الكتاب: نزهة المشتاق في اختراق الآفاق
المؤلف: الشريف الادريسي
الجزء: ١
الوفاة: ٥٦٠
المجموعة: مصادر التاريخ
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٠٩ / ١٩٨٩م
المطبعة: بيروت - عالم الكتب
الناشر: عالم الكتب
ردمك:
ملاحظات:

1
1

مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم
الحمد لله ذي العظمة والسلطان والطول والامتنان والفضل والإنعام والآلاء الجسام الذي قدر فحكم ورزق فأنعم وقضى فأبرم ودبر فأتقن وذرأ وبرأ فأحسن ما صور فاتصلت بالعقول معرفته وقامت في النفوس حجته ووضح للعيون برهانه وقهر الألباب قدرته وسلطانه الهادي إلى سبيل عزه تفضلا وارشادا والدال على ارتباط النعم به قولا واعتقادا جاعل عجائب مخلوقاته وبدائع مصنوعاته سبيلا إلى معرفته وسلما إلى علم قدمه وأزليته وإن في بعض ما خلق لعبرة لأولي الأبصار وذكرى لذوي الخواطر الصقيلة والأفكار فمن آياته خلق السماوات والأرض فأما السماء فرفع سمكها ونظم سلكها وزينها بالنجوم وجعل فيها الشمس والقمر آيتين يستضاء بهما في الليل والنهار ويستعلم بمجاريهما تعاقب الدهور والأعصار فأما الأرض فبسط مهادها وأرسى أطوادها وأخرج منها ماءها ومرعاها وأسكنها خلقه فبوأهم أملاكها وأجرى لهم أفلاكها وعرفهم مسالكها وعلمهم منافعها ومضارها وهداهم إلى السير فيها برا وبحرا وسهلا ووعرا كل ذلك منه جلت قدرته بحكمة وتدبير ومشيئة وتقدير فتعالى من هذا ملكه وسلطانه وصنعه وبرهانه
فإن أفضل ما عني به الناظر واستعمل فيه الأفكار والخواطر ما سبق إليه
3

الملك المعظم رجار المعتز بالله المقتدر بقدرته ملك صقلية وإيطالية وانكبردة وقلورية معز إمام رومية الناصر للملة النصرانية إذ هو خير من ملك الروم بسطا وقبضا وصرف الأمور على إرادته إبراما ونقضا ودان في ملته بدين العدل واشتمل عليهم بكنف التطول والفضل وقام بأسباب مملكته أحسن قيام وأجرى سنن دولته على أفضل نظام وأجمل التيام وافتتح البلاد شرقا وغربا وأذل رقاب الجبابرة من أهل ملته بعدا وقربا بما يحويه من جيوش متوفرة العدد والعدد وأساطيل متكاثفة متناصرة المدد صدق فيها الخبر والخبر وتساوى في معرفتها السمع والبصر فأي غرض بعيد لم يصل إليه ولم يخطر عليه وأي مرام عسير لم يحظ به ولم يتيسر لديه إذ الأقدار جارية بوفق مبتغياته وإرادته والسعادات خادمة له ومتصرفة على اختياره في حركاته وسكناته فأولياؤه أبدا في عز قعسري شائع وأعداؤه في ذل وبوار متتابع فكم مراتب فخر شيد أركانها وكم مزايا همم أطلع أقمارها ونور أقطارها وصير حدائقها روضا زهيا وغرسا زكيا ثم جمع إلى كرم الأخلاق طيب الأعراق وإلى جميل الأفعال حسن الخلال مع شجاعة النفس وصفاء الذهن وغور العقل ووفور الحلم وسداد الرأي والتدبير والمعرفة بتصاريف الأمور من نهاية الفهم الثاقب ومراميه كالسهم الصائب ومقفلات الخطوب مستفتحة لديه وجميع السياسات وقف عليه ونوماته يقظات الأنام وأحكامه أعدل الأحكام وعطاياه البحار الزواخر والغيوث المواطر
4

وأما معرفته بالعلوم الرياضيات والعمليات فلا تدرك بعد ولا تحصر بحد لكونه قد أخذ في كل فن منها بالحظ الأوفى وضرب فيه بالقدح المغلى ولقد اخترع من المخترعات العجيبة وابتدع من الإبتداعات الغريبة مالم يسبقه أحد من الملوك إليه ولا تفرد به وها هي ظاهرة للعيان واضحة الدليل والبرهان ومسيرها في الأمصار وانتشار ذكرها في جميع النواحي الأقطار أغنانا عن ذكرها مفصلة ومتنوعة والإتيان بها متفرقة ولا مجتمعة مع أنا لو ذهبنا إلى وصفها وأعملنا الفكرة في تسطيرها ورصفها لبهرتنا آياته المعجزة معانيها المتعززة مراميها ومن ذا الذي يحصي ويبلغ عدد الحصى فيه إلى الغرض الأقصى
فمن بعض معارفه السنية ونزعاته الشريفة العلوية أنه لما اتسعت أعمال مملكته وتزايدت همم أهل دولته وأطاعته البلاد الرومية ودخل أهلها تحت طاعته وسلطانه أحب أن يعرف كيفيات بلاده حقيقة ويقتلها يقينا وخبرة ويعلم حدودها ومسالكها برا وبحرا وفي أي إقليم هي وما يخصها من البحار والخلجان الكائنة بها مع معرفة غيرها من البلاد والأقطار في الأقاليم السبعة التي اتفق عليها المتكلمون وأثبتها في الدفاتر الناقلون والمؤلفون وما لكل إقليم منها من قسم بلاد يحتوي عليه ويرجع إليه ويعد منه بطلب ما في الكتب المؤلفة في هذا الفن من علم ذلك كله مثل كتاب العجائب للمسعودي وكتاب أبي نصر سعيد الجيهاني وكتاب أبي القاسم عبيد الله بن خرداذبه وكتاب أحمد بن عمر العذري وكتاب أبي القاسم محمد الحوقلي البغدادي وكتاب خاناخ بن خاقان الكمياكي وكتاب موسى بن قاسم القدردي وكتاب أحمد بن يعقوب المعروف باليعقوبي وكتاب
5

إسحق بن الحسن المنجم وكتاب قدامة البصري وكتاب بطليموس الأقلودي وكتاب أرسيوس الأنطاكي
فلم يجد ذلك فيها مشروحا مستوعبا مفصلا بل وجده فيها مغفلا فأحضر لديه العارفين بهذا الشان فباحثهم عليه وأخذ معهم فيه فلم يجد عندهم علما أكثر مما في الكتب المذكورة فلما رآهم على مثل هذه الحال بعث إلى سائر بلاده فأحضر العارفين بها المتجولين فيها فسألهم عنها بواسطة جمعا وأفرادا فما اتفق فيه قولهم وصح في جمعه نقلهم أثبته وأبقاه وما اختلفوا فيه أرجاه وألغاه وأقام على ذلك نحوا من خمس عشرة سنة لا يخلي نفسه في كل وقت من النظر في هذا الفن والكشف عنه والبحث عن حقيقته إلى أن تم له فيه ما يريده ثم أراد أن يستعلم يقينا صحة ما اتفق عليه القوم المشار إليهم في ذكر أطوال مسافات البلاد وعروضها فأحضر إليه لوح الترسيم وأقبل يختبرها بمقاييس من حديد شيئا فشيئا مع نظره في الكتب المقدم ذكرها وترجيحه بين أقوال مؤلفيها
وأمعن النظر في جميعها حتى وقف على الحقيقة فيها فأمر عند ذلك بأن تفرغ له من الفضة الخالصة دائرة مفصلة عظيمة الجرم ضخمة الجسم في وزن أربع مائة رطل بالرومي في كل رطل منها مائة درهم واثنا عشر درهما فلما كملت أمر الفعلة أن ينقشوا فيها صور الأقاليم السبعة ببلادها وأقطارها وسيفها وريفها وخلجانها وبحارها ومجاري مياهها ومواقع أنهارها وعامرها وغامرها وما بين كل بلد منها وبين غيره من الطرقات المطروقة والأميال المحدودة والمسافات المشهوده والمراسي المعروفة على نص ما يخرج إليهم ممثلا في لوح الترسيم ولا يغادروا منه شيئا ويأتوا به على هيئته وشكله كما يرسم لهم فيه وأن يؤلفوا كتابا مطابقا لما في أشكالها
6

وصورها غير أنه يزيد عليها بوصف أحوال البلاد والأرضين في خلقها وبقاعها وأماكنها وصورها وبحارها وجبالها ومسافاتها ومزدرعاتها وغلاتها وأجناس بنائها وخواصها والإستعمالات التي تستعمل بها والصناعات التي تنفق بها والتجارات التي تجلب إليها وتحمل منها والعجائب التي تذكر عنها وتنسب إليها وحيث هي من الأقاليم السبعة مع ذكر أحوال أهلها وهيئاتهم وخلقهم ومذاهبهم وزيهم وملابسهم ولغاتهم وأن يسمى هذا الكتاب بكتاب نزهة المشتاق في واختراق الآفاق وكان ذلك في العشر الأول من ينير الموافق لشهر شوال الكائن في سنة ثمان وأربعين وخمس مائة فامتثل فيه الأمر وارتسم الرسم
وأول ما ابتدئ به من ذلك الكلام على صورة الأرض المسماة بالجغرافية كما سماها بطليموس ووصفها به ومن الله نستمد المعونة والتوفيق والتسديد في كل منهج وطريق فهو جلت قدرته بذلك جدير وعليه قدير
فنقول إن الذي تحصل من كلام الفلاسفة وجلة العلماء وأهل النظر في علم الهيئة أن الأرض مدورة كتدوير الكرة والماء لاصق بها وراكد عليها ركودا طبيعيا لا يفارقها والأرض والماء مستقران في جوف الفلك كالمحة في جوف البيضة ووضعهما وضع متوسط والنسيم محيط بهما من جميع جهاتهما وهو لهما جاذب إلى جهة الفلك أو دافع لهما والله أعلم بحقيقة ذلك
والأرض مستقرة في جوف الفلك وذلك لشدة سرعة حركة الفلك وجميع المخلوقات على ظهرها والنسيم جاذب لما في أبدانهم من الخفة والأرض جاذبة لما في أبدانهم
7

من الثقل بمنزلة حجر المغنيطس الذي يجذب الحديد إليه
والأرض مقسومة بقسمين بينهما خط الاستواء وهو من المشرق إلى المغرب وهذا هو طول الأرض وهو أكبر خط فيى الكرة كما أن منطقة البروج أكبر خط في الفلك واستدارة الأرض في موضع خط الاستواء ثلاث مائة وستون درجة والدرجة خمسة وعشرون فرسخا والفرسخ إثنا عشر ألف ذراع والذراع أربعة وعشرون إصبعا والإصبع ست حبات شعير مصفوفة ملصقة بطون بعضها لظهور بعض فتكون بهذه النسبة إحاطة الأرض مائة ألف ألف ذراع واثنين وثلاثين ألف ألف ذراع وتكون من الفراسخ أحد عشر ألف فرسخ هذا بحساب أهل الهند وأما هرمس فإنه قدر إحاطة الأرض وجعل لكل جزء مائة ميل ف تكون بذلك ستة وثلاثين ألف ميل فتكون من الفراسخ اثني عشر ألف فرسخ وبين خط الاستواء وكل واحد من القطبين تسعون درجة واستدارتها عرضا مثل ذلك
إلا أن العمارة في الأرض بعد خط الاستواء أربع وستون درجة والباقي من الأرض خلاء لا عمارة فيه لشدة البرد والجمود والخلق بجملته على الربع الشمالي من الأرض وأيضا فإن الربع الجنوبي وهو الذي فوق خط الاستواء غير مسكون ولا معمور لشدة الحر به دائما على سمته فجفت مياهه وعدم حيوانه ونباته لعدم الرطوبة لأنه لا يكون الحيوان والنبات أبجدا أبدا إلا حيث تكون المياه والرطوبات
والأرض في ذاتها مستديرة لكنها غير صادقة الاستدارة فمنها منخفض ومرتفع والماء يجري فيها من أرفعها إلى أخفضها والبحر المحيط يحيط بنصف الأرض إحاطة متصلة دائرتها كالمنطقة لا يظهر من إلا نصفها فكأنها عند الصفة بيضة مغرقة في
8

الماء والماء في طست فكذلك الأرض نصفها مغرق في البحر والبحر يحيط به الهواء والهواء دافع لهما أو جاذب كالذي قلناه قبل هذا
وهذا الربع المسكون من الأرض قسمته العلماء سبعة أقاليم كل إقليم منها مار من المغرب إلى المشرق على خط الاستواء وليست هذه الأقاليم بخطوط طبيعية لكنها خطوط وهمية محدودة موجودة بالعلم النجومي وفي كل إقليم منها عدة مدن وحصون وقرى وأمم لا يشبه بعضهم بعضا وأيضا فإن في كل إقليم منا جبالا شامخة ووهادا متصلة وعيونا وأنهارا جارية وبركا راكدة ومعادن ونباتات وحيوانات مختلفة وسنذكر أكثر ذلك فيما يأتي ذكره بعد بعون الله وتأييده
وتخترق هذه الأقاليم السبعة سبعة أبحر تسمى خلجانا ستة منها متصلة وبحر واحد منفصل لا يتصل بشيء من البحور المذكورة وأحد هذه البحور التي في الأرض المعمورة هو بحر الصين والهند والسند واليمن ومبدؤه من جهة المشرق فوق خط الاستواء بثلاث عشرة درجة ممتد مع خط الاستواء إلى جهة المغرب فيمر بالصين أولا ثم بالهند ثم بالسند ثم باليمن على جنوبها وينتهي إلى باب المندب وهناك مبلغ طوله على هذه المسافات فيما حكاه الثقات المسافرون والبحريون الخائضون فيه المقلعون من بلد إلى بلد من مبدأ بحر القلزم إلى الواق واق أربعة آلاف فرسخ وخمس مائة فرسخ وفيه من الجزائر نحو ثلاث مائة جزيرة بين عامرة وخالية وسنذكر منها بعد هذا ما اتصل بنا علمه وصحت الأخبار عنه
ويتشعب من هذا البحر الصيني الخليج الأخضر وهو بحر فارس والأبلة وممره من الحنوب إلى الشمال مغربا قليلا فيمر بغربي بلاد السند ومكران وكرمان وفارس
9

إلى أن ينتهي إلى الأبلة حيث عبادان وهناك ينتهي آخره ثم ينعطف ريفه راجعا إلى جهة الجنوب فيمر ببلاد البحرين وأرض اليمامة ويتصل بعمان وأرض الشحر من بلاد اليمن وهناك إتصاله بالبحر الصيني وطول هذا البحر أربع مائة فرسخ وأربعون فرسخا وفيه جبلا عوير وكسير وعمقه سبعون باعا إلى ثمانين باعا وفيه من الجزائر تسع جزائر بين عامرة وخالية وسنذكرها فيما يأتي ذكره بعون الله سبحانه
ويتشعب أيضا من هذا البحر الصيني خليج القلزم ومبدؤه من باب المندب وحيث انتهى البحر الهندي فيمر في جهة الشمال مغربا قليلا فيتصل بغربي اليمن ويمر بتهامة والحجاز إلى مدين وأيلة وفاران حتى ينتهي إلى مدينة القلزم وإليها ينسب ثم ينعطف ريفه راجعا في جهة الجنوب فيمر بشرقي بلاد الصعيد إلى جون الملك ثم يأتي إلى عيذاب إلى جزيرة سواكن إلى زالغ من بلاد البجة وينتهي إلى بلاد الحبشة ويتصل بالبحر الهندي وطول هذا البحر ألف ميل وأربع مائة ميل وأكثر قعر هذا البحر أقاصير تتلف عليها المراكب فلا يركبه إلا الربانيون العالمون بأقاصيره المختبرون لطرقه ومجاريه وفيه من الجزائر خمس عشرة جزيرة وسنذكرها على التقصي في موضع ذكرها بعون الله
وأما البحر الثاني الكبير المعروف بالبحر الشامي فإن مخرجه من البحر المظلم الذي في جهة المغرب ومبدؤه في الإقليم الرابع ويسمى هناك بحر الزقاق لأن سعته هناك تكون ثمانية عشر ميلا وكذلك طول الزقاق من جزيرة طريف إلى الجزيرة الخضراء أيضا ثمانية عشر ميلا ميمر مشرقا في جهة بلاد البربر وبشمال
10

المغرب الأقصى إلى أن يمر بالمغرب الأوسط ويصل إلى أرض أفريقيا إلى وادي الرمل إلى أرض برقة وأرض لوبية ومراقية إلى أرض الإسكندرية إلى شمال أرض التيه إلى أرض فلسطين وسائر بلاد الشام إلى أن ينتهي طرفه إلى السويدية وهو نهايته ومن هناك ينعطف ريفه راجعا فيمر ببلاد أنطاكية إلى جهة المغرب فيتصل بالخليج القسطنطيني إلى جزيرة بلبونس إلى أذرنت وهناك مخرج الخليج البنادقي ويتصل إلى مجاز صقلية إلى بلاد رومية إلى بلاد سغونة وأربونة ويجتاز بجبل البرتات فيمر بشرقي بلاد الأندلس إلى جنوب وسطها وينتهي إلى الجزيرتين من حيث بدأ وطول هذا البحر الشامي من ابتدائه إلى حيث إنتهاؤه ألف فرسخ ومائة وستة وثلاثون فرسخا وفيه من الجزائر نحو من مائة جزيرة بين صغار وكبار ومعمورة وخالية وسنذكرها إذا أتى موضع ذكرها بعون الله تعالى
ويخرج من هذا البحر الشامي خليجان أحدهما خليج البنادقيين ومبدؤه من شرقي بلاد فلوريه من بلاد الروم من عند مدينة أذرنت فيمر في جهة الشمال مع تغريب يسير فيمر بأرض باري إلى ساحل شنت انجل ثم يأخذ من جهة المغرب إلى بلاد أنقونة إلى أن يمر بساحل البنادقة وينتهي طرفه إلى بلاد ايكلاية ومن هناك ينعطف ريفه راجعا مع الشرق على بلاد جرواسية ود لماسية وبلاد اسقلونية إلى أن يتصل بالبحر الشامي من حيث ابتدأ وطول هذا الخليج من حيث ابتدأ إلى أقصى انتهائه ألف ميل ومائة ميل وفيه من الجزائر خمس عشرة جزيرة منها ستة
11

معمورة والباقية خالية وسنذكر ذلك في موضعه
ويخرج أيضا من البحر الشامي الخليج الثاني المسمى بحر نيطس ومبدؤه من البحر الشامي حيث فم أبذه وعرض فوهته هناك رمية سهم ويمر مجريان فيتصل بالقسطنطينية فيكون عرضه عندها أربعة أميال ويمر كذلك ستين ميلا حتى يصل إلى بحر نيطس وعرض فوهته هناك ستة أميال ويمر بحر نيطس في جهة المشرق فيتصل من جهة الجنوب بأرض هرقلية إلى أرض استروبلي إلى سواحل اطرابزندة إلى أرض أشكالة إلى أرض لنلانية وينتهي طرف هذا الخليج إلى أرض لانية وينتهي طرف هذا الخليج هناك حيث الخزرية ومن هناك ينعطف ريفه راجعا إلى مطرخة ويتصل ببلاد الروسية وبلاد برجان وموقع نهر دنابرس ويمر إلى موقع نهر دنو إلى أن ينتهي إلى مضيق فم الخليج القسطنطيني ويتصل بالقسطنطينية ويمر بشرقي بلاد مقدونية إلى أن يتصل بالموضع الذي بدأ منه وطول بحر نيطس من فم المضيق إلى حيث انتهاؤه ألف ميل وثلاث مائة ميل وفيه ست جزائر وسنذكرها عند وصولنا إلى ذكرها بعون الله سبحانه
وأما بحر جرجان والديلم فإنه بحر منقطع لا يتصل بشيء من البحار المذكورة وتقع فيه أنهار كثيرة وعيون دائمة الجري ويتصل بهذا البحر من جهة المشرق أرض الأغزاز ومن جهة الشمال أرض الخزر ومن جهة المغرب بلاد أذربيجان والديلم ومن جهة الجنوب بلاد طبرستان وطوله من جهة الخزر إلى عين ألهم ألف ميل وعرضه من ناحية جرجان إلى موقع نهر إثل ست مائة ميل وخمسون ميلا وفيه
12

من الجزائر أربع وسيأتي ذكرها فيما بعد
وعلى كل بحر من جميع البحور التي قدمنا ذكرها بلاد وأمم سنأتي بذكرها مشروحا موضوحا بلدا بلدا وأمة أمة بعون الله سبحانه وفي هذه البحور أيضا أنواع من الحيتان والحيوانات المختلفة الصفات ومن العجائب ما سنأتي بأوصافه في مواضع ذكره بعون الله سبحانه
وإذ قد فرغنا من ذكر هيئة الأرض وقسمتها بأقاليمها وذكر البحار التي وصفنا مباديها وانتهاءاتها وأحوازها وما يلي سواحلها من البلاد والأمم وذلك بالقول الوجيز فلنبدأ الان بذكر الأقاليم السبعة وما يحتوي عليه من البلاد والأمم والعجائب إقليما إقليما وبلدا بلدا ونذكر ما تشتمل عليه ممالكها ونأتي بطرقاتها ومسالكها ومبلغ فراسخها وأميلالها ومجاري أنهارها وعلو بحارها وسلوك قفارها كل ذلك مشروحا موضوحا باستقصاء من القول مع الايجاز بغاية الجهد ومبلغ الطاقة وبالله التوفيق ومنه العون وله القوة والحول
ولما أردنا رسم هذه المدن في الأقاليم ومسالكها وما تحتوي عليه أممها قسمنا طول كل إقليم منها على عشرة أقسام أجزاء مقدرة من الطول والعرض ورسمنا في كل واحد من هذه الأجزاء ما له من المدن والأكوار والعمارات ليرى الناظر في ذلك ما خفي عن عيانه أو لم يبلغه علمه أو لم يمكنه الوصول إليه لتعذر الطرقات واختلاف الأمم فيصح له الخبر بالعيان ومبلغ أعداد هذه المصورات الآتية بعد هذا سبعون مصورة غير النهايتين اللتين إحداهما نهاية المعمور في جهة الجنوب وأكثرها خلاء لشدة الحر وقلة المياه والنهاية الثانية نهاية المعمور في جهة الشمال وأكثرها خلاء لشدة البرد وأيضا بان مع ما ذكرناه وقدمنا وصفه أن الناظر إذا نظر إلى هذه الصفات المصورة
13

والبلاد المذكورة رأى منها وضعا صحيحا وشكلا صبيحا لكن يبقى عليه بعد ذلك أن يعلم صفات المماليك وهيئات الأمم وحلاها وزيها وطرقاتها المسلوكة بأميالها وفراسخها وعجائب بلادها مما شاهده المسافرون وذكره المتجولون وصححه الناقلون ولذلك ما رأينا أن نذكر بعد كل صورة منها ما يجب ذكره ويليق بمكانه من الكتاب حسب المعرفة والإمكان والله المستعان لا رب غيره
14

الإقليم الأول
15

الجزء الأول
إن هذا الإقليم الأول مبدؤه من جهة المغرب من البحر الغربي المسمى ببحر الظلمات وهو البحر الذي لا يعلم ما خلفه وفيه هناك جزيرتان تسميان بالخالدات ومن هذه الجزائر بدأ بطلميوس يأخذ الطول والعرض وهاتان الجزيرتان فيما يذكر في كل واحدة منهما صنم مبني بالحجارة طول كل صنم منهما مائة ذراع وفوق كل صنم منها
صورة من نحاس تشير بيدها إلى خلف وهذه الأصنام فيما يذكر ستة أحدها صنم قادس التي بغربي الأندلس ولا يعلم أحد شيئا من المعمور خلفها
وفي هذا الجزء الذي رسمناه من المدن اوليل وسلى وتكرور وبريسى ودو ومورة وهذه البلاد من أرض مقزارة السودان فأما جزيرة اوليل فهي في البحر وعلى مقربة من الساحل وبها الملاحة المشهورة ولا يعلم في بلاد السودان ملاحة غيرها ومنها يحمل الملح إلى جميع بلاد السودان وذلك أن المراكب تأتي إلى هذه الجزيرة فتوسق بها الملح وتسير منها إلى موقع النيل وبينهما مقدار مجرى فتجري في النيل إلى سلى وتكرور وبريسى وغانة وسائر بلاد ونقارة وكوغة وجميع بلاد السودان وأكثرها لا يكون لها مأوى ولا مستقر إلا على النيل بعينه أو على نهر يمد النيل وسائر الأرضين المجاورة للنيل صحار خالية لا عمارة فيها
16

وهذه الصحارى فيها مجابات مياه وذلك أن الماء لا يوجد فيها إلا بعد يومين وأربعة وخمسة وستة واثنى عشر يوما مثل مجابة تيسر التي في طريق سجلماسة إلى غانة وهي أربعة عشر يوما لا يوجد فيها ماء وأن القوافل تتزود بالماء لسلوك هذه المجابات في الأوعية على ظهور الجمال ومثل هذه المجابة كثير في بلاد السودان وأكثر أرضها أيضا رمال تنسفها الرياح وتنقلها من مكان إلى مكان فلا يوجد بها شيء من الماء وهذه البلاد كثيرة الحر حامية جدا ولذلك أهل هذا الإقليم الأول والثاني وبعض الثالث لشدة الحر وإحراق الشمس لهم كانت ألوانهم سوداء وشعورهم متفلفلة بضد ألوان أهل الإقليم السادس والسابع
ومن جزيرة اوليل إلى مدينة سلى ست عشرة مرحلة ومدينة سلى على ضفة نهر النيل وبشماله وهي مدينة حاضرة وبها مجتمع السودان ومتاجر صالحة وأهلها أهل بأس ونجدة وهي من عمالة التكروري وهو سلطان مؤمر وله عبيد وأجناد وله حزم وجلادة وعدل مشهور وبلاده آمنة وادعة وموضع مستقره والبلد الذي هوه فيه مدينة تكرور وهي في جنوب النيل وبينها وبين سلى مقدار يومين في النيل وفي البر ومدينة تكرور أكبر من مدينة سلى وأكثر تجارة وإليها يسافر أهل المغرب الأقصى بالصوف والنحاس والخرز ويخرجون منها التبر والخدم وطعام أهل سلى وأهل تكرور الذرة والسمك والألبان وأكثر مواشيهم الجمال والمعز ولباس عامة أهلها قداوير الصوف وعلى رؤوسهم كرازى الصوف ولباس خاصتها ثياب القطن والمآزر
ومن مدينة سلى وتكرور إلى مدينة سجلماسة أربعون يوما بسير القوافل
18

وأقرب البلاد إليهما من بلاد لمتونة الصحراء أزكى وبينهما خمس وعشرون مرحلة ويتزود بالماء فيها من يومين إلى أربعة إلى خمسة وستة أيام وكذلك من جزيرة اوليل إلى مدينة سجلماسة نحو من أربعين مرحلة بسير القوافل
ومن مدينة تكرور إلى مدينة بريسي على النيل مشرقا اثنتا عشرة مرحلة ومدينة بريسي مدينة صغيرة لا سور لها غير أنها كالقرية الحاضرة وأهلها متجولون تجار وهم في طاعة التكروري
وفي الجنوب من بريسي أرض لملم وبينهما نحو من عشرة أيام وأهل بريسي وأهل سلى وتكرور وغانة يغيرون على بلاد لملم ويسبون أهلها ويجلبونهم إلى بلادهم فيبيعونهم من التجار الداخلين إليهم فيخرجهم التجار إلى سائر الأقطار وليس في جميع أرض لملم إلا مدينتان صغيرتان كالقرى اسم إحداهما ملل واسم الثانية دو وبين هاتين المدينتين مقدار أربعة أيام وأهلها فيما يذكره أهل تلك الناحية يهود والغالب عليهم الكفر والجهالة وجميع أهل بلاد لملم إذا بلغ أحدهم الحلم وسم وجهه وصدغاه بالنار وذلك علامة لهم وبلادهم وجملة عماراتهم على واد يمد النيل وليس بعد أرض لملم في جهة الجنوب عمارة تعرف وبلاد لملم تتصل من جهة المغرب بأرض مقزارة ومن جهة المشرق بأرض ونقارة ومن جهة الشمال بأرض غانة ومن جهة الجنوب بالأرض الخالية وكلامهم كلام لا يشبه كلام المقزاريين ولا كلام الغائبين
ومن بريسى المتقدم ذكرها إلى غانة في جهة المشرق اثنا عشر يوما وهي
19

في وسط الطريق إلى مدينة سلى وتكرور وكذلك من مدينة بريسى إلى اودغشت اثنتا عشرة مرحلة واودغشت من بريسى شمالا وليس في بلاد السودان شيء من الفواكه الرطبة إلا ما يجلب إليها من التمر من بلاد سجلماسة أو بلاد الزاب يجلبه إليهم أهل وارقلان الصحراء والنيل يجري في هذه الأرض من المشرق إلى المغرب وينبت على ضفتيه القصب الشركي وشجر الأبنوس والشمشار والخلاف والطرفاء والأثل غياضا متصلة وبها تقيل وتسكن مواشيهم وإليها يميلون ويستظلون عند شدة الحر وحمية القيظ وفي غياضه الأسد والزرائف والغزلان والضبعان والأفيال والأرانب والقنافذ وفي النيل أنواع من السمك وضروب من الحيتان الكبار والصغار ومنه طعام أكثر السودان يتصيدونه ويملحونه ويدخرونه وهو في نهاية السمن والغلظ وأسلحة أهل هذه البلاد القسي والنشابات وعليها عمدتهم والدبابيس أيضا من أسلحتهم يتخذونها من شجر الأبنوس ولهم فيها حكمة وصناعة متقنة وأما قسيهم فإنها من القصب الشركي وسهامهم منه وكذلك أوتارها من القصب وبناء أهل هذه البلاد بالطين والخشب العريض الطويل عندهم قليل الوجود وحليهم النحاس والخرز والنظم من الزجاج والباذوق ولعاب الشيخ وأنواع المجزعات من الزجاج المؤلف
وهذه الأمور والحالات التي ذكرناها من المطاعم والمشارب واللباس والحلي يفعلها أكثر السودان في جميع أرضهم لأنها بلاد حر ووهج شديد وأهل المدن منها يزرعون البصل والقرع والبطيخ ويعظم عندهم كثيرا ولا حنطة عندهم
20

أكثر من الذرة ومنها ينتبذون ويشربون وجل لحومهم الحوت ولحوم الإبل المقددة كما قدمنا وصفه وهاهنا انقضى ذكر الجزء الأول من الإقليم الأول والحمد لله على ذلك
نجز الجزء الأول من الأقليم الأول والحمد لله ويتلوه الجزء الثاني إن شاء الله
21

الجزء الثاني
إن الذي تضمنه هذا الجزء الثاني من الإقليم الأول من المدن مدينة ملل وغانة وتيرقى ومداسة وسغمارة وغيارة وغربيل وسمقندة فأما مدينة ملل التي هي من بلاد لملم فقد ذكرناها فيما تقدم وهي مدينة صغيرة كالقرية الجامعة لا سور لها وهي على تل تراب أحمر منيع جانبه وأهل ملل متحصنون فيه عمن يطرقهم من سائر السودان وشربهم
من عين خرارة تخرج من الجبل الذي في جنوبها وماؤها زعاق ليس بصادق الحلاوة وبغربي هذه المدينة على ماء العين الذي يشربون منه ومع نزوله إلى أن يقع في النيل أمم كثيرة سودان عراة لا يستترون بشيء وهم يتناكحون بغير صدقات ولا حق وهم أكثر الناس نسلا ولهم إبل ومعز يعيشون من ألبانها ويأكلون الحيتان المصيدة ولحوم الإبل المقددة وأهل تلك البلاد المجاورة لهم يسبونهم في كل الأحايين بضروب من الحيل ويخرجونهم إلى بلادهم فيبيعونهم من التجار قطارا ويخرج منهم في كل عام إلى المغرب الأقصى أعداد كثيرة وجميع من يكون في بلاد لملم موسوم بالنار في وجهه وهي لهم علامة كما قدمنا ذكره
ومن مدينة ملل إلى مدينة غانة الكبرى نحو من اثنتي عشرة مرحلة في رمال
22

ودهاس لا ماء بها وغانة مدينتان على ضفتي البحر الحلو وهي أكبر بلاد السودان قطرا وأكثرها خلقا وأوسعها متجرا وإليها يقصد التجار المياسير من جميع البلاد المحيطة بها ومن سائر بلاد المغرب الأقصى وأهلها مسلمون وملكها فيما يوصف من ذرية صالح بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب وهو يخطب لنفسه لاكنه تحت طاعة أمير المؤمنين العباسي وله قصر على ضفة النيل قد أوثق بنيانه وأحكم إتقانه وزينت مساكنه بضروب من النقوشات والأدهان وشمسيات الزجاج وكان بنيان هذا القصر في عام عشرة وخمس مائة من سني الهجرة وتتصل مملكته وأرضه بأرض ونقارة وهي بلاد التبر المذكورة الموصوفة به كثرة وطيبا والذي يعلمه أهل المغرب الأقصى علما يقينا لا اختلاف فيه أن له في قصره لبنة من ذهب وزنها ثلاثون رطلا من ذهب تبرة واحدة خلقها الله خلقة تامة من غير أن تسبك في نار ولا تطرق بآلة وقد نفذ فيها ثقبا وهي مربطة لفرس الملك وهي من الأشياء المغربة التي ليست عند غيره ولا صحت لأحد إلا له وهو يفخر بها على سائر ملوك السودان وهو أعدل الناس فيما يحكى عنه ومن سيرته في قربه من الناس وعدله فيهم أن له جملة قواد يركبون إلى قصره في صباح كل يوم ولكل قائد منهم طبل يضرب على رأسه فإذا وصل إلى باب القصر سكت فإذا اجتمع إليه جميع قواده ركب وصار يقدمهم ويمشي في أزقة المدينة ودائر البلد فمن كانت له مظلمة أو نابه أمر تصدى له فلا يزال حاضرا بين يديه حتى يقضي مظلمته ثم يرجع إلى قصره ويتفرق قواده فإذا كان بعد العصر وسكن حر الشمس وركب مرة ثاتية وخرج وحوله أجناده فلا
23

يقدر أحد على قربه ولا على الوصول إليه وركوبه في كل يوم مرتين سيرة معلومة وهذا مشهور من عدله ولباسه إزار حرير يتوشح به أو بردة يلتف بها وسراويل في وسطه ونعل شركي في قدمه وركوبه الخيل وله حلية حسنة وزي كامل يقدمه أمامه في أعياده وله بنود كثيرة وراية واحدة وتمشي أمامه الفيلة والزرائف وضروب من الوحوش التي في بلاد السودان ولهم في النيل زوارق وثيقة الإنشاء يتصيدون فيها ويتصرفون بين المدينتين بها ولباس أهل غانة الأزر والفوط والأكسية كل أحد على قدر همته وأرض غانة تتصل من غربيها ببلاد مقزارة ومن شرقيها ببلاد ونقارة وبشمالها بالصحراء المتصلة التي بين أرض السودان وأرض البربر وتتصل بجنوبها بأرض الكفار من اللملمية وغيرها
ومن مدينة غانة إلى أول بلاد ونقاره ثمانية أيام وبلاد ونقاره هذه هي بلاد التبر المشهورة بالطيب والكثرة وهي جزيرة طولها ثلاث مائة ميل وعرضها مائة وخمسون ميلا والنيل يحيط بها من كل جهة في سائر السنة فإذا كان في شهر أغشت وحمى القيظ وخرج النيل وفاض غطى هذه الجزيرة أو أكثرها وأقام عليها مدته التي من عادته أن يقيم عليها ثم يأخذ في الرجوع فإذا أخذ النيل في الرجوع والجزر رجع كل من في بلاد السودان المنحشرين إلى تلك الجزيرة بحاثا يبحثون طول أيام رجوع النيل فيجد كل إنسان منهم في بحثه هناك ما أعطاه الله سبحانه كثيرا أو قليلا من التبر وما يخيب منهم أحد فإذا عاد النيل إلى حده باع الناس ما حصل بأيديهم من التبر وتاجر بعضهم بعضا واشترى أكثره أهل وارقلان وأهل المغرب الأقصى وأخرجوه إلى دور السكك في بلادهم فيضربونه
24

دنانير ويتصرفون بها في التجارات والبضائع هكذا في كل سنة وهي أكبر غلة عند السودان وعليها يعولون صغيرهم وكبيرهم وأرض ونقاره فيها بلاد معمورة ومعاقل مشهورة وأهلها أغنياء والتبر عندهم وبأيديهم كثير والخيرات مجلوبة إليهم من أطراف الأرض وأقاصيها ولباسهم الأزر والأكسية والقداوير وهم سود جدا فمن مدن ونقارة تيرقى وهي مدينة كبيرة وفيها خلق كثير لكن ليس لها سور ولا حظيرة وهي في طاعة صاحب غانة وله يخطبون وإليه يتحاكمون وبين غانة وتيرقى ستة أيام وطريقها مع النيل ومن مدينة تيرقى إلى مدينة مداسة ستة أيام ومدينة مداسة هذه مدينة متوسطة كثيرة العمارة صالحة العمالات وفي أهلها معرفة وهي على شمال النيل ومنه شربهم وهي بلد أرز وذرة كبيرة الحب طعمها صالح وأكثر معايشهم من الحوت وتصيده وتجارتهم بالتبر ومن مدينة مداسة إلى بلد سغمارة ستة مراحل وبين مداسة وسغمارة إلى جهة الشمال ومع الصحراء قوم يقال لهم بغامة وهم برابر رحالة لا يقيمون في مكان يرعون أجمالهم على ساحل واد يأتي من ناحية المشرق فيصب في النيل واللبن عندهم كثير ومنه يعيشون ومن مدينة سغمارة إلى مدينة سمقندة ثمانية أيام ومدينة سمقندة هذه مدينة لطيفة على ضفة البحر الحلو ومنها إلى مدينة غربيل تسعة أيام ومن مدينة سغمارة إلى مدينة غربيل جنوبا ستة أيام ومدينة غربيل هذه على ضفة البحر الحلو وهي مدينة لطيفة القدر
25

في سفح جبل يعلوها من جهة الجنوب وشرب أهلها من النيل ولباسهم الصوف وأكلهم الذرة والحوت وألبان الإبل وأهلها يتصرفون في تلك البلاد بضروب من التجارات التي تدور بين أيديهم ومن مدينة غربيل مع المغرب إلى مدينة غيارة إحدى عشرة مرحلة ومدينة غيارة هذه على ضفة النيل وعليها حفير دائر بها وبها خلق كثير وفي أهلها نجدة ومعرفة وهم يغيرون على بلاد لملم فيسبونهم ويأتون بهم ويبيعونهم من تجار غانا وبين غيارة وأرض لملم ثلاث عشرة مرحلة وهم يركبون النجب من الجمال ويتزودون الماء ويسرون بالليل ويصلونه بالنهار إلى أن يغنموا ويرجعوا إلى بلدهم بما يفتح الله سبحانه عليهم من السبي من أهل لملم ومن مدينة غيارة إلى مدينة غانة إحدى عشرة مرحلة وماؤها قليل وجملة هذه البلاد التي ذكرناها هي في طاعة صاحب غانة وإليه يؤدون لوازمهم وهو القائم بحمايتهم
نجز الجزء الثاني من الإقليم الأول والحمد لله ويتلوه الجزء الثالث منه إن شاء الله
26

الجزء الثالث
إن الذي تضمنه هذا الجزء الثالث من الإقليم الأول من المدن المشهورة كوغة وكوكو وتملمة وزغاوة ومانان وانجيمي ونوابية وتاجوة فأما مدينة كوغة فإنها مدينة على ضفة البحر الحلو وفي شماله ومنه شرب أهلها وهي من عمالة ونقارة ومن السودان من يجعلها من بلاد كانم وهي مدينة عامرة لا سور لها وبها تجارات وأعمال وصنائع يصرفونها فيما يحتاجون إليه ونساء هذه المدينة ينسب إليهن السحر ويقال إنهن به عارفات وبه مشهورات وعليه قادرات ومن كوغة إلى سمقنده في جهة الغرب عشرة أيام ومن كوغة إلى غانة نحو من شهر ونصف ومن كوغة إلى دمقلة شهر ومن كوغة إلى شامة دون الشهر ومن كوغة إلى مدينة كوكو في الشمال عشرون مرحلة بسير الجمال والطريق على أرض بغامة وأهل بغامة سودان برابر قد أحرقت الشمس جلودهم وغيرت ألوانهم ولسانهم لسان البربر وهم قوم رحالة وشربهم من عيون يحفرونها في تلك الأرض عن علم لهم بها وتجربة في ذلك صحيحة ولقد أخبر بعض السفار الثقات وكان قد تجول في بلاد السودان نحو من عشرين سنة أنه دخل هذه الأرض أعني أرض بغامة وعاين فيها رجلا
27

من هؤلاء البربر فكان يمشي معه في أرض خالية رملة ليس بها أثر للماء ولا لغيره فأخذ البربري غرفة من ترابها وقربه من أنفه ثم اشتمه وتبسم وقال لأهل القافلة إنزلوا فإن الماء معكم فنزل أهل القافلة هناك وعرسوا متاعهم وقيدوا الجمال وتركوها ترعى ثم عمد البربري إلى موضع وقال احفروا هاهنا فحفر الناس في ذاك الموضع أقل من نصف قامة فخرج إليهم الماء الكثير العذب فعجب من ذلك أهل القافلة وهذا مشهور ومعلوم يعلمه تجار أهل تلك البلاد ويحكونه عنهم وفي هذه الطريق التي ذكرنا من كوغة إلى كوكو على أرض بغامة مجابتان لا ماء فيهما وكل مجابة منهما تقطع من خمسة أيام إلى ستة أيام ومدينة كوكو مدينة مشهورة الذكر من بلاد السودان كبيرة وهي على ضفة نهر يخرج من ناحية الشمال فيمر بها ومنه شرب أهلها ويذكر كثير من السودان أن مدينة كوكو هذه على ضفة الخليج وذكر قوم أخرون أنها على نهر يمد النيل والذي صح من القول أن هذا النهر يجري حتى يجوز كوكو بأيام كثيرة ثم يغوص في الصحراء في رمال ودهاس مثل ما يغوص نهر الفرات الذي ببلاد العراق وغوصه هناك في البطائح ثم إن ملك مدينة كوكو ملك قائم بذاته خاطب لنفسه وله حشم كثير ودخلة كبيرة وقواد وأجناد وزي كامل وحلية حسنة وهم يركبون الخيل والجمال ولهم بأس وقهر لمن جاورهم من الأمم المحيطة بأرضهم ولباس عامة أهل كوكو الجلود يسترون بها عوراتهم وتجارهم يلبسون القداوير والأكسية وعلى رؤوسهم الكرازى وحليهم الذهب وخواصهم وجلتهم يلبسون الأزر وهم يداخلون التجار ويجالسونهم ويبضعونهم بالبضائع على جهة المقارضة وينبت في أرض كوكو العود
28

المسمى بعود الحية من خاصته أنه إذا وضع على جحر الحية خرجت إليه مسرعة ثم أن ماسك هذا العود يأخذ من الحيات ما شاء بيده من غير أن يدركه شيء من الجزع ويجد في نفسه قوة عند أخذها والصحيح عند أهل المغرب الأقصى وأهل وارقلان أن ذلك العود إذا أمسكه ماسك بيده أو علقه في عنقه لم تقربه حية البتة وهذا مشهور وصفه هذا العود كصفة العاقرقرحا مفتولا لكنه أسود اللون
ومن مدينة كوكو إلى مدينة غانة شهر ونصف شهر ومن مدينة كوكو إلى مدينة تملمة شرقا أربع عشرة مرحلة وهي مدينة صغيرة من أرض كوار جامعة فيها بشر كثير ولا سور لها وفيها رجل ثائر بنفسه وهي على جبل صغير لكنه جبل منيع بأجراف قد أحاطت به من جميع جهاته ولها نخيل ومواش وأهلها عراة شقاة وشربهم من مياه الآبار وماؤها بعيد القعر عن وجه الأرض وبها معدن شب ليس بالكثير الجودة ويبيعونه في كوار ويخلطه التجار بالشب الطيب ويسافرون به إلى جميع الجهات
ومن تملمة إلى مدينة مانان من أرض كانم اثنتا عشرة مرحلة ومدينة مانان مدينة صغيرة وليس بها شيء من الصناعات المستعملة تجاراتهم قليلة ولهم جمال ومعز ومن مدينة مانان إلى مدينة انجيمى ثمانية أيام وهي أيضا من كانم وإنجيمى مدينة صغيرة جدا وأهلها قليل وهم في أنفسهم أذلة وهم يجاورون النوبة من جهة المشرق وبين مدينة انجيمى والنيل ثلاثة أيام في جهة الجنوب وشرب أهلها من الآبار ومن إنجيمى إلى مدينة زغاوة ستة أيام ومدينة زغاوة مدينة مجتمعة
29

الكور كثيرة البشر وحولها خلق من الزغاويين يشيلون بإبلهم ولهم تجارات يسيرة وصنائع يتعاملون بها بين أيديهم وشربهم من الآبار وأكلهم الذرة ولحوم الجمال مقددة والحوت المصيد والألبان عندهم كثيرة ولباسهم الجلود المدبوغة يستترون بها وهم أكثر السودان جربا ومن مدينة زغاوة إلى مانان ثماني مراحل وفي مانان يسكن أميرها وعاملها وأكثر رجاله عراة رماة بالقسي ومن مدينة مانان إلى مدينة تاجوة ثلاث عشرة مرحلة وهي قاعدة بلاد التاجوين وهم مجوس لا يعتقدون شيئا وأرضهم متصلة بأرض النوبة ومن بلادهم سمنة ومدينة سمنة هذه مدينة صغيرة وحكى بعض المسافرين إلى مدائن كوار أن صاحب بلاق توجه إلى سمنة وهو أمير من قبل ملك النوبة فحرقها وهدمها وبدد شملهم على الآفاق وهي الآن خراب ومن مدينة تاجوة إليها ست مراحل ومن مدينة تاجوة إلى مدينة نوابة ثماني عشرة مرحلة وإليها تنسب النوبة وبها عرفوا وهي مدينة صغيرة وأهلها مياسير ولباسهم الجلود المدبوغة وأزر الصوف ومنها إلى النيل أربعة أيام وشرب أهلها من الآبار وطعامهم الذرة والشعير ويجلب إليهم التمر والألبان عندهم كثيرة وفي نسائهم جمال فائق وهن مختتنات ولهن أعراق طيبة ليست من أعراق السودان في شيء وجميع بلاد أرض النوبة في نسائهم الجمال وكمال المحاسن وشفاههم رقاق وأفواههم صغار ومباسمهم بيض وشعورهم سبطة وليس في أرض السودان من المقازرة ولا من الغانيين ولا من الكانميين ولا من البجاة ولا من الحبشة والزنج قبيل
30

شعور نسائهم سبطة مرسلة إلا من كان منهن من نساء النوبة ولا أحسن أيضا للجماع منهن وإن الجارية منهن ليبلغ ثمنها ثلاث مائة دينار وأقل من ذلك ولهذه الخلال التي فيهن يرغب ملوك أرض مصر فيهن ويتنافسون في أثمانهن ويتخذونهن أمهات أولاد لطيب متعتهن ونفاسة حسنهن وذكر بعض الرواة أنه كان بالأندلس جارية من هؤلاء الجواري المتقدم ذكرهن عند الوزير أبي الحسن المعروف بالمصحفي فما أبصرت عيناه قط بأكمل منها قدا ولا أصبح خدا ولا أحسن مبسما ولا أملح أجفانا ولا أتم محاسن وكان هذا الوزير المذكور مولعا بها بخيلا بمفارقتها ويذكر أن شراءها عليه مائتان وخمسون دينارا من الدنانير المرابطية وكانت هذه الجارية المذكورة مع تمام محاسنها
وبديع جمالها إذا تكلمت أسحرت سامعها لعذوبة ألفاظها وحلاوة منطقها لأنها ربيت بمصر فكانت بذلك تامة الصفات ومن مدينة نوابة إلى مدينة كوشة نحو من ثماني مراحل خفاف
نجز الجزء الثالث من الإقليم الأول والحمد لله ويتلوه الجزء الرابع منه إن شاء الله
31

الجزء الرابع
وفي هذا الجزء الرابع من الإقليم الأول بلاد النوبة وبعض بلاد الحبشة وبقية جنوب أرض التاجوين وقطعة من بلاد الواحات الداخلة وفي بلاد النوبة من البلاد المشهورة والقواعد المذكورة كوشة وعلوة ودنقلة وبلاق وسوبة وفي أرض الحبشة مركطة والنجاغة ومن أرض الواحات الداخلة وأعلى ديار مصر مدينة أسوان وأتفو والردينى
وفي هذا الجزء افتراق النيلين أعني نيل مصر الذي يشق أرضها وجريه من الجنوب إلى الشمال وأكثر مدن مصر على ضفتيه معا وفي جزائره أيضا والقسم الثاني من النيل يمر من جهة المشرق إلى أقصى المغرب وعلى هذا القسم من النيل جميع بلاد السودان أو أكثرها وهذان القسمان مخرجهما من جبل القمر الذي أوله فوق خط الاستواء بست عشرة درجة وذلك أن مبدأ النيل من هذا الجبل من عشر عيون فأما الخمسة الأنهار منها فإنها تصب وتجتمع في بطيحة كبيرة وكذلك الخمسة الأنهار الأخر تنزل من الجبل إلى بطيحة أخرى كبيرة ويخرج من كل واحدة من هاتين البطيحتين ثلاثة أنهار فتمر بأجمعها إلى أن تصب في بطيخة
32

كبيرة جدا وعلى هذه البطيحة مدينة تسمى طرمى وهي مدينة عامرة يزرع بها الأرز وعلى ضفة البطيحة المذكورة صنم رافع يديه إلى صدره يقال إنه مسخ وإنه كان رجلا ظالما ففعل ذلك به وفي هذه البحيرة سمك تشبه رؤوسه رؤوس الطير ولها مناقير وفيها أيضا دواب هائلة وهذه البحيرة المذكورة فوق خط الاستواء مماسة له وفي أسفل هذه البحيرة التي بها تجتمع الأنهار جبل معترض يشق أكثر البطيحة ويمر منها إلى جهة الشمال مغربا فيخرج معه ذراع واحد من النيل فيمر في جهة المغرب وهو نيل بلاد السودان الذي عليه أكثر بلادها ويخرج مع شق الجبل الشرقي الذراع الثاني فيمر أيضا إلى جهة الشمال فيشق بلاد النوبة وبلاد أرض مصر وينقسم في أسفل أرض مصر على أربعة أقسام فثلاثة أقسام تنصب في البحر الشامي وقسم واحد ينصب في البحيرة الملحة التي تنتهي إلى الإسكندريه وبين هذه البحيرة وبين الإسكندرية ستة أميال وهي لا تتصل بالبحر بل هي من فيض النيل ومع الساحل قليلا وسنستقصي ذكرها في موضعه إن شاء الله عز وجل
ومن تحت جبل القمر فيما بين الأنهار العشرة والبطيحات مارا مع جهة الشمال إلى أن يتصل بالبطيحة الكبيرة مقدار عشر مراحل وعرض ما بين البطيحتين الصغيرتين من المشرق إلى المغرب ست مراحل وفي هذه الأرض الموصوفة ثلاثة جبال مارة من المشرق إلى المغرب فأما الجبل
33

الأول فهو مما يلي جبل القمر ويسميه كهنة مصر جبل هيكل الصور وأما الجبل الثاني الذي يلي هذا الجبل مع الشمال فإنهم يسمونه جبل الذهب لأن فيه معادن الذهب وأما الجبل الثالث الذي يلي الجبل الثاني مع الأرض فإنهم يسمون أيضا الأرض التي هو فيها أرض الحيات ويزعم أهل تلك الأرض أن فيها حيات عظيمة تقتل بالنظر وفي هذا الجبل الذي في هذه الأرض المذكورة عقارب على قدر العصافير سود الألوان تقتل في الحال وقد ذكر ذلك صاحب كتاب العجائب وذكر أيضا في كتاب الخزانة لقدامة أن جرية النيل من مبدئه إلى مصبه في البحر الشامي خمسة آلاف ميل وستمائة ميل وأربعة وثلاثون ميلا وعرض النيل في بلاد النوبة ميل واحد على ما حكاه صاحب كتاب العجائب أيضا وعرضه في قبالة مصر ثلث ميل
وفي البطيحات الصغار وما بعدها من النيل الحيوان المسمى بالتمساح وفيها أيضا الحوت المسمى بالخنزير وهو ذو خرطوم أكبر من الجاموس يخرج إلى الجهات المجاورة إلى النيل فيأكل بها الزرع ويرجع إلى النيل وفي النيل المذكور سمكة مدورة حمراء الذنب يقال لها اللاش لا تظهر به إلا ندرة وهي كثيرة اللحم طيبة الطعم وفيه أيضا سمك يسمى الأبرميس وهو حوت أبيض مدور أحمر الذنب ويقال إنه ملك السمك وهو طيب الطعم لذيذ يؤكل طريا ومملوحا إلا أنه لطيف بقدر الفتر طولا ومثل نصفه عرضا وفيه الرأي وهو سمك كبير لونه أحمر ومنه كبير وصغير ربما كان في وزن كبير ثلاثة أرطال وأقل وهو طيب
34

الطعم قريب من طيب السمك الذي يسمى الأبرميس وفيه سمك يقال له البني وهو كبير عجيب الطعم والطيب وربما وجد في الواحد منه خمسة أرطال وعشرة أرطال وأكثر وأقل وفيه أيضا من السمك قبيل يقال له البلطى وهو مدور في خلقه العفر الذي ببحيرة طبرية قليل الشوك طيب الطعم وقد يوجد منه الحوت الكبير الذي في وزنه خمسة أرطال وفيه سمك يقال له اللوطيس ويسميه أهل مصر بالفرخ وهو حوت طيب الطعم كثير الشحم ويوجد منه في الندرة ما وزنه قنطار وأقل وأكثر وفيه اللبيس وهو حوت طيب لذيذ شهي الطعم إذا طبخ لا يوجد فيه رائحة السمك ويصرف في جميع ما يصرف فيه اللحم من أنواع الطبيخ ولحمه شديد ويكون كبيرا وصغيرا فمنه ما يكون وزنه عشرة أرطال ودون ذلك ولهذا السمك كله قشر وفيه أسماك لا قشور لها ومنها الحوت الذي يسمى السموس وهو سمك كبير الرأس كثير السمن وربما بلغ وزن الحوت منه قنطار وأكثر وأقل ويباع لحمه مقطعا وفيه سمك يسمى النيناريات وهو سمك مائل إلى الطول طويل الفم كأنه منقار طائر وفيه سمكة يقال لها أم عبيد تحيض ولا قشور لها وفيه السمك الذي يقال له الحلبوة بغير قشر وربما كان وزنه في الرطل والأكثر والأقل وهو مسموم وفيه سمك يقال له الشال وله شوكة في ظهره يضرب بها فيقتل مسرعا وفيه أيضا سمك في صور الحيات يقال لها الإنكليس مسمومة وفيه أيضا سمك أسود الظهر له شوارب كبير الرأس دقيق
35

الذنب يسمى الجرى وفيه سمك مدور خشن الجلد يقال له القافو تمشط النساء به الكتان وفيه أيضا السمكة المعروفة بالرعادة وهي مثل الكرة خشنة الجلد ذات سم إذا مسها الإنسان ارتعدت يده حتى تسقط منها وهذه الخاصة فيها موجودة ما دامت حية فإذا ماتت كانت كسائر السمك وفيه كلاب الماء وهي في صور الكلاب ملونات وفيه فرس الماء وهو في خلقة الفرس لكنه لطيف وحوافره مثل أرجل البط تنضم إذا رفعتها وتنفتح إذا وضعتها وله ذنب طويل وفيه أيضا السقنقور وهو صنف من التمساح لا يشاكل السمك من جهة يديه ورجليه ولا يشاكل التمساح لأن ذنبه أملس مستدير وذنب التمساح مسيف وشحمه يتعالج به للجماع وكذلك ملحه الذي يملح به والسقنقور لا يكون
بمكان إلا في النيل من حد أسوان والتمساح أيضا لا يكون في نهر ولا بحر إلا ما كان منه في نيل مصر وهو مستطيل الرأس وطول رأسه نحو طول نصف جسده وذنبه ملوح وله أسنان لا يقبض بها على شيء من السباع أو من الناس إلا ومر به في الماء وهو بري وبحري لأنه يخرج إلى البر فيقيم به اليوم والليله يدب على يديه ورجليه ويضر في البر لكن ضررا قليلا وأكثرضرره في الماء ثم إن الله سبحانه سلط عليه دابة من دواب النيل يقال لها اللشك وهي تتبعه وترتصده حتى يفتح فمه فإذا فتحه وثبت فيه فتمر في حلقه ولا تزال تأكل كبده ومعاه حتى تفنيه فيموت ويخرج أيضا إلى النيل من البحر الملح سمك يقال له البوري حسن اللون طيب
36

الطعم في قدر الرأي يكون وزن الحوت منه رطلين وثلاثة أرطال ويدخل أيضا من البحر إلى النيل سمك يقال له الشابل وهو بقدر طول الذراع وأزيد على ذلك لذيذ الطعم حسن اللحم سمين ويدخل أيضا منه حوت يسمى الشبوط وهو ضرب من الشابل إلا أنه صغير في طول شبر ويدخله من البحر أنواع كثيرة ويوجد أيضا في أسفل النيل بناحية رشيد وفوة ضرب من السمك له صدف يتولد عند آخر النيل إذا خالط الماء الحلو الماء الملح وهذا الصدف يقال له الدلينس وهو صدفة صغيرة في جوفها لحمة فيها نقطة سوداء وهو رأسها وأهل رشيد يملحونه ويرفعونه إلى جميع بلاد مصر وللنيل في جريه أخبار وعجائب سنذكر منها ما تيسر للذكر في موضعه من الكتاب بعون الله تعالى
وأما بلاد النوبة التي قدمنا ذكرها فمنها مدينة كوشة الواغلة وبينها وبين مدينة نوابة ستة أيام وهي تبعد عن النيل يسيرا وموضعها فوق خط الاستواء وأهلها قليلون وتجاراتها قليلة وأرضها حارة جافة كثيرة الجفوف جدا وشرب أهلها من عيون تمد النيل هناك وهي في طاعة ملك النوبة وملك النوبة يسمى كاسل وهو اسم يتوارثه ملوك النوبة وقرارته ودار ملكه في مدينة دنقلة
ومدينة دنقلة في غربي النيل وعلى ضفته ومنه شرب أهلها وأهلها سودان لكنهم أحسن السودان وجوها وأجملهم شكلا وطعامهم الشعير والذرة والتمر يجلب إليهم من البلاد المجاورة لهم وشرابهم المزر المتخذ من الذرة واللحوم التي
37

يستعملونها لحوم الإبل طرية ومقددة ومطحونة ويطبخونها بألبان النوق وأما السمك فكثير عندهم جدا وفي بلادهم الزرائف والفيلة والغزلان
ومن بلاد النوبة مدينة علوة وهي على ضفة النيل أسفل من مدينة دنقلة وبينهما مسير خمسة أيام في النيل وماؤهم من النيل وشربهم منه وبه يزرعون الشعير والذرة وسائر بقولهم من السلجم والبصل والفجل والقثاء والبطيخ وحال علوة في هيأتها ومبانيها ومراتب أهلها وتجاراتهم مثل ما هي عليه حالات مدينة دنقلة وأهل علوة يسافرون إلى بلاد مصر وبين علوة وبلاق عشرة أيام في البر وفي النيل أقل من ذلك إنحدارا وطول بلاد النوبة على ساحل النيل مسير شهرين وأكثر وكذلك أهل علوة ودنقلة يسافرون في النيل بالمراكب وينزلون أيضا إلى مدينة بلاق في النيل
ومدينة بلاق من مدن النوبة وهي بين ذراعين من النيل وأهلها متحضرون ومعايشهم حسنة وربما وصلت إليهم الحنطة مجلوبة والشعير والذرة عندهم ممكن كثير موجود وبمدينة بلاق يجتمع تجار النوبة والحبشة وتجار أرض مصر يسافرون إليها إذا كانوا معهم في صلح وهدنة ولباس أهلها الأزر والمآزر وأرضها تسقى بالنيل وماء النهر الذي يأتي من بلاد الحبشة وهو واد كبير جدا يمد النيل وموقعه بمقربة من مدينة بلاق وفي الذراع المحيط بها وعليه مزارع أهل الحبشة وكثير من مدنها وسنذكرها فيما بعد بعون الله تعالى وليس في مدينة بلاق مطر ولا يقع فيها غيث البتة وكذلك سائر بلاد السودان من النوبة والحبشة والكانميين والزغاويين وغيرهم من الأمم لا يمطرون ولا لهم من الله رحمة ولا غياث إلا فيض النيل وعليه يعولون في زراعة
38

أرزاقهم ومعيشتهم الذرة والألبان والحيتان والبقول وجميع ذلك بمدينة بلاق كثير موجود
ومن مدينة بلاق إلى جبل الجنادل ستة أيام في البر وفي النيل أربعة أيام انحدارا وإلى جبل الجنادل تصل مراكب السودان ومنها ترجع لأنها لا تقدر على النفوذ في السير إلى مدينة مصر والعلة المانعة من ذلك أن الله جل اسمه خلق هذا الجبل وجعله قليل العلو من ناحية بلاد السودان وجعل وجهه الثاني مما يلي أرض مصر عاليا جدا والنيل يمر من جهة أعلاه فيصب إلى أسفل صبا عظيما مهولا وهناك حيث ينصب الماء أحجار مكدسة وصخور مضرسة والماء يقع بينها فإذا وصلت مراكب النوبيين وغيرها من مراكب السودان وجاءت إلى هذا المكان من النيل لم يمكنها عبوره لما فيه من العطف المهلك فإذا انتهت المراكب بما فيها من التجار وما معهم من التجارات تحولوا عن بطون المراكب إلى ظهور الجمال وساروا إلى مدينة أسوان في البرية وبين هذا الموضع أعني الجبل وأسوان نحو من اثنتي عشرة مرحلة بسير الجمال
وأسوان هذه من ثغور النوبة إلا أنهم في أكثر الأوقات متهادنون وكذلك مراكب مصر لا تصعد في النيل إلا إلى مدينة أسوان فقط وهي آخر الصعيد الأعلى وهي مدينة صغيرة عامرة كثيرة الحنطة وسائر أنواع الحبوب والفواكه والدلاع وسائر البقول وبها اللحوم الكثيرة من البقر والحملان والمعز والخرفان وغيرها من صنوف
39

اللحوم العجيبة البالغة في الطيب والسمن وأسعارها مع الأيام رخيصة وبها تجارات وبضائع تحمل منها إ لي بلاد النوبة وربما أغار على أطرافها خيل السودان المسمين بالبليين ويزعمون أنهم روم وأنهم على دين النصرانية من أيام القبط وقبل ظهور الإسلام غير أنهم خوارج في النصارى يعاقبة وهم منتقلون فيما بين أرض البجة وأرض الحبشة ويتصلون ببلاد النوبة وهم رحالة ينتقلون ولا يقيمون بمكان مثل ما تفعله لمتونة الصحراء الذين هم بالمغرب الأقصى
وليس يتصل بمدينة أسوان من جهة الشرق بلد الإسلام إلا جبل العلاقي وهو جبل أسفله واد جاف لاماء به لكن الماء إذا حفر عليه وجد قريبا معينا كثيرا وبه معدن الذهب والفضة وإليه تجتمع طوائف من الطلاب لهذه المعادن وعلى مقربة من أسوان جنوبا من النيل جبل في أسفله معدن الزمرد في برية منقطعة عن العمارة ولا يوجد الزمرد في شيء من جميع الأرض إلا ما كان منه بذلك المعدن وبه طلاب كثيرة ومن هذا المعدن يخرج ويتجهز به إلى سائر البلاد
وأما معدن الذهب فمن أسوان إليه نحو خمسة عشر يوما بين شرق وشمال وهو في أرض البجة و لا يتصل بأسوان من جهة المغرب إلا لواحات وهي الآن خالية لا
ساكن فيها وكانت في زمان سلف معمورة والمياه تخترق أرضها وبها الآن بقايا شجر وقرى متهدمة لا تعمر وكذلك من ظهرها إلى ديار كوار وكوكو لا تخلو تلك الأرضون من جزائر نخل وبقايا بناء وحكى الحوقلي أن بها إلى يومنا هذا معز وغنم وقد توحشت فهي تتوارى من الناس وتصاد كما يصاد الحيوان البري وأكر الواحات نازلة مع أرض مصر وفيها بقايا عمارة وسنذكرها
40

فيما بعد بحول الله وعونه
ومن مدينة بلاق إلى مدينة مركطة ثلاثون مرحلة وهي مدينة صغيرة لا سور لها وهي مجتمعة الخلق متحضرة وبها شعير ويتعيشون به والسمك والألبان عندهم كثير وإليها يدخل التجار من مدينة زالغ التي على بحر القلزم وسنذكر هذه البلاد عند بلوغنا إلى أمكنة ذكرها بعون الله وتأييده ونصره وتسديده
نجز الجزء الرابع من الإقليم الأول والحمد لله ويتلوه الجزء الخامس منه إن شاء الله
41

الجزء الخامس
وهذا الجزء الخامس من الإقليم الأول تضمن من الأرضين أكثر أرض الحبشة وجملة من بلادها وأكبر مدنها كلها جنبيتة وهي مدينة متحضرة لكنها في برية بعيدة من العمارات وتتصل عماراتها وبواديها إلى النهر الذي يمد النيل وهو يشق بلاد الحبشة ولها عليه مدينة مركطة ومدينة النجاغة وهذا النهر منبعه من فوق خط الاستواء وفي آخر نهاية المعمور من جهة الجنوب فيمر مغربا مع الشمال حتى يصل إلى أرض النوبة فيصب هناك في ذراع النيل الذي يحيط بمدينة بلاق كما قدمنا وصفه وهوز نهر كبير عريض كثير الماء بطيء الجري وعليه عمارات للحبشة وقد وهم أكثر المسافرين في هذا النهر حين قالوا إنه النيل وذلك لأنهم يرون به ما يرون من النيل في خروجه ومده وفيضه في الوقت الذي جرت به عادة خروج النيل وينقص فيض هذا النهر عند نقصان فيض النيل ولهذا السبب وهم فيه أكثر الناس وليس كذلك حتى أنهم ما فرقوا بينه وبين النيل لما رأو فيه من الصفات النيليه التي قدمنا ذكرها وتصحيح ما قلناه من أنه ليس بالنيل ما جاءت به الكتب المؤلفة في هذا الفن وقد
42

حكوا من صفات هذا النهر ومنبعه وجريه ومصبه في ذراع النيل عند مدينة بلاق وقد ذكر ذلك بطلميوس الأقلودي في كتابه المسمى بالجغرافية وذكره حسان بن المنذر في كتاب العجائب عند ذكره الأنهار ومنابعها ومواقعها وهذا مما لا يهم فيه نبيل ولا يقع في جهله عالم ناظر في الكتب باحث عن غرضه وعلى هذا النهر يزرع أهل بوادي الحبشة أكثر معايشهم مما تدخره لأقواتها من الشعير والذرة والدخن واللوبيا والعدس وهو نهر كبير جدا لا يعبر إلا بالمراكب وعليه كما قلناه قرى كثيرة وعمارات للحبشة ومن هذه القرى ميرة جنبيتة وقلجون وبطا وسائر القرى البرية فأما المدن الساحلية فإنها تمتاز مما يجلب إليها من اليمن في البحر
ومن مدن الحبشة الساحلية مدينة زالغ ومنقونة واقنت وباقطى إلى ما اتصل بها من عمارات قرى بربرة وكل هذه القرى ميرتها مما يتصيده أهلها من السمك ومن الألبان وسائر الحبوب التي يجلبونها من قراهم التي على ضفة النهر المذكور
ومدينة النجاغة مدينة صغيرة على ضفة النهر وأهلها فلاحون يزرعون الذرة والشعير وبه يتجهزون ومنه يتعيشون ومتاجر هذه البلدة قليلة وصنائعهم النافعة لأهلها قليلة والسمك عندهم كثير ممكن والألبان غزيرة وبين هذه المدينة ومدينة مركطة السابق ذكرها ستة أيام إنحدارا في النهر وفي الصعود أزيد من عشرة أيام على قدر الإمكان وزوارقهم صغار
43

وخشبهم معدوم وليس بعد هاتين المدينتين من جهة الجنوب شيء من العمارات ولا شيء يعول عليه
وبين مدينة النجاغة ومدينة جنبيتة ثماني مراحل وكذلك بين مركطة وجنبيتة كما حكيناه في برية منقطعة من الأرض وشرب أهلها من الآبار وماؤها يجف في أكثر الأوقات حتى لا يوجد والغالب على أهل هذه البلدة أنهم طلاب معادن الفضة والذهب وذلك جل طلبهم وأكثر معايشهم منه وهذه المعادن في جبل مورس وهو على أربعة أيام من مدينة جنبيتة ومن هذا المعدن أيضا إلى أسوان نحو من خمسة عشر يوما
ومن مدينة جنبيتة إلى مدينة زالغ التي على الساحل من أرض الحبشة نحو من أربع عشرة مرحلة ومدينة زالغ على ساحل البحر الملح المتصل بالقلزم وقعر هذا البحر أقاصير كله متصلة إلى باب المندب لا تعبره المراكب الكبار وربما تجاسرت عليه المراكب الصغار فتتخطفها الرياح فتتلفها ومن زالغ إلى بحر ساحل اليمن ثلاثة مجار مقدرة الجري ومدينة زالغ صغيرة القطر كثيرة الناس والمسافرون إليها كثير وأكثر مراكب القلزم تصل إلى هذه المدينة بأنواع من التجارات التي يتصرف بها في بلاد الحبشة ويخرج منها الرقيق والفضة وأما الذهب فهو فيها قليل وشرب أهلها من الآبار ولباسهم الأزر ومقندرات القطن
44

ومن مدينة زالغ إلى مدينة منقونة خمسة أيام في البر وأما في البحر فأقل من ذلك ويقابلها في البرية بلدة اسمها قلجون وبينهما اثنا عشر يوما في البرية ومن منقونة إلى اقنت أربعة أيام في البر وهي على الساحل في الجنوب ويسافر إليها في الزوارق الصغار التي لا تحمل الشيء الكثير من الوسق لأن هذا البحر كله من جهة أرض الحبشة تروش وأقاصير متصلة لا تجري به المراكب كما قلناه ومدينة اقنت صغيرة ليست بكبيرة ولا بكثيرة الخلق وأكثرها خراب وأهلها قليل وأكثر أكلهم الذرة والشعير وسمكهم موجود وصيدهم كثير وأما عامة الناس فإنهم يعيشون من لحوم الصدف المتكون في تلك الأقاصير من البحر يملحونه ويصيرونه إداما لهم
ومن مدينة اقنت إلى باقطى خمسة أيام وباقطى هذه مدينة صغيرة جدا كالقرية الجامعة ليست بمسورة لكنها على تل رمل وبينها وبين البحر نحو من رمية سهم وأهلها مقيمون بها قليل سفرهم منها وقليلا ما يدخل المسافرون إليها لضيق معايشها وكون متاجرها مجالبة وبواديها شاقة وجبالها جرد لا نبات فيها وليس فوقها مما يلي الجنوب عمارة ولا قرى إلا ما كان منها قريبا ولهم إبل يتصرفون عليها ويتعيشون منها ويتجرون بها
ومنها على ثمانية أيام مدينة بطا وتتصل بها قرى بربرة وأولها جوة وهي منها قريبة
45

وجملة الحبشة يتخذون الإبل ويكتسبونها ويشربون ألبانها ويستخدمون ظهورها وينتظرون لقاحها وهي أجل بضاعه عندهم ويسرق بعضهم أبناء بعض ويبيعونهم من التجار فيخرجوهم إلى أرض مصر في البر والبحر
وتجاور أرض الحبشة في جهة الشمال أرض البجة وهي بين الحبشة والنوبة وأرض الصعيد وليس بأرض البجة قرى ولا خصب وإنما هي بادية جدبة ومجتمع أهلها ومقصد التجار منها إلى وادي العلاقي وإليه ينجلب أهل الصعيد وأهل البجه وهو واد فيه خلق كثير وجمع غزير
والعلاقي في ذاته كالقريه الجامعة والماء بها من آبار عذبة ومعدن النوبة المشهور متوسط في أرضها في صحراء لا جبل حوله وإنما هي رمال لينه وسباسب سائلة وإذا كان أول ليالي الشهر العربي وأخره خاض الطلاب في تلك الرمال بالليل فينظرون فيها كل واحد منهم ينظر فيما يليه من الأرض فإذا أبصر التبر يضيء بالليل علم على موضعه علامة يعرفها وبات هنالك فإذا أصبح عمد كل واحد منهم إلى علامته في كوم الرمل الذي علم عليه ثم يإخذه ويحمله معه على نجيبه فيمضي به إلى ابار هنالك ثم يقبل على غسله بالماء في جفنة عود فيستخرج التبر منه ثم يؤلفه بالزئبق ويسبكه بعد ذلك فما اجتمع لهم منه تبايعوه بينهم واشتراه بعضهم من بعض ثم يحمله التجار إلى سائر الأقطار وهذا شغلهم دأبا لا يفترون عنه ومن ذلك معايشهم ومبادىء مكاسبهم وعليه يعولون
46

ومن وادى العلاقي إلى عيذاب من ارض البجه اثنا عشر يوما ومن بلاد البجة مدنية بختة وهي أيضا قريه مسكونة وبها سوق لا يعول عليها وحولها قوم ينتجون الجمال ومنها معايشهم وهي أكثر مكاسبهم والى هذه القرية تنسب الجمال البختيه وليس يوجد على وجه الأرض جمال أحسن منها ولا اصبر على السير ولا أسرع خطا وهي بديار مصر معروفه بذلك
وبين أرض النوبة وأرض البجه قوم رحاله يقال لهم اليلون ولهم صرامه وعزم وكل من حولهم من ألامم يهادنونهم ويخافون ضرهم وهم نصارى خوارج على مذهب اليعقوبية وكذلك جميع أهل بلاد النوبة والحبشة وأكثر أهل البجه نصارى خوارج على مذهب اليعاقبة كما قدمنا ذكره
ويتصل أيضا بأرض الحبشة على البحر بلاد بربرة وهم تحت طاعة الحبشة وهي قرى متصلة وأولها قرية جوة ومنها إلى باقطي ستة أيام ومنها أيضا إلى بطا البرية سبعة أيام ومدينة بطا المتقدم ذكرها فوق خط ألاستواء في نهاية المعمور
نجز الجزء الخامس من الإقليم الأول والحمد لله ويتلوه الجزء السادس إن شاء الله
47

الجزء السادس
إنه إن هذا الجزء السادس من الإقليم الأول تضمن من ناحية الجنوب مدينة قرقونة ومركة والنجا وهذه البلاد الثلاثة من أرض بربره واليئها تنتهي عمالتها وهي على البحر اليماني وأهل قرى بربره أكثر عيشهم من لحوم السلاحف البحريه وتسمى عندهم ألبسه ومن جوة إلى قرقونة يومان في البحر وعليها جبل عظيم يمتد في جهة الجنوب ومن قرقونة إلى برمة ثلاثة أيام في البحر ويبتدىء منها جبل خاقوني وهو جبل له سبعة رؤوس خارجة ويمتد تحت الماء في البحر أربعة وأربعين ميلا وتلي رؤوس هذا الجبل بلاد صغار كالقرى يقال لها الهاوية ومن خاقوني إلى مركة على الساحل ثلاثة مجار صغار وفي البر سبعة أيام وعلى مرحلتين من مركة في البرية واد يمد كمد النيل وعليه يزرعون الذرة ومن مركة إلى بلد النجا على البحر يوم ونصف يوم وعلى البر أربعة أيام والنجا آخر أرض بربره
ومن النجا إلى قرنوة ثمانية أيام وهي مدينة صغيره على البحر ومنها إلى بذونة ستة أيام وهي قرية كبيرة مسكونة آهلة وأهلها يأكلون
48

الضفادع الأحناش وأشياء من القاذورات التي يعاف الناس أكلها وهذه الأرض أيضا تليها بلاد الزنج ثم إن قرنوة وبذونه مدينتان وأهلهما كفره وهما تتصلان ببلاد الزنج على ضفة البحر الملح وكل هذه البلاد المذكورة تقابل بلاد اليمن في جهة الشمال وبينهما عرض البحر وعرضه هناك ست مائة ميل ويكون في أمكنة أخرى أكثر من هذا وأقل على قدر خروج أجوان البحر في وعلى البراري قدر دخول القراطيل في البحر
وفي تضمنه هذا البحر المحصل في هذا الجزء أربع جزائر منها جزيرتان في جهة المشرق واسم إحداهما خرتان والثانية مرتان وهما في جون الحشيش وسنستقصي ذكرهما في موضعه بعون الله تعالى
ومنها جزيرة سقطرى التي ينسب الصبر إليها وبينها وبين الساحل مجريان بالريح الطيبة ويقابلها من بلاد اليمن مدينة برباط وحاسك وسنذكر هاتين المدينتين في موضع ذكرهما مع جملة أخبارهما بحول الله وقوته
والجزيرة الرابعة تسمى جزيرة قنبلا وهي في ناحية المغرب من هذا الجزء وهي خاليه لكنها كثيرة الشجر وفيها جبال ممتده وعره فيها ضروب وحوش ودواب مضرة وفيها أيضا عين ماء خرارة تصب في البحر وربما سقط إلى هذه الجزيرة من احرم إليها من بلاد اليمن أو من مراكب القلزم أو من مراكب الحبشة فيستغيثون بها وهي تقابل الحصن المعروف بمخلاف حكم من ساحل اليمن
49

ومنها إلى جبل المندب مجريان والمندب جبل يحيط به البحر من جميع جهاته وطرفه الا على مما يلي الجنوب ويمر إلى جهة الشمال مع تغريب يسير وطوله نحو من اثني عشر ميلا وظهره مما يلي بلاد الحبشة كله اقاصير وجزائر متصله حتى تنتهي إلى زالغ واقنت وباقطى فلا يقدر أحد على خوض هذا البحر من هذه الجهة وفي وسط هذه التروش والجزائر جبل معترض يسمى موريقس وهو يتصل من نحو زالغ إلى ظهر المندب وليس بكثير العلو في الجو لكنه يعلو على وجه الماء مرة ويغيب في مواضع أخرى يستره الماء لكنه متصل في ذاته وحكى صاحب كتاب العجائب أنه لا يمر بهذا الجبل شئ من المراكب المسمرة بالحديد الإ اجتذبه إليه وأمسكه معه فلا تكاد تتخلص منه البتة وأما جبل المندب فإنه ممتد مع ساحل اليمن كما قلناه وليس لشيء من مراكب القلزم الصاعدة إلى اليمن بد من أن تمر به في مسيرها ورجوعها لأن
البحر يضيق هناك حتى يرى الرجل صاحبه من البر الثاتي من اليمن وفي هذا الجبل من ظهره مغارة لا يدخلها أحد فيخرج منها إما لحيوان يأكله أو لحفر يقع فيه ولما علم الناس ذلك منها قصدوا إليها وسدوها بالحجارة والطين فلا يصل الآن إليها أحد
وأما جزيرة سقطرى فهي جزيرة واسعه جليلة القدر بهية الأرض نامية الشجر وأكثر نباتها شجر الصبر ولا صبر يفوق صبرها في الطيب كالذي يتخذ بحضرموت اليمن والشحر وغيرها وهي كما قلناه تتصل من جهة الشمال والغرب ببلاد اليمن بل هي محسوبة منه ومنسوبة
50

إليه ويقابلها من جهة بلاد الزنج مدينة ملند ومنبسة وأكثر أهل مدينة سقطرى نصارى والسبب في ذلك أن إلإسكندر لما تغلب على ملك فارس وغزت أساطيله جزائر الهند وقتل قور ملك الهند وكان معلمه أرسطوطاليس قد أوصاه بطلب جزيرة الصبر فكان في بال الإسكندر ذلك من أجل وصية معلمه فعند فراغه من أخذ جزائر الهند وتغلبه عليها وعلى ملوكها أخذ راجعا في بحر الهند إلى جهة البحر العماني وقد تغلب على تلك الجزائر إلى أن وصل إلى جزيرة سقطرى فأعجبه منها طيب ثراها واعتدال هوائها فكتب إلى معلمه بدلك فلما وصل الخبر إلى أرسطوطاليس كتب إليه يأمره بأن ينقل أهلها عنها ويستبدلهم باليونانين ويوصيهم بحفظ شجرة الصبر وحياطتها لما في ذلك من جمل المنافع الطبية وأنه لا تتم الايارجات الا به مع انتفاع جميع الأمم بأخذه وتصريفه ولأنه في ذاته دواء جليل كثير المنافع ففعل الإسكندر ذلك وأخرج عنها جملة أهلها ونقل إليها قوما من اليونانيين وأمرهم بحفظ شجرة الصبر والقيام بها وغراستها وإدامة تنميتها ففعلوا ذلك وكانوا في صيانة وجمل أموال إلي ان ظهر دين المسيح فأمنت الأمم فدخل أهل سقطرى في دين النصرانية وبقايا ذرياتهم بها إلى هذا الوقت مع سائر من يسكنها من غيرهم وأوراق شجر الصبر تجمع في شهر يوليه ويستخرج لعابها ويطبخ في قدور النحاس وغيرها ويوضع في زقاق ويجفف في شهر أغشت للشمس ويباع منه بهذه الجزيرة قناطير فيتجهز به إلى
51

سائر بلاد الله في المشرق والمغرب وصبرها ينسب إليها وبها يعرف وأما جزيرة خرتان وجزيرة مرتان اللتين قدمنا ذكرهما فهما في جون الحشيش بالمحاذاة إلى بلاد الشحر التي فيها منابت اللبان وهاتان الجزيرتان معمورتان يسكنهما قوم من العرب قد أقاموا فيهما وقنعوا بهما وهم يتكلمون بألسنة عاديه قديمة لا تعرفها العرب في وقتنا هذا وأهل هاتين الجزيرتين في قشف وضيق عيش ونكد حال أيام الشتاء إلى أن تكون أيام الأسفار في البحر فيركبون في مراكبهم إلى أرض عمان وعدن وساحل اليمن فتتسع أحوالهم ويحسن عيشهم قليل وكثيرا ما يقع إليهم العنبر الجيد فيبيعونه من التجار مسافرين إليهم وربما قصدوا به إلى بلاد اليمن بأنفسهم فيبيعونه هناك بأرفع قيمة ويخرج من هاتين الجزيرتين الذبل والذيلعان وهو ضرب من الذبل وظهور السلاحف يتخذ منها أهل اليمن قصاعا لغسلهم وخبزهم
وأما بلاد اليمن الواقعة في هذا الجزء فمنها مخالف الحردة وهو حصن على البحر والعرب تسمي الحصن مخلافا والحردة حصن صغير وناسه قليلون وعيشهم اللحوم والألبان والتمر ومعايشهم ضيقه ومنه إلى مخلاف غلافقة في البر أربع مراحل وأهل هذا الحصن حضر وهو على مرسى زبيد ومنه إلى زبيد خمسون ميلا
ومدينة زبيد مدينة كبيره وأهلها مياسير أهل ثروة ومال والمسافرون إليها كثيرون وبها يجتمع التجار من أرض الحجاز وأرض الحبشة وأرض
52

مصر الصاعدون في مراكب جدة وأهل الحبشة يجلبون رقيقهم إليها ويخرج منها ضروب الآفاويه الهندية والمتاع الصيني وغيره وهي على نهر صغير ومنها إلى مدينة صنعاء مائة واثنان وثلاثون ميلا والطريق على ديار اليمن من زبيد إلى جيلان ستة وثلاثون ميلا ومن جيلان إلى ألهان اثنان وأربعون ميلا ومن ألهان إلى الغرف ثلاثون ميلا ومن الغرف إلى صنعاء أربعة وعشرون ميلا وكل هذه البلاد قرى وحصون ليست بالكبار لكنها معموره ينزل بها ويأوي التجار والمسافرون إليها ويتزودون منها
ومدينة صنعاء كثيرة الخيرات متصلة العمارات وليس في بلاد اليمن أقدم منها عهدا ولا أكبر قطرا ولا أكثر ناسا وهي في صدر الإقليم الأول معتدلة الهواء طيبة الثرى والزمان بها ابدا معتدل الحر والبرد وبها كانت ملوك اليمن قاطنة وهي ديار العرب وكان لملوكها بها بناء كبير عظيم الذكر وهو قصر غمدان فتهدم وصار كالتل العظيم وأكثر بنيانها في هذا الوقت بالخشب والألواح وبها دار لعمل الثياب المنسوبة إليها وهي قاعدة اليمن وهي على نهر صغير يأتي إليها من جبل يوافي من شمالها فيمر بها نازلا إلى مدينة ذمار ويصب في البحر اليماني وبشمال صنعاء جبل المدخير وطول أعلاه ستون ميلا وبه مزارع ومياه وينبت فيه الورس والورس نبات أصفر يشبه الزعفران تصبغ به الثياب
ومن صنعاء إلى ذمار ثمانية وأربعون ميلا وهي مدينة صغيرة قليلة
53

العماره ضيقة المساكن ومن مدينة صنعاء إلى مدينة عدن مائة ميل وأربعة أميال والطريق في ديار داحس فمن صنعاء إلى ذمار ثمانية وأربعون ميلا ثم إلى مخلاف سفتان أربعة وعشرون ميلا ثم إلى حجر وبدار وهما قريتان متجاورتان ستون ميلا ثم إلى مخلاف أبين اثنان وسبعون ميلا ومن مخلاف أبين إلى عدن اثنا عشر ميلا
ومدينة عدن مدينة صغيره وإنما شهر ذكرها لأنها مرسى البحرين ومنها تسافر مراكب السند والهند والصين واليها يجلب متاع الصين مثل الحديد الفرند والكيمخت والمسك والعود والسروج والغضار والفلفل والدار فلفل والنارجيل والهرنوه والقاقله والدارصيني والخولنجان والبسباسة والأهليلجات والأبنوس والذبل والكافور والجوزبوا والقرنفل والكبابة والثياب المتخذة من الحشيش والثياب العظيمة المخمله وانياب الفيله والرصاص القلعي وغيرها من القنا والخيزران وأكثر السلع التي يتجهز بها إلى سائر بلاد كما قد علم ذلك ومدينة عدن يحيط بها من جهة شمالها وعلى بعد منها جبل دائر من البحر إلى البحر وقد نقب فيه من طرفيه نقبان كالبابين يدخل منهما ويخرج عليهما وبين الباب والباب على ظهر الجبل مسيرة أربعة أيام وليس لأهل عدن دخول ولا خروج الا على هذين النقبين أو على البحر وهي بلد تجاره ويقابل عدن في البرية على مسافة يوم مدينة كبيرة جدا تسمى بذي جبله وعليها حصن منيع كبير جدا يعرف بالتعكر
54

ومن عدن إلى المهجم ثمان مراحل خفاف في ديار داحس والمهجم مدينة صغيرة كالحصن وأهلها مجتمعون فيها وهي الحد بين عمل تهامه واليمن ومنها إلى صنعاء سبع مراحل ومن المهجم إلى حيران اربع مراحل وحيران مدينة صغيره جدا تشتمل على قرى ومزارع ومياه عليها عمارة أهلها وهي في وطاء من الأرض وأهلها أصناف من
قبائل اليمن ومنها إلى صنعاء ثلاث مراحل ومن حيران إلى صعده ثمانية وأربعون ميلا وعلى المغرب من صنعاء مخلاف شاكر وبينهما ثمانية عشر ميلا والذي يتجهز به من صعدة الأديم لأن بها دار صناعة الأديم العديم المثال إلا ما كان منه بصنعاء وبها مجتمع التجار وأهلها أموال وافرة وبضائع وتجارات كثيرة
ومن عدن مع الساحل في جهة المشرق إلى قرية أبين اثنا عشر ميلا وهي على ضفة البحر اليماني وأهلها موسومون بالسحر ومنها إلى لسعا في البحر ليلة ويوم وفي البر خمسة أيام لان بينهما جبل يعترض في الساحل يتصل من البحر إلى الصحراء فيعوق عن الطريق ومدينة لسعا صغيرة جدا على ضفة البحر الملح ومنها إلى شرمة على الساحل يوم وبين شرمة ولسعا قرية كبيرة فيها حمة حامية كالجابية وأهل تلك النواحي يتطهرون فيها ويجلبون إليها مرضاهم فيصيحون بها من ألامهم وأنواع أسقامهم ومدينة لسعا وشرمة هما على ساحل أرض حضرموت وبينهما يومان في البرية
55

وبأرض حضرموت مدينتان اسم إحداهما شبام والأخرى تريم وبين المدينتين مقدار مرحلة ومن مدن حضرموت مأرب وهي الآن مدينة خراب وكانت مدينة سبأ ومنها بلقيس زوجة سليمان عليه السلام ومن حضرموت إلى صداء مائتان وأربعون ميلا ومن صنعاء إلى صداء مائة وعشرون ميلا ومن عدن إلى حضرموت خمس مراحل وهي في شرقي عدن وبها رمال متصلة تعرف بالأحقاف وبلادها بلاد صغار وبها متاجر قليلة ويخرج منها الصبر الحضرمي وهو دون الصبر السقطري وربما سبكه الغشاشون للصبر فغشوا به الصبر السقطري وبمدينة سبأ طوائف من أهل اليمن وأهل عمان وبها كان السد المذكور في أخبار العرب وقبل تفرقها عنه ومن شرمة المقدم ذكرها على الساحل إلى مدينة مرباط ستة أيام في البحر وبينهما غب القمر ومعنى الغب الجون وفي قعر هذا الجون بلد يقال له خلفات وعلى رأس الجون المذكور جبل كبير مستدير على هيئة القمر أبيض اللون ولذلك سمي بجبل القمر لقويسه وبياضه وجبال مدينة مرباط تنبت شجر اللبان ومنها يتجهز به إلى جميع المشارق والمغارب وأهل مرباط هذه قوم أخلاط من اليمن وسائر قبائل العرب ومنها إلى قرية حاسك على البحر أربعة أيام في البر ومجريان في البحر ويقابل حاسك في البحر جزيرتان جزيرة خرتان وجزيرة مرتان وقد تقدم ذكرهما وعلى حاسك جبل يسمى لوس وهو جبل كبير مطل على البحر وأرض قوم عاد تقابله في جهة الشمال ومن حاسك إلى قبر هود
56

أيضا مقدار ميلين وحاسك مدينة صغيرة كالقرية متحضرة وبها مصيد للحوت كبير وهي على جون يسمى جون الحشيش وهو جون مقعر كالكيس إذا وقعت به المراكب لم تكد تتخلص لان الخروج منه يصعب إلا أن يكون بريح مستعملة وقليل ما يخرج منه من سقط فيه
نجز الجزء السادس من الإقليم الأول والحمد لله ويتلوه الجزء السابع منه إن شاء الله
57

الجزء السابع
إن هذا الجزء السابع من الإقليم الأول تضمن في حصته ووجب له قطعة من البحر الهندي وجملة جزائر متفرقة فيها أنواع من الأمم وعلى جنوبه أيضا بقايا من بلاد الكفر السود وما اتصل بها على البحر من بلاد الزنج ونحن الآن نريد بعون الله أن نذكر جميع ذلك ذكرا شافيا ونأتي به على استقصاء فنقول إن هذا البحر هو بحر الهند وعلى ضفته مدينة بروة وهي اخر بلاد الكفرة الذين لا يعتقدون شيئا وإنهم يأخذون الأحجار القائمة فيدهنونها بدهن السمك ويسجدون لها ومثل هذه السخافة وما جانسها تعبدهم واعتقادهم الفاسد وهم على ذلك ثابتون وبعض هذه البلاد في طاعة ملك بربرة وبعض في طاعة الحبشة ومن بروة على الساحل إلى بذونة ثلاثة أيام في البحر وهي مدينة خراب قليلة العمارة وحشة المساكن قذرة البقاع وعيش أهلها من السمك ولحوم الصدف والضفادع والأحناش والفيران والورل والحيوان الذي يسمى أم حبين وغير ذلك من الحيوانات التي لا تؤكل وهم يتصيدون في البحر عوما من غير مركب ولا وقوف في ساحل وإنما هم يتصيدون بالسباحة بشباك صغار يصنعونها من النبات ويربطونها في أرجلهم ولهم
58

أخيات وأنشوطات يجذبونها بأيديهم إذا أحسو بأن الحوت دخل في شباكهم بصنعة قد أحكموها وحيل قد هندموها وعرفوها ويضعون في شباكهم حناش الطين وبها يطعمون للحوت ومع هذا فإنهم في فاقة وفقر وضيق حال لكن الله عز وجل حبب المواطن لأهلها فهم قد قنعوا بذلك ورضوه لأنفسهم وهم في طاعة الزنج
ومن هذه المدينة على الساحل إلى مدينة ملندة من بلاد الزنج ثلاثة أيام في البحر بلياليها ومدينة ملنده على ضفة البحر على خور ماء عذب وهي مدينة كبيرة وأهلها محترفون بالصيد برا وبحرا فيصيدون في البر النمور والذئاب ويصيدون في البحر ضروبا من الحيتان فيملحونها ويتجرون بها وعندهم معدن حديد يحتفرونه ويعملونه وهو جل مكسبهم وتجارتهم وأهلها يزعمون أنهم يسحرون الحيوان الضار حتى لا يضر إلا لمن أرادوا ضره والنقمة منه وأن السباع والنمور لا تعدو عليهم بما يسحرونها به واسم الساحر عندهم بلغتهم المقنقا
ومن هذه المدينة إلى مدينة منيسة على الساحل مسافة يومين وهي مدينة صغيرة للزنج وأهلها محترقون باستخراج الحديد من معدنه والصيد للنمور وكلابهم حمر تغلب كل الذئاب وجملة السباع وهي في نهاية من القهر لها وهذه المدينة على البحر وعلى ضفة خور كبير تدخله المراكب مسيرة يومين وليس عليه شيء من العمارة أكثر من أن الوحوش نسكن في غياض ضفتيه معا فهم يصيدونها هناك كما قدمنا ذكره وفي هذه
59

المدينة سكنى ملك الزنج وأجناده يمشون رجاله لأن الدواب ليست عندهم ولا تعيش بأرضهم
ومن منبسة إلى قرية البانس في البر ستة أيام ومجرى ونصف في البحر وقرية البانس قرية جامعة آهلة بالناس وهم يعبدون الرجيم والرجيم عندهم طبل كبير كالبتية مجلد من وجه واحد ويربطون في ذلك الجلد شريطا يجذبونه به فيكون له صوت هائل يسمع على ثلاثة أميال أو نحوها ومدينة البانس هي آخر بلاد الزنج وتتصل بها أرض سفالة الذهب فمنها على الساحل إلى مدينة تسمى بتهنة ثمانية أيام في البر ومجرى ونصف في البحر وذلك لأن ما بين هاتين المدينتين جون كبير يأخذ في جهة الجنوب
فيعوق عن الطريق قصدا وبين هاتين المدينتين في البحر جبل عال عريض يقال له عجرد والماء قد حفر جوانبه من كل ناحية فيصوت الموج به صوتا هائلا وهذا الجبل المذكور يجتذب إلى نفسه من المراكب ما لاصقه فالمسافرون يتنحون عنه ويفرون منه
ومدينة بتهنة أيضا من بلاد سفالة وتتصل بأرض الزنج قرى كثيرة كل قرية منها على خور وجميع بلاد الزنج بضائعهم الحديد وجلود النمور الزنجية وهي جلود إلى الحمرة رطبة جدا وليس عندهم دواب وإنما يتصرفون بأنفسهم وينقلون أمتعتهم على رؤوسهم وعلى ظهورهم إلى مدينتي منبسة وملندة فيبيعون هناك ويشترون وليس للزنج مراكب
60

يسافرون فيها وإنما تدخل المراكب من عمان وغيرها إلى جزائر الرانج فيبيعون بها متاعهم ويشترون متاع الزنج وأهل جزائر الرانج يسافرون إلى الزنج في زوارق ومراكب صغار فيجلبون منها أمتعتها لأنهم يفهم بعضهم كلام بعض وللعرب في قلوب الزنج رعب عظيم ومهابة فلذلك متى عاينوا رجلا من العرب تاجرا أو مسافرا سجدوا له وعظموا شأنه وقالوا بكلامهم هنيئا لكم يا أهل بلاد التمر وإن المسافرين في بلادهم يسرقون أبناء الزنج بالتمر يخدعونهم به فينقلونهم من مكان إلى مكان حتى يقبضون عليهم ويخرجونهم من بلادهم إلى البلاد التي يكونون بها وأهل بلاد الزنج كثيرو العدد قليلو العدد وصاحب جزيرة كيش من بحر عمان يغزو بمراكبه بلاد الزنج فيسبي منها خلقا كثيرا
ويقابل بلاد الزنج الساحلية جزائر تسمى جزائر الرانج وهي كثيرة وأرضها واسعة وأهلها سمر جدا وكل ما يزرع بها من الذرة وقصب السكر وشجر الكافور لونه أسود ومن جزائر الرانج جزيرة شربوة وتكسيرها على ما يذكر ألف ميل ومائتا ميل وبها مغائص للجوهر وبها أفاويه الطيب والتجار يدخلون إليها ومن جزائر الرانج الواقعة في هذا الجزء الذي نتكلم عليه جزيرة الانجيه ومدينتها التي يسكن فيها أهل هذه الجزيرة تسمى الأنقوجة بلغة أهل الرانج وأهلها أخلاط والغالب عليهم أنهم مسلمون في هذا الوقت وبينهما وبين مدينة البانس التي من ساحل بلاد
61

الزنج مجرى واحد ودورها أربع مائة ميل وأكثر عيشهم من الموز والموز عندهم خمسة ألوان فمنه الوز المسمى القند والموز الفيلي أيضا وقد يوجد في وزن الموزة اثنتا عشرة أوقية والموز العماني والموز المورياني والموز السكري وأكثر عيش أهل هذه الجزيرة منه وهو عجيب الطعم لذيذ الذوق شهي المزازة وهذه الجزيرة يقسمها من العرض جبل يسمى جبل ويره وهو جبل منيع يأوي إليه المنقطعون من المدينة وهم هناك خلق كثير وجمع غزير وربما قطعوا فيها طرق المدينة وهم ممتنعون في أعلى هذا الجبل متحصنون فيه عمن قصدهم من ناحية صاحب الجزيرة وفيهم منعة ونجدة وهم متمكنون من الأسلحة والعدد
ولهذه الجزيرة أيضا عمارات متصلة وقرى كثيرة فيها مواشيهم ويزرعون بها الأرز وتجاراتهم كثيرة والداخل إليهم في كل سنة كثير بضروب من الأمتعة وجمل من البضائع التي يتصرفون إليها ومنها ويقال إنه لما اضطرب أمر الصين بالخوارج وكثر الظلم والتخليط بالهند صير أهل الصين تجاراتهم إلى الرانج وغيرها من جزائرها وعاملوا أهلها وأنسوا إليهم لعدلهم وحسن معاشرتهم ومعاملتهم وسماحة تجارهم فهي لذلك عامرة والمسافر إليها كثير
وبالقرب من هذه الجزيرة في البحر جزيرة صغيرة فيها جبل عالي الذرى لا يصل أحد إلى أعلاه ولا إلى شيء منه لإحراقه كل ما قرب منه وذلك أنه يظهر منه بالنهار دخان عظيم وبالليل نار تتقد ويخرج من أسفله عيون فمنها باردة عذبة ومنها حارة زعاق
62

وبالقرب من جزيرة الرانج المذكورة أيضا جزيرة كرموه وأهلها سود الألوان يسمون بالبوميين ولباسهم الأزر والفوط وهم أهل دعارة ونجدة ويحملون السلاح وبها يمشون في طرقهم وربما ركبوا في مراكبهم وتعرضوا للسفن فأكلوا متاعها وقطعوا على أهلها ومنعوا من الدخول إليهم إلا أقواما بأعينهم لا يخافون عاديتهم وشرهم وبينها وبين ساحل الزنج مجرى يوم وليلة وبينها وبين جزيرة الرانج المسماة أنقوجة مجرى يوم
وبالقرب من هذه الجزيرة جزيرة القرود وبينهما نحو من ثلاثة مجار ومنها إلى البر المتصل بأرض الحبشة مجريان خفيفان وهي جزيرة كبيرة فيها غياض وشجر وحواف منيعة وبها أنواع من الثمر والقرود بهذه الجزيرة كثيرة تتولد وتتزايد حتى إنها قد تغلبت على هذه الجزيرة لكثرتها ويقال إن لها أميرا تنقاد إليه وتحمله على أعناقها وهو يحكم عليها حتى لا يظلم بعضها بعضا وألوان هذه القرود إلى الحمرة وهي ذوات أذناب ولها ذكاء وحدة فهم وإذا انكسر على جزيرتها مركب أو لجأ إليها أحد من الناس عذبته عذابا بليغا بالعض والرجم بالقاذورات وتعبث بمن سقط في أيديها عبثا عظيما وربما أمضت عليه فقتلته مسرعا وربما أقلت العبث به فمات بينها جوعا وقد يتحيل عليها أهل جزيرتي خرتان ومرتان فيصيدونها ويخرجونها إلى بلاد اليمن فتباع بالثمن الكثير وأهل اليمن أعني التجار منهم يتخذونها في حوانيتهم حراسا كالعبيد
63

يحرس أمتعة مواليها فلا يقدر أحد على خدعها ولا على أخذ شيء مما بين أيديها وهي في نهاية من الذكاء ومن هذه الجزيرة التي للقرود إلى جزيرة سقطرى مجريان وأهل سقطرى يتحيلون عليها فيصيدونها بحيلة لطيفة وهي أنهم ينشئون لصيدها زوارق صغارا جدا فيها طول فيحملونها معهم في المراكب وصورة صيدهم لها أنهم ينسجون على أفواه الزوارق شباكا من الحبال مهندمة يلقونها مع جوانب الزوارق المذكورة حتى لا تحس بها القرود وتخفى فإذا وصلوا الجزيرة زرقوا في البحر تلك الزوارق وجعلوا فيها طعاما لتأكله القرود إليهم فإذا قربوا وصلوا من البر قذفتهم القرود بالحجارة فيتركون الزوارق الصغار مع البر وتباعدوا بمركبهم إلى لجة البحر فإذا نظرت القرود إليهم قد بعدوا ولم يبق مع البر إلا تلك الزوارق قصدتها فوثبت فيها فوجدت بها ذلك الطعام الذي أعد لها فتتزاحم عليه وتشتغل به فيجذب أهل المركب تلك الشباك التي في الزوارق في لطف بحبال تحت الماء مهندمة جذبا لطيفا فتكتسي الشباك فوق أفواه الزوارق ويجتذبون الزوارق إلى أنفسهم فتثب القرود إليهم فلا تدعها الشباك فيتولون ضربها بالعصي حتى تهدأ ويتحيلون عليها حتى يلقوا الأخيات في أعناقها ويخرجونها أحياء إذا أرادوا ذلك وقد يقتلونها بالدق ويسلخون جلودها فيخرجونها معهم إلى بلاد اليمن
ومن جزيرة القرود في جهة الشمال جزيرة يقال لها القطربة وهي جزيرة عامرة يسكنها قوم نصارى لكن زيهم عربي وهم يتكلمون بالعربية ويدعون أنهم عرب وهم أهل غدر ونكاية يقطعون بالمراكب
64

المارة والآتية فيما بين البحرين والبصرة إلى قرب عمان وهم أخبث عدو يلقى في البحر وفي هذه الجزيرة مغائص للؤلؤ كان أهل اليمن يقصدون إليها ويغوصون بها لكن أهل الجزيرة أكلوا متاع الغواصين والتجار القاصدين إليهم حتى قطعوا الناس عن السفر إليهم
ويسمى هذا البحر المضمن في هذا الجزء والجزء الذي قبله أعني البحر العماني ببحر هركند بلغة أهل الهند وفي هذا البحر عجائب كثيرة وصور شتى وحيتان ملونة فمنها ما يكون طوله مائة ذراع ودون ذلك ويسمى هذا السمك الوالي وهو ابيض ويتبع هذا السمك الكبير المسمى بالوالي سمكة صغيرة اللشنك فإذا طغت السمكة الكبيرة وجارت واعتدت على سائر السمك لصقت السمكة الصغيرة المسماة لشنك بأصل أذن الدابة الكبيرة فلا تفارقها حتى تقتلها وفيه سمك ذاهب في العرض إذا شق بطنها وجدت فيه سمكة أخرى وإذا شقت تلك الأخرى وجد في بطنها سمكة أخرى وكذلك إذا فعل بالثالثة مثل هذا وجد في بطنها سمكة أخرى إلى أربع سمكات بعضها في جوف بعض وفي هذا البحر سلاحف السلحفاة طول عشرون ذراعا وفي بطنها نحو من ألف بيضة وهي تلد وترضع وظهورها الذبل الجيد وفيه سمك على خلقة البقر تلد وترضع وتعمل من جلودها الدرق وفيه سمك طوله مقدار الذراع وله وجه كوجه البومة يطير على الماء ويسمى السبح وقد قيض الله له سمكة أخرى تسمى العنقريس ترعاها تحت الماء فإذا
65

سقط السبح في الماء ابتلعته وفيه أيضا أسماك طيارة يقال لها النطيق لها مرارات يكتب بها الكتب فإذا جفت قرئت في الظلام كما يقرأ بالنهار في ضوء الشمس وفيه سمكة تسمى الهنس وهي من صدرها إلى رأسها مثل الترس تطيف به عيون تنظر منها وباقيها طويل مثل الحية في طول عشرين ذراعا ولها أرجل كثيرة كأسنان الميشار من صدرها إلى ذنبها لا تمر بشيء إلا أهلكته
ومن هذا البحر يخرج العنبر الكثير الطيب الرائحة وقد توجد منه العنبرة من قنطار وأكثر وأقل وهو شيء تقذف به عيون في قعر البحر مثل ما تقذف عيون هيت بالنفط فإذا اشتد هيجان الريح رمى به إلى الساحل وقد وهم فيه بعض الناس حين ظنوا أنه رجيع دابة وليس هو برجيع دابة وإنما هو ما ذكرناه وقد حكى ذلك إبراهيم ابن المهدي في كتابه المسمى بكتاب الطيب وذكر فيه أن هارون الرشيد بعث إلى اليمن قوما من قبله يبحثون عن العنبر ما هو على الحقيقة فأخبر أهل عدن وشرمة وحاسك أنه شيء تقذف به عيون في قعر البحر فيسوقه الموج إلى الساحل صغيرا وكبيرا وليس العنبر بشيء غير ما ذكرناه
نجز الجزء السابع من الإقليم الأول والحمد لله ويتلوه الجزء الثامن منه إن شاء الله تعالى
66

الجزء الثامن
إن هذا الجزء الثامن من الإقليم الأول تضمن في حصته بقية من أرض سفالة فيها مدينتان كالقرى ويليهما قرى صغار ودواوير رحالة كالعرب فأما المدينتان فهما جنطمة ودندمة وهما على ضفة البحر الملح وهما مدينتان صغيرتان كالقرى الجامعة وأهلهما في ذاتهم قلة وفي أنفسهم أذلة وليس بأيديهم شيء يتصرفون به ويتعيشون منه إلا الحديد وذلك أن بلاد سفالة توجد في جبالها معادن الحديد الكثيرة وأهل جزائر الرانج وغيرهم من ساكني الجزائر المطيفة بهم يدخلون إليهم ويخرجونه من عندهم إلى سائر بلاد الهند وجزائرها فيبيعونه بالثمن الجيد لأن بلاد الهند أكثر تصرفهم وتجاراتهم بالحديد ومع ذلك وإن كان الحديد موجودا في جزائر الهند ومعادنه بها ففي سفالة هو أكثر وأطيب وأرطب لكن الهنديون يحسنون تركيب أخلاط الأدوية التي يسبكون بها الحديد اللين فيعود هنديا ينسب إلى الهند وبها دور الضرب للسيوف وصناعهم يجيدونها فضلا على غيرهم من الأمم وكذلك الحديد السندي والسرنديبي والبينماني كله يتفاضل بحسب هواء المكان
67

وجودة الصنعة وإحكام السبك والضرب وحسن الصقل والجلاء ولا يوجد شيء من الحديد أمضى من الحديد الهندي وهذا شيء مشهور لا يقدر أحد على إنكار فضيلته
وبين جنطمة ودندمة مجريان في البحر وفي البر سبعة أيام ودندمة هذه أحد قواعد سفالة وبيصل بأرض سفاله ثلاث مدن إحداها صيونة وهي متوسطة القدر وأهلها جماعات من بلاد الهند والزنوج وغيرهم وهذه المدينة على ضفة البحر وبها يسكن رئيس هذه البلاد وله عساكر رجالة لاخيل عندهم وهذه المدينة على خور تدخله المراكب المسافرة إليها ومنها إلى مدينة برخة على الساحل ثلاثة مجار وكذلك من صيونة إلى مدينة دندمة من أرض سفالة في جهة المغرب ثلاثة مجار في البحر وفي البر نحو من عشرين مرحلة لأن بينهما غبا كبيرا ذاهبا في جهة الجنوب فيعوق عن الطريق المستقيم ومن مدينة برخة إلى مدينة جسطة في البحر مجرى واحد وفي البر أربعة أيام
وبجميع بلاد سفالة يوجد التبر الذي لايعدله شيء من التبر في الطيب والكثرة والعظم وهم مع هذا يفضلون النحاس على الذهب ومنه حليهم وهذا التبر الموجود في أرض سفالة كبير المقدار يشف على غيره بالكبر لأنه يوجد في التبرة منه مثقال ومثقالان وأكثر وأقل وعلى قدر الرمل وهم يسبكونه في البواذق بنار أرواث البقر الجاف ولا يحتاجون فيه إلى جمع بزيبق ولا غيره كما يفعله أهل المغرب وذلك
68

أنهم يؤلفون أجزاء تبرهم ويجمعونها بالزيبق وبعد ذلك يسبكونه بنار الفحم فيذهب الزيبق في الدخان ويبقى جسد التبر مسبوكا نقيا وتبر أرض سفالة لا يحتاج إلى ذلك بل ينسبك بلا صنعة تدخله وسنذكر باقي أرض فيما يأتي بعد هذا بحول الله وعونه
وفي هذا الجزء من الجزائر المرسومة في أمكنتها جزائر الدبيحات المتصلة بعضها ببعض وهي لا تحصى وأكثرها خالية وأكبرها جزيرة أنبونه وهي عامرة وفيها خلق كثير يعمرونها ويعمرون ما حولها من كبار الجزائر وتتصل بهم جزيرة القمر ولجميع هذه الجزائر رئيس يجمعهم ويذب عنهم ويحامي عليهم ويهادن على قدر طاقته
وزوجته تحكم بين الناس وتكلمهم ولا تستتر عنهم والرئيس زوجها حاضر لا يتكلم فيما تأمر به من جميع أوامرها وتحكيم النساء عندهم سيرة دائمة لا ينتقلون عنها واسم هذه الملكة دمهرة وهي تلبس حلة الذهب المنسوج وتحمل على رأسها تاج الذهب المكلل بأنواع اليواقيت والأحجار النفيسة وتجعل في رجليها نعل الذهب وليس يمشي أحد أنه لبس النعال قطعت رجلاه وهذه الملكة في فصول مذهبها وأعيادها تركب ويركب خلفها جواريها بالزي الكامل من الفيلة والرايات والأبواق والملك زوجها وجملة الوزراء يتبعونها على بعد منها ولهذه الملكة أموال تجمعها من جبايات معلومة فتتصدق بهذه الأموال على قفراء أهل بلادها في ذلك اليوم ولا تتصدق بشيء منه إلا وهي واقفة تنظر وأهل بلادها يعلقون على
69

طرقها ومواضع مسيرها أنواع ثياب الحرير ولها زي حسن كما وصفنا وهذه الملكة وزوجها سكناهم من هذه الجزائر المذكورة بجزيرة انبونه
وبضائع أهل جزائر الدبيحات المذكورة الذبل والذبل يكون على السلاحف وهي سبع قطائع لا يكون على السلحفاة أكثر منها ومبلغ وزن أربع قطائع منها منا والمنا تكون جملتة مائتين وستين درهما وأثقل ما يكون قطعتان في المن وهذا الذبل يتخذ منه حلى وأمشاط لأنه غليظ وهو في ذاته كثير التلوين صافي الديباجة ونساء هذه الجزيرة يمشين مكشوفات الرؤوس مضفورات الشعور والمرأة الواحدة تمسك في رأسها عشرة أمشاط \ وأقل وأكثر وهي حليتهن وبهذا الزي تمشي نساء جزائر السحاب وأهلها مجوس وسنذكرهم فيما بعد بعون الله
وهذه الجزائر المعروفة بجزائر الدبيحات عامرة بالناس ويزرع فيها النارجيل وقصب السكر وتجاراتهم بالودع وبين الجزيرة والأخرى مسير ستة أميال وأكثر وأقل وملكهم يدخر الودع في خزائنه وهو أكثر عدده وأهل هذه الجزائر أهل صناعات بالأيدي حذاق نبلاء من ذلك أنهم ينسجون القميص مفروغا بكميه وبنائقه وجيبه وينشئون السفن من العيدان الصغار ويبنون البيوت المتقنة وسائر المباني العجيبة المتقنة من
70

الحجر المجان ويتخذون أيضا بيوتا من الخشب تسير على الماء وربما استعملوا في مبانيهم عود المجمر همة ونخوة ويحكى أن هذا الودع الذي يدخره ملكهم يأتيهم على وجه الماء وفيه روح فيأخذون عيدان شجر النارجيل فيطرحونها على الماء فيتعلق هذا الودع بها وهم يسمونه الكنج وقد يخرج من بعض هذه الجزائرسيل يشبه القطران يحرق السمك في البحر فيطفو على وجه الماء
وآخر هذه الجزائر يتعلق بظاهر جزيرة سرنديب في البحر المسمى هركند ويتصل بهذه الجزائر المسماة بالدبيحات جزيرة القمر وبينهما مجرى سبعة أيام وهي جزيرة طويلة وملكها يسكن منها مدينة ملاي ويقول أهل هذه الجزيرة إن طولها مارا مع المشرق أربعة أشهر أولها في الدبيحات وآخرها يعارض جزائر الصين في جهة الجنوب وملكها لا يحجبه ولا يقوم بخدمته في طعامه وشرابه وجميع أوامره إلا المخنثون يلبسون الثياب النفيسة من الحرير الصيني والعراقي وفي يمين كل واحد منهم سوار ذهب واسم السوار عندهم بلغة الهند اللكنكو ويسمون هؤلاء المخنثين التنبابة وهم يتزوجون الرجال عوضا من النساء ويخدمون الملك بالنهار ويرجعون بالليل إلى أزواجهم وفي هذه الجزيرة زرع ونارنجيل وقصب السكر والتانبول وهو أكثر ما ينبت في هذه الجزيرة والتانبول شجر ساقه مثل ساق العريش ويلتوي ويتعلق بما جاوره من الشجر وله ورق مثل ورق الرند
71

أو أشف منه حار الطعم يشبه طعم القرنفل وإذا أراد أحد منهم أكله يأخذ الجيار معجونا بالماء ويتناول مع كل ورقه منه وزن ربع درهم ولا يطيب طعمه إلا بهذه الصفة ثم يصيب الذي يأكل عند أكله منه سكر وطيب نفس وعطرية ذكيه تنم عليه وهذا مشهور في جميع بلاد الهند وما جاورها وفي هذه الجزيرة تصنع ثياب الحشيش وهذا الحشيش هو نبات يشبه نبات البردي وهو القرطاس وسمي بذلك لان أهل مصر يعملون منه القراطيس فيأخذ الصناع منه أطيبه ويتخذون منه ثيابا مثل ثياب الديباج ملونة حسانا وتخرج هذه الثياب إلى سائر بلاد الهند وربما وصلت إلى اليمن فلبست هناك وحكى بعض المخبرين انه رأى باليمن الشيء الكثير منها وقد تصنع بهذه الجزيرة حصر بيض فيها الرقم البديع ويبسطها الرؤساء في بيوتهم ويجعلونها عوضا من الحرير وغير ذلك وفي هذه الجزيرة شجر يقال له البل وهو نوع من المقل تظل الشجرة منه عشرة رجال ومن هذه الجزيرة تخرج المراكب المعروفة بالمشعيات وهي شوان غزوانيه محكمة الصنعة يكون طول الواحد ستين ذراعا وهو منحوت من قطعة واحدة يقذف على ظهره مائة وخمسون رجلا وحكى أيضا بعض المخبرين وهو قريب العهد بذلك المكان انه رأى هناك مائدة يقعد حولها مائتا رجل وبهذه الجزيرة من الخشب مالا يوجد مثله على الأرض وأهلها بيض قليلو اللحى يشبهون الأتراك ويزعمون أن أصلهم من الترك
ومن الجزاير المشهورة في هذا البحر المسمى هركند جزيرة سرنديب وهي جزيرة كبيره مشهورة الذكر وهي ثمانون فرسخا في ثمانين فرسخا
72

وفيها الجبل الذي أهبط عليه آدم وهو جبل سامي الذروة عالي القمه ذاهب في الجو يراه البحريون في مراكبهم على مسيرة أيام واسم هذا الجبل جبل الرهون وتذكر البراهمة وهم عباد الهند أن على هذا الجبل أثر قدم آدم عليه السلام مغموس في الحجر وطوله سبعون ذراعا وأن على أثر هذا القدم نور يخطف شبيه بالبرق دائما وان القدم الثانية منه جاءت في البحر عند خطوته والبحر من هذا الجبل على مسيرة يومين أو ثلاثة وعلى هذا الجبل وحوله توجد أنواع اليواقيت كلها وأنواع من الأحجار وغيرها وفي واديه الماس الذي يحاول به نقش الفصوص من أنواع الحجارة وعلى هذا الجبل أيضا أنواع من الطيب وضروب من صنوف العطر مثل العود والأفاويه ودابة المسك ودابة الزبادة وبها الأرز والنارجيل وقصب السكر وفي أنهارها يوجد جيد البلور وكبيره وبجميع سواحلها مغائص اللؤلؤ الجيد النفيس الثمن وفي جزيرة سرنديب من القواعد المشهورة مرقايا وأغنا وفرسقورى وابدذى وماخولون وحامرى وقلماذى وسندونا وسندورا ونيبرى وكنبلى وبرنشلى ومرونه وملك هذه الجزيرة يسكن من هذه المدن مدينة أغنا وهي مدينة القصر وبها دار ملكه وهو ملك عادل كثير السياسة يقظان الحراسه ناظر في أمور رعيته حائط لهم وذاب عنهم وله ستة عشر وزيرا أربعة منهم من أهل ملته
73

وأربعة نصارى وأربعة مسلمون وأربعة يهود وقد رتب لهم موضع يجتمع فيه أهل الملل ويتكلمون في أديانهم ويقيم كل واحد منهم حجته ويأتي ببرهانه في دينه والملك يبيح ذلك لهم ويكتب حججهم وأخبارهم ويجتمع إلى علماء كل ملة منهم أعني الرومية والهنديه والإسلاميه واليهودية جمل من الناس وعدة طوائف فيكتبون عنهم سير أنبيائهم وقصص ملوكهم في سالف الأزمان ويعلمونهم شرائعهم ويفهمونهم ما لا يعلمونه وللملك في بره صنم من ذهب لا يدرى لما عليه من الدر والياقوت وأنواع الأحجار الثمينة وليس يملك أحد من ملوك الهند مثل ما يملكه صاحب سرنديب من الدر النفيس والياقوت الجليل وأنواع الأحجار لأن أكثر ذلك موجود في جبال جزيرته وفي أوديتها وبحرها واليها تقصد مراكب أهل الصين وسائر بلاد الملوك المجاورين له وملك سرنديب يحمل اليه الخمر من العراق ومن بلاد فارس فيشتريها بماله وتباع له في بلاده وهو يشرب منها ويحرم الزنا ولا يراه وملوك الهند وأهلها يبيحون الزنا ويحرمون الشراب المسكر إلا ملك قمار فإنه يحرم الزنا والشراب ويجلب من سرنديب الحرير والياقوت بجميع ألوانه كلها والبلور والماس والسنباذج وأنواع من العطر كثيرة
وبين هذه الجزيرة والبر المتصل بالهند مجاز صغير ومن جزيرة سرنديب إلى جزيرة بلبق الساحليه يوم ويحاذي هذه الجزيرة من أرض الهند أغباب وهي أجوان تقع فيها أنهار وتسمى أغباب سرنديب وتدخلها المراكب السياره وتمر فيها الشهر والشهرين بين غياض ورياض وهواء
74

معتدل والشاة فيها بصف درهم وما يكفي جماعة من الشراب العسلي المطبوخ بحب القاقلة الرطبة بنصف درهم ولعب أهل سرنديب الشطرنج والنرد والقمار بأنواعه ولأهل سرنديب نظر في زراعة النارجيل في تلك الجزائر الصغار التي على طرقها ويقومون بحفظه ويبيحونه للصادر والوارد ابتغاء الاجر وطلب المثوبة وأهل عمان ومربط من بلاد اليمن ربما قصدوا إلى هذه الجزائر التي فيها النارجيل فيقطعون من خشب النارجيل ما أحبوه ويصنعون من ليفه حبالا يحرزون به ذلك الخشب وينشئون منه مراكب ويصنعون منه صواريها ويفتلون من خوصه حبالا ثم يوسقون تلك المراكب بخشب النارجيل ويمضون به إلى بلادهم فيبيعونه هناك ويتصرفون به
وتتصل بجزيرة سرنديب جزيرة الرامي والرامي هي مدينة الهند وبها عدة ملوك وفيها زروع ومعادن وطيب وهي فيما يذكر طولها سبع مائة فرسخ وبها دابة تسمى الكركدن وهذه الدابة تكون دون الفيل وفوق الجاموس وفي عنقها عوج كعنق الجمل لكن اعوجاجه بخلاف اعوجاج عنق الجمل ورأسها مما يلي يديها ولها قرن في وسط جبهتها طويل في غلظة قبضتين وفيما يذكر أنه يوجد في بعض هذه القرون في جوفها إذا هي شقت صورة انسان أو صورة طائر أو غيره من الصور كاملة الشكل بيضاء وهذا القرن الذي توجد فيه هذه الصورة يصنع منه مناطق تساوي من القيمة كثيرا وتكون الصورة التي توجد فيه من أوله إلى آخره وحكى الجاحظ في كتاب الحيوان أن هذه الدابة تقيم في جوف أمها سبع سنين وأنها تخرج رأسها وعنقها من فرج أمها
75

فترعى الحشيش ثم تعيد رأسها إلى جوف أمها فإذا ابتدأ تكون قرنها امتنعت عن الخروج للرعي على حسب عادتها فتنقر في جوف أمها حتى تبقر جوفها وتخرج فتموت الأم وهذا محال من قوله غير مسموع لأن الأمر لو كان كما وصفه لفنى هذا النوع حتى لا يوجد الا ذكره وحكى الجيهاني في كتابه أن ملوك الهند تصنع من قرن هذه الدابة أنصبة السكاكين للموائد فإذا وضع الطعام بين أيديهم وكان فيه سم عرق ذلك النصاب فيعلم بذلك أن الطعام مسموم
وجزيرة الرامي طيبة الثرى معتدلة الهواء عذبة المياه فيها اعداد بلاد وقرى ومعاقل وفي هذه الجزيرة ينبت البقم ويشبه نباته نبات الدفلى بالسواء وخشبه أحمر وعروقه دواء من سم الأفاعي والحيات وقد جرب ذلك منه فصح وفي هذه الجزيرة جواميس لا أذناب لها وفي غياض هذه الجزيرة ناس عراة لا يفهم كلامهم وهم يستوحشون من الناس وطول الرجل الواحد منهم أربعة أشبار وله ذكر صغير وكذلك للمرأة منهم فرج صغير وشعورهم زغب أحمر يتعلقون على الأشجار بأيديهم من غير أرجلهم ولا يدركون لسرعة جريهم وبساحل هذه الجزيرة قوم يلحقون المراكب بالعوم والمركب يجرى بالريح الطيبة
76

ويبيعون العنبر من أصحاب المراكب بالحديد ويحملونه بأفواههم ويتجهز من هذه الجزيرة بالذهب لأن معادنه بها كثيرة ويتجهز أيضا منها بالكافور الطيب وبضروب من الأفاويه واللؤلؤ الفائق في الجودة
ومن هذه الجزيرة إلى سرنديب ثلاثة أيام ومن أراد أن يعدل من جزيرة بلبق المذكورة إلى الصين جعل جزيرة سرنديب عن يمينه
ومن سرنديب إلى جزيرة لنكبالوس مسيرة عشرة أيام وقد تسمى هذه الجزيرة أيضا لنجبالوس بالجيم وهي جزيرة كبيره وفيها خلق كثير بيض الألوان والرجال فيها والنساء يمشون فيها عراه وربما استتر النساء بورق الشجر والتجار يدخلون إليهم في المراكب الصغار والكبار ويشترون من أهلها العنبر والنارجيل بالحديد وأكثر أهلها يشترون الثياب فيلبسونها في بعض الأوقات والحر والبرد في هذه الجزيرة قليل لقربهم من خط الاستواء وطعام أهلها الموز والسمك الطري والنارجيل وأموالهم وجل بضائعهم الحديد وهم يجالسون التجار
ومن جزيرة الرامي في جهة الجنوب جزيرة يقال لها البينمان وهي جزيرة عامرة فيها مدينة كبيرة وأكل أهلها النارجيل وبه يأتدمون ومنه ينتبذون وهم أهل شده ومن نجدة ومسيرتهم وعاداتهم التي توارثها الأبناء عن الاباء ان الرجل منهم إذا أراد أن يتزوج امرأة لم يزوجها له أهلها حتى يأتي برأس رجل يقتله فيخرج الرجل يطوف في جميع النواحي المجاورة لهم حتى يقتل رجلا ويأتي بقحف رأسه فإذا فعل ذلك زوج من المرأة التي خطبها فإن جاء برأسين زوج امرأتين وكذلك ان جاء
77

بثلاثة رؤوس زوج ثلاث زوجات ولو قتل خمسين رجلا زوج خميسن امرأة وشهد له أهل بلده بالبأس والنجده ونظروا اليه بعين الفخر والجلاله وفي هذه الجزيرة فيلة كثيرة وبها البقم والخيزران والقصب
وبالقرب منها جزبرة جالوس وبينهما مسافة يومين وأهلها قوم سود عراه يأكلون الناس وذلك أنه إذا سقط في أيديهم انسان من غير بلادهم علقوه منكسا وقطعوه وأكلوه قطعا وذكر بعض رؤساء المراكب ان أهل هذه الجزيرة أخذوا رجلا من أصحابه فنظر إليهم حتى علقوه وقطعوه قطعا وأكلوه وليس لهؤلاء القوم ملك وغذاؤهم السمك
والموز والنارجيل وقصب السكر ولهم مواضع يأوون إليها شبيهة بالغياض والآجام وأكثر نباتهم الخيزران لا يستترون بشيء وكذلك نساؤهم أيضا وكذلك لا يستترون في النكاح بل يأتونه جهارا ولا يرون بذلك بأسا وربما فعل الرجل منهم بابنته وأخته وليس يرى بذلك عارا ولا قبيحا اتاه وهؤلاء القوم سود مناكير الوجوه مفلفلو الشعور طوال الأعناق والسوق مشوهون جدا وبين البينمان وجزيرة سرنديب ثلاثة مجار ومن جزيرة سرنديب إلى جزيرة لنجبالوس ويقال لنكبالوس عشرة مجارومن لنجبالوس إلى جزيرة كلة مسيرة ستة أيام وسنذكر هذه الجزاير فيما بعد بحول الله تعالى
نجز الجزء الثامن من الإقليم الأول والحمد لله ويتلوه الجزء التاسع من الإقليم المذكور إن شاء الله
78

الجزء التاسع
إن هذا الجزء التاسع من الإقليم الأول تضمن قطعة من البحر الهندي وهو البحر المعروف بالبحر الصنفي وفيه شيء من البحر المسمى بحر دارلاروى وفي هذا البحر جملة جزائر نذكرها بعد هذا بعون الله وقوته فنقول إن هذا البحر الهندي على جنوبه قطعة من بلاد سفالة التي قدمنا ذكرها وقرى وعمارات فمنها مدينة جسطة وهي مدينة صغيرة وبها يوجد التبر كثيرا وهو غلتهم وشغلهم وإياه يطلبون ومنه معايشهم وأكلهم السلاحف البحرية ولحوم الصدف وعندهم الذرة قليلا وهي على خور كبير تدخله المراكب وليس لأهل جسطة مراكب ولا دواب يتصرفون عليها وإنما يتصرفون بأنفسهم ويستخدم بعضهم بعضا وأهل القمر وتجار بلاد المهراج يدخلون إليهم ويجالسونهم ويتجرون معهم
ومن مدينة جسطه إلى مدينة دغوطة في البحر ثلاثة أيام بلياليها ومنها إلى جزيرة القمر مجرى واحد ومدينة دغوطه آخر بلاد سفالة التبر وهي على خور كبير وأهلها عراه لا يستترون بشيء من الثياب لكنهم يستترون بأيديهم عند التقائهم بالتجار الداخلين إليهم من سائر الجزائر المجاورة لهم ونساؤهم محتجبات لا يدخلن الأسواق ولا المحافل
79

لأنهن عراه فهن لذلك يلزمن أمكنتهن اللاتي يأوين إليها وفي هذه المدينة وبأرضها يوجد التبر مثل ما يوجد بغيرها من أرض سفالة ويتصل بأرض سفالة أرض الواق واق وبها مدينتان حقيرتان وساكنها قليل لضيق عيشها وتكدر رزقها واسم الواحدة منهما ددوا واسم الثانية بنهنة وتليهما قرية كبيره تسمى دغرغه وهم سودان قباح الصور مشوهوا الخلقة وكلامهم نوع من الصفير وهم عراة لا يستترون بشيء والداخل إليهم قليل وأكلهم الحوت والصدف ولحوم السلاحف وتتصل بهم جزائر الواق واق وسنذكرها فيما يرد بعد هذا بعون الله تعالى وكل واحدة من هذه البلاد على خور كبير وليس بأرض هؤلاء القوم شيء من الذهب ولا تخرج من عندهم تجارة ولا مراكب لهم ولا دواب
فأما جزيرة جالوس فأهلها زنج سود عراة يأكلون من سقط في أيديهم كما قدمنا ذكرهم وعندهم جبل ترابه فضة إذا مسته النار تحلل وصار فضية ومنها إلى جزيرة لنكبالوس يومان ومن جزيرة لنكبالوس إلى جزيرة كله خمسة أيام وهي جزيرة كبيرة يسكنها ملك يسمى حبابه الهندي وبهذه الجزيرة معدن الرصاص القلعي وهو بها كثير صافي الجوهر والتجار يغشونه بعد خروجه عنها ومنها يتجهز به إلى جميع الأرض ولباس أهلها الفوط يلبس الرجل والمرأة فوطة واحدة وبهذه الجزيرة منابت الخيزران وبها الكافور الجيد وهو شجر كبير يشبه شجر الصفصاف لكنه تظل الشجرة منه مائة رجل وأكثر والكافور
80

يستخرج من هذه الشجرة بأن ينقب في أعلاها نقب فيسيل منه عدة جرار وإذا انقطع الجرى نقب أسفل من ذلك في وسط الشجرة فينساب منها قطع الكافور وهو صمغ ذلك الشجر غير أنه ينعقد في داخلها ثم تبطل تلك الشجرة فتنحى ويقصد غيرها وخشب شجر الكافور أبيض خفيف وفي هذه الجزيرة عجائب يقع واصفها في حد التكذيب
ويلي هذه الجزيرة جزيرة جابة وجزيرة سلاهط وجزيرة هزلج وبين كل واحدة منها وأختها فرسخان وأكثر أو أقل وهذه الجزائر كلها لملك واحد اسمه جابة وهو يلبس حلة الذهب وقلنسوة الذهب مكللة بالدر والياقوت ودراهمه مطبوعة بصورته وهو يعبد البد والبدود هي الكنائس بلغة أهل الهند وبد الملك حسن البناء حسن الصنعة وقد كلفت جميع جوانبه بالرخام وداخل البد يحيط به من كل جهة أصنام مصنوعة من حجارة الرخام الأبيض وعلى رؤوسها التيجان المكللة وعليها الحلل وسائر الثياب المنسوجة من الذهب ونحوه وصلاتهم في هذه الكنائس إنما تكون غناء وتلحينا وتصفيقا لطيفا بالأكف وزفن الجواري الحسان في شعورهن ولعبهن بأنواع من الخف والتخلع وكل ذلك يكون بين أيدي المصلين والمجتمعين في البد ولكل بد من تلك الجواري عدة يأكلن ويلبسن من مال البد وذلك أن المرأة إذا ولدت بنتا حسنة الصورة جميلة القد تصدقت بها على البد فإذا ترعرعت وشبت كستها من الثياب أبلغ ما تقدر عليه وتأخذ أمها بيدها وحولها أهلها نساء
81

ورجالا وتصير بها إلى البد الذي تصدقت بها أمها عليه وتدفعها إلى خدامه وتنصرف فإذا صارت الطفلة بيد خدام البد دفعوها إلى نساء عازفات بالزفن والتخلع وجمل اللعب بما يحتاج اليه فإذا قبلت التعليم لبست أفضل الثياب وحليت بأرفع الحلي ولزمت البد ولم يكن لها خروج منه ولا زوال عنه وكذلك سنة الهنديين الذين يعبدون البدود وبهذه الجزائر شجر النارجيل كثير والموز المتناهي في الطيب أيضا كثير عندهم وكذلك السكر والأرز بها موجود وبجزيرة هزلج مهوأة كبيره لا يقف أحد على قعرها وهي من عجائب الأرض المريئه
ويتصل بجزيرة جابة جزيرة مابط على قرب منها وهي تحت طاعة ملك جابه وفيها نارجيل وموز وقصب وأرز وبجزيرة سلاهط صندل كثير وسنبل وقرنفل وصفة شجر القرنفل شبه نبات شجر الحناء في دقة أغصانها وحمرتها ولها زهر يتفتح عن كمام شبيهة بزهر النارنج سواء فإذا سقط الزهر جنيت تلك الكمام ونقعت في مياه هناك إلى أن يصلح منها ما أرادوه ثم يخرجونه ويجففونه فقاحا وخشبا ويبيعونه إلى التجار الواردين عليهم فيشترونه منهم ويتجهزون به إلى جميع الأقطار وفي آخر هذه الجزيرة بركان نار تتقد مقدار ارتفاعه مائة ذراع فهي بالنهار دخان وبالليل نار تشتعل
وعلى يسار جزيرة مابط جزيرة تنومه وبينها وبين مابط يوم وهي جزيرة عامره ولباس أهلها الأزر وبها مياه عذبه وأرز وقصب سكر
82

ونارجيل وبها أيضا مغائص اللؤلؤ وبجزيرة تنومه يوجد العود الهندي والكافور ونبات العود تكون أوراقه وأغصانه شبيهة بأوراق وأغصان النبات المسمى الصاص بالسواء والعود أصوله تستخرج في وقت لا يكون في غيره بعد أن يتقدم في قطع أغصانه قبل ذلك بأشهر ثم ينحت أعلاها ويزال رخوها وتؤخذ قلوبها الصلبة فتجرد بالأسكرفاج وهو مبرد العود حتى تنقى ثم تجرد بالزجاج ثم توضع في أوعية خيش وتصقل صقلا كثيرا ثم تخرج عن تلك الأوعية وتباع من التجار الواصلين هناك فتخرجه التجار إلى جميع البلاد ويصرفونه ومن جزيرة تنومة إلى جزيرة قمار خمسة أيام وإلى هذه الجزيرة ينسب العود القماري وبها يعرف وهو جيد لكن العود الصنفي أجود منه وبهذه الجزيرة الصندل والأرز وأهلها يلبسون الفوط ويجالسون التجار ويعاملون الجلة وفيهم عدالة ظاهرة وجودة مشهوره وإنصاف كامل وعبادتهم الأصنام والبدود وهم يحرقون موتاهم بالنار
ويتصل بجزيرة قمار مما يلي الساحل جزيرة صنف وبينهم ثلاثة أميال وبها يوجد العود الصنفي وهو أفضل من العود القماري لأنه يغرق في الماء لجودته وثقله وبهذه الجزيرة بقر وجواميس لا أذناب لها وبها النارجيل والموز والقصب السكري والأرز وأهلها لا يذبحون شيئا من الحيوان الماشي على أربع ولا غيره من الهوام والحشرات وإنما تؤكل البقر عندهم إذا ماتت بل يعافها أكثرهم ولا يأكلها ومن قتل بقرة لزمه القتل أو تقطع يده وإذا وقفت البقر عن الخدمة والتصرف وضعت في بيوت وتركت حتى يموتها موتها الطبيعي وبهذه
83

الجزيرة ملك اسمه زنبد وأهلها سمر يلبس كل واحد منهم فوطتين فوطة يتزر بها وفوطة يلتحف بها ومياههم عذبة ومنها إلى جزيرة صندى فولات عشرة أيام
ومن جزيرة الصنف إلى مدينة لوقين ثلاث مراحل وهي أول مراقي الصين وبها طرز الديباج والحرير الصيني ومنها يخرج إلى جميع الجهات وبها يعمل الغضار الصيني ومنها يتجهز به أيضا إلى سائر البلاد المتصلة بها والمتباعدة عنها وبها أرز وحبوب ونارجيل وقصب ولباس أهلها الفوط وهم يجالسون التجار ويداخلون الناس ولهم همم عالية ونفوس أبية ويستعملون أنواع الطيب أكثر من سائر بلاد الهند
ومن مدينة لوقين إلى مدينة خانفو مسيرة أربعة أيام في البحر وعشرين يوما في البر وهي أعظم مراقي الصين وبها ملك مهاب له مملكة شامخه وفيلة كثيره وأجناد وأسلحه وأهلها يأكلون الأرز والألبان والنارجيل وقصب السكر والمقل وهي على خور تطلع فيه المراكب مسافة شهرين إلى مدينة باجه وهي مدينة البغبوغ والبغبوغ هو ملك الصين بأجمعها والى مدينته ينتهي مسافروا بلاد الغرب وبها جميع الفواكه والبقول والحنطة والشعير والأرز ولا يوجد بجميع بلاد الهند والصين عنب ولا تين البتة وإنما يوجد عندهم ثمار شجر يسمى الشكي والبركى وأكثر ما يكونان ببلاد الفلفل وهو شجر له ساق غليظة وورق شبيه بورق الكرنب أخضر ما هو وله ثمر طول الثمرة أربعة أشبار مستدير شبيه بالدلاع له قشرة حمراء وفي جوفها حب مثل حب البلوط يشوى
84

في النار ويؤكل مثل ما يؤكل القسطل وطعمهما سواء ولحم هذا الثمر إذا أكل وجد له آكله طعما شهيا لذيذا يجتمع فيه طيب التفاح وطيب الكمثرى وبعض طعم الموز والمقل وهو ثمر بديع الصفة شهي الطعم وهو أجل ما يؤكل ببلاد الهند وقد يوجد ببلاد الهند نبات يسمى العنبا وهو شجر كبير يشبه شجر الجوز وودقه كودقه وله ثمر مثل ثمر المقل حلو إذا عقد في أوله ويجمع في ذلك الحين فيعمل بالخل فيكون طعمه كطعم الزيتون سواء وهو عندهم أيضا من الكوامخ الشهية ومن مدينة خانفو إلى مدينة خانكو مسيرة ثمانية أيام وسنذكرها في موضعها من الجزء العاشر بعد هذا بيمن الله وعونه
ومن مدينة الصنف الساحلية إلى جزيرة شامل أربعة أيام وهي في آخر البحر الصنفي معمورة القطر مجتمعة الأهل وفيها حنطة وأرز وموز كثير وقصب سكر وبها سمك كبير العظم لذيذ الطعم يغني آكله عن أكل اللحم ومن جزيرة شامل إلى جزيرة عاشورا أربعة أيام وهي جزيرة قليلة العامر وأرضها أرض حرشاء كثيرة العقارب والأفاعي وجبالها متصلة ومنها إلى جزيرة ملاي يوم خفيف وهي جزيرة كبيرة ممتدة من المغرب إلى المشرق وفيها مدينة يسكنها ملك الجرز ودراهمه فضة تسمى بالدراهم الطاطرية وله أجناد وفيلة ومراكب كثيرة وفيها موز ونارجيل وأرز وقصب وهذه الجزيرة فيما يزعم أهلها أنها تتصل بالبحر الزفتي من آخر الصين وقد يوجد في هذا البحر المسمى بحر الصنف أنواع من
85

الحيتان وضروب من السمك وجمل من العجائب يستدلون بها على السلامة أو العطب وسنذكر أكثر ذلك فيما يلي آخر هذا الجزء من الإقليم الثاني ونأتي منه بما ذكره المتجولون ونقله المسافرون واتفقت عليه أقاويل الناقلين حسب الطاقة ومبلغ الجهد بحول الله سبحانه وعونه وتأييده
نجز الجزء التاسع من الإقليم الأول والحمد لله ويتلوه الجزء العاشر منه إن شاء الله
86

الجزء العاشر
إن هذا الجزء العاشر من الإقليم الأول وهو نهاية الممعمور من جهة المشرق ولا يعلم أحد ما خلفه تضمن البحر الصيني المسمى بحر صنخى ومن الناس من يسميه بحر الصنف ورأسه ومبدؤه من البحر المحيط المسمى هناك البحر الزفتي لأن ماءه كدر وريحه عاصفة والظلمة لا تزال واقعة عليه في أكثر الأوقات ويتصل هذا البحر الزفتي بالبحر المحيط المتصل ببلاد يأجوج ومأجوج وإلى ما تحتها مما يلي الأرض الخالية في جهة الشمال ويتصل ببحر الظلمات المتصل أيضا بجهة المغرب كما قد رسمناه ويتصل هذا البحر أيضا من جهة الجنوب على جزائر الواق واق وبحر الحيات إلى البحر المحيط بالأرض في جهة الجنوب كما قد حكئناه وجئنا به مرسوما بحول الله ومعونته
وهذا البحر عاصف الرياح كثير الأمطار وريحه بحرية تجري ستة أشهر دائما ثم تنقلب إلى ريح أخرى وفيه عدة جزائر فمنها ما يصل إليها التجار ومنها ما لا يصلون
إليها لتعذر السلوك وهول البحر وتقلب الرياح وتوحش أهلها وانقطاعهم عن مجاورة الأمم المعلومة
فأما الجزيرة المسماة بالموجه التي ببحر دارلارومى ففيها عدة ملوك إلا أنهم بيض غير مخرمي الآذان يشبهون أهل الصين في اللباس والزي
87

ولهم خيل كثيرة يقاتلون عليها ملوكا حولهم وهذه الجزيرة تتصل بمشارق الشمس وتوجد عندهم دابة المسك ودابة الزبادة ونساؤهم من أجمل نساء الأمم ولهم شعور طوال والنساء بها لايتوارين ولا يستترن بشيء ويمشين مكشوفات الرؤوس ويكللن رؤوسهن بعصائب فيها أنواع من الودع الملون والأصداف المجزعة
ومن هذه الجزيرة إلى جزيرة سبومة مجريان وهذه الجزيرة جزيرة عظيمة كثيرة الزروع والحبوب وبها أنواع من الطيور المأكولة التي ليست في بلاد الهند وبها نارجيل كثير وتتصل بهذه الجزيرة جزائر كثيرة صغار ولكنها معمورة وملكها يسمى قامرون وبلاده كثيرة المطر والرياح وبحرها مهول وعمق الماء به من أربعين باعا إلى أكثر وأقل وفي جبال هذه الجزيرة يوجد الكافور الجيد كثيرا أكثر مما يكون في بلاد غيرها وفي بعض هذه الجزائر قوم يسمون القنجت مفلفلوا الشعور سود يخرجون إلى المراكب بالعدد والأسلحه والسهام المسمومة ولا ترد شوكتهم وقليلا ما ينجو منهم من مر بهم أو سقط في أيديهم وفي أرنبة أنف كل واحد من هؤلاء المذكورين حلقة حديد أو نحاس أو ذهب
وعلى رأس هذا البحر إلى جهة الصين جزيرة المايد وبينهما أربعة مجار وكذلك من جزيرة سبومة إلى جزيرة الأيام ومنها يخرج إلى بحر الصنف وليس في كل البحار التي ذكرنا أكثر منه مطرا ولا أعصب منه رياحا وربما أقامت السحابة تمطر اليوم واليومين لا تنقطع ويخرج من هذه الجزائر التي ببحر الصنف العود وغيره من الأفاويه وليس
88

لهذا البحر غاية تعرف لسعته وساحله عليه بلاد الملك المسمى المهرج
وجزائر هذا الملك كثيرة الخيرات متصلة العمارات بها الزرع والضرع والفيلة والكافور والجوزبوا والسباسة والقرنفل والعود والقاقلة والكبابة وسائر الحبوب في بلاده موجودة ممكنة وبلاده كثيرة الوارد والصادر وليس بيد ملك من ملوك الهند ما بيده من هذه البضائع الموصوفة والتجارات الكثيرة المعروفة ومن الجزائر الموصوفة جزيرة المايد وهي جزيرة فيها عدة مدائن وهي أكبر من جزيرة الموجه طولا وأوسع عرضا وأخصب أرضا وأهلها أشبه بأهل الصين من غيرهم أعني كل من جاور الصين من الأمم ولملوكها عبيد خصيان حسان وخدم بيض وبلادهم وجزيرتهم تتصل بأرض الصين وهم يراسلون ملك الصين ويهادنونه ويهادونه وبهذه الجزيرة تجتمع مراكب الصينيين الخارجة من جزائر الصين وإليها تقلع وبها تحط ومنها تخرج إلى سائر النواحي
ومن جزيرة صنف إلى جزيرة صندى فولات عشرة أيام وجزيرة صندى فولات جزيرة عظيمة فيها مياه عذبة وزروع وأرز ونارجيل وملكهم يقال له زنبد وأهلها يلبسون الفوط تأزرا وتوشحا وجزيرة صندى فولات تحيط بها من جهة الصين جبال وعرة والرياح بها عاصفة وهي باب من أبواب الصين ومنها يركب إلى مدينة خانفو أربعة أيام وأبواب الصين اثنا عشر بابا وهي جبال في البحر بين كل جبلين فرجة يسار منها إلى موضع بعينه من مدائن الصين المقصودة بالساحل وجميع مراقي الصين لا يكون منها شيء إلا على خور تصعد
89

فيه المراكب الشهر والأكثر والأقل بين جنات وغياض وناس لهم أغنام وأموال زاكيه ومياه جميع الأخوار حلوة لكن المد يدخلها من البحر والجزر ويكون منها أيضا في كل يوم وليلة مرتين وفي هذه المراقي أسواق وتجار وخرج ودخل ومراكب وبضائع تحمل وأخرى تحط وبهذه البلاد الأمن المتصل وفي ملوكها العدل وهو سنتهم وعليه يعولون فلذلك اتصلت عمارتهم وحسنت بلادهم وقل جزعهم وكثر أملهم واتسعت أيديهم في الأموال والحالات الحسنة وجميع أهل الهند والصين يقتلون السارق ويؤدون الأمانة وينصفون من أنفسهم من غير احتياج إلى حاكم أو مصلح كل ذلك منهم طبعا وسجية وأخلاقا خلقوا بها وطبعوا عليها وللملك قامرون في طاعته جزيرتان تنسبان إلى بلاده واسم إحداهما جزيرة بوصا واسم الثانية جزيرة لاسية وفيها قوم ألوانهم إلى البياض وفي نسائهم جمال بارع وفيهم نجدة وبأس شديد وربما قطعوا على الناس في مراكب لهم سابقة الجري وإنما يفعلون ذلك إذا كانوا مع الصينيين في خلاف ولم تكن بينهم هدنة
ومن جزيرة الموجه إلى جزيرة السحاب مسير أربعة مجار أو أكثر من ذلك وجزيرة السحاب سميت بهذا الاسم لأنه ربما طلع من ناحيتها سحاب ابيض يظل المراكب فيخرج منها لسان رقيق طويل مع الريح العاصفة حتى يلتصق ذلك اللسان بماء البحر فيغلي له ماء البحر ويضطرب مثل الزوبعة الهائلة فان أدركت المركب ابتلعته ثم ترتفع تلك السحاب فتمطر مطرا فيه قذى البحر ولا يدري أاستقت السحاب ذلك من البحر أم كيف هذا وهي جزيرة بها تلول رمل وإذا مستها النار
90

انسبكت وعادت فضة خالصة وفيما يليها من جهة جزائر الواق واق مواضع مقطوعة بالجبال والجزائر فلا يصل السالك إليها لامتناع بلادها وصعوبة مسالكها وسكانها مجوس لا يعرفون دينا ولا اتصلت بهم شريعة ونساؤهم يكشفن رؤوسهن ويجعلن فيها الأمشاط المتخذة من العاج المكللة بالصدف وربما كان في رأس المرأة منهن عشرون مشطا وغير ذلك ورجالهم يغطون رؤوسهم بشبه القلانس وتسمى بلغة الهند البعارى وهم متحصنون بجبالهم لا يصلون إلى أحد ولا يتصل بهم أحد ولكنهم يشرفون على البحر ويتطلعون إلى المراكب وربما تكلموا معهم بكلام لا يفهم منهم وهم مقيمون في بلادهم بهذه الحالة التي وصفناهم بها وتتصل بهذه الجزائر جزائر الواق واق ولا يعرف ما بعدها وربما وصل أهل الصين إليها في الندرة وهي جزائر عدة ولا عامر بها إلا الفيلة وطيرها كثير جدا وبها شجر حكى المسعودي عنها أمورا لا تقبلها العقول من جهة الإخبار عنها لكن الله على ما يشاء قدير
ومن جزيرة صنف إلى جزيرة ملاي مسافة اثني عشر يوما بين جزائر وجبال شارعة في البحر وهذه الجزيرة معترضة من المغرب إلى المشرق ولكنها تتصل من جهة المغرب بساحل الزنوج وتمر مع المشرق وفي جهة الشمال معترضة اعتراضا مؤربا إلى أن تماس ساحل الصين وهي أطوال الجزائر قطرا وأكثرها عمارة وأخصبها
جبال وأوسعها مملكة وأنفعها تجارة وبها الفيلة والكركدن وضروب الأفاوية والعطر مثل القرنفل والقاقلة والسنبل والهرنوة والجوزبوا وفيها جبال فيها معادن ذهب عجيب بالغ الطيب وهو أفضل ذهب يكون ببلاد الصين ولأهل هذة الجزيرة بيوت وقصور يتخذونها على الخشب على مراكب تعوم على وجه الماء
91

وهم تينقلونها حيث أرادوا ولهم أرجاء تدور بالرياح وفيها يطحنون الأرز والحنطة وسائر ما يتخذونه لمعايشهم
ومن جزيرة المايد في الشرق إلى جزيرة صنجى مسير ثلاثة أيام خفاف وهي جزيرة عامرة فيها خصب ومياه عذبة وأهلها ألوانهم بين البياض والسمرة يحملون في آذانهم أقراط النحاس للرجل قرط واحد وللمرأة قرطان وأكلهم الأرز والقصب كثير عندهم والنارجيل وفي بلادهم معادن الذهب المذكورة في الكثرة والجودة وبهذه الجزيرة أيضا أصنام عدة على ضفة البحر كل صنم منها رافع يده اليمنى كأنه يشير إلى الناظر اليه أن أرجع إلى حيث جئت فليس خلفي أرض تسير إليها
ومن هذه الجزيرة يسار إلى جزائر السيلا وهي كثيرة متتقاربة بعضها من بعض وفيها مدينة تسمى الكيوه من دخلها من المسافرين استوطنها ولم يرد الخروج عنها لطيب ثراها وكثرة خيرها والذهب بها كثير جدا حتى أن أهلها يتخذون سلاسل كلابهم وأطواق قرودهم من الذهب ويأتون بالقمص المنسوجة فيبيعونها وكذلك في جزائر الواق واق مثل ذلك أعني من الذهب الكثير وإن التجار يدخلون إليها مع الطلاب ويسبكون الذهب فيها ويخرجونه من هناك مسبوكا وقد يخرجون ترابه فيذيبونه في بلادهم على الصنعة المعروفة بينهم وفي جزائر الواق واق الانبوس الذي لايفوقه شيء في الجودة
وأيضا فإن هذا البحر الصيني مع ما يليه من بحر الصنف وبحر دارلاروى وبحر هركند وبحر عمان يوجد بها المد والجزر وقد حكوا عن بحر عمان وبحر فارس أن المد والجزر يكونان فيهما مرتين في اليوم والليلة
92

وحكى ربانيو البحر الهندي والبحر الصيني أن المد والجزر يكونان مرتين في السنة فمرة يمد في شهور الصيف شرقا ويجزر ضده البحر الغربي ثم يرجع المد غربا ستة أشهر وقد ذكر في المد والجزر أقوال كثيرة وجب لنا أن نذكر بعضها بالوجيز من القول مع استيفاء المعنى فأما أرسطوطاليس وأرشميدس فإنهما قالا في ذلك إن المد والجزر يحدثان عن الشمس إذا حركت الريح البحار وموجتها فإذا انتهى ذلك إلى البحر المسمى أطلنطيقس وهو البحر المحيط كان عنه المد وإذا صارت هذه الريح في النقصان والسكون كان عنها الجزر وأما ساطوطس فإنه يرى أن علة المد والجزر تكون بامتلاء القمر وزيادته وأن الجزر يكون بنقصانه وهذا كلام يحتاج إلى الزيادة فيه والبيان عما اتى به الفلاسفة مجملا فنقول ان المد والجزر الذي رأيناه عيانا في بحر الظلمات وهو البحر المحيط بغربي الأندلس وبلاد برطانيه فإن المد يبتدئ فيه في الساعة الثالثة من النهار إلى أول الساعة التاسعة ثم تأخذ في الجزر ست ساعات مع آخر النهار ثم يمد ست ساعات ثم يجزر ست ساعات هكذا يمد في اليوم مرة وفي الليل مرة ويجزر في اليوم مرة وفي الليل مرة أخرى وعلة ذلك أن الريح تهيج هذا البحر في أول الساعة الثالثة من النهار وكلما طلعت الشمس في أفقها كان المد مع زيادة الريح ثم تنقص الريح عند آخر النهار لميل الشمس إلى الغروب فيكون الجزر أيضا وكذلك الليل أيضا تهيج الريح في صدره وتركد مع آخره وزيادة الماء في المد يكون في ليلة ثلاث عشرة وليلة أربع عشرة وليلة خمس عشره وليلة ست عشرة ففي هذه الليالي المذكورة يفيض المد فيضا
93

كثيرا ويصل إلى أمكنة لا يصل إليها إلا مثل تلك الليالي من الشهر الآتي وهذا من آيات الله المبصرة في هذا البحر يراه أهل المغرب مشاهدة لا امتراء فيه ويسمى هذا المد فيضا
وكل ما في بحر الهند والصين من المراكب السفرية صغارا كانت أو كبارا فإنها منشأة من الخشب المحكم نجره وقد حمل أطراف بعضه على بعض وهندم وخرز بالليف وجلفط بالدقيق وشحم البابة والبابة دابة كبيرة تكون في بحر الهند والصين منها ما يكون طوله نحوا من مائة ذراع في عرض عشرين ذراعا ينبت على سنام ظهرها حجارة صدفية وربما تعرضت للمراكب فكسرتها وحكى أيضا الربانيون أنهم يتصيدون ما صغر منها فيطبخونها في القدور فيذوب جميع لحمها ويعود شحما مذابا وهذا الدهن مشهور ببلاد اليمن في عدن وغيرها من المدن الساحلية وفي بلاد فارس وساحل عمان وبحر الهند والصين وهو عمدتهم في سد خروق المراكب بعد خرزها ومن العجايب التي في بحر الهند والصين مما أخبر به تجار الناحية أن في هذا البحر جبال ومضائق تجري معهما المراكب وربما تطاير من البحر إلى المراكب صبيان صغار مثل صبيان الزنج سوذ طول أحدهم نحو من أربعة أشبار يدورون في المراكب ولا يؤذون أحدا ثم يعودون إلى البحر وهذا عندهم مشهور فإذا رأى هذا أهل المراكب علموا أنها علامة لقدوم الريح التي تسمى ريح الخب وهي ريح خبيثة مخوفة فيستعدون لذلك ويأخذون أهبتهم لقدومها فيخففون الأمتعة عن المراكب ويلقون بها في البحر ويلقون
94

أيضا بما معهم من السمك والملح حتى لا يتركون منه شيئا ويقطعون من طول الصواري ذراعين وأكثر مخافة أن تنكسر فتهب الريح المذكورة قولا وفعلا في حين هبوبها ويصابرها من قدر الله له بالخلاص حتى ينجو أو يتلف كيف شاء الله له وعندهم علامة أخرى للخلاص إذا قضى الله بذلك وهي أن يرى أهل المركب على صاريهم طائرا ذهبي اللون كأنه شعلة نار ويسمى البهمن فإذا رأوه علموا أنه من علامات التخلص وهذا مما قد أبصر عيانا وتواترت الأخبار عنه حتى لا يقدر على إنكاره وفي بحر الصين دابة تعرف بالغيدة لها جناحان كالقلاعين تشيلهما في الجو وتحمل على المراكب فتقلبها ويكون طول هذه الدابة مائة ذراع أو نحوها وإذا رأى أهل المراكب هذه الدابة ضربوا الخشب بعضها ببعض فتنفر منها تلك الدابة وتخرج لهم عن الطريق وقد قيض الله سبحانه لهذه الدابة سمكة صغيرة تسمى الهبيدة فإذا رأتها هذه الدابة الكبيرة نفرت منها ومرت على وجهها فلا تستقر بمكان من البحر ما دامت الهبيدة تتبعها
وملوك الهند والصين ترغب في ارتفاع ظهور الفيلة وتزيد في أثمانها الذهب الكثير وأرفعه تسعة أذرع إلا فيلة الأخوار فإنها عشرة أذرع وأحد عشر ذراعا وأعظم ملوك الهند بلهرا وتفسير هذا الاسم ملك الملوك ويتلوه الكمكم وبلاده بلاد الساج وبعده ملك الطافن وبعده ملك جابة وبعده ملك الجرز وبعده غابة وبعده دهمى ويحكى أن له خمسين ألف فيل وله الثياب المخملة ومن بلده العود الهندي ثم يتلوه الملك المسمى قامرون ويتصل ملكه بالصين
95

وأهل الهند سبعة أجناس أحدها الساكهرية وهم الأشراف منهم والملك يكون فيهم ولا يكون في غيرهم وجميع الأجناس يسجدون لهم عند اللقاء وهم لا يسجدون لأحد ثم البراهمة وهم عباد الهند ولباسهم جلود النمور أو غيرها من الجلود وربما وقف الرجل منهم وبيده عصا ويجتمع إليه الناس فيقف على رجليه يوما إلى الليل يخطب عليهم ويذكرهم الله عز وجل ويصف لهم أمور من هلك من سائر الأمم الماضية وهؤلاء البراهمة لا يشربون الخمر ولا شيئا من الأنبذة وعبادتهم الأصنام على جهة التوسط إلى الله تعالى وبعدهم الجنس الثالث وهم الكسترية يشربون من الخمر ثلاثة أقداح فقط ولا يسرفون في شربها مخافة أن يفارقوا عقولهم وهذه الطبقة يتزوجون في البراهمة والبراهمة لا تتزوج فيهم وبعد هؤلاء الشوذرية وهم الفلاحون وأصحاب الزراعات وبعدهم الفسية وهم أصحاب الصناعات والمهن ومنهم السندالية وهم أصحاب اللحون وفي نسائهم جمال مشهور ومنهم الركية وهم سمر أصحاب لهو ولعب ومعازف وأنواع من الآلات
ومذاهب أكثر أهل الهند اثنتان وأربعون ملة فمنهم من يثبت الخالق والرسل ومنهم من يثبت الخالق وينفي الرسل ومنهم من ينفي الكل ومنهم من يتوسط بالأحجار المنحوتة ومنهم من يتوسط بالأحجار المكدسة يصب عليها الدهن والشحم ويسجد لها ومنهم من يعبد النار ويحرق نفسه بها ومنهم من يعبد الشمس ويسجد لها ويعتقد أنها الخالقة المدبرة للعالم ومنهم من يعبد الشجر ومنهم من يعبد الثعابين يحوطونها بحظائر
96

ويطعمونها أرزاقا مقدرة وهم يتوسلون بها ومنهم من لا يتعب نفسه بعبادة ولا غيرها وينكره الكل وسنذكر أمور الهندية واحدا فواحدا بعد هذا بيمن الله وتسديده
ولما تكلمنا على هذا الجزء بره وبحره وجزائره وجئنا من ذلك بما تيسر للذكر رأينا أن نكمل القول فيما بقي من مراقي الصين التي على الساحل حسب ما تقدم رسمه قبل هذا بعون الله تعالى فأول مراقي الصين كما قدمناه مدينة خانفو وهي المرقى الأعظم وهي على خور يصعد فيه إلى كثير من بلاد البغبوغ وهو ملك الصين بأسره لا ملك فوقه بل كل ملوك ذلك المكان تحت طاعته والذكر له ومن مدينة خانفو إلى مدينة خانكو وهي مدينة جليلة بديعة البناء بهجة الأسواق حسنة البساتين والرياضات كثيرة الفواكه ويصنع بها الغضار الصيني وثياب الحرير وبالجملة إن فيها جميع ما في مدينة خانفو وهي على خور كبير يحيط بها ويصعد في هذا الخور إلى عدة من بلاد الصين كما قلناه أيضا وفيما يذكر أن في الصين ثلاث مائة مدينة كلها عامرة وفيها عدة ملوك لكنهم تحت طاعة البغبوغ والبغبوغ يقال له ملك الملوك كما قدمنا ذكره وهو ملك حسن السيرة عادل في رعيته رفيع في همته قادر في سلطانه مصيب في آرائه حازم في اجتهاده شهم في إرادته لطيف في حكمته حليم في حكمه وهاب في عطائه ناظر في الأمور القريبة والبعيدة بصير بالعواقب تصل أمور عبيده المستضعفين إليه من غير منع ولا توسط من ذلك أن له في قصره مجلسا قد اتقن بنيانه وأحكم سمكه وأبدعت محاسنه له فيه كرسي ذهب يجلس فيه ووزراؤه
97

حوله في كل جمعة مرتين وعلى أعلى رأسه جرس معلق تمتد منه سلسلة ذهب إلى خارج القصر مهندمة الوضع ويتصل طرف السلسلة إلى أسفل القصر فإذا جاء المظلوم بكتاب مظلمته جاء إلى طرف السلسلة فاجتذبها فيتحرك الجرس فيخرج وزير الملك يده من الطاق وذلك علامة يفهم بها أنه يقول له اصعد إلينا فيصعد المظلوم هناك إلى المجلس على درج مختص بصعود المظلومين عليه حتى يقف بين يدي الملك فيسجد المظلوم ثم يقف فيمد الملك يده إلى المظلوم ويأخذ الكتاب منه وينظر فيه ثم يدفعه إلى وزرائه ويحكم له بما يجب الحكم به بما يقتضيه مذهبه وشرعه من غير تسويف ولا تطويل ولا وساطة وزير ولا حاجب ومع ذلك فإنه مجتهد في دينه مقيم في لشريعته ديان محافظ كثير الصدقة على الضعفاء ودينه عبادة البدود وبين مذهبه ومذهب الهندية انحراف يسير وأهل الهند والصين كلهم لا ينكرون الخالق ويثبتونه بحكمته وصنعته الأزلية ولا يقولون بالرسل ولا بالكتب وفي كل حال لا يفارقون العدل والإنصاف
وأهل الإقليم الأول كلهم سمر أو سود فأما أهل الهند والسند والصين وكل من احتضن منهم البحر فألوانهم سمر وأما أهل الصحارى من الزنج والحبشة والنوبة وسائر السودان الذين سبق ذكرهم فلقلة الرطوبة البحرية وتوالي إحراق الشمس لهم وممرها عليهم دائما تفلفلت شعورهم واسودت ألوانهم وأنتنت أعراقهم وتقشفت جلود أقدامهم وتشوهت خلقهم وقلت معارفهم وفسدت أذهانهم فهم في نهاية الجهالة واقعون وإليها ينسبون وقلما أبصر منهم عالم أو نبيل وإنما يكتسب ملوكهم السياسة والعدل بالتعليم من أقوام يصلون إليهم من أهل الإقليم الرابع أو الثالث ممن قرأ السير وأخبار الملوك وقصصها
98

وفي هذا الإقليم الأول من الحيوانات التي لا توجد بغيره من الأقاليم الستة الباقية الفيلة والكركدنات والزرائف والقردة ذوات الأذناب والبقر والجواميس التي لا أذناب لها والنسانس وهم صنف من الخلق وقد تقدم ذكرهم قبل هذا وأنهم يتعلقون بالشجر فلا يلحقون والثعابين الرانجية التي ذكرها ابن خرداذبه وحكاها صاحب كتاب العجائب وأخبر أيضا عنها جماعة من المؤلفين والكل منهم باتفاق يقولون إن في جبال جزيرة الرانج ثعابين تلتقم الفيل والجاموس ولا يفوتها إذا ظفرت به
وبهذا الإقليم أيضا معدن الزمرد ولا يوجد على الأرض إلا في المعدن المذكور قبل هذا والياقوت بأنواعه لا يوجد الا بجزيرة سرنديب وكذلك الدابة التي في بحر اليمن وبحر هركند المسماة بالبابة لا توجد الا في هذا البحر دون غيره وكذلك الدابة المسماة بالغيدة لا تكون الإ في هذا البحر وسمكة الغرا توجد به كثيرا وأيضا السمكة المسماة سقنقورا لا تكون إلا في هذا النيل من هذا الإقليم لا في غيره في هذا الإقليم من الطيب القرنفل والصندل والكافور والعود وكل هذه لا يوجد شيء منها في سائر الأقاليم ولا يكون إلا في هذا الإقليم بعينه والليل والنهار فيه متكافيان في حال الاعتدال متساويان في تقدير الساعات وإن كان في آخره من جهة العرض نقص يسير فلا يتبين ذلك إلا عن بحث وعناء كل ذلك قسمة حكيم وتدبير خلاق عليم وفيما ذكرناه من الأخبار من هذا الإقليم الأول بلغة وكفاية بأهل الطلب والعناية والحمد لله أولا وآخرا لا رب غيره ولا معبود سواه ولا مرجو الا هو
99

نجز الجزء العاشر من الإقليم الأول والحمد لله ويتلوه الجزء الأول من الإقليم الثاني إن شاء الله
100

الإقليم الثاني
101

الجزء الأول
إنا لما رسمنا الإقليم الأول وما احتوى عليه في عشرة الأجزاء التي قسمناه بها وذكرنا في كل جزء منه حصته الواجبة له من الأمصار والقرى والجبال والأرضين المعمورة والمغمورة وما بها من الحيوانات والمعادن والبحور والجزائر والملوك والأمم وما لهم من السير والزي والأديان وجب علينا أن نذكر في هذا الإقليم الثاني ما فيه من البلاد والقلاع والمدن والأمصار والبراري والقفار والبحار وجزائرها وأممها ومسافات طرقها حسبما سبق لنا من ذكر ذلك في الإقليم الأول ونبتدىء الآن بذكر الجزء الأول من الإقليم الثاني بحول الله وعونه
فنقول إن هذا الجزء الأول من الإقليم الثاني مبدؤه من المغرب الأقصى حيث بحر الظلمات ولا يعلم ما خلفه وفي هذا الجزء من الجزائر جزيرة مسفهان وجزيرة لغوس وهما من الجزائر الستة المتقدم ذكرها وتسمى الخالدات ومنها بدأ بطلميوس بالتعديل وأخذ أطوال البلاد وعروضها وإلى هاتين الجزيرتين وصل ذو القرنين أعني الإسكندر ومنها رجع
103

فأما جزيرة مسفهان فحكى صاحب كتاب العجائب أن في وسطها جبلا مدورا عليه صنم أحمر بناه أسعد أبو كرب الحميري وهو ذو القرنين الذي ذكره تبع في شعره ويسمى بهذا الاسم كل من بلغ طرفي الأرض وإنما نصب أبو كرب الحميري ذلك الصنم هناك ليكون علامة لمن قصد تلك الناحية من البحر ليعرفه أنه ليس خلفه مسلك يسلكه ولاموضع يخرج إليه وأيضا أن في جزيرة لغوس المذكورة صنم وثيق البناء لا يمكن الصعود إليه وفي هذه الجزيرة يقال مات الذي بناه وهو تبع ذو المراثد وقبره هناك في هيكل مبني من المرمر والزجاج الملون وحكى صاحب كتاب العجائب أن في هذه الجزيرة دواب هائلة وأن فيها أمورا تطول أوصافها وتمتنع العقول عن قبولها
وفي سواحل هذا البحر الصادر عن هذه الجزائر وغيرها يوجد العنبر الجيد ويوجد أيضا في ساحله حجر البهت وهو مشهور عند أهل المغرب الأقصى ويباع الحجر منه بقيمة جيدة لا سيما في بلاد لمتونة وهم يحكون عن هذا الحجر أن من أمسكه وسار في حاجة قضيت له بأوفى عناية وشفع فيها وهو جيد عندهم في عقد الألسنة على زعمهم ويوجد أيضا بساحل هذا البحر أحجار كثيرة ذات ألوان شتى وصفات مختلفة يتنافسون في أثمانها ويتوارثونها بينهم ويذكرون أنها تتصرف في أنواع من العلاجات الطبية الفاعلة بالخاصية فمن ذلك أحجار تعلق على الثدي الموجعة فتبرأ من وجعها مسرعا ومنها أحجار تعلق للولادة فتسهل وأحجار يمسكها الماسك
104

بيده ويشير على من شاء من النساء والأطفال فيتبعه ومثل هذه الأحجار عندهم كثيره وهم بالرقى عليها مشهورون وبه معروفون
وفيما تضمنه هذا الجزء بقية من أرض مقزارة السودان وماؤها قليل ولا عمارة بها ولا سالك فيها إلا في النادر لقلة وجود الماء كما قلنا وسالكها لا يمكنه سلوكها إلا أن يعد مع نفسه الماء لدخول هذه الأرض مع بعض ما يليها من أرض قمنورية
وأرض قمنورية منها في جهة الشمال متصلة من غربيها بالبحر المظلم وتتصل من جهة شرقيها بصحراء نيسر وعلى هذه الصحراء طريق تجار أهل أغمت وسجلماسة ودرعة والنول الأقصى إلى بلاد غانة وما اتصل بها من أرض ونقارة التبر وأما أرض قمنورية المذكورة فكانت بها مدن للسودان مشهورة وقواعد مذكورة لكن أهل زغاوة وأهل لمتونة الصحراء الساكنون من جهتي هذه الأرض طلبوا هذه الأرض أعني أرض قمنورية حتى أفنوا أكثر أهلها وقطعوا دابرهم وبددوا شملهم على البلاد وأهل بلاد قمنورية فيما يذكره التجار يدعون أنهم يهود وفي معتقدهم تشويش وليسوا بشيء ولا على شيء ولا ملك فيهم ولا ملك عليهم بل هم ممحونون من جميع الطوائف المجاورين لهم المحدقين بأرضهم وكانت في القديم من الزمان السالف لأهل قمنورية مدينتان عامرتان اسم إحداهما قمنورى واسم الأخرى نغيرا وكانت هاتان المدينتان تحتويان على أمم من القمنورية وبشر كثير وكان لهم رؤوس وشيوخ يدبرون أمرهم ويحكمون في مظالمهم وما وقع بينهم فأفنتهم الأيام وتوالت عليهم الفتن والغارات من جميع الجهات فقلوا
105

في تلك الأرض وفروا عنها واعتصموا في الجبال وتفرقوا في الصحارى ودخلوا في ذمة من جاورهم وتستروا في أكنافهم فلم يبقى من أهل قمنورية الا قوم قلائل متفرقون في تلك الصحارى وبمقربة من الساحل عيشهم من الألبان والحوت وهم في نكد من كد العيش وضيق الحال وهم ينتقلون في تلك الأرض مع مهادنة من جاورهم ويقعون أيامهم مسالمة إلى حين
وبين بلاد قمنورية وبلد سلى وتكرور طرق مجهولة الآثار دارسة المسالك قليلة السالك مائها غائر وعلامتها خفيه وبين قمنورية وسلى وتكرور مسير ستة عشر يوما ومن نغيره إلى سلى نحو من اثني عشر يوما كذلك منها إلى بلد ازقي من بلاد لمتونة اثنتا عشرة مرحلة وماؤها قليل يتزود لقلته من حفر يحتفرها السالكون المجتازون بتلك الأرض وفي بلاد قمنورية جبل مانان ويتصل بالبحر المحيط وهو جبل منيع عالي الذروة أحمر التربة وفيه احجارلماعه تعشي البصر إذا طلعت عليها الشمس لا يكاد الناظر ينظر إليها من شعاعها وبريق حمرتها وفي أسفله ينابيع بالماء العذب يتزود ويحمل الأوعية إلى كل جهة
ومما يلي مدينة نغيرى وفي شرقيها مع ميل إلى الجنوب جبل بنبوان وهو من أعلى جبال الأرض أجرد أبيض التربة لا ينبت فيه شيء من النبات الا ما كان من الشيح والغاسول المسمى الحرض ومن علو هذا الجبل
106

في الهواء حكى صاحب كتاب العجائب عنه ان السحاب تمطر المطر دونه ولا تصيب رأسه
ويلي هذه الأرض المذكورة صحراء نيسر وهي الصحراء التي قدمنا ذكرها وعليها يدخل المسافرون إلى اودغست وغانة وغيرهما من البلاد كما قلناه قبل وهذه الصحراء قليلة الأنس ولا عامر بها وبها الماء قليل ويتزود به من مجابات معلومه ومنها مجابة نيسر التي ذكرنا انها أربعة عشر يوما لا ماء بها ولا يوجد له أثر فيها وهي مشهورة بذلك وفي هذه الصحراء المعروفة بصحراء نيسر حيات كثيرة طوال القدود غلاظ الأجسام والسودان يصيدونها ويرمون بها ويطبخونها بالملح والماء والشيح ويأكلونها
وهي عندهم أطيب طعام يأكلونه وهذه الصحراء يسلكها المسافرون بزمان الخريف وصفة السير بها أنهم يوقرون أجمالهم في السحر الأخير ويمشون إلى أن تطلع الشمس ويكثر نورها في الجو ويشتد الحر على الأرض فيحطون أحمالهم ويقيدون أجمالهم ويعرسون أمتعتهم ويخيمون على أنفسهم ظلالا تكنهم من حر الهجير وسموم القائلة ويقيمون كذلك إلى أول وقت العصر وحين تأخذ الشمس في الميل والانحطاط في جهة المغرب يرحلون من هناك ويمشون بقية يومهم ويصلون به المشي إلى وقت العتمه ويعرسون أينما وصلوا ويبيتون بقية ليلهم إلى أول الفجر الأخير ثم يرحلون وهكذا سفر التجار الداخلين إلى بلاد السودان على هذا
107

الترتيب لا يفارقونه لان الشمس تقتل بحرها من تعرض للمشي في القائلة عند شدة القيظ وحرارة الأرض وبهذا السبب يلزمون النقلة على هذه الصفة التي ذكرنا
وفي هذا الجزء أيضا قطعة من شمال أرض غانة وفيها مدينة اودغست وهي مدينة صغيره في صحراء ماؤها قليل وهي في ذاتها بين جبلين شبه مكة في الصفة وعامرها قليل وليس بها كبير تجارة ولأهلها جمال ومنها يتعيشون
ومنها إلى مدينة غانة اثنتا عشرة مرحله وكذلك من اودغست إلى مدن وارقلان احدى وثلاثون مرحله ومن اودغست أيضا إلى مدينة جرمه نحو من خمس وعشرين مرحلة وكذلك من أودغست أيضا إلى جزيرة اوليل معدن الملح شهر واحد
وأخبر بعض الثقات من متجولي التجار إلى بلاد السودان ان بمدينة اودغست ينبت بأرضها بقرب مناقع المياه المتصلة بها كمأة يكون في وزن الكم منها ثلاثة أرطال وأزيد وهو يجلب إلى أودغست كثيرا يطبخونه مع لحوم الجمال ويأكلونه ويزعمون ان ما على الأرض مثله وقد صدقوا
نجز الجزء الأول من الإقليم الثاني والحمد لله ويتلوه الجزء الثاني منه إن شاء الله
108

الجزء الثاني
إن هذا الجزء الثاني من الإقليم الثاني تضمن في حصته من الأرضين بقية صحراء نيسر وجملة أرض فزان بما فيها من المدن وكذلك أيضا تحصل فيه جملة بلاد من أرض زغاوة السودان وأكثر هذه الأرضين صحار متصلة غير عامرة وجهات وحشة وجبال حرش جرد لا نبات فيها والماء بها قليل جدا لا يوجد الا في أصل جبل أو في ما اطمأن من سباخها وبالجملة إنه هناك قليل الوجود يتزود به من مكان إلى مكان وأهل تلك الأرضين يدلون في أكنافها وطرقاتها ويجولون في ساحاتها ووهادها وجبالها وفي هذه الصحاصح المذكورة يقع أقوام رحالة ينتقلون في أكنافها ويرعون مواشيهم في أدانيها وأطرافها وليس لهم ثبوت في مكان ولا مقام بأرض وإنما يقطعون دهرهم في الرحلة والانتقال دائما غير أنهم لا يخرجون عن حدودهم ولا يفارقون أرضهم ولا يمتزجون بغيرهم ولايطمئنون إلى من جاورهم بل كل أحد منهم يأخذ حذره وينظر لنفسه قدر جهده وأهل المدن الذين يجاورونهم من أجناسهم يسرقون أبناء هؤلاء القوم الرحالة الذين يعمرون هذه الصحارى ويسرون بهم في اليل وييأتون بهم
109

إلى بلادهم ويخفونهم حينا من الدهر ثم يبيعونهم من التجار الداخلين إليهم بالبخس من الثمن ويخرجونهم إلى ارض المغرب الأقصى ويباع منهم في كل سنة أمم وأعداد لا تحصى وهذا الأمر الذي جئنا به من سرقة قوم أبناء قوم في بلاد السودان طبع موجود فيهم لا يرون به بأسا
وهم أكثر النلس فسادا ونكاحا وأغزرهم أبناء وبنات وقلما توجد منهم المرأة إلا ويتبعها أربعة أولاد وخمسة وهم في ذاتهم كالبهائم لا يبالون بشيء من أمور الدنيا إلا بما كان من لقمة أو نكحة وغير ذلك لا يخطر لهم ذكره على بال
وفي بلاد زغاوة من المدن والقواعد سغوة وشامة وبها قوم رحالة يسمون صدارته يقال إنهم برابر وقد تشبهوا بالزغاويين في جميع حالاتهم وصاروا جنسا من أجناسهم وإليهم يلجؤون فيما عن لهم من حوائجهم وبيعهم وشرائهم ومن مدن زغاوة شامة وهي مدينة صغيرة شبيهة بالقرية الجامعة وأهلها في هذا الوقت قليلون وقد انتقل أكثر أهلها إلى مدينة كوكو وبينهما ست عشرة مرحلة وأهل شامة يشربون الألبان ومياههم زعاق وعيشهم من اللحوم الطرية والمقددة والأحناش يتصيدونها كثيرا ويطبخونها بعد سلخها وقطع رؤوسها وأذنابها وحينئذ يأكلونها والجرب لا يفارق أعناق هؤلاء القوم بل هو فيهم موجود وهم به مشهورون وبه يعرف الزغاويون في جميع الأرض وقبائل السودان ولولا أنهم يأكلون
110

الأحناش لتقطعوا جذاما وهم عراة يسترون عوراتهم فقط بالجلود المدبوغة من الإبل والبقر ولهم في هذه الجلود التي يستترون يها ضروب من القطع وأنواع من التشريف يحكمونها
ولهم في أعلى إرضهم جبل يسمى جبل لونيا وهو عالي الارتقاء صعب لكنه ترب وترابه أبيض رخو وفي أعلاه كهف لا يقربه إلا هلك ويقال أنه فيه ثعبان كبير يلتقم من اعترض مكانه على غير علم منه بذلك وأهل تلك الناحية يتحامون ذلك الكهف وفي أصل هذا الجبل مياه نابعة تجري غير بعيد ثم تنقطع وعليه أمة تسمى سغوة من قبائل زغاوة وهم قوم ظواعن رحالة والإبل عندهم كثيرة اللقاح حسنة النتاج وهم ينسجون المسوح من أوبارها والبيوت التي يعمروتها وبأوون إليها ويتصرفون في ألبانها وأسمانها ويتعيشون من لحومها والبقول عندهم قليلة وهم يزرعونها وينتجعونها وأكثر ما يزرعه أهل زغاوة الذرة وربما جلبت الحنطة إليهم من بلاد وارقلان وغيرها
وفي جهة الشمال وعلى ثماني مراحل من موضع قبيلة سغوة مدينة خراب تسمى نبرنتة وكانت فيما سلف من المدن المشهورة لكن فيما يذكر أن الرمل تغلب على مساكنها حتى خربت وعلى مياهها حتى نشفت وقل ساكنها فليس بها في هذا الزمان إلا بقايا قوم تشبثوا بمقامهم في بقايا خرابها حنانا للموطن وبهذه المدينة في جهة شمالها جبل يسمى غرغرة حكى صاحب كتاب العجائب أن فيه نملا على قدر العصافير وهي أرزاق لحيات طوال غلاظ تكون في هذا الجبل ويحكى أن هذه الحيات قليلة الضرر والسودان يقصدون إلى هذا الجبل فيصيدون به هذه الحيات ويأكلونها كما قدمنا ذكره قبل هذا
ومن مدينة نبرنته إلى مدينة تيرقى من بلاد ونقارة التبر سبع عشة مرحلة
ويلي أرض زغاوة أرض فزان وبها من البلاد مدينة جرمة ومدينة تساوة والسودان يسمون تساوة جرمي الصغرى وهاتان المدينتان يقرب بعضها من بعض وبينهما نحو مرحلة أو وقدرهما في العظم وكثرة العامر ساء ومياههم من الآبار وعندهم نخيلات ويزرعون الذرة والشعير ويسقونهما بالماء نكلا بألات يسمونها انجفة وتسمى ببلاد المغرب هذه الآلة بالخطارة وعنهم معدن فضة في جبل يسمى جبل جوجيس وفائده قليل وقد ترك الطالبون عمله واستخراجه لمن قصده ومن تساوة إلى هذا المعدن نحو من ثلاث مراحل لمن قصده ومنم مدينة تساوة إلى قبيل من البربر في جهة المشرق نح من اثني عشر يوما ويسمون ازفار وهم قوم رحالة وإبلهم كثيرة وألبانهم غزيرة وهم أهل نجدة وقوو وبأس ومنعة لاكنهم يسالمون من سالمهم ويميلون على من حاولهم وهم يصيفون ويربعون
111

بقايا خرابها جنانا للموطن وبهذه المدينة في جهة شمالها جبل يسمى غرغة حكى صاحب كتاب العجائب أن فيه نملا على قدر العصافير وهي أرزاق لحيات طوال غلاظ تكون في هذا الجبل ويحكى أن هذه الحيات قليلة الضرر والسودان يقصدون إلى هذا الجبل فيصيدون به هذه الحيات ويأكلونها كما قدمنا ذكره قبل هذا
ومن مدينة نبرنته إلى مدينة تيرقى من بلاد ونقارة التبر سبع عشرة مرحلة
ويلي أرض زغاوة أرض فزان وبها من البلاد مدينة جرمة ومدينة تساوة والسودان يسمون تساوة جرمي الصغرى وهاتان المدينتان يقرب بعضها من بعض وبينهما نحو مرحلة أو دونها وقدرهما في العظم وكثرة العامر سواء ومياههم من الآبار وعندهم نخيلات ويزرعون الذرة والشعير ويسقونهما بالماء نكلا بآلات يسمونها انجقة وتسمى ببلاد المغرب هذه الآلة بالخطارة وعندهم معدن فضة في جبل يسمى جبل جوجيس وفائده قليل وقد ترك الطالبون عمله واستخراجه لمن قصده ومن تساوة إلى هذا المعدن نحو من ثلاث مراحل لمن قصده ومنم مدينة تساوة إلى قبيل من البربر في جهة المشرق نحو من اثني عشر يوما ويسمون آزفار وهم قوم رحالة وإبلهم كثيرة وألبانهم غزيرة وهم أهل نجدة وقوة وبأس ومنعة لكنهم يسالمون من سالمهم ويميلون على من حاولهم وهم يصيفون ويربعون
112

حول جبل يسمى طنطة وفي محيطه من أسفله ينابيع وعيون مياه جارية ومناقع كثيرة تجتمع بها المياه وينبت عليها الحشيش كثيرا وإبلهم ترعى هناك وبنتقلون منه إلى أمكنة من عاداتهم المقام بها
ومن هذا الجبل الذي يستدير حوله آزقارة إلى أرض بغامة عشرون مرحلة في أرضين خالية من الأنيس قليلة المياه منحرقة الهواء دراسة المسالك داثرة المعالم ومن قبيلة آزقار إلى مدينة غدامس ثماني عشرة مرحلة ومن آزقار أيضا إلى مدينة شامة نحو من تسع مراحل وبينهما مجابتان مياههما قليلة وربما أفرطت الريح بهما مع حر الهواء فنشفت المياه حتى لا توجد البتة
وأهل آزقار فيما يذكره أهل المغرب الأقصى أعلم الناس بعلم الخط الذي ينسب إلى دنيال النبي عليه السلام وليس يدرى بجميع بلاد البربر على كثرة قبائلها قبيلة أعلم بهذا الخط من أهل آزقار وذلك أن الرجل منهم صغيرا كان أو كبيرا إذا تلفت له ضآلة أو عدم شيئا من أموره خط لها في الرمل خطا فيعلم بذلك موضع ضالته فيسير حتى يجد متاعه كما أبصره في خطه وربما سرق الرجل منهم متاع صاحبه ويدفنه في الأرض بعيدا أو قريبا فيخط الرجل الذي فقد متاعه ويقصد موضع الخبية ويخط بإزائها خطا ثانيا ويقصد بعلمه إلى موضع الخبية فيستخرج منها متاعه وما ضاع له ويعلم مما خطه الرجل الذي تعدى على أخذ متاعه ويجمع أشياخ القبيلة فيخطون له خطا فيعلمون من ذلك البريء من الفاعل
113

وهذا عند أهل المغرب مشهور مذكور ولقد أخبر بعض المخبرين أنه رآى رجلا من هذه القبيلة في مدينة سجلماسة وقد خبيت له خبية بحيث لا يعرف فخط لها خطا وقصد موضعها فاستخرجها وأعيد عليه العمل بذلك ثلاث مرات فاستخرجها في الثانية والثالثة مثل ما فعل في المرة الأولى وهذا شيء عجيب من قوتهم على هذا العلم على كثرة جهلهم وغلظ طبعهم وفيما جئنا به في ذلك كفاية والحمد لله على ذلك
نجز الجزء الثاني من الإقليم الثاني والحمد لله ويتلوه الجزء الثالث منه إن شاء الله
114

الجزء الثالث
إن الذي تضمن هذا الجزء الثالث من الإقليم الثاني من الأرضين بعض أرض ودان وأكثر بلاد كوار وبعض بلاد التاجوين المجوس وأكثر بلاد فزان
وأما أرض ودان فإنها جزائر نخل متصلة بين غرب وشمال إلى ناحية البحر وكانت فيما سلف أكثر الأرض عمارة وكان الملك في أهلها ناشئا متوارثا إلى أن جاء دين الإسلام فخافوا من المسلمين فتوغلوا هربا في بلاد الصحراء وتفرقوا ولم يبقى بها الآن إلا مدينة داود وهي الآن خراب ليس بها إلا بقايا قوم من السودان معايشهم كدرة وأمورهم نكدة وهم في سفع جبل طنطنة وإبلهم قليلة وأكثر أهلها يحفرون أصول نبات يسمى أغرسطس وهو النجيل وهو عندهم من نبات الرمال فيجففونه ويدقونه بالحجر ويخبزونه خبزا يتقوتون به ويأكلون منه ويأكل جلتهم وخيارهم اللحوم الجمالية مقددة ويشربون ألبان الإبل وأكثر نيرانهم يقدونها في بعر الجمال وبعض الشوك والحطب عندهم قليل
وفي جهة الشمال من هذه المدينة مدينة زويلة بناها عبد الله بن
115

خطاب الهوري وسكنها هو وبنو عمه في سنة ست وثلاث مائة وهي منسوبة إلى هذا الرجل وبه اشتهر اسمها وهي الآن عامرة وسنأتي بذكرها في موضعها من الإقليم الثالث بعون الله
وفي جبل طنطنة معدن حديد جيد وفي جنوب هذه الأرض مسارح ومرابع لازقار وهم قوم من البربر رحالون في هذه الأرض منتجعون بإبلهم وقد ذكرنا لمعا من أخبارهم
ومما جاء في جنوب هذا الجزء بقية من أرض كوكو والدمدم وهناك بقية من جبل لونيا وترابه أبيض رخو ويقال إن به حيات قصار الطول في رأس كل حية منها قرنان
ويقال إن به حيات ذوات رأسين
وقد اختلف قوم كثير من السودان في نهر كوكو فبعض قال إنه يخرج من جبال لونيا ويمر في جهة الجنوب حتى يمر بكوكو ثم يجوز بها ويمر في الصحراء وبعض قالوا إنما هو نهر يمد نهر كوكو وإن نهر كوكو على الصحة يخرج من أسفل جبل يتصل رأسه بالنيل وزعموا أن النيل يغوص تحت ذلك الجبل ويخرج من طرفه الآخر حيث يظهر خروجه ويمر حتى يتصل بكوكو ثم يمر مغربا في الصحراء فيغوص في الرمال
ويتصل بهذه الأرض من جهة المشرق أكثر كوار وهي أرض مشهورة وبلادها مقصودة ومنها يخرج الشب المعروف بالشب الكواري
116

ولا يعدله شيء في الطيب وبلاد كوار يحويها بطن واد يأتي من جهة الجنوب مارا إلى الشمال لاماء به إلا أن الماء إذا حفر عليه وجد به معينا كثيرا وعلى هذا الوادي من البلاد مدينة صغيرة تسمى القصبة وهي مدينة حسنة البناء يحيط بها من جميع جوانبها نخل وأنواع من الشجر البري وأهلها متحضرون يلبسون الفوط والأزر والقنادير المتخذة من الصوف وأهلها مياسير وتجولهم وسفرهم إلى سائر البلاد كثير وشربهم من آبار فيها ماء كثير حلو
ومن هذه المدينة إلى مدينة أخرى تليها في جهة الجنوب يومان واسمها قصر أم عيسى وليست بالمدينة الكبيرة ولكن أهلها مياسير ولهم إبل يسافرون بها شرقا وغربا وأكبر بضاعتهم الشب وهو رأس أموالهم وحول هذه المدينة نخيلات وآبار ماء حلوة ومنها يشربون
ومنها إلى مدينة انكلاس أربعون ميلا في بطن الوادي وهي مدينة من أكبر بلاد كوار قطرا وأكثرها تجارة وعندهم معادن الشب الخالص المتناهي في الطيب وأهل هذه المدينة يتجولون حتى ينتهوا في جهة المشرق بلاد مصر ويتصرفون في جهة المغرب فيصلون بلاد وارقلان وسائر أرض المغرب الأقصى وأهلها يلبسون المقندرات من الصوف ويربطون على رؤوسهم كرازي الصوف ويتلثمون بفواضلها ويسترون أفواههم وهي عادة من عوائدهم توارثها الأبناء عن الآباء لم ينتقلوا عنها ولا تتحولوا منها وفي هذه المدينة في هذا الوقت رجل ثائر من أهل البلد وله عصبة
117

وقرابة يقوم بهم وهم يعضدونه وله كرم مشهور وسيرة حسنة وأحكامه شرعية وهو مسلم
ومن مدينة انكلاس إلى مدينة صغيرة تسمى أبزر مسافة يومين وابزر هذه على تل تراب وحولها نخيل ومياهها عذبة وبالقرب من هذه المدينة معدن شب فائق الجودة لكنه يتجرف كثير الرخاوة ولباس أهل هذه المدينة الفوط ومآزر الصوف وهم يتجرون بالشب
ومن ابزر إلى مدينة تلملة يوم وهي أيضا مدينة صغيرة ومياهها قليلة ونخلها أيضا قليل وتمرها طيب جليل وبها معدن شب قليل الفائد لأن معدنه يخالطه عروق تراب كثيرة وإنما يخلط بغيره ويباع من التجار وهي من مدن كوار ومدينة تلملة قد ذكرناها فيما سلف من الإقليم الأول
وهذا الشب الذي يكون في بلاد كوار بالغ في نهاية الجودة وهو كثير الوجود ويتجهز منه في كل سنة إلى سائر البلاد بما لا يحصى كثرة ولا يقاوم وزنا ومعادنه لا تنقص كبير نقص وأهل تلك الناحية يذكرون أنه ينبت نباتا ويزيد في كل حين بمقدار ما يؤخذ منه مع الساعات ولولا ذلك لأفنوا الأرض كلها لكثرة ما يخرج منه ويتجهز به إلى جميع الأرض
وعلى مقربة من ابزر وفي جهة المغرب بحيرة كبيرة عميقة القعر طولها اثنا عشر ميلا وعرضها ثلاثة أميال وفيها حوت كبير كثير شبيه بالبوري له
118

شحم عذب المأكل يسمونه البقق ويستخرج منه من هذه البحيرة كثير ويملح ويحمل إلى جميع بلاد كوار وهو بها رخيص موجود
وأما ما حاز هذا الجزء من أرض التاجوين وهم السودان الذين ذكرناهم قبل هذا في الإقليم الأول وقلنا إنهم مجوس لا يعتقدون شيئا فإنهم بشر كثير وجمع غزير ولهم إبل كثيرة وفي بلادهم مراع كثيرة وهمم رحالة لا يقيمون في مكان وكل من جاورهم يغزوهم ويغير عليهم ويتحيل على أخذهم وليس لهم مدن إلا مدينتان وهما تاجوة وسمية وقد تقدم ذكرهما في الإقليم الأول ويحيط بشمال هذه الأرض جبل مقور وهو جبل أغبر إلى البياض وفيه عروق ترابية لينة تنفع من أوجاع العين الرمدة مثل ما ينفع رهج الغار الذي بقفر مدينة طلبيرة من بلاد الأندلس النافع من جرب العين ويأكل ما فيها وهو غبار يوجد هناك لونه أخضر ما هو وهذا الغبار هو مشهور المنفعة في جميع بلاد الأندلس معروف بالتجربة
وأيضا إن هذه الأرض تتصل بها أرض الواحات الخارجة وهي الآن تعرف بأرض سنترية وسنترية هذه محدثة قريبة العهد سنأتي بذكرها بعد هذا وفيها مما يلي جنوبها مدينة هي الآن خراب وقد كانت فيما سلف عامرة بالخلق آهلة بالناس وتسمى هذه المدينة تثرو وقد تهدم بناؤها وغارت مياهها وتشرد حيوانها وتنكرت معالمها فلم يبق منها إلا
119

طلل دارس وأثر طامس وبها بقايا نخل ماحلة وربما بلغتها العرب عند تصرفها في أكناف هذه الأرض وبشرقي هذه المدينة مع الشمال جبل وعر ليس بكثير العلو لكنه ممتنع الصعود إليه لانقطاع أحجاره وفي أسفله بحيرة كبيرة دورها نحو من عشرين ميلا ماؤها عذب لكنه قليل العمق وفي وسطها نبات وبها حوت كثير الشوك سهل الطعم ويمد هذه البحيرة عين ماء تأتيها من جهة الجنوب وتقع فيها وعلى هذه البحيرة ينزل رحالة أهل كوار وربما زاحمهم العرب عليها فأوقعوا الضرر بهم وبهذه الأرض في وقتنا هذا مدينة مرندة وهي مدينة عامرة بأهلها والداخل إليها قليل لقلة بضاعتهم واختصار صنائعهم وعدم الخيرات لديهم لكنها ملجأ ومسكن للوارد والصادر من رحالتهم وظواعنهم
وبشمال هذه الأرض يتصل بها مدينة زالة وزالة هذه بها حصن منيع فيه رجل ثائر بنفسه وبين هذه المدينة وبلد سرت تسعة أيام بين غرب وشمال إلى ناحية البحر ومن زالة أيضا إلى أرض ودان ثمانية أيام ومن زالة إلى زويلة عشرة أيام متحرفة إلى الجنوب مع الغرب وقد ذكرنا في هذا الجزء ما يحتاج إليه مستقصى بحمد الله وتأييده
نجز هذا الجزء الثالث من الإقليم الثاني والحمد لله ويتلوه الجزء الرابع منه إن شاء الله
120

الجزء الرابع
إن هذا الجزء الرابع من الإقليم الثاني تضمن بقية من أرض الواحات الخارجة بما اتصل بها في جنوبها من أرض التاجوين وأكثر بلاد الجفار والبحرين راجعا في أرض سنترية التي عرضنا بذكرها قبل هذا وذاهبا في مساكن بني هلال نازلا مع الجبل المسمى جبل جالوت البربري وإنما سمي به لأن جالوت هزم عسكره به ولجأ هو وجملة من خيله إلى هذا الجبل فسمي بذلك إلى الآن وفي الشرق من هذا الجبل جملة من بلاد مصر على ضفة النيل النازل إليها من أعلى بلاد النوبة وسنذكر هذه البلاد عند وصفنا لها بلدا بلدا وقطرا قطرا مع ذكر ما يليق بها من الأخبار الكائنة بها بعون الله وما خلف النيل من العمارات المتصلة من أرض مصر إلى نواحي أهريت وشرونة وبياض التي تلي منازل بلي وجهينة وصفارة إلى أقصى الصعيد مع اتصاله بالعلاقي وأيضا ما يلي أسفل الجزء من منازل التيم والنجوم والقبط
فنقول إن أعلى هذا الجزء من ناحية المغرب حيث بقية أرض التاجوين كله خلاء صحار متصلة وإن كانت المياه بها كثيرة والغدر موجودة فليس بها ساكن لأن بها رمالا سائلة تنقلها الرياح من مكان إلى مكان وليس
121

لأحد بها مستقر لاعتداء الرمال عليها وكثرة جري الرياح بها وكذلك يتصل هذا الرمل بأعلى أرض الواحات فيعدو عليها ويغير ما فيها من الآثار وتتصل هذه الرمال بالغرب إلى أرض سجلماسة إلى البحر
وبلاد الواحات الخارجة الآن صحراء لا أنيس بها بلقع لا عامر لها والمياه بها موجودة وكانت على القدم معمورة متصلة الثمار والعمارات وكان فيما سبق من الزمان الدخول عليها ومنها إلى مدينة غانة في طرق مسلوكة ومناهل معروفة لكنها انقطعت ودرست وبألواح الخارجة أغنام وبقر متوحشة كما قدمنا ذكره فيما سبق وبين الواحات وحد النوبة مسير ثلاثة أيام في مفاوز غير عامرة وفي أرض الواحات الخارجة جبل علساني المعترض بها وهو جبل سامي الذروة عالي القمة متساو عرضه أسفل وفوق وفيه معدن يستخرج منه حجر اللازورد ويحمل إلى أرض مصر فيصنع بها ويصرف وفي أرض الواحات يكون الثعبان ولا يكون البتة في غيرها من الأرضين والثعبان على ما يحكيه أهل تلك النواحي يرى كالتل الكبير يلتقم العجل والكبش والإنسان وهو حيوان على صورة الحية ينساب على بطنه وله أذنان بارزتان وأنياب وأسنان وحركته بطيئة ويأوي إلى الكهوف والدهاس فمن قصده أو اعترضه بمساءة التقمه وأمضى عليه ولا يخرج عن هذه الأرض إلا ويموت وهذا مشهور الذكر شائع الخبر
وأما الواحات الداخلة فإن بها قوما من البربر وغربا متحضرين يزرعون هناك حيث المياه النيلج كثيرا والنيلخ المعروف بها يفوق كثيرا
122

من النيلج في الطيب والجودة وإليها ينسب النيلج اللواحي وهو بها معروف وتنتج بهذه الأرض مع ما اتصل بها من أعلى أرض أسوان حمير صغار المقادير في مقدار الكباش ملمعة بسواد في بياض لا تحمل الركوب عليها وإذا أخرجت عن أرضها هلكت لا محالة وبأعلى صعيد مصر حمير ليست بكثيرة اللحم لكنها في غاية من السير وسرعة المشي وبرمال الواحات وما اتصل بها من ارض الجفار حيات كثيرة تستتر في الرمل فإذا مرت بها الجمال ثارت من الرمل ورمت بأنفسها حتى تقع في المحامل فتنهش هناك من وافقته فيموت في الحال وأيضا إن أرض الجفار بأسفل الواحات وهي ارض خالية قفرة وكانت فيما سلف من الزمان متصلة العمارات كثيرة البركات مشهورة بالخيرات وكان أكثر زراعة أهلها الزعفران والعصفر والنيلج وقصب السكر وأما الآن فإن بها مدينتين معمورتين اسم إحداهما الجفار والثانية البحرين وهما قريتان كالحصنين قد أحدقت النخل بهما من كل النواحي وماؤهما غزير عذب ومن البحرين إلى الجفار يومان ومن الجفار إلى ألواح ثلاثة أيام لا ماء فيها وألواح هذه المذكورة الآن في وقتنا هذا قرى كثيرة صغار وفيها ناس أخلاط يزرعون النيلج وقصب السكر وهي في ضفة الجبل الكبير الحاجز بين أرض مصر والصحارى المتصلة بأرض السودان
ومن البحرين إلى مدينة سنترية أربع مراحل ومدينة سنترية صغيرة وبها منبر وقوم من البربر وأخلاط من العرب المتحضرة وهي على أول الصحراء ومنها إلى البحر الشامي في جهة الشمال تسع مراحل وهناك تكون لكة الساحلية وشرب أهل سنترية من آبار وعيون قليلة وبها نخل
123

كثير ومنها إلى جبل قلمري أربعة أيام وفي هذا الجبل معدن حديد جيد ومن سنترية يسير من أراد الدخول إلى أرض كوار وسائر بلاد السودان وكذلك من سنترية إلى أوجلة مغربا عشرة أيام وفي هذه الناحية جبل بريم الأحمر ويقال إن مسلتي الإسكندرية نحتتا منه
وأما مدينة القيس التي على ضفة النيل وبغربيه فهي مدينة قديمة حسنة البناء جميلة الجهات فيها قصب السكر الكثير وأنواع التمور والخيرات الكثيرة وبينها وبين دهروط في جهة الشمال مخوض ثمانية عشر ميلا
ومن مدينة القيس إلى منية ابن الخصيب مقدار نصف يوم وهي قرية عامرة حولها جنات وأراض متصلة العمارات وقصب وأعناب كثيرة ومتنزهات ومبان حسان وهي في الضفة الشرقية من النيل
ومن منية ابن الخصيب إلى مدينة الأشموني مسافة نصف يوم أو أكثر قليلا وهي مدينة صغيرة حسنة عامرة بها جنات وبساتين ونخيل وزروع وضروب من الحبوب والفواكه والنعم السابغة ويعمل بها ثياب معروفة كثيرة
وأمامها من شمال النيل بوصير وهي مدينة صغيرة القدر والعمارات بها متصلة وفيما يحكى أن أكثر سحرة فرعون كانوا من هذه المدينة وبها الآن بقية من طلاب السحر
ومن بوصير إلى أنصنا بشرقي النيل ستة أيام وهي مدينة قديمة البناء حسنة البساتين والمتنزهات كثيرة الثمار غزيرة الخصب والفواكه وهي المدينة المشهورة بمدينة السحرة ومنها جلبهم فرعون في يوم الموعد للقاء موسى النبي عليه السلام
124

وهناك بلاد صغار يكون بينها وبين النيل ميلان وأكثر وأقل ومنها النجاشية وهي قرية عامرة جامعة كثيرة الخصب والثمار ومنها مما يقابلها في الغربي من النيل بلد يسمى منساوة لها نخل وزروع وضرع وبساتين وجنات
ومنها مدينة طحا وهي أسفل من مدينة الأشموني وهي مدينة مشهورة يعمل بها وفي طرزها ستور صوف وأكسية صوف منسوب إليها ويقال إن التمساح يضر في عدوة الأشموني ولا يضر بعدوة أنصنا ويقال إنها مطلسمة
ومن مدينة أنصنا المتقدم ذكرها إلى بلد صغير يسمى المراغة به نخل وقصب سكر وزراعات وجمل بساتين وبينهما نحو من خمسة أميال والمراغة بغربي النيل
ومنها إلى مدينة تزمنت نحو من خمسة أميال وهي بغربي النيل كثيرة البساتين والجنات متصلة العمارات
ومنها إلى قرية صول نحو من يوم وهي قرية كبيرة بها أسواق وجماعات من الناس ونخيل وثمار ومنافع جمة وهذه القرية على فم الخليج المسمى بخليج المنهى وهو الخليج الذي يتصل بشرقي أرض الواحات ويصرف في سقي كثير من الأرضين هناك ومن هذا الخليج احتفرت خلجان الفيوم وسنأتي بذكر ذلك في موضعه بحول الله وقوته
ومن مدينة صول إلى أخميم يوم ومدينة أخميم في شرقي النيل وتبعد
125

عنه نحو ميلين واخميم والبلينا مدينتان متقاربتان في كثرة العمارة وبهما نخيل كثير وقصب سكر
وبمدينة أخميم البناء المسمى بربا وهو بيت بناه هرمس الأكبر من قبل الطوفان وذلك أنه رأى في علمه أن الأرض يهلك من فيها غير أنه لم يتحقق من ذلك ما السبب في هلاك الأمم أيكون بالنار أو بالماء فأمر أن تبنى له بيوت من الطين من غير أن يوقد النار عليها فلما جفت أمر أن ينقش له فيها ما أحب من الصور والعلوم ففعل ذلك وقال إن كان المهلك للعالم نارا صبرت هذه البيوت على النار وحسنت بها وكان ما فيها من النقوش بضروب العلوم باقيا ثابتا يقرؤه من يأتي بعده ثم أمر أيضا أن تبنى له بيوت غيرها من الحجارة ويستوثق منها وينقش فيها جميع العلوم التي رأى الاحتياج إليها ففعل ذلك وقال أيضا إن كان المهلك للعالم ماء فإن البيوت التي بنيت بالطين تتحلل وتبقى البيوت الحجارية بما فيها من العلوم فلا يضر بها الماء فلما كان الطوفان وغمر الأرض الماء وهلك كل ما فيها تحللت تلك البيوت المبنية من الطين وبقيت البيوت المبنية بالحجارة بما فيها من العلوم وهي الآن ثابتة باقية وهي براب كثيرة منها بربا أسنا وبربا دندرة وبربا أخميم وهو أثبتها بناء وأحسنها رسوما وذلك أن في هذا البيت بعض صور الكوكب وبعض صور الصنائع وصناعها وجمل من الكتابات وسائر العلوم وهذا البناء المسمى بربا هو في مدينة أخميم متوسطها كما قدمناه
126

وفي الضفة الغربية من النيل وفوق فم خليج المنهى مدينة تسمى زماخر وهي مدينة حسنة البناء كثيرة البساتين غزيرة المياه تحتوي على ضروب من الفواكه وجمل من أنواع الحبوب وهي في ذاتها جميلة حسنة
ومنها على ضفة غربي النيل إلى جبل الطيلمون مقدار خمسة أميال وهذا الجبل يأتي من جهة المغرب بتأريب فيعترض مجرى النيل والماء ينصب إليه بقوة جري ويخرج عنه بقهر وانضغاط يمنع المراكب الصاعدة من مصر إلى أسوان وغيرها لأن صب النيل وقوة جريه هناك يمنع الصعود في وجهه ويذكر أهل زماخر أن بأعلى هذا الجبل كانت دهية الساحرة ساكنة في قصر لم يبق منه الآن إلا رسم محال ويشيعون من أمرها أنها كانت تتكلم على المراكب فلا تقدر على الجواز عليها البتة مع عون قوة جري الماء وانصبابه وانزعاج قوته عند الجبل وهذا المكان من النيل إلى الآن صعب المجاز جدا وهو معروف
ومن هذا الجبل إلى جبل تانسف نحو مرحلتين وهذا الجبل المسمى تانسف في جانبه حافة ملساء فيها شق صغير ضيق يجتمع إليه في يوم من السنة جمل من الطير المسمى بوقير وهو طير ملون من طيور الماء فيأتي كل طائر منها فيدخل رأسه في ذلك الشق من الجبل ويخرجه ويمضي طائرا على حاله إلى أن ينطبق ذلك الشق على رأس أحدها فيبقى مضطربا حتى يموت ويتساقط ريشه وتطير الباقي من الطير فلا تعود إلا لمثل ذلك اليوم من السنة وهذا مشهور معلوم في ديار مصر وقد أثبت ذلك في كثير من الكتب
127

ومن جبل الطيلمون المتقدم ذكره إلى مدينة أسيوط وهي على الضفة الغربية من النيل مجرى يوم ومدينة أسيوط مدينة كبيرة عامرة آهلة جامعة لضروب المحاسن كثيرة الجنات والبساتين مدخرة لضروب الحبوب واسعة الأرضين جميلة حسنة
ومن مدينة أسيوط إلى أخميم صاعدا مع النيل نصف مجرى ومن مدينة أخميم إلى مدينة قفط مجرى نصف يوم بالقلاع ومدينة قفط متباعدة عن ضفة النيل من الجهة الشرقية وأهلها شيعة وهي مدينة جامعة متحضرة بها أخلاط من الناس وفيها بعض بقايا من الروم وبها مزارع كثيرة للبقول مثل اللفت والخس وذلك لأنهم يجمعون بذورها ويطحنونها ويستخرجون أدهانها ويصنعون منها أنواعا من الصابون يتصرفون به في جميع أرض مصر ومنها يتجهز به إلى كل الجهات وصابونها معروف النظافة
ومنها إلى مدينة قوص بالجهة الشرقية من النيل سبعة أميال ومدينة قوص مدينة كبيرة بها منبر وأسواق جامعة وتجارات ودخل وخرج والمسافر إليها كثير والبضاعات بها نافقة والمكاسب رابحة والبركات ظاهرة وشرب أهلها من ماء النيل ولها بقول طيبة وضروب من الحبوب كثيرة ممكنة ولحوم سدفة حسنة المنظر طيبة الأكل ولكثرة نعمها كان هواؤها وبائيا وأهلها مصفرة ألوانهم وقليلا ما دخلها غريب وسلم من المرض إلا نادرا
ومن مدينة قوص إلى دماميل بشرقي النيل نحو من سبعة أميال
128

ومدينة دماميل محدثة حسنة البناء طيبة الهواء كثيرة الزراعات ممكنة الحنطة وسائر الحبوب وأهلها أخلاط والغالب عليهم أهل المغرب والغريب عندهم مكرم محفوظ مرعى الجانب وفي أهلها مواساة بالجملة
ومنها إلى قرية قمولة خمسة أميال وهي كالمدينة جامعة متحضرة مكتنفة لكل نعمة وفضيلة وأخبر بعض الثقات في هذا العصر فقال رأيت بها أنواعا من الفواكه وضروبا من الثمر من جملتها عنب ما توهمت أن على الأرض مثله طيبا وحسنا وكبرا حتى إنه دعتني نفسي إلى أن وزنت منه حبة فوجدت في زنتها اثني عشر درهما وفي هذه القرية من الدلاع وأنواع الموز ما يجل عن المقدار المعهود وكذلك من الرمان والسفرجل والإجاص وسائر الفواكه ما لا يكون إلا بمثلها وكل شيء من ذلك كثير يباع بأيسر الأثمان
وبشمال هذه القرية جبل يمر من الجنوب إلى الشمال إلى أن يقارب مدينة أسيوط وهذا الجبل يقال له بران يقال إن فيه كنوز ولد أشمون بن مصرايم وفيه مطالب وطلاب إلى الآن
ومن هذه القرية إلى مدينة اسنا بغربي النيل مجرى يوم وهي من المدن القديمة من بناء القبط الأول وبها مزارع وبساتين حسنة وبها رخاء شامل وأمن وادع وبها أعناب كثيرة ولكثرته هناك يعمل منه زبيب كثير ويحمل إلى جميع أرض مصر فيعمها وهو بالغ في الطيب وجودة الحلاوة وبها بقايا بنيان للقبط وآثار عجيبة
ومنها إلى أرمنت في الضفة الشرقية مجرى يوم وهي مدينة من بناء القبط حسنة وبها نخيل وشجر تحمل أنواعا من الثمر المعلومة المحمودة
129

القليل الوجود مثلها في كثير من الأقطار طيبا وحسنا ومن مدينة أرمنت إلى مدينة أسوان مجرى يوم في النيل وقد ذكرنا مدينة أسوان فيما صدر من ذكر الإقليم الأول في موضعه من الكتاب
ولنرجع الآن إلى ذكر الخليج الخارج من معظم النيل كما قدمنا القول فيه بعون الله فنقول إن هذا الخليج يخرج إلى جهة المغرب عند مدينة صول ويسمى هناك المنهى فيمر جاريا نحو المغرب فيصل إلى مدينة البهنسا على أربع مراحل وهي بالجهة الغربية من هذا الخليج وهي مدينة عامرة بالناس جامعة لأمم شتى ومن هذه المدينة إلى مصر سبعة أيام كبار وبهذه المدينة كانت وإلى الآن طرز ينسج بها للخاصة الستور المعروفة بالبهنسية والمقاطع السلطانية والمضارب الكبار والثياب المتخيرة وبها طرز كثيرة للعامة يقيم بها التجار الستور الثمينة طول الستر منها ثلاثون ذراعا وأزيد وأنقص مما قيمة الزوج منها مائتا مثقال وأكثر من ذلك وأقل ولا يصنع فيها شيء من الستور والأكسية وسائر الثياب المتخذة من الصوف والقطن إلا وفيها اسم الطرز المتخذة بها كانت من طرز الخاصة أو من طرز العامة سمة مكتوبة فعلها الجيل المتقدم وتبعهم على ذلك من خلفهم من الصناع إلى حين وقتنا هذا وهذه الستور والفرش والأكسية مشهورة في جميع الأرض
وينزل هذا الخليج مع الشمال إلى مدينة اهناس وذلك مرحلتان وهي مدينة صغيرة متحضرة كثيرة الأهل واسعة الخيرات جامعة للبركات نامية الزراعات وكل شيء من المأكول بها كثير رخيص ومتاجرها نافقة وأسواقها مربحة
130

ومنها إلى اللاهون مرحلتان
ومنها إلى مدينة دلاص وهي في الضفة الشرقية من معظم النيل وعلى بعد ميلين منه نحو من مسير يومين وبمدينة دلاص هذه تصنع اللجم الدلاصية المنسوبة صنعتها إليها وهي مدينة عامرة جليلة وصناعة الحديد بها قائمة الذات كثيرة المصنوعات ومدينة دلاص كانت في أيام القبط كثيرة الديار مثبتة في ذكر الأمصار إلا أنها الآن في وقتنا هذا ليست بالكبيرة لأن البرابر من لواته وشرار العرب تسلطوا على أطراف عمارات هذه البلاد فأفسدوها فقل ساكنوها لذلك وينتهي هذا الخليج إلى الفيوم ويصل إلى بحيرة أقنى وتيهمت وسنستقصي ذكر ذلك في موضعه من الإقليم الثالث بحول الله
وأما ترفة وسمسطا فضياع وقصور بعيدة من معظم النيل على مسافة ميلين منه وهما عامرتان بالناس وفيهما مزارع للقصب السكري ويعمل بها من السكر والفانيذ ما يقوم بأكثر ديار مصر ويستغنى به عن غيره وجميع بلاد مصر تتقارب مسافاتها فلا يكون بين البلد والبلد أكثر من يوم أو يومين وهي لا تفارق ضفتي النيل من كلتا الناحيتين وعماراتها متصلة ومن مصر إلى أسوان مسافة خمس وعشرين مرحلة وقد ذكرنا في هذا الجزء ما فيه كفاية وبلاغ
نجز الجزء الرابع من الإقليم الثاني والحمد لله ويتلوه الجزء الخامس منه إن شاء الله تعالى
131

الجزء الخامس
إن هذا الجزء الخامس من الإقليم الثاني تضمن منالبلاد التي على ساحل بحر القلزم مدينة عيذاب وما اتصل بها قبلها من الصحراء المنسوبة إلى عيذاب وليس بها طريق معروف ولا يستدل عليها إلا بالجبال والكدى الناتئة لأنها رمال سائلة وضحاضح غامرة وربما أخطأ بها الدليل اماهر وأكثر الإستدلال بها بالنجوم ومسير الشمس من المشرق إلى المغرب وفي هذا الجزء قطعة من بحر القلزم وجملة من جزائره العامرة والخالية ومراسيه المشهورة المذكورة والكور الصغار مثل السرين والسقية وجدة والجحفة والجار وفيه من البلاد البرية صنكان ومكة والطائف وقديد والمدينة وعيذاب ونحن واصفون الآن جميع ما ذكرناه من ذلك وصفا تاما باستقصاء وشرح متقن بفضل الله تعالى وقوته
فنقول إن جبل المقطم الذي أوله من ديار مصر يأخذ من مصر فيمر في الصحراء إلى أن ينتهي إلى قرب أسوان وهو جبل مشهور بالطول وأما علوه فإنه يعلو في مكان وينخفض في مكان وينقطع منه مواضع تسمى اليحاميم سود وتحفر منه المغرة والكلس وفيه ذهب كثير
وكذلك في تربته إذا دبرت استخرج منها ذهب صالح وتتصل منهقطع بديار مصر الداخلة إلى البحر الملح بناحية القلزم وهو بحر الحجاز وفي هذا الجبل وما اتصل به كثير من الكنو مما خبأته ملوك مصر في العصر الأول وفيه كثير من هياكل الكهنة وعجائبهم ومما يلي البحر منهالجبل المنحوت المدور الذي لا يستطيع أحد أن يصعده ولا يجد سببا للطلوع إليه وذلك لملاسته وارتفاع علوه ويذكر أن فيه كنوز عظيمة لقطام الكاهن وإليه ينسب هذا الجبل بأسره وفيه أيضا كنوز كثيرة لبعض ملوك مصر من
المال والجوهر وتربة الصنعة والتماثيل العجيبة وأصنام الكواكب وقد كانوا رأوا في علومهم أن ملكا من ملوك الإفرنجة يقصدهم لما كان اتصل به من كثرة أموالهم والصنعة التي كانوا يدبرونها لعمل الذهب فكان ما خافوه من ذلك حقا وقصدهم الملك الإفرنجي وغزا ديار مصر في ألف مركب فهرب أكابرهم إلى هذا الجبل وتستروا في الأماكن الخفية فيه وبعضهم أمعن في الهروب حتى لحق بالواحات فلم يوصل إليهم ونجا أكثرهم بأموالهم وكان السبب في مجيء الملك الإفرنجي إلى ديار مصر أن كاهنا من الكهنة وصل إليه ملك مصر بأذى فهرب الكاهن أمامه إلى ملك الإفرنجة ولم يزل يرغبه في غزوهم وأخذ أموالهم وانتهاك حرمهم حتى غزاهم ومضى بهم الكاهن إلى هذا الجبل الأملس الذي ذكرناه قبل فحاول الصعود إليه فلم يصله ولا قدر على شيء مما آمله فيهم فدله الكاهن على كنوز لأهل مصر في غير ذلك الجبل فأخذها ورجع إلى بلده
وبلغربي من هذا الجبل تكون نواحي أهريت وبشرونة وبياض وصول
132

وكذلك في تربته إذا دبرت استخرج منها ذهب صالح وتتصل منه قطع بديار مصر الداخلة إلى البحر الملح بناحية القلزم وهو بحر الحجاز وفي هذا الجبل وما اتصل به كثير من الكنوز مما خبأته ملوك مصر في العصر الأول وفيه كثير من هياكل الكهنة وعجائبهم ومما يلي البحر منه الجبل المنحوت المدور الذي لا يستطيع أحد أن يصعده ولا يجد سببا للطلوع إليه وذلك لملاسته وارتفاع علوه ويذكر أن فيه كنوزا عظيمة لمقطام الكاهن وإليه ينسب هذا الجبل بأسره وفيه أيضا كنوز كثيرة لبعض ملوك مصر من المال والجوهر وتربة الصنعة والتماثيل العجيبة وأصنام الكواكب وقد كانوا رأوا في علومهم أن ملكا من ملوك الإفرنجة يقصدهم لما كان اتصل به من كثرة أموالهم والصنعة التي كانوا يدبرونها لعمل الذهب فكان ما خافوه من ذلك حقا وقصدهم الملك الإفرنجي وغزا ديار مصر في ألف مركب فهرب أكابرهم إلى هذا الجبل وتستروا في الأماكن الخفية فيه وبعضهم أمعن في الهروب حتى لحق بالواحات فلم يوصل إليهم ونجا أكثرهم بأموالهم وكان السبب في مجيء هذا الملك الإفرنجي إلى ديار مصر أن كاهنا من الكهنة وصل إليه ملك مصر بأذى فهرب الكاهن أمامه إلى ملك الإفرنجة ولم يزل يرغبه في غزوهم وأخذ أموالهم وانتهاك حرمهم حتى غزاهم ومضى بهم الكاهن إلى هذا الجبل الأملس الذي ذكرناه قبل فحاول الصعود إليه فلم يصله ولا قدر على شيء مما أمله فيهم فدله الكاهن على كنوز لأهل مصر في غير ذلك الجبل فأخذها ورجع إلى بلده
وبالغربي من هذا الجبل تكون نواحي أهريت وبشرونة وبياض وصول
133

وبشرقيه أيضا أرض فيها بعض منازل بلي وجهينة وصفارة ويلي هؤلاء في جهة الشمال مما يلي القلزم قوم من العرب أنذال الأفعال خسيسو الهمم ناقضوا العهود فساق لئام أنكاد يعرفون ببني بجرية لا يرجعون عن محرم ولا يخفيهم سفك دم إن استنصر بهم خذلوا وإن اطمئن إليهم قتلوا الأمانة لهم ولا رعاية ولا ديانة وقد أعطاهم الله جل جلاله أوفر حظ من الفقر وابتلاهم بأنواع من الأسقام وهم مع ذلك عن الأضرار لا ينتقلون وعن الأذى لا يتحولون
وفي أعلى الأرض من هذا الجزء صحارى عيذاب وهي متصلة الخلاء ليس بها ساكن ولا ينزلها قاطن إلا قوم من البجة رحالة قليلو الإقامة فيها لعدم الماء بأمكنتها وقلة وجوده بها وعرض هذه الصحراء يقطعه السالك من قوص إلى عيذاب في عشرين يوما إلى ما دونها وفي هذه الصحراء يكون جب حميرة وهو من أعجب العجب وذلك أن ماءه لا ينزل به من شربه من حيث تنزل المياه من الإنسان ولا يقيم بالمعدة شيئا وإنما هو إذا شربه الإنسان لم يلبث أن ينزل به من مقعدته مسرعا من غبر تأخير ولا إقامة وهذه الصحراء لا تسلك في اشتداد الحر وسموم القيظ لجفوف الماء بها ورياحها المنشفة وأرضها النارية المهلكة وإنما يمر بها السالكون في آخر أيام الخريف
وفي أعلى هذه الصحراء في ضفة البحر الملح مدينة عيذاب وأهلها سود وشربهم من آبار وليست بالكبيرة القطر ولا بالآهلة العامرة بالخلق ومنها المجازإلى جدة وعرضه هناك مجرى يوم وليلة ومدينة عيذاب ينزلها عامل من قبل رئيس البجة وعامل من قبل ملك مصر يقتسمون
134

جبايتها بنصفين وعلى عامل صاحب مصر القيام بجلب الأرزاق والمعيشة إلى عيذاب وعلى رئيس البجة القيام بحمايتها من الحبشة والرئيس المقيم بعيذاب من قبل ملك البجة ينزل الصحاري ولا يدخل المدينة إلا غبا وأهل عيذاب يتجولون في كل النواحي من أرض البجة يشترون ويبيعون ويجلبون ما هنالك من السمن والعسل واللبن وبالمدينة زوارق يصاد بها السمك الكثير اللذيذ الطعم الشهي المأكل وبها يؤخذ المكس في وقتنا هذا من حاج الإسلام القاصدين من بلاد المغرب وبهذا المكس مبلغه على كل رأس ثمانية دنانير من أي الذهب كان مسبوكا أو مكسورا أو مسكوكا ولا يعبرأحد من حاج المغرب إلى جدة إلا أن يظهر مكسه ومتى جوزه رباني بحر القلزم ولم يكن عنده مكس غرمه الرباني فلذلك لا يجوز أحد من عيذاب إلى جدة حتى يظهر الرباني البراءة مما يلزمه فإذا جاز المركب البحر وسهل الله عليه الوصول إلى جدة أرسى على بعد ودخل الثقات من ناحية والي جدة فحرزوا ما هنالك من الموجودات الممكسة اللازمة وأثبتوها في دواويينهم ثم نزلوا ونزل الناس بجملتهم فتقتضى منهم المكوس اللازمة لهم الواجبة عليهم فإن عثروا على رجل منهم لا مكس معه لزمه حقه على الرباني الذي جوزه وربما سجن الرجل الحاج حتى يفوته الحج وربما قيض الله له من يفرج عنه بما لزم من المكس وهذا المكس يأخذه الهاشمي صاحب مكة فينفقه في أرزاق أجناده إذ منافعه قليلة وجباياته لا تفي بلوازمه ورزق من معه
وهذا البحر الذي ضمه هذا الجزء بحر صعب المجاز كثير القالات
135

والتروش والجبال الناتئة وفيه عدة جزائر خالية في زمن الشتاء وفي مدة خوض البحر وركوبه في أيام السفر فيه قوم يعمرون هذه الجزائر سمر الألوان يأتون إليها في زوارقهم فيتصيدون فيها السمك الكثير ويجففونه في الشمس ثم يطحنونه ويخبزونه ويتعيشون منه أكثر دهرهم ولزومهم في هذه الجزائر لصيد الحوت واستخراج اللؤلؤ الدقيق منه وأخذ السلاحف البحرية التي يكون على ظهورها الذبل وهو بها كثير حسن الصفة
وأكبر جزيرة فيه من هذا الجزء جزيرة النعمان وبها قوم لازمون لها ساكنون بها ومنها جزيرة السامري يسكنها قوم يهود سامرية وعلامتهم أن يقول أحدهم إذا لقي إنسانا
((لا مساس)) وبهذه اللفظة يعرف أنهم من اليهود المنسوبين إلى السامري صاحب العجل في زمن موسى عليه السلام
وفي هذا البحر من السمك حوت مربع عرضه قريب من طوله يقال له اليهار وربما بلغ وزن الحوت منه نصف قنطار أو نحوه وهو حوت أحمر شهي الطعم حسن الذوق ولا سهك به وفيه سمك آخر طوله شبر ونصف له رأسان رأس في موضع رأسه ورأس في موضع ذنبه وفي كل رأس من هذين الرأسين عينان وفم وتصرفه في البحر يزج مرة إلى أمامه وتارة إلى خلفه ويسمى هذا السمك الخنجر وفي هذا البحر أيضا سمك يقال له القرش وهو نوع من كلاب البحر في فمه سبعة صفوف أضراس ويكون منه ما طوله عشرة أشبار وأكثر وأقل من ذلك وضرره بمن أمكنه في البحر كثيرا جدا
ومراكب هذا البحر كلها مؤلفة بالدسر ومخروزة بحبال الليف مجلفطة
136

بدقيق اللبان ودهن كلاب البحر المعد لذلك والربانيون في هذه المراكب لهم آلات متخذة بحكمة مهندسة موضوعة في أعلى الصاري الذي يكون في مقدمة المركب فيجلس به الرباني ويبصر ما لاح أمامه من التروش التي تحت الماء مخفية فيقول للماسك على المركب ((خذ إليك)) و ((ادفع عنك)) ولولا ذلك ما عبره أحد وآفاته كثيرة في المراكب والمسافرون في هذا البحر يأوون منه في كل ليلة إلى مواضع يسكنون فيها ويلجأون إليها خوفا من معاطبه وينزلون بها نهارا ويقلعون عنها نهارا حالا دائما سير النهار وإقامة الليل
وهو بحر مظلم كريه الروائح وحش الجزائر لاخير في ظاهره ولا في باطنه وليس كبحر الهند والصين الذي في بطنه اللؤلؤ النفيس وفي جباله الجواهر وفي مدنه أصناف الطيب وفي سواحله محلات الملوك ومدنها وفي جزائره منابت الأبنوس والبقم والخيزران وشجر العود والكافور والأفاويه وفي أرضه دواب المسك وظباؤه وجميع ما يقع إلى بحر القلزم من العنبر فإنما هو مما شذ إليه من بحر الهند وقد ذكرنا مسافة طوله وعرضه فيما سبق من ذكر جملة البحور المذكورة في صدر الكتاب
وعلى ساحل هذا البحر الواقع في هذا الجزء في الجهة الشرقية حصن حلي والسرين والسقية وجدة والجحفة والجار وكل هذه معاقل ومواطن يسافر إليها ويتجهز منها وفي كل واحدة منها وال وعامل
137

فأما حلي فإنها مدينة صغيرة وواليها منها وهو من قبل صاحب تهامة وهي فرضة من جاء من اليمن وفرضة لمن صعد من القلزم وبها جبايات على الداخل والخارج وكل شيء إليها جلب ومنها على البرية إلى مدينة عثر جنوبا خمسة أيام
ومنها أيضا إلى مدينة ضنكان مرحلتان خفيفتان وضنكان بلد صغير فيه أهله مقيمون به لا يتحولون عنه إلى غيره وربما مات الرجل منهم والرجال الكثيرة ولم يخرجوا منه لرؤية غيره لا ارتحالا ولا نزهة والناس واردون عليها وصادرون عنها وبضائع أهلها قليلة وأموالهم يسيرة وصنائعها نزرة حقيرة وضياعها ضيقة وثمارها قحطة وجملتها غير حسنة لكن البارىء جل وعز حبب أرضها لأهلها
وعلى الساحل مدينة السرين وبينها وبين حلى خمسة أيام في جهة الشمال والسرين حصن حصين حسن موضعه كثيرة مياهه ولواليه وجابيه شيء معلوم ورسم ملزوم على المراكب الصاعدة والنازلة من اليمن بالتجارات والمتاع والرقيق وجباياته المحصلة يصل نصفها إلى صاحب تهامة ونصفها الثاني يصل إلى الهاشمي بمكة وكذلك من السرين إلى ضنكان مرحلتان
ومن السرين إلى مرسى السقية ثلاث مراحل وهي قرية عامرة وبها مستراح للمراكب
ومنها إلى جدة على الساحل ثلاث مراحل وهي فرضة لأهل مكة
138

وبينهما أربعون ميلا وهي مدينة كبيرة عامرة تجاراتها كثيرة وأهلها مياسير ذوو أموال واسعة وأحوال حسنة ومرابح ظاهرة ولها موسم قبل وقت الحجيج مشهود البركة تنفق فيه البضائع المجلوبة والأمتعه المنتخبة والذخائر النفيسة وليس بعد مكة مدينة من مدائن الحجاز أكثر من أهلها مالا ولا أحسن منهم حالا وبها وال من ناحية الهاشمي صاحب مكة يقبض صدقاتها ولوازمها ومكوسها ويحرس عمالتها ولها مراكب كثيرة تتصرف إلى جهات كثيرة وبها مصائد للسمك الكثير والبقول بها ممكنة وبهذه المدينة فيما يذكر أنزلت حوا من الجنة وبها قبرها
ومدينة مكة قديمة أزلية البناء مشهورة الثناء معمورة مقصودة من جميع الأرض الاسلامية واليها حجهم المعروف وهي مدينة بين شعاب الجبال وطولها من المعلاة إلى المسفلة نحو ميلين وهو من حد الجنوب إلى جهة الشمال ومن أسفل جبل أجياد إلى ظهر جبل قعيقعان ميل والمدينة مبنية في وسط هذا الفضاء وبنيانها حجارة وطين وحجارة بنيانها من جبالها وأسواقها قليلة وفي وسط مكة مسجدها الجامع المسمى بالحرم وليس لهذا الجامع سقف وإنما هو دائر كالحظيرة والكعبة وهو البيت المسقف في وسط الحرم وطول هذا البيت من خارجه من ناحية الشرق أربعة وعشرون ذراعا وكذلك طول الشقة التي تقابلها في جهة الغرب وبشرقي هذا الوجه باب الكعبة وارتفاعه على الأرض نحو قامة وسطح الكعبة من داخل مساو لأسفل الباب وفي ركنه الحجر الأسود وطول الحائط الثاني الذي
139

من جهة الشمال وهو الشامي ثلاثة وعشرون ذراعا وكذلك الشقة الأخرى التي تقابلها في جهة اليمن ومع أصل هذه الشقة موضع محجوز في دائر وطوله خمسون ذراعا وفيه حجر أبيض يقال إنه قبر إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام وفي الجهة الشرقية من الحرم قبة العباس وبئر زمزم وقبة اليهودية وما استدار بالكعبة كله حطيم يوقد فيه بالليل مصابيح ومشاعل وللكعبة سقفان وماء السقف الاعلى يخرج عنه إلى خارج البيت في ميزاب من خشب وذلك الماء يقع على الحجر الذي قلنا إنه قبر إسماعيل والبيت كله من خارج على استدارته مكسو بثياب الحرير العراقية لا يظهر منه شيء وارتفاع سمك البيت المذكور سبعة وعشرون ذراعا وهذه الكسوة معلقة فيه بأزرار وعرى وصاحب بغداد المسمى بالخليفة يرسلها في كل سنة إليها فتكسى بها وتزال الأخرى عنها ولا يقدر أحد يكسوها غيره وفيما يذكر أهل الخبر أن الكعبة كانت خيمة
آدم عليه السلام وكانت مبنية بالطين والحجارة فهدمها الطوفان وبقيت مهدمة إلى مدة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام فيقال إن الله أمرهما ببنيانها فنهض إبراهيم عليه السلام إلى ابنه إسماعيل وتعاونا في بنيانها بالحجر والطين وليس بمكة ماء جار إلا شيء أجري إليها من عين على بعد من البلد ولم يستتم فلما كانت أيام المقتدر من بني العباس إستتم بناؤه
ومياه مكة زعاق لا تسوغ لشارب وأطيبها ماء بئر زمزم وماؤه شروب غير أنه لا يمكن إدمان شربه وليس بجميع مكة شجر مثمر الا شجر البادية ويسكن صاحب مكة في قصر له بالجهة الغربية بموضع يعرف بالمربعة على
140

ثلاثة أميال من مكة وهو قصر مبني من الحجارة وتجاوره حديقة قريبة العهد فيها نخيلات وكثير من المقل وبها جملة شجر منقولة إليها وليس للهاشمي صاحب مكة عسكر خيل وإنما معسكره رجالة لا خيل لهم وتسمى رجالته الحرابة ولباسه البياض والعمائم البيض ويركب الخيل وسياسته حسنة وحكمه عدل وإنصافه ظاهر وإحسانه غدق على قدر إمكانه ولمكة موسمان ينفق فيهما كل ما جلب إليها أحدهما في أول رجب والثاني موسم الحجيج ولأهلها أموال صامتة وأحوال فاشية ودواب وجمال ولا زرع بها ولا حنطة إلا ما جلب إليها من سائر البلاد والتمر يأتي إليها كثيرا مما حولها والعنب يجلب إليها من الطائف وهو بها قليل جدا والغالب على ضعفاء أهلها الجوع وسوء الحال وإذا خرج أحد عن مكة في كل جهة تلقاه أودية هناك جارية وعيون مطردة وآبار غدقة وحوائط كثيرة ومزارع متصلة
ومن مكة إلى المدينة التي تسمى يثرب على طريق الجادة نحو من عشر مراحل وذلك أن من مكة إلى بطن مر ستة عشر ميلا وهو منزل فيه عين ماء في مسيل رمل وحوله نخيلات يأوي إليه قوم من العرب
ومن بطن مر إلى عسفان ثلاثة وثلاثون ميلا وعسفان حصن بينه وبين البحر نحو من عشرة أميال وبه آبار ماء عذبة ويسكنه قوم من جهينة
ومنه إلى قديد أربعة وعشرون ميلا وقديد حصن صغير فيه أخلاط
141

من العرب سمة الشقاء عليهم بادية ولهم نخيلات يتعيشون منها وبين قديد والبحر خمسة أميال
ومن قديد إلى الجحفة ستة وعشرون ميلا والجحفة منزل عامر آهل فيه خلق كثير لا سور عليه وهو ميقات أهل الشام ومنه إلى البحر نحو أربعة أميال
ومن الجحفة إلى الأبواء سبعة وعشرون ميلا والأبواء منزل فيه آبار
ومنه إلى السقيا سبعة وعشرون ميلا والسقيا منزل على نهر جار وبه بستان وحدائق نخل وفيه قوم من طي وسائر قبائل العرب
ومن السقيا إلى الرويثة ستة وثلاثون ميلا وفيها برك ماء أربع وليس بها عامر
ومنها إلى سيالة أربعة وثلاثون ميلا وهو منزل قليل العامر فيه أبار ماء شروبة
ومنها إلى ملل سبعة عشر ميلا وهو منزل وبه آبار غدقة كثيرة الماء
ومنها إلى الشجرة وهو ميقات أهل المدينة إثنا عشر ميلا وهو منزل به قوم من العرب قلة ومنها إلى المدينة ستة أميال الجملة مئتان وسبعون ميلا
وطريق آخر من مكة إلى المدينة وهو طريق الجبال وفيه تحليق وذلك أن يأخذ المار من مكة في طريق الساحل إلى بطن مر ثم إلى عسفان ثم إلى قديد إلى الخرار إلى ثنية المرأة إلى مدلجة مجاح إلى بطن مرجح
142

إلى بطن ذات كشد إلى الأجداد إلى ذي شمر إلى بطن أعداء إلى مدلجة يعفر ثم إلى العينا إلى أذان القاحة إلى طرف جبل العرج إلى ثنية الأعيار إلى رئما إلى حي عمرو بن عوف إلى المدينة
والمدينة في مستو من الأرض حارة سبخية كان عليها سور قديم وبخارجها خندق محفور وهي الآن في حين تأليفنا لهذا الكتاب عليها سور حصين منيع من التراب بناه قسيم الدولة الغازي ونقل إليها جملة من الناس ورتب المير إليها وأهلها فقراء قليلو المال لا صنع لهم ولا ضياع عندهم وحولها نخل كثير وتمرها حسن وبها يتقوتون في معايشهم وليس لهم زرع ولا ضرع وشرب أهلها من نهر صغير يأتي إليها من جهة المشرق جلبه عمر بن الخطاب وجاء به إليها من عين كبيرة إلى شمال المدينة وأجراه بالخندق المحتفر بها ومقدار مدينة يثرب على قدر نصف مكة ومياه نخيلهم وزروعهم من الآبار يسقيها العبيد وبقيع الغرقد خارج باب البقيع في شرقي المدينة
وقباء خارج المدينة على نحو ميلين مما يلي القبلة وكانت به بيوت يجتمع إليها الأنصار وهي الآن قرية معمورة وبها عين ماء جارية وجبل أحد في شمال المدينة على مقدار ستة أميال وهو أقرب الجبال إليها وهو جبل مطل على أرض فيها مزارع وضياع كثيرة لأهل المدينة وعلى أربعة أميال من المدينة في جنوبها وعلى طريق مكة واد يسمى بوادي العقيق
143

وعليه مزارع ونخل وقبائل من العرب ومن المدينة إلى البحر ثلاثة أيام وفرضتها الجار والجار آهلة عامرة وكانت قبل هذا مدينة قريبة من جدة
والطريق من المدينة إليها تخرج من المدينة إلى ذو خشب مرحلة ومنه إلى عذيب مرحلة في حضيض جبل وبه بئر معينة الماء عذبة المشرب ومنه إلى الجار مرحلة والجار على ضفة البحر الملح والمراكب إليها قاصدة ومقلعة وليس بها كبير تجارات وكذلك من الجار إلى جدة نحو من عشرة أيام في البر بطول الساحل والبحر يبعد تارة ويقرب أخرى وأكثر هذه المراحل في رمال ناشفة وطرق دارسة يستدل فيها بالبحر والجبال وفي شرقي مكة الطائف وبينهما ستون ميلا والطائف من أرادها من مكة سار منها إلى بئر بن المرتفع وهي قرية عامرة فيها عرب بادية ثم إلى قرن المنازل وهو حصن عامر بأهله على قارعة الطريق ومنه إلى الطائف ومن أراد من مكة إلى الطائف على طريق العقيق يأتي عرفات على ثلاثة أميال ثم إلى بطن نعمان وهو موضع فيه نخيلات ثم يصعد عقبة كرى ثم يشرف على الطائف
ثم ينزل ثم يصعد عقبة خفيفة ثم يدخل الطائف والطائف منازل ثقيف وهي مدينة صغيرة متحضرة مياهها عذبة وهواؤها معتدل وفواكهها كثيرة وضياعها متصلة وبها العنب كثير جدا وزبيبها معروف يتجهز به إلى جميع الجهات وأكثر فواكه مكة تصدر عنها وبالطائف تجار مياسير وجل بضائعهم صنع الأديم وأديمها عالي الجودة رفيع القيمة وبالنعل
144

الطائفي يضرب المثل وهذا مشهور والطائف على ظهر جبل غزوان وعلى ظهر جبل غزوان ديار بني سعد المضروب بهم المثل في كثرة العدد وبه جملة من قبائل هذيل وليس في بلاد الحجاز بأسرها جبل أبرد من رأس هذا الجبل وربما جمد به الماء في الصيف لشدة برده والغالب على نواحي مكة مما يلي المشرق بنو هلال وبنو سعد في قبائل من هذيل ومن غربيها قبيلة مدلج وغيرها من قبائل مضر
ولمكة مخاليف وهي الحصون فمنها بنجد الطائف ونجران وقرن المنازل والعقيق وعكاظ وليمة وتربة وبيشة وكتنة وجرش والسراة ومن حصونها بتهامة ضنكان والسرين والسفيه وغشم وبيش وعك ومن مخاليف المدينة المنسوبة إليها تيماء ودومة الجندل والفرع وذو المروة ووادي القرى ومدين وخيبر وفدك وقرى عربية والوحيدة والسيارة والرحبة والسيالة وسبابه وراهط وغراب والاكحل والحمية
والطريق من مكة إلى صنعاء يخرج من مكة إلى بئر بن المرتفع وفيه بئر ثم إلى قرن المنازل وهي قرية كبيرة ثم إلى صفر وهي قرية صغيرة وبصفر بئران ماؤهما غدق عذب يشرب منهما ثم إلى كرى وهي قرية عامرة كثيرة النخل بها عيون مطردة ثم إلى الرويثة وهي قرية كبيرة
145

فيها نخل كثير وعيون جارية ثم إلى مدينة تبالة وبها عيون كثيرة ونخل ومزارع وهي صغيرة في منخفض أكمة ثم إلى بيشة يقظان وهي مدينة صغيرة متحضرة جيدة المساكن حسنة البقعة فيها ماء ظاهر وقليل نخيل ثم إلى قرية حسداء وفيها بئر فيها ماء قليل وساكنها قليل ثم إلى بيات وهي قرية عظيمة بها بشر كثير ونخل كثير وبها عين ماء عذبة ثم إلى سبخة وهو منزل خلاء لا عامر فيه ثم إلى كتنة وهي قرية عظيمة فيها عيون وكروم ونخل باسق وبقول ثم إلى النجم وهي قرية عامرة فيها بئر ومنها إلى سدوم راح وهي قرية كبيرة فيها سكان وعمارتها متصلة وفيها عيون كثيرة وكروم ومدينة جرش منها على ثمانية أميال وجرش ونجران متقاربتان في الكبر وبهما نخل كثير وبهما مدابغ للجلود وهي بضائعهم وبها تجاراتهم وأهلها مشهورون بذلك
ومن سدوم إلى المهجرة وهي قرية عظيمة فيها عيون وفيها بئر بعيدة القعر غزيرة الماء وبهذه القرية شجرة عظيمة تسمى طلحة الملك تشبه شجرة الخلاف غير أنها أعظم منها وهي حد ما بين عمل مكة وعمل اليمن ومنها إلى عرقة وهي قرية حسنة ثم إلى صعدة وهي مدينة صغيرة لكنها متحضرة وبها دور الدباغة يدبغ بها الأديم الجيد ويتجهز منها إلى كثير من بلاد اليمن والحجاز ومنها إلى صنعاء مائة وثمانون ميلا منها إلى الأعمشية وهي منزل به عين صغيرة ولا ساكن بها ثم إلى مدينة خيوان
146

وهي حصن منيع وفيها بركتان للماء وأهلها أخلاط من العمريين وفيها كروم تحمل عنبا كبير الحب جدا ويصنع منه زبيب طيب الذوق جليل المقدار ويحمل إلى البلاد المجاورة لها والبعيدة منها ومنها إلى صنعاء اثنان وسبعون ميلا وكذلك من خيوان إلى صعدة ثمانية وأربعون ميلا وبخيوان قرى وعمارات ومزارع ومياه معمورة بأهلها وبها أصناف من بطون غسان وجمل من قبائل العرب وبقرب من خيوان بلاد الإباضية وبلادهم عامرة وحصونهم مانعة وزراعاتهم كثيرة وعماراتهم متصلة
ومنها إلى أثافت وهي مدينة فيها كروم كثيرة وقليل نخل وشرب أهلها من بركة كبيرة فيها ينابيع ماء ومنها إلى ريدة وهي مدينة صغيرة كالحصن حفت بها كروم كثيرة وزروع متصلة وعيون دافقة ولأهلها مواش وجمال وفي الريدة البئر المعطلة والقصر المشيد الذي ذكر في الكتب ومنها إلى صنعاء مرحلة وقد ذكرنا مدينة صنعاء فيما تقدم من ذكرها في موضعها من الإقليم الأول وهذا الطريق الذي ذكرناه تأخذه القوافل في عشرين مرحلة
والطريق من مكة إلى ذي سحيم من خولان تخرج من مكة إلى ملكان وهو ماء ينزل به المسافرون ومنه إلى يلملم مرحلة وهو جبل معترض من المشرق إلى المغرب وبه ميقات أهل تهامة ثم إلى منزل في قفر به عين ماء مرحلة ومنه إلى قينة وهي قرية صغيرة فيها بئران مرحلة ومنه إلى دوقة وعليب وهما قريتان عامرتان بأهلهما مرحلة ومنهما إلى الحسبة
147

وهي قرية صغيرة فيها ماء كثير مرحلة ومنها إلى قنونا مرحلة وقنونا منزل فيه بئر مرحلة ثم إلى بيشة حاران وهو منزل فيه بقايا عرب وبه بئر عذبة مرحلة ومنها إلى مدينة حلي وهي على البحر صغيرة مرحلة وقد ذكرناها في مكانها ومن حلي الساحلية إلى وادي ضنكان الواصل إلى مدينة ضنكان مرحلة ومنه إلى بيشة يقظان التي ذكرناها في طريق صنعاء مرحلة ثم إلى حاران القرين وهي قرية صغيرة لكنها عامرة وفيها مياه جارية ونخيلات قليلة مرحلة ومنها إلى خولان ذي سحيم وهي قلعة حصينة ولأهلها منعة وفيهم عزة
وجميع هذه البلاد التي ذكرناها هي في أرض تهامة وتهامة قطعة من اليمن وهي جبال مشتبكة أولها من البحر القلزمي ومشرفة عليه وتمر منها قطائع في جهة المشرق وحدود تهامة في غربيها بحر القلزم وفي شرقيها جبال متصلة من الجنوب إلى الشمال وطول أرض تهامة من الشرجة إلى عدن على الساحل اثنتا عشرة مرحلة وعرض أرض تهامة اليمن من الجبال إلى عمل غلافقة يكون مسير أربعة أيام وفي شرقيها أيضا مدينة صعدة وجرش ونجران وفي شمالها مكة وجدة وفي جنوبها صنعاء على نحو عشر مراحل وبأرض تهامة صراح العرب من جميع القبائل ومكة قطب ومقصد لأهل جزيرة عربة وهي بلاد اليمن فمن مكة إلى صنعاء عشرون مرحلة ومن مكة إلى زبيد عشرون مرحلة ومن مكة إلى اليمامة إحدى
148

وعشرون مرحلة ومن مكة إلى دمشق ثلاثون مرحلة ومن مكة إلى البحرين خمس وعشرون مرحلة وسنأتي بهذه الطرقات المذكورة في أمكنتها بعون الله تعالى
نجز الجزء الخامس من الإقليم الثاني والحمد لله ويتلوه الجزء السادس منه إن شاء الله تعالى
149

الجزء السادس
إن هذا الجزء السادس من الإقليم الثاني تحصل فيه من البلاد المعمورة والكور المشهورة ما نذكره الآن مجملا ثم نفسره بعد ذلك باستقصاء من القول على حسب ما سبق لنا في ذلك بعون الله ففي هذا الجزء من قواعد البلاد المعلومة جرش وبيشة وتبالة وعكاظ ونجران وعلو يحصب وظفار ومأرب والشحر وسفل يحصب وشبام وحضرموت وصور وقلهات ومسقط وصحار والعفر وسعال ومنح وسرعمان وبثرون وحجر وحضرمة والقريتين ووجرة ورامة ومعدن النقرة وسلمية وبرقة واضح وهجر وبيرمان والجيل وجلفار
150

وفي البحر الفارسي مما تضمنته حصته جزيرة ابرون وجزيرة خير وجزيرة كيش وجزيرة ابن كاوان والدردور وجبلا كسير وعوير وفيه من بلاد كرمان السبرين وجبال مسكن وهذه البلاد كلها قواعد وبلاد يعمرها طوائف وأمم نذكرهم الآن بحول الله 0
فنقول إن مدينة جرش ومدينة خيوان ومدينة نجران كلها بلاد تتقارب في المقدار والعمارة وبها تدبغ الجلود اليمانية التي لا يبلغها شيء في الجودة كما سبق ذكره ولها مزارع وضياع ومكاسب وتجارات يتقلبون فيها ويتعيشون منها وبين جرش وخيوان أربع مراحل وبين خيوان ونجران ست مراحل وكذلك من جرش إلى نجران مثل ذلك
وأما تبالة فإنها من مخاليف مكة وبينهما أربع مراحل ومدينة تبالة صغيرة بها عيون متدفقه ومزارع ونخل وهي في أسفل أكمة تراب ولما وليها الحجاج بن يوسف من قبل عبد الملك بن مروان (و) صار إليها وبلغ إليها لم يرها فسأل عنها فقيل له إنها في أسفل هذه الأكمة التي بين يديك فقال إن بلدة تسترها أكمة لخليق أن يقال فيها أهون بها ثم انصرف عنها فصار ذلك مثلا فيقال أهون من تبالة على الحجاج
151

ومن تبالة إلى بيشة خمسون ميلا وكذلك من بيشة إلى جرش أربع مراحل ومن تبالة إلى سوق عكاظ ثلاث مراحل وسوق عكاظ قرية كالمدينة جامعة لها مزارع ونخل ومياه كثيرة ولها سوق يوما في الجمعة وذلك يوم الأحد يقصد إليها في ذلك اليوم بأنواع من التجارات المحوج إليها أهل تلك الناحية فإذا أمسى المساء انصرف كل أحد إلى موضعه ومكانه ومن سوق عكاظ إلى مدينة نجران خمس مراحل
وظفار هي قصبة يحصب وكانت ظفار فيما سلف من البلاد الكبار المشهورة وكان بها قصر ريدان المشهور وبه كانت تنزل ملوك اليمن وهي الآن خراب أكثرها قد تهدم بناؤها وقل ساكنها لكن بها في هذا الوقت بقايا من أهلها ساكنون بها ولهم فضول أموال وبضائع ولهم مزارع قليلة ونخل فيه كفاية لأهله
ومن مدينة يحصب التي اسمها ظفار إلى ذمار ستة وثلاثون ميلا وكذلك من ذمار إلى صنعاء أربعون ميلا ومن علو يحصب إلى حصن الثجة ستة وثلاثون ميلا ومن الثجة إلى الجند سبعة وعشرون ميلا والجند حصن عامر وبه قوم من خولان وبه آبار ماء وهو على تل كبير ومن الجند إلى صنعاء مائة وأربعون ميلا ومن ظفار إلى حصن علق أربعة
152

عشر ميلا وهو حصن يحصب وبه جلة من العرب القديمة وبه مياه جارية وقليل نخيلات ومنه إلى حصن سفل يحصب ستة عشر ميلا وبه نخل ومياه جارية من عيون عذبة
ومن ظفار إلى قرية مأرب ثلاث مراحل وهذه القرية كانت في القدم مدينة كبيرة عامرة بالخلق مشهورة في بلاد العرب وبها قصر سليمان بن داود ويسمى هذا القصر صرواح ولم يبقى منه الآن إلا طلل دارس وأثر غابر وبمأرب قصر القشيب وهو قصر بلقيس زوج سليمان وبها كان السد المسمى بالعرم وهذا السد ذكره مشهور وخبره معلوم في جميع الأمم وذلك أن هذه المدينة المسماة مأرب كان أكثر أهلها سبأ من قبائل العرب الحميرية وكان لهم من التيه والعجب والكبر على سائر الأمم ما قد شاع ذكره وكانوا مع ذلك يكفرون بأنعم الله سبحانه وكان لهم بهذه المدينة في مجرى الماء سد عظيم البناء وثيق الصنعة قد أمنوا من خلله وكان الماء يرتدع فيه نحو من عشرين قامة وكان الماء محصورا من جوانبه قد أتقنوه وأوثقوا صناعته وكانت مساكنهم عليه وكان لكل قبيلة شرب معلوم ينصب إليهم فيسقون منه ويصرفونه في مزارعهم بقسمة عدل وكان السد يعلو هذه المدينة كالجبل المنيف فلما أراد الله انقطاع دولهم وتشتت جماعتهم وانصرام أيامهم أرسل عليهم السيل الكبير فجاءهم وهم نائمون فرفع السد ومر بالمدينة وما جاورها من القرى والأمم والبهائم والبناءات وقتل الكل بالكل وفرقهم شذر مذر وتفرقت العرب وتبلبلت الألسن وصاروا
153

في المشارق والمغارب وبقي في المدينة آثار تراجع إليها قوم من حضرموت فعمروها إلى الآن
ومن مأرب إلى مدينة شبام من بلاد حضرموت أربع مراحل ومدينتا حضرموت إحداهما تريم والثانية شبام فأما تريم فقد تقدم ذكرها وأما شبام فهو حصن منيع جامع بأهله في قنة جبل شبام وهو جبل منيع جدا لا يرتقي إلى أعلاه إلا بعد جهد وفي أعلاه قرى كثيرة عامرة ومزارع ومياه جارية وغلات ونخل وخصب زائد ويوجد في هذا الجبل أحجار العقيق وأحجار الجمست وأحجار الجزع وهي في ذاتها عند وجودها أحجار مغشاة بأغشية ترابية لا يعرفها إلا طلابها بعلاماتها المشهورة لها فتعمل هذه الأحجار فإذا عملت وصقلت ظهر حسنها وصفاء جوهرها ويحكي طلابها ومستخرجوها أنهم يجدون هذه الأحجار في أودية محصاة وحصاها ملون بأنواع من الألوان الحسنة فيلقطون هذه الأحجار من بينها ويأتون بها إلى صناعها فيحكمونها ويتجهز بها التجار من هذه البلاد
وتتصل بأرض حضرموت من جهة شرقيها أرض الشحر وبها قبائل مهرة وهم عرب صرح والإبل المنتجة عند هؤلاء العرب لا يعدل بها شيء في سرعة جريها ومن غريب ما ينسب إليها أنها تفهم الكلام وتعلم ما يراد منها بأقل أدب تعلمه ولها أسماء إذا دعيت بها جاءت وأجابت من غير تأخير ولا توان في ذلك وقصبة أرض مهرة تسمى الشحر ولسان
154

أهل مهرة مستعجم جدا لا يكاد يفهم وهو اللسان الحميري القديم وأكثر هذه الأرض قفر لا يعمرها إلا رواحل مهرة وجل مكاسبهم الإبل والمعز وجملة دوابهم التي في
بلادهم تعتلف السمك المعروف بالوزق يصاد في ذلك البحر من بلاد عمان وهو حوت صغير جدا يصاد ويشمس وتعلف به الدواب والإبل وأهل مهرة لا يعرفون الحنطة ولا خبزها وإنما أكلهم السموك والتمور وشربهم الألبان وقليل الماء قد إعتادوه وألفوه فلا يعولون على غيره من الأغدية ومتى دخل أحدهم البلاد المجاورة لهم وأكل شيئا من الحنطة وجد لذلك ألما وربما مرض لذلك ويقال إن طول بلاد مهرة تسع مائة ميل وعرضها في جميع طولها من خمسة وعشرين ميلا إلى خمسة عشر ميلا إلى ما دون ذلك وهذه الأرض كلها رمل سيال والرياح لاعبة به تنقله من مكان إلى مكان ومن آخر بلاد الشحر إلى عدن ثلاث مائة ميل
ويتصل بأرض مهرة بلاد عمان وهي مجاورة لها في جهة الشمال وبلاد عمان مستقلة بذاتها عامرة بأهلها وهي كثيرة النخل والفواكه الجرومية من الموز والرمان والتين والعنب ونحو ذلك ومن بلاد عمان مدينتا صور وقلهات وهما على ضفة البحر الملح الفارسي وهما مدينتان صغيرتان لكنهما عامرتان وشربهما من الآبار ويصاد بهاتين المدينتين اللؤلؤ قليلا وبين صور وقلهات مرحلة كبيرة في البر وفي البحر دون ذلك
155

ومن صور إلى رأس المحجمة خمسة أيام في البر وفي البحر مجريان ورأس المحجمة هو جبل عال على ضفة البحر يمر في شرقي غب الحشيش ويندفن في الماء فلا يعلم حيث يصل وربما تكسرت المراكب عليه وفي رأس المحجمة مغايص لؤلؤ
ومن قلهات على الساحل إلى مدينة صحار مائتا ميل وبقرب منها على الساحل قرية دما وهي قرية يكون في الشتاء عامرها قليلا ومعايشها كاسدة وتصرف أهلها قليل وأما في الصيف فإنها تكون كالمدينة العامرة لأن بها مغاص اللؤلؤ الجيد جدا وهي مشهورة بجيد اللؤلؤ المستخرج بها
ومن مسقط إلى صحار وهما مدينتا عمان أربع مائة وخمسون ميلا لا ساكن بها ومدينة صحار على ضفة البحر الفارسي وهي أقدم مدن عمان وأكثرها أموالا قديما وحديثا ويقصدها في كل سنة من تجار البلاد ما لا يحصى عددهم وإليها يجلب جميع بضائع اليمن ويتجهز منها بأنواع التجارات وأحوال أهلها واسعة ومتاجرهم مربحة وبها نخل كثير ومن الفواكه الموز والرمان والسفرجل وكثير من الثمار العجيبة الطيبة وكان في القديم من الزمان تسافر منها المراكب الصين فانقطع ذلك وسبب انقطاع السفر من مدينة عمان أن في وسط بحر فارس مما يقابل مسقط جزيرة تسمى جزيرة كيش وهي جزيرة مربعة طولها اثنا عشرة ميلا في عرض اثني عشرة ميلا وفيها مدينة كيش فوليها عامل من اليمن فحصنها وأحسن
156

إلى أهلها وعمرها وأنشأ بها أسطولا فغزا به بلاد اليمن الساحلية فأضر بالمسافرين والتجار ولم يترك لأحد مالا وأضعف البلاد وانقطع بذلك السفر من عمان وعاد إلى عدن وصاحب جزيرة كيش يغزو بهذا الأسطول مدينة الرانج ويصل إلى بلاد القامرون وأهل الهند يخافونه ويهابون شره ويواسونه بالمراكب المسماة المشعيات وقد ذكرناها في بلاد الهند وحكينا عمن أخبرنا بها أن هذه المشعيات يكون طول المركب منها طول الغراب الكامل من عود واحد يجذف فيه مائتا رجل وأخبر مخبر في وقت هذا التأليف أن عند صاحب مدينة كيش من هذه المراكب المسماة بالمشعيات خمسون مركبا كل واحد منها من قطعة واحدة وعنده من سائر المراكب الملفقة جملة عديدة وهو الآن على هذه الحال يغزو ويسبي وعنده أموال كثيرة وليس لأحد به طاقة وبمدينة كيش زروع وأغنام وأبقار وكروم وفيها مغايض اللؤلؤ الجيد ومن صحار إلى هذه الجزرة مجريان ويحاذي هذه الجزيرة من بلاد اليمن مسقط وبينهما مجرى ومن ساحل كرمان التيزوشط
ويقابل صحار في البرية على مسير يومين بلدان متصلان بينهما واد يسمى وادي الفلح واسم أحد البلدين سعال والآخر العفر وهما مدينتان صغيرتان عامرتان بهما نخل كثير ومزارع وحدائق نخل وتمر وهما متقاربتان في القدر وشربهما من نهر الفلح وتسمى الأرض التي هما فيها
157

نزوة ويتصل بهاتين المدينتين على قدر نصف يوم مدينة منح وهي مدينة صغيرة في أسفل جبل يسمى جبل شرم بها نخيل وعيون ماء وهي على ضفة نهر الفلح ومن منح إلى سر عمان غربا مرحلتان وهي في أسفل جبل شرم حيث منبعث نهر الفلح وهو نهر كبير عليه قرى وعمارات متصلة إلى أن يصب في البحر بمقربة قرية حلفاره
والغالب على أهل بلاد عمان الشراة وأكثر الشراة في وقتنا هذا منحشرون عامرون بلدة تسمى بثرون في غرب بلاد عمان ولهم هناك قرى وعمارات وهم متحصنون بجبل لهم وبثرون في أسفله
وفيما يقال إن حدود بلاد عمان دورا تكون تسع مائة ميل وهي بالجملة بلاد حارة ويذكر بأن جبل شرم ينزل بأعلاه ثلج قليل وبين نجد وبلاد عمان برار متصلة وفي بلاد عمان حية تسمى العربد وإليها ينسب السكران المعربد وهي حية تنفخ ولا تؤذي وهي كثيرة التقافز ويحكى أنها متى أخذت ووضعت في آنية زجاج وتوثق من رأسها ووضعت في وعاء وأخرجت عن بلاد عمان ثم تفقدت الآنية لم توجد الحية فيها بوجه وهذا مثبوت في هذه الحية وإلاخبار بها شائع وفي بلاد عمان أيضا دويبة صغيرة تسمى القراد إذا ظفرت بجارحة من الإنسان عضته فلا تزال عضتها تربو وتتزايد إلى أن تقيح وتتذود ولا يزال ذلك الدود
158

يسعى في جوف الإنسان حتى يموت وبجبال عمان قردة كثيرة تضر بأهلها إضرار كليا وربما اجتمع منها العدد الكثير حتى لا يطاق دفاعها إلا بالخروج إليها بالقسي والسهام والسلاح العام وحينئذ يقدر على دفاعها
ومن مدينة صحار إلى بلاد البحرين نحو من عشرين مرحلة وطريق عمان في البرية إلى مكة أو غيرها صعبة جدا لكثرة القفار وقلة السكان وإنما يسافرون في المراكب على البحر إلى مدينة عدن ومن عدن يسافرون إن شاؤوا برا أو بحرا وكذلك من صحار التي من أرض عمان إلى البحرين في جهة الشمال طرق متعذرة السلوك لتنازع العرب بها ومحاربتهم وغاراتهم بعضهم على بعض فليس لمسافر معهم أمان في نفسه ولا في شيء من ماله
ويتصل بأرض عمان من جهة الغرب ومع الشمال أرض اليمامة وهي بلاد الزرقاء اليمامة وكانت هذه الزرقاء اليمامة في عهد الجاهلية ولها أخبار مشهورة مذكورة في الكتب وتولى قتلها وسبيها وأخذ أموالها وال من قبل عمر بن الخطاب وبلادها محدقة بواد يسمى افنان وعلى هذا الوادي عماراتهم وقراهم ومدينتهم المعروفة تسمى
الحضرمة وهي مدينة عامرة بها مزارع ونخيل وتمر كثير وتمرها أكثر من سائر التمر ببلاد الحجاز
159

ومن مدنها حجر وهي الآن خراب وبها كانت اليمامة الملكة ساكنة في وقتها ويتصل بها برقة وسليمة وهما مدينتان متقاربتان في القدر والعمارة والصغر من البلاد
ومن اليمامة إلى مكة طريق وهو من اليمامة إلى العرض مرحلة ثم إلى الحذيقة مرحلة ثم إلى الثنية مرحلة ثم إلى السفرا مرحلة ثم إلى صدا مرحلة ثم إلى حصن القريتين الذي قي طريق البصرة مرحلة وبالقريتين تجتمع الطرق ومن القريتين إلى رامة مرحلة ثم إلى طقجة مرحلة ثم إلى صربة مرحلة ثم إلى جديلة مرحلة ثم إلى قلجة مرحلة ثم إلى الرقيبة مرحلة ثم إلى قباء مرحلة ثم إلى مران مرحلة ثم إلى وجرة مرحلة ثم إلى أوطاس مرحلة ثم إلى ذات عرق مرحلة وهي بتهامة ثم إلى بستان ابن عامر إلى مكة مرحلة وسنذكر هذه المراحل من هذه الحصون والقرى والأماكن في مواضعها ذكرا شافيا بحول الله
ومن بلاد اليمامة وأعراضها حجر التي ذكرناها وبين الحضرمة وحجر
160

مرحلتان ومعنى العرض في هذه الأرض هو وادي افنان وهو يشق اليمامة من أعلاها إلى أسفلها وعليه قرى عامرة ومزارع متصلة ونخل وحدائق أشجار
وهذه القرى هي منفوخة ووبرة والقرفة وعبرا وبهيشة والسال والعامرية ونيسان وبرقة ضاحك وسلمية وتوضح والمقراة والمجازة
وبين هذه القرى مسافات متقاربة لتجاورها بعضها ببعض وبين سلمية والسال مرحلة وبين السال وحضرمة اليمامة مرحلة وسلمية قرية حسنة عامرة قد أحدقت بها حدائق النخل وفيها تمور حسنة الألوان شهية المأكل وكذلك السال قرية صغيرة بها قوم من العرب مستضعفون قليلون وبها آبار وعين ماء خوارة
ومن أراد المسير من اليمامة إلى البصرة سار من حضرمة إلى السال مرحلة ثم إلى سلمية مرحلة ثم يمر في صحراء متصلة إلى المراب وهي قرية صغيرة بها قوم من العرب ثلاث مراحل ينزل على مياه آبار في مواضع قفرة ثم يسير ثلاث مراحل أخرى إلى الصمان وهي قرية عامرة يسكنها قوم من العرب جياع عراة قد كتب الفقر لهم بأمان ومن الصمان
161

إلى طقجة مرحلة وهي قرية صغيرة يتصل أرضها بأرض البحرين ومنها إلى المدينة المسماة كاظمه أربع مراحل وكاظمة حصن منيع على جبل عالي الذروة وهذه الأربع مراحل ينزلها المسافرون مع العرب على مياه وآبار وعيون ومن كاظمة إلى قرية دهمان مرحلة ثم إلى البصرة مرحلة فجملة هذا الطريق من اليمامة إلى البصرة خمس عشرة مرحلة ومن اليمامة إلى البحرين نحو ثلاث عشرة مرحلة وكذلك من اليمامة إلى عمان نحو ثلاث عشرة مرحلة
ومن عمان الطريق على الساحل إلى بلاد البحرين وذلك من صحار ودما إلى مسقط إلى الخيل إلى جلفار وهاتان قريتان بهما مغايص اللؤلؤ ويقابلهما في البحر طرف جبل كبير غائص في البحر يظهر منه القليل في بعض الأماكن ويغيب في غيرها فإذا وصلت المراكب الصاعدة من البصرة إلى عمان ووصلت إلى هذا الحد فرغت في الساحل ما فيها من الأمتاع حتى تخف السفينة وتجوز ذلك الطرف ثم توسق بعد ذلك وتسير إلى عمان
ومن جلفار وأنت نازل إلى البحرين تصير إلى مرسى السبخه وهو مرسى فيه عين نابغة عذبة ومنه إلى شقاب وبوار وبحر عويص صعب السلوك وتسمى هذه الأمكنه ببحر قطر وفي هذا البحر عدة جزائر خالية لا عامر بها يأوي إليها أجناس من الطير البحري والبري فيجتمع بها
162

من زبولها المقادير الكثيرة فإذا طاب ماء هذا البحر للسفر قصدت إليها المراكب فتوسق تلك الزبول التي قد كومتها الطير في تلك الجزائر وتصير بها إلى البصرة وغيرها فيبيعونها هناك بالثمن الكثير وتلك الزبول تصرف في عمارات الكروم والنخل والجنات والبساتين وليس على بحر قطر ساكن ولا يأوي إليه أحد وهو مكان مخوف برا وبحرا ومنه يسار إلى مرسى المفقود وهو مرسى جليل مكن من رياح شتى وبه عين ماء غزير عذب ومنه إلى ساحل هجر وهو أول بلاد البحرين ومن ساحل هجر إلى البصرة طريق على الساحل غير معمورة وسنذكره إذا جاء موضع ذكره في الإقليم الثالث بعون الله تعالى
وأما معدن النقرة فهو قرية كبيرة عامرة يجتمع بها حاج البصرة وحاج الكوفة ومن أراد المسير إلى المدينة سار ذات اليمين إلى الغسيلة وهو منزل فيه أعراب وبها آبار ملحة ستة وأربعين ميلا ومنها إلى بطن نخل وهي قرية كثيرة الماء والنخل ستة وثلاثون ميلا ثم إلى الطرف وهو منزل خلا وربما قصده بعض العرب فنزله وعمره وفيه برك يجتمع بها ماء السماء اثنان وعشرون ميلا ثم إلى المدينة خمسة عشر ميلا وأما الطريق من مكة إلى بغداد على القريتين فسنذكره في موضعه بعد هذا بعون الله تعالى
163

وأما بحر فارس فإنا قد ذكرنا أنه خليج مبدؤه من البحر الكبير الهندي وأنه يخالف سائر البحور والخلجان في بحره وموجه وفيه مما يلي شط اليمن جبلا كسير وعوير ويحاذي هذين الجبلين المكان المسمى دردورا ويسمى بحر موضعه بحر عزرة والدردور موضع يدور فيه الماء كالرحى دورانا دائما من غير فترة ولا سكون فإذا سقط إليه مركب أو غيره لم يزل يدور حتى يتلف وهذا الماء موضعه يكون في جنوب جزيرة ابن كاوان وجزيرة ابن كاوان بينها وبين جزيرة كيش اثنان وخمسون ميلا وهو نصف مجرى وجزيرة ابن كاوان مقدارها اثنان وخمسون ميلا في عرض تسعة أميال وأهلها شراة اباضية وفيها عمارة وزروع ونارجيل وغير ذلك وترى منها جبال اليمن وعندها الدردور المذكور وهو مضيق على مقربة من جبلي كسير وعوير تسلكه السفن الصغار ولا تسلكه السفن الصينية وهذان الجبلان غائران تحت الماء لا يظهر منها شيء والماء يكسر على أعلاهما والربانيون يعرفون مكانيهما فيجنبونهما وهذه الدردورات ثلاثة منها هذا الواحد والثاني بمقربة جزيرة قمار والدردور الثالث منها هو في آخر الصين وفيما بين سيراف ومسقط سيف بن الصفاق وهوأنف قائم في البحر وبإزائه جزيرة صغيرة
وفي هذا البحر سمك يسمى الدفسين له رأس مربع فيه قرنان في
164

طول الإصبع إلى الدقة ما هي وجسد هذا السمك قليل وفمه شبيه بالقمع لا يفتحه ولا يغلقه وداخل فمه شيء أشبه بالقمع أحمر غض وفي فمه شق ذو أسنان به يقطع ويبلع ويقال إن هذا السمك إذا أكله الأجذم ودام على أكله برئ من علته وهذا مشهور في أرض فارس وفي أرض كرمان
نجز الجزء السادس من الإقليم الثاني والحمد لله ويتلوه الجزء السابع منه إن شاء الله تعالى
165

الجزء السابع
إن المدائن التي في هذا الجزء السابع من الإقليم الثاني هي كية وكيز وأرمابيل وبند وقصرقند وفيربوز والحور وقنبلي ومنجابرى والديبل والنيرون والمنصورية ووندان وأصقفة ودزك وماسورجان وقزدار وكيزكانان وقديرا وبسمد والطويران والملتان والجندور والسندور والرور وأتري وقالري وبثرا ومسوام وسدوسان وبانيه ومامهل وكنبايه وسوباره وسندان وسيمور وأساول وفلفهره ورأسك وشروسان وكوشة وكشد وسوره ومنهه ومحياك ومالون وقاليرون وبلين
166

وفي بحر هذا الجزء جزيرة ثارة وجبلا كسير وعوير والدردور وجزيرة الديبل وفيها مدينة كسكهار وجزيرة اوبكين وجزيرة المند وجزيرة كولم ملى وجزيرة سندان
وفي كل هذه الأقاليم أمم وعالم مختلفو الأديان واللباس والعادات وها نحن لكل ذلك واصفون وعنه بما صح من ذلك مخبرون وبالله التوفيق
فنقول إن أول هذا الجزء يأخذ من شرقي البحر الفارسي
فأما جنوبه ففيه مدينة اليبل ومدينة الديبل كثيرة الناس جذبة الأرض قليلة الخصب ليس بها شجر ولا نخل وجبالها جرد وسهولها قشفة عديمة النبات وأكثر بنيانهم بالطين والخشب وإنما سكنها أهلوها بحسب أنها فرضة لبلاد السند وغيرها وتجارات أهلها من وجوه شتى وأسباب متفرقة يتصرفون فيها
وأيضا أن مراكب العمانيين تقصدها بأمتعتها وبضائعها وقد ترد عليها مراكب الصين والهند بالثياب والأمتاع الصينية والأفاوية العطرية الهندية فيشترون من ذلك جزافا لأنهم أهل يسار وأموالهم كثيرة ويمسكونها حتى إذا سارت المراكب عنهم وخلت السلع أخرجوا أمتعتهم وباعوا وسافروا إلى البلاد وقارضوا وتصرفوا في أموالهم كيف شاءوا
وبين الديبل وموقع نهر مهران الأعظم ستة أميال في جهة المغرب منها
167

ومن الديبل إلى النيرون في غربي مهران ثلاث مراحل وهي في وسط الطريق إلى المنصورة وبها يجوز نهر مهران من جاء من الديبل يريد المنصورة
والنيرون مدينة ليست بالكبيرة ولا بالكثيرة الأهل وعليها حصن حصين وأهلها مياسير ولهم قليل شجر ومنها إلى المنصورة ثلاث مراحل وبعض مرحله
والمنصورة مدينة يحيط بها ذراع من نهر مهران ويبعد عنها وهي على معظم مهران من الجانب الغربي
ومهران يأتي من منبعه حتى إذا وصل إلى مدينة قالري التي هي في غربي النهر وبينهما وبين المنصورة مرحلة انقسم قسمين وسار معظمه إلى المنصورة ومر الذراع الثاني منه آخذا مع الشمال إلى ناحية سدوسان ثم أخذ راجعا في جهة المغرب إلى أن يلتصق بصاحبه وهو القسم الثاني من النهر وذلك أسفل مدينة المنصورة وعلى نحو اثني عشر ميلا منها فيصيران واحدا ويمر منها إلى النيرون ثم إلى البحر
ومقدار المنصورة في الطول نحو ميل في عرض ميل وهي مدينة حارة بها نخل كثير وقصب سكر وليس لهم شيء من الفواكه إلا نوع من الثمر على قدر التفاح يسمونه الليمونه وهو حامض شديد الحموضة
168

ولهم فاكهة أخرى تشبه الخوخ وتقاربه في الطعم
ومدينة المنصورة محدثة بناها المنصور من بني العباس في صدر ولايته فنسبت إليه وبنا هذا الملك الملقب بالمنصور أربع مدن بأربعة طوالع وقد رأى في علمه في ذلك أنها لا تخرب أبدا وأحد هذه البلاد الأربعة بغداد في العراق وهذه المنصورة في السند والمصيصة على بحر الشام والرافقة بأرض الجزيرة
والمنصورة مدينة كبيرة فيها بشر كثير وتجار مياسير وأموال ماشية وزروع وحدائق وبساتين وبناؤها باللبن والآجر والجص وهي فرجة المساكن ولأهلها نزاهات وأيام راحات والتجار بها كثيرون والأسواق قائمة والأرزاق دارة وزيهم ولباس عامتهم زي العراقيين وملوكهم يتشبهون بملوك الهند في لباس القراطق وإسبال الشعور
ودراهمهم فضة ونحاس ووزن الدرهم عندهم خمسة دراهم وربما جلبت إليهم الدراهم الطاطرية فيتعاملون بها
ويصاد بهذه المدينة حوت كثير واللحم بها رخيص والفواكه مجلوبة إليها وبها أيضا فواكه
واسم المنصورة بالسندية بأمير مان
وهي والديبل والنيرون وبانية وقالري وأتري وسدوسان والجندور
169

والسندور ومنجابرى وبسمد والملتان كل هذه المدن من السند ومحسوبة فيها
فأما بانية فهي مدينة صغيرة كثيرة النعم رخيصة الأسعار وأهلها أخلاط ولهم رفاهة عيش ولهم كثرة خصب على أنفسهم وأكثرهم مياسير
ومن هذه المدينة إلى المنصورية ثلاث مراحل ومنها إلى مامهل ست مراحل ومن الديبل إلى هذه المدينة مرحلتان
ومنها إلى مامهل إلى كنبايه على البحر مفازة متصلة لا عامر بها ولا أنيس وماؤها قليل وليس لأحد بها سلوك لوحشة أرضها وبعد أقطارها
ومدينة مامهل هي بين الهند والسند
وفي أطراف هذه المفازة قوم يسمون المند والمند قوم رحالة ينتجعون إلى أطراف هذه المفازة وتتصل مراعيهم وجولانهم إلى مامهل وهم قوم عددهم كثير وجمعهم غزير ولهم إبل وأغنام وقد ينتهون في أكثر الأوقات في مسارحهم إلى الرور على شط نهر مهران وربما زادوا فوصلوا قرب حدود مكران
والرور مدينة حسنة كثيرة الناس حفيلة كثيرة الجمع عامرة الأسواق نافقة التجارات وهي حصينة عليها سوران ويمر النهر بها من جهة المغرب وأهلها في رفاهة وخصب
عيش وهي في قدرها تضاهي الملتان
170

ومن الرور إلى بسمد ثلاث مراحل وكذلك من الرور أيضا إلى آترى أربع مراحل
ويتصل بمدينة آترى مدينة قالري وبينهما مرحلتان
ومدينة قالري على شط نهر مهران السند وفي غربيه وهي مدينة حسنة حصينة محاسنها ظاهرة وخيراتها وافرة ومتاجرها رابحة
وعلى قرب منها بجهة الغرب ينقسم نهر مهران قسمين فيمر معظمه غربا حتى يصل ظهر المدينة المسماة بالمنصورة وهي في غربيه وينزل القسم الثاني مع الشمال وأكثره في جهة المغرب ثم يمر آخذا في جهة الشمال ثم في جهة الغرب حتى يتصل بصاحبه أسفل المنصورة على نحو اثني عشر ميلا
ومدينة قالري مدينة متنحية عن الطريق وقاصدها كثير لحسن معاملات أهلها ومنها إلى المنصورة مرحلة كبيرة ويكون عدد أميالها أربعين ميلا ومن قالري إلى مدينة شروسان ثلاث مراحل
ومدينة شروسان جليلة المقدار كثيرة العيون والأنهار اسعارها رخيصة ونعمها ممكنة ولأهلها كفاف مال وتجارتهم حسنة والقاصد إليهم كثير والبضائع عندهم نافقة
171

ومنها إلى مدينة منجابري ثلاث مراحل غربا ومدينة منجابري مدينة في وطاء من الأرض حسنة البناء بهيجة الأرجاء ولها مزارع وبها جنات وشرب أهلها من العيون والأنهار ومن هذه المدينة إلى مدينة فيربوز ست مراحل وكذلك من مدينة منجابري إلى الديبل مرحلتان والطريق من الديبل إلى فيربوز على منجابري
وبين فيربوز ومنجابري مدينة تسمى الحور وهي مدينة صغيرة عامرة
وأما مدينة فيربوز فمدينة عامرة بالناس والتجار وأهلها أصحاب أموال وفيهم حسن معاملة وسلامة واجتناب الريب وهم في ذاتهم أعفاء نبلاء ومدينة فيربوز من بلاد مكران
ومن مدنها أيضا كيز ودزك ورأسك وهي مدينة الخروج ومدينة به وبند وقصرقند وأصقفه وفلفهره ومشكى والتيز والبلين وهذه كلها من مدن مكران وهي بلاد متصلة ونواح واسعة عريضة والغالب عليها المفاوز والقحط والضيق
وأكبر مدنها مدينة كيز وهي تقارب الملتان في مقدارها وبها نخيل كثير ومزارع متصلة وأسعار موافقة وتجارات كثيرة
172

وبقربها في جهة المغرب مدينة التيز والتيز على البحر مدينة صغيرة مشهورة عامرة تقصدها مراكب فارس ويسافر إليها من مدينة عمان ومن جزيرة كيش في وسط بحر فارس إليها نحو مجرى وافر ومن التيز إلى كيز نحو من خمس مراحل ومن كيز إلى فيروبوز مرحلتان كبيرتان
وبين مدينة كيز ومدينة أرمابيل إقليمان متجاوران يسمى أحدهما الراهون والآخر كلوان فأما كلوان فهي من مكران وتنضم إلى أعمالها والإقليم الثاني المسمى بالراهون من حد المنصورة وهذان الإقليمان بهما زروع كثيرة ومكاسب جليلة وثمارهما قليلة وإنما عمدة أهلهما على المواشي من الأبقار والأغنام
ومن أراد النهوض من فيربوز إلى أرض مكران فطريقه على كيز ومن مدينة كيز إلى مدينة أرمابيل من مكران مرحلتان
وهي مدينة على قدر فيربوز أو نحوها وبها عمارات وحدائق ومتنزهات وأهلها مياسير
ومن مدينة أرمابيل إلى مدينة قنبلي مرحلتان ومدينة قنبلي تقابل أرمابيل في القدر وحسن المباني وكثرة العمارات واتساع الأحوال والمال وبين قنبلي والبحر نحو ميل ونصف ميل وأرمابيل وقنبلي مكانهما بين الديبل ومكران
173

ومن مدينة فيربوز إلى دزك ثلاث مراحل ودزك مدينة جليلة كبيرة عامرة وبها تجارات كثيرة وبضائع نافقة وأقاليم متصلة وشرب أهلها من عيون وآبار وفي جهة الغرب مائلا مع الجنوب جبل كبير منيع ويسمى الجبل الملح وإنما سمى بذلك لأن أكثر مياهه ملحة وبه عمارات وقرى
ومن دزك إلى رأسك ثلاث مراحل ومدينة رأسك أهلها خوارج ولها إقليمان يدعى أحدهما الخروج والثاني يدعى كيركايان وبهذه المدينة وأقاليمها قصب السكر كثير والفانيذ يعمل بها كثيرا ويتجهز به منها إلى سائر الآفاق
وقد يعمل بناحية ماسكان أيضا سكر كثير وفانيذ وكذلك إقليم قصران يزرع به قصب السكر كثيرا فيحمل منه السكر والفانيذ كثيرا شرقا وغربا وقصران وماسكان يجاوران الطويران وعامة أهلها والغالب عليهما الشراة
ويتصل بنواحي كرمان مدينة مشكي وهي عامرة بالناس وفي أهلها منعة وشدة بأس وبها نخل وزروع وإبل وجمل من الفواكه الصرودية
ولسان أهل مكران فارسي ومكراني وبهما يتكلمون ولباس عامتهم القراطق ولباس التجار والجلة منهم القمص المكممة والأردية ويتعممون بالفوط والمناديل المصفحة بالذهب مثل زي تجار أهل العراق وفارس
ومن بلاد مكران مدينة فلفهرة وأصقفه وبند وقصرقند وهذه البلاد
174

كلها بلاد تتقارب في القدر وتشتبه أحوال أهلها وبها تجارات وعمارات ومقاصد رابحة
ومن فلفهرة إلى رأسك مرحلتان ومن فلفهرة إلى أصقفه مرحلتان ومن أصقفه إلى بند مرحلة غربا ومن أصقفه إلى دزك ثلاث مراحل ومن بند إلى قصرقند مرحلة ومن قصرقند إلى كيه أربع مراحل
ومن المنصورة إلى مدينة طويران نحو خمس عشرة مرحلة والطويران مدينة مجاورة للفهرج من بلاد كرمان
والطويران واد فيه مزارع وعمارات وقصبته تدعى طويران منسوبة إلى الوادي وهي مدينة حصينة لها فرج ومتنزهات وزراعات متصلات
ومنها إلى قزدار أربع مراحل وهي مدينة عامرة كبيرة صالحة القدر بها أسواق وتجارات وأحوال حسنة ولها أقاليم وقرى عامرة
وبغربيها مدينة كيزكانان وبها ينزل والي الطويران ومدينة كيزكانان متحضرة كثيرة الناس رخيصة الأسعار ولها بساتين وحدائق وأعناب وفواكه ولا نخل بها
ومن مدينة الطويران إلى مدينة مستنج في وسط المفازة ثلاث مراحل وهي مدينة صغيرة قليلة الفواكه كثيرة نتاج الإبل والأغنام
ومنها إلى مدينة الملتان في آخر بلاد السند عشر مراحل ومدينة الملتان مجاورة لبلاد الهند وهي مدينة نحو المنصورة في الكبر وبعض الناس
175

يجعلها من بلاد الهند وتسمى فرج بيت الذهب
وبها صنم يعظمه أهل الهند ويحجون إليه من أقاصي بلدانها ويتصدقون عليه بأموال جمة وحلي كثير وطيب وشئ يقصر الرصف عنه تعظيما له وإجلالا وله خدام وعباد يأوون إليه وينفقون ويلبسون من ماله المتصدق به عليه
وسميت الملتان باسم الصنم
والصنم على صورة الإنسان مربع على كرسي من جص وآجر وقد البس جميع جسده جلدا يشبه السختيان أحمر لا يتبين من جسده شيء إلا عيناه فمنهم من يزعم أن بدنه من خشب ومنهم من يدفع ذلك القول عنه وينكره غير أنه لا يترك بدنه مكشوفا وعيناه جوهرتان وعلى رأسه إكليل من ذهب مرصع والصنم قد تربع ومد ذراعيه على ركبتيه كأنه يحسب أربعة وهو معظم عندهم جدا
وبيت هذا الصنم في وسط الملتان وبأعمر سوق فيها وهي قبة عظيمة مزخرفة منمقة قد أتقن بنيانها وشيدت عمدها ولونت صنعها وأوثقت أبوابها والصنم فيها
وحول القبة بيوت مبنية يسكنها خدام هذا الصنم ومن يعتكف عليه
وليس بالملتان من الهند والسند قوم يعبدون الأوثان الإ هؤلاء الذين في هذا القصر مع هذا الصنم وغير ذلك من أهل الهند والسند إنما
176

يحجون إليه تعظيما له ولما عاينوه من أمره وذلك أن ملوك الهند المجاورون للملتان إذا قصدوا إليها وأرادوا خربها وانتزاع هذا الصنم منها تبادر خدامه فأخفوا الصنم وأظهروا كسره وإحراقه فيرجع القاصدون إليها عن خربها ولولا ذلك لخربت الملتان فيقول المضلون بهذا الصنم إنه نصرة الله في هذا المكان فيعظمونه تعظيما كثيرا
ولا يعرف من صنع هذا الصنم ولا يحدون لصنعه أولا وهوغريب
والملتان مدينة كبيرة عامرة عليها حصن منيع ولها أربعة أبواب وبخارجها خندق محفور ونعمها كثيرة وأسعارها رخيصة ولأهلها أموال طائلة 0
وإنما سميت الملتان فرج بيت الذهب لأن محمد بن يوسف أخا الحجاج أصاب بها أربعين بهار ذهب والبهار ثلاث مائة وثلاثة وثلاثون منا وكلها في بيت فسميت بذلك فرج الذهب والفرج الثغر
وللملتان نهر صغير عليه أرحاء ومزارع ويصب في نهر مهران السند
ومنها إلى جندور وهي قصور مجتمعة ميل ونصف وهذه القصور محكمة البناء شاهقة الذرى وتخترقها مياه عذبة كثيرة
والوالي ينزلها في أيام الربيع وفي أيام فرجه وحكى الحوقلي أن والي هذه المدينة كان على عهده يركب من هذه القصور إلى الملتان في يوم كل جمعة على فيل له سيرة متوارثة عن آبائه
177

والغالب على أهل الملتان أنهم مسلمون والحكم فيها للإسلام ورئيسهم مسلم
وبجهة الجنوب من مدينة الملتان إلى مدينة السندور ثلاثة أيام وهي مدينة عامرة جامعة للخيرات مشهورة البركات وبها تجار وناس نظاف ولباسهم الثياب المحكمة وزيهم حسن ومعايشهم خصبة ويقال إنها من بلاد الهند
وهي على ضفة نهر عذب يمد نهر مهران ويفرغ فيه قبل أن يتصل بسمد وبعد الملتان
ومن مدينة الملتان إلى جهة الشمال برية متصلة بشرقي الطويران
ومنها أيضا إلى حد المنصورة قوم رحالة يسمون البدهة وهم قبائل وبشر كثير متفرقون متقلبون ما بين حدود الطويران ومكران والملتان ومدن المنصورة وهم كالبادية من البربر لهم أخصاص وآجام يأوون إليها وبطائح مياه يعيشون فيها وهي في غربي نهر مهران
ولهم إبل فارهة حسنة وبها تنتج الفالج وهي إبل يرغب فيها أهل خراسان وغيرهم من أهل فارس وأشباهها لنتاج البخت البلخية والنوق السمرقندية وذلك أن هذه الجمال لها خلق حسان ولكل بختي منها سنامان بخلاف هذه الإبل التي عندنا في بلادنا
ومن المنصورة إلى أول حدود البدهة ست مراحل ومن آخر حدود
178

البدهة إلى مدينة كيز نحو عشر مراحل ومن أول البدهة إلى التيز التي بآخر مكران ست عشرة مرحلة
والمدينة التي يلجأ إليها أهل البدهة في بيعهم وشرائهم وقضاء حوائجهم مدينة قندابيل
وبين كيزكانان وقندابيل إقليم يعرف بإيل وفيه مسلمون وغيرهم من البدهة المقدم ذكرهم ولهم غلات وزروع وأحوال واسعة وكروم مثمرة وخصب وإبل وغنم وبقر وإنما سمي هذا الإقليم بإيل لأنه تغلب على هذه الناحية رجل كان اسمه إيلا وظهرت البركة فيهم أيام مدته فسموا هذا الإقليم بإيل على اسمه إلى الآن
ومن قندابيل إلى المنصورة نحو عشر مراحل
ومن بلاد السند أيضا مدينة خوكخليا وكوشه وقديره وهما مدينتان متقاربتان في القدر وبهما عمارات ومتاجر للبدهة
ومن مدن الطويران محياك وكيزكانان وسورة وقزدار وكشدان وماسورجان
وبين مدن الطويران إلى بلاد المنصورة مفاوز وبرار متصلة ومنها
179

أيضا في جهة الشمال إلى ناحية سجستان مفاوز وعشار معطلة متصلة
ومدينة ماسورجان مدينة كبيرة عامرة بها متاجر ومكاسب ولها عمارات وقرى كثيرة وهي على نهر الطويران
ومنها إلى قصبة الطويران اثنان وأربعون ميلا
ومن ماسورجان إلى درك يامونة مائة وأحد وأربعون ميلا 0
ومن درك يامونة إلى فيربور ويقال فيربوس بالسين مائة ميل وخمسة وسبعون ميلا
فهذه جملة بلاد مكران والسند والطويران
وكذلك من الطويران إلى المنصورة ألف ميل وسبعون ميلا
فأما ما اتصل بالسند من بلاد الهند فمدينة مامهل وكنباية وسوبارة وخابيرون وسندان وماسويا وصيمور 0
ولها من الجزائر البحرية أوبكين وجزيرة المند وجزيرة كولم ملى وجزيرة سندان
ومدن الهند كثيرة منها مامهل وكنباية وسوبارة وأساول وجناول وسندان وصيمور والجندور والسندور وزويلة في المفازة ولمطة وأودغست ونهروارة ولهاور وغيرها مما سنأتي بذكره في أمكنته بعون الله تعالى
180

فأما مدينة مامهل فقوم يحسبونها من الهند وقوم يجعلونها من السند وهي على رأس المفازة المتصلة بينها وبين كنباية والديبل وبانية
وهي مدينة جامعة عامرة وهي طريق الداخلين من السند إلى بلاد الهند وبها تجارات وحولها عمارات وهي قليلة الفواكه كثيرة الكسب والمواشي ومنها إلى المنصورة تسع مراحل على مدينة بانيه
ومن مامهل إلى مدينة كنباية خمس مراحل ومدينة كنباية على ثلاثة أميال من البحر وهي في ذاتها حسنة الشكل وبها الإقلاع والحط وبها جمل بضائع وتجارات من كل الآفاق ويخرج منها إلى كل الجهات
وهي أيضا على خور تدخله المراكب وترسي به وماؤها كثير
وعلى هذه المدينة حصن منيع بنته ولاة الهند عندما تغلب عليها صاحب جزيرة كيش
ومن مدينة كنباية في البحر إلى جزيرة أوبكين مجرى ونصف
وكذلك من جزيرة أوبكين إلى جزيرة الديبل مجريان وهي أول بلاد الهند وينبت في أرضها الزروع والأرز وفي جبالها تنبت القنا الهندية وأهلها عباد بدود
ومنها إلى جزيرة المند ستة أميال وأهلها لصوص
ومنها إلى كولي ستة أميال
ومن كولي على الساحل إلى مدينة سوبارة نحو خمس مراحل وهي
181

تبعد عن البحر نحو ميل ونصف وهي مدينة متحضرة عامرة كثيرة الساكن ولها تجارات ومرافق وهي فرضة من البحر الهندي وبها مصائد ومغايص اللؤلؤ
وعليها جزيرة ثارة وهي صغيرة وفيها قليل نارجيل وقسط
ومن مدينة سوبارة إلى مدينة سندان نحو خمس مراحل وبينها وبين البحر ميل ونصف ميل وهي مدينة متحضرة الأهل وسكانها أهل حذق ونبالة وهم تجار مياسير متجولون وهي كبيرة القدر والمسافر إليها كثير والخارج عنها كثير
وفي جانب الشرق منها جزيرة تسمى وبها وتنسب إليها وهذه الجزيرة واسعة القطر كثيرة الزرع والنخل والنارجيل وبها تنبت القنا والخيزران وهي في عداد بلاد الهند
ومن مدينة سندان إلى صيمور خمس مراحل وصيمور مدينة واسعة حسنة جليلة المباني حسنة الجهات وبها نارجيل كثير وقنا وبحبالها كثير من النبات العطر المحمول إلى سائر الآفاق
وفي البحر منها على خمسة أيام جزيرة تسمى ملي وهي جزيرة كبيرة حسنة البقاع قليلة الجبال كثيرة النبات وبجزيرة ملي ينبت شجر الفلفل
182

ولا يكون إلا بها أو بفندرينة أو بجرباتن ولا يوجد منه شيء إلا بهذه البلاد الثلاثة
وهو نبات له ساق أشبه شيء بساق شجرة العريش وورقه كورق النبات اللبلاب فيه طول ولا تشريف له وله عناقيد مثل عناقيد الشبوقة وكل عنقود منها تكنه ورقه من المطر ويجنى إذا بلغ والفلفل الأبيض منه هو ما كان جنى منه في أول بلوغه وقبل ذلك
وحكى ابن خرداذبه أن هذه العناقيد إذا كان المطر انحنت ورقاتها عليها وأكنتها من المطر فإذا ارتفع المطر ارتفعت الورقة عن العناقيد فما تعاودها إلا في حين المطر فان
عاد المطر عادت الورقة عليها وهذا غريب
وأما كنباية وسوبارة وسندان وصيمور فكلها من بلاد الهند
وصيمور بلدة من بلاد الملك المسمى بلهرا
وملكه عظيم وبلاده واسعة العمارات كثيرة التجارات جامعة الخيرات وجباياته وافرة وأمواله مقنطرة وببلاده أيضا أنواع وصنوف من أفاويه العطر
وتفسير بلهرا ملك الملوك وهذا الاسم يتوارثه الملوك المستأخذة عن الملوك الماضية وكذلك سائر الملوك بالهند إذا صار الملك لملك منهم تسمى
183

باسم الملك الذي كان قبله وأسماؤهم متوارثة بينهم لا ينتقلون عنها وقد صار ذلك بينهم سيرة يتبعونها
وكذلك أيضا ملوك النوبة وملوك الزنج وملوك غانة وملوك الفرس وملوك الروم يتوارثون الأسماء وقد ذكر أبو القاسم عبيد الله بن خرداذبة في كتابه من هذا ما يجب ذكره في هذا المكان الذي بدأنا به فقال إن للملوك ألقابا متوارثة بينهم مثل ملوك الصين لا يسمى أحد منهم إلا البغبوغ والبغبون أيضا بالنون من آلاف السنين إلى اليوم اسم توورث وتدول بين الصينيين
ومن ملوك الهند بلهرا وجابة والطافن والجرز وعابة ودمى وقامرون وكل واحد من هذه الأسماء لا يسمى بها إلا ملك يملك بلادا وناحية لا يشركه في ذلك الاسم مشارك ولا ينتقل عنه وإنما يسمى بذلك الاسم من ملك ذلك المكان بعينه
وكذلك ملوك الترك والتبت والخزر أسماؤهم خاقان إلا الخرلخ فإنه يسمى جبغويه وهو اسم متوارث يسمى به من ملك ترك الخرلخ وكذلك ملوك الزابج يسمى الملك فيهم الفنجب اسما متوارثا
وملوك الروم يسمون بالقياصرة وقيصر اسم متوارث واقع بمن ملك
184

الرومية كلها والأغزاز يسمى ملكها بشاه شاه أي ملك الملوك وهو اسم يتوارثه ملوكهم بينهم لا ينتقلون عنه وكذلك الفرس تسمى ملوكهم بالأكاسرة وأما السودان فإنما تنسب ملوكها إلى بلادها فاسم صاحب غانة غانة وملك كوغة اسمه كوغة وفيما جئنا به من هذا الفن إقناع وكفاية
ومن بلاد الهند المضمنة في هذا الجزء خابيرون وأساول وهما مدينتان عامرتان بالناس والتجار والفعلة وأموالهم وافرة وصنعهم حسنة وبضاعتهم نافقة
وقد وصل المسلمون إلى أكثر هذه البلاد وتغلبوا على أطرافها في هذا الوقت وسنذكر ما اتصل بهذه البلاد من غيرها بحول الله وقوته
نجز الجزء السابع من الإقليم الثاني والحمد لله ويتلوه الجزء الثامن منه إن شاء الله تعالى
الجزء الثامن
185

إن هذا الجزء الثامن من الإقليم الثاني تضمن في حصته من البلاد الهندية بلادا ساحلية على بحر الهند
منها بروج وسندابور وتانه وفندرينه وجرباتن وكلكيان وضنجى وكلكسار ولولوا وكنجه وسمندر
ومن البلاد البرية مدينة دولقه وجناول ونهروارة والقندهار وزويلة ولمطة وأودغست وكل هذه على رأس المفازة وكابل وخواش وحسك وموريدس وماديار وتته ودده ومنيبار ومالوه ونياست وأطراسا ونجه وقشمير العليا وميدره وكارموث وقشمير العلياو القنوج وأسناند
بحره من الجزائر الهندية جزيرة ملي وجزيرة بليق وتروي بليخ
186

وجزيرة المسخا وجزيرة سمندر وها نحن لأوصافها ذاكرون ولغرائب احتوائها واصفون بمن الله وقوته
فأما مدينة بروج فإنها مدينة كبيرة جليلة جميلة حسنة البناء بناؤها بالآجر والجص ولأهلها همم عالية وأحوال وافرة وأموال صامتة وتجارات معروفة وهم وقف على الاغتراب والجول وكثرة الأسفار وهي فرضة من جاء من الصين وفرضة لمن جاء من السند ومنها إلى صيمور يومان
ومن بروج إلى مدينة نهروارة ثماني مراحل في بر متصل لا جبل به والسفر بينهما يكون على العجل
وليست ببلاد نهروارة كلها ولا ما جاورها من البلاد للمسافرين سفر إلا على العجل يحملون عليها أمتعتهم والبقر تجرها وتسير بهم حيث شاؤوا ولكل عجلة سائق وقائد
وبين بروج ونهروارة مدينتان اسم إحداهما جناول واسم الثانية دولقة وهما متقاربتان في القدر وبين الواحدة والأخرى أشف من مرحلة
ومدينة دولقة على نهر يصل إلى البحر ويكون خورا وعلى غربيه مدينة بروج وتروي بروص
وجناول ودلقة في أسفل جبل معترض من جهة شمالهما يسمى جبل
187

أوندرن وترابه أبيض إلى الصفرة وينبت فيه القنا وقليل نارجيل
وبالقرب من مدينة جناول مدينة أساول
وكل هذه الثلاثة بلاد يشبه بعضها بعضا في الصفات والقدر وأحوال أهلها واشتباه زيهم ولكل واحدة منها تجارات ومقاصد أرباح ممكنة
فأما مدينة نهروارة فملكها ملك عظيم يسمى بلهرا وله جيوش وفيلة وعبادته صنم البد وهو يحمل تاج الذهب على رأسه ويلبس الحلل المنسوجة من الذهب ويركب الخيل في سائر الأيام
وقد يركب في كل جمعة مرة ويركب حوله نحو مائة امرأة ولا يمشي معه أحد سواهن وقد لبسن القراطق المذهبة وتحلين بأحسن الحلية واحتملن الأساور من الذهب
والفضة في أيديهن وأرجلهن واسبلن شعورهن على أردافهن وهن يتلاعبن ويتدافعن والملك يقدمهن وأما جملة وزرائه وعظماء رجاله فلا يركبون معه إلا إذا خرج محاربا لمن قام عليه أو لمن اهتضم شيئا من عمالاته أو إلى من قصد بلاده من الملوك المجاورين له وله من الفيلة كثير وهي عمدة حربه
وهذا الملك متوارث الذات والاسم لا ينتقل عنهم وبلهرا تفسيره ملك الملوك كما قدمناه 0
ومدينة نهروارة يصلها كثير من تجار المسلمين وبها تجولهم وللمسافرين بها إكرام من ملكها وضبط لما بأيديهم
188

وبسط العدل في أهل الهند طبيعة هؤلاء لايعولون على شيء سواه ولفضل عدالتهم وحفظ عقودهم وحسن سيرهم ذكروا أنهم وجملة أهل تلك البلاد في خير وكثر القاصد إليهم وبلادهم عامرة وأحوالهم راجحة وادعة
ومن انقياد عوامها للحق واتباعهم له وكراهتهم للباطل أن الرجل يكون له عند أحد منهم حق فيلقاه حيث ما لقيه فيخط له خطا في الأرض كالحلقة ويدخله الطالب في تلك الحلقة فيدخلها المطلوب طائعا من ذاته ولا يبرح منها إلا بإنصاف عنه وأداء ما لزمه أو يعفو عنه الذي له الحق فيخرج عن الحلقة
وطعام أهل نهروارة الأرز والحمص والباقلى واللوبيا والعدس والماش والسمك والحيوانات التي تموت موتا طبيعيا
ولا يذبحون طائرا ولا حيوانا لاكبيرا ولا صغيرا وأما البقر فإنها محرمة عندهم البتة فإذا ماتت دفنت وهذا فعلهم في البقر خاصة دون سائرالبهائم وإذا ضعفت البقر عن الخدمة والتصرف رفعت عن التعب وأمر بالنظر إليها وبالعلف من غير أن تستخدم ظهورها إلى أن تموت
وأهل الهند يحرقون موتاهم ولا قبور لهم
وإذا مات الملك صنعت له عجلة على قدره عريضة ارتفاعها عن الأرض مقدار شبرين أو نحوهما وتوضع على العجلة قبة مكللة ويوضع
189

الملك بحلية كفنه على تلك العجلة ويطاف به على المدينة كلها يجره عبيده ورأسه مكشوف لمن يراه وشعره ينجر على تراب الأرض وينادي عليه مناد بلسان الهندية بكلام تفسيره بالعربية أيها الناس هذا ملككم فلان بن فلان عاش في ملكه فارحا قادرا كذا وكذا سنة وها هو قد مات وفتح يده بما معه لا يملك من ملكه شيئا ولا يدفع عن جسمه أذى ففكروا فيما أنتم إليه صائرون وإليه راجعون وكل هذا باللغة الهندية فإذا فرغ من الطواف به أخرج إلى مكان النار التي من عادتهم أن يحرقوا بها موتى ملوكهم فيلقونه في النار حتى يحترق
وأهل الهند لا يحزنون كثيرا ولا يقولون بالهموم جملة
وجملة البلاد الهندية المجاورة للسند الذين قد مازجهم المسلمون يدفنون موتاهم في بيوتهم بالليل تسترا ويسوون التراب عليهم ولايبكون ميتا ولا يحزنون عليه كثيرا كما قدمناه
والزنا في جميع بلاد بلهرا مباح إلا في المزوجات
والرجل إن ارتضى نكاح بنته أو أخته أو خالته أو عمته مالم تكن مزوجات فعل ذلك والأخ يفعل بأخته مثل ذلك
ويقابل مدينة بروج الساحلية في البحر جزيرة ملي وفيها الفلفل كثيرا
ومنها إلى جزيرة سندان مجريان
ومن هذه الجزيرة إلى جزيرة بليق يومان وهي جزيرة عامرة كبيرة
190

بها نارجيل كثير وموز وأرز وبها تفترق الطرق إلى جزائر الهند ومن هذه الجزيرة إلى اللجة العظمى مسيرة يومين ومن هذه الجزيرة أيضا إلى جزيرة سرنديب مجرى وزوائد
ومن مدينة بروج على الساحل إلى مدينة سندابور أربع مراحل ومدينة سندابور على خور كبير ترسى به المراكب وهي مدينة تجارات وبها عمارات ومقاصد أرزاق
ومنها إلى مدينة تانه على الساحل أربعة أيام ومدينة تانة مدينة جليلة على ضفة خور كبير تدخله السفن وتحط به الأرحال
وبجبالها وأرضها تنبت القنا والطباشير يتخذ فيها من أصول القنا ومنها يحمل إلى سائر البلاد من المشارق والمغارب
والطباشير يغش بعظام الفيل المحرقة والصافي منه ما كان من أصول هذا القصب الهندي الشركي كما ذكرناه
ومن تانه إلى مدينة فندرينة على الساحل أربع مراحل ومدينة فندرينة على خور واد يأتي من ناحية منيبار وتحط به مراكب التجار من جزائر الهند ومراكب السند أيضا ولأهلها أموال ياسرة وأسواق عامرة ومتاجر ومكاسب
وبشمال هذه المدينة وعليها جبل كبير سامي العلو كثير الشجر عامر بالقرى والمواشي وتنبت في حوافيه القاقلة ومنها تحمل إلى سائر أقطار الأرض
191

ونبات القاقلة تكون أشبه الأشياء بنبات الشهدانج ولها مزاود فيها بزرها
ومن مدينة فندرينة إلى مدينة جرباتن خمس مراحل وهي مدينة عامرة على خور صغير وهي بلد أرز كثير وحبوب كثيرة ويذكر أن منها ميرة سرنديب وينبت بجبالها شجر الفلفل كثيرا
ومن جرباتن إلى ضنجى وكلكسار مسير يومين وهما مدينتان على البحر عامرتان متقاربتان وفيهما أرز وحبوب كثيرة
ومنهما إلى كلكيان يوم
ومن كلكيان إلى اللولوا وكنجة مسيرة يومين وفيهما أرز وحنطة وينبت بأرضهما البقم كثيرا ونبات البقم شبيه بنبات الدفلى وبها نارجيل وفاكهة كثيرة
ومن كنجة إلى مدينة سمندر ثلاثون ميلا وهي مدينة واسعة المتاجر كثيرة المنافع لأهلها بضائع وأموال كثيرة والإقلاع منها والحط بها كثير وهي من أعمال القنوج وهو ملك تلك البلاد
وهي أيضا على خور يصل إليها من مدينة قشمير
وفي هذه المدينة حبوب وأرز كثير وحنطة ممكنة ويحمل إليها العود من مسيرة خمسة عشر يوما في ماء عذب من بلاد كارموت وهناك
192

منابت عود جيدطيب في بخوره ويجلب هناك من جبال قامرون
ولهذه المدينة جزيرة كبيرة تسامتها وبينهما مجرى ساعة وهذه الجزيرة عامرة بالناس والتجار من كل الآفاق ومنها إلى جزيرة سرنديب أربعة مجار
ومن شمال من مدينة سمندر مدينة قشمير الداخلة وبينهما سبع مراحل ومدينة قشمير مدينة مشهورة بين بلاد الهند في طاعة الملك القنوج وكذلك من قشمير إلى كارموت أربع مراحل
ومن مدينة قشمير الداخلة إلى القنوج نحو سبع مراحل وهي مدينة كبيرة حسنة كثيرة التجارات وبها يسمى الملك المسمى القنوج
وهي على نهر كبير يمد نهر مسلى بالهند ونهر مسلى ذكره صاحب كتاب العجائب فقال هو النهر المسمى نهر الطيب ومخرجه من جبال قامرون ويمر بركن مدينة أسناند ثم يمر حتى ينتهي إلى سفح جبل لونيا فيمر من تحته إلى ركن مدينة كلكيان ويصب في البحر وينبت بضفتي هذا النهر أنواع من الطيب وبذلك سمي
ومن مدينة أسناند إلى مدينة قشمير الخارجة أربع مراحل وقشمير مدينة من مدن الهند المشهورة
وأهلها يحاربون كافر ترك وربما بلغت مضرة الترك الخرلخية إليها
193

ومن مدن القنوج مدينة أطراسا وبينها وبين مدينة قشمير الخارجة ست مراحل وهي مدينة على نهر جنجس الهند وهي حسنة كثيرة المباني كثيرة المياه وهي ثغر من ثغور القنوج تتاخم كابل إلى أرض لهاور
وهذا الملك القنوج كثير الرجال والفيلة عظيم المملكة شامخ الملك وليس في ملوك الهند البرية ملك عنده من الفيلة ما عنده منها وله همة عالية وعنده عدد وأسلحة وأموال وسطوته مهابة على من يليه
ومن مدينة أطراسا إلى مدينة نياست خمس مراحل وهي على نهر جنجس الهند وهي مدينة عامرة كثيرة الساكن بها وبها حنطة وأرز وحبوب كثيرة
ومنها إلى مدينة ماديار على ضفة جنجس سبع مراحل ومدينة ماديار واسعة العمارات كثيرة القرى والديار وبها تجارات وأهلها أصحاب أموال طائلة
ومنها إلى مدينة نهروارة سبع مراحل ونهروارة في غربي نهر جنجس وقد سبق ذكرها
ومن مدينة ماديار المذكورة إلى مدينة مالوه خمس مراحل ومالوه مدينة حسنة كثيرة الوارد والصادر ولها قرى وعمارات وعمالات
ومن مدنها مدينتا دده وتته
وبين مالوه ودده أربع مراحل وبين دده وتته مرحلتان
194

ولهاور أرض هذه البلاد المذكورة
وكذلك من موريدس إلى دده ثلاث مراحل ومدينة موريدس حصينة الحصن عامرة الأهل بها تجار وجيوش تحرس
وهي في ثغر كابل حضيض جبل عظيم صعب الصعود إلى أعلاه وتنبت به قنا كثيرة وخيزران
ومن مدينة موريدس إلى مدينة القندهار ثماني مراحل وهي في بعض الجبل الذي قدمنا ذكره والطريق بينهما مع ذيله
ومدينة القندهار مدينة كبيرة القطر كثيرة الخلق وهم قوم يمتازون بلحاهم عن غيرهم وذلك أنهم يتركون لحاهم تطول حتى يصل الأكثر من لحاهم إلى الركب ودونها وهي عراض كثيرة الشعر ووجوههم مدورة والمثل يضرب بهم بكبر لحاهم وطولها وزيهم زي الأتراك وعندهم وفي بلدهم حنطة وأرز وحبوب وأغنام وأبقار
وهم يأكلون الأغنام الميتة ولا يأكلون البقر البتة كما قد ذكرناه قبل هذا
ومن مدينة القندهار إلى مدينة نهروارة خمس مراحل يسير العجل وأهل القندهار يحاربون ملك كابل
وكابل من مدن الهند المجاورة لبلاد طخارستان وهي مدينة جليلة المقدار حسنة البنية وبجبالها عود جيد وبها النارجيل والإهليلج الكابلي
195

المنسوب إليها وينبت في جبالها ويزرع بأباطحها بصل الزعفران ويرفع منه بها الكثير ويتجهز به منها إلى ما جاورها من البلاد وهي من غرر البلاد وأحسنها هواء وبها حصن موصوف بالتحصن ولا يوجد الصعود إليه إلا من طريق واحد وفيها مسلمون كثيرون ولها ربض فيه الكفار من اليهود
ولا يتم لملك من ملوك الشاهية عقد بيعة إلا بمدينة كابل ويعقد بها عليه شروط قديمة تتم بها البيعة والقصد إليها من الآفاق القريبة والبعيدة
ويزرع بسواد أرض كابل كلها النيلج الذي لا يوجد نظيره في سائر البلاد المحيطة بها كثرة وطيبا ويحمل منها إلى كل الآفاق ويعرف بها
ويتجهز أيضا من مدينة كابل بثياب تصنع من القطن حسان تحمل إلى الصين وتخرج إلى بلاد خراسان وقد يسافر بها إلى السند وأعمالها ويتصرف بها كثيرا
وفي جبال كابل معادن حديد مشهورة كثيرة النفع وحديدها قاطع حسن
ولكابل بلاد كثيرة منها أرزلان وخواش وخير ولها قلاع وقرى وعمارات متصلة
ومن مدينة كابل إلى خواش أربع مراحل
ومن خواش إلى حسك خمس مراحل ومن حسك إلى كابل ثلاث مراحل
196

وهذه البلاد متساوية المقادير وبها متاجر ومتصرفات
ومن مدينة كابل إلى مدينة لمطة أربع مراحل ومدينتا لمطة وزويلة هما على طرف المفازة المتصلة بين الملتان وبلاد سجستان
ولمطة وزويلة بلدان قدرهما قدر متوسط وبهما جمل من الناس من السندية وبعض أهل الهند وقليل من أهل سجستان وبهما مزارع حنطة وأرز وقليل فواكه وشرب أهل هذه البلاد من عيون وأنهار صغار وجباب وآبار ويعمل بها ثياب قطن حلوة يتجهز بها منها إلى ما جاورها من البلاد
ومن البلاد التي بشرقي الملتان مدينة أودغست ومنها إلى القندهار أربع مراحل ومن أودغست أيضا إلى الملتان أربع مراحل وبأودغست ينبت شيء من القنا وأهلها قليلو التجارات والتصرف في الأسفار لكن أهلها مياسير لهم أموال كثيرة
ومن مدينة أودغست إلى مدينة زويلة عشر مراحل
ومن مدينة زويلة إلى لمطة ثلاث مراحل
ومن مدينة أودغست إلى مدينة السندور ثلاث مراحل
فهذه جملة صفات البلاد التي تضمنها هذا الجزء وأما بحره أيضا فقد
197

ذكرنا ما قبله من الجزائر مما فيه كفاية وقصد ومعنى
وأما جزيرة سرنديب التي سبق لنا ذكرها في الإقليم الأول فإن الخارج منها إذا أراد ذلك قصد أقرب بر لها وهو أرض مدينة جرباتن وبينهما أقل من نصف مجرى
وإن أخذ المشرق بتأريب فإنما تقع تصفيته إلى مدينة كلكسار أو يصل آخر جبل الآمرى وهذا الجبل هو جبل عال كثير العلو جدا يخرج عن البحر في جهة الشرق ويتجون البحر عليه جونا كبيرا ومن طرف هذا الجون إلى جزيرة سرنديب نحو من أربعة مجار وجميع نبات هذا الجبل إنما هو نبات البقم ومنه يتجهز به ويخرج إلى سائر الأقطار وهذا الجبل جبل مشهور وعروق البقم تنفع من نهش الحيات بلا تأخير كما قدمنا ذكره فيما سبق والحمد لله أولا وآخرا
نجز الجزء الثامن والحمد لله رب العالمين ويتلوه الجزء التاسع منه إن شاء الله تعالى
الجزء التاسع
198

إن الذي تضمن هذا الجزء التاسع من الإقليم الثاني من المدن الهندية والصينية منها مدن الهند وهي أوريسين على ضفة البحر الملح ولوقين وقاقلا وأطراغا
وفيه من بلاد الصين طريغيوقن وقطيغورا وكاشغرا وخيغون وإسقيريا وإشقيرا وبورا وطوخا وأطراغن وقرنابول
وفي حصة بحره جزيرة أوريسين وجزيرة سناسا وفي كل بلد منها أمور مختصة بها لا توجد بغيرها وها نحن لكل ذلك ذاكرون بحول الله وعونه
فأما مدينة أوريسين فإنها مدينة صغيرة على الساحل
وإنما المذكور منها جزيرتها لأنها عظيمة المقدار كثيرة الجبال والأشجار وفيها فيلة كثيرة وبها تصاد ويتجهز منها بأنيابها
199

وقد اختلف في صيد الفيلة وأكثر القول في ذلك فمن الناس من قال إن الصائدين للفيلة يقصدون إلى مواضع مبيتها والأماكن التي تألفها فيحفرون لها حفائر مثل ما تحفره البرابر لصيد الأسود وصفة هذه الحفرة يكون أعلاها واسعا وأسفلها ضيقا ويسترونها بالخشب الرقاق والحشيش ويسوون بالتراب فوق ذلك حتى تخفي الحفرة فإذا جاءت الفيلة إلى مواضعها التي من عادتها المبيت فيها أو في طرق مائها التي تعودت الشرب منه فإذا وافت الحفرة سقط منها واحد على رأسه وفر الباقي من الفيلة على وجوهها وصائدوها يكونون هنالك في أماكن لهم ينظرون منها إلى سقوط الفيلة فإذا نظروا إليها أسرعوا بالجري إلى ما سقط في الحفرة وفتحوا خواصرها وفتقوا بطونها وتركوها إلى أن تموت ثم يتعاونون على تجزيرها وإخراجها عن الحفر قطعا قطعا ويخرجون أنيابها ويأخذون كعوبها
وفي كثير من أخبار الهند أن الفيلة في بلادها تمشي قطارا وتبيت في الغياض اثنين في واحد وثلاثة وأربعة في واحد ورقادها هو أن تقصد الشجر فتورك على أصولها ويورك بعضها على بعض وتنام وقوفا لغلظ أرساغها وطول مفاصلها فيقصد الصائدون إلى تلك الأشجار بالنهار فيقطعون أكثرها ويتركون الشجرة قائمة مستهلكة فإذا جن الليل وأتت الفيلة على جري العادة إلى الأشجار التي من عادتها الرقاد بالاعتماد عليها فلا يزال يثقل بعضها على بعض إلى أن تمر الشجرة على أوائلها وتسقط الفيلة مع سقوط الشجر فلا تقدر أن تقوم فيثب الصائدون إليها بالخشب
200

ويضربون رؤوسها إلى أن تموت وتستخرج أنيابها وتباع من التجار بأموال كثيرة وتحمل إلى الآفاق وتصرف في كثير من الأعمال المرصعة وأخبر غير واحد أن النابين الكبيرين من الفيلة يكون وزنهما ستة عشر قنطارا إلى ما فوقها أو دونها
مما يحكى التجار المسافرون إلى الهند عن ولادة الفيلة أن الإناث منها تلد أولادها في المياه الراكدة فتخرج أولادها عند الوضع فتسقط في الماء فتسرع الأمهات إليها فتقيمها في الماء على سوقها وتخرجها عنه وتديم لعقها إلى أن تجف وتستدرجها مشيا إلى أن يكمل خلقها فتبارك الله أحسن الخالقين
ولا يدرى فيما خلق الله من البهائم ذوات الأربع أفهم من الفيل ولا أقبل منه للتعليم ومن خواص الفيل أنه لا ينظر في عورة الإنسان
وملوك الهند تتنافس في اكتساب الفيلة وتتغالى في أثمانها وتنظر الملوك إليها بعين المحافظة عليها وتجلب إلى مرابطها عندهم صغارا فتنشأ على التأنس بالناس
ويصادر بها في القتال لأن الفيل الكبير المجفف يقاتل على ظهره اثنا عشر رجلا بالحجف والسيوف والدبابيس المتخذة من الحديد ويقف على رأسي كل فيل منها رجل يسوقه بمخطاف يجر به خطمه ويضرب أعلى رأسه بخشبة أو بمصفع متخذ لذلك وبه يدار الفيل وأمر الفيلة في القتال أنها يحمل بعضها على بعض فيمر الأقوى على الأضعف ولها كرات
201

ورجعات وكل ذلك مشهور من أمر الفيلة مشهود في بلاد الهند
والفيلة بجزيرة أوريسين كثيرة وتستولد بها وتخرج منها إلى سائر البلاد من الهند
وبهذه الجزيرة معادن حديد
وينبت في أكثر جبالها الراوند والراوند الذي يجلب من بلاد الصين أفضل لأنه أصلب جسما وأصبغ لونا وأبلغ فيما يراد منه في إصلاح الكبد وجملة منافعه
وفي هذه الجزيرة شجر على صفة الخروع إلا أنه كثير الشوك وشوكه بارز يمنع من لمسه ويسمى الشهكير وله عروق سود وملوك الصين والهند تقتنيه لأنهم يدبرون منه سم ساعة وهو مشهور الذكر
وأهل الهند والصين لا يقتلون أحدا من ذوي محارمهم ولا من خدامهم ولا ممن يمكنهم التحيل عليه إلا بالسم
وفي كل خور من أخوار الهند وأخوار الصين يظهر منها في البحر مما يقابل كل خور أحناش ملمعة بأنواع ألوان وصفات مختلفة من الترقيط وأهل البحر يعلمونها ويميزونها ويعلمون أحناش كل خور منها وأين هي من الأرض بما يعرفون من صفاتها وبها يستدلون وهذا أيضا مذكور وتسمى هذه الأحناش باللسان الهندي الميزرة
ومن أوريسين إلى لوقين ثلاث مراحل على الساحل وهي مدينة حسنة
202

على البحر وعلى ضفة خور عذب والمراكب تدخله
ومنها إلى مدينة طريغيوقن أربع مراحل وهي مدينة عامرة على ضفة البحر الملح
ويقابل هذه المدينة في البحر جزيرة سناسا وهي جزيرة عامرة كثيرة الصادر والوارد وبينها وبين الساحل أقل من نصف مجرى
وفيما يذكر أن في هذه الجزيرة بئرا تخرج منها في بعض الأوقات نار محرقة ثم تخمد في بعض الأوقات
ومنها إلى قطيغورا ست مراحل ومدينة قطيغورا على البحر وهي على خور ماء حلو وهي مدينة جليلة فيها مكاسب ومتاجر وهي محسوبة في بلاد الصين
ومنها إلى الصنف ثلاث مراحل والصنف من بلاد الصين وقد ذكرناها وجزيرتها فيما سلف وتقدم من ذكر الإقليم الأول
ومن قطيغورا إلى كاشغرا أربع مراحل ومدينة كاشغرا من بلاد الصين وهي مدينة عامرة كثيرة الخيرات مشتملة البركات فيها متاجر وبضائع وأسفار وحركات منجحة وهي على نهر صغير يأتي إليها من جهة شمالها من جبل قطيغورا وفي هذا الجبل معادن فضة طيبة فائقة الجودة سهلة التخليص من خبثها
ومن مدينة كاشغرا إلى مدينة خيغون ثماني مراحل ومدينة خيغون
203

مدينة عامرة من مدن الصين والقاصد إليها كثير وبها التجارات الكثير
وبأرضها توجد دواب المسك والزباد أما دواب المسك فهي صنف من أصناف المعز بل هي أشبه بالغزلان لكنها صغار وألوانها صهب إلى الحمرة وجلودها لدنة المجسة ورعيها أنواع نبات الطيب ولها صرر يجتمع فيها دم يكون دمها أول شيء أحمر ثم لا يزال يتغير إلى السواد حتى يكون لونه أسود إلى الشقرة فتقلق بها الظباء فتحكها وتقرضها تارة بأظلافها وتارة بالعض بأفواها إلى أن تسقط
وحكى صاحب كتاب العجائب أن في برية بلاد التبت جبلان خلف مدينة وحلان يمر بينهما نهر عذب الماء وفي هذين الجبلين ينبت سنبل الطيب كثيرا أو ضرب منه فترعاهما الظباء المسكية وتأتي إلى ذلك الماء فتنفتخ صررها وتمتلىء دما فتحكها بأظلافها حتى تنقطع وهذه الدواب تصاد في وقت معلوم لصيدها فتمسك إلى أن تؤخذ منها تلك الصرر ثم تحمل إلى المواضع التي صيدت فيها فتطلق بها وهي بها مستانسة لا تنفر كثيرا
وأما دابة الزباد فهي في هذا الإقليم الثاني من أوله إلى آخره موجودة به وهي دابة تشبه القط بالسواء لا فرق بينهما لكنها كبيرة وتمسك في أقفاص كبار وتطعم اللحم فإذا كان أول الصيف وآخر الربيع ابتدأ الرشح في أخصيتها فمتى نظر إليها قد اجتمع من الزباد فيها شيء قبض
204

عليها وكبست في أوعية الخيش وجرد منها ما اجتمع على خصاها من الدرن فذلك الزباد المحض ثم تعاد إلى أقفاصها فتكون بالحالة الأولى إلى أن يجتمع بها الدرن ثانية وثالثة ثم تعاود إلى الجرد والأخذ هكذا من أول الربيع إلى آخر الخريف وهذا الحيوان يكون بالغرب الأقصى كثير في بلاد الملثمين وهو مشهور قد رأيناه عيانا
ومدينة خيغون عليها حصن حصين وجنات محدقة بها وبساتين لا عنب بها ولا تين البتة ومدينة خيغون على ضفة نهر يصب في نهر خمدان الصين
ومن مدينة خيغون إلى مدينة إسقيريا أربع مراحل ومدينة إسقيريا مدينة من مدن الصين على نهر يمد نهر خمدان وهي عامرة وبها ملوك وسادات وجلة وعمال وبها تجتمع أموال الصين التي تصل إلى ملكها الأكبر بعد تخليصها من جميع النوائب وذلك أن جميع الجبايات المجموعة في بلاد الصين برا أو بحرا يصير بها عمالها إلى مدينة إسقيريا فيدفعونها هناك إلى عمال وأمناء يحصلونها ويحاسبون بها وعليها ثم ينصرف العمال إلى بلادهم فإذا اجتمعت الأموال بإسقيريا وكان الوقت المعلوم من العام المؤرخ عندهم لحمل جمعت المال تلك الأموال بأسرها ورفعت إلى مدينة تاجه وهي مدينة الملك العظمى فيستودع هناك المال الذي جيىء به في
205

خزائن الملك البغبوغ وهذه سيرة دائمة لا تنقطع ولا يصل إلى بيت مال الملك شيء يحتاج فيه إلى الإخراج منه وإنما يوصل إليه ما كان مخلصا من جميع النوائب وأهل إسقيريا يرمون موتاهم في النهر ولا يدفنون ميتا البتة وسنذكر نهر خمدان وما يصنع به أهل الصين
ومن مدينة إسقيريا إلى مدينة طوخا ستة أيام ومدينة طوخا على نهر كلهى الصيني الكبير وهي عامرة بالناس وفيها تجار وبضائع وذخائر ويصنع بها الثياب الطوخية من الحرير القسي ولها قيمة وافرة ويتجهز منها بها إلى سائر البلاد وهي ثياب مطرفة كالثياب العتابية ومنها ثياب مريشة ويعمر الثوب منها كثيرا
ومن مدينة طوخا إلى مدينة بورا يومان انحدارا في نهر كلهى وفي البر أربعة أيام وبورا كثيرة الخلق والتجارات متصلة العمارات وافرة النعم بها حنطة وأرز وشجر مقل شهي الأكل
ومن مدينة بورا إلى مدينة كاشغرا السابق ذكرها ثماني مراحل ومن مدينة بورا إلى مدينة إسقيرا سبع مراحل ومن مدينة إسقيرا إلى مدينة كاشغرا ثماني مراحل
206

مدينة إسقيرا على نهر يمد نهر بهنك وأهلها يعبدون الأصنام وهم كفرة ومنها إلى طريغيوقن سبع مراحل ومن إسقيرا أيضا إلى أطراغن أربع مراحل وهي مدينة على بركة ماء كبيرة عذبة الماء ولا يوجد لوسطها قعر وماؤها مائل إلى الدكنة وبها سمك وجوهها كوجوه البومة على رؤوسها شبه قلانس الديكة ويزعم أهل كفران ترك أنها تفعل بالرجال ما يفعل الإسقنقور من كثرة الإنعاظ وغزر الباه
ومن مدينة أطراغن إلى مدينة قرنابول أربع مراحل وهي مدينة صغيرة في سفح جبل لكنها عامرة وربما طرقتها الترك فأضرت بأهلها وسبت بعض قراها ومواشيها لأنها متاخمة للأتراك الخرلخية وهي مدينة على نهر صغير ونهرها يصب في نهر كلهى الصين ومن قرنابول إلى وطوخا ست مراحل وطوخة أيضا تقدم ذكرها
ومن لوقين التي على الساحل من بلاد الهند إلى قاقلا سبعة أيام
وهي على ضفة نهر صغير يصب في نهر بهنك الهند
وبمدينة قاقلا حرير كثير وأهلها يربون دود الحرير كثيرا وإليها تنسب الثياب القاقلية والحرير القاقلي
207

ومن مدينة قاقلا إلى مدينة قشمير عشر مراحل
ومن ة قاقلا أيضا إلى مدينة أطراغا أربع مراحل وأطراغا مدينة كبيرة لملك من ملوك الهند على ضفة نهر بهنك
وبها جيوش كثيرة ورجال وأسلحة وهم يحاربون الأتراك وبها أرز وخصب ومن أطراغا إلى أطراغن عشر مراحل
وبهذا الجزء من الأنهار الهندية نهر بهنك ونهر كلهى وبعض نهر خمدان الصين الكبير فأما نهر بهنك الهند فإنه يخرج من الجبل المحيط بأقصى شمال الهند ويمر إلى شرقي مدينة أطراغا إلى موقع نهر قاقلا إلى أن يتصل بالبحر فيصب فيه وذلك عند مدينة طريغيوقن
ومن أهل الهند قبيلة تسمى الجلهكتية تزعم أن هذا النهر غاص به الملك جلهكت وأنه يتراءى لهم فيه في أكثر الأوقات
فإذا أذنب الرجل منهم ذنبا أتى إلى هذا النهر فيدخل فيه إلى وسطه ويقيم فيه ساعة وأكثر وبيده أنواع الرياحين ثم يقطعها صغارا ويلقي بعضها إثر بعض على ماء النهر ويسبح ويقرأ فإذا أراد الانصراف حرك الماء بيديه أخذ منه بكلتي يديه وصبه على رأسه وظهره ثم يسجد وينصرف
208

ومن أنهار الصين نهر كلهى وأهل الصين الساكنون بضفتيه لهم سنة معتادة في هذا النهر إذا أذنب الرجل منهم ذنبا وأراد تكفير ذلك سار إلى هذا النهر وحوله جماعات الناس يدعون له بالطوبى ويدعونه بالكرامة والخلود فإذا وصل إلى هذا النهر أغرق نفسه فيه حتى يموت
نجز الجزء التاسع من الإقليم الثاني والحمد لله ويتلوه الجزء العاشر منه إن شاء الله تعالى
209

الجزء العاشر
إن هذا الجزء العاشر من الإقليم الثاني وبه تمام الإقليم الثاني تضمن من البلاد الصينية الشرقية مدينة سوسة الصين وسعلا وطوغما وصينية الصين واسنخوا وشذخو وباجة وبشهيار وقاشا وسارخا وبه من الجزائر التي في البحر الشرقي جزيرة النمنج وجزيرة السبارة وفيه من الأنهار الكبار نهر خمدان الصين وهو من الأنهار الكبار المشهورة التي نطقت بها التواريخ وأثبتت ذكرها الكتب
وها نحن نبتدىء الآن بشرح معلوماتها ونوضح صفاتها بحول الله وعونه فنقول إن مدينة سوسة مدينة مشهورة معلومة مذكورة كثيرة التجارات متصلة العمارات جامعة الخيرات وأموال أهلها كثيرة وتجاراتهم مباركة موفورة وقراضهم مفترق في الآفاق ومتصل بكل الأمصار
ويصنع بها الغضار الصيني الذي لا يعدله شيء من فخار الصين جودة وبها طرز كثيرة مشهورة بعمل الحرير الصيني الرفيع القيمة المحكم الصنعة الذي لا يقرن به غيره وسوسة الصين على شرقي نهر خمدان الكبير
210

ومنها إلى مدينة قابطوا أربع عشرة مرحلة وكذلك من سوسة أيضا إلى مدينة صينية الصين ست عشرة مرحلة ومن سوسة أيضا إلى مدينة سعلا ثمانية أيام
ومدينة سعلا على ضفة نهر وهي عامرة بالساكن حسنة المساكن كثيرة التجارات موفورة العمارات وإليها مقصد التجار من كل الأقطار المجاورة لها والمتباعدة عنها بضروب البضائع ونوافق الأمتعة وأنواع من التجارات وليست بكبيرة القطر لكنها مجتمعة متحضرة ويعمل بها ثياب حرير كثيرة وفخار
ومنها إلى مدينة صينية الصين سبع عشرة مرحلة ومن سعلا إلى طوغما ثماني مراحل ومدينة طوغما مدينة كبيرة لا حصن عليها لكنها عامرة وبها جمل بضائع ويتجهز منها بأصناف من التجارات
ومنها إلى صينية الصين ثماني مراحل وصينية الصين في أقصى الصين ولا تعدلها مدينة في الكبر وكثرة العامر وسعة التجارات وكثرة البضائع واجتماع التجار إليها من سائر الأقطار ومن بعض المدن الهندية المجاورة للصين وبهذه المدينة ملك من ملوك الصين من أهل الملك لكنه تحت يد البغبوغ وهذا الملك الأعظم كما حكينا عنه
ومن مدينة الصينية إلى مدينة اسنخوا ثماني مراحل وهي على بطحاء أرض ممتدة لا ينبت بها شيء إلا الزعفران غرسا ومن ذات نفسه بريا ومنها يتجهز بالزعفران إلى سائر أقطار الصين ويباع بها منه ما يعم الكل كثرة وطيبا وقد يعمل بهذه المدينة الحرير والغضار وليس في هذه
211

البلاد التي ذكرنا صنعة أجل عند أهلها من الفخار والرسم ولا فوق الرسم عندهم صنعة
ومما يحكى في الكتب الصحيحة الأخبار أن ملوك الصين وأكثر ملوك الهند لا يتركون الرسم بل يقولون به ويتعلمونه ويتكلفون منه أكثر مما يتكلفه المتعلمون له حتى أنه لا يولي الملك من أبنائه إذا كان عنده كثرة أولاد إلا أرسمهم وأمهرهم في صنعة الرسم
ولم تزل ملوك الهند تعمل مثل هذا ولا تقدم على الرسم أيضا والتصوير صنعة وإنما يلحق بها في الفضل صنعة الفخار وذلك أنهم يسمون صانع الفخار خالقا صغيرا والمصور خالقا كبيرا
وكذلك من مدينة اسنخوا إلى باجة أربع مراحل وهي مدينة الملك المسمى البغبوغ وبهذه المدينة دار ملكه وموضع رجاله وخزائن أمواله ومصون حرمه وعياله
ومما حكى صاحب كتاب الأخبار عن ملوك الأمصار أن هذا الملك له أبدا مائة زوجة بمهور وأنقاد ومتى لم يملك الملك منهم هذه العدة لا يسمى عندهم بملك الملوك وله من الفيلة أيضا المعدة للحرب ألف فيل مجففة برجالها وأسلحتها وأمتعتها ومتى لم تكمل له هذه العدة فليس بملك الملوك عندهم وبهذين الشيئين من النساء والفيلة يفتخرون على غيرهم من الملوك
ولا يلي الملك بالصين إلا من ورثه عن آبائه أو إخوته أو أقاربه وهم جارون على سنن العدل وطريق الأمان وسيرهم حميدة مبنية على الحق
212

وهذه المدينة على ضفة نهر خمدان وعلى هذا النهر يصعد إلى هذه المدينة من خانفوا وخانكو وغيرهما من مراقي الصين المشهورة ومن مدينة باجة إلى مدينة شذخو اربع مراحل ومدينة شذخو على نهر صغير يقع في البحر الشرقي وبين مدينة شذخو والبحر أربع مراحل ومن مدينة شذخو إلى مدينة بشهيار تسع مراحل
ومدينة بشهيار مدينة فيها رئيس من قبل البغبوغ له خيول ورجال وحشم وعبيد وملك عظيم وهو يقاتل الترك الداخلين إليه ممن يجاوره منهم وهم الترك المسمون بالخاقانية والخزلجية ولهذا الملك خيول مندوبة لحراسة أبواب هناك في الجبل العظيم الحاجز بينهم وبين الترك وزيهم وزي الأتراك سواء لا فرق بينهم في ذلك
ومن مدينة بشهيار إلى مدينة قاشا ثماني مراحل وهي مدينة أهلها خوارج عن مذهب أهل الصين وهم يحرقون موتاهم بالنار على مذهب الهندية ومن مدينة قاشا إلى مدينة شارخيا أربع مراحل وهي مدينة عامرة ومن قاشا إلى مدينة باجة عشر مراحل كذلك من مدينة شارخيا إلى مدينة باجة عشر مراحل
فأما نهر خمدان الصين فإنه نهر عظيم وعليه عمارات وحكى صاحب كتاب العجائب أن في هذا النهر شجرة عظيمة باسقة يقال إنها من حديد وتسمى باللسان الهندية برشول وهي مبنية في قعر النهر مثبتة وطولها من
213

فوق الماء نحو من عشرة أذرع في غلظ ذراع وكسر وفي رأسها ثلاث شعب غلاظ مسنونة محدودة كالنار
وعندها رجل قاعد يقرأ كتابا ويقول للنهر يا عظيم البركة وسبيل الجنة أنت الذي خرجت من عيني الجنة ودللت الناس عليها فطوبى لمن صعد هذه الشجرة وألقى بنفسه على هذا العمود فينتدب لذلك واحد أو عدة ممن حوله فيصعدون إلى الشجرة ويلقون أنفسهم على العمود فيسقطون ويموتون في ماء النهر والحاضرون هناك من الناس يدعون لهم بالطوبى والمسير إلى الجنة واللذة الدائمة ويقال إن نهر كنك يقع فيه
وأما جزيرة النمنج التي في البحر الشرقي فإن مجرمي الصين يجمعون عليها ويدخلون إليها وحكى صاحب كتاب العجائب أن في هذه الجزيرة قوما لهم أذناب ولهم ملك منهم
وفيما ذكرناه كفاية لذوي العناية وإلى هاهنا إنتهى آخر الإقليم الثاني والحمد لله كثيرا
نجز الجزء العاشر من الإقليم الثاني والحمد لله ويتلوه الجزء الأول من الإقليم الثالث إن شاء الله
214

الإقليم الثالث
215

الجزء الأول
إنا لما تكلمنا فيما سبق من ذكر المدن الواقعة في الإقليمين المتقدمين قبل هذا رأينا أن نأتي بمثل ذلك في هذا الإقليم الثالث ونذكر ما فيه من المدن والأكور والقرى والأمصار ونأتي بمسافاتها وطرقاتها على ما هي عليه من الأميال والمراحل ونذكر كل بلد من ذلك ذكرا مفردا وكيف هو في حاله وداخله وخارجه وما جاوره من البحار والأودية والمناقع والبرك ونأتي بصفات الجبال الواقعة فيه وأطوالها وعروضها وما تحتوي عليه من النبات والأشجار والمعادن والحيوانات ونصف مبادئ الأنهار ومواقعها وحدود مساقطها حسب ما سبق ذكره وتقدم الأخبار عنه ونأتي بكل ذلك في موضعه مبينا ملخصا رؤية رسم وأخبار على توال ونسق بعون الله فنقول إن هذا الجزء الأول من هذا الإقليم الثالث مبدؤه من البحر الكبير المحيط بالجهة الغربية من كرة الأرض وفيه من الجزائر جزيرة ساوة قرب البحر المظلم يقال إن ذا القرنين نزلها قبل أن تدخلها الظلمة وبات بها وكانوا يرمون بالحجارة وأوذي بذلك جماعة من أصحابه وجزيرة السعالي فيها خلق كخلق النساء لهم أنياب بادية وعيونهم كالبرق وسوقهم كالخشب المحرق يتكلمون
217

بكلام لا يفهم ويحاربون الدواب البحرية ولا فرق بين الرجال منهم والنساء إلا بالذكور والفروج لا غير ورجالهم لا لحى لهم ولباسهم ورق الشجر ومنها جزيرة حسران وهي أرض واسعة وفيها جبل عال في سفحه ناس سمر قصار ولهم لحى تبلغ ركبهم ووجوههم عراض ولهم آذان كبيرة وطعامهم وعيشهم مما تنبته الأرض هناك من الحشيش وموافق النبات مثل ما تأكله البهائم وعندهم نهر صغير عذب يجري من تحت الجبل وفيه جزيرة الغور وهي كبيرة الطول والعرض كثيرة الأعشاب والنبات وفيها أنهار وغدران وآجام تأوي إليها حمر وبقر لها قرون طوال جدا وفيه جزيرة المستشكين يذكر أنها جزيرة عامرة فيها جبال وانهار وأشجار وثمار وزروع وعلى المدينة حصن عال وفيما يحكى من أمر هذه الجزيرة أنه كان فيها فيما سلف من قبل عهد الإسكندر تنين عظيم يبتلع كل من مر به من إنسان أو ثور أو حمار أو ما أشبهها فيقال إن الإسكندر لما دخلها استغاث به أهلها وشكوا إليه أضرار التنين بهم وإنه قد أتلف مواشيهم وأبقارهم حتى أنهم جعلوا له ضريبة في كل يوم ثورين ينصبونهما بمقربة من موضعه فيخرج إليهما فيبتلعهما ثم يعود إلى موضعه وكذلك يأتي من الغد فيفعلون له ذلك فقال لهم الإسكندر يأتيكم هذا التنين من مكان واحد أو من أمكنة كثيرة قالوا من مكان واحد قال لهم أروني مكانه فانطلقوا به إلى قرب من موضعه ثم نصبوا له الثورين فأقبل التنين كالسحابة السوداء وعيناه تلمعان كالبرق والنار
218

تخرج من جوفه فابتلع الثورين وعاد إلى موضعه فأمرهم الإسكندر أن يجعلوا له في اليوم الثاني عجلين وفي اليوم الثالث مثل ذلك فاشتد جوعه فأمر الإسكندر عند ذلك بثورين عظيمين فسلخا وحشيت جلودهما زفتا وكبريتا وكلسا وزرنيخا وجعلهما في ذلك المكان المعلوم فخرج التنين إليهما على حسب عادته فابتلعهما ومضى فاضطرمت تلك الأشياء في جوفه فلما أحس باشتعالها وكان قد جعل في تلك الأخلاط كلاليب حديد فذهب ليبقيأ ذلك من جوفه فتشبكت الكلاليب في حلقه فخر واقعا وفتح فمه ليستروح فأمر عند ذلك الإسكندر فحميت قطع الحديد وحملت على ألواح حديد وقذفت في حلق التنين فاشتعلت الأخلاط في جوفه فمات ففرج الله بذلك من أهل تلك الجزيرة فشكروا الإسكندر عند ذلك والطفوه ووهبوه من طرائف ما عندهم وكان فيما حملوه إليه من طرائف ما عندهم دابة في خلق الأرنب يبرق شعره في صفرة كما يبرق الذهب يسمى بغراج وفي رأسه قرن واحد أسود إذا رأته الأسود وسباع الوحش والطير وكل دابة هربت عنه
وفي هذا البحر جزيرة قلهان فيها أمة مثل خلق الناس إلا أن رؤوسهم مثل رؤوس الدواب يغوصون في البحر ويخرجون ما قدروا عليه من دوابه فيأكلونها وفي هذا البحر أيضا جزيرة الأخوين الساحرين اللذين يسمى أحدهما شرهام والثاني شرام ويقال إنهما كانا بهذه الجزيرة يقطعان على المراكب التي تمر بها ويهلكان جميع أهلها ويأخذان أموالهم فمسخ الله بهما لظلمهما وبقيا حجرين
219

على ضفة البحر قائمين ثم عمرت هذه الجزيرة بالناس وهي تقابل مرسى آسفى ويقال إن الصفاء إذا عم البحر ظهر دخانها من البر وكان أخبر بذلك أحمد بن عمر المعروف بدقم الإوز وكان واليا لأمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين على جملة من أسطوله فعزم على الدخول غليها بما معه من المراكب فأدركه قبل الدخول إليها الموت ولم يبلغ أمله في ذلك ولهذه الجزيرة قصة غريبة أخبر عنها المغررون من أهل مدينة اشبونة بالأندلس حين أسقطوا إليها بمراكبهم وكيف سميت آسفى بهم وهي مرسى وحديثها طويل وسنأتي به في موضعه عند ذكرنا لمدينة اشبونة إن شاء الله
وفي هذا البحر جزيرة الغنم وهي جزيرة كبيرة والظلمات بها وفيها من الغنم ما لا يحصى عددها وهي صغار ولا يقدر أحد أن يأكل لحومها لمرارتها وقد أخبر بذلك أيضا المغررون منها وتليها جزيرة راقا وهي جزيرة الطيور ويقال إن فيها جنسا من الطير في خلق العقبان حمراء ذوات مخالب تصيد دواب البحر وتأكلها ولا تبرح من هذه الجزيرة ويقال إن بها ثمرا يشبه التنين الكبير وأكله ينفع من جميع السموم وحكى صاحب كتاب العجائب أن ملكا من ملوك إفرنجة أخبر بذلك فوجه إليه بمركب معد ليجلب له من ذلك الثمر ويصاد له من تلك الطيور لأنه كان له علم في دمائها و مرارتها فتلف المركب الذي أنفذه ولم يعد إليه ومنها جزيرة الشاصلند طولها خمسة عشر يوما في عرض عشرة أيام وكان فيها ثلاث مدن كبار وبها قوم
220

يسكنونها وكانت المراكب تجتاز بهم وتحط عليهم وتشتري منهم العنبر والحجارة الملونة فوقعت بين أهل تلك البلاد شرور وطلب بعضهم بعضا حتى فني أكثرهم وانتقل جماعات منهم إلى عدوة البحر من الأرض الكبيرة للروم وبها الآن من أهلها خلق كثير وسنذكر هذه الجزيرة عند ذكرنا جزيرة ارلاندة هذا وفي البحر جزيرة لاقة ويقال إن فيها شجر العود كثير ولكنه لا رائحة له فإذا أخرج عنها وحمل في البحر طابت روائحه وهو في ذاته أسود رزين وكان التجار يقصدونها ويستخرجون العود منها وكان يباع بأرض الغرب الأقصى من ملوكها بتلك النواحي ويذكر أيضا أنها كانت مسكونة عامرة بالناس لكنها خربت وتغلبت الحيات على أرضها فلا يمكن الآن دخولها لهذا السبب وفي هذا البحر من الجزائر على ما ذكره بطلميوس الأقلودي سبعة وعشرون ألف جزيرة ما بين عامرة وغامرة وإنما ذكرنا منها قليلا من كثير مما قرب مكانها من البر ووصلت العمارات وإليه وأما غير ذلك فلا حاجة بنا إلى ذكرها هنا
وأيضا إن في هذا الجزء من بلاد الصحراء نول لمطة وتازكغت واغرنوا وفيه من بلاد السوس الأقصى مدينة تارودنت وتيويوين وتامامت وهي بلاد السوس وفيه من بلاد البربر سجلماسة ودرعة وداي وتادلة وقلعة مهدي بن توالة وفاس ومكناسة وسلا وسائر المراسي التي على البحر الأعظم
221

ومدينة تلمسان وتطن وقرى وصفروى ومغيلة واقرسيف وكرنانطة ووجدة ومليلة ووهران وتاهرت وأشير وفيه من بلاد الغرب الأوسط تنس وبرشك وجزائر بني مزغنا وتدلس وبجاية وجيجل ومليانة والقلعة والمسيلة والغدير ومقرة ونقاوس وطبنة والقسنطينة وتنجس وباغاي وتيفاش ودار مرين وبلزمة ودار ملول وميلة والغلب على ما ذكرناه من البلاد البرابر وكانت ديار البرابر فلسطين وكان ملكهم جالوت بن ضريس بن جانا وهو أبو زناتة المغرب وجانا هو ابن لواء بن بر بن قيس بن الياس بن مضر فلما قتل داود عليه السلام جالوت البربري رحلت البربر إلى المغرب حتى انتهوا إلى أقصى المغرب فتفرقت هناك ونزلت مزاتة ومغيلة وضريسة الجبال ونزلت لواتة أرض برقة ونزلت طائفة من هوارة بجبال نفوسة ونزل الغير منهم بأرض الغرب الأقصى ونزلت معهم قبائل مصمودة فعمروا تلك البلاد وقبائل البربر زناتة وضريسة
ومغيلة ومقدر وبنو عبد ربه وورفجوم ونفزة ونفزاوة ومطماطة ولمطة وصنهاجة وهوارة وكتامة ولواتة ومزاتة وصدراتة ويصلاسن ومديونة وزبوجة ومداسة وقالمة واوربة وهطيطة ووليطة وبنو منهوس وبنو سمجون وبنو وارقلان وبنويسدران وبنو زيرجي وورداسا وورهون وسائر قبائل البربر ممن سنأتي بذكرهم في عمارات بلادهم بحول الله
222

فأما بلاد نول الأقصى وتازكاغت فهي بلاد لمتونة الصحراء قبيل من صنهاجة وصنهاجة ولمطة أخوان لأب واحد وأم واحدة وأبوهم لمط بن زعزاع من أولاد حمير وأمهم تازكاى العرجاء وأبوها زناتي وهوار أيضا أخ لصنهاج ولمط من أم وأبوه المسور بن المثنى بن كلاع بن أيمن بن سعيد بن حمير وإنما قيل له هوار لكلمة تقولها فسمي بها هوارا وذلك أن قبائل العرب نزلت على قبائل البربر فنقلوهم إلى لسانهم بطول المجاورة لهم حتى صاروا جنسا واحدا وأن أميرا من أمراء العرب يسمى المسور كان ساكنا مع قومه في بلاد الحجاز فضاعت له إبل فخرج يطلبها ويبحث عنها إلى أن عبر النيل بمصر وسار في بلاد المغرب طالبا لها فمر بجبال طرابلس فقال لغلامه اين نحن من الأرض فقال له الغلام نحن بأرض إفريقية فقال له لقد تهورنا والتهور عند العرب هو الحمق فسمي بهذه اللفظة هوارا ونزل المسور المذكور بقوم من زناتة فحالفهم ورأى بأرضهم تازكاي أم صنهاج ولمط التي ذكرناها آنفا وكانت جميلة حسنة بدنة تليعة بارعة الكمال فولع بها المسور فسأل عنها ورغب في زواجها فتزوجها وكانت تازكاي يومئذ خلوا من زوج ومعها أبناها صنهاج ولمط وهما أبنا لمط الأكبر فولد للمسور منها ولد سماه المثنى ثم مات المسور عنها وبقي ولده المثنى مع أخويه لمط وصنهاج عند أمهم تازكاي وعند أخواله من زناتة فولد للمط أولاد كثيرة وولد لصنهاج مثل ذلك فكثر نسلهم وتسلطوا على الأمم فاجتمع عليهم قبائل
223

البربر فأزعجوهم إلى الصحارى المجاورة للبحر المظلم فنزلوها وبها قبائلهم إلى الآن متفرقة بنواحيها وهم أصحاب إبل ونجب عتاق رحالة لا يقيمون بمكان واحد ولباس الرجال منهم والنساء أكسية الصوف ويربطون على رؤوسهم عمائم الصوف المسماة بالكرازي وعيشهم من ألبان الإبل ولحومها مقددة مطحونة وربما جلبت إليهم الحنطة والزبيب لكن الزبيب أكثر لأنهم كثيرا ما ينقعون الزبيب في الماء بعد الدق ويشربون صفوه نقيعا حلوا وفي بلادهم العسل كثير وجل طعامهم وأحفله الطعام المسمى بالبربرية آسلوا وهو أنهم يأخذون الحنطة فيقلونها قليا معتدلا ثم يدقونها حتى تعود جريشا ثم يمزجون العسل بمثله سمنا ويعجنون به تلك الحنطة على النار ويضعونه في مزاود لهم فيأتي طعاما شهيا وذلك أن الإنسان منهم إذا أخذ من هذا الطعام ملء كفه وأكله وشرب عليه اللبن ثم مشى بقية يومه ذلك لم يشته طعاما إلى الليل
وليس لهم مدينة يأوون إليها إلا مدينة نول لمطة ومدينة آزقى للمطة أيضا فاما مدينة نول الغربية فمنها إلى البحر ثلاثة أيام ومنها إلى سجلماسة ثلاث عشرة مرحلة ومدينة نول مدينة كبيرة عامرة على نهر يأتي إليها من جهة المشرق وعليه قبائل لمتونة ولمطة وبهذه المدينة تصنع الدرق اللمطية التي لا شيء أبدع منها ولا أصلب منها ظهرا ولا أحسن منها صنعا وبها يقاتل أهل المغرب لحصانتها وخفة محملها وبهذه المدينة قوم يصنعون السروج واللجم
224

والأقتاب المعدة لخدمة الإبل وتباع بها الأكسية المسماة بالسفسارية والبرانس التي يساوي الزوج منها خمسين دينارا وأقل وأكثر وعند أهلها البقر والغنم كثير جدا والألبان والسمن عندهم موجود وإلى هذه المدينة يلجأ أهل تلك الجهات فيما يعن لهم من مهم حوائجهم وفنون مطالبهم
ومن قبائل لمطة مسوفة ووشان وتمالتة ومن قبائل صنهاجة بنو منصور وتمية وجدالة ولمتونة وبنو إبراهيم وبنو تاشفين وبنو محمد وجمل من صنهاجة وأما مدينة آزكى فإنها من بلاد مسوفة ولمطة وهي أول مراقي الصحراء ومنها إلى سجلماسة ثلاث عشرة مرحلة ومنها إلى نول سبع مراحل وهذه المدينة ليست بالكبيرة لكنها متحضرة وأهلها يلبسون منقدرات ثياب الصوف ويسمونها بلغتهم القداور وقد أخبر بعض من دخل هذه المدينة أن النساء اللواتي لا أزواج لهن بها إذا بلغت المرأة منهن أربعين سنة تصدقت بنفسها على من أرادها من الرجال فلا تدفع عن نفسها ولا تمنع من يريدها وتسمى هذه المدينة بالبربرية آزقى وبالجناوية قوقدم ومن أراد الدخول إلى بلاد سلى وتكرور وغانة من بلاد السودان فلا بد له من هذه المدينة
وأما مدينة سجلماسة فمدينة كبيرة كثيرة العامر وهي مقصد للوارد والصادركثيرة الخضر والجنات رائقة البقاع والجهات ولا حصن عليها وإنما هي قصور وديار وعمارات متصلة على نهر لها كثير الماء يأتي إليها من جهة المشرق من الصحراء يزيد في الصيف كزيادة النيل سواء ويزرع بمائه حسبما يزرع
225

فلاحو مصر ولزراعته إصابة كثيرة معلومة وفي أكثر الأعوام الكثيرة المياه المتواترة عن خروج هذا النهر ينبت لهم ما حصدوه في العام السابق من غير بذر وفي الأكثر من السنين إذا فاض النهر عندهم ثم رجع بذروا على تلك الأرضين زرعهم ثم حصدوه عند تناهيه وتركوا جذوره إلى العام القادم فينبت ذلك من غير حاجة إلى بذر زراعة وحكى الحوقلي أن البذر بها يكون عاما والحصاد فيه في كل سنة إلى تمام سبع سنين لكن تلك الحنطة التي تنبت من غير بذر تتغير عن حالها حتى تكون بين الحنطة والشعير وتسمى هذه الحنطة يردن تيزواو وبها نخل كثير وأنواع من التمر لا يشبه بعضها بعضا وفيها الرطب المسمى بالبرني وهي خضراء جدا وحلاوتها تفوق كل حلاوة ونواها صغار في غاية الصغر ولأهل هذه المدينة غلات القطن وغلات الكمون والكروياء والحناء ويتجهز منها إلى سائر بلاد المغرب وغيرها وبناءاتها حسنة غير أن المخالفين في زماننا هذا أتوا على أكثرها هدما وحرقا وأهل سجلماسة يأكلون الكلاب والحيوان المسمى الحرذون ويسمونه بلسان البربر اقزيم ونساؤهم يستعملنه في السمن وخصب البدن وكذلك هن في نهاية السمن وكثرة اللحم وقل ما يوجد من أهلها صحيح العينين بل أكثرهم عمش
ومن مدينة سجلماسة إلى مدينة اغمات وريكة نحو من ثماني مراحل ومن مدينة سجلماسة إلى مدينة درعة ثلاث مراحل كبار ودرعة ليست بمدينة
226

يحوطها سور ولا حفير وإنما هي قرى متصلة وعمارات متقاربة ومزارع كثيرة يتناول ذلك فيها جمل وأخلاط من البربر وهي على نهر سجلماسة النازل إليهم وعليه يزرعون غلات الحناء والكمون والكروياء والنيلج ونبات الحناء يكبر بها حتى يكون في قوام الشجر يصعدون إليه ومنها يؤخذ بذره ويتجهز به إلى كل الجهات ونبات الحناء لا يؤخذ بذره إلا في هذا الإقليم فقط ولا يؤخذ بغيره من الأقاليم البتة وأما النيلج المزروع في مدينة درعة فليس طيبه هناك ولكنه يتصرف به في بلاد الغرب
لرخصه وربما خلط مع غيره من النيلج الطيب ويباع معه
ومن أرض درعة إلى بلاد السوس الأقصى أربعة أيام ومدينته هي تارودنت وبلاد السوس قرى كثيرة وعماراتها متصلة بعضها ببعض وبها من الفواكه الجليلة أجناس مختلفة وأنواع كثيرة كالجوز والتين والعنب العذاري والسفرجل والرمان الإمليسي والأترج الكبير المقدار الكثير العدد وكذلك المشمش والتفاح المنهد وقصب السكر الذي ليس على قرار الأرض مثله طولا وعرضا وحلاوة وكثرة ماء ويعمل ببلاد السوس من السكر المنسوب إليها ما يعم أكثر الأرض وهو يساوي السكر السليماني والطبرزد بل يشف على جميع أنواع السكر في الطيب والصفاء ويعمل ببلاد السوس من الأكسية الرقاق والثياب الرفيعة ما لا يقدر أحد على عمله بغيرها من البلاد ورجالها ونساؤها سمر الألوان وفي نسائهم جمال فائق وحسن بارع وجمال ظاهر
227

وحذق صناعات بأيديهن وهي بلاد حنطة وشعير وأرز ممكن بأيسر قيمة وأسعارها رخيصة والغالب على أهلها الجفاء وغلظ الطبع وقلة الانقياد وهم أخلاط من البربر المصامدة وزيهم لباس الأكسية من الصوف التفافا وعلى رؤوسهم الشعور الكثيرة ولهم بها اهتمام وحفظ وذلك أنهم يصبغونها في كل جمعة بالحناء ويغسلونها في كل جمعة مرتين برقيق البيض والطين الأندلسي ويحتزمون في أوساطهم بمآزر صوف ويسمونها سفاقس ولا يمشي الرجل منهم أبدا إلا وفي يده رمحان قصار العصى طوال الأسنان رقاقها وينتخبونها من أطيب الحديد ويأكلون الجراد اكلا كثيرا مقلوا ومملوحا وأهل السوس فرقتان فأهل مدينة تارودنت يتمذهبون بمذهب المالكية من المسلمين وهم حشوية وأهل بلد تويوين يقولون بمذهب موسى بن جعفر وبينهم أبدا القتال والفتنة وسفك الدماء وطلب الثأر غير أنهم أرفه الناس عيشا وأكثرهم خصبا وشرابهم المسمى آنزيز وهو حلو يسكر سكرا عظيما ويفعل بشاربه ما لا تفعله الخمر لمتانته وغلظ مزاجه وذلك أنهم يأخذون من عصير العنب الحلو فيطبخونه بالنار إلى أن يذهب منه الثلث ويزال عن النار ويرفع ويشرب ولا سبيل إلى شربه إلا أن يخلط بمثله ماء وأهل السوس الأقصى يرون شربه حلالا ما لم يتعد به إلى حد السكر
وبين مدينتي السوس أعني تارودنت وتويوين يوم في جنات وبساتين وكروم وأشجار وأنواع من الفواكه واللحوم عندهم ممكنة رخيصة جدا والغالب
228

عليهم الشرة والبطر ومن بلاد السوس إلى مدينة أغمات ست مراحل في بلاد وقبائل من البرابر المصامدة يقال لهم انتى نتات وبنو واسنو وانكطوطاون وانسطيط وارعن واكنفيس وانتوزكيت وكل هذه القبائل من البرابر المصامدة العامرين لهذه البلاد والجهات ومنهم نفيس الجبل ونفيس مدينة صغيرة حولها عمارات وطوائف من قبائلها المنسوبين إليها وبها من الحنطة والفواكه واللحوم ما لا يكون في كثير من البلاد غيرها وبها جامع وسوق نافقة وبها من أنواع الزبيب كل عجيبة من جمال المنظر وحلاة الذوق وكبر المقدار وهو مع ذلك كثير جدا مشهور العين في بلاد الغرب الأقصى
والطريق من تارودنت السوس إلى مدينة أغمات وريكة مع أسفل جبل درن الأعظم الذي ليس جبل مثله إلا القليل في السمو وكثرة الخصب وطول المسافة واتصال العمارات ومبدؤه من البحر المحيط في أقصى السوس ويمر مع المشرق مستقيما حتى يصل إلى جبال نفوسة فيسمى هناك بجبل نفوسة ويتصل بعد ذلك بجبال طرابلس ثم يدق هناك ويخفى أثره وقد حكى غير واحد من الفيوج أن طرف هذا الجبل يصل إلى البحر حيث الطرف المسمى أوثان وفي كل هذا الجبل كل طريفة من الثمار وغرائب من الأشجار والماء يطرد منه وبوسطه وحوافيه يوجد النبات أبدا مخضرا في كل الأزمان وعلى أعلاه جمل من قلاع وحصون تشف على نيف وسبعين حصنا ومنها الحصن المنيع القليل مثله في حصون الأرض بنية وتحصنا ومنعة وهو في
229

أعلى الجبل ومن حصانته وثقافة مكانه أن أربعة رجال يمسكونه ويمنعون الصعود إليه لأن الصعود إليه على مكان ضيق وعر المرتقى لأنه يشبه الدرج الحرج ولا ترتقي إليه دابة البتة إلا بعد جهد ومشقة واسم هذا الحصن تانمللت وهو كان عمدة المصمودي محمد بن تومرت حين ظهر بالمغرب وهو الذي زاد في تشييده ونظر في تحصينه وجعله مدخرا لأمواله وبه الآن قبره لأنه أمر بذلك فلما مات بجبل الكواكب احتمله المصامدة إليه وحموه ودفنوه بهذا الحصن وقبره في هذا الوقت بيت جعله المصامدة حجا يقصدون إليه من جميع بلادهم وعليه بناء متقن كالقبة العالية لكنها غير مزخرفة ولا مزينة كل ذلك على طريق الناموس
وفي هذا الجبل من الفواكه التين الكثير الكبير الطيب المتناهي في الطيب البالغ الحلاوة وفيه العنب المستطيل العسلي الذي لا يوجد في أكثره نوى ومنه يتخذ الزبيب الذي عليه يتنقل ملوك المغرب لرقة قشرته وعذوبة طعمه واعتدال غذائه وفيه الجوز واللوز وأما السفرجل والرمان فيكون به منهما ما يباع الحمل منه بقيراط واحد وبه من الإجاص والكمثرى والمشمش كل غريبة وكذلك الأترج والقصب الحلو حتى أن أهل هذا الجبل لا يبيعونه بينهم ولا يشترونه لكثرته وعندهم شجر الزيتون والخرنوب والمشتهى وسائر الفواكه وبهذا الجبل شجر كبير يسمى بالبربرية ارقان وهي تشبه شجرالإجاص أغصانا وفروعا وأوراقا ولها ثمر شبيه بثمر العيون في أول نباته قشرته العليا رقيقة خضراء فإذا تناهت اصفرت لكنها في نهاية العفوصة
230

والحموضة وداخله نوى شبيه بالزيتونة المحدودة الرأس صلب ولا يطيب طعم هذا الثمر البتة فإذا كان في آخر شهر شتنبر جمع ووضع بين يدي المعز فتبتلعه بعد أن تأكل قشرته العليا ثم تلقيه بعد فيجمع ويغسل ويكسر ويدق لبه ويعصر فيخرج منه دهن كثير صافي اللون عجيب المنظر إلا أنه ليس بعذب الطعم فيه أدنى حرافة وهذا الزيت كثير جدا معروف ببلاد الغرب الأقصى ولكثرته يسرجون به قناديلهم ويقلي به الدخانيون الإسفنج في الأسواق وله إذا مسته النار رائحة كريهة حريفة ولكنه يعذب طعمه في الإسفنج ونساء المصامدة يدهن رؤوسهن به على المشط فتحسن شعورهن بذلك وتطول وتتكسر ويمسك الشعر على لونه من السواد
ومدينة أغمات وريكة أسفل هذا الجبل من جهة الشمال في فحص أفيح طيب التراب كثير النبات والأعشاب والمياه تخترقه يمينا وشمالا وتطرد بساحاته ليلا ونهارا وحولها جنات محدقة وبساتين وأشجار ملتفة ومكانها أحسن مكان من الأرض فرجة الأرجاء طيبة الثرى عذبة الماء صحيحة الهواء وبها نهر ليس بالكبير يشق المدينة ويأتيها من جنوبها فيمر إلى أن يخرج من شمالها وعليه أرحاؤهم التي يطحنون بها الحنطة وهذا النهر يدخل المدينة يوم الخميس ويوم الجمعة والسبت والأحد وباقي أيام الجمعة
يأخذونه لسقي جناتهم وأرضيهم ويقطعونه عن البلد فلا يجري منه إليه شيء
ومدينة اغمات مدينة تكنفها جبل درن كما قلناه فإذا كان زمن الشتاء
231

تحللت الثلوج النازلة بجبل درن فيسيل ذوبانها إلى نهر اغمات وربما جمد في داخل المدينة حتى يجتاز الأطفال عليه وهو جامد فلا يتكسر لشدة جموده وهذا شيء عايناه بها غير مرة ومدينة اغمات أهلها هوارة من قبائل البربر المتبربرين بالمجاورة وهم أملياء تجار مياسير يدخلون إلى بلاد السودان بأعداد الجمال الحاملة لقناطير الأموال من النحاس الأحمر والملون والأكسية وثياب الصوف والعمائم والمآزر وصنوف النظم من الزجاج والأصداف والأحجار وضروب من الأفاوية والعطر وآلات الحديد المصنوع وما منهم رجل يسفر عبيده ورجاله إلا وله في قوافلهم مائة جمل والسبعون والثمانون جملا كلها موقرة ولم يكن في دولة المتلثم أحد أكثر منهم أموالا ولا أوسع منهم أحوالا وبأبواب منازلهم علامات تدل على مقاديرهم وذلك أن الرجل منهم إذا ملك أربعة آلاف دينار يمسكها مع نفسه وأربعة آلاف يصرفها في تجارته أقام على يمين بابه وعن يساره عرصتين من الأرض إلى أعلى السقف وبنيانهم بالآجر وبالطوب والطين أكثر فإذا مر الخاطر بدار ونظر إلى تلك العرص مع الأبواب قائمة عدها فيعلم من عددها كم مبلغ مال صاحب الدار لأنه قد يكون من هذه العرص خلف الباب أربع وست مع كل عضادة اثنتان وثلاث وأما الآن في وقت تأليفنا هذا الكتاب فقد أتي على أكثر أموالهم وغيرت المصامدة ما كان بأيديهم من نعم الله ولكنهم مع هذا أملياء مياسير
232

أغنياء لهم نخوة واعتزاز لا يتحولون عنه وبمدنيه اغمات عقارب كثيرة وكثيرا ما تلسب الناس فتؤذيهم وربما مات من لسبته وبمدينة اغمات ضروب من الفواكه وأنواع من النعم وكل شيء من المأكول بها رخيض وممكن
وبشمال هذه المدينة وعلى اثني عشر ميلا منها مدينة بناها يوسف بن تاشفين في صدر سنة سبعين وأربع مائة بعد أن اشترى أرضها من أهل اغمات بجملة أموال واختطها له ولبني عمه وهي في وطاء من الأرض ليس حولها شيء من الجبال إلا جبل صغير يسمى ايجليز ومنه قطع الحجر الذي بني منه قصر أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين وهو المعروف بدار الحجر وليس في موضع مدينة مراكش حجر البتة إلا ما كان من هذا الجبل وإنما بناؤها بالطين والطوب والطوابي المقامة من التراب وماؤها الذي تسقى به البساتين مستخرج بصنعة هندسية حسنة استخرج ذلك عبيد الله بن يونس المهندس وسبب ذلك أن ماءهم ليس ببعيد الغور موجود إذا احتفر قريبا من وجه الأرض وذلك أن هذا الرجل المذكور وهو عبيد الله بن يونس جاء إلى مراكش في صدر بنائها وليس بها إلا بستان واحد لأبي الفضل مولى أمير المسلمين المقدم ذكره فقصد إلى أعلى الأرض مما يلي البستان فاحتفر فيه بئرا مربعة كبيرة التربيع ثم احتفر منها ساقية متصلة الحفر على وجه الأرض ومر يحفر بتدريج من أرفع إلى أخفض متدرجا إلى أسفله بميزان حتى وصل الماء إلى البستان وهو منسكب مع وجه الأرض يصب فيه فهو جار مع الأيام لا يفتر وإذا نظر الناظر إلى مسطح الأرض لم يرى بها كبير ارتفاع يوجب خروج الماء من قعرها إلى وجهها وإنما يميز
233

ذلك عالم بالسبب الذي به استخرج ذلك الماء والسبب هو الوزن للأرض فاستحسن ذلك أمير المسلمين من فعل عبيد الله بن يونس المهندس وأعطاه مالا وأثوابا وأكرم مثواه مدة بقائه عنده ثم إن الناس نظروا إلى ذلك ولم يزالوا يحفرون الأرض ويستخرجون مياهها إلى البساتين حتى كثرت البساتين والجنات واتصلت بذلك عمارات مراكش وحسن قطرها ومنظرها ومدينة مراكش في هذا الوقت من أكبر مدن المغرب الأقصى لأنها كانت دار إمارة لمتونة ومدار ملكهم وسلك جميعهم وكان بها أعداد قصور لكثير من الأمراء والقواد وخدام الدولة وأزقتها واسعة ورحابها فسيحة ومبانيها سامية وأسواقها مختلفة وسلعها نافقة
وكان بها جامع بناه أميرها يوسف بن تاشفين فلما كان في هذا الوقت وتغلب عليها المصامد وصار الملك لهم تركوا ذلك الجامع عطلا مغلق الأبواب لا يرون الصلاة فيه وصنعوا لأنفسهم مسجدا جامعا يصلون فيه بعد أن نهبوا الأموال وسفكوا الدماء وباعوا الحرم كل ذلك بمذهب لهم يرون ذلك فيه حلالا وشرب أهل مراكش من الآبار ومياهها كلها عذبة وآبارهم قريبة معينة وكان علي بن يوسف قد جلب إلى مراكش ماء من عين بينها وبين المدينة أميال ولم يستتم ذلك فلما تغلب المصامدة على الملك وصار لهم وبأيديهم تمموا جلب ذلك الماء إلى داخل المدينة وصنعوا به سقايات بقرب دار الحجر وهي الحظيرة التي فيها القصر منفردا متحيزا بذاته والمدينة بخارج هذا القصر وطول المدينة أشف من ميل
234

وعرضها قرب ذلك وعلى ثلاثة أميال من مراكش نهر لها يسمى تانسيفت وليس بالكبير لكنه دائم الجري وإذا كان زمن الشتاء حمل بسيل كبير لا يبقى ولا يذر وكان أمير المسلمين علي بن يوسف بنى على هذا النهر قنطرة عجيبة البناء متقنة الصنع بعد أن جلب إلى عملها صناع الأندلس وجملا من أهل المعرفة بالبناء فشيدوها وأتقنوا بنيانها حتى كملت ثم لم تلبث غير أعوام يسيرة حتى أتى عليها السيل فاحتمل أكثرها وأفلت عقدها وهدمها ورمى بها في البحر الزخار وهذا الوادي يأتي إليه الماء من عيون ومياه منبعثة من جبل درن من ناحية مدينة اغمات ايلان
واغمات ايلان مدينة صغيرة في أسفل جبل درن المذكور وهي في الشرق من اغمات وريكة السابق ذكرها وبينهما ستة أميال وبهذه المدينة يسكن يهود تلك البلاد وهي مدينة حسنة كثيرة الخصب كاملة النعم وكانت اليهود لا تسكن مدينة مراكش عن أمر أميرها علي بن يوسف ولا تدخلها إلا نهارا وتنصرف عنها عشية وليس دخولهم في النهار إليها إلا لأمور له وخدم تختص به ومتى عثر على واحد منهم بات فيها استبيح ماله ودمه فكانوا ينافرون المبيت بها حياطة على أموالهم وأنفسهم
وأهل مراكش يأكلون الجراد ويباع منه بها كل يوم الثلاثون حملا فما دونها وفوقها بقبالة عليه وكانت أكثر الصنع بمدينة مراكش متقبلة عليها مال لازم مثل سوق الدخان والصابون والصفر والمغازل وكانت القبالة على كل شيء يباع دق أو جل كل شيء على قدره فلما ولي
235

المصاميد وصار الأمر إليهم قطعوا القبالات بكل وجه وأراحوا منها واستحلوا قتل المتقبلين لها ولا تذكر الآن القبالة ذكرا في شيء من بلاد المصامدة ويسكن بقبلة مراكش
من قبائل البربر ايلان وهم مصاميد وحولها من القبائل نفيس وبنو يدفر ودكال ورجراجة وزودة وهسكورة وهزرجة ويسكن بغربي اغمات وشرقيها مصاميد وريكة
ومن مدينة مراكش إلى مدينة سلا على ساحل البحر تسع مراحل أولها تونين وتونين قرية على أول فحص أفيح لا عوج به ولا أمتا وطول هذا الفحص مرحلتان ويسكنه من قبائل البربر قزولة ولمطة وصدرات ومن تونين إلى قرية تيقطين مرحلة إلى قرية غفسيق مرحلة وهي قرية على آخر الفحص المذكور وصحن هذا الفحص كله نبات الشوك المسمى بالسدرة المثمرة بالنبق وفيه السلاحف البرية التي تفوق السلاحف البحرية كبرا وعظما وأهل تلك النواحي يتخذون من جلودها دساتي للغسل ومعاجن لدقيق الحنطة وغيره
ومن قرية غفسيق إلى قرية أم ربيع مرحلة وهي قرية كبيرة جامعة وبها أخلاط من برابر رهونة وبعض زناتة وتامسنا وقبائل تامسنا شتى مفترقة فمنهم برغواطة ومطماطة وبنو تسلت وبنو اويقمران وزقارة وبعض من زناتة
236

وبنو يجفش من زناتة وكل هذه القبائل أصحاب حرث ومواش وجمال والغالب عليهم الفروسية وآخر سكناهم مرسى فضالة ومرسى فضالة على البحر المحيط الغربي وبينه وبين وادي أم ربيع ثلاث مراحل
وأم ربيع على واد كبير خرار يجاز بالمراكب سريع الجري كثير الانحدار كثير الصخور والجنادل وبهذه القرية ألبان وأسمان ونعم رغدة وحنطة في نهاية الرخص وبها بقول ومزارع القطاني والقطن والكمون وهي في جنوب الوادي ويجاز هذا الوادي إلى غيضة كبيرة من الطرفاء والأنشام وكثير العليق وهي غابة كبيرة ملتفة والأسد بها كثيرة وربما أضرت بالمار والجائي غير أن أهل تلك النواحي لا يهابونها وقد تمهروا في مقاتلتها بأنفسهم من غير سلاح وإنما يلقونها بأنفسهم عراة يلقون أكسيتهم على أذرعهم ويمسكون معهم قنات من شوك السدرة وسكاكينهم بأيديهم لا غير وقد لقيت الأسود منهم هناك نكايات فلا مهابة بذلك لها عندهم بل تخاف ضرهم وتجتنب طرقهم وربما هجمت على الضعفاء من الناس ممن يقتاد حمارا أو غير ذلك
ومن أم ربيع إلى قرية ايغيسل مرحلة وهي قرية حسنة وبها عيون كثيرة دفاعة بالماء بين صخور صلدة وهذا الماء يتصرف في سقي كثير من زروعهم
ومن هذه القرية إلى قرية انقال مرحلة ويقال لها دار المرابطين أيضا وبها عين عليها أقباء وماؤها معين وهي حسنة في موضعها كثيرة الزروع والمواشي والإبل والبقر وقبالتها فحص طويل قد انحشرت إليه طيور
237

النعام فهي في أكنافه سارحة وعلى مراقبه دراجة وهي آلاف لا تحد ولا تعد وأهل تلك النواحي يصيدونها طردا بالخيل فيقبضون منها جملا كبارا وصغارا وأما بيضها الموجود في هذا الفحص فلا يحاط به كثرة ولا يحصل ومنه يحمل إلى كل البلاد وطعامها وخيم يفسد المعد وأما لحوم النعام فلحوم باردة يابسة وشحومها نافعة عندهم من الصمم تقطيرا ومن سائر الأوجاع البدنية
ومن انقال إلى قرية مكول مرحلة وقرية مكول على أبطح ويتصل بها فحص يقال له فحص خراز وطوله اثنا عشر ميلا لا ماء به وقرية مكول كالحصن الكبير عامرة بالبربر ولها سوق نافقة بما يجلب إليها من جميع المجلوبات من السلع والمتاجر التي يضطر الاحتياج إليها وبها زروع كثيرة ومواش وأنعام ومن مكول إلى قرية اكسيس مرحلة صغيرة والطريق على فحص خراز وفي آخر الفحص واد فيه ماء جار دائما وعليه غابات ثمار والأسود فيها ظاهرة للناس عادية عليهم بالليل والنهار ظاهرة لا تستتر في غياضها وبهذه القرية المسماة اكسيس بيت متخذ لصيد الأسود حتى أنه ربما صيد منها في الجمعة الثلاثة والأربعة والأكثر من ذلك والأقل والأسود تفر من النار إذا رأتها ولا سبيل لها على صاحب نار
ومن قرية اكسيس إلى مدينة سلا مرحلة ومدينة سلا الحديثة على ضفة البحر وكانت في القديم من الزمان مدينة شالة على ميلين من البحر وموضعها
238

على ضفة نهر اسمير الذي يتصل الآن بمدينة سلا الحديثة وهناك مصبه في البحر وأما شالة القديمة فهي الآن خراب وبها بقايا بنيان قائم وهياكل سامية ويتصل بخرابها عمارات متصلة وزروع ومواش لأهل سلا الحديثة وسلا الحديثة على ضفة البحر الملح منيعة من جانب البحر لا يقدر أحد من أهل المراكب على الوصول إليها من جهته وهي مدينة حسنة حصينة في أرض رمل ولها أسواق نافقة وتجارات ودخل وخرج وتصرف لأهلها وسبعة أموال ونمو أحوال والطعام بها كثير رخيص جدا وبها كروم وغلات وبساتين وحدائق ومزارع ومراكب أهل إشبيلية وسائر المدن الساحلية من الأندلس يقلعون عنها ويحيطون بها بضروب من البضائع وأهل إشبيلية يقصدونها بالزيت الكثير وهو بضاعتهم ويتجهزون منها بالطعام إلى سائر بلاد الأندلس الساحلية والمراكب الواردة عليها لا ترسى منها في شيء من البحر لأن مرساها مكشوف وإنما ترسى المراكب بها في الوادي الذي قدمنا ذكره وتجوز المراكب على فمه بدليل لأن في فم الوادي أحجار وتروش تنكسر عليها المراكب وفيه أعطاف لا يدخلها إلا من يعرفها وهذا الوادي يدخله المد والجزر في كل يوم مرتين وإذا كان المد دخلت المراكب به إلى داخل الوادي وكذلك تخرج في وقت خروجها وفي هذا الوادي أنواع من السمك وضروب من الحيتان والحوت بها لا يكاد يباع ولا يشترى لكثرته وجودته وكل شئ من المأكولات في مدينة سلا موجود بأيسر القيمة وأهون الثمن
ومن مدينة سلا مع البحر الملح إلى جزائر الطير اثنا عشر ميلا ومنها في جهة الجنوب إلى مرسى فضالة اثنا عشر ميلا ومرسى فضالة ترده المراكب
239

من بلاد الأندلس وحائط البحر الجنوبي فتحمل منها أوساقها طعاما حنطة وشعيرا وفولا وحمصا وتحمل منها الغنم أيضا والمعز والبقر
ومن فضالة إلى مرسى آنفا أربعون ميلا وهو مرسى مقصود تأتي إليه المراكب وتحمل منه الحنطة والشعير ويتصل به في ناحية البر عمارات من البرابر من بني يدفر ودكال وغيرهما
ومن آنفا إلى مرسى مازيغن خمسة وستون ميلا روسية ومن مازيغن إلى البيضاء جون (وهو) ثلاثون ميلا ومن البيضاء إلى مرسى الغيط خمسون ميلا وهو جون ثان
ومن الغيط إلى آسفي خمسون ميلا ومن آسفي إلى طرف جبل الحديد ستون ميلا ومن طرف جبل الحديد إلى الغيط التي في الجون خمسون ميلا وكذلك من طرف مازيغن إلى آسفي روسية خمسة وثمانون ميلا وتقويرا مائة وثلاثون ميلا ومرسى آسفي كان فيما سلف آخر مرسى تصل إليه المراكب فأما الآن فهي تجوزه بأكثر من أربعة مجار وآسفي عليه عمارات وبشر كثير من البرابر المسمين رجراجة وزودة وأخلاط من البرابر والمراكب تحمل منه أوساقها في وقت السفر وسكون حركة البحر المظلم وإنما سمي هذا المرسى بآسفي لأمر سنأتي به عند ذكرنا لمدينة اشبونة بغربي الأندلس وذكر الشيء في موضعه أليق وأوفق والحمد لله كثيرا
ومن مرسى آسفي إلى مرسى ماست في طرف الجون مائة وخمسون ميلا
240

ومرسى الغيط مرسى حسن مكن من بعض الرياح والمراكب تصل إليه فتخرج منه الحنطة والشعير ويتصل به من قبائل البربر دكالة وأرض دكالة كلها منازل وقرى ومناهل ومياهها قليلة وتتصل دكالة إلى مرسى ماست إلى تارودنت السوس ويسكنها قوم من المصاميد لهم حرث وزرع ومواش كثيرة وقد ذكرنا ذلك قبل هذا
ومن مدينة اغمات مع الشرق والشمال إلى مدينتي داي وتادلة أربعة أيام وبين داي وتادلة مرحلة ومدينة داي في أسفل جبل خارج من جبل درن وهي مدينة بها معدن النحاس الخالص الذي لايعدله غيره من النحاس بمشارق الأرض ومغاربها وهو نحاس حلو لونه إلى البياض يتحمل التزويج ويدخل في لجام الفضة وهو إذا طرق جاد ولم يتشرح كما يتشرح غيره من أنواع النحاس وهذا المعدن ينسبه العوام إلى السوس وليست مدينة داي من بلاد السوس لان بينهما مسافات أيام كثيرة ومن هذا المعدن يحمل إلى سائر البلاد ويتصرف به في كثير من الأعمال ومدينة داي صغيرة لكنها كثيرة العامر والقوافل عليها صادرة وواردة ويزرع بها وبأرضها كثير القطن ولكنه بمدينة تادلة يزرع أكثر مما يزرع بمدينة داي ومن مدينة تادلة يخرج القطن كثيرا ويسافر به إلى كل الجهات ومنه كل ما يعمل من الثياب القطنية ببلاد المغرب الأقصى ولا يحتاجون مع قطنها إلى غيره من أنواع القطن المجلوب من سائر الأقطار وبهاتين البلدتين أرزاق ومعايش وخصب
241

ونعم شتى وأهلها أخلاط من البربر
وفي وشرقي تادلة وادى من البرابر بنو وليهم وبنو ويزكون ومنداسة ويسكن بهذا الجبل النازل إلى داي قوم من صنهاجة يقال لهم املو
ومن مدينة تادلة إلى مدينة تطن وقرى أربع مراحل وهي مدينة صغيرة لكنها متحضرة يسكنها قوم من أخلاط البرابر وبها مزارع وحنطة كثيرة ولها مواش وأغنام ومن مدينة تطن وقرى إلى مدينة سلا التي على الساحل يومان وقد ذكرنا مدينة سلا قبل هذا
ومن مدينة سلا إلى مدينة فاس أربع مراحل ومدينة فاس مدينتان بينهما نهر كبير يأتي من عيون تسمى عيون صنهاجة وعليه في داخل المدينة أرحاء كثيرة تطحن بها الحنطة بلا ثمن له خطر والمدينة الشمالية منهما تسمى القرويين وتسمى الجنوبية الأندلس والأندلس ماؤها قليل لكن يشقها نهر واحد يمر بأعلاها وينتفع منه ببعضها وأما مدينة القرويين فمياهها كثيرة تجري منها في كل شارع وفي كل زقاق ساقية متى شاء أهل الموضع فجروها فغسلوا مكانهم منها ليلا فتصبح أزقتهم ورحابهم مغسولة وفي كل دار منها صغيرة كانت أو كبيرة ساقية ماء نقيا كان أو غير نقي وفي كل مدينة منهما جامع ومنبر وإمام وبين المدينتين أبدا فتن ومقاتلات وبالجملة إن أهل مدينة فاس يقتل فتيانها بعضهم بعضا وبمدينة فاس ضياع ومعايش ومبان سامية و دور وقصور ولأهلها اهتمام بحوائجهم ومبانيهم وجميع
242

آلاتهم ونعمها كثيرة والحنطة بها رخيصة الأسعار جدا دون غيرها من البلاد القريبة منها وفواكهها كثيرة وخصبها زائد وبها في كل مكان منها عيون نابعة ومياه جارية وعليها قباب مبنية ودواميس محنية ونقوش وضروب من الزينة وبخارجها الماء مطرد نابع من عيون غزيرة وجهاتها مخضرة مؤنقة وبساتينها عامرة وحدائقها ملتفة وفي أهلها عزة ومنعة
ومنها إلى سجلماسة ثلاث عشرة مرحلة والطريق على صفروي إلى قلعة مهدي إلى تادلة إلى داي إلى شعب الصفا ويشق الجبل الكبير إلى جنوبه ومن هناك إلى سجلماسة فأما مدينة صفروي فمنها إلى فاس مرحلة وكذلك منها إلى قلعة مهدي مرحلتان وصفروي مدينة صغيرة متحضرة بها أسواق قليلة وأكثر أهلها فلاحون وزروعهم كثيرة ولهم جمل مواش وأنعام ومياههم عذبة غدقة
وأما قلعة مهدي فهي حصن حصين فوق جبل شامخ ولها أسواق وعمارات ومزارع وغلات وبقر وغنم وأحوال واسعة ومن قلعة مهدي إلى مدينة تادلة مرحلتان ويسكن في قبلة قلعة مهدي قبائل زناتة من بني سمجون وبني عجلان وبني تسكدلت وبني عبد الله وبني موسى وبني ما روى وتكلمان واريلوشن وانتقفاكن وبني سامرى وكذلك بين مدينة فاس
243

ومكناسة أربعون ميلا في جهة الغرب ومكناسة مدائن عدة وهي في طريق سلا والطريق إليها من فاس إلى مدينة مغيلة
ومدينة مغيلة كانت قبل هذا الوقت متحضرة كثيرة التجارات متصلة العمارات وهي في فحص أفيح كثير الأعشاب والخضر والنواوير والأشجار والثمار وهي الآن فيها بقايا عمارات وخراباتها متصلة والمياه تخترق في كل جانب منها ومكانها حسن وهواؤها معتدل
ومن مغيلة إلى وادي سنات إلى فحص النخلة إلى مكناسة ومدينة مكناسة هي المسماة تاقررت وهي الآن باقية على حالها لم يدركها كبير تغير وهي مدينة حسنة مرتفعة على الأرض يجري في شرقيها نهر صغير عليه أرحاء وتتصل بها عمارات وجنات وزروع وأرضها طيبة للزراعات ولها مكاسب وأحوال طائلة ومكناسة سميت باسم مكناس البربري لما نزلها مع بنيه عند حلولهم بالمغرب وأقطع لكل ابن من بنيه بقعة يعمرها مع ولده وكل هذه المواضع التي أحلهم فيها تتجاور وتتقارب أمكنتها بعضها من بعض وبلاد مكناسة منها التي تعرف ببني زياد وهي مدينة عامرة لها أسواق عامرة وحمامات وديار حسنة والمياه تخترق أزقتها ولم يكن في أيام الملثم بعد تاقررت أعمر قطرا من بني زياد وبينهما نحو من ربع ميل
ومنها إلى بني تاورة نحو ذلك وبين تاورة وتاقررت نحو ذلك وكانت مدينة تاورة متحضرة جامعة عامرة وأسواقها كثيرة والصناعات بها نافقة والنعم والفواكه لا تقضي بها حاجة والماء يأتيها من جنوبها من نهر كبير
244

فينقسم في أعلاها ويمر ما انقسم هناك من المياه فيخترق جميع أزقتها وشوارعها وأكثر دورها
وبين تاورة وبني زياد مدينتان صغيرتان إحداهما القصر وهي مدينة صغيرة في الطريق من تاقررت إلى السوق القديمة على رميتي سهم وهذه المدينة بناها أمير من أمراء الملثمين وجعل لها سورا حصينا وبنى بها قصرا حسنا ولم تكن بها أسواق كثيرة ولا طائل تجارات وإنما كان ذلك الأمير يسكنها مع جلة بني عمه والمدينة الأخرى في شرقي هذه المدينة تعرف ببني عطوش وهي ديار متصلة وعمارات في بساتين لهم هناك ولهم أشجار وغلات وزيتون كثير وشجر تين وأعناب وفواكه جمة وكل ذلك بها ممكن رخيص
ومن أسفل وتسمى هذه القبيلة بني برنوس وهي منازل وديار لهم وبها مزارع وكروم وعمارات وشجر زيتون كثيرة وفواكههم موجود تباع بالثمن اليسير وفي شمال قصر أبي موسى سوق يقصد إليها في يوم كل خميس يجتمع إليه جميع قبائل بني مكناس وهي سوق نافقة لما جلب إليها ويقصد إليها من بعيد وقريب وتسمى السوق القديمة ومن قبائل بني مكناس المجاورة لهذه البلاد بنو سعيد وبنو موسى ويسكنها من غير قبائل مكناسة بنو بسيل ومغيلة وبنو مصعود وبنو علي وورياغل ودمر وواربة وصبغاوة وهي من
245

أخصب البقاع أرضا وأنماها زرعا وأكثرها خيرا وأنجبها نتاجا وهم برابر يلبسون الأكسية ويربطون العمائم
ومن بلاد مكناسة في جهة الغرب إلى قصر عبد الكريم ثلاث مراحل وقصر ابن عبد الكريم يسكنه قوم من البربر يسمون دنهاجة وهي مدينة صغيرة عامرة بأخلاط دنهاجة وهي على نهر اولكس ويجري منها في جهة الجنوب وبينها وبين البحر نحو من ثلاثة أميال في أرض أكثرها رمل ولها مزارع وخصب وصيود بر وبحر وبها سوق عامرة وجمل صناعات ومن قصر عبد الكريم إلى مدينة سلا التي على البحر الملح مرحلتان من القصر إلى المعمورة ومن المعمورة إلى سلا ونهر اولكس نهر كبير من أنهار المغرب المشهورة وتمده أنهار كثيرة وعيون نابعة وعليه عمارات وقرى وديار
ومدينة فاس قطب ومدار لمدن المغرب الأقصى ويسكن حولها قبائل من البربر ولكنهم يتكلمون بالعربية وهم بنو يوسف وفندلاوة وبهلول وزواوة ومجاصة وغياتة وسلالحون وفاس هذه هي حضرتها الكبرى ومقصدها الأشهر وعليها تشد الركائب وإليها تقصد القوافل ويجلب إلى حضرتها كل غريبة من الثياب والبضائع والأمتعة الحسنة وأهلها مياسير ولها من كل شيء حسن أكبر نصيب وأوفر حظ ومن مدينة فاس إلى مدينة سبتة على بحر الزقاق شمالا سبع مراحل
ومن فاس إلى تلمسان تسع مراحل والطريق بينهما هو أن تخرج من
246

فاس إلى نهر سبو وهو نهر عظيم يأتي من نواحي جبل القلعة لابن توالة ويمر حتى يحاذي فاس من جهة شرقيها وعلى ستة أميال منها وهناك يقع نهر فاس مع ما اجتمع معه من سائر العيون والأنهر الصغار وعليه قرى وعمارات ويمر الطريق منه إلى تمالتة مرحلة وهي قرية وعمارات على نهر لها يأتيها من جهة الجنوب يقال له وادي ايناون
ومنها إلى كرانطة مرحلة وكانت أيضا فيما سلف من الزمان مدينة لها كروم كثيرة وفواكة ومزارع على السقي ومنها إلى باب زناتة نحو من عشرة أميال وهو واد عليه حرث يسقى به وبه أغنام وأبقار وزروع كثيرة تقرب من نهر ايناون
ومنها إلى قلعة كرمطة مرحلة وبها سوق وزروع وضرع وهذه القلعة مطلة على نهر ايناون ومن كرمطة في أسفل الجبل إلى مراوز وهي قلعة صغيرة أكثرها خلا مرحلة وبها القمح والشعير كثيرا
ومنها إلى وادي مسون مرحلة والطريق إليه على تابرندا وهو حصن منيع على أكمة مطلة على وادي ملوية ووادي ملوية يقع إلى وادي صاع فيجتمعان معا ويصبان في البحر ما بين جراوة ابن قيس ومليلة
ومنها إلى صاع مرحلة وهي مدينة لطيفة صغيرة بأسفل كدية تراب مطلة على نهر كبير يشق أرباضها ويخترق ديارها وهي الآن مهدمة خربها
247

المصاميد ومنها إلى جراوة وبين جراوة مرحلة والبحر ستة أميال وكانت عامرة
ومنها إلى برقانة مرحلة وهي قلعة عليها حصن منبع ولها سوق عامرة وبها مياه كثيرة ولها جنات وكروم ومنها إلى العلويين مرحلة وهي قرية كبيرة على نهو يأتيها من القبلة وفواكهها فاضلة وخيراتها شاملة
ومنها إلى تلمسان مرحلة لطيفة وتلمسان مدينة أزلية ولها سور حصين متقن الوثاقة وهي مدينتان في واحدة يفصل بينهما سور ولها نهر يأتيها من جبلها المسمى بالصخرتين وعلى هذا الجبل حصن بناه المصمودي قبل أخذه تلمسان ولم تزل المصامدة قاطنين به إلى أن فتحوا تلمسان وهذا الوادي يمر في شرقي المدينة وعليه أرحاء كثيرة وما جاورها من المزارع كلها مسقي وغلاتها ومزارعها كثيرة وفواكهها جمة وخيراتها شاملة ولحومها شحيمة سمينة وبالجملة إنها حسنة لرخص أسعارها ونفاق أشغالها ومرابح تجاراتها ولم يكن في بلاد المغرب بعد مدينة اغمات وفاس أكثر من أهلها أموالا ولا أرفه منهم حالا ومدينة فاس أكبر من تلمسان قطرا وأجل منها قدرا وأكثر خيرا ومالا وأعلى همة في المباني واتخاذ الديار الحسنة
والطريق من مدينة فاس إلى بني تاودا مرحلتان وهذه المدينة بناها أمير من قبل الملثم وكانت مدينة قائمة بذاتها لكثرة زروعها ومفيد غلاتها وغزر
248

ألبانها وسمنها وعسلها وأسواقها عامرة وخيراتها وافرة وكانت على مقربة من جبل غمارة وكانت بمكانها شبه الثغر سدا مانعا من طغاة غمارة العابثين بتلك النواحي المغيرين على جوانبها وبينها وبين طرف جبل غمارة ثلاثة أميال وبين بني تاودا وفاس برية يشق في وسطها وادي سبو وبين وادي سبو في طريق بني تاودا وبين فاس عشرون ميلا ويسكن هذه البرية قبائل من البربر يسمون لمطة وحد عمارتهم من مدينة تاودا إلى وادي سبو المذكور ويمتدون بالعمارة إلى قرية عكاشة وبين هذه القرية وبني تاودا يوم وبينها وبين مدينة فاس يومان وهي أول مدينة من مدن الغرب التي حل بها الفساد ونزل بها التغيير واستأصلها المصامدة وهدموا أسوارها وصيروا قائم مساكنها أرضا ولم بيقى من هذه المدينة المنسوبة لبني تاودا إلا مكانها وقد تراجع إلى مكانها نحو من مائة رجل فعمروها وزرعوا في أرضها لطيب ترابها ونمو زروعها وجودة حنطتها
وأما من أراد الطريق إلى تلمسان من سجلماسة فالقوافل تسير من تلمسان إلى فاس ومن فاس إلى صفروي إلى تادلة إلى اغمات إلى بني درعة إلى سجلماسة
والطريق الآخر تأخذه القوافل أيضا لكن في النادر لأنه مفازة فمن شاء ذلك سار من مدينة تلمسان إلى قرية تارو مرحلة ومنها إلى جبل تامديت مرحلة ومنها إلى غايات وهي قرية خراب وبها بئر ماء معينة مرحلة ومنها
249

إلى صدرات وهي أرض قوم من البربر مرحلة ومنها إلى جبل تيوى مدينة خراب وبها عين ماء خرارة وهي في أسفل جبل مرحلة ومنها إلى فتات بئر في وسط صحراء مرحلة ومنها إلى شعب الصفا مرحلتان وهذا الشعب هو بين جبال درن ومجرى نهر يأتي من هناك والطريق بينهما مرحلة ومنه إلى تندلى وهي قرية عامرة مرحلة ومنها إلى قرية تمسنان مرحلة ومنها إلى تقربت مرحلة ومنه إلى سجلماسة ثلاث مراحل وهذا الطريق قليل سالكوه إلا ندرة في الدهر
ومدينة تلمسان قفل بلاد المغرب وهي على رصيف للداخل والخارج منها لا بد منها والاجتياز بها على كل حالة والطريق من تلمسان إلى مدينة تنس سبع مراحل تخرج من تلمسان إلى قرية العلويين وهي قرية كبيرة عامرة على ضفة نهر ولهم بها جنات ومياه جارية من عيون
ومنها إلى قرية بابلوت مرحلة وهي قرية جليلة كثيرة الأهل والعمارة علي نهر ليس به أرحاء وتسقى منه مزارع ومن بابلوت إلى قرية سنى التي على نهر مرغيت مرحلة وهو صغير والعيون بها والمياه تطرد في كل وجهة
ومنها إلى رحل الصفاصف مرحلة وهو رحل عامر آهل على نهر يأتي من افكان من جهة المشرق ومن الرحل إلى افكان مرحلة وافكان هذه مدينة
250

كانت لها ارحاء وحمامات وقصور وفواكه كثيرة وكان عليها سور تراب لكنه الآن تهدم وبقي أثره وواديها يشقها نصفين ويمضي منها إلى تاهرت
ومنها إلى المعسكر مرحلة والمعسكر قرية عظيمة لها أنهار وثمار ومنها إلى جبل فرحان مارا مع أسفله إلى قرية عين الصفاصف وبها فواكه كثيرة وزروع ونعم دارة مرحلة
ومنها إلى مدينة يلل مرحلة ومدينة يلل بها عيون ومياه كثيرة وفواكه وزروع وبلادها جيدة للفلاحة وزروعها نامية
ثم إلى مدينة غزة وهي مدينة صغيرة القدر فيها سوق مشهورة لها يوم معلوم وبها حمام وديار حسنة ولها مزارع
ومنها إلى مدينة سوق إبراهيم مرحلة وهي على قدر غزة وموضعها علي ضفة نهر شلف
ومن سوق إبراهيم إلى باجة مرحلة وهي مدينة حسنة صغيرة لها إقليم به شجر التين كثير جدا ويعمل بها من التين شرائح على مثال الطوب وبذلك تسمى وتحمل منها إلى كثير من الأقطار
ومنها إلى مدينة تنس مرحلة ومدينة تنس على مقربة من ضفة البحر الملح وعلى ميلين منه وبعضها على جبل وقد أحاط بها السور وبعضها في سهل الأرض وهي مدينة قديمة أزلية عليها سور حصين وحظيرة مانعة دائرة بها وشرب أهلها من عين ولها في جهة الشرق واد كثير الماء وشربهم منه
251

في أيام الشتاء والربيع وبها فواكه وخصب وبها إقلاع وحط ولها أقاليم وأعمال ومزارع وبها الحنطة ممكنة جدا وسائر الحبوب موجودة وتخرج منها إلى كل الآفاق في المراكب وبها من الفواكه كل طريفة ومن السفرجل الطيب المعنق ما يفوت الوصف في كبره وحسنه
والطريق من تلمسان إلى مدينة وهران الساحلية وهما مرحلتان كبيرتان وقيل بل هي ثلاث مراحل وذلك أنك تخرج من تلمسان إلى وادي وارو فتنزل به وبينهما مرحلة ومنها إلى قرية تانيت فتنزل بها وهي مرحلة ومن هذه القرية إلى مدينة وهران ووهران على مقربة من ضفة البحر الملح وعليها سور تراب متقن وبها أسواق مقدرة وصنائع كثيرة وتجارات نافقة وهي تقابل مدينة المرية من ساحل بحر الأندلس وسعة البحر بينهما مجريان ومنها أكثر ميرة ساحل الأندلس ولها على بابها مرسى صغير لا يستر شيئا ولها على ميلين منها المرسى الكبير وبه ترسى المراكب الكبار والسفن السفرية وهذا المرسى يستر من الريح وليس له مثال في مراسي حائط البحرمن بلاد البربر وشرب أهلها من واد يجري إليها من البر وعليه بساتين وجنات وبها فواكه ممكنة وأهلها في خصب والعسل بها موجود وكذلك السمن والزبد والبقر والغنم بها رخيصة بالثمن اليسير ومراكب الأندلس إليها مختلفة وفي أهلها دهاقنة وعزة أنفس ونخوة
والطريق من مدينة تنس إلى المسيلة من بلاد بني حماد بالغرب الأوسط تخرج من مدينة تنس إلى بني وازلفن مرحلة لطيفة في جبال وعرة وشواهق
252

متصلة وبنو وازلفن قرية كبيرة لها كروم وجنات ذوات سوان يزرعون عليها البصل والشهدانج والحناء والكمون ولها كروم كثيرة ومعظمها على نهر شلف ومن تنس إلى شلف مرحلتان
ومن بني وازلفن إلى الخضراء مرحلة وهي مدينة صغيرة حصينة على نهر صغير عليه عمارات متصلة وكروم وبهامن السفرجل كل بديع ولها سوق وحمام وسوقها
يجتمع إليه أهل تلك الناحية
ومن الخضراء إلى مدينة مليانة مرحلة وهي مدينة قديمة البناء حسنة البقعة كريمة المزارع ولها نهر يسقي أكثر حدائقها وجناتها وجانبي مزارعها ولها أرحاء بنهرها المذكور ولأقاليمها حظ من سقي نهر شلف وعلى ثلاثة أيام منها وفي جنوبها الجبل المسمى بجبل وانشريس يسكنه قبائل من البربر منها مكناسة وحرسون واوربة وبنو أبي خليل وكتامة ومطماطة وبنو مليلت وبنو وارتجان وبنو أبي خليفة ويصلاتن وزولات وبنو واتمشوس وزواوة ونزار ومطغرة ووارترين وبنو أبي بلال وايزكروا وبنو أبي حكيم وهوارة وطول هذا الجبل أربعة أيام وينتهي طرف هذا الجبل إلى قرب تاهرت
ومن مدينة مليانة إلى كزناية مرحلة وهو حصن أزلي له مزارع وأسواق وهو على نهر شلف وله سوق يوم جمعة يقصده بشر كثير
253

ومن سوق كزناية إلى قرية ريغة مرحلة ولهذه القرية أرض متسعة وحروث ممتدة وفواكه وبساتين ولها سوق صالحة تقصد في يوم معلوم في كل جمعة يباع بها ويشترى ويقضى منها حوائج وبهذه القرية المذكورة مياه كثيرة وعيون مطردة ومنها إلى ماورغة مرحلة وهي قرية حسنة لكنها لطيفة القدر وبها زراعات وخصب ومياه جارية ومنها إلى أشير زيري مرحلتان وهو حصن حسن البقعة كثير المنافع وله سوق يوم معروف يجلب إليه كل لطيفة ويباع به كل طريفة ومنه إلى تامزكيدة مرحلة
ثم إلى المسيلة مرحلتان وهي مستحدثة استحدثها علي بن الأندلسي في ولاية إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب وهي عامرة في بسيط من الأرض ولها مزارع ممتدة أكثر مما يحتاج إليه ولأهلها سوائم خيل واغنام وابقار وجنات وعيون وفواكه وبقول ولحوم ومزارع قطن وقمح وشعير ويسكنها من البربر بنو برزال ودنداح وهوارة وصدراتة ومزاتة وهذه المدينة أيضا عامرة بالناس والتجار وهي على نهر فيه ماء كثير مستنبط على وجه الأرض وليس بالعميق وهو عذب وفيه سمك صغير فيه طرق حمر حسنة ولم يرى في بلاد الأرض المعمورة سمك على صفته وأهل المسيلة يفتخرون به ويكون مقدار هذا السمك من شبر إلى ما دونه وربما اصطيد منه الشيء الكثير فاحتمل إلى قلعة بني حماد وبينهما اثنا عشر ميلا
254

ومدينة القلعة من أكبر البلاد قطرا وأكثرها خلقا وأغزرها خيرا وأوسعها أموالا وأحسنها قصورا ومساكن وأعمها فواكه وخصبا وحنطتها رخيصة ولحومها طيبة سمينة وهي في سند جبل سامي العلو صعب الارتقاء وقد استدار سورها بجميع الجبل ويسمى تاقربست وأعلى هذا الجبل متصل ببسيط من الأرض ومنه ملكت القلعة وبهذه المدينة عقارب كثيرة سود تقتل في الحال وأهل القلعة يتحرزون منها ويتحصنون من ضررها ويشربون لها نبات الفوليون الحراني ويزعمون أنه ينفع شرب درهمين منه لعام كامل فلا يصيب شاربها شيء من ألم تلك العقارب وهذا عندهم مشهور وقد أخبر بذلك من يوثق به في وقتنا هذا وحكى عن هذه الحشيشة أنه شربها وقد لسبته العقرب فسكن الوجع مسرعا ثم إنه لسبته العقارب في سائر العام ثلاث مرات فما وجد لذلك اللسب ألما وهذا النبات ببلد القلعة كثير
والطريق من مدينة تلمسان إلى مدينة المسيلة من تلمسان إلى مدينة تاهرت أربع مراحل تخرج من تلمسان إلى تادرة وهي قرية في حضيض جبل فيها عين ماء خرارة مرحلة ومنها إلى قرية نداى مرحلة وهي قرية صغيرة في فحص أفيح بها بئران ماؤهما معين ومنها إلى مدينة تاهرت مرحلتان
وبين مدينة تاهرت والبحر أربع مراحل ومدينة تاهرت كانت فيما سلف من الزمان مدينتين كبيرتين إحداهما قديمة والأخرى محدثة والقديمة من هاتين المدينتين ذات سور وهي على قنة جبل قليل العلو وبها ناس وجمل من
255

البرابر ولهم تجارات وبضائع وأسواق عامرة وبأرضها مزارع وضياع جمة وبها من نتاج البراذين والخيل كل حسن وأما البقر والغنم بها فكثيرة جدا وكذلك العسل والسمن وسائر غلاتها كثيرة مباركة وبمدينة تاهرت مياه متدفقة وعيون جارية تدخل أكثر ديارهم ويتصرفون بها ولهم على هذه المياه بساتين وأشجار تحمل ضروبا من الفواكه الحسنة وبالجملة إنها بقعة حسنة
ومن تاهرت إلى قرية أعبر مرحلة وهي قرية صغيرة على نهر صغير ومنها إلى قرية دارست مرحلة وهي قرية صغيرة جدا وزراعاتها كثيرة ومواشيها عامة ومنها إلى مدينة ماما مرحلتان وهي مدينة صغيرة لها سور من تراب وأكثره طوب ولها بما استدار بسورها خندق محفور ولها واد عذب عليه مزارع وغلات وإصابتها في الحنطة كثيرة ومن مدينة ماما إلى قرية ابن مجبر مرحلة وهي قرية كبيرة كثيرة الزروع عذبة المياه وشربهم من العيون وسكانها زناتة ومنها إلى أشير زيري التي قدمنا ذكرها مرحلة ومن أشير زيري إلى قرية سطيت مرحلة وبها عين ماء جارية ومنها إلى قرية هان في فحص رمل مرحلة وإليها مياه عيون وهي الآن خراب ومنها إلى المسيلة مرحلة
وبين مدينة تلمسان وتاهرت يسكن بنو مرين وورتطغير وزير وورتيد
256

وماني واومانوا وسنجاسة وغمرة ويلومان وورماكسين وتجين وورشفان ومغراوة وبو راشد وتمطلاس ومنان وزقارة وتيمنى وكل هذه القبائل بطون زناتة وهم أصحاب هذه الفحوص وهم قوم رحالة ظواعن ينتجعون من مكان إلى مكان غيره لكنهم متحضرون وأكثر زناتة فرسان يركبون الخيل ولهم عادية لا تؤمن ولهم معرفة بارعة وحذق وكياسة ويد جيدة في علم الكتف ولا يدرى أن أحدا من الأمم أعلم بعلم الكتف من زناتة وهم منسبون إلى جانا وهو أبو زناتة كلها وهو جانا ابن ضريس وضريس هوجالوت الذي قتله داود عليه السلام وضريس ابن لوى بن نفجاو ونفجاو هو أبو نفزاوة كلها ونفجاو ابن لوى الأكبر بن برا بن قيس بن الياس بن مضر وزناتة في أول نسبهم عرب صرح وإنما تبربروا بالمجاورة والمحالفة للبرابر من المصاميد
ولنرجع الآن إلى ذكر مدينة وهران فنقول إن (من) مدينة وهران السابق ذكرها إلى مدينة تنس مجريان وهي من الأميال مائتا ميل وأربعة أميال ومن مدينة تنس إلى برشك على الساحل ستة وستون ميلا ومن مدينة تنس إلى مدينة مليانة في البر مرحلتان وبين مليانة وتاهرت ثلاث مراحل
ومدينة برشك مدينة صغيرة على تل وعليها سور تراب وهي على ضفة البحر وشرب أهلها من عيون وماؤها عذب وافتتحها الملك المعظم رجار
257

في سنة (-) وخمس مائة وبها فواكه وجمل مزارع وحنطة كثيرة وشعير
ومنها إلى شرشال عشرون ميلا ويصل بينهما جبل منيع يسكنه قبيلة من البربر تسمى ربيعة ومدينة شرشال صغيرة القدر لكنها متحضرة وبها مياه جارية وآبار معينة عذبه وبها فواكه حسنة كثيرة وسفرجل كبير الجرم ذو أعناق كأعناق القرع الصغار وهو من الطرائف غريب في ذاته وبها كروم وبعض شجر تين وما دار بها بادية لأهلها مواش وأغنام كثيرة والنحل عندهم كثير والعسل بها ممكن وأكثر أموالهم الماشية ولهم من زراعة الحنطة والشعير ما يزيد على الحاجة
ومن شرشال إلى الجزائر لبني مزغنا سبعون ميلا ومدينة الجزائر على ضفة البحر وشرب أهلها من عيون على البحر عذبة ومن آبار وهي عامرة آهلة وتجاراتها مربحة وأسواقها قائمة وصناعاتها نافقة ولها بادية كبيرة وجبال فيها قبائل من البربر وزراعاتهم الحنطة والشعير وأكثر أموالهم المواشي من البقر والغنم ويتخذون النحل كثيرا فلذلك العسل والسمن كثير في بلدهم وربما يتجهر بهما إلى سائر البلاد والأقطار المجاورة لهم والمتباعدة عنهم وأهلها قبائل ولهم حرمة مانعة
ومن الجزائر إلى تامدفوس شرقا ثمانية عشر ميلا وتامدفوس مرسى حسن عليه مدينة صغيرة خراب وأكثر سورها قد تهدم وقل أهلها وبها بقايا بناء قديم وهياكل وأصنام حجارة ويذكر أنها كانت من أعظم البلاد كبرا وأوسعها قطرا
258

ومن تامدفوس إلى مرسى الدجاج عشرون ميلا ومدينة مرسى الدجاج كبيرة القطر لها حصن دائر بها وبشرها قليل وربما فر عنها أكثر أهلها في زمن الصيف ومدة السفر خوفا من قصد الأساطيل إليها ولها مرسى مأمون ولها أرض ممتدة وزراعات متصلة وإصابة أهلها في زروعهم واسعة وحنطتهم مباركة وسائر الفواكه واللحوم بها كثيرة وتباع بالثمن اليسير والتين خاصة يحمل منها شرائح طوبا ومنثورا إلى سائر الأقطار وأقاصي المدائن والأمصار وهي بذلك مشهورة
ومن مدينة مرسى الدجاج إلى مدينة تدلس أربعة وعشرون ميلا وهي على شرف متحصنة لها سور حصين وديار ومتنزهات وبها من رخص الفواكه والأسعار والمطاعم والمشارب ما ليس يوجد بغيرها مثله وبها الغنم والبقر موجودة كثيرا وتباع جملتها بالأثمان اليسيرة ويخرج من أرضها إلى كثير من الآفاق
ومن تدلس إلى مدينة بجاية في البر سبعون ميلا وفي البحر تسعون ميلا ومدينة بجاية على البحر لكنها على جرف حجر ولها من جهة الشمال جبل يسمى مسيون وهو جبل سامي العلو صعب المرتقى وفي أكنافه جمل من النبات المنتفع به في صناعة الطب مثل شجر الحضض والسقولوفندوريون والبرباريس والقنطوريون الكبير والرزاوند والقسطون وإلافسنتين أيضا وغير ذلك من الحشائش وفي هذا الجبل كثير من العقارب صفر الألوان لكن
259

ضررها قليل ومدينة بجاية في وقتنا هذا مدينة الغرب الأوسط وعين بلاد بني حماد والسفن إليها مقلعة وبها القوافل منحطة والأمتعة إليها برا وبحرا مجلوبة والبضائع بها نافقة وأهلها مياسر تجار وبها من الصناعات والصناع ما ليس بكثير من البلاد وأهلها يجالسون تجار المغرب الأقصى وتجار الصحراء وتجار المشرق وبها تحل الشدود وتباع البضائع بالأموال المقنطرة ولها بواد ومزارع والحنطة والشعير بها موجودان كثيران والتين وسائر الفواكه منها ما يكفي لكثير من البلاد وبها دار صناعة لإنشاء الأساطيل والمراكب والسفن والحرابي لأن الخشب في جبالها وأوديتها كثير موجود ويجلب إليها من أقاليمها الزفت البالغ الجودة والقطران وبها معادن الحديد الطيب موجودة وممكنة وبها من الصناعات كل غريبة ولطيفة وعلى بعد ميل منها نهر يأتيها من جهة المغرب من نحو جبل جرجرة وهو نهر عظيم يجاز عند فم البحر بالمراكب وكلما بعد عن البحر كان ماؤه قليلا ويجوز من شاء في كل موضع منه
ومدينة بجاية قطب لكثير من البلاد وذلك أن من بجاية إلى اتكجان يوم وبعض يوم ومن بجاية إلى بلزمة مرحلتان وبعض ومن بجاية إلى سطيف يومان وبين بجاية وباغاية ثمانية أيام وبين بجاية وقلعة بشر خمسة أيام وهي من عمالة بسكرة وبين بجاية وتيفاش ست مراحل وبين بجاية وقالمة ثماني مراحل وبين بجاية وتبسة ستة أيام وبين دور مدين وبجاية إحدى عشرة مرحلة وبين بجاية والقصرين ستة أيام وبين بجاية وطبنة سبع مراحل
260

وأما مدينة بجاية في ذاتها فإنها عمرت بخراب القلعة التي بناها حماد بن بلقين وهي التي تنسب دولة بني حماد إليها والقلعة كانت في وقتها وقبل عمارة بجاية دار الملك لبني حماد وفيها كانت ذخائرهم مدخرة وجميع أموالهم مختزنة ودار أسلحتهم والحنطة تختزن بها فتبقى العام والعامين لا يدخلها الفساد ولا يعتريها تغيير وبها من الفواكه المأكولة والنعم المنتخبة ما يلحقه الإنسان بالثمن اليسير ولحومها كثيرة وبلادها وجميع ما ينضاف إليها تصلح فيها السوائم والدواب لأنها بلاد زرع وخصب وفلاحتهم إذا كثرت أغنت وإذا قلت كفت فأهلها أبد الدهر شباع وأحوالهم صالحة وقد ذكرنا حالها وصفتها في ذات بنائها فيما تقدم لنا وهي متعلقة بجبل عظيم مطل عليها وقد احتوى سورها المبني على جميع الجبل المذكور طولا وعرضا وأمامها في جهة الجنوب أرض سهلة متصلة الإنفراج لا يرى الناظر فيها جبلا عاليا ولا شرفا مطلا إلا على بعد منها وعلى مسير أربع مراحل يرى جبالا لا تبين
وعلى اثني عشر ميلا منها المسيلة التي تقدم ذكرها غربا والمسيلة في أرض طبنة وفي جهة المغرب من مدينة القلعة ومن القلعة أيضا في جهة المشرق مدينة محدثة تسمى الغدير وبينها وبين القلعة ثمانية أميال والغدير مدينة حسنة وأهلها بدو ولهم مزارع وأرضون مباركة والحرث بها قائم الذات والإصابة في زروعها موجودة والبركات في معاملاتهم كثيرة وبين المسيلة والغدير ثمانية عشر ميلا
261

والطريق من مدينة بجاية إلى القلعة تخرج من بجاية إلى المضيق إلى سوق الأحد إلى وادي رهت إلى حصن تاكلات وبه المنزل وحصن تاكلات حصن منيع وهو على شرف مطل على وادي بجاية وبه سوق دائمة وبه فواكه ولحوم كثيرة رخيصة وبحصن تاكلات قصور حسان وبساتين وجنات ليحي ابن العزيز
ومن حصن تاكلات إلى تادرفت إلى سوق الخميس إلى حصن بكر وبه المنزل وحصن بكر حصن حصين على مراع ممتدة والوادي الكبير يجري مع أصلها وبجنوبها وفيه
سوق وبيع وشراء ومن حصن بكر إلى حصن وارفو ويسمى أيضا رافو إلى القصر وهو أيضا قرية وهناك تترك وادي بجاية غربا وتمر في جهة الجنوب إلى حصن الحديد مرحلة إلى الشعراء إلى قبور بني تراكش إلى تاورت وهي قرية كبيرة عامرة على نهر ملح وبها المنزل وشرب أهلها من عيون محتفرة ببطن واد يأتيها من جهة المشرق وهذا الوادي لا ماء به
ومن تاورت إلى الباب وهي جبال يخترق بينها الوادي الملح وهناك مضيق وموضع مخيف وإلى هاهنا تصل غارات العرب وضررها ومنه إلى السقائف وهو حصن
ثم إلى حصن الناظور إلى سوق الخميس وبه المنزل وهذه الأرض كلها تجولها العرب وتضر بأهلها وسوق الخميس حصن في أعلى جبل
262

وبه مياه جارية ولا تقدر العرب عليه لمنعته وبه من المزارع والمنافع قليل
ومنه إلى الطماطة وهو فحص في أعلى جبل ومنه إلى سوق الاثنين وبه المنزل وهو قصر حصين والعرب محدقة بأرضه وفيه رجال يحرسونه مع سائر أهله
ومنه إلى حصن تافلكايت وهو حصن إلى تازكا وهو حصن صغير ومنه إلى قصر عطية وهو حصن على أعلى جبل ثم إلى حصن إلى حصن إلى حصن القلعة مرحلة وجميع هذه الحصون أهلها مع العرب في مهادنة وربما أضر بعضهم ببعض غير أن أيدي الأجناد فيها مقبوضة وأيدي العرب مطلقة في الإضرار وموجب ذلك أن العرب لها دية مقتولها وليس عليها دية فيمن تقتل
ومن المسيلة إلى طبنة مرحلتان وطبنة مدينة الزاب وهي مدينة حسنة كثيرة المياه والبساتين والزروع والقطن والحنطة والشعير وعليها سور من تراب وأهلها أخلاط وبها صنائع وتجارات وأموال لأهلها متصرفة في ضروب من التجارات والتمر بها كثير وكذلك سائر الفواكه
وتخرج من المسيلة إلى مقرة مرحلة وهي مدينة صغيرة وبها مزارع وحبوب وأهلها يزرعوب الكتان وهو عندهم كثير ومن مقرة إلى طبنة مرحلة وبين طبنة ومدينة بجاية ست مراحل وكذلك من طبنة إلى باغاي أربع مراحل
ومن طبنة شرقا إلى دار ملول مرحلة كبيرة وكانت فيما سلف من
263

الدهر مدينة عامرة وأسواقها قائمة ولها مزارع وغلات جمة وفيها حصن مطل فيه مرصد من البلد ينظر إلى مجال العرب في بلادهم ويتطلع منه إلى ما بعد من الأرض وشربهم من ماء عيون بها جارية وبين دار ملول ونقاوس ثلاث مراحل وجبل أوراس منها على مرحلة وزائد وكذلك من دار ملول إلى القلعة ثلاث مراحل وجبل اوراس قطعة يقال إنها متصلة من جبل درن المغرب وهو كاللام محني الأطراف وطوله نحو من اثني عشر يوما ومياهه كثيرة وعماراته متصلة وفي أهله نخوة وتسلط على من جاورهم من الناس
ومن مدينة طبنة إلى مدينة نقاوس مرحلتان ومدينة نقاوس مدينة صغيرة كثيرة الشجر والبساتين وأكثر فواكهها الجوز ومنها يتجهز به إلى ما جاورها من الأقطار وفيها سوق قائمة ومعايش كثيرة ومن نقاوس إلى المسيلة أربع مراحل وقيل ثلاث ومن مدينة نقاوس أيضا إلى حصن بسكرة مرحلتان وهو حصن منيع في كدية تراب عال وبه سوق وعمارة وبه أيضا من التمر كل غريبة وطريفة
ومنه إلى حصن بادس وهو في أسفل طرف جبل اوراس ثلاث مراحل وهو حسن عامر بأهله والعرب تملك أرضه وتمنع أهله من الخروج عنه إلا بخفارة رجل منهم ومنه إلى مدينة المسيلة أربعة أميال
264

وفي الشرقي من مدينة قلعة بني حماد مدينة ميلة وهي على أربع مراحل منها ومدينة ميلة حسنة كثيرة الأشجار ممكنة الثمار وفواكهها كثيرة ومحاسنها ظاهرة ومياهها غدقة وأهلها من أخلاط البرابر جملة والعرب تحكم بخارجها وكانت في طاعة يحيى بن العزيز صاحب بجاية
ومنها في الشرق إلى مدينة قسنطينة الهواء ثمانية عشر ميلا ويصل بينهما جبل والطريق به ومدينة القسنطينة عامرة وبها أسواق وتجار وأهلها مياسير ذوو أموال وأحوال واسعة ومعاملات للعرب وتشارك في الحرث والادخار والحنطة تقيم بها في مطامرها مائة سنة لا تفسد والعسل بها كثير وكذلك السمن يتجهز به منها إلى سائر البلاد ومدينة القسنطينة على قطعة جبل منقطع مربع فيه بعض الاستدارة لا يتوصل إليه من مكان إلا من جهة باب في غربيها ليس بكثير السعة وهناك مقابر أهلها حيث يدفنون موتاهم ومع المقابر أيضا بناء قائم من بناء الروم الأول وبه قصر قد تهدم كله إلا قليلا منه وبه دار ملعب من بناء الروم شبيه بملعب ثرمة من بلاد صقلية
وهذه المدينة أعني القسنطينة يحيط بها الوادي من جميع جهاتها كالعقد مستديرا بها وليس للمدينة من داخلها سور يعلو أكثر من نصف قامة إلا من جهة باب ميلة وللمدينة بابان باب ميلة في الغرب وباب القنطرة في الشرق وهذه القنطرة من أعجب البناءات لأن علوها يشف على مائة ذراع بالذراع الرشاشي وهي من بناء الروم قسي عليا على قسي سفلي وعددها في سعة الوادي
265

خمس والماء يدخل على ثلاث منها مما يلي جانب الغرب وهي كما وصفناها قوس على قوس والقوس الأولى يجري بها الماء أسفل الوادي والقوس الأخرى فوقها وعلى ظهرها المشي والجواز إلى البر الثاني وباقي القوسين اللتين من حهة المدينة فإنما هما مفردتان على الجبل وبين القوس والقوس أرجل تدفع مضرة الماء ومصادرة الماء عند حمله بسيوله وعلى رقاب الأرجل قسي فارغة كالبنات صغار فربما زاد الماء في بعض الأوقات عند سيله فعلا الأرجل ومر في تلك الفرجات وهي من أعجب ما رأيناه من البناء
وليس في المدينة كلها دار كبيرة ولا صغيرة إلا وعتبة بابها حجر واحد وكذلك جميع عضادات الأبواب فمنها ما يكون من حجرين ومنها ما يكون من أربعة أحجار وبناؤها من التراب وأرضها كلها حجر صلد وفي كل دار منها مطمورتان وثلاث وأربع منقورة في الحجر ولذلك تبقى بها الحنطة لبرودتها واعتدال هوائها وواديها يأتي من جهة
الجنوب فيحيط بها من غربيها ويمر شرقا مع دائر المدينة ويستدير في جهة الشمال ويمر مغربا إلى أسفل الجبل ثم يسير شمالا إلى أن يصب في البحر في غربي وادي سهر والقسنطينة من أحصن بلاد الله وهي مطلة على فحوص متصلة ولها مزارع الحنطة والشعير ممتدة في جميع جهاتها ولها في داخل المدينة ومع سورها مسقى يستقون منه ويتصرفون به عند أوقات الحصار لها ممن طرقها
وبين القسنطينة وباغاي ثلاث مراحل وكذلك من القسنطينة إلى مدينة
266

بجاية ستة أيام أربعة منها إلى جيجل ومن جيجل إلى بجاية خمسون ميلا وكذلك من القسنطينة إلى اربس خمس مراحل ومنها إلى بجاية أربع مراحل ومنها إلى قلعة بشر يومان ومنها إلى تيفاش يومان كبيران ومنها إلى قالمة يومان كبيران ومنها إلى القصرين ثلاثة أيام ومنها إلى دور مدين ستة أيام ومنها إلى مرسى القل يومان في أرض العرب
والطريق من القسنطينة إلى بجاية من القسنطينة إلى النهر إلى فحص فارة إلى قرية بني خلف إلى حصن كلديس وكلديس حصن منيع جدا ومنه إلى القسنطينة عشرون ميلا وليس بينهما جبل ولا خندق وكلديس على جرف مطل على نهر القسنطينة
ومن حصن كلديس إلى جبل سحاو ثمانية أميال وهو من أعظم الجبال علوا وأسماها إرتقاء وأصعبها مسلكا وعلى أعلاه حصن يسمى (-) ويصعد إلى أعلاه نحو من خمسة أميال ويسار في أعلاه أيضا نحو من ثلاثة أميال وهذا الجيل لا تتعداه العرب إلى غيره ولا تجوزه وينحدر منه إلى أسفل واد هناك يسمى وادي شال ويمر معه إلى سوق يوسف وهي قرية في سند جبل ممتنع السلوك اثني عشر ميلا وهو جبل تخترقه مياه عذبة
ومنه إلى سوق بني زندوي وهو حصن في بسيط قليل الحصانة وهي سوق لها يوم في الجمعة وأهل تلك الناحية يقصدونها في ذلك اليوم وهذه القبيلة من البربر قوم يعمرون هذه الجهات ولهم منعة وتحصن وهم أهل
267

خلاف وقيام بعض على بعض والجبايات التي تلزمهم لا تؤخذ منهم إلا بعد نزل الخيل والرجال عليهم في تلك النواحي ومن عوائدهم التي هم عليها أن صغيرهم وكبيرهم لا يمشي من موضعه إلى موضع غيره إلا وهو شاكي السلاح بالسيف والرمح والدرقة اللمطية
ومن هذا الحصن إلى تالة وهو حصن خراب وبه المنزل ومنه إلى المغارة إلى ساحل البحر إلى مسجد بهلول إلى المزارع إلى مدينة جيجل وهي مدينة على ضفة البحر والبحر يحيط بها ولها ربض ولما ظفر بها أسطول الملك المعظم رجار ارتفع أهلها عن المدينة إلى جبل على بعد ميل منها وبنوا هناك مدينة حصينة فإذا كان زمن الشتاء سكنوا المرسى والساحل وإذا كان زمن الصيف ووقت سفر الأسطول نقلوا أمتعتهم وجملة بضائعهم إلى الحصن الأعلى البعيد من البحر وبقي الرجال باليسير من التجائر في الضفة يتجرون وهي إلى الآن خراب مهدمة الديار مثلمة الأسوار ليس بها ساكن ولا بقربها قاطن وهي مدينة حسنة بها الألبان والسمن والعسل والزروع الكثيرة وبها الحوت الكثير العدد المتناهي في الطيب والقدر ومن مدينة جيجل إلى طرف مزغيطن إلى جزائر العافية إلى فج الزرزور إلى حصن المنصورية على البحر إلى متوسة وهي قرية عامرة وبها معادن الجص ومنها يحمل إلى بجاية وبينهما اثنا عشر ميلا وكذلك من جيجل إلى بجاية الناصرية خمسون ميلا
ومدينة جيجل لها أيضا مرسيان مرسى منهما في جهة جنوبها وهو مرسى
268

وعر الدخول إليه صعب لا يدخل إلا بدليل حاذق وأما مرساها من جهة الشمال ويسمى مرسى الشعراء فهو ساكن الحركة كالحوض حسن الإرساء به لكنه لا يحتمل الكثير من المراكب لصغره وهو رمل
ومن جيجل إلى مدينة القل سبعون ميلا وهو آخر مدن هذا الجزء المرسوم والقل قرية عامرة وكانت في سالف الدهر مدينة صغيرة عامرة والآن هي مرسى وعليه عمارات والجبال تكنفه من جهة البر ومن القل إلى مدينة القسنطينة مرحلتان جنوبا والطريق في أرض تغلبت العرب عليها
وعلى مقربة من مدينة بجاية إلى جهة الجنوب حصن سطيف وبينهما مرحلتان وحصن سطيف كبير القطر كثير الخلق كالمدينة وهو كثير المياه والشجر المثمرة بضروب من الفواكه ومنها يحمل الجوز لكثرته بها إلى سائر الأقطار وهو بالغ الطيب حسن ويباع بها رخيصا وبين سطيف وقسنطينة أربع مراحل
وبقرب سطيف جبل يسمى ايكجان وبه قبائل كتامة وبه حصن حصين ومعقل منيع وكان قبل هذا من عمالة بني حماد ويتصل بطرفه من جهة الغرب جبل يسمى جلاوة وبينه وبين بجاية مرحلة ونصف
وقبيلة كتامة تمتد عمارتها إلى أن تجاوز أرض القل وبونة وفيهم وكرم وبذل طعام لمن قصدهم أو نزل بأحدهم وهم أكرم الرجال للأضياف حتى استسهلوا مع ذلك بذل أولادهم للأضياف النازلين بهم ولا تتم عندهم
269

الكرامة البالغة إلا بمبيت أبنائهم من الأضياف ليتلقوا منهم الإرادة ولا ترى كتامة بذلك عارا ولا ترجع عن ذلك البتة وقد أصابتهم الملوك بذلك وأبلغت في نكاياتهم فما أقلعوا ولا امتنعوا عن عادتهم في ذلك ولا تحولوا عن شيء منه ولم يبق من كتامة في وقت تأليفنا لهذا الكتاب إلا نحو أربعة آلاف رجل وكانوا قبل ذلك عددا كثيرا وقبائل وشعوبا وأعف قبائل كتامة وأقلهم فعلا منهم لهذا العمل من كان في جهة سطيف لأنهم من القدم لا يرون ذلك ولا يستجيزونه ولا يستحسنون فعل شيء من هذه المنكرات التي تأتيها قبائل كتامة الساكنون بجهة القل وبأجبلها المتصلة بأقاليم قسنطينة الهواء
وبمقربة من قسنطينة حصن يسمى بلزمة وبينهما يومان وهو حصن لطيف وفي أهله عزة ومنعة ولها ربض وسوق وبها آبار طيبة وماؤها أيضا غدق وهو في وسط فحص أفيح وبناؤه الحجارة الكبار القديمة ويذكر أهل تلك الناحية أنه من أيام السيد المسيح وهذا السور يراه الراؤون من خارج عاليا جدا والمدينة في ذاتها مردومة بالتراب
والأحجار فإذا نظر الناظر إلى السور من خارج رأى سورا كاملا وإذا دخل المدينة لم يجد لها سور لأن أرض الحصن مساو للشرفات وهي مردومة كما ذكرنا وهذا غريب في البناء
وأما حصن بشر فهو قلعة عامرة من أعمال بسكرة وهو في ذاته حصن جليل ومعقل جميل وله عمارات وهي الآن في أيدي العرب وبينها وبين بجاية أربعة أيام وهي إلى قسنطينة أقرب وبينهما مرحلتان وقد ذكرنا من صفات البلاد وغرائب البقاع مما تضمنه هذا الجزء ما فيه كفاية
270

وبقي علينا أيضا أن نذكر سواحل البحر بهذا الجزء وأجوانه وجباله وعدد أمياله تقويرا وروسية إذ ليس يمكننا ها هنا ذكر سواحل هذا البحر على جملته لأنه منه ما يأتي في الإقليم الثالث ومنه ما يأتي في الإقليم الرابع فوجب لذلك أن نذكر منه ما تحصل في كل جزء من هذه الأجزاء المرسومة ونأتي بذلك كله على توال ونسق بحول الله وعونه
فمن ذلك أن وهران من هذا الجزء على ضفة البحر الملح كما قدمنا ذكرها ومنها إلى طرف مشانة روسية خمسة وعشرون ميلا وعلى التقوير اثنان وثلاثون ميلا ومن طرف مشانة إلى مرسى أرزاو ثمانية عشر ميلا وهي قرية كبيرة تجلب إليها الحنطة فيسير بها التجار ويحملونها إلى كثير من البلاد
ومنها إلى مستغانم على البحر مع الجون وهي مدينة صغيرة لها أسواق وحمامات وجنات وبساتين ومياه كثيرة وسور على جبل مطل إلى ناحية الغرب وهذا الجون تقويره أربعة وثلاثون ميلا تقويرا وروسية أربعة وعشرون ميلا
ومن مستغانم إلى حوض فروح تقويرا أربعة وعشرون ميلا وروسية خمسة عشر ميلا وهو مرسى حسن وعلية قرية عامرة ويلي حوض فروح في البر مع الشرق مدينة مازونة على ستة أميال من البحر وهي مدينة بين أجبل وهي أسفل خندق ولها أنهار ومزارع وبساتين وأسواق عامرة ومساكن
271

مونقة ولسوقها يوم معلوم يجتمع إليه أصناف من البربر بضروب من الفواكه والألبان والسمن والعسل كثير بها وهي من أحسن البلاد صفة وأكثرها فواكه وخضبا
ومن حوض فروح إلى طرف جوج وهو أنف خارج في البحر تقويرا أربعة وعشرون ميلا وفي البر اثنا عشر ميلا ومن هذا الطرف تأخذ جونا إلى جهة الجنوب فمن هذا الطرف مع الجون إلى جزائر الحمام أربعة وعشرون ميلا تقويرا وثمانية عشر ميلا روسية ومن جزائر الحمام إلى مصب وادي شلف اثنان وعشرون ميلا ومنه إلى قلوع الفراتين في وسط الجون اثنا عشر ميلا والقلوع جباة بيض ومن القلوع إلى مدينة تنس اثنا عشر ميلا مع الجون ومنها إلى طرف الجون ستة أميال فذلك من طرف جوج إلى طرف الجون تقويرا ستة وستون ميلا وروسية أربعون ميلا
ومن الطرف إلى مرسى امتكوا عشرة أميال ومن امتكوا طالعا في الجون إلى مرسى وقور تقويرا أربعون ميلا وروسية ثلاثون ميلا وهو مرسى ضيق يستر من الريح الشرقية ولا يستر من غيرها ووقور في آخر الجون
ومن وقور إلى مدينة برشك عشرون ميلا وقد ذكرنا شرشال فيما تقدم وبين برشك وشرشال (عشرون ميلا) على البحر يتصل بينهما جبل كبير
272

منيع يسكنه قوم من البربر يسمون ربيعة ومن شرشال إلى طرف البطال وهو خارج في البحر اثنا عشر ميلا ويقابل هذا الطرف جزيرة صغيرة في البحر ومن طرف البطال ابتداء جون هور وهذا الجون يقطع روسية أربعين ميلا وتقويره ستون ميلا وهور قرية صغيرة في وسط الجون وعلى بعد من البحر وبها قوم صيادون للحوت ومكانها أقصار لا يسقط فيه أحد ويتخلص منه البتة
ومنه آخر جون هور إلى جزائر بني مزغنا ثمانية عشر ميلا وقد ذكرناها فيما مضى من الذكر في صفات البلاد أولا ومنها إلى تامدفوس ثمانية عشر ميلا وهو مرسى وعليه عمارة ومزارع متصلة ومنه إلى مرسى الدجاج عشرون ميلا ومرسى الدجاج قد ذكرناه قبل هذا
ومنه إلى طرف بني جناد وهو أنف يدخل البحر اثنا عشر ميلا ومن طرف بني جناد إلى مدينة تدلس اثنا عشر ميلا وقد ذكرناها قبل هذا
ومن مدينة تدلس إلى طرف بني عبد الله أربعة وعشرون ميلا تقويرا وروسية عشرون ميلا ومن طرف بني عبد الله إلى جون زفون روسية عشرون ميلا وتقويرا ثلاثون ميلا ومن زفون إلى الدهس الكبير تقويرا ثلاثون ميلا وروسية خمسة وعشرون ميلا ومنه إلى الدهس الصغير ثمانية أميال ومن الدهس إلى طرف جرية خمسة أميال وهي مزارع كثيرة
273

ومن طرف جربة إلى مدينة بجاية في البر ثمانية أميال وفي البحر اثنا عشر ميلا ومدينة بجاية في جون ينظر إلى الشرق ومن مدينة بجاية إلى متوسة اثنا عشر ميلا على التقوير وروسية ثمانية أميال ومن متوسة إلى المنصورية في وسط الجون على التقوير عشرة أميال ومن المنصورية إلى فج الزرزور اثنا عشر ميلا ومنه إلى مزغيطن وهو طرف خارج في البحر أحد عشر ميلا فمن هذا الطرف إلى بجاية خمسة وأربعون ميلا
ومن مزغيطن إلى مدينة جيجل خمسة أميال
ومن متوسة إلى فج الزرزور روسية خمسة وعشرون ميلا ومن فج الزرزور إلى جيجل على التقوير عشرون ميلا
ومن جيجل إلى وادي القصب عشرون ميلا وهناك مسقط واد يأتي من ظهر ميلة مع الجنوب
ومن وادي القصب إلى مرسى الزيتونة على التقوير ثلاثون ميلا وروسية عشرون ميلا ومرسى الزيتونة أول جبال الرحمان وهي جبال وجبأة عالية مشرفة على البحر ومنها إلى القل وبه ديار وناس ساكنون بها وهم الآن في أيام سفر الأسطول يرحلون إلى الجبال ولا يبقون بها شيئا من آثارهم وإنما يبقى بالقل في زمن الصيف الرجال فقط
ومن القل إلى مرسى استورة عشرون ميلا
274

ومن استورة إلى مرسى الروم ثلاثون ميلا تقويرا وروسية ثمانية عشر ميلا
ومن مرسى الروم إلى تكوش ثمانية عشر ميلا وهي رابطة وبها قوم ساكنون ومنها إلى رأس الحمراء ثمانية عشر ميلا
ومن رأس الحمراء إلى بونة في قاع الجون ستة أميال وسنذكر مدينة بونة فيما يأتي بعد هذا إن شاء الله فمن بجاية إلى بونة روسية مائتا ميل وقد أتينا بما ذكرناه من وضع هذه البلاد بما فيه كفاية حسب الطاقة والحمد لله على ذلك كثيرا كما هو أهله ومستحقه
نجز الجزء الأول من الإقليم الثالث والحمد لله ويتلوه الجزء الثاني منه إن شاء الله تعالى
275

الجزء الثاني
إن الذي وقع بهذا الجزء الثاني من الإقليم الثالث جمل من مدن وأقاليم وحصون وقلاع وأجناس وأمم فأما البلاد فمنها قمودة وباغاي ومسكيانة ومجانة وباجة وبونة ومرسى الخرز وبنزرت والاربس ومرماجنة وقسطيلية وبيلقان وتقيوس وزرود وقفصة ونفطة والحمة وتونس واقليبية وهرقلية وسوسة والمهدية وسفاقس وقابس ورغوغا وصبرة واطرابلس ولبدة وعلى ساحل هذا البحر بهذا الجزء حصون ومحارس وعمارات نذكرها فيما يأتي بعد هذا بعون الله
فأما مدينة باغاي فمدينة كبيرة عليها سوران من حجر وربض عليه سور وكانت الأسواق فيه وأما الآن فالأسواق في المدينة والارباض خالية بإفساد العرب لها وهي أول بلاد التمر ولها واد يجري إليها من جهة القبلة وشربهم منه ولهم أيضا شرب من آبار عذبة وكانت لها بواد وقرى وعمارات والآن
276

كل ذلك قليل فيها وحولها عمارات برابر يعاملون العرب وأكثر غلاتهم الحنطة والشعير وقبض معاوينها وتصرف أحوالها لآشياخها
ويتصل بها وعلى أميال منها جبل اوراس وطوله نحو من اثني عشر يوما وأهله مسلطون على من جاورهم
ومن مدينة باغاي إلى قسنطينة ثلاث مراحل ومن باغاي إلى طبنة الزاب أربع مراحل ومن باغاي إلى مدينة قسطيلية أربع مراحل
وهي تسمى توزر ولها سور حصين وبها نخل كثير جدا وتمرها كثير يعم بلاد إفريقية وبها الأترج الكبير الحسن الطيب وأكثر الفواكه التي بها في حال معتدلة وبقولها كثيرة موجودة متناهية في الكثرة والجودة وماؤها غير طيب ولا مرو وسعر الطعام بها في أكثر الأوقات غال لأنه يجلب إليها وزروع الحنطة والشعير بها قليل يسير
ويتصل بها بين جنوب منها وشرق مدينة الحمة وبينهما مرحلة صغيرة وماء الحمة ليس بطيب لكنه شروب قنع به أهلها وبها نخل كثير وتمر غزير
ومنها إلى تقيوس نحو من عشرين ميلا وهي مدينة حسنة تقع بينها وبين قفصة وهي مدينة عامرة لها غلات الحناء والكمون والكروياء وبها نخل وتمر حسن وجملة بقول طيبة ناعمة ومن تقيوس إلى مدينة قفصة مرحلة
ومدينة قفصة مدينة حسنة ذات سور ونهر جار ماؤه أطيب من ماء قسطيلية ولها في وسطها العين المسماة بالطرميذ ولها أسواق عامرة ومتاجر
277

كثيرة وصناعات قائمة ويطيف بها نخل كثير يشتمل على ضروب من أنواع التمر العجيب ولها جمل جنات وبساتين وقصور قائمة معمورة يزرع بها ضروب من غلات الحناء والقطن والكمون وأهلها متبربرون وأكثرهم يتكلم باللسان اللطيني الإفريقي
ومن مدينة قفصة إلى جهة الغرب ومع الجنوب يتصل بها هناك مدينة قاصرة وهي مدينة مذكورة ومدينة نقاوس ومدينة جمونس في الشرق منها وهذه البلاد كلها تتقارب في حالاتها وتتدانى في صفاتها ونخيلها ومياهها وغلاتها والحنطة بها أبدا قليلة لأنها في الأغلب تجلب إليها
ومدينة قفصة مركز والبلاد بها دائرة فمن قفصة إلى مدينة القيروان شمالا مع شرق أربع مراحل وعلى جهة المغرب مع الجنوب مدينة بيلقان على خمس مراحل وهي الآن خراب أفسدتها العرب واستولت على منافعها وعلى جميع أرضها ومياهها كثيرة ومنها إلى قفصة أربع مراحل ومن قفصة في جهة الجنوب إلى ناحية جبل نفوسة مدينة زرود وبينهما خمس مراحل ومن مدينة قفصة إلى مدينة نفطة مرحلتان صغيرتان وهي مدينة متحضرة عامرة بأهلها لها أسواق وتجارات ونخل وغلات ومياه جارية ومن قفصة إلى نفزاوة جنوبا يومان وبعض يوم ومن توزر إلى نفزاوة يوم ونصف يوم كبير
ومن مدينة قفصة إلى جبل نفوسة في جهة الجنوب نحو من ستة أيام وهو جبل
278

عال يكون نحوا من ثلاثة أيام طولا أو أقل من ذلك وفيه منبران لمدينتين تسمى إحداهما شروس في الجبل ولها مياه جارية وكروم وأعناب طيبة وتين وأكثر زروعهم الشعير الطيب المتناهي طيبا مما إذا خبز كان أطيب من سائر الطعام في سائر الأقاليم ولأهله في صنعة الخبز حذق وتمهر فاقوا في ذلك كل الناس ومن مدينة قفصة إلى مدينة سفاقس ثلاثة أيام
وفيما بين جبل نفوسة ومدينة نفزاوة مدينة لوحقة ويتصل بها غربا مدينة بسكرة وبادس
وكل هذه البلاد تتقارب في مقاديرها وصفاتها وفي متاجرها وأسواقها
ومن جبل نفوسة إلى وارقلان اثنتا عشرة مرحلة ومن نفطة إلى مدينة قابس ثلاث مراحل وبعض مرحلة
وقابس مدينة جليلة عامرة حفت بها من نواحيها غابات جنات ملتفة وحدائق مصطفة وفواكه عامة رخيصة وبها من التمر والزروع والضياع ما ليس بغيرها من البلاد وفيها زيتون وزيت وغلات وعليها سور منيع يحيط به من خارجه خندق ولها أسواق وعمارات وتجارات وبضاعات وكان بها فيما سلف طرز يعمل بها الحرير الحسن وبها الآن مدابغ للجلود ويتجهز بها منها ولها واد يأتيها من غدير كبير وعلى هذا الغدير قصر سجة وبينه وبين قابس ثلاثة أميال وهي مدينة صغيرة متحضرة وبها من ناحية
البحر أيضا سوق وباعة وحريريون كثيرون وشربهم من وادي قابس وماء مدينة
279

قابس غير طيب لكنه شروب وأهلها يستسيغونه ومدينة قابس بينها وبين البحر ستة أميال من جهة الشمال ويتصل بآخر غابة أشجارها إلى البحر رملة متصلة مقدار ميل وهذه الغابة أشجار وجنات وكروم وزيتون كثير يستعمل منه زيت كثير يتجهز به إلى سائر النواحي وبها أيضا نخل ملتف به من الرطب الذي لا يعدله شيء في نهاية الطيب وذلك أن أهل قابس يجنونها طرية ثم يودعونها في دنانات فإذا كان بعد مدة من ذلك خرجت لها عسلية تعلو وجهها بكثير ولا يقدر على التناول منها إلا بعد زوال العسل عنها من أعلاها وليس في جميع البلاد المشهورة بالتمر شيء من التمر يشبهه ولا يحاكيه ولا يطابقه في علوكته وطيب مذاقته
ومرساها في البحر ليس بشيء لأنه لا يستر من ريح وإنما ترسى القوارب بواديها وهو نهر صغير يدخله المد والجزر وترسى به المراكب الصغار وليس بكثير السعة وإنما يطلع المد للإرساء نحوا من رمية سهم وفي أهلها قلة دماثة ولهم زي ونظافة وفي باديتها عتو وفساد وقطع سبل
ومن مدينة قابس إلى مدينة سفاقس نازلا مع الجون سبعون ميلا ومدينة سفاقس بينها وبين قفصة بين جنوب وغرب ثلاثة أيام
ومدينة سفاقس مدينة قديمة عامرة لها أسواق كثيرة وعمارة شاملة وعليها سور من حجارة وأبواب عليها صفائح من حديد منيعة وعلى أسوارها محارس نفيسة للرباط وأسواقها متحركة وشرب أهلها من المواجل ويجلب إليها من مدينة قابس نفيس الفواكه وعجيب أنواعها ما يكفيها ويربى كثرة ورخص قيمة
280

ويصاد بها من السمك ما يعظم خطره ويكثر قدره وأكثر صيدهم بالزروب المنصوبة لهم في الماء الميت بضروب حيل وجل غلاتها الزيتون والزيت وبها منه ما ليس يوجد بغيرها مثله وبها مرسى حسن ميت الماء وبالجملة إنها من عز البلاد وأهلها لهم نخوة وفي أنفسهم عزة وافتتحها الملك المعظم رجار في عام ثلاثة وأربعين وخمس مائة من سني الهجرة وهي الآن معمورة وليست مثل ما كانت عليه من العمارة والأسواق والمتاجر في الزمن القديم
ومن سفاقس إلى مدينة المهدية مرحلتان ولها عامل من قبل الملك المعظم رجار والمهدية مدينة لم تزل ذات إقلاع وحط للسفن الحجازية القاصدة إليها من بلاد المشرق والمغرب والأندلس وبلاد الروم وغيرها من البلاد وإليها تجلب البضائع الكثيرة بقناطير الأموال على مر الأيام وقد قل ذلك في وقتنا هذا ومدينة المهدية كانت مرسى وفرضة للقيروان واستحدثها المهدي عبيد الله وسماها بهذا الاسم وهي في نحر البحر ترحل من سفاقس إلى رقادة القيروان ثم ترحل إليها من مدينة رقادة ومدينة المهدية من مدينة القيروان على مرحلتين وكانت فيما سلف المسافر إليها كثير والبضائع إليها مجلوبة من سائر البلاد والأقطار والأمتعة والمتاجر بها نافقة وفيها بائعة والهمم عل أهلها موقوفة وإليهم راجعة ولها حسن مبان لطيفة نظيفة المنازل والمتبوات وديارها حسنة وحماماتها جليلة وبها خانات كثيرة وهي في ذاتها حسنة الداخل والخارج بهية المنظر وأهلها حسان الوجوه نظاف الثياب ويعمل بها
281

من الثياب الحسنة الدقيقة الجيدة المنسوبة إليها ما يحمل ويتجهز به التجار إلى جميع الآفاق في كل وقت وحين ما ليس يقدر على عمل مثله في غيرها من البلاد والأمصار لجودته وحسنه وشرب أهلها من المواجل وآبارها غير عذبة ويحيط بالمهدية سور حسن مبني من الحجارة وعليها بابان من حديد لفق بعضه على بعض من غير خشب وليس يدرى في معمور الأرض مثلهما صنعة ووثاقة وهما من عجائبها الموصوفة وليس لها جنات ولا بساتين نخل وإنما يجلب إليها شيء من الفواكه من قصور المنستير وبينهما في البحر ثلاثون ميلا والمنستير قصور ثلاثة يسكنها قوم متعبدون والأعراب لا تضرهم في شيء من شجرهم ولا من عماراتهم وبهذا المكان أعني المنستير يدفن أهل المهدية موتاهم يحملونهم في الزوارق إليها فيدفنونهم بها ثم يعودون إلى بلدهم وليس بالمهدية جبانة تعرف في وقتنا هذا والمهدية في حين تأليفنا لهذا الكتاب مدينتان إحداهما مدينة المهدية والثانية مدينة زويلة ومدينة المهدية يسكنها السلطان وجنوده وبها قصره الحسن البناء العجيب الاتقان والارتقاء وكان بها قبل أن يفتحها الملك المعظم رجار في سنة ثلاث وأربعين وخمس مائة طيقان الذهب وكانت مما يفتخر به ملوكها واستفتحت المهدية وسلطانها يومئذ الحسن بن علي بن يحي بن تميم بن المعز بن باديس بن المنصور بن بلقين ابن زيري الصنهاجي وبمدينة زويلة الأسواق الجميلة والمباني الحسنة والشوارع الواسعة والأزقة الفسيحة وأهلها تجار مياسير نبلاء ذوو أذهان ثاقبة وأفهام
282

ذكية وجل لباسهم البياض ولهم همم في أنفسهم وملابسهم وفيهم الجمال ولهم معرفة زائدة في التجارات وطريقتهم حميدة في المعاملات ولهذه المدينة أسوار عالية حصينة جدا تطيف بها من سائر جهاتها ونواحيها البرية والبحريه وجميعها مبني بالحجر وفيها فنادق كثيرة وحمامات جمة ولهذه المدينة من جهة البر خندق كبير تستقر به مياه السماء وبخارجها من جهة غربيها حمى كان قبل دخول العرب أرض إفريقية وإفسادهم لها فيه جنات وبساتين بسائر الثمار العجيبة والفواكه الطيبة ولم يبقى الآن منها بهذا الحمى المذكور شيء وعلى مقربة من هذه المدينة قرى كثيرة ومنازل وقصور يسكنها قوم بواد لهم زروع كثيرة ومواش وأغنام وأبقار وإصابات كثيرة في القمح والشعير وبها زيتون كثير يعتصر منه زيت طيب عجيب يعم سائر بلاد إفريقية ويتجهز به إلى سائر بلاد المشرق وبين هاتين المدينتين أعني المهدية وزويلة فضاء كبير يسمى الرملة مقداره أشف من رمية سهم والمهدية قاعدة بلاد إفريقية وقطب مملكتها
وإذ قد انتهى بنا القول في ذكر بلاد إفريقية فلنرجع الآن إلى ذكر بلاد نفزاوة فنقول إن مدينة سبيطلة كانت مدينة جرجيس ملك الروم الأفارقه وكانت من أحسن البلاد منظرا وأكبرها قطرا وأكثرها مياها وأعدلها هواء وأطيبها ثرى وكانت بها بساتين وجنات وافتتحها المسلمون في صدر الإسلام وقتلوا بها ملكها العظيم المسمى جرجيس ومنها إلى مدينة قفصة مرحلة وبعض ومنها أيضا إلى القيروان سبعون ميلا
283

ومدينة القيروان أم أمصار وقاعدة أقطار وكانت أعظم مدن الغرب قطرا وأكثرها بشرا وأيسرها أموالا وأوسعها أحوالا وأتقنها بناء وأنفسها همما وأربحها تجارة وأكثرها جباية وأنفقها سلعة وأنماها ربحا وأجهرهم عصيانا وأطغاهم اغمارا والغالب على فضلائهم التمسك بالخير والوفاء بالعهد والتخلي عن الشبهات واجتناب المحارم والتفنن
في محاسن العلوم والميل إلى القصد فسلط الله سبحانه عليها العرب وتوالت الجوائح عليها حتى لم يبقى منها إلا اطلال دارسة وآثار طامسة وهي الآن في وقتنا هذا على جزء منها سور تراب وولاة أمورها العرب وهم يقبضون ما يتوفر من جباياتها وبها أقوام قليلون تجاراتهم يسيرة ومنافعها نزرة وفيما يذكر أهل النظر أنها عما قريب ستعود إلى ما كانت عليه من العمارة وغير ذلك ومياهها قليلة وشرب أهلها من ماء الماجل الكبير الذي بها وهذا الماجل من عجيب البناء لأنه مبني على تربيع وفي وسطه بناء قائم كالصومعة وذرع كل وجه منه مائتا ذراع وهوكله مملوء ماء والقيروان كانت مدينتين إحداهما القيروان والثانية صبرة وصبرة كانت دار الملك وكان فيها أيام عمارتها ثلاث مائة حمام وأكثرها للديار وباقيها مبرز للناس كافة وصبرة الآن في وقتنا هذا خراب ليس بها ساكن وعلى ثلاثة أميال منها قصور رقادة الشاهقة الذرى الحسنة البناء الكثيرة البساتين والثمار وبها كانت الأغالب تربع في أيام دولتها وزمان بهجتها وهي الآن خراب لا ينتظر جبرها ولا يعود خيرها
ومن مدينة القيروان إلى مدينة تونس مرحلتان وبعض بسير القوافل وهي مدينة حسنة يحيط بها من جميع جهاتها فحوص ومزارع للحنطة والشعير وهي
284

أكبرغلاتها وجل معاملات أهلها مع ثقات العرب وأمرائها وهي الآن في حين تأليفنا لهذا الكتاب معمورة موفورة الخيرات يلجأ إليها القريب والبعيد وعليها سورتراب وثيق ولها أبواب ثلاثة وجميع جناتها ومزارع بقولها في داخل سورها وليس لها خارج السور شيء يعول عليه والعرب تجاور أرضها وتأتي بأنواع الحبوب إليها والعسل والسمن ما يكفي أهلها غدقا ويعمل بها من الخبز وأنواعه ما لا يمكن عمله في غيرها من البلاد ومدينة تونس في ذاتها قديمة أزلية حصينة اسمها في التواريخ ترشيش ولما افتتحها المسلمون وأحدثوا البناء بها سموها تونس وشرب أهلها من آبار شتى لكن أعظمها قدرا وأحلاها ماء بئران أحتفرتهما بعض سيدات الإسلام ابتغاء الثواب وهما في نهاية من سعة القدر وكثرة الماء وهذه المدينة مصاقبة لقرطاجنة المشهورة بالطيب وكثرة الفواكه وحسن الجهة وجودة الثمار واتساع الغلات ومن غلاتها القطن والقنب والكروياء والعصفر وقرطاجنة في وقتنا هذا خراب لا ساكن بها
ومدينة تونس في وسط جون خارج عن البحر وهي على بحيرة محتفرة وعرضها أكثر من طولها وذلك أن طولها ستة أميال وعرضها ثمانية أميال ولها فم يتصل بالبحر وهوالمسمى فم الوادي وذلك أن هذه البحيرة لم تكن قبل وإنما حفر في البر حفر انتهي به إلى مدينة تونس لأن بين تونس والبحر ستة أميال كما وصفناه قبل وسعة هذا النهر المحفور نحو من أربعين ذراعا وعمقه من أربع قيم إلى ثلاث وقعره طين وطول هذا الحفر المسمى
285

نهرا أربعة أميال ثم اجروا ماء البحر في ذلك النهر المحفور فعلا على الحفر حتى جاوز أعلاه بربع قامة وأقل وأكثر إلى أن بلغ الماء حده فوقف وعند آخر هذا الحفر يتسع فيه الماء ويعمق واسمه وقور وإليه تصل المراكب الحمالة والنواشي والحرابي وترسى هناك واتصل فيض الماء الطافي في هذا النهر المحفور إلى مدينة تونس فهي على نحر البحيرة وأوساق المراكب تفرغ بوقور في زوارق صغار تعوم في أقاصير المياه إلى مدينة تونس ودخول المراكب من البحر إلى النهر حتى تصل إلى وقور واحدا بعد واحد لأن سعة النهر لا يحتمل أكثر من ذلك ويتصل بعض من هذه البحيرة في جهة المغرب حتى يكون بينها وبين قرطاجنة ميلان ومن فم هذه البحيرة إلى مدينة قرطاجنة ثلاثة أميال ونصف
وهي الأن خراب وإنما يعمر منها قطيعة مرتفعة تسمى المعلقة يحيط بها سور تراب ويسكنها رؤساء من العرب يعرفون ببني زياد ومدينة قرطاجنة كانت في وقت عمارتها من غرائب البلاد المذكورة بما فيها من عجائب البناء وإظهار القدرة في ذلك وبها الآن بقايا من بنيان الروم المشهور بها مثل الطياطر التي ليس لها نظير في مباني الأرض قدرة واستطاعة وذلك أن هذه الطياطر هي بناء في استدارة وهي نحو من خمسين قوسا قائمة في الهواء سعة كل قوس منها أزيد من ثلاثين شبرا وبين كل قوس وأختها سارية وعظمها وسعة السارية والعضادتين أربعة أشبار ونصف ويقوم على كل قوس من هذه الأقواس خمسة أقواس قوس على قوس صفة
286

واحدة وبناء واحدا من الحجر الكذان الذي لا يجانسه شيء في الجودة وعلى أعلى كل قوس من هذه القسي بحر دائر وقد صور في البحر الدائر على القسي السفلى أنواع من الصور وضروب من التماثيل العجيبة الثابتة في الصخر من صفات الناس والصناع والحيوانات والمراكب وكل ذلك قد اتقن بأبدع صنعة وأحذق حكمة وسائر البناء الأعلى أملس لا شيء به ويقال إن هذا البناء كان ملعبا ومجتمعا في فصل ما ويوم ما من السنة ومن عجائب البناء بقرطاجنة الدواميس التي يبلغ عددها أربعة وعشرين داموسا في سطر واحد طول كل داموس مائة وثلاثون خطوة في عرض ست وعشرين خطوة ولكل داموس منها أقباء في أعلاه وبين كل داموس منها وصاحبه وأثقاب وزراقات تصل منها المياه من بعض إلى بعض كل ذلك بهندسة وحكمة وكان الماء يجري إلى هذه الدواميس من عين شوقار التي هي بقرب القيروان وطول مسافة جري هذا الماء من العين إلى الدواميس ثلاث مراحل وكان جري الماء من هذه العين إلى هذه الدواميس على عدة قناطر لا يحصى لها عدد وجري الماء بوزنة معتدلة وهذه القناطر قسي مبنية بالصخر فما كان منها في نشز الأرض كان قصيرا وما كان منها في بطن الأرض وأخاديدها كان في نهاية العلو وهذا من أغرب شيء أبصر على وجه الأرض والماء في وقتنا هذا مقطوع عن هذه الدواميس لا يصل إليها منه شيء كل ذلك أوجبه خراب مدينة قرطاجنة ومع ذلك إنها من يوم خرابها
287

إلى الآن يحفر على ما تهدم من قصورها وأصول بنائها فيستخرج منه من أنواع الرخام ما يكل عنه الواصف ولقد أخبر خبير بها أنه رأى ألواحا استخرجت من الرخام طولها أربعون شبرا في عرض سبعة أشبار فما دونها والحفر في خرابها دائما لا ينقطع واخراج الرخام منها لا ينقضي ورخامها يحمل إلى جميع أقطار الأرض ولا سبيل إلى أن يخرج أحد منها في مركب أو غيره إلا ويحمل معه من رخامها الشيء الكثير حتى اشتهر ذلك وقد يوجد بها من أعمدة الرخام ما يكون محيط دور الواحدة منها أربعين شبرا فما دونه
ويحيط بمدينة قرطاجنة أوطية من الأرض وسهول ولها مزارع وضروب غلات ومنافع جمة ويتصل بأرض قرطاجنة من جهة المغرب إقليم مدينة سطفورة وهو أقليم جليل به ثلاث مدائن فأقربها إلى تونس اشلونه وتينجة وبنزرت وهي مدينة على البحر حصينة أصغر من مدينة سوسة في ذاتها وبين تونس وبنزرت يوم كبير في البر
ومدينة بنزرت صغيرة عامرة بأهلها وبها مرافق وأسواق قائمة بذاتها وبالجهة الشرقية منها بحيرتها المعروفة بها والمنسوبة إليها وطولها ستة عشر ميلا وعرضها ثمانية أميال وفمها متصل بالبحر وكلما أخذت في البرية اتسعت وما قربت من البحر ضاقت وانخرطت
وهذه البحيرة من أعاجيب الدنيا وذلك أن بها اثني عشر نوعا من السمك يوجد منها في كل شهر نوع واحد لا يمتزج بغيره من أصناف السمك فإذا
288

تم الشهر لم يوجد شيء من ذلك النوع في الشهر الآتي ثم يوجد في الشهر الآتي صنف من السمك آخر غير الصنف الأول لا يمتزج بغييره هكذا لكل شهر نوع من السمك لا يمتزج بسمك غيره إلى كمال السنة هكذا في كل عام وهذه الاثنا عشر نوعا من الحوت التي ذكرناها هي البوري والقاجوج والمحل والطلنط والأشبلنييات والشلبة والقاروض واللاج والجوجة والكحلاء والطنفلو والقلا
ويتصل بهذه البحيرة من جهة الجنوب مع انحراف إلى الغرب بحيرة ثانية تسمى بحيرة تينجة وطولها أربعة أميال في عرض مثلها وبينهما فم تتصل منه مياه بعضها ببعض وفي أمر هاتين البحيرتين عجيب وذلك أن ماء بحيرة تينجة عذب وماء بحيرة بنزرت ملح وكل واحدة من هاتين البحيرتين تصب في أختها ستة أشهر ثم ينعكس جريهما فتمسك الجارية عن الجري وتصب البحيرة الثانية إلى هذه الأولى ستة أشهر أخرى فلا بحيرة تينجة يتملح ماؤها ولا يعذب ماء بحيرة بنزرت وهذا أيضا عجب آخر من عجائب هذا الصقع والسمك ببنزرت وبتونس أيضا كثير رخيص جدا
ومن بنزرت إلى مدينة طبرقة سبعون ميلا وطبرقة حصن على البحر قليل العمارة وحوله عرب لا خلاق لهم ولا يحفظون في أحد من الناس إلا ولا ذمة وبها مرسى للمراكب ومراكب الأندلس تصفي إليها وتأخذها في قطعها روسية
289

وعلى بعض الطريق من طبرقة إلى تونس مدينة باجة وهي مدينة حسنة في وطاء من الأرض كثيرة القمح والشعير ولها من غلات ذلك ما ليس بالمغرب مثله كثرة وجودة في المواضع المضاهية لباجة وهي صحيحة الهواء كثيرة الرخاء واسعة الدخل على واليها والعرب مالكة لخراج قطرها ومتصل أرضها وبها عين في وسطها ينزل إليها بأدراج ومنها شرب أهلها وليس لها في خارجها عود نابت إلا فحوص ومزارع وبين باجة وطبرقة مرحلة وبعض ويقابل باجة في جهة الشمال وعلى نحر البحر الملح مدينة مرسى الخرز وبينهما مرحلة كبيرة
وهي مدينة صغيرة عليها سور حصين ولها قصبة وحولها عرب كثير وعمارة أهلها لها على صيد المرجان والمرجان يوجد بها كثيرا وهو أجل جميع المرجان الموجود بسائر الأقطار مثل ما يوجد منه بمدينة سبتة وصقلية وسنذكر سبتة التي على مجاز البحر المسمى بالزقاق المتصل ببحر الظلمات ويقصد التجار من سائر البلاد إلى هذه المدينة فيخرجون منه الكثير إلى جميع الجهات
ومعدن هذا المرجان في هذه المدينة مخدوم في كل سنة ويعمل به في كل الأوقات الخمسون قاربا والزائد والناقص وفي كل قارب العشرون رجلا وما زاد ونقص والمرجان ينبت كالشجر ثم يتحجر في نفس البحر بين جبلين عظيمين ويصاد بآلات ذوات ذوائب كثيرة تصنع من القنب
290

تدار هذه الآلة في أعلى المراكب فتلتف الخيوط على ما قاربها من نبات المرجان فيجذبه الرجال إلى أنفسهم ويستخرجون منه الشيء الكثير مما يباع بالأموال الطائلة وعمدة أهلها على ذلك وشرب أهلها من الآبار وهي قليلة الزرع وإنما يجلب إليها قوتها من بوادي العرب المجاورة لها وكذلك الفواكه ربما جلبت إليها من بونة وغيرها
وبين مدينة مرسى الخرز ومدينة بونة مرحلة خفيفة وفي البحر أربعة وعشرون ميلا روسية
ومدينة بونة وسطة ليست بالكبيرة ولا بالصغيرة ومقدارها في رقعتها كالاربس وهي على نحر البحر وكانت لها أسواق حسنة وتجارة مقصودة وأرباح موجودة وكان فيها كثير من الخشب موجود جيد الصفة ولها بساتين قليلة وشجر وبها من أنواع الفواكه ما يعم أهلها وأكثر فواكهها من باديتها والقمح بها والشعير في أوقات الإصابات كما وصفنا كثير جدا وبها معادن حديد جيد ويزرع بأرضها الكتان والعسل بها موجود ممكن وكذلك السمن وأكثر سوائمهم البقر ولها أقاليم وأرض واسعة تغلبت العرب عليها وافتتحت بونة على يدي أحد رجال الملك المعظم رجار في سنة ثمان وأربعين وخمس مائة وهي الآن في ضعف وقلة عمارة وبها عامل من قبل الملك المعظم رجار من آل حماد وعلى مدينة بونة وبجنبيها جبل يدوغ وهو عالي الذروة سامي القمة وبه معادن الحديد التي ذكرناها آنفا
ومن مدينة باجة المتقدم ذكرها إلى مدينة الاربس مرحلتان ومن الاربس
291

إلى مدينة القيروان ثلاث مراحل وكذلك بين باجة والبحر مرحلتان خفيفتان
ومدينة الاربس مدينة في وطاء من الأرض عليها سور تراب جيد وفي وسطها أعين ماء جارية لا تجف وشرب أهلها الآن من ماء تلك العيون واسم العين الواحدة منها عين رباح والأخرى عين زياد وماء عين زياد أطيب من ماء عين رباح وماؤها صحيح ولها معدن حديد وليس حولها من خارج شجرة نابتة البتة وهي على مزارع الحنطة والشعير ويدخر بها منهما الشيء الكثير ومنها على اثني عشر ميلا مدينة أبة وهي بغربي الاربس وبها من الزعفران ما يضاهي الزعفران الأندلسي في الكثرة والجودة وأرضهما واحدة مختلطة وفي وسط مدينة أبة عين ماء جارية منها شرب أهلها وهي غدقة ماؤها غزير وكان على أبة فيما ما سلف من الزمان سور مبني من الطين وأسعارها رخيصة وأكثرها الآن خراب
ومن مدينة الاربس إلى مدينة صغيرة تسمى تامديت مرحلتان وعليها سور تراب وشرب أهلها من عيون بها وغلات أهلها من الحنطة والشعير المقدار الكثير
وبين الاربس وتامديت مدينة صغيرة تسمى مرماجنة وهي لأهلها وللعرب عليها ضريبة ويصيبون من القمح والشعير ما يعمم بالكفاف وزيادة
ومن تينجس إلى بونة الساحلية ثلاث مراحل ومن تينجس إلى مدينة المسيلة خمس مراحل وكذلك من مدينة الاربس إلى القيروان ثلاث مراحل
292

ومن مدينة الاربس إلى تونس مرحلتان ومن تينجس إلى قسنطينة يومان وبين الاربس ومدينة بجاية اثنتا عشرة مرحلة ومن مرماجنة إلى مدينة مجانة مرحلتان خفيفتان بل هي مرحلة كبيرة
وهي مدينة صغيرة عليها سور تراب وكان بها قديما يزرع بصل الزعفران كثيرا ولهم واد غزير الماء يأتي من جبل بمقربة منها يزرعون عليه غلاتهم وهو جبل شاهق ومنه تقطع أحجار المطاحن التي إليها الانتهاء في الجودة وحسن الطحين حتى أن الحجر منها ربما مر عليه عمر الإنسان فلا يحتاج إلى نقش ولا إلى صنعة هذا لصلابته ودقة أجزائه وأرض مجانة تغلبت العرب عليها وبها تخزن طعامها وبينها وبين القسنطينة ثلاث مراحل ومنها إلى بجاية الناصرية ست مراحل
وبين تونس والحمامات مرحلة كبيرة وهذه المرحلة هي عرض الجزيرة المسماة بجزيرة باشو وهي أرض مباركة وطيبة ذات شجر زيتون وعمارات متصلات وبركات وخيرات وغلات ومياه ليست بكثيرة الجري على وجه الأرض لكنها ممكنة مياه الآبار وفيها بالجملة خصب زائد وهذه الجزيرة إقليم لها مدينة باشو ولم يبقى الآن منها إلا مكانها وفيه قصر معمور ومنها قصر على البحر يسمى نابل وكان بالقرب من هذا القصر في أيام الروم مدينة عامرة فخربت وبقي الآن مكانها وهو قصر صغير معمور وكذلك قصر توسيهان بالقرب منها أثر مدينة كانت عامرة في أيام الروم فخربت وبقي مكانها
293

وبين تونس ومدينة القيروان جبل زغوان وهو جبل عال جدا تقصد إليه المراكب من ظهر البحر لعلوه وارتقائه في الجو وهو أكثر الجبال ماء وفيه خصب ومزارع وعمارة ويعمر منه في أماكن قوم عباد مسلمون متفردون وكذلك جبل واسلات وطوله يومان ومنه إلى تونس يومان وبينه وبين القيروان خمسة عشر ميلا وفيه عمارات كثيرة ومياه جارية وفيه من الحصون حصن الجوزات وحصن تيفاف وحصن القيطنة ودار إسماعيل ودار الدواب وكل هذه البلاد يعمرها قبائل من البربر وهم أهل هذه الناحية وهم في حصب ولهم مواش أبقار وأغنام وبغال ورماك والعرب متغلبون على سهول هذه الأرض كلها
ولنذكر الآن الطرقات المسلوكة بين هذه البلاد فمن ذلك الطريق من القيروان إلى تاهرت
فمن القيروان إلى الجهنيين وهي قرية مرحلة
إلى مدينة سبيبة مرحلة وهي مدينة أزلية كثيرة المياه والجنات وعليها سور من حجارة حصين ولها ربض فيه الأسواق والخانات وشربهم من عين جارية كبيرة عليها جناتهم وبساتينهم وغلاتهم من الكمون والكروياء والبقول
ومنها إلى مرماجنة وهي قرية لهوارة مرحلة
294

ومنها إلى مدينة مجانة التي قدمنا ذكرها مرحلة
ثم إلى مسكيانة مرحلة وهي قرية عامرة قديمة وبها زروع ومكاسب وعيون ولها سوق ممتدة كالسماط وهي أكبر من مرماجنة
ومنها إلى باغاي وهي مدينة عامرة وقد قدمنا ذكرها فيما سلف من هذا الجزء والطريق يتمادى من مدينة باغاي إلى المسيلة كما قدمناه فيما سلف
وطريق ثان يأخذ من القيروان إلى المسيلة على غير الطريق الذي قدمنا ذكره وهو يخرج من القيروان إلى جلولة مرحلة خفيفة وهي مدينة صغيرة عليها سور وبها عين مياء جارية عليها بساتين كثيرة ونخل كثير
ومنها إلى أحرى مرحلة وهي قرية حسنة ماؤها من الآبار وفيها زروع وحنطة وشعير كثير
ومنها إلى قرية طامجنة مرحلة ولها فحص كبير وحنطتها وشعيرها ممكن كثير رخيص جدا
ومنها إلى مدينة الأربس مرحلة
ومن الأربس إلى تيفاش مرحلة وهي أيضا مدينة أزلية قديمة عليها سور قديم بالحجر والجيار وبها عين ماء جارية ولها بساتين ورياضات وأكثر غلاتها الشعير
ومن تيفاش إلى قصر الإفريقي مرحلة ولا سور لها وبها مزارع وإصابات جمة في الحنطة والشعير
295

ومنها إلى قرية ازكو مرحلة ولها جنات وعيون ومياه وبساتين وغلات قمح وشعير وخير واسع
ومنها إلى قرية البردوان مرحلة وكانت قرية كبيرة وهي من أقاليم القمح والشعير
ومنها إلى قرية النهرين مرحلة وهي في وطاء من الأرض وفيها آبار ماء عذبة وكان لها سوق والغالب عليها البربر من كتامة ومزاتة
ومنها إلى قرية تامست كتامة مرحلة وبها أشجار وعمارات
ومنها إلى دكمة مرحلة وهي قرية لها سوق وأهلها من كتامة
ومنها إلى اوسحنت مرحلة وهي قرية للبربر وبها مياه جارية ومزارع حنطة وشعير
ومنها إلى المسيلة أقل من مرحلة
ومن مدينة المسيلة إلى وارقلان اثنتا عشرة مرحلة كبار وهي مدينة فيها قبائل مياسير وتجار أغنياء يتجولون في بلاد السودان إلى بلاد غانة وبلاد ونقارة فيخرجون منها التبر ويضربونه في بلادهم باسم بلدهم وهم وهبية إباضية نكار خوارج في دين الإسلام
ومن وارقلان إلى غانة ثلاثون مرحلة ومن وارقلان إلى كوغة نحو من شهر ونصف ومن وارقلان إلى قفصة ثلاث عشرة مرحلة
296

فلنرجع الآن إلى ذكر مدينة قابس التي في نحر البحر الملح وهي مدينة الأفارقة التي تقدم ذكرها وذلك أن من مدينة قابس إلى الفوارة ثلاثون ميلا وكانت فيما سلف قرية
وهي الآن خراب ومنها إلى آبار خبت ثلاثون ميلا ومن آبار خبت إلى قصر الدرق ثمانية وعشرون ميلا ومن قصر الدرق إلى بئر الجمالين ثلاثون ميلا ومنها إلى صبرة أربعة وعشرون ميلا ومن قصر صبرة إلى اطرابلس مرحلة وكل هذه المنازل التي ذكرناها في هذا الطريق خلاء بل بلقع قد أتت العرب على عمارتها وطمست آثارها وأخربت عشارها وأفنت خيراتها فليس بها الآن أنيس قاطن ولا حليف ساكن وهي مستباحة لقبيلة من العرب تسمى مرداس ورياح
وطريق آخر من قابس إلى وادي أحناس ثم إلى بئر زناتة ثم إلى تامدفيت إلى آبار العباس إلى تافنات إلى بئر الصفاء إلى اطرابلس
ومدينة اطرابلس مدينة حصينة عليها سور حجارة وهي في نحر البحر بيضاء حسنة الشوارع متقنة الأسواق وبها صناع وأمتعة يتجهز بها إلى كثير من الجهات وكانت قبل هذا مفضلة العمارات من جميع جهاتها كثيرة شجر الزيتون والتين وبها فواكهة جمة ونخل إلا أن العرب أضرت بها وبما حولها من ذلك وأجلت أهلها وأقفرت بواديها وغيرت أحوالها وأبادت أشجارها وأغورت مياهها واستفتحها الملك رجار في سنة أربعين وخمس مائة فسبى حرمها وأفنى رجالها وهي الآن له في طاعته ومعدودة في جملة بلاده وأرض
297

مدينة اطرابلس عديمة المثال في إصابة الزرع ولا يدرى أن على معمور الأرض مثلها في ذلك وهذا مشهور معلوم
ومن مدينة اطرابلس في جهة المشرق إلى مدينة صرت مائتا ميل وثلاثون ميلا وهي إحدى عشرة مرحلة وذلك أن السائر يخرج من مدينة اطرابلس إلى المجتنى عشرون ميلا ومن المجتنى إلى ورداسا اثنان وعشرون ميلا ومن ورداسا إلى رغوغا خمسة وعشرون ميلا ومن رغوغا إلى تاورغا اثنان وعشرون ميلا ثم إلى المنصف خمسة وعشرون ميلا ثم إلى قصور حسان بن النعمان الغساني أربعون ميلا ثم إلى الأصنام ثلاثون ميلا ثم إلى صرت ستة وأربعون ميلا وهذا الطريق يبعد عن الساحل تارة ويقرب أخرى لا وكل ذلك في ملك قبيلتين من العرب وهما عوف ودباب
ومدينة صرت بينها وبين البحر ميلان وعليها سور تراب وما استدار بها رمل وبها بقايا نخيل ولا زيتون بها وبها كثير من شجر التوت وبقايا شجر التين أيضا كثير غير أن العرب تأتي على أكثر ذلك بإفسادها وليس بها من العشب ما باوجلة ولا من التمر ما بودان وكان نخيلهم فيما سلف فوق الكفاف لهم وكانت لهم أعناب وفواكه إلا أنها قد تلفت في وقتنا هذا ولم يبق منها شيء إلا ما كان في بطون الأودية ورؤوس الجبال ومياهها من المطر في المواجل وآبارها قليلة وعليها قبائل من البربر
وعلى مدينة اطرابلس جبل مقدة وبينهما ثلاث مراحل ومن مدينة
298

اطرابلس إلى جبل نفوسة ست مراحل وكذلك من جبل نفوسة أيضا إلى سفاقس تسع مراحل ومن جبل نفوسة إلى قسطيلية ست مراحل وأهل جبل نفوسة كلهم إسلام لكنهم خوارج نكار على مذهب ابن منبه اليماني وقد ذكرنا هذا المذهب في ذكرنا أهل جزيرة جربة
ومن جبل نفوسة إلى جبل دمر ثلاث مراحل في رمل متصل وفي أطراف هذا الجبل قوم من البربر يسمون رهانة وهم قوم ينتجون الإبل ويركبون أمضاها وأسرعها خطاء ويسيرون فرقا إلى ما تباعد منهم من قبائل العرب فيضربون عليهم ويغيرون على إبلهم ويعودون بغنائمهم إلى جبلهم ومواضع مساكنهم التي يأوون إليها وليس لهم شغل إلا هذا وليس أحد من العرب المجاورين لهم إلا ويتشكي أذيتهم وقليلا ما يظفر بأحد منهم لسرعة جري نجبهم ودلاتهم بتلك الأرض وتحصنهم في أمكنتهم كما قلناه وتتصل هذه البلاد في جهة الجنوب ببلاد ودان
ونحن الآن ذاكرون ما تضمنه هذا الجزء الذي نحن في وصفه من مراسي البحر وقراطله وما عليه من القصور المعمورة والبلاد المقصودة حسبما وصل إليه الطلب والبحث وبلغه الجهد والطاقة وبالله الإرشاد
فأقول إن من مدينة بونة الغربية إلى الطرف ستة أميال إلى جون الازقاق وهو جون صغير وفي آخره مرسى الخرز وهذا القرطيل داخل في البحر أربعون ميلا
ومن مرسى الخرز إلى طبرقة أربعة وعشرون ميلا ومنها إلى طرف
299

الجون خمسة عشر ميلا روسية وعلى التقوير أربعة وعشرون ميلا وهناك رملة تسمى المنشار ستة عشر ميلا ومن طرف المنشار إلى قلعة أبي خليفة عشرة أميال ومنها قطع جون روسية عشرون ميلا وتقويرا ثمانية وعشرون ميلا وإلى رأس الطرف اثنا عشر ميلا
ومنها إلى بنزرت ثمانية أميال وقد سبق ذكرها
ومنها إلى مرسى بني وجاص اثنا عشر ميلا
ومن طرف بني وجاص إلى رأس الجبل ثلاثة عشر ميلا جونا وعلى هذا الجون قصور فمن أول رأس بني وجاص إلى قصر مرسى الوادي ثلاثة أميال وهو مسقط نهر صغير ومنه إلى قصر ترشة داود ثلاثة أميال ومنه إلى قصر صونين خمسة أميال ومنه إلى طرف الجبل ميلان وهذا الطرف يعرف بالكنيسة وهو أول الجون الذي في وسطه مدينة تونس وبحيرتها
بحذاء طرف الجبل مع التقوير إلى موقع نهر بجردة ستة أميال ومن موقع الوادي إلى قصر جلة على مقربة منه نحو من أربعة أميال ومنه إلى قصر جردان ميلان ومنه إلى مدينة قرطاجنة ميلان ومدينة قرطاجنة خراب كما قدمنا ذكرها
ومن قرطاجنة إلى حلق وادي تونس ثلاثة أميال وهذا الوادي هو في نصف الجون ومن فم الوادي إلى قصر جهم اثنا عشر ميلا ومن قصر جهم إلى قصر قربص ستة عشر ميلا ومن قصر قربص إلى طرف أفران
300

أربعة عشر ميلا وهو قرطيل داخل في البحر فجميع تقوير هذا الجون أربعة وسبعون ميلا وقطعة روسية من رأس الجبل إلى طرف أفران ثمانية وعشرون ميلا وكذلك
من وسط الجون حيث فم وداي تونس إلى طرف أفران إذا قطع روسية ثمانية وعشرون ميلا وتقويرا ستة وخمسون ميلا
ومن طرف أفران إلى مرسى قصر النخلة ستة أميال
ومنه إلى قصر مينزرت اثنا عشر ميلا
ومنه إلى قصر نوبة ثلاثون ميلا فذلك من فم وادي تونس إلى نوبة سبعون ميلا ويوازي نوبة في البحر الجامور الكبير والجامور الصغير وبينهما سبعة أميال ومن الجامور الكبير إلى نوبة اثنا عشر ميلا
ومن نوبة روسية إلى رأس الرخيمة ميل واحد بجون وهذا الجون غلى التقوير ستة أميال وهو قصيركله
ومن رأس الرخيمة إلى طرف البقلة وهو طرف الجبل المسمى ادارو وهو من ناحية اقليبية في المشرق
ومن رأس الرخيمة إلى الجامور الصغير ستة أميال وهذه الجوامير جبلان قائمان في البحر ويرسى بهما انقلاب الرياح
فجميع ما بين نوبة واقليبية ثلاثون ميلا ومن طرف اقليبية إلى المنستير مجرى فمن سار من اقليبية إلى قصر أبي مرزوق سبعة أميال ومنه إلى قصر لبنة ثمانية أميال ومن لبنة إلى قصر سعد أربعة أميال ومن قصر سعد إلى
301

قصر قربة ثمانية أميال إلى طرف توسيهان عشرة أميال
طرف توسيهان يدخل في البحر ميلا ونصفا وهو كالضرس الخارج ومن هذا الضرس إلى قصر توسيهان في الجون أربعة أميال
ومن توسيهان إلى قصر نابل ثمانية أميال ونابل كانت مدينة للروم كبيرة جدا عامرة فلما استفتحت الجزيرة في صدر الإسلام اسبيحت مصالحها ومحاسنها حتى لم يبق لها رسم ولا أثر إلا مكان قصر فقط وبقيت بقايا خرابها دالة عليها
ومن قصر نابل إلى قصر الخياط ثمانية أميال وبينه وبين البحر نحو من ميلين ومن قصر الخياط إلى قصر النخيل ستة أميال ثم إلى طرف الحمامات سبعة أميال
ومن هذا الطرف راجعا في البر إلى مدينة تونس مرحلة كبيرة وهذه المرحلة هي عرض الجزيرة المسماة بجزيرة باشو المتقدم ذكرها
وهذا الطرف المسمى بطرف الحمامات هو قصر مشيد على طرف يدخل في البحر نحوا من ميل
ومن الحمامات إلى المنار وهو قصر خمسة أميال وهذا القصر على بعد من البحر ومنه إلى قصر المرصد ثم إلى قصر المرابطين ستة أميال وهذا القصر في قاع جون المدفون ومنه إلى طرف قرطيل المدفون ستة أميال ومن طرف القرطيل المذكور إلى حصن اهرقلية ثمانية أميال
ومن اهرقلية إلى مدينة سوسة ثمانية عشر ميلا وهي مدينة عامرة بالناس
302

كثيرة المتاجر والمسافرون إليها قاصدون وعنها صادرون بالمتاع الذي يعدم قرينه من أنواع الثياب والعمائم المنسوبة إليها وهو من جيد المتاع ونفيسه وبها أسواق عامرة ومياههم من المواجل وعليها سور من حجر حصين
ومن سوسة إلى قصر شقانس ثمانية أميال ومن شقانس إلى قصر ابن الجعد أربعة أميال ومنه إلى قصور المنستير ميلان فذلك من حصن اقليبية إلى المنستير قطع روسية مائة ميل وهو مجرى وعلى التقوير مائة وعشرون ميل
ويقابل المنستير في البحر جزيرة قورية ومنها إلى المنستير تسعة أميال ومن هذه الجزيرة إلى لمطة عشرة أميال ومنها إلى الديماس اثنا عشر ميلا ومنها إلى المهدية عشرون ميلا
وكذلك أيضا من المنستير إلى المهدية ثلاثون ميلا ومن المنستير إلى قصر لمطة سبعة أميال ومن قصر لمطة إلى الديماس ثمانية أميال ومن الديماس إلى المهدية ثمانية أميال
والمهدية يحيط بها البحر كما قدمنا ذكره ومنها يبدأ البحر يتجون في جهة الجنوب
ومن المهدية إلى قصر سلقطة ستة أميال ومنه إلى قصر العالية ستة أميال إلى قبوذية ثلاثة عشر ميلا
وقبوذية قصر حسن ويصاد به من الحوت كل طريفة وهو بها كثير رخيص
ومن قبوذية إلى قصر مليان ثمانية أميال ومن قصر مليان إلى قصر
303

الريحانة أربعة أميال إلى قصر قناطة أربعة أميال ويعمل بقصر قناطة فخار كثير ساذج يتجهز به إلى المهدية وغيرها وطينه أحمر
ثم إلى قصر اللوزة أربعة أميال إلى قصر زياد ستة أميال ومن قصر زياد إلى قصر مجدونس ثمانية أميال ومن قصر مجدونس إلى قصر قاساس ثمانية أميال ومن قصر قاساس إلى قصر قزل ميلان فذلك من قصر زياد إلى طرف قزل ثمانية عشر ميلا
ومن طرف قزل إلى قصر حبلة ميلان في جون ومنه إلى مدينة سفاقس في الجون خمسة أميال الجميع من ذلك من قبوذية إلى سفاقس ثمانية وأربعون ميلا وروسية ثلاثون ميلا
وقبالة قصر زياد في البحر مع المشرق جزيرة قرقنة ومكانها وموضعها بين قصر زياد وسفاقس وذلك لأن من قرقنة إلى قبوذية عشرون ميلا ومن قرقنة إلى سفاقس نحو من خمسة عشر ميلا وهي جزيرة حسنة عامرة بأهلها وليس بها مدينة وإنما سكناهم في أخصاص وهي خصيبة كثيرة الكروم والأعناب وغلات الكمون والأنيسون وهي
الحبة الحلوة واستفتحها الملك المعظم رجار في سنة ثمان وأربعين وخمس مائة وفي الطرف الغربي منها كهوف وغيران يتحصنون فيها ممن يريدهم وتسمى القربدي والقربدي هناك يتصل به حجر قصير عشرون ميلا ومن القربدي إلى بيت القصير خمسة وثلاثون ميلا وطول هذه الجزيرة ستة عشر ميلا وعرضها ستة أميال
ثم نرجع الآن إلى ذكر سفاقس فنقول إن منها إلى طرف الرملة أربعة أميال
304

ومن طرف الرملة راجعا في جهة الجنوب وهو أول الجون إلى قصر المجوس أربعة أميال ومنه إلى قصر بنقة عشرة أميال ومن قصر بنقة إلى قصر تنيذة ثمانية أميال ومنه إلى قصور الروم أربعة أميال ومنه إلى مدينة قابس خمسة وسبعون ميلا وقد وصفنا قابس فيما تقدم ذكره بما هي عليه من الصفة
فمن قابس مع الساحل إلى قصر ابن عيشون ثمانية أميال إلى قصر زجونة ثمانية أميال ومن قصر زجونة إلى قصر بني مأمون عشرون ميلا ومن قصر بني مأمون إلى إمرود أحد عشر ميلا ومنه إلى قصر الجرف ثمانية عشر ميلا فذلك من قرطيل رأس الرملة إلى هذا الطرف المسمى بالجرف على التخلية خمسون ميلا وعلى التقوير مائة وخمسون ميلا
ومن طرف الجرف إلى جزيرة جربه في البحر أربعة أميال وهي جزيرة عامرة بقبائل من البربر والسمرة تغلب على ألوان أهلها والشر والنفاق موجود في جبلتهم وكلامهم بالبربرية خاصهم وعامهم وهم أهل فتنة وخروج عن الطاعة وافتتحها الملك المعظم رجار بإسطول بعثه إليها وذلك في آخر سنة تسع وعشرين وخمس مائة ثم استقر من بقي فيها إلى سنة ثمان وأربعين وخمس مائة ثم نافقوا وخرجوا عن طاعة الملك المعظم رجار فغزاهم في هذه السنة بالأسطول فاستفتحها ثانية ورفع جميع سبيها إلى المدينة وطول جزيرة جربة ستون ميلا من المغرب إلى المشرق وعرض الرأس الشرقي خمسة عشر ميلا ومن هذا الطرف إلى البر الكبير عشرون ميلا ويسمى هذا الطرف الضيق رأس كرين ويسمى الطرف الواسع انتيجان
305

ويتصل بهذه الجزيرة إلى جهة المشرق جزيرة زيزوا وهي صغيرة جدا وفيها نخل وكروم وبين جزيرة زيزوا والبر نحو من ميل ويقابلها قصر بني خطاب وهذه الجزيرة عامرة بأهلها وهم قوم نكار خوارج في الإسلام مذهبهم الوهبية وكذلك جميع الحصون والقصور التي تلي هاتين الجزيرتين يتمذهبون بمثل ذلك وذلك انهم لا يماسح ثوب أحدهم ثوب رجل غريب ولا يمسه بيده ولا يؤاكله ولا يأكل له في آنية إلا أن تكون آنية محفوظة لا يقربها أحد سواه ورجالهم ونساؤهم يتطهرون في كل يوم عند الصباح ويتوضؤون ثم يتيممون لكل صلاة وان استقى عابر سبيل شيئا من مياه آبارهم وعاينوه طردوه واستخرجوا ذلك الماء عن البئر وثياب الجنب لا يقربها الطاهر وثياب الطاهر لا يقربها الجنب وهم مع ذلك كله ضيافون يطعمون الطعام ويندبون إلى طعامهم ويسالمون الناس في أموالهم وفيهم عدالة بينة لمن نزل بهم
ومن طرف الجزيرة أعني جربة المسمى انتيجان إلى قصير البيث تسعون ميلا وكذلك من طرف انتيجان إلى القنطرة التي في قرقنة اثنان وستون ميلا
ورجع بنا القول إلى طرف الجرف المتقدم ذكره فمنه إلى رأس الأودية على الساحل أربعة وعشرون ميلا ومنها إلى قصور الزارات عشرون ميلا وهذه القصور الثلاثة تلي طرف جزيرة جربة وبينهما في البحر عشرون ميلا ومن قصور الزارات إلى قصر بني ذكومين خمسة وعشرون ميلا ومن بني ذكومين إلى قصر الهرى ستة أميال ومنه إلى قصر جرجيس ستة أميال
306

ومن قصر جرجيس إلى قصر بني خطاب خمسة وعشرون ميلا وقصر بني خطاب هو على آخر سباخ الكلاب من جهة المغرب ويقابل قصر بني خطاب في البحر اسقالة جزيرة زيزوا وطولها أربعون ميلا وعرضها نحو نصف ميل وبعضها معمور بالنخل والكروم وباقيها تحت الماء كما قدمنا ذكره والماء يشف على وجهها نحو قامة وأزيد من ذلك وأقل
ومن قصر بني خطاب إلى قصر شماخ خمسة وعشرون ميلا وبينهما جون صغير ويسمى جون صلب الحمار
ومن قصر شماخ إلى قصر صالح عشرة أميال وقصر صالح على قرطيل يأخذ من المشرق إلى المغرب طوله خمسة أميال ويسمى رأس المخبز
ومنه إلى قصر كوطين عشرون ميلا ومن قصر كوطين إلى قصر بني ولول عشرون ميلا ومن قصر ولول إلى مرسى مركيا عشرون ميلا ومن قصر مركيا إلى قصر عفسلات عشرون ميلا ومن قصر عفسلات إلى قصر سربة أربعة أميال ومنه إلى قصر سنان ميلان ومنه إلى قصر البنداري ثلاثة أميال ثم إلى قصر غرغرة عشرة أميال ومن قصر غرغرة إلى قصر صياد ستة أميال ثم إلى مدينة اطرابلس عشرون ميلا وقد وصفنا مدينة اطرابلس فيما مر على استقصاء وصفها وحالها في ذاتها 0
ومن مدينة اطرابلس إلى قصر على رأس قاليوشا أربعة عشر ميلا ومنه
307

إلى قصر الكتاب ثمانية أميال ومنه إلى قصر بني غسان اثنا عشر ميلا إلى مصب وادي لادس ثمانية عشر ميلا ومنه إلى طرف رأس الشعراء أربعة عشر ميلا فذلك من رأس قاليوشا إلى رأس الشعراء روسية أربعون ميلا وعلى التقوير اثنان وخمسون ميلا
ومن رأس الشعراء إلى قصر شريكس أربعة عشر ميلا إلى قرطيل المسن وهو طرف داخل في البحر أربعة أميال ومنه إلى لبدة أربعة أميال
وكانت مدينة لبدة كثيرة العمارات مشتملة الخيرات وهي على بعد من البحر فتسلطت العرب عليها وعلى أرضها فغيرت ما كان بها من النعم وأجلت أهلها إلى غيرها فلم يبقى الآن بها إلا قصران كبيران وعمارهما وسكانهما قوم من هوارة البربر ولها عل نحر البحر الآن قصر كبير عامر آهل به صناعات وسوق عامرة وللبدة نخل كثير وزيتون يستخرجون زيته في وقته
ومن لبدة إلى قصر بني حسن سبعة عشر ميلا ومنه إلى مرسى باكروا ميل واحد وهو مرسى حسن يكن من كل الرياح
ومنه إلى قصر هاشم إلى قصر سامية اثنا عشر ميلا ومن قصر سامية إلى سويقة ابن مثكود اثنا عشر ميلا ومن السويقة إلى طرف قانان المشهور عشرون ميلا فذلك من
اطرابلس إلى طرف قانان على التخلية مائة ميل وثمانون ميلا وعلى التقوير مائتان وعشرة أميال
308

وهنا انقضى ذكر ما تحصل في هذا الجزء من ساحل البحر الشامي حسبما أوجبته القسمة له وسنأتي بذكر ما بقي منه فيما يأتي بحول الله تعالى
والسويقة التي ذكرناها تنسب إلى ابن مثكود ويسكن حولها وبها قبائل من هوارة برابر تحت طاعة العرب وبها سوق مشهودة وهي قصور كثيرة وأهلها يحرثون الشعير على السقي والعرب يخزنون بها طعامهم 0
نجز الجزء الثاني من الإقليم الثالث والحمد لله ويتلوه الجزء الثالث منه إن شاء الله تعالى
309

الجزء الثالث
إن الذي تضمنه هذا الجزء الثالث من الإقليم الثالث من الأرضين أكثرها خلاء وعامرها قليل وأهلها عرب مفسدة في الأرض مغيرة على من جاورها
وفيها من البلاد زويلة ابن الخطاب ومستيح وزالة وأوجلة وبرقة
وعلى ساحل البحر المحيط قصور جمل يحيط بها التفصيل وفيها من البلاد المشهورة صرت وأجدابية أما وإن كانتا في زماننا هذا في نهاية ضعف وقلة عامر فقد بقي لهما ومنهما توهم رسم مع حلية اسم والمراكب ترد عليهما بالأمتعة النافقة فيهما ومنافعهما على قدرهما وها نحن ذاكرون هذه المدن والأرضين والقصور والبحور واصفون بحالاتها والحول والقوة لله سبحانه
فأما مدينة برقة فمدينة متوسطة المقدار ليست بكبيرة القطر ولا بصغيرة غير أنها في هذا الوقت عامرها قليل وأسواقها كاسدة وكانت فيما سلف على غير هذه الصفة وهي أول منبر ينزله القادم من بلاد مصر إلى القيروان ولها كور عامرة بالعرب وهي في بقعة فسيحة يكون مسيرها يوما وكسرا في مثله ويحيط بهذه البقعه جبل وأرضها حمراء خلوقية التراب وثياب أهلها أبدا حمر وبذلك يعرف أهلها في سائر البلاد المحيط بها والصادر عنها والوارد إليها كثير في الأحايين لأنها بعيدة عن البلاد المجاورة المقاومة لها
310

في جميع حالاتها وهي برية بحرية وكان لها من الغلات في سالف الزمان القطن المنسوب إليها الذي لا يجانسه صنف من أصناف القطن وكان بها وإلى الآن ديار لدباغ الجلود البقرية والنمور الواصلة إليها من أوجلة وهي الآن يتجهز منها المراكب والمسافرون الواصلون إليها من الإسكندرية وأرض مصر بالصوف والعسل والزيت وتخرج منها التربة المنسوبة إليها فينتفع بها الناس ويتعالجون بها مع الزيت للجرب والحكة وداء الحية وهي تربة غبراء وإذا ألقيت في النار فاحت لها رائحة كرائحة الكبريت وهي فظيعة الدخان كريهة الرائحة والطعم
ومن برقة إلى مدينة أوجلة في البرية عشر مراحل بسير القوافل وكذلك من برقة إلى أجدادبية ست مراحل وهي من الأميال مائة واثنان وخمسون ميلا ومن برقة إلى الإسكندرية إحدى وعشرون مرحلة وهي من الأميال خمس مائة ميل وخمسون ميلا والأرض التي بينهما يقال لها أرض برنيق 0
وأجدابية مدينة في ضحضاح من حجر مستو كان لها سور فيما سلف وأما الأن فلم يبق منها إلا قصران في الصحراء والبحر منها على أربعة أميال وليس بها ولا حولها شيء من النبات وأهلها الغالب عليهم يهود ومسلمون تجار ويطوف بها من أحياء البربر خلق كثير 0
وليس بأجدابية ولا ببرقة ماء جار وإنما مياههم من المواجل والسواني التي يزرعون عليها قليل الحنطة والأكثر الشعير وضروب من القطاني والحبوب ومن أجدابية إلى أوجلة خمس مراحل 0
ومدينة أوجلة مدنة صغيرة متحضرة فيها قوم ساكنون كثيرو التجارة وذلك على قدر احتياجهم واحتياج العرب وهي في البرية يطيف بها نخل وغلات لأهلها ومنها يدخل إلى كثير من أرض السودان نحو بلاد كوار وبلاد كوكو وهي في رصيف طريق والوارد عليها والصادر كثير وأرض أوجلة وبرقة أرض واحدة ومياهها قليلة وشرب أهلها من المواجل 0
ومن أوجلة إلى مدينة زالة عشر مراحل غربا وهي مدينة صغيرة ذات سوق عامرة وبها أخلاط من البربر من هوارة وتجارات وفي أهلها حماية ومروة 0
ومن زالة يدخل إلى بلاد السودان أيضا وكذلك من مدينة زالة إلى مدينة زويلة عشرة أيام وبين زالة وزويلة مدينة صغيرة تسمى مستيح ومن زالة إلى أرض ودان ثلاثة أيام 0
وودان جزائر نخل متصلة وعمارات كثيرة ومن زالة إلى مدينة صرت تسعة أيام ومن مدينة صرت إلى أرض ودان خمس مراحل وودان هذه ناحية في جنوب مدينة صرت وهما قصران بينهما مقدار رمية سهم والقصر الذي يلي الساحل خال والذي مع البرية مسكون لها ولهما آبار كضيرة ويزرعون بها الذرة وبغربيها غابات وحولها شجر التوت كثير وشجر تين ذاهب ونخل كثير وتمور لينة حلوة أما وإن كانت تمور أوجلة أكثر فتمور ودان أطيب ومنها يدخل غلى بلاد السودان وغيرها
وأما مدينة زويلة ابن الخطاب فمنها إلى صرت خمس مراحل كبار ومنها غلى السويقة المسماة بسويقة ابن مثكود ست عشرة مرحلة ومدينة زويلة ابن
311

ومدينة أوجلة مدينة صغيرة متحضرة فيها قوم ساكنون كثيرو التجارة وذلك على قدر احتياجهم واحتياج العرب وهي في ناحية البرية يطيف بها نخل وغلات لأهلها ومنها يدخل إلى كثير من أرض السودان نحو بلاد كوار وبلاد كوكو وهي في رصيف طريق والوارد عليها والصادر كثير وأرض أوجلة وبرقة أرض واحدة ومياهها قليلة وشرب أهلها من المواجل
ومن أوجلة إلى مدينة زالة عشر مراحل غربا وهي مدينة صغيرة ذات سوق عامرة وبها أخلاط من البربر من هوارة وتجارات وفي أهلها حماية ومروة
ومن زالة يدخل إلى بلاد السودان أيضا وكذلك من مدينة زالة إلى مدينة زويلة عشرة أيام وبين زالة وزويلة مدينة صغيرة تسمى مستيح ومن زالة إلى أرض ودان ثلاثة أيام
وودان جزائر نخل متصلة وعمارات كثيرة ومن زالة إلى مدينة صرت تسعة أيام ومن مدينة صرت إلى أرض ودان خمس مراحل وودان هذه ناحية في جنوب مدينة صرت وهما قصران بينهما مقدار رمية سهم والقصر الذي يلي الساحل خال والذي مع البرية مسكون ولها آبار كثيرة ويزرعون بها الذرة وبغربيها غابات وحولها شجر التوت كثير وشجر تين ذاهب ونخل كثير وتمور لينة حلوة أما وإن كانت تمور أوجلة أكثر فتمور ودان أطيب ومنها يدخل إلى بلاد السودان وغيرها
وأما مدينة زويلة ابن خطاب فمنها إلى صرت خمس مراحل كبار ومنها إلى السويقة المسماة بسويقة ابن مثكود ست عشرة مرحلة ومدينة زويلة ابن
312

خطاب في صحراء وهي مدينة صغيرة وبها أسواق ومنها يدخل إلى جمل من بلاد السودان وشرب أهلها من آبار عذبة ولها نخل كثير وتمرها حسن والمسافرون يأتونها بأمتعة من جهازها وجمل من أمور يحتاج إليها والعرب تجول في ارضها وتضر بأهلها قدر الطاقة
وكل هذه الأرضين التي ذكرناها ملك بأيدي العرب فمن قصر العطش إلى قافز هي لناصرة وعميرة وهما قبيلتان من العرب ومن قافز إلى طلميثة إلى لك هي لقبيلة من البربر متعربين يقال لهم مزاتة وزناتة وفزارة وهم يركبون الخيول ويعتقلون الرماح الطوال ويحمون تلك الأرض عن العرب إن تدوس ديارهم ولهم عزة ونخوة وجلادة
فأما البحر الذي تضمنه هذا الجزء فهو لمن قطعه روسية سبع مجار وأمياله سبع مائة ميل وهذا الجون على تقويره ثلاث عشرة مجرى وأمياله ألف ميل وثلاث مائة ميل وذلك لأن من طرف قانان إلى مدينة صرت ثلاث مجار وقد ذكرنا مدينة صرت فيما سلف
ومن مدينة صرت إلى قصر مغداش مجرى ونصف ومنه إلى الجزيرة البيضاء مجرى ونصف إلى قصر سربيون مجرى ومن قصر سربيون إلى قصر قافز نصف مجرى إلى برنيق نصف مجرى إلى الأربعة بروج مجرى ثم إلى توكرة خمسون ميلا ثم إلى طلميثة خمسون ميلا ثم إلى الطرف مجريان وهذا ذكر مجمل
ونريد أن نذكر ما عليه من القصور فإذا خرج الخارج من طرف قانان
313

صار إلى قصور حسان قطعا في البرية أربع مراحل كبار ليس بها شيء من الماء وهو وطاء و لا عوج به ولا أمت وقصورحسان لا عامر بها وإنما هي الآن في وقتنا هذا خراب لم يبق منها إلا أثر غابر وبها ماء يشرب من بئرين قريبتي القعر ومنهما يتزود بالماء المار بها والجائي ويأخذ منهما ما يكفيه لشربه في مسافة سفره ومنها إلى الأصنام ثلاثون ميلا ويسمى هذا الجون جون زديف والماء يوجد بها في خروق أحساء محفورة في الرمل على ضفة البحر الملح وسميت الأصنام لأن بالقرب منها في البرية عدة أصنام وهي من بناء الروم الأول
ومن الأصنام إلى القرنين وهو قصر كبير عامر وفي وسطه بئر عميقة وإليه تصب مياه الأمطار في زماننا ومنه إلى صرت ثلاثة عشر ميلا ومدينة صرت ذكرناها قبل هذا بما فيه كفاية ومنها إلى قصر العبادي على البحر أربعة وثلاثون ميلا ومن قصر العبادي إلى اليهودية أربعة وثلاثون ميلا وهو قصر عامر وفيه زراعات على مياه تستخرج بالسواني من آبار ومن اليهودية إلى قصر العطش أربعة وثلاثون ميلا وهو قصر عامر وفيه زراعات وفيه ثلاث جبات
ومن قصر العطش إلى منهوشة ثلاث مراحل لا ماء فيها وهي سباخ وطيئة ومنهوشة على البحر ومياهها في أحساء تحتفر في الرمل على البحر وسميت منهوشة لأن في رمالها أفاع صغارطول الواحدة شبر لا زائد وهي تضر وتنهش من لا يعلم أمرها ومن أسرى بالليل في تلك الأرض وبها قطائع
314

بقر وحشية وكذلك بها ذئاب كثيرة وضباع تفترس السالك إذا تبين الضعف فيه
ومن منهوشة إلى بئر الغنم نحو من ثلاثة عشر ميلا وهي على آخر السبخة المنسوبة إلى منهوشة ومنها إلى الفاروخ مرحلة وهي من الأميال ثلاثون ميلا ومن الفاروخ إلى حرقرة خمسة وعشرون ميلا ثم إلى بوسمت عشرون ميلا ثم إلى سلوق أربعة وعشرون ميلا ثم إلى أويرار ثلاثون ميلا ثم إلى قصر العسل اثنا عشر ميلا ثم إلى مرينة سبعة وعشرون ميلا ثم إلى برقة خمسة عشر ميلا والطريق من سلوق إلى قافز مرحلة
وقافز قصر في وسط وطاء برنيق وفي شرقيها غابة متصلة إلى البحر وبينها وبين البحر أربعة أميال وبمقربة من قافز في جهة الشرق بحيرة مع طول البحر يحجزها تل رمل وماؤها عذب وطولها ستة عشر ميلا وفي سعتها نحو من نصف ميل ومن نصف هذه البحيرة تبتدىء الغابة وبهذه الأرض قبائل رواحة
ومن قافز إلى قصر توكرة مرحلتان وهو قصر كبير عامر آهل وفيه قوم من البربر وحوله أرض عامرة وسوان يزرع عليها القطاني والشعراء محيطة بها
ومنها إلى قمانس وهو قصر عشرة أميال ومنه إلى أوطليط وهو قصر عامر بالناس نصف يوم ومنه إلى الأربعة بروج وهو قصر يوم ومنه إلى قصر العنين عشرة أميال
ومنه إلى قصر طلميثة وهو حصن جيد عليه سور حجارة عشرة أميال
315

وهو عامر بالناس والمراكب تقصد إليه بالمتاع الحسن من القطن والكتان ويتجهز منه بالعسل والقطران والسمن في المراكب الواصلة إليه من الإسكندرية وحوله قبائل رواحة من جهة المغرب ومن طلميثة إلى جهة المشرق قبائل هيب وسنأتي بما اتصل بهذه البلاد والأرضين بعد هذا إن شاء الله تعالى
نجز الجزء الثالث من الإقليم الثالث والحمد لله ويتلوه الجزء الرابع منه إن شاء الله
316

الجزء الرابع
إن الذي تضمن هذا الجزء الرابع من الإقليم الثالث من البلاد البرية سنتريه وصحار متصلة إلى أعمال الإسكندرية ومع ذلك ديار مصر وبعض بلادها العليا وبلاد أسفل
الأرض منها متصلة بمعظم النيل وبلاد الفيوم والريف ثم أسفل الأرض وماتحويه من الأقاليم والبلاد المعمورة التي هي من أعمال مصر ومنسوبة إليها ونذكر ذلك ذكرا متصلا شافيا ونذكر من أخبار مصر وعجائب بنيانها ومشاهير عجائبها والداخل فيها والخارج عنها ومقاييس مياهها كل ذلك على توال ونسق إن شاء الله تعالى
فنقول إن من مدينة برقة إلى الإسكندرية على طريق مستقيم إحدى وعشرون مرحلة وذلك من مدينة برقة إلى قصر الندامة ستة أميال ومنها إلى تاكنست ستة وعشرون ميلا إلى مغار الرقيم خمسة وعشرون ميلا وهنا يجتمع هذا الطريق بالطريق الأعلى ومن مغار الرقيم إلى جب حليمة خمسة وثلاثون ميلا ومن جب حليمة إلى وادي مخيل خمسة وثلاثون ميلا ومن وادي مخيل إلى جب الميدان خمسة وثلاثون ميلا ومن جب الميدان إلى جناد الصغير خمسة وثلاثون ميلا إلى جب عبد الله ثلاثون ميلا ثم إلى مرج الشيخ ثلاثون ميلا ثم إلى العقبة
317

عشرون ميلا ثم إلى حوانيت أبي حليمة عشرون ميلا ومن حوانيت أبي حليمة إلى خربة القوم خمسة وثلاثون ميلا ثم إلى قصر الشماس خمسة عشر ميلا ومن قصر الشماس إلى سكة الحمام خمسة وعشرون ميلا ومن سكة الحمام إلى جب العوسج ثلاثون ميلا ومن جب العوسج إلى كنائس الحرير إلى الطاحونة أربعة وعشرون ميلا ومن الطاحونة إلى حنية الروم ثلاثون ميلا ومن حنية الروم إلى ذات الحمام أربعة وثلاثون ميلا ومن ذات الحمام إلى ثونية ثمانية عشر ميلا ومن ثونية إلى الإسكندرية عشرون ميلا وهذه الطريق هي الطريق العليا في الصحراء وأما طريق الساحل فإنه من الإسكندرية إلى رأس الكنائس ثلاثة مجار ومن رأس الكنائس إلى مرسى الطرفاوى مجرى ومن مرسى الطرفاوى إلى أول جون رمادة خمسون ميلا ومنه إلى عقبة السلم ومن عقبة السلم إلى مرسى عمارة عشرة أميال ومن مرسى عمارة إلى الملاحة ثلاثون ميلا ومن الملاحة إلى لكة عشرة أميال ومما يلي لكة في البرية قصران يسمى أحدهما كيب والثاني قمار ومن لكة إلى مرسى طبرقة خمسون ميلا ومن طبرقة إلى مرسى رأس تينى مجرى ونصف ومن رأس تينى إلى البندرية مجريان ومن البندرية ينعطف البحر مارا في جهة المغرب على استواء طرف التعدية مجريان لا عمارة بهما وإنما هناك مما يلي البحر جبال وشعاب لا يقدر أحد على سلوكها لصعوبة مراقيها وخشونة طرقاتها وتعذر منافذها ومن طرف التعدية يأخذ جون درين في الابتداء إلى آخره وهذا الجون الذي تأتي البندرية في أوله إلى أن ينتهي إلى الإسكندرية قطعة روسية ستة مجار وهو
318

ستمائة ميل وطول هذا الجون على التقوير إلى الإسكندرية أحد عشر مجرى ونصف وهي من الأميال ألف ميل ومائة وخمسون ميلا ومن آخر عمالة طلميثة المتقدم ذكرها يكون أول عمالة هيب ورواحة وهم قبائل من العرب أهل إبل وأغنام وثروة وبلادهم آمنة وادعة وبجبال أوثان حروث كثيرة وأهلها يتصيدون فيها وينبت بها البطم والعرعر والصنوبر كثيرا وفي هذه الجبال زراعات ومعائش ونخل كثير وعسل عجيب وآخر عمل هيب لكة وبعد البندرية على نحو عشرة أميال قصر كبير يسكنه قوم من لخم ويسمى القصر بهم وأهله كلهم عسالة يتخذون النحل ويتشارون عسلها وأكثرهم يستعملون قطع العرعر ثم يستخرجون منه القطران ويسافرون به إلى ديار مصر
وأما الإسكندرية فهي مدينة بناها الإسكندر وبه سميت وهي مدينة على نحر البحر الملح وبها آثار عجيبة ورسوم قائمة تشهد لبانيها بالملك والقدرة وتعرب عن تمكن وبصر وهي حصينة الأسوار نامية الأشجار جليلة المقدار كثيرة العمارة رائجة التجارة شامخة البناء رائعة المغنى شوارعها فساح وعقائد بنيانها صحاح وفرش دورها بالرخام والمرمر وحنايا أبنيتها بالعمد المشمر وأسواقها كثيرة الإتساع ومزارعها واسعة الانتفاع والنيل الغربي منها يدخل تحت أقبية دورها كلها وتتصل دواميس بعضها ببعض وهي في ذاتها كثيرة الضياء متقنة الأشياء وفيها المنارة التي ليس على قرار الأرض مثلها بنيانا ولا أوثق منها عقدا أحجارها من صميم الكذان وقد أفرغ الرصاص في أوصالها فبعضها مرتبط ببعض معقود لا ينفك التئامها والبحر يصدم أحجارها من
319

الجهة الشمالية وبين هذه المنارة وبين المدينة ميل في البحر وفي البر ثلاثة أميال وارتفاع هذه المنارة ثلاثمائة ذراع بالرشاشي وهو ثلاثة أشبار وذلك أن طولها كله مائة قامة منها ست وتسعون قامة إلى القبة التي في أعلاها وطول القبة أربع قامات ومن الأرض إلى الحزام الأوسط سبعون قامة سواء ومن الحزام الأوسط إلى أعلاها ست وعشرون قامة ويصعد إلى أعلاها من درج عريض في وسطها كالعادة في أدراج الصوامع ومنتهى الدرج الأول إلى نصفها ثم ينقبض البناء في نصفها من الأربعة أوجه وفي جوف هذا البناء وتحت أدراجه بيوت مبنية ومن هذا الحزام الأوسط يطلع بناؤها إلى أعلاها مقبوضا عن مقدار البناء الأسفل بمقدار ما يستدير به الإنسان من كل ناحية ويصعد أيضا إلى أعلاها من هذا الحزام في أدراج أقل أبنية من الأدراج السفلى وفيه زراقات أضواء في كل وجه منها يدخل الضوء عليها من خارج إلى داخل بحيث يبصر الصاعد فيها حيث يضع قدميه حين يصعد فيها وهذه المنارة من عجائب بنيان الدنيا علوا ووثاقة والمنفعة فيها أنها علم توقد النار بها في وسطها بالليل والنهار في أوقات سفر المراكب فيرى أهل المراكب تلك النار بالليل والنهار فيعلمون عليها وترى من بعد مجرى لأنها تظهر بالليل كالنجم وبالنهار يرى منها دخان وذلك أن مدينة الأسكندريه في قعر الجون متصلة بها أوطئة وصحار متصلة لا جبل بها ولا علامة يستدل بها عليها ولولا تلك النار لضلت أكثر المراكب عن القصد إليها وهذه النار تسمى فانوسا ويقال إن الذي بنى هذه المنارة هو الذي بنى الأهرام التي في حد مدينة الفسطاط من غربي النيل ويقال أيضا إنها من بنيان الإسكندر عند بنيان الإسكندرية والله أعلم بصحيح ذلك وبالإسكندرية المسلتان وهما
320

حجران على طولهما مربعان وأعلاهما أضيق من أسفلهما وطول الواحدة منهما خمس قيم وعرض قواعدها في كل وجه عشرة أشبار محيط الكل أربعون شبرا وعليها كتابات بالخط السرياني وحكى صاحب كتاب العجائب أنهما منحوتتان من حجر جبل بريم في بلاد مصر وعليها مكتوب أنا يعمر بن شداد بنيت هذه المدينة حين لاهرم فاش ولا موت ذريع ولا شيب ظاهر وإذ الحجارة كالطين وإذ الناس لا يعرفون لهم ربا إلا يعمر فأقمت أسطواناتها وفجرت أنهارها وغرست أشجارها وأردت أن أطول على الملوك الذين كانوا بها بما أجعله فيها من الآثار المعجزة فأرسلت الثبوت بن مرة العادي ومقدام بن الغمر بن أبي رغال الثمودي إلى جبل بريم الأحمر فاقتطعها منه حجرين وحملاهما على أعناقهما فانكسرت ضلع الثبوت فوددت أن أهل مملكتي كانوا فداء له وأقامهما لي الفطن بن جارود المؤتفكي في يوم السعادة وهذه المسلة الواحدة
في ركن البلد من الجهة الشرقية والثانية من هذه المسلات أيضا في بعض المدينة وقيل إن المجلس الذي بجنوب الإسكندرية المنسوب إلى سليمان بن داود أن يعمر بن شداد بناه ويقال أيضا إن سليمان بن داود بناه وإسطواناته وعضاداته باقية إلى الآن وصفته أنه مجلس مربع الطول في كل رأس منه ست عشرة سارية وفي الجانبين المتطاولين منه سبع وستون سارية وفي الركن الشمالي منه أسطوانة عظيمة ورأسها عليها وفي أسفلها قاعدة رخام في محيط تربيع وجوهها ثمانون شبرا في عرض كل وجه عشرون شبرا في ارتفاع ثمانين شبرا ودور محيط هذه
321

السارية أربعون شبرا وطولها من القاعدة إلى رأسها تسع قيم والرأس منقوش مخرم بأحكم صنعة وأتقن وضع ولا أخت لها ولا يعلم أحد من أهل الإسكندرية ولا من أهل مصر ما المراد بوضعها مفردة في مكانها وهي الآن مائلة ميلا كثيرا لكنها ثابتة آمنة من السقوط والإسكندرية من عمالة مصر وقاعدة من قواعدها
وأرض مصر تتصل حدودها من جهة الجنوب ببلاد النوبة ومن جهة الشمال بالبحر الشامي ومن جهة الشام بفحص التيه ومن جهة الشرق ببحر القلزم ومن جهة المغرب بالواحات
وأما طول النيل فمن ساحل بحر الروم حيث ابتداؤه إلى أن يتصل بأرض النوبة من وراء الواحات نحو خمس وعشرين مرحلة ومن حد النوبة مما يلي الجنوب مصاقبا لبلاد النوبة نحو ثماني مراحل ويمتد من هناك إلى أول الحد الذي ذكرناه نحو اثنتي عشرة مرحلة
ومدينة الفسطاط هي مصر سميت بذلك لأن مصرام بن حام بن نوح عليه السلام بناها في الأول وكانت مدينة مصر أولا عين شمس فلما نزل عمرو ابن العاص والمسلمون معه في صدر الإسلام وافتتحها اختط المسلمون حول فسطاطه فعمروا مكان مصر الآن وهو المكان الذي هي الآن فيه ويقال إنما سميت بالفسطاط لأن عمرو بن العاص لما استفتح مصر وأراد المسير إلى الإسكندرية أمر بالفسطاط أن يحط ويسار به أمامه فنزلت حمامة في أعلاه وباضت بيضتها فأخبر بذلك عمرو فامر أن يترك الفسطاط على حاله إلى أن تخلص الحمامة فرخيها ففعل وقال والله ما كنا لنسيء لمن ألفنا واطمأن بجانبنا
322

حتى نفجع هذه الحمامة بكسر بيضتها فترك الفسطاط وأقام بمصر إلى أن تخلص فرخ الحمامة ثم ارتحل وتسمى مدينة مصر باللسان اليوناني ببيلونة وهي الان مدينة كبيرة على غاية من العمارة والخصب والطيب والحسن فسيحة الطرقات متقنة البناءات قائمة الأسواق نافقة التجارات متصلة العمارات نامية الزراعات لأهلها همم سامية ونفوس نقية عالية وأموال مبسوطة نامية وأمتعة رائقة لا تشتغل نفوسهم بهم ولا تعقد قلوبهم على غم لكثرة أمنهم ورفاهة عيشهم وانبساط العدل والحماية فيهم وطول المدينة ومقدارها ثلاثة فراسخ والنيل يأتيها من أعلى أرضها فيجتازها من ناحية جنوبها وينعطف مع غربيها فينقسم قدامها قسمين يعدى في المدينة من الذراع الواحد إلى الآخر 0
وفي هذه الجزيرة مساكن كثيرة جليلة ومبان متصلة على ضفة النيل وهذه الجزيرة تسمى دار المقياس وسنصفه بعد هذا بحول الله وهذه الجزيرة يجاز إليها على جسر فيه نحو ثلاثين سفينة ويجاز القسم الثاني وهو أوسع من الأول على جسر آخر وسفنه أكثر من الأول أضعافا مضاعفة وطرف هذا الجسر يتصل بالشط المعروف بالجيزة وهناك مبان حسنة وقصور شاهقة العلو وسوق وعمارة
وأرض مصر سبخة غير خالصة التراب وبنيان دورها كلها وقصورها طبقات بعضها فوق بعض والأعم من ذلك تكون طباقها في العلو خمسة وستة وسبعة وربما سكن في الدار المائة من الناس وأكثر وأخبرالحوقلي في كتابه أنه كان بمصر على عهد تأليفه لكتابه دار تعرف بدار عبد العزيز في الموقف يصب لمن فيها في كل يوم أربعمائة راوية ماء وفيها خمسة مساجد
323

وحمامان وفرنان ومعظم بنيان مصر بالطوب وأكثر سفل ديارهم غير مسكون ولهما مسجدان جامعان للجمعة والخطبة فيهما أحدهما بناه عمرو بن العاص في وسط أسواق تحيط به من كل جهة وكان هذا الجامع في أوله كنيسة للروم فأمر به عمرو فقلب مسجدا جامعا والمسجد الجامع الثاني هو بأعلى الموقف بناه أبو العباس أحمد بن طولون ولابن طولون أيضا جامع آخر بناه في القرافة وهو مكان يسكنه المتعبدون وجمل من أهل الخير والعفاف وبالجزيرة التي بين ذراعي النيل جامع وكذلك في الضفة الغربية المسماة بالجيزة
ومصر بالجملة عامرة بالناس نافقة بضروب المطاعم والمشارب وحسن الملابس وفي أهلها رفاهة وظرف شامل وحلاوة ولها في جميع جوانبها بساتين وجنات وشجر ونخل وقصب سكر وكل ذلك يسقى بماء النيل ومزارعها ممتدة من أسوان إلى حد الإسكندرية ويقيم الماء في أرضهم بالريف منذ ابتداء الحر إلى الخريف ثم ينضب فيزرع عليه ثم لا يسقى بعد ذلك ما زرع عليه ولا يحتاج إلى سقي البتة وأرض مصر لا تمطر ولا تثلج البتة وليس بأرض مصر مدينة يجري فيها الماء من غير حاجة إلا الفيوم
وأكثر جري النيل إلى جهة الشمال وعرض العمارة عليه من حد أسوان ما بين نصف يوم إلى يوم إلى أن ينتهي إلى الفسطاط ثم تعرض العمارة وتتسع فيكون عرضها من الإسكندرية إلى الحوف الذي يتصل بعمارة القلزم نحو ثمانية أيام وليس في أرض مصر مما يحوز ضفتي النيل شيء قفر وإنما هوكله معمور بالبساتين والأشجار والمدن والقرى والناس والأسواق والبيع والشراء وبين طرفي النيل فيما ثبت في الكتب خمسة آلاف وست
324

مائة وأربعة وثلاثون ميلا وفي كتاب الخزانة أن طوله أربعة آلاف وخمس مائة وخمسة وتسعون ميلا وعرضه في بلاد النوبة والحبشة ثلاثة أميال فما دونها وعرضه ببلد مصر ثلثا ميل وليس يشبه نهرا من الأنهار
وأما الجزيرة التي تقابل مصر وهي التي قدمنا ذكرها حيث المباني والمتنزهات ودار المقياس فإنها جزيرة عرضها بين القسمين من النيل مارة مع المشرق إلى جهة
المغرب وطولها بالضد وهو من الجنوب إلى جهة الشمال وطرفها الأعلى - حيث المقياس - عريض ووسطها أعرض من رأسها والطرف الثاني محدود وطولها من رأس إلى رأس ميلان وعرضها مقدار رمية سهم ودار المقياس هي في الرأس العريض من الجهة الشرقية مما يلي الفسطاط وهي دار كبيرة يحيط بها من داخلها في كل وجه أقبية دائرة على عمد وفي وسط الدار فسقية كبيرة عميقة ينزل إليها بدرج رخام على الدائر وفي وسط الفسقية عمود رخام قائم وفيه رسوم أعداد أذرع وأصابع بينها وعلى رأس العمود بنيان متقن من الحجر وهو ملون مرسم بالذهب واللازورد وأنواع الأصباغ المحكمة والماء يصل إلى هذه الفسقية على قناة عريضة تصل بينها وبين ماء النيل والماء لا يدخل هذه الجابية إلا عند زيادة ماء النيل وزيادة ماء النيل تكون في شهر أغشت والوفاء من مائة ستة عشر ذراعا وهو الذي يروي أرض السلطان باعتدال فإذا بلغ النيل ثمانية عشر ذراعا روى جميع الأرضين التي هناك فإن بلغ عشرين ذراعا فهو ضرر وأقل زيادته تكون اثنتي عشر ذراعا والذراع أربعة وعشرون إصبعا فما زاد على الثمانية عشر ضر لأنه يقلع الشجر ويهدم وما نقص عن اثني عشر كان بذلك
325

النقص والجدب وقلة الزراعة
ومما يلي جنوب الفسطاط قرية منف وبناحية شمالها المدينة المسماة عين شمس وهما كالقريتين مما يلي جبل المقطم ويقال إنهما كانتا متنزهين لفرعون لعنه الله فأما منف فهي الآن خراب أكثرها وأما عين شمس فهي الآن معموروة وهي أسفل جبل المقطم وعلى مقربة منها عل رأس جبل المقطم مكان يعرف بتنور فرعون وكانت فيه مرآة تدور على لولب فكان إذا خرج من أحد الموضعين أعني منف أو عين شمس أصعد في هذا المكان الآخر من يعدله ليعاين شخصه ولا تفقد هيئتة والتمساح لا يضر بشيء مما جاور الفسطاط ويحكى عنه أنه إذا انحدر من أعلى النيل أو صعد من أسفل وأتى قبالة الفسطاط انقلب على ظهره وعام كذلك حتى يجاوز الفسطاط وحماه ويقال إن ذلك بطلسم صنع له وكذلك أيضا عدوة بوصير لا يضر بها ويضر بعدوة الأشمونى وبينهما عرض النيل وهذا عجب عجيب وبعين شمس مما يلي الفسطاط ينبت البلسان وهو النبات الذي يستخرج منه دهن البلسان ولا يعرف بمكان من الأرض إلا هناك
وبأسفل الفسطاط ضيعة سيروا وهي ضيعة جليلة يعمل بها شراب العسل المتخذ بالماء والعسل وهو مشهور في جميع الأرض ويتصل بأرض الفسطاط جبل المقطم وبه جمل من قبور الأنبياء عليهم السلام كيوسف ويعقوب والأسباط
وعلى ستة أميال من مصر الهرمان وهما بناءان في مستو من الأرض ولا يعرف فيما جاورهما جبل يقطع منه حجر يصلح للبناء وطول كل واحد من هذه الأهرام ارتفاعا مع الجو أربعمائة ذراع وعرضه في الدائر كارتفاع
326

الكل مبني بحجارة الرخام التي ارتفاع كل حجر منها خمسة أشبار وطوله خمسة عشر ذراعا إلى العشرة فزائدا وناقصا على قدر ما توجبه الهندسة وموقع الحجر من جوار لصيقه وكلما ارتفع بناؤه على وجه الأرض ضاق حتى يصير أعلاه نحو مبرك جمل ومن شاء الخروج إليهما من البر جاز إلى الجيزة على الجسر ومر من الجيزة إلى قرية دهشور ثلاثة أميال وهناك سجن يوسف عليه السلام ومنها إلى الهرمين وبين الهرم والهرم نحو من خمسة أميال وبينهما وبين أقرب موضع إلى النيل خمسة أميال وفي بعض حيطانه كتابات قد درس أكثرها وفي داخل كل هرم منهما طريق يسير فيه الناس وبين هذين الهرمين طريق مخترق في الأرض واضح يفضي من أحدهما إلى الآخر ويحكى أنهما علامات على قبور ملوك ويذكر أنهما كانا قبل أن يكونا قبورا أهراء للغلات 0
ويتصل بمصر في الجانب الغربي منها مدينة الفيوم وبينهما مرحلتان والفيوم مدينة كبيرة ذات بساتين وأشجار وفواكه وغلات ولها جانبان على وادي اللاهون وهو فيما يقال أن يوسف عليه السلام اتخذ له مجريان للماء في وقت الفيض ليدوم لهم الماء فيها وقومهما بالحجارة المنضدة ومدينة الفيوم في ذاتها مدينة طيبة كثيرة الفواكه والغلات وأكثر غلاتها الأرز وهو الأكثر في سائر حبوبها وهواؤها وبيء غير موافق منكر لمن دخلها من الطارئين والغرباء النازلين بها وبها آثار بنيان عظيم ونواحيها مسماة بها ومنسوبة إليها وكانت هذه العمارة المحيطة بها كلها تحت سور يجمع على جميع أعمالها ويحيط بجميع مدنها وبقاعها وما بقي منه الآن شيء إلا ما لا يرى بشيء ونهر اللاهون اخترقه وأجرى الماء فيه يوسف الصديق عليه السلام وذلك لما كبرت
327

سنه وأراد الملك راحته وانتزاعه عن الخدمة وقد كثرت حاشيته وأهله من ذريته وذرية أبيه وأقطعه أرض الفيوم وكان الفيوم بحيرة تصب إليها المياه وكانت ذات آجام وقصب وكان الملك يكره ذلك منها لأنها كانت قريبة منه فلما وهبها ليوسف عليه السلام نهض إلى ناحية صول واحتفر الخليج المسمى بالمنهى حتى أتي به إلى موضع اللاهون ثم بنى اللاهون وأوثقها بالحصى والكلس واللبن والصدف كالحائط المرتفع وجعل على أعلاه في الوسط بابا وحفر من ورائه خليجا يدخل إلى الفيوم شرقيا وعمل خليجا غربيا متصلا بهذا الخليج يمر به من خارج الفيوم يقال له تنهمت فخرج الماء من الجونة إلى الخليج الشرقي فجرى إلى النيل وخرج ماء الخليج الغربي يصب إلى صحراء تنهمت بالغرب فلم يبق من الماء شيء إلا وخرج وكل ذلك في أيام يسيرة ثم امر الفعلة فقلموا القصب التي هناك والعصاب وعقد الأدياس والطرفاء وكان ذلك في وقت جري الماء في النيل فدخل في رأس الخليج المسمى بالمنهى فجرى حتى وصل اللاهون فقطعه إلى خليج الفيوم وسار الماء إليها وسقاها وعم جميعها وصارت لجة وكان ذلك في سبعين يوما فلما نظر إليها الملك قال هذا عمل ألف يوم فسميت بذلك الفيوم ثم إن يوسف عليه السلام قال للملك إن عندي من الحكمة أن تعطيني من كل كورة من أرض مصر أهل بيت واحد فأعطاه ذلك فأمر يوسف القوم بأن يبني لكل بيت منهم قرية ففعلوا ذلك وكان عدد هذه البيوتات خمسة وثمانين بيتا وكانت قراهم على عدد ذلك فلما فرغوا من بنيان القرى ضرب لكل قرية من
328

الماء بقدر ما يصير إليها من الأرض لا يكون لها في ذلك زائد ولا ناقص ثم صير لكل قوم شربا في زمان ما لا ينالهم الماء إلا فيه فهذه صفة الفيوم
ومن خرج من مصر على معظم النيل يريد الصعيد صار من الفسطاط إلى منية السودان وهي منية جليلة تتصل بها عمارات بضروب من الغلات وهي في الضفة الغربية
من النيل ومنها إلى مصر نحو من خمسة عشر ميلا
ومنها إلى بياض عشرون ميلا وهي قرى وضياع عامرة وغلات حسنة وبساتين تشتمل على ضروب من الفواكة
ومنها إلى الحمى الصغيرة عشرون ميلا
ثم إلى الحمى الكبير في الجهة الشرقية عشرة أميال وهي قرية عامرة ولها بساتين وكروم ومزارع قصب
ومنها إلى دير الفيوم في الجهة الشرقية عشرون ميلا
ثم إلى قرية تونس في الجهة الغربية ميلان وهي متنحية عن النيل ومنها إلى دهروط نصف يوم ودهروط في الجهة الغربية من النيل
ومنها إلى مدينة القيس في الجهة الغربية نحو من عشرين ميلا ومدينة القيس مدينة قديمة أزلية وقد تقدم ذكرنا لها فيما سلف من ذكر بلاد مصر في الإقليم الثاني قبل هذا والطريق منها إلى مدينة أسوان على النيل ولا حاجة بنا إلى إعادة ذكر ذلك
وأما أسفل الأرض من مصر فمن أراد المسير إليها سار منحدرا مع النيل إلى المنية خمسة أميال ومنها إلى منية القائد خمسة أميال وهي مدينة كبيرة عامرة ذات مزارع وبساتين وخصب وقصب سكر
329

ومنها إلى شبرة خمسة أميال وهي قرية وضياع كالمدينة يعمل فيها شراب العسل المفوه المشهور في جميع الأرض وبها خيمة البشنس
ومنها إلى بيسوس خمسة أميال وهي قرية عامرة حسنة
ومنها إلى قرية الخرقانية خمسة أميال وهي قرية عامرة لها مزارع وضياع وبساتين كثيرة للملك
ومنها إلى قرية سرودس خمسة أميال
ومنها إلى شلقان خمسة أميال وهي قرية كبيرة عامرة
ومنها إلى قرية زفيتة خمسة عشر ميلا وبها تجتمع المراكب التي يصاد بها الحوت بأسرها وهذه القرية على رأس الجزيرة حيث ينقسم النيل خلجانا
وهذه القرية تصاقب مدينة شنطوف التي على رأس الخليج الذي ينزل إلى تنيس ودمياط
وفي أعلى شنطوف ينقسم النيل على قسمين ينزلان إلى أسفل ويتصلان بالبحر ويتفرع من كل واحد من هذين القسمين خليجان يصلان البحر فأما الخليجان الكبيران فإن مبدأهما من شنطوف فيمر الواحد في جهة المشرق حتى يصل تنيس ويتفرع من هذا الخليج ثلاثة خلجان فأحدها يخرج عند أنتوهى من جهة المغرب فيمر بتقويس إلى أن يرجع إلى معظمه عند دمسيس ويتفرع أسفل ذلك منه خليج في جهة الغرب فيمر حتى يصل دمياط وأما الخليج الآخر فإنه يمر من نحو شنطوف في جهة المغرب إلى قرب قيس انمار فينقسم منه قسم يمر في جهة المغرب فينعطف إلى قرية ببيج ثم ينزل ويتفرع هناك منه خليج يصل إلى الإسكندرية وهذا الخليج يسمى خليج
330

شابور وفمه وابتداء مخرجه من أسفل ببيج ولا يكون الماء فيه في كل السنة وإنما يكون فيه الماء مدة خروج النيل فإذا رجع ماء النيل جف ماؤه حتى لا ينحدر أحد فيه ويخرج من معظم هذا القسم المتصل برشيد أسفل سنديون وسمونس أسفل فوه وفوق رشيد ذراع من النيل فيمر إلى مستقر بحيرة تتصل بقرب الساحل ثم تمر ممتدة مع الغرب إلى أن يكون بينها وبين الإسكندرية نحو من ستة أميال ومن هناك تتحول الأمتعة من المراكب في البر إلى الإسكندرية وعلى هذه الخلجان كلها مدن كثيرة متحضرة وقرى عامرة متصلة وها نحن لأكثرها ذاكرون وبالله التوفيق
فمن أراد النزول من مصر إلى تنيس وبينهما تسعة أيام ومن تنيس إلى دمياط مجرى ومن دمياط إلى رشيد يومان ومن رشيد إلى الإسكندريه مجرى ومن الإسكندريه إلى مصر ستة أيام ومن مصر إلى قرية زفيتة التي قدمنا ذكرها وقلنا إن بها تجتمع مراكب صيد السمك بأسرها ومبلغ مقدار عددها مائة مركب ونيف خمسون ميلا ويقابلها من الضفة الغربية شنطوف وهي مدينة حسنة
ومن شنطوف إلى شنوان خمسة وعشرون ميلا ينزل منها إلى قرية الشاميين عشرة أميال وهذه القرية يزرع فيها قصب السكر والبصل والقثاء وهذه أكبر غلاتها وأكثرها وهي بذلك مختصة وهي في الضفة الشرقية ويقابلها في الضفه الغربية طنت وهي قرية حسنة كثيرة المزارع والغلات
ومن طنت إلى شنوان وهي مدينة صغيرة خمسة عشر ميلا
ومنها منحدرا إلى قشيرة الأبراج نحو من اثني عشر ميلا وهي قرية عامرة وفيها غلات وعمارات كثيرة
331

وتقابلها قرية سيوجة
ومنها منحدرا إلى الصالحية نحو عشرة أميال وهي مدينة متحضرة وفيها عمارات وزراعات وأهلها لصوص لهم أذية فاشية وهم بالشر موسومون
وأسفل الصالحية منية العطف في الغربية وهي قرية كثيرة الخيرات ومنها إلى شيرجة عشرة أميال
ومنها منحدرا إلى مدينة جدوة خمسة عشر ميلا وهي مدينة صغيرة متحضرة لها أسواق عامرة وزراعاتها متصلة وخيراتها كثيرة وفي هذه المدينة مراكب كثيرة معدة لتعدية العساكر مختصة بذلك
ومن جدوة عشرون ميلا إلى منية العطار وهي قرية صغيرة وبها بساتين وجنات وغلات
ويقابلها من الضفة الغربية مدينة أنتوهى وهي مدينة صغيرة وبها بساتين وجنات وزراعات وغلات معلومة ولها سوق في يوم معلوم
ومن منية العطف السابق ذكرها إلى قرية شميرق عشرة أميال بالجهة الغربية ومن قرية شميرق وهي تقابل جدوة وبأسفلها قليلا إلى قرية أنتوهى السابق ذكرها نحو من عشرة أميال
وأسفل أنتوهى ينقسم الذراع من النيل على قسمين فيمر منه القسم الواحد إلى ناحية الغرب والقسم الثاني يمر بالجهة الشرقية فيكون بينهما جزيرة ثم يجتمعان بشبرة ودمسيس ثم يمران غير بعيد فينقسمان قسمين ويمر
332

القسم الشرقي إلى تنيس ويمر القسم الثاني وهو الغربي إلى ذمياط
ثم نرجع بالقول إلى مدينة أنتوهى حيث ينقسم النيل فمن انحدر على الذراع الشرقي صار من أنتوهى إلى منية العطار وهما متقابلتان فانحدر إلى بنة العسل وهي منية جليلة كثيرة الأشجار والفواكه وتتصل بها عمارات وتقابلها في الضفة الغربية منيتها الكبرى المنسوبة إلى بنة
ومنها إلى قرية أتريب في الشرقية وهي قرية لها سوق عامرة
ومنها إلى قرية جنجر وهي كثيرة الغلات والمزارع
ويقابها في الجهة الغربية منية الحوفي وهي قرية ومنية كبيرة
ومنها إلى قرية سنيت في الشرقي ويقابلها من الجهة الغربية قرية ورورة وهي قرية كثيرة الخصب عامرة بالناس ولها سوق حسنة
ومنها إلى قرية الخمارية ويقابلها في الغربية منية الحرون
وينحدر منها إلى قرية صحرشت الكبرى في الجهة الشرقية
ومنها إلى صحرشت الصغرى في الشقة الغربية وهي قرية عامرة وبها من غلات السمسم والقنب وأنواع الحبوب كل حسن
333

ومنها إلى قرية منية غمر بجهة الشرق وهي قرية لها سوق ومتاجر ودخل وخرج قائم
ويقابلها في الجهة الغربية منية زفتة
ومن منية زفتة إلى منية الفيران في الجهة الغربية وهي قرية يزرع بها غلات الكمون والبصل والثوم برسم قصر الملك
ويحاذيها في الشرق قرية قدقوس وهي قرية كبيرة جدا ذات بساتين وزروع ولها سوق نافقة وهي يوم الأربعاء
ومنها ينحدر إلى منية فيماس وهي قرية حسنة كثيرة الخيرات كثيرة الغلات
ويقابلها في الجهة الغربية قرية حانوت وهي قرية ذات مياه جارية وعمارات وهي برسم زراعة الكتان وهو غلتها وعليها يعول أهلها ونبات الكتان يجود فيها
ومنها إلى منية إسنا بالشرقي من الخليج وهي قرية حسنة ولها سوق (في) يوم معلوم
ومنها إلى قرية دمسيس المقدم ذكرها وهي قرية عامرة آهلة ولها سوق وهو يوم السبت وسوقها يباع بها ويشترى من الثياب والأمتعة كل طريفة والتجار يقصدونها لنفاقها
ومن أراد النزول إلى الخليج الغربي من أنتوهى سار من أنتوهى إلى مدينة مليج عشرين ميلا وهي مدينة عامرة ولها أسواق وتجارات ويقابلها في الضفة الشرقية منية عبد الملك وهي قرية عامرة كبيرة كثيرة الخيرات مفيدة الزراعات
334

ومن مليج نازلا إلى طنطنة في جهة الغرب خمسة عشر ميلا وهي مدينة متحضرة صغيرة لكنها ذات سوق وأرزاق دارة وأحوال صالحة وأهلها في رفاهة وخصب ومن طنطنة إلى مدينة طلطى في الضفة الغربية خمسة عشر ميلا ويقابلها في الجهة الشرقية الجعفرية وهي قرية ذات مزارع وغلات ومن مدينة طلطى إلى قرية بلوس في الضفة الغربية ويقابلها في الضفة الشرقية قرية السنطة وهي قرية جليلة عامرة
ومن قرية بلوس إلى مدينة سنباط في الغربي ومزارعها كتان وفيها سوق عامرة وتجارات وأرباح وأموال ممدودة ونعم ومنها بالمحاذاة في الضفة الشرقية إلى مدينة ونعاصر ومن مدينة سنباط إلى مدينة شبرة التي على فم الخليج المقابل لدمسيس المتقدم ذكرها قبل ذلك
فمن أراد المسير من دمسيس إلى تنيس على النيل نزل في النيل إلى منية بدر نحو ميلين ومنها يخرج خليج شنشا في الجهة الشرقية فيمر إلى مدينة شنشا وهي مدينة حسنة كثيرة الأشجار والمزارع وبها معاصير لقصب السكر وخيرات شاملة وينحدر منها إلى مدينة البوهات في الشرقي أربعة وعشرون ميلا وهي مدينة عامرة ذات أسواق ومنافع جمة وعليها سور قديم مبني بالصخر ومنها إلى سفناس ثمانية عشر ميلا وهي مدينة متحضرة صغيرة ومنها إلى جهة الغرب في البر إلى مدينة طناح التي على خليج تنيس في الضفة الشرقية منه خمسة وعشرون ميلا ثم إلى بحيرة الزار وهي على مقربة من الفرما
وبحيرة الزار متصلة ببحيرة تنيس وبينها وبين البحر الملح ثلاثة أميال وهذه البحيرة التي ذكرناها بحيرة كبيرة واسعة القطر وفيها من الجزائر غير
335

مدينة تنيس جزيرة حصن الماء وهي مما يلي ناحية الفرما وبقرب منها وإليها وصل الملك بردوين الذي استفتح بلاد الشام بعد الإسلام وغرق بفرسه بقربها ومنها انصرف إلى ما خلفه وبالشرق من تنيس ومع الجنوب قليلا جزيرة تونة وهي في بحيرة تنيس وفي جنوب تنيس وببحيرتها جزيرة نبلية
وفي غربي خليج شنشا الذي ذكرناه آنفا قرى وضياع وشوارع متصلة بضروب من الغلات وجمل من المنافع ومن أحب النزول من دمسيس على معظم الخليج إلى تنيس صار من دمسيس إلى منية بدر التي قدمنا ذكرها قبل ذلك ومنها إلى بنا في الضفة الغربية عشرة أميال وهي قرية حسنة لها بساتين وفدادين غلاتها وافرة
وفوقها ينقسم النيل على فرقتين فتصير بينهما جزيرة صغيرة عل غربيها قرية بوصير وهي عامرة وعلى الذراع الثاني مما يلي المشرق رحل جراح وهي مدينة صغيرة
عامرة ولها دخل وخرج ومنافع وغلل وبين رحل جراح وبين فم خليج شنشا أربعون ميلا وكذلك بين بوصير وبنا ومن منية ابن جراح نازلا في النيل إلى سمنود اثنا عشر ميلا وهي في الضفة الشرقية ويقابلها في الجهة الغربية مدينة سمنود وهي مدينة حسنة كثيرة الداخل والخارج عامرة آهلة وبها مرافق واسعار رخيصة ومن مدينة سمنود في البرية في جهة الغرب بالمقابلة إلى مدينة سندفة التي على خليج بلقينة ثمانية أميال ومن مدينة سمنود إلى مدينة الثعبانية ثمانية عشر ميلا وهي مدينة عامرة وبها أسواق وعمارات وتجارات وهي في الغربي من الخليج ومنها إلى منية عساس إثنا عشر ميلا وهي قرية كثيرة البركات جامعة لضروب من الغلات
336

ومنها نازلا إلى جوجر اثنا عشر ميلا ويقابلها في الضفة الشرقية ويش الحجر وهي مدينة صغيرة بها بساتين وأشجار ومن ويش الحجر إلى مدينة سمنود المقدم ذكرها ستة وثلاثون ميلا ومن ويش الحجر نازلا إلى مدينة طرخا وهي بالضفة الغربية من النيل وبينها وبين جوجر اثنا عشر ميلا
وأسفل طرخا ينقسم هذا الخليج قسمين يصل أحدهما إلى بحيرة تنيس شرقا والثاني يصل غربا إلى مدينة ذمياط فمن شاء أن ينزل إلى تنيس ينزل من طرخا إلى منية شهار في الغربي وهي مدينة صغيرة عامرة بها تجارات وأموال قائمة ويقابلها في الضفة الشرقية محلة دمينة وبينهما خمسة أميال ومنية دمينة أسفل من مدينة شهار ومن محلة دمينة إلى قباب البازيار اثنا عشر ميلا وهي قرية كبيرة ومنها نازلا إلى قباب العريف ستة عشر ميلا ومنها إلى قرية دمو خمسة عشر ميلا ومن دمو إلى مدينة طماخ ميلان في الضفة الشرقية وهي مدينة حسنة كثيرة العامر فيها أسواق ومتاجر قائمة ومنها إلى شمون عشرة أميال وهي قرية عامرة ومنها إلى قرية الأنصار في الضفة الغربية عشرون ميلا ومنها إلى قرية وبيدة عشرون ميلا في الضفة الشرقية ومنها إلى برنبلين عشرون ميلا وهي في الضفة الغربية ثم إلى شنيسة أربعون ميلا ثم غربا إلى بحيرة تنيس خمسة عشر ميلا
وبحيرة تنيس إذا أمتد النيل في الصيف عذب ماؤها وإذا جزر في الشتاء إلى أوان الحر غلب ماء البحر عليها فملح ماؤها وفيها مدن مثل الجزائر
337

تطيف البحيرة بها وهي نبلى وتونة وسمناة وحصن الماء ولا طريق إلى واحدة منها إلا بالسفن وبمدينة تنيس وذمياط يتخذ رفيع الثياب من الدبيقي والشروب والمصبغات من الحلل التنيسية التي ليس في جميع الأرض ما يدانيها في الحسن والقيمة وربما بلغ الثوب من ثيابها إذا كان مذهبا ألف دينار أو نحو ذلك وما لم يكن فيه ذهب المائة والمئتين ونحوها وأصولها من الكتان أما وإن كانت شطا ودبقو ودميرة وما قاربها من تلك الجزائر يعمل بها الرفيع من الأجناس فليس ذلك بمقارب للتنيسي والذمياطي وفيما يذكر أن بحيرة تنيس بها كانت الجنتان التي ذكرت في الكتب وكانت لرجلين من ولد أتريب بن مضر وكان أحدهما مؤمنا والآخر كافرا فافتخر الكافر بكثرة ماله وولده فقال له أخوه المؤمن فما أراك شاكرا على ما رزقت فنزع ذلك منه ويقال إنه دعا عليه فغرق الله جميع ما كان للكافر في البحر حتى كأنها لم تكن في ليلة واحدة وهذه البحيرة قليلة العمق يسار في أكثرها بالمعادي وتلتقي فيها السفينتان فتجانب إحداهما الأخرى هذه صاعدة وهذه نازلة بريح واحدة وكلاهما مملوء القلاع بالريح وسيرهما في السرعة سواء
وأما ذمياط فإنها مدينة على ضفة البحر وبينهما مسافة وبذمياط يعمل من غريب الصنع في الثياب الدبيقية وغيرها ما يقارب الثياب التنيسيه سواء وذراع النيل ينصب إليها من الذراع النازل إلى مدينة تنيس وخروجه أسفل طرخا التي قدمنا ذكرها
فمن شاء النزول إليها من مصر سار على ما وصفناه من القرى والمدن والعمارات حتى يصل طرخا فيأخذ في الذراع الغربي الواصل إلى ذمياط
338

فينحدر إلى مدينة دميرة عشرة أميال وهي في غربي الخليج وهي مدينة صغيرة ويعمل بها ثياب حسنة يتجهز بها إلى كثير من البلاد وبها صناع كثيرة وتجار قاصدون وبيع وشراء ومن دميرة نازلا مع الخليج إلى شرنقاش في الضفة الغربية سبعة عشر ميلا وهي مدينة صغيرة عامرة حسنة ذات مزارع وغلات وصناعات ومنها إلى مدينة شرمساح في الضفة الشرقية عشرون ميلا وهي مدينة جليلة لكنها ليست بالكبيرة ولها سوق جامعة لضروب بيع وشراء وأخذ وعطاء ومنها إلى منية العلوق عشرون ميلا وهي قرية متحضرة لها معاصر قصب وغلات قائمة نامية وهي في الضفة الشرقية من الخليج ومنها إلى قرية فارسكور عشرة أميال في الضفة الشرقية من الخليج ومن فارسكور إلى بورة وهي قرية جامعة ذات زراعات وغلات وجنات وبساتين وخيرات خمسة عشر ميلا ومن بورة إلى دمياط ثلاثة عشرة ميلا فذلك من طرخا إلى ذمياط مائة ميل وخمسة أميال وكذلك من طرخا إلى منية دمسيس مائة ميل وعشرة أميال ومن دمسيس إلى أنتوهى نحو من تسعين ميلا ومن فم أنتوهى إلى قرية شنطوف مائة ميل ومن شنطوف إلى الفسطاط خمسون ميلا
ونرجع بالقول إلى خليج المحلة وفوهته تخرج من أسفل طنطى فيمر في جهة الغرب نازلا حتى يحاذي شرمساح التي على خليج دمياط ومن فوهته إلى منية غزال في الشرق عشرون ميلا وهي قرية جامعة لمحاسن شتى وضروب غلات مختلفه وتقابلها محلة أبي الهيثم في الضفة الغربية ومنها إلى ترعة بلقينة خمسة عشر ميلا وهي قرية كثيرة البساتين والجنات متصلة
339

العمارات والغلات ومنها يخرج أيضا خليج آخر ويأخذ في الغرب مستقيما إلى صخا وعليه من أوله قرية دار البقر في الغرب وأسفلها في الغرب أيضا قرية المعتمدية ومنها إلى متبول في الغرب وهي قرية عامرة لها سوق في يوم معلوم ومنها إلى صخا وصخا في البرية وبها إقليم متصل ومنها في جهة الجنوب في البرية إلى محلة صرت ومنها إلى منوف العليا وهي قرية صغيرة عامرة ولها إقليم معمور وبها غلات وخير كثير ومن منوف العليا إلى سكاف وهي قرية حسنة شاملة لأهلها محدقة بخيرها متصلة عماراتها ومنها إلى شنطوف
ونرجع بالقول إلى ترعة بلقينة السابق ذكرها فمنها منحدرا إلى المحلة وهي مدينة كبيرة ذات أسواق عامرة وتجارات قائمة وخيرات شاملة وبما يقرب من المحلة على خمسة وأربعين ميلا في البرية مدينة صنهور وإليها تصل ترعة بلقينة ويقابلها في جهة الشرق مدينة سندفة وبينهما نحو ميل ونصف وهي مدينة جليلة جميلة كثيرة الفواكه
والنعم وبين سندفة ومدينة سمنود في البرية خمسة عشر ميلا ومدينة سمنود على خليج تنيس ودمياط ومن سندفة إلى مدينة المحلة ومنها إلى محلة الداخل وهي قرية حسنة لها بساتين وجنات في غربي الخليج ومنها إلى دميرة التي ترسم بها الثياب الشروب وهما مدينتان كبيرتان فيهما طرز للخاصة وطرز للعامة ومنها يخرج إلى ذمياط كما قدمنا
وقد ذكرنا من أوصاف الخلجان الشرقية وتشعبها على ما هي عليه ما فيه كفاية وبقي علينا أن نذكر الخليجين الغربيين حسب ما يجب ونأتي بما عليهما من البلاد وكيفية تشعبهما فنقول من ذلك: من شاء الإنحدار من مصر
340

إلى الإسكندرية خرج من مصر منحدرا إلى جزيرة أنقاش ونبابة وهما مدينتان بين شطي النيل كانتا برسم تربية الوحوش فيهما في مدة أيام الأمير صاحب مصر عشرة أميال ومنها إلى الأخصاص وهي قرية حسنة لها بساتين وجنات وروضات ومبان ومنتزهات عشرون ميلا ومنها منحدرا في النيل إلى ذروة خمسة أميال ومنها إلى شنطوف عشرون ميلا وشنطوف مدينة صغيرة متحضرة لها مزارع وخصب ومنها في الضفة الغربية إلى قرية تسمى أم دينار وهي قرية حسنة ومن أم دينار إلي أشمن جريش خمسة عشر ميلا وهي مدينة صغيرة في الغرب كثيرة العمارات والبساتين والجنات ومنها إلى مدينة الجريش ثمانية عشر ميلا وهي في الضفة الشرقية وهي مدينة حسنة على إقليم جليل كبير وهي كثيرة التجارات والعمارات والكروم والأشجار ومنها إلى رمال الصنيم وبها آية من آيات الله سبحانه وذلك أنه يؤخذ العظم فيدفن في هذه الرمال سبعة أيام فيعود حجرا صلدا بإذن الله ومن رمال الصنيم إلى أبي يجنس وهي قرية كبيرة عامرة لها سوق وحولها بساتين وغراسات وكذلك منها إلى ترنوط وهي مدينة صغيرة متحضرة لها سوق وتجار مياسير ومن ترنوط هذه إلى شنطوف خمسون ميلا وبمدينة ترنوط معدن النظرون الجيد ومنه يحمل إلى جميع البلاد ومدينة ترنوط على بحر شابور وذلك أن هذا الذراع من النيل إذا وصل إلى رمال الصنيم انقسم قسمين فيمر القسم الأول إلى ناحية المغرب إلى أن يصل إلى ترنوط ثم إلى بستامة إلى طنوب ومنها إلى شابور وهي مدينة كالقرية الجامعة ومنها إلى محلة السيدة ثم إلى دنشال
341

ثم إلى قرطسا ثم إلى سوق أبي منى ومنها إلى قرنفيل ثم إلى الكريون ومنها إلى قرية الصير ثم إلى إلاسكندرية
وهذا الخليج لا يدخله الماء ولا يسافر فيه إلا عند زيادة النيل لأن فوهته مرتفعة على مجرى النيل فلا يصل إليه الماء إلا في الوقت الذي ذكرناه وذلك أن فوهة هذا الخليج إذا وصل إلى ترنوط انعطف إلى جهة المشرق حتى يجتمع بأخيه عند ببيج وتصير بينهما جزيرة بيار وفم الخليج الشرقي يخرج من نحو رمال الصنيم فيمر في جهة الشمال إلى أن يتصل بصاحبه عند ببيج وعلى فوهته وأسفل منه مزارع وقرى متصلة في ضفة المشرق تتصل بأعلى منوف السفلي
ومنها إلى قرية تتا ومن قرية تتا إلى فيشة إلى البندارية ويقابلهما المنار (و) في الضفة الغربية ببيج وهناك يجتمع الخليجان فيصيران واحدا وفوق ببيج قرية قليب العمال وينزل النيل مع الشمال إلى صاه في الضفة الشرقية ويقابلها من الجهة الشرقية محلة نكلا خمسة عشرة ميلا ومن صاه إلى قرية إصطافية في الضفة الشرقية عشرون ميلا وهي قرية حسنة عامرة ومنها إلى محلة العلوي خمسة عشر ميلا وهي قرية كبيرة ذات بساتين وضياع ويقابلها في الضفة الغربية سرنبى وهي قرية عامرة ومن محلة العلوي إلى فوة خمسة عشر ميلا وهي مدينة حسنة كثيرة الفواكه والخصب وبها أسواق وتجارات
وينقسم النيل أمامها قسمين فتكون بينهما جزيرة الراهب وعلى آخرها مدينة سنديون وكانت قبل ذلك مدينة لكنها دثرت وبقى منها معالم وقرى متصلة ومن فوة إلى سنديون في الضفة الشرقية نحو من خمسة عشر ميلا
342

ويحاذيها في الجهة الغربية قرية سمديسي وبين سمديسي وسرنبى خمسة عشر ميلا
وعلى مقربة من أسفل سمديسي يخرج ذراع من النيل ليس بالكبير فيتصل ببحيرة مارة ما بين غرب وشمال طولها أربعون ميلا في عرض ميلين أو نحوهما وماؤها ليس بعميق حتى تأتي ساحل البحر الملح وتنعطف هذه البحيرة مع الساحل على بعد ستة أميال من رشيد ثم ترجع إلى فم ضيق في أعلى سعتها مقدار عشرة أبواع في طول رمية حجر
ثم تتصل هذه البحيرة ببحيرة أخرى طولها عشرون ميلا وسعتها أقل من سعة الأخرى وماؤها أيضا ليس بعميق فيسار فيها إلى أعلاها ومن هناك إلى الإسكندرية ستة أميال ثم يتحول الناس عن المراكب إلى البر فيسيرون على الدواب إلى الإسكندرية وأما النزول إلى رشيد فعلى معظم الخليج فيسار من سمديسى إلى قرية الحافر عشرون ميلا ويقابلها في الضفة الشرقية قرية نطوبس الرمان ومن الحافر إلى الجديدية خمسة عشر ميلا وهي قرية عامرة
ومن الجديدية إلى رشيد وهي مدينة متحضرة بها سوق وتجار ونفقة ولها مزارع وغلات حنطة وشعير وبها جمل وبقول حسنة كثيرة ولها نخل كثير وأنواع من الفواكه الرطبة وبها من الحيتان وضروب السمك من البحر الملح والسمك النيلي كثير وبها يصاد الدليس ويملحونه ويسافرون به إلى كل الجهات وهو من بعض تجاراتهم وأكثر رساتيق مصر وقراها في الجوف والريف والريف هو ما كان من النيل جنوبا وأكثر أهل هذه القرى قبط نصارى يعقوبية ولهم الكنائس الكثيرة وفيهم قلة شر وهم أهل يسار وأخبر الحوقلي في كتابه أن المرأة
343

العظيمة من نساء القبط ربما ولدت الاثنين والثلاثة في بطن واحد وبحمل واحد ولا يجدون لذلك علة إلا ماء النيل
ومن رشيد إلى مدينة الإسكندرية ستون ميلا وذلك أنك تسير من رشيد إلى الرمال إلى بوقير ثلاثين ميلا إلى القصرين إلى الإسكندرية ثلاثين ميلا ولأهل الإسكندرية في بحرهم سمكة مخططة لذيذة الطعم تسمى العروس إذا أكلت مشوية أو مطبوخة رأى آكلها في نومه كأنه يؤتى إن لم يتناول عليها شيئا من الشراب أو يكثر من أكل العسل
فأما الطريق من مصر إلى أسوان وأعلى الصعيد فقد ذكرناه وكذلك الطريق من مصر إلى إفريقية قد ذكرناه على مسافة فنريد الآن أن نذكر الطريق من مصر إلى البهنسا
ثم إلى مدينة سجلماسة مرحلة مرحلة وهو الطريق الذي أخذه المرابطون في سنة ثلاثين وخمسمائة تخرج من مصر إلى البهنسا سبعة أيام ومن البهنسا إلى جب مناد مرحلة ثم إلى فيدلة مرحلة ثم مرحلة بلا ماء ثم مرحلة بلا ماء ثم إلى عين قيس مرحلة ثم إلى غيات مرحلة إلى جبل أمطلاس مرحلة إلى نسنات مرحلة إلى وادي قسطرة مرحلة إلى جبل سرواي مرحلة إلى صحراء تيديت ثلاث مراحل بلا ماء إلى غدير شناوة وماؤه شروب مرحلة إلى جبل تاتى مرحلة إلى ساملا مرحلة إلى سيرو في الجبل مرحلة إلى صحراء متالاوت وهي ست مراحل لا ماء فيها ثم إلى نقاو مرحلة ثم إلى سلوبان جبل مرحلة ثم إلى جبل وجاد مرحلة ثم
344

إلى ندرمسة ثم إلى جبل قزول مرحلة ثم إلى جبل أيدمر ثلاث مراحل صحراء بلا ماء إلى سلكايا مرحلتان ثم إلى تساممت مرحلة إلى سجلماسة مرحلة وهذا الطريق قليلا ما يسلكه أحد وإنما يسلكه الملثمون بدليل
وكذلك من مصر إلى بغداد خمسمائة وسبعون فرسخا تكون ألف ميل وسبعمائة ميل وعشرة أميال
والطريق من مصر إلى مدينة يثرب تخرج من مصر إلى الجب إلى البويب ثم إلى منزل ابن صدقة ثم إلى عجرود ثم إلى الدوينة ثم إلى الكرسي ثم إلى الخفر ثم إلى منزل ثم إلى أيلة ثم إلى حقل ثم إلى مدين ثم إلى الأعراء ثم إلى المنزل ثم إلى الكلاية ثم إلى شعب ثم إلى البيضاء ثم إلى وادي القرى ثم إلى الرحيبة ثم إلى ذي المروة ثم إلى مر ثم إلى السويداء ثم إلى ذي خشب ثم إلى المدينة يثرب
وطريق آخر على ساحل البحر القلزمي من مصر إلى عين شمس إلى قرية المطرية إلى بركة الجب وهو غدير يفرغ فيه خليج القاهرة إلى جب عجرود ثم إلى جب العجوز إلى القلزم ثم إلى بطن مغيرة وهو مرسى عليه بركة ماء ثم إلى جون فاران ثم إلى مزيد ثم إلى تيران وهو مكان خبيث تعطب فيه المراكب عند الهول وذلك أنه جون على ضفته جبل قائم فالريح إذا هبت عليه تلوث ونزلت إلى البحر فهاجت موجه أتلفت ما لقيت هناك من السفن وإذا هبت الريح الجنوب فلا سبيل إلى سلوكه ومقدار هذا المكان
345

الصعب نحو من ستة أميال ويقال إن في هذا الموضع غرق فرعون لعنه الله وبالقرب من فاران موضع صعب إذا سلك والريح الصبا مغربا أو الدبور مشرقا ويسمى جبيلات ومن جبيلات إلى جبل الطور إلى الأيلة إلى الحقل إلى مدين إلى الحوراء إلى الجار إلى قديد إلى عسفان إلى بطن مر إلى مكة
والطريق من مصر إلى الفرما من مصر إلى بلبيس مرحلة إلى فاقوس مرحلة وهي مدينة ثم إلى جرجير وسنذكر حال الفرما بعد هذا إن شاء الله تعالى
نجز الجزء الرابع من الإقليم الثالث والحمد لله ويتلوه الجزء الخامس منه إن شاء الله تعالى
346

الجزء الخامس
إن هذا الجزء الخامس من الإقليم الثالث تضمن قطعة من بحر القلزم وفحص التيه وبعض البحر الشامي بما عليهما من المدن والمراسي والحصون العامرة وأرض فلسطين والشام وأسفل أرض الحجاز مع قطعة من غربي البادية وفيها من البلاد المشهورة القلزم وفاران والأيلة ومدين وخيبر ووادي القرى والحجر وتبوك ودوما ومعدن النقرة والعادي والسيالة وراهط ثم الفرما وعسقلان وغزة والرملة وبيت المقدس وطبرية ونابلس ودمشق وبعلبك وحمص ويافا وقيسارية وأرسوف وعكة وصور وبيروت والناعمة وجبيل واطرابلس وانطرطوس وبيسان وجبلة واللاذقية والسويدة وأنطاكية ونحن ذاكرون لما في كل واحدة منها المباني والعجائب والطرق والمصنوعات وما يجلب إليها وما يخرج عنها وما بينها من الأميال والفراسخ وأمكنتها على التقصي بحول الله
فأما بحر القلزم فإنه كما قدمنا ذكره طوله نحو ثلاثين مرحلة وعرضه
347

أوسع ما يكون قدر ثلاثة مجار ثم لا يزال يضيق حتى يرى من بعض جوانبه الجانب الآخر وأوسع مكان فيه حيث القلزم
وبحر القلزم في ذاته كالنهر وفيه جبال عادية فوق الماء وفيه تروش وقالات ظاهرة ومخفية وطرق السفن فيما بينها معلومة لا يدخل بينها إلا الربانيون وأولو المعرفة بالبحر والتمهر في الرياسة فيه العالمون بطرقاته المجترئون على مجالاته والسير في هذا البحر بالنهار فقط وأما بالليل فلا يسير أحد فيه لصعوبة طرقه وتعاريج مسالكه وكثرة معاطبه
والقلزم كانت مدينتين وهما الآن أكثرهما خراب لتسلط العرب عليهما وأخذهم ما بأيدي أهليهما والتضييق الدائم عليهم حتى قلت عمارتهما وخاف قاصدهما وانقطعت طرق تجاراتهما وفنى ما بأيدي أهليهما وضاقت معايشهم وشرب أهلهما من عين السويس وهي عين ناشفه في وسط الرمل وماؤها ماء زعاق لا يسيغه شارب
وبين القلزم ومصر تسعون ميلا وكذلك من القلزم إلى الفرما في البر ما يلي الشمال سبع مراحل وهو ما بين البحر القلزمي والبحر الشامي من المسافة وما بينهما يسمى فحص التيه وهناك تاهت بنو إسرائيل في زمن موسى عليه السلام
وبالقلزم تنشأ السفن السائره في هذا البحر وإنشاؤها شيء طريف وذلك أن الكلكل ينبسط على الأرض عريضا ثم لا يزال اللوح يتركب منه على
348

ما لصق به حتى يتهندم ثم يجوز بجبال الليف والدسر ويوصل بينهما بالجسور الماسكة فإذا كمل ذلك بأسره جلفط بالشحم المتخذ من دواب البحر ودقاق اللبان وقيعان مراكبه عراض دون تعميق في تركيبها لتحمل بذلك كثير الوسق ولا تدرس على كبير عمق
ومن القلزم على الساحل إلى فاران أربعون ميلا ومدينة فاران في قعر جون وهي قرية صغيرة يأوي إليها بعض عرب تلك الناحية
وإزاء فاران موضع متجون من قبل البحر وعلى ضفته جبل من حجر صلد والماء يتردد معه ويستدير وسلوكه عند هيجان الريح به صعب لا يقدر أحد على جوازه إلا بعد جهد وربما تلف السالك فيه إلا ما دفع الله وفيما يذكر أن بهذا البحر غرق فرعون لعنه الله
ومنه إلى جبل الطور وهو على مقربة من البحر ويمتد معه وبينه وبين البحر طريق مسلوك وهو جبل عال يصعد إليه على مدارج وفي أعلاه مسجد وله بئر ماء ناشعة ومنها يشرب من هناك من الصادرين والواردين
ومن الطور إلى المصدف وهو مكان حسن رمل وماؤه صاف ويصاد به اللؤلؤ
ومن هذا المصدف إلى شرم البيت وهو مرسى لا ماء فيه
ومنه إلى شرم البئر وهو مرسى لا ماء فيه
349

ومنه إلى رأس أبي محمد وهو مرسى لا ماء فيه وهو رأس عقبة أيلة
وأيلة مدينة صغيرة والعرب يأوون إليها ويتصرفون فيها
ثم إلى العونيد وهو مرسى فيه الماء وتقابله جزيرة النعمان وبينها وبين البر عشرة أميال وجزيرة النعمان معمورة فيها قوم من العرب أشقياء عيشهم من صيد الحوت
ومنها إلى مرسى ظبا فيه ماء
ومنه إلى العطوف ثم إلى الحوراء وهي قرية عامرة وأهلها أشراف وعندهم معدن يقطعون فيه الأبارم ومنها يتجهز بها إلى سائر الأقطار المصاقبة والمتباعدة ويتصل بها في جهة الجنوب وعلى قرب منها جبل رضوى وفيه حجر المسن الذي يحمل إلى جميع أقطار الأرض من بلاد المشرق والمغرب وشرب أهل الحوراء من آبار عذبة وبها إرساء وقصر
ومنه إلى وادي الصفراء وهو مرسى حسن
ومنه إلى القويعة وهو مرسى عامر وماؤه يجلب من بعيد
ومنها إلى الجار ثم إلى الجحفة ثم إلى قديد ثم إلى عسفان ثم إلى جدة وقد سبق لنا ذكر هذه الحصون والمعاقل فيما سبق من ذكر الإقليم الثاني حيث جاء ذكر الجحفة وقديد وعسفان والجار والسقيا ولا حاجة بنا إلى إعادة ذكر ذلك
وعلى ساحل بحر القلزم مدينة مدين وهي أكبر من تبوك وبها البئر
350

التي استقى منها موسى عليه السلام لسائمة شعيب ويحكى أنها بئر معطلة وقد عمل عليها بيت وماء أهلها من عين تجري إليهم وسميت مدين بالقبيلة التي كان منها شعيب وبها معايش ضيقة وتجارات كاسدة
ومن مدينة مدين إلى أيلة خمس مراحل
ومن أيلة إلى الجار نحو من عشرين مرحلة
ومن مدين إلى تبوك في البرية شرقا ست مراحل
ومدينة تبوك بين الحجر وبين أول الشام وأول الشام منها على أربع مراحل في نحو نصف طريق الشام ولها حصن يطيف بها وشرب أهلها من عين ماء خرارة وبها نخيل كثير ويقال إن أصحاب الأيكة الذين بعث الله إليهم شعيبا كانوا بها وكان شعيب من مدين
والحجر من وادي القرى على مرحلة وهو حصن نظيف الحال بين الجبال وبها كانت ديار ثمود وبها بيوت منقورة في الصخر وأهل الحجر وتلك النواحي يسمونها الأثالب وهي جبال في ذاتها متصلة في العيان حتى إذا توسط المار بها كانت كل قطعة منها قائمة بذاتها يطاف بكل واحدة منها من غير أن يمازج بعضها بعضا أو يختلط بعضها ببعض وبها الآن بئر ثمود ويحيط بالحجر من كل ناحية جبال ورمال لا يكاد أحد يرتقي إلى ذراها إلا بعد جهد ومشقة
ومن الحجر إلى تيماء أربع مراحل ومن تيماء إلى خيبر أربع مراحل
ومدينة خيبر مدينة صغيرة كالحصن منيعة ذات نخيل وزروع وكانت
351

في صدر الإسلام دارا لبني قريظة والنضير وكان بها السموءل بن عاديا المضروب به المثل في الوفاء
ومنه إلى المدينة أربع مراحل
وبقرب خيبر جبل رضوى وهو جبل منيف ذو شعاب وأودية ورأسه من ينابيع الماء به كخضرة البقل وفيه مياه كثيرة وأشجار ومنه تحمل أحجار المسن إلى سائر الآفاق
وفيما بينه وبين ديار جهينة وساحل البحر ديار يسكنها قوم من ذرية الحسن بن علي بن أبي طالب وهم يسكنون بيوت الشعر وهم خلق كثير زيهم زي الأعراب ينتجعون المراعي والمياه كانتجاع العرب لا فرق بينهم وبين العرب في خلق ولا خلق وتتصل ديارهم مما يلي المشرق بوادي أردان وهو من الجحفة على مرحلة وبينها وبين الأبواء التي في طريق الحاج ستة أميال
ومن تيماء إلى دومة الجندل أربع مراحل
ودومة الجندل حصن منيع ومعقل حصين وبه عمارة وتتصل به عين التمر وبرية خساف من بادية السماوة وبرية خساف وهي ما بين الرقة وبالس عن يسار الذاهب
وتيماء حصن عامر وبنية أزلية وهو أعمر من تبوك وبينهما أربع مراحل وبين تيماء وأول الشام ثلاثة أيام وبتيماء مياه ونخيل ومنه تمتار البادية وبه تجارات قلائل ويسكن بين أيلة وتبوك إلى وادي القرى قبائل لخم وجذام
352

وجهنية وبلي وبلادهم بلاد إبل وألبان وأسمان وهم ينتجعون مراعي هذه الأرضين ولهم كرم وبذل لما في أيديهم وهم يسكنون بيوت الشعر وينتقلون من موضع إلى موضع لايقيمون بمكان ولهم مصايف ومرابع يدورون عليها وينتقلون إليها مع الدهر وهم مترددون إليها
وأما جبل اللكام فإنا ذكرناه لأنه ليس بمعمور الأرض أطول منه فإنه يبتدئ من بحر القلزم فيمتد إلى نواحي الشام فيسمى هناك جبل لبنان ثم ينتهي إلى حمص فيجاورها ويسمى هناك جبل بهرا وتنوخ ثم يمر إلى أن يجاور اللاذقية وثم يسمى اللكام وينتهي إلى عين زربة والهارونية ثم إلى مرعش إلى أن يصل شمشاط وهي عليه ثم يتصل بأعمال آمد ويسمى هناك جبل السلسلة ثم ينقسم فتمر منه شعبة مع المشرق إلى حصن منصور إلى الباب والأبواب ويتعلق به جبل القبق وتمر الشعبة الثانية منه مع آمد إلى أحواز ميافارقين ويمر مع الجنوب إلى حدود بارما ويسمى هناك جبل الكرد إلى أن ينتهي إلى شهرزور إلى أحواز حلوان إلى الجبال من أحواز الصيمرة إلى جنوب إصبهان ثم يعطف إلى أن يأتي قاشان إلى قم ثم يصل إلى الري ويتصل به هناك جبال الديلم ويمر مع الساحل البحر الخزري إلى أن ينتهي (إلى) بحيرة خوارزم ثم يمر متصلا بجنوب الغزية حتى يتصل بفاراب ثم يمر في شرقي بلاد الشاش (و) ينتهي إلى أقصى بلاد فرغانة فيتصل
353

هناك بجبال فردحس الخارجة من البحر الصيني المحيط على وخان فيقطع بلاد التبت لا في وسطها على غربيها ومشارق بلاد الخرلخية إلى أن يأتي من حدود الإسلام إلى فرغانة
فتمر منه قطعة إلى الجنوب من فرغانة إلى جبال البتم وبها يسمى هناك على جنوب أشروسنة ومياه سمرقند تنبعث منه وتنفذ قطعة منه إلى نسف على جنوب الصغد إلى كش ونسف ونواحي زم على جيحون ثم تصل شعبتان منه فتمر إحداهما شمالا إلى الجوزجان ويمتد على الجوزجان ويأخذ على الطالقان إلى مرو الروذ إلى طوس آخذا على نيسابور فتكون نيسابور في سفحه وهو في شرقيها ويمتد سائرا إلى الري فيكون عن يمين القاصد من خراسان إلى العراق وينجر مع معظمه كما قدمناه فيما سلف
وأما حدود فلسطين وهي أول أحواز الشام وحدودها مما يلي المغرب مقدار أربعة أيام وذلك من رفح إلى اللجون وعرضه من يافا إلى ريحا مسيرة يومين وزغر وديار قوم لوط والبحيرة المنتنة وجبال الشراة مضمومة إليها وهي منها في العمل إلى حدود أيلة
وديار قوم لوط والبحيرة المنتنة وزغر إلى بيسان وطبرية تسمى الغور
354

لأنها بقعة بين جبلين وسائر مياه الشام تنحدر وتجتمع فيكون منها نهر زخار أوله من بحيرة طبرية فيأخذ من طبرية وجميع الأنهار تصب إليه مثل نهر اليرموك والحد وأنهار بيسان وما ينصب من كور مآب وجبال بيت المقدس وجبل قبر إبراهيم عليه السلام وجميع ما ينصب أيضا من نابلس فإنه يجتمع الكل منها حتى يقع في بحيرة زغر وتسمى بحيرة سادوم وغاموراء وهما كانتا مدينتين لقوم لوط فغرقهما الله تعالى فعاد مكانهما بحيرة منتنة وسميت البحيرة الميتة لأن ما فيها شيء له روح لا حوت ولا دابة ولا شيء متكون مثل ما يتكون في سائر المياه الراكدة والمتحركة وماؤها حار كريه الرائحة وفيه سفن صغار يسافر بها في تلك الناحية وتحمل عليها الغلات وصنوف التمر من زغر والدارة إلى ريحا وسائر أعمال الغور وطول هذه البحيرة ستون ميلا وعرضها اثنا عشر ميلا
ومن ريحا إلى زغر يومان
ومن زغر إلى جبال الشراة ومن جبال الشراة إلى آخر الشراة يومان
ومن ريحا إلى بيت المقدس مرحلة
ومن بيت المقدس إلى عمان والبلقاء يومان
((ومن الرملة إلى قيسارية مرحلة كبيرة))
355

وريحا المذكورة من أجمل بقاع الغور وعمتا وبيسان وأكثر غلات بلاد الغور النيلج وأهله سمر بل هم إلى السواد أقرب
والجي بلد من بلاد فلسطين صغير ماؤه حار وهواؤه وخيم
وأما مدينة بيسان فصغيرة جدا وبها نخل كثير وينبت بها السامان الذي يعمل منه الحصر السامانية ولا يوجد نباته البتة إلا بها وليس في سائر الشام شيء منه
وفلسطين ماؤها من الأمطار والسيول وأشجارها قليلة وديار فلسطين حسنة البقاع بل أزكى بلاد الشام ومدينتا الشام هما الرملة ثم بيت المقدس
فأما الرملة فهي مدينة حسنة عامرة وبها أسواق وتجارات ودخل وخرج ومنها إلى يافا التي على ساحل البحر الملح نصف يوم
ومن الرملة إلى نابلس يوم
ومن الرملة إلى قيسارية مرحلة كبيرة
ونابلس مدينة السامرية وبها البئر التي حفرها يعقوب عليه السلام وبها جلس السيد المسيح وطلب من المرأة السامرية الماء ليشرب وعليه الآن كنيسة حسنة ويزعم أهل بيت المقدس أن السامرية لا يوجد أحد منهم إلا بهذه المدينة
وبآخر مدن فلسطين مما يلي الجفار وطريق مصر مدينة غزة وبينهما من الأميال ثلاثون ميلا
ومن فلسطين إلى مدينة عسقلان مرحلة كبيرة
وبين عسقلان وغزة نحو من عشرين ميلا وهي الآن عامرة بأيدي الروم ومرسى غزة تيدا
356

ومن ميماس إلى عسقلان شرقا عشرون ميلا
والعريش مدينة كانت ذات جامعين مفترقة المباني والغالب على أرضها الرمال ولها ثمار وجمل فواكة وهي على مقربة من البحر
وأيضا فإن الطريق من الرملة إلى يبني (نصف مرحلة ومنها) إلى يزدود في البر مرحلة ومن يزدود إلى غزة وقد تقدم ذكرها مرحلة
ومن غزة إلى مدينة رفح وهي مدينة صالحة مرحلة ومنها إلى العريش مرحلة ومن العريش إلى الواردة وهي منزل قرب البحر مرحلة
ومن الورادة إلى الفرما وهي مدينة على بحر الشام مجاورة لبحيرة تنيس مرحلة
وأما مدينة عسقلان فهي مدينة حسنة ذات سورين وبها أسواق وليس لها من خارجها بساتين وليس بها شيء من الشجر واستفتحها صاحب القدس بعساكر الروم من الإفرنج وغيرهم في سنة ثمان وأربعين وخمسمائة وهي الآن بأيديهم وعسقلان معدودة في أرض فلسطين ويقابلها في جهة الجنوب ناحيتان جليلتان وهما جبال وشراة فأما جبال فمدينتها تسمى دراب وشراة أيضا مدينتها تسمى أذرح وهما في غاية الخصب وكثرة أشجار الزيتون واللوز والتين والكروم والرمان وعامة سكانها من قيس
وكذلك بين جنوب منها وشرق قرية مؤتة ومنها إلى عمان تمر فيما بين
357

شعبي جبل يقال له الموجب وهو واد عظيم عميق القعر ويمر فيما بين هذين الشعبين وليسا بمتباعدين وذلك يمكن أن يكون بمقدار ما يمكن أن يكلم إنسان إنسانا وهما واقفان على ضفتي النهر فيسمع بعضهما بعضا ينزل فيه السالك ستة أميال ويصعد ستة أميال
ومن عسقلان الساحلية المتقدم ذكرها إلى حصن الماحوز الأول على البحر خمسة وعشرون ميلا ويقابله في البرية كوم زنجل وبيت جبريل وهما محلان ينزل بهما ثم إلى الماحوز الثاني خمسة وعشرون ميلا ومنها إلى مدينة يافا وهي فرضة بيت المقدس وبينهما مرحلتان خفيفتان
وبيت المقدس مدينة جليلة قديمة البناء أزلية وكانت تسمى إيلياء وهي على جبل يصعد إليها من كل جانب وهي في ذاتها طويلة وطولها من المغرب إلى المشرق وفي طرفها الغربي باب المحراب وهذا الباب عليه قبة داؤود عليه السلام وفي طرفها الشرقي باب يسمى باب الرحمة وهو مغلق لا يفتح إلا من عيد الزيتون لمثله ولها من جهة الجنوب باب يسمى باب صهيون ومن جهة الشمال باب يسمى باب عمود الغراب وإذا دخل الداخل من باب المحراب وهو الباب الغربي كما قلناه يسير نحو المشرق في زقاق شارع إلى الكنيسة العظمى المعروفة بكنيسة القيامة ويسميها المسلمون قمامة وهي الكنيسة المحجوج إليها من جميع بلاد الروم التي في مشارق الأرض ومغاربها فيدخل من باب في غربها فيجد الداخل نفسه في وسط القبة التي تشتمل
358

على جميع الكنيسة وهي من عجائب الدنيا والكنيسة أسفل ذلك الباب ولا يمكن أحدا النزول إليها من هذه الجهة ولها باب في جهة الشمال ينزل منه إلى أسفل الكنيسة على ثلاثين درجة ويسمى هذا الباب باب شنت مرية وعند نزول الداخل إلى الكنيسة تلقاه المقبرة المقدسة المعظمة ولها بابان وعليها قبة معقودة قد أتقن بنيانها وحصن تشييدها وأبدع تنميقها وهذان البابان أحدهما يقابل الشمال حيث باب شنت مرية والباب الآخر يقابله من جهة الجنوب ويسمى باب الصلوبية وعلى هذا الباب قنباز الكنيسة ويقابلها من جهة الشرق كنيسة عظيمة كبيرة جدا يقدس فيها إفرنج الروم ويقربون
وفي شرقي هذه الكنيسة منحرفا بشيء لطيف إلى الجنوب الحبس الذي حبس فيه السيد المسيح ومكان الصلوبية وأماالقبة الكبيرة فهي قوراء مفتوحة للسماء وبها دار بها الأنبياء مصورون والسيد المسيح والسيدة مريم والدته ويوحنا المعمدان وعلى المقبرة المقدسة من القناديل المعلقة على المكان خاصة ثلاثة قناديل ذهب وإذا خرجت من هذه الكنيسة العظمى وقصدت شرقا ألفيت البيت المقدس الذي بناه سليمان بن داؤود عليه السلام وكان مسجدا محجوجا إليه في أيام دولة اليهود ثم انتزع من أيديهم وأخرجوا عنه إلى مدة الإسلام فكان معظما في ملك المسلمين وهو المسجد المعظم المسمى بالمسجد الأقصى عندهم وليس في الأرض كلها مسجد على قدره إلا المسجد الجامع الذي بقرطبة من ديار الأندلس وفيما يذكر أن مسقف جامع قرطبة أكبر
359

من مسقف الجامع الأقصى وصحن المسجد الأقصى هو في تربيع طوله مائتا باع في عرض مائة وثمانين باعا نصفه مما يلي المحراب مسقف بأقباء صخر على عمد كثيرة صفوفا والنصف الثاني صحن لا سقف له وفي وسط الجامع قبة عظيمة تعرف بقبة الصخرة وهذه القبة مرصعة بالفص المذهب والاعمال الحسنة من بناء خلفاء المسلمين وفي وسطها الصخرة المسماة بالواقعة وهو حجر مربع كالدرقة في وسط القبة رأسها الواحد مرتفع عن الأرض مقدار نصف قامة أو أشف من ذلك ورأسها الثاني لاصق بالأرض وطول هذه الصخرة مقارب لعرضها يكون بضعة عشر ذراعا في مثلها وينزل من باطنها وأسفلها إلى سرداب كالبيت المظلم طوله عشرة أذرع في عرض خمسة وارتفاع سمكه يشف على القامة ولا يدخل إلى هذا البيت إلا بمصباح يستضاء به ولهذه القبة أربعة أبواب والباب الغربي منها يقابله مذبح كان بنو إسرائيل يقربون عليه القرابين وبالقرب من الباب الشرقي من أبواب هذه القبة الكنيسة المسماة بقدس القدس وهي لطيفة القدر والقبلي منها يقابله المسقف الذي كان مصلى للمسلمين فلما استفتحها الروم وبقي بأيديهم إلى وقت تأليفنا لهذا الكتاب صيروا هذا المسقف من المسجد بيوتا يسكنها الجيل المعروفون بالداوية ومعناه خدام بيت الله ويقابل الباب الشمالي بستان حسن مغروس بأنواع الأشجار ودائر هذا البستان أعمدة رخام مضفورة بأبدع
360

ما يكون من الصنعة وفي آخر البستان مجلس برسم الغذاء للقسيسين والمدرجين
وتخرج من هذا المسجد أيضا شرقا فتصل إلى باب الرحمة المغلوق كما قدمنا وبالقرب من هذا الباب باب آخر مفتوح يعرف بباب الأسباط عليه الدخول والخروج وإذا خرجت من باب الأسباط سرت في حدود مقدار رمية سهم فتجد كنيسة كبيرة حسنة جدا على اسم السيدة مريم ويعرف المكان بالجسمانية وهناك قبرها يبصر جبل الزيتون وبينه وبين باب الأسباط نحو ميل
وفي طريق الصعود إلى هذا الجبل كنيسة عظيمة حسنة متقنة البناء تسمى كنيسة باتر نصتر وعلى أعلى الجبل كنيسة أخرى حسنة معظمة وفيها رجال ونساء محبوسون
يبتغون بذلك أجر الله سبحانه وفي شرقي هذا الجبل المذكور منحرفا قليلا إلى الجنوب قبر العازر الذي أحياه السيد المسيح وعلى ميلين من جبل الزيتون القرية التي جلب منها الأتان لركوب السيد المسيح عند دخوله إلى أورشليم وهي الآن خراب لا ساكن بها
وعلى قبر العازر يؤخذ طريق وادي الأردن وبين وادي الأردن وبيت المقدس مسافة يوم واحد ومن قبل أن تصل إلى وادي الأردن مدينة ريحا السابق ذكرها وبينها وبين الوادي ثلاثة أميال وعلى الوادي المسمى الأردن كنيسة عظيمة على اسم شنت يوحنا يسكنها رهبان الإغريقيين ووادي الأردن يخرج من بحيرة طبرية ويصب في بحيرة سادوم وغاموراء اللتين كانتا مدينتي قوم
361

لوط فغرقهما الله بذنوب أهلهما ومما يلي قبلة وادي الأردن برية متصلة
وأما ما يلي بيت المقدس في ناحية الجنوب فإنك إذا خرجت من باب صهيون وسرت مقدار رمية حجر وجدت كنيسة صهيون وهي كنيسة جليلة حصينة وفيها العلية التي أكل فيها السيد المسيح مع التلاميذ وفيها المائدة باقية إلى الآن ولها ميعاد في يوم الخميس ومن باب صهيون تنزل في خندق يعرف بوادي جهنم وفي طرف الخندق كنيسة على اسم بطرس وفي هذا الخندق عين السلوان وهي العين التي أبرأ بها السيد المسيح الضرير الأعمى ولم تكن له قبل ذلك عينان ومن هذه العين المذكورة إلى الجنوب الحقل الذي يدفن فيه الغرباء وهي أرض اشتراها السيد لذلك وبقربها بيوت كثيرة منقورة في الصخر وفيها رجال قد حبسوا أنفسهم فيها عبادة
وأما بيت لحم وهو الموضع الذي ولد فيه المسيح فبينه وبين القدس ستة أميال وفي وسط الطريق قبر راحيل أم يوسف وأم ابن يامين ولدي يعقوب عليهم السلام وهو قبر عليه اثنا عشر حجرا وفوقه قبة معقودة بالصخر وبيت لحم هناك كنيسة حسنة البناء متقنة الوضع فسيحة مزينة إلى أبعد غاية حتى إنه ما أبصر في جميع الكنائس مثلها بناء وهي في وطاء من الأرض ولها باب من جهة المغرب وبها من أعمدة الرخام كل مليحة وفي ركن الهيكل من جهة الشمال المغارة التي ولد بها السيد المسيح وهي تحت الهيكل وداخل المغارة المذوذ الذي وجد به وإذا خرجت من بيت لحم نظرت في الشرق منه كنيسة الملائكة الذين بشروا الرعاة بولادة السيد المسيح
362

ومن بيت لحم إلى مسجد إبراهيم في الجنوب نحو من ثمانية عشر ميلا وهي قرية ممدنة وفي مسجدها قبر إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام وكل قبر من قبورهم تجاه قبر امرأة صاحبه وهذه المدينة في وهدة بين جبال كثيفة الأشجار أعني شجر الزيتون والتين والجميز وفواكة كثيرة
وليس بشمال بيت المقدس شيء من البناء ومن مدينة بيت المقدس شمالا إلى مدينة نابلس يومان وكذلك من نابلس إلى الرملة يوم كبير
ومن بيت المقدس إلى عمان والبلقاء يومان وبعض يوم
ومن بيت المقدس إلى طبرية تسعون ميلا وكذلك من طبرية إلى الرملة ثلاث مراحل وطبرية مدينة الأردن الكبرى وهي قصبتها فمنها إلى صور يومان كبيران ومنها إلى عقبة أفيق نحو يوم ومنها إلى بيسان بعض يوم ومنها إلى عمتا مدينة الغور إلى آخر عمل الأردن ومنها إلى موضع يعرف بالجميلة يوم
ومن طبرية إلى عكة يومان خفيفان وهي مدينة جليلة على جبل مطل طويلة في ذاتها قليلة العرض وطولها نحو من ميلين وأسفلها من جهة المشرق بحيرة عذبة الماء طولها اثنا عشر ميلا في عرض مثلها وبها مراكب سابحة تحمل فيها الغلات إلى المدينة ولها سور حصين ويعمل بها من الحصر السامانية كل عجيبة وقليلا ما يصنع مثلها في بلد من البلاد المعروفة وفي
363

هذه المدينة حمامات حامية من غير نار توقد لها فهي حارة في الشتاء والصيف وفيها حمام يعرف بحمام الدماقر وهو كبير عظيم وماؤه في أول خروجه حار تسمط فيه الجداء والدجاج ويسلق فيه البيض وماؤه ملح وبها حمام اللؤلؤ وهو أصغر من حمام الدماقر وماؤه حار عذب وهذا الماء الحار يخترق في الدور المجاورة له وبه يغتسلون ويتصرفون ومن حماماتها حمام المنجدة وماؤه حار عذب وليس فيها حمام توقد له النار إلا الحمام الصغير الذي بها وذلك أنه بناه أحد الملوك الإسلامية في داره ليدخله هو ومن له من أهل وولد وحاشية فلما مات أخرج وجعل للناس عامة فهم يدخلونه وماؤه يسخن بالنار وحده وفي جهة الجنوب منها حمامات كثيرة مثل عين موقعين وعين الشرف وغيرهما تصب إليها عيون مياهها حارة مدى الدهر ويقصد إليها من جميع النواحي أهل البلايا من الناس مثل المقعدين والمفلوجين والمرياحين وأصحاب القروح والجرب فيقيمون بها في الماء ثلاثة أيام فيبرؤون بإذن الله من ذلك
ومدن سواحل فلسطين منها عسقلان وأرسوف ويافا وهذه كلها مدن تتقارب مقاديرها وصفاتها وأحوال أهلها مع أنها لطاف حصينات كثيرة العمارات وبها شجر الزيتون والكروم كثيرة جدا ويافا في ذاتها مدينة ساحلية وهي فرضة لبيت المقدس وبينهما ثلاث مراحل خفاف
وبين يافا والرملة عشرون ميلا
364

وقيسارية بلد كبير عظيم له ربض عامر وحصن منيع حسن
وبين يافا وقيسارية ثلاثون ميلا ومن قيسارية إلى نابلس مرحلة وكذلك من قيسارية إلى الرملة مرحلتان خفيفتان ومن قيسارية إلى مدينة حيفا على الساحل يومان
وحيفا تحت طرف الكرمل وهو طرف خارج في البحر وبه مرسى حسن لإرساء الأساطيل وغيرها ومدينة حيفا هي فرضة لطبرية وبينهما ثلاث مراحل خفاف
ومن حيفا إلى مدينة عكا مرحلة في البر وهي من الأميال ثلاثون ميلا وفي البحر رؤوسية ثمانية عشر ميلا ومدينة عكا كبيرة واسعة الأرجاء كثيرة الضياع ولها مرسى حسن مأمون وناسها أخلاط فمن طبرية إلى عكا يومان ومن عكا إلى حصن الزيب اثنا عشر ميلا وهو حصن حسن على ضفة البحر الملح
ومنه إلى النواقير وهي ثلاثة جبال بيض شواهق مطلة على ضفة البحر نحو من ثمانية عشر ميلا ومن وسط النواقير إلى مدينة الإسكندرية خمسة أميال
ومن الإسكندرية إلى مدينة صور خمسة عشر ميلا وهي مدينة حسنة على ضفة البحر وبها للمراكب إرساء وإقلاع وهو بلد حصين قديم والبحر قد أحاط به من ثلاثة
أركانه ولهذه المدينة ربض كبير ويعمل بها جيد الزجاج
365

والفخار وقد يعمل بها من الثياب البيض المحمولة إلى كل الآفاق كل شيء حسن عالي الصفة والصنعة ثمين القيمة وقليلا ما يصنع مثله في سائر البلاد المحيطة بها هواء وماء
ومن صور إلى طبرية يومان كبيران ومنها إلى عدلون وهو حصن منيع على البحر ومنه إلى صرفند عشرون ميلا وهو حصن حسن ومنه إلى صيداء عشرة أميال وبين صور وصرفند يقع نهر لطيقة ومنبعه من الجبال ويقع هناك في البحر ومن مدينة صور في البر إلى طبرية يومان كبيران ومن صور إلى دمشق أربعة أيام
ومدينة دمشق من أجل بلاد الشام وأحسنها مكانا وأعدلها هواء وأطيبها ثرى وأكثرها مياها وأغزرها فواكه وأعمها خصبا وأوفرها مالا وأكثرها جندا وأشمخها بناء ولها جبال ومزارع تعرف بالغوطة وطول الغوطة مرحلتان في عرض مرحلة وبها ضياع كالمدن مثل المزة وداريا وبرزة وحرسة وكوكبا وبلاس وكفرسوسية وبيت الأهواء وبها جامع قريب الشبه بجامع دمشق ومن باب دمشق الغربي وادي البنفسج وطوله اثنا عشر ميلا وعرضه ثلاثة أميال وكله مغروس بأجناس الثمار تشقه خمسة أنهار وغير ذلك ويكون في كل واحدة من هذه الضياع من ألفي رجل إلى ألف وأقل وأكثر والغوطة أيضا هي أشجار وأنهار ومياهها مخترقة تشق البساتين والديارات وبها من أنواع الفواكه ما لا يحيط به تحصيل
366

ولا يأتي به تمثيل كثرة وخصبا وطيبا ودمشق وأنزه بلاد الله من خارج
ومياه الغوطة الجارية بها تخرج من عين الفيجة وهذه العين في أعلى جبل وينصب ماؤها من أعلى هذا الجبل كالنهر العظيم له صوت هائل ودوي عظيم يسمع على بعد ويرى نزول الماء من أعلى الجبل على قرية إبل حتى ينتهي إلى المدينة فتتفرع منه الأنهار المعروفة بها منها نهر يزيد ونهر ثورة ونهر بردى ونهر قناة المزة ونهر بأناس ونهر سقط ونهر يشكور ونهر عادية وهذا النهر ليس بمشروب منه لأن عليه مصبات أوساخ المدينة وأوذار غسالاتها وقنوات صغار ويشق هذا النهر وسط المدينة وعليه قنطرة يجتاز عليها الناس وكذلك أيضا سائر الأودية التي ذكرناها تخرج منها سواق تخترق المدينة وتجري إلى دورها وحماماتها وبساتينها وأسواقها
وبها المسجد الجامع الذي ليس على الأرض مثله بناء ولا أحسن منه صفة ولا أتقن منه إحكاما ولا أوثق منه عقدا ولا أغرب منه رسما ولا أبدع منه تلميعا بأنواع الفصفص المذهب والآجر المحكوك والمرمر المصقول وهو في مربعة تعرف بالميزاب فمن جاءه من ناحية باب جيرون صعد إليه في درج رخام كبير واسع نحو من ثلاثين درجة ومن قصده من ناحية باب البريد والقبة الخضراء وقصر اليتيمين وحجر الذهب وباب الفراديس كان مدخله مع الأرض بغير درج وفيه آثار عجيبة فمنه الخوان والقبة
367

التي فوق المحراب عند المقصورة ويقال إنها من بناء الصابئة وكان مصلاهم بها ثم صار في أيدي اليونانين فكانوا يعظمون فيه دينهم ثم صار من بعدهم لملوك من عباد الأوثان فكان لهم موضعا لأصنامهم ثم انتقل إلى اليهود فقتل في ذلك الزمان يحيى بن زكرياء فنصب رأسه على باب المسجد المسمى باب جيرون ثم تغلبت عليه النصارى فصار ملكا بأيديهم فحولته بيعة يقيمون بها دينهم ثم استفتحها الإسلام فصار لهم فاتخذوه جامعا فلما كان في أيام الوليد بن عبد الملك من بني أمية عمره فجعل أرضه رخاما ومعاقد رؤوس أساطينه ذهبا ومحرابه مذهبا وسائر حيطانه مرصعة بأشباه الجوهر ودور السقف كله مكتبا كما يدور بترابيع جدران المسجد مذهبا بأحسن صنعة وأبدع تنميق ويقال إنه جعل بأعلى السقف حصر رصاص محكمة التأليف وثيقة الصنعة والماء يصل إليه في قنوات رصاص فمتى احتاج ذلك المسجد إلى الغسل فتح إليه الماء وغسل جميع صحنه بأهون سعي ويقال إن الوليد ابن عبد الملك المقدم ذكره أنفق في إتقان هذا المسجد الجامع خراج الشام كله سنتين
ومدينة دمشق محدثة وإنما كان القديم من موضعها موضعا يسمى الجابية وذلك في أيام الجاهلية وبنيت دمشق عليها ولها أبواب شتى فمنها باب الجابية وعرض الأرض المعمورة أمامه ستة أميال طولا في عرض ثلاثة أميال كل ذلك أشجار وعمارات ويشقها خمسة أنهار ومن أبوابها باب توما وباب السلامة وباب الفراديس ودير مران يقابله والباب الصغير
368

ومدينة دمشق جامعة لصنوف من المحاسن وضروب من الصناعات وأنواع من الثياب الحرير كالخز والديباج النفيس الثمين العجيب الصنعة العديم المثال الذي يحمل منها إلى كل بلد ويتجهز منها به إلى كل الآفاق والأمصار المصاقبة لها والمتباعدة منها ومصانعها في كل ذلك عجيبة يضاهي ديباجها بديع ديباج الروم ويقارن ثياب تستر وينافس أعمال إصبهان ويشف على أعمال طرز نيسابور من جليل ثياب الحرير المصمتة وبدائع ثياب تنيس وقد احتوت طرزها على أفانين من أعمال الثياب النفيسة ومحاسن جمة فلا يعادلها جنس ولا يقاومها مثال ولدمشق في داخلها على أوديتها أرحاء كثيرة والحنطة فيها كثيرة جدا وأنواع الفواكه وأما الحلاوات فيها فمنها ما لا يوجد بغيرها ولا يوصف كثرة وطيبا وجودة وأهلها في خصب عيش واتصال أمن وصناعاتها نافقة وتجاراتها رابحة وهي من أعز البلاد الشامية وأكملها حسنا
ومنها إلى مدينة بعلبك في جهة الشمال مرحلتان وهي مدينة خصيبة على سفح جبل وعليها سور حصين مبني بالحجارة وسعته عشرون شبرا والماء يشق في وسطها ويدخل كثيرا من ديارها وعلى هذا النهر ارحاء ومطاحن وهي كثيرة الغلات نامية الإصابات وافرة الفواكه والطرف غزيرة الكروم والأشجار خصيبة المآكل والأسعار وفيها من عجيب البناء المذكور آثار يجب ذكرها لشماختها ووثاقة صنعها وذلك أن بها من عجيب البنيان الملعبين وهما
369

الصغير والكبير فالكبير يحكي أنه بنى في أيام سليمان بن داؤود وهو عجيب المنظر فيه حجارة يكون طول الحجر منها عشرة أذرع وأقل وأكثر ومنه شيء مبني على عمد شاهقة يروع منظرها والملعب الصغير قد تهدم أكثره وذهبت محاسنه وبقي منه الآن حائط قائم طوله عشرون ذراعا وارتفاعه على الأرض عشرون ذراعا وليس فيه إلا سبعة أحجار حجر واحد في أسفله وحجران فوقه وأربعة أحجار فوق الحجرين وفي هذه المدينة من البناء كل شيء عجيب
ومن مدينة دمشق إلى بيروت يومان كبيران ومنها إلى مدينة صيداء مثل ذلك ومن دمشق إلى اذرعات وهي البثنية أربع مراحل ومن دمشق إلى نابلس ست مراحل غربا ومن دمشق إلى اطرابلس الساحلية خمس مراحل
فأما مدينة صيداء فهي على ساحل البحر الملح وعليها سور حجارة وهي تنسب إلى امرأة كانت في الجاهلية وهي مدينة كبيرة عامرة الأسواق رخيصة الأسعار محدقة بالبساتين والأشجار غزيرة المياه واسعة الكور لها أربعة أقاليم وهي متصلة بجبل لبنان بإقليم بعرف بإقليم جزين وفيه مجرى وادي الحر وهو مشهور بالخصب كثير الفواكه وإقليم السربة وهو إقليم جليل وإقليم كفر قيلا وإقليم الرامي وهو نهر يشق جبالها ويصب إلى البحر وجميع هذه الأربعة أقاليم تشتمل على نيف وستمائة ضيعة وشرب أهلها من ماء يجري إليها من جبلها في قناة وبهذه المدينة أعني صيداء عينها المعروفة
370

وذلك أنه ينشأ بها في أيام الربيع سميكات على طول الإصبع سواء منها ذكور ومنها إناث ولها علامات تعرف بها إناثها وذكورها فإذا كان وقت سفادها أخذت صيدا ثم تجفف فإذا احتيج إليها أخذت منها واحدة فتسحق وتستف بالماء فإن الرجل ينعظ إنعاظا قويا ويجامع ما شاء ولا يصيبه عن ذلك عجز ولا فتور وهذه السميكات صغار على هيئة الوزغ لها أيد وأرجل خفية صغار وقد رأيناها غير ما مرة
ومن صيداء إلى الجية وهوحصن على البحر ثمانية أميال ومنه إلى حصن القلمون على البحر خمسة أميال وهذا الحصن على قنطرة والقنطرة على واد وهي عريضة جدا وقد بني الحصن عليها وهو حصن منيع في عطفة جون
ومنه إلى حصن الناعمة وهو كالمدينة الصغيرة سبعة أميال والناعمة مدينة حسنة وأكثر نبات أرضها شجر الخرنوب الذي لا يعرف في معمور الأرض مثله قدرا ولا طيبا ومنها يتجهز به إلى الشام وإلى ديار مصر وإليها ينسب الخرنوب الشامي أما وإن كان الخرنوب في الشام كثيرا طيبا فهو بالناعمة أكثر وأطيب
ومن حصن الناعمة إلى طرف بيروت أربعة وعشرون ميلا ومدينة بيروت أيضا مدينة على ضفة البحر الملح عليها سور حجارة كبيرة واسعة ولها بمقربة منها جبل فيه معدن حديد طيب جيد القطع ويستخرج منه الكثير ويحمل إلى بلاد الشام ولها غيضة أشجار صنوبر مما يلي جنوبها تتصل إلى جبل لبنان وتكسير هذه الغيضة اثنا عشر ميلا في مثلها وشرب أهلها من الآبار
371

ومنها إلى دمشق يومان ومن مدينة بيروت إلى حصن المزداسية ثمانية أميال ومنه إلى نهر الكلب ستة أميال وهو على البحر حصن صغير ومنه إلى جونية أربعة أميال وجونية حصن كبير على البحر وأهله نصارى يعاقبة ومنه إلى عطفة سلام وهو جون كبير طوله عشرة أميال ومنه إلى ماحوز جبيل وهو حصن حصين ثم إلى موقع نهر إبراهيم ثلاثة أميال ومن النهر إلى مدينة جبيل خمسة أميال وهي مدينة حسنة على البحر لها سور من حجر حصين ولها كورة واسعة وأشجار وفواكه وكروم وليس لها ماء جار وإنما يشرب أهلها من مياه الابار وبها إرساء وحط ومن مدينة جبيل على البحر إلى حصن بثرون عشرة أميال وهو حصن حسن ومنه إلى أنف الحجر على البحر خمسة أميال ومن حصن أنف الحجر إلى مدينة اطرابلس الشام ثمانية أميال
ومدينة اطرابلس الشام مدينة عظيمة عليها سور من حجر منيع ولها رساتيق وأكوار وضياع جليلة وبها من شجر الزيتون والكروم وقصب السكر وأنواع الفواكه وضروب الغلات الشيء الكثير والوارد والصادر إليها كثير والبحر يأخذها من ثلاثة أوجه وهي معقل من معاقل الشام مقصود إليها بالأمتعة وضروب
372

الأموال وصنوف التجارات وينضاف إليها عدة حصون وقلاع معمورة داخلة في أعمالها مثل أنف الحجر المتقدم ذكرها وحصن القالمون وحصن أبي العدس وأرطوسية ولها من أمهات الضياع المشهورة المذكورة أربعة فمنها الضيعة المعروفة بالشفيقية والزيتونية والراعبية والحدث وأميون وبها من شجر الزيتون وأنواع الفواكه أكثر مما في غيرها ومنها في جهة الجنوب حصن بناه ابن صنجيل الإفرنجي ومنه افتتح اطرابلس وبينهما أربعة أميال وهو حصن منيع جدا وهو بين واديين
ويقابل مدينة اطرابلس أربع جزائر في صف فأولها مما يلي البر جزيرة النرجس وهي صغيرة خالية وإليها جزيرة العمد ثم إليها جزيرة الراهب ثم إليها جزيرة أرذقون
ومن مدينة اطرابلس على الساحل إلى رأس الحصن وهو مدينة صغيرة عامرة آهلة وهي على طرف جون وهذا الجون طوله رؤوسية خمسة عشر ميلا وتقويرا مع الساحل ثلاثون ميلا ويسمى جون عرقة وفي وسط هذا الجون ثلاثة حصون تتقارب بعضها من بعض اسم أحدها مما يلي اطرابلس لوتورس والآخر بابيية وهو على نهر جار يسمى نهر بابيية والحصن الثالث يسمى أحصن الحمام وهي تتقارب بعضها من بعض ومنه إلى عرقة وهي مدينة عامرة حسنة في سفح جبل قليل العلو ولها في وسطها حصن على قلعة علية ولها ربض كبير وهي عامرة بالخلق كثيرة التجارات وأهلها مياسير وشربهم من ماء يأتيهم في قناة مجلوبة من نهرها ونهرها جار ملاصق
373

لها وبها بساتين كثيرة وفواكه وقصب سكر وبها مطاحن على نهرها المتقدم ذكره وبينها وبين البحر ثلاثة أميال وحصنها كبير وعيش أهلها خصيب رغد وبناؤها بالجص والتراب والخير بها كثير
وأما أرض حمص فإن مدينتها حمص وهي مدينة حسنة في مستو من الأرض وهي عامرة بالناس والمسافرون يقصدونها بالأمتعة والبضائع من كل فن وأسواقها قائمة ومسرات أهلها دائمة وخصبهم رغد ومعايشهم رفيقة وفي نسائها جمال وحسن بشرة وشرب أهلها من ماء يأتيهم في قناة من قرية بقرب جوسية والمدينة منها على مرحلة مما يلي دمشق ونهر الأرنط المسمى المقلوب يجري على بابها بمقدار رمية سهم أو أشف قليلا ولهم عليه قرى متصلة وبساتين وأشجار وأنهار كثيرة ومنها تجلب الفواكه إلى المدينة وكانت في مدة الإسلام من أكثر البلاد كروما فتلف أكثرها وثراها طيب للزراعات واقتناء الغلات وهواؤها أعدل هواء يكون بمدن الشام وهي مطلسمة لا تدخلها حية ولا عقرب ومتى أدخلت على باب المدينة هلكت على الحال وبها على القبة العالية الكبيرة التي في وسطها صنم نحاس على صورة الإنسان الراكب يدور مع الريح حيث دارت وفي حائط القبة حجر عليه صورة عقرب فإذا جاء إنسان ملدوغ أو ملسوع طبع في ذلك الحجر الطين الذي يكون معه ثم يضع الطين على اللسعة فتبرأ
للحين وجميع أزقتها وطرقها مفروشة بالحجر الصلد وزراعاتها مباركة كثيرة وزروعها تكتفي باليسير من السقي وبها مسجد جامع كبير من أكبر جوامع مدن الشام
374

ومن مدينة حمص إلى حلب خمس مراحل
ومن حمص إلى أنطرطوس على البحر مرحلتان والطريق من عرقة إلى أنطرطوس على الساحل تخرج من مدينة عرقة إلى الحصن المسمى شنج ثم إلى مدينة أنطرطوس وهي في آخر جون كبير وعلى أكثره جبال ممتدة
ويقطع هذا الجون رؤوسية خمسة عشر ميلا ومدينة أنطرطوس مدينة صغيرة على البحر لها سور حصين وعلى مقربة منها في البحر جزيرة أرواد وهي جزيرة كبيرة فيها كنيسة كبيرة معمورة متقنة البناء شاهقة منيعة ذات أبواب حديد وهي كالمحرس
ومن أنطرطوس في جهة الجنوب من البر إلى حصن الخوابي على أعلى الجبل خمسة عشر ميلا وهذا الحصن حصن منيع وأهله حشيشية خوارج في الإسلام لا يعتقدون شيئا من البعث ولا القيامة من بعد الموت لعنوا بمذهبهم
وانطرطوس فرضة حمص ومن حمص إلى دمشق خمس مراحل وكذلك
375

من اطرابلس الشام إلى دمشق خمس مراحل
والطريق من دمشق إلى مدينة يثرب تخرج من دمشق إلى منزل على نهر صغير ومنه إلى دعة مرحلة ومنه إلى ذات المنازل وهي قرية عامرة ومنها إلى ينوع مرحلة ومنها إلى البثنية مرحلة ومنها إلى دمة مرحلة وهي قرية ومنها إلى مدينة تبوك ثم إلى المحدثة ثم إلى الأقرع ثم إلى الحنيفية ثم إلى الحجر مرحلة وهو حصن منيع بين جبال في ديار ثمود ومنه إلى وادي (-) وهي مدينة صغيرة جدا على نهر صغير ومنه إلى الرحبة ثم إلى ذي المروة ثم إلى المر ثم إلى السويدة ثم إلى ذي خشب ثم إلى المدينة يثرب
والطريق من دمشق إلى الرقة نحو من ثماني عشرة مرحلة
والشام اسم لجملة بلاد وأكوار مثل بلاد فلسطين التي منها أطباق القدس وكورة عمواس وكورة لد وكورة يبنا وكورة يافا وكورة قيسارية وكورة نابلس وكورة سبسطة وكورة عسقلان وكورة غزة وكورة بيت جبرين
وفي جنوب هذه البلاد فحص التيه وهي الأرض التي هام فيها بنو إسرائيل أربعين سنة لم يدخلوا مدينة ولا أووا إلى بيت ولا بدلوا ثوبا ولا ازداد أحد منهم في قدره وطول هذا الفحص الذي هو أول أرض التيه نحو من ستة أيام
376

ويلي كورة فلسطين من جهة المشرق كورة الأردن وأكبر بلادها مدينة طبرية ومنها اللجون ومنها كورة السامرية وهي نابلس وبيسان وريحا وزغر وعمتا وحبيس وجدر وابل وسوسية وكورة عكا وكورة ناصرة وكورة صور ويليها من جهة المشرق أرض دمشق ومن كورها الغوطة وأرض بعلبك والبقاع وإقليم لبنان وكورة حولة وكورة اطرابلس وكورة جبيل وكورة بيروت وكورة صيداء وكورة البثنية وكورة حوران وكورة جولان وكورة ظاهرة وكورة البلقاء وكورة جبرين الغور وكفر مآب وكورة عمان وكورة الشراة وبصرى والجابية
ويلي هذه الأرض من جهة المشرق الأرض البادية ويليها من ناحية الجنوب أرض السماوة وأرض عاد ويلي أرض دمشق أرض العواصم وأرض قنسرين وسنذكرها أيضا في أمكنتها عند اتصالها بالمصورة الآتية من الإقليم الرابع
ومدينة دمشق قطب ومدار لمدنها فمنها إلى بعلبك مرحلتان ومنها إلى حمص خمسة أيام ومن دمشق إلى طبرية أربع مراحل ومن دمشق إلى اطرابلس على بحر الروم مسيرة خمسة أيام ومن دمشق إلى أقصى الغوطة يوم وهناك تتصل بطرف البادية ومن دمشق إلى بيروت يومان ومن دمشق إلى صيداء يومان ومن دمشق إلى أذرعات وهي البثنية أربعة أيام ومن دمشق إلى الجولان يومان
377

والشام أول طوله من ملطية إلى رفح والطريق من ملطية على منبج وبينهما أربع مراحل ومن منبج إلى حلب يومان ومن حلب إلى حمص خمسة أيام ومن حمص إلى دمشق خمسة أيام ومن دمشق إلى طبرية أربعة أيام ومن طبرية إلى الرملة ثلاثة أيام ومن الرملة إلى رفح يومان فذلك خمس وثلاثون مرحلة
نجز الجزء الخامس من الإقليم الثالث والحمد لله ويتلوه الجزء السادس منه إن شاء الله تعالى
378

الجزء الخامس
إن الذي تضمن هذا الجزء السادس من الإقليم الثالث في غربيه قطعة من أطراف البادية فيها من البلاد مدينة فيد والثعلبية وزبالة والحيرة والقادسية والصمان وطخفة والقرعاء وكاظمة وهناك من بلاد شمال أرض البحرين القطيف والزارة والأحساء والعقير والخرج وبيشة وجزيرة أوال وسائر ما بين بلاد البحرين وعمان صحراء تسكنها العرب وهي قليلة الماء
وفيه انتهى البحر الفارسي وعليه من البلاد عبادان والأبلة ومهروبان وسينيز وجنابا ونجيرم وصحار وسيراف وحصن (ابن) عمارة وهذه كلها من أرض فارس ويتلوها على البحر من بلاد كرمان مثورة وهرمز وبوادي جبال القفص وفي هذا البحر من الجزائر جزيرة خارك وجزيرة لافت وهي تصاقب سيراف وطرف (بني) الصفار وجزيرة أوال
وفيه من بلاد سواد العراق الحيرة والقادسية والكوفة وسورا والقطر ونهر
379

الملك وكوثاربا وواسط والبطائح وفم الصلح والمذار والمفتح وبيان وسليمانان والأبلة والبصرة وعبادان وجرجراي
وفيه من حدود خوزستان مدينة الباسيان وجبى والدورق وديرا وآسك وأزم وسنبيل وايذج ورام هرمز وسوق الأربعاء وهرمز وهي الأهواز وعسكر مكرم وجندي سابور وتستر وكرخة والسوس وقرقوب والطيب ومتوث وبردون وبصنا وفيه من بلاد أصبهان البندجان والبيضاء وأصبهان وفيه من بلاد فارس أرجان وكازرون والنوبندجان وجور وشيراز وهزار ومايين وكيسا وجم وجهرم ونحن لهذه البلاد ذاكرون ولما فيها واصفون بحول الله ومعونته
ونقول إن مدينة فيد من بلاد البادية وهي في نصف الطريق ما بين بغداد ومكة وأما البادية فإنها دار لفزارة وجهينة ولخم وبلي وقبائل مختلطه من اليمن وربيعة ومضر وأكثرها يمن وبنو أسد والرمل المعروف بالهبير هو الرمل الذي بالشقوق إلى الأجفر عرضا وطوله من وراء جبلي طيء إلى
380

أن يتصل شرقا بالبحر الفارسي ويمضي من وراء جبلي طيء إلى أن يرد الجفار من أرض مصر
ومن مدن البادية مدينة الثعلبية وبها مجتمع للعرب وبها سوق عامرة ومنها مدينة زباله وكانت من قبل مدينة فأما الآن فما بقي منها إلا رسم مجير وموضع يأوي إليه المسافرون وليس بمدينة ولا حصن وأما القادسية فهي مدينة على جنب البادية بنتها الأكاسرة من ملوك فارس وهي الآن مدينة صغيرة ذات نخيل ومياه عذبة وأكثر زراعاتها الرطبة ويتخذ منها القت علفا للجمال الصادرة والواردة في طريق الحجاز ومنها يتزودون علوفاتهم ومدينة القادسية غرب مدينة بغداد وهي ثغر من ثغور العراق ومن القادسية إلى الكوفة مرحلتان ومن القادسية إلى مدينة السلام بغداد أحد وستون فرسخا
ومدينة الكوفة على شاطىء نهر الفرات ذات بناء حسن وأسواق عامرة وحصن حصين ولها ضياع ومزارع ونخل كثير وأهلها مياسير وتشبه مبانيها أبنية البصرة في الإتقان والنفاسة ومياهها عذبة وهواؤها صحيح وأهلها من صرح العرب لكنهم الآن متحضرون وعلى ستة أميال من الكوفة قبة عظيمة مرتفعة الأركان من كل جانب لها باب مغلق وهي مستورة من كل ناحية بفاخر الستور وأرضها مفروشة بالحصر السامانية ويذكر أن بها قبر علي بن
381

أبي طالب وما استدار بالقبة مدفن لآل أبي طالب وهذه القبة بناها أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان في دولة بني العباس وكان قبل في دولة بني أمية مخفيا لو يوبه به
والقادسية والحيرة على خط البادية وحاشيتها مما يلي المغرب ويحيط بهما مما يلي المشرق المياه الجارية والبساتين المتصلة والنخل الكثير التمر العذب المذاق وهذان البلدان ومدينة الكوفة في أقل من مرحلة والحيرة مدينة صغيرة جاهلية البناء طيبة الثرى مفترشة البناء وكانت فيما سلف أكبر من قطرها الأن لكن أكثر أهلها انتقلوا إلى الكوفة وخف أهل القادسية والحيرة لذلك والكوفة والقادسية والحيرة كلها داخلة في أعمال العراق وجباياتها مرتفعة إلى ديوان بغداد وكذلك عمالها والناظرون في جميع أعمالها من قبل عمال بغداد
ومدينتا واسط على جانبي دجلة وبينهما قنطرة كبيرة مصنوعة على جسر سفن يعبر عليها من أراد الاجتياز من إحدى المدينتين إلى الأخرى وفي كل مدينة منهما جامع يختطب فيه والمدينة الغربية تسمى كسكر وهي من بنيان الحجاج بن يوسف الثقفي وبها مزارع ونخيل وبساتين وعمارات متصلة والمدينة الأخرى التي في الضفة الشرقية تسمى واسط العراق وهي أيضا مثل أختها حسنة البناء فسيحة الأرجاء مبانيها سامية وسموكها عالية وبساتينها وأموالها كثيرة وناسها حسان الزي وملابسهم البياض والعمائم الكبار وأهلها
382

أخلاط من أهل العراق وغيرها وليس بها بطائح وأرضها واسعة وطينتها ممتدة وهواؤها أصح من هواء البصرة وهي من أعمر بلاد العراق وعليها معول ولاة بغداد وبها قوامها ونواحي واسط عمل مفرد عن أعمال العراق وأموالها ترتفع إلى مدينة السلام ومن مدينة السلام عامل واسط أبدا
ومن مدينة واسط إلى بغداد ثماني مراحل وكذلك منها إلى البصرة سبع مراحل وكذلك من واسط أيضا إلى مدينة الكوفة ست مراحل على طريق البطائح ومن الكوفة إلى البصرة نحو اثنتي عشرة مرحلة ومن الكوفة إلى المدينة نحو عشرين مرحلة ومن الكوفة إلى بغداد خمس مراحل ومن الكوفة إلى القادسية مرحلتان ومن القادسية إلى العذيب وهي أول خط البادية ستة أميال ومن واسط تنزل مع دجلة إلى نهر أبان في النهر نصف يوم وفي البر مرحلة ومنها إلى دجلة العوراء ثم إلى نهر معقل ثم تنحدر في فيض البصرة
والبصرة مدينة عظيمة لم تكن في أيام العجم وإنما اختطها المسلمون في أيام عمر ومدنها عتبة بن غزوان وبغربيها البادية وبشرقيها مياه الأنهار منفرشة وهي نيف على مائة ألف نهر يجري في جميعها السماريات ولكل نهر منها اسم ينسب إلى صاحبه الذي احتفره أو إلى الناحية التي يصب فيها وهي في استواء من الأرض لا جبال فيها ولا بحيث يقع البصر منها على جبل وفيما حكى أحمد (بن أبي) يعقوب صاحب كتاب المسالك والممالك أن البصرة كان فيها سبعة آلاف مسجد ونيف وأما الآن فأكثرها خلاء وما بقي منها
383

إلا عمارة ما دار بالمسجد الجامع الذي فيها وحكى بعض التجار المسافرين إليها أنه اشترى التمر بها في عام ستة وثلاثين وخمسمائة خمسمائة رطل بدينار
وبها نهر يعرف بنهر الأبلة طوله اثنا عشر ميلا وهو مسافة ما بين البصرة والأبلة وعن جانبي هذا النهر قصور وبساتين متصلة كأنها بستان واحد ويحويها حائط واحد وينصب إلى هذا النهر عدة أنهار كثيرة مما تقاربه أو تقاومه في الكبر وجميع نخلها في اعتداد قدوده ونضارة فروعه كأنما أفرغ في قالب واحد أو غرس سائره في يوم واحد وجميع أنهار البصرة المحيطة بشرقيها يصب بعضها في بعض ويتشعب بعضها من بعض وأكثرها يدخله المد والجزر من البحر فإذا كان المد دخل الماء من البحر وتراجعت مياه الأنهار فصبت في البساتين والمزارع وسقتها وإذا كان الجزر انحجزت وعادت الأنهار جارية على حسب عادتها ومنها انهار كثيرة محتفرة لا يجري بها ماء وإنما يدخلها ردع المياه الواصلة إليها مع المد والغالب على مياه هذه الأنهار الملوحة
والأبلة مدينة على هذا النهر من إحدى جهاتها بل هو منها في شمالها وجانبها الآخر وهو الشرقي على غربي دجلة وهي صغيرة المقدار حسنة الديار واسعة العمارة متصلة البساتين والضياع عامرة بالناس وأهلها مياسير وعندهم خصب من العيش ورفاهة ودعة ومن أسفل الأبلة المفتح والمذار على ضفة دجلة وهي مدن متقاربة القدر متشابهة العظم عامرة بالأسواق والتجارات
384

والأبلة أكبر منها قدرا وأكثر خلقا وأغنى أهلا وأوسع عمارة
وفي حدود البصرة وبين عماراتها وقراها آجام كبيرة وبطائح ماء معمورة وتسير عليها السماريات والزوارق بالمدافع لقرب قعرها وارتدام مجاريها بالتراب وربما زادت الأمطار في أوقات الشتاء فحملت دجلة والفرات وصبت في هذه الأنهار سيولها فحفرت منها موضعا وردمت آخر 0
ومن البصرة إلى عبادان مرحلتان وهي ستة وثلاثون ميلا وعبادان حصن صغير عامر على شط البحر وإليه يصل جميع مياه دجلة وهو رباط ومحرس لطراق هذا البحر وعبادان في الضفة الغربية من دجلة ودجلة هناك تتسع على وجه الأرض كثيرا ومن عبادان إلى الخشبات ستة أميال وهذه الخشبات على متصل بحر فارس بمصب دجلة وهي خشبات مغروزة في قعر البحر وعليها مناصب من ألواح مهندمة ويجلس عليها حراس البحر ومعهم زورق يركبون فيه إلى هذه الخشبات وبه ينزلون إلى الساحل
وهذا البحر الفارسي شطه الأيمن للعرب والأيسر لفارس وعرضه مائتا ميل وعشرة أميال وعمقه من سبعين باعا إلى ثمانين باعا ومن الخشبات إلى (هجر) مدينة البحرين في شط العرب مائتا ميل وعشرة أميال ومن البصرة إلى البحرين على الجادة إحدى عشرة مرحلة وليس في طريق الساحل ماء وهو نحو من ثماني عشرة مرحلة في قبائل العرب مياههم محمولة معهم وهو مسلوك غير أنه مخوف ومن البصرة إلى المدينة نحو من عشرين مرحلة
385

ويلتقي (الطريق) مع طريق الكوفة بقرب معدن النقرة ومن البحرين إلى المدينة نحو من خمس عشرة مرحلة
والطريق من البصرة إلى البحرين من عبادان إلى () مرحلة لا ماء فيها ولا عامر بها ثم إلى الحدوثة مرحلة ثم إلى عرفجا مرحلة ثم إلى حنيان مرحلة ثم إلى القرى مرحلة ثم إلى مسلحة مرحلة ثم إلى الأحساء مرحلة ثم إلى حمص مرحلة ثم إلى ساحل هجر مرحلة وهذه المراحل كلها مراس ومواضع لا ماء فيها وعامرها قوم من العرب رحالة لا يستقرون في مكان واحد
فأما الأحساء فهي مدينة على البحر الفارسي تقابل أوال وهي بلاد القرامطة وهي مدينة حسنة لكنها صغيرة وبها أسواق تقوم بها في تصرفها
وأما مدينة القطيف فإنها مجاورة للبحر وهي في ذاتها كبيرة وبين القطيف والأحساء مرحلتان ومن القطيف إلى حمص يومان وهي على البحر الفارسي ومن مدينة القطيف إلى بيشة مرحلة كبيرة ويتصل بالقطيف إلى ناحية البصرة بر متصل لا عمارة فيه أي ليس به حصن ولا مدينة وإنما به أخصاص لقوم من العرب يسمون عامر ربيعة
ومدن البحرين منها هجر وحمص والقطيف والأحساء وبيشة والزارة والخط التي تنسب إليها الرماح الخطية وسميت البحرين بجزيرة أوال وذلك أن جزيرة أوال بينها وبين بر فارس مجرى ومنها إلى بر العرب مجرى وهي ستة أميال طولا وستة أميال عرضا ومنها إلى البصرة خمسمائة ميل وأربعون
386

ميلا لأن أيضا من جزيرة أوال إلى جزيرة خارك مئتان وأربعون ميلا
وجزيرة خارك ثلاثة أميال في ثلاثة أميال وبها زروع وأرز كثير وكروم ونخل وهي جزيرة حسنة كثيرة الأعشاب خصيبة
وجزيرة أوال جزيرة حسنة بها مدينة كبيرة تسمى البحرين وهي عامرة حسنة خصيبة كثيرة الزروع والنخل وفيها عيون ماء كثيرة ومياهها عذبة منها عين تسمى عين بو زيدان ومنها عين مريلغة ومنها عين غذار وكلها في وسط البلد وفي هذه العيون مياه كثيرة نابعة مترعة دفاعة تطحن عليها الأرحاء فالعين المسماة عين غذار فيها عجب لمبصرها وذلك أنها عين كبيرة قدرا مستديرة الفم في عرض ستين شبرا والماء يخرج منها وعمقها يشف على خمسين قامة وقد وزن المهندسون وحذاق العلماء علو فمها فوجدوه مساويا لسطح البحر وعامة أهل البلاد التي في هذه الجهة يزعمون أنها متصلة بالبحر ولا اختلاف بينهم في ذلك وهذا غلط ومحال لا يشك فيه لأن العين ماؤها حلو عذب لذيذ شهي بارد وماء البحر حار زعاق ولو كانت كما زعموا لكان ماؤها ملحا كماء البحر
وفي هذه الجزيرة أمير قائم بنفسه وقد رضيه أهل الساحلين لعدله ومتانة دينه ولا يلي مكانه إذا مات إلا من هو مثله في العدل والقيام بالحق
وفي هذه الجزيرة رؤساء الغواصين في البحر ساكنون بهذه المدينة والتجار يقصدون إليها من جميع الأقطار بالأموال الكثيرة ويقيمون بها الأشهر الكثيرة حتى يكون وقت الغوص فيكترون الغواصين بأسوام أجر معلومة
387

تتفاضل على قدر تفاضل الغوص والأمانة وزمان الغوص في شهر أغشت وشتنبر فإذا كان أوان ذلك وصفا الماء للغطاس وأكرى كل واحد من التجار صاحبه من الغواصين خرجوا من المدينة في أزيد من مائتي دونج والدونج أكبر من الزورق وفي إنشائه وطاء ويقطعها التجار أقساما في كل دونج منها خمسة أقسام وستة وكل تاجر منهم لا يتعدى قسمه من المركب وكل غواص له صاحب يتعاون به في عمله وأجرته على خدمته أقل من أجرة الغطاس ويسمى هذا المعاون المصفي ويخرج الغواصون من هذه المدينة وهم جملة في وقت خروجهم ومعهم دليل ماهر ولهم مواضع يعرفونها عيانا بوجودهم صدف اللؤلؤ فيها لأن للصدف مراعي تجول فيها وتنتقل إليها وتخرج عنها في وقت آخر إلى أمكنة أخر معلومة بأعيانها فإذا خرج الغواصون عن أوال تقدمهم الدليل والغواصون خلفه في مراكبهم صفوفا لا تتعدى جريه ولا تخرج عن طريقه فكلما مر الدليل بموضع من تلك المواضع التي يصاد بها صدف اللؤلؤ تنحى عن ثيابه وغطس في البحر ونظر فإن وجد ما يرضيه خرج وأمر بحط قلاع دونجه وأرسى وحطت جميع المراكب حوله وأرست وانتدب كل غواص إلى غوصه وهذه المواضع يكون عمق الماء فيها من ثلاث قيم إلى قامتين فدونها وصفة غوصهم أن الغواص يتجرد عن ثيابه ويبقى بسترة تستر عورته لا غير ويضع في أنفه الخلنجل وهو شمع مذاب بدهن الشيرج يسد به أنفه ويأخذ مع نفسه سكينا ومشنتا يجمع فيها ما
يجده هناك من الصدف ومع كل غواص منهم حجر وزنه من ربع
388

قنطار إلى ما نحوه مربوط بحبل رقيق وثيق فيدليه في الماء مع جنب الدونج ويمسك الحبل صاحبه بيده إمساكا وثيقا ويتخلى الغواص بنفسه في الماء فيجعل رجليه على الحجر ويمسك الحبل بيديه ثم يرسل صاحبه الحبل من يده دفعة واحدة فينزل الحجر مسرعا حتى يصل قعر البحر والغائص عليه يمسك الحبل بيديه فإذا استقر في قعر البحر نزل إلى قعر البحر وجلس وفتح عينيه في الماء ونظر إلى ما أمامه وجمع ما وجد هناك من الصدف في عجل وكر فإن امتلأت مشنته كان وإلا اندرج إلى ما قاربه والحجر لا يفارقه ولا يترك يده عن إمساك حبله فإن أدركه الغم كثيرا صعد مع الحبل إلى وجه الماء واسترد نفسه حتى يستريح ويرجع إلى غوصه وطلبه فإذا امتلأت مشنته اجتذبها صاحبه من أعلى الدونج وفرغ المشنة مما فيها من الصدف في قسمه من المركب وأعادها في البحر إلى الغواص إن كان الصدف هناك كثيرا وعلى قدر الوجود له يكون طلبه فإذا تم الغواصون في البحر مقدار ساعتين صعدوا ولبسو ثيابهم وتدثروا وناموا وانتدب المصفي وهو صاحب الغواص فيشق ما معه من الصدف والتاجر ينظر إليه حتى يأتي على آخره فيأخذه التاجر منه ويصره عند نفسه بعدد مكتوب فإذا كان عند العصر انتدبوا إلى طعامهم فصنعوه وتعشوا وناموا ليلتهم إلى الصباح ثم يقومون وينظرون في أغذية يأكلونها إلى أن يحين وقت الغوص فيتجردون ويغوصون هكذا كل يوم وكلما فرغوا من مكان أفنوا صدفه انتقلوا إلى غيره ولا
389

يزالون بهذه الحال إلى آخر أغشت ثم ينصرفون إلى جزيرة أوال في الجمع الذي خرجوا فيه وما معهم من الجوهر في صررهم وعلى كل صرة منها مكتوب اسم صاحبها وهي مطبوعة بطابع فإذا نزلوا أخذت تلك الصرر من التجار وصارت في قبض الوالي وفي ذمته فإذا كان في يوم البيع اجتمع التجار في موضع البيع فأخذ كل واحد مكانه وأحضرت الصرر ودعي باسم كل واحد من أصحابها وفضت خواتمها واحدة بعد واحدة وصب ما في الصرة من لؤلؤ في غربال موضوع تحته ثلاثة غرابيل وتلك الغرابيل لها أعين بمقادير ينزل منها الدقيق والمتوسط ويمسك كل نوع منها في صحن غربال فلا يبقى على وجه الغربال الأول الأعلى إلا ما غلظ من الجوهر ويبقى على وجه الغربال الثاني اللؤلؤ المتوسط ويستقر على الغربال الثالث اللؤلؤ الدقيق ثم يعزل كل صنف منها وينادي عليه بأسوامه ومستحق أثمانه فإن أحب التاجر سلعته كتبت عليه وإن شاء بيعها من غيره باع وقبض ماله والتاجر إذا اشترى متاعه إنما يكون عليه أن يؤدي اللوازم التي وجبت عليه وينتصف التجار من الغواصين والغواصون من التجار وينفصل كل أحد من كل أحد وينصرف الناس ثم يعودون إلى هناك في العام القابل هكذا أبدا
ولصاحب جزيرة كيش التي ذكرناها في الإقليم الثاني وموضعها في بحر فارس على التجار الذين يعاملون الغواصين شيء معلوم يقبض له في ديوان البيع منهم ويبعث إليه بذلك ضريبة وما وجد من الجوهر الغالي النفيس
390

أمسكه الوالي وكتبه على نفسه باسم أمير المؤمنين والعدل لا يفارقهم في البيع والشراء حتى لا يضام منهم أحد ولا يشكو ظلما
والجوهر يتكون حبه خلقا في هذا الصدف على ما يصفه أهل بحر فارس من ماء مطر نيسان وإن لم يمطر مطر نيسان لم يجد الغواصون منه شيئا في سنتهم تلك وهذا عندهم شيء مشهور صحيح متفق عليه بينهم
والغوص في بلاد فارس صنعة تتعلم وينفق عليها الأموال في تعليمها وذلك أنهم يتدربون في رد أنفاسهم على آذانهم حتى أن الرجل منهم في أول تعليمه تتزكم أذناه وتتسلط وتسيل منهما المادة ثم يتعالجون من ذلك فيبرؤون منه وأعلاهم أجرة أصبرهم تحت الماء وكل واحد منهم يميز صاحبه ولا يتعدى طوره ولا ينكر فضل من تقدمه وفاقه في المعرفة والصبر
وفي هذا البحر الفارسي جميع مغايص اللؤلؤ وأمكنته ثم إن أمكنته نحو من ثلاثمائة مكان مقصودة كلها مشهورة بالغوص وقد ذكرنا منها أكثرها عند ذكر أمكنتها في مواضعها من سواحل البحور والجزائر ومغايص بحر فارس أكثر نفعا وأمكن وجودا للطلب من سائر البحور الهندية واليمنية وقد ذكرنا من ذلك ما فيه بلغة بل كفاية
ولنرجع الآن إلى ما كنا فيه من ذكر البلاد وصفاتها وطرقاتها على الكمال بحول الله فمن ذلك صفة الطريق من البصرة إلى البحرين ثم إلى اليمامة على البادية وهو طريق العرب وقليلا ما يسلكه التجار فمن ذلك ان الخارج عن البصرة يسير إلى منزل في الصحراء فيه عين ماء مرحلة ثم إلى كاظمة مرحلة
391

ثم إلى منزل في الصحراء ثم إلى منزل ثم إلى منزل ثم إلى القرعاء وهو منزل فيه عرب ومنه إلى طخفة منزل عرب مرحلة ومنه إلى الصمان مرحلة وهو منزل فيه عرب ثم إلى منزل فيه ماء ثم إلى منزل لا ماء فيه ثم إلى منزل فيه ماء ثم إلى اليراني من غربي بلاد البحرين ومنها إلى منزل ثم إلى منزل ثم إلى منزل ثم إلى سلمية ثم إلى السيال ثم إلى حضرمة اليمامة وقد ذكرنا هذه البلاد فيما سلف
وفي شرقي موضع دجلة في بحر عبادان أرض خوزستان ومنها الأهواز ومدينة الأهواز تعرف بهرموزشهر وهي القطر الكبير والمصر المعمور والناحية الحسنة التي ينسب إليها سائر الكور وبها أسواق وتجارت وعمارات متصلة وأرزاق دارة وخيرات جمة وفيها ناس أخلاط من قبائل فارس والعرب المتحضرة بها مياسير لهم أموال كثيرة وبضائع وافرة ومصانع مكسبة وعيش ممكن وخصب رغد
والأهواز هي قاعدة بلاد خوزستان وأرض خوزستان هذه أرض وطيئة حسنة ثرية موضعها فسيح وهواؤها صحيح وهي سهلة الأرجاء كثيرة المياه وبلادها كثيرة عامرة منها الأهواز وعسكر مكرم وتستر وجندي سابور والسوس ورام هرمز والمسرقان وسرق واسمها دورق الفرس وايذج وبيان وجبى وبصنا وسوق سنبيل ومناذر الكبرى ومناذر الصغرى وقرقوب
392

والطيب وكليوان ونهر تيرى ومتوث وبردون وكرخة وأزم وسوق الأربعاء وحصن مهدي على البحر والباسيان وسليمانان
وبأرض خوزستان مياه جارية وأودية غزيرة وأنهار سائلة وأكبر أنهارها نهر تستر ويسمى دجيل الأهواز وهو نهر عجيب منبعه من جبال من ناحية اللور وعليه
الشاذروان الذي أمر بعمله سابور الملك وهو من العجائب المشهورة وذلك أنه بنى أمام تستر من الضفتين بنيانا وثيقا عاليا وأقام في صدر مجرى الماء سدا موثقا بالحجر العظيم والعمد الحجازية حتى ساواه مع ضفتي بنائه وارتدع به الماء حتى صار بإزاء تستر وذلك أن تستر في نشز من الأرض عال والماء مرتدع بين يديها ويجري هذا النهر من وراء عسكر مكرم ويمر بالأهواز حتى ينتهي إلى نهر السدرة إلى حصن مهدي ويقع هناك في البحر ويخرج من نهر تستر نهر يسمى بنهر المسرقان فيمر مغربا حتى ينتهي إلى مدينة عسكر مكرم وعليه هناك جسر كبير نحو من عشرين سفينة وتجري فيه السفن الكبار ويتصل بالأهواز وبين عسكر مكرم والأهواز ثلاثون ميلا في الماء فإذا كان الماء في المد وزيادته في أول الشهر عبر هناك بالمراكب وإن كان الجزر لم يمكن المراكب السير فيه لأن الماء به يجف ولا يبقى منه إلا عدد منقطعة عن اتصال الجري وهذا النهر لا يضيع من مائه شيء وإنما يتصرف كله في سقي الأرضين هناك تسقى به غلات القصب وضروب الحبوب والنخل والبساتين وسائر المزارع المعمورة ويجري في
393

جنوب خوزستان نهر طاب وهو الحد المميز بين خوزستان وفارس وجميع مياه خوزستان كلها تتألف وتنصب في البحر عند حصن مهروبان وبضفة حصن مهدي وليس بأرض خوزستان بحر إلا ما ينتهي إليها عن زاوية من حد مهروبان إلى قرب سليمانان بحذاء عبادان وهو شيء يسير من بحر فارس وأرض خوزستان كلها سهول وأرضها رمل وليس بها شيء من الجبال إلا ما كان بنواحي تستر وبالجملة إنها كلها سهول وفجاج غير عالية
ومدينة المسرقان مدينة عامرة بأهلها والصادرون عنها والواردون عليها كثير ولهم معايش وأرزاق كثيرة وأكثر شجرهم النخل وفيها الرطب الموصوف المسمى الطن إذا أكله الانسان وشرب عليه ماء المسرقان وجد عليه رائحة الخمر سواء وعندهم من الحنطة والشعير الشيء الكثير وسائر أنواع الحبوب موجودة بها وأكثر الحبوب عندهم الأرز وهم يطحنونه ويتخذون منه خبزا يأكلونه ويفضلونه على الحنطة وبالمسرقان من غلات القصب الشيء الكثير الذي يفوق ما بسائر الآفاق من ذلك
والسوس مدينة جليلة حاضرة بكل خير جامعة لكل فضل وأهلها أخلاط وهي من بلاد السكر ويصنع بها منه كل شيء كثير ويتجهز به إلى كل الآفاق ويصل فاضله إلى أقصى خراسان وينسب إليها ويصنع بها من الخز العتيق كل جليلة وبها فواكه كثيرة
394

ومدينة عسكر مكرم مدينة كبيرة حسنة على نهر المسرقان ولها جسر قدمنا وصفه وهي عامرة بالتجار وأخلاط الناس وبها أسواق وأرزاق وصناعات ولها مزارع متصلة وبها صنف من العقارب على قدر ورقة الأنجذان وصفرتها تسمى الجرارة إذا لسبت أحدا مات لحينه وقل ما يسلم من لسبته وبين عسكر مكرم وتستر مرحلة ومن عسكر مكرم إلى رام هرمز مرحلتان وهي مدينة عامرة جليلة وبها أسواق ومتاجر ويصنع بها من ثياب الإبريسم ما يحمل إلى كثير من المواضع وكذلك من مدينة عسكر مكرم إلى الدورق نحو أربع مراحل ومن الدورق إلى الأهواز أربع مراحل خفاف
والدورق مدينة عامرة بأهلها وبها من أخلاط الناس جمل ومتاجرها كثيرة وتسمى مدينة الرستاق وبغربيها مدينة باسيان على مرحلتين منها
وباسيان مدينة وسطة في الكبر عامرة يشقها نهر فيصير نصفين وهي فرجة حسنة من داخلها وخارجها وبين باسيان وحصن مهدي مرحلتان غربا
ومدينة تستر هي كما قدمنا ذكره مرتفعة عن وجه الأرض والماء يرتفع في الشاذروان إلى بابها وبنهر تستر فيما يقال تابوت دانيال وقال الحوقلي في كتابه إن أبا موسى الأشعري وجد بها القبر المذكور وكان أهل الكتاب يديرونه على مجامعهم ويتبركون به ويستسقون به المطر إذا أجدبوا فأخذه أبو موسى وشق من النهر الذي على باب السوس خلجانا وجعل فيه ثلاث قبور مطوية بالآجر ودفن ذلك التابوت في أحد القبور ثم استوثق منها كلها
395

وعماها ثم فتح إليها الماء حتى قلب ذلك الثرى الكثير على ظهر تلك القبور والنهر يجري عليها إلى يومنا هذا ويقال إن من نزل إلى قعر النهر وجد القبور هناك ومما يتاخم آسك في جهة حد فارس جبل أذروان وهو بركان نار يقذف بها ليلا ونهارا والدخان لا يطفأ أبدا فيه وهذا الجبل شبيه بجبل النار الذي في جزيرة صقلية ويصنع بتستر الديباج العجيب المنظر المتقن الصنعة وكان قبل هذا يعمل بها كسوة الكعبة فأما الآن فإن الكسوة تعمل بالعراق ومنها تحمل كل سنة ومن العسكر إلى إيذج في جهة المشرق أربع مراحل وهي مدينة عجيبة فرجة الرقعة بسيطة المكان متاخمة للجبل المتصل بأصبهان وبها متاجر وصنائع وأموال متصرفة وأسواق نافقة مما جلب إليها ومن مدينة تستر إلى مدينة جندي سابور مرحلة كبيرة
ومدينة جندي سابور في نشز من الأرض حسنة حصينة منيعة وهي تمير من جاورها بخيرها وبها نخل وزروع كثيرة ومياه ولها عمارات وخصب وفواكه وأسواق جامعة لضروب من البضائع نافقة المتصرفات ومن جندي سابور إلى السوس مرحلة
والسوس مدينة ليست بالكبيرة جدا لكنها متحضرة ولها بساتين وجنات ونخل وقصب كثير يعمل منه السكر الكثير كما قدمنا وصفها
ومنها إلى قرقوب مرحلة وهي المدينة التي ينسب إليها الرقم القرقوبي في جميع الأرض ويعمل بها ديباج معين بالذهب يسمى خرد وقليلا ما يوجد
396

مثله بآفاق الأرض وهو الديباج القرقوبي وبمدينة قرقوب مثل ما بمدينة السوس من الطرز للسلطان لنسيج الحلل والديباج والخزوز وسائر الثياب النفيسة الغالية الثمن
ويتصل بمدينة قرقوب في جهة الشمال مدينة الطيب على مرحلة وليست بكبيرة وإنما هي حسنة الذات كثيرة الخيرات جامعة لأشتات البركات ويصنع بها تكك تشبه التكك الأرمينية لا يوجد في بلاد الإسلام مثلها بعد تكك أرمينية حسان وبركانات ثمينة محكمة ويصنع بها كثير من الصنائع لا يجارى صناعها فيها ولهم كيس في الأمور وحذق ومنها إلى واسط مرحلتان
ويتصل بها في جهة الشرق مدينة صغيرة تسمى متوث وهي في مستو من الأرض حسنة الجهات كثيرة المتنزهات خيرها عام وشكلها تام وبين متوث والسوس مرحلة ومتوث منها غربا
ويتصل بمدينة السوس مدينة في جهة الغرب مدنية برذون وهي صغيرة القدر كثيرة الأهل وبها مزارع وعمارات
ومنها مدينة بصنا أيضا وبين بصنا والسوس مرحلة وكذلك من السوس إلى برذون مرحلة ومدينة بصنا مدينة صغيرة الجرم خلقها كثير وبها طرز للسلطان يعمل بها الستور المنسوبة إليها المشهورة في جميع الآفاق الكتوب على تطريزها مما عمل ببصنا وقد يعمل ببرذون وكليوان وغيرهما من المدن ستور يكتب عليها بصنا ويدلس بها في ستور بصنا
397

ومن السوس إلى الأهواز ثلاثة أيام والأهواز وعسكر مكرم في سمت واحد والأهواز من عسكر مكرم جنوبا ورام هرمز منهما كأحد الأثافي شكلا مثلثا متساوي الأضلاع
ومن عسكر مكرم إلى سوق الأربعاء وهو السوق المسمى بسوق الأهواز مرحلة وهي مدينة حسنة ولها سوق مشهورة في يوم معلوم وبها فواكه ونعم كثيرة ومتاجر ودخل وخرج وجباية طائلة
ومن سوق الأهواز إلى دورق في الماء ثمانية وأربعون ميلا وعلى الظهر في البر اثنان وسبعون ميلا
ومن سوق الأربعاء إلى حصن مهدي على البحر الفارسي مرحلة وهو حصن منيع حسن البنية متقن وبه يجتمع مصب مياه هذه البلاد ويتسع هناك حتى يكون عرضه نحو ثلاثة أميال
ومن سوق الأهواز إلى أزم مرحلة وأزم على نهر يقع في نهر تستر وهي متحضرة ولها سوق متحركة وبها بيع وشراء وهي رصيف متوسط لمن جاء من فارس يريد العراق
ويحاذيها من خلف النهر قرية آسك وهي قرية عامرة وعلى طريق من جاء من فارس
ومن مدينة الأهواز إلى نهر تيرى مرحلة ونهر تيرى مدينة صالحة القدر عامرة بالديار والأسواق كثيرة الخيرات والأرزاق بها طرز يتخذ فيها ثياب حسنة ويذكر أنها من أرض فارس وسنذكرها في تخوم فارس بحول الله
398

ومن مدينة نهر تيرى إلى مدينة بيان مرحلتان
ومدينة بيان على الدجلة من الضفة الشرقية وهي مدينة صغيرة حسنة الداخل والخارج وبها منبر ولأهلها حرص على طلب الآداب والعلوم وفيهم اعتلاء على من ساواهم من أهل البلاد وأخبر أحمد بن يعقوب في كتاب المسالك الذي ألفه أن بنهر تيرى دارا لا تعمر وكل من يسكنها لا يلبث أكثر من يوم ولا يجاوز الليلة إلى الغد ومن مدينة بيان إلى الأبلة مرحلة ومن بيان إلى حصن مهدي مرحلة
ويتصل بالأبلة المفتح والمذار وهما مدينتان على مجاري الدجلة والمفتح مدينة صغيرة المقدار عامرة القطر حسنة البناء متحركة الأسواق وليست من أمهات البلاد والداخل إليها والخارج منها كثير ولها بساتين ومزارع ومتنزهات ومنها إلى مدينة المذار مرحلة خفيفة والمذار مدينة صغيرة تشبه مدينة المفتح في مقدارها وتجانسها في مبانيها وآثارها وبها من الأسواق والمصانع ما بالمفتح وأشف من ذلك وأهلها متنافسون فيما بينهم ولهم اهتمام بالأمور وصيانة لما بين أيديهم من أموالهم وشح بين ولها مزارع كثيرة وعمارات جليلة وغلات رابحة
ومن الباسيان إلى جبى اثنا عشر ميلا وجبى مدينة ورستاق عريض مشتبك العمارة بالنخل وقصب السكر وغيرهما من الفواكه ولأهلها رفاهة وخصب ومنها أبو علي الجبائي إمام المعتزلة ورئيس المتكلمين في عصره
ومن جبى إلى مدينة سليمانان خمسة عشر ميلا وهي مدينة على ضفة
399

نهر الدجلة حسنة المطلع بهية النواحي مفيدة الزراعات والغلات وبها حوت كثير ولحوم وأرزاق ومنها مع الدجلة إلى مدينة بيان ثمانية عشر ميلا 0
ومن مدن خوزستان المتاخمة لأرض فارس مدينة اللور وهي مدينة حسنة صغيرة ولها إقليم بذاته خصيب والغالب عليه هواء الجبل وكان من خوزستان فصير إلى أعمال الجبل ولها بادية وإقليم ورستاق والغالب على سكانه الأكراد وبهم كثر خصبه وكثرة غلته ومن اللور إلى مدينة تستر مرحلتان
ومن أكوار الخوزستان المجاورة لأرض فارس كورة سنبيل وهي كورة متاخمة لفارس وكانت أيضا معدودة في أرض فارس فحولت إلى أرض خوزستان وهي عامرة وبها سوائم ونتاج
ومن تلك الأكوار المجاورة لأرض فارس كورة الزط والجايزان وهما كورتان عامرتان متجاورتان كثيرتا الخير متاخمتان للسردن من أرض فارس وحد أصبهان وهواؤها هواء الصرود وهي باردة ويقع الثلج بها في إبان سقوطه والألبان بها والسمن كثير جدا وبها قوم يتخذون النحل للعسل وهو بها كثير موجود 0
وآسك أيضا قرية كبيرة عامرة ولا منبر بها ولها حدائق نخل كثيرة وزراعات وغلات جمة ومن قرية آسك إلى أرجان مرحلتان خفيفتان ومن آسك أيضا إلى الدورق مرحلتان ومن قرية آسك تحمل الأدياس المنسوبة إلى آسك ويعمل منها الحصر بالعراق وهذا الديس مفضل على كل ديس ينبت
400

في بلاد أرجان وغيرها وبهذه القرية كانت وقيعة الأزارقة المذكورة في الكتب وذلك أن الأزارقة كان عددهم أربعين رجلا من الشراة امتنعوا في مكان منها فخرج إليهم من الجند ألفا رجل في بعثتين فقتلهم الأزارقة حتى أتوا على آخرهم
وأما مناذر الكبرى ومناذر الصغرى فقريتان عامرتان لا منابر بهما وكورهما عامرة وأرزاقهما دارة ونواحيها متسعة ومياههما كثيرة وبهما من حدائق النخل كثير ومزارعهما كثيرة وافرة النفع
وبقي أن نذكر الأرض وحدودها بعد هذا إن شاء الله تعالى وأرض خوزستان كما قدمنا وصفها حسنة البقع كثيرة الخيرات متصلة العمارات وأهلها يتكلمون بالفارسية والعربية ولسان آخر ليس بعربي ولا بسرياني يستعملونه بينهم وزيهم زي أهل العراق يلبسون القمص والطيالسة والعمائم وعوامهم يلبسون الأزر والمآزر وفي أنفسهم وأطباعهم الشر والتنافس بعضهم على بعض وفي ألوانهم تغيير بصفرة وسمرة وفواكههم كثيرة إلا الجوز فهو عندهم قليل وفيما ذكرناه بلاغ ونريد الآن أن نذكر من طرقها المشهورة المسلوكة ما لا بد من ذكره والعون بالله
فالطريق من أرجان إلى قرية آسك مرحلتان ومن آسك إلى ديرا مرحلة وديرا قرية ثم منها إلى الدورق مرحلة ثم من الدورق إلى خان تنزله السابلة يعرف بالخان ثم إلى مدينة الباسيان مرحلة ومن الباسيان إلى حصن
401

مهدي مرحلتان وبها منبر ويسلك منها في الماء وهو أيسر من البر ومن حصن مهدي إلى بيان مرحلة على الظهر وبيان على الدجلة فتركب منها إن شئت إلى الأبلة في الماء وإن شئت على الظهر إلى أن تحاذي الأبلة فتركب منها إلى العراق
وطريق آخر على واسط إلى بغداد من أرجان إلى سوق سنبيل مرحلة ثم إلى رام هرمز مرحلتان ثم إلى عسكر مكرم مرحلتان ومن عسكر مكرم إلى تستر مرحلة ومن تستر إلى جندي سابور مرحلة ومن جندي سابور إلى السوس مرحلة ومن السوس إلى قرقوب مرحلة ومن قرقوب إلى مدينة الطيب مرحلة ثم إلى واسط مرحلتان وقد يكون طريق آخر من عسكر مكرم إلى مدينة واسط أقرب من هذا وهو على عبر يسير
الطريق من ايذج إلى مدينة إصبهان من ايذج إلى جواردان اثنا عشر ميلا ثم إلى رستاجرد اثنا عشر ميلا ثم إلى سليدست وهي قرية ثمانية عشر ميلا ثم إلى بوين خمسة عشر ميلا ثم إلى قرية سوجر ثمانية عشر ميلا ثم إلى الرباط ثمانية عشر ميلا ثم إلى خان الأبرار أحد وعشرون ميلا ثم إلى إصبهان ثمانية عشر ميلا
والطريق من سوق الأهواز إلى شيراز من سوق الأهواز إلى أزم ثمانية
402

عشر ميلا ثم إلى عبدين وهي قرية خمسة عشر ميلا ثم إلى الزط ثمانية عشر ميلا ثم إلى قنطرة على وادي الملح ثمانية عشر ميلا ثم إلى أرجان ثمانية عشر ميلا وهي من أرض فارس ومنها إلى اصفن خمسة عشر ميلا وهي قرية ثم إلى الدرخويذ ثمانية عشر ميلا ثم إلى مدينة النوبندجان أربعة وعشرون ميلا ثم إلى قرية جويم خمسة عشر ميلا ثم إلى شيراز خمسة عشر ميلا وأيضا فإن من مهروبان التي على ساحل بحر فارس إلى حصن (ابن) عمارة وهو طول فارس على البحر أربعمائة ميل وثمانون ميلا ومن حصن (ابن) عمارة إلى سيراف مرحلتان ومن سيراف إلى نجيرم ستة وثلاثون ميلا
وفي هذا الجزء المرسوم من أرض فارس قطعة كبيرة فيها من بلاد فارس سينيز وجنابا ونجيرم وسيراف وحصن (ابن) عمارة وجهرم وجور وفسا ودارابجرد وسابور والزنجان وتارم ورستاق الرستاق والفستجان وخورستان وكازرون وكران وجرمق وإصطخر ورباط السرمقان (وجور) واقليد وميبذ ونايين وكثة والروذان وصاهك ويزد وعقدة وسردن وتوج والبيضاء ومايين وسوران وكثير من قلاعها مما سنأتي بأسمائه وسائر صفاته وأوصافه وهيآته بعد هذا بحول الله
403

فنقول إن أرض فارس يحيط بها من ناحية الشرق المفازة الكبيرة المتصلة بأرض السند من أعلاها وتتصل بالري من أسفلها ويحيط بها من جهة المغرب بحر فارس ومن جهة الجنوب أرض مكران ومن جهة الشمال أرض خوزستان وكور فارس خمس كور
فمنها كورة أرجان وهي أصغر كور فارس وقاعدتها سابور كما قلناه وبهذه الكورة مدينة منذ والنونبدجان وكازرون ولكن هذه كورة تنسب إلى سابور وهو الذي ابتنى المدينة المسماة بسابور وإليها تنسب الثياب السابورية ومنها سينيز واسلجان والملجان وفرزك وباش
ومنها كورة دارابجرد ومدينتها دارابجرد وفسا وهي أكبر وأعم وغير أن الكورة منسوبة إلى دارا الملك وطمستان وكردبان ونيريز والفستجان والابجرد والانديان وجويم وماذوان وخسوا وفرج وتارم
وإصطخر أكبر بلادها ومن كور إصطخر مدينتها البيضاء ونهران وابرج وما بين والبرانجان والميادوان والكاسكان وكرم والهزار وناحية الروذان والأذركان وابرقويه
404

ومن الكور أيضا بفارس كورة سابور وهي كورة حسنة ومدنها كثيرة فمنها النوبندجان وبندرهمان ودشت بارين والهنديجان وجنجان وتنبوك والدرخويذ وملتون ودربختجان والخوبذان والكيمارج وماهان والراميجان والديبنجان والشاهجان والشادروذ ومور وخمايجان العليا وخمايجان السفلي
ومن كور فارس أيضا كورة أردشير خرة ومن مدنها شيراز وجور ونابند وميمند والصيمكان والبرجان والكربنجان والخواروستان وكوار وسيراف ونجيرم وسينيز وجه وكير وكبرين وكران وكأم فيروز والرويجان
وقاعدة فارس مدينة شيراز وهي دار مملكة فارس وينزلها الولاة والعمال وبها الديوان والمجبى وهي مدينة إسلامية بناها محمد بن القاسم بن أبي عقيل ابن عم الحجاج وتفسير شيراز جوف الأسد وإنما سميت بذلك لأنها مدينة يجلب إليها المير من سائر البلاد ولا يخرج منها ميرة البتة ولما وصل عسكر الإسلام إلى فارس عرس المعسكر بمكانها وأقام به إلى أن استفتحت إصطخر وجميع كردها فتبرك المسلمون بذلك فبنوا شيراز هناك في
405

موضع المعسكر وهي مدينة جليلة المقدار حسنة النواحي والأقطار طولها نحو من ثلاثة أميال في مثلها وهي متصلة البناء لا سور لها شبيهة بمصر وبها أسواق وعمارة وهي قرارة الجيوش وأولي الحرب والدواوين والجبايات وشرب أهلها من الآبار
ومدينة إصطخر مدينة جليلة كبيرة جميلة كثيرة الأسواق والمتاجر وبناؤها بالطين والحجارة والجص ومدينة إصطخر أقدم مدن فارس وأشهرها اسما وكانت مدارا لملكها وملوكها إلى أن ولي أردشير الملك فنقل ملكه إلى جور وجعلها دارا لملكه ويروى في الأخبار أن سليمان بن داؤود كان يسير من طبرية إليها من غدوة إلى عشية وبها
مسجد يعرف بمسجد سليمان وإصطخر على نهر فرواب ولها قنطرة تسمى بقنطرة خراسان وهي قنطرة حسنة وخارج القنطرة أبنية ومساكن بنيت في عهد الإسلام ومن إصطخر إلى شيراز ستة وثلاثون ميلا وهواء إصطخر هواء فاسد وخيم وبإصطخر تفاح عجيب تكون التفاحة منه نصفها حلو صادق الحلاوة ونصفها حامض صادق الحموضة ومن شيراز إلى جور ستون ميلا
ومدينة جور بناها أردشير وكان مكانها فيما يحكى منفع مياه تجتمع به فاحتال لخروج ذلك الماء وبنى مدينة جور بها وهي مدينة جليلة لها سور من طين وخلفه خندق ولها أربعة أبواب ومقدارها نحو إصطخر وسابور ودارابجرد كثيرة البساتين والجنات رحيبة الأبنية والجهات غدقة الفواكه والثمرات نزيهة جدا فرجة من جميع جهاتها الأربع يسير السائر بها بين
406

قصور عالية ومتنزهات سامية كاملة الحسن طيبة الهواء وكان في وسطها فيما سلف من الزمان بنيان يسمى الطربال بناه أردشير الملك وجعل له من العلو مقدار ما إذا صعد الإنسان إلى أعلاه أشرف على جميع المدينة ورساتيقها وكان له في أعلى هذا البناء بيت نار فهدمت الإسلامية أكثره ولم يبقى منه الآن إلا رسم داثر ويعمل بمدينة جور ماء الورد الكثير الخالص البالغ في الطيب والصفاء وعبق الرائحة وقلة التغيير في المدة الكثيرة وإليها ينسب ماء الورد الجوري
ومن مدينة شيراز إلى مدينة دارابجرد مائة وخمسون ميلا ودارابجرد ابتناها دارا الملك ونسبها إلى نفسه وتفسير بجرد بالعربية عمل وهي لفظة فارسية فكأنه قال عمل دارا وهي مدينة كبيرة عامرة آهلة فرجة وبها تجار وأسواق وبيع وشراء وهي مقصد ومجمع للتجار المتصرفين في ديار فارس وعليها سور حصين كسور جور ويدور بسورها خندق تجتمع إليه فضول المياه التي يسقى بها النخل ومسالات مياه عيون جمة وفي هذا الماء حشائش وغدران تمنع من خوضه وبه سمك كثير لا شوك فيه ولا عظم ولا له فقار ولا على جسمه فلوس وهو من ألذ السمك طعما ويصرف فيما يصرف فيه اللحم ولهذه المدينة أربعة أبواب وفي وسطها جبل عال كالقبة ليس يتصل بشيء من الجبال وبنيان أهلها بالحجارة والطين والجص ومن مدينة دارابجرد إلى مدينة فسا أربعة وخمسون ميلا
407

ومدينة فسا مدينة مفترشة البناء واسعة الشوارع وأبنيتها أفسح وأشمخ من أبنية شيراز وبنيانهم بالطين وخشبها كثير والغالب عليه خشب الصنوبر والسرو وهي عامرة بالناس والجلة والتجار المياسير وهي تقارب شيراز في كبر مقدارها وكثرة عمارتها وهواؤها أصح من هواء شيراز وعليها حصن حصين وأبواب خشب محددة وحولها في الدائر خندق واسع عميق ولها ربض كبير وأكثر أسواقها في ربضها ذلك وبها من غلات الرطب والبلح والجوز والأترج والسفرجل والقصب الحلو ما يقوت ويكفي ويشف على الحاجة اليه ومن مدينة فسا إلى مدينة شيراز ستون ميلا ولدارابجرد من الرساتيق رستاق كرم ورستاق جهرم ورستاق نيريز ورستاق الفستجان ورستاق الابجرد ورستاق الانديان ورستاق جويم ورستاق فرج ورستاق تارم ورستاق طمستان وهذه الرساتيق بها مدن وقرى كالمدن عامرة آهلة وبها أسواق وتجارات وبقرية من قرى دارابجرد الموميا الذي يحمل إلى الآفاق وهي ملك للسلطان ولا نظير لها وهي في غار في جبل وقد وكل بها حفظة والغار مسدود الباب مطبوع على غلقه بعلامات كثيرة ويفتح في كل سنة مرة فيوجد قد اجتمع في قعره حجر على قدر الرمانة فيطبع عليه بمحضر من ثقات السلطان ويحمل إلى شيراز ويباع هناك وهو الصحيح وما سواه من الموميا ليس بشيء
408

ومن فسا إلى كازرون ستة وخمسون ميلا وهي مدينة حسنة لها سور وحصن وأبواب خشب وحديد ولها قلعة داخلها حصينة ولها ربض عامر فيه أسواق ومتاجر وصناعات وبها فواكه عامة وخير كثير ومن كازرون إلى جور ثمانية وأربعون ميلا
والجنجان تتاخم كازرون وهي مدينة عامرة آهلة من كورة سابور وعليها سور منيع وبها تجارات وبيع وشراء
والراميجان مدينة حسنة من كور سابور ولها سور تراب حصين ولها رستاق خصيب ويسمى بها وينسب إليها
والخوبذان أيضا مدينة صغيرة عامرة بالناس كثيرة الخلق ولها سوق وتجار وصناعات وبيوع وأشرية ولها رستاق كبير وجانب متسع وينضاف إليها عمل المورستان وبها منبر وبشر كثير وفواكه ونعم دارة
ومن كورة سابور مدينة جرة وهي عامرة عليها سور من طين حصين ولها رستاق آهل كثير العمارة وأفضيتها واسعة والدرخويذ وتنبوك رستاقان متقاربان في الكبر عامران ولهما مزارع ومنافع وغلات وكذلك رستاق الكيمارج حسن الموضع واسع الجهات ممتد مستغل لكل فائدة وأما الرامجان والشاهجان وابنوران والشادروذ وخمايجان العليا والسفلى وتيرمردان فهذه
409

كلها رساتيق وحصون وقرى كالمدن متقاربة الأقدار واسعة الأقطار خيراتها عامة وأموالها وافرة وخلقها كثير وجملتها من كورة سابور المتقدم ذكرها
ويتصل بما ذكرناه من جهة الجنوب مع الغرب من هذا الجزء المرسوم مدن وقلاع ورساتيق من كورة اردشير مثل جور وقد تقدم ذكرها ولها رستاق جليل عامر ونابند ورستاقها ممتد متسع الأرجاء وكذلك الصيمكان وهو حصن منيع وله عمارات ورستاقه منسوب إليه وخورستان مدينة حسنة عامرة بسوق وحصن منيع ولها رستاق كبير عامر له غلات مفيدة وكذلك الفوشجان مدينة صغيرة وأهلها بشر كثير وبها صناعات وتجارات ولها رستاق يسمى باسمها ومن كورة اردشير مدينة كران وهي مدينة صغيرة حصينة ولها رستاق معروف باسمها وبها طين أخضر كالسلق يؤكل لا نظير له
ومن مدنها مدينة سيراف وهي على ساحل البحر الفارسي وهي مدينة كبيرة وبها تجار مياسير وأهلها مولعون بكسب المال واستجلابه على أي وجه أمكن وهم أكثر عباد الله تغربا وتجولا في الآفاق حتى إن الرجل منهم يتجول العام والعشرين ولا يرجع إلى أهله ولا يكترث بمن خلفه وسيراف فرضة فارس ومبانيها بالساج وأبنيتهم طبقات مشتبكة البناء كثيرة الأهل ولأهلها همم في نفقات الأبنية وضروب التحسين والتحصين وفواكههم ومياههم تصل إليهم من جبل مشرف عليهم يسمى جم وهذا الجبل مطل
410

على البحر وليس به زرع ولا ضرع وهي شديدة الحر جدا ولها منبران أحدهما نجيرم وهي مدينة على البحر وكذلك مدينة الغندجان ورستاقها يسمى دشت بارين وفيه حصن به منبر وسوق
ومدينة صفارة صغيرة على البحر وبها سكان وهم مياسير ولهم رستاق معمور يسمى الرستقان
ومن كورة اردشير توج وهو حصن عامر بأهله منيع وكذلك الجرمق أيضا قصبة حسنة حصينة عامرة آهلة وكذلك كير قصبة معمورة كبيرة ولها رستاق حسن جليل مفيد ومنها أبرز وهو قصبة جامعة وملجأ وبها أسواق وكذلك سميران مدينة صغيرة لها رستاق جليل متسع العمارات كثير العامر وأيضا مدينة كوار متوسطة عليها سور تراب وفيها أسواق وتجار مياسير وهي مقصد لأنواع تجارات ولها رستاق كبير فيه عمارات وخير وافر ومستغلات جمة والرستاق بلسان الفرس معناه الإقليم أي عمل بجهة
وفي البحر جزيرة ابن كاوان وفيها مدينة وجامع آهل وهي من كورة اردشير وبقربها جزيرة اوال وبها أيضا مدينة ولها جامع وفيها أسواق صالحة وكلا هاتين الجزيرتين على مقربة من البر ويتصل بهذه الأكوار كورة أرجان المتقدم ذكرها وفيها مدن كثيرة كبار وصغار يجب ذكرها هاهنا وسنأتي بمسافاتها في الطرقات المتصلة بالبلاد
411

فأما أرجان فإنها حد بين فارس وخوزستان وهي مدينة حسنة في غاية الطيب ولها رساتيق وخصب ونخل ونخيل وكروم وفواكه عامة مثل الجوز والأترج والخوخ والزيتون الكثير والزيت وماؤها غير طيب ولا شروب وعلى باب أرجان مما يلي خوزستان على نهر طاب قنطرة تنسب إلى الديلمي طبيب الحجاج بن يوسف وهي طاق واحد سعة ما بين عموديها على وجه الأرض ثمانون خطوة وارتفاعها ما يحمل ذلك
ومدينة سابور مدينة بناها سابور الملك وهي تباهي إصطخر في هيآتها وأبنيتها لكن مدينة سابور أكثر بشرا وعمارة وأهلا وأوفر حالا وبها جامع ومنبر
وأما مدينة ريشهر فإنها صغيرة لكنها عامرة ولها جامع ورستاق كبير منسوب إليها وبه عمارات وقرى ومزارع وكذلك
وايج حصن جامع ومعقل مانع وبه منبر وله عمالة وقرى
وجنابة مدينة كبيرة عامرة آهلة ذات أسواق عامرة وطرز يصنع بها ثياب الكتان الفاخرة على ضروب وبها أنواع من التجارات ولها رستاق وعمالة
ومنها مدينة سينيز وهي بقرب البحر وبها منبر وينسب إليها الكتان السينيزي المجمع عليه بالقول العام أنه ليس بجميع أقطار الأرض كتان يعدله ولا يقاومه قوة ولينا ومن شأنه أنه لا يتعلق بالثياب كفعل الكتان في ذاته وحاله في التعليق بالثياب الملامسة له ومن رساتيقها العامرة اسلجان
412

وبها منبر ومنها الملجان وفرزك وباش كلها حصون ومواطن معمورة تتقارب في أقدارها وتتشابه في عماراتها وفي كل واحدة منها منبر وجماعات ومن أرض فارس بلاد كثيرة بقي علينا ذكرها وسنأتي بها في الجزء الآتي إثر هذا الجزء بحول الله
وفي هذا الجزء الذي نحن في ذكره قطعة من أرض كرمان وفيها من بلادها سوروا وهرمز وجبال القفص نأتي بذكرها بعد ذكرنا لطرقات بلاد فارس ومشهورها إلى ما يليها من قواعد الأمصار المصاقبة لها إن شاء الله
فمن ذلك صفة الطريق من شيراز إلى سيراف ومن شيراز إلى قرية كفرة خمسة عشر ميلا ومن كفرة إلى قرية نخذ خمسة عشر ميلا ومن نخذ إلى مدينة كوار ستة أميال ومدينة كوار تقسم ما بين نخذ والبيمجان لأن من نخذ إلى قرية البيمجان اثني عشر ميلا ومن البيمجان إلى مدينة جور السابق ذكرها ثمانية عشر ميلا ومن جور إلى رستاق دشت شوراب خمسة عشر ميلا ومنها إلى خان (آزاذمرد) وهي قرية في صحراء (قدر) تسعة أميال وهذه الصحراء كلها تنبت نرجسا مضاعفا (ومن حار إلى خان آزاذمرد وهي قرية) ثمانية عشر ميلا ومن خان أزاذمرد إلى قرية كيرند ثمانية عشر ميلا ومن كيرند إلى قرية ثمانية عشر ميلا ومن مي إلى رأس العقبة
413

وهناك منزل يسمى اذركان ثمانية عشر ميلا ومن اذركان إلى خان بركانة اثنا عشر ميلا ومن بركانة إلى مدينة سيراف نحو أحد وعشرين ميلا يكون الجميع مائة وثمانين ميلا
والطريق من شيراز إلى جنابة على البحر من شيراز إلى خان الأسد وهو على نهر السكان ثمانية عشر ميلا ومن خان الأسد إلى خان دشت أرزن اثنا عشر ميلا ومن دشت أرزن إلى قرية تيرة اثنا عشر ميلا ومن تيرة إلى مدينة كازرون السابق ذكرها ثمانية عشر ميلا ومن كازرون إلى قرية دريز اثنا عشر ميلا ومنها إلى مدينة توج أربعة وعشرون ميلا ومن توج إلى جنابة ستة وثلاثون ميلا فذلك مائة واثنان وثلاثون ميلا
والطريق من شيراز إلى إصبهان من شيراز إلى مدينة الهزار اثنا عشر ميلا ومنها إلى ما بين مدينة أحد وعشرون ميلا ومن ما بين إلى مدينة كسنا ثمانية عشر ميلا ومنها إلى كنار وهي قرية اثنا عشر ميلا ومن كنار إلى قرية قصر (ابن) أعين أحد وعشرون ميلا ومنها إلى قرية إصطخران أحد وعشرون ميلا ومنها إلى خان روشن وهي قرية عامرة أحد وعشرون ميلا ومنها إلى قرية كرد أحد وعشرون ميلا ومنها إلى قرية كزة أربعة وعشرون ميلا ومن كزة إلى خان لنجان أحد وعشرون ميلا ومنه إلى إصبهان أحد وعشرون ميلا فذلك من شيراز إلى خان روشن اثنان وسبعون ميلا ومن
414

خان روشن إلى إصبهان ثلاثة وتسعون ميلا الجملة من ذلك مائتان وخمسة وعشرون ميلا 0
والطريق من شيراز إلى خوزستان من شيراز إلى جويم وهي مدينة حسنة نبيلة متقنة خمسة عشر ميلا ومن جويم إلى خلار اثنا عشر ميلا وخلار قرية كبيرة ومنها إلى قرية الخرارة خمسة عشر ميلا وهي قرية عامرة قليلة الماء ومن الخرارة إلى قرية الكركان خمسة عشر ميلا ومن الكركان إلى النوبندجان وهي مدينة كبيرة عامرة ذات أسواق وتجارات وقد ذكرناها فيما سلف ثمانية عشر ميلا ومنها إلى قرية الخوبذان اثنا عشر ميلا ومنها إلى قرية زايدة اثنا عشر ميلا ومنها إلى خان حماد وهي قرية عامرة اثنا عشر ميلا ومنها إلى راسين اثنان وعشرون ميلا ومنها إلى أرجان أحد وعشرون ميلا ومنها إلى بيذك وهي قرية تسعة أميال ومنها إلى قرية العقارب وتعرف
بهبر اثنا عشر ميلا ومن أرجان أيضا إلى سوق سنبيل ثمانية عشر ميلا والحد قنطرة ثكان من أرجان على غلوة سهم فالجملة من ذلك من شيراز إلى أرجان مائة وثلاثون ميلا
والطريق من شيراز إلى يزد ويزد في جهة الشرق وهي على جانب المفازة في طريق خراسان ونحن نذكر هذا الطريق مجردا على حاله وسنذكر
415

البلاد التي تأتي هناك على استقصاء في موضعها إن شاء الله فمن ذلك تخرج من شيراز إلى الزرقان ثمانية عشر ميلا والزرقان منازل على واد عذب إلى مدينة إصطخر ثمانية عشر ميلا ومن إصطخر إلى قرية تير اثنا عشر ميلا ومن تير إلى قرية كمهنك أربعة وعشرون ميلا ومن كمهنك إلى قرية بيذ أربعة وعشرون ميلا ومن بيذ إلى مدينة ابرقويه ستة وثلاثون ميلا ومن ابرقويه إلى قرية الأسد تسعة وثلاثون ميلا ومن قرية الأسد وهي قرية ذات حصن منيع (إلى قرية الجوز ستة فراسخ ومن قرية الجوز) إلى قلعة المجوس ثمانية عشر ميلا ومن قلعة المجوس إلى مدينة كثه من حومة يزد خمسة عشر ميلا ومن كثه إلى يزد ثلاثون ميلا وسنذكر هذه البلاد بعد هذا في الجزء الآتي بعون الله
والطريق من شيراز إلى السيرجان والسيرجان مدينة كرمان من شيراز إلى إصطخر ستة وثلاثون ميلا ومن إصطخر إلى زياداباذ وهي قرية من رستاق خفرز أربعة وعشرون ميلا ومن زياداباذ إلى كلودر أربعة عشر ميلا ومن كلودر إلى جوبانان وهي قرية عامرة على بحيرة ثمانية عشر ميلا (ومن الجوبانان إلى قرية عبد الرحمن ستة فراسخ) وهي مدينة تسمى أباذة وسنذكرها ومنها إلى مدينة البوذنجان ثمانية عشر ميلا ومنها إلى صاهك وهي مدينة عامرة أربعة وعشرون ميلا ومن صاهك إلى رباط السرمقان
416

مفازة أربعة وعشرون ميلا ومنه إلى رباط بشت خم سبعة وعشرون ميلا ومنها إلى السيرجان سبعة وعشرون ميلا ورباط السرمقان المتقدم ذكره من حد فارس وما بعده من حد كرمان فجميع ذلك من حد السرمقان إلى شيراز مائة وثمانون ميلا ومنه إلى مدينة السيرجان أربعة وعشرون ميلا
والطريق من شيراز إلى تارم من جروم كرمان من شيراز إلى خان ميم أحد وعشرون ميلا وخان ميم قرية من رستاق الكهركان ومنه إلى مدينة خورستان أحد وعشرون ميلا ومن خورستان إلى منزل يعرف بالرباط اثنا عشر ميلا ومنه إلى قرية كرم اثنا عشر ميلا ومن كرم إلى مدينة فسا المتقدم ذكرها خمسة عشر ميلا ومن فسا إلى طمستان وهي مدينة اثنا عشر ميلا ومن طمستان إلى ناحية الفستجان وهي مدينة ثمانية عشر ميلا ومنها إلى الدراكان اثنا عشر ميلا ومنها إلى مدينة مريزجان اثنا عشر ميلا وهي مدينة عامرة كثيرة التجارات عامرة الأسواق حسنة المباني ومنها إلى سنان اثنا عشر ميلا وهي مدينة عامرة ومنها إلى دارابجرد ثلاثة أميال ومنها إلى رم المهدي وهي مدينة حسنة بهية المنظر ذات حصن حصين خمسة عشر ميلا ومنها إلى رستاق الرستاق خمسة عشر ميلا ومنها إلى فرج وهي مدينة جليلة كاملة أربعة وعشرون ميلا ومنها إلى تارم وهي مدينة اثنان وأربعون ميلا فالجميع من شيراز إلى تارم مائتان وستة وأربعون ميلا
417

وبقي أن نذكر شيئا من مسافات بلاد فارس ومن شيراز إلى كوار ثلاثون ميلا وهي قرية حسنة عامرة وبها معدن طين أخضر كالسلق بل هو أشد خضرة منه وهو شهي للأكل ولا يعدله شيء في ذلك ومن شيراز إلى البيضاء أربعة وعشرون ميلا ومن شيراز إلى توج ستة وتسعون ميلا ومن شيراز إلى خرمة اثنان وأربعون ميلا ومن سيراف إلى نجيرم ستة وثلاثون ميلا ومن روذان إلى أنار أربعة وخمسون ميلا ومن أنار إلى الفهرج خمسة وسبعون ميلا ومن الفهرج إلى مدينة كثة ستة وثلاثون ميلا ومن كثة إلى ميبذ (عشرة فراسخ ومن ميبذ) إلى عقدة ثلاثون ميلا ومن عقدة إلى نايين خمسة وسبعون ميلا
ولأرض فارس أربعة رموم وتفسير الرموم محال الأكراد ولكل رم منها قرى ومدن مجتمعة وفيها رئيس من الأكراد التزم درك النوائب الكائنة في ناحيته وحفظ الطرق حتى لا يصيب أحدا في أرضه مكروه
فمنها رم الحسن بن جيلويه ويسمى الرميجان وهو مما يلي إصبهان ويأخذ طرقا من كورة سابور وطرقا من كورة أرجان فحد منه ينتهي إلى البيضاء وحد منه ينتهي إلى إصبهان وكل ما وقع فيه من المدن والقرى فكأنه من عمل إصبهان ويتاخمهم من عمل إصبهان المازنجان الذين هم من بر شهريار وبعده عن شيراز على اثنين وسبعين ميلا
والرم الثاني منها هو رم الديوان المعروف برم الحسين بن صالح ويسمى
418

السوران وهو من كور سابور وحد منه يلي أردشير خرة والثلاثة حدود الباقية منه تنعطف بها كورة سابور وكل ما كان من المدن والقرى في أصقابه فهو منها وأقرب حده إلى شيراز على أحد وعشرين ميلا
والرم الثالث منها هو رم اللوالجان لأحمد بن الليث وهو من كورة أردشير خرة فحد منه يلي البحر ويلي ثلاثة حدوده أردشير وما وقع في أصقابه من المدن والقرى فهو منها وهو من شيراز على ثمانية وأربعين ميلا (وأما رم الكاريان فإن حدا منه إلى سيف بني الصفار) وحد منه إلى المازنجان وحد منه إلى حدود كرمان وحد منه إلى حدود أردشير فحدودها كلها مجتمعة في أردشير خرة 0
ويزيد هؤلاء الأكراد الذين هم في هذه الرموم على خمسمائة بيت ويخرج من الحي الواحد ألف فارس وأقل من ذلك وأكثرهم ينتجعون في الشتاء والصيف إلى المراعي وكل واحد من أهل هذه الرموم لا يتحول عنها ولا ينتقل منها بل ينتقل جميعهم فيما لهم من النواحي المختصة بهم لا يدخلون أرض غيرهم وحكى ابن دريد أنهم من العرب من ولد كرد بن مرد بن عمرو بن عامر وللأكراد في بلاد فارس أغنام ورماك وإبل وليس لهم خيل عتاق بل أكثرها هجن وفيها بحومة المازنجان خيل عتاق ولها عندهم أثمان غالية لحسن خلقها وكريم خلقها
وبأرض فارس قلاع منيعة وحصون حصينة في جبال شاهقة الذرى لا يقدر أحد من الملوك على فتح شيء منها عنوة البتة فمنها قلعة داكباياه وهي
419

جبال ثلاثة كالأثافي القائمة على رأس كل شعبة منها حصن لا يقدر أحد أن يرقى إليه بنفسه إلا أن يرقى به في شيء من البحر وهي مراصد لآل عمارة على البحر تقصد إليها المراكب لأنها ترى من بعد في البحر يستدل بها على فرضات فارس ويذكر أنها من بنيان الجلندي بن كنعان
ومنها قلعة الكاريان وهي على جبل طين وليس لأحد ارتقاء إليها إلا على طريق مثل مدرج النمل حرج
ومنها قلعة اسفندياذ من كورة إصطخر في أعلى جبل شاهق والإرتقاء إليها في طريق صعب ثلاثة أميال ولا يقدر أحد على من تحصن فيها وامتنع بنفسه ومياهها من الأمطار وإنما تؤخذ بالقعود عليها ومنع الميرة عنها
ومنها قلعة اشكنوان وهي من رستاق مايين في نهاية من العلو وامتناع من الصعود إليها وفيها عين ماء جارية
ومنها قلعة جوذرز ومكانها بموضع يعرف بالسويقة من كأم فيروز وهي قلعة لا يبصرها الناظر إليها إلا عن جهد وطريقها صعب وقلعة الجص بناحية أرجان وسكانها قوم مجوس وتسمى قلعة بندارس وهي قلعة منيعة جدا لا يستطاع التغلب عليها لامتناع الارتقاء إليها وفيها عين ماء جارية وقلعة ابرج مثلها في المنعة وصعوبة الارتقاء وبها عين ماء جارية
وفي بلاد فارس أنهار كثيرة كبار وأودية صغار تمد الأنهار ونريد الآن أن نذكر أكثرها حسب ما تبلغه الطاقة وتمكنه القوة والحمد لله والقوة وجميع أنهار فارس تخرج من الجبال المتاخمة لأرض إصبهان وتصب في البحر
420

الفارسي ومياهها كلها عذبة طيبة 0
فمنها نهر مسن وهذا النهر الخارج من نواحي إصبهان إلى نواحي السردن يجتمع بنهر طاب عند قرية تسمى مسن ولا يزال فاضلها عن حاجتهم جاريا إلى باب أرجان تحت قنطرة ثكان وهي قنطرة بين فارس وخوزستان قليلة النظير وهي تضاهي قنطرة قرطبة الأندلس وهي من عجائب البناء وغريبة ويمر هذا النهر حتى يأتي رستاق ريشهر ثم يقع في البحر عند سينيز
ومن أنهار فارس نهر شيرين ومخرجه من جبل دينان الذي من ناحية بازرنج فيسقي رستاق فرزك والجلادجان ثم يمر فيخترق رستاق () ثم يمر فيصب في البحر نحو جنابه
وأما نهر الشاذكان فإنه يخرج من بازرنج وجبالها حتى يدخل تنبوك وهو رستاق ثم يمر بخان حماد ويسقي رستاق زيداباذ ونابند والكهركان ثم يمتد إلى دشت الرستقان ثم يدخل البحر
وأما نهر درخيذ فإنه يخرج من الجويخان (فيقع في بحيرة درخيذ ونهر الخوبذان فيخرج بالخوبذان) فيسقي نواحيها ثم يمر بأبنوران ثم يصب إلى الجلادجان متفرقا ويتساقط في البحر
421

ونهر رس يخرج من الخمايجان العليا حتى يصير بالزيزيان فيسقط في نهر سابور فيمضي إلى توج فيمضي مارا ببابها ومنها إلى البحر
ومنها نهر اخشين يخرج من خلاق داذين فإذا بلغ الجنقان وقع في نهر توج
ونهر سكان يخرج من رستاق الرويجان من قرية تدعى شاذفزى فيسقي زرعها ثم ينحدر إلى رستاق سياه فيسقيه ومنها إلى كوار فيسقيها ثم يمر إلى قرية سك وهذا النهر منسوب إلى سك ثم يقع في البحر وليس في أنهار فارس نهر أكثر عمارة وانتفاعا من هذا النهر لأن ماءه يخرج عنه فيسقي الرساتيق والعمارات
وأما نهر جرشيق فإنه يخرج من رستاق ماصرم ونجيرم فيمر برستاق المشجان حتى يخرج تحت قنطرة عادية تعرف بقنطرة سيول حتى يدخل رستاق جرة فيسقيه ثم إلى رستاق داذين ويقع في نهر اخشين
فأما نهر كر فإنه يخرج من كروان من حد الارد وينسب إلى الكروان وهو من شعب بوان المذكور المشهور ويسقي كأم فيروز وينحدر فيسقي
422

قرية رامجرد وكاسكان والطسوج فينتهي إلى بحيرة البختكان
وأما نهر فرواب فإنه يخرج من الجوبرقان ويعرف بفرواب فيخرج على باب إصطخر تحت قنطرة خراسان حتى يسقط في ناحية الكر
ونهر برزة يخرج من ناحية دارجان سياه فيسقي رستاق الخنيفغان وجور حتى يخترق رستاق أردشير خره ثم يقع في البحر
وبأرض فارس من الأودية الصغار كثير أضربنا الآن عن ذكرها خوفا من السآمة والملل وبالله التوفيق
وبأرض فارس بحيرات كثيرة عليها عمارات وقرى مسكونة ومزارع ومستغلات فنذكر منها أكبرها قطرا وأكثرها عمارة وخيرا فمنها بحيرة البختكان التي يقع فيها نهر كر وهي بناحية خفرز وتتصل إلى قرب صاهك كرمان وطولها يكون نحو ستين ميلا وعرضها في أماكن ستة أميال وأكثر من ذلك وهي ملحة الماء وتعقد أطرافها في سمائم الصيف ملحا كثيرا يتصرف به وحواليها رساتيق وقرى وعمارات متصلة ويتصل طرفها بكورة إصطخر
ومن البحيرات الفارسية بحيرة بدشت أرزن من كورة سابور وطولها نحو ثلاثين ميلا وماؤها عذب ويجف أكثرها في سمائم الصيف وحميم القيظ حتى لا يبقى منها إلا الشيء اليسير وربما امتلأت فكان عمقها نحو ست قيم وأقل وأكثر وفيها زوارق كثيرة يصاد فيها السمك العجيب الكثير
423

العدد الكبير القدر وعامة سموكها تحمل إلى شيراز وتشف كثرتها على ما يحتاج إليه
وبحيرة مور من كورة سابور بموضع يعرف بكازرون وطولها نحو من ثلاثين ميلا وتتصل إلى قرب مورق وماؤها ملح وفيها زوارق وعامة الساكنين بها يتصيدون السمك
ويسيرون به إلى تلك الأقطار المدانية المجاورة لها
وأما بحيرة الجنكان فماؤها ملح وطولها ستة وثلاثون ميلا ويرتفع منها ملح كثير وبها مصايد للسمك ومعايش وحولها قرى الكهرجان وهي من أردشير خرة وأولها من شيراز على ستة أميال وآخرها حد الخوزستان
وبحيرة الباسفرية التي عليها دير الباسفرية طولها نحو من أربعة وعشرين ميلا وماؤها ملح وسمكها كثير ومع أطرافها آجام كثيرة فيها قصب وبردي وحلفاء وغير ذلك مما ينتفع به أهل تلك النواحي وهي من إصطخر متاخمة للمزرقان من رستاق هزار وبها من البرك والمناقع كثير ولا حاجة بنا إلى ذكرها
وبجميع أرض فارس وفي كل مكان منها بيوت نيران وهي كثيرة يفضلون بعضها عل بعض فمنها بيت الكاريان وهو بيت معظم لناره موقده مذ ألف سنة ونيف ومنها بيت نار بجرة وهي منسوبة إلى دارا بن دارا وهو بيت معظم عند الفرس وبه يقسمون وهي أعظم أيمانهم التي يحلفون
424

بها وبحقها ومنها بيت بارين وموضعها عند بركة جور ومنها بيت نار عند باب سابور وتعرف بسيوخشين ومنها بيت بين نارا آخر على باب سابور أيضا ومحاذيا لباب ساسان ويسمى بجنبذ كاوسن ومنها بيت نار بكازرون أيضا وهو معظم عندهم ومنها بيت شيراز وهو كبير عند أهله معظم يقسمون به ومنها بيت نار يسمى بهرمزد وعلى مقربة من شيراز بالقرية المعروفة بالسوكان وهو على شرف عال وأهل شيراز يرونه من قطرهم وقرية السوكان في شمال شيراز وعن يسار طريق يزد الآخذ إلى خراسان وبينها وبين شيراز نحو ميل وكان بأرض فارس بيوت نيران كثيرة تعطلت برجوع أكثر الفرس إلى دين الإسلام وبقي أكثر أماكنها إلى الآن بلاقع
وأرض فارس مربعة الطول والعرض وطولها أربعمائة وخمسون ميلا في أربعمائة وخمسين ميلا وأرض فارس مستوية على خط من لدن أرجان إلى النوبنجان إلى كازرون إلى جرة ثم تمتد على الرموم ودارابجرد إلى فرج وتارم فما كان مما يلي الجنوب فجروم وما كان مما يلي الشمال فصرود
ويقع في جرومها أرجان والنوبنجان ومهروبان وسينيز وجنابة وتوج
425

ودشت الرستقان وجرة وداذين ومر وكازرون ودشت بارين وجينزير ودشت البوشقان ورم اللوالجان وكير وكبرين وابزر وسميران وخمايجان وكران وسيراف ونجيرم وحصن (ابن) عمارة وما في أضعاف ذلك
ويقع في الصرود إصطخر والبيضاء ومايين وابرج وكأم فيروز وكرد وخلار وسروستان والاوسبنجان والارد والرون وصرام وبازرنج والسردن والخرمة والنيريز والماشكانات والايج والاصطهبانات وبرم ورهنان وبوان وطرخيشان والجربرقان واقليد والسرمق وابرقويه ويزد وجارين ونايين وما في أضعاف ذلك من البلاد وهواء بلاد الصرود صحيح معتدل وهواء الجروم وخيم فاسد وفيما ذكرناه من أخبار فارس كفاية لذوي التفهم والدراية
وبهذا الجزء من بلاد كرمان مدينة هرمز والمنوجان وقرية سوروا على البحر وجبال البلوص وسنذكر أرض كرمان بذاتها وجميع بلادها على التقصي عند ذكرنا ما في الصورة التي تأتي بعد هذا إن شاء الله تعالى
نجز الجزء السادس من الإقليم الثالث والحمد لله ويتلوه الجزء السابع منه إن شاء الله
426

الجزء السابع
إن الذي تضمن هذا الجزء السابع من الإقليم الثالث في حصة من البلاد المعمورة كورة إصطخر ومدنها مثل كثة وميبذ ونايين والفهرج والروذان على أنها كانت فيما يذكر من أعمال كرمان فقلبت في دواوين فارس وامتداد هذه الناحية نحو مائة وثمانين ميلا ومن مدنها ابرقويه واقليد والسرمق والجوبرقان ومشكان والارجمان وبرم ومدينة عبد الرحمن ومهرزنجان وصاهك الكبرى وهراة والأذركان والخيرة وابرج وخرمة والسرداب وكمين وبجة وكرد واللورجان
وفي هذا الجزء أيضا يتصل بجنوب هذه البلاد بلاد كرمان وفيها من المدن المنوجان ورويست وولاشجرد والخبروقان والروذان ورستاق الرستاق
427

والسيرجان وبردسير وزرند وماهان وخبيص وخناب وجيرفت وهرمز وسوروا وقفيز والريقان وبم والفهرج ونرماشير وسبيج وكل هذه مدن كرمان
ويتصل بكلتا الناحيتين من أرض فارس وأرض كرمان في جهة الشرق المفازة العظيمة التي ليس في معمور الأرض مثلها وفيها جمل قرى وبضفاتها مدن سنأتي بذكرها في موضعها ويتصل بهذه المفازة أكثر أرض سجستان وفيها من المدن المشهورة مدينة زرنج والطاق والقرنين وخواش وسروان وبست والزالقان وبنجواي واسفنجاي وسيوي وبشلنك وبغنين وجزة وفره ودزة ودزق وقلائي وكركوية وهيشوم وباشورد
ويتصل بهذه المدن من جهة الشمال من بلاد خراسان قطعة فيها بعض بلاد خراسان المعمورة المشهورة منها قاين وزوزن وسلومك وينابذ ومالن
428

والواديقان وسرخس وبزنجان وبها من بلاد قوهستان باشين وكرين وطبس وخاكسكين وبشتاذران وكل هذه البلاد المذكورة نريد أن نذكرها بلدا بلدا وقطرا قطرا على ما هي عليه من الصفات المختلفة والكور الؤتلفة والأقاليم والرساتيق حسب ما جرت به عادتنا فيما سلف قبل هذا بحول الله تعالى وحسن معونته وتوفيقه
فنقول إن كورة إصطخر من أرض فارس أعظم كورها وأكثرها بلادا وأوسعها عمارة وأكثرها جهات وأزكاها غلات ومدينة إصطخر هي كما قدمنا ذكرها أكبر هذه اللاد قطرا وأكثرها عمارة وخلقا ومنها إلى ابرقويه ستة وتسعون ميلا ومدينة ابرقويه مدينة حصينة خصيبة كثيرة العامر مقصودة بالتجارات عليها سور تراب والغالب على أبنيتها لبن الطين وليس بها ماء جار ولا حولها شيء من الشجر ولا عمارة بما استدار بها لكن بها مزارع الحنطة والحبوب وأسعارها رخيصة وبقرب ابرقويه تلال رمال وجبال عظام طولها أكثر من ميلين وبين إصطخر وابرقويه مدينة بجة وهي متوسطة بين إصطخر وابرقويه وهي مدينة صغيرة عامرة ولها رستاق يسمى الأرد كثير العمارة والقرى
ومن ابرقويه إلى كثة مائة وثلاثة وعشرون ميلا وكثة هي مدينة جليلة عامرة آهلة كثيرة التجارات متصلة العمارات على طرف المفازة لها طيب هواء البرية وصحته وهي من أخصب اللاد وأكثرها أرزاقا ولها رستاق يشتمل على ربض والغالب على أبنيتها لبن الطين ولها محصنة بحصن وللحصن بابان من حديد يسمى أحدهما باب اندور والباب الثاني باب المسجد وإنما سمي بباب المسجد لقربه من المسجد الجامع وجامعها في الربض ومياهها من القنوات لا نهر لها وماء قنواتها يأتي من ناحية القلعة غربا وبينهما ثمانية عشر ميلا وعلى قرب من هذا الحصن قرية تعرف بدنج وفيها معدن الآنك ومنها يتجهز به إلى سائر الأقطار وهذه القرية نزيهة جدا ولهذه المدينة المقدم ذكرها رسلتيق ممتدة عريضة خصيبة وهي ورساتيقها كثيرة الشجر طيبة الثمر وربما كثرت فيجفف أكثرها ويحمل إلى سائر الأقطار والأكثر إلى أرض إصبهان وما جاورها وجبالها كثيرة الشجر والنبات وخارج المدينة ربض يشتمل على أبنية وأسواق ق أئمة العمارة وأهلها متأدبون طالبون للعلوم
ومن كثة إلى يزد شرقا ثلاثون ميلا ومدينة يزد مدينة متوسطة المقدار رخيصة الأسعار عامرة وانجيرة بينها وبين يزد أربعة وعشرون ميلا وانجيرة موضع فيه قباب وعين ماء عليها شجر تين ومنها تأخذ الطريق إلى خراسان وهي على رأس المفازة
ومن مدينة كثة إلى عقدة ثلاثون ميلا وعقدة مدينة صغيرة عامرة قائمة
429

عامرة آهلة كثيرة التجارات متصلة العمارات على طرف المفازة لها طيب هواء البرية وصحته وهي من أخصب البلاد وأكثرها أرزاقا ولها رستاق يشتمل على ربض والغالب على أبنيتها لبن الطين ولها مدينة محصنة بحصن وللحصن بابان من حديد يسمى أحدهما باب اندور والباب الثاني باب المسجد وإنما سمي بباب المسجد لقربه من المسجد الجامع وجامعها في الربض ومياهها من القنوات لا نهر لها وماء قنواتها يأتي من ناحية القلعة غربا وبينهما ثمانية عشر ميلا وعلى قرب من هذا الحصن قرية تعرف بدنج وفيها معدن الآنك ومنها يتجهز به إلى سائر الأقطار وهذه القرية نزيهة جدا ولهذه المدينة المقدم ذكرها رساتيق ممتدة عريضة خصيبة وهي ورساتيقها كثيرة الشجر طيبة الثمر وربما كثرت فيجفف أكثرها ويحمل إلى سائر الأقطار والأكثر إلى أرض إصبهان وما جاورها وجبالها كثيرة الشجر والنبات وخارج المدينة ربض يشتمل على أبنية وأسواق قائمة العمارة وأهلها متأدبون طالبون للعلوم
ومن كثة إلى يزد شرقا ثلاثون ميلا ومدينة يزد مدينة متوسطة المقدار رخيصة الأسعار عامرة وانجيرة بينها وبين يزد أربعة وعشرون ميلا وانجيرة موضع فيه قباب وعين ماء عليها أصول شجر تين ومنها تأخذ الطريق إلى خراسان وهي على رأس المفازة
ومن مدينة كثة إلى عقدة ثلاثون ميلا وعقدة مدينة صغيرة عامرة قائمة
430

الأسواق وأهلها مياسير وكرد تتاخم ابرقويه وهي أكبر من ابرقويه وبنيانها كبناء ابرقويه بلبن الطين وفيها خصب ورخص أسعار
ومن عقدة إلى نايين خمسة وسبعون ميلا ونايين مدينة حسنة ذات سور من طين ولها أسواق ومتاجر وأموال متصرفة ومن نايين إلى إصبهان ثمانية وسبعون ميلا
ومن كثة إلى الفهرج في جهة الجنوب خمسة عشر ميلا والفهرج مدينة صغيرة متحضرة لها سوق عامرة وأهلها أكياس ومن الفهرج إلى أنار وهي مدينة صغيرة لا سور لها خمسة وسبعون ميلا ومن أنار إلى الروذان أربعة وخمسون ميلا وكذلك من قرية أنار إلى المريزجان مرحلة خفيفة وهي متاخمة للمفازة وهي حصينة كثيرة الأهل وبها أجناد وأعمال وجبايات
والروذان مدينة كبيرة كثيرة الخيرات متصلة العمارات لها أسواق ومكاسب وأهلها مياسير ولها رستاق عامر ممتد فيه من النابر كثير والروذان في ذاتها قريبة من ابرقويه في الشبه وقدر الكبر وحسن المباني
وأما مدينة خرمة فقريبة الشبه من ابرقويه كبرا وعمارة وتصرف تجارات ومنها إلى مدينة شيراز ستة وثلاثون ميلا ولمدينة خرمة رستاق يعرف بالطسوج وكذلك مدينة ميبذ واحدة من كورة كثة وكذلك مدينة نايين والفهرج اللتين
431

قدمنا ذكرهما فهذه البلاد الأربعة كورة واحدة وليس في جميع النواحي ناحية بها أربعة منابر غير هذه الناحية
ومما يجاور ابرقويه مدينة اقليد والسرمق مدينة حصيبة جليلة رخيصة الأسعار كثيرة الأشجار عامرة القطر كثيرة التجارات قائمة الأسواق ولها رستاق واسع كثير الزراعات خصيب والجوبرقان رستاق كبير ومدينة مشكان وهي مدينة متوسطة المقدار خصيبة أسواقها عامرة وأحوالها حسنة
ومن مدن كورة إصطخر مدينة صاهك وهي مدينة لها سور تراب وهي عامرة وأهلها يتجولون ويسافرون وأموالهم كثيرة وأحوالهم صالحة ومنها إلى شيراز مائة وثمانية وثلاثون ميلا وصاهك على الطريق بين شيراز وكرمان ومن صاهك أيضا إلى السيرجان من كرمان تسعون ميلا وكذلك من شيراز إلى السيرجان على صاهك مائتان وثمانية وعشرون ميلا
وأما مدينة البيضاء فهي مدينة كبيرة لها حصن وربض عامر وهي أكبر مدن كورة إصطخر وإنما سميت البيضاء لأن قلعتها بيضاء يرى بياضها من بعد واسمها بالفارسية نسايك وهي في الكبر تضاهي إصطخر وبناؤها من طين ولها حروث متشعبة وخصب زايد وأكثر ميرة شيراز منها وأهلها مياسير وزيهم زي العراقيين في اللباس والعمائم ومن البيضاء إلى شيراز أربعة وعشرون ميلا
432

والأرجمان مدينة ولها رستاق متسع الطنب يسمى المريزجان
وأما إقليم السرداب وحومتها وكمين فلهما منبران وجماعات وعمارات
ومدينة بجة لها رستاق يسمى الأرد وهي مدينة صغيرة ومثلها في القدر مدينة كرد وهي متحضرة ولها منبر ولها رستاق صغير وأما مدينة اللورجان فهي صغيرة حسنة
ورستاقها السردن فهذه جملة ما في كورة إصطخر من أرض فارس ويتصل بها بأرض كرمان
وأرض كرمان متوسطة يبن أرض فارس وأرض مكران وأعظم مدنها السيرجان والسيرجان ينزلها العمال والولاة وبها الدواوين وعليها سور تراب حصين وأبنيتها بشتى حجر لقلة الخشب بها وبها أسواق كثيرة عامرة بالناس وبها مياسير ذوو أموال كثيرة وأحوال حسنة وشرب أهلها من الآبار وهي أكبر مدينة بكرمان وفي أهلها عفة وخير ظاهر وفي تجارتهم حسن معاملة وانقياد ورجوع إلى الحقائق وفيهم نزاهة عن كثير من أخلاق السوقة والفعلة بسائر البلاد ومنها إلى جيرفت ست مراحل والطريق على باختة
ومدينة جيرفت كبيرة طولها نحو ميلين وهي ممدنة آهلة عامرة ولها غلات وزروع كثيرة وزروعهم على السقي وماؤهم الذي يسقون به ويشربون منه هو من واديها المسمى هري روذ وهو نهر صغير شديد
433

الجري له وجبة وخرخرة زائدة وجريه على الصخور لا يستطيع أحد أن يجوزه راكبا بل يجوزه الجائز له على رجليه لكثرة أحجاره وملاستها ومقدار مائه ما يدور به خمسون رحى ويقرب من مدينة جيرفت جبل يعرف بالميزان وفيه جنات لها فواكه جمة وفواكه جيرفت وحطبها أكثره يجلب من هذا الجبل إليها ومن موضع يعرف بدرفارد وبجيرفت من الفواكه ما يجلب إليها من الصرود والجروم كالبلح والرطب والجوز والأترج والأعناب والقصب الحلو ولأهلها زي حسن وعيش خصيب وبها متاجر خراسان وسجستان وتجلب إليها الخيرات والبضائع والتجارات وهي مدينة حسنة كاملة من كل شيء وبسائر جروم جيرفت التمر مائة منه بدرهمين ولهم في تمرهم سيرة حسنة وهي أنهم لا يعرفون منه ما تسقطه الريح وأن السابلة يأخذونه دون أربابه
ومن مدن كرمان مدينة بيمند وبينها وبين السيرجان خمسة عشر ميلا وهي مدينة متوسطة متحضرة لها سوق نافقة وفواكه تجلب إليها من بساتينها وجناتها وبها عيون وماء كثير ومن مدن كرمان مدينة باختة وهي صغيرة حسنة صالحة العمارة ولها أسواق وبها صناعات ومنها إلى السيرجان شمالا مائة ميل وميلان ومنها إلى جيرفت جنوبا ستون ميلا وبجنوب باختة مدينة خبر وهي مدينة صغيرة متحضرة ومنها إلى جيرفت اثنان وسعون ميلا ومنها إلى باختة
434

ثمانية عشر ميلا وهي مدينة جليلة الزراعات والأشياء إليها تجلب من المدن
ومن المدن التي بين جيرفت والفهرج مدينة هرمز الملك المسماة في هذا الوقت قرية الجوز وهي كانت مدينة هرمز وفيها كانت مملكته إلى أن هلك وانفصل الملك عنها إلى السيرجان فهرمز الآن صغيرة وساكنوها من أهلها وأخلاط من الناس وهي مدينة حسنة الداخل والخارج كثيرة المياه وبها أسواق وتجارات بقدرها وبينها وبين جيرفت غربا مرحلة ومنها إلى مدينة بم مرحلة
ومدينة بم مدينة كبيرة ذات أسواق عامرة وأموال كثيرة ولها نخل وكروم وقرى كثيرة وهي أصح هواء من جيرفت ولها قلعة منيعة حصينة مشهورة بالتحصين مذكورة في جميع بلاد كرمان وفي أهلها تجار مياسير وبها صناعات قائمة وطرز منصوبة لعمل ثياب القطن الحسنة يصنع بها منها المتاع الكثير ويتجهز به إلى سائر الأقطار وكذلك تصنع عندهم الطيالسة الفاخرة المقورة التي يساوي الطيلسان الرفيع منها ثلاثين دينارا فما فوقها وما تحتها ويتجهز بها التجار إلى سائر الأرض من العراقات والشامات وديار مصر وكذلك يصنع بها من العمائم الرفيعة كل شيء بديع وثيابهم حسنة الصنعة ثابتة الأصول وتبقى مع الدهر ولا تفنى إلا بعد مدد وأزمان طويلة والملوك يتنافسون في ثيابها وجيد متاعها ويقتنونه إدخارا في خزائنهم
ومن بم إلى جيرفت مرحلتان كبيرتان وهما ستون ميلا ومن بم إلى نرماشير مرحلة ونرماشير مدينة متوسطة على قارعة المفازة وهي مدينة فيها
435

أسواق وعمارة وتجارات داخلة وخارجة
ومن مدن كرمان مدينة هرمز الساحلية التي على بحر فارس وهي فرضة مدن كرمان وهي في ذاتها مدينة كبيرة كثيرة العمارة كثيرة النخل حارة جدا ويزرع بنواحيها الكمون الكثير والنيلج الذي إليه المنتهى في الطيب المضروب به المثل ويتجهز به منها إلى كل الآفاق وأهل مدينة مغون وأهل مدينة ولاشجرد ليس لهم غلة إلا هو ولهم بغرسه اهتمام لكثرة فائدته وعموم منفعته وجودته عندهم وقد يصنع في هذه البلاد من قصب السكر السكر الكثير والفانيذ والغالب على طعام هؤلاء الساكنين بهذه البلاد الشعير وهو أكثر زراعاتهم وجل حبوبهم وفي هذه البلاد النخل الكثير الطيب التمر ومدينة هرمز على خليج يسمى الجير يخرج من بحر فارس تدخل فيه السفن من البحر إلى المدينة
وأما الفهرج فهي مدينة على رأس المفازة المتصلة بسجستان بها أسواق عامرة ولها سور تراب ومنها إلى سجستان مائتان وعشرة أميال وذلك عرض المفازة بينهما ومن الفهرج إلى نرماشير السابق ذكرها مرحلة وأما ما بقي من سائر بلاد كرمان فأكثرها حواضر صغار المقادير ونحن الآن نذكر ما بقي منها على طرقاتها المشهورة إن شاء الله
فمن ذلك الطريق من السيرجان إلى رستاق الرستاق من حد فارس وذلك أربع مراحل تخرج من السيرجان إلى مدينة كاهون مرحلتين وكاهون بلد
436

حسن كثير النخل مليح الجهات به سوق نافقة وربح كثير ومن كاهون إلى بلد خشناباذ مرحلة ومن خشناباذ إلى رستاق الرستاق من فارس مرحلة
والطريق من السيرجان إلى الروذان من حدود فارس أربع مراحل تخرج من السيرجان إلى مدينة بيمند اثنى عشر ميلا وهي مدينة لها سور تراب وبها مساكن عامرة وأسواق قائمة وصناعات دائمة ومن بيمند إلى مدينة كردكان ستة أميال وهي مدينة خصبه كثيرة الخصب والزراعات ومنها إلى أناس مرحلة كبيرة وأناس مدينة متوسطة القدر حسنة الأسواق فسيحة الطرق وبها عمارات ومن أناس إلى مدينة الروذان من حد فارس مرحلة خفيفة
وكذلك الطريق من السيرجان إلى رباط السرمقان من حد فارس مرحلتان كبيرتان وليس بينهما منزل يعول عليه والسرمقان قرية صغيرة ولا منبر بها
والطريق من مدينة اليسرجان إلى مدينة البم المتقدم ذكرها تخرج من السيرجان إلى الشامات مرحلة وبينهما رستاق كبير ويعرف بقوهستان وهو رستاق عامر وفيه قرية سلطانية ومن الشامات إلى مدينة بهار مرحلة وهي مدينة صغيرة عامرة ومنها إلى خناب وهي مدينة صغيرة مرحلة خفيفة ومنها إلى مدينة غبيرا مرحلة خفيفة وغبيرا مدينة صغيرة لكنها ذات سوق وتجار وصناع ومعارف ومن غبيرا إلى جوين وهي مدينة ثلاثة أميال وهي في وطاء
437

من الأرض حسنة الجهات والمقابلات ومن جوين إلى راين مرحلة وراين مدينة متوسطة المقدار تشبه جوين في ذاتها وجميع أحوالها ومعايش أهلها ومنها إلى سروستان مرحلة وسروستان مدينة عامرة حسنة البقع كثيرة المزارع رائعة الجهات كثيرة الخيرات وبها سوق ومنها إلى دارجين مرحلة ودارجين حسنة كاملة بديعة المصانع والمباني ومن دارجين إلى بم المدينة مرحلة فالجملة تسع مراحل
والطريق من سروستان إلى جيرفت وبينهما مرحلتان وكذلك من مدينة السيرجان إلى مدينة جيرفت قصدا على باختة من السيرجان إلى باختة أربع مراحل وقد تقدم ذكر مدينة باختة ومنها إلى خبر مرحلة ومن مدينة خبر السابق ذكرها إلى جبل الفضة مرحلة ومن هذا الجبل إلى درفارد مرحلة ودرفارد عمارة ومكان خصيب ومنه إلى جيرفت مرحلة خفيفه
والطريق من السيرجان إلى مدينة خبيص ست مراحل ترحل من السيرجان إلى قرية كرج مرحلة ومنها إلى مدينة فردين مرحلة وفردين مدينة ذات أسواق وسور تراب ولها قصبة ومنها إلى مدينة ماهان مرحلة وماهان مدينة صغيرة متحضرة لها مزارع وغلات وعيون جارية ومنها إلى ندغ مرحلة وهي قرية عامرة ومنها إلى قرية داروا مرحلة ومن داروا إلى مدينة
438

خبيص مرحلة ومدينة خبيص على طرف المفازة الكبيرة وهي مدينة عامرة صغيرة من جروم كرمان وماؤها جار وبها نخيل كثير وهي حصينة رخيصة الأسعار
والطريق أيضا من مدينة السيرجان إلى زرند أربع مراحل وذلك أن من السيرجان إلى مدينة بردسير مرحلتان وهي مدينة حسنة عامرة كثيرة الخصب لها سوق وخندق وأبواب وبها أسواق كثيرة وصناعات مفتعلة نافقة ومنها إلى جنزروذ مرحلة كبيرة ومدينة جنزروذ مدينة كبيرة عامرة بأسواق وصناع ومنها إلى مدينة زرند مرحلة ومدينة زرند مدينة متوسطة بسور تراب على ضفة المفازة الكبيرة وبها خصب وزراعات وإصابات وفوائد جمة وفيها مدابغ للجلود وبها تصنع البطائن الزرندية المعروفة والتجار يتجهزون بها إلى العراق وربما حملت إلى مصر
والطريق من جيرفت إلى الرستاق بأرض فارس من جيرفت إلى قناة الشاه مرحلة وهي رستاق ومنها إلى مغون مرحلة ومغون مدينة صغيرة فيها أسواق ومنها إلى مدينة ولاشجرد ويقال ولا شكرد بالكاف مرحلة وهي مدينة عامرة صغيرة القدر كثيرة العامر ولها سوق ومنها تفترق طريق إلى هرمز
والطريق من ولاشجرد إلى مدينة أذركان مرحلة وهي مدينة صغيرة
439

متحضرة ومنها إلى خبروقان ثلاثة أميال وهي مدينة جيده جامعة صغيرة ذات أسواق ومعايش ومنها إلى كشستان مرحلة خفيفة وهي مدينة متوسطة القدر متحضرة ومن كشستان إلى الرستاق مرحلتان
والطريق من جيرفت إلى هرمز الساحليه تسير من جيرفت إلى قناة الشاه مرحلة إلى مغون مرحلة إلى ولاشجرد المتقدم ذكرها مرحلة ومن ولاشجرد تعدل الطريق إلى جهة المغرب إلى مدينة كومين مرحلة وهي مدينة جيدة متوسطة المقدار حسنة المباني نزيهة فرجة ومنها إلى المنوجان مرحلتان مرحلة إلى نهر زنكان ومرحلة من نهر زنكان إلى المنوجان ومن المنوجان إلى هرمز مرحلتان وهرمز قد تقدم لنا وصفها قبل هذا ولا يحتاج إلى إعادته
والطريق من هرمز إلى فارس من هرمز إلى قرية سوروا على البحر وهي مدينة صغيرة لا سور عليها وليس بها منبر وبها صيادون للسمك على البحر كثيرون ومن سوروا إلى مدينة رويست ثلاث مراحل ومن رويست إلى تارم ثلاث مراحل ورويست مدينة حسنة عامرة ذات نخيل وبساتين
ولسان أهل كرمان الفارسية إلا القفص فإن لهم لسانا آخر
ومما يلي الجبال المتاخمة لمكران وهي الجبال المسماة بجبال البارز محال
440

القوم الذين يسمون بالأخواش ويقال الخواش وهم بواد هناك أصحاب إبل ومواش ولهم أخصاص ينزلون فيها ولهم نخل كثير ويرتفع بين خواش ونواحيها الفانيذ الذي يحمل إلى سجستان وغير ذلك
ونقود أهل كرمان الدراهم والدنانير
وبأرض كرمان جبال وعرة ذذ عالية منها جبال القفص وجبال البارز وجبال معدن الفضة وبين البلاد منها مفاوز متصلة وقفار عامرة وليست عمارة أرض كرمان متصلة مثل اتصال عمارة فارس لأن أرض فارس كلها متصلة غير منفصلة وكرمان بضد ذلك
فأما جبال القفص فهي جبال تتاخم البحر الفارسي وشمالها بلاد نجيرمان وجنوبها البحر الفارسي وبعض مفاوز مكران وغربيها البحر الفارسي مع بعض البلوص وحدود نواحي المنوجان ونواحي هرمز ويقال إنها سبعة جبال ولكل جبل رئيس منهم وهم صنف من الأكراد رحالة ولا دواب لهم وألوانهم سمر نحفاء الأبدان وهم أصحاب مواش ونخل ونحل وبين شمال هذه الجبال ومع المشرق قليلا البلوص وهم قوم يسكنون في سفح الجبل بعينه وهم أولو نجدة وحدة شوكة وعرامة زائدة ومنة قائمة مع قلة أذيتهم وتأمينهم الطرق وهم أصحاب نعم وسوام ولهم بيوت شعر مثل بيوت العرب وأهل جبال القفص يخافون عاديتهم ويسالمونهم عن غلبة
وأما جبال البارز فهي جبال متصلة ولها شعاب وهي بين غرب وشمال
441

من جيرفت وهي في ذاتها حصيبة مشجرة كثيرة الخصب وهي بلد صرود والثلج يقع فيها دائما وأهلها أهل عفاف لا يؤذون الناس ولا يقولون بشر وبها معادن حديد جيد القطع طيب بالغ الجودة في العمل ويتصل بهذا الجبل جبل به معادن الفضة وهو جبل يمتد على ظهر جيرفت ويتصل بكورة درفارد ودرفارد هذه شعب خصيب كثير الفوائد والقرى العامرة ومنه إل جبل الفضة مرحلة
وأما المفازة الكبيرة فإنها مفازة متصلة بين بلاد كرمان وفارس والملتان وسجستان وبلاد قوهستان وطرف بلاد خراسان ويتصل أسفلها ببلاد قومس والري وهي مفازة قليلة العمارة متصلة المفاوز كثيرة اللصوص والقطاع وذلك لأنها ليست في إقليم قوم بأعيناهم فيحفظونها وهذه المفازة قد أحاطت بها أمم مختلفة الألسن والهيئات من أعمال خراسان وقومس وعمل سجستان وبعضها من عمل كرمان وفارس وإصبهان وقاشان والري ومع ذلك فإنها مفاوز يصعب سلوكها بالخيل وإنما تقطع منها طرق معلومة بالإبل دون الأحمال والسفار يقطعونها في مشقة وجهد على طرق معروفة ومياه معلومة إن نكب عنها قاصد هلك لكثرة شقائها ولكثرة عواديها وللصوص في هذه المفاوز مآو يعتصمون بها ويلجأون إليها وأمنعها مأوى وأكثرها منعا جبل كركس كوه وجبل سياه كوه وبهما للصوص أموال مدفونة وذخائر مخفية
442

فأما جبل كركس كوه فإنه جبل ليس بالكبير ولكنه منقطع عن جبال تحيط به المفاوز ويذكر أن دور أسفله نحو من ستة أميال ومع أسفله مياه قليلة وفي وسطه مثل الساحة وهو بجملته وعر المسالك صعب الطرقات وشعابه وحشة من توارى فيها لا يظهر وكذلك جبل سياه كوه مأوى للصوص وليس فيه عمارة وبينهما مقدار يسير
والطرق المعلومة المسلوكة بهذه المفازة هي طرق قليلة نذكرها على التوالي إن شاء الله فالأول منها تمر من الفهرج الذي من أرض كرمان إلى أرض سجستان من الفهرج إلى الأحساء والآبار أربعة وعشرون ميلا ثم إلى جرج منارة أحد وعشرون ميلا ثم إلى رباط معبد أحد وعشرون ميلا ثم إلى اسبيذ سبعة وعشرون ميلا ثم إلى كراغان أربعة وعشرون ميلا ثم إلى بئر القاضي أربعة وعشرون ميلا ثم إلى رأسك ثمانية عشر ميلا ثم إلى كاونيشك اثنا عشر ميلا ثم إلى برزذين أربعة وعشرون ميلا ثم إلى جارون خمسة عشر ميلا ثم إلى مدينة سجستان ثمانية عشر ميلا
والطريق الثاني من نرماشير إلى سجستان فمن نرماشير إلى بذجان مرحلة وهو ماء ينزل عليه في أصل جبل ومنه إلى مدراة ماء آخر ينزل عليه مرحلة ومنه إلى دمراه باذ مرحلة ومنه إلى رباط القاضي مرحلة ومنه إلى رباط
443

الناسي مرحلة ومنه إلى كاونيشك مرحلة وهما رباطان ثم إلى برزذين وهو بئر ماؤها عذب مرحلة ومنه إلى دارك مرحلة ومنه إلى جارون مرحلة ومن جارون إلى سجستان مرحلة وهذه المراحل كلها خفاف
وإن أخذت من نرماشير إلى كروة مرحلة ومنها إلى ندباه مرحلة ثم إلى شروه مرحلة ومنها إلى تمانيح مرحلة ثم إلى سبيج مرحلة وسبيج مدينة صغيرة عامرة في وسط المفازة وهي من عمالة كرمان غير أنها منقطعة عنها وهي عامرة بأهلها ولها زراعات يسيرة ونخل يتقوتون به
ومن مدينة سبيج تأخذ طريقين طريق ذات اليمين إلى سجستان وهي سبع مراحل وطريق ذات اليسار إلى هراة
فمن شاء طريق سجستان سار من سبيج في المفازة إلى ديرن مرحلة وهي عين ماء ناشعة ومنه إلى بئر كردوج مرحلة ومنه إلى رباط نايرح مرحلة وهو خلاء لا عامر به ومنه إلى تارست باذ وهو ماء ينزل عليه مرحلة ومنه إلى باسباد رباط خال مرحلة ومنه إلى سدح مرحلة ثم إلى سجستان
ومن أراد المسير من سبيج إلى هراة سار ذات اليسار إلى منزل خلاء ثم إلى منزل آخر خلاء ثم إلى رباط عزة مرحلة وهذا الرباط ربما كان
444

معمورا أو غير معمور ومنه إلى جبل مذر مرحلة ومنه إلى قرية سلم مرحلة وهي قرية عامرة كبيرة لها زراعات وحروث ومنها إلى رباط خسك مرحلة ثم إلى نذم مرحلة ثم إلى سمجان مرحلة ثم إلى حوض ناجة مرحلة ثم إلى مدجان مرحلة ثم إلى سردان مرحلة ثم إلى بست مرحلة ثم إلى كردرم مرحلة ثم إلى عطياه مرحلة ثم إلى فره مرحلة وفره من أعمال سجستان وبها تجمع هذه الطريق مع طريق سجستان إلى هراة ومن فره إلى دزة مرحلة ومن دزة إلى كويسان إلى خاشان مرحلة وهي من الاسفزار والأسفزار أول بلاد هراة ومن خاشان إلى قناة سري مرحلة ومن قناة سري إلى الجبل الأسود مرحلة ومن الجبل الأسود إلى جدمان مرحلة ثم إلى هراة مرحلة
وطريق آخر من نرماشير إلى قرية سلم وهو الطريق الجديد تخرج من نرماشير إلى دارستان مرحلة وهي قرية عامرة فيها عيون ماء جارية ونخل كثير وليس وراءها عمارة ومنها إلى رأس الماء مرحلة ورأس الماء عين جارية يجتمع فاضل مائها إلى بركة كبيرة ومنها يقطع في عرض المفازة أربع مراحل إلى قرية سلم وهذه المراحل الأربع كبار كلها مفازة متصلة مخوفة
445

ومن قرية سلم إلى سجستان عشر مراحل وكذلك منها إلى فره عشر مراحل وفره قرية كبيرة بقرب البحيرة التي يقع فيها نهر الهيذمند وهو نهر سجستان
والطريق من خبيص إلى خراسان وخبيص مدينة صغيرة على شفير المفازة من جروم كرمان ولها ماء جار ونخل كثير وأسعارها رخيصة فمن خبيص إلى مكان يسمى الدروازق مرحلة وهو موضع فيه أبنية مهدمة كثيرة ما مد البصر وبها تلال وعلى أنها كانت مسكونة ليس بها بئر ولا عين ولا نهر ولا علامة لماء ومنها إلى شورروذ مرحلة وشورروذ واد جاف أرضه سبخة وتجري فيه مياه السيول فقط وهذه المفازة مالحة التربة ومنها إلى جبل بارسك مرحلة ومنه إلى مكان يعرف بالحوض وهو موضع يجتمع فيه ماء المطر مرحلة ومنه إلى رأس الماء مرحلتان وهو عين ماء يجتمع في حوض يسقي زراعاتها وهو رباط يكون فيه الواحد والاثنان وقد لا يكونون به ومن رأس الماء إلى كركورة وهي قرية على شفير المفازة وهي من حد قوهستان ومن كركورة إلى خوسب مرحلتان وهو حصن صغير ومن خوسب إلى خور مرحلتان
ومن خور إلى قاين يوم وقاين قاعدة مدن قوهستان وهي من أرض خراسان
446

وطريق آخر من راور إلى كرين من أرض خراسان وراور مدينة عامرة عليها حصنان ولها ماء جار وبها نخل وبعض زراعة وهي من حدود كرمان فمنها إلى مكان يدعى دركوجوى مرحلة وهو منزل قفر لا بناء فيه وفيه عين ماؤها قليل ومنها إلى شور دوازده مرحلة وهناك رباط قفر قد خرب وفيه نخيل وهو مخوف وقلما يخلو من اللصوص ومنه إلى دير بردان قفر لا بناء فيه مرحلة ومنه إلى رند وهو منزل فيه حوض تجتمع فيه مياه الأمطار مرحلة وليس هناك بناء ومن هذا الحوض إلى رباط نابند ويسكنه مقدار عشرين بيتا وفيه ماء وعليه رحى صغير ولهم زرع ونخل يسقى بماء عين لهم وقبل أن تصل إلى نابند بفرسخين تجد عين ماء وفيه نخيلات وبناء ليس فيه أحد وهو مأوى للصوص وأهل رباط نابند يتعاهدون هذا المكان ويحمونه ويحمون ثمر ذلك النخل الذي هناك ومن نابند إلى أردغه منزل قفر مرحلة ومنه إلى بئر شك مرحلة وفيها ماء طيب ومن بئر شك إلى خوسب مرحلة ولا عامر بها ومنها إلى خور مرحلتان ومن خور أيضا إلى كرين نحو ثلاث مراحل وكرين من بلاد نيسابور من خرسان
وطريق آخر من يزد إلى ترشيز من يزد إلى انجيرة مرحلة وبها عين ماء
447

وحوض يجتمع فيه ماء المطر وليس بينهما عمارة ومن انجيرة إلى خرانة مرحلة وليس بينهما عمارة وخرانة قرية عامرة تحتوي على أزيد من مائتي رجل وبها زرع وضرع وبساتين وعين جارية من تحت خرانه وعليها حصن منيع وهي على تل تراب مدور مرتفع جنب واد على ضفتيه البساتين والكروم وعندهم خصب على قدم الأيام ومن خرانة إلى تل سياه سبيذ (مرحلة) وليس بينهما عمارة وهو منزل قفر لا عامر به وفيه حوضان يجتمع بهما ماء الأمطار ومن تل سياه سبيذ إلى ساغند مرحلة وليس بينهما عمارة وهو حصن فيه نحو من مائة رجل وبه عين ماء جارية يزرع عليها ولها قنوات مياه وبساتين لكن خرانة السابق ذكرها أعمر من ساغند وأحصن بنية ومن ساغند إلى بشت باذام مرحلة كبيرة وليس بينهما عمارة وبها خان ومنزل ومياها من الآبار ومن بشت باذام إلى رباط محمد مرحلة خفيفة وهو رباط فيه نحو ثلاثين رجلا ولهم زروع وعيون ماء ومنه إلى الريك مرحلة والريك منزل قفر لا ساكن فيه وفيه ميزاب ماء يصب في حوض ماء والريك رمل قدره نحو ستة أميال ومن الريك إلى المهلب مرحلة وهو خان وفيه عين ماء وليس بينهما عمارة ومنه إلى رباط خوران مرحلة ورباط
448

خوران رباط من جص وحجارة يكون فيه ثلاثة نفر أو أربعة يحفظونه وبه عين ماء وليس له زرع ومن رباط خوران إلى زاداخرة مرحلة وزاداخرة بئر ماء وخان ليس به ساكن وليس بينهما عمارة ومنه إلى بشتاذران مرحلة ومن بشتاذران إلى بن مرحلة خفيفة وبن قرية عامرة فيها أشف من خمسمائة نفس وفيها ماء جار وزروع ومواش وخصب ومن بن إلى دارونة مرحلة وليس بينهما عمارة ودارونة منزل فيه ماء جار ولا ساكن به ومنه إلى ريكن مرحلة وليس بينهما عمارة وريكن رباط فيه زرع وماء جار وهذا الرباط في أكثر الأوقات قفر ومنه إلى اسنيشت مرحلة ليس فيها عمارة ومن اسنيشت إلى ترشيز مرحلة وترشيز من حومة نيسابور
وطريق آخر ثالث وهي التي من يزد وإصبهان وناييي وهذه الطرق الثلاث كلها تجتمع بكرين وكرين قرية كبيرة وما عليها سور وفيها نحو من ألفي رجل ولها رستاق كبير وبين طبس وكرين تسعة أميال
فمن يزد إلى شور مرحلة وشور بئر على شفير المفازة فيه ماء ملح وليس بها قرية ولا عمارة ومنه إلى قرية بيرة وهي قرية صغيرة بها دون عشرة
449

الأنفس وهي من حدود كرمان ومنها إلى عين مغول مرحلة ومنها إلى غمرسرخ مرحلة وغمرسرخ عين كبيرة في وهدة طين أحمر وعليه جبل أحمر مرحلتان ومنه إلى جاه بر مرحلة وهو عين ماء لا عمارة عليها ومنه إلى حوض هزار (جوين) مرحلة وهو حوض يجتمع فيه ماء المطر ومن حوض هزار (جرين) إلى شور وهو عين ماء ملح شروب ولا عامر عليه وبه قباب خالية مرحلة ومنه إلى عين ماء تسمى مغول مرحلة ولا عامر على هذه العين ومنها إلى كرين مرحلتان وعلى اثني عشر ميلا منها بركة عظيمة يجتمع إليها مياه السيول والأمطار وهذه المراحل كلها مخوفة كبار والناس يقطعونها على وجل وحفز وفي المفازة التي بين شور وبيرة على يمين طريق الذاهب من خراسان إلى كرمان على نحو فرسخين منها صور أنواع الفواكه من اللوز والجوز والتفاح والكمثرى والأترج ونحو ذلك وكلها من حجارة
والطريق الثاني منها من نايين إلى كرين من نايين إلى دارمرد مرحلة وهو ماء لاساكن به ومنه إلى حوملة مرحلة وهو حوض يجتمع فيه ماء المطر ومنه إلى باذان مرحلة وباذان قباب خالية وبئر فيها ماء ومنها إلى دهك مرحلة ودهك رملة فيها تل من تراب أحمر صلب وبئر ماء ومنه إلى بغلكيك مرحلة وهو عين ماء قليل لاعامر به ومنه إلى سندبند مرحلة وسندبند
450

رباط خال لا عامر به ومنه إلى رشداد مرحلة وهو جبل في أصله رباط فيه بئر ماء وهو خلاء لا عامر به ومنه إلى درنة مرحلة وهي قرية قليل أهلها وموضعها على تل تراب محجوز ومنها إلى نيمكثروذ مرحلة وهو حوض تجتمع فيه مياه الأمطار ومنه إلى كرين مرحلة
والطريق الثالث من إصبهان إلى كرين وهو طريق مخوف قليل العمارة وقليلا ما يسلك لأنه كثير المفاوز متصل الجبال محجر واللصوص يأوون إلى تلك الشعاب الممتنعة السلوك يخرج من إصبهان إلى أندرة وهو جبل في وسط مفازة به بئر ماء مرحلة ومنه إلى ندرسار مرحلة وهو بئر ماء لا عامر عليه ومنه إلى أفشوط وهو حوض تجتمع فيه مياه الأمطار مرحلة ومنه إلى زذران مرحلة وهو جبل وفي أصله عين ماء واللصوص يأوون إليه ومنه إلى بدخس باد مرحلة وهو رباط خال لا ساكن به ومنه إلى خيدجين مرحلة وهي عين ماء لاساكن به ومنه إلى دمندار وهي عين ماء خرارة ومنه إلى عران باد مرحلة ومنه إلى كرين مرحلتان
ومن شاء سار من خيدجين إلى مارسان مرحلة وهي شعبة من جبل فيها ماء في قفر ومنه إلى بغيس مرحلة ومنه إلى دمغدين مرحلة وهو رباط قفر
451

ومنه إلى باذمة مرحلة وهو عين ومنه إلى خاسكين مرحلة ومنه إلى بدرست مرحلة ومنه إلى قبرسة مرحلة ومنه إلى نيسابور ثمانية عشر ميلا
وطريق من إصبهان إلى مدينة الري من إصبهان إلى دالجي مرحلة ودالجي قرية عامرة ومنها إلى رباط عامر مرحلة وهو رباط خال وكان فيه قبل ذلك قوم يحرسون الطريق على الحماية وبه حوض يجتمع إليه ماء عين يأتي إليه من جهة الغرب ومنها إلى رباط أبي علي بن رستم مرحلة ومن رباط أبي علي إلى حصن دزة مرحلة وهو حصن حصين لكنه صغير ومن حصن دزة إلى قاشان وهي مدينة مرحلتان في مفاوز وعشار معطلة ومن مدينة قاشان إلى قرية المجوس مرحلة وأهل هذه القرية مجوس ومنها إلى مدينة قم مرحلة ومدينة قم مدينة حسنة تحيط بها العمارات وأكثر هذه المفازة التي بينها وبين قرية المجوس عامرة بقرى وعمارات ومن مدينة قم إلى قرية كاج مرحلة وقرية كاج خربة وهي قليلة الساكن والمساكن ومياهها من الأمطار ومن كاج إلى دير الجص مرحلة في غير عمارة ودير الجص حصن حصين مبني بالجص الآجر آهل عامر بالناس والأجناد ومن دير الجص إلى مدينة دزة مرحلة وهي مدينة متوسطة القدر
452

وبها منبر ولها عمارات ومزارع ولها ماء جار في نهير وهذه المرحلة محاذية لجبل كركس كوه وجبل سياه كوه ومن دزة إلى الري مرحلة والري مدينة كبيرة وسيأتي ذكرها في موضعها على التمام بحول الله تعالى
وطريق آخر من إصبهان إلى الري على المفازة بين جبلي كركس كوه وسياه كوه تسير على الطريق الأول إلى دير الجص ثم تعرج على اليمين فتعدل بك الطريق إلى ما بين جبلي كركس كوه وسياه كوه ومن كركس كوه إلى دير الجص اثنا عشر ميلا وبعد ما بين الجبلين سبعة وعشرون ميلا ثم ترجع الطريق على اليسار إلى دزة وبينهما أحد وعشرون ميلا ثم إلى الري فهذه جميع الطرقات التي في هذه المفازة وقد جئنا بها على الكمال والتمام حسب الجهد والطاقة وبالله التوفيق
ولنذكر الآن ما في هذا الجزء من بلاد سجستان فنقول إن مدنها زرنج وكس ونه والطاق والقرنين وخواش وفره وجزة وبست وروذان وسروان وزالقان وبغنين ودرغش وتل وبشلنك وبنجواي وكهك
453

وغزنة والقصر وسيوي واسفنجاي وجدمان
ومدينتها العظمى تسمى زرنج وهي مدينة كبيرة عامرة الأسواق وأسواقها دائرة بالمسجد الجامع الذي بها ولها أرباض عامرة وفي كل مكان منها أسواق على غاية العمارة ولها سور حصين وخندق دائر بالحصن ولها على أرباضها حصون دائرة وخنادق وفي الخندق المستدير بسور الحصن ماء نابع ينبع من مكانه وتقع فيه جمل من فضول المياه التي في المدينة وللمدينة نفسها خمسة أبواب وللربض ثلاثة عشر بابا وبناؤها بالطين آزاج معقودة لأن الخشب بها يتسوس فلا يقيم ومسجدها الجامع في المدينة دون الربض وفي داخل المدينة نفسها ثلاثة انهار منها نهر يدخل من الباب المسمى بالباب العتيق والنهر الثاني يدخل على الباب الجديد والنهر الثالث يدخل على باب الطعام وهي كلها صغار وهي مفرقة في دور المدينة وبساتينها وحماماتها وأرض زرنج سبخة رملية في سهل متصل لا يرى بها شيء من الجبال وهي حارة ولا يقع بها الثلج البتة وأكثرها بها الرياح العواصف الدائمة حتى إنهم قد صنعوا أرحاء تطحن بالريح لكثرة رياحهم والرمل في أكثر الأحوال يضر بهم
وهذه الأنهار التي تأتي المدينة وتشق أعراضها هي مستخرجة من نهر هيذمند وهو نهر عظيم يخرج من ظهر الغور حتى يصل حد رخج وبلدي
454

الداور ثم يجري على بست حتى ينتهي إلى سجستان ثم يقع في بحيرة زرة
وزرة هذه بحيرة يتسع الماء فيها وينتقص بقدر زيادة الماء ونقصانه وعليها قرى ومزارع وطولها يكون نحو من تسعين ميلا من ناحية كرين على طريق قوهستان إلى قنطرة كرمان على طريق فارس وهي عذبة الماء ويصاد فيها سمك كثير وهي عامرة من نواحيها إلا ما كان مما يلي المفازة فأما النهر الذي يخرج من هيذمند فيمر إلى ناحية نيشك فلا يصل منه شيء إلى هذه البحيرة
وسجستان ناحية وفيها زرنج وغيرها وهي حصينة كثيرة الطعام والتمور والأعناب وأهلها مياسير ويقارضون التجار بفواضل أموالهم ويتصل بالجنوب من سجستان ناحية بالس وموضعها بين سجستان وناحية السند ومدينتها سيوي غير أن الوالي يسكن منها موضعا يسمى القصر وبينهما نحو مرحلتين
ورخج اسم الإقليم ومدينتاه بنجواي وكهك وموضع هذا الإقليم هو بين بلدي الداور وبالس والداور اسم إقليم خصيب وهو ثغر للغور وبغنين وخلج وبشلنك وبلد الداور اسم إقليم ومدينته تل وله من المدن أيضا درغش وهما على ضفتي نهر هيذمند غير أن بغنين وخلج وبشلنك ناحية تتاخم الغور
والخلج صنف من الأتراك وصلوا على قديم الزمان إلى تخوم الهند ونواحي
455

سجستان والغور فنزلوا بها وعمروها واتخذوها أوطانا وهم أصحاب أغنام وأبقار وخيل ونعم كثيرة وهم على زي الأتراك وهيآتهم
ومن المدن المجاورة لزرنج الطاق وهي على مرحلة من زرنج وهي على يمين المار إلى خراسان وهي مدينة صغيرة متحضرة ولها رستاق واسع كثير الخصب وبها أعناب كثيرة وفواكه ونعم يتسع فيها أهل سجستان
ومنها القرنين وهي مدينة متوسطة ولها سور وأسواق وهي كانت في سالف الدهر دار رستم الشديد ودار ملكه وبها أثر مربط فرسه ولها قرى ورساتيق وهي على مرحلة من سجستان على يسار الذاهب إلى بست
ثم مدينة خواش وهي أكبر من القرنين وأشمخ بناء ولها سور تراب وبها سوق نافقة وأمتعة وترف أحوال وهي من القرنين على مرحلة عن يسار الذاهب إلى بست وبينها وبين قارعة الطريق ميل ونصف ولها مزارع وعمارات ونخيل وأشجار وفواكه كثيرة ومياه جارية وقنوات وأهلها مياسير
ومدينة جزة مدينة تتصل عماراتها بعمارة فره عن يمين الذاهب من سجستان إلى خراسان على نحو مرحلة وهي ناحية حسنة قدرها نحو القرنين ولها جمل قرى وعمارات ورساتيق خصيبة وبناؤها بالطين والحجارة وشرب أهلها من مياه تدخل إليها في قنى
ومن جزة إلى سجستان ثلاث مراحل وبين جزة وفره مرحلة وجزة بين فره والقرنين
456

ومديتة فره أكبر من القرنين ومن جزة وهي مدينة حسنة وعليها سور تراب وهي في أرض سهلية ومبانيها بالطين ولها رستاق يشتمل على نحو ستين قرية ولها نخيل كثير وفواكه جمة وأعناب وهي على نهرها المعروف بها وهو يسقي أكثر رساتيقها ويصل فضله فيقع في بحيرة زرة وبين زرة وفره مرحلة
ويتصل بمدينة فره مدينة نه وتعرف براجحة وهي صغيرة القدر متحضرة خصيبة كثيرة الفواكه والأعناب وبينها وبين فره مرحلة كبيرة وهي مما يلي المفازة وكذلك مدينة سروان مدينة صغيرة متحضرة شبيهة بالقرنين في قدرها وأبنيتها ولها أرض واسعة ومزارع ورساتيق وعمارات وقرى وفواكه عامة وأعنابها كثيرة وخيرها واسع وهي من بست على مرحلتين واسم المرحلة الأولى فيروزقند والثانية نهر سروان ويتصل بسروان بلاد الداور والرخج
وأما مدينة الزالقان فهي مدينة من بست على مرحلة وهي مدينة متحضرة ذات سور وأسواق ومياه جارية ونخيل وكروم وزروع ومواش وتكون على قدر القرنين كبرا وأكثر أهلها حاكة وتجارها يتجرون بالثياب ويتجهزون بها من هذه المدينة ويمشون بها إلى جميع الأقطار لكثرتها ومبانيها بالآجر والطين
وأما مدينة روذان فإنها صغيرة لكن عليها سورا ومبانيها بالطين وهي أصغر من القرنين وهي بقرب فيروزقند وهي على يمين الذاهب إلى
457

الرخج وبها فواكه وأعناب ولها مزارع وزروع وغلات وأكثرها المنج ولها مياه جارية تسقي أكثر رساتيقها
وأما مدينة كس فهي صغيرة القدر لها سور وسوق عامرة وصناعات وأهلها متحرفون متجولون وأكثرهم حاكة وبين كس وزرنج تسعون ميلا وهي على شفير المفازة ويعبر إليها نهر الهيذمند ولها زروع وغلات
والطريق من سجستان إلى هراة أول مرحلة منها تسمى كركوية ومن كركوية إلى بشتر اثنا عشر ميلا والعبر على قنطرة يجري فيها فضل مياه هيذمند ومن بشتر إلى قرية جوين مرحلة ثم إلى البست مرحلة ومن البست إلى كنكرة مرحلة ومن كنكرة إلى سرشك مرحلة ومن سرشك إلى قنطرة وادي فره مرحلة ومن قنطرة وادي فره إلى حصن دزة مرحلة وهي على ضفة البحيرة التي يصب فيها نهر هيذمند ومن دزة إلى كويسان مرحلة ومن كويسان إلى خاشان مرحلة وخاشان من الاسفزار والاسفزار من بلاد هراة ومن خاشان إلى قناة سري مرحلة ومن قناة سري إلى الجبل الأسود مرحلة ومن الجبل الأسود إلى جدمان مرحلة ومن جدمان إلى هراة مرحلة
والطريق من سجستان إلى بست أول مرحلة إلى زانبوق ومن زانبوق إلى
458

شروزن وهي قرية عامرة سلطانية مرحلة ومن شروزن إلى حروري وهي قرية عامرة سلطانية وبينهما نهر نيشك وعليه قنطرة من آجر ومن حروري إلى دهك والمنزل في رباط من حد دهك ومن هذا الرباط المفازة فمنزل منها رباط يسمى آب شور مرحلة ومن آب شور إلى كرووين وهو رباط مرحلة ومن رباط كرووين إلى رباط هفشيان مرحلة ومنه إلى رباط عبد الله مرحلة ومن رباط عبد الله إلى مدينة بست مرحلة
والطريق من بست إلى غزنة في جهة الشرق مع الجنوب من بست إلى رباط فيروز مرحلة ومن رباط فيروز إلى رباط ميغون مرحلة ومنه إلى رباط كثير مرحلة ومنه إلى الرخج وهي مدينة تسمى بنجواي مرحلة وبنجواي مدينة من مدن الداور وبالس وعامتها صواف ولها غلات وسوائم وأنعام كثيرة ويرتفع منها منافع جمة وبلاد الداور إقليم خصيب وهو ثغر للغور وبغنين وخلج وبشلنك ومن مدينة بنجواي إلى تكين آباذ مرحلة ومنه إلى الأوق مرحلة وهي قرية ومنها إلى رباط خنكل آباذ مرحلة ثم إلى قرية غرم مرحلة ثم إلى جابشت مرحلة وهو منزل ثم إلى قرية جومة مرحلة ثم إلى خابسان
459

مرحلة وخابسان أول حد غزنة ثم إلى قرية خسراجى مرحلة ثم إلى رباط هذوا وهي قرية عامرة مرحلة ثم إلى غزنة مرحلة
وغزنة مدينة جليلة عامرة كثيرة الأسواق ذات تجارات وتجار مياسير ومنها يدخل إلى بلاد الهند
وفي هذا الطريق إذا جئت مدينة بنجواي فإن شئت أخذت ذات اليمين إلى مدينة بالس التي هي على شفير المفازة وسرت من مدينة بنجواي إلى رباط الحجرية منزل ثم إلى رباط كنكى منزل ثم إلى رباط بر منزل ثم إلى حصن اسفنجاي مرحلة فذلك من مدينة بنجواي إلى اسفنجاي أربع مراحل
واسفنجاي حصن مانع وله زراعات وماشية وإلى جانبه حصن القصر وهو حصن كبير كثير العمارة وبينهما ثلاثة أميال ومن اسفنجاي إلى مدينة سيوي مرحلتان وهي متاخمة لمفاوز السند وهي مدينة حصينة عامرة ويجلب مما دار بأرضها الحلتيت الذي لا نظير له ويجنى منه الشيء الكثير الذي لا يتحصل لكثرته
وبين مدينة بنجواي وبين كهك في جهة المشرق مقدار ثلاثة أميال ومن مدينة بست إلى مدينة سروان مرحلتان في جهة المشرق وسروان مدينة حسنة
460

لعا سور وأسواق حسان وتجارات وفوئد ومنها في جهة الشمال إلى ضفة نهر هيذمند مرحلة فتعبر هذا الوادي وتدخل مدينة درتل وهي على ضفة النهر وهي مدينة حسنة الصفة حصينة الوضع متقنة الأسواق وفيها تجارات وخيرات شاملة
ومنها إلى مدينة درغش مرحلة والطريق على ضفة النهر ودرغش مدينة حسنة متقنة لها أسوار ومساكن عامرة وتجارات قائمة وهي على نهر هيذمند ودرغش ودرتل من بلاد الداور
ومن درتل إلى بغنين يوم في قبائل بشلنك ومدينة خابين من بلاد بشلنك وهي عامرة كبيرة ولا سور عليها ولها قلعة حصينة
ومن مدينة هراة التي يأتي رسمها وذكرها بعد هذا إلى مدينة بوزنجان ثمانية أيام وبوزنجان من بلاد خراسان وهي مدينة عامرة لها أسواق وحمامات وعمارة متصلة ومنها إلى نيسابور ست مراحل
ونيسابور في أرض سهلة وليس لها ماء جار إلا نهر يخرج إليهم فضله في السنة ولا يدوم ماؤه وهو فضل مياه هراة وزروعهم بعلية وهي مدينة يكون قدرها نصف قدر
مدينة مرو
وأما سرخس فطيبة الثرى معتدلة الهواء وليس لها رساتيق ولا قرى كثيرة ولأهل بواديها همة في انتخاب الجمال وتنسيلها وشربهم من مياه
461

الآبار وأرحاؤهم تديرها الدواب وبناؤها بالطين واللبن ومن مدينة سرخس إلى هراة خمس مراحل بين جنوب وشرق ومن سرخس إلى بوزنجان أربعة أيام
ومن مدينة بوزنجان إلى مدينة ينابذ خمس مراحل ومن بوزنجان إلى مالن مرحلة وهي مدينة صغيرة عامرة ويقال لها مالن كواخرز وليست بمالن هراة ومن مالن إلى خايمند مرحلة وهو قطر كبير عامر ومن خايمند إلى سنكان مرحلة ثم إلى مدينة ينابذ مرحلتان ومدينة ينابذ أكبر في القدر من مدينة خور وهي مدينة صغيرة متحضرة بناؤها بالطين وفيها أسواق قائمة دائمة ولها قرى ومزارع وغلات وماؤهم من ماء يدخل البلد في قنوات
ومن مدينة ينابذ إلى مدينة قاين مرحلتان وهي عامرة آهلة عليها سور تراب وبناؤها من طين ولها قصبة وعليها خندق ولها مسجد جامع ودار الإمارة منها في القصبة وشرب أهلها من ماء جلب إليهم في قنى وبساتينهم قليلة وقراها متفرقة وهي في القدر نحو سرخس وهي قصبة قوهستان ومن حومة قاين وعلى مرحلتين منها في طريق نيسابور يحمل الطين النجاحي الذي يحمل إلى سائر الآفاق للأكل وهو طين أبيض عجيب
462

ومن قاين إلى الزوزن ثلاث مراحل والزوزن مدينة عامرة كثيرة التجارات قائمة الأسواق حسنة حصينة
ومن الزوزن طريق إلى هراة وذلك أنك تخرج من الزوزن إلى مدينة خركرد يوم وهي مدينة صغيرة حسنة ومنها إلى مدينة فركرد مرحلتان وفركرد حصن عامر كبير به مسجد وسوق عامرة ومن فركرد إلى بوشنج يومان وبوشنج مدينة متحضرة وبين بوشنج وهراة مرحلة وسنأتي بذكر هذه البلاد على التقصي بعد هذا إن شاء الله تعالى
ومن قاين إلى الطبس ثلاث مراحل والطبس أكبر قطرا من ينابذ وهي أصغر من قاين وهي مدينة جرومية ولها نخيل وعمارات ولها سور تراب وبناؤها بالطين وماؤها من مياه مجلوبة إليهم في قنى ونخيلها وبساتينها أكثر من بساتين قاين ولا قصبة لها ومن الطبس إلى خور مرحلتان كبيرتان وخور مدينة صغيرة على شفير المفازة وتدعى بخوسب وبين خور وخوسب مرحلتان
وكذلك من قاين إلى خور يومان وخور مدينة أصغر من الطبس وبناؤها بالطين وليس لها حصن ولا قصبة وبساتينها قليلة ونخلها قليل وماؤها يدخل
463

البلد في قنى حجر مسربة إليهم وخوسب مدينة أكبر من خور وبها مسجد ومنبر وأسواق حسان وتجارات دائرة
وكذلك من خوسب إلى مدينة كرين نحو ثلاث مراحل وكرين هذه قرية كبيرة مائجة لا سور لها ولها رستاق كبير وبين كرين وطبس اثنا عشر ميلا
ومن مدن نيسابور مدينة ترشيز وهي مدينة عامرة متحضرة ذات سور حصين وخندق وبساتين وتجارة وبينها وبين نيسابور أربع مراحل وبين ترشيز وينابذ المتقدم ذكرها مرحلتان تخرج من ترشيز إلى كندر مرحلتان ثم إلى ينابذ مرحلة وكندر حصن متحضر لها سوق عامرة ومن الزوزن المتقدم ذكرها إلى سلومك مرحلتان وسلومك عن يسار سنكان ومن سنكان إلى ينابذ مرحلتان
وجملة ما بين قاين ونيسابور عشر مراحل لأن من نيسابور إلى مالن أربع مراحل ومن مالن إلى سنكان مرحلتان ومن سنكان إلى ينابذ مرحلتان ومن ينابذ إلى قاين مرحلتان وكذلك من نيسابور إلى الزوزن عشر مراحل
464

ومن نيسابور إلى مالن أربع مراحل ثم إلى سنكان يومان ومن سنكان إلى سلومك يومان ومن سلومك إلى الزوزن يومان
وكذلك من ترشيز إلى خاسكين أربع مراحل وخاسكين مدينة صغيرة بها مسجد ومنبر ولها مزارع وعمارات متصلة ومنها إلى نيسابور ستة وستون ميلا وبين قاين وترشيز خمس مراحل وكذلك من ترشيز إلى ينابذ ثلاث مراحل ومن ترشيز إلى قرية سلم ست مراحل وقرية سلم في المفازة وقد سبق ذكرها وهاهنا انقضى ذكر ما في هذا الجزء السابع والحمد لله على ذلك كثيرا دائما ويتلوه الجزء الثامن من الإقليم الثالث وحسبنا الله وحده
465

الجزء الثامن
إن الذي تضمن هذا الجزء الثامن من البلاد والأكوار بقية من أرض سجستان إلى ما يليها من بلاد الباميان وبلاد الغور قبلها ثم بلاد بذخشان ثم بلاد وخان وبلاد الختل وبلاد بلخ وبلاد هراة وبلاد مرو وسائر بلاد خراسان إلى ما عدا النهر المسمى بجيحون من بلاد بخارا وسمرقند ثم بلاد اشروسنة ثم بلاد فرغانة والتبت مع ما يليها من بلاد الشاش وفاراب وفي كل أرض من هذه الأرضين التي سطرنا ذكرها عدة بلاد وقلاع معمورة مشهورة ونحن نريد أن نتكلم فيها حسب ما قدمناه في ذكر غيرها من الأرضين الكائنة في الإقليم الأول والثاني بحول الله تعالى
فنقول إن شرق بلاد سجستان يتصل بالغور والإقليم الذي يلي الغور يسمى الداور وهو إقليم واسع كثير الخير خصيب وهو ثغر للغور وبغنين وخلج وبشلنك وخوابين وبغنين بلد حسن خصيب كثير الفواكه ومنه إلى درتل
466

يوم في قبائل بشلنك ودرتل مدينة على ضفة نهر هيذمند وهي من قواعد بلاد الداور وبها عمارة ومزارع ولا سور لها ومن بلاد الداور أيضا مدينة تل ومدينة درغش وقد سبق ذكرها ويعمر هذه الأرض قبيلة تسمى الخلج وهم صنف من الأتراك وقعوا إلى هذا المكان في قديم الدهر واتصلت عمارتهم إلى شمال الهند وظهر الغور وبعض بلاد سجستان الشرقية وهم أصحاب سوائم وأنعام وحرث وخير شامل وزيهم زي الأتراك في اللباس والهيئة وجميع أفعالهم وفي حروبهم وسلاحهم وهم مهادنون لا يقولون بشر ولا يرونه
ويعبر النهر في درتل ويسار إلى مدينة سروان وبينهما مرحلة ومدينة سروان مدينة صغيرة القدر لكنها عامرة متحضرة ولها قرى ورساتيق وغلات ومنافع جمة وهي أكبر
من القرنين وأكثر خيرا وبها فواكه ونعم عامة وأعناب تحمل منها إلى بست وغيرها وبين مدينة بست وسروان مرحلتان تخرج من سروان إلى منزل يسمى فيروزقند ومنه إلى بست وفيروزقند مدينة صغيرة متحضرة ولها سوق على قدرها وهي على يمين الطريق لمن سار
467

إلى الرخج والرخج اسم إقليم ومدينتها بنجواي وقد سبق ذكر بنجواي في أول بلاد سجستان ويقابل مدينة درتل في الضفة الجنوبية من نهر هيذمند مدينة روذان وهي مدينة صغيرة خصيبة وأما مدينة تل فهي مدينة متاخمة لأرض الغور وهي صغيرة خصيبة
والغور جبال عامرة ذات عيون وبساتين وأنهار وهي خصيبة منيعة كثيرة الزرع والمواشي ولسانهم غير لسان أهل خراسان وليسوا بمسلمين ويطيف بالغور مما يلي هراة والجوزجان بلد فراوة وبلد داؤود بن العباس ورباط كروان وغرجستان وهذه كلها بلاد خصيبة وأهلها مسلمون وأكثر رقيق الغور إلى يقع هراة وسجستان لأن أهل تلك النواحي المجاورين لهم يسرقون أبناءهم ونساءهم ويستخرجونهم إلى بلادهم
ومن شاء أن يدخل من بنجواي إلى غزنة سار إليها عن تسع مراحل شرقا فمن بنجواي إلى تكين اباذ مرحلة ثم إلى رباط الاوق مرحلة ثم إلى رباط خنكل اباذ مرحلة ثم إلى قرية غرم مرحلة ثم إلى خاست مرحلة ثم إلى
468

قرية جومة مرحلة ثم إلى خابسان مرحلة وهي قرية وهو أول حد غزنة ثم إلى قرية خسراجي مرحلة ثم إلى رباط هذوا وهي قرية عامرة مرحلة ومنها إلى غزنة مرحلة خفيفة
وغزنة مدينة كبيرة حسنة عليها سور تراب وخندق يستدير بها وهي كثيرة العمارة آهلة وبها أسواق دائمة وجبايات قائمة وتجارات وأموال ظاهرة وغزنة فرضة للهند
ويتاخم مدينة غزنة مدينة كابل وبينهما تسع مراحل وكابل مدينة كبيرة في نحو الهند لها أسوار ومنعة ولها في داخلها قصبة حصينة ولها ربض خارج المدينة وملوك الشاهية لا تتم لهم الولاية إلا لمن عقدت له بالملك في كابل وإن كان منها على بعد فلا بد له من المسير إليها حتى تعقد له الشاهية بالملك وكابل ولجرا وسكاوند كلها جروم حارة غير أنها لا نخيل بها ويقع في بعضها الثلوج وهي في حيز الصرود
ومدينة سكاوند مدينة عامرة بأهلها وبها أسواق وتجارات وأموال حاضرة وبينها وبين مدينة كابل سبعة أيام وكذلك من سكاوند إلى مدينة لجرا
469

سبع مراحل
فالطريق من بلاد الغور إلى هراة تخرج من حدود الغور إلى مدينة جشت مرحلة خفيفة ومنها إلى مدينة اوفة مرحلتان واوفة مدينة حسنة لها سور تراب ومنها إلى ماراباذ مرحلة وهي مدينة جليلة قليلة البساتين صغيرة المقدار أصغر من مالن ولهم زروع ومن ماراباذ إلى استربيان مرحلة خفيفة وهي مدينة صغيرة خصبة وهي فيما بين جبال وهي أصغر من مالن ولها مياه كثيرة وبساتينها قليلة والزروع عندهم كثيرة وفيها جمل كروم على البعل ومن استربيان إلى مدينة خيسار مرحلة وخيسار مدينة كبيرة القطر كثيرة الخير ومنها إلى باشان مرحلة وباشان مدينة صغيرة حسنة بها أسواق وصناعات ومنها إلى هراة يوم
وهراة مدينة عامرة لها ربض وفي مدينتها قصبة ولها أبواب كثيرة كلها خشب مصفحة بالحديد إلا باب سراي فإنه كله حديد والمسجد الجامع في المدينة والأسواق محيطة به والسجن في قبلته وهذا المسجد كبير الفناء حسن البناء به من فقهاء المسلمين وعلمائهم خلق كثير وهي فرضة لخراسان وسجستان وفارس والجبل من هراة على ستة أميال على طريق بلخ ومحتطبهم
470

من مفازة بينها وبين اسفزار وليس لهذا الجبل محتطب ولا مرعى وإنما يرتفقون منه بالحجارة للأرحاء وفرش قيعان الديار وغير ذلك والبساتين متصلة على طريق سجستان مقدار مرحلة بضفة النهر ووالي هراة كان ينزل قبل هذا بمكان يسمى خراسان اباذ بينه وبين المدينة نحو من تسعة أميال على طريق بوشنج في غربي هراة وأبنيتها من طين وبها قصر ومسجد جامع وطول خراسان أباذ ميل ونصف في مثله
ونهر هراة يخرج من جبال الغور من قرب رباط كروان فإذا خرج عن حد الغور خرجت منه أودية كثيرة يسقى بها ويزرع عليها فمنها نهر يعرف بوخوى يسقي رستاق سنداسنك ونهر آخر يسمى بارست ويسقى به رستاق سوسان ونهر آخر يسمى سكوكان يسقي رستاق شغلة ونهر آخر يسمى كراغ يسقى به رستاق كوكان وهر آخر يعرف بغوسجان يسقى رستاق كوك ونهر آخر يعرف بنهر كبك يسقي رستاق غوتان وكربكرد ونهر آخر يعرف بسبغر يسقي رستاق سرخس في حد بوشنج ونهر المدينة يسمى انجير
471

ويلي مدينة هراة مدينة كروخ وبينهما ثلاثة أيام وهي مدينة متحضرة عليها سور حصين من تراب وبنيان المدينة بالطين وهي في شعب بين جبال كثيرة وبساتينها كثيرة عامرة كثيرة المياه والكروم والأشجار ويرتفع من كروخ الكشمش المجلوب إلى الآفاق وهو الزبيب العجيب المنظر الحسن الطعم الذي يحمل إلى العراق وغيرها لكثرته وطيبه وكذلك أكثر الزبيب العجيب المحمول إلى هذه الجهات يكون من مالن هراة
ومالن هراة مدينة حسنة كثيرة البساتين والجنات والكروم التي لا تعد كثرة وبين مالن وهراة مرحلة وكذلك مدينة باشان مدينة كبيرة كثيرة الأسواق والصنائع وأهلها مياسير ولهم همم في ملابسهم وزيهم وهي قليلة الأشجار والمياه وقدرها أصغر من مالن وأهلها أهل جماعة وبينها وبين هراة مرحلة وكذلك من مدن هراة مدينة أوفة وهي أصغر قدرا من مدينة هراة ولها أسواق عامرة وتجارات كثيرة ولها بساتين وجنات وكروم ومنها إلى خيسار ثلاث مراحل ومما يجاور هراة على طريق سجستان مدن اسفزار وهي أربعة منها كواسان وهي أكبرها وهي مدينة أصغر من كروخ ولها مياه وبساتين كثيرة ومنها مدينة كواران وهي مدينة متحضرة صغيرة وبها متاجر وصناعات ومنها كوشك وهي أيضا مدينة حسنة تشبه كواسان في القدر والمباني ومنها اذرسكن وهي مدينة صغيرة حسنة لها بساتين وزراعات ومياه كثيرة عذبة
472

وهذه المدن الأربع عامرة متقاربة الأقدار وهي كلها في أقل من مرحلة
وبين اسفزار وهراة ثلاث مراحل ومن هراة إلى قاين من قوهستان ثماني مراحل ومن هراة إلى مرو الروذ ست مراحل ومن هراة إلى سرخس خمس مراحل
ومن مدن هراة أيضا مدينة بوشنج وهي في القدر نحو نصف هراة وهي وهراة في مستو من الأرض ومن بوشنج إلى الجبل ستة أميال ولها سور وخندق وثلاثة أبواب وبناؤها بالآجر والجص ولهم في مبانيهم همة وهم أصحاب تجارات وأموال صامتة ولها مياه وأشجار كثيرة ولهم بهذا الجبل شجر عرعر كثير يفوق كل خشب جودة وكثرة ومنها يتجهز به إلى سائر الآفاق وشرب أهلها من النهر وهذا النهر الذي يصل إلى سرخس عليه القناطر المعقودة في وسط البلد ومن بوشنج في جهة المغرب خركرد وفركرد وبين بوشنج وفركرد مرحلتان وفركرد مدينة صغيرة متحضرة أصغر من كوسرى وبها مياه وزروع كثيرة ومن فركرد إلى مدينة خركرد يومان ومن خركرد إلى الزوزن يوم وخركرد مدينة صغيرة المقدار آهلة كثيرة الأهل وبها
473

أسواق وعمارات وماؤها قليل الجري وأهلها أصحاب سوائم
ومن مدينة بوشنج وأنت خارج إلى فركرد مدينة كرة وبينهما اثنا عشر ميلا عن يسار الذاهب إلى نيسابور ومدينة كرة كثيرة المياه كثيرة المساكن لها بساتين وجنات وبين كرة وطريق الجادة نحو ثلاثة أميال وأكبر المدن بعد مدينة بوشنج كوسرى وهي حصينة لها سور حصين ومقدارها نحو الثلث من مدينة بوشنج وبناءها بالطين ولها مياه جارية وبساتين كثيرة وبالشرق من بوشنج باذغيس ومدنها جبل الفضة وكوه وغناباذ وبست وجاذوا وكابرون وكالوون ودهستان ومدينة دهستان كبيرة طولها نحو من ميل ونصف ميل وبناؤها باللبن والطين وهي على ظهر جبل لابساتين لأهلها ولا كروم ولهم أسراب كثيرة في الأرض ولهم ماء جار في حضيض الجبل قليل الجري وجبل الفضة على طريق سرخس من هراة وأما كوه فهو أكبر من جبل الفضة ويسمى بجبل الفضة لأنه كان في أعلى الجبل معدن عظيم الفائدة فانقطع لبعد غوره ولانقطاع الحطب الذي يسبك به وأما مدينة كوه
474

فإنها في صحراء وهي صغيرة فيها سوق وعمارة وكذلك غناباذ وبست وجاذوا كلها تتقارب قدودها وأشكال أهلها ومتاجرها وبناؤها ولهم مياه وبساتين وأكثر زروعهم على المطر وكذلك كابرون وكالوون وهما متجاورتان في نحو ثلاثة أميال وليس بينهما مياه جارية ولا بساتين عامرة وإنما مياههم من الآبار والأمطار وهم أصحاب زروع وأغنام وأبقار كثيرة
وفي ناحية الشرق وإلى ناحية بلخ رستاق كنج وبه ثلاث مدن منها بين وكيف وبغشور ومدينة ببن ينزلها سلطان تلك الناحية وهي أكبر من بوشنج وهي عامرة كثيرة التجارات وأهلها مياسير ولهم مياه وبساتين وبناؤها باللبن والطين وكذلك مدينة كيف مدينة حسنة عامرة بالوارد والصادر ولأهلها أحوال صالحة وأموال مدارة في أنواع التجارات وبناؤها بالطين ولها مياه جارية كثيرة وبساتين وغلات وكروم وأما مدينة بغشور فمدينة حسنة عامرة كبيرة يكون مقدارها مثل بوشنج ونحو كيف وبها جنات وبساتين ومتنزهات ولأهلها أحوال صالحة وتجارات رابحة وتربتها صحيحة وهواؤها معتدل وأكثر زروعها على المطر ومياهها من الآبار والمطر
ومن مدينة هراة إلى ببن مرحلة ومن ببن إلى كيف مرحلة ومن كيف إلى بغشور مرحلة
475

وتتصل هذه البلاد بغربي بلاد مرو الروذ ولمرو الروذ بلاد كثيرة عامرة ومدينة مرو الروذ أكبرها وهي أكبر من بوشنج وهي على غلوة سهم من النهر
ومرو مدينة قديمة في مستو من الأرض بعيدة عن الجبال أرضها سبخة كثيرة الرمل وأبنيتها من الطين وفيها ثلاثة مساجد للجماعات ولها قصبة في نشز مرتفع وماء المدينة يجلب إليها في قنوات كثيرة وللمدينة أربعة أبواب ولمرو نهر عظيم تتشعب منه أنهار يسقى بها الرساتيق ومبدؤه من شمال جبل الباميان واسم هذا النهر نهر مرغاب ويجري هذا النهر على مرو الروذ وعليه ضياعهم وفي هذه الضياع مبان متقنة ومتنزهات حسنة ومساكن متحصنة ومدينة مرو معتدلة الهواء حسنة الثرى حكى الحوقلي أن البطيخ بها يقدد ويحمل إلى سائر الآفاق ويرفع من مرو الإبريسم والقز الكثير ويتجهز منها بالقطن العجيب الذي ينسب في سائر الأقطار إليها وهو الغاية في اللين ويعمل بها منه ثياب تحمل إلى كل الآفاق ولها منابر مضافة إليها ومعدودة منها مثل كشميهن وهي على مرحلة منها ولها منبر ويجري عليها نهر كبير ولها بساتين وأشجار وأسواق قائمة عامرة وبها فنادق وحمامات ومنها هرمزفرة على مقدار فرسخ من كشميهن عن يسارها وعليها طريق مفازة سيفاية التي تؤدي إلى خوارزم وهي مدينة متوسطة ذات عمارات وأسواق ودخل وخرج ولها منبر ومنها سنج وهي مدينة مثل
476

هرمزفرة وهي على مرحلة من مرو غربا وبها منبر ولها بساتين وزروع ومن مدنها أيضا جيرنج وهي مدينة صغيرة لها أسواق وتجار مياسير وبها منبر وهي على تسعة أميال من مرو قبل زرق بثلاثة أميال وهي على ضفة النهر وكذلك الدندانقان على مرحلتين من مرو على طريق سرخس وهي مدينة حسنة لها سور وحصن وأسواق وحمامات وفنادق وبها مسجد جامع ومنبر ومن مدنها القرينين وهي مدينة حسنة حصينة خصبة بها سوق ومسجد جامع وخطبة قائمة ولها مياه جارية وبساتين ومنها إلى مرو أربع مراحل ومن مدنها باشان وهي مدينة عامرة حسنة المباني فرجة الأرجاء متقنة الأسواق وبها فنادق وحمامات ومسجد جامع ومنبر يمشي إليه وهي من هرمزفره على ثلاثة أميال ومن مدنها السوسقان وهي مدينة كبيرة عامرة رحبة المساكن فرجة كثيرة النزه لها مياه جارية وبساتين كثيرة وبها مسجد ومنبر ومدينة السوسقان يسرة زرق غير أنها أبعد منها بثلاثة أميال وزرق على نهر مرو وبينها وبين مرو اثنا عشر ميلا بين طريق سرخس وأبيورد
ومن مدن مرو (الروذ) قصر أحنف وهو على مرحلة من مرو (الروذ) في طريق بلخ وهي من الأميال خمسة عشر ميلا وهي مدينة صغيرة بها سوق عامرة وعليها سور تراب ولها مياه جارية وبساتين وفواكه كثيرة ومن مدنها
477

مدينة دزة وهي على اثني عشر ميلا من صقر أحنف وهي مدينة صغيرة بها فواكه وبساتين وكروم وعمارات ونهر مرو يشقها نصفين وبينهما قنطرة يعبر عليها
والطالقان مدينة كبيرة نحو من مرو الروذ في الكبر ولها مياه جارية وعمارات متصلة وبساتين قليلة وبناؤها بالطين وهي أصح هواء من مرو الروذ ومن مرو الروذ إليها اثنان وسبعون ميلا والطالقان في جبل يتصل بجبال الجوزجان ولها رساتيق في الجبل ويعمل في طرزها اللبود المنسوبة إليها ويتجهز بها منها إلى كل الجهات وليس يصنع في بلد من البلاد مثلها إتقانا وحصافة والطالقان على رصيف الطريق من مرو إلى بلخ ومن الطالقان إلى مدينة الفارياب ستون ميلا
والفارياب مدينة من الجوزجان أصغر من الطالقان قطرا وهي أكثر خلقا وأوفر عمارة وبساتين ومياهها جارية عذبة وفيها طرز وصنائع وتجار مياسير وبناؤها من طين ولها مسجد جامع وليس مع مسجدها منارة وبينها وبين الطالقان في جهة الغرب مرحلتان كبيرتان
ومنها إلى أشبورقان شرقا أربعة وخمسون ميلا واشبورقان من مدن الجوزجان والجوزجان اسم الناحية وليس بمدينة واشبورقان مدينة عامرة بها مياه جارية قليلة وعليها زروع أهلها وبساتينها قليلة وفواكهها عديمة وإنما
478

تجلب إليها مما جاورها من البلاد ومن اشبورقان إلى بلخ أربعة وخمسون ميلا
ومن مدن الجوزجان أنبار وبينها وبين اشبورقان مرحلة في ناحية بين الغرب والجنوب وهي مدينة كبيرة أكبر قطرا من مرو الروذ ولها مياه وخصب وكروم وبساتين وعمارتها متصلة وبها طرز ومصانع لجمل من الثياب يتجهز بها منها إلى كل الأقطار وبناؤها بالطين وهي مدينة جليلة وبها يقيم السلطان في الشتاء و (مقامه في) الصيف (بالجرزوان) ومن اشبورقان إلى اليهودية طريق مرحلتان وكسر ومن الفارياب إلى اليهودية مرحلة
واليهودية مدينة مقتدرة جامعة ولها سور وأسواق وعمارة وصناعات وبها مسجد جامع ولجامعها منارتان ومن اليهودية إلى مدينة سان مرحلة وهي صغيرة لها مياه وبساتين وجنات وهي من مدن الجبل وكندرم أيضا مدينة جليلة متحضرة كثيرة الكروم والفواكه المختلفة الأجناس وهي في ذاتها جامعة للخيرات وهي من مدن الجبل ومن اشبورقان إلى كندرم أربع مراحل ومن اليهودية إليها مرحلة بين شرق وجنوب ومدينة نريان مدينة عامرة موضعها بين اليهودية والفارياب
وأما الجرزوان فهي مدينة بين جبلين أشبه بلد بمكة وشعابها كشعابها ومزارعها قليلة وبساتينها مثل ذلك وبها مياه جارية وعيون مطردة ومن اشبورقان إلي ثلاث مراحل خفاف ومن اشبورقان اندخذ مرحلتان بين جنوب وشرق
479

ويجلب من مدن الجوزجان الجلود المدبوغة التي يتجهز بها إلى سائر بلاد خراسان وبلادها بلاد خصب ودعة وفواكه كثيرة عامة وبها تجارات وتختلف إليها الرفق مارة وقادمة بضروب من التجارات والمجالب
ويتصل بمرو من جهة المغرب بلاد الغرج وهما مدينتان إحداهما تعرف ببشين والأخرى شورمين وهما متقاربتان في الكبر وليس مقام سلطانهما في شيء منهما وإنما يقيم في الجبل المسمى بلكيان وبهما مياه جارية ومزارع ممتدة وغلات وفوائد ويرتفع من بشين أرز كثير يحمل إلى بلخ وسائر الجهات لكثرته وطيبه ويرتفع من شورمين زبيب كثير طيب جيد الطعم قليل النوى يتجهز به إلى كثير من الأقطار لكثرته وطيبه وبين بشين ودزة مرو الروذ مرحلة في المطلع وهي من نهر مرو الروذ على غلوة من شرقيه ودزة بمقربة من النهر ومن بشين إلى شورمين مرحلة مما يلي الجنوب وهي في الجبل المعروف ببلكيان
وفي الشمال من مدينة مرو إلى مدينة أبيورد ست مراحل ومن مرو الروذ إلى مرو الشاهجان ست مراحل فذلك من مرو الشاهجان إلى هراة اثنتا عشرة مرحلة ومن هراة إلى مرو الروذ ست مراحل وكذلك من مرو الروذ إلى بلخ ست مراحل ومن مرو الروذ إلى سرخس خمس مراحل ومن مرو إلى
480

آمل على شط نهر جيحون ست مراحل خفاف وهي من الأميال مائة وأربعة وعشرون ميلا وآمل بينها وبين النهر المسمى جيحون ثلاثة أميال وآمل هذه مدينة حسنة متوسطة القدر ولها بساتين وعمارة وبها ناس وتجارة ومنافع وجبايات كافية وهي على شفير مفازة
ومن آمل إلى مدينة خوارزم المسماة الجرجانية اثنتا عشرة مرحلة ومن الجرجانية إلى بحيرتها ست مراحل وكذلك من آمل إلى زم طالعا مع النهر أربع مراحل ومن زم إلى الترمذ في النهر خمس مراحل ومن الترمذ مع النهر إلى بذخشان ثلاث عشرة مرحلة وهذا طول خراسان وخوارزم مع جرية النهر وجميع ذلك يكون أربعين مرحلة
وأما مدينة زم فمدينة تقارب آمل في الكبر ولها ماء جار وبساتين وعمارات وزروع وتجارات وصنائع مكتفية بذاتها وهي وآمل يجتمع بها مسافرو خراسان وآمل أكثر معبرا إلى ما وراء النهر ويحيط بهما جميعا مفاوز تتصل من حدود بلخ إلى بحيرة خوارزم والغالب على هذه المفازة الرمال ومن مدينة زم إلى الترمذ وهي في الضفة الشرقية من النهر المسمى بجيحون أربع مراحل في نفس جيحون
وهذا النهر مخرجه من بلاد وخان في حود بذخشان ويسمى هناك نهر جرياب ثم تجتمع إليه أنهار خمسة كبار في حدود الختل والوخش فيصير منها نهر عظيم لا نظير له في أنهار الأرض كثرة ماء وسعة مجرى وعمق
481

قعر فأما نهر جرياب فيليه نهر يسمى باخشوا وهو نهر هلبك ويلي هذا النهر نهر ثان ويسمى نهر بلبان ويلي هذا النهر نهر فارغر ثم يليه نهر انديجاراغ ويليه أيضا نهر وخشاب وقد يقع إلى هذا النهر أنهار كثيرة صغار تخرج من جبل البتم وغيره ومنها أنهار الصغانيان وأنهار القواذيان فتجتمع كلها قبل القواذيان وتقع في نهر جيحون ونهر وخشاب يخرج من بلاد الترك حتى يظهر في أرض الوخش ويسير تحت جبل كبير ويغور تحته ويعبر الجبل كالقنطرة ولا يعلم مقدار جريه تحت هذا الجبل ثم يخرج عن الجبل ويجري في حدود بلخ إلى أن يصل الترمذ وهذه القنطرة الحد بين الختل وواشجرد ثم يجري هذا النهر من الترمذ إلى كيلف إلى زم إلى آمل إلى أن ينتهي إلى بحيرة خوارزم وليس ينتفع أحد من الناس بماء هذا النهر من حيث خروجه من منبعه إلى أن يصل زم وآمل فينتفعون به قليلا ثم يمنع خيره إلى أن يصل إلى بلاد الغزية فيسقى به هناك وينتفع بمائه
والترمذ مدينة في نفس جيحون والنهر يضرب سورها ومدينتها على حجز طريق الصغانيان ولها ربض كبير ويحيط بها وربضها سور ودار الإمارة في قصرها ولها أسواق وعمارات وأسواقها في مدينتها وأبنيتها من طين وهي مدينة حسنة عامرة آهلة مفروشة الأزقة والشوارع بالآجر وهي فرضة لتلك النواحي التي على جيحون وشرب أهلها من جيحون ومن نهر كرى الجائي من الصغانيان فيمر تحتها ويقع هناك في نهر جيحون ومن مدنها صرمنجي وهاشم جرد ومن الترمذ إلى بلخ مرحلتان كبيرتان
482

ومدينة بلخ في مستو من الأرض وأقرب الجبال إليها على اثني عشر ميلا وهي دار مملكة الأترك والملك بها لازم وبها العساكر والأجناد والملوك والقواد والعمال والأسواق العامرة والمتاجر المكسبة والأموال الواسعة والأحوال الصالحة وبناؤها بالطين واللبن ولها سبعة أبواب في محيط سورها وسورها من تراب ولها ربض عامر كثير الساكن وبه أسواق وصناعات ومسجد جامعها في المدينة في وسطها والأسواق دائرة به وهي على ضفة نهر المتوسط مقدار ما يدير ماؤه عشر أرحاء وهو جار على باب النوبهار ويسقي رساتيقها وقد أحاط بجميع جوانبها الكروم والجنات والبساتين والمباني والمتنزهات وبها مدارس للعلوم ومقامات للطلاب والأرزاق جارية على من شاء شيئا من ذلك وبهذه المدينة أموال وملوك مياسير وتجار وأحوال صالحة ومدينة بلخ يتصل بها من جهة جنوبها بلاد طخارستان وبذخشان وأعمال الباميان ومن جهة غربها ومع شمالها بلاد مرو وبلاد الجوزجان وهي قطب ومدار لما جاورها والطريق منها إلى طخارستان وبذخشان
ومدن طخارستان هي خلم وسمنجان وبغلان وسكلكند وورواليز وآرهن وراون والطايقان وسكيمشت وروا وسراي وخسب أندراب (وأندرابة) ومذر وكه
483

فمن بلخ إلى ورواليز يومان وورواليز أيضا مدينة حسنة ذات أسوار وأسواق ومنافع ولها ربض عامر وبها تجارات ولها قرى وعمارات ومنها إلى مدينة الطايقان مرحلتان ومدينة الطايقان مدينة عامرة آهلة قدرها ربع بلخ ولها سور طين ومبانيها بالطين والجيار وهي في مستومن الأرض ولها نهر كبير وكروم وعمارات ولها أسوق وتجارات نافقة وكثير من الصناعات
ومن شاء أخذ من بلخ إلى خلم يومان وخلم في غربي ورواليز وبينهما يومان وهي مدينة حسنة كثيرة الخيرات مشتملة على بركات ولها مزارع ومياه جارية ومنافع جمة ومن خلم إلى سمنجان يومان وسمنجان في غربي الطايقان وبينهما مرحلتان وهي في ذاتها مدينة حسنة آهلة عامرة بالتجار والناس والجلة ولها سور تراب ومن سمنجان إلى أندرابة خمسة أيام وهي مدينة في سفح جبل ومنها تجمع الفضة التي من جارباية وبنجهير ولمدينة أندرابة نهران أحدهما يسمى أندراب والآخر يسمى نهر كاسان ولها بساتين وحدائق ومتنزهات وأشجار كثيرة وكروم ومن الطايقان أيضا إلى مدينة بذخشان سبع مراحل وكذلك من أندرابة إلى بذخشان شرقا أربع مراحل ومن أندرابة إلى جارباية جنوبا ثلاث مراحل
ومدينة جارباية مدينة صغيرة وهي في أسفل جبل على نهر يأتي إليها من بنجهير فيشق المدينة ولا ينتفع بشيء من ماء النهر فيها وينتهي إلى أن يمر
484

بفروان ويتصل بأرض الهند فيصب في نهر نهروارة وليس لأهل جارباية شيء من الشجر ولا بساتين إلا قليل مباقل وإنما يسكنونها على استخراج المعادن التي فيها ولا شيء أفضل من معدنها ومعادن بنجهير أيضا مثلها وكلاهما على جبل وعر ومن جارباية إلى بنجهير يوم وبنجهير مدينة صغيرة على جبل وأهلها أشرار أسلاط فساد ولهم نهر يأتي من جبلهم ويصل إلى جارباية كما وصفناه فبل وكلا هاتين المدينتين أهلهما أصحاب طلب ومعرفة باستخراج المعادن وسبكها وإستخراجها من أرضها وما لصق بها ومن بنجهير إلى فروان مرحلتان جنوبا ومدينة فروان مدينة صغيرة حسنة الجهات متحضرة الأسواق وبها تجارات وناس مياسير وبناؤها بالطين واللبن وهي على نهر بنجهير الواصل إلى الهند وفروان فرضة لدخول الهند
ومن أندرابة السابق ذكرها إلى بغلان مرحلتان ومن بغلان إلى سمنجان مرحلتان ومن بغلان إلى بلخ ست مراحل ومدينة بغلان مدينة عامرة حسنة متحضرة ذات أنهار وأشجار وعمارات وقرى كثيرة ومتاجر وخيرات واسعة ومن بغلان إلى الباميان ثلاث مراحل غربا ومدينة الباميان تكون على مقدار ثلث بلخ وهي على رأس جبل الباميان وليس بنواحي الباميان مدينة على جبل سواها وتنحدر من جبلها أنهار ومياه كثيرة تتصل بنهر أندراب
485

ولها سور وقصبة ومسجد جامع وربض كبير لاصق بها ومن مدن الباميان بشغور قند وسكاوند وكابل ولجرا وفروان وغزنة وبشغور قند وسكاوند متقاربتان في الكبر والصفة وبهما عمارات وأسواق وتجارات وخيرات عامة وأما كابل وغزنة والفروان فقد تقدم ذكرها في غير هذا الموضع
والطريق من بلخ إلى الباميان تخرج من بلخ إلى مذر ست مراحل وهي مدينة صغيرة عامرة في مستو من الأرض والجبل يبعد عنها يسيرا ومنها إلى مدينة كه مرحلة وهي مدينة صغيرة متحضرة لها سوق وعمارة ومنبر ومنها إلى الباميان ثلاث مراحل وكذلك من مدينة بلخ إلى بذخشان ثلاث عشرة مرحلة ومن بلخ إلى الطايقان أربع مراحل ومن الطايقان إلى بذخشان سبع مراحل وذكر الحولي في كتابه أن من بلخ إلى اشبورقان ثلاث مراحل ومن اشبورقان إلى الفارياب ثلاث مراحل ومن الفارياب إلى الطالقان ثلاث مراحل ومن الطالقان إلى مرو الروذ ثلاث مراحل وهذه المراحل مراحل صغار وقد ذكرنا فيما تقدم أن لهذه المراحل من الأميال التي بين مرو وبلخ ثلاثمائة وثمانية وأربعين ميلا
ولنرجع الآن إلى مدينة بذخشان فنقول إن مدينة بذخشان مدينة
486

صغيرة ولها رساتيق كثيرة خصبة ولها كروم وأشجار وعيون جارية وعليها سور تراب حصين وبها أسواق وفنادق وحمامات وتجار وأموال متصرفة وهي على نهر جرياب وفي غربيه ونهر جرياب هو معظم نهر جيحون الأعظم وبجبالها دواب كثيرة ونتاج كثير ويجلب منها الخيل والبغال والرماك المنتخبة وترفع منها الحجارة ذوات الجواهر النفيسة التي تشاكل الياقوت الأحمر والرماني وسائر أنواع الحجارة ويجلب منها اللازورد ويستخرج بها منه الشيء الكثير ويحمل إلى سائر أقطار الأرض
فيعمها كثرة ولا شيء يفوقه ويقع إليها المسك من طريق وخان من أرض التبت ومدينة بذخشان هذه تتصل ببلاد القنوج من الهند
وأول كورة على جيحون مما وراء النهر الختل والوخش وهما كورتان غير أنهما مجموعتان في عمل واحد ومكانهما هو بين نهر جرياب ونهر وخشاب وتتصل بالشرق من نهر جرياب بلاد الختل ثم الوخش المقدم ذكرها فمدن الوخش هلاورد ولاوكند ومدن الختل كاربنك وتمليات وهلبك وسكندرة ومنك وأنديجاراغ وفارغر ورستاق بيك والختل أكثره جبال إلا ناحية وخش وأكبر مدينة في الختل منك
487

ومدينة هلاورد مدينة عامرة حسنة فيها أسواق وتجارات وداخل وخارج وكذلك مدينة لاوكند مثلها في الكبر والأسواق والتجارات وأما مدينة هلبك فهي مدينة حسنة البقعة رائعة الرقعة كثيرة البساتين والمتنزهات وبناؤها بالطين والجيار وبها أسواق كثيرة وقوم مياسير والسلطان ينزل بها وبين هلبك ومدينة منك مرحلتان ومدينة منك وسطة في الكبر ولها سور من حجارة وجص ولها عمارة وأسواق وبشر كثير وهلبك أصغر من منك ومنك تليها في الكبر وخان وكران وبهما أسواق وصناعات وعمارة كثيرة وكذلك من معبر آرهن وهي مدينة صغيرة إلى هلاورد مرحلتان ومن المعبر إلى هلبك مرحلتان وكاربنج أيضا مدينة فوق معبر آرهن على نهر جرياب بنحو ثلاثة أميال ومدينة تمليات هي من قنطرة الحجر على اثني عشر ميلا في طريق منك ومن معبر بذخشان إلى طريق منك مرحلتان ومن رستاق بيك تعبر نهر أنديجاراغ ثم تدخلها وبين رستاق بيك وأنديجاراغ مرحلة وأنديجاراغ مدينة كبيرة حسنة الأسواق والمباني كثيرة الخيرات والمنافع ومن أنديجاراغ تعبر نهر فارغر وبينهما يوم ثم تعبر نهر بلبان إلى منك وقد تقدم وصفها ومن الترمذ إلى القواذيان مرحلتان
والقواذيان مدينة أصغر من الترمذ وعليها سور تراب وبها أسواق وتجار مياسير وضياع وفعلة ولها أكوار وقرى عامرة ومنافع وغلات ولها من
488

المدن نودز وهي مدينة أصغر من القواذيان لكنها متحضرة ذات سوق عامر وتجارات وبضائع وبينهما مرحلة ومن القواذيان إلى الصغانيان ثلاث مراحل
والصغانيان مدينة أكبر من الترمذ ولها ربض وعليه سور حصين ومساكنها وشوارعها فساح وأهلها قليلون والترمذ أكثر بشرا وأعظم أموالا وأكثر تصرفا وتجولا وللصغانيان قهندز حصين حسن ولها مسجد جامع وخطبة وفقهاء وطلاب للعلم ولها رستاق وقرى وعمارات متصلة وبها مياه جارية وأنهار تتصل بجريها مع أنهار القواذيان وتجتمع بقرب القواذيان حتى تصل أسفل الترمذ
والطريق من الترمذ إلى الصغانيان أربع مراحل ومن الترمذ إلى جرمنقان مرحلة وجرمنقان مدينة صغيرة ولها رستاق وقرى متصلة ومبان حسنة ولها سوق ومياه جارية ومن جرمنقان إلى صرمنجي مرحلة وهي مدينة صالحة القدر عامرة بالناس والتجار والأسواق والتجارات والصادر والوارد ولها منافع ومنها إلى دار زنجي مرحلة وهي من الأميال أحد وعشرون ميلا وهي مدينة حسنة كاملة المنافع متقنة الأسواق والشوارع ولها رباطات عامرة ومساكن متقنة ولأهلها أموال وتجارات ومن دارزنجي إلى الصغانيان مرحلتان
ومن الصغانيان إلى واشجرد تخرج من الصغانيان إلى نوندك تسعة أميال ثم إلى همواران أحد وعشرون ميلا وبينهما وادي وخشاب وعرضه هناك يكون ثلاثة أميال وأقل من ذلك وأكثر وهمواران مدينة عامرة في غربي النهر متحضرة كثيرة الأهل غزيرة التجار والصنائع والأموال صالحة الأحوال
489

ولها عمارة متصلة وبساتين ومتنزهات ومنها إلى ابان كسوان أربعة وعشرون ميلا وهي قرية كبيرة عامرة ثم منها إلى شومان خمسة عشر ميلا ومدينة شومان متوسطة المقدار كثيرة الساكنين والتجار وبها أسواق قائمة وخيرات دائمة وبناؤها بالطين ولها سور منيع ومن مدينة شومان إلى مدينة أفديان يوم وهي مدينة صغيرة عامرة ومنها إلى واشجرد يوم خفيف وهي خمسة عشر ميلا ومدينة واشجرد جيدة المقدار كثيرة العمارات واسعة التجارات بها مياسير وجلة ومسافرون وفي نساء أهلها جمال وبها صناعات وأحوال صالحة ويرتفع من شومان وواشجرد زعفران كثير يحمل إلى كثير من الآفاق والبلاد البعيدة وهو أجل غلة بواشجرد ويرتفع من القواذيان الكمون والقطن والفوة التي يصنع بها الخمرة ويجتمع بها منها الشيء الكثير ومنها تحمل إلى بلاد الهند وللسلطان فيها سهم ومن واشجرد إلى الجبل الذي يدخل نهر وخشاب تحته ويخرج في ناحيتها مرحلة خفيفة
فمن أراد بلاد الراشت انحرف مع الشرق قليلا وسار من مدينة واشجرد إلى مدينة دربند مرحلة وهي مدينة صغيرة متحضرة بأسواق وعمارات وناس مياسير ومنها إلى مدينة جاركان مرحلة وهي أيضا مدينة تقارب دربند في الكبر وبها ما فيها من الصناع والفعلة والتجارات سواء ومن مدينة جاركان إلى مدينة القلعة مرحلة وهي مدينة عامرة منيعة في آخر الراشت مما يلي الأتراك على جبل عال وهم من الأتراك متحذرون والراشت أقصى خراسان
490

من ذلك الوجه وهي مدينة بين جبلين كان منها مدخل للترك إلى القارة فأغلق الفضل بن يحيى بن خالد بن برمك هناك بابا وجعل عليه من يحرسه ثم تداولت الملوك حراسته إلى الآن
ومما يلي الوخش والختل وخان والشقينة في بلاد الترك وبين وخان والتبت ثمانية عشر يوما وبوخان معادن الفضة التي لا نظير لها في الكثرة والطيب وفي أوديتها ذهب تبر يسيل مع الماء في وقت جري السيول فيجمعونه هناك ويخرجونه إلى البلاد ويقع منها المسك والرقيق والشقينة مدينة من مدائن الأتراك الخرلخية وبينها وبين وخان خمسة أيام وهي تتاخم الوخش
وبجوار مدينة الصغانيان بلاد كثيرة عامرة فمنها مدينة باسند وبينهما مرحلتان وهي مدينة عامرة أقطارها زاهرة وعمارتها متصلة وخيراتها ومرافقها كثيرة ومن الصغانيان إلى بوراب مرحلة بين شرق وجنوب وهي مدينة حسنة كثيرة التجارات والعمارات وأهلها مياسير وبها طرز وصناعات وبين بوراب وباسند مرحلة ومن الصغانيان أيضا إلى ريكدشت ثلاثة أميال وهي مدينة صغيرة ومنها إلى زينور مرحلة شرقا
ومن الترمذ أيضا الطريق إلى بخارا وهي إحدى عشرة مرحلة وذلك أنك تخرج من الترمذ إلى هاشم جرد وهي مدينة صغيرة مرحلة ومنها إلى رباط دارنك ومنها إلى باب الحديد وهي مدينة صغيرة متحضرة ومن باب الحديد
491

إلى كندك مرحلة وكندك مدينة صغيرة متحضرة شبيهة بباب الحديد في الصنائع والأعمال والمتصرفات ومنها إلى الديذكي مرحلة ومنها إلى سوبخ مرحلة وسوبخ أيضا مدينة حسنة نبيلة المباني والأسواق محتوية على منافع ومن سوبخ إلى نسف مرحلة
ومدينة نسف كبيرة في مستو من الأرض لها سور وربض كبير عامر يحيط به السور ولها أربعة أبواب وفي المدينة قهندز ليس بالحصين ولها بالربض مسجد جامع وأسواقها في الربض مجتمعة متصلة بين دار الإمارة والمسجد الجامع وليس لها كثير قرى ونواح والجبال منها على نحو مرحلتين شرقا مما يلي كش ومنها في الجانب الغربي مفازة متصلة بنهر جيجون لا جبل فيها ولها نهر واحد يجري في وسط المدينة ودار الإمارة عليه ويتصل هذا النهر بها من كش فإذا خرج عن المدينة سقى الزارع منها وليس بنسف ورساتيقها ماء جار إلا هذا النهر وينقطع جريه في السنين المحيلة ولهم مياه نابعة جارية تسقي الكثير من بساتينهم ومباقلهم والغالب على مدينة نسف الخصب والسعة والخفض والدعة وبها يجتمع طريق سمرقند بهذه الطريق ولها منبران سوى المدينة ويسمى أحدهما بزدة والثاني كسبة وهما مدينتان صغيرتان عامرتان فيهما مساجد ومنابر وجماعات ومن مدينة نسف إلى مايمرغ مرحلة
492

ومنه إلى ميانكال مرحلة ومنه إلى فراجون مرحلة وهي قرية عامرة ومنها إلى بخارا مرحلة
والطريق أيضا من آمل إلى بخارا تخرج من آمل إلى النهر ثلاثة أميال فتعبر في المراكب إلى مدينة فربر في الضفة الشرقية من النهر وهي مدينة عامرة حسنة المباني ظريفة الشوارع والمسالك ولها زراعات وبساتين وهي في نفسها حصينة ومن فربر إلى مدينة بيكند مرحلة وهو متوسط الطريق إلى بخارا وهي مدينة متوسطة لها عمارات وسوق قائمة ومزارع وغلات ولها سور حصين ومسجد جامع مزخرف بنيانه وقبلته في تزخرفها وحسنها لا يعلم بناء مثلها وهي مدينة منفردة بذاتها ومن بيكند إلى بخارا مرحلة
وبخارا مدينة تشف على المدن كبرا وتزهي على المحاسن نظرا فرجة الأرجاء والجهات كثيرة الأشجار والثمرات وهي مدينة في مستو من الأرض وبناؤها خشب مشبك ويحيط بهذا البناء المشبك من القصور والبساتين والمحال والسكك المفترشة والقرى المتصلة ما يكون طوله ستة وثلاثين ميلا في مثلها ويحيط بها كلها سور يجمع هذه القصور والمساكن والمحال التي تعد من القصبة ويسكنها من يكون من أهل القصبة شتاء وصيفا وداخل هذا السور سور آخر يكون عرضه نحو ثلاثة أميال في مثلها وداخل هذا السور مدينة حسنة
493

متقنة لها سور مجصص ولها قهندز خارج المدينة متصل بها ومقدار هذا القهندز يكون كالمدينة الصغيرة وفيه قلعة ومسكن حسن وقصور يروق الأبصار إطلاعها ويريع الألباب إختراعها وينزلها الولاة من ولد سامان لحسن مصانعها وغرائب اتقانها ووثاقة بنيانها ولمدينة بخارا ربض طويل عريض عامر الديار فسيح المجالات وأكثر أسواقها في هذا الربض وفيها مسجد جامع عديم المثال كثير الاحتفال وموضعه على باب القصبة في المدينة وببخارا من الخلائق ما لا يحصى لهم عدد ولا يحيط بهم خبر وجلة أهلها أملياء أغنياء مياسير أولو أموال طائلة وأحوال صالحة وتجارات واسعة ويشق ربضها نهر الصغد ويخترق أكثر أزقتها وشوارعها وأسواقها وهذا النهر هو فاضل نهر الصغد الجائي إليها من سمرقند ولأهل بخارا عليه طواحين أرحاء عدة وبضفتيه المنازه والبساتين والجنات والحدائق الملتفة الأشجار والمزارع الممتدة ويسقط فاضله في بركة كبيرة في ناحية بيكند وعلى قرب من فربر وتسمى هذه البركة بسامجن وللمدينة سبعة أبواب حديد ولبخارا رساتيق كثيرة وأعمال مشهورة وقرى جليلة وضياع وأكثرها بل كلها تحت الحائط الذي قدمنا ذكره وليس فيما يحيط به هذا الحائط من داخله جبل ولا مفازة ولا أرض غير عامرة وأقرب الجبال إليها جبل وركة وهو حجارة مصفحة ومنه يجلب
494

إلى بخارا الحجر الكثير تفرش به سطوح الدور والفنادق والشوارع وقد يجلب منه طين الأواني وأحجار الجص وقد يحرق ما صغر من حجره فيتخذ منه الجيار للبنيان والسطوح وفي بخارا بساتين وجنات يأتي منها ألوان الفواكه التي لا يعدلها شيء من الفواكه
ولبخارا عدة مدن في داخل حائطها وفي خارجه فأما المدن التي في داخل الحائط فالطواويس وهي أكبر منبرا في هذه الناحية وبمجكث وزندنة ومغكان وخجادة وهذه كلها من داخل الحائط وأما المدن التي هي خارج الحائط فمنها بيكند وفربر وكرمينية وخديمنكن وخرغانكث ومذيامجكث وأكبر هذه المدن المذكورة الطواويس وهي مدينة عامرة لها سوق في وقت من السنة معلوم ويقصد إليه الناس والتجار من جميع أرض خراسان للبيع والشراء ويجلب إليه كثير من الأمتعة ويحمل منه الثياب المتخذة من القطن إلى سائر أرض العراق لكثرتها وبها صناعات وطرز لاتخاذ هذه الثياب وبها فواكه
495

مختلفة الأجناس وبساتينها كثيرة ومرافقها موجودة والمياه تخترق طرقها وهي حصينة وفيها قهندز وسور يدور بها ومسجدها الجامع في المدينة ومنها إلى بخارا مرحلة وهي سبعة وعشرون ميلا وبمجكث مدينة أصغر من الطواويس وهي عامرة متحضرة ولها سور تراب وصناعات كثيرة ولها بساتين وجنات وعمارة متصلة وبمجكث في شمال بخارا وبينهما أربعة وعشرون ميلا وزندنة أيضا تشبه مدينة بمجكث في حالها وعمارة قطرها ولها مياه جارية وبساتين وفواكه وهي على شمال المدينة على اثني عشر ميلا وبينها وبين الطريق نحو ميل ونصف ومغكان أيضا كذلك مدينة صغيرة فيها أسواق وتجارات قائمة بذاتها ولها بساتين وعمارتها متصلة وهي على يمين طريق بيكند وتنحرف عن الطريق نحو تسعة أميال وخجادة أيضا مثل هذه المدينة قدرا وكبرا ولها أسواق وعمارات متصلة وهي عن يمين الذاهب من بخارا إلى بيكند على تسعة أميال وبينها وبين الطريق نحو ثلاثة أميال ومن الطواويس إلى كرمينية مرحلة في طريق سمرقند وكرمينية مدينة أكبر من الطواويس وأعمر وأكثر خلقا وأخصب أرضا
وأكثر فواكه وألطف هواء ولها مسجد جامع ومنبر ولها قرى كثيرة ومن كرمينية إلى خديمنكن ثلاثة أميال مما يلي بلاد الصغد وبين خديمنكن وطريق سمرقند غلوة سهم على يسار الذاهب إلى سمرقند ومدينة مذيامجكث خلف وادي الصغد أعلى من خديمنكن بمقدار ثلاثة
496

أميال وهذه البلاد تتقارب أقدارها كبرا ويتوازى عمارها بشرا وفي كل واحدة منها مسجد ومنبر وخطبة قائمة وخرغانكث بحذاء كرمينية وعلى ثلاثة أميال من وراء الوادي
ويتصل ببخارا من شرقيها مع الجنوب أرض الصغد وأولها إذا جزت كرمينية سرت إلى الدبوسية مشرقا مرحلة وهي من الأميال أربعة وعشرون ميلا والدبوسية مدينة حسنة كثيرة البساتين والثمار ولها قرى ومزارع وعمارات حسنة ولها سور تراب وبها مياه جارية ومن الدبوسية إلى أربنجن مرحلة خفيفة وهي من الأميال خمسة عشر ميلا وأربنجن مدينة متوسطة المقدار فيها أسواق وعمارات وتجارات وصنائع وأحوال حسنة ولها مزارع متصلة وبساتين ومنها إلى زرمان ثمانية عشر ميلا ومن زرمان إلى قصر علقمة خمسة عشر ميلا ومنها إلى سمرقند ستة أميال
ومدينة سمرقند مدينة حسنة كبيرة على جنوبي وادي الصغد وقصبة الصغد سمرقند وهي مدينة لها شوارع ومجالات متسعة ومبان وقصور سامية وفنادق وحمامات وخانات وعليها سور تراب منيع يطيف بها خندق وهي كثيرة الخصب والنعم والفواكه ولها أربعة أبواب ويدخل المدينة ماء جلب إليها على جهة الجنوب على باب كش وهو نهر قد بني له قنطرة عالية على الأرض في بعض المواضع إلى أن يدخل المدينة ويشق أسواقها ويعم أكثر قصور المدينة ولهذا النهر حفظة وحراس ونظر بالغ لئلا يصل إليه شيء من الفساد ولها قهندز حسن حصين والمسجد الجامع فيها في المدينة أسفل القهندز
497

وبينهما عرض المحجة الشارعة وفي المدينة ديار كثيرة عامرة وقصور شامخة وقليلا ما يكون منها قصر ولا دار كبيرة إلا ويكون فيها بستان وأشجار ومياه متدفقة والولاة كانت تنزل قبل هذا بسمرقند إلى أن تحولت الولاة إلى بخارا وسمرقند في وقتنا هذا أكثرها خراب وقد صارت عمارتها منتقلة إلى بخارا بسبب الرياسة التي فيها وفيما حكاه أهل الخبر أن مدينة سمرقند إبتدأ بناءها تبع الأكبر واستتم ذلك ذو القرنين وسمرقند مجتمع رقيق ما وراء النهر
ونهر الصغد الذي يصل إلى سمرقند وينفذ منها إلى بخارا أصل منبعه من جبل البتم على ظهر الصغانيان وينزل في أول من أعين تطرد من جبل البتم وتجتمع في منقع يسمى بورغسر ومنه تتشعب أنهار سمرقند كلها ومعظم الوادي يصل سمرقند ومن هذه الأنهار في جهة المشرق عند مفارقة ورغسر نهر برش ثم من أسفله يخرج نهر بارمش ثم نهر بشمين فأما نهر برش فإنه يمر ويمتد على ظهر سمرقند ومنه أنهار المدينة والحائط والقرى التي تتصل بها من مبدئه إلى منتهاه وأما نهر بارمش فإنه يحاذي هذا النهر من جهة الجنوب ومقدار جريه يوم وعليه عمارات متصلة وقرى عامرة من أوله إلى آخره وأما نهر بشمين فإنه يلي نهر بارمش مما يلي الجنوب وعليه (من) القرى والعمارات نحو ما على نهر بارمش وأكبر هذه الأنهار نهر برش ونهر بارمش
498

لأن السفن تجري فيهما وتتشعب من هذين النهرين أنهار عدة ويتصل بمنقع ورغسر إلى آخره حيث يخرج نهر بارمش رستاق يسمى برستاق الدرغم وطوله يكون ثلاثين ميلا وعرضه في أوسع موضع اثنا عشر ميلا وفي أضيق موضع ثلاثة أميال ويخرج من هذا النهر الوارد إلى سمرقند على مقربة منها وبأعلاها ثلاثة أنهار منها نهر بوزماجن يخرج عن النهر في جهة المشرق فيسقي رساتيق تلك الناحية إلى أن يتصل برستاق ويذار ومنها نهر اشتيخن ولا ينتفع بشيء منه عند خروجه إلى أن يمر له من مبدئه نحو اثني عشر ميلا ثم يتشعب منه خليجان فيسقي مقدار سبعة وعشرين ميلا حتى ينتهي إلى اشتيخن فيسقيها ويعم رساتيقها وهو أعظم هذه الأنهار ويتشعب أسفل هذا النهر نهر كينجكث فيمر هناك بقرى ودساكر فيسقي رستاق كينجكث ورستاق المرزبان وغير ذلك إلى أن ينتهي إلى الكشانية ويجاوزها إلى حدود حائط بخارا ومع ما يخرج من هذه الأنهار من نهر الصغد تصل فضلته بل أكثره إلى سمرقند فيجتاز منه تحت قنطرة جيرد على باب سمرقند الماء الكثير العمق الواسع العرض ويزيد ماؤه عند نزول الثلوج بجبال البتم وأشروسنة
ولمدينة سمرقند عدة رساتيق ومن مدنها المنسوبة إليها الدبوسية وأربنجن وكش ونسف واباركث وويذار واشتيخن والكشانية وبنجيكث وخرغانكث وفرنكث وكبوذنجكث
499

والطريق من سمرقند على طريق بلخ من مدينة سمرقند إلى مدينة كش مرحلتان وكش مدينة جليلة كثيرة الأهل عامرة بالناس والتجار ولها ربضان وعليها سور ولها مسجد جامع وقهندز غير حصين وطولها نحو من تسعة أميال في مثلها وبناؤها بالطين والخشب ولها فواكه كثيرة يحمل فاضلها إلى سمرقند وبخارا وهي وبيئة وللمدينة الداخلية أربعة أبواب خشب مصفحة بالحديد ولها نهران كبيران أحدهما يعرف بنهر القصارين ويخرج من جبال سيام ويجري في جنوبي المدينة والثاني نهر اسروذ يخرج من رستاق كشك وجريه على شمال المدينة وتمده أنهار صغار فتجتمع فضول هذه المياه كلها حتى تصل إلى نسف ويرتفع من مدينة كش من الملح الذراني المعدني ما يحمل إلى سائر الآفاق ويقع بجبالها الترنجبين كثيرا
ولمدينة كش أيضا مدن كثيرة منها نوقد قريش وسوبخ من رستاق خزار واسكيفغن ونوقد قريش مدينة صغيرة متحضرة ذات سور وعمارة كافية ومنها إلى كش مرحلة خفيفة ومن نوقد قريش إلى سوبخ مرحلة وهي مدينة متحضرة قائمة بما فيها وعليها سور تراب ولها عمارات متصلة ومن سوبخ إلى نسف مرحلة ونوقد قريش (على) يسار الطريق من كش إلى نسف واسكيفغن على ثلاثة أميال من سوبخ وسوبخ أقرب إلى اسكيفغن من
500

نسف ومن نسف إلى مدينة بزدة ثمانية عشر ميلا وكذلك من نسف إلى كسبة وهي مدينة صغيرة اثنا عشر ميلا وهما من بلاد نسف وقد ذكرنا نسف وما هي في ذاتها قبل هذا بحيث لا يجب لنا إعادة ذلك ومن كش إلى نسف ثلاث مراحل ومن كش إلى الصغانيان ست مراحل وكذلك الذي بين بخارا وسمرقند مائة ميل وأحد عشر ميلا
ومن سمرقند في جهة المشرق إلى اباركث مرحلة وهي أحد وعشرون ميلا واباركث مدينة متاخمة لأشروسنة صغيرة لا منبر بها ومنها إلى مدينة ويذار مرحلة خفيفة ومدينة ويذار مدينة حسنة جليلة متحضرة متوسطة القدر ويعمل بها الثياب الويذارية المنسوبة إليها وهي قطن حسن الصنعة غريبة المثال تلبس خاما غير مقصورة وليس
بخراسان أمير ولا وزير ولا قاض إلا وهو يلبسها ظاهرة على ملابسه في الشتاء وجمالهم بها ظاهر وزينتهم بها فاشية لأنها ثياب يميل لونها إلى صفرة الزعفران لينة اللمس صفاق جدا ترفه ويعمر الثوب منها كثيرا ويستخدم المدة الطويلة ويبلغ ثمن الثوب منها من ثلاثة دنانير إلى عشرين دينارا على قدر جودته أو رداءته وهي ثياب تفوق الثياب في جودتها وصحة عملها وحسن صنعتها ولها رساتيق وأعمال متصلة ويتصل ببعض رساتيقها رستاق المرزبان وبين مدينة ويذار ومدينة سمرقند ستة أميال
501

ومن رساتيق سمرقند بنجكيث وبها منبر وهي مدينة عامرة حسنة البقعة ولها رستاق كبير ينسب إليها وهو في نهاية من الخصب وبينها وبين سمرقند سبعة وعشرون ميلا وفيما بين بنجيكث وسمرقند مدينة ورغسر وهي مدينة صغيرة كثيرة المتنزهات غزيرة الفواكه ولها رستاق يخرج إليه خليج من نهر سمرقند فيسقي جميع مزارعه وغلاته وبينه وبين سمرقند اثنا عشر ميلا ويلي بنجيكث جبال الشاوذار وهي فجاج ذات أنهار جارية تسقي ضياعا ومزارع وبقفارها صيود عدة أجناس وبين الشاوذار وورغسر فيما يلي سمرقند رستاق مايمرغ ورستاق سنجرفغن وهذه كلها رساتيق مشتبكه الأشجار كثيرة القرى عذبة المياه ومن سمرقند أيضا إلى كبوذنجكث ستة أميال وكبوذنجكث مدينة حسنة البقعة كثيرة الخصب طيبة المزارع
ومن سمرقند إلى اشتيخن أحد وعشرون ميلا على شمال سمرقند ومن اشتيخن إلى الكشانية مرحلة ومن الكشانية إلى اربنجن مرحلة واربنجن في شمال نهر الصغد على طريق سمرقند أسفل من بخارا والكشانية أيضا في شمال النهر
502

ومدينة اشتيخن مدينة مفردة على غاية النزهة وكثرة البساتين ولها قرى وزروع ومتنزهات وفرج وسعة أرجاء وحسن مبان ولها قهندز حسن وشرب أهلها من مياه الأنهار والعيون المطردة ولها ربض كبير عامر آهل ومنها إلى الكشانية سبعة وعشرون ميلا وهي أيضا من مدن الصغد وهي واشتيخن متقاربتان في الكبر غير أن قصبة الكشانية أكبرهما وأوفرهما جباية وأعمهما خلقا واشتيخن أكثر رساتيق أيضا وأعمر أرضا لأن حد اشتيخن من ظهر جبل ساغرج إلى حد الكشانية وذلك مقداره مرحلتان وكلاهما من شمال وادي الصغد والدبوسية واربنجن فإنهما من جنوب الوادي على جادة طريق خراسان وفي الغرب من مدينة الكشانية مدينة خرغانكث على مرحلة وهي تتاخم حائط بخارا من جهة الشمال وهي مدينة صغيرة طيبة الثرى معتدلة الهواء حسنة البناء كثيرة الفواكه غزيرة العمارة والزروع
ومن مدينة سمرقند إلى مدينة بونجكث مرحلة وهي من بلاد أشروسنة وأشروسنة اسم لأرض كما أن العراق اسم أرض والشام مثله وكذلك الصغد وفرغانة والشاش هذه كلها أسماء أرضين ولكل أرض منها عدة بلاد وليس
503

بإقليم أشروسنة مدينة اسمها أشروسنة وإنما هي اسم الأرض والذي يطوف بها من إقليم ما وراء النهر فمن شرقيها بعض فرغانة وفامر ومن غربيها حدود خراسان وشمالها بلاد الشاش وبعض فرغانة وجنوبها شومان وواشجرد والراشت وأعظم مدنها بونجكث وهي مدينة كبيرة لها ربض كبير وعليها سور وعلى ربضها أيضا مثل ذلك وبها مسجد جامع وحلقات علم وبناؤها بالطين وسقوفهم خشب ولها قهندز ولها بالمدينة أسواق عامرة وتجارات قائمة ومكاسب دائرة وصنائع منصرفة ولها بساتين وكروم وزروع كثيرة ويجري فيها نهر عليه رحى يطحن بها ولها مدن كثيرة منها خرقانة وأرسيانيكث وهي على حدود فرغانة وعلى سبعة وعشرين ميلا من بونجكث ومن مدنها فغكث وهي على اثني عشر ميلا من المدينة في طريق خجندة وغزق وبين خجدة وغزق ثمانية عشر ميلا وبين غزق وفغكث ستة ميال وديزك ومرسمندة وخرقانة وزامين وكل هذه البلاد مشهورة
فأما مدينة خرقانة فإنها مدينة جليلة صغيرة متحضرة ولها سوق وعمارة
504

وافرة ومنها إلى سمرقند سبعة وعشرون ميلا وكذلك من خرقانة أيضا إلى زامين سبعة وعشرون ميلا وزامين في طريق فرغانة من سمرقند وهي مدينة عامرة القطر كثيرة البشر حصينة لها سور وخندق وارزاق كثيرة ومنها غربا إلى اباركث تسعة وثلاثون ميلا ومن اباركث إلى سمرقند اثنا عشر ميلا وهي مرحلة خفيفة ومن خرقانة إلى ديزك خمسة عشر ميلا وديزك مدينة في السهل ولها رستاق ويعرف بفكنان وهي في شمال أشروسنة وبها يرابط أهل سمرقند ولها برك ماء جار وبساتين وعمارات ومن زامين إلى خجندة مشرقا على طريق خاوس وكركث فمن زامين إلى كركث تسعة وثلاثون ميلا عن يسار الذاهب إلى فرغانة ومن خرقانة إلى أرسيانيكث على حدود فرغانة سبعة وعشرون ميلا وأرسيانيكث مدينة جليلة المقدار صغيرة حسنة البنيان والأسواق والديار ولها بساتين وعمارة وهي من بونجكث على سبعة وعشرين ميلا ومن بونجكث إلى فغكث تسعة أميال وهي مدينة صغيرة لها سوق ولا منبر لها ومن فغكث إلى غزق وهي قرية عامرة تجارية ستة أميال ومن غزق إلى خجندة ثمانية عشر ميلا
ومدينة خجندة متاخمة لفرغانة وهي مدينة حسنة عامرة كثيرة الأهل قائمة الأسواق فيها صنائع وجمل بضائع وأهلها مياسير وهي على غربي نهر الشاش لكنها منفردة في أعمالها وبها مزارع مشتبكة وخيرات وافرة ويلي مدينة بونجكث المتقدم ذكرها مدينة مرسمندة وهي حسنة البقعة جليلة المساكن كثيرة الخيرات وليس لها بساتين ولا كروم والأشجار بها قليلة لكثرة البرد
505

ولها سوق في رأس كل شهر مرة مشهود يأتي إليه أهل تلك النواحي للبيع والشراء وهي سوق مشهورة وبين مرسمندة ونوجكث يومان وبين مرسمندة وحصن مينك مرحلة كبيرة وخرقانة وزامين وساباط هي كلها على طريق فرغانة إلى الشاش
ويتصل بجنوب هذه البلاد أرض البتم وهي جبال شاهقة منيعة وطرقها متعذرة وفي هذه الجبال حصون منيعة وقرى عامرة وأغنام وأبقار وخيل وفيها معادن الذهب والفضة والزاج والنشاذر وفي جوانب هذا الجبل كوى كثيرة متفرقة يخرج منها بخار يشبه بالنهار الدخان وبالليل كالنار فيكون منه النشاذر الذي لا يعدله نشاذر والبتم ثلاث جهات أول ووسط وطرف ومياه الصغد كلها تجري من الجهة الوسطى من البتم بمكان يعرف بمجى وجريه نحو تسعين ميلا ويجري هذا الماء إلى برغر ثم إلى
بونجكث ثم إلى سمرقند وتخرج من مسخا مياه فتقع في برغر وتروي برغر وتختلط بماء سمرقند ونهر الصغانيان ونهر فرغانة في ظهر مسخا من قرب مجى وهو المومضع الذي قلنا إن منه يخرج نهر سمرقند ومينك حصن بشمال جبال البتم حصين منيع فرج البقعة مخضر الجوانب كثير الخيرات وبناحية مينك ومرسمندة تتخذ آلات الحديد التي تعم بلاد خراسان وما جاورها ويتحهز منها إلى أرض فارس والعراق
506

ويتلو شرقي هذه البلاد بعض بلاد فرغانة وهي بلاد كثيرة منها نسيا العليا وهي أول كورة إذا دخلت إليها من ناحية خجندة ومن مدنها وانكث وسوخ وخواكند ورشتان ونسيا السفلى أيضا ومن مدنها مرغينان واندكان وزندرامش ونجرنك واشتيقان وهلى وهاتان الكورتان سهول ومروج لا جبال فيها ومنها اسبرة وهي جبلية سهلية ومن مدنها طماخش وبامكاخش وقبا وهي من أنزه بلاد فرغانة وقدرها مثل قدر أخسيكث وهي مدينة عالية الأسوار حسنة الأقطار كثيرة التجار والعمار والمتجولين والسفار كثيرة البركات جامعة لأنواع الخيرات ولها ربض عامر كبير وأسواق هذه المدينة في ربضها ويحيط بالربض والمدينة سور حسن ولها مياه جارية كثيرة وعلى تلك المياه بساتين وجنات وحدائق مؤنقات وأبنية ومتنزهات ولها رستاق كبير عامر فيه قرى كثيرة تتصل بنهر الشاش وذلك مقدار مرحلة ومدينة قبا بناها أنوشروان ووصل إليها من كل بيت قوما وسماها ازهرخانة أي من كل بيت
وخجندة من فرغانة وهي على نهر يأتي من الجنوب وبين قبا وخجندة سبعة وخمسون ميلا ومن باخسان إلى قبا ثلاثون ميلا ومن قبا إلى مدينة سوخ مرحلتان وهي خمسة وأربعون ميلا ومدينة سوخ مدينة متنحية عن الطرق
507

منفردة بذاها ولها ستون قرية في رستاق وهي عامرة كثيرة الخيرات ويرتفع منها الزئبق ومن سوخ أيضا إلى رشتان مرحلة ومن رشتان إلى قبا مرحلتان خفيفتان وهي مدينة حسنة ومن قبا إلى اوش مرحلة كبيرة وهي ثلاثون ميلا
ومدينة اوش حسنة البقعة على ضفة نهر يعرف بها ولها ربض كبير عليه سور حصين متصل بسور المدينة ولها قهندز حصين وأسواق جامعة وهي في ذاتها على قدر قبا كبرا ولها ثلاثة أبواب من حديد محصنة ومدينة اوش ملاصقة للجبل المجاور للأتراك التبتية ولأهل المدينة على هذا الجبل مرقب للأتراك يحرس مغانيهم ومن مدينة أوش إلى مدينة اوزكند وهي آخر مدن فرغانة مما يلي دار الأتراك شرقا مرحلة وهي مدينة كبيرة عامرة بالناس وفيها أجناد ولأهلها حزم ومنعة وعزة أنفس ولها قرى كثيرة وليس في عملها مدينة غيرها ويقرب منها كاسان شمالا وهي مدينة حسنة كثيرة الخصب والعمارات وهي خصبة حصينة وكاسان اسم للمدينة واسم الناحية أيضا ولها قرى كثيرة وجملة ما من فربر على نهر جيحون إلى اوزكند أربع وعشرون مرحلة
وتتصل بهذه الكورة في جهة الشمال كورة ميان روذان وهي قرى كثيرة ومدينتها خيلام وسنذكر هذه الكورة فيما يأتي بعد إن شاء الله ومن مدينة
508

اوزكند إلى العقبة من الجبل الكبير يوم ومن العقبة إلى مدينة اطباش مسيرة يوم ومن اطباش إلى التبت سبع مراحل بين شرق وجنوب واطباش على رأس جبل منيع ممتنع ممن قصده ولأهله عدة واستعداد وحزم وجلادة وفيما ذكرناه من أوصاف بلاد هذا الجزء ما فيه كفاية والحمد لله على ذلك كثيرا
نج الجزء الثامن من الإقليم الثالث ويتلوه الجزء التاسع إن شاء الله
509

الجزء التاسع
إن هذا الجزء التاسع من الإقليم الثالث تضمن أرض التبت وبعض أرض التغزغز وبعض أرض الخرلخية
وفي أرض التبت من القواعد المشهورة مدينة التبت والثينخ ووخان والشقينة وبروان وأوج ورمحاخ وذالخوا
ومن بلاد خاقان التغزغز مدينة خاقان وتسمى تنتبغ ومدينة ماشه وجرمق وباخوان
ومن مدن الصين الخارجة كجا ودارخون
ومن بلاد الخرلخية برسخان العليا ونواكت وبها بحيرات مياه عذبة وأودية جارية ومرابع ومصايف للأ تراك ونريد أن نأتي بمواضع بلادها على مسافاتها وحدود أرضها ونتكلم في ذلك بما صح
510

ذكره في الكتب المصنفة على الأخبار الصحاح من كلام الأتراك الذين سلكوا تلك الأرضين وجاوزوها وأخبروا أيضا عنها
فنقول إن بلاد الصين الخارجة يليها مما يلي البحر الشرقي من بلاد التغزغز ويلي بلاد التغزغز مما يلي بلاد فرغانة بلاد التبت وأرض التبت تجاور الصين وبعض بلاد الهند ويتصل بها من جانب الشمال أرض الخرلخية وفي شرقيها بلاد التغزغز
ومدينتها العظمى المسماة تنتبغ لها اثنا عشر بابا من حديد وأهلها زنادقة ومن الأتراك التغزغزية قوم مجوس يعبدون النار والملك خاقان التغزغز مقيم في مدينة تنتبغ وهي مدينة عظيمة عليها سور منيع وهي على نهر كبير يجري إلى جهة المشرق ومن هذه المدينة إلى برسخان العليا من الأرض المجاورة لفرغانة مسيرة شهرين وتتصل أرض التغزغز إلى البحر الشرقي المظلم
ومن مدينة تنتبغ إلى مدينة باخوان بين غرب وشمال اثنا عشر يوما وهي مدينة من عمالة التغزغز وفيها ملك من أهل خاقان التغزغز له أجناد وحفظة وحصون وعمالة وهي ذات سور حصين وفيها أسواق يصنع بها
511

من الحديد كل غريبة وكذلك من جميع الصنائع من أنواع العود والفخار وغير ذلك وهذه المدينة على ضفة نهر جار إلى جهة المشرق وحول هذه المدينة مزارع ومرابع للأتراك ومياه ينزلون عليها وينتقلون عنها ومن هذه المدينة تخرج أكثر مصنوعات الحديد إلى أرض التبت وأرض الصين وبجبال هذه المدينة دواب المسك وهي غير برية
وقد ذكرنا أحوالها وكيف تكون المسك في أطباعها في ذكر الإقليم الثاني ولا حاجة بنا إلى ذكر ذلك الآن
ومن مدينة باخوان إلى مدينة جرمق أربع مراحل بين قرى ومزارع وعمارة متصلة وهي منها بين جنوب وميل إلى غرب ومدينة جرمق مدينة صالحة القدر خصيبة لها سوران من تراب وبينهما خندق له عمق كثير وسعة هذا الخندق مقدار سبعين خطوة ولها أربعة أبواب حديد وليس بها سوق إلا ما كان من صناعات الأسلحة لا غير وواليها يسكنها ومعه عدة خيل ورجل وهو يحرس جانبه من الملوك التبتية
ومن باخوان إلى مدينة التبت أربعة عشر يوما
ومن جرمق أيضا إلى مدينة برسخان العليا عشر مراحل
ومدينة التبت مدينة كبيرة وأرضها منسوبة إليها وهي بلاد الأتراك التبتية وأهلها قوم يداخلون أهل فرغانة والبتم وأرض وخان ويسافرون إلى أكثر هذه البلاد ويتجهزون بالحديد والفضة والحجارة الملونة والجلود النمرية والمسك التبتي المنسوب إليها وهي مدينة على نشز عال وفي أسفلها واد يمر
512

إلى بحيرة بروان جنوبا ولها سور منيع وملكها ينزل فيها وهو ملك معد بالرجال والخيل والتجافيف وبها صناعات كثيرة ويتجهز منها بثياب تصنع فيها غلاظ الأجرام خشنة لدنة يباع الثوب منها بدنانير كثيرة لأنها حرير في قزي ويتجهز منها أيضا بالرقيق والمسك أكثر إلى بلاد فرغانة وإلى بلاد الهند وليس على معمور الأرض أحسن ألوانا ولا أرق بشرا ولا أجمل خلقا ولا أنعم أبدانا من رقيق الترك والترك يسرق بعضهم أبناء بعض ويبيعونهم من التجار وقد يبلغ ثمن الجارية منهم ثلاثمائة دينار فما فوقها
وأرض التغزغز هي بني التبت والصين ويجاورها من جهة الشمال الخرخيز
ومن بلاد التبت المدينة المسماة بثينخ وهي متوسطة الكبر في رأس جبل منيع وعليها سور حجارة حصين ولها باب واحد وبها صناعات للترك وأعمال وتجارات كثيرة مع من جاورهم ويسافر إليهم من أرض كابل وأرض وخان وأرض الختل والوخش ومن بلاد الراشت ويجلب منها الحديد المنسوب إلى التبت والمسك ويحكى أن في هذا الجبل المتصل بثينخ ينبت السنبل كثيرا وفي غياضه دواب المسك كثيرا ورعي هذه الدواب غض نبات السنبل وتشرب من ماء الوادي الجاري إلى ثينخ فيكون عن غذائها
513

هذا المسك وفي هذا الجبل كهف بعيد القعر يسمع في أصله خرير ماء جار ولا يدرك لهذه الهوة من هذا الكهف قعر البتة وصوت الماء وخريره مسموع سماعا فاشيا ولا يعلم حقيقة ما هو إلا الله وحده وينبت بهذا الجبل كثيرا نبات الراوند الصيني وهو به كثيرا ومنها يتجهز به إلى كثير من الآفاق ويتصل بالمشرق والمغرب ويباع بها وهو معروف ويسمى نهر ثينخ نهر شرماخ
ومن ثينخ في جهة الشرق إلى بحيرة بروان خمس مراحل في قرى وغياض للترك التبتية وبها قلاع وحصون منيعة وبحيرة بروان كبيرة يكون طولها أربعين فرسخا وعرضها اثنان وسبعون ميلا وماؤها حلو وبها سمك كثير ويصيده أهل بروان وأهل أوج وبروان وأوج مدينتان من أرض التبت على ضفة هذه البحيرة وبين أوج وبروان مسافة اثني عشر فرسخا سندية وهي خمسة أميال وبروان وأوج قدرهما في الكبر سواء وهما في تلول على ضفة البحيرة ومنها شرب أهلهما وهما بلدان قائمان بأنفسهما وبهما أسواق وصناعات تكفيهما ولا يحتاجان مع ما فيهما من ذلك إلى ما في غيرهما من صنائع البلاد وتصب في بحيرة بروان أنهار كثيرة كبار في كل جهة منها
وعلى مقربة من مدينة بروان وأوج وفي جنوبهما جبل معطوف على هيئة الدال لا يصل أحد إلى أعلاه إلا عن جهد وطرفاه يتصلان بجبال الهند وفي بحبوحته أرض وطيئة وفيها قصر مبني مربع لا باب له فمن قصده أو مشى نحوه وجد في نفسه فرحا وطربا مثل ما يجده شارب الخمر
514

ويقال إن من تعلق بهذا القصر وصعد إلى أعلاه لم يزل ضاحكا ثم يرمي بنفسه إلى داخل القصر فلا يرى وأظن أن هذا كلام مصنوع وليس بصحيح لكنه خبر مستفيض شائع في الناس
ومدينة كجا من أرض الصين وخارجة عن الجبال المكتنفة للصين وهي مدينة عامرة ليست بكبيرة وفيها تجارات وعمارات كثيرة
وكذلك من مدينة أوج إلى كجا عشر مراحل بسير الإبل
وبالشرقي من كجا مدينة دارخون وهي مدينة متوسطة القدر من بلاد الصين وهي آخر عمالة الصين في جهة الشمال وتتصل بها عمارات أرض الأتراك التغزغزية
وأما مدينة أطباش فإنها على جبل منيع متحذرة من الأتراك ومنها إلى التبت عشر مراحل وكذلك من أطباش إلى برسخان العليا ستة أيام في أرض الترك
وبرسخان العليا مدينة من بلاد الأتراك حصينة لها سوران منيعان وإليها يلجأ أكثر الأتراك الساكنين هتاك فيما يحتاجون إليه من حوائجهم
ومن برسخان إلى نواكت في ثغور أرض الخرلخية نحو عشر مراحل بسير القوافل ولبريد التراك خمس مراحل وسنأتي على أكثر ذلك بعد هذا بحول الله
515

وأما مدينة ماشه فمنها إلى خاقان التغزغز خمسة أيام وماشه من بلاد خاقان التغزغز وهي مدينة عامرة وفيها صناعات كثيرة ومن ماشه إلى باخوان ثمانية أيام غربا وهذه جملة ما في هذا الجزء التاسع من هذا الإقليم والحمد لله كثيرا
نجز الجزء التاسع من الإقليم الثالث والحمد لله ويتلوه الجزء العاشر منه إن شاء الله
516

الجزء العاشر
إن هذا الجزء العاشر من الإقليم الثالث وهو آخره من جهة المشرق تضمن جزءا من بلاد الصين في جنوبه وهناك للصين أربع مدن إحداها سطرويا والثلاث منها خفيت أسماءها وفي هذا الجزء قطعة وسطى من بلاد التغزغزيه وفيها من بلادها ثلاثة وفيها من بلاد خرخيز قطعة كبيرة وأهلها يجاورون البحر ولهم في هذا الجزء أربع مدن عامرة
ونحن نريد أن نكمل أوصافها ونذكر ما هي عليه في حالاتها وهيئاتها ونصف مسافاتها إن شاء الله فنقول إن بلاد التغزغز قد ذكرنا حدها فيما تقدم قبل هذا ويتصل بها في جهة المشرق بلاد خرخيز مما يلي البحر الصيني وحد الصين فوقها في جهة الجنوب ويتصل بهم في جهة الشمال بلاد الكيماكية
وجميع بلاد الأتراك تكون خلف النهر وفي أقصى بلاد فرغانة والشاش والطران وهم أمم لا يحصى لهم عدد لكثرتهم ولهم رؤوس يرجعون إليهم ويقومون بحمايتهم والنظر في مشكلات أمورهم
وهم ظواعن رحالة منتقلون من مكان إلى مكان يطلبون الخصب حيث
517

عرفوا به وهم أصحاب إبل وأغنام وأبقار كثيرة وبيوتهم شعر مثل بيوت العرب لايقيمون في مكان بل هم مع الدهر منتقلون متحولون من موضع إلى موضع آخر ولهم حرث وحصاد وزرع وعندهم السمن والزبد والألبان كثيرة وينتجون الخيل كثيرا ويأكلون لحومها ولا يفضلون على طعامها شيئا من اللحوم
وملوكهم أهل عدة وشكة واحتفال ونظر وحزم وعدالة قائمة وسير حسنة ولهم قلوب جافية وطباع غليظة غشيمة
والترك أصناف عدة فمنهم التبتية والتغزغزية والخرخيزية والكيماكية والخرلخية والجقر والبجاناك والتركش وأذكش وخفشاخ والخلج والغزية وبلغارية وكلها من خلف النهر إلى جانب البحر الشرقي المظلم
وأهلها متمذهبون بمذاهب شتى وهم يغزون المسلمين والأتراك المسلمون الذين بلغهم الإسلام وأسلموا يغزونهم ويسبونهم وجميع من وراء النهر من المسلمين يبلغهم النفير والإنذار بالعدو لكنهم أهل جلادة ونجدة وعزة وقوة ومنعة لا يهابون الترك بوجه ولا سبب فأما مدينة خاقان الخرلخية فإن فيها مصلحة للمسلمين ومصلحة للأتراك
وجميع مداين الترك الذين ذكرناهم على ما حكاه أبو القاسم عبيد الله بن خرداذبة في كتابه إنها ست عشرة مدينة معمورة وهي بلاد عامرة عليها أسوار ولها حصون مانعة وما منها شيء إلا على جبل حصين منيع ولهم
518

مزارع الحبوب ويتجهز منها بالجلود النمرية والسنجاب والببر والحديد والمسك والرقيق والحرير
فأما بلاد الصين التي تجاور بلاد التغزغز فإن فيها ملوكا من ملوك الصين لهم أجناد وعدد وأموال طائلة وحزم وجلادة على مكابدة الترك وغزوهم ومنعهم من أذية ديارهم وأهل الصين في هذه الجهة زيهم زي الأتراك من اللباس والركوب وآلات الحروب وعندهم الفيلة الكثيرة يصادرون بها في صدور مواكبهم
والأتراك يهابون سطوتهم ويخافون شوكتهم فيمسكون عن أذية بلادهم ويحملون إلى الصين كثيرا مما عندهم من الصناعات والصوف والسمن والعسل وكثيرا من السلاح والشكة مثل الدروع والجواشن والأتراس والمقامع والثياب والمسك ونحو ذلك مما يحتاجون إليه ويتصرفون فيه وأهل الصين يهادونهم بسبب ذلك ويرفعون عن غزوهم لكنهم غير متغافلين في جانبهم
وأما بلاد خرخيز فبلاد كثيرة الخصب والمسافر ومياههم كثيرة وبها أنهار جارية تجري إليهم من ناحية تخوم الصين وأعظم أنهارهم نهر يسمى منخاز وهو كثير الماء عظيم الجري وجريه على الأحجار وقليلا ما يكون فيه الماء راكدا كالعادة في سائر الأودية
ولهم عليه أرحاء يطحنون بها الأرز والحنطة وسائر الحبوب كذلك يطحنونها ويخبزونها وقد يأكلونها طبيخا دون طحن وهم يتقوتون بذلك
وهذا الوادي ينبت على حافاته شجر العود والقسط الحلو وفيه سمك يسمى الشطرون يفعل في الجماع ما يفعل السقنقور الذي يوجد في نيل مصر
519

ويذكر أن هذا السمك ليس له شوك كثير ولحمه مفصص ولا رائحة له مثل رائحة السمك والمدينة التي يسكنها ملك خرخيز هي مدينة حصينة لها سور منيع وخندق وفصيل كبير
وبقربها جزيرة الياقوت ولها طريق يتصل بالبر غير أن هذه الجزيرة يحيط بها جبل مستدير صعب الصعود إلى أعلاه لا يقدر على الوصول إلى رأسه إلا بعد جهد ومشقة ولا يقدر أحد على النزول إلى أرض الجزيرة بوجه
ويحكى أن بها حيات قتالة وبأرضها حصى الياقوت كثير وأهل تلك الناحية يتصيدون هذه اليواقيت على أصناف حيل يعرفون صنعها وبين هذه المدينة والبحر المحيط بهذه الجزيرة نحو من ثلاث مراحل ومدن الخرخيزية كلها مجتمعة في موضع واحد من الأرض في نحو من ثلاث مراحل وهي أربع مدن كبار لها أسوار وحصون منيعة
وأهلها أهل عدة وقوة وحمية وأكثر ما يتحذرون من ملك الكمياكية لأنه جابر مطالب محارب لمن جاوره وبلاد الخرخيز أيضا تنتج فيها الخيل والغنم والبقر وخيلهم قصار الرقاب سمان وهم يعلفونها للذبح والأكل وأكثر تصرفهم وانتقالهم على البقر
ونساء الخرخيز يتصرفن في جميع الأشغال كتصرف الرجال وليس للرجال تصرف في أكثر من الحرث والحصاد لا غير والنساء بها يحجمن أطراف ثديهن لئلا تعظم وفيهن حصافة وشدة وجراءة مثل الرجال وهم يحرقون موتاهم ويلقون رمادهم في نهر منخاز ومن بعد منهم عن النهر يحرق ميته ثم يذريه على الأرض مع الريح حتى يذهب
520

وأما بلاد التغزغز فمنها مدينة خزخراكث وبينها وبين مدينة خاقان ملكهم يوم خفيف وهي مدينة كثيرة الخيرات وفيها صنائع ويجلب إليها حديد كثير يتجهز به سائر الآفاق من بلاد الترك ومن خزخراكث إلى مدينة نضخو اربع مراحل ومدينة نضخو على بحيرة كبيرة وتسمى بحيرة كوارث
وهذه البحيرة ماؤها حلو وبها طير كثير يبيض ويفرخ على الماء وهو شبيه بالطائر المسمى بالهدهد مبرقش بضروب الألوان وإلى هذه البحيرة ينتجع كثير من الترك لكثرة ربيعها وعشبها
ومن مدينة نضخو إلى مدينة خاقان أربع مراحل خفاف في عمارة متصلة وقوم ظواعن رحالة ينتقلون من موضع إلى موضع ومنها إلى نشران وهي مدينة كبيرة في جهة الشمال ست مراحل وهي مدينة حسنة للتغزغز على نهر كبير خصيب الضفتين ومواشي أهل هذه المدينة تسرح في ناحيتيه وجانبيه وبها تجارات وصناعات ويوجد في هذا النهر أحجار اللازورد ويجمع بها منه جمل كثيرة فيحمل إلى خراسان والعراق وسائر بلاد الشامات وإلى هنا انتهى بنا القول في الإقليم الثالث بتمام هذا الجزء العاشر والحمد لله أولا وأخيرا
[نجز الجزء] العاشر من الإقليم الثالث والحمد لله [ويتلوه الجزء] الأول من الإقليم الرابع إن شاء الله
521