منه فقال لي ممن أنت قلت رجل من الكوفة فوثب علي فاصطلم أذني كما ترى ثم
قال إذا لقيت أمك فأخبرها إن عمير بن الأهلب الضبي فعل بك هذا * حدثني
عمر قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا المفضل الراوية وعامر بن حفص وعبد المجيد
531

الأسدي قالوا جرح يوم الجمل عمير بن الأهلب الضبي فمر به رجل من أصحاب علي
وهو في الجرحى فقال له عمير ادن مني فدنا منه فقطع أذنه وقال عمير بن الأهلب
لقد أوردتنا حومة الموت أمنا * فلم ننصرف إلا ونحن رواء
لقد كان عن نصر ابن ضبة أمه * وشيعتها مندوحة وغناء
أطعنا بني تيم بن مرة شقوة * وهل تيم الا أعبد وإماء
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن المقدام الحارثي قال كان منا
رجل يدعى هانئ بن خطاب وكان ممن غزا عثمان ولم يشهد الجمل فلما سمع بهذا
الرجز يعني رجز القائل
نحن بنو ضبة أصحاب الجمل
في حديث الناس نقض عليه وهو بالكوفة
أبت شيوخ مذحج وهمدان * أن لا يردوا نعثلا كما كان
خلقا جديدا بعد خلق الرحمن
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن الصعب بن عطية عن أبيه قال
جعل أبو الجرباء يومئذ يرتجز ويقول
أسامع أنت مطيع لعلي * من قبل أن تذوق حد المشرفي
وخاذل في الحق أزواج النبي * أعرف قوما لست فيه بعني
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا كانت أم المؤمنين
في حلقه من أهل النجدات والبصائر من أفناء مضر فكان لا يأخذ أحد بالزمام إلا
كان يحمل الراية واللواء لا يحسن تركها وكان لا يأخذه إلا معروف عند المطيفين
بالجمل فينتسب لها أنا فلان بن فلان فوالله إن كانوا ليقاتلون عليه وإنه للموت لا يوصل
إليه إلا بطلبة وعنت وما رامه أحد من أصحاب علي إلا قتل أو أفلت ثم لم يعدو لما
اختلط الناس بالقلب جاء عدي بن حاتم فحمل عليه ففقئت عينه ونكل فجاء الأشتر
فحامله عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد وإنه لاقطع منزوف فاعتنقه ثم جلد به الأرض
عن دابته فاضطرب تحته فأفلت وهو جريض (كتب إلي السري) عن شعيب عن
532

سيف عن هشام بن عروة عن أبيه قال كان لا يجئ رجل فيأخذ بالزمام حتى يقول
أنا فلان بن فلان يا أم المؤمنين فجاء عبد الله بن الزبير فقالت حين لم يتكلم من أنت
فقال أنا عبد الله أنا ابن أختك قالت واثكل أسماء تعني أختها وانتهى إلى الجمل الأشتر
وعدي بن حاتم فخرج عبد الله بن حكيم بن حزام إلى الأشتر فمشى إليه الأشتر فاختلفا
ضربتين فقتله الأشتر ومشى إليه عبد الله بن الزبير فضربه الأشتر على رأسه فجرحه
جرحا شديد وضرب عبد الله الأشتر ضربة خفيفة واعتنق كل واحد منهما صاحبه
وخرا إلى الأرض يعتركان فقال عبد الله بن الزبير اقتلوني ومالكا * وكان مالك
يقول ما أحب أن يكون قال والأشتر وان لي حمر النعم وشد أناس من أصحاب علي
وأصحاب عائشة فافترقا وتنقذ كل واحد من الفريقين صاحبه (كتب إلي السري)
عن شعيب عن سيف عن الصعب بن عطية عن أبيه قال وجاء محمد بن طلحة فأخذ
بزمام الجمل فقال يا أماه مريني بأمرك قالت آمرك أن تكون كخير بني آدم إن تركت
قال فحمل فجعل لا يحمل عليه أحد إلا حمل عليه ويقول حم لا ينصرون واجتمع
عليه نفر فكلمهم ادعى قتله المكعبر الأسدي والمكعبر الضبي ومعاوية بن شداد
العبسي وعفان بن الأشقر النصري فانفذه بعضهم بالرمح ففي ذلك يقول قائله منهم
وأشعث قوام بآيات ربه * قليل الأذى فيما ترى العين مسلم
هتكت له بالرمح جيب قميصه * فخر صريعا لليدين وللفم
يذكرني حم والرمح شاجر * فهلا تلا حم قبل التقدم
على غير شئ غير أن ليس تابعا * عليا ومن لا يتبع الحق يندم
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن الصعب بن عطية عن أبيه
قال قال القعقاع بن عمرو للأشتر يؤلبه يومئذ هل لك في العود فلم يجبه فقال يا أشتر
بعضنا أعلم بقتال بعض منك فحمل القعقاع وإن الزمام مع زفر بن الحارث وكان
آخر من أعقب في الزمام فلا والله ما بقى من بني عامر يومئذ شيخ إلا أصيب قدام
الجمل فقتل فيمن قتل يومئذ ربيعة جد إسحاق بن مسلم وزفر يرتجز ويقول
يا أمنا يا عيش لن تراعى * كل بنيك بطل شجاع
533

ليس بوهام ولا براعي
وقال القعقاع يرتجز ويقول
إذا وردنا آجنا جهرناه * ولا يطاق ورد ما منعناه
تمثلها تمثلا (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا
كان من آخر من قاتل ذلك اليوم زفر بن الحارث فزحف إليه القعقاع فلم يبق حول
الجمل عامري مكتهل إلا أصيب يتسرعون إلى الموت وقال القعقاع يا بجير بن دلجة
صح بقومك فليعقروا الجمل قبل أن يصابوا وتصاب أم المؤمنين فقال يأل ضبة
يا عمرو بن دلجة ادع بي إليك فدعا به فقال أنا آمن حتى أرجع قال نعم قال فاجتث
ساق البعير فرمى بنفسه على شقه وجرجر البعير وقال القعقاع لمن يليه أنتم آمنون
واجتمع هو وزفر على قطع بطان البعير وحملا الهودج فوضعاه ثم أطافا به وتفار
من وراء ذلك من الناس (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن الصعب
ابن عطية عن أبيه قال لما أمسى الناس وتقدم علي وأحيط بالجمل ومن حوله وعقره
بجير بن دلجة وقال إنكم آمنون فكف بعض الناس عن بعض وقال علي في ذلك
حين أمسى وانخنس عنهم القتال
إليك أشكو عجري وبجري * ومعشرا غشوا علي بصري
قتلت منهم مضرا بمضري * شفيت نفسي وقتلت معشري
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن إسماعيل بن أبي خالد عن
حكيم بن جابر قال قال طلحة يومئذ اللهم أعط عثمان مني حتى يرضى فجاء سهم
غرب وهو واقف فخل ركبته بالسرج وثبت حتى امتلا موزجه دما فلما ثقل قال
لمولاه اردفني وابغني مكانا لا أعرف فيه فلم أر كاليوم شيخا أضيع دما فركب
مولاه وأمسكه وجعل يقول قد لحقنا القوم حتى انتهى به إلى دار من دور البصرة
خربة وأنزله في فيئها فمات في تلك الخربة ودفن رضي الله عنه في بني سعد (كتب
إلي السري) عن شعيب عن سيف عن البختري العبدي عن أبيه قال كانت ربيعة
مع علي يوم الجمل ثلث أهل الكوفة ونصف الناس يوم الوقعة كانت تعبيتهم
534

مضر ومضر وربيعة وربيعة واليمن واليمن فقال بنو صوحان يا أمير المؤمنين ائذن
لنا نقف عن مضر ففعل فأتى زيد فقيل له ما يوقفك حيال الجمل وبحيال مضر
الموت معك وبإزائك فاعتزل إلينا فقال الموت نريد فأصيبوا يومئذ وأفلت
صعصعة من بينهم (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن الصعب بن
عطية قال كان رجل منا يدعى الحارث فقال يومئذ يأل مضر علام يقتل بعضكم
بعضا تبادرون لا ندري إلا أنا إلى قضاء وما تكفون في ذلك * حدثني عبد الله بن
أحمد قال حدثني أبي قال حدثني سليمان قال حدثني عبد الله بن المبارك عن جرير
قال حدثني الزبير بن الحريث قال حدثني شيخ من الحرمين يقال له أبو جبير قال
مررت بكعب بن سور وهو آخذ بخطام جمل عائشة رضي الله عنها يوم الجمل
فقال يا أبا جبير أنا والله كما قالت القائلة * يا بني لا تبن ولا تقاتل
* حدثني الزبير بن الحريث قال مر به علي وهو قتيل فقام عليه فقال والله إنك
ما علمت كنت لصليبا في الحق قاضيا بالعدل وكيت وكيت فأثنى عليه (كتب إلي
السري) عن شعيب عن سيف عن ابن صعصعة المزني أو عن صعصعة عن عمرو
ابن جأوان عن جرير بن أشرس قال كان القتال يومئذ في صدر النهار مع طلحة
والزبير فانهزم الناس وعائشة توقع الصلح فلم يفجأها إلا الناس فأحاطت بها مضر
ووقف الناس للقتال فكان القتال نصف النهار مع عائشة وعلي وقد كان كعب
ابن سور أخذ مصحف عائشة وعلي وقد كان كعب بن سور أخذ مصحف عائشة
فبدر بين الصفين يناشدهم الله عز وجل في دمائهم وأعطى درعه فرمى بها تحته وأتى
بترسه فتنكبه فرشقوه رشقا واحدا فقتلوه رضي الله عنه ولم يمهلوهم أن شدوا
عليهم والتحم القتال فكان أول مقتول بين يدي عائشة من أهل الكوفة (كتب
إلي السري) عن شعيب عن سيف عن مخلد بن كثير عن أبيه قال أرسلنا مسلم بن
عبد الله يدعو بني أبينا فرشقوه كما صنع القلب بكعب رشقا واحدا فقتلوه فكان
أول من قتل بين يدي أمير المؤمنين وعائشة رضي الله عنها فقالت أم مسلم ترثيه
لا هم إن مسلما أتاهم * مستسلما للموت إذ دعاهم
535

إلى كتاب الله لا يخشاهم * فرملوه من دم إذ جاءهم
وأمهم قائمة تراهم * يأتمرون الغي لا تنهاهم
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن الصعب بن حكيم بن شريك
عن أبيه عن جده قال لما انهزمت مجنبتا الكوفة عشية الجمل صاروا إلى القلب
وكان ابن يثربي قاضى البصرة قبل كعب بن سور فشهدهم هو وأخوه يوم الجمل
وهما عبد الله وعمرو فكان واقفا أمام الجمل على فرس فقال علي من رجل يحمل
على الجمل فانتدب له هند بن عمرو المرادي فاعترضه ابن يثربي فاختلفا ضربتين
فقتله ابن يثربي ثم حمل سيحان بن صوحان فاعترضه ابن يثربي فاختلفا ضربتين
فقتله ابن يثربي ثم حمل علباء بن الهيثم فاعترضه ابن يثربي فقتله ثم حمل صعصة فضربه
فقتل ثلاثة أجهز عليهم في المعركة علباء وهند وسيحان وارتث صعصعة وزيد
أحدهما وبقى الآخر (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن عمرو بن
محمد عن الشعبي قال أخذ الخطام يوم الجمل سبعون رجلا من قريش كلهم يقتل
وهو آخذ بالخطام وحمل الأشتر فاعترضه عبد الله بن الزبير فاختلفا ضربتين ضربه
الأشتر فأمه وواثبه عبد الله فاعتنقه فخر به وجعل يقول اقتلوني ومالكا وكان
الناس لا يعرفونه بمالك ولو قال والأشتر وكانت له ألف ألف نفس ما نجا منها
شئ وما زال يضطرب في يدي عبد الله حتى أفلت وكان الرجل إذا حمل على الجمل
ثم نجا لم يعد وجرح يومئذ مروان وعبد الله بن الزبير * حدثني عبد الله بن أحمد
قال حدثني عمي قال حدثني سليمان قال حدثني عبد الله عن جرير بن حازم قال
حدثني محمد بن أبي يعقوب وابن عون عن أبي رجاء قال قال يومئذ عمرو بن يثربي
الضبي وهو أخو عميرة القاضي:
نحن بنو ضبة أصحاب الجمل * ننزل بالموت إذا الموت نزل
وزاد ابن عون وليس في حديث ابن أبي يعقوب:
القتل أحلى عندنا من العسل * ننعي ابن عفان بأطراف الأسل
ردوا علينا شيخنا ثم بجل
536

(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن داود بن أبي هند عن شيخ
من بني ضبة قال ارتجز يومئذ ابن يثربي:
إنا لمن أنكرني ابن يثربي * قاتل علباء وهند الجملي
وابن لصوحان على دين علي
وقال من يبارز فبرز له رجل فقتله ثم برز له آخر فقتله وارتجز وقال:
أقتلهم وقد أرى عليا * ولوا أشا أوجرته عمريا
فبرز له عمار بن ياسر وإنه لأضعف من بارزه وإن الناس ليسترجعون حين
قام عمار وأنا أقول لعمار من ضعفه هذا والله لاحق بأصحابه كان قضيفا حمش
الساقين وعليه سيف حمائله بشقه قائمه قريب من إبطه فيضربه ابن يثربي بسيفه
فنشب في حجفته وضربه عمار وأوهطه ورمى أصحاب علي ابن يثربي بالحجارة حتى
أثخنوه وارتثوه (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن حماد البرجمي عن
خارجة بن الصلت قال لما قال الضبي يوم الجمل:
نحن بنو ضبة أصحاب الجمل * ننعي ابن عفان بأطراف الأسل
ردوا علينا شيخنا ثم بجل
قال عمير بن أبي الحارث:
كيف نرد شيخكم وقد قحل * نحن ضربنا صدره حتى انجفل
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن الصعب بن حكيم عن أبيه
عن جده قال عقر الجمل رجل من بني ضبة يقال له ابن دلجة عمرو أو بجير وقال
في ذلك الحارث بن قيس وكان من أصحاب عائشة:
نحن ضربنا ساقه فانجدلا * من ضربة بالنفر كانت فيصلا
لو لم نكون للرسول ثقلا * وحرمة لاقتسمونا عجلا
وقد نحلا ذلك المثنى بن محرمة من أصحاب علي
شدة القتال يوم الجمل وخبر أعين بن ضبيعة واطلاعه في الهودج
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد بن نويرة عن أبي عثمان
537

قال قال القعقاع ما رأيت شيئا أشبه بشئ من قتال القلب يوم الجمل بقتال صفين
لقد رأيتنا ندافعهم بأسنتنا ونتكئ على أزجتنا وهم مثل ذلك حتى لو أن الرجال
مشت عليها لاستقلت بهم * حدثني عيسى بن عبد الرحمن المروزي قال حدثنا الحسن
ابن الحسين العرني قال حدثنا يحيى بن يعلى الأسلمي عن سليمان بن قرم عن الأعمش
عن عبد الله بن سنان الكاهلي قال لما كان يوم الجمل ترامينا بالنبل حتى فنيت
وتطاعنا بالرماح حتى تشبكت في صدورنا وصدورهم حتى لم سيرت عليها الخيل
لسارت ثم قال على السيوف يا أبناء المهاجرين (قال الشيخ) فما دخلت دار الوليد
إلا ذكرت ذلك اليوم * حدثني عبد الأعلى بن واصل قال حدثنا أبو فقيم قال حدثنا
قطر قال سمعت أبا بشير قال كنت مع مولاي زمن الجمل فما مررت بدار الوليد
قط فسمعت أصوات القصارين يضربون إلا ذكرت قتالهم * حدثني عيسى بن
عبد الرحمن المروزي قال حدثنا الحسن بن الحسين قال حدثنا يحيى بن يعلى عن
عبد الملك بن مسلم عن عيسى بن حطان قال حاص الناس حيصة ثم رجعنا وعائشة على
جمل أحمر في هودج أحمر ما شبهته إلا القنفذ من النبل * حدثني عبد الله بن أحمد
قال حدثني أبي قال حدثني سليمان قال حدثني عبد الله قال حدثني ابن عون عن
أبي رجاء قال ذكروا يوم الجمل فقال كأني أنظر إلى خدر عائشة كأنه قنفذ مما
رمى فيه من النبل فقلت لأبي رجاء أقاتلت يومئذ قال والله لقد رميت بأسهم
فما أدرى ما صنعن (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد عن
راشد السلمي عن ميسرة أبي جميلة أن محمد بن أبي بكر وعمار بن ياسر أتيا
عائشة وقد عقر الجمل فقطعا غرضة الرحل واحتملا الهودج فنحياه حتى أمرهما
علي فيه أمره بعد قال أدخلاها البصرة فأدخلاها دار عبد الله بن خلف الخزاعي
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا أمر علي نفرا
بحمل الهودج من بين القتلى وقد كان القعقاع وزفر بن الحارث أنزلاه عن ظهر
البعير فوضعاه إلى جنب البعير فأقبل محمد بن أبي بكر إليه ومعه نفر فأدخل يده
فيه فقالت من هذا قال أخوك البر قالت عقوق قال عمار بن ياسر كيف رأيت
538

ضرب بنيك اليوم يا أمه قالت من أنت قال أنا ابنك البار عمار قالت لست لك
بأم قال بلى وإن كرهت قالت فخرتم ان ظفرتم وأتيتم مثل ما نقمتم هيهات والله
لن يظفر من كان هذا دأبه وأبرزوها بهودجها من القتلى ووضعوها ليس قربها
أحد وكأن هودجها فرخ مقضب مما فيه من النبل وجاء أعين بن ضبيعة المجاشعي
حتى اطلع في الهودج فقالت إليك لعنك الله فقال والله ما أرى إلا حميراء قالت
هتك الله سترك وقطع يدك وأبدى عورتك فقتل بالبصرة وسلب وقطعت يده
ورمى به عريانا في خربة من خربات الأزد فانتهى إليها علي فقال إي أمه يغفر الله
لنا ولكم قالت غفر الله لنا ولكم (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف
عن الصعب بن حكيم بن شريك عن أبيه عن جده قال انتهى محمد بن أبي بكر ومعه
عمار فقطع الأنساع عن الهودج واحتملاه فلما وضعاه أدخل محمد يده وقال
أخوك محمد فقالت مذمم قال يا أخية هل أصابك شئ قالت ما أنت من ذاك قال
فمن إذا الضلال قالت بل الهداة وانتهى إليها علي فقال كيف أنت يا أمه قالت
بخير قال يغفر الله لك قالت ولك (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف
عن محمد وطلحة قالا ولما كان من آخر الليل خرج محمد بعائشة حتى أدخلها البصرة
فأنزلها في دار عبد الله بن خلف الخزاعي على صفية ابنة الحارث بن طلحة بن
أبي طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار وهي أم طلحة الطلحات بن عبد الله
ابن خلف. وكانت الوقعة يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة 36
في قول الواقدي
مقتل الزبير بن العوام رضي الله عنه
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن الوليد بن عبد الله عن أبيه
قال لما انهزم الناس يوم الجمل عن طلحة والزبير ومضى الزبير رضي الله عنه حتى مر
بعسكر الأحنف فلما رآه وأخبر به قال والله ما هذا انحياز وقال للناس من يأتينا
بخبره فقال عمرو بن جرموز لأصحابه أنا فأتبعه فلما لحقه نظر إليه الزبير وكان
شديد الغضب قال ما وراءك قال إنما أردت أن أسألك فقال غلام للزبير يدعى
539

عطية كان معه أنه معد فقال ما يهولك من رجل وحضرت الصلاة فقال ابن جرموز
الصلاة فقال الزبير الصلاة فنزلا واستدبره ابن جرموز فطعنه من خلفه في جربان
درعه فقتله وأخذ فرسه وخاتمه وسلاحه وخلى عن الغلام فدفنه بوادي السباع
ورجع إلى الناس بالخبر فأما الأحنف فقال والله ما أدري أحسنت أم أسأت ثم
انحدر إلى علي وابن جرموز معه فدخل عليه فأخبره فدعا بالسيف فقال سيف طالما
جلى الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث بذلك إلى عائشة ثم أقبل
على الأحنف فقال تربصت فقال ما كنت أراني إلا قد أحسنت وبأمرك كان ما كان
يا أمير المؤمنين فارفق فان طريقك الذي سلكت بعيد وأنت إلي غدا أحوج
منك أمس فاعرف احساني واستصف مودتي لغد ولا تقولن مثل هذا فاني
لم أزل لك ناصحا
من انهزم يوم الجمل فاختفى ومضى في البلاد
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا ومضى
الزبير في صدر يوم الهزيمة راجلا نحو المدينة فقتله ابن جرموز قالا وخرج عتبة
ابن أبي سفيان وعبد الرحمن ويحيى ابنا الحكم يوم الهزيمة قد شججوا في البلاد
فلقوا عصمة بن أبير التيمي فقال هل لكم في الجوار قالوا من أنت قال عصمة بن
أبير قالوا نعم قال فأنتم في جواري إلى الحول فمضى بهم ثم حماهم وأقام عليهم حتى
برئوا ثم قال اختاروا أحب بلد إليكم أبلغكموه قالوا الشأم فخرج بهم في أربعمائة
راكب من تيم الرباب حتى إذا وغلوا في بلاد كلب بدومة قالوا قد وفيت ذمتك
وذممهم وقضيت الذي عليك فارجع فرجع وفي ذلك يقول الشاعر
وفى ابن أبير والرماح شوارع * بآل أبي العاصي وفاء مذكرا
وأما ابن عامر فإنه خرج أيضا مشججا فتلقاه رجل من بني حرقوص يدعى
مري فدعاه للجوار فقال نعم فأجاره وأقام عليه وقال أي البلدان أحب إليك قال
دمشق فخرج به في ركب من بني حرقوص حتى بلغوا به دمشق وقال حارثة بن بدر
وكان مع عائشة وأصيب في الوقعة ابنه أو أخوه زراع (وفي نسخة أخرى دراع)
540

أتاني من الانباء أن ابن عامر * أناخ وألقى في دمشق المراسيا
وأوى مروان بن الحكم إلى أهل بيت من عنزة يوم الهزيمة فقال لهم أعلموا
مالك بن مسمع بمكاني فأتوا مالكا فأخبروه بمكانه فقال لأخيه مقاتل كيف نصنع
بهذا الرجل الذي قد بعث إلينا بعلمنا بمكانه قال ابعث ابن أخي فأجره والتمسوا له
الأمان من علي فان آمنه فذاك الذي نحب وان لم يؤمنه خرجنا به وبأسيافنا
فان عرض له جالدنا دونه بأسيافنا فإما أن نسلم وإما أن نهلك كراما وقد استشار
غيره من أهله من قبل في الذي استشار فيه مقاتلا فنهاه فأخذ برأي أخيه وترك
رأيهم فأرسل إليه فأنزله في داره وعزم على منعه إن اضطر إلى ذلك وقال الموت
دون الجوار وفاء وحفظ لهم بنو مروان ذلك بعد وانتفعوا به عندهم وشرفوهم
بذلك وأوى عبد الله بن الزبير إلى دار رجل من الأزد يدعى وزيرا وقال ائت
أم المؤمنين فأعلمها بمكاني وإياك أن يطلع على هذا محمد بن أبي بكر فأتى عائشة
رضي الله عنها فأخبرها فقالت علي بمحمد فقال يا أم المؤمنين إنه قد نهاني أن يعلم
به محمد فأرسلت إليه فقالت اذهب مع هذا الرجل حتى تجيئني بابن أختك
فانطلق معه فدخل بالأزدي على ابن الزبير قال جئتك والله بما كرهت وأبت
أم المؤمنين إلا ذلك فخرج عبد الله ومحمد وهما يتشاتمان فذكر محمد عثمان
فشتمه وشتم عبد الله محمدا حتى انتهى إلى عائشة في دار عبد الله بن خلف وكان
عبد الله بن خلف قبل يوم الجمل مع عائشة وقتل عثمان أخوه مع علي وأرسلت
عائشة في طلب من كان جريحا فضمت منهم ناسا وضمت مروان فيمن ضمت فكانوا
في بيوت الدار (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا
وغشى الوجوه عائشة وعلي في عسكره ودخل القعقاع بن عمرو على عائشة في أول
من دخل فسلم عليها فقالت إني رأيت رجلين بالأمس اجتلدا بين يدي وارتجزا
بكذا فهل تعرف كوفيك منهما قال نعم ذاك الذي قال أعق أم نعلم وكذب والله
إنك لأبر أم نعلم ولكن لم تطاعي فقالت والله لوددت أني مت قبل هذا اليوم بعشرين
سنة وخرج فأتى عليا فأخبره أن عائشة سألته فقال ويحك من الرجلان قال ذلك
541

أبو هالة الذي يقول كيما أرى صاحبه عليا فقال والله لوددت أني مت قبل هذا
اليوم بعشرين سنة فكان قولهما واحدا (كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف
عن محمد وطلحة قالا وتسلل الجرحى في جوف الليل ودخلوا البصرة من كان
يطيق الانبعاث منهم وسألت عائشة يومئذ عن عدة من الناس منهم من كان معها
ومنهم من كان عليها وقد غشيها الناس وهي في دار عبد الله بن خلف فكلما نعى
لها منهم واحد قالت يرحمه الله فقال لها رجل من أصحابها كيف ذلك قالت كذلك
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلان في الجنة وفلان في الجنة وقال علي بن أبي
طالب يومئذ إني لأرجو ألا يكون أحد من هؤلاء نقى قلبه إلا أدخله الله الجنة (كتب
إلي السري) عن شعيب عن سيف عن عطية عن أبي أيوب عن علي قال ما نزل
على النبي صلى الله عليه آية أفرح له من قول الله عز وجل (وما أصابكم من مصيبة
فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير) فقال صلى الله عليه وسلم ما أصاب المسلم
في الدنيا من مصيبة في نفسه فبذنب وما يعفو الله عز وجل عنه أكثر وما أصابه في
الدنيا فهو كفارة له وعفو منه لا يعتد عليه فيه عقوبة يوم القيامة وما عفا الله
عز وجل عنه في الدنيا فقد عفا عنه والله أعظم من أن يعود في عفوه
توجع علي على قتلى الجمل ودفنهم وجمعه ما كان في العسكر والبعث به إلى البصرة
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا وأقام علي
ابن أبي طالب في عسكره ثلاثة أيام لا يدخل البصرة وندب الناس إلى موتاهم
فخرجوا إليهم فدفنوهم فطاف على من معهم في القتلى فلما أتى بكعب بن سور قال
زعمتم أنما خرج معهم السفهاء وهذا الحبر قد ترون وأتى على عبد الرحمن بن عتاب
فقال هذا يعسوب القوم يقول الذي كانوا يطيفون به يعني أنهم قد كانوا اجتمعوا
عليه ورضوا به لصلاتهم وجعل على كلما مر برجل فيه خير قال زعم من زعم
أنه لم يخرج إلينا إلا الغوغاء هذا العابد المجتهد وصلى على قتلاهم من أهل البصرة
وعلى قتلاهم من أهل الكوفة وصلى على قريش من هؤلاء وهؤلاء فكانوا مدنيين
ومكيين ودفن على الأطراف في قبر عظيم وجمع ما كان في العسكر من شئ ثم بعث
542

به إلى مسجد البصرة أن من عرف شيئا فليأخذه إلا سلاحا كان في الخزائن عليه
سمة السلطان فإنه مما بقى ما لم يعرف خذوا ما أجلبوا به عليكم من مال الله عز وجل
لا يحل لمسلم من مال المسلم المتوفى شئ وإنما كان ذلك السلاح في أيديهم من
غير تنفل من السلطان
عدد قتلى الجمل
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا كان قتل
الجمل حول الجمل عشرة آلاف نصفهم من أصحاب علي ونصفهم من أصحاب عائشة
من الأزد ألفان ومن سائر اليمن خمسمائة ومن مضر ألفان وخمسمائة من قيس
وخمسمائة من تميم وألف من بني ضبة وخمسمائة من بكر بن وائل وقيل قتل من
أهل البصرة في المعركة الأولى خمسة آلاف وقتل من أهل البصرة في المعركة الثانية
خمسة آلاف فذلك عشرة آلاف قتيل من أهل البصرة ومن أهل الكوفة خمسة
آلاف قالا وقتل من بني عدي يومئذ سبعون شيخا كلهم قد قرأ القرآن سوى
الشباب ومن لم يقرأ القرآن وقالت عائشة رضي الله عنها ما زلت أرجو النصر
حتى خفيت أصوات بني عدى
دخول علي على عائشة وما أمر به من العقوبة فيمن تناولها
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا ودخل
علي البصرة يوم الاثنين فانتهى إلى المسجد فصلى فيه ثم دخل البصرة فأتاه الناس
ثم راح إلى عائشة على بغلته فلما انتهى إلى دار عبد الله بن خلف وهي أعظم دار
بالبصرة وجد النساء يبكين على عبد الله وعثمان ابني خلف مع عائشة وصفية ابنة
الحارث مختمرة تبكي فلما رأته قالت يا علي يا قاتل الأحبة يا مفرق الجمع أيتم الله
بنيك منك كما أيتمت ولد عبد الله منه فلم يرد عليها شيئا ولم يزل على حاله حتى دخل
على عائشة فسلم عليها وقعد عندها وقال لها جبهتنا صفية أما إني لم أرها منذ كانت
جارية حتى اليوم فلما خرج علي أقبلت عليه فأعادت عليه الكلام فكف بغلته
وقال أما لهممت وأشار إلى الأبواب من الدار أن أفتح هذا الباب وأقتل من فيه
543

ثم هذا فأقتل من فيه ثم هذا فأقتل من فيه وكان أناس من الجرحى قد لجأوا إلى
عائشة فأخبر علي بمكانهم عندها فتغافل عنهم فسكتت فخرج علي فقال رجل من
الأزد والله لا تفلتنا هذه المرأة فغضب وقال صه لا تهتكن سترا ولا تدخلن دارا
ولا تهيجن امرأة بأذى وإن شتمن أعراضكم وسفهن أمراءكم وصلحاءكم فإنهن
ضعاف ولقد كنا نؤمر بالكف عنهن وإنهن لمشركات وإن الرجل ليكافئ المرأة
ويتناولها بالضرب فيعير بها عقبه من بعده فلا يبلغني عن أحد عرض لامرأة
فأنكل به شرار الناس ومضى علي فلحق به رجل فقال يا أمير المؤمنين قام رجلان
ممن لقيت على الباب فتناولا من هو أمض لك شتيمة من صفية قال
ويحك لعلها عائشة قال نعم قام رجلان منهم على باب الدار فقال أحدهما
جزيت عنا أمنا عقوقا * وقال الآخر يا أمنا توبي فقد خطئت
فبعث القعقاع بن عمرو إلى الباب فأقبل بمن كان عليه فأحالوا على رجلين فقال
اضرب أعناقهما ثم قال لأنهكنهما عقوبة فضربها مائة مائة وأخرجهما من ثيابهما
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن الحارث بن حصيرة عن أبي الكنود
قال هما رجلان من أزد الكوفة يقال لهما عجل وسعد ابنا عبد الله
بيعة أهل البصرة عليا وقسمه ما في بيت المال عليهم
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا بايع
الأحنف من العشى لأنه كان خارجا هو وبنو سعد ثم دخلوا جميعا البصرة فبايع
أهل البصرة على راياتهم وبايع علي أهل البصرة حتى الجرحى والمستأمنة فلما
رجع مروان لحق بمعاوية * وقال قائلون لم يبرح المدينة حتى فرغ من صفين قالا
ولما فرغ علي من بيعة أهل البصرة نظر في بيت المال فإذا فيه ستمائة ألف وزيادة
فقسمها على من شهد معه فأصاب كل رجل منهم خمسمائة وقال لكم إن أظفركم الله
عز وجل بالشام مثلها إلى أعطياتكم وخاض في ذلك السبائية وطعنوا على علي
من وراء وراء
544

سيرة علي فيمن قاتل يوم الجمل
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد بن راشد عن أبيه قال
كان من سيرة علي أن لا يقتل مدبرا ولا يذفف على جريح ولا يكشف سترا
ولا يأخذ مالا فقال قوم يومئذ ما يحل لنا دماءهم ويحرم علينا أموالهم فقال علي
القوم أمثالكم من صفح عنا فهو منا ونحن منه ومن لج حتى يصاب فقتاله منى على
الصدر والنحر وإن لكم في خمسه لغنى فيومئذ تكلمت الخوارج
بعثة الأشتر إلى عائشة بجمل اشتراه لها وخروجها من البصرة إلى مكة
* حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء قال حدثنا يحيى بن آدم عن أبي بكر بن عياش
عن عاصم بن كليب عن أبيه قال لما فرغوا يوم الجمل أمرني الأشتر فانطلقت
فاشتريت له جملا بسبعمائة درهم من رجل من مهرة فقال انطلق به إلى عائشة
فقل لها بعث به إليك الأشتر مالك بن الحارث وقال هذا عوض من بعيرك فانطلقت
به إليها فقلت مالك يقرئك السلام ويقول إن هذا البعير مكان بعيرك قالت لا سلم
الله عليه إذ قتل يعسوب العرب تعني ابن طلحة وصنع بابن أخي ما صنع قال فرددته
إلى الأشتر وأعلمته قال فاخرج ذراعين شعراوين وقال أرادوا قتلي فما أصنع
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا قصدت عائشة
مكة فكان وجهها من البصرة وانصرف مروان والأسود بن أبي البختري إلى
المدينة من الطريق وأقامت عائشة بمكة إلى الحج ثم رجعت إلى المدينة
ما كتب به علي بن أبي طالب من الفتح إلى عامله بالكوفة
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا وكتب
علي بالفتح إلى عامله بالكوفة حين كتب في أمرها وهو يومئذ بمكة من عبد الله
علي أمير المؤمنين أما بعد فإنا التقينا في النصف من جمادى الآخرة بالخريبة فناء
من أفنية البصرة فأعطاهم الله عز وجل سنة المسلمين وقتل منا ومنهم قتلى كثيرة
وأصيب ممن أصيب منا ثمامة بن المثنى وهند بن عمرو وعلباء بن الهيثم وسيحان
وزيد ابنا صوحان ومحدوح وكتب عبد الله بن رافع وكان الرسول زفر بن قيس
545

إلى الكوفة بالبشارة في جمادى الآخرة
أخذ علي البيعة على الناس
وخبر زياد بن أبي سفيان وعبد الرحمن بن أبي بكرة
وكان في البيعة عليك عهد الله وميثاقه بالوفاء لتكونن لسلمنا سلما ولحربنا
حربا ولتكفن عنا لسانك ويدك وكان زياد بن أبي سفيان ممن اعتزل ولم يشهد
المعركة قعد وكان في بيت نافع بن الحارث وجاء عبد الرحمن بن أبي بكرة في المستأمنين
مسلما بعد ما فرغ علي من البيعة فقال له علي وعمك المتربص المقاعد بي فقال والله
يا أمير المؤمنين إنه لك لواد وإنه على مسرتك لحريص ولكنه بلغني أنه يشتكي
فأعلم لك علمه ثم آتيك وكتم عليا مكانه حتى استأمره فأمره أن يعلمه فأعلمه فقال
علي امش أمامي فاهدني إليه ففعل فلما دخل عليه قال تقاعدت عني وتربصت
ووضع يده على صدره وقال هذا وجع بين فاعتذر إليه زياد فقبل عذره واستشاره
وأراده علي على البصرة فقال رجل من أهل بيتك يسكن إليه الناس فإنه أجدر
أن يطمئنوا أو ينقادوا وسأكفيكه وأشير عليه فافترقا على ابن عباس ورجع
علي إلى منزله
تأمير ابن عباس على البصرة وتولية زياد الخراج
وأمر ابن عباس على البصرة وولى زيادا الخراج وبيت المال وأمر ابن عباس أن
يسمع منه فكان ابن عباس يقول استشرته عند هنة كانت من الناس فقال إن كنت
تعلم أنك على الحق وأن من خالفك على الباطل أشرت عليك بما ينبغي وإن كنت
لا تدري أشرت عليك بما ينبغي كذلك فقلت إني على الحق وإنهم على الباطل فقال
أضرب بمن أطاعك من عصاك ومن ترك أمرك فإن كان أعز للاسلام وأصلح له أن
يضرب عنقه فاضرب عنقه فاستكتبته فلما ولى رأيت ما صنع وعلمت أنه قد اجتهد لي
رأيه وأعجلت السبائية عليا عن المقام وارتحلوا بغير إذنه فارتحل في آثارهم ليقطع عليهم
أمرا إن كانوا أرادوه وقد كان له فيها مقام (كتب إلي السري) عن شعيب عن
سيف عن محمد وطلحة قالا علم أهل المدينة بيوم الجمل يوم الخميس قبل أن تغرب
546

الشمس من نسر مر بما حول المدينة معه شئ متعلقه فتأمله الناس فوقع فإذا
كف فيها خاتم نقشه عبد الرحمن بن عتاب وجفل من بين مكة والمدينة
من أهل البصرة من قرب من البصرة أو بعد وقد علموا بالوقعة مما ينقل إليهم
النسور من الأيدي والاقدام
تجهيز علي عليه السلام عائشة رضي الله عنها من البصرة
(كتب إلي السري) عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة قالا وجهز علي
عائشة بكل شئ ينبغي لها من مركب أو زاد أو متاع وأخرج معها كل من نجا ممن
خرج معها إلا من أحب المقام واختار لها أربعين امرأة من نساء أهل البصرة
المعروفات وقال تجهز يا محمد فبلغها فلما كان اليوم الذي ترتحل فيه جاءها حتى وقف
لها وحضر الناس فخرجت على الناس وودعوها وودعتهم وقالت يا بني تعتب بعضنا
على بعض استبطاء واستزادة فلا يعتدن أحد منكم على أحد بشئ بلغه من ذلك
إنه والله ما كان بيني وبين علي في القديم الا ما يكون بين المرأة وأحمائها وإنه
عندي على معتبتي من الأخيار وقال علي يا أيها الناس صدقت والله وبرت ما كان
بيني وبينها الا ذلك وإنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة وخرجت
يوم السبت لغرة رجب سنة 36 وشيعها علي أميالا وسرح بنيه معها يوما
ما روى من كثرة القتلى يوم الجمل
* حدثني عمر بن شبة قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا محمد بن الفضل بن عطية
الخراساني عن سعيد القطعي قال كنا نتحدث أن قتلى الجمل يزيدون على ستة آلاف
* حدثني عبد الله بن أحمد بن شبويه قال حدثني أبي قال حدثنا سليمان بن صالح قال
حدثني عبد الله عن جرير بن حازم قال حدثني الزبير بن الحريث عن أبي لبيد لمازة بن
زياد قال قلت له لم تسب عليا قال ألا أسب رجلا قتل منا ألفين وخمسمائة والشمس
هاهنا قال جرير بن حازم وسمعت ابن أبي يعقوب يقول قتل علي بن أبي طالب يوم
الجمل ألفين وخمسمائة ألف وثلثمائة وخمسون من الأزد وثمانمائة من بني ضبة وثلثمائة
وخمسون من سائر الناس * وحدثني أبي عن سليمان عن عبد الله عن جرير قال
547

قتل المعرض بن علاط يوم الجمل فقال أخوه الحجاج
لم أر يوما كان أكثر ساعيا * بكف شمال فارقتها يمينها
قال معاذ وحدثني عبد الله قال قال جرير قتل المعرض بن علاط يوم الجمل فقال
أخوه الحجاج
لم أر يوما كان أكثر ساعيا * بكف شمال فارقتها يمينها
ما قال عمار بن ياسر لعائشة حين فرغ من الجمل
* حدثني عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي عن سليمان قال حدثني عبد الله عن
جرير بن حازم قال سمعت أبا يزيد المديني يقول قال عمار بن ياسر لعائشة رضي الله عنها
حين فرغ القوم يا أم المؤمنين ما أبعد هذا المسير من العهد الذي عهد إليك
قالت أبو اليقظان قال نعم قالت والله إنك ما علمت قوال بالحق قال الحمد لله الذي
قضى لي على لسانك
آخر حديث الجمل
بعثة علي بن أبي طالب قيس بن سعد بن عبادة أميرا على مصر
(وفي هذه السنة) أعنى سنة 36 قتل محمد بن أبي حذيفة وكان سبب قتله أنه
لما خرج المصريون إلى عثمان مع محمد بن أبي بكر أقام بمصر وأخرج عنها عبد الله
ابن سعد بن أبي سرح وضبطها فلم يزل بها مقيما حتى قتل عثمان رضي الله عنه وبويع
لعلي وأظهر معاوية الخلاف وبايعه على ذلك عمرو بن العاص فسار معاوية وعمرو
إلى محمد بن أبي حذيفة قبل قدوم قيس بن سعد مصر فعالجا دخول مصر فلم يقدرا
على ذلك فلم يزالا يخدعان محمد بن أبي حذيفة حتى خرج إلى عريش مصر في ألف رجل
فتحصن بها وجاءه عمرو فنصب المنجنيق عليه حتى نزل في ثلاثين من أصحابه وأخذوا
وقتلوا رحمهم الله (وأما هشام بن محمد) فإنه ذكر أن أبا محنف لوط بن يحبى بن سعيد
ابن مخنف بن سليم حدثه عن محمد بن يوسف الأنصاري من بني الحارث بن الخزرج عن
عباس بن سهل الساعدي أن محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد
مناف هو الذي كان سرب المصريين إلى عثمان بن عفان وأنهم لما ساروا إلى عثمان
548

فحصروه وثب هو بمصر على عبد الله بن سعد بن أبي سرح أحد بني عامر بن لؤي
القرشي وهو عامل عثمان يومئذ على مصر فطرده منها وصلى بالناس فخرج عبد الله
ابن سعد من مصر فنزل على تخوم أرض مصر مما يلي فلسطين فانتظر ما يكون
من أمر عثمان فطلع راكب فقال يا عبد الله ما وراءك خبرنا بخبر الناس خلفك قال
أفعل قتل المسلمون عثمان رضي الله عنه فقال عبد الله بن سعد إنا لله وإنا إليه راجعون
يا عبد الله ثم صنعوا ماذا قال ثم بايعوا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم علي
ابن أبي طالب قال عبد الله بن سعد إنا لله وإنا إليه راجعون قال له الرجل كأن ولاية
علي بن أبي طالب عدلت عندك قتل عثمان قال أجل قال فنظر إليه الرجل فتأمله
فعرفه وقال كأنك عبد الله بن أبي سرح أمير مصر قال أجل قال له الرجل فإن كان
لك في نفسك حاجة فالنجاء النجاء فإن رأى أمير المؤمنين فيك وفي أصحابك سيئ
إن ظفر بكم قتلكم أو نفاكم عن بلاد المسلمين وهذا بعدي أمير يقدم عليك قال له
عبد الله ومن هذا الأمير قال قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري قال عبد الله بن سعد
أبعد الله محمد بن أبي حذيفة فإنه بغى على ابن عمه وسعى عليه وقد كان كفله
ورباه وأحسن إليه فأساء جواره ووثب على عماله وجهز الرجال إليه حتى قتل
ثم ولى عليه من هو أبعد منه ومن عثمان لم يمتعه بسلطان بلاده حولا ولا شهرا
ولم يره لذلك أهلا فقال له الرجل أنج بنفسك لا تقتل فخرج عبد الله بن سعد
هاربا حتى قدم على معاوية بن أبي سفيان دمشق (قال أبو جعفر)
فخبر هشام هذا يدل على أن قيس بن سعد ولى مصر ومحمد بن أبي حذيفة
حي (وفي هذه السنة) بعث علي بن أبي طالب على مصر قيس بن سعد
ابن عبادة الأنصاري فكان من أمره ما ذكر هشام بن محمد الكلبي قال حدثني
أبو مخنف عن محمد بن يوسف بن ثابت عن سهل بن سعد قال لما قتل عثمان رضي الله عنه
وولى علي بن أبي طالب الامر دعا قيس بن سعد الأنصاري فقال له سر إلى
مصر فقد وليتكها واخرج إلى رحلك واجمع إليه ثقاتك ومن أحببت أن يصحبك
حتى تأتيها ومعك جند فان ذلك أرعب لعدوك وأعز لوليك فإذا أنت قدمتها إن
549

شاء الله فأحسن إلى المحسن واشتد على المريب وارفق بالعامة والخاصة فان الرفق
يمن فقال له قيس بن سعد رحمك الله يا أمير المؤمنين فقد فهمت ما قلت أما قولك
اخرج إليها بجند فوالله لئن لم أدخلها إلا بجند آتيها به من المدينة لا أدخلها أبدا
فأنا أدع ذلك الجند لك فان أنت احتجت إليهم كانوا منك قريبا وإن أردت أن تبعثهم
إلى وجه من وجوهك كانوا عدة لك وأنا أصير إليها بنفسي وأهل بيتي وأما ما أوصيتني به
من الرفق والاحسان فان الله عز وجل هو المستعان على ذلك قال فخرج قيس بن
سعد في سبعة نفر من أصحابه حتى دخل مصر فصعد المنبر فجلس عليه وأمر بكتاب
معه من أمير المؤمنين فقرئ على أهل مصر بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علي
أمير المؤمنين إلى من بلغه كتابي هذا من المؤمنين والمسلمين سلام عليكم فانى أحمد
إليكم الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فان الله عز وجل بحسن صنعه وتقديره وتدبيره
اختار الاسلام دينا لنفسه وملائكته ورسله وبعث به الرسل عليهم السلام إلى
عباده وخص به من انتخب من خلقه فكان مما أكرم الله عز وجل به هذه الأمة
وخصهم به من الفضيلة أن بعث إليهم محمدا صلى الله عليه وسلم فعلمهم الكتاب والحكمة
والفرائض والسنة لكيما يهتدوا وجمعهم لكيما لا يتفرقوا وزكاها لكيما يتطهروا
ورفهم لكيما لا يجوروا فلما قضى من ذلك ما عليه قبضه الله عز وجل صلوات الله عليه
ورحمته وبركاته ثم إن المسلمين استخلفوا به أميرين صالحين عملا بالكتاب والسنة
وأحسنا السيرة ولم يعدوا السنة ثم توفاهما الله عز وجل رضي الله عنهما ثم ولى
بعدهما وال فأحدث أحداثا فوجدت الأمة عليه مقالا فقالوا ثم نقموا عليه فعيروا
ثم جاؤني فبايعوني فأستهدي الله عز وجل بالهدى وأستعينه على التقوى ألا وإن
لكم علينا العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والقيام عليكم بحقه
والتنفيذ لسنته والنصح لكم بالغيب والله المستعان وحسبنا الله ونعم الوكيل وقد
بعثت إليكم قيس بن سعد بن عبادة أميرا فوازروه وكاتفوه وأعينوه على الحق
وقد أمرته بالاحسان إلى محسنكم والشدة على مريبكم والرفق بعوامكم وخواصكم
وهو ممن أرضى هديه وأرجو صلاحه ونصيحته أسأل الله عز وجل لنا ولكم عملا
550

زاكيا وثوابا جزيلا ورحمة واسعة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وكتب عبيد
ابن أبي رافع في صفر سنة 36 قال ثم إن قيس بن سعد قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه
وصلى على محمد صلى الله عليه وسلم وقال الحمد لله الذي جاء بالحق وأمات الباطل
وكبت الظالمين أيها الناس أنا قد بايعنا خير من نعلم بعد محمد نبينا صلى الله عليه
وسلم فقوموا أيها الناس فبايعوا على كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله
عليه وسلم فان نحن لم نعمل لكم بذلك فلا بيعة لنا عليكم فقام الناس فبايعوا
واستقامت له مصر وبعث عليها عماله إلا أن قرية منها يقال لها خربتا فيها أناس
قد أعظموا قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه وبها رجل من كنانة ثم من بني
مدلج يقال له يزيد بن الحارث من بني الحارث بن مدلج فبعث هؤلاء إلى قيس
ابن سعد إنا لا نقاتلك فابعث عمالك فالأرض أرضك ولكن أقرنا على حالنا حتى
ننظر إلى ما يصير أمر الناس قال ووثب مسلمة بن مخلد الأنصاري ثم من ساعدة
من رهط قيس بن سعد فنعى عثمان بن عفان رضي الله عنه ودعا إلى الطلب بدمه
فأرسل إليه قيس بن سعد ويحك علي تثب فوالله ما أحب ان لي ملك الشأم إلى
مصر واني قتلتك فبعث إليه مسلمة أني كاف عنك ما دمت أنت والي مصر قال
وكان قيس بن سعد له حزم ورأى فبعث إلى الذين بخربتا اني لا أكرهكم على
البيعة وأنا أدعكم وأكف عنكم فهادنهم وهادن مسلمة بن مخلد وجبى الخراج ليس
أحد من الناس ينازعه قال وخرج أمير المؤمنين إلى أهل الجمل وهو على مصر ورجع
إلى الكوفة من البصرة وهو بمكانه فكان أثقل خلق الله على معاوية بن أبي سفيان
لقربه من الشأم مخافة أن يقبل إليه علي في أهل العراق ويقبل إليه قيس بن سعد في أهل
مصر فيقع معاوية بينهما وكتب معاوية بن أبي سفيان إلى قيس بن سعد وعلي بن أبي
طالب يومئذ بالكوفة قبل أن يسير إلى صفين من معاوية بن أبي سفيان إلى قيس
ابن سعد سلام عليك أما بعد فإنكم إن كنتم نقمتم على عثمان بن عفان رضي الله عنه
في أثره رأيتموها أو ضربة سوط ضربها أو شتيمة رجل أو في تسييره آخر
أو في استعماله الفتى فإنكم قد علمتم إن كنتم تعلمون أن دمه لم يكن يحل لكم فقد
551

ركبتم عظيما من الامر وجئتم شيئا إدا فتب إلى الله عز وجل يا قيس بن سعد
فإنك كنت في المجلبين على عثمان بن عفان رضي الله عنه إن كانت التوبة من قتل
المؤمن تغنى شيئا فأما صاحبك فإنا استقينا أنه الذي أغرى به الناس وحملهم على
قتله حتى قتلوه وانه لم يسلم من دمه عظم قومك فإن استطعت يا قيس أن تكون
ممن يطلب بدم عثمان فافعل تابعنا على أمرنا ولك سلطان العراقين إذا ظهرت
ما بقيت ولمن أحببت من أهل بيتك سلطان الحجاز ما دام لي سلطان وسلني غير
هذا مما تحب فإنك لا تسألني شيئا الا أوتيته واكتب إلي برأيك فيما كتبت به
إليك والسلام فلما جاءه كتاب معاوية أحب أن يدافعه ولا يبدي له أمره ولا
يتعجل له حربه فكتب إليه أما بعد فقد بلغني كتابك وفهمت ما ذكرت فيه من
قتل عثمان رضي الله عنه وذلك أمر لم أقارفه ولم أطف به وذكرت أن صاحبي هو
أغرى الناس بعثمان ودسهم إليه حتى قتلوه وهذا ما لم أطلع عليه وذكرت أن
عظم عشيرتي لم تسلم من دم عثمان فأول الناس كان فيه قياما عشيرتي وأما ما سألتني
من متابعتك وعرضت علي من الجزاء به فقد فهمته وهذا أمر لي فيه نظر وفكرة
وليس هذا مما يسرع إليه وأنا كاف عنك ولن يأتيك من قبلي شئ تكرهه حتى
ترى ونرى إن شاء الله والمستجار الله عز وجل والسلام عليك ورحمة الله وبركاته
قال فلما قرأ معاوية كتابه لم يره إلا مقاربا مباعدا ولم يأمن أن يكون له في ذلك
مباعدا مكايدا فكتب إليه معاوية أيضا أما بعد فقد قرأت كتابك فلم أرك تدنو
فأعدك سلما ولم أرك تباعد فأعدك حربا أنت فيما ههنا كحنك الجزور وليس مثلي
يصانع المخادع ولا ينتزع للمكايد ومعه عدد الرجال وبيده أعنة الخيل والسلام
عليك فلما قرأ قيس بن سعد كتاب معاوية ورأى أنه لا يقبل معه المدافعة والمماطلة
أظهر له ذات نفسه فكتب إليه بسم الله الرحمن الرحيم من قيس بن سعد إلى معاوية
ابن أبي سفيان أما بعد فان العجب من اغترارك بي وطمعك في واستسقاطك
رأيي أتسومني الخروج من طاعة أولى الناس بالامرة وأقولهم للحق وأهداهم سبيلا
وأقربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيلة وتأمرني بالدخول في طاعتك
552

طاعة أبعد الناس من هذا الامر وأقولهم للزور وأضلهم سبيلا وأبعدهم من الله
عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم وسيلة ولد ضالين مضلين طاغوت من طواغيت
إبليس وأما قولك إني مالئ عليك مصر خيلا ورجلا فوالله إن لم أشغلك بنفسك
حتى تكون نفسك أهم إليك إنك لذو جد والسلام فلما بلغ معاوية كتاب قيس
أيس منه وثقل عليه مكانه * حدثني عبد الله بن أحمد المروزي قال حدثني سليمان
قال حدثني عبد الله عن يونس عن الزهري قال كانت مصر من حين على عليها قيس
ابن سعد بن عبادة وكان صاحب راية الأنصار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
وكان من ذوي الرأي والبأس وكان معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص جاهدين
على أن يخرجاه من مصر ليغلبا عليها فكان قد امتنع فيها بالدهاء والمكايدة فلم يقدرا
عليه ولا على أن يفتتحا مصر حتى كاد معاوية قيس بن سعد من قبل علي وكان
معاوية يحدث رجالا من ذوي الرأي من قريش يقول ما ابتدعت مكايدة قط كانت
أعجب عندي من مكايدة كدت بها قيسا من قبل علي وهو بالعراق حين امتنع
مني قيس قلت لأهل الشام لا تسبوا قيس بن سعد ولا تدعوا إلى غزوه فإنه لنا شيعة
يأتينا كيس نصيحته سرا ألا ترون ما يفعل باخوانكم الذين عنده من أهل خربتا
يجرى عليهم أعطياتهم وأرزاقهم ويؤمن سربهم ويحسن إلى كل راكب قدم عليه
منكم لا يستنكرونه في شئ (قال معاوية) وهممت أن أكتب بذلك إلى شيعتي
من أهل العراق فيسمع بذلك جواسيس علي عندي وبالعراق فبلغ ذلك عليا ونماه
إليه محمد بن أبي بكر ومحمد بن جعفر بن أبي طالب فلما بلغ ذلك عليا اتهم قيسا وكتب
إليه يأمره بقتال أهل خربتا وأهل خربتا يومئذ عشرة آلاف فأبى قيس بن سعد أن
يقاتلهم وكتب إلي علي إنهم وجوه أهل مصر وأشرافهم وأهل الحفاظ منهم وقد
رضوا مني أن أو من سربهم وأجرى عليهم أعطياتهم وأرزاقهم وقد علمت أن
هواهم مع معاوية فلست مكايدهم بأمر أهون علي وعليك من الذي أفعل بهم ولو أني
غزوتهم كانوا لي قرنا وهم أسود العرب ومنهم بسر بي ارطاط ومسلمة بن مخلد
ومعاوية بن خديج فذرني فأنا أعلم بما أداري منهم فأبى علي إلا قتالهم وأبى قيس
553

أن يقاتلهم فكتب قيس إلى علي إن كنت تتهمني فاعزلني عن عملك وابعث إليه
غيري فبعث علي الأشتر أميرا إلى مصر حتى إذا صار بالقلزم شرب شربة عسل
كان فيها حتفه فبلغ حديثهم معاوية وعمرا فقال عمرو إن لله جندا من عسل فلما
بلغ عليا وفاة الأشتر بالقلزم بعث محمد بن أبي بكر أميرا على مصر فالزهري يذكر
أن عليا بعث محمد بن أبي بكر أميرا على مصر بعد مهلك الأشتر بقلزم. وأما هشام
ابن محمد فإنه ذكر في خبره ان عليا بعث بالأشتر أميرا على مصر بعد مهلك محمد
ابن أبي بكر (رجع الحديث إلى حديث هشام عن أبي مخنف) ولما أيس معاوية
من قيس أن يتابعه على أمره شق عليه ذلك لما يعرف من حزمه وبأسه وأظهر
للناس قيله إن قيس بن سعد قد تابعهم فادعوا الله له وقرأ عليهم كتابه الذي لان
له فيه وقاربه قال واختلق معاوية كتابا من قيس بن سعد فقرأه على أهل الشام
بسم الله الرحمن الرحيم للأمير معاوية بن أبي سفيان من قيس بن سعد سلام عليك
فاني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فاني لما نظرت رأيت أنه لا يسعني
مظاهرة قوم قتلوا إمامهم مسلما محرما برا تقيا فنستغفر الله عز وجل لذنوبنا
ونسأله العصمة لديننا ألا وإني قد ألقيت إليكم بالسلم وإني أجبتك إلى قتال قتلة
عثمان رضي الله عنه إمام الهدى المظلوم فعول على فيما أحببت من الأموال والرجال
أعجل عليك والسلام فشاع في أهل الشام أن قيس بن سعد قد بايع معاوية بن أبي
سفيان فسرحت عيون علي بن أبي طالب إليه بذلك فلما أتاه ذلك أعظمه وأكبره
وتعجب له ودعا بنيه ودعا عبد الله بن جعفر فأعلمهم ذلك فقال ما رأيكم فقال
عبد الله بن جعفر يا أمير المؤمنين دع ما يريبك إلى ما لا يريبك اعزل قيسا عن مصر
قال لهم على إني والله ما أصدق بهذا على قيس فقال عبد الله يا أمير المؤمنين اعزله
فوالله لئن كان هذا حقا لا يعتزل لك إن عزلته فإنهم كذلك إذ جاء كتاب من قيس بن
سعد فيه بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني أخبر أمير المؤمنين أكرمه الله أن قبلي رجالا
معتزلين قد سألوني أن أكف عنهم وأن أدعهم على حالهم حتى يستقيم أمر الناس فترى
ويروا رأيهم فقد رأيت أن أكف عنهم وألا أتعجل حربهم وأن أتألفهم فيما بين ذلك
554

لعل الله عز وجل أن يقبل بقلوبهم ويفرقهم عن ضلالتهم أن شاء الله فقال عبد الله بن
جعفر يا أمير المؤمنين ما أخوفني أن يكون هذا ممالاة لهم منه فمره يا أمير المؤمنين بقتالهم
فكتب إليه علي بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فسر إلى القوم الذين ذكرت فان دخلوا
فيما دخل فيه المسلمون وإلا فناجزهم إن شاء الله فلما أتى قيس بن سعد الكتاب
فقرأه لم يتمالك أن كتب إلى أمير المؤمنين أما بعد يا أمير المؤمنين فقد عجبت لأمرك
أتأمرني بقتال قوم كافين عنك مفرغيك لقتال عدوك وإنك متى حاربتهم ساعدوا
عليك عدوك فأطعني يا أمير المؤمنين واكفف عنهم فإن الرأي تركهم والسلام
فلما أتاه هذا الكتاب قال له عبد الله بن جعفر يا أمير المؤمنين ابعث محمد بن أبي بكر
على مصر يكفك أمرها واعزل قيسا والله لقد بلغني أن قيسا يقول والله إن
سلطانا لا يتم بقتل مسلمة بن مخلد لسلطان سوء والله ما أحب أن لي ملك الشأم
إلى مصر وإني قتلت بن المخلد قال وكان عبد الله بن جعفر أخا محمد بن أبي بكر
لامه فبعث علي محمد بن أبي بكر على مصر وعزل عنها قيسا
ولاية محمد بن أبي بكر مصر
قال هشام عن ابن مخنف فحدثني الحارث بن كعب الوالبي من والبة الأزد عن
أبيه أن عليا كتب معه إلى أهل مصر كتابا فلما قدم به على قيس قال له قيس ما بال
أمير المؤمنين ما غيره أدخل أحد بيني وبينه قال له لا وهذا السلطان سلطانك
قال لا والله لا أقيم معك ساعة واحدة وغضب حين عزله فخرج منها مقبلا إلى
المدينة فقدمها فجاء حسان بن ثابت شامتا به وكان حسانا عثمانيا فقال له نزعك
علي بن أبي طالب وقد قتلت عثمان فبقى عليك الاثم ولم يحسن لك الشكر فقال
له قيس بن سعد يا أعمى القلب والبصر والله لولا أن ألقى بين رهطي ورهطك
حربا لضربت عنقك اخرج عني ثم إن قيسا خرج هو وسهل بن حنيف حتى قدما
على علي فخبره قيس فصدقه علي ثم إن قيسا وسهلا شهدا مع علي صفين (وأما
الزهري) فإنه قال فيما حدثني به عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثني
سليمان قال حدثني عبد الله عن يونس عن الزهري أن محمد بن أبي بكر قدم مصر
555

وخرج قيس فلحق بالمدينة فأخافه مروان والأسود بن أبي البختري حتى إذا
خاف أن يؤخذ أو يقتل ركب راحلته فظهر إلى علي فبعث معاوية إلى مروان
والأسود يتغيظ عليهما ويقول أمددتما عليا بقيس بن سعد ورأيه ومكانه فوالله
لو أنكما أمددتماه بمائة ألف مقاتل ما كان دلك بأغيظ لي من إخراجكما قيس
ابن سعد إلى علي فقدم قيس بن سعد على علي فلما أنبأه الحديث وجاءهم قتل محمد
ابن أبي بكر عرف أن قيس بن سعد كان يقاسى أمورا عظاما من المكايدة وأن
من كان يهزه على عزل قيس بن سعد لم ينصح له فأطاع علي قيس بن سعد في الامر
كله (قال) هشام عن أبي مخنف قال حدثني الحارث بن كعب الوالبي عن أبيه قال كنت
مع محمد بن أبي بكر حين قدم مصر فلما قدم قرأ عليهم عهده بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما عهد عبد الله علي أمير المؤمنين إلى محمد بن أبي بكر حين ولاه مصر وأمره
بتقوى الله في السر والعلانية وخوف الله عز وجل في الغيب والمشهد وباللين
على المسلمين وبالغلظة على الفاجر وبالعدل على أهل الذمة وبإنصاف المظلوم
وبالشدة على الظالم وبالعفو عن الناس وبالاحسان ما استطاع والله يجزي المحسنين
ويعذب المجرمين وأمره أن يدعو من قبله إلى الطاعة والجماعة فإن لهم في ذلك من
العاقبة وعظيم المثوبة ما لا يقدرون قدره ولا يعرفون كنهه وأمره أن يجبى خراج
الأرض على ما كانت تجبى عليه من قبل لا ينتقص منه ولا يبتدع فيه ثم يقسمه بين
أهله على ما كانوا يقسمون عليه من قبل وأن يلين لهم جناحه وأن يواسي بينهم
في مجلسه ووجهه وليكن القريب والبعيد في الحق سواء وأمره أن يحكم بين الناس
بالحق وأن يقوم بالقسط ولا يتبع الهوى ولا يخف في الله عز وجل لومة لائم
فإن الله جل ثناؤه مع من اتقى وآثر طاعته وأمره على ما سواه وكتب عبد الله
ابن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم لغرة شهر رمضان قال ثم إن
محمد بن أبي بكر قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال الحمد لله الذي هدانا وإياكم
لما اختلف فيه من الحق وبصرنا وإياكم كثيرا مما عمى عنه الجاهلون ألا إن أمير
المؤمنين ولانى أموركم وعهد إلى ما قد سمعتم وأوصاني بكثير منه مشافهة ولن آلوكم
556

خيرا ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب فإن يكن ما ترون
من إمارتي وأعمالي طاعة لله وتقوى فاحمدوا الله عز وجل على ما كان من ذلك
فإنه هو الهادي وأن رأيتم عاملا لي عمل غير الحق زائغا فارفعوه إلي وعاتبوني فيه
فانى بذلك أسعد وأنتم بذلك جديرون وفقنا الله وإياكم لصالح الأعمال برحمته ثم
نزل * وذكر هشام عن أبي مخنف قال وحدثني يزيد بن ظبيان الهمداني أن محمد
ابن أبي بكر كتب إلى معاوية بن أبي سفيان لما ولى فذكر مكاتبات جرت بينهما
كرهت ذكرها لما فيه مما لا يحتمل سماعها العامة قال ولم يلبث محمد بن أبي بكر
شهرا كاملا حتى بعث إلى أولئك القوم المعتزلين الذين كان قيس وادعهم فقال
يا هؤلاء إما أن تدخلوا في طاعتنا وإما أن تخرجوا من بلادنا فبعثوا إليه إنا لا نفعل
دعنا حتى ننظر إلى ما تصير إليه أمورنا ولا تعجل بحربنا فأبى عليهم فامتنعوا منه
وأخذوا حذرهم فكانت وقعة صفين وهم لمحمد هائبون فلما أتاهم صبر معاوية وأهل
الشأم لعلي وأن عليا وأهل العراق قد رجعوا عن معاوية وأهل الشأم وصار
أمرهم إلى الحكومة اجترؤا على محمد بن أبي بكر وأظهروا له المبارزة فلما رأى
ذلك محمد بعث الحارث بن جمهان الجعفي إلى أهل خربتا وفيها يزيد بن الحارث من
بني كنانة فقاتلهم فقتلوه ثم بعث إليهم رجلا من كلب يدي ابن مضاهم فقتلوه
(قال أبو جعفر) وفي هذه السنة فيما قيل قدم ماهويه مرزبان مرو مقرا
بالصلح الذي كان جرى بينه وبين ابن عامر على علي
ذكر ذلك
قال علي بن محمد المدائني عن أبي زكرياء العجلاني عن ابن إسحاق عن أشياخه قال قدم
ماهويه ابراز مرزبان مرو على علي بن أبي طالب بعد الجمل مقرا بالصلح فكتب
له علي كتابا إلى دهاقين مرو والأساورة والجند سلارين ومن كان في مرو بسم
الله الرحمن الرحيم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فان ماهويه أبراز مرزبان مرو
جاءني وأني رضيت عنه وكتب سنة 36 ثم إنهم كفروا وأغلقوا أبرشهر
557

توجيه علي خليد بن طريف إلى خراسان
قال علي بن محمد المدائني أخبرنا أبو مخنف عن حنظلة بن الأعلم عن ماهان الحنفي
عن الأصبغ بن نباتة المجاشعي قال بعث علي خليد بن قرة اليربوعي ويقال خليد
ابن طريف إلى خراسان
ذكر خبر عمرو بن العاص ومبايعته معاوية
(وفي هذه السنة) أعني سنة 36 بايع عمرو بن العاص معاوية ووافقه على محاربة
علي وكان السبب في ذلك ما كتب به إلى السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة
وأبي حارثة وأبي عثمان قالوا لما أحيط بعثمان رضي الله عنه خرج عمرو بن العاص
من المدينة متوجها نحو الشأم وقال والله يا أهل المدينة ما يقيم بها أحد فيدركه قتل
هذا الرجل إلا ضربه الله عز وجل بذل ومن لم يستطع نصره فليهرب فسار وسار معه
ابناه عبد الله ومحمد وخرج بعده حسان بن ثابت وتتابع على ذلك ما شاء الله قال
سيف عن أبي حارثة وأبي عثمان قالا بينا عمرو بن العاص جالس بعجلان ومعه
ابناه إذ مر بهم راكب فقالوا من أين قال من المدينة فقال عمرو وما اسمك قال حصيرة
قال عمرو حصر الرجل قال فما الخبر قال تركت الرجل محصورا قال عمرو يقتل
ثم مكثوا أياما فمر بهم راكب فقالوا من أين قال من المدينة قال عمرو ما اسمك قال
قتال قال عمرو قتل الرجل فما الخبر قال قتل الرجل قال ثم لم يكن إلا ذلك إلى أن
خرجت ثم مكثوا أياما فمر بهم راكب فقالوا من أين قال من المدينة قال عمرو ما اسمك
قال حرب قال عمرو يكون حرب فما الخبر قال قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه
وبويع لعلي بن أبي طالب قال عمرو أنا أبو عبد الله يكون حرب من حك فيها قرحة
نكأها رحم الله عثمان ورضى الله عنه وغفر له فقال سلامة بن زنباع الجذامي يا معشر
قريش إنه والله قد كان بينكم وبين العرب باب فاتخذوا بابا إذ كسر الباب فقال عمرو
وذاك الذي نريد ولا يصلح الباب إلا أشاف تخرج الحق من حافرة البأس ويكون
الناس في العدل سواء ثم تمثل عمرو في بعض ذلك
يا لهف نفسي على مالك * وهل يصرف اللهف حفظ القدر
558

أنزع من الحر أودى بهم * فأعذرهم أم بقومي سكر
ثم ارتحل راجلا يبكي كما تبكي المرأة ويقول وا عثماناه أنعى الحياء والدين حتى
قدم دمشق وقد كان سقط إليه من الذي يكون علم فعمل عليه (كتب إلي السري)
عن شعيب عن سيف عن محمد بن عبد الله عن أبي عثمان قال كان النبي صلى الله عليه
وسلم قد بعث عمرا إلى عمان فسمع هنالك من حبر شيئا فلما رأى مصداقه وهو
هناك أرسل إلى ذلك الحبر فقال حدثني بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرني
من يكون بعده قال الذي كتب إليك يكون بعده ومدته قصيرة قال ثم من قال
رجل من قومه مثله في المنزلة قال فما مدته قال طويلة ثم يقتل قال غيلة أم عن ملا
قال غيلة قال فمن يلي بعده قال رجل من قومه مثله في المنزلة قال فما مدته قال طويلة
ثم يقتل قال غيلة أم عن ملا قال عن ملا قال ذلك أشد فمن يلي بعده قال رجل من
قومه ينتشر عليه الناس ويكون على رأسه حرب شديدة بين الناس ثم يقتل قبل
أن يجتمعوا عليه قال أغيلة أم عن ملا قال غيلة ثم لا يرون مثله قال فمن يلي بعده
قال أمير الأرض المقدسة فيطول ملكه فيجتمع أهل تلك الفرقة وذلك الانتشار
عليه ثم يموت (وأما الواقدي) فإنه فيما حدثني موسى بن يعقوب عن عمه قال
لما بلغ عمرا قتل عثمان رضي الله عنه قال أنا عبد الله قتلته وأنا بوادي السباع من
يلي هذا الامر من بعده إن يله طلحة فهو فتى العرب سيبا وإن يليه ابن أبي طالب
فلا أراه إلا سيستنظف الحق وهو أكره من يليه إلي قال فبلغه أن عليا قد بويع له
فاشتد عليه وتربص أياما ينظر ما يصنع الناس فبلغه مسير طلحة والزبير وعائشة
وقال أستأني وأنظر ما يصنعون فأتاه الخبر أن طلحة والزبير قد قتلا فارتج عليه
أمره فقال له قائل إن معاوية بالشام لا يريد يبايع لعلي فلو قارنت معاوية فكان
معاوية أحب إليه من علي بن أبي طالب وقيل له إن معاوية يعظم شأن قتل عثمان
ابن عفان ويحرض على الطلب بدمه فقال عمرو ادعوا لي محمدا وعبد الله فدعيا
له فقال قد كان ما قد بلغكما من قتل عثمان رضي الله عنه وبيعة الناس لعلي وما يرصد
معاوية من محالفة علي وقال ما تريان أما علي فلا خير عنده وهو رجل يدل
559

بسابقته وهو غير مشركي في شئ من أمره فقال عبد الله بن عمرو توفى النبي
صلى الله عليه وسلم وهو عنك راض وتوفى أبو بكر رضي الله عنه وهو عنك
راض وتوفى عمر رضي الله عنه وهو عنك راض أرى أن تكف يدك وتجلس
في بيتك حتى يجتمع الناس على امام فتبايعه وقال محمد بن عمرو أنت ناب من أنياب
العرب فلا أرى أن يجتمع هذا الامر وليس لك فيه صوت ولا ذكر قال عمرو أما
أنت يا عبد الله فأمرتني بالذي هو خير لي في آخرتي وأسلم في ديني وأما أنت يا محمد
فأمرتني بالذي أنبه لي في دنياي وأشر لي في آخرتي ثم خرج عمرو بن العاص
ومعه ابناه حتى قدم على معاوية فوجد أهل الشأم يحضون معاوية على الطلب بدم
عثمان فقال عمرو بن العاص أنتم على الحق اطلبوا بدم الخليفة المظلوم ومعاوية لا يلتفت
إلى قول عمرو فقال ابنا عمرو لعمرو ألا ترى إلى معاوية لا يلتفت إلى قولك انصرف
إلى غيره فدخل عمرو على معاوية فقال والله لعجب لك إني أرفدك بما أرفدك
وأنت معرض عني أما والله إن قاتلنا معك نطلب بدم الخليفة إن في النفس من ذلك
ما فيها حيث نقاتل من تعلم سابقته وفضله وقرابته ولكنا إنما أردنا هذه الدنيا
فصالحه معاوية وعطف عليه
توجيه علي بن أبي طالب جرير بن عبد الله البجلي إلى معاوية
يدعوه إلى الدخول في طاعته
(وفي هذه السنة) وجه علي عند منصرفه من البصرة إلى الكوفة وفراغه
من الجمل جرير بن عبد الله البجلي إلى معاوية يدعوه إلى بيعته وكان جرير حين خرج
علي إلى البصرة لقتال من قاتله بها بهمذان عاملا عليها كان عثمان استعمله عليها
وكان الأشعث بن قيس على آذربيجان عاملا عليها كان عثمان استعمله عليها فلما
قدم علي الكوفة منصرفا البها من البصرة كتب إليهما يأمرهما بأخذ البيعة له على
من قبلهما من الناس والانصراف إليه ففعلا ذلك وانصرفا إليه فلما أراد علي توجيه
الرسول إلى معاوية قال جرير بن عبد الله فيما حدثني عمر بن شبة قال حدثنا
أبو الحسن عن عوانة ابعثني إليه فإنه لي ود آتيه فأدعوه إلى الدخول في طاعتك
560

فقال الأشتر لعلي لا تبعثه فوالله إني لأظن هواه معه فقال علي دعه متى ننظر
ما الذي يرجع به إلينا فبعثه إليه وكتب معه كتابا يعلمه فيه اجتماع المهاجرين
والأنصار على بيعته ونكث طلحة والزبير وما كان من حربه إياهما ويدعوه إلى
الدخول فيما دخل فيه المهاجرون والأنصار من طاعته فشخص إليه جرير فلما قدم
عليه ماطله واستنظره ودعا عمرا فاستشاره فيما كتب به إليه فأشار عليه أن يرسل
إلى وجوه الشأم ويلزم عليا دم عثمان ويقاتله بهم ففعل ذلك معاوية وكان أهل
الشأم فيما كتب إلي السري يذكر إن شعيبا حدثه عن سيف عن محمد وطلحة لما
قدم عليهم النعمان بن بشير بقميص عثمان رضي الله عنه الذي قتل فيه مخضبا بدمه
وبأصابع نائلة زوجته مقطوعة بالبراجم أصبعان منها وشئ من الكف وأصبعان
مقطوعتان من أصولهما ونصف الابهام وضع معاوية القميص على المنبر وكتب
بالخبر إلى الأجناد وثاب إليه الناس وبكوا سنة وهو على المنبر والأصابع معلقة
فيه وآلى الرجال من أهل الشأم ألا يأتوا النساء ولا يمسهم الماء للغسل إلا من
احتلام ولا يناموا على الفرش حتى يقتلوا قتلة عثمان ومن عرض دونهم بشئ
أو تفنى أرواحهم فمكثوا حول القميص سنة والقميص يوضع كل يوم على المنبر
ويجلله أحيانا فيلبسه وعلق في أردانه أصابع نائلة رضي الله عنها فلما قدم جرير بن
عبد الله على علي فيما حدثني عمر بن شبة قال حدثنا أبو الحسن عن عوانة فأخبره
خبر معاوية واجتماع أهل الشأم معه على قتاله وانهم يبكون على عثمان ويقولون
إن عليا قتله وآوى قتلته وإنهم لا ينتهون عنه حتى يقتلهم أو يقتلوه فقال الأشتر
لعلي قد كنت نهيتك أن تبعث جريرا وأخبرتك بعداوته وغشه ولو كنت بعثتني
كان خيرا من هذا الذي أقام عنده حتى لم يدع بابا يرجو فتحه إلا فتحه ولا بابا
يخاف منه إلا أغلقه فقال جرير لو كنت ثم لقتلوك لقد ذكروا أنك من قتلة عثمان
رضي الله عنه فقال الأشتر لو أتيتهم والله يا جرير لم يعيني جوابهم ولحملت معاوية
على خطة أعجله فيها عن الفكر ولو أطاعني فيك أمير المؤمنين لحبسك وأشباهك
في محبس لا تخرجون منه حتى تستقيم هذه الأمور فخرج جرير بن عبد الله إلى
قرقيسياء وكتب إلى معاوية فكتب إليه يأمره بالقدوم عليه وخرج أمير المؤمنين
561

فعسكر بالنخيلة وقدم عليه عبد الله بن عباس بمن نهض معه من أهل البصرة
خروج علي بن أبي طالب إلى صفين
* حدثني عبد الله بن أحمد المروزي قال حدثني أبي عن سليمان عن عبد الله
عن معاوية بن عبد الرحمن عن أبي بكر الهذلي أن عليا لما استخلف عبد الله بن
عباس على البصرة سار منها إلى الكوفة فتهيأ فيها إلى صفين فاستشار الناس في ذلك
فأشار عليه قوم أن يبعث الجنود ويقيم وأشار آخرون بالمسير فأبى إلا المباشرة
فجهز الناس فبلغ ذلك معاوية فدعا عمرو بن العاص فاستشاره فقال أما إذ بلغك
أنه يسير فسر بنفسك ولا تغب عنه برأيك ومكيدتك قال أما إذا يا أبا عبد الله
فجهز الناس فجاء عمرو فحضض الناس وضعف عليا وأصحابه وقال إن أهل العراق
قد فرقوا جمعهم وأوهنوا شوكتهم وفلوا حدهم ثم إن أهل البصرة مخالفون لعلي
قد وترهم وقللهم وقد تفانت صناديدهم وصناديد أهل الكوفة يوم الجمل وإنما
سار في شرذمة قليلة منهم من قد قتل خليفتكم فالله الله في حقكم أن تضيعوه وفي دمكم
أن تبطلوه وكتب في أجناد أهل الشأم وعقد لواءه لعمرو فعقد لوردان غلامه
فيمن عقد ولابنيه عبد الله ومحمد وعقد علي لغلامه قنبر ثم قال عمرو:
هل يغنين وردان عني قنبرا * وتغني السكون عني حميرا
إذا الكماة لبسوا السنورا
فبلغ ذلك عليا فقال:
لأصبحن العاصي ابن العاصي * سبعين ألفا عاقدي النواصي
مجنبين الخيل بالقلاص * مستحقبين حلق الدلاص
فلما سمع ذلك معاوية قال ما أرى ابن أبي طالب إلا قد وفى لك فجاء معاوية
يتأنى في مسيره وكتب إلى كل من كان يرى أنه يخاف عليا أو طعن عليه ومن
أعظم دم عثمان واستعواهم إليه فلما رأى ذلك الوليد بعث إليه يقول:
ألا أبلغ معاوية بن حرب * فإنك من أخي ثقة مليم
قطعت الدهر كالسدم المعنى * تهدر في دمشق فما تريم
وإنك والكتاب إلى علي * كدابغة وقد حلم الأديم
562

يمنيك الامارة كل ركب * لانقاض العراق بها رسيم
وليس أخو الترات بمن توانى * ولكن طالب الترة الغشوم
ولو كنت القتيل وكان حيا * لجرد لا ألف ولا سؤم
ولا نكل عن الأوتار حتى * يبئ بها ولا برم جثوم
وقومك بالمدينة قد أبيروا * فهم صرعى كأنهم الهشيم
وقال غير أبي بكر فدعا معاوية شداد بن قيس كاتبه وقال ابغني طومارا فأتاه
بطومار فأخذ القلم فكتب فقال لا تعجل اكتب
ومستعجب مما يرى من أناتنا * ولو زبنته الحرب لم يترمرم
ثم قال اطو الطومار فأرسل به إلى الوليد فلما فتحه لم يجد فيه غير هذا البيت قال
أبو بكر الهذلي وكتب رجل من أهل العراق حيث سار علي بن أبي طالب إلى معاوية
بيتين أبلغ أمير المؤمنين * أخا العراق إذا أتيتا
إن العراق وأهلها * عنق إليك فهيت هيتا
عاد الحديث إلى حديث عوانة
فبعث علي زياد بن النضر الحارثي طليعة في ثمانية آلاف وبعث معه شريح بن
هانئ في أربعة آلاف وخرج علي من النخيلة بمن معه فلما دخل المدائن شخص معه من
فيها من المقاتلة وولى على المدائن سعد بن مسعود الثقفي عم المختار بن أبي عبيد ووجه
علي من المدائن معقل بن قيس في ثلاثة آلاف وأمره أن يأخذ على الموصل حتى يوافيه
ما أمر به علي بن أبي طالب من عمل الجسر على الفرات
فلما انتهى علي إلى الرقة قال فيما حدثت عن هشام بن محمد عن أبي مخنف قال
حدثني الحجاج بن علي عن عبد الله بن عمار بن عبد يغوث البارقي لأهل الرقة اجسروا
لي جسرا حتى أعبر من هذا المكان إلى الشأم فأبوا وقد كانوا ضموا إليهم السفن
فنهض من عندهم ليعبر من جسر منبج وخلف عليهم الأشتر وذهب ليمضى بالناس
كيما يعبر بهم على جسر منبج فناداهم الأشتر فقال يا أهل هذا الحصن ألا اني أقسم
لكم بالله عز وجل لئن مضى أمير المؤمنين ولم تجسروا له عند مدينتكم جسرا حتى
يعبر لأجردن فيكم السيف ثم لأقلتن الرجال ولأخربن الا أرض ولآخذن الأموال
563

قال فلقى بعضهم بعضا فقالوا أليس الأشتر يفي بما حلف عليه أو يأتي بشر منه قالوا
نعم فبعثوا إليه إنا ناصبون لكم جسرا فأقبلوا وجاء علي فنصبوا له الجسر فعبر عليه
بالأثقال والرجال ثم أمر علي الأشتر فوقف في ثلاثة آلاف فارس حتى لم يبق
من الناس أحد إلا عبر ثم إنه عبر آخر الناس رجلا * قال أبو محنف وحدثني الحجاج
ابن علي عن عبد الله بن عمار بن عبد يغوث أن الخيل حين عبرت زحم بعضها بعضا
فسقطت قلنسوة عبد الله بن أبي الحصين الأزدي فنزل فأخذها ثم ركب وسقطت
قلنسوة عبد الله بن الحجاج الأزدي فنزل فأخذها ثم ركب وقال لصاحبه
فإن يك ظن الزاجري الطير صادقا * كما زعموا أقتل وشيكا وتقتل
فقال له عبد الله بن أبي الحصين ما شئ أو تاه أحب إلي مما ذكرت فقتلا جميعا
يوم صفين * قال أبو مخنف فحدثني خالد بن قطن الحارثي أن عليا لما قطع الفرات
دعا زياد بن النضر وشريح بن هانئ فسرحهما أمامه نحو معاوية على حالهما التي
كانا خرجا عليها من الكوفة قال وقد كانا حيث سرحهما من الكوفة أخذا على
شاطئ الفرات من قبل البر مما يلي الكوفة حتى بلغا عانات فبلغهما أخذ علي على
طريق الجزيرة وبلغهما أن معاوية قد أقبل من دمشق في جنود أهل الشأم لاستقبال
علي فقال لا والله ما هذا لنا برأي أن نسير وبيننا وبين المسلمين وأمير المؤمنين هذا
البحر وما لنا خير في أن نلقى جنود أهل الشأم بقلة من معنا منقطعين من العدد
والمدد فذهبوا ليعبروا من عانات فمنعهم أهل عانات وحبسوا عنهم السفن فأقبلوا
راجعين حتى عبروا من هيت ثم لحقوا عليا بقرية دون قرقيسياء وقد أرادوا أهل
عانات فتحصنوا وفروا ولما لحقت المقدمة عليا قال مقدمتي تأتيني من ورائي فتقدم
إليه زياد بن النضر الحارثي وشريح بن هانئ فأخبراه بالذي رأيا حين بغلهما من الامر
ما بلغهما فقال سددتما ثم مضى علي فلما عبر الفرات قدمهما أمامه نحو معاوية
فلما انتهيا إلى سور الروم لقيهما أبو الأعور السلمي عمرو بن سفيان في جند من أهل
الشأم فارسلا إلى علي إنا قد لقينا أبا الأعور السلمي في جند من أهل الشأم وقد
دعوناهم فلم يجبنا منهم أحد فمرنا بأمرك فأرسل علي إلى الأشتر فقال يا مالك إن زيادا
وشريحا أرسلا إلي يعلماني أنهما لقيا أبا الأعور السلمي في جمع من أهل الشأم وأنبأني
564

الرسول أنه تركهم متواقفين فالنجاء إلى أصحابك النجاء فإذا قدمت عليهم فأنت
عليهم وإياك أن تبدأ القوم بقتال الا أن يبدؤك حتى تلقاهم فتدعوهم وتسمع
ولا يجر منك شنآنهم على قتالهم قبل دعائهم والاعذار إليهم مرة بعد مرة واجعل
على ميمنتك زيادا وعلى ميسرتك شريحا وقف من أصحابك وسطا ولا تدن منهم
دنو من يريد أن ينشب الحرب ولا تباعد منهم بعد من يهاب البأس حتى أقدم
عليك فإني حثيث السير في أثرك إن شاء الله قال وكان الرسول الحارث بن جمهان
الجعفي فكتب علي إلى زياد وشريح أما بعد فإني قد أمرت عليكما مالكا
فاسمعا له وأطيعا فإنه ممن لا يخاف رهقه ولا سقاطه ولا بطؤه عما الاسراع
إليه أحزم ولا الاسراع إلى ما البطاء عنه أمثل وقد أمرته بمثل الذي كنت أمرتكما
به ألا يبدأ القوم حتى يلقاهم فيدعوهم ويعذر إليهم وخرج الأشتر حتى قدم
على القوم فاتبع ما أمره علي وكف عن القتال فلم يزالوا متواقفين حتى إذا كان عند
المساء حمل عليهم أبو الأعور السلمي فثبتوا له واضطربوا ساعة ثم إن أهل الشأم
انصرفوا ثم خرج إليهم من الغد هاشم بن عتبة الزهري في خيل ورجال حسن
عددها وعدتها وخرج إليه أبو الأعور فاقتتلوا يومهم ذلك تحمل الخيل على الخيل
والرجال على الرجال وصبر القوم بعضهم لبعض ثم انصرفوا وحمل عليهم الأشتر
فقتل عبد الله بن المنذر التنوخي قتله يومئذ ظبيان بن عمار التميمي وما هو إلا فتى
حدث وإن كان التنوخي لفارس أهل الشأم وأخذ الأشتر يقول ويحكم أروني
أبا الأعور ثم إن أبا الأعور دعا الناس فرجعوا تحوه فوقف من وراء المكان الذي
كان فيه أول مرة وجاء الأشتر حتى صف أصحابه في المكان الذي كان فيه أبو الأعور
فقال الأشتر لسنان بن مالك النخعي انطلق إلى أبي الأعور فادعه إلى المبارزة
فقال إلى مبارزتي أو مبارزتك فقال له الأشتر لو أمرتك بمبارزته فعلت قال نعم
والله لو أمرتني أن أعترض صفهم بسيفي ما رجعت أبدا حتى أضرب بسيفي في
صفهم قال له الأشتر يا أبن أخي أطال الله بقاءك قد والله ازددت رغبة فيك
لا أمرتك بمبارزته إنما أمرتك أن تدعوه إلى مبارزتي إنه لا يبرز إن كان ذلك من
شأنه إلا لذوي الأسنان والكفاءة والشرف وأنت لربك الحمد من أهل الكفاءة
والشرف غير أنك فتى حدث السن فليس بمبارز الاحداث ولكن ادعه إلى مبارزتي
565

فأتاه فنادى آمنوني فإني رسول فأومن فجاء حتى انتهى إلى أبي الأعور * قال
أبو مخنف فحدثني النضر بن صالح أبو زهير العبسي قال حدثني سنان قال فدنوت
منه فقلت إن الأشتر يدعوك إلى مبارزته قال فسكت عني طويلا ثم قال إن خفة
الأشتر وسوء رأيه هو حمله على إجلاء عمال ابن عفان رضي الله عنه من العراق
وانتزائه عليه يقبح محاسنه ومن خفة الأشتر وسوء رأيه أن سار إلى ابن عفان
رضي الله عنه في داره وقراره حتى قتله فيمن قتله فأصبح متبعا بدمه ألا لا حاجة
لي في مبارزته قال قلت إنك قد تكلمت فاسمع حتى أجيبك فقال لا لا حاجة لي في
الاستماع منك ولا في جوابك اذهب عني فصاح بي أصحابه فانصرفت عنه ولو سمع
إلي لأخبرته بعذر صاحبي ولحجته فرجعت إلى الأشتر فأخبرته أنه قد أبى المبارزة
فقال لنفسه نظر فواقفناهم حتى حجز الليل بيننا وبينهم وبتنا متحارسين فلما أصبحنا
نظرنا فإذا القوم قد انصرفوا من تحت ليلتهم ويصبحنا علي بن أبي طالب غدوة
فقدم الأشتر فيمن كان معه في تلك المقدمة حتى انتهى إلى معاوية فواقفه وجاء
علي في أثره فلحق بالأشتر سريعا فوقف وتواقفوا طويلا ثم إن عليا طلب موضعا
لعسكره فلما وجده أمر الناس فوضعوا الأثقال فلما فعلوا ذهب شباب الناس وغلمتهم
يستقون فمنعهم أهل الشأم فاقتتل الناس على الماء وقد كان الأشتر قال له قبل ذلك
إن القوم قد سبقوا إلى الشريعة وإلى سهولة الأرض وسعة المنزل فان رأيت سرنا
نجوزهم إلى القرية التي خرجوا منها فإنهم يشخصون في أثرنا فإذا هم لحقونا نزلنا فكنا
نحن وهم على السواء فسكره ذلك علي وقال ليس كل الناس يقوى على المسير فنزل بهم
القتال على الماء
قال أبو مخنف وحدثني تميم بن الحارث الأزدي عن جندب بن عبد الله قال إنا
لما انتهينا إلى معاوية وجدناه قد عسكر في موضع سهل أفيح قد اختاره قبل
قدومنا إلى جانب شريعة في الفرات ليس في ذلك الصقع شريعة غيرها وجعلها
في حيزه وبعث عليها أبا الأعور يمنعها ويحميها فارتفعنا على الفرات رجاء أن نجد
شريعة غيرها نستغني بها عن شريعتهم فلم نجدها فأتينا عليا فأخبرناه بعطش الناس
وأنا لا نجد غير شريعة القوم قال فقاتلوهم عليها فجاءه الأشعث بن قيس الكندي
فقال أنا أسير إليهم فقال له علي فسر إليهم فسار وسرنا معه حتى إذا دنونا من الماء
566

ثاروا في وجوهنا ينضحوننا بالنبل ورشقناهم والله بالنبل ساعة ثم أطعنا والله
بالرماح طويلا ثم صرنا آخر ذلك نحن والقوم إلى السيوف فاجتلدنا بها ساعة
ثم إن القوم أتاهم يزيد بن أسد العجلي ممدا في الخيل والرجال فأقبلوا نحونا فقلت في
نفسي فأمير المؤمنين لا يبعث إلينا بمن يغنى عنا هؤلاء فذهبت فالتفت فإذا عدة القوم
أو أكثر قد سرحهم إلينا ليغنوا عنا يزيد بن أسد وأصحابه عليهم شبث بن ربعي الرياحي
فوالله ما ازداد القتال إلا شدة وخرج إلينا عمرو بن العاص من عسكر معاوية في جند
كثير فأخذ يمد أبا الأعور ويزيد بن أسد وخرج الأشتر من قبل علي في جمع عظيم فلما
رأى الأشتر عمرو بن العاص يمد أبا الأعور ويزيد بن أسد أمد الأشعث بن قيس
وشبث بن ربعي فاشتد قتالنا وقتالهم فما أنسى قول عبد الله بن عوف بن الأحمر الأزدي
خلوا لنا ماء الفرات الجاري * أو أثبتوا لجحفل جرار
لكل قرم مستميت شارى * مطاعن برمحه كرار
ضراب هامات العدى مغوار
قال أبو مخنف وحدثني رجل من آل خارجة بن التميمي أن ظبيان بن عمارة
جعل يومئذ يقاتل وهو يقول
هل لك يا ظبيان من بقاء * في ساكن الأرض بغير ماء
لا وإله الأرض والسماء * فاضرب وجوه الغدر الأعداء
بالسيف عند حمس الوغاء * حتى يجيبوك إلى السواء
قال ظبيان فضربناهم والله حتى خلونا وإياه * قال أبو مخنف وحدثني أبي يحيى
ابن سعيد عن عمه محمد بن محنف قال كنت مع أبي مخنف بن سليم يومئذ وأنا ابن
سبع عشرة سنة ولست في عطاء فلما منع الناس الماء قال لي أبي لا تبرحن الرحل
فلما رأيت المسلمين يذهبون نحو الماء لم أصبر فأخذت سيفي وخرجت مع الناس
فقاتلت قال وإذا أنا بغلام مملوك لبعض أهل العراق ومعه قربة فلما رأى أهل الشأم قد
أفرجوا عن الشريعة اشتد حتى ملا قربته ثم أقبل ويشتد عليه رجل من أهل الشأم
فيضربه فيصرعه وسقطت القربة منه قال وأشد على الشامي فأضربه فأصرعه
واشتد أصحابه فاستنقذوه فسمعتهم وهم يقولون لا نأمن من عليك ورجعت إلى المملوك
فاحتملته فإذا هو يكلمني وبه جرح رغيب فما كان أسرع من أن جاءه مولاه فذهب
567

به وأخذت قربته وهي مملوءة وأتى بها أبى مخنفا فقال من أين جئت بها فقلت
اشتريتها وكرهت أن أخبره الخبر فيجد علي فقال اسق القوم فسقيتهم ثم شرب
آخرهم ونازعتني نفسي والله إلى القتال فأنطلق فأتقدم فيمن يقاتل فقاتلناهم ساعة
ثم أشهد أنهم خلوا لنا عن الماء فما أمسينا حتى رأينا سقاتنا وسقاتهم يزدحمون على
الشريعة وما يؤذى إنسان إنسانا فأقبلت راجعا فإذا أنا بمولى صاحب القربة فقلت
هذه قربتك عندنا فأرسل من يأخذها أو أعلمني مكانك حتى أبعث بها إليك فقال
رحمك الله عندنا ما نكتفي به فانصرفت وذهب فلما كان من الغد مر على أبي فوقف
فسلم عليه ورآني إلى جنبته فقال ما هذا الفتى منك قال ابني قال أراك الله فيه
السرور أنقذ الله عز وجل أمس غلامي به من القتل حدثني شباب الحي أنه كان
أمس أشجع الناس فنظر إلي أبي نظرة عرفت منها في وجهه الغضب فسكت حتى
إذا مضى الرجل قال هذا ما تقدمت إليك فحلفني ألا أخرج إلى قتال إلا بإذنه فما
شهدت من قتالهم إلا ذلك اليوم حتى كان يوم من أيامهم * قال أبو مخنف وحدثني
يونس بن أبي إسحاق السبيعي عن مهران مولى يزيد بن هانئ قال والله إن مولاي
يزيد بن هانئ ليقاتل على الماء وإن القربة لفي يده فلما انكشف أهل الشأم
انكشافة عن الماء استدرت حتى أسقى وإني فيما بين ذلك لا أقاتل وأرامي * قال
أبو محنف وحدثني يوسف بن يزيد عن عبد الله بن عوف بن الأحمر قال لما قدمنا
على معاوية وأهل الشأم بصفين وجدناهم قد نزلوا منزلا اختاروه مستويا بساطا
واسعا أخذوا الشريعة فهي في أيديهم وقد صف أبو الأعور السلمي عليها الخيل
والرجال وقد قدم المرامية أمام من معه وصف صفا معهم من الرماح والدرق وعلى
رؤوسهم البيض وقد أجمعوا على أن يمنعونا الماء ففزعنا إلى أمير المؤمنين فخبرناه
بذلك فدعا صعصعة ابن صوحان فقال له أئت معاوية وقل له إنا سرنا مسيرنا هذا
إليكن ونحن نكره قتالكم قبل الاعذار إليكم وإنك قدمت إلينا خيلك ورجالك
فقاتلتنا قبل أن نقاتلك وبدأتنا بالقتال ونحن من رأينا الكف عنك حتى ندعوك
ونحتج عليك وهذه أخرى قد فعلتموها قد حلتم بين الناس وبين الماء والناس
غير منتهين أو يشربوا فابعث إلى أصحابك فليخلوا بين الناس وبين الماء ويكفوا
حتى ننظر فيما بيننا وبينكم وفيما قدمنا له وقدمتم له وإن كان أعجب إليك إن نترك
568

ما جئنا له ونترك الناس يقتتلون على الماء حتى يكون الغالب هو الشارب فعلنا
فقال معاوية لأصحابه ما ترون فقال الوليد بن عقبة أمنعهم الماء كما منعوه عثمان
ابن عفان رضي الله عنه حصروه أربعين صباحا يمنعونه برد الماء ولين الطعام
اقتلهم عطشا قتلهم الله عطشا فقال له عمرو بن العاص خل بينهم وبين الماء فإن
القوم لن يعطشوا وأنت ريان ولكن بغير الماء فانظر ما بينك وبينهم فأعاد
الوليد بن عقبة مقالته وقال عبد الله بن أبي سرح أمنعهم الماء إلى الليل فإنهم إن
لم يقدروا عليه رجعوا ولو قد رجعوا كان رجوعهم فلا أمنعهم الماء منعهم الله
يوم القيامة فقال صعصعة إنما يمنعه الله عز وجل يوم القيامة الكفرة الفسقة
وشربة الخمر ضربك وضرب هذا الفاسق يعني الوليد بن عقبة قال فتواثبوا إليه
يشتمونه ويتهددونه فقال معاوية كفوا عن الرجل فإنه رسول * قال أبو مخنف
وحدثني يوسف بن يزيد عن عبد الله بن عوف بن الأحمر أن صعصعة رجع إلينا
فحدثنا عما قال لمعاوية وما كان منه وما رد فقلنا فما رد عليك فقال لما أردت
الانصراف من عنده قلت ما ترد علي قال معاوية سيأتيكم رأيي فوالله ما راعنا إلا
تسريته الخيل إلى أبي الأعور ليكفهم عن الماء قال فأبرزنا علي إليهم فارتمينا ثم
أطعنا ثم اضطربنا بالسيوف فنصرنا عليهم فصار الماء في أيدينا فقلنا لا والله
لا نسقيهموه فأرسل إلينا علي أن خذوا من الماء حاجتكم وارجعوا إلى عسكركم
وحلوا عنهم فإن الله عز وجل قد نصركم عليهم بظلمهم وبغيهم
دعاء علي معاوية إلى الطاعة والجماعة
قال أبو مخنف حدثني عبد الملك بن أبي حرة الحنفي أن عليا قال هذا يوم نصرتم فيه
بالحمية وجاء الناس حتى أتوا عسكرهم فمكث علي يومين لا يرسل إلى معاوية أحدا
ولا يرسل إليه معاوية ثم إن عليا دعا بشير بن عمرو بن محصن الأنصاري وسعيد بن قيس
الهمداني وشبث بن ربعي التميمي فقال ائتوا هذا الرجل فادعوه إلى الله وإلى الطاعة
والجماعة فقال له شبث بن ربعي يا أمير المؤمنين ألا تطعمه في سلطان توليه إياه ومنزلة
يكون له بها أثرة عندك إن هو بايعك فقال علي ائتوه فألقوه واحتجوا عليه وانظروا
ما رأيه وهذا في أول ذي الحجة فأتوه ودخلوا عليه فحمد الله وأثنى عليه أبو عمرة
بشير بن عمرو وقال يا معاوية إن الدنيا عنك زائلة وإنك راجع إلى الآخرة وإن
569

الله عز وجل محاسبك بعملك وجازيك بما قدمت يداك وإني أنشدك الله عز وجل
أن تفرق جماعة هذه الأمة وأن تسفك دماءها بينها فقطع عليه الكلام وقال
هلا أوصيت بذلك صاحبك فقال أبو عمرة إن صاحبي ليس مثلك إن
صاحبي أحق البرية كلها بهذا الامر في الفضل والدين والسابقة في الاسلام
والقرابة من الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فال فيقول ماذا قال يأمرك
بتقوى الله عز وجل وإجابة ابن عمك إلى ما يدعوك إليه من الحق فإنه أسلم لك
في دنياك وخير لك في عاقبة أمرك قال معاوية ونطل دم عثمان رضي الله عنه
لا والله لا أفعل ذلك فذهب سعيد بن قيس يتكلم فبادره شبث بن ربعي فتكلم
فحمد الله وأثنى عليه وقال يا معاوية إني قد فهمت ما رددت على ابن محصن
إنه والله لا يخفى علينا ما تغزو وما تطلب إنك لم تجد شيئا تستغوي به الناس
وتستميل به أهواءهم وتستخلص به طاعتهم إلا قولك قتل إمامكم مظلوما فنحن
نطلب بدمه فاستجاب له سفهاء طغام وقد علمنا أن قد أبطأت عنه بالنصر وأحببت
له القتل لهذه المنزلة التي أصبحت تطلب ورب متمني أمر وطالبه الله عز وجل
يحول دونه بقدرته وربما أوتى المتمني أمنيته وفوق أمنيته وواله مالك في واحدة
منهما خير لئن أخطأت ما ترجو انك لشر العرب حالا في ذلك ولئن أصبت ما تمنى
لا تصيبه حتى تستحق من ربك صلى النار فاتق الله يا معاوية ودع ما أنت عليه ولا
تنازع الامر أهله فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فان أول ما عرفت فيه سفهك
وخفة حلمك قطعك على هذا الحسيب الشريف سيد قومه منطقه ثم عنيت بعد فيما
لا علم لك به فقد كذبت ولو مت أيها الأعرابي الجلف الجافي في كل ما ذكرت
ووصفت انصرفوا من عندي فإنه ليس بيني وبينكم إلا السيف وغضب وخرج
القوم وشبث يقول أفعلينا تهول بالسيف أقسم بالله ليعجلن بها إليك فأتوا
عليا وأخبروه بالذي كان من قوله وذلك في ذي الحجة فأخذ علي يأمر الرجل
ذا الشرف فيخرج معه جماعة ويخرج إليه من أصحاب معاوية آخر معه جماعة
فيقتتلان في خيلهما ورجالهما ثم ينصرفان وأخذوا يكرهون أن يلقوا بجمع أهل
العراق أهل الشأم لما يتخوفون أن يكون في ذلك من الاستئصال والهلاك فكان
570

علي يخرج مرة الأشتر ومرة حجر بن عدي الكندي ومرة شبث بن ربعي ومرة
خالد بن المعمر ومرة زياد بن النضر الحارثي ومرة زياد بن خصفة التيمي ومرة
سعيد بن قيس ومرة معقل بن قيس الرياحي ومرة قيس بن سعد وكان أكثر
القوم خروجا إليهم الأشتر وكان معاوية يخرج إليهم عبد الرحمن بن خالد المخزومي
وأبا الأعور السلمي ومرة حبيب بن مسلمة الفهري ومرة ابن ذي الكلاع
الحميري ومرة عبيد الله بن عمر بن الخطاب ومرة شرحبيل بن السمط الكندي
ومرة حمزة بن مالك الهمداني فاقتتلوا من ذي الحجة كلها وربما اقتتلوا في اليوم
الواحد مرتين أوله وآخره * قال أبو مخنف حدثني عبد الله بن عامر الفائشي قال
حدثني رجل من قومي أن الأشتر خرج يوما يقاتل بصفين في رجال من القراء
ورجال من فرسان العرب فاشتد قتالهم فخرج علينا رجل والله لقل ما رأيت رجلا
قط هو أطول ولا أعظم منه فدعا إلى المبارزة فلم يخرج إليه أحد إلا الأشتر
فاختلفا ضربتين فضربه الأشتر فقتله وأيم الله لقد كنا أشفقنا عليه وسألناه ألا
يخرج إليه فلما قتله الأشتر نادى مناد من أصحابه
يا سهم سهم ابن أبي العيزار * يا خير من نعلمه من زار
وزاره حي من الأزد وقال أقسم بالله لأقتلن قاتلك أو ليقتلني فخرج فحمل على
الأشتر وعطف عليه الأشتر فضربه فإذا هو بين يدي فرسه وحمل عليه أصحابه
فاستنقذوه جريحا فقال أبو رفيقة الفهمي هذا كان نارا فصادف إعصارا واقتتل
الناس ذا الحجة كلها فلما انقضى ذو الحجة تداعى الناس إلى أن يكف بعضهم عن
بعض المحرم لعل الله أن يجري صلحا أو اجتماعا فكف بعضهم عن بعض (وحج)
بالناس في هذه السنة عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بأمر علي إياه بذلك كذلك
حدثني أحمد بن ثابت الرازي عمن ذكره عن إسحاق بن عيسى عن أبي معشر (وفي
هذه السنة) مات قدامة بن مظعون فيما زعم الواقدي
(تم بعون الله - الجزء الثالث من تاريخ الأمم والملوك)
(ويليه - إن شاء الله - الجزء الرابع وأوله " سنة 37 ")
571